منار السبيل في شرح الدليل

ابن ضويان

المجلد الأول

المجلد الأول مقدمة ... مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، الذي شرح صدر من شاء من عباده للفقه في الدين، ووفق لاتباع آثار السلف الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا معين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الأمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فهذا شرح على كتاب: "دليل الطالب لنيل المطالب" الذي ألفه الشيخ مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته، وأباحه بحبوحة جنته، ذكرت فيه ما حضرني من الدليل والتعليل، ليكون وافياً بالغرض من غير تطويل، وزدت في بعض الأبواب مسائل يحتاح إليها النبيل، وربما ذكرت رواية ثانية أو وجهاً ثانياً لقوة الدليل، نقلته من كتاب الكافي لموفق الدين عبد الله بن اًحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الدمشقي.

من شرح المقنع الكبير لشمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر بن قدامة وغالب نقلي من مختصره، ومن فروع ابن مفلح وقواعد ابن رجب وغيرها من الكتب. وقد أفرغت في جمعه طاقتي وجهدي، وبذلت فيه فكري وقصدي، ولم يكن في ظني أن اًتعرض لذلك، لعلمي بالعجز عن الخوض في تلك المسالك، فما كان فيه من صواب فمن الله، أو خطأ فمني، وأسأله سبحانه العفو عني، ولما تكففته من أبواب العلماء وتطفلت به على موائد الفقهاء تمثلت بقول بعض الفضلاء: أسير خلف ركاب النجب ذا عرج ... مؤملاً كشف ما لا قيت من عوج فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا ... فكم لرب الورى في ذاك من فرج وإن بقيت بظهر الأرض منقطعاً ... فما على عرج في ذاك من حرج وإنما علقته لنفسي، ولمن فهمه قاصر كفهمي، عسى أن يكون تذكرة في الحياة، وذخيرة بعد الممات، وسميته "منار السبيل في شرح الدليل" أسأل الله العظيم أن يجعله لوجهه خالصاً، وإليه مقرباً، وأن يغفر لي ويرحمني والمسلمين، إنه غفور رحيم.

مقدمة صاحب المتن مع شرحها بسم الله الرحمن الرحيم "الحمد لله رب العالمين" ابتدأ كتابه بالبسملة ثم بالحمدلة اقتداء بكتاب الله عز وجل، وعملاً بحديث "كل أمر ذي بال، لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر"، أي ذاهب البركة، رواه الخطيب والحافظ عبد القادر الرهاوي، وبحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع" وفي رواية: "بحمد الله". وفي رواية: "بالحمد". وفي رواية "فهو أجذم". رواها الحافظ الرهاوى في الأربعين له. "وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مالك يوم الدين" قال ابن عباس ومقاتل: قاضي يوم الحساب، وقال قتادة: الدين الجزاء. وإنما خص يوم الدين بالذكر مع كونه مالكاً للأيام كلها، لأن الأملاك يومئذ زائلة فلا ملك ولا أمر الا له. "وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبين لأحكام شرائع الدين" بأقواله وأفعاله وتقريراته، والدين هنا الإسلام، قال تعالى {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3] وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عمر: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم". "الفائز بمنتهى الإرادات من ربه" كالحوض المورود، والمقام المحمود،

وغير ذلك من خصائصه. قال تعالى: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى1} ، والفوز والنجاة والظفر بالخير، قاله في القاموس. "فمن تمسك بشريعته" بفعل المأمورات، واجتناب المنهيات. "فهو من الفائزين" في الدنيا والآخرة. "صلى الله وسلم عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين" حكى البخاري في صحيحه عن أبي العالية الصلاة من الله تعالى ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى وقيل الرحمة، وقيل رحمة مقرونة بتعظيم. وتستحب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً2} ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا علي من الصلاة" وتتأكد في ليلة الجمعة ويومها، وعند ذكره، وقيل تجب لقوله صلى الله عليه وسلم: "البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي" وحديث: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي" وهي ركن في التشهد الأخير وخطبتي الجمعة كما يأتي - والنبي إنسان أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، فإن أمر بتبليغه فهو رسول. "وعلى آل كل وصحبه أجمعين" وآل النبي أتباعه على دينه الصحيح عندنا، وقيل أقاربه المؤمنون، والصحب اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي، وهو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات على ذلك. وجمع بين الآل والصحب رداً على الشيعة المبتدعة، حيث يوالون الآل دون الصحب.

_ 1 الضحى -5. 2 الأحزاب – 56.

"وبعد" يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر استحباباً، في الخطب والمكاتبات، لفعله عليه السلام. "فهذا مختصر" وهو ما قل لفظه وكثر معناه، قال علي رضي الله عنه: خير الكلام ما قل ودل ولم يطل فيمل. "في الفقه" وهو لغةً الفهم، واصطلاحاً معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بالاستدلال بالفعل أو بالقوة القريبة. "على المذهب الأحمد مذهب الإمام أحمد" بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه وأرضاه، ولد ببغداد في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة، ومات بها في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، وفضائله ومناقبه شهيرة. "بالغت في إيضاحه رجاء الغفران" من الله جل وعلا. "وبينت فيه الأحكام أحسن بيان" والأحكام خمسة: الوجوب، والحرمة، والندب، والكراهة، والإباحة. "لم أذكر فيه إلا ما جزم بصحته أهل التصحيح والعرفان وعليه الفتوى فيما بين أهل الترجيح والإتقان" من المتأخرين. "وسميته بدليل الطالب لنيل المطالب والله أسأل أن ينفع به من اشتغل به من المسلمين" "وأن يرحمني والمسلمين إنه أرحم الراحمين" آمين.

كتاب الطهارة

كتاب الطهارة مدخل مدخل ... كتاب الطهارة [وهي رفع الحدث] أي زوال الوصف القائم بالبدن، المانع من الصلاة ونحوها. [وزوال الخبث] أي النجاسة، أو زوال حكمها بالاستجمار أو التيمم [وأقسام الماء ثلاثة، أحدها طهور وهو الباقي على خلقته] التي خلق عليها سواء نبع من نبع من الأرض، أو نزل من السماء، على أي لون كان. [يرفع الحدث ويزيل الخبث] لقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم طهرني بالماء والثلج والبرد" متفق عليه، وقوله في البحر "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" رواه الخمسة، وصححه الترمذي. وهو أربعة أنواع: 1 -[ماء يحرم استعماله ولا يرفع الحدث ويزيل الخبث وهو ما ليس مباحاً] كمغصوب ونحوه، لقوله صلى الله عليه وسلم، في خطبته يوم النحر بمنى "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" رواه مسلم من حديث جابر. 2-[وماء يرفع حدث الأنثى لا الرجل البالغ والخنثى، وهو ما خلت به المرأة المكلفة لطهارة كاملة عن حدث] لحديث الحكم بن عمرو الغفاري

رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة" رواه الخمسة. وقال أحمد: جماعة كرهوه. وخصصناه بالخلوة، لقول عبد الله بن سرجس: توضأ أنت ها هنا وهي ها هنا، فأما إذا خلت به، فلا تقربنه. 3 -[وماء يكره استعماله مع عدم الاحتياج إليه وهو ماء بئر بمقبرة] قال في الفروع في الأطعمة: وكره أحمد ماء بئر بين القبور، وشوكها وبقلها. قال ابن عقيل: كما سمد بنجس والجلالة، انتهى. [وماء اشتد حره أو برده] لأنه يؤذي ويمنع كمال الطهارة. [أو سخن بنجاسة أو بمغصوب] لأنه لا يسلم غالباً من صعود أجزاء لطيفة إليه، وفي الحديث "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" رواه النسائي والترمذي وصححه. [أو استعمل في طهارة لم تجب] لتجديد وغسل جمعة. [أو في غسل كافر] خروجاً من خلاف من قال: يسلبه الطهورية. [أو تغير بملح مائي] كالملح البحري لأنه منعقد من الماء. [أو بما لا يمازجه، كتغيره بالعود القماري، وقطع الكافور والدهن] على اختلاف أنواعه لأنه تغير عن مجاوره لأنه لا يمازج الماء وكراهته خروجاً من الخلاف، قال في الشرح: وفي معناه ما تغير بالقطران والزفت والشمع لأن فيه دهنية يتغير بها الماء. [ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبث] تعظيماً له ولا يكره الوضوء والغسل منه، لحديث أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ" رواه أحمد عن علي،

وعنه يكره الغسل لقول العباس "لا أحلها لمغتسل". وخص الشيخ تقي الدين الكراهة بغسل الجنابة. [وماء لا يكره إستعماله كماء البحر] لما تقدم. [والآبار والعيون والأنهار] لحديث أبي سعيد قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة - وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن - فقال صلى الله عليه وسلم: "الماء طهور لا ينجسه شئ". رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وحديث "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شئ؟..". [والحمام] لأن الصحابة دخلوا الحمام ورخصوا فيه، ومن نقل عنه الكراهة علل بخوف مشاهدة العورة أو قصد التنعم به، ذكره في المبدع. وروى الدارقطني بإسناد صحيح عن عمر أنه كان يسخن له ماء في قمقم فيغتسل به. وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان يغتسل بالحميم. [ولا يكره المسخن بالشمس] وقال الشافعي: تكره الطهارة بما قصد تشميسه لحديث "لا تفعلي فإنه يورث البرص" رواه الدارقطني وقال: يرويه خالد بن إسماعيل، وهو متروك، وعمرو الأعسم، وهو منكر الحديث، ولأنه لو كره لأجل الضرر لما اختلف بقصد تشميسه وعدمه. [والمتغير بطول المكث] وهو الآجن قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن الوضوء بالماء الآجن جائز سوى ابن سيرين. وكذلك ما تغير في آنية الأدم والنحاس، لأن الصحابة كانوا يسافرون

وغالب أسقيتهم الأدم وهي تغير أوصاف الماء عادة، ولم يكونوا يتيممون معها، قاله في الشرح. [أو بالريح من نحو ميتة] قال في الشرح: لا نعلم في ذلك خلافاً. [أو بما يشق صون الماء عنه كطحلب، وورق شجر ما لم يوضعا] وكذلك ما تغير بممره على كبريت وقار وغيرهما، وورق شجر على السواقي والبرك، وما تلقيه الريح والسيول في الماء، من الحشيش والتبن ونحوهما، لأنه لا يمكن صون الماء عنه، قاله في الكافي. [الثاني طاهر يجوز استعماله في غير رفع الحدث وزوال الخبث، وهو ما تغير كثير من لونه أو طعمه أو ريحه، بشئ طاهر] غير اسمه حتى صار صبغاً، أو خلاً، أو طبخ فيه فصار مرقاً، فيسلبه الطهورية، قال في الكافي: بغير خلاف لأنه أزال عنه اسم الماء فأشبه الخل. [فإن زال تغيره بنفسه: عاد إلى طهوريته، ومن الطاهر ما كان قليلاً واستعمل في رفع حدث] لأن النبي صلى الله عليه وسلم "صب عليه جابر من وضوئه" رواه البخاري. وفي حديث صلح الحديبية: "وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه" ويعفى عن يسيره. وهو ظاهر حال النبي، صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنهم يتوضؤن من الأقداح. [أو انغمست فيه كل يد المسلم المكلف، النائم ليلاً نوماً ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثاً بنية وتسمية وذلك واجب] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه، قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" رواه مسلم. ويفتقر

للنيًة لحديث عمر "إنما الأعمال بالنيات" وللتسمية قياساً على الوضوء قاله: أبو الخطاب. [الثالث نجس يحرم استعماله إلا للضرورة، ولا يرفع الحدث، ولا يزيل الخبث، وهو ما وقعت فيه نجاسة وهو قليل] لحديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض، وما ينو به من السباع والدواب فقال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث" رواه الخمسة وفي لفظ ابن ماجه وأحمد لم ينجسه شئ يدل على أن ما لم يبلغهما ينجس. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات" متفق عليه يدل على نجاسة من غير تغير، ولأن الماء اليسير يمكن حفظه في الأوعية، فلم يعف عنه. قاله في الكافي. وحمل حديث بئر بضاعة على الكثير جمعاً بين الكل. قاله في المنتقى. [أو كان كثيراً وتغير بها أحد أوصافه] قال في الكافي: بغيرخلاف. وقال في الشرح: حكاه ابن المنذر إجماعاً. [فإن زال تغيره بنفسه أو بإضافة طهور إليه أو بنزح منه ويبقى بعده كثير طهر] أي عاد إلى طهوريته. [والكثير قلتان [من قلال هجر] 1 تقريباً، واليسير ما دونهما] وإنما خصت القلتان بقلال هجر، لوروده في بعض ألفاظ الحديث، ولأنها كانت مشهورة الصفة، معلومة المقدار. قال ابن جريج: رأيت قلال هجر، فرأيت القلة تسع قربتين وشيئاً، والاحتياط أن يجعل الشئ نصفاً، فكانت

_ 1 ما بين القوسين أدخل تصحيحا على متن الشارح وليس في الأصول المخطوطة.

القلتان خمس قرب تقريباً، والقربة مائة رطل بالعراقي، والرطل العراقي تسعون مثقالاً. [وهما خمسمائة رطل بالعراقي، وثمانون رطلاً وسبعان ونصف سبع بالقدسي، ومساحتهما] [أي القلتان] [ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً. فإذا كان الماء الطهور كثيراً ولم يتغير بالنجاسة فهو طهور، ولو مع بقائها فيه] . لحديث بئر بضاعة السابق، رواه أحمد وغيره. [وإن شك في كثرته فهو نجس] [وإن اشتبه ما تجوز به الطهارة، بما لا تجوز به الطهارة لم يتحر ويتيمم بلا إراقة] لأنه اشتبه المباح بالمحظور، فيما لا تبيحه الضرورة، فلم يجز التحري، كما لو كان النجس بولاً أو كثر عدد النجس، أو اشتبهت أخته بأجنبيات، قاله في الكافي. [ويلزم من علم بنجاسة شئ إعلام من أراد أن يستعمله] لحديث "الدين النصيحة".

باب الانية

باب الانية مدخل ... باب الآنية [يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله ولو ثميناً] في قول عامة أهل العلم، قاله في الشرح لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من جفنة وتوضأ من تور من صفر وتور من حجارة، ومن قربةً وإداوة. [إلا آنية الذهب والفضة والمموه بهما] لما روى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة" وقال "الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" متفق عليهما. وما حرم استعماله حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال كالطنبور، ويستوي في ذلك الرجال والنساء، لعموم الخبر. [وتصح الطهارة بهما وبالإناء المغصوب] هذا قول الخرقي. لأن الوضوء جريان الماء على العضو، فليس بمعصية. إنما المعصية استعمال الإناء. [ويباح إناء ضبب بضبة يسيرة من الفضة لغير زينة] لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. رواه البخاري. [وآنية الكفار وثيابهم طاهرة] لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة رواه أحمد وتوضأ من مزادة

مشركة وتوضأ عمر رضي الله عنه من جرة نصرانية. ومن يستحل الميتات والنجاسات منهم فما استعملوه من آنيتهم فهو نجس لما روى أبو ثعلبة الخشني قال: قلت يارسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم قال: "لا تاكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها" متفق عليه. وما نسجوه، أو صبغوه، أو علا من ثيابهم، فهو طاهر، وما لاقى عوراتهم، فقال أحمد: أحب إلي أن يعيد إذا صلى فيها. [ولا ينجس شئ بالشك ما لم تعلم نجاسته] لأن الأصل الطهارة. [وعظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبها وجلدها نجس. ولا يطهر بالدباغ] في ظاهر المذهب لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 والجلد جزء منها. وروى أحمد عن يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال: قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض جهينة وأنا غلام شاب أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب قال أحمد: ما أصلح إسناده. [والشعر والصوف والريش طاهر] لقوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا} 2 والريش مقيس عليه، ونقل الميموني عن أحمد: صوف الميتة لا أعلم أحداً كرهه. [إذا كان من ميتة طاهرة في الحياة ولو غير مأكولة كالهر والفأر. ويسن تغطية الآنية وإيكاء الأسقية] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم

_ "1" المائدة – 3. "2" النحل – 80.

قال: "أوك سقاءك، واذكر اسم الله وخمر إناءك، واذكر اسم الله، ولو أن تعرض عليه عوداً" متفق عليه.

باب الاستنجاء وآداب التخلي

باب الاستنجاء وآداب التخلي مدخل ... باب الاستنجاء وآداب التخلي [الاستنجاء هو ازالة ما خرج من السبيلين بماء طهور أو حجر طاهر مباح منق] قال في الشرح: والاستجمار بالخشب والخرق وما في معناهما مما ينقي جائز في قول الأكثر، وفي حديث سلمان عند مسلم: نهانا أن نستنجي برجيع أو عظم وتخصيصها بالنهي يدل على أنه أراد الحجارة وما قام مقامها. [فالإنقاء بالحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء] بأن تزول النجاسة وبلتها، فيخرح آخرها نقياً لا أثر به. [ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات تعم كل مسحة المحل] لقول سلمان نهانا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نستنجي باليمين، وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستنجي برجيع أو عظم رواه مسلم. [والإنقاء بالماء عود خشونة المحل كما كان، وظنه كاف] دفعاً للحرج. [ويسن الاستنجاء بالحجر ونحوه، ثم بالماء] لقول عائشة رضي الله عنها مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة بالماء من أثر الغائط والبول، فإني أستحييهم، وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله صححه الترمذي.

[فإن عكس كره] نص عليه لأن الحجر بعد الماء يقذر المحل. [ويجزئ أحدهما] أي الحجر أو الماء لحديث أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوةً من ماء وعنزةً فيستنجي بالماء متفق عليه. وحديث عائشة مرفوعاً "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه" رواه أحمد وأبو داود. [والماء أفضل] لأنه أبلغ في التنظيف ويطهر المحل. وروى أبو داود من حديث أبي هريرة مرفوعاً "نزلت هذه الآية في أهل قباء {فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} 1 قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية". [ويكره استقبال القبلة، واستدبارها في الاستنجاء] تعظيماً لها. [ويحرم بروث وعظم] لحديث سلمان المتقدم. [وطعام ولو لبهيمة] لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن" رواه مسلم. علل النهي بكونه زاداً للجن، فزادنا وزاد دوابنا أولى لأنه أعظم حرمة. [فإن فعل لم يجزه بعد ذلك إلا الماء] لأن الاستجمار رخصة، فلا تستباح بالمحرم، كسائر الرخص. قاله في الكافي. [كما لو تعدى الخارج موضع العادة] فلا يجزئ إلا الماء لأن

_ 1 التوبة – 107.

الاستجمار في المعتاد رخصة للمشقة في غسله لتكرار النجاسة فيه، بخلاف غيره. [ويجب الاستنجاء لكل خارج] وهو قول أكثر أهل العلم، قاله في الشرح، لقوله صلى الله عليه وسلم في المذي: "يغسل ذكره ويتوضأ" وقال: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه". [إلا الطاهر] كالمني، وكالريح، لأنها ليست نجسة، ولا تصحبها نجاسة، قاله في الشرح والكافي لحديث: "من استنجى من الريح فليس منا". رواه الطبراني في المعجم الصغير. قال أحمد: ليس في الريح استنجاء في كتاب الله ولا في سنة رسوله. [والنجس الذي لم يلوث المحل] لأن الاستنجاء إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة هنا.

فصل: مايسن لداخل الخلاء

فصل مايسن لداخل الخلاء [يسن لداخل الخلاء تقديم اليسرى] لأنها لما خبث. [وقول بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث] لحديث علي مرفوعاً "ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الخلاء أن يقول: بسم الله " رواه ابن ماجه. وعن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: "اللهمً إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" رواه الجماعة. [وإذا خرج قدم اليمنى] لأنها تقدم إلى الأماكن الطيبة. [وقال غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني] لحديث عائشة كان صلى الله عليه وسلم إذا خرح من الخلاء قال: "غفرانك".

حسنه الترمذي. وعن أنس: كان صلى الله عليه وسلم إذا خرح من الخلاء يقول: "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" رواه ابن ماجه. [ويكره في حال التخلي استقبال الشمس والقمر] تكريماً لهما. [ومهب الريح] لئلا ترد البول عليه. [والكلام] نص عليه لقول ابن عمر مر رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، وهو يبول، فلم يرد عليه رواه مسلم. [والكلام والبول في إناء] بلا حاجة نص عليه. فإن كانت لم يكره لحديث أميمة بنت رقية. رواه أبو داود. [وشق] لأنها مساكن الجن، لحديث قتادة عن عبد الله بن سرجس نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الجحر قالوا لقتادة: ما يكره من البول في الجحر قال يقال إنها مساكن الجن رواه أحمد، وأبو داود. وروي أن سعد بن عبادة بال في جحر بالشام، ثم استلقى ميتاً. [ونار] لأنه يورث السقم، وذكر في الرعاية: ورماد. [ولا يكره البول قائماً] لقول حذيفة انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سباطة قوم فبال قائماً رواه الجماعة. وروى الخطابي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً من جرح كان بمأبضه. قال الترمذي: وقد رخص قوم من أهل العلم في البول قائماً، وحملوا النهي على التأديب، لا على التحريم. قال ابن مسعود: "إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم". [ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء بلا حائل] لقول

أبي أيوب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا". قال أبو أيوب: فقدمنا الشام، فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها، ونستغفر الله متفق عليه. [ويكفي إرخاء ذيله] لقول مروان الأصغر أناخ ابن عمر بعيره مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليه فقلت أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء، أما إذا كان بينك وبين القبلة شئ يسترك فلا بأس رواه أبو داود. [وأن يبول، أو يتغوط، بطريق مسلوك، وظل نافع] أو مورد ماء، لما روى معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق، والظل" رواه أبو داود. [وتحت شجرة عليها ثمر يقصد] لما تقدم. ولئلا ينجس ما سقط منها. [وبين قبور المسلمين] لحديث عقبة بن عامر مرفوعاً - وفيه - "ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق" رواه ابن ماجه. [وأن يلبث فوق قدر حاجته] قال في الكافي: وتكره الإطالة أكثر من الحاجة لأنه يقال: إن ذلك يدمي الكبد ويتولد منه الباسور، وهو كشف للعورة بلا حاجة، وروى الترمذي عن ابن عمر مرفوعاً "إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم، إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم".

باب السواك

باب السواك مدخل ... باب السواك [يسن بعود رطب لا يتفتت] ولا يجرح الفم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك بعود أراك قاله في الكافي. [وهو مسنون مطلقاً] لقوله صلى الله عليه وسلم: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" رواه أحمد قال في الشرح ولا نعلم في استحبابه خلافاً، ولا نعلم أحداً قال بوجوبه إلا إسحاق وداود. [إلا بعد الزوال للصائم فيكره] لحديث علي مرفوعاً: "إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي" أخرجه البيهقي. ولأنه يزيل خلوف فم الصائم، وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، لأنه أثر عبادة مستطاب فلم تستحب إزالته كدم الشهداء. [ويسن له قبله بعود يابس ويباح برطب] لقول عامر بن ربيعة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم حسنه الترمذي. [ولم يصب السنة من استاك بغير عود] وقيل بلى بقدر ما يحصل من الإنقاء. قال في الشرح: وهو الصحيح لحديث أنس مرفوعاً: "يجزئ من السواك الأصابع" رواه البيهقي، قال محمد بن عبد الواحد الحافظ: هذا إسناد لا أرى به بأساً. [ويتأكد عند وضوء وصلاة] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن

أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" متفق عليه، وفي رواية لأحمد "لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" وللبخاري تعليقاً "عند كل وضوء". [وانتباه من نوم وعند تغير رائحة فم] لأن السواك شرع لإزالة الرائحة وقراءة تطييباً للفم لئلا يتأذى الملك عند تلقي القراءة منه، وعن حذيفة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك متفق عليه. [وكذا عند دخول مسجد ومنزل] لما روى شريح بن هانئ قال: سألت عائشة بأي شئ كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت بالسواك رواه مسلم. والمسجد أولى من البيت. [وإطالة سكوت وصفرة أسنان] لأن ذلك مظنة تغير الفم. [ولا بأس أن يتسوك بالعود الواحد اثنان فصاعداً] لأن عائشة رضي الله عنها لينت السواك للنبي صلى الله عليه وسلم فاستاك به.

فصل: في سنن الفطرة

فصل في سنن الفطرة [يسن حلق العانة ونتف الإبط وتقليم الاظافر] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الابط" متفق عليه. [والنظر في المرآة] وقول "اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي" رواه البيهقي عن عائًشة، ورواه ابن مردويه وزاد "وحرم وجهي على النار". [والتطيب بالطيب] لحديث أبي أيوب مرفوعاً "أربع من سنن المرسلين، الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح" رواه أحمد.

[والاكتحال كل ليلة في كل عين ثلاثاً] لحديث ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل بالإثمد كل ليلة قبل أن ينام، وكان يكتحل في كل عين ثلاثة أميال رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. [وحف الشارب وإعفاء اللحية] لحديث ابن عمر مرفوعاً "خالفوا المشركين أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى" متفق عليه. [وحرم حلقها] ذكره الشيخ تقي الدين، قاله في الفروع. [ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة منها] لأن ابن عمر كان يفعله إذا حج أواعتمر، رواه البخاري. [والختان واجب على الذكر والأنثى] لأنه من ملة إبراهيم عليه السلام، وفي الحديث "اختتن إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة" متفق عليه وقد قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} 1 وقال صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم: "ألق عنك شعر الكفر واختتن" رواه أبو داود. وفي قوله صلى الله عليه وسلم "إذا التقى الختانان وجب الغسل" دليل على أن النساء كن يختتن. وقال أحمد: كان ابن عباس يشدد في أمره حتى قد روي عنه أنه لا حج له ولا صلاة. [عند البلوغ وقبله أفضل] لأنه أقرب إلى البرء، ولأنه قبل ذلك ليس مكلفاً. ونقل في الفروع عن الشيخ تقي الدين أنه قال: يجب إذا وجبت الطهارة والصلاة.

_ "1" النحل/ 122.

باب الوضوء

باب الوضوء مدخل ... باب الوضوء [تجب فيه التسمية] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. [وتسقط سهوا] نص عليه لحديث "عفي لأمتى عن الخطأ والنسيان". [وإن ذكرها في أثنائه ابتداء] صححه في الانصاف وقيل: يأتي بها حيث ذكرها ويبني على وضوئه، قطع به في الإقناع، وحكاه في حاشية التنقيح عن أكثر الأصحاب. [وفروضه ستة: غسل الوجه] لقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} 1 [ومنه المضمضة والاستنشاق] لحديث عثمان رضي الله عنه في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم وفيه: فمضمض واستنثر متفق عليه. [وغسل اليدين مع المرفقين] لقوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} 1 [ومسح الرأس كله] لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 1 [ومنه الأذنان] لقوله صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس". رواه ابن ماجه. [وغسل الرجلين مع الكعبين] لقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} 1

_ 1 المائدة/ 5.

[والترتيب] لأن الله تعالى ذكره مرتباً. وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتباً وقال "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" أي بمثله. [والموالاة] لحديث خالد بن معدان أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدميه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء رواه أحمد وأبو داود وزاد والصلاة ولو لم تجب الموالاة لأمره بغسل اللمعة فقط. [وشروطه ثمانية: انقطاع ما يوجبه] قبل ابتدائه ليصح. [والنية] لحديث "إنما الأعمال بالنيات". [والإسلام والعقل والتمييز] وهذه شروط في كل عبادة إلا التمييز في الحج. [والماء الطهور المباح] لما تقدم في المياه فلا يصح بنحو مغصوب لحديث "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". [وإزالة ما يمنع وصوله] إلى البشرة ليحصل الإسباغ المأمور به. [والاستجمار] وتقدم.

فصل: في النية

فصل في النية [فالنية هنا قصد رفع الحدث أو قصد ما تجب له الطهارة كصلاة وطواف ومس مصحف أو قصد ما تسن له كقراءة وذكر وأذان ونوم ورفع شك وغضب وكلام محرم وجلوس بمسجد وتدريس علم وأكل فمتى نوى شيئاً من ذلك ارتفع حدثه ولا يضر سبق لسانه بغير مانوى] لأن محل النية القلب. [ولا شكه فى النية. أو في فرض بعد فراغ كل عبادة وإن شك فيها

في الأثناء استأنف] ليأتي بالعبادة بيقين ما لم يكثر الشك فيصير كالوسواس فيطرحه.

فصل: في صفة الوضوء

فصل في صفة الوضوء [في صفة الوضوء وهى أن ينوي ثم يسمي] لما تقدم. [يغسل كفيه ثم يتمضمض ويستنشق ثم يغسل وجهه من منابت شعر الرأس المعتاد] إلى الذقن. لما روى عن عثمان رضي الله عنه أنه دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا الحديث متفق عليه. [ولا يجزئ غسل ظاهر شعر اللحية] وكذا الشارب والعنفقة والحاجبان ونحوها إذا كانت تصف البشرة فيغسلها وما تحتها. [إلا أن لا يصف البشرة] فيجزئ غسل ظاهره. [ثم يغسل يديه مع مرفقيه] لحديث عثمان المتقدم. [ولا يضر وسخ يسير تحت ظفر ونحوه] لأنه يسير عادة فلو كان واجباً لبينه صلى الله عليه وسلم، قال في الإنصاف: وهو الصحيح، واختاره الشيخ تقي الدين، وألحق به كل يسير منع حيث كان من البدن كدم وعجين ونحوهما. [ثم يمسح جميع ظاهر رأسه من حد الوجه إلى ما يسمى قفاً والبياض فوق الأذنين منه] لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 1 والباء

_ 1 المائدة/ 7.

للإلصاق فكأنه قال وامسحوا رؤوسكم، ولأن الذين وصفوا وضوءه صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه مسح برأسه كله، ولا يجب مسح ما استرسل من شعره، قال في الكافي والشرح: وظاهر قول أحمد أن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها، لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها. [ويدخل سبابتيه في صماخي1 أذنيه ويمسح بإبهاميه ظاهرهما] لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما صححه الترمذي وللنسائي باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه. [ثم يغسل رجليه مع كعبيه وهما العظمان الناتئان] في أسفل الساق لحديث عثمان.

_ 1 لم تكن الجملة واضحة في الأصل، وفي بعض نسخ المتن صماخ بالافراد.

فصل: في سننه

فصل في سننه [وسننه ثمانية عشر: استقبال القبلة] قال في الفروع: وهو متجه في كل طاعة إلا لدليل. [والسواك] لما تقدم. [وغسل الكفين ثلاثاً] لحديث عثمان. [والبداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة والاستنشاق] لحديث عثمان المتقدم. [والمبالغة فيهما لغير الصائم] لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: "اسبغ الوضوء وخلل بين الاصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" رواه الخمسة، وصححه الترمذي.

_ 1 لم تكن الجملة واضحة في الأصل، وفي بعض نسخ المتن صماخ بالافراد.

[والمبالغة في سائر الأعضاء مطلقاً] لقوله أسبغ الوضوء قال ابن عمر الإسباغ الإنقاء. [والزيادة في ماء الوجه] لأن فيه غضوناً وشعوراً، ولقول علي لابن عباس ألا أتوضأ لك وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلى. فداك أبي وأمي. قال: فوضع إناء، فغسل يديه، ثم مضمض واستنشق واستنثر، ثم أخذ بيديه فصك بهما وجهه، وألقم ابهاميه ما أقبل من أذنيه. قال: ثم عاد في مثل ذلك ثلاثاً، ثم أخذ كفاً من ماء بيده اليمنى فأفرغها على ناصيته، ثم أرسلها تسيل على وجهه، وذكر بقية الوضوء رواه أحمد وأبو داود. [وتخليل اللحية الكثيفة] لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال هكذا أمرني ربي عز وجل رواه أبو داود. [وتخليل الأصابع] لحديث لقيط المتقدم. [وأخذ ماء جديد للأذنين] كالعضو المنفرد، وإنما هما من الرأس على وجه التبع. [وتقديم اليمنى على اليسرى] لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفى شأنه كله متفق عليه. [ومجاوزة محل الفرض] لأن أبا هريرة توضأ فغسل يده حتى أشرع في العضد، ورجله حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ وقال: قال رسول الله صلى

الله عليه وسلم: "أنتم الغر المحجلون يوم القيامة، من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله" متفق عليه. [والغسلة الثانية والثالثة] لأن النبي صلى لله عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال: "هذا وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاةً. ثم توضأ مرتين، ثم قال: هذا وضوئي، ووضوء المرسلين قبلي" أخرجه ابن ماجه. [واستصحاب ذكر النية إلى آخر الوضوء] لتكون أفعاله مقرونةً بالنية. [والإتيان بها عند غسل الكفين] لأنه أول مسنونات الطهارة. [والنطق بها سرا] كذا قال تبعاً للمنقح وغيره، ورده عليه الحجاوي بأنه لم يرد فيه حديث، فكيف يدعى سنيته؟ ! بل هو بدعة، وكذا قال الشيخ تقي الدين في الفتاوى المصرية: التلفظ بالنية بدعة. [وقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله مع رفع بصره إلى السماء: بعد فراغه] لحديث عمر مرفوعاً "ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكً له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" رواه أحمد ومسلم وأبو داود. ولأحمد وأبي داود في رواية "من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع نظره إلى السماء فقال:...." وساق الحديث. [وأن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاون] روي عن أحمد أنه قال: ما أحب أن يعينني على وضوئي أحد لأن عمر قال ذلك ولا بأس بها لحديث المغيرة أنه أفرغ على النبي صلى الله عليه وسلم في وضوئه رواه مسلم. وقول عائشة كنا نعد له طهوره وسواكه.

باب المسح على الخفين

باب المسح على الخفين مدخل ... باب المسح على الخفين قال ابن المبارك: ليس في المسح على الخفين اختلاف. وقال أحمد: ليس في قلبي من المسح على الخفين شئ. فيه أربعون حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هو أفضل من الغسل لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما طلبوا الأفضل. وعن جرير قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير بعد نزول المائدة: متفق عليه. [يجوز بشروط سبعة لبسهما بعد كمال الطهارة بالماء] لما روى المغيرة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه، فقال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما" متفق عليه. [وسترهما لمحل الفرض ولو بربطهما] فإن ظهر منه شئ لم يجز المسح، لأن حكم ما استتر المسح، وحكم ما ظهر الغسل، ولا سبيل إلى الجمع، فغلب الغسل. قاله في الكافي. [وإمكان المشي بهما عرفاً] لأنه الذي تدعو الحاجة إليه. [وثبوتهما بنفسهما] فإن لم يثبتا إلا بنعلين كالجوربين ونحوهما مسح عليهما وعلى سيور النعلين. لما روى المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين رواه أبو داود والترمذي. [وإباحتهما] فلا يجوز المسح على المغصوب ونحوه. ولا الحرير لرجل لأن لبسه معصية، فلا تستباح به الرخصة.

[وطهارة عينهما، وعدم وصفهما البشرة] فإن وصفها لم يجز المسح عليه، لأنه غير ساتر لمحل الفرض أشبه النعل. [فيمسح للمقيم، والعاصى بسفره]- لأن سفر المعصية لا تستباح به الرخص. [من الحدث بعد اللبس يوماً وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن] لا نعلم فيه خلافاً في المذهب. قاله في الشرح، لحديث علي. رواه مسلم. وعن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم رواه أحمد وقال: هذا أجود حديث في المسح على الخفين. لأنه في غزوة تبوك آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم. [فلو مسح في السفر ثم أقام، أو في الحضر ثم سافر، أو شك في ابتداء المسح، لم يزد على مسح المقيم] لأنه اليقين وما زاد لم يتحقق شرطه. [ويجب مسح أكثر أعلى الخف] فيضع يده على مقدمه، ثم يمسح إلى ساقه، لحديث المغيرة بن شعبة، رواه الخلال. [ولا يجزئ مسح أسفله، وعقبه، ولا يسن] لقول علي رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه رواه أبو داود. [ومتى حصل ما يوجب الغسل] بطل الوضوء لحديث صفوان بن عسال قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً أن

لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه. [أو ظهر بعض محل الفرض] بطل الوضوء ونزع أحد الخفين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم، قاله في الشرح. [أو انقضت المدة بطل الوضوء] لمفهوم أحاديث التوقيت.

فصل: في المسح على الجبيرة

فصل في المسح على الجبيرة [وصاحب الجبيرة إن وضعها على طهارة لم تتجاوز محل الحاجة] وهو الجرح أو الكسر وماحوله مما يحتاج إلى شده. [غسل الصحيح ومسح عليهما بالماء وأجزأ] لحديث صاحب الشجة "إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعضد أو يعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده" رواه أبو داود. [وإلا وجب مع الغسل أن يتيمم لها] إذا كان يتضرر بنزعها. [ولا مسح ما لم توضع على طهارة وتجاوز المحل فيغسل] الصحيح [ويمسح، ويتيمم] خروجاً من الخلاف. وعن أحمد لا يشترط تقدم الطهارة لها لحديث صاحب الشجة لأنه لم يذكر الطهارة، ويحتمل أن يشترط التيمم عند العجز عن الطهارة لأن فيه إنما يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليها ومثلها دواء ألصق على الجرح ونحوه فخاف من نزعه نص عليه، وقد روى الأثرم عن ابن عمر أنه خرج بإبهامه قرحة فألقمها مرارة فكان يتوضأ عليها وقال مالك في الظفر يسقط: يكسوه مصطكى ويمسح عليه. وتفارق الجبيرة الخف في ثلاثة أشياء: وجوب مسح جميعها، وكون مسحها لا يوقت، وجوازه في الطهارة الكبرى، قاله في الكافي.

باب نواقض الوضوء

باب نواقض الوضوء مدخل ... باب نواقض الوضوء [وهي ثمانية أحدها: الخارج من السبيلين قليلاً كان أو كثيراً طاهراً كان أو نجساً] لقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6] ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن من غائط وبول ونوم" رواه أحمد والنسائي، والترمذي وصححه. وقوله: "فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" وقوله في المذي: "يغسل ذكره ويتوضأ" متفق عليهما. وقوله للمستحاضة: "توضئي لكل صلاة" رواه أبو داود. [الثاني: خروج النجاسة من بقية البدن فإن كان بولاً أو غائطاً نقض مطلقاً] لدخوله في النصوص السابقة. [وإن كان غيرهما كالدم والقئ نقض إن فحش في نفس كل أحد بحسبه] لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: "إنه دم عرق فتوضئي لكل صلاة" رواه الترمذي. وروى معدان بن طلحة عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت له ذلك فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه رواه أحمد والترمذي وقال: هذا أصح شئ في هذا الباب. ولا ينقض اليسير لقول ابن عباس في الدم: إذا كان فاحشاً فعليه الإعادة قال أحمد: عدة من الصحابة تكلموا فيه ابن عمر عصر بثرة فخرج دم وصلى ولم يتوضأ وابن أبي أوفى عصر دملاً وذكر غيرهم ولم

يعرف لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعاً قال في الكافي: والقيح والصديد كالدم فيما ذكرنا، قال أحمد: هما أخف علي حكماً من الدم. [الثالث: زوال العقل أو تغطيته بإغماء أو نوم] لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن من غائط وبول ونوم" وقوله "العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ" رواه أبو داود. وأما الجنون والإغماء والسكر ونحوه فينقض إجماعاً. قاله في الشرح. [ما لم يكن النوم يسيراً عرفاً من جالس وقائم] لما روى أنس أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا ينتظرون العشاء فينامون ثم يصلون ولا يتوضؤون رواه مسلم بمعناه. وفي حديث ابن عباس فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني رواه مسلم. [الرابع مسه بيده - لا ظفره - فرج الآدمي المتصل بلا حائل أو حلقة دبره] لحديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فليتوضأ" قال أحمد: هو حديث صحيح. وفي حديث أبي أيوب وأم حبيبة "من مس فرجه فليتوضأ" قال أحمد: حديث أم حبيبة صحيح وهذا عام ونصه على نقض الوضوء بمس فرج نفسه ولم يهتك به حرمة، تنبيه على نقضه بمسه من غيره. [لا مس الخصيتين ولا مس محل الفرج البائن] لأن تخصيص الفرج به دليل على عدمه فيما سواه. [الخامس لمس بشرة الذكر لأنثى اًو الأنثى الذكر، لشهوة من غير حائل، ولو كان الملموس ميتاً أو عجوزاً أو محرماً] لقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 1، وقرئ {أولمستم} قال ابن مسعود: القبلة من اللمس

_ 1 النساء/ 42.

وفيها الوضوء رواه أبو داود، فإن لمسها من وراء حائل، لم ينقض في قول أكثر أهل العلم، وسئل أحمد عن المرأة إذا لمست زوجها قال: ما سمعت فيه شيئاً، ولكن هي شقيقة الرجال، أحب إلي أن تتوضأ، قاله في الشرح. [لا لمس من دون سبع] وقال في الكافي لا فرق بين الصغيرة والكبيرة وذوات المحارم وغيرهن لعموم الأدلة. [ولا لمس سن وظفر وشعر ولا اللمس بذلك] لأنه لا يقع عليه اسم امرأة. [ولا ينتقض وضوء الممسوس فرجه ولا الملموس بدنه، ولو وجد شهوة] لعدم تناول النص له. [السادس: غسل الميت أو بعضه] لأن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء قال أبو هريرة: أقل ما فيه الوضوء ولا نعلم لهم مخالفاً في الصحابة، وقيل لا ينقض. وهو قول أكثر العلماء، قال الموفق: وهو الصحيح، لأنه لم يرد فيه نص ولا هو في معنى المنصوص عليه وكلام أحمد يدل على أنه مستحب فإنه قال: أحب إلي أن يتوضأ. وعلل نفي الوجوب، بكون الخبر موقوفاً على أبي هريرة، قاله في الشرح. [والغاسل، هو من يقلب الميت ويباشره، لا من يصب الماء] ونحوه. [السابع: أكل لحم الإبل ولو نيئاً] لحديث جابر بن سمرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت توضأ، وإن شئت لا تتوضا". قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم توضأ من لحوم الإ بل" رواه مسلم. [فلا نقض ببقية أجزائها ككبد وقلب وطحال وكرش وشحم وكلية

ولسان ورأس وسنام وكوارع ومصران ومرق لحم، ولا يحنث بذلك من حلف لا يأكل لحماً] لأنه ليس بلحم، وعنه ينقض، لأن اللحم يعبر عن جملة الحيوان، كلحم الخنزير قاله فى الشرح. [الثامن: الردة] عن الإسلام لقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} 1 وقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 2 [وكل ما أوجب الغسل أوجب الوضوء غير الموت] .

_ 1 المائدة/ 5. 2 الزمر/ 65.

فصل: من تيقن الطهارة وشك في الحدث

فصل من تيقن الطهارة وشك في الحدث [ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة عمل بما تيقن] وبهذا قال عامة أهل العلم، قاله في الشرح لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً، فأشكل عليه هل خرج منه شئ أم لا، فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" رواه مسلم والترمذي. [ويحرم على المحدث الصلاة] لحديث ابن عمر مرفوعاً "لا يقبل الله صلاةً بغير طهور، ولا صدقة من غلول" رواه الجماعة إلا البخاري. [والطواف] فرضاً كان أو نفلاً لقوله صلى الله عليه وسلم "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام" رواه الشافعي. [ومس المصحف ببشرته بلا حائل] فإن كان بحائل لم يحرم، لأن المس إذاً للحائل والأصل في ذلك قوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} 3.

_ 3 الواقعة/ 79.

وفي حديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتاباً وفيه لا يمس القرآن إلا طاهر. رواه الأثرم والدارقطني متصلاً، واحتج به أحمد وهو لمالك في الموطأ مرسلاً. [ويزيد من عليه غسل بقراءة القرآن] لحديث علي رضي الله عنه، كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يحجبه وربما قال: لا يحجزه عن القرآن شئ ليس الجنابة1 رواه ابن خزيمة والحاكم والدارقطني وصححاه. [واللبث في المسجد بلا وضوء] لقوله تعالى: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] وهو الطريق، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" رواه أبو داود، فإن توضأ الجنب جاز له اللبث فيه، لما روى سعيد بن منصور والأثرم عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجلسون في المسجد وهم مجنبون، إذا توضؤوا وضوء الصلاة.

_ 1 قلت: لكن خالفهما الاكثرون فضعفوا هذا الحديث كما قال النووي: ذكر الخطابي أن الإمام أحمد كان يوهن حديث على هذا. على أن الحديث لو صح لم يكن دليلا على تحريم قراءة القرآن في حالة الجنب، لأنه ليس فيه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقرأ القرآن في حالة الجنابة، فقد يكون ترك القراءة في هذه الحالة لا لأنها محرمة بل يجوز لأنها مكروهة أو خلاف الأولى فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله في كل أحواله. ناصر الدين.

باب مايوجب الغسل

باب مايوجب الغسل مدخل ... باب ما يوجب الغسل [وهو سبعة، أحدها انتقال المني، فلو أحس بانتقاله فحبسه فلم يخرج وجب الغسل] لوجود الشهوة بانتقاله أشبه ما لو ظهر. [فلو اغتسل له ثم خرج بلا لذة لم يعد الغسل] لأنها جنابة واحدة فلا توجب غسلين. [الثاني خروجه من مخرجه ولو دماً ويشترط أن يكون بلذة] هذا قول عامة الفقهاء حكاه الترمذي، قال في الشرح: ولا نعلم فيه خلافاً لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي: "إذا فضخت الماء فاغتسل" رواه أبو داود، والفضخ خروجه على وجه الشدة. وقال: إبراهيم الحربي بالعجلة. [ما لم يكن نائماً ونحوه] فلا يشترط ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل: هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: "نعم إذا رأت الماء" رواه النسائي بمعناه. [الثالث تغييب الحشفة كلها أو قدرها] من مقطوعها. [بلا حائل في فرج] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان وجب الغسل" رواه مسلم فإذا غيب الحشفة تحاذى الختانان.

[ولو دبرا] لأنه فرج أصلي. [لميت أو بهيمة أو طير] لعموم الخبر. [لكن لا يجب الغسل إلا على ابن عشر وبنت تسع] ومعنى الوجوب في حق من لم يبلغ، أن الغسل شرط لصحة صلاته وطوافه وقراءته. [الرابع إسلام الكافر ولو مرتداً] لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر قيس بن عاصم أن يغتسل حين أسلم رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه. [الخامس خروج دم الحيض] [السادس خروج دم النفاس] قال في المغني: لا خلاف في وجوب الغسل بهما. [السابع الموت] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إغسلنها" وقال في المحرم: "اغسلوه بماء وسدر" وغيرهما. [تعبداً] لأنه لو كان عن حدث لم يرتفع مع بقاء سببه، ولو كان عن نجاسة لم يطهر مع بقاء سببه.

فصل: في شروط الغسل

فصل: في شروط الغسل ... فصل: شروط الغسل [وشروط الغسل سبعة:] [1- انقطاع ما يوجبه 2 - النية 3 - الإسلام 4- العقل 5- التمييز 6 -الماء الطهور المباح 7 - إزالة ما يمنع وصوله] [وواجبه التسمية وتسقط سهواً] وتقدم نحوه في الوضوء. [وفرضه أن يعم بالماء جميع بدنه وداخل فمه وأنفه] لحديث ميمونة وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضوء الجنابة فأفرغ على يديه، فغسلهما مرتين أو ثلاثاً، ثم تمضمض واستنشق وغسل

وجهه وذراعيه، ثم أفاض الماء على رأسه، ثم غسل جسده، فأتيته بالمنديل فلم يردها، وجعل ينفض الماء بيديه متفق عليه. [حتى ما يظهر من فرج المرأة عند القعود لحاجتها] لأنه في حكم الظاهر ولا مشقة في غسله. [وحتى باطن شعرها] لأنه جزء من البدن، وفي حديث عائشة: ثم يخلًل شعره بيده حتى إذا ظن أنه قد روى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده متفق عليه. وعن علي مرفوعاً "من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء، فعل الله به كذا وكذا من النار" قال علي فمن ثم عاديت شعري رواه أحمد وأبو داود. [ويجب نقضه في الحيض والنفاس] لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "انقضي شعرك واغتسلي" رواه ابن ماجه: بإسناد صحيح. وأكثر العلماء على الاستحباب، لأن في بعض ألفاظ حديث أم سلمة أفأنقضه للحيضة؟ قال "لا" رواه مسلم. وحديث عائشة ليس فيه حجة للوجوب، لأنه ليس في غسل الحيض إنما هو في حال الحيض للإحرام، ولو ثبت الأمر بنقضه لحمل على الاستحباب، جمعاً بين الحديثين، قاله في الشرح. [لا الجنابة] لقول أم سلمة: قلت: يارسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال "لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين" رواه مسلم. [ويكفي الظن فى الإسباغ] لقول عائشة "حتى إذا ظن أن أروى بشرته، أفاض عليه الماء" متفق عليه.

[وسننه: الوضوء قبله. وازالة ما لوثه من أذى. وإفراغه الماء على رأسه ثلاثاً، وعلى بقية جسده ثلاثاً، والتيامن، والموالاة، وإمرار اليد على الجسد، وإعادة غسل رجليه بمكان أخر] لحديث عائشة وميمونة في صفة غسله صلى الله عليه وسلم متفق عليهما، وفي حديث ميمونة "ثم تنحى فغسل قدميه" رواه البخاري. [ومن نوى غسلاً مسنوناً، أو واجباً، أجزأ أحدهما عن الآخر، وإن نوى رفع الحدثين أو الحدث وأطلق، أو أمراً لا يباح إلا بوضوء وغسل، أجزأ عنهما] قال ابن عبد البر: المغتسل إذا عمً بدنه، ولم يتوضأ فقد أدى ما عليه، لأن الله تعالى إنما افترض عليه الغسل، وهذا إجماع لا خلاف فيه، إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء قبله، تأسياً به، صلى الله عليه وسلم. [ويسن الوضوء بمد وهو رطل وثلث بالعراقي، وأوقيتان وأربعة أسباع بالقدسي والاغتسال بصاع وهو خمسة أرطال وثلث بالعراقي وعشر أواق وسبعان بالقدسي] لحديث أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد متفق عليه. [ويكره الإسراف] لما روى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال "ما هذا السرف"؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ قال "نعم، وإن كنت على نهر جار". [لا الإسباغ بدون ما ذكر] أي المد والصاع. وهذا مذهب أكثر أهل العلم. قاله في الشرح لأن عائشة كانت تغتسل هي والنبي صلى الله

عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك رواه مسلم. وروى أبو داود والنسائي عن أم عمارة بنت كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتي بماء في إناء قدر ثلثي المد. [ويباح الغسل] والوضوء. [في المسجد ما لم يؤذ به] أحداً، أو يؤذ المسجد. قال ابن المنذر: أباح ذلك من نحفظ عنه من علماء الأمصار، وروي عن أحمد أنه كرهه صيانة للمسجد عن البصاق، وما يخرج من فضلات الوضوء. ذكره في الشرح. [وفي الحمام إن أمن الوقوع في المحرم] نص عليه لما روي عن ابن عباس أنه دخل حماماً كان بالجحفة وعن أبي ذر نعم البيت الحمام يذهب الدرن، ويذكر بالنار. [فإن خيف كره] خشية المحظور. وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي وابن عمر رضي الله عنهما بئس البيت الحمام يبدي العورة، ويذهب الحياء. [وإن علم حرم] لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.

فصل: في الأغسال المستحبة

فصل في الأغسال المستحبة [في الأغسال المستحبة وهي ستة عشر: آكدها لصلاة جمعة في يومها لذكر حضرها] لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" وقال صلى الله عليه وسلم: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل" متفق عليهما. وليس بواجب حكاه ابن المنذر إجماعاً. [ثم لغسل ميت] لحديث أبي هريرة مرفوعاً "من غسل ميتاً

فليغتسل ومن حمله فليتوضأ" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه. وروي ذلك عن ابن عباس، والشافعي، وإسحاق، وابن المنذر، قاله في الشرح. [ثم لعيد في يومه] لحديث ابن عباس، والفاكه بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر والأضحى رواه ابن ماجه. [ولكسوف واستسقاء] قياساً على الجمعة والعيد، لأنهما يجتمع لهما. [وجنون وإغماء] لأنه صلى الله عليه وسلم اغتسل من الإغماء متفق عليه. ولا يجب، حكاه ابن المنذر إجماعاً، قاله في الشرح. [ولاستحاضة لكل صلاة] لقوله صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش لما استحيضت: "اغتسلي لكل صلاة" رواه أبو داود. [ولإحرام] بحج أو عمرة، لحديث زيد بن ثابت أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل رواه الترمذي وحسنه. [ولدخول مكة وحرمها] لأن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ويدخل نهاراً ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله. رواه مسلم. [ووقوف بعرفة] لما روى مالك عن نافع أن ابن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم. ولدخوله مكة. ولوقوفه عشية عرفة ولأنه يروى عن علي وابن مسعود.

[وطواف زيارة، وطواف وداع، ومبيت بمزدلفة، ورمي جمار] لأن هذه كلها أنساك يجتمع لها، فاستحب لها الغسل قياساً على الإحرام ودخول مكة. [ويتيمم للكل للحاجة1، ولما يسن له الوضوء إن تعذر] نقله صالح2 في الإحرام ولأن النبي صلى الله عليه وسلم تيمم لرد السلام.

_ 1 كانت في الأصل ويتيمم الكل الحاجة وما ذكرناه من الأصول المخطوطة. 2 هو أبو الفضل صالح ابن الإمام أحمد بن حنبل ولد سنة 203 وتوفي سنة 266.

باب التيمم

باب التيمم مدخل ... باب التيمم [ويصح بشروط ثمانية: 1-النية، 2 - والإسلام، 3 - والعقل، 4 - والتمييز، 5- والاستنجاء أو الاستجمار] لما تقدم. 6-[دخول وقت الصلاة. فلا يصح التيمم لصلاة قبل وقتها، ولا لنافلة وقت نهي] لحديث أبي أمامة مرفوعاً: "جعلت الأرض كلها لي ولأمتي مسجداً وطهوراً فأينما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فعنده مسجده، وعنده طهوره" رواه أحمد. [7- تعذر استعمال الماء إما لعدمه] لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} الآية1 وقوله صلي الله عليه وسلم: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير" صححه الترمذي. [أو لخوفه باستعماله الضرر] لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} الآية1. ولحديث صاحب الشجة. وعن عمرو بن العاص أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد

_ 1 النساء/ 43. ونص الآية: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً} .

فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح" الحديث. رواه أحمد وأبو داود، والدارقطني. [ويجب بذله لعطشان من آدمي أو بهيمة محترمين] لأن الله تعالى غفر لبغي بسقي كلب، فالآدمي أولى. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المسافر إذا كان معه ماء فخشي العطش أنه يبقي ماءه للشرب ويتيمم. [ومن وجد ماء لا يكفي لطهارته استعمله فيما يكفي وجوباً ثم تيمم] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم" رواه البخاري. [وإن وصل، المسافر إلى الماء، وقد ضاق الوقت أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروجه، عدل إلى التيمم] محافظة على الوقت، قاله الأوزاعي والثوري، وقيل لا يتيمم لأنه واجد للماء. وهذا قول أكثر أهل العلم. قال معناه في الشرح. [وغيره لا. ولو فاته الوقت، ومن في الوقت أراق الماء أو مر به وأمكنه الوضوء، ويعلم أنه لا يجد غيره حرم] لتفريطه. [ثم إن تيمم وصلى لم يعد] في أحد الوجهين، والثاني يعيد لأنه مفرط. قاله في الشرح. ومن خرج من المصر إلى أرض من أعماله، كالحطاب ممن لا يمكنه حمل الماء معه لوضوئه، ولا يمكنه الرجوع ليتوضأ إلا بتفويت حاجته، صلى بالتيمم ولا إعادة. قاله في الشرح. [وإن وجد محدث ببدنه وثوبه نجاسة ومعه ماء لا يكفي، وجب غسل ثوبه، ثم إن فضل شئ غسل بدنه. ثم إن فضل شئ تطهر وإلا تيمم]

نص أحمد على تقديم غسل النجاسة. قال في الشرح: ولا نعلم فيه خلافاً. [ويصح التيمم لكل حدث] لعموم الآية، وحديث عمار، وقوله في حديث عمران بن حصين: "عليك بالصعيد فإنه يكفيك". متفق عليه. [وللنجاسة على البدن بعد تخفيفها ما أمكن] لأنها طهارة على البدن مشترطة للصلاة، فناب فيها التيمم، كطهارة الحدث. قاله في الكافي. قال أحمد: هو بمنزلة الجنب. [فإن تيمم لها قبل تخفيفها لم يصح] كتيمم قبل استجمار. [8- أن يكون بتراب طهور مباح غير محترق، له غبار يعلق باليد] للآية. قال ابن عباس الصعيد تراب الحرث، والطيب الطاهر وقال تعالى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} 1 وما لا غبار له لا يمسح بشئ منه. وقال الأوزاعي: الرمل من الصعيد. وإن ضرب يده على لبد أو شعر، ونحوه. فعلق به غبار جاز، نص عليه لأنه صلى الله عليه وسلم ضرب بيده الحائط ومسح وجهه ويديه. [فإن لم يجد ذلك صلى الفرض فقط، على حسب حاله. ولا يزيد في صلاته على ما يجزئ. ولا إعادة] لأنه أتى بما أمر به. [وواجب التيمم التسمية، وتسقط سهواً] قياساً على الوضوء. [وفروضه خمسة: 1- مسح الوجه، 2- ومسح اليدين إلى الكوعين] للآية. واليد عند الإطلاق في الشرع تتناول اليد إلى الكوع، بدليل

_ 1 النساء/ 43.

قطع يد السارق. وفي حديث عمار:" إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه". متفق عليه. [3- الترتيب في الطهارة الصغرى. فيلزم من جرحه ببعض أعضاء وضوئه، إذا توضأ أن يتيمم له عند غسله، لو كان صحيحاً، 4 - الموالاة فيلزمه أن يعيد غسل الصحيح عند كل تيمم] قال في الإ نصاف: وقال الشيخ تقي الدين: لا يلزمه مراعاة الترتيب. وهو الصحيح من مذهب أحمد وغيره. وقال: الفصل بين أعضاء الوضوء بتيمم بدعة. فإذا خرج الوقت الذي تيمم فيه لبعض أعضاء وضوئه أعاد التيمم فقط. [5- تعيين النية لما تيمم له من حدث أو نجاسة، فلا تكفي نية أحدهما عن الآخر، وإن نواهما أجزأ] لحديث "إنما الأعمال بالنيات". [ومبطلاته خمسة: ما أبطل الوضوء. ووجود الماء] لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير له" رواه أحمد، والترمذي، وصححه. هذا إذا كان تيممه لعدم الماء. وإن تيمم لمرض ونحوه لم يبطل بوجوده. [وخروج الوقت] روي ذلك عن علي، وابن عمر. [وزوال المبيح له، وخلع ما مسح عليه] والصحيح لا يبطل. وهو قول سائر الفقهاء. قاله في الشرح. [وإن وجد الماء، وهو في الصلاة، بطلت] لعموم قوله "فإذا وجد الماء فليمسه بشرته". [وإذا انقضت لم تجب الإعادة] لأنه أدى فريضة بطهارة صحيحة.

[وصفته أن ينوي، ثم يسمي ويضرب التراب بيديه مفرجتي الأصابع ضربة واحدة] لحديث عمار وفيه: "التيمم ضربة للوجه والكفين" رواه أحمد وأبو داود. [والأحوط اثنتان لعد نزع خاتم ونحوه] ليصل إلى ما تحته. [فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه] إن اكتفى بضربة واحدة، وإن كان بضربتين مسح بأولاهما وجهه، وبالثانية يديه. [وسن لمن يرجو وجود الماء تأخير التيمم إلى آخر الوقت المختار] لقول علي رضي الله عنه في الجنب يتلوًم ما بينه وبين آخر الوقت. [وله أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من الفرض والنفل، لكن لو تيمم للنفل لم يستبح الفرض] لقوله صلى الله عليه وسلم "وإنما لكل امرئ ما نوى".

باب إزالة النجاسة

باب إزالة النجاسة مدخل ... باب إزالة النجاسة [يشرط لكل متنجس سبع غسلات] لقول ابن عمر أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً. وعنه: ثلاث غسلات لأمره - صلى الله عليه وسلم – "القائم من نوم الليل أن يغسل يديه ثلاثاً فانه لا يدري أين باتت يده". علل بوهم النجاسة. وعنه يكاثر بالماء من غير عدد قياساً على النجاسة على الأرض، ولقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء في دم الحيض يصيب الثوب "حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء". ولم يذكر عدداً. وفي حديث علي مرفوعاً: "بول الغلام ينضح وبول الجًارية يغسل". ولم يذكر عدداً. [وأن يكون إحداها بتراب طهور. أو صابون ونحوه، في متنجس بكلب أو خنزير] لحديث أبي هريرة مرفوعاً "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسلة سبعاً أولاه بالتراب" رواه مسلم. وقيس عليه الخنزير. [ويضر بقاء طعم النجاسة لا لونها، أو ريحها، اًو هما عجزاً] لما روي أن خولة بنت يسار قالت: يارسول الله أرأيت لو بقي أثره؟ تعني الدم. " فقال يكفيك الماء ولا يضرك أثره". رواه أبو داود بمعناه. [ويجزئ في بول غلام لم يأكل طعاماً لشهوة نضحه وهو غمره بالماء] لحديث أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير، لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره، فبال

على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله متفق عليه. وعن علي مرفوعاً: "بول الغلام ينضح، وبول الجارية يغسل". رواه أحمد. [ويجزئ في تطهير صخر وأحواض وأرض تنجست بمائع ولو مر كلب أو خنزير مكاثرتهما بالماء، بحيث يذهب لون النجاسة وريحها] لقوله صلى الله عليه وسلم في بول الأعرابي " أريقوا عليه ذنوباً من ماء" متفق عليه. [ولا تطهر الأرض بالشمس والريح والجفاف، ولا النجاسة بالنار] روي عن الشافعي وابن المنذر، لأمره صلى الله عليه وسلم أن يصب على بول الأعرابي ذنوب من ماء. والأمر يقتضي الوجوب. [وتطهر الخمرة بإنائها إذا انقلبت خلاً بنفسها] وتحل بالإجماع. قال في الكافي: كالماء الذي تنجس بالتغير، إذا زال تغيره. [وإذا خفي موضع النجاسة غسل حتى يتيقن غسلها] ليخرج من العهدة بيقين. هذا قول مالك والشافعي وابن المنذر. قاله في الشرح.

فصل: في النجاسات

فصل في النجاسات [المسكر المائع وكذا الحشيشة] نجس، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} 1. [وما لا يؤكل من الطير والبهائم مما فوق الهر خلقة نجس] لحديث ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب فقال: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" وفي رواية: لم ينجسه شئ.

_ 1 المائدة/ 90.

[وما دونهما في الخلقة، كالحية والفار والمسكر غير المائع فطاهر] وسؤر الهر، وما دونه في الخلقة طاهر في قول أكثر أهل العلم من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، لحديث أبي قتادة مرفوعاً وفيه: فجاءت هرًة، فأصغى لها الإناء حتى شربت وقال: "إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات". فدل بلفظه على نفي الكراهة عن سؤر الهر، وبتعليله على نفي الكراهة مما دونها عما يطوف علينا. قاله في الشرح. [وكل ميتة نجسة] لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ... } 1 [غير ميتة الآدمي] لحديث "المومن لا ينجس". متفق عليه. [والسمك والجراد] لأنها لو كانت نجسة لم يحل أكلها. [وما لا نفس له سائلة كالعقرب والخنفساء والبق والقمل والبراغيث] لحديث "إذا وقع الذباب إناء أحدكم فليمقله" وفي لفظ "فليغمسه فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر شفاءً" رواه البخاري. وهذا عام في كل حار وبارد، ودهن مما يموت الذباب بغمسه فيه، فلو كان ينجسه كان أمراً بإفساده، فلا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء إذا مات فيه. قال ابن المنذر: لا أعلم في ذلك خلافاً، إلا ما كان من الشافعي في أحد قوليه. قاله في الشرح. [وما أكل لحمه، ولم يكن أكثر علفه النجاسة، فبوله وروثه وقيئه ومذيه ومنيه ولبنه طاهر] لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا في

_ 1 الأنعام من الآية/ 145.

مرابض الغنم". رواه مسلم. وقال للعرنيين "انطلقوا إلى إبل الصدقة فاشربوا من أبوالها" متفق عليه. [وما لا يؤكل فنجس] لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي يعذب في قبره: "إنه كان لا يتنزه من بوله". متفق عليه. والغائط مثله. وقوله لعلي في المذي "اغسل ذكرك". قال في الكافي: والقيء نجس لأنه طعام استحال في الجوف إلى الفساد أشبه الغائط. [إلا مني الآدمي ولبنه فطاهر] لقول عائشة كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب فيصلي به متفق عليه. لكن يستحب غسل رطبه، وفرك يابسه. وكذا عرق الآدمي وريقه طاهر كلبنه، لأنه من جسم طاهر. [والقيح والدم والصديد نجس] لقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء في الدم: "اغسليه بالماء" متفق عليه. والقيح والصديد مثله. إلا أن أحمد قال: هو أسهل. [لكن يعفى في الصلاة عن يسير منه لم ينقض الوضوء، إذا كان من حيوان طاهر في الحياة ولو من دم حائض] في قول أكثر أهل العلم. روي عن ابن عباس، وأبي هريرة وغيرهما، ولم يعرف لهم مخالف، ولقول عائشة: يكون لأحدانا الدرع فيه تحيض ثم ترى فيه قطرة من الدم فتقصعه بريقها. - وفي رواية - تبله بريقها ثم تقصعه بظفرها. رواه أبو داود وهذا يدل على العفو لأن الريق لا يطهره، ويتنجس به ظفرها، هو إخبار عن دوام الفعل، ومثل هذا لا يخفى عليه صلى الله

عليه وسلم، قال في الشرح: وما بقي في اللحم من الدم معفو عنه، لأنه إنما حرم الدم المسفوح، ولمشقة التحرز منه. [ويضم يسير متفرق بثوب لا أكثر] فإن صار بالضم كثيراً لم تصح الصلاة فيه، والا عفي عنه. [وطين شارع ظنت نجاسته] طاهر. عملاً بالأصل، ولأن الصحابة، والتابعين يخوضون المطر في الطرقات، ولا يغسلون أرجلهم. روي عن عمر وعلي، وقال ابن مسعود: كنا لا نتوضأ من موطئ ونحوه عن ابن عباس، وهذا قول عوام أهل العلم. قاله في الشرح. [وعرق وريق من طاهر طاهر] لما روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً وفيه: "فإذا انتخع أحدكم فلينتخع عن يساره، أو تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا، فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه في بعض" ولو كانت نجسة لما اًمر بمسحها في ثوبه وهو في الصلاة، ولا تحت قدمه، ولنجست الفم. [ولو أكل هر ونحوه، أو طفل نجاسة ثم شرب من مائع لم يضر] لعموم البلوى. ومشقة التحرز. [ولا يكره سؤر حيوان طاهر، وهو فضلة طعامه وشرابه] .

باب الحيض

باب الحيض مدخل ... باب الحيض [لا حيض قبل تمام تسع سنين] لأنه لم يثبت في الوجود لامرأة حيض قبل ذلك. وقد روي عن عائشة أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة. وقال الشافعي: رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة. [ولا بعد خمسين سنة] لقول عائشة: إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض ذكره أحمد، وعنه إن تكرر بها الدم فهو حيض إلى ستين، وهذا أصح لأنه قد وجد. قاله في الكافي. [ولا مع حمل] فإن رأت الحامل دماً فهو دم فساد، لقوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة" يعني تستعلم براءتها من الحمل بالحيضة فدل على أنها لا تجتمع معه. [وأقل الحيض يوم وليلة] لأن الشرع علق على الحيض أحكاماً، ولم يبين قدره، فعلم أنه رده إلى العادة كالقبض، والحرز. وقد وجد حيض معتاد يوماً، ولم يوجد أقل منه. قال عطاء: رأيت من تحيض يوماً، وتحيض خمسة عشر. وقال أبو عبد الله الزبيري. كان في نسائنا من تحيض يوماً، وتحيض خمسة عشر يوماً. [وأكثره خمسة عشر يوماً] لما ذكرنا.

[وغالبه ست أو سبع] لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش: "تحيضي في علم الله ستة أيام، أو سبعةً أيام ثم اغتسلي وصلي اًربعةً وعشرين يوماً، اًو ثلاثةً وعشرين يوما كما يحيض النساء ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن" صححه الترمذي. [وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً] احتج أحمد بما روى عن علي: أن امرأة جاءت وقد طلقها زوجها، فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض. فقال علي لشريح: قل فيها، فقال شريح: إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه، وأمانته فشهدت بذلك، وإلا فهي كاذبة. فقال علي: قالون أي جيد بالرومية. وهذا اتفاق منهما على إمكان ثلاث حيضات في شهر ولا يمكن إلا بما ذكر. [وغالبه بقية الشهر] لأن الغالب أن المرأة تحيض في كل شهر حيضة. [ولا حد لأكثره] لأنه لم يرد تحديده في الشرع. ومن النساء من لا تحيض. [ويحرم بالحيض أشياء: منها الوطء في الفرج] لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 1. [والطلاق] لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 2. [والصلاة] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة".

_ 1 البقرة من الآية/ 222. 2 الطلاق من الآية/ 1.

[والصوم] لقوله صلى الله عليه وسلم: "أليس إحداكن إذا حاضت لم تصم ولم تصل؟ " قلن بلى رواه البخاري. [والطواف] لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري". متفق عليه. [وقراءة القرآن] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن" رواه أبو داود الترمذي. [ومس المصحف] لقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} 1. [واللبث في المسجد] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحل المسجد لجنب، ولا حائض" رواه أبو داود. [وكذا المرور فيه إن خافت تلويثه] فإن أمنت تلويثه لم يحرم، لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: "ناوليني الخمرة من المسجد" فقالت: إني حائض فقال: "إن حيضتك ليست في يدك" رواه الجماعة، إلا البخاري. [ويوجب الغسل] لقوله صلى الله عليه وسلم: "دعي الصًلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي" متفق عليه. [والبلوغ] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" أوجب عليهما السترة بوجود الحيض فدل على أن التكليف حصل به، وإنما يحصل ذلك بالبلوغ. [والكفارة بالوطء فيه، ولو مكرهاً، أو ناسياً، أو جاهلاً للحيض والتحريم، وهي دينار اًو نصفه على التخيير] لما روى ابن عباس عن

_ 1 الواقعة/ 79.

النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض: "يتصدق بدينار أو نصف دينار" قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة. [وكذا هي إن طاوعت] قياساً على الرجل. [ولا يباح بعد انقطاعه، وقبل غسلها، أو تيممها، غير الصوم] فإنه يباح كما يباح للجنب قبل اغتساله. [والطلاق] لأنه إنما حرم طلاق الحائض لتطويل العدة، وقد زال هذا المعنى، قاله في الكافي. [واللبث بوضوء في المسجد] قياساً على الجنب. [وانقطاع الدم: بأن لا تتغير قطنة احتشت بها في زمن الحيض طهر] والصفرة والكدرة في زمن الحيض حيض، لما روى مالك عن علقمة عن أمه أن النساء كن يرسلن بالدرجة فيها الشئ من الصفرة إلى عائشة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء قال مالك وأحمد: هو ماء أبيض يتبع الحيضة. وفي زمن الطهر طهر لا تعتد به، نص عليه لقول أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً رواه أبو داود. [وتقضي الحائض والنفساء الصوم لا الصلاة] لحديث معاذة أنها سألت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة رواه الجماعة. وقالت أم سلمة: كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في

النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس رواه أبو داود.

فصل: في المستحاضة ودائم الحدث

فصل في المستحاضة ودائم الحدث [ومن جاوز دمها خمسة عشر يوما فهي مستحاضة] لأنه لا يصلح أن يكون حيضا فإن كان لها عادة قبل الإستحاضة جلستها ولو كان لها تمييز صالح لعموم قوله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة: "امكثي قدر ما كانت تحسبك حيضتك ثم اغتسلي وصلي" رواه مسلم فإن لم يكن لها عادة أو نسيتها فإن كان دمها متميزا بعضه أسود ثخين منتن وبعضه رقيق أحمر وكان الأسود لا يزيد على أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فهي مميزة حيضها زمن الأسود فتجلسه ثم تغتسل وتصلي لما روي أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: يارسول الله: إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: "لا إن ذلك عروق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" متفق عليه وفي لفظ: "إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي إنما هو عرق" رواه النسائي وقال ابن عباس ما رأت الدم البخر أي فإنها تدع الصلاة إنها والله إن ترى الدم بعد أيام محيضها إلا كغسالة ماء اللحم وإن لم يكن لها عادة ولا تمييز فهي متحيرة. [فتجلس من كل شهر ستا أو سبعا بتحر حيث لا تمييز ثم تغتسل وتصوم وتصلي بعد غسل المحل وتعصيبه] لحديث حمنة بنت

جحش قالت: قلت يارسول الله إني أستحاض حيضة شديدة فما ترى فيها؟ قال "أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم" قالت: هو أكثر من ذلك قال: "فاتخذي ثوبا" قالت: هو أكثر من ذلك قال: "فتلجمي" قالت: إنما أثج ثجا فقال لها: "سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم" فقال لها: "إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ئم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعا وعشرين أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن" الحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. [وتتوضأ في وقت كل صلاة] لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: "وتوضئي لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت" وقال في المستحاضة: "وتتوضأ عند كل صلاة" رواهما أبو داود والترمذي. [وتنوي بوضوئها الاستباحة] لأن الحدث دائم. [وكذا يفعل كل من حدثه دائم] لحديث: "صلي وإن قطر على الحصير" رواه البخاري وصلى عمر وجرحه يثعب دما. [ويحرم وطئ المستحاضة] لأنه أذى في الفرج أشبه دم الحيض. [ولا كفارة] لعدم ثبوت أحكام الحيض فيه. وعنه يباح. وهو قول أكثر أهل العلم لحديث حمنة وأم حبيبة. قاله في الشرح. [والنفاس لا حد لأقله] لأنه لم يرد تحديده فرجع فيه إلى الوجود

وقد وجد قليلا وكثيرا وروي أن امرأة ولدت على عهده صلى الله عليه وسلم فلم تر دما فسميت ذات الجفوف. [وأكثره أربعون يوما] قال الترمذي: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي قال أبو عبيد: وعلى هذا جماعة الناس وعن أم سلمة كانت النفساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم تجلس أربعين يوما رواه الخمسة إلا النسائي. [ويثبت حكمه بوضع ما يتبين فيه خلق إنسان] ولو خفيا وأقل ما يتبين فيه إحدى وثمانون يوما. وغالبه ثلاثة أشهر قاله المجد وابن تميم وابن حمدان وغيرهم. [فإن تخلل الأربعين نقاء فهو طهر] لما تقدم. [لكن يكره وطؤها فيه] قال أحمد: ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين فقال: لا تقربيني. [ومن وضعت ولدين فأكثر فأول مدة النفاس من الأول] كما لو كان منفردا. [فلو كان بينهما أربعون يوما فلا نفاس للثاني] لأنه تبع للأول فلم يعتبر في آخر النفاس كما لا يعتبر في أوله لأنه نفاس واحد من حمل واحد فلم يزد على الأربعين قاله في الكافي. [وفي وطء النفساء ما في وطء الحائض] من الكفارة قياسا عليه نص عليه.

[ويجوز للرجل شرب دواء مباح يمنع الجماع] لأنه حق له. [وللأنثى شربه لحصول الحيض ولقطعه] لأنه الأصل الحل حتى يرد التحريم ولم يرد.

باب الأذان والاقامة

باب الأذان والاقامة مدخل ... باب الأذان والإقامة [وهما فرض كفاية] لحديث: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم" والأ مر يقتضي الوجوب، ولأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة كالجهاد. [في الحضر] في القرى والأمصار. قال مالك رحمه الله: إنما يجب النداء في مساجد الجماعة. [على الرجال] فأما النساء فليس عليهن أذان، ولا إقامة. قاله ابن عمر وأنس وغيرهما. ولا نعلم من غيرهم خلافهم. قاله في الشرح. [الأحرار] لا الأرقاء لاشتغالهم بخدمة ملاكهم في الجملة. [ويسنان للمنفرد] لحديث عقبة بن عامر مرفوعاً: "يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية جبل يؤذن بالصلاة، ويصلي، فيقول الله عز وجل انظروا إلى عبدي هذا يؤذن، ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غقرت لعبدي، وأدخلته الجنة" رواه النسائي. [وفي السفر] لقوله صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث، ولابن عم له: "إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما" متفق عليه.

[ويكرهان للنساء، ولو بلا رفع صوت] لأنهما وظيفة الرجال، ففيه نوع تشبه بهم. [ولا يصحان إلا مرتين متواليين عرفاً] لأنه شرع كذلك، فلم يجز الإخلال به. قال في الكافي: لأنه لا يعلم أنه أذان بدونهما، فإن سكت سكوتاً طويلاً، أو تكلم بكلام طويل، بطل للإخلال بالموالاة. فإن كان يسيراً جاز. قال البخاري في صحيحه: وتكلم سليمان بن صرد في أذانه. وقال الحسن: لا بأس أن يضحك وهو يؤذن أو يقيم. [وأن يكونا من واحد] فلا يصح أن يبني على أذان غيره، ولا على إقامته لأنه عبادة بدنية، فلم يبن فعله على فعل غيره كالصلاة. قاله في الكافي، وفي الإنصاف: لو أذن واحد بعضه، وكله آخر لم يصح بلا خلاف أعلمه. [بنية منه] لحديث "إنما الأعمال بالنيات". [وشرط كونه مسلماً] فلا يعتد بأذان كافر لأنه من غير أهل العبادات. [ذكراً] فلا يعتد بأذان أنثى. لأنه يشرع فيه رفع الصوت، وليست من أهل ذلك. قاله في الكافي. [عاقلاً مميزاً] فلا يصح من مجنون، وطفل. لأنهما من غير أهل العبادات. [ناطقاً] لينطق به. [عدلاً ولو ظاهراً] فلا يصح أذان فاسق لأنه صلى الله عليه وسلم:

وصف المؤذنين بالأمانة والفاسق غير أمين. وأما مستور الحال فيصح أذانه. قال في الشرح: بغير خلاف علمناه. [ولا يصحان قبل الوقت] قال في الشرح: أما غير الفجر فلا يجزئ الأذان إلا بعد دخول الوقت. بغير خلاف نعلمه. انتهى. لحديث: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكًم أحد كم". [إلا أذان الفجر، فيصح بعد نصف الليل] لحديث: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" متفق عليه. [ورفع الصوت ركن] ليحصل السماع المقصود بالإعلام. [مالم يؤذن لحاضر] فبقدر ما يسمعه. وإن رفع صوته فهو أفضل. [وسن كونه صيتاً] أي رفيع الصوت: لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد: "ألقه على بلال فإنه أندى صوتاً منك" ولأنه أبلغ في الإعلام. [أميناً] لأنه مؤتمن على الأوقات، والحديث: "أمناء الناس على صلاتهم وسحورهم المؤذنون" رواه البيهقي من طريق يحيى بن عبد الحميد وفيه كلام. [عالماً بالوقت] ليتمكن من الأذان في أوله ويؤمن خطؤه. [متطهراً] لحديث أبي هريرة: "لا يؤذن إلا متوضئ" رواه الترمذي، والبيهقي مرفوعاً. وروي موقوفاً، وهو أصح. [فيهما] أي الأذان، والإقامة، لقوله صلى الله عليه وسلم لبلال: "قم فأذن"، وكان مؤذنو رسول الله صلى الله عليه وسلم، يؤذنون قياماً وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن من السنة أن يوذن

قائماً. فإن أذن قاعداً لعذر فلا بأس. قال الحسن العبدي. رأيت أبا زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن قاعداً، وكانت رجله أصيبت في سبيل الله رواه الأثرم. ويجوز على الراحلة. قال ابن المنذر: ثبت أن ابن عمر كان يؤذن على البعير فينزل فيقيم ذكره في الشرح. [لكن لا يكره أذان المحدث] نص عليه لأنه لا يزيد على القراءة. [بل إقامته] للفصل بينها وبين الصلاة بالوضوء. قال مالك: يؤذن على غير وضوء، ولا يقيم إلا على وضوء. [ويسن الأذان أول الوقت] لما روي أن بلالاً كان يؤذن في أول الوقت لا يخرم، وربما أخر الإقامة شيئاً رواه ابن ماجه. [والترسل فيه] لقوله صلى الله عليه وسلم لبلال: "إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر" رواه أبو داود. [وأن يكون على علو] قال في الشرح: لا نعلم خلافاً في استحبابه لأنه أبلغ في الإعلام. وروي أن بلالاً كان يؤذن على سطح امرأة من بني النجار بيتها من أطول بيت حول المسجد رواه أبو داود. [رافعاً وجهه جاعلاً سبابتيه في أذنيه] لقول أبي جحيفة إن بلالاً وضع أصبعيه في أذنيه رواه أحمد، والترمذي وصححه، وقال: العمل عليه عند أهل العلم. وعن سعد القرظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يجعل أصبعيه في أذنيه وقال: "إنه أرفع لصوتك" رواه ابن ماجه.

[مستقبلاً القبلة] لفعل موذنيه صلى الله عليه وسلم. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السنة أن يستقبل القبله في الأذان. [ويلتفت يميناً لحي على الصلاة، وشمالاً لحي على الفلاح] لقول أبي جحيفة لقد رأيت بلالاً يؤذن فجعلت أتتبع فاه ها هنا، وها هنا، يقول يميناً وشمالاً حي على الصلاة حي على الفلاح متفق عليه. [ولا يزيل قدميه] للخبر، وسواء كان بمنارة أو غيرها، وقال القاضي والمجد: [ما لم يكن بمنارة] فإنه يدور. [وأن يقول بعد حيعلة أذان الفجر: الصلاة خير من النوم مرتين ويسمى التثويب] لقول بلال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أثوب في الفجر، ونهاني أن أثوب في العشاء رواه ابن ماجه. ودخل ابن عمر مسجداً يصلى فيه، فسمع رجلاً يثوب في أذان الظهر، فخرج وقال: أخرجتني البدعة. ويكره الأذان والإقامة. والنداء بالصلاة بعد الأذان، ونداء الأمراء. وهو قول: الصلاة يا أمير المؤمنين، ونحوه. ووصل الأذان بعده بذكر لأنه بدعة ذكره في شرح العمدة. [ويسن أن يتولى الأذان، والإقامة واحد ما لم يشق] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أخا صداء قد أذن، ومن أذن فهو يقيم". [ومن جمع أو قضى فوائت، اًذن للأولى، وأقام للكل] لقول جابر: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بعرفة بأذان وإقامتين رواه مسلم. ولحديث ابن مسعود في قصة الخندق أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات، حتى ذهب

من الليل ما شاء الله، ثم أمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء رواه الأ ثرم. [وسن لمن سمع المؤذن أو المقيم أن يقول مثله. إلا في الحيعلة، فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله] لحديث عمر مرفوعاً "إذا قال المؤذن: الله اًكبر، الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر. ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قال أشهد أن محمداً رسول الله، فقال: أشهد أن محمداً رسول اللًه. ثم قال: حي على الصلاة، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله. فقال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه، دخل الجنة" رواه مسلم. [وفي التثويب: صدقت وبررت] قال في الفروع: وقيل يجمع يعني، يقول ذلك، ويقول: الصلاة خير من النوم. [وفي لفظ الإقامة: أقامها الله، وأدامها] لما روى أبو داود عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالاً أخذ في الإقامة، فلما أن قال قد قامت الصلاة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقامها الله، وأدامها" وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأ ذان. [ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة. والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته] لحديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: "إذا

سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاةً صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون أنا هو. فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة" رواه مسلم. وروى البخاري وغيره عن جابر مرفوعاً "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة، والفضيلة، وابعثه مقاماً مًحموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة". [ثم يدعو هنا، وعند الإقامة] لحديث أنس مرفوعاً "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" رواه أحمد والترمذي وصححه. ودعا أحمد عند الإقامة، ورفع يديه. [ويحرم بعد الأذان الخروج من المسجد بلا عذر أو نية رجوع] قال الترمذى: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر. ثم ذكر حديث أبي هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم رواه مسلم. تتمة في صفة الأذان. قال في الكافي: ويذهب أبو عبد الله - يعني أحمد - إلى أذان بلال الذي أريه عبد الله بن زيد. كما روي عنه أنه قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً فقلت: ياعبد الله أتبيع الناقوس؟ فقال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى. فقال:

تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد اًن محمداً رسول الله. حي على الصلاة، حي على الصلاة. حي على الفلاح، حي على الفلاح. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. ثم قال: استأخر عني غير بعيد، ثم قال: وتقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر، الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمداً رسول الله. حي على الصلاة. حي على الفلاح. قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة. الله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بما رأيت فقال: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال، فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك" رواه أبو داود. فهذه صفة الأذان والإقامة المستحبة، لأن بلالاً كان يوذن به حضراً، وسفراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات. انتهى.

_ انظر كتاب "الكافي" للإمام الموفق ابن قدامة حيث إن هذا الفصل منقول من الجزء الأول صفحة 128 وقد من الله علينا بطبعه.

باب شروط الصلاة

باب شروط الصلاة مدخل ... باب شروط الصلاة [وهي تسعة: الإسلام، والعقل، والتمييز] فلا تصح من كافر لبطلان عمله. ولا مجنون لعدم تكليفه. ولا من طفل، لمفهوم الحديث "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع" الحد يث. [وكذا الطهارة مع القدرة] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاةً بغيير طهور" رواه مسلم وغيره. [الخامس: دخول الوقت] قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} الآية1 قال ابن عباس: دلوكها: إذا فاء الفئ. وقال عمر رضي الله عنه: الصلاة لها وقت شرطه الله، لا تصح إلا به. وهو: حديث جبريل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم بالصلوات الخمس، ثم قال: "ما بين هذين وقت" رواه أحمد، والنسائي، والترمذي بنحوه. [فوقت الظهر من الزوال إلى أن يصير ظل كل شئ مثله، سوى ظل الزوال. ثم يليه الوقت المختار للعصر حتى يصير ظل كل شئ مثليه، سوى ظل الزوال، ثم هو وقت ضرورة إلى الغروب. ثم يليه وقت المغرب حتى يغيب الشفق الأحمر. ثم يليه الوقت المختار للعشاء إلى ثلث الليل الأول. ثم هو وقت ضرورة إلى طلوع الفجر. ثم يليه وقت الفجر إلى شروق الشمس] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه

_ 1 الإسراء/ 78.

جبريل عليه السلام فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين زالت الشمس. ثم جاءه العصر فقال: قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شئ مثله. ثم جاءه المغرب فقال: قم فصله، فصلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم جاءه العشاء فقال: قم فصله، فصلى العشاء حين غاب الشفق، ثم جاءه الفجر فقال: قم فصله، فصلى الفجر حين برق الفجر، أو قال سطع الفجر. ثم جاءه من الغد للظهر فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين صار ظل كل شئ مثله. ثم جاءه العصر فقال قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شئ مثليه. ثم جاءه المغرب وقتاً واحداً لم يزل عنه. ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل، أو قال ثلث الليل فصلى العشاء، ثم جاءه حين أسفر جداً، فقال له: قم فصله. فصلى الفجر ثم قال: مابين هذين وقت رواه أحمد والنسائي والترمذي بنحوه. وقال البخاري: هو أصح شئ في المواقيت. وعن أبي موسى أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلاة قال في آخره". ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق - وفي لفظ - فصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وأخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول. ثم أصبح فدعا السائل فقال: "الوقت فيما بين هذين" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. [ويدرك الوقت بتكبيرة الإحرام] لحديث عائشة مرفوعاً "من أدرك من العصر سجدةً قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع فقد أداها" رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. والسجدة هنا الركعة، قاله في المنتقى. والسجدة جزء من الصلاة: فدل على إدراكها بإدراك جزء منها. وهذا قول الشافعي. وعن أحمد: لا تدرك إلا بركعة

لما في المتفق عليه: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح". [ويحرم تأخير الصلاه عن وقت الجواز] لمفهوم أخبار المواقيت. [ويجوز تأخير فعلها فى الوقت مع العزم عليه] لأن جبريل صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثانى في آخر الوقت. [والصلاة أول الوقت أفضل. وتحصل الفضيلة بالتأهب أول الوقت] لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهاجرة متفق عليه. وقال: "بكروا بالصلاة فى يوم الغيم فإنة من فاتته صلاة العصر حبط عمله" رواه أحمد، وابن ماجه. وقال رافع بن خديج: كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله متفق عليه. وكان يصلي الصبح بغلس. قال ابن عبد البر: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، أنهم كانوا يغلسون. ومحال أن يتركوا الأفضل، وهم النهاية في إتيان الفضائل وحديث "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" رواه أحمد وغيره. حكى الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق أن معنى الإسفار: أن يضئ الفجر، فلا يشك فيه. انتهى. وعن ابن عمر مرفوعاً: "الوقت الأول من الصلاة رضوان الله. والآخر عفو الله" رواه الترمذي، والدارقطني. وروى الدارقطني من حديث أبي محذورة نحوه، وفيه: "ووسط الوقت رحمة الله". [ويجب قضاء الصلاة الفائتة مرتبة] لما روى أحمد أنه صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى المغرب، فلما فرغ قال: "هل علم أحد

منكم أني صليت العصر" قالوا: يارسول الله ما صليتها. فأمر المؤذن فأقام الصلاة، فصلى العصر، ثم أعاد المغرب. وفاته أربع صلوات فقضاهن مرتباً وقد قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي". [فوراً] لحديث "من نام عن صلاة، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" متفق عليه. [ولا يصح النفل المطلق إذن] أي قبل القضاء كصوم نفل ممن عليه قضاء رمضان. ولا يصلي سننها. لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم يوم الخندق. فإن كانت صلاة واحدة فلا بأس بقضاء سنتها لأنه صلى لما فاتته صلاة الفجر صلى سنتها قبلها رواه أحمد ومسلم. [ويسقط الترتيب بالنسيان] لحديث "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان". [وبضيق الوقت ولو للاختيار] فيقدم الحاضرة، لأن فعلها آكد. بدليل أنه يقتل بتركها بخلاف الفائتة. قاله في الكافي. وإذا نسي صلاة، أو أكثر ثم ذكرها قضاها فقط، لحديث: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك" وقال البخاري في صحيحه: قال إبراهيم: من نسي صلاة واحدة عشرين سنة لم يعد إلا تلك الصلاة الواحدة. [السادس: ستر العورة مع القدرة بشئ لا يصف البشرة] لقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 1 وقوله صلى الله عليه وسلم:

_ 1 الأعراف/ 30.

"لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" وحديث سلمة بن الأكوع قال: قلت يا رسول الله إني أكون في الصيد وأصلي في القميص الواحد قال: "نعم وازرره ولو بشوكة" صححهما الترمذي. وحكى ابن عبد البر الإجماع على فساد صلاة من صلىً عرياناً، وهو قادر على الاستتار. [فعورة الرجل البالغ عشراً، أو الحرة المميزة، والأمة، ولو مبعضة، ما بين السرة والركبة] لحديث علي مرفوعاً "لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت" رواه أبو داود. وحديث أبي أيوب يرفعه: "أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة". وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً "ما بين السرة والركبة عورة" رواهما الدارقطني. ودليل الحرة المميزة مفهوم حديث "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار". [وعورة ابن سبع إلى عشر الفرجان] لقصوره عن ابن العشر، ولأنه لا يمكن بلوغه. [والحرة البالغة كلها عورة فى الصلاة إلا وجهها] لما تقدم، ولحديث "المرأة عورة" رواه الترمذي. وقالت أم سلمة: يارسول الله تصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ قال "نعم إذا كان سابغاً يغطى ظهور قدميها" رواه أبو داود. [وشرط فى فرض الرجل البالغ ستر أحد عاتقيه بشئ من اللباس] لحديث أبى هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال "لا يصلى الرجل فى ثوب واحد ليس على عاتقه منه شئ" متفق عليه. [ومن صلى في مغصوب أو حرير عالماً ذاكراً لم تصح] لقوله صلى

الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". فإن كان ناسياً، أو جاهلاً صح. ذكره المجد إجماعاً. [ويصلى عرياناً مع وجود ثوب غصب] ولا يعيد لأنه يحرم استعماله. [وفي حرير لعدم، ولا يعيد] لأنه قد رخص في لبسه فى بعض الأحوال كالحكة، والضرورة. [وفي نجس لعدم، ويعيد] في المنصوص لأنه ترك شرطاً. قال فى الكافي: ويتخرج أن لا يعيد كما لو عجز عن خلعه، أو صلى فى موضع نجس لا يمكنه الخروج منه. [ويحرم على الذكور لا الإناث لبس منسوج ومموه بذهب أوفضة] لحديث أبى موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم" صححه الترمذي. [ولبس ما كله، أو غآلبه حرير] لذلك، ولحديث عمر مرفوعاً: "لا تلبسوا الحرير، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه فى إلآخرة" متفق عليه. [ويباح ما سدي بالحرير، وألحم بغيره] لقول ابن عباس: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت. أما العلم، وسدا الثوب، فليس به بأس رواه أبو داود. [أو كان الحرير وغيره في الظهور سيان] قال فى الكافي: وإن استويا ففيه وجهان أحدهما: إباحته، للخبر. أي خبر ابن عباس. والثاني تحريمه، لعموم خبر التحريم. [السابع: اجتناب النجاسة لبدنه وثوبه وبقعته مع القدرة] لقوله تعالى:

{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} 1 وقوله صلى الله عليه وسلم: "تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه" وقوله لأسماء في دم الحيض "تحثه، ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه" متفق عليه. وأمره صلى الله عليه وسلم بصب ذنوب من ماء على بول الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد وحديث القبرين وفيه "أما أحدهما، فكان لا يستنزه من بوله". [فإن حبس ببقعة نجسة، وصلى صحت. لكن يومئ بالنجاسة الرطبة غاية ما يمكنه ويجلس على قدميه] لأنه صلى على حسب حاله أشبه المربوط إلى غير القبلة. [وإن مس ثوبه ثوباً نجساً، أو حائطاً لم يستند إليه، أو صلى على طاهر، طرفة متنجس، أو سقطت عليه النجاسة، فزالت، أو أزالها سريعاً صحت] صلاته لأنه ليس بحامل للنجاسة، ولا مصل عليها، أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة متصلة بأرض نجسة، ولحديث أبي سعيد رضي الله عنه بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فخلع الناس نعالهم. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: "ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ " قالوا رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا. قال: "إن جبريل أتانى، فأخبرنى أن فيهما قذراً" رواه أبو داود. ولأن من النجاسة ما لا يعفى عن يسيرها، فعفي عن يسير زمنها. [وتبطل إن عجز عن إزالتها فى الحال] لاستصحابه النجاسة فى الصلاة

_ 1 المدثر/ 4.

[أو نسيها ثم علم] لأن اجتناب النجاسة شرط للصلاة كما تقدم فيعيد. وهو قول الشافعي، وقال مالك: يعيد ما دام في الوقت. وعنه لا تفسد. وهو قول عمر وعطاء وابن المسيب وابن المنذر. ووجهه حديث النعلين قاله في الشرح. [ولا تصح الصلاة في الأرض المغصوبة] لحرمة لبثه فيها. وعنه: بلى مع التحريم. اختاره الخلال، والفنون وفاقاً. قاله في الفرع. - يعنى وفاقاً للأئمة الثلاثة -، لحديث "جعلت لي الأرض مسجداً، وطهوراً" وقال أحمد: تصلى الجمعة في موضع الغصب. يعني إذا كان الجامع مغصوباً، وصلى الإمام فيه، فامتنع الناس فاتتهم الجمعة. [وكذا المقبرة] لقوله صلى الله عليه وسلم "لا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" رواه مسلم. [والمجزرة، والمزبلة، والحش، وأعطان الإبل، وقارعة الطريق والحمام] لما روى ابن ماجه، والترمذي، وعبد بن حميد في مسنده، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبع مواطن: المزبلة والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله. وأما الحش، فلاحتمال النجاسة، ولأنه لما منع الشرع من الكلام، وذكر الله فيه. كان منع الصلاة أولى. قال: [وأسطحة هذه مثلها] لأنها تتبعها في البيع ونحوه. قال في الشرح: والصحيح قصر النهي على ما تناوله النص. [ولا يصح الفرض في الكعبة] لأنه يكون مستدبراً لبعضها، ولأن النهي عن الصلاة على ظهرها ورد صريحاً في حديث ابن عمرالسابق، وفيه تنبيه على النهي عن الصلاة فيها. لأنهما سواء في المعنى.

[والحجر منها] لحديث عائشة. [ولا على ظهرها] لما تقدم. [إلا إذا لم يبق وراءه شئ] لأنه غير مستدبر لشئ منها، كصلاته إلى أحد أركانها. [ويصح النذر فيها، وعليها، وكذا النفل بل يسن فيها] لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في البيت ركعتين متفق عليه، وألحق النذر بالنفل. [الثامن: استقبال القبلة مع القدرة] لقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} 1 الآية. وحديث "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة" وحديث ابن عمر في أهل قباء لما حولت القبلة متفق عليه. [فإن لم يجد من يخبره عنها بيقين صلى بالاجتهاد، فإن أخطأ فلا إعادة عليه] 2 لما روى عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال: كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم، في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل حياله. فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 3 رواه ابن ماجه. وإن أمكنه معاينة الكعبة ففرضه الصلاة إلى عينها، لا نعلم فيه خلافاً، قال في الشرح، والبعيد إصابة الجهة. لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما بين

_ 1 البقرة/ 144. 2 إن لفظة عليه غير موجودة في المتون المخطوطة. 3 البقرة/ 116.

المشرق والمغرب قبلة" رواه ابن ماجه والترمذي وصححه، ويعضده قوله في حديث أبي أيوب ولكن شرقوا أو غربوا. [التاسع: النية. ولا تسقط بحال] لحديث عمر. [ومحلها القلب. وحقيقتها العزم على فعل الشئ. وشرطها: الإسلام، والعقل، والتمييز] كسائر العبادة. [وزمنها أول العبادات، أو قبلها بيسير. والأفضل قرنها بالتكبير] 1 خروجاً من خلاف من شرط ذلك. [وشرط مع نية الصلاة تعيين ما يصليه من ظهر، أو عصر، اًو جمعة، أو وتر، أو راتبة] لتتميز عن غيرها. [وإلا أجزأته نية الصلاة] إذا كانت نافلة مطلقة. [ولا يشترط تعيين كون الصلاة حاضرة أو قضاء] لأنه لا يختلف المذهب فيمن صلى في الغيم، فبان بعد الوقت أن صلاته صحيحة، وقد نواها أداء. قاله في الكافي. [أو فرضاً] لأنه إذا نوى ظهراً ونحوها علم أنها فرض. [وتشترط نية الإمامة للإمام والإئتمام للمأموم] 2 لأن الجماعة يتعلق بها أحكام، وإنما يتميزان بالنية فكانت شرطاً في الفرض، وقدم في المقنع، والمحرر: لا تشترط نية الإمامة في النفل لأنه صلى الله عليه

_ 1في سائر المخطوطات، قبيلها بيسير. 2 قال العلامة ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" ما خلاصته: كان صلى الله عليه وآله وسلم، إذا قام إلى الصلاة قال: "الله أكبر"، ولن يقل شيئا قبلها ولا تلفظ بالنية ألبتة، ولا قال: أصلي الله صلاة كذا مستقبل القبلة أربع ركعات إماما أو مأموما ... وهذه بدع لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل ... ولا عن أصحابه، ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة.

وسلم قام يتهجد وحده فجاء ابن عباس، فأحرم معه، فصلى به النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه. وعنه: وكذا في الفرض. اختاره الموفق، والشارح، والشيخ تقي الدين، وفاقاً للأئمة الثلاثة. قال في الشرح. ومما يقويه حديث جابر وجبار. [وتصح نية المفارقة لكل منهما لعذر يبيح ترك الجماعة] لقصة معاذ، وقال الزهري في إمام ينوبه الدم، أو يرعف: ينصرف، وليقل: أتموا صلاتكم. واحتج أحمد بأن معاوية لما طعن صلوا وحداناً. [ويقرأ مأموم فارق إمامه في قيام أو يكمل وبعد الفاتحة كلها له الركوع فى الحال] لأن قراءة الإمام قراءة للمأموم. [ومن أحرم بفرض ثم قلبه نفلاً صح إن اتسع الوقت] لكن يكره لغير غرض صحيح مثل أن يحرم منفرداً فتقام جماعة. نص أحمد فيمن صلى ركعة من فريضة منفرداً، ثم حضر الإمام، وأقيمت الصلاة، يقطع صلاته، ويدخل معهم. [وإلا لم يصح وبطل فرضه] لأنه أفسد نيته.

كتاب الصلاة

كتاب الصلاة مدخل مدخل ... كتاب الصلاة الصلوات المكتوبات خمس، لحديث طلحة بن عبيد الله أن أعرابياً قال: يا رسول الله ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ قال: "خمس صلوات في اليوم والليلة". قال: هل علي غيرهن؟ قال: "لا، إلا أن تطوع شيئاً" متفق عليه. [تجب على كل مسلم مكلف] لأنه قد أسلم كثير في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، ولم يؤمروا بقضاء، ولحديث "رفع القلم عن ثلاثة" الخ. [غير الحائض والنفساء] لما تقدم. [وتصح من المميز، وهو من بلغ سبعاً والثواب له] لقوله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} 1. [ويلزم وليه أمره بها لسبع، وضربه على تركها لعشر] لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" رواه أحمد، واًبو داود. [ومن تركها جحوداً فقد ارتد، وجرت عليه أحكام المرتدين] لأنه مكذب لله، ورسوله، ولإجماع الأمة. [وأركانها أربعة عشر لا تسقط عمداً، ولا سهواً، ولا جهلاً: أحدها:

_ 1 فصلت/ 46.

القيام في الفرض على القادر منتصباً] لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 1 وقال صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" رواه البخاري. [فإن وقف منحنيآ، أو مائلاً بحيث لا يسمى قائماً، لغير عذر لم تصح] لأنه لم يأت بالقيام المفروض. [ولا يضر خفض رأسه] كهيئة الإطراق. [وكره قيامه على رجل واحدة لغير عذر] ويجزئ في ظاهر كلامهم. [الثاني: تكبيرة الإحرام. وهى الله أكبر. لا يجزئه غيرها] وعليه عوام أًهل العلم. قاله في المغني، لقوله في حديث المسئ: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر" وقال: "تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" رواه أبو داود. [يقولها قائماً. فإن ابتدأها أو أتمها غير قائم صحت نفلاً] لما تقدم. [وتنعقد إن مد اللام لا إن مد همزة الله، أو همزة أكبر، أو قال أكبار، أو الأكبر] لمخالفته الأحاديث. [والجهر بها، وبكل ركن وواجب بقدر ما يسمع نفسه، فرض] لأنه لا يعد آتياً بذلك بدون صوت. والصوت ما يسمع، وأقرب السامعين إليه نفسه. [الثالث: قراءة الفاتحة مرتبة] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" متفق عليه. [وفيها إحدى عشرة تشديدة، فإن ترك واحدة، أو حرفاً، ولم يأت

_ 1 البقرة/ 238.

بما ترك تصح] لأنه لم يقرأها كلها. والشدة أقيمت مقام حرف. قاله في الكافي. [فإن لم يعرف إلا آية كررها بقدرها،] لأنها بدل عنها، فاعتبرت المماثلة، وإن لم يعرف آيةً عدل إلى التسبيح، والتهليل، لحديث عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إني لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن فعلمني ما يجزئني فقال: "قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله" رواه أبو داود. [ومن أمتنعت قراءته قائماً صلى قاعداً وقرأ] لأن القراءة آكد. [الرابع: الركوع] وهو واجب بالإجماع. قاله في المغني لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} 1 [الحج: 77] ، ولحديث المسىء وغيره. [وأقله أن ينحني بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه وأكمله أن يمد ظهره مستوياً، ويجعل رأسه حياله] لحديث أبي حميد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره وفي لفظ فلم يصوب رأسه، ولم يقنع حديث صحيح. [الخامس: الرفع منه، ولا يقصد غيره. فلو رفع فزعاً من شئ لم يكف] [السادس: الاعتدال قائماً] لقوله صلى الله عليه وسلم: للمسئ في صلاته: "ثم ارفع حتى تعتدل قائماً". [ولا تبطل إن طال] لقول أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم

_ 1 الحج/ 77.

إذا قال: "سمع الله لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم" الحديث. رواه مسلم. [السابع: السجود] لقوله تعالى: {وَاسْجُدُوا} 1 [الحج: 77] وقوله صلى الله عليه وسلم "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً". [وأكمله تمكين جبهته، وأنفه، وكفيه، وركبتيه، وأطراف أصابع رجليه من محل سجوده] لما في حديث أبي حميد: كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد أمكن جبهته، وأنفه من الأرض الحديث. [وأقله وضع جزء من كل عضو] لقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين" متفق عليه. [ويعتبر المقر لأعضاء السجود، فلو وضع جبهته على نحو قطن منقوش، ولم ينكبس لم تصح] لعدم المكان المستقر عليه. [ويصح سجوده على كمه، وذيله، ويكره بلا عذر] لقول أنس: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود متفق عليه. وقال البخاري في صحيحه، قال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة، والقلنسوة، ويداه في كمه. وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال: جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بنا في مسجد بني عبد الأشهل. فرأيته واضعاً يديه في ثوبه إذا سجد رواه أحمد، وقال إبراهيم: كانوا يصلون في المساتق، والبرانس، والطيالسة ولا يخرجون أيديهم. رواه سعيد.

_ 1 الحج/ 77.

[ومن عجز بالجبهة لم يلزمه بغيرها] لأنها الأصل فيه، وغيرها تبع لها، لحديث ابن عمر مرفوعاً: "إن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما" رواه أحمد وأبو داود والنسائى. وليس المراد وضعهما بعد الوجه، بل إنهما تابعان له في السجود، وغيرهما أولى، أو مثلهما. [ويومئ ما يمكنه] لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". [الثامن: الرفع من السجود] [التاسع: الجلوس بين السجدتين] لقوله صلى الله عليه وسلم للمسئ: "ثم ارفع حتى تطمئن جالساً". [وكيف جلس كفى، والسنة أن يجلس مفترشاً على رجله اليسرى، وينصب اليمنى، ويوجهها إلى القبلة] لقول عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى، وينهى عن عقبة الشيطان رواه مسلم. وقال ابن عمر: من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة. [العاشر: الطمأنينة وهي السكون. وإن قل في كل ركن فعلي] لأمره صلى الله عليه وسلم الأعرابي بها في جميع الأركان، ولما أخل بها قال له: "ارجع فصل فإنك لم تصل". [الحادي عشر: التشهد الأخير] لقول ابن مسعود: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله من عباده. فقال النبي صلى الله

عليه وسلم "لا تقولوا السلام على الله، ولكن قولوا التحيات لله". فدل هذا على أنه فرض. [وهو: اللهم صل على محمد بعد الإتيان بما يجزئ من التشهد الأول] لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عجرة لما قالوا قد عرفنا أو علمنا كيف السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا اللهم صل على محمد" الحديث متفق عليه. [والمجزئ منه. التحيات لله سلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته، سلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. والكامل مشهور] واختار أحمد تشهد ابن مسعود، فإن تشهد بغيره مما صح عنه صلى الله عليه وسلم جاز. نص عليه. وتشهد ابن مسعود هو قوله: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن "التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته، السًلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله". متفق عليه. قال الترمذي هو أصح حديث في التشهد. والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين. ويترجح أيضاً "بأنه عليه الصلاة والسلام أمره أن يعلمه الناس" رواه أحمد. [الثانى عشر الجلوس له، وللتسليمتين. فلو تشهد غير جالس، أو سلم الأولى جالساً، والثانية غير جالس لم تصح] لأنه صلى الله عليه وسلم فعله وداوم عليه وقد قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي". [الثالث عشر: التسليمتان] لقوله صلى الله عليه وسلم "وتحليلها التسليم" رواه أبو داود، والترمذى.

[وهو أن يقول مرتين: السلام عليكم، ورحمة الله. والأولى أن لا يزيد: وبركاته] لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله رواه مسلم. [ويكفي في النفل تسليمة واحدة] لقول ابن عمر كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها رواه اًحمد. [وكذا في الجنازة] السنة فيها تسليمة واحدة عن يمينه. قال الإمام اًحمد: عن ستة من الصحابة، وليس فيه اختلاف، إلا عن إبراهيم. قاله في المغني. وقال ابن: المنذرأجمع كل من نحفظ عنه، أن صلاة من اقتصرعلى تسليمة واحدة جائزة. قاله في المغني، والكافي. وقال في الإنصاف: قلت: هذامبالغة. قال ابن القيم: وهذه عادته، إذا رأى أكثر أهل العلم. حكاه إجماعاً. [الرابع عشر: ترتيب الأركان كما ذكرنا. فلو سجد مثلاً قبل ركوعه عمداً بطلت، وسهواً لزمه الرجوع ليركع، ثم يسجد] لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها مرتبة. وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وعلمها المسئ في صلاته مرتبة بثمَّ.

وسلم يكبر في كل رفع، وخفض، وقيام، وقعود رواه أحمد، والنسائي، والترمذي وصححه. وأمر به. وأمره للوجوب. [لكن تكبيرة المسبوق التي بعد تكبيرة الإحرام سنة] للركوع، نص عليه. لأنه نقل عن زيد بن ثابت، وابن عمر، ولم يعرف لهما مخالف. قاله في المغني. [وقول: سمع الله لمن حمده للإمام، والمنفرد] لحديث أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكبر حين يقوم إلى الصلاة، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: "سمع الله لمن حمده"، حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول - وهو قائم – "ربنا ولك الحمد" الحديث. متفق عليه. [لا للمأموم] لحديث أبي موسى، وفيه وإذا قال: "سمع الله لمن حمده"، فقولوا: "اللهم ربنا لك الحمد" رواه أحمد ومسلم. [وقول ربنا ولك الحمد للكل] لما تقدم، قال في المغني: وهو قول أكثر أهل العلم. [وقول: سبحان ربي العظيم مرة في الركرع، وسبحان ربى الأعلى مرة فى السجود] لقول حذيفة في حديثه: فكان - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم". وفي سجوده: "سبحان ربي الأعلى" رواه الخمسة، وصححه الترمذي. وعن عقبة بن عامر قال: لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} 1 قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها فى ركوعكم" فلما نزلت:

_ 1 الواقعة/ 74، 96.

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} 1 قال: "اجعلوها في سجودكم" رواه أحمد، وأبو داود. وابن ماجه. [وربى اغفر لى بين السجدتين] لحديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين "رب اغفر لي، رب اغفر لي" رواه النسائي وابن ماجه. [والتشهد الأول على غير من قام إمامه سهواً] لوجوب متابعته. [والجلوس له] لحديث ابن مسعود مرفوعاً: "إذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحيات لله ... " الحديث رواه أحمد والنسائي. وفي حديث رفاعة بن رافع: فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن، وافترش فخذك اليسرى، ثم تشهد رواه أبو داود. ولما نسيه في صلاة الظهر، سجد سجدتين قبل أن يسلم مكان ما نسي من الجلوس رواه الجماعة بمعناه. [وسننها: أقوال، وأفعال. ولا تبطل الصلاة بترك شئ منها، ولو عمداً. ويباح السجود لسهوه] لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين". [فسنن الأقوال أحد عشر: قوله بعد تكبيرة الإحرام: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك] قال أحمد: أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر- يعني ما رواه الأسود - أنه صلى خلف عمر فسمعه كبر، ثم قال: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" رواه مسلم. ولأن عائشة وأبا سعيد قالا: كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال ذلك. 1 الأعلى/ 1.

[والتعوذ] للآية. وقال ابن المنذر: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". [والبسملة] لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة: "بسم الله الرحمن الرحيم". وعدها آية ولأن الصحابة أثبتوها في المصاحف فيما جمعوا من القرآن. قاله في الكافي. [وقول: آمين] لحديث "إذا أمن الإمام فأمنوا" متفق عليه. [وقراءة السورة بعد الفاتحة] في الأوليين للأحاديث. قال في المغني: ولا نعلم خلافاً في اًنه يسن قراءة سورة مع الفاتحة في الأوليين. [والجهر بالقراءة للإمام] في الصبح، والجمعة والأوليين من المغرب، والعشاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. [ويكره للمأموم] لأنه لا يقصد إسماع غيره، وهو مأمور بالإنصات. [ويخير المنفرد] قيل لأحمد: رجل فاتته ركعة من المغرب، أو العشاء مع الإمام أيجهر أم يخافت؟ فقال: إن شاء جهر وإن شاء خافت. وقال الشافعي يسن الجهر لأ نه غير مأمور بالإنصات قاله في المغني. [وقول غير المأموم بعد التحميد: ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شئ بعد] لما روى أبو سعيد وابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه قال: "سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد ملء السماء وملء الأرض، وملء ما شئت من شئ بعد" متفق عليه. ولا يستحب للمأموم الزيادة على "ربنا ولك الحمد" نص عليه لقوله: وإذا قال: "سمع الله لمن حمده" فقولوا "ربنا ولك الحمد".

ولم يأمرهم بغيره. وعنه ما يدل على استحبابه. وهو اختيار أبي الخطاب، لأنه ذكر مشروع للإمام فشرع للمأموم، كالتكبير. قاله في الكافي. [وما زاد على المرة في تسبيح الركوع والسجود، ورب اغفر لي] لحديث سعيد بن جبيرعن أنس قال: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة به من هذا الفتى - يعني عمر بن عبد العزيز - قال: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي. [والصلاة في التشهد الأخير على آله عليه السلام والبركة عليه وعليهم] لحديث كعب بن عجزة: خرج علينا النبي، صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك: فكيف نصلي عليك؟ قال "قولوا اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمدً، وعلى آل محمدً، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد" متفق عليه. [والدعاء بعده] لحديث أبي هريرة مرفوعاً "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال" رواه الجماعة إلا البخاري، والترمذي. [وسنن الأفعال، وتسمى الهيئات: رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وحطهما عقب ذلك] لأن مالك بن الحويرث إذا صلى كبر، ورفع يديه. وإذا أراد أن يركع رفع يديه.

وإذا رفع رأسه رفع يديه. وحدث أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم صنع هكذا متفق عليه. [ووضع اليمين على الشمال، وجعلهما تحت سرته] لحديث وائل بن حجر وفيه ثم وضع اليمنى على اليسرى رواه أحمد، ومسلم. وقال علي رضي الله عنه: إن من السنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف تحت السرة رواه أحمد. [ونظره إلى موضع سجوده] لما روى ابن سيرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقلب بصره في السماء فنزلت هذه الآية {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} 1 فطأطأ رأسه رواه أحمد في الناسخ والمنسوخ، وسعيد بن منصور في سننه بنحوه، وزاد فيه وكانوا يستحبون للرجل أن لا يجاوز بصره مصلاه وهو مرسل. قال أحمد: الخشوع في الصلاة أن ينظر إلى موضع سجوده. [وتفرقته بين قدميه قائماً] ويراوح بينهما إذا طال قيامه، لحديث ابن مسعود. [وقبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في ركوعه، ومد ظهره فيه، وجعل رأسه حياله] لحديث ابن مسعود إنه ركع فجافى يديه، ووضع يديه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه. وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي. ولحديث أبي حميد المتقدم. [والبداءة في سجوده بوضع ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه] لحديث وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم،

_ 1 المؤمنون/ 2.

إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" رواه الخمسة، إلا أحمد. [وتمكين أعضاء السجود من الأرض، ومباشرتها لمحل السجود سوى الركبتين فيكره] لما تقدم. [ومجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وتفريقه بين ركبتيه، وإقامة قدميه، وجعل بطون أصابعهما على الأرض مفرقة، ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطة مضمومة الأصابع] لحديث أبي حميد في صفة صلاة رسول صلى الله عليه وسلم قال فيه: وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شئ من فخذيه. وفي حديث ابن بحينة كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد يجنح في سجوده حتى يرى وضح إبطيه متفق عليه. وفي حد يث أبي حميد: ووضع كفيه حذو منكبيه رواه أبو داود والترمذي وصححه. وفي لفظ سجد غير مفترش، ولا قابضهما، واستقبل بأطراف رجليه القبلة. [ورفع يديه أولاً في قيامه إلى الركعة] لحديث وائل بن حجر المتقدم. [وقيامه على صدور قدميه، وإعتماده على ركبتيه بيديه] لحديث أبي هريرة كان ينهض على صدور قدميه وفي حديث وائل بن حجر وإذا نهض نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه رواه أبو داود. [والافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول] لقول أبي حميد: ثم ثنى رجله اليسرى، وقعد عليها وقال: وإذا جلس في الركعتين جلس على اليسرى، ونصب الأخرى وفي لفظ وأقبل بصدر اليمنى على قبلته.

[والتورك في الثاني] لقول أبي حميد فإذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخرج رجله اليسرى، وجلس متوركاً على شقه الأيسر، وقعد على مقعدته رواه البخاري. [ووضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي الأصابع بين السجدتين. وكذا في التشهد، إلا اًنه يقبض من اليمنى الخنصر والبنصر، ويلحق إبهامها مع الوسطى. ويشير بسبابتها عند ذكر الله] لحديث ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام، فدعا بها رواه أحمد ومسلم. وفي حديث وائل بن حجر: ثم قبض ثنتين من أصابعه، وحلق حلقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها، يدعو بها رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي. [والتفاته يميناً وشمالاً في تسليمه. ونيته به الخروج من الصلاة وتفضيل الشمال على اليمين في الالتفات] لحديث عامر بن سعد عن أبيه قال: كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وعن يساره، حتى يرى بياض خده رواه أحمد ومسلم. فإن لم ينو به الخروج من الصلاة، لم تبطل. نص عليه. فإن نوى به الرد على الملكين أو على من معه، فلا بأس. نص عليه. لحديث جابر: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام، وأن يسلم بعضنا على بعض. رواه أبو داود.

فصل: فيما يكره في الصلاة

فصل فيما يكره فى الصلاة [يكره للمصلي اقتصاره على الفاتحة] لمخالفته السنة. [وتكرارها] لأنه لم ينقل، وخروجاً من خلاف من أبطلها به، لأنها ركن. [والتفاته بلا حاجة] لقوله في حديث عائشة: "هو اختلاس يختلسة الشيطان من صلاة العبد" رواه أحمد والبخاري. ولا يكره مع الحاجة لحديث سهل بن الحنظلية، قال ثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب رواه أبو داود. قال: وكان أرسل فارساً إلى الشعب يحرس. [وتغميض عينيه] نص عليه، واحتج بأنه فعل اليهود ومظنة النوم. [وحمل مشغل له] لأنه يذهب الخشوع. [وافتراش ذراعيه ساجداً] لحديث أنس مرفوعاً: "اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" متفق عليه. [والعبث] لأنه رأى رجلاً يعبث في صلاته، فقال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه". [والتخصر] لحديث أبي هريرة نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل متخصراً. متفق عليه.

[والتمطي] لاً نه يخرجه عن هيئة الخشوع. [وفتح فمه. ووضعه فيه شيئاً] لأنه يذهب الخشوع، ويمنع كمال الحروف. [واستقبال صورة] لما فيه من التشبه بعبادة الأوثان. [ووجه آدمي] نص عليه. [ومتحدث ونائم] لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى النائم والمتحدث رواه أبو داود. [ونار] نص عليه. لأنه تشبه بالمجوس. [وما يلهيه] لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى اًعلامها نظرة. فلما انصرف قال "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانيته، فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي" متفق عليه. [ومس الحصى وتسوية التراب بلا عذر] لحديث أبي ذر مرفوعاً: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى، فإن الرحمة تواجهه" رواه أبو داود. [وتروح بمروحة] لأنه من العبث. قاله في الكافي. [وفرقعة أصابعه، وتشبيكها] لحديث علي مرفوعاً: "لا تقعقع أصابعك، وأنت في الصلاة" رواه ابن ماجة. وعن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة، ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه رواه الترمذي وابن ماجة. وقال ابن عمر في الذي يصلي، وهو مشبك: "تلك صلاة المغضوب عليهم" رواه ابن ماجة.

[ومس لحيته] لأنه من العبث. [وكف ثوبه] لحديث "ولا أكف ثوباً ولا شعراً" متفق عليه. ونهى أحمد رجلاً كان إذا سجد جمع ثوبه بيده اليسرى. [ومتى كثر ذلك عرفاً، بطلت] لأن العمل الكثير المتوالي يبطلها، - كما يأتي [وأن يخص جبهته بما يسجد عليه] لأنه من شعار الرافضة. [وأن يمسح فيها أثر سجوده] لقول ابن مسعود إن من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل أن يفرغ من الصلاة. [وأن يستند بلا حاجة] لأنه يزيل مشقة القيام، ويجوز لها، لأنه صلى الله عليه وسلم لما أسن، وأخذه اللحم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه رواه أبو داود. [فإن استند بحيث يقع لو أزيل ما إستند إليه، بطلت] صلاته لأنه بمنزلة غير القائم. [وحمده إذا عطس أو وجد مايسره. واسترجاعه إذا وجد ما يغمه] خروجاً من خلاف من أبطل الصلاة بذلك. ونص أحمد على عدم البطلان، وذكر حديث علي حين أجاب الخارجي ويأتي في الحدود.

فصل: فيما يبطل الصلاة

فصل فيما يبطل الصلاة [يبطلها ما أبطل الطهارة] لأنها شرط. [وكشف العورة عمداً] لما تقدم في الشروط. [لا إن كشفها نحو ريح، فسترها في الحال] فلا تبطل لأنه يسير أشبه اليسير من العورة. قاله في الكافي. [أولا، وكان المكشوف لا يفحش في النظر] لأنه يسير، يشق التحرز منه، وقال التميمي: إن بدت وقتاً، واستترت وقتاً، لم يعد، لحديث عمرو بن سلمة. فلم يشترط اليسير. قاله في الشرح. [واستدبار القبلة حيث شرط استقبالها، واتصال النجاسة به إن لم يزلها فى الحال] لما تقدم في الشروط. [والعمل الكثير عادة من غير جنسها لغير ضرورة] كالمشي، والحك، والتروح فإن كثر متوالياً أبطل الصلاة إجماعاً. قاله في الكافي. قال: وإن قل لم يبطلها، لحمله صلى الله عليه وسلم أمامة في صلاته. إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها متفق عليه. وفتح الباب لعائشة وهو في الصلاة. وتقدم وتأخر في صلاة الكسوف. [والإستناد قويا لغير عذر] لأن القيام ركن، والمستند قوياً كغير قائم.

[ورجوعه عالماً ذاكراً للتشهد الأول بعد الشروع في القراءة] لما روى زياد بن علاقة، قال صلى بنا المغيرة بن شعبة. فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس. فسبح به من خلفه، فأشار إليهم، قوموا. فلما فرغ من صلاته سلم، وسجد سجدتين، وسلم، وقال: هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد. ولقوله صلى الله عليه وسلم:" فإن استتم قائماً فلا يجلس، وليسجد سجدتين" رواه أبو داود وابن ماجه. [وتعمد زيادة ركن فعلي] لأنه، يخل بهيئتها فتبطل إجماعاً. قاله في الشرح. [وتعمد تقديم بعض الأركان على بعض] لأن ترتيبها ركن كما تقدم. [وتعمد السلام قبل إتمامها] لأنه تكلم فيها. [وتعمد إحالة المعنى في القراءة] أي قراءة الفاتحة. لأنها ركن. [وبوجود سترة بعيده، وهو عريان] لأنه يحتاج إلى عمل كثير للاستتار بها. [وبفسخ النية، وبالتردد في الفسخ وبالعزم عليه] لأن استدامة النية شرط. [وبشكه: هل نوى فعمل مع الشك عملاً] قال في الكافي: ومتى شك في الصلاة، هل نوى أم لا، لزمه استئنافها، لأن الأصل عدمها. فإن ذكر أنه نوى قبل أن يحدث شيئاً من أفعال الصلاة أجزأه، وإن فعل شيئاً قبل ذكره بطلت صلاته، لأنه فعله شاكاً في صلاته. [وبالدعاء بملاذ الدنيا] وما يشبه كلام الآدميين، لقوله صلى الله

عليه وسلم: "إن صلاتنا هذه لا يصح فيها شئ من كلام الناس، إنما هي التسبيح، والتكبير وقراءة القرآن" رواه مسلم. [وبالإتيان بكاف الخطاب لغير الله ورسوله أحمد] لأنه كلام وقوله صلى الله عليه وسلم لما عرض له الشيطان في صلاته: "أعوذ بالله منك. ألعنك بلعنة الله" قبل التحريم، أو مؤول. قاله في الفروع. وعده في الإقناع في باب النكاح من خصائصه صلى الله عليه وسلم. [وبالقهقهة] لحديث جابر مرفوعاً "القهقهة تنقض الصلاة، ولا تنقض الوضوء" رواه الدارقطني. وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة. وأكثر أهل العلم على أن التبسم لا يفسدها. قاله في المغني. [وبالكلام ولو سهواً] لما تقدم. وقوله: "فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" رواه الجماعة، عن زيد بن أرقم. [وبتقدم المأموم على إمامه] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به". [ويبطلان صلاة إمامه] لعذر أو غيره اختاره الأًكثر وفاقاً لأبي حنيفة. قاله في الفروع. [وبسلامه عمداً قبل إمامه] لأنه ترك متابعة إمامه لغير عذر. [أوسهواً، ولم يعده بعده] فتبطل وفاقاً للشافعي. قاله في الفروع. [وبالأًكل والشرب] قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن من أكل أو شرب في الفرض عامداً أن عليه الإعادة.

[سوى اليسير عرفاً لناس وجاهل] ويسجد له، لأنه تبطل الصلاة بعمده، فعفي عن سهوه، فيسجد له. قاله في الكافي. [ولا تبطل إن بلع ما بين أسنانه بلا مضغ] لأنه لا يمكن التحرز منه. [وكالكلام إن تنحنح بلا حاجة، أو نفخ فبان حرفان] لقول ابن عباس: من نفخ في صلاته فقد تكلم رواه سعيد. وعن أبي هريرة نحوه. وقال ابن المنذر: لا يثبت عنهما، والمثبت مقدم على النافي. وعنه أكرهه، ولا أقول: يقطع الصلاة، لحديث الكسوف، وفيه: "ثم نفخ فقال أف أف" رواه أبو داود. وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في صلاته. [أو انتحب لا خشية لله] فإن كان من خشية الله تعالى لم يبطلها، لأن عمر كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف. [لا إن نام فتكلم، أو سبق على لسانه حال قراءته] أوغلط فيها، فأتى بكلمة من غير القرآن. وتوقف أحمد في كلام النائم، وينبغي أن لا تبطل لرفع القلم عنه. قاله في المغني. [أو غلبه سعال، أو عطاس، أو تثاؤب، أو بكاء1] نص عليه في البكاء وقال مهنا: صليت إلى جنب أبي عبد الله، فتثاءب خمس مرات، وسمعت لتثاؤبه هاه، ولأنه صلى الله عليه وسلم قرأ من المؤمنين إلى ذكر موسى وهارون، ثم أخذته سعلة فركع رواه النسائي.

_ 1 في هامش نسحة الكتبي ما يلي: قوله لا إن نام فذلك النوم اليسير من قائم أو جالس.

باب سجود السهو

باب سجود السهو مدخل ... باب سجود السهو [يسن إذا أتى بقول مشروع في غير محله سهواً] لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين" رواه مسلم. [ويباح إذا ترك مسنوناً] ولا يسن لأنه لا يمكن التحرز منه. [ويجب إذا زاد ركوعاً، أو سجوداً، أو قياماً. أو قعوداً، ولو قدر جلسة الاستراحة1] لحديث، ابن مسعود: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً، فلما انفتل من الصلاة توشوش القوم بينهم، فقال: "ما شأنكم؟ " فقالوا: يا رسول الله هل زيد في الصلاة شئ قال: "لا". قالوا: فإنك صليت خمساً. "فانفتل فسجد سجدتين"، ثم سلم، ثم قال: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسي اًحدكم فليسجد سجدتين" وفي لفظ "فإذا زاد الرجل أو نقص، فليسجد سجدتين" رواه مسلم. [أو سلم قبل إتمامها] لحديث عمران بن حصين قال: سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر، ثم قام، فدخل الحجرة، فقام رجل بسيط اليدين فقال: أقصرت الصلاة؟ فخرج

_ 1 وفي هامش نسخة الكتبي ما يلي: قوله قدر جلسة الاستراحة فيه تفصيل فإذا كان السهو في جلسة الاستراحة ففه صورتان: الأولى إذا تعمده فهذا مكروه في حقه ذلك الفعل ولا يسجد للسهو. والثانية إذا جلسها ساهيا فحينئذ يسجد للسهو وجوبا. وإن كان في غيرها وكان قدرها لزمه سجود السهو.

فصلى الركعة التي كان ترك ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم رواه مسلم. [أو لحن لحناً يحيل المعنى] لأن عمده يبطل الصلاة، فوجب السجود لسهوه. [أو ترك واجباً] لحديث ابن بحينة أنه صلى الله عليه وسلم قام في الظهر من ركعتين، فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى الصلاة، انتظر الناس تسليمه، كبر فسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم متفق عليه. فثبت هذا بالخبر، وقسنا عليه سائر الواجبات. قاله في الكافي. [أو شك في زيادة وقت فعلها] لأنه أدى جزءاً من صلاته متردداً في كونه منها، أو زائداً عليها، فضعفت النية، واحتاجت للجبر بالسجود لعموم حديث: "إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين" متفق عليه. فان شك في الزيادة بعد فعلها فلا سجود عليه، لأن الأصل عدم الزيادة، فلحق بالمعدوم. [وتبطل الصلاة بتعمد ترك سجود السهو الواجب] لأنه ترك واجباً من الصلاة عمداً. [إلا إن ترك ما وجب بسلامه قبل إتمامها] لأنه محل السجود له بعد السلام ندباً، فلم يؤثر تركه في إبطالها، لأنه خارج عنها. [وإن شاء سجد سجدتي السهو قبل السلام، أو بعده] لأن الأحاديث وردت بكل من الأمرين، فلو سجد للكل قبل السلام أو بعده جاز. وقال الزهري: كان آخر الأمرين السجود قبل السلام، ذكره في المغني.

[لكن إن سجدهما بعده تشهد وجوباً وسلم] لحديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم، فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم. رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه. ولأن السجود بعد السلام في حكم المستقل بنفسه من وجه، فاحتاح إلى التشهد، كما احتاح إلى السلام. [وان نسي السجود حتى طال الفصل. عرفاً أو أحدث، أو خرج من المسجد، سقط] نص عليه. لفوات محله. [ولا سجود على مأموم دخل أول الصلاة إذا سها في صلاته] في قول عامة أهل العلم. قاله في المغني لحديث ابن عمر مرفوعاً: "ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها إمامه فعليه، وعلى من خلفه" رواه الدارقطني. [وإن سها إمامه لزمه متابعته في سجود السهو] حكاه ابن المنذر إجماعاً، لما تقدم. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما سجد لترك التشهد الأول، والسلام من نقصان، سجد الناس معه ولعموم قوله: "فإذا سجد فاسجدوا". [فإن لم يسجد إمامه، وجب عليه هو] وبه قال مالك. قال في المغني: لأن صلاته نقصت بسهو إمامه، فلم يجبرها، فلزمه هو جبرها، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "فعليه، وعلى من خلفه". [وإن قام لركعة زائدة جلس متى ذكر] فإن كان قد تشهد عقب الركعة التي تمت بها صلاته، سجد للسهو، ثم سلم. وإلا تشهد وسجد، وسلم.

[وإن نهض عن ترك التشهد الأولى ناسياً، لزمه الرجرع ليتشهد، وكره إن استتم قائماً] لحديث المغيرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم من الركعتين، فلم يستتم قائماً فليجلس، فإن استتم قائماً فلا يجلس، وليسجد سجدتين". رواه أبو داود وابن ماجه. [ولزم المأموم متابعته] لحديث: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" ولما قام عليه السلام عن التشهد قام الناس معه وفعله جماعة من الصحابة. [ولا يرجع إن شرع فى القراءة] لأن القراءة ركن مقصود، فإذا شرع فيه لم يرجع إلى واجب، ولحديث المغيرة. [ومن شك في ركن، أو عدد ركعات، وهو في الصلاة بنى على اليقين - وهو الأقل - ويسجد للسهو] لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدرأصلى ثلاثاً، أو أربعاً فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، فإن كان صلى أربعاً كانتا ترغيماً للشيطان" رواه أحمد، ومسلم. [وبعد فراغه لا أثر للشك] لأن الظاهر الإتيان بها على الوجه المشروع، ولأن ذلك يكثر فيشق الرجوع إليه. قاله في الكافي.

باب صلاة التطوع

باب صلاة التطوع مدخل ... باب صلاة التطوع [وهي أفضل تطوع البدن] لقوله صلى الله عليه وسلم "واعلموا أن من خير أعمالكم الصلاة" رواه ابن ماجه. [بعد الجهاد] لقوله تعالى: {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} الآية1. وحديث "وذروة سنامه الجهاد". [والعلم] تعلمه، وتعليمه. قال أبو الدرداء: العالم، والمتعلم في الأجر سواء وسائر الناس همج لاخير فيهم. [وأفضلها ما سن جماعة] لأنه أشبه بالفرائض. [وآكدها الكسوف] لأنه صلى الله عليه وسلم "فعلها، وأمر بها". [فالإستسقاء] لأنه صلى الله عليه وسلم كان يستسقي تارة، ويترك أخرى. [فالتراويح] لأنها تسن لها الجماعة. [فالوتر] لحديث بريدة مرفوعاً: "من لم يوتر فليس منا" رواه أحمد. [وأقله ركعة] لحديث ابن عمر، وابن عباس مرفوعاً: "الوتر ركعة من آخر الليل" رواه مسلم. [وأكثره إحدى عشرة] لقول عائشة: كان النبي صلى الله عليه

_ 1 النساء/94.

وسلم يصلى بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة متفق عليه. [وأدنى الكمال ثلاث بسلامين] لأن ابن عمر كان يسلم من ركعتين حتى يأمر ببعض حاجته. [ويجوز بواحد سرداً] لحديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يفصل فيهن رواه أحمد، والنسائي. [ووقته ما بين صلاة العشاء، وطلوع الفجر] لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "أوتروا قبل أن تصبحوا" رواه مسلم. وحديث "إن الله قد أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم: وهي الوتر فصلوها فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر" رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه. [ويقنت فيه بعد الركوع ندباً] لأنه صح عنه صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة، وأنس، وابن عباس. وعن عمر، وعلي أنهما كانا يقنتان بعد الركوع رواه أحمد، والأثرم. [فلو كبر، ورفع يديه، ثم قنت قبل الركوع جاز] لحديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت قبل الركوع رواه أبو داود. وروى الأثرم عن ابن مسعود أنه كان يقنت في الوتر، وكان إذا فرغ من القراءة كبر، ورفع يديه، ثم قنت وقال أبو بكر الخطيب: الأحاديث التي فيها القنوت قبل الركوع كلها معلولة. [ولا بأس اًن يدعو في قنوته بما شاء] لأن عمر رضي الله عنه قنت بسورتي أبي قال ابن سيرين: كتبهما أبي في مصحفه إلى قوله ملحق. [ومما ورد "اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا

فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شرما قضيت، إنك تقضى ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت"] رواه أحمد ولفظه له، والترمذي وحسنه، من حديث الحسن ابن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر "اللهم اهدني، إلى وتعاليت" وليس فيه: "ولا يعز من عاديت". ورواه البيهقي، وأثبتها فيه. ["اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"] لحديث علي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك" إلى آخره رواه الخمسة، والروايتان بالإفراد وجمعهما المؤلف، ليشارك الإمام المأموم في الدعاء. [ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم] لحديث الحسن بن علي السابق، وفي آخره: وصلى الله على محمد رواه النسائي. وعن عمر: الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شئ حتى تصلي على نبيك رواه الترمذي. [ويؤمن المأموم] إن سمعه، لا نعلم خلافاً، قاله إسحاق، ولحديث ابن عباس. [ثم يمسح وجهه بيديه هنا وخارج الصلاة] إذا دعا، لعموم حديث عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لا يحطهما حتى يمسح بهما وجهه رواه الترمذي. ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس "فإذا فرغت فامسح بهما وجهك" رواه أبو داود، وابن ماجه.

[وكره القنوت فى غير الوتر] حتى في الفجر، لحديث مالك الأشجعى قال: قلت لأبى: يا أبت إنك صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ها هنا بالكوفة نحو خمس سنين، أكانوا يقنتون في الفجر؟ قال: أي بني محدث رواه أحمد، والترمذي، وصححه. وعن سعيد بن جبير قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: إن القنوت في صلاة الفجر بدعة رواه الدارقطني. [وأفضل الرواتب سنة الفجر] لحديث عائشة مرفوعاً: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" رواه أحمد، ومسلم، والترمذي، وصححه. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "لا تدعوا ركعتي الفجر، ولو طردتكم الخيل" رواه أحمد، وأبو داود. [ثم المغرب] لحديث عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصلاة بعد المكتوبة سوى المكتوبة؟ فقال "نعم بين المغرب، والعشاء". [ثم سواء. والرواتب المؤكدة عشر: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها1، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر] لقول ابن عمر: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الغداة، كانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فحدثتني حفصة أنه كان إذا طلع الفجر، وأذن المؤذن صلى ركعتين متفق عليه.

_ 1 إن لفظة المؤكدة من مخطوطات المتن وسقطت من الأصل.

[ويسن قضاء الرواتب، والوتر] لأنه صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الفجر حين نام عنها وقضى الركعتين اللتين قبل الظهر بعد العصر وقيس الباقي. وعن أبي سعيد مرفوعاً: "من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره" رواه أبو داود. [إلا ما فات مع فرضه وكثر فالأولى تركه] لحصول المشقة به، إلا سنة الفجر فيقضيها مطلقاً لتأكدها. [وفعل الكل ببيت أفضل] لحديث: "عليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" رواه مسلم. لكن ما شرع له الجماعة مستثنى أيضاً. [ويسن الفصل بين الفرض، وسنته بقيام، أو كلام] لقول معاوية: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم، أو نخرج رواه مسلم. [والتراويح عشرون ركعة برمضان] جماعة1، لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يصلي في شهر رمضان عشرين ركعة" رواه أبو بكر عبد العزيز في الشافي بإسناده. وعن يزيد بن رومان: كان الناس في زمن عمر بن الخطاب يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة رواه مالك. وعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم، جمع أهله وأصحابه وقال: "إنه من قام مع الإمام، حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة" رواه أحمد، والترمذي، وصححه.

_ 1 الثابت عنه صلى الله عليه وآله وسلم، أنه صلاها أحدى عشرة ركعة مع الوتر، انظر رسالة "صلاة التراويح" للمحدث الشيخ ناصر الدين الألباني المطبوعة بدمشق سنة 1377هـ.

[ووقتهما ما بين العشاء والوتر] لحديث "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" متفق عليه.

فصل: في صلاة الليل والضحى

فصل: في صلاة الليل والضحى [وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" رواه مسلم. [والنصف الأخير أفضل من الأول] لقوله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا إذا مضى شطر الليل" الحديث رواه مسلم. وحديث: "أفضل الصلاةً صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينامً سدسه". [والتهجد ما كان بعد النوم] لقول عائشة رضي الله عنها: الناشئة القيام بعد النوم وقال الإمام أحمد: الناشئة لا تكون إلا بعد رقدة، ومن لم يرقد فلا ناشئة له، وقال: هي أشد وطءاً أي: تثبتاً تفهم ما تقرأ وتعي أذنك. [ويسن قيام الليل] لحديث: "عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم" رواه الحاكم وصححه. [وافتتاحه بركعتين خفيفتين] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا قام أحدكم من الليل فليفتح صلاته بركعتين خفيفتين" رواه أحمد، ومسلم وأبو داود. [ونيته عند النوم] لحديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه

وسلم قال: "من نام، ونيته أن يقوم كتب له ما نوى، وكان نومه صدقةً عليه" رواه أبو داود، والنسائي. [ويصح التطوع بركعة] قياساً على الوتر، قال في الإقناع: مع الكراهة. [وأجر القاعد غير المعذور نصف أجر القائم] لحديث: "من صلى قائماً فهوأفضل، ومن صلى قاعداً فلة نصف أجر القائم" متفق عليه. أما المعذور فأجره قاعداً كأجره قائماً للعذر. [وكثرة الركوع، والسجود اًفضل من طول القيام] غير ما ورد تطويله، كصلاة كسوف، لحديث: "أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد" وأمره صلى الله عليه وسلم بكثرة السجود في غير حديث رواهن أحمد، ومسلم، واًبو داود. وعنه: طول القيام أفضل، لحديث جابر مرفوعاً: "أفضل الصلاة طول القنوت" رواه أحمد، ومسلم، والترمذي. وعنه التساوي، اختاره الشيخ تقي الدين، وقال: التحقيق أن ذكر القيام - وهو القراءة - أفضل من ذكر الركوع، والسجود. ونفس الركوع، والسجود، أفضل من نفس القيام، فاعتدلا. [وتسن صلاة الضحى] لحديث أبي هريرة، وأبي الدرداء، رواهما مسلم. [غباً] بأن يصليها في بعض الأيام دون بعض، لحديث أبي سعيد، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها رواه أحمد، والترمذي، وقال: حسن غريب.

[وأقلها ركعتان] لحديث: وركعتي الضحى وصلاها صلى الله عليه وسلم أربعاً كما في حديث عائشة، رواه أحمد، ومسلم وصلاها ستاً كما في حديث جابر بن عبد الله رواه البخاري في تاريخه. [وأكثرها ثمان] لحديث أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح، صلى ثماني ركعات سبحة الضحى رواه الجماعة. [ووقتها من خروج وقت النهى إلى قبيل الزوال] لحديث: "قال الله تعالى: ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" رواه الخمسة، إلا ابن ماجه. [وأفضله إذا اشتد الحر] لحديث "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" رواه مسلم. [وتسن تحية المسجد] لحديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" رواه الجماعة. [وسنة الوضوء] لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر: "يا بلال حدًثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف1 نعليك بين يدي في الجنة"، قال: ما عملت عملاً أرجى عندي، أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل، ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي. متفق عليه. [وإحياء ما بين العشاءين. وهو من قيام الليل] قال الإمام أحمد: قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر، وعن قتادة عن أنس في قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} 2 قال: كانوا يصلون فيما بين

_ 1 قال الحميدي: الدف الحركة الخفيفة والسير اللين. 2 الذاريات/17.

المغرب والعثساء وكذلك {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} 1 رواه أبو داود. وعن حذيفة قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، فلما قضى صلاته قام، فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء، ثم خرج رواه أحمد، والترمذي.

_ 1 ألم – السجدة/16.

فصل: في سجود التلاوة والشكر

فصل في سجود التلاوة والشكر [ويسن سجود التلاوة مع قصر الفصل للقارئ، والمستمع] لحديث ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة، فيسجد، ونسجد معه، حتى ما يجد أحدنا موضعاً لجبهته. متفق عليه. [وهو كالنافلة فيما يعتبر لها] من الشروط لأنه سجود يقصد به التقرب إلى الله تعالى، فكان صلاة كسجود الصلاة. [يكبر إذا سجد بعد تكبيرة إحرام] لقول ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر، وسجد، وسجدنا معه رواه أبو داود. [وإذا رفع] كبر. قال في الفروع: في الأصح وفاقاً - يعني للأئمة الثلاثة - وفي الكافي: يكبر للرفع منه، ولأنه رفع من سجود أشبه سجود الصلاة، وسجود السهو. [ويجلس ويسلم] إذا رفع تسليمة واحدة، كصلاة الجنازة، لعموم حديث: وتحليلها التسليم. [بلا تشهد] لأنه لم ينقل فيه. [وإن سجد المأموم لقراءة نفسه، أو لقراءة غير إمامه عمداً بطلت صلاته]

لزيادته فيها عمداً، ولحديث: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه". [ويلزم المأموم متابعة إمامه في صلاة الجهر، فلو ترك متابعته عمداً بطلت صلاته] للحديث السابق. [ويعتبر كون القارئ يصلح إماماً للمستمع، فلا يسجد إن لم يسجد] القارئ لحديث عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم، أتى إلى نفر من أصحابه، فقرأ رجل منهم سجدة، ثم نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك كنت إمامنا، ولو سجدت سجدنا" رواه الشافعي وغيره. [ولا قدامه، ولا عن يساره مع خلو يمينه] أي التالي عن ساجد معه، لعدم صحة الائتمام به إذاً. [ولا يسجد رجل لتلاوة امرأة وخنثى] لعدم صحة ائتمامه بها. [ويسجد لتلاوة أمى، وزمن] لأن قراءة الفاتحة، والقيام ليسا ركناً في السجود. [ومميز] لأنه تصح إمامته في النفل. [ويسن سجود الشكر عند تجدد النعم، واندفاع النقم] لحديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجداً رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة. وسجد أبو بكر حين جاءه قتل مسيلمة رواه سعيد. وسجد علي حين وجد ذا الثدية في الخوارج رواه أحمد. وسجد كعب بن مالك لما بشر بتوبة الله عليه. وقصته متفق عليها.

[وإن سجد له عالماً ذاكراً في صلاته بطلت] لأن سببه لا يتعلق بالصلاة بخلاف سجود التلاوة. [وصفته وأحكامه كسجود التلاوة]

فصل: في أوقات النهي

فصل في أوقات النهى [وهى من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس قيد رمح] لحديث "إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر" احتج به أحمد. وعنه من صلاة الفجر، لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس" متفق عليه. [ومن صلاة العصر الى غروب الشمس] لحديث أبي سعيد، وغيره وفيه: "ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس" متفق عليه. [وعند قيامها حتى تزول] لحديث عقبة بن عامر ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع. وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف للغروب حتى تغرب رواه مسلم. [فتحرم صلاة التطوع في هذه الأوقات ولا تنعقد ولو جاهلاً للوقت والتحريم] لعموم النهي، ولأن النهي في العبادات يقتضي الفساد. [سوى سنة فجر قبلها] لما تقدم. [وركعتي الطواف] لحديث جبير مرفوعاً: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة من ليل أو نهار" رواه الأثرم، والترمذي وصححه.

[وسنة الظهر إذا جمع] لحديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم قضاهما بعد العصر متفق عليه. [وإعادة جماعة أقيمت، وهو بالمسجد] لحديث أبي ذر مرفوعاً: "صل الصلاة لوقتها، فإن أقيمت وأنت في المسجد فصل ولا تقل: إني صليت، فلا أصلي" رواه أحمد، ومسلم، وتأكدها للخلاف في وجوبها. [ويجوز فيها قضاء الفرائض] لعموم حديث: "من نام عن صلاة، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" متفق عليه. [وفعل المنذورة، ولو نذرها فيها] لأنها واجبة أشبهت الفرائض. [والإعتبار في التحريم بعد العصر بفراغ صلاة نفسه لا بشروعه فيها، فلو أحرم فيها ثم قلبها نفلاً لم يمنع من التطوع] لما تقدم. [وتباح قراءة القرآن فى الطريق] قال إبراهيم التيمي: كنت أقرأ على أبي موسى وهو يمشي في الطريق، فإذا قرأت سجدة قلت له: أسجد في الطريق؟ قال نعم. [ومع حدث أصغر، ونجاسة ثوب، وبدن، وفم] لقول علي رضي الله عنه كان صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، ثم يخرج فيقرأ القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولا يحجبه - وربما قال: لا يحجزه - من القرآن شئ ليس الجنابة رواه الخمسة. [وحفظ القرآن فرض كفاية] إجماعاً. [ويتعين حفظ ما يجب في الصلاة] وهو الفاتحة فقط على المذهب، لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب.

باب صلاة الجماعة

باب صلاة الجماعة مدخل ... باب صلاة الجماعة [تجب علي الرجال الأًحرار القادرين حضراً وسفراً] لقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} 1. والأمر للوجوب، وإذا كان ذلك مع الخوف، فمع الأمن أولى، ولحديث أبي هريرة مرفوعاً: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة، فتقام، ثم آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" متفق عليه. ولما استأذنه أعمى لا قائد له أن يرخص له أن يصلي في بيته، قال "هل تسمع النداء؟ " فقال: نعم، قال: "فأجب" رواه مسلم، وعن ابن مسعود قال: "لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق" رواه مسلم، وغيره. [وأقلها إمام، ومأموم ولو أنثى] لحديث أبي موسى مرفوعاً: "الإثنان فما فوقهما جماعة" رواه ابن ماجه. وقال صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث: "وليؤمكما أكبركما". [ولا تنعقد بالمميز في الفرض] نص عليه لأن ذلك يروى عن ابن مسعود وابن عباس.

_ 1 النساء /101.

[وتسن الجماعة في المسجد] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" وقال ابن مسعود من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن. الحديث رواه مسلم. [وللنساء منفردات عن الرجال] لفعل عائشة، وأم سلمة ذكره الدارقطني. وأمر صلى الله عليه وسلم أم ورقة أن تؤم أهل دارها رواه أبو داود والدارقطني. [وحرم أن يؤم بمسجد له إمام راتب فلا تصح إلا مع إذنه إن كره ذلك، ما لم يضق الوقت] لأنه بمنزلة صاحب البيت، وهو أحق بالإمامة ممن سواه، لحديث: "لا يؤمن الرجل في بيته إلا بإذنه" فإن كان لا يكره ذلك، أو ضاق الوقت صحت لأن أبا بكر صلى حين غاب النبي صلى الله عليه وسلم وفعله عبد الرحمن بن عوف فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أحسنتم" رواه مسلم. [ومن كبر قبل تسليمة الإمام الأولى أدرك الجماعة. ومن أدرك الركوع غير شاكً أدرك الركعة، واطمأن، ثم تابع] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا جئتم إلى الصلاة، ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك ركعةً فقد أدرك الصلاة" رواه أبو داود. وفي لفظ له: "من أدرك الركوع أدرك الركعة". [وسن دخول المأموم مع إمامه كيف أدركه] لما تقدم. [وإن قام المسبوق قبل تسليمة إمامه الثانية، ولم يرجع انقلبت نفلاً] لتركه العود الواجب لمتابعة إمامه بلا عذر، فيخرح عن الائتمام ويبطل فرضه. [وإذا أقيمت الصلاة التى يريد أن يصلى مع إمامها لم تنعقد نافلته]

لحديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" رواه الجماعة، إلا البخاري وكان عمر يضرب على الصلاة بعد الإقامة. [وإن أقيمت، وهو فيها، اًتمها خفيفة] لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (محمد: من الآية33) 1. [ومن صلى ثم أقيمت الجماعة سن أن يعيد، والأولى فرضه] لحديث أبي ذر المتقدم. [ويتحمل الإمام عن المأموم القراءة] لقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (لأعراف: من الآية204) 2 قال الإمام أحمد: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة. وفي حديث أبي هريرة: وإذا قرأ فأنصتوا رواه الخمسة، إلا الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءته له قراءة" رواه أحمد في مسائل ابنه عبد الله، ورواه سعيد، والدارقطني مرسلاً. وحديث عبادة الصحيح محمول على غير المأموم، وكذلك حديث أبي هريرة، وقد جاء مصرحاً به عن جابر مرفوعاً: "كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، إلا وراء الإمام" رواه الخلال. وقوله "اقرأ بها في نفسك" من قول أبي هريرة. قال في المغني: وقد خالفه تسعة من الصحابة، قال ابن مسعود: وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه تراباً. [وسجود السهو] إذا دخل مع الإمام من أول الصلاة وتقدم في بابه. [وسجود التلاوة] إذا قرأ في صلاته آية سجدة، ولم يسجد إمامه.

_ 1 محمد /33. 2 الأعراف/203.

[والسترة] لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه إلى سترة، ولم يأمرهم أن يستتروا بشئ. قاله في الكافي. [ودعاء القنوت] حيث سمعه، فيؤمن فقط. [والتشهد الأول إذا سبق بركعة فى رباعية] لئلا يختلف على إمامه. [وسن للمأموم أن يستفتح ويتعوذ في الجهرية] لأن مقصود الإستفتاح، والتعوذ لا يحصل باستماع قراءة الإمام لعدم جهره بهما بخلاف القراءة. [ويقرأ الفاتحة، وسورة حيث شرعت] أي السورة. [في سكتات إمامه وهي قبل الفاتحة] في الركعة الأولى فقط. [وبعدها، وبعد فراغ القراءة] ودليل السكتات: حديث الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يسكت سكتتين إذا استفتح، وإذا فرغ من القراءة كلها وفي رواية سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم، ولا الضالين رواه أبو داود. [ويقرأ فيما لا يجهر فيه متى شاء] لقول جابر كنا نقرأ فى الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الآخرتين بفاتحة الكتاب رواه ابن ماجة. قال في المغني: والاستحباب أن يقرأ في سكتات الإمام، وفيما لا يجهر فيه. هذا قول أكثر أهل العلم.

فصل: من احرم قبل إمامه، تخفيف الامام، ذهاب النساء للمسجد

فصل: من احرم قبل إمامه، تخفيف الامام، ذهاب النساء للمسجد ... فصل من احرم قبل إمامه [ومن أحرم مع إمامه، أو قبل إتمامه لتكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته] أي المأموم لأن شرطه أن يأتي بها بعد إمامه وقد فاته، ولأنه ائتم بمن لم تنعقد صلاته. [والأولى للمأموم أن يشرع فى أفعال الصلاة بعد إمامه] لحديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: رًبنا ولكً الحمد، وإذا سجد فاسجدوا" متفق عليه. والفاء للتعقيب. وقال في حديث أبي موسى "فإن الإمام يركع قبلكم، ويرفع قبلكم" رواه مسلم. [فإن وافقه فيها أوفي السلام كره] لمخالفة السنة. ولم تفسد صلاته، لأنه اجتمع معه في الركن. قاله في الكافي. [وإن سبقه حرم] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام" والنهي يقتضي التحريم. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار" متفق عليه. [فمن ركع، أو سجد، أو رفع قبل إمامه عمداً، لزمه أن يرجع ليأتي به مع إمامه] ليكون مؤتماً به. [فإن أبى عالماً عمداً بطلت صلاته] لترك المتابعة الواجبة بلا عذر،

ولحديث أبي هريرة السابق. قال الإمام أحمد: لو كان له صلاة لرجي له الثواب، ولم يخش عليه العقاب. [لا صلاة ناس، وجاهل] لحديث: "عفي لأمتى عن الخطإ والنسيان". [ويسن للامام التخفيف مع الإتمام] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم السقيم، والضعيف، وذا الحاجة، وإذا صلى لنفسه فليطول مًا شاء" رواه الجماعة. [ما لم يؤثر المأموم التطويل] لزوال علة الكراهة وهي: التنفير. قال الحجاوي: إن كان الجمع قليلاً فإن كان كثيراً لم يخل ممن له عذر. وقال الشيخ تقي الدين: تلزمه مراعاة المأموم، وإنه ليس له أن يزيد عن القدر المشروع، وإنه ينبغي أن يفعل غالباً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالباً، ويزيد وينقص للمصلحة كما كان صلى الله عليه وسلم يزيد وينقص أحياناً. [وانتظار داخل إن لم يشق على المأموم] لحديث ابن أبي أوفى: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم رواه أحمد، وأبو داود. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم الانتظار في صلاة الخوف لإدراك الجماعة. [ومن استأذنته امرأته، أو أمته إلى المسجد كره منعها، وبيتها خير لها] لحديث: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهنً خير لهن وليخرجن تفلات" 1 رواه أحمد، وأبو داود.

_ 1 قال في اللسان وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لتخرج النساء إلى المساجد تفلات"، أي: تاركات للطيب قال أبو عبيد: المتفلة التي ليست بمتطيبة.

فصل: في الإمامة

فصل في الامامة [الأولى بها الأجود قراءة الأفقه] لجمعه بين المرتبتين. [ويقدم قارئ لا يعلم فقه صلاته على فقيه أمي] لحديث: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فًأقدمهم هجرة" الحديث. [ثم الأسن] لقوله: "فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقدمهم سناً" رواه مسلم. وقوله: "وليؤمكم اًكبركم" متفق عليه. [ثم الأشرف] إلحاقاً للإمامة الصغرى بالكبرى، ولحديث: "قدموا قريشاً، ولا تقدموها" وحديث: "الأئمة من قريش". [ثم الأتقى، والأورع] لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 1 [ثم يقرع] مع التشاح قياساً على الأذان. [وصاحب البيت] الصالح للإمامة أحق بها ممن حضره في بيته لحديث "لا يؤمن الرجل الرجل في بيته" رواه مسلم. [وإمام المسجد، ولو عبداً أحق] بالإمامة فيه لأن ابن عمر أتى أرضاً له، وعندها مسجد يصلي فيه مولى له، فصلى ابن عمر معهم، فسألوه أن يؤمهم فأبى، وقال: صاحب المسجد أحق. رواه البيهقى بسند جيد. وقال أبو سعيد مولى أبي أسيد تزوجت وأنا مملوك،

_ 1 الحجرات/13.

فدعوت ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم أبو ذر، وابن مسعود، وحذيفة، فحضرت الصلاة، فتقدم أبو ذر فقالوا: وراءك، فالتفت إلى أصحابه فقال: أكذلك؟ قالوا نعم، فقدموني رواه صالح بإسناده في مسائله. [والحر أولى من العبد] لشرف الحر، وكونه من أهل المناصب. [والحاضر] أولى من المسافر، لأنه ربما قصر ففات المأمومين بعض الصلاة جماعة. [والبصير] أولى من الأعمى، لأنه أقدر على توقي النجاسة واستقبال القبلة بعلم نفسه. [والمتوضئ أولى من ضده] وضد المتوضىء المتيمم، لأن الوضوء يرفع الحدث. [وتكره إمامة غير الأولى بلا إذنه] للافتئات عليه. [ولا تصح إمامة الفاسق إلا في جمعة، وعيد تعذراً خلف غيره] لقوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} 1. وروى ابن ماجه عن جابر مرفوعاً: "لا تؤمن امرأة رجلاً، ولا أعرابي مهاجراً، ولا فاجر مؤمناً، إلا أن يقهره بسلطان يخاف سوطه، وسيفه" وكان ابن عمر يصلي خلف الحجاح والحسن والحسين يصليان وراء مروان وقال صلى الله عليه وسلم "الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر" رواه أبو داود. وقال البخاري في صحيحه: باب إمامة المفتون والمبتدع. وقال الحسن: صل وعليه بدعته. ثم روى عن عبيد الله بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان بن

_ 1 الم السجدة/18.

عفان، وهو محصور، فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما ترى، ويصلي لنا إمام فتنة، ونتحرج فقال الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم. [وتصح إمامة الأعمى والأصم] لأن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يستخلف ابن أم مكتوم، يؤم الناس، وهو أعمى" رواه أبو داود. وقيس عليه الأ صم. [والأقلف] لأنه ذكر مسلم عدل قارئ فصحت إمامته. [وكثير لحن لم يحل المعنى. والتمتام الذي يكرر التاء مع الكراهة، فى الكل للخلاف فى صحة إمامتهم. ولا تصح إمامة العاجز عن شرط أو ركن إلا بمثله] لإخلاله بفرض الصلاة. [إلا الإمام الراتب بمسجد المرجو زوال علته، فيصلى جالساً، ويجلسون خلفه] لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم جالساً فصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا صلى جالساً فصًلوا جلوساً أجمعين" 1 متفق عليه. [وتصح قياماً] لأنه الأصل، ولم يأمر صلى الله عليه وسلم من صلى خلفه قائماً بالإعادة. [وإن ترك الإمام ركناً، أو شرطاً مختلفاً فيه مقلداً صحت، ومن صلى خلفه معتقداً بطلان صلاته أعاد] لأنه ترك ما تتوقف عليه صحة صلاته. [ولا إنكار في مسائل الاجتهاد] لعدم الدليل، ولو قلنا المصيب واحد. [ولا تصح إمامة المرأة بالرجل] لما تقدم.

_ 1 الذي وقعت عليه من ألفاظ الحديث "فصلو قعوداً أجمعون" وما ذكره المؤلف له وجه من العربية.

[ولا إمامة المميز بالبالغ في الفرض، وتصح إمامته في النفل، وفي الفرض بمثله] قال ابن مسعود: لا يؤمن الغلام حتى تجب عليه الحدود وقال ابن عباس: لا يؤمن الغلام حتى يحتلم رواهما الأثرم. ولم ينقل عن غيرهما من الصحابة خلافه. وأما النفل، وفرض مثله فتصح، لأنها نفل في حق كل منهم. [ولا تصح إمامة محدث، ولا نجس يعلم ذلك] لما تقدم. [فإن جهل هو والمأموم حتى انقضت صحت صلاة المأموم وحده] لما روي عن عمر اًنه صلى بالناس الصبح، ثم خرج إلى الجرف، فأهراق الماء، فوجد في ثوبه احتلاماً، فأعاد الصلاة، ولم يعد الناس وروى الأثرم نحو هذا عن عثمان، وعلي. ولا يعرف لهم مخالف. فكان إجماعاً. قاله في الكافي. [ولا تصح إمامة الأمى: وهو من لا يحسن الفاتحة إلا بمثله] لعجزه عن ركن الصلاة. قال الزهري: مضت السنة أن لا يؤم الناس من ليس معه من القرآن شئ. [ويصح النفل خلف الفرض] لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث محجن بن الأدرع: "فإذا جئت فصل معهم، واجعلها نافلةً" رواه أحمد، وفي حديث أبي سعيد "من يتصدق على ذا فيصلًي معه؟ " رواه أحمد، وأبو داود. [ولا عكس] لحديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه" متفق عليه. وعنه يصح، لحديث معاذ. متفق عليه. [وتصح المقضية خلف الحاضرة وعكسه حيث تساوتا في الاسم] رواية واحدة. ذكره الخلال لأن الصلاة واحدة، وإنما اختلف الوقت.

فصل: في مكان وقوف الأمام والمأموم

فصل في مكان وقوف الأمام والمأموم [يصح وقوف الإمام وسط المأمومين] لأن ابن مسعود صلى بين علقمة، والأسود، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعل رواه أبو داود. [والسنة وقوفه متقدماً عليهم] لأنه صلى الله عليه وسلم، كان إذا قام إلى الصلاة تقدم، وقام أصحابه خلفه ولمسلم، وأبي داود أن جابراً وجباراً وقفا أحدهما عن يمينه، وآخرعن يساره، فأخذ بأيديهما حتى أقامهما خلفه. [ويقف الرجل الواحد عن يمينه محاذياً له] لأنه صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس، وجابراً إلى يمينه، لما وقفا عن يساره رواه مسلم. [ولا تصح خلفه] لحديث وابصة بن معبد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد رواه أبو داود. [ولا عن يساره مع خلو يمينه] لما تقدم. [وتقف المرأة خلفه] لقول أنس: صففت أنا واليتيم وراءه، والمرأة خلفنا، فصلى بنا ركعتين متفق عليه. [وإن صلى الرجل ركعة خلف الصف منفرداً فصلاته باطلة] لما تقدم.

[وإن أمكن المأموم الاقتداء بإمامه، ولو كان بينهما ثلاث مائة ذراع، صح إن رأى الإمام، أو رأى من وراءه] وإلا لم يصح، لأن عائشة قالت لنساء كن يصلين في حجرتها: لا تصلين بصلاة الإمام، فإنكن دونه في حجاب. [وإن كان الإمام، والمأموم فى المسجد لم تشترط الرؤية، وكفى سماع التكبير] لأن المسجد كله موضع للجماعة. قال أحمد في المنبر إذا قطع الصف: لم تضر، لأنهم في موضع الجماعة، ويمكنهم الإقتداء بسماع التكبير أشبه المشاهدة. [وإن كان بينهما نهر تجري فيه السفن، أو طريق لم تصح] لما تقدم عن عائشة. إلا لضرورة كجمعة، وعيد إذا اتصلت الصفوف. روي عن أحمد في رجل يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبوابه مغلقة: أرجو أن لا يكون به بأس. [وكره علو الامام عن المأموم] لأن عمار بن ياسر كان بالمدائن، فأقيمت الصلاة، فتقدم عمار، فقام على دكان، والناس أسفل منه، فتقدم حذيفة، فأخذ بيده، فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة، فلما فرغ من صلاته، قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أم الرجل القوم، فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم؟ " فقال عمار: فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي. رواه أبو داود. ولا بأس باليسير، لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر، ونزل القهقرى، فسجد في أصل المنبر، ثم عاد الحديث متفق عليه. [لا عكسه] لأن أبا هريرة صلى على سطح المسجد بصلاة الإمام رواه الشافعي، ورواه سعيد عن أنس.

[وكره، لمن أكل بصلاً، أو فجلاً ونحوه حضور المسجد] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل الثوم، والبصل، والكراث، فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" متفق عليه.

فصل: فيمن يعذر بترك الجمعة والجماعة

فصل فيمن يعذر بترك الجمعة والجماعة [يعذر بترك الجمعة والجماعة المريض] لأنه صلى الله عليه وسلم لما مرض تخلف عن المسجد. وقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس متفق عليه. وقال ابن مسعود: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، أو مريض. [والخائف حدوث المرض] لأنه في معناه. [والمدافع أحد الأخبثين] لحديث عائشة مرفوعاً: "لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافع الأخبثين" رواه أحمد ومسلم وأبو داود. [ومن له ضائع يرجوه، أو يخاف ضياع ماله، أو فواته، أو ضرراً فيه] [أو يخاف على مال استؤجر لحفظه كنظارة بستان] لحديث ابن عباس مرفوعاً: "من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر" - قالوا: فما العذر يا رسول الله؟ قال: "خوف أو مرض - لم يقبل الله منه الصلاة التي صلى" رواه أبو داود. والخوف ثلاثة أنواع: على المال من سلطان، أو لص، أو خبز، أو طبيخ يخاف فساده، ونحوه. وعلى نفسه من عدو، أو سيل، أو سبع. وعلى أهله، وعياله. فيعذر في ذلك كله، لعموم الحديث. وكذا إن خاف موت قريبه. نص عليه

لأن ابن عمر استصرخ على سعيد بن زيد، وهو يتجمر للجمعة، فأتاه بالعقيق، وترك الجمعة. [أو أذى بمطر، ووحل، وثلج، وجليد، وريح باردة بليلة مظلمة] لحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر المنادي فينادي بالصلاة صلوا في رحالكم في الليلة الباردة، وفي الليلة المطيرة في السفر متفق عليه. وروي في الصحيحين عن ابن عباس في يوم مطير وفي رواية لمسلم وكان يوم جمعة. [أو تطويل إمام] لأن رجلاً صلى مع معاذ، ثم انفرد فصلى وحده لما طول معاذ، فلم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم حين أخبره.

باب صلاة اهل الأعذار

باب صلاة اهل الأعذار مدخل ... باب صلاة أهل الأعذار [يلزم المريض أن يصلى المكتوبة قائماً ولو مستنداً] لحديث "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". [فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه] لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" رواه الجماعة، إلا مسلماً. [والأيمن أفضل ويومئ بالركوع، والسجود، ويجعله أخفض] لحديث علي مرفوعاً وفيه: "فإن لم يستطع أن يسجد أومأ إيماءً، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، وإن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة. فإن لم يستطع صلى مستلقياً ورجلاه ممًا يلى القبلة" رواه الدارقطني. [فإن عجز أومأ بطرفه، واستحضرالفعل بقلبه. وكذا القول إن عجز عنه بلسانه] أومأ له، واستحضره بقلبه لحديث "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". [ولا تسقط ما دام عقله ثابتاً] لقدرته على الا يماء مع النية. ولا ينقص أجر مريض إذا صلى على ما يطيقه، لحديث أبي موسى مرفوعاً "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً".

[ومن قدر على القيام] في أثنائها، وقد صلى قاعداً انتقل إليه. [والقعود في أثنائها] وقد صلى على جنب. [انتقل إليه] لتعيينه والحكم يدور مع علته. [ومن قدر على أن يقوم منفرداً، ويجلس في الجماعة خير] قال في الشرح: لأ نه يفعل في كل منهما واجباً، ويترك واجباً. [وتصح على الراحلة ممن يتاذى بنحو مطر، ووحل] لحديث يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى إلى مضيق هو وأصحابه، وهو على راحلته، والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم. فحضرت الصلاة، فأمر المؤذن فأذن، ثم تقدم، فصلى بهم - يعني - إيماءً، يجعل السجود أخفض من الركوع رواه أحمد، والترمذي، وقال: العمل عليه عند أهل العلم، وفعله أنس رضي الله عنه. ذكره أحمد. [أو يخاف على نفسه نزوله] من عدو، أوسبع ونحوه. اًو يعجز عن الركوب إذا نزل. [وعليه الاستقبال، وما يقدر عليه ويومئ من بالماء، والطين] إذا لم يمكنه الخروج منه بالركوع والسجود لحديث: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".

فصل: في صلاة المسافر

فصل فى صلاة المسافر [قصر الصلاة الرباعية أفضل] من إتمامها. نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفاءه داوموا عليه. وروى أحمد عن ابن عمر مرفوعاً "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيتة" ولا تقصر المغرب، ولا الصبح، إجماعاً. قاله ابن المنذر. [لمن نوى سفراً مباحاً] أي ليس حراماً، ولا مكروهاً، واجباً كان كحج، وجهاد متعينين، أو مسنوناً كزيارة رحم، أو مستوى الطرفين كتجارة. [لمحل معين] فلا يقصر هائم لا يدري أين يذهب. ولا سائح لا يقصد مكاناً معيناً ونحوهما. [يبلغ ستة عشر فرسخاً] تقريباً، وهي أربعة برد. [وهى يومان قاصدان في زمن معتدل بسير الأثقال ودبيب الأقدام] لحديث ابن عباس مرفوعاً "يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان" رواه الدارقطني. وكان ابن عباس، وابن عمر لا يقصران في أقل من أربعة برد وقال البخاري في صحيحه: باب في كم يقصر الصلاة. وسمى النبي صلى الله عليه وسلم، يوماً وليلة سفراً. وكان ابن عباس، وابن عمر يقصران ويفطران في أربعة برد وهي: ستة عشر فرسخاً. انتهى.

[إذا فارق بيوت قريته العامرة] لأنه قبل ذلك لا يكون ضارباً في الأرض، ولا مسافراً. ولأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يقصر إذا ارتحل. [ولا يعيد من قصر، ثم رجع قبل استكمال المسافة] لأن المعتبر نية المسافة لا حقيقتها. [ويلزمه إتمام الصلاة إن دخل وقتها وهو فى الحضر] لأنها وجبت تامة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين. [أو صلى خلف من يتم] نص عليه، لأن ابن عباس سئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين حال الانفراد، وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟ فقال تلك السنة رواه أحمد. [أو لم ينو القصر عند الإحرام] لأن الأصل الإتمام، فإطلاق النية ينصرف إليه. قاله في الكافي. [أو نوى إقامة مطلقة] لانقطاع السفر المبيح للقصر. [أو أكثر من أربعة أيام، أو أقام لحاجة، وظن أن لا تنقضي، إلا بعد الأربعة] لأن النبي صلى الله عليه وسلم اًقام بمكة، فصلى بها إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها، وذلك أنه قدم صبح رابعة، فأقام إلى يوم التروية، فصلى الصبح، ثم خرج. فمن اًقام مثل إقامته قصر، ومن زاد أتم. ذكره الإمام أحمد. قال أنس: أقمنا بمكة عشراً نقصر الصلاة ومعناه ما ذكرنا، لأنه حسب خروجه إلى منى، وعرفة، وما بعده من العشر.

[أو أخر الصلاة بلا عذر حتى ضاق وقتها عنها] لأنه صار عاصياً بتأخيرها عمداً بلا عذر. وقيل يقصر لعدم تحريم السبب. وفاقاً للأئمة الثلاثة. قاله في الفروع. [ويقصر إن أقام لحاجة بلا نية الإقامة فوق أربعة أيام، ولا يدري متى تنقضي أوحبس ظلماً، أو بمطر ولو أقام سنين] قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسافر يقصر مالم يجمع إقامة. انتهى. وأقام صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة رواه أحمد. ولما فتح مكة اًقام بها تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين رواه البخاري. وقال أنس اًقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: برام هرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة رواه البيهقي بإسناد حسن وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، وقد حال الثلج بينه وبين الدخول رواه الأثرم.

فصل: في الجمع

فصل في الجمع [يباح بسفر القصر الجمع بين الظهر والعصر، والعشاءين بوقت إحداهما] نص عليه، لحديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك، إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر، والعصر جميعاً، ثم سار. وكان يفعل مثل ذلك في المغرب، والعشاء. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن غريب. وعن أنس: معناه. متفق عليه. وسواء كان سائراً، أو نازلاً لأنها رخصة من رخص السفر، فلم يعتبر فيها وجود السير كسائر رخصه. قاله في الكافي.

[ويباح لمقيم مريض يلحقه بتركه مشقة] لقول ابن عباس جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، بالمدينة من غير خوف، ولا مطر وفي رواية من غير خوف، ولا سفر رواهما مسلم. وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز لغير عذر، فلم يبق إلا المرض، ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة بالجمع بين الصلاتين. والإستحاضة نوع مرض. [ولمرضع لمشقة كثرة النجاسة] نص عليه. [ولعاجز عن الطهارة لكل صلاة] كمن به سلس البول قياساً على الاستحاضة. [ولعذر، أو شغل يبيح ترك الجمعة والجماعة] وتقدم. [ويختص بجواز جميع العشاءين، ولو صلى ببيته، ثلج وجليد، ووحل وريح شديدة باردة، ومطر يبل الثياب، ويوجد معه مشقة] لأنه صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب، والعشاء في ليلة مطيرة رواه النجاد بإسناده. وفعله أبو بكر، وعمر، وعثمان. وروى الأثرم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال إن من السنة، إذا كان يوم مطير، أن يجمع بين المغرب والعشاء ولمالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر، جمع معهم وقال أحمد في الجمع في المطر: يجمع بينهما إذا اختلط الظلام قبل أن يغيب الشفق. كذا صنع ابن عمر. ولا يجمع بين الظهر والعصر للمطر، قال أحمد: ما سمعت بذلك. وهذا اختيار أبي بكر. والثلج، والبرد في ذلك كالمطر، والوحل كذلك، والريح الشديدة الباردة تبيح الجمع،

وهو قول عمر بن عبد العزيز. ويجوز الجمع للمنفرد، ومن كان طريقه إلى المسجد في ظلال، ومن مقامه في المسجد، لأن العذر إذا وجد استوى فيه حال المشقة، وعدمها كالسفر، ولأنه صلى الله عليه وسلم جمع في مطر وليس بين حجرته والمسجد شئ. [والأفضل فعل الأرفق به من تقديم الجمع، أو تأخيره] لحديث معاذ السابق. [فإن جمع تقديماً اشترط لصحة الجمع نيته عند إحرام الأولى] لحديث "إنما الأعمال بالنيات". [وأن لا يفرق بينهما بنحو نافلة بل بقدر إقامة، ووضوء خفيف] لأن معنى الجمع المقارنة، والمتابعة، ولا يحصل مع تفريق أكثر من ذلك. [وأن يوجد العذر عند افتتاحهما، وأن يستمر إلى فراغ الثانية] لأنه سببه. [وإن جمع تأخيراً اشترط نية الجمع بوقت الأولى قبل أن يضيق وقتها عنها] لأن تأخيرها حرام فينافي الرخصة، ولفوات فائدة الجمع: وهي التخفيف بالمقارنة. [وبقاء العذر إلى دخول وقت الثانية لا غير] لأن العذر هو المبيح للجمع، فإن لم يستمر إلى وقت الثانية زال المقتضي للجمع، فامتنع. كمسافر قدم، ومريض برئ. [ولا يشترط للصحة اتحاد الإمام، والمأموم، فلو صلاهما خلف إمامين، أو بمأموم الأولى، وبآخر الثانية، أو خلف من لم يجمع، أوإحداهما منفرداً، أو الأخرى جماعة، أو صلى بمن لم يجمع، صح] لعدم المانع من ذلك.

فصل: في صلاة الخوف

فصل فى صلاة الخوف [تصح صلاة الخوف إن كان القتال مباحاً حضراً، وسفراً] لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} الآية 1 وصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمع الصحابة على فعلها وصلاها علي، وأبو موسى، وحذيفة. [ولا تأثير للخوف فى تغيير عدد ركعات الصلاة] فيقصر في السفر ويتم في الحضر. [بل فى صفتها، وبعض شروطها] على نحو ما ورد. قال أحمد: صحت صلاة الخوف عن النبى صلى الله عليه وسلم، من ستة أوجه، فأما حديث سهل فأنا أختاره. [وإذا اشتد الخوف صلوا رجالاً، وركباناً للقبلة، وغيرها، ولا يلزم افتتاحها إليها] للآية. وقال ابن عمر فإن كان الخوف أشد من ذلك، صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم، وركباناً مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها متفق عليه. زاد البخاري، قال نافع: لا أرى ابن عمر قال ذلك إلا عن النبى صلى الله عليه وسلم. [يومون طاقتهم] لأنهم لو أتموا الركوع، والسجود لكانوا هدفاً لأسلحة العدو معرضين أنفسهم للهلاك.

_ 1 البقرة من الآية/228.

[وكذا في حالة الهرب من عدو إذا كان الهرب مباحاً، أو سيل، أو سبع. أو نار أو غريم ظالم، أو خوف فوت وقت الوقوف بعرفة، أو خاف على نفسه، أوأهله، أو ماله، أو ذب عن ذلك، وعن نفس غيره] لما في ذلك كله من الضرر. ونص عليه أحمد في الأسير إذا هرب. ومثله إن خاف فوت عدو يطلبه، لقول عبد الله بن أنيس: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى خالد بن سفيان الهذلي، قال: اذهب فاقتله فرأيته، وقد حضرت صلاة العصر، فقلت: إني أخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة، فانطلقت وأنا أصلي: أومئ إيماء نحوه رواه أحمد، وأبو داود. [وإن خاف عدواً إن تخلف عن رفقته فصلى صلاة خائف، ثم بان أمن الطريق لم يعد] لعموم البلوى بذلك. [ومن خاف أو أمن في صلاته انتقل وبنى] لأن الحكم يدور مع علته. [ولمصل كر وفر، لمصلحة. ولا تبطل بطوله] هذا قول أكثر أهل العلم. قاله في المغني. ولأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالمشي إلى وجاه العدو، ثم يعودون لما بقي وهذا عمل كثير، واستدبار للقبلة. [وجاز لحاجة حمل نجس ولا يعيد] لقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} وقوله: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} 1 ولا يجب حمل السلاح في قول أكثر أهل العلم، بل يستحب.

_ 1 النساء من الآية/101.

باب صلاة الجمعة

باب صلاة الجمعة مدخل ... باب صلاة الجمعة [تجب على كل ذكر، مسلم، مكلف، حر، لا عذر له] لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} الآية1 وروى ابن ماجه عن جابر قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في يومي هذا، في شهري هذا، في عامي هذا، فمن تركها في حياتي، أو بعدي، وله إمام عادل، أو جائر استخفافاً بها، أو جحوداً بها، فلا جمع الله له شمله، ولا بارك الله في أمره". وعن طارق بن شهاب مرفوعاً: "الجمعة حق واجب على كل مسلم، إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أًو مريض" رواه أبو داود. [وكذا على كل مسافر لا يباح له القصر] كسفر معصية. وما دون المسافة فتلزمه بغيره. [وعلى مقيم خارج البلد، إذا كان بينهما وبين الجمعة وقت فعلها فرسخ فأقل] لقوله صلى الله عليه وسلم "الجمعة على من سمع النداء" رواه أبو داود. ولم يكن اعتبار السماع بنفسه، فاعتبر بمظنته، والموضع الذي يسمع منه النداء في الغالب إذا كان المؤذن صيتاً بموضع عال،

_ 1 الجمعة من الآية/9.

والرياح ساكنة، والأصوات هادئة، والعوارض منتفية فرسخ. فاعتبرناه به. قاله في الكافي. [ولا تجب على من يباح له القصر] لأنه صلى الله عليه وسلم سافر هو وأصحابه في الحج، وغيره، فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه، مع اجتماع الخلق الكثير وقال إبراهيم: كانوا يقيمون بالري السنة وأكثر من ذلك، وبسجستان السنتين لا يجمعون، ولا يشرقون. رواه سعيد. [ولا على عبد، ومبعض، وامرأة] لما تقدم. [ومن حضرها منهم أجزأته] قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن لا جمعة على النساء. وأجمعوا على أنهن إذا حضرن، فصلين الجمعة أن ذلك بجزئ عنهن. [ولا يحسب هو، ولا من ليس من أهل البلد من الأ ربعين، ولا تصح إمامتهم فيها] لأنهم من غير أهل الوجوب، وإنما صحت منهم تبعاً. [وشرط لصحة الجمعة أربعة شروط: أحدها: الوقت، وهو من أول وقت العيد إلى خروج وقت الظهر] لقول عبد الله بن سيدان السلمي شهدت الجمعة مع أبي بكر، فكانت خطبته، وصلاته قبل نصف النهار وشهدتها مع عمر، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: انتصف النهار. ثم شهدتها مع عثمان، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك، ولا أنكره رواه الدارقطني، وأحمد واحتج به، قال: وكذلك روي عن ابن مسعود، وجابر، وسعيد، ومعاوية. أنهم صلوا قبل الزوال، فلم ينكر وعن جابر كان رسول

الله صلى الله عليه وسلم، يصلي الجمعة، ثم نذهب إلى جمالنا، فنريح حين تزول الشمس رواه أحمد، ومسلم. [وتجب بالزوال، وبعده أفضل] خروجاً من الخلاف، ولأنه الوقت الذي كان صلى الله عليه وسلم يصليها فيه فى أكثر أوقاته لقول سلمة بن الأكوع كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذا زالت الشمس، ثم نرجع، فنتتبع الفيء أخرجاه. وما قبل الزوال وقت للجواز لا للوجوب. [الثانى: أن تكون بقرية، ولو من قصب] فأما أهل الخيام، وبيوت الشعر فلا جمعة لهم. لأن ذلك لا ينصب للإستيطان. وكانت قبائل العرب حول المدينة، فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بجمعة. [يستوطنها أربعون استيطان إقامة لا يظعنون صيفاً ولا شتاء] وهو قول أكثر أهل العلم، قاله في المغني. [وتصح فيما قارب البنيان من الصحراء] لما يأتي. [الثالث: حضور أربعين] لقول كعب بن مالك: أول من جمع بنا أسعد بن زرارة في هزم النبيت في نقيع يقال له: نقيع الخضمات. قلت كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلاً رواه أبو داود. قال ابن جريج قلت ل عطاء أكان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم؟. قال: نعم. وقال أحمد: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة، فلما كان يوم الجمعة جمع بهم، وكانوا أربعين، وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة. وقال جابر مضت السنة أن في كل أربعين، فما فوق جمعة، وأضحى، وفطر رواه الدارقطني.

[فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهراً] نص عليه. لأن العدد شرط، فاعتبر في جميعها. وقال في الكافي: وقياس المذهب أنهم إن انفضوا بعد صلاة ركعة أتمها جمعة. [الرابع تقدم خطبتين] لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين يقعد بينهما متفق عليه. ومداومته عليهما دليل على وجوبهما. [من شرط صحتها خمسة أشياء: الوقت] لأنهما بدل ركعتين. قالت عائشة: إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة. [والنية] لحديث "إنما الأعمال بالنيات". [وقوعهما حضراً. وحضورالأربعين] لما تقدم، ولأنه ذكر اشترط للصلاة، فاشترط له العدد. [وأن يكون ممن تصح إمامته فيها] فلا تصح خطبة من لا تجب عليه الجمعة. كعبد، ومسافر. [وأركانها ستة: حمد الله] لحديث: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله، فهو أجذم" رواه أبو داود. وقال جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس: يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله الحديث. [والصلاة على رسول الله] صلى الله عليه وسلم، لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى ذكر رسوله، كالأذان. [وقراءة آية من كتاب الله] عز وجل لقول جابر بن سمرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ آيات، ويذكر الناس رواه مسلم.

[والوصية بتقوى الله] لأنها المقصود بالخطبة، فلم يجز الإخلال بها. [وموالاتهما مع الصلاة] لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم خلافه، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي". [والجهر بحيث يسمع العدد المعتبر حيث لا مانع] لهم من سماعه كنوم بعضهم، أو غفلته، أو صممه، فإن لم يسمعوا لخفض صوته، لم تصح لعدم حصول المقصود. وعن جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته الحديث رواه مسلم. [وسنتها الطهارة] فلا تشترط نص عليه، وعنه أنها من شرائطها. قاله في المغنى. [وستر العورة، وإزالة النجاسة] قياساً، لأن الخطبتين بدل ركعتين من الجمعة. لقول عمر، وعائشة: قصرت الصلاة لأجل الخطبة ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم تطهر بين الخطبة والصلاة، فدل على أنه يخطب متطهراً. [والدعاء للمسلمين] لأنه، صلى الله عليه وسلم، كان إذا خطب يوم الجمعة دعا، وأشار بأصبعه، وأمن الناس رواه حرب في مسائله. ولأن الدعاء لهم مسنون فى غيرالخطبة، ففيها أولى. [وأن يتولاهما مع الصلاة واحد] قال أحمد في الإمام يخطب يوم الجمعة، ويصلي الأمير بالناس. لا بأس إذا حضر الأمير الخطبة، لأنه لا يشترط اتصالها بها، فلم يشترط أن يتولاهما واحد كصلاتين. [ورفع الصوت بهما حسب الطاقًة] لما سبق.

[وأن يخطب قائماً] لقوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِماً} 1. وقال جابر بن سمرة كان النبي صلى الله عليه وسلم، يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب فمن حدثك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب رواه مسلم. [على مرتفع] لأنه أبلغ في الإعلام، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبره. [معتمداً على سيف، أو عصا] أو قوس لفعله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود. [وأن يجلس بينهما قليلاً] لقول ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم، يفصل بينهما بجلوس متفق عليه. [فإن أبى، أو خطب جالساً، فصل بينهما بسكتة] ليحصل التمييز بينهما. وليست واجبة، لأن جماعة من الصحابة سردوا الخطبتين من غير جلوس: منهم المغيرة، وأبي بن كعب. قاله أحمد. [وسن قصرهما، والثانية أقصر] لحديث عمار مرفوعاً: "إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة" رواه مسلم. [ولا بأس أن يخطب من صحيفة] كقراءة في الصلاة من مصحف.

_ 1 الجمعة من الآية/11.

فصل: يحرم الكلام والأمام يخطب

فصل يحرم الكلام والإمام يخطب [يحرم الكلام والإمام يخطب، وهو منه بحيث يسمعه] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت" متفق عليه. [ويباح إذا سكت بينهما] لأنه لا خطبة إذاً ينصت لها. [أو شرع في دعاء] لأنه غير واجب، فلا يجب الإنصات له. [وتحرم إقامة الجمعة، وإقامة العيد في أكثر من موضع من البلد] لأن النبي، صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة. [إلا لحاجة كضيق، وبعد، وخوف فتنة] لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في جوامع من غير نكير، فصار إجماعاً، قاله في الكافي، والمغني. وقيل ل عطاء: إن أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر. قال: لكل قوم مسجد يجمعون فيه. [فإن تعددت لغير ذلك فالسابقة بالاحرام هي الصحيحة] لحصول الاستغناء بها، فأنيط الحكم بها. ومن أحرم بالجمعة في وقتها، وأدرك مع الإمام ركعة أتم جمعة رواه البيهقي عن ابن مسعود، وابن عمر. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "من أدرك ركعةً من الجمعة أدرك الصلاة" رواه الأثرم، ورواه ابن ماجه، ولفظه "فليضف إليها أخرى". وعنه مرفوعاً: "من أدرك ركعةً من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة" متفق عليه.

[وإن أدرك أقل نوى ظهراً] وقال أبو إسحاق بن شاقلا: ينوي جمعة، لئلا تخالف نيته نية إمامه، ثم يبني عليها ظهراً، لأنهما فرض من وقت واحد. قاله في الكافي. [واًقل السنة بعدها ركعتان] لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين متفق عليه. [وأكثرها ست] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات". رواه الجماعة إلا البخاري. فالمجموع ست ركعات: ركعتان من فعله، وأربع من أمره. قاله في القواعد. [ويسن قراءة سورة الكهف في يومها] لحديث أبي سعيد رواه البيهقي. [وأن يقرأ في فجرها: آلم السجدة، وفي الثانية هل أتى] نص عليه، لأنه عليه السلام "كان يفعله" متفق عليه. [وتكره مداومتة عليهما] لئلا يظن أنها مفضلة بسجدة. قاله أحمد وقال جماعة: لئلا يظن الوجوب.

باب صلاة العيدين

باب صلاة العيدين مدخل ... باب صلاة العيدين [وهي فرض كفاية] لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، ولأنه صلى الله عليه وسلم داوم عليها. [وشروطها كالجمعة] لأنها صلاة عيد، فأشبهت الجمعة، قاله في الكافي. [ما عدا الخطبتين] فإنها في العيد سنة، لقول عبد الله بن السائب: شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى الصلاة قال: "إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب" رواه أبو داود. ولو وجبت لوجب حضورها، واستماعها. [وتسن في الصحراء] لحديث أبي سعيد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يخرج في الفطر، والأضحى إلى المصلى. متفق عليه. وكذا الخلفاء بعده. [ويكره التنفل قبلها، وبعدها قبل مفارقة المصلى] نص عليه، لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج يوم الفطر فصلى ركعتين، لم يصل قبلهما، ولا بعدهما متفق عليه. [ووقتها كصلاة الضحى] لأنه صلى الله عليه وسلم، وخلفاءه، كانوا يصلونها بعد ارتفاع الشمس. ويسن تعجيل الأضحى، وتأخير

الفطر. لما روى الشافعي مرسلاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران، أن عجل الأضحى، وأخر الفطر، وذكر الناس. [فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال، صلوا من الغد قضاء] لحديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قالوا: غم علينا هلال شوال، فأصبحنا صياماً، فجاء ركب من آخر النهار، فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرالناس أن يفطروا من يومهم، وأن يخرجوا لعيدهم من الغد رواه الخمسة، إلا الترمذي، وصححه إسحاق، والخطابي. ولأن العيد يشرع له الاجتماع العام، وله وظائف دينية ودنيوية، وآخر النهار مظنة الضيق عن ذلك غالباً. [وسن تبكير المأموم] ليحصل له الدنو من الإمام، وانتظار الصلاة، فيكثر ثوابه. [وتأخر الإمام إلى وقت الصلاة] لقول أبي سعيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر، والأضحى إلى المصلى، فأول شئ يبدأ به الصلاة رواه مسلم. ويخرج ماشياً، وعليه السكينة والوقار، لقول علي رضي الله عنه: إن من السنة أن تأتي العيد ماشياً حسنه الترمذي وقال: العمل على هذا عند أهل العلم. [وإذا ذهب في طريق يرجع من أخرى] لحديث جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا خرج إلى المصلى خالف الطريق. رواه البخاري، ورواه مسلم عن أبي هريرة.

[وكذا الجمعة] قياساً على العيد. [وصلاة العيد ركعتان] لقول عمر: صلاة الفطر، والأضحى ركعتان ركعتان، تمام غير قصر على لسان نبيكم. وقد خاب من افترى رواه أحمد. [يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام، وقبل التعوذ ستاً. وفي الثانية قبل القراءة خمساً] نص عليه، لحديث عائشة مرفوعاً: "التكبير في الفطر، والأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات، سوى تكبيرًتي الركوع" رواه أبو داود. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه. رواه أحمد، وابن ماجه. واعتددنا بتكبيرة الإحرام، لأنها في حال القيام، ولم نعتد بتكبيرة القيام، لأنها قبله. قاله في الكافي. [يرفع يديه مع كل تكبيرة] لأن عمر رضي الله عنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة، وفي العيد وعن زيد كذلك. رواهما الأثرم. وفي حديث وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير قال أحمد: فأرى أن يدخل فيه هذا كله. [ويقول بينهما: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً كثيراً] لقول عقبة بن عامر سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات العيد، قال: يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم رواه الأ ثرم، وحرب. واحتج به أحمد. [ثم يستعيذ] لأن الاستعاذة للقراءة، فتكون فى أولها.

[ثم يقرأ جهراً] بغير خلاف، قاله الموفق، لقول ابن عمر: كان النبى صلى الله عليه وسلم، يجهر بالقراءة في العيدين، والاستسقاء رواه الدارقطني. [الفاتحة، ثم سبح في الأولى، والغاشية فى الثانية] لقول سمرة كان صلى الله عليه وسلم، يقرأ فى العيدين {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} 1 {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} 2 رواه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس، والنعمان بن بشير مرفوعاً مثله. وروي عن عمر، وأنس. [فإذا سلم خطب خطبتين] لقول ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، يصلون العيدين قبل الخطبة متفق عليه. [وأحكامهما كخطبتي الجمعة] لما في حديث جابر ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس، وذكرهم إلى آخره رواه مسلم. وعن الحسن وابن سيرين: أنهما كرها الكلام يوم العيد والإمام يخطب. [لكن يسن أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع] لما روى سعيد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: يكبرالإمام يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات، وفي الثانية سبع تكبيرات، ويكثر التكبير بين أضعاف الخطبة. لقول سعد المؤذن: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر بين أضعاف الخطبة يكثر التكبير فى خطبة العيدين رواه ابن ماجه.

_ 1 الأعلى/1. 2 الغاشية/1.

[وإن صلى العيد كالنافلة صح، لأن التكبيرات الزوائد، والذكر بينهما] سنة لا تبطل الصلاة بتركه، قال في المغني، لا أعلم فيه خلافاً. [والخطبتين سنة] لما تقدم. [وسن لمن فاتته قضاؤها، ولو بعد الزوال] لما روي عن أنس أنه إذا لم يشهدها مع الإمام بالبصرة جمع أهله، ومواليه، ثم قام عبد الله بن عتبة مولاه، فصلى بهم ركعتين، يكبر فيهما.

فصل: ويسن التكبير المطلق

فصل ويسن التكبير المطلق [يسن التكبير المطلق] أي الذي لم يقيد بأدبار الصلوات. [والجهر به فى ليلتي العيدين إلى فراغ الخطبة] لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ... } 1 وعن على رضى الله عنه أنه كان يكبر حتى يسمع أهل الطريق وقال الإمام أحمد: كان ابن عمر يكبر في العيدين جميعاً. وأوجبه داود في الفطر، لظاهر الآية. وليس فيها أمر، وإنما أخبر عن إرادته تعالى. قاله في المغني. وروى الدارقطني أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر، ويوم الأضحى، يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام. [وفي كل عشر ذي الحجة] ولو لم ير بهيمة الأنعام. قال البخاري كان ابن عمر، وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما.

_ 1 البقرة، من الآية/185.

[والتكبير المقيد في الأضحى عقب كل فريضة صلاها في جماعة] قيل لأحمد: تذهب إلى فعل ابن عمر: لا يكبر إذا صلى وحده؟ قال: نعم. وقال ابن مسعود: إنما التكبير على من صلى في جماعة رواه ابن المنذر. [من صلاة فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى الصبح يوم عرفة، ثم أقبل علينا، فقال: "الله أكبر" ومد التكبير إلى آخر أيام التشريق رواه الدارقطني بمعناه. قيل لأحمد بأي شئ تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق؟ قال: بالإجماع عن عمر، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود رضى الله عنهم. [إلا المحرم، فيكبر من صلاة ظهر يوم النحر] إلى عصر آخر أيام التشريق. نص عليه، لأن التلبية تنقطع برمى جمرة العقبة. والمسافر كالمقيم، في التكبير. وكذلك النساء فى الجماعة. قيل لأحمد: قال سفيان: لا يكبر النساء أيام التشريق الا في جماعة، قال: حسن. وقال البخاري: كان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز في المسجد، ويخفضن أصواتهن حتى لا يسمعهن الرجال. والمسبوق يكبر إذا فرغ فى قول الأكثر. قاله فى المغنى. [ويكبر الإمام مستقبل الناس] لحديث جابر المتقدم. [وصفته شفعاً: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، واللًه أكبر الله أكبر، ولله الحمد] لحديث جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا صلى الصبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه، فيقول: على مكانكم، ويقول:

"الله أكبر الله أكبر. لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد" رواه الدارقطني. وقاله علي رضي الله عنه، وحكاه ابن المنذر عن عمر، وقال أحمد: أختار تكبير ابن مسعود، وذكر مثله. [ولا بأس بقوله لغيره: تقبل الله منا، ومنك] نص عليه، قال: لا بأس به، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، وواثلة بن الأسقع. وقال الشيخ تقي الدين في الاقتضاء: فأما قصد الرجل مسجد بلده يوم عرفة للدعاء والذكر، فهذا هو التعريف في الأمصار الذي اختلف العلماء فيه، ففعله ابن عباس، وعمرو بن حريث من الصحابة، وطائفة من البصريين، والمدنيين، ورخص فيه أحمد، وإن كان لا يستحبه. وكرهه طائفة من الكوفيين كإبراهيم النخعى، وأبي حنيفة، ومالك، وغيرهم. ومن كرهه قال: هو من البدع. ومن رخص فيه قال: فعله ابن عباس بالبصرة، حين كان خليفة لعلى عليها، ولم ينكرعليه، وما يفعل في عهد الخلفاء الراشدين من غير إنكار لا يكون بدعة، لكن ما يزاد على ذلك من رفع الأصوات فى المساجد، وأنواع الخطب، والأشعار الباطلة، مكروه في هذا اليوم وغيره. انتهى. ويسن الاجتهاد في العمل الصالح أيام العشر.

باب صلاة الكسوف

باب صلاة الكسوف مدخل ... باب صلاة الكسوف [وهي سنة] مؤكدة لفعله، وأمره صلى الله عليه وسلم. [من غير خطبة] لأنه صلى الله عليه وسلم، أمر بالصلاة دون الخطبة. وقال الشافعي: يخطب لها، لحديث عائشة. [ووقتها من ابتداء الكسوف إلى ذهابه] لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى ينجلي" رواه مسلم. [ولا تقضى إن فاتت] لما تقدم. ولم ينقل الأمر بها بعد التجلي لفوات محلها. [وهى ركعتان يقرأ في الأولى جهراً الفاتحة، وسورة طويلة، ثم يركع طويلاً، ثم يرفع، فيسمع، ويحمد، ولا يسجد بل يقرأ الفاتحة، وسورة طويلة، ثم يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين طويلتين ثم يصلي الثانية كالأولى، ثم يتشهد ويسلم] كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في يوم شديد الحر، فصلى بأصحابه، فأطال القيام حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم سجد سجد تين، ثم قام، فصنع نحو ذلك. فكانت أربع ركعات، وأربع سجدات رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود. وعن عائشة قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث منادياً فنادى: الصلاة جامعة، وخرج إلى المسجد

فصف الناس وراءه، وصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات متفق عليه. [وإن أتى في كل ركعة بثلاثة ركوعات] فلا بأس، لحديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم، لما كسفت الشمس، صلى ست ركعات بأربع سجدات. رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود. [أو أربع] فلا بأس، لحديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم، صلى في كسوف ثماني ركعات في أربع سجدات رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي. [أوخمس فلا بأس] لقول أبي بن كعب: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بهم، فقرأ بسورة من الطول، وركع خمس ركعات وسجدتين، ثم قام إلى الثانية، فقرأ بسورة من الطول، وركع خمس ركعات وسجدتين رواه أبو داود، وعبد الله بن أحمد في المسند. [وما بعد الأول سنة لا تدرك به الركعة] لأنه روي من غير وجه بأسانيد حسان من حديث سمرة، والنعمان بن بشير، وعبد الله بن عمرو أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين، كل ركعة ركوع رواها أحمد، والنسائي. [ويصح أن يصليها كالنافلة] لما تقدم. ولا تصلى وقت نهي، لعموم أحاديث النهي. ويؤيده قول قتادة انكسفت الشمس بعد العصر ونحن بمكة، فقاموا يدعون قياماً، فسألت عن ذلك عطاء، فقال: هكذا كانوا يصنعون رواه الأثرم.

باب صلاة الاستسقاء

باب صلاة الاستسقاء مدخل ... باب صلاة الإستسقاء [وهي سنة] لقول عبد الله بن زيد: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستسقى، فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه، وصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة. متفق عليه. [ووقتها، وصفتها، وأحكامها كصلاة العيد] لقول ابن عباس: صلى النبي صلى الله عليه وسلم، ركعتين كما يصلي في العيدين صححه الترمذي. وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر، كانوا يصلون صلاة الإستسقاء، يكبرون فيها سبعاً وخمساً رواه الشافعي، وعن ابن عباس نحوه، وزاد فيه: وقرأ فى الأولى بسبح، وفى الثانية بالغاشية وقالت عائشة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين بدا حاجب الشمس رواه أبو داود. وذكر ابن عبد البر: أن الخروج لها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء. وفي المغنى: لا تفعل وقت نهي بلا خلاف. [وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس، وأمرهم بالتوبة، والخروج من المظالم] لأن المعاصي سبب القحط، والتقوى سبب البركات قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} الآية1.

_ 1 الأعراف من الآية /95.

[ويتنظف لها، ولا يتطيب] ولا يلبس زينة، لأنه يوم استكانة وخشوع. [ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً] لقول ابن عباس: خرج النبي صلى الله عليه وسلم، للإستسقاء متذللاً متواضعاً متخشعاً متضرعاً. صححه الترمذي. [ومعه أهل الدين، والصلاح، والشيوخ] لأنه أسرع للإجابة. [ويباح خروج الأطفال، والعجائز، والبهائم] ولا يستحب لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى الطبراني في معجمه بإسناده عن الزهري أن سليمان عليه السلام، خرج هو وأصحابه يستسقون، فرأى نملة قائمة رافعة قوائمها تستسقي، فقال لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم. وروى الطحاوي، وأحمد نحوه عن أبي الصديق الناجي. وعن أبى هريرة مرفوعاً: خرج نبي من الأنبياء يستسقي ... وذكر نحوه. رواه الدارقطني. [والتوسل بالصالحين] بتقديمهم: يدعون ويؤمن الناس على دعائهم، لفعل عمر بالعباس، ومعاوية بيزيد بن الأسود الجرشي، واستسقى به الضحاك بن قيس مرة أخرى. [فيصلى، ثم يخطب خطبة واحدة] لأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم، خطب بأكثر منها. [يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد] لقول ابن عباس: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى الإستسقاء، كما صنع فى العيد. [ويكثر فيها الإستغفار، وقراءة آيات فيها الأمر به] قال الشعبي:

خرج عمر يستسقي، فلم يزد على الإستغفار. فقالوا: ما رأيناك استسقيت! فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي يستنزل به المطر، ثم قرأ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} الآية 1 {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} الآية2 رواه سعيد فى سننه. [ويرفع يديه، وظهورهما نحو السماء] من شدة الرفع، لقول أنس: كان النبى صلى الله عليه وسلم، لا يرفع يديه في شئ من دعائه إلا في الإستسقاء، فإنه كان يرفع حتى يرى بياض إبطيه متفق عليه. ولمسلم أن النبي، استسقى، فأشار بظهر كفه إلى السماء. [ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤمن المأموم] كالقنوت. [ثم يستقبل القبلة فى أثناء الخطبة، فيقول سراً: اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا] لأنه صلى الله عليه وسلم حول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه. متفق عليه. [ثم يحول رداءه، فيجعل الأيمن على الأيسر، والأيسرعلى الأيمن] نص عليه للإمام، والمأموم في قول أكثر أهل العلم. لقول عبد الله بن زيد: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم، حين استسقى أطال الدعاء، وأكثر المسألة. قال: ثم تحول إلى القبلة، وحول رداءه، فقلبه ظهراً لبطن وتحول الناس معه رواه أحمد.

_ 1 نوح من الآية/10-11. 2 هود من الآية/52.

[ويتركونه حتى ينزعونه مع ثيابهم] لأنه لم يقل عنه عليه السلام، ولا عن أحد من أصحابه أنهم غيروا أرديتهم حين عادوا. [فإن سقوا، وإلا عادوا ثانياً، وثالثاً] لحديث "إن الله يحب الملحين في الدعاء" وقال أصبغ: استسقي للنيل بمصر خمس وعشرين مرة متوالية، وحضره ابن وهب، وابن القا سم، وجمع. [ويسن الوقوف في أول المطر، والوضوء والاغتسال منه، وإخراج رحله، وثيابه ليصيبها] لحديث أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه" رواه مسلم، وأبو داود. وروي أنه عليه السلام، كان يقول إذا سال الوادي: "اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهوراً، فنتطهر به". [وإن كثر المطر حتى خيف منه سن قول "اللهم حوالينا، ولا علينا اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر"] لما في الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ذلك {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} الآية1 لأنها تناسب الحال. [وسن قول: مطرنا بفضل الله ورحمته. ويحرم بنوء كذا] لما في الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟

_ 1 البقرة من الآية/286.

قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكًوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلكً كافر بي، مؤمن بالكًوكب" قال في الفروع: وإضافة المطر إلى النوء دون الله كفر إجماعاً. [ويباح في نوء كذا] لأنه لا يقتضي الإضافة للنوء، فلا يكره. خلافاً للآمدي. قاله في الفروع.

كتاب الجنائز

كتاب الجنائز مدخل ... كتاب الجنائز [يسن الاستعداد للموت، والإكثارمن ذكره] لقوله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات" رواه البخاري. [ويكره الأنين] لما روي عن عطاء أنه كرهه. [وتمني الموت إلا لخوف فتنة] لحديث "لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه" الحديث متفق عليه. وفي الحديث "وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضني إليك غير مفتونً". [وتسن عيادة المريض المسلم] لحديث البراء أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، باتباع الجنائز، وعيادة المرضى. متفق عليه. [وتلقينه عند موته: لا إله إلا الله، مرة] نص عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" رواه أحمد ومسلم. [ولم يزد] فيضجره. [إلا أن يتكلم] فيعيد تلقينه، لتكون آخر كلامه. لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه أبو داود. [وقراءة الفاتحة، ويس] قال أحمد: ويقرؤون عند الميت إذا حضر ليخفف عنه بالقرآن. وأمر بقراءة الفاتحة. وعن معقل بن يسار مرفوعاً: "اقرؤوا يس على موتاكم" رواه أبو داود.

[وتوجيهه إلى القبلة على جنبه الأيمن] لأن حذيفة قال: وجهوني إلى القبلة واستحبه مالك، وأهل المدينة، والأوزاعي، وأهل الشام. وقال صلى الله عليه وسلم، عن البيت الحرام: "قبلتكم أحياءً، وأمواتاً" رواه أبو داود. [وقول: بسم الله، وعلى وفاة رسول الله] نص عليه. لما روى البيهقي عن بكر بن عبد الله المزني، ولفظه: "وعلى ملة رسول الله". [ولا بأس بتقبيله، والنظر إليه ولو بعد تكفينه] لحديث عائشة، وابن عباس أن أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم، بعد موته رواه البخاري والنسائي. وقالت عائشة: قبل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل على وجهه رواه أحمد، والترمذي، وصححه.

فصل: في غسل الميت

فصل في غسل الميت [وغسل الميت فرض كفاية] إجماعاً، لقوله صلى الله عليه وسلم، في الذي وقصته ناقته: "اغسلوه بماء، وسدر، كفنوه في ثوبيه" متفق عليه. [وشرط فى الماء الطهورية، والإباحة] كباقي الأغسال. [وفى الغاسل: الإسلام، والعقل والتمييز] لأنها شروط في كل عبادة. [والأفضل ثقة عارف بأحكام الغسل] ليحتاط فيه، ولقول ابن عمر لا يغسل موتاكم إلا المأمونون. [والأولى به وصية العدل] لأن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله

امرأته أسماء بنت عميس، فقدمت بذلك وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين، ففعل. [وإذا شرع في غسله ستر عورته وجوباً] قال في المغني: لا نعلم في ذلك خلافاً، لحديث علي: لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت رواه أبو داود. [ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها] لأن النظر إلى العورة حرام، فلمسها أولى. [ويجب غسل ما به من نجاسة] لأن المقصود بغسله تطهيره حسب الإمكان. [ويحرم مس عورة من بلغ سبع سنين] لما تقدم. [وسن أن لا تمس سائر جسده إلا بخرقة] لما روي أن علياً غسل النبي صلى الله عليه وسلم، وبيده خرقة يمسح بها ما تحت القميص ذكره المروذي عن أحمد. [وللرجل أن يغسل زوجته وأمته] لقوله صلى الله عليه وسلم، لعائشة: "لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك" رواه ابن ماجه. وغسل علي فاطمة رضي الله عنهما، ولم ينكره منكر فكان إجماعاً. قاله في الكافي. [وبنتاً دون سبع] قاله القاضي، وأبو الخطاب وكرهه سعيد، والزهري. [وللمرأة غسل زوجها، وسيدها، وابن دون سبع] حكاه ابن المنذر إجماعاً، لحديث أبي بكرالسابق، وقالت عائشة: لواستقبلنا

من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا نساؤه رواه أحمد، وأبو داود ولما مات إبراهيم ابن النبى صلى الله عليه وسلم، غسله النساء. [وحكم غسل الميت فيما يجب، ويسن كغسل الجنابة] لقوله صلى الله عليه وسلم، للنساء اللاتي غسلن ابنته: "ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها" رواه الجماعة. [لكن لا يدخل الماء في فمه، وأنفه] فى قول الأكثر. [بل يأخذ خرقة مبلولة، فيمسح بها أسنانه، ومنخريه] ليقوم مقام المضمضة، والاستنشاق. لحديث: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه مااستطعتم". [ويكره الإقتصار في غسله على مرة] قال أحمد: لا يعجبنى أن يغسل واحدة. ولقوله صلى الله عليه وسلم، حين توفيت ابنته "اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء، وسدر". [إن لم يخرج منه شئ، فإن خرج وجب إعادة الغسل إلى سبع، فإن خرج بعدها حشي بقطن، فإن لم يستمسك فبطين حر، ثم يغسل المحل] قال أحمد: لا يزاد على سبع خرج منه شئ أو لم يخرج، ولكن يغسل النجاسة، ويحشو مخرجها بالقطن. [ويوضأ وجوباً، ولا غسل] لجنب أحدث بعد غسله، لتكون طهارته كاملة. [وإن خرج بعد تكفينه لم يعد الوضوء، ولا الغسل] لما فيه من الحرج.

[وشهيد المعركة] لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه. لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم. ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم رواه البخاري. [والمقتول ظلماً لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه] لحديث سعيد بن زيد مرفوعاً: "من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد" رواه أبو داود، والترمذي، وصححه. وعنه: يغسل ويصلى عليه، لأن ابن الزبير غسل، وصلي عليه. فأما الشهيد بغير قتل كالمطعون، والمبطون، فيغسل. لا نعلم فيه خلافاً. قاله في المغني. [ويجب بقاء دمه عليه] لأمره صلى الله عليه وسلم، بدفن شهداء أحد بدمائهم. [ودفنه في ثيابه] لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد، والجلود، وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم رواه أبو داود، وابن ماجه. فإن سلب ثيابه كفن في غيرها. لأن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثوبين ليكفن حمزة فيهما، فكفنه في أحدهما، وكفن في الآخر رجلاً آخر قال يعقوب بن شيبة: هو صالح الإسناد. [وإن حمل فأكل، أو شرب، أو نام أو بال أو تكلم، أو عطس، أو طال بقاؤه عرفاً] فهو كغيره يغسل، ويصلى عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم، غسل سعد بن معاذ، وصلى عليه، وكان شهيداً وصلى المسلمون على عمر، وعلي، وهما شهيدان. قاله في المغني. [أوقتل وعليه ما يوجب الغسل من نحو جنابة فهو كغيره] لأن

النبي صلى الله عليه وسلم، قال يوم أحد: "ما بال حنظلة بن الراهب؟ إنى رأيت الملائكة تغسله"! قالوا: إنه سمع الهايعة، فخرج وهو جنب، ولم يغتسل رواه الطيالسى. وإن سقط من دابته، أوتردى من شاهق، أو وجد ميتاً لا أثر به، غسل، وصلي عليه. نص عليه، لأنه ليس بقتيل الكفار. وتأول أحمد قوله صلى الله عليه وسلم: "ادفنوهم بكلومهم" وإن سقط من الميت شئ غسل، وجعل معه في أكفانه. فعلته أسماء بابنها فإن لم يوجد إلا بعض الميت غسل، وصلى عليه، لإجماع الصحابة. قال أحمد: صلى أبو أيوب على رجل وصلى عمر على عظام بالشام وصلى أبو عبيدة على رؤوس بالشام رواهما عبد الله بن أحمد. وقال الشافعي: ألقى طائر يداً بمكة من وقعة الجمل، عرفت بالخاتم، فكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فصلى عليها أهل مكة. [وسقط لأربعة أشهر، كالمولود حياً] يغسل، ويصلى عليه. نص عليه لحديث المغيرة مرفوعاً "والسقط يصلى عليه" رواه أبو داود، والترمذي، وصححه، ولفظه: "والطفل يصلى عليه" وذكره أحمد، واحتج به. [ولا يغسل مسلم كافراً، ولو ذمياً، ولا يصلى عليه، ولا يتبع جنازته] لأن في ذلك تعظيماً له وقد قال تعالى: {لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} 1. [بل يوارى لعدم من يواريه] من الكفار كما فعل بأهل القليب يوم

_ 1 الممتحنة من الآية/13.

بدر. وعن علي، رضي الله عنه، قال: قلت للنبي، صلى الله عليه وسلم، إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: "اذهب فواره" رواه أبو داود، والنسائي.

فصل: في تكفينه

فصل في تكفينه [وتكفينه فرض كفاية] لقوله صلى الله عليه وسلم "كفنوه في ثوبيه" متفق عليه. [والواجب ستر جميعه] لقول أم عطية: فلما فرغنا ألقى إلينا حقوه فقال: "أشعرنها إياه"، ولم يزد على ذلك رواه البخاري. [سوى رأس المحرم، ووجه المحرمة] لقوله: "ولا تخمروا رأسه". [بثوب لا يصف البشرة] ليستره. [ويجب أن يكون من ملبوس مثله] لأنه لا إجحاف به على الميت، ولا على ورثته. [ما لم يوصى بدونه] لأن الحق له، وقد تركه. وقد أوصى أبو بكر الصديق أن يكفن في ثوبين، كان يمرض فيهما رواه البخاري. [والسنة تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض من قطن] قال الترمذي: العمل عليه عند أكثر أهل العلم. [تبسط على بعضها، ويوضع عليها مستلقياً، ثم يرد طرف العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم طرفها الأيمن على الأيسر، ثم الثانية، ثم الثالثة كذلك] لقول عائشة: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ثلاث أثواب بيض سحولية جدد يمانية، ليس فيها قميص ولا عمامة، أدرج فيها إدراجاً. متفق عليه.

[والأنثى فى خمسة أثواب من قطن: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين] لحديث ليلى بنت قائف الثقفية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم، ابنة النبى صلى الله عليه وسلم، عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحقا، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر رواه أبو داود. [والصبي في ثوب واحد] واحد لأنه دون الرجل. [ويباح فى ثلاثة] ما لم يرثه غير مكلف. [والصغيرة فى قميص، ولفافتين] بلا خمار، نص عليه. [ويكره التكفين بشعر، وصوف] لأنه خلاف فعل السلف. [ومزعفر، ومعصفر] ولو لامرأة، لعدم وروده عن السلف. [ومنقوش] لذلك، ولأنه لا يليق بالحال. [ويحرم بجلد] لأمره صلى الله عليه وسلم، بنزع الجلود عن الشهداء. [وحرير ومذهب] لتحريمه على الذكور في الحياة، ويكره تكفين المرأة بالحرير.

فصل: في الصلاة عليه

فصل في الصلاة عليه [والصلاة عليه فرض كفاية] لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا على أطفالكم فإنهم أفراطكم" وقوله في الغال: "صلوا على صاحبكم" وقوله: "إن صاحبكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه" وقوله: "صلوا على من قال: لا إله إلا الله" والأمر للوجوب. [وتسقط بمكلف، ولو أنثى] لأنها صلاة ليس من شرطها الجماعة، فلم يشترط لها العدد. [وشروطها ثمانية: النية، والتكليف، واستقبال القبلة، وستر العورة، واجتناب النجاسة] لأنها من الصلوات، فأشبهت سائرهن. [وحضور الميت، إن كان بالبلد] فلا تصح على جنازة محمولة، أو من وراء جدار. [وإسلام المصلى، والمصلى عليه، وطهارتهما ولو بتراب لعذر] لما تقدم. ولا يصلى على كافر لقوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً} 1. [وأركانها سبعة: القيام في فرضها] لأنها صلاة وجب القيام فيها، كالظهر. [والتكبيرات الأربع] لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كبر على النجاشي أربعاً متفق عليه.

_ 1 التوبة/85.

[وقراءة الفاتحة] لعموم حديث: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن" وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن وقال: لأنه من السنة، أو من تمام السنة رواه البخاري. [والصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم] لما يأتي. [والدعاء للميت] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء" رواه أبو داود. [والسلام] لعموم حديث "وتحليلها التسليم". [والترتيب] لما يأتي. [لكن لا يتعين كون الدعاء في الثالثة، بل يجوز بعد الرابعة. وصفتها: أن ينوي، ثم يكبر، ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر، ويصلي على محمد، كفي التشهد1 ثم يكبر، ويدعو للميت بنحو: اللهم ارحمه، ثم يكبر، ويقف بعدها قليلاً، ويسلم] لما روي أنه صلى الله عليه وسلم، قال: "إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى، ويقرأ في نفسه، ثم يصلي على النًبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاء للجنازة في التًكبيرتين، ولا يقرأ في شئ منه، ثم يسلم سراً في نفسه" رواه الشافعي في مسنده، والأثرم، وزاد: السنة أن يفعل من وراء الإمام مثل ما يفعل إمامهم. وروى الجوزجاني عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يكبر على الجنازة أربعاً، ثم يقول ما شاء الله، ثم ينصرف قال الجوزجاني: كنت أحسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف.

_ 1 إن قول المؤلف: "كفي" مشكل لأن الحرف في لا يكون اسماً مطلقاً – كما يقرر ابن هشام – بذلك لا يجوز أن يدخل عليه حرف جر آخر. وأما [الكاف] فقد تكون اسمية غير أن الشواهد الواردة على اسميتها بعيدة عن هذا التركيب، فتأمل.

[وتجزئ واحدة] عن يمينه. قال الإمام أحمد: عن ستة من الصحابة، وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم. [ولو لم يقل ورحمة الله] لما روى الخلال، وحرب، عن على، رضي الله عنه أنه صلى على زيد بن الملفق، فسلم واحدة عن يمينه. السلام عليكم. [ويجوز أن يصلى على الميت من دفنه إلى شهر وشئ] قليل كيوم، ويومين. قال أحمد: ومن يشك في الصلاة على القبر؟ يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، من ستة وجوه كلها حسان وقال: أكثر ما سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أم سعد بن عبادة بعد شهر. [ويحرم بعد ذلك] نص عليه، لأنه لا يتحقق بقاؤه على حاله بعد ذلك، ويصلى على الغائب بالنية لصلاته عليه السلام على النجاشي. قال في الاختيارات: ولا يصلى كل يوم على غائب، لأنه لم ينقل. يؤيده قول الإمام أحمد: إذا مات رجل صالح صلي عليه، واحتج بقصة النجاشي.

فصل: في حمله ودفنه

فصل في حمله ودفنه [وحمله ودفنه فرض كفاية] لقوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} 1 قال ابن عباس: أكرمه بعد دفنه ولأن في تركهما هتكاً لحرمتها، وأذى للناس بها.

_ 1 عبس/21.

[لكن يسقط الحمل والدفن والتكفين بالكافر] 1 لأن فاعلها لا يختص بكونه من أهل القربة. [ويكره اًخذ الأجر على ذلك، وعلى الغسل] لأنها عبادة. [وسن كون الماشى أمام الجنازة] لقول ابن عمر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر يمشون أمام الجنازة رواه أبو داود. [والراكب خلفها] لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعاً: "الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها" صححه الترمذي. [والقرب منها أفضل] كالإمام في الصلاة. [ويكره القيام لها] لقول علي: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قعد رواه مسلم. [ورفع الصوت معها، ولو بالذكر والقرآن] لحديث: "لا تتبع الجنازة بصوت، ولا نار" رواه أبو داود. [وسن أن يعمق القبر، ويوسع بلا حد] لقوله صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: "احفروا، وأوسعوا، وأعمقوا" رواه أبو داود، والترمذي، وصححه. وقوله للحافر: "أوسع من قبل الرأس، وأوسع من قبل الرجلين" رواه أحمد، وأبو داود. قال أحمد: يعمق إلى الصدر، لأن الحسن، وابن سيرين كانا يستحبان ذلك. [ويكفي ما يمنع، السباع، والرائحة] لأنه حصل به المقصود. [وكره إدخال الخشب وما مسته نار] كآجر تفاؤلاً أن

_ 1 هذه الجملة كانت غير واضحة في الأصل وصححت من مخطوطات المتن.

لا يمس الميت نار. وقال إبراهيم النخعي: كانوا يستحبون اللبن، ويكرهون الخشب، والآجر. [ووضع فراش تحته، وجعل مخدة تحت رأسه] نص عليه، لما روي عن ابن عباس أنه كره أن يلقى تحت الميت في القبر شئ ذكره الترمذي، وعن أبي موسى لا تجعلوا بيني، وبين الأرض شيئاً. [وسن قول مدخله القبر: "بسم الله، وعلى ملة رسول الله"] رواه أحمد، والترمذي وقال: حسن غريب. [ويجب أن يستقبل به القبلة] لقوله صلى الله عليه وسلم، في الكعبة: "قبلتكم أحياء، وأمواتاً" ولأنه طريقة المسلمين بنقل الخلف عن السلف. [ويسن على جنبه الأيمن] لأنه يشبه النائم، وهذه سنته. [ويحرم دفن غيره عليه أو معه] لأن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يدفن كل ميت في قبر". [إلا لضرورة] لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كثر القتلى يوم أحد، كان يجمع بين الرجلين في القبر الواحد، ويسأل أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فيقدمه فى اللحد حديث صحيح. [وسن حثو التراب عليه ثلاثاً، ثم يهال] لحديث أبي هريرة قال فيه: فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثاً. رواه ابن ماجه. وللدارقطني معناه من حديث عامر بن ربيعة، وزاد وهو قائم. [واستحب الأكثر تلقينه بعد الدفن] لحديث أبي أمامة فيه. رواه أبو بكر عبد العزيز في الشافي، ويؤيده حديث "لقنوا موتاكم لا إله

إلا الله" وسئل أحمد عنه، فقال: ما رأيت أحداً يفعله إلا أهل الشام. قال: وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه. وفي الإختيارات: الأقوال فيه ثلاثة: الكراهة، والاستحباب، والإباحة وهو أعدلها. [يسن رش القبر بالماء] لأن النبي صلى الله عليه وسلم، رش على قبر ابنه إبراهيم ماء، ووضع عليه حصباء رواه الشافعي. [ورفعه قدر شبر] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر. رواه الشافعي. [ويكره تزويقه، وتجصيصه، وتبخيره] لقول جابر نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يقعد عليه رواه مسلم، زاد الترمذي وأن يكتب عليها. [وتقبيله، والطواف به] والصحيح تحريمه، لأنه من البدع، وقد روي أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات. [والإتكاء إليه] لما روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى رجلاً قد اتكأ على قبر، فقال: "لا تؤذه". [والمبيت والضحك عنده، والحديث في أًمر الدنيا] لأنه غير لائق بالحال. [والكتابة عليه، والجلوس، والبناء] لما تقدم. فإن كان البناء مشرفاً وجب هدمه، لقوله صلى الله عليه وسلم، لعلي: "لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته" رواه مسلم.

[والمشي بالنعل، إلا لخوف شوك، ونحوه] لحديث بشير بن الخصاصية قال: بينا أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان، فقال: "يا صاحب السبتيتين اًلق سبتيتيك" 1 فنظر الرجل، فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلعهما، فرمى بهما. رواه أبو داود. قال أحمد: إسناده جيد. [ويحرم إسراج المقابر، والدفن بالمساجد] وكذا بناء المساجد على القبور لقول ابن عباس: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد، والسرج رواه أبو داود، والنسائي. [وفي ملك الغير، وينبش] ما لم يأذن مالكه. [والدفن بالصحراء أفضل] لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع ولم تزل الصحابة والتابعون، ومن بعدهم، يقبرون في الصحارى. [وإن ماتت الحامل حرم شق بطنها] لأنه هتك حرمة متيقنة لإبقاء حياة متوهمة، واحتج أحمد بحديث عائًشة مرفوعاً: "كسر عظم الميت ككسر عظم الحي" رواه أبو داود، ورواه ابن ماجه عن أم سلمة، وزاد: "في الإثم". [وأخرج من النساء من ترجى حياته] بأن كان يتحرك حركة قوية، وانفتحت المخارج، وله ستة أشهر فأكثر، ولا يشق بطنها، لما تقدم.

_ 1 الرواية الصحيحة "يا صاحب السبتيتين ألقهما" والتعال السبتية من السبت وهو الحلق لأن شعرها قد حلق عنها، والمراد بها جلود البقر وكل جلد مدبوغ.

[فإن تعذر لم تدفن حتى يموت] الحمل لحرمته. [وإن خرج بعضه حياً شق الباقى] لتيقن حياته بعد أن كانت متوهمة.

فصل: في التعزية وزيارة القبور

فصل في التعزية وزيارة القبور [تسن تعزية المسلم] لحديث عمرو بن حزم مرفوعاً: "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الجنة" رواه ابن ماجه. وعن ابن مسعود مرفوعاً: "من عزى مصاباً فله مثل أجره" رواه ابن ماجه، والترمذي، وقال: غريب. [إلى ثلاثة أيام] بلياليهن لأنها مدة الإحداد المطلق. قال المجد: إلا إذا كان غائباً فلا بأس بتعزيته إذا حضر. [فيقال له: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك] لأن الغرض الدعاء للمصاب، وميته، وروى حرب عن زرارة بن أبي أوفى قال: عزى النبي صلى الله عليه وسلم، رجلاً على ولده فقال "آجرك الله وأعظم لك الأجر". [ويقول هو: استجاب الله دعاءك، ورحمنا الله وإياك] رد به الإمام أحمد رحمه الله. [ولا بأس بالبكاء على الميت] لقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب. ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه – ويرحم" متفق عليه. وأخبار النهي محمولة على بكاء معه ندب، أو نياحة. قال المجد: إنه كره كثرة البكاء والدوام عليه أياماً كثيرة.

[ويحرم الندب: وهو البكاء مع تعداد محاسن الميت، والنياحة: وهي رفع الصوت بذلك برنة] لقوله تعالى: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} 1 قال أحمد: هو النوح، فسماه معصية، وقالت أم عطية: أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم، في البيعة أن لا ننوح متفق عليه. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، لعن النائحة والمستمعة. [ويحرم شق الثوب، ولطم الخد، والصراخ، ونتًف الشعر، ونشره، وحلقه] لحديث ابن مسعود مرفوعاً: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية" وعن أبى موسى أن النبى صلى الله عليه وسلم، برئ من الصالقة2، والحالقة، والشاقة متفق عليهما. [وتسن زيارة القبور للرجال] نص عليه، وحكاه النووي إجماعاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكركم الموت" رواه مسلم. وللترمذي "فإنها تذكر الآخرة" وهذا التعليل يرجح أن الأمرللإستحباب، وإن كان وارداً بعد الحظر. بلا سفر لعدم نقله، وللحديث الصحيح: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد". [وتكره للنساء] لأن النهي المنسوخ يحتمل أنه خاص بالرجال،

_ 1 الممتحنة من الآية/12. 2 الصلق، كما في اللسان: الصوت الشديد. وفي الحديث "ليس منا من صلق أو حلق" أي: ليس منا من رفع صوته عند المصيبة ولا من حلق شعره.

فدار بين الحظر والإباحة، فأقل أحواله الكراهة، ويؤيده حديث ابن عباس مرفوعاً: "لعن الله زوارات القبور" رواه أهل السنن. قال في الكافي: فلما زال التحريم بالنسخ بقيت الكراهة، ولأن المرأة قليلة الصبر، فلا يؤمن تهيج حزنها برؤية قبور الأحبة، فيحملها على فعل ما لا يحل لها فعله، بخلاف الرجل. انتهى. وعنه: لا يكره لعموم قوله "فزوروها" ولأن عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن رضي الله عنهما رواه الأثرم. [وإن اجتازت المرأة بقبر فى طريقها، فسلمت عليه، ودعت له فحسن] لأنها لم تخرج لذلك. [وسن لمن زار القبور أو مر بها أن يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، ويرحم الله المستقدمين منكم، والمستأخرين. نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفرلنا ولهم] للأخبار الواردة بذلك عن أبي هريرة، وبريدة، وغيرهما رواها أحمد، ومسلم. وقوله إن شاء الله للتبرك، أو في الموت على الإسلام، أو في الدفن عندهم. [وابتداء السلام على الحي سنة] لحديث "أفشوا السلام" وما بمعناه. [ورده فرض كفاية] فإن كان واحداً تعين عليه لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} 1 وعن علي مرفوعاً: "يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم" رواه أبو داود.

_ 1 النساء من الآية/85.

[وتشميت العاطس إذا حمد فرض كفاية، ورده فرض عين] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا عطس أحدكم، فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله" وعنه أيضاً: "إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال، وليقل أخوه، أو صاحبه: يرحمك الله، ويقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم" رواه أبو داود. [ويعرف الميت زائره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس] قاله أحمد. وفي الغنية: يعرفه كل وقت، وهذا الوقت آكد. وقال ابن القيم: الأحاديث، والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به المزور، وسمع كلامه وأنس به. وهذا عام في حق الشهداء، وغيرهم، وأنه لا توقيت في ذلك. انتهى. [ويتأذى بالمنكر عنده، وينتفع بالخير] قال الشيخ تقي الدين: استفاضت الآثار بمعرفة الميت بأحوال أهله، وأصحابه في الدنيا، وأن ذلك يعرض عليه، وجاءت الآثار بأنه يرى أيضاً، وبأنه يدري بما فعل عنده، ويسر بما كان حسناً، ويتألم بما كان قبيحاً. انتهى.

كتاب الزكاة

كتاب الزكاة مدخل مدخل ... كتاب الزكاة وهي أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" متفق عليه. [شرط وجوبها خمسة أشياء. أحدها: الإسلام، فلا تجب علىالكافر، ولو مرتداً] لأنها من فروع الإسلام، لحديث معاذ "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ماتدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوكً لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم" متفق عليه. [الثاني: الحرية، فلا تجب على الرقيق] في قول الأكثر، فإن ملكه سيده مالاً، وقلنا لا يملك فزكاته على سيده، وهو مذهب سفيان. وإسحاق. وعنه: لا زكاة على واحد منهما. قال ابن المنذر: وهذا قول ابن عمر، وجابر، ومالك. قاله في الشرح. [ولو مكاتباً] قال في الشرح: لا نعلم أحداً خالف فيه إلا أبا ثور. وعن جابر مرفوعاً: "ليس في مال المكاتب زكاة حتى يعتق" رواه الدارقطني.

[لكن تجب على البعض بقدر ملكه] من المال بجزئه الحر لتمام ملكه عليه. [الثالث: ملك النصاب تقريباً في الأثمان، وتحديداً في غيرها] لما يأتي وتجب فيما زاد على النصاب بالحساب إلا فى السائمة. روي ذلك عن علي، وابن عمر، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة. [الرابع: الملك التام، فلا زكاة على السيد في دين الكتابة] قال في الشرح: بغير خلاف علمناه. [ولا في حصة المضارب] من الربح. [قبل القسمة] نص عليه. ومن له دين على ملئ زكاه إذا قبضه لما مضى، وبه قال علي والثوري. وقال عثمان، وابن عمر، والشافعي، وإسحاق، وأبو عبيد: عليه إخراج الزكاة في الحال، وإن لم يقبضه. وعن عائشة: ليس في الدين زكاة وعن ابن المسيب: يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة. وفي الدين على غير الملئ، والمجحود، والمغصوب، والضائع روايتان، إحداهما: لا تجب فيه، وهو قول إسحاق، وأهل العراق، لأنه خارج عن يده، وتصرفه أشبه دين الكتابة. والثانية: يزكيه إذا قبضه لما مضى، وهو قول الثوري، وأبي عبيد، لقول علي في الدين المظنون: إن كان صادقاً فليزكه إذا قبضه، لما مضى وعن ابن عباس نحوه رواهما أبو عبيد. وعن مالك: يزكيه إذا قبضه لعام واحد، قاله في الشرح. وفي حديث ابن عبد العزيز كتب إلى ميمون بن مهران في مظالم كانت في بيت المال أن يردها على أربابها، ويأخذ منها

زكاة عامها، فإنها كانت مالاً ضماراً. المال الضمار: الغائب الذي لا يرجى، وإذا رجي فليس بضمار، وإنما أخذ منه زكاة عام واحد، لأن أربابه ما كانوا يرجون رده عليهم، فلم يوجب عليهم زكاة السنين الماضية وهو في بيت المال. رواه مالك في الموطأ بمعناه. [الخامس: تمام الحول] لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. [ولا يضر لو نقص نصف يوم] ونحوه. صححه في تصحيح الفروع، لأنه يسير. [وتجب في مال الصغير والمجنون] لقوله صلى الله عليه وسلم: "ابتغوا في أموال اليتامى كيلا تأكله الزكاة" رواه الترمذي. وروي موقوفاً على عمر. [وهي في خمسة أشياء: في سائمة بهيمة الأنعام، وفي الخارج من الأرض وفى العسل، وفي الأثمان. وفي عروض التجارة] لما يأتي مفصلاً. [ويمنع وجوبها دين ينقص النصاب] في الأموال الباطنة رواية واحدة، لأن عثمان قال بمحضر من الصحابة: هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم رواه أبو عبيد. ولم ينكر فكان إجماعاً. وفي الأموال الظاهرة روايتان، إحداهما: يمنع، وهو قول إسحاق. والثانية: لا يمنع، وهو قول مالك، والشافعي، قاله في الشرح.

[ومن مات، وعليه زكاة أخذت من تركته] نص عليه، ولو لم يوص بها: لحديث "فدين الله أحق بالوفاء".

باب زكاة السائمة

باب زكاة السائمة مدخل ... باب زكاة السائمة [تجب فيها بثلاثة شروط. إحداها: أن تتخذ للدر، والنسل، والتسمين، لا للعمل] قال أحمد: ليس في العوامل زكاة. [الثاني: أن تسوم - اًي ترعى - المباح أكثر الحول] لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعاً: "في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون" رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي. وفي حديث الصديق مرفوعاً: "وفي الغنم في سائمتها، إذا كانت أربعين ففيها شاة" الحديث. وفي آخر: "إذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاةً شاةً واحدةً فليس فيها شئ إلا أن يشاء ربها" فقيد بالسوم. [الثالث: أن تبلغ نصاباً فأقل نصاب الإبل خمس، وفيها شاة، ثم في كال خمس شاة إلى خمسة وعشرين، فتجب بنت مخاض وهي ما تم لها سنة] إجماعاً في ذلك كله. [وفي ست وثلاثين، بنت لبون - لها سنتان - وفي ست وأربعين حقة - لها ثلاث سنين - وفي إحدى وستين جذعة - لها أربع سنين - وفي ست وسبعين ابنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان] إلى مائة وعشرين. هذا كله مجمع عليه. قاله في الشرح. [وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون إلى مائة وثلاثين، فيستقر فى كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة] لحديث أنس

أن أبا بكر الصديق كتب له حين وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم. هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط في أربع وعشرين من الإبل، فما دونها من الغنم في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة. رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبخاري، وقطعه في مواضع.

فصل: في زكاة البقر

فصل في زكاة البقر [وأقل نصاب البقر، أهلية كانت، أو وحشية ثلاثون. وفيها تبيع - وهو ما له سنة - وفي أربعين مسنة - لها سنتان - وفى ستين تبيعان، ثم فى كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة] لقول معاذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصدق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً، ومن كل أربعين مسنة الحديث. رواه أحمد.

فصل: في زكاة الغنم

فصل في زكاة الغنم [وأقل نصاب الغنم، أهلية كانت، أو وحشية] وهي غير الظباء. قال بعضهم: يذكرونها، ولا تعلم، ولعلها توجد في بعض الأمكنة. [أربعون. وفيها شاة: لها سنة، جذعة ضأن: لها ستة أشهر] لقول سعر بن ديسم أتاني رجلان على بعير، فقالا: إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتؤدي صدقة غنمك. قلت: فأي شئ تأخذان؟ قالا: عناق جذعة، أو ثنية رواه أبو داود. ولأن هذا السن هو المجزئ في الأضحية. كذلك في الزكاة. [وفي مائة وإحدى وعشرين: شاتان. وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه.،ثم في كل مائة شاة] لما روى أنس في كتاب الصدقات: وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة، ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث، ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاثمائة، ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصةً من أربعين شاةً، شاةً واحدة فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها رواه أحمد، وأبو داود.

فصل: في الخلطة

فصل في الخلطة [وإذا اختلط اثنان فأكثر من أهل الزكاة في نصاب ماشية لهم جميع الحول، واشتركا فى المبيت، والمسرح، والمحلب، والفحل، والمرعى زكيا كالواحد. ولا تشترط نية الخلطة، ولا اتحاد المشرب، والراعى، ولا اتحاد الفحل إن اختلف النوع: كالبقر، والجاموس، والضأن، والمعز] لما روى أنس في كتاب الصدقات "ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية" رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي. [وقد تفيد الخلطة تغليظاً كاثنين اختلطا بأربعين شاة لكل واحد عشرون، فيلزمهما شاة] إنصافاً. [وتخفيفاً كثلاثة اختلطوا بمائة وعشرين شاة، لكل واحد أربعون، فيلزمهم شاة] أثلاثاً، ومع عدم الخلطة يلزمهم ثلاث، كل واحدة شاة. [ولا أثر لتفرقة المال] ولا خلطته. نص عليه، لأن الخبر لا يمكن حمله على غير الماشية. ولا يختلف المذهب في سائر الأموال أن يضم مال الواحد بعضه إلى بعض، تقاربت البلدان أو تباعدت، لعدم تأثير الخلطة فيها. قاله في الكافي. [ما لم يكن المال سائمة، فإن كانت سائمة بمحلين بينهما مسافة قصر، فلكل حكم نفسه، فإن كان له شياه بمحال متباعدة في كل محل أربعون، فعليه شياه بعدد المحال، ولا شئ عليه إن لم يجتمع له في كل محل أربعون ما لم يكن خلطة] لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة".

باب زكاة الخارج من الأرض

باب زكاة الخارج من الأرض مدخل ... باب زكاة الخارج من الأرض أجمعوا على وجوبها في الحنطة، والشعير، والتمر والزبيب. حكاه ابن المنذر، وابن عبد البر. [تجب في كل مكيل مدخر من الحب، كالقمح، والشعير، والذرة، والحمص، والعدس، والباقلاء، والكرسنة، والسمسم، والدخن، والكراويا، والكزبرة، وبزر القطن، والكتان، والبطيخ، ونحوه] 1 لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} 2 وقوله صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء، والعيون، أو كان عشرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر" رواه البخاري. ويدل على اعتبار الكيل حديث "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" متفق عليه. [ومن الثمر: كالتمر، والزبيب، واللوز، والفستق، والبندق، والسماق] لما تقدم. وحديث: "لا زكاة في حب، ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق" رواه مسلم. دل على وجوب الزكاة في الحب، والثمر، وانتفائها عن غيرهما، قاله في الكافي. [ولا زكاة في عنب، وزيتون، وجوز، وتين، ومشمش، وتوت، ونبق، وزعرور، ورمان] لعدم هذه الأوصاف فيها. وقد روى موسى

_ 1 وفي أصول المتن، والأرز، والمقصود من البطيخ هو بزره. 2 البقرة من الآية /267.

ابن طلحة أن معاذاً لم يأخذ من الخضروات صدقة وله عن عائشة معناه. وروى الأ ثرم بإسناده عن سفيان بن عبد الله الثقفي أنه كتب إلى عمر- وكان عاملاً له على الطائف - أن قبله حيطاناً فيها من الفرسك، والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافاً، فكتب يستأمر في العشر، فكتب إليه عمر أن ليس عليه عشر، هي من العضاه كلها، فليس عليها عشر والفرسك: الخوخ. [وإنما تجب فيما تجب بشرطين. الأول: أن يبلغ نصاباً، وقدره بعد تصفية الحب، وجفاف الثمر خمسة أوسق، وهي ثلاثمائة صاع] لأن الوسق ستون صاعاً. إجماعاً، لنص الخبر، رواه أحمد، وابن ماجه. [وبالأرادب: سته وربع، وبالرطل العراقي: ألف وستمائة، وبالقدسي مائتان وسبعة وخمسون، وسبع رطل] لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "ليس فيما دون خمسة أوسق صد قة" رواه الجماعة. [الثانى: أن يكون مالكاً للنصاب وقت وجوبها، فوقت الوجوب في الحب إذا اشتد، وفى الثمر إذا بدا صلاحها] لأنه حينئذ يقصد للأكل والاقتيات به، فأشبه اليابس. قاله في الكافي. وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود، فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه رواه أبو داود. فلا زكاة فيما يلقطه اللقاط من السنبل، وما يأخذه أجرة بحصاده، أو يوهب له. نص عليه. قال أحمد: هو بمنزلة المباحات ليس فيه صدقة.

فصل: فيما يسقي بكلفة او بدونها

فصل: فيما يسقي بكلفة او بدونها [ويجب فيما يسقى بلا كلفة العشر، وفيما يسقى بكلفة نصف العشر] لحديث ابن عمر مرفوعاً: "فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بالنًضح نصف العشر" رواه أحمد، والبخاري. وللنسائي، وأبي داود، وابن ماجه: "فيما سقت السماء، والأنهار، والعيون، أو كان بعلاً العشر، وفيما سقي بالسوًاني، والنضح نصف العشر". [ويجب إخراج زكاة الحب مصفى، والثمر يابساً] لما روى الدارقطني عن عتاب بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمره أن يخرص العنب زبيباً كما يخرص التمر ولا يسمى زبيباً، وتمراً حقيقة إلا اليابس، وقيس الباقي عليهما. [فلوا خالف، وأخرج رطبها لم يجزئه، ووقع نفلاً] لما تقدم. [وسن للإمام بعث خارص لثمرة النخل والكرم إذا بدا صلاحها، ويكفى واحد وشرط كونه مسلماً أميناً خبيراً] لما تقدم. وممن يرى الخرص عمر، وسهل بن أبي حثمة، والقاسم بن محمد، ومالك، والشافعي، وأكثر أهل العلم. قاله في الشرح. [وأجرته على رب الثمرة] لعمله في ماله عملاً مأذوناً فيه. [ويجب عليه بعث السعاة قرب الوجوب لقبض زكاة المال الظاهر] لفعله صلى الله عليه وسلم.

[ويجتمع العشر، والخراج في الأرض الخراجية] العشر في غلتها، والخراج في رقبتها، [وهي ما فتحت عنوة، ولم تقسم بين الغانمين كمصر، والشام، والعراق] وما جلا عنها أهلها خوفاً منا، وما صولحوا على أنها لنا، ونقرها معهم بالخراج. [وتضمين أموال العشر والأرض الخراجية باطل] نص عليه، لأنه يقتضي الإقتصار عليه في تملك ما زاد، وغرم ما نقص، وهذا مناف لموضوع العمالة، وحكم الأمانة. وسئل أحمد في رواية حرب عن تفسير حديث ابن عمر: القبالات ربا قال: هو أن يستقبل القرية، وفيها العلوج، والنخل. فسماه ربا: أي في حكمه في البطلان. وعن ابن عباس: إياكم والربا: ألا وهي القبالات، ألا وهي الذل، والصغار. [وفي العسل العشر، ونصابه مائة وستون رطلاً عراقية] نص عليه، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يؤخذ في زمانه من قرب العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها رواه أبو عبيد، والأثرم، وابن ماجه. قال أحمد: أخذ عمر منهم الزكاة، قال الأثرم: قلت ذلك على أنهم يطوعون؟ قال: لا بل أخذ منهم. وروى الجوزجاني عن عمر أن ناساً سألوه فقالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع لنا وادياً باليمن فيه خلايا من نحل، وإنا نجد ناساً يسرقونها. فقال عمر: إذا أديتم صدقتها من كل عشرة أفراق فرقاً حميناها لكم والفرق: ستة عشر رطلاً عراقية. [وفي الركاز: وهو الكنز، ولو قليلاً الخمس، ولا يمنع وجوبه الدين]

لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "وفي الركاز الخمس" رواه الجماعة. يصرف مصرف الفئ. نص عليه، لما روى أبو عبيد بإسناده عن الشعبي أن رجلاً وجد ألف دينار مدفونة خارج المدينة، فأتى بها عمر بن الخطاب، فأخذ منها مائتي دينار، ودفع إلى الرجل بقيتها، وجعل عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين إلى أن فضل منها فضلة، فقال: أين صاحب الدنانير؟ فقام إليه، فقال عمر: خذ هذه الدنانير فهي لك فلو كان الخمس زكاة لخص به أهل الزكاة1.

_ 1 جزم الخرقي أنه زكاة، وتبعه جماعة. واختار ابن حامد: يؤخذ الركاز كله من الذمي لبيت المال.

باب زكاة الأثمان

باب زكاة الأثمان مدخل ... باب زكاة الأثمان [وهى الذهب، والفضة، وفيها ربع العشر] لحديث عائشة، وابن عمر مرفوعاً: "أنه كان يأخذ من كل عشرين مثقالاً نصف مثقال" رواه ابن ماجه. وفي حديث أنس مرفوعاً: "وفي الرقة1 ربع العشر" متفق عليه. [إذا بلغت نصاباً فنصاب الذهب بالمثاقيل: عشرون مثقالاً] لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "ليس في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب، ولا في أقل من مائتي درهم صدقة" رواه أبو عبيد. [وبالدنانير خمسة وعشرون، وسبعا دينار. وتسع دينار] بالدينار الذي زنته درهم، وثمن درهم. [ونصاب الفضة مائتا درهم] لما تقدم. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" رواه أحمد، ومسلم عن جابر، والأوقية أربعون درهماً. [والدرهم اثنتا عشرة حبة خروب، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم] عشرة الدراهم سبعة مثاقيل. [ويضم الذهب إلى الفضة فى تكميل النصاب ويخرج من أيهما شاء] لأن زكاتهما ومقاصدهما متفقة.

_ 1 الرقة: الدارهم المضروبة.

[ولا زكاة في حلي مباح معد لاستعمال أو إعارة] لحديث جابر مرفوعاً: "ليس في الحلي زكاة" رواه الطبراني. قال الإمام أحمد: خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون: ليس في الحلي زكاة. زكاته إعارته، وهم أنس وجابر، وابن عمر، وعائشة، وأسماء أختها. وقال الترمذي: ليس يصح في هذا الباب شئ يعني: إيجاب الزكاة في الحلي. [وتجب في الحلى المحرم] كآنية الذهب، والفضة، لأن الصناعة المحرمة كالعدم. [وكذا فى المباح المعد للكرى أوالنفقة إذا بلغ نصاباً وزناً] لأن سقوط الزكاة فيما اتخذ لاستعمال، أو إعارة لصرفه عن جهة النماء، فبقي ما عداه على الأصل. [ويخرج عن قيمته إن زادت] عن وزنه، لأنه أحظ للفقراء.

فصل: في التحلي بالذهب والفضة

فصل في التحلي بالذهب والفضة [وتحرم تحلية المسجد بذهب، أو فضة] لأنه سرف، وتجب إزالته كسائر المنكرات، وتجب زكاته إن بلغ نصاباً، إلا إذا استهلك، فلم يجتمع منه شئ، فلا تجب إزالته لعدم الفائدة فيها، ولا زكاته، لأن ماليته ذهبت. ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة أراد جمع ما في مسجد دمشق مما موه به من الذهب فقيل له: إنه لا يجتمع منه شئ، فتركه. [ويباح للذكر من الفضة الخاتم، ولو زاد على مثقال] لأنه صلى الله عليه وسلم: اتخذ خاتماً من ورق متفق عليه.

[وجعله بخنصر يسار أفضل] قال الدارقطني وغيره: المحفوظ أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يتختم في يساره. وضعف أحمد في رواية الأثرم، وغيره حديث التختم باليمنى. وفي البخاري من حديث أنس كان فصه منه ولمسلم كان فصه حبشياً. [وتباح قبيعة السيف فقط، ولو من ذهب] قال أنس كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضة رواه الأثرم. ولأن عمر كان له سيف فيه سبائك من ذهب وعثمان بن حنيف كان في سيفه مسمار من ذهب ذكرهما أحمد. [وحلية المنطقة] وهي ما يشد به الوسط، لأن الصحابة اتخذوا المناطق محلاة بالفضة. [والجوشن، والخوذة] قياساً على المنطقة، لمساواتها معنى، فوجب أن تساويها حكماً - والجوشن: الدرع. والخوذة: البيضة - وما دعت إليه ضرورة كأنف لأمره صلى الله عليه وسلم، عرفجة بن أسعد، لما قطع أنفه يوم الكلاب، أن يتخذ أنفاً من ذهب رواه أبو داود، والحاكم. وكذا ربط الأسنان. روى الأثرم عن موسى بن طلحة، وأبي جمرة الضبعي، وثابت البناني، وإسماعيل بن زيد بن ثابت، والمغيرة بن عبد الله أنهم شدوا أسنانهم بالذهب. [لا الركاب، واللجام، والدواة] ونحوها فتحرم كالآنية. [ويباح للنساء ما جرت عادتهن بلبسه، ولو زاد على ألف مثقال] لعموم حديث "أحل الحرير، والذهب لإناث أمتي" ولعدم ورود الشرع بتحديده.

[وللرجل والمرأة التحلي بالجوهر، والياقوت والزبرجد] لعدم النهي عنه1. [وكره تختمهما بالحديد، والنحاس، والرصاص] نص عليه. ونقل مهنا عن أحمد: أكره خاتم الحديد، لأنه حلية أهل النار. [ويستحب بالعقيق] لحديث "تختموا بالعقيق فإنه مبارك" قال العقيلي: لا يثبت في هذا شئ. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات.

_ 1 هذا إذا لم يكن فيه تشبه الرجال بالنساء والعكس. وعندها ذلك محرماً ملعون فاعله بلسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

باب زكاة العروض

باب زكاة العروض مدخل ... باب زكاة العروض [وهي ما يعد للبيع، والشراء لأجل الربح] فتجب الزكاة فيها إذا بلغت قيمتها نصاباً. حكاه ابن المنذر إجماعاً. وعن سمرة بن جندب أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم، أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع رواه أبو داود. [فتقوم إذا حال الحول عليها. وأوله من حين بلوغ القيمة نصاباً بالأحظ للمساكين من ذهب، أو فضة، فإن بلغت القيمة نصاباً وجب ربع العشر، وإلا فلا] احتج أحمد بقول عمر لحماس: أد زكاة مالك، فقال: ما لي إلا جعاب1، وأدم، فقال: قومها، وأد زكاتها رواه أحمد، وسعيد وأبو عبيد، وغيرهم، وهو مشهور. [وكذا أموال الصيارف] لأنها معدة للبيع، والشراء لأجل الربح. [ولا عبرة بقيمة آنية الذهب، والفضة بل بوزنها. ولا بما فيه صناعة محرمة، فيقوم عارياً عنها] لأن وجودها كالعدم. [ومن عنده عرض للتجارة، أو ورثه فنواه للقنية، ثم نواه للتجارة لم يصر عرضاً بمجرد النية] حتى يحول عليه الحول على نية التجارة، لأن القنية هي الأصل، فلا ينتقل عنها إلا بالنية، ويعتبر وجودها في جميع الحول كالنصاب. لقوله في حديث سمرة: "مما نعده للبيع" رواه أبو داود.

_ 1 الجعبة بفتح الجيم: كنانة النشاب، والجمع جعاب.

[غير حلي اللبس] لأن الأصل وجوب زكاته، فإذا نواه للتجارة، فقد رده إلى الأصل، فيكفي فيه مجرد النية. [وما استخرج من المعادن، ففيه بمجرد إخراجه، ربع العشر إذا بلغت القيمة نصاباً بعد السبك، والتصفية] لقوله تعالى: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} 1 وروى الجوزجاني بإسناده عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذ من معادن القبلية الصدقة وقدرها ربع العشر لأنها زكاة في الأثمان، فأشبهت زكاة سائر الأثمان. قاله في الكافي. ويشترط بلوغ النصاب لعموم ما تقدم.

_ 1 البقرة من الآية/267.

باب زكاة الفطر

باب زكاة الفطر مدخل ... باب زكاة الفطر [تجب بأول ليلة العيد، فمن مات، أو أعسر في الغروب فلا زكاة عليه] نص عليه. [وبعده تستقر في ذمته] لقول ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، زكاة الفطر من رمضان وذلك يكون بغروب الشمس ليلة العيد، لأنه أول زمن يقع فيه الفطر من جميع رمضان. [وهي واجبة على كل مسلم] قال ابن المنذر: أجمعوا على أنها فرض، لحديث ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين رواه الجماعة. [يجد ما يفضل عن قوته، وقوت عياله يوم العيد وليلته] لأن النققة أهم، فيجب البداءة بها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بنفسك" رواه مسلم. وفي لفظ: "وابدأ بمن تعول" رواه الترمذي. [بعدما يحتاج من مسكن، وخادم، ودابة، وثياب بذلة وكتب علم] لأن هذه حوائج أصلية يحتاج إليها كالنفقة. [وتلزمه عن نفسه، وعن من يمونه من المسلمين] كزوجة وعبد وولد، لعموم حديث ابن عمر: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بصدقة الفطر عن الصغير، والكبير، والحر، والعبد ممن تمونون. رواه الدارقطني.

[فإن لم يجد لجميعهم بدأ بنفسه] لحديث: "ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول". [فزوجته] لوجوب نفقتها مع الإيسار، والإعسار، لأنها على سبيل المعاوضة. [فرقيقه] لوجوب نفقته مع الإعسار، بخلاف نفقة الأقارب، لأنها صلة. [فأمه] لقوله صلى الله عليه وسلم، للأعرابي حين قال: من أبر؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أباك". [فأبيه] لما سبق وحديث "أنت ومالك لأبيك". [فولده] لقربه، ووجوب نففته في الجملة. [فأقرب في الميراث] لأنه أولى من غيره كالميراث. [وتجب على من تبرع بمؤنة شخص شهر رمضان] نص عليه، لعموم حديث: "أدوا صدقة الفطر عمن تمونون" وروى أبو بكر عن علي، رضي الله عنه زكاة الفطر عمن جرت عليه نفقتك وعنه: لا تلزمه في قول الأكثر، واختاره أبو الخطاب، وصححه في المغني، والشرح، وحمل نص أحمد على الاستحباب. [لا على من استأجر أجيراً بطعامه] لعدم دخوله في المنصوص عليهم. [وتسن عن الجنين] لفعل عثمان رضي الله عنه ولا تجب. قال ابن المنذر: كل من نحفظ عنه لا يوجبها عن الجنين، وتجب على اليتيم.

ويخرج عنه وليه من ماله. لا نعلم أحداً خالف فيه إلا محمد بن الحسن. وعموم حديث ابن عمر يقتضي وجوبها عليه. قاله في الشرح.

فصل: في إخراجها

فصل في اخراجها [والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة] لما في المتفق عليه من حديث ابن عمر مرفوعاً وفي آخره: وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة وفي حديث ابن عباس: "من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" وقال سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} 1 هو زكاة الفطر. [وتكره بعدها] خروجاً من الخلاف، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم" رواه سعيد بن منصور. فإذا أخرها بعد الصلاة لم يحصل الإغناء لهم في اليوم كله. [ويحرم تأخيرها عن يوم العيد مع القدرة] لأنه تأخير للحق الواجب عن وقته وكان عليه الصلاة والسلام، يقسمها بين مستحقيها بعد الصلاة فدل على أن الأمر بتقديمها على الصلاة للإستحباب. [ويقضيها] من أخرها لأنه حق مالي وجب، فلا يسقط بفوات وقته كالدين. قاله في الكافي. [وتجزئ قبل العيد بيومين] لقول ابن عمر: كانوا يعطون قبل الفطر بيوم، أو يومين رواه البخاري. وهذا إشارة إلى جميعهم

_ 1 الأعلى/14.

فيكون إجماعاً، ولأن ذلك لا يخل بالمقصود، إذ الظاهر بقاؤها، أو بعضها إلى يوم العيد. [والواجب عن كل شخص صاع تمر، أو زبيب، أو بر، أو شعير، أو أقط] لحديث أبي سعيد: كنا نخرج زكاة الفطر إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط متفق عليه. [ويجزئ دقيق البر، والشعير إذا كان وزن الحب] نص عليه، واحتج على إجزائه بزيادة تفرد بها ابن عيينة من حديث أبي سعيد أو صاعاً من دقيق قيل لابن عيينة: إن أحداً لا يذكره فيه، قال: بل هو فيه رواه الدارقطني. قال المجد: بل هو أولى بالإجزاء، لأنه كفى مؤنته كتمر منزوع نواه. [ويخرج مع عدم ذلك ما يقوم مقامه من حب يقتات، كذرة، ودخن، وباقلاء] لأنه أشبه بالمخصوص عليه، فكان أولى. [ويجوز أن يعطي الجماعة فطرتهم لواحد] نص عليه، وبه قال مالك، وأصحاب الرأي، وابن المنذر. [وأن يعطي الواحد فطرته لجماعة] قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. [ولا يجزئ إخراج القيمة في الزكاة مطلقاً] سواء كانت في المواشي، أوالمعشرات، لمخالفته النصوص. [ويحرم على الشخص شراء زكاته وصدقته، ولو اشتراها من غير من أخذها] لحديث عمر" لا تشتره، ولا تعد في صدقتك، وإن أعطاكة بدرهم، فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه" متفق عليه.

باب إخراج الزكاة

باب إخراج الزكاة مدخل ... باب إخراج الزكاة [يجب إخراجها فوراً، كالنذر والكفارة] لأن الأمر المطلق يقتضي الفورية ومنه {وَآتَوُا الزَّكَاةَ} 1. [وله تأخيرها لزمن الحاجة] نص عليه وقيده جماعة بزمن يسير. [ولقريب وجار] لأنها على القريب صدقة وصلة، والجار في معناه. [ولتعذرإخراجها من النصاب، ولو قدر أن يخرجها من غيره] لأنها مواساة، فلا يكلفها من غيره، فإن أخرجها من غيره جاز. [ومن جحد وجوبها عالماً، كفر ولو أخرجها] لتكذيبه لله، ولرسوله، وإجماع الأمة، يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل. [ومن منعها بخلاً، وتهاوناً أخذ منه وعزر] لارتكابه محرماً. [ومن ادعى إخراجها، أو بقاء الحول، أو نقص النصاب، أو زوال الملك، صدق بلا يمين] لأنها عبادة، وحق لله تعالى، فلا يحلف عليها كالصلاة. [ويلزم أن يخرج عن الصغير، والمجنون وليهما] نص عليه، لأنه حق تدخله النيابة، فقام الولي فيه مقام المولى عليه، كنفقة وغرامة. [ويسن إظهارها] لتنتفي عنه التهمة. [وأن يفرقها ربها بنفسه] ليتيقن وصولها إلى مستحقها. وقال

_ 1 البقرة من الآية/277.

عثمان رضي الله عنه: هذا شهر زكاتكم. فمن كان عليه دين فليقضه، ثم يزكي بقية ماله وأمرعلي رضي الله عنه، واجد الركاز أن يتصدق بخمسه. [ويقول عند دفعها: اللهمً اجعلها مغنماً، ولا تجعلها مغرماً] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا اللهم اجعلها مغنماً، ولا تجعلها مغرماً" رواه ابن ماجه. [ويقول الآخذ: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهوراً] لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} 1 أي: ادع لهم. قال عبد الله بن أبي أوفى كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال اللهم صل على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى متفق عليه.

_ 1 التوبة من الآية/104.

فصل: ويشترط لإخراجها نية من مكلف

فصل ويشترط لإخراجها نية من مكلف [ويشترط لإخراجها نية من مكلف، وله تقديمها بيسير، والأفضل قرنها بالدفع، فينوي الزكاة، أو الصدقة الواجبة] لحديث "إنما الأعمال بالنيات". [ولا يجزئ إن نوى صدقة مطلقة، ولو تصدق بجميع ماله] لأن الصدقة تكون نفلاً، فلا تنصرف إلى الفرض إلا بالتعيين، وكما لو صلى صلاة مطلقة.

[ولا تجب نية الفرضية] اكتفاء بنية الزكاة، لأنها لا تكون إلا فرضاً. [ولا تعيين المال المزكى عنه] فإن كان له نصابان، فأخرج الفرض عن أحدهما بعينه أجزأه، لأن التعيين لا يضر. قاله في الكافي. [وإن وكل في إخراجها مسلماً أجزأته نية الموكل مع قرب الإخراج] لأن الفرض متعلق بالموكل، وتأخر الأداء عن النية بزمن يسير جائز. [وإلا نوى الوكيل أيضاً] لئلا يخلو الدفع إلى المستحق عن نية مقارنة، أو مقاربة. [والأفضل جعل زكاة كل مال في فقراء بلده، ويحرم نقلها إلى مسافة قصر، وتجزئ] لما في حديث معاذ "فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" ولأن عمر أنكر على معاذ لما بعث إليه بثلث الصدقة، ثم بشطرها، ثم بها، وأجابه معاذ بأنه لم يبعث إليه شيئاً، وهو يجد أحداً يأخذه منه رواه أبو عبيد. [ويصح تعجيل الزكاة لحولين فقط] لما روى أبو عبيد في الأموال عن على أن النبي صلى الله عليه وسلم، تعجل من العباس صدقة سنتين ويعضده رواية مسلم فهي علي ومثلها. [وإذا كمل النصاب لأمنه للحولين] لنقص النصاب الذي هو سببها فلا يجوز تقديمها عليه. كالكفارة على الحلف. قال في المغني: بغير خلاف نعلمه. [فإن تلف النصاب، أونقص وقع نفلاً] لانقطاع الوجوب، ولا رجوع له إلا فيما بيد الساعي عند تلف النصاب.

باب أهل الزكاة

باب أهل الزكاة مدخل ... باب أهل الزكاة [وهم ثمانية] للآية1 وحديث "إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غضيره في الصدقات حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء: فإن كنت من تلك الأجزاء، أعطيتك" رواه أبو داود. فلا يجوز صرفها لغيرهم، كبناء مساجد، وتكفين موتى، ووقف مصاحف. قال في الشرح: لانعلم فيه خلافاً إلا ما روي عن أنس، والحسن. [1 - الفقير: وهو من لم يجد نصف كفايته] فهو أشد حاجة من المسكين، لأن الله بدأ به، وإنما يبدأ بالأهم، فالأهم. [2 - المسكين: وهو من يجد نصفها، أو أكثرها] لقول تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} 2 فأخبر أن لهم سفينة يعملون بها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وقال: "اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين" رواه الترمذي. فدل على أن الفقراء أشد، فيعطى كل واحد منهما ما يتم به كفايته. [3 - العامل عليها: كجابي، وحافظ، وكاتب، وقاسم] لدخولهم

_ 1 التوبة/60، ونصها: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} . 2 الكهف من الآية/80.

في قوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يبعث على الصدقة سعاة ويعطيهم عمالتهم. [4 - المؤلف: وهو السيد المطاع في عشيرته ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره] لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أعطى صفوان بن أمية يوم حنين قبل إسلامه ترغيباً له في الإسلام وعن أبي سعيد قال: بعث علي وهو باليمن بذهيبة، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، وزيد الخير الطائي، ثم أحد بني نبهان، فغضبت قريش، وقالوا: تعطي صناديد نجد وتدعنا؟! فقال: "إني إنما فعلت ذلك أتألفهم". متفق عليه. قال أبو عبيد: وإنما الذي يؤخذ من أموال أهل اليمن الصدقة. [أو يرجى بعطيته قوة إيمانه] لقول ابن عباس في المؤلفة قلوبهم: هم قوم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرضخ لهم من الصدقات، فإذا أعطاهم من الصدقة قالوا: هذا دين صالح، وإن كان غير ذلك عابوه. رواه أبو بكر في التفسير. [أو إسلام نظيره.] [أو جبايتها ممن لا يعطيها] لأن أبا بكر، رضي الله عنه أعطى عدي بن حاتم، والزبرقان بن بدر، مع حسن نياتهما وإسلامهما، رجاء إسلام نظرائهما وعدم إعطاء عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، للمؤلفة لعدم الحاجة إليه، لا لسقوط سهمهم، لأنه ثابت بالكتاب والسنة، ولا يثبت النسخ بالاحتمال.

[5- المكاتب] ويجوز العتق منها، لعموم قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} 1 ويجوز أن يفدي بها أسيراً مسلماً. نص عليه، لأنه فك رقبة. [6- الغارم: وهو من تدين للإصلاح بين الناس، أو تدين لنفسه وأعسر] لدخوله في قوله تعالى: { ... وَالْغَارِمِينَ} وعن أنس مرفوعاً: "إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع" رواه أحمد، وأبو داود. وفى حديث قبيصة بن مخارق الًهلالي قال: تحملت حمالة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: "أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها"، ثم قال " يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رًجل تحمل حمالةً فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك" الحديث رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. [7- الغازي في سبيل الله] وإنما يستحقه الذين لا ديوان لهم، فيعطى ولو غنياً، لأنه لحاجة المسلمين. قال في الفروع: ويتوجه أن الرباط كالغزو. ويعطى الفقير ما يحج به الفرض ويعتمر، لحديث "الحج، والعمرة في سبيل الله" رواه أحمد. [8- إبن السبيل: وهو الغريب2 المنقطع بغير بلده] لحديث أبي سعيد مرفوعاً "لا تحل الصدقة لغني، إلا في سبيل الله أو ابن السبيل

_ 1 التوبة من الآية/60. 2 وفي هامش الأصل ما يلي: ومن غرم أو سافر بمعصية، لم يدفع إليه وإن تاب فعلى وجهين.

أو جار فقير يتصدق عليه، فيهدي لك أو يدعوك" رواه أبو داود. وفي لفظ: "لا تحل الصدقة لغني، إلا لخمسة: للعامل عليها، أو رجل إشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أومسكين تصدق عليه، فأهدى منها لغني" رواه أبو داود وابن ماجه. [فيعطى الجميع من الزكاة بقدر الحاجة] فيعطى الفقير والمسكين ما يكفي حولاً، والغارم والمكاتب ما يقضيان به دينهما، والغازي ما يحتاح إليه لغزوه، وابن السبيل ما يوصله إلى بلده، والمؤلف ما يحصل به التأليف. [إلا العامل فيعطى بقدر أجرته، ولو غنياً أو قناً] لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر ساعياً ولم يجعل له أجرة، فلما جاء أعطاه. متفق عليه. [ويجزئ دفعها إلى الخوارج والبغاة] لأن ابن عمر كان يدفع زكاته إلى من جاءه من سعاة ابن الزبير، أو نجدة الحروري قال في الشرح: بغير خلاف علمناه في عصرهم. [وكذلك من أخذها من السلاطين قهراً أواختياراً عدل فيها، أو جار] قال أحمد: قيل لابن عمر: إنهم يقلدون بها الكلاب، ويشربون بها الخمور، قال: ادفعها إليهم وقال سهيل بن أبي صالح: أتيت سعد بن أبي وقاص، فقلت: عندي مال، وأريد إخراج زكاته، وهؤلاء القوم على ما ترى، قال: ادفعها إليه1 فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد، رضي الله عنهم، فقالوا مثل ذلك وبه قال الشعبي والأوزاعي.

_ 1 يعني الساعي من قبلهم.

فصل: فيمن لاتدفع لهم

فصل فيمن لاتدفع لهم [ولا يجزئ دفع الزكاة للكافر] غير المؤلف، لحديث معاذ "تؤخذ من أغنيائهم، فترد إلى فقرائهم" وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن الذمي لا يعطى من الزكاة. [ولا للرقيق] لأًن نفقته على سيده. قال في الشرح: ولا يعطى الكافر، ولا المملوك. لا نعلم فيه خلافاً. [ولا للغني بمال أو كسب] 1 سوى ما تقدم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب" وقوله: "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي" رواهما أحمد وأبو داود. [ولا لمن تلزمه نفقته] كزوجته، ووالديه، وإن علوا، وأولاده، وإن سفلوا. الوارث منهم وغيره، نص عليه. وقال ابن المنذر: أجمعوا على أنها لا تدفع إلى الوالدين في الحال التي يجبر على النفقة عليهم، ولأن الدفع إلى من تلزمه نفقته يغنيهم عن النفقة، ويسقطها عنه فيعود النفع إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه. [ولا للزوج] لأنها تنتفع بالدفع إليه، وعنه: يجوز، لقوله صلى الله عليه وسلم لزينب امرأة ابن مسعود: "زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم" أخرجه البخاري. ولأنه لا تلزمها نفقته، فلم تحرم

_ 1 هذه الجملة لم تكن واضحة في الأصل وصححت من مخطوطات المتن.

عليه زكاتها، كالأجنبي. وأما الزوجة فلا يجوز دفعها إليها. حكاه ابن المنذر إجماعاً، لوجوب نفقتها عليه. [ولا لبني هاشم] قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. وسواء أعطوا من الخمس أم لا لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس" رواه مسلم. ما لم يكونوا غزاة، أو مؤلفة، أو غارمين لإصلاح ذات البين، فيعطون لذلك. وكذا مواليهم، لحديث أبي رافع مرفوعاً: "إنا لاتحل لنا الصدقة، وإن موالي القوم منهم" رواه أبو داود، والنسائي، والترمذي وصححه 1. [فإن دفعها لغير مستحقها، وهو يجهل، ثم علم لم يجزئه ويستردها منه بنمائها] لأنه لا يخفى حاله غالباً كدين الآدمي. [وإن دفعها لمن يظنه فقيراً فبان غنياً أجزأه] لقوله صلى الله عليه وسلم للرجلين: "إن شئتما أعطيتكما منها، ولا حظً فيها لغني" وقال للذي سأله من الصدقة: "إن كنت من تلك الأجزاء أًعطيتك" فاكتفى بالظاهر، ولأن الغني يخفى، فاعتبار حقيقته يشق. [وسن أن يفرق الزكاة على أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم، على قدر حاجتهم] لقوله صلى الله عليه وسلم: "صدقتك على ذي الرحم صدقة وصلة". [وعلى ذوي الأرحام كعمته، وبنت أخيه] ويخص ذوي الحاجة لأنهم أحق. [وتجزئ إن دفعها لمن تبرع بنفقته بضمه إلى عياله] اختاره الشيخ

_ 1 وفي هامش الأصل ما يلي: ولهم الأخذ من صدقة التطوع والنذر ووصايا الفقراء.

تقي الدين، لدخوله في العمومات، ولا نص ولا إجماع يخرجهم، ولحديث زينب، وفيه أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما؟ قال: "لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة" رواه البخاري.

صلى الله عليه وسلم، أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل. الحديث متفق عليه. وعن أنس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الصدقة أفضل؟ قال: "صدقة في رمضان" رواه الترمذي. وعن ابن عباس مرفوعاً: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" - يعني أيام العشر- قالوا: يارسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سًبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه، ثم لم يرجع من ذلك بشئ" رواه البخاري. [وعلى جاره] لقوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ... 1} ِالْجَنْبِ2 ... وحديث "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" متفق عليه. [وذوي رحمه فهي صدقة وصلة] لقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى} 2 وحديث "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح" رواه أحمد وغيره. [ومن تصدق بما ينقص مؤنة تلزمه، أوأضر بنفسه، أوغريمه أثم بذلك] لقوله صلى الله عليه وسلم "وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى" متفق عليه. وحديث "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" رواه مسلم، وعن أبي هريرة: قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بصدقة، فقام رجل فقال: يارسول الله، عندي دينار. قال: "تصدق به على نفسك". قال: عندى آخر. قال "تصدق به على ولدك"

_ 1 النساء من الآية/35. 2 النساء من الآية/35.

قال: عندي آخر. قال: "تصدق به عًلى زوجتك". قال: عندي آخر قال: "تًصدق به عًلى خادمك"، قال: عندي آخر، قال: "أنت أبصر" رواه أبو داود. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" فإن وافقه عياله على الإيثار فهو أفضل لقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} 1وقال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة جهد من مقل إلى فقير في السر" رواه أبو داود. [وكره لمن لا صبر له، أو لا عادة له على الضيق أن ينقص نفسه عن الفكاية التامة] نص عليه، لأنه نوع إضرار به. وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة، ثم يقعد يستكف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنىً" وقال صلى الله عليه وسلم، لسعد: "إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس" متفق عليه. [والمن بالصدقة كبيرة، ويبطل به الثواب] على نص الإمام أحمد: أن الكبيرة ما فيه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة. لقوله: {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} الأية2 وحديث: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب".

_ 1 الحشر من الآية/9. 2 البقرة من الآية/264.

كتاب الصيام

كتاب الصيام مدخل ... كتاب الصيام صوم رمضان أحد أركان الإسلام ومبانيه لحديث ابن عمر: "بني الإسلام على خمس" وقد سبق. افترض في السنة الثانية من الهجرة، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم، تسع رمضانات إجماعاً. [يجب صوم رمضان بروية هلاله على جميع الناس] لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 1 قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته" متفق عليه وبإكمال شعبان. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. [وعلى من حال دونهم، ودون مطلعه غيم، أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان، احتياطاً بنية رمضان] لقوله في حديث ابن عمر "فإن غم عليكم فاقدروا له" متفق عليه. يعني ضيقوا له العدة. من قوله: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} 2 أي ضيق عليه. وتضيق العدة له: أن يحسب شعبان تسعة وعشرين يوماً. وكان ابن عمر، إذا حال دون مطلعه غيم أو قتر، أصبح صائماً وهو راوي الحديث، وعمله به تفسير له. وهو قول عمر وابنه، وعمرو بن العاص، وأبي هريرة، وأنس ومعاوية، وعائشة وأسماء، ابنتي أبي بكر الصديق، رضي الله

_ 1 البقرة من الآية/185. 2 الطلاق من الآية/7.

عنهم. وعنه رواية ثانية لا يجب. قال الشيخ تقي الدين: هذا مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه، ولا أصل للوجوب في كلامه، ولا كلام أحد من أصحابه، فعليها يباح صومه، اختاره الشيخ تقي الدين، وابن القيم في الهدي. وما نقل عن الصحابة إنما يدل على الاستحباب، لا على الوجوب، لعدم أمرهم به. وإنما نقل عنهم الفعل. وقول بعضهم: لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان. وعنه رواية ثالثة: الناس تبع الإمام، لقوله صلى الله عليه وسلم "صومكم يوم تصومون، وأضحاكم يوم تضحون" رواه أبو داود. [ويجزئ إن ظهر منه] أي من رمضان: بأن تثبت رؤيته بموضع آخر، لأن صومه قد وقع بنية رمضان لمستند شرعي أشبه الصوم للرؤية. قال الأ ثرم: قلت لأحمد، فيعتد به؟ قال: كان ابن عمر يعتد به فإذا أصبح عازماً على الصوم اعتد به ويجزئه. [وتصلى التراويح] احتياطاً للقيام، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر لة ما تقدم من ذنبه" ولا يتحقق قيامه كله إلا بذلك. [ولا تثبت بقية الأحكام: كوقوع الطلاق، والعتق، وحلول الأجل] المعلق بدخوله، عملاً بالأصل. خولف في الصوم احتياطاً للعبادة. [وتثبت رؤية هلاله بخبر مسلم مكلف عدل ولو عبداً أو أنثى] نص عليه وفاقاً للشافعي، وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء، قاله في الفروع، لحديث ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: رأيت الهلال. قال: "أتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً

عبده ورسوله"؟ قال: نعم. قال يا بلال: "أذن في الناس فليصوموا غداً" رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وعن ابن عمر قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه رواه أبو داود. وتثبت بقية الأحكام تبعاً للصيام. [ولا يقبل في بقية الشهور إلا رجلان عدلان] لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فيه: "فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا، وأفطروا" رواه أحمد والنسائي، ولم يقل مسلمان، وإن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً، فلم يروا الهلال، لم يفطروا، لقوله عليه السلام: "صوموا لرؤيته ... " الحديث.

فصل: في شروط وجوب الصوم

فصل في شروط وجوب الصوم [وشرط وجوب الصوم أربعة أشياء: الإسلام، والبلوغ، والعقل] فلا يجب على كافر ولا صغير ولا مجنون، لحديث: "رفع القلم عن ثلاثة". [والقدرة عليه. فمن عجز عنه لكبر، أو مرض لايرجى زواله أفطر، وأطعم عن كل يوم مسكيناً مدبر، أو نصف صاع من غيره] لقول ابن عباس في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} 1 ليست بمنسوخة هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم رواه البخاري، "والحامل، والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا، وأطعمتا" رواه أبو داود. [وشروط صحته ستة: الإسلام] فلا يصح من كافر. [وانقطاع دم الحيض، والنفاس] لما تقدم في بابه.

_ 1 البقرة من الآية/184.

[الرابع: التمييز، فيجب على ولي المميز المطيق للصوم أمره به، وضربه، عليه ليعتاده] قياساً على الصلاة. [الخامس: العقل] لأن الصوم، الإمساك مع النية لحديث: "يدع طعامه وشرابه من أجلي" فأضاف الترك إليه، وهو لا يضاف إلى المجنون، والمغمى عليه. [لكن لو نوى ليلاً ثم جن، أو أغمي عليه جميع النهار، فأفاق منه قليلاً] صح صومه لوجود الإمساك فيه. قال في الشرح: ولا نعلم خلافاً في وجوب القضاء على المغمى عليه - أي جميع النهار - لأنه مكلف، بخلاف المجنون. ومن نام جميع النهار صح صومه، لأن النوم عادة، ولا يزول به الإحساس بالكلية. [السادس: النية من الليل لكل يوم واجب] لحديث حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له" رواه أبو داود. [فمن خطر بقلبه ليلاً أنه صائم فقد نوى] لأن النية محلها القلب. [وكذا الأكل، والشرب بنية الصوم] قال الشيخ تقي الدين: هو حين يتعشى عشاء من يريد الصوم، ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد، وعشاء ليالي رمضان. [ولا يضر إن أتى بعد النية بمناف للصوم] لأن الله تعالى أباح الأكل إلى آخر الليل، فلو بطلت به فات محلها. [أو قال إن شاء الله غير متردد] كما لا يفسد الإيمان بقوله: أنا مؤمن إن شاء الله.

[وكذا لو قال ليلة الثلاثين من رمضان: إن كان غداً من رمضان ففرض وإلا فمفطر] فبان من رمضان أجزاءه، لأنه بنى على أصل لم يثبت زواله: وهو بقاء الشهر. [ويضر إن قاله في أوله] لعدم جزمه بالنية. [وفرضه الامساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس] لقوله تعالى: { ... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ... } 1 وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال، ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الافق" حديث حسن. وعن عمر مرفوعاً: "إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النًهار من ها هنا، وغربت الشمس، أفطر الصائم" متفق عليه. [وسننه ستة: تعجيل الفطر، وتأخير السحور] لحديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور، وعجلوا الفطر" رواه أحمد. [والزيادة في أعمال الخير] من القراءة والذكر والصدقة وغيرها. [وقوله جهراً إذا شتم: إني صائم] لحديث أبي هريرة مرفوعاً "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن شاتمه أحد، أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم" متفق عليه. وقال المجد: إن كان في غير رمضان أسره مخافة الرياء. واختار الشيخ تقي الدين الجهر مطلقاً، لأن القول المطلق باللسان.

_ 1 البقرة من الآية/187.

[وقوله عند فطره: اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، سبحانك وبحمدك. اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم] لحديث ابن العباس، وأنس كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أفطر قال: "اللهم لك صمنا، وعلى رزقك أفطرنا، اللهم تقبل منا، إنك أنت السميع العليم" وعن ابن عمر مرفوعاً: كان إذا أفطر قال: "ذهب الظمأ وابتلت العروق، ووجب الأجر إن شاء الله" رواهن الدارقطني وفي الخبر: "إن للصائم عند فطره دعوةً لا ترد". [وفطره على رطب، فإن عدم فتمر، فإن عدم فماء] لحديث أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء رواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن غريب.

فصل: يحرم على من لاعذر له الفطر

فصل يحرم على من لا عذر له الفطر [ويحرم على من لا عذر له الفطر برمضان] لأنه ترك فريضة من غير عذر، وعليه إمساك بقية يومه الذي أفطر فيه، لأنه أمر به جميع النهار، فمخالفته في بعضه لا يبيح المخالفة في الباقي، وعليه القضاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ومن استقاء فليقض". [ويجب الفطر على الحائض والنفساء] للحديث الصحيح: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ ". [وعلى من يحتاجه لإنقاذ معصوم من مهلكة] كغرق ونحوه، لأنه يمكنه تدارك الصوم بالقضاء، بخلاف الغريق ونحوه. [ويسن لمسافر يباح له القصر] لحديث "ليس من البر الصيام في

السفر" متفق عليه. ورواه النسائي، وزاد: "عليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها". وإن صام أجزأه نص عليه، لحديث: هي رخصة من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه رواه مسلم والنسائي، وعن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أصوم في السفر؟ قال: "إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر" متفق عليه. [ولمريض يخاف الضرر] لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} الآية1. [ويباح لحاضر سافر في أثناء النهار] لحديث أبي بصرة الغفاري أنه ركب سفينة من الفسطاط في شهر رمضان فدفع، ثم قرب غداءه، فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة، ثم قال: اقترب، قيل: ألست ترى البيوت؟ قال: أترغب عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأكل رواه أبو داود. وحديث أنس حسنه الترمذي. إذا فارق بيوت قريته العامرة لما تقدم، ولأنه قبله لا يسمى مسافراً. والأفضل عدم الفطر تغليباً لحكم الحضر، وخروجاً من الخلاف. [ولحامل، ومرضع خافتا على أنفسهما] فيفطران ويقضيان لا غير. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. [أو على الولد. لكن لو أفطرتا خوفاً على الولد فقط، لزم وليه إطعام مسكين لكل يوم] لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} 1. قال ابن عباس كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة

_ 1 البقرة من الآية/184 وقد سبق ذكرها.

الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا، ويطعما مكان كل يوم مسكيناً والحبلى والمرضع، إذا خافتا على أولادهما أفطرتا، وأطعمتا رواه أبو داود. ويجب عليهما القضاء، لأنهما يطيقانه. قال الإمام أحمد: أذهب إلى حديث أبي هريرة، ولا أقول بقول ابن عمر، وابن عباس في منع القضاء ذكره في الشرح. [وإن أسلم الكافر، أو طهرت الحائض، أو برئ المريض، أو قدم المسافر، أو بلغ الصغير، أو عقل المجنون في أثناء النهار، وهم مفطرون، لزمهم الإمساك والقضاء] لذلك اليوم، لأنهم لم يصوموه، ولكن أمسكوا عن مفسدات الصوم لحرمة الوقت، ولزوال المبيح للفطر. [وليس لمن جاز له الفطر برمضان أن يصوم غيره فيه] أي في رمضان لأنه لا يسع غير ما فرض فيه، ولا يصلح لسواه.

فصل: في المفطرات

فصل في المفطرات [وهي اثنا عشر: 1 - خروج دم الحيض، والنفاس] لما سبق. [2- الموت] لحديث "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث" [3- الردة] لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ... } الآية 1. [4- العزم على الفطر] نص عليه. قال في الفروع: وفاقاً للشافعي، ومالك، لقطعه النية المشترطة في جميعه في الفرض. قال في الكافي: فإذا قطعها في أثنائه خلا ذلك الجزء عن النية، فيفسد الكل لفساد الشرط. [5- التردد فيه] لأنه لم يجزم بالنية. ونقل الأ ثرم: لا يجزئه

_ 1 الزمر من الآية/65.

من الواجب حتى يكون عازماً على الصوم يومه كله. قاله في الفروع. [6- القيء عمداً] قال ابن المنذر: أجمعوا على إبطال صوم من استقاء عامداً، ولحديث أبي هريرة مرفوعاً: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمداً فليقض" رواه أبو داود، والترمذي. [7- الإحتقان من الدبر] نص عليه. [8- بلع النخامة إذا وصلت إلى الفم] لعدم المشقة بالتحرز منها، بخلاف البصاق، ولأنها من غير الفم أشبه بالقيء. وعنه: لا تفطر لأنها معتادة في الفم أشبه بالريق. قاله في الكافي. [9 - الحجامة خاصة، حاجماً كان أو محجوماً] نص عليه. وهو قول علي وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة، رضي الله عنهم، وبه قال إسحاق، وابن المنذر، وابن خزيمة، قاله في الشرح لحديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أحد عشر نفساً قال أحمد: حديث ثوبان وشداد صحيحان. وقال نحوه علي بن المديني. وحديث ابن عباس - أن النبي صلى الله عليه وسلم، احتجم وهو صائم رواه البخاري - منسوخ، لأن ابن عباس راويه كان يعد الحجام والمحاجم قبل مغيب الشمس، فاذا غابت احتجم كذلك رواه الجوزجاني. [10- إنزال المني بتكرار النظر] لأنه إنزال عن فعل في الصوم يتلذذ به، أمكن التحرز عنه، أشبه الإنزال باللمس. قاله في الكافي. [لا بنظرة ولا بالتفكر] لأنه لا يمكن التحرز منه. قاله في الكافي. [الاحتلام] لأنه ليس بسبب من جهته ولا باختياره، فلا يفسد الصوم بلا نزاع.

[ولا بالمذي] أي لايفسد الصوم بالمذي من تكرار النظر لأنه ليس بمباشرة. [11- خروج المني أوالمذي بتقبيل أو لمس أواستمناء أو مباشرة دون الفرج] لأنه إنزال عن مباشرة، أشبه الجماع وأما المذي، فلتخلل الشهوة له وخروجه بالمباشرة، أشبه المني، وحجة ذلك إيماء حديث عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه.1 رواه الجماعة إلا النسائي. [12 - كل ما وصل إلى الجوف أو الحلق أو الدماغ، من مائع وغيره فيفطر إن قطر في أذنه ما وصل إلى دماغه، أو داوى الجائفة، فوصل إلى جوفه، أو اكتحل بما علم وصوله إلى حلقه] 2 لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة "وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائماً" وهذا يدل على أنه يفسد الصوم إذا بالغ فيه بحيث يدخل إلى خياشيمه أو دماغه، وقيس عليه ما وصل إلى جوفه أو دماغه. وروى أبو داود، والبخاري في تاريخه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال: ليتقه الصائم وإن شك في وصوله إلى حلقه لكونه يسيراً، ولم يجد طعمه لم يفطر. نص عليه. [أو مضغ علكاً، أو ذاق طعاماً ووجد الطعم بحلقه] فإن لم يجده بحلقه لم يضره، لقول ابن عباس: لا بأس أن يذوق الخل الشئ يريد

_ 1 قال ابن الأثير: أكثر المحدثين يروونه بفتح الهمزة والراء، يعنون الحاجة، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء، وله تأويلان. أحدهما: أنه الحاجة، والثاني: أرادت به العضو، وعنت به الذكر خاصة. 2 الجائفة: الطعنة التي تنفذ إلى الجوف، وهو هنا البطن والدماغ.

شراءه. حكاه عنه أحمد، والبخاري، وكان الحسن يمضغ الجوز لابن ابنه، وهو صائم. ونقل عن أحمد كراهة مضغ العلك. ورخصت فيه عائًشة، رضي الله عنها. قاله في الشرح. [أو بلع ريقه بعد أن وصل إلى ما بين شفتيه] أو بلع ريق غيره أفطر، لأنه بلعه من غير فمه، أشبه ما لو بلع ماء. قاله في الكافي. [ولا يفطر إن فعل شيئاً من المفطرات ناسياً أو مكرهاً] نص عليه. وبه قال علي، وابن عمر، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه" رواه الجماعة إلا النسائي. فنص على الأكل والشرب. وقسنا الباقي، وقيس المكروه على من ذرعه القيء. قال معناه في الكافي. [ولا إن دخل الغبار حلقه، أو الذباب بغير قصده ولا إن جمع ريقه فابتلعه] لأنه لم يمكن التحرز منه. ولا يدخل تحت الوسع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، قال في الشرح: لا يفسد صومه، لا نعلم فيه خلافاً.

فصل: في من جامع نهار رمضان

فصل: في من جامع نهار رمضان ... فصل في من جامع في نهار رمضان [ومن جامع نهار رمضان في قبل أو دبر، ولو لميت أو بهيمة، في حالة يلزمه فيها الإمساك، مكرهاً كان أو ناسياً لزمه القضاء والكفارة] لحديث أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله، وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تجد رقبةً تعتقها؟ " قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ " قال: لا، قال: "فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ " قال: لا، فسكت، فبينا نحن على ذلك، أتي النبي صلى الله عليه وسلم، بعرق تمر، فقال: "أين السائل؟ خذ

هذا تصدق به"، فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟! فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: "أطعمه أهلك". متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم، للمجامع "صم يوماً مكانه" رواه أبو داود. ويلزمان المكره والناسي، لأنه صلى الله عليه وسلم، لم يستفصل المواقع عن حاله. [وكذا من جومع، إن طاوع] في وجوب القضاء والكفارة، لهتك صوم رمضان بالجماع طوعاً، فأشبهت الرجل، ولأن تمكينها منه كفعل الرجل في حد الزنى، وهو يدرأ بالشبهة، ففي الكفارة أولى، وعنه لا تلزمها لأنه صلى الله عليه وسلم، لم يأمر امرأة المواقع بكفارة. [غير جاهل وناس] فلا كفارة عليها، رواية واحدة. قاله في الكافي لحديث "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان" رواه النسائي. [والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فإن لم يجد سقطت عنه، بخلاف غيرها من الكفارات] للحديث السابق. [ولا كفارة في رمضان بغير الجماع والإنزال بالمساحقة] من مجبوب أو امرأة قياساً على الجماع، لفساد الصوم، وهتك حرمة رمضان.

فصل: في القضاء

فصل في القضاء [ومن فاته رمضان قضى عدد أيامه] لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 1

_ 1 البقرة من الآية/184.

[ويسن القضاء على الفور] متتابعاً نص عليه. قال في الشرح: ولا نعلم في استحباب التتابع خلافاً، وحكي وجوبه عن الشعبي والنخعي انتهى. ولا بأس أن يفرق، قاله البخاري عن ابن عباس. وعن ابن عمر مرفوعاً: "قضاء رمضان، إن شاء فرق وإن شاء تابع" رواه الدارقطني. [إلا إذا بقي من شعبان بقدر ماعليه، فيجب] التتابع لضيق الوقت لقول عائشة: "لقد كان يكون علي الصيام من رمضان، فما أقضيه حتى يجئ شعبان" متفق عليه. فإن أخره لغير عذر حتى أدركه رمضان آخر فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم. يروى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة، ولم يرو عن غيرهم خلافهم. قاله في الشرح. [ولا يصح ابتداء تطوع من عليه قضاء رمضان] نص عليه. [فإن نوى صوماً واجباً، أو قضاء ثم قلبه نفلاً صح] كالصلاة. [ويسن صوم التطوع، وأفضله يوم ويوم] لحديث عبد الله بن عمرو. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود. كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً" متفق عليه. [ويسن صوم أيام البيض: وهي ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر] لقول أبي هريرة أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم، بثلاث: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام" متفق عليه. وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة" حسنه الترمذي.

[وصوم الخميس والإثنين] لأنه صلى الله عليه وسلم، كان يصومهما فسئل عن ذلك، فقال: "إن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس" رواه أبو داود، وفي لفظ: "وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم". [وستة من شوال] لحديث أبي أيوب مرفوعاً: " من صام رمضان، وأتبعه ستاً من شوال، فكأنما صام الدهر" رواه مسلم وأبو داود. قال أحمد: هو من ثلاثة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم. [وسن صوم المحرم] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" رواه مسلم. [وآكده عاشوراء وهو كفارة سنة] لحديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في صيام يوم عاشوراء: "إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده" رواه مسلم. [وصوم عشر ذي الحجة] لحديث ابن عباس مرفوعاً: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله، من هذه الأيام العشر" رواه البخاري. وعن حفصة قالت: أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاث أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة رواه أحمد والنسائي. [وآكدها يوم عرفة، وهو كفارة سنتين] لحديث أبي قتادة مرفوعاً: "صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ماضية ومستقبلةً، وصوم عاشوراء يكفر سنةً ماضيةً" رواه الجماعة، إلا البخاري والترمذي. ويليه في الآكدية يوم التروية: وهو ثامن ذي الحجة، لحديث: "صوم يوم التروية كفارة سنة" الحديث، رواه أبو الشيخ في الثواب وابن النجار عن ابن عباس مرفوعاً.

[وكره إفراد رجب] بالصوم، لما روى أحمد عن خرشة بن الحر، قال: رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام، ويقول: كلوا، فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية وبإسناده عن ابن عمر أنه كان إذا رأى الناس، وما يعدونه لرجب، كرهه وقال: صوموا منه وأفطروا. [والجمعة والسبت بالصوم] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده" متفق عليه. وحديث: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" حسنه الترمذي. واختار الشيخ تقي الدين: أنه لايكره صوم يوم السبت مفرداً، وأن الحديث شاذ أو منسوخ. [وكره صوم يوم الشك] تطوعاً لقول عمار من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والترمذي. [وهو الثلاثون من شعبان إذا لم يكن غيم أو قتر] عند أصحابنا. [ويحرم صوم العيدين] إجماعاً لحديث أبي هريرة مرفوعاً: نهي عن صوم يومين: يوم الفطر، ويوم الأضحى متفق عليه. [وأيام التشريق] لحديث: "وأيام منىً أيام أكل وشرب" رواه مسلم مختصراً، إلا للمتمتع إذا لم يجد الهدي، لحديث ابن عمر وعائشة لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن، إلا لمن لم يجد الهدي رواه البخاري. [ومن دخل في تطوع لم يجب إتمامه] لحديث عائشة قلت: يا رسول الله، أهديت لنا هدية، أوجاءنا رزق، وقد خبأت لك شيئاً، قال: "ما هو؟ " قلت: حيس، قال: "هاتيه"، فجئت به فأكل، ثم قال: "قد

كنت أصبحت صائماً" 1 رواه مسلم. وكره خروجه منه بلا عذر خروجاً من الخلاف، ولقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 2 [وفي فرض يجب] إتمامه. ولا يجوز له الخروج بلا خلاف. قاله في الشرح، لأنه يتعين بدخوله فيه، فصار كالمتعين، والخروج من عهدة الواجد متعين، وإنما دخلت التوسعة في وقته رفقاً، فإن بطل فعليه إعادته. [مالم يقلبه نفلاً] فيثبت له حكم النفل.

_ 1 الحيس: هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن. 2 محمد من الآية/33.

كتاب الإعتكاف

كتاب الإعتكاف مدخل ... كتاب الاعتكاف وهو: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى. وهو سنة. قال في الشرح: لا نعلم خلافاً في استحبابه، لحديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده متفق عليه. [ويجب بالنذر] قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الإعتكاف لا يجب على الناس فرضاً، إلا أن يوجب المرء على نفسه الإعتكاف نذراً، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" رواه البخاري. [وشرط صحته ستة أشياء: النية، والإسلام، والعقل والتمييز] كسائر العبادات. [وعدم ما يوجب الغسل] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" وقد سبق. [وكونه بمسجد] لقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [ويزاد في حق من تلزمه الجماعة أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة] قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً، لأنها واجبة عليه، فلا يجوز تركها، ولا كثرة الخروج الذي يمكن التحرز منه، لأنه مناف للاعتكاف. [ومن المسجد ما زيد فيه] حتى في الثواب في المسجد الحرام،

_ "1" البقرة من الأية/187.

لعموم الخبر. وعند الشيخ تقي الدين وابن رجب، وطائفة من السلف: ومسجد المدينة أيضاً. فزيادته كهو في المضاعفة. وخالف فيه ابن عقيل وابن الجوزي، وقال ابن مفلح في الآداب الكبرى: هذه المضاعفة تختص بالمسجد غير الزيادة على ظاهر الخبر، يعني قوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدى هذا ... ". [ومنه سطحه] لعموم قوله في المساجد. [ورحبته المحوطة] قال القاضي: إن كان عليها حائط وباب، كرحبة جامع المهدي بالرصافة، فهي كالمسجد لأنها معه وتابعة له، وإن لم تكن محوطة، كرحبة جامع المنصور، لم يثبت لها حكم المسجد1. [ومنارتها التي هي أو بابها فيه] لأنها في حكمه وتابعة له. [ومن عين الاعتكاف بمسجد غير الثلاثة لم يتعين] ولو بلا شد رحل، لأن الله لم يعين لعبادته مكاناً كمن نذر صلاة بغير المساجد الثلاثة. لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" متفق عليه. ولو تعين غيرها بالتعيين لزم المضي إليه، واحتاج إلى شد رحل لقضاء نذره، ولأن الله تعالى لم يعين لعبادته مكاناً في غير الحج. وأفضل المساجد المسجد الحرام، فمسجد المدينة، فالمسجد الأقصى، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا

_ "1" الرصافة: هي الجانب الشرقي من بغداد، والمهدي هو محمد بن عبد الله الخليفة العباسي الثالث المتوفى سنة 169، والمنصور: هو عبد الله بن محمد الخليفة العباسي الثاني المتوفى سنة 158.

المسجد الحرام" رواه الجماعة إلا أبا داود. وفي رواية فإنه أفضل فمن نذر اعتكافاً أو صلاة في أحدها لم يجزئه في غيره إلا أن يكون أفضل منه، فمن نذر في المسجد الحرام لم يجزئه غيره، ومن نذر في مسجد المدينة أجزأه فيه وفي المسجد الحرام، ومن نذر في الأقصى أجزأه في الثلاثة، لحديث جابر أن رجلاً قال يوم الفتح: يارسول الله، إني نذرت: إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، فقال: "صل ها هنا"، فسأله، فقال: "صل ها هنا"، فسأله، فقال: "شأنك إذاً" رواه أحمد وأبو داود. [ويبطل الإعتكاف بالخروج من المسجد لغير عذر] لقول عائشة: السنة للمعتكف ألا يخرج إلا لما لا بد له منه رواه أبو داود. وحديث. "وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان" متفق عليه. [وبنية الخروج، ولو لم يخرج] لحديث "إنما الأعمال بالنيات" [وبالوطء في الفرج] لقوله تعالى: { ... وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ... } فإذا حرم الوطء في العبادة أفسدها، كالصوم والحج، بطل اعتكافه واستأنف الاعتكاف. [وبالإنزال بالمباشرة دون الفرج] لعموم الآية. [وبالردة] لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [وبالسكر] لخروج السكران عن كونه من أهل المسجد.

_ "1"البقرة من الآية/187. "2"الزمر من الآية/65.

[وحيث بطل الإعتكاف وجب استئناف النذر المتتابع غير المقيد بزمن ولا كفارة] لأنه أمكنه الإتيان بالمنذور على صفته فلزمه، كحالة الابتداء. [وإن كان مقيداً بزمن معين استأنفه، وعليه كفارة يمين لفوات المحل. ولا يبطل الإعتكاف إن خرج من المسجد لبول أو غائط أو طهارة واجبة] لما تقدم. [أو لإزالة نجاسة، أو لجمعة تلزمه] ولا قضاء لزمنه، ولا كفارة لأن ذلك كالمستثنى لكونه معتاداً. [ولا إن خرج للإتيان بمأكل أو مشرب، لعدم خادم] لأنه لا بد له منه. فيدخل في عموم حديث عائشة: وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان متفق عليه. [وله المشي على عادته] من غير عجلة، لأن ذلك يشق عليه. ويجوز أن يسأل عن المريض وغيره في طريقه، ولا يعرج إليه ولا يقف، لقول عائشة: إن كنت لأدخل البيت للحاجة، والمريض فيه، فلا أسأل عنه إلا وأنا مارة متفق عليه. [وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الإعتكاف مدة لبثه فيه لا سيما إن كان صائماً] ذكره ابن الجوزي في المنهاج، ولم يره الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى.

كتاب الحج

كتاب الحج مدخل مدخل ... كتاب الحج وهو من أركان الإسلام وفروضه لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} 1 ولحديث ابن عمر "بني الإسلام على خمس ... " الحديث، وقد سبق. [وهو واجب مع العمرة في العمر مرة] 2 لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} 3 وعن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا"، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم". ثم قال: "ذروني ما تركتكم" رواه أحمد ومسلم والنسائي. وعن عائشة أنها قالت يا رسول الله، هل على النساء من جهاد؟ قال: "نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة". رواه أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح. ولمسلم عن ابن عباس: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة". وعن

_ 1 آل عمران من الآية/97. 2 وفي هامش الأصل: الحج زمن مخصوص والعمرة ليس لها وقت مخصوص بل إنها تجزئ في سائر السنة. ووجوب الحج بإجماع، وأم العمرة، فالمقدم وجوبها للعموم. وقيل هي سنة، لكن إذا شرع فيها وجب إتمامها. انتهى. 3 البقرة من الآية/196.

الصبي بن معبد قال أتيت عمر، رضي الله عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين إني أسلمت، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما، فقال: هديت لسنة نبيك رواه النسائي. [وشرط الوجوب خمسة أشياء 1 - الإسلام 2 - العقل 3 -البلوغ] لحديث: "رفع القلم عن ثلاثةً". [4 - كمال الحرية] لأن العبد غير مستطيع. [لكن يصحان من الصغير والرقيق، ولا يجزئان عن حجة الإسلام وعمرته] حكاه الترمذي إجماعاً لحديث ابن عباس أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال "نعم ولك أجر" رواه مسلم. وعنه أيضاً مرفوعاً: "أيما صبي حج، ثم بلغ فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج، ثم عتق فعليه حجة أخرى" رواه الشافعي، والطيالسي في مسنديهما. [فإن بلغ الصغير أو عتق الرقيق قبل الوقوف أو بعده: إن عاد فوقف في وقته أجزأه عن حجة الإسلام] لأنهما أتيا بالنسك حال الكمال. قال الإمام أحمد: قال ابن عباس: إذا أعتق العبد بعرفة أجزأه حجه فإن عتق بجمع لم يجز عنه. [ما لم يكن أحرم مفرداً أو قارناً وسعى بعد طواف القدوم] لأن السعي لا تشرع مجاوزة عدده ولا تكراره، بخلاف الوقوف، فاستدامته مشروعة، ولا قدر له محدود. [وكذا تجزئ العمرة إن بلغ أو عتق قبل طوافها] ثم طاف وسعى لها فتجزئه عن عمرة الإسلام.

[5- الإستطاعة: وهي ملك زاد وراحلة تصلح لمثله] قال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم وعن أنس، رضي الله عنه، في قوله عز وجل: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} 1 قال: قيل يا رسول الله، ما السبيل قال: "الزاد والراحلة" رواه الدارقطني. وعن ابن عباس نحوه. رواه ابن ماجه. وقال عكرمة: الإستطاعة: الصحة. وقال الضحاك: إن كان شاباً فليؤاجر نفسه بأكله وعقبته. [أو ملك ما يقدر به على تحصيل ذلك] من النقدين أو العروض. [بشرط كونه فاضلاً عما يحتاجه من كتب ومسكن وخادم] لأن هذه حوائج أصلية. [وأن يكون فاضلاً عن مؤنته، ومؤنة عياله على الدوام] لأنها نفقات شرعية تجب عليه، يتعلق بها حق آدمي فقدمت، لحديث "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" وقال في الروضة والكافي. إلى أن يعود فقط، وقدمه في الرعاية. قاله في الفروع. [فمن كملت له هذه الشروط لزمه السعي فوراً] نص عليه. فيأثم إن أخره بلا عذر، بناء على أن الأمر للفور، ولحديث ابن عباس مرفوعاً: "تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له" رواه أحمد. وأما تأخيره، عليه الصلاة والسلام، وأصحابه فيحتمل أنه لعذر، كخوفه على المدينة من المنافقين واليهود وغيرهم، أو نحوه. [إن كان في الطريق أمن] لأن إيجاب الحج مع عدم ذلك ضرر،

_ 1 آل عمران من الآية/97.

وهو منفي شرعاً ولو بحراً، لحديث: "لا تركب البحر إلا حاجاً، أو معتمراً، أو غازياً في سًبيل الله" رواه أبو داود وسعيد. [فإن عجز عن السعي لعذر ككبر، أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم نائباً حراً ولو امرأة يحج ويعتمر عنه] لحديث ابن عباس أن امرأة من خثعم قالت: يارسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فأحج عنه؟ قال: "حجي عنه" متفق عليه. فعلم منه جواز نيابة المرأة عن الرجل. قال في الشرح: لا نعلم فيه مخالفاً، فعكسه أولى. [من بلده] أي العاجز لأنه وجب عليه كذلك. [ويجزئه ذلك، ما لم يزل العذر قبل إحرام نائبه] لقدرته على البدل قبل الشروع في المبدل. [فلو مات] من لزمه حج أو عمرة بأصل الشرع، أو بإيجابه على نفسه. [قبل أن يستنيب، وجب أن يدفع من تركته لمن يحج ويعتمر عنه] من حيث وجب. نص عليه، لأن القضاء يكون بصفة الأداء ولو لم يوص بذلك، لحديث ابن عباس أن امرأة قالت: يارسول الله، إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: "نعم، حجي عنها. أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء" رواه البخاري. [ولا يصح ممن لم يحج عن نفسه حج عن غيره] فإن فعل انصرف إلى حجة الإسلام، لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم،

سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة. قال: "حججت عن نفسك"؟ قال: لا. قال: "حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة" رواه أحمد واحتج به، وأبو داود وابن حبان والطبراني، قال البيهقي: إسناده صحيح، وفي لفظ للدارقطني "هذه عنك، وحج عن شبرمة". [وتزيد المرأة شرطاً سادساً، وهو أن تجد لها زوجاً أو محرماً] قال أحمد: المحرم من السبيل، لحديث ابن عباس: "لا تسافر امرأة إلا مع محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم" رواه أحمد بإسناد صحيح. [مكلفاً] فلا محرمية لصغير ومجنون، لعدم حصول المقصود. [وتقدر على أجرته وعلى الزاد والراحلة لها وله] لأنه من سبيلها. [فإن حجت بلا محرم، حرم] سفرها بدونه لما تقدم. [وأجزأها] حجها كمن حج وترك حقاً يلزمه من نحو دين، وإن مات المحرم في الطريق مضت في حجها.

باب الإحرام

باب الإحرام مدخل ... باب الإحرام [وهو واجب من الميقات] لأنه صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت، ولم ينقل عنه، ولا عن أحد من أصحابه أنه تجاوز ميقاتاً بلا إحرام. فميقات أهل المدينة: ذو الحليفة بينها وبين المدينة سبعة أميال أو ستة، وهي أبعد المواقيت من مكة، بينها وبين مكة عشرة أيام، وميقات أهل الشام ومصر: الجحفة، قرية خربة قرب رابغ بينها وبين مكة خمس مراحل أو ست. ومن أحرم من رابغ فقد أحرم قبل الميقات بيسير، وميقات أهل اليمن: يلملم - بينه وبين مكة ليلتان - وميقات أهل نجد قرن على يوم وليلة من مكة وهذه المواقيت لأهلها ولمن مر عليها. [ومن منزله دون الميقات فميقاته منزله] لحديث ابن عباس قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك، فمهله من أهله، وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها. متفق عليه. ومن لم يمر بميقات، أحرم إذا حاذى أقربها منه، لقول عمر انظروا حذوها من قديد - وفي لفظ - من طريقكم 1

_ 1 كذا في الأصل. ولم نجد لفظة "من قديد" في البخاري ورواية البخاري قال عمر: "فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق" وفي النهاية: قديد – مصغراً – موضع بين مكة والمدينة.

رواه البخاري. ومن لم يحاذ ميقاتاً أحرم عن مكة بقدر مرحلتين، لأنه أقل المواقيت. قال في الشرح: أجمعوا على هذه الأربعة، واتفق أهل النقل على صحة الحديث فيها. وذات عرق: ميقات أهل المشرق، في قول الأكثر. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن إحرام العراقي من ذات عرق إحرام من الميقات. وفي صحيح مسلم. عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، وقت لأهل العراق ذات عرق وعن عائشة مرفوعاً نحوه. رواه أبو داود والنسائي. ووقت عمر أيضاً لأهل العراق ذات عرق رواه البخاري. وذات عرق: قرية خربة قديمة، من علاماتها المقابر القديمة وعرق: هو المشرف على الجبل من العقيق إقناع. وعن أنس أنه كان يحرم من العقيق وكان الحسن بن صالح يحرم من الربذة. وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقت لأهل المشرق العقيق1 حسنه الترمذي. وقال ابن عبد البر: هو أحوط من ذات عرق2. [ولا ينعقد الإحرام مع وجود الجنون والإغماء والسكر] لعدم وجود النية منهم. [وإذا انعقد لم يبطل إلا بالردة] لقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ... } الآية3. [لكن يفسد بالوطء في الفرج في التحلل الأول] قال ابن المنذر:

_ 1 العقيق: كل موضع شققته من الأرض فهو عقيق، والجمع: أعقة وعقائق. وفي بلاد العرب مواضع كثيرة تسمى العقيق. والمذكور غير الوادي المعروف بالمدينة. 2 لأنه قبلها بمرحلة أو مرحلتين، كما في النهاية. 3 الزمر من الآية/65.

أجمعوا على أن الحج لا يفسد بإتيان شئ في حال الإحرام إلا الجماع، والأصل فيه ماروي عن ابن عمر وابن عباس، ولم يعرف لهما مخالف. [ولا يبطل، بل يلزمه إتمامه والقضاء] روي عن ابن عمر وعلي وأبي هريرة وابن عباس، لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} 1 ويقضي من قابل. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. [ويخير من أراد الإحرام بين أن ينوي التمتع وهو أفضل] روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما. قال الإمام أحمد: وهو آخر الأمرين منه صلى الله عليه وسلم. [أو ينوي الإفراد أو القران] قال في الشرح: ولا خلاف في جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء، وقد دل عليه قول عائشة: فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، ومنا من أهل بهما. [والتمتع: هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ثم بعد فراغه منها يحرم بالحج] قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من أهل بعمرة من أهل الآفاق في أشهر الحج من الميقات، وقدم مكة، ففرغ وأقام بها، وحج من عامه أنه متمتع، وعليه الهدي إن وجد وإلا فالصيام. [والإفراد: هو أن يحرم بالحج، ثم بعد فراغه منه يحرم بالعمرة. والقران: هو أن يحرم بالعمرة، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها] لحديث جابر أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أهلوا بالحج مفرداً، فقال لهم: "حلوا من إحرامكم بطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، وقصروا وأقيموا حلالاً حتى إذا كان يوم التروية، فأهلوا بالحج، واجعلوا الذي قدمتم بها متعة". فقالوا: كيف تجعلها

_ 1 البقرة الآية/196.

متعة وقد سمينا الحج؟ فقال "افعلوا ما أمرتكم به، فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل ما أمرتكم به، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغً الهدي محله" متفق عليه. [فإن أحرم به، ثم بها لم يصح] ولم يصر قارناً، وهو قول علي، رضي الله عنه. رواه الأثرم، لأنه لم يرد به أثر، ولم يستفد به فائدة، بخلاف ما سبق، ويبقى على إحرامه بالحج. [ومن أحرم وأطلق صح، وصرفه لما شاء، وما عمل قبل فلغو] لقول طاووس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، من المدينة لا يسمي حجاً ينتظر القضاء، فنزل عليه بين الصفا والمروة ... الخ. وكذا من أحرم بمثل ما أحرم به فلان، لحديث أنس قال قدم علي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من اليمن، فقال: "بم أهللت يا على"؟ قال: أهللت بإهلال كاهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لولا أن معي الهدي لأحللت متفق عليه. [لكن السنة لمن أراد نسكاً أن يعينه] لقول عائشة: فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بحج متفق عليه. [وأن يشترط فيقول: اللهم إنى أريد النسك الفلاني فيسره لي، وتقبله مني، وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني] لما روى النسائي من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لعلي: "بم أهللت؟ " قال: قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل على ضباعة بنت الزبير فقال لها: "لعلك أردت الحج؟ " قالت: والله ما أجدني إلا وجعة، فقال لها: "حجي، واشترطي وقولي: اللهم إن محلي حيث حبستني" متفق

عليه. وللنسائي في حديث ابن عباس: "فإن لك على ربك ما استثنيت" وفي حديث عكرمة: "فإن حبست أو مرضت فقد حللت من ذلك بشرطك على ربك" رواه أحمد.

باب محظورات الإحرام

باب محظورات الإحرام مدخل ... باب محظورات الإحرام [وهي سبعة أشياء أحدهما: تعمد لبس المخيط على الرجل حتى الخفين] لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل ما يلبس المحرم؟ فقال: "لا يلبس القميص، ولا العمامة، ولا البرنس، ولا السراويل ولا ثوباً مسه ورس ولا زعفران، ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين" متفق عليه. ونص على هذه الأشياء، وألحق بها أهل العلم ما في معناها مثل: الجبة والدراعة والتبان وأشباه ذلك. قاله في الشرح. وعنه: لا يقطع الخفين، لحديث ابن عباس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يخطب بعرفات: "من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين" متفق عليه. قيل: هذا ناسخ لحديث ابن عمر السابق، لأن هذا بعرفات. قاله الدارقطني. وحديث ابن عمر بالمدينة، لرواية أحمد عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، على المنبر وذكره وأجيب عن قولهم: حديث ابن عمر فيه زيادة لفظ، بأن حديث ابن عباس وجابر فيهما زيادة حكم: وهو جواز اللبس بلا قطع. [الثاني: تعمد تغطية الرأس من الرجل ولو بطين، أو استظلال بمحمل] لنهيه صلى الله عليه وسلم، المحرم عن لبس العمائم والبرانس وقوله في المحرم الذي وقصته ناقته1 "ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة

_ 1 الوقص: كسر العنق.

ملبياً" متفق عليهما. وكره أحمد الاستظلال بالمحمل، وما في معناه، لقول ابن عمر: اضح لمن أحرمت له أي ابرز للشمس. وعنه: له ذلك، أشبه الخيمة، وفي حديث جابر: أمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة فنزل بها رواه مسلم. وإن طرح على شجرة ثوباً يستظل به فلا بأس إجماعاً. قاله في الشرح. وله أن يتظلل بثوب على عود لقول أم الحصين: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حجة الوداع، فرأيت أسامة وبلالاً، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة رواه مسلم. ويباح له تغطية وجهه. روي عن عثمان وزيد بن ثابت وابن الزبير، ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم. وبه قال الشافعي. وعنه: لا، لأن في بعض ألفاظ حديث صاحب الراحلة: "ولا تخمروا وجهه ولا رأسه" ويغسل رأسه بالماء بلا تسريح. روي عن عمر وابنه وعلي وجابر وغيرهم. لأنه صلى الله عليه وسلم، غسل رأسه وهو محرم، وحرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر متفق عليه. واغتسل عمر وقال: لا يزيد الماء الشعر إلا شعثاً رواه مالك والشافعي. وعن ابن عباس قال لي عمر، ونحن محرمون بالجحفة: تعال أباقيك أينا أطول نفساً في الماء رواه سعيد. وإن حمل على رأسه طبقاً، أو وضع يده عليه فلا بأس، لأنه لا يقصد به الستر. قاله في الكافي. [وتغطية الوجه من الأنثى، لكن تسدل على وجهها لحاجة] لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين" رواه أحمد والبخاري. قال في الشرح: فيحرم تغطيته. لا نعلم فيه خلافاً. إلا ما روي عن أسماء أنها تغطيه فيحمل على السدل،

فلا يكون فيه اختلاف، فإن احتاجت لتغطيته لمرور الرجال قريباً منها سدلت الثوب من فوق رأسها. لا نعلم فيه خلافاً. انتهى. لحديث عائشة: كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه رواه أبو داود والأثرم. ولا يضر لمس المسدول وجهها، خلافاً للقاضي. [الثالث: قصد شم الطيب] لقوله في الذي وقصته راحلته "ولا تمسوه بطيب" قال في الشرح: أجمعوا على أنه ممنوع من الطيب، ولا يجوز له لبس ثوب مطيب. لا نعلم فيه خلافاً، لقوله: "ولايلبس ثوباً مسه ورس ولا زعفران" متفق عليه. [ومس ما يعلق] لأنه تطييب ليده. [واستعماله في أكل وشرب بحيث يظهر طعمه أو ريحه] وكان مالك لا يرى بما مست النار من الطعام بأساً وإن بقيت رائحته وطعمه. ولو شم الفواكه كلها، وكذا نبات الصحراء، كشيح وقيصوم وخزامى، وكذا ما ينبته الآدمي لغير قصد الطيب، كحناء وعصفر وقرنفل ودار صيني. قاله في الإقناع. [فمن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه] لقوله صلى الله عليه وسلم "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه". [ومتى زال عذره أزاله في الحال وإلا فدى] لاستدامته المحظور من غير عذر.

[الرابع: إزالة الشعر من البدن ولو من الأنف] لقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ... } 1 الآية نص على حلق الرأس، وقسنا عليه سائر شعر البدن. [وتقليم الأظافر] قال في الشرح: أجمعوا على أنه ممنوع من تقليم أظفاره إلا من عذر، وأجمعوا على أنه يزيل ظفره إذا انكسر. [الخامس: قتل صيد البر الوحشي المأكول] إجماعا لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ ... } الآية2وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} الآية3. [والدلالة عليه، والإعانة على قتله] لأنه إعانة على المحرم، لحديث أبي قتادة أنه كان مع أصحاب له محرمين، وهو لم يحرم فأبصروا حماراً وحشياً وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يوذنوني به، وأحبوا لو أني أبصرته، فركبت ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح. فقالوا: والله لا نعينك عليه وهذا يدل على اعتقادهم تحريم الإعانة عليه ولما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "هل أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها"؟ قالوا: لا قال: "فكلوا ما بقي من لحمها". متفق عليه. [وإفساد بيضه] لقول ابن عباس: في بيض النعام قيمته وعن أبي هريرة مرفوعاً: "في بيض النعام ثمنه" رواه ابن ماجه.

_ 1 البقرة من الآية/196. 2 المائدة من الآية/99. 3 المائدة من الآية/98.

[وقتل الجراد] لأنه بري يشاهد طيرانه في البر، ويهلكه الماء إذا وقع فيه. وحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إنه من صيد البحر" وهم قاله أبو داود. وعنه هو من صيد البحر لا جزاء فيه قال ابن المنذر: قال ابن عباس: هو من صيد البحر وقال عروة: هو من نثرة الحوت. [والقمل] لأنه يترفه بإزالته ولو أبيح لم يتركه كعب بن عجرة. وعنه: يباح قتله، لأنه من أكثر الهوام أذى. حكي عن ابن عمر قال: هي أهون مقتول وعن ابن عباس فيمن ألقاها ثم طلبها تلك ضالة لا تبتغى. [لا البراغيث، بل يسن قتل كل مؤذ مطلقاً] في الحرم والإحرام، ولا جزاء فيه، لحديث "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحدأة والغراب، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور" - وفي لفظ – "الحية"، مكان العقرب متفق عليه. قال مالك الكلب العقور: ما عقر الناس، وعدا عليهم. مثل الأسد والذئب، والنمر، فعلى هذا يباح قتل كل ما فيه أذى من سباع البهائم وجوارح الطير والحشرات المؤذية والزنبور والبق والبعوض والبراغيث والذباب. وبه قال الشافعي. قاله في الشرح. [السادس: عقد النكاح ولا يصح] لحديث عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا ينكح المحرم، ولا ينكح، ولا يخطب" رواه الجماعة إلا البخاري، وليس للترمذي فيه ولا يخطب وعن أبي غطفان عن أبيه أن عمر فرق بينهما يعني رجلاً تزوج وهو محرم. رواه مالك والدارقطني. قال في الشرح: ويياح شراء الإماء للتسري وغيره. لا نعلم فيه خلافاً.

[السابع: الوطء في الفرج] لقوله تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} 1 قال ابن عباس: الرفث: الجماع قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الحج لا يفسد بإتيان شئ في حال الإحرام إلا الجماع. والأصل فيه ما روي عن ابن عمر وابن عباس، ولم يعرف لهما مخالف. [ودواعيه والمباشرة دون الفرج والاستمناء] فإن لم ينزل لم يفسد، لا نعلم فيه خلافاً، وإن أنزل فعليه بدنة، وفي فساد الحج روايتان. إحداهما: لا يفسد. وهو قول الشافعي، لأنه لا نص فيه ولا إجماع، ولا يصح قياسها على الوطء في الفرج، لأنه يجب به الحد دونهما. والثانية: يفسد. وهو قول مالك. [وفي جميع المحظورات الفديه، إلا قتل القمل] لما تقدم. وعن أحمد: يطعم شيئاً، وقال إسحاق: تمرة فما فوقها. [وعقد النكاح] لا فدية فيه كشراء الصيد. [وفي البيض والجراد قيمته مكانه] لما تقدم في البيض. وروي عن عمر: في الجراد الجزاء. [وفي الشعرة أو الظفر إطعام مسكين، وفي اثنين إطعام اثنين] لأن المد أقل ما يجب. وعنه: قبضة من طعام، لأنه لا تقدير له في الشرع فيجب المصير إلى الأقل لأنه اليقين. [والضرورات تبيح للمحرمات ويفدي] لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} 2 ولحديث كعب بن عجرة، رضي الله عنه.

_ 1 البقرة من الآية/197. 2 البقرة من الآية/196.

باب الفدية

باب الفدية مدخل ... باب الفدية [وهي ما يجب بسبب الإحرام أو الحرم. وهي قسمان: قسم على التخيير، وقسم على الترتيب. فقسم التخيير: كفدية اللبس، والطيب، وتغطية الرأس، وإزالة أكثر من شعرتين، أو ظفرين، والإمناء بنظرة، والمباشرة بغير إنزال مني. يخير بين ذبح شاة، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره] لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} 1 وقوله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة: "لعلك آذاك هوام رأسك؟ " قال: نعم يا رسول الله. قال: "احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أوانسك بشاة" متفق عليه. ولفظة [أو] للتخيير، وألحق الباقي بالحلق، لأنه حرم للترفه فقيس عليه. وقال ابن عباس فيمن وقع على امرأته في العمرة قبل التقصير: عليه فدية من صيام أوصدقة أو نسك رواه الأ ثرم. وروى الأ ثرم أيضاً أن عمر بن عبيد الله، قبل عائشة بنت طلحة وهو محرم، فسأل فأجمع له على أن يهرق دماً. وقيس عليها المباشرة والإمناء بنظرة، ونحوهما، لأنها أفعال محرمة بالإحرام لا تفسد الحج فوجبت به شاة كالحلق. [من التخيير جزاء الصيد يخير فيه بين المثل من النعم، أو تقويم المثل بمحل التلف، ويشتري بقيمته طعاماً ما يجزئ في الفطرة، فيطعم

_ 1 البقرة من الآية/196.

كل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً] لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} 1 [وقسم الترتيب كدم المتعة والقران، وترك الواجب والإحصار والوطء ونحوه، فيجب على متمتع وقارن وتارك واجب دم، فإن عدمه أو ثمنه صام ثلاثة أيام في الحج، والأفضل كون آخرها يوم عرفة] نص عليه، فيقدم الإحرام ليصومها في إحرام الحج. روي ذلك عن ابن عمر وعطاء وعلقمة وغيرهم. ووقت جواز صيامها من إحرامه بالعمرة، لانعقاد سبب الوجوب. [وتصح أيام التشريق] قال ابن عمر وعائشة: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن يجد الهدي رواه البخاري. وبه قال مالك والشافعي في القديم. [وسبعة إذا رجع إلى أهله] لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} 2 ويجوز صيامها بعد فراغه من أفعال الحج. قيل لأحمد: يصوم بالطريق أو بمكة؟ قال: حيث شاء. وبه قال مالك، وعن عطاء ومجاهد: في الطريق. وهو قول إسحاق. [ويجب على محصر دم] لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} 2

_ 1 المائدة من الآية/95. 2 البقرة من الآية/196.

[فان لم يجد صام عشرة أيام] بنية التحلل. [ثم حل] قياساً على دم المتعة. [ويجب على من وطء في الحج قبل التحليل الأول، أو أنزل منياً بمباشرة، أو استمناء، أو تقبيل، أو لمس لشهوة، أو تكرار نظر: بدنة، فإن لم يجدها صام عشرة أيام: ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع] كدم المتعة لأن ابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو قالوا للواطئين: اهديا هدياً، وإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم وقيس الباقي عليه. والوطء بعد التحلل الأول لا يفسد النسك، لكن يمضي إلى الحل فيحرم منه ليطوف للزيارة محرماً لأن الطواف ركن لا يتم الحج إلا به، ولقول ابن عباس في رجل أصاب أهله قبل أن يفيض يوم النحر: ينحران جزوراً بينهما، وليس عليه الحج من قابل رواه مالك. ولا يعرف له مخالف من الصحابة. وعليه شاة، لأن الإحرام خف بالتحلل الأول، فينبغي أن يكون موجبه دون موجب الإحرام التام لخفة الجناية، وعدم إفساده الحج. وفاقاً لأبي حنيفة. وعنه: يلزمه بدنة، لأنه قول ابن عباس، وبه قال الشافعي. [وفي العمرة إذا أفسدها قبل تمام السعي شاة] لقول ابن عباس فيمن وقع على امرأته قبل التقصير: عليه فدية من صيام، أو صدقة، أو نسك رواه الأ ثرم. [والتحلل الأول يحصل باثنين من رمي وحلق وطواف ويحل له كل شئ إلا النساء] لحديث عائشة مرفوعاً:"إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شئ إلا النساء" رواه سعيد. وقالت عائشة:

طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لإحرامه حين أحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت. متفق عليه. [والثاني يحصل بما بقي مع السعي إن لم يكن سعى قبل] ولا نعلم فيه خلافاً، لقول ابن عمر: لم يحل النبي صلى الله عليه وسلم من شئ حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر، وطاف بالبيت، ثم قد حل له كل شئ حرم منه متفق عليه.

فصل: في صيد الحرم ونباته

فصل في صيد الحرم ونباته [والصيد الذي له مثل من النعم كالنعامة وفيها بدنة] قضى بها عمر وعثمان وعلي وزيد وابن عباس ومعاوية. [وفي حمار الوحش وبقره بقرة] لقضاء عمر، رضي الله عنه. [وفي الضبع كبش] لأن النبي صلى الله عليه وسلم، حكم فيها بذلك رواه أبو داود وغيره، وقضى فيها عمر وابن عباس بكبش. [وفي الغزال شاة] قضى بها عمر وعلي وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر. [وفي الوبر والضب جدي له نصف سنة] قضى به عمر وابنه. [وفي اليربوع جفرة لها أربعة أشهر] روي عن عمر وابن مسعود وجابر. [وفي الأرنب عناق دون الجفرة] يروى عن عمر أنه قضى بذلك. [وفي الحمام وهو كل ما عب الماء] أي كرع فيه، ولم يأخذه بمنقاره قطرة قطرة كالدجاج والعصافير. [وهدر] أي: صوت.

[كالقطا والورش والفواخت، شاة] نص عليه وقضى به عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن عبد الحارث في حمام الحرم. وقيس عليه حمام الإحرام. وروي عن ابن عباس أنه قضى به في حمام الإحرام. [وما لا مثل له، كالأوز والحبارى والحجل والكركي، ففيه قيمة مكانه] وروي عن ابن عباس وجابر أنهما قالا في الحجلة والقطاة والحبارى: شاة شاة قاله في الكافي. [ويحرم صيد حرم مكة] إجماعاً لحديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة" - الحديث - وفيه: "ولا ينفر صيدها" متفق عليه. ويحرم صيد حرم المدينة لحديث علي، ولا جزاء فيما حرم من صيدها، وعنه فيه الجزاء السلب وتوسيع جلده ضرباً انتهى. [وحكمه حكم صيد الإحرام] لما تقدم أن الصحابة قضوا في حمام الحرم بشاة، ولم ينقل عن غيرهم خلافهم، وللصوم فيه مدخل عند الأكثرين. قاله في الشرح. وقال أيضاً كل من يضمن في الإحرام يضمن في الحرم، إلا القمل، فإنه يباح قتله في الحرم بغير خلاف. انتهى. [ويحرم قطع شجره وحشيشه] الذي لم يزرعه الآدمي إجماعاً، لقوله: "ولا يعضد شجرها، ولا يحش حشيشها" - وفي رواية لا "يختلى شوكها" - فقال العباس: إلا الإذخر، فانه لا بد لهم منه، فإنه للقبور والبيوت، فقال: إلا الإذخر" متفق عليه. ويباح انتفاع بما زال أو انكسر بغير فعل آدمي وبفعل آدمي لم يبح الإنتفاع انتهى.

[والمحل والمحرم في ذلك سواء] لعموم النص والإجماع. [فتضمن الشجرة الصغيرة عرفاً بشاة، وما فوقها ببقرة] لما روى عن ابن عباس أنه قال: في الدوحة بقرة وفي الجزلة شاة والدوحة الكبيرة والجزلة الصغيرة. [ويضمن الحشيش والورق بقيمته] نص عليه لأنه متقوم. [وتجزئ عن البدنة بقرة كعكسه] لقول جابر كنا ننحر البدنة عن سبعة، فقيل له: والبقرة؟ فقال: وهل هي إلا من البدن رواه مسلم. [ويجزئ عن سبع شياه بدنة أو بقرة] لما تقدم وكعكسه، لقول ابن عباس أتى النبي صلى الله عليه وسلم، رجل فقال: إن علي بدنة، وأنا موسر، ولا أجدها فأشتريها، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن. رواه أحمد وابن ماجه. [والمراد بالدم الواجب: ما يجزئ في الأضحية جذع ضان أو ثنى معز أو سبع بدنة أو بقرة] لقوله تعالى في المتمتع: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} 1 قال ابن عباس: شاة، أو شرك في دم. وقال تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} 2 فسره النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث كعب بن عجرة بذبح شاة وقيس عليها الباقي. [فإن ذبح أحدهما فأفضل] لأنهما أكثر لحماً وأنفع للفقراء.

_ 1 البقرة من الآية/196. 2 البقرة من الآية/196.

[وتجب كلها] أي: البدنة أو البقرة إذا ذبحها، لأنه اختار الأعلى لأداء فرضه، فكان كله واجباً كالأعلى من خصال الكفارة إذا اختاره.

باب أركان الحج وواجباته

باب أركان الحج وواجباته مدخل ... باب اركان الحج وواجباته [أركان الحج أربعة:] [الأول: الإحرام. وهو مجرد النية، فمن تركه لم ينعقد حجه] لحديث "إنما الأعمال بالنيات". [الثاني: الوقوف بعرفة] لحديث: "الحج عرفة" رواه أبو داود. [ووقته من طلوع فجر يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر] لقول جابر: "لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع". قال أبو الزبير: فقلت له: أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك؟ قال: نعم رواه الأ ثرم. [فمن حصل في هذا الوقت بعرفة لحظة واحدة وهو أهل، ولو ماراً أو نائماً أو حائضاً أو جاهلاً أنها عرفة، صح حجه] لعموم حديث عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبلي طيئ1 أكللت راحلتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من حبل2 إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله

_ 1 هما جبل سلمى وجبل أجأ قاله المنذري. 2 قوله: من حبل هي في الأصل: من جبل، وهو خطأ والصحيح ما أثبتناه، قال الجوهري: الحبل، بفتح الحاء وإسكان الموحدة: أحد حبال الرمل، وهو ما اجتمع أو استطال وارتفع.

صلى الله عليه وسلم: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه" رواه الخمسة، وصححه الترمذي. قال المجد: وهو حجة في أن نهار عرفة كله وقت للوقوف. وقال صلى الله عليه وسلم: "لحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك" رواه الخمسة. [لا إن كان سكراناً أو مجنوناً أو مغمًى عليه] لأنه ليس من أهل العبادات بخلاف النائم. [ولو وقف الناس كلهم، أو كلهم إلا قليلاً في اليوم الثامن، أو العاشر خطأ أجزأهم] نص عليهما، لأنه لا يؤمن وقوع مثل ذلك في القضاء فيشق. وهل هو يوم عرفة باطناً؟ فيه خلاف في مذهب أحمد. قاله الشيخ تقي الدين، ورجح أنه يوم عرفة باطناً وظاهراً، وإن فعل ذلك نفر قليل منهم فاتهم الحج لتفريطهم. وقد روي أن عمر قال لهبار بن الأسود، لما حج من الشام وقدم يوم النحر: "ما حبسك؟ " قال: حسبت أن اليوم عرفة، فلم يعذر بذلك رواه الأ ثرم. [الثالث: طواف الإفاضة] لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} 1 وعن عائشة قالت: حاضت صفية بنت حيي بعد ما أفاضت، قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أحابستنا هي؟ " قلت: يا رسول الله، إنها قد أفاضت، وطافت بالبيت، ثم حاضت، بعد الإفاضة قال: "فلتنفر إذاً" متفق عليه. فدل على أن هذا الطواف لا بد منه، وأنه حابس لمن لم يأت به.

_ 1 الحج من الآية/29.

[ووقته من نصف ليلة النحر لمن وقف، وإلا فبعد الوقوف] لوجوب المبيت بمزدلفة إلى بعد نصف الليل. [ولا حد لآخره] وفعله يوم النحر أفضل، لقول ابن عمر: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم النحر متفق عليه. [الرابع: السعي بين الصفا والمروة] لقول عائشة: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطاف المسلمون- تعني بين الصفا والمروة - فكانت سنة، فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة رواه مسلم. ولحديث: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" رواه أحمد وابن ماجه. [واجباته سبعة] وقيل ستة، لأن طواف الوداع واجب على كل من أراد الخروج من مكة. [1 - الإحرام من الميقات] لما تقدم. [2 - الوقوف إلى الغروب لمن وقف نهاراً] لأن النبي صلى الله عليه وسلم، وقف إلى الغروب وقد قال: " خذوا عني مناسككم". [3 - المبيت ليلة النحر بمزدلفة إلى بعد نصف الليل] لأنه صلى الله عليه وسلم بات بها وقال: "لتأخذوا عني مناسككم" وعن ابن عباس: كنت فيمن قدم النبي صلى الله عليه وسلم، في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى متفق عليه. وعن عائشة قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم أفاضت رواه أبو داود. [4 - المبيت بمنى في ليالي التشريق] لقول عائشة: ثم رجع إلى

منى فمكث بها ليالي أيام التشريق الحديث. رواه أحمد وأبو داود، ولمفهوم حديث ابن عباس قال: استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له متفق عليه. وعن عاصم بن عدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رخص لرعاء الإبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر، ثم يرمون من الغد، ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر رواه الخمسة، وصححه الترمذي. [5 - رمي الجمار مرتباً] فيرمي يوم النحر جمرة العقبة بسبع حصيات لأن النبي صلى الله عليه وسلم، بدأ بها ولأنها تحية منى ويرمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق، كل يوم بعد الزوال، كل جمرة بسبع حصيات، يبدأ بالجمرة الأولى: وهي أبعدها من مكة وتلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم، رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، يقف عند الأولى والثانية، فيطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها رواه أبو داود. [6 - الحلق أو التقصير] لأنه تعالى وصفهم بذلك، وامتن به عليهم فقال: { ... مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ... } 1 ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر به فقال: "فليقصر ثم ليحلل"، ودعا للمحلقين ثلاثاً، وللمقصرين مرة متفق عليه. وفي حديث أنس أن النبي صلى الله

_ 1 الفتح من الآية/27.

عليه وسلم، أتى منى فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: خذ: وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر وجعل يعطيه الناس رواه أحمد ومسلم. وقال ابن المنذر: أجمعوا على إجزاء التقصير إلا أنه يروى عن الحسن إيجاب الحلق في الحجة الأولى، ولا يصح للآية. ويستحب لمن لا شعر له إمرار الموسى على رأسه. روي ذلك عن ابن عمر، وبه قال مالك والشافعي، ولا نعلم فيه خلافاً. قاله في الشرح. [7 - طواف الوداع] لحديث ابن عباس: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض متفق عليه. [وأركان العمرة ثلاثة: الإحرام] وهو نية الدخول فيها، لحديث "إنما الأعمال بالنيات". [والطواف. والسعي] لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} 1 {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية2. ولحديث "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من لم يكن معه هدي فليطف بالبيت، وبين الصفا والمروة، وليقصر وليحلل" متفق عليه. وأمره يقتضي الوجوب. [وواجباتها شيئان: الإحرام بها من الحل] لأمره صلى الله عليه وسلم عائشة أن تعتمر من التنعيم وقال في الشرح: ومن أراد العمرة من أهل الحرم خرج إلى الحل، فأحرم منه، وكان ميقاتاً له. لا نعلم فيه خلافاً.

_ 1 الحج من الآية/29. 2 البقرة من الآية/158.

[والحلق أو التقصير] لقوله "وليقصر وليحلل". [والمسنون كالمبيت بمنى ليلة عرفة] لأنه صلى الله عليه وسلم، بات بها ليلة عرفة رواه مسلم عن جابر. [وطواف القدوم والرمل في الثلاثة أشواط الأول منه، والاضطباع فيه] لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم، حين قدم مكة توضأ، ثم طاف بالبيت متفق عليه. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى رواه أبو داود. وفي حديث جابر: حتى أتينا البيت معه استلم الركن، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً. [وتجرد الرجل من المخيط عند الإحرام، وليس إزار ورداء أبيضين نظيفين] لحديث ابن عمر مرفوعاً: "وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين" رواه أحمد. [والتلبية من حين الإحرام إلى أول الرمي] في الحج، وأما في العمرة فإلى استلام الحجر، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال: "لبيك اللهم لبيك.." الحديث متفق عليه. وعن الفضل ابن عباس قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم، من جمع إلى منى، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة رواه الجماعة، وعن ابن عباس مرفوعاً قال: "يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر" رواه أبو داود. [فمن ترك ركناً لم يتم حجه إلا به] لما تقدم.

[ومن ترك واجباً فعليه دم وحجه صحيح] لقول ابن عباس: من ترك نسكاً فعليه دم وهو مقيس على دم الفوات. كما في الشرح. [ومن ترك مسنوناً فلا شئ عليه] لعدم النص في ذلك.

فصل: في شروط الطواف

فصل في شروط الطواف [وشروط صحة الطواف أحد عشر: النية، والإسلام، والعقل] كسائر العبادات. [ودخول وقته] وأوله بعد نصف الليل ليلة النحر. وقال أبو حنيفة: أوله طلوع الفجر يوم النحر. [وستر العورة] لحديث: "لا يطوف بالبيت عريان" متفق عليه. [واجتناب النجاسة، والطهارة من الحديث] لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "الطواف بالبيت صلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه" رواه الترمذي والأ ثرم. وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" متفق عليه. [وتكميل السبع] لأن النبي صلى الله عليه وسلم، طاف سبعاً فيكون تفسيراً لمجمل قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} 1 فيكون ذلك هو الطواف المأمور به. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم" فإن ترك شيئاً من السبع ولو قليلاً لم يجزئه، وكذا إن سلك الحجر، أو طاف على جداره، أو شاذروان الكعبة، لأن قوله

_ 1 الحج من الآية/29.

تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} 1 يقتضي الطواف بجميعه والحجر منه لقوله صلى الله عليه وسلم: "الحجر من البيت" متفق عليه. [وجعل البيت عن يساره] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما قدم مكة أتى الحج فاستلمه، ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً رواه مسلم والنسائي. [وكونه ماشياً مع القدرة] فلا يجزئ طواف الراكب لغير عذر، لحديث: الطواف بالبيت صلاة وقد سبق. وعنه: يجزئ وعليه دم. وعنه: يجزئ بغير دم. وهو مذهب الشافعي وابن المنذر. وقال: لا قول لأحد مع فعل النبي صلى الله عليه وسلم، والطواف راجلاً أفضل بغير خلاف، لفعله صلى الله عليه وسلم في غير تلك المرة، ولفعل أصحابه. وحديث أم سلمة يدل على أن الطواف مشي إلا لعذر. ويصح طواف الراكب لعذر بغير خلاف. قاله في الشرح. [والموالاة] لأنه صلى الله عليه وسلم، طاف كذلك، وقد قال: "خذوا عني مناسككم". [فيستأنفه لحدث فيه] قياساً علىالصلاة، فيتوضأ، ويبتدئه، وعنه: يتوضأ ويبني إذا لم يطل الفصل، فيتخرج في الموالاة روايتان. إحداهما هي شرط كالترتيب. والثانية: ليست شرطاً حال العذر، لأن الحسين غشي عليه فحمل، فلما أفاق أتمه. قاله في الكافي. [وكذا لقطع طويل] لغير عذر لإخلاله بالموالاة، ويبني مع العذر. قال الإمام أحمد: إذا أعيا في الطواف فلا بأس أن يستريح.

_ 1 الحج من الآية/29.

[وإن كان يسيراً أو أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة صلى وبنى من الحجر الأسود] لحديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة، فإذا صلىً بنى على طوافه" قال ابن المنذر: لا نعلم أحداً خالف فيه إلا الحسن، فإنه قال: يستأنف. وكذا الجنازة، لأنها تفوت وإن شك في عدد الطواف بنى على اليقين. ذكره ابن المنذر إجماعاً. قاله في الشرح. [وسننه: استلام الركن اليماني في يده اليمنى، وكذا الحجر الأسود وتقبيله] لقول ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في طوافه قال نافع: وكان ابن عمر يفعله رواه أبو داود. وعن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم، استقبل الحجر، ووضع شفتيه عليه يبكي طويلاً، ثم التفت فإذا بعمر بن الخطاب يبكي، فقال: "يا عمر ها هنا تسكب العبرات". رواه ابن ماجه ونقل الأثرم: ويسجد عليه. فعله ابن عمر وابن عباس فإن شق استلمه وقبل يده، لما روى مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، استلمه بيده وقبل يده وعن أبي الطفيل عامر بن وائلة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطوف بالبيت، ويستلم الركن بمحجن معه، ويقبل المحجن رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه. [والاضطباع، والرمل، والمشي في مواضعها] لما تقدم. [والركعتان بعده] والأفضل خلف المقام لقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} 1 وقيل للزهري: إن عطاء يقول: تجزئه المكتوبة

_ 1 البقرة من الآية/ 125.

من ركعتي الطواف، فقال: السنة أفضل لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم، أسبوعاً إلا صلى ركعتين رواه البخاري.

فصل: في شروط السعي

فصل في شروط السعي [وشروط صحة السعي ثمانية: النية، والإسلام، والعقل] لما تقدم. [والموالاة] قياساً على الطواف ولأنه صلى الله عليه وسلم، والى بينه وقال في الكافي: لا تجب، لأنه نسك لا يتعلق بالبيت، فلم يشترط له الموالاة كالرمي. وقد روي أن سودة بنة عبد الله بن عمر تمتعت فقضت طوافها في ثلاثة أيام انتهى. [والمشي مع القدرة] قال في الشرح: ويجزئ السعي راكباً ومحمولاً ولو لغير عذر. وفي الكافي: يسن أن يمشي، فإن ركب جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم، سعى راكباً. [وكونه بعد طواف ولو مسنوناً كطواف القدوم] لأن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما سعى بعد الطواف، وقال: "خذوا عني مناسككم" [وتكميل السبع] يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة، لما في حديث جابر. [واستيعاب ما بين الصفا والمروة] ليتيقن الوصول إليهما في كل شوط. [وإن بدا بالمروة لم يعتد بذلك الشوط] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما دنا من الصفا قرأ: " {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} 1 أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليه" الحديث رواه مسلم. ولفظ النسائي "ابدؤوا بما بدأ الله به".

_ 1 البقرة من الآية/158.

[وسننة: الطهارة وستر العورة] لقوله صلى الله عليه وسلم، لعائشة لما حاضت: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" متفق عليه. وقالت عائشة: إذا طافت المرأة بالبيت، ثم صلت ركعتين، ثم حاضت فلتطف بالصفا والمروة فإن سعى محدثاً أو عرياناً أجزأه في قول أكثر أهل العلم، لكن ستر العورة واجب مطلقاً. [والموالاة بينه وبين الطواف] بأن لا يفرق بينهما طويلاً. وقال عطاء: لا بأس أن يطوف أول النهار ويسعى في آخره. [وسن أن يشرب من ماء زمزم لما أحب ويرش على بدنه وثوبه] لحديث جابر مرفوعاً: "ماء زمزم لما شرب له" رواه أحمد وابن ماجه وعنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا بسجل من ماء زمزم، فشرب منه وتوضأ وعن ابن عباس مرفوعاً: "إن آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من ماء زمزم" رواه ابن ماجه. [ويقول: بسم الله، اللهم اجعله لنا علماً نافعاً ورزقأ واسعاً ورياً وشبعاً وشفاءً من كل داء واغسل به قلبي وأملأه من خشيتك] لحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ماء زمزم لما شرب له، إن شربته تستشفي به شفاك الله، وإن شربته يشبعك أشبعك الله به، وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله، وهي هزمة جبريل، وسقيا إسماعيل" رواه الدارقطني. [وتسن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه، رضوان الله وسلامه عليهما] لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال "من زارني أو زار قبري كنت لة شافعاً أو شهيداً" رواه أبو داود

الطيالسي. وعن ابن عمر مرفوعاً: "من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي" وفي رواية: "من زار قبري وجبت لة شفاعتي" رواه الدارقطني بإسناد ضعيف. [وتستحب الصلاة بمسجده صلى الله عليه وسلم، وهي بألف صلاة، وفي المسجد الحرام بمائة ألف. وفي الاًقصى بخمسمائة] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "صلاة في مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة" رواه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين. وعن أبي الدرداء مرفوعاً: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس، بخمسمائة صلاة" رواه الطبراني في الكبير، وابن خزيمة في صحيحه1.

_ 1 هذه الأحاديث مع ضعفها الشديد الذي بينه الحافظ ابن عبد الهادي في الصارم المنكي فإنها لا تدل على أكثر من مشروعية مطلق زيارة القبر الشريف، وهذا مما لا خلاف فيه، وأما شد الرحال من أجلها فشيء آخر لا تتناوله الأحاديث المذكورة البتة، بل هو منهي عنه بالحديث الصحيح: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.." ناصر الدين.

باب الفوات والإحصار

باب الفوات والإحصار مدخل ... باب الفوات والإحصار [من طلع عليه فجر يوم النحر، ولم يقف بعرفة لعذر حصر أو غيره فاته الحج، وانقلب إحرامه عمرة] لقول جابر: "لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع قال" أبو الزبير: فقلت له: أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك؟ قال: نعم رواه الأثرم. وعن عمر بن الخطاب أنه أمر أبا أيوب، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهبار بن الأسود حين فاتهما الحج، فأتيا يوم النحر أن يحلا بعمرة، ثم يرجعا حلالاً، ثم يحجا عاماً قابلاً، ويهديا، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله رواه مالك في الموطأ والشافعي والأثرم بنحوه، وللبخاري عن عطاء مرفوعاً نحوه، وللدارقطني عن ابن عباس مرفوعاً: "من فاته عرفات فقد فاته الحج، وليتحلل بعمرة، وعليه الحج من قابل". [ولا تجزئ عن عمرة الإسلام] نص عليه، لحديث عمر: وإنما لكل امرئ ما نوى وهذه لم ينوها في ابتداء إحرامه. [فيتحلل بها وعليه دم، والقضاء في العام القابل] لما تقدم. [لكن لو صد عن الوقوف فتحلل قبل فواته فلا قضاء] لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} 1 لكن إن أمكنه فعل الحج في ذلك العام لزمه. نقله الجماعة.

_ 1 البقرة من الآية/ 196.

[ومن حصر عن البيت، ولو بعد الوقوف ذبح هدياً بنية التحلل] للآية، ولحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج معتمراً، فحالت كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه، وحلق رأسه بالحديبية وللبخاري عن المسور أن النبي صلى الله عليه وسلم، نحر قبل أن يحلق، وأمر أصحابه بذلك. [فإن لم يجد صام عشرة أيام بالنية وقد حل] نص عليه، قياساً على التمتع. ولا يحل إلا بعد الصيام، كما لا يحل إلا بعد الهدي. [ومن حصر عن طواف الإفاضة فقط، وقد رمى وحلق، لم يتحلل حتى يطوف] لما روي عن ابن عمر أنه قال: من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت رواه مالك لأنه لا وقت له، فمتى طاف في أي وقت كان تحلل، ولأن الشرع ورد بالتحلل من إحرام تام يحرم جميع المحظورات، وهذا يحرم النساء خاصة فلا يلحق به. [ومن شرط في ابتداء إحرامه: إن محلي حيث حبستني، أو قال: إن مرضت أو عجزت أو ذهبت نفقتي فلي أن أحل، كان له أن يتحلل متى شاء من غير شئ، ولا قضاء عليه] إذا وجد شئ من ذلك، لحديث ضباعة السابق.

باب الأضحية

باب الأضحية مدخل ... باب الأضحية [وهي سنة مؤكدة] هذا عندنا معاشر الحنابلة أنها سنة، - وأما عند الإمام أبي حنيفة فإنها واجبة على ذوي اليسار - لحديث أنس ضحى النبي صلى الله عليه وسلم، بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر متفق عليه. ولا تجب لأنه صلى الله عليه وسلم، ضحى عمن لم يضح من أمته رواه أحمد وأبو داود، والترمذي من حديث جابر. وروي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لايضحيان عن أهلهما مخافة أن يرى ذلك واجباً لكن يكره تركها مع القدرة. نص عليه. [وتجب بالنذر] لحديث: "من نذر أن يطيع الله فليطعه". [وبقوله: هذه أضحية أو لله] لأن ذلك يقتضي الإيجاب، كتعيين الهدي، وبه قال الشافعي. وقال مالك: إذا اشتراها بنية الأضحية وجبت كالهدي بالإشعار. [والأفضل الإبل فالبقر، فالغنم] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنمًا قرب كبشاً أقرن" متفق عليه. [ولا تجزئ من غير هذه الثلاثة] لقوله تعالى: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} 1.

_ 1 الحج من الآية/34.

[وتجزئ الشاة عن الواحد، وعن أهل بيته وعياله] لقول أبي أيوب: كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يضحي بالشاة عنه، وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس، فصار كما ترى رواه ابن ماجه والترمذي وصححه. [وتجزئ البدنة، والبقرة عن سبعة] لحديث جابر السابق. [وأقل ما يجزئ من الضأن ما له نصف سنة] لقول أبي هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "نعم، أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن" رواه أحمد والترمذي. وفي حديث عقبة بن عامر فقلت يا رسول الله، أصابني جذع. قال: "ضح به" متفق عليه ويعرف بنوم الصوف على ظهره. قاله الخرقي. [ومن المعز ما له سنة] لحديث: "لا تذبحوا إلا مسنةً، فإن عز عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن" رواه مسلم وغيره. وعن مجاشع مرفوعاً: "إن الجذع توفي ما توفي منه الثنية" رواه أبو داود وابن ماجه. وهو محمول عن جذع الضأن لما تقدم. [ومن البقر والجاموس ما له سنتان، ومن الإبل ماله خمس سنين] لما سبق. [وتجزئ الجماء والبتراء والخصي والحامل وما خلق بلا أذن، أو ذهب نصف أليته أو أذنه] للعموم. أما إذا كان القطع دون نصف الأذن أجزأ، ونصفاً فقط يجزئ على المقدم، وفوقه لا يجزئ، وهكذا الخرق إذا ذهب منها كالقطع، وأما الشرم فيجزئ ولو جاوز النصف. وعن أبي رافع قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكبشين أملحين موجوءين خصيين رواه أحمد.

[لا بينة المرض، ولا بينة العور: بأن انخسفت عينها، ولا قائمة العينين مع ذهاب أبصارهما ولا عجفاء: وهي الهزيلة التي لا مخ فيها، ولا عرجاء لا تطيق مشياً مع صحيحة] لحديث البراء بن عازب مرفوعاً: "أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البينً عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكسيرة. وفي لفظ - والعجفاء التي لا تنقي" رواه الخمسة، وصححه الترمذي. والعوراء البين عورها: هي التي انخسفت عينها وذهبت، فنص على هذه الأربعة الناقصة اللحم، وقسنا عليها ما في معناها. وفي النهي عن العوراء تنبيه على العمياء، ولأن العمى يمنع مشيها مع رفيقتها ومشاركتها في العلف. [ولا هتماء: وهي التي ذهبت ثناياها من أصلها] لنقصها، ولأنها في معنى العجفاء. [ولا عصماء: وهي ما أنكسر غلاف قرنها] قياساً على العضباء. [ولا خصي مجبوب] وهو ما قطع ذكره وأنثياه. نص عليه. [ولا عضباء: وهي ما ذهب أكثر أذنها أو قرنها] لحديث علي، رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يضحى بأعضب الأذن والقرن قال ابن المسيب: العضب: النصف، فأكثر من ذلك. رواه النسائي. يعني التي ذهب أكثر من نصف أذنها أو قرنها.

_ 1 الحج من الآية/36.

فصل: في نحر الأبل قائمة

فصل في نحر الأبل قائمة [ويسن نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى] لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ ... } 1 أي: قياماً. حكاه البخاري عن

_ 1 الحج من الآية/36.

ابن عباس. وعن ابن عمر أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها، فقال: ابعثها قياماً سنة محمد صلى الله عليه وسلم متفق عليه. [وذبح البقر والغنم على جنبها الأيسر موجهة إلى القبلة] استحبه مالك والشافعي، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} 1 ضحى النبي صلى الله عليه وسلم، بكبشين ذبحهما بيده متفق عليه. [ويسمي حين يحرك يده بالفعل، ويكبر ويقول: اللهم هذا منك ولك] لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، ذبح يوم العيد كبشين - وفيه - ثم قال: "بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك" رواه أبو داود. [وأول وقت الذبح من بعد أسبق صلاة العيد بالبلد] لحديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم النحر: "من كان ذبح قبل الصلاة فليعد" متفق عليه. وللبخاري: "ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين". [أو قدرها لمن لم يصل، فلا تجزئ قبل ذلك] لما تقدم، ولأن غير أهل المصر تعذر في حقهم اعتبار حقيقة الصلاة، فاعتبر قدرها. قاله في الكافي. [ويستمر وقت الذبح نهاراً وليلاً] وبه قال الشافعي، لأن الليل داخل في مدة الذبح، وقال الخرقي: لا يجوز ليلاً، لقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا

_ 1 البقرة من الآية/67.

رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} 1 هو قول مالك. [إلى آخر ثاني أيام التشريق] قال الإمام أحمد: أيام النحر ثلاثة، عن خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: عمر وابنه وابن عباس وأبي هريرة وأنس. ولا مخالف لهم، إلا رواية عن علي، رضي الله عنه، ولأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث متفق عليه. فلا يجوز الذبح في وقت لا يجوز الإدخار فيه. [فإن فات الوقت قضى الواجب] لأنه وجب ذبحه فلم يسقط بفوات وقته، كما لو ذبحها في وقتها ولم يفرقها حتى خرج. [وسقط التطوع] لأنه سنة فات محلها. [وسن له الأكل من هدية التطوع] لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} 1 وأقل أحوال الأمر الاستحباب. وقال جابر: كنا لا نأكل من بدننا فوق ثلاث، فرخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "كلوا وتزودوا". فأكلنا وتزودنا رواه البخاري. والمستحب أكل اليسير، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، أشرك علياً في هديه قال: ثم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر فأكلا منها وشربا حسياً من مرقها رواه أحمد ومسلم. [وأضحيته ولو واجبة] لقول ثوبان ذبح رسول الله صلى الله

_ 1 الحج من الآية/28.

عليه وسلم، أضحيته، ثم قال: يا ثوبان، أصلح لي لحم هذه، فلم أزل أطعمه منه حتى قدم المدينة رواه أحمد ومسلم. [ويجوز من دم المتعة والقران] نص عليه لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تمتعن معه في حجة الوداع، وأدخلت عائشة الحج على العمرة فصارت قارنة، ثم ذبح النبي صلى الله عليه وسلم، عنهن البقر فأكلن من لحومها متفق عليه. [ويجب أن يتصدق بأقل ما يقع عليه اسم اللحم] لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} 1 وظاهر الأمر الوجوب، قاله في الشرح. [ويعتبر تمليك الفقير فلا يكفي إطعامه] كالواجد في كفارة. [والسنة أن يأكل من أضحيته ثلثها، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها] لحديث ابن عباس مرفوعاً في الأضحية قال: "ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث" قال الحافظ، وأبو موسى: هذا حديث حسن، ولقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} والقانع: والسائل، والمعتر: الذي يعترض لك لتعطيه، فذكر ثلاثة، فينبغي أن تقسم بينهم أثلاثاً. وهو قول ابن عمر وابن مسعود، ولم يعرف لهما مخالف من الصحابة. [ويحرم بيع شئ منها حتى من شعرها وجلدها، ولايعطي الجازر بأجرته منها شيئاً] لقول علي: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أقوم على بدنة، وأن أقسم جلالها، ولا أعطي الجازر منها شيئاً، وقال: نحن نعطيه من عندنا. متفق عليه.

_ 1 الحج من الآية/36.

[وله إعطاؤه صدقة أو هدية] لدخوله فى العموم، ولأنه باشرها وتاقت إليها نفسه، ولمفهوم حديث: "لا تعط في جزارتها شيئاً منها" قال أحمد: إسناده جيد. [وإذا دخل العشر حرم على من يضحي أو يضحى عنه أخذ شئ من شعره أو ضفره إلى الذبح] لحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي" رواه مسلم. وفي رواية له: "ولا من بشرته" فإن فعل فلا فدية عليه إجماعاً، بل يستغفر الله تعالى. [ويسن الحلق بعده] قال أحمد: هو على ما فعل ابن عمر تعظيماً لذلك اليوم.

فصل: في العقيقة

فصل في العقيقة [وهي سنة في حق الأب ولو معسراً] لأنه صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين وفعله أصحابه وقال صلى الله عليه وسلم "كل غلام رهينة بعقيقته" رواه الخمسة وصححه الترمذي. وقال أحمد: إذا لم يكن عنده ما يعق فاستقرض رجوت أن يخلف الله عليه، لأنه أحيا سنة، فإن كبر ولم يعق عنه، فقال أحمد: ذلك على الوالد. وقال عطاء: يعق عن نفسه. [فعن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة] لحديث عائشة مرفوعاً: "عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة" رواه أحمد والترمذي وصححه. وهذا قول الأكثر. وكان ابن عمر يقول: شاة شاة لحديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً رواه أبو داود. [ولا تجزئ بدنة وبقرة إلا كاملة] نص عليه، لحديث أنس مرفوعاً: "يعق عنه من الإبل والبقر والغنم" رواه الطبراني. [والسنة ذبحها في سابع يوم ولادته] قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً، لحديث سمرة مرفوعاً: "كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى فيه ويحلق رأسه" رواه الخمسة وصححه الترمذي. [فإن فات ففي أربع عشرة، فإن فات ففي إحدى وعشرين] لحديث

بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال في العقيقة: "تذبح لسبع ولأربع عشرة ولإحدى وعشرين" أخرجه الحسين بن يحيى بن عباس القطان، ويروى عن عائشة نحوه. [ولا تعتبر الأسابيع بعد ذلك] فيعق أي يوم أراد، لأنه قد تحقق سببها. [وكره لطخه من دمها] أنكره سائر أهل العلم، وكرهوه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أهرقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى" رواه أبو داود. وروى أبو داود أيضاً عن بريدة كنا نلطخ رأس الصبي بدم العقيقة، فلما جاء الإسلام كنا نلطخه بزعفران فأما من روى ويدمي فقال أبو داود: وهم همام، إنما الرواية ويسمى مكان يدمي، وكذا قال الإمام أحمد: ما أراه إلا خطأ. [ويسن الأذان في أذن المولود اليمنى حين يولد، والاقامة في اليسرى] لقول أبي رافع رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة بالصلاة رواه أحمد وغيره. وروى ابن السني عن الحسن بن علي مرفوعاً: "من ولد له ولد فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان" يعني القرينة. [وسن أن يحلق رأس الغلام في اليوم السابع، ويتصدق بوزنه فضة ويسمى فيه] لحديث سمرة السابق. وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة لما ولدت الحسن: "احلقي رأسه وتصدقي بوزن شعره فضةً على المساكين" رواه أحمد. [وأحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن] للحديث رواه مسلم.

[وتحرم التسمية بعبد غير الله كعبد النبي، وعبد المسيح] قال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزى، وعبد هبل، وعبد عمر عبد الكعبة، حاشا عبد المطلب. قاله في الفروع. [وتكره بحرب ويسار ومبارك ومفلح وخير وسرور] ونحوها قال القاضي: وكل اسم فيه تفخيم أو تعظيم، لحديث سمرة مرفوعاً: "لا تسم غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح، فإنك تقول: أثم هو فلا يكون، فيقول لا" رواه مسلم. ولأنه ربما كان طريقاً إلى التشاؤم. [ولا بأس بأسماء الملائكة والأنبياء] لحديث وهب الجشمي مرفوعاً "تسموا بأسماء الأنبياء" الحديث رواه أحمد. وقال ابن القاسم عن مالك: سمعت أهل مكة يقولون: ما من أهل بيت فيهم اسم محمد إلا رزقوا ورزق خيراً. [إن اتفق وقت عقيقة وأضحية أجزأت إحداهما عن الأخرى] كما لو اتفق يوم عيد، ويوم جمعة، فاغتسل لأحدهما، وكذا ذبح متمتع، أو قارن يوم النحر شاة فتجزئ عن الهدي الواجب، والأضحية. ويستحب أن يفصلها عظاماً ولا يكسر عظامها تفاؤلاً بسلامة أعضائه. وفى حديث عائشة: "تطبخ جدولاً1 ولا يكسر لها عظم" ويأكل ويطعم ويتصدق، ولا تسن الفرعة: ذبح أول ولد الناقة، ولا العتيرة: ذبيحة رجب. قال في الشرح: هذا قول علماء الأمصار سوى ابن سيرين، فإنه كان يذبح العتيرة، ويروي فيها شيئاً، ولنا حديث أبي هريرة

_ 1 الحدل والجدل: كل عظم موفر لا يكسر ولا يخلط به غيره، والجدل: العضو، وجمعه: جدول.

مرفوعاً: "لا فرع ولا عتيرة" متفق عليه. ولا يحرمان، ولا يكرهان، والمراد بالخير: نفي، كونهما سنة لا النهي، لحديث عمرو بن الحارث أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع، قال: فقال رجل: يا رسول الله، الفرائًع والعتائر؟ قال: "من شاء فرع ومن شاء لم يفرع، ومن شاء عتر ومن شاء لم يعتر في الغنم الأضحية" رواه أحمد والنسائي.

كتاب الجهاد

كتاب الجهاد مدخل مدخل ... كتاب الجهاد [وهو فرض كفاية] لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ... } 1 وقوله: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... } 2 مع قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ... } 3 قال ابن عباس: إنها ناسخة لقوله: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} 4 رواه أبو داود. فإذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وإلا أثموا كلهم. [ويسن مع قيام من يكفي به] للآيات والأحاديث، منها حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها" متفق عليه. وعن أبي عبس الحارثي مرفوعاً: "من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار" رواه أحمد والبخاري. وعن ابن أبي أوفى مرفوعا: "إن الجنة تحت ظلال السيوف" رواه أحمد والبخاري. [ولا يجب إلا على ذكر] لحديث عائشة قلت: يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟ قال: "جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة" وفي لفظ "لكن أفضل الجهاد حج مبرور" رواه أحمد والبخاري.

_ 1 البقرة من الآية/216. 2 البقرة من الآية/190. 3 التوبة من الآية/123. 4 التوبة من الآية/42.

[مسلم مكلف] كسائر العبادات، وعن ابن عمر قال: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني أي: في المقاتلة. متفق عليه. وفي لفظ وعرضت عليه يوم الخندق فأجازني. [الصحيح] أي: سليم من العمى والعرج والمرض، لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ... } 1 وقوله: { ... غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ... } 2 وقوله: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} 3 الآية. [واجد من المال ما يكفيه ويكفي أهله في غيبته] للآية. [ويجد مع مسافة قصر ما يحمله] لقوله تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} 4 ولا يجب على العبد، لأنه لا يجد ما ينفق، فيدخل فى عموم الآية. ويتعين إذا تقابل الصفان، وإذا نزل العدو ببلدة، لقوله تعالي: { ... إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} الآية5 وقوله: { ... فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ... } الآية 6 وقوله:

_ 1 النور من الآية/61. والفتح من الآية/ 17. 2 النساء من الآية/ 94. 3 التوبة من الآية/ 91. 4 التوبة من الآية/ 92. 5 الأنفال من الآية/ 45. 6 الأنفال من الآية/15.

{قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ} 1 وإذا استنفرهم الإمام، لقوله تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} 2 وقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا استنفرتم فانفروا" متفق عليه. [وسن تشيع الغازي لا تلقيه] نص عليه لأن علياً، رضي الله عنه، شيع النبي صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك ولم يتلقه احتج به أحمد. وعن سهل بن معاذ عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "لأن أشيع غازياً، فأكفيه3 في رحلة غدوة أو روحة أحب إلي من الدنيا وما فيها" رواه أحمد وابن ماجه. وعن أبي بكر الصديق أنه شيع يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام ... الخبر. وفيه: "إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله" وشيع الإمام أحمد أبا الحارث ونعلاه في يده. ذهب إلى فعل أبي بكر أراد أن تغبر قدماه في سبيل الله وشيع النبي صلى الله عليه وسلم النفر الذين وجههم إلى كعب ابن الأشرف إلى بقيع الغرقد4 رواه أحمد. وفي التلقي وجه كالحاج، لحديث السائب بن يزيد قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غزوة تبوك خرج الناس يتلقونه من ثنية الوداع. قال السائب: فخرجت مع الناس وأنا غلام رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وللبخاري نحوه. [وأفضل متطوع به الجهاد] لما تقدم. وعن أبي سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: "مؤمن يجاهد في سبيل

_ 1 التوبة من الآية/ 124. 2 التوبة من الآية/ 38. 3 في الأصل [فأكنفه على] وما أثبتناه هو الصحيح. 4 الغرقد: شجر عظام، هو من العضاه، واحدته غرقدة، ومنه قيل لمقبرة أهل المدينة بقيع الغرقد، لأنه كان فيه غرقد وقطع.

الله بنفسه وماله" متفق عليه. وذكر للإمام أحمد أمر الغزو، فجعل يبكي ويقول: ما من أعمال البر أفضل منه، ولأن نفعه عظيم وخطره كبير، فكان أفضل مما دونه. [وغزو البحر أفضل] لأنه أعظم خطراً، ولحديث أم حرام مرفوعاً: "المائد في البحر - أي الذي يصيبه القئ - له أجر شهيد، والغرق له أجر شهيدين" رواه أبو داود. وعن أبي أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "شهيد البحر مثل شهيدي البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر، وما بين الموجتين كًقاطع الدنيا في طاعة الله وإن الله وكل ملك الموت بقًبض الأرواح، إلا شهيد البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم، ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين، ويغفر لشهيد البحر الذنوب والدين" رواه ابن ماجه. [وتكفر الشهادة جميع الذنوب سوى الدين] لحديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين" رواه مسلم. قال الشيخ تقى الدين: وغير مظالم العباد: كقتل، وظلم، وزكاة، وحج أخرهما. [ولا يتطوع به مدين لا وفاء له إلا بإذن غريمه] لحديث أبي قتادة وفيه "أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر، إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك" رواه أحمد ومسلم. [ولا من أحد أبويه حر مسلم إلا بإذنه] لقول ابن مسعود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة

على وقتها". قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين". قلت: ثم أي؟ قال "الجهاد في سبيل الله" متفق عليه. وعن ابن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد، فقال: "أحي والداك؟ " قال: نعم. قال: "ففيهما فجاهد" رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه. [ويسن الرباط: وهو لزوم الثغر للجهاد] سمي بذلك لأن هؤلاء يربطون خيولهم، وهؤلاء كذلك، لحديث سلمان مرفوعاً: "رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر، وقيامه، فإن مات أجري عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري علًيه رزقه، وأمن الفًتان" 1 رواه مسلم. [وأقله ساعة] قال الإمام أحمد: يوم رباط، وليلة رباط، وساعة رباط. [وتمامه أربعون يوماً] يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تمام الرباط أربعون يوماً" أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب. ويروى ذلك عن ابن عمر، وأبي هريرة. [وهو أفضل من المقام بمكة] ذكره الشيخ تقي الدين إجماعاً. والصلاة بالمساجد الثلاثة أفضل من الصلاة بالثغر. قال الإمام أحمد: فأما فضل الصلاة فهذا شئ خاصة لهذه المساجد. [وأفضله ما كان أشد خوفاً] قال الإمام أحمد: أفضل الرباط أشدهم كلباً، ولأن المقام به أنفع، وأهله أحوج. [ولا يجوز للمسلمين الفرار من مثليهم ولو واحداً من اثنين] لقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى

_ 1 الفتان: بالفتح هو الشيطان، لأنه يفتن الناس عن دينهم. كذا في النهاية. ويطلق على غيره.

فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ... } الآية 1 وعد النبي صلى الله عليه وسلم، الفرار من الزحف من الكبائر والتحرف للقتال: هو أن ينصرف من ضيق إلى سعة، أو من سفل إلى علو، أو من استقبال ريح أو شمس إلى استدبارهما، ونحو ذلك. والتحيز إلى فئة: ينضم إليها ليقاتل معها سواء قربت أو بعدت، لحديث ابن عمر، وفيه: فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل صلاة الفجر قمنا فقلنا له: نحن الفرارون؟ فقال: "لا بل أنتم العكارون2. أنا فئة كل مسلم" رواه الترمذي. وعن عمر قال: أنا فئة كل مسلم وقال لو أن أبا عبيدة تحيز إلي لكنت له فئة، وكان أبو عبيدة بالعراق رواه سعيد. [فإن زادوا على مثليهم جاز] لمفهوم قوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} 3 وقال ابن عباس: من فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر يعني: فراراً محرماً. [والهجرة واجبة على كل من عجز عن إظهار دينه بمحل يغلب فيه حكم الكفر، والبدع المضلة] بحيث يمنع من فعل الواجبات، لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب، وكذا إن خاف الإكراه على الكفر، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ

_ 1 الأنفال من الآية/ 16. 2 قيل: هو الذين يعطفون إلى الحرب، وقيس: إذا حاد الإنسان عن الحرب ثم عاد إليها، قال في القاموس: الكرار العطاف. 3 الأنفال من الآية/ 66.

تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} 1 وعنه صلى الله عليه وسلم: "أنا برئ من مسلم بين ظهري مشركين لا تراءى نارهما" رواه أبو داود والترمذي. وعن معاوية وغيره مرفوعاً: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها" رواه أبو داود. وأما حديث "لا هجرة بعد الفتح" أي: من مكة. ومثلها كل بلد فتح لأنه لم يبق بلد كفر. [فإن قدرعلى إظهار دينه فمسنون] أي استحب له الهجرة ليتمكن من الجهاد وتكثير عدد المسلمين. قاله في الشرح.

_ 1 النساء من الآية/ 96.

فصل: في حكم الأسارى

فصل في حكم الأسارى [والأسارى من الكفارعلى قسمين: قسم يكون رقيقاً بمجرد السبي: وهم النساء والصبيان] لأنهم مال لا ضرر في اقتنائه فأشبهوا البهائم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان رواه الجماعة إلا النسائي. ولحديث سبي هوازن رواه أحمد والبخاري. وحديث عائشة في سبايا بني المصطلق رواه أحمد. [وقسم لا: وهم الرجال البالغون المقاتلون. والإمام فيهم مخير بين قتل، ورق، ومن، وفداء بمال، أو بأسير مسلم] لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 2 قتل النبي صلى الله عليه وسلم، رجال بني قريظة وهم بين الست مائة والسبع مائة وقتل يوم بدر النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط صبراً وقتل يوم أحد أبا عزة الجمحي

_ 2 التوبة من الآية/ 6.

وأما الرق فلأنه يجوز إقرارهم بالجزية فبالرق أولى، لأنه أبلغ في صغارهم. وأما المن فلقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} الآية1 ولأنه صلى الله عليه وسلم، من على ثمامة بن أثال، وعلى أبي عزة الشاعر، وعلى أبي العاص بن الربيع وأما الفداء فلأنه صلى الله عليه وسلم، فدى رجلين من أصحابه برجل من المشركين من بني عقيل رواه أحمد والترمذي وصححه. وفدى أهل بدر بمال رواه أبو داود. [ويجب عليه فعل الأصلح] فمتى رأى المصلحة للمسلمين في إحدى الخصال تعينت عليه، لأنه ناظر للمسلمين، وتخييره تخيير اجتهاد لا شهوة. [ولا يصح بيع مسترق منهم لكافر] نص عيله، لما روي أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كتب إلى أمراء الأمصار ينهاهم عنه ولأن في بقائهم رقيقاً للمسلمين تعريضاً لهم بالإسلام. [ويحكم بإسلام من لم يبلغ من أولاد الكفار عند وجود أحد ثلاثة أسباب: أحدها: أن يسلم أحد أبويه خاصة] لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} 2 [الثاني: أن يعدم أحدهما بدارنا] لمفهوم حديث: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه" رواه مسلم. وقد انقطعت تبعيته لأبويه بانقطاعه عن أحدهما وإخراجه من دارهما إلى دار الإسلام.

_ 1 محمد من الآية/ 4. 2 الطور من الآية/ 21.

[الثالث: أن يسبيه مسلم منفرداً عن أحد أبويه] قال في الشرح: والسبي من الأطفال منفرداً يصير مسلماً إجماعاً. [فإن سباه ذمي فعلى دينه] قياساً على المسلم. [أوسبي مع أبويه فعلى دينهما] للحديث السابق.

[وأما نفقته ورحله وخيمته وجنيبه فغنيمة] لأن السلب ما عليه حال قتله، أو ما يستعان به في القتال. [وتقسم الغنيمة بين الغانمين، فيعطى لهم أربعة أخماسها] إجماعاً. قاله في الشرح لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ... } 1 ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، قسم الغنائم كذلك. [للراجل سهم، وللغازي على فرس هجين سهمان، وعلى فرس عربي ثلاثة] قال ابن المنذر: للراجل سهم، وللفارس ثلاثة. هذا قول عوام أهل العلم في القديم، والحديث. وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم سهمان لفرسه وسهم له متفق عليه. وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، أعطى الفارس ثلاثة أسهم، وأعطى الراجل سهماً رواه الأ ثرم. والهجين: الذي أبوه عربي وأمه برذونة، يكون له سهم. وبه قال الحسن، لحديث أبي الأقمر قال: أغارت الخيل على الشام، فأدركت العراب من يومها، وأدركت الكودان ضحى الغد، وعلى الخيل رجل من همدان يقال له: المنذر بن أبي حميضة، فقال: لا أجعل التى أدركت من يومها مثل التي لم تدرك، ففصل الخيل، فقال عمر: هبلت2 الوادعي أمه، أمضوها على ما قال رواه سعيد. وعن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم، أعطى الفرس العربي سهمين، وأعطى الهجين سهماً أخرجه سعيد. ولا يسهم لأكثر من فرسين، لما روى الأوزاعي أن

_ 1 الأنفال من الآية/ 41. 2 هبلت كفرحت: ثكلت.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يسهم للخيل، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين، وإن كان معه عشرة أفراس وعن أزهر بن عبيد الله أن عمر كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح أن أسهم للفرس سهمين وللفرسين أربعة أسهم، ولصاحبهما سهماً، فذلك خمسة أسهم رواه سعيد. وروى الدارقطني عن بشير بن عمرو بن محصن قال أسهم لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لفرسي أربعة أسهم، ولي سهماً، فأخذت خمسة أسهم. [ولا يسهم لغير الخيل] لأنه لم يقل عنه صلى الله عليه وسلم، أنه أسهم لغير الخيل وكان معه يوم بدر سبعون بعيراً، ولم تخل غزوة من غزواته من الإبل، بل هما غالب دوابهم، ولو أسهم لها لنقل، وكذا أصحابه من بعده. وعنه فيمن غزا على بعير لا يقدر على غيره: قسم له ولبعيره سهمان، لقوله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} 1. [ولا يسهم إلا لمن فيه أربعة شروط: البلوغ، والعقل، والحرية، والذكورة، فإن اختل شرط رضخ لهم، ولم يسهم] أما المجنون فلا سهم له وإن قاتل، لأنه من غيرأهل القتال وضرره أكثر من نفعه. وأما الصبي، فلقول سعيد بن المسيب. كان الصبيان والعبيد يحذون من الغنيمة إذا حضروا الغزو في صدر هذه الأمة. وقال تميم بن فرع المهري كنت في الجيش الذين فتحوا الإسكندرية في المرة الآخرة، فلم يقسم لي عمرو شيئاً، وقال: غلام لم يحتلم. فسألوا أبا بصرة الغفاري، وعقبة بن عامر، فقالا: انظروا فإن كان قد أشعر فأقسموا له، فنظر إلي بعض

_ 1 الحشر من الآية/ 6.

القوم فإذا أنا قد أنبت، فقسم لي قال الجوزجاني: هذا من مشاهير حديث مصر وجيده. وأما العبد فلما تقدم، وعن عمير مولى آبي اللحم قال: شهدت [خيبراً] 1 مع سادتي، فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر أنى مملوك، فأمر لي من خرثي المتاع رواه أبو داود. وعنه: يسهم له إذا قاتل. روي عن الحسن والنخعي، لحديث الأسود بن يزيد أسهم لهم يوم القادسية يعني العبيد. وأما النساء، فلحديث ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يغزو بالنساء فيداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة، فأما بسهم فلم يضرب لهن رواه أحمد ومسلم. وعنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي المرأة والمملوك من الغنائم دون ما يصيب الجيش رواه أحمد. وحمل حديث حشرج بن زياد عن جدته أن النبي صلى الله عليه وسلم، أسهم لهن يوم خيبر رواه أحمد وأبو داود. وخبر أسهم أبو موسى يوم غزوة تستر لنسوة معه2 على الرضخ3. [ويقسم الخمس الباقي خمسة أسهم] لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآية4.

_ 1 الأصل "حنيناً" والتصويب من سنن أبي داود 3/100 ومسند أحمد، وسنن الترمذي، وابن ماجة، والبيهقي. وقال أبو داود: معناه أنه لم يسهم له.. وفي القاموس: الخرثي بالضم أثاث البيت، أو أرادا المتاع. 2 تستر: مدينة من بلاد عربستان في إيران. 3 الرضخ: العطاء القليل. 4 الأنفال من الآية/ 41.

[سهم لله ولرسوله يصرف مصرف الفئ] في مصالح المسلمين، لحديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم، تناول بيده وبرة من بعير، ثم قال: "والذي نفسي بيده مالي مما أفاء الله إلا الخمس، والخمس مردود عليكم" وعن عمرو بن عبسة، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: نحوه. رواهما أحمد وأبو داود. فجعله لجميع المسلمين، ولا يمكن صرفه إلى جميعهم إلا بصرفه في مصالحهم الأهم فالأهم، وقيل: للخليفة بعده، لحديث: "إذا أطعم الله نبياً طعمةً، ثم قبضه فهو للذي يقوم بها من بعده" رواه أبو بكر عنه، وقال: "قد رأيت أن أرده على المسلمين" فاتفق هو وعمر وعلي والصحابة على وضعه في الخيل والعدة في سبيل الله. قاله في الشرح. [وسهم لذي القربى وهم: بنو هاشم وبنو المطلب حيث كانوا، للذكر مثل حظ الأنثيين] لحديث جبير بن مطعم قال: لما كان يوم خيبر قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، سهم ذوي القربى بين بني هاشم، وبني المطلب، فأتيت أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول الله: أما بنو هاشم فلا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم، فما بال إخواننا من بني المطلب أعطيتهم، وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة؟ فقال: إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام، وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد، وشبك بين أصابعه رواه أحمد والبخاري. ولأنهم يستحقونه بالقرابة أشبه الميراث. ويعطى الغني والفقير، والذكر والأنثى، لعموم الآية. وكان صلى الله عليه وسلم، يعطي منه العباس، وهو غني ويعطي صفية. [وسهم لفقراء اليتامى] للآية.

[وهم من لا أب له ولم يبلغ] لحديث: "لا يتم بعد احتلام" واعتبر فقرهم، لأن الصرف إليهم لحاجتهم. [وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل] فيعطون كما يعطون من الزكاة، للآية.

فصل: في احكام الفيء

فصل في احكام الفيء [والفيء: هو ما أخذ مال الكفار بحق] فأما ما أخذ من كافر ظلماً كمال المستأمن، فليس بفيء. [من غير قتال] وما أخذ بقتال غنيمة. [كالجزية والخراج وعشر التجارة من الحربي، ونصف العشر من الذمي، وما تركوه فزعاً، أوعن ميت ولا وراث له] منهم، وأطلقه بعضهم. [ومصرفه في مصالح المسلمين] لعموم نفعها، ودعاء الحاجة إلى تحصيلها. قال عمر رضي الله عنه: ما من أحد من المسلمين إلا له في هذا المال نصيب، إلا العبيد فليس لهم فيه شئ وقرأ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} (الحشر: من الآية7) [الآية حتى بلغ] {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} 1. فقال: هذه استوعبت المسلمين ولئن عشت ليأتين الراعي بسرو2

_ 1 الحشر من الآية/ 6 إلى الآية/10. 2 قال في النهاية: السرو ما انحدر من الجبل، وارتفع عن الوادي في الأصل. والسرو أيضاً محلة حمير وهي صنعاء.

حمير نصيبه منها لم يعرق فيها جبينه وقال أحمد: الفيء فيه حق لكل المسلمين، وهو بين الغني والفقير. [ويبدأ بالأهم فالأهم من سد ثغر وكفاية أهله] لأن أهم الأمور حفظ بلاد المسلمين وأمنهم من عدوهم. [وحاجة من يدفع عن المسلمين، وعمارة القناطر، ورزق القضاة، والفقهاء وغير ذلك] كعمارة المساجد، وأرزاق الأئمة، والمؤذنين، وغيرها مما يعود نفعه على المسلمين. [فإن فضل شئ قسم بين أحرار المسلمين غنيهم وفقيرهم] لما تقدم. [وبيت المال ملك للمسلمين] لأنه لمصالحهم. [ويضمنه متلفه] كغيره من التلفات. [ويحرم الأخذ منه بلا إذن الإمام] لأنه افتئات عليه فيما هو مفوض إليه.

باب عقد الذمة

باب عقد الذمة مدخل ... باب عقد الذمة عقد الذمة جائز لأهل الكتاب ومن تدين بدينهم على أن تجرى بيسر عليهم أحكام المسلمين. [لا تعقد إلا لأهل الكتاب] وهم: اليهود والنصارى، ومن تدين بدينهم كالسامرة يتدينون بشريعة موسى، ويخالفون اليهود في فروع دينهم. وكالفرنج: وهم الروم، ويقال لهم بنو الأصفر والأشبه أنها لفظة مولدة نسبة إلى فرنجة: بفتح أوله وسكون ثالثه: هي جزيرة من جزائر البحر، النسبة إليها: فرنجي، فروع.1 والصابئين، والروم، والأرمن وغيرهم ممن انتسب إلى شريعة موسى. والأصل في ذلك قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} 2 وقوله المغيرة يوم نهاوند: أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية رواه البخاري. وفي حديث بريدة: "ادعهم إلى أحد خصال ثلاث: ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فادعهم

_ 1 الصواب: أن الفرنج هم قبيلة [frangs] من الجرمان أقامت في فرنسا، وأطلق المسلمون هذا الاسم على جميع النصارى الذين غزوا بلادنا في الحروب الصليبة من سنة 489 إلى سنة 669 هجرية حيث أخزاهم الله ورد كيدهم في نحرهم. 2 التوبة من الآية/ 29.

إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم" رواه مسلم. [أو لمن لهم شبهة كتاب كالمجوس] لأنه يروى أنه كان لهم كتاب فرفع، فذلك شبهة أوجبت حقن دمائهم بأخذ الجزية منهم. وعن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" رواه الشافعي ولأنه صلى الله عليه وسلم، أخذ الجزية من مجوس هجر رواه البخاري وغيره. ولا يجوز عقدها إلا من الإمام أو نائبه، قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً، ولأنه عقد مؤبد، فعقده من غير الإمام افتئات عليه. [ويجب على الإمام عقدها] لعموم ما سبق. [حيث أمن مكرهم] فإن خاف غائلتهم إذا تمكنوا بدار الإسلام فلا، لحديث "لا ضرر ولا ضرار". [والتزموا لنا بأربعة أحكام. أحدها: أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون] في كل حول، للآية. [الثاني: أن لا يذكروا دين الإسلام إلا بالخير] لما روي أنه قيل لابن عمر: إن راهباً يشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لو سمعته لقتلته، إنا لم نعط الأمان على هذا. [الثالث: أًن لا يفعلوا ما فيه ضرر على المسلمين] لحديث "لا ضرر ولا ضرار". [الرابع: أن تجري عليهم أحكام الإسلام] في حقوق الآدميين في العقود، والمعاملات، وأروش الجنايات، وقيم المتلفات، لقوله تعالى:

{وَهُمْ صَاغِرُونَ} 1 قيل، الصغار: جريان أحكام المسلمين عليهم. [في نفس، ومال، وعرض، وإقامة حد فيما يحرمونه كالزنى، لا فيما يحلونه كالخمر] لحديث أنس أن يهودياً قتل جارية على أوضاح لها، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه. وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، أتي بيهوديين قد فجرا بعد إحصانهما فرجمهما وقيس الباقي. ولأنهم التزموا أحكام الإسلام، وهذه أحكامه. ويقرون على ما يعتقدون حله كخمر، ونكاح ذات محرم، لكن يمنعون من إظهاره لتأذي المسلمين، لأنهم يقرون على كفرهم وهو أعظم جرماً. [ولا تؤخذ الجزية من امراة، وخنثى، وصبي، ومجنون] قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً، لقوله صلى الله عليه وسلم، لمعاذ: "خذ من كل حالم ديناراً أو عدله معافري" رواه الشافعي في مسنده. وروى أسلم أن عمر، رضي الله عنه، كتب إلى أمراء الأجناد لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان، ولا تضربرها إلا على من جرت عليه المواسي أي من نبتت عانته، لأن المواسي إنما تجري على من أنبت: أراد من بلغ الحلم من الكفار، رواه سعيد. والخنثى: لا يعلم كونه رجلاً فلا تجب عليه مع الشك، والمجنون فما معنى الصبي فقيس عليه. [وقن] لما روي عن عمر أنه قال: لا جزية على مملوك. [وزمن، وأعمى، وشيخ فان، وراهب بصومعته] لأن دماءهم محقونة أشبهوا النساء والصبيان.

_ 1 التوبة من الآية/30.

[ومن أسلم منهم بعد الحول سقطت عنه الجزية] نص عليه، لحديث ابن عباس مرفوعاً: "ليس على المسلم جزية" رواه أحمد وأبو داود. وقال أحمد: قد روي عن عمر أنه قال: إن أخذها في كفه ثم أسلم ردها وروى أبوعبيد: أن يهودياً أسلم، فطولب بالجزية وقيل: إنما أسلمت تعوذاً. قال إن في الإسلام معاذاً فرفع إلى عمر، فقال عمر: إن في الإسلام معاذاً، وكتب أن لا تؤخذ منه الجزية وفي قدر الجزية ثلاث روايات: إحداهن يرجع إلى ما فرضه عمر على الموسر: ثمانية وأربعون درهماً، وعلى المتوسط: أربعة وعشرون، وعلى الفقير المعتمل: اثنا عشر. فرضها عمر كذلك بمحضر من الصحابة، وتابعه سائر الخلفاء بعده، فصار إجماعاً وقال ابن أبي نجيح: قلت لمجاهد ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال: جعل ذلك من قبل اليسار رواه البخاري. والثانية يرجع فيه إلى اجتهاد الإمام في الزيادة والنقصان. والثالثة: تجوز الزيادة لا النقصان لأن عمر زاد على ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقص ويجوز أن يشرط عليهم مع الجزية ضيافة من يمر بهم من المسلمين، لما روى الأحنف بن قيس أن عمر شرط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة، وأن يصلحوا القناطر وإن قتل رجل من المسلمين بأرضهم فعليهم ديته رواه أحمد. وروى أسلم أن أهل الجزية من أهل الشام أتوا عمر، رضى الله عنه، فقالوا: إن المسلمين إذا مروا بنا كلفونا ذبح الغنم والدجاج في ضيافتهم. فقال: أطعموهم مما تأكلون، ولا تزيدوهم على ذلك.

فصل: في احكام اهل الذمة

فصل في احكام اهل الذمة [ويحرم قتال أهل الذمة، وأخذ مالهم، ويجب على الإمام حفظهم، ومنع من يؤذيهم] لأنهم إنما بذلوا الجزية لحفظهم، وحفظ أموالهم. روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا. [ويمنعون من ركوب الخيل، وحمل السلاح، ومن إحداث الكنائس، ومن بناء ما انهدم منها، ومن إظهار المنكر، والعيد، والصليب، وضرب الناقوس، ومن الجهر بكتابهم، ومن الاكل والشرب نهار رمضان، ومن شرب الخمر، وأكل الخنزير] لما روى إسماعيل بن عياش عن غير واحد من أهل العلم قالوا: كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن غنم: إنا شرطنا على أنفسنا أن لا نتشبه بالمسلمين في لبس قلنسوة، ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا في مراكبهم، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نتكنى بكناهم، وأن نجز مقادم رؤوسنا، ولا نفرق نواصينا، ونشد الزنانير في أوساطنا، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا نركب السروج، ولا نتخذ شيئاً من السلاح، ولا نحمل، ولا نتقلد السيوف، وأن نوقر المسلمين في مجالسهم، ونرشد الطريق، ونقوم لهم عن المجالس إذا أرادوا المجالس، ولا نطلع عليهم في منازلهم، وأن لا نضرب ناقوساً إلا ضرباً خفيفاً في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها صليباً، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة، ولا القراءة في الصلاة فيما يحضره المسلمون،

وأن لا نخرج صليباً، ولا كتاباً في سوق المسلمين، وأن لا نخرج باعوثاً1، ولا شعانين، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق المسلمين، وأن لا نجاورهم بالجنائز، ولا نظهر شركاً، ولا نرغب في ديننا، ولا ندعو إليه أحداً، وأن لا نحدث في مدينتنا كنيسة، ولا فيما حولها ديراً، ولا قلاية، ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب من كنائسنا، ولا ما كان منها في خطط المسلمين، وفي آخره: فإن نحن غيرنا، أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا، وقبلنا الأمان عليه فلا ذمة لنا، وقد حل لك منا ما يحل من أهل المعاندة، والشقاق رواه الخلال بإسناده، وذكر في آخره فكتب بذلك عبد الرحمن بن غنم إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فكتب إليه عمر أن أمض لهم ما سألوا وعن ابن عباس: أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة، ولا أن يضربوا فيه ناقوساً، ولا يشربوا فيه خمراً ولا يتخذوا فيه خنزيراً رواه أحمد، واحتج به. وأمر عمر، رضي الله عنه، بجز نواصي أهل الذمة، وأن يشدوا المناطق، وأن يركبوا الأكف بالعرض رواه الخلال. وقيس عليه إظهار المنكر، وإظهار الأكل في نهار رمضان، لأنه يؤذينا. [ويمنعون من قراءة القرآن، وشراء المصحف، وكتب الفقه والحديث] لأنه يتضمن ابتذال ذلك بأيديهم، فإن فعلوا لم يصح. [ومن تعلية البناء على المسلمين] لقولهم في شروطهم: ولا نطلع

_ 1 الباعوث للنصارى كالاستسقاء للمسلمين وهو اسم سرياني والشعانين عيد عندهم.

عليهم في منازلهم، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يعلو ولا يعلى". [ويلزمهم التميز عنا بلبسهم] لما تقدم. [ويكره لنا التشبه بهم] لحديث: "من تشبه بقوم فهو منهم" وحديث: "ليس منا من تشبه بغيرنا". [ويحرم القيام لهم، وتصديرهم في المجالس] لأنه تعظيم لهم كبداءتهم السلام. [وبداءتهم بالسلام، بكيف أصبحت أو أمسيت؟ أو كيف أنت، أوحالك؟ وتحرم تهنئتهم، وتعزيتهم، وعيادتهم] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقها" رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي. وما عدا السلام مما ذكر في معناه فقبس عليه. وعنه: تجوز عيادتهم لمصلحة راجحة كرجاء الإسلام. اختاره الشيخ تقي الدين، والآجري، وصوبه في الإنصاف، لأنه صلى الله عليه وسلم عاد صبياً كان يخدمه، وعرض عليه الإسلام فأسلم وعاد أبا طالب، وعرض عليه الإسلام فلم يسلم. [ومن سلم على ذمي، ثم علمه سن قوله: رد علي سلامي] لأن ابن عمر مر على رجل فسلم عليه، فقيل له إنه كافر فقال: رد على ما سلمت عليك، فرد عليه، فقال: أكثر الله مالك وولدك، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أكثر للجزية. [وإن سلم الذمي لزم رده، فيقال: وعليكم] لحديث أبي بصرة قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا غادون فلا تبدؤوهم بالسلام، فإن سلموا عليكم فقولوا: وعليكم" وعن أنس قال: "نهينا، أو أمرنا أن لا نزيد أهل الذمة على: وعليكم" رواه أحمد. [وإن شمت كافر مسلماً أجابه] يهديك الله. وكذا إن عطس الذمي، لحديث أبي موسى أن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم، رجاء أن يقول لهم: يرحمكم الله. فكان يقول لهم: "يهديكم الله ويصلح بالكم" رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه. [وتكره مصافحته] نص عليه، لأنها شعار المسلمين.

_ 1 التوبة من الآية/30.

النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لو سمعته لقتلته، إنا لم نعط الأمان على هذا. [أو تعدى على مسلم بقتل، أو فتنة عن دينه انتقض عهده] لأنه ضرر يعم المسلمين، أشبه ما لو قاتلهم، ومثل ذلك إن تجسس، أو آوى جاسوساً. [ويخير الإمام فيه كالأسير] الحربي بين رق وقتل ومن وفداء، لأنه كافر لا أمان له، قدرنا عليه فى دارنا بغير عقد ولا عهد. [وماله فيء] في الأصح. قاله في الإنصاف. [ولا ينقض عهد نسائه وأولاده] نص عليه، لوجود النقض منه دونهم، فاختص حكمه به. [فإن أسلم حرم قتله، ولو كان سب النبي صلى الله عليه وسلم] لعموم حديث "الإسلام يجب ما قبله" وقياساً على الحربي إذا سبه صلى الله عليه وسلم، ثم تاب بإسلام قبلت توبته إجماعاً. قال في الفروع: وذكر ابن أبي موسى: أن ساب الرسول يقتل ولو أسلم. اقتصر عليه في المستوعب، وذكره ابن البنا في الخصال. قال الشيخ تقي الدين: وهو الصحيح من المذهب.

كتاب البيع

كتاب البيع مدخل مدخل ... كتاب البيع وهو جائز بالكتاب، والسنة، والإجماع، لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} 1 وحديث "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" متفق عليه. [وينعقد لا هزلاً] أما الهزل بلا قصد لحقيقته فلا ينعقد به لعدم الرضى، وكذا التلجئة، لحديث "وإنما لكل امرئ ما نوى". [بالقول الدال على البيع والشراء] وهو الإيجاب، والقبول، فيقول البائع: بعتك، أو ملكتك ونحو ذلك، ثم يقول المشتري: ابتعت، أو قبلت أو اشتريت ونحوها. [وبالمعاطاة كأعطني بهذا خبزاً، فيعطيه ما يرضيه] لأن الشرع ورد بالبيع، وعلق عليه أحكاماً، ولم يبين كيفيته فيجب الرجوع فيه إلى العرف، والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه استعمال الإيجاب والقبول، ولو اشترط ذلك لبينه بياناً عاماً، وكذلك في الهبة والهدية والصدقة، فإنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه استعمال ذلك فيها. قاله في الشرح. [وشروطه سبعة: أحدها: الرضى] لقوله تعالى: { ... إِلَّا أَنْ تَكُونَ

_ 1 البقرة من الآية/ 275.

تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ... } 1 وحديث "إنما البيع عن تراض" رواه ابن حبان. [فلا يصح بيع المكره بغير حق] فإن أكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه صح، لأنه حمل عليه بحق. [الثاني الرشد] يعني: أن يكون العاقد جائز التصرف، لأنه يعتبر له الرضى فاعتبر فيه الرشد كالإقرار. [فلا يصح بيع المميز والسفيه مالم يأذن وليهما] فيصح لقوله تعالى: { ... وَابْتَلُوا الْيَتَامَى ... } 2 معناه: اختبروهم لتعلموا رشدهم. وإنما يتحقق بتفويض البيع والشراء إليهما، وينفذ تصرفهما في اليسير بلا إذن لأن أبا الدرداء اشترى من صبي عصفوراً فأرسله ذكره ابن أبى موسى وغيره. [الثالث: كون المبيع مالاً] وهو: ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة كالمأكول، والمشروب، والملبوس، والمركوب، والعقار، والعبيد والإماء، لقوله تعالى: { ... وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ... } 3 وقد اشترى النبي صلى الله عليه وسلم، من جابر بعيراً، ومن أعرابي فرساً، ووكل عروة في شراء شاة، وباع مدبراً وحلساً وقدحاً، وأقر أصحابه على بيع هذه الأعيان وشرائها. [فلا يصح بيع الخمر، والكلب والميتة] لحديث جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير

_ 1 البقرة من الآية/282. 2 النساء من الآية/5. 3 البقرة من الآية/275.

والأصنام.." لحديث رواه الجماعة. وعن أبي مسعود قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن رواه الجماعة. ولا يصح بيع الكلب عندنا مطلقاً، وكذا الميته حتى الجلد، ولو قلنا بطهارته بالدباغ. أفاده والدي أمتع الله به آمين. [الرابع: أن يكون المبيع ملكاً للبائع، أومأذوناً له فيه وقت العقد] من مالكه أوالشارع كالوكيل وولي الصغير، وناظر الوقف ونحوه، لقوله صلى الله عليه وسلم، لحكيم بن حزام: "لا تبع ما ليس عندك" رواه الخمسة. قال في الشرح: ولا نعلم فيه خلافاً. [فلا يصح بيع الفضولي ولو أجيز بعد] لأنه غير مالك، ولا مأذون له حال العقد، وهو مذهب الشافعي وابن المنذر، وعنه: يصح مع الإجازة. وهو قول مالك وإسحاق، وأبي حنيفة، وإن باع سلعة، وصاحبها ساكت، فحكمه حكم ما لو باعها بغير إذنه في قول الأكثرين. قاله في الشرح. [الخامس: القدرة على تسليمه. فلا يصح بيع الآبق، والشارد، ولو لقادر على تحصيلهما] لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد وهو آبق رواه أحمد. ولمسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع الغرر وفسره القاضي وجماعته: بما تردد بين أمرين ليس أحدهما أظهر. [السادس: معرفة الثمن والمثمن] لأن جهالتهما غرر، فيشمله النهي عن بيع الغرر ومعرفته.

[إما بالوصف] بما يكفي في السلم فيما يجوز السلم فيه خاصة فيصح البيع به، ثم إن وجده متغيراً فله الفسخ. قاله في الشرح. [أو المشاهدة حال العقد، أو قبله بيسير] لا يتغير فيه المبيع عادة لحصول العلم بالمبيع بتلك المشاهدة. [السابع: أن يكون منجزاً لا معلقاً، كبعتك إذا جاء رأس الشهر، أو إن رضى زيد] لأنه غرر، ولأنه عقد معاوضة فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل كالنكاح. قاله في الكافي. [ويصح بعت وقبلت إن شاء الله] لعدم الغرر، ولأنه يقصد للتبرك لا للتردد. [ومن باع معلوماً ومجهولاً لم يتعذر علمه] كهذا العبد وثوب ونحوه. [صح في المعلوم بقسطه] من الثمن، لصدور البيع فيه من أهله، وعدم الجهالة، لإمكان معرفته بتقسيط الثمن على كل منهما، وبطل في المجهول للجهالة. [وإن تعذر معرفة المجهول] كبعتك هذه الفرس، وحمل الأخرى بكذا. [ولم يبين ثمن المعلوم فباطل] بكل حال. قال في الشرح: لا أعلم فيه خلافاً.

فصل: ما يحرم وما لايحرم بيعه

فصل مايحرم ومالايحرم بيعه [ويحرم، ولا يصح بيع، ولا شراء في المسجد] وقال في الشرح: يكره، والبيع صحيح، وكراهته لا توجب الفساد كالغش والتصرية، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك" دليل على صحته. انتهى. [ولا ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها الذي عند المنبر] لأنه الذي كان على عهده صلى الله عليه وسلم، فاختص به الحكم، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} 1 والنهي يقتضي الفساد، وأما النداء الأول فزاده عثمان رضي الله عنه، لما كثر الناس. [وكذا لو تضايق وقت المكتوبة] أي: فلا يصح البيع، ولا الشراء قياساً على الجمعة. [ولا بيع العنب، والعصير لمتخذه خمراً، ولا بيع البيض، والجوز ونحوهما للقمار، ولا بيع السلاح في الفتنة، ولأهل الحرب، أو قطاع الطريق] لقوله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} 2 ولأنه عقد على عين معصية الله تعالى بها فلم يصح، كإجارة الأمة للزنى والزمر، ولأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السلاح في الفتنة قاله أحمد.

_ 1 الجمعة من الآية/9. 2 المائدة من الآية/3.

[ولا بيع قن مسلم لكافر لا يعتق عليه] لأنه لا يجوز استدامة الملك للكافر على المسلم إجماعاً. قاله في الشرح، لقوله تعالى: {ولَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} 1 كان يعتق عليه كأبيه وابنه وأخيه صح، لأنه وسيلة إلى حريته، ولأن ملكه لا يستقر عليه بل يعتق في الحال. [ولا بيع على بيع المسلم لقوله لمن اشترى شيئاً بعشرة أعطيك مثله بتسعة] لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يبع بعضكم على بيع بعض". [ولا شراؤه على شرائه، كقوله لمن باع شيئاً بتسعة: عندي فيه عشرة] لأن الشراء يسمى بيعاً، فيدخل في الحديث السابق، لأنه في معناه، ولما فيه من الإضرار بالمسلم، وهو محرم. [وأما السوم على سوم المسلم مع الرضى الصريح] فحرام، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا يسوم الرجل على سوم أخيه" رواه مسلم. ويصح العقد، لأن المنهى عنه السوم لا البيع، فإن وجد منه ما يدل على عدم الرضى لم يحرم السوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم، باع فيمن يزيد حسنه الترمذي. قال في الشرح: وهذا إجماع، لأن المسلمين يبيعون في أسواقهم بالمزايدة. [وبيع المصحف] حرام قال أحمد: لا أعلم في بيع المصاحف رخصة. وقال ابن عمر: وددت أن الأيدي تقطع في بيعها، قال في الشرح: وممن كره بيعها ابن عمر وابن عباس وأبو موسى، ولم يعلم لهم مخالف في عصرهم. ويصح العقد، لأن أحمد رخص في شرائه وقال: هو

_ 1 النساء من الآية/140.

أهون، فإن أبيع على كافر لم يصح. رواية واحدة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن تناله أيديهم رواه مسلم. فلم يجز تمليكهم إياه، وتمكينهم منه. [والأمة التي يطؤها قبل استبرائها فحرام] لأن عمر، رضي الله عنه أنكر على عبد الرحمن بن عوف حين باع جارية له كان يطؤها قبل استبرائها، وقال: ما كنت لذلك بخليق.. وفيه قصة رواه عبد الله بن عبيد بن عمير. ولأن فيه حفظ مائه، وصيانة نسبه فوجب الاستبراء قبل البيع. [ويصح العقد] لأنه يجب الاستبراء على المشتري، لحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عام أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة رواه أحمد وأبو داود. [ولا يصح التصرف في المقبوض بعقد فاسد، يضمن هو وزيادته كمغصوب] لأنه قبضه على وجه الضمان ولا بد. قاله فى القواعد. وكذلك المقبوض على وجه السوم. قال ابن أبى موسى: إن أخذه مع تقدير الثمن ليريه، فإن رضوه ابتاعه، فهو مضمون بغير خلاف. قاله في القواعد. ويضمن بالقيمة. نص عليه في رواية ابن منصور، وأبي طالب، وقال أبو بكر عبد العزيز: يضمن بالمسمى، واختاره الشيخ تقي الدين.

باب الشروط في البيع

باب الشروط في البيع مدخل ... باب الشروط في البيع [وهي قسمان: صحيح لازم، وفاسد مبطل للعقد. فالصحيح: كشرط تأجيل الثمن أو بعضه] لقوله تعالى: { ... إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ... } الآية1. [أو رهن أو ضمين معينين] لأن ذلك من مصلحة العقد. [أو شرط صفة في المبيع، كالعبد كاتباً أو صانعاً أو مسلماً، والأمة بكراً أو تحيض، والدابة هملاجة أو لبوناً أو حاملاً، والفهد أو البازي صيوداً، فإن وجد المشروط لزم البيع] لصحة الشرط قال في الشرح: لا نعلم في صحته خلافاً. [وإلا فللمشتري الفسخ] لفقد الشرط، ولحديث: "المسلمون على شروطهم" وقال شريح: من شرط على نفسه طائعاً غير مكره فهو عليه. ذكره البخاري. [أو أوش فقد الصفة] المشروطة إن لم يفسخ. كأرش عيب ظهر عليه، وإن تعذر رد تعين أرش كمعيب تعذر رده. [ويصح أن يشترط البائع على المشتري منفعة ما باعه مدة معلومة كسكنى الدار شهراً، وحملان الدابة إلى محل معين] نص عليه، لحديث جابر أنه باع النبى صلى الله عليه وسلم جملاً واشترط ظهره إلى المدينة. متفق عليه.

_ 1 البقرة من الآية/282.

[ويصح أن يشترط المشتري على البائع حمل ما باعه] إلى موضع معلوم، فإن لم يكن معلوماً لم يصح الشرط، فلو شرط الحمل إلى منزله والبائع لا يعرفه لم يصح الشرط. [أو تكسيره، أو خياطته، أو تفصيله] احتج أحمد في جواز الشرط بأن محمد ابن مسلمة اشترى من نبطي حزمة حطب، وشارطه على حملها واشتهر ذلك فلم ينكر. قاله في الكافي، ولأن ذلك بيع وإجارة، ولا يجمع بين شرطين مع ذلك وإن جمع بين شرطين من غير النوعين الأولين: كحمل حطب وتكسيره، وخياطة ثوب وتفصيله، بطل البيع، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث ابن عمرو، رواه الترمذي. قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: إن هؤلاء يكرهون الشرط، فنفض يده وقال: الشرط الواحد لا بأس به، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن شرطين في البيع: أي في حديث عبد الله بن عمرو. رواه أبو داود والترمذي وصححه. وروي عن أحمد في تفسير الشرطين المنهي عنهما: أنهما شرطان صحيحان ليسا من مصلحة العقد أي: ولا مقتضاه.

فصل: في الفاسد المبطل

فصل في الفاسد المبطل [والفاسد المبطل، كشرط بيع آخر، أو سلف، أو قرض، أو إجارة، أو شركة، أو صرف للثمن، وهو بيعتان في بيعة، المنهي عنه] في الحديث، وهذا منه. قاله أحمد، ولحديث: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع" صححه الترمذي. [وكذا كل ما كان في معنى ذلك مثل] بعتك هذا على. [أن تزوجني ابنتك، أوأزوجك ابنتي، أو تنفق على عبدي، أو دابتي] لأنه شرط عقد في عقد فلم يصح، كنكاح الشغار. وقال ابن مسعود: صفقتان في صفقة ربا وهذا قول الجمهور. قاله في الشرح. وإن شرط أن لا خسارة عليه، أو متى نفق المبيع وإلا رده، أو أن لا يبيعه، أو لا يهبه، ولا يعتقه، أو إن عتق فالولاء له بطل الشرط وحده، لقوله صلى الله عليه وسلم " من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط" متفق عليه. والبيع صحيح لأنه صلى الله عليه وسلم، في حديث بريرة أبطل الشرط، ولم يبطل العقد وللبائع الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن، وللمشتري الرجوع بزيادة الثمن إن كان هو المشترط. قاله في الشرح. [ومن باع ما يذرع على أنه عشرة، فبان أكثر أو أقل صح البيع] والزيادة للبائع والنقص عليه. [ولكل الفسخ] لضرر الشركة، ما لم يعط البائع الزيادة للمشتري

مجاناً في المسألة الأولى، أو يرضى المشتري بأخذه بكل الثمن في الثانية فلا فسخ، لعدم فوات الغرض، وإن كان المبيع نحو صبرة على أنها عشرة أقفزة فبانت أقل، أو أكثر صح البيع ولا خيار، والزيادة للبائع، والنقص عليه، لعدم الضرر. قال معناه في الشرح.

باب الخيار

باب الخيار مدخل ... باب الخيار [وأقسامه سبعة أحدها: خيار المجلس، ويثبت للمتعاقدين من حين العقد إلى أن يتفرقا من غير إكراه] لأن فعل المكره كعدمه، ويثبت في البيع عند أكثر أهل العلم، ويروى عن عمر وابنه وابن عباس وأبي برزة الأسلمي، لحديث: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" متفق عليه. [ما لم يتبايعا على أن لا خيار] فيلزم البيع بمجرد العقد. [أو يسقطاه بعد العقد] فيسقط لأن الخيار حق للعاقد، فسقط بإسقاطه. [وان أسقطه أحدهما بقي خيار الآخر] لحديث: "البيعان بالخيار مالم يتفرقا، أو يخير أحدهما صاحبه، فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلكً فقد وجب البيع" وفي لفظ "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أًن يكون البيع كان عن خيار، فإن كان البيع عن خيار فقد وجبً البيع". متفق عليهما. [وينقطع الخيار بموت أحدهما] لأن الموت أعظم الفرقتين [لا بجنونه] في المجلس. [وهو على خياره إذا أفاق] حتى يجتمعا، ثم يفترقا.

[وتحرم الفرقة من المجلس خشية الاستقالة] لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً، وفيه: "ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله" رواه النسائي والأثرم والترمذي وحسنه. وما روي عن ابن عمر أنه كان إذا اشترى شيئاً يعجبه مشى خطوات ليلزم البيع محمول على أنه لم يبلغه الخبر. [الثاني: خيار الشرط: وهو أن يشرطا، أو أحدهما الخيار إلى مدة معلومة فيصح وإن طالت المدة] بالإجماع قاله في الكافي، لحديث "المسلمون على شروطهم" ولم يثبت ما روى عن ابن عمر من تقديره بثلاث، وروي عن أنس خلافه، قاله في الشرح. [لكن يحرم تصرفهما في الثمن والمثمن مدة الخيار] إلا بما يحصل به تجربة المبيع، إلا أن يكون الخيار للمشتري وحده فينفذ تصرفه، ويبطل خياره كالمعيب. [وينتقل الملك من حين العقد] للمشترى، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من باع عبداً وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع" رواه مسلم. فجعل المال للمبتاع باشتراطه، وهو عام في كل بيع، فيشمل بيع الخيار. [فما حصل في تلك المدة من النماء المنفصل فللمنتقل له ولو أن الشرط للآخر فقط] ولو فسخ البيع، لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قضى أن الخراج بالضمان رواه الخمسة وصححه الترمذي. [ولا يفتقر فسخ من يملكه إلى حضور صاحبه ولإرضائه] لأنه عقد جعل إلى اختياره، فجاز مع غيبة صاحبه وسخطه كالطلاق.

ونقل أبو طالب له الفسخ برد الثمن، وجزم به الشيخ تقي الدين كالشفيع، وصوبه في الإنصاف، ويحمل كلام من أطلق عليه. [فإن مضى زمن الخيار ولم يفسخ صار لازماً] لئلا يفضي إلى بقاء الخيار أكثر من مدته المشروطة. [ويسقط الخيار بالقول] لما تقدم. [وبالفعل، كتصرف المشتري في المبيع بوقف، أوهبة، أو سوم، أو لمس لشهوة] لأن ذلك دليل على الرضى. [وينفذ تصرفه إن كان الخيار له فقط] وإلا لم ينفذ، لأن علق البائع لم تنقطع عنه إلا عتق المشتري، لقوة العتق وسرايته. [الثالث: خيار الغبن: وهو أن يبيع ما يساوي عشرة بثمانية، أو يشتري ما يساوي ثمانية بعشرة] وقيل يقدر بالثلث، اختاره أبو بكر، وجزم به في الإرشاد، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الثلث والثلث كثير" وظاهر كلام الخرقي أن الخيار يثبت بمجرد الغبن، وإن قل، والأولى أن يقيد بما يخرج عن العادة. قاله في الشرح. [فيثبت الخيار ولا أرش مع الإمساك] لأن الشرع لم يجعله له، ولم يفت عليه جزء من المبيع يأخذ الأرش في مقابلته، وله ثلاث صور. إحداها: تلقي الركبان، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار" رواه مسلم. الثانية: النجش: وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليغر المشتري لنهيه صلى الله عليه وسلم، عن النجش متفق عليه.

والشراء صحيح في قول أكثر العلماء لأن النهي عاد إلى الناجش لا إلى العاقد، لكن له الخيار إذا غبن، قال معناه في الشرح. الثالثة: المسترسل وهو من جهل القيمة من بائع ومشتر ولا يحسن يماكس فله الخيار إذا غبن لجهله بالمبيع أشبه القادم من سفر. [الرابع: خيار التدليس: وهو أن يدلس البائع على المشتري ما يزيد به الثمن، كتصرية اللبن في الضرع، وتحمير الوجه، وتسويد الشعر فيحرم] لقوله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا". [ويثبت للمشتري الخيار] في قول عامة أهل العلم. قاله في الشرح. لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر" متفق عليه. وكل تدليس يختلف به الثمن، يثبت خيار الرد قياساً على التصرية، قاله في الكافي. [حتى ولو حصل التدليس من البائع بلا قصد] قاله القاضي لدفع ضرر المشتري أشبه العيب. [الخامس: خيار العيب] والعيوب: النقائص الموجبة لنقص المالية في عادة التجار، ويحرم على البائًع كتمه، لحديث عقبة بن عامر مرفوعاً: "المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً فيه عيب إلا بينه له" رواه أحمد وأبو داود والحاكم [فإذا وجد المشتري بما اشتراه عيباً يجهله، خير بين رد المبيع بنمائه المتصل وعليه أجرة الرد] لأن الملك ينتقل عنه باختياره الرد، فتعلق به حق التوفية. [ويرجع بالثمن كاملاً] لأنه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم ولم

يسلم له فثبت له الرجوع بالثمن كما في المصراة. وأما النماء المنفصل كالكسب والأجرة وما يوهب له، فهو للمشتري في مقابلة ضمانه، لا نعلم فيه خلافاً. قاله في الشرح. [وبين إمساكه. ويأخذ الأرش] لأن الجزء الفائت بالعيب يقابله جزء من الثمن، فإذا لم يسلم له كان له ما يقابله، وهو الأرش. والأرش: قسط ما بين قيمته صحيحاً ومعيباً من ثمنه. نص عليه. ومن اشترى ما يعلم عيبه أو مدلساً أو مصراة وهو عالم فلا خيار له. لا نعلم فيه خلافاً. قاله في الشرح. [ويتعين الأرش مع تلف المبيع عند المشتري] لتعذر الرد، وعدم وجود الرضى به ناقصاً. وقال في الشرح: وإذا زال ملك المشتري بعتق أو موت أو وقف، أو تعذر الرد قبل علمه بالعيب، فله الأرش، وبه قال مالك والشافعى. وكذا إن باعه غير عالم بعيبه. انتهى. [ما لم يكن البائع علم بالعيب وكتمه تدليساً على المشتري، فيحرم ويذهب على البائع، ويرجع المشتري بجميع ما دفعه له] نص عليه لأنه غر المشتري. [وخيار العيب على التراخي] لأنه لدفع ضرر متحقق، فلم يبطل بالتأخير. وقال الشيخ تقي الدين: يجبر المشتري على رده أو أخذ أرشه، لأن البائع يتضرر بالتأخير. [لا يسقط إلا إن وجد من المشتري ما يدل على رضاه، كمتصرفه واستعماله لغير تجربة] قال في المنتهى وشرحه: فيسقط رد كأرش، لقيام دليل الرضى مقام التصريح. انتهى. وقال في الشرح: قال ابن المنذر: لأن الحسن وشريحاً وعبيد الله بن الحسن وابن أبي ليلى والثوري

وأصحاب الرأي يقولون: إذا اشترى سلعة فعرضها للبيع بعد علمه بالعيب بطل خياره. وهذا قول الشافعي، ولا أعلم فيه خلافاً. انتهى. وقال في الفروع: وإن فعله عالماً بعيبه، أو تصرف فيه بما يدل على الرضى أو عرضه للبيع، أو استغله، فلا. أي: فلا أرش. ذكره ابن أبي موسى والقاضي، واختلف كلام ابن عقيل. وعنه: له الأرش. وهو أظهر، لأنه وإن دل على الرضى فمع الأرش كإمساكه. اختاره الشيخ، قال وهو قياس المذهب، وقدمه في المستوعب. انتهى. [ولا يفتقر الفسخ إلى حضور البائع] كالطلاق. [ولا لحكم الحاكم] لأنه مجمع عليه فلم يحتج إلى حاكم، كفسخ المعتقة للنكاح: قاله في الكافي. [والمبيع بعد الفسخ أمانة بيد المشتري] لحصوله بيده بلا تعد، لكن إن قصر في رده فتلف ضمنه لتفريطه. [وإن اختلفا عند من حدث العيب مع الاحتمال ولا بينة، فقول المشتري بيمينه] لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت، فيحلف على البت أنه اشتراه وبه العيب، أو أنه ما حدث عنده ويرده، وعنه القول قول البائع مع يمينه على البت، لأن الأصل سلامة المبيع وصحة العقد، ولأن المشتري يدعي استحقاق الفسخ والبائع ينكره. قضى به عثمان رضي الله عنه، وهو مذهب الشافعي، واستظهره ابن القيم في الطرق الحكمية. [وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما] كالإصبع الزائدة والجرح الطري. [قبل بلا يمين] لعدم الحاجة إليها.

[السادس: خيار الخلف في الصفة، فإذا وجد المشتري ما وصف له، أو تقدمت رؤيته العقد بزمن يسير متغيراً فله الفسخ] وتقدم في السادس من شروط البيع. [ويحلف إن اختلفا] لأنه غارم، قاله في الشرح. [السابع: خيار الخلف في قدر الثمن، فإذا اختلفا في قدره حلف البائع: ما بعته بكذا، وإنما بعته بكذا، ثم المشتري: ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا، ويتفاسخان] وبه قال شريح والشافعي، ورواية عن مالك، لحديث ابن مسعود مرفوعاً: "إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول صاحب السلعة، أو يترادان" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وزاد فيه: "والبيع قائم بعينه" ولأحمد في رواية: "والسلعة كما هي" وفي لفظ "تحالفا". وروي عن ابن مسعود أنه باع الأشعث رقيقاً من رقيق الإمارة فقال: بعتك بعشرين ألفاً، وقال الأشعث: اشتريت منك بعشرة، فقال عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "إذا اختلف المتبايعان، وليس بينهما بينة والمبيع قائم بعينه فالقول قول البائع، أو يترادان البيع". قال: فإني أرد البيع وعن عبد الملك بن عبدة مرفوعاً "إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع، ثم كان للمشتري الخيار إن شاء أخذ، وإن شاء ترك" رواهما سعيد. وظاهر هذه النصوص أنه يفسخ من غير حاكم. قاله في الشرح.

فصل: في تملك المشتري للمبيع

فصل في تملك المشتري للمبيع [ويملك المشتري المبيع مطلقاً بمجرد العقد] لقول ابن عمر: مضت السنة أن ما ادركته الصفقة حياً مجموعاً فهو من مال المشتري رواه البخاري. [ويصح تصرفه فيه قبل قبضه] لقول ابن عمر: كنا نبيع الإبل بالنقيع1 بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير وبالعكس، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا باس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفرقا وبينكما شئ" رواه الخمسة. وهذا تصرف في الثمن قبل قبضه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم، في البكر: "هو لك يا عبد الله بن عمر فاصنع به ما شئت" إلا المبيع بصفة، أو رؤية متقدمة فلا يصح التصرف فيه قبل قبضه، وإن تلف فمن ضمان البائع، قاله في الشرح. [وإن تلف فمن ضمانه] أي للمشتري، لقوله صلى الله عليه وسلم "الخراج بالضمان" وهذا نماؤه للمشتري فضمانه عليه. [إلا المبيع بكيل، أو وزن، أوعد، أو ذرع، فمن ضمان بائعه حتى يقبضه مشتريه] لتلفه قبل تمام ملك المشتري عليه، فأشبه ما تلف قبل تمام البيع. قاله في الكافي.

_ 1 النقيع: هو موضع قرب المدينة كان يستنقع فيه الماء، حماه سيدنا عمر رضي الله عنه لخيل المجاهدين. كذا في النهاية، وقال الحافظ: بالباء الموحدة كما وقع عند البيهقي: في بقيع الغرقد.

[ولا يصح تصرفه فيه ببيع، أو هبة، أو رهن قبل قبضه] قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً إلا ما روي عن البتي، قال ابن عبد البر: وأظنه لم يبلغه الحديث1 أي قوله صلى الله عليه وسلم "من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه" متفق عليه. وقال ابن عمر رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينهون أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم متفق عليه. دل بصريحه على منع بيعه قبل قبضه، وبمفهومه على حل بيع ما عداه. [وإن تلف بآفة سماوية قبل قبضه انفسخ العقد] لأنه من ضمان بائعه. [وبفعل بائع، أو أجنبي، خيرالمشتري بين الفسخ، ويرجع بالثمن] على البائع لأنه مضمون عليه إلى قبضه. [أو الإمضاء. ويطالب من أتلفه ببدله] بمثل مثلي، وقيمة متقوم. [والثمن كالمثمن في جميع ما تقدم] إذا كان معيناً وإن كان في الذمة فله أخذ بدله إن تلف قبل قبضه، لاستقراره في ذمته.

_ 1 كذا في الأصل والجملة مقتضبة من الشرح ونص عبارة الشرح كما يلي: ولم نعلم بين أهل العلم في ذلك خلافاً إلا ما حكي عن البتي: أنه لا بأس ببيع كل شيء قبل قبضه. قال ابن عبد البر: وهذا قول مردود بالسنة والحجة المجمعة على الطعام، وأظنه لم يبلغه الحديث، ومثل هذا لا يلتفت إليه.

فصل: في قبض المبيع

فصل في قبض المبيع [ويحصل قبض المكيل بالكيل، والموزون بالوزن، والمعدود بالعد، والمذروع بالذرع] لحديث عثمان، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى

الله عليه وسلم قال: "إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل" رواه أحمد، ورواه البخاري تعليقاً. وحديث "إذا سميت الكيل فكل" رواه الأثرم وقيس العد والذرع على الكيل والوزن. وروي عن أحمد: أن القبض في كل شئ بالتخلية مع التميز، وما بيع جزافاً فقبضه نقله، لحديث ابن عمر: كنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نبيعه حتى ننقله من مكانه رواه مسلم. وقبض الذهب، والفضة، والجواهر باليد، وقبض الحيوان أخذه بزمامه، أو تمشيته من مكانه، وما لا ينقل قبضه التخلية بين مشتريه وبينه، لأن القبض مطلق في الشرع، فيجب الرجوع فيه إلى العرف. قاله في الكافي. [بشرط حضور المستحق أو نائبه] لأنه يقوم مقامه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا ابتعت فاكتل". [وأجرة الكيال، والوزان، والعداد، والذراع، والنقاد على الباذل] لأنه تعلق به حق توفية، ولا تحصل إلا بذلك، أشبه السقي على بائع الثمرة. [وأجرة النقل على القابض] نص عليه، لأنه لا يتعلق به حق توفية. [ولا يضمن ناقد حاذق أمين خطأ] سواء كان متبرعاً، أو بأجرة لأنه أمين. [وتسن الإقالة للنادم من بائع ومشتر] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "من أقال مسلماً أقال الله عثرته يوم القيامة" رواه ابن ماجه وأبو داود. وليس فيه ذكر يوم القيامة. وهي فسخ لا بيع لإجماعهم على جوازها في السلم قبل قبضه، مع النهي عن بيع الطعام قبل قبضه.

باب الربا

باب الربا مدخل ... باب الربا وهو محرم لقوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبا} الآيات 1 وعن أبي هريرة مرفوعاً: "اجتنبوا السبع الموبقات"، قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحًق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولى يوم الزحف، وقذف المحصنات الغًافلات المؤمنات" وحديث "لًعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه" متفق عليهما. وهو نوعان: ربا الفضل، وربا النسيئة. وأجمعت الأمة على تحريمهما، وقد روي في ربا الفضل عن ابن عباس ثم رجع، قاله الترمذي وغيره، وقوله لا ربا إلا في النسيئة محمول على الجنسين، قاله في الشرح. والأعيان الستة المنصوص عليها في حديث أبي سعيد مرفوعاً: " الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد. فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء" رواه أحمد والبخاري. ثبت الربا فيها بالنص والاجماع واختلف فيما سواه، قاله في الشرح. [يجري الربا في كل مكيل وموزون ولو لم يؤكل] على أشهر الروايات عن أحمد. أن علة الربا في الذهب والفضة كونهما موزوني جنس،

_ 1 البقرة من الآية/275/276/278.

وعلة الأعيان الأربعة كونهن مكيلات جنس: وبه قال النخعي والزهري والثوري. قاله في الشرح. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تفعل بع الجمع1 بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً2" وقال في الميزان مثل ذلك رواه البخاري. قال المجد في المنتقى: وهو حجة في جريان الربا في الموزونات كلها، لأن قوله في الميزان، أي في الموزون، وإلا فنفس الميزان ليست من أموال الربا. انتهى. [فالمكيل: كسائر الحبوب والأبازير والمائعات، لكن الماء ليس بربوي] لعدم تموله عادة ولأن الأصل إباحته. [ومن الثمار: كالتمر والزبيب والفستق والبندق واللوز والبطم والزعرور والعناب والمشمش والزيتون والملح] لأنها مكيلة مطعومة. وقد روى معمر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام بالطعام، إلا مثلاً بمثل رواه مسلم. والمماثلة المعتبرة هي المماثلة في الكيل والوزن، فدل على أنه لا يجري إلا في مطعوم يكال أو يوزن. قاله في الكافي. وقال في الشرح: فالحاصل أن ما اجتمع فيه الكيل أو الوزن، والطعم من جنس واحد، ففيه الربا - رواية واحدة - كالأرز والدخن والذرة ونحوها. وهذا قول الأكثر. قال ابن المنذر: هذا قول علماء الأمصار في القديم والحديث. انتهى. [والموزون: كالذهب والفضة والنحاس والرصاص والحديد وغزل

_ 1 الجمع كما في النهاية: كل لون من النخيل لا يعرف اسمه فهو جمع. وقيل: الجمع: تمر مختلط من أنواع متفرقة، وليس مرغوباً فيه، ولا يختلط إلا لرداءته. 2 الجنيب كما في النهاية أيضاً: نوع جيد معروف من أنواع التمر.

الكتان والقطن والحرير والشعر والقنب والشمع والزعفران والخبز والجبن] لجريان العادة بوزنها عند أهل الحجاز، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "المكيال مكيال أهل المدينة، والوزن وزن أهل مكة" رواه أبو داود والنسائي. [وما عدا ذلك فمعدود لا يجري فيه الربا ولو مطعوماً، كالبطيخ والقثاء والخيار والجوز والبيض والرمان] لما روى سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "لا ربا إلا فيما كيل أو وزن مما يؤكل أو يشرب" أخرجه الدارقطني. وقال: الصحيح أنه من قوله، ومن رفعه فقد وهم. [ولا فيما أخرجته الصناعة عن الوزن] لزيادة ثمنه بصناعته. [كالثياب] قال أحمد: لا بأس بالثوب بالثوبين، وهذا قول أكثر أهل العلم. قاله في الشرح، لقول عمار: العبد خير من العبدين والثوب خير من الثوبين، فما كان يداً بيد فلا بأس به، إنما الربا في النسء إلا ما كيل أو وزن. [والسلاح والفلوس] ولو نافقة. [والأوانى] لخروجها عن الكيل والوزن، ولعدم النص، والإجماع. وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأكثر أهل العلم، وهذا هو الصحيح. قاله في الشرح. [غير الذهب والفضة] فيجرى فيهما، للنص عليهما.

فصل: في بيع المكيل بجنسه

فصل: في بيع المكيل بجنسه [فإذا بيع المكيل بجنسه: كتمر بتمر، أوالموزون بجنسه: كذهب بذهب، صح بشرطين: المماثلة في القدر، والقبض قبل التفرق] لقوله فيما تقدم "مثلاً بمثل يداً بيد" رواه أحمد ومسلم. وعن أبي سعيد مرفوعاً: "لا تبيعوا الذهب بالذًهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا1 بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز" متفق عليه. [وإذا بيع بغير جنسه، كذهب بفضة، وبر بشعير، صح بشرط القبض قبل التفرق، وجاز التفاضل] لقوله صلى الله عليه وسلم، في حديث عبادة: "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد" رواه أحمد ومسلم. وعن عمر مرفوعاً "الذهب بالورق ربا إلا هاءً وهاءً، والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، وًالتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء" متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يداً بيد" رواه أبو داود. [وإن بيع الًمكيل بالموزون كبر بذهب مثلاً جاز التفاضل والتفرق قبل

_ 1 قال في النهاية: ولا تشفوا: أي لا تفضلوا. والشف: النقصان أيضاً فهو من الأضداد، يقال: شف الدرهم يشف إذا زاد وإذا نقص.

القبض] رواية واحدة، لأن العلة مختلفة، فجاز التفرق كالثمن بالمثمن. قاله في الشرح. [ولا يصح بيع المكيل بجنسه وزناً ولا الموزون بجنسه كيلاً] لقوله صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب وزناً بوزن، والفضة بالفضة وزناً بوزن، والبر بالبر كيلاً بكيل، والشعير بالشعير كيلاً بكيل" رواه الأثرم. ولأنه لا يحصل العمل بالتساوي مع مخالفة المعيار الشرعي للتفاوت في الثقل والخفة، فإن كيل المكيل، أو وزن الموزون فكانا سواء، صح البيع للعلم بالتماثل. [ويصح بيع اللحم بمثله إذا نزع عظمه] رطباً ويابساً. فإن لم ينزع عظمه لم يصح للجهل بالتساوي، أو بيع يابس منه برطب لم يصح لعدم التماثل. [وبحيوان من غير جنسه] كقطعة من لحم إبل بشاة، لأنه ليس أصله ولا جنسه، فجاز كما لو بيع بغير مأكول. وفيه وجه لا يصح، لحديث: نهي عن بيع الحيً بالميت ذكره أحمد واحتج به. وقال الشيخ تقي الدين: يحرم به نسيئة عند جمهور الفقهاء. قاله في الفروع. وعلم منه أنه لا يصح بيع لحم بحيوان من جنسه، لما روى سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع اللحم بالحيوان رواه مالك في الموطأ. ولأنه جنس فيه الربا بيع بأصله الذي فيه منه فلم يجز، كالزيت بالزيتون. قاله في الكافي. [ويصح بيع دقيق ربوي بدقيقه، إذا استويا نعومة أو خشونة] لتساويهما في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان في ثاني الحال.

[ورطبه برطبه] كرطب برطب، وعنب بعنب، مثلاً بمثل، يداً بيد. [ويابسه بيابسه] كتمر بتمر، وزبيب بزبيب، مثلاً بمثل، يداً بيد. [وعصيره بعصيره] كمد ماء عنب بمثله يداً بيد. [ومطبوخه بمطبوخه] كسمن بقري بسمن بقري، مثلاً بمثل، يداً بيد. ويصح بيع خبز بر بخبز بر وزناً، مثلاً بمثل. [إذا استويا نشافاً أو رطوبة] لا إن اختلفا. [ولا يصح بيع فرع بأصله: كزيت بزيتون، وشيرج بسمسم، وجبن بلبن. وخبز بعجين، وزلابية بقمح] لعدم التساوي أو الجهل به. ولا يصح بيع الرطب بالتمر، والعنب بالزبيب. وبه قال ابن المسيب، لحديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن بيع الرطب بالتمر قال: "أينقص الرطب إذا يبس"؟ قالوا: نعم. فنهى عن ذلك رواه مالك وأبو داود. [ولا بيع الحب المشتد في سنبله بجنسه] لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة رواه البخاري. قال جابر: المحاقلة: بيع الزرع بمائة فرق من الحنطة ولأن بيع الحب بجنسه جزافاً من أحد الجانبين فلم يصح للجهل بالتساوي. [ويصح بغير جنسه] من حب وغيره، كبيع بر مشتد في سنبله بشعير أو فضة، لعدم اشتراط التساوي، ولمفهوم حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة رواه مسلم.

[ولا يصح بيع ربوي بجنسه، ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسهما، كمد عجوة ودرهم بمثلهما] أو بمدين أو بدرهمين. [أو دينار ودرهم بدينار] حسماً لمادة الربا. نص عليه أحمد في مواضع، لما روى فضالة، قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم، بقلادة فيها ذهب وخرز اشتراها رجل بتسعة دنانير، أو سبعة. فقال: صلى الله عليه وسلم: "لا حتى تميز بينهما"، قال: فرده حتى ميز بينهما رواه أبو داود. ولمسلم أمر بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال: "الذهب بالذهب وزناً بوزن" فإن كان ما مع الربوي يسيراً لا يقصد، كخبز فيه ملح بمثله أو بملح، فوجوده كعدمه، لأن الملح لا يؤثر في الوزن، وكحبات شعير في حنطة. [ويصح: أعطني بنصف هذا الدرهم فضة وبالآخر فلوساً] لوجود التساوي في الفضة، والتقابض فى الفلوس. ويحرم ربا النسيئة بين مبيعين اتفقا في علة ربا الفضل، فلا يباع أحدهما بالآخر نسيئة. قال في الشرح: بغير خلاف نعلمه عند من يعلل به، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم يداً بيد" إلا إن كان أحد العوضين نقداً أي: ذهباً أو فضة كسكر بدراهم، وخبز بدنانير، وحديد أو رصاص أو نحاس بذهب أو فضة فيصح، وإلا لا نسد باب السلم في الموزونات غالباً، وقد أرخص فيه الشرع، وأصل رأس ماله النقدان، قال في الشرح: ومتى كان أحد العوضين ثمناً، والآخر مثمناً جاز النساء فيهما، بغير خلاف. وقال في الكافي: ولا خلاف في جواز الشراء بالأثمان نساء من سائر الأموال موزوناً كان

أو غيره، لأنها رؤوس الأموال، فالحاجة داعية إلى الشراء بها نساء وناجزاً. انتهى. إلا صرف فلوس نافقة بنقد، فيشترط فيه الحلول والقبض. نص عليه إلحاقاً لها بالنقد، خلافاً لجمع، منهم ابن عقيل والشيخ تقي الدين، وتبعهم في الإقناع. وما لا يدخله ربا الفضل، كالثياب والحيوان، لا يحرم النسء فيه، لحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمره أن يجهز جيشاً، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة رواه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه. [ويصح صرف الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، ومتماثلاً وزناً لا عداً، بشرط القبض قبل التفرق] لحديث أبي سعيد السابق متفق عليه. وقال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد. قاله في الشرح. [ويصح أن يعوض أحد النقدين عن الآخر بسعر يومه] ويكون صرفاً بعين وذمة في قول الأكثرين، ومنع منه ابن عباس وغيره. قال في الشرح: ولنا حديث ابن عمر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إني أبيع الإبل بالنقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم فآخذ الدنانير، فقال: "لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفرقا وبينكما شئ" رواه الخمسة. وفي لفظ بعضهم "أبيع بالدنانير، وآخذ مكانها الورق، وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير".

باب بيع الأصول والثمار

باب بيع الأصول والثمار مدخل ... باب بيع الأصول والثمار [من باع أو وهب أو رهن، أو وقف داراً، أو أقر أو أوصى بها] أو جعلها صداقاً ونحوه. [تناول أرضها] إن لم تكن موقوفة، كمصر والشام والعراق. ذكره في المبدع. [وبناءها وفناءها إن كان] لأن غالب الدور ليس لها فناء: وهو ما اتسع أمامها. [ومتصلاً بها لمصلحتها، كالسلاليم، والرفوف المسمرة، والأبواب المنصوبة، والخوابي المدفونة] لأنها لمصلحتها كحيطانها. [وما فيها من شجر وعرش] لاتصالها بها. [لا كنزاً وحجراً مدفونين] لأن ليس من أجزائها، إنما هو مودع فيها للنقل عنها، فهو كالقماش. قاله في الكافي. [ولا منفصل كحبل ودلو وبكرة وفرش ومفتاح] لعدم اتصالها، واللفظ لا يتناولها. وقيل إن البيع يشمل ما جرت العادة بتبعيته، ولا يدخل ما فيها من معدن جار وماء نبع، لأنه يجري من تحت الأرض إلى ملكه. ويدخل ما فيها من معدن جامد، كمعدن الذهب والفضة والكحل، لأنه من أجزائها أو متروك للبقاء فيها، فهو كالبناء. وإن ظهر ذلك بالأرض، ولم يعلم به بائع فله الخيار، لما روي أن ولد بلال بن الحارث باعوا

عمر بن عبد العزيز أرضاً، فظهر فيها معدن، فقالوا: إنما بعنا الأرض، ولم نبع المعدن، وأتوا عمر بالكتاب الذي فيه قطيعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيهم فأخذه وقبله ورد عليهم المعدن. وعنه إذا ظهر المعدن في ملكه ملكه، وظاهره أنه لم يجعله للبائع ولا جعل له خياراً، قاله في الشرح. [وإن كان المباع ونحوه أرضاً، دخل ما فيها من غراس وبناء] ولو لم يقل بحقوقها، لأنهما من حقوقها. وكذا إن باع بستاناً، لأنه إسم للأرض والشجر والحائط. [لا ما فيها من زرع لا يحصد إلا مرة، كبر وشعير وبصل ونحوه] لأنه مودع في الأرض يراد للنقل، أشبه الثمرة المؤبرة. قال في الشرح: وإن أطلق البيع فهو للبائع. لا أعلم فيه خلافاً. [ويبقى للبائع إلى أول وقت أخذه بلا أجرة] لأن المنفعة مستثناة له. [ما لم يشترطه المشتري لنفسه] فيكون له، ولا تضر جهالته لأنه دخل في البيع تبعاً للأرض فأشبه الثمرة بعد تأبيرها. [وإن كان يجز مرة بعد أخرى: كرطبة1 وبقول، أو تكرر ثمرته: كقثاء، وباذنجان، فالأصول للمشتري] لأنه يراد للبقاء، أشبه الشجر. [والجزة الظاهرة واللقطة الأولى للبائع] لأنه يؤخذ مع بقاء أصله أشبه الشجر المؤبر. [وعليه قطعهما في الحال] لأنه ليس له حد ينتهي إليه، وربما ظهر غير ما كان ظاهراً فيعسر التمييز ما لم يشترط المشترى دخوله في المبيع، فإن شرطه كان له، لحديث "المسلمون عند شروطهم".

_ 1 الرطبة: بفتح الراء الفصة، فإذا يبست فهي وقت وجت.

فصل: اذا بيع النخل

فصل اذا بيع النخل [وإذا بيع شجر النخل بعد تشقق طلعه، فالثمر للبائع متروكاً إلى أول وقت أخذه] إلا أن يشترطه المبتاع، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها، إلا أن يشترطها المبتاع" متفق عليه. والتأبير: التلقيح. إلا أنه لا يكون حتى يتشقق، فعبر به عن ظهور الثمرة. وهذا قول الأكثر. وحكى ابن أبي موسى رواية عن أحمد أنه إذا تشقق ولم يؤبر، أنه للمشتري، لظاهر الحديث. قاله في الشرح، واختارها الشيخ تقي الدين وصاحب الفائق. [وكذا إن بيع شجر ما ظهر من عنب وتين وتوت وكرمان وجوز، أو ظهر من نوره] مما له نور يتناثر. [كمشمش وتفاح وسفرجل ولوز] وخوخ. [أو خرج من أكمامه] جمع كم وهو: الغلاف. [كورد] وياسمين ونرجس وبنفسج وقطن يحمل في كل سنة، فما بدا من عنب ونحوه، أو ظهر من نوره، أو خرج من أكمامه فهو للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع، لأن ذلك كتشقق الطلع في النخل، فقيس عليه. [وما بيع قبل ذلك فللمشتري] لمفهوم الحديث السابق في النخل، وما عداه فبالقياس عليه، فإن أبر بعضه، فما أبر فللبائع، وما لم يؤبر

فللمشتري. نص عليه للخبر، وقال ابن حامد: الكل للبائع لأن اشتراكهما في الثمرة يؤدي إلى الضرر واختلاف الأيدي، فجعل ما لم يظهر تبعاً للظاهر. قاله في الكافي. [ولا تدخل الأرض تبعاً للشجر] إذا باع شجراً. [فإذا باد، لم يملك] 1 المشتري. [غرس مكانه] لأنه لم يملكه، وللمشتري الدخول. لمصلحة الشجر، لثبوت حق الاجتياز له، ولا يدخل لتفرج ونحوه.

_ 1 في بعض نسخ المتن باد الشجر.

فصل: لايباع التمر فبل صلاحه

فصل: لايباع التمر فبل صلاحه [ولا يصح بيع الثمرة قبل بدو صلاحها] لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها. نهى البائع والمبتاع متفق عليه. والنهي يقتضي الفساد. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث. [لغير مالك الأصل] فإن كان له صح لحصول التسليم للمشتري على الكمال، كبيعها مع أصلها. قال في الشرح: وبيع الثمرة قبل الصلاح مع الأصل جائز بالإجماع. [ولا بيع الزرع قبل اشتداد حبه] لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة. نهى البائع والمشترى رواه مسلم. قال ابن المنذر: لا أعلم أحداً يعدل عن القول به. [لغير مالك الأرض] فإن باعه لمالك الأرض صح، لحصول التسليم

للمشتري على الكمال، فإن بيعت الثمرة قبل بدو الصلاح، أو الزرع قبل اشتداده بشرط القطع في الحال، صح إن انتفع بهما، وليسا مشاعين، لأن المنع لخوف التلف وحدوث العاهة قبل الأخذ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم، في حديث أنس "أرأيت إن منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ " رواه البخاري. وهذا مأمون فيما يقطع فيصح بيعه. فإن باعها بشرط القطع ثم تركه المشتري حتى بدا الصلاح، أو طالت الجزة، أو حدثت ثمرة أخرى فلم تتميز، أو اشترى عرية1 ليأكلها رطباً فأتمرت، بطل البيع، وعنه: لا يبطل، ويشتركان في الزيادة، وعنه: يتصدقان بها، قاله في الشرح. وإن اشترى خشباً فأخر قطعه فزاد، صح البيع، ويشتركان في زيادته. نص عليه في رواية ابن منصور. وقدم في الفائق: أن الزيادة للبائع، واختار ابن بطة أن الزيادة للمشتري وعليه الأجرة. حكى ذلك في الإنصاف. [وصلاح بعض ثمرة شجر صلاح] لجميعها. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. وصلاح، [لجميع نوعها الذي بالبستان] لأن اعتبار الصلاح في الجميع يشق. ولأنه يتتابع غالباً، هذا إذا اشترى جميعه، فإن اشترى بعضه فلكل شجرة حكم بنفسها على الصحيح من المذهب. قاله في الإنصاف، وقدمه في المغني وغيره. [فصلاح البلح، أن يحمر أو يصفر] لأنه صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو، قيل لأنس: وما زهوها؟ قال: "تحمار وتصفار" أخرجاه.

_ 1 قال في القاموس: العرية: النخلة المعراة، والتي أكل ما عليها، وما عزل من المساومة عند بيع النخل.

[والعنب أن يتموه بالماء الحلو] لحديث أنس مرفوعاً "نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد" رواه الخمسة إلا النسائي. [وبقية الفواكه طيب أكلها وظهور نضجها] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب. وفي رواية: حتى تطعم متفق عليه. [وما يظهر فماً بعد فم كالقثاء والخيار أن يؤكل عادة] كالثمر. قال في الشرح: ويجوز لمشترى الثمرة بيعها في شجرها. روي ذلك عن الزبير بن العوام، والحسن البصري، وأبي حنيفة، والشافعي، وابن المنذر. وكرهه ابن عباس وعكرمة وأبو سلمة، لأنه بيع له قبل قبضه، ولنا أنه يجوز له التصرف فيه، فجاز بيعه كما لو قطعه، وقولهم لم يقبضه ممنوع، فإن قبض كل شئ بحسبه، وهذا قبضه التخلية، وقد وجدت. انتهى. [وما تلف من الثمرة قبل أخذها، فمن ضمان البائع] وهو قول أكثر أهل المدينة قاله في الشرح، لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بوضع الجوائح. وفي لفظ قال: "إن بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ من ثمنه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ " رواهما مسلم. ولأن مؤنته على البائع إلى تتمة صلاحه. [ما لم تبع مع أصلها] فمن ضمان المشتري، وكذا لو بيعت لمالك أصلها، لحصول القبض التام، وانقطاع علق البائع عنه. [أو يؤخر المشتري أخذها عن عادته] فإن أخره عن عادته فمن

ضمانه لتلفه بتقصيره. قال فى الإنصاف: على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب،. والجائحة: ما لا صنع لآدمي فيها، فإن أتلفها آدمي فللمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن على البائع، وبين الإمساك، ومطالبة المتلف بالقيمة. قاله في الكافي وغيره.

باب السلم

باب السلم مدخل ... باب السلم السلم: لغة أهل الحجاز، والسلف: لغة أهل العراق. سمي سلماً لتسليم رأس ماله في المجلس، وسلفاً لتقديمه، ويقال السلف للقرض. وهو جائز بالإجماع. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن السلم جائز. وقال ابن عباس أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه، وأذن فيه، ثم قرأ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ... } الآية 1. رواه سعيد. [ينعقد بكل ما بدل عليه] من سلم وسلف ونحوه. [وبلفظ البيع] لأنه بيع إلى أجل بثمن حال. [وشروطه سبعة] زائدة على شروط البيع. [أحدها: انضباط صفات المسلم فيه: كالمكيل، والموزون، والمذروع] لقول عبد الله بن أبي أوفى، وعبد الرحمن بن أبزى: كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب. فقيل: أكان لهم زرع، أم لم يكن؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك أخرجاه2. فثبت جواز السلم في ذلك بالخبر، وقسنا عليه ما يضبط بالصفة لأنه في معناه، قاله في الكافي.

_ 1 البقرة من الآية/282. 2 أي البخاري ومسلم.

[والمعدود من الحيوان ولو آدمياً] لحديث أبي رافع استسلف النبي صلى الله عليه وسلم، من رجل بكراً رواه مسلم. وعن علي أنه باع جملاً له يدعى عصيفيراً بعشرين بعيراً إلى أجل معلوم رواه مالك والشافعي. قال ابن المنذر: وممن روينا عنه ذلك: ابن مسعود وابن عباس وابن عمر. ولأنه يثبت في الذمة صداقاً، فصح السلم فيه كالنبات. وعنه: لا يصح لأن الحيوان لا يمكن ضبطه، لأنه يختلف اختلافاً متبايناً مع ذكر أوصافه الظاهرة، فربما تساوى العبدان وأحدهما يساوي أمثال صاحبه، وإن استقصى صفاته كلها تعذر تسليمه. قاله في الكافي. وقال ابن عمر: إن من الربا أبواباً لا تخفى، وإن منها السلم في السن رواه الجوزجاني. ومن قال بالرواية الأولى، حمل حديث ابن عمرعلى أنهم يشترطون من ضراب فحل بني فلان. قال الشعبي: إنما كره ابن مسعود السلف في الحيوان، لأنهم اشترطوا إنتاج فحل بني فلان. فحل معلوم رواه سعيد. [فلا يصح في المعدود من الفواكه] كرمان وخوخ ونحوهما، لاختلافها بالصغر والكبر. قال أحمد: لا أرى السلم إلا فيما يكال أو يوزن أو يوقف عليه، فأما الرمان والبيض، فلا أرى السلم فيه. ونقل ابن منصور جواز السلم في الفواكه والخضراوات، لأن كثيراً من ذلك يتقارب. قاله في الشرح. [ولا فيما لا ينضبط كالبقول] لأنها تختلف ولا يمكن تقديرها بالحزم. [والجلود] لاختلافها، ولا يمكن ذرعها، لاختلاف أطرافها.

[والرؤوس والأكارع] لأنه أكثرها العظام والمشافر1 ولحمها قليل، وليست موزونة. [والبيض] لما تقدم. [والأواني المختلفة رؤوساً وأوساطاً كالقماقم ونحوها] فإن لم تختلف رؤوسها وأوساطها صح السلم فها. ولا يصح في الجواهر واللؤلؤ والعقيق ونحوها، لأنها تختلف اختلافاً متبايناً صغراً وكبراً وحسن تدوير وزيادة ضوء وصفاء. [الثاني: ذكر جنسه ونوعه بالصفات التي يختلف بها الثمن] كحداثته وجودته، وضدهما. [ويجوز أن يأخذ دون ما وصف له، ومن غير نوعه من جنسه] لأن الحق له وقد رضي بدونه، ولأنهما كالشئ الواحد لتحريم التفاضل بينهما، ولا يلزمه ذلك، لأن العقد تناول ما وصفاه على شرطهما وإن كان من غير جنسه: كلحم بقرعن ضأن، وشعيرعن بر، لم يجز ولو رضيا، لحديث: "من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره" رواه أبو داود وابن ماجة. ولأنه بيع بخلاف غير نوعه من جنسه. وذكر ابن أبي موسى رواية: أنه يجوز أن يأخذ مكان البر شعيراً مثله. [الثالث: معرفة قدره بمعياره الشرعي، فلا يصح في مكيل وزناً، ولا فى موزون كيلاً] نص عليه، لحديث "من أسلف في شئ فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم" متفق عليه. ونقل المروزي عن أحمد: أن السلم في اللبن يجوز إذا كان كيلاً، أو وزناً.

_ 1 المشفر من البعير كالشفة للإنسان، جمعه مشافر.

وهذا يدل على إباحة السلم في المكيل وزناً، وفي الموزون كيلاً. اختاره الموفق والشارح وابن عبدوس في تذكرته، وجزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الآدمي. قال في الشرح: وهو قول الشافعي وابن المنذر، وقال مالك: ذلك جائز إذا كان الناس يتبايعون التمر وزناً. وهذا الصحيح، ولأن الغرض معرفة قدره، ولا بد أن يكون المكيال معلوماً، فإن شرط مكيالاً بعينه، أو صنجة1 بعينها غير معلومة، لم يصح. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم في الطعام لا يجوز بقفيز لا يعلم معياره، ولا بثوب بذرع فلان، لأن المعيار لو تلف، أو مات فلان بطل السلم. انتهى. [الرابع: أن يكون في الذمة] فإن أسلم في عين لم يصح لأنه ربما تلف قبل تسليمه، ولأنه يمكن بيعه في الحال، فلا حاجة إلى السلم فيه. قاله في الشرح. [إلى أجل معلوم] للحديث السابق. [له وقع في العادة، كشهر ونحوه] لأن الأجل إنما اعتبر ليتحقق الرفق الذي شرع من أجله السلم، ولا يحصل ذلك بالمدة التي لا وقع لها في الثمن، ولا يصح إلى الحصاد والجذاذ وقدوم الحاج ونحوه، لأنه يختلف فلم يكن معلوماً. وعن ابن عباس قال: لا تبايعوا إلى الحصاد والدياس، ولا تتبايعوا إلا إلى أجل معلوم أي: إلى شهر معلوم. وعنه أنه قال: أرجو أن لا يكون به بأس، وبه قال مالك. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يبايع إلى العطاء ولا يصح أن

_ 1 الصنجة: الميزان، وهي من الكلمات المعربة.

يسلم في شئ يأخذ كل يوم جزءاً معلوماً، سواء بين ثمن كل قسط أو لا، لدعاء الحاجة إليه. ومتى قبض البعض، وتعذر الباقي رجع بقسطه من الثمن، ولا يجعل للمقبوض فضلاً على الباقي، لأنه مبيع واحد متماثل الأجزاء، فقسط الثمن على أجزائه بالسوية، كما لو اتفق أجله. وإذا جاء بالسلم قبل محله، ولا ضرر فيه قبضه، وإلا فلا. فإن امتنع رفع الأمر إلى الحاكم ليأخذه، لما روى الأثرم أن أنساً كاتب عبداً له على مال إلى أجل، فجاءه به قبل الأجل، فأبى أن يأخذه، فأتى عمر بن الخطاب فأخذه منه، وقال: اذهب فقد عتقت وروى سعيد في سننه نحوه عن عمر، وعثمان جميعاً، ولأنه زاده خيراً. قاله في الكافي. [الخامس: أن يكون مما يوجد غالباً عند حلول الأجل] لوجوب تسليمه إذاً، لأن القدرة على التسليم شرط، فلو أسلم في العنب إلى شباط لم يصح، لأنه لا يوجد فيه إلا نادراً، وكبيع الآبق بل أولى، ولا يشترط وجوده حال العقد لأنه صلى الله عليه وسلم، قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث، فقال: "من أسلم في شئ فليسلم في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم" أخرجاه. ولو كان الوجود شرطاً لذكره، ولنهاهم عن سلف سنين، لأنه يلزم منه انقطاع المسلم فيه أوسط السنة، قاله في الشرح. ولا يصح السلم في ثمرة بستان بعينه. قال ابن المنذر: هو كالإجماع من أهل العلم، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى، فقال اليهودي: من تمر حائط بني فلان. فقال النبي

صلى الله عليه وسلم: "أما من حائط بني فلان فلا، ولكن كيل مسمًى إلى أجل مسمًى" رواه ابن ماجه وغيره، ورواه الجوزجاني في المترجم، وابن المنذر، ولأنه لا يؤمن تلفه فلم يصح. [السادس: معرفة قدر رأس مال السلم وانضباطه] لأنه لا يؤمن فسخ السلم لتأخر المعقود عليه - كما يأتي - فوجب معرفة رأس ماله، ليرد بدله كالقرض، والشركة فعلى هذا: لا يجوز أن يكون رأس المال إلا ما يجوز أن يكون مسلماً فيه، لأنه يعتبر ضبط صفاته، فأشبه المسلم فيه. قاله في الكافي. [فلا تكفي مشاهدته] كما لو عقداه بصبرة لا يعلمان قدرها ووصفها. [ولا يصح بما لا ينضبط] كجوهر ونحوه، لما تقدم. [السابع: أن يقبضه قبل التفرق من مجلس العقد] تفرقاً يبطل خيار المجلس، لئلا يصير بيع دين بدين، لحديث ابن عمر مرفوعاً: "نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" رواه الدارقطني. واستنبطه الشافعي من قوله صلى الله عليه وسلم: "من أسلف في شئ فليسلف" أي: فليعط. قال: لأنه لا يقع إسم السلف فيه حتى يعطيه ما أسلفه قبل أن يفارقه. وإن كان له في ذمة رجل ديناً فجعله سلماً في طعام إلى أجل لم يصح. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم، وروي عن ابن عمر أنه قال: لا يصح ذلك قاله في الشرح. [ولا يشترط ذكر مكان الوفاء] لأنه لم يذكر في الحديث، وكباقي البيوع. [لأنه يجب مكان العقد] لأن مقتضى العقد التسليم في مكانه.

[مالم يعقد1 ببرية ونحوها] كسفينة ودار حرب. [فيشترط] ذكره، لأنه لا يمكن التسليم في ذلك المكان، ولا قرينة، فوجب تعيينه بالقول والزمان. وإن أحضره قبل محله أو في غير مكان الوفاء، فاتفقا على أخذه جاز، وإن أعطاه عوضاً عن ذلك، أو نقصه من السلم لم يجز، لأنه بيع الأجل والمحل. قاله في الكافي. [ولا يصح أخذ رهن أو كفيل بمسلم فيه] رويت كراهته عن علي وابن عباس وابن عمر، لأنه لا يمكن الاستيفاء من عين الرهن، ولا من ذمة الضامن، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أسلم في شئ فلا يصرفه إلى غيره" ونقل حنبل جوازه، وهو قول عطاء ومجاهد ومالك والشافعي، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ... } إلى قوله: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ... } 2 وروي عن ابن عباس وابن عمر: أن المراد به السلم، واختاره جمع من الأصحاب، وحملوا قوله: لا يصرفه إلى غيره أي: لا يجعله رأس مال سلم آخر. [وإن تعذر حصوله خير رب السلم بين صبر أو فسخ، ويرجع برأس ماله أو بدله إن تعذر] لحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أسلف في شئ فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه، أو رأس ماله" رواه الدارقطني. ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه. بغير خلاف علمناه، لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه، وعن ربح مالم يضمن صححه الترمذي. قاله في الشرح. وقال ابن

_ 1 كانت في الأصل "يكن" وصححت من أصول المتن المخطوطة. 2 البقرة من الآية/282/283.

المنذر: ثبت عن ابن عباس، قال: "إذا أسلمت في شئ إلى أجل، فإن أخذت ما أسلفت فيه، وإلا فخذ عرضاً أنقص منه، ولا تربح مرتين" رواه سعيد. [ومن أراد قضاء دين عن غيره، فأبى ربه، لم يلزم بقبوله] لما فيه من المنة، ولأنه إن كان المديون يقدر على الوفاء وجب عليه، وإلا لم يلزمه شئ، فإن ملكه لمدين، فقبضه ودفعه لرب الدين، أجبر على قبوله.

باب القرض

باب القرض مدخل ... باب القرض قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن اقتراض ماله مثل من المكيل والموزون والأطعمة جائز. وقال الامام أحمد: ليس القرض من المسألة، يريد أنه لا يكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يستقرض وهو مستحب للمقرض لحديث ابن مسعود مرفوعاً: "ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرةً" رواه ابن ماجه، ولأن فيه تفريجاً وقضاء لحاجة المسلم، أشبه الصدقة. [يصح بكل عين يصح بيعها] من مكيل وموزون وغيره لأنه صلى الله عليه وسلم، استسلف بكراً متفق عليه. [إلا بني أدم] فلا يصح قرضه لأنه لم ينقل، ولا هو من المرافق، ويفضي إلى أن يقترض جارية يطؤها ثم يردها. [ويشترط علم قدره ووصفه] ليتمكن من رد بدله. [وكون مقرض يصح تبرعه] كسائر عقود المعاملات، لأنه عقد على مال فلم يصح إلا من جائز التصرف.

[ويتم العقد بالقبول] كالبيع. [ويملك ويلزم بالقبض1] لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض فوقف الملك عليه. [فلا يملك المقرض استرجاعه] للزومه من جهته بالقبض. [ويثبت له البدل حالاً] كالإتلاف، أو لأنه عقد منع فيه التفاضل، فمنع فيه الأجل كالصرف ولو مع تأجيله، لأنه وعد لا يلزم الوفاء به، كتأجيل العارية، قال الإمام أحمد: القرض حال، وينبغي أن يفي بوعده، وكذا كل دين حال. وقال مالك والليث: يتأجل الجميع بالتأجيل، لحديث "المسلمون على شروطهم" واختاره الشيخ تقي الدين، وصوبه في الإنصاف، وذكره البخاري في صحيحه عن بعض السلف. [فإن كان متقوماً فقيمته وقت القرض] نص عليه، لأنها حينئذ تجب. [وإن كان مثلياً فمثله] لأنه صلى الله عليه وسلم، استسلف بكراً فرد مثله رواه مسلم. [ما لم يكن معيباً] أي: المثلي، إذا رد بعينه، كحنطة ابتلت، فلا يلزمه قبوله لما فيه من الضرر، لأنه دون حقه. [أو فلوساً ونحوها، فيحرمها السلطان، فله القيمة] وقت القرض، نص عليه في الدراهم المكسرة، قال: يقومها كم تساوي يوم أخذها، فإن لم تترك المعاملة بها لكن رخصت، فليس له إلا مثلها، لأنها لم تتلف، إنما تغير سعرها فأشبهت الحنطة إذا رخصت. قاله في الكافي والشرح.

_ 1 إن لفظة "ويملك" ساقطة من الأصل، وهي في جميع المخطوطات.

[ويجوز شرط رهن وضمين فيه] لأن النبي صلى الله عليه وسلم، استقرض من يهودي شعيراً ورهنه درعه متفق عليه. [ويجوز قرض الماء كيلاً] كسائر المائعات، ويجوز قرضه مقداراً بزمن من نوبة غيره، ليرد مثله في الزمن من نوبته، نص عليه، لأنه من المرافق. [والخبز والخمير عدداً، ورده عدداً بلا قصد زيادة] لحديث عائشة قلت: يا رسول الله، إن الجيران يستقرضون الخبز والخمير، ويردون زيادة ونقصاناً، فقال: "لا بأس، إنما ذلك من مرافق الناس لا يراد به الفضل" وعن معاذ أنه سئل عن اقتراض الخبز والخمير، فقال: "سبحان الله إنما هذا من مكارم الأخلاق، فخذ الكبير وأعط الصغير، وخذ الصغير وأعط الكبير، خيركم أحسنكم قضاء". سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك رواهما أبو بكر في الشافي. [وكل قرض جر نفعاً فحرام، كان يسكنه داره، أو يعيره دابته، أو يقضيه خيراً منه] أو يهدي له أو يعمل له عملاً ونحوه لأنه صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع وسلف صححه الترمذي. وعن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس، رضي الله عنهم أنهم كرهوه، ونهوا عن قرض جر منفعة ويروى كل قرض جر منفعة فهو ربا. [فإن فعل ذلك بلا شرط، أو قضى خيراً منه بلا مواطأة جاز] 1 لأنه صلى الله عليه وسلم استسلف بكراً ورد خيراً منه وقال "خيركم أحسنكم قضاء" متفق عليه. وإن أهدى إليه قبل الوفاء من غير عادة

_ 1 لم تكن الجملة واضحة في الأصل وما ذكرناه من مخطوطات المتن.

لم يجز إلا أن يحسبه من دينه، لما روى ابن ماجة عن أنس مرفوعاً: "إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدى إليه، أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك" وروى الأثرم أن رجلاً كان له على سماك عشرون درهماً، فجعل يهدي إليه السمك ويقومه، حتى بلغ ثلاثة عشر درهماً، فسأل ابن عباس فقال: أعطه سبعة دراهم وإن كتب له به سفتجة1 أو قضاه في بلد آخر، أو أهدى إليه بعد الوفاء فلا بأس بذلك. قاله في الكافي. وإن شرط أن يوفيه في بلد آخر، أو يكتب له به سفتجة، فروى عن أحمد: أنه لا يجوز. وكرهه الحسن ومالك والشافعي، وصححه في الإنصاف، وجزم به في الوجيز. وعنه: يجوز. اختاره الشيخ تقي الدين، وصححه في النظم والفائق. وذكر القاضي أن للوصي قرض مال اليتيم في بلد، ليوفيه في آخر، ليربح خطر الطريق. حكاه في المغني. قال: والصحيح جوازه، لأنه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما، والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها، ولما روي أن ابن الزبير كان يأخذ من قوم بمكة دراهم، ثم يكتب لهم بها إلى مصعب بن الزبير بالعراق، فيأخذونها منه فسئل عن ذلك ابن عباس فلم ير به بأساً وروي عن علي أنه سئل عن مثل ذلك فلم ير به بأساً انتهى. [ومتى بذل المقترض ما عليه بغير بلد المقرض - ولا مؤنة لحمله -

_ 1 السفتجة: بضم فسكون ففتحتين. وهو أن يعطي مالا لآخر، وللآخر مال في بلد المعطي فيوفيه إياه هناك فيستفيد أمن الطريق. انتهى، من القاموس بمعناه.

لزم ربه قبوله مع أمن البلد والطريق] 1 لعدم الضرر عليه حينئذ، وكذا ثمن وأجرة ونحوهما. فإن كان لحمله مؤنة، أوالبلد أوالطريق غير آمن، لم يلزمه قبوله، لأنه ضرر، وفي الحديث "لا ضرر ولا ضرار".

_ 1 في أصول المتن، بلد القرض.

باب الرهن

باب الرهن مدخل ... باب الرهن وهو المال يجعل وثيقة بالدين، ليستوفى منه إن تعذر وفاؤه من المدين، ويجوز في السفر لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ... } 2 أوفي الحضر. قال ابن المنذر: لا نعلم أحداً خالف فيه، إلا مجاهداً. وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم، اشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعه متفق عليه. فأما ذكر السفر فإنه خرج مخرج الغالب. [يصح بشروط خمسة: كونه منجزاً] فلا يصح معلقاً كالبيع. [وكونه مع الحق أو بعده] للآية. فإنه جعله بدلاً عن الكتابة، فيكون في محلها، وهو بعد وجوب الحق. ويصح مع ثبوته لأن الحاجة داعية إليه، ولا يصح قبله في ظاهر المذهب، اختاره أبو بكر والقاضي، لأنه تابع للدين فلا يجوز قبله، كالشهادة. قاله في الكافي، وقال في الشرح: واختار أبو الخطاب صحته، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك. انتهى. [وكونه ممن يصح بيعه] لأنه نوع تصرف في المال، فلم يصح إلا من جائز التصرف كالبيع.

_ 2 البقرة من الآية/283.

[وكونه ملكه أومأذوناً له في رهنه] قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه، أن الرجل إذا استعار شيئاً يرهنه على دنانير معلومة عند رجل قد سماه إلى وقت معلوم، ففعل: أن ذلك جائز، ومتى شرط شيئاً من ذلك، فخالف ورهن بغيره، لم يصح، وهذا إجماع أيضاً. حكاه ابن المنذر. وإن رهنه بأكثر احتمل أن يبطل في الكل، واحتمل أن يصح في المأذون، ويبطل في الزائد، كتفريق الصفقة. فإن أطلق الإذن في الرهن، فقال القاضي: يصح، وله رهنه بما شاء، وهو أحد قولي الشافعي والآخر لا يجوز حتى يبين قدره وصفته وحلوله وتأجيله. فإن تلف ضمنه الراهن. نص عليه، لأن العارية مضمونة، فإن فك المعير الرهن بغير إذن الراهن محتسباً بالرجوع، فهل يرجع؟ على روايتين بناء على ما إذا قضى دينه بغير إذنه. قاله في الشرح. [وكونه معلوماً، جنسه وقدره وصفته] لأنه عقد على مال، فاشترط العلم به كالمبيع، وكونه بدين واجب، كفرض وثمن وقيمة متلف. أو مآله إلى الوجوب، فيصح بعين مضمونة، كغصب وعارية ومقبوض على وجه السوم، أوبعقد فاسد، لا على دين كتابة ودية على عاقلة قبل الحول، ولا بعهدة مبيع، لأنه ليس له حد ينتهي إليه فيعم ضرره. [وكل ما صح بيعه صح رهنه] لأن المقصود الاستيثاق للدين باستيفائه من ثمنه عند تعذر استيفائه من الراهن، وهذا يحصل مما يجوز بيعه، ولا يصح رهن المشاع لذلك. [إلا المصحف] فلا يصح رهنه ولو لمسلم، لأنه وسيلة إلى بيعه المحرم.

[وما لا يصح بيعه] كحر وأم ولد ووقف وكلب وآبق ومجهول. [لا يصح رهنه] لأنه لا يمكن بيعها وإيفاء الدين منها، وهو المقصود بالرهن. [إلا الثمرة قبل بدو صلاحها، والزرع قبل اشتداد حبه] فيصح رهنهما، لأن النهي عن بيعهما لعدم أمن العاهة، وبتقدير تلفها لا يفوت حق المرتهن من الدين، لتعلقه بذمة الراهن. [والقن دون رحمه المحرم] لأن الرهن لا يزيل الملك، فلا يحصل به التفريق. فإن احتيج إلى بيعه بيع رحمه معه، لأن التفريق بينهما محرم، والجمع بينهما في البيع جائز، فتعين، وللمرتهن من الثمن بقدر قيمة المرهون. قال معناه في الكافي. [ولا يصح رهن مال اليتيم للفاسق] لأنه تعريض به للهلاك، لأنه قد يجحده الفاسق، أو يفرط فيه فيضيع.

فصل: للراهن الرجوع

فصل للراهن الرجوع [وللراهن الرجوع في الراهن ما لم يقبضه المرتهن] وبه قال الشافعي. [فإن قبض لزم] لقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} 1 وعنه، في غير المكيل والموزون: أنه يلزم بمجرد العقد، قياساً على البيع. ونص عليه في رواية الميموني. وقال القاضي في التعليق: هذا قول أصحابنا. قال في التلخيص: هذا أشهر الروايتين، وهو المذهب عند ابن عقيل وغيره، وعليه العمل. وقال مالك: يلزم الرهن بمجرد العقد كالبيع. وقال الشافعي: استدامة القبض ليست شرطاً. قاله في الشرح.

[فلا يصح تصرفه فيه بلا إذن المرتهن] لأنه محبوس على استيفاء حقه، فتصرف الراهن فيه يفوت عليه حقه. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للمرتهن منع الراهن من وطء أمته المرهونة. [إلا بالعتق] فإنه يصح مع الاثم، لأنه مبني على السراية والتغليب. نص عليه، لأنه إعتاق من مالك تام الملك. [وعليه قيمته مكانه تكون رهناً] كبدل أضحية ونحوها، لأنه أبطل حق المرتهن من الوثيقة بغير إذنه، فلزمته قيمته، كما لو أبطلها أجنبي، وعنه: لا ينفذ عتق المعسر، لأنه عتق في ملكه يبطل به حق غيره، فاختلف فيه الموسر والمعسر، وهو مذهب مالك. [وكسب الرهن ونماؤه رهن] لأنه تابع له، ولأنه حكم ثبت في العين بعقد المالك، فيدخل فيه النماء والمنافع. قال في الشرح: وأما الحديث، فنقول به وإن غنمه وكسبه ونماءه للراهن، ولكن يتعلق به حق المرتهن، ومؤنته على الراهن. انتهى. [وهو أمانة بيد المرتهن لا يضمنه إلا لتفريط] نص عليه. لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنة، له غنمه وعليه غرمه" رواه الشافعي، والدارقطني، وقال: إسناده حسن متصل، ورواه الأثرم بنحوه. وروي عن علي رضي الله عنه، وبه قال عطاء والزهرى والشافعي. ولأنه لو ضمن لامتنع الناس منه خوفاً من ضمانه، فتتعطل المداينات، وفيه ضرر عظيم. [ويقبل قوله بيمينه في تلفه. وأنه لم يفرط] لأنه أمين فأشبه المودع.

[وإن تلف بعض الرهن فباقيه رهن بجميع الحق] لأن الدين كله متعلق بجميع أجزاء الرهن. [ولا ينفك منه شئ حتى يقضي الدين كله] لأن الرهن وثيقة بالدين كله فكان وثيقة بكل جزء منه كالضمان. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه على أن من رهن شيئاً بمال فأدى بعضه، وأراد إخراج بعض الرهن، أن ذلك ليس له، حتى يوفيه آخر حقه أو يبرئه. [وإذا حل أجل الدين، وكان الراهن قد شرط للمرتهن أنه إن لم يأته بحقه عند الحلول، وإلا فالرهن له، لم يصح الشرط] لحديث لا يغلق الرهن رواه الأثرم. قال أحمد: معناه لا يدفع رهناً إلى رجل يقول: إن جئتك بالدراهم إلى كذا وكذا، وإلا فالرهن لك. قال ابن المنذر: هذا معنى قوله: لا يغلق الرهن عند مالك والثوري وأحمد. وفي حديث معاوية بن عبد الله بن جعفر أن رجلاً رهن داراً بالمدينة إلى أجل مسمى فمضى الأجل، فقال الذي ارتهن: منزلي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يغلق الرهن". ولأنه علق البيع على شرط مستقبل فلم يصح، كما لو علقه على قدوم زيد، ويصح الرهن. نصره أبو الخطاب، لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغلق الرهن" فسماه رهناً، ولم يحكم بفساده. قاله في الشرح. [بل يلزمه الوفاء] كالدين الذي لا رهن به. [أو يأذن للمرتهن في بيع الرهن] أو يأذن لغيره فيبيعه، لأنه مأذون له. [أو يبيعه هو بنفسه ليوفيه حقه] من ثمنه، لأنه المقصود ببيعه. [فإن أبى حبس أوعزر، فإن أصر باعه الحاكم]- نص عليه -

بنفسه أو أمينه، لقيامه مقام الممتنع. ووفى دينه، لأنه حق تعين عليه، فقام الحاكم مقامه فيه، وكذا إن غاب راهن، ولا يبيعه مرتهن إلا بإذن ربه أو إذن الحاكم.

فصل: في الأنتفاع بالرهن

فصل: في الأنتفاع بالرهن ... فصل في الأتتفاع بالرهن [وللمرتهن ركوب الرهن، وحلبه بقدر نفقته بلا إذن الراهن، ولو حاضراً] نص عليه، لما روى البخاري وغيره عن أبي هريرة مرفوعاً: "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب، ويشرب النفقة" ولا يعارضه حديث "لا يغلق الرًهن من راهنه، له غنمه، وعليه غرمه" لأنا نقول به، والنماء للراهن، ولكن للمرتهن ولاية صرفه إلى نفقته، لثبوت يده عليه، ولوجوب نفقة الحيوان، فهو كالنائب عن المالك في ذلك ومحله إن أنفق بنية الرجوع. وأما غير المحلوب، والمركوب كالعبد والأمة فليس للمرتهن أن ينفق عليه، ويستخدمه بقدر نفقته. نص عليه، لاقتضاء القياس أنه لا ينتفع المرتهن من الرهن بشئ، تركناه في المركوب والمحلوب للخبر. ولا يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن بغير إذن الراهن. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. [وله الإنتفاع به مجاناً بإذن الراهن] لطيب نفس ربه به، ما لم يكن الدين قرضاً، فيحرم الإنتفاع لجر النفع، قال أحمد: أكره قرض الدور، وهو الربا المحض. يعني: إذا كانت الدار رهناً في قرض ينتفع بها المرتهن.

[لكن يصير مضموناً عليه بالإنتفاع] به مجاناً لصيرورته عارية. [ومؤنة الرهن، وأجرة مخزنه، وأجرة رده، من إباقه على مالكه] لحديث: "لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه" رواه الشافعي، والدارقطني. [وإن أنفق المرتهن على الرهن بلا إذن الراهن مع قدرته على استئذانه فمتبرع] حكماً، لتصدقه به، فلم يرجع بعوضه ولو نوى الرجوع، كالصدقة على مسكين، ولتفريطه بعدم الاستئذان. وإن أنفق بإذنه بنية الرجوع، رجع لأنه نائب، أشبه الوكيل، وإن تعذر استئذانه وأنفق بنية الرجوع، رجع، ولو لم يستأذن الحاكم، لاحتياجه لحراسة حقه. وكذا وديعة وعارية، ودواب مستأجرة هرب ربها، فله الرجوع، إذا أنفق على ذلك بنية الرجوع عند تعذر إذن مالكها.

فصل: من قبض العين لحظ نفسه

فصل من قبض العين لحظ نفسه [من قبض العين لحظ نفسه، كمرتهن وأجير ومستأجر ومشتر وبائع وغاصب، وملتقط، ومقترض، ومضارب، وادعى الرد للمالك فأنكره لم يقبل قوله إلا ببينة] وهو المشهور عن أحمد، وخرج أبو الخطاب، وأبو الحسين وجهاً بقبول قول المرتهن، ونحوه في الرد، لأنه أمين في الجملة، وكذا الخلاف في المستأجر. قاله في القواعد، وقدمه في الكافي. [وكذا مودع، ووكيل، ووصى، ودلال بجعل إذا ادعى الرد] قال في القواعد: القسم الثالث: من قبض المال لمنفعة مشتركة بينه

وبين مالكه، كالمضارب، والشريك، والوكيل بجعل، والوصي كذلك. ففي قبول قولهم في الرد وجهان، لوجود المشائبتين في حقهم، أحدهما: عدم القبول. نص عليه في المضارب في رواية ابن منصور. وهو اختيار ابن حامد، وابن أبي موسى، والقاضي في المجرد، وابن عقيل، وغيرهم. والثاني: قبول قولهم في ذلك. اختاره القاضي في خلافه، وابنه أبو الحسين، والشريف أبو جعفر، وأبو الخطاب في خلافه، ووجدت ذلك منصوصاً عن أحمد في المضارب أيضاً أن القول قوله بيمينه. انتهى. [وبلا جعل يقبل قوله بيمينه] لأنه أمين قبض المال لمنفعة مالكه وحده. قال معناه في القواعد.

باب الضمان والكفالة

باب الضمان والكفالة مدخل ... باب الضمان والكفالة الضمان جائز إجماعاً في الجملة، لقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} 1 قال ابن عباس الزعيم: الكفيل ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الزعيم غارم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه. [يصحان تنجيزاً] كأنا ضامن، أو كفيل الآن. [وتعليقاً] كإن أعطيته كذا فأنا ضامن لك، أو كفيل به للآية السابقة. [وتوقيتاً] كإذا جاء رأس الشهر فأنا ضامن لك، أو كفيل عند أبي الخطاب، والشريف أبي جعفر، وهو مذهب أبي حنيفة. وقال القاضي: لا يصح، لأنه إثبات حق لآدمي، فلم يجز ذلك فيه كالبيع، وهو مذهب الشافعي. [ممن يصح تبرعه] لأنه إيجاب مال، فلم يصح إلا من جائز التصرف. [ولرب الحق مطالبة الضمان والمضمون معاً أو أيهما شاء] لثبوت الحق في ذمتهما، وحكي عن مالك في إحدى الروايتين عنه: أنه لا يطالب الضامن إلا إذا تعذر مطالبة المضمون عنه، ولنا قوله صلى الله عليه وسلم "الزعيم غارم" قاله في الشرح. [لكن لو ضمن ديناً حالاً إلى أجل معلوم صح، ولم يطالب الضان قبل مضيه] نص عليه: في رجل ضمن ما على فلان أن يؤديه حقه في

_ 1 يوسف/72.

ثلاث سنين فهو عليه، ويؤديه كما ضمن، ولحديث رواه ابن ماجة، عن ابن عباس معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم، تحمل عشرة دنانير عن رجل قد لزمه غريمه إلى شهر، وقضاها عنه ولأنه مال لزم مؤجلاً بعقد فكان كما التزمه، كالثمن المؤجل، ولم يكن على الضامن حالاً، وتأجل، ويجوز تخالف ما في الذمتين. [ويصح ضمان عهدة الثمن والمثمن] لدعاء الحاجة إليه: بأن يضمن الثمن إن استحق المبيع، أو رد بعيب، أو الأرش إن خرج معيباً، أو يضمن الثمن للبائع قبل تسليمه، أو إن ظهر به عيب. وممن أجاز ضمان العهدة في الجملة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، قاله في الشرح. [والمقبوض على وجه السوم] إن ساومه، وقطع ثمنه، أوساومه ولم يقطع ثمنه ليريه أهله إن رضوه، وإلا رده، لأنه مضمون على قابضه إذا تلف بيده، فيصح ضمانه، كعهدة المبيع. [والعين المضمونة كالغصب والعارية] لأنها مضمونة على من هي بيده لو تلفت، فصح ضمانها، ومعنى ضمان غصب ونحوه: ضمان استنقاذه، والتزام تحصيله، أو قيمته عند تلفه، فهو كعهدة المبيع. [ولا يصح ضمان غير المضمونة كالوديعة ونحوها] كالعين المؤجرة، ومال الشركة، لأنها غير مضمونة على صاحب اليد، فكذا على ضامنه إلا أن يضمن التعدي فيها، فيصح في ظاهر كلام أحمد، لأنها مع التعدي مضمونة كالغصب. [ولا دين الكتابة] لأنه ليس بلازم، ولا مآله إلى اللزوم، لأنه يملك تعجيز نفسه.

[ولا بعض دين لم يقدر] لجهالته حالاً ومالاً. قال في الفروع: وصححه أبو الخطاب، ويفسره. انتهى. ويصح ضمان المعلوم، والمجهول قبل وجوبه وبعده، للآية. وحمل البعير يختلف، فهو غير معلوم، وقد ضمنه قبل وجوبه. [وإن قضى الضامن ما على المدين، ونوى الرجوع عليه رجع، ولو لم يأذن له المدين في الضمان والقضاء] لأنه قضاء مبرئ من دين واجب لم يتبرع به، فكان من ضمان من هو عليه، كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه. وأما قضاء علي وأبي قتادة عن الميت، فكان تبرعاً لقصد براءة ذمته، ليصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم، مع علمهما أنه لم يترك وفاء، والكلام فيمن نوى الرجوع لا من تبرع. [وكذا كل من أدى عن غيره دينأ واجباً] 1 فيرجع إن نوى الرجوع، وإلا فلا. إلا الزكاة، والكفارة ونحوهما مما يفتقر إلى نية، لأنها لا تجزئ بغير نية ممن هي عليه. [وإن برئ المديون] بوفاء أو إبراء أو حوالة. [برئ ضامنه] لأنه تبع له، والضمان وثيقة، فإذا برئ الأصل زالت الوثيقة كالرهن. [ولا عكس] أي: لا يبرأ مدين ببراءة ضامن، لعدم تبعيته له. [ولو ضمن اثنان واحداً، وقال كل: ضمنت لك الدين. كان لربه طلب كل واحد بالدين كله] لثبوته في ذمة المدين أصالة، وفي ذمة الضامنين تبعاً، كل واحد منهما ضامن الدين منفرداً، ويبرؤون بأداء

_ 1 إن لفظة [ديناً] سقطت من الأصل.

أحدهم وبإبراء المضمون عنه. قال مهنا: سألت أحمد عن رجل له على رجل ألف درهم، فأقام بها كفيلين: كل واحد منهما كفيل ضام، فأيهما شاء أخذه بحقه، فأحال رب المال رجلاً عليه بحقه، قال: يبرأ الكفيلان. [وإن قالا: ضمنا لك الدين فبينهما بالحصص] أي نصفين، لأن مقتضى الشركة التسوية.

فصل الكفالة: التزام باحضار بدن

فصل الكفالة: التزام باحضار بدن [والكفالة: هي أن يلتزم بإحضار بدن من عليه حق مالي إلى ربه] من دين، أوعارية، ونحوهما. قال في الشرح: وجملة ذلك: أن الكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر أهل العلم، لقوله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} 1 ولحديث "الزعيم غارم" تصح ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحكم، بلفظ: أنا كفيل بفلان، أو بنفسه، أو بدنه، أو وجهه، أو ضامن، أو زعيم، ونحوها. ولا تصح ببدن من عليه حد لله تعالى، أو لآدمي. قال في الشرح: وهو قول أكثر العلماء لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "لا كفالة في حد" ولأن مبناه على الإسقاط، والدرء بالشبهة، فلا يدخله الإستيثاق، ولا يمكن استيفاؤه من غير الجاني. [ويعتبر رضى الكفيل] لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه.

_ 1 يوسف من الآية/66.

[لا المكفول، ولا المكفول له] كالضمان، لحديث جابر: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل ليصلي عليه فقال: "أعليه دين"؟ قلنا: ديناران. فانصرف فتحملهما أبو قتادة، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والبخاري بمعناه. فلم يعتبر الرضى المضمون له، ولا المضمون عنه، فكذا الكفالة. [ومتى سلم الكفيل المكفول لرب الحق بمحل العقد] وقد حل الأجل، إن كانت الكفالة مؤجلة برئ الكفيل مطلقاً. نص عليه. أو سلمه قبل الأجل، ولا ضرر في قبضه برئ الكفيل، لأنه زاده خيراً بتعجيل حقه، فإن كان فيه ضرر لغيبة حجته، أو لم يكن يوم مجلس الحكم، أو الدين مؤجل لا يمكن استيفاؤه، أو كان ثم يد حائلة ظالمة ونحوه، لم يبرأ الكفيل، لأنه كلا تسليم. [أو سلم المكفول نفسه] برئ الكفيل، لأن الأصيل أدى ما على الكفيل، كما لو قضى مضمون عنه الدين. [أو مات] المكفول. [برئ الكفيل] لسقوط الحضور عنه بموته، وكذا إن تلفت العين المكفولة بفعل الله، وبه قال الشافعي. [وإن تعذر على الكفيل إحضار المكفول] مع حياته، أو امتنع الكفيل من إحضاره. [ضمن جميع ما عليه] نص عليه، لحديث "الزعيم غارم". ولأنها أحد نوعي الكفالة فوجب الغرم بها كالضمان، قاله في الكافي. [ومن كفله اثنان فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر] لانحلال إحدى

الوثيقتين بلا استيفاء، فلا تنحل الأخرى، كما لو برئ أحدهما، أو انفك أحد الرهنين بلا قضاء. [وإن سلم] المكفول. [نفسه برئا] أي: الكفيلان، لأداء الأصيل ما عليهما.

باب الحوالة

باب الحوالة مدخل ... باب الحوالة مشتقة من التحول، لأنها تحول الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه. وهي ثابتة بالسنة، والإجماع، لقوله صلى الله عليه وسلم: "مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع" متفق عليه. وفي لفظ "ومن أحيل بحقه على مليء فليحتل" وأجمعوا على جوازها في الجملة، وهي عقد إرفاق منفرد بنفسه ليست بيعاً، بدليل جوازها في الدين بالدين. وجوازالتفرق قبل القبض، واختصاصها بالجنس الواحد، واسم خاص فلا يدخلها خيار، لأنها ليست بيعاً، ولا في معناه، لكونها لم تبن على المغابنة، قاله في الكافي. [وشروطها خمسة: أحدها: اتفاق الدينين] لأنها تحويل الحق، فيعتبر تحويله على صفته. [في الجنس] فلو أحال عليه أحد النقدين بالآخر لم يصح. [والصفة] فلو أحال عن المصرية بأميرية، أو عن المكسرة بصحاح لم يصح. [والحلول والأجل] فإن كان أحدهما حالاً، والآخر مؤجلاً، أو أجل أحدهما مخالفاً لأجل الآخر لم يصح.

[الثاني: علم قدر كل من الدينين] لأنه يعتبر فيها التسليم، والتماثل. والجهالة تمنعهما. [الثالث: استقرار المال المحال عليه] نص عليه، لأن مقتضاها إلزام المحال عليه بالدين مطلقاً، وما ليس بمستقر عرضة للسقوط، فلا تصح على مال كتابة، أو صداق قبل دخول، أو ثمن مدة خيار، أو جعل قبل العمل. [لا المحال به] فإن أحال المكاتب سيده بدين الكتابة، أو الزوج امرأته بصداقها قبل الدخول، أو المشتري البائع بثمن المبيع في مدة الخيارين صح، لأن له تسليمه، وحوالته تقوم مقام تسليمه. [الرابع: كونه يصح السلم فيه] لأن غيره لا يثبت في الذمة، وإنما تجب قيمتة بالإتلاف، ولا يتحرر المثل فيه. [الخامس: رضى المحيل] لأن الحق عليه فلا يلزمه أداؤه منه جهة بعينها. قال في الشرح: ولا خلاف في هذا، ولا يعتبر رضى المحال عليه، لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه، وبوكيله، وقد أقام المحتال مقام نفسه في القبض، فلزم المحال عليه الدفع إليه. [لا المحتال إن كان المحال عليه مليئاً] ويجبر على اتباعه. نص عليه، للخبر. [وهو] أي: المليء. [من له القدرة على الوفاء وليس مماطلاً، ويمكن حضوره لمجلس الحكم] نص أحمد في تفسير المليء: أن يكون مليئاً بماله وقوله، وبدنه، فلا

يلزم رب دين أن يحتال على والده، لأنه لا يمكنه إحضاره إلى مجلس الحكم. [فمتى توفرت الشروط برئ المحيل من الدين بمجرد الحوالة] لأنه قد تحول من ذمته. [أفلس المحال عليه بعد ذلك أو مات] فلا يرجع على المحيل، كما لو أبرأه، لأن الحوالة بمنزلة الإيفاء. [ومتى لم تتوفر الشروط لم تصح الحوالة، وإنما تكون وكالة] قال في الشرح: وإذا لم يرض المحتال، ثم بان المحال عليه مفلساً، أو ميتاً رجع، بغير خلاف. انتهى. وإن رضي مع الجهل بحاله رجع، لأن الفلس عيب في المحال عليه، وإن شرط ملاءة المحال عليه فبان معسراً رجع، لحديث "المؤمنون على شروطهم" رواه أبو داود.

باب الصلح

باب الصلح مدخل ... باب الصلح وأحكام الصلح ثابتة بالإجماع لقوله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} 1 وعن أبي هريرة مرفوعاً: "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً" رواه أبو داود، والترمذي، والحاكم وصححاه. [يصح ممن يصح تبرعه] لأ نه تبرع، فلم يصح إلا من جائز التصرف، ولا يصح من ولي يتيم، ومجنون وناظر وقف، لأنه تبرع ولا يملكونه إلا في حال الإ نكار وعدم البينة، لأن استيفاء البعض عند العجز أولى من تركه، قاله في الشرح. [مع الإقرار والإنكار] على ما يأتي. [فإذا أقر للمدعي بدين، أو عين، ثم صالح على بعض الدين، أو بعض العين المدعاة، فهو هبة يصح بلفظها] لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط حقه، أو بعضه. قال أحمد: ولو شفع فيه شافع لم يأثم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر فوضعوا عنه الشطر، وكلم كعب بن مالك فوضع عن غريمه الشطر. [لا بلفظ الصلح] لأن معناه: صالحني عن المئة بخمسين - أي: بعني - وذلك غير جائز، لأنه رباً وهضم للحق، وأكل مال بالباطل، وإن منعه حقه بدونه، لم يصح لذلك.

_ 1 النساء من الآية/127.

[وإن صالحه على عين غير المدعاة، فهو بيع يصح بلفط الصلح] كسائر المعاوضات. [وتثبت فيه أحكام البيع] على ما سبق. [فلو صالحه عن الدين بعين، واتفقا في علة الربا، اشترط قبض العوض في المجلس، وبشئ في الذمة يبطل بالتفرق قبل القبض] لأ نه إذاً بيع دين بدين، وقد نهي عنه. قال في الكافي: وذلك ثلاثة أضرب. أحدها: أن يعترف له بنقد فيصالحه على نقد، فهذا صرف يعتبر له شروطه. الثاني: أن يعترف له بنقد فيصالحه على عرض أو بالعكس، فهذا بيع تثبت فيه أحكامه كلها. الثالث: أن يعترف له بنقد أو عرض، فيصالحه على منفعة كسكنى دار وخدمة، فهذه إجارة تثبت فيها أحكامها. انتهى. [وإن صالح عن عيب في المبيع صح] الصلح لأنه يجوز أخذ العوض عنه. [فلو زال العيب سريعاً] بلا كلفة، ولا تعطيل نفع على مشتر، كزوجة بانت ومريض عوفي، رجع بما دفعه، لحصول الجزء الفائت من المبيع بلا ضرر، فكأنه لم يكن. [أو لم يكن] أي: العيب. كنفاخ بطن أمة ظنه حملاً، ثم ظهرالحال. [رجع بما دفعه] لأنه تبين عدم استحقاقه. [ويصح الصلح عما تعذر علمه من دين أو عين] كرجلين بينهما معاملة، وحساب مضى عليه زمن، ولا علم لواحد منهما بما عليه لصاحبه، لما

روى أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لرجلين، اختصما في مواريث درست بينهما: استهما، وتوخيا الحق، وليحلل أحدكما صاحبه ولأنه إسقاط حق فصح فىالمجهول، للحاجة، ولئلا يفضي إلى ضياع المال، أو بقاء شغل الذمة، إذ لا طريق إلى التخلص إلا به، فأما ما تمكن معرفته فلا يجوز. قال الإمام أحمد: إذا صولحت امرأة من ثمنها لم يصح، واحتج بقول شريح: أيما امرأة صولحت من ثمنها، لم يتبين لها ما ترك زوجها، فهي الريبة كلها. وقال: وإن ورث قوم مالاً، ودوراً، وغير ذلك، فقال بعضهم نخرجك من الميراث بألف درهم أكره ذلك. ولا يشترى منها شئ وهي لا تعلم، لعلها تظن أنه قليل، وهو يعلم أنه كثير، إنما يصالح الرجل الرجل على الشئ لا يعرفه، أو يكون رجلاً يعلم ما له عند رجل، والآخر لا يعلمه فيصالحه، فأما إذا علم فلم يصالحه؟! إنما يريد أن يهضم حقه، ويذهب به. قال معناه في الشرح والكافي، وصححه في الإنصاف، وقطع به في الاقناع. قال في الفروع: وهو ظاهر نصوصه. انتهى. والمشهور أنه يصح لقطع النزاع، كبراءة من مجهول. قدمه في الفروع، وجزم به في التنقيح، وحكاه في التلخيص عن الأصحاب. [وأقر لي بديني، وأعطيك منه كذا فأقر، لزمه الدين] لأنه لا عذر لمن أقر، ولأنه أقر بحق يحرم عليه إنكاره. [ولم يلزمه أن يعطيه] لوجوب الاقرار عليه بلا عوض. قال في الشرح: وإن صالح عن المؤجل ببعضه حالاً لم يصح، كرهه ابن عمر، وقال: نهى عمر أن تباع العين بالدين وكرهه ابن المسيب والقاسم ومالك والشافعي وأبو حنيفة. وروي عن ابن عباس وابن سيرين

والنخعي: أنه لا بأس به. وعن الحسن وابن سيرين: أنهما كانا لا يريان بأساً بالعروض أن يأخذها عن حقه قيل محله. وإذا صالحه عن ألف حالة بنصفها مؤجلاً اختياراً منه صح الإسقاط ولم يلزم التأجيل، لأن الحال لا يتأجل. انتهى.

فصل: اذا انكر دعوى المدعي

فصل اذا انكر دعوى المدعي [وإذا أنكر دعوى المدعى، أو سكت وهو يجهله ثم صالحه صح الصلح] إذا كان المنكر معتقداً بطلان الدعوى، فيدفع المال افتداءً ليمينه، ودفعاً للخصومة عن نفسه، والمدعي يعتقد صحتها، فيأخذه عوضاً عن حقه الثابت له. قاله في الكافي. وبه قال مالك، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "الصلح جائز بين المسلمين". [وكان إبراء في حقه] أي: المدعى عليه، لأنه ليس في مقابلة حق ثبت عليه. [وبيعاً في حق المدعي] لأنه يعتقده عوضاً عن ماله، فلزمه حكم اعتقاده. [ومن علم بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه] أما المدعي: فلأن الصلح مبني على دعواه الباطلة، وأما المدعى عليه: فلأن الصلح مبني على جحده حق المدعي، ليأكل ما ينتقصه بالباطل. [وما أخذ فحرام] لأنه أكل مال الغير بالباطل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إلا صلحاً حرم حلالاً، أو أحل حراماً" قال في الكافي: وهو في الظاهر صحيح، لأن ظاهر حال المسلمين الصحة والحق. [ومن قال: صالحني عن الملك الذي تدعيه، لم يكن مقراً] له بالملك، لاحتمال إرادة صيانة نفسه عن التبذل، وحضور مجلس الحكم بذلك.

[وإن صالح أجنبي عن منكر للدعوى، صح الصلح، أذن له أو لا] لجواز قضائه عن غيره بإذنه وبغير إذنه، لفعل علي وأبي قتادة. وتقدم في الضمان. [لكن لا يرجع عليه بدون إذنه] لأنه أدى عنه ما لا يلزمه فكان متبرعاً، فإن كان بإذنه رجع عليه لأنه وكيله، وقائم مقامه. [ومن صالح عن دار ونحوها فبان العرض مستحقاً] لغير المصالح، أو بان القن حراً. [رجع بالدار] المصالح عنها ونحوها إن بقيت، وببدلها إن تلفت إن كان الصلح. [مع الإقرار] أي: إقرار المدعى عليه، لأنه بيع حقيقة، وقد تبين فساده، لفساد عوضه، فرجع فيما كان له. [وبالدعوى مع الإنكار] أي: يرجع إلى دعواه قبل الصلح لفساده، فيعود الأمر إلى ما كان عليه قبله. [ولا يصح الصلح عن خيار، أو شفعة، أو حد قذف] لأنها لم تشرع لاستفادة مال، بل الخيار للنظر في الأحظ، والشفعة لإزالة ضرر الشركة وحد القذف للزجر عن الوقوع في أعراض الناس. [وتسقط جميعها] بالصلح لأنه رضي بتركها. [ولا يصح] أن يصالح. [شارباً أو سارقاً ليطلقه] لأنه لا يصح أخذ العوض في مقابلته. [أو شاهداً ليكتم شهادته] لتحريم كتمانها إن صالحه، على أن لا يشهد عليه بحق لله تعالى، أو لآدمي، وكذا أن لا يشهد عليه بالزور، لأنه لا يقابل بعوض.

فصل: في تصرف الشخص في ملك غيره

فصل: في تصرف الشخص في ملك غيره [ويحرم على الشخص أن يجري ماء في أرض غيره] بلا إذنه، لأن فيه تصرفاً في أرض غيره بغير إذنه، فلم يجز، كالزرع فيها، وإن كانت له أرض لها ماء لا طريق له إلا في أرض جاره، وفي إجرائه ضرر بجاره، لم يجز إلا بإذنه، وإن لم يكن فيه ضرر ففيه روايتان. إحداهما: لا يجوز، لما تقدم. والثانية يجوز، لما روى أن الضحاك بن خليفة، ساق خليجاً1 من العريض، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة فأبى، فكلم فيه عمر، فدعا محمداً وأمره أن يخلي سبيله، فقال: لا والله. فقال له عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه، وهو لك نافع تسقي به أولاً وآخراً وهو لا يضرك؟! فقال له محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك، فأمره عمر أن يمر به، ففعل رواه مالك في الموطأ، وسعيد في سننه. ولأنه نفع لا ضرر فيه، أشبه الاستظلال بحائطه قاله في الكافي والشرح وغيرهما، واختاره الشيخ تقي الدين. [أوسطحه] أي: ويحرم أن يجري ماء في سطح غيره. [بلا إذنه] لما تقدم. [ويصح الصلح على ذلك بعوض] لأنه إما بيع، وإما إجارة فيصح، لدعاء الحاجة إليه.

_ 1 الخليج: هو النهر يؤخذ من النهر الكبير، والعريض: واد بالمدينة.

[ومن له حق ماء يجري على سطح جاره، لم يجز لجاره تعلية سطحه، ليمنع جري الماء] لأنه إبطال لحقه، أو تكثير لضرره. [وحرم على الجار أن يحدث بملكه ما يضر بجاره: كحمام أو كنيف أو رحى أو تنور، وله منعه من ذلك] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" رواه ابن ماجه. وأما دخان الطبخ والخبز، فإن ضرره يسير ولا يمكن التحرز منه، فتدخله المسامحة. قاله في الشرح. وإن كان له سطح أعلى من سطح جاره، فليس له الصعود على وجه يشرف على جاره، إلا أن يبني سترة تستره، لأنه إضرار بجاره فمنع منه، ودل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رجلاً اطلع إليك فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح" قاله في الشرح. [ويحرم التصرف في جدار جار أو مشترك، بفتح روزنة1، أو طاق، أو ضرب وتد ونحوه، إلا بإذنه] لأنه تصرف في ملك غيره بما يضر به. [وكذا وضع خشب] عليه إن كان يضر بالحائط أو يضعف عن حمله فلا يجوز، من غير خلاف. قاله في الشرح، لحديث "لا ضرر ولا ضرار" وإن كان لا يضر به، وبه غنى عنه، فقال أكثر أصحابنا: لا يجوز. وهو قول الشافعي، لأنه تصرف في ملك غيره بما يستغنى عنه، واختار ابن عقيل جوازه، للحديث. قاله في الكافي، والشرح. [إلا أن لا يمكن تسقيف إلا به] ولا ضرر فيجوز. [ويجبر الجار إن أبى] لحديث أبي هريرة يرفعه: "لا يمنعن جار

_ 1 الروزنة: الكوة، وهي معربة كما في مختار الصحاح.

جاره أن يضع خشبةً على جداره"، ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين؟! والله لأرمين بها بين أكتافكم" متفق عليه. [وله أن يسند قماشة، ويجلس في ظل حائط غيره] من غير إذنه، لأنه لا مضرة فيه، والتحرز منه يشق. [وينظر في ضوء سراجه من غير إذنه] لما تقدم، ونص عليه في رواية جعفر، ونقل المروزي: يستأذنه أعجب إلي. [وحرم أن يتصرف في طريق نافذ بما يضر المار، كإخراج دكان، ودكة] قال في القاموس: الدكة بالفتح والدكان بالضم: بناء يسطح أعلاه للمقعد، وفي موضع آخر الدكان: كرمان: الحانوت. قال في الشرح: وأما الدكان فلا يجوز بناؤه في الطريق. بغير خلاف علمناه، سواء أذن فيه الإمام، أو لم يأذن، لأنه بناء في ملك غيره بغير إذنه. انتهى. ولأنه إن لم يضر حالاً فقد يضر مآلاً. وليس للإمام أن يأذن إلا ما فيه مصلحة، لا سيما مع احتمال أن يضر، ويضمن مخرجه ما تلف به لتعديه. [وجناح] وهو: الروشن على أطراف خشب، أو حجر مدفونة في الحائط. [وساباط] وهو: المستوفي للطريق على جدارين. [وميزاب] فيحرم إخراجها إلا بإذن الإمام أو نائبه، لأنه نائب المسلمين فإذنه كإذنهم. [ويضمن ما تلف به] إن لم يكن أذن، لعدوانه، فإن كان فيه ضرر: بأن لم يمكن عبور محمل ونحوه من تحته، لم يجز وضعه ولا إذنه

فيه، فإن كان الطريق منخفضاً وقت وضعه، ثم ارتفع لطول الزمن، فحصل به ضرر وجبت إزالته. ذكره الشيخ تقي الدين. وقال مالك والشافعي: يجوز إخراج الميزاب إلى الطريق الأعظم، لحديث عمر لما اجتاز على دار العباس، وقد نصب ميزاباً إلى الطريق، فقلعه عمر، فقال العباس: تقلعه وقد نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يده؟! فقال عمر: والله لا تنصبه إلا على ظهري، فانحنى حتى صعد على ظهره فنصبه ولأن الناس يعملون ذلك في جميع بلاد الإسلام من غير نكير، قاله في المغني، والشرح. وقال في القواعد: اختاره طائفة من المتأخرين. قال الشيخ تقي الدين: إخراج الميازيب إلى الدرب هو السنة، واختاره. [ويحرم التصرف بذلك في ملك غيره، أوهوائه، أودرب غير نافذ إلا بإذن أهله] أن المنع لحق المستحق فإذا رضي بإسقاطه جاز. قال في الشرح: فإن صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد الوجهين. [ويجبر الشريك على العمارة مع شريكه في الملك والوقف] إذا انهدم جدارهما المشترك، أو سقفهما، أو خيف ضرره بسقوطه فطلب أحدهما الآخر أن يعمره معه. نص عليه. نقله الجماعة. قال في الفروع: واختاره أصحابنا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" ولأنه إنفاق على ملك مشترك يزيل الضرر عنهما، فأجبر عليه. وعنه: لا يجبر. اختاره الشارح، وأبو محمد الجوزي، وغيرهما، لأنه إنفاق على ملك لا يجب لو انفرد به، فلم يجب مع الإشتراك كزرع الأرض. وإن لم يكن بين ملكيهما حائط فطلب أحدهما البناء بين ملكيهما لم يجبر الآخر، رواية واحدة. وليس له البناء إلا في ملكه. قاله في

الشرح. وإن كان بينهما نهر أو بئر أو دولاب، فاحتاج إلى عمارة ففي إجبار الممتنع روايتان. [وإن هدم الشريك البناء، وكان لخوف سقوطه فلا شئ عليه] لأنه محسن، ولوجوب هدمه إذاً. [وإلا لزمه إعادته] لتعديه على حصة شريكه، ولا يخرج من عهدة ذلك إلا بإعادته. [وإن أهمل شريك بناء حائط بستان اتفقا عليه، فما تلف من ثمرته بسبب إهماله ضمن حصة شريكه] قاله الشيخ تقي الدين. وغيره.

كتاب الحجر

كتاب الحجر مدخل مدخل ... كتاب الحجر [وهو: منع المالك من التصرف في ماله. وهو نوعان:] [الأول: لحق الغير، كالحجر على مفلس] لحق الغرماء على. [راهن] لحق المرتهن. [ومريض] مرض الموت المخوف، فيما زاد على الثلث من ماله، لحق الورثة. [وقن، ومكاتب] لحق السيد. [ومرتد] لحق المسلمين، لأن تركته فيء، وربما تصرف فيها تصرفاً يقصد به إتلافها، ليفوتها عليهم. [ومشتر] شقصاً مشفوعاً. [بعد طلب الشفيع] له، لحق الشفيع. [الثاني:] المحجور عليه. [لحظ نفسه كعلى صغير، ومجنون، وسفيه] لقوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} 1 الآية قال سعيد وعكرمة: هو مال اليتيم لا تؤته إياه، وأنفق عليه. فلا يصح تصرفهم قبل الإذن. وقال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ

_ 1 النساء من الآية/4.

أَمْوَالَهُمْ} 1 فدل على أنه لا يسلم إليهم قبل الرشد، ولأن إطلاقهم في التصرف يفضي إلى ضياع أموالهم وفيه ضرر عليهم. [ولا يطالب المدين، ولا يحجر عليه بدين لم يحل] لأنه لا يلزمه أداؤه قبل حلوله، ولا يستحق المطالبة به، فلم يملك منعه مما له بسببه. [لكن لو أراد سفراً طويلاً] يحل دينه قبل قدومه منه. [فلغريمه منعه حتى يوثقه برهن يحرز، أو كفيل مليء] لأنه ليس له تأخير الحق عن محله، وفي السفر تأخيره. فإن كان لا يحل قبله، ففي منعه روايتان. [ولا يحل دين مؤجل بجنون] لأن الأجل حق له فلا يسقط بجنونه. [ولا بموت إن وثق ورثته بما تقدم] أي: رهن بحرز، أو كفيل مليء اختاره الخرقي، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ترك حقاً فلورثته" والأجل حق للميت، فينتقل إلى ورثته، ولأنه لا يحل به ماله، فلا يحل به ما عليه كالجنون. وعنه: يحل، لأن بقاءه ضرر على الميت، لبقاء ذمته مرتهنة به، وعلى الوارث، لمنعه التصرف في التركة، وعلى الغريم بتأخير حقه، وربما تلفت التركة والحق يتعلق بها، وقد لا يكون الورثة أملياء فيؤدي تصرفهم إلى هلاك الحق. [ويجب على مدين قادر وفاء دين حال فوراً بطلب ربه] لحديث "مطل الغني ظلم" متفق عليه. [وإن مطله حتى شكاه وجب على الحاكم أمره بوفائه، فإن أبى حبسه] لقوله صلى الله عليه وسلم "لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته"

_ 1 النساء من الآية/5.

رواه أحمد وأبو داود وغيرهما. قال الإمام أحمد: قال وكيع: عرضه: شكواه، وعقوبته: حبسه. وإن لم يقضه باع الحاكم ماله وقضى دينه لأنه صلى الله عليه وسلم، حجر على معاذ وباع ماله في دينه رواه الخلال وسعيد بن منصور. وعن عمر أنه خطب فقال ألا إن أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته بأن يقال: سبق الحاج فادان معرضاً1 فأصبح وقد دين به، فمن كان له عليه دين فليحضر غداً فإنا بائعون ماله، وقاسموه بين غرمائه رواه مالك في الموطأ. قال في الشرح: وقال ابن المنذر: أكثر من نحفظ عنه من علماء الأمصار وقضاتهم يرون الحبس في الدين، وكان عمر بن عبد العزيز يقول: يقسم ماله بين الغرماء ولا يحبس، وبه قال الليث. انتهى. [ولا يخرجه حتى يتبين أمره] أي: أنه معسر، أو يبرالمدين بوفاء أو إبراء أو يرضى غريمه بإخراجه. [فإن كان ذو عسرة وجبت تخليته وحرمت مطالبته والحجر عليه ما دام معسراً] قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} 2 وقوله صلى الله عليه وسلم، في الذي أصيب في ثماره: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك" رواه مسلم. وفي إنظار المعسر فضل عظيم، وأبلغها عن بريدة مرفوعاً: "من أنظر معسراً فله بكل يوم، مثليه صدقةً" رواه أحمد بإسناد جيد.

_ 1 في هامش الأصل ما يلي: أراد بالمعرض: المعترض لكل من يقرضه. وقيل: أراد أنه إذا قيل له: لا تستدن، فلا يقبل. وقيل: أراد معرضاً عن الأداء. 2 البقرة من الآية/280.

[وإن سأل غرماء من له مال لا يفي بدينه الحاكم الحجر عليه لزمه إجابتهم] لحديث كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم، حجر على معاذ وباع ماله رواه الخلال وسعيد في سننه. ولأن فيه دفعاً للضرر عن الغرماء، فلزم ذلك لقضائهم. [وسن إظهار حجر لفلس] وسفه ليعلم الناس بحالهما فلا يعاملوهما إلا على بصيرة، وإذا لم يف ماله بدينه: فهل يجبر على إجازة نفسه؟ فيه روايتان. إحداهما: يجبر. وهو قول عمر بن عبد العزيز وإسحاق، لما روي أن رجلاً قدم المدينة، وذكر أن وراءه مالاً، فداينه الناس، ولم يكن وراءه مال. فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سرقاً وباعه بخمسة أبعرة رواه الدارقطني بنحوه. وفيه أربعة أبعرة، والحر لا يباع فعلم أنه باع منافعه. والثانية: لا يجبر، لما روى أبو سعيد أن رجلاً أصيب في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تصدقوا عليه". فتصدقوا عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما وجدتم، وليس لًكم إلا ذلك" رواه مسلم.

فصل: في فائدة الحجر

فصل في فائدة الحجر [وفائدة الحجر أحكام أربعة.] 1. [الأول: تعليق حق الغرماء بالمال] لأنه يباع في ديونهم فكانت حقوقهم متعلقة به كالرهن. [فلا يصح تصرفه فيه بشئ] كبيعه وهبته ووقفه ونحوها، لأنه حجر ثبت بالحكم فمنع تصرفه، كالحجر للسفه.

_ 1 إن لفظة، أربعة. لم تكن في متن الأصل، ولوجودها في بعض مخطوطات المتن ذكرناها هنا.

[ولو بالعتق] فلا ينفذ لأن حق الغرماء تعلق بماله فمنع صحة عتقه. قال في الشرح: وبه قال مالك والشافعي، وهذا أصح إن شاء الله. انتهى. وعنه: يصح عتقه لأنه عتق من مالك رشيد صحيح، أشبه عتق الراهن. [وإن تصرف في ذمته بشراء أو إقرار صح] لأنه أهل للتصرف، والحجر إنما تعلق بماله دون ذمته. [وطولب به بعد فك الحجر عنه] لأنه حق عليه وإنما منعنا تعلقه بماله لحق الغرماء السابق على ذلك، فإذا استوفوه فقد زال المعارض. [الثاني: أن من وجد عين ما باعه أو أقرضه فهو أحق بها] روي ذلك عن عثمان وعلي، وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس، أو إنسان قد أفلس، فهو أحق به من غيره" رواه الجماعة. [بشرط كونه لا يعلم بالحجر] هذا شرط لمن فعل ما ذكر بعد الحجر. [وأن يكون المفلس حياً، وأن يكون عوض العين كله باقياً في ذمته] لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه، ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً، فوجد متاعه بعينه فهو أحق به، وإن مًات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرًمًاء" رواه مالك وأبو داود. وهو مرسل، وقد أسنده أبو داود من وجه ضعيف. وفي حديث أبي هريرة: "أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده ماله، ولم يكن اقتضى من ماله شيئاً، فهو له" رواه أحمد. وفي لفظ أبى داود: "فإن كان قبض من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء".

[وأن تكون كلها في ملكه] لم يتعلق بها حق الغير، فإن رهنها لم يملك الرجوع، لقوله عند رجل قد أفلس، وهذا لم يجده عنده، وهذا لا نعلم فيه خلافاً. قاله في الشرح. [وأن تكون بحالها] لم يتلف منها شئ. وبه قال إسحاق، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك متاعه بعينه" وهذا لم يجده بعينه. [ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها] فإن طحن الحنطة، ونسج الغزل، وقطع الثوب قميصاً، لم يرجع لأنه لم يجده بعينه، لتغير اسمه وصفته. قال في الشرح: وللشافعي فيه قولان. أحدهما - به أقول -: يأخذ عين ماله، ويعطى قيمة عمل المفلس. انتهى. [وليم تزد زيادة متصلة] كالسمن والكبر، فإن وجد ذلك منع الرجوع. ذكره الخرقي. وعنه: له الرجوع للخبر. وهو مذهب مالك. إلا أنه يخير الغرماء بين أن يعطوه السلعة أو ثمنها الذي باعها به، فأما الزيادة المنفصلة والنقص بهزال، فلا تمنع الرجوع. قال في المغني: بغير خلاف بين أصحابنا، لأنه يمكن الرجوع في العين دون زيادتها، والزيادة للمفلس فى ظاهر المذهب. نص عليه في رواية حنبل، لحديث: "الخراج بالضمان" وهذا يدل على أن النماء والغلة للمشتري لكون الضمان عليه. [ولم تختلط بغير متميز] فإن اشترى زيتاً وخلطه بزيت آخر سقط الرجوع، لأنه لم يجد عين ماله، وإنما يأخذ عوضه كالثمن. [ولم يتعلق بها حق للغير] فإن خرجت عن ملكه ببيع أوغيره لم يرجع لأنه لم يجدها عنده.

[فمتى وجد شئ من ذلك امتنع الرجوع] لما تقدم. [الثالث: يلزم الحاكم قسم ماله الذى من جنس الدين، وبيع ما ليس من جنسه، ويقسمه على الغرماء بقدر ديونهم] لأن فيه تسوية بينهم، لما ذكرنا من حديث معاذ وفعل عمر، ولأن ذلك هو جل المقصود بالحجر الذي طلبه الغرماء أو بعضهم. ويستحب إحضار المفلس والغرماء لأنه أطيب لقلوبهم وأبعد من التهمة. [ولا يلزمهم بيان أن لا غريم سواهم، ثم إن ظهر رب دين حال رجع على كل غريم بقسطه] لأنه لو كان حاضراً قاسمهم، فكذا إذا ظهر. وأما الدين المؤجل فلا يحل بالفلس. قال القاضي: رواية واحدة، لأن التأجيل حق له، فلم يبطل بفلسه كسائر حقوقه، فعليها يختص أصحاب الديون الحالة بماله دونه، لأنه لا يستحق استًيفاء حقه قبل أجله، وإن حل دينه قبل القسمة شاركهم لمساواته إياهم في استيفائه. وقال أبو الخطاب: فيه رواية أخرى: أنه يحل بفلسه، لأن الفلس معنى يوجب تعلق الدين بماله، فأسقط الأجل كالموت. [ويجب أن يترك له ما يحتاجه من مسكن] فلا تباع داره التي لا غنى له عنها. وبه قال إسحاق، وقال مالك: تباع ويكترى له بدلها. اختاره ابن المنذر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما وجدتم". [خادم] صالح لمثله، لأن ذلك مما لا غنى له عنه، فلم يبع في دينه ككتابه. [وما يتجر به] إن كان تاجراً.

[وآلة حرفة] إن كان محترفاً. قال أحمد: يترك له قدر ما يقوم به معاشه. [ويجب له ولعياله أدنى نفقة مثلهم من مأكل ومشرب وكسوة] قال في الشرح: وينفق عليه بالمعروف من ماله إلى أن يقسم، إلا إن كان ذا كسب، لقوله: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" وممن أوجب الإنفاق عليه وزوجته وأولاده، مالك والشافعي، ولا نعلم فيه خلافاً. وتجب كسوتهم. قال أحمد: يترك له قدر ما يقوم به معاشه ويباع الباقي، وهذا في حق الشيخ الكبير، وذوي الهيئات الذين لا يمكنهم التصرف بأبدانهم. انتهى. [الرابع: انقطاع الطلب عنه] لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} 1 وقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك". [فمن أقرضه أو باعه شيئاً عالماً بحجره، لم يملك طلبه حتى ينفك حجره] لتعلق حق الغرماء بعين مال المفلس، وهل له الرجوع بعين ماله إذا وجده؟ على وجهين. أحدهما: له ذلك، للخبر. والثاني: لا فسخ له لأنه دخل على بصيرة، أشبه من اشترى معيباً يعلم عيبه.

_ 1 البقرة من الآية/280.

فصل: فيمن دفع ماله الى صغير او مجنون

فصل فيمن دفع ماله الى صغير او مجنون [ومن دفع ماله إلى صغير أو مجنون أو سفيه فأتلفه، لم يضمنه] لأنه سلطه عليه برضاه علم بالحجر أو لا لتفريطه، وأما ما أخذه بغير اختيار المالك، كالغصب والجناية، فعليه ضمانة لأنه لا تفريط من المالك والإتلاف يستوي فيه الأهل وغيره.

[ومن أخذ من أحدهم مالاً ضمنه] لتعديه بقبضه. [حتى يأخذه وليه] أي ولي المحجور عليه، لأنه هو الذي يملك قبض ماله شرعاً وحفظه. [لا إن أخذه] من المحجور عليه. [ليحفظه وتلف ولم يفرط] لأ نه محسن. [كمن أخذ مغصوباً ليحفظه لربه] فإنه لايضمنه لأن في ذلك إعانة على رد الحق إلى مستحقه. [ومن بلغ رشداً، أو بلغ مجنوناً ثم عقل ورشد، انفك الحجر عنه] بلا حكم حاكم، بغير خلاف. قاله في الشرح. [ودفع إليه ماله] لقوله تعالى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} 1 وقسنا عليه المجنون لأنه في معناه. [لا قبل ذلك بحال] أي: قبل البلوغ والعقل والرشد، ولو صارا شيخين. قال ابن المنذر: أكثر علماء الأمصار يرون الحجر على كل مضيع لماله، صغيراً كان أو كبيراً للآية. فالدفع بشرطين: بلوغ النكاح، وإيناس الرشد. وإن فك عنه الحجر، فعاود السفه أعيد عليه الحجر لما روى عروة بن الزبير، أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعاً، فقال علي: لآتين عثمان، فلأحجرن عليك، فأعلم ذلك ابن جعفر الزبير، فقال: أنا شريكك في بيعتك. فأتى علي عثمان فقال: إن ابن جعفر قد ابتاع بيع كذا فاحجر عليه، فقال الزبير: أنا شريكه، فقال عثمان: كيف أحجر على رجل شريكه الزبير؟! رواه الشافعي بنحوه. قال في الكافي: وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر فيكون إجماعاً. انتهى.

_ 1 النساء من الآية/5.

[وبلوغ الذكر بثلاثة أشياء: إما بالإمناء] يقظة أو مناماً. لا نعلم فيه خلافاً. قاله في الشرح، لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} 1 وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم ... " الحديث، وحديث: "لا يتم بعد احتلام" رواهما أبو داود. [أو بتمام خمس عشرة سنة] لقول ابن عمر: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم، يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني متفق عليه. فلما سمعه عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله: أن لا يتعرضوا إلا لمن بلغ خمس عشرة سنة. [أو نبات شعر خشن حول قبله] لأن سعد بن معاذ لما حكم في بني قريظة بقتلهم وسبي ذراريهم أمر أن يكشف عن مؤتزرهم، فمن أنبت فهو من المقاتلة، ومن لم ينبت فهو من الذرية. وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة" متفق عليه. [وبلوغ الأنثى بذلك وبالحيض] قال في الشرح: والحيض بلوغ في حق الجارية. لا نعلم فيه خلافاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" حسنه الترمذي. وكذلك الحمل يحصل به البلوغ في حق الجارية لأن الولد من مائهما. انتهى. [والرشد: إصلاح المال وصونه عما لا فائدة فيه] في قول أكثر أهل

_ 1 النور من الآية/39.

العلم لقول ابن عباس في قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} 1 قال: صلاحاً في أموالهم ولا يدفع إليه ماله حتى يختبر، لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى ... } 1 وعنه: لا يدفع إلى الجارية مالها حتى تتزوج وتلد، أو تقيم في بيت الزوج سنة، لقول شريح: عهد إلي عمر أن لا أجيز لجارية عطية حتى تحول في بيت زوجها حولاً أو تلد.

_ 1 النساء من الآية/6.

فصل: ولاية المملوك

فصل ولاية المملوك [وولاية المملوك لمالكه ولو فاسقاً] لأنه ماله، ولأن العدالة ليست شرطاً لصحة تصرف الإنسان في ماله. [وولاية الصغير والبالغ بسفه أو جنون لأبيه] الرشيد العدل ولو ظاهراً لكمال شفقته ولأنها ولاية، فقدم فيها الأب كولاية النكاح. [فإن لم يكن] له أب. [فوصيه] لأنه نائبه وقائم مقامه، أشبه وكيله في الحياة. [ثم الحاكم] لأن الولاية انقطعت من جهة الأب فتعينت للحاكم كولاية النكاح، لأنه ولي من لا ولي له. [فإن عدم الحاكم فأمين يقوم مقامه] اختاره الشيخ تقي الدين، وقال: في حاكم عاجز كالعدم. نقل ابن الحكم فيمن عنده مال فطالبه به الورثة، فيخاف من أمره ترى أن يخبر الحاكم ويدفعه إليه قال: أما حكامنا اليوم هؤلاء فلا أرى أن يتقدم إلى أحد منهم. [وشرط في الولي الرشد] لأن غير الرشيد محجور عليه.

[والعدالة ولو ظاهراً] فلا يحتاج الحاكم إلى تعديل الأب أو وصيه في ثبوت ولايتهما. [والجد والأم وسائر العصبات، لا ولاية لهم إلا بالوصية] لقصور شفقتهم عمن تقدم. والمال محل الخيانة، فلا يؤمنون عليه كالأجانب. [ويحرم على ولي الصغير والمجنون والسفيه أن يتصرف فى مالهم إلا بما فيه حظ ومصلحة] لقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 1 والسفيه والمجنون في معناه. [وتصرف الثلاثة] أي: الصغير، والمجنون، والسفيه. [ببيع أوشراء أو عتق أو وقف أو إقرار غير صحيح] لقوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ... } الآية2 ولأنهم محجور عليهم لحظ أنفسهم. [لكن السفيه إن أقر بحد] أي: بما يوجب الحد كالقذف والزنى. [أو بنسب أو طلاق أو قصاص صح وأخذ به في الحال] لأنه غير متهم في نفسه، والحجر إنما تعلق في ماله. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن إقرار المحجور عليه على نفسه جائز إذا كان بزنى أو سرقة أو شرب خمر أو قذف أو قتل، وأن الحدود تقام عليه، وإن طلق نفذ في قول الأكثر. قاله في الشرح. [وإن أقر بمال أخذ به بعد فك الحجر عنه] لأنه حجر عليه لحظه، ولأن قبول إقراره يبطل معنى الحجر، لأنه يداين الناس ويقر لهم.

_ 1 الأنعام من الآية/152. 2 النساء من الآية/4.

فصل: للولي الاكل مع الحاجة

فصل للولي الاكل مع الحاجة [وللولي مع الحاجة أن يأكل من مال موليه] لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} 1 قالت عائشة: نزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح ماله، إن كان فقيراً أكل منه بالمعروف أخرجاه. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني فقير وليس لي شئ ولي يتيم، فقال: "كل من مال يتيمك غير مسرف" رواه الخمسة، إلا الترمذي. [الأقل من أجرة مثله أو كفايته] لأنه يستحق بالعمل والحاجة جميعاً، فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجدا فيه. [ومع عدم الحاجة يأكل ما فرضه له الحاكم] قال في القواعد، والإنصاف: بغير خلاف. [ولزوجة، ولكل متصرف في بيت، أن يتصدق منه بلا إذن صاحبه بما لا يضر، كرغيف ونحوه] لحديث عائشة مرفوعاً: "إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجر ما كسًب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً" متفق عليه. ولم تذكر إذناً لأن العادة السماح وطيب النفس به. [إلا أن يمنعه] من ذلك.

_ 1 النساء من الآية/5.

[أو يكون بخيلاً، فيحرم] لحديث: "إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ... " الحديث. وقوله: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس".

باب الوكالة

باب الوكالة مدخل ... باب الوكالة وهي جائزة بالكتاب والسنة والإجماع، لقوله تعالى: {..وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} 1 وقوله: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ... } 2 الآية ولحديث عروة بن الجعد وغيره: ووكل النبي، صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية في قبول نكاح أم حبيبة، وأبا رافع في قبول نكاح ميمونة. [وهي استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابه كعقد] بيع وهبة وإجارة ونكاح لأنه صلى الله عليه وسلم، وكل في الشراء والنكاح، وألحق بهما سائر العقود. [وفسخ] كالخلع والإقامة. [وطلاق] لأنه يجوز التوكيل في الإنشاء، فجاز في الإزالة بطريق الأولى. [ورجعة] لأنه يملك بالتوكيل الأقوى: وهو إنشاء النكاح، فالأضعف: وهو تلافيه بالرجعة أولى.

_ 1 التوبة من الآية/61. 2 الكهف من الآية/19.

[وكتابة وتدبير وصلح] لأنه عقد على مال أشبه البيع. [وتفرقة صدقة، ونذر وكفارة] لأنه، صلى الله عليه وسلم، كان يبعث عماله لقبض الصدقات، وتفريقها ويشهد به حديث معاذ، وفيه فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم. [وفعل حج وعمرة] لما تقدم. [لا فيما لا تدخله النيابة كصلاة، وصوم، وحلف وطهارة من حدث] لتعلقها ببدن من هي عليه، لأن المقصود فعلها ببدنه، ولا يحصل ذلك من فعل غيره، لكن تدخل ركعتا الطواف تبعاً. [وتصح الوكالة منجزة] كأنت وكيلي الآن. [ومعلقة] نص عليه، كقوله: إذا قدم الحاج فبع هذا، وإذا دخل رمضان فافعل كذا، وإذا طلب أهلي منك شيئاً فادفعه لهم، لقوله صلى الله عليه وسلم ".. فإن قتل زيد فجعفر.." الحديث. [ومؤقتة] كأنت وكيلي شهراً، أو سنة. وتصح في إثبات الحدود واستبقائها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت، فأمر بها فرجمت" متفق عليه. وتجوز في إثبات الأموال والحكومة فيها، حاضراً كان الموكل، أو غائباً، لما روي أن علياً وكل عقيلاً عند أبي بكر، وقال، ما قضي عليه فهو علي، وما قضي له فلي، ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان، وقال: إن للخصومة قحماً - أي: مهالك - وإن الشيطان يحضرها، وإني أكره أن أحضرها نقله حرب. وهذه قضايا في مظنة الشهرة، ولم ينكر

فكان إجماعاً. قاله في الكافي، وقال في الشرح: هو إجماع الصحابة. [وتنعقد بكل ما دل عليها من قول] يدل على الإذن. نص عليه. كبع عبدي فلاناً، أوأعتقه، أوفوضت إليك أمره، أو جعلتك نائباً عني في كذا. [أو فعل] قال في الفروع: ودل كلام القاضي على انعقادها بفعل دال كبيع، وهو ظاهر كلام الشيخ يعني: الموفق، فيمن دفع ثوبه إلى قصار، أو خياط، وهو أظهر كالقبول. انتهى.1 ويصح قبولها بكل قول، أو فعل دل عليه فوراً، ومتراخياً، لأن قبول وكلائه، عليه الصلاة والسلام، كان بفعلهم، وكان متراخياً عن توكيله إياهم. [وشرط تعيين الوكيل] فلا يصح وكلت أحد هذين. [لا علمه بها] فلو باع عبد زيد على أنه فضولي، وبان أن زيداً كان وكله في بيعه قبل البيع، صح اعتباراً بما في نفس الأمر لا بما في ظن المكلف. [وتصح في بيع ماله كله، أو ما شاء منه، وبالمطالبة بحقوقه، وبالإبراء منها كلها، أوما شاء منها] لأنه يعرف ماله ودينه، فيعرف ما يبيع ويقبض، فيقل الغرر. قاله في الكافي. [ولا يصح إن قال: وكلتك في كل قليل وكثير، وتسمى: المفوضة] ذكر الأزجي أنه اتفاق الأصحاب، لأنه يدخل فيه كل شئ من هبة ماله، وطلاق نسائه، وإعتاق رقيقه، فيعظم الغرر والضرر.

_ 1 كانت الأسطر الثلاثة غير واضحة في الأصل وما ذكرناه نقل من الفروع وتصحيحه.

[وللوكيل أن يوكل فيما يعجز عنه] لدلالة الحال على الإذن فيه1. [لا أن يعقد مع فقير، أو قاطع طريق] إلا بإذن موكله، فإن فعل لم يصح، لأنه تغرير بالمال، لأنه لا يؤمن انفساخ العقد، وقد تلف ما بيد الفقير، أو تعذر حضور قاطع الطريق. [أو يبيع مؤجلاً] إلا بإذن موكله، فإن فعل لم يصح، لأن الإطلاق ينصرف إلى الحلول. [أو بمنفعة أو عرض] إلا بإذن موكله، فإن فعل لم يصح، لأن الإطلاق محمول على العرف، والعرف كون الثمن من النقدين. [أو بغير نقد البلد إلا بإذن موكله] فإن فعل لم يصح، لأن عقد الوكالة لم يقتضه.

_ 1 في هامش الأصل ما يلي: وليس للوكيل أن يوكل فيما وكل فيه إلا إن أذن له في التوكيل، أو عجز بنفسه، كالذي في غير بلده ونحوه. انتهى. وهو منقول من زاد المستقنع.

فصل: الوكالة والشركة عقود جائزة

فصل الوكالة والشركة عقود جائزة [والوكالة، والشركة، والمضاربة، والمساقاة، والمزارعة، والوديعة، والجعالة: عقود جائزة من الطرفين] لأن غايتها من جهة الموكل ونحوه إذن، ومن جهة الوكيل ونحوه: بذل نفع، وكلاهما جائز. [لكل من المتعاقدين فسخها] أي: هذه العقود، كفسخ الإذن في أكل طعامه. [وتبطل كلها بموت أحدهما، وجنونه] المطبق لأنها تعتمد الحياة، والعقل، فإذا انتفى ذلك انتفت صحتها، لزوال أهلية التصرف.

[وبالحجر لسفه حيث اعتبر الرشد] كالتصرف المالي، فإن وكل في نحو طلاق، ورجعة لم تبطل بالسفه. [وتبطل الوكالة بطروء فسق لموكل، ووكيل فيما ينافيه] الفسق. [كإيجاب النكاح] وإثبات الحد، واستيفائه، لخروجه بالفسق عن أهلية ذلك التصرف. [وبفلس موكل فيما حجر عليه فيه] كأعيان ماله، لانقطاع تصرفه فيها، بخلاف ما لو وكل في شراء في ذمته، أو في ضمان أو اقتراض. [وبردته] أي: الموكل، لأنه ممنوع من التصرف في ماله مادام مرتداً. [وبتدبيره] أي: السيد. [أو كتابته قناً وكل في عتقه] لدلالته على رجوع الموكل عن الوكالة في العتق. [وبوطئه زوجة وكل في طلاقها] لأنه دليل على رغبته فيها، واختيار إمساكها، ولذلك كان الوطء رجعة في المطلقة رجعياً، بخلاف القبلة، والمباشرة دون الفرج. [وبما يدل على الرجوع من أحدهما] أي: الموكل والوكيل، كما تقدم في الموكل. ومن صور دلالة رجوع الوكيل ما إذا قبل الوكالة في عتق عبد من سيده بعد أن كان وكله آخر في شرائه منه. [وينعزل الوكيل بموت موكله] لما تقدم، ولأنه فرع، فيزول بزوال أصله.

[وبعزله له ولو لم يعلم] لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضى صاحبه، فصح بغير علمه كالطلاق. [ويكون ما بيده بعد العزل أمانة] فلا يضمن إلا إن تعدى، أو فرط كسائر الأمانات، ويضمن ما تصرف فيه على رواية: أنه ينعزل قبل علمه. واختار الشيخ تقي الدين: لا يضمن مطلقاً. ذكره في الإنصاف.

فصل: في تصرف الوكيل

فصل في تصرف الوكيل [وإن باع الوكيل بأنقص عن ثمن المثل أو عن ما قدره له موكله، أو اشترى بأزيد] من ثمن المثل. [أو بأكثر مما قدره له صح] البيع والشراء. نص عليه، لأن من صح منه ذلك بثمن مثله صح بغيره، ولأن الضرر يزول بالتضمين. [وضمن في البيع كل النقص، وفي الشراء كل الزائد] لتفريطه بترك الاحتياط، وطلب الأحظ لموكله. قال في الكافي: ولا عبرة بما لا يتغابن الناس به، كدرهم في عشرة، لأنه لا يمكن التحرز منه. انتهى. [وبعه لزيد، فباعه لغيره لم يصح] البيع. قال في المغني: بغير خلاف علمناه. سواء قدر له الثمن أم لم يقدره، لأنه قد يقصد نفعه دون غيره، أو نفع المبيع بإيصاله إليه. [ومن أمر بدفع شئ إلى معين ليصنعه، فدفع ونسيه، لم يضمن] لأنه إنما فعل ما أمر به، ولم يتعد ولم يفرط. [وإن أطلق المالك] بأن قال: ادفعه إلى من يصنعه.

[فدفعه إلى من لا يعرفه ضمن] لأنه مفرط. [والوكيل أمين لا يضمن ما تلف بيده بلا تفريط] بجعل، وبغير جعل، لأنه نائب المالك فى اليد، والتصرف، فالهلاك في يده كالهلاك في يد المالك، كالوديعة. [ويصدق بيمينه في التلف، وأنه لم يفرط] لأن الأصل براءة ذمته ولا يكلف بينةً، لأنه مما تتعذر إقامة البينة عليه، ولئلا يمتنع الناس من الدخول في الأمانات مع الحاجة إليها، لكن إن ادعى التلف بأمر ظاهر، كحريق عام ونهب جيش كلف إقامة البينة عليه، ثم يقبل قوله فيه، ويقبل قول وكيل:1 إنه - أي: موكله-. [أذن له في البيع مؤجلاً، أو بغير نقد البلد] نص عليه في المضارب والوكيل في معناه، لأنه أمين في التصرف، فكان القول قوله في صفته. [وإن ادعى الرد لورثة الموكل مطلقاً] أي: بجعل وبغير جعل لم يقبل قوله، لأنهم لم يأتمنوه. [أوله] أي: ادعى الرد للموكل. [وكان بجعل لم يقبل] قوله في الرد، لأن في قبضه نفعاً لنفسه أشبه المستعير. ويقبل قوله في الرد إلى الموكل إن كان متطوعاً، لأنه قبض المال لنفع مالكه كالمودع، وتقدم في الرهن قاعدة ذلك، ويجوز التوكيل بجعل، لأنه تصرف لغيره لا يلزمه، فجاز أخذ العوض عنه، كرد الآبق، وإن قال: بع هذا بعشرة، فما زاد فهو لك، صح البيع، وله الزيادة. نص عليه، فقال: هل هذا إلا كالمضاربة؟. وهو قول

_ 1 قوله "إنه" هو من المتن.

إسحاق، وغيره لأن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأساً قال في الشرح: ولا يعرف له مخالف. [ومن عليه حق، فادعى إنسان أنه وكيل ربه في قبضه، فصدقه لم يلزمه دفعه إليه] لأنه لايبرأ به لجواز إنكار رب الحق، وإن كذبه لم يستحلف، لعدم الفائدة، إذ لا يقضى عليه بالنكول. [وإن ادعى موته] أي: موت رب الحق. [وأنه وارثه لزمه دفعه] أي: الحق لمدعي إرثه مع تصديقه له، لإقراره له بالحق، وأنه يبرأ بالدفع له، أشبه المورث. [وإن كذبه حلف أنه لا يعلم أنه وارثه] أو لا يعلم موت رب الحق، لأن من لزمه الدفع مع الإقرار، لزمه اليمين مع الإنكار. [ولم يدفعه] إليه.

كتاب الشركة

كتاب الشركة مدخل مدخل ... كتاب الشركة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، لقوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} 1 وقوله: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} 2 وقوله صلى الله عليه وسلم "يقول الله تعالى: أنا ثالث الشريكين، ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما" رواه أبو داود. وقال زيد: كنت أنا والبراء شريكين، فاشترينا فضة بنقد، ونسيئة.. الحديث، رواه البخاري. [وهي خمسة أنواع كلها جائزة ممن يجوز تصرفه] لأن مبناها على الوكالة، والأمانة. [أحدها: شركة العنان، وهي: أن يشترك اثنان فأكثر في مال يتجران فيه، ويكون الربح بينهما بحسب ما يتفقان عليه] وهي جائزة بالإجماع. ذكره ابن المنذر. [وشروطها أربعة: 1- أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين: الذهب، والفضة] لأنها قيم المتلفات، وأثمان البياعات.

_ 1 ص من الآية/24. تنبيه في كثير من المواطن لم يتم المؤلف الآيات لذلك وضعنا ما يحتاجه الاستشهاد من الآية. 2 النساء من الآية/11.

[ولو لم يتفق الجنس] كذهب وفضة، أو كان متفاوتاً، بأن أحضر أحدهما مائة والآخر مائتين. ولا تصح بالعروض - وعنه: تصح - ويجعل قيمتها وقت العقد رأس المال، والنقرة قبل ضربها، والمغشوشة كثيراً، والفلوس النافقة كالعروض. [2 - أن يكون كل من المالين معلوماً] قدراً وصفة، لأنه لا بد من الرجوع برأس المال، ولا يمكن مع جهله. [3 - حضور المالين] فلا تعقد على ما في الذمة، واشتراط إحضارهما لتقرير العمل، وتحقيق الشركة كالمضاربة. [ولا يشترط خلطهما] لأنها عقد على التصرف كالوكالة، ولهذا صحت على جنسين، ولأن المقصود الربح، وهو لا يتوقف على الخلط. [ولا الإذن في التصرف] لدلالة لفظ الشركة عليه. [4 - أن يشرطا لكل واحد منهما جزءاً معلوماً من الربح سواء شرطا لكل واحد منهما على قدر ماله أو أقل أو أكثر] وبه قال أبو حنيفة، لأن العمل يستحق به الربح، وقد يتفاضلان فيه لقوة أحدهما وحذقه، فجاز أن يجعل له حظ من الربح كالمضارب. [فمتى فقد شرط فهي فاسدة، وحيث فسدت. فالربح على قدر المالين] في شركة عنان ووجوه، لأن الربح استحق بالمالين، فكان على قدرهما. [لا على ما شرطا] لفساد الشركة. [لكن يرجع كل منهما على صاحبه بأجرة نصف عمله] لعمله في نصيب شريكه بعقد يبتغى به الفضل في ثاني الحال، فوجب أن يقابل العمل فيه عوض كالمضاربة، فإذا كان عمل أحدهما مثلاً يساوي عشرة

دراهم، والآخر خمسة، تقاصا بدرهمين ونصف، ورجع ذو العشرة بدرهمين ونصف. [وكل عقد لا ضمان في صحيحه لا ضمان في فاسده، إلا بالتعدي والتفريط، كالشركة والمضاربة والوكالة والوديعة والرهن والهبة] والصدقة والهدية، وكل عقد لازم، يجب الضمان في صحيحه، يجب في فاسده، كبيع وإجارة ونكاح وقرض. ومعنى ذلك: أن العقد الصحيح إذا لم يكن موجباً للضمان، فالفاسد من جنسه كذلك، وإن كان موجباً له مع الصحة، فكذلك مع الفساد. [ولكل من الشريكين أن يبيع ويشتري ويأخذ ويعطي، ويطالب ويخاصم، ويفعل كل ما فيه حظ للشركة] لأن هذا عادة التجار وقد أذن له في التجارة، فينفذ تصرف كل منهما بحكم الملك في نصيبه، وبحكم الوكالة في نصيب شريكه.

فصل: في المضاربة

فصل في المضاربة [الثاني: المضاربة، وهي: أن يدفع ماله إلى إنسان ليتجر فيه، ويكون الربح بينهما بحسب ما يتفقان] عليه وهي جائزة بالإجماع. حكاه في الكافي، والشرح، وذكره ابن المنذر. ويروى إباحتها عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وحكيم بن حزام، رضي الله عنهم، في قصص مشتهرة، ولا مخالف لهم، فيكون إجماعاً. [1 وشروطها ثلاثة: 1 - أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين] كما تقدم في شركة العنان.

[2 - أن يكون معيناً] فلا تصح إن قال: ضارب بما في أحد هذين الكيسين للجهالة، كالبيع. [معلوماً] فلا تصح بصبرة دراهم أو دنانير، إذ لابد من الرجوع إلى رأس المال عند الفسخ، ليعلم الربح، ولا يمكن ذلك مع الجهل. [ولا يعتبر قبضه بالمجلس] فتصح، وإن كان بيد ربه، لأن مورد العقد العمل. [ولا القبول] فتكفي مباشرته للعمل، ويكون قبولاً لها كالوكالة. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أنه لا يجوز أن يجعل الرجل ديناً له على رجل مضاربة. انتهى. وإن أخرج مالاً ليعمل فيه وآخر، والربح بينهما صح. نص عليه. [3 - أن يشترط للعامل جزء معلوم من الربح] مشاعاً، كنصفه أو ربعه أو ثمنه أو ثلثه أو سدسه لأن النبي صلى الله عليه وسلم، عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها والمضاربة في معناها. فإن شرطا لأحدهما في الشركة والمضاربة دراهم معلومة، أو ربح أحد الثوبين لم يصح. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه على إبطال القراض إذا جعل أحدهما، أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة. [فإن فقد شرط فهي فاسدة، ويكون للعامل أجرة مثله] نص عليه. كالإجارة الفاسدة، لأنه بذل منافعه بعوض لم يسلم له، والتصرف صحيح، لأنه بإذن رب المال. [وما حصل من خسارة] فعلى المالك، لأن كل عقد لا ضمان في صحيحه، لا ضمان في فاسده

[أو ربح فللمالك] لأنه نماء ماله. وإن شرط عليه ما فيه غرض صحيح فخالف ضمن لأن حكيم بن حزام كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة، يضرب له به: أن لا تجعل مالي في كبد رطبة، ولا تحمله في بحر، ولا تنزل به بطن مسيل، فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي رواه الدارقطني. [وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال] لقرابة أو تعليق أو إقرار بحريته إلا بإذنه، لأن عليه فيه ضرراً، والمقصود من المضاربة الربح، وهو منتف هنا. [فإن فعل] صح الشراء، لأنه مال متقوم قابل للعقود فصح شراؤه كغيره، و: [عتق] على رب المال، لتعلق حقوق العقد به، وولاؤه له. [وضمن] العامل [ثمنه] الذي اشتراه به لتفريط. [ولو لم يعلم] لأن الإتلاف الموجب للضمان يستوي فيه العلم والجهل، وقال أبو بكر: إن لم يعلم لم يضمن، لأنه معذور، كما لو اشترى معيباً لم يعلم عيبه. [ولا نفقة للعامل] لأنه دخل على العمل بجزء مسمى فلا يستحق غيره كالمساقي. [إلا بشرط] نص عليه. كالوكيل، وقال الشيخ تقي الدين وابن القيم: أو عادة، فإذا شرط نفقته فله ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون على شروطهم" ويستحب تقديرها لأنه أبعد من الغرر.

[فإن شرطت مطلقة] جاز لأن لها عرفاً تنصرف إليه. [واختلفا فله نفقة مثله عرفاً من طعام وكسوة] لأن إطلاقها يقتضي جميع ما هو من ضروراته المعتادة. قال الإمام أحمد: ينفق على ما كان ينفق غير متعد للنفقة ولا مضر بالمال. [ويملك العامل حصته من الربح بظهوره قبل القسمة كالمالك] قال أبو الخطاب: رواية واحدة. كما في المساقاة والمزارعة، لأن الشرط صحيح فيثبت مقتضاه، وهو أن يكون له جزء من الربح، فإذا وجد وجب أن يملكه بحكم الشرط، ولأنه يملك المطالبة بقسمته فملكه كالمشترك، ولو لم يعمل المضارب، إلا أنه صرف الذهب بورق فارتفع الصرف استحقه. نص عليه. [لا الأخذ منه] أي: الربح. [إلا بإذن] رب المال. لا نعلم فيه خلافاً. قاله في الشرح، لأن نصيبه مشاع فلا يقاسم نفسه، ولأن ملكه له غير مستقر لأنه وقاية لرأس المال. [وحيث فسخت والمال عرض فرضي ربه بأخذه] أي: مال المضاربة على صفته التي هو عليها. [قومه، ودفع للعامل حصته] من الربح الذي ظهر بتقويمه، وملك ما قابل حصة العامل من الربح، لأنه أسقط عن العامل البيع فلا يجبر على بيع ماله بلا حظ للعامل فيه. [وإن لم يرض] رب المال بعد فسخها بأخذ العرض.

[فعلى العامل بيعه وقبض ثمنه] لأن عليه رد المال ناضاً1 كما أخذه على صفته. [والعامل أمين] لأنه يتصرف في المال بإذن ربه، ولا يختص بنفعه أشبه الوكيل. [يصدق بيمينه في قدر رأس المال] لأنه منكر للزائد، والأصل عدمه. [وفي الربح وعدمه، وفي الهلاك والخسران] إن لم تكن بينة لأن ذلك مقتضى تأمينه. [حتى ولو أقر بالربح] ثم ادعى تلفاً أوخسارة بعد الربح قبل قوله لأنه أمين، ولا يقبل قوله إن ادعى غلطاً أو كذباً أو نسياناً، لأنه مقر بحق لآدمي، فلم يقبل رجوعه كالمقر بدين. [ويقبل قول المالك في قدر ما شرط للعامل] بعد ربح مال المضاربة. نص عليه، لأنه ينكر الزائد. فإن أقاما بينتين، قدمت بينة العامل.

_ 1 الناضر من المتاع: ما تحول ورقاً أو عيناً. قال الأصمعي: اسم الدراهم والدنانير عند أهل الحجاز الناض والنض، وإنما يسمونه ناضاً إذا تحول عيناً بعد ما كان متاعاً، وفي حديث عمر رضي الله عنه: كان يأخذ الزكاة من ناض المال. هو ما كان ذهباً أو فضة عيناً أو ورقاً.

فصل: في شركة الوجوه

فصل في شركة الوجوه [الثالث: شركة الوجوه وهي: أن يشترك اثنان لا مال لهما في ربح ما يشتريان من الناس في ذممهما] بجاههما وثقة التجار بهما من غير أن يكون لهما رأس مال. قال أحمد: في رجلين اشتريا بغير رؤوس أموال

فهو جائز. وبه قال الثوري وابن المنذر، وسواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه، أو قال: ما اشتريت من شئ فهو بيننا. نص عليه. [ويكون الملك والربح كما شرطا] من تساو وتفاضل، لحديث "المؤمنون عند شروطهم" ولأن أحدهما قد يكون أوثق عند التجار وأبصر بالتجارة من الآخر، فكان على ما شرطا كشركة العنان. [والخسارة على قدر الملك] فمن له فيه الثلثان فعليه ثلثا الوضيعة ومن له الثلث عليه ثلثها، سواء كان الربح بينهما كذلك أو لا، لأن الوضيعة نقص رأس المال، وهو مختص بملاكه، فيوزع بينهم على قدر الحصص. ومبناها على الوكالة والكفالة، وحكمها فيما يجوز لكل منهما، أو يمنع منه كشركة العنان. [الرابع: شركة الأبدان. وهي: أن يشتركا فيما يتملكان بأبدانهما من المباح: كالاحتشاش، والاحتطاب، والاصطياد] والمعدن، والتلصص على دار الحرب، وسلب من يقتلانه بها، فهذا جائز. نص عليه، لقول ابن مسعود اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فلم أجئ أنا وعمار بشئ، وجاء سعد بأسيرين رواه أبو داود والأ ثرم، واحتج به أحمد، وقال: أشرك بينهم النبي، صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في غزوة بدر، وكانت غنائمها لمن أخذها قبل أن يشرك الله بينهم، ولهذا نقل أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "من أخذ شيئاً فهو له" وإنما جعلها الله لنبيه بعد أن غنموا واختلفوا فيها، فأنزل الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} 1. [أو يشتركا فيما يتقبلان في ذممهما من العمل] فإن عمل أحدهما

_ 1 الأنفال من الآية/1.

دون صاحبه فالكسب بينهما على ما شرطا. قال أحمد: هذا بمنزلة حديث عمار وسعد وابن مسعود. والحاصل من مباح تملكاه، أو أحدهما، أو من أجرة عمل تقبلاه، أو أحدهما كما شرطا من تساو أو تفاضل، لأن الربح مستحق بالعمل ويجوز تفاضلهما فيه. [الخامس: شركة المفاوضة. وهي: أن يفوض كل إلى صاحبه شراءً وبيعاً في الذمة ومضاربة وتوكيلاً ومسافرة بالمال وارتهاناً] وهي جائزة لأنها لا تخرج عن أضرب الشركة التي تقدمت، فإن أدخلا فيها كسباً نادراً، كوجدان لقطة، أو ركاز، أو ما يحصل لهما من ميراث، أو ما يلزم أحدهما من ضمان غصب، أو أرش جناية، أو ضمان عارية، أو لزوم مهر بوطء، فهي فاسدة، لأنه عقد لم يرد الشرع بمثله، ولما فيه من كثرة الغرر، لأنه قد يلزم فيه ما لا يقدر الشريك عليه، ولأنه يدخل فيه اكتساب غير معتاد، وحصول ذلك وهم لا يتعلق به حكم. [ويصح دفع دابة أوعبد لمن يعمل به بجزء من أجرته] معلوماً. نص عليه، لأنها عين تنمى1 بالعمل عليها، فجاز العقد عليها ببعض نمائها، كالشجر في المساقاة. ونقل عنه أبو داود فيمن يعطي فرسه على نصف الغنيمة: أرجو أن لا يكون به بأس، وبه قال الأوزاعي. [ومثله خياطة ثوب ونسج غزل وحصاد زرع ورضاع قن واستيفاء مال بجزء مشاع منه] قال في الشرح: قال أحمد لا بأس بالثوب يدفع بالثلث أو الربع، قيل: يعطيه بالثلث أو الربع ودرهم أو درهمين، قال: أكرهه لأنه لا يعرفه. وإذا لم يكن معه شئ نراه جائزاً، لأن النبي،

_ 1 نمى ينمي: زاد وكثر. قال في اللسان: وربما قالوا: ينمو نمواً.

صلى الله عليه وسلم، أعطى خيبر على الشطر. انتهى. ولا يعارضه حديث الدارقطني أنه صلى الله عليه وسلم، نهى عن عسب الفحل، وعن قفيز الطحان لحمله على قفيز من المطحون، فلا يدرى الباقي بعده، فتكون المنفعة مجهولة. [وبيع متاع بجزء من ربحه] كمن أعطى فرسه على النصف من الغنيمة، بخلاف ما لو قال: بع عبدي والثمن بيننا، أو: آجره والأجرة بيننا، فإنه لا يصح. والثمن أو الأجرة لربه، ولآخر أجرة مثله. [ويصح دفع دابة أو نحل أو نحوهما لمن يقوم بهما مدة معلومة بجزء منهما] معلوماً. قال البخاري في صحيحه، وقال معمر: لا بأس أن تكون الماشية على الثلث أو الربع إلى أجل مسمى. [والنماء ملك لهما] أي: للدافع والمدفوع إليه على حسب ملكيهما، لأنه نماؤه. [لا إن كان بجزء من النماء كالدر والنسل والصوف والعسل] فلا يصح لحصول نمائه بغير عمل. [وللعامل أجرة مثله] لأنه بذل منافعه بعوض لم يسلم له. وعنه: يصح. اختاره الشيخ تقي الدين.

باب المساقاة

باب المساقاة مدخل ... باب المساقاة [وهي: دفع شجر لمن يقوم بمصالحه بجزء من ثمره، بشرط كون الشجر معلوماً] 1 للمالك والعامل برؤية أو وصف، فلو ساقاه على بستان غير معين ولا موصوف، أوعلى أحد هذين الحائطين لم يصح، لأنها معاوضة يختلف الغرض فيها باختلاف الأعيان، فلم تجز على غير معلوم كالبيع. [وأن يكون له ثمر يؤكل] من نخل وغيره، لحديث ابن عمر: عامل النبى صلى الله عليه وسلم، أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع متفق عليه. وهذا عام في كل ثمر. [وأن يشرط للعامل جزء مشاع معلوم من ثمره] كالمضاربة، فلو شرطا في المساقاة الكل لأحدهما، أوآصعاً معلومة، أو ثمرة شجرة معينة لم تصح. قال في الشرح: تجوز المساقاة في كل شجر له ثمر مأكول ببعض ثمرته. هذا قول الخلفاء الراشدين. وقال أيضاً: وتصح على البعل كالسقي. لا نعلم فيه مخالفاً، لأن الحاجة تدعو إلى المعاملة فيه، كدعائها إلى المعاملة في غيره. انتهى. وأما حديث ابن عمر: كنا نخابر أربعين سنة حتى حدثنا رافع بن خديج: أن رسول الله صلى الله

_ 1 في هامش الأصل ما يلي: هي عقد جائز من الطرفين، قياساً على المضاربة، قيل: عقد لازم، ونعليه العمل دفعاً للضرر. انتهى.

عليه وسلم، نهى عن المخابرة فمحمول على رجوعه عن معاملات فاسدة، فسرها رافع. قال في الشرح قلنا: لا يجوز حمل حديث رافع، ولا حديث ابن عمر على ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم، لم يزل يعامل أهل خيبر، والخلفاء على ذلك بعده، ثم من بعدهم، ولو صح خبر رافع لحمل على ما يوافق السنة. فروى البخاري فيه: كنا نكري الأرض بالناحية منها. وفسر بغير هذا من أنواع الفساد، وهو مضطرب جداً. قال أحمد: يروى عن رافع في هذا ضروب. كأنه يريد أن اختلاف الروايات عنه توهن حديثه، وأنكره زيد بن ثابت وغيره عليه، ولم يقبلوا حديثه، وحملوه على أنه غلط في روايته. انتهى. باختصار. [والمزارعة: دفع الأرض والحب لمن يزرعه ويقوم بمصالحه] قال في الشرح: وتجوز المزارعة بجزء معلوم للعامل في قول أكثر أهل العلم. [بشرط كون البذر معلوماً جنسه وقدره ولو لم يوكل] وعلمه برؤية أو صفة لا يختلف معها كشجر في مساقاة، وإن قال: مازرعتها من شئ فلي نصفه صح، لحديث خيبر. [وكونه من رب الأرض] نص عليه، واختاره عامة الأصحاب، قياساً على المساقاة والمضاربة. وعنه: لا يشترط فيجوز أن يخرجه العامل في قول عمر، وابن مسعود، وغيرهما، ونص عليه في رواية مهنا، وصححه في المغني، والشرح، واختاره أبو محمد الجوزي، والشيخ تقي الدين، وابن القيم، وصاحب الفائق. قال في الإنصاف وعليه عمل الناس، لأن الأصل المعول عليه في المزارعة قصة خيبر، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم، أن البذر على المسلمين، وفي بعض

ألفاظ الحديث ما يدل على أنه جعل البذر عليهم. قال ابن عمر: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نخل خيبر وأرضها إليهم على أن يعملوها من أموالهم رواه مسلم. وعن عمر رضي الله عنه: أنه كان يعامل الناس على إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذا علقه البخاري. [وأن يشرط للعامل جزء مشاع معلوم منه] لما تقدم، قال في الشرح: ولا يجوز أن يجعل له فضل دراهم زائداً على ماله من الثمرة، بغير خلاف، وقال: وكذا لو شرط لأحدهما زرع ناحية معينة، أو ما على الجداول منفرداً، أو مع نصيبه، فهو فاسد إجماعاً، لصحة الخبر بالنهي عنه. انتهى. [ويصح كون الاًرض والبذر والبقر من واحد، والعمل من آخر] قياساً على المضاربة، لأنه عقد على العمل في مال ببعض نمائه فأشبه المضاربة، وكالمزارعة على المزرع الموجود الذي ينمى بالعمل فيصح، لأنه إذا جاز في المعدوم مع كثرة الغرر، فعلى الموجود مع قلته أولى. قال في الشرح: وتجوز إجارة الأرض بالذهب، والفضة، والعروض غير المطعوم، في قول عامة أهل العلم، لقول رافع: أما بالذهب والفضة فلا بأس ولمسلم: أما بشئ معلوم مضمون فلا بأس انتهى. وقال ابن عباس: إن أمثل ما أنتم صانعون أن تستأجروا الأرض البيضاء من السنة إلى السنة رواه البخاري تعليقاً. [وأما إجارتها بطعام فثلاثة أقسام:] أحدها: إجارتها بطعام معلوم غير الخارج منها. فأجازه الأكثر،

ومنع منه مالك، وعن أحمد: ربما تهيبته، لما في حديث رافع: لا يكريها بطعام مسمى رواه أبو داود. الثاني: بطعام معلوم من جنس ما يخرج منها. ففيه روايتان. الثالث: إجارتها بجزء مشاع مما يخرج منها. فالمنصوص جوازه. قاله في الشرح. والمساقاة والمزارعة عقد جائز لقوله صلى الله عليه وسلم: "نقركم على ذلك ما شئنا" رواه مسلم. فلو كانت لازمة لقدر مدتها، وقيل عقد لازم. قال في الشرح: وهو قول أكثر الفقهاء. انتهى. لأ نه عقد معاوضة، فكان لازماً. اختاره الشيخ تقي الدين، لحديث: "المؤمنون على شروطهم" فعلى هذا يفتقر إلى تقدير مدتها كالإجارة. [فإن فقد شرط فالمساقاة والمزارعة فاسدة والثمر والزرع لربه] لأنه نماء ملكه. [وللعامل أجرة مثله] لأن بذل منافعه بعوض لم يسلم له. [ولا شئ له إن فسخ أو هرب قبل ظهور الثمرة] لإسقاط حقه برضاه، كعامل المضاربة إذا فسخ قبل ظهور الربح. [وإن فسخ بعد ظهورها فالثمرة بينهما على ما شرطا، وعلى العامل تمام العمل] كما يلزم المضارب بيع العروض إذا فسخت المضاربة بعد ظهورالربح. [مما فيه نمو أو صلاح للثمرة] والزرع من السقي بالماء وإصلاح طرقه، والحرث وآلته وبقره، وقطع الشوك والحشيش المضر واليابس من الشجرة، والحفظ والتشميس، وإصلاح موضعه، ونحو ذلك.

وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل، كسد الحيطان، وإنشاء الأنهار، وحفر بئر الماء ونحوه. [والجذاذ1 عليهما بقدر حصتهما] نص عليه، لأنه إنما يكون بعد تكامل الثمر وانقضاء المعاملة، أشبه نقله إلى المنزل. وعنه: الحصاد واللقاط والجذاذ على العامل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خيبر إلى يهود على أن يعملوها من أموالهم وهذا من العمل مما لا تستغني عنه الثمرة، أشبه التشميس. قاله في الكافي. [ويتبعان العرف في الكلف السلطانية:] فما عرف أخذه من رب المال فعليه، ومن العامل فعليه. [ما لم يكن شرط فيتبع] أي: يعمل به. قال الشيخ تقي الدين: وما طلب من قرية من وظائف سلطانية ونحوها، فعلى قدرالأموال. وإن وضعت على الزرع فعلى ربه، أو على العقار فعلى ربه، ما لم يشترطه على مستأجر، وإن وضع مطلقاً رجع إلى العادة. انتهى.

_ 1 الجذاذ: جيمه مثلثة، وهو: القطع.

باب الإجارة

باب الإجارة مدخل ... باب الإجارة وهي: بيع المنافع. جائزة بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} 1 وقال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} الآية2 وقال تعالى: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} 3 ولابن ماجه مرفوعاً: "أن موسى عليه السلام، آجر نفسه ثماني حجج أو عشراً على عفة فرجه، وطعام بطنه" وفي الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم، استأجر رجلاً من بني الديل هادياً خريتاً4 وفيه: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يؤته أجرته" وقال ابن المنذر: اتفق على إجارتها كل من نحفظ قوله من علماء الأمة، والحاجة داعية إليها، لأن أكثر المنافع بالصنائع. وتنعقد بلفظ الإجارة والكرى وما في معناهما. [شروطها ثلاثة: معرفة المنفعة] لأنها المعقود عليها، فاشترط العلم بها كالبيع، مثل بناء حائط يذكر طوله وعرضه، وسكنى دار

_ 1 الطلاق من الآية/6. 2 القصص من الآية/27. 3 الكهف من الآية/77. 4 الخريت: الماهر الذي يهتدي لأخرات المفاوز، وهي: طرقها الخفية ومضايقها.

شهراً، وخدمة آدمي سنة، لأنها معلومة بالعرف فلا تحتاج لضبط. قال الإمام أحمد: أجير المشاهرة يشهد الأعياد والجمعة، وإن لم يشترط، قيل له: يتطوع بالركعتين؟. قال ما لم يضر بصاحبه. وقال ابن المبارك: يصلي الأجير ركعتين من السنة، وقال ابن المنذر: ليس له منعه منهما. قاله في الشرح. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن إجارة المنازل والدواب جائزة. [معرفة الأجرة] قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. ولأنه عوض في عقد معاوضة، فاعتبر علمه كالثمن. وعن أبي سعيد مرفوعاً: "نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره" رواه أحمد. [كون النفع مباحاً] فلا تجوز على المنافع المحرمة، كالغناء، والزمر والنياحة، ولا إجارة داره لتجعل كنيسة، أو بيت نار، أو يبيع فيها الخمر ونحوه، لأنه محرم. فلم تجز الإجارة لفعله كإجارة الأمة للزنى، وكون النفع. [يستوفى دون الأجزاء] فلا يجوز عقد الإجارة على ما تذهب أجزاؤه بالانتفاع به، كالمطعوم والمشروب والشمع ليشعله والصابون ليغسل به، لأن الإجارة عقد على المنافع فلا تجوز لاستيفاء العين. ولا يصح إجارة ديك ليوقظه للصلاة. نص عليه، لأنه غير مقدور عليه. [فتصح إجارة كل ما أمكن الإنتفاع به مع بقاء عينه] كالدور والحوانيت والدواب. [إذا قدرت منفعته بالعمل كركوب الدابة لمحل معين] لأنها منفعة مقصودة.

[أو قدرت بالأمد وإن طال حيث كان يغلب على الظن بقاء العين] إلى انقضاء مدة الإجارة. هذا قول عامة أهل العلم. قاله في الشرح، لقوله تعالى: { ... عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ... } الآية1.

_ 1 القصص من الآية/26.

فصل: في اجارة العين والمنفعة

فصل: في اجارة العين والمنفعة [والإجارة ضربان:] [الأول: على عين. فإن كانت موصوفة اشترط فيها استقصاء صفات السلم] لاختلاف الأغراض باختلاف الصفات، ولأن ذلك أقطع للنزاع وأبعد من الغرر. فإن لم توصف أدى إلى التنازع. [وكيفية السير من هملاج2 وغيره] لأن سيرهما يختلف. [لا الذكورة والأنوثة والنوع] كالفرس عربياً أو برذوناً، والجمل بختياً3 أو من العراب، لأن التفاوت بينهما يسير. وقال القاضي: يفتقر إلى معرفته لتفاوتهما. [وإن كانت معينة اشترط معرفتها] أي: العين المؤجرة كالمبيع، لاختلاف الغرض باختلاف العين وصفاتها. [والقدرة على تسليمها] فلا تصح إجارة الآبق ولا المغصوب من غير غاصبه، أو قادر على أخذه، ولا يجوز إجارة المسلم للذمي لخدمته.

_ 2 الهملجة، فارسي معرب. والهملجة والهملاج: حسن سير الدابة في سرعة. 3 البرذون: هو التركي من الخيل: والبختي: واحد البخاتي، وهي: الإبل الخراسانية.

نص عليه، لتضمنها حبس المسلم عند الكافر وإذلاله، أشبه بيع المسلم للكافر، وإن كان في عمل شئ جاز بغير خلاف. قاله في الشرح، لحديث علي: أنه آجر نفسه من يهودي، يستقي له كل دلو بتمرة، وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأكل منه رواه أحمد وابن ماجة بمعناه. [وكون المؤجر يملك نفعها] فلو آجر ما لا يملكه بغير إذن مالكه لم يصح كبيعه. [وصحة بيعها] بخلاف كلب وخنزير ونحوهما. [سوى حر] فتصح إجارته لما تقدم، ولأن منافعه مملوكة تضمن بالغصب، أشبهت منافع القن. [ووقف] أي: موقوف، لأن منافعه مملوكة للموقوف عليه. [وأم ولد] لأن منافعها مملوكة لسيدها، فيصح أن يؤجرها، وإنما يحرم بيعها. [واشتمالها على النفع المقصود منها، فلا تصح في زمنة لحمل، وسبخة لزرع] لأن الإجارة عقد على المنفعة، ولا يمكن تسليمها من هذه العين. [الثاني: على منفعة في الذمة. فيشترط ضبطها بما لا يختلف، كخياطة ثوب بصفة كذا، أو بناء حائط يذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته] وحمل شئ يذكر جنسه وقدره، وأن الحمل لمحل معين لما تقدم. [وأن لا يجمع بين تقدير المدة والعمل: كيخيطه في يوم] لأنه قد يفرغ منه قبل انقضاء اليوم، فإن استعمل في بقيته فقد زاد على المعقود عليه،

وإن لم يعمل فقد تركه في بعض زمنه، فيكون غرراً يمكن التحرز منه. [وكون العمل لا يشترط أن يكون فاعله مسلماً فلا تصح الإجارة لأذان، وإقامة، وتعليم قرآن، وفقه، وحديث، ونيابة في حج، وقضاء ولا يقع إلا قربة لفاعله، ويحرم أخذ الأجرة عليه] لقوله صلى الله عليه وسلم، لعثمان بن أبي العاص: "واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً". رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه. وعن أبي بن كعب قال: علمت رجلاً القرآن فأهدى لي قوساً فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن أخذتها أخذت قوساً من نار". فرددتها رواه ابن ماجه، وكره إسحاق تعليم القرآن بأجرة. قال عبد الله بن شقيق: هذه الرغفان الذي يأخذها المعلمون من السحت. وعنه: يصح، وأجازه مالك، والشافعي، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله". رواه البخاري. فأباح أخذ الجعل عليه، فكذا الأجرة، فإن أعطي من غير شرط جاز. قال الإمام أحمد: لا يطلب، ولا يشارط، فان أعطي شيئاً أخذه. وقال: أكره أجرة العلم إذا شرطه. وأما ما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كتعليم الخط، والحساب، وبناء المساجد، فيجوز أخذ الأجرة عليه. فأما ما لا يتعدى نفعه من العبادات المحضة، كالصيام، والصلاة فلا يجوز أخذ الأجرة عليه بغير خلاف. قاله في الشرح. [وتجوز الجعالة] على ذلك، لأنها أوسع من الإجارة، ولهذا جازت مع جهالة العمل، والمدة، وعلى رقية. نص عليه، لحديث أبي سعيد: في رقية اللديغ على قطيع من الغنم - وفيه: -.. فقدموا على رسول

الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له ذلك فقال: "وما يدريكم أنها رقية؟ ثم قال: أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم سهماً"، وضحك النبي صلى الله عليه وسلم. رواه الجماعة إلا النسائي. ويجوز أخذ رزق من بيت المال، أو من وقف على عمل يتعدى نفعه، كقضاء وتعليم قرآن وحديث، وفقه، ونيابة في حج، وتحمل شهادة، وأدائها، وأذان ونحوها، لأنها من المصالح، وليس بعوض بل رزق للإعانة على الطاعة، ولا يخرجه ذلك عن كونه قربة، ولا يقدح في الإخلاص، وإلا لما استحقت الغنائم وسلب القاتل.

فصل: للمستأجر استيفاء التفع

فصل: للمستأجر استيفاء التفع ... فصل للمستأجر استيفاء النفع [وللمستأجر استيفاء النفع بنفسه: ولمن يقوم مقامه] لأن المنفعة ملكه، فجاز أن يستوفيها بنفسه، وبنائبه. [لكن بشرط كونه] أي: النائب. [مثله في الضرر أو دونه] لا أكثر ضرراً منه. ولا يخالف ضرره ضرره، لأنه لا يملك أن يستوفيه بنفسه فبنائبه أولى، لأنه يأخذ فوق حقه، أو غير حقه. [وعلى المؤجر كل ما جرت به العادة من آلة المركوب، والقود، والسوق، والشيل، والحط] لأن عليه التمكين من الإنتفاع، ولا يحصل إلا بذلك.،. فإن كانت الإجارة على تسليم الظهر لم يكن عليه شئ من ذلك. [وترميم الدار بإصلاح المنكسر، وإقامة المائل، وتطيين السطح، وتنظيفه من الثلج ونحوه] لأنه لا يتمكن المستأجر من النفع المعقود عليه إلا بذلك.

[وعلى المستأجر المحمل والمظلة وهي: الكبير من الأخبية] أي: لا يلزم المؤجر، بل إن أراده المستأجر فمن ماله، لأن ذلك من مصلحته أشبه الزاد وبسط الدار. [وتفريغ البالوعة، والكنيف، وكنس الدار من الزبل، ونحوه إن حصل بفعله] أي: المكتري بأن تسلمها فارغة، كما لو ألقى فيها جيفة أو تراباً. ويصح كراء العقبة بأن يركب في بعض الطريق، ويمشي في بعض مع العلم به إما بالفراسخ، أو بالزمان، لأنه يجوز العقد على جميعه، فجاز على بعضه. ويجوز أن يكتري الرجلان ظهراً يعتقبان عليه، فإن اختلفا في البادئ منهما أقرع بينهما لتساويهما في الملك.

فصل: الإجارة عقد لازم

فصل الأجارة عقد لازم لإجارة عقد لازم] وبه قال مالك والشافعي، وأصحاب الرأي، فليس لأحدهما فسخها بلا موجب لأنها عقد معاوضة كالبيع. [لا تنفسخ بموت المتعاقدين] أو أحدهما مع سلامة المعقود عليه كالبيع. قال في الفروع: وعنه: تنفسخ بموت مكتر لا قائم مقامه. اختاره الشيخ- يعني: الموفق -. [ولا بتلف المحمول] قال الزركشي: هذا هو المنصوص، وعليه الأصحاب إلا الموفق، وصححه في الإنصاف، لأن المعقود عليه المنفعة فله أن يحمل ما يماثله. [ولا بوقف العين المؤجرة] لوروده على ما يملكه المؤجر من العين المسلوبة النفع زمن الإجارة.

[ولابانتقال الملك فيها بنحو هبة وبيع] ويصح بيع العين المؤجرة نص عليه، لأن الإجارة عقد على المنافع، فلا تمنع البيع، كبيع المزوجة. [ولمشتر لم يعلم الفسخ أو الإمضاء والأجرة له] من حين الشراء نص عليه. [وتنفسخ بتلف العين المؤجرة المعينة] كدابة أو عبد مات، ودار انهدمت، لزوال المنفعة بتلف المعقود عليه. [وبموت المرتضع] أو امتناعه من الرضاع منها، لتعذر استيفاء المعقود عليه، لأن غيره لا يقوم مقامه في الإرتضاع، لاختلاف المرتضعين فيه، وقد يدر اللبن على واحد دون آخر، وكذا إن ماتت مرضعة. [وهدم الدار] لما تقدم. [ومتى تعذر استيفاء النفع ولو بعضه من جهة المؤجر فلا شئ له] من الأجرة، لأنه لم يسلم له ما تناوله عقد الإجارة، فلم يستحق شيئاً. [ومن جهة المستأجر فعليه جميع الأجرة] لأن المعقود عليه تلف باختياره تحت يده، فأشبه تلف المبيع تحت يده. هذا إن عطلت، فإن آجرها الآخر حاسبه على تمام مدته، لأنها عقد لازم فترتب مقتضاه: وهو ملك المؤجر الأجرة، والمستأجر المنافع. [وإن تعذر بغير فعل أحدهما كشرود المؤجرة، وهدم الدار] انفسخت الإجارة لفوات المقصود بالعقد، أشبه ما لو تلف. [ووجب من الأجرة بقدر ما استوفى] من المنفعة قبل ذلك. وإن غصبت المؤجرة خير المستأجر بين الفسخ، وعليه أجرة ما مضى إن كان، وبين الامضاء ومطالبة الغاصب بأجرة المثل.

[إن هرب المؤجر، وترك بهائمه] وله مال أنفق عليها الحاكم من ماله، لوجوب نفقتها عليه، فإن لم يكن له مال. [وأنفق عليها المستأجر بنية الرجوع رجع، لأن النفقة على المؤجر كالمعير] لقيامه عنه بواجب، فإذا انقضت الإجارة باعها حاكم، ووفاه ما أنفقه، لأن في ذلك تخليصاً لذمة الغائب وإيفاء للنفقة.

أبي حنيفة ومالك. وروى أحمد في المسند عن علي رضي الله عنه: أنه كان يضمن الأجراء، ويقول: لا يصلح الناس إلا هذا وحمل على المشترك، لما روى جعفر بن محمد عن أبيه عن علي: أنه كان يضمن الصباغ والصواغ، وقال: لا يصلح الناس إلا هذا. [لا ما تلف بحرزه، أو بغير فعله، إن لم يفرط] أو يتعدى. نص عليه، لأن العين في يده أمانة كالمودع، ولا أجرة له فيما عمل فيه، لأنه لم يسلم عمله إلى المستأجر فلم يستحق عوضه. [ولا يضمن حجام، وختان، وبيطار خاصاً كان أو مشتركاً إن كان حاذقاً، ولم تجن يده، وأذن فيه مكلف، أو وليه] أي: ولي غير المكلف لأنه فعل فعلاً مباحاً فلم يضمن سرايته، فإن لم يكن حاذقاً ضمن، لأنه لا يحل له مباشرة الفعل إذن فيضمن سرايته. وإن جنت يده بأن تجاوز بالختان إلى بعض الحشفة ضمن، لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ كإتلاف المال، وإن لم يأذن فيه مكلف وقع الفعل به، أو ولي صغير ومجنون وقع الفعل بهما ضمن، لأنه فعل غير مأذون فيه، وعليه يحمل ما روي أن عمر قضى في طفلة ماتت من الختان بديتها على عاقلة خاتنتها. [ولا] ضمان على. [راع لم يتعد، أو يفرط بنوم، أوغيبتها عنه] لأنه مؤتمن كالمودع فإن تعدى، أو فرط ضمن كسائر الأمناء. [ولا يصح أن يرعاها بجزء من نمائها] للجهالة، لما تقدم بل بجزء منها مدة معلومة.

فصل: في استقرار الأجره

فصل في استقرار الأجرة [وتستقرالأجرة بفراغ العمل] لقوله صلى الله عليه وسلم: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفً عرقه" رواه ابن ماجة. [وبانتهاء المدة] إذا كانت الإجارة على مدة، وسلمت إليه العين بلا مانع، ولو لم ينتفع لتلف المعقود عليه تحت يده، فاستقر عليه عوضه، كثمن المبيع إذا تلف بيد مشتر. [وكذا ببذل تسليم العين] لعمل في الذمة. [إذا مضى مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها، ولم تستوف] كما لو استأجر دابة ليركبها إلى موضع معين ذهاباً وإياباً بكذا، وسلمها له، ومضى ما يمكن ذهابه ورجوعه فيه على العادة، ولم يفعل استقرت عليه الأجرة، لتلف المنافع تحت يده باختياره، فاستقرعليه الضمان، كتلف المبيع تحت يد المشتري. [ويصح تعجيل الأجرة] كما لو استأجره سنة تسع في سنة ثمان، وشرط عليه تعجيل الأجرة يوم العقد. [وتأجيرها] بأن تكون مؤجلة بأجل معلوم كالثمن. [وإن اختلفا في قدرها] أي: الأجرة، أو المنفعة. [تحالفا وتفاسخا] لأنه عقد معاوضة فأشبه البيع ويبدأ بيمين المؤجر نص عليه.

[وإن كان قد استوفى ما له أجرة فأجرة المثل] أي: مثل تلك العين، لاستيفائه منفعته. [والمستأجر أمين لا يضمن، ولو شرط على نفسه الضمان، إلا بالتفريط] لأنه قبض ليستوفي منها ما ملكه فيها، فلم يضمنها، كالزوجة، والنخلة التي اشتراها ليستوفى ثمرتها. قال في الشرح: قال أحمد فيمن يكري الخيمة إلى مكة فتسرق من المكتري: أرجو أن لا يضمن، وكيف يضمن إذا ذهب؟! ولا نعلم في هذا خلافاً، فإن شرط المؤجر الضمان فالشرط فاسد. وروى الأثرم عن ابن عمر قال: لا يصلح الكرى بالضمان. وعن فقهاء المدينة أنهم قالوا: لا يكرى بضمان. انتهى. [ويقبل قوله في أن لم يفرط] لأن الأصل عدمه، والبراءة من الضمان. [وأن ما استأجره أبق، أو شرد، أو مرض، أو مات] في مدة الإجارة أو بعدها، لأنه مؤتمن، والأصل عدم انتفاعه، وكذا لو صدقه المالك، واختلفا في وقته، ولا بينة للمالك قبل قول المستأجر بيمينه، لأن الأصل عدم العمل، ولأنه حصل في يده، وهو أعلم بوقته. [وإن شرط عليه أن لا يسير بها في الليل، أو وقت القائلة، أو لا يتأخر بها عن القافلة ونحو ذلك مما فيه غرض صحيح فخالف ضمن] لما ذكر عن فقهاء المدينة أنهم قالوا: لا يكرى بالضمان إلا أنه من شرط على كرى أن لا ينزل بطن واد، ولا يسير به ليلاً مع أشباه هذه الشروط فتعدى ذلك فتلف أنه ضامن، وكما إذا شرط ذلك في المضاربة. [ومتى انقضت الإجارة رفع المستأجر يده، ولم يلزمه الرد ولا مؤنته

كالمودع] لأنه عقد لا يقتضي الضمان، فلا يقتضي رده ومؤنته بخلاف العارية، وفي التبصرة: يلزمه رد بشرط، وتكون بعد انقضاء المدة بيد المستأجر أمانة إن تلفت بغير تفريط فلا ضمان عليه.

باب المسابقة

باب المسابقة مدخل ... باب المسابقة [وهي جائزة في السفن، والمزاريق، والطيور، وغيرها، وعلى الأقدام، وبكل الحيوانات1] أجمع المسلمين على جواز المسابقة في الجملة، لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ... } 2 ولمسلم مرفوعاً: "ألا إن القوة الرمي" وعن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم، سابق بين الخيل المضمرة من الحفيا إلى ثنية الوداع، وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق متفق عليه. وسابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة على قدميه رواه أحمد وأبو داود. وصارع ركانة فصرعه رواه أبو داود. وسابق سلمة بن الأكوع رجلاً من الأنصار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم. ومر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يرفعون حجراً ليعلموا الشديد منهم فلم ينكر عليهم. [لكن لا يجوز أخذ العوض إلا في مسابقهً الخيل، والإبل، والسهام] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر" رواه الخمسة، ولم يذكر ابن ماجة نصل. ويتعين حمله على المسابقة

_ 1 المزراق: الرمح القصير. 2 الأنفال من الآية/61.

بعوض جمعاً بينه وبين ما تقدم، للإجماع على جوازها بغير عوض في غير الثلاثة، ولأنها آلات الحرب المأمور بتعلمها، وأحكامها، وذكر ابن عبد البر تحريم الرهن في غير الثلاثة إجماعاً. [بشروط خمسة: الأول: تعيين المركوبين، والراميين بالرؤية] لأن القصد معرفة جوهر الدابتين ومعرفة حذق الرماة، ولا يحصل ذلك إلا بالتعيين بالرؤية. [الثاني: اتحاد المركوبين، أو القوسين بالنوع] فلا تصح بين عربي وهجين، ولا بين قوس عربية وفارسية، لأن التفاوت بينهما معلوم بحكم العادة أشبها الجنسين. [الثالث: تحديد المسافة بما جرت به العادة] لحديث ابن عمر السابق فلو جعلا مسافة بعيدة تتعذر الإصابة في مثلها غالباً، وهو ما زاد على ثلاثمائة ذراع لم تصح، لأن الغرض المقصود بالرمي يفوت بذلك. قال في الشرح: وقيل: ما رمى في أربعمائة ذراع إلا عقبة بن عامر الجهني. [الرابع: علم العوض وإباحته] وجوز حالأً، ومؤجلاً. [الخامس: الخروج عن شبه القمار بأن يكون العوض من واحد] فإن كان من الإمام على أن من سبق فهو له جاز، ولو من بيت المال، لأن فيه مصلحة وحثاً على تعليم الجهاد، ونفعاً للمسلمين، أو كان من أحد غيرهما، أو من أحدهما جاز، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، لأنه إذا جاز بذله من غيرهما فأولى أن يجوز من أحدهما. وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، سبق بين الخيل وأعطى السابق رواه أحمد.

[فإن أخرجا معاً لم يجز] لأنه قمار إذ لا يخلو كل منهما أن يغنم أو يغرم، لحديث ابن مسعود مرفوعاً: "الخيل ثلاثة: فرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان، فأما فرس الرحمن: فالذي يربط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله، وذكر ما شاء الله أجر. وأما فرس الشيطان: فالذي يقامر ويراهن عليه" الحديث رواه أحمد. وحمل على المراهنة من الطرفين من غير محلل. [إلا بمحل لا يخرج شيئاً] وبه قال ابن المسيب، والزهري، وحكي عن مالك: لا أحبه. وعن جابر بن زيد أنه قيل له: إن الصحابة لا يرون به بأساً فقال: هم أعف من ذلك. قاله في الشرح. [ولا يجوز] كون المحلل. [أكثر من واحد] لدفع الحاجة به. [يكافئ مركوبه مركوبيهما] في المسابقة. [ورميه رمييهما] في المناضلة، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "من أدخل فرساً بين فرسين، وهو لا يأمن أن يسبق فليس قماراً، ومن أدخل فرساً بين فرسين، وقد أمن أن يسبق فهو قمار" رواه أبو داود. فجعله قماراً إذا أمن أن يسبق، لأن وجوده كعدمه. واختار الشيخ تقي الدين: يجوز من غير محلل قال: وهو أولى واًقرب إلى العدل من كون السبق من أحدهما، وأبلغ في تحصيل مقصود كل منهما، وهو بيان عجز الآخر. انتهى. [فإن سبقا معاً أحرزا سبقيهما] ولا شئ للمحلل، لأنه لم يسبق أحدهما.

[ولم يأخذا من المحلل شيئاً] لئلا يكون قماراً. [وإن سبق أحدهما، أو سبق المحلل أحرز السبقين] لوجود شرطه. ويسن أن يكون لهما غرضان إذا بدأ أحدهما بغرض بدأ الآخر بالثاني، لفعل الصحابة رضي الله عنهم. قال إبراهيم التيمي: رأيت حذيفة يشتد بين الهدفين. وعن ابن عمر مثله، ويروى أن الصحابة يشتدون بين الأغراض يضحك بعضهم إلى بعض فإذا جاء الليل كانوا رهباناً، ويروى مرفوعاً: "ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة" ويكره للأمين، والشهود مدح أحدهما إذا أصاب، وعيبه إذا أخطأ لما فيه من كسر قلب صاحبه وغيظه، وحرمه ابن عقيل. [والمسابقة جعالة] لأن الجعل في نظير عمله وسبقه. [لا يؤخذ بعوضها رهن، ولا كفيل] لأنها عقد على ما لم تعلم القدرة على تسليمه، وهو السبق، أو الإصابة أشبه الجعل في رد الآبق. [ولكل فسخها] كسائر الجعالات. [ما لم يظهر الفضل لصاحبه] فإن ظهر، فللفاضل الفسخ، وليس للمفضول، لئلا يفوت غرض المسابقة، فإنه متى بان له أنه مسبوق فسخ.

كتاب العارية

كتاب العارية مدخل مدخل ... كتاب العارية وهي مستحبة بالإجماع لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} 1 وهي من البر وقال تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} 2 قال ابن عباس، وابن مسعود: العواري وفسرها ابن مسعود قال: القدر والميزان والدلو قال في الشرح: وهي غير واجبة في قول الأكثر لحديث: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع". [منعقدة بكل قول أو فعل يدل عليها] كأعرتك هذه الدابة، أو اركبها، أو استرح عليها، ونحوه، وكدفعه دابة لرفيقه عند تعبه، وتغطيته بكسائه لبرده فإذا ركب الدابة، أو استبقى الكساء كان قبولاً. [بشروط ثلاثة: كون العين منتفعاً بها مع بقائها] لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من أبي طلحة فرساً فركبها واستعار من صفوان بن أمية أدراعاً رواه أبو داود. وقيس عليه سائر ما ينتفع به مع بقاء عينه. [وكون النفع مباحاً] لأن الإعارة لا تبيح له إلا ما أباحه الشرع فلا تصح الإعارة لغناء أو زمر ونحوه. وتصح إعادة كلب لصيد،

_ 1 المائدة من الآية/3. 2 الماعون من الآية/7.

وفحل لضراب، لاباحة نفعهما، والمنهي عنه العوض عن ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر في حق الإبل والبقر والغنم إعارة دلوها، وإطراق فحلها. [وكون المعير أهلاً للتبرع] لأنها نوع تبرع إذ هي إباحة منفعة [وللمعيرالرجوع في عاريته أي وقت شاء] لأن المنافع المستقبلة لم تحصل في يد المستعير، فجاز الرجوع فيه، كالهبة قبل القبض. [ما لم يضر بالمستعير] فإن أضر به لم يرجع، لحديث: "لا ضرر ولا ضرار". [فمن أعار سفينة لحمل، أو أرضاً لدفن، أو زرع لم يرجع حتى ترسي السفينة، ويبلى الميت، ويحصد الزرع] ولا يتملك الزرع بقيمته. نص عليه، لأن له وقتاً ينتهي إليه. [ولا أجرة له منذ رجع إلا في الزرع] إذا رجع المعير قبل أوان حصده، ولا يحصد قصيلاً فله أجرة مثل الأرض من رجوعه إلى الحصاد، لوجوب تبقيته فيها قهراً عليه، لأنه لم يرض بذلك بدليل رجوعه فتعين إبقاؤه بأجرته إلى الحصاد جمعاً بين الحقين.

فصل: المستعير كاالمستأجر

فصل: المستعير كاالمستأجر ... فصل المستعير كالمستأجر [والمستعير في استيفاء النفع كالمستأجر] له أن ينتفع بنفسه، وبمن يقوم مقامه لملكه التصرف فيها بإذن مالكها. [إلا أنه لا يعير ولا يؤجر] ما استعاره لعدم ملكه منافعه بخلاف المستأجر. [إلا بإذن المالك] فإن أعاره بدون إذنه فتلف عند الثاني، فللمالك تضمين أيهما شاء، ويستقر الضمان على الثاني، لأنه قبضه على أنه ضامن له، وتلف في يده فاستقر الضمان عليه، كالغاصب من الغاصب. قاله في الكافي. [وإذا قبض المستعير العارية فهى مضمونة عليه بمثل مثلي، وقيمة متقوم يوم تلف] لأنه يوم تحقق فواتها. [فرط أو لا] نص عليه، ولو شرط نفي ضمانها، وبه قال ابن عباس وعائشة وأبو هريرة، وهو قول الشافعي وإسحاق، لقوله صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية: "بل عارية مضمونة" وروي "مؤداة" رواه أبو داود. فأثبت الضمان من غير تفصيل. وعن سمرة مرفوعاً "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" رواه الخمسة وصححه الحاكم. [لكن لا ضمان في أربع مسائل إلا بالتفريط: 1 - فيما إذا كانت العارية وقفاً ككتب علم وسلاح] لأن قبضه ليس على وجه يختص مسعتير

بنفعه، لأن تعلم العلم وتعليمه، والغزو من المصالح العامة، أو لكون الملك فيه لغير معين، أو لكونه من جملة المستحقين له. [2 - وفيما إذا أعارها المستأجر] لقيام المستعير مقامه في استيفاء المنفعة فحكمه حكمه في عدم الضمان. [3 - أو بليت فيما أعيرت له] كثوب بلي بلبسه ونحوه، لأن الاذن في الاستعمال تضمن الإذن في الإتلاف به، وما أذن في إتلافه لا يضمن كالمنافع. [4 - أو أركب دابته منقطعاً لله تعالى فتلفت تحته] لم يضمنها، لأنها بيد صاحبها، وراكبها لم ينفرد بحفظها أشبه ما لوغطى ضيفه بلحاف فتلف عليه لم يضمنه، كرديف ربها، وكرائض يركب الدابة لمصلحتها فتلفت تحته، وكوكيل ربها إذا تلفت تحت يده، لأنه لم يثبت لها حكم العارية. [ومن استعار ليرهن فالمرتهن أمين] لا يضمن إلا إن تعدى، أو فرط. [ويضمن المستعير] سواء تلفت تحت يده، أو تحت يد المرتهن، لما تقدم. [ومن سلم لشريكه الدابة، ولم يستعملها، أو استعملها في مقابلة علفها بإذن شريكه، وتلفت بلا تفريط لم يضمن] قال في شرح الاقناع: وإن سلمها إليه لركوبها لمصلحته، وقضاء حوائجه عليها فعارية.

كتاب الغصب

كتاب الغصب مدخل مدخل ... كتاب الغصب [وهو الإستيلاء عرفاً على حق الغير عدواناً] وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ} 1 أما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" الحديث رواه مسلم. وأجمعوا على تحريمه في الجملة، وإنما اختلفوا في فروع منه. قاله في الشرح. [ويلزم الغاصب رد ما غصبه] لحديث: "على اليد ما أخذت حتى ئؤديه" وتقدم وحديث: "لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لا لاعباً ولا جًاداً، ومن أخذ عصا أخيه فليردها" رواه أبو داود. [بنمائه] أي بزيادته متصلة كانت، أو منفصلة، لأنها من نماء المغصوب، وهو لمالكه فلزمه رده كالأصل. [ولو غرم رده أضعاف قيمته] كمن غصب حجراً أو خشباً قيمته درهم مثلاً، وبنى عليه، واحتاج في إخراجه، ورده إلى خمسة دراهم، لما سبق. [وإن سمر بالمسامير] المغصوبة. [باباً قلعها وردها] ولا أثر لضرره، لأنه حصل بتعديه.

_ 1 البقرة من الآية/188.

[وإن زرع الأرض فليس لربها بعد حصده إلا الأجرة] لأنه انفصل عن ملكه، كما لو غرس فيها غرساً ثم قلعه. [وقبل الحصد يخير بين تركه بأجرته، أو تملكه بنفقته، وهي: مثل البذر وعوض لواحقه] لحديث رافع بن خديج مرفوعاً: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شئ، وله نفقته" رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه. قال أحمد: إنما أذهب إلى هذا الحكم استحساناً على خلاف القياس، ولأنه أمكن الجمع بين الحقين بغير إتلاف، فلم يجز الإتلاف. [وإن غرس أو بنى في الأرض ألزم بقلع غرسه وبنائه] لقوله صلى الله عليه وسلم "ليس لعرق ظالم حق" حسنه الترمذي. [حتى ولو كان] الغاصب. [أحد الشريكين] في الأرض. [وفعله له بغير إذن شريكه] للتعدي.

فصل: على الغاصب ارش نقص المغصوب

فصل على الغاصب ارش نقص المغصوب [وعلى الغاصب أرش نقص المغصوب] بعد غصبه، وقبل رده، لأنه نقص عين نقصت به القيمة، فوجب ضمانه، كذراع من الثوب. [وأجرته مدة مقامه بيده] إن كان لمثله أجرة سواء استوفى المنافع، أو تركها، لأنه فوت منفعته زمن غصبه، وهي: مال يجوز أخذ العوض عنه، كمنافع العبد. قال في الشرح: وقال أبو حنيفة: لا يضمن المنافع، وهو الذي نصره أصحاب مالك، واحتج بعضهم بقوله: "الخراج بالضمان"

وهذا في البيع لا يدخل فيه الغاصب، لأنه لا يجوز له الإنتفاع به إجماعاً. انتهى. [فإن تلف ضمن المثلي بمثله، والمتقوم بقيمته يوم تلفه] قال ابن عبد البر: كل مطعوم من مأكول أو مشروب فمجمع على أنه يجب على مهلكه مثله لا قيمته، نص عليه، لأن المثل أقرب إليه من القيمة. وإن لم يكن مثلياً ضمنه بقيمته، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركاً له في عبد قوم عليه قيمة العدل" متفق عليه. فأمر بالتقويم في حصة الشريك، لأنها متلفة بالعتق. قال في الشرح: وحكي عن العنبري، يجب في كل شئ مثله، لحديث "القصعة لما كسرتها إحدى نسائه" صححه الترمذي. ولنا حديث العتق. وهذا محمول على أنه جوزه بالتراضي. انتهى. [في بلد غصبه] لأنه موضع الضمان بمقتضى التعدي. [ويضمن مصاغاً مباحاً من ذهب أو فضة بالأكثرمن قيمته أو وزنه] ويقوم بغير جنسه، لئلا يودي إلى الربا. [والمحرم] كأواني الذهب، والفضة، وحلي الرجال يضمن [بوزنه] من جنسه، لأن صناعته محرمة لا قيمة لها شرعاً. [ويقبل قول الغاصب في قيمة المغصوب] التالف. [وفي قدره] بيمينه حديث لا بينة للمالك، لأنه منكر، والأصل براءته من الزائد. [ويضمن] الغاصب [جنايته] أي: المغصوب. [وإتلافه] أي: بدل ما يتلفه.

[بالأقل من الأرش أو قيمته] أي: العبد كما يفديه سيده، لتعلق ذلك برقبته، فهي نقص فيه كسائر نقصه. وجناية المغصوب على الغاصب، أو على ماله هدر، لأنها لو كانت على غيره كانت مضمونة عليه، ولا يجب له على نفسه شئ فتسقط. [وإن أطعم الغاصب ما غصبه] لغير مالكه فأكله، ولم يعلم لم يبرأ الغاصب، لأن الظاهر أن الإنسان إنما يتصرف فيما يملك، وقد أكله على أنه لا يضمنه، فاستقر الضمان على الغاصب، لتغريره. وإن علم الآكل له بغصبه استقر ضمانه عليه، لأنه أتلف مال غيره بلا إذنه من غير تغرير، ولمالكه تضمين الغاصب له، لأنه حال بينه وبين ماله، وله تضمين آكله، لأنه قبضه من يد ضامنه، وأتلفه بغير إذن مالكه. [حتى ولو] أطعمه الغاصب [لمالكه فأكله، ولم يعلم لم يبرأ الغاصب] لأنه بالغصب أزال سلطانه، وبالتقديم إليه لم يعد ذلك السلطان، فإنه إباحة لا يملك بها التصرف في غير ما أذن له فيه. قال في الكافي: قيل للإمام أحمد في رجل له قبل رجل تبعة، فأوصلها إليه على سبيل الصدقة، ولم يعلم، قال: كيف هذا؟! يرى أنه هدية ويقول: هذا لك عندي. انتهى. [وإن علم الآكل حقيقة الحال استقر الضمان عليه] أما المالك فلأنه أتلف ماله عالماً به، وأما غيره، فلأنه أتلف مال غيره بلا إذنه من غير تغرير. [ومن اشترى أرضاً فغرس، أو بنى فيها، فخرجت مستحقة للغير، وقلع غرسه أو بناؤه] لكونه وضع بغير حق.

[رجع على البائع بجميع ما غرمه] من ثمن، وأجرة غارس، وبان، وثمن مؤن مستهلكة، وأرش نقص بقلع ونحوه، لأنه غره ببيعه، وأوهمه أنها ملكه، وذلك سبب بنائه وغرسه.

فصل: المتلف ضامن

فصل المتلف ضامن [ومن أتلف ولو سهواً مالاً لغيره ضمنه] لأنه فوته عليه، فوجب عليه ضمانه، كما لو غصبه، فتلف عنده. [وإن أكره على الإتلاف] لمال مضمون فأتلفه. [ضمن من أكرهه] قال في القواعد: وحده لكن للمستحق مطالبة المتلف، ويرجع به على المكره، لأنه معذور في ذلك الفعل، فلم يلزمه الضمان بخلاف المكره على القتل فإنه غير معذور، فلهذا شاركه في الضمان، وبهذا جزم القاضي في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وابن عقيل في عمد الأدلة. والوجه الثاني: عليهما الضمان كالدية. صرح به في التلخيص. انتهى. [ومن فتح قفصاً عن طائر، أو حل قناً، أو أسيراً، أو حيواناً مربوطاً فذهب أو حل وكاء1 زق فيه مائع فاندفق ضمنه] لأنه تلف بسبب فعله. [ولو بقي الحيوان أو الطائر حتى نفرهما آخر ضمن المنفر] وحده، لأن سببه أخص فاختص الضمان به، كدافع واقع في بئر مع حافرها.

_ 1 الوكاء: رباط القربة ونحوها.

[ومن أوقف دابة بطريق، ولو واسعاً] نص عليه. [أو ترك بها نحو طين، أو خشبة ضمن ما تلف بذلك] الفعل لتعديه به، لأنه ليس له في الطريق حق، وطبع الدابة الجناية بفمها أو رجلها فإيقافها في الطريق، كوضع الحجر، ونصب السكين فيه. [لكن لو كانت الدابة بطريق واسع فضربها فرفسته فلا ضمان] لعدم حاجته إلى ضربها، فهو الجاني على نفسه. [ومن اقتنى كلباً عقوراً، أو أسود بهيماً، أو أسداً، أو ذئباً أو جارحاً] أو هراً تأكل الطيور، وتقلب القدور عاد [فأتلف شيئاً ضمنه] لأنه متعد باقتنائه. [لا إن دخل دار ربه بلا إذنه] فإنه لا يضمن، لأن الداخل متعد بالدخول. [ومن أجج ناراً بملكه فتعدت إلى ملك غيره بتفريطه ضمن] كمن أجج ناراً تسري عادة لكثرتها، أو في ريح شديدة تحملها، أو فرط بترك النار مؤججة ونام ونحوه، لتعديه، أو لتقصيره، كما لو باشر إتلافه. قال في الكافي: وكذا إن سقى أرضه فتعدى إلى حائط غيره. [لا إن طرأت ريح] فلا ضمان، لأنه ليس من فعله، ولا بتفريطه. [ومن اضطجع في مسجد، أو في طريق] واسع لم يضمن ما تلف به، لأنه فعل مباح لم يتعد فيه على أحد في مكان له فيه حق. أشبه ما لو فعله بملكه. [أو وضع حجراً بطين في الطريق، ليطأ عليه الناس لم يضمن] ما تلف به، لأنه محسن.

فصل: في ضمان تلف الدابة

فصل في ضمان تلف الدابة [ولا يضمن رب بهيمة غير ضارية ما أتلفته نهاراً من الأموال والأبدان] لحديث: "العجماء جرحها جبار" متفق عليه. يعني هدراً. [ويضمن راكب وسائق وقائد قادرعلى التصرف فيها] جناية يدها، وفمها، ووطء رجلها، لحديث النعمان بن بشير مرفوعاً: "من وقف دابةً في سابلة من سبل المسلمين، أو في سوق من أسواقهم، فما وطئت بيد أو رجل فهو ضامن" رواه الدارقطني. ولا يضمن ما نفحت1 برجلها، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "الرجل جبار" رواه أبو داود. وخص بالنفح، لأن المتصرف فيها يمكنه منعها من الوطء لما لا يريد دون النفح. [وإن تعدد راكب ضمن الأول] ما يضمنه المنفرد، لأنه المتصرف فيها، والقادرعلى كفها. [أو من خلفه إن انفرد بتدبيرها] لصغر الأول أو مرضه أو عماه، لأنه المتصرف فيها. [وإن اشتركا في تدبيرها، أو لم يكن إلا قائد وسائق اشتركا في الضمان] لأن كلاً منهما لو انفرد لضمن، فإذا اجتمعا ضمنا. [ويضمن ربها ما أتلفته ليلاً إن كان بتفريطه] لحديث مالك عن الزهري، عن حزام ابن محيصة، أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطاً

_ 1 نفحت الدابة الرجل: ضربته بحد حافرها.

فأفسدت فيه، فقضى نبي الله صلى الله عليه وسلم أن على اًهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. قال ابن عبد البر: وإن كان مرسلاً فهو مشهور حدث به الأئمة الثقات، وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول، ولأن عادة أهل المواشي إرسالها نهاراً للرعي، وعادة أهل الحوائط حفظها نهاراً. [وكذا مستعيرها ومستأجرها، ومن يحفظها] لأن يده عليها. [ومن قتل صائلاً عليه، ولو آدمياً دفعاً عن نفسه، أو ماله] لم يضمنه إن لم يندفع إلا بالقتل، لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد" رواه الخلال بإسناده. وقال الحسن: من عرض لك فى مالك فقاتلته، فإن قتلته فإلى النار، وإن قتلك فشهيد، ولأنه لو لم يدفعه لاستولى قطاع الطريق علىأموال الناس، واستولى الظلمة والفساق على أنفس أهل الدين وأموالهم. قاله في الكافي. وقال في الشرح فإن كانت بهيمة، ولم يمكنه دفعها إلا بقتلها جاز له قتلها إجماعاً، ولا يضمنها. [أو أتلف مزماراً، أو آلة لهو] لم يضمنه، لأنه لا يحل بيعه. أشبه الكلب والميتة. [أو كسر إناء فضة، أو ذهب] لم يضمنه، لأن اتخاذه محرم. [أو] كسر إناءً [فيه خمر مأمور بإراقتها] وهي: ما عدا خمر الخلال، والذمي المستترة لم يضمن، لما روى أحمد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمره أن يأخذ مدية، ثم خرج إلى أسواق المدينة، وفيها

زقاق الخمر قد جلبت من الشام، فشققت بحضرته، وأمر أصحابه بذلك. [أو كسر حلياً محرماً] لم يضمنه لإزالته محرماً، وإن أتلفه ضمنه بوزنه كما تقدم. [أو] أتلف [آلة سحر أو] آلة [تعزيم أو] آلة [تنجيم أو صور خيال] لم يضمن لحديث أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته رواه مسلم. [أو أتلف كتباً مبتدعة مضلة، أو أتلف كتاباً فيه أحاديث رديئة لم يضمن في الجميع] لأنه يحرم بيعه لا لحرمته. أشبه الكلب، والميتة. قال في الفنون: يجوز إعدام الآية من كتب المبتدعة، لأجل ما فيه، وإهانة لما وضعت له. وقال في الهدي: يجوز تحريق أماكن المعاصي، وهدمها كما حرق النبي صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وأمر بهدمه.

باب الشفعة

باب الشفعة مدخل ... باب الشفعة وهي ثابتة بالسنة، والإجماع. أما السنة فحديث جابر مرفوعاً: "قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم" الحديث. متفق عليه. وقال ابن المنذر: أجمعوا على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط. [لا شفعة لكافر على مسلم] نص عليه، لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا شفعة لنصراني"، رواه الدارقطني في كتاب العلل. [وتثبت للشريك فيما انتقل عنه ملك شريكه بشروط خمسة: الأول: كونه مبيعاً] صريحأً، أو ما في معناه كصلح عن إقرار بمال، أو عن جناية توجبه، وهبة بعوض معلوم، لأنه بيع في الحقيقة، لحديث جابر "هو أحق به بالثمن" رواه الجوزجاني. [فلا شفعة فيما انتقل عنه ملكه بغير بيع] كموهوب بغير عوض، وموصى به، وموروث في قول عامة أهل العلم، قاله في الشرح، لأنه مملوك بغير مال، ولأن الخبر ورد في البيع، وهذه ليست في معناه، ويحرم التحيل لإسقاطها. قال أحمد: لا يجوز شئ من الحيل في إبطالها، ولا إبطال حق مسلم، وعن أبي هريرة مرفوعاً: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل".

[الثاني: كونه مشاعاً من عقار] لحديث جابر مرفوعاً: "الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة" رواه الشافعي. وعنه أيضاً إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، الشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة رواه أبو داود. [فلا شفعة للجار] لما تقدم، وبه قال عثمان، وابن المسيب، ومالك، والشافعي، وحديث أبي رافع مرفوعاً: "الجار أحق بصقبه" رواه البخاري وأبو داود. قال في القاموس: أحق بصقبه أي: بما يليه ويقرب منه. أجيب عنه بأنه أبهم الحق، ولم يصرح به، أو أنه محمول على أنه أحق بالفناء الذي بينه وبين الجار ممن ليس بجار، أويكون مرتفقاً به. وحديث الحسن عن سمرة مرفوعاً: "جار الدار أحق بالدار" صححه الترمذي. أجيب عنه باختلاف أهل الحديث في لقاء الحسن لسمرة، ولو سلم لكان عنه الجوابان المذكوران، أو أنه أريد بالجار في الأحاديث الشريك فإنه جار أيضاً، والشريك أقرب من اللصيق، كما أطلق على الزوجة لقربها. قال ابن القيم في الإعلام: والصواب أنه إن كان بين الجارين حق مشترك من طريق أو ماء ثبتت الشفعة، وإلا فلا. نص عليه أحمد في رواية أبي طالب، وهو قول عمر بن عبد العزيز، واختاره الشيخ تقي الدين. وحديث جابر الذي أنكره من أنكره على عبد الملك صريح فيه، فإنه قال: الجار أحق بصقبه ينتظر به وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً انتهى بمعناه. [ولا فيما ليس بعقار، كشجر وبناء مفرد] وحيوان وجوهر وسيف ونحوها، لأنه لا يبقى على الدوام، ولا يدوم ضرره بخلاف الأرض.

[ويؤخذ الغرس والبناء تبعاً للأرض] لا نعلم فيه خلافاً. قاله في المغني، لحديث جابر: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أوحائط الحديث، رواه مسلم. [الثالث: طلب الشفعة ساعة يعلم فإن أخر الطلب لغير عذر سقطت] نص عليه. قال: الشفعة بالمواثبة ساعة يعلم، لحديث ابن عمر مرفوعاً: "الشفعة كحل العقال" رواه ابن ماجة. وفي لفظ: "الشفعة كنشط العقال إن قيدت ثبتت، وإن تركت فاللوم على من تركها" ولأن إثباتها على التراخي يضر بالمشتري، لكونه لا يستقر ملكه على المبيع. ولا يتصرف فيه بعمارة خوفاً من أخذه بالشفعة، وضياع عمله. [والجهل بالحكم عذر] إذا أخر الطلب جهلاً بأن التأخير يسقط الشفعة - ومثله يجهله - لم تسقط، لأن الجهل مما يعذر به أشبه ما لو تركها، لعدم علمه بها. [الرابع: أخذ جميع المبيع] دفعاً لضرر المشتري بتبعيض الصفقة في حقه بأخذ بعض المبيع مع أن الشفعة على خلاف الأصل دفعاً لضرر الشركة، والضرر لا يزال بالضرر. [فإن طلب أخذ البعض مع بقاء الكل سقطت] شفعته لما تقدم. [والشفعة بين الشفعاء على قدر أملاكهم] لأنها حق يستفاد بسبب الملك، فكانت على قدر الأملاك، وإن تركها بعضهم فليس للباقي إلا أخذ الجميع، حكاه ابن المنذر إجماعاً. وإن كان المشتري شريكاً فهي بينه وبين الآخر، لأنهما تساويا في الشركة، فتساويا في الشفعة، وبه

قال الشافعي. وحكي عن الحسن، والشعبي: لا شفعة للآخر، لأنها لدفع ضرر الداخل. قاله في الشرح. [الخامس: سبق ملك الشفيع لرقبة العقار] بأن كان مالكاً لجزء منه قبل البيع، لأن الشفعة ثبتت لدفع الضرر عن الشريك، فإذا لم يكن له ملك سابق فلا ضرر عليه. [فلا شفعة لأحد اثنين اشتريا عقاراً معاً] إذ لا سبق. [وتصرف المشتري بعد أخذ الشفيع بالشفعة باطل] لانتقال الملك للشفيع بالطلب. [وقبله صحيح] لأنه ملكه، وثبوت حق التملك للشفيع لا يمنع من تصرفه، فإن باعه فللشفيع أخذه بأحد البيعين، وإن وهبه أو وقفه، أو تصدق به، أو جعله صداقاً ونحوه فلا شفعة، لأن فيه إضراراً بالمأخوذ منه إذاً، لأن ملكه يزول عنه بغير عوض، والضرر لا يزال بالضرر. [ويلزم الشفيع أن يدفع للمشتري الثمن الذي وقع عليه العقد] لحديث جابر مرفوعاً: "هو أحق به بالثمن" رواه الجوزجاني في المترجم. [فإن كان فمثله] كدراهم، ودنانير، وحبوب، وأدهان من جنسه، لأنه مثله من طريق الصورة والقيمة فهو أولى به مما سواه. [أو متقوماً] كحيوان وثياب ونحوها [فقيمته] لأنها بدله في الإتلاف، وتعتبر وقت الشراء، لأنه وقت استحقاق الأخذ سواء زادت أو نقصت بعده. [فإن جهل الثمن] أي: قدره، كصبرة تلفت، أواختلطت بما لا تتميز منه.

[ولا حيلة سقطت الشفعة] لأنها لا تستحق بغير بدل، ولايمكن أن يدفع إليه ما لا يدعيه. [وكذا] تسقط الشفعة [إن عجز الشفيع، ولو عن بعض الثمن، وانتظر ثلاثة أيام ولم يأت به] لأنه قد يكون معه نقد فيمهل بقدر ما يعده، والثلاث يمكن الإعداد فيها غالباً، فإذا لم يأت به فيها ثبت عجزه. نص عليه.

باب الوديعة

باب الوديعة مدخل ... باب الوديعة الأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ... } 1 وقال تعالى: {..فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ... } 2 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك.." الحديث، رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه. وأجمعوا على جواز الإيداع والاستيداع. قاله في الشرح. وقبولها مستحب لمن يعلم من نفسه الأمانة، لما فيه من قضاء حاجة المسلم ومعونته. [يشترط لصحتها كونها من جائز التصرف لمثله] لأنها نوع من الوكالة. [فلو أودع ماله لصغير، أو مجنون، أو سفيه فأتلفه فلا ضمان] لتفريطه بدفعه إلى أحدهم.

_ 1 النساء من الآية/57. 2 البقرة من الآية/283.

[وإن أودعه أحدهم صار ضامناً] لتعديه بأخذه، لأنه أخذ ماله من غير إذن شرعي فضمنه كما لو غصبه. [ولا يبرأ إلا برده لوليه] في ماله كدينه الذي عليه، فإن خاف هلاكه معه إن تركه فأخذه لم يضمنه، لقصده به التخلص من الهلاك فالحظ فيه لمالكه. [ويلزم المودع حفظ الوديعة في حرز مثلها] عرفاً، لأن الله تعالى أمر بأدائها، ولا يمكن أداؤها بدون حفظها، ولأن المقصود من الإيداع الحفظ، والإستيداع التزام ذلك، فإذا لم يحفظها لم يفعل ما التزمه. [بنفسه أو بمن يقوم مقامه كزوجته وعبده] وخازنه الذي يحفظ ماله عادة، فإن دفعها إلى أحدهم فتلفت لم يضمن، لأنه مأذون فيه عادة، أشبه ما لو سلم الماشية إلى الراعي. [وإن دفعها لعذر] كمن حضره الموت، أو أراد سفراً وليس أحفظ لها [إلى أجنبي] ثقة، أو إلى حاكم فتلفت [لم يضمن] لأنه لم يتعد، ولم يفرط. [وإن نهاه مالكها عن إخراجها من الحرز، فأخرجها لطروء شئ، الغالب منه الهلاك] كحريق ونهب فتلفت [لم يضمن] لتعيين نقلها، لأن في تركها تضييعاً لها. [وإن تركها ولم يخرجها] مع طروء ما الغالب معه الهلاك فتلفت ضمن لتفريطه. [أو أخرجها لغير خوف] فتلف

[ضمن] سواء أخرجها إلى مثله، أو أحرز منه لمخالفة ربها بلا حاجة، [وإن قال له] ربها: [لا تخرجها ولو خفت عليها فحصل خوف وأخرجها أو لا] فتلقت. [لم يضمن] لأنه إن تركها فهو ممتثل أمر صاحبها لنهيه عن إخراجها مع الخوف، كما لو أمره بإتلافها. وإن أخرجها فقد زاده خيراً وحفظاً كما لو قال له: أتلفها، فلم يتلفها. [وإن ألقاها عند هجوم ناهب ونحوه إخفاء لها لم يضمن] لأن هذا عادة الناس في حفظ أموالهم. [وإن لم يعلف البهيمة حتى ماتت] جوعاً أو عطشاً [ضمنها] لأن علفها وسقيها من كمال الحفظ الذي التزمه بالإستيداع، إذ الحيوان لا يبقى عادة بدونها.

فصل: في رد الوديعة

فصل في رد الوديعة [وإن أراد المودع السفر رد الوديعة إلى مالكها أو إلى من يحفظ ماله] أي: مال مالكها. [عادة] كزوجته وعبده لأن فيه تخلصاً له من دركها وإيصالاً للحق إلى مستحقه، فإن دفعها إلى حاكم إذاً ضمن، لأنه لا ولاية له على رشيد حاضر. [فإن تعذر] بأن لم يجد مالكها ولا وكيله ولا من يحفظ ماله عادة. [ولم يخف عليها معه في السفر] لم ينهه مالكها عنه.

[سافر بها ولا ضمان] لأنه موضع حاجة، ولأن القصد الحفظ وهو موجود هنا. [وإن خاف عليها دفعها للحاكم] لقيامه مقام صاحبها عند غيبته، ولأن في السفر بها غرراً ومخاطرة، لأنه عرضة للنهب وغيره، لحديث: "إن المسافر وماله لعلى قلت، إلا ما وقى الله" أي: على هلاك. [فإن تعذر] دفعها للحاكم. [فلثقة] كمن حضره الموت لأن كلاً من السفر والموت سبب لخروج الوديعة عن يده. وروي أنه صلى الله عليه وسلم، كان عنده ودائع، فلما أراد الهجرة أودعها عند أم أيمن، وأمر علياً أن يردها إلى أهلها. [ولا يضمن مسافر أودع] وديعة في سفر. [فسافر بها فتلفت بالسفر] لأن إيداعه في هذه الحال يقتضي الإذن في السفر بها. [وإن تعدى المودع في الوديعة، بأن ركبها لا لسقيها أو لبسها] إن كانت ثًياباً. [لا لخوف من عث، أو أخرج الدراهم لينفقها، أو لينظر إليها، ثم ردها أو حل كيسها فقط حرم عليه وصار ضامناً] لهتكه الحرز بتعديه. [ووجب عليه ردها فوراً] لأنها أمانة محضة وقد زالت بالتعدي. [ولا تعود أمانة بغير عقد] جديد كأن ردها إلى صاحبها، ثم ردها صاحبها إليه، لأن هذا وديعة ثانية. [وصح] قول مالك.

[كلما خنت، ثم عدت إلى الأمانة فأنت أمين] لصحة تعليق الإيداع على الشرط كالوكالة.

فصل: المودع امين

فصل المودع امين [والمودع أمين لا يضمن، إلا إن تعدى أو فرط أو خان] لأن الله تعالى سماها أمانة، والضمان ينافي الأمانة، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "من أودع وديعةً فلا ضمان عليه" رواه ابن ماجة. ولئلا يمتنع الناس من الدخول فيها مع مسيس الحاجة إليها. وعنه إن ذهبت من بين ماله ضمنها، لأن عمر، رضي الله عنه، ضمن أنساً وديعة ذهبت من بين ماله. قال في الشرح: والأول أصح، وكلام عمر محمول على التفريط. [ويقبل قوله بيمينه في عدم ذلك] لأنه أمين، والأصل براءته. [وفي أنها تلفت] لتعذر إقامة البينة عليه. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن المودع إذا أحرزها، ثم ذكر أنها ضاعت، أن القول قوله. وقال أكثرهم: مع يمينه، ذكره في الشرح. [أو أنك أذنت لي في دفعها لفلان وفعلت] أي: دفعتها له مع إنكار مالكها الإذن. نص عليه، لأنه ادعى رداً يبرأ به، أشبه ما لو ادعى الرد إلى مالكها. [وإن ادعى الرد بعد مطله بلا عذر] أو بعد منعه منها لم يقبل إلا بينة لأنه صار كالغاصب. [أو ادعى ورثته الرد] منهم، أو من مورثهم. [لم يقبل إلا ببينه] لأنهم غير مؤتمنين عليها من قبل مالكها.

[وكذا كل أمين] كوكيل وشريك ونحوهما. [وحيث أخر ردها بعد طلب بلا عذر، ولم يكن لحملها مؤنة ضمن] ما تلف منها، لأنه فعل محرماً بإمساكه ملك غيره بلا إذنه، أشبه الغاصب. ويمهل لأكل ونوم وهضم طعام بقدره. [وإن أكره على دفعها لغير ربها لم يضمن] كما لو أخذها منه قهراً، لأن الإكراه عذر يبيح له دفعها. [وإن قال له: عندي ألف وديعة، ثم قال: قبضها، أو تلفت قبل ذلك، أو ظننتها باقية، ثم علمت تلفها صدق بيمينه ولا ضمان] لأنها إذا ثبتت الوديعة ثبتت أحكامها. [وإن قال: قبضت منه ألفاً وديعة فتلفت فقال] المقر له [بل] قبضتها مني [غصباً، أو عارية ضمن] ما أقر به، وقبل قول المقر له بيمينه، لأن الأصل في قبض مال الغير الضمان. وإذا مات، وثبت أن عنده وديعة لم توجد فهي دين عليه. وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة. قاله في الشرح. ويعمل بخطه على كيس ونحوه أن هذا وديعة لفلان. نص عليه.

باب إحياء الموات

باب إحياء الموات مدخل ... باب إحياء الموات [وهي: الأرض الخراب الدارسة التي لم يجر عليها ملك لأحد، ولم يوجد فيها أثر عمارة] فتملك بالإحياء. قال في المغني: بغير خلاف نعلمه بين القائلين بالإحياء. [أو وجد فيها أثر ملك أو عمارة، كالخرب التي ذهبت أنهارها، واندرست آثارها، ولم يعلم لها مالك] كآثار الروم ومساكن ثمود، ملكت بالإحياء، لأنها في دار الإسلام، فتملك كاللقطة. وروى سعيد في سننه عن طاووس مرفوعاً: "عادي الأرض لله ورسوله، ثم هي لكم بعد" ورواه أبو عبيد في الأموال، وقال: عادي الأرض التي بها مساكن في آباد الدهر فانقرضوا. نسبهم إلى عاد لأنهم مع تقدمهم ذوو قوة وآثار كثيرة، فنسب كل أثر قديم إليهم. [فمن أحيا شيئاً من ذلك ولو كان ذمياً] ملكه لعموم الخبر، ولأنه من أهل دار الإسلام، فملك بالإحياء كتملكه مباحاتها من حشيش وحطب وغيرهما. [أو بلا إذن الإمام ملكه] كأخذ المباح، لحديث جابر مرفوعاً: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له" صححه الترمذي. وعن سعيد بن زيد مرفوعاً: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له وليس لعرق1 ظالم حق" حسنه الترمذي.

_ 1 العرق الظالم: هو أن يجيء الرجل إلى أرض، قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرساً غصباً، أو يزرع، أو يحدث فيها شيئاً ليستوجب به الأرض. وقال ابن الأثير: والرواية لعرق بالتنوين، وهو على حذف المضاف، أي لذي عرق ظالم.

وروى مالك وأبو داود عن عائشة مثله. قال ابن عبد البر: وهو سند صحيح متلقى بالقبول عند فقهاء المدينة وغيرهم. قال في المغني: وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالإحياء، وإن اختلفوا في شروطه، ويملكه محييه. [بما فيه من معدن جامد كذهب وفضة وحديد وكحل] لأنه من أجزاء الأرض، فتبعها في الملك كما لو اشتراها، بخلاف الركاز، لأنه مودع فيها للنقل وليس من أجزائها. وهذا في المعدن الظاهر، إذا ظهر بإظهاره وحفره، وأما ما كان ظاهراً فيها قبل إحيائها فلا يملك، لأنه قطع لنفع كان واصلاً للمسلمين، بخلاف ما ظهر بإظهاره فلم يقطع عنهم شيئاً. [ولا خراج عليه إلا إن كان ذمياً] فعليه خراج ما أحيا من موات عنوة، لأنها للمسلمين، فلا تقر في يد غيرهم بدون خراج. وأما غير العنوة كأرض الصلح، وما أسلم أهله عليه، فالذمي فيه كالمسلم. [لا ما فيه من معدن جار: كنفط وقار] وما نبت فيه من كلأ أو شجر، لحديث: "الناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلإ والنار" رواه الخلال وابن ماجة من حديث ابن عباس، وزاد فيه: "وثمنه حرام" ولأنها ليست من أجزاء الأرض، فلم تملك بملكها كالكنز ولكنه أحق به، لحديث: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد فهو له" رواه أبو داود. وفي لفظ فهو أحق به. [ومن حفر بئراً بالسابلة، ليرتفق بها كالسفارة لشربهم ودوابهم،

فهم أحق بمائها ما أقاموا] عليها ولا يملكونها، لجزمهم بانتقالهم عنها، وتركها لمن ينزل منزلتهم بخلاف التملك. [وبعد رحيلهم تكون سبيلاً للمسلمين] لعدم أولوية أحد من غير الحافرين على غيره. [فإن عادوا كانوا أحق بها] من غيرهم، لأنهم إنما حفروها لأنفسهم ومن عادتهم الرحيل والرجوع فلا تزول أحقيتهم به.

فصل: ويحصل احياء الموات بحائط

فصل ويحصل احياء الموات بحائط [ويحصل إحياء الأرض الموات إما بحائط منيع] نص عليه، لحديث جابر مرفوعاً: "من أحاط حائطاً على أرض فهي له" رواه أحمد وأبو داود. وعن سمرة مرفوعاً مثله. [أو إجراء ماء لا تزرع إلا به] لأن نفع الأرض بذلك أكثر من الحائط، وكذا حبس ماء لا تزرع معه، كأرض البطائح التي يفسدها غرقها بالماء لكثرته فإحياؤها بسده عنها بحيث يمكن زرعها، فيدخل في عموم الإحياء المذكور في الحديث. [أو غرس شجر] لأنه يراد للبقاء كبناء الحائط. [أو حفر بئر فيها] فيصل إلى مائه، أو حفر نهر. نص عليه. [فإن تحجر مواتاً، بأن أدار حوله أحجاراً] أو تراباً أو شوكاً أو حائطاً غير منيع لم يملكه، لأن المسافر قد ينزل منزلاً ويحوط على رحله بنحو ذلك.

[أو حفر بئراً لم يصل ماؤها] لم يملكها. نص عليه. [أوسقى شجراً مباحاً، كزيتون ونحوه، أو أصلحه ولم يركبه] أي: يطعمه. [لم يملكه] قبل إحيائه لأن الموات إنما يملك بالإحياء ولم يوجد. [لكنه] أي: من تحجر الموات، أو حفر البئر ولم يصل ماؤها، أو سقى الشجر المباح ولم يركبه. [أحق به من غيره] لقوله صلى الله عليه وسلم "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به" رواه أبو داود. [ووارثه بعده] أحق به، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ترك حقاً أو مالاً فهو لورثته" لأنه حق للمورث، فقام فيه وارثه مقامه كسائر حقوقه. [فإن أعطاه أحد كان له] لأن صاحب الحق آثره به وأقامه مقامه فيه. [ومن سبق إلى مباح فهو له، كصيد وعنبر ولؤلؤ ومرجان وحطب وثمر ومنبوذ رغبة عنه] كالنثار في الأعراس ونحوها، وما يتركه حصاد ونحوه من زرع وثمر رغبة عنه، للحديث السابق. فإن سبق إليه اثنان قسم بينهما، لاستوائهما في السبب. [والملك مقصور فيه على القدر المأخوذ] فلا يملك مالاً يحوزه ولا يمنع غيره منه.

باب الجعالة

باب الجعالة مدخل ... باب الجعالة [وهي جعل مال معلوم لمن يعمل له عملاً مباحاً ولو مجهولاً كقوله: من رد لقطتي أو بنى لي هذا الحائط أو أذن بهذا المسجد شهراً فله كذا] قال في الشرح: ولا نعلم فيه مخالفاً لقوله: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِير} 1 وحديث أبي سعيد في رقية اللديغ على قطيع من الغنم متفق عليه انتهى. ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك في رد الضالة ونحوها. ولا تجوز الإجارة عليه للجهالة، فدعت الحاجة إلى العوض مع جهالة العمل. [فمن فعل العمل بعد أن بلغه الجعل استحقه كله] لما تقدم، لاستقراره بتمام العمل، كالربح في المضاربة. [وإن بلغه في أثناء العمل استحق حصة تمامه] لأن عمله قبل بلوغه غير مأذون فيه، فلا يستحق عنه عوضاً لتبرعه به. [وبعد فراغ العمل لم يستحق شيئاً] لذلك. [وإن فسخ الجاعل قبل تمام العمل لزمه] للعامل [أجرة المثل] لما عمل، لأنه عمل بعوض لم يسلم له، ولا شئ لما يعمله بعد الفسخ، لأنه غير مأذون فيه. [وإن فسخ العامل] قبل تمام العمل. [فلا شئ له] لأنه أسقط حق نفسه حيث لم يأت بما شرط عليه.

_ 1 يوسف من الآية/72.

وإن زاد جاعل في جعل، أو نقص منه قبل شروع في عمل جاز وعمل به لأنه عقد جائز كالمضاربة. [ومن عمل لغيره عملاً بإذنه من غير أجرة أو جعالة فله أجرة مثله] لدلالة العرف على ذلك. [وبغير إذنه فلا شئ له] لا نعلم فيه خلافاً. قاله في الشرح. لأنه متبرع حيث بذل منفعته من غير عوض، فلم يستحقه. ولئلا يلزم الإنسان ما لم يلتزمه ولم تطب به نفسه. [إلا في مسألتين. الأولى: أن يخلص متاع غيره من مهلكه] كغرق وفم سبع وفلاة يظن هلاكه في تركه. [فله أجرة مثله] لأنه يخشى هلاكه وتلفه على مالكه، وفيه حث وترغيب في إنقاذ الأموال من الهلكة. [الثانية: أن يرد رقيقاً آبقاً لسيده فله ما قدره الشارع وهو دينار أو اثنا عشر درهماً] لقول ابن أبي مليكة وعمرو بن دينار: إن النبي صلى الله عليه وسلم، جعل رد الآبق إذا جاء به خارجاً من الحرم ديناراً. ولأن ذلك يروى عن عمر وعلي، رضي الله عنهما، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة. وسواء كان يساويها أو لا. قال في الكافي: ولأن في ذلك حثاً على رد الأباق، وصيانة عن الرجوع إلى دار الحرب وردتهم عن دينهم، فينبغي أن يكون مشروعاً. انتهى. ونقل ابن منصور: سئل أحمد عن الآبق، فقال: لا أدري، قد تكلم الناس فيه، لم يكن عنده فيه حديث صحيح. وعنه: إن رده من خارج المصر فله أربعون

درهماً، وإن رده من المصر فله دينار، لأنه يروى عن ابن مسعود، رضي الله عنه.

باب اللقطة

باب اللقطة مدخل ... باب اللقطة [وهي ثلاثة أقسام] [أحدها: ما لا تتبعه همة أوساط الناس، كسوط ورغيف ونحوهما، فهذا يملك بالالتقاط ولا يلزم تعريفه] لحديث جابر قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى العصا والسوط والحبل يلتقطه الرجل ينتفع به رواه أبو داود. وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق، فقال: "لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها" أخرجاه. وفيه إباحة المحقرات في الحال. قاله في المنتقى. وقال في الشرح: ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة أخذ اليسير والإنتفاع به. انتهى. وعن سلمى بنت كعب قالت: وجدت خاتماً من ذهب في طريق مكة، فسألت عائشة، فقالت: تمتعي به. ورخص النبي صلى الله عليه وسلم، في الحبل في حديث جابر وقد تكون قيمته دراهم، وليس عن أحمد تحديد اليسير. وقال: ما كان مثل التمرة والكسرة والخرقة وما لا خطر له فلا بأس. [لكن إن وجد ربه دفعه إن كان باقياً] لربه لأنه عين ماله، كما في الإقناع. [وإلا لم يلزمه شئ] أي: لم يضمنه، لأنه ملكه بأخذه. والذي رخص النبي صلى الله عليه وسلم، في التقاطه لم يذكر فيه ضماناً، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

[ومن ترك دابته ترك إياس بمهلكة أو فلاة، لانقطاعها، أو لعجزه عن علفها ملكها آخذها] لحديث الشعبي مرفوعاً: "من وجد دابة قد عجز عنها أهلها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له" قال عبد الله بن محمد بن حميد بن عبد الرحمن فقلت - يعني للشعبي -: من حدثك بهذا؟ قال: غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والدارقطني، ولأن فيه إنقاذاً للحيوان من الهلاك مع ترك صاحبها لها رغبة عنها. [وكذا ما يلقى في البحر خوفاً من الغرق] فيملكه آخذه لإلقاء صاحبه له اختياراً فيما يتلف بتركه فيه، أشبه ما لو ألقاه رغبة عنه. [الثاني: الضوال] اسم للحيوان خاصة، ويقال لها: الهوامي، والهوافي، والهوامل. [التي تمتنع من صغار السباع: كالإبل والبقر والخيل والبغال والحمير] أي: الأهلية. قال في الشرح والكافي: والأولى إلحاقها بالشاة، لأنه علل أخذ الشاة بخشية الذئب، والحمر مثلها في ذلك، وعلل المنع من الإبل بقوتها على ورود الماء وصبرها، والحمر بخلافها. انتهى بمعناه. [والظباء] التي تمتنع بسرعة عدوها. [فيحرم التقاطها] لأن جريراً أمر بالبقرة فطردت حتى توارت، ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: "لا يؤوي الضالة إلا ضال" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة. وعن زيد بن خالد قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن لقطة الذهب والورق فقال:

"اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإذا جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه". وسأله عن ضالة الإبل. فقال: "ما لك ولها؟ دعها، فإن معها حذاءها، وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها". وسأله عن الشاة، فقال: "خذها، فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب" متفق عليه. [وتضمن كالغصب] للتعدي، ولا تملك بالتعريف، لعدم إذن المالك والشارع فيه، أشبه الغاصب. [ولا يزول الضمان إلا بدفعها للإمام أو نائبه] لأن له نظراً في حفظ مال الغائب. [أو بردها إلى مكانها بإذنه] أي: الإمام، أو نائبه، لقول عمر لرجل وجد بعيراً: أرسله حيث وجدته رواه الأثرم. [ومن كتم شيئاً منها لزمه قيمته مرتين] لربه. نص عليه، لحديث: "في الضالة المكتومة غرامتها، ومثلها معها" قال أبو بكر في التنبيه: وهذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يرد. [وإن تبع شئ منها دوابه فطرده، أو دخل داره. فأخرجه لم يضمنه حيث لم يأخذه] لحديث جرير السابق. [الثالث: كالذهب والفضة والمتاع، وما لا يمتنع من صغار السباع، كالغنم والفصلان والعجاجيل والأوز والدجاج، فهذه يجوز التقاطها لمن وثق من نفسه الأمانة والقدرة على تعريفها] لحديث زيد بن خالد "في النقدين والشاة" وقيس عليه الباقي، لأنه في معناه.

[والأفضل مع ذلك تركها] قاله أحمد. فلا يتعرض لها. روي عن ابن عباس، وابن عمر، ولم يعرف لهما مخالف من الصحابة. ويحرم على من لا يأمن نفسه عليها أخذها، لما فيه من تضييعها على ربها، كإتلافها، ويضمنها إن تلفت فرط أولاً، لأنه غير مأذون فيه، أشبه الغاصب، ولا يملكها ولو عرفها، لأن السبب المحرم لا يفيد الملك، كالسرقة.. [فإن أخذها، ثم ردها إلى موضعها] بغير إذن الإمام أو نائبه. [ضمن] لأنها أمانة حصلت في يده، فلزمه حفظها كسائر الأمانات، والتفريط فيها تضييع لها. فصل [وهذا القسم الأخير ثلاثة أنواع:] [أحدها: ما التقطه من حيوان] مأكول، كفصيل وشاة. [فيلزمه خير ثلاثة أمور: أكله بقيمته] في الحال، لحديث "هي لك أو لأخيك أو للذئب". فسوى بينه وبين الذئب، وهو لايستأني بأكلها. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها، لأنه سوى بينه وبين الذئب. انتهى. ولأن فيه إغناء عن الإنفاق عليه حراسة لماليته على ربه إذا جاء. وإذا أراد أكله حفظ صفته، فمتى جاء ربه فوصفه غرم له قيمته. [أو بيعه وحفظ ثمنه] ولو بلا إذن الإمام، لأنه إذا جاز أكله بلا إذن فبيعه أولى.

[أو حفظه وينفق عليه من ماله] ليحفظه لمالكه، فإن تركه بلا إنفاق عليه فتلف، ضمنه لتفريطه. [وله الرجوع بما أنفق إن نواه] نص عليه، لأنه أنفق عليه لحفظه، فكان من مال صاحبه. [فإن استوت الثلاثة خير] لعدم المرجح إذاً. [الثاني: ما خشي فساده] بإبقائه كخضروات ونحوها. [فيلزمه فعل الأصلح من بيعه] وحفظ ثمنه لما تقدم. [أو أكله بقيمته] قياساً على الشاة. [أو تجفيف ما يجفف] كعنب ورطب. [فإن استوت الثلاثة خير] لأنه أمانة بيده فتعين عليه فعل الأحظ. [الثالث: باقي المال] من أثمان ومتاع ونحوهما. [ويلزم التعريف في الجميع] من حيوان وغيره لأنه صلى الله عليه وسلم، أمر به زيد بن خالد، وأبي ابن كعب، ولم يفرق ولأن طريق وصولها إلى صاحبها، فوجب كحفظها. [فوراً] لأنه مقتضى الأمر، ولأن صاحبها يطلبها عقب ضياعها. [نهاراً] لأنه مجمع الناس وملتقاهم. [أو كل يوم] قبل اشتغال الناس بمعاشهم. [مدة أسبوع] لأن الطلب فيه أكثر. [ثم عادة] أي كعادة الناس، ويكثر منه في موضع وجدانها وفي الوقت الذي يلي التقاطها.

[مدة حول] لحديث زيد السابق. وروي عن عمر وعلي وابن عباس، ولأن السنة لا تتأخرعنها القوافل، ويمضي فيها الزمان الذي تقصد فيه البلاد، من الحر والبرد والإعتدال. [وتعريفها بأن ينادي في الأسواق وأبواب المساجد] أوقات الصلوات لأن عمر، رضي الله عنه، أمر واجدها بتعريفها على باب المسجد قاله في الشرح. [من ضاع منه شئ أو نفقة] ولا يصفها، لأنه لايؤمن أن يدعيها بعض من سمع صفتها فتضيع على مالكها. [وأجرة المنادي على الملتقط] نص عليه، لوجوب التعريف عليه فأجرته عليه. [فإذا عرفها حولاً فلم تعرف دخلت في ملكه قهراً عليه] كالميراث. نص عليه. وروي عن عمر وغيره، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لم تعرف فاستنفقها" - وفي لفظ: "وإلا فهي كسبيل مالك" - وفي لفظ: "ثم كلها" - وفي لفظ: "فانتفع بها" - وفي لفظ: "فشأنك بها" - وفي لفظ: "فاستمتع بها". [فيتصرف فيها بما شاء بشرط ضمانها] لقوله في حديث زيد السابق: "فإذا جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه" متفق عليه.

فصل: في التصرف باللقطة

فصل في التصرف باللقطة [ويحرم تصرفه فيها حتى يعرف وعاءها ووكاءها - وهو ما يشد به الوعاء -وعفاصها - وهو: صفة الشد - ويعرف قدرها وجنسها وصفتها] لقوله: "اعرف وكاءها وعفاصها" نص على الوكاء والعفاص، وقيس الباقي. ولأنه يجب دفعها إلى ربها بوصفها، فلا بد من معرفته، لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب. [ومتى وصفها طالبها يوماً من الدهر لزم دفعها إليه] لما تقدم. [بنمائها المتصل] لأنه يتبع في الفسوخ. [وأما المنفصل بعد حول التعريف فلواجدها] لأنها نماء ملكه ولأنه يضمن النقص بعد الحول فالزيادة له ليكون الخراج بالضمان. [وإن تلفت أو نقصت في حول التعريف ولم يفرط لم يضمن] لأنها أمانة بيده كالوديعة. [وبعد الحول يضمن مطلقاً] فرط أو لا لدخولها في ملكه، فتلفها من ماله. [وإن أدركها ربها بعد الحول مبيعة أو موهوبة لم يكن له إلا البدل] لصحة تصرف الملتقط فيها لدخولها في ملكه. [ومن وجد في حيوان نقداً أو درة فلقطة لواجده يلزمه تعريفه] ويبدأ بالبائع لاحتمال أن يكون من ماله، فإن لم يعرف فلواجده، وإن وجد درة غير مثقوبة في سمكة فهي لصياد ولو باعها. نص عليه.

[ومن استيقظ فوجد في ثوبه مالاً لا يدري من صره فهو له] بلا تعريف، لأن قرينة الحال تقتضي تمليكه. [ولا يبرأ من أخذ من نائم شيئاً إلا بتسليمه له بعد انتباهه] لتعديه، لأنه إما سارق أو غاصب، فلا يبرأ من عهدته إلا برده لمالكه في حال يصح قبضه فيها.

باب اللقيط

باب اللقيط مدخل ... باب اللقيط [وهو طفل يوجد لا يعرف نسبه ولا رقه] نبذ في شارع أو غيره، أو ضل الطريق ما بين ولادته إلى سن التمييز فقط - على الصحيح - قاله في الإنصاف. [والتقاطه والإنفاق عليه فرض كفاية] لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ... } 1. [ويحكم بإسلامه] إن وجد بدار الإسلام إذا كان فيها مسلم أو مسلمة، لأنه اجتمع الدار وإسلام من فيها تغليباً للإسلام، فإنه يعلو ولا يعلى عليه. [وحريته] لأنها الأصل في الآدميين، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً، والرق عارض، الأصل عدمه. وروى سنين أبو جميلة، قال: وجدت ملقوطاً فأتيت به عمر بن الخطاب، فقال عريفي: يا أمير المومنين، إنه رجل صالح، فقال عمر: أكذلك هو؟ قال: نعم. فقال:

_ 1 المائدة من الآية/3.

اذهب به وهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته. وفي لفظ: وعلينا رضاعه رواه سعيد في سننه. [وينفق عليه مما معه إن كان] لوجوب نفقته في ماله، وما معه فهو ماله. [فإن لم يكن فمن بيت المال] لما تقدم. [فإن تعذر اقترض عليه] أي: على بيت المال. [الحاكم فإن تعذر] الإقتراض، أو الأخذ من بيت المال. [فعلى من علم بحاله] الإنفاق عليه، لأن به بقاءه فوجب، كإنقاذ الغريق، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} 1 [والأحق بحضانته واجده] لما تقدم عن عمر، ولسبقه إليه فكان أولى به. [إن كان حراً مكلفاً رشيداً] لأن منافع القن مستحقة لسيده، فلا يذهبها في غير نفعه إلا بإذنه، وغير المكلف لا يلي أمر نفسه فغيره أولى، وكذا السفيه. [أميناً عدلاً، ولو ظاهراً] كولاية النكاح، ولما سبق.

_ 1 المائدة من الآية/3.

فصل: في ميراث اللقيط

فصل في ميراث اللقيط [وميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال] إن لم يخلف وارثاً كغير اللقيط، فإن كان له زوجة فلها الربع، والباقي لبيت المال، ولا يرثه ملتقطه، لحديث "إنما الولاء لمن أعتق" وقول عمر: ولك ولاؤه أي: ولايته وحضانته. وحديث واثلة بن الأسقع مرفوعاً: "المرأة تحوز ثلاثة مواريث: عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت عليه" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، قال ابن المنذر: لا يثبت. [وإن ادعاه من يمكن كونه منه من ذكر أو أنثى ألحق به ولو] كان اللقيط [ميتاً] احتياطاً للنسب، لأن الإقرار به محض مصلحة للقيط لاتصال نسبه، ولا مضرة على غيره فيه، فقبل كما لو اًقر له بمال. [وثبت نسبه وإرثه] لمدعيه. [وإن ادعاه اثنان فأكثر معاً قدم من له بينة] لأنها علامة واضحة على إظهار الحق. [فإن لم تكن] بينة لأحدهم، أو تساووا فيها. [عرض على القافة] وهم قوم يعرفون الأنساب بالشبه، ولا يختص ذلك بقبيلة معينة بل من عرفت منه معرفة ذلك، وتكررت منه الإصابة فهو قائف. واشتهر ذلك في بني مدلج وبني أسد.

[فإن ألحقته بواحد لحقه] لقضاء عمر به بحضرة الصحابة، رضي الله عنهم، ولم ينكر، فكان إجماعاً. وعن عائشة قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم، مسروراً تبرق أسارير وجهه، فقال: "ألم تري أن مجززاً المدلجي نظر آنفاً إلى زيد وأسامة، وقد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض؟ " متفق عليه. فلولا أن ذلك حق لما سر به النبي صلى الله عليه وسلم. [وإن ألحقته بالجميع لحقهم] لما روى سليمان بن يسار عن عمر في امرأة وطئها رجلان في طهر فقال القائف: قد اشتركا فيه جميعاً، فجعله عمر بينهما رواه سعيد. وبإسناده عن الشعبي قال: وعلي يقول: هو ابنهما، وهما أبواه يرثهما ويرثانه رواه الزبير بن بكار عن عمر. ويلحق بثلاثة، لأن المعنى في الإثنين موجود فيما زاد، فيقاس عليه. [وإن أشكل أمره] على القافة، أو لم يوجد قافة، أو نفته عنهما، أو تعارضت أقوالهم. [ضاع نسبه] لتعارض الدليل، ولا مرجح لبعض من يدعيه، فأشبه من لم يدع نسبه أحد. وقال ابن حامد: يترك حتى يبلغ، ويؤخذان بنفقته، لأن كل واحد منهما مقر، فإذا بلغ أمرناه أن ينتسب إلى من يميل طبعه إليه، لأن ذلك يروى عن عمر، ولأن الطبع يميل إلى الوالد ما لا يميل إلى غيره، فإذا تعدرت القافة رجعنا إلى اختياره، ولا يصح انتسابه قبل بلوغه. قاله في الكافي.

[ويكفي قائف واحد] في إلحاق النسب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، سر بقول مجزز وحده. [وهو كالحاكم فيكفي مجرد خبره] لأنه ينفذ ما يقوله بخلاف الشاهد. [بشرط كونه مكلفاً ذكراً] لأن القيافة حكم مستندها النظر، والإستدلال، فاعتبرت فيه الذكورة، كالقضاء. [عدلاً] لأن الفاسق لا يقبل خبره، وعلم منه اشتراط إسلامه بالأولى. [حراً] لأنه كحاكم. [مجرباً في الإصابة] لأنه أمر علمي، فلا بد من العلم بعلمه له، وطريقه التجربة فيه، ويكفى أن يكون مشهوراً بالإصابة، وصحة المعرفة في مرات. قال القاضي: يترك الغلام مع عشرة غير مدعيه، ويرى القائف، فإن ألحقه بأحدهم سقط قوله، وإن نفاه عنهم جلعناه مع عشرين فيهم مدعيه، فإن ألحقه بمدعيه علمت إصابته.

المجلد الثاني

المجلد الثاني كتاب الوقف مدخل مدخل ... كتاب الوقف: قال الشافعي رحمه الله: لم تحبس أهل الجاهلية، وإنما حبس أهل الإسلام. وهو مستحب، لحديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه الجماعة إلا البخارى وابن ماجه. وقال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، ذو مقدرة إلا وقف. ويجوز وقف الأرض والجزء المشاع لحديث ابن عمر قال: أصاب عمر أرضاً بخيبر، فأتى النبي، صلى الله عليه وسلم، يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت مالاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس عندى منه، فما تأمرني فيه؟ فقال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث"، قال: فتصدق بها عمر في الفقراء، وفي القربى، والرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً غير متمول فيه. وفي لفظ: "غير متأثل" متفق عليه، وعنه أيضاً قال: قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: إن المائة سهم التي بخيبر لم أصب مالاً قط أعجب إلي منها، وقد أردت أن أتصدق بها. فقال صلى الله عليه وسلم: "احبس أصلها وسبل ثمرتها" رواه النسائي وابن ماجه. وهذا وصف المشاع.

"يحصل بأحد أمرين: بالفعل، مع دليل يدل عليه: كأن يبني بنياناً على هيئة المسجد، ويأذن إذناً عاماً بالصلاة فيه، أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن إذناً عاماً بالدفن فيها" أو سقاية ويشرعها لهم، ويأذن في دخولها، لأن العرف جار بذلك، وفيه دلالة على الوقف، فجاز أن يثبت به كالقول، وجرى مجرى من قدم طعاماً لضيفانه، أو نثر نثاراً. قال في الكافي. "وبالقول، وله صريح وكناية، فصريحه: وقفت وحبست وسبلت" متى وقف بواحدة منها صار وقفاً لأنه ثبت لها عرف الاستعمال، وعرف الشرع بقوله صلى الله عليه وسلم لعمر: "إن شئت حبست أصلها وسبلت ثمرتها" فصارت كلفظ الطلاق. وإضافة التحبيس إلى الأصل والتسبيل إلى الثمرة لا يقتضي المغايرة في المعنى، فإن الثمرة أيضاً محبسة على ما شرط صرفها إليه. "وكنايته: تصدقت، وحرمت، وأبدت" فليست صريحة لأنها مشتركة بين الوقف وغيره من الصدقات والتحريمات. "فلا بد فيها من نية الوقف" فمن نوى بها الوقف لزمه حكماً، لأنها بالنية صارت ظاهرة فيه. "ما لم يقل: على قبيلة كذا، أو طائفة كذا" أو يقرن الكناية بحكم الوقف كقوله: تصدقت به صدقةً لا تباع، أو لا توهب، أو لا تورث، لأن ذلك كله لا يستعمل في غير الوقف.

فصل شروط الوقف سبعة

فصل شروط الوقف سبعة: 1- "كونه من مالك جائز التصرف" فلا يصح من محجور عليه، ولا من مجنون. "أو ممن يقوم مقامه" كوكيله فيه. 2- "كون الموقوف عيناً يصح بيعها" فلا يصح وقف أم ولد وكلب وخمر ومرهون. "وينتفع بها نفعاً مباحاً مع بقاء عينها" كالعقار والحيوان والسلاح. قال الإمام أحمد: إنما الوقف في الأرضين والدور على ما وقف أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال فيمن وقف خمس نخلات على مسجد: لا بأس به. وقال النبي صلى الله عليه وسلم "أما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله" متفق عليه. قال الخطابي: الأعتاد: ما يعده الرجل من مركوب وسلاح وآلة الجهاد. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً واحتساباً فإن شبعه وروثه وبوله في ميزانه حسنات" رواه البخاري، وقالت أم معقل: يا رسول الله: إن أبا معقل جعل ناضحه في سبيل الله. فقال: "اركبيه فإن الحج من سبيل الله" 1 رواه أبو داود وروى الخلال عن نافع

_ 1 الناضح: البعير أو الثور أو الحمار الذي يستقى عليه الماء.

أن حفصة ابتاعت حلياً بعشرين ألفاً حبسته على نساء آل الخطاب، فكانت لا تخرج زكاته. "فلا يصح وقف مطعوم ومشروب غير الماء، ولا وقف دهن وشمع وأثمان وقناديل نقد على المساجد، ولا على غيرها" 1 لأن ما لا ينتفع به إلا بإتلافه لا يصح وقفه، لأنه يراد للدوام ليكون صدقة جارية، ولا يوجد ذلك فيما لا تبقى عينه. 3- "كونه على جهة بر وقربة: كالمساكين والمساجد والقناطر والأقارب" والسقايات وكتب العلم، لأنه شرع لتحصيل الثواب. فإذا لم يكن على بر لم يحصل مقصوده الذي شرع لأجله. قال في الكافي: فإن قيل: كيف جاز الوقف على المساجد، وهي لا تملك؟ قلنا: الوقف إنما هو على المسلمين، لكن عين نفعاً خاصاً لهم. "فلا يصح على الكنائس، ولا على اليهود والنصارى، ولا على جنس الأغنياء والفساق" وقطاع الطريق، لأن ذلك إعانة على المعصية. وقد غضب النبي، صلى الله عليه وسلم، حين رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال: "أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي" وقال أحمد في نصارى وقفوا على البيعة ضياعاً كثيرة، وماتوا ولهم أبناء نصارى فأسلموا، والضياع بيد النصارى، فلهم أخذها وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم. "لكن لو وقف على ذمي أو فاسق أو غني معين صح" لما روي "أن

_ 1 النقد: يريد به الذهب والفضة.

صفية بنت حيي زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، وقفت على أخ لها يهودي. 4- "كونه على معين غير نفسه يصح أن يملك فلا يصح الوقف على مجهول، كرجل ومسجد، ولا على أحد هذين" الرجلين أو المسجدين لتردده، كبعتك أحد هذين العبدين، ولأن تمليك غير المعين لا يصح. "ولا على نفسه" عند الأكثر. نقل حنبل وأبو طالب عن الإمام أحمد: ما سمعت بهذا ولا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله تعالى. ويصرف في الحال لمن بعده، كمنقطع الابتداء. وعنه: يصح. قال في التنقيح: اختاره جماعة منهم ابن أبي موسى والشيخ تقي الدين، وصححه ابن عقيل والحارثي وأبو المعالي في النهاية وغيرهم، وعليه العمل في زمننا وقبله عند حكامنا، وهو أظهر. وفي الإنصاف: وهو الصواب، وفيه مصلحة عظيمة، وترغيب في فعل الخير. انتهى. وإن وقف شيئاً على غيره، واستثنى غلته أو بعضها مدة حياته أو مدة معينة له أو لولده صح الوقف والشرط. احتج أحمد بما روي عن حجر المدري أن في صدقة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يأكل أهله منها بالمعروف غير المنكر ويدل له أيضاً قول عمر لما وقف: لا جناح على من وليها أن يكل منها، أو يطعم صديقاً غير متمول فيه وكان الوقف في يده إلى أن مات، ثم بنته حفصة ثم ابنه عبد الله. "ولا على من لا يملك كالرقيق ولو مكاتباً، والملائكة والجن والبهائم والأموات" لأن الوقف تمليك، فلا يصح على من لا يملك. "ولا على الحمل استقلالا" لأنه لا يملك إذاً.

"بل تبعاً" كقوله: وقفت كذا على أولادي ثم على أولادهم وفيهم حمل فيشمله. 5- "كون الوقف منجزاً" أي: غير معلق ولا موقت ولا مشروط فيه خيار أو نحوه. "فلا يصح تعليقه إلا بموته، فيلزم من حين الوقف إن خرج من الثلث" احتج بقول عمر: إن حدث بي حدث الموت فإن ثمغاً صدقة وذكر الحديث. ورواه أبو داود بنحوه. ووقفه هذا كان بأمر النبي، صلى الله عليه وسلم، واشتهر في الصحابة فلم ينكر، فكان إجماعاً. وثمغ: بالفتح مال بالمدينة لعمر وقفه. قاله في القاموس. "6- أن لا يشترط فيه ما ينافيه كقوله: وقفت كذا على أن أبيعه أو أهبه متى شيء ت، أو بشرط الخيار لي، أو بشرط أن أحوله من جهة إلى جهة" فإذا شرط أن يبيعه متى شاء، أو يهبه، أو يرجع فيه بطل الوقف والشرط. قاله في الشرح وغيره، لمنافاته لمقتضاه. "7- أن يقفه على التأبيد، فلا يصح: وقفته شهراً، أو إلى سنة ونحوها" لأنه إخراج مال على سبيل القربة، فلم يجز إلى مدة كالعتق. قاله في الكافي. "ولا يشرط تعيين الجهة، فلو قال: وقفت كذا وسكت صح، وكان لورثته من النسب" لا ولاءً ولا نكاحاً. "على قدر إرثهم" وقفاً عليهم، لأن الوقف مصرفه البر، وأقاربه أولى الناس ببره، فكأنه عينهم لصرفه. فإن عدموا فهو للفقراء والمساكين وقفاً عليهم، لأنهم مصرف الصدقات، ونصه يصرف في مصالح المسلمين.

فصل ويلزم الوقف بمجرده ويملكه الموقوف عليه

فصل ويلزم الوقف بمجرده ويملكه الموقوف عليه إذا كان معيناً، لأن الوقف سبب نقل الملك عن الواقف. ولم يخرج عن المالية، فوجب أن ينتقل الملك إليه كالهبة والبيع. "فينظر فيه هو" أي: الموقوف عليه إن كان مكلفاً رشيداً. "أو وليه" إن كان محجوراً عليه كالطلق1. "ما لم يشترط الواقف ناظراً فيتعين" لأن عمر جعل وقفه إلى ابنته حفصة، ثم يليه ذو الرأي من أهلها. "ويتعين صرفه إلى الجهة التي وقف عليها في الحال" لأن تعيينه لها صرف له عما سواها، لأنه لو لم يجب إتباع تعيينه لم يكن له فائدة. "ما لم يستثن الواقف منفعته أو غلته له أو لولده أو لصديقه مدة حياته أو مدة معلومة فيعمل بذلك" لما تقدم. "وحيث انقطعت الجهة والواقف حي رجع إليه وقفاً" أي: متى قلنا يرجع إلى أقارب الواقف وقفاً، وكان الواقف حياً رجع إليه وقفاً. "ومن وقف على الفقراء فافتقر تناول منه" لوجود الوصف الذى هو الفقر فيه. ولو وقف مسجداً أو مقبرة أو مدرسة فهو كغيره في الانتفاع به، لما روي أن عثمان، رضي الله عنه، سبل بئر رومة وكان دلوه فيها كدلاء المسلمين2.

_ 1 كذا في الأصل وأظنها: الطلاق. 2 بئر رومة: بضم الراء: التي حفرها عثمان بناحية المدينة، وقيل: اشتراها وسبلها.

"ولا يصح عتق الرقيق الموقوف بحال" لتعلق حق من يؤول إليه الوقف به، ولأن الوقف عقد لازم لا يمكن إبطاله، وفي القول بنفوذ عتقه إبطال له. وإن كان بعضه غير موقوف فأعتقه مالكه صح، ولم يسر إلى البعض الموقوف، لأنه إذا لم يعتق بالمباشرة لم يعتق بالسراية. "لكن لو وطئ الموقوفه عليه حرم" لأن ملكه لها ناقص، ولا حد بوطئه للشبهة، ولا مهر لأنه لو وجب لكان له. ولا يجب للإنسان على نفسه شيء. "فإن حملت صارت أم ولد تعتق بموته" لولادتها منه وهو مالكها. "وتجب قيمتها في تركته" لأنه أتلفها على من بعده من البطون. "يشترى بها مثلها" يكون وقفاً مكانها، وولده منها حر للشبهة، وعليه قيمته يوم وضعه حياً، لتفويته رقه على من يؤول إليه الوقف بعده.

فصل ويرجع في مصرف الوقف إلى شرط الواقف

فصل ويرجع في مصرف الوقف إلى شرط الواقف لأن عمر، رضي الله عنه، شرط في وقفه شروطاً، ولو لم يجب إتباع شرطه لم يكن في اشتراطه فائدة أن الزبير وقف على ولده، وجعل للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضراً بها، فإذا استغنت بزوج فلا حق لها فيه. "فإن جهل، عمل بالعادة الجارية، فإن لم تكن فبالعرف" لأن العادة المستمرة، والعرف المستقر يدل على شرط الواقف أكثر مما يدل لفظ الاستفاضة. قاله الشيخ تقي الدين.

"فإن لم يكن" عادة، ولا عرف ببلد الواقف "فالتساوي بين المستحقين" لثبوت الشركة دون التفضيل. "ويرجع إلى شرطه في الترتيب بين البطون" بأن يقول: على أولادي، ثم أولادهم، ثم أولاد أولادهم. "أو الاشتراك" كأن يقف على أولاده وأولادهم. "وفي إيجار الوقف أو عدمه، وفي قدر مدة الإيجار، فلا يزاد على ما قدر" إلا عند الضرورة. "ونص الواقف كنص الشارع" في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل. قاله الشيخ تقي الدين. "يجب العمل بجميع ما شرطه ما لم يفض إلى الإخلال بالمقصود" الشرعي. "فيعمل به فيما إذا شرط أن لا ينزل في الوقف فاسق ولا شرير ولا ذو جاه" لأنه ثبت بوقفه فوجب أن يتبع فيه شرطه. "وإن خصص مقبرة أو مدرسة أو إمامتها بأهل مذهب أو بلد أو قبيلة تخصصت" بهم عملاً بشرطه. "لا المصلين بها" فلا تختص بهم، ولغيرهم الصلاة بها لعدم التزاحم، ولو وقع فهو أفضل، لأن الجماعة تراد له. "ولا" يعمل بشرطه "إن شرط عدم استحقاق من ارتكب طريق الصلاح" قال الشيخ: إذا شرط استحقاق ريع الوقف للعزوبة فالمتأهل أحق من المتعزب إذا استويا في سائر الصفات.

فصل فيما يشترط في الناظر

فصل فيما يشترط في الناظر: "ويرجع في شرطه إلى الناظر" في الوقف إما بالتعيين كفلان، أو بالوصف كالأرشد أو الأعلم، فمن وجد فيه الشرط ثبت له النظر عملاً بالشرط. "ويشترط في الناظر خمسة أشياء:" "1- الإسلام" إن كان الوقف على مسلم، أو جهة من جهات الإسلام كالمساجد والمدارس والربط ونحوها، لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} 1. "2- التكليف" لأن غير المكلف لا ينظر في ملكه الطلق، ففي الوقف أولى. "3- الكفاية للتصرف 4- والخبرة به 5- والقوة عليه" لأن مراعاة حفظ الوقف مطلوبة شرعاً. وإذا لم يكن الناظر متصفاً بهذه الصفات لم يمكنه مراعاة حفظ الوقف. "فإن كان ضعيفاً ضم إليه قوي أمين" ليحصل المقصود. "ولا تشترط الذكورة" لأن عمر، رضي الله عنه، جعل النظر في وقفه إلى ابنته حفصة ثم إلى ذي الرأي من أهلها.

_ 1 النساء من الآية/141.

"ولا العدالة حيث كان بجعل الواقف له" ويضم إلى الفاسق أمين لحفظ الوقف، ولم تزل يده لأنه أمكن الجمع بين الحقين. "فإن كان من غيره" أي: غير الواقف، كمن ولاه حاكم أو ناظر. "فلا بد فيه من العدالة" لأنها ولاية على مال، فاشترط لها العدالة، كالولاية على مال يتيم. "فإن لم يشترط الواقف ناظراً فالنظر للموقوف عليه مطلقاً" أي: عدلاً كان أو فاسقاً، رجلاً أو امرأة، رشيداً أو محجوراً عليه. "حيث كان محصوراً" كأولاده وأولاد أولاده كل واحد منهم ينظر على حصته كالملك المطلق. "وإلا فللحاكم" أو نائبه النظر إذا كان الوقف على غير معين كالوقف على الفقراء أو المساجد والربط ونحوها إذا لم يعين الواقف ناظراً عليه لأنه ليس له مالك معين، ويتعلق به حق الموجودين ومن يأتي بعدهم، ففوض الأمر فيه إلى الحاكم. "ولا نظر للحاكم مع ناظر خاص" قال في الفروع: أطلقه الأصحاب. "لكن له أن يعترض عليه إن فعل ما لا يسوغ" فعله لعموم ولايته. "ووظيفة الناظر: حفظ الوقف وعمارته، وإيجاره وزرعه، والمخاصمة فيه وتحصيل ريعه، والاجتهاد في تنميته، وصرف الريع في جهاته من عمارة وإصلاح وإعطاء المستحقين" لأن الناظر هو الذي يلي الوقف وحفظه، وحفظ ريعه وتنفيذ شرط واقفه، وطلب الحفظ فيه مطلوب شرعاً، فكان ذلك إلى الناظر. "وإن آجره بأنقص" من أجر مثله.

"صح" عقد الإجارة، "وضمن" الناظر "النقص" إن كان المستحق غيره لأنه يتصرف في مال غيره على وجه الحط، فضمن ما نقصه بعقده كالوكيل. "وله الأكل بمعروف" نص عليه. "ولو لم يكن محتاجاً" قاله في القواعد "وله التقرير في وظائفه" لأنه من مصالحه، فينصب إمام المسجد ومؤذنه وقيمه ونحوهم، ويجب أن يولي في الوظائف وإمامة المساجد الأحق شرعاً. "ومن قرر في وظيفة على وفق الشرع حرم إخراجه منها بلا موجب شرعي" كتعطيله القيام بها. قال الشيخ تقي الدين: ومن لم يقم بوظيفته غيره من له الولاية بمن يقوم بها إذا لم يتب الأول ويلتزم بالواجب. "ومن نزل عن وظيفة بيده لمن هو أهل لها صح، وكان أحق بها" من غيره. "وما يأخذه الفقهاء من الوقف فكالرزق من بيت المال لا كجعل ولا كأجرة" في أصح الأقوال، فلا ينقص به الأجر مع الإخلاص. قال الشيخ تقي الدين: وما يؤخذ من بيت المال فليس عوضاً وأجرة بل رزق للإعانة على الطاعة وكذلك المال الموقوف على أعمال البر، والموصى به، أو المنذور له ليس كالأجرة والجعل. انتهى1. وينبني عليه أن القائل

_ 1 قال شيخ الإسلام في الاختيارات ص/178: ومن أكل المال بالباطل: قوم لهم رواتب أضعاف حاجتهم، وقوم لهم جهات معلومها كثير يأخذونه، وينيبون غيرهم بيسير.

بالمنع من أخذ الأجرة على نوع القرب لا يمنع ممن أخذ المشروط في الوقف. قاله الحارثي.

فصل ومن وقف على ولده أو ولد غيره دخل الموجودون

فصل ومن وقف على ولده أو ولد غيره دخل الموجودون حال الوقف ولو حملاً. "فقط" نص عليه. "من الذكور والإناث" لأن اللفظ يشملهم، لأن الجميع أولاده. "بالسوية من غير تفضيل" لأنه شرك بينهم، وكما لو أقر لهم ب شيء وعنه: يدخل ولد حدث بعد الوقف. اختاره ابن أبي موسى، وأفتى به ابن الزاغوني، وهو ظاهر كلام القاضي وابن عقيل، وجزم به في المبهج والمستوعب، واختاره في الإقناع. "ودخل أولاد الذكور خاصة" لأنهم دخلوا في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 1 لأن كل موضع ذكر الله فيه الولد دخل ولد البنين. فالمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينة يحمل على المطلق من كلام الله تعالى ويفسر بما فسر به. "وإن قال: على ولدي، دخل أولاده الموجودون ومن يولد لهم" أي: لأولاده الموجودين. "لا الحادثون، وعلى ولدي ومن يولد لي دخل الموجودون والحادثون تبعاً" للموجودين.

_ 1 النساء من الآية/ 11.

"ومن وقف على عقبه أو نسله أو ولد ولده أو ذريته دخل الذكور والإناث لا أولاد الإناث" لأنهم لم يدخلوا في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 1 لأنهم إنما ينسبون إلى قبيلة آبائهم دون قبيلة أمهاتهم. وقال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} 2 وقال الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد3 وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن ابني هذا سيد" ونحوه، فمن خصائصه انتساب أولاد فاطمة إليه. "إلا بقرينة" كقوله: من مات عن ولد فنصيبه لولده. وقوله: وقفت على أولادي فلان وفلان وفلانة، ثم أولادهم، أو: على أن لولد الذكر سهمين ولولد الأنثى سهماً ونحوه. "ومن وقف على بنيه أو بني فلان فللذكور خاصة" لأن لفظ البنين وضع لذلك حقيقة. قال تعالى: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} 4 وقال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ ... } 5 وإن وقف على بناته اختص بهن، وإن كانوا قبيلة كبني هاشم وتميم دخل نساؤهم،

_ 1 النساء من الآية/ 11. 2 الأحزاب من الآية/ 5. 3 جاخزانة الأدب لعبد القادر البغدادي في الشاهد/ 73 مايلي: "المعنى: أن بني أبنائنا مثل بنينا ... وهذا البيت لا يعرف قائله مع شهرته في كتب النحاة وغيرهم. قال العيني: هذا البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر، والرضيون على دخول أبناء الأبناء في الميراث، وأن الايساب إلى الآباء، والفقهاء كذلك في الوصية، وأهل المعاني والبيان في التشبيه. ولم أر أحدا منهم عزاه إلى قائله. اهـ.". 4 الصافات من الآية/ 153. 5 آل عمران من الآية/ 14.

لأن اسم القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها. وروي أن جواري من بني النجار قلن: نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار دون أولادهن من رجال غيرهم لأنهم إنما ينتسبون لآبائهم كما تقدم. "ويكره هنا" أي: فما الوقف. "أن يفضل بعض أولاده على بعض لغير سبب" شرعي لأنه يؤدي إلى التقاطع. ولقوله، صلى الله عليه وسلم، في حديث النعمان بن بشير: " ... اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". قال: فرجع أبي في تلك الصدقة رواه مسلم. "والسنة أن لا يزاد ذكر على أنثى" واختار الموفق، وتبعه في الشرح والمبدع وغيره: للذكر مثل حظ الأنثيين على حسب قسمة الله في الميراث، كالعطية، والذكر في مظنة الحاجة غالباً بوجوب حقوق تترتب عليه بخلاف الأنثى. "فإن كان لبعضهم عيال أو به حاجة أو عاجز عن التكسب" فخصه بالوقف أو فضله. "أو خص المشتغلين بالعلم، أو خص ذا الدين والصلاح فلا بأس بذلك" نص عليه، لأنه لغرض مقصود شرعاً.

فصل والوقف عقد لازم

فصل والوقف عقد لازم بمجرد القول أو الفعل الدال عليه. "لا يفسخ بإقاله ولا غيرها" لأنه عقد يقتضي التأبيد، سواء حكم به حاكم أو لا، أشبه العتق. "ولا يوهب ولا يرهن ولا يورث ولا يباع" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يباع أصلها ولا توهب ولا تورث" قال الترمذي: العمل على هذا الحديث عند أهل العلم، وإجماع الصحابة على ذلك، فيحرم بيعه ولا يصح. "إلا أن تتعطل منافعه بخراب أو غيره" كخشب تشعث وخيف سقوطه "ولم يوجد ما يعمر به، فيباع ويصرف ثمنه في مثله أو بعض مثله" نص عليه أحمد، قال: إذا كان في المسجد خشبات لها قيمة جاز بيعها وصرف ثمنها عليه. وقال: يحول المسجد خوفاً من اللصوص، وإذا كان موضعه قذراً. قال أبو بكر:1 وروي عنه أن المساجد لا تباع، إنما تنقل آلتها. قال: وبالقول الأول أقول، لإجماعهم على جواز بيع الفرس الحبيس إذا لم يصلح للغزو، فإن لم يبلغ ثمن الفرس أعين به في فرس حبيس. نص عليه، لأن الوقف مؤبد، فإذا لم يمكن تأبيده بعينه استبقينا الغرض وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى.

_ 1 هو أحمد بن محمد أبوبكر المعروف بالخلال، المتوفى 311 نقل عن أصحاب الإمام أحمد المسائل الكثيرة، وله المؤلفات القيمة.

واتصال الإبدال يجري مجرى الأعيان، وجمودنا على العين مع تعطلها تضييع للغرض، كذبح الهدي إذا أعطب في موضعه مع اختصاصه بموضع آخر، فلما تعذر تحصيل الغرض بالكلية استوفي منه ما أمكن. قاله ابن عقيل وغيره. وقوله: فيباع - أي: وجوباً - كما مال إليه في الفروع، ونقل معناه القاضي وأصحابه، والموفق والشيخ تقي الدين. "وبمجرد شراء البدل يصير وقفاً" كبدل أضحية، وبدل رهن أتلف، لأنه كالوكيل في الشراء، وشراء الوكيل يقع لموكله، والاحتياط وقفه، لئلا ينقضه بعد ذلك من لا يرى وقفه بمجرد الشراء. "وكذا حكم المسجد لو ضاق على أهله" نص عليه، وفي المغني: ولم تمكن توسعته في موضعه. "أو خربت محلته اًو استقذر موضعه" لما تقدم. قال القاضي: يعني إذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه فيباع. "ويجوز نقل آلته وحجارته لمسجد آخر احتاج إليها وذلك أولى من بيعه" لما روى أن عمر، رضي الله عنه، كتب إلى سعد لما بلغه أن بيت المال الذي في الكوفة نقب، أن انقل المسجد الذي بالتمارين، واجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنه لن يزال في المسجد مصل وكان هذا بمشهد من الصحابة، ولم يظهر خلافه، فكان كالإجماع. "ويجوز نقض منارة المسجد وجعلها في حائطه لتحصينه" من نحو كلاب. نص عليه، في رواية محمد بن الحكم لأنه نفع. "ومن وقف على ثغر فاختل صرف في ثغر مثله" قاله في التنقيح. "وعلى قياسه مسجد ورباط 1 ونحوهما" كسقاية فإذا تعذر

_ 1 الرباط: مساكن مجتمعة يسكنها الغرباء والفقهاء.

الصرف فيها صرف في مثلها تحصيلاً لغرض الواقف حسب الإمكان. ونص أحمد في رواية حرب فيمن وقف على قنطرة فانحرف الماء: يرصد لعله يرجع - أي: الماء - إلى القنطرة فيصرف عليها ما وقف عليها. قال في الاختيارات: وجوز جمهور العلماء تغيير صورة الوقف للمصلحة، كجعل الدور حوانيت والحكورة المشهورة. انتهى. قال ابن قندس: يريد بذلك أن كثيراً من الأوقاف كان بساتين، فأحكروها وجعلت بيوتاً وحوانيت، ولم ينكر ذلك العلماء الأعيان. انتهى. وما فضل من حاجة الموقوف عليه مسجداً كان أو غيره: من حصر وزيت وأنقاض وآلة جديدة، يجوز صرفه في مثله، لأنه انتفاع به في جنس ما وقف له، ويجوز صرفه إلى فقير. نص عليه. واحتج بأن شيبة بن عثمان الحجبي كان يتصدق بخلقان الكعبة. وروي الخلال بإسناده أن عائشة أمرته بذلك ولأنه مال الله ولم يبق له مصرف، فصرف إلى المساكين. "ويحرم حفر البئر وغرس الشجر بالمساجد" لأن البقعة مستحقة للصلاة فتعطيلها عدوان، فإن فعل طمث البئر وقلعت الشجرة. نص عليه. قال: غرست بغير حق ظالم غرس فيما لا يملك. "ولعل هذا" أي: تحريم حفر البئر في المسجد. "حيث لم يكن فيه مصلحة" قال في الإقناع: ويتوجه جواز حفر بئر إن كان فيه مصلحة ولم يحصل به ضيق. قال في الرعاية: لم يكره أحمد حفرها فيه.

باب الهبة

باب الهبة مدخل ... باب الهبة "وهي التبع بالمال في حال الحياة" خرج الوصية. "وهي مستحبة" لقوله صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا" وهي أفضل من الوصية، لحديث أبي هريرة سئل النبي، صلى الله عليه وسلم، أي الصدقة أفضل؟ قال: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا" رواه مسلم بمعناه. "منعقدة بكل قول" يدل على الهبة بأن يقول: وهبتك أو أهديتك أو أعطيتك ونحوه. "أو فعل يدل عليها" لأنه صلى الله عليه وسلم، كان يهدي ويهدى إليه، ويعطي ويعطى، ويفرق الصدقات، ويأمر سعاته بأخذها وتفريقها، وكان أصحابه يفعلون ذلك، ولم ينقل عنهم إيجاب ولا قبول، ولو كان شرطاً لنقل عنهم نقلاً متواتراً أو مشهوراً، ولأن دلالة الرضى بنقل الملك تقوم مقام الإيجاب والقبول. "وشروطها ثمانية:" "1- كونها من جائز التصرف" وهو الحر المكلف الرشيد. "2- كونه مختاراً غير هازل" فلا تصح من مكره ولا هازل. "3- كون الموهوب يصح بيعه" اختاره القاضي وقدمه في الفروع،

لأنه عقد يقصد به تمليك العين، أشبه البيع. قال في الكافي: وتجوز هبة الكلب وما يجوز الانتفاع به من النجاسات، لأنه تبرع فجاز في ذلك كالوصية، ولا تجوز في مجهول ولا عجوز عن تسليمه. "4- كون الموهوب له يصح تمليكه" فلا تصح لحمل، لأن تمليكه تعليق على خروجه حياً، والهبة لا تقبل التعليق. "5- كونه يقبل ما وهب له بقول أو فعل يدل عليه" لما تقدم. "قبل تشاغلهما بما يقطع البيع عرفاً" على ما تقدم تفصيله. "6- كون الهبة منجزة" فلا تصح معلقه كإذا قدم زيد فهذا لعمرو، لأنها تمليك لمعين في الحياة، فلم يجز تعليقها على شرط كالبيع إلا تعليقها بموجب الواهب فيصح، وتكون وصية، وأما قوله صلى الله عليه وسلم، لأم سلمة - "إني قد أهديت إلى النجاشي حلةً، وأواقي مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودةً علي، فإن ردت فهي لك" الحديث رواه أحمد - فوعد لا هبة. "7- كونها غير مؤقتة" كوهبتكه شهراً أو سنة، لأنه تعليق لانتهاء الهبة، فلا تصح معه كالبيع. "لكن لو وقتت بعمر أحدهما" كقوله جعلتها لك عمرك أو حياتك أو عمري. "لزمت ولغى التوقيت" لقوله صلى الله عليه وسلم: "أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً ولعقبه" رواه أحمد ومسلم. وفي لفظ قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالعمرى لمن وهبت له متفق عليه. وعن جابر أن رجلاً

من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخل حياتها فماتت، فجاء إخوته، فقالوا نحن فيه شرع سواء. قال: فأبى، فاختصموا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقسمها بينهم ميراثاً رواه أحمد. والرقبى: أن يقول: إن مت قبلي عادت إلي، وإن مت قبلك فهي لك. قال مجاهد: هي أن يقول: هي للآخر منى ومنك موتاً سميت رقبى، لأن كلاً منهما يرقب موت صاحبه. ففيها روايتان. إحداهما: هي لازمة لا تعود إلى الأول، لعموم الأخبار، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئاً أو أرقبه فهو له حياته ومماته" رواه أحمد ومسلم وفي حديث جابر مرفوعاً: "العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها" رواه الخمسة. وهو قول جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس ومعاوية وزيد بن ثابت، وقضى بها طارق بالمدينة بأمر عبد الملك. قال في الشرح. ولأن الأملاك المستقرة كلها مقدرة بحياة المالك، وتنتقل إلى الورثة فلم يكن تقديره بحياته منافياً لحكم الأملاك، ولأنه شرط رجوعها على غير الموهوب له، وهو وارثه بعد ما زال ملك الموهوب له فلم يؤثر، كما لو شرط بعد لزوم العقد شرطاً ينافي مقتضاه. وعنه: ترجع إلى المعمر والمرقب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون عند شروطهم" وسئل القاسم عنها، فقال: ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم، وما أعطوا. وقال جابر: إنما العمرى الذي أجاز رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يقول: هي لك ولعقبك. فأما إذا قال: هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها متقق عليه. وأجيب عنه بأنه من قول جابر نفسه، فلا يعارض ما روي عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وقول القاسم لا يقبل في مقابلة من

سمينا من الصحابة والتابعين، فكيف في مخالفة سيد المرسلين؟! قاله في الشرح. "وكونها بغير عوض فإن كانت بعرض معلوم فبيع" يثبت فيها الخيار، والشفعة، وضمان العهدة. وعنه: يغلب فيها حكم الهبة، فلا تثبت فيها أحكام البيع المختصة به، لقول عمر: من وهب هبةً أراد بها الثواب فهو على هبته، يرجع فيها إذا لم يرض منها رواه مالك في الموطأ. وعن أبي هريرة مرفوعاً "الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها" 1 رواه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي. وقال أحمد: إذا وهب على وجه الإثابة فلا يجوز له إلا أن يثيبه منها. "وبعوض مجهول فباطلة" كالبيع بثمن مجهول، فترد بزيادتها المتصلة والمنفصلة. وإن تلفت ضمنها ببدلها. وعنه: تصح، ويعطيه ما يرضيه، أو يردها، ويحتمل أن يعطيه قيمتها، فإن لم يفعل فللواهب الرجوع، لما روى عن عمر. قاله في الكافي. "ومن أهدى ليهدى له أكثر فلا بأس" لحديث "المستعذر يثاب من هبة" لغير النبي، صلى الله عليه وسلم2، لقوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} 3 ولما فيه من الحرص والمضنة.

_ 1 قوله: مالم يثبت منها، أي: مالم يعوض عنها. ومعنى الحديث أن للواهب الرجوع في هبته، وأنه إذا رجع ترد عليه هبته مالم يعوض عنها، وهو مذهب أبي حنيفة. انتهى. انظر حاشية السندي على سنن ابن ماجه والمناوي في فيض القدير. 2 انظر غاية المنتهى 3/12. بتحقيقنا ففيه الكثير من خصوصياته، صلى الله عليه وآله وسلم. 3 المدثر من الآية/ 6.

"ويكره رد الهبة وإن قلت" لحديث ابن مسعود مرفوعاً: "لا تردوا الهدية" رواه أحمد. "بل السنة أن يكافى أو يدعو" لحديث "من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" رواه أحمد وغيره. وحكى أحمد في رواية مثنى عن وهب قال: ترك المكافآت من التطفيف، وقاله مقاتل. "وإن علم أنه أهدى حياء وجب الرد" قاله ابن الجوزي. قال في الآداب: وهو قول حسن، لأن المقاصد في العقود عندنا معتبرة.

فصل وتملك الهبة بالعقد

فصل وتملك الهبة بالعقد لما روي عن علي وابن مسعود أنهما قالا: الهبة إذا كانت معلومة فهي جائزة قبضت أو لم تقبض فيصح تصرف الموهوب له فيها قبل القبض على المذهب. نص عليه. والنماء للمتهب. قاله في الإنصاف. "وتلزم بالقبض بشرط أن يكون القبض بأذن الواهب" قال المروزي: اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة. وقال الصديق لما حضرته الوفاة لعائشة: يا بنية إني كنت نحلتك جاد1 عشرين وسقاً، ولو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال الوارث فاقتسموه على كتاب الله تعالى رواه مالك في الموطأ.

_ 1 قوله جاد عشرين: بتشديد الدال المهملة، أي: أعطاها ما يجد عشرين وسقا. أي: ما يحصل من ثمرته ذلك. والجد: صرام النخل.

وتبطل بموت متهب قبل قبضها، لقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: "إني قد أهديت إلى النجاشي حلةً وأواقي مسك، ولا أرى النجاشي إلا قد مات، ولا أرى هديتي إلا مردودةً علي، فإن ردت فهي لك". قالت: فكان ما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم وردت عليه هديته، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية من مسك، وأعطى أم سلمة بقية المسك والحلة رواه أحمد. "فقبض ما وهب بكيل أو وزن أو عد أو ذرع بذلك، وقبض الصبرة، وما ينقل بالنقل، وقبض ما يتناول بالتناول، وقبض غير ذلك بالتخلية" كقبض مبيع. "ويقبل ويقبض لصغير ومجنون وليهما" وهو أب، أو وصيه، أو الحاكم، أو أمينه كالبيع والشراء. قال أحمد: لا أعرف للأم قبضاً. ولا يحتاح أب وهب موليه إلى توكيل، لانتفاء التهمة قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن الرجل إذا وهب لولده الطفل داراً بعينها، أو عبداً بعينه، وقبض له من نفسه، وأشهد عليه: أنها تامة، وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض. وصحح في المغني: أن الأب وغيره في هذا سواء لانتفاء التهمه هنا بخلاف البيع. "ويصح أن يهب شيئاً ويستثني نفعه مدة معلومة" نحو شهر وسنة كالبيع. "وأن يهب حاملاً، ويستثني حملها" كالعتق. "وإن وهبه وشرط الرجوع متى شاء لزمت ولغى الشرط" لأنه شرط ينافيها، فتصح هي مع فساد الشرط، كالبيع بشرط أن لا يخسر.

"وإن وهب دينه لمدينه، أًو أبرأه منه، أو تركه له صح، ولزم بمجرده، ولو قبل حلوله" لأن تأجيله لا يمنع ثبوته في الذمة. "وتصح البراءة ولو مجهولاً" لهما أو لأحدهما، لقوله صلى الله عليه وسلم للرجلين: "اقتسما وتوخيا الحق، واستهما، ثم تحالا". "ولا تصح هبة الدين لغير من هو عليه" لأنه غير مقدور على تسليمه "إلا إن كان ضامناً" فإنها تصح لتعلقه في ذمته.

فصل ولكل واهب أن يرجع في هبته قبل إقباضها

فصل ولكل واهب أن يرجع في هبته قبل إقباضها لبقاء ملكه مع الكراهة خروجاً من خلاف من قال: تلزم بالعقد، لحديث "العائد في هبته كالعائد يعود في قيئه" متفق عليه. ولأنه يروى عن علي، وابن مسعود. "ولا يصح الرجوع إلا بالقول" نحو رجعت في هبتي أو إرتجعتها، أو رددتها، لأن الملك ثابت للموهوب له يقيناً، فلا يزول إلا بيقين، وهو صريح الرجوع. "وبعد إقباضها يحرم ولا يصح" لحديث ابن عباس مرفوعاً: "العائد في هبته كالكلب يقيء القيء، ثم يعود في قيئه" متفق عليه. قال أحمد في رواية: قال قتادة: ولا أعلم القيء إلا حراماً. "ما لم يكن أباً فإن له أن يرجع" فيما وهبه لولده، قصد التسوية أو لا، لقوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" رواه الخمسة، وصححه الترمذي.

" بشروط أربعة": "1- أن لا يسقط حقه من الرجوع" فإن أسقطه سقط. "2- أن لا تزيد زيادة متصلة" كالسمن والتعلم فإن زادت فلا رجوع. وأما الزيادة المنفصلة فهي للابن، ولا تمنع الرجوع. "3- أن تكون باقيةً في ملكه" لأن الرجوع فيها بعد خروجها عن ملكه إبطال لملك غيره. "4- أن لا يرهنها" الولد فإن رهنها أو حجر عليه لفلس سقط الرجوع، لما فيه من إسقاط حق المرتهن والغرماء. "وللأب الحر أن يتملك من مال ولده ما شاء" لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك" رواه سعيد وابن ماجه، ورواه الطبراني في معجمه مطولاً وعن عائشة مرفوعاً: "إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم" رواه سعيد والترمذي وحسنه. "بشروط خمسة:" "1- أن لا يضره" لحديث "لا ضرر ولا ضرار" ولأنه أحق بما تعلقت به حاجته. "2- أن لا يكون في مرض موت أحدهما" المخوف فلا يصح فيه، لانعقاد سبب الإرث. "3- أن لا يعطيه لولد آخر" نص عليه، لأنه ممنوع من التخصيص من مال نفسه فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذه من مال ولده الآخر أولى. "4- أن يكون التملك بالقبض مع القول أو النية" لأن القبض يكون للتملك وغيره فاعتبر ما يعين وجهه.

"5- أن يكون ما تملكه عيناً موجودة، فلا يصح أن يتملك ما في ذمته من دين ولده، ولا أن يبرئ نفسه" كإبرائه غريمه، لأن الولد لا يملكه إلا بقبضه. "وليس لولده أن يطالبه بما في ذمته من الدين" وقيمة المتلف وغير ذلك، لحديث "أنت ومالك لأبيك". "بل إذا مات أخذه من تركته من رأس المال" لأنه حق ثابت عليه لا تهمة فيه، كدين الأجنبي، وله مطالبته بنفقته الواجبة، لفقره وعجزه عن التكسب، لضرورة حفظ النفس.

فصل يباح للإنسان أن يقسم ماله بين ورثته في حال حياته

فصل يباح للإنسان أن يقسم ماله بين ورثته في حال حياته على فرائض الله عز وجل، لعدم الجور فيها. "ويعطي من حدث حصته وجوباً" ليحصل التعديل الواجب. "ويجب عليه التسوية بينهم على قدر إرثهم" إقتداء بقسمة الله تعالى. وقياساً لحال الحياة على حال الموت. وسائر الأقارب في ذلك كالأولاد. قال عطاء: ما كانوا يقسمون إلا على كتاب الله تعالى، وقال إبراهيم: كانوا يستحبون التسوية بينهم حتى في القبلة فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين. وما ذكر عن ابن عباس مرفوعاً: "سووا بين أولادكم ولو كنت مؤثراً لآثرت النساء" الصحيح أنه مرسل، ذكره في الشرح. "فإن زوج أحدهم أو خصصه بلا إذن البقية حرم عليه" لقوله صلى الله عليه وسلم، في حديث النعمان "لا تشهدني على جور" متفق عليه.

والجور حرام. وكان الحسن يكرهه، ويجيزه في القضاء، وأجازه مالك والشافعي، لخبر أبي بكر لما نحل عائشة ولنا حديث النعمان بن بشير أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكل ولدك نحلته مثل هذا"؟ فقال: لا. فقال: "فأرجعه" متفق عليه. ذكره في الشرح. "ولزمه أن يعطيهم حتى يستووا" نص عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" رواه مسلم. "فإن مات قبل التسوية، وليس التخصيص بمرض موته المخوف ثبت للآخذ" فلا رجوع لبقية الورثة عليه. نص عليه، لقول الصديق: وددت لو أنك حزتيه وقول عمر: لا عطية إلا ما حازه الولد.. وهو قول أكثر أهل العلم. قاله في الشرح. "وإن كان بمرض موته لم يثبت له شيء زائد عنهم إلا بإجازتهم" لأن حكمه كالوصية، وفي الحديث: "لا وصية لوارث". "ما لم يكن وقفاً، فيصح بالثلث كالأجنبي" احتج أحمد بحديث عمر، وتقدم في الوقف، وبأن الوقف لا يباع، ولا يورث، ولا يصير ملكاً للورثة. وقال أحمد: إن كان على طريق الأثرة1 فأكرهه، وإن كان على أن بعضهم له عيال، أو به حاجة فلا بأس، لأن الزبير خص المردودة من بناته ذكره في الشرح.

_ 1 الأثرة، كما في اللسان: بفتح الهمزة والثاء الاسم من آثر يؤثر إيثارا إذا أعطى.

فصل في المرض المخوف وغيره

فصل في المرض المخوف وغيره: "المرض غير المخوف كالصداع، ووجع الضرس" والرمد، وحمى ساعة، ونحوها "تبرع صاحبه نافذ في جميع ماله كتصرف الصحيح" لأن مثل هذه لا يخاف منها في العادة. "حتى ولو صار مخوفاً، ومات منه بعد ذلك" اعتبارا بحال العطية لأنه إذ ذاك في حكم الصحيح. "والمرض المخوف كالبرسام" وهو: وجع في الدماغ يختل به العقل. وقال عياض: هو ورم في الدماغ يتغير منه عقل الإنسان ويهذي. "وذات الجنب" قروح بباطن الجنب. "والرعاف الدائم" لأنه يصفي الدم فتذهب القوة. "والقيام المتدارك" أي: الإسهال معه دم، لأنه يضعف القوة. وأول فالج - وهو: داء معروف يرخي بعض البدن - وآخر سل، والحمى المطبقة، وحمى الربع، ومن أخذها الطلق مع ألم حتى تنجو، نص عليه. وما قال طبيبان مسلمان أنه مخوف. "وكذلك" أي: وألحق بالمرض المخوف "من بين الصفين وقت الحرب" وكل من الطائفتين مكافئ أو كان من المقهورة.

"أو كان باللجة وقت الهيجان" أي: ثوران البحر بريح عاصف، لأن الله وصف من في هذه الحالة بشدة الخوف، فقال: {وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} 1. "أو وقع الطاعون ببلده" لأن توقع التلف من أولئك كتوقع المريض وأكثر. قال أبو السعادات فيه: هو المرض العام، والوباء الذي يفسد له الهوى، فتفسد به الأمزجة والأبدان. وقال عياض: هو قروح تخرج من المغابن2 لا يلبث صاحبها، وتعم إذا ظهرت. وقال النووي في شرح مسلم: هو بثر وورم مؤلم جداً يخرج معه لهب، ويسود ما حوله، ويخضر، ويحمر حمرة بنفسجية، ويحصل معه خفقان القلب. انتهى. وعن أبي موسى مرفوعاً: "فناء أمتي بالطعن والطاعون". فقيل: يا رسول الله، هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: "وخز أعدائكم من الجن، وفي كل شهادة" رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني. وفي حديث عائشة "غدة كغدة البعير، المقيم به كالشهيد، والفار منه كالفار من الزحف" رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني. "أو قدم للقتل أو حبس له" لظهور التلف وقربه. "أو جرح جرحاً موحياً" أي: مهلكاً مع ثبات عقله لأن عمر، رضي الله عنه، لما جرح سقاه الطبيب لبناً فخرج من جرحه، فقال له الطبيب: اعهد إلى الناس، فعهد إليهم ووصى، فاتفق الصحابة على قبول

_ 1 يونس من الآية/ 22. 2 المغابن: ج مغبن وهو: الإبط والرفع وما أطاف به، أي: بطن الفخذ عند الحالب من غبن الثوب إذا أثناه وعطفه، وهي معاطف الجلد أيضا.

عهده ووصيته وعلي، رضي الله عنه، بعد ضرب ابن ملجم أوصى وأمر ونهى فإن لم يثبت عقله فلا حكم لعطيته، بل ولا لكلامه. "فكل من أصابه شيء من ذلك، ثم تبرع ومات نفذ تبرعه بالثلث فقط" أي: ثلث ماله عند الموت، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادةً في أعمالكم" رواه ابن ماجة. "للأجنبي فقط" لحديث: "لا وصية لوارث" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه. "وإن لم يمت" من مرضه المخوف. "فكالصحيح" في نفوذ عطاياه كلها، وصحة تصرفه لعدم المانع.

كتاب الوصايا

كتاب الوصايا مدخل ... كتاب الوصايا: الأصل فيها: الكتاب والسنة والإجماع. قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} الآية1 وقال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 2 وأما السنة فحديث ابن عمر وسعد وغيرهما، وأجمعوا على جوازها، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنها غير واجبة، إلا على من عليه حق بغير بينة، إلا طائفة شذت فأوجبتها، روي عن الزهري وأبي مجلز، وهو قول داود. ولنا: أن أكثر الصحابة لم يوصوا، ولم ينقل بذلك نكير. وأما الآية: قال ابن عباس وابن عمر: نسختها آية الميراث وحيث ابن عمر: محمول على من عليه واجب. قاله في الشرح. "تصح الوصية من كل عاقل لم يعاين الموت" لأن أبا بكر وصى بالخلافة لعمر، ووصى بها عمر لأهل الشورى ولم ينكره من الصحابة منكر. وعن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة قال: أوصى إلى الزبير سبعة من الصحابة: منهم عثمان، والمقداد، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، فكان يحفظ عليهم أموالهم، وينفق على أيتامهم من ماله.

_ 1 البقرة من الآية/ 180. 2 النساء من الآية/ 11.

فإن عاين الموت لم تصح وصيته، لأنه لا قول له. وفي الحديث "ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان" قال في شرح مسلم: - إما من عنده، أو حكاية عن الخطابي - والمراد: قاربت بلوغ الحلقوم، إذ لو بلغته حقيقة لم تصح وصيته، ولا صدقته، ولا شيء من تصرفاته باتفاق الفقهاء1. "ولو مميزاً" لأن صبياً من غسان أوصى إلى أخواله فرفع إلى عمر فأجاز وصيته رواه سعيد. وفي الموطأ نحوه وفيه أن الوصية بيعت بثلاثين ألفاً وهذه قصة اشتهرت فلم تنكر. وقال شريح وعبد الله بن عتبة: من أصاب الحق أجزنا وصيته. "أو سفيهاً" لأنه إنما حجر عليه، لحفظ ماله وليس في وصيته إضاعة له، لأنه إن عاش فهو له، وإن مات لم يحتج إلى غير الثواب، وقد حصله. وأما الطفل والمجنون فلا تجوز وصيتهما في قول أكثر أهل العلم. قاله في الشرح. وتصح الوصية بلفظ مسموع من الموصي بلا خلاف، وبخط، لحديث ابن عمر - ويأتي - وكتب، صلى الله عليه وسلم، إلى عماله. وكذا الخلفاء إلى ولاتهم بالأحكام التي فيها الدماء والفروج مختومة، لا يدرى حاملها ما فيها وذكر أبو عبيد استخلاف سليمان عمر بن عبد

_ 1 قال ابن هشام في مغني اللبيب: إنهم يعبرون بالفعل عن أمور، منها: مشارفته نحو: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً ... } أي: والذين يشارفون الموت وترك الأزواج يوصون وصية.

العزيز، قال: ولا نعلم أحداً أنكر ذلك مع شهرته فيكون إجماعاً. قاله في الشرح. وعن أنس كانوا يكتبون في صدور وصاياهم: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به فلان ابن فلان: يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1 رواه سعيد ورواه الدارقطني بنحوه. ويجب العمل بالوصية إذا ثبتت، ولو طالت مدتها ما لم يعلم رجوعه عنها، لأن حكمها لا يزول بتطاول الزمان. "فتسن" الوصية. "بخمس من ترك خيراً - وهو المال الكثير عرفاً" قال ابن عباس وددت لو أن الناس غضوا من الثلث لقول النبي صلى الله عليه وسلم "والثلث كثير" متفق عليه. وعن إبراهيم: كانوا يقولون: صاحب الربع أفضل من صاحب الثلث، وصاحب الخمس أفضل من صاحب الربع رواه سعيد. وأوصى أبو بكر الصديق بالخمس، وقال: رضيت بما رضي الله به لنفسه يريد قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} 2 وقال علي، رضي الله

_ 1 البقرة من الآية/ 132. 2 الأنفال من الآية/ 41.

عنه لأن أوصي بالخمس أحب إلي من الربع وعن العلاء قال: أوصى أبي أن أسال العلماء أي الوصية أعدل؟ فما تتابعوا عليه فهو وصية، فتتابعوا على الخمس. "وتكره لفقير له ورثة" محتاجون، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالةً يتكففون الناس". "وتباح له إن كانوا أغنياء" نص عليه في رواية ابن منصور. "وتجب على من عليه حق بلا بينة" لحديث ابن عمر مرفوعاً: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه" متفق عليه. "وتحرم على من له وارث بزائد عن الثلث" لنهيه، صلى الله عليه وسلم، سعداً عن ذلك متفق عليه. وعن عمران بن حصين أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته ولم يكن له مال غيرهم، فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم، أثلاثاً، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولاً شديداً رواه الجماعة إلا البخاري. "ولوارث ب شيء" مطلقاً نص عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث" رواه اًحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه. "وتصح" الوصية بزائد عن الثلث، ولوارث مع الحرمة. "وتقف على إجازة الورثة" لحديث ابن عباس مرفوعاً: "لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً نحوه، رواهما الدارقطني. ولأن المنع لحق الورثة فإذا رضوا بإسقاطه نفذ. قال ابن المنذر: أجمعوا على أنها تبطل فيما زاد

على الثلث برد الورثة، وبردهم في الوصية للوارث، وإن أجازوا جازت في قول الأكثر. ذكره في الشرح. وتصح الوصية ممن لا وارث له بجميع ماله. روي عن ابن مسعود، وعبيدة، ومسروق، لأن المنع من الزيادة على الثلث لحق الوارث، وهو معدوم. "والاعتبار بكون ممن وصى أو وهب وارثاً أو لا عند الموت" أي: موت موص، وواهب. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. "وبالإجازة أو الرد بعده" أي: بعد موته، وما قبله لا عبرة به. نص عليه. "فإن امتنع الموصى له بعد موت الموصي من القبول ومن الرد، حكم عليه بالرد وسقط حقه" من الوصية لعدم قبوله، ولأن الملك متردد بينه وبين الورثة، فأشبه من تحجر مواتاً، وامتنع من إحيائه. "وإن قبل، ثم رد لزمت ولم يصح الرد" لأن ملكه قد استقر عليها بالقبول كسائر أملاكه إلا أن يرضى الورثة بذلك، فتكون هبةً منه لهم تعتبر شروطها. "وتدخل في ملكه من حين قبوله" كسائر العقود، لأن القبول سبب دخوله في ملكه، والحكم لا يتقدم سببه، فلا يصح تصرفه في العين الموصى بها قبل القبول ببيع، ولا هبة ولا غيرهما، لعدم ملكه لها. "فما حدث من نماء منفصل قبل ذلك فلورثته" أي: ورثة الموصي. والنماء المتصل يتبعها كسائر العقود والفسوخ.

"وتبطل الوصية بخمسة أشياء:" "1- برجوع الموصي" لقول عمر، رضي الله عنه: يغير الرجل ما شاء في وصيته. "بقول" كرجعت في وصيتي، أو أبطلتها ونحوه. "أو فعل يدل عليه" أي: على الرجوع، كبيعه ما وصى به، ورهنه وهبته. قال في الشرح: واتفق أهل العلم على أن له أن يرجع في كل ما أوصى به، وفي بعضه إلا العتق، فالأكثر على جواز الرجوع. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه: أنه إذا أوصى لرجل بطعام، أو ب شيء فأتلفه، أو وهبه، أو بجارية فأحبلها، أنه رجوع. "2- بموت الموصى له قبل الموصي" في قول الأكثر. قاله في الشرح، لأنها عطية صادفت المعطى ميتاً فلم تصح، إلا إن كانت بقضاء دينه، لبقاء اشتغال الذمة حتى يؤدى الدين. "3- بقتله للموصي" قتلاً مضموناً ولو خطأً، لأنه يمنع الميراث، وهو آكد منها فهي أولى. "4- برده للوصية" بعد موت الموصي، لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه. "5- بتلف العين المعينه الموصى بها" قبل قبول موصى له، لأن حقه لم يتعلق بغيرها. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه على أن الرجل إذا أوصي له ب شيء فهلك الشيء، أنه لا شيء له في مال الميت.

باب الموصى له

باب الموصى له مدخل ... باب الموصى له: "تصح الوصية لكل من يصح تمليكه، ولو مرتداً أو حربياً" قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً، لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً} 1 قال محمد بن الحنفية، وعطاء، وقتادة: هو وصية المسلم لليهودي والنصراني. "أو لا يملك، كحمل" قال في الشرح: ولا نعلم خلافاً في صحة الوصية للحمل. أي: إذا علم وجوده حين الوصية. فإن انفصل ميتاً بطلت، لأنه لا يرث. "وبهيمة ويصرف في علفها" لأن الوصية لها أمر بصرف المال في مصلحتها، فإن ماتت البهيمة الموصى لها قبل صرف جميع الموصى به في علفها، فالباقي للورثة، لتعذر صرفه إلى الموصى له، كما لو رد موصى له الوصية. "وتصح للمساجد، والقناطر ونحوها" كالثغور، ويصرف في مصالحها الأهم فالأهم عملاً بالعرف. "ولله ورسوله، وتصرف في المصالح العامة" كالفيء. "وإن وصى بإحراق ثلث ماله صح، وصرف في تجمير الكعبة، وتنوير المساجد، وبدفنه في التراب: صرف في تكفين الموتى. وبرميه في الماء:

_ 1 الأحزاب في الآية/ 6.

صرف في عمل سفن للجهاد" في سبيل الله تصحيحاً لكلامه حسب الإمكان. "ولا تصح لكنيسة، أو بيت نار" أو مكان من أماكن الكفر، لأنه معصية. "أو كتب التوراة والإنجيل" لأنهما منسوخان، وفيهما تبديل وقد غضب النبي، صلى الله عليه وسلم، حين رأى مع عمر شيئاً مكتوباً من التوراة. "أو ملك أو ميت أو جني" لأنهم لا يملكون، أشبه ما لو وصى لحجر. "ولا لمبهم كأحد هذين" لأن التعيين شرط، فإن كان ثم قرينة أو غيرها: أنه أراد معيناً منهما، وأشكل صحت الوصية، وأخرج المستحق بقرعة في قياس المذهب. قاله ابن رجب في القاعدة الخامسة بعد المائة. "فلو وصى بثلث ماله لمن تصح له الوصية، ولمن لا تصح له كان الكل لمن تصح له" نص عليه، لأن من أشركه معه لا يملك، فلا يصح التشريك. "لكن لو أوصى لحي وميت" علم موته أو لا. "كان للحي النصف فقط" لأنه أضاف الوصية إليهما، فإذا لم يكن أحدهما أهلاً للتمليك بطلت الوصية في نصيبه دون نصيب الحي، لخلوه عن المعارض، كما لو كان لحيين فمات أحدهما.

فصل في الوصية لأهل صفة

فصل في الوصية لأهل صفة: "وإذا أوصى لأهل سكته فلأهل زقاقه حال الوصية" نص عليه، لأنه قد يلحظ أعيان سكانها الموجودين لحصرهم. "ولجيرانه تناول أربعين داراً من كل جانب" نص عليه، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "الجار: أربعون داراً هكذا، وهكذا، وهكذا" وقال أبو بكر: مستدار أربعين داراً من كل جانب، والحديث محتمل. قاله في الشرح. "والصغير، والصبي، والغلام، واليافع، واليتيم: من لم يبلغ" فتطلق هذه الأسماء على الولد من ولادته إلى بلوغه. "والمميز: من بلغ سبعاً. والطفل: من دون سبع. والمراهق: من قارب البلوغ" قال في القاموس: راهق الغلام: قارب الحلم. "والشاب، الفتى: من البلوغ إلى ثلاثين" سنة. "والكهل: من الثلاثين إلى الخمسين" قال في القاموس: الكهل: من وخطه الشيب، ورأيت له بجالة، أو من جاوز الثلاثين، أو أربعاً وثلاثين إلى إحدى وخمسين. "والشيخ من الخمسين إلى السبعين، ثم بعد ذلك هرم" إلى آخر عمره. "والأيم، والعزب: من لا زوج له من رجل أو امرأة" قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا

الْأَيَامَى مِنْكُمْ} 1 الآية قال في الكافي: ويحتمل أن يختص العزاب بالرجال، والأيامى بالنساء، لأن الاسم في العرف له دون غيرهم. "والبكر: من لم يتزوج" من رجل وامرأة. "ورجل ثيب وامرأة ثيبة: إذا كانا قد تزوجا. والثيوبة: زوال البكارة، ولو من غير زوج" كزوالها بيد، أو وطء شبهة، أو زنى. "والأرامل: النساء اللاتي فارقهن أزواجهن بموت أو حياة" لأنه المعروف بين الناس. "والرهط: ما دون العشرة من الرجال خاصة" قال في كشف المشكل: الرهط: ما بين الثلاثة إلى العشرة وكذا النفر من ثلاثة إلى عشرة. فإذا أوصى لصنف ممن ذكر دخل غنيهم وفقيرهم، لشمول الاسم لهم، ولم يدخل غيرهم.

_ 1 النور من الآية/ 32.

باب الموصى به

باب الموصى به "تصح الوصية حتى بما لا يصح بيعه، كالآبق والشارد والطير بالهواء والحمل بالبطن واللبن بالضرع" لأنها تصح بالمعدوم فهذا أولى، ولأن الوصية أجريت مجرى الميراث، وهذه تورث عنه. وللموصى له السعي في تحصيله، فإن قدر عليه أخذه إن خرج من الثلث. "وبالمعدوم، ك: بما تحمل أمته أو شجرته أبداً أو مدة معلومة، فإن حصل شيء فللموصى له" بمقتضى الوصية.

"إلا حمل الأمة فقيمته يوم وضعه" قال ابن قندس: لعله لحرمة التفريق، وإن لم يحصل شيء بطلت الوصية، لأنها لم تصادف محلاً. "وتصح بغير مال ككلب مباح النفع" 1 لأن فيه نفعاً مباحاً وتقر اليد عليه. "وزيت متنجس" لغير مسجد، لأنه يستصبح به، بخلاف المسجد فإنه يحرم فيه. "وتصح بالمنفعة المفردة كخدمة عبد وأجرة دار ونحوهما" لصحة المعارضة عنها كالأعيان. "وتصح بالمبهم، كثوب" وعبد وشاة لأنها إذا صحت بالمعدوم فالمجهول أولى. "ويعطى ما يقع عليه الاسم" لأنه اليقين كالإقرار. "فان اختلف الاسم بالعرف والحقيقة" اللغوية. "غلبت الحقيقة" لأنها الأصل، ولهذا يحمل عليها كلام الله تعالى، وكلام رسوله، صلى الله عليه وسلم. واختار الموفق وجماعة: يقدم العرف لأنه المتبادر إلى الفهم. "فالشاة والبعير والثور: اسم للذكر والأنثى من صغير وكبير" ويشمل لفظ الشاة الضأن والمعز، لعموم حديث "في أربعين شاةً شاة" ويقولون: حلبت البعير: يريدون الناقة. "والحصان والجمل والحمار والبغل والعبد: اسم للذكر خاصة"

_ 1 لم تكن هذه الجملة واضحة في الأصل وصححت من مخطوطات المتن.

لقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} 1 والعطف للمغايرة. وقيل في العبد للذكر والأنثى. "والحجر" الأنثى من الخيل. "والأتان والناقة والبقرة: اسم للأنثى" قاله في الإنصاف. "والفرس والرقيق: اسم لهما" أي: لذكر وأنثى. "والنعجة: اسم للأنثى من الضأن، والكبش: اسم للذكر الكبير منه" أي: من الضأن. "والتيس: اسم للذكر الكبير من المعز" "والدابة عرفاً: اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير" لأن ذلك هو المتعارف. ولم تغلب الحقيقة هنا لأنها صارت مهجورة فيما عدا الأجناس الثلاثة، أشار إليه الحارثي.

_ 1 النور من الآية/ 32.

باب الموصى إليه

باب الموصى إليه مدخل ... باب الموصى إليه: لا بأس بالدخول في الوصية لمن قوي عليه ووثق من نفسه، لفعل الصحابة، رضي الله عنهم. روي عن أبي عبيدة أنه لما عبر الفرات أوصى إلى عمر، وأوصى إلى الزبير ستة من الصحابة وقياس قول أحمد أن عدم الدخول فيها أولى، لما فيها من الخطر. "تصح وصية المسلم إلى كل مسلم مكلف رشيد عدل" إجماعاً. "ولو ظاهراً" أي: مستوراً ظاهر العدالة. "أو أعمى" لأنه من أهل الشهادة والتصرف، فأشبه البصير.

"أو امرأة" لأن عمر أوصى إلى حفصة. "أو رقيقاً" له أو لغيره، لأنه يصح توكيله، فأشبه الحر. "لكن لا يقبل إلا بإذن سيده" لأن منافعه مستحقة له، فلا يفوتها عليه بغير إذنه. ولا تصح وصية المسلم إلى كافر بغير خلاف. قاله في الشرح. "وتصح من كافر إلى" كافر. "عدل في دينه" لأنه يلي على غيره بالنسب، فيلي بالوصية كالمسلم. "ويعتبر وجود هذه الصفات عند الوصية" لأنها شروط للعقد فاعتبرت حال وجوده. "والموت" لأنه إنما يتصرف بعد موت الموصي، فاعتبر وجودها عنده. "وللموصى إليه أن يقبل. وأن يعزل نفسه متى شاء" لأنه متصرف بالإذن كالوكيل. "وتصح الوصية معلقة: كإذا بلغ أو حضر أو رشد أو تاب من فسقه" فهو وصيي وتسمى الوصية لمنتظر. "أو: إن مات زيد فعمرو مكانه. وتصح مؤقتة: كزيد وصيي سنة ثم عمرو" لقوله صلى الله عليه وسلم "أميركم زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل فعبد الله بن رواحه" رواه أحمد والنسائي. والوصية كالتأمير. ويجوز أن يوصي إلى نفسين، لما روي أن ابن مسعود كتب في وصيته أن مرجع وصيتي إلى الله، ثم إلى الزبير وابنه عبد الله وإن

وصى إلى رجل وبعده إلى آخر فهما وصيان، إلا أن يعزل الأول، وليس لأحدهما الإنفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه. "وليس للوصي أن يوصي إلا إن جعل له ذلك" كالوكيل، اختاره أبو بكر، وهو ظاهر كلام الخرقي. وعنه: له أن يوصي لأنه قائم مقام الأب فملك ذلك كالأب، قال معناه في الكافي. "ولا نظر للحاكم مع الوصي الخاص إذا كان كفأ" وإنما للوالي العام الاعتراض لعدم أهليته أو فعله محرما قاله الشيخ تقي الدين.

فصل ولا تصح الوصية إلا في شيء معلوم

فصل ولا تصح الوصية إلا في شيء معلوم ليعلم الموصى إليه ما وصي به إليه ليحفظه ويتصرف فيه كما أمر. "يملك الموصي فعله" لأنه أصيل والوصي فرعه، ولا يملك الفرع ما لا يملكه الأصل. "كقضاء الدين وتفريق الوصية ورد الحقوق إلى أهلها" كغصب ورعاية وأمانة، وكإمام أعظم يوصي بالخلافة كما أوصى أبو بكر لعمر، وعهد عمر إلى أهل الشورى1. "والنظر في أمر غير مكلف" من أولاده وتزويج مولياته ويقوم وصيه مقامه في الإجبار. ولا تصح وصية المرأة بالنظر في حق أولادها الأصاغر،

_ 1 وهم ستة من الصحابة: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبد الله، وسعد بن أبي وقاص.

ولا وصية الرجل بالنظر على بالغ رشيد لعدم ولاية الموصي حال الحياة. قال في الشرح: وأما من لا ولاية له عليهم كالإخوة والأعمام وسائر من عدا الأولاد، فلا تصح الوصية عليهم. لا نعلم فيه خلافاً، إلا أن أبا حنيفة والشافعي قالا: للجد ولاية على ابن ابنه وإن سفل. انتهى. "لا باستيفاء الدين مع رشد وارثه" وبلوغه، لانتقال المال إلى من لا ولاية له عليه. "ومن وصي في شيء لم يصر وصياً في غيره" لأنه استفاد التصرف بالإذن، فكان مقصوراً على ما أذن له فيه كالوكيل. "وإن صرف أجنبي" أي: من ليس بوارث ولا وصي. "الموصى به لمعين في جهته" الموصى به فيها "لم يضمنه" لمصادفة الصرف مستحقه. "وإذا قال له: ضع ثلث مالي حيث شيء ت، أو أعطه، أو تصدق به على من شيء ت، لم يجز له أخذه" لأنه منفذ، كالوكيل في تفرقة مال. "ولا دفعه إلى أقاربه الوارثين" ولو كانوا فقراء. نص عليه، لأنه متهم في حقهم. "ولا إلى ورثة الموصي" نص عليه، لأنه قد وصى بإخراجه فلا يرجع إلى ورثته. "ومن مات ببرية ونحوها" كجزائر لا عمران بها. "ولا حاكم" حضر موته. "ولا وصي" له بأن لم يوص إلى أحد.

"فلكل مسلم أخذ تركته وبيع ما يراه" منها كسريع الفساد والحيوان، لأنه موضع ضرورة بحفظ مال المسلم عليه، إذ في تركه إتلاف له. "وتجهيزه منها إن كانت" 1 موجودة. "وإلا جهزه من عنده وله الرجوع بما غرمه" على تركته حيث وجدت. أو على من تلزمه نفقته غير الزوج إن لم تكن له تركة. "إن نوى الرجوع" لأنه قام عنه بواجب، ولئلا يمتنع الناس من فعله مع الحاجة إليه.

_ 1 لم تكن هذه الجملة واضحة من الأصل، وما ذكرناه من نسخة المكتبي وشرح التغلبي.

كتاب الفرائض

كتاب الفرائض مدخل مدخل ... كتاب الفرائض: "وهي: العلم بقسمة المواريث" أي فقه المواريث، ومعرفة الحساب الموصل إلى قسمتها بين مستحقيها. ويسمى العارف بهذا العلم: فارضاً، وفريضاً، وفرضياً. وقد حث صلى الله عليه وسلم، على تعلمه وتعليمه في أحاديث منها: حديث ابن مسعود مرفوعاً: "تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض، وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما" رواه أحمد والترمذي والحاكم، ولفظه له. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "تعلموا الفرائض وعلموها، فإنها نصف العلم، وهو ينسى، وهو أول علم ينزع من أمتي" رواه ابن ماجه والدارقطني من حديث حفص بن عمر، وقد ضعفه جماعة. وقال عمر، رضي الله عنه: إذا تحدثتم فتحدثوا بالفرائض، وإذا لهوتم فالهوا بالرمي. "وإذا مات الإنسان بدئ من تركته بكفنه وحنوطه ومؤنة تجهيزه من رأس ماله، سواء كان قد تعلق به حق رهن أو أرش جناية أو لا" كما يقدم المفلس بنفقته على غرمائه. "وما بقي بعد ذلك تقتضى منه ديون الله" تعالى كالزكاة، والكفارة، والحج الواجب، والنذر. "وديون الآدميين" كالقرض، والثمن، والأجرة، وقيم المتلفات،

لقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 1 قال علي، رضي الله عنه إن النبي، صلى الله عليه وسلم، قضى أن الدين قبل الوصية رواه الترمذي وابن ماجه. "وما بقي بعد ذلك تنفذ وصاياه من ثلثه" للآية، إلا أن يجيزها الورثة، فتنفذ من جميع الباقي. "ثم يقسم ما بقي بعد ذلك على ورثته" للآيات في سورة النساء2.

_ 1 النساء من الآية/ 11. 2 النساء من الآية/ 11/ 12/ 176.

فصل أسباب الإرث ثلاثة

فصل أسباب الإرث ثلاثة: "1- النسب" أي: القرابة قربت أو بعدت، لقولة تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} 1. والنكاح الصحيح لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} 2 الآية. "والولاء" لحديث ابن عمر مرفوعاً: "الولاء لحمة كلحمة النسب" رواه ابن حبان والحاكم وصححه. ولا يورث بغير هذه الثلاثة. نص عليه. قال في الكافي: فأما المؤاخاة في الدين، والموالاة في النصرة،

_ 1 الأحزاب من الآية/ 6. 2 النساء من الآية/ 12.

وإسلام الرجل على يد الآخر، فلا يورث بها، لأن هذا كان في بدء الإسلام، ثم نسخ بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} 1 الآية انتهى. ولا يرث المولى من أسفل، وقيل: بلى عند عدم غيره ذكره الشيخ تقي الدين، لخبر عوسجة مولى ابن عباس عنه: أن رجلاً مات ولم يترك وارثاً إلا عبداً هو أعتقه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم، ميراثه رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه. قال: والعمل عند أهل العلم في هذا الباب: أن من لا وارث له فميراثه في بيت المال. وعوسجة وثقه أبو زرعة، وقال البخاري في حديثه: لا يصح. "وموانعه ثلاثة:" "1- القتل" لما روي عن عمر، رضي الله عنه: أنه أعطى دية ابن قتادة المدلجي لأخيه دون أبيه، وكان حذفه بسيف فقتله. وقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "ليس لقاتل شيء " رواه مالك في الموطأ ولأحمد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده نحوه. وعن ابن عباس مرفوعاً: "من قتل قتيلاً فإنه لا يرثه، وإن لم يكن له وارث غيره، وإن كان والده أو ولده، فليس لقاتل ميراث" رواه أحمد. فكل قتل يضمن بقتل أو دية أو كفارة يمنع الميراث لذلك وما لا يضمن كالقصاص، والقتل في الحد لا يمنع، لأنه فعل مباح، فلم يمنع الميراث. "2- والرق" فلا العبد قريبه، لأنه لو ورث شيئاً لكان لسيده،

_ 1 الأحزاب من الآية/ 6.

فيكون التوريث لسيده دونه. وأجمعوا على أن المملوك لا يورث، لأنه لا ملك له، وإن ملك فملكه ضيف يرجع إلى سيده ببيعه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من باع عبداً وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع" فكذلك بموته. وكذا المكاتب، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم". رواه أبو داود. "3- واختلاف الدين" فلا يرث مسلم كافراً، ولا كافر مسلماً، لحديث أسامة بن زيد مرفوعاً: "لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر" متفق عليه. "والمجمع على توريثهم من الذكور - بالاختصار - عشرة: الابن، وابنه وإن نزل" بمحض الذكور، لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ... } الآية1. وابن الابن ابن لما تقدم في الوقف. "والأب وأبوه وإن علا" بمحض الذكور، لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ... } 1 والجد أب، وقيل ثبت إرثه بالسنة، لأنه صلى الله عليه وسلم أعطاه السدس. "والأخ مطلقا ً" أي: لأب أو لأم أو لهما، لقوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ ... } 2. وقوله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ... } 3.

_ 1 النساء من الآية/ 11. 2 النساء من الآية/ 176. 3 النساء من الآية/ 12.

"وابن الأخ لا من الأم" لأنه من ذوي الأرحام، وابن الأخ لأبوين، أو لأب عصبة. "والعم" لا من الأم. "وابنه كذلك" أي: لا من الأم، لحديث: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر". "والزوج" لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ ... } 1. "والمعتق" وعصبته المتعصبون بأنفسهم، لحديث: "الولاء لمن أعتق". متفق عليه. وللإجماع. "ومن الإناث - بالاختصار - سبع: البنت وبنت الابن وإن نزل أبوها" بمحض الذكور، لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 2 وحديث ابن مسعود في بنت، وبنت ابن، وأخت ويأتي. "والأم" لقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ ... } 2. "والجدة مطلقاً" لما يأتي. "والأخت مطلقاً" شقيقة كانت أو لأب أو لأم، لآيتي الكلالة3. "والزوجة" لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ... } الآية4. "والمعتقة" لما تقدم. وما عدا هؤلاء فمن ذوي الأرحام - ويأتي حكمهم إن شاء الله -.

_ 1 النساء من الآية/ 12. 2 النساء من الآية/ 11. 3 النساء من الآية/ 12/176. 4 النساء من الآية/ 12.

فصل الوارث ثلاثة

فصل الوارث ثلاثة ... فصل والوارث ثلاثة: "1- ذو فرض 2- وعصبة 3- ورحم" ولكل كلام يخصه. "والفروض المقدرة" في كتاب الله تعالى. "ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس" وأما ثلث الباقي فثبت بالاجتهاد. "وأصحاب هذه الفروض - بالاختصار - عشرة: الزوجان، والأبوان، والجد، والجدة مطلقاً، والأخت مطلقاً، والبنت وبنت الابن، والأخ من الأم" على ما يأتي مفصلاً، والإخوة لأبوين، ذكوراً كانوا أو إناثاً يسمون: بني الأعيان، لأنهم من عين واحدة، ولأب وحده بني العلات: جمع علة، وهي: الضرة، فكأنه قيل: بنو الضرات. قال في القاموس: وبنو العلات بنو أمهات شتى من رجل، لأن الذي يتزوجها على أولى قد كان قبلها تأهل، ثم عل1 من هذه. انتهى. والإخوة للأم فقط: بنو الأخياف، بالخاء المعجمة، أي: الأخلاط، لأنهم من أخلاط الرجال، وليسوا من رجل واحد. "فالنصف فرض خمسة:" "1- فرض الزوج حيث لا فرع وارث للزوجة" أي: ابن أو بنت منه

_ 1 العلل: اشرب الثاني.

أو من غيره، أو ابن ابن، أو بنت ابن لقوله تعالى: { ... وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ... } 1. "2- وفرض البنت" لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ... } 2. قال في المغني: لا خلاف في هذا بين علماء المسلمين. "3- وفرض بنت الابن" وإن نزل أبوها بمحض الذكور. "مع عدم أولاد الصلب" بالإجماع، لأن ولد الابن كولد الصلب، الذكر كالذكر والأنثى كالأنثى، لأن كل موضع سمى الله الولد دخل فيه ولد الابن. "4- وفرض الأخت الشقيقة مع عدم الفرع الوارث" "5- وفرض الأخت للأب مع عدم الأشقاء" وعدم الفرع الوارث، لقوله تعالى: { ... إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ... } 3 وهذه الآية في ولد الأبوين، أو الأب بإجماع أهل العلم. قاله في المغني. ويحل فرض النص للبنت، وبنت الابن والأخت إذا انفردن ولم يعصبن. "والربع فرض اثنين:" "1- وفرض الزوج مع الفرع الوارث" لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} 4.

_ 1 النساء من الآية/ 12. 2 النساء من الآية/ 11. 3 النساء من الآية/ 176. 4 النساء من الآية/ 12.

"2- وفرض الزوجة فأكثر مع عدمه" أي: الفرع الوارث. "والثمن فرض واحد، وهو: الزوجة فأكثر، مع الفرع الوارث" للزوج ذكراً أو أنثى منها، أو من غيرها بالإجماع، لقوله تعالى: { ... وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} 1.

_ 1 النساء من الآية/ 12.

فصل في الثلثين

فصل في الثلثين: "والثلثان: فرض أربعة:" "1- فرض البنتين فأكثر، وبنتي الابن فأكثر" مع عدم البنات إذا لم يعصبن، لقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} 1 وفوق في الآية صلة. كقوله تعالى: { ... فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ ... } 2 وقد وردت هذه الآية على سبب خاص، لحديث جابر قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: هاتان ابنتا سعد، قتل أبوهما معك، يوم أحد شهيداً، وإن عمهما اًخذ مالهما، فلم يدع لهما شيئاً من ماله، ولا ينكحان إلا بمال. فقال: "يقضي الله في ذلك"، فنزلت آية المواريث، فدعا النبي، صلى الله عليه وسلم، عمهما فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك". رواه أبو داود، وصححه الترمذي والحاكم. فدلت الآية

_ 1 النساء من الآية/ 11. 2 الأنفال من الآية/ 12.

على فرض ما زاد على البنتين، ودلت السنة على فرض البنتين1 وهذا تفسير للآية، وتبيين لمعناها. وقال تعالى في الأخوات: { ... فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ... } 2 والبنتان أولى. وبنات الابن كبنات الصلب كما تقدم. "3- وفرض الأختين الشقيقتين فأكثر، 4- وفرض الأختين للأب فأكثر" لقوله تعالى: { ... فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ... } 2 قال في المغني: المراد بهذه الآية: ولد الأبوين، أو ولد الأب بإجماع أهل العلم، وقيس ما زاد على الأختين على ما زاد على البنتين. "والثلث: فرض اثنين:" "1- فرض ولدي الأم فأكثر يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم" لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً3 أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} 4 وأجمعوا على أن المراد بالأخ والأخت هنا: ولد الأم. وقرأ ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [من أم] 4 والتشريك يقتضي المساواة.

_ 1 ومن ذلك خير زيد بن ثابت: "إذا ترك الرجل امرأة وبنتا، فلها النصف، وإن كانتا اثنتين أو أكثر، فلهن الثلثان ... " أخرجه البخاري. 2 النساء من الآية/ 176. 3 الكلالة: اسم للورثة ما عدا الوالدين والمولودين، واختار جمع: اسم للميت نفسه -أي الذي لا ولد له ولا والد- ولا خلاف في إطلاقه على الأخوة من الجهات كلها. غاية المنتهى 2/383. 4 النساء من الآية/ 12. والمنقول عن سعد: من أمه كما في تفسير الطبري.

"2- وفرض الأم حيث لا فرع وارث للميت ولا جمع من الإخوة والأخوات" لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} 1. قال الزمخشري:2 هنا لفظ الإخوة يتناول الأخوين، لأن المقصود الجمعية المطلقة من غير كمية. انتهى. وفي الكافي: وقسنا الأخوين على الإخوة، لأن كل فرض تغير بعدد كان الاثنان فيه بمنزلة الجماعة، كفرض البنات والأخوات. انتهى. الأم؟ فقال: لا أستطيع أن أرد شيئاً كان قبلي، ومضى في البلدان، وتوارث الناس به وهذا من عثمان يدل على اجتماع الناس على ذلك قبل مخالفة ابن عباس. "لكن لو كان هناك أب، وأم، وزوج، أو زوجة كان للأم ثلث الباقي" بعد فرضهما. نص عليه، لأن الفريضة جمعت الأبوين مع ذي فرض

_ 1 النساء من الآية/ 11. 2 هو: أبو القاسم محمود بن عمر. ولد سنة "467" له "أساس البلاغة" و "الكشاف عن حقائق التنزيل" جمع فيه الكثير من ضلالات المعتزلة وقيل إنه تاب في أواخر عمره وراجع عن مذهب الاعتزال وقال: يامن يرى مد البعوض جناحها ... في ظلمة الليل البهيم الأليلل ويرى نياط عروقها في نحرها ... والمخ في تلك العظام النحل أمنن علي بتوبة تمحو بها ... ما كان مني في الزمان الأول وعلى كل حال فإن تاب فما تاب كشافه. وكانت وفاته سنة 538.

واحد فكان للأم ثلث الباقي، كما لو كان معهما بنت، وأبقى لفظ الثلث في الصورتين، وإن كان في الحقيقة سدساً أو ربعاً تأدباً مع القرآن، وتسميان بالغراوين لشهرتهما، وبالعمريتين لقضاء عمر بذلك وتبعه عليه عثمان، وزيد بن ثابت، وابن مسعود، وروي عن علي، وهو قول جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة. وقال ابن عباس: لها الثلث كاملاً، لظاهر الآية. والحجة معه لولا انعقاد الإجماع من الصحابة على خلافه، ولأنا لو أعطيناها الثلث كاملاً لزم إما تفضيل الأم على الأب في صورة الزوج، وإما أنه لا يفضل عليها التفضيل المعهود في صورة الزوجة مع أن الأم والأب في درجة واحدة. "والسدس فرض سبعة:" "1- فرض الأم مع الفرع الوارث: أو جمع الإخوة والأخوات" لقوله تعالى: { ... وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} إلى قوله {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ... } 1. "2- فرض الجدة فأكثر إلى ثلاث إن تساوين مع عدم الأم" لحديث قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة إلى أبي بكر تطلب ميراثها، فقال: ما لك في كتاب الله شيء، وما أعلم لك في سنة رسول الله، في، شيئاً، ولكن ارجعي حتى أسأل الناس. فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعطاها السدس فقال: هل معك غيرك؟ فشهد له محمد بن مسلمة، فأمضاه

_ 1 النساء من الآية/ 11.

لها أبو بكر. فلما كان عمر جاءت الجدة الأخرى، فقال عمر: ما لك في كتاب الله شيء، وما كان القضاء الذي قضي به إلا في غيرك، وما أنا بزائد في الفرائض شيئاً، ولكن هو ذاك السدس، فإن اجتمعتما فهو لكما، وأيكما خلت به فهو لها. صححه الترمذي. وعن عبادة بن الصامت: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما. رواه عبد الله ابن أحمد في زوائد المسند. ولا يرث أكثر من ثلاث: أم الأم، وأم الأب، وأم الجد، وما كان من أمهاتهن وإن علت درجتهن. روي عن علي، وزيد بن ثابت، وابن مسعود. وروى سعيد بإسناده عن إبراهيم النخعي أن النبي، صلى الله عليه وسلم، ورث ثلاث جدات: اثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم وأخرجه أبو عبيد، والدارقطني. وقال إبراهيم: كانوا يورثون من الجدات ثلاثاً. رواه سعيد. وأجمع أهل العلم على أن أم أبي الأم لا ترث، وكذلك كل جدة أدلت بأب بين أمين، لأنها تدلي بغير وارث. قاله في الكافي. "3- فرض ولد الأم الواحد" ذكراً كان أو أنثى بالإجماع، لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} 1. وفي قراءة عبد الله وسعد {وله أخ أو أخت من أم} .

_ 1 النساء من الآية/12.

"4- فرض بنت الابن فأكثر، مع بنت الصلب" إجماعاً، لحديث ابن مسعود، وقد سئل عن بنت، وبنت ابن، وأخت، فقال أقضي فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت. رواه البخاري مختصراً. ولأن الله لم يفرض للبنات إلا الثلثين، وهؤلاء بنات، وقد سبقت بنت الصلب فأخذت النصف، لأنها أعلى درجة منهن، فكان الباقي لهن السدس، فلهذا تسميه الفقهاء تكملة الثلثين، وكذا بنت ابن ابن مع بنت ابن. "5- فرض الأخت للأب مع الأخت الشقيقة" تكملة الثلثين قياساً على بنت الابن مع بنت الصلب، لأنها في معناه. "6- فرض الأب مع الفرع الوارث" للآية السابقة. "7- فرض الجد كذلك" أي: مع الفرع الوارث، لأنه أب. "ولا ينزلان" أي: الأب والجد. "عنه" أي: عن السدس. "بحال" للآية، وقد يكون عائلاً.

فصل في الجد مع الإخوة

فصل في الجد مع الإخوة ذكوراً أو إناثاً لأبوين، أو لأب والجد: أبو الأب، لا يحجبه حرماناً غير الأب. حكاه ابن المنذر إجماعاً. وقد كان السلف يتوقون الكلام فيه جداً، فعن علي رضي الله عنه

من سره أن يقتحم جراثيم جهنم فليقض بين الجد والإخوة. وقال ابن مسعود: سلونا عن عضلكم واتركونا من الجد لا حياه الله ولا بياه. وروي عن عمر، رضي الله عنه، أنه لما طعن، وحضرته الوفاة قال: أحفظوا عني ثلاثاً: لا أقول في الجد شيئاً، ولا أقول في الكلالة شيئاً، ولا أولي عليكم أحداً. وذهب أبو بكر الصديق، وابن عباس، وابن الزبير: إلى أن الجد يسقط جميع الإخوة والأخوات من جميع الجهات كالأب. وروي عن عثمان، وعائشة، وأبي بن كعب، وجابر بن عبد الله، وأبي الطفيل، وعبادة بن الصامت، وهو مذهب أبي حنيفة. وذهب علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وابن مسعود: إلى توريثهم معه، ولا يحجبونهم به على اختلاف بينهم، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وأبي يوسف ومحمد1، لثبوت ميراثهم بالكتاب العزيز فلا يحجبون إلا بنص، أو إجماع أو قياس، ولم يوجد ذلك، ولتساويهم في سبب الاستحقاق، فإن الأخ والجد يدليان بالأب الجد أبوه، والأخ ابنه، وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة الأبوة، بل ربما كانت أقوى فإن الابن يسقط تعصيب الأب. "والجد مع الإخوة الأشقاء، أو الأب، ذكوراً كانوا أو إناثاً كأحدهم"

_ 1 أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي صاحب الإمام أبي حنيفة المتوفى سنة 192. ومحمد هو: محمد بن الحسن الشيباني صاحب الإمام أبي حنيفة المتوفى سنة 189.

في مقاسمتهم المال، أو ما أبقت الفروض، لأنهم تساووا في الإدلاء بالأب فتساووا في الميراث. "فإن لم يكن هناك صاحب فرض فله معهم خير أمرين: إما المقاسمة" إن كان الإخوة أقل من مثليه. "أو ثلث جميع المال" إن كانوا أكثر من مثليه. وإن كانوا مثليه استوى له الأمران. ولا ينقص الجد عن الثلث مع عدم ذي الفرض، لأنه إذا كان مع الأم مثلي ما تأخذه، لأنها لا تزاد على الثلث، والإخوة لا ينقصون الأم عن السدس، فوجب أن لا ينقصوا الجد عن ضعفه وهو: الثلث. "وإن كان هناك صاحب فرض فله" أي: الجد. "أو ثلث الباقي بعد صاحب الفرض" لأن له الثلث مع عدم الفروض، فما أخذ من الفروض كأنه ذهب من المال، فصار ثلث الباقي بمنزلة ثلث جميع المال. "أو سدس جميع المال" لأنه لا ينقص عنه مع الولد، فمع غيره أولى. "فإن لم يبق بعد صاحب الفرض إلا السدس أخذه" الجد. "وسقط الإخوة" مطلقاً لاستغراق الفروض التركة. "إلا الأخت الشقيقة أو لأب في المسألة المسماة بالأكدرية"

سميت بذلك لتكديرها أصول زيد حيث أعالها، ولا عول في مسائل الجد والإخوة في غيرها، وفرض للأخت مع الجد، ولم يفرض لها معه ابتداء في غيرها، وجمع سهامه وسهامها فقسمها بينهما، ولا نظير لذلك، أو لتكدير زيد على الأخت نصيبها بإعطائها النصف، واسترجاعه بعضه. وقيل لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلاً اسمه أكدر. "وهي زوج، وأم، وجد، وأخت" لغير أم. "فللزوج: النصف، وللأم: الثلث، وللجد: السدس، ويفرض للأخت: النصف، فتعول لتسعة" ولم يحجب الأم عن الثلث، لأنه تعالى إنما حجبها عنه بالولد والإخوة، وليس هنا ولد ولا إخوة. "ثم يقسم نصيب الجد والأخت بينهما أربعة على ثلاثة" لأنها إنما تستحق معه بحكم المقاسمة، وإنما أعيل لها لئلا تسقط، وليس في الفريضة من يسقطها، ولم يعصبها الجد ابتداء، لأنه ليس بعصبة مع هؤلاء، بل يفرض له. ولو كان مكانها أخ لسقط لأنه عصبة بنفسه، والأربعة لا تنقسم على الثلاثة، وتباينها. فاضرب الثلاثة في المسألة بعولها تسعة. "فتصح من سبعة وعشرين" للزوج تسعة، وللأم ستة، وللأخت أربعة، وللجد ثمانية، ويعايا بها، فيقال: أربعةً ورثوا مال ميت، أخذ أحدهم ثلثه، والثاني ثلث الباقي، والثالث ثلث باقي الباقي، والرابع الباقي. "وإذا اجتمع مع الشقيق ولد الأب عده على الجد إن احتاج لعده"

لأن الجد والد، فإذا حجبه أخوان وارثان جاز أن يحجبه أخ وارث، وأخ غير وارث كالأم، ولأن ولد الأب يحجبونه نقصاناً إذا انفردوا فكذلك مع غيرهم كالأم، بخلاف ولد الأم فإن الجد يحجبهم بلا خلاف، فمن مات عن جد وأخ لأبوين وأخ لأب، فللجد منه الثلث. "ثم يأخذ الشقيق ما حصل لولد الأب" لأنه أقوى تعصيباً منه، فلا يرث معه شيئاً، كما لو انفردا عن الجد، فإن استغنى عن المعادة كجد وأخوين لأبوين وأخ فأكثر لأب، فلا معادة لأنه لا فائدة فيها. "إلا أن يكون الشقيق أختاً واحدة فتأخذ تمام النصف" لأنه لا يمكن أن تزاد عليه مع عصبة، ويأخذ الجد الأحظ له على ما تقدم. "وما فضل فهو لولد الأب" واحداً كان أو أكثر. "فمن صور ذلك الزيديات الأربع:" المنسوبات إلى زيد بن ثابت، رضي الله عنه. "1- العشرية، وهي: جد، وشقيقة، وأخ لأب" أصلها عدد رؤوسهم خمسة: للجد سهمان، وللأخت النصف: سهمان ونصف، والباقي للأخ. فتنكسر على النصف، فاضرب مخرجه اثنين في خمسة، فتصح من عشرة، للجد أربعة، وللشقيقة خمسة، وللأخ للأب واحد. "2 العشرينية، وهي: جد، وشقيقة، وأختان لأب" كالتي قبلها، إلا أنه يبقى للأختين للأب نصف، لكل واحدة ربع، فتضرب مخرجه أربعة في الخمسة = عشرين، ومنها تصح للجد ثمانية، وللشقيقة عشرة، ولكل أخت لأب واحد.

"3- مختصرة زيد، وهي: أم، وجد، وشقيقة، وأخ، وأخت لأب" لأن زيداً صححها من مائة وثمانية، وردها بالاختصار إلى أربعة وخمسين. أصلها ستة: للأم واحد، يبقى خمسة، للجد والإخوة على ستة تباينها، فاضرب الستة في أصل المسألة تبلغ ستة وثلاثين: للأم سدسها ستة، وللجد عشرة، وللأخت الشقيقة ثمانية عشر يبقى سهمان: للأخ، والأخت للأب على ثلاثة تباينهما، فاضرب ثلاثة في ستة وثلاثين تبلغ مائة وثمانية، للأم ثمانية عشر، وللجد ثلاثون، وللشقيقة أربعة وخمسون، وللأخ لأب أربعة، ولأخته سهمان، والأنصباء كلها متوافقة بالنصف، فترد المسألة لنصفها، ونصيب كل وارث لنصفه، فترجع لأربعة وخمسين. ولو اعتبرت للجد فيها ثلث الباقي لصحت ابتداء من أربعة وخمسين. "4- تسعينية زيد، وهي: أم، وجد، وشقيقة، وأخوان، وأخت لأب" للأم السدس ثلاثة من ثمانية عشر، وللجد ثلث الباقي: خمسة، وللشقيقة النصف: تسعة، يبقى لأولاد الأب واحد على خمسة لا يصح، فاضرب خمسة في ثمانية عشر تبلغ تسعين: للأم خمسة عشر، وللجد خمسة وعشرون، وللشقيقة خمسة وأربعون، ولأولاد الأب خمسة، لأنثاهم واحد، ولكل ذكر اثنان.

باب الحجب

باب الحجب: وهو باب عظيم. ويحرم على من لم يعرف الحجب أن يفتي في الفرائض. قاله في شرح الترتيب. "اعلم أن الحجب بالوصف" كالقتل والرق واختلاف الدين. "يتأتى دخوله على جميع الورثة" لما تقدم. "والحجب بالشخص نقصاناً كذلك يتأتى" 1 دخوله على جميع الورثة، كحجب الزوج من النصف إلى الربع، والزوجة من الربع إلى الثمن، ونحوه مما تقدم. "وحرماناً فلا يدخل على خمسة: الزوجين، والأبوين، والولد" ذكراً كان أو أنثى إجماعاً، لأنهم يدلون إلى الميت بغير واسطة، فهم أقوى الورثة. "وان الجد يسقط بالأب" حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من الصحابة ومن بعدهم. "وكل جد أبعد بجد أقرب" لإدلائه به، ولقربه. "وإن الجدة مطلقاً" من قبل الأم أو الأب. "تسقط بالأم" لأن الجدات يرثن بالولادة، فالأم أولى منهن بمباشرتها الولادة.

_ 1 كانت كلمة "يتأتى" في المتن، وهي غير موجودة في أصول المتن كلها، والسياق يقضى بأنها من الشرح.

"وكل جدة بعدى بجدة قربى" لأن الجدات أمهات يرثن ميراثاً واحداً من جهة واحدة، فإذا اجتمعن فالميراث لأقربهن، كالآباء والأبناء والإخوة. ولا يحجب الأب أمه أو أم أبيه كالعم. روي عن عمر وابن مسعود وأبي موسى وعمران بن حصين وأبي الطفيل، لحديث ابن مسعود: أول جدة أطعمها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، السدس أم أب مع ابنها وابنها حي رواه الترمذي. ورواه سعيد بلفظ: أول جدة أطعمت السدس أم أب مع ابنها ولأن الجدات يرثن ميراث الأم لا ميراث الأب، فلا يحجبن به، كأمهات الأم. وكذا الجد لا يحجب أم نفسه. "وإن كل ابن أبعد يسقط بابن أقرب" ولو لم يدل به لقربه. "وتسقط الإخوة الأشقاء باثنين: بالابن وإن نزل، وبالأب الأقرب" حكاه ابن المنذر إجماعاً، لأن الله تعالى جعل إرثهم في الكلالة، وهي: اسم لمن عدا الوالد والولد. "والإخوة للأب يسقطون" بالابن وابنه، وبالأب. "وبالأخ الشقيق أيضاً" لقوته بزيادة القرب، لحديث علي: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قضى بالدين قبل الوصية، وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه. رواه أحمد والترمذي من رواية الحارث عن علي. ويسقط ولد الأب أيضاً بالأخت الشقيقة إذا صار عصبة مع البنت، أو بنت الابن، لأنها تصير بمنزلة الأخ الشقيق. "وبنو الإخوة يسقطون حتى بالجد أبي الأب وإن علا" بلا خلاف، لأنه أقرب منهم.

"الأعمام يسقطون حتى ببني الإخوة وإن نزلوا" لأن جهتهم أقرب، وهذا معنى قول الجعبري: فبالجهة التقديم ثم بقربه ... وبعدهما التقديم بالقوة أجعلا "والأخ للأم يسقط باثنين: بفرع الميت مطلقاً" ذكوراً كانوا أو إناثاً، وإن نزلوا. "وبأصوله الذكور وإن علوا" لأن الله تعالى شرط في إرث الإخوة لأم الكلالة، وهي في قول الجمهور: من لم يخلف ولداً، ولا والداً. والولد يشمل الذكر والأنثى، وولد الابن كذلك، والوالد يشمل الأب والجد. "وتسقط بنات الابن ببنتي الصلب فأكثر" لاستكمال الثلثين، لمفهوم حديث ابن مسعود السابق. "ما لم يكن معهن" أي: بنات الابن. "من يعصبهن من ولد الابن" سواء كان بإزائهن أو أنزل منهن. "وتسقط الأخوات للأب بالأختين الشقيقتين فأكثر" لاستكمال الثلثين. "ما لم يكن معهن أخوهن فيعصبهن" في الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين. "ومن لا يرث" لمانع "لا يحجب أحداً" نص عليه. "مطلقاً" لا حرماناً، ولا نقصاناً، بل وجوده كعدمه، روي عن عمر وعلي، لأنه ليس بوارث كالأجنبي.

"إلا الإخوة من حيث هم" أشقاء أو لأب أو لأم. "فقد لا يرثون ويحجبون الأم نقصاناً" من الثلث إلى السدس، وإن كانوا محجوبين بالأب في أم وأب وإخوة.

باب العصبات

باب العصبات مدخل ... باب العصبات: وهم: من يرث بغير تقدير. "اعلم أن النساء كلهن صاحبات فرض، وليس فيهن عصبة بنفسه إلا المعتقة" فإنها عصبة بنفسها. "وإن الرجال كلهم عصبات بأنفسهم، إلا الزوج وولد الأم. وإن الأخوات مع البنات عصبات" لا فرض لهن، بل يرثن ما فضل عن الفروض، لقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ... } 1 الآية فشرط في الفرض عدم الولد، فمتى وجد الولد فلا فرض لهن، إلا أن للأخوات قوة بولادة الأب لهن، ولا مسقط لهن، فكان أدنى حالاتهن مع البنات أو بنات الابن التعصيب، ولحديث ابن مسعود السابق وفيه "وما بقي فللأخت" رواه البخاري. قال ابن رجب في شرح الأربعين: وذهب جمهور العلماء إلى أن الأخت مع البنت عصبة لها ما فضل، منهم: عمر وعلي وعائشة وزيد وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وتابعهم سائر العلماء. "إن البنات، وبنات الابن، والأخوات الشقيقات، والأخوات للأب،

_ 1 النساء من الآية/ 176.

كل واحدة منهن مع أخيها عصبة به له مثلا ما لها" لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} 1 وقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} 2. "وإن حكم العاصب أن يأخذ ما أبقت الفروض" لقوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} 3 وحديث: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر" وقوله صلى الله عليه وسلم، لأخي سعد: ".. وما بقي فهو لك" وتقدم. "وإن لم يبق شيء سقط" لمفهوم الخبر، ولأن حقه في الباقي، ولا باقي. "وإذا انفرد أخذ جميع المال" {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} 2 أضاف جميع الميراث إليه، وقيس عليه باقي العصبات. "لكن للجد والأب ثلاث حالات:" "1- يرثان بالتعصيب فقط مع عدم الفرع الوارث" لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} 1 أضاف الميراث إليهما، ثم خص الأم منه بالثلث دل على أن باقية للأب. "2- يرثان بالفرض فقط مع ذكوريته" أي: مع الابن أو ابنه، لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} 1.

_ 1 النساء من الآية/ 11. 2 النساء من الآية/ 11. 3 النساء من الآية/ 176.

"3- بالفرض والتعصيب مع أنوثيته" السدس بالفرض، والباقي بالتعصيب، لقوله صلى الله عليه وسلم،: "فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر" والأب أولى رجل ذكر بعد الابن وابنه، والجد مثل الأب في هذه الحالات الثلاث. "ولا تتمشى على قواعدنا المشركة وهي: زوج، وأم، وإخوة لأم، وإخوة أشقاء" للزوج: النصف = ثلاثة، وللأم: السدس = واحد، وللإخوة للأم: الثلث = اثنان، وسقط الأشقاء، لاستغراق الفروض التركة. وتسمى المشركة والحمارية لأنه يروى أن عمر أسقط ولد الأبوين، فقال بعضهم، أو بعض الصحابة: يا أمير المؤمنين، هب أن أبانا كان حماراً، أليست أمنا واحدة؟ فشرك بينهم وهو قول عثمان، وزيد بن ثابت،، ومالك والشافعي. وأسقطهم الإمام أحمد، وأبو حنيفة وأصحابه، وروي عن علي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وأبي موسى لقوله تعالى في الإخوة لأم: { ... فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ... } 1 فإذا شرك معهم غيرهم لم يأخذوا الثلث، ولحديث "ألحقوا الفرائض بأهلها" ومن شرك لم يلحق الفرائض بأهلها. قال العنبري: القياس ما قال علي، والاستحسان ما قال عمر، ولو كان مكانهم أخوات لأبوين، أو لأب عالت إلى عشرة وتأتي.

_ 1 النساء من الآية/ 12.

فصل وإذا اجتمع كل الرجال ورث منهم ثلاثة

فصل وإذا اجتمع كل الرجال ورث منهم ثلاثة "الابن، والأب والزوج" فالمسألة من اثني عشر: للزوج الربع = ثلاثة، وللأب السدس = اثنان، وللابن الباقي. "وإذا اجتمع كل النساء ورث منهن خمس: البنت، وبنت الابن، الأم، والزوجة، والأخت الشقيقة" أو لأب، فالمسألة من أربعة وعشرين: للزوجة: الثمن = ثلاثة، وللأم: السدس = أربعة، وللبنت: النصف = اثنا عشر، ولبنت الابن: السدس تكملة الثلثين = أربعة، والباقي = واحد، للأخت تعصيباً. "وإذا اجتمع ممكن الجمع من الصنفين ورث منهم خمسة: الأبوان، والولدان، وأحد الزوجين" فإن كان الميت الزوج المسألة من أربعة وعشرين، وتصح من اثنين وسبعين. وإن كان الميت الزوجة فالمسألة من اثني عشر، وتصح من ستة وثلاثين. "ومتى كان العاصب عماً أو ابن عم أو ابن أخ انفرد بالإرث دون أخواته" لأنهن من ذوي الأرحام، والعصبة مقدم على ذي الرحم. "ومتى عدمت العصبات من النسب ورث المولى المعتق ولو أنثى" لحديث "الولاء لمن أعتق" متفق عليه. وحديث "الولاء لحمة كلحمة النسب". وروى سعيد بسنده كان لبنت حمزة مولى أعتقته، فمات

وترك ابنته ومولاته، فأعطى النبي، صلى الله عليه وسلم ابنته النصف، وأعطى مولاته بنت حمزة النصف ورواه النسائي وابن ماجه عن عبد الله بن شداد بنحوه. "ثم عصبته" أي: عصبة المعتق. "الذكور الأقرب فالأقرب، كالنسب" لحديث زياد بن أبي مريم أن امرأة أعتقت عبداً لها، ثم توفيت وتركت ابنا لها وأخاها، ثم توفي مولاها من بعدها، فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ميراثه، فقال، صلي الله عليه وسلم: "ميراثه لابن المرأة"، فقال أخوها: يا رسول الله، لو جر جريرةً كانت علي، ويكون ميراثه لهذا؟! قال: "نعم" رواه أحمد. ولأنهم يدلون بالمعتق، وبالولاء مشبه بالنسب، فأعطي حكمه. "فإن لم يكن" للميت عصبة ولا ولاء "عملنا بالرد" على ذوى الفروض، فيقدم على ذوى الأرحام "فإن لم يكن" ذو فرض يرد عليه "ورثنا ذوي الأرحام" لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ... } 1.

_ 1 الأحزاب من الآية/ 6.

باب الرد وذوي الأرحام

باب الرد وذوي الأرحام مدخل ... باب الرد وذوي الأرحام: "حيث لا1 تستغرق الفروض التركة ولا عاصب رد الفاضل على كل ذي فرض بقدره" كالغرماء يقتسمون مال المفلس بقدر ديونهم، لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} 2 وقوله، صلى الله عليه وسلم: "من ترك مالاً فللوارث" متفق عليه. "ما عدا الزوجين، فلا يرد عليهما من حيث الزوجية" نص عليه، لأنهما لا رحم لهما، فلم يدخلا في الآية. وهذا يروى عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس، رضي الله عنهم. قاله في الكافي. وما روي عن عثمان أنه رد على زوج فلعله كان عصبة، أو ذا رحم، أو أعطاه من بيت المال لا على سبيل الميراث. "فإن لم يكن إلا صاحب فرض أخذ الكل فرضاً ورداً" لأن تقدير الفروض شرع لمكان المزاحمة، وقد زال. "وإن كان جماعة من جنس كالبنات فأعطهم بالسوية" كالعصبة من البنين ونحوهم. "وإن اختلف جنسهم فخذ عدد سهامهم من أصل ستة دائماً" لأن الفروض كلها توجد في الستة، إلا الربع والثمن، وهما للزوجين، ولا يرد عليهما، فتجعل عدد سهامهم أصل مسألتهم، وينحصر ذلك في أربعة أصول.

_ 1 في أصول المتن الأخرى: حيث لم. 2 الأحزاب من الآية/ 6.

"فجدة وأخ لأم، تصح من اثنين" لأن لكل منهما: السدس = واحد من الستة، والسدسان = اثنان منها، فيقسم المال بينهما نصفين فرضاً ورداً. "وأم وأخ لأم من ثلثه" فيقسم المال بينهما أثلاثاً، وكذا أم وولداها. "وأم وبنت" أو بنت أو بنت ابن "من أربعة" للأم السدس = واحد، وللبنت أو بنت الابن: النصف = ثلاثة. فيقسم المال بينهما أرباعاً. للأم: ربعه، وللبنت، أو بنت الابن: ثلاثة أرباعه. "وأم وبنتان" أو بنتا ابن، أو أختان لغير أم "من خمسة" للأم: السدس، وللأخريين: الثلثان = أربعة. فالمال بينهن على خمسة. للأم خمسه، وللأخريين: أربعة أخماسه. "ولا تزيد" مسائل الرد. "عليها" أي: الخمسة. "لأنها لو زادت سدساً آخر لاستغرقت الفروض" إذاً فلا رد. "وإن كان هناك أحد الزوجين فاعمل مسألة الرد، ثم مسألة الزوجية، ثم يقسم ما فضل عن فرض الزوجية على مسألة الرد" فيبدأ بإعطاء أحد الزوجين فرضه، والباقي لمن يرد عليه. "فإن انقسم صحت مسألة الرد من مسألة الزوجية" ولم يحتج لضرب كزوجة وأم وأخوين لأم، فللزوجة: الربع = واحد من أربعة، والباقي ثلاثة بين الأم وولديها أثلاثاً. "وإلا" ينقسم الباقي بعد فرض الزوجية على مسألة الرد.

"فاضرب مسألة الرد في مسألة الزوجية" لعدم الموافقة. "ثم من له شيء في مسألة الزوجية أخذه مضروباً في مسألة الرد، ومن له شيء في مسألة الرد أخذه مضروباً في الفاضل عن مسألة الزوجية. فزوج، وجدة، وأخ لأم مثلاً: فاضرب مسألة الرد - وهي: اثنان - في مسألة الزوجية - وهي: اثنان - فتصح من أربعة" مسطح الاثنين في الاثنين، فللزوج: اثنان، وللجدة: سهم، وللأخ لأم: سهم. "وهكذا" لو كان مكان الزوج زوجة، فالمسألة: الزوجة من أربعة، والباقي منها بعد فرض الزوجة: ثلاثة على مسألة الرد. اثنين تباينها، فاضرب مسألة الرد في مسألتها - وهي: أربعة - تبلغ ثمانية، للزوجة: ربع = اثنان وللجدة: ثلاثة، وللأخ لأم ثلاثة.

فصل في ذوي الأرحام

فصل في ذوي الأرحام: "وهم: كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة" كالخال، والجد لأم، والعمة. وبتوريثهم قال عمر، وعلي، وعبد الله وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جيل، وأبو الدرداء، لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} 1 وعن عمر مرفوعاً: "الخال وارث من لا وارث له" رواه أحمد والترمذي وحسنه. ولأبي داود عن المقداد مرفوعاً: "الخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويرثه" وروى أبوعيد بإسناده أن ثابت بن الدحداح مات، ولم يخلف إلا ابنة أخ له، فقضى النبي، صلى الله عليه وسلم، بميراثه لابنة أخيه قال في الكافي: وقسنا سائر هم على هذين.

_ 1 الأحزاب من الآية/ 6.

"وأصنافهم أحد عشر:" "ولد البنات لصلب أو لابن، وولد الأخوات، وبنات الإخوة، وبنات الأعمام، وولد ولد الأم، والعم لأم، والعمات، والأخوال، والخالات، وأبو الأم، وكل جدة أدلت بأب بين أمين" كأم أبي الأم. "ومن أدلى بصنف" من هؤلاء كعمة العمة، وخالة الخالة ونحوهما "ويرثون بتنزيلهم منزلة من أدلوا به" فينزل كل منهم منزلة من أدلى به من الورثة بدرجة، أو درجات حتى يصل إلى من يرث، فيأخذ ميراثه. لما روي عن علي وعبد الله: أنهما نزلا بنت البنت بمنزلة البنت، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وبنت الأخت منزلة الأخت، والعمة منزلة الأب، والخالة منزلة الأم. وروي ذلك عن عمر في العمة والخالة. وعن علي أيضاً: أنه نزل العمة بمنزلة العم. وعن الزهري أنه، صلى الله عليه وسلم، قال: "العمة بمنزلة الأب إذا لم يكن بينهما أب، والخالة بمنزلة الأم، إذا لم يكن بينهما أم". رواه أحمد. "وإن أدلى جماعة منهم بوارث واستوت منزلتهم منه" بلا سبق كأولاده، وكإخوته المتفرقين الذين لا واسطة بينه وبينهم "فنصيبه لهم" كإرثهم منه. لكن هنا. "بالسوية: الذكر كالأنثى" لأنهم يرثون بالرحم المجردة، فاستوى ذكرهم وأنثاهم، كولد الأم. اختاره الأكثر، ونقله الأثرم، وحنبل، وإبراهيم بن الحارث. "ومن لا وارث له" معلوم "فماله لبيت المال" يحفظه كالمال الضائع. قال في القواعد: مع أنه لا يخلو من بني عم أعلى، إذ الناس كلهم بنو آدم، فمن كان أسبق إلى

الاجتماع مع الميت في أب من آبائه فهو عصبته، ولكنه مجهول، فلم يثبت له حكم، وجاز صرف ماله في المصالح، ولذلك لو كان له مولى معتق لورثه في هذه الحال، ولم يلتفت إلى هذا المجهول. انتهى. "وليس" بيت المال "وارثاً وإنما يحفظ المال الضائع وغيره" كأموال الفيء. "فهو جهة ومصلحة" لأن اشتباه الوارث بغيره لا يوجب الحكم بالإرث للكل، فيصرف في المصالح، للجهل بمستحقه عيناً.

باب أصول المسائل

باب أصول المسائل: أي: المخارج التي تخرج منها فروضها. "وهي سبعة:" "1- اثنان 2- وثلاثة، 3- وأربعة، 4- وستة، 5- وثمانية، 6- واثنا عشر، 7- وأربعة وعشرون" فنصفان كزوج وأخت لأبوين، أو لأب من اثنين مخرج النصف، وتسميان اليتيمتين تشبيها بالدرة اليتيمة، لأنهما فرضان متساويان ورث بهما المال كله، ولا ثالث لهما، ويسميان أيضاً النصفيتين ونصف، والبقية كزوج وأب، أو أخ لغير أم، أو عم أو ابنه كذلك من اثنين مخرج النصف. وثلث، والبقية من ثلاثة كأبوين. وثلثان، والبقية من ثلاثة كبنتين وأخ لغير أم. وثلثان وثلث من ثلاثة لاتحاد المخرجين، كأختين لأم وأختين لغيرها.

وربع والبقية من أربعة كزوج وابن، وربع مع نصف، والبقية من أربعة، لدخول مخرج النصف في مخرج الربع كزوج وبنت عم. وثمن، والبقية كزوجة وابن. وثمن مع نصف والبقية كزوجة وبنت عم من ثمانية. ولا يكون كل من أصلي الأربعة والثمانية إلا ناقصاً أي: فيها عاصب، والاثنان والثلاثة تارةً كذلك، وتارةً تكونان عادلتين. فهذه الأصول الأربعة لا تعول، لأنها لا تزحم فيها الفروض. وسدس، والبقية كأم وابن من ستة. وسدس ونصف والبقية كبنت وأم وعم من ستة، لدخول مخرج النصف في السدس. ونصف وثلث، والبقية كزوج وأم وعم من ستة لتباين المخرجين، ونصف، وثلث، وسدس من ستة: كزوج، وأم، وأخوين لأم وتسمى مسألة الإلزام، ومسألة المناقضة لأن ابن عباس، رضي الله عنهما، لا يحجب الأم عن الثلث إلى السدس إلا بثلاثة من الإخوة، أو الأخوات، ولا يرى العول، ويرد النقص مع ازدحام الفروض على من يصير عصبة في بعض الأحوال بتعصيب ذكر لهن. وهن البنات والأخوات لغير أم، فألزم بهذه المسألة. فإن أعطى الأم الثلث لكون الإخوة أقل من ثلاثة، وأعطى ولديها الثلث، عالت المسألة، وهو لا يراه. وإن أعطاها سدساً فقد ناقض مذهبه في حجبها بأقل من ثلاثة إخوة، وإن أعطاها ثلثاً وأدخل النقص على ولديها فقد ناقض مذهبه في إدخاله النقص على من لا يصير عصبة بحال. وربع مع ثلثين: كزوج، وبنتين، وعم. وكزوجة، وشقيقتين، وعم من اثني عشر. وربع مع ثلث، كزوجة، وأم، وأخ لغيرها. وكزوجة،

وإخوة، لأم وعم من اثني عشر لتباين المخرجين. أو ربع مع سدس: كزوج، وأم، وابن، أو زوجة، وجدة، وعم من اثني عشر، لتوافق المخرجين. ولا يكون في الاثني عشر والأربعة والعشرين صورة عادلة أصلاً، بل إما ناقصة وإما عائلة. وثمن مع سدس: كزوجة، وأم، وابن من أربعة وعشرين، لتوافق المخرجين بالنصف، وحاصل ضرب أحدهما في نصف الآخر: أربعة وعشرون. أو ثمن مع ثلثين: كزوجة، وبنتين، وعم، أو معهما سدس: كزوجة، وبنتين، وأم، وعم، من أربعة وعشرين، للتوافق بين مخرج السدس والثمن، مع دخول مخرج الثلثين في مخرج السدس. ولا يجتمع الثمن مع الثلث، لأن الثمن لا يكون إلا لزوجة مع فرع وارث، ولا يكون الثلث في مسألة فيها فرع وارث. "ولا يعول منها" أي: هذه الأصول. "إلا الستة وضعفها" أي: الاثنا عشر. "وضعف ضعفها" أي: الأربعة والعشرون، فتعول إذا تزاحمت فيها الفروض بالإجماع، قبل إظهار ابن عباس الخلاف في ذلك. "فالستة تعول متوالية إلى عشرة" شفعاً ووتراً. "فتعول إلى سبعة: كزوج، وأخت لغير أم، وجدة" أو ولد أم، للزوج: النصف = ثلاثة وللأخت لغير أم: النصف = ثلاثة، وللجدة، وولد الأم: السدس، وكذا زوج وأختان لأبوين، أو لأب ونحوها. "وإلى ثمانية كزوج، وأم، وأخت، وأخت لغير أم" للزوج: النصف = ثلاثة، وللأم: الثلث = اثنان، وللأخت: النصف = ثلاثة.

"وتسمى المباهلة" لأنها أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فجمع الصحابة للمشورة فيها، فقال العباس: أرى أن يقسم المال بينهم على قدر سهامهم فأخذ به عمر، وأتبعه الناس على ذلك، حتى خالفهم ابن عباس، فقال: من شاء باهلته، إن المسائل لا تعول، إن الذي أحصى رمل عالج1 عدداً أعدل من أن يجعل في مال نصفاً ونصفاً، وثلثاً هذان نصفان ذهبا بالمال، فأين موضع الثلث؟ وقال: وأيم الله، لو قدموا من قدم الله، وأخروا من أخر الله، ما عالت فريضة أبداً. فقال له زفر بن أوس البصري: فمن ذا الذي قدمه الله؟ ومن ذا الذي أخره الله؟ فقال: الذي أهبطه من فرض إلى فرض، فذلك الذي قدمه الله، والذي أهبطه من فرض إلى ما بقي، فذلك الذي أخره الله. فقال له زفر: فمن أول من أعال الفرائض؟ قال: عمر بن الخطاب، فقلت: ألا أشرت عليه؟ فقال: هبته وكان امرأ مهيباً رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبه عنه. فقال له عطاء بن أبي رباح: إن هذا لا يغني عني ولا عنك شيئاً، لو مت أو مت لقسم ميراثنا على ما عليه الناس اليوم. قال: فإن شاءوا: {فَلْنَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَهم} 2 الآية قال في المغني: قوله أهبط من فرض إلى فرض، يريد: أن الزوجين والأم لكل واحد منهم فرض، ثم يحجب إلى فرض آخر لا ينقص منه. وأما من أهبط من فرض إلى ما بقي، يريد: البنات والأخوات، فإنهن يفرض لهن، فإذا كان معهن إخوتهن ورثوا بالتعصيب،

_ 1 عالج: موضع بالبادية بها رمل، وهو أيضا: ما تراكم من الرمل ودخول بعضه في بعض، كما في اللسان. 2 قوله ولندع أبناءنا وأبناءهم: لا يقصد به لفظ الآية وإنما يريد معناها ونصها: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} آل عمران: من الآية/ 61.

فكان لهم ما بقي قل أو كثر. انتهى. فكان ابن عباس، رضي الله عنهما، لا يرى العول، ويدخل النقص على من يصير عصبة بحال. وخالفه الجمهور، وألزم بمسألة الإلزام كما تقدم. قال في المغني ولا نعلم اليوم قائلاً بمذهب ابن عباس، ولا نعلم خلافاً بين فقهاء العصر في القول بالعول بحمد الله ومنه. انتهى. "وإلى تسعة: كزوج، وولدي أم، وأختين لغيرها" للزوج: النصف = ثلاثة، ولولدي الأم: الثلث = اثنان، وللأختين: الثلثان = أربعة. "وتسمى الغراء" لأنها حدثت بعد المباهلة، واشتهر بها العول. "والمروانية" لحدوثها زمن مروان. وكذا زوج، وأم، وثلاث أخوات مفترقات. "وإلى عشرة: كزوج، وأم، وأختين لأم، وأختين لغيرها" للزوج: النصف = ثلاثة، وللأم: السدس = واحد، وللأختين لأم: الثلث = اثنان، وللأختين لغيرها: الثلثان = أربعة. "وتسمى أم الفروخ" لكثرة عولها، شبهوا أصلها بالأم، وعولها بفروخها. وليس في الفرائض ما يعول بثلثيه سواها وشبهها. وتسمى الشريحية أيضاً، لحدوثها زمن القاضي شريح. روي: أن رجلاً أتاه، وهو قاض بالبصرة، فسأله عنها، فأعطاه ثلاثة أعشار المال، فكان إذا لقي الفقيه يقول: ما يصيب الزوج من زوجته؟ فيقول: النصف مع عدم الولد، والربع معه. فيقول: والله ما أعطاني شريح نصفاً ولا ثلثاً. فكان شريح إذا لقيه يقول: إذا رأيتني ذكرت بي حكماً جائراً، وإذا

رأيتك ذكرت بك رجلاً فاجراً، بين لي فجورك أنك تكتم القضية، وتشيع الفاحشة. وفي رواية: أنك تذيع الشكوى، وتكتم الفتوى. "والاثنا عشر تعول أفراداً" أي: على توالي الأفراد. "فتعول إلى ثلاثة عشر: كزوج، وبنتين، وأم" للزوج: الربع = ثلاثة، وللبنتين: الثلثان = ثمانية، وللأم: السدس = اثنان. "وإلى خمسة عشر: كزوج، وبنتين، وأبوين" كالتي قبلها. ويزاد للأب: السدس = اثنان. "وإلى سبعة عشر: كثلاث زوجات، وجدتين، وأربع أخوات لأم، وثمان أخوات لغيرها" للزوجات: الربع = ثلاثة: لكل واحدة واحد. وللجدتين: السدس = اثنان: لكل واحدة واحد. وللأخوات للأم: الثلث = أربعة: لكل واحدة واحد. وللأخوات لغيرها: الثلثان = ثمانية: لكل واحدة واحد. "وتسمى أم الأرامل" وأم الفروج بالجيم، لأنوثة الجميع. ولو كانت التركة فيها سبعة عشر ديناراً، حصل لكل واحدة منهن دينار. وتسمى السبعة عشرية، والدينارية الصغرى1. "والأربعة والعشرون تعول مرة واحدة إلى سبعة وعشرين: كزوجة، وبنتين، وأبوين" للزوجة: الثمن = ثلاثة، وللبنتين: الثلثان = ستة عشر، ولكن من الأبوين: السدس = أربعة2.

_ 1 قال الماتن في "غاية المنتهى" 2/ 295: ولا بد في هذا الأصل أن يكون الميت أحد الزوجين. 2 قال الماتن في "غاية المنتهى" 2/396: ويكون الميت فيها إلا زوجا.

"وتسمى المنبرية" لأن علياً، رضي الله عنه، سئل عنها وهو على المنبر يخطب، ويروى أن صدر خطبته كان: الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعاً، ويجزي كل نفس بما تسعى، وإليه المآب والرجعى. فسئل فقال: صار ثمنها تسعاً ومضى في خطبته أي: قد كان للمرأة قبل العول ثمن، فصار بالعول تسعاً. وهو: ثلاثة من سبعة وعشرين. "و" تسمى أيضاً: "البخيلة لقلة عولها" لأنها لم تعل إلا مرة واحدة.

باب ميراث الحمل

باب ميراث الحمل: "من مات عن حمل يرثه" وعن ورثة غيره، ورضوا بوقف الأمر على وضعه فهو أولى: خروجاً من الخلاف، ولتكون القسمة مرة واحدة. وإلا، "فطلب بقية ورثته قسم التركة قسمت، ووقف له الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين" لأن وضعهما كثير معتاد، فلا يجوز قسم نصيبهما كالواحد، وما زاد عليهما نادر، فلا يوقف له شيء. "ودفع لمن لا يحجبه الحمل إرثه كاملاً، ولمن يحجبه حجب نقصان أقل ميراثه" كالزوجة والأم، فيعطيان الثمن، والسدس. "ولا يدفع لمن سقطه" الحمل. " شيء" لاحتمال أن يحجبه.

"فإذا ولد أخذ نصيبه، ورد ما بقي لمستحقه" فإن أعوز شيء رجع على من هو في يده. "ولا يرث إلا إن استهل صارخاً" نص عليه، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا استهل المولود صارخاً ورث". رواه أحمد وأبو داود. والاستهلال: رفع الصوت. فصارخاً: حال مؤكدة. "أو عطس، أو تنفس، أو وجد منه ما يدل على الحياة: كالحركة الطويلة ونحوها" كسعال وارتضاع، لدلالة هذه الأشياء على الحياة المستقرة، فيثبت له حكم الحي، كالمستهل. "ولو ظهر بعضه فاستهل، ثم انفصل ميتاً لم يرث" لأنه لم يثبت له أحكام الدنيا وهو حي.

باب ميراث المفقود

باب ميراث المفقود: "وهو: من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة: كالأسر، والخروج للتجارة، والسياحة، وطلب العلم، انتظر تتمة تسعين سنة منذ ولد" في أشهر الروايتين، لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر من هذا، وعنه: ينتظر به حتى يتيقن موته، أو يمضي عليه مدة لا يعيش في مثلها، وذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم. وهو قول: الشافعي، ومحمد بن الحسن، وهو المشهور عن مالك، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، لأن الأصل حياته. "فإن فقد ابن تسعين اجتهد الحاكم" في تقدير مدة انتظاره. "وإن كان ظاهرها الهلاك: كمن فقد من بين أهله، أو في مهلكه كدرب

الحجاز، أو فقد بين الصفين" أي: صف المسلمين، وصف المشركين1. "حال الحرب، أو غرقت سفينة، ونجا قوم وغرق آخرون، انتظر تتمة أربع سنين منذ فقد، ثم يقسم ماله في الحالتين" لأنها أكثر مدة الحمل، ولأنها مدة يتكرر فيها تردد المسافرين والتجار. فانقطاع خبره عن أهله إلى هذه الغاية يغلب ظن الهلاك، وتعتد زوجته عدة الوفاة، وتحل للأزواج بعد ذلك. نص عليه، لاتفاق الصحابة على ذلك. قال أحمد: من ترك هذا القول أي شيء يقول؟ هو عن خمسة من الصحابة. وقال: يروى عن عمر من ثمانية أوجه، قيل: زعموا أن عمر رجع، قال: هؤلاء الكذابون، قيل: فيروى من وجه ضعيف أن عمر قال بخلافه، قال: لا إلا أن يكون إنسان يكذب. ولا تفتقر امرأة المفقود إلى حكم حاكم بضرب المدة وعدة الوفاة، لأن الظاهر موته، أشبه ما لو قامت به بينة. ولا يفتقر أيضاً إلى طلاق ولي زوجها بعد عدة الوفاة لتعتد بعد ذلك بثلاثة قروء، لأنه لا ولاية لوليه في طلاق امرأته. وما روي عن عمر-أنه أمر ولي المفقود أن يطلقها- قد خالفه قول ابن عباس، وابن عمر. وقال عبيد بن عمير: "فقد رجل في عهد عمر، فجاءت امرأته إلى عمر فذكرت ذلك له، فقال: انطلقي فتربصي أربع سنين، ففعلت، ثم أتته، فقال: انطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشراً، ففعلت، ثم أتته فقال: أين ولي هذا الرجل؟ فجاء وليه، فقال: طلقها، ففعل، فقال عمر: انطلقي فتزوجي من شيء ت، فتزوجت، ثم جاء زوجها الأول، فقال له عمر: أين كنت؟

_ 1 الأمر أعم من أن يقصر على المسلمين والمشركين.

فقال: استهوتني الشياطين، فوالله ما أدري في أي أرض، كنت عند قوم يستعبدونني حتى غزاهم قوم مسلمون، فكنت فيمن غنموه، فقالوا لي: أنت رجل من الإنس، وهؤلاء الجن، فما لك وما لهم؟ فأخبرتهم خبري، فقالوا: بأية أرض الله تحب أن تصبح؟ فقلت: بالمدينة: هي أرضي، فأصبحت وأنا أنظر إلى الحرة - وزاد البيهقي، قال: - فأما الليل فلا يحدثوني، وأما النهار فإعصار ريح أتبعها إلى آخره. فخيره عمر: إن شاء امرأته، وإن شاء الصداق، فاختار الصداق رواه الأثرم والجوزجاني، وقضى بذلك عثمان وعلي وابن الزبير، وهو قول ابن عباس، وهذه قضايا انتشرت، ولم تنكر فكانت إجماعاً. قاله في الكافي. وإذا ثبت ذلك في النكاح مع الاحتياط للأبضاع ففي المال أولى. قال الإمام أحمد: إذا أمرت زوجته أن تتزوج قسمت ماله. "فإن قدم بعد القسم أخذ ما وجده بعينه" لتبين عدم انتقال ملكه عنه. "ورجع بالباقي" أي: ببدله على من أخذه، لتعذر رده بعينه. "فإن مات مورث هذا المفقود في زمن انتظاره" أي: في المدة التي قلنا: ينتظر به فيها. "أخذ كل وارث" غير المفقود "اليقين" أي: ما لا يمكن أن ينقص عنه مع حياة المفقود أو موته. "ووقف له الباقي" حتى يتبين أمره، أو تنقضي مدة الانتظار، فإن قدم المفقود أخذه، وإلا فحكمه كبقية ماله. "ومن أشكل نسبه" ورجي انكشافه.

"فكالمفقود" في أنه إذا مات أحد الواطئين لأمه وقف له منه نصيبه على تقدير إلحاقه به، فإن لم يرج انكشافه: بأن لم ينحصر الواطئون لأمه، أو عرض على القافة1 فأشكل عليهم ونحوه، لم يوقف له شيء.

_ 1 القافة: جمع قائف، وهو: من يعرف الآثار، من قاف أثر فلان يقوفه قوفا: تبعه. وهنا الذين يلحقون الولد بأبيه على الشبه.

باب ميراث الخنثى

باب ميراث الخنثى: نقل ابن حزم الإجماع على توريثه. "وهو: من له شكل الذكر، وفرج المرأة ويعتبر" أمره في توريثه. "ببوله" فإن بال من حيث يبول الرجل فهو ذكر، وإن بال من حيث تبول المرأة فله حكم المرأة، لأن الله تعالى أجرى العادة بذلك، فإن بال منهما "فبسبقه من أحدهما" لما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مولود له قبل وذكر، من أين يورث؟ قال: "من حيث يبول" وروي أنه صلى الله عليه وسلم، أتي بخنثى من الأنصار فقال: "ورثوه من أول ما يبول منه" وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول. ولأن خروج البول أعم العلامات، لوجوده من الصغير والكبير، وسائر العلامات إنما توجد بعد الكبر. "فإن خرج منهما معاً اعتبر أكثرهما" لأن الأكثر أقوى في الدلالة. قال في المغني: قال أحمد -في رواية إسحاق بن إبراهيم:- يرث من المكان الذي يبول منه أكثر.

"فإن استويا فمشكل، فإن رجي كشفه بعد كبره" أي: بلوغه. "أعطي ومن معه اليقين" من التركة وهو: ما يرثونه بكل تقدير. "ووقف الباقي" حتى يبلغ. "لتظهر ذكورته بنبات لحيته، أو إنماء من ذكره" زاد في المغنى وكونه مني رجل. "أو أنوثته بحيض، أو تفلك ثدي" أي: استدارته، أو سقوطه - أي: الثدي - نص عليهما. "أو إمناء من فرج فإن مات" الخنثى قبل البلوغ. "أو بلغ بلا أمارة" أي: علامة على ذكورته أو أنوثته. "واختلف إرثه، أخذ نصف ميراث ذكر، ونصف ميراث أنثى" ففي ابن، وبنت، وولد خنثى، للذكر: أربعة أسهم، وللخنثى: ثلاثة، وللبنت: سهمان. وقال أصحابنا تعمل المسألة على أنه ذكر، ثم على أنه أنثى، ثم تضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا، أو وفق إحداهما في الأخرى إن توافقتا، وتجتزئ بإحداهما إن تماثلتا، أو بأكثرهما إن تناسبتا، ثم تضرب الجامعة في اثنين: عدد حالي الخنثى. ففي هذه المسألة: مسألة الذكورية: من خمسة، والأنوثية: من أربعة، اضرب إحداهما في الأخرى للتباين تكن عشرين، ثم في اثنين تبلغ أربعين: للبنت: سهم في خمسة، وسهم في أربعة، يحصل لها تسعة، وللذكر: سهمان في خمسة، وسهمان في أربعة يجتمع له ثمانية عشر، وللخنثى: سهمان في أربعة، وسهم في خمسة، تكن ثلاثة عشر. فإن لم يختلف إرث الخنثى بالذكورة والأنوثة، كولد الأم والمعتق أخذ إرثه مطلقاً،

وإن ورث بكونه ذكراً فقط، كولد أخ أو عم خنثى، أو بكونه أنثى فقط، كولد أب خنثى مع زوج، وأخت لأبوين أعطي نصف ميراثه.

باب ميراث الغرقى ونحوهم

باب ميراث الغرقى ونحوهم: كالهدمى ومن وقع بهم طاعون أو قتل وأشكل أمرهم. "إذا علم موت المتوارثين معاً فلا إرث" لأحدهما من الآخر، لأنه لم يكن حياً حين موت الآخر، وشرط الإرث حياة الوارث بعد موت المورث. "وكذا إن جهل الأسبق، أو علم ثم نسي" أو علم وجهلوا عينه. "وادعى ورثة كل" منهما "سبق الآخر ولا بينة، أو تعارضتا، وتحالفا" أي: حلف كل منهما على إبطال دعوى صاحبه، ولم يتوارثا. نص عليه، وهو قول: أبي بكر الصديق، وزيد، ومعاذ، وابن عباس، والحسن بن علي، رضي الله عنهم، لعدم وجود شرطه، وسقوط الدعويين فلم يثبت السبق لواحد منهما معلوماً، ولا مجهولاً. وقال مالك في الموطأ: لا ينبغي أن يرث أحد أحداً بالشك. وروى في الموطأ أيضاً: أنه لم يتوارث من قتل يوم الجمل، ويوم صفين1، ويوم الحرة2، ثم يوم قديد3، فلم يورث أحد منهم من صاحبه شيئاً إلا من علم أنه قتل قبل صاحبه. انتهى.

_ 1 صفين: بكسر الصاد وبشديد الفاء: موضع قرب الرقة بشاطئ الفرات نشب فيه القتال بين علي ومعاوية رضي الله عنهما. 2 الحرة: بفتح الحاء وتشديد الراء: أرض ذات حجارة سود ومنها الحرة التي بظاهر المدينة كانت بها الوقعة بين أهلها وبين جيش يزيد بن معاوية. 3 قديد: بضم القاف مصغر: موضع قرب مكة.

واحتج في المغني: بأن قتلى اليمامة1، وصفين، والحرة لم يورث بعضهم من بعض، وبما روى جعفر بن محمد عن أبيه أن أم كلثوم بنت علي توفيت هي وابنها، فالتقت الصيحتان في الطريق، فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه، فلم ترثه ولم يرثها. "وإن لم يدع ورثة كل" منهما "سبق الآخر ورث كل ميت صاحبه" من تلاد2 ماله دون ما ورثه من الآخر، لئلا يدخله الدور، لأن ذلك يروى عن عمر وعلي، وإياس المزني، وشريح، وإبراهيم. قال الشعبي: وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب عمر أن: ورثوا بعضهم من بعض قال الإمام أحمد: أذهب إلى قول عمر. قال في الإنصاف: وهو من المفردات. وروي عن إياس المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوم وقع عليهم بيت فقال: "يرث بعضهم بعضاً" ورواه سعيد في سننه عن إياس موقوفاً. فيقدر أحدهما مات أولاً ويورث الآخر منه. "ثم يقسم ما ورثه على الأحياء من ورثته" ثم يصنع بالثاني كذلك.

_ 1 اليمامة: موطن بني حنيفة في وسط جزيرة العرب، وفي اتجاه الشرق قليلا. كان خالد بن الوليد يحارب المرتدين في اليمامة من أتباع مسيلمة الكذاب، وفي آخر سنة "11" هجرية كانت المعركة الحاسمة في اليمامة. وقد انتصر فيها المسلمون على الأعداء وهزموهم هزيمة نكراء وقتلوا مسيلمة الكذاب، وشردوا أتباعه. وفي هذه الوقعة قتل من الصحابة عدد كثير. 2 التلاد: بالفتح. المال القديم الأصلي الذي ولد عندك وضده الطارف.

باب ميراث أهل الملل

باب ميراث أهل الملل: " لا توارث بين مختلفين في الدين" لحديث أسامة بن زيد مرفوعاً: "لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر". متفق عليه. وذكره الموفق إجماعاً قال الإمام أحمد: ليس بين الناس فيه خلاف. "إلا بالولاء فيرث به المسلم الكافر، والكافر المسلم" لحديث جابر مرفوعاً: "لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته". رواه الدارقطني. ولأن ولاءه له، وهو شعبة من الرق، واختلاف الدين لا يمنع الرجل أخذ مال رقيقه إذا مات. وعنه: لا يرثه مع اختلاف الدين، لعموم الخبر. قاله في الكافي. "وكذا يرث الكافر ولو مرتداً إذا أسلم قبل قسم ميراث مورثه المسلم" وكذا زوجة أسلمت في عدة قبل القسم. نص عليهما. وروي عن عمر، وعثمان، والحسن بن علي، وابن مسعود، لحديث: "من أسلم على شيء فهو له" رواه سعيد من طريقين: عن عروة، وابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعن ابن عباس مرفوعاً: "كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم، وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على قسم الإسلام" رواه أبو داود وابن ماجه. وحدث عبد الله بن أرقم عثمان: أن عمر قضى: أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله نصيبه، فقضى به عثمان. رواه ابن عبد البر في التمهيد بإسناده. والحكمة فيه الترغيب في الإسلام، والحث عليه.

"والكفار ملل شتى لا يتوارثون مع اختلافها" روي عن علي رضي الله عنه، لحديث: "لا يتوارث أهل ملتين شتى" رواه أبو داود. وهو مخصص للعمومات. وقال القاضي: الكفر ثلاث ملل: اليهودية، والنصرانية، ودين من عداهم. ورد بافتراق حكمهم فإن المجوس يقرون بالجزية، وغيرهم لا يقر بها، وهم مختلفون في معبوداتهم ومعتقداتهم وآرائهم، يستحل بعضهم دماء بعض، ويكفر بعضهم بعضاً. وعنه: أن الكفار يرث بعضهم بعضاً وإن اختلفت أديانهم. اختاره الخلال، قال في الفروع، وقدمه في الكافي، قال: لأن مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث مسلم كافراً، ولا كافر مسلما". أن الكفار يتوارثون. "فإن اتفقت" أديانهم. "ووجدت الأسباب" أي: أسباب الإرث "ورث بعضهم بعضاً. ولو أن أحدهما ذمي، والآخر حربي أو مستأمن، والآخر ذمي أو حربي" لعموم النصوص، ولم يرد بتخصيصهم نص ولا إجماع، ولا يصح فيهم قياس، فوجب العمل بعمومها. ومفهوم حديث: "لا يتوارث أهل ملتين شتى" أن أهل الملة الواحدة يتوارثون، وإن اختلفت الدار. "ومن حكم بكفره من أهل البدع" المضلة، كالداعية إلى بدعة مكفرة، ما له فيء، نص عليه في الجهمي، وغيره. قاله في الفروع. "والمرتد، والزنديق وهو: المنافق" الذي يظهر الإسلام، ويخفي الكفر. "فما لهم فيء" يصرف في المصالح.

"لا يورثون ولا يرثون" لأن المسلم لا يرث الكافر، وكذا أقاربه الكفار من يهود أو نصارى أو غيرهم، لأنه يخالفهم في حكمهم: لا يقر على ردته، ولا تؤكل ذبيحته، ولا تحل مناكحته لو كان امرأة. ولا يرثون أحداً مسلماً، ولا كافراً، لأنهم لا يقرون على ما هم عليه، فلا يثبت لهم حكم دين من الأديان. وعنه: يرثه وارثه المسلم. اختاره الشيخ تقي الدين، لأنه المعروف عن الصحابة: علي وابن مسعود. قاله في الفروع. وقال في المنافق: وعند شيخنا: يرث ويورث لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأخذ من تركة المنافقين شيئاً، ولا جعله فيئاً فعلم أن الميراث مداره على النصرة الظاهرة، قال: واسم الإسلام يجري عليهم في الظاهر إجماعاً. انتهى. "ويرث المجوسي ونحوه" ممن يحل نكاح ذوات المحارم إذا أسلم، أو حاكم إلينا. "بجميع قراباته" إن أمكن. نص عليه، وهو قول: عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وزيد في الصحيح عنه، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه. "فلو خلف أمه - وهي: أخته من أبيه - ورثت الثلث بكونها أماً، والنصف بكونه أختاً" لأن الله تعالى فرض للأم: الثلث، وللأخت: النصف. فإذا كانت الأم أختاً وجب إعطاؤها ما فرض الله لها في الآيتين، كالشخصين، ولأنهما قرابتان ترث بكل واحدة منهما منفردة لا تحجب إحداهما الأخرى، ولا ترجح بها، فترث بهما مجتمعتين، كزوج هو ابن عم. ولا إرث بنكاح ذات محرم، ولا بنكاح لا يقر عليه كافر لو أسلم. قاله في الفروع.

وإن أولد مسلم ذات محرم بشبهة نكاح، أو ملك يمين، ممن يكون ولدها ذات قرابتين ثبت نسبه للشبهة، وورث بجميع قراباته، لما تقدم.

باب ميراث المطلقة

باب ميراث المطلقة رجعياً أو بائناً يتهم فيه بقصد الحرمان. "يثبت الإرث لكل من الزوجين" من الآخر. "في الطلاق الرجعي" ما دامت في العدة، سواء طلقها في الصحة، أو المرض، قال في المغني: بغير خلاف نعلمه. وروي عن أبي بكر وعثمان وعلي وابن مسعود. وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه ويملك إمساكها بالرجعة بغير رضاها، ولا ولي، ولا شهود، ولا صداق جديد. "ولا يثبت" الإرث "في البائن إلا لها إن اتهم بقصد حرمانها: بأن طلقها في مرض موته المخوف ابتداء، أو سألته رجعياً فطلقها بائناً، أو علق في مرض موته طلاقها على مالا غنى عنه" شرعاً: كالصلاة المفروضة، والصوم المفروض، والزكاة. أو عقلاً: كالأكل، والنوم، ونحوهما. "أو أقر" في مرضه. "أنه طلقها سابقاً في حال صحته، أو وكل في صحته من يبينها متى شاء، فأبانها في مرض موته، فترث في الجميع" أي: جميع الصور المذكورة. "حتى ولو انقضت عدتها" لما روي أن عثمان، رضي الله عنه،

ورث تماضر بنت الأصبغ الكلبية من عبد الرحمن بن عوف، وكان طلقها في مرض موته، فبتها واشتهر ذلك في الصحابة ولم ينكر، فكان إجماعاً. وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أباه طلق أمه وهو مريض، فمات، فورثته بعد انقضاء عدتها. وروى عروة: أن عثمان قال لعبد الرحمن: لئن مت لأورثنها منك، قال: قد علمت ذلك وما روي عن ابن الزبير أنه قال: لا ترث مبتوتة فمسبوق بالإجماع السكوتي زمن عثمان، ولأن المطلق قصد قصداً فاسداً في الميراث، فعورض بنقيض قصده كالقاتل. "ما لم تتزوج أو ترتد" فيسقط ميراثها، لأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الأول فلم ترثه. "فلو طلق المتهم أربعاً، وانقضت عدتهن، وتزوج أربعاً سواهن، ورث الثمان على السواء بشرطه" لأن المبانة للفرار وارثة بالزوجية، فكانت أسوة من سواها. قال في الإنصاف: على الصحيح من المذهب. وقال في الكافي: والثانية لا ترثه - يعني: بعد انقضاء العدة - لأن آثار النكاح زالت بالكلية فلم ترثه، كما لو تزوجت، ولأن ذلك يفضي إلى توريث أكثر من أربع نسوة بأن يتزوج أربعاً بعد انقضاء عدة المطلقة، وذلك غير جائز. انتهى. وإن طلقها في مرض غير مخوف، أو في مخوف فصح منه، ومات بعده لم ترثه في قول الجمهور، لأن حكمه حكم الصحة في العطايا والعتاق والإقرار، فكذلك في الطلاق. "ويثبت له" أي: الزوج، الإرث دونها "إن فعلت بمرض موتها المخوف ما يفسخ نكاحها ما دامت معتدة" كذا في التنقيح، والإنصاف، والمنتهى.

"إن اتهمت" بقصد حرمانه: كإدخالها ذكر ابن زوجها، أو أبيه في فرجها وهو نائم، أو إرضاعها ضرتها الصغيرة، ونحوها، لأنها أحد الزوجين، فلم يسقط فعلها ميراث الآخر. وظاهر الفروع، ك المقنع، والكافي، والشرح، حيث أطلقوا ولو بعد العدة، واختاره في الإقناع. "وإلا سقط" ميراثه منها لو ماتت قبله لعدم التهمة.

باب الإقرار بمشارك في الميراث

باب الإقرار بمشارك في الميراث: "إذا أقر الوارث بمن يشاركه في الإرث، أو بمن يحجبه، كأخ أقر بابن للميت" ولو من أمته، نص عليه في رواية الجماعة. "صح وثبت الإرث والحجب، فإذا أقر الورثة المكلفون بشخص مجهول النسب وصدق، أو كان صغيراً أو مجنوناً ثبت نسبه وإرثه" لأن الورثة يقومون مقام الميت في ماله وحقوقه، وهذا من حقوقه. "لكن يعتبر لثبوت نسبه من الميت إقرار جميع الورثة حتى الزوج وولد الأم" لأنهما من جملة الورثة. "أو شهادة عدلين من الورثة، أو من غيرهم" فيثبت نسبه وإرثه، لعدم التهمة، أشبه سائر الحقوق. "فإن لم يقر جميعهم" بل أقربه بعضهم، وأنكره الباقون، ولم يشهد به عدلان. "ثبت نسبه وإرثه ممن أقربه" دون الميت، وبقية الورثة، لأن النسب حق أقربه الوارث على نفسه، فلزمه كسائر الحقوق. "فيشاركه فيما بيده" فإذا أقر أحد ابنيه بأخ لهما فللمقر به ثلث

ما بيد المقر. نقله بكر بن محمد، لأن إقراره تضمن أنه لا يستحق أكثر من ثلث التركة، وفي يده نصفها، فيفضل بيده سدس للمقر به. "أو يأخذ الكل إن أسقطه" كأخ أقر بابن، لأنه أقر بانحجا به عن الإرث.

باب ميراث القاتل

باب ميراث القاتل: "لا إرث لمن قتل مورثه بغير حق، أو شارك في قتله ولو خطأً" إن لزمه قود، أو دية، أو كفارة، لما تقدم في موانع الإرث. "فلا يرث من سقى ولده دواءً فمات، أو أدبه، أو فصده، أو بط سلعته" فمات، لأنه قاتل، واختار الموفق: أن من أدب ولده ونحوه، أو فصده، أو بط سلعته لحاجته يرثه، وصوبه في الإقناع، لأنه غير مضمون. "وتلزم الغرة" وهي: عبد أو أمة، قيمتها: خمس من الإبل "من شربت دواء فأسقطت" جنينها، لما يأتي في الجنايات. "ولا ترث منها شيئاً" لأنها قاتلة. "وإن قتله بحق ورثه، كالقتل قصاصاً أو حداً أو دفعاً عن نفسه" كالصائل إن لم يندفع إلا بالقتل، لأنه غير مضمون ب شيء مما تقدم. "وكذا لو قتل الباغي العادل، كعكسه" بأن قتل العادل الباغي فيرثه، لأنه فعل مأذون فيه شرعاً، فلم يمنع الميراث، أشبه ما لو أطعمه باختياره فأفضى إلى تلفه.

باب ميراث المعتق بعضه

باب ميراث المعتق بعضه وما يتعلق به: "الرقيق من حيث هو" أي: بجميع أنواعه: كالمدبر، والمكاتب، وأم الولد، والمعلق عتقه على صفة قد تقدم في الموانع أنه: "لا يرث" لأنه لو ورث لكان لسيده، وهو أجنبي. "ولا يورث" بالإجماع، لأنه لا مال له فإنه لا يملك، ومن قال: يملك بالتمليك، فملك ضعيف غير مستقر يرجع إلى سيده ببيعه، لحديث: "من باع عبداً وله مال فماله للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع" فكذلك بموته. "لكن المبعض يرث ويورث، ويحجب بقدر ما فيه من الحرية" وهو قول: علي وابن مسعود، لحديث ابن عباس مرفوعاً: قال في العبد يعتق بعضه: "يرث ويورث على قدر ما عتق منه". رواه عبد الله بن أحمد بإسناده. ولأنه يجب أن يثبت لكل بعض حكمه، كما لو كان الآخر مثله. وقال زيد بن ثابت: لا يرث ولا يورث وقال ابن عباس: هو كالحر في جميع أحكامه: في توريثه، والإرث منه، وغيرهما. "وإن حصل بينه وبين سيده مهاياه" فكان يخدم سيده بنسبة ملكه، ويكتسب بنسبة حريته، أو قاسمه في حياته. "فكل تركته لوارثه" لأنه لم يبق لسيده معه حق. "وإلا فبينه" - أي: وارث المبعض - "بين سيده بالحصص" لما تقدم.

باب الولاء

باب الولاء مدخل ... باب الولاء: "من أعتق رقيقاً أو بعضه، فسرى إلى الباقي، أو عتق عليه برحم، أو فعل أو عوض أو كتابة أو تدبير أو إيلاد أو وصية، أو أعتقه في زكاته أو نذره أو كفارته، فله عليه الولاء" بالإجماع، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق" متفق عليه. "وعلى أولاده" وإن سفلوا، لأنه ولي نعمتهم، وبسببه عتقوا، ولأنهم فرعه، والفرع يتبع أصله، فأشبه ما لو باشر عتقهم. "بشرط كونهم من زوجة عتيقة" لمعتقه أو غيره. "أو أمة" للعتيق، فإن كانوا من أمة الغير فتبع لأمهم حيث لا شرط ولا غرور، وإن كانوا من حرة الأصل فلا ولاء عليهم، لأنهم يتبعونها في الحرية، فتبعوها في عدم الولاء. "وعلى من له" أي: العتيق "أو لهم" - أي: أولاده - "عليه الولاء" لأنه ولي نعمتهم، وبسببه عتقوا. "وإن قال: أعتق عبدك عني مجاناً" أي: بلا عوض. "أو عني" فقط. "أو عنك، وعلي ثمنه" فلا يجب عليه أن يجيبه، لأنه لا ولاية له عليه.

"إن أعتقه" ولو بعد أن افترقا. "صح" العتق. "وكان ولاؤه للمعتق عنه" كما لو قال له: أطعم أو أكس عني. "ويلزم القائل ثمنه فيما إذا التزم به" بأن قال: وعلي ثمنه. ولو قال: أعتقه والثمن علي، ففعل فالولاء للمعتق، لأنه لم يعتقه عن غيره، فأشبه ما لو لم يجعل له جعلاً. قاله في الكافي، لحديث: "الولاء لمن أعتق". "وإن قال الكافر: أعتق عبدك المسلم عني" وعلي ثمنه "فأعتقه صح" عتقه، لأنه إنما يملكه زمناً يسيراً، فاغتفر يسير هذا الضرر، لتحصيل الحرية للأبد. "وولاؤه للكافر" لأن المعتق كالنائب عنه ويرث الكافر بالولاء روي عن علي، رضي الله عنه، واحتج أحمد بقول علي: الولاء شعبة من الرق. ولعموم حديث: "الولاء لمن أعتق".

فصل ولا يرث صاحب الولاء إلا عند عدم عصبات النسب

فصل ولا يرث صاحب الولاء إلا عند عدم عصبات النسب: لأنه فرع على النسب، فلا يرث مع وجوده. لا نعلم في ذلك خلافاً، لما روى سعيد عن الحسن مرفوعاً: "الميراث للعصبة، فإن لم يكن عصبة فللمولى". وعنه أن رجلاً أعتق عبداً، فقال للنبي، صلى الله عليه وسلم: ما ترى في ماله؟ فقال: "إن مات ولم يدع وارثاً فهو لك". وعن ابن عمر مرفوعاً:

"الولاء لحمة كلحمة النسب" رواه الشافعي وابن حيان، ورواه الخلال من حديث عبد الله بن أبي أوفى. والمشبه دون المشبه به، وأيضاً فالنسب أقوى من الولاء، لأنه يتعلق به المحرمية، وترك الشهادة وسقوط القصاص، ولا يتعلق ذلك بالولاء. "وبعد أن يأخذ أصحاب الفروض فروضهم" لحديث: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر". وعن عبد الله بن شداد، قال: أعتقت ابنة حمزة مولى لها، فمات وترك ابنة، وابنة حمزة، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته: النصف، وابنة حمزة: النصف. رواه النسائي وابن ماجه. "فعند ذلك يرث المعتق ولو أنثى" بلا خلاف، لعموم ما تقدم. وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في حديث بريرة. "ثم عصبته الأقرب فالأقرب" لما روى سعيد بإسناده عن الزهري: أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: "المولى أخ في الدين، وولي نعمة يرثه أولى الناس بالمعتق". وروى أحمد عن زياد بن أبي مريم: أن امرأة أعتقت عبداً لها، ثم توفيت وتركت ابنا لها وأخاها، ثم توفي مولاها، فأتى أخو المرأة وابنها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في ميراثه، فقال، صلى الله عليه وسلم: "ميراثه لابن المرأة". فقال أخو المرأة: يا رسول الله، لو جر جريرة كانت علي، ويكون ميراثه لهذا؟! قال: "نعم". وعن إبراهيم قال: اختصم علي والزبير في مولى صفية، فقال علي: مولى عمتي وأنا أعقل عنه، وقال الزبير: مولى أمي وأنا أرثه

فقضى عمر على علي بالعقل، وقضى للزبير بالميراث، رواه سعيد، واحتج به أحمد. "وحكم الجد مع الإخوة في الولاء كحكمه في النسب" نص عليه. "والولاء لا يباع ولا يوهب ولا يوقف ولا يوصى به ولا يورث" وهو قول جمهور الصحابة، ولم يظهر عنهم خلافه، لحديث ابن عمر قال: نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن بيع الولاء وهبته. متفق عليه. وحديث: "الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب". رواه الخلال. ولا يصح أن يأذن لعتيقه فيوالي من شاء روي عن عمر وابنه وعلي وابن عباس وابن مسعود، لأنه كالنسب. وشذ شريح، فقال: يورث كما يورث المال. ولنا ما تقدم، وإجماع الصحابة. "وإنما يرث به أقرب عصبات المعتق يوم موت العتيق" قال ابن سيرين: إذا مات العتيق نظر إلى أقرب الناس إلى الذي أعتقه، فيجعل ميراثه له. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "ميراث الولاء للكبر من الذكور، ولا يرث النساء من الولاء، إلا ولاء من أعتق" فلو مات المعتق وخلف ابنين، ثم ماتا، وخلف أحدهما ابنا وخلف الآخر تسعة بنين، ثم مات العتيق، كان الولاء بينهم على عددهم: لكل واحد عشرة، كالنسب. قال الإمام أحمد: روي هذا عن: عمر وعثمان وعلي وزيد بن حارثة وابن مسعود، وبه قال أكثر أهل العلم. ولو اشترى أخ وأخته أباهما فعتق عليهما، ثم ملك قناً فأعتقه، ثم مات الأب، ثم العتيق، ورثه الابن بالنسب دون أخته بالولاء، لأن عصبة المعتق من النسب تقدم على مولى المعتق، وتسمى: مسألة

القضاة. يروى عن مالك أنه قال: سألت سبعين قاضياً من قضاة العراق فأخطؤوا فيها. ذكره في الإنصاف. "لكن يتأتى انتقاله من جهة إلى أخرى" في مسائل جر الولاء. "فلو تزوج عبد بمعتقه فولاء من تلده لمن أعتقها" لأنه سبب الإنعام عليهم لأنهم صاروا أحراراً بسبب عتق أمهم. "فإن عتق الأب انجر الولاء لمواليه" لأنه بعتقه صلح للانتساب إليه، وعاد وارثاً وولياً، فعادت النسبة إليه وإلى مواليه. وروى عبد الرحمن عن الزبير: أنه لما قدم خيبر رأى فتية لعساً، فأعجبه ظرفهم وحالهم، فسأل عنهم، فقيل له: إنهم موال لرافع بن خديج، وأبوهم مملوك لآل الحرقة، فاشترى الزبير أباهم فأعتقه، وقال لأولاده انتسبوا إلي، فإن ولاءكم لي، فقال رافع بن خديج: الولاء لي، لأنهم عتقوا بعتقي أمهم، فاحتكموا إلى عثمان: فقضى بالولاء للزبير، فاجتمعت الصحابة عليه. واللعس: سواد في الشفتين تستحسنه العرب. وإن عتق الجد لم ينجر الولاء نص عليه، لأن الأصل بقاء الولاء لمن ثبت له، وإنما خولف هذا الأصل في الأب، لإجماع الصحابة عليه، فيبقى فيمن عداه على الأصل. قاله في الكافي.

كتاب العتق

كتاب العتق مدخل مدخل ... كتاب العتق: "وهو من أعظم القرب" المندوب إليها إذا اقترنت به النية المعبرة، لأن الله تعالى جعله كفارة للقتل وغيره. وقال صلى الله عليه وسلم: "من أعتق رقبةً مؤمنةً أعتق الله تعالى بكل إرب منها إرباً منه من النار، حتى إنه ليعتق اليد باليد، والرجل بالرجل، والفرج بالفرج". متفق عليه. ولما فيه من تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق، وملك نفسه، ومنافعه، وتكميل أحكامه، وتمكينه من التصرف في نفسه، ومنافعه على حسب اختياره، وأفضل الرقاب أنفسها عند أهلها، وأغلاها ثمناً، نص عليه في رواية الجماعة. "فيسن عتق رقيق له كعب" لانتفاعه به. "ويكره إن كان لا قوة له، ولا كسب" لأنه يتضرر بسقوط نفقته الواجبة بإعتاقه، فربما صار كلاً على الناس، واحتاج إلى المسألة. "أو يخاف منه الزنى أو الفساد" فيكره عتقه. وكذا إن خيف ردته، ولحوقه بدار الحرب. "ويحرم إن علم ذلك منه" لأنه وسيلة الحرام، وإن أعتقه مع ذلك صح العتق، لصدوره من أهله في محله. "وهكذا الكتابة" في الحكم المذكور.

"ويحصل العتق بالقول، وصريحه لفظ: العتق، والحرية، كيف صرفا" لأن الشرع ورد بهما، فوجب اعتبارهما. فمن قال لقنه: أنت حر، أو محرر، أو حررتك، أو أنت عتيق، أو معتق: بفتح التاء، أو أعتقتك، عتق وإن لم ينوه. قال أحمد في رجل لقي امرأة في الطريق، فقال: تنحي يا حرة، فإذا هي جاريته، قال: قد عتقت عليه. وقال في رجل قال لخدم قيام في وليمة: مروا أنتم أحرار، وكان فيهم أم ولده لم يعلم بها، قال: هذا به عندي تعتق أم ولده. "غير أمر، ومضارع، واسم فاعل" فمن قال لرقيقه: حرره، أو أعتقه، أو: أحرره، أو: أو أعتقه، أو: هذا محرر: بكسر الراء، أو: معتق: بكسر التاء، لم يعتق بذلك، لأنه طلب، أو وعد، أو خبر عن غيره، وليس واحد منها صالحاً للإنشاء ولا إخباراً عن نفسه فيؤاخذ به. ويقع العتق من الهازل، كالطلاق، لا من نائم ومجنون ومغمى عليه ومبرسم، لعدم عقلهم ما يقولون، وكذا حاك وفقيه يكرره. ولا يقع إن نوى بالحرية عفته وكرم خلقه ونحوه، لأنه نوى بكلامه ما يحتمله. قالت سبيعة ترثي عبد المطلب: ولا تسأما أن تبكيا كل ليلة ... ويوم على حر كريم الشمائل "وكنايته مع النية ستة عشر: خليتك، وأطلقتك، وإلحق بأهلك، واذهب حيث شيء ت، ولا سبيل لي أو لا سلطان، أو لا ملك، أو لا رق، أو لا خدمة لي عليك، وفككت رقبتك، ووهبتك لله، وأنت لله، ورفعت يدي عنك إلى الله، وأنت مولاي، أو سائبة، أو ملكتك نفسك. وتزيد الأمة بـ: أنت طالق، أو حرام" فلا يعتق بذلك حتى ينويه، لأنه يحتمل

العتق وغيره، أشبه كناية الطلاق فيه. وقال القاضي في قوله: لا رق لي عليك، ولا ملك لي عليك، وأنت لله: صريح. نص عليه أحمد في: أنت لله، لأن معناه: أنت حر لله، واللفظان الأولان صريحان في نفي الملك، والعتق من ضرورته. انتهى. "ويعق حمل لم يستثن بعتق أمه" لأنه يتبعها في البيع والهبة ففي العتق أولى، فإن استثني لم يعتق، وبه قال ابن عمر وأبو هريرة. قال أحمد: أذهب إلى حديث ابن عمر في العتق، ولا أذهب إليه في البيع، ولحديث: "المسلمون على شروطهم". "لا عكسه" أي: لا تعتق الأمة بعتق حملها، فيصح عتقه دونها، نص عليه، لأن حكمه حكم الإنسان المنفرد، ولأن الأصل لا يتبع الفرع. "وإن قال لمن يمكن كونه أباه" من رقيقه: بأن كان السيد ابن عشرين سنة مثلاً أو أقل، والرقيق ابن ثلاثين فأكثر "أنت أبي، أو قال لمن يمكن كونه ابنه: أنت ابني، عتق" فيهما، وإن لم ينوه، ولو كان له نسب معروف، لجواز كونه من وطء شبهة. "لا إن لم يمكن" كونه أباه أو ابنه، لصغر أو كبر. "إلا بالنية" لتحقق كذبه، كقوله: أعتقتك، أو: أنت حر منذ ألف سنة، لأن محال معلوم كذبه. ولا يصح العتق إلا من جائز التصرف، لأنه تبرع في الحياة، أشبه الهبة.

فصل ويحصل بالفعل

فصل ويحصل بالفعل: "فمن مثل برقيقه فجدع أنفه أو أذنه ونحوهما" كما لو خصاه. "أو خرق أو حرق عضواً منه، أو استكرهه على الفاحشة، أو وطئ من لا يوطأ مثلها لصغر، فأفضاها" أي: خرق ما بين سبيليها. "عتق في الجميع" نص عليه، بلا حكم حاكم، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن زنباعاً أبا روح وجد غلاماً له مع جاريته، فقطع ذكره، وجدع أنفه، فأتى العبد النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكر له ذلك، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على ما فعلت؟ " قال: فعل كذا كذا، قال: "اذهب فأنت حر". رواه أحمد وغيره. وروي أن رجلاً أقعد أمة له في مقلى حار، فأحرق عجزها، فأعتقها عمر، رضي الله عنه، وأوجعه ضرباً. حكاه أحمد في رواية ابن منصور، وقال: وكذلك أقول. "ولا عتق بخدش، وضرب، ولعن" لأنه لا نص فيه، ولا في معنى المنصوص عليه، ولا قياس يقتضيه، "ويحصل بالملك، فمن ملك لذي رحم محرم من النسب" كأبيه وجده وإن علا، وولده وولد ولده وإن سفل، وأخيه وأخته وولدهما وإن نزل، وعمه وعمته وخاله وخالته.

"عتق عليه ولو حملاً" كمن اشترى زوجة ابنه أو أبيه أو أخيه الحامل، لحديث الحسن عن سمرة مرفوعاً: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر". رواه الخمسة وحسنه الترمذي، وقال: العمل على هذا عند أهل العلم. وأما حديث: "لا يجزئ ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه". رواه مسلم. فيحتمل أنه أراد: فيعتقه بشرائه، كما يقال: ضربه فقتله، والضرب: هو القتل. وسواء ملكه بشراء، أو هبة، أو إرث، أو غنيمة أو غيرها، لعموم الخبر. ولا يعتق ابن عمه بملكه، لأنه ليس بمحرم ولا يعتق محرم من الرضاع، لأنه لا نص في عتقهم، ولا هم في معنى المنصوص عليه. وكذا الربيبة، وأم الزوجة وابنتها. قال الزهري: جرت السنة بأنه يباع الأخ من الرضاعة، ومال معتق غير مكاتب عتق بالأداء لسيده. روي عن ابن مسعود، وأبي أيوب، وأنس. وروى الأثرم عن ابن مسعود أنه قال لغلامه عمير: يا عمير إني أريد أن أعتقك عتقاً هنيئاً، فأخبرني بمالك إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: "أيما رجل أعتق عبده أو غلامه، فلم يخبره بماله، فماله لسيده". ولأن العبد وماله كانا للسيد فأزال ملكه عن أحدهما فبقي في الآخر كما لو باعه. وحديث ابن عمر مرفوعاً: "من أعتق عبداً، وله مال فالمال للعبد". رواه أحمد وغيره. قال أحمد: يرويه عبد الله بن أبي جعفر من أهل مصر، وهو ضيف الحديث، كان صاحب فقه، فأما الحديث فليس فيه بالقوي. "وإن ملك بعضه عتق البعض، والباقي بالسراية إن كان موسراً، ويغرم حصة شريكه" لفعله سبب العتق اختيارا منه وقصداً إليه فسرى

ولزمه الضمان. وإن ملك بعضه بإرث لم يعتق عليه إلا ما ملك، ولو كان موسراً، لأنه لم يتسبب إلى إعتاقه، لحصول ملكه بدون فعله وقصده. "وكذا حكم كل من أعتق حصته من مشترك" في أنه يعتق عليه جميعه بالعتق والسراية إن كان موسراً، وإلا عتق منه بقدر ما هو موسر به، لحديث ابن عمر مرفوعاً: "من أعتق شركاً له في عبد، فكان له ما يبلغ ثمن العبد، قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق". رواه الجماعة والدارقطنى، وزاد "ورق ما بقي". "فلو ادعى كل من موسرين أن شريكه أعتق نصيبه عتق، لاعتراف كل بحريته" وصار كل مدعياً على شريكه بنصيبه من قيمته، فإن كان لأحدهما بينة حكم له بها. "ويحلف كل لصاحبه" مع عدم البينة ويبرأ، فإن نكل أحدهما قضي عليه للآخر، لي إن نكلا جميعاً تساقط حقاهما لتماثلهما. "وولاؤه لبيت المال" لأن أحدهما لا يدعيه، أشبه المال الضائع. "ما لم يعترف أحدهما بعتقه فيثبت له" ولاؤه. "ويضمن حق شريكه" أي: قيمة حصته، لما تقدم.

فصل ويصح تعليق العتق بالصفة

فصل ويصح تعليق العتق بالصفة: "كـ: إن فعلت كذا فأنت حر" لأنه عتق بصفة فيصح كالتدبير. "وله وقفه، وكذا بيعه ونحوه" كهبته والوصية به. "قبل وجود الصفة" ثم إن وجدت، وهو في ملك غير المعلق لم يعتق، لحديث: "لا طلاق، ولا عتاق، ولا بيع فيما لا يملك ابن آدم". ولأنه لا ملك له عليه فلا يقع عليه عتقه، كما لو نجزه. "فإن عاد لملكه" ولو بعد وجودها حال زوال ملكه عنه. "عادت" الصفة. "فمتى وجدت عتق" لأن التعليق والشرط وجدا في ملكه، كما لو لم يتخللها زوال ملك. "ولا يبطل" ولو أبطله ما دام ملكه عليه، لأنها صفة لازمة ألزمها نفسه، فلا يملك إبطالها بالقول كالنذر. "إلا بموته" فيبطل به التعليق، لزوال ملكه زوالاً غير قابل للعودة. "فقوله: إن دخلت الدار بعد موتي فأنت حر، لغو" لأنه إعتاق له بعد استقرار ملك غيره عليه فلم يعتق، كما لو نجزه. وكقوله لعبد غيره: إن دخلت الدار فأنت حر.

"ويصح: أنت حر بعد موتي بشهر" ذكره القاضي وابن أبي موسى. كما لو وصى بإعتاقه، أو بأن تباع سلعته ويتصدق بثمنها. "فلا يملك الوارث بيعه" قبل مضي الشهر، وكسبه قبله للورثة ككسب أم الولد حياة سيدها. "ويصح قوله: كل مملوك أملكه فهو حر، فكل من ملكه عتق" لإضافته العتق إلى حال يملك عتقه فيه، أشبه ما لو كان التعليق وهو في ملكه، بخلاف: إن تزوجت فلانة فهي طالق، لأن العتق مقصود من الملك، والنكاح لا يقصد به الطلاق، وفرق أحمد بأن الطلاق ليس لله تعالى، وليس فيه قربة إلى الله. "و: أول" قن أملكه. "أو: آخر قن أملكه" حر. "و: أول، أو آخر من يطلع من رقيقي حر، فلم يملك" إلا واحداً، "أو" لم. "يطلع إلا واحد عتق" لأنه ليس من شرط الأول أن يكون له ثان، ولا من شرط الآخر أن يكون قبله أول. ولهذا من أسمائه تعالى: الأول، الآخر. "ولو ملك اثنين معاً، أو طلعا معاً عتق واحد بقرعة" نص عليه، لوجود الصفة فيهما. والمعلق إنما أراد عتق واحد فقط، فيعين بالقرعة. "ومثله الطلاق" إذا قال: أول امرأة لي تطلع ونحوه طالق، فطلع اثنتان معاً طلق واحدة بقرعة.

فصل وإن قال لرقيقه أنت حر

فصل وإن قال لرقيقه: "أنت حر، وعليك ألف عتق في الحال بلا شيء" لأنه أعتقه بغير شرط، وجعل عليه عوضاً لم يقبله، فعتق ولم يلزمه شيء. و: أنت حر "على ألف أو بألف، لا يعتق حتى يقبل" لأنه أعتقه على عوض، فلا يعتق بدون قبوله. وعلى تستعمل للشرط، والعوض، كقوله: {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} 1 وقوله: { ... أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} 2. "ويلزمه الألف، و: على أن تخدمني سنة، يعتق بلا قبول، وتلزمه الخدمة" على الأصح. "ويصح أن يعتقه، ويستثني خدمته مدة حياته، أو مدة معلومة" لقول سفينة: أعتقتني أم سلمة وشرطت علي أن أخدم النبي، صلى الله عليه وسلم، ما عاش رواه أحمد وابن ماجه، ورواه أبو داود بنحوه. وللسيد بيع الخدمة المستثناة من العبد أو من غيره. نص عليه في رواية حرب.

_ 1 الكهف من الآية/ 66. 2 الكهف من الآية/ 94.

"ومن قال: رقيقي حر أو زوجتي طالق، وله متعددة، ولم ينو معيناً، عتق وطلق الكل، لأنه مفرد مضاف فيعم" كل رقيق وكل زوجة. قال أحمد في رواية حرب: لو كان له نسوة، فقال: امرأته طالق: أذهب إلى قول ابن عباس: يقع عليهن الطلاق ليس هذا مثل قوله: إحدى زوجاتي طالق. كقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} 1 وقوله: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ ... } 2. وحديث: "صلاة الجماعة تفضل عن صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة". وهذا شامل لكل نعمة، وكل ليلة، وكل صلاة.

_ 1 إبراهيم من الآية/ 34. 2 البقرة من الآية/ 187.

باب التدبير

باب التدبير: "وهو: تعليق العتق بالموت، كقوله لرقيقه: إن مت فأنت حر بعد موتي" سمي بذلك لأن الموت دبر الحياة، وأجمعوا على صحة التدبير في الجملة، وسنده حديث جابر: أن رجلاً أعتق مملوكاً عن دبر فاحتاج، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "من يشتريه مني؟ " فباعه من نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، فدفعها إليه، وقال: "أنت أحوج منه" متفق عليه. "ويعتبر كونه" أي: التدبير. "ممن تصح وصيته" فيصح من محجور عليه لسفه، وفلس ومميز يعقله.

"وكونه" أي: التدبير، في الصحة والمرض. "من الثلث" نص عليه، لأنه تبرع بعد الموت، أشبه الوصية. "وصريحه وكنايته كالعتق" و: أنت مدبر، أو: قد دبرتك، لأن هذا اللفظ موضوع له، فكان صريحاً فيه، كلفظ العتق في الإعتاق. "ويصح مطلقاً، كـ: أنت مدبر. ومقيداً، كـ: إن مت في عامي هذا، أو مرضي هذا فأنت مدبر" فيكون ذلك جائزاً على ما قال، إن مات على الصفة التي قالها عتق، وإلا فلا، لأنه تعليق على صفة، فجاز مطلقاً ومقيداً، كتعليقه على دخول الدار. "ومعلقاً، كـ، إذا قدم زيد فأنت مدبر" و: إن شفى الله مريضي فأنت حر بعد موتي ونحوه. فإن وجد الشرط في حياة سيده فهو مدبر، وإن لم يوجد حتى مات سيده بطلت الصفة بالموت لأنه يزول به الملك، ولم يوجد التدبير لعدم شرطه. قاله في الكافي. "ومؤقتاً، كـ: أنت مدبر اليوم أو سنة" فيكون مدبراً تلك المدة، إن مات سيده فيها عتق، وإلا فلا. ويجوز تدبير المكاتب، لا نعلم فيه خلافاً. "ويجوز كتابة المدبر" رواه الأثرم عن أبي هريرة وابن مسعود. وعن محمد بن قيس بن الأحنف عن أبيه عن جده: أنه أعتق غلاماً له عن دبر وكاتبه، فأدى بعضاً وبقي بعض، ومات مولاه فأتوا ابن مسعود، فقال: ما أخذ فهو له، وما بقي فلا شيء لكم رواه البخاري في تاريخه. "ويصح بيع المدبر وهبته" لحديث جابر، وقد سبق، ولأنه إما وصية أو تعليق على صفة، وأيهما كان لم يمنع البيع، وما ذكر أن ابن

عمر روى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يباع المدبر ولا يشترى" فلم يصح. ويحتمل أنه أراد بعد الموت. أو على الاستحباب، ولا يصح قياسه على أم الولد، لأن عتقها بغير اختيار سيدها، وليس بتبرع. ويكون من رأس المال. وباعت عائشة، رضي الله عنها، مدبرة لها سحرتها. فقد روى الدارقطني عن عمرة: أن عائشة أصابها مرض، وأن بعض بني أخيها ذكروا شكواها لرجل من الزط1 يتطبب، وأنه قال لهم: إنكم لتذكرون امرأة مسحورة، سحرتها جارية لها، في حجر الجارية الآن صبي قد بال في حجرها. فذكروا ذلك لعائشة فقالت: ادعوا لي فلانة الجارية لها، فقالوا: في حجرها فلان صبي لهم قد بال في حجرها، فقالت: إيتوني بها، فأتيت بها، فقالت: سحر تيني؟ قالت: نعم. قالت لمه؟ قالت: أردت أن أعتق، وكانت عائشة أعتقتها عن دبر منها، فقالت: إن لله علي أن لا تعتقي أبداً، أنظروا أسوأ العرب ملكة فبيعوها منه، واشترت بثمنها جارية فأعتقتها. ورواه مالك في الموطأ، والحاكم وقال: صحيح. وعنه: لا يباع إلا في الدين، أو حاجة صاحبه، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، إنما باعه لحاجة صاحبه. "فإن عاد لملكه عاد التدبير" لأنه علق عتقه بصفة، فإذا باعه أو وهبه، ثم عاد إليه عادت الصفة. "ويبطل" التدبير "بثلاثة أشياء:" "1- بوقفه" لأن الوقف يجب أن يكون مستقراً.

_ 1 الزط: جنس من السودان الهنود.

"2- وبقتله لسيده" لأنه استعجل ما أجل له، فعوقب بنقيض قصده، كحرمان القاتل الميراث. "3- بإيلاد الأمة" من سيدها، لأن مقتضى التدبير العتق من الثلث، والإيلاد: العتق من رأس المال، ولو لم يملك غيرها، فالإستيلاد أقوى، فيبطل به الأضعف. "وولد الأمة الذي يولد بعد التدبير كهي" أي: بمنزلتها، سواء كانت حاملاً به حين التدبير، أو حملت به بعده، لقول عمر وابنه وجابر: ولد المدبرة بمنزلتها ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف. ولأن الأم استحقت الحرية بموت سيدها فتبعها ولدها كأم الولد، بخلاف التعليق بصفة في الحياة والوصية، لأن التدبير آكد من كل منهما. "وله وطؤها وإن لم يشترطه" حال تدبيرها، سواء كان يطؤها قبل تدبيرها، أو لا. روي عن ابن عمر: أنه دبر أمتين له وكان يطؤهما قال أحمد: لا أعلم أحداً كره ذلك غير الزهري، ولعموم قوله تعالى: { ... أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} 1 وقياساً على أم الولد. "و" له "وطء بنتها إن جاز" بأن لم يكن وطئ أمها لتمام ملكه فيها، واستحقاقها الحرية لا يزيد على استحقاق أمها. "ولو أسلم مدبر أو قن أو مكاتب لكافر ألزم بإزالة ملكه عنه" لئلا يبقى ملك كافر على مسلم مع إمكان بيعه، بخلاف أم الولد.

_ 1 المؤمنون من الآية/ 6.

"فإن أبى بيع عليه" أي: باعه الحاكم إزالة لملكه عنه، لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} 1.

_ 1 النساء من الآية/ 141.

باب الكتابة

باب الكتابة مدخل ... باب الكتابة: تسن كتابة من علم فيه خير، لقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} 1 يعني: كسباً وأمانة، في قول أهل التفسير. وقال أحمد: الخير: صدق وصلاح ووفاء بمال الكتابة. ونحوه قول: إبراهيم وعمرو بن دينار وغيرهما. وعنه: أنها واجبة إذا دعا العبد الذي فيه خير سيده إليها، لظاهر الآية. ولأن عمر أجبر أنساً على كتابة سيرين والأول أظهر. والآية محمولة على الندب، لحديث: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه". وقول عمر يخالفه فعل أنس. "وهي: بيع السيد رقيقه نفسه بمال" فلا تصح على خنزير وخمر "في ذمته" لا معين. "مباح" فلا تصح على آنية. "معلوم" لأنها بيع "يصح السلم فيه" فلا تصح بجوهر ونحوه، لئلا يفضي إلى التنازع. "منجم" أي: مؤجل، لأن جعله حالاً يفضي إلى العجز عن أدائه، وفسخ العقد بذلك، فيفوت المقصود. قاله في الكافي.

_ 1 النور من الآية/ 33.

"بنجمين فصاعداً" أي: أكثر من نجمين، في قول أبي بكر، وظاهر كلام الخرقي، لأن علياً، رضي الله عنه، قال: الكتابة على نجمين، وإلا يتأمن الثاني وقال ابن أبي موسى: يجوز جعل المال كله في نجم واحد، لأنه عقد شرط فيه التأجيل، فجاز على نجم واحد كالسلم. قاله في الكافي. "يعلم قدر كل نجم" بما عقد عليه من دراهم أو دنانير أو غيرهما. "ومدته" لئلا يؤدي جهله إلى التنازع. ولا يشترط تساوي الأنجم، فلو جعل نجم شهر أو آخر سنة، أو جعل قسط أحدهما مائة والآخر خمسين جاز، لأن القصد العلم بقدر الأجل وقسطه، وقد حصل بذلك. "ولا يشترط" للكتابة "أجل له وقع في القدرة على الكسب" فيه، فيصح توقيت النجمين بساعتين في ظاهر كلام كثير من الأصحاب، ولكن العرف، والعادة، والمعنى: أنه لا يصح، قياساً على السلم، لكن السلم أضيق. قاله في تصحيح الفروع، وجزم في الإقناع بعدم الصحة، قال: وصوبه في الإنصاف. "فإن فقد شيء من هذا ففاسدة" ويأتي حكمها. "والكتابة في الصحة والمرض من رأس المال" لأنها معاوضة كالبيع والإجارة. قدمه في الإقناع، واختار الموفق، وجمع أنها في المرض المخوف من الثلث. "ولا تصح إلا بالقول" لأن المعاطاة لا تمكن فيها صريحاً.

"من جائز التصرف" كالبيع. "لكن لو كوتب المميز صح" لأنه يصح تصرفه وبيعه بإذن سيده، فصحت كتابته كالمكلف. وإيجاب سيده الكتابة له إذن له في قبولها. "ومتى أدى المكاتب ما عليه لسيده" فقبضه منه سيده أو وليه، إن كان محجوراً عليه عتق، لمفهوم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم". رواه أبو داود. فدل بمفهومه على أنه إذا أدى جميع كتابته لا يبقى عبداً. "أو أبرأه منه عتق" لأنه لم يبق عليه شيء منها. "وما فضل بيده" بعد أدائه ما عليه من مال الكتابة "فله" أي: المكاتب، لأنه كان له قبل عتقه، فبقي على ما كان. "وإن أعتقه سيده وعليه شيء من مال الكتابة" كان جميع ما معه لسيده، لأنه عتق بغير الأداء. وتقدم الخبر فيه. "أو مات قبل وفائها كان جميع ما معه لسيده" نص عليه، لأنه مات وهو عبد، كما لو لم يخلف وفاء. "ولو أخذ السيد حقه ظاهراً" أي: عملاً بالظاهر في كون ما بيد الإنسان ملكه، "ثم قال: هو حر، ثم بان العوض مستحقاً" أي: مغصوباً ونحوه. "لم يعتق" لفساد القبض. وإنما قال: هو حر، اعتمادا على صحة القبض.

فصل ويملك المكاتب كسبه ونفعه

فصل ويملك المكاتب كسبه ونفعه: "وكل تصرف يصلح ماله: كالبيع والشراء والإجارة والاستدانة" لأن الكتابة وضعت لتحصيل العتق، ولا يحصل العتق إلا بالأداء، ولا يمكنه الأداء إلا بالتكسب، وهذه أقوى أسبابه. وفي بعض الآثار: تسعة أعشار الرزق في التجارة. ولأنه لما ملك الشراء بالنقد ملكه بالنسيئة. وتتعلق استدانته بذمته، يتبع بها بعد عتقه، لأن ذمته قابلة للاشتغال، ولأنه في يد نفسه، وليس من سيده غرور، بخلاف العبد المأذون. "والنفقة على نفسه" لأن هذا من أهم مصالحه. "ومملوكه" وزوجته وولده التابع له في كتابته من كسبه، لأن فيه مصلحة. "لكن ملكه غير تام" لأنه في حكم المعسر. "فلا يملك أن يكفر بمال، أو يسافر لجهاد، أو يتزوج، أو يتسرى، أو يتبرع أو يقرض، أو يجابي، أو يرهن، أو يضارب أو يبيع مؤجلاً، أو يزوج رقيقه أو يحده أو يكاتبه، إلا بإذن سيده" في الكل، لأن حق سيده لم ينقطع عنه، لأنه ربما عجز فعاد إليه كل ما في ملكه. فإن أذن له السيد في شيء من ذلك جاز، لأن المنع لحقه، فإذا أذن زال المانع. "والولاء" على من أعتقه المكاتب، أو كاتبه بإذن سيده فأدى ما عليه.

"للسيد" لأن المكاتب كوكيله في ذلك. "وولد المكاتبة إذا وضعته بعدها" أي: بعد كتابتها. "يتبعها في العتق بالأداء أو الإبراء لا بإعتاقها" بدون أداء أو إبراء، كما لو لم يكن مكاتبة. "ولا إن ماتت" قيل الأداء والإبراء، لبطلان الكتابة بموتها. "ويصح شرط وطء مكاتبته" نص عليه، لبقاء أصل الملك، ولأن بضعها من جملة منافعها، فإذا استثنى نفعه صح، كما لو استثنى منفعة أخرى. "فإن وطئها بلا شرط عزر" إن علم التحريم، لفعله ما لا يجوز له، ولا حد عليه لأنها مملوكته. "ولزمه المهر ولو مطاوعة" لأنه وطء شبهة، ولأنه عوض منفعتها، فوجب لها، ولأن عدم منعها من الوطء ليس إذناً فيه. ولهذا لو رأى مالك مال من يتلفه، فلم يمنعه، لم يسقط عنه ضمانه. "وتصير إن ولدت أم ولد" لأنها أمته ما بقي عليها درهم. "ثم إن أدت عتقت" وكسبها لها. "وإلا فبموته" بكونها أم ولد، وما بيدها لورثته، كما لو أعتقها قبل موته. "ويصح نقل الملك في المكاتب" ذكراً كان أو أنثى، لقول بريرة لعائشة: إني كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني على كتابتي. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، لعائشة: "اشتريها"

متفق عليه. وليس في القصة ما يدل على أنها عجزت، بل استعانتها بها دليل بقاء كتابتها. وتقاس الهبة والوصية ونحوهما على البيع. "ولمشتر جهل الكتابة الرد أو الأرش" لأنها عيب في الرقيق، لنقص قيمته بملكه نفعه وكسبه. "وهو كالبائع في أنه إذا أدى ما عليه يعتق" للزوم الكتابة. فلا تنفسخ بنقل الملك فيه. "وله الولاء" إذا أدى إليه، وعتق لعتقه عليه في ملكه. ويعود قناً بعجزه عن الأداء، لقيامه مقام البائع. "ويصح وقفه، فإذا أدى بطل الوقف" لأن الكتابة لا تبطل به.

فصل والكتابة عقد لازم من الطرفين

فصل والكتابة عقد لازم من الطرفين: لأنها بيع. "لا يدخلها خيار مطلقاً" لأن القصد منها تحصيل العتق، فكأن السيد علق عتق المكاتب على أداء مال الكتابة، ولأن الخيار شرع لاستدراك ما يحصل للعاقدين من الغبن، والسيد والمكاتب دخلا فيه راضيين بالغبن. "ولا تنفسخ بموت السيد وجنونه، ولا بحجر عليه" لسفه أو فلس كبقية العقود اللازمة. "ويعتق بالأداء إلى من يقوم مقامة" أي: السيد من وليه ووكيله، أو الحاكم مع غيبة سيده، أو إلى وارثه إن مات. والولاء للسيد لا للوارث، كما لو وصى بما عليه لشخص فأدى إليه.

"وإذا حل نجم، فلم يؤده، فلسيده الفسخ" كما لو أعسر المشتري بثمن المبيع قبل قبضه. "ويلزم إنظاره ثلاثاً" إن استنظره. "لبيع عرض، ولمال غائب دون مسافة قصر يرجو قدومه" قصداً لحظ المكاتب والرفق به، مع عدم الإضرار بالسيد. "ويجب علي السيد أن يدفع للمكاتب ربع مال الكتابة" لقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} 1 وظاهر الأمر الوجوب. وروى أبو بكر بإسناده عن علي مرفوعاً في قوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} 1 ربع الكتابة وروي موقوفاً على علي، رضي الله عنه، وقال علي: الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني. ويخير السيد بين وضعه عنه ودفعه إليه لأن الله نص على الدفع إليه، فنبه به على الوضع لكونه أنفع. فإن مات السيد بعد العتق وقبل الإيتاء فذلك دين في تركته يحاص به الغرماء، لأنه حق لآدمي فلم يسقط بالموت كسائر حقوقه. "وللسيد الفسخ بعجزه عن ربعها" لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "أيما عبد كوتب على مائة أوقية فأداها، إلا عشر أوقيات فهو رقيق". رواه الخمسة إلا النسائي. وفي لفظ: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم". رواه أبو داود. وروى الأثرم عن عمر وابنه وعائشة وزيد بن ثابت أنهم قالوا: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" ولأن الكتابة عوض عن المكاتب، فلا يعتق قبل أداء جميعها. ويحمل

_ 1 النور من الآية/ 33.

حديث أم سلمة مرفوعاً: "إذا كان لإحداكن مكاتب، وكان عنده ما يؤدي، فلتحتجب منه". صححه الترمذي على الندب، جمعاً بينه وبين ما روى سعيد عن أبي قلابة قال: كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتجبن من مكاتب ما بقي عليه دينار. "وللمكاتب ولو قادراً على التكسب تعجيز نفسه" بترك التكسب، لأن دين الكتابة غير مستقر عليه، ومعظم القصد بالكتابة تخليصه من الرق، فإذا لم يرد ذلك لم يجبر عليه. فإن ملك ما يوفي كتابته، لم يملك تعجيز نفسه، لتمكنه من الأداء، وهو سبب الحرية التي هي حق لله عز وجل، فلا يملك إبطالها مع حصول سببها بلا كلفة، ويجبر على الأداء ليعتق به. "ويصح فسخ الكتابة باتفاقهما" فيصح أن يتقايلا أحكامها قياساً على البيع. قاله في الكافي. وفي الفروع يتوجه أن لا يجوز لحق الله تعالى.

فصل وإن اختلفا في الكتابة فقول المنكر

فصل وإن اختلفا في الكتابة فقول المنكر: بيمينه لأن الأصل عدمها. "وفي قدر عوضها أو جنسه أو أجلها أو وفاء مالها، فقول السيد" بيمينه -نص عليه- أشبه ما لو اختلفا في أصلها، ولأن الأصل ملك السيد للعبد وكسبه، فإذا حلف السيد ثبتت الكتابة بما حلف عليه. "والكتابة الفاسدة - كـ: على خمر، أو خنزير، أو مجهول - يغلب فيها حكم الصفة في أنه إذا أدى" ما سمي فيها.

"عتق" لأن الكتابة جمعت معاوضة وصفة، فإذا بطلت المعاوضة، بقيت الصفة، فعتق بها. قاله في الكافي. وسواء صرح بالصفة بأن قال: إذا أديت إلي ذلك فأنت حر، أو لا، لأنه مقتضى الكتابة، فهو كالمصرح به، وكالكتابة الصحيحة. وإذا عتق بالأداء لم يلزمه قيمة نفسه، ولم يرجع على سيده بما أعطاه، لأنه عتق بالصفة، وما أخذه السيد منه فهو من كسب عبده. "لا إن أبرئ" العبد من العوض الفاسد، فإنه لا يعتق لعدم صحة البراءة، لأن الفاسد لا يثبت في الذمة. "ولكل فسخها" لأنها عقد جائز، لأن الفاسد لا يلزم حكمه، وسواء كان فيه صفة أو لم يكن، لأن المقصود المعاوضة، فصارت الصفة مبنية عليها، بخلاف الصفة المجردة. ويملك المكاتب في الفاسدة التصرف في كسبه وأخذ الزكاة والصدقات كالصحيحة، ولا يلزم السيد في الفاسدة أداء ربعها ولا شيء منها، لأن العتق هنا بالصفة، أشبه ما لو قال: إذا أديت إلي فأنت حر. "وتنفسخ بموت السيد وجنونه والحجر عليه" لسفه لأنها عقد جائز من الطرفين، فلا يؤول إلى اللزوم، وأيضاً فالمغلب فيها حكم الصفة المجردة، وهي تبطل بالموت.

باب أحكام أم الولد

باب أحكام أم الولد: الأحكام: جمع حكم، وهو: خطاب الله تعالى المفيد فائدة شرعية. ويجوز التسري بالإجماع، لقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 1 وفعله عليه الصلاة والسلام. "وهي: من ولدت من المالك ما فيه صورة، ولو خفية" فلا تصير أم ولد بوضع نطفة أو علقة لا تخطيط فيها، لأنه ليس بولد. "وتعتق" أم الولد "بموته" أي: سيدها. "ولو لم يملك غيرها" لحديث ابن عباس مرفوعاً: "من وطئ أمته فولدت فهي معتقة عن دبر منه". رواه أحمد وابن ماجه. وعنه أيضاً: قال ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: "أعتقها ولدها". رواه ابن ماجه، والدارقطني. ولأنه إتلاف حصل بسبب الاستمتاع، فحسب من رأس المال، كإتلاف ما يأكله. "ومن ملك حاملاً فوطئها" قبل وضعها "حرم بيع ذلك الولد" ولم يصح، ويلزمه عتقه. نص عليه في رواية صالح وغيره، لأنه قد شرك فيه، لأن الماء يزيد في الولد. وقد قال عمر: أبعد ما اختلطت دماؤكم ودماؤهن، ولحومكم ولحومهن

_ 1 النساء من الآية/ 3.

بعتموهن؟! فعلل بالاختلاط وقد وجد. قال الشيخ تقي الدين: ويحكم بإسلامه، وأنه يسري كالعتق، أي: ولو كانت كافرة حاملاً من كافر، فيحكم بإسلام الحمل، لأن المسلم شرك فيه، فيسري إلى باقيه. "ومن قال لأمته: أنت أم ولدي، أو: يدك أم ولدي، صارت أم ولد" لأن إقراره بأن جزءاً منها مستولد يلزمه الإقرار. باستيلادها، كقوله: يدك حرة. "وكذا لو قال لابنها: أنت ابني، أو يدك ابني، ويثبت النسب" بهذا الإقرار. "فإن مات ولم يبين هل حملت به في ملكه، أو غير لم تصر أم ولد إلا بقرينة" كما لو كان ملكها صغيرة. "ولا يبطل إيلاد بحال ولو بقتلها لسيدها" لعموم ما تقدم. ويملك الرجل استخدام أم ولده، وإجارتها ووطأها، وتزويجها. وحكمها حكم الأمة في صلاتها وغيرها، لأنها باقية على ملكه، إنما تعتق بعد الموت لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: "فهي معتقة عن دبر منه". وقوله: "معتقة من بعده" فدل على أنها قبل ذلك باقية في الرق. ولا يملك بيعها، ولا هبتها، ولا الوصية بها ووقفها، لحديث ابن عمر مرفوعاً: نهى عن بيع أمهات الأولاد، وقال: "لا يبعن، ولا يوهبن، ولا يورثن، يستمتع منها السيد ما دام حياً، فإذا مات فهي حرة" رواه الدارقطني، ورواه مالك في الموطأ، والدارقطني من طريق آخر عن ابن عمر عن عمر موقوفاً. ويروى منع بيع أمهات الأولاد عن عمر وعثمان وعائشة.

قال في الفروع: وحكى ابن عبد البر وأبو حامد الإسفرائيني وأبو الوليد الباجي وابن بطال والبغوي: الإجماع على أنه لا يجوز. انتهى. وقال ابن عقيل: يجوز البيع، لأنه قول علي وغيره، وإجماع التابعين لا يرفعه، وبه قال ابن عباس وابن الزبير. وأما حديث جابر: بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا. رواه أبو داود. فليس فيه تصريح بأنه كان بعلمه عليه الصلاة والسلام، وعلم أبي بكر، وإلا لم تجز مخالفته، ولم تجمع الصحابة بعد على مخالفتهما. قال في المنتقى: قال بعض العلماء: إنما وجه هذا أن يكون في ذلك مباحاً، ثم نهي عنه، ولم يظهر النهي لمن باعها، ولا علم أبو بكر بمن باع في زمانه، لقصر مدته واشتغاله بأهم أمور الدين. ثم ظهر ذلك زمن عمر، فأظهر النهي والمنع. وهذا مثل حديث جابر أيضا في المتعة، لامتناع النسخ بعد وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. انتهى. وقد جاء ما يدل على موافقة علي، رضي الله عنه، على المنع، فروى سعيد بإسناده عن عبيدة قال: خطب علي، رضي الله عنه، الناس، فقال: شاورني عمر في أمهات الأولاد، فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن، فقضى به عمر حياته، وعثمان حياته، فلما وليت رأيت أن أرقهن قال عبيدة: فرأي عمر وعلي في الجماعة أحب إلينا من رأي علي وحده. وروى عنه أنه قال: بعث علي إلي وإلى شريح أن اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف. ذكره في الكافي. "وولدها الحادث بعد إيلادها كهي" فيجوز فيه من التصرفات ما يجوز فيها، ويمتنع فيه ما يمتنع فيها، سواء عتقت بموت سيدها أو

ماتت قبله، لأن الولد يتبع أمه حرية ورقاً. قال أحمد: قال ابن عمر وابن عباس وغيرهما: ولدها بمنزلتها. "لكن لا يعتق بإعتاقها" لأنها عتقت بغير السبب الذي تبعها فيه، فبقي عتقه موقوفاً على موت سيده، "أو موتها قبل السيد، بل بموته" لما تقدم. "وإن مات سيدها وهي حامل، فنفقتها مده حملها من ماله" أي: نصيب الحمل الذي وقف له لملكه له. "وإلا فعلى وارثه" أي: وارث الحمل، لقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} 1. "وكلما جنت أم الولد لزم السيد فداؤها بالأقل من الأرش أو يوم الفداء" لأنها مملوكة له، يملك كسبها أشبهت القن. قال في الشرح: وينبغي أن تجب قيمتها معيبة بعيب الإستيلاد، لأن ذلك ينقصها، فاعتبر كالمرض، وغيره من العيوب. انتهى. "وإن اجتمعت أروش قبل إعطاء شيء منها، تعلق الجميع برقبتها، ولم يكن على السيد إلا الأقل من أرش الجميع أو قيمتها" يشترك فيها أرباب الجنايات، "ويتحاصون بقدر حقوقهم" إن لم تف بجميعها، لأن السيد لا يلزمه أكثر منه، كالجنايات على شخص واحد. "وإن أسلمت أم ولد لكافر منع من غشيانها، وحيل بينه وبينها"

_ 1 البقرة من الآية/ 333.

لتحريمها عليه بالإسلام، ولا تعتق به، بل يبقى ملكه عليها على ما كان قبل إسلامها، "وأجبر على نفقتها إن عدم كسبها" لأن نفقة المملوك على سيده، فإن كان لها كسب فنققتها فيه، لئلا يبقى له ولاية عليها بأخذ كسبها والإنفاق عليها مما شاء. "فإن أسلم حلت له" لزوال المانع وهو الكفر. "وإن مات كافراً عتقت" بموته لعموم الأخبار.

كتاب النكاح

كتاب النكاح مدخل مدخل ... كتاب النكاح: "يسن لذي شهوة لا يخاف الزنى" لقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 1 وقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ... } 2. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". رواه الجماعة من حديث ابن مسعود. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "إني أتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". متفق عليه. وقال ابن عباس لسعيد بن جبير: تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء. رواه أحمد والبخاري. "ويجب على من يخافه" أي: يخاف الزنى بتركه من رجل أو امرأة، في قول عامة الفقهاء. قاله في الشرح، لأنه طريق إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام. "ويباح لمن لا شهوة له" كالعنين، والكبير، لعدم منع الشرع منه. "ويحرم بدار الحرب، لغير ضرورة" نص عليه في رواية الأثرم وغيره،

_ 1 النساء من الآية/ 3. 2 النور من الآية/ 32.

قال: من أجل الولد لئلا يستعبد، فإن اضطر أبيح له نكاح مسلمة وليعزل عنها، ولا يتزوج منهم. وأما الأسير، فظاهر كلام أحمد لا يحل له التزوج ما دام أسيراً. قال في المغني في آخر الجهاد. "ويسن نكاح ذات الدين" لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك". متفق عليه. ولمسلم معناه من حديث جابر. "الولود" لحديث أنس مرفوعاً: "تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة". رواه سعيد. "البكر" لقوله، صلى الله عليه وسلم، لجابر: "فهلا بكراً، تلاعبها وتلاعبك" متفق عليه. "الحسيبة" ليكون ولدها نجيباً من بيت معروف بالدين والصلاح. "الأجنبية" فإن ولدها يكون أنجب، ولأنه لا يؤمن الطلاق، فيفضي مع القرابة إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها. الجميلة، لأنه أسكن لنفسه، وأغض لبصره، وأكمل لمودته. وعن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله: أي النساء خير؟ قال: "التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها، ولا في ماله بما يكره" رواه أحمد والنسائي. "ويجب غض البصر عن كل ما حرم الله تعالى" لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ... } 1 وفي حديث أبي هريرة، رضي الله عنه "والعينان زناهما النظر" الحديث

_ 1 النور من الآية/30.

متفق عليه. وعن جرير قال: سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن نظر الفجاءة، فقال: "اصرف بصرك". رواه أحمد ومسلم وأبو داود. قال في الفروع: وليحذر العاقل إطلاق البصر، فإن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه، وربما وقع من ذلك العشق، فيهلك البدن والدين، فمن ابتلي بشيء من ذلك فليفكر في عيوب النساء. قال ابن مسعود: إذا أعجبت أحدكم امرأة فليذكر مناتنها وما عيب نساء الدنيا بأعجب من قوله تعالى: { ... لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} 1 انتهى. "فلا ينظر إلا ما ورد الشرع بجوازه" ويأتي. "والنظر ثمانية أقسام:" "الأول: نظر الرجل البالغ" ولو مجبوباً قال الأثرم: استعظم الإمام أحمد إدخال الخصيان على النساء. "للحرة البالغة الأجنبية، لغير حاجة، فلا يجوز نظر شيء منها، حتى شعرها المتصل" لما تقدم. وقيل: إلا الوجه والكفين. وهذا مذهب الشافعي، لقوله تعالى: { ... إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ... } 2. قال ابن عباس: الوجه والكفين. "الثاني: نظره لمن لا تشتهى: كعجوز، وقبيحة، فيجوز لوجهها خاصة" لقوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً ... } 3 الآية والقبيحة في معناها.

_ 1 النساء من الآية/ 57. 2 النور من الآية/ 31. 3 النور من الآية/ 60.

"الثالث: نظره للشهادة عليها، أو لمعاملتها، فيجوز لوجهها، وكذا لكفيها للحاجة" أي: لحاجته إلى معرفتها بعينها، للمطالبة بحقوق العقد، ولتحمل الشهادة، وأدائها. "الرابع: نظره لحرة بالغة يخطبها، فيجوز للوجه، والرقبة، واليد، والقدم" لحديث جابر مرفوعاً: "إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل". قال: فخطبت جارية من بني سلمة، فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها. رواه أحمد وأبو داود. قال في الشرح: ولا نعلم خلافاً في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد نكاحها، وفيه أحاديث كثيرة. انتهى. وعن الأوزاعي: ينظر إلى مواضع اللحم. وقال ابن عبد البر: كان يقال: لو قيل للشحم: أين تذهب؟ لقال: أقوم العوج. وكذا أمة مستامة، لما روى أبو حفص بإسناده: أن ابن عمر كان يضع يده بين ثدييها، وعلى عجزها من فوق الثياب، ويكشف عن ساقها ذكره في الفروع. "الخامس: نظره إلى ذوات محارمه" وهي: من تحرم عليه أبداً بنسب: كأمه، وأخته، أو بسبب: كرضاع، ومصاهرة، فيجوز نظره إلى ما يظهر منها غالباً لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} 1. وقال تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ} 2. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، لعائشة "إئذني له فإنه عمك". "ولبنت تسع" لحديث: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار". فدل

_ 1 النور من الآية/ 55. 2 الأحزاب من الآية/ 31.

على صحة صلاة من لم تحض مكشوفة الرأس، فيكون حكمها مع الرجال كذوات المحارم. وروى أبو بكر بإسناده: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي، صلى الله عليه وسلم، في ثياب رقاق، فأعرض عنها، وقال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا، وهذا: وأشار إلى وجهه، وكفيه" ورواه أبو داود، وقال: هذا مرسل. "أو أمة لا يملكها، أو يملك بعضها" قال ابن المنذر: ثبت أن عمر قال لأمة رآها متقنعة: اكشفي رأسك، ولا تشبهي بالحرائر، وضربها بالدرة. فإن كانت جميلة حرم النظر إليها، كما يحرم إلى الغلام خشية الفتنة. قال أحمد في الأمة إذا كانت جميلة: تنقبت. "أو كان لا شهرة له: كعنين، وكبير" لقوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ ... } 1. أي: الذي لا إرب له في النساء. كذلك فسره مجاهد، وقتادة، ونحوه عن ابن عباس، أن النبي، صلى الله عليه وسلم لم يمنع المخنث من الدخول على نسائه، فلما وصف ابنة غيلان، وفهم أمر النساء، أمر بحجبه. "أو كان مميزاً، وله شهوة" لقوله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ... } 2. ثم قال: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا ... } 3.

_ 1 النور من الآية/ 31. 2 النور من الآية/ 58. 3 النور من الآية/ 59.

ففرق بينه وبين البالغ. قال الإمام أحمد: حجم أبو طيبة أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو غلام. "أو كان رقيقاً غير مبعض ومشترك، ونظر لسيدته، فيجوز للوجه والرقبة، واليد، والقدم، والرأس، والساق" لقوله تعالى: { ... أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ... } 1. وعن أنس: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها، قال: وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، ما تلقى، قال: "إنه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك، وغلامك". رواه أبو داود. ويعضده قوله: "إذا كان لإحداكن مكًاتب وعنده ما يؤدي، فلتحتجب منه". صححه الترمذي. "السادس: نظره للمداواة، فيجرز للمواضع التي يحتاج إليها" وكذا لمسه، ويستر ما عداه، لكن بحضرة زوج، أو محرم. ومثله من يلي خدمة مريض في وضوء واستنجاء، وكذا حال تخليص من غرق ونحوه، وكذا لو حلق عانة من لا يحسنه. نص عليه لأمره، صلى الله عليه وسلم، بالكشف عن مؤتزر بني قريظة وعن عثمان أنه أتي بغلام قد سرق، فقال: انظروا إلى مؤتزره، فلم يجدوه أنبت الشعر، فلم يقطعه. "السابع: نظره لأمته المحرمة" كالمزوجة، "ولحرة مميزة دون تسع، ونظر المرأة للمرأة، وللرجل الأجنبي، ونظر المميز الذي لا شهوة له للمرأة، ونظر الرجل للرجل ولو أمرد، يجوز إلى ما عدا ما بين السرة والركبة".

_ 1 النور من الآية/ 31.

أما الأمة: فلحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "إذا زوج أحدكم جاريته عبده، أو أجيره، فلا ينظر إلى ما دون السرة والركبة، فإنه عورة". رواه أبو داود. ومفهومه إباحة النظر إلى ما عدا ذلك. وأما الحرة المميزة التي لا تصلح للنكاح: فلأن حكمها مع الرجال حكم المميز مع النساء، والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل. وعنه: إن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية، ولا تدخل معها الحمام، لقوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ ... } 1 فتخصيصهن بالذكر يدل على اختصاصهن بذلك. وأما نظر المرأة للرجل: فلقوله صلى الله عليه وسلم، لفاطمة بنت قيس: "اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك فلا يراك". وقالت عائشة: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد. متفق عليه. وعنه: لا يباح، لحديث نبهان عن أم سلمة قالت كنت قاعدة عند النبي، صلى الله عليه وسلم، أنا وحفصة، فاستأذن ابن أم مكتوم، فقال صلى الله عليه وسلم: "احتجبا منه"، فقلت: يا رسول الله إنه ضرير لا يبصر، قال: "أفعمياوان أنتما لا تبصرانه!؟ ". رواه أبو داود والنسائي. وقد قال أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين: هذا الحديث، والآخر "إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه". كأنه أشار إلى ضعفه. وقال ابن عبد البر: نبهان مجهول، لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث، ثم يحتمل الخصوص. قيل لأحمد: حديث نبهان لأزواجه صلى الله عليه وسلم، وحديث فاطمة لسائر الناس، قال: نعم.

_ 1 النور من الآية/ 31.

وأما المميز: فلقوله تعالى: { ... أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ... } 1 وأما نظر الرجل للرجل: فلأن تخصيص العورة بالنهي دليل إباحة النظر إلى غيرها، ولمفهوم حديث أبي سعيد مرفوعاً: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد، ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد". رواه أحمد ومسلم. لكن إن كان الأمرد جميلاً، يخاف الفتنة بالنظر إليه، لم يجز تعمد النظر إليه. وروى الشعبي قال: قدم وفد عبد القيس على النبي، صلى الله عليه وسلم، وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي، صلى الله عليه وسلم، وراء ظهره رواه أبو حفص. "الثامن: نظره لزوجته وأمته المباحة له، ولو لشهوة، ونظر من دون سبع، فيجوز لكل نظر جميع بدن الآخر" حتى الفرج. نص عليه، لقوله تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ... } 2 وحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك، إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك". حسنه الترمذي. ومن دون سبع لا حكم لعورته، لما روى أبو حفص عن أبي ليلى، قال: كنا جلوساً عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فجاء الحسن، فجعل يتمرغ عليه، فرفع مقدم قميصه - أراه قال: فقبل زبيبه. وقال أحمد في رواية الأثرم - في الرجل يأخذ الصغيرة فيضعها في حجره ويقبلها -: إن وجد شهوة فلا، وإلا فلا بأس.

_ 1 النور من الآية/ 31. 2 المؤمنون من الآية/ 6.

والسنة: عدم نظر أحد الزوجين إلى فرج الآخر، لأنه أغلظ العورة، ولقول عائشة: ما رأيت فرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قط رواه ابن ماجه. وفي لفظ: ما رأيته من النبي، صلى الله عليه وسلم، ما رآه مني.

فصل ويحرم النظر لشهوة

فصل ويحرم النظر لشهوة: "أو مع خوف ثورانها إلى أحد ممن ذكرنا" غير زوجته، وسريته، لأنه داعية إلى الفتنة. وقال الشيخ تقي الدين: من استحله، كفر إجماعاً. نقله عنه في الفروع والإنصاف وغيرهما. "ولمس، كنظر، وأولى" لأنه أبلغ منه، فيحرم اللمس حيث يحرم النظر. "ويحرم التلذذ بصوت الأجنبية، ولو بقراءة" لأنه يدعو إلى الفتنة بها. "ويحرم خلوة رجل غير محرم بالنساء، وعكسه" بأن يخلو عدد من رجال بامرأة واحدة، لحديث جابر مرفوعاً: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن ثالثهما الشيطان" رواه أحمد. وعن ابن عباس معناه. متفق عليه. وقال الشيخ تقي الدين: الخلوة بأمرد حسن ومضاجعته كامرأة، والمقر لموليه عند من يعاشره لذلك ملعون ديوث، ولو لمصلحة تعليم وتأديب. ذكره عنه في الفروع والإنصاف. "ويحرم التصريح بخطبة المعتدة البائن، لا التعريض" لمفهوم قوله

تعالى: { ... وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ ... } 1. فتخصيص التعريض بنفي الحرج يدل على عدم جواز التصريح، ولأنه لا يؤمن أن يحملها الحرص على النكاح على الإخبار بانقضاء عدتها قيل انقضائها. وقد دخل النبي، صلى الله عليه وسلم، على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة، فقال: لقد علمت أني رسول الله، وخيرته من خلقه، وموضعي من قومي. وكانت تلك خطبته رواه الدارقطنى. وهذا تعريض بالنكاح في عدة الوفاة. وقال ابن عباس في الآية يقول: إني أريد التزويج، ولوددت أنه يسر لي امرأة صالحة رواه البخاري. "إلا بخطبة الرجعية" فيحرم التعريض لأنها في حكم الزوجات أشبهت التي في صلب النكاح. "وتحرم خطبة على خطبة مسلم أجيب" لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك". رواه البخاري والنسائي. ولما فيها من الإفساد على الأول وإيذائه، وإيقاع العداوة. "ويصح العقد" مع تحريم الخطبة، لأن أكثر ما فيه تقدم حظر على العقد، أشبه ما لو قدم عليه تصريحاً أو تعريضاً محرماً. وعن مالك وداود: لا يصح العقد، فإن لم يعلم الثاني إجابة الأول، أو ترك الأول الخطبة، أو أذن للثاني فيها جاز، لحديث ابن عمر يرفعه: "لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن الخاطب". رواه أحمد والبخاري والنسائي. والتعويل في الإجابة، والرد على ولي مجبرة، وإلا فعليها. وقد جاء عن عروة: أن النبي، صلى الله

_ 1 البقرة من الآية/ 235.

عليه وسلم، خطب عائشة إلى أبي بكر رواه البخاري، مختصراً مرسلاً. وعن أم سلمة قالت: لما مات أبو سلمة أرسل إلي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخطبني، وأجبته رواه مسلم مختصراً. ويسن العقد مساء يوم الجمعة، لما روى أبو حفص العكبري مرفوعاً: "أمسوا بالإملاك فإنه أعظم للبركة" ولأن في آخر يوم الجمعة ساعة الإجابة، فاستحب العقد فيها لأنها أحرى لإجابة الدعاء لها. ويسن أن يخطب قبله بخطبة ابن مسعود1 رواه الترمذي وصححه. وروي عن أحمد: أنه كان إذا حضر عقد نكاح، ولم يخطب فيه بخطبة ابن مسعود، قام وتركهم. وهذا على طريق المبالغة في استحبابها، لا على إيجابها. قال

_ 1 وهي: إن الخمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71] ، أما بعد. كذا أثبتها المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني في رسالته الخاصة بها طبع دمشق 1373. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية1 بعد ذكر خطبة الحاجة: ولهذا استحبت وفعلت في مخاطبة الناس بعد بالعلم عموما وخصوصا من تعليم الكتاب والسنة والفقه في ذلك، وموعظة الناس ومجادلتهم، أن نفتتح بهذه الخطبة الشرعية النبوية، ... فإن حديث ابن مسعود لم يخص النكاح من جملة ذلك. وإن مراعاة السنن الشرعية في الأقوال والأفعال والأعمال في جميع العبادات والعادات هو كمال الصراط المستقيم، وما سوى ذلك وإن لم يكن منهيا عنه، فإنه منقوص مرجوح، إذ خير الهدي هدي محمد.

في الشرح: وليست واجبة عند أحد إلا داود. انتهى. ويجزيء أن يتشهد، ويصلي على النبي، صلى الله عليه وسلم، لما روي عن ابن عمر أنه كان إذا دعي ليزوج، قال: الحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد، إن فلاناً يخطب إليكم، فإن أنكحتموه فالحمد لله، وإن رددتموه فسبحان الله ولا يجب شيء من ذلك، لما في المتفق عليه أن رجلاً قال للنبي، صلى الله عليه وسلم: زوجنيها. فقال: "زوجتكها بما معك من القرآن". وعن رجل من بني سليم قال: خطبت إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، أمامة بنت عبد المطلب، فأنكحني من غير أن يتشهد. رواه أبو داود. ولا بأس بسعي الأب للأيم، واختيار الأكفاء، لعرض عمر حفصة على أبي بكر وعثمان، رضي الله عنهم.

باب ركني النكاح وشروطه

باب ركني النكاح وشروطه مدخل ... باب ركني النكاح وشروطه: "ركناه: 1-الإيجاب" وهو: اللفظ الصادر من الولي، أو من يقوم مقامه بلفظ النكاح أو تزويج ممن يحسن العربية، لأنهما اللفظان الوارد بهما القرآن. قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 1 وقال: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} 2. وقول سيد لمن يملكها: أعتقتك، وجعلت عتقك صداقك. لحديث أنس مرفوعاً: "أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها" متفق عليه. "2-والقبول" وهو: اللفظ الصادر من الزوج، أو من يقوم مقامه، بلفظ: قبلت، أو: رضيت هذا النكاح، أو: قبلت فقط. "مرتبين" لأن القبول إنما هو للإيجاب، فيشترط تأخره عنه، فمتى وجد قبله لم يكن قبولاً. "ويصح النكاح هزلاً" وتلجئة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، والرجعة" حسنه الترمذي. "وبكل لسان من عاجز عن عربي" لأن ذلك في لغته نظير الإنكاح والتزويج. و: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ... } 3 ولا يلزمه

_ 1 النساء من الآية/ 3. 2 الأحزاب من الآية/ 37. 3 البقرة من الآية/ 286.

تعلم أركانه بالعربية، لأن النكاح غير واجب، فلم يلزم تعلم أركانه، ولأن المقصود هنا المعنى دون اللفظ، لأنه غير متعبد بتلاوته. وقال الشيخ تقي الدين: ينعقد بما عده الناس نكاحاً بأي لغة ولفظ، ولم ينقل عن أحمد أنه خص بلفظ إنكاح أو تزويج، وأول من قاله من أصحابه فيما علمت ابن حامد، وتابعه عليه القاضي، ومن جاء بعده بسبب انتشار كتبه، وكثرة أصحابه وأتباعه. انتهى. "لا بالكتابة، والإشارة إلا من أخرس" فيصح منه بالإشارة - نص عليه - كبيعه، وطلاقه، والكتابة أولى. قال في الشرح: ولا يثبت خيار الشرط، ولا خيار المجلس في النكاح. لا نعلم فيه خلافاً. "وشروطه خمسة:" "الأول: تعيين الزوجين: فلا يصح: زوجتك بنتي، وله غيرها، ولا: قبلت نكاحها لابني، وله غيره، حتى يميز كل منهما باسمه، أو صفته" لأن التعيين لا يحصل بدونه، فإن كانت حاضرة، فقال: زوجتك هذه، أو قال: زوجتك بنتي، ولم يكن له غيرها صح، لحصول التعيين. "الثاني: رضي زوج مكلف" أي: بالغ عاقل. "ولو رقيقاً" نص عليه. فليس لسيده إجباره، وأما قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} الآية1. فالأمر مختص بحال طلبه، بدليل عطفه على الأيامى. "فيجبر الأب، لا الجد في غير المكلف" من أولاده، لما روي أن ابن

_ 1 النور من الآية/ 32.

عمر زوج ابنه وهو صغير، فاختصموا إلى زيد، فأجازاه جميعا. رواه الأثرم. والبالغ المعتوه في معنى الصغير في ظاهر كلام أحمد والخرقي. "فإن لم يكن فوصيه" لقيامه مقامه، أشبه الوكيل. "فإن لم يكن فالحاكم لحاجة" لأنه ينظر في مصالحهما بعد الأب ووصيه. "ولا يصح من غيرهم أن يزوج غير المكلف" لأنه إذا لم يملك تزويج الأنثى مع قصورها فالذكر أولى. "ولو رضي" لأن رضاه غير معتبر. "ورضي زوجة حرة عاقلة ثبت، تم لها تسع سنين" لأن لها إذناً صحيحاً معتبراً يشترط مع ثيوبتها، ويسن مع بكارتها. نص عليه، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن". قالوا: يا رسول الله: وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت". متفق عليه. وخص بنت تسع، لقول عائشة: "إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة"، رواه أحمد، وروي عن ابن عمر مرفوعاً. فلا يجوز للأب، ولا لغيره تزويج الثيب إلا بإذنها في قول عامة أهل العلم، إلا الحسن. قال إسماعيل: لا نعلم أحداً قال في الثيب بقول الحسن، وهو قول شاذ: فإن الخنساء زوجها أبوها، وهي ثيب، فكرهت ذلك، فرد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نكاحه قال ابن عبد البر: هو حديث مجمع على صحته، ولا نعلم مخالفاً له إلا الحسن. ذكره في الشرح.

"فيجبر الأب ثيباً دون ذلك" لأنه لا إذن لها معتبر، وهو قول مالك. وقال الشافعي: لا يجوز، لعموم الأحاديث، وقدمه في الكافي والشرح. "وبكراً، ولو بالغة" قال في الشرح: وللأب تزويج ابنته التي لم تبلغ تسع سنين - بغير خلاف - إذا وضعها في كفاءة مع كراهتها، وامتناعها. ودل على تزويج الصغيرة قوله تعالى: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} 1 وتزوجت عائشة وهي ابنة ست متفق عليه. انتهى. وروى الأثرم: أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست، فقيل له: فقال: ابنة الزبير إن مت ورثتني، وإن عشت كانت امرأتي. وفي البكر البالغة روايتان: إحداهما: له إجبارها، وهو مذهب مالك والشافعي، لحديث ابن عباس مرفوعاً: "الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها صماتها" رواه أبو داود. وإثباته الحق للأيم على الخصوص يدل على نفيه عن البكر. والثانية: لا يجبرها، لحديث أبي هريرة السابق. "ولكل ولي تزويج يتيمة بلغت تسعاً بإذنها" نص عليه، لقوله، صلى الله عليه وسلم: "تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها". رواه أحمد وأبو داود. فدل على أن لها إذناً صحيحاً. وقيد بابنة تسع، لما تقدم عن عائشة، ولأنها تصلح بذلك للنكاح، وتحتاج إليه، فأشبهت البالغة. "لا من دونها بحال" لأنه لا إذن لها، وغير الأب ووصيه لا إجبار

_ 1 الطلاق من الآبة/ 4.

له. وقد روي: أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه من عبد الله بن عمر، فرفع بذلك إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنها يتيمة، ولا تنكح إلا بإذنها". رواه أحمد والدارقطني بأبسط من هذا. "إلا وصي أبيها" لأنه قائم مقامه. "وإذن الثيب: الكلام" قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً للخبر. "وإذن البكر. الصمات" في قول عامة أهل العلم قاله في الشرح، لحديث: "الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صماتها" رواه الأثرم. وقالت عائشة: يا رسول الله: إن البكر تستحي قال: "رضاها صماتها" متفق عليه. وكذا لو ضحكت أو بكت، لأن في حديث أبي هريرة: "فإن بكت، أو سكتت فهو رضاها، وإن أبت فلا جواز عليها". رواه أبو بكر. "وشرط في استئذانها: تسمية الزوج لها على وجه تقع به المعرفة" لتكون على بصيرة في إذنها بتزويجه، ولا يعتبر تسمية المهر. "ويجبر السيد، ولو فاسقاً عبده غير المكلف" كابنه وأولى، لتمام ملكه وولايته. قال في الشرح: في قول أكثر أهل العلم. "وأمته ولو مكلفة" مطلقاً. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. "الثالث: الولي" نص عليه، لقوله، صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" رواه الخمسة. إلا النسائي، وصححه أحمد وابن معين. قاله المروزى. وعن عائشة مرفوعاً: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي لها" رواه الخمسة إلا النسائي. وقوله: "بغير إذن وليها" خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له،

ولأن المرأة غير مأمونة على البضع، لنقص عقلها، وسرعة إنخداعها، فلم يجز تفويضه إليها، كالمبذر في المال، فإن زوجت المرأة نفسها، أو غيرها لم يصح. روي عن عمر وعلي وغيرهما. ذكره في الشرح. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها" رواه ابن ماجه والدارقطني. وعن عكرمة بن خالد قال: "جمعت الطريق ركباً، فجعلت امرأة منهن ثيب أمرها بيد رجل غير ولي، فأنكحها فبلغ ذلك عمر، فجلد الناكح والمنكح، ورد نكاحهما". رواه الشافعي والدارقطني. وقوله تعالى: {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} 1. لا يدل على صحة نكاحها نفسها، بل على أن نكاحها إلى الولي: لأنها نزلت في معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته، فدعاه النبي، صلى الله عليه وسلم، فزوجها. رواه البخاري وغيره بمعناه، فلو لم يكن لمعقل ولاية النكاح لما عاتبه تعالى على ذلك، وإنما أضافه إلى النساء، لتعلقه بهن وعقده عليهن. "وشرط فيه ذكورية، وعقل، وبلوغ وحرية" فلا ولاية لامرأة، ولا مجنون، ولا صبي، ولا عبد، لأن هؤلاء لا يملكون تزويج أنفسهم، فلا يملكون تزويج غيرهم بطريق الأولى. قال الإمام أحمد: لا يزوج الغلام حتى يحتلم ليس له أمر. "واتفاق دين" فلا ولاية لكافر على مسلمة وعكسه، لأنه لا توارث بينهما بالنسب، ولقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 2. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 3.

_ 1 البقرة من الآية/ 232. 2 التوبة من الآية/ 71. 3 الأنفال من الآية/ 73.

"وعدالة ولو ظاهرة" قال أحمد: أصح شيء في هذا قول ابن عباس: لا نكاح إلا بشاهدي عدل، وولي مرشد. وقد روى عن ابن عباس مرفوعاً: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط فنكاحها باطل". ولأنها ولاية نظرية فلا يستبد بها الفاسق، كولاية المال. "ورشد" لما تقدم عن ابن عباس. "وهو" هنا "معرفة الكفء، ومصالح النكاح" وليس هو حفظ المال، فإن رشد كل مقام بحسبه. قاله الشيخ تقي الدين. "والأحق بتزويج الحرة أبوها" لأنه أكمل نظراً، وأشد شفقة. "وإن علا" أي: ثم أبوه وإن علا، لأن له إيلاداً وتعصيباً، فأشبه الأب. "فابنها وإن نزل" يقدم الأقرب فالأقرب، لحديث أم سلمة: أنها لما انقضت عدتها أرسل إليها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخطبها، فقالت: يا رسول الله: ليس أحد من أوليائي شاهداً. قال: "ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك"، فقالت لابنها: يا عمر قم فزوج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فزوجه. رواه أحمد والنسائي. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوج النبي، صلى الله عليه وسلم أمه أم سلمة أليس كان صغيراً؟ قال: ومن يقول كان صغيراً؟! ليس فيه بيان. ولأنه عدل من عصبتها، فقدم على سائر العصبات، لأنه أقربهم نسباً وأقواهم تعصيباً.

"فالأخ الشقيق، فالأخ للأب" لأن ولاية النكاح حق يستفاد بالتعصيب، فقدم فيه الأخ الشقيق كالميراث. "ثم الأقرب فالأقرب كالإرث" لئلا يلي بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منه، وإن نزلت درجتهم، لأن مبنى الولاية على الشفقة والنظر، ومظنتها القرابة، فأقربهم أشفقهم. ولا ولاية لغير العصبات كأخ لأم، وعم لأم، وخال. نص عليه، لقول علي، رضي الله عنه: إذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى يعني: إذا أدركن. رواه أبو عبيد في الغريب. "ثم السلطان أو نائبه" لقوله "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له". وتقدم. قال الإمام أحمد: والقاضي أحب إلي من الأمير في هذا. "فإن عدم الكل زوجها ذو سلطان في مكانها" لأن له سلطنة فيدخل في عموم الحديث. "فإن تعذر وكلت من يزوجها" قال الإمام أحمد في دهقان قرية: يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها في الكفء والمهر، إذا لم يكن في الرستاق قاض. انتهى. لأن شرط الولي في هذه الحال يمنع النكاح بالكلية. "فلو زوج الحاكم أو الولي الأبعد بلا عذر للأقرب لم يصح" النكاح، لأنه لا ولاية للحاكم والأبعد مع من هو أحق منهما، أشبها الأجنبي. "ومن العذر غيبة الولي فوق مسافة قصر" ولا تقطع إلا بكلفة ومشقة في منصوص أحمد. قال في الكافي: والرد في هذا إلى العرف،

وما جرت العادة بالانتظار فيه، والمراجعة لصاحبه، لعدم التحديد فيه من الشارع. "أو تجهل المسافة، أو يجهل مكانه مع قربه" أو تعذرت مراجعته فيزوج الأبعد، لأن الأقرب هنا كالمعدوم. "أو يمنع من بلغت تسعاً كفءاً رضيته" ورغب بما صح مهراً فللأبعد تزويجها. نص عليه، واختاره الخرقي. وعنه: يزوج الحاكم، وهو اختيار أبي بكر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له".

فصل ووكيل الولي يقوم مقامه

فصل ووكيل الولي يقوم مقامه: سواء كان الولي حاضراً أو غائباً مجبراً أو غير مجبر، لأنه عقد معاوضة فجاز التوكيل فيه كالبيع، وقياساً على توكيل الزوج، لأنه صلى الله عليه وسلم وكل أبا رافع في تزويجه ميمونة. رواه مالك. ووكل عمرو بن أمية في تزويجه أم حبيبة. "وله" أي: الولي "أن يوكل بدون إذنها" لأنه إذن من الولي في التزويج، فلا يفتقر إلى إذن المرأة، ولأن الولي ليس وكيلاً للمرأة بدليل أنها لا تملك عزله من الولاية. "لكن لا بد من إذن غير المجبرة للوكيل بعد توكيله" لأنه نائب عن غير مجبر فيثبت له ما يثبت لمن ينوب عنه، ولا أثر لإذنها له قبل أن يوكله الولي، لأنه أجنبي إذاً. وأما بعده فولي.

"ويشترط في وكيل الولي ما يشترط فيه" لأنها ولاية فلا يصح أن يباشرها غير أهلها، ولأنه إذا لم يملك تزويج موليته أصالة فلأن لا يملك تزويج مولية غيره بالتوكيل أولى. "ويصح توكيل الفاسق في القبول" لأنه يصح قبول النكاح لنفسه، فصح لغيره. "ويصح التوكيل مطلقاً، كـ: زوج من شئت" نص عليه. "ويتقيد بالكفء" لما روي: أن رجلاً من العرب ترك ابنته عند عمر، وقال: إذا وجدت كفءاً فزوجه ولو بشراك نعله، فزوجها عثمان بن عفان فهي أم عمرو بن عثمان. واشتهر ذلك ولم ينكر. "ومقيداً، كـ: زوج زيداً" فلا يزوج غيره. " ويشترط" لنكاح فيه توكيل في القبول "قول الولي أو وكيله: زوجت فلانة فلاناً، أو لفلان" ويصفه بما يتميز به، ولا يقول زوجتكها ونحوه. "وقول وكيل الزوج: قبلته لموكلي فلان، أو لفلان" فإن لم يقل ذلك لم يصح النكاح، لفوات شرط من شروطه، وهو تعيين الزوجين. "ووصي الولي في النكاح بمنزلته" إذا نص له عليه، لأنها ولاية ثابتة للموصي فجازت وصيته بها، كولاية المال، ولأنه يجوز أن يستنيب فيها في حياته، ويقوم نائبه مقامه، فجاز أن يستنيب فيها بعد موته. "فيجبر من يجبره" الموصي لو كان حياً "من ذكر وأنثى" قال في الكافي: وعنه: ليس له الوصية بذلك، لأنها ولاية لها من يستحقها بالشرع، فلم يملك نقلها بالوصية. كالحضانة.

وقال ابن حامد: إن كان لها عصبة لم تصح الوصية بها لذلك، وإن لم يكن صحت لعدمه. انتهى. "وإن استوى وليان فأكثر في درجة، صح التزويج من كل واحد، إن أذنت لهم" لوجود سبب الولاية في كل منهم بإذن موليته، أشبه ما لو انفرد بالولاية. "فإن أذنت لأحدهم تعين، ولم يصح نكاح غيره" لعدم الإذن قال في الشرح: وإذا كان لها وليان فأذنت لكل منهما في معين أو مطلق فزوجاها لرجلين، وعلم السابق منهما، فالنكاح له سواء دخل بها الثاني، أو لم يدخل. وقال مالك: إن دخل بها الثاني فهي له، لقول عمر: إذا أنكح وليان فالأول أحق ما لم يدخل بها الثاني. ولنا ما روى سمرة عنه، صلى الله عليه وسلم، قال: "أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول" رواه أبو داود والترمذي، وأخرجه النسائي عنه، وعن عقبة، وروى نحوه عن علي. وحديث عمر لم يصححه أصحاب الحديث. فإن جهل الأول منهما فسخ النكاحان. وعنه: يقرع بينهما. انتهى. "ومن زوج بحضرة شاهدين عبده الصغير بأمته" جاز أن يتولى طرفي العقد بلا نزاع، لأنه عقد بحكم الملك لا بحكم الإذن. "أو زوج ابنه بنحو بنت أخيه، أو وكل الزوج الولي" أن يقبل له النكاح من نفسه. "أو عكسه" بأن وكل الولي الزوج في إيجاب النكاح لنفسه. "أو وكلا واحداً" بأن وكله الولي في الإيجاب، والزوج في القبول "صح أن يتولى طرفي العقد" ولا يشترط الجمع بين الإيجاب والقبول، فلذا قال:

"ويكفي: زوجت فلاناً فلانة" وإن لم يقل: وقبلت له نكاحها. "أو: تزوجتها، إن كان هو الزوج" وإن لم يقل: وقبلت نكاحها لنفسي. وكذا إن كان الزوج هو وليها، وأذنت له، لما روى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال لأم حكيم ابنة قارظ: أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم. قال: قد تزوجتك. ويجوز أن يجعل أمرها إلى من يزوجها منه بإذنها، لأن المغيرة بن شعبة أمر رجلاً أن يزوجه امرأة، المغيرة أولى بها منه رواه أبو داود. "ومن قال لأمته: أعتقتك، وجعلت عتقك صداقك، عتقت، وصارت زوجة له" روي عن علي، وفعله أنس وروى أنس "أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أعتق صفية وجعل عتقها صداقها". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه. وعن صفية قالت: "أعتقني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجعل عتقي صداقي" رواه الأثرم. "إن توفرت شروط النكاح" منها: أن يكون الكلام متصلاً بحضرة شاهدين عدلين، لحديث "لا نكاح إلا بولي وشاهدين" ذكره أحمد. "الرابع: الشهادة، فلا ينعقد إلا بشهادة ذكرين مكلفين، ولو رقيقين متكلمين" لأن الأخرس لا يتمكن من أداء الشهادة. "سميعين" لأن الأصم لا يسمع العقد فيشهد به. "مسلمين عدلين ولو ظاهراً من غير أصلي الزوجين وفرعيهما" لأنهم لا تقبل شهادتهم للزوجين. واشتراط الشهادة في النكاح احتياط للنسب خوف الإنكار، روي عن عمر وعلي وغيرهما، لحديث عائشة مرفوعاً "لا بد في النكاح من حضور أربعة: الولي، والزوج،

والشاهدين" رواه الدارقطني. وعن عمران ابن حصين مرفوعاً "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" ذكره أحمد في رواية ابنه عبد الله، ورواه الخلال. ولمالك في الموطأ عن أبي الزبير أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة، فقال: هذا نكاح السر، ولا أجيزه، ولو كنت تقدمت فيه لرجمت1 وعن ابن عباس مرفوعاً: "البغايا: اللواتي يزوجن أنفسهن بغير بينة" رواه الترمذي. قال في الشرح: وعنه: يصح بغير شهود، فعله عمر وابن الزبير وهو قول مالك إذا أعلنوه. قال ابن المنذر: لا يثبت في الشاهدين في النكاح خبر. وقد أعتق صفية وتزوجها بغير شهود. وقال يزيد بن هارون: أمر الله بالإشهاد في البيع دون النكاح، فاشترطه أصحاب الرأي للنكاح دون البيع. انتهى. "الخامس: خلو الزوجين من الموانع" الآتية في باب المحرمات "بأن لا يكون بهم، أو بأحدهما ما يمنع التزويج من النسب، أو سبب" كرضاع، ومصاهرة، واختلاف دين، ونحوها. "والكفاءة ليست شرطاً لصحة النكاح" بل للزومه. قال في الشرح: وهي أصح. وهو قول أكثر أهل العلم لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 2. وفي البخاري "أن أبا حذيفة أنكح سالماً ابنة أخيه الوليد بن عتبة، وهو مولى لامرأة من الأنصار. وأمر صلى الله عليه وسلم، فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة، فنكحها بأمره" متفق عليه. وزوج أباه زيداً ابنة عمته زينب. وقال ابن مسعود لأخته أنشدك

_ 1 قوله: تقدمت بضم التاء وكسر الدال المشددة وضم التاء على البناء للمجهول. 2 الحجرات من الآية/ 13.

الله ألا تنكحي إلا مسلماً، وإن كان أحمر رومياً، أو أسود حبشياً انتهى. "لكن لمن زوجت بغير كفء أن تفسخ نكاحها. ولو متراخياً" لأنه لنقص في المعقود عليه، أشبه خيار العيب. "ما لم ترض بقول أو فعل" كأن مكنته عالمة بأنه غير كفء. "وكذا لأوليائها" الفسخ، لتساويهم في لحوق العار بفقد الكفاءة. "ولو رضيت، أو رضي بعضهم، فلمن لم يرض الفسخ" ويملكه الأبعد مع رضي الأقرب، لعدم لزوم النكاح لفقد الكفاءة، ولأن العار عليهم أجمعين. "ولو زالت الكفاءة بعد العقد، فلها فقط الفسخ" كعتقها تحت عبد، لأن حق الأولياء في ابتداء العقد، لا في استدامته. قيل لأحمد فيمن يشرب الخمر: يفرق بينهما؟ قال: أستغفر الله. وعنه: أن الكفاءة شرط لصحة النكاح. قدمها في الشرح والكافي والمنتهى. قال في شرحه: وهي المذهب عند أكثر المتقدمين، لأن منعها من تزويج نفسها لئلا تضعها في غير كفء فبطل العقد لتوهم العار، فها هنا أولى، ولما فيه من حق الله تعالى. وعن جابر مرفوعاً: "لا ينكح النساء إلا الأكفاء، ولا يزوجهن إلا الأولياء" وقال عمر، رضي الله عنه: لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء رواهما الدارقطني. "والكفاءة معتبرة في خمسة أشياء:" "1- الديانة" فلا تزوج عفيفة بفاجر، لأنه مردود الشهادة والرواية وذلك نقص في إنسانيته، فليس كفئاً لعدل. قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ

مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} 1 وعن أبي حاتم المزني مرفوعاً: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". قالوا: يا رسول الله: وإن كان فيه؟ قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه" ثلاث مرات رواه الترمذي، وقال حسن غريب. "2- والصناعة:" فلا يكون صاحب صناعة دنيئة: - كالحجام، والكساح، والزبال، والحائك - كفئاً لمن هو أعلى منه، لأن ذلك نقص في عرف الناس أشبه نقص السبب. وفي حديث: "العرب بعضهم لبعض أكفاء، إلا حائكاً، أو حجاماً" قيل لأحمد: كيف تأخذ به وأنت تضعفه؟ قال: العمل عليه. أي أنه يوافق العرف. "والميسرة" بحسب ما يجب لها: فلا تزوج موسرة بمعسر، لأن عليها ضرراً في إعساره، لإخلاله بنفقتها، ومؤنة أولاده، لقوله صلى الله عليه وسلم "الحسب المال" وقال: "إن أحساب الناس بينهم هذا المال" رواه النسائي بمعناه. وعنه: لا تعتبر، لأن الفقر شرف في الدين وقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم: "اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً" رواه الترمذي. وليس هو أمراً لازماً، فأشبه العافية في المرض. "3- والحرية:" فلا تزوج حرة بعبد، لأنه منقوص بالرق، ممنوع من التصرف في كسبه، غير مالك له. ولأنه صلى الله عليه وسلم خير

_ 1 السجدة الآية/ 18.

بريرة حين عتقت تحت العبد فإذا ثبت الخيار بالحرية الطارئة، فبالسابقة أولى. "4- والنسب:" فلا يكون المولى والعجمي كفءاً لعربية لما تقدم عن عمر. وقال سلمان لجرير: إنكم معشر العرب لا نتقدمكم في صلاتكم، ولا ننكح نساءكم، إن الله فضلكم علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وجعله فيكم رواه البزار بسند جيد، ورواه سعيد بمعناه. والعرب بعضهم لبعض أكفاء، والعجم كذلك لأن المقداد بن الأسود الكندي، تزوج ضباعة ابنة الزبير عم النبي، صلى الله عليه وسلم. وزوج أبو بكر أخته الأشعث بن قيس الكندي. وزوج علي ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب.

باب المحرمات في النكاح

باب المحرمات في النكاح مدخل ... باب المحرمات في النكاح: "تحرم أبداً: الأم، والجدة من كل جهة" لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 1 وأمهاتك: كل من انتسبت، إليها بولادة، لقوله صلى الله عليه وسلم، لما ذكر هاجر أم إسماعيل: "تلك أمكم يا بني ماء السماء". "والبنت ولو من زنى" وهي: كل من انتسبت إليك بولادة، وهي ابنة الصلب. "وبنت الولد" ذكراً كان أو أنثى، وإن نزلت درجتهن، لقوله تعالى: {وَبَنَاتُكُمْ} 1.

_ 1 النساء من الآية/ 23.

"والأخت من كل جهة" شقيقة، أو لأب، أو لأم، لقوله تعالى: {وَأَخَوَاتُكُمْ} 1 وبنتها، "وبنت ولدها، وبنت كل أخ، وبنت ولدها" وإن نزلن، لقوله تعالى: {وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} 1. "والعمة والخالة" من كل جهة، وإن علتا: كعمة أبيه، وعمة أمه، وخالة أبيه، وخالة أمه، لقوله تعالى: {وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ} 1 ولا فرق بين النسب الحاصل بنكاح أو ملك يمين، أو وطء شبهة، أو حرام. قاله في الكافي. "ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب" من الأقسام السابقة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" متفق عليه. وعن علي مرفوعاً: "إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب" رواه أحمد والترمذي وصححه. ولأن الأمهات والأخوات منصوص عليهن في الآية. والباقيات يدخلن في عموم لفظ سائر المحرمات. "إلا أم أخيه" من الرضاع، "وأخت ابنه من الرضاع، فتحل" مرضعة وبنتها لأبي مرتضع وأخيه من نسب. وتحل أم مرتضع وأخته من نسب لأبيه وأخيه من رضاع، لأنهن في مقابلة من يحرم بالمصاهرة، لا في مقابلة من يحرم من النسب "كبنت عمته وعمه، وبنت خالته وخاله" لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 2.

_ 1 النساء من الآية/ 23. 2 النساء من الآية/ 24.

"ويحرم أبداً بالمصاهرة أربع: ثلاث بمجرد العقد: زوجة أبيه، وإن علا" من نسب أو رضاع، لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} 1 قال ابن المنذر: الملك في هذا. والرضاع بمنزلة النسب. وممن حفظنا ذلك عنه: عطاء وطاوس وغيرهما، ولا نعلم عن غيرهما خلافهما. ذكره في الشرح. "وزوجة ابنه وإن سفل" من نسب أو رضاع. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. وقوله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} 2 احتراز عمن تبناه. "وأم زوجته" وإن علت من نسب. ومثلهن من رضاع: فيحرمن بمجرد العقد. نص عليه. قال في الشرح: وهو قول أكثر أهل العلم، لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} 2 والمعقود عليها من نسائه: فتدخل أمها في عموم الآية. قال ابن عباس: أبهموا ما أبهمه القرآن وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "أيما رجل نكح امرأةً دخل بها، أو لم يدخل، فلا يحل له نكاح أمها" رواه ابن ماجه، ورواه أبو حفص بنحوه. "فإن وطئها حرمت عليه أيضاً بنتها، وبنت ابنها" من نسب أو رضاع لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} 2. قال في الشرح: سواء كانت في حجره أو لم تكن.

_ 1 النساء من الآية/ 22. 2 النساء من الآية/ 23.

إلا أنه روي عن عمر وعلي أنهما رخصا فيها إذا لم تكن في حجره وهو قول داود. وقال ابن المنذر: أجمع علماء الأمصار على خلافه. انتهى. وقوله: اللاتي في حجوركم، خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، لأن التربية لا تأثير لها في التحريم. فإن ماتت الزوجة قبل الدخول، لم تحرم بناتها. قال في الشرح: وهو قول عامة العلماء. وحكاه ابن المنذر إجماعاً، لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} 1 وهذا نص لا يترك بقياس ضعيف. والدخول بها: وطؤها. انتهى. "وبغير العقد لا حرمة إلا بالوطء في قبل أو دبر، إن كان ابن عشر في بنت تسع، وكانا حيين" فيدخل في عموم قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} 2 ونظائره، ولأن ما تعلق من التحريم بالوطء المباح، تعلق بالمحظور: كوطء الحائض. وعن ابن عباس أن وطء الحرام لا يحرم وبه قال: ابن المسيب، وعروة، والزهري، ومالك، والشافعي. ذكره في الشرح، واختاره الشيخ تقي الدين. "ويحرم بوطء الذكر ما يحرم بوطء الأنثى" وقال في الشرح: الصحيح أن هذا لا ينشر الحرمة، فإن هؤلاء غير منصوص عليهن في التحريم، فيدخلن في عموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 3 انتهى.

_ 1 النساء من الآية/ 23. 2 النساء من الآية/ 22. 3 النساء من الآية/ 24.

واختار أبو الخطاب: أن حكم التلوط في تحريم المصاهرة، حكم المباشرة فيما دون الفرج، لكونه وطئاً في غير محله. "ولا تحرم أم" زوجة أبيه، وكذا أم زوجة ابنه. "ولا بنت زوجة أبيه وابنه" فيجوز أن ينكح امرأة، وينكح ابنة بنتها أو أمها، لعموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 1.

_ 1 النساء من الآية/ 24.

فصل ويحرم الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها أو خالتها

فصل ويحرم الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها أو خالتها: من نسب أو رضاع. حكاه ابن المنذر إجماعاً، لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} 1 وعن أبي هريرة مرفوعاً "لا تجمعوا بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها" متفق عليه. "فمن تزوج نحو أختين في عقد أو عقدين معاً لم يصح" فيهما، لأنه لا يمكن تصحيحهما، ولا مزية لإحداهما على الأخرى، فبطل فيهما. "فإن جهل" أسبق العقدين "فسخهما حاكم" إن لم يطلقهما، لبطلان النكاح في أحدهما وتحريمها عليه، ونكاح إحداهما صحيح. ولا تتيقن بينونتها منه إلا بطلاقهما، أو فسخ نكاحهما، فوجب ذلك. "ولاحداهما نصف مهرها بقرعة" وله العقد على إحداهما في الحال إذاً.

_ 1 النساء من الآية/ 23.

"وإن وقع العقد مرتباً" وعلم السابق. "صح الأول فقط" لأنه لا جمع فيه، وبطل الثاني، لأن الجمع حصل به. "ومن ملك أختين أو نحوهما" كامرأة وعمتها، أو وخالتها "صح" ولو في عقد واحد. قال في الشرح: ولا نعلم خلافاً في ذلك. "وله أن يطأ أيهما شاء" لأن الأخرى لم تصر فراشاً، كما لو ملك إحداهما وحدها. "وتحرم الأخرى" نص عليه، لعموم قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} 1. "حتى يحرم الموطوءة بإخراج عن ملكه، أو تزويج بعد الإستبراء" لئلا يكون جامعاً بينهما في الفراش، أو جامعاً ماءه في رحم أختين، فإن عزلهما عن فراشه واستبرأها، لم تحل أختها، لأنه لا يؤمن عوده إليها، فيكون جامعاً بينهما. قاله في الكافي. "ومن وطء امرأة بشبهة أو زنى حرم في زمن عدتها نكاح أختها" أو عمتها أو خالتها. "ووطؤها إن كانت زوجة أو أمة" له "وحرم أن يزيد على ثلاث غيرها" أي: الموطوءة بشبهة أو زنى. "بعقد" فإن كان له ثلاث زوجات، لم يحل له نكاح رابعة، حتى تنقضي عدة الموطوءة بشبهة أو زنى.

_ 1 النساء من الآية/ 23.

"أو وطء" أي: لو كان له أربع زوجات، لم يحل له أن يطأ منهن أكثر من ثلاث، حتى تنقضي عدة موطوءته بشبهة أو زنى، لئلا يجمع ماؤه في أكثر من أربع نسوة. "وليس لحر جمع أكثر من أربع" زوجات إجماعاً لقوله، صلى الله عليه وسلم، لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة: "أمسك أربعاً، وفارق سائرهن" رواه الترمذي. وقال نوفل بن معاوية أسلمت وتحتي خمس نسوة. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "فارق واحدة منهن" رواه الشافعي. وعن قيس بن الحارث قال أسلمت وعندي ثمان نسوة، فأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: "إختر منهن أربعاً" رواه أبو داود وابن ماجه. قال في الشرح: والآية أريد بها التخيير بين اثنتين، وثلاث، وأربع كقوله: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 1 ومن قال غير ذلك فقد جهل العربية. "ولا لعبد جمع أكثر من ثنتين" وهو قول: عمر وعلي، وغيرهما، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعاً. والآية فيها ما يدل على إرادة الأحرار لقوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 2 ذكره في الشرح. "ولمن نصفه حر فأكثر جمع ثلاث" نص عليه، اثنتين بنصفه الحر، وواحدة بنصفه الرقيق.

_ 1 فاطر من الآية/ 1 2 النساء من الآية/ 3.

"ومن طلق واحدة من نهاية جمعه" كحر طلق واحدة من أربع، وعبد طلق واحدة من اثنتين "حرم نكاحه بدلها حتى تنقضي عدتها" نص عليه، لأن المعتدة في حكم الزوجة، إذ العدة أثر النكاح. "وإن ماتت فلا" يحرم نكاح بدلها. نص عليه، لأنه لم يبق لنكاحها أثر.

فصل وتحرم الزانية على الزاني وغيره

فصل وتحرم الزانية على الزاني وغيره حتى تتوب وتنقضي عدتها: لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} 1 لفظه لفظ الخبر، والمراد النهي ونهى النبي، صلى الله عليه وسلم، مرثد بن أبي مرثد الغنوي أن ينكح عناقاً2 رواه أبو داود والترمذي والنسائي. فإذا تابت، وانقضت عدتها حلت لزان كغيره في قول أكثر أهل العلم، منهم: أبو بكر وعمر وابنه وابن عباس. "وتحرم مطلقته ثلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره" لقوله تعالى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} 3 والمراد بالنكاح هنا: الوطء، لقوله عليه الصلاة والسلام لامرأة رفاعة لما أرادت أن ترجع إليه بعد أن طلقها ثلاثاً، وتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير: "لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك" رواه الجماعة.

_ 1 النور من الآية/ 3. 2 عناق –بفتح العين- بغي كانت في مكة صديقة لمرثد. كما في رواية أبي داود تهذيب السنن 3/6. 3 البقرة من الآية/ 230.

"والمحرمة حتى تحل من إحرامها" لحديث عثمان مرفوعاً "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب" رواه الجماعة إلا البخاري، ولم يذكر الترمذي الخطبة. "والمسلمة على الكافر" لقوله تعالى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} 1 وقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 2. "والكافرة غير الكتابية على المسلم" لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} 3 وقوله: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} 2 ويباح نكاح حرائر أهل الكتاب بالإجماع، قال ابن المنذر: لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرمه، قال الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 4 وهم: اليهود والنصارى، ومن دان بالتوراة والإنجيل. فأما من يتمسك بصحف إبراهيم وشيث، وزبور داود فليسوا أهل كتاب، لقوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا ... } 5 وأما المجوس فلا تحل ذبائحهم، ولا نكاح نسائهم، وهو قول عامة العلماء. ذكره في الشرح. وضعف أحمد رواية من روى عن حذيفة أنه تزوج مجوسية فقال أبو وائل: يقول: يهودية وهو أوثق.

_ 1 البقرة من الآية/ 221. 2 الممتحنة من الآية/ 10. 3 البقرة من الآية/ 221. 4 المائدة من الآية/ 5. 5 الأنعام من الآية/ 156.

"ولا يحل لحر كامل الحرية نكاح أمة ولو مبعضة، إلا إن عدم الطول، وخاف العنت" فيجوز له نكاح الأمة المسلمة، لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ ... } إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} 1 واشتراط العجز عن ثمن الأمة. اختاره جمع كثير، وقدم في التنقيح أنه: لا يشترط، وتبعه في المنتهى. "ولا يكون ولد الأمة حراً إلا باشتراط الحرية" فإن شرطها فهو حر، لحديث "المسلمون على شروطهم" ولقول عمر مقاطع الحقوق عند الشروط. "أو الغرور" للزوج بأن ظنها، أو شرطها حرة، فولده حر، لاعتقاده حريته، ويفديه بقيمته يوم ولادته، ويرجع به على من غره. قضى به عمر وعلي وابن عباس، رضي الله عنهم. "وإن ملك أحد الزوجين الآخر أو بعضه انفسخ النكاح" لأن أحكام الملك والنكاح تتناقض. وحكى ابن المنذر الإجماع: على أن نكاح المرأة عبدها باطل. "ومن جمع في عقد بين مباحة ومحرمة صح في المباحة" لأنها محل قابل للنكاح، أضيف إليها عقد من أهله فصح، كما لو انفردت به. "ومن حرم نكاحها حرم وطؤها بالملك" لأنه إذا حرم النكاح، لكونه طريقاً إلى الوطء فهو نفسه أولى بالتحريم. "إلا الأمة الكتابية" فيحرم نكاحها لا وطؤها بملك اليمين لقوله

_ 1 النساء من الآية/ 25.

تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 1 ولأن نكاح الأمة الكتابية إنما حرم لأجل إرقاق الولد، وبقائه مع كافرة، وهذا معدوم في وطئها بملك اليمين.

_ 1 النساء من الآية/ 3.

باب الشروط في النكاح

باب الشروط في النكاح مدخل ... باب الشروط في النكاح: والمعتبر منها: ما كان في صلب العقد، واختار الشيخ تقي الدين: أو اتفقا عليه قبله، وقال: على هذا جواب أحمد في مسائل الحيل. قال في الإنصاف: وهو الصواب الذي لا شك فيه. فإن لم يقع الشرط إلا بعد لزوم العقد لم يلزم. نص عليه. "وهي قسمان: صحيح لازم للزوج، فليس له فكه: كزيادة مهر، أو نقد معين، أو لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو لا يتزوج عليها، أو لا يفرق بينها وبين أبويها أو أولادها، أو أن ترضع ولدها، أو يطلق ضرتها" لأن لها فيه قصداً صحيحاً. ويروي صحة الشرط في النكاح، وكون الزوج لا يملك فكه: عن عمر، وسعد بن أبي وقاص، ومعاوية، وعمرو بن العاص، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، ويؤيده حديث: "إن أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج" متفق عليه. وحديث: "المسلمون على شروطهم" وروى الأثرم "أن رجلاً تزوج امرأة، وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها، فخاصموه إلى عمر، فقال: لها شرطها. فقال الرجل: إذاً يطلقننا. فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط" قال في الشرح: وإن شرط طلاق ضرتها فالصحيح أنه باطل

لنهيه، صلى الله عليه وسلم، أن تشترط المرأة طلاق أختها متفق عليه. "فمتى لم يف بما شرط كان لها الفسخ على التراخي" لما تقدم، ولأنه شرط لازم في عقد، فثبت حق الفسخ بفواته، كشرط الرهن في البيع. قاله في الكافي. "ولا يسقط" ملكها الفسخ "إلا بما يدل على رضاها من قول، أو تمكين مع العلم" أي: مع علمها بعدم وفائه لها بما شرطت عليه. "والقسم الفاسد نوعان:" "1- نوع يبطل النكاح" وهو: ثلاثة أقسام: أحدها: نكاح الشغار. "وهو: أن يزوجه موليته بشرط أن يزوجه الآخر موليته، ولا مهر بينهما" قال في الكافي: ولا تختلف الرواية عن أحمد في فساده. "أو يجعل بضع كل واحدة مع دراهم معلومة مهراً للأخرى" وروي عن عمر وزيد بن ثابت أنهما فرقا فيه - أي: بين المتناكحين - لحديث ابن عمر أن النبي، صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار - والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق - متفق عليه. وعن الأعرج أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد الرحمن ابنته، وكانا جعلا صداقاً فكتب معاوية إلى مروان يأمره أن يفرق بينهما، وقال في كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله، صلى الله عليه

وسلم رواه أحمد وأبو داود، ولأنه شرط عقد في عقد فلم يصح، كما لو باعه ثوبه بشرط أن يبيعه ثوبه. 2- نكاح المحلل، وقد ذكره بقوله: "أو يتزوج بشرط أنه: إذا أحلها طلقها" وهو باطل حرام في قول عامة أهل العلم. قاله في الشرح، لحديث: "لعن الله المحلل والمحلل له" رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، منهم: عمر بن الخطاب وابنه وعثمان بن عفان، وروي عن علي وابن عباس. "أو ينويه" أي: ينوي الزوج التحليل. "بقلبه" فالنكاح باطل أيضاً. نص عليه. لعموم ما سبق. وروى نافع عن ابن عمر أن رجلاً قال له: تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني، ولم يعلم؟ قال لا إلا نكاح رغبة إن أعجبتك أمسكتها، وإن كرهتها فارقتها، قال: وإن كنا نعده على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سفاحاً. وقال: لا يزالا زانيين، وإن مكثا عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها وهذا قول عثمان. وجاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن عمي طلق امرأته ثلاثاً، أيحلها له رجل؟ قال: من يخادع الله يخدعه. "أو يتفقا عليه قبل العقد" ولم يذكر فيه فلا يصح إن لم يرجع عنه، وينو حال العقد أنه نكاح رغبة، فإن حصل ذلك صح، لخلوه عن نية التحليل وشرطه، وعليه يحمل حديث ذي الرقعتين، وهو: ما روى أبو حفص بإسناده عن محمد بن سيرين، قال: قدم مكة رجل ومعه إخوة له صغار، وعليه إزار من بين يديه رقعة، ومن خلفه رقعة. فسأل

عمر فلم يعطه شيئاً. فبينما هو كذلك إذ نزغ الشيطان بين رجل من قريش وبين امرأته، فطلقها ثلاثاً، فقال: هل لك أن تعطي ذا الرقعتين شيئاً ويحلك لي؟ قالت: نعم إن شيء ت. فأخبروه بذلك، قال: نعم. فتزوجها فدخل بها، فلما أصبحت أدخلت إخوته الدار، فجاء القرشي يحوم حول الدار، ويقول يا ويله! غلب على امرأته. فأتى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين غلبت على امرأتي. قال: من غلبك؟ قال: ذو الرقعتين، قال: أرسلوا إليه. فلما جاءه الرسول، قالت له المرأة: كيف موضعك من قومك؟ قال: ليس بموضعي بأس، قالت: إن أمير المؤمنين يقول لك: طلق امرأتك، فقل: لا والله لا أطلقها، فإنه لا يكرهك. فألبسته حلة، فلما رآه عمر، قال: الحمد لله الذي رزق ذا الرقعتين. فدخل عليه، فقال: تطلق امرأتك؟ قال: لا والله لا أطلقها. قال عمر: لو طلقتها لأوجعت رأسك بالسوط ورواه سعيد بنحوه، وقال: من أهل المدينة. ولهذا قالوا: من لا فرقة بيده لا أثر لنيته. 3- نكاح المتعة وقد ذكره بقوله: "أو يتزوجها إلى مدة، أو يشترط طلاقها في العقد بوقت كذا" وهو باطل. نص عليه. قال ابن عبد البر: على تحريمه مالك، وأهل المدينة، وأبو حنيفة في أهل الكوفة، والأوزاعي في أهل الشام، والليث في أهل مصر، والشافعي وسائر أصحاب الآثار. ذكره في الشرح، لحديث الربيع بن سبرة قال: "أشهد على أبي أنه حدث أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: نهى عنه في حجة الوداع. وفي لفظ: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: حرم متعة النساء" رواه أبو داود. ولمسلم

عن سبرة: أمرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج حتى نهانا عنها وحكي عن ابن عباس الرجوع عن قوله بجواز المتعة قال سعيد بن جبير لابن عباس: لقد سارت بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء! قال ابن عباس: وما ذاك؟ قال: قالوا: قد قلت للشيخ لما طال محبسه ... يا صاح، هل لك في فتوى ابن عباس هل لك في رخصة الأطراف آنسة ... تكون مثواك حتى مصدر الناس فقال: سبحان الله ما بهذا أفتيت، وما هي إلا كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، ولا تحل إلا للمضطر. وأما إذن النبي، صلى الله عليه وسلم، فيها فقد ثبت نسخه. قال الشافعي: لا أعلم شيئاً أحله الله، ثم حرمه، ثم أحله، ثم حرمه إلا المتعة. "أو ينويه بقلبه" أي: ينوي الزوج طلاقها بوقت كذا. "أو يتزوج الغريب بنية طلاقها إذا خرج" لأنه شبيه بالمتعة. وقال في الشرح: وإن تزوجها بغير شرط، إلا أن نيته طلاقها بعد شهر، أو إذا انقضت حاجته فهو صحيح في قول عامة أهل العلم إلا الأوزاعي، فقال: هو نكاح متعة. "أو يعلق نكاحها، كـ: زوجتك إذا جاء رأس الشهر، أو: إن رضيت أمها، أو: إن وضعت زوجتي ابنة، فقد زوجتكها" فيبطل النكاح، لأنه عقد معاوضة فلا يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع. "2- لا يبطله كأن يشترط أن لا مهر لها، ولا نفقة، أو أن يقسم لها أكثر من ضرتها، أو أقل، أو إن فارقها رجع عليها بما أنفق فيصح النكاح

دون الشرط" لمنافاته مقتضى العقد، وتضمنه إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده، كإسقاط الشفيع شفعته قبل البيع، والعقد صحيح، لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره فيه، ولا يضر الجهل به فلم يبطله. وكذا إن شرط أن لا يطأها، أو يعزل عنها، أو لا يقسم لها إلا في النهار دون الليل. ونقل عن أحمد: ما يحتمل إبطال العقد، فروي عنه في النهاريات، والليليات: ليس هذا من نكاح أهل الإسلام. وكان الحسن وعطاء: لا يريان بتزويج النهاريات بأساً. ذكره في الشرح.

فصل وإن شرطها مسلمة فبانت كتابية

فصل وإن شرطها مسلمة فبانت كتابية: فله الخيار. "أو شرطها بكراً، أو جميلة، أو نسيبة، أو شرط نفي عيب" لا يفسخ به النكاح، كشرطها سميعة أو بصيرة "فبانت بخلافه فله الخيار" لأنه شرط صفة مقصودة ففاتت، أشبه ما لو شرطها حرة فبانت أمة. ولا شيء عليه إن فسخ قبل الدخول، وبعده يرجع بالمهر على الغار. "لا إن شرطها أدنى فبانت أعلى" كأن شرطها كتابية فبانت مسلمة، أو أمة فبانت حرة، لأنه زيادة خير فيها. "ومن تزوجت رجلاً على أنه حر، فبان عبداً فلها الخيار" إن صح النكاح بأن كملت شروطه، وكان بإذن سيده. فإن اختارت الفسخ لم يحتج إلى حاكم، كمن عتقت تحت عبد. وإن اختارت إمضاءه فلأوليائها الاعتراض عليها إن كانت حرة، لعدم الكفاءة.

"وإن شرطت فيه صفة" ككونه نسيباً، أو عفيفاً، أو جميلاً ونحوه، "فبان أقل فلا فسخ لها" لأنه ليس بمعتبر في صحة النكاح، أشبه شرطها طوله وقصره، إلا إذا شرطته حراً فبان عبداً فلها الفسخ. "وتملك الفسخ من عتقت كلها تحت رقيق كله بغير حكم الحاكم" حكاه ابن المنذر، وابن عبد البر وغيرهما إجماعاً، لا إن كان حراً، وهو قول ابن عمر وابن عباس، لحديث عروة عن عائشة "أن بريرة أعتقت، وكان زوجها عبداً فخيرها رسول الله، صلى الله عليه وسلم" - ولو كان حراً لم يخيرها - رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه. فأما خبر الأسود عن عائشة "أنه، صلى الله عليه وسلم، خير بريرة، وكان زوجها حراً". رواه النسائي - فقد روى القاسم وعروة عنها "أنه كان عبداً" رواه البخاري. وهما أخص بها من الأسود، لأنهما ابن أخيها، وابن أختها. وقال ابن عباس: "كان زوج بريرة عبداً أسود لبني المغيرة يقال له: مغيث" رواه البخاري وغيره. قال أحمد: هذا ابن عباس وعائشة قالا: إنه عبد، رواية علماء المدينة وعملهم، وإذا روى أهل المدينة حديثاً، وعملوا به فهو أصح شيء، وإنما يصح أنه حر عن الأسود وحده. "فإن مكنته من وطئها، أو مباشرتها، أو قبلتها" بطل خيارها، لقوله، صلى الله عليه وسلم لبريرة: "إن قربك فلا خيار لك" رواه أبو داود. وروي عن ابن عمر وحفصة. قال ابن عبد البر: لا أعلم لهما مخالفاً من الصحابة.

"ولو جهلت عتقها، أو ملك الفسخ بطل خيارها" نص عليه، لعموم ما تقدم. وروى نافع عن ابن عمر "أن لها الخيار ما لم يمسها" رواه مالك. وقال القاضي وأبو الخطاب: لا يبطل، لأن تمكينها مع جهلها لا يدل على رضاها به. ذكره في الكافي. وقال في الشرح: وإن رضيت المقام معه لم يكن لها فراقه بعد. لا نعلم فيه خلافاً.

باب حكم العيوب في النكاح

باب حكم العيوب في النكاح مدخل ... باب حكم العيوب في النكاح: يثبت خيار العيب لكل واحد من الزوجين في الجملة. روي عن عمر وابن عباس. ذكره في الشرح. "وأقسامها المثبتة للخيار ثلاثة:" "قسم يختص بالرجل، وهو: كونه قد قطع ذكره، أو خصيتاه، أو أشل، فلها الفسخ في الحال" لأن فيه نقصاً يمنع الوطء أو يضعفه. وروى أبو عبيد بإسناده عن سليمان بن يسار أن ابن سند تزوج امرأة، وهو خصي، فقال له عمر: أعلمتها؟ قال: لا. قال: أعلمها، ثم خيرها. "وإن كان عنيناً بإقراره، أو ببينة، طلبت يمينه فنكل، ولم يدع وطئاً أجل سنة هلالية منذ ترافعه إلى الحاكم" روي ذلك عن: عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة بن شعبة وعليه فتوى فقهاء الأمصار. وقال ابن عبد البر: على هذا جميع القائلين بتأجيله. وأما قصة عبد الرحمن بن الزبير، فلم تثبت عنته، ولا طلبت المرأة ضرب المدة. قال ابن عبد البر: وقد صح أن ذلك كان بعد طلاقه، فلا معنى لضرب المدة. "فإن مضت" السنة.

"ولم يطأها فلها الفسخ" لأنه قول من سمينا من الصحابة، ولأنه إذا مضت الفصول الأربعة، ولم يزل، علم أنه خلقة. ولا يحتسب عليه منها ما اعتزلته فقط. "وقسم يختص بالأنثى، وهو: كون فرجها مسدوداً لا يسلكه ذكر، أو به بخر. أو قروح سيالة، أو كونها فتقاء، بانخراق ما بين سبيليها، أو كونها مستحاضة" 1 فيثبت الخيار للزوج، لأن ذلك يمنع الوطء، أو يمنع لذته، ولما فيه من النفرة أو النقص، أو خوف تعدي أذاه أو نجاسته. "وقسم مشترك، وهو: الجنون، ولو أحياناً، والجذام، البرص، وبخر الفم، والباسور، والناصور، واستطلاق البول أو الغائط، فيفسخ بكل عيب تقدم" 2 لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، تزوج امرأة من بني غفار، فرأى بكشحها بياضاً، فقال لها: "البسي ثيابك، والحقي بأهلك" رواه أحمد وسعيد في سننه. قال في الكافي: فثبت الرد بالبرص بالخبر، وقسنا عليه سائر العيوب، لأنها في معناه في منع الاستمتاع. انتهى. وقال عمر، رضي الله عنه: "أيما امرأة غر بها رجل، بها جنون أو جذام أو برص، فلها مهرها بما أصاب منها، وصداق الرجل على من غره" رواه مالك والدارقطني. "لا بغيره: كعور، وعرج، وقطع يد ورجل، وعمى، وخرس، وطرش" لأن ذلك لا يمنع الاستمتاع، ولا يخشى تعديه.

_ 1 البخر: الرائحة المنتنة. 2 الناصور: علة تحدث في البدن من المقعدة وغيرها بمادة خبيثة ضيقة الفم يعسر برؤها، وتقول الأطباء: كل قرحة تزمن في البدن فهي ناصور.

فصل ولا يثبت الخيار في عيب زال بعد العقد

فصل ولا يثبت الخيار في عيب زال بعد العقد: لزوال سببه، "ولا لعالم به وقت العقد" لدخوله على بصيرة، أشبه من اشترى ما يعلم عيبه. "والفسخ على التراخي لا يسقط في العنة إلا بقولها: رضيت" ونحوه، لأن العلم بعدم قدرته على الوطء لا يكون إلا بالتمكين، فلم يكن التمكين دليلاً على الرضى، فلم يبق إلا القول. "أو: باعترافها بوطئه في قبلها" فإن اعترفت بطل كونه عنيناً عند أكثر أهل العلم. ذكره في الشرح. "ويسقط في غير العنة بالقول، أو بما يدل على الرضى من وطء أو تمكين مع العلم" كمشتري المعيب، يسقط خياره بالقول، وبما يدل على رضاه بالعيب. "ولا يصح الفسخ هنا، وفي خيار الشرط بلا حاكم" لأنه فسخ مجتهد فيه بخلاف خيار المعتقة تحت عبد، فإنه متفق عليه. "فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر" لأن الفسخ إن كان منها فالفرقة من جهتها، فأسقطت مهرها كردتها، وإن كان منه، فإنما فسخ لعيب دلسته، فكأنه منها.

"وبعد الدخول أو الخلوة يستقر المسمى" لأنه نكاح صحيح فيه مسمى صحيح، فوجب المسمى كما لو ارتدت. "ويرجع به على المغر" له من زوجة وولي ووكيل، لما تقدم عن عمر وعنه: لا يرجع على أحد لأن ذلك يروى عن علي. قاله في الكافي. قال أحمد: كنت أذهب إلى قول علي فهبته، فملت إلى قول عمر. "وإن حصلت الفرقة من غير فسخ بموت أو طلاق فلا رجوع" لأن سببه الفسخ، ولم يوجد. "وليس لولي صغير أو مجنون أو رقيق تزويجه بمعيب" لأن فيه ضرراً بهم، وهو لا ينظر لهم إلا بما فيه الحظ والمصلحة. "فلو فعل لم يصح إن علم" العيب، لأنه عقد لهم عقداً لا يجوز عقده، كما لو باع عقاراً لمن في حجره لغير مصلحة. "وإلا" يعلم الولي أنه معيب "صح ولزمه الفسخ إذا علم" العيب، كما لو اشترى له معيباً.

باب نكاح الكفار

باب نكاح الكفار مدخل ... باب نكاح الكفار: تتعلق بأنكحتهم أحكام النكاح الصحيح: من وقوع الطلاق، والظهار، والإباحة للزوج الأول، والإحصان، وغير ذلك، لقوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} 1 {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} 2 فأضاف النساء إليهم، وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة. وقال صلى الله عليه وسلم "ولدت من نكاح لا سفاح" وإذا ثبتت الصحة ثبتت أحكامها، ولأنه أسلم خلق كثير في عصر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأقرهم على أنكحتهم، ولم يكشف عن كيفيتها. "يقرون على أنكحة محرمة ما داموا معتقدين حلها، ولم يرتفعوا إلينا" لأنه، صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ولم يتعرض لهم في أنكحتهم مع علمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم. وعنه في مجوسي تزوج كتابية، أو اشترى نصرانية: يحال بينه وبينها. فيخرج منه أنهم لا يقرون على نكاح المحارم، فإن عمر كتب أن: فرقوا بين كل ذي رحم من المجوس. "فإن أتونا قبل عقده عقدناه على حكمنا" بإيجاب وقبول، وولي

_ 1 المسد من الآية/ 4. 2 التحريم من الآية/ 11.

وشاهدي عدل منا، كأنكحة المسلمين، لقوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} 1. "وإن أسلم الزوجان معاً، أو أسلم زوج الكتابية، فهما على نكاحهما" ولم تتعرض لكيفية عقده، لما تقدم. قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معاً في حال واحدة أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن بينهما نسب أو رضاع. وعن ابن عباس "أن رجلاً جاء مسلماً على عهد النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت امرأته مسلمة بعده، فقال: يا رسول الله: إنها كانت مسلمة معي فردها عليه" رواه أبو داود. "وإن أسلمت الكتابية تحت زوجها الكافر" كتابي أو غيره قبل الدخول انفسخ النكاح. حكاه ابن المنذر إجماعاً، لأنه لا يجوز لكافر ابتداء نكاح مسلمة. "أو أسلم أحد الزوجين غير الكتابيين، وكان قبل الدخول انفسخ النكاح" لقوله تعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 2 وقال: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} 2. "ولها نصف المهر إن أسلم فقط" أي: دونها. "أو سبقها" بالإسلام لمجيء الفرقة من قبله كما لو طلقها. "وإن كان بعد الدخول وقف الأمر إلى انقضاء العدة" لحديث مالك في الموطأ عن ابن شهاب، قال: كان بين إسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو من شهر، أسلمت يوم الفتح، وبقي صفوان

_ 1 المائدة من الآية/ 42. 2 الممتحنة من الآية/ 10.

حتى شهد حنيناً والطائف وهو كافر، ثم أسلم، فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم، بينهما واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح قال ابن عبد البر: شهرة هذا الحديث أقوى من إسناده. وهذا بخلاف ما قبل الدخول، فإنه لا عدة لها. وقال ابن شبرمة: كان الناس على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته، فإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما. قال ابن عبد البر: لم يختلفوا فيه إلا شيء روى فيه عن النخعي شذ فيه: زعم أنها ترد إلى زوجها، وإن طالت المدة، لأنه، صلى الله عليه وسلم رد زينب على أبي العاص بالنكاح الأول رواه أبو داود. واحتج به أحمد، قيل له: أليس يروى أنه ردها بنكاح مستأنف؟ قال: ليس لذلك أصل. قيل: إن بين إسلامها وبين ردها إليه ثمان سنين. وفي حديث عمرو بن شعيب أنه ردها بنكاح جديد قال يزيد بن هارون: حديث ابن عباس أجود إسناداً، والعمل على حديث عمرو بن شعيب. "فإن أسلم المتخلف قبل انقضائها فعلى نكاحهما" لما سبق، "وإلا تبينا فسخه منذ أسلم الأول" منهما، لاختلاف الدين، ولا تحتاج لعدة ثانية. "ويجب المهر بكل حال" لاستقراره بالدخول.

فصل وإن أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع فأسلمن

فصل وإن أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع فأسلمن: في عدتهن. "أو لا، وكن كتابيات" لم يكن له إمساكهن، بغير خلاف. "واختار منهن أربعاً إن كان مكلفاً، وإلا فحتى يكلف" فيختار منهن، لأن غير المكلف لا حكم لقوله، ولا يختار عنه وليه، لأنه حق يتعلق بالشهوة، فلا يقوم غيره فيه مقامه. وسواء تزوجهن في عقد أو عقود، وسواء اختار الأوائل أو الأواخر. نص عليه، لعموم ما تقدم في باب المحرمات. "فإن لم يختر أجبر بحبس، ثم تعزير" ليختار، لأنه حق عليه، فأجبر على الخروج منه كسائر الحقوق. "وعليه نفقتهن إلى أن يختار" لوجوب نفقة زوجاته عليه، وقبل الاختيار لم تتعين زوجاته من غيرهن بتفريطه، وليست إحداهن أولى بالنفقة من الأخرى. "ويكفي في الاختيار: أمسكت هؤلاء، وتركت هؤلاء" ونحوه، كـ: أبقيت هؤلاء، وباعدت هؤلاء. "ويحصل الاختيار بالوطء، فإن وطئ الكل تعين" الأربع: "الأول" للإمساك، وما بعدهن للترك.

"ويحصل بالطلاق: فمن طلقها فهي مختارة" لأن الوطء والطلاق لا يكونان إلا في زوجة. "وإن أسلم الحر وتحته إماء فأسلمن في العدة اختار ما يعفه" منهن إلى أربع "إن جاز له نكاحهن" - أي: الإماء -: بأن كان عادم الطول خائف العنت "وقت اجتماع إسلامه بإسلامهن" تنزيلاً له منزلة ابتداء العقد. "وإن لم يجز له" نكاح الإماء "فسد نكاحهن" لأنهم لو كانوا جميعاً مسلمين لم يجز ابتداء نكاح واحدة منهن، فكذا استدامته. "وإن ارتد أحد الزوجين، أو هما معاً قبل الدخول انفسخ النكاح" في قول عامة أهل العلم، لقوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} 1 { ... لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 1 ولاختلاف دينهما. "ولها نصف المهر إن سبقها" بالردة، أو ارتد الزوج وحده دونها، لمجيء الفرقة من جهته، أشبه الطلاق. "وبعد الدخول تقف الفرقة على انقضاء العدة" لأن الردة اختلاف دين بعد الإصابة، فلا يوجب فسخه في الحال، كإسلام كافرة تحت كافر.

_ 1 الممتحنة من الآية/ 10.

كتاب الصداق

كتاب الصداق مدخل مدخل ... كتاب الصداق: الأصل فيه: الكتاب، والسنة، والإجماع. أما الكتاب فقوله تعالى: { ... أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ... } 1 وقوله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ... } 2 قال أبو عبيد: يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله. وقيل: نحلة من الله للنساء. وأما السنة: فقوله، صلى الله عليه وسلم، لعبد الرحمن: "ما أصدقتها؟ " قال: وزن نواة من ذهب. وأجمعوا على مشروعيته. "تسن تسميته في العقد" لأنه، صلى الله عليه وسلم. يزوج ويتزوج كذلك، ولأن تسميته أقطع للنزاع، وليست شرطاً، لقوله: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ... } 3. وروي أنه، صلى الله عليه وسلم: زوج رجلاً امرأة ولم يسم لها مهراً. "ويصح بأقل متمول" لحديث: "التمس ولو خاتماً من حديد" وعن عامر بن ربيعة: أن امرأة من فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول

_ 1 النساء من الآية/ 24. 2 النساء من الآية/ 4. 3 البقرة من الآية/ 236.

الله، صلى الله عليه وسلم: "أرضيت من مالك، ونفسك بنعلين؟ " قالت: نعم. فأجازه رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه. وأجمعوا على أن لا توقيت في أكثره. ذكره في الشرح. ويسن تخفيفه، لقول عمر: لا تغالوا في صدقات النساء.. الحديث، رواه أبو داود والنسائي. وعن عائشة مرفوعاً: "أعظم النساء بركةً أيسرهن مؤنة" رواه أبو حفص، ورواه أحمد بنحوه. "فإن لم يسم" فهو تفويض البضع، "أو سمى فاسداً" كخمر وحر، "صح العقد، ووجب مهر المثل" لأن المرأة لا تسلم إلا ببدل، ولم يسلم البدل، وتعذر رد العوض، لصحة النكاح فوجب بدله. "وإن أصدقها تعليم شيء من القرآن لم يصح" لأن الفروج لا تستباح إلا بالأموال، لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ ... } 1 وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} 2 والطول: المال. ولأن تعليم القرآن لا يقع إلا قربة لفاعله، فلم يصح أن يقع صداقاً، كالصوم والصلاة. وروي أن النبي، صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً على سورة من القرآن، ثم قال: "لا تكون لأحد بعدك مهراً". رواه النجاد وسعيد في سننه. وأما حديث الموهوبة - وقوله، عليه السلام، فيه "زوجتكها بما معك من القرآن" متفق عليه - فقيل: معناه: زوجتكها، لأنك من أهل القرآن، كما زوج أبا طلحة على

_ 1 النساء من الآية/ 24. 2 النساء من الآية/ 25.

إسلامه، وليس فيه ذكر التعليم، ويحتمل أن يكون خاصاً بذلك الرجل، لحديث النجاد. "وتعليم معين من فقه، أو حديث، أو شعر مباح، أو صنعة صح" لأن ذلك منفعة معلومة، كرعاية غنمها مدة معلومة، وخياطة ثوب معلوم، لقوله تعالى عن شعيب لموسى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ... } 1 ولأن منفعة الحر يجوز العوض عنها في الإجارة، فجازت صداقاً كمنفعة العبد. "ويشترط علم الصداق: فلو أصدقها داراً، أو دابة، أو ثوباً مطلقاً" بأن لم يعينه، ولم يصفه، ولم يقل: من عبيدي، "أو رد عبدها أين كان، أو خدمتها مدة فيما شاءت، أو ما يثمر شجره" مطلقاً، أو في هذا العام، "أو حمل أمته أو دابته لم يصح" الإصداق أي: التسمية. وهذا اختيار أبي بكر، لجهالة هذه الأشياء قدراً وصفة، والغرر فيها كثير، ومثل ذلك لا يحتمل، لأنه يؤدي إلى النزاع إذ لا أصل يرجع إليه. ولها مهر المثل، لما تقدم. "ولا يضر جهل يسير، فلو أصدقها عبداً من عبيده، أو دابة من دوابه، أو قميصاً من قمصانه صح، ولها أحدهم بقرعة" نص عليه، لأن الجهالة فيه يسيرة، ويمكن التعيين فيه بقرعة، ولأنه لو تزوجها على مهر مثلها صح على كثرة الجهل، فهذا أولى. "وإن أصدقها عتق قنه صح" لأنه يصح الإعتياض عنه.

_ 1 القصص من الآية/ 27.

"لا طلاق زوجته" لحديث ابن عمرو مرفوعاً: "لا يحل للرجل أن ينكح امرأة بطلاق أخرى". رواه أحمد. ولأن خروج البضع من الزوج ليس بتمول، ولها مهر مثلها، لفساد التسمية. "وإن أصدقها خمراً، أو خنزيراً، أو مالاً مغصوباً يعلمانه لم يصح المسمى" وصح النكاح. نص عليه، وهو قول عامة الفقهاء، لأن فساد العوض لا يزيد على عدمه، ولو عدم فالنكاح صحيح، فكذا إذا فسد، ولها مهر المثل، لما تقدم. "وإن لم يعلماه صح" النكاح، "ولها قيمته يوم العقد" لرضاها به وتسليمه ممتنع، فوجب الانتقال إلى قيمته يوم العقد، ولا تستحق مهر المثل، لعدم رضاها به. وإن أصدقها "عصيراً فبان خمراً صح" العقد، "ولها مثل العصير" لأنه مثلي، فالمثل أقرب إليه من القيمة، ولهذا يضمن به في الإتلاف.

فصل وللأب تزويج بنته مطلقا

فصل وللأب تزويج بنته مطلقاً: بكراً أو ثيباً. "بدون صداق مثلها وإن كرهت" نص عليه، لقول عمر: "لا تغالوا في صداق النساء ... ". وكان ذلك بمحضر من الصحابة، ولم ينكر فكان اتفاقاً منهم على أن يزوج بذلك، وإن كان دون صداق المثل.

وزوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين، وهو من أشراف قريش نسباً وعلماً وديناً، ومن المعلوم أنهما ليسا مهر مثلها، ولأن المقصود من النكاح السكن، والازدواج، ووضع المرأة في منصب عند من يكفيها، ويصونها، ويحسن عشرتها دون العوض، والظاهر من الأب مع شفقته أنه لا ينقصها من صداقها إلا لتحصيل المعاني المقصودة بالنكاح. "ولا يلزم أحداً تتمته" لا الزوج، ولا الأب، لصحة التسمية. "وإن فعل ذلك غير الأب بإذنها مع رشدها صح" ولا اعتراض، لأن الحق لها وقد أسقطته. "وبدون إذنها يلزم الزوج تتمته" أي: مهر المثل، لفساد التسمية، لأنها غير مأذون فيها فوجب على الزوج مهر المثل. "فإن قدرت لوليها مبلغاً فزوجها بدونه ضمن" النقص، ولو كان أكثر من مهر المثل. "وإن زوج ابنه فقيل له: ابنك فقير من أين يؤخذ الصداق؟! فقال: عندي لزمه" المهر عنه، لأنه صار ضامناً بذلك، وكذا لو ضمنه غير الأب. "وليس للأب قبض صداق بنته الرشيدة، ولو بكراً إلا بإذنها" لأنها المتصرفة في مالها، فاعتبر إذنها في قبضه كثمن مبيعها. "فإن أقبضه الزوج لأبيها لم يبرأ، ورجعت عليه، ورجع هو على أبيها. وإن كانت غير رشيدة سلمه إلى وليها في مالها" لأنه مال لها، فأشبه ثمن مبيعها. ويجوز لأبي المرأة أن يشترط بعض الصداق أو كله

لنفسه إن صح تملكه من مال ولده، لقوله: { ... عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} 1 فجعل الصداق الإجارة على رعاية غنمه، وهو شرط لنفسه. وروي عن مسروق أنه لما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة آلاف، فجعلها في الحج والمساكين، ثم قال للزوج: جهز امرأتك. وروي نحوه عن الحسين. "وإن تزوج العبد بإذن سيده صح" قال في الشرح، بغير خلاف نعلمه. "وعلى سيده المهر والنفقة والكسوة والمسكن" نص عليه، لأن ذلك تعلق بعقد بإذن سيده، فتعلق بذمة السيد كثمن ما اشتراه بإذنه. "وإن تزوج بلا إذنه لم يصح" النكاح. نص عليه، لحديث جابر مرفوعاً: "أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر". رواه أحمد والترمذي وحسنه. والعهر: دليل بطلان النكاح. قال في الشرح: وأجمعوا على أنه ليس له النكاح بغير إذن سيده، فإن فعل ففيه روايتان: أظهرهما البطلان. وهو قول: عثمان، وابن عمر، والشافعي. وعنه: موقوف على إجازة السيد، وهو قول أصحاب الرأي. انتهى. "فلو وطئ" في نكاح لم يأذن فيه سيده "وجب في رقبته مهر المثل" لأن قيمة البضع الذي أتلفه بغير حق أشبه أرش الجناية.

_ 1 القصص من الآية/ 27.

فصل وتملك الزوجة بالعقد جميع المسمى

فصل وتملك الزوجة بالعقد جميع المسمى: لحديث: "إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك" ولأن النكاح عقد يملك فيه المعوض بالعقد، فملك به العوض كاملاً، وسقوط نصفه بالطلاق قبل الدخول لا يمنع وجوب جميعه بالعقد. "ولها نماؤه إن كان معيناً" متميزاً من حين العقد، لأنه نماء ملكها، ولحديث: "الخراج بالضمان". "ولها التصرف فيه" ببيع ونحوه، لأنه ملكها، إلا نحو مكيل قبل قبضه. "وضمانه ونقصه عليها" لتمام ملكها عليه، إلا نحو مكيل. "إن لم يمنعها قبضه" فإن منعها ضمن، لأنه كالغاصب بالمنع. "وإن أقبضها الصداق، ثم طلق قبل الدخول، رجع عليها بنصفه إن كان باقياً" ولم يزد ولم ينقص، لما يأتي. "وإن كان قد زاد زيادة منفصلة" كحمل وولادة "فالزيادة لها" لأنها نماء ملكها، ويرجع في نصف الأصل، لعدم ما يمنعه. "وإن كان تالفاً رجع في المثلي بنصف مثله، وفي المتقوم بنصف قيمته يوم العقد" ويشارك بما يرجع به الغرماء كسائر الديون.

"والذي بيده عقدة النكاح الزوج" لا ولي الصغيرة. روي عن علي وابن عباس وجبير بن مطعم، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "ولي العقد الزوج". رواه الدارقطني. ولأن الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج، لتمكنه من قطعه وإمساكه، وليس إلى الولي منه شيء، ولقوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 1 والعفو الذي هو أقرب للتقوى: هو: عفو الزوج من حقه. وأما عفو الولي عن مال المرأة فليس هو أقرب للتقوى. وعنه: أنه الأب، فله أن يعفو عن نصف صداق الصغيرة إذا طلقت قبل الدخول. قال في الكافي: والمذهب الأول، قال أبو حفص: ما أرى القول الأول إلا قديماً. "فإذا طلق قبل الدخول: فأي الزوجين عفا لصاحبه عما وجب له من" نصف. "المهر، وهو جائز التصرف" بأن كان مكلفاً رشيداً "برئ منه صاحبه" لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} 1. وقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} 2. "وإن وهبته صداقها قبل الفرقة، ثم حصل ما ينصفه: كطلاق" وخلع. "رجع عليها ببدل نصفه، وإن حصل ما يسقطه" كردتها، ورضاعها

_ 1 البقرة من الآية/ 237. 2 النساء من الآية/ 4.

من ينفسخ به نكاحها، ولعانها، وفسخه لعيبها، وفسخها لعيبه أو إعساره، أو عدم وفائه بشرط شرط عليه في النكاح قبل الدخول. "رجع ببدل جميعه" لأن عود نصف الصداق، أو كله إلى الزوج بالطلاق، أو الردة، وهما غير الجهة المستحق بها الصداق أولاً، فأشبه ما لو أبرأ إنساناً آخر من دين، ثم ثبت له عليه مثله من وجه آخر، وكما لو اشتراه من زوجته، ثم طلقها أو ارتدت فإنه يرجع عليها ببدل نصفه أو كله.

فصل فيما يسقط الصداق وينصفه ويقرره

فصل فيما يسقط الصداق وينصفه ويقرره: "يسقط كله قبل الدخول حتى المتعة" أي: ولا يجب متعة بدلاً عنه. "بفرقة اللعان" لأن الفسخ من قبلها، لأنه إنما يكون إذا تم لعانها، "وبفسخه لعيبها" لتلف المعوض قبل تسليمه، فسقط العوض كله: كتلف مبيع بنحو كيل قبل تسليمه. "وبفرقة من قبلها: كفسخها لعيبه، وإسلامها تحت كافر، وردتها تحت مسلم، ورضاعها من ينفسخ به نكاحها" لحصول الفرقة بفعلها، وهي المستحقة للصداق، فسقط به. "ويتنصف بالفرقة من قبل الزوج: كطلاقه، وخلعه، وإسلامه، وردته" لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} 1 الآية. وقسنا عليه سائر ما استقل به الزوج، لأنه في معناه، ذكره في الكافي.

_ 1 البقرة من الآية/ 237.

"وبملك أحدهما الآخر" فإن اشترته تم البيع بالسيد، وهو قائم مقام الزوج، فلم تنمحض الفرقة من جهتها. "أو قبل أجنبي كرضاع" أمه أو أخته، ونحوهما زوجة له صغرى رضاعاً محرماً. "ونحوه" كوطء أبي الزوج، أو ابنة الزوجة، وكذا لو طلق حاكم على مؤل قبل دخول، لأنه لا فعل للزوجة في ذلك، فيسقط به صداقها، ويرجع الزوج بما لزمه على المفسد، لأنه قرره عليه. "ويقرره كاملاً موت أحدهما" لبلوغ النكاح نهايته، فقام ذلك مقام الاستيفاء في تقرير المهر، ولأنه أوجب العدة فأوجب كمال المهر كالدخول، ولحديث بروع، ويأتي. "ووطؤه" أي: وطء زوج زوجته، لأنه استوفى المقصود فاستقر عليه عوضه. "ولمسه لها، ونظره إلى فرجها لشهوة" نص عليه، لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ... } 1 الآية. وحقيقة المس: التقاء البشرتين. وعن محمد ابن عبد الرحمن بن ثوبان مرفوعاً: "من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق، دخل بها، أو لم يدخل". رواه الدارقطني. "وبطلاقها في مرض ترث فيه" لأنه نوع استمتاع، أشبه الوطء. "وتقبيلها، ولو بحضرة الناس" لأنه يجب عليها عدة الوفاة إذاً، ومعاملة له بضد قصده، كالفار بالطلاق من الإرث، والقاتل.

_ 1 البقرة من الآية/ 237.

"وبخلوته بها عن مميز، إن كان يطأ مثله" كابن عشر فأكثر "ويوطأ مثلها" كبنت تسع فأكثر، مع علمه بها ولم تمنعه، وإن لم يطأها. روي عن الخلفاء الراشدين، وزيد وابن عمر. روى الإمام أحمد والأثرم عن زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق باباً، أو أرخى ستراً، فقد وجب المهر، ووجبت العدة ورواه أيضاً عن الأحنف عن ابن عمر وعلي. وهذه قضايا اشتهرت، ولم يخالفهم أحد في عصرهم، فكان كالإجماع. ولأنها سلمت نفسها التسليم الواجب عليها، فاستقر صداقها. وأما قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ... } 1 فيحتمل أنه كنى بالمسبب عن السبب الذي هو الخلوة، بدليل ما سبق. وأما قوله: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} 2 فعن الفراء أنه قال: الإفضاء: الخلوة، دخل بها أو لم يدخل، لأن الإفضاء مأخوذ من الفضاء، وهو: الخالي، فكأنه قال: وقد خلا بعضكم إلى بعض.

_ 1 البقرة من الآية/ 237. 2 النساء من الآية/ 21.

فصل وإذا اختلفا في قدر الصداق

فصل وإذا اختلفا في قدر الصداق: "أو جنسه، أو ما يستقر به، فقول الزوج أو وارثه" بيمينه لأنه منكر، لحديث: "البينة على المدعي، واليمين على من أنكر" ولأن الأصل براءته مما يدعى عليه. "وفي القبض أو تسمية المهر" بأن قال: لم أسم لك مهراً، وقالت: بل سميت لي قدر مهر المثل.

"فقولها أو وارثها" لأن الأصل عدم القبض، ولأن الظاهر تسميته. "وإن تزوجها بعقدين على صداقين: سر، وعلانية، أخذ بالزائد" مطلقاً، لأنه إن كان السر أكثر فقد وجب بالعقد، ولم يسقطه العلانية، وإن كان العلانية أكثر فقد بذل لها الزائد فلزمه، كما لو زادها في صداقها بعد تمام العقد، لقوله تعالى: { ... فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ... } 1 "وهدية الزوج ليست من المهر" نص عليه. "فما قبل العقد إن وعدوه لم يفوا رجع بها" قاله الشيخ تقي الدين. فإن كان الإعراض منه أو ماتت فلا رجوع له. "وترد الهدية في كل فرقة اختيارية مسقطة للمهر" كفسخ لعيب ونحوه قبل الدخول، لدلالة الحال على أنه وهب بشرط بقاء العقد، فإذا زال ملك الرجوع، كالهبة بشرط الثواب. "وتثبت كلها" أي: الهدية "مع مقرر له" أي: المهر، كوطء، وخلوة "أو لنصفه" كطلاق ونحوه، لأنه المفوت على نفسه.

_ 1 النساء من الآية/ 24.

فصل لمن زوجت بلا مهر

فصل لمن زوجت بلا مهر: وهي: المفوضة. والتفويض: الإهمال، كأن المهر أهمل حيث لم يسم - قال الشاعر: لا تصلح الناس فوضى لا سراة لهم1 أي: مهملين مهر مثلها، والعقد صحيح في قول عامة أهل العلم. قاله في الشرح، لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ... } 2. وعن ابن مسعود: أنه سئل عن امرأة تزوجها رجل، ولم يفرض لها صداقاً، ولم يدخل بها حتى مات. فقال ابن مسعود: لها صداق نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث. فقام معقل بن سنان الأشجعي، فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بروع بنت واشق - امرأة منا - مثل ما قضيت. رواه أبو داود والترمذي، وصححه. وعن عقبة بن عامر أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "أترضى أن أزوجك فلانة؟ " قال: نعم. وقال للمرأة: "أترضين أن أزوجك فلاناً؟ " قالت: نعم. فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها الرجل، ولم يفرض لها صداقاً، ولم يعطها شيئاً. فلما حضرته الوفاة، قال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم

_ 1 وتتمة البيت: ولا سراة إذا جهالهم سادوا. 2 البقرة من الآية/ 236.

زوجني فلانة، ولم أفرض لها صداقاً. ولم أعطها شيئاً فأشهدكم أني قد أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر فأخذت سهماً، فباعته بمائة ألف. رواه أبو داود "أو بمهر فاسد" كخمر، أو خنزير. "فرض مهر مثلها عند الحاكم" قبل الدخول وبعده، لأن النكاح لا يخلو من مهر. قال في الشرح: ولا نعلم فيه مخالفاً. انتهى. ولأن الزيادة على مهر المثل ميل على الزوج، والنقص عنه ميل على الزوجة، والميل حرام. "فإن تراضيا فيما بينهما، ولوعلى قليل صح، ولزم" لأن الحق لا يعدوهما. "فإن حصلت لها فرقة منصفة للصداق في فرضه، أو تراضيهما وجبت لها المتعة" نص عليه. وهو قول ابن عمر، وابن عباس، لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ ... } 1. والأمر يقتضي الوجوب، وأداء الواجب من الإحسان، فلا تعارض ولا متعة لغيرها في ظاهر المذهب، لأنه لما خص بالآية من لم يفرض لها، ولم يمسها دل على أنها لا تجب لمدخول بها ولا مفروض لها. وقال تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} 2. فخص الأولى بالمتعة، والثانية بنصف المفروض، مع

_ 1 البقرة من الآية/ 236. 2 البقرة من الآية/ 237.

تقسيمه النساء قسمين، فدل على اختصاص كل قسم بحكمه. وروى عنه حنبل: لكل مطلقة متاع. روي عن علي وغيره لقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} 1 وقال تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} 2. قال أبو بكر: العمل عندي على هذه الرواية، لولا تواتر الروايات عنه بخلافها، فتعين حمل هذه الرواية على الاستحباب، جمعاً بين دلالة الآيات. ذكر معناه في الكافي والشرح، قال في الكافي: فأما المتوفى عنها فلا متعة لها، بغير خلاف، لأن الآية لم تتناولها، ولا هي في معنى المنصوص عليه، والمتعة معتبرة بحال الزوج "على الموسر قدره، وعلى المقتر قدره" نص عليه، للآية. "فأعلاها خادم" إذا كان الزوج موسراً. "وأدناها: كسوة تجزئها في صلاتها إذا كان معسراً" وأوسطها: ما بين ذلك، لقول ابن عباس: أعلى المتعة: خادم، ثم دون ذلك النفقة، ثم دون ذلك الكسوة. وهذا تفسير من الصحابي، فيجب الرجوع إليه. قاله في الكافي.

_ 1 البقرة من الآية/ 241. 2 الأحزاب من الآية/ 49.

فصل ولا مهر في النكاح الفاسد إلا بالخلوة أو الوطء

فصل ولا مهر في النكاح الفاسد إلا بالخلوة أو الوطء: لأن العقد الفاسد وجوده كعدمه ولم يستوف المعقود عليه، أشبه البيع الفاسد والإجارة الفاسدة إذا لم يتسلم. "فإن حصل أحدهما" أي: الخلوة، أو الوطء. "استقر المسمى إن كان" نص عليه، لأن في بعض ألفاظ حديث عائشة: " ... ولها الذي أعطاها بما أصاب منها" قال القاضي: حدثناه أبو بكر البرقاني، وأبو محمد الخلال بإسنادهما. ولاتفاقهما على أن المهر واستقراره بالخلوة بقياسه على النكاح الصحيح. "وإلا فمهر المثل" وقال في الشرح: ولا يستقر بالخلوة في قول الأكثر. "ولا مهر في النكاح الباطل" بالإجماع، كنكاح خامسة، أو ذات زوج، أو معتدة، "إلا بالوطء في القبل" لقوله صلى الله عليه وسلم: "فلها المهر بما استحل من فرجها" أي: نال منه، وهو: الوطء. ولأنه إتلاف لبضع بغير رضى مالكه، فأوجب القيمة، وهو: المهر، كسائر المتلفات. "وكذا الموطوءة بشبهة، والمكرهة على الزنى" فيجب لكل منهما مهر المثل بالوطء لذلك.

"لا المطاوعة" على الزنى، فلا يجب لها المهر، لأنه إتلاف بضع برضى مالكه، فلم يجب له شيء كسائر المتلفات. "ما لم تكن أمة" فيجب لسيدها مهر مثلها على زان بها، ولو مطاوعة، لأنها لا تملك بضعها، فلا يسقط حق سيدها بطواعيتها. "ويتعدد المهر بتعدد الشبهة" كأن وطئها ظاناً أنها زوجته خديجة، ثم وطئها ظاناً أنها زوجته زينب، ثم وطئها ظاناً أنها سريته، فيجب لها ثلاثة مهور. "و" يتعدد المهر بتعدد. "الإكراه" فإن اتحدت الشبهة أو الإكراه، وتعدد الوطء فمهر واحد. "وعلى من أزال بكارة أجنبية بلا وطء أرش البكارة" لأنه إتلاف جزء لم يرد الشرع بتقدير عوضه، فيرجع فيه إلى أرشه كسائر المتلفات، وهو ما بين مهرها بكراً وثيباً. وقيل: أرشه حكومة. "وإن أزالها الزوج، ثم طلق قبل الدخول لم يكن عليه إلا نصف المسمى إن كان" لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ... } 1 الآية. وهذه مطلقة قبل المسيس والخلوة، فليس لها إلا نصف المسمى. "وإلا فالمتعة" لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ... } 2. "ولا يصح تزويج من نكاحها فاسد" كالنكاح بلا ولي.

_ 1 البقرة من الآية/ 237. 2 البقرة من الآية/ 236.

"قبل الفرقة" بطلاق أو فسخ لأنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد، فاحتاج إلى إيقاع فرقة، كالصحيح المختلف فيه، بخلاف النكاح الباطل. "فإن أباها الزوج فسخها الحاكم" نص عليه، لقيامه قيام الممتنع. وللزوجة قبل الدخول منع نفسها من زوجها، حتى تقبض مهرها الحال، مسمى لها كانت، أو مفوضة. حكاه ابن المنذر إجماعاً. ولها النفقة زمن منع نفسها، لقبضه، لأن المنع من قبل الزوج. نص عليه. لا مهرها المؤجل، ولو حل، لأنها رضيت بتأخيره.

باب الوليمة وآداب الأكل

باب الوليمة وآداب الأكل مدخل ... باب الوليمة وآداب الأكل: "وليمة العرس سنة مؤكدة" لأنه صلى الله عليه وسلم، فعلها - كما في حديث أنس - وأمر بها عبد الرحمن بن عوف حين قال له: تزوجت. فقال له: "أولم ولو بشاة" متفق عليهما. قال في الشرح: وليست واجبة في قول الأكثر. "والإجابة إليها في المرة الأولى واجبة، إن كان لا عذر ولا منكر" قال ابن عبد البر: لا خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة لمن دعي إليها، إذا لم يكن فيها لهو، لقوله صلى الله عليه وسلم: "شر الطعام طعام الوليمة، يدعى إليها الأغنياء، ويترك الفقراء. ومن لم يجب، فقد عصى الله ورسوله". وعن ابن عمر مرفوعاً: "أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها". وكان ابن عمر يأتي الدعوى في العرس وغير العرس، ويأتيها وهو صائم. متفق عليهما. وإن علم أن في الدعوى منكراً:

كزمر وخمر وآلة لهو، وأمكنه الإنكار، حضر وأنكر، لأنه يجمع بين واجبين: إجابة أخيه المسلم، وإزالة المنكر. وإن لم يمكنه الإنكار لم يحضر، لحديث ابن عمر مرفوعاً: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر" رواه أحمد. "وفي الثانية: سنة. وفي الثالثة: مكروهة" لحديث: "الوليمة أول يوم: حق، والثاني: معروف، والثالث: رياء وسمعة". رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه. "وإنما تجب" الإجابة للوليمة، "إذا كان الداعي مسلماً يحرم هجره" بخلاف، نحو رافضي، ومتجاهر بمعصية. "وكسبه طيب. فإن كان في ماله حرام، كرهت إجابته، ومعاملته، وقبول هديته" وهبته، وصدقته. "وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته" جزم به في المغني والشرح وغيرهما. "وإن دعاه اثنان فأكثر، وجبت عليه إجابة الكل، إن أمكنه الجمع" بأن اتسع الوقت، "وإلا" يمكن الجمع، "أجاب: الأسبق قولاً" لوجوب إجابته بدعائه، فلا يسقط بدعاء من بعده، "فالأدين" لأنه الأكرم عند الله، "فالأقرب رحماً" لما في تقديمه من صلته،

"فجواراً" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتمع الداعيان فأجب أقربهما باباً، فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً، فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق". رواه أحمد، وأبو داود. "ثم يقرع" إن استويا، أو استووا في ذلك، فيقدم من خرجت له القرعة، لأنها تميز المستحق عند استواء الحقوق. "ولا يقصد بالإجابة نفس الأكل، بل ينوي الإقتداء بالسنة، وإكرام أخيه المؤمن، ولئلا يظن به التكبر" رجاء أن يثاب على نيته. "ويستحب أكله ولو صائماً" تطوعاً، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم: كان في دعوة، وكان معه جماعة، فاعتزل رجل من القوم ناحية، فقال صلى الله عليه وسلم: "دعاكم أخوكم وتكلف لكم. كل يوماً، ثم صم يوماً مكانه إن شئت". "إلا صوماً واجباً" فلا، لأنه يحرم قطعه، لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} 1 وعن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليدع، وإن كان مفطراً فليطعم" رواه أبو داود. ويستحب إعلامهم بصيامه، لأنه يروى عن عثمان وابن عمر. وليعلموا عذره، وتزول التهمة. "وينوي بأكله وشربه التقوي على الطاعة" لتنقلب العادة عبادة. "ويحرم الأكل بلا إذن صريح أو قرينة، ولو من بيت قريبه أو صديقه" لحديث ابن عمر مرفوعاً: "من دخل على غير دعوة، دخل سارقاً، وخرج مغيراً" رواه أبو داود. وقال في الآداب: ويباح الأكل من بيت القريب

_ 1 محمد من الآية/ 33.

والصديق من مال غير محرز عنه، إذا علم أو ظن رضي صاحبه بذلك، نظراً إلى العادة والعرف. "والدعاء إلى الوليمة، وتقديم الطعام إذن في الأكل" حديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا دعي أحدكم إلى طعام، فجاء مع الرسول، فذلك إذن لك". رواه أحمد وأبو داود، وقال ابن مسعود: "إذا دعيت فقد أذن لك" رواه أحمد. "ويقدم ما حضر من الطعام من غير تكلف" لما روى أحمد في المسند: أن سلمان دخل عليه رجل، فدعا له بما كان عنده، فقال: لولا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهانا - أو قال: لولا أنا نهينا - أن يتكلف أحدنا لصاحبه، لتكلفنا لك. ويباح النثار والتقاطه، لأنه صلى الله عليه وسلم: نحر خمس بدنات، وقال: "من شاء اقتطع" رواه أحمد وأبو داود. وهذا جار مجرى النثار، لأنه نوع إباحة. وعنه: يكره، لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن النهبى والمثلة. رواه أحمد والبخاري. ولأن فيه دناءة. وخبر البدنات يدل على إباحته في الجملة. ومن أخذ منه شيئاً ملكه، لأنه نوع إباحة، أشبه ما يأكله الضيفان. وإن قسم على الحاضرين كان أولى بلا خلاف، لقول أبي هريرة: قسم النبي، صلى الله عليه وسلم، يوماً بين أصحابه تمراً، فأعطى كل إنسان سبع تمرات ... الحديث، رواه البخاري. وفرق الإمام أحمد على الصبيان الجوز، لكل واحد خمسة خمسة، لما حذق ابنه حسن. "ولا يشرع تقبيل الخبز" لحديث عائشة: دخل علي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرأى كسرة ملقاة، فأخذها فمسحها ثم أكلها، وقال: "يا عائشة، أكرمي كريمك، فإنها ما نفرت عن قوم، فعادت إليهم".

رواه ابن ماجه. ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر له بنحوه، ولفظه: "أحسني جوار نعم الله عليك". قال في الآداب: فهذا الخبر يدل على عدم التقبيل، لأن هذا محله كما يفعل في هذا الزمان. "وتكره إهانته، ومسح يديه به، ووضعه تحت القصعة" نص عليه، لما تقدم، وكره أحمد الخبز الكبار، وقال: ليس فيه بركة. ويجوز قطع اللحم بالسكين، لما روى البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم كان يحتز من كتف شاة ... الحديث. احتج به أحمد. وسئل عن حديث النهي عنه، فقال: ليس بصحيح.

فصل ويستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده

فصل ويستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده: لحديث أنس مرفوعاً: "من أحب أن يكثر خير بيته، فليتوضأ إذا حضر غداؤه، وإذا رفع". إسناده ضعيف. رواه ابن ماجه وغيره. وعن سلمان مرفوعاً: "بركة الطعام: الوضوء قبله وبعده". قال جماعة من العلماء: المراد بالوضوء هنا: غسل اليدين، لا الوضوء الشرعي. وعنه: يكره قبله. اختاره القاضي. قال الشيخ تقي الدين: من كرهه، قال: هذا من فعل اليهود، فيكره التشبه بهم. "وتسن التسمية جهراً على الطعام والشراب" لحديث عائشة مرفوعاً: "إذا أكل أحدكم، فليذكر اسم الله، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله، فليقل: بسم الله أوله وآخره". وقيس عليه الشرب.

"وأن يجلس على رجله اليسرى، وينصب اليمنى" لأنه صلى الله عليه وسلم جثا عند الأكل، وقال: "أما أنا فلا آكل متكأً". رواه مسلم. أي: بل مستوفزاً بحسب الحاجة. وعن أنس: أنه صلى الله عليه وسلم أكل مقعياً تمراً - وفي لفظ - يأكل منه أكلاً ذريعاً رواه مسلم. "أو يتربع" وجعل بعضهم التربع من الاتكاء. "ويأكل بيمينه بثلاثة أصابع مما يليه" لقوله صلى الله عليه وسلم، لعمر بن أبي سلمة: "يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك". متفق عليه. وعن كعب بن مالك قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأكل بثلاث أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها" رواه الخلال. "ويصغر اللقمة، ويطيل المضغ" قال الشيخ تقي الدين: على أن هذه المسألة لم أجدها مأثورة، ولا عن أبي عبد الله، لكن فيها مناسبة. وقال أيضاً: نظير هذا ما ذكره الإمام أحمد من استحباب تصغير الأرغفة. نقله عنه في الآداب. "ويمسح الصحفة" لحديث جابر: أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بلعق الأصابع والصحفة، وقال: "إنكم لا تدرون في أية البركة" رواه مسلم. "ويأكل ما تناثر" لحديث جابر مرفوعاً: "إذا وقعت لقمة أحدكم، فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذىً، ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان ... ". الحديث، رواه مسلم. "ويغض طرفه عن جليسه" لئلا يستحي.

"ويؤثر المحتاج" لقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ... } 1 الآية. "ويأكل مع الزوجة والمملوك والولد ولو طفلاً" لقول عائشة "كنت أتعرق العرق، فأناوله النبي، صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع في..". الحديث. "وأكل معه صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة وهو صغير". "ويعلق أصابعه" لما تقدم. "ويخلل أسنانه" لما روي عن ابن عمر: "ترك الخلال يوهن الأسنان" ورفعه بعضهم. وفي حديث: "تخللوا من الطعام، فإنه ليس شيء أشد على الملك الذي على العبد أن يجد من أحدكم ريح الطعام". "ويلقي ما أخرجه الخلال، ويكره أن يبتلعه، فإن قلعه بلسانه لم يكره" لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "من أكل فما تخلل فليلفظ، وما لاك بلسانه فليبلع. من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج". رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. "ويكره نفخ الطعام" والشراب. قال في الآداب: أطلقه الأصحاب، لظاهر الخبر. انتهى. وعن ابن عباس مرفوعاً: "نهى أن يتنفس في الإناء، أو ينفخ فيه". "وكونه حاراً" لأنه لا بركة فيه. وقال أبو هريرة: "لا يؤكل طعام حتى يذهب بخاره" رواه البيهقي بإسناد حسن. "وأكله بأقل" من ثلاث أصابع لأنه كبر،

_ 1 الحشر من الآية/ 9.

"أو أكثر من ثلاث أصابع" لأنه شره. ولم يصحح الإمام أحمد حديث أكله صلى الله عليه وسلم بكفه كلها. "أو بشماله" بلا ضرورة، لأنه تشبه بالشيطان. وذكره النووي في الشرب إجماعاً. وذكر ابن عبد البر وابن حزم: أن الأكل بالشمال محرم، لظاهر الأخبار. "أو من أعلى الصحفة: أو وسطها" لقوله: " ... وكل مما يليك ... ". وعن ابن عباس مرفوعاً: "إذا أكل أحدكم طعاماً، فلا يأكل من أعلى الصحفة، ولكن ليأكل من أسفلها، فإن البركة تنزل من أعلاها" وفي لفظ آخر "كلوا من جوانبها، ودعوا ذروتها، يبارك فيها" رواهما ابن ماجه. "ونفض يده في القصعة، وتقديم رأسه إليها عند وضع اللقمة في فمه" لأنه ربما سقط منه شيء فيها فيقذرها. "وكلامه بما يستقذر" إذا أكل مع غيره، أو بما يضحكهم أو يحزنهم. قاله الشيخ عبد القادر. وكذا فعله ما يستقذر: كتمخط. "وأكله متكئاً، أو مضطجعاً" لما تقدم. وقال ابن هبيرة: أكل الرجل متكئاً يدل على استخفافه بنعمة الله. وعن ابن عمر نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل وهو منبطح على بطنه رواه أبو داود. "وأكله كثيراً بحيث يؤذيه" لحديث: "ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطن..". الحديث، رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه. وعن سمرة بن جندب أنه قيل له: إن ابنك بات البارحة بشماً، فقال: أما لو مات

لم أصل عليه قال الشيخ تقي الدين: يعني: أنه أعان على قتل نفسه. انتهى. فإن لم يؤذه جاز، لقوله، صلى الله عليه وسلم، لأبي هريرة "اشرب" - أي: من اللبن - فشرب، ثم أمره ثانياً، وثالثاً، حتى قال: والذي بعثك بالحق ما أجد له مساغاً" رواه البخارى. "أو قليلاً بحيث يضره" لحديث "لاضرر ولا ضرار" وقيل لأحمد هؤلاء الذين يأكلون قليلاً، ويقللون طعامهم. قال: ما يعجبني، سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: فعل قوم هكذا فقطعهم عن الفرض. رواه الخلال. "ويأكل ويشرب مع أبناء الدنيا بالأدب والمروءة، ومع الفقراء بالإيثار، ومع العلماء بالتعليم، ومع الإخوان بالانبساط، وبالحديث الطيب والحكايات التي تليق بالحال" إذا كانوا منقبضين. قال معناه الإمام أحمد. وقال جعفر بن محمد: قال لي أحمد: كل. فلما رأى ما نزل بي قال: إن الحسن كان يقول: والله لتأكلن، وكان ابن سيرين يقول: إنما وضع الطعام ليؤكل، وكان إبراهيم بن أدهم يبيع ثيابه، وينفقها على أصحابه. قال: فانبسطت فأكلت، فقال: لتأكلن هذه، انتهى. "وما جرت به العادة من إطعام السائل ونحو الهر، ففي جوازه وجهان" قال في الآداب والفروع: والأولى جوازه، لحديث أنس في الدباء وفيه "فجعلت أجمع الدباء بين يديه" رواه البخاري. وقال: قال ابن المبارك: لا بأس أن يناول بعضهم بعضاً، ولا يناول من هذه المائدة إلى مائدة أخرى.

فصل ويسن أن يحمد الله إذا فرغ من أكله أو شربه

فصل ويسن أن يحمد الله إذا فرغ من أكله أو شربه: لحديث: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها" رواه مسلم. "ويقول: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة" لحديث معاذ بن أنس الجهني مرفوعاً: "من أكل طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه ابن ماجه. "ويدعو لصاحب الطعام" لقول جابر: صنع أبو الهيثم بن التيهان للنبي، صلى الله عليه وسلم طعاماً، فدعاه وأصحابه، فلما فرغوا، قال: "أثيبوا أخاكم". قالوا: يا رسول الله: وما إثابته؟ قال: "إن الرجل إذا دخل بيته، وأكل طعامه، وشرب شرابه، فدعوا له، فذلك إثابته" رواه أبو داود. ويؤيده حديث: "ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه". "ويفضل منه شيئاً ولا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته" أو كان ثم حاجة. قال أبو أيوب كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا أتي بطعام أكل، وبعث بفضله إلي. فيسأل أبو أيوب عن موضع أصابعه، فيتبع موضع أصابعه. "ويسن إعلان النكاح والضرب عليه بدف لا حلق فيه ولا صنوج"

لحديث عائشة مرفوعاً: "أعلنوا هذا النكاح، واضربوا عليه بالغربال" رواه ابن ماجه. وحديث "فصل ما بين الحلال والحرام: الدف، والصوت في النكاح" رواه الخمسة، إلا أبا داود. قال الموفق: "للنساء" وفي الرعاية: "ويكره للرجال" مطلقاً. قال في الفروع: وظاهر نصوصه، وكلام الأصحاب: التسوية. انتهى. وهو ظاهر النصوص. "ولا بأس بالغزل في العرس" لقوله، صلى الله عليه وسلم، للأنصار. "أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم ولولا الذهب الأحمر ... لما حلت بواديكم ولولا الحبة السوداء ... ما سرت عذاريكم" وكان صلى الله عليه وسلم، يكره نكاح السر حتى يضرب بدف، ويقال: "أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم" رواه عبد الله بن أحمد في المسند.

باب عشرة النساء

باب عشرة النساء مدخل ... باب عشرة النساء: "يلزم كلاً من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة وكف الأذى، وأن لا يمطله بحقه" لقوله تعالى: { ... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... } 1 وقوله: { ... وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ... } 2 قال بعضهم: التماثل هنا في تأدية كل منهما ما عليه لصاحبه. وفي حديث: "استوصوا بالنساء خيراً" رواه مسلم. "وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه" لقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} 3 وحديث: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" رواه الترمذي. "وليكن غيوراً من غير إفراط" لحديث جابر بن عتيك مرفوعاً: "إن من الغيرة ما يحب الله، ومن الغيرة ما يبغض الله. ومن الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحب الله: فالغيرة في الريبة. وأما الغيرة التي يبغض الله: فالغيرة في غير الريبة..". الحديث، رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي. "وإذا تم العقد وجب على المرأة أن تسلم نفسها لبيت زوجها إذا

_ 1 النساء من الآية/ 19. 2 البقرة من الآية/ 228. 3 البقرة من الآية/ 228.

طلبها وهي حرة" وأما الأمة مع الإطلاق، فلا يجب تسليمها إلا ليلاً. نص عليه. "يمكن الاستمتاع بها كبنت تسع" نص عليه في رواية أبي الحارث. وذهب في ذلك إلى أن النبي، صلى الله عليه وسلم بني بعائشة وهي بنت تسع سنين. "إن لم تشترط دارها" فإن شرطتها فلها الفسخ إن نقلها عنها للزوم الشرط. "ولا يجب عليها التسليم إن طلبها وهي محرمة" بحج أو عمرة. "أو مريضة، أو صغيرة، أو حائض، ولو قال: لا أطأ" هذه الأعذار تمنع الاستمتاع بها، ويرجى زوالها، أشبه ما لو طلب تسليمها في نهار رمضان. فإن طرأ الإحرام، أو المرض، أو الحيض بعد الدخول فليس لها منع نفسها من زوجها مما يباح له منها.

فصل وللزوج أن يستمتع بزوجته كل وقت

فصل وللزوج أن يستمتع بزوجته كل وقت: على أي صفة كانت" لقوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} 1 قال جابر: من بين يديها، ومن خلفها، غير أن لا يأتيها إلا في المأتى متفق عليه. وحديث: "إذا باتت المرأة هاجرةً فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" متفق عليه.

_ 1 البقرة من الآية/ 223.

"ما لم يضرها أو يشغلها عن الفرائض" لحديث: "لا ضرر ولا ضرار". "ولا يجوز لها أن تتطوع بصلاة أو صوم وهو حاضر إلا بإذنه" لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" متفق عليه. "وله الاستمناء بيدها" كذا قال. وقال في شرح الإقناع في باب التعزير: لأنه كتقبيلها. "والسفر بلا إذنها" لأنه لا ولاية لها عليه. "ويحرم وطؤها في الدبر" في قول أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، لحديث: "إن الله لا يستحي من الحق. لا تأتوا النساء في أعجازهن" رواه ابن ماجه. "ونحو الحيض" يحرم وطؤها فيه إجماعاً، لقوله تعالى: { ... فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} 1. وحديث أبي هريرة مرفوعاً: "من أتى حائضاً أو امرأةً في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد، صلى الله عليه وسلم" رواه الأثرم. "وعزله عنها بلا إذنها" نص عليه. وهو: أن ينزل الماء خارجاً عن الفرج، لما فيه من تقليل النسل، ومنع الزوجة من كمال الاستمتاع. وعن ابن عمر: "نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها" رواه أحمد وابن ماجه. "ويكره أن يقبلها أو يباشرها عند الناس" لأنه دناءة. "أو يكثر الكلام حال الجماع" قياساً على التخلي، ولحديث: "لا تكثروا

_ 1 البقرة من الآية/ 222.

الكلام عند مجامعة النساء فإنه منه يكون الخرس والفأفأة" رواه أبو حفص. وكره الوطء متجردين، لحديث: "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجرد تجرد العيرين" رواه ابن ماجه. ويكره بحيث يراه أو يسمعه غير طفل لا يعقل. قال أحمد: كانوا يكرهون الوجس، وهو: الصوت الخفي. وكره نزعه قبل فراغها، لحديث أنس مرفوعاً، وفيه: "ثم إذا قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها" رواه أحمد وأبو حفص. "أو يحدثا بما جرى بينهما" لنهيه صلى الله عليه وسلم، عنه رواه أبو داود وغيره. "ويسن أن يلاعبها قبل الجماع" لتنهض شهوتها، وتنال من لذة الجماع مثل ما يناله. "وأن يغطي رأسه" عند الجماع، وعند الخلاء. قال في الفروع: ذكره جماعة. "وأن لا يستقبل القبلة" عند الجماع، لأن عمرو بن حزم وعطاء كرها ذلك. قاله في الشرح. "وأن يقول عند الوطء: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا" قال عطاء في قوله تعالى: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} 1. هي التسمية عند الجماع. وعن ابن عباس مرفوعاً: "لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فولد بينهما ولد، لم يضره الشيطان أبداً" متفق عليه. "وأن تتخذ المرأة خرقة تناولها للزوج بعد فراغه من الجماع" ليمسح بها. وهو مروي عن عائشة.

_ 1 البقرة من الآية/ 223.

فصل وليس عليها خدمة زوجها في عجن وخبز وطبخ ونحوه

فصل وليس عليها خدمة زوجها في عجن وخبز وطبخ ونحوه: نص عليه، لأن المعقود عليه منفعة البضع، فلا يملك غيره من منافعها. "لكن الأولى لها فعل ما جرت به العادة" وأوجب الشيخ تقي الدين المعروف من مثلها لمثله. وفي حديث عائشة مرفوعاً: "ولو أن رجلاً أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر، لكان نولها أن تفعل" رواه أحمد وابن ماجه. "وله أن يلزمها بغسل نجاسة عليها، وبالغسل من الحيض. والنفاس والجنابة" واجتناب المحرمات إذا كانت مكلفة. "وبأخذ ما يعاف من ظفر وشعر" قال القاضي: رواية واحدة، لأنه يمنع كمال الاستمتاع. "ويحرم عليها الخروج بلا إذنه، ولو لموت أبيها" لحديث أنس أن رجلاً سافر، ومنع زوجته من الخروج، فمرض أبوها: فاستأذنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حضور جنازته، فقال لها: "اتقي الله ولا تخالفي زوجك". فأوحى الله إليه: "أني قد غفرت لها بطاعتها زوجها". رواه ابن بطة في أحكام النساء. وقال أحمد في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها. ويستحب إذنه لها في عيادتهما، وشهود جنازتهما، لما فيه من صلة

الرحم، والمعاشرة بالمعروف. ومنعها يؤدي إلى النفور، ويغري بالعقوق. "لكن لها أن تخرج لقضاء حوائجها" التي لا بد لها منها، للضرورة. "ولا يملك منعها من كلام أبويها، ولا منعهما من زيارتها" لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. "ما لم يخف منهما الضرر" فله المنع دفعاً للضرر. "ولا يلزمها طاعة أبويها" في فراقه ومخالفته. "بل طاعة زوجها أحق" لوجوبها عليها.

فصل ويلزمه أن يبيت عند الحرة بطلبها ليلة من أربع ليال

فصل ويلزمه أن يبيت عند الحرة بطلبها ليلة من أربع ليال: إن لم يكن له عذر. لقوله، صلى الله عليه وسلم، لعبد الله بن عمرو: "إن لزوجك عليك حقاً" متفق عليه. وروى الشعبي أن كعب بن سوار كان جالساً عند عمر بن الخطاب، فجاءت امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين، ما رأيت رجلاً قط أفضل من زوجي. والله إنه ليبيت ليله قائماً، ويظل نهاره صائماً. فاستغفر لها، وأثنى عليها، واستحيت المرأة، وقامت راجعة. فقال كعب: يا أمير المؤمنين: هلا أعديت المرأة على زوجها فلقد أبلغت إليك في الشكوى. فقال لكعب: اقض بينهما، فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهم. قال: فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن. فأقضي بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن، ولها يوم

وليلة. فقال عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب من الآخر، اذهب فأنت قاض على البصرة وفي لفظ: نعم القاضي أنت رواه سعيد. وهذه قضية اشتهرت فلم تنكر، فكانت إجماعاً. "والأمة ليلة من سبع" لأن أكثر ما يمكنه جمعه معها ثلاث حرائر، لهن ست، ولها السابعة. والصحيح: أن لها ليلة من ثمان، نصف ما للحرة، لأن زيادتها على ذلك تخل بالتنصيف. وزيادة الحرة على ليلة من أربع زيادة على الواجب، فتعين ما ذكرنا. قاله في الكافي. "وأن يطأ في كل ثلث سنة مرة إن قدر" وطلبته، لأن الله تعالى قدر ذلك بأربعة أشهر في حق المؤلي، فكذلك في حق غيره، لأن اليمين لا توجب ما حلف عليه، فدل أن الوطء واجب بدونها. "فإن أبى" الوطء أو البيتوتة الواجبين. "فرق الحاكم بينهما إن طلبت" نص عليه في رواية ابن منصور، في رجل تزوج امرأة، ولم يدخل بها، يقول: غداً أدخل بها، غداً أدخل بها إلى شهر، هل يجبر على الدخول؟ قال: أذهب إلى أربعة أشهر إن دخل بها، وإلا فرق بينهما. فجعله كالمؤلي. ولا يصح الفسخ هنا إلا بحكم حاكم، لأنه مختلف فيه. "وإن سافر فوق نصف سنة في غير أمر واجب" كحج، وغزو واجبين، "أو طلب رزق يحتاج إليه وطلبت قدومه، لزمه" فإن أبى بلا عذر فرق بينهما بطلبها، لما تقدم. "ويجب عليه التسوية بين زوجاته في المبيت" قال في الشرح:

ولا نعلم خلافاً في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم. انتهى. لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 1. وزيادة إحداهن في القسم ميل. وعن أبي هريرة مرفوعا "من كان له امرأتان، فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل" وعن عائشة كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقسم بيننا فيعدل، ثم يقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك" رواهما أبو داود. "ويكون ليلة وليلة" لفعله صلى الله عليه وسلم. "إلا أن يرضين بأكثر" لأن الحق لا يعدوهن، ولقوله، صلى الله عليه وسلم، لأم سلمة: "فإن سبعت لك سبعت لنسائي". رواه أحمد، ومسلم. وعماد القسم الليل، إلا لمن معيشته بالليل، كحارس، والنهار يدخل تبعاً، لأن سودة وهبت يومها لعائشة متفق عليه. وقالت عائشة قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في بيتي، وفي يومي، وإنما قبض نهاراً. ولزوجة أمة مع حرة، ليلة من ثلاث ليال رواه الدارقطني عن علي، واحتج به أحمد. وقال ابن المنذر: أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم أن القسم بين المسلمة والذمية سواء. "ويحرم دخوله في نوبة واحدة إلى غيرها إلا لضرورة" كأن تكون منزولاً بها، فيريد أن يحضرها، أو توصي إليه. "وفي نهارها إلا لحاجة" كعيادة، وسؤال عن أمر يحتاج إليه. فإن لم يلبث، لم يقض، لأنه زمن يسير. "وإن لبث أو جامع لزمه القضاء" بأن يدخل على المظلومة في ليلة

_ 1 النساء من الآية/ 19.

الأخرى، فيمكث عندها بقدر ما مكث عندها تلك الليلة، أو يجامعها إن كان جامع ليعدل بينهما. وليس عليه قضاء قبلة ونحوها، لقول عائشة كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يدخل علي في يوم غيرى، فينال مني كل شيء إلا الجماع. "وإن طلق واحدة وقت نوبتها أثم" لأنه تسبب بالطلاق إلى إبطال حقها من القسم. "ويقضيها متى نكحها" لتمكنه من إيفائها حقها، كالمعسر بالدين إذا أيسر. "ولا يجب أن يسوي بينهن في الوطء ودواعيه" لا نعلم فيه خلافاً قاله في الشرح. لأن الداعي إليه الشهوة والمحبة، ولا سبيل إلى التسوية في ذلك. قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} 1. قال ابن عباس: في الحب والجماع، وقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم هذا قسمي فيما أمللك، فلا تلمني فيما لا أملك". "ولا في النفقة والكسوة، حيث قام بالواجب، وإن أمكنه ذلك" وفعله، "كان حسناً" لأنه أكمل.

_ 1 النساء من الآية/ 129.

فصل وإذا تزوج بكرا أقام عندها سبعا وثيبا ثلاثا

فصل وإذا تزوج بكراً أقام عندها سبعاً وثيباً ثلاثاً: "ثم يعود إلى القسم بينهن" وتصير الجديدة آخرهن نوبة، لحديث أبي قلابة عن أنس قال: من السنة إذا تزوج البكر على الثيب، أقام عندها سبعاً، وقسم. وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً، ثم قسم. قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنساً رفعه إلى النبي، صلى الله عليه وسلم أخرجاه. "وله تأديبهن على ترك الفرائض" قال أحمد: أخشى أن لا يحل للرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي، ولا تغتسل من الجنابة، ولا تتعلم القرآن. وعن معاذ مرفوعاً: "أنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً، وأخفهم في الله" رواه أحمد. "ومن عصته وعظها" أي: خوفها الله عز وجل، وذكر لها ما أوجب عليها من الحق والطاعة، وما يلحقها بالمخالفة من الإثم وسقوط النفقة والكسوة، وما يباح من هجرها وضربها، لقوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ... } 1. "فإن أصرت، هجرها في المضجع ما شاء" ما دامت كذلك. قال ابن عباس: لا تضاجعها في فراشك. وقد هجر النبي، صلى الله عليه وسلم نساءه، فلم يدخل عليهن شهراً متفق عليه.

_ 1 النساء من الآية/ 34.

"وفي الكلام ثلاثة أيام فقط" لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" متفق عليه. "فإن أصرت ضربها ضرباً غير شديد" لحديث عمرو بن الأحوص مرفوعاً وفيه: " ... فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح" الحديث، رواه ابن ماجه والترمذي. وصححه. قال ثعلب: غير مبرح، أي: غير شديد. وفي حديث: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها في آخر اليوم". "بعشرة أسواط لا فوقها" لحديث "لا يجلد أحدكم فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله تعالى" متفق عليه. ويجتنب الوجه والمواضع المخوفة والمستحسنة، لأن القصد التأديب، لا الإتلاف. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت" رواه أحمد وأبو داود. وقال أحمد في الرجل يضرب امرأته: لا ينبغي لأحد أن يسأله، ولا أبوها: لم يضربها؟ للخبر. رواه أبو داود. "ويمنع من ذلك إن كان مانعاً لحقها" حتى يوفيه، لأنه يكون ظالماً بطلبه حقه مع منعه حقها.

كتاب الخلع

كتاب الخلع: وهو: فراق الزوجة بعوض يأخذه الزوج منها، أو من غيرها، بألفاظ مخصوصة. سمي بذلك لأن المرأة تخلع نفسها من الزوج كما تخلع اللباس من بدنها. قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} 1. يباح لسوء العشرة لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} 2. وإذا كرهت زوجها، وظنت أن لا تؤدي حق الله في طاعته جاز الخلع على عوض، للآية. قال ابن عبد البر: لا نعلم أحدا خالف فيه، إلا بكر بن عبد الله المزني: فإنه زعم أنها منسوخة بقوله: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} الآية3. ولا يفتقر إلى حاكم. روى البخاري ذلك عن عمر وعثمان ويكره مع استقامة الحال، لحديث: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة". رواه الخمسة، إلا النسائي. ويقع، لقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا} 4. ويستحب إجابتها إلى

_ 1 البقرة من الآية/ 187. 2 البقرة من الآية/ 229. 3 النساء من الآية/ 20. 4 النساء من الآية/3.

الخلع حيث أبيح، لقوله، صلى الله عليه وسلم، لثابت بن قيس: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" رواه البخاري. واختلف كلام الشيخ تقي الدين في وجوب إجابته، وألزم بها بعض حكام الشام المقادسة الفضلاء. قاله في الفروع والإنصاف، لأمره صلى الله عليه وسلم، لثابت بها. ولا بأس به في الحيض والطهر الذي أصابها فيه، "لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسأل المختلعة عن حالها". "وشروطه سبعة:" "1- أن يقع من زوج يصح طلاقه" مسلما كان أو ذميا، حرا كان أو عبدا، كبيرا أو صغيرا يعقله، لأنه إذا ملك الطلاق - وهو: مجرد إسقاط لا تحصيل فيه - فلأنه يملكه محصلا لعوض أولى. "2- أن يكون على عوض" فإن خالعها بغير عوض لم يصح. حكاه الشيخ تقي الدين إجماعا. وعنه: يصح بلا عوض. اختارها الخرقي. لكن إن كان بلفظ الطلاق، أو نواه به فهو طلاق رجعي، وإلا لم يقع به شيء. "ولو مجهولا" كـ: على ما بيدها أو بيتها، كالوصية، لأنه إسقاط لحقه من البضع، وليس بتمليك شيء. والإسقاط تدخله المسامحة، ويكره بأكثر مما أعطاها. روي عن عثمان، لقوله، صلى الله عليه وسلم، في حديث جميلة: "ولا تزدد" رواه ابن ماجه. وعن علي أن النبي، صلى الله عليه وسلم "كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها" رواه أبو حفص. ولا يحرم ذلك، لقوله تعالى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} 1 وقالت الربيع: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي،

_ 1 البقرة من الآية/ 229.

فأجاز ذلك علي عثمان، رضي الله عنه ومثل هذا يشتهر، فيكون إجماعا. "ممن يصح تبرعه" وهو: المكلف غير المحجور عليه. "من أجنبي وزوجة" لأنه بذل مال في مقابلة ما ليس بمال ولا منفعة، أشبه التبرع. قال في الشرح: ويصح من الأجنبي من غير إذن المرأة في قول الأكثر. "لكن لو عضلها ظلما لتختلع لم يصح" والزوجية بحالها، لقوله تعالى: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} 1. ولا يستحق العوض، لأنها أكرهت عليه بغير حق، للنهي عنه وهو يقتضي الفساد. فإن كان بلفظ الطلاق وقع رجعيا، فإن عضلها لنشوزها، أو تركها فرضا أبيح الخلع وعوضه، لأنه بحق، وكذا مع زناها. نص عليه، لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} 2 والاستثناء من النهي إباحة. "3- أن يقع منجزا" فلا يصح تعليقه على شرط، كـ: إن بذلت لي كذا فقد خالعتك، إلحاقا له بعقود المعاوضات، لاشتراط العوض فيه. وقال في الكافي: يصح الخلع منجزا ومعلقا على شرط، لما فيه من معنى الطلاق. "4- أن يقع على جميع الزوجة" لأنه فسخ، فلا يصح خلع جزء منها، مشاعا كان: كنصفها، أو معينا، كيدها.

_ 1 النساء من الآية/ 19. 2 النساء من الآية/ 19.

"5- أن لا يقع حيلة لإسقاط يمين الطلاق" أي: فرارا من وقوع الطلاق المعلق على مستقبل، فيحرم خلع الحيلة، ولا يصح، لأن الحيل خداع لا تحل ما حرم الله. قال الشيخ تقي الدين: خلع الحيلة لا يصح على الأصح، كما لا يصح نكاح المحلل، لأنه ليس المقصود منه الفرقة، وإنما يقصد منه بقاء المرأة مع زوجها، والعقد لا يقصد به نقيض مقصوده. انتهى. واختار ابن القيم في إعلام الموقعين أنه: يحرم ويصح، أي: يقع، ونصره من عشرة أوجه. "6- أن لا يقع بلفظ الطلاق، بل بصيغته الموضوعة له" وتأتي: "7- أن لا ينوي به الطلاق" فإن كان بلفظ الطلاق، أو نيته وقع رجعيا إن كان دون الثلاث، وبائنا إن كان بعوض يدفع له لبذل العوض في إبانتها، أشبه الخلع. "فمتى توفرت الشروط كان فسخا بائنا لا ينقض به عدد الطلاق" روي ذلك عن: ابن عباس، رضي الله عنهما، وطاوس وعكرمة وإسحاق وأبي ثور، وهو: أحد قولي الشافعي. واحتج ابن عباس بقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} 1 ثم قال: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} 1 ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ} 2 فذكر تطليقتين، والخلع، وتطليقة بعدهما، فلو كان الخلع طلاقا لكان رابعا، ولا خلاف في تحريمها بثلاث، ولأنه ليس بصريح في الطلاق، ولا نوى به الطلاق، فصار فسخا كسائر الفسوخ. وعنه: أنه طلقة

_ 1 البقرة من الآية/ 229. 2 البقرة من الآية/ 230.

بائنة بكل حال. وروي ذلك عن عثمان وعلي وابن مسعود، لكن ضعف أحمد الحديث عنهم فيه، وقال: ليس في الباب شيء أصح من حديث ابن عباس. "وصيغته الصريحة لا تحتاج إلى نية" لأن الصريح لا يحتاح إليها. "وهي: خلعت، وفسخت، وفاديت" لأنه ثبت للخلع عرف الاستعمال، والفسخ حقيقة فيه، وورد القرآن بالافتداء. "والكناية بـ: أريتك، وأبرأتك، وأبنتك" لأنها تحتمل الخلع وغيره. "فمع سؤال الخلع وبذل العوض يصح بلا نية" لأن قرينة الحال مع الكناية تقوم مقام النية. "وألا" يكن سؤال، ولا بذل عوض. "فلا بد منها" أي: النية ممن أتى بكناية خلع، كطلاق ونحوه. "ويصح بكل لغة من أهلها كالطلاق" لعدم التعبد بلفظه، ولا يحصل بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ من الزوح، لقوله: "اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة". رواه البخاري. وفي رواية: فأمره، ففارقها ومن لم يذكر الفرقة فقد اقتصر على بعض القصة، وعليه يحمل كلام أحمد وغيره، وليس في الخلع رجعة في قول الأكثر. قاله في الشرح. ويلغى شرط رجعة فيه دونه، كالبيع بشرط فاسد. ولا يقع بمعتدة من خلع طلاق، ولو واجهها به، لأنه قول ابن عباس وابن الزبير، ولا يعرف لهما مخالف في عمرهما، فكان إجماعا، ولأنها لا تحل له إلا بعقد جديد، فلم يلحقها طلاقه، كالمطلقة قبل الدخول، وحديث: "المختلعة يلحقها الطلاق ما دامت في العدة" لا يعرف له أصل.

كتاب الطلاق

كتاب الطلاق مدخل مدخل ... كتاب الطلاق: "يباح لسوء عشرة الزوجة" كسوء خلقها، وتضرره بها من غير حصول الغرض بها دفعا للضرر عن نفسه. "ويسن إن تركت الصلاة ونحوها" وعجز عن إجبارها عليها، وكونها غير عفيفة، لأن في إمساكها نقصا ودناءة، وربما أفسدت عليه فراشه. وعنه: يجب الطلاق هنا، لقوله: أخشى أن لا يحل له المقام مع امرأة لا تصلي - وتقدم - وقال: لا ينبغي إمساك غير عفيفة. "ويكره من غير حاجة" لإزالته النكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها، ولحديث "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" رواه أبو داود. "ويحرم في الحيض ونحوه" كفي طهر أصابها فيه. قال في الشرح: وأجمعوا على تحريمه في الحيض، وفي طهر أصابها فيه. "ويجب على المؤلي بعد التربص" إن أبى الفيئة. "قيل: وعلى من يعلم بفجور زوجته" لئلا يكون ديوثا، فينقسم الطلاق إلى أحكام التكليف الخمسة. "ويقع طلاق المميز إن عقل الطلاق" أي: علم أن النكاح يزول به، لعموم حديث: "إنما الطلاق لمن أخذ بالساق". وحديث "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب على عقله" رواه الترمذي. وعنه:

لا يصح منه حتى يبلغ، قال أبو عبيدة هو قول أهل العراق، وأهل الحجاز. ذكره في الشرح، لحديث: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق". "وطلاق السكران بمائع" ولو خلط في كلامه، أو سقط تمييزه بين الأعيان، ويؤاخذ بسائر أقواله. وكل فعل يعتبر له العقل: كإقرار، وقذف، وقتل، وسرقة. قال الشيخ تقي الدين: وكذا بحشيشة مسكرة، وفرق بينها وبين البنج بأنها تشتهى وتطلب. وقدم الزركشي: أنها ملحقة بالبنج. واختار الخلال والقاضي: وقوع طلاق السكران، لما روى وبرة الكلبي، قال: أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر رضي الله عنه، فأتيته في المسجد، ومعه عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن، فقلت: إن خالدا يقول: إن الناس انهمكوا في الخمر، وتحاقروا عقوبته، فقال عمر: هؤلاء عندك فسلهم، فقال علي: نراه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون، فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قالوا. فجعلوه كالصاحي في فريته، وأقاموا مظنة الفرية مقامها. وفي طلاق السكران روايتان قيل للإمام أحمد: بماذا يعلم أنه سكران؟ فقال: إذا لم يعرف ثوبه من ثوب غيره، ونعله من نعل غيره. ونقل عن الشافعي: إذا اختلط كلامه المنظوم، وأفشى سره المكتوم. قاله الشيخ محمد التيمي. وعنه لا يقع طلاقه. اختارها أبو بكر، لقول عثمان: ليس لمجنون، ولا لسكران طلاق وقال ابن عباس: طلاق السكران والمستكره ليس بجائز. ذكرهما البخاري في صحيحه. قال ابن المنذر: ثبت عن عثمان أنه لا يقع طلاقه. ولا نعلم أحدا من

الصحابة خالفه. قال أحمد: حديث عثمان أرفع شيء فيه، وهو أصح يعني من حديث علي. منصور لا يرفعه إلى علي. ذكره في الشرح. أي: لأنه زائل العقل أشبه المجنون1. "ولا يقع ممن نام أو زال عقله بجنون أو إغماء" ومن به برسام أو نشاف، للحديث السابق. "ولا ممن أكرهه قادر ظلما بعقوبة أو تهديد له أو لولده" قال في الشرح: ولم تختلف الرواية عن أحمد أن طلاق المكره لا يقع، لما تقدم عن ابن عباس. وقال أيضا فيمن يكرهه اللصوص فيطلق: ليس ب شيء وعن عائشة مرفوعا: "لا طلاق ولا عتق في إغلاق" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. والإغلاق: الإكراه. وروى سعيد وأبو عبيد: أن رجلا على عهد عمر تدلى في حبل يشتار عسلا فأقبلت امرأته، فجلست على الحبل، فقالت: لتطلقها ثلاثا، وإلا قطعت الحبل، فذكرها الله تعالى والإسلام، فأبت. فطلقها ثلاثا، ثم خرج إلى عمر، فذكر ذلك له، فقال له: ارجع إلى أهلك، فليس هذا طلاقا.

_ 1 قال الحافظ في "فتح الباري": ذهب إلى عدم وقوع طلاق السكران أيضا عثمان، وأبو الشعثاء، وعطاء، وطاووس، وعكرمة، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم. وبه قال: ربيعة، والليث، وإسحاق المزني، واختاره الطحاوي: وقال الإمام ابن القيم: والصحيح أنه لا عبرة بأقواله: من طلاق، ولا عتاق، ولا بيع، ولا هبة، ولا وقف، ولا إسلام، ولا ردة، ولا إقرار، لبضعة عشر دليلا. انظر "أعلام الموقعين" 3/332.

فصل ومن صح طلاقه صح أن يوكل غيره فيه وأن يتوكل غيره

فصل ومن صح طلاقه صح أن يوكل غيره فيه وأن يتوكل غيره: لأن الطلاق إزالة ملك، فصح التوكيل والتوكيل فيه كالعتق. "وللوكيل أن يطلق متى شاء، ما لم يحد له حدا" أي: يعين له وقتا للطلاق فلا يتعداه، لأن الأمر للموكل. "ويملك طلقة" لأنها السنة، فينصرف الإطلاق إليها. "ما لم يجعل له أكثر" فيملكه. "وإن قال لها: طلقي نفسك. كان لها ذلك متى شاءت" كوكيل غيرها، لأنه مقتضى اللفظ والإطلاق. "وتملك الثلاث إن قال لها: طلاقك، أو أمرك بيدك، أو: وكلتك في طلاقك" لأنه مفرد مضاف، فيعم جميع أمرها، فيتناول الثلاث أفتى به أحمد مرارا وقاله علي وابن عمر وابن عباس وفضالة، رضي الله عنهم وعن زرارة بن ربيعة عن أبيه عن عثمان: في أمرك بيدك. القضاء ما قضت رواه البخاري في تاريخه. "ويبطل التوكيل بالرجوع، وبالوطء" للزوجة التي وكل في طلاقها لدلالة الحال على ذلك، ولأنه عزل، أشبه عزل سائر الوكلاء. وعن علي في رجل جعل أمر امرأته بيدها، قال: هو لها حتى ينكل.

باب سنة الطلاق وبدعته

باب سنة الطلاق وبدعته: أي إيقاعه على وجه مشروع، وعلى وجه محرم منهي عنه. "السنة لمن أراد طلاق زوجته: أن يطلقها واحدة في طهر لم يطأها فيه" لقوله تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 1. قال ابن مسعود وابن عباس: طاهرا من غير جماع. "فإن طلقها ثلاثا، ولو بكلمات، فحرام" روي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر. قال في الشرح: ولم يصح في عصرهم خلاف قولهم. فأما حديث المتلاعنين. فلا حجة فيه. فإن اللعان يحرمها أبدا، فهو كالطلاق بعد انفساخه برضاع أو غيره. وحديث فاطمة: أن زوجها أرسل إليها بتطليقة بقيت لها من طلاقها. وحديث امرأة رفاعة، جاء فيه أنه: طلقها آخر ثلاث تطليقات متفق عليه. وإن طلق ثلاثا. بكلمة واحدة، وقعت ثلاثا في قول الأكثر انتهى مختصرا. وفي حديث ابن عمر قال: قلت: يا رسول الله: أرأيت لو أني طلقتها ثلاثا، كان يحل لي أن أراجعها؟ قال: "إذا عصيت ربك، وبانت منك امرأتك" رواه الدارقطني. وعن مجاهد قال: جلست عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا، فسكت، حتى ظننت أنه رادها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم، فيركب الأحموقة، ثم يقول: يا بن عباس،

_ 1 الطلاق من الآية/ 1.

يا بن عباس، وإن الله قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا} 1 وإنك لم تتق الله، فلم أجد لك مخرجا. عصيت ربك، فبانت منك امرأتك رواه أبو داود. وعن مجاهد أيضا: أن ابن عباس سئل عن رجل طلق امرأته مائة، فقال: عصيت ربك، وفارقت امرأتك وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن رجلا طلق امرأته ألفا، قال: يكفيك من ذلك ثلاث وعن سعيد أيضا: أن ابن عباس سئل عن رجل طلق امرأته عدد النجوم، قال أخطأ السنة، وحرمت عليه امرأته رواهن الدارقطني. قال في المنتقى: وهذا كله يدل على إجماعهم على صحة وقوع الثلاث بالكلمة الواحدة. "وفي الحيض أو في طهر وطئ فيه، ولو بواحدة، فيدعي حرام" لمخالفته لقوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 2 وعن ابن عمر أنه: طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم، عن ذلك فقال له: مره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء متفق عليه. "ويقع" نص عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر فيه بالرجعة، ولا تكون إلا بعد طلاق. قال نافع: وكان عبد الله طلقها تطليقة، فحسبت من طلاقها. قال ابن المنذر لم يخالف فيه إلا أهل البدع، وتستحب رجعتها إذا طلقها زمن البدعة، لحديث ابن عمر. وعنه: أنها واجبة، وهو قول مالك، لظاهر الأمر. قاله في الشرح.

_ 1 الطلاق من الآية/ 2. 2 الطلاق من الآية/ 1.

"ولا سنة ولا بدعة لمن لم يدخل بها" لأنها لا عدة عليها، فتضرر بتطويلها. "ولا الصغيرة وآيسة" لأنها لا تعتد بالأقراء، فلا تختلف عدتها، ولا ريبة لهما، ولا ولد يندم على فراقه. "وحامل" وظاهر كلام أحمد: أن طلاق الحامل سنة. فإنه قال: أذهب إلى حديث سالم عن أبيه، وفيه: "فيطلقها طاهرا أو حاملا" رواه مسلم. "ويباح الطلاق، والخلع بسؤالها زمن البدعة" لأن المنع منه، إنما شرع لحق المرأة، فإذا رضيت بإسقاط حقها، زال المنع.

باب صريح الطلاق وكنايته

باب صريح الطلاق وكنايته مدخل ... باب صريح الطلاق وكنايته: الصريح: ما لا يحتمل غيره من كل شيء، والكناية: ما يحمل غيره. "صريحه لا يحتاج إلى نية، وهو: لفظ الطلاق، وما تصرف منه" كـ: طالق، وطلقتك، ومطلقة "اسم مفعول". "غير أمر" كـ: طلقي. "ومضارع" كـ: تطلقين. "ومطلقة: اسم فاعل" فلا يقع بهذه الألفاظ الثلاث الطلاق. "فإذا قال لزوجته: أنت طالق، طلقت، هازلا كان أو لاعبا، أو لم ينو" لأن إيجاد هذا اللفظ من العاقل، دليل إرادته. قال ابن المنذر: أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم، أن هزل الطلاق وجده سواء، لحديث أبي

هريرة مرفوعا: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة" رواه الخمسة إلا النسائي. "حتى ولو قيل له: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم يريد الكذب بذلك" فإنها تطلق، وإن لم ينو. لأن نعم: صريح في الجواب، والجواب الصريح للفظ الصريح، صريح. ولو قيل: ألك امرأة؟ فقال: لا، وأراد الكذب، لم تطلق إن لم ينو به الطلاق، لأنه كناية تفتقر إلى نية، ولم توجد. "ومن قال: حلفت بالطلاق، وأراد الكذب، ثم فعل ما حلف عليه، وقع الطلاق حكما" لأنه خالف ما أقر به، ولأنه يتعلق به حق لغيره، فلم يقبل، كإقراره له بمال، ثم يقول: كذبت. "ودين" فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه لم يحلف، واليمين إنما تكون بالحلف. "وإن قال: علي الطلاق، أو يلزمني الطلاق، فصريح" في المنصوص لا يحتاج إلى نية، سواء كان "منجزا أو معلقا، أو محلوفا به" ويقع واحدة، ما لم ينو أكثر. "وإن قال: علي الحرام، إن نوى امرأته" أو دلت قرينة على إرادة ذلك. "فظهار" ويأتي حكمه "وإلا فلغو" لا شيء فيه. "ومن طلق زوجة" له. "ثم قال لضرتها: شركتك،: أنت شريكتها، أو مثلها: وقع عليهما

الطلاق" نص عليه، لأنه صريح، لا يحتاج إلى نية لأنه جعل الحكم فيهما واحدا، وهذا لا يحتمل غير ما فهم منه، أشبه ما لو أعاده بلفظه على الثانية. "وإن قال: علي الطلاق، أو: امرأتي طالق، ومعه أكثر من امرأة. فإن نوى امرأة معينة انصرف إليها، وإن نوى واحدة مبهمة أخرجت بقرعة" لأنها تميز الشكل. وإن كان هناك سبب يقتضي تعميما، أو تخصيصا، عمل به. "وإن لم ينو شيئا: طلق الكل" لأن الكل امرأة، وهي محل لوقوع طلاقه عليها ولا مخصص. "ومن طلق في قلبه لم يقع" في قول عامة أهل العلم. قاله في الشرح، لحديث: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به، أو تعمل" صححه الترمذي. "فإن تلفظ به، أو حرك لسانه: وقع، ولو لم يسمعه" لأنه تكلم به. "ومن كتب صريح طلاق زوجته" بما يبين. "وقع" وإن لم ينوه، لأن الكتابة صريحة في الطلاق، لأنها حروف يفهم منها المعنى، وتقوم مقام قول الكاتب، لأنه صلى الله عليه وسلم، أمر بتبليغ الرسالة، وكان في حق البعض بالقول، وفي آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف، وإن كتبه ب شيء لا يبين ككتابته بأصبعه على وسادة أو في الهواء فظاهر كلام أحمد: أنه لا يقع. وقال أبو حفص: يقع لأنه كتب حروف الطلاق، أشبه كتابته بما يبين. ذكره في الكافي. "فلو قال: لم أرد إلا تجويد خطي، أو غم أهلي، قبل حكما"

لأنه أعلم بنيته، وقد نوى محتملا غير الطلاق، وإذا أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته لا يكون ناويا للطلاق. وقال في الكافي: وإن قصد غم أهله: فظاهر كلام أحمد أنه يقع، لأن ذلك لا ينافي الوقوع، فيغم أهله بوقوع الطلاق بها. "ويقع بإشارة الأخرس فقط" حيث كانت مفهومة، لقيامها مقام نطقه.

فصل وكنايته لا بد فيها من نية الطلاق

فصل وكنايته لا بد فيها من نية الطلاق: لقصور رتبتها عن التصريح، فوقف عملها على النية تقوية لها، لأنها تحتمل غير معنى الطلاق، فلا تتعين له بدون نية. "وهي قسمان: ظاهرة، وخفية. فالظاهرة: يقع بها الثلاث" لأن ذلك يروى عن علي وابن عمر وزيد، ولم ينقل خلافهم في عصرهم، فكان إجماعا. قاله في الكافي. وكان الإمام أحمد يكره الفتيا في الكتابة الظاهرة - مع ميله إلى أنها ثلاث. وعنه: يقع ما نواه اختاره أبو الخطاب، لحديث ركانة: "أنه طلق البتة، فاستحلفه النبي صلى الله عليه وسلم: ما أردت إلا واحدة. فحلف، فردها عليه" رواه أبو داود. "والخفية: يقع بها واحدة" لأن مقتضاه الترك دون البينونة كصريح الطلاق وقال النبي صلى الله عليه وسلم، لابنة الجون: "الحقي بأهلك". متفق عليه. ولم يكن ليطلق ثلاثا، وقد نهى عنه. وقال لسودة: "اعتدي فجعلها طلقة" متفق عليه.

"ما لم ينو أكثر" فيقع ما نوى، لأنه لفظ لا ينافي العدد، فوجب وقوع ما نواه به. "فالظاهرة: أنت خلية، وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة، وأنت حرة، وأنت الحرج، وحبلك على غاربك، وتزوجي من شيء ت، وحللت للأزواج، ولا سبيل لي عليك، أو لا سلطان، وأعتقتك، وغطي شعرك، وتقنعي، و" الكناية "الخفية: اخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرعي، وخليتك، وأنت مخلاة، وأنت واحدة، ولست لي بامرأة، واعتدي، واستبرئي، واعتزلي، والحقي بأهلك، ولا حاجة لي فيك، وما بقي شيء، وأغناك الله، وإن الله قد طلقك، والله قد أراحك مني، وجرى القلم" ولفظ فراق، وسراح، فيقع ما نواه، لأنه محتمل له. فإن لم ينو شيئا وقعت واحدة، لأنه اليقين. "ولا تشترط النية في حال الخصومة أو الغضب وإذا سألته طلاقها" اكتفاء بدلالة الحال، لأنها تغير حكم الأقوال والأفعال. "فلو قال في هذه الحالة: لم أرد الطلاق، دين" فيما بينه وبين الله تعالى، فإن صدق لم يقع عليه شيء. "ولم يقبل حكما" لتأثير دلالة الحال في الحكم، كما يحمل الكلام الواحد على المدح تارة، والذم أخرى بالقرائن. قال في الكافي: ويحتمل التفريق بين الكنايات: فما كثر استعماله منها في غير الطلاق، كقوله: اذهبي، واخرجي، وروحي، لا يقع بغير نية بحال. وما ندر استعماله كقوله: اعتدي، وحبلك على غاربك، وأنت بائن، وبتة إذا أتى به حال

الغضب، أو سؤال الطلاق، كان طلاقا. فأما إن قصد بالكناية غير الطلاق، لم يقع على كل حال، لأنه لو قصد ذلك بالصريح لم يقع، فبالكناية أولى.

باب ما يختلف به عدد الطلاق

باب ما يختلف به عدد الطلاق مدخل ... باب ما يختلف به عدد الطلاق: ويعتبر بالرجال حرية ورقا. روي عن: عمر وعثمان وزيد وابن عباس، رضي الله عنهم. وبه قال: مالك والشافعي. "يملك الحر والمبعض ثلاث طلقات والعبد طلقتين" لأن الطلاق خالص حق الزوج، فاعتبر به، لقوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 1. وعن عائشة مرفوعا: "طلاق العبد اثنتان فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره". وعن عمر قال: ينكح العبد امرأتين، ويطلق طلقتين، وتعتد الأمة حيضتين رواهما الدارقطني. "ويقع الطلاق بائنا في أربع مسائل: " "إذا كان على عوض" كالخلع، لأن القصد إزالة الضرر عنها، ولو جازت رجعتها لعاد الضرر. "أو قبل الدخول" لأن الرجعة لا تملك إلا في العدة، ولا عدة عليها لقوله تعالى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} 2.

_ 1 البقرة من الآية/ 229. 2 الأحزاب من الآية/ 49.

"أو في نكاح فاسد" لأنها إذا لم تحل بالنكاح لعدم صحته، وجب أن لا تحل بالرجعة فيه. ولا يحل نكاحها في هذه المسائل الثلاث إلا بعقد جديد بشروطه. "أو بالثلاث" دفعة واحدة، أو دفعات، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، لما تقدم. "ويقع ثلاثا إذا قال: أنت طالق بلا رجعة، أو البتة، أو بائنا" لأنه وصف الطلاق بما يقتضي الإبانة. "وإن قال: أنت الطلاق، أو: أنت طالق، وقع واحدة" وكذا قوله: علي الطلاق، أو يلزمني، لأنه صريح في المنصوص لا يحتاح إلى نية، سواء كان منجزا، أو معلقا، أو محلوفا به، كـ: أنت الطلاق لأقومن، لأنه مستعمل في عرفهم، كما في قوله: فأنت الطلاق، وأنت الطلا ... ق، وأنت الطلاق ثلاثا تماما ولأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا، وينكرون ذلك، ولا يعلمون أن: أل، فيه للاستغراق. "وإن نوى ثلاثا وقع ما نواه" لأنه نوى بلفظه ما يحتمله. "ويقع ثلاثا إذا قال: أنت طالق كل الطلاق، أو أكثره، أو عدد الحصى، ونحوه" كعدد القطر، والرمل والريح، والتراب والنجوم، لأن هذا اللفظ يقتضي عددا. والطلاق له أقل وأكثر: فأقله واحدة وأكثره ثلاث. "أو قال لها: يا مائة طالق" فثلاث تقع، كقوله: أنت مائة طالق. "وإن قال: أنت طالق أشد الطلاق، أو أغلظه، أو أطوله، أو ملء

الدنيا، أو مثل الجبل، أو على سائر المذاهب: وقع واحدة" لأن ذلك لا يقتضي عددا. فالطلقة الواحدة تتصف بكونها يملأ الدنيا ذكرها، وأنها أشد الطلاق عليها، فلم يقع الزائد بالشك. قاله في الكافي. "ما لم ينو أكثر" فيقع ما نواه، لأن اللفظ يحتمله.

فصل والطلاق لا يتبعض بل جزء الطلقة كهي

فصل والطلاق لا يتبعض بل جزء الطلقة كهي: فإذا قال: أنت طالق نصف طلقة، أو ثلث طلقة، أو سدس طلقة ونحوه: فواحدة. لأن ذكر بعض ما لا يتبعض، كذكر جميعه، لأن مبناه على السراية، كالعتق. قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أنها تطلق بذلك، إلا داود. "وإن طلق زوجته" بأن قال لها: نصفك، أو ربعك، أو خمسك طالق، أو بعضك طالق، أو جزء منك طالق، "طلقت كلها" لأنه أضاف الطلاق إلى جملة لا تتبعض في الحل والحرمة، وقد وجد فيها ما يقتضي التحريم، فغلب، كاشتراك مسلم ومجوسي في قتل صيد. "وإن طلق جزءا منها، لا ينفصل: كيدها، وأذنها، وأنفها، طلقت" كلها، لإضافة الطلاق إلى جزء ثابت، استباحه بعقد النكاح، أشبه الجزء الشائع. "وإن طلق جزءا ينفصل: كشعرها، وظفرها، وسنها، لم تطلق" قال أبو بكر: لا يختلف قول أحمد: إنه لا يقع طلاق وعتق، وظهار وحرام بذكر الشعر، والظفر، والسن، والروح، وبذلك أقول.

انتهى. ولأنها أجزاء تنفصل منها حال السلامة، أشبهت الريق والعرق ونحوهما. والروح ليست عضوا ولا شيئا يستمتع به، ولأنها تزول عن الجسد في حال سلامته، وهي حال النوم. وقال أبو الخطاب: يقع بإضافته إلى روحها ودمها، لأن دمها من أجزائها، وروحها بها قوامها.

فصل وإذا قال أنت طالق لا بل أنت طالق فواحدة

فصل وإذا قال أنت طالق لا بل أنت طالق فواحدة: نص عليه. لأنه صرح بنفي الأولى، ثم أثبته بعد نفيه. فالمثبت: هو المنفي بعينه، وهو: الطلقة الأولى، فلا يقع به أخرى. قاله ابن رجب في القواعد. "وإن قال: أنت طالق، طالق، طالق: فواحدة" لعدم ما يقتضي المغايرة، فيقع ما نواه، لأن لفظه يحتمله. "وأنت طالق، أنت طالق: وقع ثنتان" في مدخول بها، لأن اللفظ للإيقاع، فيقتضي الوقوع، كما لو لم يتقدمه مثله. "إلا أن ينوي تأكيدا متصلا أو إفهاما" لها لانصرافه عن الإيقاع بنية ذلك، وغير المدخول بها تبين بالأولى، نوى بالثانية الإيقاع أو لا، متصلا أو لا. روي ذلك عن: علي وزيد بن ثابت وابن مسعود. "وأنت طالق، فطالق، أو: ثم طالق: فثنتان في المدخول بها" لأن حروف العطف تقتضي المغايرة. "وتبين غيرها بالأولى" فلا يلزمها ما بعدها. لأنها تصير بالبينونة الأجنبية.

"و: أنت طالق، وطالق، وطالق: فثلاث معا، ولو غير مدخول بها" لأن الواو تقتضي الجمع، ولا ترتيب فيها.

فصل يصح الاستثناء في النصف فأقل من مطلقات وطلقات

فصل يصح الاستثناء في النصف فأقل من مطلقات وطلقات ... فصل ويصح الاستثناء في النصف فأقل من مطلقات وطلقات: نص عليه، لأنه كلام متصل أبان به أن المستثنى غير مراد بالأول فصح، كقول الخليل عليه السلام {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} 1 وقوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاما} 2 "فلو قال: أنت طالق ثلاثا، إلا واحدة طلقت ثنين" لما سبق. "و: أنت طالق أربعا، إلا ثنتين: يقع ثنتان" لصحة استثناء النصف. "و" إن قال: "و: أنت طالق أربعا، إلا ثنتين: يقع ثنتان" لأنهما نصف الأربع. "وشرط في الاستثناء اتصال معتاد" لأن غير المتصل يقتضي رفع ما وقع بالأول، والطلاق إذا وقع لا يمكن رفعه، بخلاف المتصل، فإن الاتصال يجعل اللفظ جملة واحدة، فلا يقع الطلاق قبل تمامها. ويكون الاتصال إما، "لفظا" بأن يأتي به متواليا "أو حكما: كانقطاعه بعطاس ونحوه" كسعال، وتنفس، وشرط نيته

_ 1 الزخرف من الآية/ 26-27. 2 العنكبوت من الآية/ 14.

قبل تمام ما استثنى منه، وكذا شرط متأخر، كـ: أنت طالق إن قمت، لأنها صوارف للفظ عن مقتضاه، فوجب مقارنتها لفظا ونية.

فصل في طلاق الزمن

فصل في طلاق الزمن: الماضي والمستقبل. "إذا قال: أنت طالق أمس، أو: قبل أن أتزوجك، ونوى وقوعه". "إذا: وقع" في الحال لإقراره على نفسه بما هو أغلظ في حقه. "وإلا" ينو وقوعه الآن "فلا" أي: فلا يقع الطلاق. نص عليه، لأنه أضافه إلى زمن يستحيل وقوعه فيه، لأن الطلاق رفع للاستباحة، ولا يمكن رفعها في الماضي. "و: أنت طالق اليوم إذا جاء غد: فلغو" لا يقع به شيء. قاله في المجرد، لأنه لا يقع في اليوم، لعدم الشرط، وإذا جاء غد لم يمكن الطلاق في اليوم، لأنه زمن ماض. وقال القاضي: في موضع يقع في الحال، لأنه علقه بشرط محال فلغا شرطه، ووقع الطلاق. "و: أنت طالق غدا، أو يوم كذا وقع بأولهما " أي: طلوع فجره فإذا وجد ما يكون ظرفا له منها وقع، لصلاحية كل جزء منه لوقوع الطلاق فيه، ولا مقتضي لتأخيره عن أوله. "ولا يقبل حكما إن قال: أردت آخرهما" لأن لفظه لا يحتمله. "و: أنت طالق في غد، أو في رجب: يقع بأولهما" لما تقدم. وأول الشهر: غروب الشمس من آخر الشهر الذي قبله.

"فإن قال: أردت آخرهما: قبل حكما" لأن آخر هذه الأوقات منها كأولها، فإرادته لذلك لا تخالف ظاهر لفظه. "وأنت طالق كل يوم: فواحدة" كـ: أنت طالق اليوم وغدا وبعد غد، لأنه إذا طلقت اليوم كانت طالقا غدا وبعده. "وأنت طالق في كل يوم فتطلق" ثلاثا، "في كل يوم واحدة" إن كانت مدخولا بها، وإلا بانت بالأولى، فلا يلحقها ما بعدها. "و: أنت طالق إذا مضى شهر: فبمضي ثلاثين يوما، وإذا مضى الشهر فبمضيه" لأن أل للعهد الحضوري. "وكذلك إذا مضى سنة" فتطلق بانقضاء اثني عشر شهرا، لقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرا} 1. أي: شهور السنة وتعتبر بالأهلة. ويكمل ما حلف في أثنائه بالعدد. "أو السنة" أي: إذا قال: أنت طالق إذا مضت السنة: فتطلق بانسلاخ ذي الحجة، لأن أل للعهد الحضوري.

_ 1 التوبة من الآية/ 36.

باب تعليق الطلاق

باب تعليق الطلاق مدخل ... باب تعليق الطلاق: بالشروط: بإن، أو إحدى أخواتها. لا يصح التعليق إلا من زوج، فلو قال: إن تزوجت امرأة أو فلانة فهي طالق: لم يقع بتزويجها في قول أكثر أهل العلم. وروي عن ابن عباس، ورواه الترمذي عن علي وجابر بن عبد الله لقوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ ... } 1. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك، ولا طلاق فيما لا يملك". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه. وعن المسور بن مخرمة مرفوعا: "لا طلاق قبل نكاح ولا عتاق قبل ملك" رواه ابن ماجه. وقال أبو بكر: لا يختلف قول أبي عبد الله: إن الطلاق إذا وقع قبل النكاح أنه لا يقع. ذكره في الكافي. "إذا علق الطلاق على وجود فعل مستحيل كـ: إن صعدت السماء فأنت طالق: لم تطلق" وكذا: إن طرت، أو: قلبت الحجر ذهبا، أو شاء الميت أو البهيمة، لأن ذلك مستحيل عادة، أي: لا يتصور في العادة وجوده. "وإن علقه على عدم وجوده كـ: إن لم تصعدي إلى السماء فأنت طالق: طلقت في الحال" لأنه علقه على عدم فعل المستحيل، وعدمه معلوم في الحال، وما بعده.

_ 1 الأحزاب من الآية/ 49.

"وإن علقه على غير المستحيل" كـ: إن لم أشتر من زيد عبده فأنت طالق: "لم تطلق إلا باليأس مما علق عليه الطلاق" وهو: موت العبد، أو عتقه. "ما لم يكن هناك نية، أو قرينة تدل على الفور، أو يقيد بزمن" كقوله: اليوم، أو: في هذا الشهر. "فيعمل بذلك" أي: بالنية، أو القرينة، أو التقييد. "ويصح التعليق مع تقدم الشرط وتأخره، كـ: إن قمت فأنت طالق، أو: أنت طالق إن قمت. ويشترط لصحة التعليق أن ينويه قبل فراغ التلفظ بالطلاق" فلو طلق غير ناو التعليق، ثم عرض له فقال: إن قمت، لم ينفعه التعليق، ووقع الطلاق، لأن الطلاق إذا وقع لا يمكن رفعه. "وأن يكون متصلا لفظا أو حكما، فلا يضر لو عطس ونحوه، أو قطعه بكلام منتظم، كـ، أنت طالق - يا زانية - إن قمت. ويضر إن قطعه بسكوت" بين شرط وجوابه سكوتا، يمكنه كلام فيه ولو قل. "وكلام غير منتظم كقوله: سبحان الله وتطلق في الحال" لقطع التعليق، ولأن غير المتصل يقتضي رفع ما وقع بالأول، والطلاق إذا وقع لا يمكن رفعه، بخلاف المتصل، فإن الإتصال يجعل الكلام جملة واحدة، فلا يقع الطلاق قبل تمامها.

فصل في مسائل متفرقة

فصل في مسائل متفرقة: "إذا قال: إن خرجت بغير إذني فأنت طالق: فأذن لها، ولم يعلم" فخرجت طلقت، لأن الإذن هو الإعلام: ولم يعلمها، "أو علمت وخرجت، ثم خرجت ثانيا بلا إذنه طلقت" لوجود الصفة وهي: خروجها بلا إذنه. "ما لم يأذن لها في الخروج كلما شاءت" فلا يحنث بخروجها بعد ذلك. نص عليه، لوجود الإذن ما لم يجدد حلفا أو ينهاها. "وإن خرجت بغير إذن فلان فأنت طالق فمات، وخرجت: لم تطلق" على الصحيح من المذهب. قاله في الإنصاف. "وإن خرجت إلى غير الحمام" بغير إذني. "فأنت طالق، فخرجت له، ثم بدا لها غيره: طلقت" لأن ظاهر يمينه منعها من غير الحمام، فكيفما صارت إليه حنث، وقد صدق عليها أنها خرجت إلى غير الحمام، كما لو خالفت لفظه. "وزوجتي طالق أو عبدي حر إن شاء الله، أو إلا أن يشاء الله" أو إن لم يشأ الله، أو لم يشأ الله: "لم تنفعه المشيئة شيئا، ووقع" الطلاق والعتاق. نص عليه، وذكر قول قتادة: قد شاء الله الطلاق حين أذن فيه. وقال ابن عباس إذا قال الرجل لامرأته: أنت طالق، إن شاء الله: فهي طالق ولأنه

تعليق على ما لا سبيل إلى علمه فبطل، كما لو علقه على شيء من المستحيلات، ولأنه استثناء يرفع حملة الطلاق حالا ومآلا، فلم يصح كاستثناء الكل. "وإن قال: إن شاء فلان: فتعليق لم يقع إلا أن يشاء" فلان. "وإن قال: إلا أن يشاء: فموقوف، فإن أبى المشيئة، أو جن أو مات: وقع الطلاق إذا" لأنه أوقع الطلاق، وعلق رفعه بشرط، ولم يوجد. "و: أنت طالق إن رأيت الهلال عينا، فرأته في أول" ليلة، "أو ثاني" ليلة، "أو ثالث ليلة: وقع" الطلاق، لأنه هلال. "و" إن رأته "بعدها" أي: بعد الثالثة: "لم يقع" الطلاق، لأنه يقمر بعد الثالثة، فلم يحنث برؤيتها له، ما لم يكن نية. "و: أنت طالق إن فعلت كذا، أو فعلت أنا كذا، ففعلته أو فعله مكرها" لم يقع. نص عليه، لعدم إضافة الفعل إليه. "أو مجنونا، أو مغمى عليه، أو نائما، لم يقع" الطلاق، لأنه مغطى على عقله، لحديث: "رفع القلم عن ثلاثة". وتقدم. "وإن فعلته أو فعله ناسيا" لحلفه، "أو جاهلا" أنه المحلوف عليه، أو جاهلا الحنث به: "وقع" الطلاق، لأنه معلق بشرط، وقد وجد، ولأنه تعلق به حق آدمي، فاستوى فيه العمد والنسيان والخطأ، كالإتلاف، بخلاف اليمين

المكفرة، فلا يحنث فيها نصا، لأنه محض حق الله، فيدخل في حديث: "عفي لأمتي عن الخطإ والنسيان". "وعكسه مثله، كـ: إن لم تفعلي كذا، أو إن لم أفعل كذا فلم تفعله أو لم يفعله هو" ناسيا أو غيره على التفصيل السابق، ويكون على التراخي، لأن "إن" حرف يقتضي التراخي، إذا لم ينو وقتا بعينه: فلا يقع الطلاق إلا في آخر أوقات الإمكان، وذلك في آخر جزء من حياة أحدهما. قال في شرح العمدة: لا نعلم في هذا خلافا.

فصل في الشك في الطلاق

فصل في الشك في الطلاق: "ولا يقع الطلاق بالشك فيه، أو فيما علق عليه" لأن النكاح متيقن فلا يزول بالشك، ولأنه شك طرأعلى يقين، فلا يزيله، كالمتطهر يشك في الحدث، ولحديث: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" قال الموفق: والورع التزام الطلاق، لحديث: "من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه". وندب قطع شك برجعته إن كان الطلاق رجعيا خروجا من الخلاف، أو بعقد جديد إن أمكن ليتيقن الحل وإلا فبفرقة متيقنة لئلا تبقى معلقة. "فمن حلف لا يأكل تمرة مثلا، فاشتبهت بغيرها، وأكل الجميع إلا واحدة: لم يحنث" لاحتمال أن تكون المحلوف على عدم أكلها، ويقين النكاح ثابت فلا يزول بالشك. "ومن شك في عدد ما طلق بنى على اليقين، وهو الأقل" نص عليه، لما سبق.

"ومن أوقع بزوجته كلمة، وشك هل هي طلاق أو ظهار: لم يلزمه شيء" لأن الأصل عدمهما، ولم يتيقن أحدهما.

باب الرجعة

باب الرجعة مدخل ... باب الرجعة: "وهي: إعادة زوجته المطلقة" طلاقا غير بائن. "إلى ما كانت عليه" قبل الطلاق. "بغير عقد" ولا تفتقر الرجعة إلى ولي، ولا صداق، ولا رضى المرأة ولا علمها إجماعا. ذكره في الشرح وغيره لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 1. وقوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 2. وحديث ابن عمر حين طلق امرأته، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم "مره فليراجعها" متفق عليه. وطلق النبي، صلى الله عليه وسلم حفصة، ثم راجعها رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق دون الثلاث، والعبد دون الاثنتين: أن لهما الرجعة في العدة. "من شرطها:" "1- أن يكون الطلاق غير بائن" فإن كان بعوض فلا رجعة، لأنه إنما جعل لتفتدي به المرأة من الزوج، ولا يحصل ذلك مع ثبوت الرجعة، بل يعتبر عقد بشروطه.

_ 1 البقرة من الآية/ 228. 2 البقرة من الآية/ 229.

"2- وأن تكون في العدة" لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 1. وإن طلق قبل الدخول فلا رجعة، لأنه لا عدة عليها، ولا تربص في حقها يرتجعها فيه. "وتصح الرجعة بعد انقطاع دم الحيضة الثالثة حيث لم تغتسل" نص عليه. وروي عن عمر وعلي وابن مسعود، لوجود أثر الحيض المانع للزواج من الوطء، وتنقطع بقية الأحكام من التوارث، والطلاق، واللعان، والنفقة، وغيرها بانقطاع الدم. "وتصح قبل وضع ولد متأخر" إن كانت حاملا بعدد لبقاء العدة. "وألفاظها: راجعتها ورجعتها، وارتجعتها وأمسكتها، ورددتها، ونحوه" كأعدتها، لورود السنة بلفظ الرجعة في حديث ابن عمر، واشتهر هذا الاسم فيها عرفا، وورد الكتاب بلفظ الرد في قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 1. وبلفظ الإمساك في قوله: { ... فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ... } 2. وقوله: { ... فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ... } 3. "ولا تشترط هذه الألفاظ، بل تحصل رجعتها بوطئها" في ظاهر المذهب، لأنها زوجة يلحقها الطلاق والظهار والإيلاء، ويرث أحدهما صاحبه إن مات إجماعا، فالوطء دليل على رغبته فيها. واختار الشيخ تقي الدين: أن الوطء رجعة مع النية. وعن أحمد: لا تحصل الرجعة

_ 1 البقرة من الآية/ 228. 2 البقرة من الآية/ 231. 3 البقرة من الآية/ 229.

إلا بالقول، وهو ظاهر كلام الخرقي، لقوله تعالى: { ... وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ... } 1. ولا يحصل الإشهاد إلا على القول. "وسئل عمران بن حصين عن الرجل يطلق امرأته، ثم يقع بها، ولم يشهد على طلاقها، ولا على رجعتها فقال: طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد" رواه أبو داود. فعلى هذه الرواية تبطل الرجعة إن أوصى الشهود بكتمانها. نص عليه، لما روى أبو بكر في الشافي بسنده إلى خلاس، قال طلق رجل امرأته علانية، وراجعها سرا، وأمر الشاهدين بكتمانها - أي: الرجعة - فاختصموا إلى علي، فجلد الشاهدين، واتهمهما، ولم يجعل له عليها رجعة. "لا بنكحتها، أو تزوجتها" لأنه كناية، والرجعة استباحة بضع مقصود، فلا تحصل بكناية، كالنكاح، وفيه وجه تصح الرجعة به، اختاره ابن حامد، لأن الأجنبية تحل به، فالزوجة أولى. قدمه في الكافي. "ومتى اغتسلت من الحيضة الثالثة، ولم يرتجعها بانت، ولم تحل له إلا بعقد جديد" مستكمل للشروط إجماعا، لمفهوم قوله تعالى: { ... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} 2. أي: في العدة. "وتعود" الرجعية إذا راجعها، والبائن إذا نكحها. "على ما بقي من طلاقها" ولو بعد وطء زوج آخر في قول أكابر الصحابة، منهم: عمر وعلي وأبي ومعاذ وعمران بن حصين وأبو هريرة وزيد وعبد الله بن عمرو، رضي الله عنهم، لأن وطء الثاني لا يحتاج

_ 1 الطلاق من الآية/ 2. 2 البقرة من الآية/228.

إليه في الإحلال للزوج الأول، فلا يغير حكم الطلاق. وعنه: ترجع بالثلاث بعد زوج، وهو قول: ابن عمر وابن عباس، وأبي حنيفة. ذكره في الشرح.

فصل وإذا طلق الحر ثلاثا

فصل وإذا طلق الحر ثلاثا: "أو طلق العبد ثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا" لقوله تعالى: { ... فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ} 1. بعد قوله: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} 2. قال ابن عباس: كان الرجل إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها، وإن طلقها ثلاثا، فنسخ ذلك قوله تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} 2. إلى قوله: { ... فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ} 1 رواه أبو داود والنسائي. "ويطأها في قبلها مع الانتشار" لقوله، صلى الله عليه وسلم، لامرأة رفاعة "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك" متفق عليه. وعن ابن عمر سئل النبي صلى الله عليه وسلم، عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر، فيغلق الباب، ويرخي الستر، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها: هل تحل للأول؟ قال: "حتى تذوق العسيلة" رواه أحمد والنسائي، وقال "حتى يجامعها الأخر". وعن عائشة مرفوعا: "العسيلة: هي الجماع". رواه أحمد والنسائي.

_ 1 البقرة من الآية/ 230. 2 البقرة من الآية/ 229.

"ولو مجنونا، أو نائما، أو مغمى عليه، وأدخلت ذكره في فرجها" مع انتشاره، لوجود حقيقة الوطء من زوج، أشبه حال إفاقته. "أو لم يبلغ عشرا أو لم ينزل" لما تقدم، ولعموم قوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ} 1. "ويكفي تغييب الحشفة، أو قدرها من مجبوب" الحشفة. "ويحصل التحليل بذلك" لحصول ذوق العسيلة به، ولأنه جماع يوجب الغسل، ويفسد الحج، أشبه تغييب الذكر. "ما لم يكن وطؤها في حال الحيض، أو النفاس، أو الإحرام، أو في صوم الفرض" فلا تحل، لأنه وطء حرم لحق الله تعالى فلم يحلها، كوطء المرتدة. قال في الكافي: وظاهر النص أنه يحلها، لدخوله في العموم، ولأنه وطء تام في نكاح صحيح تام فأحلها، كما لو كان التحريم لحق آدمي مثل أن يطأ مريضة تتضرر بوطئه، فإنه لا خلاف في حلها به. انتهى. ولا تحل بوطء دبر أو شبهة، أو وطء في ملك يمين، أو في نكاح فاسد أو باطل، لقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجا غَيْرَهُ} 1. والنكاح المطلق في الكتاب والسنة: إنما يحمل على الصحيح. "فلو طلقها الثاني، وادعت أنه وطئها وكذبها، فالقول قوله في تنصف المهر" إن لم يخل بها فإن خلا بها تقرر المهر، وإن لم يدخل للحديث.

_ 1 البقرة من الآية/ 230.

"وقولها في إباحتها للأول" لأنها لا تدعي عليه حقا. ولأنها مؤتمنة على نفسها، وعلى ما أخبرت به عن نفسها، ولا سبيل إلى معرفة ذلك حقيقة إلا من جهتها، كإخبارها بانقضاء عدتها. ولمطلقها ثلاثا نكاحها إن غلب على ظنه صدقها.

كتاب الإيلاء

كتاب الإيلاء: وهو: الحلف على ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر. قال ابن قتيبة: يؤلون من نسائهم: يحلفون: إذا حلف لا يجامعها. حكاه عنه أحمد. وقرأ أبي بن كعب وابن عباس: يقسمون مكان يؤلون. "وهو حرام" لأنه يمين على ترك واجب. "كالظهار" لقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورا} 1. وقال قتادة: كان الإيلاء طلاقا لأهل الجاهلية. وقال سعيد بن المسيب: كان ذلك من ضرار أهل الجاهلية: كان الرجل لا يحب امرأته، ولا يريد أن يتزوج بها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبدا، فيتركها لا أيما، ولا ذات بعل، وكانوا عليه في ابتداء الإسلام، فضرب الله له أجلا في الإسلام. ذكره البغوي وغيره. "يصح من زوج يصح طلاقه" لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} 2

_ 1 المجادلة من الآية/ 2. 2 البقرة من الآية/ 226.

ولا يصح من مغمى عليه ومجنون، لأنه لا قصد لهما، ولا حكم ليمينهما. "سوى عاجز عن الوطء: إما لمرض لا يرجى برؤه، أو لجب كامل، أو شال" لأنه لا يطلب منه الوطء، لامتناعه منه بعجزه لا بيمينه. "فإذا حلف الزوج بالله تعالى، أو بصفة من صفاته أنه لا يطأ زوجته أبدا، أو مدة تزيد على أربعة أشهر: صار مؤليا" فإذا حلف على أربعة أشهر فما دونها لم يكن مؤليا، لدلالة الآية على أنه لا يكون مؤليا بما دونها. "يؤجل له الحاكم إن سألت زوجته ذلك أربعة أشهر من حين يمينه" للآية، فلا يفتقر إلى ضرب حاكم كالعدة. "ثم يخير بعدها بين أن يكفر ويطأ" لزوال اليمين، والضرر عنها بالوطء، وعليه الكفارة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" متفق عليه. "أو يطلق" لقوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1. {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 1 وقوله {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} 2. ومن امتنع من بذل ما وجب عليه لم يمسك بمعروف فيؤمر بالتسريح

_ 1 البقرة من الآية/ 226 و/227. 2 البقرة من الآية/ 229.

بإحسان. وعن ابن عمر قال: إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق. يعني: المؤلي رواه البخاري. قال: ويذكر ذلك عن: عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة، واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعن سليمان ابن يسار قال: أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يوقفون المؤلي رواه الشافعي والدارقطني. "فإن امتنع من ذلك طلق عليه الحاكم" لقيامه مقام الممتنع، ولأنه حق تدخله النيابة كقضاء دينه.

كتاب الظهار

كتاب الظهار مدخل ... كتاب الظهار: قال ابن المنذر. أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن صريح الظهار أن يقول: أنت علي كظهر أمي. وهو محرم، لقوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} 1 الآيات. نزلت في خويلة بنت مالك بن ثعلبه، حين ظاهر منها ابن عمها أوس بن الصامت فجاءت تشكوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجادله فيه، ويقول: "اتقي الله، فإنه ابن عمك"، فما برحت حتى نزل القرآن. رواه أبو داود وصححه. "وهو: أن يشبه امرأته، أو عضوا منها بمن تحرم عليه من رجل أو امرأة، أو بعضو منه. فمن قال لزوجته: أنت، أو: يدك علي كظهر، أو: كيد أمي" أو: كظهر أختي، أو عمتي، أو خالتي، ونحوها ممن تحرم عليه على التأبيد صار مظاهرا في قول أكثرهم، لأنهن محرمات بالقرابة فأشبهن الأم. "أو: كظهر، أو يد زيد" أو أبي أو أخي. "أو: أنت علي كفلانة الأجنبية، أو أنت علي حرام، أو قال: الحل علي حرام، أو ما أحل الله لي" حرام. "صار مظاهرا" روي ذلك عن عثمان وابن عباس، لأن هذه الألفاظ

_ 1 المجادلة من الآية/ 2.

صريحة في الظهار لا تحتمل غيره. وعنه: كناية يحتاج إلى نية. وعنه: يمين روى عن أبي بكر وعمر وابن مسعود. وفي المتفق عليه عن ابن عباس، قال: إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 1 ذكره في الشرح وقال في الكافي: الثالثة أنه يرجع فيه إلى نيته: إن نوى اليمين كان يمينا، لأن ذلك يروى عن أبي بكر وعمر وعائشة، رضي الله عنهم. "وإن قال: أنت علي كأمي، أو مثل أمي وأطلق" فلم ينو ظهارا ولا غيره. "فظهار" نص عليه، لأنه المتبادر منه هذه الألفاظ. "وإن نوى في الكرامة ونحوها" كالمحبة، "فلا" يكون مظاهرا بل يدين، ويقبل حكما لاحتماله، وهو أعلم بمراده. "وأنت أمي، أو مثل أمي" ليس بظهار إلا مع نية أو قرينة، لأنه في غير التحريم أظهر، فاحتمال هذه الصور لغير الظهار أكثر من احتمال الصور التي قبلها له، وكثرة الاحتمالات توجب اشتراط النية. "أو: علي الظهار، أو: يلزمني، ليس بظهار إلا مع نية أو قرينة" دالة عليه: كأن يقولها حال خصومة أو غضب، لأنه يصير كناية فيه والقرينة تقوم مقام النية، ولأن لفظه يحتمله، وقد نواه به. "وأنت علي كالميتة أو الدم، أو الخنزير يقع ما نواه من طلاق، أو ظهار، أو يمين" لأن لفظه يحتمله.

_ 1 الأحزاب من الآية/ 21.

"فإن لم ينو شيئا فظهار" كقوله: أنت علي حرام. وعنه: يمين. وقال في المغني: أكثر الفقهاء على أن التحريم إذا لم ينو به الظهار ليس بظهار، وهو قول: مالك وأبي حنيفة والشافعي. ووجه ذلك الآية المذكورة، ولأن التحريم يتنوع: منه ما هو بظهار، وبطلاق، وبحيض، وبإحرام، وصيام، فلا يكون التحريم صريحا في واحد منها، ولا ينصرف إليه بغير نية، كما لا ينصرف إلى تحريم الطلاق. انتهى. وإن قالت لزوجها: نظير ما يصير به مظاهرا منها فليس بظهار، لقوله تعالى: { ... الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ ... } 1 فخصهم بذلك. وعليها كفارته قياسا على الزوج. وروى الأثرم بإسناده عن عائشة بنت طلحة أنها قالت: إن تزوجت مصعب بن الزبير فهو علي كظهر أبي. فسألت أهل المدينة، فرأوا أن عليها الكفارة وروى سعيد أنها استفتت أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهم يومئذ كثير فأمروها أن تعتق رقبة وتتزوجه، فتزوجته وأعتقت عبدا. وليس لها ابتداء القبلة والاستمتاع قبل التكفير، وعليها التمكين لزوجها من وطئها قبل التكفير لأنه حق للزوج، فلا تمنعه كسائر حقوقه.

_ 1 المجادلة من الآية/ 2.

فصل يصح الظهار من كل من يصح طلاقه

فصل يصح الظهار من كل من يصح طلاقه ... فصل ويصح الظهار من كل من يصح طلاقه: مسلما كان أو كافرا حرا كان أو عبدا، كبيرا أو مميزا يعقله، لأنه تحريم كالطلاق فجرى مجراه. "منجزا، أو معلقا أو محلوفا به" كالطلاق. "فإن نجزه لأجنبية" بأن قال لها: أنت علي كظهرأمي، "أوعلقه بتزويجها" بأن قال: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي، أو قال: النساء علي كظهر أمي، "أو قال لها. أنت علي حرام ونوى أبدا: صح ظهارا" لقول عمر رضي الله عنه، في رجل قال: إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي، ثم تزوجها، قال: عليه كفارة الظهار رواه أحمد. ولأنها يمين مكفرة فصح عقدها قبل النكاح، كاليمين بالله تعالى. والآية خرجت مخرج الغالب. "لا إن أطلق" فقال لأجنبية: أنت علي حرام، ولم ينو أبدا، "أو نوى إذا" أي: أنها حرام عليه إذا، لأنه صادق في حرمتها عليه قبل عقد النكاح ويقبل منه دعوى ذلك حكما، لأنه الظاهر. "ويصح الظهار" مطلقا غير مؤقت ويصح "مؤقتا كـ: أنت علي كظهر أمي شهر رمضان، فإن وطئ فيه فمظاهر" عليه كفارته،

"وإلا فلا" أي: فيزول حكم الظهار بمضيه، لحديث سلمة بن صخر، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وفيه: ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أصاب فيه، فأمره بالكفارة ولم ينكر تقييده بخلاف الطلاق، فإنه يزيل الملك، وهذا يوقع تحريما يرفعه التكفير، أشبه الإيلاء. "وإذا صح الظهار حرم على المظاهر الوطء ودواعيه قبل التكفير" لقوله تعالى: { ... فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ... } 1. وقوله: { ... فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ... } 2. وقوله، صلى الله عليه وسلم: "فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله به" رواه أهل السنن، وصححه الترمذي. ولأن ما حرم الوطء من القول حرم دواعيه، كالطلاق والإحرام. "فإن وطىء ثبتت الكفارة في ذمته" لقوله تعالى: { ... ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ... } 1 الآية والعود: الوطء. نص عليه. ولا يجب أكثر من كفارة، لأنه صلى الله عليه وسلم، لم يأمر سلمة بن صخر بأكثر منها. "ولو مجنونا" بأن ظاهر، ثم جن فوطئ، لوجود العود. "ثم لا يطأ حتى يكفر" للخبر السابق، ولبقاء التحريم. "وإن مات أحدهما قبل الوطء فلا كفارة" لأنه لم يوجد الحنث، ويرثها كما بعد التكفير.

_ 1 المجادلة من الآية/ 3. 2 المجادلة من الآية/ 4.

فصل الكفارة فيه على الترتيب

فصل الكفارة فيه على الترتيب ... فصل والكفارة فيه على الترتيب: "عتق رقبة مؤمنة" كسائر الكفارات، لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ... } 1 نص على المؤمنة في كفارة القتل. وقسنا عليها سائر الكفارات، لأنها في معناها حملا للمطلق على المقيد. "سالمة من العيوب المضرة في العمل" ضررا بينا، لأن المقصود تمليك العبد منفعته، وتمكينه من التصرف لنفسه، ولا يحصل هذا مع العيب المذكور، كعمى وشلل يد، أو رجل أو قطع إحداهما، ونحوها، لأنه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع. "ولا يجزئ عتق الأخرس الأصم" لأنه ناقص بفقد حاستين تنقص قيمته بنقصها نقصا كثيرا، وكذا أخرس لا تفهم إشارته. "ولا الجنين" لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا بعد. "فإن لم يجد" رقبة، ولا مالا يشتريها به فاضلا عن حاجته، لنفقته وكسوته ومسكنه، وما لا بد له منه من مؤنة عياله ونحوه: "صام شهرين متتابعين" للآية، والحديث. "ويلزمه تبييت النية من الليل" وتعيينها لجهة الكفارة، لحديث "وإنما لكل امرئ ما نوى".

_ 1 البقرة من الآية/ 92.

"فإن لم يستطع الصوم، للكبر، أو مرض لا يرجى برؤه، أطعم ستين مسكينا" للآية ولأمره، صلى الله عليه وسلم، سلمة بن صخر بالإطعام حين أخبره بشدة شبقه وشهوته بقوله: وهل أصبت ما أصبت إلا من الصيام!. وأمر صلى الله عليه وسلم، أوس بن الصامت بالإطعام حين قالت امرأته: إنه شيخ كبير ما به من صيام وقيس عليهما ما في معناهما. "لكل مسكين مد بر" لأنه قول زيد وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة، رضي الله عنهم. قاله في الكافي. "ونصف صاع من غيره" لما روى أحمد عن أبي يزيد المدني قال "جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، للمظاهر: "أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مد بر". قال في الكافي: وهذا نص، ولأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام، فكان منها لكل فقير من التمر نصف صاع، كفدية الأذى. انتهى. "ولا يجزئ الخبز" لخروجه عن الكيل والادخار أشبه الهريسة. وعنه: يجزئه، للآية، لأن مخرج الخبز قد أطعمهم، فعليها يعتبر أن يكون من مد بر فصاعدا. "ولا غير ما يجزئ في الفطرة" لأن الكفارة وجبت طهرة للمكفر عنه، كما أن الفطرة طهرة للصائم فاستويا في الحكم. فإن عدمت الأصناف الخمسة أجزأ ما يقتات من حب وثمر، قياسا على الفطرة، ولقوله تعالى: { ... مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} 1

_ 1 المائدة من الآية/ 89.

"ولا يجزئ العتق والصوم والإطعام إلا بالنية" لحديث: "إنما الأعمال بالنيات". ولأنه يختلف وجهه، فيقع تبرعا ونذرا وكفارة، فلا يصرفه إلى الكفارة إلا النية، ومحلها في العتق والإطعام معه، أو قبله بيسير.

كتاب اللعان

كتاب اللعان مدخل ... كتاب اللعان: "إذا رمى الزوج زوجته بالزنى فعليه حد القذف" إن كانت محصنة، "أو التعزير" إن كانت غير محصنة. ويأتي تعريف الإحصان في القذف. "إلا أن يقيم البينة" عليها به، أو تصديقه، فلا حد، كما لو كان المقذوف غيرها. "أو يلاعن" والأصل فيه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 1 الآية. ثم قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} 2 الآيات. فدلت الآية الأولى على وجوب الحد، إلا أن يسقط بأربعة شهداء. والثانية: على أن لعانه يقوم مقام الشهداء في إسقاط الحد. وعن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "البينة، وإلا حد في ظهرك". فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق،

_ 1 النور من الآية/ 4. 2 النور من الآية/ 6.

ولينزلن الله في أمري ما يبرئ ظهري من الحد. فنزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} 1 رواه البخاري. "وصفة اللعان أن يقول الزوج أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنى، ويشير إليها" إن كانت حاضرة، ومع غيبتها يسميها، أو ينسبها بما تميز به. "ثم يزيد في الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم تقول الزوجة أربعا: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى، ثم تزيد في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين" للآيات والأحاديث. "ويسن تلاعنهما قياما" لما في حديث ابن عباس: "أن هلالا جاء فشهد، ثم قامت فشهدت" "بحضرة جماعة" لأن ابن عباس، وابن عمر وسهلا حضروه. مع حداثة سنهم، فدل على أنه حضره جمع كثير، لأن الصبيان إنما يحضرون المجالس تبعا للرجال. ولذلك قال سهل: فتلاعنا، وأنا مع الناس عند النبي، صلى الله عليه وسلم. رواه الجماعة، إلا الترمذي. "وأن لا ينقصوا عن أربعة" رجال، لأن الزوجة ربما أقرت فشهدوا عليها. "وأن يأمر الحاكم من يضع يده على فم الزوج والزوجة عند الخامسة ويقول: اتق الله. فإنها الموجبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة" لأن عذاب الدنيا ينقطع، وعذاب الآخرة دائم. وكون الخامسة هي

_ 1 النور من الآية/ 6.

الموجبة، أي: للعنة، أو الغضب على من كذب منهما لالتزامه ذلك. والسر في ذلك التخويف، ليتوب الكاذب منهما ويرتدع. وعن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسلوا إليها"، فجاءت، فتلا عليهما أية اللعان، وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا، فقال هلال: والله لقد صدقت عليها، فقالت: كذب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لاعنوا بينهما" فقيل لهلال: اشهد، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. فلما كانت الخامسة، قيل يا هلال: "اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب". فقال: والله لا يعذبني الله عليها، كما لم يجلدني عليها. فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم قيل لها: اشهدي، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين. فلما كانت الخامسة قيل لها: "اتقي الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب"، فتلكأت ساعة، ثم قالت: والله لا أفضح قومي، فشهدت الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقضى: أن لا نفقة لها ولا سكنى، من أجل أنهما يفترقان من غير طلاق، ولا متوفى عنها. رواه أحمد وأبو داود. وروى الجوزجاني عن ابن عباس في خبر المتلاعنين: ثم أمر به، فأمسك على فيه ووعظه إلى أن قال: ثم أمر بها فأمسك على فمها، ووعظها ... الحديث وشرط حضور الحاكم أو نائبه، وأن يأتي به بعد إلقائه عليه، وكمال لفظاته الخمس، والترتيب

على ما ورد به الشرع، والإتيان بصورة الألفاظ الواردة: والإشارة من كل واحد إلى صاحبه إن كان حاضرا، أو تسميته إن كان غائبا. فإن فقد شيء من ذلك لم يصح اللعان لمخالفته للنص.

فصل شروط اللعان ثلاثة

فصل شروط اللعان ثلاثة ... فصل وشروط اللعان ثلاثة: "1- كونه بين زوجين مكلفين" لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} 1 فلا لعان بقذف أمة، ولا حد. وأما اعتبار التكليف، فلأن قذف غير المكلف لا يوجب حدا، واللعان إنما وجب لإسقاط الحد. "2- أن يتقدمه قذفها بالزنى" ولو في دبر، لأنه قذف يجب به الحد. ولا فرق بين الأعمى والبصير نص عليه، لعموم الآية. "3- أن تكذبه" الزوجة في قذفها "ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللعان" لأن اللعان إنما ينتظم بتكذيبها فإن صدقته، أو عفت عن الطلب بحد القذف، أو سكتت فلم تقر ولم تنكر لحقه النسب، ولا لعان، لأن الحق لها، فلا يستوفى من غير طلبها وإن كان بينهما نسب يريد نفيه، فله أن يلاعن، لأنه محتاج إليه، وهو حق له، فلا يسقط برضاها. "ويثبت بتمام تلاعنهما أربعة أحكام: " "1- سقوط الحد أو التعزير" الذي أوجبه القذف عنها وعنه. ولو قذفها برجل سماه سقط حكم قذفه بلعانه، لأن هلال بن أمية قذف

_ 1 النور من الآية/ 6.

زوجته بشريك بن سحماء، ولم يذكره في لعانه، ولم يحده النبي صلى الله عليه وسلم، لشريك ولا عزره له، ولأن اللعان بينة في أحد الطرفين فكان بينة في الآخرة كالشهادة. "2- الفرقة ولو بلا فعل حاكم" لأنه معنى يقتضي التحريم المؤبد فلم يقف على تفريق الحاكم، كالرضاع وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم، بينهما بمعنى: أنه أعلمهما بحصول الفرقة باللعان. وعنه لا تحصل الفرقة حتى يفرق الحاكم بينهما، لقول ابن عباس في حديثه: ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينهما. وفي حديث عويمر: أنه قذف امرأته، فتلاعنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها. فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه. فدل على أن الفرقة لم تحصل بمجرد اللعان. قدمه في الكافي. "3- التحريم المؤبد" لقول سهل بن سعد: مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعا أبدا رواه الجوزجاني. وقال عمر، رضي الله عنه: المتلاعنان يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا رواه سعيد، وعن علي وابن مسعود نحوه. 4-"انتفاء الولد، ويعتبر لنفيه ذكره صريحا، كـ: أشهد بالله لقد زنت، وما هذا ولدي" وظاهر كلام أبي بكر صحة نفي الحمل في لعانه لظاهر حديث هلال بن أمية، فإنه لاعنها قبل الوضع، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انظروها فإن جاءت به كذا وكذا". الحديث. ونفي عنه الولد قال ابن عبد البر: الآثار على هذا كثيرة، وأوردها، ولم ينقل ملاعنة بعد وضعه وشرط لنفيه أن لا يتقدمه إقرار

به أو بتوأمه، أو تهنئة به، فيسكت، أو يؤمن على الدعاء أو يؤخر النفي بلا عذر لأنه خيار لدفع ضرر، فكان على الفور كخيار الشفعة.

فصل فيما يلحق من النسب

فصل فيما يلحق من النسب: "إذا أتت زوجة الرجل بولد بعد نصف سنة" وهي أقل الحمل لما روي: أن عثمان أتي بامرأة ولدت لدون ستة أشهر، فشاور القوم في رجمها، فقال ابن عباس: أنزل الله تعالى: { ... وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ... } 1 وأنزل: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} 2، فالفصال في عامين، والحمل ستة أشهر، وذكر أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر. وأكثرها أربع سنين، لما روى الوليد بن مسلم: قلت لمالك بن أنس حديث عائشة لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل، قال مالك: سبحان الله، من يقول هذا؟! هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان، تحمل أربع سنين وقال أحمد: نساء بني عجلان، يحملن أربع سنين. "منذ أمكن اجتماعه بها، ولو مع غيبه فوق أربع سنين" قال في الفروع والمبدع: ولعل المراد: ويخفى سيره. "حتى ولو كان ابن عشر" سنين "لحقه نسبه" لحديث: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" متفق عليه. وحديث: "واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" رواه أبو داود. وأمره بالتفريق بينهم في المضاجع دليل على إمكان

_ 1 الأحقاف من الآية/ 15. 2 لقمان من الآية/ 14.

الوطء وهو سبب الولادة. وقد روي أن عمرو بن العاص وابنه لم يكن بينهما إلا اثنا عشر عاما. "ومع هذا لا يحكم ببلوغه" إن شك فيه، لأن الأصل عدمه وإنما ألحقنا به الولد احتياطا للنسب. "ولا يلزمه كل المهر" إن لم يثبت الدخول أو الخلوة، لأن الأصل براءته منه. "ولا يثبت به عدة ولا رجعة" لعدم ثبوت موجبهما. "وإن أتت به لدون نصف سنة منذ تزوجها" وعاش، أو لأكثر من أربع سنين منذ أبانها "أو علم أنه لم يجتمع بها، كما لو تزوجها بحضرة جماعة، ثم أبانها في المجلس، أو مات: لم يلحقه نسبه" للعلم بأنه ليس منه لعدم إمكانه. "ومن ثبت" أنه وطئ أمته في الفرج أو دونه. "أو أقر أنه وطء أمته في الفرج أو دونه، ثم ولدت لنصف سنة" فأكثر "لحقه" نسب ما ولدته، لأنها صارت فراشا له لوطئه ولأن سعدا نازع عبد بن زمعة في ابن وليدة زمعة، فقال عبد بن زمعة: هو أخي، وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو لك يا عبد بن زمعة. الولد للفراش وللعاهر الحجر" متفق عليه. فإن ادعى أنه كان يعزل عنها، لم ينتف عنه الولد بذلك، لاحتمال

أن يكون أنزل ولم يحس به، ولأنه يكون من الريح. وقال عمر رضي الله عنه: "ما بال رجال يطؤون ولائدهم ثم يعزلون، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أنه ألم بها إلا ألحقت به ولدها، فاعزلوا بعد ذلك أو أنزلوا" رواه الشافعي في مسنده. "ومن أعتق أو باع من أقر بوطئها، فولدت لدون نصف سنة، لحقه" نسب ما ولدته للعلم بأنها كانت حاملا به قبل العتق أو البيع، حين كانت فراشا له. "والبيع باطل" لأنها أم ولد، والعتق صحيح. "ولنصف سنة فأكثر لحق المشتري" إن كانت مستبرأة، لأنه ولد أمة المشتري ولا تقبل دعوى غيره له بدون إقراره. "ويتبع الولد أباه في النسب" إجماعا لقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} 1 ما لم ينفه بلعان. "وأمه في الحرية" فولد حرة حر وإن كان من رقيق، لأنه جزء من أمه. "وكذا" يتبعها. "في الرق" فولد أمة قن لمالك أمه، ولو كان من حر. "إلا مع شرط" زوج أمة حرية أولادها فهم أحرار، لحديث: "المسلمون عند شروطهم". "أو غرور" بأن شرطها أو ظنها حرة، فبانت أمة، فولدها حر، وإن كان أبوه رقيقا ويفديه. "ويتبع في الدين خيرهما" فولد المسلم من كتابية: مسلم. وولد

_ 1 الأحزاب من الآية/ 5.

كتابي من مجوسية: كتابي. لكن لا تحل ذبيحته، ولا يحل لمسلم نكاحه لو كان أنثى. "وفي النجاسة، وتحريم النكاح، والذكاة، والأكل أخبثهما" فالبغل من الحمار الأهلي محرم نجس تبعا للحمار، وما تولد بين هر، وشاة محرم الأكل تغليبا لجانب الحظر.

كتاب العدة

كتاب العدة مدخل مدخل ... كتاب العدة: وأجمعوا على وجوبها للكتاب والسنة في الجملة. "وهي: تربص من فارقت زوجها بوفاة أو حياة" بطلاق، أو خلع أو فسخ. "والمفارقة بالوفاة تعتد مطلقا" كبيرا كان الزوج أو صغيرا، يمكنه الوطء أو لا كبيرة كانت الزوجة أو صغيرة، لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} 1. "فإن كانت، حاملا من الميت، فعدتها: حتى تضع كل الحمل" لقوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 2 وأجمعوا على ذلك إلا ابن عباس، فإنه قال: تعتد بأقصى الأجلين. ذكره في الشرح. وإنما تنقضي العدة بوضع ما تصير به أمة أم ولد، وهو ما تبين فيه خلق إنسان. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن عدة المرأة تنقضي بالسقط إذا علم أنه ولد. ذكره في الشرح. "وإن لم تكن حاملا، فإن كانت حرة فعدتها: أربعة أشهر، وعشر ليال بأيامها" لأن النهار تبع الليل، للآية، ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث،

_ 1 البقرة من الآية/ 234. 2 الطلاق من الآية/ 4.

إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" متفق عليه. ولا يعتبر الحيض في عدة الوفاة في قول عامة أهل العلم. "وعدة الأمة نصفها" شهران وخمس ليال، في قول عامة أهل العلم لإجماع الصحابة على تنصيف عدة الأمة في الطلاق، فكذا عدة الوفاة. وإذا مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة. حكاه ابن المنذر إجماعا لأنها زوجته، ويلحقها طلاقه وإيلاؤه، ولا تنتقل البائن لأنها أجنبية منه. "والمفارقة في الحياة" لطلاق أو غيره قبل المسيس "لا تعتد" بالإ جماع لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} 1 الآية. "ولا إن خلا بها" ولو لم يمسها فتجب العدة بالخلوة، لما روى أحمد بإسناده عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون أن من أغلق بابا، أو أرخى حجابا، فقد وجب المهر، ووجبت العدة. "أو وطئها وكان ممن يطأ مثله، ويوطأ مثلها، وهو: ابن عشر، وبنت تسع" فعليها العدة بالإجماع، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 2 ولأنه مظنة لاشتغال الرحم بالحمل، فتجب العدة لاستبرائه. فإن وطئ ابن دون عشر، أو وطئت بنت دون تسع، فلا عدة لذلك الوطء، لتيقن براءة الرحم من الحمل. "وعدتها إن كانت حاملا بوضع الحمل" كله، للآية السابقة. وعن

_ 1 الأحزاب من الآية/ 49. 2 البقرة من الآية/ 228.

أبي بن كعب قلت: يا رسول الله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن: للمطلقة ثلاثا، أو للمتوفى عنها؟ فقال: "هي للمطلقة ثلاثا، وللمتوفى عنها" رواه أحمد، والدارقطني. وعن الزبير بن العوام أنها كانت عنده أم كلثوم بنت عقبة، فقالت لي وهي حامل: طيب نفسي بتطليقة. فطلقها تطليقة. ثم خرج إلى الصلاة، فرجع وقد وضعت. فقال: ما لها خدعتني، خدعها الله ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "سبق الكتاب أجله، اخطبها إلى نفسها" رواه ابن ماجه. "وإن لم تكن حاملا، فإن كانت تحيض فعدتها: ثلاث حيض إن كانت حرة" أومبعضة بغير خلاف بين أهل العلم، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 1، الآية. والقرء الحيض. روي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس، رضي الله عنهم. وبه قال الحسن ومجاهد، وإليه ذهب الأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي، لأنه المعهود في لسان الشرع، لحديث: "تدع الصلاة أيام أقرائها" رواه أبو داود. وحديث "إذا أتى قرؤك فلا تصلي، وإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء" رواه النسائي. ولم يعهد في لسانه استعمال القرء بمعنى: الطهر، وإن كان في اللغة مشتركا بين الحيض والطهر. وقالت عائشة، رضي الله عنها أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض رواه ابن ماجه. "وحيضتان إن كانت أمة" لحديث ابن عمر مرفوعا: "طلاق الأمة: طلقتان، وقرؤها: حيضتان" رواه أبو داود. ولأنه قول: عمر وابنه،

_ 1 البقرة من الآية/ 228.

وعلي. ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة، فكان إجماعا، وهو مخصص لعموم الآية. وكان القياس أن تكون عدتها. حيضة ونصفها، كحدها، إلا أن الحيض لا يتبعض ولاتعتد بحيضة طلقت فيها، بل تعتد بعدها بثلاث حيض كوامل. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم. ولا تحل مطلقته لغيره إذا انقطع دم الحيضة الأخيرة حتى تغتسل في قول أكابر الصحابة، منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبو موسى وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء رضي الله عنهم. وعنه: القرء الطهر. روي عن زيد بن ثابت وعائشة، وهو قول: الفقهاء السبعة والزهري، وبه قال: ربيعة ومالك والشافعي، لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 1 أي: في عدتهن. وإنما يطلق في الطهر، فعليها آخر العدة آخر الطهر الثالث إذا رأت الدم بعده انقضت عدتها. ويحتمل أن لا يحكم بانقضائها حتى ترى الدم يوما وليلة، لأن ما دونه يحتمل أن لا يكون حيضا. قاله في الكافي. "وإن لم تكن تحيض: بأن كانت صغيرة، أو بالغة ولم تر حيضا ولا نفاسا أو كانت آيسة، وهي: من بلغت خمسين سنة" أو ستين سنة كما تقدم. "فعدتها: ثلاثة أشهر إن كانت حرة" إجماعا لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} 2، أي كذلك.

_ 1 الطلاق من الآية/ 1. 2 الطلاق من الآية/4.

"وشهران إن كانت أمة" نص عليه. واحتج بقول عمر: عدة أم الولد حيضتان، ولو لم تحض كان عدتها شهرين رواه الأثرم. "ومن كانت تحيض ثم ارتفع حيضها قبل أن تبلغ سن الإياس، ولم تعلم ما رفعه، فتتربص تسعة أشهر" للحمل لأنها غالب مدته لتعلم براءة رحمها. "ثم تعتد عدة آيسة" ثلاثة أشهر. قال الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار، لا ينكره منهم منكر، علمناه فصار إجماعا قاله في الكافي والشرح. "وإن علمت ما رفعه من مرض، أو رضاع، أو نحوه، فلا تزال متربصة حتى يعود الحيض، فتعتد به" وإن طال الزمن لأنها مطلقة، لم تيأس من الدم، فيتناولها عموم الآية. وعن محمد بن يحيى بن حبان أنه كانت عند جده امرأتان: هاشمية، وأنصارية. فطلق الأنصارية وهي ترضع. فمر بها سنة، ثم هلك ولم تحض، فقالت الأنصارية لم أحض فاختصموا إلى عثمان، فقضى لها بالميراث، فلامت الهاشمية عثمان، فقال: هذا عمل ابن عمك، وهو أشار علينا بهذا. يعني: علي بن أبي طالب رضى الله عنه رواه الأثرم "أو تصير آيسة فتعتد كآيسة" نص عليه. قال في الإنصاف: وعنه تنتظر زوال ما دفعه، ثم إن حاضت اعتدت به، وإلا اعتدت بسنة. ذكره محمد بن نصر المروزي عن مالك. ومن تابعه منهم: أحمد. ونقل ابن هانئ أنها تعتد بسنة. واختار الشيخ تقي الدين: إن علمت عدم عوده فكآيسة، وإلا اعتدت سنة. انتهى.

فصل وإن وطئ الأجنبي بشبهة أو نكاح فاسد

فصل وإن وطئ الأجنبي بشبهة أو نكاح فاسد "أو زنى من هي في عدتها: أتمت عدة الأول" سواء كانت عدته من نكاح صحيح أو فاسد، أو وطء بشبهة أو زنى، لأنه في شغل الرحم كالصحيح، فوجبت العدة منه، ما لم تحمل من الثاني، فتنقضي عدتها منه بوضع الحمل، ثم تتم عدة الأول، "ثم تعتد للثاني" لأنهما حقان اجتمعا لرجلين فلم يتداخلا، وقدم أسبقهما، كما لو تساويا في مباح غير ذلك. ولخبرعلي، رضي الله عنه أنه قضى في التي تتزوج في عدتها، أنه يفرق بينهما، ولها الصداق بما استحل من فرجها، وتكمل ما أفسدت من عدة الأول، وتعتد من الآخر رواه مالك. وقال عمر: "أيما امرأة نكحت في عدتها، ولم يدخل بها الذي تزوجها، فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، وكان خاطبا من الخطاب. وإن دخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم اعتدت من الآخر ولم ينكحها أبدا" رواه الشافعي. وروي عن أحمد: أنها تحرم على الزوح الثاني على التأبيد، لقول عمر، رضي الله عنه. والصحيح من المذهب: أنها تحل له، لأنه وطء شبهة، فلم يحرم على التأبيد، كالنكاح بلا ولي وقد روي أن عليا قال: إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب، يعني:

الزوج الثاني، فقال عمر: ردوا الجهالات إلى السنة، ورجع إلى قول علي قاله في الكافي. "وإن وطئها عمدا من أبانها: فكالأجنبي" تتم العدة الأولى، ثم تبتدئ العدة الثانية للزنى، لأنهما عدتان من وطأين، يلحقه النسب في أحدهما دون الآخر، كما لو كانا من رجلين. "وبشبهة: استأنفت العدة من أولها" ودخلت فيها بقية العدة الأولى، لأنهما عدتان من واحد لوطأين، يلحق النسب فيهما لحوقا واحدا فتداخلا، كما لو طلق الرجعية في عدتها بعد أن راجعها، فإنها تستأنف العدة. فإن طلق الرجعية قبل رجعتها، بنت على عدتها الأولى، لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطء ولا رجعة، أشبها الطلقتين في وقت واحد. "وتتعدد العدة بتعدد الواطئ بالشبهة" لحديث عمر السابق، ولأنهما حقان لآدميين، فلم يتداخلا: كالدينين. فإن تعدد الوطء من واحد، فعدة واحدة. "لا بالزنى" فإن العدة لا تعدد في الأصح، وهو اختيار ابن حمدان، لعدم لحوق النسب فيه. فبقي القصد العلم ببراءة الرحم، فتعتد من آخر وطء. "ويحرم على زوج الموطوءة بشبهة أو زنى أن يطأها في الفرج ما دامت في العدة" لأنها عدة قدمت على حق الزوج فمنع من الوطء قبل انقضائها، لا الاستمتاع، لأن تحريمها لعارض يختص بالفرج، فأبيح الاستمتاع منها بما دونه كالحيض.

فصل ويجب الإحداد على المتوفى عنها زوجها

فصل ويجب الإحداد على المتوفى عنها زوجها "بنكاح صحيح ما دامت في العدة" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج: أربعة أشهر وعشرا" متفق عليه. "ويجوز للبائن" من حي، ولايسن لها. قاله في الرعاية. "والإحداد: ترك الزينة والطيب: كالزعفران" قال في الشرح: وأما الطيب: فلا خلاف في تحريمه، وأما اجتناب الزينة: فواجب في قول عامة أهل العلم. انتهى. "ولبس الحلي، ولو خاتما" لقوله، صلى الله عليه وسلم "ولا الحلي" "ولبس الملون من الثياب: كالأحمر والأصفر والأخضر" لقوله صلى الله عليه وسلم. ".. ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب". الحديث، متفق عليه. والعصب: ثياب يمنية فيها بياض وسواد، يصبغ غزلها، ثم ينسج. قاله القاضي، وصحح في الشرح أنه: نبت يصبغ به. "والتحسن بالحناء والاسفيذاج" وهو: شيء يعمل من الرصاص، إذا دهن به الوجه يربو ويبرق، لأنه من الزينة. وعن أم سلمة مرفوعا "المتوفى عنها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشق، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل" رواه النسائي.

"والاكتحال بالأسود" لما تقدم. ولا بأس بالكحل الأبيض: كالتوتياء ونحوه، لأنه لا يحسن العين. قاله في الكافي. "والأدهان بالمطيب" لعموم قوله صلى الله عليه وسلم، في حديث أم عطية: "ولا تمس طيبا" أخرجاه. "وتحمير الوجه وحفه" لأنه من الزينة. "ولها لبس الأبيض، ولو حريرا" لأن حسنه من أصل خلقته، فلا يلزم تغييره. "وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي مات زوجها" وهي ساكنة "فيه" ولو مؤجرا أو معارا. روي عن: عمر وعثمان وابن عمر وابن مسعود وأم سلمة، لحديث فريعة، وفيه. " ... امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله". فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرا رواه الخمسة، وصححه الترمذي. قال في الشرح: وبه قال مالك، والشافعي. قال ابن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار. "ما لم يتعذر" كتحولها لخوفها على نفسها، أو مالها، أو حولت قهرا، أو بحق يجب عليها الخروج من أجله، أو لتحويل مالكه لها، أو طلبه فوق أجرته. أو لا تجد ما تكتري به إلا من مالها: فتنتقل حيث شاءت للضرورة، ولسقوط الواجب للعذر. ولم يرد الشرع بالاعتداد في معين غيره، فاستوى في ذلك البعيد والقريب. ويلزم من انتقلت بلا حاجة العود إلى منزلها لتتم عدتها فيه تداركا للواجب، وكذا من سافرت ولو لحج، ولم تحرم به، ومات زوجها قبل مسافة قصر، رجعت

واعتدت بمنزله، لأنها في حكم الإقامة. وعن سعيد بن المسيب قال: توفي أزواج نساؤهم حاجات أو معتمرات، فردهن عمر من ذي الحليفة حتى يعتددن في بيوتهن رواه سعيد. "وتنقضي العدة بمضي الزمان حيث كانت" لأن المكان ليس شرطا لصحة الاعتداد. ولهم إخراجها لطول لسانها، وأذاها لأحمائها بالسب ونحوه لقوله تعالى: {وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} 1 فسره ابن عباس بما ذكرناه، وهو قول الأكثرين، والفاحشة تعم الأقوال الفاحشة، لقوله صلى الله عليه وسلم، لعائشة: "إن الله لايحب الفحش ولا التفحش". ولها الخروح في حوائجها نهارا، لقوله صلى الله عليه وسلم "اخرجي فجذي نخلك" رواه أبو داود وغيره. وروى مجاهد: قال: استشهد رجال يوم أحد، فجاء نساؤهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقلن: يا رسول الله: نستوحش بالليل، فنبيت عند إحدانا، حتى إذا أصبحنا بادرنا بيوتنا. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن، فإذا أردتن النوم، فلتات كل امرأة إلى بيتها" وروى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه: بلغه أن سائب بن خباب توفي، وأن امرأته جاءت إلى عبد الله بن عمر فذكرت له وفاة زوجها، وذكرت له حرثا لهم بقناة، وسألته: هل يصلح لها أن تبيت فيه؟ فنهى عن ذلك؟ فكانت تخرج من المدينة سحرا، فتصبح في حرثهم، فتظل فيه يومها، ثم تدخل المدينة إذا أمست فتبيت في بيتها. ولأن الليل مظنة الفساد، فلم يجز لها الخروج فيه من غير ضرورة.

_ 1 الطلاق من الآية/ 1.

باب استبراء الإماء

باب استبراء الإماء مدخل ... باب استبراء الإماء: "وهو واجب في ثلاثة مواضع:" "1- إذا ملك الرجل، ولو طفلا" بإرث أو شراء ونحوه، "أمة يوطأ مثلها" بكرا كانت، أو ثيبا، كالعدة. قال الإمام أحمد: بلغني أن العذراء تحمل، فقال له بعض أهل المجلس: نعم، قد كان في جيراننا. "حتى ولو ملكها من أنثى" فيحرم وطؤها قبل استبرائها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره" رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وعن أبي سعيد أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولاغير حامل حتى تحيض حيضة" رواه أحمد وأبو داود. "أو كان بائعها قد استبرأها" لعموم الأحاديث، ولأن المشتري يجب عليه الاستبراء، لحفظ مائه، لاحتمال كون البائع لم يستبرئها. وقال ابن عمر، رضي الله عنه: إذا وهبت الوليدة التي توطأ، أو بيعت، أو عتقت فلتستبرئ بحيضة، ولا تستبرئ العذراء" حكاه البخاري في صحيحه. "أو باع أو وهب أمته، ثم عادت إليه بفسخ، أو غيره" ولو قبل تفرقهما من المجلس.

"حيث انتقل الملك لم يحل استمتاعه بها، ولو بالقبلة حتى يستبرئها" لأنه تجديد ملك يحتمل اشتغال الرحم قبله، فأشبه ما لو اشتراها، وكشراء الصغيرة. وعنه: لا يجب الاستبراء إن عادت قبل التفرق، لأن يقين البراءة معلوم، فأشبه الطلاق قبل الدخول. قاله في الكافي. "2- إذا ملك أمة ووطئها، ثم أراد أن يزوجها، أو يبيعها قبل الإستبراء فيحرم" لأن الزوج لا يلزمه الاستبراء، فيفضي تزويجها قبل الإستبراء إلى اختلاط المياه، واشتباه الأنساب، ولأن عمر، رضي الله عنه أنكر على عبد الرحمن بن عوف حين باع جارية له كان يطؤها قبل استبرائها. قال: ما كنت لذلك بخليق ولأن فيه حفظ مائه وصيانة نسبه، فوجب عليه، كالمشتري، وللشك في صحة البيع، لاحتمال أن تكون أم ولد، ولأنه قد يشتريها من لايستبرئها، فيفضي إلى اختلاط المياه. "فلو خالف" فزوجها، أو باعها قبل استبرائها: "صح البيع" لأن الأصل عدم الحمل "دون النكاح" فلا يصح، كتزوج المعتدة. "وإن لم يطأها جاز" البيع والنكاح، لعدم وجوب الاستبراء إذا، لأنها ليست فراشا له، وقد حصل يقين براءتها منه. "3- إذا أعتق أمته أو أم ولده، أو مات عنها لزمها استبراء نفسها إن لم تستبرئ قبل" لأنها فراش لسيدها، وقد فارقها بالموت أو العتق، فلم يجز أن تنتقل إلى فراش غيره بلا استبراء وتسبترئ أم الولد إذا مات عنها، كما تستبرئ المسبية، لأنه استبراء بملك اليمين. وعنه:

تستبرئ بأربعة أشهر وعشر، لما روي عن عمرو بن العاص أنه قال: لا تفسدوا علينا سنة نبينا، صلى الله عليه وسلم، عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها: أربعة أشهر وعشر قال في الكافي: والصحيح الأول، لما ذكرناه. وخبر عمرو لا يصح. قاله أحمد.

فصل واستبراء الحامل بوضع الحمل

فصل واستبراء الحامل بوضع الحمل: الذي تنقضي به العدة. "ومن تحيض: بحيضة" تامة، لقوله، صلى الله عليه وسلم، في سبي أوطاس "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة" رواه أحمد وأبو داود. "والآيسة والصغيرة" التي يوطأ مثلها، "والبالغ التي لم تر حيضا: بشهر" لأن الشهر أقيم مقام الحيضة قي عدة الحرة والأمة. وعنه: بشهرين، كعدة الأمة. وعنه: بثلاثة أشهر. قال في الكافي: وهي أصح. قال أحمد بن القاسم: قلت لأبي عبد الله: كيف جعلت ثلاثة أشهر مكان الحيضة، وإنما جعل الله في القرآن مكان كل حيضة شهرا؟ فقال: من أجل الحمل: فإنه لا يبين في أقل من ذلك، فإن عمر بن عبد العزيز سئل عن ذلك، وجمع أهل العلم والقوابل، فأخبروا أن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر، فأعجبه ذلك، ثم قال: ألا تسمع قول ابن مسعود: إن النطفة أربعون يوما، ثم علقة أربعون يوما، ثم مضغة بعد ذلك، فإذا خرجت الثمانون صار بعدها مضغة. وهي: لحمة، فيتبين حينئذ وهذا معروف عند النساء. فأما شهرا فلا معنى له، ولا أعلم أحدا قاله. انتهى.

"والمرتفع حيضها، ولم تدر ما رفعه: بعشرة أشهر" تسعة للحمل، وواحد للاستبراء. "والعالمة مارفعه: بخمسين سنة وشهر" لما تقدم في العدة. فإن عاد الحيض قبلها، استبرأت بحيضة. "ولا يكون الاستبراء إلا بعد تمام ملك الأمة كلها، ولو لم يقبضها" لأن الملك ينتقل بالبيع، وقد وجد. "وإن ملكها حائضا لم يكتف بتلك الحيضة" للخبر، وكما لو طلق زوجته، وهي حائض. "وإن ملك من تلزمها عدة اكتفى بها" لحصول العلم بالبراءة بها، فلا فائدة في الاستبراء لدخوله في العدة. "وإن ادعت الأمة الموروثة تحريمها على الوارث بوطء مورثه" كأبيه وابنه صدقت. "أو ادعت المشتراة أن لها زوجا صدقت" فيه، لأنه لا يعرف إلا من جهتها.

كتاب الرضاع

كتاب الرضاع: "يكره استرضاع الفاجرة والكافرة" نص عليه. وقال عمر، رضي الله عنه اللبن نسبة فلا تسق من يهودية ولا نصرانية "وسيئة الخلق" لئلا يشبهها الولد في الحمق، فإنه يقال: الرضاع يغير الطباع. "والجذماء والبرصاء" 1 ونحوهما مما يخاف تعديه. وفي المحرر: وبهيمة. وفي الترغيب: وعمياء. "وإذا أرضعت المرأة طفلا" في الحولين ذكرا أو أنثى "بلبن حمل لاحق بالواطئ" نسبه، "صار ذلك الطفل ولدهما" في تحريم نكاح، وثبوت محرمية وإباحة نظر وخلوة، لا في وجوب نفقة وإرث وعتق وولاية ورد شهادة. "وأولاده وإن سفلوا أولاد ولدهما" فيما ذكر. "وأولاد كل منهما" أي: المرضعة، والواطئ اللاحق به الحمل الذي ثاب عنه اللبن.

_ 1 الجذام: علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الأعضاء وهيأتها، وربما انتهى إلى تأكل الأعضاء وسقوطها عنتقرح، والبرص: بياض يظهر في ظاهر البدن لفساد مزاج.

"من الآخر أو غيره" كأن تزوجت المرضعة بغيره، فصار لها منه أولاد، أو تزوج الواطئ بغيرها، وصار له منها أولاد، فالذكور منهم: "إخوته، و" البنات: "أخواته، وقس على ذلك" فآباؤهما: أجداده، وأمهاتهما: جداته، وإخوتهما وأخواتهما: أعمامه وعماته وأخواله وخالاته، لأن ذلك كله فرع ثبوت الأمومة والأبوة. "وتحريم الرضاع في النكاح، وثبوت المحرمية كالنسب" لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} 1 نص على هاتين في المحرمات، فدل على ما سواهما. وعن عائشة مرفوعا: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" وعن ابن عباس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم. في ابنة حمزة: "لا تحل لي: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وهي ابنة أخي من الرضاعة" متفق عليهما. "بشرط أن يرتضع خمس رضعات" فصاعدا، لحديث عائشة قالت أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخ من ذلك خمس رضعات، وصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والأمر على هذا رواه مسلم. وبه قال الشافعي. وهذا الحديث يخص عموم حديث "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" والآية: فسرتها السنة، وبينت الرضاعة المحرمة. وعنه أن قليله يحرم كالذي يفطر الصائم، وهو قول مالك، لعموم الآية والحديث. وعنه: لا يثبت التحريم إلا بثلاث رضعات، وهو قول

_ 1 النساء من الآية/ 23.

أبي عبيد وابن المنذر، لمفهوم قوله، صلى الله عليه وسلم: "لا تحرم المصة ولا المصتان" وفي حديث آخر "لا تحرم الإملاجة، ولا الإملاجتان" 1 رواهما مسلم. والأول أولى، لأن المنطوق أقوى من المفهوم. ويشترط أيضا أن يكون "في العامين" لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} 2 ولقوله، صلى الله عليه وسلم "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام" صححه الترمذي. وعن عائشة مرفوعا: "فإنما الرضاعة من المجاعة" متفق عليه. قال في شرح المحرر: يعني: في حال الحاجة إلى الغذاء واللبن. "فلو ارتضع بقية الخمس بعد العامين بلحظة: لم تثبت الحرمة" لأن الله تعالى جعل تمام الرضاعة حولين، فدل على أنه لا حكم للرضاع بعدهما وكانت عائشة، رضي الله عنها، ترى رضاع الكبير يحرم، لحديث3 سالم. وعن أم سلمة قالت: "أبى سائر أزواج النبي، صلى

_ 1 الإملاجة: الإرضاعة الواحدة، مثل المصة. وفي القاموس ملج الصبي أمه –كنصر وسمع- تناول ثديها بفمه، وامتلج اللبن: امتصه وأملجه: أرضعه، والمليج: الرضيع. 2 البقرة من الآية/ 233. 3 ونصه: قالت عائشة إن امرأة أبي حذيفة جاءت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا رسول الله، إن سالما يدخل علي وهو رجل، وفي نفس أبي حذيفة منه شيء، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، "أرضعيه حتى يدخل عليك" رواه أحمد ومسلم.

الله عليه وسلم، أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لسالم خاصة رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. "ومتى امتص الثدي، ثم قطعه ولو قهرا، ثم امتص ثانيا: فرضعة ثانية" لأن المصة الأولى زال حكمها بترك الإرتضاع، فإذا عاد فامتص فهي غير الأولى، ولأن قوله، صلى الله عليه وسلم "لا تحرم المصة ولا المصتان" يدل على أن لكل مصة أثرا. "والسعوط، في الأنف، والوجور. في الفم وأكل ما جبن أو خلط بالماء وصفاته باقية: كالرضاع في الحرمة" لحديث ابن مسعود مرفوعا: "لا رضاع إلا ما أنشر العظم، وأنبت اللحم" رواه أبو داود. ولوصول اللبن إلى جوفه، كوصوله بالارتضاع، والأنف سبيل لفطر الصائم، فكان سبيلا للتحريم بالرضاع كالفم. "وإن شك في الرضاع، أو عدد الرضعات بنى على اليقين" لأن الأصل عدم الرضاع المحرم. "وإن شهدت به مرضية ثبت التحريم" متبرعة بالرضاع، أو بأجرة، لحديث عقبة بن الحارث، قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما فأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: "وكيف وقد زعمت ذلك؟ " متفق عليه. وفي لفظ للنسائي فأتيته من قبل وجهه، فقلت: إنها كاذبة، فقال: "كيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما؟ خل سبيلها" وقال الشعبي: كان القضاة يفرقون بين الرجل والمرأة بشهادة امرأة واحدة في الرضاع.

وقال الزهري: فرق بين أهل أبيات في زمن عثمان بشهادة امرأة واحدة، وظاهره: سواء شهدت على فعل نفسها، أو على فعل غيرها، كالولادة. "ومن حرمت عليه بنت امرأة" من النسب: "كأمه، وجدته، وأخته" وبنت أخيه، وبنت أخته، أو بمصاهرة. كربيبته التي دخل بأمها "وإذا أرضعت طفلة" رضاعا محرما، "حرمتها عليه أبدا" كبنتها من نسب. "ومن حرمت عليه بنت رجل: كأبيه، وجده، وأخيه، وابنه إذا أرضعت زوجته بلبنه طفلة" رضاعا محرما. "حرمتها عليه أبدا" لحديث "يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة".

كتاب النفقات

كتاب النفقات مدخل مدخل ... كتاب النفقات: أي: ما يجب على الإنسان من النفقة بالنكاح والقرابة والملك، وما يتعلق بذلك. "يجب على الزوج ما لا غناء لزوجته عنه من مأكل، ومشرب، وملبس، ومسكن بالمعروف" لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} 1 الآية وهي: في سياق أحكام الزوجات. وعن جابر مرفوعا: "اتقوا الله في النساء: فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" رواه مسلم وأبو داود. والمعروف: قدر الكفاية. وأجمعوا على وجوب نفقة الزوجة على الزوج إذا كانا بالغين، ولم تكن ناشزا. ذكره ابن المنذر وغيره. ولأن الزوجة محبوسة لحق الزوج فيمنعها ذلك من التصرف والكسب، فتجب نفقتها عليه. "ويعتبر الحاكم ذلك إن تنازعا بحالهما" جميعا، يسارا وإعسارا لهما أو لأحدهما، لأنه أمر يختلف باختلاف حال الزوجين، فرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم كسائر المختلفات. وقال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 2 وقال النبي صلى الله عليه وسلم

_ 1 الطلاق من الآية/ 7. 2 البقرة من الآية/ 233.

"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" فاعتبر حالها. وقال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} الآية1 فاعتبر حاله. فاعتبار حالهما جمع بين الدليلين. والشرع ورد بالإنفاق من غير تقدير فيرد إلى العرف. ذكره في الشرح. "وعليه مؤنة نظافتها من دهن وسدر وثمن ماء الشراب، والطهارة من الحدث والخبث وغسل الثياب" لأن ذلك كله من حوائجها المعتادة. "وعليه لها خادم إن كانت ممن يخدم مثلها" لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف، ولأنه من حاجتها، كالنفقة. ولا يلزمه أكثر من واحد، لأن خدمتها في نفسها تحصل بالواحد. "وتلزمه مؤنسة لحاجة" كخوف مكانها، وعدو تخاف على نفسها منه، لأنه ليس من المعاشرة بالمعروف إقامتها بمكان لا تأمن فيه على نفسها.

_ 1 الطلاق من الآية/ 7.

فصل والواجب عليه دفع الطعام في أول كل يوم

فصل والواجب عليه دفع الطعام في أول كل يوم: عند طلوع شمسه، لأنه أول وقت الحاجة إليه فلا يجوز تأخيره عنه. "ويجوز دفع عوضه إن تراضيا" وكذا تعجيل النفقة وتأخيرها عن وقت الوجوب، لأن الحق لا يعدوهما. "ولا يملك الحاكم أن يفرض عوض القوت دراهم مثلا إلا بتراضيهما" فلا يجبر من امتنع منهما. قال في الهدي: أما فرض الدراهم: فلا أصل

له في كتاب ولا سنة، ولا نص عليه أحد من الأئمة، لأنها معارضة بغير الرضى عن غير مستقر. وفي الفروع: وأما مع الشقاق والحاجة كالغائب مثلا فيتوجه الفرض للحاجة إليه قطعا للنزاع. ولا تعتاض عن الواجب الماضي بربوي، كحنطة عن خبز، ولو تراضيا عليه، لأنه ربا. "وفرضه ليس بلازم" لأنه فرض غير الواجب. "ويجب لها الكسوة في أول كل عام" للآية والخبر، ولأنه يحتاج إليها لحفظ البدن على الدوام، فلزمه كالنفقة، فيعطيها كسوة السنة، لأنه لا يمكن ترديد الكسوة شيئا فشيئا بل هو شيء واحد يستدام إلى أن يبلى. "وتملكها" أي النفقة والكسوة "بالقبض" كما يملك رب الدين دينه بقبضه. "فلا بدل لما سرق أو بلي" لأنها قبضت حقها منه فلم يلزمه غيره. "وإن انقضى العام، والكسوة باقية فعليه كسوة للعام الجديد" اعتبارا بمضي الزمان دون حقيقة الحاجة، كما أنها لو بليت قبل ذلك لم يلزمه بدلها، وكذا غطاء ووطاء وستارة يحتاج إليها. واختار الشيخ تقي الدين، وتبعه ابن نصر الله، وغيره: أنه كماعون الدار ومشط يجب بقدر الحاجة، وعليه العمل. "وإن مات أو ماتت قبل انقضائه" أي: قبل مضي العام "رجع عليها بقسط ما بقي" من العام، لتبين عدم استحقاقه، كنفقة تعجلتها. وقدم في الكافي: لا يرجع لأنه دفع ما استحق دفعه، فلم يرجع به كنفقة اليوم.

"وإن أكلت معه عادة، أو كساها بلا إذن" منها أو من وليها، وكان ذلك بقدر الواجب عليه: "سقطت" نفقتها وكسوتها عملا بالعرف. ومن غاب عن زوجته مدة، ولم ينفق عليها لزمته نفقة الزمن الماضي، ولو لم يفرضها حاكم، لاستقرارها في ذمته، فلم تسقط بمضي الزمان، كأجرة العقار، ولأن عمر، رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم بأن ينفقوا أويطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى قال ابن المنذر: ثبت ذلك عن عمر. وكذا لو كان حاضرا ولم ينفق، لعذر أو لا، لأنه حق يجب مع اليسار والإعسار.

فصل والرجعية مطلقا

فصل والرجعية مطلقا: أي: سواء كانت حاملا أو لا، لها السكنى والنفقة والكسوة، لأنها زوجة، لقوله تعالى: { ... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ ... } 1 ولأنه يلحق طلاقه وظهاره، أشبه ما قبل الطلاق. "والبائن" الحامل كالزوجة، لقوله تعالى: { ... وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 2 وفي بعض أخبار فاطمة بنت قيس: "لا نفقة لك، إلا أن تكوني حاملا" رواه أحمد وأبو داود والنسائي، ورواه مسلم بمعناه. "والناشز الحامل" كالزوجة، لأن النفقة للحمل، فلا تسقط بنشوز أمه.

_ 1 البقرة من الآية/ 228. 2 الطلاق من الآية/ 6.

"والمتوفى عنها زوجها حاملا كالزوجة في النفقة، والكسوة، والمسكن" من حصة الحمل من التركة إن كانت، لأنه موسر فلا تجب نفقته على غيره، وإلا فعلى وارثه الموسر للقرابة. "ولا شيء لغير الحامل منهن" أي: البائن، والناشز، والمتوفى عنها، لمفهوم ما سبق. وأما قول عمر، ومن وافقه في المبتوتة: فقد خالفه علي وابن عباس ومن وافقهما، والحجة معهما. ذكره في الشرح. ولأن النفقة للحمل فتجب بوجوده، وتسقط بعدمه، وتسقط بمضي الزمان كسائر الأقارب. قال المنقح: ما لم تستدن بإذن حاكم، أو تنفق بنية الرجوع. "ولا" نفقة "لمن سافرت لحاجتها، أو لنزهة أو زيارة ولو بإذن الزوج" لتفويتها التمكين لحظ نفسها وقضاء أربها، إلا أن يكون مسافرا معها متمكنا منها. "وإن ادعى نشوزها، أو أنها أخذت نفقتها وأنكرت، فقولها بيمينها" لأن الأصل عدم ذلك. واختار الشيخ تقي الدين وابن القيم في النفقة: القول قول من يشهد له العرف، لأنه تعارض الأصل والظاهر، والغالب أنها تكون راضية، وإنما تطالبه عند الشقاق. "ومتى أعسر بنفقة المعسر، أو كسوته أو مسكنه، أو صار لا يجد النفقة إلا يوما دون يوم، أو غاب الموسر وتعذرت عليها النفقة بالاستدانة وغيرها، فلها الفسخ فورا ومتراخيا" للحوق الضرر الغالب بذلك بها، إذ البدن لا يقوم بدون كفايته، وهو قول عمر وعلي وأبي هريرة،

لقوله تعالى: { ... فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ... } 1 وقد تعذر الإمساك بالمعروف فيتعين التسريح بالإحسان، لحديث: "لا ضرر ولا ضرار" وعن أبي هريرة مرفوعا: في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته. قال: "يفرق بينهما" رواه الدارقطني. وسئل ابن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته، أيفرق بينهما؟ قال: نعم، قيل: سنة؟ قال: سنة. وقال ابن المنذر: ثبت أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا وقد سبق. ولأن جواز الفسخ بذلك أولى من العنة. لأن الضرر فيه أكثر. "ولا يصح بلا حاكم" لأنه فسخ مختلف فيه، فلم يجز بغير الحاكم، كالفسخ للعنة. "فيفسخ بطلبها، أو تفسخ بأمره" لأنه لحقها فلم يجز بدون طلبها. "وإن امتنع الموسر من النفقة أو الكسوة، وقدرت على ماله: فلها الأخذ منه بلا إذنه بقدر كفايتها، وكفاية ولدها الصغير" لأن هندا بنت عتبة، قالت: يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، فقال صلى الله عليه وسلم: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" متفق عليه. فرخص لها في أخذ تمام الكفاية بغير علمه، لأنه موضع حاجة إذ لا غنى عن النفقة، ولا قوام إلا بها، وتتجدد بتجدد الزمن فتشق المرافعة بها إلى الحاكم، والمطالبة بها كل يوم.

_ 1 البقرة من الآية/ 229.

باب نفقة الأقارب والمماليك

باب نفقة الأقارب والمماليك مدخل ... باب نفقة الأقارب والمماليك: من الآدميين والبهائم. أجمعوا على وجوب نفقة الوالدين والمولودين. حكاه ابن المنذر وغيره، لقوله تعالى: { ... وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ... } 1 ومن الإحسان إليهما: الإنفاق عليهما عند حاجتهما. وقال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 2 وعن عائشة مرفوعا: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه" رواه أبو داود. ولحديث هند المتقدم "ويجب على القريب نفقة أقاربه، وكسوتهم، وسكناهم بالمعروف" لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 2 ثم قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} 2 فأوجب على الأب نفقة الرضاع، ثم أوجب على الوارث مثل ذلك. وروى أبو داود أن رجلا سأل النبي، صلى الله عليه وسلم، من أبر؟ قال: "أمك وأباك، وأختك وأخاك" وفي لفظ "ومولاك الذي هو أدناك حقا واجبا، ورحما موصولا" وقضى عمر رضي الله عنه، على بني عم منفوس بنفقته احتج به أحمد.

_ 1 الإسراء من الآية/ 23. 2 البقرة من الآية/ 233.

"بثلاثة شروط" "الأول: أن يكونوا فقراء لا مال لهم، ولا كسب" لأنها مواساة، فلا تستحق مع الغناء عنها، كالزكاة، "الثاني أن يكون المنفق غنيا. إما بماله أو كسبه، وأن يفضل عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه يومه وليلته" وكسوتهم وسكناهم، لحديث جابر مرفوعا: "إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه، فإن كان فضل فعلى عياله، فإن كان فضل فعلى قرابته" وفي لفظ "ابدأ بنفسك، ثم بمن تعول" صححه الترمذي. ولأن وجوب نفقة القريب على سبيل المواساة فيجب أن تكون في الفاضل عن الحاجة الأصلية. "الثالث أن يكون وارثا لهم بفرض أو تعصيب" للآية. "إلا الأصول والفروع فتجب لهم وعليهم مطلقا" أي: سواء ورثوا أو لا، لعموم ما تقدم. ويدخل الأجداد وأولاد الأولاد في اسم الآباء والأولاد. قال تعالى: { ... مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ... } 1 وقال: { ... يَا بَنِي آدَمَ ... } 2 { ... يَا بَنِي إِسْرائيلَ ... } 3 وقال النبي صلى الله عليه وسلم، في الحسن "إن ابني هذا سيد" ولأن بينهما قرابة توجب العتق، ورد الشهادة، أشبه الولد والوالدين الأقربين. "وإذا كان للفقير ورثة دون الأب فنفقته على قدر إرثهم" منه، لأن الله تعالى رتب النفقة على الإرث بقوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ... } 4 فوجب أن يرتب مقدار النفقة على مقدار الإرث.

_ 1 الحج من الآية/ 78. 2 الأعراف من الآية/ 31 وغيرها. 3 البقرة من الآية/ 40 وغيرها. 4 البقرة من الآية/ 233.

"ولا يلزم الموسر منهم مع فقر الآخر سوى قدر إرثه" لأن ذلك القدر هو الواجب عليه يسار الآخر، فلا يتحمل عن غيره إذا لم يجد الغير ما يجب عليه. "ومن قدر على الكسب أجبر" عليه. "لنفقة من تجب عليه" نفقته، "من قريب وزوجة" لأن تركه مع قدرته عليه تضيع لمن يعول، وهو منهي عنه. ولا تجبر امرأة على نكاح، لنفقة على قريبها الفقير. "ومن لم يجد ما يكفي الجميع بدأ بنفسه" لحديث "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول". "فزوجته" لأن نفقتها معاوضة، فقدمت على ما وجب مواساة، ولذلك تجب مع يسارهما وإعسارهما بخلاف نفقة القريب. "فرقيقه" لوجوبها مع اليسار والإعسار، كنفقة الزوجة. "فولده" لوجوب نفقته بالنص. "فأبيه" لانفراده بالولاء، واستحقاقه الأخذ من مال ولده، وقد أضافه إليه بقوله عليه الصلاة والسلام "أنت ومالك لأبيك". "فأمه" لأن لها فضيلة الحمل والرضاع والتربية. وقيل: الأم أحق، لما روي أن رجلا قال: يا رسول الله: من أبر؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أباك" متفق عليه. وقيل: هما سواء لتساويهما في القرابة. "فولد ابنه، فجده، فأخيه، ثم الأقرب فالأقرب" لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله: من أبر؟ قال:

"أمك". قلت: ثم من؟ قال: "أمك". قلت: ثم من؟ قال "أمك". قلت: ثم من؟ قال: "أباك، ثم الأقرب فالأقرب" رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وعن طارق المحاربي مرفوعا: "إبدأ بمن تعول: أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك أدناك" رواه النسائي. ولأن النفقة صلة وبر، ومن قرب أولى بالبر ممن بعد. "ولمستحق النفقة أن يأخذ ما يكفيه من مال من تجب عليه بلا إذنه" لحديث هند السابق. وقيس عليه سائر من تجب له النفقة. "وحيث امتنع منها زوج أو قريب، وأنفق أجنبي بنية الرجوع رجع" لأنه قام عنه بواجب، كقضاء دينه. "ولا نفقة مع اختلاف الدين" بقرابة، ولو من عمودي نسب، لأنهما لا يتوارثان. "إلا بالولاء" فتجب للعتيق على معتقه بشرطه، وإن باينه في دينه، لأنه يرثه مع ذلك، فدخل في عموم قوله تعالى: { ... وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ... } 1.

_ 1 البقرة من الآية/ 233.

فصل وعلى السيد نففة مملوكه وكسوته ومسكنه

فصل وعلى السيد نففة مملوكه وكسوته ومسكنه: لحديث أبي هريرة مرفوعا: "للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق" رواه أحمد ومسلم والشافعي في مسنده. وأجمعوا

على أن نفقة المملوك على سيده، ولأنه لا بد له من نفقة، ومنافعه لسيده، وهو أحق الناس به، فوجبت عليه نفقته كبهيمته. "وتزويجه إن طلب" أو بيعه، لقوله تعالى: { ... وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ... } 1. "وله أن يسافر بعبده المزوج وأن يستخدمه نهارا" ويمكنه من الإستمتاع بها ليلا. "وعليه إعفاف أمته: إما بوطئها، أو تزويجها، أو بيعها" إزالة لضرر الشهوة عنها. "ويحرم أن يضربه على وجهه" لحديث ابن عمر مرفوعا: "من لطم غلامه فكفارته عتقه" رواه مسلم. "أو يشتم أبويه ولو كافرين" قال أحمد: لا يعود لسانه الخنى والردى2 ولا يدخل الجنة سيئ الملكة، وهو: الذي يسيء إلى مماليكه3 "أو يكلفه من العمل ما لا يطيق" لما تقدم. وفي حديث أبي ذر "ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه" متفق عليه. "ويجب أن يريحه وقت القيلولة، ووقت النوم، والصلاة المفروضة" لأنه العادة، ولأن تركه إضرار بهم. وفي الحديث "لا ضرر ولا ضرار". "وتسن مداواته إن مرض" إزالة للضرر عنه.

_ 1 النور من الآية/ 32. 2 الخنى: الفاحش من الكلام. 3 قال في اللسان: وفي الحديث "لا يدخل الجنة سيئ الملكة" أي: الذي يسيء صحبة المماليك.

"وأن يطعمه من طعامه" ويلبسه من لباسه، لحديث أبي ذر مرفوعا: "هم إخوانكم وخولكم، جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس" الحديث، متفق عليه. وعن أبي هريرة مرفوعا: "إذا أتى أحدكم خادمة بطعامه، فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين، أو أكلة أو أكلتين، فإنه ولي حره وعلاجه" رواه الجماعة. وعن أنس قال: كان عامة وصية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه: "الصلاة، وما ملكت أيمانكم" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. "وله تقييده إن خاف عليه" إباقا. نص عليه. وقال: يباع أحب إلي. "وتأديبه" إن أذنب، ولا يجوز بلا ذنب. ويستحب العفو عنه مرة أو مرتين "ولا يصح نفله إن أبق" لحديث جرير مرفوعا "أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة" وفي لفظ "إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة" رواه مسلم. "وللإنسان تأديب زوجته وولده ولو مكلفا بضرب غير مبرح" إن أذنبوا، لحديث "لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" رواه الجماعة إلا النسائي. "ولا يلزمه بيع رقيقه مع قيامه بحقوقه" لأن الملك للسيد، والحق له، فلا يجبر على بيعه، كما لا يجبر على طلاق زوجته مع قيامه بما يجب لها. فإن لم يقم بحقه وطلب بيعه، لزمه إجابته إزالة للضرر. وفي الخبر

"عبدك يقول: أطعمني، وإلا فبعني. وامرأتك تقول: أطعمني، أو طلقني" رواه أحمد والدارقطني بمعناه.

فصل وعلى مالك البهيمة إطعامها وسقيها

فصل وعلى مالك البهيمة إطعامها وسقيها: لحديث ابن عمر مرفوعا: "عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض" متفق عليه. "فإن امتنع أجبر" أي: أجبره الحاكم لقيامه مقام الممتنع من أداء الواجب، كقضاء دينه. "فإن أبى أو عجز: أجبر على بيعها، أو إجارتها، أو ذبحها إن كانت تؤكل" إزالة للضرر عنها. لقوله، صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" ولأنها تتلف إذا تركت بلا نفقة. وإضاعة المال منهي عنها. "ويحرم لعنها" لحديث عمران أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان في سفر، فلعنت امرأة ناقة، فقال: "خذوا ما عليها، ودعوها فإنها ملعونة". فكأني أراها الآن تمشي في الناس لا يعرض لها أحد وحديث أبي برزة "لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة" رواهما أحمد ومسلم. "وتحميلها مشقا" لما في ذلك من تعذيب الحيوان والإضرار به. "وحلبها ما يضر ولدها" لأن لبنها مخلوق له، أشبه ولد الأمة، ولعموم حديث "لا ضرر ولا ضرار". "وضربها في وجهها ووسمها فيه" لأنه، صلى الله عليه وسلم، لعن من وسم، أو ضرب الوجه، ونهى عنه ذكره في الفروع.

"وذبحها إن كانت لا تؤكل" لأنه إضاعة مال. "ويجوز استعمالها في غير ما خلقت له" كبقر لركوب وحمل، وإبل وحمر لحرث، لأن مقتضى الملك جواز الانتفاع بها فيما يمكن، وهذا منه كالذي خلقت له، وبه جرت عادة بعض الناس. وحديث: بينما رجل يسوق بقرة أراد أن يركبها، إذ قالت: إني لم أخلق لذلك. إنما خلقت للحرث متفق عليه. أي: هو معظم النفع، ولا يلزم منه منع غيره.

باب الحضانة

باب الحضانة مدخل ... باب الحضانة: تجب لحفظ صغير، ومعتوه، ومجنون، لأنهم يهلكون بتركها ويضيعون، فلذلك وجبت إنجاء من الهلكة. "وهي حفظ الطفل غالبا عما يضره والقيام بمصالحه: كغسل رأسه وثيابه ودهنه وتكحيله وربطه في المهد ونحوه وتحريكه لينام" ونحو ذلك مما يصلحه. "والأحق بها: الأم" لشفقتها. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا. ولقوله، صلى الله عليه وسلم "أنت أحق به ما لم تنكحي" رواه أبو داود. وقضى أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، بعاصم بن عمر بن الخطاب لأمه أم عاصم وقال لعمر: ريحها، وشمها، ولطفها، خير له منك رواه سعيد. واشتهر ذلك في الصحابة فكان إجماعا. قاله في الكافي. وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن الأم إذا تزوجت سقطت حضانتها. ذكره في الشرح.

"ولو بأجرة مثلها مع وجود متبرعة" كالرضاع. "ثم أمهاتها القربى فالقربى" لأنهن في معنى الأم، لتحقق ولادتهن وقد قضى أبو بكر على عمر، رضي الله عنهما، أن يدفع ابنه إلى جدته وهي بقباء، وعمر بالمدينة قاله أحمد. "ثم الأب" لأنه أصل النسب وأحق بولاية المال. "ثم أمهاته" لأنهن يدلين بعصبة قريبة. "ثم الجد" لأب، لأنه في معنى الأب. "ثم أمهاته" القربى فالقربى، لإدلائهن بعصبة. "ثم الأخت لأبوين" لقوة قرابتها ومشاركتها له في النسب. "ثم لأم" لإدلائها بالأم كالجدات. "ثم لأب" لأنها تقوم مقام الشقيقة وترث ميراثها. "ثم الخالة لأبوين، ثم لأم ثم لأب" لإدلاء الخالات بالأم، وعنه أن الخالة تقدم على الأب، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الخالة بمنزلة الأم" متفق عليه. "ثم العمات كذلك" أي: تقدم العمة لأبوين، ثم لأم، ثم لأب، لأنهن يدلين بالأب "ثم خالات أمه، ثم خالات أبيه، ثم عمات أبيه" كذلك لأنهن نساء من أهل الحضانة، فقدمن على من بدرجتهن من الرجال: كتقديم الأم على الأب. "ثم بنات إخوته وأخواته، ثم بنات أعمامه وعماته" على التفصيل المتقدم.

"ثم لباقي العصبة: الأقرب فالأقرب" فتقدم الإخوة، ثم بنوهم، ثم الأعمام، ثم بنوهم، ثم أعمام الأب، ثم بنوهم، وهكذا. قال في الشرح: وللرجال من العصبات مدخل في الحضانة لأنه، صلى الله عليه وسلم، لم ينكر على علي وجعفر مخاصمتهما زيدا في حضانة ابنة حمزة انتهى بمعناه. "ولا حضانة لمن فيه رق" ولو قل، لأنها ولاية، وليس هو من أهلها. "ولا لفاسق" ظاهرا، لأنه لا يوثق به في أداء واجب الحضانة، ولا حظ للولد في حضانته، لأنه ربما نشأ على طريقته. "ولا لكافر على مسلم" لأنه أولى بذلك من الفاسق. "ولا لمتزوجة بأجنبي" من المحضون، للحديث السابق. "ومتى زال المانع، أو أسقط الأحق حقه ثم عاد، عاد الحق له" في الحضانة لقيام سببها مع زوال المانع. "وإن أراد أحد الأبوين السفر ويرجع، فالمقيم أحق بالحصانة" إزالة لضرر السفر. "وإن كان لسكنى - وهو: مسافة قصر - فالأب أحق" إن كان الطريق آمنا، لأنه الذي يقوم بتأديبه وتخريجه وحفظ نسبه. فإذا لم يكن الولد في بلد الأب ضاع. "ودونها" أي: دون مسافة القصر. "فالأم أحق" لأنها أتم شفقة، ولأن مراعاة الأب له ممكنة، ولما

سبق عن أبي بكر، رضي الله عنه. وهذا كله إن لم يقصد المسافر به مضارة الآخر، وإلا فالأم أحق، كما ذكره الشيخ تقي الدين وابن القيم.

فصل وإذا بلغ الصبي سبع سنين عاقلا خير بين أبويه

فصل وإذا بلغ الصبي سبع سنين عاقلا خير بين أبويه: لحديث أبي هريرة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، خير غلاما بين أبيه وأمه رواه سعيد والشافعي. وعنه أيضا جاءت امرأة إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله: إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "هذا أبوك، وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت". فأخذ بيد أمه، فانطلقت به رواه أبو داود والنسائي. وعن عمر أنه: خير غلاما بين أبيه وأمه رواه سعيد. وعن عمارة الحربي خيرني علي بين أمي وعمي، وكنت ابن سبع أو ثمان ولأن التقديم في الحضانة لحق الولد، فيقدم من هو أشفق. واختياره دليل ذلك. قال في الشرح: ولأنه إجماع الصحابة. "فإن اختار أباه كان عنده ليلا ونهارا" ليحفظه ويعلمه ويؤدبه. "ولا يمنع من زيارة أمه، ولا هي من زيارته" لما فيه من الإغراء بالعقوق وقطيعة الرحم. "وإن اختار أمه كان عندها ليلا" لأنه وقت الانحياز إلى المساكن، "وعند أبيه نهارا ليعلمه ويؤدبه" لئلا يضيع، ولأن النهار وقت التصرف في الحوائج، وعمل الصنائع.

"وإذا بلغت الأنثى سبعا كانت عند أبيها وجوبا إلى أن تتزوج" لأنه أحفظ لها وأحق بولايتها، ولمقاربتها الصلاحية للتزويج. وإنما تخطب من أبيها، لأنه وليها، وأعلم بالكفء. ولم يرد الشرع بتخييرها. ولا يصح قياسها على الغلام، لأنه لا يحتاج إلى ما تحتاج إليه الأنثى. "ويمنعها" الأب "ومن يقوم مقامه من الإنفراد" بنفسها خشية عليها، لأنه لا يؤمن عليها دخول المفسدين. قاله في الكافي. "ولا تمنع الأم من زيارتها، ولا هي من زيارة أمها إن لم يخف الفساد" وتمنع من الخلوة بها إن خيف أن تفسد قلبها. قاله في الواضح وغيره. "والمجنون، ولو أنثى عند أمه مطلقا" صغيرا كان أو كبيرا، لحاجته إلى من يخدمه ويقوم بأمره، والنساء أعرف بذلك، وأمه أشفق عليه من غيرها. "ولا يترك المحضون بيد من لا يصونه ويصلحه" لأن وجوده كعدمه فتنتقل الحضانة عنه إلى من يليه. قال الشيخ تقي الدين: ولو كان الأب عاجزا عن حفظها، أو يهمله لاشتغاله عنه، أو قلة دينه، والأم قائمة بحفظها: قدمت. وكذا إ ذا تركها عند ضرة أمها لا تعمل مصلحتها، بل تؤذيها، وأمها تعمل مصلحتها ولا تؤذيها: فالحضانة هنا للأم قطعا انتهى.

كتاب الجنايات

كتاب الجنايات مدخل ... كتاب الجنايات: "وهي: التعدي على البدن بما يوجب قصاصا أو مالا" وأجمعوا على تحريم القتل بغير حق، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ... } الآية1 وحديث ابن مسعود مرفوعا: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة" متفق عليه. فمن قتل مسلما متعمدا فسق، وأمره إلى الله تعالى، وتوبته مقبولة عند أكثر العلم، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2. "والقتل ثلاثة أقسام:" عمد، وشبه عمد، وخطأ، هذا تقسيم أكثر أهل العلم، وهو مروي عن عمر وعلي. وأنكر مالك شبه العمد، وجعله من قسم العمد، قال في الشرح: ولنا قوله، صلى الله عليه وسلم، "ألا إن دية الخطإ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا: مائة من الإبل: منها أربعون في بطونها أولادها" رواه أبو داود. "أحدهما: العمد العدوان، ويختص القصاص به" فلا يثبت في غيره

_ 1 النساء من الآية/ 92. 2 النساء من الآية/ 48.

"أو الدية فالولي مخير" لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الآية 1 وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل، وإما أن يفدي" متفق عليه فإن اختار القود فله أخذ الدية والصلح على أكثر منها. قال الموفق: لا أعلم فيه خلافا. وليست هذه الدية هي الواجبة بالقتل بل بدل عن القصاص، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية، وهي: ثلاثون حقة وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد العقل" 2 رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، وروي أن هدبة بن خشرم قتل قتيلا فبذل سعيد بن العاص والحسن والحسين لابن المقتول سبع ديات ليعفو عنه، فأبى ذلك وقتله. وإن عفا مطلقا فلم يقيد بقصاص، ولا دية فله الدية، لانصراف العفو إلى القصاص دون الدية، لأنه المطلوب الأعظم في باب القود، فتبقى الدية على أصلها.

_ 1 البقرة من الآية/ 178. 2 الحقة: بكسر الحاء وتشديد القاف والجمع حقاق: وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. والجذعة: بفتح الجيم والدال: وهي التي أتى عليها أربع سنين ودخلت في الخامسة. والخلفة بكسر اللام: الحاملة. وكلمة: العقل في الأصل: القتل. والصحيح ما أثبتناه. والمراد بالعقل هنا: الدنة، ولما كان القاتل يجمعها ويعقلها بفناء أولياء المقتول.... منه سميت عقلا.

"وعفوه مجانا أفضل" لقوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 1 وفي الحديث الصحيح "وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا" "وهو: أن يقصد الجاني من يعلمه آدميا معصوما فيقتله بما يغلب علي الظن موته به" محددا كان أو غيره، فلا قصاص إن لم يقصد القتل، أو قصده بما لا يقتل غالبا. "فلو تعمد جماعة قتل واحد قتلوا جميعا إن صلح فعل كل واحد منهم للقتل، وإن جرح واحد منهم جرحا والآخر مائة" لإجماع الصحابة. وروى سعيد بن المسيب عن عمر أنه قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا وعن علي أنه قتل ثلاثة قتلوا رجلا وعن ابن عباس أنه قتل جماعة قتلوا واحدا ولم يعرف لهم مخالف، فكان إجماعا. ولأن فعل كل واحد لو انفرد لوجب به القصاص، ولأن القتل عقوبة تجب للواحد على الواحد فوجبت له على الجماعة، كحد القذف. ويفارق الدية فإنها تتبعض، والقصاص لا يتبعض. وإن ترتبت الجناية كأن قطع أحدهما يده، ثم ذبحه الآخر فعلى الأول ما على قاطع اليد منفردة، والثاني هو القاتل، لأنه قطع سراية القطع، كما لو اندمل القطع، ثم قتله. وإن كان قطع اليد آخر فالأول هو القاتل، ولا ضمان على قاطع اليد، لأنه صار في حكم الميت، ولا حكم لكلامه في وصيته ولا غيرها. وإن أجافه جائفة يتحقق الموت منها، إلا أن الحياة فيه مستقرة، ثم ذبحه آخر فالقاتل الثاني، لأن حكم الحياة باق، كما لو قتل مريضا مأيوسا منه. ولهذا

_ 1 البقرة من الآية/ 237.

أوصى عمر بعد ما أيس منه فقبلت الصحابة عهده، وأجمعوا على قبول وصاياه. وإن ألقى رجلا من شاهق، فتلقاه آخر بسيف فقده قبل وقوعه: فالقصاص عليه، لأنه مباشر للإتلاف، فانقطع حكم المتسبب، كالحافر مع الدافع. قاله في الكافي. "ومن قطع أو بط سلعة خطوة من مكلف بلا إذنه، أو من غير مكلف بلا إذن وليه فمات فعليه القود" لتعديه بذلك بغير إذنه. "الثاني: شبه العمد" ويسمى خطأ العمد، وعمد الخطإ لاجتماع الخطأ. والعمد فيه، لأنه عمد الفعل، وأخطأ في القتل. قاله في المغني. "وهو: أن يقصده بجناية لا تقتل غالبا ولم يجرحه بها" كمن ضرب شخصا في غير مقتل بسوط، أو عصا، أو حجر صغير، أو لكزه بيده، أو صاح بعاقل اغتفله، ونحو ذلك فمات، فلا قود عليه، والدية على العاقلة في قول أكثر أهل العلم. قاله في الشرح، لقوله، صلى الله عليه وسلم "ألا إن في قتيل خطإ العمد قتيل السوط والعصا: مائة من الإبل" رواه أبو داود وحديث أبي هريرة اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها، فقضى النبي، صلى الله عليه وسلم، أن دية جنينها عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه. ويحمل الحجر على الصغير، والعصا على ما دون عمود الفسطاط جمعا بين الأخبار، لأنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المرأة التي ضربت ضرتها بعمود فسطاط فقتلتها وجنينها: قضى في الجنين بغرة، وقضى بالدية على عاقلتها1 رواه أحمد ومسلم. قال

_ 1 الغرة: بضم الغين وتشديد الراء وفتحها. أصلها: البياض في وجه الفرس وهي هنا: العبد أو الأمة: كأنه عبر بالغرة عن الجسم كله.

في الشرح: والعاقلة لا تحمل العمد فدل على أنها التي تتخذها العرب لبيوتها وفيها دقه. "فإن جرحه، ولو جرحا صغيرا قتل به" لأن له مورا وسراية في البدن. وفي البدن مقاتل خفية، أشبه ما لو غرزه في مقتل. قاله في الكافي. ولأن الظاهر موته به. "الثالث: الخطأ. وهو: أن يفعل ما يجوز له فعله من دق، أو رمي صيد، أو نحوه" كهدف وغرض فيقتل إنسانا. "أو" رمى من يظنه "مباح الدم" كحربي ومرتد وزان محصن: "فيبين آدميا معصوما" لم يقصده بالقتل فيقتله. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن قتل الخطأ أن يرمي شيئا فيصيب غيره. انتهى. وعمد الصغير والمجنون كخطأ المكلف، لأنه لا قصد لهما. قال في الشرح: ولا خلاف أنه لا قصاص على صبي، ومجنون، ومن زال عقله بسبب يعذر فيه. "ففي القسمين الأخيرين" وهما: شبه العمد والخطأ "الكفارة على القاتل والدية على عاقلته" لقوله تعالى: { ... وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ... } 1 وللأحاديث السابقة. قال في الشرح: ولا قصاص في شيء من هذا، لأن الله لم يذكره. "ومن قال لإنسان: اقتلني أو اجرحني، فقتله أو جرحه: لم يلزمه شيء"

_ 1 النساء من الآية/ 92.

نص عليه، لإذنه في الجناية عليه، فسقط حقه منها، كما لو أمره بإلقاء متاعه في البحر ففعل. "وكذا لو دفع لغير مكلف آلة قتل، ولم يأمره به" أي: القتل فقتل بالآلة لم يلزم دافع الآلة شيء، لأنه لم يأمر بالقتل، ولم يباشره.

باب شروط القصاص في النفس

باب شروط القصاص في النفس: "وهي أربعة:" "1- تكليف القاتل" لأن القصاص عقوبة مغلظة، فلا تجب على غير المكلف: "فلا قصاص على صغير، ومجنون" ونائم، لحديث "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ". "بل الكفارة في مالهما، والدية على عاقلتهما" كالقاتل خطأ. "2- عصمة المقتول" بأن لا يكون مهدر الدم: "فلا كفارة، ولا دية على قاتل حربي، أو مرتد، أو زان محصن ولو أنه مثله" في عدم العصمة: بأن قتل حربي حربيا أو مرتدا، وزانيا محصنا. وعكسه لوجود الصفة المبيحة لدمه، ويعذر قاتل لافتئاته على ولي الأمر. "3- المكافأة: بأن لا يفضل القاتل المقتول حال الجناية بالإسلام، أو الحرية أو الملك، فلا يقتل المسلم ولو عبدا بالكافر ولو حرا" في قول الأكثر. وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت ومعاوية،

لحديث: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ولا يقتل مؤمن بكافر" رواه أحمد وأبو داود. وفي لفظ "لا يقتل مسلم بكافر" رواه البخاري وأبو داود. وعن علي من السنة: أن لا يقتل مؤمن بكافر رواه أحمد. "ولا الحر ولو ذميا بالعبد ولو مسلما" لقوله تعالى: { ... الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ... } 1 ولقول علي: من السنة أن لا يقتل حر بعبد رواه أحمد. وعن ابن عباس مرفوعا مثله. رواه الدارقطني. قال في الكافي: وإن قتل ذمي حر عبدا مسلما فعليه قيمته، ويقتل بنقضه العهد. "ولا المكاتب بعبده" لأنه مالك رقبة، أشبه الحر "ولو كان ذا رحم محرم له" لأنه ملكه، فلا يقتل به كغيره من عبيده "ويقتل الحر المسلم، ولو ذكرا بالحر المسلم، ولو أنثى" لقوله تعالى: { ... وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ... } 1 وقوله: { ... الْحُرُّ بِالْحُرِّ ... } 2 وعن عمرو بن حزم أن النبي، صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن أن الرجل يقتل بالمرأة رواه النسائي. وعن أنس أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين، فقيل لها: من فعل هذا بك: فلان أو فلان؟ حتى سمي اليهودي، فأومت برأسها، فجيء به فاعترف، فأمر به النبي، صلى الله عليه وسلم، فرض رأسه بحجرين رواه الجماعة.

_ 1 البقرة من الآية/ 45. 2 المائدة من الآية/ 178.

"والرقيق كذلك" يعني: يقتل الرقيق المسلم ولو ذكرا بالرقيق المسلم ولو أنثى، وإن اختلفت قيمتهما. كما يؤخذ الجميل بالدميم، والشريف بضده، لقوله تعالى: {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} 1 "وبمن هو أعلى منه" فيقتل الكافر الحر بالمسلم الحر، ويتتل العبد بالحر، والأنثى بالذكر "والذمي كذلك" فيقتل الذمي الرقيق بالذمي الحر، لأ نه إذا قتل بمثله فبمن هو أعلى منه أولى. "الرابع: أن يكون المقتول ليس بولد للقاتل" وإن نزل، وسواء في ذلك ولد البنين أو البنات. "فلا يقتل الأب وإن علا، ولا الأم وإن علت بالولد، ولا ولد الولد وإن سفل" لحديث عمر وابن عباس مرفوعا: "لا يقتل والد بولده" رواهما ابن ماجه. وروى النسائي حديث عمر. قال ابن عبد البر: هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق مستفيض عندهم يستغنى بشهرته وقبوله، والعمل به عن الإسناد حتى يكون الإسناد في مثله تكلفا. وعليه الدية في ماله. نص عليه. وعن عمر، رضي الله عنه أنه أخذ من قتادة المدلجي دية ابنه رواه مالك. ويقتل الولد بكل من الأبوين، لعموم قوله تعالى: { ... كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ... } 1 خص منه ما تقدم، وبقي ما عداه. "ويورث القصاص على قدر الميراث" حتى الزوجين وذي الرحم، لأن القود حق ثبت للوارث على سبيل الإرث، لأنه بدل نفس المقتول، كالدية.

_ 1 البقرة من الآية/ 178.

"فمتى ورث القاتل، أو ولده شيئا من القصاص فلا قصاص" لأنه لا يتبعض، ولا يتصور وجوبه للإنسان على نفسه، ولا لولده عليه. فلو قتل زوجته فورثها ولدها منه: سقط القصاص. أو قتل أخاها فورثته، ثم ماتت، فورثها القاتل بالزوجية، أو ورثها ولده: سقط القصاص لذلك. ومن قتل شخصا في داره، وادعى أنه دخل لقتله أو أخذ ماله، أو وجده يفجر بأهله، فأنكر الولي: فعليه القود، لأن الأصل عدم ذلك. قال في المغنى: ولا أعلم فيه مخالفا. وروي عن علي، رضي الله عنه أنه سئل عمن وجد مع امرأته رجلا فقتله. فقال: إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته1، فإن اعترف الولي بذلك فلا قصاص ولا دية، لاعتراف الولي بما يهدر الدم. ولما روي عن عمر أنه كان يوما يتغدى، إذ جاء رجل يعدو وفي يده سيف ملطخ بالدم، ووراءه قوم يعدون خلفه، فجاء حتى جلس مع عمر، فجاء الآخرون، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن هذا قتل صاحبنا، فقال له عمر: ما تقول؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني ضربت فخذي امرأتي فإن كان بينهما أحد فقد قتلته فقال عمر: ما تقولون؟ قالوا يا أمير المؤمنين إنه ضرب بالسيف فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة فأخذ عمر سيفة فهزه، ثم دفعه إليه، وقال: إن عاد فعد رواه سعيد.

_ 1 الرمة: الحبل والمراد به الحبل الذي يقاد به الجاني.

باب شروط استيفاء القصاص

باب شروط استيفاء القصاص مدخل ... باب شروط استيفاء القصاص: "وهي ثلاثة:" "الأول: تكليف المستحق" أي كونه بالغا عاقلا لأن غيره ليس أهلا للاستيفاء، ولا تدخله النيابة. "فإن كان صغيرا أو مجنونا حبس الجاني إلى تكليفه" لأن معاوية حبس هدبة بن خشرم في قصاص حتى بلغ ابن القتيل وكان في عصر الصحابة، ولم ينكر. وبذل الحسن والحسين، وسعيد بن العاص، لابن القتيل سبع ديات فلم يقبلها. "فإن احتاج إلى نفقة فلولي المجنون فقط العفو إلى الدية" لأن الجنون لا حد له ينتهي إليه عادة، بخلاف الصغير. "الثاني: اتفاق المستحقين على استيفائه، فلا ينفرد به بعضهم" لأنه يكون مستوفيا لحق غيره بغير إذنه، ولا ولاية له عليه. "وينتظر قدوم، وتكليف غير المكلف" لأنهم شركاء في القصاص. "ومن مات من المستحقين فوارثه كهو" لقيامه مقامه، لأنه حق للميت، فانتقل إلى وارثه كسائر حقوقه. وعنه: للكبار استيفاوه، لأن الحسن، رضي الله عنه قتل ابن ملجم، وفي الورثة صغار، فلم ينكر وقيل قتله لكفره وقيل لسعيه في الأرض بالفساد ومتى انفرد به من منع من الإنفراد به عذر فقط، ولا قصاص عليه،

لأنه شريك في الاستحقاق، وعليه لشركائه حقهم من الدية، لإتلافه ما كان مستحقا لشريكه. والوجه الثاني: يجب في تركة القاتل الأول، لأنه قود سقط إلى مال فوجب في تركة القاتل، كما لو قتله أجنبي. ويرجع ورثة القاتل الأول على قاتل موروثهم بدية ما عدا نصيبه. ذكر معناه في الكافي. "وإن عفا بعضهم، ولو زوجا أو زوجة" سقط القصاص، لأنه لا يتبعض. وأحد الزوجين من جملة الورثة، فيدخل في قوله، صلى الله عليه وسلم "فأهله بين خيرتين" وهذا عام في جميع أهله، والزوجة من أهله، بدليل قوله، صلى الله عليه وسلم "من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، وما علمت على أهلي إلا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي" - يريد عائشة - وقال له أسامة: أهلك، ولا نعلم إلا خيرا وعن زيد بن وهب أن عمر، رضي الله عنه أتي برجل قتل قتيلا فجاء ورثة المقتول ليقتلوه، فقالت امرأة المقتول - وهي: أخت القاتل -: قد عفوت عن حقي. فقال عمر: الله أكبر، عتق القتيل رواه أبو داود. وروى قتادة أن عمر رفع إليه رجل قتل رجلا، فقال أولاد المقتول، وقد عفا بعضهم، فقال عمر لابن مسعود: ما تقول؟ قال: إنه قد أحرز من القتل، فضرب على كتفه، وقال: كنيف ملئ علما1. "أو أقر بعفو شريكه سقط القصاص" وكذا لو شهد بعفو شريكه،

_ 1 الكنف: الوعاء. ومنه حديث ابن عمر أنه قال لابن مسعود: كنيف ملئ علما وهو: تصغير تعظيم للكنف.

لإقراره بسقوط نصيبه. ولمن لم يعف من الورثة حقه من الدية على جان. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا. وسواء عفا شريكه مجانا أو إلى الدية، لأنها بدل عما فاته من القصاص. وعن زيد بن وهب أن رجلا دخل على امرأته فوجد عندها رجلا فقتلها، فاستعدى عليه إخوتها عمر، رضي الله عنه، فقال بعض إخوتها: قد تصدقت. فقضى لسائرهم بالدية. "الثالث: أن يؤمن في استيفائه تعديه إلى الغير" أي: غير الجاني لقوله تعالى: { ... فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ... } 1 "فلو لزم القصاص حاملا" أو حملت بعد وجوبه: "لم تقتل حتى تضع" حملها، وتسقيه اللبأ2. لا نعلم فيه خلافا. قاله في الشرح، لأن تركه يضر الولد، وفي الغالب لا يعيش إلا به. ولابن ماجه عن معاذ بن جبل، وأبي عبيدة، وعبادة بن الصامت، وشداد بن أوس مرفوعا: "إذا قتلت المرأة عمدا لم تقتل حتى تضع ما في بطنها، وحتى تكفل ولدها" ولقوله، صلى الله عليه وسلم، للغامدية "ارجعي حتى تضعي ما في بطنك"، ثم قال لها: "ارجعي حتى ترضعيه" الحديث، رواه أحمد ومسلم وأبو داود. "ثم ان وجد من يرضعه قتلت" لقيامه مقامها في إرضاعه، وتربيته فلا عذر، "وإلا فلا حتى ترضعه حولين" لما تقدم، ولأنه إذا وجب حفظه، وهو حمل فحفظه، وهو مولود أولى. قاله في لكافي.

_ 1 الإسراء من الآية/ 33. 2 اللبأ: أول اللبن في النتاج.

فصل ويحرم استيفاء القصاص بلا حضرة سلطان أو نائبه

فصل ويحرم استيفاء القصاص بلا حضرة سلطان أو نائبه: لافتقاره إلى اجتهاده، ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفي، ويعذر مخالف لافتئاته بفعل ما منع منه. "ويقع الموقع" لأنه استوفى حقه. وعن أبي هريرة مرفوعا: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه" رواه أحمد ومسلم، وترجم عليه النسائي: جواز الاقتصاص بغير إذن الحاكم. ويعضده حديث عمر السابق. وعن عثمان نحوه. وعن عبادة مرفوعا: "منزل الرجل حريمه فمن دخل على حريمك فاقتله" قاله أحمد. "ويحرم قتل الجاني بغير السيف، وقطع طرفه بغير السكين، لئلا يحيف" في الاستيفاء، لحديث "لاقود إلا بالسيف" رواه ابن ماجه. ونهى، صلى الله عليه وسلم عن المثلة رواه النسائي. ولحديث "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" وعنه: يفعل به كما فعل. اختاره الشيخ تقي الدين، وقال: هذا أشبه بالكتاب والسنة والعدل. انتهى، لقوله تعالى: { ... وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ... } 1 وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر باليهودي الذي رض رأس الجارية بحجرين فرض رأسه بحجرين وروي أنه، صلى الله عليه وسلم، قال

_ 1 النحل من الآية/126.

"من حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه" ولأن القصاص مشعر بالمماثلة فيجب أن يعمل بمقتضاه. قاله في الكافي. "وإن بطش ولي المقتول بالجاني، فظن أنه قتله، فلم يكن، وداواه أهله حتى برئ: فإن شاء الولي دفع دية فعله وقتله، وإلا تركه" قال في الفروع: هذا رأي عمر وعلي ويعلى بن أمية. ذكره أحمد.

باب شروط القصاص فيما دون النفس

باب شروط القصاص فيما دون النفس: "من أخذ بغيره في النفس أخد به فيما دونها" لقوله تعالى: { ... وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ... } الآية1 ولحديث أنس بن النضر وفيه "كتاب الله القصاص" رواه البخاري وغيره. "ومن لا" يؤخذ بغيره في النفس "فلا" يؤخذ به فيما دونها بغير خلاف. قاله في الكافي. كالأبوين مع ولدهما، الحر مع العبد، والمسلم مع الكافر، لعدم المكافأة. "وشروطه أربعة:" "أحدها: العمد العدوان فلا قصاص في غيره" فلا قصاص في الخطأ إجماعا، لأنه لا يوجب القصاص في النفس وهي الأصل، ففيما دونها أولى، ولا في شبه العمد. والآية مخصوصة بالخطأ، فكذا شبه العمد. وقياسا على النفس. "الثاني: إمكان الاستيفاء بلا حيف: بأن يكون القطع من مفصل، أو ينتهي إلى حد كمارن الأنف، وهو: ما لان منه" دون قصبته.

_ 1 المائدة من الآية/ 45.

"فلا قصاص في جائفة، ولا في قطع القصبة" أي: قصبة الأنف. "أو قطع بعض ساعده، أو" بعض. "ساق، أو" بعض. "عضد، أو" بعض. "ورك" بغير خلاف، لأنه لا يمكن الاستيفاء منها بلا حيف، بل ربما أخذ أكثر من حقه، أو سرى إلى عضو آخر، أو إلى النفس، فيمنع منه، لما روى ثمران بن حارثة عن أبيه أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل، فاستعدى عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، فأمر له النبي، صلى الله عليه وسلم، بالدية، فقال: إني أريد القصاص، قال: "خذ الدية بارك الله لك فيها". ولم يقض له بالقصاص رواه ابن ماجه. "فإن خالف فاقتص بقدر حقه، ولم يسر: وقع الموقع، ولم يلزمه شيء" لأنه حقه. وإنما منع منه لتوهم الزيادة. قاله في الكافي. "الثالث: المساواة في الاسم" كالعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، للآية. "فلا تقطع اليد بالرجل وعكسه" لأن القصاص يقتضي المساواة والاختلاف في الاسم دليل على الاختلاف في المعنى. "و" المساواة "في الموضع: فلا تقطع اليمين" من يد، ورجل، وعين، وأذن ونحوها

"بالشمال، وعكسه" لعدم المماثلة، ولأنها جوارح مختلفة المنافع والأماكن، فلم يؤخذ بعضها ببعض. قاله في الكافي. "الرابع: مراعاة الصحة والكمال، فلا يؤخذ كاملة الأصابع والأظافر بناقصتها" رضي الجاني بذلك أو لا، لأنه أكثر. "ولا عين صحيحة بقائمة" وهي: التي بياضها وسوادها صافيان غير أن صاحبها لا يبصر بها. قاله الأزهري، لنقص منفعتها فلا تؤخذ بها كاملة المنفعة. "ولا لسان ناطق بأخرس" لأنه أكثر من حقه. "ولا صحيح بأشل من يد ورجل وأصبع وذكر" والشلل: فساد العضو، وذهاب حركته، فإذا شل ذهبت منفعته فلا يؤخذ به الصحيح، لزيادته عليه، كعين البصير بعين الأعمى. "ولا ذكر فحل بذكر خصي" أو عنين، لعدم المماثلة. "ويؤخذ مارن صحيح بمارن أشل" وهو: الذي لا يجد رائحة شيء لأنه لعلة في الدماغ، والأنف صحيح. "وأذن صحيحة بأذن شلاء" أي: أذن السميع بأذن الأصم وعكسه لأن الصمم لعلة في الدماغ.

"ويشترط لجواز القصاص في الجروح" زيادة على ما سبق "انتهاؤها إلى عظم: كجرح العضد والساعد، والفخذ والساق، والقدم، وكالموضحة" في رأس أو وجه، لقوله تعالى: { ... وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ... } 1 ولإمكان الاستيفاء بلا حيف، ولا زيادة، لانتهائه إلى عظم، فأشبه الموضحة2 المتفق على جواز القصاص فيها. "والهاشمة، والمنقلة، والمأمومة" 3 لا يجب فيها قصاص، لأن المماثلة غير ممكنة وله أن يقتص عنها موضحة، لأنها بعض حقه في محل جنايته، ويأخذ ما بين ديتها ودية تلك الشجة التي هي أعظم، لتعذر القصاص فيها فينتقل إلى البدل، كما لو تعذر في جميعها. وهو قول ابن حامد. قاله في الكافي. فيأخذ في هاشمة: خمسا من الإبل، وفي منقلة: عشرا، وفي مأمومة: ثمانية وعشرين بعيرا وثلث بعير. واختار أبو بكر: لا يجب الأرش للباقي، لأنه جرح واحد فلم يجمع فيه بين قصاص وأرش، كالشلاء بالصحيحة. "وسراية القصاص هدر" أي: غير مضمونة، لقول عمر وعلي: من مات من حد أو قصاص لا دية له: الحق قتله رواه سعيد بمعناه.

_ 1 المائدة من الآية/ 45. 2 الموضحة بكسر الضاد: الشجة التي تبدي وضح العظم. 3 الهاشمة: هي التي تهشم العظم. والمنقلة بفتح النون وتشديد القاف مع الكسر: وهي التي تنقل العظم أو تكسره. والمأمومة: هي الجناية البالغة أم الدماغ.

"وسراية الجناية مضمونة" بقود ودية في النفس، وما دونها بغير خلاف، لحصول التلف بفعل الجاني، أشبه ما لو باشره. وإن اقتص بعد الاندمال، ثم انتقض جرح الجناية فسرى إلى النفس وجب القصاص به، لأنه اقتص بعد جواز الاقتصاص. قاله في الكافي. "ما لم يقتص ربها قبل برئه: فهدر أيضا" لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رجلا طعن بقرن في ركبته، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أقدني، قال: "حتى تبرأ"، ثم جاء إليه، فقال: أقدني، فأقاده، ثم جاء إليه، فقال: يا رسول الله: عرجت، فقال: "قد نهيتك فعصيتني، فأبعدك الله، وبطل عرجك". ثم نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه". رواه أحمد والدارقطني. ولأنه باقتصاصه قبل الاندمال استعجل ما ليس له استعجاله فبطل حقه، كقاتل مورثه.

كتاب الديات

كتاب الديات مدخل مدخل ... كتاب الديات: أجمعوا على وجوب الدية في الجملة، لقوله تعالى: { ... وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ... } 1 وحديث النسائي ومالك في الموطأ أنه، صلى الله عليه وسلم، كتب لعمرو بن حزم كتابا إلى أهل اليمن فيه: الفرائض، والسنن، والديات، وقال فيه: "وفي النفس مائة من الإبل" قال ابن عبد البر: وهو كتاب مشهور عند أهل السير، وهو معروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بها عن الإسناد، لأنه أشبه المتواتر في مجيئه في أحاديث كثيرة. "من أتلف إنسانا أو جزءا منه بمباشرة أو سبب: إن كان عمدا فالدية في ماله، وإن كان غير عمد فعلى عاقلته" قال في الشرح: أجمعوا على أن دية العمد في مال القاتل، وإن كان شبه عمد أو خطأ أو ما جرى مجراه فعلى العاقلة. انتهى. وقال ابن المنذر: أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم أن دية الخطأ على العاقلة. وعن أبي هريرة اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه. "ومن حفر تعديا بئرا قصيرة، فعمقها آخر: فضمان تالف" بسقوطه فيها

_ 1 النساء من الآية/ 92.

"بينهما" لحصول السبب منهما. "وإن وضع ثالث سكينا" فوقع فيها شخص على السكين فمات. "فـ" على عواقل الثلاثة الدية "أثلاثا" نص عليه، لأنهم تسببوا في قتله. "وإن وضع واحد حجرا تعديا، فعثر فيه إنسان، فوقع في البئر: فالضمان على واضع الحجر، كالدافع" لأنه مباشرة، ولأن الحافر لم يقصد بذلك القتل المعين عادة. "وإن تجاذب حران مكلفان حبلا، فانقطع، فسقطا ميتين: فعلى عاقلة كل دية الآخر" لتسبب كل منهما في قتل الآخر. "وإن اصطدما فكذلك" روي ذلك عن علي، رضي الله عنه، لموت كل منهما من صدمة صاحبه، وهي خطأ. وإن اصطدمت امرأتان حاملان فحكمهما في أنفسهما ما ذكرنا، وعلى كل واحدة منهما نصف ضمان جنينها، ونصف ضمان جنين الأخرى، لاشتراكهما في قتله وعلى كل منهما عتق ثلاث رقاب: واحدة لقتل صاحبتها، واثنتان لمشاركتها في الجنين. "ومن أركب صغيرين لا ولاية له على واحد منهما، فاصطدما، فماتا: فديتهما من ماله" لتلفهما بسبب جنايته، لأنه متعد بذلك. وإن ركبا بأنفسهما، أو أركبهما ولي المصلحة فاصطدما: فهما كالبالغين المخطئين، على عاقلة كل منهما دية الآخر، وعلى كل منهما ما تلف من مال الآخر. "ومن أرسل صغيرا" لا ولاية له عليه "لحاجة، فأتلف نفسا أو مالا: فالضمان على مرسله" لأنه خطأ منه.

"ومن ألقى حجرا أو عدلا مملوءا بسفينة فغرقت ضمن جميع ما فيها" لحصول التلف بسبب فعله، كما لو حرقها. وإن رمى ثلاثة بمنجنيق، فقتل الحجر رابعا من غير قصد: فعلى عواقلهم ديته أثلاثا، لأنه خطأ. وإن قتل أحدهم سقط فعل نفسه، وما يترتب عليه، لمشاركته في إتلاف نفسه. روي نحوه عن علي، رضي الله عنه، في مسألة القارصة والقامصة والواقصة1. قال الشعبي وذلك أن ثلاث جوار اجتمعن، فركبت إحداهن على عنق الأخرى، وقرصت الثالثة المركوبة، فقمصت فسقطت الراكبة، فوقصت عنقها، فماتت، فرفعت إلى علي فقضى بالدية أثلاثا على عواقلهن، وألقى الثلث الذي قابل فعل الواقصة، لأنها أعانت على نفسها وقيل: يلزم شركاءه جميع ديته، ويلغى فعل نفسه قياسا على المصطدمين. قاله في الكافي وإن زادوا على ثلاثة، وقتل الحجر آخر غيرهم: فالدية في أموالهم حالة، لأن العاقلة لا تحمل ما دون ثلث الدية. "ومن اضطر إلى طعام غير مضطر أو شرابه" وطلبه، "فمنعه حتى مات" المضطر: ضمنه. نص عليه، لأن عمر، رضي الله عنه قضى بذلك لأنه قتله بمنعه طعاما يجب دفعه إليه تبقى حياته به فنسب هلاكه إليه. "أو أخذ طعام غيره او شرابه وهو عاجز" عن دفعه، فتلف: ضمنه.

_ 1 القماص: الوثب. وقمص. وثب ونفر. والوقص: كسر العنق. وكان القياس أن يقال: الموقوصة، لكنه حفظ على مشاكلة اللفظ، كما في قوله تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:21، والقارعة:7] أي: مرضية.

"أو أخذ دابته أو ما يدفع به عن نفسه من سبع ونحوه" كنمر وحية، "فأهلكه" ذلك الصائل عليه: "ضمنه" الآخذ، لتسببه في هلاكه. قال في المغني: وظاهر كلام أحمد: أن الدية في ماله، لأنه تعمد هذا الفعل الذي يقتل مثله غالبا. وقال القاضي: تكون على عاقلته، لأنه لا يوجب القصاص، فهو شبه عمد "وإن ماتت حامل، أو حملها من ريح طعام: ضمن ربه إن علم ذلك من عادتها" أي: أن الحامل تموت من ذلك، وأنها هناك، لتسببه فيه. قال في الكافي: وإذا تجارح رجلان، وزعم كل واحد منهما أنه جرح الآخر دفعا عن نفسه، ولا بينة وجب على كل واحد منهما ضمان صاحبه، لأن الجرح قد وجد، وما يدعيه من القصد لم يثبت، فوجب الضمان، والقول قول كل واحد منهما مع يمينه في نفي القصاص، لأن ما يدعيه يحتمل، فيدرأ عنه القصاص، لأنه يندرئ بالشبهات. انتهى.

فصل وإن تلف واقع على نائم غير متعد بنومه فهدر

فصل وإن تلف واقع على نائم غير متعد بنومه فهدر: لأن النائم لم يجن، ولم يتعد. "وإن تلف النائم فغير هدر" فمع قصد شبه عمد، وبدونه خطأ، وفي كل منهما الكفارة في مال جان، والدية على عاقلته، لحصول التلف منه. "وإن سلم بالغ عاقل نفسه، أو ولده إلى سابح حاذق ليعلمه فغرق" لم يضمنه المعلم حيث لم يفرط، لفعله ما أذن فيه. "أو أمر مكلفا ينزل بئرا، أو يصعد شجرة فهلك" به: لم يضمنه

الآمر، لأنه لم يجن عليه، ولم يتعد، أشبه ما لو أذن له ولم يأمره. وإن أمر غير مكلف ضمنه، لأنه تسبب في إتلافه. "أو تلف أجير لحفر بئر أو بناء حائط بهدم ونحوه" لم يضمنه، أقبضه أجره أو لا، لما تقدم. "أو أمكنه إنجاء نفس من هلكة فلم يفعل" لم يضمنه، لأنه لم يهلكه، ولم يتسبب في هلاكه، كما لو لم يعلم به. "أو أدب ولده وزوجته في نشوز" أو أدب معلم صبيه "أو أدب سلطان رعيته ولم يسرف" أي: يزد على الضرب المعتاد فيه لا في العدد، ولا في الشدة. "فهدر في الجميع" نص عليه، لفعله ما له فعله شرعا بلا تعد، أشبه سراية القود والحد. "وإن أسرف أو زاد على ما يحصل به المقصود" فتلف بسببه ضمنه، لتعديه بالإسراف. "أو ضرب من لا عقل له من صبي أو غيره" كمجنون ومعتوه فتلف: "ضمن" لأن الشرع لم يأذن في تأديب من لا عقل له، لأنه لا فائدة في ذلك. ومن أسقطت جنينها بسبب طلب سلطان أو تهديده، أو ماتت أو ذهب عقلها: وجب الضمان، لما روي أن عمر بعث إلى امرأة مغيبة كان رجل يدخل عليها، فقالت: يا ويلها ما لها ولعمر: فبينما هي في الطريق إذ فزعت، فضربها الطلق، فألقت ولدا، فصاح الصبي صيحتين، ثم مات، فاستشار عمر أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، فأشار

بعضهم أن ليس عليك شيء، إنما أنت وال ومؤدب، وصمت علي فأقبل عليه عمر، فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك، إن ديته عليك، لأنك أفزعتها فألقته، فقال عمر: أقسمت عليك لا تبرح حتى تقسمها على قومك ومثله لو استعدى رجل بالشرطة حاكما عليها فأسقطت أو ماتت أو ذهب عقلها، فإنه يضمن ما كان بسبب استعدائه. نص عليه. "ومن نام على سقف، فهوى به لم يضمن ما تلف بسقوطه" لأنه ليس من فعله. ومن أتلف نفسه، أو طرفه فهدر لما روي أن عامر بن الأكوع يوم خيبر رجع سيفه عليه فقتله، ولم ينقل أنه، صلى الله عليه وسلم، قضى فيه بدية ولا غيرها ولو وجبت لبينها النبي، صلى الله عليه وسلم، ولنقل نقلا ظاهرا، ولا يقتضي النظر أن تكون جنايته على نفسه مضمونة على غيره. وعنه: ديته على عاقلته لورثته، ودية طرفه على عاقلته لنفسه، لما روي أن رجلا ساق حمارا بعصا كانت معه، فطارت منها شظية، فأصابت عينه ففقأتها، فجعل عمر ديته على عاقلته، وقال: هي يد من أيدي المسلمين لم يصبها اعتداء. ولأنها جناية خطأ، فأشبهت جنايته على غيره. قاله في الكافي.

فصل في مقادير ديات النفس

فصل في مقادير ديات النفس: "دية الحر المسلم طفلا كان أو كبيرا مائة بعير" لا خلاف في ذلك، لما روى مالك والنسائي أن في كتاب عمرو بن حزم وفي النفس مائة من الإبل. "أو مائتا بقرة، أو ألفا شاة، أو ألف مثقال ذهبا، أو اثنا عشر ألف درهم" فضة قال القاضي: لا يختلف المذهب أن أصول الدية: الإبل، والذهب، والورق، والبقر، والغنم، لما روى عطاء عن جابر قال: فرض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة رواه أبو داود. وعن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا من بني عدي قتل، فجعل النبي، صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألف درهم رواه أبو داود. وفي كتاب عمرو بن حزم وعلى أهل الذهب ألف دينار وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر قام خطيبا، فقال: إن الإبل قد غلت. قال: فقوم على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاة ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة رواه أبو داود. وهذا كان بمحضر الصحابة، فكان إجماعا، قاله في الكافي. فإذا أحضر من وجبت عليه دية أحدها لزم الولي قبوله، وتعتبر السلامة من العيوب في هذه الأنواع، لأن الإطلاق يقتضي السلامة. ولا يعتبر أن تبلغ

قيمتها دية نقد في ظاهر كلام الخرقي، لعموم حديث "في النفس المؤمنة مائة من الإبل" وقول عمر، رضي الله عنه إن الإبل قد غلت. إلخ دليل على أنها في حال رخصها أقل قيمة من ذلك. وعنه: يعتبر أن تكون قيمة كل بعير مائة وعشرين درهما، لأن عمر قومها باثني عشر ألف درهم، قاله في الكافي. "ودية الحرة المسلمة على النصف من ذلك" روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن عمر وابن عباس، ولا مخالف لهم، وحكاه ابن المنذر، وابن عبد البر إجماعا. وفي كتاب عمرو بن حزم: دية المرأة على النصف من دية الرجل وهو مخصص، للخبر السابق. "ودية الكتابي الحر كدية الحرة المسلمة، ودية الكتابية على النصف من ذلك" لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "دية المعاهد نصف دية المسلم" وفي لفظ أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل المسلمين رواه أحمد. قال الخطابي: ليس في دية أهل الكتاب شيء أبين من هذا، ولا بأس بإسناده. وفي كتاب عمرو بن حزم: "دية المرأة على النصف من دية الرجل، وكذا جراح الكتابي على نصف جراح المسلم". "ودية المجوسي الحر ثمانمائة درهم" كسائر المشركين. روي عن عمر وعثمان وابن مسعود في المجوسي، ولا مخالف لهم في عصرهم. وألحق به سائر المشركين، لأنهم دونه. وأما قوله، صلى الله عليه وسلم "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فالمراد في حقن دمائهم، وأخذ الجزية منهم، ولذلك لا تحل مناكحتهم، ولا ذبائحهم. وجراح من ذكر

وأطرافه بالنسبة إلى ديته. نص عليه كما أن جراح المسلم وأطرافه بالحساب من ديته. "والمجوسية على النصف" لما تقدم. قال في الشرح: ودية أنثاهم - يعني: الكفار - كنصف دية ذكرهم. لا نعلم فيه خلافا. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل. "ويستوي الذكر والأنثى فيما يوجب دون ثلث الدية" لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها" رواه النسائي والدارقطني. فإذا زادت صارت على النصف. روي هذا عن عمر وابنه وزيد بن ثابت، رضي الله عنهم. "فلو قطع ثلاث أصابع حرة مسلمة لزمه ثلاثون بعيرا، فلو قطع رابعة قبل برء ردت إلى عشرين" قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: قلت لسعيد بن المسيب: كم في إصبع المرأة؟ قال: عشر من الإبل قلت: فكم في إصبعين؟ قال عشرون. قلت: ففي ثلاث أصابع؟ قال: ثلاثون. قلت: ففي أربع؟ قال: عشرون. قال: فقلت: لما عظم جرحها، واشتدت مصيبتها نقص عقلها! ‍؟ قال سعيد: أعراقي أنت قلت: بل عالم متثبت، أو جاهل متعلم. قال: هي السنة يا بن أخي رواه مالك في الموطأ عنه، وسعيد بن منصور في سننه. وهذا يقتضي سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. وأما ما يوجب الثلث فما فوق: فهي فيه على النصف من الذكر، لما سبق، ولقوله في الحديث: "حتى يبلغ الثلث" وحتى للغاية، فيجب أن يكون ما بعدها مخالفا لما قبلها، ولأن الثلث في حد الكثرة، لحديث "والثلث كثير" ولذلك حملته العاقلة.

"وتغلظ دية قتل خطأ في كل من حرم مكة، وإحرام، وشهر حرام بالثلث" نص عليه في رواية الجماعة، وهو من المفردات. ولا تغلظ لرحم محرم، خلافا لأبي بكر. "ففي اجتماع الثلاثة يجب ديتان" واحدة للقتل، وواحدة لتكرر التغليظ ثلاث مرات، لما روى ابن أبي نجيح أن امرأة وطئت في الطواف، فقضى عثمان فيها بستة آلاف وألفين تغليظا للحرم وعن ابن عمر أنه قال: من قتل في الحرم، أو ذا رحم، أو في الشهر الحرام فعليه دية وثلث وعن ابن عباس أن رجلا قتل رجلا في الشهر الحرام، وفي البلد الحرام، فقال: ديته اثنا عشر ألفا، وللشهر الحرام أربعة آلاف، وللبلد الحرام أربعة آلاف ولم يظهر خلاف هذا، فكان إجماعا. قاله في الكافي. وقال في الشرح: وظاهر كلام الخرقي: أن الدية لا تغلظ ب شيء من ذلك، وهو ظاهر الآية والأخبار. انتهى. أي: أنها عامة في كل قتيل، مطلقة في الأمكنة والأزمنة والقرابة. وقد قتلت خزاعة قتيلا من هذيل بمكة، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم. ".. وأنتم يا خزاعة: قد قتلتم هذا القتيل من هذيل، وأنا والله عاقله" الحديث. ولم يذكر زيادة على الدية. "وإن قتل مسلم كافرا" ذميا أو معاهدا "عمدا: أضعف ديته" لإزالة القود قضى به عثمان، رضى الله عنه رواه أحمد. عن ابن عمر أن رجلا قتل رجلا من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم يقتله، وغلظ عليه الدية ألف دينار فذهب إليه أحمد. وظاهره: لا إضعاف في جراحه.

"ودية الرقيق: قيمته، قلت أو كثرت" لأنه مال متقوم فضمن بكمال قيمته، كالفرس. وفي جراحه إن قدر من حر بقسطه من قيمته، لأن ذلك يروى عن علي، رضي الله عنه. وعنه: تضمن جناية عليه بما نقص من قيمته سواء كانت مقدرة من الحر أو لم تكن، لأن ضمانه ضمان الأموال، فيجب فيه ما نقص كالبهائم. ذكره في الكافي.

فصل ومن جنى على حامل فألقت جنينا

فصل ومن جنى على حامل فألقت جنينا "حرا مسلما، ذكرا كان أو أنثى" ميتا "فديته: غرة. قيمتها: عشر دية أمه، وهي: خمس من الإبل. والغرة: هي عبد أو أمة" لحديث أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقضى أن دية جنينها عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معه متفق عليه. وعن عمر أنه استشار الناس في إملاص المرأة1، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قضى فيه بغرة: عبد أو أمة، قال: لتأتين بمن يشهد معك، فشهد له محمد بن مسلمة متفق عليه. وروي عن عمر وزيد أنهما قالا في الغرة: قيمتها خمس من الإبل ولأنه أقل مقدر في الشرع في الجنايات، وهو: دية السن، والموضحة. قاله في الكافي. وإن شربت الحامل دواء، فألقت جنينا: فعليها غرة، لا ترث منها بغير خلاف. قاله في الشرح.

_ 1 أملصت المرأة: ألقت ولدها ميتا.

"وتتعدد الغرة بتعدد الجنين" فإن ألقت جنينين فعليها غرتان، أشبه ما لو كانا من امرأتين. "ودية الجنين الرقيق: عشر قيمة أمه" كما لو جنى عليها موضحة. "وقيمة الجنين المحكوم بكفره: غرة. قيمتها: عشر دية أمه" قياسا على جنين الحرة، فإن كان من كتابيين فقيمتها: ثلاثمائة درهم، وإن كان من مشركين فقيمتها: أربعون درهما. "وإن ألقت الجنين حيا لوقت يعيش لمثله، وهو: نصف سنة فصاعدا" ثم مات: "ففيه ما في الحي، فإن كان حرا ففيه دية كاملة" قال ابن المنذر: أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم على أن في الجنين يسقط حيا من الضرب الدية كاملة. ولأنا تيقنا موته بالجناية، فأشبه غير الجنين، ولما تقدم عن عمر في التي أجهضت1 جنينها فزعا منه. "وإن كان رقيقا فقيمته" لأن قيمة العبد بمنزلة دية الحر. "وإن اختلفا في خروجه حيا أو ميتا" ولا بينة لواحد منهما: "فقول الجاني" بيمينه، لأنه منكر لما زاد عن الغرة، والأصل براءته منه. وإن أقاما بينتين بذلك قدمت بينة الأم. "ويجب في الجنين الدابة ما نقص من قيمة أمه" نص عليه. كقطع بعض أجزائها، قال في القواعد: وقياسه جنين الصيد في الحرم والإحرام.

_ 1 أجهضت المرأة: أسقطت حملها.

فصل في دية الأعضاء

فصل في دية الأعضاء: "من أتلف ما في الإنسان منه واحد: كالأنف واللسان والذكر، ففيه دية" تلك النفس التي قطع منها "كاملة" نص عليه، لحديث عمرو بن حزم مرفوعا: "وفي الذكر الدية، وفي الأنف إذا أوعب جدعا الدية، وفي اللسان الدية" رواه أحمد والنسائي واللفظ له. "ومن أتلف ما في الإنسان منه شيئان، كاليدين، والرجلين، والعينين، والأذنين، والحاجبين، والثديين، والخصيتين ففيه" أي: في إتلافهما: "الدية، وفي أحدهما: نصفها" نص عليه، وكذا الشفتان. وروي عن زيد في الشفة السفلى: ثلثا الدية، وفي العليا: ثلثها، لعظم نفع السفلى، لأنها التي تدور وتتحرك، وتحفظ الريق. وهو معارض لقول أبي بكر وعلي ولحديث عمرو بن حزم مرفوعا، وفيه. ".. وفي الشفتين: الدية، وفي البيضتين: الدية، وفي الذكر: الدية، وفي الصلب: الدية، وفي العينين: الدية، وفي الرجل الواحدة: نصف الدية" الحديث. وروى مالك في الموطأ أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "وفي العين خمسون من الإبل" وفي عين الأعور دية كاملة، لأنه يروى عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر أنهم قضوا بذلك ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا، ولأنه يحصل بها ما يحصل من العينين، فكانت مثلهما في الدية.

"وفي الأجفان الأربعة: الدية" لأن فيها جمالا كاملا ونفعا كثيرا، لأنها تقي العينين ما يؤذيهما من الحر والبرد. وسواء في هذا البصير والأعمى، لأن العمى عيب في غيرها. "وفي أحدها: ربعها" لأنه ربع ما فيه الدية. "وفي أصابع اليدين: الدية، وفي أحدها عشرها، وفي الأنملة إن كانت من إبهام" يد أو رجل: "نصف عشر الدية" لأن في الإبهام مفصلين، ففي كل مفصل: نصف عقل الإبهام. "وإن كانت من غيره فثلث عشرها" لأن فيه ثلاث مفاصل فتوزع دية الأصبع عليها. "وكذا أصابع الرجلين " لحديث ابن عباس مرفوعا: "دية أصابع اليدين والرجلين عشر من الإبل لكل أصبع" صححه الترمذي. وعن أبي موسى مرفوعا نحوه. رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وفي حديث عمرو بن حزم مرفوعا: "وفي أصبع من أصابع اليد والرجل: عشر من الإبل" وفي ظفر لم يعد، أو عاد أسود: خمس دية الأصبع. نص عليه وروي عن ابن عباس، ولم يعرف له مخالف من الصحابة. ذكره ابن المنذر. "وفي السن: خمس من الإبل" روي عن عمر وابن عباس. وكذا الناب والضرس وفي حديث عمرو بن حزم مرفوعا: "وفي السن: خمس من الإبل" رواه النسائي. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا "في الأسنان خمس خمس" رواه أبو داود. وهو عام

فيدخل فيه الناب والضرس، روي ذلك عن ابن عباس ومعاوية، ويؤيده حديث ابن عباس مرفوعا: "الأصابع سواء، والأسنان سواء، الثنية والضرس سواء" رواه أبو داود وابن ماجه. "وفي إذهاب نفع عضو من الأعضاء ديته كاملة" لصيرورته كالمعدوم كما لو قطعه.

فصل في دية المنافع

فصل في دية المنافع: "تجب الدية كاملة في إذهاب كل من سمع وبصر وشم وذوق" لحديث: "وفي السمع الدية" ولأن عمر قضى في رجل ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله بأربع ديات، والرجل حي ذكره أحمد. ولا يعرف له مخالف من الصحابة. "وكلام" لأنه من أعظم المنافع. "وعقل" حكاه بعضهم إجماعا، لأن في كتاب عمرو بن حزم وفي العقل الدية وروي عن عمر وزيد، لأنه أكبر المعاني قدرا، وأعظمها نفعا، وبه يتميز الإنسان عن البهائم، ويهتدي للمصالح، ويدخل في التكليف، فكان أحق بإيجاب الدية. "وحدب" لأن انتصائب القامة من الكمال والجمال، وبه شرف الآدمي على سائر الحيوانات، وروى الزهري عن سعيد بن المسيب قال: مضت السنة أن في الصلب الدية وفي كتاب عمرو بن حزم: "وفي الصلب الدية". "ومنفعة مشي ونكاح، وأكل وصوت وبطش" لأن في كل منها نفعا

مقصودا ليس في البدن مثله، لأن ذلك يجري مجرى تلف الآدمي فجرى مجراه في ديته. "ومن أفزع إنسانا، أو ضربه فأحدث بغائط أو بول أو ريح، ولم يدم فعليه ثلث الدية" لما روي أن عثمان قضى به فيمن ضرب إنسانا حتى أحدث قال أحمد: لا أعرف شيئا يدفعه. وهذا مظنة الشهرة ولم ينقل خلافه. "وإن دام" أي: لم يستمسك بوله أو غائطه: "فعليه الدية" لأن كلا منهما منفعة كبيرة مقصودة ليس في البدن مثلها، أشبه السمع والبصر. فإن فاتت المنفعتان ولو بجناية واحدة فديتان، كما لو أذهب سمعه وبصره. "وإن جنى عليه، فأذهب سمعه وبصره وعقله وشمه وذوقه وكلامه ونكاحه: فعليه سبع ديات. وأرش تلك الجناية" لما تقدم عن عمر. ولا يدخل فيها أرش الجناية للتغاير. "وإن مات من الجناية فعليه دية واحدة" لأن أحاديث الديات مطلقة لم يذكر فيها غيرها. وفي نقص شيء مما تقدم إن لم يعلم قدره حكومة لأنه لا يمكن تقديره. وإن علم قدره وجب من الدية بقدر الذاهب، لأن ما وجب في جميعه شيء وجب بعضه بقدره. ويقسم المذاق على خمس: الحلاوة، والمرارة، والعذوبة، والملوحة، والحموضة. ويقسم الكلام على ثمانية وعشرين حرفا. ويقبل قول مجني عليه في نقص بصره وسمعه بيمينه، لأنه لا يعلم إلا من جهته. وإن ادعى نقص إحدى عينيه عصبت العليلة، وأعطي رجل بيضة فانطلق بها، وهو ينظر

حتى ينتهي بصره، ثم يخط عند ذلك ثم عصبت عينه الصحيحة، وفتحت العليلة، وأعطي رجل بيضة فانطلق بها، وهو ينظر حتى ينتهي بصره، ثم يخط عند ذلك، ثم يحول إلى مكان آخر فيفعل مثل ذلك، فإن كانا سواء أعطي بقدر نقص بصره من مال الجاني، كما فعل علي، رضي الله عنه. وروى ابن المنذر نحوه عن أبي بكر. وإنما يمتحن بذلك مرتين، ليعلم صدقه بتساوي المسافتين، وكذبه باختلافهما. قاله في الكافي. ويعمل كذلك في نقص سمع إحدى الأذنين، وشم أحد المنخرين ونحوهما.

فصل في دية الشجة والجائفة

فصل في دية الشجة والجائفة: "الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه" وهي عشر: "1- الحارصة:" وهي التي تشق الجلد قليلا. "2- البازلة:" وهي الدامية، وهي: التي يخرم منها دم يسير. "3- الباضعة:" وهي التي تشق اللحم بعد الجلد. "4- المتلاحمة:" وهي التي تنزل في اللحم كثيرا. "5- السمحاق:" التي تصل إلى قشرة رقيقة فوق العظم تسمى السمحاق. فهذه الخمس لا مقدر فيها. وعنه: في الدامية: بعير، وفي الباضعة: بعيران، وفي المتلاحمة: ثلاثة، وفي السمحاق: أربعة، لأن هذا يروى عن زيد بن ثابت. ورواه سعيد عن علي وزيد في السمحاق. والأول ظاهر المذهب، لأنها جروح لم يرد الشرع فيها بتوقيت، فكان الواجب فيها الحكومة، كجروح البدن، قال مكحول: "قضى رسول

الله، صلى الله عليه وسلم في الموضحة بخمس من الإبل، ولم يقض فيما دونها قاله في الكافي. وقال في الشرح: والحكومة أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يقوم وهي به قد برئت، فما نقص منه فله مثله من الدية، ولا نعلم خلافا أن هذا تفسير الحكومة، ولا يقوم إلا بعد برء الجرح، فإن لم ينقص في تلك الحال قوم حال جريان الدم. انتهى ملخصا. والتي فيها مقدر ذكرها بقوله. "وهي خمسة:" "1- الموضحة التي توضح العظم وتبرزه" ولو يسيرا. "وفيها: نصف عشر الدية = خمسة أبعرة" لأن في كتاب عمرو بن حزم "وفي الموضحة: خمس من الإبل" رواه النسائي. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "في المواضح خمس خمس من الإبل" رواه الخمسة. وسواء كانت في الرأس أو الوجه، لعموم الأحاديث، وروي عن أبي بكر وعمر. "فإن كان بعضها في الرأس، وبعضها في الوجه: فموضحتان" لأنه أوضحه في عضوين، فلكل حكم نفسه. "2- الهاشمة: التي توضح العظم وتهشمه. وفيها: عشرة أبعرة" روي عن زيد بن ثابت، ولم يعرف له مخالف في عصره من الصحابة. وإن ضربه بمثقل فهشمه من غير إيضاح فوجهان أحدهما: فيه حكومة. والثاني: فيه خمس من الإبل، لأنه لو أوضحه وهشمه وجب عشر. ولو أوضحه ولم يهشمه وجب خمس، فدل على أن الخمس الأخرى للهشم، فيجب ذلك فيه إذا انفرد ذكره في الكافي.

"3- المنقلة: التي توضح وتهشم، وتنقل العظم" أي: تزيله عن موضعه، أو يحتاج إلى إزالته ليلتئم. "وفيها: خمسة عشر بعيرا" حكاه ابن المنذر إجماع أهل العلم. وفي كتاب عمرو بن حزم: "المنقلة خمس عشرة من الإبل". وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا مثل ذلك رواه أحمد وأبو داود. "4- المأمومة" قال ابن عبد البر: وأهل العراق يقولون لها: الآمة. "التي تصل إلى جلدة الدماغ. وفيها: ثلث الدية" لما في كتاب عمرو بن حزم مرفوعا: "وفي المأمومة ثلث الدية". رواه النسائي. وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا مثله رواه أحمد. "5- الدامغة: التي تخرق الجلدة" أي: جلدة الدماغ. "وفيها الثلث أيضا" لأنها أولى من المأمومة، لزيادتها عليها، وصاحبها لا يسلم غالبا، ولم يرد الشرع بإيجاب شيء في زيادتها. ويجب في كسر الضلع إذا جبر مستقيما بعير، وكذا الترقوة1. نص عليه. وفي الترقوتين: بعيران، لما روى أسلم مولى عمر أن عمر، رضي الله عنه: قضى في الترقوة بجمل، وفي الضلع بجمل رواه سعيد بسنده. وفي كسر كل عظم من زند، وعضد، وفخذ، وساق، وذراع وهو: الساعد الجامع لعظمي الزند -: بعيران. نص عليه، لما روى سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر في إحدى

_ 1 الترقوة: بتشديد التاء وفتحها وضم القاف: العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق من الجانبين، والجمع: تراقي.

الزندين إذا كسر. فكتب إليه عمر أن فيه: بعيرين، وإذا كسر الزندان ففيهما: أربعة من الإبل ومثله لا يقال من قبل الرأي، ولا يعرف له مخالف من الصحابة. قال في الكافي: ولأن في الزند عظمين ففي كل عظم بعير. انتهى. وألحق بالزند في ذلك باقي العظام المذكورة، لأنها مثله. وإن جبر شيء من ذلك غير مستقيم فحكومة. وفي البدن الشلاء، والسن السوداء، والعين القائمة: ثلث ديتها، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في العين القائمة السادة لمكانها بثلث ديتها، وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها، وفي السن السوداء إذا قلعت ثلث ديتها رواه النسائي. وقضى عمر، رضي الله عنه، بمثل ذلك وفي كل واحد من الشعور الأربعة: الدية كاملة، وهي: شعر الرأس، وشعر اللحية، وشعر الحاجبين، وشعر أهداب العينين، لعموم ما روي عن علي، وزيد بن ثابت في الشعر: الدية ولأن فيها جمالا كاملا، وفي الشارب حكومة. نص عليه.

فصل وفي الجائفة ثلث الدية

فصل وفي الجائفة ثلث الدية: لما في كتاب عمرو بن حزم "وفي الجائفة: ثلث الدية". رواه النسائي. وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: وفيه "وفي الجائفة: ثلث العقل" رواه أحمد وأبو داود.

"وهي: كل ما يصل إلى الجوف: كبطن، وظهر، وصدر، وحلق" ومثانة. "وإن جرح جانبا فخرج منه الآخر: فجائفتان" نص عليه، لما روى سعيد بن المسيب: أن رجلا رمى رجلا بسهم، فأنفذه، فقضى أبو بكر بثلثي الدية أخرجه سعيد في سننه. ولا يعرف له مخالف من الصحابة فهو كالإجماع، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن عمر قضى في الجائفة إذا نفذت الجوف بأرش جائفتين ولأنه أنفذه من موضعين، أشبه ما لو أنفذه بضربتين. وإن خرق شدقه فليس بجائفة. لأن حكم الفم حكم الظاهر، قاله في الكافي. وفيه حكومة، كجراحات سائر البدن التي لا مقدر فيها. "ومن وطئ زوجة صغيرة لا يوطأ مثلها فخرق مخرج بول ومني، أو ما بين السبيلين فعليه الدية إن لم يستمسك البول" لإبطاله نفع المحل الذي يجتمع فيه البول. كما لو جنى على شخص فكان لا يستمسك الغائط. "وإلا" بأن استمسك البول: "فجائفة" فيها: ثلث الدية لأن عمر، رضي الله عنه: قضى في الإفضاء ثلث الدية ولا يعرف له مخالف من الصحابة. "وإن كانت الزوجة من يوطأ مثلها لمثله، أو أجنبية كبيرة مطاوعة، ولا شبهة فوقع ذلك" أي: خرق ما بين السبيلين، أو ما بين مخرج بول ومني، "فهدر" لحصوله بفعل مأذون فيه، كأرش بكارتها، ومهر مثلها ومع الشبهة لها المهر والدية، لأنها إنما أذنت بالفعل مع الشبهة،

لاعتقادها أنه هو المستحق، فإذا كان غيره وجب الضمان وكذا يجب ذلك مع الإكراه، لأنه ظالم متعد.

باب العاقلة

باب العاقلة: "وهي: ذكور عصبة الجاني نسبا وولاء" قريبهم وبعيدهم، حاضرهم وغائبهم، حتى عمودي نسبه في أشهر الروايتين، لحديث أبي هريرة: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها. وفي رواية: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها، وما في بطنها، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة. وقضى بدية المرأة على عاقلتها. متفق عليه. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: قضى أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا، ولا يرثون منها إلا ما فضل من ورثتها رواه الخمسة إلا الترمذي. ولا خلاف بين أهل العلم أن العاقلة هم: العصبات، وأن غيرهم من إخوة الأم، وسائر ذوي الأرحام والزوج ليس من العاقلة. قاله في شرح العمدة، وذلك لأن القتل بذلك يكثر فإيجاب الدية على القاتل يجحف به. ولأن العصبة يشدون أزر قريبهم، وينصرونه فاستوى قريبهم وبعيدهم في العقل. وأما حديث - "لا يجني عليك، ولا تجني عليه" - أي: إثم جنايتك لا يتخطاك إليه، وبالعكس، كقوله تعالى:

{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 1 وإذا ثبث العقل في عصبة النسب، فكذا عصبة الولاء، لعموم الخبر. "ولا تحمل العاقلة عمدا، ولا عبدا، ولا إقرارا" ولا صلحا، لقول ابن عباس: "لا تحمل العاقلة عمدا، ولا عبدا، ولا صلحا، ولا اعترافا" حكاه عنه أحمد، ولا يعرف له مخالف من الصحابة. وروي عنه مرفوعا. وقال عمر: "العمد، والعبد، والصلح، والاعتراف لا تعقله العاقلة" رواه الدارقطني. وقال الزهري: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد إلا أن يشاءوا. رواه مالك في الموطأ. وعلى هذا وأمثاله تحمل العمومات المذكورة. وقال مالك: في الصبي والمرأة الذي لا مال لهما: إن جنى أحدهما جناية دون الثلث، إنه ضامن، على الصبي والمرأة في مالهما خاصة، إن كان لهما مال أخذ منه، وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه، ليس على العاقلة منه شيء، ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي، وليس ذلك عليه، انتهى. من الموطأ. "ولا ما دون ثلث دية ذكر مسلم" لما روي عن عمر، رضي الله عنه: أنه قضى في الدية أن لا تحمل منها العاقلة شيئا حتى تبلغ عقل المأمومة. ولأن الأصل وجوب الضمان على الجاني خولف في ثلث الدية فأكثر. لإجحافه بالجاني لكثرته، فيبقى ما عداه على الأصل، إلا غرة جنين حرة مات مع أمه أو بعدها بجناية واحدة: فتحمل الغرة تبعا لدية الأم. نص عليه، لاتحاد الجناية.

_ 1 الإسراء من الآية/ 15.

"ولا قيمة متلف" لأن الأصل وجوب ضمان الأموال على متلفها كقيمة العبد والدابة. "وتحمل الخطأ، وشبه العمد" لما تقدم. "مؤجلا في ثلاث سنين" لما روي عن عمر وعلي أنهما قضيا بالدية على العاقلة في ثلاث سنين وروي نحوه عن ابن عباس. ولا مخالف لهم في عصرهم من الصحابة. ولأنها تحمل ما يجب مواساة. فاقتضت الحكمة تخفيفه عليها. "وابتداء حول القتل من الزهوق، والجرح من البرء" لأنه وقت استقرار الوجوب، وما يحمله كل واحد منهم غير مقدر، فيرجع إلى اجتهاد الحاكم، فيحمل على كل إنسان ما يسهل عليه. نص عليه، لأن ذلك مواساة للجاني، وتخفيف عنه، فلا يشق على غيره، ولا يزال الضرر بالضرر. "ويبدأ بالأقرب فالأقرب، كالإرث" لأنه حكم معلق بالعصبات. فقدم فيه الأقرب، كالولاية فيقسم على الآباء، والأبناء في المختار، ثم الإخوة، ثم بنيهم، ثم الأعمام، ثم بنيهم، ثم أعمام الأب، ثم بنيهم، وهكذا حتى ينقرضوا وإن اتسعت أموال الأقربين لحمل العقل: لم يتجاوزهم، وإلا انتقل إلى من يليهم. "ولا يعتبر أن يكونوا وارثين لمن يعقلون عنه بل متى كانوا يرثون لولا الحجب عقلوا" لما سبق. "ولا عقل على فقير" لأنه ليس من أهل المواساة، ولأنها وجبت على العاقلة تخفيفا على الجاني، فلا تثقل على من لا جناية منه.

"وصبي ومجنون وامرأة ولو معتقة" لأنهم ليسوا من أهل النصرة والمعاضدة. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المرأة، والذي لم يبلغ لا يعقلان وأن الفقير لا يلزمه شيء. انتهى. وخطأ الإمام والحاكم في أحكامهما في بيت المال لا تحمله عاقلتهما، لأنه يكثر فيجحف بالعاقلة وخطؤهما في غير حكم: كرميهما صيدا، فيصيبا آدميا على عاقلتهما، كخطأ غيرهما. وعنه: على عاقلتهما بكل حال، لحديث عمر المتقدم في التي أجهضت جنينها. "ومن لا عاقلة له، أو له وعجزت فلا دية عليه، وتكون في بيت المال، كدية من مات في زحمة: كجمعة وطواف" لأنه، صلى الله عليه وسلم ودى الأنصاري الذي قتل بخيبر من بيت المال. ولأن المسلمين يرثون من لا وارث له، فيعقلون عنه عند عدم عاقلته وعجزها. "فإن تعذر الأخذ منه سقطت" لأنها تجب ابتداء على العاقلة دون القاتل، فلا يطالب بها غير العاقلة. وعنه: تجب في مال القاتل: لعموم قوله تعالى: { ... وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ... } 1 قال في المقنع: وهو أولى من إهدار دم الأحرار في أغلب الأحوال، لأنها تجب على القاتل، ثم تحملها العاقلة. انتهى.

_ 1 النساء من الآية/ 92.

باب كفارة القتل

باب كفارة القتل: "لا كفارة في العمد" لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} 1 فتخصيصه بها يدل على نفيها في غيره، ولأنها لو وجبت في

_ 1 النساء من الآية/ 92.

العمد لمحت عقوبته في الآخرة. وعنه: تجب فيه، لأنها إذا وجبت في الخطأ مع قلة إثمه ففي العمد أولى. وعن واثلة بن الأسقع قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في صاحب لنا أوجب - يعني: النار- بالقتل، فقال: "أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار". رواه أحمد وأبو داود، إلا عمد الصبي والمجنون. ففيه الكفارة، لأنه أجري مجرى الخطأ. "وتجب فيما دونه" أي: في الخطأ، للآية. وفي شبه العمد، لأنه في معناه. "في مال القاتل لنفس محرمة ولو جنينا" كأن ضرب بطن حامل، فألقت جنينا ميتا أو حيا، ثم مات، لأنه نفس محرمة، وسواء قتل بمباشرة، أو سبب، أو شارك في القتل، لأن الكفارة موجب قتل آدمي فوجب إكمالها على كل من الشركاء فيه، كالقصاص وهو قول أكثرهم. قال في الكافي: وتجب على النائم إذا انقلب على شخص فقتله، أي: والدية على عاقلته. "ويكفر الرقيق بالصوم" لأنه لا مال له يعتق منه. "والكافر بالعتق" لأن الصوم لا يصح منه. "وغيرهما يكفر بعتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين" لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} 1 إلى قوله {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} 1 الآية.

_ 1 النساء من الآية/ 92.

"ولا إطعام هنا" لأن الله تعالى لم يذكره، وعنه: إن لم يستطع لزمه إطعام ستين مسكينا، قدمها في الكافي، وقال: لأنها كفارة فيها العتق، وصيام شهرين، فوجب فيها إطعام ستين مسكينا إذا عجز عنهما، ككفارة الظهار، والجماع في رمضان، ومن عجز عن الكفارة بقيت في ذمته، فلا تسقط بالعجز، ككفارة قتل صيد الحرم. "وتتعدد الكفارة بتعدد المقتول" كتعدد الدية، لقيام كل قتيل بنفسه، وعدم تعلقه بغيره. "ولا كفارة على من قتل من يباح قتله: كزان محصن، ومرتد، وحربي، وباغ، وقصاصا ودفعا عن نفسه" لأنه مأذون فيه شرعا. والمنع منه في بعض الصور للافتئات على الإمام.

كتاب الحدود

كتاب الحدود مدخل ... كتاب الحدود: وهي: العقوبات المقدرة شرعا في المعاصي، لتمنع من الوقوع في مثلها، وحدود الله: محارمه، لقوله تعالى: { ... تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ... } 1 وحدوده أيضا: ما حده وقدره، كالمواريث، وتزوج الأربع. وما حده الشرع لا يجوز فيه زيادة ولا نقصان لقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} 2. "لا حد إلا على مكلف" أي: بالغ عاقل. لحديث "رفع القلم عن ثلاثة" رواه أبو داود والترمذي وحسنه، ولا حد على نائم لذلك، ولا على مكره، لحديث: "عفي لأمتي عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه" رواه النسائي. وروى سعيد في سننه عن طارق بن شهاب قال: أتي عمر، رضي الله عنه، بامرأة قد زنت، قالت: إني كنت نائمة فلم أستيقظ إلا برجل قد جثم علي، فخلى سبيلها ولم يضربها وروي: أنه أتي بامرأة استسقت راعيا فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها، فقال لعلي: ما ترى فيها؟ قال: إنها مضطرة، فأعطاها شيئا وتركها. "ملتزم" لأحكام الإسلام من مسلم وذمي بخلاف حربي ومستأمن. "عالم بالتحريم" لما روي عن عمر وعلي أنهما قالا: لا حد إلا على

_ 1 البقرة من الآية/ 187. 2 البقرة من الآية/ 229.

من علمه وروى سعيد بن المسيب، قال: ذكر الزنى بالشام، فقال رجل: زنيت البارحة. قالوا: ما تقول؟ قال: ما علمت أن الله حرمه، فكتب بها إلى عمر، فكتب إن كان يعلم أن الله حرمه فحدوه، وإن لم يكن علم فأعلموه، فإن عاد فارجموه وكذا إن جهل عين المرأة: مثل أن يزف إليه غير زوجته، فيظنها زوجته، أو يدفع إليه غير جاريته فيظنها جاريته، أو يجد على فراشه امرأة يحسبها زوجته أو جاريته فيطأها فلا حد عليه، لأنه غير قاصد لفعل المحرم، ولحديث: "ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم". "وتحرم الشفاعة، وقبولها في حد لله تعالى بعد أن يبلغ الإمام" لقوله، صلى الله عليه وسلم: "فهلا قبل أن تأتيني به" وعن ابن عمر مرفوعا "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد لله في أمره" رواه أحمد وأبو داود. ولأن أسامة بن زيد لما شفع في المخزومية التي سرقت غضب النبي، صلى الله عليه وسلم وقال: " أتشفع في حد من حدود الله؟! " رواه أحمد ومسلم بمعناه. "وتجب إقامة الحد ولو كان مقيمه شريكا في المعصية" لوجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولا يجمع بين معصيتين. "ولا يقيمه إلا الإمام أو نائبه" سواء كان الحد لله تعالى، كحد الزنى أو لآدمي، كحد القذف، لأنه يفتقر إلى الاجتهاد. ولا يؤمن فيه الحيف، فوجب تفويضه إليه. ولأنه، صلى الله عليه وسلم، كان يقيم الحدود في حياته، وكذا خلفاؤه من بعده ونائبه كهو لقوله صلى الله عليه وسلم: " ... واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت

فارجمها. فاعترفت، فرجمها" وأمر برجم ماعز. ولم يحضره وقال في سارق أتي به "اذهبوا به فاقطعوه". "والسيد على رقيقه" القن روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر. وقال ابن أبي ليلى: أدركت بقايا الأنصار يجلدون ولائدهم في مجالسهم الحدود إذا زنين، وروى سعيد: أن فاطمة حدت جارية لها ولقوله، صلى الله عليه وسلم: "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" رواه أحمد وأبو داود. وعن أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني قالا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، قال: "إن زنت فاجلدوها. ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير" قال ابن شهاب: لا أدري بعد الثالثة، أو الرابعة. متفق عليه. "وتحرم إقامته في المسجد" لحديث حكيم بن حزام: أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى أن يستقاد بالمسجد، وأن تنشد الأشعار، وأن تقام فيه الحدود رواه أحمد وأبو داود والدارقطني بمعناه. "وأشده: جلد الزنى، فالقذف، فالشرب، فالتعزير" لأنه تعالى خص الزنى بمزيد تأكيد بقوله: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} 1 فاقتضى مزيد تأكيد. ولا يمكن ذلك في العدد، فيكون في الصفة. ولأن ما دونه أخف منه في العدد، فكذا في الصفة. "ويضرب الرجل قائما" لأنه وسيلة إلى إعطاء كل عضو من الجسد حظه من الضرب

_ 1 النور من الآية/ 2.

"بالسوط" أي: بسوط لا خلق. نص عليه لأنه لا يؤلم. ولا جديد، لئلا يجرح. وروى مالك عن زيد بن أسلم مرسلا: أن رجلا اعترف عند النبي، صلى الله عليه وسلم فأتي بسوط مكسور، فقال: "فوق هذا"، فأتي بسوط جديد لم تكسر ثمرته فقال: "بين هذين". ولا يبالغ في ضرب، لأن القصد أدبه لا هلاكه، وقال الإمام أحمد: لا يبدي إبطه في شيء من الحدود. وعن علي، رضي الله عنه قال: ضرب بين ضربين، وسوط بين سوطين ولا يمد ولا يربط، ولا يجرد من الثياب، لعدم نقله، وقال ابن مسعود، رضي الله عنه: ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد. "ويجب اتقاء الوجه. والرأس، والفرج، والمقتل" كالفؤاد والخصيتين، لئلا يؤدي إلى قتله، أو ذهاب منفعته، وقال علي، رضي الله عنه: اضرب وأوجع، واتق الرأس والوجه وقال: لكل من الجسد حظ، إلا الوجه والفرج. "وتضرب المرأة جالسة" لقول علي رضي الله عنه: تضرب المرأة جالسة والرجل قائما "وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها" لأنه أستر لها، وفي حديث الجهنية: ... فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها. الحديث. رواه أحمد ومسلم وأبو داود. "ويحرم بعد الحد حبس" نص عليه. "وإيذاء بكلام" كالتعبير، لنسخه بمشروعية الحد. "والحد كفارة لذلك الذنب" الذي أوجبه. نص عليه، لخبر عبادة،

وفيه: " ... ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له" متفق عليه. "ومن أتى حدا ستر نفسه، ولم يسن أن يقر به عند الحاكم" لحديث: "إن الله ستير يحب الستر". ومن قال لحاكم: أصبت حدا، لم يلزمه شيء ما لم يبين، نص عليه. "وإن اجتمعت حدود لله تعالى من جنس" واحد: بأن زنى أو سرق أو شرب الخمر مرارا: "تداخلت" فلا يحد سوى مرة. حكاه ابن المنذر: إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم، لأن الغرض الزجر عن إتيان مثل ذلك في المستقبل، وهو حاصل بحد واحد، وكالكفارات من جنس. "ومن أجناس فلا" تتداخل، كبكر زنى وسرق وشرب الخمر. ويبدأ بالأخف فالأخف: فيحد أولا لشرب، ثم لزنى، ثم لقطع، وإن كان فيها قتل: بأن كان الزاني في المثال محصنا استوفي القتل وحده، لقول ابن مسعود، رضي الله عنه: إذا اجتمع حدان أحدهما: القتل أحاط القتل بذلك رواه سعيد، ولا يعرف له مخالف من الصحابة ولأن الغرض الزجر، ومع القتل لا حاجة له.

باب حد الزنى

باب حد الزنى: "الزنى: هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر" وهو من أكبر الكبائر. قال الإمام أحمد: لا أعلم بعد القتل ذنبا أعظم من الزنى. وأجمعوا على تحريمه، لقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} 1 وعن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك". قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك". قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني بحليلة جارك" متفق عليه. "فإذا زنى المحصن وجب رجمه حتى يموت" لحديث عمر قال: إن الله بعث محمدا، صلى الله عليه وسلم، بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها، وعقلتها، ووعيتها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى. فالرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت به البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف، وقد قرأتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم متفق عليه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم: رجم ماعزا

_ 1 الإسراء من الآية/ 32.

والغامدية، ورجم الخلفاء بعده وهل يجلد قبله على روايتين، إحداهما: يجب للآية. وعن علي أنه ضرب سراخة يوم الخميس، ورجمها يوم الجمعة، وقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والبخاري. وفي حديث عبادة، "والثيب بالثيب جلد مائة والرجم". رواه مسلم وغيره والثانية: لا جلد عليه. لما تقدم عن ابن مسعود. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية ولم يجلدهما وقال لأنيس "فإن اعترفت فارجمها" ولو وجب الجلد لأمر به. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: في حديث عبادة: إنه أول حد نزل، وإن حديث ماعز بعده. وعمر رجم ولم يجلد ولا يجب الرجم إلا على المحصن بإجماع أهل العلم. "والمحصن هو من وطئ زوجته في قبلها بنكاح صحيح" لا باطل ولا فاسد، لأنه ليس بنكاح في الشرع. "وهما حران مكلفان" فلا إحصان مع صغر أحدهما أو جنونه أو رقه، لحديث: "الثيب بالثيب جلد مائة والرجم" رواه مسلم. ولا يكون ثيبا إلا بذلك، ولأن الإحصان كمال فيشترط أن يكون في حال الكمال. وتصير الزوجة أيضا محصنة حيث كانا بالصفات المتقدمة حال الوطء. ولا يشترط الإسلام في الإحصان لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر برجم اليهوديين الزانيين فرجما. متفق عليه. ولا خلاف بين أهل العلم في أن الزنى ووطء الشبهة لا يصير به أحدهما محصنا ولا نعلم بينهم خلافا في أن التسري لا يحصل به الإحصان لواحد منهما، لكونه ليس بنكاح ولا تثبت فيه أحكامه.

"وإن زنى الحر غير المحصن جلد مائة جلدة" بلا خلاف لقوله تعالى: { ... الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ... } 1 وحديث عبادة مرفوعا: "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" رواه مسلم. "وغرب عاما" لما سبق، روى الترمذي عن ابن عمر أن النبي، صلى الله عليه وسلم، ضرب وغرب وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب "إلى مسافة القصر" لأن أحكام السفر من القصر والفطر لا تثبت بدونه. قاله في الكافي. وقال: وحيث رأى الإمام الزيادة في المسافة فله ذلك، لأن عمر، رضي الله عنه، غرب إلى الشام والعراق وإن رأى الزيادة على الحول لم يجز، لأن مدة الحول منصوص عليها فلم يدخلها الاجتهاد، والمسافة غير منصوص عليها، فرجع فيها إلى الاجتهاد. انتهى. وتغرب امرأة مع محرم. لعموم نهيها عن السفر بلا محرم. وعليها أجرته. ويغرب غريب إلى غير وطنه. "وإن زنى الرقيق: جلد خمسين" جلدة بكرا أو ثيبا، لقوله تعالى: { ... فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ... } 2 والعذاب المذكور في القرآن: مائة جلدة، فينصرف التنصيف إليه دون غيره، والرجم لا يتأتى تنصيفه. وعن عبد الله بن عياش المخزومي قال: أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنى ورواه مالك. "ولا يغرب" لأن تغريبه إضرار بسيده دونه ولأنه صلى الله عليه

_ 1 النور من الآية/ 2. 2 النساء من الآية/ 25.

وسلم، لم يأمر بتغريب الأمة إذا زنت في حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد وقد سبق. "وإن زنى الذمي بمسلمة: قتل" نص عليه، لانتقاض عهده، ولما روي عن عمر، وتقدم في الجهاد. "وإن زنى الحربي: فلا شيء عليه" من جهة الزنى لأنه مهدر الدم، ولأنه غير ملتزم بأحكامنا. "وإن زنى المحصن بغير المحصن فلكل حده" لحديث أبي هريرة وزيد بن خالد في رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ابن أحدهما عسيفا عند الآخر فزنى بامرأته. وفيه ... وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها". قال: فغدا عليها، فاعترفت فرجمها رواه الجماعة. "ومن زنى ببهيمة عزر" ولا حد عليه، روي عن ابن عباس، وهو قول مالك والشافعي، لأنه لم يصح فيه نص، ولا حرمة له، والنفوس تعاف، وعنه: عليه الحد، لحديث ابن عباس مرفوعا: "من وقع على بهيمه فاقتلوه، واقتلوا البهيمة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وضعفه الطحاوي. وفي وجوب قتلها روايتان. وكره أحمد أكل لحمها. "ولو تلوط" بغلام لزمه الحد، لحديث أبي موسى مرفوعا: "إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان" وعنه: حده الرجم بكل حال، لأنه إجماع الصحابة فإنهم أجمعوا على قتله، وإنما اختلفوا في الكيفية، قاله في الشرح. وعن ابن عباس مرفوعا: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط

فاقتلوا الفاعل والمفعول به" رواه الخمسة إلا النسائي. وفي حد من وقع على ذات محرمه بعقد أو غيره روايتان. إحداهما: حده حد الزنى لعموم الآية والأخبار. والثانية: يقتل بكل حال، لما روى البراء قال: لقيت عمي، ومعه الراية، فقلت أين تريد؟ قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه بعده: أن أضرب عنقه، وآخذ ماله حسنه الترمذي، وروى ابن ماجه بإسناده مرفوعا: "من وقع على ذات محرم فاقتلوه" ولا يجوز للحاكم أن يقيم الحد بعلمه، لأن ذلك يروى عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه. "وشرط وجوب الحد ثلاثة:" "أحدها: تغييب الحشفة أو قدرها" لعدمها. "في فرج أو دبر لآدمي حي" ذكر أو أنثى لحديث ابن مسعود: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني وجدت امرأة في البستان فأصبت منها كل شيء، غير أني لم أنكحها، فافعل بي ما شئت. فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} 1 رواه النسائي. وعن أبي هريرة في حديث الأسلمي: فأقبل عليه في الخامسة، قال: "أنكتها"، قال: نعم. قال: "كما يغيب المرود في المكحلة والرشأ في البئر؟ " قال: نعم وفي آخره فأمر به فرجم رواه أبو داود والدارقطني. "الثاني: انتفاء الشبهة" لحديث عائشة مرفوعا: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة" رواه الترمذي.

_ 1 هود من الآية/ 114.

وذكر أنه قد روي موقوفا، وأنه أصح. وقال: وقد روي عن غير واحد من الصحابة: أنهم قالوا مثل ذلك. وعن أبي هريرة مرفوعا: "ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا" رواه ابن ماجه. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم: أن الحدود تدرأ بالشبهات. "الثالث: ثبوته إما بإقرار أربع مرات" لأن ماعز بن مالك اعترف عند النبي، صلى الله عليه وسلم الأولى، والثانية، والثالثة، فرده. فقيل له: إنك إن اعترفت الرابعة رجمك. فاعترف الرابعة فحبسه، ثم سأل عنه، فقالوا: لا نعلم إلا خيرا، فأمر به فرجم روي من طريق عن ابن عباس وجابر وبريدة وأبي بكر الصديق. حتى ولو كان الإقرار في مجالس لأن الغامدية أقرت عنده بذلك في مجالس رواه مسلم. "ويستمر على إقراره" إلى تمام الحد فإن رجع أو هرب كف عنه. وبه قال مالك والشافعي، لقول بريدة: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نتحدث أن الغامدية وماعزا لو رجعا بعد اعترافهما، أو قال: لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما، وإنما رجمهما بعد الرابعة رواه أبو داود. وفي حديث أبي هريرة فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي أن ماعزا فر حين وجد مس الحجارة ومس الموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هلا تركتموه" رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه. "أو شهادة أربعة رجال عدول" ويصفونه، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ... } 1 الآية وقوله

_ 1 النور من الآية/4.

تعالى: { ... فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} 1 فيجوز لهم النظر إليهما حال الجماع لإقامة الشهادة عليهما. "فإن كان أحدهم غير عدل حدوا للقذف" لعدم كمال شهادتهم للآية ويشترط كونها في مجلس واحد وسواء جاؤوا جملة واحدة، أو سبق بعضهم بعضا لأن عمر، رضي الله عنه، لما شهد عنده أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة بالزنى حدهم حد القذف، لما تخلف الرابع زياد فلم يشهد ولو لم يشترط المجلس لم يجز أن يحدهم لجواز أن يكملوا برابع في مجلس آخر، ولأنه لو جاء الرابع بعد حد الثلاثة لم تقبل شهادته، ولولا اشتراط المجلس لوجب أن يقتل. قاله في الكافي. "وإن شهد أربعة بزناه بفلانة، فشهد أربعة آخرون أن الشهود هم الزناة صدقوا وحد الأولون فقط" دون المشهود عليه، لقدح الآخرين في شهادتهم عليه، "للقذف، والزنى" لأنهم شهدوا بزنى لم يثبت فهم قذفة، وثبت عليهم الزنى بشهادة الآخرين. "وإن حملت من لا زوج لها، ولا سيد: لم يلزمها شيء" لأن عمر، رضي الله عنه: أتي بامرأة ليس لها زوج قد حملت، فسألها عمر، فقالت: إني امرأة ثقيلة الرأس، وقع علي رجل وأنا نائمة، فما استيقظت حتى فرغ، فدرأ عنها الحد رواه سعيد. وعن علي وابن عباس: إذا كان في الحد لعل، وعسى، فهو معطل ولا خلاف أن الحد يدرأ

_ 1 النساء من الآية/15.

بالشبهة، وهي متحققة هنا. وعنه: تحد إذا لم تدع شبهة، اختاره الشيخ تقي الدين، وعليه يحمل قوله: أو كان الحبل أو الاعتراف.

باب حد القذف

باب حد القذف مدخل ... باب حد القذف: وهو: الرمي بالزنى. وهو من الكبائر المحرمة، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 1. وقوله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" متفق عليه. "ومن قذف غيره بالزنى حد للقذف. ثمانين إن كان حرا" لقوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 2. "وأربعين إن كان رقيقا" لما روى يحيى بن سعيد الأنصاري قال: ضرب أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم مملوكا افترى على حر ثمانين، فبلغ عبد الله بن عامر بن ربيعة، فقال: أدركت الناس زمن عمر بن الخطاب إلى اليوم، فما رأيت أحدا ضرب المملوك المفتري ثمانين قبل أبي بكر بن محمد بن عمرو. ولأنه حد يتبعض، فكان المملوك على النصف من الحر، كحد الزنى. وإن كان مبعضا فعليه بالحساب.

_ 1 النور من الآية/ 23. 2 النور من الآية/ 4.

"وإنما يجب بشروط تسعة:" "أربعة منها في القاذف. وهو: أن يكون: بالغا، عاقلا، مختارا" فلا حد على صغير، ومجنون، ونائم، ومكره، لحديث "رفع القلم عن ثلاثة". "ليس بوالد للمقذوف وإن علا" فإن قذف والد ولده، وإن سفل، فلا حد عليه: أبا كان أو أما، لأنها عقوبة تجب لحق آدمي، فلم تجب لولد على والده، كالقصاص. قاله في الكافي. "وخمسة في المقذوف. وهو كونه: حرا، مسلما، عاقلا، عفيفا عن الزنى يطأ ويوطأ مثله" لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} 1 الآية مفهومه أنه لا يجلد بقذف غير المحصن. والمحصن هو المسلم الحر العاقل العفيف عن الزنى، فلا يجب الحد على قاذف الكافر والمملوك والفاجر، لأن حرمتهم ناقصة، فلم تنهض لإيجاب الحد، ولا على قاذف المجنون والصغير الذي لا يجامع مثله، لأن زناهما لا يوجب الحد عليهما، فلا يجب الحد بالقذف به، كالوطء دون الفرج، قاله في الكافي بمعناه. "لكن لا يحد قاذف غير البالغ حتى يبلغ" ويطالب به بعد بلوغه، إذ لا أثر لطلبه قبل البلوغ، لعدم اعتبار كلامه، "لأن الحق في حد القذف للآدمي فلا يقام بلا طلبه" ذكره الشيخ تقي الدين إجماعا.

_ 1 النور من الآية/4.

"ومن قذف غير محصن عزر" ردعا له عن أعراض المعصومين، وكفا له عن إيذائهم. "ويثبت الحد هنا، وفي الشرب. والتغرير بأحد أمرين. إما بإقراره مرة، أو شهادة عدلين" ويأتي في الشهادات.

فصل ويسقط حد القذف بأربعة أشياء

فصل ويسقط حد القذف بأربعة أشياء: "بعفو المقذوف" لما روي عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم: كان إذا أصبح يقول: تصدقت بعرضي ... ". الحديث رواه ابن السني. والصدقة بالعرض لا تكون إلا بالعفو عما وجب له، ولأنه حق له لا يقام إلا بطلبه فيسقط بعفوه، كالقصاص. "أو بتصديقه" أي إقراره، ولو دون أربع مرات، لأن المعرة عليه بإقراره لا بالقذف. "أو بإقامة البينة" "أو باللعان" لما تقدم في اللعان. "والقذف: حرام، وواجب، ومباح. فيحرم فيما تقدم" لأنه من الكبائر. "ويجب على من يرى زوجته تزني، ثم تلد ولدا يغلب على ظنه أنه من الزنى، لشبهه به" أو يراها تزني في طهر لم يطأها فيه فيعتزلها، ثم تلده لستة أشهر فأكثر، لجريان ذلك مجرى اليقين في أن الولد من

الزنى فيلزمه قذفها ونفيه، لئلا يلحقه الولد، ويرثه ويرث أقاربه ويرثوه، وينظر إلى بناته وأخواته ونحوهن، وذلك لا يجوز فوجب نفيه إزالة لذلك، ولحديث: "أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين". رواه أبو داود. فكما حرم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم فالرجل مثلها. "ويباح إذا رآها تزني ولم تلد ما يلزمه نفيه" أو استفاض زناها بين الناس، أو أخبره به ثقة لا عداوة بينه وبينها، أو يرى معروفا به عندها خلوة، لأن ذلك مما يغلب على الظن زناها، ولم يجب لأنه لا ضرر على غيرها حيث لم تلد. "وفراقها أولى" لأنه أستر ولأن قذفها يفضي إلى حلف أحدهما كاذبا إذا تلاعنا أو إقرارها فتفتضح.

فصل وصريح القذف يا منيوكة

فصل وصريح القذف يا منيوكة: إن لم يفسره بفعل زوج أوسيد، فإن فسره بذلك لم يكن قذفا. "يا منيوك، يا زاني، يا عاهر" وأصل العهر: إتيان الرجل المرأة ليلا للفجور بها، ثم غلب على الزاني، سواء جاءها أو جاءته، ليلا أو نهارا. "يا لوطي" وهو في العرف: من يأتي الذكور، لأنه عمل قوم لوط لأن هذه الألفاظ صريحة في القذف لا تحتمل غيره، فأشبه صريح الطلاق.

"ولست ولد فلان فقذف لأمه" أي: المقول له في الظاهر من المذهب. وكذا لو نفاه عن قبيلته، لحديث الأشعث بن قيس مرفوعا: "لا أوتى برجل يقول: إن كنانة ليست من قريش إلا جلدته" وروي عن ابن مسعود: أنه قال: لا حد إلا في اثنتين: قذف محصنة، أو نفي رجل عن أبيه ولأنه لا يكون لغير أبيه إلا بزنى أمه. قاله في الكافي. "وكنايته: زنت يداك أو رجلاك، أو يدك، أو بدنك" لأن زنى هذه الأعضاء لا يوجب الحد، لحديث: "العينان تزنيان وزناهما النظر، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما المشي، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه". "و: يا مخنث، يا قحبة، يا فاجرة، يا خبيثة، أو يقول لزوجة شخص: فضحت زوجك، وغطيت رأسه وجعلت له قرونا وعلقت عليه أولادا من غيره، وأفسدت فراشه" أو يقول لمن يخاصمه: يا حلال ابن الحلال ما يعرفك الناس بالزنى ما أنا بزان، ولا أمي بزانية ونحو ذلك. فهذا ليس بصريح في القذف. قال الإمام أحمد في رواية حنبل: لا أرى الحد إلا على من صرح بالقذف أو الشتمة. "فإن أراد بهذه الألفاظ حقيقة الزنى حد" للقذف، لأن الكناية مع نية أو قرينة كالصريح في إفادة الحكم. "وإلا" بأن فسره بمحتمل غير القذف. "عزر" لارتكابه معصية لا حد فيها، ولا كفارة كأن أراد بالمخنث: المتطبع بطبائع التأنيث، وبالقحبة: المتعرضة للزنى وإن له تفعله،

وبالفاجرة: الكاذبة، ونحو ذلك. وعنه: أن الحد يجب بذلك كله، لما روى سالم عن أبيه: أن رجلا قال: ما أنا بزان، ولا أمي بزانية فجلده عمر الحد وروى الأثرم: أن عثمان جلد رجلا قال لآخر: يا ابن شامة الوذر: يعرض بزنى أمه1 ولأن هذه الألفاظ يراد بها القذف عرفا، فجرت مجرى الصريح. قاله في الكافي. "ومن قذف أهل بلدة أو جماعة لا يتصور الزنى منهم عزر ولا حد" لأنه لا عار عليهم بذلك، للقطع بكذب القاذف. "وإن كان يتصور الزنى منهم عادة، وقذف كل واحد بكلمة: فلكل واحد حد" لتعدد القذف، وتعدد محله، كما لو قذف كلا منهم من غير أن يقذف الآخر. "وإن كان إجمالا" كقوله: هم زناة. "فحد واحد" لقوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} 2 ولم يفرق بين قذف واحد وجماعة، ولأنه قذف واحد فلا يجب به أكثر من حد. ومن قذف نبيا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو قذف أمه كفر، وقتل حتى ولو تاب، لأن القتل هنا حد للقاذف، وحد القذف لا يسقط بالتوبة. قال الشيخ تقي الدين: وكذا لو قذف نساءه، لقدحه في دينه. ولا يكفر من قذف أبا شخص إلى آدم. نص عليه. وسأله حرب رجل افترى على رجل، فقال: يابن كذا وكذا إلى آدم وحواء فعظمه جدا، وقال عن الحد: لم يبلغني فيه شيء وذهب إلى حد واحد.

_ 1 الوذر: القطع الصغار. أي: أنها تشم مذاكير كثيرة. 2 النور من الآية/4.

باب حد المسكر

باب حد المسكر: أجمع المسلمون على تحريم الخمر لكن اختلفوا فيما يقع عليه اسمه. وكل شراب أسكر كثيرة فقليله حرام، لعموم الآية. وعن ابن عمر مرفوعا: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام" رواه مسلم. وقال عمر: "نزل تحريم الخمر وهي من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير. والخمرة: ما خامر العقل" متفق عليه. وعن ابن عمر مرفوعا: "ما أسكر كثيرة فقليله حرام". رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني. وعن عائشة مرفوعا: "ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام" 1. رواه أبو داود. "من شرب مسكرا مائعا، أو استعط به، أو احتقن به، أو أكل عجينا ملتوتا به، ولو لم يسكر: حد ثمانين إن كان حرا" لأن عمر استشار الناس في حد الخمر، فقال عبد الرحمن: اجعله كأخف الحدود ثمانين، فضرب عمر ثمانين، وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة بالشام رواه أحمد ومسلم. وكان بمحضر من الصحابة فاتفقوا عليه، فكان إجماعا: قاله في الكافي. وعن علي أنه قال في المشورة: إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فحدوه حد المفتري رواه الجوزجاني والدارقطني. "وأربعين إن كان رقيقا" لما روي عن ابن شهاب أنه سئل عن حد العبد في الخمر فقال: بلغني أن عليه نصف حد الحر في الخمر، وأن

_ 1 في اللسان: أما الفرق، فبالسكون: فمائة وعشرون رطلا، ومنه الحديث: ما أسكر منه الفرق فالحسوة منه حزام.

عمر وعثمان وعبد الله بن عمر قد جلدوا عبيدهم نصف الحد في الخمر. رواه مالك في الموطأ. واختار الشيخ تقي الدين: وجوب الحد بأكل الحشيشة سكر أو لم يسكر، وضررها من بعض الوجوه أعظم من ضرر الخمر، وإنما حدث أكلها في آخر المائة السادسة أو قريبا منها، مع ظهور سيف جنكيز خان1 قاله في الإنصاف. وعنه: أن حده أربعون، لما روى حصين بن المنذر: أن عليا جلد الوليد بن عقبة في الخمر أربعين، ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم، أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي رواه مسلم. وعن علي قال: ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت وأجد في نفسي منه شيئا، إلا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يسنه متفق عليه. ومعناه: لم يقدره ويوقته. "بشرط كونه مسلما مكلفا مختارا" لشربه فإن أكره عليه لم يحد، لحديث: "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه". وصبره على الأذى أفضل من شربها مكرها. نص عليه. "عالما أن كثيرة يسكر" فلا حد على جاهل بذلك، لأن الحدود تدرأ بالشبهات. وثبت عن عمر أنه قال: لا حد إلا على من علمه. وبه قال عامة أهل العلم.

_ 1 غازي تتري مغولي "1162-1227 م" بسط نفوذه على الصين شمالا، وقد حمل غزاته من آسيا المركزية حتى آسيا الوسطى محطما كل ما يمر به من البلاد الإسلامية، وكان من أبنائه تيمورلنك.

"ومن تشبه بشراب الخمر في مجلسه وآنيته حرم وعزر" قاله في الرعاية، لحديث: "من تشبه بقوم فهو منهم" وكذا يعزر من حضر شرب الخمر، لحديث ابن عمر مرفوعا: "لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها ومبتاعها، وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه". رواه أبو داود. "ويحرم العصير إذا أتى عليه ثلاثة أيام ولم يطبخ" وإن لم يغل. نص عليه، لحديث: "اشربوا العصير ثلاثا ما لم يغل" رواه الشالنجي. وعن ابن عمر في العصير: اشربه ما لم يأخذه شيطانه. قيل: وفي كم يأخذه شيطانه؟ قال: ثلاثة حكاه أحمد وغيره وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له الزبيب فيشربه: اليوم، والغد، وبعد الغد إلى مساء الثالثة، ثم يأمر به فيهراق، أو يسقى الخدم. رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وقال: معنى يسقى الخدم: يبادر به الفساد. ويحرم عصير غلي كغليان القدر: بأن قذف بزبده. نص عليه، لما تقدم وعن أبي هريرة، قال: علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يصوم، فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء، ثم أتيته فإذا هو ينش، فقال: "اضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لم يؤمن بالله واليوم الآخر" 1 رواه أبو داود والنسائي. وإن طبخ قبل غليانه وإتيان الثلاث عليه: حل، إن ذهب ثلثاه فأكثر. نص عليه، وذكره أبو بكر إجماع المسلمين: لأن أبا موسى كان يشرب من الطلاء ما ذهب ثلثاه

_ 1 النشيش: صوت غليان الماء.

وبقي ثلثه رواه النسائي، وله مثله عن عمر وأبي الدرداء. وقال البخاري: رأى عمر وأبو عبيدة ومعاذ شرب الطلاء على الثلث، وشرب البراء وأبو جحيفة على النصف وقال أبو داود: سألت أحمد عن شرب الطلاء إذا ذهب ثلثاه، فقال: لا بأس به قلت: إنهم يقولون: يسكر. قال: لا يسكر، لو كان يسكر ما أحله عمر، رضي الله عنه.

باب التعزير

باب التعزير مدخل ... باب التعزير: يجب التعزير على كل مكلف. نص عليه كالحد. وقال الشيخ تقي الدين: لا نزاع بين العلماء أن غير المكلف كالصبي المميز يعاقب على الفاحشة تعزيرا بليغا. "يجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة" كمباشرة الأجنبية فيما دون الفرج، وإتيان المرأة المرأة، وسرقة ما لا قطع فيه، والجناية بما لا يوجب القصاص، ونحوها، لما روي عن علي، رضي الله عنه أنه سئل عن قول الرجل للرجل: يا فاسق، يا خبيث قال: هن فواحش فيهن تعزير، وليس فيهن حد. "وهو من حقوق الله تعالى لا يحتاج في إقامته إلى مطالبة" لأنه شرع للتأديب، فللإمام إقامته إذا رآه، وله تركه إن جاء تائبا معترفا يظهر منه الندم والإقلاع، لما روى ابن مسعود: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني لقيت امرأة فأصبت منها ما دون أن أطاها، فقال: "أصليت معنا؟ " قال نعم. فتلا عليه: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} 1 متفق عليه.

_ 1 هود من الآية/ 114.

"إلا إذا شتم الولد والده فلا يعزر إلا بمطالبة والده" نقله في الإقناع عن الأحكام السلطانية. "ولا يعزر الوالد بحقوق ولده" لحديث: "أنت ومالك لأبيك". "ولا يزاد في جلد التعزير على عشرة أسواط" نص عليه، لحديث أبي بردة مرفوعا: "لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" متفق عليه. فقدر أكثره، ولم يقدر أقله فيرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم. ويكون التعزير أيضا بالحبس، والصفع، والتوبيخ، والعزل عن الولاية، وإقامته من المجلس حسبما يراه الحاكم، لأنه صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمه، ثم خلى عنه رواه أحمد وأبو داود. "إلا إذا وطئ أمة له فيها شرك: فيعزر بمائة سوط إلا سوطا" لما روى سعيد بن المسيب عن عمر: في أمة بين رجلين وطئها أحدهما يجلد الحد إلا سوطا رواه الأثرم. واحتج به أحمد. ولينقص عن حد الزنى. "وإذا شرب مسكرا نهار رمضان: فيعزر بعشرين مع الحد" لما روى أحمد أن عليا، رضي الله عنه، أتي بالنجاشي قد شرب خمرا في رمضان، فجلده الحد وعشرين سوطا، لفطره في رمضان. "ولا بأس بتسويد وجه من يستحق التعزير، والمناداة عليه بذنبه" قال أحمد في شاهد الزور: فيه عن عمر: يضرب ظهره، ويحلق رأسه، ويسخم وجهه، ويطاف به، ويطال حبسه1.

_ 1 وجد بهامش الأصل ما يلي: ذكر عن الشعبي كان عمر فمن بعده إذا أحذوا العاصي أقاموه للناس، ونزعوا عمامته، فلما كان زياد ضرب في الجنايات بالسياط، ثم زاد مصعب ابن الزبير حلق اللحية، فلما كان بشر بن مروان سمر كف الجاني بمسمار فلما قدم الحجاج قال: هذا كله لعب فقتل بالسيف. انتهى. عتلقى.

"ويحرم حلق لحيته، وأخذ ماله" وقطع طرفه، لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك. "ويحرم" الاستمناء باليد على الرجال والنساء لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} 1 ولحديث رواه الحسن بن عرفة في جزئه، ولأنه مباشرة تفضي إلى قطع النسل، ويعزر فاعله. قال في الكافي: ولا حد فيه، لأنه لا إيلاج فيه، فإن خشي الزنى أبيح له، لأنه يروى عن جماعة من الصحابة. انتهى. يعني: إن لم يقدر على نكاح. قال مجاهد: كانوا يأمرون فتيانهم يستغنوا به.

_ 1 المؤمنون من الآية/ 5. ووجه الاستدلال أن الله تعالى أباح للإنسان أن يتمتتع بالزوجة وبالأمة، وحظر عليه خلاف ذلك بقوله {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} . المؤمنون/ 7.

فصل ومن الألفاظ الموجبة للتعزير

فصل ومن الألفاظ الموجبة للتعزير: "قوله لغيره: يا كافر يا فاسق يا فاجر يا شقي يا كلب يا حمار يا تيس يا رافضي يا خبيث يا كذاب يا خائن" يا عدو الله يا شارب الخمر يا مخنث. نص عليه. "يا قرنان يا قواد يا ديوث يا علق" قال إبراهيم الحربي: الديوث: الذي يدخل الرجال على امرأته. وقال ثعلب: القرنان: لم أره في كلام العرب، ومعناه عند العامة: مثل معنى الديوث، أو قريبا منه. والقواد عند العامة: السمسار في الزنى. وعند الشيخ تقي الدين أن قوله:

يا علق: تعريض، ودليل ذلك ما تقدم عن علي، رضي الله عنه، ولأن ذلك معصية لا حد فيها. "ويعزر من قال لذمي: يا حاج" لما فيه من تشبيههم في قصد كنائسهم بقصاد بيت الله الحرام. "أو لعنه بغير موجب" لأنه ليس له ذلك إلا إن صدر منه ما يقتضيه.

باب القطع في السرقة

باب القطع في السرقة: أجمعوا عليه، لقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ... } الآية1. وعن عائشة مرفوعا: "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا" متفق عليه. "ويجب بثمانية شروط:" "1- السرقة، وهي: أخذ مال الغير من مالكه أو نائبه على وجه الاختفاء، فلا قطع على منتهب" يأخذ المال على وجه الغنيمة لحديث جابر مرفوعا: "ليس على المنتهب قطع". رواه أبو داود. "ومختطف" وهو: الذي يختلس ال شيء ويمر به، وغاصب "وخائن في وديعة" لحديث: "ليس على الخائن والمختلس قطع". رواه أبو داود والترمذي وقد تكلم فيه. ولعدم دخولهم في اسم السارق. "لكن يقطع جاحد العارية" لحديث ابن عمر: كانت مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بقطع يدها.

_ 1 المائدة من الآية/ 38.

رواه أحمد وأبو داود والنسائي مطولا. قال الإمام أحمد: لا أعرف شيئا يدفعه. وعنه: لا قطع عليه. قدمه في الكافي والمقنع، لأنه خائن فلا يقطع للخبر، كجاحد الوديعة. وهذا اختيار أبي إسحاق بن شاقلا، وأبي الخطاب. "2- كونه السارق مكلفا" لأن غيره مرفوع عنه القلم. "مختارا" لأن المكره معذور. "عالما بأن ما سرقه يساوي نصابا" فلا قطع بسرقة منديل بطرفه نصاب مشدود لم يعلمه، ولا بسرقة جوهر يظن قيمته دون نصاب، لقول عمر: لا حد إلا على من علمه. "3- كون المسروق مالا" لأن القطع شرع لصيانة الأموال، فلا يجب في غيرها، والأخبار مقيدة للآية. فإن سرق حرا صغيرا فلا قطع، لأنه ليس بمال. وعنه: يقطع، لحديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتي برجل يسرق الصبيان، ثم يخرج بهم فيبيعهم في أرض أخرى، فأمر بيده فقطعت. رواه الدارقطني. "لكن لا قطع بسرقة الماء" لأنه لا يتمول عادة. "ولا بإناء فيه خمر أو ماء" لاتصاله بما لا قطع فيه. "ولا بسرقة مصحف" لأن المقصود منه ما فيه من كلام الله تعالى، ولا يحل أخذ العوض عنه. وبه قال: أبو بكر، والقاضي. "ولا بما عليه من حلي" لأنه تابع لما لا قطع فيه. وقال أبو الخطاب:

عليه القطع بسرقة المصحف للآية، ولأنه متقوم يبلغ نصابا، أشبه كتب الفقه. قاله في الكافي. وهو قول: مالك والشافعي. "ولا بكتب بدعة وتصاوير" لوجوب إتلافها، لأنها محرمة، أشبهت المزامير، ومثل ذلك سائر الكتب المحرمة. "ولا بآلة لهو" كالطنبور، والمزمار، والطبل لغير الحرب ونحوها، لأنها آلة معصية كالخمر، ومثله: نرد، وشطرنج. "ولا بصليب، أو صنم" من ذهب أو فضة، لأنه مجمع على تحريمه، أشبه الطنبور. 4-"كون المسروق نصابا، وهو: ثلاثة دراهم أو ربع دينار" فلا قطع بسرقة ما دون ذلك، لحديث عائشة مرفوعا: "لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا" رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. وعنها مرفوعا: "اقطعوا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك". وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم، والدينار اثنا عشر درهما رواه أحمد. وهذان يخصان عموم الآية. وأما حديث أبي هريرة: "لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده، ويسرق البيضة فتقطع يده". متفق عليه. فيحمل على حبل يساوي ذلك، وكذا البيضة، ويحتمل أن يراد بها بيضة السلاح، وهي تساوي ذلك، جمعا بين الأخبار، كما حكى البخاري عن الأعمش. ويحتمل أن سرقة القليل ذريعة إلى سرقة النصاب بالتدريج. ذكر معناه ابن القيم قي الهدي. "أو ما يساوي أحدهما" لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه

وسلم: "قطع يد سارق سرق برنسا من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم" 1 رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وعنه أيضا مرفوعا: "قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم" رواه الجماعة. "وتعتبر القيمة حال الإخراج" من الحرز، لأنه وقت الوجوب، لوجود السبب فيه. 5-"إخراجه من حرز" في قول أكثر أهل العلم، منهم: مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا من مزينة سأل النبي صلى الله عليه وسلم، عن الثمار، فقال: "ما أخذ من غير أكمامه واحتمل ففيه قيمته معه، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن" رواه أبو داود وابن ماجه. وفي لفظ: "ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن: فعليه القطع" 2 رواه أبو داود والنسائي وزاد: "وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه، وجلدات نكال" وعن رافع بن خديج مرفوعا: "لا قطع في ثمر ولا كثر" 3 رواه الخمسة. "فلو سرق من غير حرز فلا قطع" لفوات شرطه، كما لو أتلفه داخل الحرز بأكل أو غيره، وعليه ضمانه. "وحرز كل مال: ما حفظ فيه عادة" لأن معناه الحفظ، ولأن

_ 1 البرنس: بضم الباء والنون: قلنسوة طويلة، كان النساء يلبسونها في صدر الإسلام. 2 الجرين: الموضع الذي يجفف فيه التمر. 3 الكثر: جمار النخل أو طلعها. قاموس.

الشرع لما اعتبر الحرز، ولم يبينه علمنا أنه رده إلى العرف، كالقبض والتفرق وإحياء الموات. قاله في الكافي. "فنعل برجل، وعمامة على رأس: حرز" ونوم على متاع أو رداء: حرز لأن صفوان بن أمية نام في المسجد، وتوسد رداءه، فأخذ من تحت رأسه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن يقطع سارقه الحديث، رواه الخمسة إلا الترمذي. وحرز الكفن: كونه على الميت في القبر، لقول عائشة، رضي الله عنها: سارق أمواتنا كسارق أحيائنا وروي عن ابن الزبير أنه قطع نباشا. "ويختلف الحرز بالبلدان والسلاطين" لخفاء السارق بالبلد الكبير، لسعة أقطاره أكثر من خفائه في البلد الصغير. وكذا السلطان إن كان عدلا يقيم الحدود قل السراق، فلا يحتاج الإنسان إلى زيادة حرز. وإن كان جائرا يشارك من التجأ إليه، ويذب عنهم قويت صولتهم فيحتاج أرباب الأموال إلى زيادة التحفظ، وكذا الحال مع قوته وضعفه. "ولو اشترك جماعة في هتك الحرز، وإخراج النصاب: قطعوا جميعا" نص عليه، لوجود سبب القطع منهم، كالقتل وكما لو كان ثقيلا فحملوه. ويقطع سارق نصاب لجماعة. "وإن هتك الحرز أحدهما، ودخل الآخر فأخرج المال: فلا قطع عليهما، ولو تواطأ" لأن الأول لم يسرق، والثاني لم يهتك الحرز. قال في الكافي: ويحتمل أن يقطع إذا كانا شريكين. "6- انتفاء الشبهة: فلا قطع بسرقته من مال فروعه وأصوله" أما ولده: لحديث "أنت ومالك لأبيك" وأما أصوله: فلوجوب نفقة

أحدهم على الآخر، ولأن بينهم قرابة تمنع من قبول شهادة بعضهم لبعض: فلا يقطع به، لأن الحدود تدرأ بالشبهات. "وزوجته" أي: لا يقطع أحد الزوجين بسرقته من مال الآخر رواه سعيد عن عمر بإسناد جيد. ولأن كلا منهما يرث صاحبه بغير حجب، وينبسط في ماله، أشبه الولد مع الوالد. ولا يقطع العبد بسرقته من مال سيده لما روى مالك: أن عبد الله ابن عمرو الحضرمي قال لعمر: إن عبدي سرق مرآة امرأتي، ثمنها: ستون درهما، فقال: أرسله، لأقطع عليه، غلامك أخذ متاعكم. وكان بمحضر من الصحابة، ولم ينكر فكان إجماعا. وقال ابن مسعود: "لا قطع مالك سرق مالك". "ولا بسرقة من مال له فيه شرك، أو لأحد ممن ذكر" كأصوله وفروعه ونحوهم، لقيام الشبهة فيه بالبعض الذي لا يجب بسرقته قطع. ولا قطع على مسلم سرق من بيت المال، لذلك، ولقول عمر وابن مسعود: من سرق من بيت المال فلا قطع. ما من أحد إلا وله في هذا المال حق وروى سعيد عن علي: ليس على من سرق من بيت المال قطع وروى ابن ماجه عن ابن عباس أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقطعه، وقال: "مال الله سرق بعضه بعضا". "7- ثبوتها إما بشهادة عدلين" لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} 1 والأصل عمومه لكن خولف فيما فيه دليل خاص للدليل، فبقي فيما عداه على عمومه.

_ 1 البقرة من الآية/ 282.

"ويصفانها" أي: السرقة. "ولا تسمع قبل الدعوى" من المالك، أو من يقوم مقامه. "أو بإقرار" السارق "مرتين" ويصفها في كل مرة، لاحتمال ظنه وجوب القطع مع فقد بعض شروطه. وعن القاسم بن عبد الرحمن أن عليا، رضي الله عنه أتاه رجل، فقال: إني سرقت، فطرده، ثم عاد مرة أخرى، فقال: إني سرقت، فأمر به أن يقطع رواه الجوزجاني. وفي لفظ: لا يقطع السارق حتى يشهد على نفسه مرتين حكاه أحمد في رواية مهنا واحتج به. "ولا يرجع حتى يقطع" ولا بأس بتلقينه الإنكار، لحديث أبي أمية المخزومي أن النبي صلى الله عليه وسلم، أتي بلص قد اعترف، فقال: "ما إخالك سرقت؟ " قال بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا، قال: بلى فأمر به فقطع رواه أحمد وأبو داود. ولو وجب القطع بأول مرة لم يؤخره، ولم يلقنه الإنكار. وكذا ما تقدم عن علي. وروي عن عمر، رضي الله عنه أنه أتي برجل، فقال: أسرقت؟ قل: لا فقال: لا فتركه. "8- مطالبة المسروق منه بماله" أو مطالبة وكيله أو وليه إن كان محجورا عليه لحظه، لأن المال يباح بالبذل والإباحة، فيحتمل إباحة مالكه إياه أو إذنه له في دخول حرزه ونحوه مما يسقط القطع فاعتبر الطلب، لنفي هذا الاحتمال، وانتفاء الشبهة. "ولا قطع عام مجاعة غلاء" إن لم يجد ما يشتريه أو ما يشتري به. نص عليه، لقول عمر: لا قطع في عام سنة قيل لأحمد: تقول به؟

قال: إي لعمري لا أقطعه إذا حملته الحاجة، والناس في شدة ومجاعة. "فمتى توفرت الشروط قطعت يده اليمنى من مفصل كفه" لأن في قراءة عبد الله بن مسعود: فاقطعوا أيمانهما وروي عن أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من مفصل الكوع ولا مخالف لهما في الصحابة. "وغمست وجوبا في زيت مغلي" لتنسد أفواه العروق، لئلا ينزفه الدم فيؤدي إلى موته. ولقوله صلى الله عليه وسلم في سارق: "اقطعوه واحسموه" رواه الدارقطني. وقال ابن المنذر: في إسناده مقال. "وسن تعليقها في عنقه ثلاثة أيام إن رآه الإمام" لحديث فضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقطعت يده، ثم أمر بها فعلقت في عنقه رواه الخمسة إلا أحمد. وفي إسناده الحجاج بن أرطاة، وهو: ضعيف وفعل ذلك علي رضي الله عنه، بالذي قطعه ولأنه أبلغ في الزجر. "فإن عاد قطعت رجله" لحديث أبي هريرة مرفوعا في السارق: "إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله" ولأنه قول أبي بكر وعمر، ولا مخالف لهما من الصحابة. "اليسرى" قياسا على القطع في المحاربة، ولأنه أرفق به ليتمكن من المشي على خشبة، ولو قطعت يمناه لم يمكنه ذلك. قاله في الكافي. "من مفصل كعبه بترك عقبه" لما روي عن علي أنه كان يقطع من شطر القدم، ويترك له عقبا يمشي عليها. "فإن عاد لم يقطع، وحبس حتى يموت، أو يتوب" لأن عمر، رضي

الله عنه "أتي برجل أقطع الزند والرجل قد سرق، فأمر به عمر: أن تقطع رجله، فقال علي: إنما قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية1. وقد قطعت يده هذا ورجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها. إما أن تعزره، إما أن تستودعه السجن. فاستودعه السجن" رواه سعيد. وعن سعيد المقبري قال: "حضرت علي بن أبي طالب أتي برجل مقطوع اليد والرجل قد سرق، فقال لأصحابه: ما ترون في هذا؟ قالوا: اقطعه يا أمير المؤمنين، قال: قتله إذا وما عليه القتل، بأي شيء يأكل الطعام؟ بأي شيء يتوضأ للصلاة؟! بأي شيء يغتسل من جنابته؟! بأي شيء يقوم لحاجته؟ فرده إلى السجن أياما، ثم أخرجه فاستشار أصحابه، فقالوا مثل قولهم الأول، وقال لهم مثل ما قال أولا فجلده جلدا شديدا، ثم أرسله" رواه سعيد - وعنه: تقطع يده اليسرى فإن عاد فسرق رابعة قطعت رجله اليمنى. وهو قول مالك والشافعي وابن المنذر. قاله في الشرح، لحديث أبي هريرة مرفوعا: "من سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله" ولأن أبا بكر وعمر قطعا اليد اليسرى في المرة الثالثة" قاله في الكافي. "ويجتمع القطع والضمان" نص عليه، لأنهما حقان لمستحقين فجاز اجتماعهما، كالدية والكفارة في قتل الخطأ. "فيرد ما أخذه لمالكه" إن كان باقيا، لأنه عين ماله، وإن كان تالفا فعليه ضمانه، لأنه مال آدمي تلف تحت يده عادية فوجب ضمانه.

_ 1 المائدة من الآية/ 33.

"ويعيد ما خرب من الحرز" لأنه متعد. "وعليه أجرة القاطع وثمن الزيت" لأن القطع حق وجب عليه الخروج منه، فكانت مؤنته عليه كسائر الحقوق، ولأن الحسم حفظ لنفسه عن التلف. وقال في الكافي وغيره: ثمن الزيت، وأجرة القاطع من بيت المال، لأنهما من المصالح العامة.

باب حد قطاع الطريق

باب حد قطاع الطريق مدخل ... باب حد قطاع الطريق: "وهم: المكلفون الملتزمون" من المسلمين وأهل الذمة، وينقض به عهدهم. "الذين يخرجون على الناس، فيأخذون أموالهم مجاهرة" فإن أخذوا مختفين فسراق، وإن اختطفوا وهربوا فمنتهبون لا قطع عليهم، لأن عادة قطاع الطريق القهر، فاعتبر ذلك فيهم. "ويعتبر ثبوته ببينة، أو إقرار مرتين" كالسرقة. "والحرز" بأن يأخذه من يد مستحقه وهو بالقافلة "والنصاب" قياسا على القطع في السرقة. "ولهم أربعة أحكام:" "1- إن قتلوا ولم يأخذوا مالا: حتم قتلهم جميعا" وحكم الردء كالمباشر. وبه قال مالك. "2- إن قتلوا وأخذوا مالا: حتم قتلهم وصلبهم حتى يشتهروا" ليرتدع غيرهم، ثم يغسلوا، ويكفنوا، ويصلى عليهم، ويدفنوا.

"3- إن أخذوا مالا، ولم يقتلوا: قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف حتما" لوجوبه لحق الله تعالى "في آن واحد" فلا ينتظر بقطع أحدهما اندمال الآخر، لأنه تعالى أمر بقطعهما، والأمر للفور، فتقطع يده اليمنى، ورجله اليسرى، لقوله: { ... مِنْ خِلافٍ ... } 1 "إن أخافوا الناس، ولم يأخذوا مالا: نفوا من الأرض، فلا يتركون يأوون إلى بلد حتى تظهر توبتهم" لقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} 1 قال ابن عباس، وأكثر المفسرين: نزلت في قطاع الطريق من المسلمين قال في الشرح: وحكي عن ابن عمر أنها نزلت في المرتدين وقال أنس: نزلت في العرنيين الذين استاقوا إبل الصدقة، وارتدوا ولنا قوله تعالى: { ... إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ... } 2 والكفار تقبل توبتهم بعد القدرة عليه. انتهى. وروى الشافعي بإسناده عن ابن عباس إذا قتلوا، وأخذوا المال، قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا، ولم يأخذوا المال: قتلوا، ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال، ولم يقتلوا: قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل، ولم يأخذوا مالا: نفوا من الأرض وروي نحوه مرفوعا. وروى أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال: وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم،

_ 1 المائدة: من الآية/33. 2 المائدة: من الآية/34.

أبا برزة الأسلمي، فجاء ناس يريدون الإسلام فقطع عليهم أصحابه، فنزل جبريل، عليه السلام، بالحد فيهم أن من قتل وأخذ المال: قتل وصلب، ومن قتل ولم يأخذ المال: قتل، ومن أخذ المال ولم يقتل: قطعت يده ورجله من خلاف وعلم منه أن: أو، في الآية ليست للتخيير، ولا للشك بل للتنويع. وتنفى الجماعة متفرقة كل إلى جهة، لئلا يجتمعوا على المحاربة ثانيا. وعنه: النفي: التعزير بما يردع. وقيل: الحبس في غير بلدهم. وقال ابن عباس: نفيهم إذا هربوا: أن يطلبوا حتى يؤخذوا فتقام عليهم الحدود ولأن تشريدهم يفضي إلى إغرائهم بقطع الطريق. "ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حقوق الله تعالى" من نفي، وقطع يد، ورجل وتحتم قتل، وصلب، لقوله تعالى: { ... إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1. "وأخذ بحقوق الآدميين" من نفس وطرف ومال، ولا أن يعفى له عنها من مستحقها، لأنه حق آدمي فلا يسقط بالتوبة، كالضمان.

_ 1 المائدة: من الآية/34.

فصل ومن أريد بأذى في نفسه أو ماله

فصل ومن أريد بأذى في نفسه أو ماله: "أو حريمه دفعه بالأسهل فالأسهل" فإن اندفع بالأسهل حرم الأصعب، لعدم الحاجة إليه. "فإن لم يندفع إلا بالقتل قتله ولا شيء عليه" وإن قتل كان شهيدا، لحديث أبي هريرة: جاء رجل، فقال: يا رسول الله: أرأيت إن جاء رجل

يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه"، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله"، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد"، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال "هو في النار" رواه أحمد ومسلم. وفي لفظ أحمد أنه قال له أولا: "أنشده الله"، قال: فإن أبى؟ قال: "قاتله" وعن ابن عمر مرفوعا: "من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد" رواه الخلال بإسناده. وهل يلزمه الدفع: على روايتين. قال ابن سيرين: ما أعلم أحدا ترك قتال الحرورية واللصوص تأثما إلا أن يجبن. ذكره في الشرح. "ويجب أن يدفع عن حريمه" كأمه وأخته وزوجته ونحوهن إذا أريدت بفاحشة أو قتل. نص عليه، لأنه يؤدي بذلك حق الله من الكف عن الفاحشة والعدوان، وحق نفسه بالمنع عن أهله، فلا يسعه إضاعة الحقين. "وحريم غيره" لئلا تذهب الأنفس، وتستباح الحرم، ويسقط وجوب الدفع بإياسه من فائدته. وكره أحمد الخروج إلى صيحة ليلا، لأنه لا يدري ما يكون. وظاهر كلام الأصحاب خلافه، وهو أظهر. قاله في الفروع، لقول أنس: فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق أناس قبل الصوت، فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم، راجعا وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري في عنقه السيف، وهو يقول: "لم تراعوا، لم تراعوا" 1 متفق عليه. "وكذا في غير الفتنة عن نفسه" لقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 2 فكما يحرم عليه قتل نفسه يحرم عليه إباحة قتلها.

_ 1 الروع: الفزع. 2 البقرة من الآية/ 195.

"ونفس غيره وماله" لأنه لا يتحقق منه إيثار الشهادة، وكإحيائه ببذل طعامه. ذكره القاضي، وغيره. وأطلق الشيخ تقي الدين لزومه عن مال غيره، وقال في جند قاتلوا عربا نهبوا أموال تجار ليردوه إليهم: هم مجاهدون في سبيل الله، ولا ضمان عليهم بقود، ولا دية، ولا كفارة. ذكره في الفروع. وقال في المغني والشرح: لغيره معونته بالدفع، لقوله صلى الله عليه وسلم "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" وقد روى أحمد وغيره النهي عن خذلان المسلم، والأمر بنصر المظلوم فإن كان ثم فتنة لم يجب الدفع عن نفسه، ولا نفس غيره، لقصة عثمان، رضي الله عنه. ولما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في الفتنة "اجلس في بيتك، فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فغط وجهك" وفي لفظ: "فكن كخير ابني آدم" وفي لفظ: "فكن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل". "لا مال نفسه" أي: لا يجب عليه أن يدفع عن ماله، وله بذله لمن أراده منه ظلما. وذكر القاضي أنه أفضل من الدفع عنه. قال أحمد في رواية حنبل: أرى دفعه إليه، ولا يأتي على نفسه، لأنها لا عوض لها. "ولا يلزمه حفظه من الضياع والهلاك" ذكره القاضي وغيره.

باب قتال البغاة

باب قتال البغاة: "وهم: الخارجون على الإمام بتأويل سائغ، ولهم شوكة" ولو لم يكن فيهم مطاع. سموا بغاة، لعدولهم عن الحق، وما عليه أئمة المسلمين. والأصل في قتالهم قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} 1 وحديث: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، ويفرق جماعتكم فاقتلوه" رواه أحمد ومسلم. وعن ابن عباس مرفوعا: "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فميتته جاهلية" متفق عليه وقاتل علي، رضي الله عنه، أهل النهروان فلم ينكره أحد. "فإن اختل شرط من ذلك" بأن لم يخرجوا على إمام، أو خرجوا عليه بلا تأويل أو بتأويل غير سائغ، أو كانوا جمعا يسيرا لا شوكة لهم. "فقطاع طريق" وتقدم حكمهم. "ونصب الإمام فرض كفاية" لحاجة الناس لذلك، لحماية البيضة، والذب عن الحوزة، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وقال الشيخ تقي الدين: قد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم، تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر وهو: تنبيه على أنواع الاجتماع. انتهى. وكل من ثبتت

_ 1 الحجرات من الآية/9.

إمامته حرم الخروج عليه وقتاله، سواء ثبتت بإجماع المسلمين عليه: كإمامة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أو بعهد الإمام الذي قبله إليه: كعهد أبي بكر إلى عمر، رضي الله عنهما، أو باجتهاد أهل الحل والعقد لأن عمر جعل أمر الإمامة شورى بين ستة من الصحابة فوقع الإتفاق على عثمان، رضي الله عنه أو بقهره للناس حتى أذعنوا له، ودعوه إماما: كعبد الملك بن مروان لما خرج على ابن الزبير فقتله، واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعا وكرها، ودعوه إماما. ولأن في الخروج على من ثبتت إمامته بالقهر شق عصا المسلمين، وإراقة دمائهم، وإذهاب أموالهم. قال أحمد في رواية العطار: ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين: فلا يحل لأحد يؤمن بالله أن يبيت، ولا يراه إماما برا كان أو فاجرا. وقال في الغاية: ويتجه: لا يجوز تعدد الإمام، وأنه لو تغلب كل سلطان على ناحية كزماننا فحكمه كالإمام. "ويعتبر كونه قرشيا" لقول المهاجرين للأنصار إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش. وقال أحمد في رواية منها: لا يكون من غير قريش خليفة. "بالغا عاقلا سميعا بصيرا ناطقا حرا ذكرا عدلا عالما ذا بصيرة كافئا ابتداء ودوما" لاحتياجه إلى ذلك في أمره ونهيه، وحربه وسياسته، وإقامة الحدود ونحو ذلك، ولأن العبد منقوص برقه مشغول بحقوق سيده. وقوله صلى الله عليه وسلم، في حديث العرباض وغيره - "والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد ... ". الحديث - محمول

على نحو أمير سرية. والمرأة ليست من أهل الولاية، وفي الحديث "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" رواه البخاري. "ولا ينعزل بفسقه" لما في ذلك من المفسدة، بخلاف القاضي، ولحديث: "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان". "وتلزمه مراسلة البغاة، وإزالة شبههم، وما يدعون من المظالم" لأن ذلك وسيلة إلى الصلح المأمور به، والرجوع إلى الحق. ولأن عليا، رضي الله عنه راسل أهل البصرة يوم الجمل قبل الوقعة، وأمر أصحابه أن لا يبدؤوهم بقتال، وقال: إن هذا يوم من فلج فيه فلج يوم القيامة1 وروى عبد الله بن شداد أن عليا، رضي الله عنه، لما اعتزله الحرورية بعث إليهم عبد الله بن عباس فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف. "فإن رجعوا وإلا لزمه قتالهم" لقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} 2 "ويجب على رعيته معونته" للآية، ولأن الصحابة قاتلوا مانعي الزكاة وقاتل علي، رضي الله عنه، أهل البصرة يوم الجمل، وأهل الشام بصفين وإذا حضر من لم يقاتل لم يجز قتله لأن عليا، رضي الله عنه، قال: إياكم وصاحب البرنس يعني: محمد بن طلحة السجاد، وكان حضر طاعة لأبيه، ولم يقاتل. ولأن القصد كفهم، وهذا قد كف نفسه. قاله في الكافي.

_ 1 فلج على خصمه: غلبه. 2 الحجرات من الآية/9.

"وإذا ترك البغاة القتال حرم قتلهم، وقتل مدبرهم وجريحهم" لقول مروان: "صرخ صارخ لعلي يوم الجمل: لا يقتلن مدبر، ولا يذفف على جريح، ولا يهتك ستر، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن"1 رواه سعيد. وعن عمار نحوه. وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "يا ابن أم عبد: ما حكم من بغى على أمتي؟ " فقلت: الله ورسوله أعلم. فقال: "لا يقتل مدبرهم، ولا يجاز على جريحهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يقسم فيئهم" 2 وعن أبي أمامة قال: شهدت صفين، فكانوا لا يجيزون على جريح، ولا يطلبون موليا، ولا يسلبون قتيلا ولأن المقصود دفعهم فإذا حصل لم يجز قتلهم كالصائل. "ولا يغنم مالهم، ولا تسبى ذراريهم" لا نعلم في ذلك خلافا بين أهل العلم، لأن مالهم مال معصوم، وذريتهم معصومون لا قتال منهم ولا بغي. "وبجب رد ذلك إليهم" لأن أموالهم كأموال غيرهم من المسلمين، وإنما أبيح قتالهم للرد إلى الطاعة. وعن علي أنه قال يوم الجمل: من عرف شيئا من ماله مع أحد فليأخذه، فعرف بعضهم قدرا مع أصحاب

_ 1 قوله: ولا يذفف: بالذال المفتوحة، بعده فاء مشددة، ثم فاء مخفضة على صيغة البناء للمجهول، وهو في معنى: يجهز. قال في القاموس: دف على الجريح: أجهز. وقال أيضا في مادة جهاز، وجهز على الجريح: كمنع، وأجهز: أثبت قتله وأسرعه وتمم عليه. 2 قال صاحب اللسان: أجاز أمره يجيزه إذا أمضاه، وجعله جائزا. وفي حديث أبي ذر، رضي الله عنه "قبل أن تجيزوا علي" أي: قبل أن تقتلوني، وتنفذوا في أمركم.

علي وهو يطبخ فيها، فسأله إمهاله حتى ينطبخ الطبيخ فأبى، وكبه وأخذها. "ولا يضمن البغاة ما أتلفوه حال الحرب" كما لا يضمن أهل العدل ما أتلفوه للبغاة حال الحرب لأن عليا لم يضمن البغاة ما أتلفوه حال الحرب من نفس ومال وقال الزهري: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، متوافرون وفيهم البدريون، فأجمعوا أنه لا يقاد أحد، ولا يؤخذ مال على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه ذكره أحمد في رواية الأثرم محتجا به. وإن استولوا على بلد فأقاموا الحدود، وأخذوا الزكاة والخراج والجزية احتسب به لأن عليا، رضي الله عنه، لم يتبع ما فعله أهل البصرة، ولم يطالبهم ب شيء مما جباه البغاة ولأن ابن عمر، وسلمة بن الأكوع يأتيهم ساعي نجدة الحروري فيدفعون إليه زكاتهم ولأن في ترك الاحتساب بذلك ضررا عظيما على الرعايا. "وهم في شهادتهم، وإمضاء حكم حاكمهم كأهل العدل" لأن التأويل السائغ في الشرع لا يفسق به الذاهب إليه أشبه المخطئ من الفقهاء في فرع، فيقضى بشهادة عدولهم، ولا ينقض حكم حاكمهم إلا ما خالف نص كتاب أو سنة أو إجماعا. وإن أظهر قوم رأي الخوارج: كتكفير مرتكب الكبيرة، وسب الصحابة، ولم يخرجوا عن قبضة الإمام: لم يتعرض لهم، لأن عليا سمع رجلا يقول: لا حكم إلا الله - تعريضا بالرد عليه في التحكيم - فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، ثم قال: لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله،

ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، ولا نبدؤكم بقتال وإن عرضوا بسبب الإمام أو غيره من أهل العدل: عزروا كيلا يصرحوا، ويخرقوا الهيبة. والوجه الثاني: لا يعزرون، لما روي أن عليا كان في صلاة الفجر، فناداه رجل من الخوارج { ... لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 1 فأجابه علي، رضي الله عنه: { ... فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} 2 ولم يعزره. ومن كفر أهل الحق والصحابة، واستحل دماء المسلمين بتأويل: فهم خوارج فسقة، لأن عليا قال في الحرورية لا تبدؤوهم بقتال وأجراهم مجرى البغاة، وكذلك عمر بن عبد العزيز. وذهب طائفة من أهل الحديث إلى أنهم كفار حكمهم حكم المرتدين، لحديث أبي سعيد مرفوعا، وفيه: " ... يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة" رواه البخاري. وفي لفظ: "لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد" فعلى هذا يجوز قتلهم ابتداء، وقتل أسراهم، وإتباع مدبرهم. ومن قدر عليه. منهم استتيب كالمرتد، فإن تاب وإلا قتل. قاله في الكافي. وقال الشيخ تقي الدين: الخوارح يقتلون ابتداء، ويجهز على جريحهم. وقال جمهور العلماء: يفرقون بينهم وبين البغاة المتأولين، وهوا لمعروف عن الصحابة، وعليه عامة الفقهاء.

_ 1 الزمر من الآية/65. 2 الروم من الآية/60.

باب حكم المرتد

باب حكم المرتد مدخل ... باب حكم المرتد: "وهو: من كفر بعد إسلامه" وأجمعوا على وجوب قتله إن لم يتب، لحديث ابن عباس مرفوعا: "من بدل دينه فاقتلوه" رواه الجماعة إلا مسلما. وروي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل وخالد بن الوليد وغيرهم. وسواء الرجل والمرأة، لعموم الخبر. وروى الدارقطني أن امرأة - يقال لها: أم مروان ارتدت عن الإسلام، فبلغ أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر أن تستتاب، فإن تابت وإلا قتلت. "ويحصل الكفر بأحد أربعة أمور:" "1- بالقول: كسب الله تعالى، أو رسوله، أو ملائكته" لأنه لا يسبه إلا وهو جاحد به. "أو ادعى النبوة" أو تصديق من ادعاها، لأن ذلك تكذيب لله تعالى في قوله: { ... وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} 1 ولحديث: "لا نبي بعدي" ونحوه. "2- أو الشركة له تعالى" لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} 2 وقال الشيخ تقي الدين: أو كان مبغضا لرسوله، أو

_ 1 الأحزاب من الآية/40. 2 النساء من الآية/48.

لما جاء به اتفاقا، أوجعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم، ويدعوهم ويسألهم: كفر إجماعا. "3- بالفعل: كالسجود للصنم ونحوه" كشمس وقمر وشجر وحجر وقبر، لأنه إشراك بالله تعالى. "وكإلقاء المصحف في قاذورة " أو ادعى اختلافه، أو القدرة على مثله لأن ذلك تكذيب له. "4- بالاعتقاد: كاعتقاد الشريك له تعالى" أو الصاحبة، أو الولد، لقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} 1. "أو أن الزنى والخمر حلال، أو أن الخبز حرام، ونحو ذلك مما أجمع عليه إجماعا قطعيا" لأن ذلك معاندة للإسلام، وامتناع من قبول أحكامه، ومخالفة للكتاب والسنة وإجماع الأمة. "وبالشك في شيء من ذلك" أي: في تحريم الزنى والخمر، أو في حل الخبز ونحوه، ومثله لا يجهله لكونه نشأ بين المسلمين. وإن كان يجهله مثله، لحداثة عهده بالإسلام أو الإفاقة من جنون ونحوه: لم يكفر، وعرف حكمه ودليله، فإن أصر عليه كفر، لأن أدلة هذه الأمور ظاهرة من كتاب الله وسنة رسوله، ولا يصدر إنكارها إلا من مكذب لكتاب الله وسنة رسوله. قاله في الكافي. "فمن ارتد، وهو مكلف مختار استتيب ثلاثة أيام" وجوبا، لما روى مالك والشافعي أنه قدم على عمر رجل من قبل أبي موسى، فقال له عمر: هل كان من مغربة خبر؟ قال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، فقال: ما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، قال عمر: فهلا حبستموه ثلاثا،

_ 1 المؤمنون من الآية/91.

وأطعمتموه كل يوم رغيفا، واستتبتموه لعله يتوب أو يراجع أمر الله. اللهم إني لم أحضر، ولم أرض إذ بلغني فلولا وجوب الاستتابة لما برئ من فعلهم. وأحاديث الأمر بقتله تحمل على ذلك جمعا بين الأخبار. "فإن تاب فلا شيء عليه، ولا يحبط عمله" لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ ... } إلى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ ... } 1 ولمفهوم قوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} 2 وعن أنس مرفوعا: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كف عن المنافقين حين أظهروا الإسلام. "وإن أصر قتل بالسيف" لما تقدم، ولحديث: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة" وحديث: "من بدل دينه فاقتلوه، ولا تعذبوا بعذاب الله. يعني: النار" رواه البخاري وأبو داود. "ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه" لأنه قتل لحق الله تعالى، فكان إلى الإمام، كرجم الزاني المحصن. "فإن قتله غيرهما أساء وعزر" لافتئاته على ولي الأمر. "ولا ضمان" بقتل مرتد، "ولو كان قبل استتابته" لأنه مهدر الدم بالردة في الجملة، ولا يلزم من تحريم القتل الضمان، بدليل نساء الحرب وذريتهم.

_ 1 الفرقان من الآية/ 68- 70. 2 البقرة من الآية/ 217.

"ويصح إسلام المميز" ذكرا أو أنثى إذا عقله لأن عليا، رضي الله عنه، أسلم وهو ابن ثمان سنين رواه البخاري في تاريخه. فصح إسلامه، وثبت إيمانه، وعد بذلك سابقا. وروي عنه قوله: سبقتكمو إلى الإسلام طرا ... صبيا ما بلغت أوان حلمي "وردته" أي: المميز، لأن من صح إسلامه صحت ردته كسائر الناس. "لكن لا يقتل حتى يستتاب بعد بلوغه ثلاثة أيام" لأن بلوغه أول زمن صار فيه أهل العقوبة، لحديث "رفع القلم عن ثلاثة". وتقدم.

فصل وتوبة المرتد، وكل كافر إتيانه بالشهادتين

فصل وتوبة المرتد، وكل كافر إتيانه بالشهادتين: لحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكنيسة، فإذا هو بيهودي يقرأ عليهم التوراة، فقرأ.. حتى إذا أتى على صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وأمته، فقال: هذه صفتك وصفة أمتك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "لوا أخاكم" رواه أحمد. وعن أنس أن يهوديا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أشهد أنك رسول الله، ثم مات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا على صاحبكم" احتج به أحمد في رواية مهنا. "مع رجوعه عما كفر به" لأنه كذب الله ورسوله بما اعتقد، فلا بد من إتيانه بما يدل على رجوعه عنه.

"ولا يغني قوله: محمد رسول الله، عن كلمة التوحيد" لأنه غير موحد، فلا يحكم بإسلامه حتى يوحد الله، ويقر بما كان يجحده. "وقوله: أنا مسلم توبة" لأنه يتضمن الشهادتين. وعن المقداد أنه قال: يا رسول الله: أرأيت، إن لقيت رجلا من الكفار، فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بصخرة، فقال: أسلمت أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال: "لا تقتله، فإن قتلتة فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها" وعن عمران بن حسين قال: أصاب المسلمون رجلا من بني عقيل، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد: إني مسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت قلت، وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" رواهما مسلم. قال في المغني: ويحتمل أن هذا في الكافر الأصلي، أو من جحد الوحدانية، وأما من كفر بجحد نبي أو كتاب، أو فريضة ونحو هذا: فلا يصير مسلما بذلك، لأنه ربما اعتقد أن الإسلام ما هو عليه، فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم هم المسلمون، ومنهم من هو كافر. "وإن كتب كافر الشهادتين صار مسلما" لأن الخط كاللفظ. "وإن قال: أسلمت، أو: أنا مسلم، أو: أنا مؤمن: صار مسلما" بذلك وإن لم يتلفظ بالشهادتين، لما تقدم. "ولا يقبل في الدنيا بحسب الظاهر توبة زنديق، وهو: المنافق الذي يظهر الإسلام، ويخفي الكفر" لقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ... } 1 والزنديق: لا يعلم تبيين رجوعه، وتوبته،

_ 1 البقرة من الآية/ 160.

لأنه لا يظهر منه بالتوبة خلاف ما كان عليه، فإنه كان ينفي الكفرعن نفسه قبل ذلك، وقلبه لا يطلع عليه. "ولا من تكررت ردته" لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} 1 وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} 2 ولأن تكرار ردته يدل على فساد عقيدته، وقلة مبالاته بالإسلام. "أو سب الله تعالى، أو رسوله، أو ملكا له" لعظم ذنبه جدا فيدل على فساد عقيدته. قال أحمد: لا تقبل توبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم. "وكذا من قذف نبيا أو أمه" لما في ذلك من التعرض للقدح في النبوة الموجب للكفر. "ويقتل، حتى ولو كان كافرا فأسلم" لأن قتله حد قذفه فلا يسقط بالتوبة، كقذف غيرهما. ومن قذف عائشة بما برأها الله منه كفر بلا خلاف.

_ 1 النساء من الآية/ 137. 2 آل عمران من الآية/90.

كتاب الأطعمة

كتاب الأطعمة مدخل مدخل ... كتاب الأطعمة: الأصل فيها الحل، لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} 1 وقوله: {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً} 2 وقوله: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} 3 "يباح كل طعام طاهر لا مضرة فيه" لما تقدم. ويحرم مضر: كسم، لقوله تعالى: { ... وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 4 والسم مما يقتل غالبا. "إن حلف: لا يشرب" مما لا يؤكل عادة: كقشر بيض، وقرن حيوان مذكى إذا دقا. وسأله الشالنجي عن المسك يجعل في الدواء ويشرب، قال: لا بأس به. "ويحرم النجس: كالميتة، والدم، ولحم الخنزير" لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} 5 وقوله صلى الله عليه وسلم في الخمر "أكفئوها فإنها رجس". "والبول، والروث، ولو طاهرين" لاستقذارهما، فإن اضطر إليهما أو إلى أحدهما أبيحا، لقصة العرنيين.

_ 1 البقرة من الآية/29. 2 البقرة من الآية/168. 3 المائدة من الآية/5. 4 البقرة من الآية/195. 5 المائدة من الآية/3.

"ويحرم من حيوان البر. الحمر الأهلية" لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل متفق عليه. قال أحمد: خمسة وعشرون من الصحابة كرهوها. وقال ابن عبد البر: لا خلاف اليوم في تحريمها. قال في الشرح: وألبان الحمر محرمة في قول الأكثر، ورخص فيها عطاء وطاووس. وأما الفيل: فقال أحمد، ليس هو من طعام المسلمين. وقال الحسن: هو مسخ، ولأنه مستخبث، وذو ناب من السباع. "وما يفترس بنابه: كأسد ونمر وذئب وفهد وكلب" لحديث أبي ثعلبة الخشني نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أكل كل ذي ناب من السباع متفق عليه. وعن أبي ذر مرفوعا: "كل ذي ناب حرام" رواه مسلم. قال ابن عبد البر: هذا نص صحيح صريح يخص العموم. "وقرد" لأن له نابا، وهو مسخ، فهو من الخبائث. قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافا في أن القرد لا يؤكل، ولا يجوز بيعه. ذكره في الشرح. "ودب، ونمس، وابن آوى" شبه الثعلب، ورائحته كريهة. "وابن عرس، وسنور ولو بريا" لنهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل الهر وأكل ثمنها رواه أبو داود، وابن ماجه. "وثعلب" على الأصح، "وسنجاب، وسمور" لأنها من السباع، فتدخل في العموم. "ويحرم من الطير ما يصيد بمخلبه" في قول الأكثر. "كعقاب، وباز، وصقر، وباشق، وحدأة، وبومة" لحديث ابن عباس

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير رواه الجماعة، إلا البخاري والترمذي. "وما يأكل الجيف: كنسر، ورخم، وقاق" وهو العقعق، طائر نحو الحمامة طويل المذنب، فيه بياض، وسواد، نوع من الغربان. "ولقلق" طائر نحو الأوزة، طويل العنق، يأكل الحيات. "وغراب" بين وأبقع،1 قال عروة: ومن يأكل الغراب، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم فاسقا؟! والله ما هو من الطيبات. ولإباحة قتله في الحل والحرم، ولأن هذه مستخبثة لأكلها الخبائث. "وخفاش" وهو: الوطواط. قال أحمد: ومن يأكل الخفاش؟ "وفار" نص عليه، لكونها فويسقة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتله في الحرم ولا يجوز فيه قتل صيد مأكول. "وزنبور، ونحل، وذباب" لأنها مستخبثة غير مستطابة. "وهدهد، وخطاف" لحديث ابن عباس نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد2 رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ونهى صلى الله عليه وسلم عن قتل الخطاطيف رواه البيهقي مرسلا. "وقنقذ ونيص" نص عليه، لحديث أبي هريرة ذكر القنفذ

_ 1 الغراب الأبقع: الذي فيه سواد وبياض. 2 الصرد: طائر ضخم الرأس، أبيض البطن، أخضر الظهر، يصطاد صغار الطير. وهو بتشديد الصاد المضمومة.

لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هو خبيثة من الخبائث" رواه أبو داود. والنيص مثله، لأنه يقال: هو عظيم القنافذ. "وحية" لأن لها نابا من السباع. نص عليه. "وحشرات" كديدان، وجعلان، وبنات وردان،1 وخنافس، ووزغ، وحرباء، وورل،2 وعقرب، وصراصر، وجرذان، وبراغيث، وقمل، وأشباهها لأنها مستخبثة، فيعمها قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} 3. "ويؤكل ما تولد من مأكول طاهر: كذباب الباقلاء ودود الخل والجبن، تبعا لا انفرادا" قال أحمد في الباقلاء المدودة: تجنبه أحب إلي، وإن لم يتقذره، فأرجو. وقال عن تفتيش التمر الممدود: لا بأس به إذا علمه.

_ 1 بنت وردان: دويبة كريهة الريح، تألف الأماكن القذرة في البيوت، وهي ذات ألوان مختلفة. 2 الورل: هو دابة على خلقة الضب أعظم منه، طويل الذنب دقيقه. 3 الأعراف من الآية/157.

فصل ويباح ماعدا هذا كبهيمة الأنعام

فصل ويباح ماعدا هذا كبهيمة الأنعام: من إبل، وبقر، وغنم لقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} 1 "والخيل" كلها. نص عليه. وروي عن ابن الزبير، لحديث جابر، وتقدم. وقالت أسماء نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه ونحن بالمدينة متفق عليه.

_ 1 المائدة من الآية/1.

"وباقي الوحش: كضبع" رخص فيه: سعد، وابن عمر، وأبو هريرة. وقال عروة بن الزبير: ما زالت العرب تأكل الضبع، لا ترى بأكله بأسا. وقال عبد الرحمن: قلت لجابر: الضبع: صيد هي؟ قال: نعم، قلت: آكلها؟ قال: نعم، قلت: أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم رواه الخمسة، وصححه الترمذي، وهذا يخصص النهي عن كل ذي ناب من السباع جمعا بين الأخبار. وفي الروضة: لكن إن عرف بأكل الميتة فكالجلالة1. "وزرافة" نص عليه، لأنها من الطيبات. "وأرنب" رخص فيها أبو سعيد، وأكلها سعد بن أبي وقاص. وقال أنس أنفجنا أرنبا، فسعى القوم فلغبوا، فأخذتها، فجئت إلى أبي طلحة فذبحها، وبعث بوركها، أو قال: فخذها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبله2 متفق عليه. وعن محمد بن صفوان أنه صاد أرنبين فذبحهما بمرتين، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلهما رواه أحمد والنسائي، وابن ماجه. "ووبر، ويربوع، وبقر وحش، وحمره" على اختلاف أنواعها، لأنها مستطابة. قضت الصحابة فيها بالجزاء على المحرم. "وضب" وإباحته: قول عمر، وابن عباس، وغيرهما من الصحابة. ولم يعرف عن صحابي خلافه، فيكون إجماعا، قاله في الشرح. وقال

_ 1 الجلالة: بفتح الجيم وتشديد اللام المفتوحة: البهيمة التي تأكل العذرة. 2 أنفج الأرنب: أثارها من مجثمها. ومعنى فلغبوا أي: تعبوا من السر خلفها.

أبو سعيد كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن يهدى إلى أحدنا ضب أحب إليه من دجاجة وأكله خالد بن الوليد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر متفق عليه. "وظباء" وهي: الغزلان، على اختلاف أنواعها، لأنها مستطابة تفدى في الإحرام والحرم. "وباقي الطير: كنعام، ودجاج" لقول أبي موسى رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الدجاج متفق عليه. "وطاوس، وببغاء" وهي: الدرة. "وزاغ" طائر صغير أغبر. "وغراب زرع" وهو أسود كبير أحمر المنقار. والرجل يأكل الزرع، ويطير مع الزاغ، وكحمام بأنواعه، وعصافير وقنابر، وكركي وكروان، وبط وأوز، وأشباهها مما يلتقط الحب، ويفدى في الإحرام، لأنه مستطاب، فيتناوله عموم قوله تعالى: { ... وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ... } 1 وعن سفينة قال: أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى2 رواه أبو داود. "ويحل كل ما في البحر" لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ ... } 3 وقوله صلى الله عليه وسلم في البحر: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته" صححه الترمذي.

_ 1 الأعراف من الآية/157.. 2 الحبارى: طائر أكبر من الدجاج الأهلي وأطول عنقا يضرب به المثل في البلاهة. 3 المائدة من الآية/96.

"غير ضفدع" فيحرم. نص عليه، واحتج بالنهي عن قتله. "وحية" لأنها من المستخبثات. "وتمساح" نص عليه، لأن له نابا يفترس به. واختار ابن حامد والقاضي: يحرم الكوسج، لأنه ذو ناب، وهو: سمكة لها خرطوم كالمنشار، وتسمى: المقرش. والأشهر أنه مباح: كخنزير الماء وكلبه وإنسانه، لعموم الآية والأخبار، وروى البخاري "أن الحسن بن علي ركب على سرج عليه من جلود كلاب الماء". "وتحرم الجلالة: وهي التي أكثر علفها النجاسة، ولبنها وبيضها" لحديث ابن عمر نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها رواه أحمد وأبو داود، وفي رواية له نهى عن ركوب جلالة الإبل وعن ابن عباس نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلالة رواه أحمد، وأبو داود. والترمذي، وصححه. وبيضها كلبنها، لأنه متولد منها. "حتى تحبس ثلاثا، وتطعم الطاهر" لأن ابن عمر كان إذا أراد أكلها حبسها ثلاثا وقال مالك: تحبس الناقة، والبقرة أربعين يوما، وقدمه في الكافي، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإبل الجلالة أن لا يؤكل لحمها، ولا يشرب لبنها، ولا يحمل عليها إلا الأدم، ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة رواه الخلال. والبقرة في معناها، ويحبس الطائر ثلاثا، لفعل ابن عمر. والأول: المذهب ويحرم ما سقي من الزرع والثمار، أو سمد بنجس. نص عليه، لأنه يتغذى بالنجاسات كالجلالة إذا حبست،

وأطعمت الطاهر وعن ابن عباس، قال كنا نكري أراضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشترط عليهم أن لا يدخلوها بعذرة الناس ولولا تأثير ذلك لما اشترط عليهم تركه. "ويكره أكل تراب وفحم وطين" لضرره، نص عليه. وغدة1. "وأذن قلب" نص عليه. قاله في رواية عبد الله كره النبي صلى الله عليه وسلم أكل الغدة ونقل أبو طالب نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أذن القلب. "وبصل، وثوم، ونحوهما" ككراث، وفجل. صرح أحمد بأنه كرهه لمكان الصلاة، وعن جابر مرفوعا: "من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" متفق عليه. "ما لم ينضج بطبخ" لحديث أبي أيوب في الطعام الذي فيه الثوم، قال فيه: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه" حسنه الترمذي. وعن علي رضي الله عنه مرفوعا وموقوفا النهي عن أكل الثوم إلا مطبوخا رواه الترمذي. وعن عائشة قالت إن آخر طعام أكله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بصل رواه أبو داود. وقال عمر في خطبته في البصل والثوم: فمن أكلهما فليمتهما طبخا رواه مسلم والنسائي وابن ماجه.

_ 1 الغدة: لحم يحدث من داء بين الجلد واللحم، يتحرك بالتحريك.

فصل ومن اضطر جاز له أن يأكل من المحرم ما يسد رمقه فقط

فصل ومن اضطر جاز له أن يأكل من المحرم ما يسد رمقه فقط: لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} 1 وقوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} 2 وقوله: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} 3 فإذا أكل ما يسد رمقه. زالت الضرورة، فتزول الإباحة. وهو اختيار الخرقي. وعنه: له الشبع. اختاره أبو بكر، لأنه طعام أبيح له أكله، فجاز له الشبع منه كالحلال. ويجب الأكل. نص عليه، لقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} 4 وقوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 5 قال مسروق: من اضطر، فلم يأكل ولم يشرب فمات: دخل النار. وقيل: لا يجب لما روي عن عبد الله بن حذافة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ملك الروم حبسه، ومعه لحم خنزير مشوي، وماء ممزوج بخمر ثلاثة أيام، فأبى أن يأكله، وقال: لقد أحله الله لي، ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام ويجب تقديم السؤال على أكل المحرم، نص عليه. وقال لسائل: قم قائما ليكون لك عذر عند الله.

_ 1 البقرة: من الآية/ 173. 2 المائدة من الآية/ 3. 3 الأنعام من الآية/ 119. 4 النساء من الآية/ 29. 5 البقرة: من الآية/195.

"ومن لم يجد إلا آدميا مباح الدم: كحربي وزان محصن: فله قتله، وأكله" لأنه لا حرمة له، أشبه السباع. "ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه" كثياب لدفع برد، ودلو وحبل لاستقاء ماء. "وجب على ربه بذله مجانا" بلا عوض، لأنه تعالى ذم على منعه بقوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} 1 فإن احتاج ربه إليه، فهو أحق به من غيره لتميزه بالملك. "ومن مر بثمر بستان لا حائط عليه ولا ناظر: فله من غير أن يصعد على شجرة أو يرميه بحجر أن يأكل ولا يحمل" لقول أبي زينب التميمي سافرت مع أنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة، وأبي برزة، فكانوا يمرون بالثمار فيأكلون في أفواههم وهو قول: عمر، وابن عباس. قال عمر: يأكل ولا يتخذ خبنة2 وكون سعد أبى الأكل لا يدل على تحريمه، لأن الإنسان قد يترك المباح غناء عنه، أو تورعا، وعن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ترم، وكل ما وقع، أشبعك الله وأرواك" صححه الترمذي. وعنه: له الأكل إن كان جائعا فقط، لحديث عمر، وابن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر المعلق، فقال: "ما أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن

_ 1 الماعون من الآية/7. 2 أخبن الطعام: أخبأه في خبنة ثيابه، أي: ثنيها، والخبنة: ما يحمل في الخبنة من الطعام. والمراد هنا أن يأكل ولا يحمل معه في ثيابه.

أخذ منه من غير حاجة، فعليه غرامة مثليه: والعقوبة" قال في الشرح: وعليه أكثر الفقهاء. ولنا قول من سمينا من الصحابة، ولم يعرف لهم مخالف منهم، فإن كانت محوطة، لم يجز الدخول، قال ابن عباس إن كان عليها حائطا فهو حريم، فلا تأكل1. انتهى. وكذا إن كان ثم حارس، لدلالة ذلك عن شح صاحبه به، وعدم المسامحة. "وكذا الباقلاء، والحمص" وشبههما مما يؤكل رطبا وفي الزرع، وشرب لبن الماشية روايتان: إحداهما: يجوز. لحديث سمرة في الماشية صححه الترمذي، وقال: العمل عليه عند بعض أهل العلم والثانية: لا يجوز، لحديث ابن عمر: "لا يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه ... " الحديث متفق عليه. "وتجب ضيافة المسلم على المسلم في القرى دون الأمصار يوما وليلة، وتستحب ثلاثا" لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته". قال: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: "يومه، وليلته" والضيافة ثلاثة أيام وما زاد على ذلك فهو صدقة. "ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يؤثمه" قيل: يا رسول الله: كيف يؤثمه؟ قال "يقيم عنده، وليس عنده ما يقريه" وعن عقبة بن عامر: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم إنك تبعثنا، فننزل بقوم لا يقروننا، فما ترى؟ فقال: "إذا نزلتم بقوم، فأمروا لكم بما ينبغي للضيف: فاقبلوا. وإن لم يفعلوا: فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي له" متفق عليه. ولو لم تجب الضيافة، لم يأمرهم بالأخذ، واختص ذلك بالمسافر،

_ 1 حريم: حرز.

لقول عقبة إنك تبعثنا فننزل وبأهل القرى لقوله بقوم والقوم إنما ينصرف إلى الجماعات دون أهل الأمصار. وقال أحمد: كأنها على أهل القرى، فأما مثلنا الآن فكأن ليس مثلهم، وذلك أن أهل القرى فليس عادتهم بيع القوت ذكره في الشرح. وعنه: تجب للذمي. نقله الجماعة. وظاهر نصوصه: تجب للحاضر وفي المصر. ذكره في الفروع بمعناه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه".

باب الذكاة

باب الذكاة مدخل ... باب الذكاة: "وهي: ذبح أو نحر الحيوان المقدور عليه" فلا يباح إلا بها لأنه تعالى حرم الميتة وما لم يذك، فهو ميتة، ويباح الجراد والسمك، وما لا يعيش إلا في الماء بدونها، لحديث ابن عمر مرفوعا: "أحل لنا ميتتان ودمان. فأما الميتتان: فالحوت، والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال" رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني. "وشروطها أربعة:" "أحدها: كون الفاعل عاقلا، مميزا قاصدا للذكاة" فلا يباح ما ذكاه مجنون، وطفل لم يميز لأنهما لا قصد لهما، ولأن الذكاة أمر يعتبر له الدين فاعتبر فيه العقل: كالغسل "فيحل ذبح الأنثى، والقن، والجنب" لحديث كعب بن مالك عن أبيه أنه كانت له غنم ترعى بسلع، فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمها موتاء فكسرت حجرا، فذبحتها به. فقال لهم: لا تأكلوا حتى

أسأل النبي صلى الله عليه وسلم أو أرسل إليه، فأمر من يسأله. وإنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أو أرسل إليه فأمر بأكلها رواه أحمد، والبخاري ففيه إباحة ذبيحة المرأة، والأمة، والحائض، والجنب لأنه عليه السلام، لم يستفصل عنها، وفيه أيضا: إباحة الذبح بالحجر. وما خيف عليه الموت. وحل ما يذبحه غير مالكه بغير إذنه، وغير ذلك وقال ابن المنذر: أجمعوا على إباحة ذبيحة المرأة والصبي. "والكتابي" لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} 1 قال البخاري: قال ابن عباس طعامهم: ذبائحهم ومعناه عن ابن مسعود رواه سعيد. "إلا المرتد، والمجوسي. والوثني، والدرزي، والنصيري" لمفهوم قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} 1 وإنما أخذت الجزية من المجوس لأن لهم شبهة كتاب. "الثاني: الآلة فيحل الذبح بكل محدد من حجر وقصب، وخشب وعظم غير السن والظفر" نص عليه، لما تقدم. وعن رافع بن خديج مرفوعا "ما أنهر الدم فكل ليس السن والظفر" متفق عليه وعنه: لا يذكى بالعظم وبه قال النخعي، لقوله: أما السن فعظم. "الثالث: قطع الحلقوم" أى: مجرى النفس. "والمريء" 2 مجرى الطعام والشراب.

_ 1 المائدة من الآية/5. 2 المريء: وزان كريم رأس المعدة والكرش اللازق بالحلقوم يجري فيه الطعام والشراب. وهو مهموز أو بغير همز، وياؤه مشددة.

"ويكفي قطع البعض منهما" فلا تشترط إبانتهما، لأنه قطع في محل الذبح ما لا تبقى الحياة معه، لما روي عن عمر أنه نادى: "إن النحر في اللبة، أو الحلق لمن قدر" أخرجه سعيد، ورواه الدارقطني مرفوعا بنحوه. وعنه: ويشترط فري الودجين - وهما: عرقان محيطان بالحلقوم1 لحديث أبي هريرة قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان، وهي: التي تذبح، فيقطع الجلد، ولا تفري الأوداج، ثم تترك حتى تموت. رواه أبو داود. وذكر الشيخ تقي الدين وجها: يكفي قطع ثلاثة من الأربعة. وقال: إنه الأقوى. وسئل عمن قطع الحلقوم والودجين، لكن فوق الجوزة، فقال: هذا فيه نزاع. والصحيح: أنها تحل. انتهى. وحكاه في الإقناع عن الشيخ تقي الدين أي: سواء فوق الغلصمة أو تحتها. وجزم به في شرح المنتهى. "فلو قطع رأسه حل" سواء من جهة وجهه وقفاه لقول علي، رضي الله عنه، فيمن ضرب وجه ثور بالسيف: تلك ذكاة وأفتى بأكلها عمران بن حصين، ولا مخالف لهما. "ويحل ذبح ما أصابه سبب الموت: من منخنقة، ومريضة وأكيلة سبع وما صيد بشبكة، أو فخ أو أنقذه من مهلكة إن ذكاه وفيه حياة مستقرة: كتحريك يده أو رجله أو طرف عينه" لقوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} 2 مع أن ما تقدم ذكره أسباب للموت، ولحديث كعب بن مالك المتقدم وقال ابن عباس في ذئب عدا على شاة، فوضع قصبها بالأرض.

_ 1 مفردها: ودج: بفتح الدال، والكسر فيه لغة. 2 المائدة من الآية/4.

فأدركها فذبحها بحجر، قال: يلقي ما أصاب الأرض منها، ويأكل سائرها قال أحمد: إذا مصعت1 بذنبها، وطرفت بعينها، وسال الدم، فأرجو ذكره في الشرح. "وما قطع حلقومه، أو أبينت حشوته" أي: قطعت أمعاؤه ونحوها مما لا تبقى معه حياة. "فوجود حياته كعدمها" قال في الشرح: والأول أصح، لعموم الآية ولأنه صلى الله عليه وسلم، لم يستفصل في حديث، جارية كعب. "لكن لو قطع الذابح الحلقوم، ثم رفع يده قبل قطع المريء: لم يضر إن عاد فأتم الذكاة على الفور" كما لو لم يرفعها. "وما عجز عن ذبحه: كواقع في بئر. ومتوحش، فذكاته لجرحه في أي محل كان" روي عن علي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وعائشة، لحديث رافع بن خديج قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فند بعير -وكان في القوم خيل يسير- فطلبوه، فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم، فحبسه الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لهذه البهائم أوابد 2 كأوابد الوحش: فما غلبكم منها فاصنعوا به كذا". وفي لفظ: "فما ند عليكم فاصنعوا به هكذا" متفق عليه.

_ 1 مصعت الدابة بذنبها مصعا حركته من غير عدد. وطرف بصره بفتح الراء يطرف بكسرها: إذا أطبق أحد جفنيه على الآخر. 2 أبد الشيء: من بابي: ضرب، وقتل: يأبد ويأبد أبودأ: نفر وتوحش فهو آبد على فاعل، وأبدت الوحوش: نفرت من الإنس، فهي أوابد.

وفي حديث أبي العشراء عن أبيه مرفوعا: "لو طعنت في فخذها لأجزأك" رواه الخمسة. قال المجد: وهذا فيما لا يقدر عليه. "الرابع: قول: بسم الله. لا يجزئ غيرها عند حركة يده بالذبح" لقوله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ} 1 "وتجزئ بغير العربية ولو أحسنها" لأن المقصود ذكر الله تعالى. "ويسن التكبير" مع التسمية، لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ذبح قال: "بسم الله، والله أكبر" وكان ابن عمر يقوله. قال في الشرح: ولا خلاف أن التسمية تجزئ. "وتسقط التسمية سهوا" روي عن إبن عباس. "لا جهلا" وعن راشد بن سعد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم، إذا لم يتعمد" أخرجه سعيد. ولحديث: "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان" والآية محمولة على العمد، جمعا بين الأخبار. "ومن ذكر" عند الذبح "مع اسم الله تعالى اسم غيره لم تحل" الذبيحة. روي ذلك، عن علي رضي الله عنه. وحرم عليه ذلك لأنه شرك.

_ 1 الأ نعام من الآية/121.

فصل وتحصل ذكاة الجنين بذكاة أمه

فصل وتحصل ذكاة الجنين بذكاة أمه: إذا خرح ميتا أو متحركا كحركة المذبوح. روي عن علي، وابن عمر، لحديث جابر مرفوعا: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" رواه أبو داود بإسناد جيد. ورواه الدارقطني من حديث ابن عمر، وأبي هريرة، واستحب أحمد ذبحه، ليخرج الدم الذي في جوفه. وذكر ذلك عن ابن عمر. وقال ابن المنذر: كان الناس على إباحته، لا نعلم أحدا خالف ما قالوا، إلى أن جاء النعمان، فقال: لا يحل، لأن ذكاة نفس لا تكون ذكاة لنفسين. انتهى. "وإن خرج حيا حياة مستقرة لم يبح إلا بذبحه" نص عليه، لأنه مستقل بحياته، أشبه ما ولدته قبل ذبحها. "ويكره الذبح بآلة كالة" لأنه تعذيب للحيوان، ولقوله صلى الله عليه وسلم "وإن ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته" رواه أحمد، والنسائي وابن ماجه. "وسلخ الحيوان، أو كسر عنقه قبل زهوق نفسه" لحديث أبي هريرة: بعث النبي صلى الله عليه وسلم، بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى بكلمات، منها: "لا تعجلوا الأنفس أن تزهق، وأيام منى أيام أكل وشرب وبعال" رواه الدارقطني. وقال عمر لا تعجلوا الأنفس حتى تزهق ولا يحرم، لحصوله بعد الذبح. وقال البخاري: قال ابن عمر وابن عباس: إذا قطع الرأس فلا بأس به.

"وسن توجيهه للقبلة" لأن ابن عمر كان يستحب ذلك، لأنها أولى الجهات بالاستقبال. "على جنبه الأيسر" والرفق به، "والإسراع في الذبح" لما تقدم. "وما ذبح، فغرق، أو تردى من علو، أو وطئ عليه شيء يقتله مثله: لم يحل" نص عليه. واختاره الخرقي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لعدي بن حاتم: "فإن وقعت في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري: الماء قتله، أو سهمك" متفق عليه. ولأن ذلك يعين على الزهوق، فيحصل من سبب مبيح ومحرم، فغلب التحريم. وقال الأكثر: يحل، لحصوله بعد الذبح والحل.

كتاب الصيد والذبائح

كتاب الصيد والذبائح: الأصل في إباحته: الكتاب، والسنة، والإجماع. قال الله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} 1 وقال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} 2 الآية وقال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} 3 قال ابن عباس وهي: الكلاب المعلمة، والبازي، وكل ما تعلم الصيد ولحديث عدي بن حاتم وأبي ثعلبة. متفق عليهما.

_ 1 المائدة من الآية/ 2. 2 المائدة من الآية/ 96. 3 المائدة من الآية/ 4.

"يباح لقاصده" لما تقدم. "ويكره لهوا" لأنه عبث. فإن ظلم الناس فيه بالعدوان على زروعهم ومواشيهم ونحوها: فحرام. "وهو أفضل مأكول" لأنه من اكتساب الحلال الذي لا شبهة فيه. "فمن أدرك صيدا مجروحا متحركا فوق حركة مذبوح، واتسع الوقت لتذكيته: لم يبح إلا بها" لأنه مقدور على ذبحه، فلم يبح بدونه كغير الصيد. "وإن لم يتسع، بل مات في الحال: حل" لأن عقره قد ذبحه. قال قتادة: يأكله ما لم يتوان في ذكاته، أو يتركه عمدا. ومتى أدركه ميتا: حل. "بأربعة شروط:" "1-كون الصائد أهلا للذكاة حال إرسال الآلة" فلا يحل صيد مجوسي، أو وثني، أو مرتد. وكذا ما شارك فيه، لأن الاصطياد كالذكاة، وقائم مقامها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن أخذ الكلب ذكاة" متفق عليه. وما لا يفتقر إلى ذكاة: كالحوت والجراد، يباح إذا صاده من لا تحل ذبيحته في قول أكثر أهل العلم. "ومن رمى صيدا فأثبته، ثم رماه ثانيا فقتله: لم يحل" لأنه صار مقدورا عليه بإثباته، فلا يباح إلا بذبحه. قال العمروشي من المالكية: وأما بندق الرصاص فهي أقوى من كل محدد، فيحل بها الصيد. قال الشيخ عبد القادر الفاسي:

وما ببندق الرصاص صيدا ... جواز أكله قد استفيدا أفتى به والدنا الأواه ... وانعقد الإجماع من فتواه "2- الآلة. وهي نوعان:" "الأول: ما له حد يجرح: كسيف، وسكين، وسهم" فيشترط له ما يشترط لآلة الذكاة، ولا بد أن يجرحه. فإن قتله بثقله لم يبح، لأنه وقيذ. وإن صاد بالمعراض أكل ما قتل بحده دون عرضه. قال في الشرح: المعراض: عود محدود ربما جعل في رأسه حديدة. انتهى. لحديث: "ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه، فكل" وعن عدى بن حاتم، قلت يا رسول الله: إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب، فقال: "إذا رميت بالمعراض فخرق، فكله، وإن أصاب بعرضه فلا تأكله" متفق عليه. "الثاني: جارحة معلمة: ككلب غير أسود" بهيم وهو الذي لا بياض فيه، فيحرم صيده. نص عليه لأنه صلى الله عليه وسلم، أمر بقتله، وقال: "إنه شيطان" متفق عليه. وما قتله الشيطان لا يباح. قال أحمد: لا أعلم أحدا من السلف يرخص فيه، يعني: صيد الكلب الأسود. "وفهد، وباز، وصقر، وعقاب، وشاهين" فيباح ما قتله من الصيد، لقوله تعالى: { ... وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ... } 1 قال ابن عباس: هي: الكلاب المعلمة، وكل طير تعلم الصيد، والفهود، والصقور، وأشباهها والجارح لغة: الكاسب. "فتعليم الكلب، والفهد بثلاثة أمور: بأن يسترسل إذا أرسل.

_ 1 المائدة من الآية/ 4.

وينزجر إذا زجر" قال في المغني، والشرح: قبل إرساله على الصيد، أو رؤيته، أما بعد ذلك، فلا يعتبر، وقال الموفق: ولا أحسب هذه الخصال تعتبر في غير الكلب، لأن الفهد لا يكاد يجيب داعيا. وإن عد متعلما، فيكون التعليم في حقه بما يعده أهل العرف معلما. "وإذا أمسك لم يأكل" لحديث: "فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه" متفق عليه. وإن شرب من دمه لم يحرم. رواية واحدة. "وتعليم الطير بأمرين: بأن يسترسل إذا أرسل ويرجع إذا وعي" ولا يعتبر ترك الأكل، لأنه إجماع الصحابة، قال معناه في الشرح، لقول ابن عباس: إذا أكل الكلب فلا تأكل، وإن أكل الصقر فكل رواه الخلال. وقال أيضا لأنك تستطيع أن تضرب الكلب، ولا تستطيع أن تضرب الصقر. "ويشترط أن يجرح الصيد. فلو قتله بصدم أو خنق لم يبح" كالمعراض إذا قتل بثقله، ولأن الله حرم الموقوذة، ولمفهوم حديث "ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه: فكل". "3- قصد الفعل، وهو: أن يرسل الآلة لقصد الصيد" لأن قتل الصيد أمر يعتبر له الدين، فاعتبر له القصد، كطهارة الحدث. "فلو سمى وأرسلها لا لقصد الصيد، أو لقصده ولم يره، أو استرسل الجارح بنفسه فقتل صيدا: لم يبح" لحديث: "إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه: فكل" متفق عليه. ولأن إرسال الجارح جعل بمنزلة الذبح، ولهذا اعتبرت التسمية معه. فإن زجره فزاد عدوه

بزجره: حل حيث سمى عند زجره، وبه قال مالك والشافعي، لأن زجره أثر في عدوه أشبه ما لو أرسله. وقال إسحاق: يؤكل إذا سمى عند انفلاته. "4- قول: بسم الله، عند إرسال جارحه، أو رمي سلاحه" لمفهوم "إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله عليه: فكل" متفق عليه. "ولا تسقط هنا سهوا" وهو قول: الشعبي، وأبي ثور، لقوله: "فإن وجدت معه غيره، فلا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك، ولم تسم على الآخر" متفق عليه. وأباحه مالك مع النسيان كالذكاة. وعنه: إن نسي على السهم أبيح دون الجارحة. "وما رمي من صيد فوقع في ماء، أو تردى من علو، أو وطئ عليه شيء - وكل من ذلك يقتل مثله -: لم يحل" لحديث عدي بن حاتم، قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم، عن الصيد، فقال: "إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله، فإن وجدته قد قتل: فكل، إلا أن تجده وقع في ماء، فإنك لا تدري: الماء قتله، أو سهمك؟ " متفق عليه. والتردي ونحوه: كالماء في ذلك تغليبا للتحريم. "ومثله: لو رماه بمحدد فيه سم" مع احتمال إعانته على قتله تغليبا للتحريم، لأنه الأصل. فإذا شككنا في المبيح رد إلى أصله. "وإن رماه بالهواء أوعلى شجرة أو حائط فسقط ميتا حل" لأن موته بالرمي ووقوعه في الأرض لا بد منه، فلو حرم به أدى إلى أن لا يحل طير أبدا.

كتاب الأيمان

كتاب الأيمان مدخل مدخل ... كتاب الأيمان: جمع يمين، وهو: الحلف والقسم. "لا تنعقد اليمين إلا بالله تعالى" لقوله تعالى: { ... فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ ... } 1 وقوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ... } 2 وحديث "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" متفق عليه. "أو اسم من أسمائه" لا يسمى به غيره: كقوله: والله، والرحمن، ومالك يوم الدين، لقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ ... } 3 فجعل لفظة: الله، ولفظة الرحمن، سواء في الدعاء، فيكونان سواء في الحلف. أو يسمى به غيره، ولم ينو الحالف الغير: كالرحيم، والعظيم، والقادر، والرب، والمولى، لأنه بإطلاقه ينصرف إلى اليمين، وهذا مذهب الشافعي. قاله في الشرح. "أو صفة من صفاته: كعزة الله، وقدرته" وعظمته، وجلاله، فتنعقد بها اليمين في قولهم جميعا. وورد القسم بها. كقول الخارج من النار: وعزتك، لا أسأل غيرها. وفي القرآن: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} 4 "وأمانته" لأنها صفة من صفاته. وكذا عهده، وميثاقه، لأن ذلك

_ 1 المائدة من الآية/ 107. 2 الأنعام من الآية/ 109. 3 الإسراء من الآية/ 110. 4 ص من الآية/ 82.

بإضافته إلى اسم الله تعالى، صار يمينا بذكر اسمه تعالى معه، وقرينة الاستعمال صارفة إليه. "وإن قال: يمينا بالله أو قسما، أو شهادة انعقدت" لا نعلم فيه خلافا. قاله في الشرح، لقوله تعالى: { ... فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ ... } 1 {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ ... } 2 { ... فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ... } 3 ولأن تقديره: أقسمت قسما بالله ونحوه. "وتنعقد بالقرآن وبالمصحف" وبسورة منه، أو آية، لأنه صفة من صفاته تعالى. فمن حلف به، أو ب شيء منه: كان حالفا بصفته تعالى. والمصحف يتضمن القرآن، ولذلك أطلق عليه في حديث "لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو" وقالت عائشة: "ما بين دفتي المصحف كلام الله" وكان قتادة يحلف بالمصحف. ولم يكرهه أحمد وإسحاق. وفيها كفارة واحدة لأنها يمين واحدة، ولأن الحلف بصفات الله، وتكرار اليمين بها لا يوجب أكثر من كفارة، وهذا أولى. وعنه: بكل آية كفارة. لأن ذلك يروى عن ابن مسعود. قال أحمد: ما أعلم شيئا يدفعه. قال في الكافي: ويحتمل أن ذلك ندب غير واجب، لأنه قال: عليه بكل آية كفارة يمين، فإن لم يمكنه، فعليه كفارة يمين. ورده إلى كفارة واحدة عند العجز دليل على أن الزائد عليها غير واجب.

_ 1 المائدة من الآية/ 107. 2 الأنعام من الآية/109. 3 النور من الآية/ 6.

"وبالتوراة، ونحوها من الكتب المنزلة" كالإنجيل والزبور، لأن الإطلاق ينصرف إلى المنزل من عند الله، لا المغير والمبدل. ولا تسقط حرمة ذلك بكونه نسخ بالقرآن، كالمنسوخ حكمه من القرآن، وذلك لا يخرجه عن كونه كلام الله. "ومن حلف بمخلوق: كالأولياء، والأنبياء عليهم السلام. أو: بالكعبة أو نحوها: حرم" قال ابن عبد البر: هذا أمر مجمع عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم. فمن كان حالفا فليحلف بالله، أو ليصمت" متفق عليه. وعن ابن عمر مرفوعا: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" حسنه الترمذي. وقال ابن مسعود: أن أحلف بالله كاذبا، أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا قال الشيخ تقي الدين: لأن حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك. يشير إلى حديث ابن عمر السابق. "ولا كفارة" ولو حنث، لأنها وجبت في الحلف بالله تعالى، صيانة لأسمائه وصفاته تعالى، وغيره لا يساويه في ذلك. ولأن الحلف بغير الله شرك. وكفارته: التوحيد، لحديث: "من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله" وعن أبي هريرة مرفوعا: "خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله ... " الحديث، رواه أحمد.

فصل وشروط وجوب الكفارة خمسة أشياء

فصل وشروط وجوب الكفارة خمسة أشياء: "1- كون الحالف مكلفا" فلا تجب الكفارة على نائم، وصغير ومجنون، ومغمى عليه، لأن لا قصد لهم، ولحديث: "رفع القلم عن ثلاثة ... ". "2- كونه مختارا" لليمين، فلا تنعقد من مكره، لحديث "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". "3- كونه قاصدا لليمين، فلا تنعقد ممن سبق على لسانه بلا قصد كقوله: لا والله، وبلى والله، في عرض حديثه" لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} 1 الآية. وعن عائشة مرفوعا: "اللغو في اليمين: كلام الرجل في بيته: لا والله وبلى والله" رواه أبو داود، ورواه البخاري وغيره موقوفا. وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أن لغو اليمين لا كفارة فيه. ذكره في الشرح. "4- كونها على أمر مستقل" يمكن فيها البر والحنث. قال ابن عبد البر: اليمين التي فيها الكفارة بالإجماع: التي على المستقبل، كمن حلف ليضربن غلامه، أو لا يضربه. "فلا كفارة على ماض. بل إن تعمد الكذب فحرام" لأنها اليمين

_ 1 البقرة من الآية/225.

الغموس، ولا كفارة لها في قول الأكثر. ذكره في الشرح، لحديث أبي هريرة مرفوعا: "خمس ليس لهن كفارة:.. ذكر منهن: الحلف على يمين فاجرة، يقتطع بها مال امرئ مسلم". "وإلا فلا شيء عليه" إذا لم يتعمد الكذب: كمن حلف ظانا صدق نفسه، فيبين بخلافه. لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} 1 وهذا منه، لأنه يكثر. فلو وجبت به كفارة لشق وحصل الضرر، وهو منتف شرعا. وقال في الشرح: أكثر أهل العلم على عدم الكفارة. "5- الحنث بفعل ما حلف على تركه أو ترك ما حلف على فعله" مختارا ذاكرا ليمينه. فإن لم يحنث فلا كفارة، لأنه لم يهتك حرمة القسم. فإن حنث مكرها أو ناسيا: فلا كفارة، لأنه غير آثم، لحديث "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" واختار الشيخ تقي الدين: إن فعله ناسيا فلا حنث، ويمينه باقية. "فإن كان عين وقتا تعين" فإن فعله فيه: بر، وإلا: حنث، لأنه مقتضى يمينه، "وإلا لم يحنث حتى ييأس من فعله بتلف المحلوف عليه، أو موت الحالف" لقوله تعالى: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} 2 وهو حق، ولم تأت بعد. ولقول عمر: يا رسول الله: ألم تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: "بلى، أفأخبرتك أنك آتيه العام؟ " قال: لا. قال: "فإنك آتيه ومطوف به". الحديث. ولأن فعله ممكن في كل وقت، فلا تحقق مخالفة اليمين إلا باليأس.

_ 1 البقرة من الآية/225. 2 سبأ من الآية/3.

"ومن حلف بالله لا يفعل كذا، أو ليفعلن كذا إن شاء الله، أوإن أراد الله، أوإلا أن يشاء الله، واتصل لفظا أو حكما" كقطعه بتنفس، أو سعال، أو عطاس. "لم يحنث، فعل، أو ترك" لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف فقال: إن شاء الله: لم يحنث" رواه أحمد والترمذي وعن ابن عمر مرفوعا: "من حلف على يمين، فقال: إن شاء الله: فلا حنث عليه" رواه الخمسة إلا أبا داود. ويعتبر نطق غير مظلوم به. نص عليه. وقال في الشرح: ويشترط أن يستثني بلسانه. لا نعلم فيه خلافا. انتهى. لقوله، عليه الصلاة والسلام: " ... فقال: إن شاء الله ... ". والقول باللسان. وأما المظلوم الخائف: فتكفيه نية الاستثناء، لأن يمينه غير منعقدة، أو لأنه بمنزلة المتأول. قال القاضي: "بشرط أن يقصد الاستثناء قبل تمام المستثنى منه" فإن سبق لسانه إليه من غير قصد: لم يصح، لأن اليمين يعتبرلها القصد، فكذلك ما يرفع حكمها. قاله في الكافي. ولحديث "إنما الأعمال بالنيات ... ".

فصل ومن قال طعامي علي حرام

فصل ومن قال طعامي علي حرام: "أو: إن أكلت كذا فحرام أو: إن فعلت كذا فحرام: لم يحرم" لأن اليمين على ال شيء لا تحرمه. "وعليه إن فعل كفارة يمين" نص عليه، لأن ذلك يروى عن أبي بكر وعمر وغيرهما، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ... } إلى قوله {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ... } 1 وسبب نزولها:

_ 1 التحريم من الآية/1-2.

أنه، عليه السلام، قال: "لن أعود إلى شرب العسل" متفق عليه. وعن ابن عباس وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، جعل تحريم الحلال يمينا. "ومن قال: هو يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، أو يعبد الصليب، أو الشرق إن فعل كذا، أو: هو بريء من الإسلام، أو من النبي صلى الله عليه وسلم، أو: هو كافر بالله تعالى إن لم يفعل كذا: فقد ارتكب محرما" لحديث ثابت بن الضحاك مرفوعا: "من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال" رواه الجماعة إلا أبا داود. وعن بريدة مرفوعا: "من قال: هو بريء من الإسلام: فإن كان كاذبا فهو كما قال، وإن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام سالما" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه. "وعليه كفارة يمين إن فعل ما نفاه، أو ترك ما أثبته" لحديث زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن الرجل يقول: هو يهودى، أو نصراني، أو مجوسي، أو بريء من الإسلام في اليمين يحلف بها، فيحنث في هذه الأشياء؟ فقال: "عليه كفارة يمين" رواه أبو بكر. وعنه: لا كفارة عليه، لأنه لم يحلف باسم الله ولا صفته. وهو قول: مالك والشافعي. ذكره في الشرح. "ومن أخبر عن نفسه بأنه حلف بالله، ولم يكن حلف: فكذبة لا كفارة فيها" نص عليه، واختاره أبو بكر.

فصل وكفارة اليمين على التخيير

فصل وكفارة اليمين على التخيير: "إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام" لقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} 1 "متتابعة وجوبا إن لم يكن عذر" من مرض ونحوه، لقراءة أبي، وابن مسعود: {فصيام ثلاثة أيام متتابعات} . "ولا يصح أن يكفر الرقيق بغير الصوم" لأنه لا مال له يكفر منه. "وعكسه الكافر" لا يكفر بالصوم، لأنه لا يصح منه. "وإخراج الكفارة قبل الحنث وبعده سواء" روي عن عمر وابنه وغيرهما، وهو قول أكثر أهل العلم، لحديث عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا: "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها، فكفر عن يمينك، وأت الذي هو خير" وفي لفظ "فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك" متفق عليهما. وروي عن عدي بن حاتم وأبي هريرة، وأبي موسى مرفوعا نحوه. ولا تجزئ كفارة قبل الحلف إجماعا. "ومن حنث، ولو في ألف يمين بالله تعالى، ولم يكفر: فكفارة واحدة" نص عليه، لأنها كفارات من جنس، فتداخلت كالحدود من جنس، وإن اختلفت محالها، كما لوزنى بنساء أو سرق من جماعة.

_ 1 المائدة: من الآية/89.

باب جامع الأيمان

باب جامع الأيمان مدخل ... باب جامع الأيمان: "يرجع في الأيمان إلى نية الحالف" إذا احتملها اللفظ ولم يكن ظالما. نص عليه، لحديث " ... وإثما لكل امرئ ما نوى ... ". "فمن دعي لغداء، فحلف لا يتغدى: لم يحنث بغير غدائه إن قصده" أو دل عليه سبب اليمين، لأن قرينة حاله دالة على إرادة الخاص. "أو حلف: لا يدخل دار فلان وقال: نويت اليوم: قبل حكما" لأنه محتمل، ولا يعلم إلا منه، "فلا يحنث بالدخول في غيره" لتعلق قصده بما نواه، فاختص الحنث به. "ولا عدت رأيتك تدخلين دار فلان ينوي منعها فدخلتها: حنث ولو لم يرها" إلغاء لقوله: رأيتك. وإن لم ينو منعها: لم يحنث حتى يراها تدخل اتباعا للفظه. قاله في الكافي. "فإن لم ينو شيئا رجع إلى سبب اليمين وما هيجها" لدلالة ذلك على النية. "فمن حلف: ليقضين زيدا حقه غدا، فقضاه قبله" لم يحنث إذا قصد أن لا يتجاوزه، أو اقتضاه السبب، لأن مقتضى يمينه تعجيل القضاء قبل خروج الغد، فتعلقت يمينه به، كما لو صرح به.

"أو: لا يبيع كذا إلا بمائة، فباعه بأكثر" لم يحنث، لدلالة القرينة. "أو: لا يدخل بلد كذا لظلم فيها، فزال ودخلها" لم يحنث، تقديما للسبب على عموم لفظه. وقال القاضي: يحنث، وذكر أن أحمد نص عليه. "أو: لا يكلم زيدا لشربه الخمر، فكلمه وقد تركه: لم يحنث في الجميع" لدلالة الحال على أن المراد ما دام كذلك، وقد انقطع ذلك.

فصل فإن عدم النية والسبب رجع إلى التعيين

فصل فإن عدم النية والسبب رجع إلى التعيين: لأنه أبلغ من دلالة الاسم على مسماه، لنفيه الابهام بالكلية. "فمن حلف: لا يدخل دار فلان هذه، فدخلها وقد باعها، أو: وهي فضاء. أو: لا كلمت هذا الصبي، فصار شيخا فكلمه. أو: لا أكلت هذا الرطب، فصار تمرا ثم أكله: حنث في الجميع" لأن عين المحلوف عليه باقية فصل "فإن عدم النية، والسبب، والتعيين: رجع إلى ما تناوله الاسم" لأنه مقتضاه، ولا صارف عنه. "وهو ثلاثة: شرعي، فعرفي، فلغوي، فاليمين المطلقة تنصرف إلى الشرعي" لأنه المتبادر للفهم عند الإطلاق، ولذلك حمل عليه كلام الشارع حيث لا صارف.

"وتتناول الصحيح منه" بخلاف الفاسد فإنه ممنوع منه شرعا. "فمن حلف: لا ينكح، أو لا يبيع، أو لا يشتري، فعقد عقدا فاسدا: لم يحنث" لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ... } 1 وإنما أحل الصحيح منه، وكذا النكاح. "لكن لو قيد يمينه بممتنع الصحة، كحلفه: لا يبيع الخمر" أو الحر، "ثم باعه: حنث بصورة ذلك" لتعذر الصحيح، فتنصرف اليمين إلى ما كان على صورته.

_ 1 البقرة من الآية/275.

فصل فإن عدم الشرعي فالأيمان مبناها على العرف

فصل فإن عدم الشرعي فالأيمان مبناها على العرف: دون الحقيقة، لأنها صارت مهجورة، فلا يعرفها أكثر الناس. "فمن حلف: لا يطأ امرأته: حنث بجماعها" لانصراف اللفظ إليه عرفا ولذلك لو حلف على ترك وطئها كان مؤليا. "أو: لا يطأ، أو يضع قدمه في دار فلان: حنث بدخوله راكبا، أو ماشيا حافيأ. أو منتعلا" لأن ظاهر الحال أن القصد امتناعه من دخولها. "أو: لا يدخل بيتا: حنث بدخول المسجد، والحمام، وبيت الشعر" لقوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} 1 وقوله: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} 2 وفي الحديث: "ثم يخرج إلى بيت من بيوت الله".

_ 1 آل عمران من الآية/96. 2 النور من الآية/36.

وحديث "بئس البيت الحمام" رواه أبو داود وغيره. وقال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتاً} 1 "أو: لا يضرب فلانة فخنقها، أو نتف شعرها، أوعضها: حنث" لوجود المقصود بالضرب، وهو التألم.

_ 1 النحل من الآية/80.

فصل فإن عدم العرف رجع إلى اللغة

فصل فإن عدم العرف رجع إلى اللغة: "فمن حلف: لا يأكل لحما حنث بكل لحم حتى بالمحرم: كالميتة والخنزير" ولحم السباع، وكل ما يسمى لحما، لدخوله في مسماه، "لا بما لا يسمى لحما كالشحم ونحوه" كمخ، وكبد، وكلية وكرش، ونحوها، لأن إطلاق إسم اللحم لا يتناول شيئا من ذلك. وحديث: "أحل لنا ميتتان ودمان" يدل على أن الكبد والطحال ليسا بلحم، إلا بنية اجتناب الدسم، فيحنث بذلك، وكذا لو اقتضاه السبب. "ولا يأكل لبنا، فأكل ولو من لبن آدمية: حنث" لأن الإسم يتناوله حقيقة وعرفا. وسواء كان حليبا، أو رائبا، مائعا أو جامدا. "ولا يأكل رأسا ولا بيضا: حنث بكل رأس وبيض حتى برأس الجراد وبيضه" لدخوله في المسمى. "ولا يأكل فاكهة: حنث بكل ما يتفكه به حتى بالطبخ" لأنه ينضج ويحلو ويتفكه به، فيدخل في مسمى الفاكهة. "لا القثاء والخيار" لأنهما من الخضر،

"والزيتون" لأن المقصود زيته، ولا يتفكه به. "والزعرور الأحمر" بخلاف الأبيض. "ولا يتغذى فأكل بعد الزوال، أو لا يتعشى فأكل بعد نصف اليل، أو لا يتسحر فأكل قبله: لم يحنث" حيث لا نية، لأن الغداء مأخوذ من الغدوة، وهي من طلوع الفجرإلى الزوال. والعشاء من العشي، وهو: من الزوال إلى نصف الليل. والسحور من السحر، وهو: من نصف الليل إلى طلوع الفجر. "ولا يأكل من هذه الشجرة: حنث بأكل ثمرتها فقط" لأنها التي تتبادر للذهن، فاختص اليمين بها. "ولا يأكل من هذه البقرة: حنث بأكل شيء منها لا من لبنها وولدها" لأنهما ليسا من أجزائها. "ولا يشرب من هذا النهر أو البئر، فاغترف بإناء وشرب: حنث" لأنهما ليسا آلتا شرب عادة، بل الشرب منهما عرفا بالاغتراف باليد أو الإناء. "لا إن حلف: لا يشرب من هذا الإناء فاغترف منه وشرب" لأن الإناء آلة شرب، فالشرب منه حقيقة: الكرع فيه، ولم يوجد.

فصل ومن حلف لا يدخل دار فلان

فصل ومن حلف لا يدخل دار فلان: "أو لا يركب دابته: حنث بما جعله لعبده" من دار ودابة، لأنه ملك سيده، "أو آجره أو استأجره" منها لبقاء ملكه للمؤجر، ولملكه منافع ما استأجره، "لا بما استعاره" فلان من هذه، لأنه لا يملك منافعه، بل الإعارة إباحة بخلاف الإجارة. "ولا يكلم إنسانا: حنث بكلام كل إنسان" ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، لأنه نكرة في سياق النفي فيعم. "حتى بقول: اسكت" لأنه كلام، فيدخل فيما حلف على عدمه. "ولا كلمت فلانا، فكاتبه أو راسله: حنث" لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} 1 وحديث: "ما بين دفتي المصحف كلام الله". "ولا بدأت فلانا بكلام فتكلما معا: لم يحنث" لأ نه لم يبدأه به حيث لم يتقدمه. "ولا ملك له: لم يحنث بدين" لاختصاص الملك بالأعيان المالية، والدين إنما يتعين الملك فيما يقبضه منه.

_ 1 الشورى من الآية/ 51.

"ولا مال له، أو لا يملك مالا: حنث بالدين" لأنه مال تجب فيه الزكاة، ويصح التصرف فيه بالإبراء، والحوالة، ونحوهما. "وليضربن فلانا بمائة، فجمعها وضربه بها ضربة واحدة: بر" لأنه ضربه بالمائة، "لا إن حلف ليضربنه مائة" فجمعها وضربه بها ضربة واحدة، لأن ظاهر يمينه أن يضربه مائة ضربة، ليتكرر ألمه بتكرر الضرب. "ومن حلف: لا يسكن هذه الدار، أو ليخرجن، أو ليرحلن منها: لزمه الخروج بنفسه وأهله ومتاعه المقصود" لأن الدار يخرج منها صاحبها كل يوم عادة، وظاهر حاله: إرادة خروج غير المعتاد. "فإن أقام فوق زمن يمكنه الخروج فيه عادة، ولم يخرج. حنث. فإن لم يجد مسكنا" ينتقل إليه فأقام أياما في طلب النقلة: لم يحنث، لأن إقامته لدفع الضرر لا للسكنى. "أو أبت زوجته الخروج معه، ولا يمكنه إجبارها، فخرج وحده، لم يحنث" لوجود مقدوره من النقلة. "وكذا البلد" إذا حلف: ليرحلن، أو ليخرجن منها، "إلا أنه يبر بخروجه وحده إذا حلف ليخرجن منه" لأنه صدق عليه أنه خرج منه، إذا بخلاف الدار، فإن صاحبها يخرج منها في اليوم مرات، ولا يبر إذا حلف: ليرحلن من البلد، بخروجه وحده، بل بأهله ومتاعه المقصود كما تقدم. "ولا يحنث في الجميع بالعود" إلى الدار والبلد، لأن يمينه انحلت بالخروج المحلوف عليه.

"ما لم تكن نية أو سبب" يقتضي هجران ما حلف: ليخرجن، أو ليرحلن منه: فيحنث بعوده. "والسفر القصير: سفر يبر به من حلف: ليسافرن ويحنث به من حلف: لا يسافر" لدخوله في مسمى السفر. ونقل الأثرم عن أحمد: أقل من يوم يكون سفرا، إلا أنه لا تقصر فيه الصلاة. "وكذا النوم اليسير" يبر به من حلف: لينامن، ويحنث به من حلف: لا ينام. "ومن حلف: لا يستخدم فلانا فخدمه وهو ساكت: حنث" لأن إقراره على خدمته استخدام له. "ولا يبات 1، أو لا يأكل ببلد كذا، فبات، أو أكل خارج بنيانه: لم يحنث" لعدم وجود المحلوف عليه. "وفعل الوكيل كالموكل، فمن حلف: لا يفعل كذا، فوكل فيه من يفعله: حنث" لصحة إضافة الفعل إلى من فعل عنه، لقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ} 2 وقوله: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ} 3 وإنما الحالق غيرهم. وكذا وقوله: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً} 4 ونحوه. وهذ افيما تدخله النيابة، بخلاف من حلف: ليطأن، أو ليأكلن، ونحوه: فلا يقوم غيره مقامه فيه.

_ 1 قال في المصباح: وبات يبات من باب تعب: لغة. 2 البقرة من الآية/196. 3 الفتح من الآية/27. 4 غافر من الآية/36.

باب النذر

باب النذر مدخل ... باب النذر: "وهو مكروه لا يأتي بخير ولا يرد قضاء" لحديث ابن عمر نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن النذر، وقال: "إنه لا يرد شيئا" وفي لفظ "لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل" رواه الجماعة إلا الترمذي. والنهي: للكراهة، لا التحريم، لأن الله تعالى مدح الموفين به. "ولا يصح إلا بالقول" كالنكاح والطلاق "من مكلف مختار" لحديث "رفع القلم عن ثلاثة ... ". "وأنواعه المنعقدة ستة أحكامها مختلفة:" "1- النذر المطلق، كقوله: لله علي نذر، فيلزمه كفارة يمين" في قول الأكثر، لا نعلم فيه مخالفا إلا الشافعي. قاله في الشرح، لحديث عقبة بن عامر مرفوعا "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين" رواه ابن ماجه والترمذي، وقال حسن صحيح غريب. "2- نذر لجاج وغضب، كـ: إن كلمتك، أو: إن لم أعطك، أو: إن كان هذا كذا: فعلي الحج، أو العتق، أو صوم سنة، أو مالي صدقة: فيخير بين الفعل، أو كفارة يمين" لحديث عمران بن حصين: سمعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول "لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين" رواه سعيد في سننه. 3-"نذر مباح. كـ: لله علي أن ألبس ثوبي، أو أركب دابتي: فيخير أيضا" بين فعله وكفارة يمين، كما لو حلف عليه. وروى أبو داود وسعيد بن منصور أن امرأة قالت: يا رسول الله: إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أوفي بنذرك". 4-"نذر مكروه، كطلاق، ونحوه: فيسن أن يكفر ولا يفعله" لأن تركه أولى. وإن فعله فلا كفارة لعدم الحنث. 5-"نذر معصية: كشرب الخمر، وصوم يوم العيد: فيحرم الوفاء به" لحديث عائشة مرفوعا: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" رواه الجماعة إلا مسلما. "ويكفر" من لم يفعله كفارة يمين. روي نحوه عن ابن مسعود، وابن عباس وعمران بن حصين وسمرة بن جندب. وعن عائشة مرفوعا: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين" رواه الخمسة، واحتج به أحمد. فإن فعل المعصية لم يكفر. نقله مهنا، ذكره في الفروع. "ويقضي الصوم" المنذور في يوم العيد، أو أيام التشريق بعدها، فتصح القربة، ويلغو التعيين لأنه معصية. 6-"نذر تبرر: كصلاة، وصيام ولو واجبين، واعتكاف، وصدقة، وحج، وعمرة بقصد التقرب" غير معلق بشرط، فيلزم الوفاء به في قول الأكثر. "أو يعلق ذلك بشرط حصول نعمة، أو دفع نقمة، كـ: إن شفى الله

مريضي، أو سلم مالي فعلي كذا: فهذا يجب الوفاء به" إذا وجد شرطه. نص عليه، لحديث عائشة المتقدم. وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} إلى قوله { ... بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ} 1 ومن نذر طاعة، وما ليس بطاعة: لزمه فعل الطاعة فقط، لحديث ابن عباس بينما النبي صلى الله عليه وسلم، يخطب، إذ هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مروه، فليجلس وليستظل، وليتكلم، وليتم صومه" رواه البخاري. ويكفر لما ترك كفارة واحدة، ولو كثر، لأنه نذر واحد، لقول عقبة بن عامر: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله حافية غير مختمرة، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا. مرها فلتختمر، ولتركب، ولتصم ثلاثة أيام" رواه الخمسة، ومن نذر طاعة ومات قبل فعلها: فعلها الولي عنه استحبابا على سبيل الصلة. أفتى بذلك ابن عباس في امرأة نذرت أن تمشي إلى قباء فماتت: أمر أن تمشي ابنتها عنها وقال البخاري في صحيحه وأمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء - يعني: ثم ماتت - فقال: صلي عنها وروى سعيد أن عائشة اعتكفت عن أخيها عبد الرحمن بعد ما مات وقال أهل الظاهر: يجب القضاء على الولي، للأخبار. وإن نذر أن يطوف على أربع: طاف طوافين. نص عليه، وقاله ابن عباس. فائدة: قال الشيخ تقي الدين: النذر للقبور، أو لأهلها: كالنذر

_ 1 التوبة من الآية/77.

لإبراهيم الخليل، عليه السلام، والشيخ فلان: نذر معصية لا يجوز الوفاء به، وإن تصدق بما نذره من ذلك على من يستحقه من الفقراء والصالحين، كان خيرا له عند الله وأنفع. وقال: من نذر إسراج بئر، أو مقبرة، أو جبل، أو شجرة، أو نذر له، أو لسكانه، أو المضافين إلى ذلك المكان: لم يجز، ولا يجوز الوفاء به إجماعا، ويصرف في المصالح، ما لم يعرف ربه، ومن الحسن صرفه في نظيره من المشروع. وفي لزوم الكفارة خلاف. انتهى.

فصل ومن نذر صوم شهر معين لزمه صومه متتابعا

فصل ومن نذر صوم شهر معين لزمه صومه متتابعا: لأن إطلاقه يقتضي التتابع. "فإن أفطر لغير عذر: حرم" لعموم حديث: "من نذر أن يطيع الله فليطعه". "ولزمه استئناف الصوم" لئلا يفوت التتابع، لأن القضاء يكون بصفة الأداء فيما يمكن. "مع كفارة يمين لفوات المحل" فيما يصومه بعد الشهر. "و" إن أفطر. "لعذر: بنى" على ما صامه، وقضى ما أفطره متتابعا متصلا بتمامه، "ويكفر لفوات التتابع" لما تقدم. "ولو نذر شهرا مطلقا" أي: غير معين: لزمه التتابع، لأن إطلاق الشهر يقتضيه، سواء صام شهرا هلاليا، أو ثلاثين يوما بالعدد،

"أو صوما متتابعا غير مقيد بزمن: لزمه التتابع" وفاء بنذره. وإن نذر صوم أيام معدودة بغير شرط التتابع ولا نية: لم يلزمه التتابع. نص عليه، لأن الأيام لا دلالة لها على التتابع، بدليل قوله تعالى: { ... فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ... } 1 "فإن أفطر لغير عذر: لزمه استئنافه" ليتدارك ما تركه من التتابع المنذور بلا عذر، "بلا كفارة" لإتيانه بالمنذور على وجهه. "ولعذر: خير بين استئنافه، ولا شيء عليه" لإتيانه به على وجهه، "وبين البناء، ويكفر" لأنه لم يأت بالمنذور على وجهه. "ولمن نذر صلاة جالسا أن يصليها قائما" وظاهره: ولا كفارة، لإتيانه بالأفضل: كمن نذر صلاة المسجد الأقصى، يجزئه في المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، لحديث جابر. رواه أحمد وأبو داود.

_ 1 البقرة من الآية/185.

كتاب القضاء

كتاب القضاء مدخل مدخل ... كتاب القضاء: الأصل في مشروعيته: الكتاب، والسنة، والإجماع. أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ... } 1 وقوله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... } 2 الآية وقوله: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى ... } 3 الآية. وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم، فأصاب: فله أجران، وإن أخطأ: فله أجر" متفق عليه. وأجمع المسلمون على مشروعيته. "وهو فرض كفاية" لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بين الناس، وبعث عليا إلى اليمن للقضاء، وحكم الخلفاء الراشدون، وولوا القضاة في الأمصار ولأن الظلم في الطباع، فيحتاج إلى حاكم ينصف المظلوم: فوجب نصبه. فإن لم يكن من يصلح للقضاء إلا واحدا: تعين عليه، فإن امتنع: أجبر عليه، لأن الكفاية لا تحصل إلا به. قاله في الكافي.

_ 1 المائدة من الآية/49. 2 النساء من الآية65. 3 صّ من الآية/26.

وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به، وأدى الحق فيه. وفيه خطر كثير، ووزر كبير لمن لم يؤد الحق فيه. فلذلك كان السلف يمتنعون منه. قال في الفروع: والواجب اتخاذها دينا وقربة، فإنها من أفضل القربات. وإنما فسد حال الأكثر لطلب الرئاسة والمال بها، ومن فعل ما يمكنه: لم يلزمه ما يعجز عنه. قال في الشرح: وإن وجد غيره، كره له طلبه بغير خلاف، لقوله صلى الله عليه وسلم "لا تسأل الإمارة ... ". الحديث، متفق عليه. "فيجب على الإمام أن ينصب بكل إقليم قاضيا" لأنه لا يمكنه أن يباشر الخصومات في جميع البلدان بنفسه، فوجب أن يترتب في كل إقليم من يتولى فصل الخصومات بينهم، لئلا تضيع الحقوق، "وأن يختار لذلك أفضل من يجد علما وورعا" لأن الإمام ناظر للمسلمين، فيجب عليه اختيار الأصلح لهم. "ويأمره بالتقوى" لأنها رأس الدين، "وتحري العدل" أي: إعطاء الحق لمستحقه من غير ميل، لأنه المقصود من القضاء. ويجتهد القاضي في إقامته. "وتصح ولاية القضاء، والإمارة منجزة كـ: وليتك الآن، ومعلقة" بشرط، نحو قول الإمام: إن مات فلان القاضي أو الأمير، ففلان عوضه. لحديث "أميركم زيد، فإن قتل فجعفر، فإن قتل فعبد الله بن رواحة" رواه البخاري. "وشرط لصحة التولية: كونها من إمام أو نائبه فيه" أي: القضاء،

لأنها من المصالح العامة: كعقد الذمة، ولأن الإمام صاحب الأمر والنهي، فلا يفتأت عليه في ذلك. "وأن يعين له ما يوليه في الحكم والعمل" وهو ما يجمع بلادا وقرى متفرقة: كمصر ونواحيها، أو العراق ونواحيه، "وبلد" كمكة، والمدينة، ليعلم محل ولايته، فيحكم فيه دون غيره وبعث عمر، رضي الله عنه، في كل مصر قاضيا وواليا ومشافهته بها إن كان حاضرا، ومكاتبته بها إن كان غائبا لأنه صلى الله عليه وسلم، كتب لعمرو بن حزم حين بعثه لليمن وكتب عمر إلى أهل الكوفة: أما بعد: فإني قد بعثت إليكم عمارا أميرا، وعبد الله قاضيا، فاسمعوا لهما وأطيعوا. "وألفاظ التولية الصريحة سبعة: وليتك الحكم، أو قلدتكه وفوضت، أو رددت، أو جعلت إليك الحكم، واستحلفتك، واستنبتك في الحكم" فإذا وجد أحدها، وقبل المولى: انعقدت الولاية، كالبيع والنكاح. "والكناية نحو: اعتمدت، أو عولت عليك، أو وكلتك، أو أسندت إليك: لا تنعقد بها إلا بقرينة، نحو: فاحكم أو: فتول ما عولت عليك فيه" لأن هذه الألفاظ تحتمل التولية وغيرها، من كونه يأخذ برأيه، وغير ذلك، فلا ينصرف إلى التولية إلا بقرينة تنفي الاحتمال.

فصل وتفيد ولاية الحكم العامة

فصل وتفيد ولاية الحكم العامة: وهي: التي لم تقيد بحال دون أخرى "فصل الخصومات، وأخذ الحق، ودفعه للمستحق، والنظر في مال اليتيم، والمجنون، والسفيه" الذين لا ولي لهم، "و" مال "الغائب" ما لم يكن له وكيل، "والحجر لسفه، وفلس، والنظر في الأوقاف" التي في عمله، "لتجري على شروطها" والنظر في مصالح طرق عمله وأفنيته، "وتزويج من لا ولي لها" من النساء، وتصفح حال شهوده وأمنائه، ليستبدل بمن ثبت جرحه، وإقامة إمامة جمعة وعيد، ما لم يخصا بإمام، عملا بالعادة في ذلك. "ولا يستفيد الاحتساب على الباعة ولا إلزامهم بالشرع" لأن العادة لم تجر بتولي القضاة ذلك. "ولا ينفذ حكمه في غير محل عمله" إذا ولاه في محل خاص، فينفذ حكمه في مقيم به، وطارئ إليه، لأنه يصير من أهل ذلك المحل في كثير من الأحكام، ولا ينفذ في غيره، لأنه لم يدخل تحت ولايته. وله طلب الرزق لنفسه وأمنائه مع الحاجة في قول أكثر أهل العلم. قاله في الشرح. لما روي عن عمر، رضي الله عنه أنه استعمل زيد بن ثابت

على القضاء، وفرض له رزقا، ورزق شريحا في كل شهر مائة درهم وروي أن أبا بكر الصديق لما ولي الخلافة: أخذ الذراع وخرج إلى السوق، فقيل له: لا يسعك هذا، فقال: ما كنت لأدع أهلي يضيعون. ففرضوا له كل يوم درهمين وبعث عمر إلى الكوفة عمار بن ياسر واليا، وابن مسعود قاضيا، وعثمان بن حنيف ماسحا، وفرض لهم كل يوم شاة: نصفها لعمار، والنصف الآخر بين عبد الله وعثمان1 وكتب إلى معاذ بن جبل، وأبي عبيدة حين بعثهما إلى الشام، أن: انظرا رجالا من صالحي من قبلكم، فاستعملوهم على القضاء، وارزقوهم، وأوسعوا عليهم من مال الله تعالى. ولا يجوز له أن يوليه على أن يحكم بمذهب إمام بعينه. لا نعلم فيه خلافا. قاله في الشرح، لقوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ... } 2 وإنما يظهر الحق بالدليل. وإذا ولى الإمام قاضيا، ثم مات الإمام أو عزل: لم ينعزل القاضي، لأن الخلفاء ولوا حكاما، فلم ينعزلوا بموتهم. فإن عزله الإمام الذي ولاه، أو غيره: انعزل. لأن عمر يولي الولاة ثم يعزلهم. ومن لم يعزله عثمان بعده إلا القليل. وقال عمر، رضي الله عنه لأعزلن أبا مريم - يعني: عن قضاء البصرة - وأولي رجلا إذا رآه الفاجر فرقه. فعزله، وولى كعب ابن سوار وولى علي أبا الأسود ثم عزله، فقال: لم عزلتني، وما خنت وما جنيت؟! قال: إني رأيتك يعلو كلامك على الخصمين.

_ 1 الماسح: الذي ينظر مساحة الأرض. 2 صّ من الآية26.

فصل ويشترط في القاضي عشر خصال

فصل ويشترط في القاضي عشر خصال: "كونه بالغا، عاقلا" لأن غير المكلف تحت ولاية غيره، فلا يكون واليا على غيره. "ذكرا" لحديث "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" رواه البخاري. ولأنها ضعيفة الرأي، ناقصة العقل، ليست أهلا لحضور الرجال، ومحافل الخصوم. "حرا" لأن غيره منقوص برقه، مشغول بحقوق سيده. "مسلما" لأن الإسلام شرط للعدالة. "عدلا" فلا يجوز تولية الفاسق، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ... } 1 "سميعا" ليسمع كلام الخصمين. "بصيرا" ليعرف المدعي من المدعى عليه، والمقر من المقر له، والشاهد من المشهود عليه. "متكلما" لينطق بالفصل بين الخصوم. "مجتهدا" ذكره ابن حزم إجماعا، لقوله تعالى: { ... لِتَحْكُمَ بَيْنَ

_ 1 الحجرات من الآية/6.

النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} 1 والمجتهد: العالم بطرق الأحكام، لحديث "القضاة ثلاثة ... ". الحديث، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه. "ولو" كان اجتهاده. "في مذهب إمامه للضرورة" بأن لم يوجد مجتهد مطلق، فيراعي ألفاظ إمامه، ومتأخرها، ويقلد كبار مذهبه في ذلك، لأنهم أدرى به وقال الشيخ تقي الدين: هذه الشروط تعتبر حسب الإمكان، ويجب تولية الأمثل فالأمثل. وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره. فيولى لعدم أنفع الفاسقين وأقلهما شرا، وأعدل المقلدين، وأعرفهما بالتقليد. وقال أيضا: ويحرم الحكم والفتوى بالهوى إجماعا، وبقول، أو وجه من غير نظر في الترجيح إجماعا. ويجب أن يعمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه إجماعا. ذكره في الفروع. "فلو حكم اثنان فأكثر بينهما شخصا صالحا للقضاء: نفذ حكمه في كل ما ينفذ فيه حكم من ولاه الإمام أو نائبه" لحديث أبى شريح، وفيه أنه قال يا رسول الله: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين. قال: "ما أحسن هذا! " رواه النسائي. وتحاكم عمر وأبي إلى زيد بن ثابت، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم، ولم يكن أحد منهما قاضيا. "ويرفع الخلاف، فلا يحل لأحد نقضه حيث أصاب الحق" لأن من جاز حكمه لزم كقاضي الإمام.

_ 1 النساء من الآية/105.

فصل في آداب القاضي

فصل في آداب القاضي: "ويسن كون الحاكم قويا بلا عنف" لئلا يطمع فيه الظالم. "لينا بلا ضعف" لئلا يهابه المحق، "حليما" لئلا يغضب من كلام الخصم فيمنعه الحكم "متأنيا" لئلا تودي عجلته إلى ما لا ينبغي، "متفطنا" متيقظا لا يؤتى من غفل. ولا يخدع لغرة، ذا ورع ونزاهة وصدق، "عفيفا" لئلا يطمع في ميله بإطماعه، "بصيرا بأحكام الحكام قبله" ليسهل عليه الحكم، وتتضح له طريقه. قال علي، رضي الله عنه لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضيا حتى تكمل فيه خمس خصال: عفيف، حليم، عالم بما كان قبله، يستشير ذوي الألباب، لا يخاف في الله لومة لائم وقال عمر بن عبد العزيز: سبع خلال إن فات القاضي منها واحدة فهي وصمة: العقل، والفقه، والورع، والنزاهة، والصرامة، والعلم بالسنن، والحلم. "ويجب عليه العدل بين الخصمين في لحظه، ولفظه، ومجلسه والدخول عليه" لحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه، وإشارته، ومقعده، ولا يرفعن صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر"

رواه عمر بن أبي شيبة في كتاب قضاة البصرة. وكتب عمر إلى أبي موسى واس بين الناس في وجهك، ومجلسك وعدلك، حتى لا ييأس الضعيف من عدلك، ولا يطمع شريف في حيفك وجاء رجل إلى شريح وعنده السري، فقال: أعدني على هذا الجالس إلى جنبك، فقال للسري: قم فاجلس مع خصمك، قال: إني أسمعك من مكاني، قال: قم فاجلس مع خصمك، فإن مجلسك يريبه، وإني لا أدع النصرة وأنا عليها قادر. "إلا المسلم مع الكافر: فيقدم دخولا، ويرفع، جلوسا" لحرمة الإسلام ولما روى إبراهيم التيمي أن عليا، رضى الله عنه، حاكم يهوديا إلى شريح، فقام شريح من مجلسه، وأجلس عليا فيه، فقال علي، رضي الله عنه: لو كان خصمي مسلما لجلست معه بين يديك، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "لا تساووهم في المجالس". "ويحرم عليه أخذ الرشوة" لحديث ابن عمر، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الراشي والمرتشي صححه الترمذي. ورواه أبو هريرة، وزاد في الحكم ورواه أبو بكر في زاد المسافر، وزاد والرائش وهو: السفير بينهما. وكذا الهدية، لحديث أبي حميد الساعدي مرفوعا: "هدايا العمال غلول" رواه أحمد. وقال عمر بن عبد العزيز: كانت الهدية فيما مضى هدية، وأما اليوم فهي رشوة. قال في الفروع: وقال كعب الأحبار قرأت في بعض ما أنزل الله على أنبيائه: الهدية تفقأ عين الحكم وقال الشاعر: إذا أتت الهدية دارقوم ... تطايرت الأمانة من كواها إلا ممن كان يهاديه قبل ولايته بشرط أن لا يكون له حكومة فيباح

قبولها، لانتفاء التهمة. واستحب القاضي التنزه عنها، لأنه لا يأمن أن تكون لحكومة منتظرة. ويكره أن يباشر البيع والشراء بنفسه، لئلا يحابى فيجري مجرى الهدية. وروى أبو الأسود المالكي عن أبيه عن جده مرفوعا: "ما عدل وال اتجر في رعيته أبدا" وقال شريح: شرط علي عمر حين ولاني القضاء أن لا أبيع ولا أبتاع، ولا أرتشي، ولا أقضي وأنا غضبان فإن احتاج لم يكره، لأن أبا بكر الصديق قصد السوق ليتجر فيه حتى فرضوا له ما يكفيه. "ولا يسار أحد الخصمين، أو يضيفه، أو يقوم له دون الآخر" لأنه إعانة له على خصمه، وكسر لقلبه. وروي عن علي، رضي الله عنه أنه نزل به رجل، فقال: ألك خصم؟ قال: نعم، قال: تحول عنا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "لا تضيفوا أحد الخصمين إلا ومعه خصمه". "ويحرم عليه الحكم، وهو غضبان كثيرا" لحديث أبي بكر مرفوعا: "لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان" متفق عليه. "أو حاقن، أو في شدة جوع، أو عطش، أو هم. أو ملل، أو كسل، أو نعاس، أو برد مؤلم، أو حر مزعج" قياسا على الغضب، لأنه في معناه، لأن هذه الأمور تشغل قلبه، ولا يتوفر على الاجتهاد في الحكم، وتأمل الحادثة. "فإن خالف وحكم" في حال من هذه الأحوال. "صح إن أصاب الحق" لأن النبي صلى الله عليه وسلم، حكم في حال غضبه في حديث مخاصمة الأنصاري والزبير في شراج الحرة رواه الجماعة.

"ويحرم عليه أن يحكم بالجهل. أو هو متردد. فإن خالف وحكم: لم يصح. ولو أصاب" الحق لحديث بريدة مرفوعا: "القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار. فأما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم: فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل: فهو في النار" رواه أبو داود وابن ماجه. "ويوصي الوكلاء والأعوان ببابه بالرفق بالخصوم وقلة الطمع" لئلا يضروا بالناس، "ويجتهد أن يكونوا شيوخا أو كهولا من أهل الدين والعفة والصيانة" ليكونوا أقل شرا فإن الشباب شعبة من الجنون. "ويباح له أن يتخذ كاتبا يكتب الوقائع" وقيل: يسن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استكتب زيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهما ولأن الحاكم يكثر اشتغاله ونظره في أمر الناس، فيشق عليه تولي الكتابة بنفسه. "ويشترط كونه مسلما مكلفا عدلا" لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ ... } 1 الآية وقال عمر: لا تؤمنوهم وقد خونهم الله، ولا تقربوهم وقد أبعدهم الله، ولا تعزوهم وقد أذلهم الله ولأن الكتابة موضع أمانة فاشترط لها العدالة. "ويسن كونه حافظا عالما" لأن فيه إعانة على أمره، وكونه جيد الخط عارفا، لئلا يفسد ما يكتبه بجهله، وكونه ورعا نزها كيلا يستمال بالطمع. وقال ابن المنذر: يكره للحاكم أن يفتي في الأحكام، كان شريح يقول: أنا أقضي ولا أفتي.

_ 1 آل عمران من الآية/118.

باب طريق الحكم وصفته

باب طريق الحكم وصفته مدخل ... باب طريق الحكم وصفته: "إذا حضر إلى الحاكم خصمان: فله أن يسكت حتى يبتدئا، وله أن يقول: أيكما المدعي؟ " لأنه لا تخصيص في ذلك لأحدهما. "فإذا ادعى أحدهما: اشترط كون الدعوى معلومة" أي: ب شيء معلوم، ليتمكن الحاكم من الإلزام به، وكونها محررة لترتب الحكم عليها، لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما أقضي على نحو ما أسمع". "وكونها منفكة عما يكذبها" فلا يصح الدعوى على شخص بأنه قتل أو سرق من عشرين سنة، وسنه دونها. "ثم إن كانت بدين: اشترط كونه حالا" فلا تصح بالمؤجل، لأنه لا يملك الطلب به قبل أجله. "وإن كانت بعين: اشترط حضورها لمجلس الحكم لتعين بالإشارة" نفيا للبس. "فإن كانت غائبة عن البلد: وصفها كصفات السلم" بأن يذكر ما يضبطها من الصفات. وإن ادعى عقارا غائبا عن البلد: ذكر موضعه وحدوده، وتكفي شهرته عندهما، وعند حاكم عن تحديده، لحديث الحضرمي والكندي. "فإذا أتم المدعي دعواه: فإن أقر خصمه بما ادعاه، أو اعترف بسبب الحق، ثم ادعى البراءة: لم يلتفت لقوله، بل يحلف المدعي على نفي ما ادعاه" المدعى عليه من البراءة بالإبراء أو الأداء،

"ويلزمه بالحق، إلا أن يقيم" المدعى عليه "بينة ببراءته" فيبرأ. فإن عجز عن إقامتها: حلف المدعي على بقاء حقه. "وإن أنكر الخصم ابتداء: بأن قال لمدع قرضا أو ثمنا: ما أقرضني، أو: ما باعني، أو لا يستحق علي شيئا مما ادعاه، أو لا حق له علي: صح الجواب" لنفيه عين ما ادعى به. "فيقول الحاكم للمدعي: هل لك بينة؟ " لما روي أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم: حضرمي وكندي، فقال الحضرمي: يا رسول الله: إن هذا غلبني على أرض لي، فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي، ليس له فيها حق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، للحضرمي: "ألك بينة؟ " فقال: لا. قال: "فلك يمينه" صححه الترمذي. "فإن قال: نعم، قال له: إن شئت فأحضرها، فإذا أحضرها وشهدت سمعها، وحرم ترديده" ويكره نعسها وانتهارها، لئلا يكون وسيلة إلى الكتمان. وكان شريح يقول للشاهدين: ما أنا دعوتكما، ولا أنهاكما أن ترجعا، وما يقضي على هذا المسلم غيركما، وإني بكما أقضي اليوم، وبكما أتقي يوم القيامة.

فصل ويعتبر في البينة العدالة ظاهرا وباطنا

فصل ويعتبر في البينة العدالة ظاهرا وباطنا: لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} 1 وقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} 2 إلا في عقد النكاح، فتكفي العدالة ظاهرا. وعنه: تقبل شهادة كل مسلم لم تظهر منه ريبة. واختاره: الخرقي، وأبو بكر وصاحب الروضة لقبوله صلى الله عليه وسلم، شهادة الأعرابي برؤية الهلال وقول عمر، رضي الله عنه: المسلمون عدول بعضهم على بعض. "وللحاكم أن يعمل بعمله فيما أقربه في مجلس حكمه" وإن لم يسمعه غيره. نص عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي على نحو ما أسمع ... ". الحديث، رواه الجماعة. "وفي عدالة البينة وفسقها" بغير خلاف، لئلا يتسلل لاحتياجه إلى معرفة عدالة المزكين أو جرحهم، ثم يحتاجون أيضا إلى مزكين. "فإن ارتاب منها: فلا بد من المزكين لها" لتثبيت عدالتها. "فإن طلب المدعي من الحاكم أن يحبس غريمه حتى يأتي بمن يزكي بينته: أجابه لما سأل، وانتظره ثلاثة أيام" لقول عمر في كتابه إلى أبي

_ 1 الطلاق من الآية/2. 2 البقرة من الآية/282.

موسى الأشعري واجعل لمن ادعى حقا غائبا أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينة أخذت له حقه، وإلا استحللت القضية عليه، فإنه أنفى للشك، وأجلى للغم. "فإذا أتى بالمزكين اعتبر معرفتهم لمن يزكونه بالصحبة والمعاملة" لما روى سليمان بن حرب قال: شهد رجل عند عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فقال له عمر: إني لست أعرفك، ولا يضرك أني لا أعرفك، فأتني بمن يعرفك. فقال رجل: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين، قال: بأي شيء تعرفه؟ فقال: بالعدالة، قال: هو جارك الأدنى تعرف ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال: فعاملك بالدرهم والدينار اللذين يستدل بهما على الورع؟ قال: لا، قال: فصاحبك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: فلست تعرفه. ثم قال للرجل: ائتني بمن يعرفك. "فإن ادعى الغريم فسق المزكين، أو فسق البينة المزكاة، وأقام بذلك بينة: سمعت، وبطلت الشهادة" لأن الجرح مقدم على التعديل، لأن الجارح يخبر بأمر باطن خفي على المعدل، وشاهد العدالة يخبر بأمر ظاهر، ولأن الجارح مثبت، والمعدل ناف، فقدم الإثبات. "ولا يقبل من النساء تعديل ولا تجريح" لأنها شهادة بما ليس بمال، ولا المقصود منه المال. ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال، أشبه الحدود. قاله في الكافي. ولا يسمع جرح لم يبين سببه، بذكر قادح فيه عن رؤية، أو سماع، أو استفاضة عند الناس، لأن ذلك شهادة عن

علم، لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 1 لكن يعرض جارح بزنى أو لواط، لئلا يجب عليه الحد. "وحيث ظهر فسق بينة المدعي، أو قال ابتداء: ليس لي بينة، قال الحاكم: ليس لك على غريمك إلا اليمين" لقوله صلى الله عليه وسلم، في حديث: الحضرمي والكندي "شاهداك أو يمينه"، فقال: إنه لا يتورع من شيء، قال: "ليس لك إلا ذلك" رواه مسلم. "فيحلف الغريم على صفة جوابه في الدعوى، ويخلى سبيله" لانقطاع الخصومة. "ويحرم تحليفه بعد ذلك" نص عليه، لأنه لا يلزمه أكثر من ذلك، لما تقدم. "وإن كان للمدعي بينة، فله أن يقيمها بعد ذلك" لما روي عن عمر أنه قال: البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة هذا إن لم يكن قال: لا بينة لي، فإن قال ذلك، ثم أقامها: لم تسمع، لأنه مكذب لها. "وإن لم يحلف الغريم: قال له الحاكم: إن لم تحلف، وإلا حكمت عليك بالنكول" نص عليه. "ويسن تكراره ثلاثا" قطعا لحجته، "فإن لم يحلف: قضى عليه بالنكول وألزمه الحق" لحديث ابن عمر أنه باع زيد بن ثابت عبدا فادعى عليه زيد أنه باعه إياه عالما بعيبه، فأنكره ابن عمر، فتحاكما إلى عثمان، فقال عثمان لابن عمر: احلف أنك ما علمت به عيبا، فأبى ابن عمر أن يحلف، فرد عليه العبد رواه

_ 1 الزخرف من الآية/86.

أحمد. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال "اليمين على المدعى عليه" فحصرها في جنبته، فلم تشرع لغيره. وقيل: ترد اليمين على الخصم، اختاره أبو الخطاب، وقال: قد صوبه أحمد، وقال: ما هو ببعيد يحلف ويستحق، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على صاحب الحق رواه الدارقطني. وروي أن المقداد اقترض من عثمان مالا، فتحاكما إلى عمر، فقال عثمان: هو سبعة آلاف، وقال المقداد: هو أربعة آلاف، فقال المقداد لعثمان: احلف أنه سبعة آلاف، فقال عمر: أنصفك. احلف أنها كما تقول، وخذها رواه أبو عبيد، وقال: فهذا عمر قد حكم برد اليمين، ورأى ذلك المقداد، ولم ينكره عثمان. وروى أبو عبيد أيضا عن شريح، وعبد الله بن عقبة أنهما قضيا برد اليمين. وقال علي إن رد اليمين له أصل في الكتاب والسنة. أما الكتاب: فقوله تعالى: { ... أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} 1 وأما السنة فحديث القسامة انتهى.

_ 1 المائدة من الآية/108.

فصل وحكم الحاكم يرفع الخلاف لكن لا يزيل الشيء عن صفته باطنا

فصل وحكم الحاكم يرفع الخلاف لكن لا يزيل الشيء عن صفته باطنا: لحديث: "فمن قضيت له بشيء من حق أخيه: فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار" متفق عليه. "فمتى حكم له ببينة زور بزوجية امرأة ووطء مع العلم: فكالزنا" فيجب عليه الحد بذلك، وعليها الامتناع منه ما أمكنها، فإن أكرهها فالإثم عليه دونها.

"وإن باع حنبلي متروك التسمية" عمدا من ذبيحة أو صيد، "فحكم بصحته شافعي: نفذ" عند أصحابنا إلا أبا الخطاب. قاله في الفروع. وكذا إن حكم حنفي لحنبلي بشفعة جوار. "ومن قلد" مجتهدا، "في نكاح" مختلف فيه، "صح ولم يفارق" زوجته "بتغير اجتهاده" أي: المجتهد الذي قلده في صحته "كالحاكم بذلك" أي: كما لو حكم له حاكم مجتهد بصحة نكاح، فتغير اجتهاده: فلا يفارق.

فصل وتصح الدعوى بحقوق الآدميين على الميت

فصل وتصح الدعوى بحقوق الآدميين على الميت: "وعلى غير المكلف، وعلى الغائب مسافة قصر، وكذا دونها إن كان مستترا بشرط البينة في الكل" لحديث هند قالت: يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي، فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" متفق عليه. فقضى لها، ولم يكن أبو سفيان حاضرا. ويحمل حديث علي على ما إذا كانا حاضرين. وعنه لا يجوز القضاء على الغائب، وهو اختيار ابن أبي موسى، لحديث علي مرفوعا: "إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء" حسنه الترمذي. والميت وغير المكلف كالغائب، لأن كلا منهم لا يعبر عن نفسه. وأما المستتر فلتعذر حضوره

كالغائب بل أولى، لأن الغائب قد يكون له عذر بخلاف المتواري. ولئلا يجعل الاستتار وسيلة إلى تضييع الحقوق فإن أمكن إحضاره أحضر، بعدت المسافة أو قربت، لما روي أن أبا بكر، رضي الله عنه كتب إلى المهاجر بن أبي أمية أن: ابعث إلي بقيس بن المكشوح في وثاق، فأحلفه خمسين يمينا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ما قتل دادويه ولأنا لو لم نلزمه الحضور جعل البعد طريقا إلى إبطال الحقوق. قاله في الكافي. "ويصح أن يكتب القاضي الذي ثبت عنده الحق" أي: كل حق للآدمي لا في حد، لأن حقوق الله تعالى مبنية على الستر، والدرء بالشبهات. "إلى قاض آخر معين أو غير معين" كأن يكتب إلى من يصل إليه كتابه من قضاة المسلمين من غير تعيين بما ثبت عنده، ليحكم به، وبما حكم لينفذه، ويكتب. "بصورة الدعوى الواقعة على الغائب بشرط أن يقرأ ذلك على عدلين، ثم يدفعه لهما" لأن ما أمكن إثباته بالشهادة لم يجز الاقتصار فيه على الظاهر، كالعقود. قاله في الكافي. وقال في الشرح: وحكي عن الحسن وسوار والعنبري أنهم قالوا: إذا عرف خطه وختمه: قبله. وهو قول: أبي ثور. "ويقول فيه: وإن ذلك قد ثبت عندي، وإنك تأخذ الحق للمستحق" لما روى الضحاك بن سفيان قال "كتب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها" رواه أبو داود والترمذي.

"فيلزم القاضي الواصل إليه ذلك العمل به" لإجماع الأمة على قبوله، لقوله تعالى: { ... إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} 1 ولأنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى ملوك الأطراف وإلى عماله وسعاته.

_ 1 النمل من الآية/29.

باب القسمة

باب القسمة مدخل ... باب القسمة: أجمعوا عليها، لقوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى} 1 وقوله: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ... } 2 وحديث: "إنما الشفعة فيما لم يقسم" وقسم النبي صلى الله عليه وسلم، الغنائم بين أصحابه ولحاجة الشركاء إليها ليتخلصوا من سوء المشاركة. وذكرت في القضاء، لأن منها ما يقع بإجبار الحاكم عليه. "وهي نوعان قسمة تراض" وهي: ما فيه ضرر أو رد عوض. "وقسمة إجبار" وهي: ما لا ضرر فيه ولا رد عوض. "فلا قسمة في مشترك إلا برضى الشركاء كلهم، حيث كان في القسمة ضرر ينقص القيمة" لحديث "لا ضرر ولا ضرار" رواه أحمد ومالك في الموطأ. "كحمام، ودور صغار" بحيث يتعطل الانتفاع بها، أو يقل إذا قسمت، "وشجر مفرد وحيوان" وأرض ببعضها بئر أو بناء، ولا تتعدل

_ 1 النساء من الآية/8. 2 القمر من الآية/28.

بأجزاء ولا قيمة، لأن فيها إما ضررا أو رد عوض، وكلاهما لا يجبر الإنسان عليه. "وحيث تراضيا صحت، وكانت بيعا يثبت فيها ما يثبت فيه من الأحكام" من خيار مجلس، وشرط، وغبن، ورد بعيب، لأنها معاوضة. "وإن لم يتراضيا ودعا أحدهما شريكه إلى البيع في ذلك، أو إلى بيع عبد أو بهيمة أو سيف ونحوه مما هو شركة بينهما: أجبر إن امتنع" دفعا للضرر. "فإن أبى: بيع عليهما" أي: باعه الحاكم، "وقسم الثمن" بينهما على قدر حصصهما. نص عليه في رواية الميموني وحنبل. "ولا إجبار في قسمة المنافع" بأن ينتفع أحدهما بمكان، والآخر بآخر، أو كل منهما ينتفع شهرا ونحوه، لأنها معاوضة فلا يجبر عليها الممتنع كالبيع، ولأن القسمة بالزمان يأخذ أحدهما قبل الآخر فلا تسوية لتأخر حق الآخر. "فإن اقتسماها بالزمن: كهذا شهرا، والآخر مثله، أو بالمكان: كهذا في بيت، والآخر في بيت: صح جائزا ولكل الرجوع" متى شاء، فلو رجع أحدهما بعد استيفاء نوبته: غرم ما انفرد به، أي: أجرة مثل حصة شريكه مدة انتفاعه. وقال الشيخ تقي الدين: لا تنفسخ حتى ينقضي الدور، ويستوفي كل واحد حقه.

فصل النوع الثاني قسمة إجبار

فصل النوع الثاني قسمة إجبار: "وهي: ما لا ضرر فيها، ولا رد عوض" سميت بذلك لإجبار الممتنع منها إذا كملت الشروط. "وتتأتى في كل مكيل وموزون، وفي دار كبيرة، وأرض واسعة، ويدخل الشجر تبعا" للأرض، كالأخذ بالشفعة. "وهذا النوع ليس بيعا" لمخالفته له في الأحكام والأسباب كسائر العقود، فلو كانت بيعا لم تصح بغير رضي الشريك، ولوجبت فيها الشفعة، ولما لزمت بالقرعة، بل إفراز للنصيبين، وتمييز للحقين. فيصح قسم لحم هدي وأضحية، مع أنه لا يصح بيع شيء منهما. "فيجبر الحاكم أحد الشريكين إذا امتنع" ويشترط لذلك ثبوت ملك الشركاء وثبوت أن لا ضرر فيها، وثبوت إمكان تعديل السهام في المقسوم، فإذا اجتمعت أجبر الممتنع، لأن طالبها يطلب إزالة ضرر الشركة عنه وعن شريكه، وحصول النفع لكل منهما بتصرفه في ملكه بحسب اختياره من غير ضرر بأحد، فوجبت إجابته. ويقسم عن غير مكلف وليه، فإن امتنع أجبر، ويقسم الحاكم على غائب بطلب شريكه أو وليه، لأنها حق عليه، فجاز الحكم به كسائر الحقوق. "ويصح أن يتقاسما بأنفسهما، وأن ينصبا قاسما بينهما" لأن الحق لا يعدوهما، أو يسألا الحاكم نصبه، لأنه أعلم بمن يصلح للقسمة، فإذا سألاه وجبت إجابتهما لقطع النزاع.

"ويشترط إسلامه وعدالته وتكليفه" ليقبل قوله في القسمة، "ومعرفته بالقسمة" ليحصل منه المقصود، ويكفي واحد إن لم يكن في القسمة تقويم، لأنه بالحاكم. "وأجرته بينهما على قدر أملاكهما" نص عليه، ولو شرط خلافه. "وإن تقاسما بالقرعة جاز ولزمت القسمة بمجرد خروج القرعة" لأن القاسم، كحاكم، وقرعته حكم. نص عليه. "ولو فيها رداءة وضرر" إذا تراضيا عليها، وخرجت القرعة إذ القاسم يجتهد في تعديل السهام، كاجتهاد الحاكم في طلب الحق، فوجب أن تلزم قرعته، كقسمة الإجبار. "وإن خير أحدهما الآخر بلا قرعة، وتراضيا: لزمت بالتفرق" بأبدانهما كالبيع. "وإن خرج في نصيب أحدهما عيب جهله: خير بين فسخ وإمساك، ويأخذ الأرش" كالمشتري، لوجود النقص. "وإن غبن غبنا فاحشا: بطلت" لتبين فساد الإفراز. "وإن ادعى كل أن هذا من سهمه" وأنكره الآخر، "تحالفا، ونقضت" القسمة، لأن المدعى لا يخرج عن ملكهما، ولا سبيل لدفعه إلى مستحقه منهما بدون نقض القسمة. "وإن حصلت الطريق في حصة أحدهما ولا منفذ للآخر: بطلت" لعدم تمكن الداخل من الانتفاع بما حصل له بالقسمة، فلا تكون السهام معدلة، والتعديل واجب في جميع الحقوق. وقال ابن قندس: فإن أخذه راضيا عالما أنه لا طريق له جاز، لأن قسمة التراضي بيع، وشراؤه على هذا الوجه جائز.

باب الدعاوى والبينات

باب الدعاوى والبينات: الدعوى لغة: الطلب. واصطلاحا: إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاق شيء في يد غيره، أو في ذمته. والمدعي: من يطالب غيره بحق. والمدعى عليه: المطالب، ويقال أيضا: المدعي: من إذا ترك ترك، والمدعى عليه: من إذا ترك لا يترك. والبينة: العلامة، كالشاهد فأكثر. وأصل هذا الباب حديث ابن عباس مرفوعا: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه" رواه أحمد ومسلم. "ولا تصح الدعوى إلا من جائز التصرف" أي: حر مكلف رشيد. "وإن تداعيا عينا لم تخل من أربعة أحوال:" "1- أن لا تكون بيد أحد، ولا ثم ظاهر" يعمل به "ولا بينة" لأحدهما، "فيتحالفان ويتناصفانها" لاستوائهما في الدعوى، وليس أحدهما أولى بها من الآخر، لعدم المرجح. "وإن وجد ظاهر" يرجع أنها "لأحدهما عمل به" فيحلف ويأخذها. فلو تنازع الزوجان في قماش البيت ونحوه: فما يصلح لرجل فهو له، وما يصلح لها فلها، ولهما فلهما.

"2- أن تكون بيد أحدهما فهي له بيمينه" لما تقدم، ولحديث "شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك" ولأن الظاهر من اليد الملك، فإن كان للمدعي بينة حكم له بها. "فإن لم يحلف قضي عليه بالنكول ولو أقام بينة" لجواز أن يكون مستند بينته رؤية التصرف، ومشاهدة اليد، ولعدم حاجته إليها. وفي شرح المنتهى، قلت: بل هو محتاج إليها لدفع التهمة، واليمين عنه. انتهى. وقال في الشرح وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها، ولم يحلف، وهو قول أهل الفتيا. وقال شريح والنخعي: يحلف. انتهى. ولأن البينة حجة صريحة في إثبات الملك لا تهمة فيها فكانت أولى من اليمين التي يتهم فيها. قاله في الكافي. "3- أن تكون بيديهما كشيء: كل 1 ممسك ببعضه فيتحالفان، ويتناصفانه" لا نعلم فيه خلافا. قاله في الشرح، لحديث أبي موسى أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في دابة ليس لأحدهما بينة: فجعلها بينهما نصفين رواه الخمسة إلا الترمذي. "فإن قويت يد أحدهما، كحيوان: واحد سائقه، والآخر راكبه" فللثاني بيمينه، لأن تصرفه أقوى، ويده آكد، وهو المستوفي لمنفعة الحيوان. "أو قميص: واحد آخذ بكمه، والثاني لابسه: فللثاني بيمينه" لما تقدم.

_ 1 قوله كل: بتشديد اللام وضمها لأنها مبتدأ، وممسك خبر والجملة صفة لشيء.

"وإن تنازع صانعان في آلة دكانهما: فآلة كل صنعة لصانعها" كنجار وحداد بدكان، فآلة النجارة للنجار، وآلة الحدادة للحداد بيمينه حيث لا بينة عملا بالظاهر. "ومتى كان لأحدهما بينة فالعين له" لحديث الحضرمي والكندي1 "فإذا كان لكل منهما بينة به وتساوتا من كل وجه تعارضتا وتساقطتا" لأن كلا منهما تنفي ما تثبته الأخرى "فيتحالفان ويتناصفان ما بأيديهما" لحديث أبي موسى أن رجلين ادعيا بعيرا على عهد رسول الله فبعث كل منهما بشاهدين، فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم، بينهما رواه أبو داود. "ويقترعان فيما عداه" أي: فيما ليس بيديهما، أو بيد ثالث لا يدعيه. "فمن خرجت له القرعة فهو له بيمينه" روي عن ابن عمر وابن الزبير، وبه قال إسحاق وأبو عبيد: ذكره في الشرح. كما لو لم يكن لواحد منهما بينة، لحديث أبي هريرة أن رجلين تداعيا عينا لم يكن

_ 1 ونصه: عن وائل بن حجر، قال "جاء رجل من حضرموت، ورجل من كندة إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض كانت للأبي، قال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، للحضرمي: "ألك بينة؟ " قال: لا، قال: "فلك يمينه"، فقال: يا رسول الله. الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف علبه، وليس يتورع من شيء، قال: "ليس لك منه إلا ذلك"، فانطلق ليحلف، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما أدبر الرجل: "أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما: ليلقين الله وهو عنه معرض" رواه مسلم والترمذي وصححه.

لواحد منهما بينة، فأمرهما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يستهما على اليمين أحبا أم كرها رواه أبو داود. وروى الشافعي عن ابن المسيب أن رجلين اختصما إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في أمر، فجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة، فأسهم النبي، صلى الله عليه وسلم، بينهما. "وإن كانت العين بيد أحدهما: فهو داخل، والآخر خارج، وبينة الخارج مقدمة على بيعة الداخل" لحديث: "البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه" وفي لفظ: "واليمين على من أنكر" رواه الترمذي. وحديث: "شاهداك أو يمينه" وعن ابن عباس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قضى باليمين على المدعى عليه متفق عليه. "لكن لو أقام الخارج بينة أنها ملكه، والداخل بينة أنه اشتراها منه: قدمت بينته" أي: الداخل، "هنا، لما معها من زيادة العلم" لشهادتها بأمر حدث على الملك خفي على الأولى، كما لو ادعى بدين وأقام به بينة، فقال المدعى عليه: أبرأني، وأقام بينة بذلك: قدمت، لما معها من زيادة العلم، "أو أقام أحدهما بينة أنه اشتراها من فلان، وأقام الآخر بينة كذلك عمل بأسبقهما تاريخا" لإثباتها أنه اشتراها من مالكها، ولمصادفة التصرف الثاني ملك غيره فوجب بطلانه، فإن لم يعلم التاريخ، أو اتفق: تساقطتا، لتعارضهما وعدم المرجح. "4- أن تكون بيد ثالث، فإن ادعاها لنفسه حلف لكل واحد يمينا" لأنهما اثنان، كلاهما يدعيها.

"فإن نكل أخذها منه مع بدلها" أي: مثلها إن كانت مثلية، وقيمتها إن كانت متقومة، لتلف العين بتفريطه، وهو ترك اليمين للأول، أشبه ما لو أتلفها. "واقترعا عليهما" أي: العين وبدلها، لأن المحكوم له بالعين غير معين. "وإن أقر بها لهما اقتسماها" نصفين، "وحلف لكل واحد يمينا" بالنسبة إلى النصف الذي أقر به، لصاحبه، لأنه يدعيه له، كما لو أقر بها، لأحدهما فإنه يحلف للآخر. "وحلف كل واحد لصاحبه على النصف المحكوم له به" كما لو كانت العين بيديهما ابتداء. "وإن قال: هي لأحدهما، وأجهله، فصدقاه" على جهله به، "لم يحلف" لتصديقهما له في دعواه، "وإلا" يصدقاه "حلف يمينا واحدة" لأن صاحب الحق منهما واحد غير معين، "ويقرع بينهما، فمن قرع حلف وأخذها" نص عليه، لحديث أبي هريرة السابق.

كتاب الشهادات

كتاب الشهادات مدخل مدخل ... كتاب الشهادات: أجمعوا على قبول الشهادة في الجملة، لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} الآية1 وقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ... } 2 وقوله: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ... } 1 وحديث: "شاهداك أو يمينه" ولدعاء الحاجة إليها لحصول التجاحد. قال شريح: القضاء جمر، فنحه عنك بعودين - يعني: الشاهدين - وإنما الخصم داء، والشهود شفاء، فأفرغ الشفاء على الداء. "تحمل الشهادة في حقوق الآدميين فرض كفاية" لقوله تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ... } 1 قال ابن عباس وقتادة والربيع: المراد به: التحمل للشهادة وإثباتها عند الحاكم. "وأداؤها فرض عين" لقوله تعالى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ... } 3 وإن كان الحاكم غير عدل: لم يلزمه الأداء. قال أحمد في رواية ابن الحكم: كيف أشهد عند رجل ليس عدلا لا يشهد؟. وقال في رواية ابنه عبد الله: أخاف أن يسعه أن لا يشهد عن الجهمية. وعن أبي هريرة مرفوعا: "يكون في آخر الزمان

_ 1 البقرة من الآية/282. 2 الطلاق من الآية/2. 3 البقرة من الآية/283.

أمراء ظلمة، ووزراء فسقة، وقضاة خونة، وفقهاء كذبة، فمن أدرك منكم ذلك الزمان فلا يكونن لهم كاتبا، ولا عريفا، ولا شرطيا" رواه الطبراني. "ومتى تحملها وجبت كتابتها" لئلا ينساها. "ويحرم أخذ أجرة وجعل عليها" ولو لم تتعين عليه في الأصح، لأنها فرض كفاية، ومن قام به فقد قام بفرض، ولا يجوز أخذ الأجرة ولا الجعل عليه: كصلاة الجنازة. "لكن إن عجز عن المشي" إلى محلها، "أو تأذى به: فله أخذ أجرة مركوب" لأنه لا يلزمه أن يضر نفسه لنفع غيره، لحديث "لا ضرر ولا ضرار". "ويحرم كتم الشهادة" للآية. "ولا ضمان" لأنه لا تلازم بين التحريم والضمان. "ويجب الإشهاد في عقد النكاح خاصة" لأنه شرط فيه فلا ينعقد بدونها. "ويسن في كل عقد سواه" من بيع وإجارة وصلح وغيره، لقوله: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} 1 وحمل على الاستحباب، لقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} 2 "ويحرم أن يشهد إلا بما يعلمه" لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 3 قال المفسرون: هو ما شهد به عن بصيرة وإيقان.

_ 1 البقرة من الآية/282. 2 البقرة من الآية/283. 3 الزخرف من الآية/86.

وقال ابن عباس سئل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الشهادة، فقال: "ترى الشمس؟ " قال: "على مثلها فاشهد، أو دع" رواه الخلال. "والعلم إما برؤية أو سماع" فالرؤية تختص بالفعل: كقتل، وسرقة، وغصب، وعيوب مرئية في نحو مبيع ونحوها. والسماع ضربان: ا - سماع من مشهود عليه: كعتق وطلاق وإقرار ونحوها، فيلزمه الشهادة بما سمع من قائل عرفه يقينا، كما في الكافي. 2- وسماع بالاستفاضة بأن يشتهر المشهود به بين الناس، فيتسامعون به بإخبار بعضهم بعضا. قال في الشرح: وأجمعوا على صحة الشهادة بالاستفاضة على النسب، واختلفوا فيما سواه، فقال أصحابنا تجوز في تسعة أشياء: النكاح، والملك المطلق، والوقف، ومصرفه، والموت، والعتق، والولاء، والولاية، والعزل. وقال أبو حنيفة: لا تقبل إلا في النكاح، والموت. ولنا: أن هذه تتعذر الشهادة عليها غالبا بمشاهدتها، أو مشاهدة أسبابها فجازت كالنسب. قال مالك: ليس عندنا من يشهد على أجناس أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا بالسماع، وقال: السماع في الأجناس، والولاء جائز. قيل لأحمد: أتشهد أن فلانة امرأة فلان، ولم تشهد؟ قال: نعم إذا كان مستفيضا: فأشهد أن فاطمة بنت رسول الله، وأن خديجة وعائشة زوجتاه، وكل أحد يشهد بذلك من غير

مشاهدة. ولا تقبل الاستفاضة إلا من عدد يقع العلم بخبرهم. وقيل: تسمع من عدلين. وهو قول المتأخرين من الشافعية. انتهى. وقال الشيخ تقي الدين: أو ممن تطمئن إليه النفس ولو واحدا. "ومن رأى شيئا بيد إنسان يتصرف فيه مدة طويلة: كتصرف الملاك من نقض وبناء وإجارة وإعارة: فله أن يشهد له بالملك" في قول ابن حامد، لأن تصرفه فيه على هذا الوجه بلا منازع دليل صحة الملك فجرت مجرى الاستفاضة. "والورع أن يشهد باليد والتصرف" لأنه أحوط خصوصا في هذه الأزمنة، ولأن اليد قد تكون عن غصب وتوكيل وإجارة وعارية، فلم تختص في الملك، فلم تجز الشهادة به مع الاحتمال. قاله في الكافي.

فصل وإن شهدا أنه طلق من نسائه

فصل وإن شهدا أنه طلق من نسائه: "واحدة، ونسيا عينها لم تقبل" شهادتهما، لأنهم شهدا بغير معين فلا يمكن العمل بها، كقولهما: إحدى هاتين الأمتين عتيقة. "ولو شهد أحدهما أنه أقر له بألف، والآخر أنه أقر له بألفين: كملت بالألف" لاتفاقهما عليه. "وله" أي: المشهود له "أن يحلف على الألف الآخر ويستحقه" حيث لم يختلف السبب، ولا الصفة. "وإن شهدا أن عليه ألفا لزيد، وقال أحدهما: قضاه بعضه: بطلت

شهادته" نص عليه، لأن قوله: قضاه بعضه، يناقض شهادته عليه بالألف فأفسدها. "وإن شهدا أنه أقرضه ألفا ثم قال أحدهما: قضاه نصفه: صحت شهادتهما" لأنه رجوع عن الشهادة بخمس مائة، وإقرار بغلط نفسه أشبه ما لو قال: بألف بل بخمسمائة، ولأنه لا تناقض في كلامه، ولا اختلاف. "ولا يحل لمن" تحمل شهادة بحق "وأخبره عدل باقتضاء الحق أن يشهد به" نص عليه. "ولو شهد اثنان في جمع من الناس على واحد منهم أنه طلق أو أعتق، أو شهدا على خطيب أنه قال، أو فعل على المنبر في الخطبة شيئا، ولم يشهد به أحد غيرهما: قبلت شهادتهما" لكمال النصاب.

باب شروط من تقبل شهادته

باب شروط من تقبل شهادته مدخل ... باب شروط من تقبل شهادته: "وهي ستة" "1- البلوغ: فلا شهادة لصغير، ولو اتصف بالعدالة" لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} 1 والصبي ليس من رجالنا. وعنه: تقبل شهادتهم في الجراح خاصة، إذا شهدوا قبل الافتراق عن الحال التي تجارحوا عليها، لأنه قول ابن الزبير. قاله في الكافي. وقال في الشرح: قال إبراهيم: كانوا يجيزون شهادة بعضهم على بعض. "2- العقل: فلا شهادة لمعتوه ومجنون" وسكران ومبرسم2،

_ 1 البقرة من الآية/282. 2 البرسام: هو التهاب الحجاب الذي بين الكبد والقلب.

لأن قولهم على أنفسهم لا يقبل، فعلى غيرهم أولى، وتقبل ممن يخنق أحيانا - نص عليه - إذا تحمل وأدى في حال إفاقته، لأنها شهادة من عاقل. "3- النطق: فلا شهادة لأخرس" بإشارته، لأن الشهادة يعتبر لها اليقين. وإنما اكتفي بإشارة الأخرس في أحكامه المختصة به، كنكاحه وطلاقه للضرورة، وهي هنا معدومة. "إلا إن أداها بخطه" فتقبل، لدلالة الخط على الألفاظ. "4- الحفظ: فلا شهادة لمغفل، ومعروف بكثرة غلط وسهو" لأنه لا تحصل الثقة بقوله، لاحتمال أن يكون ذلك من غلطه. وتقبل شهادة من يقل ذلك منه، لأنه لا يسلم منه أحد. "5- الإسلام: فلا شهادة لكافر ولو على مثله" لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} 1 وقال: { ... مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ... } 2 والكافر ليس بعدل، ولا مرضي، ولا هو منا. وروى حنبل: تقبل شهادة بعضهم على بعض، واختاره الشيخ تقي الدين، لحديث جابر أنه، صلى الله عليه وسلم، أجاز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض رواه ابن ماجه من رواية مجالد، وهو ضعيف. ويحتمل أن المراد اليمين، لأنها تسمى شهادة، قال تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ... } 3 إلا أن شهادة أهل الكتاب تقبل في الوصية في السفر

_ 1 الطلاق: من الآية2. 2 البقرة: من الآية/282. 3 النور: من الآية/6.

إذا لم يكن غيرهم، ويستحلف مع شهادته بعد العصر، لخبر أبي موسى1 رواه أبو داود وغيره، وقضى به أبو موسى، وكذا قضى به ابن مسعود في زمن عثمان. قال ابن المنذر: وبهذا قال أكابر الماضين. "6- العدالة" وهي: استواء أحواله في دينه، وقيل: من لم تظهر منه ريبة. ذكره في الشرح. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه" 2 رواه أحمد وأبو داود. "ويعتبر لها شيئان:" "1- الصلاح في الدين، وهو: أداء الفرائض برواتبها" نقل أبو طالب: الوتر: سنة سنها النبي، صلى الله عليه وسلم. فمن ترك سنة من سننه، فهو رجل سوء، فلا تقبل شهادة من داوم على ترك الرواتب، فإن تهاونه بها يدل على عدم محافظته على أسباب دينه، وربما جر إلى التهاون بالفرائض. وكذا ما وجب من صوم وزكاة وحج، "واجتناب المحرم: بأن لا يأتي كبيرة، ولا يدمن على صغيرة"

_ 1 ونصه: عن الشعبي أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء، ولم يجد أحدا من المسلمين يشهد على وصيته، فقدما الكوفة، فأتيا أبا موسى الأشعري، فأحبراه، وقدما بتركته ووصيته. فقال أبو موسى: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله، فأحلفهما بعد العصر بالله إنهما ما خانا، ولا كذبا، ولا بدلا، ولا كتما، ولا غيرا، وإنهما لوصية الرجل وتركته. فأمضى شهادتهما. 2 الغمر: بكسر العين: الحفد وزنا ومعنى. قال في اللسان: وفي حديث الشهادة "ولا ذي غمر على أخيه" أي: ضغن وحقد.

لقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ... } 1 وقال في القاذف: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ... } 2 ويقاس عليه كل مرتكب كبيرة، لأنه لا يؤمن من مثله شهادة الزور. واعتبر في الصغائر الكثرة، لأن الحكم للأغلب بدليل قوله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 3 ولا يقدح فيه فعل صغيرة نادرا، لأن أحدا لا يسلم منها، ولهذا يروى مرفوعا: "إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما؟ " والكبيرة: ما فيه حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة. نص عليه. وقال الشيخ تقي الدين: أو لعنة، أو غضب، أو نفي الإيمان. انتهى. والصغيرة: ما دون ذلك. 2-"استعمال المروءة" الإنسانية "بفعل ما يجمله ويزينه" عادة كالسخاء وحسن الخلق، وحسن المجاورة ونحوها، "وترك ما يدنسه ويشينه" من الأمور الدنية المزرية به. "فلا شهادة، لمتمسخر" أي: مستهزئ "ورقاص، ومشعبذ" والشعبذة: خفة في اليدين كالسحر. "ولاعب بشطرنج ونحوه" كنرد، ولو خلا من القمار، لحديث أبي موسى مرفوعا: "من لعب بالنردشير فقد عصى الله ورسوله" رواه أبو داود. وعن واثلة بن الأسقع مرفوعا: "إن لله عز وجل في كل يوم

_ 1 الحجرات: من الآية/6. 2 النور: من الآية/4. 3 الأعراف: من الآية/8.

ثلاثمائة وستين نظرة، ليس لصاحب الشاه منها نصيب" رواه أبو بكر. ومر علي، رضي الله عنه، على قوم يلعبون بالشطرنج، فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟! والنرد أشد من الشطرنج. نص عليه أحمد، للاتفاق عليه، وثبوت الخبر فيه. "ولا لمن يمد رجليه بحضرة الناس، أو يكشف من بدنه ما جرت العادة بتغطيته، ولا لمن يحكي المضحكات، ولا لمن يأكل بالسوق، ويغتفر اليسير كاللقمة والتفاحة" ولا لمغن وطفيلي، ومتزي بزي يسخر منه، وأشباه ذلك مما يأنف منه أهل المروءات، لأنه لا يأنف من الكذب بدليل ما روى أبو مسعود البدري مرفوعا: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" رواه البخاري.

فصل ومتى وجد الشرط ... إلخ

فصل ومتى وجد الشرط ... إلخ ... فصل ومتى وجد الشرط ... "بأن بلغ الصغير، وعقل المجنون، وأسلم الكافر، وتاب الفاسق: قبلت الشهادة بمجرد ذلك" لزوال المانع. "ولا تشترط الحرية، فتقبل شهادة العبد والأمة في كل ما تقبل فيه شهادة الحر والحرة" لعموم الآيات والأخبار، والعبد داخل فيها، فإنه من رجالنا، وتقبل روايته، وفتواه، وأخباره الدينية فقبلت شهادته، لأنه عدل غير متهم، فأشبه الحر. وتقدم حديث عقبة بن الحارث في الرضاع. ولا تقبل شهادته في الحد، لأنه يدرأ بالشبهات، وفي شهادة العبد شبهة، لوقوع الخلاف فيها. قاله في الكافي.

"ولا يشترط كون الصناعة غير دنية" فتقبل شهادة حجام وحداد وزبال وكناس وقراد ودباب ونحوهم، إذا حسنت طريقتهم في دينهم، لقوله تعالى: { ... إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 1، وتقبل شهادة ولد الزنى في قول الأكثر. قاله في الشرح. وتقبل شهادة بدوي على قروي، لأنه مسلم عدل. وحديث أبي هريرة مرفوعا: -"لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية" - محمول على من لم تعرف عدالته من أهل البدو. "ولا كونه بصيرا: فتقبل شهادة الأعمى بما سمعه حيث تيقن الصوت، وبما رآه قبل عماه" لعموم الآيات، ولأنه عدل مقبول الرواية فقبلت شهادته، كالبصير.

_ 1 الحجرات: من الآية/13.

باب موانع الشهادة

باب موانع الشهادة: "وهي ستة:" "1- كون الشاهد أو بعضه ملكا لمن يشهد له" لأن القن يتبسط في مال سيده، وتجب نفقته عليه، كالأب مع ابنه. "وكذا لو كان زوجا له" لتبسط كل منهما في مال الآخر، وإضافته إليه، واتساعه بسعته، وتقدم قول عمر لعبد الله بن عمرو بن الحضرمي في حد السرقة. "ولو في الماضي" بأن يشهد أحد الزوجين للآخر بعد طلاق بائن أو خلع: فلا تقبل، لتمكنه من بينونتها للشهادة، ثم يعيدها.

"أو كان من فروعه، وإن سفلوا من ولد البنين والبنات، أو من أصوله، وإن علوا" فلا تقبل شهادة بعضهم لبعض، للتهمة بقوة القرابة. وعن عائشة مرفوعا: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا ذي غمر على أخيه، ولا ظنين في قرابة ولا ولاء" ورواه الخلال بنحوه من حديث عمر وأبي هريرة، ورواه أحمد وأبو داود بنحوه من حديث عمرو بن شعيب. والظنين: المتهم، وكل من الوالدين والأولاد متهم في حق الآخر، لأنه يميل إليه بطبعه، ولهذا قال النبي، صلى الله عليه وسلم "فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها". "وتقبل" شهادة الشخص "لباقي أقاربه: كأخيه" لعموم الآيات، ولأنه عدل غير متهم. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن شهادة الأخ لأخيه جائزة. "وكل من لا تقبل" شهادته "له فإنها تقبل عليه" لعدم التهمة فيها. قال الله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} 1 2-"كونه يجر بها نفعا لنفسه: فلا تقبل شهادته لرقيقه" ولو مأذونا له، "ومكاتبه" لأنه رقيقه، لحديث: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" "ولا لمورثه بجرح قبل اندماله" لأنه قد يسري إلى نفسه فتجب الدية للشاهد بشهادته، فكأنه شهد لنفسه. "ولا لشريكه فيما هو شريك فيه" لاتهامه. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا.

_ 1 النساء: من الآية/135.

"ولا لمستأجره فيما استأجره فيه" نص عليه. كمن نوزع في ثوب استأجر أجيرا لخياطته ونحوها فلا تقبل للتهمة فيه. "3- أن يدفع بها ضررا عن نفسه: فلا تقبل شهادة العاقلة بجرح شهود قتل الخطأ" وشبه العمد، لأنهم متهمون في دفع الدية عن أنفسهم، ولو كان الشاهد فقيرا أو عبدا، لجواز أن يوسر أو يموت من هو أقرب منه. "ولا شهادة الغرماء بجرح شهود دين على مفلس" أو ميت تضيق تركته عن ديونهم، لما في ذلك من توفير المال عليهم. قال الزهري: مضت السنة في الإسلام أن لا تجوز شهادة خصم، ولا ظنين. وهو: المتهم. قاله في الشرح. "ولا شهادة الضامن لمن ضمنه بقضاء الحق أو الإبراء منه" لأنه متهم بقصد دفع الضمان عن نفسه. "وكل من لا تقبل شهادته له تقبل شهادته بجرح شاهد عليه" كسيد يشهد بجرح شاهد على قنه ومكاتبه، لأنه متهم بدفع الضرر عن نفسه. "4- العداوة لغير الله تعالى: كفرحه بمساءته، وغمه لفرحه، وطلبه له الشر، فلا تقبل شهادته على عدوه" في قول أكثر أهل العلم، لحديث "ولا ذي غمر على أخيه" قاله في الشرح. ولأنه يتهم بإرادة الضرر بعدوه. "إلا في عقد النكاح" فتقبل شهادته فيه، لأن القصد إعلانه ولا تهمة. "5- العصبية: فلا شهادة لمن عرف بها، كتعصب جماعة على جماعة، وإن لم تبلغ رتبة العداوة" لما تقدم.

"6- أن ترد شهادته لفسقه، ثم يتوب ويعيدها" فلا تقبل للتهمة في أنه إنما تاب لتقبل شهادته لإزالة العار الذي لحقه بردها، ولأنه ردت بالاجتهاد فقبولها نقص لذلك الاجتهاد. "أو يشهد لمورثه بجرح قبل برئه" فترد شهادته، "ثم يبرأ ويعيدها، أو ترد لدفع ضرر، أو جلب نفع، أو عداوة، أو ملك، أو زوجية، ثم يزول ذلك" المانع. "وتعاد" الشهادة، فلا تقبل في الجميع لأنها ردت للتهمة، فلا تقبل إذا أعيدت، كالمردود للفسق. "بخلاف ما لو شهد، وهو كافر أو غير مكلف أو أخرس ثم زال ذلك" المانع بأن أسلم الكافر، أو كلف غير المكلف، أو نطق الأخرس، "وأعادوها" فإنها تقبل، لأن ردها لهذه الموانع لا غضاضة فيه، ولا تهمة، بخلاف ما قبلها.

باب أقسام المشهود به

باب أقسام المشهود به مدخل ... باب أقسام المشهود به: "وهو ستة:" "1- الزنى: فلابد من أربعة رجال" وأجمعوا على اشتراط عدالتهم باطنا وظاهرا. قاله في الشرح. "يشهدون به" أي: الزنى أو اللواط، "وأنهم رأوا ذكره في فرجها" لئلا يعتقد الشاهد ما ليس بزنى زنى، ويقال: زنت العين واليد والرجل ولأن أبا بكرة، ونافع بن الحارث،

وشبل بن معبد شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنى عند عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ولما لم يصرح زياد بذلك بل قال: رأيت أمرا قبيحا: فرح عمر، وحمد الله، ولم يقم الحد عليه، وكان بمحضر من الصحابة، ولم ينكر. "أو يشهدون أنه أقر أربعا" لقوله تعالى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} 1 وقوله: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ... } 2 وقوله، صلى الله عليه وسلم، لهلال بن أمية "أربعة شهداء، وإلا حد في ظهرك....". الحديث، رواه النسائي. "2- إذا ادعى من عرف بغنى أنه فقير ليأخذ من الزكاة: فلا بد من ثلاثة رجال" يشهدون له، لقوله، صلى الله عليه وسلم، في حديث قبيصة "ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة" الحديث، رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. "3- القود والإعسار، وما يوجب الحد والتعزير: فلا بد من رجلين" لأنه يحتاط فيه، ويسقط بالشبهة، فلا تقبل فيه شهادة النساء، لنقصهن، لما روي عن الزهرى قال جرت السنة من عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن لا تقبل شهادة النساء في الحدود قاله في الكافي. "ومثله: النكاح والرجعة، والخلع والطلاق، والنسب والولاء،

_ 1 النور من الآية: 13. 2 النساء: من الآية: 15.

والتوكيل في غير المال" فلا بد من شهادة رجلين، لقوله تعالى في الرجعة: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ... } 1 فنقيس عليه سائر ما ذكرنا، لأنه ليس بمال، ولا المقصود منه المال، أشبه العقوبات. قاله في الكافي. "4- المال وما يقصد به المال: كالقرض. والرهن والوديعة، والعتق والتدبير، والوقف والبيع، وجناية الخطأ" ونحوها. "فيكفي فيه رجلان، أو رجل وامرأتان" لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ... } 2 نص على المداينة، وقسنا عليه سائر ما ذكرنا قاله في الكافي. ولأن المال يدخله البذل والإباحة، وتكثر فيه المعاملة، ويطلع عليه الرجال والنساء فوسع الشرع باب ثبوته. "أو رجل ويمين" لحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد رواه أحمد والترمذي وابن ماجه. ولأحمد في رواية إنما ذلك في الأموال ورواه أيضا عن جابر مرفوعا. وهذا الحديث يروى عن ثمانية: عن علي، وابن عباس، وأبي هريرة، وجابر، وعبد الله بن عمر، وأبي، وزيد بن ثابت، وسعد بن عبادة وقضى به علي بالعراق رواه أحمد والدارقطني، ولأن اليمين تشرع في حق من ظهر صدقه. "لا امرأتان ويمين" وكذا لو شهد أربع نسوة، لأن النساء لا تقبل شهادتهن في ذلك منفردات.

_ 1 الطلاق: من الآية/2. 2 البقرة: من الآية/282.

"ولو كان لجماعة حق بشاهد واحد فأقاموه: فمن حلف أخذ نصيبه" لكمال النصاب من جهته، "ولا يشاركه من لم يحلف" لأنه لا حق له فيه قبل حلفه. "5- داء دابة وموضحة ونحوهما: فيقبل قول طبيب وبيطار واحد، لعدم غيره في معرفته" لأنه مما يعسر عليه إشهاد اثنين، وإن أمكن إشهادهما لم يكتف بدونهما، لأنه الأصل قاله في الكافي. "وإن اختلف اثنان قدم قول المثبت" لأنه يشهد بزيادة لم يدركها النافي. "6- ما لا يطلع عليه الرجال غالبا: كعيوب النساء تحت الثياب والرضاعة، والبكارة. والثيوبة. والحيض، وكذا جراحة وغيرها في حمام وعرس ونحوهما مما لا يحضره الرجال فيكفي فيه امرأة عدل" نص عليه. قال في الشرح: ولا نعلم خلافا في قبول النساء المنفردات في الجملة. انتهى. ولحديث عقبة بن الحارث، وتقدم في الرضاع. وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة وحدها ذكره الفقهاء في كتبهم، لأنه معنى يثبت بقول النساء المنفردات: فلا يشترط فيه العدد، كالرواية والأخبار الدينية. "والأحوط اثنتان" لأن الرجال أكمل منهن، ولا يقبل منهم إلا اثنان فالنساء أولى، فإذا شهد الرجل الواحد بما تقبل فيه شهادة المرأة الواحدة، فقال أبو الخطاب: يكتفى به، لأنه أكمل منها، قاله في الكافي.

فصل لو شهد بقتل العمد رجل وامرأتان

فصل لو شهد بقتل العمد رجل وامرأتان: "لم يثبت شيء" أي: لا قصاص، ولا دية، لأن العمد يوجب القصاص، والمال بدل عنه، فإن لم يثبت الأصل لم يجب بدله، وإن قلنا: موجبه أحد شيئين: لم يتعين أحدهما إلا بالاختيار، فلو أوجبنا الدية وحدها. أوجبنا معينا. قاله في الكافي. "وإن شهدوا بسرقة: ثبت المال" لكمال نصابه. "دون القطع" لأنه حد، فلا يثبت إلا برجلين، والسرقة توجب المال والقطع، وقصور البينة عن أحدهما لا يمنع ثبوت الآخر. "ومن حلف بالطلاق: أنه ما سرق، أو ما غصب ونحوه" نحو ما باع، أو ما اشترى أو وهب. "فثبت فعله" المحلوف أنه ما فعله. "برجل وامرأتين أو رجل ويمين: ثبت المال" لكمال نصابه. "ولم تطلق" زوجته، لأن الطلاق لا يثبت بذلك.

باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة وصفة أدائها

باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة وصفة أدائها مدخل ... باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة وصفة أدائها: قال أبو عبيد: أجمعت العلماء من أهل الحجاز والعراق على إمضاء الشهادة على الشهادة في الأموال، ولدعاء الحاجة إليها، لأنها وثيقة مستدامة لحفظ الأموال، وربما مات المقر فتعذر الرجوع إلى إقراره،

وربما مات شاهد الأصل أو غاب أو مرض، أو نسي فتضيع الحقوق: فاستدرك ذلك بتجويز الشهادة على الشهادة، فتدوم الوثيقة. "الشهادة على الشهادة" أي: صورة تحملها. "أن يقول: أشهد يا فلان على شهادتي: إني أشهد أن فلان بن فلان أشهدني على نفسه بكذا، أو: شهدت عليه، أو: أقر عندي بكذا" أي: لا بد أن يسترعيه شاهد الأصل للشهادة. نص عليه. "ويصح أن يشهد على شهادة الرجلين رجل وامرأتان، ورجل وامرأتان على مثلهم، وامرأة على امرأة فيما تقبل فيه المرأة" كالشهادة بنفس الحق. ولأن الفرع بدل الأصل فاكتفي بمثل عددهم، كأخبار الديانات. وقال ابن بطة: لا بد من أربعة: على كل واحد اثنين، وقال الإمام أحمد: شاهد على شاهد يجوز، لم يزل الناس على هذا: شريح، فمن دونه، إلا أن أبا حنيفة أنكره، قاله في الشرح. "وشروطها أربعة:" "1- أن تكون في حقوق الآدميين" كالأموال: فلا تقبل في حد لله تعالى، لأن مبناه على الستر، والدرء بالشبهات، والشهادة على الشهادة لا تخلو من شبهة، لتطرق احتمال الغلط والسهو. قال في الكافي: وظاهر كلام أحمد أنها لا تقبل في قصاص، ولا حد قذف لأنه عقوبة، فأشبه سائر الحدود، ونص على قبولها في الطلاق لأنه لا يدرأ بالشبهات. انتهى. "2-تعذر شهود الأصل بمرض أو خوف أو غيبة مسافة قصر" لأن من دونها في حكم الحاضر، ذكره أبو الخطاب. ولأن شهادة

الأصل أقوى منها، لأنها تثبت نفس الحق، وهذه لا تثبته، وإنما تثبت الشهادة عليه، ولأن سماع القاضي منهما متيقن، وصدق شاهدي الفرع عليهما مظنون: فلم يقبل الأذى مع القدرة على الأقوى. قاله في الكافي. "ويدوم تعذرهم إلى صدور الحكم، فمتى أمكنت شهادة الأصل" قبل الحكم: "وقف الحكم على سماعها" لزوال الشرط، كما لو كانوا حاضرين، ولأنه قدر على الأصل قبل العمل بالبدل، فأشبه المتيمم يقدر على الماء. 3-"دوام عدالة الأصل والفرع إلى صدور الحكم، فمتى حدث من أحدهم ما يمنعه قبله" أي: الحكم من نحو فسق، أو جنون "وقف" الحكم، لأنه ينبني على الشهادتين معا، فإذا فقد شرط الشهادة لم يجز الحكم بها. 4-"ثبوت عدالة الجميع" لما تقدم. "ويصح من الفرع أن يعدل الأصل" بغير خلاف نعلمه. قاله في الشرح، لأن شهادتهما بالحق مقبولة، فكذلك في العدالة. "لا تعديل شاهد لرفيقه" لأنه يؤدي إلى انحصار الشهادة في أحدهما. "وإن قال شهود الأصل بعد الحكم بشهادة الفرع: ما أشهدناهم بشيء. لم يضمن الفريقان شيئا" لأنه لم يثبت كذب شاهدي الفرع، ولا رجوع شاهدي الأصل، لأن الرجوع إنما يكون بعد الشهادة، وهما أنكرا أصل الشهادة.

فصل لا تقبل الشهادة إلا بأشهد أو شهدت

فصل لا تقبل الشهادة إلا بأشهد أو شهدت ... فصل ولا تقبل الشهادة إلا بأشهد أو شهدت: "فلا يكفي: أنا شاهد" بكذا، لأنه إخبار عما اتصف به، كقوله: أنا متحمل شهادة على فلان بكذا، "ولا أعلم، أو أتحقق، أو أعرف أو أتيقن" لأنه لم يأت بالفعل المشتق من لفظ الشهادة. "أو: أشهد بما وضعت به خطي" لما فيه من الإجمال، والإبهام وفي النكت: القول بالصحة أولى. "لكن لو قال من تقدمه غيره بالشهادة بذلك: أشهد، أو كذلك أشهد: صح" لاتضاح معناه. وعنه: تصح الشهادة، ويحكم بها بدون فعلها المشتق منها. اختاره الشيخ تقي الدين، وقال: لا يعرف عن صحابي، ولا تابعي اشتراط لفظ الشهادة، وفي الكتاب والسنة إطلاق لفظ الشهادة على الخبر المجرد. ذكره في الإنصاف. "وإن رجع شهود المال أو العتق بعد حكم الحاكم: لم ينقض" الحكم، لتمامه ووجوب المشهود للمحكوم له، ورجوعهم لا ينقض الحكم، لأنهم إن قالوا عمدنا: فقد شهدوا على أنفسهم بالفسق، فهما متهمان بإرادة نقض الحكم، وإن قالوا: أخطأنا: لم يلزم نقضه أيضا لجواز خطئهم في قولهم الثاني بأن اشتبه عليهم الحال. "ويضمنون" بدل ما شهدوا به من المال، وقيمة ما شهدوا بعتقه،

لأنهم أخرجوه من يد مالكه بغير حق، وحالوا بينه وبينه، كما لو أتلفوه أو غصبوه، وشهادة الزور من أكبر الكبائر. "وإذا علم الحاكم بشاهد زور بإقراره، أو تبين كذبه يقينا: عزره ولو تاب" كمن تاب من حد بعد رفعه لحاكم. "بما يراه" من ضرب أو حبس ونحوهما، "ما لم يخالف نصا" كحلق لحية، أو قطع طرف، أو أخذ مال، "وطيف به في المواضع التي يشتهر فيها، فيقال: إنا وجدناه شاهد زور فاجتنبوه" ونحوه. ولا يعزر شاهد بتعارض البينة، ولا بغلطه في شهادته، لأن الغلط قد يعرض للصادق العدل.

باب اليمين في الدعاوى

باب اليمين في الدعاوى مدخل ... باب اليمين في الدعاوى: "البينة على المدعي، واليمين على من أنكر" هذه قطعة من حديث خرجه النووي عن ابن عباس. ويشهد له ما تقدم. وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المبينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه. "ولا يمين على من منكر ادعي عليه بحق لله تعالى: كالحد" بلا خلاف. قاله في الشرح، لأنه لو أقر به، ثم رجع: قبل منه، وخلي سبيله بلا يمين، ولأنه يستحب ستره، والتعريض للمقر به ليرجع. "ولو قذفا. والتعزير، والعبادة، وإخراج الصدقة، والكفارة، والنذر" لأنه حق لله تعالى، أشبه الحد. وقال أحمد: لا يستحلف الناس على صدقاتهم. وقال أيضا: لم أسمع ممن مضى جواز الأيمان إلا في الأموال خاصة.

"ولا على شاهد أنكر شهادته، وحاكم أنكر حكمه" لأن ذلك لا يقضى فيه بالنكول، فلا فائدة بإيجاب اليمين، فيه. "ويحلف المنكر في كل حق آدمي يقصد منه المال: كالديون، والجنايات، والإتلاف" لعموم الخبر، وهو ظاهر في القصاص، لقوله: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم". "فإن نكل عن اليمين قضى عليه بالحق" لما تقدم عن عثمان، رضي الله عنه. "وإذا حلف على نفي فعل نفسه، أو نفي دين عليه: حلف على البت" أي: القطع، لحديث ابن عباس أن النبي، صلى الله عليه وسلم، استحلف رجلا، فقال: "قل: والله الذي لا إله إلا هو ما له عندي شيء " رواه أبو داود. ولأن له طريقا إلى العلم به، فلزمه القطع بنفيه. "وإن حلف على نفي دعوى على غيره: كمورثه ورقيقه وموليه: حلف على نفي العلم" نص عليه أحمد، وذكر حديث النسائي عن القاسم بن عبد الرحمن عن النبي، صلى الله عليه وسلم: "لا تضطروا الناس في أيمانهم أن يحلفوا على ما لا يعلمون" وفي حديث الحضرمي "ولكن أحلفه: والله ما يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه" رواه أبو داود. ولأنه لا يمكنه الإحاطة بفعل غيره، فلم يكلف ذلك، بخلاف فعل نفسه. وعنه: اليمين كلها على نفي العلم. وبه قال: الشعبي والنخعي. ذكره في الشرح. "ومن أقام شاهدا بما عداه: حلف معه على البت" فيما يقبل فيه الشاهد واليمين.

"ومن توجه عليه حلف لجماعة: حلف لكل واحد يمينا" لأن حق كل منهم غير حق البقية، وهو منكر للجميع. "ما لم يرضوا بواحدة" فيكتفى بها، لأن الحق لهم، وقد رضوا بإسقاطه فسقط.

فصل واليمين المشروعة التي يبرأ بها المطلوب هي

فصل واليمين المشروعة التي يبرأ بها المطلوب هي: اليمين بالله تعالى لقوله عز وجل: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً} 1 وقوله: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} 2 وقوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} 3 قال بعض المفسرين: من أقسم بالله فقد أقسم بالله جهد اليمين واستحلف النبي، صلى الله عليه وسلم، ركانة بن عبد يزيد في الطلاق: "والله ما أردت إلا واحدة"؟ فقال: والله ما أردت إلا واحدة وقال عثمان لابن عمر تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه. وسواء كان الحالف مسلما أو كافرا، عدلا أو فاسقا، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، لما قال للحضرمي: "فلك يمينه" فقال: إنه رجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، قال: "ليس لك إلا ذلك" وقال الأشعث بن قيس: كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني، فقدمته إلى

_ 1 المائدة: من الآية/106. 2 المائدة: من الآية/107. 3 الأنعام: من الآية/109.

النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال لي: "هل لك بينة؟ " فقال: لا، قال لليهودي "احلف ثلاثا"، قلت: إذا يحلف فيذهب بمالي. فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً ... } 1 إلى آخر الآية رواه أبو داود. وأين حلف، ومتى حلف أجزأ وحلف عمر في حكومته لأبي في النخل في مجلس زيد، فلم ينكره أحد. "وللحاكم تغليظ اليمين فيما له خطر، كجناية لا توجب قودا وعتق، ومال كثير قدر نصاب الزكاة" لا فيما دون ذلك، لأنه يسير. "فتغليظ يمين المسلم أن يقول: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، الطالب الغائب، الضار النافع، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" لحديث ابن عباس السابق. وقال الشافعي: رأيتهم يؤكدون اليمين بالمصحف، ورأيت ابن مارن قاضي صنعاء يغلظ اليمين به. قال ابن المنذر: لا نترك سنة النبي، صلى الله عليه وسلم، لفعل ابن مارن ولا غيره. "ويقول اليهودي: والله الذي أنزل التوراة على موسى، وفلق له البحر، وأنجاه من فرعون وملئه، ويقول النصراني: والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، وجعله يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص" لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، - يعني: لليهود - "نشدتكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى: ما تجدون في التوراة على من زنى؟ " رواه أبو داود. وتغليظها في الزمان: أن يحلف بعد العصر، لقوله تعالى:

_ 1 آل عمران: من الآية/77.

{تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} 1 قال بعض المفسرين: أي: صلاة العصر. ولفعل أبي موسى، وفي المكان بين الركن والمقام بمكة، لزيادة فضيلته، وبالقدس عند الصخرة، لفضيلتها. وفي سنن ابن ماجه مرفوعا: "هي من الجنة" وعند المنبر في سائر البلاد، لما روى مالك والشافعي وأحمد عن جابر مرفوعا "من حلف على منبري هذا يمينا آثمة فليتبوأ مقعده من النار" وقيس عليه باقي منابر المساجد. ويحلف الذمي بموضع يعظمه. قال الشعبي لنصراني: اذهب إلى البيعة. وقال كعب بن سوار في نصراني: اذهبوا به إلى المذبح. ولأنه ثبت التغليظ في أهل الذمة، فنقيس عليهم غيرهم. قاله في الكافي. "ومن أبى التغليظ لم يكن ناكلا" عن اليمين، لأنه بذل الواجب عليه فوجب الإكتفاء به، لحديث ابن عمر مرفوعا: "ومن حلف له بالله فليرض" رواه ابن ماجه. "وإن رأى الحاكم ترك التغليظ فتركه كان مصيبا" لموافقته مطلق النص.

_ 1 المائدة: من الآية/106.

ولأنه إذا وجب الحكم بالبينة فلأن يجب بالإقرار مع بعده من الريبة أولى. قاله في الكافي. "لا يصح الإقرار إلا من مكلف مختار" لحديث "رفع القلم عن ثلاثة" وتقدم. وحديث: "عفي لأمتي عن الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه" رواه سعيد. "ولو هازلا بلفظ أو كتابة لا بإشارة، إلا من أخرس" إذا كانت مفهومة، لقيامها مقام نطقه ككتابته. "لكن لو أقر صغير أو قن، أذن لهما في تجارة في قدر ما أذن لهما فيه: صح" لفك الحجر عنهما فيه، ولأنه يصح تصرفهما فيه فصح إقرارهما به. "ومن أكره ليقر بدرهم فأقر بدينار، أو ليقر لزيد فأقر لعمرو: صح ولزمه" لأنه غير مكره على ما أقر به. "وليس الإقرار بإنشاء تمليك" بل إخبار بما في نفس الأمر. "فيصح حتى مع إضافة الملك لنفسه، كقوله: كتابي هذا لزيد" لأن الإضافة تكون لأدنى ملابسة، فلا تنافي الإقرار به. "ويصح إقرار المريض بمال لغير وارث" حكاه ابن المنذر إجماعا، لأنه غير متهم في حقه. "ويكون من رأس المال" كإقراره في صحته. "وبأخذ دين من غير وارث" لما تقدم، ولأن حالة المرض أقرب إلى الاحتياط لنفسه، وتحري الصدق: فكان أولى بالقبول، بخلاف الإقرار لوارث فإنه متهم فيه.

"لا إن أقر لوارث إلا ببينة" أو إجازة باقي الورثة، كالوصية. وقال مالك: يصح إذا لم يتهم إلا أن يقر لزوجته بمهر مثلها فأقل: فيصح في قول الجميع إلا أن يقر لزوجته بمهر مثلها فأقل: فيصح في قول الجميع إلا الشعبي. ذكره في الشرح. "والاعتبار يكون من أقر له وارثا أو حال الإقرار لا الموت" لأنه قول تعتبر فيه التهمة فاعتبرت حالة وجوده، كالشهادة. "عكس الوصية" فإن الاعتبار فيها بحال الموت - تقدم - فلو أقر لوارثه، فلم يمت حتى صار غير وارث: لم يصح، وإن أقر لغير وارث، فصار وارثا قبل الموت: صح إقراره له. نص عليه أحمد، لأن إقراره لوارث في الأولى، ولغير وارث في الثانية، متهم في الأولى غير متهم في الثانية، فأشبه الشهادة. قاله في الكافي. "وإن كذب المقر له المقر بطل الإقرار" بتكذيبه، "وكان للمقر أن يتصرف فيما أقر به بما شاء" لأنه مال بيده لا يدعيه غيره، أشبه اللقطة، والوجه الثاني: يحفظه الإمام حتى يظهر مالكه، لأنه بإقراره خرج عن ملكه، ولم يدخل في ملك المقر له، وكل واحد منهما ينكر ملكه، فهو كالمال الضائع. قاله في الكافي.

كتاب الاقرار

كتاب الاقرار مدخل مدخل ... كتاب الإقرار: وهو: الاعتراف بالحق. والحكم به واجب، لقوله، صلى الله عليه وسلم: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا: فإن اعترفت فارجمها" ورجم النبي، صلى الله عليه وسلم، ماعزا والغامدية والجهنية بإقرارهم"

فصل والإقرار لقن غيره إقرار لسيده

فصل والإقرار لقن غيره إقرار لسيده: لأنه الجهة التي يصح الإقرار لها، ولأن يد العبد كيد سيده. "ولمسجد أو مقبرة أو طريق ونحوه" كثغر وقنطرة "يصح، ولو أطلق" فلم يعين سببا، كغلة وقف ونحوه، لأنه إقرار ممن يصح إقراره، أشبه ما لو عين السبب، ويكون لمصالحها.

"ولدار أو بهيمة: لا" لأن الدار لا تجري عليها صدقة غالبا، بخلاف المسجد، ولأن البهيمة لا تملك، ولا لها أهليه الملك. "إلا إن عين السبب" كغصب أو استئجار -زاد في المغني: لمالكها- وإلا لم يصح. "ولحمل" آدمية بمال، وإن لم يعزه إلى سبب، لأنه يجوز أن يملك بوجه صحيح فصح له الإقرار المطلق، كالطفل "فإن ولد ميتا أو لم يكن حمل: بطل" لأنه إقرار لمن لا يصح أن يملك، وإن ولدت حيا وميتا: فالمقر به للحي بلا نزاع. قاله في الإنصاف، لفوات شرطه في الميت. "و" إن ولدت "حيا فأكثر: فله بالسوية" ولو كانا ذكرا وأنثى، كما لو أقر لرجل وامرأة بمال، لعدم المزية. "وإن أقر رجل أو امرأة بزوجية الآخر فسكت" صح وورثه بالزوجية، لقيامها بينهما بالإقرار، "أو جحده، ثم صدقه: صح" الإقرار، "وورثه" لحصول الإقرار، والتصديق. ولا يضر جحده قبل إقراره، كالمدعى عليه يجحد، ثم يقر. "لا إن بقي على تكذيبه حتى مات" المقر: فلا يرثه، لأنه متهم في تصديقه بعد موته.

باب ما يحصل به الإقرار وما يغيره

باب ما يحصل به الإقرار وما يغيره: "من ادعى عليه بألف، فقال: نعم، أو صدقت، أو: أنا مقر، أو: خذها، أو: اتزنها، أو اقبضها: فقد أقر" لأن هذه الألفاظ تدل على تصديق المدعي، وتنصرف إلى الدعوى، لوقوعها عقبها، "لا إن قال: أنا أقر" فليس إقرارا بل وعد. "أو: لا أنكر" لأنه لا يلزم من عدم الإنكار الإقرار، لأن بينهما قسما آخر، وهو السكوت، ولأنه يحتمل: لا أنكر بطلان دعواك. "أو: خذ" لاحتمال أن يكون مراده خذ الجواب مني "أو: اتزن، أو: افتح كمك" لاحتمال أن يكون ل شيء غير المدعى به، أو: اتزن من غيري، أو: افتح كمك للطمع. "و: بلى، في جواب: أليس لي عليك كذا؟ إقرار" بلا خلاف، لأن نفي النفي إثبات. "لا: نعم، إلا من عامي" فيكون إقرارا، كقوله: عشرة غير درهم - بضم الراء -: يلزمه تسعة، لأن ذلك لا يعرفه إلا الحذاق من أهل العربية. وفي حديث عمرو بن عبسة....فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله: أتعرفني؟ فقال: "نعم أنت الذي لقيتني بمكة"، قال: فقلت: بلى قال في شرح مسلم: فيه صحة الجواب ببلى، وإن لم

يكن قبلها نفي، وصحة الإقرار بها، قال: وهو الصحيح من مذهبنا، أي: مذهب الشافعية. "وإن قال: اقض دين عليك ألفا، أو: هل لي: أو لي عليك ألف؟ فقال: نعم" فقد أقر له، لأن نعم صريحة في تصديقه. "أو قال: أمهلني يوما، أو حتى أفتح الصندوق" فقد أقر، لأن طلب المهلة يقتضي أن الحق عليه. "أو قال: له علي ألف إن شاء الله" فقد أقر له به. نص عليه. "أو: إلا أن يشاء الله" فقد أقر له به، لأنه علق رفع الإقرار على أمر لا يعلمه، فلا يرتفع. "أو" قال: له علي ألف، لا تلزمني إلا أن يشاء "زيد: فقد أقر" له بالألف، لما تقدم. "وإن علق بشرط لم يصح، سواء قدم الشرط، كـ: إن شاء زيد فله علي دينار" أو: إن قدم زيد فلعمرو علي كذا، لأنه لم يثبت على نفسه شيئا في الحال، وإنما علق ثبوته على شرط، والإقرار إخبار سابق، فلا يتعلق بشرط مستقبل، بخلاف تعليقه على مشيئة الله عز وجل: فإنها تذكر في الكلام تبركا وتفويضا إلى الله تعالى، كقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ... } 1 وقد علم الله أنهم سيدخلونه بلا شك. وقال القاضي: يكون إقرارا صحيحا، لأن الحق الثابت في الحال. لا يقف على شرط مستقبل، فسقط الاستثناء. قاله في الكافي.

_ 1 الفتح: من الآية/27.

"أو أخوه، كـ: له علي دينار إن شاء زيد أو: قدم الحاج" أو: جاء المطر: فلا يصح الإقرار، لما بين الإخبار والتعليق على شرط مستقبل من التنافي. "إلا إذا قال: إذا جاء وقت كذا فله علي دينار: فيلزمه في الحال" لأنه بدأ بالإقرار فعمل به، وقوله: إذا جاء وقت كذا، يحتمل أنه أراد المحل: فلا يبطل الإقرار بأمر محتمل. "فإن فسره بأجل أو وصية: قبل بيمينه" لأن ذلك لا يعلم إلا منه، ويحتمله لفظه. وقال في الكافي: وإن قال: له علي ألف إذا جاء رأس الشهر: كان مقرا، لأنه بدأ بالإقرار، وبين بالثاني المحل. وإن قال: إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف: فليس بإقرار، لأنه بدأ بالشرط، وأخبر أن الوجوب إنما يوجد عند رأس الشهر، والإقرار لا يتعلق على شرط. انتهى. "ومن ادعى عليه بدينار، فقال: إن شهد به زيد فهو صادق: لم يكن مقرا" لأن ذلك وعد بتصديقه له في شهادته لا تصديق.

باب فيما إذا وصل بالإقرار ما يغيره

باب فيما إذا وصل بالإقرار ما يغيره مدخل ... باب فيما إذا وصل بالإقرار ما يغيره: "إذا قال: له علي من ثمن خمر ألف: لم يلزمه شيء" لأنه أقر بثمن خمر، وقدره بالألف، وثمن الخمر لا يجب. "وإن قال:" له علي "ألف من ثمن خمر: لزمه" وكذا إن قال: له علي ألف من ثمن مبيع لم أقبضه، أو ألف لا تلزمني، أو من مضاربة، أو وديعة تلفت، وشرط

علي ضمانها، ونحو ذلك، لأن ما ذكر بعد قوله: علي ألف رفع لجميع ما أقر به فلا يقبل، كاستثناء الكل. "ويصح استثناء النصف فأقل" لأنه لغة العرب. قاله الله تعالى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} 1 قال أبو إسحاق الزجاج: لم يأت الاستثناء إلا في القليل من الكثير، فلو قال: مائة إلا تسعة وتسعين لم يكن متكلما بالعربية. "فيلزمه عشرة في" قوله "له علي عشرة إلا ستة" لبطلان الاستثناء. "و" يلزمه "خمسة في" قوله "ليس لك علي عشرة إلا خمسة" لأنه استثناء النصف، والاستثناء من النفي إثبات "بشرط أو لا يسكت ما يمكنه الكلام فيه" أو يأتي بكلام أجنبي بين المستثنى منه، والمستثنى، لأنه إذا سكت بينهما، أو فصل بكلام أجنبي: فقد استقر حكم ما أقر به، فلم يرفع، بخلاف ما إذا اتصل، فإنه كلام واحد. "وأن يكون من الجنس والنوع" أي: جنس المستثنى منه ونوعه. "فله علي هؤلاء العبيد العشرة إلا واحدا" فاستثناؤه "صحيح" لوجود شرائطه، لأنه إخراج لبعض ما يتناوله اللفظ بموضوعه،

_ 1 العنكبوت: من الآية/14.

"ويلزمه تسعة" ويرجع إليه في تعيين المستثنى، لأنه أعلم بمراده، فلو ماتوا أو قتلوا أو غصبوا إلا واحدا، فقال: هو المستثنى قبل منه ذلك بيمينه. "وله علي مائة درهم إلا دينارا: تلزمه المائة" ولم يصح الاستثناء في إحدى الروايتين. اختارها أبو بكر، لأنه استثناء من غير الجنس، وغير الجنس ليس بداخل في الكلام، وإنما سمي استثناء تجوزا، وإنما هو استدراك، ولا دخل له في الإقرار، لأنه إثبات للمقر به، فإذا ذكر الاستدراك بعده كان باطلا. وعنه: يصبح. اختارها الخرقي، لأن النقدين كالجنس الواحد، لاجتماعهما في أنهما قيم المتلفات، وأروش الجنايات، ويعبر بأحدهما عن الآخر، وتعلم قيمته منه، فأشبه النوع الواحد بخلاف غيرهما. "وله هذه الدار إلا هذا البيت قبل ولو كان أكثرها" أي: الدار، لأن الإشارة جعلت الإقرار فيما عدا المستثنى فالمقر به معين، فوجب أن يصح. "لا إن قال: إلا ثلثيها، ونحوه" كـ: إلا ثلاثة أرباعها، فلا يصح، لأن المستثنى شائع، وهو أكثر من النصف. "وله الدار ثلثاها، أو عارية، أو هبة، عمل بالثاني" وهو قوله: ثلثاها، أو عارية، أو هبة، ولا يكون إقرارا، لأنه رفع بآخر كلامه ما دخل في أوله، وهو بدل بعض في الأول، واشتمال فيما بعده، لأن قوله: له الدار، يدل على الملك، والهبة بعض ما يشتمل عليه، كأنه قال: له ملك الدار هبة، كقوله سبحانه {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ

الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 1 فهو في معنى الاستثناء في كونه إخراجا للبعض، ويفارقه في جواز إخراج أكثر من النصف. قاله في الكافي. ويصح الاستثناء من الاستثناء لقوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ*إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلَّا امْرَأَتَهُ} 2 فمن قال عن آخر: له علي سبعة إلا ثلاثة، إلا درهما: لزمه خمسة، لأن الاستثناء إبطال، والاستثناء منه رجوع إلى موجب الإقرار.

_ 1 البقرة: من الآية/217. 2 الحجر:58-60.

فصل ومن باع أو وهب أو عتق عبدا ثم أقر به لغيره لم يقبل

فصل ومن باع أو وهب أو عتق عبدا ثم أقر به لغيره لم يقبل: إقراره: لأنه إقرار غيره. وكذا لو ادعى بعد البيع ونحوه أن المبيع رهن، أو أم ولد ونحوه مما يمنع صحة التصرف. "ويغرمه للمقر به" لأنه فوته عليه بتصرفه فيه. "وإن قال: غصبت هذا العبد من زيد لا بل من عمرو" فهو لزيد، لإقراره له به، ولا يقبل رجوعه عنه، لأنه حق آدمي، ويغرم قيمته لعمرو. "أو: ملكه لعمرو، وغصبته من زيد: فهو لزيد" لإقراره باليد له، "ويغرم قيمته لعمرو" لإقراره له بالملك، ولوجود الحيلولة بالإقرار باليد لزيد. "وغصبته من زيد، وملكه لعمرو: فهو لزيد" لإقراره باليد له،

"ولا يغرم لعمرو شيئا" لأنه إنما شهد له به، أشبه ما لو شهد له بمال بيد غيره. "ومن خلف ابنين ومائتين، فادعى شخص مائة دينار على الميت، فصدقه أحدهما، وأنكر الآخر: لزم المقر نصفها" أي: المائة لإقراره بها على أبيه، ولا يلزمه أكثر من نصف دين أبيه، لأنه يرث نصف التركة، ولأنه يقر على نفسه وأخيه فقبل على نفسه دون أخيه، "إلا أن يكون" المقر. "عدلا، ويشهد، ويحلف معه المدعي. فيأخذها وتكون" المائة. "الباقية بين الاثنين" كما لو شهد بها غير الابن، وحلف المدعي.

باب الإقرار بالمجمل

باب الإقرار بالمجمل مدخل ... باب الإقرار بالمجمل: وهو: ما احتمل أمرين فأكثر على السواء، وقيل: ما لا يفهم معناه عند إطلاقه ضد المفسر. "إذا قال: له علي شيء وشيء أو كذا وكذا" صح إقراره، "وقيل له: فسر" ويلزمه تفسيره. قال في الشرح: بغير خلاف. "فإن أبى حبس حتى يفسر" لأنه امتنع من حق عليه فحبس به، كما لوعينه وامتنع من أداءه. وقال القاضي: إذا امتنع من البيان قيل للمقر له: فسره أنت، ثم يسأل المقر، فإن صدقه ثبت عليه، وإن أبى جعل ناكلا، وقضي عليه. قاله في الكافي. "ويقبل تفسيره بأقل متمول" لأنه شيء وكذا تفسيره بحد قذف، وحق شفعة، لأنه حق عليه، ولا يقبل تفسيره بميتة نجسة، وخمر

وخنزير، لأنها ليست حقا عليه، ولا برد سلام، وتشميت عاطس، ونحوه، لأن ذلك لا يثبت في الذمة، ولا بغير متمول، كقشر جوزة، وحبة بر ونحوهما، لمخالفته لمقتضى الظاهر، ولأن إقراره اعتراف بحق عليه، وهذا لا يثبت في الذمة، لأنه مما لا يتمول عادة. "فإن مات قبل التفسير: لم يؤاخذ وارثه بشيء" ولو خلف تركة، لاحتمال أن يكون حد قذف. "و: له علي مال عظيم، أو خطير، أو كثير، أو جليل، أو نفيس: قبل تفسيره بأقل متمول" لأنه ما من مال إلا وهو عظيم كثير بالنسبة إلى ما دونه، ويحتمل أنه أراد عظمه عنده، لقلة ماله، وفقر نفسه، ولأنه لا حد له شرعا ولا لغة ولا عرفا، ويختلف الناس فيه: فقد يكون عظيما عند بعض حقيرا عند غيره. "وله دراهم كثيرة قبل" تفسيره "بثلاثة" دراهم فأكثر، لأن الثلاثة أقل الجمع، وهي اليقين، فلا يجب ما زاد عليها بالاحتمال. "و: له علي كذا وكذا درهم بالرفع أو النصب: لزمه درهم" أما في الرفع: فلأن تقديره: شيء هو درهم، فالدرهم: بدل من كذا، والتكرار للتأكيد لا يقتضي زيادة، كأنه قال: شيء شيء: هو درهم. والتكرار مع الواو بمنزلة قوله: شيئان، هما: درهم، لأنه ذكر شيئين، وأبدل منهما درهما. وأما في النصب: فالدرهم: مميز لما قبله، فهو مفسر، والدرهم الواحد يجوز أن يكون تفسيرا لشيئين: كل واحد بعفو درهم. اختاره ابن حامد، والقاضي. واختار التميمي: يلزمه

درهمان، لأنه ذكر جملتين فسرهما بدرهم فيعود التفسير إلى كل واحد منهما. قاله في الكافي. وقال بعض النحاة: هو منصوب على القطع كأنه قطع ما أقر به، وأقر بدرهم. "وإن قال: بالجر أو: وقف عليه: لزمه بعض درهم، ويفسره" لأنه في الجر مخفوض بالإضافة، فالمعنى: له بعض درهم. وإذا كرر يحتمل أن يكون إضافة جزء إلى جزء، ثم أضاف الجزء الأخير إلى الدرهم. وفي الوقف يحتمل أنه مجرور، وسقطت حركته للوقف. "و: له علي ألف ودرهم، أو ألف ودينار، أو ألف وثوب، أو ألف إلا دينارا: كان المبهم" في هذه الأمثلة ونحوها "من جنس المعين" لأن العرب تكتفي بتفسير إحدى الجملتين عن الأخرى، كقوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} 1 والمراد: تسع سنين فاكتفى بذكره في الأول ولأنه ذكر مبهما مع مفسر، ولم يقم الدليل على أنه ليس من جنسه فوجب حمله عليه. وأما الاستثناء فلأن العرب لا تستثني الإثبات إلا من الجنس، فمتى علم أحد الطرفين علم الآخر، كما لو علم المستثنى منه. ويقال: الاستثناء معيار العموم. وأما إن قال: مائة وخمسون درهما، واحد وعشرون درهما فالكل دراهم. قال في الشرح: بغير خلاف نعلمه. انتهى، لقوله: {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} 2 و {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} 3

_ 1 الكهف الآية: 25. 2 صّ: من الآية/23. 3 يوسف: من الآية/4.

فصل إذا قال له علي ما بين درهم وعشرة

فصل إذا قال له علي ما بين درهم وعشرة: "لزمه ثمانية" لأنها ما بينهما، وذلك هو مقتضى لفظه. "ومن درهم إلى عشرة" لزمه تسعة. "أو: بين درهم إلى عشرة: لزمه تسعة" لأنه جعل العشرة غاية، وهي غير داخلة. قال الله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} 1 بخلاف ابتداء الغاية: فإنه داخل في معناه. "و: له" علي "درهم، قبله درهم، وبعده درهم، أو: درهم ودرهم ودرهم: لزمه ثلاثة" دراهم، لأن قوله قبله، وبعده ألفاظ تجري مجرى العطف، لأن معناها الضم فكأنه أقر بدرهم، وضم إليه الآخرين، ولأن قبل وبعد يستعملان للتقديم والتأخير في الوجوب، فيحمل عليه. "وكذا: درهم درهم درهم" يلزمه ثلاثة دراهم، "فإن أراد التأكيد: فعلى ما أراد" أي: قبل منه ذلك، لأنه قابلة للتأكيد، لعدم العاطف. "و: له درهم بل دينار: لزماه" لأن الإضراب رجوع عما أقر به لآدمي، ولا يصح فيلزمه كل منهما.

_ 1 البقرة: من الآية/187.

"و: له درهم في دينار: لزمه درهم" لأنه المقر به فقط، وقوله: في دينار لا يحتمل الحساب، ويجوز أن يريد: في دينار لي. "فإن قال: أردت العطف" أي: درهم ودينار ونحوه، "أو معنى: مع" كـ: درهم مع دينار "لزماه" أي: الدرهم والدينار، كما لو صرح بحرف العطف أو بمع. "و: له درهم في عشرة: لزمه درهم" لإقراره به، وجعله العشرة محلا له، ولأنه يحتمل: في عشرة لي. "ما لم يخالفه عرف" بلد المقر، واستعمالهم "فيلزمه مقتضاه" أي: عرفهم واستعمالهم "أو يريد الحساب، ولو جاهلا: فيلزمه عشرة" دراهم، لأنها حاصل الضرب عندهم. "أو يريد الجمع: فيلزمه أحد عشر" لأنه أقر على نفسه بالأغلظ، وكثير من العوام يريدون بهذا اللفظ هذا المعنى، أي: درهم مع عشرة. "و: له تمر في جراب، أو سكين في قراب، أو ثوب في منديل: ليس بإقرار الثاني" لأن إقراره لم يتناول الظرف، فيحتمل أنه أراد: في ظرف لي، ولأنهما شيئان متغايران لا يتناول الأول منهما الثاني، ولا يلزم أن يكون الظرف والمظروف لواحد، والإقرار إنما يكون مع التحقيق لا مع الاحتمال. "و: له خاتم فيه فص، أو سيف بقراب: إقرار بهما" لأن الفص جزء من الخاتم، أشبه ما لو قال: ثوب فيه علم. والباء في قوله: بقراب:

باء المصاحبة، فكأنه قال: سيف مع قراب، بخلاف: تمر في جراب، فإن الظرف غير المظروف. "وإقراره بشجرة ليس إقرارا بأرضها" لأن الأصل لا يتبع الفرع، بخلاف الإقرار بالأرض، فإنه يشمل غرسها وبناءها، "فلا يملك غرس مكانها لو ذهبت" لأنه غير مالك للأرض. قال في الفروع: ورواية مهنا: هي له بأصلها، فإن ماتت، أو سقطت لم يكن له مرضها، "ولا أجرة" على ربها "ما بقيت" وليس لرب الأرض قلعها، وثمرتها للمقر له، والبيع مثله. "وله علي درهم، أو دينار: يلزمه أحدهما، ويعينه" ويرجع إليه في تعيينه، كسائر المجملات.

خاتمة

خاتمة: "إذا اتفقا على عقد" من بيع أو إجارة أو غيرهما، وادعى أحدهما فساده نحو: إنه كان حين العقد صبيا، أو غير ذلك، "والآخر صحته" أي: العقد، ولا بينة "فقول مدعي الصحة بيمينه" على المذهب. نص عليه في رواية ابن منصور، لأن الظاهر وقوع العقود على وجه الصحة دون الفساد. قاله في القواعد. وقال الشيخ تقي الدين: وهكذا يجيء في الإقرار، وسائر التصرفات إذا اختلفا: هل وقعت بعد البلوغ، أو قبله؟ لأن

الأصل في العقود الصحة، مثل دعوى البلوغ بعد تصرف الولي، أو تزويج ولي أبع منه لموليته. انتهى. "وإن ادعيا شيئا بيد غيرهما شركة بينهما بالسوية، فأقر لأحدهما بنصفه: فالمقر به بينهما" بالسوية، لاعترافهما أنه لهما على الشيوع فيكون الذاهب منهما، والباقي بينهما. "ومن قال بمرض موته: هذا الألف لقطة فتصدقوا به، ولا مال له غيره: لزم الورثة الصدقة بجميعه، ولو كذبوه" في أنه لقطة. قاله القاضي، لأن أمره بالصدقة به يدل على تعديه فيه على وجه يلزمه الصدقة بجميعه ويقتضي زنه لم يملكه، فيكون إقرارا لغير وارث فيجب امتثاله، كإقراره في الصحة. وقال أبو الخطاب: يلزمهم الصدقة بثلثها، لأنها جميع ماله، فالأمر بالصدقة بها وصية بجميع المال: فلا يلزم منها إلا الثلث. قدمه في الكافي. "ويحكم بإسلام من أقر" بالشهادتين، "ولو مميزا" لأن عليا، رضي الله عنه، أسلم وهو ابن ثمان سنين وتقدم. وقال البخاري: وكان ابن عباس مع أمه من المستضعفين، ولم يكن مع أبيه على دين قومه وقد صح عنه، صلى الله عليه وسلم أنه عرض الإسلام على ابن صياد صغيرا متفق عليه. "أو قبيل موته بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله" لما في الصحيح أن النبي، صلى الله عليه وسلم، عرض الإسلام على أبي طالب، وهو في النزع وعن ابن مسعود أن النبي، صلى الله عليه وسلم، دخل الكنيسة، فإذا هو بيهود، وإذا يهودي يقرأ عليهم

التوراة، فلما أتوا على صفة النبي، صلى الله عليه وسلم، أمسكوا، وفي ناحيتها رجل مريض، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "ما لكم أمسكتم؟ " فقال المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا، ثم جاءه المريض يحبو، حتى أخذ التوراة فقرأ حتى أتى على صفة النبي، صلى الله عليه وسلم، وأمته فقال: هذه صفتك وصفة أمتك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم، لأصحابه: "لوا أخاكم" رواه أحمد. "اللهم اجعلني من أقر بها مخلصا في حياته، وعند مماته، وبعد وفاته، واجعل اللهم هذا خالصا لوجهك الكريم، وسببا للفوز لديك بجنات النعيم، وصلى الله وسلم على أشرف العالم، وسيد بن آدم، وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آل كل وصحبه أجمعين، وعلى أهل طاعتك من أهل السموات وأهل الأرضين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله". وهذا آخر ما تيسر من شرح هذا الكتاب، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وأسأله حسن الخاتمة والمتاب، وأن يتقبل ذلك بمنه وكرمه، وهذا ما قدر العبد عليه، ومن أتى بخير منه فليرجع إليه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه الفقير إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان لنفسه، ولمن شاء الله من بعده. 11 صفر سنة 1322 غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين، آمين.

§1/1