منادمة الأطلال ومسامرة الخيال

ابن بدران

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء واليه يرجع الْأَمر كُله وَهُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم كلما جال الْفِكر فِي تيار هَذَا الْوُجُود انْقَلب الْعقل رَاجعا إِلَى الْإِقْرَار بِوُجُودِهِ ووحدانيته تَعَالَى قهرا فَلَا يُنكره إِلَّا جَاهِل لم ير لمحة من أسرار الْكَوْن وَلم يذقْ قَطْرَة من كوثر حكمته يظْهر الْأَشْيَاء ثمَّ يطويها ويخفي ساعتها ثمَّ يجليها وَيفِيض على قُلُوب من يَشَاء بَيَانهَا واليه الحكم فِي كتمانها وتبيانها وَيُعْطِي كل عصر مَا يَلِيق بقابليته وَمَا يلائم مدنيته الْحَاضِرَة فَهُوَ الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم والمعرضون عَن آثَار حكمته الباهرة صم بكم عمي فهم لَا يعْقلُونَ يناديهم من يُؤْتِي الْحِكْمَة {فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} وهم لَا يسمعُونَ فَلهُ الْحَمد على مَا أولانا من المكاشفة على أسرار مَا أودعهُ من الحكم وإياه نسْأَل الْمَزِيد من إفَاضَة أنوار لَا تَنْقَضِي عجائبها وَلَا تَنْتَهِي غرائبها وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نبيه حَكِيم الْحُكَمَاء وَسيد الْأَنْبِيَاء مُحَمَّد الْمَبْعُوث إِلَى جَمِيع الْأُمَم وعَلى اله وَصَحبه البدور الكاملين مَا نسخت آيَة من آيَات سر الْوُجُود فانسيت أَو أَتَى الله بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا فَأَتَت الصُّحُف على تذكار ذَلِك المنسي تحمل أَخْبَار الماضين للآتين ليتذكر أولو الْأَلْبَاب وليكون لَهُم جدولا يبنون على كل فَرد مِنْهُ الْفُصُول والأبواب وتذكرهم الأطلال والدمن مَا كَانَ لأسلافهم من الْآثَار وينادمهم الخيال فيهبوا للْجدّ والتذكار وَبعد فَيَقُول السَّائِل من وَاجِب الْوُجُود أَن يطلعه على أسرار الْحِكْمَة ويجعله مظْهرا لتِلْك النِّعْمَة عبد الْقَادِر بن احْمَد بن مصطفى بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد الشهير كأسلافه بِابْن بدران السَّعْدِيّ الدِّمَشْقِي

لج بِي السهر لَيْلَة من اللَّيَالِي مُنْفَردا أنادم الأطلال والخيال فتجلت لي دمشق غادة حسناء مسفرة عَن جمال وَجههَا تَقول أَلا لفتة لأحاديث آثاري وهلا سَاعَة فِي تذكار أخباري فَقلت أَنا كَمَا تعلمين غَرِيب حل مأوى الغرباء كَمَا قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ (وَمَا غمَّة الْإِنْسَان فِي شقة النَّوَى ... وَلكنهَا وَالله فِي عدم الشكل) (وَإِنِّي غَرِيب بَين بست وَأَهْلهَا ... وان كَانَ فِيهَا أسرتي وَبهَا أَهلِي) من قوم تلاعبت بهم الأقطار فحلوا جيرانا بغوطتك الفيحاء فنادمي أبناءك يَا ليلى الغرام وحيي إحباءك المدعين بك الهيام فَقَالَت ألم بِرَبِّك فِينَا وليدا وَلَبِثت فِينَا من عمرك سِنِين ألم تتقلب فِي مدارسي وتلتقط ثمار الْحِكْمَة من مغارسي أما ضممتك إِلَيّ ورمقتك بنظري وسقت إِلَيْك خيري حَتَّى تبنيتك وَمَا تركتك وَكلما تَبَاعَدت عني طلبتك أما هجرتني إِلَى الفرنجة متجولا وأبت إِلَى سواحل إفريقية متحولا فأضرمت فِي قَلْبك نَار غرامي وجذبتك إِلَيّ بمغناطيس هيامي ثمَّ لججت فِي الهجر قَافِلًا إِلَى دوماك جرثومة الهمجية العريقة ببغض الْحُكَمَاء وَالْعُلَمَاء فذقت بهَا ألم التَّعَدِّي والحسد وأضنى حمرها المستنفرة مِنْك الْعقل والجسد وتألب أُولَئِكَ المتوحشون عَلَيْك يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الْحِكْمَة الَّذِي اطلعه الله فِي فُؤَادك ببغيهم وحسدهم ويأبى الله أَلا أَن يتم نوره وَلَو كره هَؤُلَاءِ الجاهلون قلبوا لَك ظهر الْمِجَن ورموك بالإفك ليسوقوا لَك المحن ويخلوا من فضلك ربع الوطن فمددت لإسعافك ساعدا أقوى من الْحَدِيد وأخرجتك من بَينهم رغما عَن انف كل جَبَّار عنيد ورميت حسادك بِسَهْم من سهم القهار وصلت عَلَيْهِم بِسيف قد سل من سطوة الْجَبَّار فذاق فريق مِنْهُم عَذَاب الْهون وارصدت للآخرين {وَمَا رَبك بغافل عَمَّا يعْملُونَ} ثمَّ اصطنعتك لنَفْسي فَمَا أثمرت من ثَمَر إِلَّا وَهُوَ من غرسي فبنعمة رَبك حدث فخلب لبي لطيف كَلَامهَا واتقدت فِيهِ جذوة غرامها وَقلت (مَا بعد جلق للغرام مرام ... وَغَيرهَا وَطن عَليّ حرَام) (لَكِن هِيَ الأقدار تفعل مَا تشا ... صبرا جميلا وَالْكَلَام كَلَام) لبيْك يَا ليلى الْجمال وَيَا سلمى المحاسن أَنا الخاضع لما تأمرين مَا دمت عبد الْقَادِر

ودعيت بِابْن بدران أَنا الهائم فِي إِظْهَار صفاتك الْمُقِيم على محبتك ماكر الجديدان فَقَالَت انك لتعلم هَذَا الْعَصْر الزَّاهِر وَمَا تجلى فِيهِ من الْعُلُوم وَترى مَسْلَك أبنائي وَكَيف يتهافتون على القشر ويتركون اللّبَاب نبذوا الْعلم ظهريا فضمه الغربيون إِلَيْهِم وَإِذا انتبهوا من رقدتهم وجدوا أنفسهم عَالَة عَلَيْهِم فَذكرهمْ بأيامي الْمَاضِيَة علهم يتذكرون وخاطبهم بِمَا كَانَ بِي من الْآثَار وَمَا انفق فِي رياضي على الْعلم من الدِّرْهَم وَالدِّينَار وأعلمهم بِمَا كَانَ بِي من الْمدَارِس وأنبئهم بِتِلْكَ الْمعَاهد الدوارس وَذكرهمْ فان الذكرى تَنْفَع أولي الْأَلْبَاب فلعلهم يَجدونَ ويجتهدون ويتركون التفاخر بالماضي وَقل لشيخهم خل كَانَ ولناشئتهم اترك أَنا ابْن فلَان فان الْمَرْء ابْن تَحْصِيله وشرفه علمه وحكمته (فمثلك من يدعى لكل عَظِيمَة ... ومثلي من يفدى بِكُل مسود) فطوينا بعد الْوَعْد بإجابة الطّلب الْأَحَادِيث وَقلت إِن لم يَفِ الْمُحب لمحبوبه بِمَا أَمر اسْتحق الهجر فِي شرع المحبين وطفقت اقلب الطّرف فِي أسفار المؤرخين وأتطلب مَا كَانَ من أَحَادِيث الماضين وأطوف لرؤية الْمعَاهد والْآثَار الَّتِي بقيت فِي تِلْكَ الدَّار مِمَّا نبا عَنهُ سيف الْقدَم وصبر على طُلُوع الشَّمْس وَالْقَمَر فأرسم مَا اهْتَدَى إِلَيْهِ على صفحات هَذَا السّفر الَّذِي هُوَ قسم من الْأَسْفَار الثَّلَاثَة لتاريخ دمشق وخصصته باسم منادمة الأطلال ومسامرة الخيال ليطابق اسْمه مَعْنَاهُ ثمَّ إِنَّنِي سلكت فِيهِ مسلكا وَهُوَ إِنَّنِي إِذا ذكرت مدرسة أَو آثرا مَا احافظ على تَرْجَمَة منشئه وَلَا أتعرض لتراجم المدرسين فِي الْمدَارِس كَمَا فعله الْعَلامَة عبد الْقَادِر النعيمي فِي كِتَابه تحفة الطَّالِب والدارس لَان الْمدرس إِن كَانَ من الْمَشَاهِير فَمحل تَرْجَمته السّفر الثَّالِث من هَذَا التَّارِيخ وان كَانَ من غَيرهم فَلَيْسَ من شَرط كتابي ان اذكره وايضا انني جعلت هَذَا السّفر اقساما اولها لمدارس الْقُرْآن الْكَرِيم وَثَانِيها للمدارس المختصة بِالْحَدِيثِ وللمشتركة بَينه وَبَين تَعْلِيم الْقُرْآن الْعَظِيم وَثَالِثهَا للمدارس الَّتِي اسست للعلوم الْفِقْهِيَّة والادبية وَهَذَا الْقسم اربعة ابواب اولها لمدارس الْحَنَفِيَّة وَثَانِيها لمدارس الْمَالِكِيَّة

وَثَالِثهَا لمدارس الشَّافِعِيَّة وَرَابِعهَا لمدارس الْحَنَابِلَة وَلَيْسَ الْقَصْد من هَذَا التَّرْتِيب على حسب التَّقَدُّم فِي الزَّمن والوجود وَلَو اشتهرت مدارس للظاهرية اَوْ للزيديه اَوْ لغَيرهم لم تجدني متقاعسا عَن اعطائهم حَقهم فِي التَّرْجَمَة وَرَابِعهَا لمدارس الطِّبّ وَالْحكمَة وخامسها لزوايا الْعِبَادَة وخوانق الصُّوفِيَّة وسادسها للآثار الَّتِي ظَهرت فِي هَذَا الْعَصْر وكل هَذِه الاقسام مرتبَة على حُرُوف المعجم ليسهل الْكَشْف عَنْهَا وسابعها للمساجد فَمَا كَانَ مَشْهُورا مِنْهَا اعطيته من حَقه مَا اتَّصل بِي من تَرْجَمته وَمَا كَانَ مِنْهَا صَغِيرا اَوْ مندرسا اكتفيت باسمه وختمت الْكتاب بخاتمة لبَيَان مَا كَانَ فِي دمشق من المتنزهات الشهيرة وَهَذَا اول الْمَقْصُود وَبِاللَّهِ تَعَالَى استعين وَعَلِيهِ اتوكل

القسم الاول في دور القرآن الكريم

الْقسم الاول فِي دور الْقُرْآن الْكَرِيم دَار الْقُرْآن الخيضرية هَذِه الدَّار لم تزل إِلَى الْآن على رونقها وبهائها ومحلها كَمَا فِي تَنْبِيه الطَّالِب وإرشاد الدارس للفاضل عبد الْقَادِر النعيمي شمَالي دَار الحَدِيث السكرية بالقصاعين اهـ وَقد صحف النَّاس الْيَوْم اسْمهَا فَقَالُوا لَهَا الخضيرية نقلوا الْيَاء الْمُثَنَّاة من بَين الْخَاء وَالضَّاد المعجمتين إِلَى مَا بعد الضَّاد ومحلتها الْآن تعرف بالخضيرية وَهِي مَعْرُوفَة مَشْهُورَة فِي زمننا تُقَام فِيهَا الصَّلَوَات الْخمس ويتعاهدها فِي بعض اللَّيَالِي وَبعد صَلَاة الْفجْر جمَاعَة من المتصوفة الشاذلية الفاسية فيقيمون بهَا الْأَذْكَار ويقرؤون الأوراد وَفِي رَمَضَان يقْرَأ صَحِيح البُخَارِيّ وبعضا من الْكتب أستاذهم فِي زمننا الْعَالم الأديب الْكَاتِب الشَّاعِر الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْمُبَارك وَأما نعتها فَإِنَّهَا وَاقعَة فِي الْجَانِب الشَّرْقِي من الزقاق الْمُسَمّى بالخضيرية بِالتَّصْغِيرِ ويصعد إِلَيْهَا بمرقاتين وجدارها الغربي مَبْنِيّ بِالْحجرِ الأبلق وَتَحْته سِقَايَة وَفِيه الْبَاب وقنطرته من الْحجر الأبلق أَيْضا وَهُوَ متين وَفِي وَسطه صحيفَة من النّحاس مستديرة وَقد رسم عَلَيْهَا مَا صورته رسم بَاب الْمدرسَة الَّتِي أَمر بإنشاء بَابهَا الْأَمِير العالي المولوي القاضوي القطبي ابْن الخيضري قَاضِي الْقُضَاة اسبغ الله عَلَيْهِ ظلاله مِمَّا عمل وَتَحْت هَذِه الصَّحِيفَة شبكة من النّحاس قَائِمَة على هَيْئَة مثلث زاويتها الْعليا تسامت قطب دَائِرَة الصَّحِيفَة وَهَذَا الْوَضع على هندسة لَطِيفَة جدا فَإِذا دَخلهَا الدَّاخِل وخلص من دهليز لَهَا قصير رأى بركَة مَاء للْوُضُوء فِي وَسطهَا وَفِي الْجِدَار القبلي محراب وَفِي الْجِهَة الغربية شباكان مطلان على الطَّرِيق وبجانبهما حجرَة وَاسِعَة وبالجانب الشَّرْقِي حجرتان تَحت إِحْدَاهمَا خلْوَة وبجانبهما خلْوَة أَيْضا

ترجمة الخيضري

وبالجانب الشمالي إيوَان وَفِي صَدره حجرَة وَقد كتب على الْجِدَار فَوق الْبَاب مِنْهَا مَا صورته بِحَمْد الله تَعَالَى اللَّطِيف انشأ هَذِه الْمدرسَة الْمُبَارَكَة على الْفُقَرَاء المتعلمين لِلْقُرْآنِ الْعَظِيم الْفَقِير قَاضِي الْقُضَاة قطب الدّين الخيضري خَادِم السّنة النَّبَوِيَّة إرضاء لله تَعَالَى سنة ثَمَان وَسبعين وَثَمَانمِائَة وبزاوية ملتقى الجدارين الشمالي والشرقي بَاب يدْخل مِنْهُ إِلَى مَكَان متسع وَفِيه ثَلَاثَة بيُوت خلاء وَفِي دهليزها بَاب يصعد مِنْهُ إِلَى غرفَة لَطِيفَة وَقَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب رتب فِيهَا واقفها الجوامك وَالْخبْز للْفُقَرَاء اهـ يَعْنِي الَّذين كَانُوا يتعلمون بهَا الْقُرْآن الْكَرِيم وَلم نر لهَذَا آثرا فِي زمننا تَرْجَمَة الخيضري مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن خيضر بن سُلَيْمَان بن دَاوُد بن فلاح بن ضميدة بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة مُصَغرًا الزبيدِيّ بِضَم الزَّاي الْبُلْقَاوِيُّ الأَصْل الترملي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي وَيعرف بالخيضري نِسْبَة لجد أَبِيه هَكَذَا نسبه الْحَافِظ السخاوي فِي كِتَابه الضَّوْء اللامع لأهل الْقرن التَّاسِع وترجمه بترجمة مُطَوَّلَة كلهَا ثلب وَطعن فِيهِ وَفِي مؤلفاته كَمَا هِيَ عَادَته فِي أقرانه وَلَكِن نَادَى على نَفسه بالتهمة فِي آخر التَّرْجَمَة فَقَالَ وانه فعل معي مَا أَرْجُو أَن يجازى بمقصده عَلَيْهِ اهـ وَهَذَا دَلِيل على انه تحامل عَلَيْهِ فِيمَا كتب عَنهُ ولنلتقط من كَلَامه مَا صفي واليك هُوَ قَالَ ولد لَيْلَة الِاثْنَيْنِ منتصف رَمَضَان سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بقرية بَيت لهيا الْقَرِيبَة من دمشق وَنَشَأ يَتِيما فِي كَفَالَة أمه ثمَّ فَارق سلفه الَّذين هم عرب البلقاء وانحاز إِلَى طَائِفَة الْفُقَهَاء فحفظ التَّنْبِيه والفيتي الحَدِيث والنحو وملحة الْأَعْرَاب ومختصر ابْن الْحجاب الاصولي ثمَّ اشْتغل على عُلَمَاء عصره بالفقه وَالْأُصُول والْحَدِيث والنحو وَهَذِه الْعُلُوم الَّتِي كَانَ لَهَا رواج فِي زَمَنه ثمَّ ارتحل إِلَى بعلبك سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَدخل الْقَاهِرَة مرَارًا وَمَكَّة وَالْمَدينَة وَبَيت الْمُقَدّس ودمياط فَأخذ عَن علمائها وَبعد إِن ذكر السخاوي مَا رَأَيْت خلاصته قَالَ وَمَعَ ذَلِك فَلم يتَمَيَّز

فِي الطّلب يَعْنِي فِي الحَدِيث فضلا عَمَّن هُوَ أَعلَى مِنْهُ فِي الرتب من حفظ وَضبط وغريب وَمَعْرِفَة باصطلاح وَمَا يذاكر بِهِ بَين الْعلمَاء غير أَن لَهُ يقظة فِي الْجُمْلَة وَكِتَابَة تروج عِنْد من لَا يحسن أَو يحسن وَلكنه يُدَارِي أَو يَرْجُو وَالرجل حِين كَانَ مَوْجُودا فِي الْقَاهِرَة لم يكن يتحاشى الْكَلَام فِي شَيْء وَلَا يتَوَقَّف لأجل تَحْرِير أَو تَحْقِيق وَقَول شَيخنَا الْحَافِظ ابْن حجر فِي الأنباء انه الْفَاضِل البارع سمع الْكثير وَكتب الْكثير من الْأَجْزَاء وجد وَقد حصل فِي مُدَّة لَطِيفَة شَيْئا كثيرا وخطه مليح وفهمه جيد ومحاضراته تدل على كَثْرَة استحضاراته يحْتَاج إِلَى تَأْوِيل فِي بعض الْكَلِمَات وَكَذَا وَصفه لَهُ بِالْحِفْظِ بعد ذَلِك لَيْسَ على إِطْلَاقه كَذَا قَالَ السخاوي وَأَقُول مَا عهدنا الْحَافِظ ابْن حجر إِلَّا منصفا فِيمَا يَقُوله فِي تراجم الْعلمَاء وَمَا وجدنَا السخاوي إِلَّا متحاملا على كل من يفوقه وَمن رأى كتب الرجلَيْن يعلم ذَلِك يَقِينا ثمَّ قَالَ السخاوي وَقد اسْتعَار من شَيخنَا ابْن حجر نسخته من الطَّبَقَات الْوُسْطَى لِابْنِ السُّبْكِيّ فَجرد مَا بهَا من الْحَوَاشِي الْمُشْتَملَة على تراجم مُسْتَقلَّة وزيادات فِي أثْنَاء التراجم مِمَّا جردته أَيْضا فِي مُجَلد ثمَّ ضم ذَلِك لتصنيف لَهُ على الْحُرُوف لخص بِهِ طَبَقَات ابْن السُّبْكِيّ مَعَ زَوَائِد وصل إِلَيْهَا بالمطالعة من كتب أمده شَيخنَا بهَا كالموجود من تَارِيخ مصر للقطب الْحلَبِي ونيسابور للْحَاكِم والذيل عَلَيْهِ لعبد الغافر وتاريخ بخاري لفنجار واصبهان وَغير ذَلِك مِمَّا يفوق الْوَصْف وَسَماهُ اللمع الالمعية لأعيان الشَّافِعِيَّة أَقُول أَي مطْعن على مؤرخ جمع مُؤَلفه من أسفار الْمُتَقَدِّمين سَوَاء كَانَت بالإعارة أَو بِالْملكِ وان كَانَ الطعْن فِيهِ من جِهَة مَا جرده من كَلَام ابْن حجر فالسخاوي نَفسه فعل ذَلِك فَتَأمل ثمَّ قَالَ وَكَذَا جرد مَا لشَيْخِنَا من المناقشات مَعَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات مِمَّا هُوَ بهوامش نسخته وَغَيرهَا ثمَّ ضم ذَلِك لتلخيصه الأَصْل وَسَماهُ الْبَرْق اللموع لكشف الحَدِيث الْمَوْضُوع ولخص أَيْضا الْأَنْسَاب لِابْنِ السَّمْعَانِيّ مَعَ ضمه لذَلِك مَا عِنْد ابْن الْأَثِير والرشاطي وَغَيرهمَا من الزِّيَادَات وَنَحْوهَا وَسَماهُ الِاكْتِسَاب فِي تَلْخِيص الْأَنْسَاب وَمَا عَلمته حرر وَاحِدًا مِنْهَا وَاشْتَدَّ حرصي على الْوُقُوف عَلَيْهَا فَمَا أمكن ثمَّ رَأَيْت أَولهَا فِي حَيَاة شَيخنَا وانتقدت عَلَيْهِ إِذْ ذَاك شَيْئا

فَتَأمل أَيهَا الْمنصف كَيفَ طعن فِي كتب الرجل ثمَّ اقر بِأَنَّهُ لم يرهَا ثمَّ قَالَ وَألف معجما سَمَّاهُ الرقم الْمعلم فِي تَرْتِيب الشُّيُوخ وَالسَّمَاع وَالْإِجَازَة على حُرُوف المعجم والمنهل الْجَارِي من فتح الْبَارِي شرح البُخَارِيّ وَشرع فِي شرح ألفية الْعِرَاقِيّ والصفا بتحرير الشفا وَمجمع العشاق على تَنْبِيه الشَّيْخ أبي اسحاق وَاللَّفْظ المكرم بخصائص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالرَّوْض النَّضر فِي حَال الْخضر واللواء الْمعلم فِي مَوَاطِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزهر الرياض فِيمَا شنعه القَاضِي عِيَاض على الإِمَام الشَّافِعِي وتقويم الاسل فِي تَفْضِيل اللَّبن وَالْعَسَل وبغية المبتغي فِي تَبْيِين قَول الرَّوْضَة يَنْبَغِي وَأول مَا ولي مشيخة دَار الحَدِيث ألاشرفية ثمَّ نزعت مِنْهُ وَاسْتقر فِي وكَالَة بَيت المَال وَفِي نظر الخوالي مِنْهَا ثمَّ ترقى لكتابة السِّرّ ثمَّ أضيف إِلَيْهَا قَضَاء الشَّافِعِيَّة وَصَارَت اكثر الْأُمُور الشامية منوطة بِهِ واتسعت دائرته فِي الْأَمْوَال والجهات والأملاك والوظائف والكتب وَغَيرهَا وَحدث بِبَلَدِهِ وأملى ودرس وَوعظ وخطب وَأفْتى مَعَ الوجاهة والاعتلاء وَولي السميساطية وَغَيرهَا من الْمدَارِس زِيَادَة عَن الْمدَارِس الَّتِي تتَعَلَّق بالقضاة كالغزالية والعذراوية وَكَانَت لَهُ صدقَات زَائِدَة وإحسان للغرباء وَبنى بِجَانِب بَيته مدرسة وَبنى تربة عِنْد بَاب مقَام الشَّافِعِي ورتب بهَا صوفية مَعَ شيخ لَهُم من الطّلبَة وَمَا زَالَ ملازما لخدمة السُّلْطَان حَتَّى مَاتَ فِي ربيع الثَّانِي سنة أَربع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بتربته هَذِه وتأسف السُّلْطَان عَلَيْهِ هَذَا ملخص كَلَام السخاوي وترجمه الْحَافِظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فِي كِتَابه أنباء الْغمر فَقَالَ فِي حوادث سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة ورد ابْن المترجم إِلَى الْقَاهِرَة لطلب الحَدِيث وَوَصفه بالفاضل البارع ثمَّ قَالَ سمع الْكثير وَكتب كتبا كَثِيرَة وأجزاء وجد وَحصل فِي مُدَّة لَطِيفَة شَيْئا كثيرا وَكتب عني فِي مُدَّة يسيرَة المجلد الأول من الْإِصَابَة فِي تَمْيِيز الصَّحَابَة وقرأه وعارض عَليّ بِهِ وأتقنه وَنسخ أَيْضا تَعْجِيل الْمَنْفَعَة فِي رجال الْأَرْبَعَة

دار القرآن الجزرية

وقرأه كُله وأتقنه وَسمع عدَّة أَجزَاء وَحضر مجَالِس فِي الامالي وخطه مليح وفهمه جيد ومحاضراته تدل على كَثْرَة استحضاره هَذَا كَلَام الْحَافِظ ابْن حجر مُلَخصا وَمن خطه نقلته وَوَصفه للمترجم إِنَّمَا كَانَ أَيَّام طلبه للْعلم فَإِذا قابلته مَعَ كَلَام السخاوي وجدت الْحَافِظ قد أَتَى بالإنصاف كَمَا هِيَ عَادَته وَعلمت إِن التعصب هُوَ الَّذِي أودى بالعلوم وأهلكها وترجمة صَاحب تَنْبِيه الطَّالِب بِنَحْوِ مَا تقدم وعد من مؤلفاته شرح التَّنْبِيه فِي فروع الشَّافِعِيَّة وَقَالَ أَبُو الْبَقَاء احْمَد البقاعي فِي مُخْتَصره إِن المترجم رتب على تربته لصيق المنجكية بمحلة مَسْجِد الذبان الجوامك وَالْخبْز على الْفُقَرَاء وَعمل مطبخا بِبَاب الفراديس ومطبخا بِالْمَدِينَةِ المنورة اهـ فجزاه الله خيرا دَار الْقُرْآن الجزرية هِيَ دَار أظهرها الدَّهْر بُرْهَة ثمَّ طواها وجلاها فِي وَقت ثمَّ أخفاها ذهبت أحاديثها إِلَّا من القرطاس وتبدلت أحوالها بانتقالها من أنَاس إِلَى أنَاس (امراتع الغزلان غَيْرك البلا ... حَتَّى غَدَوْت مراتع الغزلان) وَالَّذِي أَفَادَهُ كَلَام المؤرخين إِن هَذِه الدَّار قد انطمست آثارها وخفيت رسومها مُنْذُ دهر طَوِيل فقد قَالَ النعيمي فِي تَنْبِيه الطَّالِب ووفاته سنة خمس وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة قيل أَنَّهَا بدرب الْحجر وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ عبد الباسط العلموي فِي مُخْتَصره ووفاته سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَهَذَا الصَّنِيع يَقْتَضِي أَنَّهَا لم تكن مَوْجُودَة فِي زمن أحد مِنْهُمَا وَلما اختصر أَبُو الْبَقَاء البقاعي تَنْبِيه الطَّالِب أسقطها من مُخْتَصره إِشَارَة مِنْهُ إِلَى انه لَا فَائِدَة فِي ذكرهَا لاندارسها وَالْكتاب مَوْجُود فِي ديوَان الْأَوْقَاف بِدِمَشْق إِلَى الْآن فَهِيَ خَارِجَة عَن الْأَوْقَاف رسما ودرب الْحجر هُوَ فِي أَوَاخِر السُّوق الْكَبِير قَرِيبا من الْبَاب الشَّرْقِي وعَلى التَّحْقِيق

ترجمة شمس الدين محمد ابن الجزري

أَنَّهَا صَارَت دَارا للسُّكْنَى فَصَارَت مراتع غزلان بعد إِن كَانَت مراتع عُلَمَاء وطلاب إِلَّا أَن تَرْجِيع الألحان بِالْقُرْآنِ قد فقد مِنْهَا وَنحن أثبتناها فِي منادمة الأطلال تذكارا لَهَا وبيانا لترجمة واقفها تَرْجَمَة شمس الدّين مُحَمَّد ابْن الْجَزرِي هُوَ الإِمَام الْحَافِظ مُحَمَّد بن مُحَمَّد عَليّ بن يُوسُف الدِّمَشْقِي ثمَّ الشِّيرَازِيّ الشَّافِعِي الْمُقْرِئ الْمُحدث وَيعرف بِابْن الْجَزرِي نِسْبَة لجزيرة ابْن عمر وترجمته فِي كثير من كتب التَّارِيخ قَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي حوادث سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة ولد المترجم سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق وتفقه بهَا ولهج بِطَلَب الحَدِيث وَالْقُرْآن وبرز فِي علم الْقرَاءَات وَعمر مدرسة للقراء سَمَّاهَا دَار الْقُرْآن واقرأ النَّاس وَعين لقَضَاء الشَّام مرّة ثمَّ عرض عَارض فَلم يتم لَهُ وَقدم الْقَاهِرَة مرَارًا وَكَانَ مثريا وشكلا حسنا وفصيحا بليغا وَأطَال فِي تَرْجَمته وَهُوَ من المعاصرين لَهُ وَقَالَ الشَّيْخ رَضِي الدّين مُحَمَّد بن احْمَد بن عبد الله الْغَزِّي العامري وَهُوَ من معاصريه أَيْضا فِي كِتَابه بهجة الناظرين إِلَى تراجم الْمُتَأَخِّرين هُوَ الشَّيْخ الْمُحدث الْفَاضِل الأديب المفنن القَاضِي شمس الدّين ثمَّ ذكر تَارِيخ مولده سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة ثمَّ قَالَ قَالَ القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن خطيب الناصرية فِي تَارِيخه كَذَا رَأَيْته بِخَطِّهِ اهـ قَالَ الْغَزِّي وَحضر على ابْن الخباز وروى لنا عَنهُ واتهمه فِي ذَلِك المصريون وَمِنْهُم الْحَافِظ ابْن حجر قلت وَلَا وَجه لاتهامه وَحُضُور ابْن الْجَزرِي عَلَيْهِ مُمكن بل سَمَاعه كَمَا هُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث واخذ عَن جمَاعَة من عُلَمَاء الْإِسْلَام وبرع فِي علم الْقرَاءَات

واتقنها وَأَخذهَا على وَجههَا من أئمتها وبرع فِي زَمَانه وشكره الْأَئِمَّة وَولي خطابة جَامع التَّوْبَة بالعقيبة ثمَّ قَضَاء الشَّافِعِيَّة بِالشَّام من قبل الظَّاهِر برقوق الجركسي لَكِن لم يتم لَهُ الْأَمر وَدخل الْقَاهِرَة واخذ عَن أئمتها وَكَانَ لَهُ صيت فِي ذَلِك الْوَقْت ثمَّ ولي الصلاحية فِي الْقُدس الشريف ثمَّ ذكر أَسْفَاره فِي الأقطار وتنقلاته على سَبِيل الْإِجْمَال ثمَّ قَالَ وَلما قدم المترجم دمشق اجْتمعت عَلَيْهِ وَكَانَ مسنا عِنْده تواضع وَله رياسة ظَاهِرَة وَجلسَ بِجَامِع دمشق عِنْد بَاب الخطابة وَاجْتمعَ عَلَيْهِ بعض الْقُرَّاء والطلبة فَأخذُوا عَنهُ وسمعوا مِنْهُ وَكَانَت بضاعته مزجاة فِي الْعُلُوم سوى الْقُرْآن فانه كَانَ فِيهِ عَلامَة زَمَانه ثمَّ رَحل إِلَى بِلَاد الْعَجم وَكَانَ آخر الْعَهْد بِهِ توفّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة عَن اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ عَاما وَقَالَ فِي الْبَدْر الطالع جد المترجم فِي طلب الحَدِيث بِنَفسِهِ وَقَرَأَ الْفِقْه وَالْأُصُول والمعاني وَالْبَيَان وترجمه الْعَلامَة طاش كبري فِي الشقائق النعمانية بترجمة طَوِيلَة حاصلها انه جمع الْقرَاءَات السَّبع وَالْعشر والاثنتي عشرَة وَدخل الديار المصرية فنشر بهَا الْعلم والقراءات ثمَّ تَأَلُّبُ عَلَيْهِ الْأَعْدَاء حَتَّى ناله ظلم شَدِيد أدّى إِلَى اخذ مَاله وَغَيره فَخرج مِنْهَا إِلَى مَدِينَة بروسا فَأكْرمه السُّلْطَان بايزيد ثمَّ أَتَى دمشق فَلم يكد يصف لَهُ الْمقَام بهَا حَتَّى دهمتها الْفِتْنَة الْعَظِيمَة من قبل تيمورلنك سنة خمس وَثَمَانمِائَة وَلما رَحل عَنْهَا أَخذه مَعَه فِي جملَة من أَخذه من الْفُضَلَاء إِلَى مَا وَرَاء النَّهر وأنزله بِمَدِينَة كشي ثمَّ بسمرقند فاشتهر بهما واقرأ جماعات لَا تحصى وَكثر نَفعه واشتهر فَضله حَتَّى إِن تيمور لما كَانَ بسمرقند اتخذ وَلِيمَة عَظِيمَة فَجَلَسَ فِي ديوانه وَعين جَانب يسَاره لِلْأُمَرَاءِ وجانب يَمِينه للْعُلَمَاء فَقدم فِي ذَلِك الْمجْلس الشَّيْخ الْجَزرِي على السَّيِّد الشريف الْجِرْجَانِيّ الْمَشْهُور وَكَانَ وقتئذ مدرسا بسمرقند فَقَالُوا لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ كَيفَ لَا اقدم رجلا عَالما بِالْكتاب وَالسّنة وَمَا يسْأَل عَمَّا أشكل على السَّائِل مِنْهُمَا إِلَّا حل الأشكال بِالذَّاتِ بِلَا تَأْخِير اهـ

قلت تَأمل وأمعن النّظر فِي هَذِه الْقَضِيَّة وادر انه إِن كَانَ مَا فعله تيمور لأمر سياسي فقد نَشأ عَن فكر عَال ومرتبة فِي السياسة سامية وان كَانَ عَن حب للسّنة فَللَّه در رجال تعرف مَرَاتِب أَصْحَاب الْكَمَال وَلَا تنقص الرِّجَال شَيْئا من حَقّهَا وَالَّذِي يظْهر انه قصد الْأَمر الثَّانِي لَان تيمور مَعَ عتوه وظلمه وبغيه كَانَ مغرما بحب الْعلمَاء وَلَا سِيمَا الكاملون مِنْهُم قَالَ فِي الشقائق ثمَّ لما مَاتَ تيمور سنة سبع وَثَمَانمِائَة فَارق المترجم بِلَاد مَا وَرَاء النَّهر فَدخل خُرَاسَان وهراة وشيراز ويزد ونواحيها وَنشر فِي تِلْكَ الْأَمَاكِن فن الْقرَاءَات والزمه صَاحب شيراز الْقَضَاء بهَا فَأَقَامَ مكْرها وَلما قضى الرَّحْمَن لَهُ بالخلاص سَافر إِلَى الْبَصْرَة ثمَّ إِلَى مَدِينَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اهـ وترجمه السخاوي فِي الضَّوْء اللامع تَرْجَمَة مُطَوَّلَة وَطعن فِيهِ وَفِي رِوَايَته كَمَا هُوَ دأبه فِي عُلَمَاء الحَدِيث الَّذين لم يعظموه وخلاصة مَا قَالَه انه جعل نَفسه عمريا وَقَالَ كَانَ أَبوهُ تَاجِرًا وَحفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن تسع سِنِين وَصلى بِهِ فِي السّنة الْعَاشِرَة ثمَّ ولي الْقَضَاء بِدِمَشْق على مَال يَدْفَعهُ فَلَمَّا تولاه لم يَفِ بِهِ فامتحن لذَلِك وفر إِلَى مصر سنة ثَمَان وَتِسْعين ثمَّ لحق بِبِلَاد الرّوم واتصل بالسلطان بايزيد فَأكْرمه وعظمه وأنزله عِنْده بضع سِنِين فنشر علم الْقرَاءَات والْحَدِيث وانتفعوا بِهِ فَلَمَّا دخل تيمورلنك الرّوم أَخذه مَعَه إِلَى سَمَرْقَنْد فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن مَاتَ تيمور فتحول حِينَئِذٍ إِلَى شيراز فنشر بهَا الْقرَاءَات والْحَدِيث وانتفع بِهِ أَهلهَا وَولي قضاءها وَقَضَاء غَيرهَا من الْبلدَانِ من جِهَة أَوْلَاد تيمورلنك ثمَّ قصد الْحَج سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين فنهب فِي الطَّرِيق وتعوق عَن إِدْرَاك الْحَج فَأَقَامَ يَبِيع وَيَشْتَرِي ثمَّ تيَسّر لَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّة مجاورا وَحدث بهَا ثمَّ سَافر إِلَى بِلَاد الْعَجم ثمَّ قدم الْقَاهِرَة واتصل بالسلطان الاشرف فَعَظمهُ وأكرمه وتصدى للإقراء والتحديث ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة ثمَّ إِلَى الْيمن تَاجِرًا فَأَسْمع بهَا الحَدِيث وأكرمه صَاحبهَا وَوَصله بِحَيْثُ رَجَعَ بِبَضَائِع كَثِيرَة وَعَاد إِلَى مَكَّة ثمَّ إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ إِلَى الْبَصْرَة والى شيراز فَمَاتَ بهَا وَدفن بمدرسته الَّتِي أَنْشَأَهَا هُنَاكَ

ثمَّ سرد السخاوي مصنفاته فَقَالَ هِيَ النشر فِي الْقرَاءَات الْعشْر مجلدان وَاخْتَصَرَهُ بِكِتَاب سَمَّاهُ التَّقْرِيب وتحبير التَّيْسِير فِي الْقرَاءَات الْعشْر والتمهيد فِي التجويد وهما مِمَّا آلفه وَله من الْعُمر سبع عشرَة سنة ونظم الْهِدَايَة فِي تَتِمَّة الْعشْرَة وسماها الدرة وَله من الْعُمر ثَمَانِي عشرَة سنة وَرُبمَا حفظهَا أَو بَعْضهَا بعض شُيُوخه وإتحاف المهرة فِي تَتِمَّة الْعشْرَة وإعانة المهرة فِي الزِّيَادَات على الْعشْرَة نظم وطيبة النشر فِي الْقرَاءَات الْعشْر فِي آلف بَيت والمقدمة فِيمَا على قَارِئ الْقُرْآن أَن يُعلمهُ وَهِي نظم أَيْضا وَقل من يعاني فن التجويد فِي زمننا إِلَّا ويحفظها ومنجد المقرئين وطبقات الْقُرَّاء فِي مُجَلد ضخم وَغَايَة النِّهَايَة فِي أَسمَاء رجال الْقرَاءَات والحصن الْحصين من كَلَام سيد الْمُرْسلين فِي الْأَذْكَار والدعوات وَهُوَ غَايَة فِي الِاخْتِصَار وَالْجمع وعدة الْحصن الْحصين وجنة الْحصن الْحصين وَعرف التَّعْرِيف مُخْتَصره والتوضيح فِي شرح المصابيح وَهُوَ ثَلَاثَة أسفار آلفه فِيمَا وَرَاء النَّهر والبداية فِي عُلُوم الرِّوَايَة وَالْهِدَايَة فِي فنون الحَدِيث نظم والأولوية فِي أَحَادِيث الْأَوْلَوِيَّة وَعقد اللآلي فِي الْأَحَادِيث المسلسلة العوالي والمسند الاحمد فِيمَا يتَعَلَّق بِمُسْنَد احْمَد والمقصد الاحمد فِي رجال احْمَد والمصعد الاحمد فِي ختم مسانيد احْمَد والإجلال والتعظيم فِي مقَام إِبْرَاهِيم والإبانة فِي الْعمرَة من الْجِعِرَّانَة والتكريم فِي الْعمرَة من التَّنْعِيم وَغَايَة المنى فِي زِيَارَة منى وَفضل جبل حراء واحاسن المنن واسنى المطالب فِي مَنَاقِب عَليّ ابْن أبي طَالب والجوهرة فِي النَّحْو وَغير ذَلِك من الرسائل والتعليقات وَقد ذكره الطاووسي فِي مشيخته وَقَالَ انه تفرد بعلو الرِّوَايَة وَحفظ الْأَحَادِيث وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل وَمَعْرِفَة الروَاة الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين اهـ وترجمه الْحَافِظ ابْن حجر فِي مُعْجم شُيُوخه الَّذِي سَمَّاهُ الْمجمع المؤسس للمعجم المفهرس فَذكر نَحوا مِمَّا سبق وَقَالَ كَانَ لَهُ توقيع الدست بِدِمَشْق وَعين لقَضَاء الشَّافِعِيَّة ثمَّ فر إِلَى بِلَاد الرّوم واتصل بِالْملكِ بايزيد بن عُثْمَان وَأقَام عِنْده بضع سِنِين إِلَى وقْعَة الكائنة الْعُظْمَى الَّتِي قتل فِيهَا الْملك بازيد فاتصل بعْدهَا بالأمير تيمور إِلَى أَن قَالَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْفِقْه يَد بل فنه الَّذِي مهر فِيهِ الْقرَاءَات وَله عمل فِي الحَدِيث وَله نظم وسيط اهـ

دار القرآن الدلامية

قلت وفن الْقرَاءَات فِي دمشق ومصر وَغَيرهمَا إِنَّمَا يَدُور على مصنفات ابْن الْجَزرِي فِي زمننا هَذَا وعَلى الشاطبية وشروحها وَرَأَيْت لَهُ كتابا فِي نظم السِّيرَة النَّبَوِيَّة وَأَنا فِي سنّ الصِّبَا وَقد غَابَ الْآن عني وَمن لطيف نظمه مَا قَالَه عِنْد ختم كتاب الشَّمَائِل للْإِمَام التِّرْمِذِيّ (اخلاي أَن شط الحبيب وربعه ... وَعز تلاقيه وناءت مَنَازِله) (وفاتكم أَن تبصروه بعينكم ... فَمَا فاتكم بِالسَّمْعِ هذي شمائله) قَالَ المقريزي وَقد مدحه النواجي بقوله (أيا شمس علم بالقراءات أشرقت ... وحقك قد من الْإِلَه على مصر) (وهاهي بالتقريب مِنْك تضوعت ... عبيرا وأضحت وَهِي طيبَة النشر) وَكتب إِلَيْهِ الْمولى خضر بك يَقُول (لَو كَانَ فِي بَابه للنظم معْجزَة ... الفت فِي مدحه آلفا من الْكتب) (لكنه الْبَحْر فِي كل الْفُنُون فَمَا ... إهداء در إِلَى بَحر من الْأَدَب) فَأَجَابَهُ بقوله (فِي در علمك بَحر الْفضل ذُو لجب ... ودر نظمك عقد فِي حلى الْأَدَب) (الدّرّ فِي الْبَحْر مَعْهُود تكونه ... وَالْبَحْر فِي الدّرّ يُبْدِي غَايَة الْعجب) دَار الْقُرْآن الدلامية ترجمها صَاحب تَنْبِيه الطَّالِب والدارس بقوله هِيَ بِالْقربِ من الماردانية بالجسر الْأَبْيَض بالجانب الشَّرْقِي من الشَّارِع الْآخِذ إِلَى الجسر الْمَذْكُور بالصالحية زَاد العلموي فِي مُخْتَصره وَهِي مَعْرُوفَة انْتهى وفيهَا تربة الْوَاقِف أَنْشَأَهَا الشهَاب الخواجكي الرئيسي الشهابي أَبُو الْعَبَّاس احْمَد بن الْمجْلس الخواجكي زين الدّين دلامة بن عز الدّين نصر الله الْبَصْرِيّ اجل أَعْيَان الخواجكية بِالشَّام إِلَى جَانب دَاره وترجمة السخاوي فِي الضَّوْء اللامع فَقَالَ

احْمَد بن دلامة الخواجا الْبَصْرِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي انشأ مدرسة بصالحية دمشق وتفقه وبرع وَمَات فِي ثامن عشر الْمحرم سنة ثَلَاث وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن بعد الْعَصْر من يَوْمه انْتهى قَالَ البقاعي وَقد قَارب الثَّمَانِينَ قَالَ فِي التُّحْفَة وَقفهَا سنة سبع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة ورتب بهَا إِمَامًا وَله من الْمَعْلُوم مائَة دِرْهَم وقيما وَله مثل الإِمَام وَسِتَّة أَنْفَار من الْفُقَرَاء الغرباء الْمُهَاجِرين فِي قِرَاءَة الْقُرْآن وَلكُل وَاحِد مِنْهُم ثَلَاثُونَ درهما فِي كل شهر ولشيخهم عشرَة وَمن شَرط الإِمَام الرَّاتِب أَن يتَصَدَّى شَيخا لإقراء الْقُرْآن للْجَمَاعَة وَله على ذَلِك عشرُون درهما زِيَادَة على مَعْلُوم الأمامية وَسِتَّة أَيْتَام بالمكتب على بَابهَا وَلكُل وَاحِد مِنْهُم فِي كل شهر عشرَة دَرَاهِم وَقرر لَهُم شَيخا وَله من الْمَعْلُوم سِتُّونَ درهما فِي كل شهر ورتب أَيْضا قَارِئًا لصحيح الإِمَام البُخَارِيّ فِي كل من شهر رَجَب وَشَعْبَان ورمضان وَجعل لَهُ من الْمَعْلُوم مائَة وَعشْرين درهما وناظرا وَله من الْمَعْلُوم فِي الشَّهْر سِتُّونَ درهما وعاملا وَله من الْمَعْلُوم فِي السّنة سِتّمائَة دِرْهَم ورتب للزيت فِي كل عَام مثلهَا وَجعل للشمع ولقراءة البُخَارِيّ وَإِمَام التَّرَاوِيح مائَة دِرْهَم ولأرباب الْوَظَائِف خَمْسَة عشر رطلا من الْحَلْوَى ورأسي غنم أضْحِية وَلكُل يَتِيم جُبَّة قطنية وقميصا ومنديلا فِي كل سنة وَقرر قَارِئ ميعاد فِي يَوْم الثُّلَاثَاء من كل أُسْبُوع وَله فِي الشَّهْر ثَلَاثُونَ درهما وَشرط على أَرْبَاب الْوَظَائِف حفظ حزب الصَّباح والمساء لِابْنِ أبي دَاوُد يقرؤونه بعد صَلَاة الصُّبْح وَالْعصر وان يكون الإِمَام هُوَ الْقَارئ البُخَارِيّ والقارئ على ضريح الْوَاقِف والقيم هُوَ البواب والمؤذن حكى هَذَا ابْن طولون فِي كِتَابه القلائد الجوهرية فِي تَارِيخ الصالحية والنعيمي وَتَبعهُ فِي التَّنْبِيه وَأول من بَاشر الْإِمَامَة بهَا والمشيخة شمس الدّين البانياسي وَقِرَاءَة الميعاد شمس الدّين بن حَامِد وَذكر بَعضهم أَن سَبَب إنشائها أَن الخواجا إِبْرَاهِيم الأسعردي عمر مدرسة بالجسر الْأَبْيَض لَيْسَ لَهَا نَظِير وَجعل بهَا خلاوي فَطلب بهَا رجل من جمَاعَة ابْن دلامة خلْوَة بشفاعة ابْن دلامة فَلم يُعْطه الْخلْوَة الَّتِي طلبَهَا وَأَعْطَاهُ غَيرهَا فَلم يقبلهَا فَقَالَ الخواجا إِبْرَاهِيم لَهُ قل لِابْنِ دلامة يعمر مدرسة مثلهَا ويعمر لَك خلْوَة تريدها فَأخْبرهُ بذلك فَلم ينم تِلْكَ اللَّيْلَة

دار القرآن الرشائية

حَتَّى رسم مَكَانهَا وقاسها فَقَالَ الخواجا إِبْرَاهِيم مَا أردْت بذلك إِلَّا تنهيضه لفعل الْخَيْر قلت وَقد شاهدت تِلْكَ الدَّار أثْنَاء كتابتي لهَذِهِ السطور وَهِي مَعْرُوفَة باسم الدلامية إِلَى الْآن فِي الطَّرِيق الْآخِذ إِلَى الصالحية فِي الْجِهَة الشرقية وَهِي عامرة مَشْهُورَة وحائطها الغربي مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ السَّوْدَاء والصفراء على نمط جميل وبابها مَبْنِيّ على هندسة لَطِيفَة وإتقان يدل على مَا كَانَ للفن المعماري فِي ذَلِك الزَّمن من التَّقَدُّم وَكَأن الْمُتَقَدِّمين كَانُوا يتفننون فِي بِنَاء الْأَبْوَاب فيجعلون لأبواب دور الْقُرْآن طرزا غير طرز أَبْوَاب دور الحَدِيث ولأبواب الحَدِيث شكلا غير شكل أَبْوَاب مدارس الْفِقْه والعلوم ويميزون أَبْوَاب أبنية السلاطين والأمراء لمعاهد الْخَيْر عَن أَبْوَاب أبنية غَيرهم وَمن تَأمل مآثرهم رأى ذَلِك عيَانًا ثمَّ انك إِذا دخلت من الْبَاب أفْضى بك إِلَى صحن لطيف فِي وَسطه بركَة مَاء وَفِي الْجِهَة الشمالية إيوَان لطيف أَيْضا وَفِي الْجِهَة الْقبلية حرم جميل ثَلَاث عشرَة خطْوَة فِي سبع وَفِي الْحَائِط الشَّرْقِي حجرَة وَفِي الغربي حجرَة أَيْضا وَبهَا قبر الْوَاقِف وَلها شباك مطل على الطَّرِيق وَتلك الدَّار الْآن معدة لإِقَامَة الصَّلَوَات الْخمس والأوقات الَّتِي اصْطلحَ عَلَيْهَا أَتبَاع الشَّيْخ إِبْرَاهِيم الرَّشِيدِيّ من المتصوفة واخبرني أحد المقيمين بهَا أَن أَيدي المختلسين تناولتها قَدِيما فَجعلُوا نصفهَا دَارا وَالنّصف الآخر جنينة للورد والأزهار الَّتِي يَزْرَعهَا أهل الصالحية ويبيعونها فَلَمَّا كَانَت سنة ثَلَاثمِائَة وَألف انتدب لَهَا السّري المحسن عَليّ بك ابْن مردم باشا الْمُؤَيد العظمي فاستخلصها من يَد مختلسيها وبناها على الطّراز الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ الْآن دَار الْقُرْآن الرشائية كَانَت هَذِه الدَّار شمَالي الخانقاه السميساطية وَكَانَ الطَّرِيق الَّذِي يمر إِمَام مدفن السُّلْطَان صَلَاح الدّين فَيَأْخُذ إِلَى الشرق يُقَال لَهُ درب الخزاعيين وَبَاب الْجَامِع الشمالي يُقَال لَهُ بَاب الناطفيين فَتغير الِاسْم وَبَقِي الْمَكَان على حَاله

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا عَلَاء الدّين عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن مَحْمُود السنجاري قَالَ الْحَافِظ ابْن كثير فِي تَرْجَمته هُوَ أحد التُّجَّار الْمَشْهُورين والأتقياء الورعين وَمن الأخيار ذَوي الْيَسَار المسارعين إِلَى الْخيرَات توفّي فَجْأَة فِي الْقَاهِرَة لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن عِنْد قبر القَاضِي شمس الدّين الحريري وَمَات عَمَّا ينيف عَن ثَمَانِينَ سنة من الْعُمر وَقَالَ الْحَافِظ البرزالي فِي تَرْجَمته كَانَ رجلا جيدا فِيهِ ديانَة وبر انشأ دَار الْقُرْآن السنجارية ورتب فِيهَا جمَاعَة يقرؤون الْقُرْآن ويتلقونه وَكَانَ لَهُ مواعيد حَدِيث يَعْنِي أوقاتا يحضرها النَّاس لسَمَاع الحَدِيث وَقَالَ العلموي أَنْشَأَهَا سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَقَالَ أَيْضا فِي تَعْرِيفهَا وَهِي الْآن مُتَّصِلَة ببيتي بِبَاب فَتحته من حَائِط مُشْتَرك بَين بَيْتِي وَبَينهَا غير بَابهَا الْمَخْصُوص بهَا انْتهى وَانْظُر آيها الْعَاقِل مُرَاده بِهَذِهِ الْعبارَة الَّتِي قصد بهَا أَن يعرفنا مَكَان بَيته فَتوجه عَلَيْهِ اعْتِرَاض وَفتح عَلَيْهِ فتح ذَلِك الْبَاب بَابا وَهُوَ انه أَشَارَ إِلَى انه أول من سارع من الْقَوْم إِلَى التلاعب بهَا وَأول من انْتظر فرْصَة لضمها إِلَى بَيته وَقد شَاءَ لَهُ الزَّمَان ذَلِك فانه بِهَذَا تصرف بهَا نوعا من التَّصَرُّفَات ثمَّ جَاءَ من بعده فَبَالغ وَهَكَذَا إِلَى أَن صَارَت ملكا تبَاع وتوهب وتورث وَرُبمَا استبدلت بهَا قِرَاءَة الْقُرْآن بنغمات الأوتار وتلون الألحان ومغازلة الغادات والغزلان فبانيها سنّ سنة حَسَنَة فَكَانَ لَهُ اجرها ومختلسها سنّ سنة سَيِّئَة فَكَانَ عَلَيْهِ وزرها وَلَا يضيع عِنْد الله مِثْقَال ذرة دَار الْقُرْآن الصابونية هِيَ الْآن مَوْجُودَة مَشْهُورَة عامرة قَالَ النعيمي هِيَ خَارج دمشق قبلي بَاب الْجَابِيَة غربي الطَّرِيق الْعُظْمَى ومزار اوس بن اوس الصَّحَابِيّ الْجَلِيل رَضِي الله عَنهُ وَبهَا جَامع حسن بمنارة تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة وتربة الْوَاقِف وأخيه وذريتهما انْتهى

وَقد رَأَيْتهَا أثْنَاء كتابتي لهَذِهِ السطور لأصفها عَن مُشَاهدَة فَإِذا هِيَ مُقَابل تربة بَاب الصَّغِير غربي الطَّرِيق الْأَعْظَم الْآخِذ إِلَى بَاب الْمصلى والميدان وجدارها الشَّرْقِي شَاهِق متين مَبْنِيّ بِالْحجرِ الْأَصْفَر بِنَاء متقنا وَبِه نقوش بديعة محفورة بأحجاره وَفِيه الْبَاب وَهُوَ مُرْتَفع أَيْضا يماس اوجه علو الْجِدَار وَصدر قنطرته مزخرف بحجارة محفورة معجنة وَهُوَ على شكل محراب وَفِيه بَاب الْمدرسَة وَهُوَ صَغِير بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَهَذَا الْعَمَل يدل على إتقان الْفَنّ المعماري وقتئذ فَإِذا دخلت من الْبَاب صرت فِي دهليز وَكَانَ عَن يسارك جَامع للمحاسن جَامع تُقَام فِيهِ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَعَن يَمِينك قبَّة لَهَا شباكان مطلان على الطَّرِيق الْأَعْظَم وَفِي الجنوبي مِنْهُمَا فسقية مَاء يردهَا المارون وفيهَا قبر الْوَاقِف وأخيه وَاحِد أَقَاربه والقبور الثَّلَاثَة مَبْنِيَّة بالرخام الْأَبْيَض وَأَعْلَى الْقبَّة كَانَ متهدما فعمر عمَارَة لَطِيفَة وَجعل لَهُ شبابيك من البلور وبجانبها من الغرب حجرَة قد سقط سقفها وَبقيت جدرانها وَلها بَاب إِلَى الدهليز وَفِي داخلها بَاب إِلَى الْقبَّة فَإِذا خلصت من الدهليز وصلت إِلَى صحن الْمدرسَة وَطوله تسع عشرَة خطْوَة فِي عرض سبع عشرَة خطْوَة وَفِيه بركَة مَاء مربعة مَاؤُهَا دَائِم الجريان كَمَا هِيَ عَادَته فِي دمشق وقابلك من الغرب إيوَان فِي صَدره ثَلَاث حجرات وبجانبه الشمالي حجرَة وَعَن يَمِينه دَار للسُّكْنَى وَعَن يسَاره كَذَلِك وَفِي الْجَانِب الجنوبي إيوَان أَيْضا وَفِي صَدره محراب وحجرتان عَن يَمِينه وَعَن يسَاره وَفِي جَانِبه الشَّرْقِي حجرَة أَيْضا وَفِيه بَاب يصعد مِنْهُ إِلَى المنارة وَهِي شاهقة الْبناء حَسَنَة الْوَضع وَفِي الْجَانِب الشمالي بيُوت الْخَلَاء وحجرة إمامها قبران فجملة مَا هُوَ مَوْجُود بهَا عشر حجرات قَالَ النعيمي وَهَذِه الدَّار أَنْشَأَهَا الْمقر الخواجكي شهَاب الدّين احْمَد الشهابي القضائي ابْن علم الدّين سُلَيْمَان بن مُحَمَّد الْبكْرِيّ الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بالصابوني ابْتَدَأَ فِي عمارتها سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَفرغ مِنْهَا سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَشرط الْوَاقِف النّظر لنَفسِهِ ثمَّ لذريته ثمَّ من بعد انقراضهم يكون النّظر نِصْفَيْنِ نصف مِنْهُ لحاجب دمشق يَعْنِي واليها أَو مَالِكهَا كَائِنا من كَانَ وَالنّصف الآخر للْإِمَام وَشرط قِرَاءَة البُخَارِيّ فِي شهور رَجَب وَشَعْبَان ورمضان وَاشْترط فِي الْخَطِيب أَن يكون شَافِعِيّ الْمَذْهَب وَفِي الإِمَام أَن يكون من الطَّائِفَة الجبرتية وَسَيَأْتِي بيانهم

وان يكون حنفيا وان يكون مَعَه تِسْعَة عشر فَقِيرا من جنسه يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن قَالَه أَبُو الْبَقَاء احْمَد البقاعي فِي مُخْتَصره وَفِي التَّنْبِيه عشرَة وَلَعَلَّه هُوَ الْأَصَح وَجعل لسكن الإِمَام وَعِيَاله قاعة وللفقراء عشر حجرات يَعْنِي خلاوي قلت وَهَذِه الحجرات والقاعة مَوْجُودَة الْآن كَمَا مر بَيَانه فان لم يُوجد إِمَام من الجبرتية الْحَنَفِيَّة فَيكون يَمَانِيا فان لم يُوجد فَيكون افاقيا ورتب سِتَّة مؤذنين وَجعل قيمًا وبوابا وفراشا وجابيا للْوَقْف وَبنى أَيْضا تجاه الْمَكَان الْمَذْكُور من الشرق مكتبا للأيتام وَاشْترط أَن تكون عدتهمْ عشرَة ورتب لَهُم شَيخا يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن بمعلومات شَرطهَا لَهُم تصرف عَلَيْهِم من جِهَات عديدة مِنْهَا عدَّة قرى غربي مَدِينَة بيروت اسْمهَا الصابونية وَمِنْهَا جَمِيع قَرْيَة مديرى بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة آخرهَا آلف مَقْصُورَة وَهِي بالغوطة من المرج الشمالي مَعْرُوفَة مَشْهُورَة وَمِنْهَا قَرْيَة ترحيم بالبقاع وَعشرَة افدنة وَنصف فدان وَأَرْبَعَة فدادين بقرية الصويرة وَربع قَرْيَة القرعون بالبقاع وَسِتَّة فدادين من قَرْيَة كحيل بحوران وَعشرَة افدنة وَنصف فدان من قَرْيَة الخيارة قبلي دمشق وَعشرَة افدنة وَنصف فدان من قَرْيَة السبينة الغربية ومزرعة السياف الكائنة بِقرب بَيت الابيار وَربع بُسْتَان بقرية جرمانا وبستان الوثاب بالوادي التحتاني وبستان بِعَين ثرما وَسبع قطع ارْض بقرية سقبا وبستان بقرية حمورية وعدة بساتين ببرزة وَأَرْبَعَة بساتين بجوبر وعدة بساتين بالنيرب الفوقاني وَأَرْبَعَة بساتين بِأَرْض المزة وَمثلهَا بقرية كفرثوثا وَثَلَاثَة بساتين بِأَرْض قبنية فَهَذِهِ هِيَ الْأَرَاضِي والبساتين وَأما المسقفات فَمِنْهَا خَان كَانَ يُسمى بخان البقسماتية وقاعة وَاحِدَة بِعَين اللؤلؤة وحانوت بالدباغة وَأَرْبع طباق بالعقيبة الْكُبْرَى وخان طولون بهَا وَثَلَاثَة حوانيت شركَة الْحَرَمَيْنِ بسوق الْعِمَارَة التحتاني وَكَانَت تسمى عمَارَة الاخنائي وَسِتَّة حوانيت بمحلة مَسْجِد الأقصاب وقاعتين بجوار الْجَامِع الْأمَوِي وَأَرْبع طباق جوَار المارستان النوري وطبقة وَاحِدَة جوَار بَاب الفراديس بِدِمَشْق وَأَرْبَعَة حوانيت بالقضمانية وَسِتَّة حوانيت بِبَاب الْجَابِيَة وخان بمحلة سوق الْهَوَاء وخان بمحلة قصر حجاج وطبقة فَوْقه

الجبرتية

وحانوت غربي النَّخْلَة الطَّوِيلَة قبلي جَامع حسان وَهَذِه النَّخْلَة كَانَت فِي زمن النعيمي والبقاعي وَأما الْآن فَلم يفدنا التَّعْرِيف بهَا شَيْئا هَذَا مَا وَقفه الْوَاقِف واحتسب اجره عِنْد الله تَعَالَى ثمَّ جَاءَ بعده مَمْلُوك لَهُ يُقَال لَهُ يُوسُف الرُّومِي فحذا حَذْو سَيّده فِي أَفعَال الْخَيْر والتربية الْحَسَنَة تفِيد المربى والمربي فَأوقف على الصابونية بستانا غربي مصلى الْعِيدَيْنِ جوَار بُسْتَان الصاحب ومعصرة زيتون بكفرثوثا وقاعة لصيق الْجَامِع وَفِي علوها طبقَة وقاعة أُخْرَى قبلي ذَلِك وفوقها طبقتان الجبرتية حَيْثُ انه قد سبق ذكر الجبرتية أثْنَاء شَرط الْوَاقِف كَانَ الالماع إِلَى تعريفهم وَبَيَان مواطنهم متمما للفائدة موقفا على مزِيد بَيَان تفكهة وتنقلا وَاللَّذَّات فِي التنقل وَلذَا وضعناها بِحَسب مَا كَانَت عَلَيْهِ من قبل وبمقتضى مَا هِيَ عَلَيْهِ الْآن واليك ذَاك قَالَ الْفَاضِل عبد الرَّحْمَن الجبرتي فِي تَارِيخه الْمُسَمّى عجائب الْآثَار بِلَاد جبرت هِيَ بِلَاد الزيلع بأراضي الْحَبَشَة تَحت حكم الخطا ملك الْحَبَشَة وَهِي عدَّة بِلَاد مَعْرُوفَة تسكنها هَذِه الطَّائِفَة وهم الْمُسلمُونَ بذلك الإقليم ويتمذهبون بمذهبي أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَا غير وينتسبون إِلَى سيدنَا اسْلَمْ بن عقيل بن أبي طَالب وهم قوم يغلب عَلَيْهِم التقشف وَالصَّلَاح ويسافرون من بِلَادهمْ بِقصد الْحَج والمجاورة فِي طلب الْعلم ويحجون مشَاة وَلَهُم رواق بِالْمَدِينَةِ المنورة ورواق بِمَكَّة المشرفة ورواق بالجامع الْأَزْهَر ثمَّ قَالَ الجبرتي وَظهر مِنْهُم عُلَمَاء أفاضل كالزيلعي شَارِح الْكَنْز وَغَيره وسرد تراجمهم ثمَّ قَالَ وللحافظ المقريزي مؤلف فِي أَخْبَار بِلَادهمْ وتفصيل أَحْوَالهم وللشيخ عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن عبد الله البُخَارِيّ كتاب سَمَّاهُ الطّراز المنقوش فِي محَاسِن الحبوش وللحافظ عبد الرَّحْمَن بن الْجَوْزِيّ كتاب تنوير الغبش فِي فَضَائِل السودَان والحبش وللجلال السُّيُوطِيّ كتاب أَيْضا سَمَّاهُ رفع شان الحبشان انْتهى

هَذَا بِحَسب مَا كَانَت عَلَيْهِ من قبل وَأما مَا هِيَ عَلَيْهِ بِحَسب من جِهَة جغرافيتها فان تِلْكَ الأصقاع يُقَال لَهَا بِلَاد الصومال وَهِي بِلَاد وَاقعَة فِي الشرق الْأَقْصَى من إفريقية الشمالية بَين خليج عدن وَالْمُحِيط الْهِنْدِيّ تقَابل شبه جَزِيرَة الْعَرَب من الْجنُوب وَهِي هضبة بهَا جبال مُرْتَفعَة فِي الشمَال وُجُوهًا حَار جدا فِي النَّهَار وبارد جدا فِي اللَّيْل وَلَيْسَ للأمطار فِيهَا انتظام وأنهارها وقتية تستمد من الأمطار وتبلغ مساحتها سَبْعمِائة وَخمسين ألف كيلومتر مربع ويزرع فِيهَا البن واللبان بِكَثْرَة وتجارتها رائجة مَعَ الْحَبَشَة وبلاد الْيمن واهم صادراتها الصمغ واللبان وَرِيش النعام والعاج والجلود والبن وسكانها يقدرُونَ بثلاثمائة وَخمسين آلف نفس كلهم مُسلمُونَ حمر الْوُجُوه وهم قبيلتان فَفِي الشرق الصوماليون وَفِي الغرب قبائل الجالة وَالْفَرِيقَانِ فِي قتال مُسْتَمر لاتجمعهما إِلَّا كَرَاهَة الْأَجْنَبِيّ ومقاومة الْغَرِيب وَلم يتَمَكَّن الأوربيون من دُخُول الْبِلَاد لمقاومة أَهلهَا لَهُم فاحتلوا السواحل فاختصت إنكلترا بالسواحل الشمالية الَّتِي على خليج عدن وَبَين خليج تاجورا وبندر قَاسم وهواء هَذِه السواحل جيد ويتولى إدارتها القنصل الإنكليزي الْمُقِيم فِي بربرة ويحافظ على سلطة الْحُكُومَة فِيهَا جنود هنود ضباطهم من الإنكليز وعاصمة هَذِه المستعمرة بربرة وَهِي مَدِينَة جَيِّدَة المَاء والهواء ذَات مرفأ أَمِين وَلها تِجَارَة مَعَ الْيمن والحبشة وَكَانَت تَابِعَة لحكومة شَرْقي السودَان الْمصْرِيّ قبل اسْتِيلَاء الإنكليز عَلَيْهَا واشهر مدنها زيلع وَهِي ميناء تجارية على خليج عدن وبلهار مثلهَا وَأما شواطيء الْمُحِيط الْهِنْدِيّ فالنفوذ فِيهَا لإيطاليا واشهر المدن فِيهَا بروه مركه ومغدوش ثمَّ إِن إنكلترا أَرَادَت بسط سلطتها على قبائل الصومال الداخلية كَمَا هِيَ عَادَتهَا ليقوى سلطانها هُنَاكَ وليقوى نفوذها فِي شَرْقي إفريقية فَأخذت ترسل وسواسها وتتبع طريقتها إِلَى أَن دخلت بِحجَّة مقاومة المنلا أحد رُؤَسَاء هَذِه الْقَبَائِل وَمَا زَالَت تتوسع فِي مطاردته وتحاوله وتطاوله إِلَى أَن تمّ لَهَا مَا أَرَادَت وحازت على مَا شَاءَت وَشاء لَهَا الْحَظ وهمجية السكان وتفرق الْكَلِمَة وتشعب الآراء وَالله يقْضِي مَا يُرِيد وَيفْعل مَا يَشَاء

دار القرآن الوجيهية

دَار الْقُرْآن الوجيهية كَانَت قبلي الْمدرسَة العصرونية والمسرورية وَغَرْبِيٌّ الصمصامية الَّتِي كَانَت شمَالي الخاتونية الَّتِي زقاقها يسْلك مِنْهُ إِلَى البيمارستان النوري والى ذَلِك الزقاق يفتح بَابهَا هَذَا مَا حَكَاهُ النعيمي وَتَبعهُ العلموي والبقاعي ولعلها كَانَت مَوْجُودَة فِي زمنهم وَأما فِي زمننا فَلَا رسم لَهَا وَلَا اثر وسأفصل موضعهَا وَأَقُول انك إِذا وقفت على درج بَاب الْبَرِيد ثمَّ سرت مغربا فانك لَا تسير قَلِيلا حَتَّى ترى عَن يَمِينك مبدأ سوق العصرونية فَإِذا دخلت وسرت إِلَى نَحْو من نصفه كَانَت الْمدرسَة العصرونية عَن يَمِينك ثمَّ بعْدهَا إِلَى الغرب الخاتونية الصُّغْرَى وإمامها فِي الْجِهَة الشمالية العادلية الصُّغْرَى وَبعدهَا إِلَى الغرب دَار الحَدِيث الأشرفية وَسَيَأْتِي الْكَلَام على هَذِه الْمدَارِس فِي محالها إِن شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ إِذا خلصت من السُّوق وجدت القلعة أمامك فَإِذا اتجهت إِلَى الْجنُوب وسرت إِلَى طَرِيق البيمارستان النوري لم يكن هُنَالك مدارس أبدا وَلم تَجِد إِلَّا البيمارستان وبجانبه بَاب وَله اسكفة من الْحجر مَكْتُوب عَلَيْهِ مَا يدل على انه بَاب الْمدرسَة الخاتونية لَكِنَّهَا صَارَت الْآن دَارا للسُّكْنَى واخبرني بعض الثِّقَات انه كَانَ يعرف زقاقا بِجَانِب العصرونية الجنوبي وَفِي آخِره دَار على هَيْئَة مدرسة فَلَمَّا فتحت سوق الحميدية ادخل هَذَا الْبناء فِي السُّوق وَلم يبْق لَهُ رسم وَلَا طلل وَمهما يكن فَإِنَّهَا إِمَّا أَن تكون قد صَارَت دورا للسُّكْنَى واخبرني بعض الثِّقَات انه كَانَ يعرف زقاقا بِجَانِب العصرونية الجنوبي وَفِي التَّنْصِيص على أَنَّهَا كَانَت أثرا فِي محلهَا وذخرا لواقفها تَرْجَمَة واقفها انشأ هَذِه الدَّار الشَّيْخ وجيه الدّين مُحَمَّد بن الإِمَام الرئيس شيخ الأكابر وَشَيخ الْحَنَابِلَة فِي وقته أَبُو الْمَعَالِي عُثْمَان بن المنجا التنوخي الدِّمَشْقِي ولد المترجم سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَتوفى سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة وَكَانَ صَدرا مُحْتَرما دينا ذَا ثروة ومتاجر وبر وأوقاف انشأ دَار الْقُرْآن هَذِه ورباطا بالقدس وَكَانَ مُحدثا فَاضلا ولي نظارة

الْجَامِع الْأمَوِي تَبَرعا وحسبة لله تَعَالَى ودرس بالمسمارية وَكَانَ مَعَ سَعَة ثروته مقتصدا بملبسه وَتوفى فِي تِلْكَ الدَّار الَّتِي أَنْشَأَهَا هَذَا كَلَام النعيمي فِي تَرْجَمته وَقَالَ الشَّيْخ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُفْلِح فِي كِتَابه الْمَقْصد الارشد فِي ذكر أَصْحَاب الإِمَام احْمَد فِي تَرْجَمَة الْوَاقِف هُوَ مُحَمَّد بن عُثْمَان بن اِسْعَدْ بن المنجا الشَّيْخ الإِمَام صدر الرؤساء وجيه الدّين أَبُو الْمَعَالِي التنوخي حضر عَليّ ابْن اللتي وَابْن المقير ومكرم وَسمع من جَعْفَر الْهَمدَانِي والسخاوي وَكَانَ شَيخا عَالما فَاضلا كثير الْمَعْرُوف وَالصَّدقَات والتواضع وَله هَيْبَة وسطوة وجلالة درس بالمسمارية والصدرية ثمَّ تَركهمَا لوَلَده وَمَات فِي حَيَاته وَحدث روى عَنهُ جمَاعَة مَاتَ فِي شعْبَان سنة إِحْدَى وَسَبْعمائة انْتهى وَرَأَيْت بِخَط الشَّيْخ عبد الباسط العلموي على هَامِش تَرْجَمَة جد الْوَاقِف اِسْعَدْ ابْن المنجا مَا صورته هُوَ وَاقِف الوجيهية الَّتِي بِرَأْس بَاب الْبَرِيد وَهِي مدرسة قريبَة من الْمدرسَة الخاتونية الجوانية وَبهَا خلاوي كَثِيرَة وَلها وقف كثير فَأخذ واختلس اهـ وَهُوَ خطأ وَالصَّحِيح أَن واقفها هُوَ المترجم لاجده كَمَا زعم العلموي على انه نَفسه قَالَ فِي مُخْتَصره أَن واقفها مُحَمَّد بن عُثْمَان ووفاته سنة سَبْعمِائة وَوَاحِدَة وجده اِسْعَدْ توفى كَمَا فِي طَبَقَات ابْن رَجَب سنة سِتّ وسِتمِائَة فَتنبه وَهَذَا آخر الْكَلَام على الدّور الَّتِي كَانَت مُخْتَصَّة بتعليم الْقُرْآن

القسم الثاني في دور الحديث الشريف

الْقسم الثَّانِي فِي دور الحَدِيث الشريف حرف الْهمزَة دَار الحَدِيث الأشرفية الأولى عرف النعيمي وَغَيره محلهَا بِأَنَّهُ جوَار بَاب القلعة الشَّرْقِي غربي الْمدرسَة العصرونية وشمالي القيمازية الْحَنَفِيَّة انْتهى أَقُول هِيَ الْآن مَشْهُورَة مَعْرُوفَة وَهِي فِي أَوَائِل سوق العصرونية من الْجَانِب الغربي وتعريفها الأول مَعْرُوف الْآن إِلَّا أَن القيمازية لم نر لَهَا أثرا والأشرفية جنوبي الطَّرِيق المخترق للسوق وَقد جدد لَهَا بَاب قنطرته من الْحجر الْمزي الْأَحْمَر وَالْأسود فَإِذا دخله الدَّاخِل أفْضى بِهِ إِلَى دهليز لطيف بجانبه الشَّرْقِي حجرَة ثمَّ يصل مِنْهُ إِلَى صحن لطيف فِي وَسطه بركَة مَاء وَفِي الْجَانِب الغربي مَوَاضِع الطَّهَارَة وحجرتان وَفِي القبلي مَسْجِد حسن الْبناء والوضع وَفِي الشَّرْقِي ثَلَاث حجرات وَفِي الشمالي سلم من الْحجر يصعد مِنْهُ إِلَى الطباق العلوية وَهِي ثَلَاث فِي الْجَانِب الغربي وَخمْس فِي الشَّرْقِي وَكَانَ سكني فِي غرفَة علوِيَّة من هَذِه الْمدرسَة أثْنَاء طلبي للْعلم فنلت بهَا من الانشراح والفتوح مَا يَجْعَلنِي حَامِد الله تَعَالَى وشاكرا لَهُ مُدَّة حَياتِي والفت بهَا بعض الْكتب وبجانبها الجنوبي دَار لَطِيفَة معدة لسكنى الْمدرس بهَا وَهُوَ الْآن الْعَالم الْفَاضِل الْمُحدث الصَّالح الشَّيْخ مُحَمَّد بدر الدّين ابْن الشَّيْخ يُوسُف بدر الدّين البيباني الشهير بالمغربي لَكِن تِلْكَ الدَّار قد أجرت لبَعض التُّجَّار وَجعلت محلا للتِّجَارَة وَفَوق شباك الْحُجْرَة الثَّانِيَة السفلية الشرقية مِنْهَا بلاطة طَوِيلَة محفور فِيهَا مَا صورته بعد الْبَسْمَلَة مِمَّا أوقفهُ السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف أَبُو الْفَتْح مُوسَى ابْن الْملك الْعَادِل رَحمَه الله على هَذِه الدَّار الْمُبَارَكَة وَهُوَ ثلث قَرْيَة حزرما وقيسارية الْعُلُوّ بكمالها وَعشرَة حوانيت وفرنان واصطبل جوارها وحانوتان وحجرة جوَار كَنِيسَة مَرْيَم وَأَرْبع

حصص فِي أَرْبَعَة حوانيت بِبَاب الْبَرِيد وحصتان فِي حانوتين فِي الجزيرة وَحِصَّة فِي حَانُوت الحدادين هَذَا مَا قرأته على البلاطة الْمَذْكُورَة قَالَ ابْن كثير فِي تَارِيخه كَانَت هَذِه الْمدرسَة لصارم الدّين قايماز بن عبد الله النجمي وَاقِف القايمازية وَله بهَا حمام فَاشْترى ذَلِك الْملك الاشرف مظفر الدّين مُوسَى ابْن الْعَادِل وبناها دَار حَدِيث وَخرب الْحمام وبناه سكنا للشَّيْخ الْمدرس وَأتم بناءها فِي سنتَيْن وَجعل شيخها الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح ووقف عَلَيْهَا الْأَوْقَاف وَكَانَ بهَا نعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاشْترط فِي الشَّيْخ أَن تَجْتَمِع فِيهِ الرِّوَايَة والدراية اهـ وَكَانَ بناؤها سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة وَقَالَ الْحَافِظ ابْن كثير فِي طبقاته وَفتحت سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة لَيْلَة نصف شعْبَان وأملى بهَا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح الحَدِيث وَبهَا نعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ عِنْد الإِمَام نظام الدّين أبي الْعَبَّاس احْمَد بن عُثْمَان بن أبي الْحَدِيد السّلمِيّ مولده بِدِمَشْق سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ وَرثهُ من آبَائِهِ وَكَانَ الاشرف يقربهُ ويجله لأَجله ويؤمل أَن يَشْتَرِيهِ مِنْهُ ويضعه فِي مَكَان ليزار فَلم يسمح بذلك وسمح بِأَن يقطع لَهُ قِطْعَة مِنْهُ فَامْتنعَ الْأَشْرَف حذرا من التطرق إِلَى إعدامه ثمَّ اقطعه الاشرف وَقدر لَهُ مَعْلُوما فاستمر كَذَلِك إِلَى أَن توفى وَأوصى بالنعل للاشرف فأقره بدار الحَدِيث الاشرفية وَيُقَال انه كَانَ الفردة الْيُسْرَى وان الفردة الْيُمْنَى كَانَت بِالْمَدْرَسَةِ الدماغية وَلم تزل إِلَى زمن تيمور فَلَمَّا دخل دمشق أخذهما وَفِي كتاب الْفَتَاوَى الْكُبْرَى للسبكي مَا صورته وقف دَار الحَدِيث الأشرفية مُخْتَصرا هَذَا مَا وَقفه السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف أَبُو الْفَتْح مُوسَى ابْن الْعَادِل أبي بكر مُحَمَّد بن أَيُّوب بن شادي جَمِيع مَا يَأْتِي ذكره فَمِنْهُ الدَّار وَمِنْه جَمِيع الحانوتين من شَرق بَابهَا وَجَمِيع الْحَانُوت من غرب الشباك وَجَمِيع الْحُجْرَة من غرب مَا يَأْتِي ذكره وَمِنْه جَمِيع القيسارية السّفل والعلو وَجَمِيع الساباط قبالتها وَدَار أَيْضا وَمِنْه ثلث حزرما وَقفا مُؤَبَّدًا فالدار دَار حَدِيث وَأما جَمِيع الْعقار فموقوف على مصَالح هَذِه الدَّار وعَلى أَهلهَا يبْدَأ النَّاظر فِي هَذِه الْأَمَاكِن بعمارة الدَّار وَعمارَة مَا هُوَ مَوْقُوف عَلَيْهَا وعَلى

أَهلهَا قدر الْحَاجة إِلَيْهِ من زَيْت وشمع وقناديل ومصابيح وتعاليق وَحصر وَبسط برسم الْمَسْجِد وَسَائِر مَا لَا يخْتَص أحد بسكناه من سفل الدَّار وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الة تنظيف وكنس وَنَحْو ذَلِك وَمَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ من تَقْوِيَة فلاح وإقراضه وَشِرَاء دَوَاب وآلات ويتعاهد كتب الْوَقْف وحججه بالإثبات وَيصرف فِي ذَلِك من فعل الْوَقْف مِقْدَار الْحَاجة وَله أَن يصرف من فعل بعض الْأَمَاكِن الْمَوْقُوفَة فِي عمَارَة مَكَان آخر مِنْهَا مِمَّا وقف الْآن وَمِمَّا سيوقف إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمَا فضل بعد ذَلِك كَانَ مصروفا إِلَى أهل الدَّار من أَصْحَاب الحَدِيث والمشتغلين بِعِلْمِهِ والسامعين لَهُ والقراء للسبع وَالشَّيْخ الْمُحدث وَالْإِمَام وَسَائِر المرتبين بِالْمَكَانِ المتعلقين بِهِ على مَا سَيَأْتِي شَرحه فَمِنْهُ مَا هُوَ مَصْرُوف إِلَى الإِمَام سِتُّونَ درهما عَن كل شهر فَفِي السّنة سَبْعمِائة وَعِشْرُونَ وَعَلِيهِ الْقيام بوظيفة الْإِمَامَة فِي الْخمس وَفِي التَّرَاوِيح وَعَلِيهِ عقد حَلقَة الإقراء والتلقين وَشَرطه فِي هَذَا أَن يكون حَافِظًا للقراءات السَّبع عَارِفًا بهَا وللشيخ النَّاظر أَن يَجْعَل حَلقَة الإقراء إِلَى شخص غير الإِمَام ويوزع الْمِقْدَار الْمَذْكُور عَلَيْهِمَا على حسب مَا يرى فِيهِ الْمصلحَة وَيصرف إِلَى الشَّيْخ الْمُحدث فِي كل شهر تسعون درهما وَهُوَ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح ولنسله خَمْسُونَ درهما إِلَى أَن ينقرض أخرهم وَيصرف إِلَى أَوْلَاد الشَّيْخ أبي مُوسَى ونسله كل شهر سِتُّونَ درهما وَلَهُم أَو لمن شَاءَ مِنْهُم سُكْنى الْحُجْرَة الَّتِي من شمَالي الدَّار وَيصرف إِلَى خَادِم الْأَثر الشريف النَّبَوِيّ وَهُوَ الْحَاج ريطار واسْمه غُلَام الله فِي كل شهر أَرْبَعُونَ درهما وتجرى بعده على نَسْله فَإِذا انقرضوا عَاد ذَلِك إِلَى سَائِر مصارف الْوَقْف وجهاته وَيجْعَل شيخ الْمَكَان بعد انقراضهم خدمَة الْأَثر إِلَى من شَاءَ وَيجْعَل لَهُ مَا يرَاهُ والمصروف إِلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وهم أَوْلَاد أبي مُوسَى وعقبه وعقب ابْن الصّلاح وعقب ريطار من فعل مَا سوى الثُّلُث الْمعِين من حزرما لكَوْنهم لم يذكرُوا حَالَة إنْشَاء هَذِه الْمدرسَة وَيصرف فِي كل شهر مائَة دِرْهَم إِلَى عشرَة انفس من قراء السَّبع لكل وَاحِد عشرَة وَيصرف إِلَى قَارِئ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ درهما كل شهر

وَيصرف إِلَى خَازِن الْكتب ثَمَانِيَة عشر درهما فِي كل شهر وَعَلِيهِ الاهتمام بترميم الْكتب وإعلام النَّاظر أَو نَائِبه ليصرف فِيهِ من مغل الْوَقْف مَا يَفِي بذلك وَكَذَا إِذا مست الْحَاجة إِلَى تَصْحِيح كتاب ومقابلته وَيصرف إِلَى شخص يكون مُرَتبا ونقيبا ثَمَانِيَة عشر درهما وللشيخ أَن يضم إِلَيْهِ فِي بعض ذَلِك شخصا من الْجَمَاعَة ويزيده على ذَلِك شَيْئا على مَا يرَاهُ وللمؤذن فِي كل شهر عشرُون درهما وللبواب خَمْسَة عشر درهما وَيصرف إِلَى قيمين ثَلَاثُونَ درهما وللشيخ النَّاظر أَن يفاوت بَينهمَا على حسب عملهما وان وَقع الِاسْتِغْنَاء بِوَاحِد اقْتصر عَلَيْهِ وَصرف إِلَيْهِ بعض ذَلِك على مَا يَقْتَضِيهِ حَاله وَيصرف كل سنة آلفان من الدَّرَاهِم من مغل ثلث حزرما فِي مصَالح النورية والقائمين بمصالحها والمشتغلين بِالْحَدِيثِ من أَهلهَا على مَا يَقْتَضِيهِ رَأْي الْوَاقِف أَو من يفْرض ذَلِك إِلَيْهِ وَيصرف فِي شِرَاء أوراق وآلات النّسخ من حبر وَأَقْلَام وَنَحْو ذَلِك من أدوات الْكِتَابَة مِمَّا تقع بِهِ الْكِفَايَة لمن ينْسَخ فِي الإيوان الْكَبِير أَو قبالته الحَدِيث أَو شَيْئا من علومه أَو الْقُرْآن الْعَظِيم أَو تَفْسِيره وَيصرف إِلَى من يكْتب فِي مجَالِس الاملاء والى من يتَّخذ لنَفسِهِ كتبا أَو استجازة وَلَا يعْطى من ذَلِك إِلَّا لمن ينْسَخ لنَفسِهِ لغَرَض الاستفادة والتحصيل دون التكسب وَالِانْتِفَاع بِثمنِهِ وَمَا فضل عَن الْأَصْنَاف الْمَذْكُورين والجهات الْمَذْكُورَة إِلَى تَمام آلف ومائتي دِرْهَم يصرف إِلَى المشتغلين بِالْحَدِيثِ والسامعين لَهُ فَيجْعَل لكل من المشتغلين ثَمَانِيَة دَرَاهِم وَمن زَاد اشْتِغَاله زَاده وَمن نقص نَقصه وَيجْعَل لكل من السامعين أَرْبَعَة أَو ثَلَاثَة وَمن ترجح مِنْهُم زَاده وَمن كَانَ فِيهِ نباهة جَازَ إِلْحَاقه بالثمانية وَمن حفظ كتابا من كتب الحَدِيث فللشيخ أَن يَخُصُّهُ بجائزة وَمن انْقَطع مِنْهُم إِلَى الِاشْتِغَال بِالْحَدِيثِ وَكَانَ ذَا أَهْلِيَّة يُرْجَى مَعهَا أَن يصير من أهل الْمعرفَة فللشيخ أَن يوظف لَهُ تَمام كِفَايَة أَمْثَاله بِالْمَعْرُوفِ وَإِذا ورد شيخ لَهُ علو سَماع يرحل إِلَى مثله فَلهُ أَن ينزل بدار الحَدِيث وَيُعْطى كل يَوْم دِرْهَمَيْنِ فَإِذا فرغ أعطي ثَلَاثِينَ دِينَارا كل دِينَار بسبعة دَرَاهِم هَذَا إِذا ورد من غير الشَّام فَإِذا كَانَ مِمَّن هُوَ مُقيم بِالشَّام كَانَ لَهُ دون ذَلِك على مَا يرَاهُ

الشَّيْخ فَإِذا كَانَ صَاحب الْعُلُوّ من المستوطنين بِدِمَشْق واقتضت الْمصلحَة استحضاره فِي الدَّار لاستماع مَا عِنْده من العالي فللناظر أَن يُعْطِيهِ مَا يَلِيق بِحَالهِ من عشرَة دَنَانِير فَمَا دون ذَلِك وَإِذا اقْتَضَت الْمصلحَة أمرا دينيا يُنَاسب مَقَاصِد دَار الحَدِيث زَائِدا على مَا نَص عَلَيْهِ فِي كتاب الْوَقْف فللشيخ النَّاظر أَن يصرف ذَلِك من مغل الْوَقْف مَا يَلِيق بالحالة وَمن قَامَ بِشَرْط جِهَتَيْنِ وَقدر على إِتْيَانه بهما فللناظر أَن يَجْعَل لَهُ ذَلِك وللشيخ النَّاظر أَن يستنسخ للْوَقْف أَو يَشْتَرِي مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ من الْكتب والأجزاء ثمَّ يقف ذَلِك اسوة بِمَا فِي الدَّار من كتبهَا وَعَلَيْهِم أَن يجتمعوا فِي خمس لَيَال ويبتدؤوا بعد صَلَاة الظّهْر وللناظر أَن يتَّخذ لَهُم طَعَاما وَله أَن يَجْعَل بدل الطَّعَام كل لَيْلَة مائَة وَله أَن يَشْتَرِي مَا يَلِيق من شمع وعود يبخر بِهِ وكيزان وثلج وَنَحْو ذَلِك وَله أَن يتَّخذ فِي شهر رَمَضَان طَعَاما أَو يفرق عوضا عَنْهَا ألف دِرْهَم بِالسَّوِيَّةِ على جَمِيع من بِالدَّار من المرتبين والساكنين وَذَلِكَ إِذا رأى فِي مغل الْوَقْف اتساعا وَمهما كَانَ فِي مغل الْوَقْف نقص بِحَيْثُ لَا يَفِي بِجَمِيعِ الْجِهَات الْمَذْكُورَة فليجعل النَّقْص فِي الْأُمُور الزَّائِدَة دون الْأَصْلِيَّة المهمة وليكمل الْمُؤَذّن والقيم والخازن والبواب والقارئ وَالشَّيْخ وقراء السَّبع وطبقة المشتغلين ويخص بِالنَّقْصِ والحرمان السامعين وان زَاد النَّقْص وتناهى إِلَى الْأَهْلِيَّة والقائمين بهَا وزع عَلَيْهَا بِحَسب مَا يرَاهُ النَّاظر وَإِذا فضل من مغل الْوَقْف فَاضل فللناظر أَن يَشْتَرِي بِهِ ملكا يقفه على الْجِهَات الْمُتَقَدّمَة وَله أَن يستفضل شَيْئا من الْمغل لذَلِك وَإِذا رأى صرف الْفَاضِل على أهل الدَّار اصلح كَانَ لَهُ ذَلِك وللناظر شِرَاء حصر للبيوت المسكونة فِي علو الدَّار هَذَا مَا اتَّصل بِي من كتاب وقف هَذِه الْمدرسَة وتاريخ هَذِه الشُّرُوط فِي يَوْم الْأَحَد التَّاسِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة ونقلته من نُسْخَة كتبت سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَقد انْقَطع هَذَا كُله فِي زمننا وَلم يبْق مِنْهُ رسم وَلَا اثر وَإِنَّمَا كتبته ليرى قَارِئ كتَابنَا مَا كَانَ عَلَيْهِ الْقَوْم من الاعتناء بالعلوم وإقبالهم على ترقيتها وعَلى حب الحضارة والعمران وَمن الإقبال على نصْرَة المدنية ومحو آثَار الهمجية اللَّذين لَا يتمان إِلَّا بالعلوم ونشرها وحبذا لَو كَانَت المطابع مَوْجُودَة فِي ذَلِك

الْعَصْر إِذْ لَو وجدت فِيهِ وَفِي العصور الَّتِي قبله لأهدت إِلَيْنَا كتبا وعلوما وأخبارا لَيْسَ لدينا مِنْهَا سوى شَيْء يسير ثمَّ أَن دَار الحَدِيث هَذِه بقيت عامرة إِلَى قبيل مَجِيء غازان أحد مُلُوك التتار فَلَمَّا دخل الشَّام واتى دمشق رام أَن يقصدها بِسوء وَكَانَت تهدمت زِيَادَة تهدم فَقَامَ فِي حمايتها الشَّيْخ زين الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مَرْوَان الفارقي الْمُتَوفَّى فِي سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة فَتَوَلّى شؤونها وكف عَنْهَا يَد الَّذين أَرَادوا اختلاسها قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر عبد الْوَهَّاب السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَات الْوُسْطَى فِي تَرْجَمَة الفارقي خطيب دمشق وَشَيخ دَار الحَدِيث الاشرفية ومدرس الشامية البرانية اخذ الحَدِيث عَن جمَاعَة وَكَانَ فَقِيها فَاضلا دينا خيرا وقورا مهيبا قوي النَّفس آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر مصمما فِي دينه وَكَانَت وِلَادَته سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة اهـ وَالَّذِي علمناه مِمَّن درس بهَا من الْكِبَار تَقِيّ الدّين أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح ثمَّ عماد الدّين عبد الْكَرِيم ابْن الحرستاني ثمَّ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل الْمَقْدِسِي الْمَعْرُوف بِأبي شامة ثمَّ الشَّيْخ مُحي الدّين أَبُو زَكَرِيَّا يحيى النَّوَوِيّ ثمَّ زين الدّين الفارقي فصدر الدّين مُحَمَّد بن عمر العثماني الْمَعْرُوف بِابْن المرحل وبابن الْوَكِيل فكمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن خطيب زملكا بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْمِيم وَفتح اللَّام قَرْيَة فِي غوطة دمشق فَأَحْمَد بن مُحَمَّد الْبكْرِيّ الْمَشْهُور بالشريشي فالحافظ الْكَبِير جمال الدّين يُوسُف الْقُضَاعِي الْحلَبِي الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بالمزي فَالْقَاضِي عَليّ السُّبْكِيّ فجماعات لم يَصح التَّرْتِيب فيهم مِنْهُم الْحَافِظ الْكَبِير عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن كثير وَالْقَاضِي تَاج الدّين وَالْقَاضِي بهاء الدّين السبكيان فولي الدّين عبد الله السُّبْكِيّ وزين الدّين عمر بن مُسلم الْقرشِي الملحي بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام الدِّمَشْقِي وشمس الدّين مُحَمَّد بن بهاء الدّين عبد الله الْمَعْرُوف بِالْحَافِظِ ابْن نَاصِر وَرَأَيْت مجلدا يشْتَمل على مَا أملاه النَّاصِر فِي دروسه وَكله فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {لقد من الله على الْمُؤمنِينَ إِذْ بعث فيهم رَسُولا من أنفسهم يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاته ويزكيهم وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة وَإِن كَانُوا من قبل لفي ضلال مُبين} 164 / 3

وَعلي بن عُثْمَان الصير فِي شَارِح منهاج النَّوَوِيّ والحافظ الْكَبِير شيخ الاسلام أَحْمد بن حجر الْعَسْقَلَانِي وَلما ولي تدريسها استناب قطب الدّين الخيضري الْمُتَقَدّمَة تَرْجَمته فِي مدرسته قَالَه السخاوي وَقَالَ لكَونه امثل أهل الْفَنّ بِدِمَشْق حِينَئِذٍ وَيُقَال انه اسْتَقر بهَا بعد الْحَافِظ ابْن نَاصِر عَلَاء الدّين الصَّيْرَفِي وان ابْن حجر أَخذهَا مِنْهُ انْتهى وَمِنْهُم سيف الدّين أَبُو بكر بن عبد الله الحريري البعلبكي ثمَّ درس بهَا جمَاعَة يطول سرد أسمائهم وتلاشى أمرهَا إِلَى أَن صَارَت بعد الْمِائَتَيْنِ وَألف فِي حَالَة مَحْزَنَة فاستولت أَيدي المختلسين على دَار مدرسها وَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا الحجرات التَّحْتَانِيَّة إِلَى أَن آلت الدَّار لامْرَأَة فجَاء الْعَالم الْفَاضِل الأديب الشَّيْخ يُوسُف بدر الدّين البيباني الشهير بالمغربي وَكَانَ محبا لدار الحَدِيث لما كَانَ يسمع من تاريخها وتراجم كبار المدرسين بهَا وَكَانَ ذَلِك بعد السِّتين وَمِائَتَيْنِ وَألف بِقَلِيل وَلما زارها وجدهَا فِي حَالَة تنذرها بمحو آثارها فهزته الحمية العلمية وجد فِي خلاصها من يَد مختلس دارها فَلَمَّا علمت الْمَرْأَة بذلك آجرتها لرجل مسيحي يُقَال لَهُ يانكو وتبعته غير عثمانية وَكَانَ يَبِيع الْخمر فَجَعلهَا حانة للمسكرات واخذ قسما من مَسْجِدهَا وَهُوَ مَا تَحت الْقبَّة فَفتح لَهُ بَابا إِلَى الدَّار وَجعله مخزنا لدنان الْخمر فاغتاظ الشَّيْخ من ذَلِك وَادّعى لَدَى الْحَاكِم أَن الْبَيْت وقف على مدرس الْمدرسَة واثبت ذَلِك بالبراهين والأدلة القاطعة فَحكم الْحَاكِم بذلك وَأَعْطَاهُ حجَّة بِثُبُوت مدعاه ورام يَأْخُذ الدَّار بِدُونِ عوض وَلَا ثمن فَلم يَتَيَسَّر لَهُ ذَلِك لفقره واحتياجه وَلم يُصَادف مسعفا وَحصل لَهُ بِسَبَب ذَلِك معاكسات فنظم قصيدة طَوِيلَة يذكر فِيهَا الْوَاقِعَة ويهجو من لم يساعده وَهِي طَوِيلَة جدا ووجودها الْآن قَلِيل وَلما ضَاقَ بِهِ الْحَال خرج من دمشق وَحلف أَن لَا يعود إِلَيْهَا أَو يجد سَبِيلا لضم الدَّار إِلَى الْمدرسَة فسافر إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَمر فِي طَرِيقه على رودس وَكَانَ الْعَارِف الْكَبِير الْأَمِير عبد الْقَادِر الجزائري مسجونا بهَا بعد مَا أخرجته فرنسا من الْقطر الجزائري فتعرف بِهِ وزاره وشكى إِلَيْهِ أمره فَسَأَلَهُ الْأَمِير عَن الْبِلَاد الَّتِي دَخلهَا أَيهَا اجمل واحسن للإقامة فَقَالَ لَهُ دمشق فَقَالَ لَهُ أَن قدر الله لي الْخَلَاص لأسكنن دمشق ولاخلصن لَك الدَّار ثمَّ انه سَافر إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَاجْتمع بهَا بشيخ الْإِسْلَام وقتئذ عَارِف عصمت بك فتعرف بِهِ وتقرب إِلَيْهِ ونظم هُنَاكَ قصيدة فِي

فن الرَّسْم وَشَرحهَا بشرح سَمَّاهُ الدّرّ المستطاب بشرح تحفة الطلاب ثمَّ أَن عَارِف بك احبه لما رأى من فَضله فَقَرَأَ عَلَيْهِ واخذ عَنهُ بعض الْفُنُون وَكَانَ يحفظ مولد الشَّيْخ الدردير ويجعله وردا لَهُ فشرحه لَهُ الشَّيْخ شرحا مطولا وَفِي هَذِه البرهة استحصل على بَرَاءَة شريفة سلطانية بِخطْبَة دَار الحَدِيث وتدريسها ونظرها وإمامتها وَفِي هَذِه الْمدَّة قدر الله الْخَلَاص للأمير عبد الْقَادِر واستوطن دمشق فَعَاد الشَّيْخ يُوسُف إِلَيْهَا فِي حُدُود سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ بعد الْألف فَاشْترى الْأَمِير الدَّار من مَاله وَجعلهَا وَقفا على الشَّيْخ وعَلى ذُريَّته من بعده وتبرع الْوَجِيه السّري سعد الله حلابة الْبَيْرُوتِي التَّاجِر بعمارة بَاب الْمدرسَة وإصلاحها ثمَّ صَارَت إِلَى الصُّورَة الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا الْآن وَحَاصِل أمرهَا أَنَّهَا بنيت أَولا ثمَّ تهدمت واحترقت فَقَامَ بأمرها الفارقي فرممها وَأَصْلَحهَا ثمَّ اختلس جَانب مِنْهَا وَكَاد الْبَاقِي أَن يتبعهُ فقيض لَهَا الله أهل الْخَيْر بِوَاسِطَة الشَّيْخ يُوسُف المغربي وَفِي سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة بعد الآلف احْتَرَقَ السُّوق الَّذِي وَرَاءَهَا وَاحْتَرَقَ جَانب مِنْهَا فسعى بعض أهل الْخَيْر فِي أَعمالهَا وَهِي الْآن تعمر وَأما اوقافها ومرتباتها فقد اختلست مِنْهَا من أمد بعيد وأصبحت فقيرة وَرَأَيْت فَوق بَابهَا بِالْحَائِطِ حجرا مَكْتُوبًا فِيهِ بعد الْبَسْمَلَة عمرت هَذِه الدَّار الْمُبَارَكَة بعد احتراقها وانهدامها بنظارة الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام بركَة الشَّام زين الدّين عبد الله بن مَرْوَان الفارقي الشَّافِعِي وَذَلِكَ فِي سنة وسِتمِائَة ومكتوبا بجانبه هَذِه الأبيات (هَذِه دَار حَدِيث الْمُصْطَفى ... من عَلَيْهِ الله صلى كل حِين) (جد فِي تجديدها قَاضِي القضا ... مخلصا لله رب الْعَالمين) (ولسان السعد نَادَى أَهلهَا ... ادخلوها بِسَلام آمِنين) (شكر الله لَهُ السَّعْي بهَا ... وحباه النَّصْر وَالْفَتْح الْمُبين) (فَهِيَ أفق لبدور الْعلم كالنووي ... الحبر والسبكي المكين) (فَأتى تاريخها ... نعم اجْرِ العاملين) هُنَا كَلِمَات لم تظهر لي

دار الحديث الاشرفية الثانية

وبجانبها أَيْضا (هَذِه مدرسة قد أشرقت ... بِحَدِيث الْمُصْطَفى الْهَادِي العميم) (جد سعد الله فِي تجديدها ... مخلصا لله مَوْلَانَا الْكَرِيم) (فجزاه الله من افضاله ... أرخن بجدة الْأجر الْعَظِيم) سنة 1290 وَهُوَ تَارِيخ بِنَاء سعد الله افندي حلابه لبابها وأطلعني الشَّيْخ احْمَد بدر الدّين ولد الشَّيْخ يُوسُف بدر الدّين على قصيدة لأحد أدباء حلب واسْمه الشَّيْخ مصطفى يمدح بهَا وَالِده وَيُشِير بهَا إِلَى أَن الشَّيْخ كَانَ سَببا فِي تَجْدِيد جَامع الْعَفِيف الَّذِي هُوَ فِي صالحية دمشق مِنْهَا (وَالْجَامِع الْبَدْر انشأ الْعَفِيف عَفا ... فَكنت مُحي لَهُ إِذْ زِدْته مدَدا) وَمِنْهَا (والقطب شمس نوى أولاك مظهره ... فَقُمْت فِيهِ بِحَق وَاضح وَهدى) (يممت ساحة دَار للْحَدِيث وَقد ... صَارَت رميما وَبَاب الْغَيْر سدسدى) (فساعد الله فِي بَدْء عيشي كرما ... يتم بالْحسنِ وَالْإِحْسَان كَيفَ بدى) وَبَيت التَّارِيخ (دَار الحَدِيث زهت مِنْهُ مؤرخه ... شمس الضُّحَى اوجها أرخت سرغدا) وَمن هَذَا يعلم تَارِيخ السَّعْي فِي إنشائها وتاريخ إنشائها وَعمارَة بَابهَا فجزى الله الْمُحْسِنِينَ خيرا دَار الحَدِيث الاشرفية الثَّانِيَة وَهِي الاشرفية البرانية المقدسية وَهِي كَمَا فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَغَيره بسفح قاسيون على حافة نهر يزِيد تجاه تربة الْوَزير تَقِيّ الدّين التكريتي وشرقي الْمدرسَة الاسدية الْحَنَفِيَّة وَغَرْبِيٌّ الاتابكية الشَّافِعِيَّة بناها الْملك الاشرف مظفر الدّين مُوسَى ابْن الْعَادِل باني دَار الحَدِيث الاشرفية الْمُتَقَدّمَة لأجل الْحَافِظ ابْن الْحَافِظ جمال الدّين عبد الله بن تَقِيّ الدّين عبد الْغَنِيّ الْمَقْدِسِي ووقف عَلَيْهَا خمس ضيَاع بالبقاع الدَّيْر

والدوير والتليل والمنصورة والشرقية وَلها بَيت ابْن النابلسي الْمَعْرُوف بالشكك والجنينة وحكر حارة الجوبان وَمَات الْحَافِظ المبنية لأَجله قبل إتْمَام بنائها قَالَ الذَّهَبِيّ بنى لَهُ الْملك الاشرف دَار الحَدِيث بالسفح وَجعله شيخها وَقرر لَهُ مَعْلُوما فَمَاتَ قبل فراغها وَأول من درس بهَا القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد ابْن أبي عمر ثمَّ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ثمَّ شرف الدّين عبد الله الْمَقْدِسِي ثمَّ سُلَيْمَان بن حَمْزَة ثمَّ ابْنه عز الدّين مُحَمَّد فولده بدر الدّين ثمَّ صَار كل من يتَوَلَّى قَضَاء الْحَنَابِلَة يتولاها وان لم يكن أَهلا للتدريس بهَا كَمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ عَادَة الْمدَارِس فِي عدم الْأَهْلِيَّة إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَكَانَ للمدرسة وَظِيفَة إِعَادَة وَقَول وقفت على هَذِه الْمدرسَة أثْنَاء تأليفي لهَذَا السّفر وَقْفَة باهت متحير مِمَّا أنزلهَا من اوجها بعد عزها فرأيتها عَن يَمِين الطَّرِيق الْعُظْمَى الَّتِي تمر إِمَام الأتاربكية وَتذهب إِلَى جِهَة الغرب الشمالي إِلَى الْمحلة الَّتِي أنشئت حَدِيثا وَسميت بحارة الْمُهَاجِرين وَرَأَيْت جدارها الشمالي قَائِما لم يُغَيِّرهُ طول الزَّمَان وَلَا كرّ الْحدثَان وَهُوَ مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ الصفر ومحلتها الْآن يُقَال لَهَا حارة عرودك وبجانبها الشَّرْقِي الجنوبي بَاب يُصَار مِنْهُ إِلَى قبَّة مَبْنِيَّة بِبِنَاء متين لكنما أَعْلَاهَا قد تهدم وَبهَا بَاب يدْخل مِنْهُ إِلَى الْمدرسَة وَقد اتخذها الْآن النَّاس الَّذين هُنَاكَ مخزنا لقش الْحصْر وَأما الْمدرسَة فَإِنَّهَا اختلست وَصَارَت دورا للسُّكْنَى وجنائن لزرع الزهور والرياحين وأمامها ساحة فسيحة وَهِي متنزه عَجِيب أبدع من أُخْتهَا الْمُتَقَدّمَة وأتقن بِنَاء وَأتم هندسة غير أَن الْحَظ ساعد أُخْتهَا فَبعث الله لَهَا من أَحْيَاهَا بعد اندراسها وَهَذِه تبْكي على أَيَّامهَا وتستغيث فَلَا تَجِد مغيثا وتستنصر فَلَا تَجِد ناصرا فسبحان الدَّائِم وَفَوق بَابهَا حجر محفور فِيهِ مَا صورته بعد الْبَسْمَلَة أوقف هَذِه الْمدرسَة الْمُبَارَكَة ابْتِغَاء لوجه الله تَعَالَى الْمولى السُّلْطَان الْعَالم الْعَادِل المظفر الْمُؤَيد الْمَنْصُور الْملك الاشرف مظفر الدّين أَبُو الْفَتْح مُوسَى ابْن الْمولى السُّلْطَان الْملك الْعَادِل سيف الدّين أبي بكر بن أَيُّوب تقبل الله مِنْهُ وأثابه الْجنَّة على الْحَنَابِلَة الْمُحدثين وأوقف عَلَيْهَا نصف دير أرغى بالبقاع الْعَزِيز وريعها ومزارعها فِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَنَصّ هَذَا الْوَقْف هُنَا لَا يُنَافِي مَا تقدم لِأَن هَذَا كَانَ عِنْد الْبناء وَالزَّائِد عَلَيْهِ كَانَ بعده وَلَو استطعنا وصفهَا بالمعاينة لظفرنا بإيضاحات اكثر من هَذِه وَلَكِن تغير

ترجمة واقفها

أحوالها وتبدلها منع من ذَلِك وَكَأَنِّي بمعاهدها تندب أَهلهَا ورجالها الَّذين كَانُوا بهَا وتنشد قَول أبي الْعَلَاء (كَأَنَّمَا الْخَيْر مَاء كَانَ وارده ... أهل العصور فَمَا ابقوا سوى العكر) وَمِمَّنْ اتَّصل بِنَا خَبره من أساتذتها شمس الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن أبي عمر مُحَمَّد ابْن احْمَد بن قدامَة الْمَقْدِسِي شَارِح الْمقنع فِي عشر مجلدات وَهُوَ أول من رتب لَهَا وَأول من ولي قَضَاء الْحَنَابِلَة فالإمام مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي الْمَعْرُوف بِابْن الْكَمَال فَالْقَاضِي حسن بن أبي بكر الْمَقْدِسِي فتقي الدّين سُلَيْمَان بن حَمْزَة فشرف الدّين الْفَائِق النابلسي فتقي الدّين الْمَقْدِسِي فولده عز الدّين ثمَّ صَار تدريسها لمن يتَوَلَّى قَضَاء الْحَنَابِلَة تَرْجَمَة واقفها قد علم مِمَّا مر أَن الَّذِي بنى هَذِه الْمدرسَة وَالَّتِي قبلهَا الْملك الْأَشْرَف مظفر الدّين مُوسَى ابْن الْعَادِل وترجمته فِي الْقسم الأول السياسي من هَذَا الْكتاب فَلَا نطيل بهَا هُنَا وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة حرف الْبَاء دَار الحَدِيث البهائية هِيَ دَاخل بَاب توما وَكَانَت دَارا للشَّيْخ بهاء الدّين أبي مُحَمَّد الْقَاسِم ابْن الشَّيْخ بدر الدّين أبي غَالب المظفر فأوقفها آخر عمره دَار حَدِيث وَولي تدريسها الشهَاب الْأَذْرَعِيّ الْمَشْهُور ثمَّ شمس الدّين أَبُو المحاسن الْحُسَيْنِي الدِّمَشْقِي هَذَا مَا رَأَيْته فِي تَنْبِيه الطَّالِب

حرف الحاء

حرف الْحَاء دَار الحَدِيث الحمصية هَذِه لم تكن دَار حَدِيث مُسْتَقلَّة وَإِنَّمَا كَانَت حَلقَة فِي الْجَامِع الْأمَوِي لإقراء الحَدِيث وَكَانَ لَهَا وقف يقوم بمصالحها قَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَتَبعهُ البقاعي لم نقف لواقفها على تَرْجَمَة ودرس بهَا الْحَافِظ الْمزي ثمَّ الْحَافِظ صَلَاح الدّين العلائي خَلِيل ابْن كيكلدي فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة قَالَ فِي العبر أورد العلائي بِحَلقَة ابْن صَاحب حمص درسا باهرا نَحْو سِتّمائَة سطر وَكَانَ ذَلِك بِحَضْرَة الْقُضَاة اهـ وَسَتَأْتِي تَرْجَمته فِي محلهَا حرف الدَّال دَار الحَدِيث الدوادارية والمدرسة والرباط وَقفهَا الْأَمِير علم الدّين سنجر التركي الصَّالِحِي الدوادار دَاخل بَاب الْفرج وَكَانَ مَكَانهَا رواقا لَهُ أَولا فَجعله دَار حَدِيث ومدرسة سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة قَالَه ابْن كثير وَأول من وَليهَا الشَّيْخ عَلَاء الدّين عَليّ بن إِبْرَاهِيم الشهير بالعطار ثمَّ الشَّيْخ نور الدّين مُحَمَّد بن نجم الدّين أبي بكر مُحَمَّد الشهير بِابْن قوام البالسي الدِّمَشْقِي ولد سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة وَسمع جمَاعَة وتفقه وَكَانَ يحب السّنة ويفهمها جيدا توفّي سنة خمس وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة أَقُول أَن هَذِه الْمدرسَة درست وَلم يعلم مَكَانهَا على سَبِيل التَّحْقِيق ولكننا نشِير إِلَيْهِ على سَبِيل الْإِشَارَة فَأَما بَاب الْفرج فَهُوَ الْبَاب الْمَوْجُود الْآن بِالْقربِ من القلعة فِي السُّوق الَّتِي يُقَال لَهُ الْآن المناخلية الْمركب بعضه على نهر بردى الَّذِي يتَوَصَّل مِنْهُ إِلَى الدَّرْب العمومي وَهُوَ بَاب متين قَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه بَاب الْفرج من شآمي الْبَلَد يَعْنِي من جِهَتهَا الشمالية أحدثه الْملك الْعَادِل نور الدّين وَسَماهُ بذلك تفاؤلا لما وجد من الْفرج لأهل الْبَلَد بفتحه وَكَانَ بِقُرْبِهِ بَاب يُسمى بَاب الْعِمَارَة

فتح عِنْد عمَارَة القلعة ثمَّ سد بعد وأثره بَاقٍ فِي السُّور انْتهى وَبَاب الْحَدِيد بِالْحَاء الْمُهْملَة من شآفه أَيْضا وَهُوَ الْآن خَاص بالقلعة الَّتِي أحدثت غربي الْبَلَد فِي دولة الأتراك سمي بذلك لِأَنَّهُ كُله حَدِيد فَقيل لَهُ الْبَاب الْحَدِيد ثمَّ تركت الْألف وَاللَّام تَخْفِيفًا ثمَّ صحفته الْعَوام فَقَالُوا الْبَاب الْجَدِيد بِالْجِيم وَكَانَ الأتراك ينزلون مِنْهُ ويطلعون مِنْهُ سرا وَيجوز الْخَارِج مِنْهُ على جسر من خشب من تَحْتَهُ الخَنْدَق الدائر بالقلعة ينوف عمقه على مائَة ذِرَاع بِذِرَاع الْعَمَل بِهِ يتخزن المَاء وينبت الشوص وَغير ذَلِك وَهُوَ غير خَنْدَق الْمَدِينَة واصطلح فِي آخر دولة ابْن قلاوون أَن من يَلِي نِيَابَة دمشق يُصَلِّي عِنْد هَذَا الْبَاب رَكْعَتَيْنِ مُسْتَقْبلا للْقبْلَة بِحَيْثُ يبْقى الْبَاب عَن يسَاره وتقف أجناد القلعة وأرباب الْوَظَائِف والإدارات فِي مَنَازِلهمْ على حسب الْعَادة حاملين السِّلَاح إِلَى أَن يفرغ من صلَاته ودعائه فان أُرِيد بِهِ شَرّ قبضوا عَلَيْهِ ودخلوا بِهِ وقلبوا الجسر بَينه وَبَين أعوانه والجسر بلوالب فيحال مَا بَينه وَبَين أعوانه وان أُرِيد بِهِ خيرا ركب فِي عزة وَمَعَهُ وُجُوه الدولة وهم فِي خدمته إِلَى أَن ينزل بدار الْعدْل الَّتِي أَنْشَأَهَا المرحوم نور الدّين وَكَانَت تسمى بدار السَّعَادَة وَهِي تلِي بَاب السِّرّ وعَلى بَابهَا بَاب النَّصْر فَتحه الْملك النَّاصِر ابْن أَيُّوب للمدينة وَبِهَذَا علم مَحل بَاب الْفرج ثمَّ انك إِذا خرجت مِنْهُ مُتَوَجها نَحْو الْجنُوب اعترضك طَرِيقَانِ أَحدهمَا عَن يسارك وَمِنْه تصل إِلَى سوق الْعِمَارَة وَلَيْسَ فِيهِ مدرسة وَلَا اثر لَهَا إِلَّا أَن يكون ثمَّة اثر دَاخل الدّور ثمَّ بعد كتابتي لهَذَا هدمت الحوانيت الَّتِي كَانَت هُنَاكَ فَظهر بَاب الْمدرسَة وَقد صَارَت دورا وَثَانِيهمَا عَن يَمِينك ويمر إِلَى شَرْقي القلعة وَعَن يسَار الَّذِي يجتازه طَرِيق آخر ذُو شعب توصل شُعْبَة مِنْهُ إِلَى الْمدرسَة العادلية ثمَّ الظَّاهِرَة وَغَرْبِيٌّ العادلية فِي شمَالي الزقاق تجاه الزقاق الذَّاهِب إِلَى العصرونية بَاب يُشِير بِنَفسِهِ إِلَى انه بَاب مدرسة وبجانبه من الغرب جِدَار مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ المتينة وَهُوَ شَاهِق ويدور مَعَ الزقاق إِلَى الْجَانِب الغربي الْموصل إِلَى بَاب الْفرج وَهُوَ يُشِير أَيْضا إِلَى انه كَانَ جدارا لمدرسة عَظِيمَة تشابه العادلية الْكُبْرَى وَهَذَا الْمحل كُله قد اختلس وَصَارَ دورا للسُّكْنَى فَيمكن أَن يكون ذَلِك الْأَثر هُوَ الدَّال على مَكَان الْمدرسَة الدوادارية وَدَار الحَدِيث الَّتِي كَانَت بهَا وعَلى الرِّبَاط الَّذِي بني بهَا لَان ذَلِك الْمَكَان وَاسع يُمكن أَن يحتوي على جَمِيع ذَلِك وَالله اعْلَم

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها هُوَ الْأَمِير علم الدّين سنجر الْمُتَقَدّم قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي العبر كَانَ من نجباء التّرْك وشجعانهم وعلمائهم وَله مُشَاركَة جَيِّدَة فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَفِيه ديانَة وكرم وَله فِي دمشق والقدس أوقاف كَثِيرَة تحيز إِلَى حصن الأكراد ولد سنة نَيف وَعشْرين وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَقَالَ الصّلاح الصَّفَدِي فِي تَارِيخه قدم من التّرْك فِي حُدُود سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ مليح الشكل مهيبا كَبِير الْوَجْه خَفِيف اللِّحْيَة صَغِير الْعَينَيْنِ ربعَة من الرِّجَال حسن الْخلق والخلق فَارِسًا شجاعا دينا خيرا عَالما فَاضلا مليح الْخط حَافِظًا لكتاب الله حفظ الإشادة فِي الْفِقْه لسليم الرَّازِيّ واعتنى بِالْحَدِيثِ وَحفظه وَكَانَ من الأسراء فِي أَيَّام الظَّاهِر ثمَّ أعطي الإمرة بحلب ثمَّ قدم دمشق وَولي الشدودة ثمَّ كَانَ من أَصْحَاب سنقر الْأَشْقَر ثمَّ امسك ثمَّ أُعِيد إِلَى رتبته ثمَّ أعطي خبْزًا وتقدمة على ألف وتقلبت بِهِ الْأَحْوَال وعلت رتبته فِي دولة الْملك لاشين وَقدمه على الْجَيْش فِي غَزْوَة سيس وَكَانَ لطيفا مَعَ أهل الصّلاح والْحَدِيث يتواضع لَهُم ويحادثهم ويؤانسهم ويصلهم وَله مَعْرُوف كثير وأوقاف بِدِمَشْق والقدس وَكَانَ مَجْلِسه عَامِرًا بالعلماء وَالشعرَاء والأعيان وَسمع الْكثير بِمصْر وَالشَّام والحجاز وروى عَن زكي الدّين عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ والرشيد الْعَطَّار وَجَمَاعَة وَسمع جماعات بِمَكَّة ودمشق والإسكندرية وحلب وإنطاكية وبعلبك والقدس وقوص والكرك وصفد وحماة وحمص والفيوم وَجدّة وطيبة وَقل من انجب من التّرْك مثله وَسمع مِنْهُ خلق وَشهد الْوَقْعَة وَهُوَ ضَعِيف ثمَّ التجأ بِأَصْحَابِهِ إِلَى حصن الأكراد فَتوفي فِيهِ لَيْلَة الْجُمُعَة ثَالِث شهر رَجَب فَانْظُر إِلَى مَا كَانُوا يعتنون بِهِ من الْعلم ويطوفون لأَجله الْبِلَاد الْبَعِيدَة مَعَ قلَّة الوسائط فِي زمانهم وَانْظُر إِلَى أمرائهم كَيفَ كَانُوا وَقَالَ الصَّفَدِي وَكَانَ الشَّيْخ فتح الدّين خصيصا بِهِ ينَام عِنْده فَقَالَ لي يَوْمًا كَانَ الْأَمِير علم الدّين قد لبس الفقيري وتجرد وَجَاء مَكَّة فجاور بهَا وَكتب الطباق بِخَطِّهِ وَكَانَ فِي وَجهه آثَار الضروب من الحروب وَكَانَ إِذا خرج إِلَى غَزْوَة خرج والى جَانِبه شخص يقْرَأ عَلَيْهِ أَحَادِيث الْجِهَاد وَقَالَ أَن السُّلْطَان حسام الدّين لاجين رتبه فِي عمَارَة جَامع

طولون وفوض إِلَيْهِ أمره فعمره وَعمر أوقافه وَقرر فِيهِ دروس الْفِقْه والْحَدِيث وَجعل من ذَلِك وَقفا يخْتَص بالديوك الَّتِي تكون فِي مَكَان مَخْصُوص من سطح الْجَامِع وَزعم أَنَّهَا تعين الموقتين وتوقظ المؤذنين بالأسحار واثبت ذَلِك ضمن كتاب الْوَقْف فَلَمَّا قرئَ على السُّلْطَان أعجبه مَا اعْتَمدهُ فِي أَوله وَلكنه لما انْتهى إِلَى ذكر الديوك أنكر ذَلِك وَقَالَ أبطلوا هَذَا لَا يضْحك النَّاس علينا وَكَانَ سَبَب اخْتِصَاص فتح الدّين بِهِ انه سَأَلَ الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي يَوْمًا عَن سنة وَفَاة الإِمَام البُخَارِيّ فَلم يستحضر التَّارِيخ فَسَأَلَ الْأَمِير سنجر عَن ذَلِك فَأَجَابَهُ فاختص بِهِ وغالب رُؤَسَاء دمشق وكبارها وعلمائها نشأوه فِي ذَلِك الزَّمن وَقد تَرْجمهُ ابْن الزملكاني واثبت القصائد الَّتِي مدح بهَا فِي مجلدتين وَكتب إِلَيْهِ عَلَاء الدّين الوداعي فِي وَفَاة وَلَده عمر (قل للأمير وعزه فِي نجله ... عمر الَّذِي أجْرى الدُّمُوع أجاجا) (حاشاك تظلم ربع صبرك بَعْدَمَا ... أَمْسَى لسكان الْجنان سِرَاجًا) وَقَالَ فِيهِ لما اخذ فِي دويرة السميساطي بَيْتا (لدويرة الشَّيْخ السميساطي من ... دون الْبِقَاع فَضِيلَة لَا تجْهَل) (هِيَ موطن للأولياء ونزهة ... فِي الدّين وَالدُّنْيَا لمن يتَأَمَّل) (كلت مَعَاني فَضلهَا مذ حلهَا ... الْعَلامَة الْفَرد الغياث الموئل) (أَنِّي لأنشد كلما شاهدتها ... مَا مثل منزلَة الدويرة فَنزل)

أبواب دمشق

أَبْوَاب دمشق لما كَانَ لمعْرِفَة أَبْوَاب دمشق فَائِدَة كَبِيرَة أثْنَاء التَّعْرِيف بالمدارس الْقَرِيبَة مِنْهَا وَتقدم بعض من بَيَانهَا ردفنا هُنَا بَيَان ذَلِك بِالْبَاقِي مِنْهَا ليَكُون كالتتمة والايضاح فَقُلْنَا من تَأمل الْآثَار الْمَوْجُودَة بِدِمَشْق علم يَقِينا بِأَنَّهَا كَانَت فِي سَابق أعوامها معقلا حصينا وموطنا حَرْبِيّا مهما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَنّ الْحَرْبِيّ الَّذِي كَانَ فِي تِلْكَ الْأَيَّام وَمن وقف إِمَام أَبْوَابهَا وَرَأى سورها الَّذِي كَانَ محيطا بهَا إحاطة السوار بالمعصم وَالْخَنْدَق الْمُحِيط بِهِ تجلت لَهُ أبهة الْجلَال وتصور تحصينها أَيَّام كَانَت فِيهَا محاصرة وَهِي تدافع عَن حوزتها وأسودها يحْمُونَ ذَلِك العرين ويحنون لصلصة السيوف ويرتاحون للمعانها وَرَأى سطور الْبَطْش والسطوة مرسومة على سورها وأبوابها كَمَا انه إِذا تَأمل مدارسها علم مِنْهَا شدَّة اعتناء أَهلهَا بالعلوم واعتناء أبطالها بالات الْحَرْب وشغفهم بهَا ومهارتهم فِي تحقيقها وَمَعْرِفَة طرق أَدَائِهَا وشغف أسودها ومهارتهم بفنون الْحَرْب والشجاعة والإقدام فَليعلم المتأمل الْجِهَتَيْنِ وليتفكر فِي آثَار الموضوعين ولنرجع لما كُنَّا بصدده فَنَقُول قد تقدم التَّعْرِيف بِبَاب الْفرج ومكانه وَهَذِه الْأَبْوَاب الْخَمْسَة الْمُتَقَدّمَة جَمِيعهَا حَادث وَهِي فِيمَا بَين بَاب الْجَابِيَة وَبَاب الفراديس إِلَّا بَاب السَّلامَة وَلم يبْق مَوْجُودا مِنْهَا الْآن إِلَّا بَاب الْفرج واخبرني الثِّقَات انه كَانَ بَاب عَظِيم فِي أول السُّوق الْمَعْرُوف الْآن بسوق الاروام من جِهَة الغرب بِالْقربِ من سراي العسكرية فَلَمَّا بني السُّوق على الْهَيْئَة الْمَوْجُودَة الْآن هدم فَلم يبْق لَهُ اثر وَأما بَاب الْجَابِيَة فَهُوَ من غربي الْبَلَد قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه هُوَ مَنْسُوب إِلَى قَرْيَة الْجَابِيَة لَان الْخَارِج إِلَيْهَا يخرج مِنْهُ لكَونه مِمَّا يَليهَا وَكَانَ هَذَا الْبَاب ثَلَاثَة أَبْوَاب الْأَوْسَط مِنْهَا كَبِير وَمن جانبيه بَابَانِ صغيران على مِثَال مَا كَانَ الْبَاب الشَّرْقِي وَكَانَ من الثَّلَاثَة أَبْوَاب ثَلَاثَة أسواق معقدة من بَاب الْجَابِيَة إِلَى الْبَاب الشَّرْقِي

كَانَ الْأَوْسَط من الْأَسْوَاق للنَّاس وَاحِد السوقين لمن يشرق بدابته وَالْآخر لمن يغرب بدابته حَتَّى انه كَانَ لَا يلتقي فِيهَا راكبان فسد الْبَاب الْكَبِير والشمالي مِنْهُمَا وَبَقِي القبلي إِلَى الْآن أَقُول وَهَذَا الْبَاب الْبَاقِي مَبْنِيّ بحجارة ضخمة وفوقه صَخْرَة عَظِيمَة قد وضع طرفاها فَوق عضادتيه ومكتوب فَوْقهَا مَا يُشِير إِلَى انه تطرق إِلَيْهِ بعض انهدام فجدده الْملك الْمُعظم شرف الدّين عِيسَى ابْن الْملك الْعَادِل وَهُوَ الَّذِي بنى سور دمشق بعدانهدامه وَبنى طارمة على بَاب الْحَدِيد وَهَذَا الْبَاب يقرب من جَامع السنابلة وبجانبه عَن يسَار الْخَارِج مِنْهُ تربة يُقَال للمدفونة بهَا السِّت جابية وبجانبها سويقة حوانيتها صَغِيرَة وطريقها ضيق جدا وَهِي الباشورة الَّتِي بناها نور الدّين الشَّهِيد وَلها بَاب بِجَانِب بَاب جَامع السنانية الشَّرْقِي الصَّغِير وَهَذَا الْبَاب مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ الضخمة أَيْضا ومحفور على الْحجر الَّذِي بأعلاه من الْخَارِج بعد الْبَسْمَلَة أَمر بعمارة الباشورة والقبر مَوْلَانَا الْملك الْعَادِل السعيد نور الدّين أَبُو الْقَاسِم مَحْمُود ابْن زنكي بن اق سنقر ضاعف الله لَهُ الثَّوَاب وَغفر لَهُ ولوالديه يَوْم الْحساب ابْتِغَاء مرضاة الله سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وآثار الْأَبْوَاب ظَاهِرَة من شِمَاله وَكَذَا آثَار الْأَسْوَاق الثَّلَاثَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا ابْن عَسَاكِر وَقد ظهر مُنْذُ عهد قريب أعمدة ضخمة جدا مطمورة فِي محلّة الخراب فَنقل وَاحِد مِنْهَا إِلَى الْجَامِع الْأمَوِي حِين بنائِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَمَا وصل إِلَيْهِ إِلَّا بعد الْجهد لعظمه وَهَذَا مِمَّا يدل على أَن تِلْكَ الْأَسْوَاق الثَّلَاثَة كَانَت معقودة بالأحجار الْعَظِيمَة ثمَّ يَلِي بَاب الْجَابِيَة الْبَاب الصَّغِير وَهُوَ الْبَاب القبلي للبلد قَالَ ابْن عَسَاكِر سمي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ اصغر أَبْوَابهَا حينما بنيت اهـ وَهُوَ بَاقٍ إِلَى الْآن بمصلبة الشاغور وَمن جَانِبه الغربي زقاق يُقَال لَهُ زقاق الصمادية وَمن شرقيه طَرِيق يُوصل إِلَى حارة الزط وبناؤه قوي متين واخبرني بعض سكان تِلْكَ الْجِهَة انه كَانَ فِي قبلته بَاب آخر نَظِيره فهدم فِي حُدُود تسعين وَمِائَتَيْنِ بعد الآلف وَجعل مَكَانَهُ حوانيت للْبيع وَالشِّرَاء وَالظَّاهِر أَن هَذَا كَانَ هُوَ الأَصْل وان الْمَوْجُود الْآن احدث بعده ثمَّ يَلِي هَذَا الْبَاب من الْقبْلَة إِلَى الشرق بَاب كيسَان قَالَ ابْن عَسَاكِر ينْسب إِلَى كيسَان مولى مُعَاوِيَة وَذكر هِشَام بن مُحَمَّد الْكَلْبِيّ انه مَنْسُوب إِلَى كيسَان مولى

بشر بن عبَادَة بن حسان بن جَبَّار بن قرط الْكَلْبِيّ الكليبي وَهُوَ الْآن مسدود وَلم يزل مسدودا إِلَى عهدنا هَذَا ثمَّ يَلِيهِ الْبَاب الشَّرْقِي سمي بذلك لِأَنَّهُ شَرْقي الْبَلَد وَكَانَ ثَلَاثَة أَبْوَاب بَاب كَبِير فِي الْوسط وبابان صغيران إِلَى جَانِبه سد مِنْهَا الْكَبِير وَالْبَاب الصَّغِير الَّذِي من قبلته وَبَقِي الصَّغِير الشمالي قَالَه ابْن عَسَاكِر وَهَذَا الْبَاب لم يزل مَوْجُودا إِلَى الْآن وَهُوَ على نمط بَاب الْجَابِيَة الْبَاقِي ويليه بَاب توما وَهُوَ من شمَالي الْبَلَد ينْسب إِلَى عَظِيم من عُظَمَاء الرّوم اسْمه توما وَكَانَت لَهُ على بَابه كَنِيسَة جعلت بعد ذَلِك مَسْجِدا وَهُوَ مَسْجِد لطيف وموجود إِلَى الْآن وَبَاب الجنيق من الشمَال أَيْضا مَنْسُوب إِلَى محلّة الجنيق وَكَانَت محلّة كَبِيرَة وَبهَا كَنِيسَة فَجعلت بعد مَسْجِدا قَالَ ابْن عَسَاكِر وَهُوَ الْآن مسدود اهـ وَهَذِه الْمحلة هِيَ مَا بَين بَاب توما وَبَاب السَّلامَة خَارج السُّور وَتسَمى محلّة الفرايين وَالْبَاب لم يزل مسدودا إِلَى زمننا بَاب السَّلامَة وَهُوَ مَشْهُور الْآن بِبَاب السَّلَام وَهُوَ من شمَالي الْبَلَد أَيْضا سمي بذلك تفاؤلا لَان الْقِتَال كَانَ لَا يتهيأ على الْبَلَد من ناحيته لما دونه من الْأَشْجَار والأنهار وَهَذَا الْبَاب مِمَّا أحدثه المرحوم نور الدّين مَحْمُود بن زنكي ثمَّ تهدم مِمَّا توالى عَلَيْهِ من الحروب ثمَّ جدده الْملك الْعَادِل كَمَا يظْهر من آثاره وَقد رَأَيْته فَوَجَدته بَابا متينا عَظِيما نَظِير غَيره من الْأَبْوَاب الْبَاقِيَة ومعلق دَاخله من الشمَال حجر من أَحْجَار المنجنيق ومكتوب على الصَّخْرَة الَّتِي فَوْقه بعد الْبَسْمَلَة جددت عمَارَة هَذَا الْبَاب السعيد فِي أَيَّام مَوْلَانَا السُّلْطَان الْملك الصَّالح السَّيِّد الْأَجَل الْعَالم العابد الْمُجَاهِد الْمُؤَيد المظفر الْمَنْصُور نجم الدُّنْيَا وَالدّين سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين منصف المظلومين من الظَّالِمين قَاتل الْكَفَرَة وَالْمُشْرِكين ماحي الْبَغي وَالْفساد دَافع المفسدين فِي الْبِلَاد مقرّ الْإِسْلَام غياث الْأَنَام ركن الدّين وَالْملَّة وَالْأمة عَلَاء الْأمة سعد الْمُلُوك والسلاطين السُّلْطَان الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن أَيُّوب النَّاصِر أَمِير الْمُؤمنِينَ بتولي العَبْد الْفَقِير يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وغالب الْأَبْوَاب مَكْتُوب عَلَيْهَا كتابات تشبه هَذِه وَقد تركت نَصهَا خوف التَّطْوِيل وَلعدم جدواها

وَبَاب الفراديس من شمَالي الْبَلَد أَيْضا وَهُوَ الْآن فِي سوق الْعِمَارَة الممتد إِلَى جَامع بني أُميَّة وَهُوَ بَاب متين أَيْضا بِالْقربِ من نهر بردى وَفِي دَاخله بَاب أَيْضا عِنْد المقدمية وَكِلَاهُمَا مَبْنِيّ بالصخر الْعَظِيم قَالَ ابْن عَسَاكِر وَهَذَا الْبَاب مَنْسُوب إِلَى محلّة كَانَت خَارج الْبَلَد تسمى الفراديس وَهِي الْآن خراب وَكَانَ للفراديس بَاب آخر عِنْد بَاب السَّلامَة فسد والفراديس بلغَة الرّوم الْبَسَاتِين وَقَالَ أَيْضا بَاب الْجنان من غربي الْبَلَد سمي بذلك لما يَلِيهِ من الجنات وَهِي الْبَسَاتِين وَقد كَانَ مسدودا ثمَّ فتح انْتهى أَقُول يُمكن أَن يكون هُوَ الَّذِي كَانَ عِنْد سوق الأورام ثمَّ هدم أَو غَيره وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يبْق من الْأَبْوَاب ظَاهرا للعيان ومشهورا سوى سَبْعَة أَبْوَاب بَاب الْجَابِيَة بَاب الصَّغِير بالشاغور بَاب شَرْقي بَاب توما بَاب السَّلامَة بَاب الفراديس بَاب الْفرج وَمَا بَقِي فَهُوَ إِمَّا مسدود أَو مهدوم وَأما السُّور فَمن بَاب الْجَابِيَة إِلَى بَاب الفراديس قد بَقِي على حَاله لم يطْرَأ عَلَيْهِ سوى بعض الانهدام والنقض وَمِنْه إِلَى بَاب الْجَابِيَة لم يُوجد سوى شَيْء يسير من أطلاله قَالَ ابْن عَسَاكِر وَفِي السُّور أَبْوَاب صغَار غير مَا ذكرنَا تفتح عِنْد وجود الْحَاجة إِلَيْهَا مِنْهَا بَاب فِي حارة الحاطب يعرف بِبَاب ابْن إِسْمَاعِيل وَبَاب فِي المربعة انْتهى وغالب هَذِه الْأَبْوَاب الْقَدِيمَة بنى نور الدّين عَلَيْهَا منائر وَجعل لكل مَنَارَة مَسْجِدا وَجعل لكل بَاب باشورة كالسويقة بهَا حوانيت مَمْلُوءَة بالبضائع فَإِذا حصنت الْمَدِينَة وقفلت الْأَبْوَاب اسْتغنى أهل كل بَاب من هَذِه الْأَبْوَاب بِمَا عِنْدهم وَهُوَ مقصد جميل وَقَالَ الْفَاضِل حسن ابْن المزلق الْمَعْرُوف بالتقي البدري فِي كِتَابه نزهة الْأَنَام فِي محَاسِن الشَّام كَانَت صور الْكَوَاكِب على هَذِه الْأَبْوَاب فزحل على بَاب كيسَان وَالشَّمْس على الْبَاب الشَّرْقِي والزهرة على بَاب توما وَالْقَمَر على بَاب الجنيق وَعُطَارِد على بَاب الفراديس وعَلى بَاب الْجَابِيَة المُشْتَرِي وعَلى الْبَاب الصَّغِير المريخ هَذَا كَلَامه وَلَيْسَ بمستبعد فِي نظر التَّارِيخ لَان الأقدمين سكان سورية كَانَت لَهُم عناية عَظِيمَة بالكواكب وَبِنَاء الهياكل لَهَا واستخدامها بزعمهم كَمَا تدل على ذَلِك الْآثَار الْبَاقِيَة من الْقُرُون الخالية وَمن مثل هَذَا نشأت عبَادَة الْكَوَاكِب والأوثان والأصنام فَكَانُوا ييصورون كل كَوْكَب بِصُورَة شَيْء يمِيل ذَلِك الْكَوْكَب بدلالته عَلَيْهِ وجاماسب الْحَكِيم لما تكلم على قرانات الْكَوَاكِب أَشَارَ إِلَيْهَا برموز صورها الَّتِي تُوجد أَحْيَانًا فِي الحفريات

فَكَانُوا يصورون زحل فِي صُورَة شيخ فِي يَمِينه رَأس رجل وَفِي يسَاره يَده وَهُوَ رَاكب على ذِئْب يُحَرك لَهُ بعصاه وَتارَة يصورونه رَاكِبًا على فرس وَفِي رَأسه مغفر وَفِي يسَاره ترس وَفِي يَمِينه سيف ويصورون المُشْتَرِي فِي صُورَة كهل فِي يَمِينه سيف مصلت وَفِي يسَاره قَوس وَهُوَ رَاكب على فرس وَفِي عُنُقه سبْحَة ويصورونه أَيْضا بِصُورَة رجل جَالس على كرْسِي عَلَيْهِ أَثوَاب ملونة وَفِي يسَاره خيزرانة ويصورون المريخ بِصُورَة شَاب رَاكب على أسدين وَفِي يَمِينه سيف مصلت وَفِي يسَاره طبرزين ويصورونه أَيْضا بِصُورَة شَاب أشقر رَاكب على فرس أشقر فِي رَأسه مغفر وَفِي يسَاره رمح فِيهِ عَلامَة وَفِي يَمِينه رَأس رجل ولباسه احمر ويصورون الشَّمْس بِصُورَة رجل فِي يَمِينه عَصا متكئ عَلَيْهَا وَهُوَ رَاكب على وردتون يحملهُ على أَرْبَعَة ثيران وَفِي يسَاره خرز ويصورونها أَيْضا بِصُورَة رجل جَالس وجهة كالطوق وَمَعَهُ تِمْثَال أَرْبَعَة أَفْرَاس ويصورون الزهرة بِصُورَة امْرَأَة عِنْدهَا عود تضرب بِهِ أَو بِصُورَة امْرَأَة جالسة مُرْسلَة شعرهَا وذوائبها فِي يَدهَا الْيُسْرَى وَفِي يَمِينهَا مرْآة تنظر فِيهَا ولباسها اصفر واخضر وَعَلَيْهَا الطوق والسوار والخلخال ويصورون عُطَارِد بِصُورَة شَاب رَاكب على طَاوُوس وَفِي يَمِينه حَيَّة وَفِي يسَاره لوح يقْرَأ فِيهِ ويصورونه أَيْضا بِصُورَة رجل جَالس على كرْسِي وَفِي يَده كتاب وعَلى رَأسه تَاج أَو شَيْء من الملبوس وَعَلِيهِ ثِيَاب ملونة ويصورون الْقَمَر بِصُورَة رجل فِي يَمِينه حَرْبَة وَقد عقد فِي يسَاره ثَلَاثِينَ كَأَنَّهُ يحْسب ثَلَاثمِائَة وَفِي رَأسه تَاج وَهُوَ رَاكب على وردتون يحملهُ أَرْبَعَة أَفْرَاس هَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَاب فن أَحْكَام النُّجُوم وَيُمكن أَن تكون الصُّور الَّتِي كَانَت على الْأَبْوَاب من هَذَا الْقَبِيل وضعوها لغاية لَهُم اقتضتها صناعَة فن النُّجُوم وَالله اعْلَم

حرف السين

حرف السِّين الْمدرسَة السامرية هِيَ باقرب من محلّة مئذنة الشَّحْم بزقاق المرحوم الشَّيْخ المسلك الدسوقي وَبهَا خانقاه أَيْضا وَهِي الَّتِي إِلَى جَانب الكروسية آلاتية والسامرية بِفَتْح الْمِيم وَكسر الرَّاء مُشَدّدَة نِسْبَة إِلَى بانيها الصَّدْر الْكَبِير سيف الدّين أبي الْعَبَّاس احْمَد بن مُحَمَّد بن عَليّ جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ السامري نِسْبَة إِلَى سر من رأى بَلْدَة على الدجلة وينسب إِلَيْهَا أَيْضا بِلَفْظ السرمري وَكَانَت قَدِيما تعرف بدار ابْن قوام وَكَانَ بناؤها من حِجَارَة منحوتة كلهَا فاشتراها السامري وَجعلهَا دَارا للسُّكْنَى ثمَّ وَقفهَا دَار حَدِيث وخانقاه بعد أَن قَامَ بِهَذِهِ الدَّار مُدَّة وَدفن بهَا قلت وَهَذَا الزقاق مَشْهُور الْآن بزقاق السّلمِيّ وَهُوَ مُقَابل للزقاق الَّذِي وَرَاء سوق البزورية من جِهَة الشرق وَقد صَارَت الْآن دورا للسُّكْنَى فانمحى أَثَرهَا واندرست أطلالها وَلم يبْق مِنْهَا سوى أَحْجَار فِي أساس جِدَار تُشِير إِلَيْهَا وَسَيَأْتِي إِيضَاح لمحلها عِنْد الْكَلَام على أُخْتهَا الكروسية الَّتِي أَصَابَهَا مَا أصَاب هَذِه تَرْجَمَة واقفها أوقفها وأوقف الخانقاه الَّتِي كَانَت بهَا الصَّدْر الْكَبِير سيف الدّين أَبُو الْعَبَّاس احْمَد ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن جَعْفَر الْبَغْدَادِيّ السامري بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء نِسْبَة إِلَى مَدِينَة سرمن رأى كَمَا تقدم وَكَانَ المترجم كثير الْأَمْوَال حسن الْأَخْلَاق مُعظما عِنْد الدولة لَهُ أشعار رائقة ومبتكرات فائقة توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة وَكَانَ لَهُ بِبَغْدَاد حظوة كَبِيرَة عِنْد الْوَزير ابْن العلقمي وامتدح المعتصم وخلع عَلَيْهِ خلعة سَوْدَاء سنية ثمَّ قدم دمشق فِي أَيَّام النَّاصِر صَاحب حلب فحظي عِنْده أَيْضا فسعي بِهِ أهل الدولة فصنف فيهم أرجوزة فتح عَلَيْهِم بِسَبَبِهَا بَاب مصادمة فصادمهم الْملك لأجل ذَلِك بِعشْرين آلف دِينَار فعظموه جدا وتوصلوا بِهِ إِلَى أغراضهم وَله قصيدة فِي مدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

دار الحديث السكرية

قَالَ الْحَافِظ عماد الدّين ابْن كثير فِي تَارِيخه فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وفيهَا استدعي سيف الدّين السامري من قبل النَّاصِر من دمشق إِلَى الديار المصرية ليَشْتَرِي مِنْهُ ربع قَرْيَة حزرما الَّذِي اشْتَرَاهُ من بنت الْملك الاشرف مُوسَى فَذكر لَهُم انه وَقفه وَقد كَانَ الْمُتَكَلّم فِي ذَلِك علم الدّين السجاعي وَكَانَ قد استنابه الْملك الْمَنْصُور بديار مصر وَجعل يتَقرَّب إِلَيْهِ بتحصيل الْأَمْوَال فقرر لَهُم نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْمَقْدِسِي أَن السامري اشْترى هَذَا من بنت الْملك الاشرف وَهِي غير رَشِيدَة واثبت سفهها على زين الدّين بن مخلوف وابطل البيع من اصله واسترجع على السامري بمغل عشْرين سنة مِائَتي ألف دِرْهَم اخذوا مِنْهُ حِصَّة من الزنبقية قيمتهَا سَبْعُونَ ألفا وَعشرَة آلَاف مكملة وتركوه فَقِيرا على برد الديار ثمَّ اثبتوا رشدها واشتروا مِنْهَا تِلْكَ الحصص بِمَا أَرَادوا ثمَّ أَرَادوا أَن يستدعوا بالدماشقة وَاحِدًا بعد وَاحِد ويصادروهم وَذَلِكَ انه بَلغهُمْ انه من ظلم بِالشَّام لَا يفلح وَمن ظلم بِمصْر افلح وطالت مدَّته فَكَانُوا يطلبونهم إِلَى مصر ارْض الفراعنة وَالظُّلم ويفعلون بهم مَا أَرَادوا انْتهى كَلَامه دَار الحَدِيث السكرية هِيَ بالقصاعين دَاخل بَاب الْجَابِيَة وَبهَا خانقاه قَالَه النعيمي والبقاعي وَقَالا لم نقف لواقفها على تَرْجَمَة أَقُول هما لم يقفا لواقفها على تَرْجَمَة وَنحن لم نقف لَهَا على اثر وَلَقَد وقفت حذاء بَاب الْجَابِيَة فَرَأَيْت بجانبه من الْقبْلَة زقاقا يُسمى الْآن زقاق البرغل ثمَّ مشيت مشرقا نَحوا من سبعين خطْوَة فَرَأَيْت بالجانب القبلي مَسْجِدا سقفه مَعْقُود بِالْحجرِ وَهُوَ قديم قد بدا لاعلاه أَن يسْقط وَفِي جَانِبه قبر مَكْتُوب على الشباك الْمُقَابل لَهُ هذاقبر سَيِّدي سركس بِخَط حَدِيث وأمام هَذَا الْجَامِع من الشمَال بركَة مَاء عَلَيْهَا آثَار الْقدَم فَلَعَلَّ هَذَا الْجَامِع هُوَ الخانقاه والمدرسة هِيَ الدّور الَّتِي بجانبه وَيُمكن أَن تكون الْمدرسَة والخانقاه فِي جَانب تِلْكَ الْبركَة ثمَّ أخنى عَلَيْهَا الزَّمَان وَدخلت فِي السُّوق فَصَارَت حوانيت وَالْحَاصِل أَنَّهَا قد اندرست أثارها وَذَهَبت رسومها واخنى عَلَيْهَا الَّذِي اخنى على لبد

حرف الشين

وَقد تولى مشيختها قَدِيما الْعَلامَة شهَاب الدّين عبد الْحَلِيم ابْن تَيْمِية ثمَّ وَلَده الإِمَام شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين احْمَد بن تَيْمِية ثمَّ الإِمَام شيخ الْمُحدثين قدوة الْحفاظ والقراء مُحَمَّد بن احْمَد بن عُثْمَان بن قايماز الذَّهَبِيّ ثمَّ صدر الدّين سُلَيْمَان الْمَالِكِي ثمَّ بعد كتابتي لذَلِك اطَّلَعت على رِسَالَة سماهاه صَاحبهَا الْكَلَام على بِنَاء التدمري فَكَانَ محصلها أَن الإِمَام شيخ الْإِسْلَام احْمَد بن تَيْمِية كَانَ سَاكِنا بمحلة القصارين دَاخل بَاب الْجَابِيَة فِي مدرسة تعرف بالسكرية وَهِي دَار حَدِيث وَهِي صَغِيرَة ضيقَة حرجة وَقفهَا ضَعِيف جدا يبلغ فِي السّنة خَمْسمِائَة دِرْهَم وَهِي تحْتَاج خمسين آلفا فَانْتدبَ لذَلِك رجل بِدِمَشْق يُقَال لَهُ مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم التدمري وَهُوَ من اعيان التُّجَّار وَمن المحبين لشيخ الْإِسْلَام فَكتب محضرا بِأَن جدران الْمدرسَة تعيبت وسقوفها تحْتَاج إِلَى فك فعارضهم زين الدّين عبد الرَّحْمَن بن رَجَب بِدَعْوَى أَن النّظر مفوض إِلَيْهِ من بعض الْقُضَاة وَبعد أُمُور يطول شرحها بناها ابْن التدمري وَزَاد فِيهَا قاعة لَهُ كَانَت بجوارها وَجعل لَهَا ميضأة وَبنى فَوق القاعة حجرات واتمها سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ الْمصرف على بنائها من مَاله وَقَررهُ القَاضِي نَاظرا عَلَيْهَا قَالَ ابْن مشجرة صَاحب الرسَالَة الْمَذْكُورَة وَيجب أَن تسمى هَذِه الْمدرسَة الشمسية لَان واقفها شمس الدّين ابْن التدمري والرسالة الْمَذْكُورَة فِي نَحْو خمسين ورقة وَلَكِن هَذَا ملخصها حرف الشين دَار الحَدِيث الشقشقية قَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب هِيَ بدرب البانياسي كَانَت دَارا للشَّيْخ الْمُحدث نجيب الدّين أَبُو الْفَتْح نصر الله بن أبي العبر مظفر بن عقيل الشَّيْبَانِيّ الدِّمَشْقِي الصفار الشَّاهِد فأوقفها دَار حَدِيث وَقَالَ ابْن كثير وقف دَاره بدرب البانياسي دَار حَدِيث وَهِي الَّتِي كَانَ يسكنهَا شَيخنَا الْمزي الْحَافِظ قبل انْتِقَاله إِلَى دَار حَدِيث الاشرفية انْتهى أَقُول لم ادر مَا درب البانياسي وَلَا فِي آيَة نَاحيَة هُوَ وَلم أجد من يُخْبِرنِي عَنهُ وَذَلِكَ عُذْري فِي ترك التَّحْقِيق عَن موضعهَا

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها هُوَ نصر الله بن مظفر الْمُتَقَدّم قَالَ النعيمي ولد بعد الثَّمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ أديبا ظريفا مليح البزة واعتنى بِالْحَدِيثِ ورماه أَبُو شامة بِالْكَذِبِ ورقة الدّين توفّي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة انْتهى وَقَالَ أَبُو شامة هُوَ مَشْهُور بِالْكَذِبِ ورقة الدّين وَغير ذَلِك وَهُوَ أحد الشُّهُود المقدوح فيهم وَلم يكن بِحَال أَن يُؤْخَذ عَنهُ وَقد أجلسه احْمَد بن يحيى بن هبة الله الملقب بالصدر ابْن سني الدولة فِي حَال ولَايَته أَقْْضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق فانشد فِيهِ بعض الشُّعَرَاء (جلس الشقيشقة الشقي ليشهدا ... بأبيكما مَاذَا عدا فِيمَا بدا) (هَل زلزل الزلزال أم قد اخْرُج ... الدَّجَّال أم عدم الرِّجَال ذَوُو الْهدى) (عجبا لمحلول العقيدة جَاهِلا ... بِالشَّرْعِ قد اذنوا لَهُ أَن يقعدا) قَالَ النعيمي وَلم اقف على أحد ولي مشيختها حرف الْعين دَار الحَدِيث العروية كَانَت زمَان وجودهَا بالجانب الشَّرْقِي من صحن الْجَامِع الْأمَوِي قبيل الحلبية وَيعرف مَكَانهَا قَدِيما بمشهد عَليّ وَعرف بعده بمشهد عُرْوَة قَالَ ابْن كثير أَن النَّاس يَقُولُونَ مشْهد عُرْوَة بالجامع الْأمَوِي وانما نسب إِلَيْهِ لانه أول من فَتحه بعد أَن كَانَ مشحونا بالحواصل الْمَجْمُوعَة للجامع وَبنى فِيهِ الْبركَة ووقف فِيهِ على الحَدِيث دروسا ووقف خَزَائِن كتبه فِيهِ وصنع لَهُ محرابا وبيضه أَقُول إِذا وقفت عِنْد بَاب جيرون متجها إِلَى الغرب كَانَ عَن يسارك مشْهد كَبِير يُسَمِّيه النَّاس الْيَوْم مشْهد الْحُسَيْن وبجانبه من الْجِهَة الشمالية آثَار بِنَاء قديم وَفِي زَاوِيَة نِهَايَة الْمَكَان بَاب فَتحه بَنو الْغَزِّي لبيتهم وبجانبه فِي الْحَائِط الشمالي التربة الكاملية وَهِي أَيْضا منمضمة إِلَى دَار بني الْغَزِّي ووراء ذَلِك الْحَائِط الْمدرسَة السميساطية ثمَّ الاخنائية ثمَّ دَار الْغَزِّي فَيمكن أَن تكون العروية أدخلت فِي

ترجمة واقفها

المشهد الْحُسَيْنِي أَو هِيَ والحلبية أدخلتا فِي الدَّار الْمَذْكُورَة لكَونهَا عَظِيمَة متسعة جدا وَالله اعْلَم تَرْجَمَة واقفها هُوَ شرف الدّين مُحَمَّد بن عُرْوَة الْموصِلِي نسب إِلَيْهِ مشْهد عُرْوَة كَمَا تقدم وَكَانَ مُقيما بالقدس وَلكنه كَانَ من خَواص أَصْحَاب الْملك الْمُعظم فانتقل إِلَى دمشق حينما خرب سور بَيت الْمُقَدّس وَأقَام بهَا إِلَى أَن توفّي وقبره عِنْد قباب طغتكين قبلي الْمصلى وَتُوفِّي سنة عشْرين وسِتمِائَة وَأول من ولي مشيخه هَذِه الْمدرسَة فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن الْمَشْهُور بِابْن عَسَاكِر ثمَّ الْحَافِظ الْكَبِير الرّحال مُحَمَّد بن يُوسُف البرزالي الاشبيلي ثمَّ فَخر الدّين عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف البعلبكي الْحَنْبَلِيّ قَالَ ابْن كثير كَانَ يُفْتِي ويفيد النَّاس مَعَ ديانَة وَصَلَاح وَعبادَة وزهادة وَقَالَ برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُفْلِح فِي الْمَقْصد الارشد فِي تَرْجَمته هُوَ الْفَقِيه الْمُحدث الزَّاهِد سمع الحَدِيث وتفقه على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الْعِزّ وَعمر ابْن المنجا وَحفظ عُلُوم الحَدِيث وَعرضه من حفظه على مُؤَلفه ابْن الصّلاح وَقَرَأَ الْأُصُول وشيئا من الْخلاف على السَّيْف الامدي والنحو على ابْن الْحَاجِب وَصَحب اليونيني وَالنَّوَوِيّ توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وولادته سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة وانما تَرْجَمته هُنَا لاني افردت السّفر الْأَخير من هَذَا الْكتاب لتراجم الْمَشَاهِير فَمن كَانَ مَشْهُورا أخرت تَرْجَمته إِلَى ذَلِك السّفر وَمن كَانَ متوسطا أترجمه بالمناسبات لِئَلَّا أسهو عَنهُ هُنَاكَ حرف الْفَاء دَار الحَدِيث الْفَاضِلِيَّةِ كَانَت أَيَّام مجدها بالكلاسة واما الْآن فقد صَارَت بُيُوتًا للسُّكْنَى وَقد شاهدت من آثارها الإيوان وقاعتين بجانبه والمطبخ من ضمنه

ترجمة واقفها

قَالَ أَبُو شامة فِي كَلَامه على وَفَاة صَلَاح الدّين أَن تربته مجاورة للمكان الَّذِي زَارَهُ القَاضِي الْفَاضِل فِي الْمَسْجِد انْتهى وَنحن الْآن لم نر إِلَّا زقاقا بَين التربة الْمَذْكُورَة وَالْجَامِع يُوصل إِلَى دور معدة للسكن وَالْوَقْف عَلَيْهَا مزرعة برتايا لصيق ارْض حمورية يفصل بَينهمَا النَّهر ثمَّ كَانَت بعد ذَلِك بيد الزعني عبد الْغَنِيّ بن السراج بن الخواجا شمس الدّين بن المزلق ثمَّ صَارَت بيد محب الدّين نَاظر الْجَيْش سنة خمس عشرَة وَتِسْعمِائَة وَأول من درس بهَا التقي البلداني ثمَّ النَّجْم أَخُو الْبَدْر ثمَّ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ ثمَّ الْحَافِظ المتقن أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن رَافع بن هجوش السلَامِي بتَشْديد اللَّام الصميدي الْمصْرِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي ثمَّ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن رضوَان البعلي الْمَعْرُوف بِابْن الْموصِلِي تَرْجَمَة واقفها نَحن الْآن لم نرد استقصاء تَرْجَمَة هَذَا الْفَاضِل لانه من زِينَة الْمَشَاهِير وَمحل طُلُوع كوكبه أوج سفر الْمَشَاهِير ولكننا نأتي على نبذة مِنْهَا هُنَا وَفِي محلهَا نزيد مَا لم نأت عَلَيْهِ فِي هَذَا الْموضع إِذْ لَا يَلِيق بالْمقَام إخلاء هَذَا السّفر من تَرْجَمته فَنَقُول هُوَ عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن حسن بن الْحُسَيْن بن احْمَد بن الْفرج بن احْمَد القَاضِي مُحي الدّين ابْن القَاضِي الاشرف أبي الْحسن اللَّخْمِيّ البيساني الْعَسْقَلَانِي المولد الْمصْرِيّ المنشأ صَاحب الْعِبَادَة والفصاحة والبراعة والبلاغة ولد سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة انْتَهَت إِلَيْهِ براعة الْإِنْشَاء وبلاغة الترسل وَله فِي ذَلِك معَان مبتكرة لم يسْبق إِلَيْهَا مَعَ كثرتها اشْتغل بصناعة الترسل على الْمرْفق يُوسُف بن الْجلَال شيخ الْإِنْشَاء فِي زَمَنه ثمَّ أَقَامَ بالإسكندرية مُدَّة قَالَ عمَارَة الْفَقِيه اليمني وَمن محَاسِن العاضد خُرُوج أمره إِلَى وَالِي الاسكندرية بتسيير القَاضِي الْفَاضِل إِلَيّ الْبَاب واستخدامه فِي ديوَان الجيوش فانه غرس مِنْهُ للدولة بل للملة شَجَرَة مباركة متزايدة النَّمَاء اصلها ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء سمع جمَاعَة من الْمُحدثين وَكَانَ كثير الصَّدقَات وَالصَّوْم وَالصَّلَاة ورده كل يَوْم وَلَيْلَة ختمة كَامِلَة قَالَ الْحَافِظ عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ ركن السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى القَاضِي الْفَاضِل ركونا تَاما وَتقدم عِنْده كثيرا وَله آثَار جميلَة ظَاهِرَة مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الإغضاء

وَالِاحْتِمَال وروى موفق الدّين احْمَد ابْن أبي اصيبعة فِي تَارِيخه عُيُون الأنباء فِي طَبَقَات الْأَطِبَّاء فِي تَرْجَمَة موفق الدّين عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ عَنهُ انه قَالَ تَوَجَّهت إِلَى زِيَادَة الْقُدس ثمَّ إِلَى صَلَاح الدّين بِظَاهِر عكا فاجتمعت ببهاء الدّين ابْن شَدَّاد قَاضِي الْعَسْكَر يَوْمئِذٍ وَكَانَ قد اتَّصل بِهِ شهرتي بالموصل فانبسط أَلِي وَاقْبَلْ عَليّ وَقَالَ نَجْتَمِع بعماد الدّين الْكَاتِب فقمنا إِلَيْهِ وخيمته إِلَى خيمة بهاء الدّين فَوَجَدته يكْتب كتابا إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز بقلم الثُّلُث من غير مسودة وَقَالَ هَذَا كتاب إِلَى بلدكم وذاكراني فِي مسَائِل من علم الْكَلَام وَقَالَ قومُوا إِلَى القَاضِي الْفَاضِل فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَرَأَيْت شَيخا ضئيلا كُله رَأس وقلب وَهُوَ يكْتب ويملي على اثْنَيْنِ وَوَجهه وشفتاه تلعب أَنْوَاع الحركات لقُوَّة حرصه فِي إِخْرَاج الْكَلَام وَكَأَنَّهُ يكْتب بجملة أَعْضَائِهِ وسألني القَاضِي الْفَاضِل عَن قَوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا وَقَالَ لَهُم خزنتها} 39 / 71 آيَة أَيْن جَوَاب إِذا وَأَيْنَ جَوَاب لَو فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال} 13 / 21 آيَة وَعَن مسَائِل كَثِيرَة وَمَعَ هَذَا فَلَا يقطع الْكِتَابَة والإملاء وَقَالَ لي ترجع إِلَى دمشق وتجرى عَلَيْك الجرايات فَقلت أُرِيد مصر فَقَالَ السُّلْطَان مَشْغُول الْقلب بِأخذ الفرنج عكا وَقتل الْمُسلمين بهَا فَقلت لابد لي من مصر فَكتب لي ورقة صَغِيرَة إِلَى وَكيله بهَا فَلَمَّا دخلت الْقَاهِرَة جَاءَنِي وَكيله وَهُوَ ابْن سناء الْملك وَكَانَ شَيخا جليل الْقدر نَافِذ الْكَلِمَة فأنزلني دَارا قد أزيحت عللها وَجَاءَنِي بِدَنَانِير وغلة ثمَّ مضى إِلَى أَرْبَاب الدولة وَقَالَ هَذَا ضيف القَاضِي الْفَاضِل فوردت الْهَدَايَا والصلات من كل جَانب وَكَانَ كل عشرَة أَيَّام أَو نَحْوهَا تصل تذكرة القَاضِي الْفَاضِل إِلَى ديوَان مصر بمهمات الدولة وفيهَا فصل يُؤَكد الْوَصِيَّة فِي حَقي انْتهى وَقَالَ الْمُوفق عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ أَيْضا كَانَ للْقَاضِي الْفَاضِل غرام فِي الْكِتَابَة وَتَحْصِيل الْكتب وَكَانَ لَهُ العفاف وَالدّين والتقى مواظبا على أوراده وَلما ملك أَسد الدّين شيركوه احْتَاجَ إِلَى كَاتب فأعجبه سمته وتصوره فَلَمَّا ملك صَلَاح الدّين استخلصه لنَفسِهِ وَحسن اعْتِقَاده فِيهِ وَكَانَ قَلِيل اللَّذَّات كثير الْحَسَنَات دَائِم التَّهَجُّد مشتغلا بالآداب قَلِيل النَّحْو لَكِن لَهُ دربة قَوِيَّة فِيهِ توجب قلَّة اللّحن وَكتب فِي الْإِنْشَاء مَا لم يَكْتُبهُ أحد وَكَانَ متقللا فِي مطعمه ومنكحه وملبسه يلبس الْبيَاض وَلَا يبلغ جَمِيع مَا عَلَيْهِ من الثِّيَاب دينارين ويركب مَعَه غُلَام وركابي وَلَا يُمكن

حرف القاف

أحدا أَن يَصْحَبهُ وَيكثر لَقِي الْجَنَائِز وعيادة المرضى وزيارة الْقُبُور وَله مَعْرُوف مَعْرُوف فِي السِّرّ والجهر وَكَانَ ضَعِيف البنية رَقِيق الصَّوْت لَهُ حدية يغطيها الطيلسان وَكَانَ بِهِ سوء خلق يكمد بِهِ نَفسه وَلَا يضير أحدا بِهِ ولأصحاب الْفَضَائِل عِنْده نفاق يحسن إِلَيْهِم وَلَا يمن عَلَيْهِم وَلم يكن لَهُ انتقام من أعدائه إِلَّا بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِم أَو الْأَعْرَاض عَنْهُم وَكَانَ دخله ومعلومه فِي السّنة خمسين ألف دِينَار سوى متاجر الْهِنْد والمغول وَغَيرهمَا وأحوج مَا كَانَ إِلَى الْمَوْت عِنْد تولي الإقبال وإقبال الأدبار وَهَذَا يدل على أَن لله بِهِ عناية وَيُقَال أَن مسودات رسائله فِي المجلدات والتعليقات فِي الأوراق إِذا اجْتمعت لَا تقصر عَن مائَة مجلدة وَله نظم كثير وَقيل انه ملك من الْكتب مائَة ألف مجلدة وَقد أثنى عَلَيْهِ الْعِمَاد الْكَاتِب ثَنَاء عَظِيما توفّي سنة وَبنى للشَّافِعِيَّة مدرسة بِالْقَاهِرَةِ وشرك مَعَهم الْمَالِكِيَّة بهَا ومكتبا للأيتام وترجمه الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه فِي ورقتين وَنصف قَالَ ابْن كثير وَالْعجب أَن القَاضِي الْفَاضِل مَعَ براعته وفصاحته الَّتِي لَا يدانى فِيهَا وَلَا يجارى لَا يعرف لَهُ قصيدة طَوِيلَة رنانة لَهُ مَا بَين الْبَيْت والبيتين وَالثَّلَاثَة فِي أثْنَاء الرسائل وَغَيرهَا هَذَا كَلَام ألاسدي وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن لَهُ قصيدة طَوِيلَة رنانة مطْلعهَا (لله روض بالحدائق محدق ... وَبِكُل مَا تهوى النواظر مونق) وَهِي فَوق الثَّلَاثِينَ بَيْتا وَله غَيرهَا مِمَّا هُوَ أطول مِنْهَا حرف الْقَاف دَار الحَدِيث القلانسية هِيَ بالصالحية قَالَ النعيمي بهَا رِبَاط ومئذنة وتعرف الْآن بالخانقاه غربي مدرسة أبي عمر قَالَ العلموي قلت هِيَ نهر يزِيد جَار فِي وَسطهَا وَينزل إِلَيْهَا من درج انْتهى أَقُول فتشت عَنْهَا كتابتي هَذِه الأسطر وَذَهَبت إِلَى الصالحية فدللت على

ترجمة واقفها

مَكَانهَا فَرَأَيْت جِيرَانهَا قد اختلسوا أَكْثَرهَا وَبَقِي مِنْهَا بَقِيَّة من جِهَة نهر يزِيد وَتلك الْبَقِيَّة كَانَت سَابِقًا خربة ترمى بهَا الزبالة فَهَيَّأَ الله لَهَا الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن عَليّ التكريتي الصَّالِحِي فعمر تِلْكَ الخربة وَجعل لَهَا مَسْجِدا لطيفا وَعمر الدرج الَّذِي ينزل مِنْهُ إِلَيْهَا ثمَّ إِلَى نهر يزِيد بِالْحجرِ فَكَانَ النَّهر تَحت مَسْجِدهَا ينزل إِلَيْهِ المصلون من طرف الْمَسْجِد من الشرق فيتوضؤون مِنْهُ وَجعل لَهَا صحنا لطيفا وبجانبه مطبخ وَعمر بالعلو من الْجَانِب الغربي والشمالي ثَمَانِي غرف واعدها لسكنى الْفُقَرَاء الَّذين لَا مأوى لَهُم وجدد بَابهَا وَكتب فَوق اسكفته (مدرسة ذِي عمرت ... من بعد مَا قد دثرت) (انْعمْ بِإِسْمَاعِيل من ... شيدها فظهرت) (ابْن عَليّ التكريتي من ... يوجر مَا قد بقيت) (شاد لَان يبْقى لَهُ ... آجر مدى أَن نَفَعت) (أعطَاهُ رَبِّي أَرخُوا ... آجرا ببره ثَبت) (دعى فارخ الَّذِي ... حبى بجنة علت) فتاريخ بنائها سنة سِتّ عشرَة وثلاثمائة وَألف فجزى الله مجددها خيرا وَاسْمهَا الْآن الخانقاه وَقَالَ النعيمي بعد أَن حكى مَا نَقَلْنَاهُ عَنهُ سَابِقًا وَلم اقف على أحد مِمَّن ولي مشيختها تَرْجَمَة واقفها هُوَ الصاحب عز الدّين أَبُو الْمَعَالِي اِسْعَدْ ابْن عز الدّين غَالب بن المظفر ابْن الْوَزير مؤيد الدّين أبي الْمَعَالِي اِسْعَدْ ابْن العضيد أبي يعلى حَمْزَة بن أَسد بن عَليّ بن مُحَمَّد التَّمِيمِي الدِّمَشْقِي الشهير بِابْن القلانسي أحد رُؤَسَاء دمشق الْكِبَار ولد سنة تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَسمع الحَدِيث من جمَاعَة واسمعه قَالَ ابْن كثير سمعنَا عَلَيْهِ وَله رياسة باذخة وأصالة كَبِيرَة وأملاك هائلة كَافِيَة لما يحْتَاج إِلَيْهِ من أُمُور الدُّنْيَا وَلم تزل صناعَة الْوَظَائِف مَعَه إِلَى أَن الزم بوكالة بَيت السُّلْطَان ثمَّ بالوزارة فِي سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة ثمَّ عزل وَقد صودر فِي بعض الأحيان وَكَانَت لَهُ مَكَارِم على الْخَواص والكبار وَله حَسَنَات على الْفُقَرَاء وعَلى

مسامرة خيال

المحتاجين وَلم يزل وجيها مُعظما عِنْد أَرْبَاب الدولة من الْمُلُوك والنواب والأمراء وَغَيرهم إِلَى أَن توفّي ببستانه سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة عَن ثَمَانِينَ سنة وَدفن بتربته بسفح قاسيون وَله فِي الصالحية رِبَاط حسن بمئذنة وَفِيه دَار حَدِيث قَالَه ابْن كثير وَهِي دَار الحَدِيث الَّتِي ترجمناها سَابِقًا وَله بر وَصدقَة وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة الْوَاقِف كَانَ محتشما مُعظما متنغما على الوزارة وَغَيرهَا وروى عَن الْبُرْهَان وَابْن عبد الدَّائِم مسامرة خيال لَاحَ فِي خيالي قبل الشُّرُوع فِي هَذَا التَّأْلِيف أَن استقصي أوقاف كل مدرسة واصفها وَصفا تَاما فَلَمَّا شرعت فِي الْكِتَابَة فَإِذا أَنا كالقابض على الْهَوَاء لِأَنِّي لم أجد من آثَار غَالب الْمدَارِس إِلَّا هباء منثورا وَمن اسْمهَا والتعريف بمحلها إِلَّا مَا هُوَ مسطور فِي بطُون الْكتب فَكنت اقضي الْأَيَّام متجولا واكثر التسآل حَتَّى أجد بعض اثر أَو اهتدي إِلَى اسْم مَكَان خُصُوصا وَأَنا نزيل تِلْكَ الْمَدِينَة الزاهرة وَرُبمَا كَانَ يدلني على الْأَثر قبر الْوَاقِف أَن كَانَ لَان أَصْحَابنَا اصْطَلحُوا على اختلاس الْمدرسَة ووقفها ومسجدها وَلم يجسروا على ابتلاع قبر الْوَاقِف فَللَّه در صَلَاحهمْ وَلَو سمحت نُفُوسهم بابتلاع الْقَبْر أَيْضا لايسنا من مُشَاهدَة طلل فَمن ثمَّ ترى بستانا وَهُوَ نزهة الناظرين وَفِيه قبَّة عالية بهَا قبر عَظِيم فَإِذا سَأَلت عَنهُ قيل لَك هَذَا قبر الْوَالِي الْفُلَانِيّ أَو الصَّحَابِيّ ويسميه باسم غَرِيب وَيكون اصل ذَلِك الْبُسْتَان مدرسة أَو جَامعا فاختلس مكانهما وغرس بالأشجار وَأعْطِي الْقَبْر لقب ولي أَو صَحَابِيّ وَرُبمَا قيل عَنهُ نَبِي ثمَّ مَعَ مُرُور الزَّمن يخترعون لَهُ مَنَاقِب وكرامات ويعلقون الْخرق فَوْقه لصرف أفكار البسطاء نَحوه وإقبالهم على زيارته وبذل الدَّرَاهِم لخدامته فيجعلونه كشجرة يقصدون ثَمَرهَا بكرَة وعشيا وحينا كنت اسْتدلَّ على الْمدرسَة باسم الزقاق أَو الدَّرْب الْمُسَمّى باسمها أَو باسم واقفها كَمَا أَنِّي حرت فِي معرفتي للمدرسة الكروسية فَلم اقدر على معرفَة محلهَا لاندراسها ودخولها فِي الدّور فَبَيْنَمَا أَنا افتش إِذْ بِرَجُل قَالَ لي هَذَا مقَام السّلمِيّ وَهُوَ صَحَابِيّ جليل وَهَذَا الزقاق يُسمى باسمه فَنَظَرت فِي تَرْجَمَة وَاقِف الكروسية فَإِذا هُوَ السّلمِيّ فاهتديت إِلَى مَكَانهَا

وأريت صَاحِبي تَرْجَمته وأعلمته بِأَنَّهُ لَيْسَ بصحابي وصاحبي هَذَا من أهل الْعلم الَّذين لَهُم تلامذة فِي زمننا فَمَا ظَنك بالعوام إِلَى غير ذَلِك مِمَّا كنت أعانيه واتعب بِهِ وَأما الْأَوْقَاف فَرَأَيْت ظفري بهَا ضربا من الْمحَال لانا إِذا اعْتبرنَا دمشق وَمَا حولهَا نجد الْغَالِب عَلَيْهِ انه وقف وَهَذَا شَيْء يطول وَلَا يُمكن استقصاؤه وهب انه استقصي فَلَيْسَ فِي ذكره فَائِدَة إِلَّا الأسف وضياع الْوَقْت وَكَانَ بعض أَصْحَابنَا من الْأَشْرَاف قَالَ لي أَن أحد أجداده لَهُ كتاب سَمَّاهُ التَّذْكِرَة يذكر فِيهِ الْمدَارِس كلهَا ويذيل كل مدرسة بفهرست أوقافها ووعدني بِأَن يطلعني على ذَلِك الْكتاب وَبعد مماطلة طَوِيلَة أَسْفر الْوَعْد عَن مُخْتَصر العلموي وَكَانَ عِنْدِي سَابِقًا فَشَكَرت سَعْيه وَعلمت أَن الْكتاب كَانَ فِي عَالم الخيال لَا فِي عَالم الشُّهُود فَلذَلِك اقتصرت على مَا وصل إِلَى يَدي وَلَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا وَأَنِّي اقدم للنَّاظِر فِي كتابي هَذَا لمْعَة من الْكَلَام على أوقاف دمشق ليرى عُذْري وَاضحا وَهِي مَا قَالَه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم اللواتي ثمَّ الطنجي الْمَعْرُوف بِابْن بطوطة فِي رحلته تحفة النظار فِي غرائب الْأَمْصَار وعجائب الْأَسْفَار من فصل لَهُ أثْنَاء كِتَابه وَهُوَ والأوقاف بِدِمَشْق لَا تحصر أَنْوَاعهَا ومصارفها لكثرتها فَمِنْهَا أوقاف على العاجزين عَن الْحَج يعْطى لمن يحجّ عَن الرجل مِنْهُم كِفَايَته وَمِنْهَا أوقاف على تجهيز الْبَنَات إِلَى أزوجهن وَهن اللواتي لَا قدرَة لأهلهن على تجهيزهن وَمِنْهَا أوقاف لفكاك الْأُسَارَى وَمِنْهَا أوقاف لأبناء السَّبِيل يُعْطون مِنْهَا مَا يَأْكُلُون وَيلبسُونَ ويتزودون لبلادهم وَمِنْهَا أوقاف على تَعْدِيل الطّرق ورصفها لَان طرق دمشق لكل وَاحِد مِنْهَا رصيفان فِي جَنْبَيْهِ يمر عَلَيْهِمَا المترجلون ويمر الركْبَان بَين ذَلِك وَقَالَ مَرَرْت يَوْمًا بِبَعْض أَزِقَّة دمشق فَرَأَيْت بِهِ مَمْلُوكا صَغِيرا قد سَقَطت من يَده صَحْفَة من الفخار الصيني وهم يسمونها الصحن فتكسرت وَاجْتمعَ عَلَيْهِ النَّاس فَقَالَ لَهُ بَعضهم اجْمَعْ شقفها واحملها مَعَك لصَاحب أوقاف الْأَوَانِي فجمعها وَذهب الرجل مَعَه إِلَيْهِ فَأرَاهُ إِيَّاهَا فَدفع لَهُ مَا اشْترى بِهِ مثل ذَلِك الصحن وَهَذَا من احسن الْأَعْمَال فان سيد الْغُلَام لابد لَهُ أَن يضْربهُ على كسر الصحن أَو ينهره وَهُوَ

أَيْضا ينكسر قلبه ويتغير لأجل ذَلِك فَكَانَ هَذَا الْوَقْف جبرا للقلوب جزى الله خيرا من تسامت همته فِي الْخَيْر إِلَى مثل هَذَا وَأهل دمشق يتنافسون فِي عمَارَة الْمَسَاجِد والزوايا والمدارس والمشاهد ثمَّ قَالَ وكل من انْقَطع بِجِهَة من جِهَات دمشق لابد أَن يَتَأَتَّى لَهُ وَجه من المعاش من إِمَامَة مَسْجِد أَو قِرَاءَة بمدرسة أَو مُلَازمَة مَسْجِد يَجِيء إِلَيْهِ فِيهِ رزقه أَو قِرَاءَة الْقُرْآن أَو خدمَة مشْهد من الْمشَاهد الْمُبَارَكَة أَو يكون كجملة الصُّوفِيَّة بالخوانق تجرى لَهُ النَّفَقَة وَالْكِسْوَة فَمن كَانَ بهَا غَرِيبا على خير لم يزل مصونا عَن بذل وَجهه مَحْفُوظًا عَمَّا يزري بالمروءة وَمن كَانَ من أهل المهنة والخدمة فَلهُ أَسبَاب آخر من حراسة بُسْتَان أَو أَمَانَة طاحون أَو كَفَالَة صبيان يَغْدُو مَعَهم إِلَى التَّعْلِيم وَيروح وَمن أَرَادَ طلب الْعلم أَو التفرغ لِلْعِبَادَةِ وجد الْإِعَانَة التَّامَّة على ذَلِك وَمن فَضَائِل أهل دمشق انه لَا يفْطر أحد مِنْهُم فِي ليَالِي رَمَضَان وَحده الْبَتَّةَ فَمن كَانَ من الْأُمَرَاء والقضاة والكبراء فانه يَدْعُو أَصْحَابه والفقراء يفطرون عِنْده وَمن كَانَ من التُّجَّار وكبار السوقة صنع مثل ذَلِك وَمن كَانَ من الضُّعَفَاء والبادية فانهم يَجْتَمعُونَ كل لَيْلَة فِي دَار أحدهم وَفِي مَسْجِد وَيَأْتِي كل أحد بِمَا عِنْده فيفطرون جَمِيعًا ثمَّ قَالَ وَكَانَ بِدِمَشْق فَاضل من كبرائها وَهُوَ الصاحب عز الدّين القلانسي لَهُ مآثر وَمَكَارِم وفضائل وإيثار وَهُوَ ذُو مَال عريض وَذكروا أَن الْملك النَّاصِر لما قدم دمشق أَضَافَهُ وَجَمِيع أهل دولته ومماليكه وخواصه ثَلَاثَة أَيَّام فَسَماهُ إِذْ ذَاك بالصاحب وَمِمَّا يُؤثر من فضائلهم أَن أحد مُلُوكهمْ السالفين لما نزل بِهِ الْمَوْت أوصى أَن يدْفن بقبلة الْجَامِع المكرم وَيخْفى قَبره وَعين أوقافا عَظِيمَة لقراء يقرؤون سبعا من الْقُرْآن الْكَرِيم فِي كل يَوْم اثر صَلَاة الصُّبْح بالجهة الشرقية من مَقْصُورَة الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم حَيْثُ قَبره فَصَارَت قِرَاءَة الْقُرْآن على قَبره لَا تَنْقَطِع أبدا وَبَقِي ذَلِك الرَّسْم الْجَمِيل بعده مخلدا وَمن عَادَة أهل دمشق وَسَائِر تِلْكَ الْبِلَاد انهم يخرجُون بعد صَلَاة الْعَصْر من يَوْم عَرَفَة فيقفون بصحون الْمَسَاجِد كبيت الْمُقَدّس وجامع بني أُميَّة وسواها وَيقف بهم أئمتهم كاشفي رؤوسهم داعين خاضعين خاشعين ملتمسين الْبركَة ويتوخون

ترجمة التكريتي مجدد المدرسة

السَّاعَة الَّتِي يقف فِيهَا وَفد الله وحجاج بَيته بِعَرَفَات وَلَا يزالون فِي خضوع وَدُعَاء وابتهال وتوسل إِلَى الله تَعَالَى بِحجاج بَيته إِلَى أَن تغيب الشَّمْس فينفرون كَمَا ينفر الْحَاج بَاكِينَ على مَا حرمُوهُ من ذَلِك الْموقف الشريف بِعَرَفَات داعين إِلَى الله تَعَالَى أَن يوصلهم إِلَيْهَا وَلَا يخليهم من بركَة الْقبُول فِيمَا فَعَلُوهُ لَهُم أَيْضا فِي أَتبَاع الْجَنَائِز رُتْبَة عَجِيبَة وَذَلِكَ انهم يَمْشُونَ إِمَام الْجِنَازَة والقراء يقرؤون الْقُرْآن بالأصوات الْحَسَنَة والتلاحين المبكية الَّتِي تكَاد النُّفُوس تطير لَهَا رقة وهم يصلونَ على الْجَنَائِز بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع قبالة الْمَقْصُورَة فان كَانَ الْمَيِّت من أَئِمَّة الْجَامِع أَو مؤذنيه أَو خُدَّامه ادخلوه بِالْقِرَاءَةِ إِلَى مَوضِع الصَّلَاة عَلَيْهِ وان كَانَ من سواهُم قطعُوا الْقِرَاءَة عِنْد بَاب الْمَسْجِد ودخلوا بالجنازة وَبَعْضهمْ يجْتَمع لَهُ بالبلاط الغربي من الصحن بمقربة من بَاب الْبَرِيد فَيَجْلِسُونَ وإمامهم ربعات الْقُرْآن يقرؤون فِيهَا ويرفعون أَصْوَاتهم بالنداء لكل من يصل للعزاء من كبار الْبَلدة وأعيانها وَيَقُولُونَ بِسم الله فلَان الدّين من كَمَال وجمال وشمس وَبدر وَغير ذَلِك فَإِذا أَتموا الْقِرَاءَة قَامَ المؤذنون فَيَقُولُونَ افتكروا واعتبروا صَلَاتكُمْ على فلَان الرجل الصَّالح الْعَالم ويصفونه بِصِفَات من الْخَيْر ثمَّ يصلونَ عَلَيْهِ ويذهبون بِهِ إِلَى مدفنه هَذَا وَقد انْقَطَعت تِلْكَ الْعَادَات واضمحلت واستبدلت بغَيْرهَا مِمَّا سَنذكرُهُ أثْنَاء هَذَا الْكتاب أَن شَاءَ الله تَعَالَى تَرْجَمَة التكريتي مُجَدد الْمدرسَة طلبت من السَّيِّد مُحَمَّد أَمِين التكريتي الصَّالِحِي تَرْجَمَة مُجَدد هَذِه الْمدرسَة فَكتب أَلِي مَا صورته هُوَ السَّيِّد إِسْمَاعِيل ابْن السَّيِّد عَليّ ابْن السَّيِّد إِسْمَاعِيل من بني التكريتي وهم عائلة كَبِيرَة فِي صالحية دمشق وأصلهم من مَدِينَة تكريت وَهِي على شاطئ دجلة قريبَة من الْموصل وَأَقَامُوا بِدِمَشْق من مُدَّة تزيد على السبعمائة سنة وَكَانَ من هَذِه العائلة فضلاء واعيان قلت وَسَتَأْتِي تَرْجَمَة جدهم الْأَعْلَى فِي هَذَا الْكتاب أَن شَاءَ الله تَعَالَى سنة سِتّ

حرف القاف

وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَتُوفِّي وَالِده وَهُوَ ابْن سبع سِنِين فربي فِي حجر والدته إِلَى أَن شب فاشتغل بِالتِّجَارَة وَنَشَأ على عفة وَصَلَاح ومحبة للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَكَانَ كثير الْأَصْحَاب يكثر من الِاجْتِمَاع بالعلماء وَيُحب الْبر والخيرات وَمِمَّا جعله ذخْرا فِي الْآخِرَة انه لما رأى دَار الحَدِيث القلانسية الْمُسَمَّاة بالخانقاه الَّتِي هِيَ بالزقاق الْمُسَمّى الْآن بزقاق قصر الفارة بالصالحية قد تهدمت واندرست مُنْذُ ثَلَاثمِائَة سنة وتناولت أَيدي المختلسين أَكْثَرهَا عمر مَا بَقِي مِنْهَا من مَاله ابْتِغَاء لوجه الله تَعَالَى وعمرها فِي سنة أَولهَا فِي محرم سنة خمس عشرَة وثلاثمائة وَألف وانْتهى من تعميرها فِي ربيع الأول سنة سِتّ عشرَة وَكَانَ يصرف على مَا يلْزمهَا من مصابيح وَأُجْرَة أَذَان وَغير ذَلِك من مَاله وَلما توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قَامَ بالأنفاق عَلَيْهَا حاذيا حَذْو وَالِده الشَّاب النجيب السَّيِّد مُحَمَّد وَهَذِه الْمدرسَة الْآن تسمى بِجَامِع التكريتي زار المترجم بَيت الْمُقَدّس وَحج ثَلَاث حجات وَلما حج الرَّابِعَة وَتوجه إِلَى بَلَده توفّي بجبل الطّور سنة إِحْدَى وَعشْرين وثلاثمائة وَألف رَحمَه الله تَعَالَى حرف الْقَاف دَار الحَدِيث القوصية سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا فِي مدارس الشَّافِعِيَّة حرف الْكَاف دَار الحَدِيث الكروسية غربي مئذنة الشَّحْم وَهِي بِجَانِب الْمدرسَة السامرية وَكَانَت دَارا لمُحَمد بن عقيل ابْن كروس جمال الدّين محتسب دمشق أَبُو المكارم السّلمِيّ فَجَعلهَا مدرسة وَدَار حَدِيث قَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَلم اقف على أحد مِمَّن ولي مشيختها اهـ وَسَيَأْتِي تَمام الْكَلَام عَلَيْهَا فِي مدارس الشَّافِعِيَّة وَهَذِه الْمدرسَة ذهبت أحاديثها إِلَّا من القرطاس وضمتها أَيدي المختلسين إِلَيْهَا فَصَارَت مرتع غزلان وثعالب بعد أَن كَانَت تلوح عَلَيْهَا أنوار حَدِيث سيد الْمَشَارِق والمغارب وَلَقَد خَفِي عَليّ مَكَانهَا أَولا ثمَّ ظَفرت بِهِ فَإِذا هِيَ

ترجمة واقفها

بِمحل يُقَال لَهُ الْآن زقاق السّلمِيّ غربي مئذنة الشَّحْم وَلما تأملتها وجدت حائطها الشَّرْقِي بَاقِيا وَبِه بركَة مَاء مَبْنِيَّة بحجارة ضخمة على طراز قديم وهندسة معجبة ونقوش بديعة وَعَن يميها ويسارها عمودان لطيفان والشمالي من المرمر وصدرها من الْحجر المعجن وبابها لم يزل بَاقِيا إِلَّا أَنه مسدود وَبعد نَحْو ثَمَانِي خطوَات من الْبركَة إِلَى الْجنُوب حجرَة لَطِيفَة بِلَا سقف وَلها شباك على الطَّرِيق وَبهَا قبر مصبوغ بالمغرة يَقُولُونَ انه قبر السّلمِيّ وَعَن شمالها اثر فِي الْجِدَار يُنَادي على انه كَانَ مدرسة ولعلها أُخْتهَا السامرية الَّتِي أَصَابَهَا كل مَا أصَاب أُخْتهَا تَرْجَمَة واقفها هُوَ ابْن كروس الْمُتَقَدّم جمال الدّين محتسب دمشق أَبُو المكارم السّلمِيّ كَانَ كيسا متواضعا كَرِيمًا حسن الْأَخْلَاق قَالَ الصَّفَدِي سمع الحَدِيث من بهاء الدّين ابْن عَسَاكِر وَغَيره وَكَانَ رَئِيسا محتشما قيمًا بالحسبة توفّي بِدِمَشْق فِي شَوَّال سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَدفن بداره وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي مدارس الشَّافِعِيَّة حرف النُّون دَار الحَدِيث النورية هِيَ بسوق العصرونية من الْجَانِب القبلي بَين دَار الحَدِيث ألاشرفية والمدرسة العصرونية إِمَام العادلية الصُّغْرَى يفصل بَينهمَا الطَّرِيق وَهَذِه الدَّار تقلبت بهَا الْأَيَّام والدهور فأصابها قريب مِمَّا أصَاب دَار الحَدِيث ألاشرفية فَصَارَت دَارا للسُّكْنَى وطمس محراب مَسْجِدهَا وطمرت بركَة مَائِهَا لتتغير رسومها فأرشد الله تَعَالَى لاستخلاصها الْعَالم الْفَاضِل الْفَقِيه الشَّيْخ أَبُو الْفرج ابْن الْعَالم الْفَاضِل الصَّالح الشَّيْخ عبد الْقَادِر الْخَطِيب الدِّمَشْقِي فأنقذها من يَد مختلسيها وَجلسَ يقرئ بهَا الدُّرُوس فجزاه الله خيرا وَلَقَد شاهدتها وتأملتها أثْنَاء كتابتي لهَذِهِ السطور فَإِذا هِيَ الْآن تشْتَمل على دهليز

واقفها ومدرسوها

لطيف فِيهِ عَن يَمِين الدَّاخِل حجرَة وَعَن يسَاره بَاب مسدود يظنّ انه بَاب حجرَة أَيْضا لَكِنَّهَا صَارَت حانوتا للبضائع وَالتِّجَارَة وَلها ساحة لَطِيفَة فِي وَسطهَا بركَة مَاء على نمط قديم وهندسة لَطِيفَة وَبهَا مَسْجِد طوله إِحْدَى وَعِشْرُونَ خطْوَة وَعرضه خمس خطوَات وسقفه مَعْقُود بِالْحِجَارَةِ والآجر المتين ومحرابه من الْحجر المحفور المعجن وبالجانب الشَّرْقِي من الساحة حجرتان جديدتان وفوقهما غرفتان مثلهمَا وهما من بِنَاء أهل الْخَيْر بِوَاسِطَة الْفَاضِل الشَّيْخ عبد الْقَادِر ابْن الشَّيْخ أبي الْخَيْر الْخَطِيب وَفَوق دهليزها غرفَة أَيْضا واقفها ومدرسوها اخْتلف فِي بانيها وواقفها فَقيل واقفها وبانيها نور الدّين مَحْمُود بن أبي سعيد ابْن آق سنقر التركي وَهُوَ أول من بنى دَارا للْحَدِيث وَقيل أوقفتها عصمَة الَّتِي قيل أَنَّهَا كَانَت زوج السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَهُوَ خلاف الْمَعْرُوف وَفِي طَبَقَات السُّبْكِيّ الْوُسْطَى فِي تَرْجَمَة الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر أَن الْملك الْعَادِل مَحْمُود بن زنكي نور الدّين قد بنى لِابْنِ عَسَاكِر هَذَا دَار الحَدِيث النورية ودرس بهَا إِلَى حِين وَفَاته انْتهى فالباني لَهَا هُوَ نور الدّين وترجمة السُّلْطَان نور الدّين الشَّهِيد فِي الْقسم الأول لَكنا نقُول هُنَا انه توفّي يَوْم الْأَرْبَعَاء الْحَادِي من شَوَّال سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة عَن ثَمَان وَخمسين سنة قَالَ ألاسدي فِي الْكَوَاكِب الدرية فِي السِّيرَة النورية وَكَانَ وقف هَذِه الْمدرسَة قَلِيلا قَالَ ابْن كثير وَلما وسع الخَنْدَق سنة إِحْدَى عشرَة وسِتمِائَة مِمَّا يَلِي القيمازية خربَتْ دور كَثِيرَة هُنَاكَ وَخرب حمام قايماز وفرن كَانَ وَقفا على هَذِه الْمدرسَة وَغير ذَلِك فَلَمَّا بنى الْأَشْرَف دَار الحَدِيث غربيها شَرط أَن يُؤْخَذ من وَقفهَا ألفا دِرْهَم فتضاف إِلَى وقف دَار الحَدِيث النورية فانصلح حَالهَا وَقَالَ أَبُو شامة فِي الروضتين بنى نور الدّين دَار الحَدِيث ووقف عَلَيْهَا وعَلى من بهَا من المشتغلين بِعلم الحَدِيث أوقافا كَثِيرَة وَهُوَ أول من بنى دَار حَدِيث فِيمَا علمناه وَأما مدرسوها فهم الْحَافِظ الْكَبِير ثِقَة الدّين أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن عَسَاكِر صَاحب تَارِيخ دمشق ثمَّ وَلَده الْحَافِظ الْمسند بهاء الدّين أَبُو مُحَمَّد

دار الحديث النفيسية

الْقَاسِم وَلم يتَنَاوَل من معلومه من الْمدرسَة النورية هَذِه شَيْئا بل جعله مرْصدًا لمن يرد عَلَيْهِ من الطّلبَة وَقيل انه لم يشرب من مَائِهَا وَلم يتَوَضَّأ مِنْهُ ثمَّ زين الدّين ابْن الْأُمَنَاء الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحسن بن هبة الله بن عَسَاكِر ثمَّ عبد الْوَهَّاب ابْن زين الْأُمَنَاء أَبُو البركات الْحسن بن مُحَمَّد بن عَسَاكِر ثمَّ الْحَافِظ زين الدّين خَالِد بن يُوسُف ابْن سعد النابلسي شيخ النَّوَوِيّ ثمَّ الْعَلامَة تَاج الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم ابْن سِبَاع الغزاوي الْمَعْرُوف بِابْن الفركاح ثمَّ الْحَافِظ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُحَمَّد الصَّابُونِي ثمَّ الْمجد بن المهتار ثمَّ فَخر الدّين الْحَنْبَلِيّ ثمَّ شرف الدّين النابلسي احْمَد بن نعْمَة ثمَّ عَلَاء الدّين بن الْعَطَّار ثمَّ الْحَافِظ المؤرخ المعيد علم الدّين الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن يُوسُف ابْن مُحَمَّد البرزالي الدِّمَشْقِي صَاحب الذيل على تَارِيخ أبي شامة والمعجم الْكَبِير يُقَال انه فِي بضع وَعشْرين مجلدا وَلما اطلع عَلَيْهِ ابْن حبيب قرظة بقوله (يَا طَالبا لقب الشُّيُوخ وَمَا رووا ... فِيهِ على التَّفْصِيل والإجمال) (دَار الحَدِيث انْزِلْ تَجِد مَا تبتغيه ... بارزا فِي مُعْجم البرزالي) ثمَّ جماعات لم يصلنا ذكرهم على التَّرْتِيب دَار الحَدِيث النفيسية ترجمها كل من العليمي والعلموي والبقاعي بِأَنَّهَا بالرصيف قبلي البيمارستان الدقاقي وَبَاب الزِّيَادَة عَن يَمِين الْخَارِج مِنْهُ شمَالي الْمدرسَة الأمينية إِلَى الغرب بالزقاق الَّذِي كَانَ يعرف بزقاق الزطي اهـ أَقُول هَذِه الْمدرسَة مَعَ البيمارستان درسا وادخلا فِي غَيرهمَا فصارا دورا للسُّكْنَى وَبَيَان موضعهَا يعسر جدا الْآن وَبَاب الزِّيَادَة هُوَ بَاب الْجَامِع القبلي فَإِذا خرج مِنْهُ أحد وَسَار قَلِيلا كَانَ عَن يَمِينه الْآن العنبرانية وَهِي بيُوت خلاء للجامع ثمَّ تكون الحوانيت ثمَّ بعد العنبرانية بِقَلِيل سوق قصير من الشرق إِلَى الغرب فِي جَانِبه القبلي الأمينية وَفِي الشمالي زقاق قصير وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ العلموي بزقاق الزطي وَيُقَال لَهُ الْآن زقاق الاقميم وَفِي زمننا كَانَ بجانبه حمام يُقَال لَهُ حمام القيشاني فَصَارَ سوقا واتصل

ترجمة واقفها

بِهَذَا الزقاق وَفِيه كَانَت الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وَقد صَارَت الْآن دارين واخبرني بعض الثِّقَات أَن بَابهَا كَانَ ظَاهرا وفوقه حجر مَكْتُوب عَلَيْهِ اسْم بانيها وَلم يزل إِلَى زمن قريب ثمَّ طين فَوْقه حَتَّى لَا تظهر كِتَابَته وَمحل العنبرانية والأبنية الَّتِي بجانبها كَانَ البيمارستان الْمَذْكُور فتبدلت الْأَحْوَال وَللَّه فِي خلقه شؤون واخبرني بعض الثِّقَات انه سكن دَارا لبني اليافي ملاصقة للعنبرانية فَرَأى بِهِ آثَار بِنَاء قديم يشبه أَن يكون هُوَ البيمارستان الْمَذْكُور تَرْجَمَة واقفها هُوَ أَبُو النفيس إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن صَدَقَة الْحَرَّانِي ثمَّ الدِّمَشْقِي قَالَ ابْن كثير كَانَ نَاظرا على الْأَيْتَام تولى شَهَادَة الْقِسْمَة وَكَانَ ذَا ثروة من المَال توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة عَمَّا يقرب من سبعين سنة وَدفن بسفح قاسيون وَأول من ولي تدريسها الْمُقْرِئ الْمُحدث النَّحْوِيّ الأديب عَلَاء الدّين بن المظفر الْكِنْدِيّ السكندري ثمَّ الدِّمَشْقِي من جمَاعَة الشَّيْخ ابْن تَيْمِية ثمَّ بعده الْحَافِظ علم الدّين البرازالي دَار الحَدِيث الناصرية أهملها البقاعي وَقَالَ النعيمي هِيَ بمحلة الفواخير بسفح قاسيون قبلي الْجَامِع الافرم وَبهَا رِبَاط وَهِي الناصرية البرانية وَسَتَأْتِي الناصرية الجوانية انْتهى أَقُول أَن تِلْكَ الْمدَارِس والربط الَّتِي كَانَت بالسفح من لدن الجسر الْأَبْيَض إِلَى الْجَبَل من الغرب الشمالي مِمَّا بَين يزِيد وثورا لم يبْق مِنْهَا بَقِيَّة تذكر وَذَلِكَ أَن يَد الزَّمَان قد تناولتها فنقضت بناءها وقوضته ثمَّ انه مُنْذُ عهد لَيْسَ بالبعيد أحتاج نهر ثورا إِلَى عمَارَة جوانبه فَأخذت حِجَارَة تِلْكَ الْأَبْنِيَة وَتصرف بهَا فِي ذَلِك الْبناء وَهَذَا عدا عَمَّا تناولته الْأَيْدِي واختلسته ثمَّ سويت الأَرْض وَجعلت حواكير وبساتين سنة الله فِي خلقه وَالْجَامِع ألافرم الْآن خراب بلقع لم يُوجد مِنْهُ سوى حُفْرَة تدل على

ترجمة بانيها

انه كَانَ هُنَالك بحيرة الْجَامِع وَمَا بَقِي من حجارته وحجارة أَمْثَاله اخذ لبِنَاء الْبيُوت الَّتِي جددت مُنْذُ عشر سِنِين وَسميت بحارة الْمُهَاجِرين وقبلي الْجَامِع الْمَذْكُور حاكورة يفصل بَينهَا وَبَين ساحته الطَّرِيق جدارها الشمالي أساس بِهِ أَحْجَار تدل على انه كَانَ ثمَّة الْمدرسَة الناصرية واخبرني بعض الْأَصْحَاب انه شَاهد هُنَاكَ حجرات قَائِمَة الجدران بِلَا سقف ثمَّ أخنى عَلَيْهَا الزَّمَان كَمَا ذكرنَا ومحراب الْجَامِع ألافرم نقلت حجارته إِلَى مَسْجِد دَار الحَدِيث ألاشرفية بطريقة الشِّرَاء تَرْجَمَة بانيها أَنْشَأَهَا الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف ابْن الْملك الْعَزِيز عُثْمَان ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بن شاذي فاتح بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ مولده بقلعة حلب فِي رَمَضَان سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة وبويع لَهُ بحلب سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بعد موت أَبِيه وعمره سبع سِنِين وَقَامَ بتدبير مَمْلَكَته جمَاعَة من مماليك أَبِيه وَكَانَ الْأَمر كُله عَن رَأْي جدته أم أَبِيه صَفِيَّة خاتون ابْنة الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب وَلِهَذَا سكت الْملك الْكَامِل لِأَنَّهَا أُخْته فَلَمَّا توفيت سنة أَرْبَعِينَ اشْتَدَّ النَّاصِر واشتغل عَنهُ الْكَامِل بِعَمِّهِ الصَّالح ثمَّ فتح حمص سنة سِتّ وَأَرْبَعين فوليها عشر سِنِين قَالَ ابْن قَاضِي شهبه كَانَ كثير الْبر وَالْإِحْسَان وَالصَّدقَات محببا إِلَى الرّعية فِيهِ عدل فِي الْجُمْلَة حسن الْأَخْلَاق محبا لأهل الْعلم وَالْفضل وَالْأَدب وَكَانَ سوق الشّعْر نافقا فِي أَيَّامه وَكَانَ يذبح فِي مطبخه كل يَوْم أَرْبَعمِائَة كَبْش من الْغنم سوى الدَّجَاج والطيور والجداء وَله نظم حسن وَقَالَ غَيره وَكَانَ النَّاس مَعَه فِي عيشة هنيَّة إِلَّا وَقت إدارة الْخُمُور وَكَانَ مَجْلِسه مجْلِس ندماء وأدباء ثمَّ خدع وَعمل فِيهِ حَتَّى وَقع فِي قَبْضَة التتار فَذَهَبُوا بِهِ إِلَى هولاكو فَأكْرمه فَلَمَّا بلغه أَن جَيْشه قد كسر على عين جالوت غضب وتنمر وَأمر بقتْله فتذلل لَهُ وَقَالَ مَا ذَنبي فَأمْسك عَن قَتله وَقتل شقيقه الْملك الظَّاهِر عليا قَالَه الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي العبر فِي حوادث تسع وَخمسين وسِتمِائَة وَقيل بل قَتله سنة ثَمَان وَكَانَ قد اعد لنَفسِهِ تربة فِي رباطه الَّذِي بناه بسفح قاسيون فَلم يقدر لَهُ دَفنه بِهِ وَدفن بالشرق وَكَانَ شَابًّا ابيض مليحا حسن الشكل بِعَيْنيهِ قيل يَعْنِي حول قَالَه ابْن كثير وَقَالَ أَيْضا فِي حوادث أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وفيهَا أَمر النَّاصِر بعمارة الرِّبَاط الناصري بسفح قاسيون وَذَلِكَ عقيب الْفَرَاغ

من بِنَاء الناصرية الجوانية بِدِمَشْق والناصرية البرانية من اغرب الْأَمْكِنَة فِي الْبُنيان الْمُحكم والجوانية من احسن الْمدَارِس وَهُوَ الَّذِي بنى الخان الْكَبِير تجاه الزنجاري وحولت إِلَيْهِ دَار الْأَطْعِمَة وَكَانَت قبل ذَلِك غربي القلعة فِي اصطبل السُّلْطَان وَكَانَت مُدَّة تملكه لدمشق عشر سِنِين فَبنى فِيهَا هَذِه الْأَمْكِنَة وَفِي الْقسم الأول زِيَادَة إِيضَاح على هَذَا ورتب النَّاصِر لهَذِهِ الْمدرسَة مرتبات ودرس بهَا كَمَال الدّين بن الشريشي مَعَ تَوليته مشيخة الرِّبَاط اكثر من خمس عشرَة سنة ثمَّ درس بهَا وَلَده الْعَلامَة مُحَمَّد ولد سنة أَربع أَو خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة ثمَّ اشْتغل بالطب وَسمع من الحافظين الْعِرَاقِيّ والهيثمي وَغَيرهمَا واشتغل فِي صباه وتفنن فِي الْعُلُوم واشتهر بالفضيلة وَكَانَ حسن المناظرة دمث الْأَخْلَاق درس بعدة مدارس وَأفْتى وَتَوَلَّى الْقَضَاء مرَارًا وَاخْتصرَ الرَّوْضَة وَشرح الْمِنْهَاج فيأربعة أَجزَاء لخصه من شرح الرَّافِعِيّ الصَّغِير وَله زَوَائِد الْحَاوِي على الْمِنْهَاج الفرعي وَله خطب ونظم توفّي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة ثمَّ درس بعده حسام الدّين الغوتي ثمَّ شرف الدّين الْفَزارِيّ ثمَّ نجم الدّين بن قوام ثمَّ وَلَده نور الدّين

دور القرآن والحديث

دور الْقُرْآن والْحَدِيث قد سبق لنا الْكَلَام على الدّور الَّتِي كَانَت مُخْتَصَّة بِالْقُرْآنِ وعَلى الدّور الَّتِي كَانَت مُخْتَصَّة بِالْحَدِيثِ حسب الْإِمْكَان وحسبما اتَّصل بِنَا ولنشرع الْآن فِي بَيَان الدّور الَّتِي كَانَت مُشْتَركَة بَينهمَا دَار الْقُرْآن والْحَدِيث التنكزية هِيَ شَرْقي حمام نور الدّين الشَّهِيد تجاه دَار الذَّهَب وَرَاء سوق البزوريين الْمَعْرُوف قَدِيما بسوق الْقَمْح قَالَ ابْن كثير وَكَانَت هَذِه الدَّار حَماما يعرف بحمام سُوَيْد فهدمه نَائِب السلطنة تنكز الملكي الناصري وَجعله دَار قُرْآن وَحَدِيث فَجَاءَت فِي غَايَة من الْحسن ورتب فِيهَا الطّلبَة والمشائخ وَقَالَ أَيْضا وَفِي سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة توجه نَائِب السلطنة سيف الدّين تنكز إِلَى الديار المصرية لزيارة السُّلْطَان فَأكْرمه واحترمه وَاشْترى لَهُ فِي سَفَره هَذَا دَار الْفُلُوس الَّتِي هِيَ بِالْقربِ من البزوريين والمدرسة الجوزية وَهِي شرقيهما فعمر هَذِه الدَّار دَارا هائلة لَيْسَ فِي دمشق دَار احسن مِنْهَا وسماها دَار الذَّهَب وَمر بالقدس حِين رُجُوعه من مصر فَأمر بِبِنَاء دَار حَدِيث فِيهِ وخانقاه ثمَّ لما أَتَى إِلَى الشَّام نقل حواصله وأمواله من دَار الذَّهَب الَّتِي كَانَت دَاخل بَاب الفراديس إِلَى دَاره هَذِه قَالَ النعيمي فِي كِتَابه تَنْبِيه الطَّالِب رَأَيْت فِي قَائِمَة قديمَة تَتَضَمَّن سرد أوقاف دَار الحَدِيث هَذِه فَكَانَ فِيهَا مَا صورته فِي سوق القشاشين ثَمَانِيَة عشر حانوتا فِي خَارجه وَفِي دَاخله تِسْعَة عشر حانوتا وبحارة الْقصر طبقتان واصطبل وبستان يعرف ببستان البندر وَبهَا مشيخة للإقراء باسم الْبُرْهَان الاربدي ومصرفها مشيخة الْقُرْآن والإمامة مائَة وَعِشْرُونَ درهما وَثَلَاث مشيخات للْحَدِيث لكل وَاحِد مِنْهَا خَمْسَة عشر درهما فِي الشَّهْر وللمشتغلين بِالْقُرْآنِ الْعَظِيم وهم اثْنَا عشر لكل وَاحِد مِنْهُم سَبْعَة وَنصف فِي الشَّهْر وللمعاونين وهم خَمْسَة لكل وَاحِد مِنْهُم سَبْعَة وَنصف فِي الشَّهْر أَيْضا ولكاتب الْغَيْبَة عشرَة

وللمؤذن والبواب والقوام أَرْبَعُونَ ولصحابة الدِّيوَان أَرْبَعُونَ وللمشارف مثلهَا وللعامل ثَلَاثُونَ وللجابي خَمْسُونَ وَلمن يُشَاهد عمَارَة الْوَقْف خَمْسَة وَعِشْرُونَ ومشهد الْعِمَارَة كَذَلِك وللمعمارية خَمْسَة عشر ولنيابة النّظر أَرْبَعُونَ وللناظر مائَة هَذَا كُله فِي الشَّهْر أَقُول سوق البزوريين يعرف الْآن بسوق البزورية وَقد كَانَ على شكل قديم فعمر فِيمَا بعد التسعين وَمِائَتَيْنِ وَألف على نمط جَدِيد ووسع وحمام نور الدّين مَوْجُود إِلَى الْآن يُقَال لَهُ حمام البزورية والمدرسة الجوزية هِيَ الْآن محكمَة البزورية وَقد أخليت الْآن من الحكم وَصَارَت دَار قُرْآن وَتَعْلِيم خطّ وحساب وَدَار الذَّهَب بَاقِيَة إِلَى الْآن وَهِي بيد بني الْعظم وَهِي مَعْدُودَة من الْآثَار الْقَدِيمَة ومشهورة يَأْتِي السائحون من الفرنجة لرؤية مبانيها فيتعجبون مِنْهَا وَمن سعتها وجودة انتظامها وَأما الْمدرسَة فَلم تزل بَاقِيَة إِلَى الْآن وَهِي شَرْقي اقميم حمام البزورية فِي الزقاق المنحدر إِلَى الشرق وبابها على هندسة لَطِيفَة ومحفور فِي البلاطة الَّتِي هِيَ أَعْلَاهُ مَا صورته انشأ هَذِه الْمدرسَة الْمُبَارَكَة وأوقفها على الْقُرَّاء المشتغلين بِالْقُرْآنِ الْعَظِيم وَالْفُقَهَاء المسمعين للْحَدِيث النَّبَوِيّ الْملك الْأَشْرَف السيفي التنكزي النظري كافل الممالك الشَّرِيفَة بِالشَّام المحروسة وَذَلِكَ فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة بَاشرهُ العَبْد الْفَقِير أيدمر الْعَيْنِيّ وجدرانها الْأَرْبَع بَاقِيَة مَعَ بعض أبنيتها الْأَصْلِيَّة وَلَقَد تناولتها قَدِيما أَيدي النظار فَفَعَلُوا بهَا كَمَا فعلوا بغَيْرهَا إِلَى أَن وصلت إِلَى يَد نَاظر لَهُ نصف النّظر ولأخته النّصْف الآخر فَجَعَلَاهَا دَارا للسُّكْنَى ثمَّ هما بِأَن يهدما الْبَاب لتتغير هيئتها فَألْقى الله تَعَالَى الْخلاف بَينهمَا والمشاجرة فِي أمرهَا فَفطن لذَلِك بَنو الْخَطِيب ففتحوا بَابهَا للصَّلَاة وَعلم النَّاس بِأَنَّهَا مدرسة ثمَّ تولى نظرها الْقَارئ المتقن الشَّيْخ مُحَمَّد الْحلْوانِي فَحسن بعض أبنيتها الداخلية وأعانه على ذَلِك بعض أهل الْخَيْر وَجعلهَا مكتبا لقِرَاءَة الْقُرْآن فَعَاد إِلَيْهَا شَيْء من رونقها ثمَّ أَخذهَا مِنْهُ فِي هَذِه السنين الْفَاضِل الشَّيْخ كَامِل القصاب فَبنى بهَا أبنية علوِيَّة وسفلية ورممها وَجعلهَا مكتبا لقِرَاءَة الْقُرْآن ومبادئ الْعُلُوم والفنون فازداد رونقها وَظَهَرت بهجتها وَهِي على تِلْكَ الْحَال فِي زمننا هَذَا وَأما أوقافها فَلم تُوجد إِلَّا فِي الْقَرَاطِيس

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها فِي الْقسم الأول من هَذَا الْكتاب بَيَان لأحوال واقفها وَلَكِن من الْجِهَة السياسية ولنذكر هُنَا تَرْجَمته الأدبية فَنَقُول قَالَ الصّلاح الصَّفَدِي فِي تَارِيخه الْأَمِير الْكَبِير المهيب سيف الدّين أَبُو سعيد تنكز نَائِب السلطنة بِالشَّام جلب إِلَى مصر وَهُوَ حدث فَنَشَأَ بهَا وَكَانَ ابيض اللَّوْن إِلَى السمرَة رَشِيق الْقد مليح اشعر خَفِيف اللِّحْيَة قَلِيل الشيب حسن الشكل ظريفه جلبه الخواجا عَلَاء الدّين السيواسي فَاشْتَرَاهُ الْأَمِير حسام الدّين لاجين وَاسْتمرّ عِنْده إِلَى أَن قتل فَصَارَ إِلَى خاصكية السُّلْطَان وَشهد مَعَه وَاقعَة الخازندرا ثمَّ وَاقعَة شقحب قَالَ الصَّفَدِي واخبرني القَاضِي شهَاب الدّين القيسراني أَن تنكز قَالَ لَهُ يَوْمًا أَنا والأمير سيف الدّين طغيال من مماليك ألاشرف ثمَّ إِن تنكز سمع الصَّحِيحَيْنِ وَكتاب الْآثَار وَأمره الْملك النَّاصِر إمرة عشرَة قبل توجهه إِلَى الكرك وَكَانَ قد سلم اقطاعه إِلَى الْأَمِير صارم الدّين صاروجا المظفري فَكَانَ آغا لَهُ وَلما توجه إِلَى الكرك كَانَ فِي خدمَة الْملك النَّاصِر وجهزه مرّة إِلَى ألافرم فِي دمشق فاتهمه بِأَن مَعَه كتابا إِلَى أُمَرَاء الشَّام فَحصل لَهُ مِنْهُ مَخَافَة شَدِيدَة وفتش وعاقبة الاحرام فَلَمَّا عَاد إِلَى النَّاصِر عرفه بذلك فَقَالَ لَهُ أَن عدت إِلَى الْملك فَأَنت نَائِب دمشق فَلَمَّا حضر من الكرك جعل الْأَمِير سيف الدّين أرغون الدوادار نَائِب السُّلْطَان بِمصْر بعد إِحْضَار الجوكندار الْكَبِير وَقَالَ لتنكز ولسودي احضرا كل يَوْم عِنْد أرغون وتعلما مِنْهُ النِّيَابَة وَالْأَحْكَام فلازماه سنة فَلَمَّا مهْرا جهز سيف الدّين سودي إِلَى حلب نَائِبا وَجعل تنكز نَائِبا فِي دمشق فَحَضَرَ إِلَيْهَا على الْبَرِيد هُوَ والحاج سيف الدّين سودي وأرقطاي والأمير حسام الدّين طومطاي والشبهقدار وَكَانَ وصولهم إِلَى دمشق فِي ريبع الأول سنة اثْنَتَيْ عشرَة وَسَبْعمائة فَتمكن تنكز من النِّيَابَة وَسَار إِلَى ملطية فافتتحها وَعظم شَأْنه وهابه الْأُمَرَاء بِدِمَشْق وَأمن الرعايا وَلم يكن أحد من الْأُمَرَاء وَلَا من أَرْبَاب الجاه يقدر على ظلم ذمِّي أَو غَيره خوفًا من بطشه وَشدَّة إِيقَاعه وَلم يزل فِي الارتقاء وعلو الدرجَة وأملاكه تتضاعف وتزيد انعاماته وعوائده من الْخَيل والقماش والطيور والجوارح حَتَّى

كتب لَهُ اعز الله أنصار الْمقر الْكَرِيم العالي الأميري وَفِي الألقاب الاتابك القائدي وَفِي النعوت معز الْإِسْلَام سيد الْأُمَرَاء فِي الْعَالمين قَالَ الصَّفَدِي وَهَذَا لم تعهد كِتَابَته من سُلْطَان لنائب وَلَا لغير نَائِب على اخْتِلَاف الْوَظَائِف والمناصب وَكَانَ السُّلْطَان لَا يفعل شَيْئا فِي الْغَالِب حَتَّى يستشيره وَلَقَد عقد شَيْئا مَا سمعناه من غَيره وَهُوَ انه كَانَ لَهُ كَاتب لَيْسَ لَهُ شغل وَلَا عمل غير مَا يدْخل خزائنه من الْأَمْوَال وَمَا يسْتَقرّ لَهُ ثمَّ إِذا حَال الْحول عمل أوراقا بِمَا يجب صرفه من الزَّكَاة فَإِذا قدم لَهُ كَاتبه الأوراق أَمر بِصَرْف مَا بهَا إِلَى ذِي الِاسْتِحْقَاق فَكَانَ هَذَا الْكَاتِب كَاتبا وناظرا على الزَّكَاة فَقَط وازدادت أَمْوَاله وأملاكه وَعمر الْجَامِع الْمَعْرُوف بِهِ بحكر السماق وانشأ إِلَى جَانِبه تربة وحماما وَعمر تربة إِلَى جَانب الخواصين لزوجته وَعمر دَار الْقُرْآن والْحَدِيث إِلَى جَانب دَاره دَار الذَّهَب وانشأ بالقدس رِبَاطًا وَعمر سور الْقُدس وسَاق إِلَيْهَا المَاء وادخله إِلَى الْحرم وَعمر على بَابه سِقَايَة وَعمر بهَا حمامين وقاسارية مليحة إِلَى الْغَايَة وَعمر بصفد البيمارستان الْمَعْرُوف بِهِ وخانا وَغَيرهمَا وَله بجلجولية خَان السَّبِيل وَيُقَال لَهُ خَان الْمنية وَهُوَ فِي غَايَة الْحسن وَعمر فِي الكافوري من الْقَاهِرَة دَارا عَظِيمَة وحماما وحوانيت وَغير ذَلِك وجدد القنوات بِدِمَشْق وَكَانَ مَاؤُهَا قد تغير وجدد أبنية الْمَسَاجِد والمدارس ووسع الطرقات بهَا واعتنى بأمرها وَله فِي سَائِر الشَّام آثَار وأملاك وعمائر انْتهى وَقد بسط الصَّفَدِي تَرْجَمته فِي نصف كراس وَهَذَا ملخصها ثمَّ إِن السُّلْطَان غضب عَلَيْهِ وجهز للقبض عَلَيْهِ جمَاعَة فاستسلم فَأخذ سَيْفه وَقيد خلف مَسْجِد الْقدَم وجهز إِلَى السُّلْطَان فِي ذِي الْحجَّة سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة وتأسف أهل دمشق عَلَيْهِ واحتيط على حواصله فَلَمَّا وصل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة حبس بهَا دون الشَّهْر ثمَّ قضى الله فِيهِ أمره وَصلى عَلَيْهِ أهل الْإسْكَنْدَريَّة وَكَانَ قَبره يزار ويدعى عِنْده وَلما كَانَ فِي أَوَاخِر رَجَب سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة حضر تابوته من الْإسْكَنْدَريَّة إِلَى دمشق وَدفن فِي تربة جوَار الْجَامِع الْمَعْرُوف بإنشائه ورثاه الصّلاح الصَّفَدِي بقصيدة طَوِيلَة

جامع تنكز

جَامع تنكز حَيْثُ أفْضى بِنَا الْمقَال إِلَى تَرْجَمَة تنكز وخيراته حسن بِنَا أَن نذْكر جَامعه الَّذِي بناه بِدِمَشْق وان كَانَ اسْمه يَأْتِي عِنْد سرد الْجَوَامِع فَنَقُول قَالَ التقي البديري حسن بن المزلق فِي نزهة الْأَنَام هَذَا الْجَامِع فِي الشّرف الْأَدْنَى وَهُوَ من الغايات هندسة وَبِنَاء وَفِيه عشرُون شباكا على خطّ الاسْتوَاء تشرف على الْأَنْهَار ومرجة الميدان وَمَا حوى وبوسط صحنه يمر نهر بانياس يتَوَضَّأ مِنْهُ النَّاس وَبِه ناعورتان تملان وتفرغان إِلَى حوضين بهما سَائِر الْأَشْجَار والرياحين والأزهار وَبَينهمَا بركَة مربعة بهَا كأس فِي غَايَة التدوير يجْرِي المَاء إِلَيْهَا من النواعير فَهُوَ منتزه يقْصد وللمصلي معبد انْتهى وَقَالَ ابْن كثير فِي تَارِيخه وَفِي سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة شرع فِي عمَارَة الْجَامِع الَّذِي أنشأه الْأَمِير تنكز أَو دنكز نَائِب الشَّام ظَاهر بَاب النَّصْر تجاه حكر السماق على ظهر بانياس وَتردد الْقُضَاة الْعلمَاء فِي تَحْرِير قبلته فاستقر الْحَال فِي أمرهَا على مَا قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين احْمَد بن تَيْمِية وَشرع فِي بنائِهِ بِأَمْر من السُّلْطَان ومساعدته لنائبه فِي ذَلِك وَكَانَ الشُّرُوع بِهِ فِي صفر من السّنة الْمَذْكُورَة وَصليت الْجُمُعَة فِيهِ فِي عَاشر شعْبَان مِنْهَا انْتهى وَسَيَأْتِي لهَذَا مزِيد إِيضَاح فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى دَار الْقُرْآن والْحَدِيث الصبابية كَانَت قبلي العادلية الْكُبْرَى وشمالي الطبرية أَنْشَأَهَا شمس الدّين بن تَقِيّ الدّين ابْن الصباب التَّاجِر وَكَانَت قبل ذَلِك خربة شنيعة قَالَ النعيمي كَانَ إنشاؤها سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَجعلهَا بانيها دَار قُرْآن وَحَدِيث وَلم اقف على أحد مِمَّن على وَليهَا أصلا انْتهى وَرَأَيْت فِي زيادات الْعَدوي على مُخْتَصر تحفة الطَّالِب للعلموي أَن واقفها رتب بهَا شَيخا للإقراء وشيخا للْحَدِيث ووقفا للمستحقين

ترجمة واقفها

قَالَ العلموي قلت هِيَ الْآن سكن الشَّيْخ أبي الْيُسْر بن الرَّمْلِيّ وَأما الطبرية فلعلها احترقت فِي فتْنَة تيمورلنك وَهِي الْآن بيُوت وَبَيت ابْن علم الدّين وَأَوْلَاد خضر وَنَحْو ذَلِك قبلي الصبابية أنْتَهى قلت التَّعْرِيف بِبَيْت فلَان لم يفدنا الْآن شَيْئا والتعريف بمكانها بِالنِّسْبَةِ لزماننا يعسر غَايَة الْعسر بيد انه إِذا وقفت بِجَانِب العادلية وسرت إِلَى الْجنُوب أَمَام المرادية وَنظرت إِلَى يَمِينك رَأَيْت أَولا بركَة مَاء فِي أول الطَّرِيق وأساسا مَبْنِيا بحجارة ضخمة فَرُبمَا كَانَ الأساس أساس تِلْكَ الْمدرسَة وأثارها وَبعدهَا الطبرية وعَلى كل فانهما درسا وَلم يبْق لَهما رسم وَلَا طلل تَرْجَمَة واقفها قَالَ الْحُسَيْنِي فِي ذيله على العبر أَنْشَأَهَا الصَّدْر الاجل النَّبِيل شمس الدّين مُحَمَّد بن احْمَد بن مُحَمَّد أبي الْعِزّ الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن الصباب ولد سنة سبعين وسِتمِائَة وَتُوفِّي سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ من التُّجَّار الْمَشْهُورين دَار الْقُرْآن والْحَدِيث المعبدية قَالَ النعيمي هِيَ دَاخل دمشق وَالْمَنْقُول أَنَّهَا دَار قُرْآن فَقَط قَالَ الشريف الْحُسَيْنِي فِي ذيل العبر وَفِي سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة مَاتَ بِدِمَشْق الْأَمِير عَلَاء الدّين بن سعيد البعلبكي وَدفن إِلَى جَانب دَاره وَرَأَيْت بِخَط الْأَسدي انه دفن دَاخل دمشق بتربة أَنْشَأَهَا لنَفسِهِ وَجعلهَا دَار قُرْآن وَقَالَ العلموي قلت لَا تعرف هَذِه أصلا وَتعقبه الْعَدوي فَقَالَ يحْتَمل أَنَّهَا المعينية وتصحفت وَهِي الْآن سكن المنلا يُوسُف الْكرْدِي وَهُوَ مدرسها فَليعلم وَهِي غربي الصبابية وقبلي اللاقية

أَقُول أَن هَذِه التعريفات لم تفدنا عَن بَيَان موضعهَا الْآن شَيْئا وَالْغَالِب على الظَّن بل الْمُحَقق أَنَّهَا أَصبَحت إِمَّا بُيُوتًا للسُّكْنَى أَو حوانيت للْبيع وَالشِّرَاء وَلَقَد راجعت تَارِيخ ابْن عَسَاكِر وَغَيره عَن تَرْجَمَة واقفها فَلم اظفر لَهُ بترجمة وَلم أجد فِيمَا بَين يَدي غير مَا قَدمته وَهنا انْتهى الْكَلَام على هَذَا الْقسم ويتلوه الْقسم الثَّالِث إِن شَاءَ الله تَعَالَى

القسم الثالث في مدارس الشافعية

الْقسم الثَّالِث فِي مدارس الشَّافِعِيَّة هَذَا الْقسم لِكَثْرَة مدارسه اقْتضى الْحَال تَقْدِيمه وَيحسن بِنَا أَن نذْكر هُنَا مُقَدّمَة تَتَضَمَّن كَيْفيَّة تشعب الْمذَاهب وَمَا كَانَ دَاعيا إِلَى انحصارها فِي هَذِه الْأَرْبَعَة فِي دِيَارنَا وَمَا والاها فَنَقُول يعلم كل أحد أَن نَبينَا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه الله تَعَالَى على فَتْرَة من الرُّسُل رَسُولا إِلَى النَّاس جَمِيعًا وَرَحْمَة للْعَالمين وَكَانَ النَّاس حِينَئِذٍ أهل شرك وَعبادَة لغير الله تَعَالَى إِلَّا بقايا من أهل الْكتاب وَنذر يسير من الْعَرَب المقرين بوحدانيته تَعَالَى فَقَامَ بِالْأَمر مَعَ شدَّة شكيمة المعارضين وصدع بِهِ معرضًا عَن الْجَاهِلين واتاهم بِكِتَاب اخرس الفصحاء واعجز البلغاء مَعَ انهم كَانُوا يفوقون رمل عالج عددا فَاخْتَارُوا الْمُضَاربَة بالصفاح والطعن بِالسِّنَانِ على المغالبة بِالْحجَّةِ والبرهان وَكتابه يناديهم {وَإِن كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا فَأتوا بِسُورَة من مثله وَادعوا شهداءكم من دون الله إِن كُنْتُم صَادِقين} الْآيَة 2 / 23 فَلم يَك فِي وسعهم إِجَابَة النداء بل اخْتَارُوا المقاومة والمشاتمة والملاكمة والصدام إِلَى أَن كَانَ من أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ قُرَيْش مَا كَانَ مِمَّا هُوَ موضح فِي كتب السِّيرَة النَّبَوِيَّة وَهَاجَر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فأشرقت أشعة هَذَا الدّين الْمُبين وطلعت شمسه فعمت الْآفَاق وَلم تكن الدعاية إِلَى الدّين إِلَّا بِالْحجَّةِ والبرهان وَلَيْسَت الحروب إِلَّا للمدافعة عَن الرّوح كَمَا يُعلمهُ من سبر أسرار الشَّرِيعَة المحمدية وَمن يقل أَن الدعْوَة الإسلامية كَانَت بِالسَّيْفِ والقهر وَالْغَلَبَة وَلَا سُلْطَان للبرهان عَلَيْهَا فقد كذب وافترى وَقيل لَهُ آيَة قُوَّة كَانَت لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من المَال والأعوان حينما كَانَ بِمَكَّة أَمَام جَمِيع الْعَرَب المقاومين لَهُ وهم أهل الشجَاعَة والفصاحة والبلاغة وَلَو كَانَ لَهُ مَا ذكر لما خرج من مَكَّة حَيْثُ أخرجه أَهلهَا مِنْهَا فَمَا غلبهم بِغَيْر هَذَا الْقُرْآن وَكله حجج دامغة لأولي الشّرك والطغيان وَلما خلص نور الْبُرْهَان إِلَى أَفْئِدَة قوم رفقهم الله من أهل الْمَدِينَة وَمن حولهَا هَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اليها وَمَعَهُ قومه مِمَّن خالط الايمان بشاشة قُلُوبهم وَاسْتقر بهَا بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَكَانَ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم يَجْتَمعُونَ اليه ويحتاطون بِهِ إحاطة الهالة

بالبدر النير فِي كل وَقت مَعَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ من ضنك الْمَعيشَة وَقلة الْقُوت وَلذَلِك كَانَ مِنْهُم من يحترف فِي الْأَسْوَاق وَمِنْهُم من كَانَ يقوم على نخله ويحضر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل وَقت وَمِنْهُم طَائِفَة كَانُوا يحْضرُون عِنْدَمَا يَجدونَ أدنى فرَاغ مِمَّا هم بسبيله من طلب الْقُوت فَإِذا سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مَسْأَلَة أَو حكم بِحكم أَو أَمر بِشَيْء أَو فعل شَيْئا وعاده من حضر عِنْده من الصَّحَابَة وَفَاتَ من غَابَ عَنهُ علم ذَلِك كَمَا هُوَ مَعْرُوف فِي كتب الحَدِيث وَكَانَ يُفْتِي فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعبد الله ابْن مَسْعُود وَأبي بن كَعْب ومعاذ بن جبل وعمار بن يَاسر وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وَزيد بن ثَابت وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأَبُو مُوسَى ألاشعري وسلمان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنْهُم فَلَمَّا انْتَقَلت الرّوح الطاهرة النَّبَوِيَّة إِلَى أَعلَى عليين واستخلف أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ تَفَرَّقت الصَّحَابَة فِي الأقطار فَمنهمْ من خرج لقِتَال مُسَيْلمَة وَأهل الرِّدَّة وَمِنْهُم من خرج لقِتَال أهل الشَّام وَمِنْهُم من خرج لقِتَال أهل الْعرَاق وَبَقِي من الصَّحَابَة فِي الْمَدِينَة مَعَ أبي بكر رَضِي الله عَنهُ جمَاعَة فَكَانَت الْقَضِيَّة إِذا نزلت بِأبي بكر قضى فِيهَا بِمَا عِنْده من الْعلم بِكِتَاب الله أَو سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فان لم يكن عِنْده فِيهَا علم من كتاب الله أَو سنة رَسُوله سَأَلَ من بِحَضْرَتِهِ من الصَّحَابَة عَن ذَلِك فان وجد عِنْدهم علما بذلك رَجَعَ إِلَيْهِ وَإِلَّا اجْتهد فِي الحكم وَلما توفّي أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَولي الْأَمر من بعده عمر بن الْخطاب وَفتحت الْأَمْصَار وَزَاد تفرق الصَّحَابَة فِيمَا افتتحوه من الأقطار كَانَت الْمَسْأَلَة الْوَاقِعَة من الشَّرْع تنزل الْمَدِينَة أَو غَيرهَا من الْبِلَاد فان كَانَ عِنْد الصَّحَابَة الْحَاضِرين بهَا فِي ذَلِك اثر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكم بِهِ وَإِلَّا اجْتهد أَمِير تِلْكَ الْبَلدة فِي ذَلِك وَقد يكون فِي تِلْكَ الْقَضِيَّة حكم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد صَحَابِيّ آخر وَقد حضر الْمدنِي مَا لم يحضرهُ الْمصْرِيّ وَهُوَ حَضَره مَا لم يحضرهُ الشَّامي والشامي حَضَره مَا لم يحضرهُ الْبَصْرِيّ وَحضر الْبَصْرِيّ مَا لم يحضرهُ الْكُوفِي وَحضر الْكُوفِي مَا لم يحضرهُ الْمدنِي كل هَذَا مَوْجُود فِي كتب الْآثَار وَفِي دواوين السَّادة الأخيار من الْمُحدثين وَفِيمَا علم من مغيب بعض الصَّحَابَة عَن مجْلِس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

فِي بعض الْأَوْقَات وَحُضُور غَيره ثمَّ مغيب الَّذِي حضر أمس وَحُضُور الَّذِي غَابَ فيدري كل وَاحِد مِنْهُم مَا حضر ويفوته مَا غَابَ عَنهُ فَمضى الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم على مَا ذكرنَا ثمَّ خلف بعدهمْ التابعون الآخذون عَنْهُم وكل طبقَة من التَّابِعين فِي الْبِلَاد الَّتِي تقدم ذكرهَا إِنَّمَا تفقهوا مَعَ من كَانَ عِنْدهم من الصَّحَابَة فَكَانُوا لَا يتعدون فتواهم إِلَّا يَسِيرا عَن غير من كَانَ فِي بِلَادهمْ من الصَّحَابَة كاتباع أهل الْمَدِينَة فِي الْأَكْثَر فَتَاوَى عبد الله بن عمر وَأَتْبَاع أهل الْكُوفَة فِي الْأَكْثَر فَتَاوَى عبد الله بن مَسْعُود وَأَتْبَاع أهل مَكَّة فِي الْأَكْثَر فَتَاوَى عبد الله بن غياث وَأَتْبَاع أهل مصر فِي الْأَكْثَر فَتَاوَى عبد الله ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ ثمَّ أَتَى من بعد التَّابِعين فُقَهَاء الْأَمْصَار كَأبي حنيفَة وسُفْيَان وَابْن أبي ليلى بِالْكُوفَةِ وَابْن جريج بِمَكَّة وَمَالك وَابْن الْمَاجشون بِالْمَدِينَةِ وَعُثْمَان البتي وسوار بِالْبَصْرَةِ والاوزاعي بِالشَّام وَاللَّيْث بن سعد بِمصْر فجروا على تِلْكَ الطَّرِيق من اخذ كل وَاحِد مِنْهُم عَن التَّابِعين من أهل بَلْدَة فِيمَا كَانَ عِنْدهم واجتهادهم فِيمَا لم يَجدوا عِنْدهم وَهُوَ مَوْجُود عِنْد غَيرهم وَأول من اقْرَأ الْقُرْآن بِمصْر أَبُو قبيل وَهُوَ يروي عَن عبيد بن مخمر المغافري المكنى بِأبي أُميَّة رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهد فتح مصر ثمَّ إِن أهل مصر كَانُوا يتحدثون فِي الْفِتَن وَالتَّرْغِيب فَكَانَ أول من نشر علم الْحَلَال وَالْحرَام فيهم يزِيد بن أبي حبيب وَحكى أَبُو عَمْرو الْكِنْدِيّ أَن أَبَا ميسرَة عبد الرَّحْمَن بن ميسرَة مولى الملامس الْحَضْرَمِيّ كَانَ فَقِيها وَكَانَ أول من اقْرَأ النَّاس بِمصْر بِحرف نَافِع قبل الْخمسين وَمِائَة وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة وان أَبَا سعيد عُثْمَان بن عَتيق مولى غافق أول من رَحل من أهل مصر إِلَى الْعرَاق فِي طلب الحَدِيث توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة انْتهى وَكَانَ حَال أهل الْإِسْلَام من أهل مصر وَغَيرهَا من الْأَمْصَار فِي أَحْكَام الشَّرِيعَة على مَا تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ ثمَّ كثر الترحال إِلَى الْآفَاق وتداخل النَّاس والتقوا وانتدب أَقوام لجمع الحَدِيث النَّبَوِيّ وتقييده فَكَانَ أول من دون الْعلم مُحَمَّد بن شهَاب الزُّهْرِيّ وَأول من صنف وَبَوَّبَ سعيد بن عرُوبَة وَالربيع بن صبيح بِالْبَصْرَةِ وَمعمر بن رَاشد بِالْيمن وَابْن

جريج بِمَكَّة ثمَّ سُفْيَان الثَّوْريّ بِالْكُوفَةِ وَحَمَّاد بن سَلمَة بِالْبَصْرَةِ والوليد بن مُسلم بِالشَّام وَجَرِير بن عبد الحميد بِالريِّ وَعبد الله بن الْمُبَارك بمرو وخراسان وهيثم ابْن بشير بواسط وَتفرد بِالْكُوفَةِ أَبُو بكر بن أبي شيبَة بتكثير الْأَبْوَاب وجودة التصنيف وَحسن التآليف فوصلت أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْبِلَاد الْبَعِيدَة إِلَى من لم تكن عِنْده وَقَامَت الْحجَّة على من بلغه شَيْء مِنْهَا وجمعت الْأَحَادِيث المبينة لصِحَّة أحد التأويلات المتأولة من الْأَحَادِيث وَعرف الصَّحِيح من السقيم وزيف الِاجْتِهَاد المودي إِلَى خلاف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَترك الْعَمَل بِهِ وَسقط الْعذر عَمَّن خَالف من السّنَن بِبُلُوغِهِ إِلَيْهِ وَقيام الْحجَّة عَلَيْهِ وعَلى هَذَا الطَّرِيق كَانَ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَكثير من التَّابِعين يرحلون فِي طلب الحَدِيث الْوَاحِد الْأَيَّام الْكَثِيرَة كَمَا هُوَ مَعْلُوم من كتب الحَدِيث فَلَمَّا قَامَ هَارُون الرشيد بالخلافة وَولى أَبَا يُوسُف بن يَعْقُوب صَاحب أبي حنيفَة الْقَضَاء بعد سنة سبعين وَمِائَة لم يُقَلّد بِبِلَاد الْعرَاق وخراسان وَالشَّام ومصر إِلَّا من أَشَارَ بِهِ أَبُو يُوسُف واعتنى بِهِ وَكَذَلِكَ لما قَامَ بالأندلس الحكم المرتضى بن هِشَام بعد أَبِيه وتلقب بالمنتصر فِي سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة اخْتصَّ بِيَحْيَى بن يحيى بن كثير الأندلسي وَكَانَ قد حج وَسمع الْمُوَطَّأ من مَالك إِلَّا أبوابا وَحمل عَن وهب وَابْن الْقَاسِم وَغَيرهمَا علما كثيرا وَعَاد إِلَى الأندلس فنال من الرِّئَاسَة وَالْحُرْمَة مَا لم ينله غَيره وعادت الْفتيا إِلَيْهِ وَعظم أمره ثمَّ هُوَ لم يُقَلّد فِي سَائِر أَعمال الأندلس قَاضِيا إِلَّا بإشارته واعتنائه فصاروا على رَأْي مَالك بعد مَا كَانُوا على رَأْي الاوزاعي وَكَانَ زِيَاد بن عبد الرَّحْمَن الملقب ببسطور قد ادخل مَذْهَب مَالك إِلَى الأندلس قبل يحيى وَكَانَ الْغَالِب فِي إفريقية مَذْهَب السّنَن إِلَى أَن ادخل عبد الرَّحْمَن بن فروج أَبُو مُحَمَّد الْفَارِسِي إِلَيْهَا مَذْهَب أبي حنيفَة فَلَمَّا يزَالُوا عَلَيْهِ إِلَى أَن ولي سَحْنُون بن سعيد الْقَضَاء فنشر إِذْ ذَاك مَذْهَب مَالك وَصَارَ الْقَضَاء فِي أَصْحَاب سَحْنُون دولا وَلم يزل الْحَال على ذَلِك إِلَى زمن بني الهاشم فتوارثوا الْقَضَاء ثمَّ إِن المضر بن باديس حمل جَمِيع أهل إفريقية على التَّمَسُّك بِمذهب مَالك وَترك مَا عداهُ من الْمذَاهب فَرجع أهل إفريقية كلهم وَأهل الأندلس كلهم إِلَى مَذْهَب مَالك فَفَشَا هُنَاكَ فشوا طبق تِلْكَ الأقطار كَمَا فشى مَذْهَب أبي حنيفَة بِبِلَاد الْمشرق وَلما كَانَت أَيَّام الْخَلِيفَة الْقَادِر بِاللَّه أبي الْعَبَّاس احْمَد وَتمكن الشَّيْخ أَبُو حَامِد الاسفرائيني

من دولته قرر مَعَه اسْتِخْلَاف أبي الْعَبَّاس احْمَد بن مُحَمَّد الْبَارِزِيّ الشَّافِعِي عوضا عَن قَاضِي بَغْدَاد أبي مُحَمَّد ألاكفاني وَكتب أَبُو حَامِد إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود بن سبكتكين وَأهل خُرَاسَان أَن الْخَلِيفَة نقل الْقَضَاء عَن الْحَنَفِيَّة إِلَى الشَّافِعِيَّة وَكَانَ الْقَادِر بِاللَّه قد سير إِلَى مَحْمُود خلعة السلطنة سنة تسع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة بعد أَن انْقَطَعت الدولة السامانية فحصلت بذلك فتْنَة بخراسان بَين الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة صَار أمرهَا إِلَى رُجُوع الْقَضَاء إِلَى الْحَنَفِيَّة وَانْقِطَاع أبي حَامِد عَن دَار الْخلَافَة وَظُهُور التسخط عَلَيْهِ والانحراف عَنهُ وَذَلِكَ فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثلاثمائة وَلما قدم عبد الرَّحِيم بن خَالِد مولى جمح على مصر نشر بهَا مَذْهَب مَالك وَتُوفِّي بالإسكندرية سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَمِائَة ثمَّ نشره بهَا أَيْضا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم فاشتهر حِينَئِذٍ اكثر من مَذْهَب أبي حنيفَة إِلَى أَن قدم مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي إِلَى مصر مَعَ عبد الله بن الْعَبَّاس بن مُوسَى فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَمِائَة فَتَبِعَهُ جمَاعَة من أعيانها كبني عبد الحكم وَالربيع والمزني والبويطي وَكَتَبُوا عَن الشَّافِعِي مَا أَلفه وتبعوا مذْهبه فقوي حِينَئِذٍ واشتهر وَصَارَ الْقَضَاء فِي مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَن قدم الْقَائِد جَوْهَر من بِلَاد إفريقية فِي سنة ثَمَان وَخمسين وثلاثمائة وَبنى مَدِينَة الْقَاهِرَة وَكَانَ شِيعِيًّا فَفَشَا مَذْهَب التَّشَيُّع بِمصْر وَعمل بِهِ فِي الْقَضَاء والفتيا وَأنكر على من خَالفه وَلم يبْق بِمصْر مَذْهَب سواهُ حَتَّى قَامَ الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين ابْن أَيُّوب فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَشرع فِي تَغْيِير دولة الإسماعيلية وإزالتها وانشأ بِمصْر مدرسة للفقهاء الشَّافِعِيَّة وَصرف قُضَاة مصر الشيعية كلهم وفوض الْقَضَاء لصدر الدّين عبد الْملك بن درباس الماراني الشَّافِعِي فَلم يستنب عَنهُ فِي إقليم مصر إِلَّا من كَانَ شافعيا فتظاهر النَّاس من يَوْمئِذٍ بِمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ واختفى مَذْهَب الشِّيعَة والإسماعيلية والأمامية حَتَّى فقد من ارْض مصر كلهَا وَكَذَلِكَ كَانَ السُّلْطَان نور الدّين مَحْمُود بن عماد الدّين زنكي حنفيا فِيهِ تعصب فنشر مَذْهَب ابي حنيفَة بِبِلَاد الشَّام وَمِنْه كثرت الْحَنَفِيَّة بِمصْر وَمَا زَالَ مَذْهَبهم ينتشر ويقوى وفقهاؤهم تكْثر بِمصْر وَالشَّام من يَوْمئِذٍ وَحمل السُّلْطَان صَلَاح الدّين النَّاس أَيْضا على عقيدة الشَّيْخ أبي الْحسن عَليّ بن إِسْمَاعِيل ألاشعري وَشرط ذَلِك فِي أوقافه الَّتِي بديار مصر كالمدرسة الناصرية والقمحية وخانقاه سعيد السُّعَدَاء فِي

الْقَاهِرَة فاستمر الْحَال عَلَيْهَا بِمصْر وَالشَّام وَارْضَ الْحجاز واليمن وَالْمغْرب أَيْضا لإدخال مُحَمَّد بن تومرت رَأْي ألاشعري إِلَيْهَا وَلم يكن فِي الدولة الأيوبية بِمصْر كثير ذكر لمَذْهَب أبي حنيفَة وَاحْمَدْ بن حَنْبَل ثمَّ اشْتهر ذكرهمَا فِي آخرهَا فَلَمَّا كَانَت سلطنة الْملك الظَّاهِر بيبرس البندقداري ولى بِمصْر والقاهرة أَرْبَعَة من الْقُضَاة وهم شَافِعِيّ ومالكي وحنفي وحنبلي وتقرر الْأَمر على ذَلِك فِي الشَّام وَمَا والاها وَكَانَ أول من ولي قَضَاء قُضَاة الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد ابْن احْمَد بن قدامَة الْمَقْدِسِي ثمَّ الصَّالِحِي وَهُوَ من مَشَايِخ شيخ الْإِسْلَام احْمَد بن تَيْمِية وَله مصنفات سنذكرها فِي تَرْجَمته وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَقد كَانَ مَذْهَب الإِمَام احْمَد شَائِعا أَولا فِي الْعرَاق وَمَا وَالَاهُ فَلَمَّا دخل الْبِلَاد الشامية عبد الْوَلِيد بن مُحَمَّد الشِّيرَازِيّ ثمَّ الْمَقْدِسِي الدِّمَشْقِي وَسكن بَيت الْمُقَدّس نشر فِيهِ وَفِي جهاته مَذْهَب احْمَد ثمَّ أَقَامَ بِدِمَشْق وَنشر بهَا الْمَذْهَب أَيْضا وَكَانَت وَفَاته سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة بِدِمَشْق قَالَه الْبُرْهَان بن مُفْلِح فِي الْمَقْصد الارشد فَمن ثمَّ انتشرت الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فِي هَذِه الديار وبنيت لَهَا الْمدَارِس وتنافس النَّاس فِيهَا وتسابقوا فِي إنشائها وَكَانَت كثرتها على حسب كَثْرَة أَصْحَابهَا كَمَا يُعلمهُ من طالع كتَابنَا هَذَا وَجعلت مَقْصُورَة على علم الْفِقْه غَالِبا الْمُسَمّى الْآن بفن الْفُرُوع وعَلى فني النَّحْو والتصريف وعَلى قَلِيل من فني الْبَيَان وَالْأُصُول وعَلى تلقي الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة وعمرت الزوايا والخوانق للمتصوفة وبنيت فِي دمشق مدارس لفن الطِّبّ وَأما الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة فَالظَّاهِر أَنَّهَا كَانَت يَوْمئِذٍ مبتذلة وفن التَّحْقِيق متروكا لَا يهجم على ذَلِك إِلَّا الْأَفْرَاد وخصوصا فن الْحِكْمَة فانه كَانَ مَعَ فنون الْهَيْئَة وتشريح الأفلاك وَتلك الْمعَانِي فِي الندرة بمَكَان يكَاد المشتغلون بِهِ أَن يتبرؤوا مِنْهُ فِي الظَّاهِر وَللَّه فِي خلقه شؤون وَحَيْثُ المعنا إِلَى زبدة يسْتَخْرج مِنْهَا الْمطَالع اللبيب تَارِيخ انحصار الْمذَاهب فِي الْأَرْبَعَة وَأَسْبَاب بِنَاء الْمدَارِس لَهَا فلنرجع إِلَى مَا كُنَّا بصدده وَهُوَ هَذَا

حرف الهمزة

حرف الْهمزَة الْمدرسَة الاتابكية هِيَ بصالحية دمشق وَقد عين النعيمي موقعها فَقَالَ هِيَ بسفح قاسيون غربيها المرشدية وَدَار الحَدِيث ألاشرفية المقدسية اهـ أَقُول وَلَقَد وقفت عَلَيْهَا بعد بحث طَوِيل فرأيتها قبلي السِّكَّة شَرْقي دَار الحَدِيث الْمَذْكُورَة وبابها مثل بَاب غَيرهَا من مدارس الْأُمَرَاء مزخرف أَعْلَاهُ بِالْحجرِ المعجن قَائِم على صفة محراب وَبَاب الدُّخُول فِي الْوسط وَقد بنيت لَهَا مَنَارَة يظْهر عَلَيْهَا آثَار الْحُدُوث يصعد إِلَيْهَا بسلم من الْحجر عَلَيْهِ آثَار الْقدَم والجدار الغربي مَبْنِيّ بحجارة ضخمة وبالجانب القبلي مَسْجِد لطيف يظْهر لمن رَآهُ انه مستحدث وبجانبه إِلَى الشرق تربة مَبْنِيَّة بِالْحِجَارَةِ الْكَبِيرَة وَلها شباكان فِي الْحَائِط القبلي يطلان على بُسْتَان وشباكان أَيْضا يطلان على دمشق وَقد تهدم أَعْلَاهَا وَبهَا قبران وبساحتها بِئْر يجْتَمع المَاء فِيهِ من نهر يزِيد وَعَلِيهِ مضخة تجذب المَاء إِلَى الْأَعْلَى وَمن هَذَا يظْهر أَن الْمدرسَة قد استولى الخراب على أَكْثَرهَا فتناولتها أَيدي المختلسين وَبَقِي جَانب مِنْهَا فَهَيَّأَ الله لَهُ بعض أهل الْخَيْر فَجعله مَسْجِدا تُقَام فِيهِ الصَّلَوَات إِلَى الْآن وَالنَّاس الْآن يسمونها جَامع التابتية وَتارَة يَقُولُونَ التابتية وَلَقَد كَانَ لهَذِهِ الْمدرسَة شَأْن عَظِيم درس بهَا جمَاعَة من الْعلمَاء الْكِبَار كَأبي بكر بن طَالب الاسكندري وَإِسْمَاعِيل الْمَاوَرْدِيّ وصفي الدّين الْهِنْدِيّ وتقي الدّين السُّبْكِيّ وَاحْمَدْ بن صصري وَاحْمَدْ ابْن حجي وَاحْمَدْ بن عَليّ الدلجي الْمصْرِيّ وَغير هَؤُلَاءِ من الأفاضل أَقُول حجي بِكَسْر الْحَاء وَالْجِيم الثَّقِيلَة هَكَذَا ضَبطه الْحَافِظ بن حجر فِي الْمجمع المؤسس وَقَالَ مهر فِي الْفِقْه والْحَدِيث ودرس وَأفْتى واشتهر وَكَانَ لهجا بالتاريخ وَعلم الْمِيقَات مَاتَ سنة عشرَة وثمان مائَة تَرْجَمَة واقفها أنشأتها ترْكَان بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة خاتون بنت السُّلْطَان عز الدّين مَسْعُود بن قطب الدّين مودود بن أتابك زنكي بن آقسنقر وَهِي زَوْجَة الْملك الْأَشْرَف مُوسَى كَمَا قَالَه فِي

المدرسة الأسعردية

العبر وَقَول عز الدّين الْحلَبِي أَن الَّتِي أنشأتها بنت نور الدّين أرسلان بن أتابك صَاحب الْموصل لَيْسَ بِصَحِيح وَفِي لَيْلَة وفاتها كَانَ وقف مدرستها وتربتها بِالْجَبَلِ كَمَا قَالَه أَبُو شامة وَتوفيت سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة ودفنت فِي تربَتهَا بمدرستها وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصر تَارِيخ الْإِسْلَام مَاتَ صَاحب الْموصل سنة سبع وسِتمِائَة وَهُوَ نور الدّين أرسلان وَكَانَ شهما مهيبا فِيهِ ظلم وجبروت وَكَانَ حكمه ثَمَانِيَة عشر عَاما وَبنى مدرسة للشَّافِعِيَّة فِي غَايَة الْحسن وَقَالَ ابْن الْأَثِير قَالَ وزيره مَا قلت لَهُ فِي فعل خير إِلَّا بَادر إِلَيْهِ قَالَ ابْن خلكان كَانَ شهما عَارِفًا بالأمور تحول شافعيا وَلم يكن فِي بَيته شَافِعِيّ وَله مدرسة قل أَن يُوجد مثلهَا فِي الْحسن وَحَاصِل هَذَا أَن البانية لَهَا ترْكَان وَكَانَ المساعد لَهَا زَوجهَا الْأَشْرَف وَاحِد بني اتابكومن كَلَام الذَّهَبِيّ يعلم أَن البانية لَيست بنت صَاحب الْموصل لتقدم وفاتها على ترْكَان فَتَأمل الْمدرسَة الأسعردية كَانَت بالجسر الْأَبْيَض وَقد أَنَاخَ عَلَيْهَا الزَّمَان بكلكله كأخواتها من الْمدَارِس وَذهب اسْمهَا إِلَّا من القرطاس قَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي الذيل وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة خربَتْ ثَلَاثَة مسَاكِن هِيَ احسن مسَاكِن دمشق الدهشة وبستان النشوة على حافة نهر تورا بِالْقربِ من الربوة وبستان ابْن جمَاعَة بالمزة وَلَكِن هَذَا الثَّالِث نقلت آلَته إِلَى مدرسة الخواجا إِبْرَاهِيم ابْن الاسعردي وانتفع النَّاس بهَا وَفرغ من عمارتها سنة سبع عشرَة وَثَمَانمِائَة وَكَانَت فِي غَايَة الْحسن ورتب بهَا وظائف كَثِيرَة اهـ والدهشة والنشوة قصران عظيمان كَانَا فِي الْبَسَاتِين وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِمَا عِنْد الْكَلَام على متنزهات دمشق

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها هُوَ التَّاجِر الْكَبِير إِبْرَاهِيم بن مبارك شاه الاسعردي كَانَ هُوَ وَابْن المزلق من اكبر تجار دمشق تسير تجارتهما فِي الْبلدَانِ وَأعْطى الله المترجم كثيرا من المَال والبنين وَكَانَ عِنْده كرم وإحسان إِلَى الْفُقَرَاء وتأنق فِي بِنَاء مدرسته وَبنى لَهَا تربة ورتب بهَا فُقَرَاء وَجَمَاعَة يقرؤون الْقُرْآن وَهِي من احسن عمائر دمشق توفّي سنة سِتّ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن فِي تربته وَترك من الْأَمْوَال والأملاك والبضائع وَالْخَيْل المسومة شَيْئا كثيرا وَخلف وَلدين شابين وَكَانَ متزوجا ببنت ابْن المزلق قَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة توفّي بعده بِقَلِيل عشرُون نفسا من أهل بَيته الْمدرسَة الأَسدِية حدث النعيمي وَغَيره أَنَّهَا بالشرف القبلي ظَاهر دمشق مطلة على الميدان الْأَخْضَر يَعْنِي المرجة الخضراء وَهِي على الطَّائِفَتَيْنِ الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة انْتهى وَقد عفت الْيَوْم أطلالها وانمحت رسومها وآثارها وَذَهَبت أحاديثها إِلَّا من القرطاس فسبحان الْبَاقِي وَقَالَ العلموي فِي مُخْتَصر تَنْبِيه الطَّالِب قلت يحْتَمل أَنَّهَا المركبة على بانياس الْمَعْرُوفَة بالقرمانية وَالْعجب أَن شيركوه لَهُ أسديتان برانية وجوانية وأناس كَثِيرُونَ ينتسبون إِلَيْهِ وَلَا تعرف هَذِه الْمدرسَة وَالْوَقْف عَلَيْهَا قَرْيَة بَرزَة وَضمير وَلَا يعرف من ذَلِك إِلَّا ثَلَاثَة قراريط من بَرزَة هِيَ وقف على الأَسدِية الجوانية بِدِمَشْق وَثَمَانِية قراريط من ضمير هِيَ وقف على الأَسدِية الجوانية بحلب فَليعلم ذَلِك قَالَ وَأما الذُّرِّيَّة فابتلوا بالقلة لعدم رجوعهم إِلَى الْحق فِي شرطهم الأول انْتهى وأيا مَا كَانَ فقد اندرست هَذِه الْمدرسَة واندرس وَقفهَا وَمِمَّنْ درس بهَا أَيَّام عزها الْعِزّ الْقرشِي أَبُو الْخطاب والركن البَجلِيّ وَصَلَاح الدّين العلاني وَشرف الدّين الاذرعي وَغَيرهم

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها بناها شيركوه بن شادي بن مَرْوَان الملقب بأسد الدّين سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ بطلا شَدِيد الْبَأْس لَهُ صيت بعيد وَيضْرب الْمثل بشجاعته وَنَشَأ بدوين من أَطْرَاف أذربيجان وبتكريت وَكَانَ أَبوهُ مُتَوَلِّي قلعتها وَأسد الدّين هَذَا من أُمَرَاء نور الدّين وَكَانَ قد سيره إِلَى مصر عونا لشاور السَّعْدِيّ فَلم يقف شاور لَهُ فَعَاد مِنْهَا إِلَى دمشق وَفِي نِيَّته اخذ مصر ثمَّ رَجَعَ فَكسر عسكرها وعسكر الإفرنج وَتَوَلَّى وزارتها وَكَانَت الإفرنج تهابه وتخافه واقطعه نور الدّين الرحبة وحمص فَوق مَاله من الإقطاع وَقَالَ ابْن شَدَّاد فِي سيرة صَلَاح الدّين كَانَ أَسد الدّين شيركوه كثير الْأكل شَدِيد الْمُوَاظبَة على تنَاول اللحوم الغليظة تتواتر عَلَيْهِ التخم والخوانيق وينجو مِنْهَا بعد مقاساة شَدِيدَة عَظِيمَة فَأَخذه مرض شَدِيد واعتراه خانوق فَقتله سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَدفن بِمصْر ثمَّ نقل إِلَى الْمَدِينَة المنورة وَسَتَأْتِي زِيَادَة على هَذَا الْقسم السياسي من هَذَا الْكتاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْمدرسَة الاصفهانية ذكرهَا القَاضِي ابْن شَدَّاد فِي الأعلاق الخطيرة والنعيمي وَقَالا هِيَ بحارة الغرباء بِالْقربِ من درب الشعارين بناها رجل تَاجر من أصفهان وَلم يذكر النعيمي تَارِيخ بنائها وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي العبر أَن الشَّيْخ عبد الْكَافِي الربعِي درس بهَا سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة اهـ فَيكون على هَذَا بناؤها قبل التَّارِيخ الْمَذْكُور وَقَالَ الشَّيْخ عبد الباسط العلموي حارة الغرباء وَرَاء القجماسية وَهَذِه الْمدرسَة مَجْهُولَة الْآن اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تكون مَوضِع تكية احْمَد باشا فَلَا يبعد وَالله اعْلَم انْتهى والعلموي مولده سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة فَعَلَيهِ أَن هَذِه الْمدرسَة قد اندرست قبل التسْعمائَة وتكية احْمَد باشا هِيَ الْمَعْرُوفَة الْآن بِالْمَدْرَسَةِ الأحمدية وَفِي

المدرسة الاقبالية

الحارة الْمَذْكُورَة آثَار أبنية قديمَة فَيمكن أَن يَصح مَا قَالَه العلموي وَيُمكن أَن يكون قد صَارَت دَارا للسُّكْنَى وَالله اعْلَم الْمدرسَة الاقبالية اخبر النعيمي وَغَيره بِأَنَّهَا دَاخل بَابي الْفرج والفراديس شمَالي كل من الْجَامِع والظاهرية الجوانية وشرقي الجاروخية وَغَرْبِيٌّ التقوية وَقَالَ فِي العبر أَن بانيها كَانَ لَهُ داران فَجعل إِحْدَاهمَا مدرسة للحنفية وَالثَّانيَِة للشَّافِعِيَّة وَهِي الْكَبِيرَة مِنْهُمَا ووقف عَلَيْهِمَا أوقافا وَجعل الثُّلُث مِنْهَا لمدرسة الْحَنَفِيَّة والثلثين لمدرسة الشَّافِعِيَّة هَذَا مَا ذكره المؤرخون وَأَقُول هَذَا التَّعْرِيف الْمَذْكُور لم يفدنا الْآن شَيْئا لَان هَذِه الْمدرسَة قد اندرست وَلم يبْق مِنْهَا سوى الظَّاهِرِيَّة وَهِي الْآن بِأول الطَّرِيق الْمَعْرُوف الْآن بزقاق السَّبع طوالع من غربيه فِي الْجِهَة الشمالية مُقَابل اقميم حمام العقيقي يفصل بَينهمَا الطَّرِيق واخبرني بعض المعمرين الثِّقَات أَن هَذِه الْمدرسَة بقيت أَبْوَابهَا مَفْتُوحَة لطلاب الْعلم معمورة إِلَى قبيل الْخمسين والمائتين بعد الْألف وَكَانَ من عَادَة الْقُضَاة يَوْمئِذٍ أَن ينصبوا بوابين للمدارس ويأذنوا لَهُم بِالسُّكْنَى بهَا وَفِي التَّارِيخ الْمَذْكُور كَانَ لهَذِهِ الْمدرسَة بواب يُقَال لَهُ يُوسُف الدوركلي فَرَأى أَن من قبله من البوابين قد اعتادوا غلق أَبْوَاب الْمدَارِس إِلَّا فِي أَوْقَات الصَّلَوَات فاقتدى بهم ثمَّ زَاد عَلَيْهِم فأغلق أَبْوَابهَا دَائِما ثمَّ استبد بهَا وَجعلهَا دَارا لسكناه وَنقض كثيرا من أبنيتها وبناها بِنَاء جَدِيدا وَبعد وَفَاته اخْتلف أَوْلَاده عَلَيْهَا وترافعوا إِلَى الْحُكَّام وَلم يزل الْخلاف عَلَيْهَا جَارِيا فِيمَا بَينهم إِلَى قبيل سنة ثَلَاث وَعشْرين وثلاثمائة بعد الْألف فهنالك قصد أحد بني الدوركلي نكاية مخاصميه فَأثْبت لَدَى الْحَاكِم أَنَّهَا مدرسة وَطلب من مجْلِس معارف دمشق أَن يَأْخُذهَا وَبعد الْمُعَامَلَة الْمُقْتَضِيَة أَخذهَا الْمجْلس الْمَذْكُور هِيَ والاقبالية الْحَنَفِيَّة الَّتِي بجانبها وَفِي سنة أَربع وَعشْرين من التَّارِيخ الْمَذْكُور جعلت مدرسة للإناث وَبقيت على ذَلِك وَالله اعْلَم بِمَا يؤول إِلَيْهِ أمرهَا بعد ذَلِك وَسَتَأْتِي زِيَادَة على مَا كتبناه هُنَا عِنْد الْكَلَام على الاقبالية الْحَنَفِيَّة

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها قَالَ الذَّهَبِيّ هُوَ جمال الدولة أَمِير الجيوش شرف الدّين أَبُو الْفضل إقبال ابْن الحبشي الْمُسْتَنْصر الشرابي جعل مقدما على جيوش الْعرَاق وانشأ مدرسة فِي غَايَة الْحسن للشَّافِعِيَّة ثمَّ انه فِي سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة انشأ مدرسة ثَانِيَة للحنفية وانشأ بِمَكَّة رِبَاطًا وَله مَعْرُوف كثير وَفِيه دين وخشوع وَله محَاسِن والتقى بالتتار فَهَزَمَهُمْ فَعظم بذلك وارتفع قدره ثمَّ توجه فِي خدمَة المعتصم نَحْو الْحلَّة لزيارة الشَّهِيد فَمَرض ثمَّ اقبل من الْحلَّة فَيُقَال انه سقِِي سما فِي تفاحة فَلَمَّا أكلهَا أحس بِالشَّرِّ فَرجع إِلَى بَغْدَاد وَقَالَ ابْن كثير توفّي إقبال الْخَادِم جمال الدولة أحد خدام صَلَاح الدّين وَاقِف الاقباليتين بالقدس الشريف سنة ثَلَاث وسِتمِائَة انْتهى وَهُوَ الْعَام الَّذِي فرغ فِيهِ من بِنَاء الاقبالية الْحَنَفِيَّة كَمَا سَيعْلَمُ من الْكَلَام عَلَيْهَا ودرس بِهَذِهِ الْمدرسَة جمَاعَة من الْعلمَاء الْكِبَار كبدر الدّين بن خلكان ثمَّ شمس الدّين مُحَمَّد بن خلكان ثمَّ الإِمَام يحيى النَّوَوِيّ ثمَّ تَاج الدّين المراغي ثمَّ عَلَاء الدّين القونوي ثمَّ ابْن الْمجد ثمَّ الْعِمَاد النابلسي ثمَّ الْكَمَال الشريشي ثمَّ وَلَده بدر الدّين ثمَّ الْجلَال الزرعي ثمَّ الْعِمَاد الحسباني ثمَّ وَلَده عبد الْوَهَّاب ثمَّ ابْن قَاضِي شُهْبَة ثمَّ الشَّمْس الكفيري ثمَّ جمَاعَة غَيرهم وَبِهَذَا يعلم انه كَانَ لهَذِهِ الْمدرسَة أهمية كبرى فسبحان الْبَاقِي الْمدرسَة الاكزية هِيَ غربي الطّيبَة والتربة التنكزية وشرقي مدرسة أم الصَّالح قَالَ النعيمي وَقد رسم على بَابهَا بعد الْبَسْمَلَة أوقف هَذِه الْمدرسَة على أَصْحَاب الإِمَام أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْأَمِير أَسد الدّين أكز فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وتمت عمارتها أَيَّام الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين وَالدُّنْيَا ومنقذ الْبَيْت الْمُقَدّس من أَيدي الْمُشْركين أبي المظفر يُوسُف بن أَيُّوب محيي الدولة أَمِير الْمُؤمنِينَ وأوقف عَلَيْهَا والدكان الَّتِي شرقيها

وقف عَلَيْهَا وَالثلث من طاحونة اللوان سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة انْتهى أَقُول أَن هَذَا التَّعْرِيف قد اندرس باندراس الأكزية والطيبة وَلم يبْق لَهما رسم وَلَا طلل وان شِئْت الْبَيَان فَادْخُلْ من الطَّرِيق الْكَائِن أَمَام محكمَة الْبَاب جنوبي الْمدرسَة النورية وسر مغربا والتفت يَمِينك تَجِد بِنَاء شامخا وبابا مرتفعا فِي الْهَوَاء فَهَذَا بِنَاء التربة التنكزية وَالنَّاس يسمونها الْآن زَاوِيَة النحلاوي ثمَّ إِذا سرت إِلَى جِهَة الغرب ترى فِي الْجِدَار الشمالي آثَار الْمدرسَة الطّيبَة ويدلك عَلَيْهِ جِدَار مَبْنِيّ بِالْحجرِ الْأَحْمَر واثر بَاب قديم وبالقرب من ذَلِك الْأَثر اثر نَظِيره وَهُنَاكَ كَانَت الاكزية والاثنتان صارتا دورا للسُّكْنَى والدكان الْمَذْكُورَة قد دكت دكا (وَلكُل دهر حلية من أَهله ... مَا فيهم جنف وَلَا إفراط) وواقف تِلْكَ الْمدَارِس يَقُول لِسَان حَاله (قد كنت أحذر بَينهم من قبله ... لَو كَانَ ينفع خَائفًا أَن يحذرا) واخبرني أحد الثِّقَات انه رأى الْحجر الْمَكْتُوب عَلَيْهِ مَا تقدم بعد الْألف والثلاثمائة وَهُوَ ظَاهر للعيان ثمَّ غطي بالطين انْتهى وَقد درس بِهَذِهِ الْمدرسَة جمَاعَة مِنْهُم شرف الدّين الحاكي والبرهان المراغي وَالْمجد الشهرزوري والكمال بن الحرستاني والصدر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن وهيب وَيُقَال هبة الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي الْقَاسِم الْجَزرِي الأَصْل الصلتي الشهير بالنابلسي ولي قَضَاء نابلس والتدريس بعدة مدارس وَكَانَ جيد السِّيرَة وَالْأَحْكَام توفّي سنة سِتّ وَسَبْعمائة وَكَانَ يحفظ الْمِنْهَاج وَله نظم حسن فَمِنْهُ (زار الحبيب بِغَيْر وعد سَابق ... فلك الهنايا مقلتي فتمتعي) (سرحت طرفِي فِي بهاء جماله ... وحفظت جَوْهَر لَفظه فِي مسمعي) (وفرشت خدي فِي الثرى لقدومه ... وَجعلت منزله حشاي وأضلعي) (ونحرت نومي فِي الجفون قرى لَهُ ... وَسَأَلته وصلا بِغَيْر تمنع) (فَأَجَابَنِي بِالْمَنْعِ وَهُوَ مُودع ... أَهلا بِهِ من زائر ومودع)

المدرسة الأغلبكية

الْمدرسَة الأغلبكية حكى المحبي فِي تَارِيخه فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد الفرفوري الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ أَن الْمَذْكُور درس بِهَذِهِ الْمدرسَة قَالَ وَهِي مَشْرُوطَة لَهُم وَهِي بمحلة القيمرية هَذَا كَلَامه وَلم أقع من شَأْنهَا على اكثر من هَذَا وَظهر لي أَنَّهَا كَانَت بعد الْألف وأظن أَنَّهَا كَانَت للحنفية وَالله اعْلَم الْمدرسَة ألامجدية حكى النعيمي وَغَيره أَنَّهَا كَانَت بالشرف الْأَعْلَى وَسبب بنائها أَن الْملك الأمجد بهْرَام آلاتي تَعْرِيفه قَرِيبا كَانَ قد أوصى وَصِيَّة ثمَّ أَن مَمْلُوكا لَهُ قَتله فَقَامَ بعده الْملك المظفر نور الدّين عمر فعمر تِلْكَ الْمدرسَة من مَال الْوَصِيَّة وَجعلهَا على الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَكَانَت فِي مَوضِع لطيف جدا لَهَا شبابيك تطل على الميدان الْأَخْضَر الْمُسَمّى بالمرجة الفيحاء وَتظهر للْوَاقِف فِي الميدان كَأَنَّهَا قصر بديع لِأَنَّهَا تعلو عَنهُ علوا كثيرا والى جَانبهَا كَانَت الْمدرسَة الفرخشاهية وَكِلَاهُمَا قد أصبحتا بستانا وَسَيَأْتِي الْكَلَام على الفرخشاهية فِي موضعهَا وَقد درس بالأمجدية جمَاعَة مِنْهُم رفيع الدّين الجيلي وَنجم الدّين سني الدولة وَأمين الدّين بن عَسَاكِر والبرهان الخلخالي وَالْمجد المارداني وَاحْمَدْ بن عبد الله بن الْحُسَيْن الدِّمَشْقِي والشهاب الباعوني وَابْن قَاضِي شُهْبَة وَابْن قَاضِي عجلون وَالسَّيِّد عز الدّين بن حَمْزَة وَغَيرهم من الْعلمَاء فسبحان الْبَاقِي وَمن يَعش ير مَوضِع هَذِه الْمدَارِس الَّتِي كَانَت بالشرف الْأَعْلَى دورا للسُّكْنَى وَحَدَائِق غناء وَيذْهب بالقديم أدراج الرِّيَاح فَلَا يرى رسمه إِلَّا على صفحات القرطاس وَالله اعْلَم تَرْجَمَة واقفها اشتهرت هَذِه الْمدرسَة قَدِيما بالأمجدية نِسْبَة لمجد الدّين أبي المظفر بهْرَام شاه ابْن فرخشاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب وَتقدم أَن الَّذِي بَاشر بناءها وَلَده عمر من مَال وَصِيَّة

أَبِيه وَالْملك الأمجد كَانَ صَاحب بعلبك بعد أَبِيه وَأخذت مِنْهُ سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة أَخذهَا مِنْهُ الْملك الْأَشْرَف مُوسَى وردهَا إِلَى أَخِيه الصَّالح إِسْمَاعِيل فَقدم الأمجد دمشق وَأقَام بهَا ثمَّ انه اتهمَ أحد مماليكه بِسَرِقَة حياصة لَهُ وحبسه فِي خزانته وبينما هُوَ ذَات لَيْلَة منشغل بالنرد إِذْ بالغلام قد ولع بَرزَة الْبَاب فقلعها وهجم على الأمجد فَقتله وهرب وَرمى بِنَفسِهِ من السَّطْح فَمَاتَ وَقيل لحقه المماليك عِنْد وُقُوعه فقطعوه بِالسُّيُوفِ وَدفن بتربته الَّتِي هِيَ بِجَانِب تربة أَبِيه فِي الشّرف الشمالي قَالَ مُحَمَّد بن شَاكر الكتبي فِي فَوَات الوفيات وَغَيره كَانَ ذَلِك سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة وَقيل سنة ثَمَان وَعشْرين وَالْأول اصح وَقَالَ أَيْضا كَانَ الأمجد أديبا فَاضلا شَاعِرًا لَهُ ديوَان شعر مَوْجُود فِي أَيدي النَّاس ثمَّ أورد شَيْئا من كَلَامه وَمِنْه قَوْله (قُولُوا لجيران العقيق والنقا ... حتام تهدون إِلَيْنَا القلقا) (يَا سَاكِني قلبِي عَسى مُبشر ... يُخْبِرنِي مَتى يكون الْمُلْتَقى) (مَا لبقائي بعد بعد عَنْكُم ... معنى فان لَقِيتُم طَابَ البقا) (أشقاني الدَّهْر فان أسعدني ... بِجمع شملي بكم زَالَ الشقا) (أهواكم واقلقي وقلما ... يجمع مَا بَين الغرام والتقى) (حبكم سفينة ركبتها ... مَأْمُونَة فَكيف أخْشَى الغرقا) (حاشا لمن اصبح يَرْجُو الْوَصْل أَن ... يُمْسِي بِنَار هجركم محترقا) وَقَوله (دَعَوْت بِمَاء فِي إِنَاء فَجَاءَنِي ... غُلَام بهَا صرفا فأوسعته زجرا) (فَقَالَ هُوَ المَاء القراح وانما ... تجلى لَهَا خدي فأوهمك الخمرا) وَأورد ابْن الساعاتي قِطْعَة من جيد شعره الْفَائِق ونظمه الرَّائِق فَمِنْهُ مَا قَالَه على البديهة فِي شَاب يقطع قضبان بَان (من لي بأهيف قَالَ حِين عتبته ... فِي قطع كل قضيب بَان رائق) (يَحْكِي شمائله الرشاق إِذا انثنى ... رَيَّان بَين جداول وَحَدَائِق)

المدرسة الأمينية

(سرقت غصون البان لين شمائلي ... فقطعتها وَالْقطع حد السَّارِق) وَله دوبيت (كم يذهب هَذَا الْعُمر فِي الخسران ... مَا أغفلني عَنهُ وَمَا أنساني) (ضيعت زماني كُله فِي لعب ... يَا عمر هَل من بعد عمر ثَانِي) الْمدرسَة الأمينية تَعْرِيفهَا الْقَدِيم كَمَا فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَغَيره أَنَّهَا قبل بَاب الزِّيَادَة من أَبْوَاب الْجَامِع الْأمَوِي الْمُسَمّى قَدِيما بِبَاب السَّاعَات لِأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مَكَان للساعات يعلم مِنْهَا كل سَاعَة تمْضِي من النَّهَار وَعَلَيْهَا عصافير من نُحَاس وحية من نُحَاس وغراب من نُحَاس فَإِذا تمت السَّاعَة خرجت الْحَيَّة وصوتت العصافير وَصَاح الْغُرَاب وَسَقَطت حَصَاة كَذَا ذكره القَاضِي ابْن زير فِي تَارِيخه وَهِي شَرْقي المجاهدية جوَار قاسارية القواسين وتعرف هَذِه الْمحلة قَدِيما بحارة الْعقَاب وَكَانَت هُنَاكَ دَار مسلمة بن عبد الْملك وَكَانَت هَذِه الْمدرسَة من سوق السِّلَاح وَقيل أَنَّهَا أول مدرسة بنيت للشَّافِعِيَّة وَقد أوقفها أَمِين الدولة كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الصّلاح الصَّفَدِي فِي تَارِيخه وقف أَمِين الدولة هَذِه الْمدرسَة سنة أَربع وَعشْرين وَخَمْسمِائة ووقف عَلَيْهَا غَالب مَا حولهَا من سوق السِّلَاح وقيسارية القواسين وَقد اخبرني بعض شيوخي أَنَّهَا كَانَت تسمى حق الذَّهَب لِكَثْرَة أوقافها وَلها حِصَّة ببستان الخشاب بكفرثوثا وَغير ذَلِك وَقد درس بهَا جمَاعَة من كبار الأفاضل يَتْلُو بَعضهم بَعْضًا لَا فَائِدَة من ذكرهم سوى الإطلاع على الْأَسْمَاء وَقد تلكم ألاسدي عَن الأمينية فِي كراس وَكتب على ظَهره مَا صورته وَفِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة نظر الْعَلَاء ابْن الزملكاني فِي كتاب وقف الأمينية فَزعم أَن القارساية الَّتِي إِلَى جَانب الْمدرسَة لَا يحل اكراؤها وَيجب أَن يسكنهَا الْفُقَرَاء بِغَيْر أُجْرَة فَأبْطل جملَة من الْكِرَاء كل شهر ثمَّ اقْتضى رَأْيه وَنَظره أَن الدَّرْس يذكر كل يَوْم حَتَّى يَوْم الثُّلَاثَاء وَالْجُمُعَة وَذكر الدَّرْس بعد الْعِيد بِثَلَاثَة أَيَّام وَاسْتمرّ الدَّرْس يَوْم الْجُمُعَة وَالثُّلَاثَاء انْتهى وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ لهَذِهِ الْمدرسَة شَأْن كَبِير بَين الْمدَارِس ثمَّ أَن الْأَيَّام كرت عَلَيْهَا

ترجمة واقفها

فاغتصبت أوقافها وَأعْطيت لغَيْرهَا ثمَّ اغتصب النَّاس أَكْثَرهَا وتغيرت رسومها وَجعل بَابهَا من الْجِهَة الشمالية ثمَّ قيض الله لَهَا بعض مؤدبي الْأَوْلَاد فأنفق عَلَيْهَا جانبا ورممها واصلح مَا بَقِي مِنْهَا وجدد بركَة مَائِهَا واتخذها مكتبا للتعليم وَهِي الْآن على مَا ذكرنَا ومحلها فِي الْجَانِب القبلي من سوق الْحَرِير وتفصيله أَن الْخَارِج من بَاب الزِّيَادَة وَهُوَ بَاب الْجَامِع القبلي إِذا توجه جِهَة الْجنُوب يرى عِنْد أول سوق السِّلَاح سوقا عَن يَمِينه تسير إِلَى الغرب فَهَذَا هُوَ الْمُسَمّى بسوق الْحَرِير والأمينية هُنَاكَ مَعْرُوفَة مَشْهُورَة وَالله اعْلَم بِمَا تصير إِلَيْهِ أحوالها فِيمَا بعد تَرْجَمَة واقفها بناها أتابك العساكر بِدِمَشْق وَكَانَ يُقَال لَهُ أَمِين الدولة كستكين بن عبد الله الطغتك وَكَانَ نَائِبا على قلعتي بصرى وصرخد ولاه عَلَيْهَا الأتابك طغتكين وَكَانَ أَمِيرا جَلِيلًا كَبِير الْحُرْمَة توفّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة قَالَه الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه الْمدرسَة الباذرائية هِيَ الْآن مَشْهُورَة مَعْرُوفَة وَهِي بمحلة الْعِمَارَة الجوانية أَمَام حمام أُسَامَة الْمَعْرُوف بحمام سامية بِحَذْف الْألف من أَوله وبناؤها متين وداخلها ذُو طباق علوِيَّة وتحتية وَبهَا مجاورون لطلب الْعلم وَقَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب هِيَ دَاخل بَابي الفراديس والسلامة شمَالي جيرون وشرقي الناصرية الجوانية انْتهى وَهَذِه الْأَوْصَاف مَوْجُودَة إِلَّا الناصرية فان أَيدي المختلسين قد تناولتها فجعلتها دَارا للسُّكْنَى وَكَانَ مَوضِع الباذرائية قبل بنائها دَارا لرجل يُقَال لَهُ أُسَامَة وَقَالَ ابْن كثير فِي حوادث سنة تسع وسِتمِائَة من تَارِيخه هَذَا هُوَ أُسَامَة الْجبلي كَانَ أحد أكَابِر الْأُمَرَاء وَكَانَ بِيَدِهِ قلعتا عجلون وكوكب وَكَانَ شَيخا كَبِيرا قد أَصَابَهُ النقرس فاعتقله الْعَادِل بقلعة الكرك وَاسْتولى على حواصله وأمواله وأملاكه وَمن ذَلِك دَاره وحمامه دَاخل بَاب السَّلامَة انْتهى

ترجمة واقفها

ثمَّ أَن هَذِه الدَّار انْتَقَلت بطرِيق الْملك إِلَى الْعَلامَة نجم الدّين الباذرائي كَمَا حَكَاهُ ابْن شَدَّاد فَجَعلهَا مدرسة كَبِيرَة مهندسة وَقَالَ ابْن كثير أَن واقفها أوقفها على المقيمين بهَا مِمَّن كَانَ أعزب وان لَا يكون الْفَقِيه الْمُقِيم بهَا سَاكِنا فِي غَيرهَا من الْمدَارِس وَأَرَادَ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ توفير خاطر الْفَقِيه وَجمعه على طلب الْعلم وَلَكِن حصل بذلك خطل كثير وَشر وَشر لبَعْضهِم كَبِير وَقد كَانَ برهَان الدّين الْفَزارِيّ مدرس هَذِه الْمدرسَة وَابْن مدرسها يَقُول لما حضر الْوَاقِف فِي أول يَوْم درس بهَا وَحضر عِنْده السُّلْطَان النَّاصِر قَرَأَ كتاب وقف هَذِه الْمدرسَة وَفِيه لَا يدخلهَا امْرَأَة فَقَالَ السُّلْطَان وَلَا صبي فَقَالَ الْوَاقِف يَا مَوْلَانَا أَن الله لَا يضْرب بعضوين فَكَانَ إِذا ذكر هَذِه الْحِكَايَة تَبَسم عِنْدهَا وَكَانَ هُوَ أول من درس بهَا ثمَّ وَلَده كَمَال الدّين من بعده وَجعل نظرها إِلَى وجيه الدّين بن سُوَيْد ثمَّ صَار فِي ذُريَّته وَطول الزَّمن نسخ ذَلِك ونظرها فِي زمننا هَذَا إِلَى بني الشطي قَالَ ابْن كثير وَقد وقف الباذرائي على هَذِه الْمدرسَة أوقافا حَسَنَة دارة وَجعل فِيهَا خزانَة كتب انْتهى أَقُول أما وَقفهَا فقد صَار كَغَيْرِهِ ملكا بيد الْغَيْر وَأما كتبهَا فَلَقَد طارت بهَا أَجْنِحَة الفقدان فِي الأقطار والبلدان وَشرط وَقفهَا لَا رِعَايَة لَهُ أبدا كَسَائِر الشُّرُوط وَلَكِن الْمدرسَة عامرة مفتحة الْأَبْوَاب منتظمة فِي سلك الْمدَارِس الْمعدة لطلب الْعلم وَقَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي تَارِيخه وَفِي شَوَّال سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة اشْترى الباذرائي دَار أُسَامَة الْكَبِيرَة الَّتِي خربها نجم الدّين بن أَيُّوب دَاخل بَاب السَّلامَة ليجعلها مدرسة للشَّافِعِيَّة بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم وَشرع فِي الشَّهْر آلاتي بعمارتها وَأطلق لَهُ السُّلْطَان من غيضة جسرين خَمْسمِائَة حمل خشب قَالَ وَرَأَيْت شَرط واقفها أَن لَا يدْخل إِلَيْهَا امْرَأَة فَقَالَ السُّلْطَان وَلَا أَمْرَد فَقَالَ إِن الله لَا يضْرب بعصوين قَالَ ابْن شُهْبَة فَلذَلِك لم تفلح هَذِه الْمدرسَة أَي لم يخرج مِنْهَا عَالم فالح وَقد درس بهَا جمَاعَة كَثِيرُونَ تَرْجَمَة واقفها هُوَ الْعَلامَة نجم الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي الْوَفَاء بن مُحَمَّد الْحسن بن عبد الله ابْن عُثْمَان الباذرائي الْبَغْدَادِيّ ولد سنة أَربع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة كَمَا حَكَاهُ عبد الْوَهَّاب

المدرسة البهنسية

السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَات الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى وَقَالَ تفقه وبرع ودرس بنظامية بَغْدَاد وَترسل عَن الدِّيوَان الْعَزِيز غير مرّة وَحدث بِبَغْدَاد ومصر وحلب وَبنى بِدِمَشْق الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بِهِ وَولي الْقَضَاء بِبَغْدَاد خَمْسَة عشر يَوْمًا وَتُوفِّي أول ذِي الْقعدَة سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة وَقَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ يَعْنِي المترجم فَقِيها عَالما دينا صَدرا محتشما جليل الْقدر وافر الْحُرْمَة متواضعا دمث الْأَخْلَاق منبسطا قد ولي الْقَضَاء بِبَغْدَاد على كره وَعَافَاهُ الله من فتْنَة التتار الكائنة بِبَغْدَاد فِي السّنة الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَفِي كَلَام ابْن كثير ثَنَاء عَلَيْهِ أَيْضا فانه قَالَ كَانَ فَاضلا بارعا رَئِيسا متواضعا وَقد ابتنى بِدِمَشْق مدرسة حسناء مَكَان دَار الْأَمِير أُسَامَة الَّذِي قبض عَلَيْهِ الْعَادِل حينما اتهمه بمكاتبة الْملك الظَّاهِر صَاحب حلب واخذ مِنْهُ ألف ألف دِينَار وَخرب قلعة كَوْكَب إِلَى الأَرْض لعَجزه عَن حفظهَا ثمَّ سَاق قصَّة بِنَاء الْمدرسَة على نَحْو مَا تقدم وَبِالْجُمْلَةِ فان الْبَانِي لَهَا كَانَ ذَا حَظّ من علم وَحسن سيرة الْمدرسَة البهنسية هِيَ بجبل الصالحية كَمَا حَكَاهُ النعيمي وَلم يزدْ على هَذَا وسماها البقاعي المهلبية نسبية إِلَى الْمُهلب أحد أجداد الْوَاقِف وَلم يترجموها بِأَكْثَرَ من هَذَا وَمَا كنت اهتدي إِلَى موضعهَا بعد الْبَحْث الشَّديد وَالسُّؤَال من أهل الْمعرفَة وَكَأَنِّي بهَا وَهِي تنشد قَول الْقَائِل (بِالْقضَاءِ البليغ كُنَّا فعشنا ... ثمَّ زلنا وكل خلق يَزُول) تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا الْوَزير مجد الدّين الْحَارِث بن الْمُهلب وَكَانَ يعرف بِأبي الأشبال أَو ابْن الأشبال تَرْجَمَة ألاسدي فَقَالَ فِيهِ هُوَ الْعَالم النَّحْوِيّ مهذب الدّين وقف وَقفا بِمصْر على

المدرسة التقوية

الزاوية الَّتِي كَانَ وَالِده يقرئ بهَا بالجامع الْعَتِيق وَكَانَت لَهُ يَد طَوِيلَة فِي اللُّغَة وَله شعر حسن وَفِي تَارِيخ ابْن كثير انه جعل كتبه وَقفا بِالْمَدْرَسَةِ البهنسية وأجرى عَلَيْهَا أوقافا جَيِّدَة دارة انْتهى ثمَّ اتَّصل بالصاحب ابْن سكر وَترسل إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز والى مُلُوك النواحي قَالَ السبط ابْن الْجَوْزِيّ كَانَت لَهُ سيرة حَسَنَة لم يقطع رزق أحد وَكَانَ حسن المحاضرة عَاقِلا لم يكن فِيهِ مَا يعاب عَلَيْهِ إِلَّا استهداؤه واستوزره الْملك الْأَشْرَف مُوسَى ثمَّ نكبه وصادره وحبسه الْمدرسَة التقوية روى مترجمها أَنَّهَا كَانَت دَاخل بَاب الفراديس وَهُوَ الْبَاب الْحَدِيد الَّذِي هُوَ بسوق الْعِمَارَة وَهِي شمَالي الْجَامِع شَرْقي الظَّاهِرِيَّة والاقباليتين وَكَانَ لَهَا أوقاف كَثِيرَة حَكَاهُ ابْن كثير فِي تَارِيخه وَقَالَ الْأَسدي أوقفها السُّلْطَان تَقِيّ الدّين عمر سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة ودرس بهَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الصرخدي الْمُتَوفَّى سنة اثْنَتَيْنِ وستعين وَسَبْعمائة وَكَانَ اجْمَعْ أهل الْبَلَد لفنون الْعلم صنف شرح الْمُخْتَصر فِي مَذْهَب الشَّافِعِي فِي ثَلَاث مجلدات وَاخْتصرَ إِعْرَاب الْقُرْآن للسفاقسي وَاعْترض عَلَيْهِ فِي مَوَاضِع وَاخْتصرَ قَوَاعِد العلائي والتمهيد للأسنوي وَاعْترض عَلَيْهِمَا وَاخْتصرَ الْمُهِمَّات وَقد احترقت غَالب مصنفاته فِي الْفِتْنَة قبل تبييضها وَكَانَ فَقِيرا ذَا عِيَال وَقَالَ العلموي درس بهَا قَاضِي الْقُضَاة مُحي الدّين البرزي ثمَّ مُحي الدّين بن زكي الدّين ثمَّ درس بهَا نَحْو خَمْسَة عشر نفسا آخِرهم السَّيِّد كَمَال الدّين ثمَّ جماعات أروام وأعجام ثمَّ تخَلّل بَينهم القَاضِي زين الدّين مَعْرُوف لما تحنف ثمَّ تخللت الاورام ثمَّ الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن عماد الدّين ثمَّ بعده الشَّيْخ بدر الدّين بن رَضِي الدّين الْغَزِّي سنة إِحْدَى وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَالظَّاهِر أَن أَيدي المختلسين تلاعبت بهَا بعد الْألف فَمَا زَالُوا يبتلعونها كَغَيْرِهَا من الْمدَارِس هِيَ وأوقافها شَيْئا فَشَيْئًا وَهِي تنشد قَول المعري

ترجمة واقفها

(منَازِل الْمجد من سكانها دثر ... قد غيرتهم صروف بالفتى عسر) (هَب الدّيانَة لَا ترعى فمالهم ... حق الْمُرُوءَة لَا يرعوا وان كَثُرُوا) (لَا يجلبون لضيف طَارق غمرا ... إِلَّا وَثمّ نفوس للقرى خثروا) (انحن افضل أم أَشْيَاء جامدة ... أضحت لَدَيْهَا الْعين والأثر) إِلَى أَن أضحت فِي زَمَاننَا هَذَا دَارا للسُّكْنَى يسكنهَا جمَاعَة من بني التغلبي ومحلها الْآن الأن بزقاق السَّبع طوالع من ثمن الْعِمَارَة وملاكها الْآن يُقِيمُونَ بهَا فِي الساحة البرانية مِنْهَا حفلة للأذكار على الطَّرِيقَة الشيبانية كل لَيْلَة جُمُعَة من الْأَشْهر الثَّلَاثَة رَجَب وَشَعْبَان ورمضان تَرْجَمَة واقفها بناها الْملك المظفر تَقِيّ الدّين عمر بن شاهنشاه بن أَيُّوب وَبنى بِمصْر أَيْضا الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بمنازل الْعِزّ قَالَ ابْن كثير وَله بحماة مدرسة هائلة ولد سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ بطلا شجاعا لَهُ مَوَاقِف مَشْهُورَة فِي قتال الإفرنج مَعَ عَمه صَلَاح الدّين وَكَانَ يُحِبهُ وَهُوَ الَّذِي أعطَاهُ حماة وَقد استنابه بِمصْر مُدَّة وَأَعْطَاهُ المعرة والسليمية وَكفر طَابَ وميافارقين واللاذقية وجبلة ثمَّ أعطَاهُ حران والرها فَسَار إِلَى تِلْكَ الْبلدَانِ فِي سَبْعمِائة فَارس وَكَانَ عالي الهمة فقصد مَدِينَة جابي فحاصرها وافتتحها فَلَمَّا سمع بكتمر صَاحب أخلاط بِهِ سَار لقتاله فِي أَرْبَعَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة فَارس والتقوا فَلم تثبت عَسَاكِر أخلاط وانهزموا فَتَبِعهُمْ المظفر واخذ قلعة بكتمر ونازل أخلاط وحاصرها فَلم ينل مِنْهَا غَرضا لقلَّة عسكره وَفِي الْقسم الأول من هَذَا الْكتاب مَا يكون ابْسُطْ من هَذَا قَالَ ابْن وَاصل كَانَ المظفر عمر شجاعا جوادا شَدِيد الْبَأْس عَظِيم الهيبة وَكَانَ من أَرْكَان الْبَيْت الأيوبي وَكَانَ عِنْده فضل وأدب وَله شعر حسن أُصِيب السُّلْطَان صَلَاح الدّين بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ كَانَ من اعظم أعوانه على الشدائد قَالَ فِي مرْآة الزَّمَان وَله ديوَان شعر وَمن شعره قَوْله

المدرسة الجاروخية

(أرى قوما حفظت لَهُم عهودا ... فخانوني وَلم يرعوا حفاظا) (لَهُم عِنْدِي مُحَافظَة فألفى ... لَهُم خلقا وأفئدة غلاظا) وَقَالَ ابْن خلكان فِي تَارِيخه كَانَ الْملك المظفر شجاعا مقداما منصورا فِي الحروب مؤيدا فِي الوقائع ومواقعه مَشْهُورَة مَعَ الفرنجة وَكَانَت لَهُ آثَار فِي المصافات دلّت عَلَيْهَا التواريخ وَله فِي أَبْوَاب الْبر كل حَسَنَة مِنْهَا مدرسة منَازِل الْعِزّ الَّتِي بِمصْر وَيُقَال أَنَّهَا كَانَت دَار سكنه فَوقف عَلَيْهَا وَقفا كثيرا وَجعلهَا مدرسة وَكَانَت الفيوم وبلادها اقطاعا لَهُ وَله بِهِ مدرستان شافعية وحنفية عَلَيْهِمَا وقف جيد أَيْضا وَبنى بِمَدِينَة الرها مدرسة لما كَانَ صَاحب الْبِلَاد الشرقية وَكَانَ كثير الْإِحْسَان إِلَى الْعلمَاء والفقراء وأرباب الْخَيْر وناب عَن عَمه صَلَاح الدّين فِي الديار المصرية فِي بعض غيباته عَنْهَا فان الْملك الْعَادِل كَانَ نَائِبا عَن أَخِيه صَلَاح الدّين فِي مصر فَلَمَّا حاصر الكرك سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة فِي رَجَب طلب أَخَاهُ من مصر بالعساكر وسير إِلَيْهَا تَقِيّ الدّين تَقِيّ الدّين نَائِبا عَنهُ ثمَّ استدعاه إِلَيْهِ بِالشَّام وَولى الديار المصرية لوَلَده الْملك الْعَزِيز عُثْمَان وَمَعَهُ الْملك الْعَادِل فشق ذَلِك على تَقِيّ الدّين وعزم على دُخُول بِلَاد الْمغرب ليفتحها فقبح عَلَيْهِ أَصْحَابه ذَلِك فامتثل قَول عَمه صَلَاح الدّين وَسَار إِلَى خدمته فَخرج السُّلْطَان فالتقاه بمرج الصفر واجتمعا هُنَالك فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَفَرح بِهِ وَأَعْطَاهُ حماه فَتوجه إِلَيْهَا ثمَّ توجه إِلَى قلعة منازكرد من نواحي خلاط ليأخذها فحاصرها مُدَّة ثمَّ توفّي عَنْهَا تَاسِع عشر شهر رَمَضَان من سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَقيل توفّي مَا بَين خلاط وميافارقين وَنقل إِلَى حماة فَدفن بهَا وَقَالَ فِي الروضتين فِي حوادث السّنة الْمَذْكُورَة كَانَ تَقِيّ الدّين عمر ابْن أخي السُّلْطَان قد امتدت عينه إِلَى بِلَاد غَيره فاستولى على السويداء وعَلى مَدِينَة حاني وتملك مُعظم الْبِلَاد ثمَّ قصد خلاط فاناخ على منازكرد يحاصرها وَمَعَهُ عَسَاكِر كَثِيرَة فأناخت بجسده الْمنية بِسَبَب مرض اعتراه وَزَاد إِلَى أَن بلغ مِنْهُ المُرَاد وَقَالَ عِنْد الْكَلَام على كسرة الرملة نقلا عَن الْعِمَاد الْكَاتِب فانه قَالَ وَحَيْثُ كَانَت للْملك المظفر تَقِيّ الدّين فِي هَذِه الْغَزْوَة الْيَد الْبَيْضَاء أنشدته قصيدة مِنْهَا (سقى الله الْعرَاق وساكنيه ... وحياه حَيا الْغَيْث الهتون) (وجيرانا أمنت الْجور مِنْهُم ... وَمَا فيهم سوى واف أَمِين) (صفوا والدهر ذُو كدر وقدما ... وفوا بالعهد بالزمن الخؤون) (بَنو أَيُّوب زانوا الْملك مِنْهُم ... بحلية سؤدد وتقى وَدين) (أَسَانِيد مُلُوك اصبحوا خير البرايا ... لخير رعية فِي خير دين) (أَسَانِيد السِّيَادَة عَن علاهم ... معنعنة مصححة الْمُتُون) (بَنو أَيُّوب مثل قُرَيْش مجدا ... وَأَنت لَهَا كأنزعها البطين) (اخفت الشّرك حَتَّى الذعر مِنْهُم ... يرى قبل الْولادَة فِي الْجَنِين) (وَيَوْم الرملة المرهوب بَأْسا ... تركت الشّرك منزعج القطين) (وَكنت لعسكر الْإِسْلَام كهفا ... أَوَى مِنْهُ إِلَى حصن حُصَيْن) (وَقد عرف الفونج سطاك لما ... رَأَوْا آثارها عين الْيَقِين) (وَأَنت ثَبت دون الدّين تَحْمِي ... حماه أَوَان ولى كل دين) أَقُول وَلَا يستبعد قَول الْعِمَاد اخفت الشّرك الْبَيْت لَان الْوَلَد لَهُ حَظّ من أَخْلَاق وَالِده فان كَانَ حِين الوقاع خَائفًا أَو مَسْرُورا أَو غير ذَلِك أثرت حَالَته فِي النُّطْفَة وسرى ذَلِك التَّأْثِير إِلَى الْوَلَد كَمَا يُعلمهُ من حقق ذَلِك الْأَمر ودقق فِيهِ فرحم الله أَرْوَاح أُولَئِكَ الأفاضل الَّذين باعوا نُفُوسهم فِي الْجِهَاد وأنفقوا أَمْوَالهم فِي سَبِيل الْعلم وَأَهله ثمَّ خلف من بعدهمْ خلف نقضوا آثَارهم وغيروها وقلبوا أوضاعها وأكلوا أوقافها وأماتوا الْعلم فأضاعوا الصَّلَوَات وَاتبعُوا الشَّهَوَات فَسَوف يلقون غيا الْمدرسَة الجاروخية اخبر عَنْهَا النعيمي وَغَيره بِأَنَّهَا كَانَت دَاخل بَابي الْفرج والفراديس لصيقة الاقبالية الْحَنَفِيَّة شمَالي الْجَامِع الْأمَوِي والظاهرية الجوانية أَنْشَأَهَا سيف الدّين جاروخ التركماني للعلامة أبي الْقَاسِم مَحْمُود بن الْمُبَارك بن عَليّ بن الْمُبَارك الْمَعْرُوف بالمجير الوَاسِطِيّ الْبَغْدَادِيّ فدرس بهَا مُدَّة ثمَّ درس بهَا بعده جماعات من الأفاضل وَالَّذِي يفهم من تراجم مدرسيها أَنَّهَا اقدم من الْمدرسَة الباذرائية لَان نجم الدّين الباذرائي من جملَة من درس بهَا وَبقيت منهلا لطلاب الْعلم إِلَى أَن سطت عَلَيْهَا أَيدي المختلسين فَجعلت دورا للسُّكْنَى وَلم يبْق لَهَا رسم وَلَا طلل سوى حِجَارَة يسيرَة فِي أساس جدارها

ترجمة المجير الواسطي

تَرْجَمَة المجير الوَاسِطِيّ ألخص هُنَا تَرْجَمَة الوَاسِطِيّ الَّذِي بنيت هَذِه الْمدرسَة لَهُ ليعلم الْوَاقِف على كتَابنَا كَيفَ كَانَ اعتناء الْأُمَرَاء والأغنياء بِالْعلمِ وَالْعُلَمَاء الْمُحَقِّقين وَكَيف كَانُوا يُنْفقُونَ الْأَمْوَال فِي سَبِيل ترقي الْعلم ونصرة الدّين فَأَقُول حكى الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَات الْوُسْطَى أَن المجير الو اسطي برع فِي مَذْهَب الشَّافِعِي فروعا وَخِلَافًا واشتغل بالأصول وَالْكَلَام حَتَّى صَار من أحد الْأَئِمَّة فيهمَا وَقَالَ ابْن النجار برع المترجم فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع وَالْخلاف والجدل وَعلم الْكَلَام والمنطق حَتَّى صَار شيخ وقته وعلامة عصره يَقْصِدهُ الطّلبَة من جَمِيع الْجِهَات وصنفت كتبا كَثِيرَة فِي الْأُصُول والجدل وَغَيرهمَا وَأعَاد بالنظامية بِبَغْدَاد وَهُوَ شَاب ثمَّ سَافر إِلَى دمشق فَأَقَامَ بهَا مُدَّة يدرس فِي عدَّة مَوَاضِع ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَخرج إِلَى بِلَاد فَارس فَنزل شيراز فَأَقَامَ مُدَّة يدرس ثمَّ انقل إِلَى عَسْكَر مكرم فَبنى لَهُ أميرهامدرسة فدرس بِهِ سِنِين ثمَّ قدم وَاسِط فنشر الْعلم بهَا ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَتَوَلَّى تدريس الْمدرسَة النظامية ثمَّ ندب إِلَى الْخُرُوج فِي رِسَالَة إِلَى خوارزم شاه سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة فَلَمَّا انْتهى إِلَى همذان مرض مَرضا شَدِيدا فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن توفّي فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي العبر كَانَ المترجم أحد الْعلمَاء الأذكياء والمحررين لمَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي وَكَانَ فصيحا بليغا بنيت لأَجله الْمدرسَة الجاروخية فِي دمشق وَقَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة وَقد نشر فِي دمشق علم الطِّبّ غير الْعُلُوم الَّتِي نشرها أَيْضا قَالَ وَكَانَ احذق أهل زَمَانه مَعَ سُكُون ظَاهر وَقلة انزعاج وَقَالَ أبن الديتني تفرد بِمَعْرِِفَة الْأُصُول وَالْكَلَام وَمَا رَأينَا اجْمَعْ لفنون الْعلم مِنْهُ مَعَ حسن الْعِبَادَة قَالَ فِي العبر وَكَانَ طَويلا جسدا غواصا على الْمعَانِي اهـ وَالَّذِي يظْهر أَن بِنَاء الجاروخية كَانَ فِي حُدُود التسعين وَخَمْسمِائة

الاردبيلي

الاردبيلي هَذَا الْفَاضِل أحد مدرسي الجاروخية ولشهرته عجلت الْقرى لترجمته وَهُوَ فرج بن مُحَمَّد بن أبي الْفرج الاردبيلي الشَّيْخ نور الدّين قَرَأَ المعقولات على الجاربردي الْمَشْهُور ثمَّ قدم دمشق ودرس بالباذرائية ثمَّ بالظاهرية البرانية ثمَّ بالناصرية الجوانية والجاروخية وَمَات عَنْهُمَا وشغل النَّاس بِالْعلمِ فَأفَاد الطّلبَة وَشرح منهاج الْبَيْضَاوِيّ فِي أصُول الْفِقْه وَشرح من منهاج النَّوَوِيّ قِطْعَة جَيِّدَة وَقد تَرْجمهُ ابْن السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَات وَحكى لَهُ همة عالية فِي تعلم الْعلم وتعليمه وَقَالَ انه توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة بمدرسة الجاروخية وَدفن بِبَاب الصَّغِير وَقَالَ فِي ذيل العبر انه توفّي شَهِيدا وَلم يفصل خبر شَهَادَته وَقَالَ ابْن رَافع كَانَ دينا خيرا ملازما للاشتغال والتصنيف بشوشا حسن الْمُلْتَقى متواضعا تَرْجَمَة واقفها الْمدرسَة الحمصية قَالَ فِي تحفة الطَّالِب هِيَ تجاه الشامية البرانية يَعْنِي فِي سوق صاروجا قَالَ ابْن كثير فتحت هَذِه الْمدرسَة سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة ودرس بهَا قَاضِي حصن عكار أَبُو الرِّيَاح مُحي الدّين الطرابلسي وَقَالَ العلموي سكنها العجماوي الْمصْرِيّ الْمُقْرِئ إِمَام سيباي نَائِب الشَّام ثمَّ تركت وهجرت وَهِي الْآن من بيُوت الاروام هـ وَهَذَا يدل على أَنَّهَا اختلست فِي عصر التسْعمائَة وَمن ذَلِك الْوَقْت اندرست آثارها وتبدلت أطلالها وَلذَلِك لم يذكرهَا البقاعي فِي مُخْتَصره

المدرسة الحلبية

الْمدرسَة الحلبية كَانَت فِي مَكَان يُقَال لَهُ محلّة السَّبْعَة وأقيمت بهَا الْجُمُعَة سنة ثَلَاث عشرَة وَثَمَانمِائَة قَالَ ابْن شُهْبَة أَنْشَأَهَا شهَاب الدّين احْمَد بن عبد الْخَالِق وَكَانَ فِي أول أمره مغنيا يعلم الْجَوَارِي الْغناء ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِك ولازم الصَّلَوَات ووقف إِلَى جَانب الحلبية مَسْجِدا وأضافه إِلَيْهَا ووقف عَلَيْهَا وَقفا وَلم يخلف ولدا ووقف ثلث قاعة على الزَّيْت الَّذِي يُوقد فِي الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة وَالثلث الثَّانِي على زَوجته وَالثلث الْبَاقِي على ابْن أَخِيه وَجعل وَقفا على قِرَاءَة البُخَارِيّ بالحلبية ومآل ذَلِك إِلَى الزَّيْت فِي الْحُجْرَة النَّبَوِيَّة توفّي يَوْم الْأَحَد مستهل جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة قَالَ ابْن شُهْبَة كَانَ الْأَمِير زين الدّين دمرداش الظَّاهِرِيّ الْحَاجِب اصله من مماليك برقوق ولي الْقِسْمَة بِدِمَشْق وَحصل مَالا من الْمَوْتَى ثمَّ وَقع بَينه وَبَين القَاضِي ابْن أبي الثَّنَاء وَضرب بعض الشُّهُود ثمَّ ترافعوا إِلَى النَّائِب فَعَزله بعد ذَلِك بِقَلِيل وَبَقِي بطالا مُدَّة طَوِيلَة وَحصل أملاكا كَثِيرَة وَتُوفِّي فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَدفن بمقبرة الشَّيْخ أرسلان وَمَات عَن غير ولد ووقف أملاكه على جِهَات الْبر بِمَكَّة وَالْمَدينَة وعَلى مدرسة أبي عمر وَكَانَت الْمدرسَة الحلبية مُقَابل دَاره فَوقف عَلَيْهَا سبعا وقارئ حَدِيث وجهات بر وَخير انْتهى ثمَّ اندرست وَلم نعلم لَهَا الْآن موضعا وَلَا آثرا فسبحان الْبَاقِي الْمدرسَة الخبيصية قَالَ فِي التُّحْفَة هِيَ قبلي الزنجاري انْتهى أَقُول وخان الزنجاري قد بناه الْملك الْأَشْرَف جَامعا وَصَارَ اسْمه جَامع التَّوْبَة وَكَانَت هَذِه الْمدرسَة بالعقيبة قبلي ذَلِك الْجَامِع قَالَ العلموي وَهِي الْآن يَعْنِي فِي زَمَنه خرابة وَرُبمَا دخلت فِي الْبُسْتَان وَفِي التُّحْفَة إِن ابْن قَاضِي اذرعات كَانَ سكنه بِأَعْلَاهَا وَبهَا توفّي سنة أَربع عشرَة وَثَمَانمِائَة انْتهى فَتكون قد سلمت من فتْنَة تيمورلنك وَلم تسلم من يَد المختلسين وَأما الْآن فَلَا ذكر لَهَا وَلَا رسم وَلَا اثر

المدرسة الخليلية

الْمدرسَة الخليلية أثبتها البقاعي وَصَاحب التُّحْفَة قَالَ البقاعي نقلا عَن الْحُسَيْنِي أَنْشَأَهَا الْأَمِير سيف الدّين بن بكتمر وَمَات بهَا سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَنقل مِنْهَا بتابوت فَدفن بالقبيبات وَهَذِه الْمدرسَة بِالْقربِ من المؤيدية وحمام الْمُحْتَسب اهـ أَقُول أطلق المؤيدية وَهِي محلان أَحدهمَا مَقْبرَة كَانَت على الشّرف الشمالي فَوق العزية فان كَانَت هِيَ الْمَقْصُودَة فقد اندرست هِيَ والخليلية والعزية وَصَارَ الْكل بساتين وَثَانِيهمَا المؤيدية الصُّوفِيَّة وَهِي بِدِمَشْق أَيْضا وَلم نعلم لَهَا أثرا وأياما كَانَت فقد اندرست وَمضى زَمَنهَا الْمدرسَة الدماغية أبان عَنْهَا صَاحب التُّحْفَة بقوله دَاخل بَاب الْفرج غربي الْبَاب الثَّانِي الَّذِي قبلي بَاب الطاحون وَهِي قبلي وشرقي الطَّرِيق الْآخِذ إِلَى بَاب القلعة الشَّرْقِي وَهَذَا الطَّرِيق بَينهَا وَبَين الخَنْدَق وَهِي أَيْضا شمَالي الْعمادِيَّة انْتهى أَقُول أَن بَاب الْفرج هُوَ الْبَاب الْمُسَمّى بِبَاب المناخلية والطاحون لم تزل مَوْجُودَة وَالْخَنْدَق قد ردم وبنيت أَمَامه حوانيت وَقد شاهدت هَذَا الْمَكَان فَرَأَيْت مَكَان الدماغية قد صَار قاعة للنشا ودارا للسُّكْنَى وَلم يبْق اثر يدل على الْمدرسَة وَكَذَلِكَ الْعمادِيَّة قد صَارَت دورا وحوانيت وَلَقَد كَانَت الدماغية على الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَقَالَ ابْن شُهْبَة ألاسدي فِي تَارِيخه أَن نعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيُمْنَى كَانَت بِهَذِهِ الْمدرسَة والنعل الْيُسْرَى كَانَت بدار الحَدِيث ألاشرفية فَأخذ تميورلنك الفردتين وَقَالَ هَذَا أَيْضا ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي تَارِيخه وَقد تقدم ذَلِك عِنْد الْكَلَام على دَار الحَدِيث ألاشرفية تَرْجَمَة واقفها قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد أنشأتها عَائِشَة جدة فَارس الدّين بن الدِّمَاغ وَزَوْجَة شُجَاع الدّين بن الدِّمَاغ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَقيل سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَلَعَلَّ عمارتها استمرت مُدَّة مَا بَين التاريخيين

المدرسة الدولعية

قَالَ فِي العبر كَانَ شُجَاع الدّين مَحْمُود هَذَا من أصدقاء الْعَادِل يضحكه فَحصل من اجل ذَلِك أَمْوَالًا جزيلة وَكَانَت دَاره دَاخل بَاب الْفرج فجعلتها زَوجته عَائِشَة مدرسة للشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة ووقفت عَلَيْهَا أوقافا وَهِي ثَمَانِيَة اسهم من اصل أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما من قصر اللباد شَرْقي مقري وَثلث مزرعة الدماغية وَحِصَّة من رجم الْحَيَّات وَحِصَّة من حمام إِسْرَائِيل وَحِصَّة من قَرْيَة دير سلمَان بِبِلَاد المرج ومزرعة شرحوب عِنْد قصر أم حَكِيم شَرْقي عرار وقبلي شقحب ومحاكرات وَغير ذَلِك وَكَانَت وَفَاة شُجَاع الدّين سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة الْمدرسَة الدولعية هِيَ بجيرون قبلي الْمدرسَة الباذرائية بغرب قَالَه فِي التُّحْفَة وتحديدها الْآن وان لم يحصل مِنْهُ نفع انك إِذا وقفت أَمَام الباذرائية وسرت إِلَى جِهَة الْجنُوب بُرْهَة كَانَ عَن يَمِينك طَرِيق نَافِذ ضيق وَفِي أواسط ذَلِك الطَّرِيق من الْجِهَة الشمالية زقاق صَغِير وَفِيه كَانَت الدولعية أَو إِن ذَلِك الزقاق هُوَ محلهَا وَقد صَارَت الْآن دورا للسُّكْنَى وَلم يبْق لَهَا اثر سوى حجرَة لَطِيفَة بهَا قبر الدولعي فِي دَار صَغِيرَة وَقد أوقف عَلَيْهَا بانيها أوقافا مِنْهَا جَمِيع بَيَاض الْبُسْتَان خَارج الْبَاب الشَّرْقِي الْمَعْرُوف بالدولعية وَلم يزل يُسمى بذلك إِلَى الْآن وحقله الْوَادي التحتاني ومحاكرات ابْن صبح وَحِصَّة بطاحون الزلف بالوادي التحتاني وَغير ذَلِك قَالَ العلموي استولى عَلَيْهَا وعَلى وَقفهَا ابْن قَاضِي عجلون حَتَّى نسيت ثمَّ تقرر فِي تدريسها نَاصِر الدّين الطرابلسي إِمَام الْحَنَفِيَّة بالجامع الْأمَوِي سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة انْتهى وعَلى هَذَا فَتكون قد سلمت من فتْنَة تيمورلنك وَلم تسلم من أَيدي المختلسين تَرْجَمَة الدولعي الْكَبِير عَم الْوَاقِف قَالَ ابْن السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَات الْكُبْرَى هُوَ عبد الْملك بن زيد بن ياسين بن زيد ابْن قَائِد بن جميل التغلبي أَبُو الْقَاسِم الدولعي خطيب دمشق والمدرس بهَا ضِيَاء الدّين

ترجمة واقفها

الارقمي الْموصِلِي والدولعية قَرْيَة من قرى الْموصل ولد سنة سبع وَخَمْسمِائة وَقَالَ فِي طبقاته الْوُسْطَى ولد سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة أَو قبل ذَلِك وَتَبعهُ على ذَلِك الاسنوي فِي فِي طبقاته فَيكون تعْيين وِلَادَته مَجْهُولا قَالَ ابْن السُّبْكِيّ وَقدم دمشق فِي شبيبته وَكَانَ فَقِيها كَبِيرا متفننا عَارِفًا بِمذهب الشَّافِعِي وَبِنَاء على طَريقَة حميدة ولي خطابة دمشق وإمامتها مُدَّة طَوِيلَة ودهرا طَويلا ودرس بالغزالية زَمنا كثيرا وَقَالَ عبد الرَّحِيم الاسنوي الدولعية بِالْعينِ الْمُهْملَة وَقَالَ عَن المترجم تفقه بِبَغْدَاد ثمَّ قدم الشَّام فتفقه على ابْن أَبى عصرون وَغَيره وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي طبقاته كَانَ شيخ شُيُوخنَا وَكَانَ أحد الْفُقَهَاء الْمَشْهُورين والصلحاء الورعين توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين بِتَقْدِيم التَّاء على السِّين وَخَمْسمِائة تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا الْعَلامَة جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي الْفضل بن زيد الْخَطِيب الثَّعْلَبِيّ الارقمي الدولعي ثمَّ الدِّمَشْقِي كَذَا قَالَه الصَّفَدِي وَغَيره سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة وَورد دمشق شَابًّا فتفقه على عَمه عبد الْملك الدولعي الْمُتَقَدّم ذكره وَسمع مِنْهُ وَمن جمَاعَة وَكَانَ لَهُ ناموس وسمت يفخم كَلَامه وَولي خطابة الْجَامِع الْأمَوِي بعد عَمه توفّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَدفن فِي الضفة الغربية من مدرسته وَفِيه يَقُول شرف الدّين بن عنين (طولت يَا دولعي فقصر ... فَأَنت من غير ذَا مقصر) (خطابة كلهَا خطوب ... وَبَعضهَا للورى منفر) (تظل تهذي وَلست تَدْرِي ... كَأَنَّك المغربي الْمُفَسّر) الْمدرسَة الركنية الجوانية هِيَ شمَالي الاقباليتين شَرْقي العزبه الجوانية والفلكية غربي المقدمية وَهِي الْآن بزقاق كَانَ يعرف بزقاق بني مُفْلِح الْحَنَابِلَة وَيعرف الْآن بزقاق بني عبد الْهَادِي وَهُوَ

ترجمة واقفها

مَعْرُوف بمحلة الْعِمَارَة تجاه المقدمية وَأما الْمدرسَة الركنية وَكَذَا العزية والفلكية فَفِي طي الخفاء بقول أبي الْأصْبع (أهلكنا اللَّيْل وَالنَّهَار مَعًا ... والدهر يَغْدُو مصمما جذعا) والمصمم الْمَاضِي فِي سيره وَقَوله جذعا بِفَتْح الذَّال وَمَعْنَاهُ شَاب دَائِما لَا يهرم وَللَّه در المعري حَيْثُ يَقُول (مَا يعرف الْيَوْم من عَاد وشيعتها ... وَال جرهم لَا بطن وَلَا فَخذ) (أطارهم شِيمَة العنقاء دهرهم ... فَلَيْسَ يعلم خلق آيَة اخذوا) ولي هَذِه الْمدرسَة شمس الدّين ابْن سنا الدولة ثمَّ وَلَده صدر الدّين ثمَّ وَلَده نجم الدّين ثمَّ شمس الدّين ابْن خلكان وناب عَنهُ بهَا النَّوَوِيّ ثمَّ نَحْو خَمْسَة وَعشْرين مدرسا ثمَّ أنَاس إِلَى أَن غربت شمسها وتقوضت خيام الْعلم مِنْهَا تَرْجَمَة واقفها أوقفها ركن الدّين منكورس عَتيق فلك الدّين وَسَتَأْتِي تَرْجَمته فِي الركنية الْحَنَفِيَّة الْمدرسَة الرواحية هِيَ شَرْقي مَسْجِد ابْن عُرْوَة الَّذِي هُوَ بالجامع الْأمَوِي ولصيقه شمَالي جيرون وَغَرْبِيٌّ الدويلعية وقبلي السيفية الحنبلية أَقُول شاهدت مَوضِع هَذِه الْمدرسَة فرايتها قد صَارَت دَارا قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ إِن وَاقِف الرواحية اشْترط على من يُقيم بهَا من الْفُقَهَاء والمدرسين شُرُوطًا صعبة لَا يُمكن الْقيام بِبَعْضِهَا وَلم يبين الذَّهَبِيّ تِلْكَ الشُّرُوط ثمَّ قَالَ وَشرط إِن لَا يدْخل مدرسته يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ وَلَا حنبلي حشوي انْتهى فاشتراطه عدم دُخُول الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِلَى مدرسته عِلّة مفهومة وَأما اشْتِرَاطه عدم دُخُول حنبلي حشوي فَلَيْسَ بِمَفْهُوم لَان الْحَنَابِلَة لَا يتصفون بِهَذِهِ الصّفة وَهَذَا من التعصب النَّاشِئ عَن الْجَهْل وَالسَّعْي فِي تَفْرِيق اجْتِمَاع هَذِه الْأمة المحمدية وَيُمكن أَن يكون أَرَادَ بالحشوية الَّذين يقرؤون آيَات الصِّفَات وَيَقُولُونَ نمرها كَمَا جَاءَت وَنكل تَفْسِيرهَا إِلَى الله تَعَالَى من غير تَأْوِيل وَلَا تَشْبِيه وَلَا تَعْطِيل فالاستواء فِي قَوْله

تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} آيَة 20 / 5 اسْتِوَاء يَلِيق بِذَاتِهِ تَعَالَى لَا نعلم حَقِيقَته لانا إِذا فسرناه بقولنَا استولى نَكُون أَخْطَأنَا لَان من استولى على شَيْء لابد وان يكون خَارِجا عَن يَده قبل استيلائه عَلَيْهِ كَمَا يُشِير إِلَيْهِ قَول الشَّاعِر (قد اسْتَوَى بشر على الْعرَاق ... من غير سيف أَو دم مهراق) وَمَعْنَاهُ أَن بشرا استولى على الْعرَاق واستخلصها من يَد غَيره بِدُونِ سل سيف أَو إِرَاقَة دم وَتَعَالَى الله عَن إِن يكون استولى على ملكه بِهَذِهِ الصّفة وَمثله يُقَال فِي السَّمِيع والبصير وأشباههما إِن الله اثْبتْ لنَفسِهِ صفة السّمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام واخبرنا فِي كِتَابه الْعَزِيز بِأَنَّهُ متصف بذلك ولكننا لَا نعلم حَقِيقَة تِلْكَ الصِّفَات وَلَيْسَ يجب علينا إِلَّا أَن نؤمن بهَا ونترك علمهَا إِلَى المتصف بهَا أَنْت إِذا شاركت جَمِيع عُلَمَاء التشريح فِي الْبَحْث عَن حَقِيقَة السّمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام فِي الْمَخْلُوق تعرف كَيفَ تركبت أَعْضَاء هَذِه الْحَواس وَمَا يطْرَأ عَلَيْهَا من الْعِلَل وَلَكِنَّك لَا تعلم حَقِيقَتهَا وَلَو أفنيت الأعوام وشاركك أهل البسيطة فَكيف تعلم حَقِيقَة صِفَات من يجل عَن التَّشْبِيه والمثال اخْتلف أساطين الْعلمَاء من قبلك فِي صفة الْكَلَام فَقَالَ قوم أَن الْكَلَام لَا يكون إِلَّا من لِسَان وفم ومخارج فنفوا الْكَلَام اللَّفْظِيّ واثبتوا الْكَلَام النَّفْسِيّ هربا من إِثْبَات مَا هُوَ من صِفَات المخلوقين فورد عَلَيْهِم أَن الْكَلَام النَّفْسِيّ يحْتَاج إِلَى أَعْضَاء يقوم بهَا وَتَكون محلا لتصوراته فَلم يفدهم الْهَرَب شَيْئا وَقَالَ قوم أَن الله لما كلم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام خلق كَلَامه فِي الشَّجَرَة فَهِيَ الَّتِي خاطبته وكلمته وَهَؤُلَاء لم يفهموا معنى قَوْله تَعَالَى {وكلم الله مُوسَى تكليما} آيَة 4 / 163 فأكد كلامهبالمصدر فصاحوا بمقالتهم علنا مكذبين الله تَعَالَى وَذهب قوم إِلَى أَن الله يتَكَلَّم بلسانذ تَعَالَى الله عَن ذَلِك وَالْقُرْآن الْعَظِيم يكذبهم ثمَّ لما طَال الْأَمر أذن الله بتكذيبهم حسا لَعَلَّهُم يتدبرون آيَاته فأظهر على يَد رجل إفرنجي الْآلَة المتكلمة الْمُسَمَّاة بالإفرنجية بالفونغراف وَجعلهَا تَتَكَلَّم بِدُونِ لِسَان وَلَا جوارح أَفلا يكون الْخَالِق متكلما على صفة لَا نعلم حَقِيقَتهَا وَلَا ندر مَا صفتهَا قل لأولئك المشاغبين بينوا لنا فلسفة الفونغراف وَكَيف أَن الْأَصْوَات التصقت بذلك الشَّيْء الشبيه بالورق ثمَّ أُعِيدَت كَمَا هِيَ ثمَّ تكلمُوا بعد بِبَيَان حَقِيقَة صِفَات الْخَالِق أَن قدرتم والا فَارْجِعُوا إِلَى أَنفسكُم وصرحوا بِالْعَجزِ عَن إِدْرَاك أسرار الربوبية واتركوا الْعلم بذلك للعليم الْخَبِير مهما فكر العَبْد فِي آيَات الصِّفَات لَا يقدر إِلَّا أَن يَقُول

ترجمة واقفها

اثْبتْ الله هَذِه الصِّفَات لنَفسِهِ فنؤمن بهَا وَنكل علمهَا للمتصف بهَا وان خَاضَ فِي تَأْوِيلهَا وتفسيرها على مُقْتَضى عقله ضل فِي بيداء الْحيرَة ونادى الْقُرْآن الْعَظِيم بخطئه على رُؤُوس الأشهاد وفقنا الله للحق وأبعدنا عَن الزيغ والتعصب بفضله وَكَرمه وَيرْحَم الله الْقَائِل (جَاءَت أَحَادِيث إِن صحت فان لَهَا ... شَأْنًا وَلَكِن فِيهَا ضعف إِسْنَاد) (فَشَاور الْعقل واترك غَيره هدرا ... فالعقل خير مشير ضمه النادي) وَقَالَ أَيْضا (الله صورني وَلست بعالم ... لم ذَاك سُبْحَانَ الْقَدِير الْوَاحِد) (فلتشهد السَّاعَات والأنفاس لي ... أَنِّي بَرِئت من الغوي الجاحد) تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا زكي الدّين أَبُو الْقَاسِم هبة الله بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بِابْن رَوَاحَة اشْتهر بذلك لِأَنَّهُ ينْسب إِلَى أبي عبد الله الْحُسَيْن بن عبد الله بن رَوَاحَة من جِهَة أمه قَالَ ابْن كثير كَانَ المترجم تَاجِرًا صَاحب ثروة وَكَانَ فِي نِهَايَة الطول وَالْعرض وَقد ابتنى الْمدرسَة الرواحية دَاخل بَاب الفراديس وأوقفها على الشَّافِعِيَّة وفوض تدريسها ونظرها إِلَى الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح السهروردي وَله بحلب مدرسة أُخْرَى مثلهَا وَقد انْقَطع آخر عمره فِي مدرسته بِدِمَشْق وَكَانَ يسكن فِي إيوانها من الْجِهَة الشرقية وَرغب فِيمَا بعد أَن يدْفن فِيهِ إِذا مَاتَ فَلم يُمكن من ذَلِك بل دفن فِي مَقَابِر الصُّوفِيَّة وَكَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة قَالَ العلموي أول من درس بِهَذِهِ الْمدرسَة شرف الدّين ابْن أبي بكر الْقرشِي وَبعد مَوته شهد مُحي الدّين مُحَمَّد بن عَرَبِيّ الطَّائِي وتقي الدّين بن عَليّ النَّحْوِيّ الْمصْرِيّ على ابْن رَوَاحَة بانيها بِأَنَّهُ عزل ابْن الصّلاح عَن هَذِه الْمدرسَة فجرت خطوب طَوِيلَة وَلم يَنْتَظِم مَا أرادوه ذكره أَبُو شامة ثمَّ بعد الْمدرس الْقرشِي درس بهَا نَحْو سَبْعَة وَعشْرين مدرسا إِلَى ابْن نوح الْمَقْدِسِي وَكَانَ دَاخِلا فِي الدولة وَفِي وكَالَة بَيت المَال وَنظر الْأَوْقَاف فظلم وتعدى طوره فاعتقل بالعذراوية فَوجدَ بهَا مشنوقا بعد أَن صودر وَضرب بالمقارع وَكَانَ السامري أوذي بِهِ كثيرا فَذهب إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الْحَبْس

الزاوية الخضراء

وتمازحا وَلَكِن تعرض بالتشفي كثيرا فَبعد خُرُوجه وضع أبياتا مِنْهَا (ورد البشير بِمَا اقر ألاعينا ... فشفى الصُّدُور وَبلغ النَّاس المنا) (فاستبشروا وتزايدت أفراحهم ... فَالْكل مشتركون فِي هَذَا الهنا) (وَتقدم الْأَمر الشريف بِأخذ مَا ... نهب الخؤون من الْبِلَاد وَمَا اقتنا) (يَا سيد الْأُمَرَاء يَا شمس الْهدى ... يَا مَا ضي العزمات يَا رحب الفنا) (عجل بِذبح الْمَقْدِسِي وسلخه ... واحقن دَمًا الْإِسْلَام من ولد الزِّنَا) (وَاغْلُظْ عَلَيْهِ وَلَا ترق فَكلما ... يلقى بِمَا كسبت يَدَاهُ وَمَا جنا) (فلكم يَتِيم مدقع ويتيمة ... من جوره باتوا على فرش الضنا) (وَلكم غَنِي ظلّ فِي أَيَّامه ... مسترفدا للنَّاس من بعد الْغنى) (إِن أنكر اللص اللَّئِيم فعاله ... بِالْمُسْلِمين فَأول الْقَتْلَى أَنا) الزاوية الخضراء بمقصورة الخضراء غربي الْجَامِع الْأمَوِي وَالنَّاس صحفوها فسموها مقَام الْخضر درس بهَا جمَاعَة وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا عِنْد شرح أَحْوَال الْجَامِع الْأمَوِي وَقد ذكر هُنَا صَاحب التُّحْفَة مدرستين نوردهما فِي هَذَا الْمحل وان لم تَكُونَا فِي دمشق قَالَ الْمدرسَة السيفية هِيَ بِمَدِينَة الصَّلْت بناها الْأَمِير بكتمر سنة 724 ودرس بهَا الشَّيْخ دَاوُد بن سُلَيْمَان ابْن دَاوُد ووقف على الطّلبَة المشتغلين بهما جملَة من الْكتب الْمدرسَة الزبدانية هِيَ ببلدة الزبداني بناها مُحَمَّد بن عبد الصَّمد بن عبد الله بن حيدرة فتح الدّين ابْن الْمعدل سنة 590 وَكَانَ من الصُّدُور المشكورين حسن الطَّرِيقَة وَهَاتَانِ المدرستان لم ادر كَيفَ صَار حَالهمَا والى أَي شَيْء آل أَمرهمَا

المدرسة الشامية البرانية

الْمدرسَة الشامية البرانية هِيَ الْآن مَشْهُورَة بالعقيبة الْكُبْرَى بَينهَا وَبَين سوق صاروجا وَكَانَ محلهَا قَدِيما يُسمى بالعينية وَالَّذِي يلوح من تراجم هَذِه الْمدرسَة أَنَّهَا كَانَت كَبِيرَة الحجم جدا كَبِيرَة الشَّأْن وَالظَّاهِر أَن الْمَوْجُود الْآن إِنَّمَا هُوَ قسم مِنْهَا قَالَ ابْن شَدَّاد الْمدرسَة الشامية من اكبر الْمدَارِس وَأَعْظَمهَا وأكثرها فُقَهَاء وأوقافا انْتهى وَتسَمى هَذِه الْمدرسَة بالحسامية أَيْضا نِسْبَة إِلَى حسام الدّين عمر بن لاجين زوج الواقفة وَمن أوقافها السلطاني وَهُوَ قدر ثَلَاثمِائَة فدان وَحده من قناة الريحانية إِلَى أَوَائِل القبيبات إِلَى قناة حجيرا ودرب البويضاء وَمِنْه الْوَادي التحتاني الْمُسَمّى وَادي السفرجل وَقدره نَحْو عشْرين فدانا وَمِنْه بُسْتَان الصاحب غربي الْمصلى وَمِنْه ثَلَاثمِائَة من الكروم وَهِي من الأفدنة وَمِنْه طاحونة بَاب السَّلامَة وحكورة مُتعَدِّدَة وَغير ذَلِك من الْأَوْقَاف الَّتِي لم يبْق لَهَا سوى رسمها فِي الْكتب قَالَ أَبُو شامة وَمن شُرُوط وَقفهَا أَن لَا يجمع الْمدرس بَينهَا وَبَين غَيرهَا وَأول من درس بهَا ابْن الصّلاح وَقيل أول مدرسيها شرف الدّين ابْن عمر الزكي وَبعده اثْنَان وَأَرْبَعُونَ مدرسا إِلَى أَن اتَّصَلت بِابْن قَاضِي عجلون ثمَّ بسراج الدّين الصَّيْرَفِي ثمَّ جماعات مِنْهُم الْبَدْر الْغَزِّي وَالشَّيْخ إِسْمَاعِيل النابلسي وَالْحسن البوريني والنجم الْغَزِّي قَالَ العلموي وللشامية البرانية كتاب وقف مَنْقُول عِنْد غَالب فضلاء دمشق انْتهى وَيُمكن أَن تكون الْأَيَّام نسخته نسخته وساعدتها على ذَلِك اللَّيَالِي وَقد اصبح الْقسم الْمَوْجُود من الْمدرسَة عبارَة عَن مَسْجِدهَا وبركة كَبِيرَة للْمَاء فِي ساحتها وَبَعض حجرات فوقانية متروكة وبيوت للخلاء وَلَيْسَ بهَا أحد للطلبة غير أَن المعارف قد جعلت مَسْجِدهَا مكتبا ابتدائيا فَصَارَت دَار علم بِالْجُمْلَةِ تَنْبِيه واستبصار إِن النَّاظر فِي كتَابنَا هَذَا رُبمَا يمل من سرد أَسمَاء بعض المدرسين عِنْد الْكَلَام على الْمدَارِس وَلَا يعلم لذَلِك معنى نظرا لتغير الأوضاع وتبدل الزَّمَان وتقلص ظلّ الْعلم

وَأَهله وان شِئْت السَّبَب الْحَامِل على ذَلِك فَاعْلَم انه كَانَ لجَمِيع الْمدَارِس الْمَوْجُودَة فِي هَذَا الْكتاب وَغَيرهَا شَأْن عَظِيم فَمَا من مدرسة إِلَّا وَقد كَانَ بهَا من الطّلبَة المشتغلين بِالْعلمِ لَيْلًا وَنَهَارًا مَا تضيق الْمدرسَة عَن سكناهم لكثرتهم وَبِكُل وَاحِدَة مِنْهَا دَار لنفائس الْكتب وَمثل ذَلِك كَانَ فِي الترب الَّتِي سنذكرها ثمَّ انه كَانَ لكل مدرسة مدرس خصوصي ينتخب من الأفاضل الْكِبَار وَكَانَ لهَؤُلَاء المدرسين مواعيد فَإِذا كَانَ يَوْم ميعاد مدرسة جلس الْمدرس فِي مَوضِع الميعاد وأحدق بِهِ غَالب الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء فيذكر مَسْأَلَة وَيَأْخُذ فِي تفصيلها وَبَيَان دلائلها ويشاركه الْعلمَاء فِي الْبَحْث على طَرِيقه فن الجدل وَيتَكَلَّم الْوَاحِد مِنْهُم بِمَا عِنْده وتطول ذيول المناظرة وَيَأْخُذ الْحَنَفِيّ مثلا فِي الِانْتِصَار لقَوْل إِمَامه فيعارضه الشَّافِعِي مدليا بحجته ويشاركهما الْمَالِكِي والحنبلي والظاهري والنحوي والمنطقي والبليغ وَإِذا كَانَ ثمَّ أحد من الْعلمَاء غَرِيبا أَخذ فِي المذاكرة مَعَهم وَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى فرَاغ الميعاد ثمَّ ينقلون فِيمَا بعد إِلَى ميعاد ثَان فِي مدرسة ثَانِيَة وحرصا على أَن لَا يغلب الْمدرس على أمره من أحد غَرِيب كَانَ المتميزون فِي الْعلم يَجْلِسُونَ إِلَى يَمِينه وشماله ليكونوا عونا لَهُ إِذا سُئِلَ وَلم يستحضر جَوَابا ثمَّ درست فِي أيامنا تِلْكَ الْعَادة وَلم يبْق سوى بعض من الدُّرُوس هِيَ على مقتضي الرسوم وَصورتهَا أَن يكون الْمدرس قد حفظ كليمات عَن ظهر قلبه فَإِذا كَانَت سَاعَة الميعاد جلس متصدرا وَجلسَ الْعلمَاء والأمراء عَن يَمِينه وشماله افتخارا ثمَّ شرع كالهر يَحْكِي انتفاخا صُورَة الْأسد فَيقْرَأ ذُو صَوت رخيم حزبا من الْقُرْآن ثمَّ يقْرَأ المعيد عبارَة الْكتاب ثمَّ يسْرد الْمدرس مَا كَانَ يحفظه وَلَا سَائل ثمَّ وَلَا مسؤول فَإِذا وجد أحد غَرِيب وَسَأَلَ مَسْأَلَة انتهره الْحَاضِرُونَ وأسكتوه فَهَكَذَا كَانَ شَأْن الْعلم وَهَذَا شَأْنه فِي أيامنا فَإِذا رَأَيْت سرد أَسمَاء المدرسين فَتذكر السَّبَب وَاعْلَم انهم جَلَسُوا عَن اسْتِحْقَاق وَعلم وَاسع واطلاع كَبِير وَمن بعض حوادث الشامية مَا حَكَاهُ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي الذيل قَالَ ولي القَاضِي سري الدّين تدريس الشامية البرانية والجوانية واستمرتا بِيَدِهِ مَعَ أَن الشَّيْخ فتح الدّين ابْن الشَّهِيد وليهما بمرسوم سلطاني فَلم تحصل لَهُ وباشر الْأَوْقَاف بهمة وَقُوَّة نفس وحشمة وكرم والقضاة واعيان الْفُقَهَاء وَغَيرهم كَانُوا يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة ثمَّ لما كَانَت فتْنَة تيمورلنك افْتقر وَسَاءَتْ

المدرسة الشامية الجوانية

أَحْوَاله فَنزل عَن حِصَّته فِي نظر الشامية البرانية وَصَارَ مشارفا بهَا ثمَّ قوي عَلَيْهِ الْقُضَاة وَبَعض الْفُقَهَاء واستولوا على غَالب الْأَوْقَاف فَجعل اكثر إِقَامَته بقرية المجيدل الَّتِي هِيَ وقف للشامية الجوانية وَلم يمت حَتَّى رأى فِي نَفسه العبر من الْفقر والفاقة وشماتة الْأَعْدَاء وَكَانَ من شَأْنه قبلا انه عمر الشاميتين بعد الْفِتْنَة وَعمر البرانية مرّة ثَانِيَة لما احترقت فِي فتْنَة النَّاصِر فِي سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة قَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة وَفِي هَذِه السّنة الْمَذْكُورَة قبض على تَاج الدّين عبد الْوَهَّاب الْأنْصَارِيّ نَاظر الشامية البرانية وَطلب مِنْهُ مَال قيل انه ألف وَخَمْسمِائة دِينَار وَضرب وعصر وَبَقِي بَين اثْنَيْنِ دائرا فِي الْبَلَد يستدين وَيسْأل فَإِذا هُوَ تمم الْمبلغ ضرب وعصر ثَانِيًا وَطلب مِنْهُ مبلغ غَيره فَتَأمل وتعجب الْمدرسَة الشامية الجوانية قبلي المارستان النوري وَقد كَانَت دَارا لست الشَّام الْمَذْكُورَة فِيمَا سَيَأْتِي فجعلتها بعْدهَا مدرسة وَلم يبْق الْآن من رسمها سوى بَابهَا وبأعلاه بلاطة كَبِيرَة نقش فِيهَا حفرا بعد الْبَسْمَلَة هَذِه مدرسة الخاتون الْكَبِيرَة الأجلة عصمَة الدّين سِتّ الشَّام أم حسام الدّين بنت أَيُّوب بن شادي رَحمهَا الله أبدتها وَقفا على الْفُقَهَاء والمتفقهين من أَصْحَاب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَالْمَوْقُوف عَلَيْهَا وَعَلَيْهِم وعَلى أَتبَاع ذَلِك جَمِيع الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة بمرينة وَجَمِيع الْحصَّة وَهِي أحد عشر سَهْما وَنصف من أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما من جَمِيع المزرعة الْمَعْرُوفَة بجرمانا وَجَمِيع الْحصَّة وَهِي أَرْبَعَة وَعشر سَهْما وَسبع من أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما من الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة بالثنية وَنصف الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة بممجيدل السَّوْدَاء وَجَمِيع الْقرْيَة الْمَعْرُوفَة بمجيدل الْقرْيَة وَذَلِكَ فِي شهر شعْبَان وَمحل التَّارِيخ قد انمحى أَثَره وحفرت البلاطة مَكَانَهُ وحشيت بالطين وَعَما قَلِيل ستذهب البلاطة بأجمعها وَلما وقفت أمامها وتأملتما رَأَيْت بَابهَا الْأَصْلِيّ مَوْجُودا كَمَا مر إِلَّا انه صغر وَصَارَ بَابا للدَّار وجدارها الغربي بَاقٍ وَهُوَ مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ الْكَبِيرَة وَلَقَد ظَفرت بكراريس مَجْمُوعَة بِخَط الْعَلامَة النعيمي فَرَأَيْت بهَا مُخْتَصر الشامية البرانية مَنْقُولًا عَن كتاب مَجْمُوعَة الْوَقْف من فَتَاوَى السُّبْكِيّ الْكُبْرَى فَإِذا هُوَ مبدوء بقوله هَذَا مَا وَقفه فَخر الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب بن عبد الله بن عَليّ بن احْمَد الْأنْصَارِيّ مَا يَأْتِي

ذكره من ذَلِك جَمِيع الدَّار بِدِمَشْق ثمَّ سَاق مَا قدمْنَاهُ آنِفا ومقصوده بِالدَّار الْمدرسَة بِعَينهَا وَزَاد بعد قَوْله بجرمانا من بَيت لهيا وَقَالَ عَن الثَّنية من جُبَّة عَسَّال ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك وَقفا على الخاتون سِتّ الشَّام بنت نجم الدّين أَيُّوب بن شادي ثمَّ على بنت ابْنهَا زمرد خاتون بنت حسام الدّين مُحَمَّد بن عمر بن لاجين ثمَّ على أَوْلَادهَا للذّكر مثل حَظّ الانثيين ثمَّ أَوْلَاد أَوْلَادهَا ثمَّ أنسالهم كَذَلِك فَإِذا انقرضوا وَلم يوجدوا عَاد على الْجِهَات الَّتِي يَأْتِي ذكرهَا فالدار مدرسة على الْفُقَهَاء والمتفقهه الشفعوية المشتغلين بهَا وعَلى الْمدرس بهَا الشَّافِعِي قَاضِي الْقُضَاة زكي الدّين أبي الْعَبَّاس الطَّاهِر ابْن مُحَمَّد بن عَليّ الْقرشِي إِن كَانَ حَيا فان لم يكن حَيا فعلى وَلَده ثمَّ ولد وَلَده ثمَّ نَسْله المنتسبين إِلَيْهِ مِمَّن لَهُ أَهْلِيَّة التدريس فان لم يُوجد فيهم من لَهُ أَهْلِيَّة التدريس فعلى الْمدرس الشَّافِعِي بِهَذِهِ الْمدرسَة وَمن شرطهم أَن يَكُونُوا من أهل الْخَيْر والعفاف وَالسّنة غير منتسبين إِلَى شَرّ وبدعة وَالْبَاقِي من الْأَوْقَاف على مصَالح الْمدرسَة وعَلى الْفُقَهَاء والمتفقهة المشتغلين بهَا وعَلى الْمدرس قَاضِي الْقُضَاة زكي الدّين أَو من يُوجد من نَسْله مِمَّن لَهُ أَهْلِيَّة التدريس وعَلى الإِمَام الْمُصَلِّي بالمحراب بهَا والمؤذن بهَا والقيم الْمعد لكنسها ورشها وفرشها وتنظيفها وَإِيقَاد مصابيحها يبْدَأ من ذَلِك بعمارة الْمدرسَة وَثمن زَيْت ومصابيح وَحصر وَبسط وقناديل وشمع وَمَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ وَمَا فضل يكون مصروفا إِلَى الْمدرس الشَّافِعِي والى الْفُقَهَاء والمتفقهة والى الْمُؤَذّن والقيم فَالَّذِي هُوَ مَصْرُوف إِلَى الْمدرس فِي كل شهر من الْحِنْطَة غرارة وَمن الشّعير غرارة وَمن الْفضة مائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثُونَ فضَّة ناصرية وَالْبَاقِي مَصْرُوف إِلَى الْفُقَهَاء والمتفقهة والمؤذن والقيم على قدر استحقاقهم على مَا يرَاهُ النَّاظر فِي أَمر هَذَا الْوَقْف من تَسْوِيَة وتفضيل وَزِيَادَة ونقصان وَعَطَاء وحرمان وَذَلِكَ بعد إِخْرَاج الْعشْر وَصَرفه إِلَى النَّاظر عَن تَعبه وخدمته ومشارفته للأملاك الْمَوْقُوفَة وتردده إِلَيْهَا وَبعد إِخْرَاج ثَمَانمِائَة فضَّة ناصرية فِي كل سنة تصرف فِي ثمن مشمش وبطيخ وحلواء فِي لَيْلَة نصف شعْبَان على مَا يرَاهُ النَّاظر وَمن شَرط الْفُقَهَاء والمتفقهة والمدرس والمؤذن والقيم أَن يَكُونُوا من أهل الدّين وَالْخَيْر وَالصَّلَاح والعفاف وَحسن الطَّرِيقَة وسلامة الِاعْتِقَاد وَالسّنة وَالْجَمَاعَة وان لَا يزِيد عدد الْفُقَهَاء والمتفقهة المشتغلين بِهَذِهِ الْمدرسَة عَن عشْرين رجلا من جُمْلَتهمْ المعيد بهَا وَالْإِمَام وَذَلِكَ خَارج عَن الْمدرس والمؤذن والقيم إِلَّا أَن يُوجد فِي ارْتِفَاع الْوَقْف نَمَاء وَزِيَادَة وسعة فللناظر أَن يُقيم بِقدر مَا زَاد ونمى ثمَّ بحث السُّبْكِيّ فِي شُرُوط الْوَقْف على طَرِيق الْفُقَهَاء بِمَا يزِيد عَن عشر

ترجمة الواقفة

وَرَقَات لَيْسَ هُنَا مَحل ببيانها خُصُوصا وَقد انقرضت الْمدرسَة وامتلكت هِيَ وأوقافها تَرْجَمَة الواقفة قد علمت فِيمَا سبق أَنَّهَا سِتّ الشَّام بنت نجم الدّين أَيُّوب بن شادي بالشين الْمُعْجَمَة وَبعد الآلف دَال مَكْسُورَة وَبعدهَا يَاء مثناة من تَحت قَالَه ابْن خلكان وَقَالَ وَهَذَا الِاسْم أعجمي وَمَعْنَاهُ بالعربي فرحان قَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه الصَّغِير توفيت سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة بدارها الْمَعْرُوفَة بالشامية قَالَ ابْن كثير وَهِي أُخْت الْمُلُوك وَقَرِيبَة أبنائهم وَكَانَ لَهَا من الْمُلُوك الْمَحَارِم خَمْسَة وَثَلَاثُونَ ملكا مِنْهُم الْملك الْمُعظم ثوران شاه بِضَم الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْوَاو لَفْظَة أَعْجَمِيَّة مَعْنَاهُ ملك الشرق واصله ترْكَان ثمَّ غيروا حُرُوفه فَقَالَ ثوران وَهُوَ صَاحب الْيمن وَهُوَ مدفون عِنْدهَا فِي تربَتهَا فِي الْقَبْر القبلي من الثَّلَاثَة وَفِي الْأَوْسَط زَوجهَا وَابْن عَمها نَاصِر الدّين صَاحب حمص وَفِي الْقَبْر الثَّالِث ابْنهَا عمر وَيُقَال للتربة الحسامية نِسْبَة إِلَى ابْنهَا حسام الدّين عمر وَكَانَت المترجمة من اكثر النِّسَاء صَدَقَة وإحسانا إِلَى الْفُقَرَاء والمحاويج وَكَانَت فِي كل سنة تعْمل أدوية وعقاقير وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من ذَلِك وتفرقه على الْفُقَرَاء وَقد صنف الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن قَاضِي شُهْبَة كراسة فِي سِتّ الشَّام ومناقبها وَقَالَ عبد الرَّحِيم بن شقده فِي منتخب شذرات الذَّهَب سِتّ الشَّام الخاتون أُخْت الْملك الْعَادِل بنت أَيُّوب كَانَت عَاقِلَة كَثِيرَة الْبر وَالصَّدَََقَة وبابها ملْجأ القاصدين وَهِي أم حسام الدّين وَتَزَوجهَا مُحَمَّد بن شيركوه صَاحب حمص وَبنت لَهَا مدرسة وتربة بالعونية على الشّرف الشمالي من دمشق وأوقفت دارها قبيل مَوتهَا مدرسة وَهِي الَّتِي إِلَى جَانب البيمارستان النوري وأوقفت عَلَيْهَا أوقافا كَثِيرَة توفيت فِي ذِي الْقعدَة ودفنت بتربتها بالعونية وَكَانَ كافور الحسامي خَادِمهَا وَكَانَ لَهَا نَيف وَثَلَاثُونَ محرما من الْمُلُوك سوى أَوْلَادهم فاخوتها صَلَاح الدّين والعادل وَسيف الْإِسْلَام وَولده انْتهى وَقد درس بالشامية الجوانية تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح ثمَّ عبد الرَّحْمَن الْمَقْدِسِي ثمَّ انتزعها من يَده ابْن أبي عصرون وَفِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة كَانَ تَقِيّ الدّين

المدرسة الشاهينية

اللوبياني مُتَوَلِّيًا إِعَادَتهَا وَكَانَت قد عمرت بعد الْفِتْنَة التيمورلنكية وَكَانَت مباشرتها وَقبض معلومها بِيَدِهِ وبيد الْمدرس فَلَمَّا جَاءَ الْأَمِير مُحَمَّد بن منجك نَاظرا على الْأَوْقَاف طلب حِسَابهَا ورسم بتتمة عمارتها وبياضها فَكتب النَّاظر الْحساب وَذهب إِلَيْهِ وتظلم وَكتب بيد اللوبياني عشْرين ألفا وكسورا فرسم أَن تسترجع مِنْهُ وَمن غَيره لأجل الْعِمَارَة وَبعد مداخلات ضرب اللوبياني نَحوا من ثَلَاثمِائَة عَصا وَكَانَ الضَّارِب لَهُ النَّائِب ثمَّ بعد أَن أَخذ نصِيبه من الضَّرْب أطلقهُ وَاعْتذر إِلَيْهِ بِأَنَّهُ لم يعرفهُ الْمدرسَة الشاهينية كَانَت حَلقَة تدريس بِجَامِع التَّوْبَة الَّذِي بالعقيبة أَنْشَأَهَا الْأَمِير شاهين الشجاعي دوادار شيخ وَكَانَ عمر جَامع التَّوْبَة من مَاله بعد أَن احْتَرَقَ فِي رَمَضَان سنة وَكَانَ من اعظم أعوان أستاذه فِي الْفِتَن توفّي سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة فِي طَرِيق مصر قَالَه ابْن حجي الْمدرسَة الشومانية أنشأتها خاتون بنت ظهير الدّين شومان قَالَ النعيمي اخبرني القَاضِي إِبْرَاهِيم الشهير بِابْن الْمُعْتَمد أَن هَذِه الْمدرسَة هِيَ الْمُسَمَّاة الْآن بالطيبة انْتهى وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا فِي بَاب الطَّاء وأيا مَا كَانَت فقد انمحى رسمها ودرس اسْمهَا الْمدرسَة الشريفية قَالَ فِي التُّحْفَة هِيَ الَّتِي عِنْد حارة الغرباء وَقَالَ ألاسدي هِيَ بدرب الشعارين لم اعرف واقفها وَلم اعرف من مدرسيها سوى نجم الدّين الدِّمَشْقِي فِي سنة تسعين وسِتمِائَة اهـ أَقُول وحارة الغرباء هِيَ الَّتِي غربي الْمدرسَة القجماسية وَلم يبْق لهَذِهِ الْمدرسَة عين وَلَا اثر فَكَمَا انه جهل واقفها كَذَلِك جهل مَكَانهَا وَالله اعْلَم بِمَا صَار إِلَيْهِ حَالهَا

المدرسة الصالحية

الْمدرسَة الصالحية هِيَ تربة أم الْملك الصَّالح غربي الطّيبَة والجوهرية الْحَنَفِيَّة وقبلي الشامية الجوانية إِلَى الشرق وَقد وقفت على مَحل رسومها فخفيت وناديت أطلالها فَلم تجب إِلَّا بقول الصّلاح الصَّفَدِي مُخَاطبَة لبانيها (تحكمت بعدكم أَيدي النَّوَى فِينَا ... وَقد أَقَامَت بنادينا تنادينا) (وجرعتنا كؤوس الْحزن مترعة ... مزاجها كَانَ زقوما وغسلينا) (وَقد أناخت بِنَا من بعدكم محن ... عدت علينا بِمَا يُرْضِي أعادينا) تَرْجَمَة واقفها أوقفها الصَّالح أَبُو الْحسن إِسْمَاعِيل ابْن الْملك الْعَادِل سيف الدّين أبي بكر قَالَ ابْن كثير فِي تَارِيخه وَكَانَ ملكا عادلا عقلا حازما تقلبت بِهِ الْأَحْوَال أطوارا كَثِيرَة وَقد كَانَ الْملك الْأَشْرَف مُوسَى أوصى لَهُ بِدِمَشْق بعده فملكها شهورا ثمَّ انتزعها مِنْهُ أَخُوهُ الْكَامِل ثمَّ ملكهَا ابْنه الصَّالح خديعة ومكرا فاستمر بهَا أَربع سِنِين ثمَّ استعادها مِنْهُ الصَّالح أَيُّوب عَام الخورازمية سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة واستمرت بِيَدِهِ بعلبك وَبصرى ثمَّ أخذتا مِنْهُ وَلم يبْق لَهُ بلد يأوى إِلَيْهِ فلجأ إِلَى حلب مجاورا للناصر يُوسُف ثمَّ انه فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة سَافر إِلَى الديار المصرية فَلَا يدرى مَا فعل الله بِهِ وَهُوَ وَاقِف التربة والمدرسة وَدَار الحَدِيث والإقراء بِدِمَشْق وَلم نطل الْكَلَام على تراجم هَؤُلَاءِ لَان محلهَا الْقسم الأول من هَذَا التَّارِيخ وَسَيَأْتِي لَهَا فِي هَذَا الْقسم زِيَادَة بَيَان وَقد درس بِهَذِهِ الْمدرسَة نجم الدّين احْمَد ابْن الْمَقْدِسِي ثمَّ شهَاب الدّين ابْن الْمجد ثمَّ بعده سَبْعَة مدرسين كل وَاحِد مِنْهُم فِي وَقت أَوْقَات أخرهم على مَا قَالَه العلموي تَاج الدّين الزُّهْرِيّ وَأما مشيخة الإقراء بهَا فوليها علم الدّين أَبُو الْفَتْح عَليّ بن مُحَمَّد ابْن عبد الصَّمد الهمذاني السخاوي الْمصْرِيّ شيخ الْقُرَّاء والنحاة وَالْفُقَهَاء فِي زَمَنه بِدِمَشْق ولد سنة ثَمَان أَو تسع وَخمسين وَخَمْسمِائة قَالَ الذَّهَبِيّ فِي العبر سمع المترجم من السلَفِي وَجَمَاعَة وَقَرَأَ الْقرَاءَات على الشاطبي وَغَيره من الْمَشَاهِير وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الْأَدَب والإقراء بِدِمَشْق وَقَرَأَ عَلَيْهِ

المدرسة الصارمية

خلق لَا يحصيهم إِلَّا الله وَمَا علمت أحدا من الْإِسْلَام حمل عَنهُ الْقرَاءَات اكثر مِمَّا حمل عَنهُ وَله تصانيف سائرة متقنة توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَدفن بتربته بجبل قاسيون ثمَّ ولي المشيخة بعده إِحْدَى عشرَة نفسا أخرهم فَخر الدّين ابْن الصلف وَكَانَ بهَا مشيخة دَار حَدِيث فباشرها كَمَال الدّين ابْن الشريشي فشمس الدّين الزُّهْرِيّ فعماد الدّين الْحَافِظ ابْن كثير ثمَّ بعده كثير من الْمُحدثين ثمَّ جَاءَ من درسها واكل أوقافها وَمنع حق الله وَحقّ الْعباد مِنْهَا الْمدرسَة الصارمية كَانَت دَاخل بَابي النَّصْر والجابية قبلي العذراوية إِلَى الشرق قَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَرَأَيْت مرسوما بعتبتها بعد الْبَسْمَلَة مَا صورته هَذَا الْمَكَان الْمُبَارك إنْشَاء الطواشي الْأَجَل صارم الدّين جَوْهَر بن عبد الله الْحر عَتيق السِّت الجليلة الْكَبِيرَة عصمَة الدّين عذراء بنت شاهنشاه رَحمهَا الله تَعَالَى وَهُوَ وقف محرم وَحبس مؤبد على الطواشي الْمُسَمّى أَعْلَاهُ مُدَّة حَيَاته ثمَّ من بعد وَفَاته فعلى الْفُقَهَاء والمتفقهة من أَصْحَاب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَالنَّظَر فِي هَذَا الْمَكَان وَالْوَقْف على الطواشي جَوْهَر الْمُسَمّى أَعْلَاهُ مُدَّة حَيَاته على مادون فِي كتاب الْوَقْف {فَمن بدله بعد مَا سَمعه فَإِنَّمَا إثمه على الَّذين يبدلونه} آيَة 2 / 181 كتب سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة وَهِي عبارَة ركيكة فِي الأَصْل هَذَا مَا قَالَه فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَقَالَ القَاضِي عز الدّين أَن الَّذِي بنى الصارمية صارم الدّين ازبك مَمْلُوك قايماز النجمي وَمَا قَالَه فِي التَّنْبِيه أولى لِأَنَّهُ ناقل عَن كتَابَتهَا الحجرية وأيا مَا كَانَ فان الْمدرسَة الصارمية قد انطمست آثارها ومحي منارها وَصَارَت منَازِل ودورا تبَاع وتشترى وَبَاب النَّصْر قد انقض بُنْيَانه وتشتتت أطلاله فَلَا يُمكن للباحث عَنْهَا أَن يَهْتَدِي إِلَى مَكَانهَا وَلَا إِلَى مَكَان جارتها العذراوية وَلَقَد وقفت فِي أَوَائِل حارة الغرباء أَمَام الْحمام الْمُسَمّى بحمام عذرا ثمَّ مشيت إِلَى جِهَة الْقبْلَة نَحوا من ثَمَان وَخمسين خطْوَة وَعند مُنْتَهَاهَا وجدت عَن يساري جدارا يُنَادي بِأَنَّهُ جِدَار مدرسة ومتصل بِهِ

المدرسة الصلاحية

جِدَار آخر بالجهة القبية مثله وَتَحْته بركَة مَاء تُشِير أَيْضا إِلَى أَن هُنَالك كَانَ مدرسة فَلَعَلَّ هَذِه إِحْدَى المدرستين العذراوية أَو الصارمية وَالله اعْلَم وَقد درس بالصارمية نجم الدّين ابْن الْحَنْبَلِيّ ثمَّ وَلَده ثمَّ تَاج الدّين ابْن الفركاح ثمَّ بعده خَمْسَة عشر مدرسا إِلَى بدر الدّين ابْن قَاضِي شُهْبَة ثمَّ زين الدّين عبد الْقَادِر ثمَّ جماعات وَمِمَّنْ درس بهَا الوَاسِطِيّ وَهُوَ السَّيِّد الشريف شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الله الْحُسَيْنِي الوَاسِطِيّ ولد سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة واشتغل بِالْعلمِ حَتَّى برع فِيهِ وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ الْحسن وَألف كتبا مِنْهَا مجمع الأحباب وَهُوَ مُخْتَصر الْحِلْية لأبي نعيم فِي مجلدات وَله تَفْسِير كَبِير وَشرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب فِي ثَلَاث مجلدات وَقد اكثر فِي النَّقْل فِيهِ عَن الْأَصْفَهَانِي وَعَن القَاضِي تَاج الدّين وَله كتاب فِي أصُول الْفِقْه فِي مُجَلد وَله كتاب الرَّد على ألاسنوي فِي تناقضه وَكَانَ منجما عَن النَّاس وخصوصا عَن الْفُقَهَاء لَان دأبهم حسد عُلَمَاء الْأُصُول والتعصب عَلَيْهِم والحط من قدرهم وَقدر الْعلمَاء الْمُحَقِّقين توفّي فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَدفن عِنْد مَسْجِد الْقدَم وَأما باني الْمدرسَة فان كَونه قد جعل هَذَا الْخَيْر والإعانة لأهل الْعلم يَكْفِيهِ ذخْرا وثوابا عِنْده تَعَالَى وتقدس الْمدرسَة الصلاحية بِالْقربِ من البيمارستان النوري وَهِي أَيْضا منطمسة الْأَثر لم يعلم مَكَانهَا وَفِي تَنْبِيه الطَّالِب أَن الَّذِي بناها نور الدّين مَحْمُود بن زنكي ونسبت إِلَى الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين انْتهى أَقُول وَمُقَابل البيمارستان طَرِيق وبأوله من الْجِهَة الشمالية بَاب مدرسة قديم وَقد كَانَ الْحجر الْكَبِير الَّذِي فَوْقه مَكْتُوبًا فنحتت الْكِتَابَة فَلَعَلَّ هُنَا مَحل الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وَبِالْجُمْلَةِ فان جَمِيع الْمدَارِس الَّتِي كَانَت بِالْقربِ من البيمارستان قد تناولتها أَيدي الخفاء فَهَب إِلَيْهَا المختلسون كَمَا هبوا لغَيْرهَا فابتنوها دورا ومساكن وَأتوا على أوقافها فابتزوها وغيروا شُرُوطهَا شَيْئا فَشَيْئًا حَتَّى حولوها ملكا لَهُم فَأصْبح طَالب الْعلم لَا يجد نَفَقَة وَلَا مأوى فَقلت الرَّغْبَة فِي الطّلب حَتَّى صَار الْعلم فِي زمننا

واقفها وبانيها

اسْما بِلَا جسم وكلمات بِلَا معنى فَلَيْسَ هُوَ الْآن إِلَّا بالعمائم وَالدَّعْوَى وَلَيْسَت وظائفه إِلَّا بِالْإِرْثِ وَقَوْلهمْ الْقَدِيم على قدمه سَوَاء كَانَ حَقًا أَو بَاطِلا طَالبا للْعلم ذَلِك الْوَارِث أَو جَاهِلا لَا فرق فنرجوه تَعَالَى أَن يكْشف هَذِه الْغُمَّة ويرشد الْأمة إِلَى مَا فِيهِ صَلَاحهَا ونجاحها وان يُؤَيّد الحكم الشوروي والرأي الدستوري الَّذِي حصلت عَلَيْهِ الْأمة فِي وقتنا هَذَا فابتدأت بِسَبَبِهِ بِقطع دابر الاستبداد وإبعاد أهل الغي والعناد حَتَّى شممنا رَائِحَة تقدم الْعلم وانقشاع غيوم الظُّلم وسنأتي فِيمَا بعد على شرح مَا عَلَيْهِ كُنَّا وَمَا إِلَيْهِ وصلنا تذكرة لمن يتَذَكَّر وإيقاظا لمن يتدبر وَلَقَد لوحنا لذَلِك فِي خطْبَة الْكتاب وَالله الْهَادِي واقفها وبانيها ستذكر تَرْجَمَة السُّلْطَان نور الدّين عِنْد الْكَلَام على الْمدرسَة النورية الْحَنَفِيَّة وترجمة السُّلْطَان صَلَاح الدّين فِي محلهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلم يتَّصل بِنَا من أَخْبَار هَذِه الْمدرسَة سوى انه درس بهَا شمس الدّين ومجد الدّين الكرديان تَنْبِيه الْمدَارِس الْمُسَمَّاة بالصلاحية ثَلَاثَة إِحْدَاهَا هَذِه وثانيتها بالقدس قَالَ الْحَافِظ ابْن كثير فِي تَارِيخه فِي حوادث ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَبنى السُّلْطَان صَلَاح الدّين بالقدس مدرسة للشَّافِعِيَّة سميت بالصلاحية وَيُقَال لَهَا الناصرية وَقَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب وفاوض السُّلْطَان صَلَاح الدّين جُلَسَاؤُهُ من الْعلمَاء والأكابر الْأَبْرَار والأتقياء الأخيار أَيَّام فتح الْقُدس فِي أَن يَبْنِي مدرسة للفقهاء الشَّافِعِيَّة ورباطا للصلحاء الصُّوفِيَّة فعين للمدرسة الْكَنِيسَة الْمَعْرُوفَة بجسد حنه عِنْد بَاب أَسْبَاط وَعين دَار لبطرك وَهِي تقرب كَنِيسَة قمامة للرباط ووقف عَلَيْهَا أوقافا وأسدى بذلك إِلَى الطَّائِفَتَيْنِ مَعْرُوفا وارتاد أَيْضا مدارس إِلَى الطوائف ليضيفها إِلَى مَا أولاه من العوارف انْتهى وَقَالَ ابْن كثير وأجرى صَلَاح الدّين على الْقُرَّاء بالقدس وعَلى الْفُقَهَاء بهَا

المدرسة التقطائية

الجامكيات والجرايات وارصد الْخَتْم والربعات فِي أرجاء الْمَسْجِد الْأَقْصَى لمن يقْرَأ وَينظر فِيهَا من المقيمين والزائرين وتنافس بَنو أَيُّوب بِمَا يَفْعَلُونَهُ من الْخيرَات فِي الْقُدس الشريف القادمين والظاعنين والقاطنين وثالثهما بالكلاسة وَهِي عبارَة عَن زَاوِيَة كَانَت بهَا وَيظْهر من كَلَام ابْن شَدَّاد على الْجَامِع الْأمَوِي أَنَّهَا كَانَت مدرسة للشَّافِعِيَّة فانه قَالَ ذكرنَا فِيهِ من الْمدَارِس مدرسة شافعية بالكلاسة والمدرسة الغزاليه وتعرف بالشيخ نصر الْمَقْدِسِي ومدرسة ابْن شيخ الْإِسْلَام ومدرسة الْملك المظفر أَسد الدّين شافعية ومدرسة للمالكية ومدرسة ابْن منجا حنبلية انْتهى وَهَذَا كُله كَانَ فِي الْجَامِع الْأمَوِي وَقد اختفى باختفاء أَهله وَهُوَ ينشد (كَأَن لم يكن بَين الْحجُون إِلَى الصَّفَا ... أنيس وَلم يسمر بِمَكَّة سامر) الْمدرسَة التقطائية لم يذكرهَا العموي فِي مُخْتَصره وَقَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب هِيَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَرَأَيْت بقائمة بكشف الْأَوْقَاف سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة التقطائية من الْمدَارِس الشَّافِعِيَّة وَهِي دَاخل الْبَاب الصَّغِير بِنَحْوِ مائَة ذِرَاع شرقية غربي بَيت الخواجا الناصري قبلي مَنَارَة الشَّحْم لَهَا مَنَارَة صَغِيرَة ثمَّ انه نقل تَرْجَمَة شهَاب الدّين قرطاي عَن ابْن كثير ثمَّ قَالَ وَلم يذكر لَهُ مدرسة وَنقل أَيْضا عَن الوافي للصلاح الصَّفَدِي تَرْجَمَة اثْنَيْنِ أَحدهمَا طقطاي من جمَاعَة صَاحب القبجاق وَثَانِيهمَا طقطاي الْأَمِير عز الدّين ثمَّ قَالَ وَلم يذكر لَهما مدرسة وَلَا خانقاه وَلَا غَيرهمَا وَبِالْجُمْلَةِ فانه لم يتَيَقَّن تَرْجَمَة باني هَذِه الْمدرسَة وَلَقَد وقفت مَكَانهَا فَلم ينادني شَيْء من أطلالها وَلم تخاطبني آثارها بِشَيْء من أَخْبَارهَا فَرَجَعت آسفا حَزينًا فتجلى لي غَيرهَا من الْمدَارِس مِمَّن هُوَ اعظم مِنْهَا وَقد تداولته يَد الاختلاس فألهاني عَنْهَا {الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين}

المدرسة الطبرية

الْمدرسَة الطبرية يُقَال إِنَّهَا كَانَت بِبَاب الْبَرِيد وَمن أوقافها وقف بِرَأْس الْعين وحوانيت بالنورية دَاخل دمشق وَقد تكلم عَلَيْهَا صَاحب تَنْبِيه الطَّالِب فَذكر من مدرسيها الْحُسَيْن ابْن عَليّ الشهير بِابْن اله بِفَتْح الْهمزَة وَضم اللَّام وَإِسْكَان الْهَاء وَمَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ الْعقَاب توفّي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَلم يزدْ فِي التَّنْبِيه على هَذَا وَالظَّاهِر انه لم يظفر بترجمة من بناها وَقَالَ العلموي درس بهَا شرف الدّين ابْن هبة الله الاصفهاني وترجمته لَهَا فِي مُخْتَصره تدل على انها دخل الْألف وَهِي مَوْجُودَة ثمَّ تناولتها يَد من لم يخف الله تَعَالَى من المختلسين فَضمهَا إِلَى أملاكه ومحا أَثَرهَا وبباب الْبَرِيد جملَة من بَقِيَّة الْأَبْنِيَة الَّتِي تشبه أبنية الْمدَارِس وَلَكِن لم يَتَيَسَّر للباحث أَن يفرق بِأَن هَذَا اثر الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة عَن يَقِين خُصُوصا وآثار الْكِتَابَة قد محيت وَالله اعْلَم الْمدرسَة الطّيبَة قبلي النورية الْحَنَفِيَّة وشرقي تربة زَوْجَة تنكز بِقرب الخواصين دَاخل دمشق وَقد تقدم أَنَّهَا هِيَ الْمُسَمَّاة بالشومانية وَإِنَّمَا غير اسْمهَا تيمنا وَقَالَ الصَّفَدِي الَّذِي بنى الطّيبَة العابر عَليّ بن أبي بكر درس بهَا الْفَزارِيّ ثمَّ درس بهَا سِتَّة بعده مِنْهُم زكي الدّين زَكَرِيَّا بن يُوسُف البجيلي فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَسَبْعمائة هَذَا مَا ذكره فِي التَّنْبِيه وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي ذيل العبر أنشأتها خاتون بنت ظهير الدّين بن شومان اخبرني القَاضِي إِبْرَاهِيم الشهير بِابْن الْمُعْتَمد أَن هَذِه الْمدرسَة هِيَ الْمُسَمَّاة الْآن بالطيبة سَموهَا بذلك تيمنا اهـ وَقَالَ العلموي قلت الظَّاهِر أَنَّهَا شمَالي الْحمام الْمُتَّصِل بِبَيْت قَاضِي الشَّام وَرَأَيْت فِي السالنامة السورية التركية الْمُؤَلّفَة سنة عشر وثلاثمائة وَألف رُومِية شرقية عِنْد الْكَلَام على الْمدَارِس مَا معربه أَن الْمدرسَة الطّيبَة هِيَ الْمدرسَة الشومانية وَلم نعلم

حرف الظاء

من تاريخها سوى أَنَّهَا مدرسة شافعية كَانَت بجوار الْمدرسَة النورية الْكُبْرَى اهـ وَأَقُول الَّذِي ظهر لي من التَّرَدُّد إِلَى محلهَا مرَارًا وتدقيق النّظر فِي موضعهَا أَنَّهَا اندرست وَصَارَت دورا للسُّكْنَى وَهِي الدّور الَّتِي أَمَام المحكمة الْكُبْرَى الْمُسَمَّاة بمحكمة الْبَاب وَأما تربة زَوْجَة تنكز فموجود الْآن قسم مِنْهَا انتحل المنتحلون لَهَا اسْم النحلاوي وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا فِي مَوْضِعه وَأما الْحمام الَّذِي ذكره العلموي فَلم نجد هُنَاكَ حَماما سوى الْمُسَمّى بحمام الخياطين {إِن الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين} آيَة 7 / 127 وَأما تَرْجَمَة من بناها أَو من بنتهَا فسيذكران فِي الْقسم الأول من هَذَا الْكتاب حرف الظَّاء الْمدرسَة الظبيانية كَانَت قبلي الْمدرسَة الشامية الجوانية وَغَرْبِيٌّ الْمدرسَة الصالحية الَّتِي هِيَ غربي الْمدرسَة الطّيبَة قَالَ العلموي جدارها لصيق بجدار الشامية الجوانية اهـ وَأَقُول قد اتخذها المختلسون دورا للسُّكْنَى وَلم يبْق مِمَّا يدل عَلَيْهَا سوى جدارها الْمَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ الضخمة وَلَوْلَا متانته لغيره المستحلون لاغتصاب الْأَوْقَاف لتنطمس آثارها بِالْكُلِّيَّةِ ودرس بهَا الْحَافِظ شهَاب الدّين ابْن حجي سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة وَلم يذكر النعيمي وَلَا العلموي من بناها وَذكر النعيمي من وَقفهَا المزرعة بقرية يعقوبا والمحاكرات حول الخَنْدَق قبلي سور دمشق وَقد انطمست الْآن آثارها أَيْضا والمحاكرات شمَالي مَقْبرَة بَاب الصَّغِير وَقد ذهبت الْمدرسَة وَمَا وقف عَلَيْهَا أدراج الرِّيَاح وانطمس اسْم بانيها الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة البرانية كَانَت خَارج بَاب النَّصْر بمحلة المنيبع شَرْقي الخاتونية الْحَنَفِيَّة وَغَرْبِيٌّ الخانقاه الحسامية بَين نهري القنوات وبانياس على الميدان الْأَخْضَر بالشرف القبلي أَقُول قد انطمست آثارها وخفي محلهَا وَالظَّاهِر أَنَّهَا كَانَت مَوضِع الثكنة

ترجمة واقفها

العسكرية الَّتِي هِيَ مَوْجُودَة الْيَوْم وَبَاب النَّصْر قد خَفِي مَحَله أَيْضا كَمَا اختفى مَحل الخاتونية والحسامية وَقد درس بِهَذِهِ الْمدرسَة شمس الدّين بن معن ثمَّ درس بهَا بعده ثَمَانِيَة من الْعلمَاء وَقَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَفِي ثامن عشر شهر ربيع الآخر سنة أَربع وَسبعين وَثَمَانمِائَة درس فِيهَا شَيخنَا شيخ الشَّافِعِيَّة فِي وقته نجم الدّين مُحَمَّد ابْن ولي الدّين عبد الله الدِّمَشْقِي الشهير بِابْن قَاضِي عجلون درس بهَا بالمنهاج من أول كتاب البيع فَظهر عَن إتقان وتفنن وتحرير وَهُوَ إِذْ ذَاك يؤلف فِي كِتَابه الأعجوبة لشرح الْمِنْهَاج الْمُسَمّى بالتحرير وَهُوَ شرح عَظِيم الشَّأْن لَو بيض لجاء فِي مجلدات وَله تَصْحِيح كَبِير على الْمِنْهَاج وَله كتاب التَّاج فِي زَوَائِد الرَّوْضَة على الْمِنْهَاج وَهُوَ أعجوبة فِي غَايَة الإتقان وَله شرح الْمِنْهَاج فِي قدر العجالة سَمَّاهُ الْفتُوح وَله مُصَنف فِي تَحْرِيم لبس السنجاب وَآخر فِي تَحْرِيم ذَبَائِح الْيَهُود وَالنَّصَارَى الْمَوْجُودين فِي هَذَا الزَّمَان وَله شرح العقيدة الشيبانية ميلاده سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة اخذ عَن وَالِده وَعَن تَقِيّ الدّين ابْن قَاضِي شُهْبَة وَعَن الشرواني وَعَن جمَاعَة آخَرين تَرْجَمَة واقفها بناها الْملك الظَّاهِر غَازِي ابْن الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين بن أَيُّوب قَالَ فِي العبر ولد بِمصْر سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة حدث عَن جمَاعَة وَكَانَ بديع الْحسن كَامِل الملاحة ذَا غور ودهاء ومصادقة لملوك النواحي يوهمهم انه لولاهلقصدهم عَمه الْعَادِل ويوهم عَمه أَنه لولاه لاتفق عَلَيْهِ الْمُلُوك وَكَانَ سَمحا جوادا توفّي سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة بحلب وَقَالَ فِي مَوضِع آخر كَانَ من خِيَار الْمُلُوك وأسعدهم سيرة وَلكنه كَانَ فِيهِ عسف ويعاقب على الذَّنب شَدِيدا وَكَانَ يكرم الْعلمَاء وَالشعرَاء والفقراء وَقَالَ موفق الدّين عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ المتفلسف فِي رحلته كَانَ الظَّاهِر جميل الصُّورَة رائع الملاحة مَوْصُوفا بالجمال فِي صغره وَفِي كبره وَله غور وذكاء ودهاء ومكر واعظم دَلِيل على دهائه معارضته لِعَمِّهِ الْعَادِل وَكَانَ لَا يخليه يَوْمًا من

شغل قلب وَخَوف وَكَانَ يصادق مُلُوك الْأَطْرَاف ويباطنهم ويلاطفهم وَكَانَ بتدبيره يستولي على عَمه الْعَادِل وعَلى مُلُوك الْأَطْرَاف ويستعبد الْفَرِيقَيْنِ ويشغل بَعضهم بِبَعْض وَكَانَ كَرِيمًا معطيا يُرْضِي الْمُلُوك وَالشعرَاء وَمن نوادره أَن الشَّاعِر الْحلَبِي قَالَ لَهُ يَوْمًا فِي المنادمة وَهُوَ يعبث بِهِ وَزَاد عَلَيْهِ أأنظم يهدده بالهجو فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان انثر وَأَشَارَ إِلَى السَّيْف انْتهى أَقَامَ فِي الْملك ثَلَاثِينَ سنة وَقَالَ عز الدّين عَليّ بن الْأَثِير الْجَزرِي فِي الْكَامِل فِي حوادث سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة بهَا توفّي الْملك الظَّاهِر غَازِي بن صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَهُوَ صَاحب مَدِينَة حلب ومنبج وَغَيرهمَا من بِلَاد الشَّام وَكَانَ مَرضه إسهالا وَكَانَ شَدِيد السِّيرَة ضابطا لأموره كلهَا كثير الْجمع للأموال من غير جهاتها الْمُعْتَادَة عَظِيم الْعقُوبَة على الذَّنب لَا يرى الصفح وَله مقصد يَقْصِدهُ يَقْصِدهُ كثير من أهل البيوتات من أَطْرَاف الْبِلَاد وَالشعرَاء وَأهل الدّين وَغَيرهم فيكرمهم وَيجْرِي عَلَيْهِم الْجَارِي الْحسن وَلما اشتدت علته عهد بِالْملكِ بعده لولد لَهُ صَغِير اسْمه مُحَمَّد ولقبه الْملك الْعَزِيز غياث الدّين عمره ثَلَاث سِنِين وَعدل عَن ولد لَهُ كَبِير لَان الصَّغِير كَانَت أمه ابْنة عَمه الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب صَاحب مصر ودمشق وَغَيرهمَا من الْبِلَاد فعهد بِالْملكِ لَهُ ليبقي عَمه الْبِلَاد عَلَيْهِ وَلَا ينازعه فِيهَا واخذ لَهُ الْعَهْد بالتولية من الْعَادِل وَلما توفّي الظَّاهِر كَانَ قد جعل أتابك وَلَده ومربيه خَادِمًا روميا اسْمه طغربل ولقبه شهَاب الدّين وَهُوَ من خِيَار عباد الله كثير الصَّدَقَة وَالْمَعْرُوف فَأحْسن السِّيرَة بِالنَّاسِ وَعدل فيهم وأزال كثيرا من السّنَن الْجَارِيَة وَأعَاد أملاكا كَانَت قد أخذت من أَرْبَابهَا وَقَامَ بتربية الطِّفْل احسن قيام وَحفظ بِلَاده واستقامت الْأُمُور بِحسن سيرته وعدله وَملك مَا كَانَ يتَعَذَّر على الظَّاهِر ملكه مثل تل ناشر وَغَيره قَالَ ابْن الْأَثِير وَمَا اقبح بالملوك وَأَبْنَاء الْمُلُوك أَن يكون هَذَا الرجل الْغَرِيب الْمُنْفَرد احسن سيرة واعف عَن أَمْوَال الرّعية واقرب إِلَى الْخَيْر مِنْهُم وَلَا اعْلَم الْيَوْم فِي وُلَاة أُمُور الْمُسلمين احسن سيرة مِنْهُ وَلَقَد بَلغنِي عَنهُ كل حسن وَجَمِيل اهـ أَقُول لَيْسَ الحزم وَحسن الْحَال بِالْآبَاءِ والجدود وَإِنَّمَا هُوَ بالمعدن الْحسن الَّذِي يتكون مِنْهُ الْإِنْسَان كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس معادن كمعادن الذَّهَب وَالْفِضَّة خيارهم فِي الْجَاهِلِيَّة خيارهم فِي الْإِسْلَام حَدِيث

المدرسة الظاهرية الجوانية

الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة الجوانية دَاخل بَابي الْفرج والفراديس بَينهمَا جوَار الْجَامِع وشمالي بَاب الْبَرِيد وقبلي الاقباليتين والجاروخية وشرقي العادلية الْكُبْرَى باباهما متواجهان يفصل بَينهمَا الطَّرِيق كَانَت دَارا للعقيقي فاشتراها من تركته أَيُّوب وَالِد صَلَاح الدّين فَكَانَت دارة قَالَ ابْن كثير وَفِي سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة شرع فِي بِنَاء الدَّار الَّتِي تعرف بدار العقيقي تجاه العادلية لتجعل مدرسة وتربة للْملك الظَّاهِر وَلم تكن من قبل إِلَّا دَارا للعقيقي وَهِي الْمُجَاورَة لحمام العقيقي وَأسسَ أساس التربة فِي خَامِس جُمَادَى الْآخِرَة وأسست الْمدرسَة أَيْضا وَجعلت على الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَفِي كَلَام ابْن شُهْبَة مَا يُشِير إِلَى أَن الْملك الظَّاهِر بيبرس هُوَ الَّذِي أَنْشَأَهَا وَجعلهَا دَار حَدِيث ومدرسة وَهُوَ مُخَالف لما ذكره فِي آخر كَلَامه فانه قَالَ أَن هَذِه الْمدرسَة إنْشَاء الْملك السعيد ابْن الْملك الظَّاهِر أَنْشَأَهَا بعد موت أَبِيه بيبرس بعد أَن سمع خبر موت أَبِيه وَكَانَ قد تقدم مَوته وَبَقِي مُدَّة بقلعه دمشق إِلَى أَن حضر السعيد إِلَى دمشق فَاشْترى دَار العقيقي ثمَّ انشأ التربة فَبين أول كَلَامه وَآخره مُخَالفَة وَالَّذِي يظْهر أَن الْبَانِي لَهَا السعيد لَا أَبوهُ وَكَانَ بناؤها سنة تسعين وسِتمِائَة وَقد درس بهَا جمَاعَة من الْفُضَلَاء مِنْهُم اليونيني وَأَبُو حَفْص عمر الفارقي الدِّمَشْقِي وعلاء الدّين ابْن بنت الاعز ثمَّ الصفي الْهِنْدِيّ ثمَّ ابْن الزملكاني ثمَّ الْجمال القلانسي ثمَّ ابْن قَاضِي الزبداني ثمَّ مُحَمَّد بن الشَّهِيد ثمَّ أفاضل يطول تعدادهم أَقُول أَن هَذِه الْمدرسَة بَاقِيَة إِلَى الْآن وَهِي مَشْهُورَة مَعْرُوفَة وبابها بِنَاؤُه من الْعَجَائِب يدْخل مِنْهُ إِلَى ساحتها فَيكون عَن يَمِين الدَّاخِل التربة الظَّاهِرِيَّة وَهِي فِي قبَّة شاهقة فِي الْهَوَاء وجدرانها من الرخام الْأَبْيَض وَالْأسود مزخرفة بالفسيفساء وَفِي سنة سِتّ وَعشْرين وثلاثمائة وَألف غيرت بلاطتها وبركتها الْكَبِيرَة وأبدل ذَلِك بطراز لطيف وَبِالْجُمْلَةِ فَلم يبْق فِي داخلها من الْبناء الأول إِلَّا الْجِهَة الْقبلية وَأما الْبَاقِي فقد غير وَجعل مدرسة لصغار الطّلبَة سميت باسم نموذج الترقي وَفِي سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَألف كَانَ المرحوم مدحت باشا واليا على سورية فاهتم بإنشاء الْمكَاتب ثمَّ علم أَن دمشق كَانَ بهَا مَا لَا يعد من خَزَائِن الْكتب الْمَوْقُوفَة على المشتغلين بِالْعلمِ فمدت إِلَيْهَا أَيدي المختلسين بالنهب وَالْبيع حَتَّى لم يبْق مها إِلَّا النّذر الْقَلِيل فخاف على

الْبَاقِي من الضّيَاع فَكتب إِلَى مقرّ السلطنة بذلك كتابا يَقُول فِيهِ لما كَانَت الْكتب الْمَوْقُوفَة والمشروطة لاستفادة الْعُمُوم قد حصرت بأيدي المتولين وَحرمت النَّاس من مطالعتها كَانَ من اللَّازِم جمعهَا وَجعلهَا فِي مَكَان مَخْصُوص ليَكُون الِانْتِفَاع بهَا عَاما فصدر لَهُ الْأَمر بذلك فِي الْيَوْم الْخَامِس عشر من شباط سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَألف رُومِية الْمُوَافقَة للتاريخ الْمَذْكُور وَأعْطِي الْقَرار من طرف مجْلِس الإدارة على ذَلِك وجمعت الْكتب الْمَوْجُودَة من عشر خَزَائِن من خزانَة الْمدرسَة العمرية الَّتِي بالصالحية وَكَانَ بهَا كتب عَظِيمَة فَلم تصل يَد الَّذين جمعوها إِلَّا إِلَى بَعْضهَا وَمن مدرسة عبد الله باشا الْعظم ومكتبتها من وَقفه رَحمَه الله فِي سنة إِحْدَى عشر وَمِائَتَيْنِ وَألف وَكَانَ وَالِده مُحَمَّد باشا قد كتب وَقفهَا من قبله سنة تسعين وَمِائَة وَألف وَكَانَ مقرها فِي مدرسته إِلَّا أَن نسبتها اشتهرت إِلَى عبد الله باشا ومكتبة سُلَيْمَان باشا الْعظم وَهِي مكتبة وَقفهَا الْمَذْكُور سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَة وَألف وَكَانَ مقرها فِي مدرسته فِي بَاب الْبَرِيد ومكتبة المنلا عُثْمَان الْكرْدِي وَكَانَ مقرها فِي الْمدرسَة السليمانية ومكتبة الخياطين وَهِي مكتبة وَقفهَا اِسْعَدْ باشا الْعظم بعد سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَكَانَ مقرها فِي مدرسة وَالِده الْحَاج إِسْمَاعِيل باشا فِي محلّة الخياطين قرب الْمدرسَة النورية ومكتبة الْمدرسَة المرادية ومكتبة السميساطية وَهِي مكتبة حَدِيثَة الْعَهْد وَقفهَا أهل الْخَيْر ومكتبة الْمدرسَة الياغوشية وَكَانَت مَوْضُوعَة فِي مدرسة سياوش باشا فِي محلّة الشاغور ومكتبة الْأَوْقَاف وَهِي مكتبة مَجْمُوعَة من مكتبات مُتَفَرِّقَة تشَتت أمرهَا فَوضعت فِي ديوَان الْأَوْقَاف حفظا لَهَا ومكتبة بَيت الخطابة وَكَانَت مَوْضُوعَة فِي حجرَة الخطابة فِي جَامع بني أُميَّة

ترجمة واقفها المنسوبة إليه

ثمَّ جعل مقرّ تِلْكَ الْكتب كلهَا فِي تربة الْملك الظَّاهِر فِي الْمدرسَة الْمَذْكُورَة لمتانتها ولياقتها لتِلْك الْغَايَة وطبع دفتر بأسماء الْكتب وَعين الْوَالِي لَهَا محافظين لكل وَاحِد مِنْهُمَا مِائَتي قِرْش فِي الشَّهْر وبوابا بِخَمْسِينَ قرشا وَلما أنْتَهى المرحوم مدحت باشا تنظيمها وترتيب قانونها عزل عَن ولَايَة سورية وَجَاء بعده حمدي باشا فِي أَوَائِل سنة سِتّ وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَألف فَكتب الْحجر الَّذِي على بَاب المكتبة باسمه فكم ساع لقاعد سنة الله فِي خلقه والمكتبة الْمَذْكُورَة مَفْتُوحَة الْبَاب للمطالعين وَزَاد أهل الْخَيْر فِي كتبهَا مَا هُوَ قريب من الأَصْل وَكَانَ بِهَذِهِ الْمدرسَة دَار حَدِيث بَين إيوَان الْحَنَفِيَّة القبلي وإيوان الشَّافِعِيَّة الشَّرْقِي وَقد صَارَت بَيْتا مُنْذُ التسْعمائَة والى الْآن ودرس بهَا كثير من المدرسين مِنْهُم اليونيني الْمُحدث الْمَشْهُور وَعمر الربعِي الفارقي وَابْن بنت الْأَعَز والصفي الْهِنْدِيّ وَابْن الزملكاني والقلانسي وَابْن قَاضِي الزبداني وَابْن الشَّهِيد وَإِبْرَاهِيم اللوري وَاحْمَدْ بن غنيمَة الوَاسِطِيّ وَغَيرهم من الْمَشَاهِير وَمن وقف هَذِه الْمدرسَة الحصص بالقنيطرة ثمَّ كفر عاقب والصرمان بكمالها والاشرفية قبلي دمشق وَنصف قَرْيَة الإسطبل بالبقاع وَنصف الطرة والبستان بالصالحية تَرْجَمَة واقفها المنسوبة إِلَيْهِ هُوَ السُّلْطَان ركن الدّين بيبرس العلائي البندقداري الصَّالِحِي صَاحب الفتوحات وَهُوَ الرَّابِع من مُلُوك التّرْك قَالَ فِي تحفة الناظرين اصله تركي اشْتَرَاهُ الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب واعتقه وَلَا زَالَت الأقدار تساعده حَتَّى وصل إِلَى مَا وصل وَكَانَ ملكا شجاعا مقداما يُبَاشر الحروب بِنَفسِهِ لَهُ مَعَ التتار الوقائع الهائلة ثمَّ الإفرنج وَقد بنى مدرسة بِالْقَاهِرَةِ تجاه المارستان عَام اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَتمّ الْبناء فِي سنة سبع وَقد تقلب الزَّمَان على مدرسته بِالْقَاهِرَةِ إِلَى أَن جعلهَا الإفرنج قلعة سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف حينما استولوا على مصر وَذَلِكَ لمتانتها وصلابتها وإتقان بنائها وَقَطعُوا مَا حولهَا من الْأَشْجَار وهدموا الْأَبْنِيَة الَّتِي كَانَت بَينهَا وَبنى أَيْضا قناطر أبي المنجى بالقليوبية وقناطر السبَاع بطرِيق مصر وَغير ذَلِك من قلاع وحصون وقناطر وخانات بِالشَّام وَغَيرهَا واكمل عمَارَة الْمَسْجِد النَّبَوِيّ من الْحَرِيق وَله فتوحات كَثِيرَة فتح النّوبَة ودنقلة وَلم تفتح قبله مَعَ كَثْرَة غَزْو الْخُلَفَاء والسلاطين لَهَا

الملك السعيد

وَملك قيسارية وَلبس التَّاج وَضربت باسمه الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وجدد عمَارَة جَامع الْأَزْهَر بعد أَن خرب وَله صدقَات وأوقاف كَثِيرَة وَلما خرج إِلَى قتال التتار استفتى الْعلمَاء فِي أَخذ أَمْوَال من الرّعية فأفتوه إِلَّا النَّوَوِيّ فانه امْتنع وَكَلمه كلَاما شَدِيدا فَغَضب مِنْهُ وَأمره بِالْخرُوجِ من الشَّام فَخرج إِلَى بَلَده نوى ثمَّ رسم لَهُ بِالرُّجُوعِ فَقَالَ لَا ادخلها وَالظَّاهِر بهَا وَفِي أَيَّامه انْتَقَلت الْخلَافَة إِلَى الديار المصرية فَكَانَ أول خَليفَة بِمصْر الْمُسْتَنْصر دَخلهَا سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة فَاجْتمع بِالْملكِ الظَّاهِر واثبت نسبه عِنْد قُضَاة الشَّرْع وَبَايَعَهُ بالخلافة وأجرى عَلَيْهِ نَفَقَة وَلَيْسَ لَهُ من الْأَمر إِلَّا اسْم الْخَلِيفَة وَأَوْلَاده من بعده على هَذَا المنوال يأْتونَ إِلَى السُّلْطَان الَّذِي يُرِيدُونَ تَوليته وَيَقُولُونَ وليناك السلطنة هَكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ويتلقبون بألقاب الْخُلَفَاء وَكَانَ سلاطين الأقاليم تتبرك بهم ويرسلون لَهُم إحسانا وَيطْلبُونَ السلطنة بِاللِّسَانِ فيكتبون لَهُم تَقْلِيد وَكَانَ آخر الْخُلَفَاء بِمصْر أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يَعْقُوب الملقب بالمتوكل وَلما افتتحت الدولة العثمانية مصر أَخذه مَعَه فاتحها السُّلْطَان سليم متبركا بِهِ فَلَمَّا مَاتَ السُّلْطَان سليم عَاد إِلَى مصر إِلَى أَن توفّي بهَا سنة خمسين وَتِسْعمِائَة وبموته انْقَطَعت الْخلَافَة العباسية وَالَّذِي حَكَاهُ فِي تحفة الطَّالِب فِي تَرْجَمته الْملك الظَّاهِر انه ولد فِي حُدُود الْعشْرين وسِتمِائَة وَقَالَ اشْتَرَاهُ الْأَمِير عَلَاء الدّين البندقداري فَقبض الْملك الصَّالح عَلَيْهِ واخذ بيبرس مِنْهُ وطلع شجاعا ضَارِبًا شهد وقْعَة الْمَنْصُور وَكَانَ أَمِيرا فِي الدولة المعزية ثمَّ صَار من أَعْيَان البحرية وَولي السلطنة سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة قَالَ وَلَوْلَا ظلمه وجبروته فِي بعض الْأَحَايِين لعد من الْمُلُوك العادلين توفّي فِي الْيَوْم الثَّامِن وَالْعِشْرين من محرمسنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة بقصره الأبلق بِدِمَشْق وَخلف من الْأَوْلَاد السعيد مُحَمَّد وشلامش وَالْخضر وَسبع بَنَات وَكَانَ بيلبك قد أخْفى مَوته وَخرج من دمشق إِلَى مصر بمحفة يُوهم أَن الظَّاهِر بهَا إِلَى أَن دخل مصر فسلطن الْملك السعيد الْملك السعيد قَالَ فِي تحفة الطَّالِب ميلاده فِي حُدُود سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة بِظَاهِر الْقَاهِرَة وتملك بعد أَبِيه سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة قَالَ فِي العبر وَكَانَ شَابًّا مليحا حسن الطباع فِيهِ عدل ولين وإحسان

حرف العين

ومحبة للخير وَفِي سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة قدم دمشق وعملت القباب وَدخل القلعة فاسقط مَا وظفه أَبوهُ على الْأُمَرَاء ففرح النَّاس بِهِ ودعوا لَهُ ثمَّ خلع نَفسه فِي سنة ثَمَان وقنع بالكرك ورتبوا أَخَاهُ شلامش فِي السلطنة وعمره سبع سِنِين ثمَّ خلعه اتابكه سيف الدّين قلاوون ولقب نَفسه بِالْملكِ الْمَنْصُور ثمَّ توفّي الْملك السعيد شبه فَجْأَة بعد أَن أَقَامَ شهرا فِي قلعة الكرك ثمَّ نقل بعد شهر إِلَى مَقْبرَة وَالِده وَدفن بجانبه وتملك الكرك أَخُوهُ خضر بعده وَفِي أَخْبَار الدول للاسحاقي أَن الْملك السعيد توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَكَانَ تصرفه فِي الْملك سنتَيْن وَثَلَاثَة اشهر وَفِي تحفة الناظرين سنتَيْن وَثَمَانِية اشهر وَلَعَلَّ الأول اصح وَحكى المؤرخون سَبَب خلعه نَفسه فَقَالُوا انه لما أَتَى دمشق جرد الْعَسْكَر مِنْهَا صُحْبَة سيف الدّين قلاوون الصَّالِحِي وَتَبعهُ فِي تَجْرِيد الْعَسْكَر صَاحب حماه فَسَارُوا حَتَّى وصلوا بِلَاد سيس فَشُنُّوا الْغَارة عَلَيْهَا وغنموا وعادوا إِلَى جِهَات دمشق فاتفقوا على مُخَالفَة الْملك السعيد وخلعه من المملكة لسوء تصرفه وتدبيره وعبروا على دمشق وَلم يدخلوها فَأرْسل السعيد وَهُوَ فِي دمشق إِلَيْهِم يستعطفهم فَلم يلتفتوا إِلَى استعطافه وَأَتمُّوا السّير فَركب إِلَى مصر يحث السّير فسبقهم إِلَيْهَا وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل فحاصره الخارجون عَن طَاعَته وَأخذت عساكره بالتفرق عَنهُ والانضمام إِلَى أعدائه فَلَمَّا رأى ضعف نَفسه خلعها بِشَرْط أَن يُعْطي الكرك فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَأرْسل من وقته إِلَيْهَا فَمَاتَ بهَا بعد مُدَّة قَليلَة وَكَانَ سنه حِين تولى الْملك ثَمَانِي عشرَة سنة حرف الْعين الْمدرسَة العادلية الْكُبْرَى هِيَ دَاخل دمشق شمَالي الْجَامِع إِلَى الغرب وشرقي الخانقاه الشهابية وقبلي الجاروخية بغرب وتجاه بَاب الظَّاهِرِيَّة يفصل بَينهمَا الطَّرِيق قلت هِيَ الْآن مَعْرُوفَة وَأما مَا كَانَ بجوارها فقد قضي عَلَيْهِ بالاندراس وتناولته أَيدي المختلسين فَأَما الخانقاه الشهابية فَهِيَ الَّتِي بَابهَا مُقَابل للزقاق الْمُسَمّى قَدِيما بزقاق اللاقية وَهُوَ الَّذِي يتَوَصَّل مِنْهُ إِلَى سوق العصرونية وَالْبَاب بَاقٍ على حَاله

والخانقاه أَصبَحت بُيُوتًا للسُّكْنَى وَأما الجاروخية فَهِيَ الْآن دور وَلَا رسم للمدرسة وَلَا طلل وَحكى عماد الدّين الْكَاتِب سَبَب بنائها فَقَالَ وَفِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وصل الْفَقِيه آلامام الْكَبِير قطب الدّين النَّيْسَابُورِي وَهُوَ فَقِيه عصره ونسيج وَحده فسر نور الدّين بِهِ وأنزله بحلب بمدرسة بَاب الْعرَاق ثمَّ أطلقهُ إِلَى دمشق فدرس بزاوية الْجَامِع الغربية الْمَعْرُوفَة بالشيخ نصر الْمَقْدِسِي وبالغزالية وَنزل بمدرسة الجاروق وَشرع نور الدّين فِي إنْشَاء مدرسة كَبِيرَة للشَّافِعِيَّة لفضله وأدركه الْأَجَل دون إِدْرَاك عَملهَا لأَجله قَالَ أَبُو شامة فِي الروضتين قلت هِيَ الْمدرسَة العادلية الْآن الَّتِي بناها بعده الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن أَيُّوب أَخُو صَلَاح الدّين وفيهَا تربته وَقد رَأَيْت أَنا مَا كَانَ بناه نور الدّين وَمن بعده مِنْهَا وَهُوَ مَوضِع الْمَسْجِد والمحراب الْآن ثمَّ لما بناها الْملك الْعَادِل أَزَال تِلْكَ الْعِمَارَة وبناها هَذَا الْبناء المتقن الْمُحكم الَّذِي لَا نَظِير لَهُ فِي بُنيان الْمدَارِس وَبَقِي قطب الدّين إِلَى أَن توفّي فِي الْأَيَّام الناصرية فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة وَقد وقف كتبه على طلبة الْعلم ونقلت بعد بِنَاء هَذِه الْمدرسَة إِلَيْهَا فَمَا فَإِنَّهَا ثَمَرَته إِذْ فاتها مُبَاشرَة انْتهى فَعلم من كَلَامه أَن الْمُبْتَدِئ بإنشائها نور الدّين وان الَّذِي أتمهَا وأتقن بناءها الْملك الْعَادِل وَفِي كَلَام القَاضِي ابْن شَدَّاد مَا يُخَالِفهُ بعض الْمُخَالفَة فانه قَالَ أَنْشَأَهَا نور الدّين مَحْمُود بن زنكي وَتُوفِّي قبل أَن يُتمهَا ثمَّ بنى بَعْضهَا الْملك الْعَادِل سيف الدّين وَمَات قبل إِتْمَامهَا أَيْضا فأتمها الْملك الْمُعظم وأوقف عَلَيْهَا الْأَوْقَاف الَّتِي مِنْهَا إِلَى الْآن جَمِيع قَرْيَة الدريج وَجَمِيع قَرْيَة ركيس وَثلث قَرْيَة نبطا وَالْبَاقِي استولى عَلَيْهِ لتقادم الْعَهْد بعض أَصْحَاب الشَّوْكَة بطرِيق مَا من طرق الْحِيَل قَالَ ابْن شَدَّاد ثمَّ إِن الْملك الْمُعظم دفن وَالِده بهَا ونسبها إِلَيْهِ وبمثل قَول الْعِمَاد قَالَ ألاسدي وَابْن كثير وَلَا مَانع من أَن يكون الْعَادِل هُوَ الَّذِي بناها ثمَّ توفّي وَجَاء بعده ابْنه الْمُعظم فاكمل مَا تَركه وَالِده وَقد نعت ابْن بطوطة هَذِه الْمدرسَة فِي رحلته فَقَالَ عِنْد كَلَامه على مدارس الشَّافِعِيَّة وللشافعية بِدِمَشْق جملَة من الْمدَارِس أعظمها العادلية وَبهَا يحكم قَاضِي الْقُضَاة وتقابلها الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة وَبهَا قبر الْملك الظَّاهِر وَبهَا جُلُوس نواب القَاضِي انْتهى

وَأول من درس بهَا القَاضِي جمال الدّين الْمصْرِيّ وَكَانَ درسا عَظِيما حضر عِنْده السُّلْطَان الْمُعظم فَجَلَسَ فِي الصَّدْر عَن شمال الْمدرس وَجلسَ الْجلَال الحصري عَن يَمِينه ثمَّ انتظم الْجمع من مثل ابْن الصّلاح والأمدي وَابْن سني الدولة وَكثير من الْعلمَاء والأمراء والكبراء حَتَّى امْتَلَأَ الإيوان بِالنَّاسِ وَكَانَت هَذِه عَادَة الدُّرُوس الرسمية فِي تِلْكَ الْأَزْمَان وَكَانَت المناقشات والمناظرات تَدور على أُصُولهَا ويشتد الْخلاف بَين الْفرق وَقد بقيت بَقِيَّة من تِلْكَ الْعَادة إِلَى زمننا هَذَا وَلَكِن صَار التدريس اسْما بِلَا جسم وجهلا بِلَا علم فَلَا مناقشات وَلَا مناظرات بل غَايَة أَمر الْمدرس أَن يسْتَأْجر من يؤلف لَهُ الدَّرْس ثمَّ يسرده وَلَا يفهم معنى مَا يَقُول وَفِي تَرْجَمَة ابْن خلكان انه قَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ فِي العادلية وَكَانَ يحضر كثير من الْعلمَاء مِنْهُم جمال الدّين ابْن مَالك فَإِذا وجدت جملَة مشكلة من جِهَة الْأَعْرَاب تكلم فِيهَا وكتبها حَتَّى أكمل كِتَابه فِي إِعْرَاب مُشكل البُخَارِيّ وَهُوَ كتاب عَظِيم الْفَائِدَة وَحكى ابْن كثير فِي تَارِيخه إِن العادلية خربَتْ سنة أَربع وَسَبْعمائة وَيظْهر من كَلَامه أَنَّهَا كَانَت قبلهَا معطلة وَلم يكن أحد يحكم بهَا بعد وَاقعَة قازان حَيْثُ انه خربها ثمَّ فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور جددت عمارتها فَعَادَت لَهَا أَيَّامهَا ثمَّ انحطت عقب وقائع تيمورلنك فخلت من المدرسين وتناولتها أَيدي المختلسين كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن قَاضِي شُهْبَة فانه يَقُول وَمن وقائع تيمورلنك إِلَى زَمَنه يَعْنِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة لم يدرس بهَا أحد انْتهى وَكَانَ جملَة من درس بهَا من قبل تِسْعَة عشر مدرسا وانشأ الْوَاقِف بهَا مشيخة إقراء وَنَحْو وَليهَا جماعات من الْفُضَلَاء ثمَّ تقهقرت أحوالها إِلَى مَا بعد الْألف فتولاها بعض المدرسين ثمَّ اشْتهر الشَّيْخ شهَاب الدّين احْمَد المنيني بِالْعلمِ وَالْفضل فدرس بالسميساطية وَجعل سكنه بهَا وبسبب كَثْرَة مخالطته للكبراء وأرباب المناصب توجه عَلَيْهِ تدريس العادلية الْكُبْرَى وتولية السميساطية والعمرية فانتقل إِلَى العادلية وَلم يزل بهَا إِلَى أَن توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة وَألف فاستولى أَوْلَاده على الْمدَارِس الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة ثمَّ انْتَقَلت إِلَى أَوْلَادهم إِلَى زمن مُحَمَّد أَفَنْدِي المنيني مفتي دمشق فاستولى عَلَيْهَا وَاتخذ العادلية بَيْتا للسُّكْنَى وَجعل مَسْجِدهَا إسطبلا للدواب وَتصرف فِيهَا وَفِي أوقاف الْمدَارِس الثَّلَاثَة كَيْفَمَا شَاءَ وَشاء لَهُ الْهوى ثمَّ مَاتَ فأكمل الِاسْتِيلَاء وَلَده توفيق أَفَنْدِي وَبقيت إِلَى الْآن اعني إِلَى سنة سبع وَعشْرين وثلاثمائة بعد الْألف تَحت سيطرته ونفوذه وَفِي أيامنا جعل مَسْجِدهَا

ترجمة بانيها

مخزنا لبيع الفحم وَاتخذ أعوانه مِمَّن يعيشون من أكل أَمْوَال الْأَوْقَاف سِلَاحا للمدافعة عَنْهَا ليعينهم هُوَ وشيعته على المدافعة عَمَّا اختلسوه من الْأَوْقَاف {إِن رَبك لبالمرصاد} آيَة 89 / 14 {وَلَا تحسبن الله غافلا عَمَّا يعْمل الظَّالِمُونَ} آيَة 14 / 42 تَرْجَمَة بانيها قد علم مِمَّا تقدم أَن باني الْمدرسَة هُوَ الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبُو بكر مُحَمَّد ابْن الْأَمِير نجم الدّين أَيُّوب بن شاذي ولد ببعلبك أَيَّام ولَايَة أَبِيه عَلَيْهَا وَنَشَأ فِي خدمَة نور الدّين مَعَ أَبِيه وَكَانَ أَخُوهُ صَلَاح الدّين يستشيره ويعتمد عَلَيْهِ وعَلى رَأْيه وعقله ودهائه وَلم يكن أحد يتَقَدَّم عَلَيْهِ عِنْده وَلما تسلطن صَلَاح الدّين اسْتخْلف أَخَاهُ الْعَادِل بِمصْر ثِقَة بِهِ واعتمادا عَلَيْهِ وعلما بِمَا هُوَ عَلَيْهِ من توفر الْعقل وَحسن السِّيرَة فَلَمَّا توفّي صَلَاح الدّين ملك دمشق وَبَقِي مَالِكًا لَهَا وَفِي سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة قَامَ الإفرنج لمحاربته فقصد هُوَ مرج الصفر فَلَمَّا سَار الإفرنج إِلَى ديار مصر انْتقل إِلَى عالقين فَأَقَامَ بهَا وَمرض إِلَى أَن توفّي سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة وَدفن بتربته فِي مدرسة العادلية وَكَانَ على مَا حَكَاهُ فِي تَرْجَمته ابْن الْأَثِير فِي الْكَامِل عَاقِلا ذَا رَأْي سديد ومكر شَدِيد وخديعة صبورا حَلِيمًا ذَا أَنَاة يسمع مَا يكره ويغض عَلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَا يسمعهُ كثير الْحَرج وَقت الْحَاجة لَا يقف فِي شَيْء وَإِذا لم تكن حَاجَة فَلَا وعاش خمْسا وَسبعين سنة وشهورا وَملك دمشق سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ومصر سنة سِتّ وَتِسْعين وَكَانَ قد قسم فِي حَيَاته الْبِلَاد بَين أَوْلَاده فَجعل بِمصْر الْكَامِل مُحَمَّدًا وبدمشق والقدس وطبرية والأردن والكرك وَغَيرهَا من الْحُصُون الْمُجَاورَة لَهَا ابْنه الْمُعظم عِيسَى وَجعل بعض ديار الجزيرة وميافارقين وخلاط وأعمالها لِابْنِهِ الْملك الْأَشْرَف مُوسَى وَأعْطى الرها لوَلَده شهَاب الدّين غَازِي وَأعْطى قلعة جعير لوَلَده الْحَافِظ أرسلان شاه فَلَمَّا توفّي ثَبت كل مِنْهُم فِي مَمْلَكَته وَاتَّفَقُوا اتِّفَاقًا حسنا وَلم يجر بَينهم من الِاخْتِلَاف مَا كَانَ يجْرِي بَين أَوْلَاد الْمُلُوك بعد آبَائِهِم بل كَانُوا كالنفس الْوَاحِدَة كل مِنْهُم يَثِق بِالْآخرِ ويحضر عِنْده مُنْفَردا من عسكره وَلَا يخافه فَلَا جرم زَاد ملكهم وَرَأَوا من نَفاذ الحكم وَالْأَمر مَا لم يره أبوهم وَسَتَأْتِي زِيَادَة على هَذَا عِنْد الْكَلَام على التربة العادلية وَفِي الْقسم السياسي من هَذَا الْكتاب

المدرسة العادلية الصغرى

الْمدرسَة العادلية الصُّغْرَى هِيَ دَاخل بَاب الْفرج شَرْقي بَاب القلعة الشَّرْقِي قبلي الدماغية والعمادية كَذَا عرفهَا فِي تحفة الطَّالِب وَأما الْآن فَلَا اثر للدماغية وَلَا للعمادية إِلَّا بعض جدران لم تقو الْحَوَادِث على مصادمتها والمدرستان صارتا دورا للسُّكْنَى والعادلية الْآن فِي سوق العصرونية فِي جَانِبه الشمالي وَلم يبْق بهَا إِلَّا حجرتان فِي مدخلها وبركة مَاء فِي ساحتها وإيوانان اتخذ أَحدهمَا للصَّلَاة وَالثَّانِي لإقراء الصغار الْقُرْآن وَاصل إنشائها أَن بَابا خاتون بنت أَسد الدّين شيركوه كَانَت اشترت دَارا وحماما وقرية كامد وَحِصَّة من قَرْيَة برقوم من أَعمال حلب وَحِصَّة من قَرْيَة بَيت الدَّار ثمَّ وقفت ذَلِك جَمِيعه على نَفسهَا أَيَّام حَيَاتهَا ثمَّ من بعْدهَا على ابْنة عَمها زهرَة خاتون بنت الْملك الْعَادِل مشترطة عَلَيْهَا أَن تكون الدَّار مدرسة ومدفنا ومواضع للسُّكْنَى وان يكون للمدرسة مدرس ومعيد وَإِمَام ومؤذن وبواب وقيم وَعِشْرُونَ فَقِيها ثمَّ تصرفت فِي كتاب وَقفهَا فِي الْجِهَات الْمَذْكُورَة فَجعلت مِنْهَا مَا هُوَ على مصَالح الْمدرسَة ومصارفها وَمِنْهَا مَا هُوَ على أقاربها ومعتقيها وَذَلِكَ فِي أَوَائِل شهر رَمَضَان سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة كَذَا قَالَه ابْن قَاضِي شُهْبَة ثمَّ إِن زهرَة أنشأت الْمدرسَة على وفْق شُرُوط الواقفة فانتظمت أحوالها ثمَّ نابها الزَّمَان وأصابها من جور جارتها القلعة مَا أَصَابَهَا فَفِي مُخْتَصر تَارِيخ الْإِسْلَام للذهبي انه فِي سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة 699 دخل التتار دمشق وشرعوا فِي المصادرة وَالْفِسْق ونهبوا الصالحية وَسبوا أَهلهَا وَتغَير الْخلق وَوَقع الْحَرِيق من صَاحب سيس والكفرة فأحرقوا جَامع العقيبة وعدة أَمَاكِن وحاصروا القلعة وَعمِلُوا المنجنيق والنقوب فَأحرق أهل القلعة دَار السَّعَادَة وداري الحَدِيث الأشرفية والنورية والعادلية وَخَربَتْ تِلْكَ الْمحلة وَبَقِي بَاب الْبَرِيد إسطبلا فِيهِ الزبل نَحْو ذِرَاع انْتهى وَحَاصِل القَوْل أَن العادليتين الْآن قد استعملتا فِي غير مَا وضعتا لَهُ ودرس بالعادلية الْمَذْكُورَة شرف الدّين ابْن نعْمَة الْمَقْدِسِي ثمَّ بعده نَحْو اثْنَي عشر مدرسا أخرهم احْمَد بن صَالح الْعَدوي الزُّهْرِيّ البقاعي الْمُتَوفَّى سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة تَرْجَمَة بانيها تقدم أَن العادلية كَانَت دَارا لرجل يُقَال لَهُ عَبْدَانِ الفلكي فاشترتها بَابا خاتون بنت أَسد الدّين شيركوه ثمَّ أوقفتها مدرسة وَلم نظفر بترجمة لبابا الْمَذْكُورَة

المدرسة العذراوية

وَأسد الدّين هَذَا كَانَ عَمَّا للسُّلْطَان صَلَاح الدّين واستوزره السُّلْطَان نور الدّين مَحْمُود ابْن زنكي على مصر ولقبه بِالْملكِ الْمَنْصُور أَمِير الجيوش وَأرْسل إِلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ العاضد منشور الوزارة وَهُوَ الَّذِي استخدم القَاضِي الْفَاضِل فِي الْكِتَابَة وهنأه الْعِمَاد الْكَاتِب بقصيدة طَوِيلَة أَولهَا (بالجد أدْركْت مَا أدْركْت لَا اللّعب ... كم رَاحَة جنيت من دوحة التَّعَب) وَهِي طَوِيلَة رَوَاهَا صَاحب الروضتين وَتُوفِّي أَسد الدّين فَجْأَة سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَت وزارته شَهْرَيْن وَخَمْسَة أَيَّام وفوض الْأَمر بعده فِي مصر إِلَى ابْن أَخِيه صَلَاح الدّين الْمدرسَة العذراوية كَانَت بحارة الغرباء دَاخل بَاب النَّصْر وفيهَا بَاب ينفذ إِلَيْهَا وَهِي وقف على الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة كَذَا فِي تحفة الطَّالِب أَقُول هَذِه الْمدرسَة هِيَ بِالْقربِ من القجماسية غربي حمام السِّت عذرا فِي أَوَائِل الزقاق الْمُسَمّى بزقاق المبلط وَقد صَارَت الْآن دَارا وَلم يبْق من آثرها سوى قبر الواقفة وَمحل قبرها اسْتعْمل زَاوِيَة يجمع بهَا سكان الدَّار النِّسَاء فِي أَيَّام مَعْلُومَة ويضربون هُنَاكَ الطبول والمزاهر ويزعمون أَنَّهَا طَريقَة الْمحيا وللقبر شباك ينفذ إِلَى حمام السِّت عذرا وَلَوْلَا وجود الْقَبْر لما علمنَا مَكَانهَا وَلَا اتَّضَح لنا آثرها تَرْجَمَة الواقفة هِيَ السِّت عذراء بنت السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف توفيت سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة ودفنت فِي مدرستها وَكَانَت تحب الْخَيْر وتدأب على فعله وَلأَهل دمشق اعْتِقَاد كَبِير حسب عَادَتهم فِي الْقُبُور وتعظيمها وَنسبَة الْولَايَة لأصحابها وَأول من درس بمدرستها الْفَخر بن عَسَاكِر ثمَّ بعده ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ مدرسا ثمَّ تقلبت بهَا الْأَحْوَال إِلَى أَن صَارَت دَارا وَقيل أَن السِّت عذراء هِيَ بنت الْأَمِير نور الدولة شاهنشاه بن نجم الدّين أخي السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَالْأول اصح وَالله اعْلَم

المدرسة العزيزية

الْمدرسَة العزيزية كَانَت شَرْقي التربة الصلاحية وَغَرْبِيٌّ التربة ألاشرفية وشمالي الْفَاضِلِيَّةِ بالكلاسة لصيق الْجَامِع الْأمَوِي وَقد أَصبَحت الْآن مَجْهُولَة الْأَثر لَا يعرف محلهَا وَلَا يدرى مقرها وَأول من أسسها الْملك الْأَفْضَل ثمَّ أتمهَا الْملك الْعَزِيز عُثْمَان بن صَلَاح الدّين وَنقل وَالِده إِلَى قبَّة فِي جوارها قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب فِي رسَالَته الَّتِي سَمَّاهَا عتبى الزَّمَان كَانَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين لما توفّي بالقلعة فِي منزله جعل وَلَده الْأَفْضَل يتروى فِي مَوضِع يَنْقُلهُ إِلَيْهِ وَاسْتَشَارَ فِي ذَلِك فأشير عَلَيْهِ فِي سنة تسعين بِأَن يَبْنِي تربته عِنْد مَسْجِد الْقدَم وَيَبْنِي عِنْدهَا مدرسة للشَّافِعِيَّة وَقَالُوا إِذا وصل الْملك الْعَزِيز اسْتغنى بزيارتها عَن الدُّخُول إِلَى دمشق لأَجلهَا وَقَالُوا إِن السُّلْطَان لما مرض سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ بحران كَانَ قد أوصى أَن يدْفن بِدِمَشْق قبلي ميدان الْحَصَى وَيكون قَبره على النهج السَّائِل وَطَرِيق القوافل ليدعو لَهُ الْوَارِد والصادر والبادي والحاضر وَتجوز عَلَيْهِ فِي الْغَزَوَات العساكر قَالُوا وان تناءت الأَرْض عَن مَكَان الْوَصِيَّة فَهِيَ مِنْهُ قريبَة فَأمر الْأَفْضَل بِبِنَاء التربة عِنْد مَسْجِد الْقدَم قَالَ فاتفق وُصُول الْعَزِيز تِلْكَ السّنة للحصار وهم قد شرعوا فِي عمارتها فخرب مَا كَانَ قد ارْتَفع من الْبناء ثمَّ استقرأ الْأَفْضَل حُدُود الْجَامِع ليجعل التربة فِيهَا فوفق لدار كَانَت لبَعض الصَّالِحين فاشتراها مِنْهُ وَأمر بعمارتها قبَّة فعمرت وَنقل إِلَيْهَا السُّلْطَان يَوْم عَاشُورَاء من سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَيُقَال انه دفن مَعَه سَيْفه الَّذِي كَانَ مَعَه فِي الْجِهَاد وَكَانَ ذَلِك بِرَأْي القَاضِي الْفَاضِل وَقَالَ فِي العبر وَكَانَ للأمير أُسَامَة دَار بِجنب تربة صَلَاح الدّين فَأمر الْملك الْعَزِيز القَاضِي مُحي الدّين ابْن الزكي أَن يبنيها لَهُ مدرسة فَفعل وَفِي الروضتين إِن الْعَزِيز أوقف عَلَيْهَا قَرْيَة عَظِيمَة يُقَال لَهَا محجة وَأُسَامَة هَذَا هُوَ ابْن مرشد بن عَليّ بن منقذ أحد الْأُمَرَاء وَالشعرَاء الْمَشْهُورين كَانَت دَاره معقلا للفضلاء ومنزلا للْعُلَمَاء وَهُوَ ذُو فضل كثير وَعلم غزير كَانَ من أَبنَاء مُلُوك شيزر وَأقَام بِمصْر أَيَّام الفاطميين ثمَّ دخل دمشق فاحتفل بِهِ صَلَاح الدّين وفضله على سَائِر الدَّوَاوِين وَكَانَ فِي أَيَّام شبابه شهما شجاعا فاتكا توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَسنة سِتّ وَتسْعُونَ

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها هُوَ أَبُو الْفَتْح عُثْمَان ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة بداره بِالْقَاهِرَةِ وَلما مَاتَ وَالِده كَانَ نصِيبه الْقَاهِرَة فملكها خمس سِنِين وَعشرَة اشهر قَالَ موفق الدّين عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ كَانَ الْملك الْعَزِيز شَابًّا حسن الصُّورَة ظريف الشَّمَائِل قَوِيا ذَا بَطش زَائِد وخفة حَرَكَة حييا كَرِيمًا عفيفا عَن الْأَمْوَال والفروج اهـ وَفِي العبر أَن الْعَزِيز لما كَانَ سُلْطَانا على مصر نازعته نَفسه بامتلاك دمشق من أَخِيه الْأَفْضَل فَسَار سنة تسعين وسِتمِائَة فَنزل بنواحي ميدان الْحَصَى فَأرْسل الْأَفْضَل إِلَى عَمه الْعَادِل صَاحب الديار الجزرية يستنجده وَكَانَ يَثِق بِهِ ويعتمد عَلَيْهِ فَسَار الْعَادِل إِلَى دمشق وَمَعَهُ كل من أَصْحَاب حلب وحماه وحمص والموصل علما مِنْهُم أَن الْعَزِيز أَن ملك دمشق اخذ بِلَادهمْ فَلَمَّا رأى الْعَزِيز اجْتِمَاعهم علم انه لَا قدرَة لَهُ على الْبَلَد فترددت الرُّسُل حِينَئِذٍ بِالصُّلْحِ فاستقر الْأَمر على أَن يكون الْبَيْت الْمُقَدّس وَمَا جاوره من أَعمال فلسطين للعزيز وَتبقى دمشق وطبرية وأعمالها الْغَوْر للأفضل على مَا كَانَت عَلَيْهِ وان يُعْطي الْأَفْضَل أَخَاهُ الْملك الظَّاهِر جبلة ولاذقية وان يكون للعادل بِمصْر اقطاعه الأول وَاتَّفَقُوا على ذَلِك وَعَاد كل إِلَى مقره ثمَّ حاصر دمشق مرّة ثَانِيَة فِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَعَاد عَنْهَا مُنْهَزِمًا لما ذَكرْنَاهُ فِي الْقسم السياسي وَلما مَاتَ الْعَزِيز أقيم وَلَده على مقَامه ولقب بالمنصور فَاخْتلف الْأُمَرَاء عَلَيْهِ وَلم تنتظم أَحْوَاله وَكَانَ من أمره مَا كَانَ حَتَّى ملك الْعَادِل الْبِلَاد والمدرسة العزيزية كَانَت ذَات شهرة وافرة درس بهَا القَاضِي مُحي الدّين ابْن الزكي ثمَّ وَلَده ثمَّ أَخُوهُ ثمَّ من بعدهمْ اثْنَا عشر مدرسا مِنْهُم عبد الصَّمد بن مُحَمَّد الشهير بِابْن الحرستاني وَقد كَانَ الْعِزّ بن عبد السَّلَام يرجحه على الْفَخر ابْن عَسَاكِر وَمِنْهُم شيخ الْمُتَكَلِّمين فِي زَمَنه سيف الدّين عَليّ آلامدي درس بالعزيزية مُدَّة بتوليه من الْملك الْمُعظم وَلما ولي أَخُوهُ الْأَشْرَف مُوسَى عَزله عَن التدريس لِأَنَّهُ اتهمه بالفلسفة وبالاشتغال بعلوم الْأَوَائِل ونادى الْأَشْرَف فِي الْمدَارِس قَائِلا من ذكر غير التَّفْسِير وَالْفِقْه أَو تعرض لكَلَام الفلاسفة نفيته فَأَقَامَ آلامدي خامدا خاملا فِي بَيته إِلَى أَن توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَقَالَ الذَّهَبِيّ اقْرَأ آلامدي بِمصْر مُدَّة فنسبوه إِلَى دين الْأَوَائِل وَكَتَبُوا محضرا

المدرسة العصرونية

بِإِبَاحَة دَمه فهرب وَسكن حماة ثمَّ دمشق وَلم يكن لَهُ نَظِير فِي الْأَصْلَيْنِ وَالْكَلَام والمنطق انْتهى وَهَذِه عَادَة الدَّهْر مَعَ الأفاضل على أَن آلامدي كَانَ من حَقه أَن يفتخر زَمَنه بِهِ ويباهي بِهِ الْأَزْمَان الَّتِي بعده وَمن تَأمل مؤلفاته وَمَا انطوت عَلَيْهِ من التحقيقات أذعن لذَلِك وَللَّه فِي خلقه شؤون الْمدرسَة (العصرونية) دَاخل بَابي الْفرج والنصر شَرْقي القلعة وَغَرْبِيٌّ الْجَامِع بمحلة حجر الذَّهَب عِنْد سويقة بَاب الْبَرِيد كَذَا فِي التُّحْفَة وَغَيرهَا أَقُول هِيَ الْآن بسويقة العصرونية فِي الْجَانِب القبلي مِنْهَا وَهِي مَشْهُورَة والسويقة مُسَمَّاة باسمها وَقد تناولتها أَيدي المختلسين حينا من الدَّهْر ثمَّ قيض الله لَهَا من استخلص بَعْضًا مِنْهَا وَجعله جَامعا وَلَيْسَ بهَا الْآن سوى بركَة مَاء فِي ساحتها وإيوان للصَّلَاة فِي الْجَانِب القبلي والمدرسة ينزل إِلَيْهَا بدرج وباقيها قد صَارَت حوانيت للْبيع وَالشِّرَاء قَالَ ابْن كثير هِيَ مُقَابل دَار الْبَانِي بَينهمَا عرض الطَّرِيق وَقد صَارَت دَاره الْآن قيسارية بالعمارة للْغَيْر وَالْأَرْض لذريته لَا للمدرسة وَبَقِي إِلَى الْآن آثَار عِمَارَته خرابا انْتهى قلت أما القيسارية فَهِيَ الْآن خَان للدواب وَمن وقف الْمدرسَة عشرَة قراريط وَنصف قِيرَاط من قَرْيَة هُرَيْرَة وَمِنْه ببعلبك مزرعتان معروفتان بدير النيط وقدرهما نَحْو عشرَة قراريط شركَة الخانقاه السميساطية وَمِنْه مزرعة تعرف بالجلدية نَحْو أَرْبَعَة عشر قيراطا كَانَ أهل الجعيدية يزرعونها وَمِنْه قِيرَاط وَنصف وَربع قِيرَاط من قَرْيَة حمَار بالمرج وَمِنْه بالتابتية خَارج بَاب الْجَابِيَة بِدِمَشْق بُسْتَان يعرف بالسنبوسكي وَشرط الْوَاقِف أَن لَا يزِيد فقهاؤها على عشْرين فَقِيها من الشَّافِعِيَّة وَغَيرهم وان التدريس لذريته ويستناب عَمَّن لم يكن أَهلا لَهُ وان يدرس بهَا من تصانيفه فان تَعَذَّرَتْ يكون التدريس فِي الْخلاف وَجعل لأرباب الْوَظَائِف قدرا مَعْلُوما من الْقَرَاطِيس قَالَ فِي التَّنْبِيه كَذَا اخبرني من رأى كتاب الْوَقْف من ذُرِّيَّة الْوَاقِف

ترجمة الواقف

درس بهَا ولداه نجم الدّين ومحي الدّين وجماعات من الذُّرِّيَّة قَالَ العلموي وَكَأَنَّهُ وَالله اعْلَم لما انْقَطَعت الذُّرِّيَّة من الْعلم تخَلّل بَينهم فِي التدريس من لَيْسَ من الذُّرِّيَّة كأحمد بن نصر الله وشمس الدّين بن غَانِم وجمال الدّين القلانسي فولده أَمِين الدّين وأمثال من يَأْكُلُون حَرَامًا وَقد كَانَ ذَلِك سائغا لَو تَعَذَّرَتْ الذُّرِّيَّة انْتهى تَرْجَمَة الْوَاقِف هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن هبة الله بن عَليّ بن المطهر بن أبي عصرون بن أبي السّري التَّمِيمِي الْموصِلِي نزيل دمشق قَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ أحد الْأَعْلَام وَكَانَ من الصلحاء وَالْعُلَمَاء العاملين ولد بالموصل سنة اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَقَالَ ابْن السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَات الْوُسْطَى كَانَ من افقه أهل عصره واليه الْمُنْتَهى فِي الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَام تفقه على أبي مُحَمَّد عبد الله ابْن أبي الْقَاسِم الشهرزوري وَالْقَاضِي أبي عَليّ الفارقي واسعد الميهني وَغَيرهم وَقَرَأَ الْأُصُول على ابْن برهَان وتفقه عَلَيْهِ خلق كثير وَتُوفِّي فِي شهر رَمَضَان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَقَالَ ألاسدي قَرَأَ بالسبع وبالعشر وَتوجه إِلَى وَاسِط فتفقه بهَا واشتغل بالنحو وَرجع إِلَى بَلَده بِعلم كثير واخذ يدرس بِهِ ثمَّ أَقَامَ بسنجار وَولي قضاءها وَقَضَاء نَصِيبين وحران وَغَيرهمَا قَالَ السُّبْكِيّ وَدخل حلب فَأقبل عَلَيْهِ ملكهَا نور الدّين فَلَمَّا انْتقل إِلَى دمشق سنة تسع وَأَرْبَعين صَحبه مَعَه وولاه تدريس العادلية ثمَّ انْتقل إِلَى حلب وَولي الْقَضَاء بسنجار وحران وديار ربيعَة ثمَّ عَاد إِلَى دمشق فِي سنة سبعين أَيَّام صَلَاح الدّين فولاه قَضَاء دمشق وَاسْتمرّ فِيهِ إِلَى سنة سبع وَسبعين فأضر فولى صَلَاح الدّين قَضَاء دمشق لوَلَده مُحي الدّين قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين ابْن قدامَة كَانَ ابْن أبي عصرون أَمَام أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي عصره وَقد بنى لَهُ نور الدّين مدرسة بحلب ومدرسة بحمص ومدرسة ببعلبك وَقد بنى هُوَ لنَفسِهِ مدرسة بِدِمَشْق وَدفن بهَا قَالَ ابْن الصّلاح توفّي وَقد بلغ ثَلَاثًا وَتِسْعين سنة انْتهى

المدرسة العمادية

وَقد صنف كتبا جمة مِنْهَا صفوة الْمَذْهَب من نِهَايَة الْمطلب فِي سبع مجلدات والانتصار فِي أَربع مجلدات والمرشد فِي مجلدين والذريعة فِي معرفَة الشَّرِيعَة والتبيين فِي الْخلاف فِي أَرْبَعَة أَجزَاء ومأخذ النّظر ومختصر فِي الْفَرَائِض والإرشاد فِي نصْرَة الْمَذْهَب لم يتم وَذهب فِيمَا نهب لَهُ بحلب والتنبيه فِي معرفَة الْأَحْكَام وفوائد الْمُنْذِرِيّ فِي مجلدين وَجمع جُزْءا فِي جَوَاز قَضَاء الْأَعْمَى وَقد أورد لَهُ الْعِمَاد الْكَاتِب أشعارا كَثِيرَة مِنْهَا (أآمل أَن احيا وَفِي كل سَاعَة ... تمر بِي الْمَوْتَى تهز نعوشها) (وَهل أَنا إِلَّا مثلهم غير أَن لي ... بقايا لَيَال فِي الزَّمَان أعيشها) وَمِمَّا يَنْتَظِم فِي سلك هَذِه التَّرْجَمَة مَا حَكَاهُ فِي الروضتين عَن الدولعي قَالَ لما مَاتَ الْحَافِظ الْمرَادِي كُنَّا جمَاعَة الْفُقَهَاء قسمَيْنِ الْعَرَب والأكراد فمنا من مَال إِلَى الْمَذْهَب وَأَرَادَ أَن يَسْتَدْعِي الشَّيْخ شرف الدّين ابْن أبي عصرون وَكَانَ بالموصل وَمنا من مَال إِلَى علم النّظر وَالْخلاف وَأَرَادَ أَن يَسْتَدْعِي القطب النَّيْسَابُورِي وَكَانَ قد جَاءَ وزار بَيت الْمُقَدّس ثمَّ عَاد إِلَى بِلَاد الْعَجم فَوَقع بَيْننَا كَلَام بِسَبَب ذَلِك وَوَقعت فتْنَة بَين الْفُقَهَاء فَسمع نور الدّين بذلك فاستدعى جمَاعَة الْفُقَهَاء إِلَى القلعة بحلب وَخرج إِلَيْهِم مجد الدّين ابْن الداية عَن لِسَانه وَقَالَ لَهُم نَحن مَا أردنَا بِبِنَاء الْمدَارِس إِلَّا نشر الْعلم ودحض الْبدع من هَذِه الْبَلدة وَإِظْهَار الدّين وَهَذَا الَّذِي جرى بَيْنكُم لَا يحسن وَلَا يَلِيق وَقد قَالَ الْمولى نور الدّين نَحن نرضي الطَّائِفَتَيْنِ ونستدعي ابْن أبي عصرون والنيسابوري فاستدعاهما جَمِيعًا وولاهما مدرستين فرحمه الله من عَادل حَلِيم الْمدرسَة الْعمادِيَّة دَاخل بَابي الْفرج والفراديس لصيق الْمدرسَة الدماغية من جِهَة الْقبْلَة كَذَا كَانَ تَعْرِيفهَا وَقد اندرست معالمها واختفى أَثَرهَا وتنوسي ذكرهَا وَصَارَت دورا للسُّكْنَى وَاخْتلف فِي بانيها فَقَالَ ابْن شَدَّاد بناها عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن نور الدّين وأوقف عَلَيْهَا الْأَوْقَاف السُّلْطَان صَلَاح الدّين انْتهى ورده النعيمي فَقَالَ إِنَّمَا الَّذِي بناها نور الدّين مَحْمُود بن زنكي لأجل خطيب دمشق أَبُو البركات الْخضر بن شبْل

حرف الغين

الْحَارِثِيّ وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة الْحَارِثِيّ درس بالغزالية والمجاهدية وَبنى لَهُ نور الدّين مَحْمُود مدرسته الَّتِي عِنْد بَاب الْفرج فدرس بهَا وَهِي الْآن تعرف بالعمادية وَقَالَ أَبُو شامة فِي الروضتين فِي حوادث سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَفِي شعْبَان من هَذِه السّنة قدم دمشق عماد الدّين الْكَاتِب أَبُو حَامِد مُحَمَّد بن مُحَمَّد الاصفهاني مُصَنف كتابي الْفَتْح والبرق فأنزله كَمَال الدّين أَبُو الْفضل مُحَمَّد ابْن عبد الله بن الْقَاسِم بن الشهرزوري بِالْمَدْرَسَةِ النورية الشَّافِعِيَّة عِنْد حمام الْقصير بِبَاب الْفرج المنسوبة الْآن إِلَى الْعِمَاد وَإِنَّمَا نسبت إِلَيْهِ لَان نور الدّين رَحمَه الله ولاه إِيَّاهَا فِي رَجَب سنة سبع وَسِتِّينَ بعد الشَّيْخ الْفَقِيه ابْن عبد وَقَالَ الذَّهَبِيّ قَرِيبا من هَذَا وَهَذَا يصحح أَن الْمدرسَة بِنَاء نور الدّين ودرس بهَا جمَاعَة مِنْهُم الْحَارِثِيّ وولداه عز الدّين وتاج الدّين وعماد الدّين الْكَاتِب وَغَيرهم إِلَى أَن غَدَتْ تنشد قَول الْعِمَاد (يَوْم النَّوَى لَيْسَ من عمري بمحسوب ... وَلَا الْفِرَاق إِلَى عيشي بمنسوب) (مَا اخْتَرْت بعْدك لَكِن الزَّمَان أَتَى ... كرها بِمَا لَيْسَ يَا مَحْبُوب محبوبي) وَحكى النعيمي انه وقف على قَائِمَة بِخَط تَقِيّ الدّين ابْن قَاضِي شُهْبَة تَتَضَمَّن محاسبة أوقاف الْعمادِيَّة مؤرخة فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة والقائمة ذكرهَا بِتَمَامِهَا وَبهَا من الْأَوْقَاف حَانُوت بجوار الْمدرسَة وعلوه طبقَة ومحاكرة المزرعة الْمَعْرُوفَة بالعمادية بقصر اللباد بِالْقربِ من حارة السُّلَيْمَانِي ومحاكرة نصف المزرعة بالوادي التحتاني وتعرف بالدماغية ومحاكرة الجنينة ومحاكرة كل من ثَلَاثَة من الديارومحاكرة حوانيت قد ذكر اسماء اصحابها وَلَيْسَ الْآن لذكرهم فَائِدَة لتغير الْأَسْمَاء والمسميات وَيظْهر من الْقَائِمَة انه كَانَ بهَا يَوْمئِذٍ عشرَة من الْفُقَهَاء يتناولون معلومهم وَأَنَّهَا كَانَت عامرة وَلها مدرس وَإِمَام وبواب وقيم فسبحان الْبَاقِي حرف الْغَيْن الْمدرسَة الغزالية هِيَ زَاوِيَة بالجامع الْأمَوِي شمَالي مشْهد عُثْمَان وَكَانَت قبل ذَلِك تعرف بالشيخ نصر الْمَقْدِسِي وَإِنَّمَا نسبت إِلَى الْغَزالِيّ لِأَنَّهُ لما دخل دمشق قصد الخانقاه السميساطية

حرف الفاء

ليسكنها فَمَنعه الصُّوفِيَّة الَّذين كَانُوا بهَا يَوْمئِذٍ من الدُّخُول لعدم معرفتهم بِهِ فَعدل عَنْهَا وَأقَام بِهَذِهِ الزاوية بالجامع وَبعد يسير من استقراره بهَا عرف مقَامه ومنزلته وَعلم مَكَانَهُ فَحَضَرَ الصُّوفِيَّة بأسرهم إِلَيْهِ واخذوا فِي الِاعْتِذَار عَمَّا بدر مِنْهُم وسألوه النُّزُول بالسميساطية فأجابهم لطلبهم فَعرفت الزاوية بِهِ اخبر بذلك ابْن شَدَّاد عِنْد كَلَامه على الزوايا الَّتِي هِيَ بالجامع قَالَ ابْن كثير هَذِه الزاوية يُقَال لَهَا الغزالية وتعرف بزاوية الدولعي وبزاوية القطب النَّيْسَابُورِي وبزاوية الشَّيْخ نصر وَكَانَ نصر يدرس بهَا احتسابا وَلم يكن لَهَا وقف فَلَمَّا درس بهَا الْغَزالِيّ وقف عَلَيْهَا السُّلْطَان صَلَاح الدّين قَرْيَة خرم باللوى من حوران وَجعل ريعها على من يشْتَغل بهَا بِعلم الشَّرِيعَة أَو بِعلم مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْفَقِيه والحضر لسَمَاع الدُّرُوس بِتِلْكَ الزاوية وعَلى من هُوَ مدرسهم بِهَذَا الْموضع من أَصْحَاب الْأَمَام الشَّافِعِي وَجعل النّظر لقطب الدّين النَّيْسَابُورِي وَكَانَ ذَلِك سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَخَمْسمِائة وَقد درس بهَا جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ نصري الْمَقْدِسِي وَالْغَزالِيّ وَابْن خطيب الْجَامِع والدولعي وَأَخُوهُ والاسعردي وعماد الدّين شيخ الشُّيُوخ والعز بن عبد السَّلَام ثمَّ بعدهمْ عشرُون مدرسا مِنْهُم الايكي وَمُحَمّد بن أبي بكر بن عِيسَى بن بدران فِي سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة ثمَّ تَغَيَّرت أحوالها قَالَ ألاسدي وَمن تيمورلنك إِلَى الْآن يَعْنِي إِلَى زَمَنه لم يدرس بهَا أحد قلت وَفِي زمننا فقدان التدريس بهَا من بَاب أولى حرف الْفَاء الْمدرسَة الفارسية هِيَ والتربة بهَا غربي الجوزية الحنبلية تجاه الْخَارِج من بَاب الزِّيَادَة وَهُوَ الْبَاب القبلي للجامع والجوزية فِي زمننا محكمَة وَأَقُول وقفت على آثارها فَلم أر شَيْئا من الْمدرسَة وَهُنَاكَ جَامع صَغِير مُقَابل نِهَايَة سوق السِّلَاح وَبِه قبران وَأَظنهُ هُوَ التربة الْمَذْكُورَة وبجانبه من الغرب زقاق لَهُ بَاب قديم وَالظَّاهِر وَالله اعْلَم أَن الْمدرسَة كَانَت هُنَاكَ ثمَّ تناولتها يَد المختلسين فجعلتها دورا وأعانت الدَّهْر على محو الْأَثر

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها هُوَ سيف الدّين فَارس الدوادار التنمي وَاقِف التنمية بميدان الْحَصَى وواقف تربة صحنايا وَغَيرهَا وَقد أوقف هَذِه الْمدرسَة سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة على مدرسين وعَلى عشرَة من الْفُقَهَاء وَعشرَة من الْقُرَّاء وعَلى خَمْسَة عشر يَتِيما بِشَرْط انه إِذا حفظ أحدهم الْقُرْآن يخرج ويقرر غَيره وعَلى تَفْرِقَة زنة ربع قِنْطَار من الْخبز فِي كل جُمُعَة وَجعل مقرئين آخَرين أَيْضا غير الْعشْرَة الأول يحْضرَانِ عقيب الظّهْر وَالْعصر وَقَالَ ابْن حجي السَّعْدِيّ أوقف عَلَيْهَا حوانيت إِلَى جَانبهَا وَجعلهَا وَقفا على أَمَام وَغَيره ثمَّ اشْترى قَرْيَة صحنايا فِي سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة بأذن السُّلْطَان وَأَوْقفهُ على جِهَات بهَا فَوَقفهُ على شيخين مدرسين للْعلم على أَن يقْرَأ الطّلبَة عَلَيْهِمَا أَنْوَاع الْعُلُوم من أهل الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَجعل لكل شيخ فِي الشَّهْر ثَمَانِينَ درهما وللطلبة خَمْسَة وَأَرْبَعين وَجعل عَددهمْ عشرَة وَكَذَلِكَ المقرئة وَجعل لكل مِنْهُم خَمْسَة عشر درهما قَالَ ابْن حجي وَتَمَادَى الْأَمر إِلَى هَذَا الْوَقْت فعين من الْجَمَاعَة شمس الدّين الكفيري وَنور الدّين ابْن قَاضِي ازرعات وتقي الدّين ابْن قَاضِي شُهْبَة وَآخَرُونَ قَالَ وَبَلغنِي انه جعل لكل يَتِيم خَمْسَة عشر درهما فِي كل موسم وَعِيد عدا عَمَّا لَهُم فِي الشَّهْر وَقَالَ ألاسدي درس فِي هَذِه الْمدرسَة ابْن حجي والطيماني سنة إِحْدَى عشرَة قَالَ وَفِي الْوَقْف شُرُوط للحرمين والفاضل بعد ذَلِك لذريته قَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَمن وَقفهَا كَمَا اخبرني بِهِ جمال الدّين الْعَدوي بوابها ربع قَرْيَة فَزَارَة من أَعمال الجولان وَالْعشر من قَرْيَة بالين بالبقاع وَربع سوق السِّلَاح شركَة الْمدرسَة الامينية وَبَيت ابْن مزلق وَمن مدرسيها جمال الدّين الْمصْرِيّ ثمَّ وَلَده ثمَّ ابْن قَاضِي شُهْبَة ثمَّ وَلَده ثمَّ تَقِيّ الدّين ابْن قَاضِي عجلون ثمَّ بَدَأَ أمرهَا بالتقهقر إِلَى أَن اختلست هِيَ وأوقافها أُسْوَة بغَيْرهَا من الْمدَارِس الْمدرسَة الفتحية لم يذكر النعيمي مَكَانهَا وَقَالَ العلموي هِيَ مَجْهُولَة الْمَكَان قَالَ النعيمي أَنْشَأَهَا

المدرسة الفخرية

فتح الدّين صَاحب ماردين وَبهَا قبر الْوَاقِف ووقفها بالديار المصرية وَجعل نظر التدريس إِلَى القَاضِي عماد الدّين الحرستاني فدرس بهَا هُوَ ثمَّ وَلَده مُحي الدّين ثمَّ أخذت مِنْهُ فِي سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَأعْطيت لمُحَمد بن عبد الْقَادِر الْأنْصَارِيّ قَالَ ابْن شَدَّاد درس بهَا الباجريقي ثمَّ الحسباني انْتهى ثمَّ جماعات لم يحصر التَّارِيخ أَسْمَاءَهُم قلت وَقَوله ماردين كَذَا فِي نُسْخَة العلموي وَالَّذِي فِي التُّحْفَة بارين وللواقف مدرسة ثَانِيَة ستأتي فِي مدارس الْحَنَفِيَّة وَيَأْتِي ذكر تَرْجَمته هُنَاكَ الْمدرسَة الفخرية كَانَت بَين السوريين من ثمن الْعِمَارَة بِدِمَشْق وَلم يبْق لَهَا الْآن من اثر قَالَ ابْن حجي فِي تَارِيخه تَكَامل بِنَاء الفخرية فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وقررت فِيهَا الصُّوفِيَّة وفوضت مشيختها للشَّيْخ شمس الدّين الْبرمَاوِيّ شَارِح البُخَارِيّ ودرس الْحَنَفِيَّة للْقَاضِي الديري والمالكية للْقَاضِي جمال الدّين الْمَالِكِي والحنابلة للْقَاضِي عز الدّين الْبَغْدَادِيّ ثمَّ الْمَقْدِسِي وَتَوَلَّى مَعهَا تدريس المؤيدية انْتهى فَظهر من كَلَامه إِن التدريس فِي الْمدرسَة كَانَ عَاما لم يخْتَص بِمذهب من الْمذَاهب كَمَا كَانَ يَفْعَله أهل الْقرن الْخَامِس وَمَا بعده وان الْبرمَاوِيّ كَانَ شيخ الشَّافِعِيَّة بهَا ثمَّ قَالَ ابْن حجي وَلما فتحت أَبْوَاب الْمدرسَة للْقِرَاءَة بعد أَن تمّ بناؤها لم يسْتَطع بانيها فَخر الدّين الْحُضُور عِنْد المدرسين لشدَّة مَرضه إِذْ ذَاك وَتَمَادَى بِهِ الْأَمر فِي الْمَرَض إِلَى أَن مَاتَ فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَدفن فِيهَا فِي فسقية اتَّخذت لَهُ بعد مَوته الْمدرسَة الفلكية هِيَ غربي الْمدرسَة الركنية الجوانية بحارة الافتريس دَاخل بَابي الْفرج والفراديس

ترجمة واقفها

كَذَا فِي التَّنْبِيه وَقَالَ العلموي قلت هِيَ بالزقاق السَّاكِن بِهِ القَاضِي اكمل الدّين ابْن مُفْلِح واستفدت اسْم الحارة الْآن اهـ أَقُول حَالنَا على شَيْء لم يكن مَعْرُوفا إِلَّا فِي زَمَنه وَأما الْآن فقد اندرست الركنية والفلكية وتلتهما الفخرية وَلم يرض الزَّمَان أَن يُعْطِيهَا أَمَانًا من أَيدي المختلسين وَقد ولي تدريسها ابْن سناء الدولة ثمَّ ابْن قَاضِي شُهْبَة ثمَّ وَلَده صدر الدّين ثمَّ جمَاعَة آخَرُونَ قَالَ ابْن شَدَّاد ووقفها قَرْيَة الجمان بكمالها تَرْجَمَة واقفها هُوَ شرف الدّين أَبُو مَنْصُور سُلَيْمَان بن شرف بن جِلْدك أَخُو الْملك الْعَادِل لامه قَالَ أَبُو شامة واليه تنْسب الْمدرسَة الفلكية بنواحي بَاب الفراديس وَبهَا قَبره انْتهى توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ مقدم الْعَسْكَر فِي الدولة الصلاحية وَفِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وصل عَسْكَر من مصر إِلَى الْبِلَاد الشامية يقدمهم فلك الدّين وَمَعَهُمْ قفل وعدة من الْأُمَرَاء فَأسْرى الفرنجة إِلَيْهِم فواقعوهم بنواحي الْخَلِيل فَانْهَزَمَ الْجند وَلم يقتل مِنْهُم أحد من الْمَشْهُورين وَإِنَّمَا قتل بعض الغلمان وغنم الإفرنج خيامهم وآلاتهم حرف الْقَاف الْمدرسَة القليجية كَانَت دَاخل بَاب شَرْقي وَبَاب توما شَرْقي المسمارية وَغَرْبِيٌّ الْمِحْرَاب والتربة وَكَذَا شرقيها كَانَت مَبْنِيَّة بِحجر مزي منحوت قَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب قد طمست كَذَا ظهر لي أَنَّهَا هِيَ وَقَالَ العلموي هِيَ بِموضع يعرف بقصر الْحَدِيد وَهِي عِنْدِي مَجْهُولَة

ترجمة بانيها

قلت وَلَئِن كَانَت مَجْهُولَة فِي عصر التسْعمائَة فَلِأَن تكون الْآن مَجْهُولَة من بَاب أولى وَالَّذِي يظْهر من الوافي بالوفيات أَنَّهَا كَانَت للشَّافِعِيَّة درس بهَا زكي الدّين ابْن الكتبي وَمُحَمّد بن عَليّ الشهير بِابْن غَانِم وَثَمَانِية مدرسين سواهُمَا هَذَا غَايَة مَا اتَّصل بِي من أَخْبَارهَا تَرْجَمَة بانيها قَالَ ابْن شَدَّاد الْمدرسَة القليجية والمجاهدية بناهما مُجَاهِد الدّين بن قليج مُحَمَّد ابْن شمس الدّين مَحْمُود الْمدرسَة القواسية قد خَفِي عَليّ مَكَانهَا وصعب عَليّ مُشَاهدَة آثرها بعد الفحص الشَّديد لَان الزَّمَان اغتالها وأخنى عَلَيْهَا فدرس أطلالها بيد مختلسي الْجَوَامِع والمدارس والأوقاف وَقد قَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب هِيَ العقيبة الصُّغْرَى بحارة السُّلَيْمَانِي بِالْقربِ من مَسْجِد الزيتونة ظَاهر دمشق خَارج بَاب الفراديس اهـ وَأَقُول أَن الْجَامِع الْمَذْكُور بِجَانِب محكمَة العونية الشَّرْقِي يفصل بَينهمَا الطَّرِيق وَلَقَد تَأَمَّلت هُنَاكَ فَلم أجد لَهَا أثرا سوى حِجَارَة كَبِيرَة فِي بعض الجدران وعَلى كل فقد صَارَت دورا تَرْجَمَة بانيها أَنْشَأَهَا الْأَمِير عز الدّين إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن احْمَد القواس وَكَانَ مباشرا للسر فِي بعض الْجِهَات السُّلْطَانِيَّة وَله دَار حَسَنَة بالعقيبة الصُّغْرَى فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة أوصى بِأَن تجْعَل تِلْكَ الدَّار مدرسة ووقف عَلَيْهَا أوقافا كَثِيرَة الرّيع

القوصية

وَالْحَاصِل وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بسفح قاسيون وَأول من تولى تدريسها بأذن من الْوَاقِف الْعِمَاد الْكرْدِي وَبعده الْبَهَاء ابْن إِمَام المشهد ثمَّ سِتَّة مدرسين آخِرهم مُحي الدّين الناصري القوصية تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي دور الحَدِيث وَلَيْسَت مدرسة وَإِنَّمَا هِيَ حَلقَة بالجامع الْأمَوِي قَالَ ابْن شَدَّاد لم يعلم لَهَا وَاقِف وَقَالَ جمَاعَة أَن واقفها مدرسها يَعْنِي الْآتِي ذكره وَقيل واقفها رجل يُقَال لَهُ جمال الْإِسْلَام وَهُوَ أحد الْأُمَرَاء وعينها النعيمي بِأَنَّهَا تجاه البرادة قلت وَقد تَغَيَّرت الأطلال وانطمست الْآثَار وَيُؤْخَذ من كَلَام العلموي أَنَّهَا كَانَت شَرْقي الْمَقْصُورَة بِالْقربِ من الضريح قلت وَلَا مَقْصُورَة الْآن أَيْضا وَبِالْجُمْلَةِ فَهِيَ حَلقَة تدريس درس بهَا القوصي ثمَّ الْعِزّ الاربلي ثمَّ تِسْعَة انفس أخرهم الْكَمَال بن حَمْزَة تَرْجَمَة واقفها على القَوْل بِأَن مدرسها واقفها نقُول هُوَ إِسْمَاعِيل بن حَامِد بن عبد الرَّحْمَن ابْن المرجان المرحل الْأنْصَارِيّ الخزرجي وَكيل بَيت المَال بِالشَّام ولد بقوص سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة ورحل إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ استوطن دمشق قَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ فَقِيها فَاضلا مدرسا إخباريا حَافِظًا للأشعار فصيحا مفوها بَصيرًا بالفقه روى الْكثير وَخرج لنَفسِهِ معجما فِي أَربع مجلدات وَلم يقصر فِيهِ وَيُقَال أَن فِيهِ غَلطا كثيرا وأوهاما عَجِيبَة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة وَدفن فِي دَاره الَّتِي جعلهَا دَار حَدِيث بِالْقربِ من الرحبة دَاخل بَاب شَرْقي وَالله اعْلَم الْمدرسَة القيمرية الْكُبْرَى عرفهَا النعيمي بِأَنَّهَا بالحريميين وَابْن كثير بِأَنَّهَا عِنْد مئذنة فَيْرُوز وَبعد الفحص الشَّديد لم أتحقق مَكَانهَا وَلَا عرفت الحريميين ثمَّ فتشت عَن المئذنة الْمَذْكُورَة فَلم

ترجمة بانيها

اعرفها لَكِن رَأَيْت فِي ثمار الْمَقَاصِد لِابْنِ عبد الْهَادِي وَفِي تَنْبِيه الطَّالِب للنعيمي عِنْد الْكَلَام على الْمَسَاجِد الَّتِي هِيَ شمَالي الْبَلَد إِلَى جِهَة الشرق مَا لَفظه مَسْجِد فَيْرُوز فِي الْمَقَابِر كَانَ يُصَلِّي فِيهِ على الْجَنَائِز فخرب ثمَّ جددته امْرَأَة الْحَاجِب فَيْرُوز لَهُ بركَة ومنارة وعَلى بَابه قناة انْتهى فَلم يزدنا التَّعْرِيف إِلَّا جَهَالَة وَفِي دمشق الْآن محلّة كَبِيرَة يُقَال لَهَا القيمرية وَالظَّاهِر أَنَّهَا نِسْبَة إِلَى الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وَكَثِيرًا مَا يحصل ذَلِك كَقَوْلِهِم العصرونية والخيضرية وكل مِنْهُمَا نِسْبَة إِلَى مدرستيهما وَإِذا كَانَ كَذَلِك فالمدرسة فِي تِلْكَ الْمحلة وَقد ذكر لي أحد الْمُتَقَدِّمين فِي السن من سكان القيمرية أَن الْجَامِع الَّذِي فِي محلّة الْحمام الَّذِي يُقَال لَهُ حمام الْبكْرِيّ يُقَال لَهُ جَامع فَيْرُوز وَكَانَ بِالْقربِ مِنْهُ مدرسة قد تهدمت فَبَاعَهَا ناظرها إِلَى النَّصَارَى فجعلوها كَنِيسَة ومدرسة لَهُم فَيمكن أَن تكون هِيَ القيمرية وَفِي أول القيمرية من الْجَانِب الغربي مدرسة كَبِيرَة تسميها الْعَامَّة بِالْمَدْرَسَةِ العتيقة وبمدرسة القطاط وَهِي مَشْهُورَة وبناؤها متين وَلها ساحة كَبِيرَة بهَا بركَة مَاء كَبِيرَة أَيْضا وَفِي الْجَانِبَيْنِ الشَّرْقِي والغربي حجرات مُتعَدِّدَة وَهِي عَظِيمَة الْأَثر وَهَذِه هِيَ القيمرية الْكُبْرَى بِيَقِين وَمَا قبله احْتِمَال لَا يعول عَلَيْهِ تَرْجَمَة بانيها قَالَ فِي التَّنْبِيه أَنْشَأَهَا الْأَمِير نَاصِر بن الْحُسَيْن بن عَليّ القيمري وأوقفها على القَاضِي شمس الدّين السهروردي مَاتَ سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَقَالَ ابْن كثير أَن وَاقِف القيمرية الْأَمِير الْكَبِير نَاصِر الدّين أَبُو الْمَعَالِي الْحُسَيْن ابْن عبد الْعَزِيز ابْن أبي الفوارس القيمرية الْكرْدِي كَانَ من اعظم الْأُمَرَاء مكانة عِنْد الْمُلُوك وَهُوَ الَّذِي سلم الشَّام إِلَى الْملك النَّاصِر صَاحب حلب حِين قتل ثوران شاه ابْن الصَّالح أَيُّوب بِمصْر وَهُوَ وَاقِف الْمدرسَة القيمرية عِنْد مئذنة فَيْرُوز وَعمل على بَابهَا السَّاعَات الَّتِي لم يسْبق إِلَى مثلهَا وَلَا عمل على شكلها وَيُقَال انه غرم عَلَيْهَا أَرْبَعِينَ ألف دِرْهَم اهـ وَلَا خلاف فِيمَا بَين ابْن كثير والنعيمي فان النعيمي نسبه إِلَى جده وَابْن كثير إِلَى أَبِيه

السهروردي

وترجمة الصّلاح الصَّفَدِي فَقَالَ كَانَ من اعظم النَّاس وجاهة وإقطاعا وَكَانَ بطلا شجاعا اقطعه الْملك الظَّاهِر إقطاعا حميدة وَجعله مقدم العساكر بالسَّاحل وَكَانَ يضاهي الْمُلُوك فِي مركبه ومحمله وغلمانه وحاشيته اهـ وَلما أتم بِنَاء القيمرية فوض تدريسها إِلَى السهروردي وَالِي أولي الْأَهْلِيَّة من ذُريَّته ولنذكر تَرْجَمته لَان الْمدرسَة بنيت لأَجله فَكَانَ من جملَة أَسبَاب الْبناء والقيمرية نِسْبَة إِلَى قيمر قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ قيمر بِفَتْح الْقَاف وياء سَاكِنة وَضم الْمِيم وَرَاء هِيَ قلعة فِي الْجبَال بَين الْموصل وخلاط ينْسب إِلَيْهَا جمَاعَة من أَعْيَان الْأُمَرَاء بالموصل وخلاط وهم أكراد وَيُقَال لصَاحِبهَا أَبُو الفوارس انْتهى والمترجم هُوَ ابْن أُخْت أبي الفوارس كَمَا فِي شذرات الذَّهَب السهروردي هُوَ عَليّ بن مَحْمُود بن عَليّ بن مُحرز بن عَليّ السهروردي شمس الدّين الْكرْدِي قَالَ ابْن السُّبْكِيّ هُوَ مدرس القيمرية بِدِمَشْق وَأَبُو مدرسها الصّلاح قَالَ الذَّهَبِيّ هُوَ شيخ فَقِيه إِمَام عَارِف بِمذهب الشَّافِعِي مَوْصُوف بجودة النَّقْل حسن الدّيانَة قوي النَّفس ذُو هَيْبَة ووقار بنى الْأَمِير نَاصِر الدّين مدرسته بالحريميين وفوض تدريسها إِلَيْهِ والى أولي الْأَهْلِيَّة من ذُريَّته وَقد نَاب فِي الْقَضَاء عَن ابْن خلكان وَتكلم بدار الْعدْل بِحَضْرَة الْملك الظَّاهِر عِنْدَمَا احتاط على الغوطة فَقَالَ المَاء والكلأ لله لَا يملك وكل من بِيَدِهِ ملك فَهُوَ لَهُ فبهت السُّلْطَان لكَلَامه وانفصل الْأَمر على هَذَا الْمَعْنى توفّي سنة خمس وَسبعين وسِتمِائَة قَالَ النعيمي وأظن انه دفن تجاه وَجه ابْن الصّلاح بمقابر الصُّوفِيَّة القيمرية الصُّغْرَى هِيَ بالقباقبية العتيقة غربي المقدمية الْحَنَفِيَّة وشمالي الحنبلية كَذَا فِي التَّنْبِيه أَقُول القباقبية الْمَذْكُورَة هِيَ من بَاب الفراديس إِلَى أول الطَّرِيق الَّذِي يَنْعَطِف نَحْو الْجَامِع الْأمَوِي وَغَرْبِيٌّ المقدمية لم يبْق ألان مِنْهَا إِلَّا مَسْجِدهَا وأبدل النَّاس اسْمهَا

ترجمة بانيها

بالقحفى والديناري وَقد ذهب أَكْثَرهَا وَفِي أيامنا هدم قسم مِنْهَا وادخل فِي الطَّرِيق وَهِي تنشد فِي عَالم الخيال قَول أبي فراس الحمداني (تنام فتاة الْحَيّ عني خلية ... وَقد كثرت حَولي البواكي السواهر) (ويسعدني عير الْبَوَادِي لأَجلهَا ... وان رغمت بَين الْبيُوت الحواضر) (وَمَا هِيَ إِلَّا نظرة مَا احتسبتها ... بعد اب صَارَت بِي إِلَيْهَا المصائر) وَهِي غير القيمرية الْمَذْكُورَة آنِفا وَغير الَّتِي بطرِيق الشبلية الَّتِي قبل الحافظية تَرْجَمَة بانيها هُوَ سيف الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن يُوسُف أبي الفوارس بن يوسك القيمري كَانَ اكبر الْأُمَرَاء فِي أخر عمره وأعظمهم مكانة وَأَعْلَاهُمْ همة وَجَمِيع الْأُمَرَاء القيمرية وَغَيرهم يتأدبون مَعَه ويقفون فِي خدمته وهم بَين يَدَيْهِ كالأتباع وَكَانَ مُطَاعًا كثير الْبر وَالْمَعْرُوف وَالصَّدَََقَة قَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ أَمِيرا كَبِيرا محتشما بطلا شجاعا من الْأَبْطَال الْمَشْهُورين بالفروسية وَقَالَ ابْن حبيب أَمِير نعْمَته دَائِرَة وجلالته ظَاهِرَة وهمته مُرْتَفعَة وَكلمَة أَرْبَاب الدولة على تعطفه منعطفة مجتمعة لَهُ بر مَعْرُوف ومواقف ووقوف انشأ البيمارستان الْمَشْهُور بجبل قاسيون وَكَانَ لَهُ ببنائه اجْرِ غير ممنون توفّي بنابلس فِي شعْبَان سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة وَدفن بتربته إِلَى جَانب مَا رستانه فِي الْقبَّة الَّتِي بجانبه كَمَا حَكَاهُ الذَّهَبِيّ وَابْن قَاضِي شُهْبَة وسنأتي على ذكر بيمارستانه عِنْد الْكَلَام على مدارس الطِّبّ الْمدرسَة الكروسية هِيَ إِلَى جَانب السامرية الشَّافِعِيَّة قَالَ العلموي قلت هِيَ مَجْهُولَة عِنْدِي ثمَّ أَشَارَ إِلَيْهَا بِإِشَارَة زادتها جَهَالَة فَقَالَ وَالْغَالِب على ظَنِّي أَنَّهَا سكن الشَّيْخ أبي الْبَقَاء البقاعي الْخَطِيب الشَّافِعِي المتحنف أخرا انْتهى

ترجمة واقفها

فالزمان أفنى البقاعي وأفنى سكنه وَجعل الْمدرسَة فِي خبر كَانَ وَالظَّاهِر أَنَّهَا دَار الحَدِيث الكروسية الْمَار ذكرهَا عِنْد الْكَلَام على دور الحَدِيث فَرَاجعهَا إِن شِئْت ودرس بهَا مُحَمَّد بن نجم الدّين ابْن أبي الطّيب تَرْجَمَة واقفها قد تقدم أَن منشئها مُحَمَّد بن عقيل بن كروس محتسب دمشق قَالَ ابْن الْأَثِير كَانَ كيسا متواضعا توفّي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَدفن بداره الَّتِي جعلهَا دَار حَدِيث ومدرسة مدرسة الكلاسة هِيَ ملاصقة للجامع الْأمَوِي من الْجِهَة الشمالية وَلها بَاب ينفذ إِلَيْهِ وموضعها من جملَة متفرعات الْجَامِع وَكَانَت أَولا مَوضِع عمل الكلس حِين مَا يحْتَاج الْجَامِع للأعمار أعدت لذَلِك أَيَّام بنائِهِ فَمن ثمَّ جعلت من الزِّيَادَات عَلَيْهِ لما ضَاقَ بِالنَّاسِ فَإِذا احْتِيجَ إِلَيْهَا لخراب جَانب مِنْهُ صلى المصلون بهَا وَبقيت على ذَلِك إِلَى سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة أَيَّام ملك نور الدّين مَحْمُود بن زنكي دمشق فبناها مدرسة فِي السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ فِي سنة سبعين وَخَمْسمِائة تناولتها السن النيرَان فاحترقت هِيَ والمئذنة الَّتِي بجانبها الْمُسَمَّاة بمئذنة الْعَرُوس أَيَّام كَانَ صَلَاح الدّين مَالِكًا لدمشق فَأمر بتجديد بنائها وَجعل عَلَيْهِ أَبَا الْفَتْح ابْن العميد فجددها وأتقن بناءها ثمَّ فِي سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة جدد بركتها جمال الدّين بن يغمور وبلط أرْضهَا وَارْضَ دهليزها ثمَّ إِن النَّائِب جقمق باني الْمدرسَة الحقميقية فتح لتربته شباكا إِلَى الكلاسة من الإيوان وَأَرَادَ عمارتها لكَونهَا أَصَابَهَا بعض التخريب فَطلب الْعَامِل عَلَيْهَا وَسَأَلَهُ عَن مَالهَا فَقَالَ أَخذه الْمدرس والناظر وَبَعض الْفُقَهَاء فَأخذ فِي حِسَاب مَا اخذ فَوَجَدَهُ خَمْسَة آلَاف دِرْهَم فرسم بِأَن يسترجع ويعمر بهَا فَقيل لَهُ أَن هَذَا الْوَقْف لَيْسَ هُوَ وقف الكلاسة وَإِنَّمَا هُوَ وقف على درس بهَا فَلم يقبل ذَلِك وَلم يسمعهُ ورسم على تَقِيّ الدّين صهر الْغَزِّي شهَاب الدّين الْمدرس بهَا وَالْعَامِل أَن يحبسا بدار السَّعَادَة فحبسا اكثر من شهر ثمَّ أطلقا على أَن يشرعا فِي الْعِمَارَة قَالَه فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَغَيره

قَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي الذيل وَفِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة شرع فِي تعزيل التُّرَاب من الْمدرسَة الكلاسة من الإيوان الشَّرْقِي انْتهى وَالظَّاهِر أَن وَاقعَة تيمورلنك أتلفتها أَو جانبا مِنْهَا حينما احْرِقْ الْبَلَد وَالْجَامِع ثمَّ أُعِيدَت مدرسة وَقد درس بهَا الْكَمَال الحرستاني ثمَّ بعده ثَمَانِيَة آخِرهم شهَاب الدّين الْغَزِّي ثمَّ وَلَده أَقُول الشهَاب الْمَذْكُور هُوَ احْمَد بن عبد الله بن بدر مفرج بن بدر بن عُثْمَان بن جَابر ابْن ثَعْلَب بن ضو بن شَدَّاد بن عَامر أَبُو نعيم العامري الْغَزِّي ثمَّ الدِّمَشْقِي ثمَّ الْمَكِّيّ الْقرشِي تَرْجمهُ الشَّيْخ رَضِي الدّين الْغَزِّي فِي كِتَابه تحفة الناظرين بترجمة مُطَوَّلَة وَصفه فِيهَا بسعة الْعلم وَكَثْرَة الإطلاع وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء عَظِيما وَذكر لَهُ مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا مَا كمل وَمِنْهَا مَا لم يكمل فَالَّذِي كمل مِنْهَا مُخْتَصر الْمُهِمَّات فِي خَمْسَة أسفار شرح الْحَاوِي الصَّغِير فِي خَمْسَة أَيْضا منسك فِي مُجَلد شرح جمع الْجَوَامِع الأصولي الْجَواب الراسي لمسالة الفاسي تَلْخِيص التَّنْبِيه وَالَّذِي لم يكمل كتاب فِي أَسمَاء رجال البُخَارِيّ قِطْعَة على منهاج النَّوَوِيّ قِطْعَة على منهاج الْبَيْضَاوِيّ فِي الْأُصُول قِطْعَة على ألفية ابْن مَالك وَشرح كتاب الْعُمْدَة إِلَى أثْنَاء كتاب الصَدَاق ثمَّ تممه الرضي الْغَزِّي ولد المترجم سنة سِتِّينَ وَسَبْعمائة بغزة ثمَّ اشْتغل بِالْعلمِ وَسكن دمشق فولي تدريس الكلاسة وَغَيرهَا وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بِمَكَّة المكرمة رَحمَه الله تَعَالَى ولنرجع إِلَى مَا كُنَّا بصدده فَنَقُول أَن الكلاسة لم تزل الْأَيَّام تتقلب عَلَيْهَا حَتَّى صَاح بهَا من يمْنَع مَسَاجِد الله أَن يذكر فِيهَا اسْمه وَيسْعَى فِي خرابها سنريك أَيْدِينَا وتجاسرنا فكم من مدرسة ابتلعنا أوقافها وتركناها خاوية على عروشها ثمَّ عمرناها دَارا وَكم من مَسْجِد بعناه وأكلنا ثمنه افنتركك سَالِمَة أيتها الكلاسة افتظني أَن اعتصامك بالجامع ينفعك أَن الْجَامِع لَو كَانَ لقْمَة صَغِيرَة لأكلناه وَلَكِن يَا للأسف أَن جدرانه صَخْر لَا يبتلع ثمَّ حملُوا عَلَيْهَا حَملَة مُنكرَة فَأخذُوا ساحتها وجعلوها دَارا ثمَّ ابْتَنَوْا فِي جهاتها الثَّلَاثَة بُيُوتًا ودورا وَتركُوا الْجَانِب الغربي ساحة لعسر الْبناء فِيهِ وَاتَّخذُوا كلا من الْفَاضِلِيَّةِ والعزيزية وَمَا بَينهمَا دورا للسُّكْنَى وَبَقِي مَوضِع الطَّهَارَة من الكلاسة وحجرات علوِيَّة يسكنهَا مؤذنو الْجَامِع وَالْبَعْض مِنْهُم يُؤجر حجرته كَأَنَّهَا

الحلقة الكوثرية

ملك لَهُ ومختصر القَوْل أَن الكلاسة لم يبْق لَهَا من الْمدرسَة إِلَّا الِاسْم ثمَّ أخنى عَلَيْهَا الزَّمَان فهدمت كلهَا فِي أيامنا وَالله يقلب الْأُمُور كَيْفَمَا شَاءَ الْحلقَة الكوثرية تجاه شباك الكلاسة تَحت مئذنة الْعَرُوس بالجامع الْأمَوِي وَقفهَا السُّلْطَان نور الدّين على صبيان صغَار وأيتام يقرؤون كل لَيْلَة بعد الْعَصْر سُورَة الْإِخْلَاص ثَلَاث مَرَّات ثمَّ يهْدُونَ ثَوَابهَا للْوَاقِف وَلَهُم على ذَلِك مُرَتّب يتناولونه من ديوَان السَّبع الْكَبِير الَّذِي كَانَ بالجامع وان عدَّة من فِيهِ يَوْمئِذٍ يَعْنِي فِي عصر التسْعمائَة على مَا اسْتَقر عَلَيْهِ الْحَال ثَلَاثمِائَة وَأَرْبَعُونَ أَو خَمْسُونَ نَفرا قلت قد كَانَ ذَلِك وَالْحَال تغير وَأما الْحلقَة الْمَذْكُورَة فبناؤها بَاقٍ وَقد أضحت حجرَة يسكنهَا مُتَوَلِّي الْجَامِع ويدرس بهَا أَن كَانَ عَالما وَألا جعلهَا منتدى لأشغاله وَتلك حِكْمَة الله حرف الْمِيم وَالنُّون الْمدرسَة المجاهدية الجوانية بِالْقربِ من بَاب الخواصين قَالَه فِي التَّنْبِيه والخواصين كَانَ يُسمى بِهِ قَدِيما مَحل الْمدرسَة النورية وَقد أشكل محلهَا على العلموي الْمُتَوفَّى سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة فَقَالَ فِي مُخْتَصره لَعَلَّ هَذِه الْمدرسَة هِيَ الَّتِي وَرَاء سوق جقمق وَهِي الْآن سكن الشَّيْخ نَاصِر الدّين الْحَنَفِيّ وَرُبمَا تكون الْمُقَابلَة لباب قيسارية القواسين لِأَنِّي اعْلَم أَن اسْمهَا قَدِيما المجاهدية وَأما الْآن فيسمونها الحجازية لِأَنَّهَا كَانَت منزولا لَهُم وَأما حِينَئِذٍ فَهِيَ منزول نواب قَاضِي الشَّام وَغَيرهم من الاروام انْتهى وَيُمكن أَن تكون المحكمة الْمُسَمَّاة الْآن بمحكمة الْبَاب تَرْجَمَة واقفها هُوَ مُجَاهِد الدّين أَبُو الفوارس بزان بن ياسين بن عَليّ بن مُحَمَّد الجلالي الْكرْدِي كَانَ من مقدمي الجيوش فِي دمشق فِي أَيَّام نور الدّين مَحْمُود بن زنكي وَلما كَانَ فتح

المدرسة المجاهدية البرانية

صرخد وَبصرى سلمه صرخد وَأعْطى بصرى إِلَى الْحَاجِب فَارس الدولة فَأَقَامَ المترجم بصرخد إِلَى أَن توفّي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة كَمَا فِي الروضتين وَقَالَ المؤرخ أَبُو يعلى أَصَابَهُ انطلاق بطن متدارك وَمرض مفرط وفهاق مُتَّصِل كَانَ بِهِ قَضَاء نحبه وَلما مَاتَ دفن فِي دَاره وَقَالَ العلموي دفن بمدرسته المجاهدية الْأُخْرَى بِبَاب الفراديس انْتهى يَعْنِي بِدِمَشْق وَفِي تَنْبِيه الطَّالِب انه دفن بِصفة مدرسته فِي الْجِهَة الشمالية قَالَ أَبُو شامة كَانَ المترجم من ذَوي الوجاهة فِي الدولة النورية مَوْصُوفا بالسخاء والبسالة والسماحة مواظبا على الصَّلَوَات وَالصَّدقَات على الْمَسَاكِين والفقراء والضعفاء جميل الْمحيا حسن الْبشر فِي اللِّقَاء وَله أوقاف على أَبْوَاب الْبر مِنْهَا المدرستان المنسوبتان إِلَيْهِ إِحْدَاهمَا الَّتِي دفن بهَا وَهِي لصيق بَاب الفراديس المجدد وَالْأُخْرَى فِي صف مدرسة نور الدّين وَله وقف على من يقْرَأ بمقصورة الْخضر بِجَانِب دمشق وَغير ذَلِك انْتهى وَقَالَ الذَّهَبِيّ جعل لنَفسِهِ النّظر على أوقافه كلهَا واليه ينْسب السَّبع المجاهدي بالجامع بمقصورة الْخضر دَاخل بَاب الزِّيَادَة انْتهى قلت وَقد ذهبت هَذِه الْآثَار كلهَا إِلَّا من القرطاس وَالله اعْلَم بِمن استولى عَلَيْهَا وَحكى الصَّفَدِي أَن من وقف المجاهدية طاحونة اللوان بأواخر المزة وَذكر آخر أَشْيَاء وَقد درس بالمجاهدية منتخب الدّين الْقرشِي ثمَّ بعده أَرْبَعَة عشر مدرسا أخرهم الْبُرْهَان الْمُعْتَمد فالزين الاطرابلسي فالشمس الكفرسوسي فالشريف الْموقع الْحلَبِي ثمَّ كَانَت كأمثالها على حد قَول المعري (الدَّهْر أَن ينصرك ينصر بعْدهَا ... ذَا احنة فيحور كل محار) (وهواجر الْأَيَّام يسلب حرهَا ... مَا أودعته ذواهب الأسحار) الْمدرسَة المجاهدية البرانية بَين بَابي الفراديس واقفها الْأَمِير مُجَاهِد الدّين الْمَذْكُور سَابِقًا وَدفن فِي صفتهَا الشمالية وَقد تقدم أَنَّهَا لصيق بَاب الفراديس المجدد هَذَا مَا حَكَاهُ النعيمي والعلموي

المدرسة المسرورية

أَقُول هَذِه الْمدرسَة مَوْجُودَة وَقد غير النَّاس اسْمهَا ورسمها أما اسْمهَا فهم يسمونها الْآن جَامع السادات وَلم ادر لأي شَيْء أخذت هَذِه النِّسْبَة وَأما رسمها فقد نقص المختلسون أطرافها وَالْبَاقِي مِنْهَا مَسْجِدهَا وَفِي صفتهَا الشمالية قُبُور وساحتها مَوْجُودَة وبالجانب الغربي مِنْهَا طباق للسُّكْنَى بِالْأُجْرَةِ وبالزاوية الشرقية الشمالية مِنْهَا منفذ يتَّصل بدور للسُّكْنَى وأيا مَا كَانَت فَأَنَّهَا تُقَام بهَا الصَّلَوَات الْخمس بِجَمَاعَة وتصلى بهَا الْجُمُعَة وَهِي ملاصقة لباب الفراديس مَشْهُورَة وليت الْمدَارِس الَّتِي ابتلعها المختلسون بقيت مثل هَذِه الْمدرسَة وعَلى بَابهَا حجر كَبِير قد نقش عَلَيْهِ أَن الَّذِي بناها بزان بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالزَّاي ثمَّ ألف وَنون ابْن ياسين بن عَليّ بن مُحَمَّد الخلالي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْكرْدِي بِأَمْر أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلم يذكر اسْمه وَقد خَفِي مَوضِع التَّارِيخ وَفِي الْكِتَابَة تَطْوِيل وإسهاب فِي الْمَدْح تَرَكْنَاهُ لعدم جدواه الْمدرسَة المسرورية لم اقف لَهَا على اثر وَقَالَ العلموي هِيَ مَجْهُولَة عِنْدِي وَلم يزدْ النعيمي على قَوْله هِيَ بِبَاب الْبَرِيد وَالله اعْلَم بِمَا صَارَت إِلَيْهِ تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا مسرور الطواشي وَكَانَ من خدام الْخُلَفَاء المصريين وَقَالَ ألاسدي رَأَيْت بِخَط شَيخنَا أَنَّهَا منسوبة إِلَى الْأَمِير فَخر الدّين مسرور الملكي الناصري العادلي وَقفهَا عَلَيْهِ شبْل الدولة كافور الحسامي وَاقِف الشبلية ووقفت على كتاب وَقفهَا الثَّانِي الَّذِي زَاد فِيهِ زيادات على الْوَاقِف الأول تَارِيخه سَابِع صفر سنة أَربع وسِتمِائَة ثمَّ قَالَ وَشرط الْوَاقِف أَن لَهُ أَن يُبَاشر ذَلِك بِنَفسِهِ ويستنيب فِيهِ من أَرَادَ مِمَّن هُوَ أهل لذَلِك مِمَّن علم دينه إِذا كَانَ فيهم من هُوَ أهل قَالَ وَلَا اعْلَم وَقت وَفَاته وَالْمَشْهُور انه اشْترط فِي الْمدرس بهَا أَن يكون عَالما بفن الْخلاف ودرس بِهَذِهِ الْمدرسَة نَاصح الدّين ثمَّ بعده خَمْسَة عشر مدرسا

المدرسة الناصرية الجوانية

الْمدرسَة الناصرية الجوانية دَاخل بَاب الفراديس شمَالي الْجَامِع الْأمَوِي والرواحية بشرق وَغَرْبِيٌّ الباذرائية بشمال وشرقي القيمرية الصُّغْرَى والمقدمية الجوانية كَذَا عرفهَا النعيمي وَغَيره أَقُول قد صَارَت الْآن دورا للسُّكْنَى وَلم يبْق من آثارها إِلَّا جدارها الشمالي وَهُوَ بِنَاء لم يكد الزَّمَان يقدر على فنائه لمتانته وَعظم الْحِجَارَة الْمَبْنِيّ بهَا وَحسن أَحْكَامهَا ومحلها الْآن انك إِذا سرت من أول الطَّرِيق من الْجِهَة الغربية الْموصل إِلَى الباذرائية رَأَيْت عَن يَمِينك بِنَاء هائلا وَهُوَ الْبَاقِي من آثارها وَأهل محلتها يَقُولُونَ أَن هَذَا الْمَكَان كَانَ سجنا للموتى حَتَّى يقْضى عَنْهُم دينهم وَهَذَا من جملَة خرافات الْعَوام ومخترع أَمْثَالهَا يقْصد بِهِ ستر الْحَقَائِق وتحويل الْأَسْمَاء ليتأتى لَهُ امتلاك الْأَوْقَاف تَرْجَمَة بانيها أَنْشَأَهَا الْملك النَّاصِر يُوسُف بن السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَسَتَأْتِي تَرْجَمته قَالَ ابْن شَدَّاد وَكَانَت هَذِه الْمدرسَة تعرف بدار الزكي الْمُعظم ثمَّ بناها النَّاصِر مدرسة وَفرغ من بنائها فِي أَوَاخِر سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة وَأول من درس بهَا صدر الدّين بن سني الدولة بِحَضْرَة الْوَاقِف وحضرة الْأُمَرَاء والدوادار وَنجم الدّين الباذرائي وأعيان الشَّام وَأهل الْحل وَالْعقد بِدِمَشْق ثمَّ بعده مُحي الدّين ابْن زكي ثمَّ وَلَده النَّجْم ثمَّ من بعدهمْ نَحْو ثَلَاثِينَ مدرسا مِنْهُم ابْن قَاضِي شُهْبَة وَابْن قَاضِي عجلون وَابْن غَازِي وَابْن الفرفور وَغَيرهم من الأفاضل الْمدرسَة المجنونية قَالَ النعيمي هِيَ شَرْقي الشمامية البرانية بالعقيبة أَقُول هِيَ الْآن بآخر العقيبة عَن يسَار السائر إِلَى سوق ساروجا وَقد انطمست معالمها وَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا التربة بجانبها وَلها شباك إِلَى الطَّرِيق وَلَقَد وقفت عَلَيْهِ فَإِذا فِي أَعْلَاهُ حجر مَكْتُوب عَلَيْهِ بالخط الحجري البارز بعد الْبَسْمَلَة

المدرسة المنكلانية

هَذِه تربة الْأَمِير شمس الدّين بن شروة بن حُسَيْن المهراني الْمَعْرُوف بالسبع المجانين الحاجي الْغَازِي الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله تَعَالَى فِي شهر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَهُوَ الَّذِي انشأ الْمدرسَة وَقَالَ النعميمي أَنْشَأَهَا شرف الدّين بن شروة بن الذرذاري الْمَعْرُوف بالسبع المجانين بعد الثَّلَاثِينَ وسِتمِائَة قَالَ العلموي والآن مَعْرُوف بَين النَّاس بالسبع الْمُجَاهدين درس بهَا عز الدّين الْموصِلِي ثمَّ بعده ثَلَاثَة مدرسين اهـ قلت وَأهل زَمَاننَا يسمونه الشَّيْخ مُجَاهِد واغرب من هَذَا أَن جمَاعَة من طلبة الْعلم يَزْعمُونَ انه مُجَاهِد التَّابِعِيّ الْمَشْهُور ويقفون أَمَام قَبره ويزورونه وَالْحجر مَكْتُوب فِيهِ اسْمه وَهُوَ نصب أَعينهم وَلَا يقرؤونه وَلَا يفرقون بَين تَارِيخ مُجَاهِد الْمُفَسّر وَبَين تَارِيخ هَذَا الرجل الْمدرسَة المنكلانية لم يذكر عَنْهَا فِي تَنْبِيه الطَّالِب شَيْئا وَقَالَ العلموي ذكر الصَّفَدِي مَا يشْعر بِأَنَّهَا مدرسة وَلم نعلم لَهَا مدرسا وَلَا وَاقِفًا وَهِي مَعْرُوفَة قرب القيمرية الجوانية اه أَقُول مَرَرْت فِي أثْنَاء ذهابي إِلَى محلّة بَاب توما بِمَسْجِد لَهُ صحن لطيف وَحرم مثله وَعَن يسَار الدَّاخِل قُبُور وَرَأَيْت هُنَاكَ شَيخا يقرئ الْقُرْآن فَسَأَلته عَن قبر فَقَالَ لي هُوَ قبر الشَّيْخ مُحَمَّد المنكلاني فَإِذا صَحَّ الْخَبَر كَانَت هَذِه هِيَ الْمدرسَة المنكلانية وَهِي الْآن مَعْرُوفَة مَشْهُورَة الْمدرسَة النجيبية كَانَت لصيق الْمدرسَة النورية وضريح نور الدّين من الْجَانِب الشمالي وَقد اندرست فِي جملَة مَا اندرس

ترجمة بانيها

تَرْجَمَة بانيها أَنْشَأَهَا أقوش الصَّالِحِي النجمي مَمْلُوك الْملك الصَّالح أَيُّوب وَكَانَ يعْتَمد عَلَيْهِ فِي جَمِيع أُمُوره وَجعله أستاذ دَاره فِي حَيَاته وولاه الْملك الظَّاهِر نِيَابَة دمشق فَأَقَامَ بهَا نَحوا من عشر سِنِين ثمَّ عَزله بعز الدّين أيدمر سنة سبعين وسِتمِائَة فَعَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا وافر الْحُرْمَة وَتُوفِّي سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة ومولده فِي حُدُود الْعشْرين وسِتمِائَة قَالَ الصَّفَدِي كَانَ أقوش هَذَا شَافِعِيّ الْمَذْهَب كثير الصَّدَقَة حسن الِاعْتِقَاد ضخم الشكل جَهورِي الصَّوْت كثير الْأكل لَهُ أوقاف على الْحَرَمَيْنِ بنى مدرسة بِدِمَشْق إِلَى جَانب مدرسة نور الدّين وَبنى بهَا تربة وَفتح لَهَا شباكين على الطَّرِيق وَلم يقدر دَفنه بهَا قَالَ أَبُو شامة كَانَت مدرسته دَارا لِابْنِ مَرْزُوق فاشتراها أقوش وَجعلهَا مدرسة للشَّافِعِيَّة ووقف عَلَيْهَا أوقافا دارة وَاسِعَة لكنه لم يقدر للمستحقين قدرا يُنَاسب مَا وَقفه عَلَيْهِم وَمن جملَة أوقافه الْبُسْتَان والأراضي الَّتِي وَقفهَا على الجسورة الَّتِي هِيَ قبلي جَامع كريم الدّين وعَلى ذَلِك أوقاف كَثِيرَة وَجعل النّظر فِي أوقافه لِابْنِ خلكان وَقد درس فِي الْمدرسَة ثمَّ نزل عَنْهَا لوَلَده كَمَال الدّين مُوسَى قَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَله فِي دمشق خَان وخانقاه ومدرسة وَلم يخلف ولدا قَالَه الذَّهَبِيّ وَقد كَانَت أوقاف الْمدرسَة والخانقاه تَحت الحوطة وَفِي كَلَام الصَّفَدِي أَن الخانقاه ظَاهر دمشق بالشرف القبلي قلت وَقد اندرست أَيْضا واختفى آثرها وَقد درس بِالْمَدْرَسَةِ جمَاعَة مِنْهُم الْعِمَاد إِسْمَاعِيل بن كثير ثمَّ تَقِيّ الدّين الحريري وَمِنْهُم الضياء عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد ابْن عَليّ الطوسي ثمَّ الدِّمَشْقِي شَارِح الْحَاوِي ومختصر ابْن الْحَاج توفّي سنة سِتّ وَسَبْعمائة بِدِمَشْق وَدفن بمقابر الصُّوفِيَّة وَهَذَا آخر الْكَلَام على مدارس الشَّافِعِيَّة حَسْبَمَا سمح بِهِ الزَّمَان وقدرت عَلَيْهِ فِي هَذِه الْأَيَّام المعادية للْعلم وَأَهله وَهَذَا أول الشُّرُوع فِي مدارس السَّادة الْحَنَفِيَّة

حرف الهمزة

الْبَاب الرَّابِع فِي مدارس الْأَئِمَّة الْحَنَفِيَّة حرف الْهمزَة الْمدرسَة الأَسدِية كَانَت بالشرف القبلي ظَاهر دمشق مطلة على الميدان الْأَخْضَر وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي مدارس الشَّافِعِيَّة وَأَنَّهَا مَوْقُوفَة عَلَيْهِم وعَلى الْحَنَفِيَّة ودرس بهَا من الْحَنَفِيَّة تَاج الدّين ابْن الْوزان وَبعده أَرْبَعَة مِنْهُم الْمدرسَة الاقبالية تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهَا عِنْد الْكَلَام على الاقبالية الشَّافِعِيَّة وَتقدم هُنَاكَ ذكر لواقفها وَلم يبْق من آثارها الْيَوْم إِلَّا بَابهَا وَفِي أَعْلَاهُ حجر كَبِير قد كتب عَلَيْهِ بعد الْبَسْمَلَة وقف هَذِه الْمدرسَة الْمُبَارَكَة الْأَمِير الْأَجَل جمال الدولة إقبال عَتيق الخاتون الاجلة سِتّ الشَّام ابْنة أَيُّوب على الْفُقَهَاء من أَصْحَاب الْأَمَام سراج الْأمة الشَّرِيفَة أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وأوقف عَلَيْهَا الثُّلُث من الضَّيْعَة الْمَعْرُوفَة بالسموقة وَالثلث من مزرعة الافتريس وَالثلث من مزرعة شمَالي بيدر زبدين وَخَمْسَة قراريط وَثلث من كرم يعرف بمديد الدّين فِي الحديثة وقيراطا من مزرعة ذرع مَا حاط بطرِيق سالكة من ذرع إِلَى بصرى وَذَلِكَ فِي الرَّابِع وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وسِتمِائَة اعظم الله اجره انْتهى وَبصرى كَانَت قَرْيَة مَا بَين دمشق والمزة وذرع قريب مِنْهَا وَقد اندرست آثارهما وَبَقِيَّة الْكَلَام عَلَيْهَا مر فِي مَوْضِعه الْمدرسَة الآمدية يُؤْخَذ من كَلَام النعيمي أَنَّهَا مندرسة قبل التسْعمائَة فانه قَالَ هِيَ بالصالحية العتيقة جوَار الميطورية من الغرب

حرف الباء

قَالَ ألاسدي وَفِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة كَانَ غربي الميطورية مدرسة للحنفية يُقَال لَهَا الآمدية حكى لي من شَاهدهَا وَهِي عامرة وعَلى بَابهَا طواشية وَقَالَ لي ناظرها أَنَّهَا تربة وَقَالَ ابْن طولون فِي تَارِيخ الصالحية وَحكى لي بَعضهم أَن الآمدية قَرْيَة ولعلها مدرسة قصد التمويه عَنْهَا خوفًا من الْفُقَهَاء وَقَالَ العلموي لَا يعلم محلهَا انْتهى وأيا مَا كَانَت فقد اندرست وانطمست آثارها من عهد بعيد وَيُمكن أَن موضعهَا الْآن بُسْتَان وَلم أر من تعرض لترجمة واقفها حرف الْبَاء الْمدرسَة البدرية قبالة الشبلية الَّتِي بِالْجَبَلِ عِنْد الجسر الْمَعْرُوف بجسر كحيل ثمَّ بجسر الشبلية وَفِي كَلَام ابْن كثير أَنَّهَا جعلت فِي حُدُود الْأَرْبَعين وَسَبْعمائة جَامعا فِيهِ خطْبَة وَيَوْم جُمُعَة ووقفها نصف حمام بقرية مسنون والبستان بِقرب جسر كحيل كَذَا رايته مَكْتُوبًا على عتبتها وَقَالَ الشَّيْخ مَحْمُود الْعَدوي فِي زياداته على مُخْتَصر تَنْبِيه الطَّالِب للعلموي أَقُول البدرية الْمَشْهُورَة بَين النَّاس بِجَامِع البدرية قد تَغَيَّرت أَحْوَاله وَوَقع سقفه ودثرت عِمَارَته وَتصرف فِي آلاته وَصَارَ خرابة من الخرابات وَأما وَقفه فأضيف إِلَى وقف الْجَامِع المظفري يَعْنِي جَامع الْحَنَابِلَة الْمَعْرُوف بِجَامِع الْجَبَل انْتهى أَقُول وبقرب جسر كحيل الَّذِي على نهر تورا مَوضِع يعرف الْآن بالشبلي والبدري وَقد وقفت على البدري فِي بُسْتَان هُنَاكَ يُقَال لَهُ السنبوسكي من جِهَة طَرِيق عين الكرش فَرَأَيْت هُنَاكَ قبَّة مهدومة الْأَعْلَى مِنْهَا وَبهَا قبران بِجَانِب نهر تورا وَهُنَاكَ كَانَ مَحل الْمدرسَة البدرية تَرْجَمَة بانيها بناها الْأَمِير بدر الدّين حسن بن الداية الْمَعْرُوف بلؤلؤ وَكَانَ أَمِيرا مُعظما تولى

صاحب مرآة الزمان

دولة الْقَاهِرَة وَمن قبله تولى دولة أَبِيه مَسْعُود بن أرسلان شاه بن مَسْعُود بن مودود ابْن زنكي بن آقسنقر وَلما قضى القاهر عز الدّين نحبه وَكَانَ أوصى بِالْملكِ لوَلَده نور الدّين أرسلان شاه وعمره عشر سِنِين كَانَ المترجم هُوَ الْوَصِيّ عَلَيْهِ والمدير لدولته فَقَامَ بمهمته أحسن قيام وَضبط المملكة من التزلزل والتغيير مَعَ صغر السُّلْطَان وَكَثْرَة طمع أعمام أَبِيه فِي الْملك وَأحسن السِّيرَة وَجلسَ لكشف ظلامات النَّاس وإنصاف بَعضهم من بعض وَأرْسل الْخَلِيفَة التَّقْلِيد لنُور الدّين بِالْولَايَةِ ولبدر الدّين بِالنّظرِ فِي أَمر دولته والتشريفات لَهما أَيْضا وَبِالْجُمْلَةِ فالمترجم مَوْصُوف بِالْعقلِ والدهاء وَحسن التَّدْبِير والسياسة ومطول تَرْجَمته يُؤْخَذ من الْقسم السياسي وَلم أظفر بتحديد وَفَاته وَقد كَانَت بعد الستمائة وَقد سكن هَذِه الْمدرسَة أَيَّام شبابها سبط ابْن الْجَوْزِيّ ودرس بهَا ثمَّ زكي الدّين بن عقبه ثمَّ الصفي بن فرج ثمَّ الشَّمْس ابْن جبرييل ثمَّ سلبها الزَّمَان شبابها الْمُسْتَعَار وأبدلها مِنْهُ بالشيخوخة والهرم ثمَّ بالفناء ومحو الْآثَار وَيحسن بِي أَن أزف إِلَى الْمطَالع تَرْجَمَة صَاحب مرْآة الزَّمَان وان لم يكن على شرطي هُنَا ليَكُون هَذَا الْقسم مَعَ الَّذِي بعده كمنضج صفيف شواء أَو قدير معجل فَأَقُول صَاحب مرْآة الزَّمَان هُوَ شمس الدّين أَبُو المظفر يُوسُف ابْن الْأَمِير حسام الدّين قزل بن عبد الله عَتيق الْوَزير عز الدّين بن هُبَيْرَة الْحَنْبَلِيّ وَأمه بنت جمال الدّين أبي الْفرج عبد الرَّحْمَن أبن الْجَوْزِيّ الْحَافِظ الْمَشْهُور والواعظ الَّذِي كَلَامه مأثور وَكَانَ المترجم حسن الصُّورَة طيب الصَّوْت كثير الْفَضَائِل والمصنفات قَالَه أبن كثير وَقَالَ وَله كتاب مرْآة الزَّمَان فِي عشْرين مجلدا وَهُوَ من أحسن التواريخ أَخذه من كتاب جده أبن الْجَوْزِيّ الْمُسَمّى بالمنتظم وَزَاد عَلَيْهِ وذيله إِلَى زَمَنه فجَاء غَايَة فِي بَابه وَقدم دمشق فِي حُدُود الستمائة وحظي عِنْد مُلُوك بني أَيُّوب وقدموه وأحسنوا إِلَيْهِ وَكَانَ لَهُ مجْلِس وعظ كل يَوْم سبت بكرَة النَّهَار عِنْد بَاب مشْهد عَليّ بن الْحُسَيْن فَكَانَ النَّاس يبيتُونَ لَيْلَة السبت بالجامع فِي أَيَّام الصَّيف ويتركون الْبَسَاتِين حَتَّى يسمعوا ميعاده ثمَّ يسرعون إِلَى بساتينهم وهم يتذاكرون بِمَا سَمِعُوهُ من الْفَوَائِد وَالْكَلَام الْحسن الَّذِي كَانَ يمليه على طَريقَة جده وَكَانَ الْمَشَايِخ يحْضرُون هَذَا عِنْد قبَّة يزِيد عِنْد بَاب الْبَرِيد

المدرسة البلخية

ويستهجنون مَا يَقُول كَمَا هِيَ عَادَتهم عِنْد سماعهم مَا لَا يعرفونه واعتقاد كل وَاحِد مِنْهُم أَن الْعلم انحصر فِيهِ وانه لَا علم إِلَّا مَا يعرفهُ من الخزعبلات والترهات والمقالات الملفقة والأساطير المنمقة المزخرفة ثمَّ تولى تدريس الْمدرسَة العزية البرانية ومدرسة الشبلية وفوضت إِلَيْهِ البدرية وَكَانَ سكنه بهَا وَبهَا توفّي سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَحضر جنَازَته الْملك الْعَزِيز وَأثْنى أَبُو شامة على علومه وفضائله وَحسن وعظه وَطيب صَوته ونضارة وَجهه وتواضعه وزهده وتودده وَكَانَ عَالما فَاضلا ظريفا مُنْقَطِعًا عَن النَّاس مُنْكرا على أَصْحَاب الدولة مَا هم عَلَيْهِ من الْمُنْكَرَات وَكَانَ مقتصدا فِي لِبَاسه مواظبا على المطالعة والاشتغال بِالْعلمِ وَالْجمع والتصنيف مضيفا لأهل الْعلم وَالْفضل مباينا لأهل الخزي وَالْجهل تَأتي الْمُلُوك وأرباب الدولة إِلَيْهِ زائرين قَاصِدين وَقد قضى عمره فِي جاه وأفر عِنْد الْمُلُوك والحكام والعوام فِي نَحْو خمسين سنة وَكَانَ مجْلِس وعظه مطربا وصوته فِيمَا يُورِدهُ حسنا طيبا قَالَ أبن كثير وَهُوَ مِمَّن ينشد لَهُ بعد مَوته قَول الشَّاعِر (مَا زلت تكْتب فِي التَّارِيخ مُجْتَهدا ... حَتَّى رَأَيْتُك فِي التَّارِيخ مَذْكُورا) وَمن لطائفه أَن الْملك النَّاصِر صَاحب حلب سَأَلَهُ يَوْم عَاشُورَاء أَن يذكر للنَّاس شَيْئا من مقتل الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ فامتثل وَصعد الْمِنْبَر وَجلسَ طَويلا لَا يتَكَلَّم ثمَّ وضع المنديل على وَجهه وَبكى ثمَّ أنشأ يَقُول (ويل لمن شفعاؤه خصماؤه ... والصور فِي نشر الْخَلَائق ينْفخ) (لَا بُد أَن ترد الْقِيَامَة فاطم ... وقميصها بِدَم الْحُسَيْن ملطخ) ثمَّ نزل عَن الْمِنْبَر وَهُوَ يبكي وَصعد إِلَى الصالحية وَهُوَ يبكي وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي العبر أَن للمترجم تَفْسِيرا فِي تِسْعَة وَعشْرين مجلدا وَله شرح الْجَامِع الْكَبِير وَجمع مجلدا فِي مَنَاقِب أبي حنيفَة وَكَانَ فِي شبيبته حنبليا ثمَّ انْتقل إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة الْمدرسَة البلخية كَانَ محلهَا قَدِيما يعرف بخربة الْكَنِيسَة ثمَّ عرفت بدار أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ

بانيها

ثمَّ جعلت مدرسة ثمَّ اختلست وَصَارَت بُيُوتًا للسُّكْنَى وَكَانَت عِنْد أَيَّام وجودهَا بَابهَا يفتح إِلَى الصادرية قَالَ العلموي وَهِي دَاخل الصادرية وَكَانَ بَابهَا أَولا عِنْد حمام بَاب الْبَرِيد فَجعل من الصادرية انْتهى أَقُول وعَلى البلخية والصادرية وَالْحمام السَّلَام فقد ذهب الْكل وَانْقَضَت أَيَّامه بانيها أَنْشَأَهَا كلر الدقاقي بعد سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة للشَّيْخ برهَان الدّين أبي الْحسن عَليّ الْبَلْخِي الْوَاعِظ الزَّاهِد وَكَانَ يلقب ببرهان الدّين وأشتهر بالزهد والإعراض عَن الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي قَامَ فِي أبطال حَيّ على خير الْعَمَل فِي الْأَذَان فِي مَدِينَة حلب وَكَانَ مُعظما مفخما عِنْد أَرْبَاب الدولة قَالَه الذَّهَبِيّ فِي العبر وَقَالَ فِي الروضتين وَفِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة توفّي الْفَقِيه برهَان الدّين أَبُو الْحسن عَليّ الْبَلْخِي رَئِيس الْحَنَفِيَّة وَدفن فِي مَقَابِر بَاب الصَّغِير الْمُجَاورَة لقبور الشُّهَدَاء وَكَانَ من التفقه على مذْهبه مَا هُوَ مَشْهُور شَائِع مَعَ الْوَرع وَالدّين والعفاف والتصوف وَحفظ ناموس الْعلم والتواضع والتودد إِلَى النَّاس على طَريقَة مرضية وسجية محمودة حرف التَّاء الْمدرسَة التاجية هِيَ بزاوية الْجَامِع الْأمَوِي الشرقية غربي دَار الحَدِيث العروية الْمُتَقَدّم بَيَانهَا وتعريفها قَالَ عز الدّين مُحَمَّد بن عمر الْأنْصَارِيّ وَفِي الْأَيَّام المعظمية جددت الْمَقْصُورَة

الكلام على بانيها

التاجية الْمَعْرُوفَة قَدِيما بِابْن سِنَان والآن يَعْنِي فِي زَمَنه بالسلارية بتَشْديد اللَّام ألف فِي سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة انْتهى قلت وَقد خَفِي الْيَوْم محلهَا وأقفلت أَبْوَابهَا ولعلها هِيَ الَّتِي بِجَانِب المشهد الَّذِي يُقَال لَهُ مشْهد الْحُسَيْن من الْجَانِب الشمالي وَهِي الْآن منضمة إِلَى دَار بني الْغَزِّي وبابها إِلَى الْجَامِع وَالله أعلم الْكَلَام على بانيها قَالَ العلموي لَعَلَّ وَاقِف هَذِه الْبقْعَة الْمَعْرُوفَة بالتاجية تَاج الدّين الْقَدِيم الَّذِي وقف نصف القاسارية الشغرية وَمَا مَعهَا على مؤذني الْجَامِع الْأمَوِي وعَلى السَّبع تجاه مَزَار سيدنَا يحيى يَوْم الْجُمُعَة وعَلى الدشيشة وَكتاب وَقفهَا مَوْجُود انْتهى وَهَذِه التعريفات غايتها أَن واقفها لم يعلم علم الْيَقِين وَأما الدشيشة فَهِيَ طَعَام يطْبخ بِالْحِنْطَةِ وَقد كَانَ لَهَا وقف فانقضت أَيَّامهَا وَبقيت أوقافها يأكلها من يكون مفتيا بِدِمَشْق على وَجه حللته بزعمهم الْحِيَل على من يعلم السِّرّ وأخفى من السِّرّ وَأَقُول أَيْضا لَعَلَّهَا نِسْبَة إِلَى من درس بهَا وَهُوَ تَاج الدّين الْكِنْدِيّ زيد بن الْحسن أبن زيد بن الْحسن الْبَغْدَادِيّ النَّحْوِيّ الكفوي الْمُقْرِئ شيخ الْحَنَفِيَّة والقراء والنحاة بِالشَّام ومسند الْعَصْر فَأَنَّهُ درس بهَا وَفِي أَيَّامه جددت تَرْجَمَة الْكِنْدِيّ قَالَ الذَّهَبِيّ فِي العبر ولد يَعْنِي المترجم سنة عشْرين وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة وأكمل المترجم الْقرَاءَات الْعشْر وَله عشرَة أَعْوَام قَالَه الذَّهَبِيّ وَقَالَ وَهَذَا مَا لَا أعلمهُ تهَيَّأ لأحد سواهُ قلت وَيُمكن أَن يكون هَذَا من شواذ الْعَادة والجبلة واعتنى بِهِ سبط أبن الْجَوْزِيّ فَأَقْرَأهُ وحرص عَلَيْهِ وأشتغل بفن الحَدِيث على عَادَة أَهله يَوْمئِذٍ وأتقن الْعَرَبيَّة ونال الجاه الوافر وَقَالَ الشّعْر الْجيد وَكَانَ الْملك الْمُعظم يديم الِاشْتِغَال بِالْعلمِ عَلَيْهِ فَينزل إِلَيْهِ من القلعة

المدرسة التاشية

قَالَ أبن كثير كَانَ الْكِنْدِيّ حنبليا ثمَّ تحنف وبرع فِي النَّحْو واللغة وتفنن فِي بَقِيَّة الْفُنُون ووقف سَبْعمِائة وَسِتِّينَ مجلدا من الْكتب على مُعْتقه النجيب ياقوت ثمَّ على وَلَده من بعده ثمَّ على الْعلمَاء فِي الحَدِيث وَالْفِقْه واللغة وَغير ذَلِك وَجعلت فِي خزانَة كَبِيرَة بمقصورة أبن سِنَان الْحَنَفِيَّة الْمُجَاورَة لمشهد عَليّ ثمَّ أَن هَذِه الْكتب تَفَرَّقت وَبيع أَكْثَرهَا وَلم يبْق فِي الخزانة إِلَّا الْقَلِيل وترجمه الصّلاح الصَّفَدِي بترجمة طَوِيلَة فِي خمس وَرَقَات وَقَالَ انه حَاز الدرجَة الْعليا فِي الْإِسْنَاد فِي الْقرَاءَات وازدحم عَلَيْهِ الطّلبَة ودرس وصنف وأقرأ الْقرَاءَات والنحو واللغة وَالشعر وَكَانَ ثِقَة واستوزره فرخان ثمَّ اتَّصل بأَخيه تَقِيّ الدّين عمر صَاحب حماة واختص بِهِ وَكَثُرت أملاكه وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْملك الْمُعظم عِيسَى كتاب سِيبَوَيْهٍ وَشَرحه والحماسة والإيضاح وَغير ذَلِك انْتهى الْمدرسَة التاشية قَالَ أبن شَدَّاد مدرسة ألتاشي وتعرف بِمَسْجِد ألتاشي أنشئت سنة نَيف وَخمسين وَخَمْسمِائة أَنْشَأَهَا الْأَمِير ألتاشي الدقاقي انْتهى ودرس بهَا عز الدّين الْحَنَفِيّ ثمَّ بعده ثَمَانِيَة من عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة قَالَ العلموي قلت هِيَ مَجْهُولَة عِنْدِي انْتهى وَلَئِن كَانَت مَجْهُولَة فِي الْقرن التَّاسِع فلهي فِي الْقرن الرَّابِع عشر أَشد جَهَالَة وَأكْثر خَفَاء وَرُبمَا يَأْتِي لبانيها ذكر فِي الْقسم السياسي حرف الْجِيم الْمدرسَة الجلالية عرفهَا فِي تَنْبِيه الطَّالِب بِأَنَّهَا هِيَ والتربة بهَا لصيق البيمارستان النوري قَالَ وَمن وَقفهَا فدان وَنصف فِي قَرْيَة الشاهلية

ترجمة واقفها

وَقَالَ العلموي هِيَ لصيق البيمارستان النوري من الْجِهَة الشمالية وَبهَا تربة الْوَاقِف قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين أَبُو المفاخر أَحْمد أبن قَاضِي الْقُضَاة حسام الدّين الرَّازِيّ قَالَ وَهِي مَجْهُولَة أَيْضا ثمَّ ذكر لَهَا تعارف لم تفدنا شَيْئا أبدا جَريا على عَادَته فَقَالَ بل تحرر أَنَّهَا الَّتِي مُقَابل بَيت مصطفى جلبي نَاظر الْأَمْوَال عَلَيْهَا الستاير وَيَقُولُونَ أَنه خَادِم نور الدّين الشَّهِيد وَلَيْسَ كَذَلِك وداخل بَيت عبد الْعَزِيز الغرابيلي فِيهَا انْتهى فَكَأَن العلموي جعل مُخْتَصره لأبناء وقته فَقَط وَإِلَّا فَمن أَيْن لبيت الغرابيلي ومصطفى جلبي أَن يبقيا إِلَى زمن طَوِيل بِبَقَاء سكانهما وَلم يُغير الزَّمَان أوصافهما كَمَا غير الْمدرسَة وأمثال أَمْثَالهَا أَقُول وَقبل البيمارستان النوري من الْجِهَة الشمالية طَرِيق نَافِذ وَفِي جِهَته الشمالية مَسْجِد لطيف وَفِيه قبر ينْسبهُ النَّاس إِلَى الْفَخر الرَّازِيّ وَلَيْسَ بِصَحِيح وَلَعَلَّ هَذَا الْمَسْجِد مِمَّا تركته أَيدي المختلسين من الْمدرسَة والقبر هُوَ قبر الرَّازِيّ الْمَذْكُور وَبَاقِي الْمدرسَة أَمْسَى دورا فسبحان الْبَاقِي تَرْجَمَة واقفها تقدم أَنه أَحْمد بن حسام الدّين الرَّازِيّ قَالَ العلموي درس بمدرسته وبالخاتونية وبالريحانية وبالقصاعيتين توفّي سنة خمس وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة الْمدرسَة الجمالية بسفح قاسيون أَنْشَأَهَا الْأَمِير جمال الدّين يُوسُف قَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَلم أَقف على تَرْجَمته وَلَا وقفت لَهَا على وقف وَقَالَ العلموي لَا تعرف هِيَ وَلَا تَرْجَمَة واقفها وَلَا من درس بهَا وَرَأَيْت على هَامِش العلموي بِخَط بَعضهم أَنَّهَا بمحلة السِّكَّة ثمَّ ذكر أُنَاسًا مِمَّن سكنها ولعلها أَصبَحت دورا وَحل بهَا مَا حل بغَيْرهَا

المدرسة الجقمقية

الْمدرسَة الجقمقية هِيَ مدرسة مَعْرُوفَة الْآن ومشهورة وَهِي شَرْقي الحديقة الَّتِي بهَا قبَّة صَلَاح الدّين الأيوبي وَعَن يَمِين الدَّاخِل إِلَى الْجَامِع الْأمَوِي من بَابه الشمالي فِي أول الطَّرِيق وَهِي مَبْنِيَّة بِالْحجرِ الأبلق والأبيض والداخل إِلَيْهَا من الْبَاب الأول يجد عَن يسَاره بَابا ثَانِيًا فَيدْخل مِنْهُ إِلَى ساحتها فَيرى هُنَاكَ أَربع أيونات تعلوهما قبَّة شاهقة ومسقوفة فَلَا تدْخلهَا الشَّمْس وَمن نَحْو خمسين سنة والى الْآن وَهِي مكتب لتعليم الشبَّان والأطفال وَحكى فِي تَنْبِيه الطَّالِب أَنه كَانَ بهَا تربة قلت وَقد اندرست وعفت آثارها وَحكى أَيْضا أَنه كَانَ تجاهها من الشمَال يَعْنِي اتجاه بَابهَا خانقاه يفصل بَينهمَا الطَّرِيق الْآخِذ إِلَى المدرستين العادلية والظاهرية من جِهَة الغرب والآخذ إِلَى الْجَامِع الْأمَوِي من شرقها اهـ قلت وَقد درست تِلْكَ الخانقاه وعفت آثارها واتخذها المختلسون لَهَا دورا للسُّكْنَى فأنشأت تخاطب غاصبها وتلومه بقول ابْن الوردي (إِن أهنى عيشة قضيتها ... ذهبت لذاتها وَالْإِثْم حل) فيجيبها بقوله (دَعْنِي بلذاتي أكن طوع الْهوى ... لَا أُبَالِي بعد موتِي أَيْن كنت) وَكَانَ من قصَّة هَذِه الْمدرسَة أَن الْمعلم سنجر الْهِلَالِي وأبنه شمس الدّين الصَّائِغ قد أسسا التربة أَولا ثمَّ تقلبت بهما الْأَحْوَال إِلَى أَن غضب عَلَيْهِمَا الْملك النَّاصِر حسن سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة فعاقب سنجر وَأخذ مِنْهُ مَا يزِيد عَن ألف ألف دِرْهَم وَهُوَ فِي اصْطِلَاح زمننا مليون من الدَّرَاهِم بِدَعْوَى أنهنمي إِلَيْهِ من أَنه لَا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله وَأَنه يُطلق لِسَانه فِي ثلب الامراء وذمهم ثمَّ أَنه أحَاط بِمَا لَهُ من الْحجَج والأملاك والحواصل فَكَانَت تزيد عَن ثَلَاثَة آلَاف ألف دِرْهَم أَي ثَلَاثَة ملايين وَلكنه سلم إِلَيْهِ ذَلِك بعد مُدَّة فَانْظُر إِلَى هَذَا الظُّلم وَالْبَغي الَّذِي كَانَ فِي تِلْكَ الْأَيَّام وعاقب ابْنه مُحَمَّدًا أَيْضا فَأخذ تربته الَّتِي أَنْشَأَهَا بِبَاب الْجَامِع ثمَّ أَمر السُّلْطَان بعمارتها فَلم يُغيرُوا أساساتها بل بنوا فَوْقهَا وَجعلُوا لَهَا شبابيك من شرقيها وبنوا حائطها بِالْحِجَارَةِ الْبيض والسود فَجَاءَت فِي غَايَة الْحسن فالباني لَهما إِنَّمَا هُوَ السُّلْطَان النَّاصِر حسن وَكَانَ قد رسم بِأَن يَجْعَل بهَا مكتبا للأيتام فشرع فِي بنائِهِ لكنه قتل سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة قبل أَن يتم ثمَّ صَارَت بعد مَوته خانقاه للصوفية وَلها وقف

يسير جدا واستمرت على حالتها إِلَى أَن احترقت فِي فتْنَة تيمورلنك فَكَانَت خاوية على عروشها إِلَى أَن تولي سيف الدّين جقمق نِيَابَة دمشق سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَكَانَت دمشق فِي غَايَة من الخراب الَّذِي لحقها من حروب تيمورلنك فتوجهت همته لأعمارها بِنَفسِهِ وبإلزام النَّاس بذلك وبنقله من سكن خَارِجهَا إِلَى داخلها وَشرع فِي عمَارَة الطيورين والفسقار وَعمر التربة الَّتِي بِبَاب الناطفانيين وَهُوَ بَاب الْجَامِع الشمالي وَهِي تربة الجقمقية ورتبها حَتَّى صَارَت فِي غَايَة الْحسن والزخرفة وَقيل انه لم يكن فِي دمشق وَلَا فِي مصر نَظِير لَهَا ووسعها من جِهَة الْقبْلَة وَجعل لَهَا شبابيك إِلَى الكلاسة وشبابيك إِلَى الْجِهَة الشمالية وَبنى فِي مقابلها خانقاه إِلَى الصُّوفِيَّة ورتب بهَا شَيخا وصوفية ورتب بالتربة الْمَذْكُورَة ميعادا بعد صَلَاة الْجُمُعَة وَجعل فِي قبلتها مكتبا للأيتام وَقد كَانَ مَوْجُودا قبل الْفِتْنَة التيمورية وَلكنه أَحْيَاهُ ووقف السُّوق الَّذِي عمره دَاخل بَاب الْجَابِيَة والطاحون الَّتِي أَنْشَأَهَا بالوادي والخان شمَالي الْمصلى وَجعل بَعْضًا من ريع ذَلِك على نَفسه وَأَوْلَاده وبعضا على التربة وبعضا على أَنْوَاع الْبر قَالَ ألاسدي هَذِه التربة كَانَ المؤسس لَهَا سنجر ثمَّ بناها جقمق وَفرغ من بنائها سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة فَجَاءَت فِي غَايَة الْحسن وَحضر ميعادها الشَّيْخ شرف الدّين بن مُفْلِح وَلَكِن ظلمَة الظُّلم لائحة عَلَيْهَا وَقَالَ أَيْضا بَلغنِي أَن الْأَمِير ماماش استقطع وقف جقمق وَأخذ من التربة الْبسط والقناديل وَمنع الصُّوفِيَّة والقراء من الْحُضُور فِيهَا وَقيل انه احضر كتاب وَقفهَا فأتلفه انْتهى وَذكر غَيره أَن جقمق أبدى الْعِصْيَان سنة أَربع وَعشْرين وحاصر بقلعة صرخد وَلما سئم من الْحصار طلب الامان من السُّلْطَان وَنزل من القلعة فَقبل الأَرْض بَين يَدي الْملك المظفر فرسم عَلَيْهِ بقاعة القلعة وَطلب مِنْهُ المَال الَّذِي أَخذه وَفِي الْيَوْم الثَّانِي قيل انه عُوقِبَ وَقرر على المَال وَفِي الْيَوْم الثَّالِث أرسل مَعَ الخيالة مُقَيّدا ثمَّ حبس ثمَّ قتل بعد أَن عُوقِبَ وَقرر على مَا لَهُ من الودائع والذخائر وَبَقِي ملقى فِي قلعة دمشق ثمَّ دفن فِي تربته وَلَقي مَا قَدمته يَدَاهُ وَكَانَ ذكيا عَارِفًا بِالنَّاسِ وتراجمهم وَمهر فِي الظُّلم قَالَ ابْن حجر وَكَانَ ظلوما غشوما متطلعا على عورات النَّاس انْتهى

ترجمة واقفها

وَقد علم مِمَّا تقدم أَن الَّذِي بناها سنجر ثمَّ نسبت إِلَى جقمق لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بناها بعد أَن احترقت وَقد درس بهَا كثير من الأفاضل كالعز ابْن شيخ السلامية والعماد ابْن السَّيِّد عدنان وَغَيرهمَا ثمَّ تقلبت بهَا الْأَيَّام كَغَيْرِهَا من الْمدَارِس إِلَى أَن صَارَت كلهَا مكتبا فِي أَوَاخِر الْقرن الثَّالِث عشر وَأَنا لنحمد أَيدي الْحدثَان الَّتِي أبقت بناءها وَلم تخف آثارها كَمَا فعلت بغَيْرهَا تَرْجَمَة واقفها تقدم أَن الَّذِي أَنْشَأَهَا أَولا إِنَّمَا هُوَ سنجر وَولده شمس الدّين وَالْملك النَّاصِر حسن ثمَّ جددها ورممها النَّائِب جقمق فنسبت إِلَيْهِ وَقد علمت تَرْجَمَة كل مِنْهُم أَن لم يكن تَفْصِيلًا وبسطها فِي الْقسم السياسي وَقد رَأَيْت صَاحب الضَّوْء اللامع ترْجم جقمق بترجمة مختصرة فَقَالَ جقمق سيف الدّين من أَبنَاء التركمان أَخذه بعض التُّجَّار صَغِيرا وَاتفقَ مَعَ رَفِيق لَهُ على أَن يبيعاه ويقتسما ثمنه بَينهمَا فباعاه وَكَانَ إِذا تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ لَا يشك سامعه فِي انه من أَبنَاء الْعَرَب ثمَّ تنقل فِي خدم الْمُؤَيد حَتَّى صَار دوادارا وَذَلِكَ قبل تملك الْمُؤَيد وَلما تملك اقره على منصبه ثمَّ جعله نَائِبا لدمشق سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَلما مَاتَ الْمُؤَيد اظهر الْعِصْيَان وَآل أمره إِلَى أَن امسكه ططر وعصره وَأخذ مِنْهُ مَالا ثمَّ أَمر بقتْله فَقتل صبرا سنة أَربع وَعشْرين وَدفن بمدرسته الَّتِي هِيَ بِالْقربِ من شمَالي الْجَامِع الْأَعْظَم بِحَضْرَة الخانقاه السميساطية وَكَانَ شَدِيدا فِي دواداريته على النَّاس ذكره ابْن خطيب الناصرية والحافظ ابْن حجر انْتهى وَمن تَأمل أَفعَال الْأُمَرَاء فِي قُرُون الْخَمْسمِائَةِ وَمَا بعْدهَا رأى الاستبداد ضَارِبًا أطنابه وَالظُّلم وَالْبَغي ناشرا أجنحته مرفرفا على النَّوْع الإنساني بالجور وَقلة الْإِنْصَاف فان الْملك إِذْ ذَاك يُرْخِي الْعَنَان لنوابه ومأموريه فيتفننون بفنون الظُّلم وسلب أَمْوَال الرّعية وَلَا يسْأَله عَن أَعماله وَلَا يفاتحه بهَا حَتَّى إِذا رأى خزائنه امْتَلَأت وثروته امْتَدَّ رواقها تنَاوله بمخالبه وأنشب فِيهِ أَظْفَاره فيميته ميتَة وحشية ويستولي على مَا بِيَدِهِ من الْأَمْوَال وَالْعَقار كَأَن لِسَان حَاله يَقُول أَنا أرسل النَّائِب ليجمع الْأَمْوَال شَيْئا فَشَيْئًا على مهل ثمَّ أبتزها مِنْهُ على عجل وَلَا أُبَالِي بِإِتْلَاف

الْخلق وأهلاك النُّفُوس وَكَانُوا يتفننون بأنواع الْعَذَاب فبعضه يكون بِالْقَتْلِ صبرا وَهُوَ أَن يحبس الشَّخْص وَيمْنَع الطَّعَام وَالشرَاب حَتَّى يَمُوت وَتارَة يكون بعصر الْأَعْضَاء بالمعصار وَمرَّة يَجْعَل المعذب حجرا فِي الْبناء وآونة بالحرق والخنق وَالضَّرْب بِالسَّيْفِ إِلَى غير ذَلِك من الْأَفْعَال الدَّالَّة على وحشية الطَّبْع وعَلى الْكبر والجبروت وَقلة المبالاة بِأَمْر الْخَالِق جلّ شَأْنه نعم كَانَ يَتَخَلَّل هَذِه الظُّلُمَات نور من عدل بعض الْمُلُوك الْمُؤمنِينَ كنور الدّين وَصَلَاح الدّين وَغَيرهمَا ثمَّ يسدل الظلام ويمد رواقه وَيَأْتِي النَّاس مَا ينسيهم أَخْبَار أُولَئِكَ الصَّالِحين وَللَّه فِي خلقه شؤون الْمدرسَة الجهاركسية يُقَال لَهَا الجهاركسية والجركسية وَهِي بالصالحية ومحلتها مَشْهُورَة باسمها لَكِن الْعَوام صحفوها فَقَالُوا عَنْهَا السركسية بسينين مهملتين وَذَلِكَ انك إِذا سرت فِي الطَّرِيق الَّذِي هُوَ أَمَام الدلامية عِنْد الجسر الْأَبْيَض وانتهيت إِلَى آخِره عِنْد الطَّرِيق الْعَام قابلتك الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وَقَالَ العلموي هِيَ بِطرف السُّوق فَوق نهر يزِيد عِنْد الْجَامِع الْجَدِيد ومكانها مَعْرُوف مَشْهُور انْتهى أَقُول وَقد وقفت عَلَيْهَا فرأيتها مندرسة الأطلال قد جَعلتهَا أَيدي المختلسين دورا للسُّكْنَى وَلم يبْق مِنْهَا سوى قبتين عظيمتين قد تهدم أعلاهما وتحتهما قُبُور وعَلى جدارها القبلي كِتَابَة منطمسة الْحُرُوف تعسر قرَاءَتهَا تُشِير إِلَى التَّعْرِيف بهَا وتاريخ بنائها وَقَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب إِنَّهَا مَوْقُوفَة على الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَقَالَ بَعضهم انه وقف على كتاب وَقفهَا وَإِنَّهَا على الْحَنَفِيَّة فَقَط وأيا مَا كَانَت فقد حرمهَا مختلسها من الْعلم وَأَهله ومنعها عَن الطَّائِفَتَيْنِ فَمَاذَا يُفِيد كَونهَا على الشَّافِعِيَّة أَو عَلَيْهِم وعَلى الْحَنَفِيَّة وَمن وَقفهَا النّصْف وَالثلث من قَرْيَة بَيت سوا من قرى دمشق وَكفر العواميد بالزبداني وأحكار بيُوت بالصالحية فِي جوارها وَالثلث من المزرعة الْمَعْرُوفَة بهَا وَاثنا عشر سَهْما من قَرْيَة بَيت سوا أَيْضا وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يعلم أَي يَد تناولته واستباحته

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها قَالَ ابْن خلكان أَبُو مَنْصُور جهاركس بن عبد الله الناصري الصلاحي الملقب فَخر الدّين كَانَ من كبراء أُمَرَاء الدولة الصلاحية وَكَانَ كَرِيمًا نبيل الْقدر عالي الهمة بنى بِالْقَاهِرَةِ القيسارية الْكُبْرَى المنسوبة إِلَيْهِ رَأَيْت جمَاعَة من التُّجَّار الَّذين طافوا الْبِلَاد يَقُولُونَ لم نر فِي شَيْء من الْبِلَاد مثلهَا فِي حسنها وعظمها وَأَحْكَام بنائها وَبنى بِأَعْلَاهَا مَسْجِدا كَبِيرا وربعا مُعَلّقا وَتُوفِّي فِي بعض شهور سنة ثَمَان وسِتمِائَة بِدِمَشْق وَدفن فِي جبل الصالحية وتربته مَشْهُورَة هُنَاكَ رَحمَه الله تَعَالَى وجهاركس بِكَسْر الْجِيم وَفتح الْهَاء وَبعد الْألف رَاء ثمَّ كَاف مَفْتُوحَة ثمَّ سين مُهْملَة وَمَعْنَاهُ بالعربي أَرْبَعَة انفس وَهُوَ لفظ أعجمي معربة أَسْتَار والأستار أَرْبَعَة أواقي وَهُوَ مَعْرُوف بِهِ وَفِي مرْآة الزَّمَان مَعْنَاهُ اشْترى بأربعمائة دِينَار انْتهى قَالَ الذَّهَبِيّ وَكَانَ الْعَادِل قد أعطَاهُ بانياس والشقيف فَأَقَامَ هُنَاكَ مُدَّة وَقَالَ ابْن كثير واليه تنْسب قباب شركس بالسفح تجاه تربة خاتون وَبهَا قَبره وَقد علم من مدرسي هَذِه الْمدرسَة القَاضِي أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف الشكلي الشَّافِعِي الْمدرسَة الجوهرية قَالَ فِي التَّنْبِيه هِيَ شَرْقي تربة أم الصَّالح دَاخل دمشق بحارة بلاطه انْتهى أَقُول إِذا مَرَرْت أَمَام الْمدرسَة الريحانية وسرت مغربا تَجِد عَن يَمِينك زقاقا غير نَافِذ فَإِذا توسطته وجدت فِي الْجِدَار الغربي حجرا مَكْتُوبًا قد علاهُ الطين ودورا وَأهل تِلْكَ الْمحلة يَقُولُونَ أَن هُنَاكَ قبر الْجَوْهَرِي وَلَكِن بعض هَذَا التَّعْرِيف لَا يُفِيد لِأَن الْحجر قد يُزِيلهُ المختلسون وَقد يطينون فَوْقه وعَلى كل فان الْمدرسَة هُنَاكَ وَقد اختلست من عهد قريب وَجعلت دورا للسُّكْنَى وَبَقِي الْقَبْر بِحَالهِ قَالَ النعيمي وَرَأَيْت مرسوما على عتبَة بَابهَا الْبَسْمَلَة وَهَذِه الْأَلْفَاظ وَهِي هَذِه الْمدرسَة الْمُبَارَكَة وقف العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى أَبُو بكر بن مُحَمَّد ابْن أبي

ترجمة واقفها

طَاهِر بن عَبَّاس ابْن أبي المكارم التَّمِيمِي الْجَوْهَرِي على أَتبَاع مَذْهَب أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ الْفَرَاغ من عمارتها والتدريس بهَا فِي سنة سِتّ وَسبعين وسِتمِائَة انْتهى قَالَ وَأَنْشَأَ واقفها وَظِيفَة تدريس بمحراب الْحَنَفِيَّة الْجَدِيد بِجَامِع دمشق الْكَبِير ورتبها بِالْمَكَانِ الْمَذْكُور درس بِالْمَدْرَسَةِ حسام الدّين الرَّازِيّ ثمَّ خَمْسَة بعده حنفية تَرْجَمَة واقفها هُوَ نجم الدّين أَبُو بكر الْمَذْكُور سَابِقًا توفّي سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَدفن بمدرسته عَن سنّ عالية حرف الْحَاء الْمُهْملَة الْمدرسَة الحاجية هِيَ والخانقاه بهَا كَانَت بالصالحية بالسفح قبلي الْمدرسَة العمرية والتعريف بمكانها انك إِذا وقفت أَمَام الْمدرسَة العمرية وسرت متجها إِلَى الْقبْلَة فِي الطَّرِيق الْآخِذ إِلَى الْجنُوب فانك لَا تسير إِلَّا قَلِيلا إِلَّا وتجد عَن يَمِينك أَرضًا محوطة بجدار من التُّرَاب الْمُسَمّى باصطلاح دِيَارنَا دكا وَقد كَانَت هُنَاكَ الْمدرسَة الحاجبية فتهدمت وَاسْتولى النَّاس على حجارتها وَبقيت أَرضًا قفرا لَيْسَ بهَا إِلَّا بعض آثَار جدران من الحجرات الَّتِي كَانَت بهَا وَالْفضل للَّذين لم يمتلكوا أرْضهَا فيجعلوها بستانا وَالنَّاس يسمونها الْآن الحاجبية وَبَعْضهمْ يسميها الخانقاه وَهِي ملاصقة لبستان قصر الفارة من الْجَانِب الشَّرْقِي وَأَخْبرنِي من أَثِق بِهِ من المعمرين أَنه مُنْذُ سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف كَانَت عامرة وَبهَا خلاوي ومنارة قَائِمَة فتهدمت وَالله أعلم بِمَا يؤول إِلَيْهِ أمرهَا فِيمَا بعد وَلَيْسَت هِيَ بِأول مدرسة تنَاولهَا المختلسون غنيمَة بَارِدَة وَلَا وَقفهَا بِأول وقف ابتلعه مدعُو الْإِيمَان وَالْعَمَل بِالشَّرْعِ وَهُوَ برِئ مِنْهُم

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد أبن الْأَمِير مبارك الاينالي دوادار سودون النوروزي وَيعرف بِابْن مبارك قَالَ السخاوي فِي الضَّوْء اللامع ولد فِي حُدُود عشر وَثَمَانمِائَة وَأول مَا عرف من أمره أَنه عمل دوادارا عِنْد زوج أُخْته سودون النوروزي حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق ثمَّ تنقل بهَا فِي الْوَظَائِف إِلَى أَن صَار حاجبا ثمَّ صَار نَائِب حماه ثمَّ تولى نِيَابَة طرابلس ثمَّ عزل مِنْهَا وصودر ثمَّ صولح على خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَاسْتمرّ على الحجوبة بِدِمَشْق وَكَانَ مَذْكُورا بِالْخَيرِ فِي الْجُمْلَة مَعَ نوع فَضِيلَة ومذاكرة وَأَنْشَأَ مدرسة للْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات بصالحية دمشق وَأَنْشَأَ بهَا رِبَاطًا فِيمَا أَظن ورام من الْبُرْهَان القادري أَن يكون شيخ صوفيتها فَأبى فقرر وَلَده ثمَّ لم يلبث أَن مَاتَ وَهُوَ على حجوبته وَذَلِكَ سنة تسع وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَحضر وَلَده فبذل الْأَمْوَال وَسلم من الْقَتْل انْتهى وَقَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب توجه فِي حَيَاة سودون إِلَى مصر وَلم يقم عِنْده ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى توفّي فاتصل بالسلطان وَتقدم عِنْده ثمَّ عَاد إِلَى دمشق وَقد صَار حاجبا صَغِيرا بهَا وأميرا على التركمان وَشرع فِي تجهيز الأغنام الشامية من دمشق وَمن الشمَال إِلَى مصر فَحصل غلاء عَظِيم فِي اللَّحْم حَتَّى صَار الرطل يُبَاع فِي دمشق بِسِتَّة دَرَاهِم ثمَّ اسْتَقر فِي نِيَابَة البيرة ثمَّ صَار حاجبا كَبِيرا بِدِمَشْق ثمَّ صَار أَمِيرا على التركمان والأكراد وَقَالَ الْجمال ابْن عبد الْهَادِي الْمَعْرُوف بِابْن الْمبرد فِي الرياض تولى نِيَابَة طرابلس وحماه وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة وَدفن بتربته بِالْقربِ من تربة السبكيين تَحت كَهْف جبرييل بسفح قاسيون فَاخْتلف التَّارِيخ عَمَّا قبله فِي وَفَاته اخْتِلَافا يَسِيرا وَحكى ابْن طولون وَكَانَت الْمدرسَة الحاجبية أَولا زقاقا غير نَافِذ يشْتَمل على بيُوت فاشتراها الْأَمِير نَاصِر الدّين من أَصْحَابهَا وبناها مدرسة وَلما كمل بناؤها صادره السُّلْطَان ورسم عَلَيْهِ بهَا حَتَّى بَاعَ موجوده ورام فكها وَأول من ولي إمامتها

حرف الخاء المعجمة

الشَّيْخ أَبُو الْخَيْر الرَّمْلِيّ ثمَّ الشهَاب العسكري ثمَّ وَلَده الزين عبد الْقَادِر وشاركه الشهَاب الشويكي وَتَوَلَّى خطابتها التَّاج بن عربشاه الْحَنَفِيّ ثمَّ الشَّمْس الطَّيِّبِيّ ثمَّ النَّجْم بن شكم وَأول من ولي تدريسها الشَّيْخ كَمَال الدّين النَّيْسَابُورِي ثمَّ صَار إِلَى غير أَهله قَالَ وَهَذِه الْمدرسَة من أحاسن الصالحية بل من أحاسن دمشق وَجَمِيع أبنيتها من الْحجر الْأَبْيَض غير مَسْجِدهَا فانه من الْأَصْفَر وَالْأسود ومحرابها وشباكاها القبليان وبركتها ومئذنتها وأرضها من حجر رُخَام ومعدزي وسقوفها عجمية وَكَانَ فِي نِيَّة واقفها أَن يَجْعَل سقفها جملونا ويختار لَهُ الْخشب المواقف فَأَدْرَكته الْمنية وَلم يتم لَهُ مَا قصد حرف الْخَاء الْمُعْجَمَة الْمدرسَة الخاتونية البرانية رَأَيْت فِي كتاب نزهة الْأَنَام فِي محَاسِن الشَّام لِابْنِ المزلق مَا نَصه الْمدرسَة الخاتونية هِيَ من أَعَاجِيب الدَّهْر يمر بصحنها بانياس ونهر القنوات على بَابهَا وَلها شبابيك تطل على المرجة وَبهَا من أَلْوَاح الرخام مَا لم يسمح الزَّمَان بِمِثْلِهَا وَبهَا عدَّة خلاوى للطلبة وبجوارها دَار الْأَمِير الْأَصِيل ابْن منجك وَهَذِه الْمحلة من محَاسِن دمشق انْتهى ثمَّ انْقَضتْ تِلْكَ السنون وَأَهْلهَا ... فَكَأَنَّهَا وَكَأَنَّهُم أَحْلَام) وَمِنْه يعلم أَن تِلْكَ الْجِهَات كَانَت آهلة معمورة وَقد كَانَت هَذِه الْمدرسَة وَالْمَسْجِد بهَا على الشّرف القبلي عِنْد مَكَان يُسمى صنعاء الشَّام المطل على وَادي الشقراء وَهُوَ مَشْهُور بِدِمَشْق وَقَالَ ابْن كثير وَيعرف ذَلِك الْمَكَان الَّذِي هِيَ فِيهِ بتل الثعالب وَقَالَ الصَّفَدِي هَذِه الْمدرسَة من كبار مدارس الْحَنَفِيَّة وأجودها مَعْلُوما وَهِي بِأَعْلَى الشّرف القبلي اهـ

أَقُول صنعا كَانَت قَرْيَة بالشرف القبلي فاختفى الْيَوْم أَثَرهَا وَلَقَد اخبرني بَعضهم أَن بعض الْأَغْنِيَاء فِي زمننا لما بنى أبنيته الَّتِي على طَرِيق المزة ظفر بحمام تِلْكَ الْقرْيَة تَحت الرَّدْم وظفر بآثار أبنيتها وحجارتها والأبينة ظلّ زائل وَأما الشقراء فَهِيَ من متنزهات دمشق البديعة وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا فِي محلهَا ونقول الْآن إِن جَوَانِب المرجة الفيحاء تسمى بالشرفين وَقد قَالَ فِي نزهة الْأَنَام وكل شرف للبلد فِيهِ عدَّة من الْمدَارِس والمساجد وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا من الْأَوْقَاف مَا يَكْفِيهِ وَقد استولت عَلَيْهَا أَيدي المتشبهين بالفقهاء فأظهروا فِيهَا أَنْوَاع الْمَفَاسِد وكلا الشرفين يطلّ على الشقراء والميدان وَالْقصر الأبلق والمرجة ذَات الْعُيُون والغدران وَمَا ألطف مَا قَالَه ابْن الشَّهِيد (لم يحك جلق فِي المحاسن بَلْدَة ... قَول صَحِيح مَا بِهِ بهتان) (وَلَئِن غَدَوْت مسابقا فِي غَيرهَا ... هَا بَيْننَا الشقراء والميدان) وَمن تَحْرِير القيراطي (سر بِي إِلَى الشقراء من جلق ... واثن إِلَى الخضراء مِنْك الْعَنَان) (فِيهَا جنان لَو رأى حسنها ... أَبُو نواس للهى عَن جنان) (وَانْزِلْ بواديها الَّذِي نشره ... مسك وحصبا النَّهر مِنْهُ جمان) قَالَ العلموي قلت هَذِه الخاتونية هِيَ شمَالي نهر بانياس مطلة على الميدان الْأَخْضَر وَكَانَت قبلا بمئذنة وبئر وَرَأَيْت ذَلِك إِلَى آخر وَقت الجراكسة وأوائل الدولة العثمانية وَأول من خربها وَأخذ رخامها وَمن جملَته رُخَام المحاريب سيباي وَوضع ذَلِك بمدرسته الكائنة بِبَاب الْجَابِيَة الملقبة بِجمع الْجَوَامِع ودرس بهَا أَبُو الْحسن الْبَلْخِي ثمَّ سبع مدرسين مِنْهُم الْجلَال عمر الخجندي كَانَ فَقِيها زاهدا بارعا عَاقِلا عَارِفًا بِالْمذهبِ صنف فِي الْفِقْه والأصلين ودرس بالعزية بالشرف الشمالي ثمَّ جاور بِمَكَّة سنة ثمَّ رَجَعَ إِلَى دمشق فدرس بِهَذِهِ الخاتونية إِلَى أَن توفّي فِي آخر ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة عَن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة وَدفن بالصوفية ثمَّ درس بهَا الشَّمْس الحريري ثمَّ البصروي ثمَّ ابْن قَاضِي ملطية ثمَّ ابْن فويرة ثمَّ الْآدَمِيّ انْتهى كَلَامه

ترجمة الواقفة

تَرْجَمَة الواقفة أوقفتها السِّت خاتون أم شمس الْمُلُوك أُخْت الْملك دقاق كَمَا قَالَه ابْن شَدَّاد قَالَ فِي العبر سَمِعت الحَدِيث من أبي الْحسن عَليّ بن قيس واستنسخت الْكتب وحفظت الْقُرْآن وَبنت الْمدرسَة الخاتونية بِصَنْعَاء دمشق وجاورت بِالْمَدِينَةِ المنورة فَمَاتَتْ بهَا ودفنت بِالبَقِيعِ انْتهى وَقَالَ العلموي هِيَ زمرد خاتون زَوْجَة تَاج الْمُلُوك نوري ثمَّ ذكر نَحوا مِمَّا تقدم ثمَّ قَالَ تزَوجهَا أتابك زنكي فَبَقيت مَعَه سبع سِنِين ثمَّ حجت وجاورت بِالْمَدِينَةِ وَتوفيت سنة سبع وَخمسين وَخَمْسمِائة وَهَذِه غير خاتون بنت معِين الدّين الَّتِي يَأْتِي ذكرهَا فرحمها الله تَعَالَى وَعَفا عَنْهَا الخاتونية الجوانية كَانَت بمحلة حجر الذَّهَب كَذَا قَالَه فِي التَّنْبِيه ومختصره والأسماء فِي زمننا قد تَغَيَّرت وبدلت فَلَا نَعْرِف تِلْكَ الْمحلة الْآن وَلَا فِي أَيَّة جِهَة هِيَ وَلَكِن يَتَّضِح مِمَّا ذكره المؤرخون فِي تَرْجَمته الواقفة تَرْجَمَة الواقفة هِيَ خاتون بنت معِين الدّين أنر زَوْجَة الشَّهِيد نور الدّين مَحْمُود بن زنكي ثمَّ السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَلَيْسَت هِيَ الواقفة وَإِنَّمَا أوقفها عَلَيْهَا أَخُوهَا سعد الدّين ثمَّ من بعْدهَا فعلى عَقبهَا ونسلها وَمَاتَتْ وَلم تعقب وَهِي الَّتِي بنت الخانقاه ظَاهر بَاب النَّصْر فِي أول الشّرف القبلي على بانياس قَالَ العلموي هِيَ الَّتِي بِجَانِب الطَّرِيق ويليها جَامع تنكز من الغرب وَمن الْقبْلَة الْآن الآتون وَمن الشمَال النَّهر وبابها وَهِي الْآن معمل قاشاني

هَذَا كَلَامه وَرَأَيْت على هَامِش مُخْتَصره بِخَط غَيره أَن الَّتِي صَارَت معمل قيشاني هِيَ الْمدرسَة الخاتونية الجوانية انْتهى وعَلى هَذَا إِن الْمدرسَة كَانَت بِتِلْكَ الْجِهَة وَهِي الَّتِي سَمَّاهَا حجر الذَّهَب قَالَ العلموي وَقد خربها وَبنى مَكَانهَا بَيْتا فَخر الدّين الْقُدسِي الْمَالِكِي وَصَارَت نسيا منسيا ثمَّ إِن كيخيا حسن باشا أَخذ مِنْهُ مَا عمره قهرا وَلم ينله مِنْهَا إِلَّا الْإِثْم اهـ أَقُول قد صرح بِأَن الخاتونية هَذِه قد اندرست مُنْذُ زمن وَأما القاشاني فقد اندرست أمكنته وانقرضت من أَيدي الدمشقيين صناعته وَلم يبْق مِنْهُ إِلَّا آثَار ملصقة بِالْبِنَاءِ وَهِي لبهجتها وجمالها تدهش الْعُقُول فسبحان مغير الْأَحْوَال ومبيد الْأُمَم وصنائعها وَقد توفيت خاتون الْمَذْكُورَة سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة ودفنت بتربتها الَّتِي هِيَ تجاه قبَّة جركس بِالْجَبَلِ قَالَ الْأَسدي فِي تَرْجَمَة خاتون بعد أَن ذكر الْمدرسَة والخانقاه وَبنت تربة بقاسيون على نهر يزِيد مُقَابل تربة جركس ووقفت على هَذِه الْأَمَاكِن أوقافا دارة كَثِيرَة كَذَا قَالَ فِي مرْآة الزَّمَان قَالَ الْعِمَاد وَكَانَت من أَغضّ النِّسَاء طرفا وأعصمهن وأجلهن صِيَانة وحزما متمسكة من الدّين بالعروة الوثقى وَلها أَمر نَافِذ ومعروف وصدقات ورواتب للفقهاء وادرارات وَبنت للفقهاء الصُّوفِيَّة مدرسة ورباطا قَالَ أَبُو شامة وَكِلَاهُمَا ينسبان إِلَيْهَا فالمدرسة دَاخل دمشق بمحلة حجر الذَّهَب بِالْقربِ من الْحمام الشركسي والرباط خَارج بَاب النَّصْر رَاكب على نهر بانياس فِي أول الشّرف القبلي وَأما مَسْجِد خاتون الَّذِي فِي آخر الشّرف القبلي من الغرب فَهُوَ مَنْسُوب إِلَى زمرد خاتون بنت جاولي أُخْت الْملك دقاق لأمه قَالَ الْعِمَاد وَهَذَا سوى أوقافها على معتقيها وعوارفها وأقاربها فرحمها الله تَعَالَى

حرف الدال المهملة

حرف الدَّال الْمُهْملَة الْمدرسَة الدماغية تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا وَأَنَّهَا على الْفَرِيقَيْنِ الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَمن مدرسيها من الْحَنَفِيَّة عبد الْوَهَّاب بن أَحْمد بن سَحْنُون الْحَنَفِيّ خطيب النيرب وَشَيخ الْأَطِبَّاء وَكَانَ طَبِيبا ماهرا حاذقا وَله شعر وفضائل توفّي سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة حرف الرَّاء الْمدرسَة الركنية أَقُول هِيَ بالصالحية بمحلة الأكراد قبلي الطَّرِيق ينزل الدَّاخِل إِلَيْهَا على درج فَيرى ساحة متوسطة فِي الانفساح وبالجانب الشَّرْقِي قبَّة عَظِيمَة وبالجانب الغربي جَامع وَكِلَاهُمَا مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ الضخمة بِنَاء متقنا هائلا وَهِي عامرة إِلَى الْآن لم يُغير الزَّمَان شَيْئا من رونقها إِلَّا أَن يكون بعض المختلسين أَخذ قِطْعَة من جَانبهَا الغربي فاختلسها وَهِي الْآن برسم جَامع للصلوات الْخمس قَالَ النعيمي أوقف بانيها عَلَيْهَا أوقافا كَثِيرَة وَكَانَ من شَرط مدرسها أَن يسكن بهَا تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا الْأَمِير ركن الدّين منكورس الفلكي غُلَام فلك الدّين أخي الْملك الْعَادِل وَكَانَ من خِيَار الْأُمَرَاء مواظبا على الصَّلَوَات فِي الْمَسْجِد مَعَ قلَّة الْكَلَام وَكَثْرَة الصَّدقَات وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخ الْإِسْلَام نَاب فِي الديار المصرية للْملك الْعَادِل وَكَانَ محتشما عفيفا يَجِيء إِلَى الْجَوَامِع وَحده وَله بجبل قاسيون تربة ومدرسة ووقف عَلَيْهَا أوقافا كَثِيرَة انْتهى توفّي بقرية جرود من أَعمال دمشق وَحمل إِلَى تربته فِي هَذِه الْمدرسَة فَدفن فِيهَا سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ بِنَاء الْمدرسَة سنة إِحْدَى وَعشْرين وَحكى العلموي لَهُ كرامات تركناها هُنَا اختصارا ودرس بالركنية وجيه الدّين الْقَارِي ثمَّ بعده أَرْبَعَة عشر مدرسا

المدرسة الريحانية

الْمدرسَة الريحانية جوَار الْمدرسَة النورية من الْجَانِب الغربي وَقد تقلبت عَلَيْهَا الْأَيَّام إِلَى أَن اسْتَقَرَّتْ فِي زمننا هَذَا مكتبا للأطفال وأظن أَنَّهَا لم تسلم من الِاسْتِيلَاء على شَيْء من أطرافها وَقد وقف عَلَيْهَا بانيها أوقافا مَعْلُومَة مَشْهُورَة وَقد قَرَأت الْحجر المحفور الْمَوْضُوع أُسْكُفَّة لبابها فَإِذا فِيهِ بعد الْبَسْمَلَة وقف هَذِه الْمدرسَة الْمُبَارَكَة جمال الدّين ريحَان بن عبد الله على المتفقهة بهَا على مَذْهَب الإِمَام الْأَعْظَم سراج الْأمة أبي حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ ووقف عَلَيْهَا جَمِيع الْبُسْتَان الخراجي الْمَعْرُوف بِأَرْض الْحوَاري وَالْأَرْض الْمَعْرُوفَة بدف الْعنَّاب والقرماوي بِأَرْض القطائع والجورتين البرانية والجوانية بِأَرْض الْخَامِس وَالنّصف وَالثلث من الريحانية وَمن الإسطبل الْمَعْرُوف بعمارية ببستان بقر الْوَحْش وَذَلِكَ مَعْرُوف مَشْهُور {فَمن بدله} الْآيَة 2 / 181 سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة وَهِي مَعْرُوفَة كَمَا قُلْنَا وَلَكِن أوقافها مَجْهُولَة لم ندر من اختلسها وَقد درس بهَا جمَاعَة مِنْهُم الصاحب مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْحلَبِي الْمَشْهُور بِابْن النّحاس وَكَانَ من أساطين الْعلم مكبا على الْفِقْه قَالَ الصَّفَدِي ولد سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة واشتغل بِالْعلمِ بِبَغْدَاد وَكَانَ صَدرا مُعظما متبحرا فِي الْمَذْهَب وغوامضه مَوْصُوفا بالذكاء وَحسن المحاضرة والمناظرة انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة الْمَذْهَب بِدِمَشْق ودرس بالريحانية والظاهرية وَولي نظر الدَّوَاوِين والأوقاف وَالْجَامِع وَكَانَ معمارا مهندسا كَاتبا مَوْصُوفا بحب الأنصاف فِي الْبَحْث وَكَانَ يَقُول أَنا على مَذْهَب أبي حنيفَة فِي الْفُرُوع وعَلى مَذْهَب أَحْمد فِي الْأُصُول وَكَانَ يحب الحَدِيث وَالسّنة وَفِيه يَقُول عَلَاء الدّين الوداعي (وَمن مثل مُحي الدّين دَامَت حَيَاته ... إِلَى مَذْهَب الدّين الحنيفي يرشد) (لقد أشبه النُّعْمَان وَهُوَ حَقِيقَة ... أَبُو يُوسُف فِي علمه وَمُحَمّد) توفّي فِي المزة أَوَاخِر سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة وَله إِحْدَى وَثَمَانُونَ سنة وشهران قَالَه الذَّهَبِيّ

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا ريحَان الْمُتَقَدّم ذكره وَكَانَ طواشيا يخْدم السُّلْطَان مَحْمُود بن زنكي وَجعله واليا على السجْن والقلعة وَبَقِي على ذَلِك إِلَى أَن توفّي السُّلْطَان وَدخل صَلَاح الدّين لأخذ دمشق ثمَّ راسله حَتَّى استماله وأغزر لَهُ نواله فتملك القلعة مِنْهُ ومازال فِي الدولة الصلاحية حَتَّى توفّي رَحمَه الله تَعَالَى الْمدرسَة الزنجارية قَالَ القَاضِي عز الدّين والنعيمي هِيَ خَارج بَاب توما وَبَاب السَّلامَة وَيُقَال لَهَا الزنجبيلية المسبعة تجاه دَار الْأَطْعِمَة وَبهَا تربة وجامع بِخطْبَة بِمَعْلُوم على الْجَامِع الْأمَوِي وَهِي من أحسن الْمدَارِس وَالَّذِي وجد من أوقافها حانوتان جوارها وَلها طاحون بِالْقربِ مِنْهَا وبجوار الطاحون حَانُوت قَالَ عز الدّين كَذَا رَأَيْته فِي كشف مشد الْأَوْقَاف لمُحَمد بن منجك الناصري انْتهى قَالَ العلموي وَهِي الَّتِي على بَابهَا هَذَا الرخام الَّذِي من عجائب الدُّنْيَا وَهَذِه الصناعات الَّتِي كَانَت كَأَنَّهَا بَين أَيْديهم كالعجين وَحكى الْعمريّ فِي ذيله على مُخْتَصر العلموي أَن جَامعهَا خطب بِهِ الشَّيْخ ابْن التينة فَلَمَّا مَاتَ انْقَطَعت الْخطْبَة مِنْهَا وَفِي أَيَّام قَاضِي قُضَاة الشَّام عبد الرَّحْمَن أَفَنْدِي كشف على الْمَكَان الْمَذْكُور فَوَجَدَهُ قد تهدم مِنْهُ القبو فَأمر بعمارته وَعين خَطِيبًا وأقيمت الْجُمُعَة كَمَا كَانَت وَذَلِكَ فِي سنة إِحْدَى عشرَة وَألف أَقُول هَذَا التَّعْرِيف بِهَذِهِ الْمدرسَة فِيمَا مضى وَأما الْآن فَإِنِّي نقبت عَنْهَا حَتَّى علمتها بعلاماتها وَعرفت أَن اسْمهَا تغير وَالنَّاس يسمونها جَامع السَّقِيفَة بِالتَّصْغِيرِ وَلَيْسَ بناؤها على طراز بِنَاء الْمَسَاجِد وكل من لَهُ خبْرَة بأبنية الْمدَارِس يحكم بِأَنَّهَا مدرسة وجدارها الغربي من جِهَة الطَّرِيق هُوَ كَمَا وَصفه العلموي بِهِ من الرخام المعجن الَّذِي يبهر فِي إتقانه وَحسن بنائِهِ وَهِي خَارج بَاب توما والتربة مَوْجُودَة وَبهَا قبر الْوَاقِف والحانوتان والطاحون كَذَلِك ويمر بجانبها نهر يُسمى نهر الزنجاري فَلَعَلَّ الْمدرسَة نسبت إِلَيْهِ

ترجمة واقفها

وَأما دَار الْأَطْعِمَة فقد صَارَت طَعَام الخراب وَأَخْبرنِي بعض جِيرَانهَا أَنه قد بَقِي من أوقافها إسطبل والناظر يؤجره وَيُعْطِي أجرته للخطيب ليُصَلِّي بهَا يَوْم الْجُمُعَة فَقَط وَبَقِيَّة الْأَوْقَات يكون غَالِبا بَابهَا مؤصدا وَهِي لَا تسلم من أَن بعض المختلسين تنَاول طرفا من جَانبهَا الشمالي وَالله أعلم وَفِي تَنْبِيه الطَّالِب انه درس بهَا حميد الدّين السَّمرقَنْدِي ثمَّ كَمَال الدّين السنجاري ثمَّ بعده عشرَة مدرسين حنفية أَقُول وَفِي زمننا لَا تدريس فِيهَا وَلَا صَلَاة إِلَّا الْجُمُعَة وَبَعض أَوْقَات للمنفردين تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا عز الدّين عُثْمَان الزنجبيلي صَاحب عدن قَالَ فِي الروضتين نقلا عَن الْعِمَاد الْكَاتِب مَا خلاصته لما توفّي الْملك الْمُعظم شمس الدّين اشفق السُّلْطَان صَلَاح الدّين من نوابه بِالْيمن وَذكر مَا بَين ولاتها من الاحن وَوصل الْخَبَر بِمَا يجْرِي بَين الْأَمِير عُثْمَان ابْن الزنجبيلي وَالِي عدن وَبَين الْأَمِير حطَّان وَالِي زبيد من الْفِتَن فندب إِلَى زبيد عدَّة من الْأُمَرَاء لحفظ الْبِلَاد وَإِصْلَاح الْأُمُور وَمن جُمْلَتهمْ وَالِي مصر صارم الدّين خطلبا وَبقيت الْولَايَة لَهُ فِي غيبته يقوم بهَا نوابه قَالَ ابْن أبي طي وَكَانَت نفس طغتكين أخي الْملك الصَّالح تميل إِلَى الْيمن ويرغب فِي أَن يصير واليا عَلَيْهَا فتوسل إِلَى صَلَاح الدّين بالوسائل الفعالة المستميلة حَتَّى ولاه عَلَيْهَا سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة وَجعله واليا على زبيد وعدن واليمن ثمَّ سَار وَلما وصل إِلَى زبيد قاوم حطانا حَتَّى أنزلهُ عَن رتبته ثمَّ سمح لَهُ بِالْخرُوجِ بِجَمِيعِ أَمْوَاله وَمن يلوذ بِهِ وَلما أَخذ جَمِيع مَا كَانَ يملكهُ وَصَارَ خَارج الْبَلَد كرّ عَلَيْهِ فَأخذ مِنْهُ جَمِيع مَا بِيَدِهِ وَلما انْتهى الْخَبَر إِلَى عُثْمَان ابْن الزنجبيلي فر من عدن بأمواله إِلَى الشَّام فنجى بهَا وبنفسه قَالَ أَبُو شامة قلت وَلِهَذَا الْأَمِير أوقاف وصدقات بِمَكَّة واليمن ودمشق واليه تنْسب الْمدرسَة والرباط المتقابلان بِبَاب الْعمرَة بِمَكَّة والمدرسة الَّتِي خَارج بَاب توما بِدِمَشْق قَالَ ابْن كثير وَكَانَ قد حصل من الْيمن أَمْوَالًا عَظِيمَة جدا وَحكى ابْن الْأَثِير أَن المترجم لما سمع بِمَا جرى على حطَّان بن منقذ الْمَذْكُور خَافَ فَسَار نَحْو الشَّام خَائفًا

حرف السين

يترقب وسير مُعظم أَمْوَاله فِي الْبَحْر فصادفهم مركب فِيهَا أَصْحَاب طغتكين فَأخذُوا كل مَا للمترجم وَلم يبْق لَهُ إِلَّا مَا صَحبه فِي الطَّرِيق وصفت زبيد وعدن وَجَمِيع بِلَاد الْيمن لطغتكين حرف السِّين الْمدرسَة السفينية هِيَ بِجَامِع دمشق وَلم يذكر النعيمي وَلَا العلموي موضعهَا وَالظَّن الرَّاجِح أَنَّهَا حَلقَة كَانَت بالجامع قَالَ النعيمي لم يعلم لَهَا وَاقِف ودرس بهَا أكركن بن سُلْطَان ثمَّ الصَّدْر بن عقبَة ثمَّ مُحي الدّين ثمَّ التَّاج السنجاري ثمَّ الصَّدْر ثمَّ الْعِمَاد ابْن الشماع وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا عِنْد الْكَلَام على الْجَامِع الْمدرسَة السيبائية عرفهَا النعيمي بِأَنَّهَا خَارج بَاب الْجَابِيَة وشمالي بِئْر الصارم والتربة بهَا والزاوية أَيْضا كَذَا قَالَ وَلَعَلَّ الصَّحِيح أَن التربة والبئر شماليها قَالَ العلموي بناها واقفها من سنة خمس عشرَة وَتِسْعمِائَة إِلَى سنة إِحْدَى وَعشْرين وَجعلهَا جَامعا ومدرسة وزاوية وتربة عمرها بِالْحجرِ الأبلق والرخام وَلم يدع بِدِمَشْق مَسْجِدا مَهْجُورًا وَلَا مدفنا معمورا إِلَّا وَأخذ مِنْهُ من الْأَحْجَار والآلات والرخام والعواميد مَا أحب وَأَرَادَ وتقلد ذَلِك حَتَّى سَمَّاهَا عُلَمَاء دمشق جمع الْجَوَامِع ثمَّ انه لم يهنأ بهَا وسافر مَعَ الغوري إِلَى مرج دابق وتصاف العسكران بِهِ فَمَا احْتمل عَسْكَر الجراكسة لَحْظَة حَتَّى انْكَسَرَ الغوري وَقتل سيباي وَلم يدْفن بمدفنه وَلَا يخفى مَا فِي كَلَام العلموي من التحامل والحط على الْبَاقِي لِأَنَّهُ أَخذ أنقاض الْمدَارِس المتهدمة والترب الَّتِي كَانَ بناؤها على خلاف أَمر الشَّرِيعَة المحمدية كَمَا سنوضح ذَلِك فِي أول الْكَلَام على الترب إِن شَاءَ الله تَعَالَى

ترجمة بانيها

هَذَا وَقد نَص جُمْهُور من الْفُقَهَاء على أَن الْوَقْف إِذا تعطلت مَنَافِعه يجوز بَيْعه واستبداله بوقف آخر وعَلى انه يجوز نقل حِجَارَة الْمَسْجِد وترابه إِذا خرب إِلَى مَسْجِد آخر وَبَعض الْفُقَهَاء الجاحدين لَا يعلمُونَ بِأَن غَالب أَدِلَّة الْفِقْه ظنية فيخطئون كل من خَالف مشربهم بل يدعونَ انه لَا حكم لله إِلَّا مَا قَالَه من قلدوه وَهَذَا من الْجَهْل والبعد عَن الْعلم أنقذنا الله من الْغَفْلَة وَأما الْمدرسَة المترجمة فَهِيَ الْآن مَوْجُودَة بِبَاب الْجَابِيَة وَقد اشتهرت باسم الْجَامِع الْمُعَلق وباسم الْجَامِع السيبائي والعوام يحرفُونَ اللَّفْظَة فَيَقُولُونَ جَامع السباهية وَلها بَاب من الطَّرِيق الْعَام يصعد إِلَيْهِ بدرج وَبَاب آخر من طَرِيق القنوات وَهِي وَاسِعَة الأرجاء متقنة الْبناء إِلَّا أَنَّهَا معطلة لَا تُقَام بهَا الْجَمَاعَة وَلَا ينْتَفع بهَا غير أَن قسما مِنْهَا قد جعل مكتبا للأطفال وَالْبَاقِي مقفل وَمَا حَقّهَا أَن يفعل بهَا هَذَا الْفِعْل لَكِن حسن موقعها وإتقان بنائها يُنَادي على أَن يَجْعَل لَهَا شَأْن عَظِيم وسيكون ذَلِك بعونه تَعَالَى تَرْجَمَة بانيها أَنْشَأَهَا نَائِب الشَّام سيباي الَّذِي كَانَ أَمِير السِّلَاح بِمصْر وَيعلم من كتاب تحفة الناظرين انه كَانَ مقربا عِنْد الْملك الْأَشْرَف قانصوه الغوري وَكَانَ قانصوه شَدِيد الطمع كثير الظُّلم والعسف يصادر النَّاس فِي أَمْوَالهم وَإِذا مَاتَ أحد أَخذ جَمِيع مَاله فَبَطل فِي زَمَنه الْمِيرَاث وَصَارَ وَارِثا لجَمِيع رَعيته وَلم يكف ظلمه حَتَّى اتخذ مماليك يعينونه على ظلم النَّاس ثمَّ انه صَار بَينه وَبَين السُّلْطَان سليم فقصد كل مِنْهُمَا الآخر واجتمعا بعسكرين عظيمين فِي مرج دابق سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة فَوَقع الغوري تَحت سنابك الْخَيل وَانْهَزَمَ عسكره وَقتل سيباي فِي تِلْكَ الْوَاقِعَة وَكَانَ السُّلْطَان سليم هُوَ السَّيْف الْمُسَلط على الجراكسة حَتَّى أفناهم حرف الشين الْمدرسَة الشبلية البرانية قَالَ ابْن شَدَّاد فِي كَلَامه على الْمدَارِس الْخَارِجَة عَن الْبَلَد الْمدرسَة الشبلية الحسامية بسفح جبل قاسيون بِالْقربِ من جسر ثورا اهـ

ترجمة واقفها

أَقُول وَقد أبهم موضعهَا وَلم يبين أَي جسر أهوَ الجسر الْأَبْيَض أم غَيره وَالَّذِي يظْهر أَنَّهَا بِالْقربِ من البدرية وَقد مر بَيَانهَا وَلَقَد وقفت عِنْد البدرية أسأَل أطلالها عَنْهَا وَعَن الشبلية فَوجدت بستانا يُسَمِّيه الْعَامَّة بالشبلي وببستان الشبلية وَهُوَ على طَرِيق عين الكرش بِالْقربِ من جسر نهر ثورا فَدخلت الْبُسْتَان فَإِذا فِي جَانِبه بِنَاء لَهُ أَرْبَعَة جدران قَائِمَة وَبهَا قنطرتا إيوانين وبجانب هَذَا الْبناء قبَّة تحتهَا قبر فناداني ذَلِك الْبناء المتداعي للسقوط تِلْكَ آثَار الْمدرسَة الَّتِي تبحث عَنْهَا وَقد حَال الْحَال وتغيرت الرسوم وَلم يبْق إِلَّا مَا نشاهده ولربما بعد مُدَّة لَا ترى شَيْئا مِمَّا ترَاهُ الْآن فَقلت عَلَيْك يَا شبلية السَّلَام عدد مَا سكنك من طلاب الْعُلُوم وَمن أوقاف هَذِه الْمدرسَة قَرْيَة بَيت نَائِم بأواخر الغوطة تَرْجَمَة واقفها أوقفها شبْل الدولة كافور الحسامي الرُّومِي نِسْبَة إِلَى حسام الدّين عمر بن لاجين ولد سِتّ الشَّام وَهُوَ الَّذِي كَانَ مستحثا على عمَارَة الشامية البرانية لمولاته سِتّ الشَّام قَالَ ابْن كثير وَهُوَ الَّذِي بنى الشبلية الْحَنَفِيَّة والخانقاه على الصُّوفِيَّة إِلَى جَانبهَا وَكَانَ محلهَا منزله ووقف الْقَنَاة والمصنع والساباط وَفتح للنَّاس طَرِيقا من عِنْد الْمقْبرَة الَّتِي هِيَ غربي الشامية البرانية إِلَى عين الكرش وَلم يكن للنَّاس قبله طَرِيق إِلَى الْجَبَل من هُنَاكَ وَإِنَّمَا كَانُوا يسلكون إِلَيْهِ من عِنْد مَسْجِد الصفي بالعقيبة توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة وَدفن فِي تربته الَّتِي أَنْشَأَهَا ودرس بِهَذِهِ الْمدرسَة صفي الدّين السنجاري ثمَّ بعده اثْنَا عشر مدرسا آخِرهم شمس الدّين ابْن الرضي وَمِنْهُم سعيد بن عَليّ بن سعيد البصروي الْحَنَفِيّ قَالَ الذَّهَبِيّ هُوَ مدرس الشبلية أحد أَئِمَّة الْمَذْهَب وَكَانَ دينا ورعا نحويا شَاعِرًا توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَقد قَارب السِّتين قَالَ أبن كثير لَهُ تصانيف مفيدة ونظم حسن مِنْهُ (قل لمن يحذر أَن تُدْرِكهُ ... نكبات الدَّهْر مَا يُغني الحذر) (أذهب الْحزن اعتقادي انه ... كل شَيْء بِقَضَاء وَقدر)

الشبلية الجوانية

وَقَالَ الصَّفَدِي كَانَ إِمَامًا مفتيا مدرسا بَصيرًا بِالْمذهبِ جيد الْعَرَبيَّة متين الدّيانَة شَدِيد الْوَرع عرض عَلَيْهِ الْقَضَاء أَو ذكر لَهُ فَامْتنعَ وَمن شعره قَوْله (استجر دمعك مَا اسْتَطَعْت معينا ... فعساه يمحو مَا جنيت سنينا) (أنسيت أَيَّام البطالة والهوى ... أَيَّام كنت لذِي الضلال قرينا) ثمَّ إِن الصَّفَدِي روى لَهُ قصيدة طَوِيلَة فِي هَذَا الْمَعْنى الشبلية الجوانية قَالَ ابْن شَدَّاد هِيَ مُقَابل الأكزية الشَّافِعِيَّة انْتهى قلت قد تقدم فِيمَا مر أَن الأكزية غربي الطّيبَة والتنكزية وشرقي تربة أم الصَّالح وخلاصة القَوْل فِي أمرهَا أَنَّهَا كَانَت فِي الْجِدَار القبلي من الطَّرِيق الْمَار أَمَام المحكمة الْكُبْرَى الْمُسَمَّاة بمحكمة الْبَاب والمار أَمَام المحكمة سائرا إِلَى الْجِهَة الغربية تكون عَن يسَاره وَقد انطمست الْآن معالمها وعفت آثارها وأمست دورا للسُّكْنَى وَلم يبْق من آثارها سوى حِجَارَة من جدارها الشمالي تنشد قَول قعنب الْفَزارِيّ بِصَوْت ضَعِيف (فَمن يلق خيرا يحمد النَّاس أمره ... وَمن يغو لَا يعْدم على الغي لائما) فيجيبها مختلسها بقول المتلمس (وَمَا كنت إِلَّا مثل قَاطع كَفه ... بكف لَهُ أُخْرَى فاصبح اجذما) وَالَّذِي أَنْشَأَهَا شبْل الدولة المعظمي صَاحب الْمدرسَة الَّتِي قبلهَا ودرس بهَا أبن النجاد ثمَّ خَمْسَة مدرسين بعده حرف الصَّاد الْمدرسَة الصادرية هِيَ دَاخل دمشق بِبَاب الْبَرِيد على بَاب الْجَامِع الْأمَوِي الغربي قَالَه فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَقَالَ وَهِي أول مدرسة أنشئت بِدِمَشْق سنة إِحْدَى وَتِسْعين وثلاثمائة

ترجمة واقفها

وَفِي بعض نسخ التَّنْبِيه ومختصره إِبْدَال الثلاثمائة بأربعمائة وَهُوَ خطأ من النَّاسِخ أَقُول هَذِه الْمدرسَة من جملَة مَا اندرس من الْمدَارِس وَاسْمهَا مَشْهُور مَعْلُوم وَلم يبْق من أطلالها إِلَّا بعض من صحنها وَبِه بركَة المَاء وَفِي جَانبهَا بِئْر من المَاء وَفِي الْجَانِب القبلي تربة فِي حجرَة صَغِيرَة وَالْبَاقِي قد اختطفته يَد المختلسين فَصَارَ دورا للسُّكْنَى ومحلها يُقَال لَهُ الصادرية وآثارها الْبَاقِيَة تنشد قَول ذِي الرمة (إِذا غير النأي المحبين لم يكد ... رسيس الْهوى من حب مية يبرح) تَرْجَمَة واقفها لم أر لمنشئها تَرْجَمَة فِي تَارِيخ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر وَالَّذِي رَأَيْته فِي غَيره كَلِمَات يسيرَة وَهِي أَنْشَأَهَا شُجَاع الدولة صادر بن عبد الله وَهِي أول مدرسة أنشئت بِدِمَشْق سنة إِحْدَى وَتِسْعين وثلاثمائة ودرس بهَا عَليّ بن زنكي الكاساني ثمَّ أَبُو الْحسن الْبَلْخِي صَاحب الْمدرسَة البلخية لصيقها ثمَّ بعدهمَا اثْنَا عشر مدرسا مِنْهُم رشيد الدّين الغزنوي وبرهان الدّين الغزنوي انْتهى وَعَسَى أَن نظفر بِأَكْثَرَ من هَذَا الْبَيَان فنثبته هُنَا وَمن جملَة من درس بهَا مُحَمَّد بن أسعد بن الْحَكِيم الْعِرَاقِيّ الْوَاعِظ كَانَ لَهُ الْقبُول التَّام فِي الْوَعْظ بِدِمَشْق وروى المقامات عَن الحريري وصنف لَهَا شرحا وصنف تَفْسِيرا لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم وَتُوفِّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة عَن نَيف وَثَمَانِينَ سنة قَالَه الذَّهَبِيّ قَالَ الْأَسدي فِي تَرْجَمته بنى لَهُ الْأَمِير معِين الدّين أنر مدرسة وترجمه الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر بِنَحْوِ مَا تقدم حرف الطَّاء الْمدرسَة الطرخانية كَانَت قبلي الْمدرسَة الباذرائية وَقد عفت رسومها ومحيت أطلالها وأخنى عَلَيْهَا الزَّمَان وأمست دورا للسُّكْنَى تنْتَقل من يَد إِلَى يَد قَالَ ابْن شَدَّاد كَانَ محلهَا يعرف بدار طرخان فاشتراها سنقر الْموصِلِي وَجعلهَا

ترجمة واقفها

مدرسة لأَصْحَاب أبي حنيفَة وَكَانَ إنشاؤها لأجل الْبُرْهَان عَليّ الْبَلْخِي سنة خمس وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَهُوَ أول من درس بهَا ثمَّ من بعده أحد عشر مدرسا آخِرهم شهَاب الدّين بن فَزَارَة وَتقدم بعض الْكَلَام على الْبُرْهَان الْبَلْخِي فِي الْمدرسَة البلخية وَمن أفاضل مدرسي هَذِه الْمدرسَة إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن احْمَد بن غَازِي بن مُحَمَّد القَاضِي الشَّيْبَانِيّ المارداني الدِّمَشْقِي الْحَنَفِيّ الْمَعْرُوف بِابْن فلوس ولد ببصرى سنة أَربع وَأَرْبَعين واشتغل بالفقه وَسمع الحَدِيث وناب بالحكم بِالْمَدْرَسَةِ الطرخانية بجيرون ودرس بهَا وَكَانَ شَيخا دينا لطيفا قَالَه الْأَسدي وَقَالَ بعث إِلَيْهِ الْملك الْمُعظم يَأْمُرهُ بِإِبَاحَة الأنبذة قَالَ ابْن كثير أمره بِإِبَاحَة نَبِيذ التَّمْر وَمَاء الرُّمَّان فَأبى وَقَالَ لَا أفتح على أَبى حنيفَة هَذَا الْبَاب وَأَنا على مَذْهَب مُحَمَّد فِي تَحْرِيمهَا وَقد صَحَّ عَن أبي حنيفَة أَنه مَا شربهَا قطّ وَحَدِيث ابْن مَسْعُود لَا يَصح وَمَا رُوِيَ فِيهِ عَن غَيره لَا يثبت فَغَضب الْملك الْمُعظم وَأخرجه من الطرخانية وَأَعْطَاهَا للزين مُحَمَّد ابْن الْبَقَّال فَلم يتأثر وَأقَام فِي بَيته وَأَقْبل على التحديث وَالْفَتْوَى والإفادة إِلَى أَن توفّي سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة تَرْجَمَة واقفها تقدم أَن الَّذِي أَنْشَأَهَا سنقر الْموصِلِي الْمدرسَة الطومانية كَانَت تجاه دَار الحَدِيث الأشرفية بِدِمَشْق غربي الشريفية والفقاعية وَقد اندرست واندرست مَعهَا الشريفية وأجابتهما الفقاعية فَذهب الْكل أدراج الرِّيَاح وَأمسى مخازن وحوانيت ودورا للسُّكْنَى قَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب لم أَقف على تَرْجَمَة واقفها ووقفها نصف قَرْيَة قصيفة غربي المعوفس وقبلي أهه من اللجاه وجوانب جوارها جراب وَقد احْتَرَقَ بَعْضهَا ف بعض الْفِتَن وَلَعَلَّ واقفها طومان النوري بن ملاعب بن ملاعب بن عبد الله الْأنْصَارِيّ الخزرجي الْأَمِير الْكَبِير صَاحب الرقة

حرف الظاء

قَالَ الْأَسدي كَانَ شجاعا جوادا محبا للخير كتير الصَّدقَات مائلا إِلَى الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء وَبنى بحلب مدرسة للحنفية توفّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَقد جَاوَزت سنه الْمِائَة وَدفن قبل العاصية فِي صور وقبره يزار وَقد بنى الخان الْمَعْرُوف بطرِيق حلب هَذَا كَلَام التَّنْبِيه وَلَا يَخْلُو التَّعْرِيف بوقفها عَن تَحْرِيف لم يظْهر لي تحريره أثْنَاء الْكِتَابَة لِكَثْرَة مَا فِي النُّسْخَة الَّتِي اطَّلَعت عَلَيْهَا من الاغلاظ وَلَكِن الْأَمر سهل لِأَنَّهُ تَعْرِيف عَن شَيْء قد تلاشى واندرس حرف الظَّاء الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة الجوانية البيبرسية قد تقدم ذكر محلهَا وَأَنَّهَا هِيَ الظَّاهِرِيَّة الجوانية بِعَينهَا وَلما كَانَت على الْفَرِيقَيْنِ الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة كرر ذكرهَا هُنَا وَقد درس بهَا صدر الدّين الْأَذْرَعِيّ صَاحب الْجَامِع الصَّغِير ثمَّ بعده سِتَّة مدرسين مِنْهُم ركن الدّين السَّمرقَنْدِي وَكَانَ شيخ الْحَنَفِيَّة فِي زَمَنه سَطَا عَلَيْهِ بعض أعدائه فخنقه وألقاه فِي بركتها وَأخذ مَاله وَبعد التدقيق عَن الْفَاعِل علم أَنه بوابها عَليّ الحوراني فصلب على بَابهَا وَترْجم صَاحب التَّنْبِيه الْأَذْرَعِيّ فَقَالَ هُوَ سُلَيْمَان ابْن أبي الْعِزّ بن وهب ابْن عَطاء أَبُو الربيعالحنفي الْأَذْرَعِيّ صَاحب الْجَامِع الصَّغِير شيخ الْحَنَفِيَّة فِي زَمَنه وعالمهم شرقا وغربا أَقَامَ يدرس مُدَّة فِي دمشق ويفتي ثمَّ انْتقل إِلَى الديار المصرية ولد سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وتفقه على الْجمال الحصيري وَولي قَضَاء الْقَاهِرَة أَيَّام الظَّاهِر بيبرس تَوْلِيَة عَامَّة حَيْثُ حلت ركاب السُّلْطَان وَكَانَ يُحِبهُ ويعظمه وَلَا يُفَارِقهُ فِي غَزَوَاته ثمَّ استعفاه من قَضَاء الْقَاهِرَة وَعَاد إِلَى دمشق فَأَقَامَ بهَا مُدَّة يدرس بالظاهرية وَلما مَاتَ ابْن العديم عرض عَلَيْهِ منصبه فَقبل وباشره ثَلَاثَة اشهر وَمَات لَيْلَة الْجُمُعَة سادس شعْبَان سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَدفن بِالْقربِ من الْجَامِع الأفرم وَمن لطيف شعره مَا قَالَه فِي مَمْلُوك تزوج إِحْدَى جواري الْملك الْمُعظم

الجوبري

(يَا صَاحِبي قفا لي وانظرا عجبا ... أَتَى بِهِ الدَّهْر فِينَا من عجائبه) (الْبَدْر اصبح فَوق الشَّمْس منزلَة ... وَمَا الْعُلُوّ عَلَيْهَا من مراتبه) (أضحى يماثلها حسنا يشاركها ... كفوا وَسَار إِلَيْهَا فِي مواكبه) (وأشكل الْفرق لَوْلَا وشي نمنمة ... بصدغه واخضرار فَوق شَاربه) وَيُوجد بَين مَا تقدم من سنة ميلاده وَبَين مَا حَكَاهُ ابْن كثير خلاف وَاضح فانه قَالَ ولد سنة خمس وَسبعين وَلَعَلَّ السّبْعين تَصْحِيف وَأَنَّهَا سِتُّونَ أَو أَحدهمَا مصحف وَحكى ابْن كثير فِي تَرْجَمته أَن السُّلْطَان بيبرس لما أَرَادَ أَن يُوقع الحيطة على أَمْلَاك النَّاس أَرَادَ من الاذرعي أَن يحكم بِمُقْتَضى مذْهبه فَغَضب من ذَلِك وَقَالَ هَذِه الْأَمْلَاك بيد أَرْبَابهَا وَلَا يحل لمُسلم أَن يتَعَرَّض لَهَا ثمَّ نَهَضَ من الْمجْلس وَذهب فَغَضب السُّلْطَان من ذَلِك غَضبا شَدِيدا ثمَّ سكن غَضَبه وَكَانَ يثني عَلَيْهِ بعد ذَلِك ويمدحه وَيَقُول لَا تثبتوا كتابا إِلَّا عِنْده ثمَّ قَالَ ابْن كثير وَكَانَ المترجم من الْعلمَاء الأخيار كثير التَّوَاضُع قَلِيل الرَّغْبَة فِي الدُّنْيَا الجوبري ترْجم الصّلاح الصَّفَدِي الجوبري مدرس الظَّاهِرِيَّة الْحَنَفِيَّة فَقَالَ هُوَ مُحَمَّد ابْن عُثْمَان ابْن أبي الْحسن الجوبري الدِّمَشْقِي قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْمَذْهَب ولد سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة وتفقه وبرع وَحفظ الْهِدَايَة وَأفْتى ودرس وتميز مَعَ الْوَقار والسمت الْحسن وَحسن الْهَدْي والفتوة والهيبة وانطلاق الْعبارَة وَولي الْقَضَاء وَكَانَ صَارِمًا بِهِ توفّي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة حرف الْعين الْمدرسَة العذراوية تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا وَذكرت هُنَا لِأَنَّهَا على الْفَرِيقَيْنِ الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وَعلم من مدرسي الْحَنَفِيَّة بهَا ثَمَانِيَة آخِرهم جلال الدّين الدَّارمِيّ الرَّازِيّ

المدرسة العزيزية

الْمدرسَة العزيزية هِيَ بجوار المعظمية بالصالحية وَسَيَأْتِي الْكَلَام على مَا انتابها وَمَا وصلت إِلَيْهِ فِي زمننا عِنْد الْكَلَام على أُخْتهَا المعظمية وَحكى فِي تَنْبِيه الطَّالِب أَن المعظمية أنشئت سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة والعزيزية سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة ودرس بهَا صدر الدّين ابْن برهَان الدّين مَسْعُود ثمَّ أَخُوهُ مجد الدّين ثمَّ كَمَال الدّين السنجاري ثمَّ ظهر كتاب وَقفهَا وَفِيه أَن مدرسها يكون مدرس المعظمية فاشتغل بهَا شمس الدّين الْأَذْرَعِيّ ودرس بهَا شمس الدّين بن عَزِيز ثمَّ بدر الدّين الْحُسَيْنِي ثمَّ الْأَذْرَعِيّ أَيْضا تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا الْملك الْعَزِيز عُثْمَان ابْن الْملك الْعَادِل شَقِيق الْملك الْمُعظم وَكَانَ صَاحب بانياس وَتلك الْحُصُون الَّتِي هُنَاكَ وَهُوَ الَّذِي بنى قلعة الصبيبة بَين بانياس وتبنين وهونين وَكَانَ مَوته بالناعمة وَهِي بُسْتَان لَهُ بَيت بِبَيْت لهيا وَيظْهر من تَارِيخ الْأَسدي أَن قَرْيَة الكتيبة وقف على هَذِه الْمدرسَة وَالْكَلَام على بسط تَرْجَمته فِي الْقسم السياسي من هَذَا الْكتاب الْمدرسَة العزية البرانية كَانَت فَوق عين الوراقة بالشرف الْأَعْلَى شمَالي ميدان الْقصر خَارج دمشق قَالَه النعيمي أَقُول أما عين الوراقة فَهِيَ مَشْهُورَة الْآن والميدان هُوَ المرج الْأَخْضَر غربي التكية وموضعها كَانَ قصر الْملك الظَّاهِر بيبرس وَأما الْمدرسَة فقد وقفت على رسومها وأطلالها وخاطبتها فأجابتني بقول أحد أدباء بَغْدَاد من معاصرينا فِي رثاء الْمدرسَة المستنصرية بدار السَّلَام

(بَكَيْت بهَا عهدا مضى فِي عراصها ... كَرِيمًا فليت الْعَهْد لم يَك مَاضِيا) (بَكَيْت بهَا المدفون فِي حجراتها ... من الْعلم حَتَّى بل دمعي ردائيا) ومعالمها المندرسة الْآن فِي أول زقاق الصخر بِالْقربِ من الْمَكَان الَّذِي بني محلا لمجمع الأضواء الكهربائية جنوبي الطَّرِيق وَقد بَقِي مِنْهَا بَابهَا ومكتوب على أسكفته كِتَابَة قاربت الانطماس وَهِي على حجرين والأعلى مِنْهُمَا مَكْتُوب عَلَيْهِ لَا اله إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {وَمَا تقدمُوا لأنفسكم من خير تَجِدُوهُ عِنْد الله} آيَة 2 / 110 وتاريخه سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة والأسفل مِنْهُمَا مَكْتُوب عَلَيْهِ أوقف هَذِه الْمدرسَة الْمُبَارَكَة وأبدها وحبسها الْأَمِير الْكَبِير الْغَازِي الْمُجَاهِد أَبُو الْفضل عز الدّين ايبك على الْفُقَهَاء والمتفقهة من أَصْحَاب الإِمَام الْأَعْظَم سراج الْأمة أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وعَلى المقرئين والمحدثين والمستمعين تقبل الله مِنْهُ وَهَذَا الْبَاب قريب الاندراس وَلما دَخَلتهَا رَأَيْت ثمار الْعُلُوم الَّتِي كَانَت تجتنى مِنْهَا قد بدلت بثمرات الْأَشْجَار وَجعلت أمكنة حجراتها ومسجدها وساحتها بستانا وَلما تتبعت آثَار جدرانها لم أجد شَيْئا بَاقِيا مِنْهَا سوى أساس الْجِدَار الشمالي وَقد أقيم عَلَيْهِ دك الْبُسْتَان وَالْبَاب مسدود ولاح بخاطري أَن أعلم مساحة أرْضهَا فَرَأَيْت طولهَا من الشرق إِلَى الغرب نَحوا من سِتِّينَ خطْوَة وَالْعرض مِقْدَار النّصْف من ذَلِك وَهِي تشرف على وَاد عميق وجدارها الجنوبي مؤسس من أَسْفَل ذَلِك الْوَادي وَقد بَقِي سالما إِلَى مَا يسامت أرْضهَا وَفِي الزاوية الجنوبية مِنْهَا قبَّة عَظِيمَة قَائِمَة فِي الْهَوَاء صبرت على مر الرِّيَاح وكر الْقُرُون فَلم تُؤثر بهَا الْحَوَادِث شَيْئا ومساحة داخلها سبع خطوَات فِي سبع وَفِي وَسطهَا قبر عز الدّين وارتفاعه عَن الأَرْض نَحْو ذراعين وللقبة شباكان مطلان على ميدان الْقصر وَكلهَا مَبْنِيّ بِالْحجرِ الْأَصْفَر وَهَذِه الْمدرسَة كَانَت فِي أَيَّام سعودها نزهة للأبصار وملعبا للنسيم اللَّطِيف العليل تهدي لساكنها أبهج المناظر الدمشقية يقون لِسَان حَالهَا عجبا لمن يسكنني وَلم تتفجر من فُؤَاده ينابيع الْحِكْمَة وَالْعلم فسبحان الْبَاقِي

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها تقدم أَن الَّذِي بناها الْأَمِير عز الدّين أيبك أستاذ دَار المعظمي الْمَعْرُوف بِصَاحِب صرخد سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة وَكَانَ من الْعُقَلَاء الأمجاد وَقَالَ ابْن كثير استنابه الْملك الْمُعظم على صرخد فَظهر مِنْهُ نهضة وكفاءة ووقف القريتين البرانية والجوانية ثمَّ إِن الْملك الصَّالح أَيُّوب أَخذ مِنْهُ صرخد وعوضه عَنْهَا فَأَقَامَ بِدِمَشْق على خير وتقى ثمَّ تنَاوله الوشاة بألسنتهم واتهموه بِأَنَّهُ يُكَاتب الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل فاحتيط على جَمِيع أَمْوَاله وحواصله فَأخذ مِنْهُ الْقَهْر كل مَأْخَذ فَمَرض وَسقط على الأَرْض وَقَالَ هَذَا آخر عهدي وَكَانَ قد فر إِلَى مصر فِي مبدأ التُّهْمَة وَمَات بهَا سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَدفن بِبَاب النَّصْر بهَا ثمَّ نقل إِلَى دمشق وَدفن فِي تربته الَّتِي أَنْشَأَهَا بمدرسته كَمَا أَفَادَ ابْن كثير وَصَاحب مرْآة الزَّمَان ودرس بِهَذِهِ الْمدرسَة الشَّمْس ابْن فلوس ثمَّ بعده نَحْو أحد عشر مدرسا آخِرهم شهَاب الدّين ابْن الفصيح وَكَانَ بهَا دَار حَدِيث وَليهَا ابْن المظفر وَغَيره ابْن الفصيح قَالَ عبد الْحَيّ اللكنوي فِي الْفَوَائِد البهية فِي طَبَقَات الْحَنَفِيَّة مَا نَصه احْمَد ابْن عَليّ بن احْمَد فَخر الدّين أَبُو طَالب الهمذاني الْمَعْرُوف بالفصيح كَانَ إِمَامًا عَلامَة جَامعا للعلوم الْعَقْلِيَّة والنقلية انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة الْمَذْهَب فِي زَمَانه وَكَانَ مدرسا بمشهد أبي حنيفَة أَخذ عَن الْحسن السفناقي صَاحب النِّهَايَة عَن حَافظ الدّين الْكَبِير مُحَمَّد البُخَارِيّ عَن الْكرْدِي عَن صَاحب الْهِدَايَة ودرس بِبَغْدَاد ودمشق وَأفْتى وصنف نظم الْكَنْز وَالْجَامِع والسراجية فِي الْفَرَائِض والمنار فِي الْأُصُول وَكَانَت وَفَاته بِدِمَشْق سنة خمس وَخمسين وَسَبْعمائة ومولده سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة وتفقه عَلَيْهِ ابْن وهبان انْتهى وَذكره الذَّهَبِيّ فِي مُعْجَمه الْمُخْتَص وَقَالَ هُوَ الإِمَام الْفَقِيه النَّحْوِيّ تفقه وبرع وَأفْتى وَتخرج وَأفَاد وأقرأ الْعَرَبيَّة بالمستنصرية

المدرسة العزية الجوانية

الْمدرسَة العزية الجوانية لم أدر موضعهَا وَلَكِن قَالَ ابْن شَدَّاد هِيَ بالكشك وَيعرف مَكَانهَا من قبل بدار ابْن منقذ أَنْشَأَهَا الْأَمِير عز الدّين أيبك الْمُتَقَدّم ذكره وَقَالَ ابْن كثير هِيَ بدرب ابْن منقذ وَقَالَ العلموي درس بهَا الْمجد قَاضِي الطّور وَبعده نَحْو من أحد عشر مدرسا آخِرهم شمس الدّين أبن الْجَوْزِيّ ثمَّ وَلَده دَاوُد هَذَا مَا اتَّصل بِي من خَبَرهَا وَالظَّاهِر انه أَصَابَهَا مَا أصَاب الَّتِي قبلهَا من انطماس الْأَثر وَالله اعْلَم الْمدرسَة العزية أَيْضا كَانَت بِجَامِع دمشق وَقد أوقفها عز الدّين الْمُتَقَدّم وَكَانَ قد بنى مدرسة فِي مَدِينَة الْقُدس وَشرط فِي كتاب وَقفهَا أَنه مَتى كَانَ الْقُدس بيد الْكفَّار كَانَ حَاصِل الْمدرسَة عَائِدًا إِلَى الْمدرسَة الَّتِي بالجامع فان عَاد إِلَى الْمُسلمين عَاد حَاصِل وقف مدرسة الْقُدس إِلَيْهَا وَلما كَانَت مَدِينَة الْقُدس بيد الإفرنج درس بِالْمَدْرَسَةِ العزية هَذِه ابْن قَاضِي الطّور وَبعده مدرسون ثَلَاثَة وَلما فتح بَيت الْمُقَدّس تعطلت وَعَاد مَا كَانَ يصرف عَلَيْهَا إِلَى الْمدرسَة المقدسية وَمن هُنَا يعلم أَنَّهَا كَانَت مدرسة مُؤَقَّتَة وحلقة نائبة عَن غَيرهَا وَلم تكن مدرسة مُسْتَقلَّة الْمدرسَة العلمية كَانَت شَرْقي جبل الصالحية وَغَرْبِيٌّ الميطورية وَقد تناولتها أَيدي الْجفَاء وَحل بهَا وبالميطورية الخراب فَكَانَ كل مِنْهُمَا نسيا منسيا وَهِي من أبنية الْأَمِير علم الدّين سنجر المعظمي فِي سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة ودرس بهَا الصَّدْر أَبُو الدلالات ثمَّ سِتَّة مدرسين آخِرهم شرف الدّين الواني كَذَا نسب بناءها إِلَى علم الدّين جمَاعَة مِنْهُم عز الدّين الْحلَبِي المؤرخ الْمَشْهُور الْمدرسَة الفتحية قَالَ ابْن شَدَّاد وَصَاحب التَّنْبِيه هِيَ برحبة خَالِد أَنْشَأَهَا الْملك الْغَالِب فتح

الدّين صَاحب بارين نسيب صَاحب حماه فِي السّنة الَّتِي توفّي بهَا وَجعل لَهَا أوقافا فِي الديار المصرية وَأَنْشَأَ مدرسة ثَانِيَة وَقد مر ذكرهَا فِي مدارس الشَّافِعِيَّة قَالَ الصَّفَدِي فِي تَارِيخه وَذكر أَبُو الْحُسَيْن الرَّازِيّ أَن الدَّار وَالْحمام المعروفين بِخَالِد فِي رحبة خَالِد هُوَ خَالِد بن أَسد وَقَالَ ابْن عَسَاكِر يشبه أَن يكون نِسْبَة إِلَى خَالِد بن عبد الله بن خَالِد بن أسيد بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين لِأَنَّهُ كَانَ بِدِمَشْق مَعَ عبد الْملك وَهُوَ من أهل دمشق وداره بهَا وَهِي الدَّار الْكَبِيرَة الَّتِي فِي مربعة الْقَبْر بِقرب الْقدَم بدار الشريف الزيدي وَإِلَيْهِ ينْسب الْحمام الَّذِي هُوَ مُقَابل قنطرة سِنَان بِبَاب توما وَهُوَ الَّذِي قتل جعيد ابْن دِرْهَم وَكَانَ جوادا سخيا ممدحا فصيحا إِلَّا انه كَانَ رجل سوء كَانَ يَقع فِي عَليّ رَضِي الله عَنهُ ويذم بِئْر زَمْزَم وَكَانَ نَحوا من الْحجَّاج مَاتَ سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة بعد أَن عصرت قدماه ثمَّ ساقاه حَتَّى انقصفتا ثمَّ صلب فَمَاتَ حِينَئِذٍ وَقَالَ ابْن عَسَاكِر أَيْضا خَالِد بن أسيد بن أبي الْعيص بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف بن قصي الْقرشِي الْأمَوِي لَهُ صُحْبَة قيل هُوَ الَّذِي نسبت إِلَيْهِ رحبة خَالِد بِدِمَشْق اهـ وأيا مَا كَانَ فان نِسْبَة تِلْكَ الرحبة لم تتَحَقَّق لرجل بِعَيْنِه قَالَ العلموي ودرس بالفتحية الْمَذْكُورَة بهاء الدّين بن عَبَّاس ثمَّ ثَلَاثَة أنفس بعده وَمن شعره (إِذا شِئْت أَن تُعْطِي الْأُمُور حُقُوقهَا ... وتوقع حكم الْعدْل أحسن موقعه) (فَلَا تصنع الْمَعْرُوف مَعَ غير أَهله ... فظلمك وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه) أَقُول وَلَقَد خَفِي عَليّ مَكَانهَا وَسَأَلت عَن رحبة خَالِد كثيرا من أهل دمشق فَلم يُخْبِرنِي بهَا أحد لتطاول الزَّمَان وانطماس الْآثَار ولعلي إِن عثرت على محلهَا الْحَقْهُ ببحثها وَلنَا مدرسة ثَالِثَة اسْمهَا الفتحية وَهِي حَدِيثَة الْعَهْد وَهِي مَشْهُورَة بمحلة القيمرية حَسَنَة الْبناء ذَات حجرات وغرف وَمَسْجِد حسن وَيظْهر لمن تأملها أَنه كَانَ لَهَا مطبخ يتَنَاوَل مِنْهُ المجاورون بهَا طعامهم الْمُخَصّص لَهُم من وَقفهَا إِعَانَة على طلب

ترجمة واقفها

الْعلم لَكِن الناظرين على وَقفهَا اختلسوا أوقافها وَمنعُوا الطّلبَة من حَقهم وَبَاعُوا جانبا مِنْهَا فَلم تسلم هِيَ وَلَا غَيرهَا من الْمدَارِس من تعديات المختلسين للأوقاف بِحَيْثُ أصبح ذَلِك الْفِعْل سنة متبعة عِنْد الْمُتَأَخِّرين من الدماشقة وَعند قضاتهم وَلَقَد تأملتها فَرَأَيْت مَكْتُوبًا على أُسْكُفَّة بَابهَا مَا صورته (قد وفْق الله من حباه ... فِي كل مَا يرتضي مُرَاده) (بناه لكسب الْعُلُوم دَارا ... وَمَسْجِد أشيد للآفاده) (فجَاء تَارِيخه بِبَيْت ... قد أحكمته يَد الاجاده) (لله مَا قد بنى وَأَحْيَا ... من مَسْجِد الْفَتْح للعباده) وتاريخ الْبناء سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَة بعد الْألف ومكتوب أَيْضا على اسكفة بَاب الْمَسْجِد (من كَانَ لِلْخَيْرَاتِ أَهلا نجا ... وَالله كَاف من إِلَيْهِ التجا) (حسن بِهِ الظَّن تنَلْ بره ... فَهُوَ ولي النعم المرتجى) (يَا نَاظر اترك على الْعين الَّذِي ... وفْق للمعروف لَهَا الحجى) (قد أَتَوا أرخ طَالب الدعا ... الْوَاقِف الْفَتْح بِبَاب الرجا) تَرْجَمَة واقفها قَالَ الْمرَادِي فِي تَارِيخه سلك الدُّرَر مَا ملخصه فتحي بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد ابْن مَحْمُود الْحَنَفِيّ القلاقنسي الأَصْل الدِّمَشْقِي المولد الدفتري الصَّدْر الْكَبِير كَانَ بِدِمَشْق صدر أعيانها اشْتهر بمحاسن الشيم والشهامة والجرأة والإقدام وَكَانَ ذَا نباهة وذكاء وثروة وَصَارَ دفتريا بِدِمَشْق مُدَّة سنوات وَتَوَلَّى تَوْلِيَة وقفي السليمانية وتصدر بِدِمَشْق مُدبر الْأُمُور وَالْمَلَأ وَالْجُمْهُور وَكَانَ ذَا خدم وَأَتْبَاع واتساع دَائِرَة يصطحب من الْعلمَاء والأفاضل شرذمة إجلاء وَمن الأدباء زمرا وَكَانَ عِنْده فِئَة من الْكتاب المتقنين لِلْخُطُوطِ وَمن أَرْبَاب المعارف والمويسيقي والألحان وَمن المضحكين وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَت دَاره متنزه الرواح ومنتدى الأفراح وامتدحه الشُّعَرَاء من

الْبِلَاد واشتهر صيته فِي الْآفَاق وَقد جمع مدائحه أحد ندمائه الشَّيْخ سعيد السمان فِي كتاب سَمَّاهُ الرَّوْض النافح فِيمَا ورد على الْفَتْح من المدائح قَالَ الْمرَادِي إِن المترجم كَانَ ظلمه عَاما وَأَتْبَاعه مَشْهُورُونَ بِالْفَسَادِ والفسوق وَشرب الْخمر وهتك الْمُحرمَات وَهُوَ أَيْضا متجاهر بالمظالم لَا يُبَالِي وَلَا يتَجَنَّب الأذي والتعدي وَمن آثاره فِي دمشق الْمدرسَة الَّتِي فِي محلّة القيمرية وَالْحمام فِي محلّة ميدان الْحَصَى وتجديد منارتي السليمانية وَغير ذَلِك ثمَّ أورد لَهُ الْمرَادِي نظما كثيرا مِنْهُ (بدا مثل بدر ثمَّ يبسم عَن در ... غزال وَمِنْه الْفرق كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّي) (بقد كخوط البان رنحه الصِّبَا ... فاذرى اعتدالا بالمثقفة السمر) (أغن كَأَن الله أبدع حسنه ... ليستلب الْأَرْوَاح بِالنّظرِ الشزر) (سقى الله دهرا مر لي بوصاله ... وَلم يلو جيد الود عني إِلَى الهجر) (فكم بَات يسقيني المدام عَشِيَّة ... ويمزجها من رِيقه العاطر النشر) (إِلَى أَن بِهِ شط المزار وَقد محى ... سطور الْأَمَانِي بَيْننَا حَادث الدَّهْر) (وسرت قُلُوب الحاسدين وطالما ... لعبن بهَا عِنْد الدنو على الْجَمْر) وَله فِي الشيب (لَا تغضبن لشيب مِنْك حل على ... مسك العذار فان الشيب آثَار) (أما ترى الْغُصْن مذ لاحت أزاهره ... زَادَت نضارة ذَاك الْغُصْن أنوار) وَهُوَ مَأْخُوذ من قَول دعبل (لَا يرعك المشيب أَن زار وَهنا ... فَهُوَ للمرء حلية ووقار) (إِنَّمَا تحسن الرياض إِذا مَا ... ضحِكت فِي خلالها النوار) وللمترجم فِي طول النَّهَار فِي الصّيام (ولرب يَوْم صمته فَكَأَنَّهُ ... يَوْم الْمعَاد وَلَيْسَ مِنْهُ مهرب) (وقفت بِهِ شمس النَّهَار وَلم تغب ... فَكَأَنَّمَا قد سد عَنْهَا الْمغرب) وَله (واغيد قد أمال السكر قامته ... وَاللَّيْل محتبك بالأنجم الزهر) (دنا الي وكأس الراح فِي يَده ... ممزوجة بلماه الطّيب الْعطر) (وَقَالَ خُذ وارتشف مَاء الْحَيَاة وَلَا ... تبْق للائمك اللاحي سوى الكدر)

المدرسة الفرخشاهية

وَلما كَانَ المترجم ذَا يَد طولى وعلو قدر يتَصَدَّى للاستطالة فِي أَقْوَاله وأفعاله كثر أعداؤه وَلما توفّي الْوَزير سُلَيْمَان باشا الْعظم وَالِي الشَّام وأمير الْحَج وَجَاء الْأَمر من قبل الدولة بضبط أَمْوَاله ومتروكاته نسب المترجم إِلَى أُمُور فِي ذَلِك الْوَقْت فَخرج مِنْهَا بتولية أسعد باشا الْعظم واليا على دمشق ثمَّ إِن المترجم كَانَ منتميا إِلَى أوجاق البرلية وَكَانُوا على غَايَة من الاستبداد والشقاء وَالْفساد إِلَى أَن كتب أسعد باشا بأفعالهم إِلَى الآستانة فجَاء الْأَمر بِقَتْلِهِم كلهم واستئصالهم فَقتلُوا إِلَّا أَن أسعد باشا أخْفى المترجم عِنْده مُدَّة ثمَّ جرت أُمُور إِلَى أَن ورد الْأَمر بقتْله أَيْضا فجيء بِهِ إِلَى سَرَايَا دمشقوخنق فِي احدى جهاتها وَقطع رَأسه وَأرْسل للدولة وطيف بجثته فِي دمشق ثَلَاثَة أَيَّام فِي شوارعها وأزقتها مَكْشُوف الْبدن عُريَانا وضبطت الدولة أملاكه فَكَانَ شَيْئا كثيرا وَكَانَ ذَلِك خَامِس عشر جُمَادَى الثَّانِيَة سنة تسع وَخمسين وَمِائَة وَألف وَدفن بتربة الشَّيْخ أرسلان الْمدرسَة الفرخشاهية تعرف بعز الدّين فرخشاه وَالَّتِي أوقفتها والدته خطلخير خاتون بنت إِبْرَاهِيم ابْن عبد الله وَهِي زَوْجَة شاهنشاه بن أَيُّوب أخي صَلَاح الدّين قَالَ ابْن كثير هِيَ بالشرف الشمالي الْأَعْلَى والى جَانبهَا التربة ألامجدية لوَلَده وَهِي على الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَقَالَ ألاسدي أَنَّهَا على الْحَنَفِيَّة فَقَط اهـ لَكِن صَاحب تَنْبِيه الطَّالِب وَغَيره لم يذكرُوا من درس بهَا من الشَّافِعِيَّة وَلم يتَقَدَّم لَهَا ذكر فِي مدارسهم وَهَذَا الْخلاف لَا طائل تَحْتَهُ بعد مَا صَارَت بستانا وَلَقَد وقفت على مَا بَقِي من آثارها فَقَرَأت كِتَابَة فِي حَائِط قبتها الشَّرْقِي فَوق الشباك فَإِذا هِيَ بعد الْبَسْمَلَة أَمر بإنشاء هَذِه التربة الْمُبَارَكَة الفقيرة إِلَى الله تَعَالَى خاتون وَالِدَة الْملك الْمَنْصُور معز الدُّنْيَا وَالدّين فرخشاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب الملكي الناصري وَتُوفِّي مستهل جُمَادَى الأولى سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة ثمَّ دخلت الْقبَّة فَإِذا لَهَا بَاب صَغِير من الْجَانِب الغربي وَهِي متسعة وَقد سقط

أَعْلَاهَا وَبنى بهَا أَصْحَاب الْبُسْتَان الَّذِي كَانَ مدرسة إسطبلا صَغِيرا وحجرة وَجعلُوا فَوْقهمَا غرفتين وجدران تِلْكَ الْقبَّة الْأَرْبَعَة فِي غَايَة المتانة مَبْنِيَّة بِالْحِجَارَةِ الضخمة وَفِي جدارها القبلي بَاب يتَوَصَّل مِنْهُ إِلَى قبَّة ثَانِيَة أَصْغَر مِنْهَا وَهِي على حَالهَا لم يتَغَيَّر شَيْء من بنائها وَهِي التربة الأمجدية وَبهَا قبر مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ الْكَبِيرَة وارتفاعه عَن الأَرْض أَكثر من ذِرَاع وَلها بَاب فِي الْجَانِب الغربي وأمام القبتين الْآن من الْجَانِب الغربي بركَة صَغِيرَة يمر مِنْهَا المَاء وَأما الْمدرسَة فَهِيَ الْآن بُسْتَان وَلم يبْق من آثارها سوى أساس جدارها الَّذِي كَانَ محيطا بهَا وَقد جعل أساسا لَدُكَّ الْبُسْتَان ولسوف تذْهب تِلْكَ الْآثَار أَيْضا فَلم يبْق لَهَا ذكر إِلَّا فِي القرطاس تَرْجَمَة واقفها قَالَ شاهنشاه فِي تَارِيخه وَفِي سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة توفّي عز الدّين فرخشاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب صَاحب بعلبك وَكَانَ يَنُوب عَن صَلَاح الدّين بِدِمَشْق وَهُوَ ثقته من بَين أَهله وَكَانَ شجاعا كَرِيمًا فَاضلا وَله شعر جيد وَوصل خبر مَوته إِلَى صَلَاح الدّين وَهُوَ بِبِلَاد الجزيرة فَأرْسل إِلَى دمشق شمس الدّين بن مُحَمَّد الْمُقدم ليَكُون بهَا وَأقر بعلبك على بهْرَام شاه بن فرخشاه الْمَذْكُور انْتهى وَحكي فِي الروضتين عَن ابْن أبي طي أَنه قَالَ كَانَ فرخشاه من أكْرم النَّاس وأطهرهم أَخْلَاقًا وأسدهم رَأيا وأشجعهم قلبا وَمِمَّا يحْكى من كرمه أَنه دخل الْحمام يَوْمًا فَرَأى رجلا قد قعد بِهِ الزَّمَان وَكَانَ يعرفهُ من أهل الْيَسَار وَشَاهد عَلَيْهِ ثيابًا رثَّة يبين مِنْهَا بعض جسده فاستدعى بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج الرجل إِلَى لبسه وَأمر لَهُ بِغُلَام وَبغلة مسرجة وبألف دِينَار وَقَالَ لبَعض غلمانه أجعَل هَذَا كُله فِي مَوضِع ثِيَاب الرجل وَخذ ثِيَابه وَاجعَل هَذَا الْغُلَام وَالْبَغْلَة لَهُ فَفعل وَلما اغْتسل الرجل وَخرج رأى مَوضِع ثِيَابه تِلْكَ الثِّيَاب فَسَأَلَ الحمامي عَن ثِيَابه فَقَالَ تبدلت بِتِلْكَ الثِّيَاب فَتقدم إِلَيْهِ الْغُلَام وَأخْبرهُ بِجَمِيعِ مَا صنع عز الدّين مَعَه وَأخْبرهُ بِأَنَّهُ قد صنع لَهُ معيشة عشْرين دِينَارا فِي كل شهر فَلبس الثِّيَاب وَخرج من الْحمام غَنِيا وَكَانَ فرخشاه مُضَافا إِلَى شجاعته كَونه عَالما متفننا كثير الْأَدَب مطبوع النّظم والنثر فَمن شعره قَوْله

ابن الحريري

(أَنا فِي أسر السقام ... من هوى هَذَا الْغُلَام) (رشا ترشق عَيناهُ ... فُؤَادِي بِالسِّهَامِ) (كلما أرشفني فَاه ... على حر الاوام) (دقَّتْ مِنْهُ الشهد بالثلج ... الْمُصَفّى فِي المدام) وَكَانَ المترجم يصحب الشَّيْخ أبي الْيمن الْكِنْدِيّ وامتدحه الشُّعَرَاء بقصائد غراء ذكر بَعْضهَا صَاحب الروضتين وَذكرهَا هُنَا يخرجنا عَمَّا قصدناه من الِاخْتِصَار وَقد درس فِي هَذِه الْمدرسَة من الْحَنَفِيَّة عماد الدّين ابْن الْفَخر ثمَّ سَبْعَة مدرسين آخِرهم شمس الدّين بن الصفي وَمِمَّنْ لَهُ أثر يذكر مِنْهُم ابْن الحريري هُوَ مُحَمَّد بن عُثْمَان بن أبي الْحسن بن عبد الْوَهَّاب الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الحريري ولد فِي دمشق سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة كَذَا قَالَه نجم الدّين الطرسوسي فِي شَرحه على منظومته وتفقه على جمَاعَة وَشرح الْهِدَايَة وعلق فَوَائِد فقهية ودرس بعدة مدارس وَولي الْقَضَاء وَتُوفِّي بِمصْر سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة وَقَالَ صَاحب الْفَوَائِد البهية فِي تراجم الْحَنَفِيَّة كَانَ المترجم عَالما فَاضلا فَقِيها عَارِفًا بِالْمذهبِ انْتَهَت إِلَيْهِ الرِّئَاسَة فِي زَمَانه وَتَوَلَّى قَضَاء دمشق انْتهى حرف الْقَاف الْمدرسَة القجماسية قَالَ فِي التَّنْبِيه هِيَ دَاخل بَاب النَّصْر وَدَار السَّعَادَة انْتهى أَقُول أما بَاب النَّصْر فقد كَانَ فِي السُّوق الْمَعْرُوف الْآن بسوق الأروان وَيظْهر من الرَّوْضَة الْغناء لنعمان أَفَنْدِي القساطلي أَن الْمُتَأَخِّرين سموا هَذَا الْبَاب بِبَاب السَّرَايَا فانه قَالَ بَاب السَّرَايَا بَقِي كَمَا كَانَ قبلا إِلَى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة وَألف للتاريخ المسيحي عِنْدَمَا أصلحت الطرقات فِي أَيَّام شرواني باشا فهدم انْتهى أَقُول وَهَذِه الْمدرسَة بَاقِيَة إِلَى الْآن مَشْهُورَة ومعروفة وَلَيْسَ بهَا من أثر قديم يسْتَحق الذّكر

ترجمة بانيها

تَرْجَمَة بانيها أَنْشَأَهَا نَائِب الشَّام يَوْمئِذٍ يَعْنِي واليها قجماس الاسحاقي الجركسي كفل دمشق سبع سِنِين وَثَمَانِية أشهر فعمر هَذِه الْمدرسَة ورتب فِيهَا أَرْبَعِينَ مقرئا بعد عصر كل يَوْم يقْرَأ كل مِنْهُم جُزْءا من الربعة وَجعل لَهُم شَيخا ورتب بهَا أَيْضا مجاورين وَعين لَهُم شَيخا وأوقافا دارة قلت وَقد انقرض كل هَذَا توفّي المترجم سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بتربته الَّتِي أَنْشَأَهَا بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة عِنْد بَيته وترجمه السخاوي فِي الضَّوْء اللامع فَقَالَ مَا ملخصه قجماس الاسحاقي الظَّاهِرِيّ جقمق نَائِب الشَّام نَشأ فِي خدمَة أستاذه وَكتب الْخط الْحسن وَتقدم فِي المناصب وأقامه الظَّاهِر خشقدم خَازِن دَار أركيسي ثمَّ أمره بلباي على عشرَة بعد أَن توجه لنقل الْمَنْصُور إِلَى دمياط للاذن للمؤيد بالركوب فَلَمَّا اسْتَقر الْأَشْرَف قايتباي رقاه وَأَسْكَنَهُ بَيته ثمَّ أرْسلهُ إِلَى الشَّام لما تَركهَا نائبها الشمقدار ودواداره أَبُو بكر ثمَّ اسْتَقر فِي نِيَابَة الْإسْكَنْدَريَّة وأضاف إِلَيْهِ مَوْلَاهُ وَهُوَ بهَا تقدمة ثمَّ نَقله من النِّيَابَة لامرة أخور وتحول إِلَى الديار المصرية وسافر أثْنَاء هَذِه الْمدَّة أَمِيرا على الْحَاج ثمَّ توجه لعمارة برج السُّلْطَان فِي بابل وَعمر لنَفسِهِ جَامعا فِي الْإسْكَنْدَريَّة ظَاهر الْبَاب الْمُسَمّى بِبَاب رشيد وَجعل هُنَاكَ تربة وخانا لأبناء السَّبِيل لِأَن الْمُسَافِرين كَانُوا إِذا وصلوا إِلَى هُنَاكَ بعد الْغُرُوب لَا يقدرُونَ على الْوُصُول للإسكندرية لعدم أَمن الطَّرِيق فَحصل من الخان نفع كَبِير وَجعل بِجَانِب التربة بستانا هائلا وجدد أَيْضا جَامع الصواري ظَاهر بَاب السِّدْرَة وَعمر خَارِجهَا بالجزيرة خَارج بَاب الْبَحْر على شاطئ بَحر السلسلة هَيْئَة رِبَاط وأودع بِهِ أسبلة وَنَحْوهَا وَعمر وَهُوَ أَمِير أخور مدرسة هائلة بِالْقربِ من خوخة أيدغمش وَجعل لَهَا متصدرا وقارئا للْبُخَارِيّ وَبنى تربة أَيْضا وَعمل خيرات كَثِيرَة ثمَّ نقل إِلَى نِيَابَة الشَّام بعد أسر قانصوه اليحياوي فَبنى بجوار بَاب السَّعَادَة دَاخل بَاب النَّصْر مِنْهَا مدرسة وَقرر لَهَا صوفية وَعمل بجانبها مطبخا للدشيشة وسافر لعدة غزوات وَمَات سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة انْتهى بِحَذْف أَشْيَاء لَا طائل تحتهَا وَلَا بَأْس بتقييد أَشْيَاء تاريخية هُنَا لتَكون كالشرح لما تقدم وَهِي إِن الظَّاهِر خشقدم هُوَ الْملك الظَّاهِر أَبُو سعيد الناصري ثمَّ المؤيدي وَهُوَ السُّلْطَان

المدرسة القصاعية

الأول من الأروام بِمصْر إِن لم يكن الْمعز أيبك التركماني مِنْهُم وَكَانَت مُدَّة سلطنته سِتّ سِنِين وَخَمْسَة أشهر وأياما وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَأما بلباي فَهُوَ الْملك الظَّاهِر أَبُو سعيد بلباي العلائي تولى مصر يَوْم وَفَاة خشقدم فَأَقَامَ سَبْعَة وَخمسين يَوْمًا وخلع وجهز إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَأَقَامَ بهَا حَتَّى مَاتَ وَأما قايتباي فَهُوَ الْملك الْأَشْرَف أَبُو النَّصْر قايتباي الظَّاهِرِيّ المحمودي نِسْبَة للخواجا مَحْمُود الَّذِي اشْتَرَاهُ وللظاهر جقمق مُعْتقه وَهُوَ السَّادِس عشر من مُلُوك الجراكسة وَالْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ من مُلُوك التّرْك بُويِعَ لَهُ يَوْم خلع الظَّاهِر تمريفا سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة فَأَقَامَ تِسْعَة أشهر وَأَرْبَعَة وَعشْرين يَوْمًا وَتُوفِّي سنة إِحْدَى وَتِسْعمِائَة قَالَ الشرقاوي فِي تَارِيخه تحفة الناظرين كَانَ قايتباي ملكا جَلِيلًا لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْخيرَات وَكَانَت أَيَّامه كالطراز الْمَذْهَب وَهُوَ وَاسِطَة عقد مُلُوك الجراكسة وَسَار فِي المملكة بشهامة مَا سَار بِمِثْلِهَا أحد قبله من عهد النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون وَله فِي مصر والعمارات الْكَثِيرَة من مَسَاجِد ومدارس ورباطات وَغَيرهَا وَمن هُنَا تعلم أَن مملكة مصر وَالشَّام كَانَت مِيرَاثا للمماليك يديرونها كَيفَ شَاءُوا إِلَى أَن كَانَت سلطنة بني عُثْمَان فَأخذت الْأُمُور فِي الضَّبْط رويدا رويدا إِلَى الْآن الْمدرسَة القصاعية هِيَ بحارة القصاعين كَمَا فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَالظَّاهِر أَن القصاعين هِيَ محلّة الخيضرية أَو الخضيرية وَمَا والاها أنشأتها خطلشاه بنت ككجا سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَخَمْسمِائة قَالَ عز الدّين فِي تَارِيخه وَالَّذِي رَأَيْته مَكْتُوبًا بنقرة فِي صَخْرَة فَوق بَابهَا أَن اسْمهَا فَاطِمَة بنت الْأَمِير كوكجا وَكَذَا هُوَ كتاب الْوَقْف كَمَا اخبرني بِهِ عاملها القَاضِي بهاء الدّين الحجيني وَشرط الْوَاقِف انه إِذا تعذر الْحُضُور بِالْمَدْرَسَةِ فَلْيَكُن بالجامع الْأمَوِي بالرواق الشمالي وان شَرط الْمدرس بهَا أَن يكون أعلم الْحَنَفِيَّة بالأصلين

المدرسة القاهرية

ودرس بهَا شهَاب الدّين الكاشي ثمَّ درس بهَا سَبْعَة آخِرهم حسام الدّين الرَّازِيّ ثمَّ بعد السَّبْعَة اثْنَا عشر مدرسا أَيْضا آخِرهم محب الدّين ابْن القصيف أَقُول قد فتشت عَن مَكَانهَا فَلم أظفر بِهِ وَلم أجد سوى جدران تدل على أَن هُنَاكَ كَانَ مدارس فَأَصْبَحت مأوى لريم أَو لكبش فسبحان الْبَاقِي بعد فنَاء خلقه الْمدرسَة القاهرية هِيَ بالصالحية على حافة نهر يزِيد لصيق دَار الحَدِيث القلانسية الْمَشْهُورَة الْآن بالخانقاه يفصل بَينهمَا الطَّرِيق وَغَرْبِيٌّ الْمدرسَة العمرية قَالَ النعيمي وَلم يزدْ على هَذَا أَقُول وقفت على أطلالها فَلم أجد بَاقِيا مِنْهَا سوى الْجِدَار الغربي وَهُوَ مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ الصَّفْرَاء ولونها فَاقِع ينعي لِسَان حَالهَا زَمَنهَا الْمَاضِي وعصرها الذَّاهِب وَبهَا تربة قَرَأت على بَاب شباك مِنْهَا مَا صورته هَذِه تربة الشهيدة الفقيرة إِلَى رَحْمَة رَبهَا السِّت الجليلة عين الشَّمْس زَوْجَة الشَّهِيد السُّلْطَان الْملك الْمُعظم ابْن الْملك الْعَادِل وابنتها ربيعَة بنت السُّلْطَان ابْن الْملك توفيت سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَلم أظفر بشرح أَحْوَال هَذِه الْمدرسَة بِأَكْثَرَ مِمَّا ذكرته الْمدرسَة القليجية قَالَ ابْن شَدَّاد الْمُوصي بوقفها الْأَمِير سيف الدّين عَليّ بن قليج النوري إِلَى القَاضِي صدر الدّين ابْن سني الدولة الشَّافِعِي وعمرها بعد وَفَاة الْمُوصي سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة قَالَ الْأَسدي وَبهَا قبر الْوَاقِف توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَهِي قبلي الخضراء شمَالي الصدرية غربي تربة القَاضِي جمال الدّين الْمصْرِيّ درس بهَا شمس الدّين ابْن قَاضِي الْعَسْكَر ثمَّ أَوْلَاده ثمَّ بعدهمَا سِتَّة مدرسين

قَالَ ابْن شُهْبَة فِي تَارِيخه كَانَ سيف الدّين أَمِيرا كَبِيرا صَالحا فَاضلا شَاعِرًا وَأورد من شعره فِي التَّارِيخ وَلَا يحضرني الْآن واحترقت فِي فتْنَة تيمورلنك سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة واستمرت كوم تُرَاب إِلَى حُدُود سنة أَربع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة قَالَ ابْن شُهْبَة وتعذرت إِعَادَتهَا لعدم وقف لَهَا بَلغنِي أَن جَمِيع وَقفهَا كَانَ سقفا دَاخل الْبَلَد فَاحْتَرَقَ فِي الْفِتْنَة الْمَذْكُورَة ثمَّ قيض الله لَهَا بِمُبَاشَرَة أهل الْخَيْر المرحوم مُحَمَّد جلبي قَاضِي الشَّام ابْن الْمُفْتِي أبي السُّعُود صَاحب التَّفْسِير فصرف مائَة سلطاني على نقل تُرَاب وَضرب لبن وَإِقَامَة بعض القناطر والعضائد ووقف أمرهَا ثمَّ سنح للشَّيْخ أَحْمد ابْن الشَّيْخ سُلَيْمَان أَن ينْتَقل من زَاوِيَة لَهُ كَانَت ضيقَة وَمن بَيته بِمحل الشلاحة إِلَيْهَا وَأَن يعمرها فصرف عَلَيْهَا من مَاله مَا شَاءَ الله ثمَّ ساعده فِيهَا أَرْكَان الدولة وَجِيء بخشبها من غيضة السُّلْطَان وَمَاله وتمت وكملت فِي غَايَة الْحسن وَالسعَة وَالْبركَة وأقيمت فِيهَا الْأَذْكَار والموالد والجمعيات وَذَلِكَ فِي حُدُود سبعين وَتِسْعمِائَة وَقَالَ المحبي فِي تَرْجَمَة أَحْمد الْمَذْكُور انه عزل التُّرَاب الَّذِي كَانَ فِيهَا من بقايا الخراب فِي فتْنَة تيمور وعمرها وَأَنْشَأَ سَبِيلا فِي جوَار تربَتهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَقَالَ مامية الرُّومِي مؤرخا بِنَاء السَّبِيل (هَذَا السَّبِيل الأحمدي ... لله مَا فِيهِ خفا) (وَقد أَتَى تَارِيخه ... اشرب هَنِيئًا بل شفا) هَذَا مَا كَانَ من أمرهَا وَأما حالتها الْآن فقد وقفت على أطلالها أسائلها فأعيت جَوَابا وَمَا بِالربعِ من أحد مَا بِالربعِ سوى الْجِدَار القبلي وَمن جِهَة الغرب مِنْهُ بَاب الْمدرسَة وَهُوَ مَبْنِيّ على هندسة جميلَة وَقد قسم الْآن بَابَيْنِ لدارين وَالْبناء الْقَدِيم يلوح من أعلاهما وبجانب ذَلِك الْبَاب من الْجَانِب الشَّرْقِي التربة الْمَذْكُورَة وَهِي قبَّة عَظِيمَة وبناؤها قَائِم إِلَى الْآن وَلها شباكان على الطَّرِيق ومحفور على صَخْرَة فَوق الشباك الْأَيْمن قَالَ الْأَمِير الْمُجَاهِد الْكَبِير المرابط الاسفهلار السعيد الشَّهِيد سيف الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن قليج بن عبد الله هَذِه الأبيات وَأمر أَن تكْتب على تربته بعد وَفَاته وعَلى عتبَة الشباك الْأَيْسَر مَا صورته (هَذِه دَارنَا الَّتِي نَحن فِيهَا ... دَار حق وَمَا سواهَا يَزُول) (فَاعْتَمَرَ مَا اسْتَطَعْت دَارا إِلَيْهَا ... عَن قَلِيل يفضى بك التَّحْوِيل) (وَاعْتمد صَالحا يؤنسك فِيهَا ... مثل مَا يؤنس الْخَلِيل الْخَلِيل)

ترجمة واقفها

وَبعد هذَيْن الشباكين شباكان أَيْضا مسدودان يظهران للنَّاظِر والجدار شَاهِق الْبناء مَبْنِيّ بالأحجار الْكَبِيرَة الصَّفْرَاء جمال منظره يَقُول أَن هُنَاكَ كَانَ مدرسة كَبِيرَة أنفقت الْأَمْوَال الْكَثِيرَة فِي بنائها ثمَّ بعد رؤيتي لذَلِك دخلت بَابا وسرت فِي زقاق ضيق فوصلت إِلَى فسحة وَاحِدَة فِي وَسطهَا بركَة مَاء وَبَعض حجرات معدة للحياكة فسبحان الْبَاقِي تَرْجَمَة واقفها هُوَ الْأَمِير سيف الدّين عَليّ بن قليج النوري توفّي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة قَالَ ابْن كثير وَدفن بتربته الَّتِي بمدرسته الْمَذْكُورَة الَّتِي كَانَت سكنه بدار الْفُلُوس قَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي تَارِيخ الْإِسْلَام عَليّ بن قليج بن عبد الله الظَّاهِرِيّ الأميري الْكَبِير الْفَاضِل سيف الدّين أَبُو الْحسن كَانَ أَمِيرا جَلِيلًا وَعِنْده فَضِيلَة قَالَ الشهَاب القوصي جمع بَين الإمرة والسيادة وجزالة الرَّأْي وَمَا قدم على جَيش إِلَّا وَلم شعثه انشد لنَفسِهِ فِي التحذير من احتقار الْعَدو (لَا تحقرن عدوا لَان جَانِبه ... وان ترَاهُ ضَعِيف الْبَطْش وَالْجَلد) (فللذبابة فِي الْجرْح المديد يَد ... تنَال مَا قصرت عَنهُ يَد الْأسد) وَقَالَ إِن دَار الْفُلُوس الَّتِي كَانَت دَاره سميت فِي أَيَّام تنكز بدار الذَّهَب وَهِي دَار خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ وَهِي قبلي الْمدرسَة تَرْجَمَة القَاضِي مُحَمَّد جلبي قَالَ الْغَزِّي فِي الْكَوَاكِب السائرة هُوَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد أحد الموَالِي الرومية وَابْن مفتيها الملا أبي السُّعُود كَانَ فَاضلا بارعا ترقى فِي المناصب حَتَّى أعطي قَضَاء الْقُضَاة بِدِمَشْق فِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَكَانَ سخيا مَا أَتَانَا من الرّوم أسخى مِنْهُ وَكَانَ ودودا قَالَ وَاجْتمعت الْخِصَال المحمودة فِيهِ وَمر يَوْمًا بسوق الأساكفة غربي بَاب الْبَرِيد فوقفوا وَشَكوا إِلَيْهِ مَا هم فِيهِ من هم الْعَوَارِض من الصفين الغربي والشرقي فأزالها وَلم يسْأَل عَن غنيهم وَلَا عَن فقيرهم اهـ وَمَا ذكرت هَذِه الْحِكَايَة إِلَّا لأبين أَن وَظِيفَة البلدية فِي ذَلِك الزَّمَان كَانَ بَعْضهَا إِلَى الْقُضَاة

ترجمة مرممها الأخير

تَرْجَمَة مرممها الْأَخير هُوَ الشَّيْخ احْمَد بن الشَّيْخ سُلَيْمَان قَالَ فِي الْكَوَاكِب مَا خلاصته كَانَ المترجم يعرف بِابْن الصَّواف وَكَانَ شافعيا على طَريقَة القادرية مُعْتَقدًا بَين النَّاس وَله مريدون يداخل النَّاس فِي الْإِصْلَاح بَينهم فيترددون عَلَيْهِ وَكَانَ وقورا حسن الْخلق بشوشا يتَرَدَّد على الْحُكَّام ويعتقدون فِيهِ وَيكْتب للنَّاس الحروز فيقبلون عَلَيْهِ توفّي سنة خمس بعد الْألف عَن ثَمَانِينَ سنة وَدفن بزاويته جوَار سيف الدّين وَمَات لَهُ ولد قبله فَدفن بجواره وَقد قَامَ النَّاس عَلَيْهِ لذَلِك ثمَّ اطْمَأَن الْمدرسَة القيمازية كَانَت دَاخل بَابي النَّصْر والفرج فاختفت آثارها كَمَا اختفى بَاب النَّصْر وَرُبمَا يُؤْخَذ من كَلَام الْعِمَاد الْكَاتِب شَيْء من التَّعْرِيف بهَا فانه قَالَ فِي تَرْجَمَة واقفها مَا نَصه وداره بِدِمَشْق هِيَ الَّتِي بناها الْملك الْأَشْرَف أَبُو الْفَتْح مُوسَى ابْن الْعَادِل دَارا للْحَدِيث فِي سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَخرب الْحمام الَّذِي كَانَ مجاورا لَهَا وَأدْخلهُ فِي ريعها وَذَلِكَ فِي جوَار قلعة دمشق بَينهمَا الخَنْدَق وَالطَّرِيق وَهُنَاكَ مدرسته الْمَعْرُوفَة بالقيمازية وَقَالَ ابْن كثير نَحوا من هَذَا وَمِنْه والمدرسة شَرْقي القلعة المنصورة وَلما خرب الْأَشْرَف الْحمام بناه مسكنا للشَّيْخ الْمدرس بمدرسة دَار الحَدِيث فالمدرسة تحقق أَنَّهَا كَانَت بِالْقربِ من دَار الحَدِيث الأشرفية وَلكنهَا أخنى عَلَيْهَا الزَّمَان وَلم يعلم لَهَا اثر وَهُنَاكَ الْآن مَسْجِد لطيف وَلَعَلَّه بَاقٍ من آثارها وَالله اعْلَم تَرْجَمَة واقفها بناها صارم الدّين قايماز النجمي قَالَ فِي الروضتين نقلا عَن الْعِمَاد الْكَاتِب فِي حوادث سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَفِي هَذِه السّنة توفّي فِي دَاره فِي دمشق الْأَمِير صارم الدّين قايماز النجمي وَكَانَ مُتَوَلِّي أَسبَاب صَلَاح الدّين فِي مخيمه وبيوته وَعمل عمل أستاذ الدَّار وَكَانَ صَلَاح الدّين إِذا فتح بَلَدا سلمه إِلَيْهِ واستأمنه عَلَيْهِ فَيكون أول من افتض عذرته وشام ديمته وَحصل لَهُ من بلد آمد عِنْد فَتحه وَمن ديار مصر عِنْد موت عاضدها أَمْوَال عَظِيمَة وَتصدق فِي يَوْم وَاحِد بسبعة آلَاف

عماد الدين الطرسوسي

دِينَار مصرية عينا وَأظْهر أَنه قضى مَا فِي ذمَّته من حُقُوق الله وَهُوَ بِالْعرْفِ مَعْرُوف وبالخير مَوْصُوف يحب اقتناء المفاخر بِبِنَاء الرَّبْط والقناطر وَمن جُمْلَتهَا رِبَاط خسفين ورباط نوى وَله مدرسة مجاورة دَاره وَلما كفى الله دمشق الْحصْر نَهَضَ وَرَاء الْعَادِل إِلَى مصر فَرده إِلَى دمشق ليلازم خدمَة الْملك ولد الْمُعظم وَيكون من أقوى عدده وأوفى عدده وَكَانَ فِي خلقه ذعارة وَكَانَ خصافته مستعارة قَالَ وَلما دفن نبشت أَمْوَاله وفتشت رحاله وَحضر أُمَنَاء القَاضِي وضمناء الْوَالِي وأخرجوا خبايا الزوايا وسموط النُّقُود وخطوط النسايا وغيروا رسوم الْمنزل ومعالمه واستنبطوا دنانيره ودراهمه وحفروا أَمَاكِن فِي الدَّار وبركة الْحمام فِي الْجوَار فحملوا أوقارا من النضار وظهروا على الْكُنُوز المخفية والدفائن الألفية فَقيل زَادَت على مائَة ألف دِينَار وَهُوَ قَلِيل فِي جنب مَا يحرز بِهِ من كَذَا وَكَذَا قِنْطَارًا واستقل مَا طواه الْحزن وأخفاه الدّفن وَقيل كَانَ يكنز فِي صحارى ضيَاعه ومغارات اقطاعه قلت وأتهم بعده جمَاعَة بِأَن لَهُ عِنْدهم ودائع وتأذى بذلك المتأبي مِنْهُم والطائع انْتهى قلت وأيا مَا كَانَ فان تِلْكَ العصور هِيَ العصور السود فَمَا هَذِه الْأَعْمَال عَامل يتْرك وشأنه حَتَّى ينهب الْأمة وَيفرق أموالها فِي جَوف الأَرْض ثمَّ تَأتيه النكبات والبليات فِي حَيَاته أَو بعد مماته فَلَا تستريح الْأمة مِنْهُ فِي حَيَاته وَلَا بعد مماته وَمَا هَذِه الْعُقُول الَّتِي تحب المَال حبا جما ثمَّ تجْعَل بطن الأَرْض مأواها وَللَّه فِي خلقه شؤون ودرس بِهَذِهِ الْمدرسَة حميد الدّين السَّمرقَنْدِي ثمَّ بعده سَبْعَة آخِرهم عماد الدّين الطرسوسي عماد الدّين الطرسوسي هُوَ عَليّ بن أَحْمد بن عبد الْوَاحِد بن عبد الْمُنعم بن عبد الصَّمد قَاضِي الْقُضَاة عماد الدّين الطرسوسي تولي الْقَضَاء بِدِمَشْق سنة سبع وَعشْرين وَسَبْعمائة ثمَّ تَركه

حرف الميم

لوَلَده ودرس بعدة مدارس وَذكر الْقَارِي انه مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَفِي الشقائق النعمانية أَن المترجم هُوَ صَاحب الِافْتِتَاح شرح الْمِصْبَاح فِي النَّحْو وَشرح مراح الْأَرْوَاح فِي الصّرْف حرف الْمِيم الْمدرسَة المرشدية هِيَ على نهر يزِيد بصالحية دمشق جوَار دَار الحَدِيث الأشرفية وَهِي الْآن مفقودة فِي صُورَة مَوْجُودَة ينشد لِسَان حَالهَا (درسوا الْعُلُوم ليملكوا بجدالهم ... فِيهَا صُدُور مَرَاتِب ومجالس) (وتفقهوا حَتَّى ينالوا فرْصَة ... من أَخذ مَال مَسَاجِد ومدارس) وَلَقَد وقفت عَلَيْهَا فَرَأَيْت بَابهَا بَابا عَظِيما والجدار الشمالي مِنْهَا عَجِيب الْبناء جدا إِلَّا أَن داخلها خراب وَقد اختلسها قوم فاتخذوها للسُّكْنَى وَإِذا وفْق الله لَهَا من يلم شعثها أَصبَحت مدرسة بديعة زاهرة ودرس بهَا أَيَّام عزها شمس الدّين بن عَطاء الله الْأَذْرَعِيّ ثمَّ أَرْبَعَة آخِرهم شمس الدّين الحريري تَرْجَمَة البانية أنشأتها بنت الْملك الْمُعظم شرف الدّين عِيسَى ابْن الْملك الْعَادِل سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة قَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة وَاسْمهَا خَدِيجَة توفيت ببستان الماردانية سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة ودفنت بتربتها الَّتِي أنشأتها جوَار تربة الشَّيْخ الفرنتي بِالْجَبَلِ أَقُول والتربة مَشْهُورَة وَلما وقفت على تِلْكَ الْمدرسَة مرّة ثَانِيَة وجدت مَنْقُوشًا على حجر بِأَعْلَى بَابهَا مَا صورته بعد الْبَسْمَلَة هَذَا مَا أوقفت السِّت الجليلة عصمَة الدّين خاتون بنت السُّلْطَان الْملك الْمُعظم شرف الدّين عِيسَى ابْن السُّلْطَان الْملك الْعَادِل سيف الدّين أبي بكر بن أَيُّوب وَذَلِكَ حِصَّة من الْحمام الْكَائِن أسهمه خَمْسَة وَثَلَاثِينَ وَخمْس وَسبع سهم من طاحون الطّرف الْخَمِيس

المدرسة المعظمية

وَدَار بجبل الصالحية وَحِصَّة بقصر تَقِيّ الدّين سَبْعَة أسْهم وَنصف سهم وَربع سهم وَثمن سهم وَثلث عشر سهم وَحِصَّة بقرية الطره ثلثا سهم وَثلث وَسبع سهم وَحِصَّة بخان ثَمَانِيَة أسْهم وَنصف وَحِصَّة بِحَبَّة عَسَّال من قصير معلولا ثَلَاثَة أسْهم وَمن الجية سهم وَنصف وَمن القربانية سَبْعَة أسْهم وبستان المردانية بِكَمَالِهِ وَذَلِكَ فِي سنة خمسين وسِتمِائَة هَذَا مَا وجدته مَكْتُوبًا وَلَعَلَّ فِي بعضه تصحيفا لعسر قِرَاءَة حُرُوفه من الْحجر الْمدرسَة المعظمية هِيَ بالصالحية بسفح قاسيون الغربي جوَار الْمدرسَة العزيزية وَقد درس بهَا مجد الدّين قَاضِي الطّور ثمَّ درس بهَا عشرَة بعده آخِرهم شرف الدّين الْأَذْرَعِيّ أَقُول وَلم يَتَيَسَّر لي الْآن معرفَة مَكَانهَا وَلَئِن عَرفته ألحقته هُنَا تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا الْملك الْمُعظم شرف الدّين عِيسَى ابْن الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب قَالَ الذَّهَبِيّ فِي العبر فِي حوادث سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة وَفِي هَذِه السّنة توفّي الْملك الْمُعظم صَاحب دمشق وَكَانَ مولده بِالْقَاهِرَةِ سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ أديبا فَقِيها على مَذْهَب النُّعْمَان بن ثَابت حفظ الْقُرْآن وبرع فِي الْفِقْه وَشرح الْجَامِع الْكَبِير فِي عدَّة مجلدات بإعانة غَيره ولازم الِاشْتِغَال زَمَانا وَسمع مُسْند الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل كُله وَله شعر كثير وَكَانَ عديم الِالْتِفَات إِلَى النواميس وأنفة الْمُلُوك ويركب وَحده مرَارًا ثمَّ يتلاحق بِهِ مماليكه بعده وَكَانَ فِيهِ خير وَشر كثير وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي تَارِيخه الْكَامِل فِي حوادث السّنة الْمَذْكُورَة توفّي الْمُعظم بِمَرَض الدوسنطاريا وَكَانَ ملكه لمدينة دمشق من حِين وَفَاة وَالِده الْملك الْعَادِل عشر

سِنِين وَخَمْسَة أشهر وَثَلَاثَة وَعشْرين يَوْمًا وَكَانَ عَالما بعدة عُلُوم فَاضلا مِنْهَا الْفِقْه على مَذْهَب أبي حنيفَة فانه كَانَ قد اشْتغل بِهِ كثيرا وَصَارَ من المتميزين فِيهِ وَمِنْهَا علم النَّحْو فانه اشْتغل بِهِ أَيْضا اشتغالا زَائِدا وَصَارَ بِهِ فَاضلا وَكَذَلِكَ اللُّغَة وَغَيرهَا وَكَانَ قد أَمر أَن يجمع لَهُ كتاب فِي اللُّغَة جَامع كَبِير فِيهِ كتاب الصِّحَاح للجوهري ويضاف إِلَيْهِ مَا فَاتَ الصِّحَاح من التَّهْذِيب للأزهري والجمهرة لِابْنِ دُرَيْد وَغَيرهمَا وَكَذَلِكَ أَيْضا أَمر بِأَن يرتب مُسْند الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل على الْأَبْوَاب وَيرد كل حَدِيث إِلَى الْبَاب الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَعْنَاهُ مِثَاله أَن يجمع أَحَادِيث الطَّهَارَة وَكَذَلِكَ يفعل فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا من الرَّقَائِق وَالتَّفْسِير والغزوات فَيكون كتابا جَامعا وَكَانَ قد سمع الْمسند من أَصْحَاب ابْن الْحصين ونفق الْعلم فِي سوقه وقصده الْعلمَاء من الْآفَاق فأكرمهم وأجرى عَلَيْهِم الجرايات الوافرة وقربهم وَكَانَ يجالسهم ويستفيد مِنْهُم ويفيدهم وَكَانَ يرجع إِلَى علم وصبر على سَماع مَا يكره لم يسمع أحد مِمَّن يَصْحَبهُ مِنْهُ كلمة سوء وَكَانَ حسن الِاعْتِقَاد يَقُول كثيرا إِن اعتقادي فِي الْأُصُول مَا سطره أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ ووصى عِنْد مَوته بِأَن يُكفن فِي الْبيَاض وَلَا يَجْعَل فِي أَكْفَانه ثوب فِيهِ ذهب وَأَن يدْفن فِي لحد وَلَا يبْنى عَلَيْهِ بِنَاء بل يكون قَبره فِي الصَّحرَاء تَحت السَّمَاء وَيَقُول فِي مَرضه لي عِنْد الله تَعَالَى فِي أَمر دمياط مَا أَرْجُو أَن يرحمني بِهِ وَلما توفّي ولي بعده أبنه دَاوُد ويلقب بِالْملكِ النَّاصِر وَكَانَ عمره عشْرين سنة وترجمه ابْن كثير بِنَحْوِ مَا ذكره ابْن الْأَثِير وَقَالَ كَانَ شجاعا عَاقِلا فَاضلا وَكَانَ محفوظه مفصل الزَّمَخْشَرِيّ وَكَانَ يصل من يحفظه بِثَلَاثِينَ دِينَارا وَقد جمع الله لَهُ بَين الشجَاعَة والسماحة والبراعة وَالْعلم ومحبة أَهله وترجمه الْأَسدي فِي تَارِيخه فَقَالَ تفقه الْملك الْمُعظم على الحصيري ولازم التَّاج الْكِنْدِيّ مُدَّة وَكَانَ ينزل إِلَى دَاره بدرب الْعَجم من القلعة وَالْكتاب تَحت إبطه فَيقْرَأ عَلَيْهِ كتاب سِيبَوَيْهٍ وَشَرحه للسيرافي وَأخذ عَنهُ الْحجَّة فِي الْقرَاءَات لأبي عَليّ الْفَارِسِي والحماسة وَغير ذَلِك من الْكتب المطولة وَحفظ الْإِيضَاح فِي النَّحْو والمسند وصنف فِي الْعرُوض وَله ديوَان شعر مَشْهُور وَكَانَ يحب كتاب سِيبَوَيْهٍ وطالعه مرَارًا وَكَانَ يحب الْفَضِيلَة جعل لمن يحفظ الْمفصل مائَة دِينَار وَلمن يحفظ الْجَامِع الْكَبِير مِائَتي دِينَار وَلمن يحفظ الْإِيضَاح ثَلَاثِينَ دِينَارا

المدرسة المعينية

سوى الْخلْع وَحج سنة إِحْدَى عشرَة وسِتمِائَة وجدد البرك والمصانع وَأحسن إِلَى الْحجَّاج قلت وبركة الْمُعظم فِي طَرِيق الْحجاز تنْسب إِلَيْهِ قَالَ وَبنى سور دمشق والطارمة الَّتِي على بَاب الْحَدِيد وَبنى بالقدس مدرسة وَبنى عِنْد قبر جَعْفَر الطيار مَسْجِدا قَالَ أَبُو المظفر ابْن الْجَوْزِيّ بنى بمعان دَار مضيف وحمامين وَكَانَ قد عزم على تسهيل طَرِيق الْحجاز وَأَن يَبْنِي فِي كل منزلَة مَكَانا وَكَانَ يتَكَلَّم مَعَ الْعلمَاء ويناظر ويبحث واعتد للجواسيس والقصاد فان الإفرنج كَانُوا على كتفه فَلذَلِك كَانَ يظلم ويعسف ويصادر وَخرب الْقُدس لعَجزه عَن حفظهَا من الإفرنج وَكَانَ يملك من الْعَريش إِلَى حمص والكرك قَالَ ابْن الْأَثِير وَكَانَ جنده ثَلَاثَة آلَاف فَارس وَمَعَ ذَلِك كَانَ يُقَاوم اخوته وَلما مَاتَ دفن بالقلعة ثمَّ أخرجه الْملك الْأَشْرَف لما قدم دمشق وَدَفنه مَعَ والدته بالقبة بِالْمَدْرَسَةِ المعظمية وفيهَا أَخُوهُ المغيث وترجمه ابْن خلكان بِنَحْوِ مَا تقدم وَقَالَ وَكَانَت لَهُ رَغْبَة فِي الْأَدَب وَسمعت أشعارا منسوبة إِلَيْهِ وَلم استثبتها وترجمه الْقَارِي فِي طَبَقَات الْحَنَفِيَّة وَذكر انه حفظ المَسْعُودِيّ وصنف كتابا سَمَّاهُ السهْم الْمُصِيب فِي الرَّد على الْخَطِيب وَهُوَ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْبَغْدَادِيّ فِيمَا تكلم بِهِ فِي حق أبي حنيفَة فِي تَارِيخ بَغْدَاد وَقد كَانَ أَمر الْفُقَهَاء أَن يجردوا لَهُ مَذْهَب أبي حنيفَة دون صَاحِبيهِ فجردوه فحفظه وَيُمكن أَن يكون لِسَان الْعَرَب هُوَ كتاب اللُّغَة الَّذِي أَمر بجمعه الْملك الْمُعظم الْمدرسَة المعينية هِيَ بِالطَّرِيقِ الْآخِذ إِلَى بَاب الْمدرسَة العصرونية الشَّافِعِيَّة بحصن الثقفيين قَالَه فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَغَيره أَقُول وَقد انمحت آثارها وَرَأَيْت فِي كتاب وقف فضل الله الْعمريّ مَا يدل على أَنَّهَا كَانَت مُقَابل بَاب الْفرج وتاريخ الْكتاب الْمَذْكُور سنة 732 وشاهدت بعيني آثَار مدرسة وَرَاء الحوانيت الْمُقَابلَة لباب الْفرج فَيمكن أَن تكون هِيَ

ترجمة بانيها

وَأَيَّام حَيَاتهَا درس بهَا رشيد الدّين الغزنوي ثمَّ بعده أحد عشر مدرسا آخِرهم نجم الدّين النعماني وحصن الثقفيين قد بَقِي جِدَاره الشَّرْقِي وَهُوَ فِي أول الطَّرِيق الَّذِي يمر شَرْقي الْمدرسَة العادلية الصُّغْرَى تَرْجَمَة بانيها أَنْشَأَهَا معِين الدّين أنر أتابك محب الدّين أَو مجير الدّين صَاحب دمشق فِي سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة قَالَ الذَّهَبِيّ فِي العبر الْأَمِير معِين الدّين بن عبد الله الطغتكيني مقدم عَسْكَر دمشق مُدبر الدولة كَانَ عَاقِلا سائسا مُدبرا حسن السياسة ظَاهر الشجَاعَة كثير الصَّدقَات وَله مدرسة بِالْبَلَدِ وَقَالَ فِي مُخْتَصر تَارِيخ الْإِسْلَام والأتابك ملك الْأُمَرَاء معِين الدّين أنر وَاقِف المعينية وبنته خاتون هِيَ واقفة الخاتونية وَضبط الذَّهَبِيّ أنر بِضَم الْهمزَة وَفتح النُّون وَبعدهَا رَاء وترجمه فِي الروضتين فَقَالَ مَا حَاصله قَالَ أَبُو يعلى التَّمِيمِي فصل معِين الدّين بعسكره من حوران وَوصل إِلَى دمشق لأمر أوجب ذَلِك ودعا إِلَيْهِ فأمعن فِي الْأكل فَلحقه عقيب ذَلِك انطلاق أودى بِهِ ثمَّ حمله اجْتِهَاده فِيمَا يدبره على الْعود إِلَى عسكره بحوران وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالة فضعفت قوته وأصابه مرض فِي الكبد فَعَاد إِلَى دمشق فِي محفة فَمَاتَ بهَا وَدفن فِي إيوَان الدَّار الأتابكية الَّتِي كَانَ يسكنهَا ثمَّ نقل بعد ذَلِك إِلَى الْمدرسَة الَّتِي عمرها قَالَ أَبُو شامة قلت قَبره فِي قبَّة بمقابر العونية شمَالي دَار الْبِطِّيخ الْآن واسْمه مَكْتُوب على بَابهَا فَلَعَلَّهُ نقل من ثمَّ إِلَيْهَا وَفِيه يَقُول مؤيد الدولة أُسَامَة ابْن منقذ لما لَقِي المترجم الإفرنج فِي أَرض بصرى وصرخد مَعَ نور الدّين (كل يَوْم فتح مُبين وَنصر ... واعتلاء على الأعادي وقهر) (صدق النَّعْت فِيك أَنَّك معِين الدّين ... أَن النعوت فال وزجر)

المدرسة الماردانية

(أَنْت سيف الْإِسْلَام حَقًا فَلَا كل ... غراريك أَيهَا السَّيِّد دهر) (لم تزل تضمر الْجِهَاد مسرا ... ثمَّ أعلنت حِين أمكن جهر) (كل ذخر الْمُلُوك يفنى وذخرا ك ... هما الباقيان أجر وشكر) وَقَالَ أَيْضا أَن أنر كَانَ مَمْلُوكا لطغتكين لكنه كَانَ الْحَاكِم وَالْمُدبر لدمشق والعسكر أَيَّام ولَايَته مجير الدّين آبق بن مُحَمَّد بن بوري بن طغتكين على دمشق وَكَانَ عَاقِلا دينا خيرا حسن السِّيرَة وَقَالَ أُسَامَة بن منقذ فِي كتاب الِاعْتِبَار أبلى الْأَمِير معِين الدّين فِي حَرْب الألمان لما أَتَوا دمشق بلَاء حسنا وَظهر من شجاعته وَصَبره وبسالته مَا لم يُشَاهد فِي غَيره الْمدرسَة الماردانية على حافة نهر ثورا لصيق الجسر الْأَبْيَض بالصالحية وَهِي مَعْرُوفَة مَشْهُورَة وَالَّذِي وجد من وَقفهَا سنة عشْرين وسِتمِائَة بكشف مُحَمَّد بن منجك الناصري بُسْتَان بجوار الجسر الْأَبْيَض وبستان آخر جوَار الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وَثَلَاثَة حوانيت بالجسر الْمَذْكُور والأحكار جوارها أَيْضا وَمن شَرط مدرسها أَلا يكون مدرسا بغَيْرهَا وَمِمَّنْ دفن بهَا أسنك بِالسِّين الْمُهْملَة وَالنُّون ابْن ازدمر مَاتَ سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة وَاشْترى أَخُوهُ الْأَمِير أسبك بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَقفا وَوَقفه على مقرئين يقرؤون على تربته وَاشْترى للمدرسة بسطا ودرس بهَا الصَّدْر الخلاصي ثمَّ درس بهَا نَحْو عشرَة آخِرهم تَاج الدّين المارداني ثمَّ رَأَيْت فِيمَا زَاده مَحْمُود بن مُحَمَّد الْعمريّ على مُخْتَصر العلموي أَن وقف الْمدرسَة الْآن أَعنِي فِي الْقرن الْحَادِي عشر بُسْتَان المحمديات الفوقاني وبستان المحمديات التحتاني وحكر أَرض من الجسر الْأَبْيَض وَأَرْض الجنائن الَّتِي بالجسر الْأَبْيَض الْمَعْلُوم ذَلِك من دفتر المحاسبة انْتهى تَرْجَمَة البانية أنشأتها عزيزة الدّين أخشا خاتون بنت الْملك قطب الدّين صَاحب ماردين زَوْجَة الْملك الْمُعظم سنة عشر وسِتمِائَة ووقفها كَانَ سبة أَربع وَعشْرين بعد الستمائة

المدرسة المقدمية الجوانية

وواقفة الْمَكَان لم تدفن فِيهِ لِأَنَّهَا رجعت بعد موت الْمُعظم إِلَى ماردين كَمَا قَالَه ابْن قَاضِي شُهْبَة وَقيل أَنَّهَا حجت واستمرت مُقِيمَة بِمَكَّة حَتَّى افْتَقَرت وَلم يبْق مَعهَا شَيْء من المَال وَصَارَت تَسْقِي المَاء فَمر بهَا من كَانَ يعرفهَا وَهِي بِدِمَشْق وَرَآهَا على هَذِه الْحَالة فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى دمشق أخبر من كَانَ مُتَوَلِّيًا على أوقافها ومصالحها فَجمع لَهَا شَيْئا من المَال ثمَّ أرْسلهُ إِلَيْهَا فَقَالَت أَي شَيْء هَذَا فَقَالُوا هَذَا من وقفك فَقَالَت الَّذِي خرجت عَنهُ لله لَا أَعُود فِيهِ وَقَالَت أعْطوا كل ذِي حق حَقه فرحمها الله رَحْمَة وَاسِعَة الْمدرسَة المقدمية الجوانية دَاخل بَاب الفراديس وَهُوَ الْبَاب الحديدي الَّذِي فِي محلّة الْعِمَارَة الْمُسَمَّاة قَدِيما بالقباقبية ومكانها مَعْرُوف وَهِي مَشْهُورَة لَكِن استولى عَلَيْهَا بَنو السفرجلاني فسكنوا الْبَيْت الَّذِي بهَا وتصرفوا بمسجدها وَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا ساحتها الواسعة وإيوان فِي الْجَانِب الشمالي للصَّلَاة وبركة مَاء وَاسِعَة قَالَ الصَّفَدِي فِي تحفة ذَوي الْأَلْبَاب فِي تَرْجَمَة وَاقِف المقدمية وَله الدَّار الْكَبِيرَة الَّتِي دَاخل بَاب الفراديس والى جَانبهَا الْمدرسَة المقدمية وَله تربة وَمَسْجِد وخان كل ذَلِك دَاخل الفراديس قَالَ العلموي قلت صَارَت الدَّار الْكَبِيرَة دورا مُتعَدِّدَة وَهِي الْمَعْرُوفَة الْآن ببوابة خوند الْآن ثمَّ تملك بَعْضهَا وتعطل الآخر وَقَالَ الْعَدوي الدِّمَشْقِي أَقُول ثمَّ فِي حُدُود سنة تسعين وَتِسْعمِائَة خرب غَالب الْمدرسَة الشَّيْخ أَحْمد بن الأكرم وَغير صِيغَة الْوَاقِف وَتصرف فِيهَا تصرف الْملاك فَلَمَّا فعل ذَلِك مَنعه قَاضِي الشَّام وَأرْسل نَائِبه مصطفى جلبي فكشف عَلَيْهَا وَمنع الْمُتَعَدِّي وَهدم مَا بناه وَأمر بإعادته كَمَا كَانَ فَلم يزل يكابر ويعمر مَا أحب وَأَرَادَ حَتَّى توفاه الله سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَلم يكمل الْعِمَارَة وَلم يفرح بهَا وَلم يهنأ وَإِنَّمَا تممها أَوْلَاده من بعده وَحكى الْقِصَّة النَّجْم الْغَزِّي فِي الْكَوَاكِب بِنَحْوِ هَذَا فانه قَالَ فِي تَرْجَمَة ابْن الأكرم هُوَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن الأكرم الْحَنَفِيّ كَانَ من الرؤساء

ترجمة واقفها

بِدِمَشْق وَكَانَ فِي زِيّ الْعلمَاء وَلم يكن فِي الْعلم بذلك ولي تدريس المقدمية الجوانية بِدِمَشْق وانتسب إِلَى واقفها وَعمر لَهُ فِيهَا سكنا فَأنْكر عَلَيْهِ ذَلِك قَاضِي الْقُضَاة منلا احْمَد الْكرْدِي الْأنْصَارِيّ وكشف عَلَيْهَا بِنَفسِهِ فَوَجَدَهُ قد غير فِيهَا وَبدل وَحصل لصَاحب التَّرْجَمَة مِنْهُ تَعْزِير ومشقة بِسَبَب ذَلِك ثمَّ إِن المترجم تزهد وتعمم بالصوف وربى شعر رَأسه وَسكن الْحُجْرَة الحلبية لصيق الْجَامِع الْأمَوِي إِلَى أَن توفّي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة انْتهى أَقُول ثمَّ دَار دورها إِلَى أَن تصرف بهَا وبأوقافها بَنو السفرجلاني واغتصبوها بِلَا مُنَازع وَلَا مدافع وَلم أدر بأية وَسِيلَة وصلوا إِلَيْهَا والدهر كشاف المخبآت وَالْوَقْف على هَذِه الْمدرسَة كل من قريتي المحمدية وجسرين بغوطة دمشق تَرْجَمَة واقفها هُوَ شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الْملك الْمَعْرُوف بِابْن الْمُقدم كَانَ من اكبر الْأُمَرَاء فِي دولة السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَله وقائع وأخبار ننشرها فِي الْقسم السياسي عِنْد الْكَلَام على الدولتين الصلاحية والنورية وَهُوَ الَّذِي سلم سنجار لنُور الدّين ثمَّ أمتلك بعلبك أَيَّام صَلَاح الدّين بِأَمْر مِنْهُ سنة أَربع وَسبعين وَخَمْسمِائة وَلم يمض على امتلاكه لَهَا مُدَّة حَتَّى طلبَهَا ثوران شاه من أَخِيه صَلَاح الدّين فَلم يُمكنهُ منع أَخِيه عَنْهَا فَأرْسل للمترجم يَأْمُرهُ بتسليمها فعصي بهَا وَلم يُسَلِّمهَا فَأرْسل إِلَيْهِ عسكرا وحاصره بهَا وَطَالَ الْحصار إِلَى أَن أجَاب المترجم لتسليمها على عوض فعوض عَنْهَا وتسلمها السُّلْطَان وأقطعها أَخَاهُ قَالَه صَاحب حماة فِي تَارِيخه وَلما توفّي السُّلْطَان نور الدّين وَقَامَ ابْنه الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بِالْملكِ بعده وعمره إِحْدَى عشرَة سنة وَحلف لَهُ الْعَسْكَر بِدِمَشْق وَأقَام بهَا وأطاعه صَلَاح الدّين بِمصْر وخطب لَهُ بهَا كَانَ المترجم هُوَ الْمُتَوَلِي لتدبير الْملك الصَّالح وتدبير دولته وَلما رأى صَلَاح الدّين وَهُوَ بِمصْر أَن الْملك الصَّالح طِفْل لَا يقدر على النهضة بأعباء الْملك وَلَا يسْتَقلّ بدفاع الْأَعْدَاء عَن الْبِلَاد تجهز لِلْخُرُوجِ إِلَى الشَّام وَكَاتب المترجم وَوصل الْبِلَاد مطالبا بِالْملكِ الصَّالح ليَكُون هُوَ الَّذِي يتَوَلَّى أمره ويربي حَاله فَيقوم لَهُ مَا اعوج من أمره فَأَجَابَهُ المترجم لذَلِك فوصل دمشق وَلم يشق عَلَيْهِ عصى ودخلها بِالتَّسْلِيمِ فِي سنة سبعين وَخَمْسمِائة وتسلم قلعتها ثمَّ آل أَمر المترجم إِلَى أَن مَاتَ قَتِيلا

المدرسة المقدمية البرانية

وَسَببه على مَا رَوَاهُ ابْن الْأَثِير فِي الْكَامِل أَنه لما فتح الْمُسلمُونَ الْبَيْت الْمُقَدّس أَيَّام صَلَاح الدّين وَكَانَ ابْن الْمُقدم مَعَ العساكر طلب من السُّلْطَان الاذن بِالْحَجِّ وَالْإِحْرَام من الْقُدس ليجمع بَين الْجِهَاد وَالْحج وزيارة سيدنَا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل وزيارة سيد الْمُرْسلين فَأذن لَهُ بذلك وَكَانَ قد اجْتمع فِي تِلْكَ السّنة فِي الشَّام من حجاجها وحجاج الْبِلَاد وَالْعراق والموصل والجزيرة وخلاط وبلاد الرّوم وَغَيرهَا خلق كثير فَجعل السُّلْطَان الْأَمِير عَلَيْهِم المترجم فَسَار بهم حَتَّى أوصلهم سَالِمين إِلَى عَرَفَات وَلما كَانَت عَشِيَّة عَرَفَة تجهز هُوَ وَأَصْحَابه ليسيروا من عَرَفَات فَأمر بِضَرْب كؤوساته الَّتِي هِيَ عَلامَة الرحيل فضربها أَصْحَابه فَسَمعَهَا أَمِير الْحَاج الْعِرَاقِيّ مجير الدّين طاشتكين فَنَهَاهُ عَن الْإِفَاضَة من عَرَفَات قبله وَأمره بِأَن يكف أَصْحَابه عَن ضرب الكؤوسات فَأرْسل إِلَيْهِ يَقُول أَنِّي لَيْسَ لي مَعَك تعلق أَنْت أَمِير الْحَاج الْعِرَاقِيّ وَأَنا أَمِير الْحَاج الشَّامي وكل منا يفعل مَا يرَاهُ ويختاره ثمَّ سَار وَلم يقف وَلم يسمع قَوْله فَلَمَّا رأى طاشتكين إصراره على مُخَالفَته ركب فِي أَصْحَابه وأجناده وَتَبعهُ من غوغاء الْحَاج الْعِرَاقِيّ وبطاطيهم وطماعتهم الْعَالم الْكثير والجم الْغَفِير وقصدوا الْحَاج الشَّامي مهولين عَلَيْهِم فَلَمَّا قربوا مِنْهُم خرج الْأَمر عَن الضَّبْط وعجزوا عَن تلافيه فهجم أهل الْعرَاق على الركب الشَّامي وَقتلُوا وفتكوا ونهبوا وَسبوا النِّسَاء إِلَّا أَنَّهُنَّ رددن بعد ذَلِك وجرح ابْن الْمُقدم عدَّة جروح وَكَانَ يكف أَصْحَابه عَن الْقِتَال وَلَو أذن لَهُم بِهِ لانتصفوا مِنْهُم وَزَادُوا وَلكنه راقب الله وَحُرْمَة الْمَكَان فَلَمَّا اثخن بالجراحات أَخذه طاشتكين إِلَى خيمته وأنزله عِنْده ليمرضه ويستدرك الفارط فِي حَقه وَسَارُوا تِلْكَ اللَّيْلَة من عَرَفَات فَلَمَّا كَانَ الْغَد مَاتَ بمنى وَدفن بمقبرة الْمُعَلَّى ورزق الشَّهَادَة وَذَلِكَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة فرحمه الله تَعَالَى الْمدرسَة المقدمية البرانية قَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب هِيَ تجاه الركنية بسفح قاسيون شَرْقي الصالحية انْتهى أَقُول اخبرني الثِّقَات أَن هُنَاكَ لم تُوجد مدرسة وَيُمكن أَن يكون الزَّمَان قد أخنى عَلَيْهَا فسلمها لأيدي المختلسين فجعلوها كأمثالها دورا للسُّكْنَى وَقد أنشأ هَذِه الْمدرسَة ابْن الْمُقدم الَّذِي مرت تَرْجَمته سَابِقًا ووقف عَلَيْهَا أزوارا بِأَرْض حماة مَعْرُوفَة

المدرسة المنجكية

ودرس بهَا نجم الدّين فَخر الدّين الْغَازِي ثمَّ تغلب عَلَيْهَا أَوْلَاد الْوَاقِف فتعطل الدَّرْس مُدَّة ثمَّ بعد ذَلِك درس بهَا الصفي البصروي ثمَّ بعده أَرْبَعَة آخِرهم فَخر الدّين بن الْوَلِيد ثمَّ سَارَتْ سيرا كَانَ آخِره مَا علمت من انطماس آثارها وانمحاق هِلَال النَّفْع بهَا وَلنَا مقدمية ثَالِثَة وَهِي تربة بمرج الدحداح تعرف بتربة ابْن الْمُقدم أَنْشَأَهَا ولد المترجم سَابِقًا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عبد الْملك وَدفن بهَا سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة قَالَ الْأَسدي كَانَ إِبْرَاهِيم شجاعا عَاقِلا ولي القلعة بماردين وعدة حصون وَله بهَا نواب فَمد عينه إِلَيْهَا الْملك الظَّاهِر غَازِي فَأَخذهَا وَبقيت لَهُ ماردين انْتهى الْمدرسَة المنجكية هِيَ المنجكية الْحَنَفِيَّة بالخلخال قبلي الصُّوفِيَّة إِلَى الغرب كَذَا فِي التَّنْبِيه ومختصره وَالْوَقْف عَلَيْهَا حمام منجك الْمَشْهُور والفرن إِلَى جَانِبه وَالرّبع فَوْقهمَا ودرس بهَا جمال الدّين ابْن القطب ثمَّ شرف الدّين الانطاكي ثمَّ وَلَده ثمَّ قوام الدّين العجمي أَقُول لم يبْق لهَذِهِ الْمدرسَة أثر يتَعَيَّن وَقد رَأَيْت فِي آخر مُخْتَصر العلموي مَا لَفظه أَن هَذِه الْمدرسَة اندرست وانخربت تِلْكَ البنايات المؤسسة وَصَارَ مَكَانهَا بستانا كَأَن الَّذِي خربها وحرثها أَخذ من الله ثمَّ من الدَّهْر أَمَانًا وَصَارَ وَقفهَا الْحمام والفرن والطباق على بلاعة البرش مَوْقُوفا ومنفقا عَلَيْهِم كالراتب لَهُم مصروفا (فَالله تَعَالَى غيور ... وَبِيَدِهِ مقاليد الْأُمُور) وَأما الخلخال فَهُوَ متنزه غربي مرجة دمشق وَكَانَ بِهِ سويقة وحوانيت وفرن وحمام وَكَانَ فِي الْأَزْمَان السالفة هُوَ والمنيبع مسكن الأتراك وَبِه تدق طبلخاناتهم وبالخلخال كَانَت زَاوِيَة الأدهمية والهنود تحف بهما النَّاس والأعيان وَفِيه يَقُول جمال الدّين ابْن نباتة

ترجمة واقفها

(يَا حبذا يومي بوادي جلق ... وفرجتي مَعَ الغزال الحالي) (من أول الْجَبْهَة قد قبلته ... مرتشفا لآخر الخلخالي) فارتشف حلاوة تِلْكَ التورية فان الْجَبْهَة والخلخال متنزهان بَين نهر بردى ونهري القنوات وبانياس واسمان لجبهة المحبوب وخلخاله على قَاعِدَة الزَّمن الْمَاضِي من أَن الغلمان كَانُوا يلبسُونَ الخلخال أَو أَنه أطلق الْحَال وَهُوَ الخلخال وَأَرَادَ الْمحل على طَريقَة الْمجَاز الْمُرْسل بعلاقة الحالية والمحلية وَقد تأتى لَهُ مَعَ حسن التورية الانسجام تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا الْأَمِير سيف الدّين منجك اليوسفي الناصري اصله من مماليك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون نَشأ مَمْلُوكا ثمَّ تنقلت بِهِ الْأَحْوَال إِلَى أَن صَار أَمِيرا بِمصْر ثمَّ ولي حجوبة الْحجاب بِدِمَشْق سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة فظل بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ توجه إِلَى مصر وَصَارَ مقدما وَولي الوزارة ثمَّ قبض عَلَيْهِ وسجن ثمَّ أطلق عِنْد زَوَال دولة النَّاصِر حسن بن مُحَمَّد بن قلاوون ثمَّ ولي نِيَابَة طرابلس سنة خمس وَخمسين ثمَّ صَار نَائِبا على حلب سنة سبع وَخمسين ثمَّ بصفد ثمَّ طلب إِلَى مصر فَأكْرم هُنَاكَ إِكْرَاما عَظِيما وَأطلق وَأقَام بالقدس فعمر بهَا خانقاه ومدرسة وَلما أظهرنائب الشَّام بيدمر الْعِصْيَان كَانَ المترجم مُتَوَلِّيًا قِتَاله فَقبض عَلَيْهِ سجنه ثمَّ أطلقهُ ثمَّ صَار نَائِبا فِي طرسوس سنة سِتّ وَسِتِّينَ ثمَّ نقل إِلَى طرابلس وَمِنْهَا إِلَى نِيَابَة دمشق عوضا عَن بيدمر بعد قتل يلبغا فاستمر بهَا سبع سِنِين ثمَّ طلب إِلَى مصر سنة خمس وَسبعين فولى نيابتها وَاسْتمرّ بهَا إِلَى أَن توفّي سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَدفن بتربته الَّتِي أَنْشَأَهَا بِالْقربِ من الْجَبَل وَقَالَ ابْن حجي عمر الْأَمِير منجك الْمدَارِس والخوانق والخانات وَأصْلح القناطر ومهد السبل والطرقات وَأقَام بالأماكن المخوفة الخفراء وَقَالَ العلموي كَانَ من الأكابر المعتبرين المعتمدين لَهُ ذكر قديم وَفضل جسيم ومآثر وصدقات وَكَانَ حسن الْمُلْتَقى خُصُوصا لأهل الْعلم وَقَالَ النعيمي جمعت فِي تَرْجَمته كراسة قلت وَلم أرها

شرف الدين الأنطاكي

شرف الدّين الْأَنْطَاكِي من مدرسي هَذِه الْمدرسَة شرف الدّين مَحْمُود الْأَنْطَاكِي الْحَنَفِيّ شيخ وقته فِي النَّحْو والتصريف اشْتغل عَلَيْهِ أَعْيَان الْبَلَد وتنبهوا وفضلوا جلس فِي أول الْأَمر لنفع النَّاس وَكَانَ يتَرَدَّد على الأكابر ويقرئهم بِالْأُجْرَةِ وَيشْهد وَيكْتب خطا حسنا وَلَا يزَال فَقِيرا يضْرب بِهِ الْمثل فِي الْفقر وازداد فقره بعد الْفِتْنَة إِلَى أَن كَانَ يلبس عدلا وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي النّظم والنثر والتكلم وَكلما ازْدَادَ فضلا ازْدَادَ تأخرا وَكَانَ رث الْهَيْئَة والملبس وَقل نَفعه فِي آخر عمره وَكَانَ فِي غَايَة الظّرْف لَهُ كَلِمَات مأثورة وتنديدات حَسَنَة توفّي سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة وَدفن بالصالحية الْمدرسَة الميطورية كَانَت بالجانب الشَّرْقِي من جبل الصالحية بَينهَا وَبَين القابون والميطور الشَّرْقِي فِي وَقفهَا ثمَّ هدمت واشتري بَدَلا عَنْهَا مَكَان أَمَام الْجَامِع المظفري بِالْقربِ من التربة الصارمية وَجعل مدرسة وَقد أقفرت الْمدرسَة أَيْضا وَبقيت الْآن خاوية على عروشها مثل غَيرهَا وَقَالَ الْأَسدي كَانَ الميطور مزرعة ليحيى بن أَحْمد بن يزِيد بن الحكم وَكَانَ لَهُ بِهِ روزنا يسكنهُ وَهُنَاكَ كَانَ مَوضِع الْمدرسَة الميطورية ثمَّ أَنَّهَا فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة هدمت وَأخذت أنقاضها وآلاتها وَحصل بِسَبَبِهَا تشنيع كثير على الْفُقَهَاء قَالَ النعيمي ثمَّ اشْترِي مَكَانهَا مَوضِع أَمَام بَاب الْجَامِع المظفري انْتهى قلت وَقد شاهدتها فَوَجَدتهَا خرابا يبابا وجدارها الشَّرْقِي بَاقٍ لكنه يُرِيد أَن ينْقض وبستان الميطور مَعْرُوف بِأَرْض الصالحية إِلَى يَوْمنَا هَذَا وواقفه الميطورية هِيَ السِّت فَاطِمَة خاتون بنت السلار سنة تسع وَعشْرين وسِتمِائَة والسلار كلمة فارسية مَعْنَاهَا قَائِد الْجَيْش ودرس بهَا حميد الدّين السَّمرقَنْدِي ثمَّ وَلَده مُحي الدّين ثمَّ مُحي الدّين بن عقبَة

المقصورة الحنفية

الْمَقْصُورَة الْحَنَفِيَّة كَانَت هَذِه الْمَقْصُورَة بالجانب الغربي من الْجَامِع الْأمَوِي وَكَانَ محراب الْحَنَفِيَّة فِيمَا سلف بَين بَاب الزِّيَادَة وَهَذِه الْمَقْصُورَة ثمَّ تَغَيَّرت وأوقف بهَا درسا القَاضِي فَخر الدّين كَاتب الممالك وَهُوَ مُحَمَّد بن فضل الله نَاظر الجيوشبمصر أَصله قبْطِي ثمَّ أسلم وأوقف أوقافا كَثِيرَة وَجعل جِهَات احسان وبر إِلَى أهل الْعلم واليه تنْسب الْمدرسَة الفخرية بالقدس توفّي سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة حرف النُّون الْمدرسَة النورية الْكُبْرَى موضعهَا كَانَ يُسمى بالخواصين وَهِي مَعْرُوفَة الْآن مَشْهُورَة فَلَا نطيل الْكَلَام على وصفهَا قَالَ النعيمي كَانَ موضعهَا قَدِيما دَارا لمعاوية بن أبي سُفْيَان وَكَانَت لمعاوية دَار ثَانِيَة بِبَاب الفراديس تَحت السَّقِيفَة يُقَال أَنَّهَا الدَّار الْمَعْرُوفَة الْآن بِابْن الْمُقدم انْتهى يَعْنِي الْمحلة الَّتِي بهَا الْمدرسَة المقدمية وَيُؤْخَذ من كَلَام الذَّهَبِيّ أَن دَار مُعَاوِيَة بالخواصين صَارَت لهشام وَفِي الْكَوَاكِب الدرية أَنَّهَا صَارَت بعده لِسُلَيْمَان بن عبد الْملك وَلم تزل تنْتَقل من يَد إِلَى يَد إِلَى أَن بنى بَعْضهَا الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل بن نور الدّين مَحْمُود بن زنكي الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة الْآن بالنورية بناها لأَصْحَاب الإِمَام أبي حنيفَة ثمَّ نقل وَالِده إِلَيْهَا فدفنه فِي قبر مَعْرُوف بِهِ بعد أَن كَانَ مدفنه فِي القلعة وَفِي الْمدرسَة يَقُول عرقلة الشَّاعِر الْمَشْهُور (ومدرسة سيدرس كل شَيْء ... وَتبقى فِي حمى علم ونسك) (تضوع ذكرهَا شرقا وغربا ... بِنور الدّين مَحْمُود بن زنكي) (يَقُول وَقَوله حق وَصدق ... بِغَيْر كِنَايَة وَبِغير شكّ) (دمشق فِي الْمَدَائِن بَيت ملكي ... وهذي فِي الْمدَارِس بَيت ملكي) أَقُول صُورَة مَا هُوَ مَكْتُوب على اسكفة بَابهَا بعد الْبَسْمَلَة أنشأ هَذِه الْمدرسَة الْمُبَارَكَة الْملك الْعَادِل الزَّاهِد نور الدّين أَبُو الْقَاسِم مَحْمُود بن زنكي ابْن آق سنقر ضاعف الله ثَوَابه ووقفها على أَصْحَاب الإِمَام سراج الْأمة أبي حنيفَة

ترجمة بانيها

رَضِي الله عَنهُ ووقف عَلَيْهَا وعَلى الْفُقَهَاء والمتفقهة بهَا جَمِيع الْحمام المستجد بسوق الْقَمْح والحمامين المستجدين بالوراقة ظَاهر بَاب السَّلامَة وَالدَّار الْمُجَاورَة لَهما والوراقة بعونية الْحمى وجسر الْوَزير وَالنّصف وَالرّبع من بُسْتَان الجوزة بالأرزة والإحدى وَالْعِشْرين حانوتا خَارج بَاب الْجَابِيَة والساحة الملاصقة لَهَا من الشرق والستة حقول بداريا على مَا نَص وَشرط فَكتب الْوَقْف رَغْبَة فِي الْآخِرَة وَالثَّوَاب وتقدمة بَين يَدَيْهِ يَوْم الْحساب {فَمن بدله بعد مَا سَمعه فَإِنَّمَا إثمه على الَّذين يبدلونه إِن الله سميع عليم} 2 / 181 وَذَلِكَ فِي مُدَّة آخرهَا شعْبَان سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وعَلى تِلْكَ الْمدرسَة الرونق والبهاء وَلَكِن بعض جِيرَانهَا اختلس بعض حجراتها وَهِي الْآن كَبَقِيَّة الْمدَارِس خَالِيَة من طلبة الْعُلُوم الحقيقيين فَلَعَلَّ الزَّمَان يساعدها فَتُصْبِح رَوْضَة زاهرة بِالْعلمِ وَأَهله فَأَنَّهَا تسْتَحقّ ذَلِك ودرس بهَا فِي أول أمرهَا بهاء الدّين ابْن العقاد ثمَّ ثَلَاثَة بعده ثمَّ وَليهَا جمال الدّين الحصيري ثمَّ وَلَده قوام الدّين ثمَّ أَخُوهُ نظام الدّين ثمَّ خَمْسَة آخِرهم شمس الدّين الصَّفَدِي تَرْجَمَة بانيها اخْتلف المؤرخون فِي تعْيين بانيها فَقَالَ فِي الروضتين بنى نور الدّين الْمدرسَة النورية لأَصْحَاب أبي حنيفَة بجوار الخواصين فِي الشَّارِع الغربي وَقَالَ ابْن شَدَّاد أَنْشَأَهَا الْملك نور الدّين قَالَ النعيمي وَفِيه نظر إِنَّمَا الَّذِي أَنْشَأَهَا الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل ابْن نور الدّين مَحْمُود بن زنكي فِي سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة انْتهى وَالَّذِي فِي العبر للذهبي أَن الَّذِي بناها نور الدّين ويلوح لي أَن بانيها الأول إِنَّمَا هُوَ نور الدّين وَلَعَلَّ وَلَده بنى التربة الَّتِي بهَا وتمم بعض مَا كَانَ نَاقِصا مِنْهَا فنسبت إِلَيْهِ وأيا مَا كَانَ فعلى روح منشئها الرَّحْمَة والرضوان الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل قَالَ تَاج الدّين شاهنشاه بن أَيُّوب فِي تَارِيخه فِي سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة

نور الدين

توفّي الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل ابْن نور الدّين مَحْمُود بن زنكي بن آقسنقر صَاحب حلب وعمره نَحْو تسع عشرَة سنة وَلما اشْتَدَّ بِهِ مرض القولنج وصف لَهُ الْأَطِبَّاء الْخمر فَمَاتَ وَلم يستعملها وَكَانَ حَلِيمًا عفيف الْيَد والفرج وَاللِّسَان ملازما لأمور الدّين لَا يعرف شَيْئا مِمَّا يتعاطاه الشَّبَاب وَأوصى بِملك حلب إِلَى ابْن عَمه عز الدّين مَسْعُود صَاحب الْموصل فَلَمَّا مَاتَ سَار مَسْعُود وَمُجاهد الدّين قيماز من الْموصل إِلَى حلب وَاسْتقر بملكها ثمَّ كَاتبه أَخُوهُ عماد الدّين زنكي بن مودود صَاحب سنجار فِي أَن يُعْطِيهِ حلب وَيَأْخُذ مِنْهُ سنجار فاشار عَلَيْهِ قيماز بذلك فَلم يُمكن مسعودا إِلَّا مُوَافَقَته فَأجَاب إِلَى ذَلِك فَسَار عماد الدّين إِلَى حلب وتسلمها وَسلم سنجار إِلَى أَخِيه مَسْعُود وَعَاد مَسْعُود إِلَى الْموصل نور الدّين قَالَ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخ دمشق مَحْمُود بن زنكي بن آق سنقر ابْن أبي سعيد قسيم الدولة الذكي الْملك الْعَادِل نور الدّين وناصر أَمِير الْمُؤمنِينَ كَانَ جده آق سنقر قد ولاه السُّلْطَان أَبُو الْفَتْح ملك شاه بن ألب أرسلان حلب وَولي غَيرهَا من بِلَاد الشَّام وَنَشَأ أَبوهُ قسيم الدولة بعده بالعراق وندبه السُّلْطَان مَحْمُود بن مُحَمَّد ابْن ملكشاه بن ألب أرسلان بِرَأْي الْخَلِيفَة المسترشد بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ لولاية ديار الْموصل والبلاد الشامية بعد قتل آقسنقر البرسفي وَمَوْت ابْنه مَسْعُود فظهرت كِفَايَته وَظَهَرت شهامته فِي مُقَابلَة الْعَدو وثبوته عِنْد ظُهُور متملك الرّوم ونزوله على شيزر حَتَّى رَجَعَ إِلَى بِلَاده خائبا وحاصر أَبوهُ قسيم الدولة دمشق مرَّتَيْنِ فَلم يَتَيَسَّر لَهُ فتحهَا وَفتح الرها والمعرة وَكفر طَابَ وَغَيرهَا من الْحُصُون الشامية واستنقذها من أَيدي الْكفَّار فَلَمَّا انْقَضى اجله قَامَ ابْنه نور الدّين مقَامه فِي ولَايَة الْإِسْلَام ومولده على مَا ذكر لي كَاتبه أَبُو الْيُسْر شَاكر بن عبد الله التنوخي المعري وَقت طُلُوع الشَّمْس من يَوْم الْأَحَد سَابِع عشر شَوَّال سنة إِحْدَى عشرَة وَخَمْسمِائة وَلما راهق لزم خدمَة وَالِده إِلَى أَن انْتَهَت مدَّته لَيْلَة الْأَحَد السَّادِس من شهر ربيع الآخر سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة على قلعة جعر وَكَانَ محاصرا لَهَا وَنقل تابوته إِلَى مشْهد الرقة فَدفن بهَا وسير صبحة الْأَحَد الْملك ألب أرسلان ابْن السُّلْطَان مَحْمُود بن مُحَمَّد إِلَى الْموصل مَعَ

جمَاعَة من أكَابِر دولة أَبِيه وَقَالَ لَهُم أَن وصل أخي سيف الدّين غَازِي إِلَى الْموصل فَهِيَ لَهُ وَأَنْتُم فِي خدمته وان تأخرنا أقرر أُمُور الشَّام وأتوجه إِلَيْكُم ثمَّ قصد حلب وَدخل قلعتها المحروسة على أسعد طَائِر وأيمن بركَة يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع ربيع الآخر ورتب فِي القلعة وَالْمَدينَة النواب وأنعم على الْأُمَرَاء وخلع عَلَيْهِم وَكَانَ بعض الْأُمَرَاء قد عمل على أَخذ الرها وَحصل فِي الْبَلَد فَوجه إِلَيْهِ أُمَرَاء دولته حَتَّى استنقذها مِنْهُ وَخرج هَارِبا مِنْهَا وَلما استتب لَهُ الْأَمر ظهر مِنْهُ بذل الِاجْتِهَاد فِي الْقيام بِأَمْر الْجِهَاد والقمع لأهل الْكفْر والعناد وَالْقِيَام بمصالح الْعباد وَخرج غازيا فِي أَعمال ناشر فَافْتتحَ حصونا كَثِيرَة وافتتح قلعة عليم وقلعة عزاز وتل ناشر ودلوك ومرعش وقلعة عينتاب ونهر الْجَوْز وَغير ذَلِك وحصن البارة وقلعة الدلوندان وقلعة تل خَالِد وحصن كفرلانا وحصن سرنوب بجبل بني فامية وغزا حصن أنب فقصده الابرقس متملك أبطاله وَكَانَ من أبطال الْعَدو وشياطينهم فَرَحل عَنْهَا ولقيهم دونهَا فَكَسرهُ وَقَتله وَثَلَاثَة آلَاف إفرنجي مَعَه وَبَقِي ابْنه صَغِيرا مَعَ أمه بإنطاكية وَتَزَوَّجت بابرنس آخر فَخرج نور الدّين فِي بعض غَزَوَاته فَأسر الابرنس الثَّانِي وتملك إنطاكية وَوَقع فِي أسره ابْن الابرنس الأول فِي نوبَة حارم وَبَاعه نَفسه بِمَال عَظِيم أنفقهُ فِي الْجِهَاد وَأظْهر بحلب السّنة حَتَّى أَقَامَ شَعَائِر الدّين وَغير الْبِدْعَة الَّتِي كَانَت لَهُم فِي الْأَذَان وقمع بهَا الرافضة المبتدعة وَنشر بهَا مَذَاهِب أهل السّنة الْأَرْبَعَة وَأسْقط عَنْهُم جَمِيع الْمُؤَن ومنعهم من النشوب فِي الْفِتَن وَبنى بهَا الْمدَارِس ووقف الْأَوْقَاف وَأظْهر بهَا الْعدْل والإنصاف وَقد كَانَ صَالح الْمعِين الَّذِي كَانَ بدمشقوصاهره وَاجْتمعت كلمتهما على الْعَدو وَلما وازره وحاصر دمشق مرَّتَيْنِ فَلم يَتَيَسَّر لَهُ فتحهَا ثمَّ قَصدهَا الثَّالِثَة فتم لَهُ صلحها وَسلم إِلَيْهِ أَهلهَا الْبَلَد لغلاء الأسعار وَالْخَوْف من استعلاء كلمة الْكفَّار فضبط أمورها وَحسن سورها وَبنى بهَا الْمدَارِس والمساجد وأفاض على أَهلهَا الْفَوَائِد وَأصْلح طرقها ووسع أسواقها وأدر الله على رَعيته ببركته أرزاقها وَبَطل مِنْهَا الْإِنْزَال وَدفع عَن أَهلهَا الأثقال وَمنع مَا كَانَ يَوْمئِذٍ مِنْهُم من المغارم كدار الْبِطِّيخ وسوق البقل وَضَمان النَّهر والكيالة وسوق الْغنم وَغير

ذَلِك من الْمَظَالِم وَأمر بترك مَا كَانَ يُؤْخَذ على الْخمر من المكس وَنهى عَن شربهَا وعاقب عَلَيْهِ بِإِقَامَة الْحَد وَالْحَبْس واستنقذ من الْعَدو ثغر بانياس وَغَيره من المعاقل المنيعة كالمنيطرة وَغَيرهَا بعد الاياس وَبَلغنِي أَنه فِي الْحَرْب رابط الجأش ثَابت الْقدَم شَدِيد الانكماش حسن الرَّمْي بِالسِّهَامِ صَلِيب الضَّرْب عِنْد ضيق الْمقَام يقدم أَصْحَابه عِنْد الكرة ويحمي منهزمهم عِنْد الفرة ويتعرض بِجهْدِهِ للشَّهَادَة لما يَرْجُو بهَا من كَمَال السَّعَادَة وَلَقَد حكى عَنهُ من خدمه مُدَّة ووازرة على فعل الْخيرَات انه سَمعه يسْأَل الله تَعَالَى أَن يحشره من بطُون السبَاع وحواصل الطير وَلَقَد أحسن إِلَى الْعلمَاء وَأكْرمهمْ وَقرب المتدينين واحترمهم وتوخى الْعدْل فِي الْأَحْكَام والقضايا وألان كتفه واظهر رأفته بالرعية وَبنى فِي أَكثر مَمْلَكَته دور الْعدْل وأحضر لَهَا الْقُضَاة وَالْفُقَهَاء للفصل وحضرها بِنَفسِهِ فِي أَكثر الْأَوْقَات واستمع من المتظلمين الدَّعَاوَى والبينات طلبا للإنصاف والفصل وحرصا على إِقَامَة الْعدْل وأدر على الضُّعَفَاء والأيتام الصَّدقَات وتعهد ذَوي الْحَاجة من أولي التعفف بالصلات حَتَّى وقف وقوفا على المرضى والمجانين وَأقَام لَهُم الْأَطِبَّاء والمعالجين وَكَذَلِكَ على جمَاعَة العميان ومعلمي الْخط وَالْقُرْآن وعَلى سَاكِني الْحَرَمَيْنِ ومجاوري المسجدين وَأكْرم أَمِير الْمَدِينَة الْحُسَيْن وَأحسن إِلَيْهِ وأجرى عَلَيْهِ الضِّيَافَة لما قدم عَلَيْهِ وجهز مَعَه عسكرا لحفظ الْمَدِينَة وَقَامَ لَهُم بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من المؤونة واقطع أَمِير مَكَّة إقطاعا سنيا وَأعْطى كلا مِنْهُمَا مَا يَأْكُلهُ هنيا مريا وَرفع عَن الْحجَّاج مَا كَانَ يُؤْخَذ مِنْهُم من المكس وأقطع أُمَرَاء الْعَرَب الإقطاعات لِئَلَّا يتَعَرَّضُوا للحجاج بالنخس وَأمر بإكمال سور الْمَدِينَة واستخراج الْعين الَّتِي بِأحد وَكَانَت قد دفنتها السُّيُول ودعي لَهُ بالحرمين واشتهر صيته فِي الْخَافِقين وَعمر الرَّبْط والخانقاهات والبيمارستانات وَبنى الجسور فِي الطّرق والخانات وَنصب جمَاعَة من المعلمين لتعليم يتامى الْمُسلمين وأجرى الأرزاق على معلميهم بِقدر مَا يكفيهم وَكَذَلِكَ صنع لما ملك سنجار وحران والرها والرقة ومنبج وشيزر وحماة وحمص وبعلبك وصرخد وتدمر فَمَا من بلد إِلَّا وَله فِيهِ حسن أثر وَمَا من أَهلهَا أحد إِلَّا نظر لَهُ أحسن نظر

وَحصل الْكثير من كتب الْعُلُوم ووقفها على طلابها وَأقَام عَلَيْهَا الْحفظَة من أَهلهَا وأربابها وجدد كثيرا من قني السَّبِيل وَهدى بِجهْدِهِ إِلَى سَوَاء السَّبِيل وأجهد نَفسه فِي جِهَاد أَعدَاء الله وَبَالغ فِي حربهم وَتحصل فِي أسره جمَاعَة من أُمَرَاء الإفرنج كجوسلين وَابْنه وَابْن القنس وقومس اطرابلس وَجَمَاعَة من حزبهم وَكَانَ متملك الرّوم قد خرج من قسطنطينية وَتوجه إِلَى الشَّام طامعا فِي تسلم إنطاكية فَشَغلهُ عَن مرامه الَّذِي رامه بالمراسلة إِلَى أَن وصل أَخُوهُ قطب الدّين فِي جنده من المواصلة وَجمع لَهُ الجيوش والعساكر وَأنْفق فيهم الْأَمْوَال والذخائر فأيس الرُّومِي من بُلُوغ مَا كَانَ يَرْجُو وَتمنى مِنْهُ الْمُصَالحَة عساه ينجو فاستقر رُجُوعه إِلَى بِلَاده ذَاهِبًا فَرجع من حَيْثُ جَاءَ خائبا وَلم يقتل بِالشَّام مَعَ كَثْرَة عسكره مَقْتَله وَلم يرع فِيهَا من زرع خَادِم أَو أَمِير سنبله وَحمل إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين من التحف مَا حمل وَلم يبلغ وضل مَا عمل وغزا مَعَه أَخُوهُ قطب الدّين فِي عَسْكَر الْموصل وَغَيرهم من الْمُجَاهدين فَكسر الإفرنج وَالروم والأرمن على حارم وأذاقهم كؤوس الْمنية بالأسنة والصوارم فأبادهم حَتَّى لم يفلت مِنْهُم غير الشَّديد الذاهل وَكَانَت عدتهمْ ثَلَاثِينَ ألفا بَين فَارس وراجل ثمَّ نزل على قلعة حارم فافتتحها ثَانِيَة وحواها وَأخذ أَكثر قرى إنطاكية وسبى أَهلهَا وَكَانَ قبل ذَلِك قد كسرهم بِقرب بانياس وَقتل جمَاعَة من أبطالهم وَأسر كثيرا من فرسانهم وَقد كَانَ شاور السَّعْدِيّ أَمِير جيوش مصر فوصل إِلَى جَانِبه مستجيرا لما عاين الذعر فَأحْسن جواره واكرمه وَأظْهر بره واحترمه وَبعث مَعَه جَيْشًا كثيفا ليَرُدهُ إِلَى دَرَجَته فَقتلُوا خَصمه وَلم يَقع مِنْهُ الْوَفَاء بِمَا قرر من جِهَته فاستجاش جَيش الْعَدو طلبا للبقاء فِي السمو ثمَّ وَجه إِلَيْهِ بعد ذَلِك جَيْشًا آخر فأصر على الْمُسَابقَة لَهُ واستنجد بالعدو فانجدوه وَضمن لَهُم الْأَمْوَال الخطيرة حَتَّى عاضدوه وانكفا جَيش الْمُسلمين إِلَى الشَّام رَاجعا وَحدث متملك الإفرنج نَفسه بِملك مصر طامعا فَتوجه إِلَيْهَا بعد عَاميْنِ رَاغِبًا فِي انتهاز الفرصة فاخذ بلبيس وخيم من مصر بالعرصة فَلَمَّا بلغه ذَلِك تدخل جهده فِي تَوْجِيه الْجَيْش إِلَيْهَا وَخَافَ من تسلط عَدو الدّين عَلَيْهَا فَلَمَّا سمع الْعَدو بتوجه جَيْشه رجعُوا خائبين واصبح أَصْحَابه بِمصْر لمن عاندهم غَالِبين وأمل أهل أَعمالهَا بِحُصُول جَيْشه عِنْدهم وَزَالَ عَنْهُم مَا كَانُوا قد خَشوا واطلع من شاور على المخامرة وَأَنه قد راسل الْعَدو طَمَعا مِنْهُ فِي المظافرة وَأرْسل

إِلَيْهِم ليردهم ليدفع جَيش الْمُسلمين بجيشهم فَلَمَّا خيف من شَره ومكره لما عرف من غدره وختره واتضح الْأَمر فِي ذَلِك واستبان تمارض الْأسد ليقتنص الثعلبان فَجْأَة قَاصِدا لعيادته جَارِيا فِي خدمته على عَادَته فَوَثَبَ جرديك وبرحش موليا نور الدّين فقتلا شاورا وأراحا الْبِلَاد والعباد من شَره وَأما شاور فانه أول من تولى الْقَبْض عَلَيْهِ وَمد يَده الْكَرِيمَة إِلَيْهِ بالمكروه وصفي الْأَمر لأسد الدّين وَملك وخلعت عَلَيْهِ الْخلْع وَحل وَاسْتولى أَصْحَابه على الْبِلَاد وَجَرت أُمُوره على السداد وَظَهَرت مِنْهُ حميد السِّيرَة وَحسن الْآثَار وَسَيعْلَمُ الْكَافِر لمن عُقبى الدَّار وَظَهَرت كلمة أهل السّنة بالديار المصرية وخطب فِيهَا للدولة العباسية بعد الْيَأْس وأراح الله من بهَا من الْفِتْنَة وَرفع عَنْهُم المحنة وَمَعَ مَا ذكرت من هَذِه المناقب كلهَا وشرحت من دقها وجلها فانه كَانَ رَحمَه الله حسن الْخط والبنان متأتيا لمعْرِفَة الْعُلُوم بالفهم وَالْبَيَان كثير المطالعة مائلا إِلَى نقل الْكتب مواظبا وحريصا على تَحْصِيل كتب الصِّحَاح وَالسّنَن مُشْتَريا لَهَا بأوفر الاعواض وَالثمن كثير المطالعة للعلوم الدِّينِيَّة مُتبعا للآثار النَّبَوِيَّة مواظبا على الصَّلَوَات فِي الْجَمَاعَات مراعيا لأدائها فِي الْأَوْقَات مُؤديا لفروضها ومسنوناتها مُعظما لَهَا فِي جَمِيع حالاتها عاكفا على تِلَاوَة الْقُرْآن على الْأَيَّام حَرِيصًا على فعل الْخَيْر من الصَّدَقَة وَالصِّيَام كثير الدُّعَاء وَالتَّسْبِيح رَاغِبًا فِي صَلَاة التَّرَاوِيح عفيف الْبَطن والفرج مقتصدا فِي الْإِنْفَاق والخرج متحريا فِي المطاعم والمشارب والملابس متبرئا من التباهي والتمادي والتنافس عريا عَن التكبر والتجبر بَرِيئًا من التطير مَعَ مَا جمع الله لَهُ من الْعقل المتين والرأي الصَّوَاب الرصين والإقتداء بسيرة السّلف الماضين والتشبه بالعلماء وَالصَّالِحِينَ والاقتفاء لسيرة من سلف مِنْهُم فِي خير سمتهم والأتباع لَهُم فِي حفظ حَالهم ووقتهم حَتَّى روى حَدِيث الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واسمعه وَكَانَ قد استجيز لَهُ مِمَّن سَمعه وَجمعه حرصا مِنْهُ على الْخَيْر فِي نشر السّنة والتحديث ورجاء أَن يكون مِمَّن حفظ على الْأمة أَرْبَعِينَ حَدِيثا لما جَاءَ فِي الحَدِيث فَمن رَآهُ شَاهد من جلال السلطنة وهيبة الْملك مَا يبهره فَإِذا فاوضه رأى من لطافته وتواضعه مَا يحيره وَقد حكى عَنهُ من صَحبه فِي سَفَره وحضره أَنه لم يسمع مِنْهُ كلمة فحش فِي رِضَاهُ وَلَا فِي ضجره وَأَن أشهى مَا يكون إِلَيْهِ كلمة حق يسْمعهَا أَو إرشاد إِلَى سنة يتبعهَا يحب الصَّالِحين ويؤاخيهم ويزور مساكنهم لحسن ظَنّه

فيهم فَإِذا احْتَلَمَ مماليكه أعتقهم وَزوج ذكرانهم بإناثهم ورزقهم وَمَتى تَكَرَّرت الشكاية إِلَيْهِ من أحد ولاته أَمر بالكف من أَذَى من تكلم بشكاية فَمن لم يرجع مِنْهُم إِلَى الْعدْل قابله بِإِسْقَاط الْمرتبَة والعزل وَقد جمع الله لَهُ من شرِيف الْخِصَال مَا ييسر لَهُ جَمِيع مَا يَقْصِدهُ من الْأَعْمَال وَسَهل على يَدَيْهِ فتح الْحُصُون والقلاع وَمكن لَهُ فِي الْبلدَانِ وَالْبِقَاع حَتَّى ملك حصن شيزر وقلعة دوسر وهما من أحصن المعاقل والحصون واحتوى على مَا فيهمَا من الذخر المصون من غير سفك محجمة من دم عَلَيْهِمَا وَلَا قتل أحد من الْمُسلمين بسببهما وَأكْثر مَا أَخذه من الْبلدَانِ تسلمه من أَهله بالأمان ووفى لَهُم بالعهود والأيمان فأوصلهم إِلَى مأمنهم من الْمَكَان وَإِذا اسْتشْهد أحد من أجناده حفظه فِي أَهله وَأَوْلَاده وأجرى عَلَيْهِم الجرايات وَولى من كَانَ أَهلا مِنْهُم للولايات وَكلما فتح الله عَلَيْهِ فتحا وزاده ولَايَة أسقط عَن رَعيته قسطا وَزَادَهُمْ رِعَايَة حَتَّى ارْتَفَعت عَنْهُم الظلامات والمكوس واتضعت فِي جَمِيع ممالكه الغرامات والنحوس وَدرت على رعاياه الأرزاق ونفقت عِنْدهم الْأَسْوَاق وَحصل بَينهم بِيَمِينِهِ الِاتِّفَاق وَزَالَ ببركته العناء والشقاق فان فتكت شرذمة من الملاعين فَأَنَّهَا لما علمت مِنْهُ من الرأفة واللين وَلَو خلط لَهُم شدته بلينه لخاف سطوته الْأسد فِي عرينه فَالله يحقن بِهِ الدِّمَاء ويسكن بِهِ الدهماء ثمَّ قَالَ ابْن عَسَاكِر بعد أَن دَعَا الله لَهُ ومناقبه خطيرة وممادحه كَثِيرَة ذكرت مِنْهَا غيضا من فيض وقليلا من كثير وَقد مدحه جمَاعَة من الشُّعَرَاء فاكثروا وان لم يبلغُوا وصف آلائه بل قصروا وَهُوَ قَلِيل الابتهاج بالشعر زِيَادَة فِي تواضعه لعلو الْقدر انْتهى مَا قَالَه الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر بِحَذْف بعض جمل يسيرَة وَقد حكى فِي خطْبَة تَارِيخه انه جمع مِنْهُ أَولا شَيْئا كثيرا ثمَّ تَركه فَأقبل النَّاس يشوقونه على الْإِتْمَام إِلَى أَن وصل خَبره إِلَى نور الدّين فيحنئذ اهتم بإكماله وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَارِيخه ولي الشَّام سِنِين وجاهد الثغور وانتزع من الصليبيين نيفا وَخمسين مَدِينَة وحصنا وَبنى بيمارستانا بِالشَّام وَعَاهد صَاحب طرابلس بعد أَن قبض عَلَيْهِ على أَن يُطلقهُ بِشَرْط أَن يدْفع ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار وَخَمْسمِائة حصان وَخَمْسمِائة زردية وَمثلهَا أتراس وَمثلهَا قنطاريات وَخَمْسمِائة أَسِير مُسلم

وَبِأَن لَا يُغير على بِلَاد الْمُسلمين سبع سِنِين وَسَبْعَة اشهر وَأخذ بَنَاته رهنا على الْوَفَاء مَعَ بعض أَوْلَاد الإفرنج وبطارقتهم وان نكث أراق دِمَاءَهُمْ وعزم على فتح بَيت الْمُقَدّس فَتوفي وَقَالَ الفيلسوف عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ كَانَ نور الدّين يَأْكُل من عمل يَده ينسج تَارَة وَيعْمل عُلَبًا تَارَة ثَانِيَة ويلبس الصُّوف ويلازم السجادة والمصحف وَكَانَ حنفيا ويراعي مذهبي الشَّافِعِي وَمَالك وَقَالَ ابْن الْأَثِير كَانَ نور الدّين كثير اللّعب بالكرة فَكتب إِلَيْهِ رجل يَدعِي الصّلاح يُنكر عَلَيْهِ وَيَقُول تتعب الْخَيل فِي غير فَائِدَة فَكتب إِلَيْهِ بِخَطِّهِ وَالله مَا أقصد اللّعب وَإِنَّمَا نَحن فِي تَعب فَرُبمَا وَقع الصَّوْت فَتكون الْخَيل قد أمنت اهـ قلت وَلم يخل وَقت من اعْتِرَاض بعض من يَدعِي الصّلاح على مَا لَا يعرفونه وَلَا يعنيهم بل يعترضون على الذّرة ويبتلعون الْجَبَل وَمِمَّا يسطر فِي تَارِيخ نور الدّين مَعَ الْفَخر مَا ذكره ابْن الْأَثِير انه كَانَ يَوْمًا يلْعَب فِي ميدان دمشق فَجَاءَهُ رجل وَطَلَبه إِلَى الشَّرْع فجَاء مَعَه إِلَى مجْلِس الشَّرِيعَة وَكَانَ بِهِ القَاضِي مجد الدّين الشهرزوري فَأرْسل إِلَيْهِ السُّلْطَان حَاجِبه يَقُول للْقَاضِي لَا تنزعج واسلك مَعَه مَا تسلكه مَعَ آحَاد النَّاس فَلَمَّا حضر سوى بَينه وَبَين خَصمه فتحاكما فَلم يثبت للرجل عَلَيْهِ حق وَكَانَ يَدعِي ملكا فِي يَد نور الدّين فَلَمَّا فرغت المحاكمة قَالَ هَل ثَبت لَهُ حق قَالُوا لَا قَالَ فَاشْهَدُوا عَليّ أَنِّي قد وهبت لَهُ مَا ادّعى بِهِ وَإِنَّمَا حضرت مَعَه لِئَلَّا يُقَال عني أَنِّي دعيت إِلَى الشَّرْع فأبيت وَدخل بَيته يَوْمًا فَرَأى مَالا كثيرا فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا لَهُ بعث بِهِ القَاضِي كَمَال الدّين من فائض الْأَوْقَاف فَقَالَ ردُّوهُ وَقُولُوا لَهُ أَن رقبتي رقيقَة لَا أقدر على حمله غَدا وَأَنت رقبتك غَلِيظَة تقدر على حمله وَلما قدم أمراؤه دمشق اقتنوا الْأَمْوَال واستطالوا على النَّاس وَكَانَ أعظمهم استطالة شيركوه فَبنى السُّلْطَان دَار الْعدْل وَكَانَ يحضرها فِي الْأُسْبُوع أَربع مَرَّات ويحضر مَعَه الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء وَيَأْمُر بِإِزَالَة الْحجاب والبوابين فانتصف أمراؤه من أنفسهم خوفًا من دَار الْعدْل وَالسُّلْطَان وَلما وَقع ملك الإفرنج فِي أسره أطلقهُ على ثَلَاثمِائَة ألف وَبنى بهَا البيمارستان الْمَشْهُور فِي دمشق وَجعله على كَافَّة النَّاس من غَنِي وفقير وَبنى بهَا أَيْضا الْمدرسَة النورية وَدَار الحَدِيث الْمَار ذكرهَا

قَالَ ابْن وَاصل كَانَ السُّلْطَان من أقوى النَّاس بدنا وَقَلْبًا وانه لم ير على ظهر فرس أَشد مِنْهُ كَأَنَّمَا خلق عَلَيْهِ فَلَا يَتَحَرَّك وَكَانَ إِذا حضر الْقِتَال أَخذ قوسين وتركاشين وباشر الْقِتَال بِنَفسِهِ وَكَانَ يَقُول طالما تعرضت للشَّهَادَة فَلم أدْركهَا قَالَ الذَّهَبِيّ قلت وَقد أدْركهَا على فرَاشه وَبَقِي ذَلِك فِي أَفْوَاه النَّاس تراهم يَقُولُونَ نور الدّين الشَّهِيد وَمَا شَهَادَته إِلَّا بالخوانيق قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ كَانَ السُّلْطَان يخيط الكوافي وَيعْمل السكاكر ويعطيها للعجائز فتبيعها لَهُ سرا وَكَانَ يَوْم يَصُوم يفْطر على أثمانها قَالَ ابْن كثير وَكَانَ يجلس يَوْم الثُّلَاثَاء بِالْمَسْجِدِ الْمُعَلق الَّذِي بالكشك ليصل إِلَيْهِ كل أحد من الْمُسلمين وَأهل الذِّمَّة وَقد عمد إِلَى الْأَوْقَاف الَّتِي لَا يعرف واقفها وَلَا تعرف شروطهم فِيهَا فأضافها إِلَى أوقاف الْجَامِع وَجعلهَا قَلما وَاحِدًا سَمَّاهُ قلم الْمصَالح ورتب مِنْهُ مُرَتبا لِذَوي الْحَاجَات من الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والأرامل والأيتام وَمَا أشبه ذَلِك قَالَ الصّلاح الكتبي فِي تَارِيخه كَانَ نور الدّين يحلف بِاللَّه أَن جَمِيع مَا بناه من الْمدَارِس والأوقاف والربط وَغَيره إِنَّمَا هُوَ من مَال المفاداة يَوْم قارم وَلَيْسَ فِيهَا من بَيت المَال الدِّرْهَم الْفَرد هَذَا مَا قصدناه من تَرْجَمَة نور الدّين وَمن أَرَادَ الزِّيَادَة فَعَلَيهِ بالبرق الشَّامي وَغَيره من مؤلفات الْعِمَاد الْكَاتِب وبالروضتين لأبي شامة والدر الثمين وَالْكَوَاكِب الدرية للأسدي ويجدر بِي الْآن أَن أذكر حِكَايَة قد تداولتها السن النَّاس فزادوا بهَا وَأَكْثرُوا وغيروا وبدلوا وَكَثِيرًا مَا كنت أسمعها من وَالِدي مُغيرَة مبدلة وأدأب فِي التنقيب عَنْهَا حَتَّى ظَفرت بهَا فِي كتاب تحفة الْأَنَام للبصروي فنقلتها كَمَا رَأَيْتهَا والعهدة على الرَّاوِي قَالَ أَن السُّلْطَان نور الدّين رأى لَيْلَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنَامه يَقُول لَهُ يَا مَحْمُود أَلِي من هذَيْن وَأَشَارَ إِلَى اثْنَيْنِ فِي زِيّ الْعَجم فَاسْتَيْقَظَ من مَنَامه فَزعًا مَرْعُوبًا ثمَّ تَكَرَّرت الرُّؤْيَا ثَلَاثًا فتحركت همته للسَّفر فأحضر الهجن وركبها مَعَ فرقة قَليلَة من الْعَسْكَر وَسَار مسرعا حَتَّى وافى الْمَدِينَة واظهر أَنه يُرِيد الزِّيَارَة فزار الْمَسْجِد وَجلسَ لَا يدْرِي مَاذَا يصنع فَقَالَ لَهُ وزيره أتعرف الشخصين إِذا

المدرسة النورية الصغرى

رايتهما قَالَ نعم فَطلب النَّاس للصدقة وَفرق عَلَيْهِم الذَّهَب وَالْفِضَّة ثمَّ قَالَ لَا يتَخَلَّف أحد من أهل الْمَدِينَة فجاؤوا كلهم وَقَالُوا لَهُ لم يبْق إِلَّا رجلَانِ مجاوران من أهل الأندلس نازلان فِي النَّاحِيَة الَّتِي تلِي قبلي الْحُجْرَة خَارج رَأس عمر بن الْخطاب الَّتِي تعرف الْيَوْم بدار الْعشْرَة فطلبهم اللصدقة فامتنعا وَقَالا نَحن على كِفَايَة مَا نقبل شَيْئا فجد فِي طلبهما فجيء بهما فَلَمَّا رآهما عرفهما وَقَالَ للوزير هَذَانِ هما فَسَأَلَهُمَا عَن حَالهمَا وَمَا جَاءَ بهما فَقَالَا لمجاورة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اصدقاني وتكرر السُّؤَال حَتَّى أفْضى الْحَال إِلَى معاقبتهما فَأقر أَنَّهُمَا من النَّصَارَى وأنهما أَتَيَا لكَي ينقلا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَذِه الْحُجْرَة الشَّرِيفَة بالِاتِّفَاقِ مَعَ ملوكهما ووجدهما قد نقبا نقبا تَحت الأَرْض من تَحت حَائِط الْمَسْجِد القبلي وهما واصلان إِلَى جِهَة الْحُجْرَة وَقد جعلا التُّرَاب فِي بِئْر عِنْدهمَا فِي الْبَيْت الَّذِي هما فِيهِ فَضرب عنقيهما عِنْد الشباك الَّذِي فِي حجرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَارج الْمَسْجِد ثمَّ احرقهما بالنَّار آخر النَّهَار ثمَّ ركب مُتَوَجها إِلَى الشَّام فصاح من كَانَ نازلا نَازل خَارج السُّور واستغاثوا وطلبوا أَن يَبْنِي لَهُم سورا يحفظ أَبْنَاءَهُم ومواشيهم فَأمر بِبِنَاء هَذَا السُّور المجدد الْيَوْم فَبنِي سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة وَكتب اسْمه على بَاب البقيع فَهُوَ بَاقٍ إِلَى الْيَوْم هَذَا مَا قَالَه البصروي فِي تحفته وَالله أعلم الْمدرسَة النورية الصُّغْرَى هِيَ بِجَامِع قلعة دمشق كَذَا فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَقَالَ العلموي هِيَ تجاه قلعة دمشق بناها السُّلْطَان نور الدّين الْمُتَقَدّم درس بهَا بهاء الدّين بن عَيَّاش ثمَّ بعده تِسْعَة انفس آخِرهم عماد الدّين الطرسوسي أَقُول أيا مَا كَانَت فَلم أر لمكانها أثرا فان كَانَت فِي جَامع القلعة فلعلها كَانَت حَلقَة أَو هِيَ مقَام الصَّحَابِيّ الْجَلِيل أبي الدَّرْدَاء وان كَانَت تجاه القلعة فإمَّا أَن يَعْنِي بهَا مدرسة دَار الحَدِيث النورية الْمُتَقَدّم ذكرهَا وَأما أَن تكون أدخلت فِي الْجَامِع الْمُسَمّى الْآن بسيدي خَلِيل لِأَن بناءه يدل على أَنه مدرسة وَأما أَن تكون أَيدي الزَّمَان تلاعبت بهَا كَمَا تلاعبت بغَيْرهَا فجعلتها دَارا أَو دكانا أَو غير ذَلِك وَالله أعلم

حرف الياء

حرف الْيَاء الْمدرسَة اليغمورية قَالَ فِي تَنْبِيه الطَّالِب هِيَ بالصالحية للحنفية وَلم أَقف على تَرْجَمَة بانيها وَلَكِن قَالَ فِي العبر فِي حوادث سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وسِتمِائَة جمال الدّين ين يغمور البارومي ولد بالصعيد سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ من أَعْيَان الْأُمَرَاء ولي نِيَابَة مصر ونيابة دمشق قَالَ ابْن كثير دخل ابْن يغمور دمشق من جِهَة الْملك الصَّالح أَيُّوب فَنزل دَاخل بَاب الْجَابِيَة وَأمر النَّائِب بتخريب الدكانين المحدثة فِي وسط بَاب الْبَرِيد وَأمر أَن لَا يبْقى فِيهِ دكانين سوى مَا فِي جانبيه إِلَى جَانب الحائطين القبلي والشمالي وَأَن يهدم مَا فِي وسط الطَّرِيق فهدم اهـ قَالَ الْعَدوي فِيمَا كتبه زِيَادَة على العلموي اليغمورية هِيَ بالسكة غربي الصالحية بِالْقربِ من خَان السَّبِيل من جِهَة الغرب بقبلة وَقَالَ ابْن كثير أَيْضا وَفِي السّنة الْمَذْكُورَة أرسل الصَّالح أَيُّوب إِلَى نَائِبه ابْن يغمور بِدِمَشْق أَن يخرب دَار أُسَامَة المنسوبة إِلَى النَّاصِر وَأَن يَأْتِي بستانا بالقابون وَهُوَ بُسْتَان الْقصر فَيقطع أشجاره ويهدم الْقصر وَرَأَيْت فِي زيادات الْعَدوي أَن الْمدرسَة اليغمورية تشْتَمل على حرم بشباكين مطلين على نهر يزِيد وَبَاب يفتح إِلَى الشمَال قدامه ثَلَاث قناطير وبشرقها أيونان لطيفان وبئر مَاء ينْتَفع النَّاس بِهِ أَيَّام انْقِطَاع النَّهر وشمالي هَذِه القناطر الطَّرِيق السالك وَكَانَت لم تزل مغلوقة إِلَى أَن سكن الشَّيْخ مُحَمَّد بن رَمَضَان الْحَنَفِيّ تِلْكَ الْمحلة فَفَتحهَا ودرس بهَا انْتهى أَقُول أما الْآن فقد اندرست آثارها وَلم يبْق من أطلالها إِلَّا حِجَارَة ضخمة فِي أساس أبنية بنيت على أنقاضها قَالَ لَهَا المختلسون كوني دورا فَكَانَت وَأما خَان السَّبِيل فَلم يزل مَوْجُودا إِلَى الْآن فسبحان الدَّائِم الْبَاقِي وَهَذَا آخر الْكَلَام على مدارس الْحَنَفِيَّة

من الهمزة إلى الراء مهمل

الْبَاب الْخَامِس فِي مدارس الْمَالِكِيَّة من الْهمزَة إِلَى الرَّاء مهمل حرف الزَّاي الزاوية هِيَ ملاصقة للمقصورة الْحَنَفِيَّة فِي الْجَامِع الغربي من الْجَامِع الْأمَوِي والمقاصير قد تَغَيَّرت والأوضاع تلاشت وَقد جَاءَ زمن غير ذَلِك الزَّمن فَلَا حَاجَة إِلَى كَثْرَة التنقيب عَن أَمْثَال هَذِه الْمَوَاضِع بعد مَا احْتَرَقَ الْجَامِع مرار واعتراه الْهدم والحريق أَيَّام تيمورلنك وَغَيره واقفها أوقفها السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب الْمَشْهُور ودرس بهَا جمال الدّين ابْن الْحَاجِب وَجَمَاعَة كَثِيرُونَ ابْن الْحَاجِب هُوَ أَبُو عَمْرو بن عمر بن أبي بكر بن يُونُس الرولي ثمَّ الْمصْرِيّ قَالَ ابْن كثير فِي تَارِيخه فِي حوادث سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة كَانَ أَبوهُ حاجبا للأمير عز الدّين موسك الصلاحي وَكَانَ كرديا واشتغل هُوَ بِالْعلمِ وَقَرَأَ الْقُرْآن وحرر النَّحْو تحريرا بليغا وتفقه وساد أهل عصره وَكَانَ رَأْسا فِي عُلُوم كَثِيرَة مِنْهَا الْأُصُول وَالْفُرُوع والعربية والنحو والتصريف وَالْعرُوض وَالتَّفْسِير وَغير ذَلِك وَكَانَ قد استوطن دمشق سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة ودرس بهَا للمالكية فِي الْجَامِع حَتَّى كَانَ خُرُوجه صُحْبَة الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ فَسَار إِلَى الديار المصرية فَتوفي بالإسكندرية وَدفن بالمقبرة الَّتِي بَين المنارة والبلد

حرف الشين

قَالَ أَبُو شامة وَكَانَ من أذكى الْأمة قريحة ثِقَة حجَّة متواضعا عفيفا كثير الْحيَاء منصفا محبا للْعلم وَأَهله ناشرا لَهُ مُحْتملا للأذى صبورا على الْبلوى وَله مُخْتَصر فِي فقه مَالك من أحسن المختصرات ومختصر فِي أُصُوله استوعب فِيهِ عَامَّة فَوَائِد الْأَحْكَام لسيف الدّين الْآمِدِيّ وَله الْأَمَانِي فِي الحَدِيث وَفِي النَّحْو وَله شرح الْمفصل للزمخشري والمقدمة الْمَشْهُورَة فِي النَّحْو اختصر فِيهَا الْمفصل وَشَرحه وَله الشَّافِعِيَّة وَشَرحهَا وقصيدة فِي الْعرُوض على وزن الشاطبية وَقَالَ ابْن خلكان فِي تَارِيخه كَانَ ابْن الْحَاجِب مالكيا وأتقن عُلُوم الْقُرْآن غَايَة الإتقان وَلما درس بِجَامِع دمشق فِي زَاوِيَة الْمَالِكِيَّة أكب الْخلق على الِاشْتِغَال عَلَيْهِ وَالْتزم لَهُم الدُّرُوس وتبحر فِي الْفُنُون وَكَانَ الْأَغْلَب علم الْعَرَبيَّة قَالَ وكل تصانيفه فِي غَايَة الْحسن والإفادة وَخَالف النُّحَاة فِي مَوَاضِع وَأورد عَلَيْهِم اشكالات والزامات تبعد الْإِجَابَة عَنْهَا وَكَانَ من أحسن خلق الله ذهنا ثمَّ عَاد إِلَى الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا وَالنَّاس ملازمون للاشتغال عَلَيْهِ ثمَّ انْتقل للإسكندرية للإقامة بهَا فَلم تطل مدَّته هُنَاكَ وَتُوفِّي بهَا سنة سِتّ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَكَانَ مولده فِي آخر سنة سبعين وَخَمْسمِائة بأسنا وَهِي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة بليدَة صَغِيرَة من أَعمال القوصية بالصعيد الْأَعْلَى من مصر حرف الشين من الزَّاي إِلَى الشين مهمل الْمدرسَة الشرابيشية عرف النعيمي مَكَانهَا بِأَنَّهَا بدرب الشعارين لصيق حمام صَالح شمَالي الطيوريين دَاخل بَاب الْجَابِيَة أَنْشَأَهَا شهَاب الدّين ابْن نور الدولة بن محَاسِن الشرابيشي التَّاجِر السفار سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة درس بهَا تَاج الدّين الزواوي ثمَّ صدر الدّين الْبَارِزِيّ قَالَ البرزالي وَفِي السّنة الْمَذْكُورَة توفّي أَحْمد ابْن نور الدولة الْمَذْكُور وَدفن بِالْمَكَانِ الَّذِي أوقفهُ وَالِده خَارج الْبَاب الصَّغِير قبالة جَامع جراح

حرف الصاد

حرف الصَّاد الْمدرسَة الصلاحية أَنْشَأَهَا السُّلْطَان صَلَاح الدّين بِالْقربِ من البيمارستان النوري وسماها ابْن قَاضِي شُهْبَة بالنورية وَهِي الْيَوْم دور ومساكن وبابها يظْهر ف جدارها الجنوبي لكنه خَفِي ولسوف يَزُول ودرس بهَا أَيَّام حَيَاتهَا جمال الدّين الْمَعْرُوف بِحِمَار الْمَالِكِيَّة ثمَّ الْعَلامَة ابْن الْحَاجِب ثمَّ زين الدّين الزواوي ثمَّ جمال الدّين الزواوي الْمدرسَة الصمصامية بمحلة حجر الذَّهَب شَرْقي دَار الْقُرْآن الوجيهية وقبلي المسروية الشَّافِعِيَّة وشمالي الخاتونية العصمية الْحَنَفِيَّة قَالَ العلموي وَهِي الَّتِي وضع يَده عَلَيْهَا سِنَان الرُّومِي نَاظر البيمارستان فِي حُدُود ثَمَانِي وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة والآن لَا يعرف مَكَان الصمصامية وَقَالَ المحبي فِي تَارِيخه فِي تَرْجَمَة احْمَد بن سِنَان صَاحب التَّارِيخ الْمَشْهُور بالقرماني قدم أَبوهُ سِنَان إِلَى دمشق وَولي نظارة البيمارستان ونظارة الْجَامِع الْأمَوِي وانتقد عَلَيْهِ أَنه بَاعَ بسطا للجامع الْأمَوِي وحصرا وانه خرب مدرسة الْمَالِكِيَّة بِالْقربِ من البيمارستان النوري وتعرف بالصمصامية وَحصل بِهِ الضَّرَر فِي مدرسة النورية ببعلبك فَقتل بِسَبَب هَذِه الْأُمُور هُوَ وناظر السليمية حُسَيْن فِي يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر شَوَّال سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة جَمِيعًا مَعًا بدار السَّعَادَة بشاشيهما وعمامتهما على رأسهما انْتهى فَقَوْل العلموي سنة ثَمَانِي وَسِتِّينَ سَهْو أَو غلط من النَّاسِخ وَأما حجر الذَّهَب فَهُوَ اسْم لمحلة بِالْقربِ من البيمارستان النوري كَمَا فِي المحبي ووقف درسا عَلَيْهَا الصاحب شمس الدّين غبريال سنة سبع عشرَة وَسَبْعمائة وَتُوفِّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَلم يذكر النعيمي وَلَا العلموي اسْم بانيها قلت والوجيهية والمسرورية والخاتونية ووالصمصامية صَارَت دورا وانمحت آثارها فالتطويل فِي تراجمها لَا يجدي نفعا وَهَذَا آخر الْكَلَام على مدارس الْمَالِكِيَّة

حرف الجيم وما قبله مهمل

الْبَاب السَّادِس فِي مدارس الْحَنَابِلَة حرف الْجِيم وَمَا قبله مهمل الْمدرسَة الجوزية هِيَ بالبزورية الْمُسَمّى قَدِيما بسوق الْقَمْح وَقد اختلس جِيرَانهَا معظمها وَبَقِي مِنْهَا الى الْآن بَقِيَّة ثمَّ صَارَت محكمَة الى سنة سبع وَعشْرين وثلاثمائة بعد الْألف وَهِي الْآن مقفلة لَا نَدْرِي مَا يصنع بهَا الزَّمَان فِيمَا بعد ودرس بهَا ابْن المنجا وَالْجمال المرداوي وَابْن قَاضِي الْجَبَل والبرهان ابْن مُفْلِح وَغَيرهم قَرَأت كِتَابَة على حجر مَوْضُوع فِي أُسْكُفَّة احدى حجراتها فَإِذا فِيهِ فرغ من عمل هَذِه الْمدرسَة الْمُبَارَكَة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة تقبل الله من منشئها الصاحب مُحي الدّين رَحمَه الله تَعَالَى تَرْجَمَة واقفها يُوسُف بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبيد الله بن عبد الله الْجَوْزِيّ الْقرشِي الْبكْرِيّ الْبَغْدَادِيّ الْفَقِيه الأصولي الْوَاعِظ الشَّهِيد قَرَأَ بالروايات واشتغل بالفقه وَالْخلاف وَالْأُصُول وبرع فِي ذَلِك وَكَانَ أمهر من أَبِيه فِيهِ وَأَبوهُ ابْن الْجَوْزِيّ الْمَشْهُور وَوعظ فِي صغره على قَاعِدَة أَبِيه وَعلا امْرَهْ وَعظم شَأْنه وَولي الولايات الجليلة قَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ إِمَامًا كَبِيرا وصدرا مُعظما عَارِفًا بِالْمذهبِ كثير الْمَحْفُوظ ذَا سمت ووقار درس وَأفْتى وصنف وَأما رياسته وعقله فمنقولان بالتواتر حَتَّى أَن الْملك الْكَامِل مَعَ عظم سُلْطَانه قَالَ كل أحد يعوز زِيَادَة عقل إِلَّا مُحي الدّين ابْن الْجَوْزِيّ فَإِنَّهُ يعوز نقص عقل وَله تصانيف مِنْهَا معادن الإبريز فِي تَفْسِير الْكتاب الْعَزِيز وَمِنْهَا الْمَذْهَب الأحمد فِي مَذْهَب أَحْمد قَالَ برهَان الدّين بن مُفْلِح فِي الْمَقْصد الأرشد وَلما دخل هولاكو ملك التتار الى بَغْدَاد فَقتل الْخَلِيفَة المستعصم وغالب أَوْلَاده وَقتل مَعَه أَعْيَان الدولة والأمراء

حادثة بغداد

وَشَيخ الشُّيُوخ وَقتل المترجم وَأَوْلَاده الثَّلَاثَة وَذَلِكَ فِي صفر سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة بِظَاهِر سور كلواذا وَقَالَ ابْن كثير كَانَ المترجم أَنْجَب أَوْلَاد الْحَافِظ ابْن الْجَوْزِيّ وأصغرهم وعظ بعد أَبِيه واشتغل وحرر وأتقن وساد أقرانه وباشر حسبَة بَغْدَاد وَكَانَ رَسُول الْخَلِيفَة الى الْمُلُوك بأطراف الْبِلَاد ولاسيما الى بني أَيُّوب بِالشَّام فَحصل مِنْهُم من الْأَمْوَال والكرامات مَا ابتنى مِنْهَا الْمدرسَة الجوزية الَّتِي بِدِمَشْق ثمَّ صَار أستاذ دَار الْخَلِيفَة المستعصم سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة وَاسْتمرّ مباشرها الى أَن قتل مَعَ الْخَلِيفَة وَله نظم حسن ومدرسته الَّتِي فِي دمشق من أحسن الْمدَارِس وَقد احترقت فِي سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة على مَا ذكره ابْن قَاضِي شُهْبَة ثمَّ أعَاد عمارتها القَاضِي شمس الدّين النابلسي وَبهَا أعادة وَقِرَاءَة حَدِيث وإمامة وَالَّذِي علم من وَقفهَا نصف دير أبي عصرون قَرْيَة عِنْد الْقصير وفدانان بقرية بَالا وَأَرْض بقرية يلدا وترجمه الْحَافِظ ابْن رَجَب وَأطَال فِي مدحه بِالْعلمِ وَالْفضل وَأورد شَيْئا من أشعاره فِي الْغَزل وَقَالَ ولي تدريس المستنصرية وَذكر من مؤلفاته زِيَادَة عَمَّا تقدم كتاب الايضاح فِي الجدل حَادِثَة بَغْدَاد هِيَ الْحَادِثَة الفظيعة وَإِن كَانَ محلهَا الْقسم السياسي فإننا نذكرها هُنَا مختصرة حَسْبَمَا رَوَاهَا عبد الرَّحِيم بن شقدة فِي مُخْتَصر شذرات الذَّهَب لتعلقها بترجمة ابْن الْجَوْزِيّ ونترك بسطها وإيضاحها الى محلهَا فَنَقُول أَن الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه آخر الْخُلَفَاء بالعراق كَانَ قد استوزر ابْن العلقمي وَكَانَ على مَا ذكره المؤرخون رَافِضِيًّا وَفِي أَيَّامه أهينت الرافضة بالنهب وضياع الْحُقُوق فحقد ابْن العلقمي لذَلِك وأضمر فِي نَفسه أَن يُبدل الْخلَافَة العباسية بخلافة علوِيَّة فَجعل يُرْسل أَخَاهُ ومملوكه الى هولاكو ويشوقه الى امتلاك بَغْدَاد على أَن يكون نَائِبا لَهُ عَلَيْهَا فَفطن لذَلِك لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل فَأخذ يهيء للتتار الإقامات والمقابلة ويراسل الْخَلِيفَة سرا فَكَانَ ابْن العلقمي يخفي المكاتبات وَلَا يطلع الْخَلِيفَة عَلَيْهَا وعَلى فرض اطِّلَاعه عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يجدي نفعا لقلَّة رَأْيه وتغفله ورد جَمِيع أُمُوره الى وزيره وَلما نجحت حِيلَة ابْن العلقمي بعث ولد مُحي الدّين ابْن الْخَوَارِزْمِيّ رَسُولا الى هولاكو يعده بالأموال والغنائم

الجمال المرداوي

فَركب فِي مِائَتي ألف من التتار والكرج ومدد من صَاحب الْموصل مَعَ وَالِده الصَّالح اسماعيل فَخرج ركن الدّين الدوادار وتقابلا فَكَانَت الكسرة للعساكر البغدادية وَنزل جَيش هولاكو فِي شَرْقي بَغْدَاد فاضطرب الْخَلِيفَة لذَلِك وَاسْتَشَارَ ابْن العلقمي فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يُرْسِلهُ إِلَيْهِم لتقرير الصُّلْح فَخرج وتوثق لنَفسِهِ وَرجع فَقَالَ إِن الْملك قد رغب فِي أَن يُزَوّج ابْنَته بابنك الْأَمِير أبي بكر وَأَن تكون الطَّاعَة لَهُ كَمَا كَانَ أجدادك مَعَ الْمُلُوك السلجوقية ثمَّ يترحل فراجت المكيدة على المستعصم وَخرج فِي أَعْيَان الدولة ثمَّ استدعى الْوَزير الْعلمَاء والرؤساء ليحضروا العقد فَخَرجُوا فَضربت رِقَاب الْجَمِيع وَصَارَ كلما خرجت طَائِفَة تضرب أَعْنَاقهم حَتَّى بقيت الرّعية بِلَا رَاع فَلَمَّا خلا الجو للتتار دخلُوا بَغْدَاد وبذلوا السَّيْف فِي أَهلهَا فاستمر الْقَتْل والسبي نَحْو أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلم يسلم إِلَّا من اختفى فِي بِئْر أَو قناة وَقتل الْخَلِيفَة رفسا وَيُقَال أَن هولاكو أَمر بعد الْقَتْلَى فَبلغ عَددهمْ ألف ألف وَثَمَانمِائَة ألف وَزِيَادَة وَبعد هَذِه المقتلة نُودي بالأمان وَقَالَ سبط التعاويذي فِي بعض مراثي بَغْدَاد (بادت وأهلوها مَعًا فبيوتهم ... بِبَقَاء مَوْلَانَا الْوَزير خراب) وَمَا ينفع النّدب بعد فقد الْمَيِّت والعويل بعد الخراب والدمار وَلما فرغ هولاكو من فنَاء أهل بَغْدَاد أَقَامَ نوابا على الْعرَاق وَكَانَ ابْن العلقمي حسن لَهُم أَن يجْعَلُوا خَليفَة علويا فَلم يوافقوه واطرحوه وعاملوه مُعَاملَة بعض الغلمان إِلَى أَن مَاتَ حزنا وأسفا وَتلك عَاقِبَة الْخِيَانَة ثمَّ أَن هولاكو أرسل الى النَّاصِر كتابا يتهدده فِيهِ وَيَقُول لَهُ أجب ملك البسيطة وَلَا تقولن قلاعي المانعات ورجالي المقاتلات وَجَرت أُمُور طَوِيلَة نستوفيها فِي الْقسم السياسي من هَذَا الْكتاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْجمال المرداوي من مدرسي الجوزية يُوسُف بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مَحْمُود المرداوي قَالَ فِي الْمَقْصد الأرشد كَانَ إِمَامًا عَالما عَلامَة صَالحا خَاشِعًا اشْتغل بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْه والعلوم وباشر وَظِيفَة قَضَاء الْحَنَابِلَة بِالشَّام سبع عشرَة سنة قَالَ الذَّهَبِيّ فِي المعجم الْمُخْتَص هُوَ الإِمَام الْمُفْتِي الْمصَالح إِمَام فِي الْمَذْهَب

ابن قاضي الجبل

وَله اعتناء بِالْمَتْنِ والإسناد وَقَالَ ابْن حجي كَانَ عفيفا ورعا صَالحا ناسكا خَاشِعًا ذَا سمت ووقار وَلم يُغير ملبسه وهيئته يركب الْحمار ويفصل الحكومات بِسُكُون وَلَا يحابي أحدا وَلَا يحضر مَعَ من النَّائِب يَعْنِي الْوَالِي إِلَّا يَوْم دَار الْعدْل وَأما فِي الْعِيد والمحمل فَلَا يركب وَكَانَ مَعَ ذَلِك عَارِفًا بِالْمذهبِ لم يكن فِي الْحَنَابِلَة فِي وقته مثله مَعَ فهم وَكَلَام جيد فِي النّظر والبحث ومشاركة فِي اصول وعربية وَجمع كتابا فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام حسنا سَمَّاهُ الِانْتِصَار وبوبه على أَبْوَاب الْمقنع توفّي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَحكى فِي مُخْتَصر الشذرات أَن لَهُ كتابا سَمَّاهُ الْوَاضِح الْجَلِيّ فِي نقض حكم ابْن قَاضِي الْجَبَل الْحَنْبَلِيّ وَذَلِكَ أَنه اخْتَار جَوَاز بيع الْوَقْف لمصْلحَة وَحكم بِهِ وترجمه ابْن حبيب فِي تَارِيخه فَقَالَ هُوَ عَالم علمه زَاهِر وبرهان على الدّين ورعه ظَاهر وَإِمَام تتبع طرائقه وتغتنم ساعاته ودقائقه الى أَن قَالَ صنف وناظر وَأفَاد وَكَانَ ذَا حَظّ من زهد وتعفف مَعَ صِيَانة وورع وَدين متين ابْن قَاضِي الْجَبَل من مدرسي الجوزية أَيْضا أَحْمد بن الْحسن بن عبد الله بن أبي عمر مُحَمَّد بن أَحْمد ابْن قدامَة قَالَ الْبُرْهَان ابْن مُفْلِح فِي الْمَقْصد الأرشد هُوَ الشَّيْخ الْعَلامَة جمال الْإِسْلَام صدر الْأَئِمَّة الْأَعْلَام شيخ الْحَنَابِلَة الْمَقْدِسِي الأَصْل ثمَّ الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بِابْن قَاضِي الْجَبَل كَانَ مولده على مَا كتب بِخَطِّهِ يَوْم الِاثْنَيْنِ تَاسِع شعْبَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين وسِتمِائَة كَانَ من أهل البراعة والفهم متفننا عَالما بِالْحَدِيثِ وَعلله والنحو واللغة والأصلين والمنطق وَكَانَ لَهُ فِي الْفُرُوع الْقدَم العالي قَرَأَ على الشَّيْخ تَقِيّ الدّين شيخ الاسلام أَحْمد بن تَيْمِية عدَّة مصنفات فِي عُلُوم شَتَّى مِنْهَا المحصل للرازي وَأذن لَهُ الشَّيْخ بالإفتاء وَهُوَ شَاب ودرس بعدة مدارس فِي مصر وَالشَّام وَصَارَ رَئِيسا على أقرانه انْتهى مُلَخصا وَقَالَ ابْن كثير ولي الْقَضَاء وَلم تحمد مُبَاشَرَته ولافرح بِهِ صديقه بل شمت بِهِ عدوه وباشر الْقَضَاء دون الْأَرْبَع سِنِين إِلَى أَن مَاتَ وَهُوَ قَاض وَقَالَ ابْن مُفْلِح كَانَ عِنْده مداراة وَحب للتعصب وَذكره الذَّهَبِيّ فِي مُعْجَمه فَقَالَ فِيهِ هُوَ مفتي الْفرق سيف المناظرين وَبَالغ ابْن رَافع وَابْن حبيب فِي مدحه وَكَانَ فِيهِ مزح وانكاء فِي الْبَحْث وَمن إنشاده وَهُوَ فِي الْقَاهِرَة

شمس الدين النابلسي

(الصالحية جنَّة ... والصالحون بهَا أَقَامُوا) (فعلى الديار وَأَهْلهَا ... مني التَّحِيَّة وَالسَّلَام) وَله أَيْضا (نبيي أَحْمد وَكَذَا إمامي ... وشيخي أَحْمد كالبحر طامي) (واسمي احْمَد وبذاك أَرْجُو ... شَفَاعَة سيد الرُّسُل الْكِرَام) وَكَانَ يَقُول احفظ عشْرين ألف بَيت من الشّعْر وَله اختيارات فِي مَذْهَب أَحْمد وَألف كتابا فِيهِ سَمَّاهُ الْفَائِق وَشرح الْمُنْتَقى للمجد ابْن تَيْمِية وَلم يتمه وَألف كتابا فِي الْأُصُول لم يتمه أَيْضا توفّي بمنزله بالصالحية رَابِع عشر رَجَب سنة إِحْدَى وَسبعين وَسَبْعمائة وَدفن بمقبرة جده أبي عمر وترجمه فِي شذرات الذَّهَب بِنَحْوِ مَا تقدم ثمَّ قَالَ وَله عدَّة مصنفات مِنْهَا كتاب المناقلة فِي الْأَوْقَاف وَمَا فِي ذَلِك من النزاع وَالْخلاف وَتَبعهُ على ذَلِك جمَاعَة وَكلهمْ تبعوا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية شمس الدّين النابلسي وَمن مدرسيها مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَحْمُود النابلسي قَالَ فِي الْمَقْصد الأرشد قَرَأَ الْعَرَبيَّة وأحكامها وَالْفِقْه وجد فِي طلب الْعلم واشتهر أمره وَعلا صيته وَكَانَ لَهُ معرفَة تَامَّة وَكِتَابَة حَسَنَة وَلم يزل يترقى حَتَّى عزل قَاضِي الْقُضَاة ابْن المنجا وَجلسَ مَكَانَهُ وَكَانَ لَهُ حَلقَة لإقراء الْعَرَبيَّة يحضرها الْفُضَلَاء ودرس بدار الحَدِيث الأشرفية والحنبلية وَله حُرْمَة عَظِيمَة وأبهة زَائِدَة لَكِن بَاعَ من الْأَوْقَاف كثيرا توفّي خمس وَثَمَانمِائَة وَدفن بالصالحية انْتهى مُلَخصا وَقَالَ ابْن حجي وَلم يكن بالرضي فِي شهاداته وَلَا فِي قَضَائِهِ وَبَاعَ كثيرا من الْأَوْقَاف بِدِمَشْق قيل أَنه مَا بيع من الْأَوْقَاف فِي الْإِسْلَام مثل مَا بيع فِي أَيَّامه وَقل مَا وَقع مِنْهَا شَيْء صَحِيح فِي الْبَاطِن وَفتح على النَّاس بَابا لَا ينسد أبدا وَلما جَاءَ تيمورلنك دخل مَعَ أعوانه فِي أُمُور مُنكرَة وَنسب إِلَيْهِ أَشْيَاء قبيحة من السَّعْي فِي أَذَى النَّاس وَأخذ أَمْوَالهم

عز الدين الخطيب

عز الدّين الْخَطِيب من مدرسيها مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْخَطِيب قَالَ ابْن مُفْلِح هُوَ الشَّيْخ الامام الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة خطيب الْجَامِع المظفري تفقه فِي مَذْهَب أَحْمد وَكَانَ خَطِيبًا بليغا لَهُ مؤلفات حَسَنَة وَله كتاب النّظم الْمُفِيد الأحمد فِي مُفْرَدَات مَذْهَب الامام أَحْمد نَاب فِي الْقَضَاء عَن ابْن المنجا وَتُوفِّي سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة وَقَالَ ابْن شقدة فِي مُخْتَصر الشذرات حفظ المترجم الْمقنع وبرع فِي الْفِقْه والْحَدِيث وَأخذ عَن الْحَافِظ ابْن رَجَب وَكَانَ لَهُ النّظم الرَّائِق وَألف مؤلفات حَسَنَة القَاضِي عز الدّين من مدرسيها عبد الْعَزِيز بن عَليّ بن الْعِزّ بن عبد الْعَزِيز بن عبد الْمَحْمُود الْعَالم الْمُفَسّر قَاضِي القضاه عز الدّين الْبَغْدَادِيّ الأَصْل ثمَّ الْمَقْدِسِي اعتنى بالوعظ وَكَانَ يستحضر كثيرا من تَفْسِير الْبَغَوِيّ واعتنى بِعلم الحَدِيث وَله مُشَاركَة فِي الْفِقْه والْحَدِيث اشْتغل ودرس وَكتب على الْفَتَاوَى يَسِيرا وَله مصنفات مِنْهَا انه اختصر الْمُغنِي وَشرح الشاطبية وصنف فِي الْمعَانِي وَالْبَيَان وَجمع كتابا سَمَّاهُ الْقَمَر الْمُنِير فِي أَحَادِيث البشير النذير ولي بعد الْفِتْنَة قَضَاء بَيت الْمُقَدّس وطالت مدَّته وَجرى لَهُ فُصُول ثمَّ ولي قَضَاء دمشق مُدَّة مديدة ثمَّ صرف عَنهُ وَولي تدريس المؤيدية ثمَّ ولي قَضَاء مصر مُدَّة ثمَّ ولي قَضَاء دمشق وَكَانَ منظورا لم تحمد سيرته فِي الْقَضَاء توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة قَالَه ابْن مُفْلِح وَقَالَ عَنهُ ابْن شقدة قَاضِي الأقاليم وَسمي بذلك لِأَنَّهُ تولى قَضَاء بَغْدَاد وَالْعراق وَبَيت الْمُقَدّس ومصر وَالشَّام قَالَ وَكَانَ فَقِيها دينا عديم التَّكَلُّف فِي ملبسه ومركبه لَهُ معرفَة تَامَّة وَلما ولي قَضَاء مصر صَار يمشي لِحَاجَتِهِ فِي الاسواق ويردف عَبده على بغلته وَأَشْيَاء من هَذَا النسق وَكَانَ جَمِيع ولاياته من غير سعي قَالَه العليمي برهَان الدّين ابْن مُفْلِح من مدرسيها صَاحب الْمَقْصد الأرشد ابراهيم بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن مُفْلِح بن مُحَمَّد بن مُفْلِح بَالغ عبد الْحَيّ بن الْعِمَاد فِي شذرات الذَّهَب فِي مدحه

حرف الجيم

فَقَالَ عَنهُ الشَّيْخ الامام الْبَحْر الْهمام الْعَلامَة الْقدْوَة الرحلة الْحَافِظ مُجْتَهد الْأمة شيخ الْإِسْلَام سيد الْعلمَاء والحكام الى غير ذَلِك من ألقاب الْمَدْح الى أَن قَالَ بَاشر قَضَاء دمشق مرَارًا وصنف الْمُبْدع شرح الْمقنع فِي الْفِقْه والمقصد الأرشد فِي طَبَقَات أَصْحَاب الامام أَحْمد مرتبَة على حُرُوف المعجم وصنف كتابا فِي الْأُصُول توفّي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة انْتهى وَرَأَيْت بِخَط حفيده مُحَمَّد بن ابراهيم بن عمر ابْن المترجم تَرْجَمته فِي آخر الطَّبَقَات فَقَالَ مَا ملخصه مولده سنة عشرَة وَثَمَانمِائَة فِي دَار الحَدِيث العالمة قبالة الْجَامِع الأفرم وَحفظ الْقُرْآن وَالْمقنع وألفيتي ابْن مَالك والعراقي والانتصار ومختصر ابْن الْحَاجِب الأصولي وَمن مشايخه الْحَافِظ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي وَابْن نصر الله وَصَارَ إِلَيْهِ الْمرجع وَسلم إِلَيْهِ الْعلمَاء من أَصْحَاب الْمذَاهب وَكَانَ الْمعول عَلَيْهِ ثمَّ ذكر من مؤلفاته الْمُبْدع والطبقات ومرقاة الْوُصُول الى علم الْأُصُول وسود فِي الْفُرُوع وَالْأُصُول والنحو وَغَيرهَا شَيْئا كثيرا مَاتَ قبل تبييضها انْتهى وَقَالَ الاسدي فِي تَارِيخه هُوَ أفضل أهل مذْهبه فِي عصره ودرس بمدرسة أبي عمر وبدار الحَدِيث الأشرفية وَكَانَ بهَا منزلَة وبمدارس كَثِيرَة حرف الْجِيم الْمدرسَة الجاموسية قَالَ النعيمي هِيَ غربي العقيبة بِدِمَشْق لم أعرف واقفها وَحكى نظام الدّين ابْن مُفْلِح أَن وَقفهَا على الْحَنَابِلَة وَقَالَ يُوسُف بن عبد الْهَادِي الْمَعْرُوف بِابْن الْمبرد أَن الْأَخْبَار تَوَاتَرَتْ بذلك وان الْوَقْف عَلَيْهَا الثُّلُث من الْحَانُوت بالعقيبة الْكُبْرَى والبستان الْمَعْرُوف بالطبرزية وجنينة الرصاص ومحاكرة الجنينة بمساطب الطّرق ومحاكرة الْبُسْتَان بقرية جسرين ومحاكرة تمر ابْن الْأَمِير وَابْن الرَّمْلِيّ جوَار الْمدرسَة والمحاكرة جوارها باسم ابْن نور الدّين والبستان فَوق حمام الْورْد انْتهى قَالَ العلموي قلت قد تسلط عَلَيْهَا مَحْمُود ولد تَاج الدّين السلطي وَفَكهَا فطمسها

حرف الشين

حرف الشين الْمدرسَة الشريفية الحنبلية كَانَت عِنْد القباقبية العتيقة الْمَعْرُوفَة الْيَوْم بالعمارة بِالْقربِ من الْجَامِع الْأمَوِي وقرأت بِهَامِش طَبَقَات الْحَنَابِلَة لِابْنِ رحب عِنْد تَرْجَمَة بانيها مَا صورته وَهَذَا عبد الْوَاحِد هُوَ باني الْمدرسَة الحنبلية دَاخل بَاب الفراديس وَهِي سكن الشَّيْخ مُحَمَّد الاسطواني يَوْمئِذٍ وَهِي سنة 971 مَعَ سبق سكناهُ بهَا من حُدُود 945 انْتهى وَهِي الْآن لَا أثر بهَا ولعلها صَارَت دورا للسُّكْنَى قَالَ النعيمي وَالْوَقْف عَلَيْهَا الْبُسْتَان والحصة فِي الحولة وَأَرْض فِي جِهَة حلبون وعسال ثمَّ أَن الشَّيْخ شُعَيْب ابْن مِيكَائِيل التركماني الجاكيري كَانَ رجلا حنبليا مُبَارَكًا صَالحا اتّجر بالكتب مُدَّة ثمَّ ضعف وَعجز عَن الْحَرَكَة فَاشْترى بِمَا كَانَ مَعَه ملكا وَوَقفه على نَفسه ثمَّ على الْمدرسَة الحنبلية وَتُوفِّي سنة سَبْعمِائة واثنتين وَثَلَاثِينَ قَالَ وَلَا تغتر بقول ابْن شَدَّاد حَيْثُ قَالَ مدرسة شيخ الْإِسْلَام أخي صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب بِالْقربِ من مدرسة الرواحية دَاخل بَاب الفراديس انْتهى فَإِنَّهُ نسب الحنبلية لغير أَهلهَا تَرْجَمَة واقفها قَالَ فِي شذرات الذَّهَب مَا مُخْتَصره وَفِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة توفّي شرف الْإِسْلَام عبد الْوَهَّاب ابْن الشَّيْخ أبي الْفرج الْحَنْبَلِيّ عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ الشِّيرَازِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الْوَاعِظ شيخ الْحَنَابِلَة بِالشَّام بعد وَالِده وَرَئِيسهمْ وَهُوَ باني الْمدرسَة الحنبلية دَاخل بَاب الفراديس وَقَالَ ابْن رَجَب فِي الطَّبَقَات توفّي وَالِد عبد الْوَهَّاب وَهُوَ صَغِير فاشتغل بِنَفسِهِ وتفقه وبرع وناظر وَأفْتى ودرس الْفِقْه وَالتَّفْسِير وَوعظ واشتغل عَلَيْهِ خلق كثير وَكَانَ فَقِيها بارعا واعظا نَافِعًا وصدرا مُعظما ذَا حشمة وَحُرْمَة وسؤدد ورياسة ووجاهة وهيبة وجلالة كَانَ ينشد على الْكُرْسِيّ فِي جَامع دمشق اذا طَابَ وقته (سَيِّدي علل الْفُؤَاد العليلا ... وأحيني قبل ان تراني قَتِيلا) (ان تكن عَازِمًا على قبض روحي ... فترفق بهَا قَلِيلا قَلِيلا)

ابن المنجا

وَله تصانيف فِي الْفِقْه وَالْأُصُول مِنْهَا الْمُنْتَخب فِي الْفِقْه مجلدان والمفردات والبرهان وَغير ذَلِك انْتهى وَلما بنى مدرسته الحنبلية جرى لَهُ أُمُور فِي بنائها ووالده هُوَ الَّذِي نشر مَذْهَب احْمَد فِي الْقُدس وَالشَّام قَالَ ابْن مُفْلِح وَالْأَشْهر انه من ولد سعد بن عبَادَة رَضِي الله عَنهُ ابْن المنجا من مدرسيها عُثْمَان بن أسعد بن المنجا بن بَرَكَات بن الْموصل التنوخي الْفَقِيه أَخذ عَنهُ ابْن الْحَاجِب وَغَيره وَكَانَ تَاجِرًا ذَا مَال وثروة توفّي سنة احدى وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَقَالَ الْحُسَيْنِي فِي الذيل برع فِي عُلُوم كَثِيرَة أصولا وفروعا وعربية وتفسيرا وصنف فِي الْأُصُول وَشرح الْمقنع وَله تعاليق فِي التَّفْسِير انْتهى وَقَالَ غَيره انْتَهَت إِلَيْهِ رياسة مَذْهَب احْمَد مَعَ التبحر فِي الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا من الْعُلُوم وَأخذ النَّحْو عَن ابْن مَالك وَسُئِلَ ابْن مَالك شرح كِتَابه الْخُلَاصَة فَقَالَ شرحها لكم ابْن المنجا وَجلسَ فِي الْجَامِع للْفَتْوَى نَحْو ثَلَاثِينَ سنة ابْن شيخ السلامية من مدرسيها حَمْزَة بن مُوسَى بن احْمَد بن الْحُسَيْن بن بدران قَالَ فِي الْمَقْصد الأرشد هُوَ الْعَلامَة الْمَعْرُوف بِابْن شيخ السلامية درس بالحنبلية وبمدرسة السُّلْطَان حسن وَأفْتى وصنف تصانيف عدَّة مِنْهَا كتاب الِاسْتِدْرَاك على إِجْمَاع ابْن حزم وَشرح منتقى الْأَحْكَام للمجد ابْن تَيْمِية وَلم يكمل وَكَانَ لَهُ إطلاع جيد وَنقل مُفِيد على مَذَاهِب الْعلمَاء المعتبرين واعتناء جيد بمنصوص احْمَد وفتاوى تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية وَله فِيهِ اعْتِقَاد صَحِيح وَقبُول لما يَقُوله وينصره ويوالي عَلَيْهِ ويعادي فِيهِ

الحافظ ابن رجب

قَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة ووقف درسا بتربته بالصالحية وكتبا وَعين لذَلِك الْحَافِظ ابْن رَجَب توفّي سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَدفن عِنْد جَامع الأفرم بتربته وَقَالَ الصّلاح الصَّفَدِي فِي تَارِيخه ان المترجم ينْسب الى الْفَتْح بن خاقَان وَزِير المتَوَكل توفّي وَالِده وَهُوَ فِي الْجَيْش يُبَاشر مشارفته بِدِمَشْق ثمَّ أَن الْأَمِير تنكز أَخذ مِنْهُ مبلغ مائَة ألف دِرْهَم فَمَا أَظن من غير ذَنْب وَلَا جِنَايَة لَكِن نقم على وَالِده فَترك المترجم المناصب وزهد فِيهَا وَأَقْبل على الْعلم الى أَن صَار عَلامَة فِي الْمَنْقُول ومذاهب النَّاس وَشرح مَرَاتِب الاجماع لِابْنِ حزم فِي عشرَة أسفار واستدرك عَلَيْهِ قيودا أهملها وحسبك بِمن يسْتَدرك على ابْن حزم وَشرح أَحْكَام مجد الدّين فِي مجلدات كَثِيرَة الْحَافِظ ابْن رَجَب من مدرسيها عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن رَجَب الْعَلامَة الْحَافِظ الزَّاهِد شيخ الْحَنَابِلَة الْبَغْدَادِيّ قدم بِهِ وَالِده من بَغْدَاد الى دمشق وَهُوَ صَغِير ولازم ابْن النَّقِيب وَالنَّوَوِيّ وَغَيرهم واشتغل بِسَمَاع الحَدِيث وَشرح التِّرْمِذِيّ وَالْأَرْبَعِينَ النووية وزادها الى الْخمسين وَشرح مازاده وَشرع فِي كتاب سَمَّاهُ فتح الْبَارِي شرح البُخَارِيّ وَنقل فِيهِ كثيرا من كَلَام الْمُتَقَدِّمين وَلم يتمه وَله كتاب اللطائف فِي الْوَعْظ وَكتاب أهوال الْقُبُور وَكتاب التخويف من النَّار والتعريف بدار الْبَوَار وَالْقَوَاعِد الفقيهه وَاخْتِيَار الأولى شرح حَدِيث اختصام الْمَلأ الْأَعْلَى وَنور الاقتباس من مشكاة وَصِيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ عَبَّاس وَله الذيل على طَبَقَات القَاضِي ابي يعلى وَغَايَة النَّفْع فِي شرح حَدِيث تَمْثِيل الْمُؤمن بخامة الزَّرْع وَغير ذَلِك وَكَانَ لَا يعرف شَيْئا من أُمُور النَّاس وَلَا يتَرَدَّد على أحد من أَرْبَاب الولايات وَكَانَ يسكن الْمدرسَة السكرية بالقصاعين توفّي سنة خمس وَتِسْعين وَسَبْعمائة بِأَرْض الحميرية ببستان كَانَ اسْتَأْجرهُ وَدفن بِبَاب الصَّغِير وَقَالَ فِي شذرات الذَّهَب كَانَت مجَالِس تذكيره للقلوب صادعة وَلِلنَّاسِ نافعة اجْتمعت الْفرق عَلَيْهِ ومالت الْقُلُوب بالمحبة إِلَيْهِ

حرف الصاد

وَقَالَ ابْن حجي اتقن المترجم فن الحَدِيث وَصَارَ أعرف عصره بالعلل وتتبع الطّرق تخرج بِهِ غَالب الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق حرف الصَّاد مدرسة الصاحبة هِيَ بسفح قاسيون من الشرق وَهِي الْآن مَعْرُوفَة مَشْهُورَة فِي حارة الأكراد وبناؤها عَظِيم يدل على الأبهة وَالْجَلالَة وَهِي من الْآثَار الَّتِي تدل على ارتقاء الْفَنّ المعماري فِي ذَلِك الزَّمن قَالَ النعيمي وَالَّذِي علم من وَقفهَا غَالب قَرْيَة جُبَّة عَسَّال والبستان الَّذِي تَحت الْمدرسَة والطاحون وحكورة غَالب تِلْكَ الحارة فِي جوارها قَالَ ابْن كثير وَكَانَ فِي خدمَة الواقفة الشيخة الصَّالِحَة العالمة أمة اللَّطِيف بنت الناصح الْحَنْبَلِيّ وَكَانَت فاضلة لَهَا تصانيف وَهِي الَّتِي أرشدتها الى وقف الْمدرسَة الصاحبة على الْحَنَابِلَة ثمَّ صودرت لأَجلهَا وَقَالَ الصَّفَدِي بعد أَن ذكر مَا تقدم حصلت مِنْهَا أَمْوَالًا عَظِيمَة وأشارت عَلَيْهَا بِبِنَاء الْمدرسَة فبنتها ووقفتها على الناصح والحنابلة ودفنت بمدرستها تَحت القبو وَلَقِيت العالمة شَدَائِد فحبست ثَلَاث سِنِين بالقلعة انْتهى وَتَزَوجهَا الْأَشْرَف صَاحب حمص فسافرت مَعَه الى الرحبة وتل ناشر ثمَّ توفيت وَوجد لَهَا بِدِمَشْق جَوَاهِر وذخائر نفيسة تقَارب سِتّمائَة ألف دِرْهَم غير الْأَمْلَاك والأوقاف وَقَالَ ابْن مُفْلِح فِي تَرْجَمَة الناصح عبد الرَّحْمَن بن نجم بن عبد الْوَهَّاب بن عبد الْوَاحِد الشِّيرَازِيّ الْأنْصَارِيّ ان الصاحبة ربيعَة خاتون لما بنت لَهُ الْمدرسَة درس بهَا وَكَانَ يَوْمًا مشهودا وَحَضَرت الواقفة من وَرَاء ستر وَقَالَ أَيْضا كَانَ الناصح فَقِيها واعظا شرع فِي الِاشْتِغَال بِالْعلمِ ورحل الى بَغْدَاد وأصبهان والموصل وبلاد كَثِيرَة لأخذ الْعلم وَحضر فتح بَيت الْمُقَدّس مَعَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين وانتهت إِلَيْهِ رئاسة الْمَذْهَب بعد الشَّيْخ موفق الدّين عبد الله بن قدامَة وَكَانَ يساميه فِي حَيَاته وَبَينهمَا

العالمة أمة اللطيف

مراسلات وَله مصنفات توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بِدِمَشْق وَدفن بسفح قاسيون وَمن مصنفاته كَمَا فِي طَبَقَات ابْن رَجَب وشذرات الذَّهَب كتاب أَسبَاب الحَدِيث فِي مجلدين وَكتاب الاستفسار بِمن لَقِيَهُمْ من صالحي الْعباد فِي الْبِلَاد وَكتاب الانجاد فِي الْجِهَاد وَقَالَ الدبيتي فِي تَارِيخه لَهُ خطب ومقامات وَكتاب تَارِيخ الوعاظ وَكَانَ حُلْو الْكَلَام جيد الايراد مهيبا صَارِمًا وَكَانَ رَئِيس الْمَذْهَب فِي زَمَنه فِي دمشق العالمة أمة اللَّطِيف من الأسف أَن مؤرخينا لم يعتنوا بتراجم النِّسَاء الفاضلات وَلم أظفر من تَرْجَمَة هَذِه الفاضلة إِلَّا بِمَا ذكره ابْن شقدة فِي مُخْتَصر الشذرات فَإِنَّهُ قَالَ وَفِي تربة بني الشِّيرَازِيّ دفنت أمة اللَّطِيف صَاحِبَة التصانيف من جُمْلَتهَا كتاب التسديد فِي شَهَادَة التَّوْحِيد وَكتاب بر الْوَالِدين وأنشأت دَارا بِالْقربِ من هَذِه التربة بالصف القبلي من الطَّرِيق الْآخِذ لجامع الأفرم قبل أَن تصل الى مدرسة الناصرية بِشَيْء يسير ومنقوش اسْمهَا وَاسم والدها الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن على أُسْكُفَّة أحد أَبْوَابهَا وَجعلت هَذِه الدَّار دَار حَدِيث وَتوفيت فِي رَجَب سنة نَيف وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَقيل دفنت بالمدفن المواجه لخان السَّبِيل بِالْقربِ من التربة وعَلى مدفنها قبَّة عَظِيمَة الْعِمَارَة ملاصق ذَلِك للطريق الْآخِذ الى نهر يزِيد لمن ورد النَّهر وَهُوَ الْأَصَح تَرْجَمَة الواقفة أنشأتها ربيعَة خاتون الصاحبة أُخْت صَلَاح الدّين والعادل قَالَ ابْن شقدة توفيت وَقد نيفت على الثَّمَانِينَ ودفنت بمدرستها وَكَانَت وفاتها سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وسِتمِائَة ابْن عبد الْقوي من جملَة المدرسين فِي الصاحبة مُحَمَّد بن عبد الْقوي بن بدران الْمَقْدِسِي الْفَقِيه الْمُحدث كَانَ من الْعلمَاء الْأَعْلَام درس وَأفْتى وصنف وَتخرج بِهِ جمَاعَة وَقَرَأَ عَلَيْهِ

المدرسة الصدرية

الْعَرَبيَّة شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية وَله مؤلفات أَكْثَرهَا منظومة مِنْهَا منظومة الْآدَاب كبرى وصغرى وَله كتاب النِّعْمَة فِي الْفِقْه جزآن والفرائد فِي الْفِقْه على حرف الدَّال فِي خَمْسَة آلَاف بَيت وَكتاب الْمُفْردَات نظم فِيهِ الْمسَائِل الَّتِي انْفَرد بهَا الامام أَحْمد عَن سَائِر الْأَئِمَّة وتبلغ ألف مَسْأَلَة توفّي سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة الْمدرسَة الصدرية كَانَت بدرب يُقَال لَهُ درب الريحان بجوار تربة القَاضِي جمال الدّين الْمصْرِيّ وَيُؤْخَذ من كَلَام الذَّهَبِيّ ان محلهَا كَانَ دَارا للْوَاقِف فَجَعلهَا مدرسة ووقف لَهَا أوقافا وَدفن بهَا قلت وتربة الْجمال الْمصْرِيّ هِيَ عِنْد الْقُبُور الَّتِي يزْعم النَّاس أَن من جُمْلَتهَا قبر مُعَاوِيَة وَلَا مدرسة هُنَاكَ الْيَوْم والمحقق أَن الصدرية محيت آثارها وَصَارَت دورا تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا أسعد بن عُثْمَان بن أسعد بن المنجا التنوخي ثمَّ الدِّمَشْقِي قَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ رَئِيسا محتشما متمولا ووقف دَاره مدرسة تسمى الصدرية على الْحَنَابِلَة ووقف عَلَيْهَا وَدفن بهَا اعتنى بِالْحَدِيثِ ولي نظر جَامع بني أُميَّة وثمر لَهُ أَمْوَالًا كَثِيرَة وَله آثَار حَسَنَة توفّي سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة أفاضل مدرسيها ابْن عبد الْهَادِي من مدرسيها مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْهَادِي بن عبد الحميد بن عبد الْهَادِي ابْن يُوسُف بن مُحَمَّد بن قدامَة الجماعيلي ثمَّ الصَّالِحِي الْفَقِيه الْمُقْرِئ الْحَافِظ النَّحْوِيّ المتفنن قَالَ ابْن مُفْلِح عني بِالْحَدِيثِ وفنونه وَمَعْرِفَة الرِّجَال والعلل وبرع فِي أصل الدّين

ابن ابن القيم

وأصل الْفِقْه ولازم شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية وَأخذ عَن الذَّهَبِيّ وَله مصنفات كَثِيرَة فِي فنون شَتَّى توفّي سنة أَربع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة قَالَ الْحُسَيْنِي فِي ذيل العبر كَانَ المترجم من أجل أَصْحَاب ابْن تَيْمِية وَسمعت شَيخنَا الذَّهَبِيّ يَقُول وَالله مَا اجْتمعت بِهِ قطّ الا اسْتَفَدْت مِنْهُ انْتهى وَمن مؤلفاته تَنْقِيح التَّحْقِيق فِي أَحَادِيث التَّعْلِيق مجلدان الْأَحْكَام الْكُبْرَى سبع مجلدات الرَّد على الْخَطِيب مُجَلد الْمُحَرر فِي الْأَحْكَام مُجَلد فصل النزاع بَين الْخُصُوم فِي الْكَلَام على حَدِيث أفطر الحاجم والمحجوم شرح ألفية ابْن مَالك وَله غير ذَلِك من الْأَجْزَاء يطول سردها وَقد استوفاها الْحَافِظ ابْن رَجَب فِي تَرْجَمته من الطَّبَقَات ابْن ابْن الْقيم من مدرسيها ابراهيم بن مُحَمَّد بن ابي بكر بن أَيُّوب ابْن الإِمَام الْمَعْرُوف بِابْن الْقيم اشْتغل فِي أَنْوَاع الْعُلُوم وَأفْتى ودرس وناظر ودرس بالصدرية والتدمرية وَله كتاب ارشاد السالك الى حل ألفية ابْن مَالك وَكَانَ لَهُ أجوبة مسكتة توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة ابْن الْقيم مُحَمَّد بن ابي بكر بن أَيُّوب بن سعد بن جرير الزرعي ثمَّ الدِّمَشْقِي الْفَقِيه الأصولي الْمُفَسّر النَّحْوِيّ الْعَارِف الشهير بِابْن قيم الجوزية ولد سنة احدى وَتِسْعين وسِتمِائَة قَالَ ابْن رَجَب مَا حَاصله تفقه فِي الْمَذْهَب وبرع وَأفْتى ولازم شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية وَأخذ عَنهُ وتفنن فِي عُلُوم الاسلام وَكَانَ عَارِفًا بالتفسير لَا يجاري فِيهِ وبأصول الدّين وَإِلَيْهِ فيهمَا الْمُنْتَهى وَبِالْحَدِيثِ ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط مِنْهُ لَا يلْحق فِي ذَلِك وبالفقه وأصوله وبالعربية وَله فِيهَا الْيَد الطُّولى وبعلم الْكَلَام وَغير ذَلِك وعالما بِعلم السلوك وَكَلَام أهل التصوف وإشاراتهم ودقائقهم لَهُ فِي كل فن من هَذِه الْفُنُون الْيَد الطُّولى

قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمُخْتَص عني بِالْحَدِيثِ ومتونه وَبَعض رِجَاله وَكَانَ يشْتَغل فِي الْفِقْه ويجيد تَقْرِيره وَفِي النَّحْو ويدريه وَفِي الْأَصْلَيْنِ وَقد حبس مُدَّة لانكاره شدّ الرحيل الى قبر الْخَلِيل وتصدر للاشتغال وَنشر الْعلم قلت وَكَانَ رَحمَه الله ذَا عبَادَة وتهجد وَطول صَلَاة الى الْغَايَة القصوى وتأله ولهج بِالذكر وشغف بالمحبة والإنابة والافتقار الى الله والإنكسار لَهُ والاطراح بَين يَدَيْهِ على عتبَة عبوديته لم أشاهد مثله فِي ذَلِك وَلَا رَأَيْت أوسع مِنْهُ علما وَلَا أعرف بمعاني الْقُرْآن وَالسّنة وحقائق الْقُرْآن مِنْهُ وَلَيْسَ هُوَ بالمعصوم وَلَكِن لم أر فِي مَعْنَاهُ مثله وَقد امتحن واوذي مَرَّات وَحبس مَعَ شيخ الاسلام فِي الْمرة الْأَخِيرَة بالقلعة مُنْفَردا عَنهُ وَلم يفرج عَنهُ الا بعد موت الشَّيْخ وَكَانَ فِي مُدَّة حَبسه مشتغلا بِتِلَاوَة الْقُرْآن بالتدبر والتفكر فَفتح الله عَلَيْهِ من ذَلِك خيرا كثيرا وَحصل لَهُ جَانب عَظِيم من الأذواق والمواجيد الصَّحِيحَة وتسلط بِسَبَب ذَلِك على الْكَلَام فِي عُلُوم أهل المعارف وَالدُّخُول فِي غوامضهم وتآليفه ممتلئة بذلك وَقَالَ برهَان الدّين الزرعي عَنهُ مَا تَحت أَدِيم السَّمَاء اوسع علما مِنْهُ وأقتنى من الْكتب مَا لم يحصل لغيره فَمن تصانيفه تَهْذِيب سنَن أبي دَاوُد وإيضاح مشكلاته وَالْكَلَام على مَا فِيهِ من الْأَحَادِيث المعلولة مُجَلد كتاب سفر الهجرتين وَبَاب السعادتين مُجَلد ضخم كتاب مراحل السائرين بَين منَازِل إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين مجلدان وَهُوَ شرح منَازِل السائرين كتاب الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح كتاب شرح أَسمَاء الْكتاب الْعَزِيز كتاب رد الْمُسَافِرين الى منَازِل السُّعَدَاء كتاب زَاد الْمعَاد فِي هدي خير الْعباد أَربع مجلدات كتاب حلي الأفهام فِي ذكر الصَّلَاة وَالسَّلَام على خير الْأَنَام كتاب بَيَان الدَّلِيل على اسْتغْنَاء الْمُسَابقَة عَن التَّحْلِيل كتاب نقد الْمَنْقُول وَالْمحل الْمُمَيز بَين الْمَرْدُود والمقبول كتاب أَعْلَام الموقعين عَن رب الْعَالمين ثَلَاث مجلدات كتاب بَدَائِع الْفَوَائِد مجلدان الشافية الكافية فِي الِانْتِصَار للفرقة النَّاجِية وَهِي النونية مُجَلد كتاب الصَّوَاعِق الْمنزلَة على الْجَهْمِية المعطلة مجلدان كتاب حادي الْأَرْوَاح مُجَلد كتاب نزهة المشتاق وروضة المحبين مُجَلد كتاب الدَّاء والدواء كتاب تحفة المودود فِي أَحْكَام الْمَوْلُود كتاب مِفْتَاح دَار السَّعَادَة كتاب اجْتِمَاع الجيوش الاسلامية على غَزْو الْفرْقَة الْجَهْمِية كتاب مصايد الشَّيْطَان كتاب

حرف الضاد

الطّرق الْحكمِيَّة كتاب رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة مُجَلد نِكَاح الْمحرم مُجَلد تَفْضِيل مَكَّة على الْمَدِينَة كتاب فضل الْعلم كتاب عدَّة الصابرين كتاب الْكَبَائِر كتاب حكم تَارِك الصَّلَاة كتاب نور الْمُؤمن وحياته حكم أغمام هِلَال رَمَضَان التَّحْرِير فِيمَا يحل وَيحرم من لِبَاس الْحَرِير جوابات عابدي الصلبان وان مَا هم عَلَيْهِ دين الشَّيْطَان كتاب بطلَان الكيمياء من أَرْبَعِينَ وَجها الْفرق بَين الْخلَّة والمحبة ومناظرة الْخَلِيل لِقَوْمِهِ كتاب عقد مُحكم الإحفاء بَين الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح الْمَرْفُوع الى رب السَّمَاء الْفَتْح الْقُدسِي التُّحْفَة المكية كتاب أَمْثَال الْقُرْآن شرح الْأَسْمَاء الْحسنى ايمان الْقُرْآن الْمسَائِل الطرابلسية مجلدان الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فِي أَحْكَام الْقُرْآن مجلدان كتاب الطَّاعُون مُجَلد لطيف كتاب الفروسية توفّي ثَالِث عشر رَجَب سنة احدى وَخمسين وَسَبْعمائة وَدفن بمقبرة الْبَاب الصَّغِير وترجمه الْعَدوي فَقَالَ هُوَ الْمُجْتَهد الْمُطلق الْمُفَسّر المتفنن فِي عُلُوم عديدة انْتهى حرف الضَّاد الْمدرسَة الضيائية هِيَ بسفح قاسيون شَرْقي الْجَامِع المظفري بناها واقفها من مَاله وأعانه عَلَيْهَا بعض أهل الْخَيْر وَجعلهَا دَار حَدِيث وان يسمع فِيهَا جمَاعَة من الصّبيان وأوقف عَلَيْهَا كتبه وأجزاءه وفيهَا من وقف موفق الدّين بن قدامَة والبهاء عبد الرَّحْمَن والحافظ عبد الْعَزِيز وَابْن الْحَاجِب وَابْن سَلام وَابْن هامل وَالشَّيْخ عَليّ الْموصِلِي وَقد نهبت فِي نكبة الصَّالح أَيَّام قازان وَذهب مِنْهَا شَيْء كثير ثمَّ تمايلت وتراجعت قَالَه الذَّهَبِيّ وَقَالَ غَيره بناها للمحدثين والغرباء الواردين مَعَ الْفقر والقلة وَكَانَ يَبْنِي مِنْهَا جانبا وَيصير الى ان يجْتَمع مَعَه مَا يبتني بِهِ غَيره وَيعْمل فِيهَا بِنَفسِهِ وَلم يقبل من أحد شَيْئا تورعا انْتهى

ترجمة واقفها

قلت رَأَيْت شَرْقي الْجَامِع المظفري جدارا عَظِيما وَفِيه أَرْبَعَة شبابيك الى الْقبْلَة وَفِيه الْبَاب ويفصل الطَّرِيق بَين هَذَا الْبناء وَبَين الْجَامِع وَلَعَلَّ هَذِه الْمدرسَة الْمَذْكُورَة تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن احْمَد بن عبد الرَّحْمَن بن اسماعيل بن مَنْصُور السَّعْدِيّ الْمَقْدِسِي الْحَافِظ الْكَبِير مُحدث عصره ووحيد دهره وشهرته تغني عَن الاطناب فِي مدحه يُقَال انه كتب الحَدِيث عَن أَزِيد من خَمْسمِائَة شيخ وَقَالَ ابْن النجار هُوَ حَافظ متقن ثَبت صَدُوق نبيل حجَّة عَالم بِالْحَدِيثِ وأحوال الرِّجَال وَله مجموعات وتخريجات وَهُوَ ورع تَقِيّ زاهد مُجَاهِد فِي سَبِيل الله وَله مؤلفات مِنْهَا كتاب للأحاديث المختارة وَهِي الْأَحَادِيث الَّتِي تصلح ان يحْتَج بهَا سوى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ خرجها من مسموعاته قَالَ بَعضهم هِيَ خير من صَحِيح الْحَاكِم وَله مؤلفات كَثِيرَة ذكرهَا ابْن رَجَب توفّي سنة ثَلَاث واربعين وسِتمِائَة وَأثْنى عَلَيْهِ ابْن الْحَاجِب والذهبي والمزي وَمن مصنفاته كتاب فَضَائِل الْأَعْمَال وَكَانَ الْوَقْف على الْمدرسَة الضيائية غَالب دكاكين السُّوق الفوقاني وحوانيت وجنينة فِي النيرب وَأَرْض بسقبا وَيُؤْخَذ لأَهْلهَا ثلث قَمح ضيَاع وقف دَار الحَدِيث الأشرفية وبالجبل الدَّيْر والدوير والمنصورة والتليل والشرقية قَالَ العلموي كَانَ الضياء عابدا زاهدا مَا أكل من وقف قطّ وَلَا دخل حَماما وَكَانَ يعْمل بمدرسته بِنَفسِهِ وَلما فرغ من بنائها درس بهَا ودرس بعده بهَا جمَاعَة مِنْهُم تَقِيّ الدّين بن غرس الدّين وَعز الدّين التقي وشمس الدّين خطيب الْجَبَل والقباقيبي المرداوي الْمدرسَة الضيائية المحاسنية هَذِه الْمدرسَة ذكرهَا النعيمي وَلم يبين محلهَا وَلم يذكر إِلَّا قَول ابْن شَدَّاد وَإِلَيْك مَا حَكَاهُ قَالَ ابْن شَدَّاد مدرسة ضِيَاء الدّين محَاسِن كَانَ رجلا صَالحا بنى هَذِه لمدرسة وَجعلهَا مَوْقُوفَة على من يكون أَمِير الْحَنَابِلَة يذكر فِيهَا الدَّرْس ثمَّ قَالَ قلت وَلَعَلَّه

حرف العين

الشرابيشية وَالِد نور الدولة وَاقِف الشارابيشية الْمَالِكِيَّة وواقف التربة قبالة جَامع جراح فَليُحرر ثمَّ نقل عَن الْمَقْصد الأرشد ترجمتين لَا علاقَة لَهما بِالْمَدْرَسَةِ هَذَا مَا وقفت عَلَيْهِ فِي شَأْنهَا وَقد أضْرب العلموي عَن ذكر تِلْكَ الْمدرسَة حرف الْعين الْمدرسَة العمرية الشيخية هِيَ مَوْجُودَة بالصالحية مَشْهُورَة معمورة الجدران لاظل للْعلم فِيهَا وَلَا أثر يسكنهَا قوم من ذَوي المتربة ويمر بهَا نهر يزِيد وداخلها مدرسة لَطِيفَة وَبِهِمَا مَا يقرب من تسعين خلْوَة وَقد كَانَ بهَا خزانَة كتب لَا نَظِير لَهَا فلعبت بهَا أَيدي المختلسين الى أَن أَتَى بعض الطّلبَة النجديين فَسرق مِنْهَا خَمْسَة أحمال جمل من الْكتب وفر بهَا ثمَّ نقل مَا بَقِي وَهُوَ شَيْء لَا يذكر بِالنِّسْبَةِ لما كَانَ بهَا الى خزانَة الْكتب فِي قبَّة الْملك الظَّاهِر فِي مدرسته وَكَذَلِكَ لعبت أَيدي المختلسين فِي أوقافها فابتلعوها هَذِه حالتها الْيَوْم وَأما حالتها فِي أبان صباها وشبابها فَقَالَ عز الدّين هِيَ بِالْجَبَلِ فِي وسط دير الْحَنَابِلَة وَقَالَ ابْن كثير وقف عَلَيْهَا سيف الدّين بكتمر درسا وَقَالَ ابْن الزملكاني ان احْمَد بن زُرَيْق الْمَعْرُوف بِابْن الدِّيوَان وسع مدرسة أبي عمر من الْجِهَة الشرقية وَيُمكن أَن تكون هِيَ الْمدرسَة الصَّغِيرَة داخلها انْتهى وَعمر نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن منجك الْجَانِب الشَّرْقِي من الْمدرسَة فجَاء فِي غَايَة الْحسن قَالَ الشَّيْخ جمال الدّين بن عبد الْهَادِي هَذِه الْمدرسَة عَظِيمَة لم يكن فِي بِلَاد الاسلام أعظم مِنْهَا وَالشَّيْخ أَبُو عمر بنى بهَا الْمَسْجِد وَعشر خلاوي فَقَط وَقد زَاد النَّاس فِيهَا وَلم يزَالُوا يوقفون عَلَيْهَا من زَمَنهَا الى الْيَوْم قل سنة من السنين تمْضِي إِلَّا وَيصير إِلَيْهَا فِيهَا وقف فوقفها لَا يُمكن حصره فَمن جملَته الْعشْر من الْبِقَاع والمرتب على داريا من الْقَمْح سِتِّينَ غرارة وَمن الدَّرَاهِم خَمْسَة آلَاف للغنم فِي شهر رَمَضَان وَمِمَّا رَأَيْنَاهُ وَسَمعنَا بِهِ من مصالحها الْخبز لكل وَاحِد من المنزلين بهَا رغيفان وَالشَّيْخ الَّذِي يقرئ أَو يدرس ثَلَاثَة وَهُوَ مُسْتَمر طول السّنة والقمصان

فِي كل سنة لكل منزل فِيهَا قَمِيص وَقد رَأَيْنَاهُ والسراويل لكل وَاحِد سروال سمعنَا بِهِ وَلم نره وَطَعَام شهر رَمَضَان بِلَحْم وَكَانَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن ينوع لَهُم ذَلِك وَيَوْم الْجُمُعَة العدس ثمَّ انْقَطع التنوع واستمرت القمحية وزبيب وقضامة لَيْلَة الْجُمُعَة يفرق عَلَيْهِم بعد قِرَاءَة مَا تيَسّر رَأَيْنَاهُ وَوَقفه دكانان تَحت القلعة وكل سنة مرّة زبيب وَقفهَا خَارج عَن وقف الْمدرسَة وفراء وبشوت فِي كل سنة ووقفها خَارج عَنْهَا ايضا ودراهم لَهَا وقف تفرق على من يقْرَأ فِي السَّبع فِي كل شهر وَهُوَ خَارج عَن وَقفهَا أَيْضا وحلاوة دهنية من وَقفهَا سمعنَا بِهِ وَلم نره وَحصر لبيوت المجاورين مستمرة وصابون سمعنَا بِهِ وَلم نره وختان من لم يكن مختونا فِي كل سنة من المجاورين بهَا الْفُقَرَاء والأيتام رَأَيْنَاهُ ثمَّ انْقَطع وسخانة يسخن بهَا المَاء فِي الشتَاء لغسل من احْتَلَمَ وكعك سمعنَا بِهِ وَلم نره ومشبك بِعَسَل فِي لَيْلَة الْعشْرين من شهر رَمَضَان ثمَّ نقلت الى النّصْف مستمرة وقنديل يشعل طول اللَّيْل فِي الْمَقْصُورَة للمدرس مُسْتَمر وحلاوة فِي الْمَوْسِم فِي شهر رَجَب لوزية وجوزية وَغَيرهمَا مستمرة فِي نصف شعْبَان واضحية فِي عيد الْأَضْحَى مستمرة وَطَعَام فِي عيد الْفطر حامض وَلحم وهريسة وأرز حُلْو مُسْتَمر الى الْآن انْتهى وَكَانَ بهَا حَلقَة الثُّلَاثَاء وَالْوَقْف عَلَيْهَا نصف حمام الشبلية ثمَّ خرب فعمر بِالنِّصْفِ فَبَقيَ الرّبع والجنينة خَلفه وَالْبَيْت فَوْقه وَفِي تَارِيخ الْأَسدي ان ابْن حجي استجد لخطاب العجلوني الشَّافِعِي درسا بالعمرية وَجعل لَهُ فِي الشَّهْر مائَة وَخمسين درهما فتوقف النَّاظر فِي ذَلِك ثمَّ اتّفق الْحَال على أَن قرر لَهُ فِي الشَّهْر سبعين درهما فشق ذَلِك على الْحَنَابِلَة قَالَ يُوسُف بن عبد الْهَادِي وَفِي مدرسة ابي عمر وقف على الْحَنَابِلَة لم يدْخل فِيهِ غَيرهم قطّ وأخبرت أَنه فِي أَيَّام القَاضِي ابْن قَاضِي الْجَبَل أَرَادَ غَيرهم الدُّخُول فَقَالَ لَا وَالله لَا تنزلوا فِيهَا أحدا إِلَّا أنزلنَا فِي الشامية الْكُبْرَى مثله فَلَمَّا كَانَ فِي ايام عبد الرَّحْمَن بن دَاوُد وَوَقع بَينه وَبَين الْحَنَابِلَة أَدخل فِيهَا غَيرهم من الْمذَاهب فشق ذَلِك على الْحَنَابِلَة وَأما أَنا فرأيته حسنا فَإِن فضل الشَّيْخ كَانَ على الْحَنَابِلَة فَقَط فَصَارَ على الْأَرْبَعَة مَذَاهِب وَكَانَ شهَاب الدّين بن عبد الرَّزَّاق قصد إِخْرَاج غَيرهم مِنْهَا وَأرْسل الى مصر ليخرج مراسيم بذلك فَأَدْرَكته الْمنية ودرس للشَّافِعِيَّة بهَا

ترجمة واقفها

الشَّيْخ خطاب ثمَّ ابْن قَاضِي عجلون ثمَّ أَخُوهُ تَقِيّ الدّين وللحنفية عِيسَى الْبَغْدَادِيّ ثمَّ الزين ابْن الْعَيْنِيّ فِي الايوان الشمالي وجدد القَاضِي الْمَالِكِي درسا بهَا ثمَّ انْقَطع انْتهى وَأما شُيُوخ إقراء الْقُرْآن بهَا فَكَانَ داخلها سَبْعَة أَمَاكِن معدة لذَلِك احدها على الخزانة الغربية استجده ابْن مبارك وَاقِف الحاجبية وَالْآخر على الشرقية وَآخر بَينهمَا وَشَيخ الْمدرسَة فِي الْمِحْرَاب وَآخر شرقيه وإثنان غربيه وحلقة ابْن الحبال لإقراء الْقُرْآن وَالْعلم بَين بَابي الْمدرسَة وَالسّلم الشرقيين قلت وَجَمِيع هَذِه المرتبات درست وانقرضت وَمَاتَتْ بِمَوْت أَهلهَا وَكَانَ يُقَال لم يكن شَيْء من أَنْوَاع الْبر إِلَّا وَهُوَ مَوْضُوع فِي العمرية ثمَّ لم تزل الايام تَأتي على أوقافها ومرتباتها بِالنُّقْصَانِ الى ان تولى نظرها الشهَاب احْمَد المنيني ثمَّ صَارَت فِي زمننا الى توفيق المنيني من ذُريَّته فابتلع الوشل الَّذِي بَقِي من أوقافها واهلكها هَلَاكًا لَا يُرْجَى لَهُ برْء تَرْجَمَة واقفها اخْتلف فِي بانيها فَقَالَ النعيمي الظَّاهِر ان هَذِه الْمدرسَة أَصْلهَا من بنابة نور الدّين مَحْمُود بن زنكي لما حَكَاهُ فِي مرْآة الزَّمَان عَن الشَّيْخ ابي عمر أَنه قَالَ كَانَ نور الدّين يزور وَالِدي احْمَد فِي الْمدرسَة الصَّغِيرَة الَّتِي على نهر يزِيد الْمُجَاورَة للدير وَنور الدّين بنى هَذِه الْمدرسَة والمصنع والفرن قَالَ فجَاء نور الدّين لزيارة وَالِدي وَكَانَ فِي سقف الْمَسْجِد خَشَبَة مَكْسُورَة فَقَالَ لَهُ يَا نور الدّين لَو كتشفت السّقف وجددته فَنظر الى الْخَشَبَة وَسكت فَلَمَّا كَانَ من الْغَد جَاءَ معماره وَمَعَهُ خَشَبَة صَحِيحَة فوضعها مَوضِع الْمَكْسُورَة وَمضى قَالَ فَعجب الْجَمَاعَة فَلَمَّا جَاءَ الى الزِّيَارَة قَالَ بعض الْحَاضِرين يَا نور الدّين فاكرتنا فِي كشف سقف وأعادته فَقَالَ لَا وَالله وانما هَذَا الشَّيْخ احْمَد رجل صَالح وَأَنا ازوره لانتفع بِهِ وَمَا أردْت أَن أزخرف لَهُ الْمَسْجِد وانقض مَا هُوَ صَحِيح وَهَذِه الْخَشَبَة يحصل بهَا الْمَقْصُود فدعوني مَعَ حسن ظَنِّي فِيهِ فَلَعَلَّ الله يَنْفَعنِي بِهِ وَلَكِن التَّحْقِيق وَالصَّوَاب ان هَذِه الْمدرسَة الَّتِي بناها نور الدّين هِيَ الْمَسْجِد

الشيخ ابو عمر

الْمُسَمّى بِمَسْجِد نَاصِر الدّين غزلى الْمدرسَة العمرية يفصل بَينهمَا الطَّرِيق وَهِي صَغِيرَة بِالنِّسْبَةِ الى العمرية ومرتب فِيهَا عشرُون من الطّلبَة والدير الْمَذْكُور يعرف بدير الْحَنَابِلَة أَيْضا وَعَلِيهِ أوقاف مِنْهَا قَرْيَة الهامة فَقيل انها وقف على الدَّيْر وَقيل على أَهله من الْحَنَابِلَة وَعَلِيهِ غير ذَلِك والمصنع الْمَذْكُور قبلي الدَّيْر يفصل بَينهمَا النَّهر وَالْحَاصِل ان باني الْمدرسَة هُوَ ابو عمر الشَّيْخ ابو عمر هُوَ مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامَة بن مِقْدَام بن نصر الجماعيلي الْمَقْدِسِي ثمَّ الدِّمَشْقِي الصَّالِحِي ولد سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة بجماعيل ثمَّ هَاجر بِهِ وَالِده وبأخيه الْمُوفق وبأهليهم الى دمشق لاستيلاء الافرنج على الأَرْض المقدسة فنزلوا بِمَسْجِد ابي صَالح ظَاهر بَاب شَرْقي فأقاموا بِهِ نَحوا من سنتَيْن ثمَّ انتقلوا مِنْهُ الى سفح الْجَبَل وَلَيْسَ بِهِ من الْعِمَارَة سوى دير الحوراني قَالَ ابو عمر فَقَالَ النَّاس الصالحية الصالحية ينسبوننا الى مَسْجِد ابي صَالح لأننا صَالِحُونَ ذكره ابْن رَجَب وَابْن مُفْلِح ثمَّ أَن ابا عمر حفظ الْقُرْآن وقرأه بِحرف ابي عَمْرو واعتنى بِالْحَدِيثِ ورحل لأَجله الى مصر وَحفظ مُخْتَصر الْخرقِيّ وتفقه فِي مَذْهَب احْمَد وَأخذ النَّحْو عَن ابْن بري صَاحب حَوَاشِي الصِّحَاح وَكَانَ سريع الْكِتَابَة رُبمَا كتب فِي الْيَوْم كراسين بِالْقطعِ الْكَبِير وَكتب الْحِلْية لابي نعيم وَتَفْسِير الْبَغَوِيّ وَالْمُغني لِأَخِيهِ الْمُوفق والابانة لِابْنِ بطة وَكتب مصاحف كَثِيرَة لأَهله وَكتب الْخرقِيّ للنَّاس وَالْكل بِغَيْر أُجْرَة فَانْظُر الى هَذِه الهمة والغيرة على الْعلم وَكَانَ لَهُ معرفَة فِي الْفِقْه والفرائض والنحو مَعَ الزّهْد وَالْعَمَل وَقَضَاء حوائج النَّاس وترجمه ابْن رَجَب بترجمة مُطَوَّلَة كلهَا ثَنَاء وَذكر مَنَاقِب وَقَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ كَانَ المترجم على مَذْهَب السّلف الصَّالح حسن العقيدة متمسكا بِالْكتاب وَالسّنة والْآثَار المروية ويمرها كَمَا جَاءَت من غير طعن على أَئِمَّة الدّين وعلماء الْمُسلمين قَالَ وأنشدنا لنَفسِهِ نفعنا الله ببركاته (أوصيكم فِي القَوْل بِالْقُرْآنِ ... بقول أهل الْحق والايقان) (لَيْسَ بمخلوق وَلَا بفان ... لَكِن كَلَام الْملك الديَّان) (آيَاته مشرقة الْمعَانِي ... متلوة فِي اللَّفْظ بِاللِّسَانِ) (مَحْفُوظَة فِي الصَّدْر والجنان ... مَكْتُوبَة فِي الصُّحُف بالبنان)

المدرسة العالمة

(وَالْقَوْل فِي الصِّفَات يَا اخواني ... كالذات وَالْعلم مَعَ الْبَيَان) (امرارها من غير مَا كفران ... من غير تَشْبِيه وَلَا عدوان) قلت وَهَذِه الآبيات جمعت سَائِر عقيدة السّلف وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن المترجم كَانَ من الْعباد الصَّالِحين والأولياء الْمُتَّقِينَ توفّي ثامن عشر ربيع الأول سنة سبع وسِتمِائَة الْمدرسَة العالمة شَرْقي الرِّبَاط الناصري غربي سفح قاسيون تَحت جَامع الأفرم قَالَه النعيمي أَقُول أما جَامع الافرم فَهُوَ حَدِيث مضى وانقضى فَإِنَّهُ لم يبْق مِنْهُ أثر والمدرسة تَبعته فَصَارَت بستانا وَلَقَد وقفت تَحت جَامع الأفرم وسرت فِي الطَّرِيق الى جِهَة الغرب فَرَأَيْت بِنَاء فِي الْجَانِب القبلي شاهقا مَبْنِيا بِالْحجرِ الْأَحْمَر وَله بَاب شَاهِق لطيف الصنع والهندسة وداخله قبَّة عالية فتأملت الْجِدَار فَلم أر فِيهِ كِتَابَة وَسَأَلت بعض أهل الصالحية عَنهُ فَقَالَ لي اسْمه خاتون وَبِالْجُمْلَةِ فقد ضَاعَت العالمة وَغَيرهَا وسيلحقها هَذَا الْأَثر وَالْوَقْف عَلَيْهَا بُسْتَان بجسر البطة والغيضة الثَّانِيَة وحكر ابْن صبح عِنْد الشامية وَحكى القَاضِي برهَان الدّين انها محصورة فِي عشْرين من أَعْيَان الطّلبَة وَكَانَ بِهَذِهِ الْمدرسَة دَار حَدِيث درس بهَا مُحَمَّد بن هامل الْحَرَّانِي وَكَانَ لَهُ عناية كُلية بِالْحَدِيثِ وَكتب الْكثير وتعب وَحصل ووقف أجزاءه بالضيائية وَفِي شذرات الذَّهَب مَا ملخصه مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم بن عمار بن هامل بن موهوب الْحَرَّانِي الْحَنْبَلِيّ نزيل دمشق قَالَ الذَّهَبِيّ عني بِالْحَدِيثِ عناية كُلية وَكتب وَحصل واسمع الحَدِيث وَفِيه دين وَحسن عشرَة وَقَالَ الدمياطي هُوَ الامام الْحَافِظ سمع مِنْهُ جمَاعَة من الأكابر توفّي سنة احدى وَسبعين وسِتمِائَة ودرس بهَا أَيْضا يُوسُف بن يحيى ابْن الناصح عبد الرَّحْمَن الشِّيرَازِيّ الأَصْل ثمَّ الصَّالِحِي الْحَنْبَلِيّ وَهُوَ من بَيت مَشْهُور بالعلماء والفضلاء قَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة ولي مشيخة العالمة وَالنَّظَر عَلَيْهَا وعَلى الصاحبة ودرس بهَا

حرف الميم

وَكَانَ مُحدثا فَاضلا توفّي سنة احدى وَخمسين وَسَبْعمائة بالصالحية وَدفن بسفح قاسيون حرف الْمِيم الْمدرسَة المسمارية قبلي القيمرية الْكُبْرَى دَاخل دمشق قرب مئذنة فَيْرُوز قَالَ العلموي مئذنة فَيْرُوز هِيَ الَّتِي جددت الْآن مَعَ الْمدرسَة مَسْجِدا جددها عَليّ جلبي الدفتردار ووقف لَهَا وَقفا وَجعل لَهَا أمامين ومؤذنا وَرَأَيْت بِخَطِّهِ على هَامِش طَبَقَات ابْن رَجَب المسمارية هِيَ الَّتِي بمحلة القيمرية جددها عَليّ جلبي دفتردار التمار وَجعل لَهَا مَنَارَة فِي سنة سبعين وَتِسْعمِائَة وَتسَمى مدرسة شرف الْإِسْلَام انْتهى قلت والمدرسة الْيَوْم مَعْلُومَة وَلكنهَا خربة وَالْوَقْف عَلَيْهَا الحكر الْمَعْرُوف بهَا وَحده من طَرِيق جَامع تنكز الى مَقَابِر الصُّوفِيَّة الى الطَّرِيق الَّذِي فِيهِ القنوات الى الطَّرِيق الْآخِذ الى مدرسة شادي بك وَيعرف قَدِيما ببستانها وحكر الزقاق وَهُوَ الْمَعْرُوف بالساقية بِأَرْض مَسْجِد الْقصب تَرْجَمَة واقفها أَنْشَأَهَا الْحسن بن مِسْمَار الْهِلَالِي الحوراني المقريء التَّاجِر قَالَ ابْن عَسَاكِر قَرَأَ بالروايات وَسمع الحَدِيث ورحل الى بَغْدَاد وَكَانَ يُصَلِّي بِجَامِع دمشق التَّرَاوِيح بِحَلقَة الْحَنَابِلَة وَيقْرَأ فِيهَا بعدة رِوَايَات يخلطها ويردد الْحَرْف الْمُخْتَلف فِيهِ فأنكروا ذَلِك عَلَيْهِ وَقَالُوا هَذَا مَذْهَب يُغير تَرْتِيب النّظم من الْقُرْآن الْكَرِيم وَكَانَ مثريا مقترا على نَفسه بَلغنِي أَنه أوصى عِنْد مَوته باخراج جملَة من زَكَاة مَاله اجْتمعت عَلَيْهِ من سِنِين كَثِيرَة حَتَّى أَمر بإخراجها توفّي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة قَالَ الذَّهَبِيّ وَقد بنى الشَّيْخ هَذِه الْمدرسَة لأجل الشَّيْخ أسعد بن المنجا ووقفها عَلَيْهِ

ابن المنجا

ابْن المنجا أسعد وَيُسمى مُحَمَّد بن المنجا بَرَكَات بن المؤمل التنوخي المعري ثمَّ الدِّمَشْقِي القَاضِي وجيه الدّين أَبُو الْمَعَالِي قَالَ الذَّهَبِيّ ارتحل الى بَغْدَاد وتفقه بهَا على مَذْهَب احْمَد وَأخذ الْفِقْه عَن الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجيلاني وتفقه وَأخذ عَنهُ الشَّيْخ موفق الدّين الْمَقْدِسِي وروى عَنهُ الْمُنْذِرِيّ وَابْن خَلِيل وَابْن النجار توفّي سنة سِتّ وسِتمِائَة قَالَ فِي الشذرات وَهُوَ وَاقِف الوجيهية الَّتِي بِبَاب الْبَرِيد وَهِي مدرسة قريبَة من مدرسة الخاتونية الجوانية وَبهَا خلاوي كَثِيرَة وَلها وقف كثير اختلس قَالَ الناصح ابْن الْحَنْبَلِيّ درس ابْن المنجا بالمسمارية وَكَانَ لَهُ اتِّصَال بالدولة وخدمة السلاطين وأسن وَكبر وكف بَصَره فِي آخر عمره وَله تصانيف مِنْهَا كتاب الْخُلَاصَة فِي الْفِقْه مُجَلد وَالنِّهَايَة فِي شرح الْهِدَايَة فِي بضعَة عشر مجلدا قَالَ ابْن رَجَب وفيهَا فروع ومسائل كَثِيرَة غير مَعْرُوفَة فِي الْمَذْهَب وَالظَّاهِر انه كَانَ ينقلها من كتب غير الْأَصْحَاب ويخرجها على مَا يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب عِنْده وَله الْعُمْدَة فِي الْفِقْه وَقَالَ الْأَسدي ولي قَضَاء حران فِي آخر دولة نور الدّين قَالَ ابْن رَجَب قَرَأت بِخَط السَّيْف بن الْمجد الْحَافِظ قَالَ حَدثنِي الشَّيْخ الْمُوفق حَدثنِي القَاضِي ابو الْمَعَالِي أسعد بن المنجا قَالَ كنت يَوْمًا عِنْد الشَّيْخ أبي الثَّنَاء وَقد جَاءَ ابْن تَمِيم فَقَالَ لَهُ وَيحك الْحَنَابِلَة اذا قيل لَهُم من أَيْن لكم أَن الْقُرْآن بِحرف وَصَوت قَالُوا قَالَ الله تَعَالَى ألم حم كهيعص وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ الْقُرْآن فأعربه فَلهُ بِكُل حرف مِنْهُ عشر حَسَنَات وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع الله الْخَلَائق فيناديهم بِصَوْت الحَدِيث وَأَنْتُم اذا قيل لكم من أَيْن قُلْتُمْ أَن الْقُرْآن معنى فِي النَّفس قُلْتُمْ قَالَ الأخطل ان الْكَلَام لفي الْفُؤَاد فالحنابلة أَتَوا بِالْكتاب وَالسّنة وَقَالُوا قَالَ الله قَالَ رَسُوله وَأَنْتُم قُلْتُمْ قَالَ الأخطل وَهُوَ شَاعِر نَصْرَانِيّ وخالفتم قَول الله وَقَول رَسُوله وَقَالَ ابو مُحَمَّد ابْن الخشاب فتشت دواوين الأخطل فَوجدت الْبَيْت أَن الْبَيَان من الْفُؤَاد فحرفوه وَقَالُوا ان الْكَلَام انْتهى

المنجاية

المنجاية زَاوِيَة بالجامع الْأمَوِي كَانَت تعرف بِابْن المنجا ووقفها ينْسب للعلامة عُثْمَان ابْن أسعد بن المنجا المترجم سَابِقًا قَالَ العلموي ووقفها يبلغ ارتفاعه نَحْو مائَة سلطاني كل سنة انْتهى قلت والسلطاني لم نَعْرِف مَا يُسَاوِي الْيَوْم تَتِمَّة قد عرفنَا من مدارس أَصْحَاب الْمذَاهب الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة فِيمَا وقفنا عَلَيْهِ من كتب التَّارِيخ الى سنة التسْعمائَة والتقطنا أثْنَاء المطالعة مَوَاضِع لم تذكر سَابِقًا وسنسردها هُنَا اتماما للفائدة فَنَقُول ذكر الْأَسدي فِي تَرْجَمَة القَاضِي نظام الدّين ابْن مُفْلِح انه اشْترى بَيت ابْن الشَّهِيد وبناه دَار قُرْآن وَكَانَ يَأْخُذ على الْقَضَاء على وَجه شنيع ويصرفه فِي الْعِمَارَة ثمَّ قَالَ وَبنى مدرسة شَرْقي الصالحية جوَار حمام العلاني ورتب فِيهَا مشيخة للْحَدِيث توفّي سنة سبعين وَثَمَانمِائَة وللحنابلة أوقاف كَثِيرَة قَالَ النعيمي مِنْهَا وقف التَّزْوِيج يعْطى مِنْهُ كل من تزوج من فُقَرَاء الْحَنَابِلَة وَكَانَ بيد القَاضِي عَلَاء الدّين المرداوي ووقف الْإِعْرَاض بِكَسْر الْهمزَة يعْطى مِنْهُ كل من حفظ كتابا على مَذْهَب أَحْمد وَعرضه على أحد شُيُوخ الْمَذْهَب ووقف المراودة من أَوْلَاد الْعَجُوز وفقراء جماعيل من الْحَنَابِلَة وَهُوَ قَرْيَة الكتيبة من بِلَاد حوران فرق هَذَا الْوَقْف زَمنا ثمَّ تغلب عَلَيْهِ بَنو عبد الْملك ثمَّ حكم بانتزاعه مِنْهُم القَاضِي محب الدّين وَكَانَ النّظر عَلَيْهِ لخطباء الْجَامِع المظفري وَفرق مِنْهُ سنة ثَمَان وَسبعين وَسَبْعمائة وَقَالَ الْأَسدي عِنْدَمَا عد مدارس الْحَنَابِلَة وللحنفية والحنابلة حَلقَة الْأَوْزَاعِيّ وللحنابلة حَلقَة السفينية وحلقة الْمِحْرَاب وَكلهَا بالجامع الْأمَوِي

الباب السابع

الْبَاب السَّابِع فِي مدارس الطِّبّ الْمدَارِس المختصة بِعلم الطِّبّ الْقَدِيمَة فِي دمشق كلهَا مندرسة وَلم يبْق لَهَا الْآن أثر وتبعها فن الطِّبّ فِي الأندراس حَتَّى صَار بيد الدجالين والممخرقين والعجائز والعطارين اللَّهُمَّ الا أفرادا كَانَ لَهُم بِهِ إِلْمَام الى أَن اشْتهر فِي زمننا اشتهارا كَبِيرا وَأخذ فِي الرقي وبنيت لأَجله الْمدَارِس وَنحن ذاكرون تراجم الْمدَارِس وَإِن كَانَت مندرسة ليعلم الْقَوْم مَا كَانَ عَلَيْهِ سلفهم من الاعتناء بِالْعلمِ وترقيه وبذل الْأَمْوَال فِيهِ وَبِه تَعَالَى العون الْمدرسَة الدخوارية كَانَت بالصاغة العتيقة قرب الخضراء بدرب العميد قبلي الْجَامِع الْأمَوِي قَالَ العلموي وبستان الدخوار عِنْد أَرَاضِي الْجَامِع الْأمَوِي من قصر اللباد شماليها وَحده شمالا نهر ثورا أهـ تَرْجَمَة واقفها قَالَ ابْن شقدة فِي منتخب شذرات الذَّهَب الْمُهَذّب الدخوار عبد الرَّحِيم بن عَليّ ابْن حَامِد الدِّمَشْقِي شيخ الطِّبّ وواقف الْمدرسَة الَّتِي بالصاغة العتيقة على الْأَطِبَّاء ولد سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَأخذ عَن الْمُوفق ابْن مطران والرضي الرَّحبِي وَأخذ الْأَدَب عَن الْكِنْدِيّ وانتهت إِلَيْهِ معرفَة الطِّبّ وصنف التصانيف فِيهِ وحظي عِنْد الْمُلُوك وَلما تجَاوز سنّ الكهولة عرض لَهُ خرس حَتَّى بَقِي لَا يكَاد يفهم كَلَامه واجتهد فِي علاج نَفسه فَمَا أَفَادَ بل ولد لَهُ أمراضا وَكَانَ دخله فِي الشَّهْر مائَة وَخمسين دِينَارا وَله أقطاع تعدل سِتَّة آلَاف وَخَمْسمِائة دِينَار وَلما ثقل لِسَانه كَانَ الْجَمَاعَة يبحثون بَين يَدَيْهِ فَيكْتب لَهُم مَا أشكل عَلَيْهِم فِي اللَّوْح وَاسْتعْمل

الرخي

المعاجين الحادة فعرضت لَهُ حمى قَوِيَّة اضعفت قوته وزادت الى أَن سَالَتْ عينه وترجمه أَحْمد بن أبي أصيبعة فِي عُيُون الأنباء فِي طَبَقَات الْأَطِبَّاء تَرْجَمَة مُطَوَّلَة وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء عَظِيما وَبَالغ فِي مدحه وَقَالَ أتعب نَفسه فِي الِاشْتِغَال وكد خاطره فِي تَحْصِيل الْعلم حَتَّى فاق اهل زَمَانه فِي صناعَة الطِّبّ وحظي عِنْد الْمُلُوك ونال من جهتهم من المَال والجاه مَا لم ينله غَيره من الاطباء الى أَن توفّي واشتغل بِالْعَرَبِيَّةِ وَحصل الْعُلُوم وخدم الْملك الْعَادِل أَبَا بكر بن أَيُّوب فِي صناعَة الطِّبّ ثمَّ صَار رَئِيسا على أطباء مصر وَالشَّام وَتَوَلَّى التدريس بالبيمارستان النَّوَوِيّ الْكَبِير واشتغل فِي بالتدريس قَالَ وَكَانَ يظْهر من ملح صناعَة الطِّبّ وَمن غرائب المداواة والتقصي فِي المعالجة والاقدام بِصِفَات الادوية الَّتِي تبرىء فِي اسرع وَقت مَا يفوق بِهِ اهل زَمَانه وَيحصل من تأثيرها شَيْء كَأَنَّهُ سحر ولازم سيف الدّين الْآمِدِيّ فِي الِاشْتِغَال عَلَيْهِ بالعلوم الْحكمِيَّة وَحفظ شَيْئا من كتبه وَحصل مُعظم مصنفاته ليشتغل بهَا وَنظر فِي علم الهيئه والنجوم واقتنى من آلاتهما مَا لم يكن عِنْد غَيره وَتُوفِّي سنة ثَمَان وَعشْرين وستمائه قَالَ ووقف دَاره الَّتِي بِدِمَشْق عِنْد الصاغه العتيقه شَرْقي سوق المناخليين وَجعلهَا مدرسه يدرس فِيهَا من بعده فن الطِّبّ ووقف لَهَا ضيَاعًا وعدة أَمَاكِن يستغل مِنْهَا مَا ينْصَرف فِي مصالحها وَفِي جامكية الْمدرس وجامكية المشتغلين بهَا ووصى أَن يكون الْمدرس بهَا الْحَكِيم شرف الدّين عَليّ ابْن الرَّحبِي ثمَّ درس بهَا المظفر ابْن قَاضِي بعلبك وَألف الدخوار كتبا مِنْهَا اخْتِصَار الْحَاوِي فِي الطِّبّ للرازي واختصار كتاب الأغاني الْكَبِير لأبي الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ ومقالة فِي الاستفراغ وَكتاب الجنينة فِي الطِّبّ ومسائل وتعاليق وشكوك طبية رد أجوبتها لَهُ وَكتاب الرَّد على شرح ابْن صَادِق لمسائل حنين ومقالة يرد بهَا على رِسَالَة أبي الْحجَّاج يُوسُف الاسرائيلي فِي تَرْتِيب الأغذية اللطيفة والكثيفة فِي تنَاولهَا إنتهى منتخبا من طَبَقَات الْأَطِبَّاء الرخي من المدرسين بِهَذِهِ المجرسة يُوسُف بن حيدر شيخ الطِّبّ بِالشَّام وَأحد من انْتَهَت إِلَيْهِ معرفَة الْفَنّ وَيُقَال لَهُ الرخي بتَشْديد الْخَاء الْخَاء الْمُعْجَمَة نِسْبَة الى الرخ نَاحيَة

الموصلي

بنيسابور قَالَ ابْن شقدة قدم دمشق مَعَ أَبِيه حيدرة الكحال فِي سنة خمسين وَخَمْسمِائة ولازم الِاشْتِغَال على الْمُهَذّب ابْن النقاش فَنَوَّهَ باسمه وَنبهَ على علمه وَصَارَ من أطباء صَلَاح الدّين وامتدت أَيَّامه وَصَارَت أطباء الْبَلَد تلامذته حَتَّى أَن من جملَة أَصْحَابه الْمُهَذّب الدخوار وعاش سبعا وَتِسْعين سنة ممتعا بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة قَالَه فِي العبر الْموصِلِي وَمن مدرسيها عَليّ بن أَحْمد بن مقبل الْموصِلِي قَالَ ابْن كثير كَانَ شيخ الحَدِيث وَأعلم أهل زَمَانه بالطب وَله فِيهِ تصنيف حسن وَكَانَ كثير الصَّدَقَة حسن الْأَخْلَاق توفّي سنة عشر وسِتمِائَة السويدي وَمن مدرسيها ابراهيم بن مُحَمَّد بن طرخان الْأنْصَارِيّ الدِّمَشْقِي ولد سنة سِتّمائَة سمع من الشَّمْس الْعَطَّار وَابْن ملاعب وَطَائِفَة وتأدب على ابْن معطي وَأخذ الطِّبّ عَن الْمُهَذّب الدخوار وبرع فِيهِ وصنف وفَاق الأقران وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ الْمليح وَنظر فِي العقليات وَألف كتاب الباهر فِي الْجَوَاهِر وَكتاب التَّذْكِرَة فِي الطِّبّ وَتُوفِّي سنة تسعين وسِتمِائَة قَالَه فِي منتخب الشذرات نقلا عَن العبر وَقَالَ عَنهُ السويدي الْحَكِيم شيخ الْأَطِبَّاء وَهُوَ مَنْسُوب الى السويداء بَلْدَة بحوران ابْن النفيس هُوَ الْعَلامَة عَلَاء الدّين عَليّ ابْن أبي الحزم الْقرشِي ابْن النفيس الدِّمَشْقِي شيخ الطِّبّ بالديار المصرية وَصَاحب التصانيف من انْتَهَت اليه معرفَة الطِّبّ مَعَ الذكاء المفرط والذهن الخارق والمشار إِلَيْهِ فِي الْفِقْه وَالْأُصُول والعربية والمنطق قَالَ الذَّهَبِيّ ألف فِي الطِّبّ كتاب الشَّامِل وَهُوَ كتاب عَظِيم تدل فهرسته على أَن يكون ثَلَاثمِائَة مجلدة بيض مِنْهَا ثَمَانِينَ مجلدة وَكَانَت تصانيفه يُمْلِيهَا من حفظه وَلَا يحْتَاج الى مُرَاجعَة لتجرده فِي الْفَنّ

الدنيسرية

وَقَالَ السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَات هُوَ إِمَام الْأَطِبَّاء ذُو التصانيف الفائقة ذكر أَنه كَانَ يكْتب تصانيفه من صَدره من غير مُرَاجعَة كتاب حَال التصنيف وَبِالْجُمْلَةِ أجمع النَّاس على أَن الْأَعْين لم تَرَ مثله فِي الطِّبّ وَلَا من يدانيه لَا فِي زَمَانه وَلَا قبله بِمِائَتي سنة وَكَانَ اشْتِغَاله بالطب بِدِمَشْق على مهذب الدّين الدخوار وَقد صنف فِي أصُول الْفِقْه وَفِي الْفِقْه والْحَدِيث والعربية وَالْبَيَان وَمَات سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَقَالَ الأسنوي فِي طَبَقَات الشَّافِعِيَّة كَانَ ابْن النفيس امام وقته فِي فنه شرقا وغربا بِلَا مدافعة اعجوبة زَمَانه وصنف فِي الْفِقْه وَفِي أُصُوله وَفِي الْعَرَبيَّة والجدل وَالْبَيَان وانتشرت عَنهُ التلامذة وَقَالَ فِي العبر ووقف أملاكه وَكتبه على المارستان المنصوري وَلم يخلف بعده مثله وَقَالَ ابْن كثير شرح القانون لِابْنِ سينا وصنف الموجز فِي الطِّبّ الدنيسرية كَانَت غربي بَاب المارستان النوري والصلاحية بآخر الطَّرِيق من قبله وَيظْهر من كَلَام العلموي أَنَّهَا تهدمت وتغيرت صورتهَا قَالَ وَهِي الْمَسْجِد الَّذِي بناه مُحَمَّد بك قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق وَجعل بِهِ مكتبا فَليُحرر أهـ قلت وحررت فَلم أَقف لَهُ على أثر وَالله أعلم بِمَا صَار إِلَيْهِ تَرْجَمَة واقفها تَرْجمهُ ابْن أبي أصيبعة فِي طَبَقَات الْأَطِبَّاء بترجمة حافلة ذكر فِيهَا كثيرا من نظمه وَقَالَ مُحَمَّد بن عَبَّاس بن أَحْمد بن عبيد الربعِي الدنيسري ذُو النَّفس الفاضلة والمروءة الْكَامِلَة والأريحية التَّامَّة والعوارف الْعَامَّة والذكاء الوافر وَالْعلم الباهر ولد بِمَدِينَة دنيسر سنة خمس وسِتمِائَة واشتغل بصناعة الطِّبّ الى أَن برع فِيهِ وتفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي وَأقَام بِدِمَشْق وخدم البيمارستان النوري ثمَّ أورد لَهُ شعرًا كثيرا مِنْهُ

(عذارك المخضر يامنيتي ... لما بدا الخد ثمَّ اسْتَدَارَ) (أَقَامَ عُذْري عِنْد أهل الْهوى ... وَصَحَّ مَا قيل عَن الإعتذار) (وَكَانَ فِي ذَاك لنا آيَة ... اذ جمع اللَّيْل مَعَ النَّهَار) وَله من الْكتب الْمقَالة المرشدة فِي درج الْأَدْوِيَة المفردة وَكتاب نظم الترياق الفاروقي كتاب فِي المتروديطوس كتاب فِي تقدمة الْمعرفَة لابقراط أرجوزة وَله ديوَان شعر وَقَالَ فِي الشذرات صحب المترجم الْبَهَاء زُهَيْر مُدَّة وتأدب بِهِ وصنف وَقَالَ الشّعْر وبرع فِي الطِّبّ وَالْأَدب وَمن شعره (فِيمَا التعلل بالألحاظ والمقل ... وَكم أُشير الى الغزلان والغزل) (وَكم أعرض من فرط الغرام بِهِ ... عَن قده بغصون البان فِي الْميل) (مَا لَذَّة الْعَيْش إِلَّا أَن أكون كَمَا ... قد قيل فِيمَا مضى من سالف الْمثل) (صرحت بِاسْمِك يَا من لَا شَبيه لَهُ ... أَنا الغريق فَمَا خوفي من البلل) (يَا عاذلي كف عَن عذلي فَبِي قمر ... قد حجبوه عَن الْأَبْصَار بالأسل) (معقرب الصدغ فِي تكوين صورته ... معنى يجل عَن الْإِدْرَاك بالمقل) وَله (من يكن شَافِعِيّ الى حنبلي ... وَهُوَ وَالله مالكي لَا محَالة) (حَنَفِيّ بوصله عَن كئيب ... وعَلى قَتله أَقَامَ الدّلَالَة) (بثقات من الْجمال شُهُود ... حسن القَوْل فيهم وَالْعَدَالَة) (نَاظر فاتن وطرف كحيل ... وجبين هاد ودمع أساله) (قد تذللت اذ تدلل حَتَّى ... صرت أَهْوى تذللي ودلاله) (وَطلبت الْوِصَال مِنْهُ فَنَادَى ... مت بذا الْهوى على كل حَاله) (قمر تخجل البدور لَدَيْهِ ... وغزال تغار مِنْهُ الغزاله) (رشأ بالجمال نبئ فِينَا ... ثمَّ أوحى الى الْقُلُوب رساله) (أهيف بالجنون أسهر جفني ... كَيفَ صبري وَقد رَأَيْت جماله) (قد أمال الْقُلُوب قسرا لَدَيْهِ ... وَإِذا مَال فالنسيم أماله) (لامني فِيهِ عاذلي وتعدى ... أَنا مَالِي وللعذول وَمَاله) توفى سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة

المدرسة اللبودية

الْمدرسَة اللبودية هِيَ مدرسة كَانَت خَارج الْبَلَد ملاصقة لبستان الْفلك المشيري قَالَ العلموي هَذِه الْمدرسَة شَرْقي بُسْتَان الشموليات وبستان اللبودي وَكِلَاهُمَا وقف الْجَامِع الْأمَوِي عِنْد جسر النَّهر الصَّغِير الْخَارِج من حمام الْفلك مُقَابل بَابه وَهِي الْآن رحبة خراب ورسم بَابهَا مَوْجُود ورسم شباكها بل ودمنة الْمقْبرَة بِالْمَدْرَسَةِ مَوْجُودَة الى الْآن أهـ قلت وَهَذَا كَانَ فِي زَمَنه وَأما الْآن فَلَا رسم وَلَا طلل وَلها وَلَا للحمام {إِن الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده} آيَة 7 / 127 تَرْجَمَة واقفها يحيى بن مُحَمَّد بن عَبْدَانِ الدِّمَشْقِي اللبودي هُوَ وَاقِف اللبودية الَّتِي عِنْد حمام الْفلك المبرز على الْأَطِبَّاء ولديه فَضِيلَة بِمَعْرِِفَة الطِّبّ وَقد ولي نظر الدَّوَاوِين بِدِمَشْق وَقَالَ العلموي كَانَ عَلامَة وقته فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة مفرط الذكاء والفطنة توفّي سنة احدى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة عَن سبع وَخمسين سنة وَشرح مُحَصل الرَّازِيّ وفصول ابقراط وَدفن بتربته بطرِيق المزة وَقَالَ فِي عُيُون الأنباء هُوَ الْحَكِيم السَّيِّد الْعَالم الصاحب نجم الدّين ابو زَكَرِيَّا يحيى ابْن الْحَكِيم مُحَمَّد بن عَبْدَانِ بن عبد الْوَاحِد أوحد فِي الصِّنَاعَة الطبية قدوة فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة مفرط الذكاء فصيح اللَّفْظ شَدِيد الْحِرْص فِي الْعُلُوم متفنن فِي الْآدَاب قد تميز فِي الْحِكْمَة على الْأَوَائِل وَفِي البلاغة على سحبان وَائِل لَهُ النّظم البديع مولده بحلب سنة سبع وسِتمِائَة وأتى بِهِ أَبوهُ الى دمشق وَهُوَ صَغِير ولازم

الْمُهَذّب عبد الرَّحِيم الدخوار بصناعة الطِّبّ وتميز فِي الْعُلُوم حَتَّى صَار أوحد زَمَانه وخدم الْملك الْمَنْصُور ابراهيم بن شيركوه بن شاذي صَاحب حمص وَلم تزل أَحْوَاله تنمو عِنْده حَتَّى استوزره وفوض اليه أُمُور دولته وَكَانَ لَا يُفَارِقهُ لافي سفر وَلَا فِي حضر وَلما توفّي الْملك الْمَنْصُور اتَّصل بِخِدْمَة الْملك الصَّالح أَيُّوب ابْن الْملك الْكَامِل وَهُوَ بالديار المصرية فَجعله نَاظرا على الدِّيوَان بالاسكندرية وَجعل مقرره فِي كل شهر ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم وَبَقِي على ذَلِك مُدَّة ثمَّ توجه الى الشَّام وَصَارَ نَاظرا على الدِّيوَان بِجَمِيعِ الْأَعْمَال الشامية وَأورد لَهُ فِي عُيُون الانباء نثرا وقصائد فِي مدح سيدنَا ابراهيم الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَمن كَلَامه (اذا ضَاقَ أَمر فاصبر سَوف ينجلي ... فكم حر نَار أعقبت بِسَلام) (وَلَا تسْأَل الْأَيَّام دفع ملمة ... فلست ترى أمرا حَلِيف دوَام) وَمن مؤلفاته مُخْتَصر الكليات من كتاب القانون لِابْنِ سينا مُخْتَصر كتاب الْمسَائِل لحنين بن اسحاق مُخْتَصر كتاب الاشارات والتنبيهات لِابْنِ سينا مُخْتَصر كتاب عُيُون الْحِكْمَة لِابْنِ سينا مُخْتَصر كتاب الملخص ابْن الْخَطِيب الرّيّ مُخْتَصر كتاب المعاملين فِي الأصولين مُخْتَصر كتاب أوقليدس مُخْتَصر مصادرات أوقليدس كتاب اللمعات فِي الْحِكْمَة كتاب آفَاق الاشراق فِي الْحِكْمَة كتاب المناهج القدسية فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة كَافِيَة الْحساب فِي علم الْحساب غَايَة الغايات فِي الْمُحْتَاج اليه من أقليدوس والمتوسطات تدقيق المباحث الطبية فِي تَحْقِيق الْمسَائِل الخلافية على طَرِيق مسَائِل خلاف الْفُقَهَاء مقَالَة فِي الْبر شعثا كتاب ايضاح الرَّأْي السخيف من كَلَام الْمُوفق عبد اللَّطِيف وَألف هَذَا الْكتاب وَله من الْعُمر ثَلَاث عشرَة سنة غَايَة الْأَحْكَام فِي صناعَة الْأَحْكَام الرسَالَة السّنيَّة فِي شرح الْمُقدمَة المطرزية الْأَنْوَار الساطعات فِي شرح الْآيَات الْبَينَات كتاب نزهة النَّاظر فِي الْمثل السائر الرسَالَة الْكَامِلَة فِي علم الْجَبْر والمقابلة الرسَالَة المنصورية فِي الاعداد الوفقية الزاهي فِي اخْتِصَار الزيج الشاهي الزيج المقرب الْمَبْنِيّ على الرصد المجرب هَذَا كَلَام عُيُون الأنباء مُلَخصا وَلَكِن لم يذكر انه بنى مدرسة

تتمة في ذكر البيمارستانات

تَتِمَّة فِي ذكر البيمارستانات يحسن بِنَا أَن نردف الْكَلَام على مدارس الطِّبّ بِمَا كَانَ فِي دمشق من البيمارستانات لِأَنَّهَا بنيت للغاية الَّتِي بنيت لأَجلهَا مدارس الطِّبّ وَزِيَادَة وَهِي أَنَّهَا كَانَت مأوى المرضى ومجتمع العقاقير فَنَقُول البيمارستان الصَّغِير قَالَ ابْن شقدة فِي منتخب شذرات الذَّهَب البيمارستان الصَّغِير بِدِمَشْق اقدم من البيمارستان النوري وَكَانَ مَحَله قبلي مطهرة الْجَامِع الْأمَوِي وَأول من عمره بَيْتا وَخرب رسوم البيمارستان مِنْهُ أَبُو الْفضل الأخنائي ثمَّ ملكه بعده أَخُوهُ الْبُرْهَان الأخنائي وَهُوَ تَحت المئذنة الغربية بالجامع الْأمَوِي من جِهَة الغرب وينسب إِلَى انه عمَارَة مُعَاوِيَة وَابْنه انْتهى قلت وَلَا رسم لَهُ الْآن وَلَا طلل البيمارستان النوري بناه الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي وأوقف عَلَيْهِ جملَة كَبِيرَة من الْكتب الطبية وَكَانَت فِي الخزانتين اللَّتَيْنِ فِي صدر الايوان وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ فِي تَرْجَمته وَهُوَ مَشْهُور لم يزل إِلَى الْآن وَقد كَانَ الْأَطِبَّاء يردون اليه وينام فِيهِ المرضى إِلَى قرب الثلاثمائة بعد الْألف إِلَى أَن عمرت الْحُكُومَة مستشفى الغرباء بمحلة البرامكة وتناوبته الْأَطِبَّاء وقصده المرضى من الْفُقَرَاء والغرباء فاتخذته الْحُكُومَة مدرسة للإناث فَلم يَنْقَطِع مِنْهُ النَّفْع فرحم الله بانيه واسكن روحه فراديس الْجنان البيمارستان القيمري هُوَ بالصالحية بِدِمَشْق بِالْقربِ من جَامع الشَّيْخ مُحي الدّين مُحَمَّد بن عَرَبِيّ الطَّائِي الْحَاتِمِي الاندلسي وَهُوَ بَاقٍ إِلَى الْآن وَلكنه قد تناولته يَد المختلسين وعَلى بَابه مَكْتُوبَة أوقافه وَاسم بانيه وَهُوَ يَدْعُو أهل الهمة والغيرة لترميمه وَالِانْتِفَاع بِهِ وَلَو بجعله مدرسة وسأتشبث بذلك إِن أعانني الله تَعَالَى

ترجمة بانيه

وَالَّذِي مَكْتُوب على بَابه 1 - خَان التوتة بحكر السماق بِكَمَالِهِ 2 - وَحِصَّة بطاحونة بَاب توما أَربع قراريط 3 - وخان شمَالي البيمارستان يشْتَمل على بيُوت جمَاعَة 4 - وقاعة شَرْقي البيمارستان 5 - وحوانيت ومسلخ بِبَاب البيمارستان حَانُوت 17 6 - وقاعة وَحجر وإصطبل تَحت وقف أَمِير الدّين بدا تَرْجَمَة بانيه قَالَ ابْن شقدة هُوَ سيف الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن أبي الفوارس القيمري صَاحب البيمارستان بصالحية دمشق كَانَ من أجلة الْأُمَرَاء وأبطالهم الْمَذْكُورين وصلحائهم الْمَشْهُورين وَهُوَ ابْن أُخْت صَاحب قيمر توفّي بنابلس وَنقل فَدفن بقبته الَّتِي بِقرب مارستانه بالصالحية سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة وَتَقَدَّمت تَرْجَمته عِنْد الْكَلَام على مدرسته هَذَا هُوَ الْمَكْتُوب على الْأَحْجَار كل حجر بمفرده وَالْبَاقِي سطران وهما هَذَا مَا أوقفهُ وحبسه وابده الْأَمِير سيف الدّين القيمري رَحمَه الله تَعَالَى على هَذَا البيمارستان فَمن المرج نصف قَرْيَة البحدلية وَكَذَلِكَ قَرْيَة المسعودية بكمالها وَأَيْضًا قَرْيَة المعاضدية وَأَيْضًا من قَرْيَة بَالا تِسْعَة قراريط وَنصف الحصص من الاضاع الحولانية دير أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام بكمالها دير الهرير وطواحينها بكمالها ودير السوج بطواحينها والحصة النّصْف وَالرّبع مِنْهَا وَمن قَرْيَة عترة الرّبع وَمن قَرْيَة فادا النّصْف وَالثمن سَرِيَّة ثَلَاثَة قراريط وَنصف من المسقف حِصَّة بزامخشي بقيسارية قيراطين وحانوت بالفسقار مَضْمُونَة برستم الشوى وَصفَة نوح سَبْعَة عشر حانوتا الْحصَّة من اللط ربع قِيرَاط اوابد وَضم شوارد تلِيق بالْمقَام فِي اولية فن الطِّبّ حكى الْوَزير جمال الدّين عَليّ بن يُوسُف القفطي فِي كِتَابه أَخْبَار الْعلمَاء بأخبار

الْحُكَمَاء فِي تَرْجَمَة اسقلبيوس الْحَكِيم كلَاما طَويلا فِي شَأْن أولية الطِّبّ فمخضنا زبدته واثبتنا نتيجته واليك ذَلِك إِن الْكَلَام فِي الأوليات عُمُوما وَفِي أولية الطِّبّ وَمن أحدثه وَفِي أَي زمن وجد عسر جدا وَذَلِكَ أَن الَّذين يَقُولُونَ بقدم الْعَالم يَقُولُونَ أَن الطِّبّ قديم بقدم الْعَالم لَان الطِّبّ ملازم للْإنْسَان فِي حَالَة وجوده وَالْإِنْسَان قديم فالطب قديم والفرقة الْأُخْرَى الَّتِي تعتقد حُدُوث الْأَجْسَام تَقول الطِّبّ مُحدث لَان الْأَجْسَام الَّتِي يسْتَعْمل فِيهَا الطِّبّ محدثة واصحاب الْحُدُوث ينقسمون فِي القَوْل الي قسمَيْنِ فالقسم الْوَاحِد يَقُول أَن الطِّبّ خلق مَعَ الْإِنْسَان إِذْ كَانَ من الْأَشْيَاء الَّتِي بهَا صَلَاحه وَبَعْضهمْ يَقُول أَن الطِّبّ خلق بعد خلق الْإِنْسَان وَأجَاب هَؤُلَاءِ عَن قَول بعض الْحُكَمَاء أَن اسقلبيوس هُوَ مخترع الطِّبّ بِأَن حَدِيثه لَيْسَ إِلَّا على سَبِيل السمر هَذَا مَعَ إِجْمَاع الْأَطِبَّاء الأول على انه أول من استخرج الطِّبّ واستنبطه وَقَالُوا جَاءَهُ الطِّبّ على لِسَان الْوَحْي فَأَما حصر زَمَانه وزمان من جَاءَ بعده فقد ذكرُوا من عدَّة السنين مِمَّا بَينه وَبَين جالينوس مَا يزِيد على خَمْسَة آلَاف سنة فَهَذَا يدل على انه كَانَ قبل الطوفان وكل مَا هُوَ قبل الطوفان لم تعلم حَقِيقَته لعدم الْمخبر بِهِ على الْوَجْه الصَّحِيح على ان جالينوس قَالَ فِي تَفْسِير كتاب العهود لابقراط الَّذِي يتناهى إِلَيْنَا من قصَّة اسقلبيوس قَولَانِ أَحدهمَا لغز وَالْآخر طبيعي أما اللغز فَيذْهب فِيهِ الى انه قُوَّة من قوى الله تَعَالَى واشتق لهَذَا الِاسْم من فعلهَا وَهُوَ منع اليبس وَزعم ابْن جلجل انه كَانَ تلميذا لهرمس الْمصْرِيّ وَذكر ابقراط فِي كتاب إيمَانه وَعَهده ان هَذَا الِاسْم فِي لِسَان اليونانيين مُشْتَقّ من الْبَهَاء والنور والطب صناعَة اسقلبيوس يَعْنِي لَا يجب تعاطيها الا لمن كَانَ على الطَّهَارَة العفاف والتقى وانه لَا يجب ان يعلم للاشرار وَلَا لِذَوي الانفس الخبيثة وَإِنَّمَا يجب ان يتعلمها الاشراف والمتألهون العارفون بِاللَّه ثمَّ إِن الْأَوَّلين مُنْذُ نشأة الطِّبّ كَانَ بَينهم العهود والمواثيق ان لَا يعلمُوا صناعَة الطِّبّ غَرِيبا وَحكى القفطي فِي تَرْجَمَة بقراط اَوْ ابقراط ان الطِّبّ كَانَ استنباطه بالتجربة وَذَلِكَ ان امْرَأَة ابْتليت بِضعْف الْمعدة وامتلاء الصَّدْر بالاخلاط فاتفق أَن أكلت الرَّأْس بِشَهْوَة منهالة فَذهب وجعها وَرجعت الى صِحَّتهَا وَكَانَت من اهل مصر فانتبهوا لذَلِك واقبلوا على فن الطِّبّ بالتجارب وَذكر هَذَا اسحاق بن حنين فِي تَارِيخه انْتهى قلت وَمثل هَذَا هُوَ الصَّوَاب لَان فن الطِّبّ الى الْآن وَلم يزل يتَقَدَّم بالتجربة

والاكتشاف والاختراع وَثمّ اقوال كَثِيرَة فِي كتب الطِّبّ وَتقدم إِن الاطباء الَّذين كَانُوا قبل ابقراط كَانُوا يَبْخلُونَ بتعليم هَذَا الْفَنّ وَلَا يعلمونه للغرباء حَتَّى جَاءَ ابقراط فَكَانَ أول من علمه الغرباء وجعلهم كأولاده لما خَافَ على الطِّبّ ان يفنى من الْعَالم كَمَا ذكر ذَلِك عَن نَفسه فِي كتاب عَهده الى الاطباء الغرباء وَألف التآليف الغريبة النافعة فِيهِ وشاع ذَلِك الْفَنّ ثمَّ جَاءَ بعده جالينوس وَلَكِن بِنَحْوِ سِتّمائَة سنة فاستنبط علم التشريح وَلم يسْبقهُ إِلَيْهِ أحد وَألف فِيهِ سبع عشرَة مقَالَة وَكَانَت لَهُ بِمَدِينَة رُومِية مجَالِس مقامية يخْطب فِيهَا وَيظْهر من علمه بالتشريح مَا يعرف بِهِ فَضله وَكَانَ لَا يقنع من علم الاشياء بالتقليد دون الْمُبَاشرَة ولولاه مَا بَقِي علم الطِّبّ ولكان مندرسا واثرا من الْعَالم جملَة وَلكنه اقام أوده وَشرح غامضه وَبسط مستصعبه وَكَانَ متصفحا لجَمِيع كَلَام المؤلفين فَلم يسلم اُحْدُ من القدماء مِنْهُ الا مشدوخا وَكَانَت وَفَاته قبل الْمَسِيح بِسبع وَخمسين سنة وَقَالَ عبيد الله بن بختيشوع ظهر جالينوس ايام الْملك انطونينوس باني مَدِينَة ايليوبوليس الْمُسَمَّاة ببعلبك وَهُوَ الَّذِي استخدم جالينوس وَقَالَ اسحاق ان بَين وَفَاة جالينوس الى سنة تسعين وَمِائَتَيْنِ لِلْهِجْرَةِ ثَمَانمِائَة وَخمْس عشرَة سنة وعاش جالينوس على مَا ذكره اسحاق بن حنين فِي تَارِيخه وَنسبه الى يحي النَّحْوِيّ سبعا وَثَمَانِينَ سنة وَهَذَا اعْدِلْ مَا يُمكن علمه وَفِي كتاب التَّوْضِيح فِي اصول التشريح ليوحنا ورتبات ان صناعَة التشريح كَانَت مَعْدُومَة فِي الازمنة الْقَدِيمَة الى ان قَامَت مدرسة الاسكندرية الشهيرة الَّتِي انشأها بطليموس الاول الَّذِي تولى مصر بعد الاسكندر الْكَبِير قبل التَّارِيخ المسيحي بِنَحْوِ ثَلَاثمِائَة سنة وَهِي اول مدارس الْعَالم فِي ذَلِك الْوَقْت فَجمعت فِيهَا مكتبة عَظِيمَة وادوات التَّعْلِيم فِي الْهَيْئَة والطب ودعي اليها المعلمون وَأمرت الْحُكُومَة بِدفع جثث المقتولين بِسَبَب جرائمهم الى الْمدرسَة الطبية لاجل التشريح وَبَقِي الِاسْم الاول لهَذِهِ الْمدرسَة الى مَا بعد التَّارِيخ المسيحي بِنَحْوِ ثَلَاثمِائَة سنة وَيظْهر ان معارف الرومانيين كَانَت منقولة عَنْهَا بالتدريج ثمَّ اضمحلت الْعُلُوم فِي الْمغرب من الْقرن السَّابِع بعد الْمَسِيح الى الْقرن الثَّانِي عشر فَأَخذهَا الاسلام فِي الْمشرق وازدهرت بَينهم الى أَن بلغُوا فِيهَا الرُّتْبَة الأولى إِلَّا انهم لم

خاتمة في ذكر ما انشئ في دمشق من المعاهد العلمية وذكر ما هو موجود منها الآن مما تقدم ذكره

يتقدموا على من سبقهمْ فِي علم التشريح بل اكتفوا بِمَا نقلوه من الْكتب اليونانية لانهم كَانُوا يأبون تشريح الْمَوْتَى وَمن الْقرن الثَّانِي عشر الى الْقرن الْخَامِس عشر بنيت عدَّة من الْمدَارِس الْكُلية فِي اوربا واضيف لكل وَاحِدَة مِنْهَا مدرسة طبية وَكَانَ اول من شرح الجثة البشرية فِيهَا تشريحا مشتهرا الْمعلم مونديني مدرس التشريح فِي مدرسة بولونيا وَذَلِكَ نَحْو سنة خمس عشرَة وثلاثمائة وَألف مسيحية وَمن ذَلِك الْوَقْت اخذ علم التشريح فِي التَّقَدُّم لكنه كَانَ خَاصّا بالمدارس الى بداية الْقرن الثَّامِن عشر فَظهر ظهورا عَاما الى ان وصل لدرجة لَا يكَاد يكون عَلَيْهَا مزِيد وَكَثُرت فِيهِ المؤلفات الى ان صَار الان اوضح واثبت الْعُلُوم الطبية هَذَا مَا قيل عَن التشريح واما الطِّبّ فَإِنَّهُ تَأَخّر فِي الْقُرُون الأولى الى ان صَارَت لَهُ شعشعة فِي مدرسة الاسكندرية ثمَّ تضاءل وَصغر الى ايام الْخُلَفَاء العباسيين فَأقبل الْمُلُوك على احياء آثاره وترجمت كتبه ايام الْمَأْمُون فبرع الْمُسلمُونَ وَغَيرهم فِيهِ براعة زَائِدَة كَمَا يعلم من طَبَقَات الاطباء الى ان بنيت مدرسة بولونيا فَصَارَ ظله يَتَقَلَّص من الشرق وَيظْهر نوره فِي الغرب الى ان انتقضت قَوَاعِده الاولى وَظهر فِي طور جَدِيد وَفِي نصف الْقرن الثَّالِث عشر لِلْهِجْرَةِ بَدَأَ الشرق يسْتَردّ مَا سلب مِنْهُ شَيْئا فَشَيْئًا الى أَن رد اليه بعض شبابه فِي زمننا هَذَا واكثرت الدولة العثمانية من بِنَاء مدارسه وبنيت بِدِمَشْق مدرسة الطِّبّ على الطّراز الْجَدِيد فِي نَحْو الالف وثلاثمائة وَعشْرين وَقد قضى الله انه لَا يسلب من اُحْدُ شَيْء الا وَيرد اليه بعد حِين خَاتِمَة فِي ذكر مَا انشئ فِي دمشق من الْمعَاهد العلمية وَذكر مَا هُوَ مَوْجُود مِنْهَا الْآن مِمَّا تقدم ذكره يعلم الْمطَالع لهَذَا الْكتاب ان الزَّمَان اخنى على مُعظم مَا مر ذكره من الْمدَارِس والمعاهد العلمية وَلم نذْكر مَا اباده الا للتذكار ولتنبيه الْقَوْم على مَا أسسه اسلافهم من الْمجد ثمَّ قَامَ من بعدهمْ خلف أضاعوا الْعلم ودياره وطمسوا معالمه وآثاره حَتَّى اصبح الْعلم عِنْدهم جُبَّة وعمامة كَبِيرَة واحتفاظا برسوم ابتدعوها وتداولوها وَحفظ خرافات يأخذونها عَن الْعَوام وعجائز الْبيُوت وفخفخة وانسابا مَا انْزِلْ الله بهَا من سُلْطَان واختراع

المدرسة المرادية

كرامات للعظام الرفات وعقولا جامدة وأفهاما كاسدة هَذَا وَقد بنى جمَاعَة بعض مدارس لم يذكرهَا من تصدر لجمع هَذَا النَّوْع فِي كتاب مُسْتَقل وَإِنَّمَا ذكرت فِي غُضُون التراجم وَقد أَحْبَبْت أَن افرد لَهَا فِي كتابي هَذَا موضعا خَاصّا بهَا لتتم الْفَائِدَة فَأَقُول الْمدرسَة المرادية هِيَ فِي بَاب الْبَرِيد مَشْهُورَة مَعْرُوفَة ذَات مدرستين صغرى وكبرى وَالثَّانيَِة ذَات حجرات سفلى ووسطى وعليا والاولى ذَات حجرات أَيْضا سفلى وعليا وَكَانَت محط رحال الافاضل معمورة بالعلماء وطلاب الْعلم وَلَهُم من اوقافها مَا يكفيهم وَكَانَ بهَا مكتبة عَظِيمَة حَتَّى كَانَت يُقَال لَهَا أَزْهَر دمشق ثمَّ ان نظارها باعوا جانبا من أوقافها وَقَطعُوا راتب الطّلبَة وأمست فِي عصرنا هَذَا كأمثالها خَالِيَة من دراسة الْعلم معطلة عَن الِانْتِفَاع بهَا يسكنهَا بعض الْفُقَرَاء وَبَعض من لَا شغل لَهُ وَكَانَ إنْشَاء هَذِه الْمدرسَة سنة ثَمَان وَمِائَة وَألف وَحكى الْمرَادِي فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ احْمَد المنيني ان جده باني هَذِه الْمدرسَة لما بناها اقام الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن أَخا الشَّيْخ احْمَد نَاظرا على الْعمَّال والصناع بهَا وَجعله على اوقافها كَاتبا وأمينا على كتبهَا وعَلى وظائفها وَبَقِي الامر على اولادهم أَعنِي اولاد عبد الرَّحْمَن وَاحْمَدْ تَرْجَمَة واقفها قَالَ خَلِيل افندي الْمرَادِي فِي تَارِيخه سلك الدُّرَر هُوَ مُرَاد بن عَليّ بن دَاوُد ابْن كَمَال الدّين بن صَالح بن مُحَمَّد الْحُسَيْنِي الْحَنَفِيّ البُخَارِيّ النقشبندي نزيل دمشق وقسطنطينية كَانَ آيَة فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية خُصُوصا فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه وَكَانَ مُعظما مبجلا يتقن الفارسية والتركية والعربية قيل كَانَ يحفظ اكثر من عشرَة آلَاف حَدِيث وَكَانَ دَائِما مَكْشُوف الرَّأْس ولد سنة خمسين وَألف وَكَانَ وَالِده نقيب الاشراف فِي سَمَرْقَنْد وَلما تمّ لَهُ من الْعُمر ثَلَاث سِنِين حصلت لَهُ نزلة على قَدَمَيْهِ وساقيه فعطلتهما وَبَقِي مقْعدا ثمَّ اجْتهد فِي اكْتِسَاب الْعُلُوم والكمالات وَقَرَأَ الْعُلُوم الْعَرَبيَّة والفنون العلمية ورحل الى بِلَاد الْهِنْد وتلقى بهَا الطَّرِيقَة النقشبندية عَن الشَّيْخ مُحَمَّد مَعْصُوم الفاروقي ثمَّ قدم الى بِلَاد الْحجاز حَاجا ثمَّ عَاد الى بَغْدَاد واستقام بهَا مُدَّة ثمَّ رَحل الى مصر ثمَّ مِنْهَا الى دمشق وقطن بهَا وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ

الزاوية الخلوتية

وَتِسْعين وَألف قصد التَّوَجُّه لبلاد الرّوم فارتحل الى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَأقبل عَلَيْهِ النَّاس واخذوا عَنهُ الطَّرِيق فَأَقَامَ بهَا خمس سِنِين واخذ من السُّلْطَان مصطفى خَان قرى بِدِمَشْق اقطاعا بِمَال يَدْفَعهُ للخزينة الاميرية فِي كل سنة وَهُوَ الْآن الْمَعْرُوف بالمالكانات وَمن آثاره بِدِمَشْق الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بِهِ وَكَانَت قبل ذَلِك خَانا يسكنهُ اهل الْفسق والفجور وَشرط فِي كتاب وَقفه انه لَا يسكنهَا امرد وَلَا متزوج وَلَا شَارِب للتتن وَكَذَلِكَ بنى مدرسة فِي دَاره بمحلة سوق صاروجا وتعرف بالنقشبندية البرانية مَعَ مَسْجِد كَذَلِك هُنَاكَ وَله من التآليف الْمُفْردَات القرآنية فِي مجلدين تَفْسِير للآيات وَجعله بِالْعَرَبِيَّةِ ثمَّ بِالْفَارِسِيَّةِ ثمَّ بالتركية وَله رسائل كَثِيرَة فِي الطَّرِيقَة النقشبندية وتحريرات ومكاتبات وَكَانَت وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَدفن فِي الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة فِي محلّة نيشانجي باشا انْتهى مُلَخصا الزاوية الخلوتية رَأَيْت بِخَط خَلِيل افندي الْمرَادِي اثناء تَرْجَمته لمنصور بن مصطفى بن مَنْصُور السرميني الْحلَبِي الخلوتي مَا صورته ان الشَّيْخ مَنْصُور الْمَذْكُور اختلى على عَادَة مَشَايِخ الطرائق وَلَزِمَه جمَاعَة واخذوا عَنهُ وَاقْبَلْ عَلَيْهِ النَّاس واشتهر واستقام بِدِمَشْق بعياله قدر عشْرين سنة قَالَ وَكَانَ وَالِدي اشْترى الْمَكَان الْمَبْنِيّ تجاه بَاب جيرون بالجامع الاموي وَأَوْقفهُ على المترجم وَبعده على من يصيرخليفة بعده من الْمَشَايِخ البكرية الخلوتية وَكَانَ القَاضِي بالحكم سُلَيْمَان بن احْمَد الْخَطِيب المحاسني الْحَنَفِيّ وَحكى الْمرَادِي مَا خلاصته ان الشَّيْخ الْمَذْكُور كَانَ مولده سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَألف بسرمين وَنَشَأ بحلب وَطلب الْعلم وَقَرَأَ على اساتذة زَمَنه فِي حلب ومصر واخذ الطَّرِيق عَن الشَّيْخ مصطفى الْبكْرِيّ وَألف رِسَالَة فِي البسلمة سَمَّاهَا كشف الستور المسدلة عَن ألف وَجه من أسرار الْبَسْمَلَة وكشف اللثام والستور عَن مخدرات أَرْبَاب الصُّدُور

المدرسة السليمانية

الْمدرسَة السليمانية هِيَ بمحلة نور الدّين بِالْقربِ من بَاب الْبَرِيد مَعْرُوفَة هُنَاكَ ومشهورة أوقفها بعد أَن بناها الْحَاج سُلَيْمَان باشا ابْن ابراهيم بك الْعظم محافظ مَدِينَة الشَّام يَوْمئِذٍ وأمير الْحَاج وَكَانَ برتبة مشير على مَا هُوَ اصْطِلَاح الدولة العثمانية وَرَأَيْت تَارِيخ وَقفهَا انه كَانَ فِي سَابِع عشر جُمَادَى الاولى سنة خمسين وَمِائَة وَألف وَحكى فِي كتاب وَقفهَا انه جعل بهَا بركَة مَاء يجْرِي مَاؤُهَا من نهر القنوات ومسجدا وست عشرَة خلْوَة سفلية وعلوية فالسفليات قبو والعلويات مسقفة بالخشب وَبهَا مطبخ وَبَيت لادوات المطبخ وَجعل لَهَا خزانَة كتب وأوقف عَلَيْهَا كتبا كَثِيرَة وسرد فِي كتاب وَقفهَا اسماءها وَلم نذكرها هُنَا لشيئين أَولهمَا ان تِلْكَ الْكتب قد فقدت بِالْكُلِّيَّةِ فَلم يبْق مِنْهَا فِي خزانتها وَلَا ورقة فقسم مِنْهَا الله اعْلَم بِمَا صَار اليه وَقسم آخر اودع فِي خزانَة الْكتب الَّتِي انشئت فِي قبَّة الْملك الظَّاهِر بِدِمَشْق وَثَانِيهمَا ان تِلْكَ الْكتب لَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ نَادِر سوى حَاشِيَة الجابردي على الْكَشَّاف ومعالم التَّنْزِيل لِلْبَغوِيِّ وفتاوى مؤيد زَاده وحاشية عزمي على الدُّرَر وَحِصَّة من تَفْسِير ابْن كَمَال باشا وَكتاب الابحر السَّبْعَة فِي اللُّغَة وَمُنْتَخب مجمع الزَّوَائِد وبهجة الناظرين للشَّيْخ مرعي الكرمي الْحَنْبَلِيّ وَشرح ديوَان ابي الْعَلَاء المعري لِابْنِ الدرة وَبَاقِي الْكتب على كثرتها كلهَا مطبوع كإحياء عُلُوم الدّين والشفاء للْقَاضِي عِيَاض وشروحه وأمثال ذَلِك اوقافها أوقف عَلَيْهَا الدَّار الَّتِي هِيَ لصيقها وَهِي دَار كَبِيرَة بهَا حمام وَالدَّار الصُّغْرَى وَهِي جنوبي الدَّار الْكُبْرَى ودارا ثَالِثَة تجاه الدَّار الثَّانِيَة ودارا بمحلة الخراب بالشارع السلطاني تجاه قناة الْفضة وحماما عِنْد طالع الْفضة وفرنا لصيق الْحمام من الْجَانِب الشآمي والمصبغة الملاصقة لذَلِك والطباق الَّتِي على الاقميم وَالْحَاصِل والمصبغة وعدتها ثَلَاثَة طباق ومشرقة ومرتفقا وقاعة نشَاء دَاخل بَاب الشاغور الجواني بزقاق بني المزلق وَمَا يتبع القاعة وطاحونا بالصالحية بزقاق جري باشي وطاحونا بمحلة سوق صاروجا لصيق الْمدرسَة الشامية وطاحونا بالشرف الادنى بمرجة دمشق وطاحونا بِقرب المزار الْمَعْرُوف بالشيخ ارسلان وطاحونا بِالْقربِ من قَرْيَة الدوير وتعرف بطاحون العشبية وطاحونا بِأَرْض قَرْيَة الدوير وتعرف بطاحون البيدر وطاحون دارة

الرَّحَى الكائنة بقرية الْقصير العتيقة بِالْقربِ من الخان وتعرف بالمكيسرة تَنْبِيه هَذِه الطواحين الثَّلَاث مَوْجُودَة الى الْآن وَهِي راكبة على النَّهر الَّذِي يسْقِي ارْض قَرْيَة عذرا وَهَذَا النَّهر يخرج من سفح الْجَبَل المطل على الدوير من الْجَانِب الشمالي وَفِي مَحل نبعه ثَلَاث عُيُون أَحدهَا من الْجَانِب الشَّرْقِي هَذَا النَّهر وبجانبه الى الغرب النَّهر الَّذِي يسْقِي مزارع قَرْيَة الدوير وبالقرب مِنْهُ نهر ثَالِث مُشْتَرك بَين قريتي الْقصير وَالريحَان الثُّلُثَانِ مِنْهُ للاولى وَالْبَاقِي للثَّانِيَة وَمن خَصَائِص هَذِه الانهر ان ماءها على مِقْدَار معِين لَا ينقص لَا فِي الصَّيف وَلَا فِي الشتَاء وانه يخرج من ينبوعه معتدل الْحَرَارَة دَائِما فَفِيهِ دَلِيل على انه مَاء معدني وَيُقَال لهَذِهِ الْعُيُون عُيُون فاس ريا وَأما الدوير فقد كَانَت زمن هَذَا الْوَقْف قَرْيَة عامرة وَأما الْآن فَلَا اثر لَهَا وَأما الْقصير فَالَّذِي يظْهر من كتاب وقف هَذِه الْمدرسَة انها كَانَت قَرْيَة عامرة بِالْقربِ من الخان على جَانب نهر عذرا من الْجِهَة الجنوبية ثمَّ خربَتْ وَعمر بَدَلا عَنْهَا قَرْيَة اخرى تبعد عَنْهَا الى الشمَال بِنَحْوِ خمس عشرَة دقيقة مُقَابل طاحون الْقصير ثمَّ خربَتْ ايضا وانتقل اهلها الى قَصَبَة دَوْمًا وَبقيت مزارعها فِي ايديهم وَذكر ياقوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ الْبَلدة العتيقة فَقَالَ الْقصير ضَيْعَة اول منزل لمن يُرِيد حمص من دمشق وَلم يزدْ على هَذَا وَمِنْه يظْهر انها قَرْيَة قديمَة كَانَت مَشْهُورَة وَقَالَ فِي الْقَامُوس وَشَرحه تَاج الْعَرُوس الْقصير بَلْدَة بِدِمَشْق على فَرسَخ مِنْهَا انْتهى وَلَيْسَ بصواب بل بَينهَا وَبَين دمشق نَحْو من ارْبَعْ سَاعَات بسير الابل واخبرني بعض الثِّقَات مِمَّن اباؤه من الْقصير ان الْجَيْش العثماني لما توجه من طَرِيق الْبر الى طرد الفرنسويين من مصر سنة ارْبَعْ عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف جعل مُعَسْكَره عِنْد ثنية الْعقَاب بِالْقربِ من نهر عذرا فَجعلت العساكر تَأتي قَرْيَة الْقصير وينهبون أَهلهَا ويت عدون عَلَيْهِم فَسَار كبراء الْقرْيَة وَشَكوا أَمرهم الى الْقَائِد فارسل لَهُم من يحفظهم مُدَّة وجود الْجَيْش هُنَاكَ وَلما رَحل الْقَائِد بعسكره عَنْهُم اغتنم الْأَعْرَاب الفرصة فغاروا على الْقرى وَجعلُوا يَأْخُذُونَ من اهلها الخفارة ويظلمون وينهبون فسئم اهل الْقرى الصَّغِيرَة واخذوا ينضمون الى الْقرى الْكَبِيرَة الْمُجَاورَة لَهُم ليقدروا على مقاومة الاعراب وَدفع شرورهم فانضم اهل الْقصير الى اهل دَوْمًا وَسَكنُوا مَعَهم وَكَذَلِكَ أهل قَرْيَة بتوانه والدوير وَغَيرهمَا فكبرت دَوْمًا حِينَئِذٍ وضمت الى ارضها ارْض اهل الْقرى المنضم اهلها اليها وَهَذَا هُوَ سَبَب خراب الْقرى الصَّغِيرَة فِي الْغَالِب

رَجعْنَا الى سر اوقاف الْمدرسَة وَمن وَقفهَا الدَّار بِدِمَشْق بزقاق الْوَزير شمالها الْمدرسَة الجوهرية وَجَمِيع غراس الْمقسم الغربي المغروس من بُسْتَان الْقصير البكروجي بِالْقربِ من قَرْيَة الْقدَم وَيعرف بنصبة حَمْزَة وَجَمِيع غراس قطعتين من الارض لصيق بالبستان الْمَذْكُور تعرف الاولى ببني قَيْصر وَالثَّانيَِة بحليلة وبستان بِأَرْض قَرْيَة المزة ارضا وغراسا وَمَاء وَيعرف بالعتيقة وَجَمِيع جنينة الحبراصي بالمزة وتعرف بالحبراصيات وبستان الصَّابُونِي بالمزة ارضا وَمَاء وغراسا وغراس مزرعة الْقصير البكروجي واربع قطع سلايخ بِأَرْض القطايع مَعْرُوفَة بالقرنة وَجَمِيع غراس بُسْتَان بِأَرْض الشاغور البراني بِالْقربِ من مَزَار شَمْعُون وبستان الحاجبية والعبارة بِأَرْض الشاغور البراني ارضا وَمَاء وغراسا وبستان الدولابي كَذَلِك وقطعتا ارْض تعرف اولاهما بالعوجاء وَالثَّانيَِة بالقويصات تَابع الدولابي ثمَّ بَين فِي كتاب انه أوقف على هَذِه الْمدرسَة ارْض النحاسية وَأَشَارَ ذَلِك فِي الْكتاب الى ان هَذِه الارض كَانَت مواتا من مُدَّة تقرب من مِائَتي سنة وَهِي من ارْض بِلَاد المرج فأحياها الْوَاقِف وحفر لَهَا قناة لسقيها واصلحها ثمَّ اوقفها من مَعَ قناتها واوقف ذَلِك على طلبة الْعلم المجاورين بِالْمَدْرَسَةِ وعَلى الواردين اليها لطلب الْعلم وَجعل الْمدرس الشَّيْخ مُحَمَّد التدمري وَعين لَهُ فِي كل يَوْم خَمْسَة عشر درهما عثمانيا وَعين للامام سِتَّة دَرَاهِم كل يَوْم واقام بهَا شيخ قراء وخازن كتب وَلَهُمَا كل يَوْم سِتَّة قروش ومعيدا وقارئ وَعشر وَلَهُمَا اربعة دَرَاهِم كل يَوْم وَجعل وَظِيفَة الامامة ومشيخة الْقُرَّاء ووظيفة خزانَة الْكتب وَقِرَاءَة الْعشْر للشَّيْخ ابراهيم ابْن الشَّيْخ عَبَّاس وَجعل طبخ طَعَام للمجاورين وَعين للطباخ والشعال كل يَوْم اربعة دَرَاهِم وللكناس وللبواب كل وَاحِد دِرْهَمَيْنِ فِي الْيَوْم ولخادم مَاء الْمدرسَة دِرْهَمَيْنِ تَنْبِيه قد مر ذكر شَمْعُون آنِفا قَالَ الشَّيْخ جلال الدّين عبد الرَّحْمَن ابْن عَلَاء الدّين البصروي فِي كِتَابه تحفة الانام شَمْعُون بن زيد الازدي حَلِيف الانصار ابو رَيْحَانَة مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَبره بِدِمَشْق خَارج بَاب الصَّغِير وبأرض الشاغور ضريح يعرف بشمعون فَيحْتَمل ان يكون هُوَ وان يكون غَيره انْتهى وَحكى الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه خلافًا فِي سُكْنى شَمْعُون فَحكى عَن خَليفَة ابْن خياط انه قَالَ هُوَ من سَاكِني مصر وَقَالَ البرقي كَانَ يسكن بَيت الْمُقَدّس واكثر الرِّوَايَات على انه كَانَ يسكن الشَّام وَلم يذكر الْحفاظ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه

وَابْن عبد الْبر فِي الِاسْتِيعَاب وَابْن حجر فِي الاصابة مَوضِع قَبره وَشرط الْوَاقِف ان لَا يسكن الْمدرسَة الا طلبة الْعلم المتجردون عَن التَّزْوِيج وان يَكُونُوا من اهل الدّين وَالصَّلَاح وَمَتى تزوج احدهم يُخرجهُ النَّاظر ويسكن غَيره فِي حجرته وَعين لساكني حجراتها السِّت عشرَة الَّذين هم سِتَّة عشر طَالبا كل يَوْم اربعة ارطال من الْخبز بِالْوَزْنِ بالرطل الدِّمَشْقِي ورطلين من الارز يطْبخ لَهُم شوربة يَوْمًا ارز وَيَوْما نصف مد من العدس يطْبخ برطل من اللَّحْم هَذَا فِي سَائِر الايام مَا عدا شهر رَمَضَان وَأما فِي الشَّهْر الْمَذْكُور فَفِي كل يَوْم مِنْهُ يطْبخ لَهُم رطلان من الارز فِي ارْبَعْ اواق من السّمن ورطل من اللَّحْم يطْبخ بِنصْف مد من الْحِنْطَة شوربة وَلكُل وَاحِد من الطّلبَة فِي الشَّهْر ثَمَانِي اواق من الزَّيْت وللمدرسة ثَلَاثَة ارطال من الزَّيْت لشعل ثَلَاثَة قناديل وَفِي شهر رَمَضَان يشعل كل يَوْم ثَلَاثُونَ قِنْدِيلًا وشمعتان بجانبي الْمِحْرَاب زنتهما رطلان وعَلى المجاورين قِرَاءَة ختم قُرْآن فِي صباح يَوْم الْجُمُعَة ويهدون ثَوَاب الْقِرَاءَة لروح الْوَاقِف وروح وَالِديهِ وَاشْترط ان يكون تَوْجِيه الْوَظَائِف والاسكان فِي الحجرات بيد النَّاظر لَا يُشَارِكهُ غَيره فِي ذَلِك هَذَا مَا رَأَيْنَاهُ فِي كتاب وقف الْمدرسَة ثمَّ رَأَيْت فِي كتاب وقف آخر اوقفه على ذُريَّته بعد الْكتاب الاول انه جعل من وقف الذُّرِّيَّة لكل طَالب مُقيم فِي مدرسته قرشا لكل وَاحِد مِنْهُم وَجعل الطّلبَة سنة عشر وَجعل لَهُم كل يَوْم رطلا من الْخبز زِيَادَة على الاربعة أَرْطَال الْمَار ذكرهَا وَعين كل يَوْم مصرية يَشْتَرِي بهَا للطبخ وَثَلَاثَة قروش كل يَوْم لمن يقْرَأ دَلَائِل الْخيرَات وقرشين كَذَلِك لمن يقْرَأ الْقُرْآن فِي الشَّهْر مرَّتَيْنِ وَيهْدِي ثَوَاب قِرَاءَته لروح الْوَاقِف هَذَا مَا قرأته فِي كتاب وَقفهَا وَرَأَيْت مَكْتُوبًا على اسكفة بَابهَا نقشا على حجر مَا صورته (للخير وَالْعلم والطلاب مدرسة ... قد شادها اوحد الدُّنْيَا سُلَيْمَان) (اعني الْوَزير امير الْحَج سيدنَا ... من كل افعاله بر واحسان) (بِالْقربِ من دَاره الزهراء أوقفها ... وشيد مِنْهَا على الاخلاص بُنيان) (اثابه الله فِي الدَّاريْنِ صَالِحَة ... كَذَا لَهُ السعد والتوفيق اعوان) (وهاتف الْبشر بالاخلاص ارخها ... اس الْقبُول على الاشراق عنوان)

مدرسة عبد الله باشا العظم

مَكْتُوب على اسكفة بَابهَا (احسن بمدرسة زهت بلباسها ... وتفاخرت عزا على اجناسها) (قد شادها الْمولى الْوَزير مُحَمَّد ... شمس المعارف من اجل اناسها) (لله وَقفا وَالْقَبُول مؤرخ ... ناش على التَّقْوَى مجيد لباسها) 1193 مدرسة عبد الله باشا الْعظم اننا نذْكر هُنَا مَا قرأناه فِي كتاب وَقفهَا الْمَحْفُوظ فِي سجل اوقاف سورية الْجَدِيد فِي عدد 176 فَنَقُول وَاقِف هَذِه الْمدرسَة عبد الله بك ابْن الْوَزير مُحَمَّد باشا محافظ الشَّام وامير الْحَاج ابْن مصطفى بك الْعظم اوقفها عَن وَالِده بِالْوكَالَةِ عَنهُ وَكَانَت قبل ذَلِك قاعة غربية من دَار الْوَاقِف الْوَكِيل مَعَ مسَاكِن تَابِعَة لَهَا من داخلها وخارجها فهدم تِلْكَ المساكن وَبنى مَكَانهَا الْمدرسَة الْمَذْكُورَة من مَاله وَجعل لَهَا بَابا خَاصّا بهَا بقنطرة من حجر وَجعل الْبَاب مصفحا بِالنُّحَاسِ وَجعل لَهَا شبابيك مطلة على الزقاق وَجعل فِي الاسفل حجرات وجامعا وَبنى فَوْقه حجرات ايضا بقبو وَجعل فِي الاعلى حجرات ايضا وَجعل الْقصر الَّذِي بَين الطَّبَقَة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة الرَّاكِب على الطَّرِيق خَاصّا بالمدرس الَّذِي يكون فِي الْمدرسَة وَجعل للمدرس سِتِّينَ غرشا عَن كل شهر خَمْسَة غروش وللامام ثَمَانِيَة عشر غرشا فِي السّنة عَن كل شهر غرش وَنصف ولخازن الْكتب خَمْسَة عشر غرشا عَن كل شهر غرش وَربع وَتِسْعَة وَثَلَاثِينَ غرشا لمن يكون شَيخا للربعة وَقِرَاءَة جُزْء شرِيف فِي السّنة وَسِتَّة غروش فِي السّنة لمن يكون معيدا للمدرس واربعة وَعشْرين غرشا لمن يقْرَأ دَلَائِل الْخيرَات وَجعل للساكنين فِي الخلاوي لكل خلْوَة فِي السّنة خَمْسَة عشر قرشا وَلمن يكون فِي الْمدرسَة أَرْبَعَة وَعشْرين غرشا فِي السّنة وَجعل للطباخ كل شهر غرشين ورتب للمطبخ مدا من الارز كل يَوْم وَيُزَاد عَلَيْهِ مد آخر من الارز كل يَوْم للشوربا وَخَمْسَة ارطال من الْخبز كل يَوْم للمجاورين بهَا وَجعل مائَة وَثَمَانِينَ غرشا ليشترى مِنْهَا كل يَوْم نصف رَطْل من اللَّحْم للشوربا وغرارتان وَربع حنطه للشوربا وَجعل اثنى عشر رطلا وَربع رَطْل من الزَّيْت فِي كل شهر لايقاد قناديل الْمدرسَة وخلاويها وَزَاد عَلَيْهَا فِي رَمَضَان خَمْسَة ارطال من الزَّيْت

التكية الاحمدية

توقد فِي حرم الْمدرسَة وَعشرَة ارطال من السّمن لاجل الارز فِي رَمَضَان وَسَبْعَة ارطال من الْحَطب كل يَوْم لاجل طبخ ذَلِك وَخَمْسَة عشر قرشا فِي كل سنة ثمن بهار ولوازم لاجل دق الْحِنْطَة وَمِائَة وَخمسين غرشا مرتبَة لجِهَة الْحَرَمَيْنِ توزع على المقيمين فيهمَا وَجعل تَوْلِيَة النّظر على وَقفه لنَفسِهِ مُدَّة حَيَاته ثمَّ على عقبه من بعده وَاشْترط على الْمُتَوَلِي ان يبْدَأ بتعمير الْمدرسَة وترميمها واصلاح الْمحَال الْمَوْقُوفَة وان لَا تؤجر اوقافها اكثر من ثَلَاث سِنِين وانه تجوز الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي الْوَظَائِف والمبرات وَشرط فِي سكان الْمدرسَة ان يَكُونُوا مِمَّن لَهُ رَغْبَة فِي طلب الْعلم وتحصيله وان يكون من اهل الصّلاح وَالتَّقوى وان لَا يكون متزوجا وَلَا امرد وَلَا محترفا بحرفة وَلَا ذَا سفه وان يكون مُقيما فِي الْمدرسَة لَا يغيب عَنْهَا غيبَة غير شَرْعِيَّة كَالْحَجِّ وصلَة الرَّحِم واذا تزوج يُخرجهُ الْمُتَوَلِي ويسكن غَيره مَكَانَهُ التكية الاحمدية رَأَيْت فِي بعض المجاميع مَا نَصه تَارِيخ تكية احْمَد باشا بن قزل الخالدي الَّتِي تجاه قلعة دمشق (رب بالاحسان جازي من بني ... للفقرا تكية سائدة) (وَانْظُر بِعَين اللطف فِي تَارِيخه ... وَانْزِلْ علينا رَبنَا مائدة) سنة 963

حرف الهمزة الخانقاه الأسدية

الْبَاب الثَّامِن فِي الخوانق الخانقاه وَيُقَال الخانكاه بِالْقَافِ وَالْكَاف وَهِي كلمة اعجمية دَار الصُّوفِيَّة قَالَه النعيمي وَقَالَ الخفاجي فِي كِتَابه شِفَاء الغليل خانقاه بِالْقَافِ رِبَاط الصُّوفِيَّة مُعرب مولد اسْتَعْملهُ الْمُتَأَخّرُونَ أهـ وَجمعه النَّاس على خوانق حرف الْهمزَة الخانقاه الأَسدِية قَالَ ابْن شَدَّاد هِيَ بدرب الْوَزير وَقَالَ فِي الروضتين هِيَ دَاخل بَاب الْجَابِيَة بدرب الهاشميين الْمَعْرُوف بدرب الْوَزير انشأها اسد الدّين شيركوه منشئ الْمدرسَة الاسدية بالشرف القبلي ظَاهر دمشق المطلة على الميدان الاخضر وَقد تقدّمت تَرْجَمته فِي مدرسته تَنْبِيه ليعلم الْوَاقِف على هَذَا الْمَكَان اني لم انقب عَن محَال تِلْكَ الخوانق لعلمي بِأَن غالبها قد اندرس فَلَا يُمكن الْوُقُوف على مَحَله وَلَا على تراجم اصحابها فِي الْغَالِب لعدم الجدوى وصعوبة المنال اللَّهُمَّ اذا كَانَ ثمَّة نفع فَإِنِّي لَا أتأخر كَمَا تعلمه مِمَّا يَأْتِي الخانقاه الاسكافية قَالَ ابْن شَدَّاد انشأها شرف الدّين مُحَمَّد بن الاسكاف على نهر يزِيد بسفح قاسيون الخانقاه الاندلسية هِيَ من المفقودات كَانَت شَرْقي العزيزية والاشرفية وخلاء الكلاسية لصيق الجقمقية وَغَرْبِيٌّ السميساطية قبالتها

حرف الباء الخانقاه الباسطية

قَالَ بَعضهم وَقفهَا مختلط مَعَ السميساطية وَهِي تعرف بَابي عبد الله مُحَمَّد ابْن احْمَد بن يُوسُف الاندلسي وَلم يذكر النعيمي سنة وَفَاته قلت وَهِي الْآن مَوْجُودَة يجلس بهَا مُتَوَلِّي الْجَامِع الاموي حرف الْبَاء الخانقاه الباسطية بالجسر الابيض غربي الْمدرسَة الاسعردية وشمالي الخانقاه العزية انشأها القَاضِي زين الدّين عبد الباسط بن خَلِيل نَاظر الجيوش الاسلامية فِي زَمَنه والخوانق وَالْكِسْوَة وَكَانَت هَذِه الخانقاه دَارا لَهُ فَلَمَّا توجه السُّلْطَان الْملك الاشرف برسباي الى آمد سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة خَافَ من نزُول الْعَسْكَر بهَا فجدد لَهَا محرابا واوقفها ثمَّ اجْتمع ببرسباي واتصل بِهِ وَصَارَ لَهُ بِهِ علاقَة عَظِيمَة حَتَّى صَار الْحل وَالْعقد بِيَدِهِ فَلَا يبرم الاشرف أمرا إِلَّا بِرَأْيهِ وَشرع فِي عمَارَة بِلَاد السُّلْطَان فَزَاد متحصلها بذلك وَكَانَ سعيد الْحَرَكَة عمر الْمدَارِس بالحرمين والقدس ومصر ودمشق وأوقف عَلَيْهَا اوقافا حَسَنَة ورتب فِي ركبي الْحَج الْمصْرِيّ والشامي سحابتين وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فيهمَا من الْجمال وَالرِّجَال للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والسحابتان خيمتان كبيرتان على صفة الجملون وَجعل لكل سَحَابَة خَمْسَة وَعشْرين قِنْطَارًا من البقسماط وَمَا يكفيهما من أحمال المَاء توفّي بِمصْر سنة ارْبَعْ وَخمسين وَثَمَانمِائَة كَذَا تَرْجمهُ النعيمي وَقَالَ العلموي وَالْوَقْف الْخَاص بالباسطية بُسْتَان الشياح بقرية كفر بَطنا من غوطة دمشق والجنات الثَّلَاث الملاصقات والمقابلات لَهَا من الْجَانِب القبلي وحكر طاحون الدورة وحكر طاحون ثَانِيَة بِأَرْض المرجة وحكر بُسْتَان الناعمة وحكر طاحون ابْن الجاموس الَّتِي فِي مُقَابلَة طاحون الانصار وقاعة بِبَاب الْبَرِيد وَنصف الدكاكين فِي مُقَابلَة المؤيدية فِي دمشق سِتَّة عشر دكانا وحكر بِجَانِب الجنينة التَّحْتَانِيَّة لصيق الخانقاه العزية وتاريخ كتاب وَقفهَا سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَكتب قَاضِي الْقُضَاة برهَان الدّين الباعوني الى شرف الدّين كاشف ثغر صيدا يوصيه بجهات الخانقاه الباسطية قَائِلا اوصيك بِهِ وبالاحسان الى اهل بلادك عُمُوما والى اهل يسيل خُصُوصا فَإِنَّهُ من جملَة اوقاف الخانقاه الْمَذْكُورَة

حرف الحاء المهملة

واول من ولي مشيخة هَذِه الخانقاه ابراهيم بن احْمَد بن نَاصِر بن خَليفَة الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي الناصري الباعوني الدِّمَشْقِي سمع من الْعِرَاقِيّ ولازم البُلْقِينِيّ واشتغل بِالْعلمِ كثيرا وبرع فِي الادب وَكَانَ خطه حسنا وَولي خطابة الْجَامِع الاموي وانشأ ديوَان خطب وَله ديوَان شعر وَاخْتصرَ صِحَاح الْجَوْهَرِي اختصارا حسنا توفّي سنة سبعين وَثَمَانمِائَة ثمَّ تنقلت هَذِه الخانقاه جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ اسماعيل النابلسي وَالِد الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ ثمَّ الى اخيه الشَّيْخ يُوسُف ثمَّ الى الشَّيْخ مَحْمُود الْعَدوي ثمَّ الى اناس أكلُوا اوقافها واهلكوها حرف الْحَاء الْمُهْملَة الخانقاه الحسامية شمَالي الْمدرسَة الشبلية البرانية عِنْد جسر كحيل ينْسب بناؤها لَام حسام الدّين لاجين الْمَشْهُورَة بست الشَّام اخت السُّلْطَان النَّاصِر وَدفن حسام الدّين بالتربة الَّتِي انشأها بمحلة العونية بالشامية البرانية بالقبر الْأَوْسَط على وَالِدَة صَلَاح الدّين وَتُوفِّي فِي اللَّيْلَة الَّتِي توفّي بهَا تَقِيّ الدّين عمر سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَتَوَلَّى مشيختها جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ شرف الدّين نعْمَان حرف الْخَاء الخانقاه الخاتونية ظَاهر بَاب السَّعَادَة اول الشّرف القبلي على بانياس شَرْقي جَامع تنكز ولصيقه وبابها يفتح الى الْقبْلَة قَالَه فِي تَنْبِيه الطَّالِب وَرَأَيْت على هامشه مَا صورته هِيَ الَّتِي يُقَال لَهَا اللطفية انْتهى وَالْيَوْم لم نَعْرِف الخاتونية وَلَا اللطفية وبناؤها ينْسب الى خاتون بنت معِين الدّين زَوْجَة نور الدّين الشَّهِيد قَالَ ابْن شقدة فِي حوادث سنة احدى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وفيهَا توفيت عصمَة الدّين خاتون بنت الامير معِين الدّين انر زَوْجَة نور الدّين ثمَّ صَلَاح الدّين وواقفة الْمدرسَة الَّتِي بِدِمَشْق للحنفية

حرف الدال

وَبنت خانقاه للصوفية على الشّرف القبلي خَارج بَاب النَّصْر وَبنت تربة بقاسيون على نهر يزِيد تجاه قبَّة جركس ودفنت بهَا وَهِي فِي يَوْمنَا هَذَا دَاخل الْجَامِع الْجَدِيد بالصالحية واوقفت على هَذِه الْأَمَاكِن أوقافا كَثِيرَة انْتهى قَالَ النعيمي ولي مشيخة الخاتونية ونظرها الشهَاب الدلجي الْمصْرِيّ فباشرها مُبَاشرَة مذمومة وَقَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي حوادث سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة فِي هَذِه السّنة نزل الشهَاب الدلجي الزنديق عَن مشيخة خانقاه خاتون ونظرها لِابْنِ قَاضِي عجلون بعوض أَخذه وَكَانَ وَقع لَهُ قَضِيَّة بِسَبَبِهَا وَقَامَ مَعَه ابْن حجي وساعده وَوَقع بَينه وَبَين عَلَاء الدّين البُخَارِيّ بِسَبَب ذَلِك فَكتب الشَّيْخ فِي القَاضِي الى مصر فعزل ثمَّ بعد أَيَّام وَقعت لَهُ قَضِيَّة قبيحة صَار بهَا من أبين النَّاس وَبعد مُدَّة يسيرَة اشْهَدْ عَلَيْهِ ابْن قَاضِي عجلون ان الْوَظِيفَة الْمَذْكُورَة يخْتَص بهَا أَخُوهُ ولي الدّين دونه حرف الدَّال الخانقاه الدويرية لاشك فِي ان الزَّمَان سلمهَا ليد المختلسين فجعلوها دورا للسُّكْنَى وَكَانَت بدرب السلسلة بِبَاب الْبَرِيد وتعرف بدويرة حمد نِسْبَة لصَاحِبهَا حمد بن عبد الله بن عَليّ ابي الْفرج الدِّمَشْقِي الْمُقْرِئ الْمعدل حكى الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه انه وجد هُوَ وَزَوجته وَصبي من اقربائه مذبوحين بِبَاب الْبَرِيد سنة إِحْدَى وَأَرْبَعمِائَة وَلها أوقاف كَثِيرَة ذكرهَا فِي تَنْبِيه الطَّالِب نقلا عَن حجَّة وقف اطلع عَلَيْهَا وَحكم بهَا عبد الله بن مُفْلِح وَلَا بَأْس بسردها وان لم يكن بِهِ فَائِدَة سوى الاستبصار فَمِنْهُ النّصْف شَائِعا من جنينة بني وهبان بِالطَّرِيقِ الوسطاني الْآخِذ الى المزة وَنصف الْبُسْتَان الْمَعْرُوف بالصوفية من ارْض اللوان وَنصف الْبُسْتَان الْمَعْرُوف بدفوف الاصابع وَجَمِيع ارْض الْبُسْتَان الْمَعْرُوف بِحُسَيْن الْآمِدِيّ وَالرّبع وَالسُّدُس وَنصف الثّمن من مزرعة العصامية بزقاق المَاء وَسَهْم من اربعة وَعشْرين سَهْما من بُسْتَان القاطوع وَمثله من جنينة قريبَة من القاطوع يفصل بَينهمَا نهر داريا والمزة وَمثله من الجنينة الملاصقة لحمام العوافي وَمثله من ارْض بُسْتَان الخرار وَجَمِيع ذَلِك بِأَرْض المزة وعَلى الْبُسْتَان حكر يُسَاوِي سِتِّينَ درهما وَنصف سهم من اصل أَرْبَعَة وَعشْرين من

حرف الراء

دَار كَانَت تسمى الشهابية بوادي النيرب قبلي بردى وَقطعَة سليخة فِي ارْض قُصُور داريا من اراضي كفر ثوثا وَالنّصف من قطعتي الدورة والطويلة بِأَرْض الشاغور وَنصف جنينة الوتار وَربع حقل الْفرس وَربع الْمَكَان الْمَعْرُوف بالمطبخ شمَالي وقف الشامية البرانية وَسَهْم من ثَمَانِيَة واربعين سَهْما من مزرعة الصفوانية شمَالي بردى وطاحون الشَّيْخ وَسَهْم من اثنى عشر سَهْما من قَرْيَة البويضة بوادي الْعَجم وَالسُّدُس من حق قافية وَمن حقل مَحْفُوظ وَمن حقل عبيد وَالثَّلَاثَة بِأَرْض دَاعِيَة وَسَهْم من اربعة وَعشْرين سَهْما من وقف القاطوع بِأَرْض بَيت رانس وَهِي سَبْعَة خراجيات الْكَرم الصَّغِير وحقل الزَّيْتُون والماحل اثْنَتَانِ والتبوكية والقطنية والبرانس وَحِصَّة من ارْض حوانيت بالبزورية وَجَمِيع قَرَار ارْض الاسطبل بدرب السلسلة بجوار الخانقاه والطباق الَّتِي فَوْقه وحكر الْأَقْرَع بسوق ساروجا وبحارة السودَان بِالْقربِ من تربة تونس وَحِصَّة من حجَّة انْتهى هَذَا وَقفهَا وَلَا يُسْتَفَاد من ذكره الا الاصطلاحات والاسماء حرف الرَّاء الخانقاه الروزنهارية كَانَت بالبرج المجدد خَارج بَاب الفراديس الاول والتربة انشأها ابو الْحسن عَليّ الروزنهاري الْمُتَوفَّى سنة عشْرين وسِتمِائَة وَدفن بِالْمَكَانِ الْمَنْسُوب إِلَيْهِ بَين السورين عِنْد بَاب الفراديس قَالَ لَهُ ابْن كثير وَقَالَ الذَّهَبِيّ دفن بالبرج الَّذِي عَن يَمِين بَاب الفراديس بالخانقاه الَّتِي أَنْشَأَهَا حرف السِّين الخانقاه السميساطية بسينين وطاء مهملات وَهِي مَعْرُوفَة مَشْهُورَة عِنْد بَاب الْجَامِع الاموي الشمالي وَكَانَ هَذَا الْبَاب يُسمى بِبَاب الناطفيين وَحكى النعيمي انها كَانَت فِي مبدأ امرها دَارا لعبد الْعَزِيز بن مَرْوَان بن الحكم ثمَّ انْتَقَلت الى ابْنه عمر بن عبد الْعَزِيز وَكَانَ ذَلِك

مَكْتُوبًا على عتبَة بَابهَا وَلم تزل الايدي تتناولها الى ان قدم ابو الْقَاسِم السميساطي دمشق وَسكن بدرب الْخُزَاعِيَّة واليه كَانَ يفتح بَاب هَذِه الدَّار وَعرف الدَّرْب بِهِ فَاشْترى الدَّار الْمَذْكُورَة وَبنى بهَا الصّفة الْقبلية وجنبها لاغير وَبَقِي بَاقِيهَا ساحة قَالَ ابْن شَدَّاد وَلما ملك تَاج الدولة تتش سَأَلُوهُ ان يفتح لَهَا بَابا فِي دهليز الْجَامِع فَأذن لَهُم فَفتح حَيْثُ هُوَ الْآن ثمَّ عمرت وَكَانَ اول من ابْتَدَأَ فِي عمارتها الْوَزير الفلكي فَبنى الْبركَة وَالصّفة الغربية والطباق على دهليزها ثمَّ مجد الدّين ابْن الداية وَكَانَ مدرسا بهَا فَأخذ يجمع مَا يَأْخُذهُ من راتبه من وَقفهَا وَيَبْنِي لَهَا حَتَّى عمر الصّفة الشرقية وَقَالَ ابْن عَسَاكِر ان السميساطي وقف هَذِه الخانقاه على الْفُقَرَاء الصُّوفِيَّة ووقف علوها على الْجَامِع ووقف اكثر نعْمَته على وُجُوه الْبر انْتهى وقرأت الْحجر الْمَكْتُوب فِي اسكفتها فَإِذا فِيهِ بعد الْبَسْمَلَة هَذِه الدَّار وقف على الْفُقَرَاء المتجردين من الصُّوفِيَّة أثاب الله من وَقفهَا ثمَّ انها لم تزل مقررة على الصُّوفِيَّة وَالنَّظَر فِيهَا لمن يلقب بشيخ الشُّيُوخ الى سنة ارْبَعْ وَعشْرين وَثَمَانمِائَة قَالَ الاسدي وَفِي هَذِه السّنة اسقط القَاضِي نجم الدّين ابْن حجي المتزوجين من الخانقاه السميساطية واهل الْبَلَد وَقرر فِيهَا عزابا وغرباء وَكَانَ قد تقرر فِيهَا الْفُقَهَاء وَصَارَت مدرسة وَقل الْحَاصِل ثمَّ انْقَطع اخيرا ثمَّ أُعِيد الْحُضُور سنة خمس وَعشْرين الى مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل فتْنَة تيمورلنك فِي أول النَّهَار وَكَانَ الْحُضُور فِي هَذِه الْمدَّة لسَمَاع الْقُرَّاء والمداح وكل من يرد من الْبِلَاد يعْمل فِيهَا ويسمعه النَّاس انْتهى ثمَّ انها صَارَت مدرسة ايضا وَفِي نَحْو الْألف وَمِائَة هجرية سكن فِي أحد حجراتها احْمَد بن عَليّ المنيني وَكَانَ فِيمَا بعد مدرسا بهَا الى ان توجه عَلَيْهِ تدريس العادلية الْكُبْرَى فانتقل إِلَيْهَا ودرس بهَا ثمَّ صَارَت عَلَيْهِ توليتها وتولية العمرية وَلم تزل التوليتان تنتقلان فِي نَسْله الى يَوْمنَا هَذَا فَضَاعَت أوقاف المدرستين وَمن كَلَام الوداعي يمدح الامير سنجر التركي لما اتخذ هَذِه الْمدرسَة بَيْتا لَهُ

ترجمة واقفها

(لدويرة الشَّيْخ السميساطي من ... دون الْبِقَاع فَضِيلَة لَا تبخل) (هِيَ موطن للأولياء ونزهة ... فِي الدّين وَالدُّنْيَا لمن يتَأَمَّل) (كملت مَعَاني فَضلهَا مذ حلهَا الْفَرد ... الغياث الْعَالم المتبتل) (اني لأنشد كلما شاهدتها ... مَا مثل منزلَة الدويرة منزل) وَتقدم عِنْد الْكَلَام على الْمدرسَة الغزالية ان الامام حجَّة الاسلام الْغَزالِيّ لما دخل دمشق قصد الخانقاه السميساطية ليدْخل فِيهَا فَمَنعه الصُّوفِيَّة من الدُّخُول لعدم معرفتهم بِهِ فَعدل عَنْهَا واقام بزاوية الشَّيْخ نصر الى ان علم مَكَانَهُ وَعرفت مَنْزِلَته فَحَضَرَ الصُّوفِيَّة بأسرهم اليه وَاعْتَذَرُوا لَهُ وتلطفوا بِهِ الى ان ادخلوه الخانقاه تَرْجَمَة واقفها قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَليّ بن مُحَمَّد بن يحيى بن مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن زَكَرِيَّا ابو الْقَاسِم السّلمِيّ الحبيشي الْمَعْرُوف بالسميساطي صَاحب دويرة الصُّوفِيَّة روى عَن ابيه وَعَن عبد الْوَهَّاب بن الْحسن وَكَانَ جده يحيى بن مُحَمَّد قد كتب الحَدِيث عَن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عَلان الذَّهَبِيّ روى عَنهُ ابو بكر الْخَطِيب وَجَمَاعَة وَخرج ابْن عَسَاكِر لصَاحب التَّرْجَمَة حَدِيثا وَحكى ابو مُحَمَّد بن صابر عَن ابي الْقَاسِم النسيب انه سَأَلَ ابا الْقَاسِم السيساطي عَن مولده فَقَالَ فِي شهر رَمَضَان سنة سبع وَسبعين وثلاثمائة وَقَالَ الاكفاني سنة ثَمَان وَسبعين يَعْنِي وثلاثمائة وَكَانَ مُتَقَدما فِي علم الْهَيْئَة والهندسة مطلعا على عُلُوم الشَّرِيعَة وعَلى اقاويل الاوائل قَالَ ابْن طَاهِر وان كَانَ مَا علمناه قَائِلا بِشَيْء سوى الاسلام وَالسّنة وَذكر عَنهُ كلَاما بالتكذيب بِأَحْكَام المنجمين قَالَ الْأَكْفَانِيِّ توفّي فِي الْعَاشِر من ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَخمسين واربعمائة وَدفن من الْغَد فِي دَاره فِي بَاب الناطفانيين يَعْنِي فِي الخانقاه الْمَذْكُورَة انْتهى مُلَخصا من ابْن عَسَاكِر وسميساط قلعة على الْفُرَات بَين قلعة الرّوم وملطية وَقَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ المترجم صَاحب حشمة وَاسِعَة ومروءة وافرة وَقَالَ الواني كَانَ مَذْهَب ابيه مُحَمَّد الاعتزال

مشاهير صوفيتها

مشاهير صوفيتها الفلكي هُوَ سعيد بن سهل بن مُحَمَّد بن عبد الله ابو المظفر الْمَعْرُوف بالفلكي النَّيْسَابُورِي سكن خوارزم وَولي الوزارة لأميرها وَدخل بَغْدَاد مرَارًا وَحدث بهَا وَكَانَ مُحدثا فَاضلا ثمَّ سَافر الى دمشق لزيارة الْقُدس فوردها فِي فِي أَيَّام نور الدّين فَأكْرم مورده وَلما طلب الْعود الى بِلَاده لم يسمح لَهُ وامسكه وأنزله الخانقاه السميساطية فَبنى بهَا الايوان الشمالي والسقاية وَذَلِكَ من نصِيبه من وَقفهَا وَلم يزل بهَا الى أَن توفّي سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة فِيمَا أَظن ثمَّ خَلفه ابو الْفَتْح بن حموية ثمَّ بدر الدّين بن جمَاعَة ثمَّ نَاصِر الدّين بن عبد السَّلَام ثمَّ صفي الدّين الْهِنْدِيّ ثمَّ عبد الْكَرِيم ابْن الذكي ثمَّ الشهَاب الكاشغري ثمَّ ابْن صصري ثمَّ الْجمال الزرعي ثمَّ الصَّدْر الْمَالِكِي ثمَّ الْعِمَاد القونوي ثمَّ التقي العثماني ثمَّ النَّاصِر الشرفي ثمَّ القلانسي ثمَّ الْجمال ابْن الْأَثِير ثمَّ الْفَتْح ابْن الشَّهِيد ثمَّ بعده بِمدَّة وَليهَا مُحَمَّد بن ابي بكر الايكي ثمَّ جمَاعَة لم يحصر التَّارِيخ أَسْمَاءَهُم المراغي عَليّ بن عبد الْقَادِر المراغي ثمَّ الدِّمَشْقِي الصُّوفِي المعتزلي قَالَ ابْن حجي كَانَ فَاضلا فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة وَيعرف الْعَرَبيَّة ويقرئ الْمِنْهَاج فِي الْأُصُول وَكَانَ بارعا فِي الطِّبّ ويدري النُّجُوم وَمَا يتَعَلَّق بهَا ويقرئ الْكَشَّاف وَكَانَ معتزليا وينسب الى التَّشَيُّع والرفض وَكَانَ أَولا صوفيا بالسميساطية فَقَامَ جمَاعَة وشهدوا عَلَيْهِ بالإعتزال وأخرجوه ورفعوه الى بعض الْحُكَّام فعزره واستتابه ثمَّ قَرَّرَهُ بخانقاه خاتون فَنزل بهَا الى أَن مَاتَ وَحصل لَهُ استيحاش من الْفُقَهَاء وَرُبمَا كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ من يأنس بِهِ أَخذ عَنهُ التقي ابْن مُفْلِح والتقي ابْن حجي توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة

حرف الشين

حرف الشين الخانقاه الشومانية انشأها شومان ظهير الدّين وَهُوَ اُحْدُ مماليك بني أَيُّوب هَذَا مَا ذكره النعيمي وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَضرب العلموي عَنْهَا صفحا ولعلها بعض الْمدرسَة الشومانية الْمَار ذكرهَا الخانقاه الشهابية كَانَت دَاخل بَاب الْفرج غربي العادلية الْكُبْرَى وشمالي المعينية واللاقية وَقد صَارَت الْآن دورا وبابها يدل عَلَيْهَا وَهِي تقَابل الْمَار فِي الطَّرِيق النَّافِذ الى العصرونية شَرْقي العادلية الصُّغْرَى للسائر الى الشمَال وَقَالَ ابْن الجابي خربَتْ هَذِه الخانقاه فِي أَيَّام تيمورلنك وَكَانَت بيد بني الْعَدوي وَهِي تجاه الطَّرِيق الْآخِذ الى العصرونية فِي نفس المفارق الثَّلَاثَة وَهِي الرَّابِع لجِهَة الشمَال تَرْجَمَة بانيها انشأها ايدكين بن عبد الله الشهابي قَالَ يُوسُف بن تغري بردي فِي الذيل الشافي على المنهل الصافي كَانَ المترجم مَمْلُوكا للأمير الطواشي شهَاب الدّين رشيد النجمي الصَّالِحِي تنقل بعد استاذه الى ان ولي نِيَابَة حلب وَتُوفِّي سنة سبع وَتِسْعين وسِتمِائَة انْتهى وَقَالَ ابْن كثير كَانَ من خِيَار الْأُمَرَاء بِدِمَشْق ولاه الظَّاهِر نِيَابَة حلب وَكَانَ شجاعا وَله احسان الى الْفُقَرَاء الخانقاه الشبلية أَنْشَأَهَا شبْل الدولة كافور المعظمي تقدّمت تَرْجَمته فِي مدارس الْحَنَفِيَّة وَقَالَ ابْن شقدة فِي حوادث سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة وفيهَا توفّي شبْل الدولة كافور الحسامي طواشي حسام الدّين مُحَمَّد ولد سِتّ الشَّام لَهُ فَوق جسر ثورا من صالحية

الخانقاه الشنباشية

دمشق الْمدرسَة والتربة والخانقاه وأوقف عَلَيْهَا الْأَوْقَاف وَنقل لَهَا الْكتب الْكَثِيرَة وَفتح للنَّاس طَرِيقا من الْجَبَل قريبَة من عين الكرش وَبنى المصنع الَّذِي على رَأس الزقاق والخانقاه للصوفية الى جَانب مدرسته ومصنعا آخر عِنْد مدرسته وَكَانَ دينا صَالحا وافر الحشمة روى عَن الخشوعي وَدفن بتربته الى جَانب مدرسته الخانقاه الشنباشية هِيَ بحارة بلاطة تعرف بِأبي عبد الله الشنباشي قَالَه ابْن شَدَّاد فِي كِتَابه الأعلاق الخطيرة قلت لقد وقفت عَلَيْهَا فَإِذا محلتها الْآن تعرف بحارة الشماعين من ثمن الشاغور وَهِي بالجانب الغربي من الطَّرِيق لَهَا مئذنة من الْحجر وَبهَا مَسْجِد وبجانبها الشمالي إيوَان وحجرة وفوقهما غرفتان وَقد تقلبت بهَا الْأَيَّام الى أَن صَارَت مكتبا للإناث من سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَألف الى سنة تسع عشرَة بعد الثلاثمائة وَالْألف ثمَّ صَارَت مكتبا للأطفال ونظرها بيد بني ركاب الخانقاه الشريفية كَانَت تجاه العروية شَرْقي دَار الحَدِيث الأشرفية لصيق الطومانية شَرْقي بَاب القلعة وَغَرْبِيٌّ العادلية الصُّغْرَى بهَا تربة والآن لم نجد لَهَا أثرا وَلَا للعروبة وَلَا للطومانية وَذكرهَا النعيمي فِي الخوانق وَيظْهر من كَلَام ابْن شَدَّاد انها مدرسة حَيْثُ قَالَ وَأول من درس بهَا رشيد الدّين الفارقي وَيحْتَمل أَن تكون خانقاه وَبهَا تدريس وَكَانَ الْفُقَرَاء الأفاقية تَتَرَدَّد اليها أَنْشَأَهَا شهَاب الدّين أَحْمد بن شمس الدّين الفقاعي قَالَ النعيمي لم أر لَهَا كتاب وقف وَلم أعلم مَتى بنيت وَلها دَار قُرْآن وزاوية انْتهى ووقفها بِمَدِينَة حمص عدَّة حوانيت ومزرعة بحوران ووقف عَلَيْهَا ولد الْوَاقِف مُحَمَّد ثلث قَرْيَة عربيل وَولده أَحْمد قِرَاءَة بخاري على من لَهُ أَهْلِيَّة وَنسب وَقفهَا الى شهَاب الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد الفقاعي

الخانقاه المعروفة بخانقاه الطاحون

الخانقاه الْمَعْرُوفَة بخانقاه الطاحون كَانَت خَارج الْبَلَد وَهِي بالوادي وينسب بناؤها الى نور الدّين مَحْمُود بن زنكي وَمن مشائخها الشَّيْخ سعيد القاشاني الفرغاني تلميذ الصَّدْر القونوي قَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ من الْقَائِلين بوحدة الْوُجُود شرح تائية ابْن الفارض فِي مجلدين وَمَات فِي ذِي الْحجَّة سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة عَن نَحْو سبعين سنة حرف الطَّاء الخانقاه الطواويسية هِيَ الْآن مَعْرُوفَة مَشْهُورَة بمحلة البحصة وجدرانها الغربية الى طَرِيق الصالحية وَبهَا قبَّة شاهقة والى جَانبهَا الغربي مَسْجِد وَلها فسحة كَبِيرَة وَهِي غنية بِمَائِهَا فقيرة مِمَّا بنيت لأَجله قَالَ ابْن شَدَّاد أثْنَاء كَلَامه على الْمَسَاجِد الَّتِي هِيَ خَارج الْبَلَد الطواويسية مَسْجِد كَبِير فِيهِ قبر الْملك دقاق فِي قبَّة مَعْرُوفَة بقبة الطواويس فِي الشّرف الْأَعْلَى وَفِي الرِّبَاط دفنت أم دقاق وَهِي منسوبة لدقاق أَو لأبنه وَقَالَ فِي الروضتين دقاق كَانَ سُلْطَان دمشق وقبره بقبة الطواويس وَبهَا بنته وبالمشهد والدته تتش هُوَ بتائين معجمتين وشين مُعْجمَة قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه تتش بن ألب ارسلان ابو شُجَاع مُحَمَّد بن دَاوُد بن ميكال أَبُو سعيد الْملك الْمَعْرُوف بتاج الدولة التركي السلجوقي استنجده اتز بن أوق التركي صَاحب دمشق على جَيش قدم من مصر فَقدم دمشق سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة فَقتل أتز وَغلب على الْبَلَد وامتدت ولَايَته الى أَن قتل ثامن صفر سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة بنواحي الرّيّ وَكَانَ قد توجه الى خُرَاسَان عِنْد موت أَخِيه ابي الْفَتْح ملكشاه بن ألب أرسلان لطلب الْملك فَلَقِيَهُ ابْن أَخِيه فَقتل فِي المعركة وَصَارَ الْأَمر بعده بِدِمَشْق لِابْنِهِ دقاق بن تتش ودخلها سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَحسنت السِّيرَة بهَا قَالَ ابْن خلكان وَخلف تتش وَلدين

حرف العين

أَحدهمَا فَخر الْمُلُوك رضوَان وَالثَّانِي دقاق فاستقل رضوَان بمملكة حلب ودقاق بمملكة دمشق وَتُوفِّي رضوَان سنة سبع وَخَمْسمِائة وَمن نوابه أَخذ الأفرنج انطاكية سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين واربعمائة وَتُوفِّي دقاق فِي ثامن عشر شهر رَمَضَان سنة سبع وَتِسْعين واربعمائة وَدفن فِي مَسْجِد فِي حكر الفهادين بِظَاهِر دمشق الَّذِي على نهر بردى وَكَانَ قد حصل لَهُ مرض متطاول وَقيل أَن امهِ سمته بعنقود عِنَب فَلَمَّا مَاتَ قَامَ بِالْملكِ ظهير الدّين طغتكين وَكَانَ أتابكه وَلم يزل مَالِكًا دمشق الى ان توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَخَمْسمِائة وَتَوَلَّى الْأَمر بعده وَلَده تَاج الْمُلُوك ابو سعيد بوري الى ان توفّي فِي سنة سِتّ وَعشْرين وَخَمْسمِائة من جِرَاحَة اصابته من الباطينة وَتَوَلَّى بعده وَلَده شمس الْمُلُوك اسماعيل الى ان قتل سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة قتلته أمه خاتون زمرد بنت جاولي وأجلست اخاه شهَاب الدّين أَبَا الْقَاسِم مَحْمُود بن بوري فَتَوَلّى الْأَمر بعده بِدِمَشْق الى أَن قتل سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة فَملك بعده اخوه مُحَمَّد بن بوري الى ان توفّي سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة ثمَّ تولى بعده وَلَده آبق ابْن مُحَمَّد بن بوري الى ان نزل على دمشق نور الدّين مَحْمُود بن زنكي وَأَخذهَا مِنْهُ وعوضه عَنْهَا حمص فَأَقَامَ بهَا يَسِيرا ثمَّ انْتقل الى بالس الَّتِي على الْفُرَات بِأَمْر نور الدّين وَأقَام بهَا مُدَّة وَأَقْبل عَلَيْهِ الامام المقتفي وَلَا أعلم مَتى مَاتَ انْتهى مُلَخصا حرف الْعين الخانقاه العزية هِيَ بالجسر الْأَبْيَض قبلي الباسطية وَغَرْبِيٌّ الماردانية ومدرسة الخواجة ابراهيم الأسعردي قَالَ ابْن كثير هِيَ خانقاه على نهر ثورا انْتهى وَحَاصِل كتاب وَقفهَا ان التربة العزية بصالحية دمشق بالجسر الْأَبْيَض وَالْمَسْجِد بهَا والرباط يكون على ذَلِك احدى وَعِشْرُونَ قيراطا وَربع قِيرَاط من أصل أَرْبَعَة وَعشْرين قيراطا من قَرْيَة دسيا بِضَم الدَّال وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَهِي من قرى وَادي بردى وَجَمِيع الخان بمحلة بَاب الْجَابِيَة الْمَعْرُوف بخان العميان وَجَمِيع الفرن الْمَعْرُوف قَدِيما بوقف التربة الْمَذْكُورَة بِالْقربِ من حمام الْمُقدم وَغير ذَلِك وتاريخ وَقفهَا سنة سِتّ وَتِسْعين وسِتمِائَة وسجل سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة

ترجمة واقفها

تَرْجَمَة واقفها هُوَ الْأَمِير عز الدّين أيدمر الظَّاهِرِيّ قَالَ فِي منتخب الشذرات هُوَ الَّذِي كَانَ نَائِب دمشق فِي دولة مخدومه حبس مرّة ثمَّ اطلق فَلبس عِمَامَة مُدَوَّرَة وَسكن بمدرسته عِنْد الجسر الْأَبْيَض توفّي فِي ربيع الأول سنة سَبْعمِائة وَدفن بتربته وَكَانَ أَبيض الرَّأْس واللحية قَالَه فِي العبر وَقَالَ العلموي فِي مُخْتَصره كَانَ السُّلْطَان قد خرج من مصر وَدخل الكرك سنة سبعين وسِتمِائَة فَلَمَّا خرج مِنْهَا استصحب الْأَمِير عز الدّين ايدمر مَعَه الى دمشق فولاه النِّيَابَة بهَا وعزل الْأَمِير جمال الدّين النجيبي وَلم يزل بِدِمَشْق نَائِبا الى ان مَاتَ الظَّاهِر وَولي ابْنه السعيد فاستمر ايدمر فِي دمشق وَلما جاءها السعيد وتغيرت خواطر الْأُمَرَاء عَلَيْهِ وطلبوا مِنْهُ أبعاد الخاصكية فَلم يجبهم خوفًا من سوء الْعَاقِبَة وَسَارُوا الى مرج الصَّفْرَاء وترددت الرُّسُل بَينهم وَعَاد الْأَمِير الْمَذْكُور وَمَعَهُ الْعَسْكَر الى دمشق وطلع يتلَقَّى النَّائِب ايدمر قبض عَلَيْهِ اقوش عِنْد الْمصلى وأفرده عَن الركب ودخلوا بِهِ من بَاب الْجَابِيَة وحبسوه بالقلعة وَلم يزل معتقلا مُدَّة الدولة المنصورية الى أَن افرج عَنهُ الْملك الْأَشْرَف خَلِيل ابْن قلاوون قَالَ الذَّهَبِيّ رَأَيْته بالجامع وَعَلِيهِ قبَاء ابيض وتخفيفة وَهُوَ لَائِق بِهِ وَعَلِيهِ سُكُون ووقار فَأَعْجَبَنِي شكله قَالَ الصّلاح الصَّفَدِي لما أَقَامَ برباطه كَانَ يَأْتِي بالخضر بِنَفسِهِ ويمسك فرسه عِنْد البيطار بِيَدِهِ بعد ذَلِك الْحَال والنيابة بِدِمَشْق حرف الْقَاف خانقاه الْقصر كَانَت مطلة على الميدان الْأَخْضَر الْمَعْرُوف الْآن بالمرجة وَهِي ظَاهر دمشق وَقد انمحت آثارها انشأتها شمس الْمُلُوك قَالَه ابْن شَدَّاد الخانقاه القصاعية هِيَ بالقصاعين وَالله اعْلَم بمكانها انشأتها الخاتون فَاطِمَة بنت الخطليجي وَولي

حرف الكاف

مشيختها مُحَمَّد بن ابي الْفَتْح البعلي الدِّمَشْقِي الْحَنْبَلِيّ صَاحب المطلع قَالَ فِي الْمَقْصد الأرشد هُوَ الْفَقِيه الْمُحدث النَّحْوِيّ سمع من اليونيني وَابْن عبد الْهَادِي وَغَيرهمَا وعني بِالْحَدِيثِ وبرع فِي الْفِقْه وَأفْتى وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة واللغة على ابْن مَالك ولازمه وصنف كتبا مِنْهَا الفاخر فِي شرح جمل عبد القاهر وَشرح ألفية ابْن مَالك وَله المطلع على ابواب الْمقنع شرح بِهِ غَرِيب أَلْفَاظه ولغاته وَله تعاليق درس بعدة مدارس وَأفْتى وتصدر للإشتغال وَتخرج بِهِ جمَاعَة وانتفعوا بِهِ توفّي سنة تسع وَسَبْعمائة حرف الْكَاف الخانقاه الكججانية كَانَت بالشرف الْأَعْلَى بَين الطاووسية والمدرسة العزية وَقد هدمت واندرست وَلم يبْق مِنْهَا الْيَوْم الا قبَّة مهدومة الْأَعْلَى امام مُجْتَمع الكهرباء وعَلى بَابهَا كِتَابَة بالخط الْكُوفِي وَقد كَانَ موضعهَا دَارا للأمير بلاط فتهدمت وَخَربَتْ فأوقفها ابراهيم الكججاني خانقاه سنة ارْبَعْ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة قَالَه الذَّهَبِيّ فِي مَوضِع وَقَالَ فِي مَوضِع آخر انشأت سنة احدى وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَلَعَلَّ الأول تَارِيخ الِابْتِدَاء بهَا وَالثَّانِي عَام فتحهَا وَنِهَايَة بنائها قَالَ العلموي كَانَ بِهَذِهِ التربة مشيخة وفقراء وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مفصل فِي كتاب وَقفهَا وعَلى بَابهَا حرف الْمِيم الخانقاه المجاهدية كَانَت على الشّرف القبلي وَلم أعلم محلهَا وَقد اندرست بِيَقِين قَالَ ابْن شقدة فِي منتخب الشذرات فِي حوادث سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وفيهَا توفّي

حرف النون

الامير مُجَاهِد الدّين إِبْرَاهِيم بن بنى أونبا الَّذِي بِنَا الخانقاه المجاهدية بِدِمَشْق على الشّرف القبلي وَكَانَ واليا على دمشق عَاقِلا فَاضلا وَمن نظمه (اشبهت الْغُصْن فِي خِصَال ... الْقد واللين والتثني) (لَكِن تجنيك مَا حَكَاهُ ... الْغُصْن يجني وَأَنت تجني) وَله فِي مليح (ومليح قلت مالاسم ... حَبِيبِي قَالَ مَالك) (قلت صف لي وَجهك الزاهي ... وصف حسن اعتدالك) (قَالَ كالغصن وكالبدر ... وَمَا اشبه ذَلِك) توفّي بِدِمَشْق وَدفن بخانقاته الْمَذْكُورَة انْتهى وَقَالَ يُوسُف بن تغري بردي فِي ذيل المنهل الصافي لَهُ ابراهيم بن اونبا الْأَمِير مُجَاهِد الدّين ابو اسحق امير جندار الْملك الصَّالح مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة وَدفن بخانقاته الَّتِي انشأها على شرف الميدان القبلي ظَاهر دمشق انْتهى وَفِي تَارِيخ الاسدي انه قرر فِي تِلْكَ الخانقاه عشْرين صوفيا وَهُوَ مستمرض وَمن مشايخها عَليّ الاسفندار الْوَاعِظ قَالَ ابْن كثير كَانَ يعظ فِي كل سبت من الْأَشْهر الثَّلَاثَة وَكَانَ فَاضلا بارعا وَكَانَ جده يكْتب الْإِنْشَاء للخليفة النَّاصِر وَمن شعر المترجم (إِذا زار بالجثمان غَيْرِي فإنني ... أَزور مَعَ السَّاعَات ربعك بِالْقَلْبِ) (وَمَا كل ناء عَن ديار بنازح ... وَلَا كل دَان فِي الْحَقِيقَة ذُو قرب) توفّي سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة حرف النُّون الخانقاه النجيبية قَالَ النعيمي يُقَال لَهَا النجيبية البرانية وخانقاه الْقصر يَعْنِي لمجاورتها للقصر الأبلق وَهِي مطلة على الميدان انْتهى قلت أَرَادَ الميدان المرجه وَكَانَ ذَلِك فِي الْقصر قصرا للْملك الظَّاهِر وَلما عمرت التكية

الخانقاه النحاسية

السليمانية خرب وأقيمت مَكَانَهُ فَلم يبْق أثر للنجيبية وَلَا للقصر اللَّهُمَّ الا ان تكون أدخلت فِي خانقاه المولوية وَفِي هَذِه الخانقاه اعتقل ابْن خلكان اعتقله الْأَمِير سنجر وَأقَام مقَامه ابْن سني الدولة قَاضِيا وَأمره أَن يتَحَوَّل من الْمدرسَة العادلية الْكُبْرَى ليسكنها خَلفه وألح عَلَيْهِ فِي ذَلِك فاستدعى جمالا لينقل اهله الى الصالحية فجَاء الْعَفو عَنهُ من السُّلْطَان بِمصْر وَتَقْرِيره على الْقَضَاء وَقد كَانَت الخانقاه مَعَ أوقافها تَحت الحيطة وينسب بناؤها الى جمال الدّين أقوش وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي مدرسته الخانقاه النحاسية هِيَ والتربة بهَا غربي الذهبية وشمالي حمام شُجَاع بطرِيق مَقْبرَة الفراديس وَهِي الْآن مَوْجُودَة وتسميها الْعَامَّة مدرسة النحاسين وَقد وضع على أوقافها يَد جمَاعَة ادعوا انهم من نسل الْوَاقِف يُقَال لَهُم بَنو النّحاس وَرجل يَدعِي الْعلم يُقَال لَهُ الشَّيْخ احْمَد رَمَضَان فاختلسوا وَقفهَا ثمَّ تحيلوا الى جعلهَا بَيْتا للسُّكْنَى وَلَعَلَّ رجلا فِيهِ خير يرفع تِلْكَ الْيَد الأثيمة عَنْهَا قَالَ النعيمي أَنْشَأَهَا الخواجة الْكَبِير شمس الدّين ابْن النّحاس الدِّمَشْقِي توفّي بِمَدِينَة جدة من أَعمال الْحجاز سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَخلف أَمْوَالًا وأولادا الخانقاه النجمية كَانَت بنواحي بَاب الْبَرِيد ثمَّ اخنى عَلَيْهَا الَّذِي أخنى على لبد وطمست آثارها قَالَ ابو شامة هِيَ دَاخل الدَّرْب الَّذِي بِقرب المعينية بِبَاب الْبَرِيد تَرْجَمَة واقفها أوقفها الْأَمِير نجم الدّين أَيُّوب بن شاذي بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة الدويني وَهُوَ وَالِد الْمُلُوك صَلَاح الدّين وَسيف الدّين وشمس الدولة وَسيف الاسلام وتاج الْمُلُوك بوري وست الشَّام وربيعه خاتون واخو الْملك اسد الدّين شب بِهِ فرسه فَحمل الى دَاره وَمَات بعد أَيَّام فِي ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ يلقب بالأجل الْأَفْضَل ولي بعلبك فَبنى فِيهَا خانقاه للصوفية وَهِي الْمَعْرُوفَة بالنجمية وَكَانَ صَالحا

الخانقاه الناصرية الأولى

حسن السِّيرَة كريم السريرة وَلما تولى وَلَده صَلَاح الدّين مصر استدعاه وَكَانَ فِي دمشق فِي خدمَة نور الدّين مَحْمُود فاستأذنه فَأذن لَهُ فَلَمَّا قدم على وَلَده أَرَادَ ان يخلع الامر إِلَيْهِ فكره وَلما مَاتَ نجم الدّين دفن عِنْد أَخِيه فِي بِالْقَاهِرَةِ ثمَّ نقلا سنة تسع وَسبعين الى الْمَدِينَة المنورة قَالَه فِي شذرات الذَّهَب وَقَالَ الاسدي أوقف نجم الدّين بِمصْر خانقاه ومسجدا وقناة بِبَاب النَّصْر وَكَانَ ابوه من أهل دوين بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الْوَاو بَلْدَة بآخر أذربيجان تجاور بِلَاد الكرخ وشاذي اسْم اعجمي مَعْنَاهُ فرحان وَكَانَ من أَبنَاء أعيانها وَكَانَ صديقا لكَمَال الدولة فاستصحبه مَعَه لما ولي نِيَابَة بَغْدَاد واعطى السُّلْطَان أَبَاهُ شاذي قلعة تكريت فَلم يزل بهَا الى ان توفّي فتولاها وَلَده أَيُّوب فَقَامَ بهَا حق الْقيام فشكره بهروز وَأحسن اليه وَفِي القلعة ولد صَلَاح الدّين ثمَّ خرج الى الْموصل فَأكْرمه زنكي وَالِد نور الدّين ثمَّ استنابه على بعلبك ثمَّ استدعاه وَلَده صَلَاح الدّين الى مصر كَمَا مر قَالَ الاسدي وَكَانَ رجلا دينا مُبَارَكًا كثير الصَّدقَات سَمحا كَرِيمًا وافر الْعقل قَلِيل الْكَلَام جدا لَا يتَكَلَّم الا للضَّرُورَة الخانقاه الناصرية الأولى أَنْشَأَهَا الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف ابْن الْملك الْعَزِيز مُحَمَّد غَازِي بن أَيُّوب بسفح قاسيون بجوار تربته على نهر يزِيد قَالَه ابْن شَدَّاد وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي دور الحَدِيث وَلَا بَأْس هُنَا بإيراد تَرْجَمته مختصرة عَن شذرات الذَّهَب الْملك النَّاصِر هُوَ الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف ابْن الْعَزِيز مُحَمَّد ابْن الظَّاهِر غَازِي ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين صَاحب الشَّام ولد سنة سبع وَعشْرين وسِتمِائَة وسلطنوه بعد ابيه سنة اربعة وَثَلَاثِينَ ودبر الملكة شمس الدّين لولو وَالْأَمر كُله رَاجع الى جدته صَفِيَّة ابْنة الْعَادِل فَلَمَّا مَاتَت سنة اربعين اشْتَدَّ النَّاصِر فَفتح لَهُ عسكره حمص وتملك دمشق بِلَا قتال سنة ثَمَان وَأَرْبَعين فوليها عشر سِنِين وَكَانَ حَلِيمًا جوادا حسن الاخلاق محببا الى الرّعية فِيهَا عدل فِي الْجُمْلَة وَقلة جور وصفح وَكَانَ النَّاس مَعَه فِي بلهنية من الْعَيْش لَكِن مَعَ إدارة الْخمر وَالْفَوَاحِش وَكَانَ للشعراء دولة فِي أَيَّامه

الخانقاه الناصرية الثانية

لِأَنَّهُ كَانَ يَقُول الشّعْر ويجيز عَلَيْهِ ومجلسه مجْلِس ندماء وأدباء وَلكنه خدع وَعمل عَلَيْهِ حَتَّى وَقع فِي قَبْضَة التتار فَذَهَبُوا بِهِ الى هولاكو فَأكْرمه ثمَّ غضب عَلَيْهِ فَقتله سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة قَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي تَارِيخه بني النَّاصِر بِدِمَشْق دَاخل بَاب الفراديس مدرسة فِي غَايَة الْحسن ووقف عَلَيْهَا اوقافا جليلة وَبنى فِي بجبل الصالحية رِبَاطًا وتربة ومدرسة وَهِي عمَارَة عَظِيمَة مَا عمر مثلهَا أحضر لَهَا من الرخام والأحجار شَيْئا كثيرا وَغرم عَلَيْهَا اموالا عَظِيمَة ونهر يزِيد جَار فِيهَا الخانقاه الناصرية الثَّانِيَة كَانَت بدرب خلف قاسارية الصّرْف وَكَانَت دَارا للسُّلْطَان صَلَاح الدّين لما كَانَ واليا على دمشق وَهَذِه القاسارية عمرها الْملك الْمُؤَيد بِالْحِجَارَةِ وَجعل فِيهَا مخازن وطباقا وَجعل بَعْضهَا للجهة الَّتِي كَانَت مَوْقُوفَة عَلَيْهَا قَالَه ابْن قَاضِي شُهْبَة تَرْجَمَة واقفها هُوَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين الْملك النَّاصِر ابو المظفر يُوسُف بن أَيُّوب بن شاذي بن مَرْوَان ابْن يَعْقُوب الدويني الأَصْل اول دولة الاكراد وملوكهم وَقد ألف الْعلمَاء المؤلفات فِي سيرته وتاريخه وطرز المؤرخون بِذكرِهِ مؤلفاتهم فَمَا نذكرهُ هُنَا شذرة يسيرَة من مناقبه وسنبسط الْكَلَام فِي الْقسم السياسي من هَذَا الْكتاب ان شَاءَ الله تَعَالَى ونلخص هُنَا من النَّوَادِر السُّلْطَانِيَّة والمحاسن اليوسفية لِابْنِ شَدَّاد وَمن شذرات الذَّهَب لعبد الْحَيّ بن الْعِمَاد وَمن تَارِيخ ابْن خلكان وَمن تاريخي الذَّهَبِيّ وَابْن كثير وَمن كَلَام ابْن الْأَثِير شذرات تلِيق بذلك السُّلْطَان الْعَادِل والكوكب الْمُنِير فَنَقُول قَالَ ابْن كثير أصل هَذِه الطَّائِفَة من الأكراد وَلَكِن بني أَيُّوب يُنكرُونَ هَذِه النِّسْبَة وَيَقُولُونَ انما نَحن عرب نزلنَا عِنْد الأكراد وتزوجنا مِنْهُم انْتهى وَيُمكن أَن يكون هَذَا صَحِيحا لِأَن الْعَرَب تَفَرَّقت فِي الأقطار بعد الْفَتْح الإسلامي وَقَالَ ابْن خلكان اتّفق أهل التَّارِيخ على أَن آباه وَأَهله من دوين بِضَم الدَّال الْمُهْملَة

وَكسر الْوَاو وَهِي بَلْدَة فِي آخر عمل اذربيجان من جِهَة آرال وبلاد الكرد وَأَنَّهُمْ أكراد راودية قَبيلَة كَبِيرَة من الأكراد انْتهى ولد صَلَاح الدّين سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بقلعة تكريت وَكَانَ وَالِده أَيُّوب واليا بهَا ثمَّ اتّفق لَهُ الِانْتِقَال مِنْهَا الى الْموصل فَكَانَ بهَا مَعَ وَالِده الى أَن ترعرع وَاتفقَ لوالده الإنتقال الى الشَّام وَأعْطِي بعلبك وَأقَام بهَا مُدَّة وَصَلَاح الدّين يتربى تَحت حجر وَالِده ويرتضع ثدي محَاسِن أخلاقه حَتَّى بَدَت مِنْهُ إمارات السَّعَادَة ولاحت لوائح التَّقَدُّم والسيادة فقدمه الْملك الْعَادِل نور الدّين محود بن زنكي وعول عَلَيْهِ وَنظر اليه وقربه وَلم يزل كلما تقدم قدما تبدو مِنْهُ أَسبَاب تقضي تَقْدِيمه الى مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ حَتَّى تعمد أَسد الدّين الْحَرَكَة الى مصر وذهابه إِلَيْهَا فاستصحبه مَعَه عَن كَرَاهِيَة مِنْهُ لمَكَان افتقاره إِلَيْهِ وَجعله مقدم عسكره وَصَاحب رَأْيه وَذَلِكَ سنة ثَمَان وَخمسين وَخَمْسمِائة فَقَامَ بِمَا عهد إِلَيْهِ أحسن قيام ثمَّ قفل رَاجعا الى الشَّام بعد ان عرف أَسد الدّين أَن مصر بِلَاد بِغَيْر رجال تمشي الْأُمُور فِيهَا بِمُجَرَّد الأيهام والمحال ثمَّ فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة عَاد أَسد الدّين الى مصر وسير السُّلْطَان نور الدّين مَعَه صَلَاح الدّين على كره مِنْهُ وَلم تزل مصر بيد أَسد الدّين حَتَّى مَاتَ بعلة الخوانيق سنة أَربع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فتولاها الْملك صَلَاح الدّين وَلما استتب لَهُ أَمر مصر جعل يَشن الغارات على الافرنج الى الكرك والشوبك وبلادها وَغشيَ النَّاس من سحائب الأفضال وَالنعَم مَا لم يؤرخ من غير تِلْكَ الْأَيَّام هَذَا كُله وَهُوَ وَزِير متابع الْقَوْم وَلكنه مقو لمَذْهَب السّنة غارس فِي أهل الْبِلَاد الْعلم وَالْفِقْه والتصوف وَالدّين وَالنَّاس يهرعون إِلَيْهِ من كل صوب ويفدون عَلَيْهِ من كل حدب وَهُوَ لَا يخيب قَاصِدا وَلَا يعْدم وافدا وَفِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة توفّي السُّلْطَان نور الدّين بعلة الخوانيق وَخَلفه فِي الْملك وَلَده الصَّالح اسماعيل فَلَمَّا تحقق صَلَاح الدّين موت نور الدّين وَأَن وَلَده الصَّالح طِفْل لَا ينْهض بأعباء الْملك وَلَا يسْتَقلّ بِدفع الْأَعْدَاء عَن الْبِلَاد تجهز لِلْخُرُوجِ الى الشَّام مصاحبا جمعا كثيرا من العساكر وَأقَام بِمصْر من يقوم بحفظها وَسَار مَعَ جمع من أَهله وأقاربه الى أَن دخل دمشق بِالتَّسْلِيمِ سنة سبعين وَلم يشق عَلَيْهِ عَصا وتسلم قلعتها قَالَ فِي شذرات الذَّهَب فِي حوادث سنة سبعين وفيهَا قدم صَلَاح الدّين فَأخذ دمشق بِلَا ضَرْبَة وَلَا طعنة وَسَار الصَّالح اسماعيل بن نور الدّين مَعَ حَاشِيَته الى حلب ثمَّ سَار صَلَاح الدّين فحاصر حمص بالمجانيق ثمَّ سَار فَأخذ حماه وحاصر

حلب وأساء الْعشْرَة فِي حق آل نور الدّين ثمَّ رد وتسلم حمص ثمَّ عطف الى بعلبك وتسلمها وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه ملك صَلَاح الدّين الْبِلَاد ودانت لَهُ الْعباد وَأكْثر من الْغَزْو وَكسر الإفرنج مَرَّات وَكَانَ شَدِيد الهيبة محببا الى الْأمة عالي الهمة انْتهى وَأعظم مَا ابتهجت بِهِ الْأمة من فتوحاته فتح بَيت الْمُقَدّس بعد أَن مكث بيد الإفرنج نيفا وَتِسْعين سنة وَقَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي تَارِيخ الْإِسْلَام كَانَ شجاعا سَمحا جوادا مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله يجود بِالْمَالِ قبل الْوُصُول إِلَيْهِ وَكَانَ مغرما بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيل الله وَكَانَ لَا يلبس إِلَّا مَا يحل لَهُ لبسه وَمن جالسه لَا يعلم انه جليس سُلْطَان وَكَانَ شَدِيد الرَّغْبَة فِي سَماع الحَدِيث مَا شتم أحدا قطّ وَلَا كتب بِيَدِهِ مَا فِيهِ أَذَى مُسلم فتح الديار المصرية والحجاز وَمَكَّة وَالْمَدينَة واليمن من زبيد الى حَضرمَوْت مُتَّصِلا بِالْهِنْدِ وَمن الشَّام دمشق وبعلبك وحمص وبانياس وحلب وحماه وَمن السَّاحِل بِلَاد الْقُدس وغزة وتل الصافية وعسقلان ويافا وقيسارية وحيفا وعكا وطبرية والشقيف وصفد وكوكب والكرك والشوبك وصيدا وبيروت وجبلة واللاذقية والشقر وصهيون وبلاطنس وَمن الشرق حران والرها والرقة وَرَأس عين وسنجار ونصيبين وسروج وديار بكر وميافارفين وآمد وحصونها وَشهر زور وَيُقَال انه فتح سِتِّينَ حصنا وَزَاد على نور الدّين بِمصْر وَالْمغْرب والحجاز واليمن والقدس والساحل وديار بكر وبلاد الإفرنج وَلَو عَاشَ عمرا طَويلا لفتح الدُّنْيَا شرقا وغربا وبعدا وقربا وَلكنه لم يبلغ سِتِّينَ سنة قَالَ ابْن الْأَثِير وَيَكْفِي دَلِيلا على كرمه انه لما مَاتَ لم يخلف فِي خزانته غير دِينَار وَاحِد صوري وَأَرْبَعين درهما ناصرية وَقَالَ فِي آخر تَرْجَمته وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ نَادرا فِي عصره كثير المحاسن وَالْأَفْعَال الجميلة عَظِيم الْجِهَاد فِي الْكفَّار وفتوحه تدل على ذَلِك وَخلف سَبْعَة عشر ولدا ذكرا انْتهى وَقَالَ الفيلسوف عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ فِي رحلته أتيت الشَّام وَكَانَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين بالقدس فَأَتَيْته فَرَأَيْت ملكا عَظِيما يمْلَأ الْعُيُون روعة والقلوب محبَّة قَرِيبا بَعيدا محببا وَأَصْحَابه يتشبهون بِهِ ويتسابقون الى الْمَعْرُوف وَأول لَيْلَة حَضرته وجدت مَجْلِسا محفوفا بِأَهْل الْعلم يتذاكرون فِي أَصْنَاف الْعُلُوم وَهُوَ يحسن الإسماع

والمشاركة وَيَأْخُذ فِي كَيْفيَّة بِنَاء الأسوار وحفر الْخَنَادِق وَيَأْتِي فِي ذَلِك بِكُل معنى بديع وَكَانَ مهتما بِبِنَاء سور بَيت الْمُقَدّس وحفر خندقه يتَوَلَّى ذَلِك على عَاتِقه وينقل الْحِجَارَة بِنَفسِهِ ويتأسى بِهِ جَمِيع النَّاس الْأَغْنِيَاء والفقراء والأقوياء والضعفاء حَتَّى الْكَاتِب وَالْقَاضِي الْفَاضِل ويركب لذَلِك قبل طُلُوع الشَّمْس الى وَقت الظّهْر فَيَأْتِي دَاره ويمد السماط ثمَّ انه يستريح ويركب وَقت الْعَصْر وَيَأْتِي على ضوء المشاعل وَيصرف أَكثر اللَّيْل فِيمَا يعْمل نَهَارا وَكَانَ يحفظ ديوَان الحماسة وَأطَال الْبَغْدَادِيّ فِي الْكَلَام عَلَيْهِ وَسيرَته أفردت بالتأليف وأكثرها مطبوع كالروضتين لأبي شامة وَسيرَته للغزي والنوادر السُّلْطَانِيَّة والمحاسن اليوسفية للْقَاضِي بهاء الدّين الْمَعْرُوف بإبن شَدَّاد وَسيرَته للعماد الْكَاتِب وَغَيره مِمَّا هُوَ مَعْرُوف ومشهور قَالَ ابْن شَدَّاد فِي النَّوَادِر مَا خلاصته أَن السُّلْطَان لما دنا وَقت رحيله الى دَار الْبَقَاء وجد فِي جِسْمه كسلا عَظِيما فَمَا انتصف اللَّيْل حَتَّى غَشيته حمى صفراوية كَانَت فِي بَاطِنه أَكثر من ظَاهره وَأصْبح الصَّباح وَهُوَ متكاسل عَلَيْهِ أثر الْحمى وَلم يظْهر ذَلِك للنَّاس ثمَّ أَخذ الْمَرَض يتزايد الى أَن انْتهى لغاية الضعْف وَلما مضى على مَرضه أحد عشر يَوْمًا وَتحقّق النَّاس مَوته أسْرع وَلَده الْأَفْضَل فِي تَحْلِيف النَّاس واستحضر الْقُضَاة وَعمل لَهُ نُسْخَة يَمِين مختصرة محصلة للمقاصد هَذَا وَلم يزل الْحَال يشْتَد بالسلطان صَلَاح الدّين الى ان توفّي الى رَحْمَة الله وغفرانه بعد صَلَاة الصُّبْح من يَوْم الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من صفر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ يَوْمًا شَدِيدا على الاسلام وَالْمُسْلِمين وَقَالَ صَاحب حماة فِي تَارِيخه لما مَاتَ السُّلْطَان غسله الْفَقِيه الدولعي خطيب دمشق وَأخرج بعد صَلَاة الظّهْر فِي تَابُوت مسجى بِثَوْب وَجَمِيع مَا احتاجه من الثِّيَاب فِي تكفينه أحضرهُ القَاضِي الْفَاضِل من جِهَة حل عرفهَا وَصلى النَّاس عَلَيْهِ وَدفن فِي قلعة دمشق فِي الدَّار الَّتِي كَانَ مَرِيضا فِيهَا ثمَّ أَن الْملك الْأَفْضَل عمل لوالدته تربة قرب الْجَامِع وَنقل اليها السُّلْطَان يَوْم عَاشُورَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة فدفنه بهَا انْتهى وَيُقَال انه دفن مَعَه سَيْفه الَّذِي كَانَ يحضر بِهِ الْجِهَاد وَتقدم بعض من سيرته فِيمَا مضى من هَذَا الْكتاب قَرَأت فِي تَارِيخ المحبي مَا صورته ان ابراهيم باشا ابْن عبد المنان الْمَعْرُوف بالدفتردار نزيل دمشق بنى حَماما بِالْقربِ من تربة

الخانقاه النهرية

السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَأَوْقفهُ وَجُمْلَة من املاكه على تدريس فقه وأجزاء رتبها فِي التربة الْمَذْكُورَة فَقَالَ ابو بكر الْعمريّ فِي تَارِيخه (بنى وأوقف ابراهيم دَامَ لَهُ ... مُنجزا لصلاح الدّين حَماما) وَهَذَا من التواريخ البديعة بَين فِيهِ المُرَاد من غير حَشْو توفّي الْبَانِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف انْتهى قلت وَهَذَا الْحمام بِالْقربِ من دهليز الْجَامِع الْأمَوِي من الْجِهَة الشمالية وَهُوَ الْآن خراب الخانقاه النهرية كَانَت بِأول شَارِع نهر القنوات قَالَ النعيمي وَهِي الْمَشْهُورَة بخانقاه عمر شاه وَكَانَت مشيختها وَالنَّظَر عَلَيْهَا لمُحَمد ابْن الحسينيي الْحَنْبَلِيّ الْمصْرِيّ الدِّمَشْقِي سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وللقاضي مُحَمَّد الْحَمَوِيّ الْمَعْرُوف بِابْن اللبودي انْتهى قلت وَهِي مَوْجُودَة فِي صُورَة مفقودة حرف الْيَاء الخانقاه اليونسية كَانَت باول الشّرف الشمالي شَرْقي الخانقاه الطاووسية قَالَ النعيمي أَنْشَأَهَا الْأَمِير الْكَبِير يُونُس دوادار الظَّاهِر برقوق سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة كَمَا هُوَ مَكْتُوب على بَابهَا وَفِي شهر ربيع الآخر سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة كَمَا هُوَ مَكْتُوب فِي الدائر داخلها وَلَعَلَّ الأول كَانَ ابْتِدَاء الشُّرُوع فِي عمارتها وَالثَّانِي كَانَ تَارِيخ انتهائها وَذَلِكَ بِنَظَر الكافلي بيدمر الظَّاهِر وَشرط فِي كتاب وَقفهَا الاصلي للشَّيْخ بهَا وَللْإِمَام وللصوفية ان يَكُونُوا حنفية آفاقية وَلم يشْتَرط فِي الْمُخْتَصر كَونهم آفاقية وَشرط ان يكون الامام بهَا حنفيا وَأَن يكون بهَا عشرَة من الْقُرَّاء ووقف عَلَيْهَا الدكاكين خَارج بَاب الْفرج ثمَّ احترقت فِي أَيَّام الْمُؤَيد شيخ فعمرها وأدخلها فِي وَقفه وَعوض

خانقاه مجهولة

عَنْهَا الْحمام العلاني خَارج بَابي الْفرج والفراديس وَالْحمام بِكفْر عَامر وَآل من ذُريَّته اليها قِطْعَة أَرض مسلة الْحمام والقاعة لصيق الخانقاه وَولي مشيختها شمس الدّين عَزِيز ثمَّ شمس الدّين ابْن ابو عوض وانْتهى وَهَذِه الخانقاه خَفِي مَكَانهَا عني اللَّهُمَّ الا أَن تكون هِيَ الزاوية الَّتِي هِيَ قبل الطاووسية من الْجَانِب الشَّرْقِي الَّتِي تسميها الْعَوام زَاوِيَة السُّلْطَان ابو يزِيد وَالله اعْلَم خانقاه مَجْهُولَة حكى فِي العبر فِي حوادث سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة ان ابْن السفار امير الْحَاج عماد الدّين يُوسُف بن ابي النَّصْر بن ابي الْفرج الدِّمَشْقِي توفّي فِي زمن التتار وَوضع فِي تَابُوت فَلَمَّا أَمن النَّاس نقل الى النيرب وَدفن بقبته الَّتِي فِي الخانقاه انْتهى فتراه ذكر خانقاه وَلم نر من شرح محلهَا وَلَا من بناها وَهِي الْآن بُسْتَان بِلَا شكّ

رباط ابي البيان

الْبَاب التَّاسِع فِي الرَّبْط الَّتِي كَانَت بِدِمَشْق رِبَاط ابي الْبَيَان دَاخل بَاب شَرْقي بحارة درب الْحجر وَالْوَقْف عَلَيْهِ مَكَان بجسرين تَرْجَمَة الْبَانِي قَالَ فِي منتخب الشذرات ماخلاصته ابو الْبَيَان نبا بن مُحَمَّد بن مَحْفُوظ الْقرشِي الشَّافِعِي اللّغَوِيّ الدِّمَشْقِي الزَّاهِد شيخ الطَّائِفَة البيانية بِدِمَشْق وَيعرف بِابْن الحوراني كَانَ كَبِير الْقدر عَالما زاهدا تقيا خَاشِعًا ملازما للْعلم وَالْعَمَل والمطالعة كثير الْعِبَادَة والمراقبة كَبِير الشَّأْن بعيد الصيت ملازما للسّنة صَاحب أَحْوَال ومقامات سمع أَبَا الْحسن عَليّ ابْن الموازيني وَغَيره وَله تآليف ومجاميع ورد على الْمُتَكَلِّمين واذكار مسجوعة واشعار مطبوعة واصحاب ومريدون وفقراء بهديه يقتدون وَكَانَ هُوَ وَالشَّيْخ أرسلان شَيْخي دمشق فِي عصرهما وناهيك بهما قَالَه فِي العبر دخل يَوْمًا الى الْجَامِع الْأمَوِي فَرَأى جمَاعَة فِي الْحَائِط الشمالي يثلبون أَعْرَاض النَّاس فَقَالَ اللَّهُمَّ كَمَا أنسيتهم ذكرك فأنسهم ذكري قَالَ السخاوي قَبره يزار بِبَاب الصَّغِير وَلم يذكرهُ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه وَلَا ابْن خلكان فِي وفيات الاعيان وَقَالَ السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَات الْوُسْطَى الشَّيْخ ابو الْبَيَان شيخ الطَّائِفَة البيانية بِدِمَشْق كَانَ شَيخا زاهدا ورعا عابدا إِمَامًا فِي اللُّغَة فَقِيها لَهُ شعر كثير وتآليف حسان توفّي يَوْم الثُّلَاثَاء ثَانِي شهر ربيع الأول سنة إِحْدَى وَخمسين وَخَمْسمِائة وَقَالَ البصروي فِي تحفة الْأَنَام بعد ان تَرْجمهُ بِعَمَل تَرْجَمَة السُّبْكِيّ والرباط الْمَنْسُوب أليه أنشئ بعد مَوته بِأَرْبَع سِنِين اجْتمع أَصْحَابه على بنائِهِ وَقد أعانهم عَلَيْهِ السُّلْطَان نور الدّين وأوقف عَلَيْهِ مَكَانا بجسرين

رباط التكريتي

رِبَاط التكريتي بِالْقربِ من الرِّبَاط الناصري بقاسيون بناه وجيه الدّين مُحَمَّد بن عَليّ بن سُوَيْد التكريتي الناصري كَانَ مُعظما عِنْد الْمُلُوك وَصَاحب اموال كَثِيرَة توفّي سنة سبعين وسِتمِائَة وَدفن بتربته برباطه رِبَاط زهرَة بِالْقربِ من حمام جاروخ وَهُوَ مُقَابل الفرن الْمَعْرُوف بفرن خَليفَة وَهَذِه تعريفات ذكرهَا النعيمي والعلموي وَلم نعلم الْآن مِنْهُمَا شَيْئا رِبَاط صَفِيَّة قَالَ البرزالي فِي حوادث سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة ربط القلعية بِالْقربِ من الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة قَالَ ابْن شَدَّاد بعد ان ذكر هَذِه الرِّبَاط الْمُتَقَدّمَة وَثمّ رباطات أخر فَعَدهَا وَإِلَيْك بَيَانهَا حَسْبَمَا ذكرهَا رِبَاط طومان من أُمَرَاء بني سلجوق تَحت القلعة رِبَاط جاروخ التركماني رِبَاط غرس الدّين خَلِيل كَانَ واليا بِدِمَشْق رِبَاط المهراني أَقُول فِي جادة سوق صاروجا بَيت كَبِير وَعند بَابه شباك فَوْقه حجر مَكْتُوب عَلَيْهِ بعد الْبَسْمَلَة هَذِه تربة الْأَمِير شمس الدّين شروة بن حُسَيْن المهراني الْمَعْرُوف بالسبع المجانين الحاجي الْغَازِي الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله تَعَالَى توفّي الى رَحْمَة الله تَعَالَى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فَالظَّاهِر أَن الرِّبَاط كَانَ هُنَا وَمن الْعجب أَن الْعَوام وطلبة الْعلم يَعْتَقِدُونَ أَن هَذَا

قبر الشَّيْخ مُجَاهِد الْمُفَسّر التَّابِعِيّ الْمَشْهُور وَالْكِتَابَة الْمَذْكُورَة محفورة فِي الْحجر بِخَط وَاضح وَلَا يقرؤونه وَهَذَا من التَّقْلِيد الْأَعْمَى نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ رِبَاط البُخَارِيّ عِنْد بَاب الْجَابِيَة رِبَاط السقلاطوني رِبَاط الفلكي رِبَاط دَاخل بَاب السَّلَام رِبَاط عذراء خاتون دَاخل بَاب النَّصْر رِبَاط بدر الدّين عمر رِبَاط الْحَبَشَة بمحلة قصر الثقفيين يَعْنِي بمحلة المعينية رِبَاط أَسد الدّين شيركوه بدرب زرْعَة رِبَاط القصاعين رِبَاط بنت عز الدّين مَسْعُود صَاحب الْموصل رِبَاط بنت الدفين دَاخل الْمدرسَة الفلكية رِبَاط الدوادار دَاخل بَاب الْفرج رِبَاط الفقاعي فِي السفح ذكر هذَيْن الرباطين الْأَخيرينِ البرزالي فِي حوادث خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَقَالَ العلموي رِبَاط الوزراء بمحلة سويقة صاروجا دَاخل الدخلة الَّتِي بهَا برسباي الْحَاجِب شمَالي حمامه قَالَ وَهُوَ الى الْآن مَوْجُود انْتهى وَهَذِه الرَّبْط قد عسر عَليّ معرفَة محالها وَلم أدر من الَّذِي بناها فنقلتها كَمَا

وَجدتهَا فِي تَنْبِيه الطَّالِب ومختصريه اطَّلَعت على كتاب وقف عَلَاء الدّين بن يحيى بن فضل الله الْقرشِي الْعَدوي الْعمريّ المؤرخ سنة 763 فاستفدت مِنْهُ مَا أذكرهُ رِبَاط الْعرس بَين السورين من حَيّ الْعِمَارَة وَهُوَ علوي وَقد صَار الْيَوْم مَسْجِدا سوق المناخلية كَانَ يُسمى سوق البقلي بَيت الْآبَار قَرْيَة بالغوطة بَيت لهيا كَانَت عِنْد ماصية الْعَادِل بِالْقربِ من جسر نهر ثورا من طَرِيق القابون البحرة الْمَشْهُورَة كَانَت يُقَال لَهَا بالو وَهِي بحيرة الهيجانة تل بني بسيابه بالهيجانة الملاحة بِجِهَة أَرَاضِي بَالا قَرْيَة والقرية السَّوْدَاء كَانَتَا عِنْد تلفيتا وصيدنايا الْغَار الْمَعْرُوف بالمنقب والحقاب هُوَ مَا يَلِي جبل الْغَار المطل على دَوْمًا وَأَرْض معرونية وَقد ذكرت ذَلِك هُنَا اسْتِطْرَادًا وَلَا يَخْلُو من فَائِدَة وبريتايا كَانَت قَرْيَة بِالْقربِ من عربيل وَيُقَال لأرضها الْيَوْم أَرض بريتايا

حرف الهمزة

الْبَاب الْعَاشِر فِي الزوايا حرف الْهمزَة الزاوية الأرموية أَقُول الزاوية هِيَ الْمَكَان الْمعد للأفعال الصَّالِحَة وللعبادة وَهَذِه الزاوية كَانَت فَوق الرَّوْضَة بسفح قاسيون أَنْشَأَهَا عبد الله بن يُونُس الأرموي قَالَ ابْن شقدة هُوَ الزَّاهِد الْقدْوَة صَاحب الزاوية بجبل قاسيون كَانَ صَالحا متواضعا مطرحا للتكلف يمشي وَحده وَيَشْتَرِي الْحَاجة لنَفسِهِ وَله أَحْوَال ومجاهدات وَقدم راسخ فِي الْعِبَادَة سَافر الأقطار وَكَانَ فِي بدايته لَا يأوي الا الى القفار قَرَأَ الْقُرْآن وتفقه على مَذْهَب أبي حنيفَة وَحفظ الْقَدُورِيّ وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من عباد الله الصَّالِحين وَكَانَت زاويته مطلة على قبر الشَّيْخ موفق الدّين توفّي سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة حرف الْحَاء الزاوية الحريرية كَانَت بِظَاهِر دمشق بالشرف الْأَعْلَى القبلي وَكَانَ النَّاس يَجْتَمعُونَ بهَا للسماعات أَنْشَأَهَا ابو مُحَمَّد عَليّ بن أبي الْحسن بن مَنْصُور الدِّمَشْقِي الْفَقِير قَالَ الذَّهَبِيّ فِي العبر ولد بقرية بصرى من حوران وَنَشَأ بِدِمَشْق وَتعلم بهَا نسج العتابي ثمَّ تمفقر وَعظم أمره وَكثر أَتْبَاعه وَأَقْبل على المطيبة والراحة والسماعات والملاح وَبَالغ فِي ذَلِك فَمن يحسن الظَّن بِهِ يَقُول هُوَ كَانَ صَحِيحا فِي نَفسه صَاحب حَال ووصول وَمن خبر أمره رَمَاه بالْكفْر والضلال وَهُوَ أحد من لَا يقطع لَهُ بجنة أَو بِنَار فَإنَّا لَا نعلم بِمَا يخْتم لَهُ بِهِ لكنه توفّي فِي يَوْم شرِيف يَوْم الْجُمُعَة قبل الْعَصْر السَّادِس

وَالْعِشْرين من رَمَضَان سنة خمس وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وَقد نَيف على التسعين مَاتَ فَجْأَة وَقَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي تَارِيخه وقف على زاويته الَّتِي يُقَال لَهَا زَاوِيَة الحريري دَرَاهِم فِي أول أمره فحبسه أَصْحَاب الدُّيُون فَأَقَامَ سِتَّة أشهر مَحْبُوسًا ثمَّ جبوا لَهُ وأخرجوه فَصَارَ كل يَوْم يَتَجَدَّد لَهُ أَتبَاع الى أَن آل أمره الى مَا آل إِلَيْهِ قَالَ شرف الدّين خطيب عقربا خرج الْفلك المشيري يقسم قَرْيَة لَهُ وَأخذ مَعَ جمَاعَة فَلَمَّا قسموا ووصلوا الى زرع قَالُوا نمشي الى عِنْد الشَّيْخ الحريري فَقَالَ أحدهم ان كَانَ صَالحا يطعمنا حلوى ساخنة بِعَسَل وَسمن وفستق وسكر وَقَالَ الآخر يطعمنا بطيخا أَخْضَر وَقَالَ الآخر يسقينا فقاعا عَلَيْهِ الثَّلج فَلَمَّا وصلوا تلقاهم بالرحب وأحضر شَيْئا كثيرا من جملَته حلوى كَمَا قَالَ ذَلِك الرجل فَأمر بوضعها بَين يَدي مشتهيها ثمَّ أحضر بطيخا أَخْضَر وَأَشَارَ الى مشتهيه بِالْأَكْلِ فَلَمَّا فرغوا نظر الى صَاحب شَهْوَة الفقاع فَقَالَ يَا أخي كَانَ عِنْدِي تَحت السَّاعَات أَو بَاب الْبَرِيد ثمَّ صَاح يَا فلَان أَدخل فَدخل فَقير وعَلى رَأسه دست فقاع وَعَلِيهِ الثَّلج منحوت وَقَالَ بِسم الله اشرب انْتهى وَقد نقلت هَذِه الْقِصَّة كَمَا رَأَيْتهَا وَهِي خبر والعهدة على الرَّاوِي الأول وَلما مَاتَ كَانَت لَيْلَة مثلجة فأنشدهم نجم الدّين بن اسرائيل (بَكت السَّمَاء عَلَيْهِ سَاعَة دَفنه ... بمدامع كَاللُّؤْلُؤِ المنثور) (وأظنها فرحت بمصعد روحه ... لما سمت وتعلقت بِالنورِ) (أوليس دمع الْغَيْث يهمي بَارِدًا ... وَكَذَا تكون مدامع المسرور) وَقَالَ ابْن كثير فِي تَارِيخه أَقَامَ الحريري بِدِمَشْق مُدَّة يعْمل صَنْعَة الْحَرِير ثمَّ ترك ذَلِك وَأَقْبل على صَنْعَة الفقيري على يَد الشَّيْخ عَليّ المغربل تلميذ الشَّيْخ أرسلان فَأتبعهُ طَائِفَة من النَّاس يُقَال لَهُم الحريرية وابتنى لَهُم زَاوِيَة على الشّرف القبلي وبدت مِنْهُ أَفعَال أنكرها عَلَيْهِ الْفُقَهَاء كالعز بن عبد السَّلَام وَابْن الصّلاح وَابْن الْحَاجِب وَغَيرهم فَلَمَّا كَانَت مُدَّة الْأَشْرَف سجنه بالقلعة مُدَّة سِنِين ثمَّ أطلقهُ الصَّالح اسماعيل وَاشْترط عَلَيْهِ أَن لَا يُقيم بِدِمَشْق فَلَزِمَ بَلَده قَرْيَة بصرى الى أَن توفّي قَالَ أَبُو شامة فِي الذيل تبعه طَائِفَة من الْفُقَرَاء المعروفين بالحريرية أَصْحَاب الزي الْمنَافِي للشريعة قَالَ وَكَانَ عِنْد الحريري من الِاسْتِهْزَاء بالشريعة والتهاون بهَا وَعِنْده من شعار أهل الفسوق والعصيان شَيْء كثير وانفسد بِسَبَبِهِ جمَاعَة كَثِيرَة من أَوْلَاد كبراء الدماشقة وصاروا على زِيّ أَصْحَابه بِسَبَب أَنه خلع العذار وَجمع فِي

الزاوية الحريرية الأعففية

مَجْلِسه الْغناء الدَّائِم والرقص والمردان وَترك الصَّلَوَات وَكَثْرَة النَّفَقَات وأضل خلقا كثيرا وأفسد جمعا غفيرا وَأفْتى بقتْله جمَاعَة من عُلَمَاء الشَّرِيعَة مرَارًا انْتهى وَمِمَّنْ أنكر عَلَيْهِ وَلَده مُحَمَّد وَكَانَ صَالحا دينا خيرا يَأْمر أَصْحَاب أَبِيه بِاتِّبَاع الشَّرِيعَة فَلَمَّا مَاتَ أَبوهُ طلب مِنْهُ الْجُلُوس فِي المشيخة فَلم يقبل وانعزل عَنْهُم توفّي سنة إِحْدَى وَخمسين وسِتمِائَة وَدفن عِنْد الشَّيْخ أرسلان عَن سبع وَأَرْبَعين سنة الزاوية الحريرية الأعففية كَانَت بقرية المزة وَالظَّاهِر أَن منشئها الشَّيْخ أَحْمد بن حَامِد بِهِ سعيد التنوخي الأعفف الحريري لِأَن ابْن كثير قَالَ فِي تَرْجَمته أَنه توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة بزاويته بالمزة وَدفن بمقبرتها قَالَ واشتغل بشبيبته على التَّاج الْفَزارِيّ ثمَّ صحب الحريرية وَأخذ عَنْهُم طريقتهم وَلزِمَ صَاحبه الشَّيْخ نجم الدّين بن اسرائيل وَسمع الحَدِيث وَحج مرَارًا وَكَانَ مليح الشكل كثير التودد الى النَّاس حس الْأَخْلَاق الزاوية الحصنية هِيَ بحي الشاغور أوقفها الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابو بكر بن مُحَمَّد بن عبد الْمُؤمن الشهير بالحصني الشَّافِعِي نِسْبَة الى الْحصن قَرْيَة من قرى حوران وَقد أنهى نسبه فِي شذرات الذَّهَب الى سيدنَا الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَسَبْعمائة وتفقه بالشريشي وَالزهْرِيّ وَابْن الجابي والغزي والصرخدي وَابْن غنوم وَأخذ عَن الصَّدْر الياسوفي ثمَّ انحرف عَن طَرِيقَته وَحط على ابْن تَيْمِية وَبَالغ فِي الْحَط وتلقى عَنهُ الطّلبَة بِدِمَشْق وثارت بِسَبَب ذَلِك فتن كَثِيرَة وَكَانَ يمِيل الى التقشف وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد زَائِد ولخص الْمُهِمَّات فِي مُجَلد وَكتب على التَّنْبِيه وَقَالَ الْأَسدي كَانَ الحصني خَفِيف الرّوح منبسطا لَهُ نَوَادِر وَيخرج الى المتنزه وَيبْعَث الطّلبَة على ذَلِك مَعَ الدّين المتين والتحري فِي أَقْوَاله وأفعاله قَالَ وَمَال الى التقشف وَلَا سِيمَا بعد الْفِتْنَة التيمورلنكية فَإِنَّهُ تقشف وانجمع وَكَثُرت مَعَ ذَلِك أَتْبَاعه حَتَّى امْتنع من مكالمة النَّاس وَكَانَ يُطلق لِسَانه

حرف الدال

فِي الْقُضَاة وَأَصْحَاب الولايات وَله فِي الزّهْد والتقلل من الدُّنْيَا حكايات تضاهي مَا نقل عَن الأقدمين وَكَانَ يتعصب للأشاعرة وَأُصِيب بسمعه وبصره فضعف وَشرع فِي عمَارَة رِبَاط دَاخل الْبَاب الصَّغِير فساعده النَّاس بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم ثمَّ شرع فِي عمَارَة خَان السَّبِيل ففرغ فِي مُدَّة قريبَة وَكَانَ قد جمع تآليف كَثِيرَة قبل الْفِتْنَة وَكتب كثيرا بِخَطِّهِ فِي الْفِقْه والزهد وَقَالَ السخاوي فِي الضَّوْء اللامع شرح التَّنْبِيه والمنهاج وَشرح مُسلم فِي ثَلَاث مجلدات ولخص الْمُهِمَّات فِي مجلدين وَشرح أَحَادِيث الْأَحْيَاء مُجَلد وَشرح الْأَرْبَعين النووية فِي مُجَلد وأهوال الْقِيَامَة مُجَلد وَجمع سير نسَاء السّلف فِي مُجَلد وَله قَوَاعِد الْفِقْه مُجَلد وَتَفْسِير الْقُرْآن الى الْأَنْعَام آيَات مُتَفَرِّقَة مُجَلد وتأديب الْقَوْم مُجَلد وسير السالك مُجَلد وتنبيه السالك على مظان المهالك سِتّ مجلدات وَشرح الْغَايَة مُجَلد وَشرح النِّهَايَة مُجَلد وقمع النُّفُوس مُجَلد وَدفع الشّبَه مُجَلد وَشرح أَسمَاء الله الْحسنى مُجَلد والمولد مُجَلد وَتُوفِّي بخلوته بِجَامِع المزاز بالشاغور فِي نصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة تسع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن فِي القبيبات فِي أَطْرَاف الْعِمَارَة على جادة الطَّرِيق عِنْد والدته وَقَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي آخر تَرْجَمته وَالْحَاصِل أَنه مِمَّن جمع بَين الْعلم وَالْعَمَل انْتهى وأوقف على الزاوية الحصنية الْأَمِير سودون أوقافا وأشرك فِيهَا الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن أخي الشَّيْخ وَمن كَلَام تَقِيّ الدّين الحصني كَمَا ذكره الْعَدوي (إِذا مَالَتْ بِنَا النَّفس ... الى الدُّنْيَا تركناها) (تخادعنا ونخدعها ... وبالصبر غلبناها) (لَهَا قوت من الْفقر ... وَفِيه قد أنخناها) حرف الدَّال الزاوية الداودية بسفح قاسيون تَحت كَهْف جبرييل أَنْشَأَهَا عبد الرَّحْمَن ابْن أبي دَاوُد وترجمه الْبُرْهَان بن مُفْلِح فِي الْمَقْصد الأرشد فَقَالَ هُوَ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بن دَاوُد الشَّيْخ الْعَالم الناسك مجيد الطَّرِيقَة وَعلم الْحَقِيقَة تخرج بِجَمَاعَة من الشُّيُوخ مِنْهُم وَالِده وَنَشَأ على طَريقَة حَسَنَة ملازما للذّكر وَقِرَاءَة الأوراد الَّتِي رتبها وَالِده وَكَانَ محببا للنَّاس يتَرَدَّد عَلَيْهِ النواب والقضاة وَالْفُقَهَاء من كل مَذْهَب اشْتغل فِي فنون

كَثِيرَة وَأخذ الْعلم عَن جمَاعَة مِنْهُم برهَان الدّين بن مُفْلِح وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا وَكَانَ لَهُ قلم حسن مَعَ جودة الْخط ألف كتبا كَثِيرَة مِنْهَا الْكَنْز الْأَكْبَر فِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَهُوَ أجلهَا وَكَانَ بشوشا متصدرا لقَضَاء الْحَوَائِج وَكَانَت كَلمته مسموعة فِي الدولة الشرفية والظاهرية وألزم بالْكلَام على مدرسة الشَّيْخ أبي عمر والبيمارستان القيمري فَحصل بِهِ غَايَة النَّفْع من عمَارَة جهاتهما وَعمل مصالحهما وَكَانَ يرغب النَّاس فِي نفع الْفُقَرَاء بِكُل طَرِيق توفّي آخر ربيع الأول سنة سِتّ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن بالتربة الَّتِي أَنْشَأَهَا عِنْد بَاب الزاوية وَحصل فِي أَمر الزاوية أُمُور وتولاها من لَا يَسْتَحِقهَا شرعا انْتهى وَقَالَ فِي شذرات الذَّهَب مَا ملخصه هُوَ الصُّوفِي القادري شيخ الطَّرِيقَة وَمن مؤلفاته نزهة النُّفُوس والأفكار فِي خَواص النَّبَات وَالْحَيَوَان والأحجار وَكتاب الدّرّ الْمُنْتَقى الْمَرْفُوع فِي أوراد الْيَوْم وَاللَّيْلَة والأسبوع والمولد الشريف وَقَالَ جمال الدّين ابْن الْمبرد أعظم زَوَايَا الصالحية زَاوِيَة ابْن دَاوُد وَهِي كَانَ قد بناها وَالِده الشَّيْخ أَبُو بكر فزادها وَلَده الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن ووسعها وَجعل لَهَا الْأَوْقَاف والمرتبات وَجعل لَهَا مدارا للْمَاء وصهريجا ومنارة جَيِّدَة ومسجدا وخلاوي وميضأة وبيتا للكتب الْمَوْقُوفَة ومساكن للنِّسَاء ورتب بهَا اماما ومؤذنا وقيما وواعظا حَتَّى صَارَت من محَال الدُّنْيَا الغريبة يُقَام فِيهَا الذّكر لَيْلَة الثُّلَاثَاء ويقصدها النَّاس من كل جِهَة وَيجْعَل لَهُم ألوان الاطعمة ورتب فِيهَا الأوراد كل يَوْم وَلَيْلَة وَله ورد الْمسَاء والصباح الَّذِي يقْرَأ فِي غَالب بِلَاد الاسلام وَعمر خَانا بِقرب الحسينية من وَادي بردى على طَرِيق بعلبك وعزل عقبَة دمر وَغَيرهَا من الطَّرِيق وَعمر مدرسة الشَّيْخ ابي عمر لما كَانَ مُتَوَلِّيًا عَلَيْهَا وَكَذَا البيمارستان القيمري وَكَانَ نَفعه عَاما خُصُوصا فِي خلاص المظلومين من الظَّالِمين توفّي عَن ثَلَاث وَسبعين سنة وقبره مَشْهُور مَقْصُود للزيارة انْتهى وَقَالَ العلموي تولى هَذِه الزاوية بعد موت منشئها الشَّيْخ قَاسم الديري الصُّوفِي وَكَانَ رجلا جيدا ثمَّ تولاها ابْن بنته عَليّ بن عمر الصَّالِحِي البانياسي وَكَانَ قد ركبته دُيُون فَجعل يُطَالب بهَا ويضيق عَلَيْهِ فيتسلم أوقافها أَصْحَاب الدُّيُون والأواجير مِنْهُ فتلاشى أمرهَا وَأمر وَقفهَا ثمَّ اضمحل حَالهَا بعد ذَلِك جدا

ابو بكر ابن داود

ابو بكر ابْن دَاوُد هُوَ الْبَانِي الأول للزاوية تَرْجمهُ وَلَده عبد الرَّحْمَن فِي شَرحه تحفة الأوراد وَابْن الْعِمَاد فِي شذرات الذَّهَب فَقَالَ فِي الشذرات هُوَ الشَّيْخ الْكَبِير الْوَلِيّ الْعَارِف الشَّيْخ ابو بكر ابْن أبي دَاوُود الصَّالِحِي الْحَنْبَلِيّ المسلك المخلص الْفَقِيه المتين قَالَ الشهَاب ابْن حجي كَانَ معدودا فِي الصَّالِحين وَهُوَ على طَريقَة السّنة وَله زَاوِيَة حَسَنَة بسفح قاسيون فَوق جَامع الْحَنَابِلَة وَله إِلْمَام بِالْعلمِ وَمَات فِي سَابِع عشر رَمَضَان سنة سِتّ وَثَمَانمِائَة انْتهى وَدفن بحوش تربته من جِهَة الشمَال قَرِيبا من الطَّرِيق قَالَ الشَّيْخ ابراهيم ابْن الأحدب لَهُ التصانيف النافعة مِنْهَا قَاعِدَة السّفر وَمِنْهَا الْوَصِيَّة الناصحة لم يسْبق الى مثلهَا وَمِنْهَا النَّصِيحَة الْخَالِصَة وَغير ذَلِك من التصانيف النافعة الدَّالَّة على فقهه وَعلمه وبركته لَهُ مغارة فِي زاويته انْقَطع عَن الْخلق فِيهَا انْتهى وَقَالَ وَلَده فِي تَرْجَمته كَانَ متمسكا بِأَحْكَام الشَّرِيعَة مائلا الى سد الذريعة وَأَطْنَبَ فِي مدحه وَذكر أَن لَهُ كتاب أدب المريد وَالْمرَاد الزاوية الدهستانية كَانَت عِنْد سوق الْخَيل وَلم أدر مَكَانهَا أَنْشَأَهَا الشَّيْخ الدهستاني وَفِي بعض نسخ مُخْتَصر العلموي الدهيناني قَالَ ابْن كثير توفّي سنة عشْرين وَسَبْعمائة وَكَانَ قد أسن وَعمر وَكَانَ يحضر هُوَ وَأَصْحَابه تَحت قبَّة النسْر قَالَ وَدفن لما توفّي بزاويته وَله من الْعُمر مائَة وَأَرْبع سِنِين الزاوية الدينورية هِيَ بسفح قاسيون أَنْشَأَهَا عمر بن عبد الْملك الدينَوَرِي الزَّاهِد نزيل قاسيون قَالَ فِي الشذرات كَانَ صَاحب أَحْوَال ومجاهدات وَأَتْبَاع انْتهى توفّي سنة تسع عشْرين وسِتمِائَة وَقَالَ الذَّهَبِيّ قدم من الدينور الى دمشق وَسمع الْكثير وَنسخ الْأَجْزَاء وَحصل وَكَانَ دينا فَاضلا عَالما انْتهى وَقَالَ العلموي كَانَ لَهُ مريدون وَأَتْبَاع يذكرُونَ بِأَصْوَات حَسَنَة

الزاوية الدينورية الشيخية

الزاوية الدينورية الشيخية هِيَ بالصاليحة بناها أَبُو بكر الدينَوَرِي قَالَ فِي العبر وَكَانَ لَهُ فِيهَا جمَاعَة مريدون يذكرُونَ الله بِأَصْوَات حَسَنَة طيبَة توفّي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة انْتهى قلت وَلَيْسَ هَذَا هُوَ الدينَوَرِي الْمَشْهُور فَإِن ذَاك أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الدينَوَرِي الْبَغْدَادِيّ أَبُو بكر أحد الْفُقَهَاء الْأَعْيَان وَأحد أَئِمَّة مَذْهَب أَحْمد كَانَ مُحدثا فَقِيها وَتقدم فِي المناظرة على أَبنَاء جنسه وصنف التَّحْقِيق فِي مسَائِل التَّعْلِيق وَأخذ عَنهُ الْأَئِمَّة كالحافظ ابْن الْجَوْزِيّ وَأبي الْفَتْح ابْن المنى والوزير ابْن هُبَيْرَة وتخرجوا بِهِ وَمن كَلَامه (تمنيت ان تمسي فَقِيها مناظرا ... بِغَيْر عناء فالجنون فنون) (وَلَيْسَ اكْتِسَاب المَال دون مشقة ... تلقيتها فالعلم كَيفَ يكون) توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة بِبَغْدَاد وَدفن بِالْقربِ من قبر الامام أَحْمد حرف الرَّاء الزاوية الرفاعية ذكرهَا المحبي فِي تَارِيخه فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن حسن الشهير بِابْن عجلَان فَقَالَ وَبَنُو عجلَان طَائِفَة بِالشَّام مَشْهُورُونَ بِصِحَّة النّسَب وأسلافهم كَانُوا قدمُوا من مصر وَسَكنُوا بزاوية الرفاعية وَهِي الزاوية الْمَعْرُوفَة بزاوية شيخ الْمَشَايِخ عِنْد مَزَار سَيِّدي حسن ابْن الرِّفَاعِي وَهِي زَاوِيَة كَبِيرَة فسيحة وَكَانَت خربَتْ بِسَبَب فتْنَة صدرت فِي أَوَاخِر دولة الجراكسة فِي سنة عشْرين وَتِسْعمِائَة وَذَلِكَ ان السُّلْطَان الغوري أرسل حَاكما الى دمشق يُقَال لَهُ النَّائِب وَكَانَ بهَا حَاكم غَيره فَمَا اراد تَسْلِيمه فتحصن النَّائِب الْمَذْكُور فِي زَاوِيَة ابْن الرِّفَاعِي الْمَذْكُور فَرمى نَائِب القلعة على الزاوية بأحجار المدافع الْكَبِيرَة فَهد ايوان الزاوية قَالَ هالبوريني انْتهى الزاوية الرومية الشرفية بسفح قاسيون أَنْشَأَهَا مُحَمَّد بن الشَّيْخ الْكَبِير عُثْمَان بن عَليّ قَالَ فِي الشذرات هُوَ الرُّومِي الزَّاهِد شرف الدّين صَاحب الزاوية الَّتِي بسفح قاسيون كَانَ عجبا فِي

حرف السين

الْكَرم والتواضع ومحبة السماع توفّي فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَقد نَيف على التسعين قَالَه الذَّهَبِيّ فِي العبر حرف السِّين الزاوية السِّرَاجِيَّة كَانَت بالصاغة العتيقة دَاخل دمشق لم يترجم النعيمي بانيها وَلكنه نقل عَن ذيل العبر للحسيني تَرْجَمَة الأخميمي وَأَنه دفن بزاوية ابْن السراج فَقَالَ عبد الْوَهَّاب بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْوَلِيّ الأخميمي المراغي الْمصْرِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي كَانَ عَارِفًا بالمعقولات تخرج بِالْعَلَاءِ القونوي وَألف أَشْيَاء مِنْهَا كتاب المنقذ من الزلل فِي القَوْل وَالْعَمَل توفّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة انْتهى قلت وَفِي آخر سوق السِّلَاح من الْجَانِب القبلي مَسْجِد لطيف وَفِيه قبر فَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الزاوية الْمَذْكُورَة زَاوِيَة الشَّيْخ أبي السُّعُود كَانَت بسفح قاسيون بِجَانِب الرَّوْضَة من جِهَة الشرق وَبهَا قبر صَاحبهَا قَالَ العلموي هُوَ الشَّيْخ الصَّالح أَبُو السُّعُود ابْن هنغري الْجَعْفَرِي البدوي توفّي سَابِع رَمَضَان سنة خمس وسِتمِائَة وَقيل كَانَ بَينه وَبَين الشَّيْخ أرسلان أخوة وَخلف قَبره قبر يُقَال أَنه قبر الشَّيْخ يُوسُف الدسوقي انْتهى مُلَخصا الزاوية السيوفية بسفح قاسيون على نهر يزِيد غربي دَار الحَدِيث الناصرية والعالمة بناها نجم الدّين ابْن شاه أرمن الرُّومِي السيوفي توفّي سنة عشر وَسَبْعمائة قَالَه الذَّهَبِيّ وأوقف عَلَيْهَا وعَلى ذُرِّيَّة الشَّيْخ نجم الدّين الْملك النَّاصِر قريتي عين الفيجة ودير مقرن بوادي بردى الثُّلُث للزاوية وَالثُّلُثَانِ للذرية وَبنى لَهُ ولجماعته بُيُوتًا حولهَا

حرف الشين

حرف الشين الزاوية الشريف هِيَ الشريفية كَانَت شَرْقي الناصرية الجوانية قَالَ العلموي انشاها السَّيِّد مُحَمَّد الْحُسَيْنِي وَكَانَ يُقيم الْوَقْت بهَا لَيْلَة الاربعاء وَدفن بهَا قَالَ قلت رايت قَبره بهَا وَكَانَ قبلا مسكنا للجلال الْمصْرِيّ الشَّاهِد ثمَّ للشَّيْخ المعتقد عبد الاحد العجمي وَهِي ظَاهِرَة غير انها مسكن انْتهى اقول لم يبْق لَهَا الان اثر وَلم اقف على تَرْجَمَة بانيها وَلَا على مَكَانهَا حرف الطَّاء الزاوية الطالبية هِيَ الطالبية الرفاعية كَانَت بقصر حجاج قَالَ ابْن كثير فِي حوادث سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بهَا توفّي الشيح طَالب الرِّفَاعِي بقصر حجاج وَله زَاوِيَة مشهرة بِهِ وَكَانَ يزور بعض المريدين فَمَاتَ الزاوية الطّيبَة كَانَت كَمَا النعيمي شمَالي القيمرية الْكُبْرَى عِنْد الرحبة الَّتِي كَانَت الصناديق تبَاع بهَا عِنْد دَار بني القلانسي شَرْقي حمام سامة انْتهى قلت وكل هَذِه التعاريف تَغَيَّرت وانقرضت والقيمرية الْكُبْرَى مَوْجُودَة باول القيمرية وَالنَّاس يسمونها بِالْمَدْرَسَةِ القيقة وبمدرسة القطاط وحمام سامة امام الْمدرسَة الباذرائية مَعْرُوف قَالَ العلموي وَلَعَلَّ الزاوية الْمَذْكُورَة هِيَ المشورة بالشيخ فرج انْتهى والواقف لَهَا الشَّيْخ طه الْمصْرِيّ وَكَانَ كيسا زاهدا يتَرَدَّد عَلَيْهِ الاكابر توفّي سنة احدى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَدفن بزاويته

حرف العين

حرف الْعين الزاوية الْعمادِيَّة المقدسية عِنْد كَهْف جبرييل بالسفح انشاها الشيح الْعِمَاد أَحْمد بن الْعِمَاد بن ابراهيم ابْن عبد الْوَاحِد بن عَليّ بن سرُور المقديى الصَّالِحِي قَالَ الذَّهَبِيّ فِي العبر ولد سنة ثَمَان وسِتمِائَة وَسمع من ابي الْقَاسِم ابْن الحرستاني وَجَمَاعَة واشتغل وتفقة ثمَّ تمفقر وتجرد وَصَارَ لَهُ اتِّبَاع وَمر يدون اكلة بطلة توفّي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة حرف الْغَيْن الزاوية الغسولية وَفِي مُخْتَصر العلموي الغسلولية كَانَت بسفح قاسيون انشاها عبد الله ابْن مُحَمَّد بن ابي الزهر الغسلولي اَوْ الغسولي وَكَانَ صوفيا مُحدثا وَله مريدون توفّي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة حرف الْفَاء الزاوية الفرنثية اقول هِيَ بسفح قاسيون غزبي الخاتونية وَهُنَاكَ قبَّة وَله شباك الى الطَّرِيق ومحفور بِحجر فِي جدارها بعد الْبَسْمَلَة {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة أَلا تخافوا وَلَا تحزنوا وَأَبْشِرُوا بِالْجنَّةِ الَّتِي كُنْتُم توعدون} اية 41 / 30 هَذِه تربة الْفَقِير الى رَحْمَة الله تَعَالَى الشَّيْخ عَليّ الفرنثي توفّي فِي الْعشْر الاخر من جُمَادَى الْآخِرَة سنة احدى وَعشْرين وسِتمِائَة انْتهى والفرنثي بِضَم الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَفتح النُّون وَكسر الْمُثَلَّثَة قَالَ فِي الشذرات

الزاوية الفقاعية

هُوَ الزَّاهِد صَاحب الزاوية والاصحاب بسفح قاسيون وَكَانَ صَاحب حلاا وكشف وَعبادَة وَصدق وَقَالَ الْعَدوي فِي الزِّيَادَات زاويته جوَار الْمدرسَة المرشدية بصالحية دمشق من جِهَة الغرب وَقَالَ كَانَ رجلا صَالحا كَبِير الْقدر ثمَّ ذكر لَهُ اشياء اضربنا عَنْهَا لأَنا لسنا بصددها قَالَ ابْن شقدة وَفِي جِدَار الْقبَّة الشمالي فَوق الْبَاب منقوش اسْمه وتاريخ وَفَاته على الطَّرِيق السلطاني بالزقاق الْمَعْرُوف بَين الْمدَارِس انْتهى قلت والزاوية معطلة مقفلة وَرُبمَا تتداولها ايدي المختلسين وَقَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ الفزنتي صَاحب حَال وكشف وَعبادَة وَصدق ورياضات وسياحة انْتهى الزاوية الفقاعية انشاها الشيح يُوسُف الفقاعي قَالَ فِي الشذرات هُوَ الزَّاهِد ابْن نجاح ابْن مرهوب كَانَ عبدا صَالحا كَبِير الْقدر قَانِتًا لَهُ اتِّبَاع وَمر يدون توفّي فِي شَوَّال سنة تسع وَسبعين وسِتمِائَة وَدفن بزاويته بسفح قاسيون وَقد نَيف على الثَّمَانِينَ قَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة كَانَ الفقاعي من اهل عقربا قَرْيَة من اعمال نابلس قَالَ الكتبي وَله بهَا زَاوِيَة وَكَانَ يتَرَدَّد إِلَيْهَا فِي كثير من الْأَوْقَات وَله زَاوِيَة ورباط بسفح قاسيون بنى لَهُ ذَلِك الامير جمال الدّين ابْن يغمور وَكَانَ كثير الْعِبَادَة والزهد كريم الاخلاق لطيف الحركات كثير التَّوَاضُع لين الْكَلَام من الْمَشَايِخ الْمَشْهُورين بالعرفان وَلِلنَّاسِ فِيهِ عقيدة صَالِحَة قَالَ وَدفن بتربته الى جَانب زاويته حرف الْقَاف الزاوية القلندرية الحيدرية هِيَ زَاوِيَة ثَانِيَة للطائفة الْمُتَقَدّم ذكرهَا كَانَت ظَاهر دمشق بمحلة العونية بنيت للشَّيْخ حيدرة ولأتباعه سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة وَفِي هَذِه السنه رحلت الْفُقَرَاء الحيدرية من الشَّام بعد النَّفْي السَّابِق كَذَا قَالَه النعيمي والعلموي الزاوية القلندرية الد نركزينية كَانَت بمقبرة بَاب الصَّغِير شَرْقي محلّة مَسْجِد الذبان وشرقي مئذنة الْبَصِير

الطائفة القلندرية

وتعرف بالدركزية أنشاها مَحْمُود بن مُحَمَّد الدنركزيني الطَّالِبِيُّ ودركزين بدال مُهْملَة ثمَّ نون وَرَاء سَاكِنة ثمَّ كَاف مَكْسُورَة ثمَّ زَاي مُعْجمَة بعْدهَا يَاء اسْم بَلْدَة من همذان بَينهمَا اثْنَا عشر فرسخا الطَّائِفَة القلندرية أَنِّي ذَاكر هُنَا أَحْوَال هَذِه الطَّائِفَة كَمَا رَأَيْته مسطورا فِي أسفار الْعلمَاء لَا أتعرض لتفنيد شَيْء من أَحْوَالهم الْآن أقيم نَفسِي مقَام المؤرخ النَّاقِل لَا مقَام الْمُحَقق المنتقد لِأَن هَذَا لَهُ مجَال مؤلفاتنا واليك سيرتهم قَالَ الْحَافِظ ابْن كثير دخلت الْفُقَرَاء الحيدرية الشَّام سنة خمس وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَكَانَ من شعارهم لبس الفراجي والطراطير يقصون لحاهم ويتركون شواربهم وَهُوَ خلاف السّنة وانما فعلوا ذَلِك مُتَابعَة لشيخهم حيدر حينما أسره الْمَلَاحِدَة فقصوا لحيته وَتركُوا شواربه فاقتدوا بِهِ فِي ذَلِك وَهُوَ مَعْذُور مأجور وَلَيْسَ لَهُم بِهِ قدوة وَقد نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك وبنيت لَهُ زَاوِيَة بِظَاهِر دمشق قَرِيبا من العونية رَأَيْت فِي كتاب حسن التَّنْبِيه للنجم الْغَزِّي وَقَالَ الصّلاح الصَّفَدِي فِي الوافي بالوفيات مَا صورته مُحَمَّد بن يُونُس الشَّيْخ جمال الدّين الساوجي الزَّاهِد شيخ الطَّرِيقَة القلندرية قدم دمشق وقرا الْقُرْآن وَالْعلم وَسكن قاسيون فِي زَاوِيَة الشَّيْخ عُثْمَان الرُّومِي ثمَّ حصل لَهُ زهد وَفرغ عَن الدُّنْيَا فَترك الزاوية وَأقَام بمقبرة بَاب الصَّغِير بِقرب مَوضِع الْقبَّة الَّتِي بنيت لأَصْحَابه وَبَقِي مُدَّة بقبة السيدة زَيْنَب بنت زين العابدين وَاجْتمعَ بالجلال الدنركزيني وَالشَّيْخ عُثْمَان كوهي الْفَارِسِي المدفون بالقنوات بمَكَان القلندرية ثمَّ أَن الساوجي حلق وَجهه وَرَأسه ولاق حَاله بذلك وَأُولَئِكَ وافقوه يَعْنِي أَصْحَابه وحلقوا مثله ثمَّ أَن أَصْحَاب الشَّيْخ عُثْمَان طلبُوا الساوجي فوجدوه بالقبة فسبوه وقبحوا فعله فَلم ينْطق ثمَّ أَنه اشْتهر وَتَبعهُ جمَاعَة ثمَّ أَنه لبس دلق شعر وسافر إِلَى دمياط فأنكروا هُنَاكَ حَاله وزيه ثمَّ آل الْأَمر إِلَى أَن اعتقدوا فِيهِ فَتوفي بدمياط وقبره مَشْهُور بهَا

ابن اسرائيل

وَحكى ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَارِيخه انه راى كراريس بِخَطِّهِ من تَفْسِير لَهُ وَجلسَ فِي المشيخة بعده بِبَاب الصَّغِير الْجلَال الدَّيْر كزيني وَبعده الشَّيْخ مُحَمَّد الْبَلْخِي فشرع لَهُم الجوالق الثقيله واقام الزاوية وانشاها وَكثر اصحابه وَكَانَ للْملك الظَّاهِر فِيهِ اعْتِقَاد فَلَمَّا ان تسلطن طلبه فَلم يمض اليه فينى لَهُم السُّلْطَان هَذِه الْقبَّة من مَال الْجَامِع وَكَانَ اذا قدم الشَّام يعطيهم الف دِرْهَم وشقتي بسط ورتب لَهُم ثَلَاثِينَ غرارة قَمح فِي السّنة وَفِي الْيَوْم عشرَة دَرَاهِم وَكَانَ السويداوي وَهُوَ مِنْهُم يحضر سماط السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر ويمازحه وَلما انكر النَّاس على الشَّيْخ عَليّ الحريري فِي دولة الْملك الاشرف مُوسَى انكروا على القلندرية ونفوهم الى قصر الْجُنَيْد وَذكر نجم الدّين ابْن اسرائيل الشَّاعِر ان هَذِه الطَّائِفَة ظَهرت بِدِمَشْق سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة وَكَانَت وَفَاة الساوجي الْمَذْكُور فِي حُدُود الثَّلَاثِينَ وسِتمِائَة وَقد نكت بعض الشُّعَرَاء على غُلَام قلندري فَقَالَ (بدالي فِي حلق الشَّوَارِب فتْنَة ... فَقلت بعقل ذاهل فِيهِ ذَاهِب ... ) (حَبِيبِي بِحَق الله قل لي مَا الَّذِي ... دعَاك الى هَذَا فَقَالَ مجاوبي ... ) (وعدت بوصلي العاشقين تعطفا ... فَلم يثقوا واسترهنوا قَوس حاجبي ... ) ابْن اسرائيل هُوَ نجم الدّين بن خضر اسرائيل بن خضر بن اسرائيلي الدِّمَشْقِي صَاحب الحريحري كَانَ ظريفا مليح النّظم رائق الْمعَانِي لَوْلَا انه شانه بالاتحاد تَصْرِيحًا وتلويحا وَمِمَّا كتبه الى النَّجْم الْكَمَال (يَا سيد الْحُكَمَاء هذي سنة ... مثبوتة فِي الطِّبّ انت ثبتها ... ) (أَو كلما كلت جفوث سيوف من ... سفكت لواحظه الدِّمَاء سنتها ... ) توفّي رَابِع عشر ربيع الآخر سنة ثَمَان وَسبعين وسِتمِائَة عَن ارْبَعْ وَسبعين سنة وَدفن خَارج بَاب توما عِنْد قبر الشَّيْخ ارسلان الزاوية القوامية البالسية غربي جبل قاسيون والزاوية السيوفية وَدَار الحَدِيث الناصرية والصالحية والعادلية على نهر يزِيد فَانْظُر الى اسماء لامسميات لَهَا الْآن والى اماكن لاتجدها الا

زاوية الموصلي

فِي صحف التَّارِيخ وَترْجم صَاحبهَا ابْن الْعِمَاد فِي الشذرات والعدوي فِي كتاب الزِّيَادَات تَرْجَمَة مُطَوَّلَة واليكها خاليه عَن الْمُبَالغَة وَعَما لَا ينطبق على عقل قَالَا هُوَ ابو بكر بن قوام البالسي كَانَ زاهدا عَابِد قدوة صَاحب حَال وَله زَاوِيَة وَاتِّبَاع ولد سنة ارْبَعْ وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَتُوفِّي اَوْ اخر رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة بِبِلَاد حلب ثمَّ نقل الى دمشق فَدفن بزاويته بسفح قاسيون بعد مَوته بِسنتَيْنِ وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب اشعري العقيدة ولد بمشهد صفّين ثمَّ انْتقل الى بالس وَهِي غربي الْفُرَات فنشا بهَا والف حفيده الشَّيْخ مُحَمَّد بن عمر بن أبي بكر فِي مناقبه مؤلفا حسنا وَحكى لَهُ الْعَدوي فِي الزيارات كرامات كَثِيرَة فَمن احبها فليراجعهافيه وَفِي الطَّبَقَات الْكُبْرَى للسبكي قَالَ ابْن كثير وَلم يكن لهَذِهِ الزاوية وقف وَلَا مُرَتّب قَالَ الصَّفَدِي اَوْ قف عَلَيْهَا بعض التُّجَّار بعض قَرْيَة زَاوِيَة الْموصِلِي بميدان الْحَصَى تنْسب الى الشَّيْخ عبد الْقَادِر الْموصِلِي وتربته بهَا قَالَ العلموي بعد ذكر مَا تقدم الزاوية الاولى يَعْنِي زَاوِيَة ابي بكر الْموصِلِي نقلتها من طَبَقَات ابْن قَاضِي شُهْبَة وَالثَّانيَِة مغروة الى التاجي والتتمة قراتها من خطّ مَوْلَانَا الْعَلامَة الشرفي ابْن الجابي زَاوِيَة بميدان الْحَصَى قَالَ العلموي توفّي الشَّيْخ الصَّالح أَبُو بكر الْموصِلِي سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة بالقدس وَله مصنفات فِي التصوف وزاوية كَبِيرَة بميدان الْحَصَى وَكَانَ يحضر مواعيده كبار الْعلمَاء فيسمعون مِنْهُ النكت الغريبة وَعظم قدره عِنْد السُّلْطَان برقوق الظَّاهِر وَكَانَ يكاتبه ويأمره بِمَا فِيهِ نفع للْمُسلمين وَأَعْطَاهُ مَالا فَأبى أَن يقبله انْتهى مُلَخصا حرف الْوَاو الزاوية الوطية شمَالي جَامع جراح وَيُقَال لَهَا زَاوِيَة المغاربة اوقفها الرئيس عَلَاء الدّين عَليّ

حرف الياء

الْمَشْهُور بِابْن وطية الموقت سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانمِائَة وَجعلهَا برسم المغاربة على اخْتِلَاف اجناسهم بِشَرْط ان لَا يكون النَّازِل بهَا مبتدعا وَلَا شريرا واوقف عَلَيْهَا حوانيت وطباقا حولهَا وَشرط على شيخها ان لايكون بابواب الْقُضَاة والحكام حرف الْيَاء الزاوية اليونسية كَانَت بالشرف الشمالي غربي الوراقة والغزبة البراية بنيت للشَّيْخ يُونُس الْآتِي ذكره الطَّائِفَة اليونسية وشيخهم اقول هَذَا الِاسْم يُطلق على طائفتين احداهما من الشِّيعَة وهم اتِّبَاع يُونُس ابْن عبد الرَّحْمَن القمي مولى آل يَقْطِين وَلَهُم اعْتِقَاد غَرِيب وَالثَّانيَِة من الصُّوفِيَّة وهم اتِّبَاع يُونُس بن يُوسُف بن مساعد الشَّيْبَانِيّ المخارقي القني نِسْبَة الى الْقنية من نواحي ماردين ولنذكر هُنَا الطَّائِفَة الثَّانِيَة لانها الْمَقْصُودَة هُنَا ثمَّ نتبعها بالاولى اسْتِطْرَادًا فَأَما يُونُس المخارقي فَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي العبر عَنهُ هُوَ شيخ الطَّائِفَة اليونسية اولي الشطح والذعارة وَقلة الْعقل وَكَثْرَة الْجَهْل ابعد الله شرهم وَكَانَ رَحمَه الله صَاحب حَال وكشف يحْكى عَنهُ كرامات وَحكى لَهُ ابْن خلكان حكايات يطول بِنَا ذكرهَا وَمن شعره مواليا (انا حميت الْحمى وانا سكنت فِيهِ ... وانا رميت الْخَلَائق فِي بحار التيه) (من كَانَ يَبْغِي العطا مني انا اعطيه ... أَنا فَتى مَا أداني من بِهِ تَشْبِيه) وَله (اذا صرت سندانا فصبرا على الَّذِي ... ينالك من مَكْرُوه دق الطارق) (لَعَلَّ اللَّيَالِي ان تعيدك ضَارِبًا ... فَتضْرب اعناق العدى بالبوارق) توفّي كَمَا ذكره فِي الشذرات سنة تسع عشرَة وسِتمِائَة بقرية الْقنية وَقد ناهز التسعين وقبره مَشْهُور هُنَاكَ وَقَالَ ابْن خلكان عَن الشَّيْخ يُونُس هَذَا تنْسب

الطَّرِيقَة اليونسية اليه ويعرفون بِهِ وَكَانَ رجلا صَالحا وَسَأَلت جمَاعَة من اصحابه عَن شَيْخه فَقَالُوا لم يكن لَهُ شيخ وانما كَانَ مجذوبا وهم يسمون من لَا شيخ لَهُ بالمجذوب يُرِيدُونَ بذلك انه جذب الى طَرِيق الْخَيْر وَالصَّلَاح ويذكرون لَهُ كرامات كَثِيرَة انْتهى وَفِيه كَلَام طَوِيل اقول ان نقل الكرامات اصبح أمرا عسيرا لَان اصحاب الرجل يستعملون الغلو دَائِما والاخبار تحْتَمل الصدْق وَالْكذب وَكَثِيرًا مَا أرى كَرَامَة لرجل قد نَسَبهَا لَهُ المتاخرون ثمَّ أَرَاهَا بِعَينهَا فِي تَرْجَمَة من قبله وَمن قبله وَتارَة ينْقل المترجم الْكَرَامَة وَلَا يتفطن لمناقضتها الشَّرْع وَالْعقل وَأَنا اضْرِب لَك مِثَالا ليتضح بِهِ المرام وَهُوَ مَا حَكَاهُ ابْن خلكان وَصَاحب شذرات الذَّهَب عَن الشَّيْخ يُونُس ذَلِك أَن ابْن خلكان قَالَ سَأَلت رجلا من أَصْحَابه عَنهُ فَقَالَ كُنَّا مسافرين وَالشَّيْخ يُونُس مَعنا فنزلنا فِي الطَّرِيق بَين سنجار وعانة وَهِي مخوفة فَلم يقدر وَاحِد منا أَن ينَام من شدَّة الْخَوْف ونام الشَّيْخ يُونُس فَلَمَّا انتبه قُلْنَا كَيفَ قدرت تنام فَقَالَ وَالله مَا نمت حباى جَاءَ اسماعيل بن ابراهيم عَلَيْهِمَا السَّلَام وتدرك القفل ودخلنا سَالِمين ببركة الشَّيْخ يُونُس فَانْظُر أَولا الى الْمُتَكَلّم وَلَو حملناه على محمل حسن وَقُلْنَا انه صَادِق فَهَل يَلِيق بِهِ أَن يَجْعَل سيدنَا اسماعيل أَو وَالِده الْخَلِيل عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام حارسين عِنْده لينام نوما هينئا وهما ساهران كالأجير الَّذِي يَأْخُذ أجرته ويدافع عَن مَال سَيّده وهب أَن الامر صَحِيح فَكيف جَازَ لَهُ الاتكال على غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نعم لَو قَالَ اني قبل نومي دَعَوْت الله تَعَالَى وفوضت امرى وامر الْقَافِلَة اليه لَكَانَ كلامة مَقْبُولًا ثمَّ لَيْت شعري هَل ذَلِك الرَّاوِي صَادِق فِيمَا نَقله أَو هُوَ عدل مرضِي الشَّهَادَة أم لَا مَعَ أَن رُوَاة الحَدِيث لَا نصدقهم حَتَّى تتَحَقَّق لنا عدالتهم ونعلم صدقهم فَكيف نجيز قبُول خبر وَاحِد مَجْهُول الْحَال تالله مَا هَذَا هذيان وَعدم تمكن من الْعلم الصَّحِيح وَحكى الذَّهَبِيّ عَن الشَّيْخ أَنه كَانَ زاهد كَبِير الشان لَهُ الْأَحْوَال والمقامات والكشف وَذكر أَيْضا أَنه سمع شيخ الاسلام أبن تَيْمِية ينشد للشَّيْخ يُونُس بَيْتا ظَاهره شطح والحاد قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ لم يكن الشَّيْخ من أولي الْعلم بل كَانَ من أولي الْحَال والكشف وَكَانَ عَارِيا عَن الْفَضِيلَة وَكَانَ شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية يتَوَقَّف فِي أمره ثمَّ أطلق لِسَانه فِيهِ وَفِي غَيره من الْكِبَار والتثبت مِمَّا ينْقل عَن الرجل أولى وَأما أَتْبَاعه فَقَالَ الذَّهَبِيّ هم شَرّ طوائف الْفُقَرَاء وَلَهُم أَعمال تدل على الاستهتار

والانحلال قولا وفعلا استحيي من الله وَمن النَّاس التفوه بهَا قَالَ وَلَا يغتر مُسلم بكشف وَلَا بِحَال فقد تَوَاتر الْكَشْف والبرهان عَن الْكُهَّان والرهبان وَذَلِكَ الْهَام الشَّيْطَان أما حَال أَوْلِيَاء الله وكراماتهم فَحق وأخبار ابْن صياد بالمغيبات حَال شيطاني وَحَال عمر بن الْخطاب يَعْنِي لما قَالَ ياسارية الْجَبَل الْجَبَل وَحَال الْعَلَاء الخضرمي حَال رحماني ملكي وَكثير من الْمَشَايِخ يتَوَقَّف فِي أَمر مثل يُونُس والحريري وَغَيرهمَا فَلم يتَبَيَّن لَهُم من أَي الْقسمَيْنِ هم قَالَ الشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن الْعِمَاد فِي كِتَابه الانتقادعلى طائفتي الشُّهُود والعقاد لَو جهلنا فسق الشَّاهِد وَلَكِن رَأَيْنَاهُ يظْهر الكرامات وَالْمَشْي على المَاء والطيران فِي الْهَوَاء لم ينْعَقد النِّكَاح بِهِ لثَلَاثَة أوجه اولها أَنه يجوز اظهار الْكَرَامَة على يَد الْكَافِر كَمَا ظَهرت على يَد السامري فِي رُؤْيَته لفرس جبرييل عَلَيْهِ السَّلَام دون بني أسرئيل حَتَّى قبض قَبْضَة من أثر الرَّسُول يَعْنِي أَخذ من تُرَاب مَوضِع حافر فرسه الثَّانِي أَن الْوَلِيّ يجب عَلَيْهِ اخفاء الْكَرَامَة كَمَا صرح بِهِ أَبُو مُحَمَّد فِي أول كِتَابه فِي اللطائف وَالْحكم الثَّالِث لَو رَأَيْت صَاحب بِدعَة يطير فِي الْهَوَاء لم أقبله حَتَّى يَتُوب من بدعته ذكره أَبُو نعيم فِي تَرْجَمَة الشَّافِعِي وَقَالَ الذَّهَبِيّ كَانَ أَبُو عَمْرو الدِّمَشْقِي زاهد الشَّام يَقُول فرض على الْوَلِيّ كتمان الكرامات لِئَلَّا يفتتن بهَا وَقَالَ أَبُو يزِيد البسطامي لَو نظرتم الى رجل أعطي من الكرامات حَتَّى يرفع فِي الْهَوَاء فَلَا تغتروا بِهِ حَتَّى تنظروا كَيفَ تجدونه عِنْد الامر وَالنَّهْي وَحفظ الْحُدُود وآداب الشَّرِيعَة انْتهى وَحكى لنا بعض أَصْحَابنَا الثِّقَات انه دخل على رجل من أهل زمننا فِي دمشق ليزوره مَعَ جمَاعَة وَكَانَ الرجل قد أَقَامَ فِي بِلَاد الْهِنْد أعو اما وَحمل اصحابه على جمع كتاب لَهُ فِي كراماته وطبعه قَالَ فَلَمَّا زرناه وَأذن لنا فِي الذّهاب قَامَ لوداعنا فَأصَاب طرف جبته كأسا من البلور كَانَ مَوْضُوعا على كرْسِي فَسقط على السجادة ثمَّ تدحرج على البلاط وَلم ينكسر فَقَالَ أحد أحبابه هَذِه كَرَامَة للشَّيْخ فأعجب الشَّيْخ بِكَلَامِهِ وَتَبَسم وَقَالَ لنا مثل ذَلِك كثير يعيي أَن كراماتة

زاوية بحارة الجوبان

لَا تحصى فَانْظُر إِلَى هَذِه الخزعبلات وتدبرها بِعَين الْعقل واياك أَن تحيد عَن مَنْهَج الْكتاب وَالسّنة وَبسط هَذَا الْبَحْث لَهُ مجَال فِي كتبنَا وَأما الطَّائِفَة الاولى وَهِي من الشِّيعَة فهم أَتبَاع يُونُس بن عبد الرَّحْمَن القمى مولى آل يَقْطِين زعم أَن الْمَلَائِكَة تحمل الْعَرْش وَالْعرش يحمل الرب تَعَالَى اذ قد ورد فِي الْخَبَر أَن الْمَلَائِكَة تئط أَحْيَانًا من عظم وَطْأَة الْبَارِي تَعَالَى وَهُوَ من مشبهة الشِّيعَة وَقد صنف لَهُم كتبا فِي ذَلِك ومقالته مَشْهُورَة فِي كتب الْملَل والنحل فَلَا نطيل بهَا وَقد تولى الزاوية اليونسية جمَاعَة مِنْهُم سيف الدّين الرجيحي بن سَابق بن هِلَال ابْن يُونُس شيخ اليونسية قَالَ ابْن كثير وَكَانَت لَهُ حُرْمَة كَبِيرَة عيد الدولة وَعند طائفته وَكَانَ ضخم الهامة جدا محلق الرَّأْس توفّي سنة سِتّ وَسَبْعمائة وَتُوفِّي وَلَده عِيسَى سنة خمس وَسَبْعمائة وَدفن بالزاوية زَاوِيَة بحارة الجوبان بناها القَاضِي عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد بن عمر بن عِيسَى بن يُوسُف ابْن الرجيحي ابْن سَابق ابْن هِلَال ابْن الشَّيْخ يُونُس اليونسي الشَّيْبَانِيّ الْحَنْبَلِيّ ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة واشتغل بِالْعلمِ وَتَوَلَّى زَاوِيَة جده اليونسية وَكَانَ بَال مزة ثمَّ انْتقل الى الصالحية وَبنى بهَا زَاوِيَة بحارة الجوبان ووقف عَلَيْهَا وَقفا زَاوِيَة ابْن التَّتِمَّة هِيَ بميدان الْحَصَى بناها ابْن التَّتِمَّة لسبط الْموصِلِي وَهُوَ كردِي شهرزوري من ذُرِّيَّة السُّلْطَان صَلَاح الدّين أَيُّوب

حرف الهمزة

الْبَاب الْحَادِي عشر فِي الترب المُرَاد بالترب هُنَا هِيَ الترب الْخَاصَّة الَّتِي بناها أنَاس ليدفنوا بهَا وجعلو لَهَا جِهَات بر وصدقات وَلَيْسَ المُرَاد بهَا الترب العمومية واني سأذكرها من غير أَن افحص بنفسي عَن محالها لِأَن هَذَا لَا فَائِدَة فِيهِ بعد فنَاء موتاها حرف الْهمزَة التربة الاجرية هِيَ فِي العقيبة مُقَابل بَاب جَامع التَّوْبَة الشَّرْقِي بَينهَا وَبَين الْجَامِع الطَّرِيق بهَا قبر أَبُو بكرمحمد بن الْحسن الْبَغْدَادِيّ الْمُحدث الثِّقَة الضَّابِط صَاحب التصانيف وَالسّنة كَانَ حنبليا وَله مصنفات فِي مَذْهَب أَحْمد مِنْهَا كتاب النَّصِيحَة توفّي سنة سِتِّينَ وثلاثمائة التربة الاتابكية بسفح قاسيون بالصالحية أوقفتها الْحجَّة الاتابكية امراة الاشرف مُوسَى صَاحِبَة الْمدرسَة الْمَعْرُوفَة بالتابكية توفيت سنة أَرْبَعِينَ وسِتمِائَة التربة الأخنائية الخنائية هِيَ تربة القَاضِي برهَان الدّين ابراهيم بن أَحْمد الاخنائي الشَّافِعِي الدِّمَشْقِي كَانَ من الْعلمَاء الرؤساء وَأحد قُضَاة الْعدْل وَكَانَت لَهُ ديانَة ومهابة ووقار أنشأ هَذِه التربة قرب جَامع جراح توفّي سنة أَربع وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَدفن بهَا

التربة الأرسلانية

التربة الأرسلانية هِيَ تربة مَشْهُورَة بِظَاهِر بَاب توما وَيُقَال لَهَا تربة أبي عَامر الْمُؤَدب وَهُوَ مدفون فِي الْقَبْر القبلي وَالشَّيْخ أرسلان فِي الْقَبْر الْأَوْسَط وخادمه أبوالمجد فِي الْقَبْر الثَّالِث وَكَانَ أَبُو عَامر هَذَا شيخ الشَّيْخ أرسلان الشَّيْخ أرسلان قَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن البصروي فِي تحفة الانام هُوَ الشَّيْخ أرسلان بن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله أَصله من قلعة جعبر ثمَّ أَتَى الشَّام وَكَانَ نشارا وَصَحب أَبَا عَامر الْمُؤَدب ثمَّ اشْتهر بالصلاح والزهد قيل انه كَانَ ينشر الْخشب ثمَّ يقسم أجرته أَثلَاثًا فَيجْعَل ثلثا للنَّفَقَة وَثلثا للصدقة وَثلثا للكسوة وَكَانَ أَولا يتعبد فِي مَسْجِد صَغِير دَاخل بَاب توما وَهُوَ مَعْرُوف الْآن بمقامه وحفر الْبِئْر الَّذِي هُنَاكَ بِيَدِهِ وَكَانَ بَيته طبقَة صَغِيرَة والى جَانب الطَّبَقَة دكان حياكة ثمَّ أَن نور الدّين اشْترى وارا مجاورة لِلْمَسْجِدِ ووسعه وَبنى لَهُ مَنَارَة ووقف عَلَيْهِ ثمَّ خرج الشَّيْخ أرسلان الى ظَاهر بَات توما الى مَسْجِد خَالِد بن الْوَلِيد وَكَانَ هَذَا مَكَان خيميه حِين فتح دمشق رَضِي الله عَنهُ فعمر هُنَاكَ مَسْجِدا واقام فِيهِ الى أَن توفّي بعد الاربعين وَخَمْسمِائة وَذكره صَاحب شذرات الذَّهَب فِي جملَة من توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَقَالَ توفّي فِي حُدُودهَا وَقَالَ الْمَنَاوِيّ توفّي قبل الستمائة وترجمة الْمَنَاوِيّ وَنقل عَن تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ أَنه حضر سَمَاعا عِنْده فَكَانَ يطير فِي الْهَوَاء وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح لَان السُّبْكِيّ لم يُدْرِكهُ قطعا وأظن أَن وَالِده لم يُدْرِكهُ فَكيف يَصح مِنْهُ نقل الْمُشَاهدَة وَالصَّحِيح ان الشَّيْخ أرسلان توفّي بعد الاربعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ زاهدا قدوة من اكابر مَشَايِخ الشَّام وَمن كلامة الْحَسَد مِفْتَاح كل شَرّ وَالْغَضَب يقيمك على اقدام الذل والاعتذار والكريم من احْتمل الأذي وَلم يشك عِنْد الْبلوى وَله الرسَالَة الْمَشْهُورَة الَّتِي اولها كلك شرك خَفِي يَا ابْن آدم وَشَرحهَا القَاضِي زَكَرِيَّا الانصاري والشهاب أَحْمد ابْن الطَّيِّبِيّ وعلاء الدّين بن صَدَقَة وَالشَّيْخ عبد الْغَنِيّ النابلسي وَمن نظمه (يَا من علا فرآى مَا فِي الغيوب وَمَا ... تَحت الثرى وظلام اللَّيْل منسد) (انت الغياث لمن ضَاقَتْ مذاهبه ... انت الدَّلِيل لمن حارت بِهِ الْحِيَل)

التربة الاستدارية

(انا قصدناك والآمال واثقة ... وَالْكل يَدْعُوك ملهوف ومبتهل) (فان عَفَوْت فذو فضل وَذُو كرم ... وان سطوت فانت الْحَاكِم الْعدْل) وترجمه البصروي بترجمة طَوِيلَة الله أعلم بِصِحَّتِهَا وَغَايَة قَوْلنَا فِيهِ انه كَانَ من عباد الله الصَّالِحين التربة الاستدارية جوَار تربة ابْن سيمرك بقاسيون انشاها الملقب شمس الدّين ابْن استاذدار الْأَمِير اسْتَدَارَ وَكَانَ كيسا متواضعا حسن الْعشْرَة جوادا من بَيت مَشْهُورا مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة وَدفن بتربته التربة الأَسدِية هِيَ بِالْجَبَلِ أوقفها عَليّ بن عبد الْقَادِر الْقرشِي الاسدي الزبيرِي الدِّمَشْقِي وَكَانَ لَهُ اعتناء بِالْحَدِيثِ توفّي سنة ثَمَانِي عشرَة وسِتمِائَة التربة الأفريدونية هِيَ تربة وَبهَا دَار قُرْآن شَرْقي جَامع حسان خَارج بَاب الْجَابِيَة بالشارع الْأَعْظَم غربي خَنْدَق سور الْمَدِينَة قَرِيبا مِنْهُ وَمن تربة الْأَمِير بهادر المنصوري وَمن تربة الْأَمِير فرج بن منجك شماليهما أوقفها أفريدون العجمي وَكَانَ تَاجِرًا كَبِيرا واوقف أَيْضا الْمدرسَة الأفريدونية بِبَاب الْجَابِيَة وَهِي مليحة جدا توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَالَّذِي ذكره النعيمي من وَقفهَا المزرعة المعينية جوَار العديل بالمرج وبستان معبد بقرية زبدين وَخمْس قطع أَرَاضِي بقينية وَحِصَّة من بُسْتَان يعرف بدف الْجَوْز

التربة الأكزية

بِالْجِيم بِأَرْض أرزة وَنصف قَرْيَة مكالة من بصرى وبستانان بقرية عين ترما وَقطع أَرَاضِي تعرف بحقول العجمي بقرية كفر بَطنا والحصة من قاعة الحديثي بقصر حجاج والحصة من خَان الطحين بِبَاب الْجَابِيَة ومحاكرة ابْن الصّلاح الغزولي جوَار مدرسة الباذرائية وقاعة النشا تجاه التربة من الغرب وَربع القيسارية وبستان تل كفرثوثا وَبَيت بزقاق الدَّارَانِي وَبَيت بزقاق حمام الزين وقاعة واصطبل دَاخل بَاب الفراديس بزقاق المَاء وبيتان بحارة القصاصية وبيتات بقرية كفرثوثا وَشَيْء من تل الشّعير التربة الأكزية هِيَ قبلي تربة بهادر وشرقي تربة يُونُس الدوادار خَارج بَاب الْجَابِيَة أوقفها أكز الفخري وَكَانَ مَمْلُوكا اشْتَرَاهُ الامير اياس وعمره سبع سِنِين ثمَّ صَار أَمِير طبلخانة بِالشَّام ونائب القلعة وَكَانَت مكاتباته الى مصر لاترد ثمَّ عزل عَن نِيَابَة القلعة وَعمر تربته عمَارَة حَسَنَة توفّي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بتربته التربة الأيدمرية الأولى بِالْقربِ من اليغمورية بحارة السِّكَّة بالسفح وَهِي تربة الامير أيدمر بن عبد الله الْحلِيّ الصَّالِحِي كَانَ من أكَابِر الْأُمَرَاء وَكَانَ الْملك الظَّاهِر يستنسيبة اذا غَابَ توفّي سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَدفن بترتبة وَقَالَ فِي الذيل الشافي أيدمر الْحلِيّ الصَّالِحِي كَانَ يَنُوب عَن الْملك الظَّاهِر بيبرس بِالْقَاهِرَةِ فِي اسفاره وَكَانَ قَلِيل الْخِبْرَة بالأمور وَمَعَ ذَلِك كَانَ لَهُ ثروة وَخلف من الْأَمْوَال والأملاك مَا يستحيا من ذكره التربة الأيدمرية الثَّانِيَة هِيَ عِنْد الجسر الْأَبْيَض بالخانقاه العزية أنشاها الْأَمِير أيدمر عز الدّين الظَّاهِرِيّ الْمُتَقَدّمَة تَرْجَمته فِي الخانقاه العزية الْمُتَوفَّى سنة سَبْعمِائة وسماها العلموي بالتربة

حرف الباء

حرف الْبَاء التربة البالجية ذكر المحبي هَذِه التربة فِي تَرْجَمَة البالجي فَقَالَ حسن باشا الْمَعْرُوف ببالجي المدفون بالجنينة الحمدانية تَحت قلعة دمشق على حافة نهر بردى من جِهَة شرقها الْمدرسَة الأيدغمشية كَانَ حسن باشا أَمِير صفد سكن الشَّام مُدَّة ثمَّ ولي حُكُومَة طرابلس الشَّام ثمَّ القرص وَكَانَ من أنصف الْحُكَّام توفّي بالقرص سنة اثْنَتَيْنِ بعد الالف وَحمل مِنْهَا فِي صندوق فِي محفة الى دمشق وَدفن فِي تربته الْمَذْكُورَة وَكَانَ أَنْشَأَهَا فِي حَيَاته وأوقف على التربة اربعة اجزاء تقْرَأ بعد الظّهْر انْتهى قلت أما الجنينة فقد ذهبت واما التربة فَهِيَ مَوْجُودَة الْآن عَن يسَار الذَّاهِب الى الْجِهَة الشمالية على جَانب نهر بردى قَالَ المحبي فِي سلك الدُّرَر فِي تَرْجَمَة عبد الله بن مَحْمُود العباسي الْمَعْرُوف بمحمود زادة المتوفي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين والف تولى الْمَذْكُور قَضَاء الشَّام سنة ثَلَاثِينَ والف وجدد من مَاله بهَا تعمير ثَلَاث قباب لزوجتي النبيي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المدفونتين بمقبرة بَاب الصَّغِير وهما أم سَلمَة ومَيْمُونَة على قَول قلت وَذَلِكَ قَول شَاذ مُخَالف لما أطبق عَلَيْهِ المؤرخون من أَن زَوْجَاته لم يمت أحد مِنْهُنَّ خارح أَرض الْحجاز وَأما مَيْمُونَة فقد ذكر الْحَافِظ الْبَاجِيّ أَنَّهَا مَاتَت بسرف وَهُوَ مَاء مَعْرُوف على أَمْيَال من مَكَّة ودفنت ثمَّة بالِاتِّفَاقِ وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني بهَا هُنَاكَ أَيْضا بعد عمْرَة الْقَضَاء وَبنى على قبر أبي بن كَعْب خَارج الْبَاب الشَّرْقِي قبتين ويليهما مَسْجِد وَصرف على ذَلِك من خَالص مَاله مائَة ألف دِينَار قَالَ وَكَانَ الْمَذْكُور وقورا لَهُ فصاحة منطق وَحسن صَوت وَهُوَ فِي الْعِفَّة الْغَايَة الَّتِي لَا تدْرك وَكَانَ كَرِيمًا مفرط السخاء وَكَانَ يحسن الى المحتاجين من الْفُقَرَاء والايتام والأرامل وَالْمَسَاكِين وَالْحَاصِل أَنه الْتزم أَن يصرف جَمِيع مَا حصله فِي أَيَّام قضائة بِدِمَشْق على جِهَات الْخَيْر وَخرج مِنْهَا مديونا التربة البدرانية الحمزية بسفح قاسيون عِنْد جَامع الأفرم أَنْشَأَهَا حَمْزَة بن مُوسَى بن أَحْمد بن الْحُسَيْن أبن بدران الامام الْعَلامَة الْحَنْبَلِيّ الْمَعْرُوف بِابْن شيخ السلَامِي سمع من الحجار وتفقه

التربة البدرية الأولى

على جمَاعَة ودرس بالحنبلية وبمدرسة السُّلْطَان حسن بِالْقَاهِرَةِ وَأفْتى وصنف تصانيف عديدة وَله كتاب الاستدراكات على كتاب الاجماع لِابْنِ حزم وَشرح على أَحْكَام الْمجد ابْن تَيْمِية قِطْعَة صَالِحَة وَاخْتَارَ بيع الْوَقْف للْمصْلحَة مُوَافقَة لِابْنِ قَاضِي الْجَبَل وَكَانَ لَهُ اطلَاع جيد وَنقل مُفِيد على مَذَاهِب الْعلمَاء المعتبرين واعتناء بنصوص الامام أَحْمد وفتاوى شيخ الاسلام ابْن تَيْمِية وَله فِيهِ اعْتِقَاد صَحِيح وَقبُول لما يَقُوله وَكَانَ ينصره ويعادي فِيهِ ووقف درسا وكتبا بتربته بالصالحية وَعين لذَلِك الشَّيْخ زين الدّين بن رَجَب توفى بالصالحية لَيْلَة الْأَحَد حادي عشْرين ذِي الْحجَّة سنة تسع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَدفن عِنْد وَالِده وجده عِنْد جَامع الافرم قَالَه ابْن مُفْلِح فِي الطَّبَقَات وَابْن الْعِمَاد فِي الشذرات التربة البدرية الأولى هِيَ بميدان الْحَصَى فَوق خَان النجيبي أَنْشَأَهَا بدر الدّين مجمد ابْن الوزيري كَانَ من الامراء المقدمين ولديه فَضِيلَة وخبرة وَمَعْرِفَة وَكَانَ حَاجِب ميسرَة وَتكلم فِي الاوقات وَفِيمَا يتَعَلَّق بالقضاة والمدرسين بِمصْر ثمَّ نقل الى دمشق فَمَاتَ بهَا سنة سِتّ عشرَة وَسَبْعمائة وَدفن بتربته وَخلف مَالا كثيرا التربة البدرية الثَّانِيَة مُقَابل الشَّيْخ ارسلان وَهِي تربة الامير بدر الدّين حسن بناهاسنة ارْبَعْ عشرَة وَثَمَانمِائَة وَكَانَ أَولا معمما ثمَّ خدم الْمُؤَيد شيخ نَائِب طرابس الى أَن صَار وزيرا بِمصْر ثمَّ انه عادى جَمِيع المباشرين فَأَبْعَده السُّلْطَان ثمَّ سلمه الى الْأَمِير أرغون شاه فعاقبة بأنواع الْعُقُوبَات وَآل أمره الى ان غمره بالبسط حَتَّى مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن فِي تربته وَكَانَ قد بناها أَيَّام مُبَاشَرَته بِدِمَشْق وَجعل فِيهَا مَسْجِدا ومكتبا للأيتام التربة البرسبائية الناصرية هِيَ بسويقة صاروجا غربي الشامية البرانية أَنْشَأَهَا وَأَنْشَأَ الْجَامِع لصيقها

الامير صاروجا

الْحَاجِب الْكَبِير بِدِمَشْق برسباي الناصري ووقف عَلَيْهَا وَقفا جيدا جَلِيلًا ثمَّ ولي ينابة طرابلس ثمَّ حلب ثمَّ طلب الاقالة مِنْهَا فأقيل وتجهز الى دمشق وَهُوَ مَرِيض فَمَاتَ فِي الطَّرِيق بِمَنْزِلَة سراقب قحمل مِنْهَا الى دمشق وَدفن بتربتة سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَقَالَ فِي الذيل الشافي كَانَ المترجم مشكور السِّيرَة لكنه لم يشْتَهر بشجاعة وَلَا كرم وَقَالَ توفّي سنة احدى وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَقَالَ السخاوي فِي الضَّوْء اللامع سيباي الاشرف أينال نَائِب غَزَّة ثمَّ حَاجِب دمشق ثمَّ نِيَابَة حماة وَهُوَ أَخُو قانصوه مَاتَ فِي التجريدة انْتهى الامير صاروجا انا لنذكر على سَبِيل الاستطراد باني سوق صاروجا فَأَقُول تَرْجمهُ صَاحب شذرات الذَّهَب فَقَالَ مَا حَاصله الامير صارم الدّين صَار وجا بن عبد الله المظفري كَانَ أَمِيرا فِي أول دولة الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون بالديار المصرية وَكَانَ صَاحب ادب وحشمة وَمَعْرِفَة وَلما اعطى الْملك النَّاصِر تنكز امرة غَزَّة جعل صاروجا هَذَا آغاة لَهُ وضمه اليه فَأحْسن صاروجا لتنكز ودربه وَاسْتمرّ الى ان حضر الْملك النَّاصِر الكرك فاعتقله ثمَّ أفرج عَنهُ بعد عشر سِنِين تَقْرِيبًا وانعم عَلَيْهِ بامرة صفد فَأَقَامَ بهَا نَحْو سنتَيْن وَنقل الى دمشق أَمِيرا بهَا بسفارة تنكز نَائِب الشَّام فَلَمَّا وصل الى دمشق عرف لَهُ تنكز خدمته السَّابِقَة وحزي عِنْده وَصَارَت لَهُ كلمة بِدِمَشْق وَعمر بهَا عمائر مَشْهُورَة مِنْهَا السويقة الَّتِي خارح دمشق الى جِهَة الصالحية وَلما امسك تنكز سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة أمسك بِسَبَبِهِ وَحضر مرسوم بتكحيله فكحل وَعمي ثمَّ ورد من الْغَد مرسوم آخر بِالْعَفو عَنهُ ثمَّ جهز الى بَيت الْمُقَدّس فاقام بِهِ الى أَن مَاتَ فِي أَوَاخِر سنة ثَلَاث واربعين وَسَبْعمائة هَذِه تَرْجَمَة باني سوق صاروجا وللعوام فِيهِ تأويلات كَاذِبَة لَا أصل لَهَا سوق جقمق حيه أننا ذكرنَا تَرْجَمَة باني سوق صاروجا فلنذكر تَرْجَمَة باني سوق جقمق قَالَ فِي الشذرات مَا حَاصله

التربة البزورية

جقمق كَانَ من أَبنَاء التركمان فاتفق مَعَ بعض التُّجَّار ان يَبِيعهُ وَيقسم ثمنه بَينهمَا فَفعل فتنقل فِي الخدم حَتَّى تقرر دويدارا ثَانِيًا عِنْد الْملك الْمُؤَيد قبل سلطنته ثمَّ اسْتمرّ وَكَانَ يتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ لَا يشك من جالسه أَنه من أَوْلَاد الاحرار ثمَّ اسْتَقر دويدارا كَبِير كَبِيرا الى ان قَرَّرَهُ الْملك الْمُؤَيد فِي نِيَابَة الشَّام فَبنى السُّوق الْمَعْرُوف بسوق جقمق وَأَوْقفهُ على الْمدرسَة الَّتِي بناها قرب الاموي ثمَّ أظهر الْعِصْيَان لما مَاتَ الْملك الْمُؤَيد قَالَ المقريزي كَانَ سيء السِّيرَة شَدِيدا فِي دواداريته على النَّاس حصل أَمْوَالًا كَثِيرَة وَكَانَ فَاجِرًا ظلوما غشوما لَا يكف عَن قَبِيح قَتله ططر بِدِمَشْق بعد أَن صادره فِي امواله فِي أَوَاخِر شعْبَان سنة أَربع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَدفن بمدرسته لصيق الكلاسة قَالَ ابْن تغري بردي فِي الذيل واصلة من مماليك ارغون شاه امير مجْلِس التربة البزورية بسفح قاسيون قَالَ النعيمي فَوق سوق الْقطن انشاها مَحْفُوظ بن معتوق الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الْبزورِي واوقف عَلَيْهَا كتبه وَكَانَ تَاجِرًا سريا ومحدثا جمع تَارِيخا جعله ذيلا على المنتظم فِي تَارِيخ الامم لِلْحَافِظِ ابْن الْجَوْزِيّ توفّي سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة وَدفن بهَا وَفِي الشذرات بعد أَن ذكر نَحوا مِمَّا تقدم روى عَن ابْن القسطي وَكَانَ نبيلا سريا وَهُوَ أَبُو الْوَاعِظ نجم الدّين التربة البصية خَارج بَاب الْجَابِيَة جوَار مَسْجِد الذبان تجاه وَجه الْمَار فِي الطَّرِيق الى الْقبْلَة والمئذنة شرقية عللى جَانب الْمقْبرَة وَهَذَا الْمَسْجِد شَرْقي التربة الركنية المنجكية قَالَ النعيمي وَعِنْده مصلى على الْجَنَائِز وَهِي تربة امين الدّين ابْن البص وَكَانَ رجلا محبا للخير وَقَالَ البرزالي أنْفق فِي وُجُوه الْخَيْر مِائَتي ألف وَخمسين ألفا وَعمر خَانا بالمزيريب وَمَسْجِد الذبان والمئذية والتربة وَغير ذَلِك ووقف عَلَيْهَا الْأَوْقَاف وَقرر الْوَظَائِف قَالَ ورايت تجاه الْمَسْجِد الْمَذْكُور فِي الدائر الْحجر المنحوت الفوقاني بالعتبة مَا صورته بعد الْبَسْمَلَة

التربة البلبانية الاولى

جدد عمَارَة هَذَا الْمَسْجِد الْمُبَارك والمئذنة والتربة العَبْد الْفَقِير الى الله تَعَالَى الْحَاج عُثْمَان بن أبي بكر بن مُحَمَّد التَّاجِر السفار غفر لَهُ ووقف على مصَالح هَذَا الْمَسْجِد والمئذنة والتربة وعمارته وفرشه وتنويره وعَلى الامام الْمُؤَذّن والقيم بِهِ جَمِيع المعصرة وعلوها الْمَسْجِد والطبقتين غربيه والطبقة من شَرْقي المئذنة والطبقة شَرْقي الْمَسْجِد الَّتِي من شمَالي المئذنة وشرقي الارض الَّتِي هِيَ قبلي المعصرة والدكاكين الَّتِي غربي المعصرة يصرف على مَا نطق بِهِ كتاب وقف ذَلِك الثَّابِت الْمَحْكُوم بِهِ وَكَانَ الْفَرَاغ مِنْهُ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وَتُوفِّي الْوَاقِف سنة احدى وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة التربة البلبانية الاولى بطرِيق الصالحية غربي سويقة صاروجا أنشاها الامير بلبان المحمودي وَكَانَ اتابك عَسَاكِر دمشق فِي زمن الْمُؤَيد ثمَّ سجن بقلعتها وَنفي الى طرابلس ثمَّ أعطي تقدمة عشْرين ثمَّ انْتقل الى تقدمة خير مِنْهَا وَهِي الَّتِي كَانَ اقطاع الحجوبية والقصير مِنْهَا والمعظمية ايضا وَكَانَ امير الشاميين فِي غَزْوَة قبرص وابتنى دَارا حَسَنَة وَعمر مصنعا فِي غباغب وَاشْترى نصف الْبَلَد من السُّلْطَان ووقفة علية وَقد اخْتلفت نسخ التَّارِيخ الَّتِي بيَدي فِي تاريح وَفَاته اخْتِلَافا كَبِيرا فَتركت ذكره قَالَ العلموي مَا خلاصته هَذِه التربة كَانَ بقربها جنينة ثمَّ اخذ سيباي احجار وَجه حائطها لمدرسته انْتهى ثمَّ فِي سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة جددها عُثْمَان آغا الطواشي دفتردار التيمار وَعمر بجانبها تربة حَسَنَة ومسجدا ومكتبا وسبيل مَاء يجْرِي على الطَّرِيق فَصَارَت هَذِه التربة من احسن الاماكن بعد ان كَانَت خربَتْ ودثرت توفّي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَدفن فِي هَذِه التربة قَالَه الْعَدوي فِي الزِّيَادَات على مختصرالعلموي قلت وَقد ذهبت الْآن خبر فِي كَانَ وَلم يبْق مِنْهُ الْيَسِير التربة البلبانية الثَّانِيَة جوَار مئذنة فَيْرُوز قرب الْمدرسَة المسمارية الحنبلية وَهِي تربة الامير طرناه بلبان وَكَانَ خازندارا بالديار المصرية ثمَّ صَار نَائِبا بصفد ثمَّ حصلت لَهُ فتْنَة اعتقل

التربة البلبانية الثالثة

بِسَبَبِهَا عشر سِنِين ثمَّ فرج عَنهُ وصارامير مائَة معدم الف وَعمر تربته ووقف لَهَا مقرئين وَجعل عِنْدهَا مَسْجِدا بامام ومؤذن توفّي سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بتربته التربة البلبانية الثَّالِثَة شَرْقي مدرسة الخبيصية وقبلي حمام الجيعان وَغَرْبِيٌّ الزنجبيلية وَدَار الاطعمة قَالَ النعيمي لم اقف على تَرْجَمَة واقفها انْتهى قلت وكل الاماكن الَّتِي ذكرهَا لم نَعْرِف منهت ف يَوْمنَا هَذَا شَيْئا قَالَ العلموي وَلَعَلَّ واقفها الامير بلبان الزردكاش الاستنابه عَلَاء الدّين طيبرس فِي غيبته لما توجه الى انطاكية وَكَانَ دينا خيرا يحب الْعدْل وَالصَّلَاح توفّي سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة قَالَه الصَّفَدِي وَقَالَ فِي الذيل الشافي كَانَ من كبراء امراء دمشق التربة البهائية بِالْقربِ من اليغمورية والناصرية البرانية بَينهمَا بصالحية دمشق قَالَ النعيمي وَهِي فِي غَايَة اللطافة وَالْحسن تَرْجَمَة الشهَاب مَحْمُود بانيها هُوَ شهَاب الدّين وَيُقَال لَهُ بهاء الدّين مَحْمُود بن سُلَيْمَان بن فَهد الْحلَبِي ثمَّ الدِّمَشْقِي ابو الثَّنَاء كَاتب السِّرّ قَالَ الذَّهَبِيّ هُوَ عَلامَة الادب وَكَاتب السِّرّ بِدِمَشْق وَعلم البلاغتين وَقَالَ الْحَافِظ ابْن رَجَب فِي طبقاته تعلم الْخط الْمَنْسُوب وَنسخ بِالْأُجْرَةِ بخطة الانيق كثيرا واشتغل بالفقه على الشَّيْخ شمس الدّين بن ابي عمر الْحَنْبَلِيّ الْمَقْدِسِي واخذ الْعَرَبيَّة عَن الشَّيْخ جمال الدّين بن مَالك ثمَّ ترقب حَاله وَطلب الى الديار المصرية وَصَارَ الْمشَار اليه فِي الديار الشامية والمصرية وَكَانَ يكْتب التقاليد الْكِبَار بِلَا مسودة وَله تصانيف فِي الانشاء وَغَيره وَحدث روى عَنهُ الذَّهَبِيّ فِي مُعْجَمه وَقَالَ وَكَانَ دينا خيرا متعبدا مؤثرا للانقطاع والسكون حسن الْمُجَاورَة كثير الْفَضَائِل توفّي بِدِمَشْق لَيْلَة السبت ثَانِي عشري شعْبَان سنة خمس وَعشْرين

التربة البهادر آضية

وَسَبْعمائة وَدفن بتربته الَّتِي انشاها بِالْقربِ من اليغمورية وَولي بعده وَلَده شمس الدّين وَمن شعره (يامن اضاف الى الْجمال جميلا ... لاكنت أَن طاوعت فِيك عذولا) (عوضتني من نَار هجرك جنَّة ... فسكنت ظلا من رضاك ظليلا) (ومننت حِين منحتني سقما بِهِ ... اشبهت خصرك رقة ونحولا) (وسلكتني فِي الْحبّ أحسن مَسْلَك ... لم تبْق لي نَحْو السلو سَبِيلا) (ولرب ليل مثل وَجهك بدره ... ودجاه مثل مديد شعرك طولا) (ارسلت لي فِيهِ الخيال فَكَانَ لي ... دون الأنيس مؤانسا وخليلا) (أَن لم أجد للوجد فِيك بمهجتي ... لَا نَالَ قلبِي من رضائك سولا) وَله فِي حراث (عشقت حراثا مليحا غَدا ... فِي يَده المساس مَا أجمله) كانه الزهرة قد أمه التور يُرَاعِي مطلع السنبلة وَقَالَ ابْن كثير هُوَ الصَّدْر الْكَبِير الشَّيْخ الامام الْعَالم الْعَلامَة شيخ صناعَة الانشاء وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا نَظِير وَله خَصَائِص لَيست لغيره فقد مكث فِي ديوَان الانشاء نَحْو خمسين سنة فِي مصر ودمشق ثمَّ عمل كِتَابَة السِّرّ بِدِمَشْق وَقَالَ ابْن مُفْلِح بعد أَن ذكر نَحوا من عبارَة ابْن رَجَب يُقَال انه لم يكن بعد القَاضِي الْفَاضِل مثله التربة البهادر آضية غربي مَقْبرَة بَاب الصَّغِير تجاه الخَنْدَق بِجَانِب تربة أكز الفخري وشمالي المزار الْمَعْرُوف بأؤيس قبلي الأفريدونية وتجاه تربة الامير فرج بن منجك أَنْشَأَهَا الْأَمِير بهادآض المنصوري قَالَ فِي الشذرات كَانَ من أُمَرَاء الألوف بِدِمَشْق وقبته خَارج بَاب الْجَابِيَة وَدفن بهَا وَقد نَيف على السّبْعين توفّي سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة انْتهى وَفِي الذيل الشافي بهادر المنصوري قلاوون ولي نِيَابَة صفد وَقَالَ العلموي كَانَ مَشْهُورا بالصدقر لَهُ بر ظَاهر مَعْرُوف انْتهى

أقول وقد هذا رأيت هذه التربة فرأيتها مبنية بالحجارة الضخمة وهي محاطة بالعمران من جوانبها ومكتوب حفرا في الحجر على أحد جدرانها المسجد المعمور والتربة المباركة المعبد وفي الجدار الثاني الفقير الى الله تعالى الراجي عفو ربه بهادر الملكي وباقي الكتابة لم

أَقُول وَقد هَذَا رَأَيْت هَذِه التربة فرأيتها مَبْنِيَّة بِالْحِجَارَةِ الضخمة وَهِي محاطة بالعمران من جوانبها ومكتوب حفرا فِي الْحجر على أحد جدرانها الْمَسْجِد الْمَعْمُور والتربة الْمُبَارَكَة المعبد وَفِي الْجِدَار الثَّانِي الْفَقِير الى الله تَعَالَى الراجي عَفْو ربه بهادر الملكي وَبَاقِي الْكِتَابَة لم أتمكن من قِرَاءَته التربة البهنسية بسفح قاسيون بناها الْمُحب البهنسي وَزِير الْملك الْأَشْرَف سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة ثمَّ عَزله الْأَشْرَف وصادره وَلما توفّي وَدفن فِي تربته وَكَانَ قد أجْرى عَلَيْهَا أوقافا جَيِّدَة دارة وَجعل كتبه وَقفا عَلَيْهَا حرف التَّاء التربة التقروشية أَو التغري برمشية قبلي جَامع يلبغا على حافة بردى تَحت القلعة وبجانبها الْجَامِع الْمَشْهُور هُنَاكَ والدمشقيون يَقُولُونَ انه احدى القاعات السَّبع أَنْشَأَهَا دوادار نَائِب الشَّام جقمق واسْمه حُسَيْن وسمى نَفسه تغري برمش وَكَانَ أَولا غُلَاما خياطا ثمَّ خدم عِنْد قراسنقر من مماليك الظَّاهِر ثمَّ صَار دوادار لنائب الشَّام جقمق ثمَّ صَار من أُمَرَاء مصر وَأخذ القلعة نِيَابَة وَصَارَ نالئب الْغَيْبَة ثمَّ ولي أَمِير أخور كَبِير ثمَّ أَنه عصى جقمق لما تسلطن وَجَرت لَهُ أُمُور الى ان قتل صبرا بقلعة حلب سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَقَالَ فِي الذيل الشافي مَا خلاصته تغري برمش نَائِب قلعة الْجَبَل ثمَّ أَمِير أخور ثمَّ نَائِب حلب أُسَمِّهِ حُسَيْن بن أَحْمد التركماني ولد ببهنسا وَقَتله الْملك الظَّاهِر بحلب بعد خُرُوجه عَن طَاعَته وَكَانَ عَاقِلا خَبِيرا بدنياه متجملا فِي أَحْوَاله لكنه لم يشْتَهر بشجاعة وَلَا كرم

التربة التكريتية

التربة التكريتية بسوق الصالحية بسفح قاسيون ورايت بِخَط مُحَمَّد بن كنان مَا صورته قلت هَذِه التربة هِيَ على بَابهَا السِّقَايَة ويقابلها مَسْجِد صَغِير لَا يفتح وَبَاب التربة صَغِير وَالنَّاس يَقُولُونَ هَذِه تربة الشَّيْخ الذَّهَبِيّ وَلَعَلَّه دفن من جملَة من دفن فِيهَا فنميت اليه وَلَعَلَّه يكون أحد بني الذَّهَبِيّ وَلَا يعلم عَن يَمِين الذَّاهِب الى الْجَامِع الْجَدِيد والجهاركسية تربة فِي السُّوق غَيرهَا وَلَو كَانَت هِيَ الْمُقَابلَة للجامع الْجَدِيد لذكرها أَو الَّتِي يقابلها الْخمس دكاكين الملاصقة للجامع لذكرها بِهَذَا التَّحْدِيد فان الَّتِي تقَابل الْجَامِع تربة أَيْضا وَلَيْسَ تربة فِي حيطانها دكاكين غَيرهَا وَمَا ذكر من صرف الدَّرَاهِم فِيمَا يَأْتِي فِي تَرْجَمَة الْبَانِي يدل على أَنَّهَا هِيَ لانها لَيست بتربة حَسَنَة هِيَ تربة قُبُور لاتربة عمَارَة وبابها صَغِير نَحْو نصف قامة فَوق حارة الْمُقدم ة غربي الْجَامِع الْجَدِيد من شِمَاله وفوقه قلت وَمن جِهَة الفوق عِنْد الْبِئْر مُقَابل زقاق الْمُقدم النَّافِذ من وسط السُّوق تربة زمرد فِي وسط دكان وَلَعَلَّ الْمَسْجِد الَّذِي فِي السُّوق لَهَا وَكَانَ مكتبا ثمَّ بَطل وانْتهى وَهُوَ تد قيق لَا طائل تَحْتَهُ وأمام واقفها فَهُوَ أَبُو الْبَقَاء تَوْبَة بن عَليّ بن مهَاجر التكريتي الربعِي وَزِير الْمَنْصُور قلاوون بِدِمَشْق وَكَانَ ناهضا كَامِلا فِي فِيهِ وافر الحشمة والغلمان سكن دمشق وَشرع فِي الصَّدقَات وَشِرَاء الاملاك ليوقفها وَكَانَ الْملك الْأَشْرَف قد بعث اليه بباقة بنفسج فَلَمَّا شمها مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وَيُمكن أَن يكون الاشرف هَذَا وَورثه الاشرف مُدعيًا أَنه ابْن عَمه وخصصوا من تركته ألف دِرْهَم فاشتروا لَهُ تربة بسوق الصالحية وبنيت خمس دكاكين فِي حيطانها قَالَ أَبُو الظفر ابْن الْجَوْزِيّ بلغت قيمَة مَا خلف الصاحب كَمَال الدّين التكريتي ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار وَأرَانِي الْأَشْرَف سبْحَة فِيهَا مائَة حَبَّة مثل بيض الْحمام وَكَانَت من التَّرِكَة فالتربة لَيست من بِنَاء التكريتي وَلكنهَا بنيت لَهُ بعد مَوته التربة التنبكمبمقتة لصيق تربة أبي ذِي النُّون أنشاها أَولا امير حَاج استاذدار العثماني سنة سِتّ

التربة التنكزية

وَعشْرين وَثَمَانمِائَة ثمَّ اغتصبها مِنْهُ تنبك مِنْهُ نَائِب ميق نَائِب السلطنة وَدفن بهَا لمما توفّي فِي هَذِه السّنة قَالَ فِي الذيل الشافي تنبك العلائي الظَّاهِرِيّ برقوق الشهير بميق كَانَ اميراخور ثمَّ ولاه الْمُؤَيد دمشق ثمَّ عزل عَنْهَا وَصَارَ من جملَة أُمَرَاء الْقَاهِرَة ثمَّ وَليهَا ثَانِيًا من الظَّاهِر ططر ططر الى ان توفّي بهَا انْتهى وَذكر لَهُ الاسدي تَرْجَمَة سَيِّئَة وَقَالَ انه هم بقتل نجم الدّين بن حجي فاماته الله عَن قريب التربة التنكزية بجوار جَامع تنكز وَجوَار الخانقاه العصمية أنشاها الامير تنكز نَائِب الشَّام وَقد مرت تَرْجَمته عِنْد مدرستة فِي دور الْقرَان والْحَدِيث وَقَالَ ابْن تغري بردي تنكز الحسامي الناصري مُحَمَّد بن قلاوون ولي نِيَابَة دمشق وَهُوَ الَّذِي عمرها بعد ان هدمها التتار امسكه أستاذه الْملك النَّاصِر مُحَمَّد قلاوون وحبسه بالاسكندرية الى أَن قتل بهَا فِي سنة احدى واربعين وَسَبْعمائة وَخلف اموالا كَثِيرَة وَهُوَ صَاحب الْجَامِع بِدِمَشْق وَكَانَ اصله من مماليك الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين التربة التوروزية هِيَ وَالْجَامِع بهَا براس الشويكة شمَالي قبر عَاتِكَة أنشاها الامير غرس الدّين خَلِيل التوروزي الدستاري حَاجِب الْحجاب بِدِمَشْق وَهِي تربة عَظِيمَة قَالَ الاسدي فرغ من بنائها سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة وَبَقِي فِيهَا تتمات ثمَّ اشير عَلَيْهِ بِأَن يعْمل الى جَانبهَا جَامع فشرع فِي ذَلِك واتمة واقيمت الْجُمُعَة فِيهِ وَأَنْشَأَ من شرقيها حَماما كَبِيرا حسنا وآجر كل يَوْم بِأَكْثَرَ من أَرْبَعِينَ درهما توفّي فِي السّنة الْمَذْكُورَة حرف الْجِيم التربة الجمالية الاسنائية القوصية هِيَ بجبل قاسيون أنشاها عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن شِيث جمال الدّين

التربة الجمالية المصرية

الأسنائي القوصي صَاحب ديوَان الانشاء للْملك الْمُعظم ولد بأسنا سنة سبع وَخمسين وَخَمْسمِائة ونشا بقوص وتفنن بهَا وبرع فِي الادب وَفِي الْعلم وَكَانَ دينا ورعا حسن النّظم والنثر منشئا بليغا ولي الدِّيوَان بقوص ثمَّ بالاسكندرية ثمَّ بالقدس ثمَّ كِتَابَة الانشاء وَيُقَال صَار وزيرا قَالَ الضياء الْمَقْدِسِي كَانَ يُوصف بِالْكَرمِ والمروءة والاحسان الى النَّاس مَا قَصده اُحْدُ فِي شَفَاعَة فَرده خائبا وَكَانَ يمشي بِنَفسِهِ مَعَ النَّاس فِي قَضَاء حوائجهم وَكَانَ القَاضِي الْفَاضِل يحْتَاج اليه فِي علم الرسائل وَكَانَ اماما فِي فنون الْعلم توفّي سنة خمس وَعشْرين وسِتمِائَة وَدفن بتربته وَفِي منتخب الشذرات أَن أَبَا المظفر كتب اليه كتابا يتشوق اليه بِهِ فَأَجَابَهُ بقوله (وافي كتابك وَهُوَ الرَّوْض مُبْتَسِمًا ... عَن ثغر در طغا من بحرك الطامي) (وَكَانَ عِنْدِي كَالْمَاءِ الزلَال وَقد ... تناولته يَمِين الحائم الظامي) (لله نفحة فضل مِنْهُ رحت بهَا ... نشوان أسحب أذيالي وأكمامي) التربة الجمالية المصرية بِرَأْس درب الريحان من نَاحيَة الْجَامِع الاموي وَهِي شَرْقي دَار الْقُرْآن التنكزية وشرقي الصدرية الحنبلية الَّتِي هِيَ تجاه القليجية الْحَنَفِيَّة من قبلي الخضراء وَلها شباك شَرْقي الْمدرسَة الصدرية وَكَانَت دَارا للْقَاضِي الْعَلامَة المتفنن ابي الْفرج جمال الدّين يُونُس بن بدران الْقرشِي الشيبي الْحِجَازِي الاصل الْمصْرِيّ مدرس الأمينية قَالَ ابْن الْحَاجِب كَانَ يُشَارك فِي عُلُوم كَثِيرَة وَولي قَضَاء الْقُضَاة وَاخْتصرَ كتاب الْأُم للشَّافِعِيّ وصنف كتابا فِي الْفَرَائِض توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة وَلما توفّي دفن فِي قاعته الَّتِي هِيَ التربة الْيَوْم التربة الجوكندارية شَرْقي مَسْجِد النارنج ومصلى الْعِيدَيْنِ بِبَاب الصَّغِير أَنْشَأَهَا الامير صارم الدّين ابراهيم بن قراسنقر الجوكندار وَكَانَ نَائِبا فِي دمشق وَدفن بهَا لما توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين أَو ارْبَعْ وَعشْرين وَسَبْعمائة وَدفن بهَا وَلَده مُحَمَّد وَكَانَ أَمِير عشرَة مقدم خمسين توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة

التربة الجيعانية

التربة الجيعانية شمَالي تربة مُخْتَار الطوشي خَارج بَاب الْجَابِيَة يمنة الذَّاهِب فِي الطَّرِيق السلطاني وَهِي الْآن قبلي الْجَامِع الصَّابُونِي وتجاه تربة سنبل الطواشي قَالَه النعيمي أوقفها الامير سيف الدّين الجيعاني العادلي توفّي سنة أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة وَدفن بهَا حرف الْحَاء التربة الحافظية هِيَ وَالْمَسْجِد بهَا قبلي جسر كحيل وشمالي التربة القيمرية بدرب الشبلية من الصالحية كَانَت بستانا لياقوت خَادِم تَاج الدّين الْكِنْدِيّ فاشترته أراغون الحافظية عتيقة الْملك الْعَادِل وَكَانَت عَاقِلَة ومدبرة جمعت أَمْوَالًا عَظِيمَة قَالَ ابْن كثير صادرها الصَّالح اسماعيل فَأخذ مِنْهَا أَرْبَعمِائَة صندوق من المَال وَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَت تبْعَث بالاطعمة وَالثيَاب الى الْملك المغيث عمر أبن نجم الدّين أَيُّوب وَهُوَ مسجون بالقلعة وَلما توفيت دفنت بهَا سنة ثَمَان واربعين وسِتمِائَة وَكَانَت أوقفت عَلَيْهَا أوقافا جَيِّدَة مِنْهَا بُسْتَان سصار وَقَالَ فِي مُخْتَصر شذرات الذَّهَب الحافظة ارغوان العادلية عتيقة الْملك الْعَادِل وَسميت بالحافظة لتربيتها للْملك الْحَافِظ صَاحب قلعة جعبر وَكَانَت امراة صَالِحَة مُدبرَة ثمَّ ذكر مصادرتها كَمَا تقدم ثمَّ قَالَ ووقفت داوها الَّتِي دَاخل بَاب النَّصْر بِدِمَشْق وتعرف بدار الابراهسمي على خدامها وَبنت بالصالحية مدرسة تَحت نهر ثورا قرب عين الكرش وتربة كَانَت بستانا للنجيب غُلَام التَّاج الْكِنْدِيّ فاشترته مِنْهُ وَبنت ذَلِك ووقفت عَلَيْهِ أوقافا جَيِّدَة مِنْهَا بُسْتَان بصار وَتسَمى الْآن بالحافظية

حرف الخاء

حرف الْخَاء التربة الخاتونية على نهر يزِيد بالصالحية قبلي الْمدرسَة الجهار كسية أنشاتها عصمَة الدّين خاتون بنت الامير معِين الدّين زَوْجَة نور الدّين ثمَّ صَلَاح الدّين وَهِي الَّتِي أوقفت الْمدرسَة الخاتونية بِدِمَشْق والخاتقاه الَّتِي عِنْد جَامع تنكز أنشاتها سنة سبع وَسبعين وَخَمْسمِائة قَالَ النعيمي بعد أَن ذكر التَّارِيخ وَأَنه قرأة من الشباك المطل على الطَّرِيق قَالَ وَقد وسع هَذِه التربة وَجعله جَامعا سُلَيْمَان بن الْحُسَيْن العقيري التَّاجِر بتولية عَليّ ابْن التدمري فِي سنة تسع وَسَبْعمائة وَسمي بالجامع الْجَدِيد ثمَّ أنشأ الخواجة أَبُو بكر ابْن الْعَيْنِيّ تربة لَهُ شمَالي هَذِه ليسلك اليها من بَابَيْنِ أَحدهمَا من الْجَامِع الْمَذْكُور وتجاههما أيوان بمحراب واضافه الى الْجَامِع المذكورثم أوقف عَلَيْهَا وَلَده عبد الرَّحْمَن ابْن الْعَيْنِيّ تربة لَهُ شمَالي هَذِه ليسلك اليها من بَابَيْنِ احدهما من الْجَامِع الْمَذْكُور لَيْلَة جُمُعَة وَشرط فِي الْمدرس وَالْفُقَهَاء أَن يَكُونُوا حيفية واوقف كتبه عَلَيْهَا وَشرط ان تكون التَّوْلِيَة للمفتي الْحَنَفِيّ بِدِمَشْق قَالَ العلموي ثمَّ فِي سنة خمس وَسبعين وَتِسْعمِائَة الْهم الله عَبده الصَّالح مُحَمَّد بن مُحَمَّد المترح أَن يُوسع هَذَا الْجَامِع فاجتهد فِي توسعته من جِهَة الغرب ووسعه بِقَدرِهِ مرَّتَيْنِ بعد ان كَانَ ضيقا فَصَارَ جَامعا وَاسِعًا تصلي فيهم الصَّلَوَات وتقام فِيهِ الْعِبَادَات والتلاوات وازال الْحَائِط الغربي وَجعل فِي هَذَا الَّذِي جدده محرابا ثَانِيًا ورتب فِيهِ اماما ووقف عَلَيْهِ وَقفا وانفق عَلَيْهِ من مَاله وساعده بعض اهل الْخَيْر انْتهى وَترْجم الذَّهَبِيّ الواقفة فَقَالَ هِيَ عصمَة الدّين واقفة الْمدرسَة الَّتِي بِدِمَشْق بمحلة حجر الذَّهَب والخانقاه الَّتِي بِظَاهِر دمشق يَعْنِي الَّتِي شمَالي جَامع تنكز وَلما توفيت دفنت بتربتها الَّتِي تجاه قبر جركس بِالْجَبَلِ وَقَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب كَانَت من اعْفُ النِّسَاء واعصمهن واجلهن فِي الصيانة واحزمهن متمسكة بالعروة الوثقى لَهَا امْر نَافِذ ومعروف وصدقات ورواتب للْفُقَرَاء وادارات وَفِي الْكَوَاكِب الدرية فِي السِّيرَة النورية انها نَامَتْ لَيْلَة من اللَّيَالِي عَن وردهَا فاصبحت وَهِي غَضبى فسالها نور الدّين فاخبرته فامر بِضَرْب الطبلخانة فِي القلعة وَقت السحر ليوقظ النَّائِم وَكَذَا وَقت قيام اللَّيْل ورتب للضارب جراية وجامكية

تربة الخرقي

تربة الْخرقِيّ هِيَ مُقَابل جَامع جراح غربي زَاوِيَة المغاربة قَالَ فِي شذرات الذَّهَب مَا ملخصه وَفِي سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة توفّي الْعَلامَة الثِّقَة عمر بن الْحُسَيْن الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ الْخرقِيّ صَاحب الْمُخْتَصر فِي فقه مَذْهَب احْمَد وَقَالَ ابْن حجر الْخرقِيّ بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة نِسْبَة ي الى قَرْيَة خرق وَهِي على بريد من مرو وَفِي طَبَقَات الْحَنَابِلَة لابي يعلى الصَّغِير قَرَأَ الْخرقِيّ على الْمَرْوذِيّ وَحرب الْكرْمَانِي وَصَالح وَعبد الله ابْني الامام احْمَد لَهُ المصنفات الْكَثِيرَة فِي الْمَذْهَب لم ينتشر مِنْهَا الا الْمُخْتَصر فِي الْفِقْه لانه خرج من مَدِينَة السَّلَام لما اشْتهر فِيهَا سبّ الصَّحَابَة فاودع كتبه فِي درب سُلَيْمَان فاحترقت الدَّار الَّتِي كَانَت فِيهَا وَلم تكن انتشرت لبعده عَن الْبَلَد التربة الخطابية بسفح قاسيون انشأها عز الدّين خطاب بن مَحْمُود بن مرتعش الْعِرَاقِيّ وَكَانَ من اهل الثروة بنى خَان خطاب الَّذِي بَين الْكسْوَة وغباغب الى نَاحيَة كتف الْمصْرِيّ وَهُوَ بمرج الصفر فَحصل للمسافرين رَاحَة وَله حمام بحكر السماق توفّي سنة خمس وَعشْرين وَسَبْعمائة وَدفن بتربته حرف الدَّال التربة الدهستانية هِيَ بِالدَّال الْمُهْملَة ذكرهَا ابْن تغري بردي فِي الذيل فَقَالَ ابراهيم الدهستاني الجنديوشي المعتقد توفّي سنة عشْرين وَسَبْعمائة وَدفن بزاويته الْمَعْرُوفَة بِهِ فِي دمشق حرف الذَّال التربة الذوباجية الجيلانية هِيَ بسفح قاسيون شَرْقي الْجَامِع المظفري وَهِي بديعة الْبناء متينة الاعمار

حرف الراء

وَسبب بنائها كَمَا فِي تَارِيخ الاسلام وتاريخ ابْن كثير انه فِي سنة ارْبَعْ عشرَة وَسَبْعمائة قدم دمشق شمس الدّين ذوباج بن ملك شاه صَاحب جيلان بِقصد الْحَج فَمَاتَ بقباقب من نَاحيَة تدمر فاتي بِهِ الى دمشق واشتريت لَهُ ارْض بسفح قاسيون شَرْقي الْجَامِع المظفري عِنْد المكارية فبنيت لَهُ تربة مليحة وَهِي مَشْهُورَة قَالَ فِي ذيل العبر هِيَ عِنْد قبَّة الرقي وَهُوَ الَّذِي هزم التتار لما رمى قطوشاه بِسَهْم فَقتله حرف الرَّاء التربة الرحبية هِيَ بالمزة انشأها عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن الرَّحبِي وَجعل فِيهَا مَسْجِدا ووقف عَلَيْهَا اوقافا كَثِيرَة وَجعل لَهَا صدقَات قَالَ البرزالي كَانَ رجلا جيدا امينا وَكَانَ من التُّجَّار الْمَشْهُورين واوصى من ثلث تركته بِخَمْسِينَ الف دِرْهَم ليَشْتَرِي بهَا وَلَده عقارا ويوقفه على الصَّدقَات توفّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة التربة الرفاعية قَالَ فِي الشذرات وَفِي سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة توفّي الشَّيْخ عُثْمَان الرِّفَاعِي وَهُوَ مدفون بمقبرة سوق صاروجا على الطَّرِيق مَشْهُور وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد التربة الركنية تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا تبعا للمدرسة الركنية انشأها الامير ركن الدّين منكورس مَمْلُوك فلك الدّين اخي الْعَادِل وَكَانَ دينا صَالحا عفيفا ملازما لجامع بني امية وَله بقاسيون مدرسة وتربة اوقف عَلَيْهَا شَيْئا كثيرا واوقف عَلَيْهَا وعَلى مدرسته قَرْيَة جرود وناب فِي الديار المصرية للْملك الْعَادِل توفّي سنة احدى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة حرف الزَّاي التربة الزَّاهِرِيَّة هِيَ بقاسيون على حافة نهر يزِيد شَرْقي الْمدرسَة العمرية انشأها الْملك الزَّاهِر

التربة الزويزانية

دَاوُد بن شيركوه صَاحب حمص ورايت على هَامِش كتاب تَنْبِيه الطَّالِب بِخَط ابْن كنان مَا صورته وجد فِي زمننا آثَار الْعِمَارَة وآثار مَسْجِد عَظِيم بزخرفة ونقوش قَرِيبا من النَّهر شَرْقي العمرية وَلَا اعْلَم فِي ذَلِك الْخط غَيره وَلَعَلَّه كَانَ سَابِقًا سكنا فَلَمَّا خربَتْ تِلْكَ الْبيُوت خرب مَعهَا وَعدم الْعلم بِهِ لكَونه كالبيت لَا يعلم دَاخله فَيَقَع النسْيَان والغلط لتباعد المدد والدهور والفناء وَهَذَا على الظَّن اذ لَا مَانع من أَن يكون بِقرب النَّهر مَكَان آخر فَصَارَ حديقة اَوْ بستانا لَكِن هَذَا ظَاهر فِي هَذَا الْخط وجداره بَاقٍ مقلوب وَبَاقِيه خراب انْتهى وَمِنْه تعلم ان هَذِه التربة قد انطمست آثارها من زمن بعيد والآن لم نر هُنَاكَ إِلَّا دورا للسُّكْنَى وبيوتا مَمْلُوكَة وَدفن بِهَذِهِ التربة الامير الْكَبِير تَقِيّ الدّين ابْن الْوَاقِف وَكَانَ مُحدثا ذَا رَأْي وسؤدد وفضيلة وشكل ومهابة كَمَا قَالَه الصَّفَدِي وَقَالَ البرزالي اخْتصَّ بالافرم وولاه امْر ديوانه واحيانا تَدْبِير امْرَهْ توفّي سنة خمس وَسَبْعمائة وَدفن بهَا ايضا مظفر الدّين مُوسَى ابْن الْوَاقِف سنة ثَمَان وَسَبْعمائة التربة الزويزانية بميدان الْحَصَى عِنْد مَسْجِد الْفُلُوس أوقفها خَلِيل بن زويزان رَئِيس قصر حجاج قَالَ الاسدي مَاتَ سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة وَخلف من الْعقار وَالْعين مَا يزِيد عَن مِائَتي الف دِينَار وَتصدق بِثلث مَاله وَجعله وَقفا على الْعلمَاء والقراء بتربته قَالَ ابْن كثير وَكَانَ كيسا ذَا مُرُوءَة لَهُ صدقَات كَثِيرَة وَله زِيَادَة فِي مَقَابِر الصُّوفِيَّة من جِهَة الْقبْلَة وَلما مَاتَ دفن بتربه حرف السِّين مَزَار سعد بن عباد هَذَا المزار بِالْقربِ من قَرْيَة يُقَال لَهَا المنيحة من قرى دمشق قَالَ المحبي فِي تَرْجَمَة قَاسم بن عبد المنان الْكرْدِي الاصل نزيل دمشق كَانَ نَاظرا على وقف سِنَان باشا بِالشَّام وَأحد الكبراء الصُّدُور من عُتَقَاء سِنَان باشا وَكَانَ قد نمى وقف سِنَان باشا وَعمر مسقفاته وَملك دَار الْعدْل الْمَنْسُوب تعميرها الى السُّلْطَان نور الدّين الشَّهِيد بِالْقربِ من بَاب السَّعَادَة وعمرها متقنة وَعمر ضريح سَيِّدي سعد بن عبَادَة

التربية السلامية

الصَّحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ بقرية المنيحة تَابع وقف السنانية وَبنى عَلَيْهِ قبَّة لَطِيفَة وأحدث الى جَانِبه مَسْجِدا وَبِالْجُمْلَةِ فقد صَار من الطف المتنزهات توفّي فِي شهر ربيع الاول سنة سبع وَخمسين بعد الالف التربية السلامية لم يبين العلموي وَلَا النعيمي مَكَانهَا وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي ذيل العبر فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة توفّي بِدِمَشْق نَاظر الْجَيْش الصَّدْر قطب الدّين مُوسَى ابْن احْمَد ابْن شيخ السلامية عَن اثْنَتَيْنِ وَسبعين سنة وَدفن بتربة مليحة انشأها وَكَانَ من رجال الدَّهْر وَله فضل وخبرة انْتهى وَقد كَانَ لمُوسَى الْمَذْكُور تعلق بالشيخ براق الْمَشْهُور وَنظر فِي احواله وَحَيْثُ ان الشَّيْخ براق لَهُ شهرة وَطَرِيقَة مَخْصُوصَة فَلَا بَأْس بِبَيَان شئ من احواله هُنَا فَنَقُول الشَّيْخ براق قَالَ فِي ذيل العبر قدم الشَّيْخ براق العجمي من الشرق سنة سبع وَسَبْعمائة وَتَبعهُ جمع نَحْو الْمِائَة وَفِي رَأس كل وَاحِد مِنْهُم قرن من اللباد يشبه قرن الجاموس وكل مِنْهُم متقلد بِحَبل كقاب بقر محناة وَعَلَيْهِم الاجراس وثنية كل وَاحِد مِنْهُم مَكْسُورَة وهم يحلقون ذقونهم ويتركون شواربهم ويحملون الجواكين على اكتافهم وَمَعَهُمْ طبلخانة فَدَخَلُوا بهيئة غَرِيبَة يجرونَ بشهامة فنزلوا بالمنيبيع قَالَ الصَّفَدِي فِي تَارِيخه وَكَانَ الشَّيْخ براق على هَذِه الْحَالة وَكَانَ يلازم الصَّلَاة والتعبد فَقيل لَهُ مَا هَذَا الشعار فَقَالَ اردت ان اكون بِهِ مسخرة للْفُقَرَاء قَالَ وعَلى الْجُمْلَة فقد كَانَ هُوَ واتباعه على اشكال عَجِيبَة حَتَّى أَنهم حاكوهم فِي الخيال يَعْنِي انزلهم اصحاب قراكوز فِي الاعيبهم ونظم فيهم الاديب السراج اشعارا ذكرهَا الصَّفَدِي فِي تَارِيخه قَالَ الذَّهَبِيّ ثمَّ انهم زاروا الْقُدس وَكَانَ شيخهم من ابناء الاربعين فِيهِ اقدام وَقُوَّة نفس وَكَانَ يدق نوبَة فأنفذ اليه الاكابر غنما ودراهم انْتهى قَالَ الصَّفَدِي كَانَ مجئ براق الى دمشق فِي ايام الافرم بعد قازان وَكَانَ اولا مرِيدا لبَعض الشُّيُوخ

التربة السنبلية العثمانية

فِي الْبِلَاد الرومية وَلما اتى دمشق تَلقاهُ ابْن شيخ السلامية الى القابون وَعرضه مَعَ جماعته واستسماهم وحلاهم وعدهم وَكتب بذلك ورقة الى السُّلْطَان فَلَمَّا ارادوا الدُّخُول على الافرم الى الميدان ارسلوا على الشَّيْخ براق نعَامَة قد تعاظم امرها فَلَا يكَاد يقاومها اُحْدُ فَلَمَّا عرضوه لَهَا قصدته فَتوجه اليها وركبها فطارت فِي الميدان قدر خمسين ذِرَاعا وَلما قرت قَالَ للافرم اطير بهَا الى فَوق مرّة ثَانِيَة قَالَ لَا ثمَّ احسن تلقيه واكرم نزله فَطلب التَّوَجُّه الى الْقُدس فاعطاه الافرم من خزانته الفي دِرْهَم فاباها واخذها جماعته فزار وَعَاد وَدخل الْبِلَاد وَمَات تَحت السَّيْف صُحْبَة قطليجا نَائِب غازان وَلما ظهر ذَلِك للقان غازان احضره وسلط عَلَيْهِ سبعا ضاريا فَركب على ظَهره وَلم ينل مِنْهُ شَيْئا فاعظم ذَلِك غازان ونثر عَلَيْهِ عشرَة آلَاف دِينَار فراح وَلم يتَعَرَّض لشَيْء مِنْهَا وَكَانَ مَعَه محتسب على جماعته يُؤَدب كل من ترك سنة من السّنَن عشْرين عَصا على رجلَيْهِ هَذَا مَا اتَّصل بِنَا من اخبار هَذَا الرجل وَالله اعْلَم بِحَقِيقَة امْرَهْ وَقَالَ ابْن تغري بردى فِي الذيل براق الْمُقْرِئ كَانَ لَهُ طور عَجِيب وَاتِّبَاع وفقراء وَله حكايات غَرِيبَة توفّي سنة سبع وَسَبْعمائة التربة السنبلية العثمانية شَرْقي تربة الجيعان وشمالي تربة مُخْتَار انشأها الامير سنبل بن عبد الله الطواشي عَتيق الطنبغا العثماني وَكَانَ قد ولي الذمامة للامير سودون وَنظر الْجَامِع الاموي سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة التربة السنقرية الصلاحية على رَأس زقاق شبْل الدولة عِنْد المصنع انشاها شبْل الدولة قَالَ فِي منتخب الشذرات فِي سنة عشْرين وسِتمِائَة توفّي الامير مبارز الدّين سنقر الصلاحي وَكَانَ مُقيما بحلب ثمَّ انْتقل الى ماردين فخاف مِنْهُ الاشرف وشكى حَاله للمعظم فخدعه ووعده بَان يوليه مَا اخْتَار وجهز اليه ابْنه فَحَضَرَ الى الشَّام فالتقاه الْمُعظم وَلم ينصفه وتفرق عَنهُ اصحابه فَمَرض من شدَّة غبنه وَنزل بدار شبْل الدولة بالصالحية وَمَات غبنا فَقَامَ شبْل الدولة بامره احسن قيام وَاشْترى لَهُ تربة على راس زقاق الخانقاه

التربة السودونية

عِنْد المصنع وَدَفنه بهَا وَكَانَ المبارز محببا الى النَّاس وَلم يكن فِي زَمَنه اكرم مِنْهُ قَالَ النعيمي وَلَا اشجع مِنْهُ لَهُ المواقف المشهودة مَعَ صَلَاح الدّين وَغَيره وَكَانَت الدُّنْيَا لَا تَسَاوِي عِنْده قَلِيلا وَلَا كثيرا وَمَات وَلم يخلف شَيْئا التربة السودونية فَوق المعظمية بسفح قاسيون قَالَه النعيمي ورايت بِخَط ابْن كنان مَا صورته لَعَلَّهَا الَّتِي يُقَال لَهَا قبَّة صبح فانها فَوق المعظمية من جِهَة الغرب وَلَيْسَ فَوق المعظمية عمَارَة الا هِيَ وَلَو كَانَت هِيَ من تِلْكَ الترب الْقَرِيبَة لقَالَ هِيَ لصيق المعظمية فَعلم انها الْمُسَمَّاة بقبة صبح وَلها بعض مَدْخُول وَلها قَارِئ يقْرَأ ومحصلها نَحْو الْعشْرين قرشا فِي السّنة وَلَا اعْلَم متوليها الْآن انْتهى قَالَ النعيمي انشاها سودون النوروزي وَكَانَ اسْمه بَين الامراء سودون المغربي لبخله وَسُوء خلقه وَكَانَ حَاجِب الْحجاب وأمير التركمان بِدِمَشْق وَهُوَ من بَقِيَّة جمَاعَة الظَّالِم الغاشم نوروز الحافظي انْتهى قَالَ ابْن تغري بردي فِي الذيل سودون النوروزي حَاجِب حجاب دمشق اصله من مماليك الامير نوروز الحافظي وترقى فِي الْبِلَاد الشامية الى ان ولي دوادارية السُّلْطَان بحلب ثمَّ حجوبية دمشق توفّي بهَا سنة سبع واربعين وَثَمَانمِائَة تَقْرِيبًا وَكَانَ متوسط السِّيرَة عَفا الله عَنهُ وَقَالَ النعيمي توفّي سنة ثَمَان واربعين وَثَمَانمِائَة حرف الشين التربة الشبلية تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا تبعا للمدرسة الشبلية قَالَ فِي الشذرات مَا ملخصه وَفِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة توفّي شبْل الدولة كافور الحسامي طواشي حسام الدّين مُحَمَّد ولد سِتّ الشَّام لَهُ فَوق جسر ثورا من صالحية دمشق الْمدرسَة والتربة والخانقاه واوقف عَلَيْهَا الاوقاف وَنقل لَهَا الْكتب الْكَثِيرَة وَدفن بتربته الى جَانب مدرسته

التربة الشرابيشية

التربة الشرابيشية مُقَابل جَامع جراح بِبَاب الصَّغِير انشأها عَليّ بن الْمجد بن محَاسِن الشرابيشي التَّاجِر السفار صَاحب الْمدرسَة الشرابيشية الْمُتَقَدّمَة فِي مدارس الْمَالِكِيَّة وَكَانَ لَهُ همة ونهضة وتودد الى النَّاس مَاتَ سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بهَا وَدفن بهَا ايضا وَلَده احْمَد التربة الشهابية بالصالحية قَالَ العلموي لم اقف على تَرْجَمَة صَاحبهَا وَلم يذكرهُ النعيمي ايضا وَلكنه قَالَ قَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة ولي نظرها ابْن غَانِم الْموقع وَكَانَ مُسْرِفًا على نَفسه ذميم السِّيرَة توفّي سنة سبع وَعشْرين وَثَمَانمِائَة التربة الشهيدية بِبَاب الفراديس وتنسب الى ابْن الشَّهِيد وَهُوَ مدفون بهَا وَدفن بهَا بعده فرج ابْن برقوق لما قتل سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة قَالَ الاسحاقي فِي اخبار الاول تولى الْملك النَّاصِر ابو السعادات فرج بعد ابيه برقوق على مصر فاقام سِتّ سِنِين وَخَمْسَة اشهر وَعشرَة ايام ثمَّ اختفى بعد ذَلِك فَكَانَ بعده الْملك الْمَنْصُور عبد الْعَزِيز بن برقوق فاقام سَبْعَة واربعين يَوْمًا وَظهر الْملك ابو السعادات وامسك اخاه وَحبس بالاسكندرية وَقتل بهَا ثَالِث عشر جُمَادَى الاولى سنة ثَمَان وَثَمَانمِائَة ثمَّ عَاد الْملك النَّاصِر ابو السعادات فرج الى السلطنة فاقام سِتّ سِنِين وَتِسْعَة اشهر وَجُمْلَة ولَايَته اولا وَثَانِيا ثَلَاث عشرَة سنة وشهران وَعشرَة ايام وَكَانَ مَا كَانَ بَينه وَبَين جنده فَقَتَلُوهُ شَرّ قتلة بِدِمَشْق والقي على مزبلة وَهُوَ عُرْيَان من اللبَاس يمر بِهِ النَّاس وَيَنْظُرُونَ الى جسده وَذَلِكَ من اعظم العبر واكبر المحن الى ان حنن الله عَلَيْهِ بعض النَّاس بعد عدَّة ايام فَحَمله وغسله وادرجه فِي كفن وواراه فِي التُّرَاب انْتهى وَذَلِكَ سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة وَقَالَ الشرقاوي فِي تحفة الناظرين كَانَ افرس مُلُوك التّرْك بعد الاشرف خَلِيل تجهز سبع مَرَّات لِلْخُرُوجِ للشام وتمهيدها وقهر متغلبيها كالمؤيد شيخ وَغَيره وَفِي ايامه وصل تيمورلنك لبلاد الشَّام فسفك دِمَاء الْمُسلمين وسبى ذَرَارِيهمْ واسر امير الشَّام وَقَتله فَخرج النَّاصِر لقتاله فَوَجَدَهُ قد ترك الْبِلَاد وَتوجه للروم فَرجع النَّاصِر الى مصر وَكَثُرت الْفِتَن

حرف الصاد

حرف الصَّاد التربة الصارمية البرغشية العادلية غربي الْجَامِع المظفري بناها صارم الدّين برغش العادلي نَائِب القلعة بِدِمَشْق مَاتَ سنة ثَمَان وسِتمِائَة قَالَ ابْن كثير وَهُوَ الَّذِي نفى الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ الى مصر وَبَين يَدَيْهِ عقد الْمجْلس وَكَانَ من جملَة من قَامَ عَلَيْهِ ابْن الزكي والخطيب الدولعي وَالله الْمجَازِي قَالَ عز الدّين ابْن تَاج الامناء اجْتمع الشَّافِعِيَّة والمالكية وَالْحَنَفِيَّة عِنْد الْمعلم عِيسَى والمقدم برغش سنة سِتّمائَة وَكَانَا يجلسان بدار الْعدْل للمظالم واحضروا الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ بن عبد الْوَاحِد بن سرُور الجماعيلي الْحَافِظ الزَّاهِد وَادعوا عَلَيْهِ بانه يعْتَقد اعْتِقَاد الْحَنَابِلَة ويعتقد الْجِهَة والاستواء والحرف فاتفق الْفُقَهَاء على تفكيره وعَلى انه مُبْتَدع لَا يجوز ان ينزل بَين الْمُسلمين وَلَا يحل لوَلِيّ الامر ان يُمكنهُ من الْمقَام بَينهم فَسَالَ ان يُمْهل ثَلَاثَة ايام لينفصل عَن الشَّام فاجيب ثمَّ ارتحل الى بعلبك ثمَّ سَار الى مصر وَبهَا توفّي سنة سِتّمائَة التربة الصصرية عِنْد الركنية بسفح قاسيون دفن بهَا الْحَافِظ ابو الْمَوَاهِب واخوه ابو الْغَنَائِم ابْنا صصري الْحَافِظ ابْن صصري قَالَ فِي منتخب الشذرات فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة توفّي قَاضِي الْقُضَاة احْمَد ابْن الرئيس الْكَبِير عماد الدّين مُحَمَّد بن سَالم بن بهاء الدّين بن هبة الله ابْن مَحْفُوظ بن صصري التغلبي الربعِي الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي سمع الحَدِيث من جمَاعَة وقرا بالسبع وجود الْخط على ابْن المهتار واتقن الاقلام السَّبْعَة ودرس بالامينية وَغَيرهَا وَاسْتمرّ على الْقَضَاء الى ان مَاتَ وَكَانَ حسن الْمُلْتَقى متواضعا جدا لَهُ مُشَاركَة فِي فنون شَتَّى وَعِنْده حَظّ من الادب وَالنّظم وَمن نظمه (ومهفهف بالوصل جاد تكرما ... فاعاد ليل الهجر صبحا أبلجا) (مَا زلت الثم مَا حواه ثغره ... حَتَّى اعدت الْورْد فِيهِ بنفسجا) توفّي ببستانه بِالسَّهْمِ وَحمل الصُّوفِيَّة نعشه الى الْجَامِع المظفري وَصلى عَلَيْهِ الشَّيْخ برهَان الدّين الْفَزارِيّ وَدفن بتربته بِالْقربِ من الركنية

التربة الصوابية

التربة الصوابية غربي سفح قاسيون وشمالي دَار الحَدِيث الناصرية بناها بدر الحبشي الصوابي قَالَ ابْن شقدة كَانَ اميرا على مائَة فَارس بِدِمَشْق فاقام فِي الامرة نَحْو اربعين سنة وَكَانَ خيرا دينا معمرا مَوْصُوفا بالشجاعة وَالْعقل والرأي قَالَ الذَّهَبِيّ روى لنا عَن ابْن عبد الدَّائِم وَتُوفِّي فَجْأَة بقرية الخيارة فِي جُمَادَى الاولى يَعْنِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وسِتمِائَة وَقَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة فَحمل بعد وَفَاته الى قاسيون وَدفن بتربته وَهُوَ اول من ابطل مَا كَانَ يجبى من الْحجَّاج فِي كل سنة لاجل العربان وَهُوَ على كل جمل عشرَة دَرَاهِم اقام ذَلِك من مَاله وابطل الجباية وَذَلِكَ سنة احدى وَثَمَانِينَ فَبَطل ذَلِك الى الْآن يَعْنِي الى وقته حرف الطَّاء التربة الطوغانية الناصرية شمَالي تربة ابْن المزلق بِرَأْس الزقاق شمَالي مَسْجِد الذبان والمنارة غربي مَقْبرَة الْبَاب الصَّغِير وَهِي تجاه تربة قصروه على نهر قليط أَنْشَأَهَا الامير طوغان الناصري وَكَانَ اميرا كَبِيرا بصفد وَلما مَاتَ بهَا جِيءَ بِهِ الى دمشق وَدفن بتربته وارخ العلموي وَفَاته سنة سبع واربعين وَثَمَانمِائَة 847 حرف الْعين التربة العادلية البرانية غربي دَار الحَدِيث الناصرية البرانية بسفح قاسيون غربي الرِّبَاط الناصري وَهِي تربة مليحة ذَات شبابيك ومنارة وَلها اوقاف دارة على وظائف من قِرَاءَة واذان وامامة بناها الْملك الْعَادِل زين الدّين كتبغا المنصوري الْمُعَلَّى توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسَبْعمائة فِي حماة وَنقل الى دمشق فَدفن فِي تربته هَذِه قَالَ ابْن شقدة وَكَانَ فِي آخر الكهولة اسمر قَصِيرا دَقِيق الصَّوْت شجاعا قصير الْعُنُق ينطوي على دين وسلامة بَاطِن وتواضع تسلطن بِمصْر عَاميْنِ وخلع فِي مصر سنة سِتّ وَتِسْعين فالتجأ الى صرخد ثمَّ اعطي حماة فَمَاتَ بهَا وَقَالَهُ ايضا الذَّهَبِيّ فِي الذيل

التربة العادلية الجوانية

التربة العادلية الجوانية هِيَ بِالْمَدْرَسَةِ العادلية الْكُبْرَى تجاه الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة انشأها الْملك الْعَادِل ابو بكر ابْن ايوب بن شاذي قَالَ فِي منتخب الشذرات ولد ببعلبك حَال ولَايَة أبيَّة عَلَيْهَا وَنَشَأ فِي خدمَة نور الدّين مَعَ ابيه وَكَانَ اخوه صَلَاح الدّين يستشيره ويعتمد على راية وعقله ودهائه وَلم يكن اُحْدُ يتَقَدَّم عَلَيْهِ عِنْده ثمَّ انْتَقَلت بِهِ الاحوال وَاسْتولى على الممالك وسلطن ابْنه الْكَامِل على الديار المصرية وَابْنه الْمُعظم على الشَّام وَابْنه الاشرف على الجزيرة وَابْنه الاوحد على خلاط وَابْن ابْنه المسعود على الْيمن وَكَانَ ملكا جَلِيلًا سعيدا طَوِيل الْعُمر عميق الْفِكر بعيد الْغَوْر جماعا لِلْمَالِ ذَا حلم سؤدد وبر كثير وَكَانَ يضْرب الْمثل بِكَثْرَة اكله وَله نصيب من صَوْم وَصَلَاة وَلم يكن محببا الى الرّعية لمجيئه بعد الدولتين النورية والصلاحية وَقد حدث عَن السلَفِي وَخلف سَبْعَة عشر ابْنا تسلطن مِنْهُم الْكَامِل والمعظم والأشراف والصالح وشهاب الدّين غَازِي صَاحب ميافارقين وَتُوفِّي فِي سَابِع جمادي الاخرة سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة وَله بضع وَسَبْعُونَ سنة انْتهى وَقَالَ سبط ابْن الْجَوْزِيّ كَانَ الْعَادِل خليقا بِالْملكِ حسن التَّدْبِير حَلِيمًا صفوحا مُجَاهدًا عفيفا متصدقا آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر انْتهى وَقَالَ عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ بعد ان اطنب فِي مدحه كَانَ لَهُ نظر فِي العواقبوحب لِلْمَالِ وحظ فِي النَّصْر على الْأَعْدَاء كثير الْأكل جدا كم اتخذ أعداؤه الْحِيلَة لقَتله فخابوا وَسَتَأْتِي تَرْجَمته مفصلة فِي الْقسم السياسي وَمِمَّنْ دفن فِي هَذِه التربة يَعْقُوب بن الْملك الْعَادِل ويلقب بِالْملكِ الْمعز كَانَ فَاضلا وَتُوفِّي سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة المرسي وَمِمَّنْ درس بهَا الْقَاسِم بن احْمَد بن موفق بن جَعْفَر المرسي اللوذقي الْمُقْرِئ النَّحْوِيّ الْمُتَكَلّم شيخ الْقُرَّاء بِالشَّام ولد سنة خمس وَسبعين وخممسمائة وَقَرَأَ الْقرَاءَات وَسمع الحَدِيث وَكَانَ عَارِفًا بالاصلين والعربية أقرا واشتغل مُدَّة وصنف التصانيف ودرس بالعزيزية نِيَابَة وَولي مشيخة الاقرار والنحو بالعادلية وَشرح الشاطبية توفّي فِي رَجَب سنه احدى وَسِتِّينَ وسِتمِائَة

ابن بدران

ابْن بدران وَمِمَّنْ درس بهَا مُحَمَّد بن أبن بكر بن عِيسَى بن بدران قَالَ الذَّهَبِيّ فِي مُعْجَمه هُوَ الشَّيْخ الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة علم الدّين ابْن القَاضِي شمس الدّين السَّعْدِيّ الاخنائي الْمصْرِيّ قَاضِي دمشق ولد سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة بِالْقَاهِرَةِ وَسمع الْكثير واخذ عَن الدمياطي وَغَيره ولي الْقَضَاء بالاسكندرية ثمَّ بِدِمَشْق وَكَانَ من الْعلمَاء النبلاء وقضاة السداد وَقد شرع فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَشرح جملَة من صَحِيح البُخَارِيّ وَكَانَ أحد الاذكياء وَكَانَ يُبَالغ فِي الاحتجاب عَن الْحَاجَات فتتعطل امور كَثِيرَة وقالابن كثير كَانَ عفيفا نزها كثير الْعِبَادَة محبا للفضائل ومعظما لأَهْلهَا كثير الاسماع للْحَدِيث بِالْمَدْرَسَةِ العادلية خيرا جيدا توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بسفح قاسيون بتربة الْعَادِل كتبغا التربة العديمية عِنْد زَاوِيَة الحريري غربي الزَّيْتُون على الشّرف القبلي كَذَا قَالَه العليمي وزاوية الحريري اذهبها الزَّمَان كَمَا أذهب الحريري وشعيته انشاها مجد الدّين عبد الرَّحْمَن بن عمر الْمَعْرُوف بِابْن العديم الْحلَبِي وَكَانَ عَالما بِمذهب أبي حنيفَة عَارِفًا بالادب وَهُوَ أول حَنَفِيّ درس بالظاهرية من حينما بناها الظَّاهِر بيبرس بِالْقَاهِرَةِ ولي قَضَاء الشَّام وانتهت اليه رائاسة الْحَنَفِيَّة بِمصْر وَالشَّام ولد سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة وَمَات فِي ربيع الآخر سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة قَالَه السُّيُوطِيّ فِي حسن المحاضرة وَقَالَ ابْن كثير كَانَ رَئِيسا وَابْن رَئِيس لَهُ كرم اخلاق انْتهى واما وَالِده عمر فَهُوَ صَاحب التَّارِيخ وَهُوَ كَمَا قَالَ السُّيُوطِيّ وَصَاحب الشذرات فِي ثَلَاثِينَ مجلدا توفّي سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة التربة العزلية قَالَ فِي الشذرات مَا ملخصة وَفِي سنة تسع عشرَة وَسَبْعمائة توفّي سيف الدّين عزلو الامير الْكَبِير العادلي الَّذِي استنابه استاذه الْعَادِل كتبغا على دمشق فِي آخر

سنة خمس وتسعين وستمائة وكان أحد الشجعان العقلاء وله تربة مليحة بقاسيون توفي بدمشق ودفن بها

سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة وَكَانَ أحد الشجعان الْعُقَلَاء وَله تربة مليحة بقاسيون توفّي بِدِمَشْق وَدفن بهَا العزية وَمَسْجِد الْحلَبِي هما بسفح قاسيون انشاهما عبد العزير بن مَنْصُور الشهير بِابْن ودَاعَة الْحلَبِي قَالَ الصّلاح الصَّفَدِي فِي تَارِيخه كَانَ يظْهر النّسك وَالدّين ويقصد فِي ملبسه وأموره ولاه النَّاصِر مشد الدَّوَاوِين فِي دمشق وَكَانَ يعْتَمد عَلَيْهِ فَلَمَّا تسلطن الظَّاهِر ولاه وزارة الشَّام فَلَمَّا ولي النجيبي نِيَابَة السلطنة وَحصل بَينه وَبَين المترجم وَحْشَة لَان النجبيبي كَانَ سَيِّئًا فَكتب ابْن ودَاعَة الى السُّلْطَان يطْلب مِنْهُ مشدا تركيا لظَنّه انه يكون فِي حمه ويتخلص من النجيبي فَوَقَعت أُمُور آل أمرهَا الى مصادرة ابْن ودَاعَة فصودر وبيعت أملاكه وعصر وجرم بقاعة المشد وَبَاعَ موجوده وأملاكه الَّتِي كَانَ وَقفهَا وَحل عَنْهَا ثمَّ طلب الى مصر فَذهب اليها مُثقلًا وَمَات بهَا سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة التربة العزية الأيبكية الحموية بالسفح غربي زَاوِيَة ابْن قوام أَنْشَأَهَا الْأَمِير عز الدّين أيبك الْحَمَوِيّ نَائِب دمشق ثمَّ صر خد ثمَّ حمص توفّي سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة وَدفن بتربته هَذِه واليه ينْسب حمام الْحَمَوِيّ بِمَسْجِد الْقصب التربة العقيبيبة قَالَ فِي الشذرات وَفِي سنة احدى وَخمسين وتسمعائة توفّي الشَّيْخ زين الدّين عمر العقيبي الْعَارِف المسلك الْحَمَوِيّ الاصل الدِّمَشْقِي كَانَ فِي بدايته أسكافا يصنع النِّعَال الْحمر ثمَّ صحب الشَّيْخ علوان وَبَقِي على حرفته غير أَنه كَانَ ملازما للذّكر والصمت ثمَّ غلبت عَلَيْهِ الْأَحْوَال فَترك الحرفة وَأَقْبل على المجاهدات وَلزِمَ خدمَة استاذه الشَّيْخ علوان حَتَّى امْرَهْ أَن يذهب الى دمشق ويرشد النَّاس فَذهب اليها وَلَزِمَه الشَّيْخ مُحَمَّد الزغبي المجذوب وَكَانَ عِيسَى باشا كافل دمشق من جملَة

التربة العلائية الأميرية

المعتقدين بِهِ وَأخذ عَنهُ الطَّرِيق توفّي المترجم فِي السّنة الْمَذْكُورَة وَدفن بزاويته بمحلة العقيبة التربة العلائية الأميرية هِيَ بمقبرة الصُّوفِيَّة وَقد درست هَذِه الْمقْبرَة بأجمعها بناها الْأَمِير عَليّ نَائِب الشَّام ليدفن بهَا فَلم يتهيأ لَهُ ذَلِك لانه مَاتَ بِمصْر سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَدفن بهَا سيف الدّين أركماس المؤيدي التربة الْعمادِيَّة شمَالي تربة جركس بقاسيون أَنْشَأَهَا الْعِمَاد الْكَاتِب الْمَشْهُور وَتَقَدَّمت تَرْجَمته وَهِي أول تربة بنيت بِالْجَبَلِ واسْمه مَكْتُوب على بَابهَا حرف الْغَيْن التربة الغزلية هِيَ بقاسيون أوقفها سيف الدّين غزلو الامير الْكَبِير العادلي استنابه استاذه الْعَادِل كتبغا على فِي آخر سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة كَانَ أحد الشجعان الْعُقَلَاء قَالَ ابْن شقدة قَالَ وَله تربة مليحة بقاسيون توفّي بِدِمَشْق سنة تسع عشرَة وسمعمائة وَدفن بتربته حرف الْقَاف التربة القانبائية قبلي تربة يُونُس الدوادار ولصيقتها عمرها قان باي البهلوان نَائِب صفد ثمَّ حماة ثمَّ حلب توفّي سنة احدى وَخمسين وَثَمَانمِائَة وَدفن بهَا

تربة بمسجد القدم

تربة بِمَسْجِد الْقدَم دفي فِيهَا تَاج الامناء أَبُو الْفضل أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن هبة الله ابْن عَسَاكِر من بَيت الحَدِيث وَالرِّوَايَة توفّي سنة عشر وسِتمِائَة وَدفن قبلي محراب مَسْجِد الْقدَم وَفِي سنة عشْرين وسِتمِائَة دفن بهَا أَبُو البركات ابْن المرار مُجَدد مَسْجِد الْقدَم التربة القراجية الصلاحية الاولى هِيَ على جادة الطَّرِيق عِنْد تربة ابْن ميرك بالسفح وَلها قبَّة وَهِي الْآن فِي حارة الأكراد على الجادة شَرْقي مدرسة الصاحبة يفصل بَينهمَا الطَّرِيق بناها الامير قراجا الصلاحي صَاحب صرخد توفّي سنة أَربع وسِتمِائَة التربة القراجية الثَّانِيَة بميدان الْحَصَى عِنْد النَّهر بناها الامير قراجا أستاذدار الافرا توفّي سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة وَدفن بهَا التربة القطلوبكية شمَالي بَاب الفراديس وَهِي تربة الامير قطلوبك الششنكير الرُّومِي كَانَ من أكَابِر الْأُمَرَاء ولي الحجوبة فِي بعض الاوقات وَعمر الْقَنَاة بالقدس التربة القطينية كَانَت بطرِيق القابون قَالَ ابْن كثير هِيَ بِبَاب الْبُسْتَان الْمُسَمّى بالموقع عِنْد جسر ثورا وَهِي تربة هائلة بناها كَبِير المتمولين بِدِمَشْق أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن القطينة الزرعي وَكَانَ تَاجِرًا توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَسَبْعمائة وَدفن بهَا وَفِي شذرات الذَّهَب أَنه بنى مدرسة بزرع التربة القمارية بسفح قاسيون وَهِي تربة قماري خاتون بنت حسام الدّين بن ضِيَاء الدّين أبي الفوارس القيمري ووقفت عَلَيْهَا الخان الَّذِي كَانَ لَهَا بِمَسْجِد الْقصب توفيت سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة

التربة القيمرية

التربة القيمرية بسفح قاسيون بحارة البيمارستان القيمري وَهِي تجاهه وَلها قبَّة أنشاها هِيَ البيمارستان يُوسُف بن موسك القيمري الْكرْدِي وَكَانَ من أكبر أُمَرَاء القيامرة بِحَيْثُ كَانُوا يقفون بَين يَدَيْهِ ويعاملونه مُعَاملَة الْمُلُوك وَكَانَ من الابطال ذَا مَال كثير وثروة توفّي سنة ثَلَاث أَو أَربع وَخمسين وسِتمِائَة حرف الْكَاف التربة الكاملية البرانية هِيَ بِالْجَبَلِ تَحت الْكَهْف الْمُسَمّى بكهف جبرئ يل بِالْقربِ من الْمدرسَة المعظمية لم يعلم أمرهَا سوى انه ولي مشيختها مُحَمَّد بن ابراهيم بن غَنَائِم بن وَاقد المهندس الصَّالِحِي الْحَنَفِيّ اعتنى بِالْحَدِيثِ وَنسخ تَهْذِيب الْكَمَال مرَّتَيْنِ مَعَ الدّين والتواضع وَمَعْرِفَة الشُّرُوط وَتُوفِّي فِي شَوَّال سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَدفن بتربة والدها بِالْقربِ من المعظمية التربة الكاملية الجوانية شَرْقي الخانقاه السميساطية وَهِي الْآن مَوْجُودَة وَله بَاب الى جَامع بني أُميَّة قَالَ عز الدّين الانصاري الْحلَبِي ان الْكَامِل لما ملك دمشق عَمَدت بَنَاته الثَّلَاث الى أَمَاكِن فِي جوَار بَاب الناطفانيين فاشترينها وعمرتها تربة مَفْتُوحَة الشبابيك الى الْجَامِع وَبهَا قراء الْملك الْكَامِل هُوَ الْملك نَاصِر الدّين مُحَمَّد ابْن الْعَادِل أبي بكر مُحَمَّد بن ايوب ولد سنة سِتّ وَسبعين وَخَمْسمِائة وتملك الديار المصرية تَحت جنَاح وَالِده عشْرين سنة وَبعده عشْرين سنة وتملك دمشق قبل مَوته بشهرين وتملك حران وآمد وَتلك الديار وَلَهُم مَوَاقِف مَشْهُودَة وَكَانَ مُعظما للسّنة واهلها محبا لمجالسة الْعلمَاء فِيهِ عدل وكرم

التربة الكركية الاياسية الفخرية

وحياء وَله هَيْبَة شَدِيدَة وَمن عدله انه شنق جمَاعَة من أجناده فِي اكيال شعير اغتصبوه قَالَه فِي العبر وترجمه ابْن خلكان بترجمة مُطَوَّلَة فَقَالَ بعد الثَّنَاء عَلَيْهِ بنى بِالْقَاهِرَةِ دَار حَدِيث ورتب لَهَا وَقفا جيدا وَبنى قبَّة عَظِيمَة على قبر الامام الشَّافِعِي وَملك دمشق سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة ثمَّ اعطاها لاخيه الاشرف واخذ بدلهَا حران والرها وسروج والرقة وراس عين توفّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَدفن بقلعة دمشق قَالَ ابْن الاهدب وللكامل هفوة جرت مِنْهُ وَذَلِكَ انه سلم مرّة بَيت الْمُقَدّس الى الفرنجة اخْتِيَارا وَأورد لَهُ صَاحب تحفة الالباب من الشّعْر قَوْله (اذ تحققتم مَا عِنْد عبدكمو ... من الغرام فَذَاك الْقدر يَكْفِيهِ) (أَنْتُم سلكتم بقلبي وَهُوَ منزلكم ... وَصَاحب الْبَيْت أدرى بِالَّذِي فِيهِ التربة الكركية الاياسية الفخرية بطرِيق الصالحية عِنْد حمام الْورْد أنشاها فَخر الدّين اياس الكركي الْحَاجِب وَكَانَ رجلا لطيفا يَأْخُذ أُمُوره كلهَا بالأضحوكة وَكَانَت وطأته على النَّاس خَفِيفَة ويداري الْعَرَب فِي طَرِيق الْحجاز تولى امرة الْحَج مرَارًا فأرضى النَّاس توفّي سنة ارْبَعْ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة قَالَ النعيمي وَفرغ من انشائها سنة ثَمَان وَعشْرين وَثَمَانمِائَة كَمَا هُوَ مرسوم عقب ذكر وَقفهَا بالواجهة الْحجر فَوق الشباكين وابوابها تفتح الى جِهَة الغرب وَقد احكم بناءها فَجَعلهَا قبوا مكينا وَله فِيهَا فسقيتان وعَلى هَذ الْبناء الرّوح انْتهى التربة الكروسية دَاخل دمشق أوقفها مُحَمَّد بن عقيل بن كروس محتسب دمشق وَكَانَ كيسا متواضعا صَدرا رَئِيسا وَدفن بهَا سنة احدى واربعين وسِتمِائَة التربة الكندية بسفح قاسيون تَحت كَهْف جبرئيل وَهِي تربة الْعَلامَة أبي الْيمن الْكِنْدِيّ تَرْجمهُ

التربة الكوكبائية

الصَّفَدِي فِي تَارِيخه وَتقدم ذكره فِي مدرسة التاجية الْحَنَفِيَّة وَفِي منتخب الشذرات هُوَ زيد بن الْحسن الْبَغْدَادِيّ الْمُقْرِئ النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ شيخ الْحَنَفِيَّة والقراء والنحاة بِالشَّام ومسند الْعَصْر وَلَده سنة عشْرين وَخَمْسمِائة واكمل الْقرَاءَات الْعشْر وَله عشرَة أَعْوَام اعتنى بِهِ سبط الْخياط فأقراه وحرص عَلَيْهِ وقرا بالروايات على جمَاعَة واتقن الْعَرَبيَّة وَقَالَ الشّعْر الْجيد ونال الجاه الوافر فان الْملك الْمُعظم كَانَ مديما للاشتغال عَلَيْهِ وَكَانَ ينزل اليه من القلعة توفّي سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة قَالَه فِي العبر بتلخيص وَمن شعره (تمنيت فِي عصر الشبيبة أنني ... أعمر والأعمار لاشك ارزاق) (فَلَمَّا أَتَانِي ماتمنيت سَاءَنِي ... من الْعُمر قد كنت أَهْوى وأشتاق) (وَهَا أَنا فِي احدى وَتِسْعين حجَّة ... لَهَا فِي ارعاد مخوف وابراق) (يَقُولُونَ ترياق لمثلك نَافِع ... وَمَالِي الا رَحْمَة الله ترياق) التربة الكوكبائية أَمَام محكمَة الْبَاب قلبِي الْمدرسَة النورية وَهِي تربة عَظِيمَة وَالنَّاس يسمونها زَاوِيَة النحلاوي وَهُوَ خطأ بل هِيَ تربة السِّت ستيتة بنت الامير كوكباي زَوْجَة نَائِب الشَّام الْأَمِير تنكز وقرات كِتَابَة بِالْحجرِ فَوق بَاب تِلْكَ التربة الهائل مَا لَفْظَة بعد الْبَسْمَلَة أَمر بانشاء هَذِه التربة الْمُبَارَكَة الْمقر الاشرفي العالي المولوي الاميري الكبيري الْغَازِي المجاهدي الملكي المخذومي السيفي سيف الدُّنْيَا وَالدّين تنكز بدر السلطنة الْمُعظم بِالشَّام المحروسة عز نَصره وَكَانَ الْفَرَاغ فِي شهر ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاثِينَ وسبعمائه أهـ وَعرفهَا النعيمي بِأَنَّهَا عِنْد الخواصين وَغَرْبِيٌّ الطّيبَة وقبلي النورية الْكُبْرَى وَبهَا مَسْجِد ورباط النِّسَاء الْمُسَمّى بالغمري الى جَانبهَا وَبهَا مكتب للأيتام وبروصلات وقراء كل ذَلِك أمرت بِهِ الواقفة قَالَه ابْن كثير قلت أما الْبَاب والقبة والرباط الى جَانبهَا فباقية وَالْبَاقِي انتحله المنتحلون فجعلوه بُيُوتًا للسُّكْنَى أُسْوَة بباقي بالمساجد والمدارس وَكَانَت وَفَاة السِّت ستيتة سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة

حرف الميم

حرف الْمِيم التربة المؤدية الشيخية كَانَت على الشّرف الشمالي فَوق الْمدرسَة العزية دفنت بهَا مُسْتَوْلدَة السُّلْطَان الْمُؤَيد شيخ سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة ووقف عَلَيْهَا ابراهيم ابْن الْملك الْمُؤَيد وَقفا ورتب لَهَا اربعة من الْقُرَّاء التربة المؤيدية الصُّوفِيَّة لم نعلم من شَأْنهَا أَلا أَن النعيمي وَغَيره قَالَا دفن بهَا مؤيد الدولة ابْن الصُّوفِي وَزِير آبق صَاحب دمشق قَالَ الذَّهَبِيّ وَكَانَ ظَالِما غشوما فسر النَّاس بِمَوْتِهِ توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَدفن بتربته هَذِه التربة المحمدية هِيَ التربة المحمدية الامينية الانصارية العيشية شمَالي الْجَامِع المظفري بسفح قاسيون أنشاها الشَّيْخ الامين مُحَمَّد بن احْمَد بن ابراهيم بن ابي الْعَيْش الانصاري الدِّمَشْقِي توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَدفن بهَا وَكَانَ تَاجِرًا فِيهِ خير وَدفن وَدين واسمع صَحِيح البُخَارِيّ وَعمر تَحت الربوة مَسْجِدا وبيوتا للطَّهَارَة وانتفع النَّاس بذلك وَتكلم على جَامع النيرب ووقف فِيهِ ميعادا لاسماع الحَدِيث التربة المختارية الطواشية أنشاها الطواشي ظهير الدّين مُخْتَار الخاندار أحد الامراء الْكِبَار كَانَ خيرا دينا يحفظ الْقُرْآن ويؤدية بِصَوْت حسن وَعَلِيهِ وقار حسن الشكل والهيبة أوقف هَذِه التربة وَهِي خارح بَاب الْجَابِيَة قبلي الصابوينة الْآن وَقد آلت الْآن الى الخراب وَهُوَ اول من عمر من الترب بذلك الْخط ووقف عَلَيْهَا القريتين وَبنى بهَا مَسْجِدا حسنا ورتب اماما لَهُ ووقف مكتبا للأيتام على بَاب قلعة دمشق ورتب لَهُم الْكسْوَة وَالنَّفقَة وَكَانَ يمتحنهم بِنَفسِهِ ويفرح بهم وَلما مَاتَ دفن بتربته وَلم يؤرخ النعيمي وَفَاته وَلَا العلموي التربة المراغية دَاخل دمشق بالصاغة العتيقة فِي دَاخل زَاوِيَة الشَّيْخ سراج الدّين من بهَا الشَّيْخ بهاء الدّين بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْوَلِيّ الأخميمي المراغي الْمصْرِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي وَكَانَ بارعا فِي المعقولات وَأخذ عَن القونوي وَألف كتاب المنقذ من الزلل فِي القَوْل وَالْعَمَل توفّي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة التربة المزلقية بِطرف مَقَابِر بَاب الصَّغِير الْآخِذ الى الصابونية عِنْد بَاب مَسْجِد الذبان أَنْشَأَهَا رَأس الخواجكية مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي بكر الْمَعْرُوف بِابْن المزلق وَكَانَ من أهل الثروة أنشأ بطرِيق مصر الى الشَّام خانات عَظِيمَة بالقنيطرة وجسر يَعْقُوب والمنية وعيون التُّجَّار وانفق على عمارتها مَا يزِيد عَن مائَة الف دِينَار وبهذه الْخَانَات مياه وَهِي فِي غَايَة الْحسن وَلم يسْبقهُ أحد من الْمُلُوك الَّذين قبله وَالْخُلَفَاء الى مثل هَذَا الْعَمَل وَهُوَ صَاحب المآثر الْحَسَنَة بدرب الْحجاز ووقف على سكان الْحَرَمَيْنِ الشريفين الْأَوْقَاف الْكَثِيرَة الْحَسَنَة وَعين للحجرة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة الشمع وَالزَّيْت فِي كل عَام وَكَانَ يُكَاتب الْمُلُوك فيقضون لَهُ حَوَائِجه وكلمته نَافِذَة عِنْدهم وَكَانَت الاعراب تراعية وَتحفظ متاجره توفّي سنة ثَمَان واربعين وَثَمَانمِائَة وَدفن بتربته هَذِه وَكَانَ قد وقف جَمِيع أملاكه قَالَ العلموي وَكَانَ أَبوهُ لبانا ملبنته عِنْد جَامع يلبغا والى الْآن يَعْنِي الى زَمَنه ذُريَّته يطالبون بحكر بقعتها بجنينة كَانَت هُنَاكَ ثمَّ ان ابْن المترجم سَافر الى الْهِنْد مرَارًا فربح فِي مرّة مِنْهَا مائَة ألف دِينَار وَثَمَانمِائَة ألف دِرْهَم والمزلق بِضَم الْمِيم وَفتح الزَّاي وَتَشْديد اللَّام مَكْسُورَة

تربة المسجف

تربة المسجف هِيَ بالمزة قَالَ الذَّهَبِيّ هُوَ عبد الرَّحْمَن بن أبي الْقَاسِم بن غَنَائِم بن يُوسُف الاديب الْكِنَانِي الْعَسْقَلَانِي ابْن المسجف الشَّاعِر توفّي فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَدفن عِنْد وَلَده بالمزة وَكَانَ أديبا شَاعِرًا طريفا خليعا وَكَانَت لَهُ رسوم على الْمُلُوك واكثر شعره فِي الهجو سلك بِهِ طَريقَة ابْن عنين

التربة المعظمية

التربة المعظمية هِيَ بالصالحية دفن بهَا المبك الْمُعظم شرف الدّين عِيسَى ابْن الْعَادِل الْمُتَوفَّى سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة وَبهَا قُبُور جمَاعَة من اخوته وَأهل بَيته التربة الملكية الأشرفية هِيَ شمَالي الكلاسة لَهَا شبابيك الى الطَّرِيق والى الكلاسة وَلم يبْق مِنْهَا الْآن الا قبتها عمرت للْملك الْأَشْرَف مُوسَى ابْن الْملك الْعَادِل سيف الدّين أبي بكر بن أَيُّوب وَكَانَ لَهُ مآثر وهفوات وَفِي أَيَّامه نَادَى أَن لَا يشْتَغل الْفُقَهَاء بِغَيْر الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه وَمن اشْتغل بالْمَنْطق وَعلم الْأَوَائِل نفي وَالظَّاهِر ان هَذَا هُوَ الَّذِي حمل ابْن الصّلاح على القَوْل بِتَحْرِيم الْمنطق وَلم نعلم لَهُ مُسْتَند فِي ذَلِك الا أَنه لم يُعلمهُ وَكتب الْأُصُول فِي زَمَنه كَانَت مشحونة بالْمَنْطق بل كتب ابْن الصّلاح نَفسه لَا تَخْلُو من التطبيق على قَوَاعِده وان كَانَ ذَلِك ابى مِنْهُ بطرِيق المصادفة وَمن مآثر الْملك الاشرف مدرسة دَار الحَدِيث الَّتِي بالعصرونية ومدرسته الَّتِي بالصالحية وَعمارَة جَامع التَّوْبَة وَمَسْجِد الْقصب وَمَسْجِد دَار السَّعَادَة الْمُسَمّى الْآن جَامع السَّرَايَا وجامع جراح وسبل الْمقْبرَة غربي خانقاه عمر شاه بالقنوات وجدد مَسْجِد أبي الدَّرْدَاء الَّذِي بالقلعة توفّي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة التربة المنكبائية تجاه بَاب الْمصلى أَنْشَأَهَا الْأَمِير سيف الدّين منكباي الازدمري وَكَانَ خيرا قوي النَّفس حسن الشكل وينسب الى شجاعة صَار أَمِير طبلخانة ثمَّ حَاجِب الْحجاب وَجَرت لَهُ أُمُور فتنقلت بِهِ الاحوال توفّي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَثَمَانمِائَة بحماة لِأَنَّهُ كَانَ نَائِبا بهَا ثمَّ نقل إِلَى تربته حرف النُّون التربة الناصرية بجبل الصالحية أوقفها الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف ابْن الْعَزِيز مُحَمَّد ابْن الظَّاهِر غَازِي بن صَلَاح الدّين تسلطن سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وعمره سبع سِنِين

التربة النجمية

ودبر مَمْلَكَته الْوَزير لولو وَلما بلغ رشده اسْتَقل بِالْأَمر وَمن الْمدرسَة الناصرية الْمُتَقَدّمَة وَبنى بالصالحية رِبَاطًا وتربة ومدرسة وَكَانَت عمَارَة عَظِيمَة احضر لَهَا من الرخام والاحجار شَيْئا كثيرا ونهر يزِيد يمر بهَا توفّي سنة تسع وَخمسين وسِتمِائَة التربة النجمية جوَار الحسامية البرانية والشامية بهَا قبر شاهنشاه وَالِد فروخ شاه وتقي الدّين عمر والست عذراء وَالْملك مَنْصُور حسن ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَفتح الدّين ابتن أَسد شيركوه توفّي سنة احدى وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَدفن بهَا الْملك الْمَنْصُور حسن ابْن السُّلْطَان صَلَاح الدّين سنة خمس وَسبعين وَخَمْسمِائة التربة التربر النشابية غربي الرَّوْضَة بسفح قاسيون أنشاها عماد الدّين حسن بن على ابْن النشابي وَكَانَ امير طبلخانة توفّي سنة خمس وَتِسْعين وسِتمِائَة وَدفن بهَا حرف الْهَاء التربة الهولية هِيَ قبلي دمشق خَارج الميدان الفوقاني مزخرفة الْبناء وَاسِعَة أنشئت لهولو باشا الشهير بِابْن العابد كَانَ وَالِده من الْعَرَب الموَالِي ثمَّ دخل دمشق وانخرط فِي الجندية ثمَّ تلاه وَلَده هولو فَتَوَلّى مناصب تمول مِنْهَا وَكَانَ ذَا سيرة استبدادية وَلما مَاتَ سنة عمرت لَهُ هَذِه التربة وَدفن بهَا وَقد وقف بِنَا عنان الْقَلَم هُنَا عَن تراجم الترب الَّتِي لَا فَائِدَة مِنْهَا سوى ذكر أَصْحَابهَا وَرُبمَا تُوجد ترب كَثِيرَة لم ندر تراجم اصحابها والمطالع يعذرانا فِي تَركهَا

حرف الياء

حرف الْيَاء التربة اليونسية بِبَاب الصَّغِير غربي المزار الْمَعْرُوف باوس بن اوس الصَّحَابِيّ الخزرجي لَا القرلي كَمَا يزْعم بعض النَّاس أَنْشَأَهَا الْأَمِير يُونُس خازندار ملك الْأُمَرَاء سودون التربة اليونسية الدوادارية وتعرف ايضا بتربة مقبل قبلي تربة فرج بن منجك الَّتِي غربي تربة بهادر وشمالي تربة قايتباي وَغَرْبِيٌّ تربة اكز دفن جمَاعَة مِنْهُم الامير سيف الدّين حكم أَمِير طبلخانة توفّي سنة 836 سِتّ وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وابو يزِيد الناصري راس نوبَة توفّي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وزين الدّين مقبل قَالَ العلموي وَفِي دمشق والصالحية ترب كَثِيرَة لم يذكرهَا فِي الأَصْل يَعْنِي فِي تَنْبِيه الطَّالِب وارشاد الدارس وَلم يذكرهَا الْمُخْتَصر تبعا لَهُ وَلم يعلم السَّبَب الدَّاعِي الى ذَلِك مَعَ شهرتها وَلَعَلَّه مُجَرّد اخْتِصَار وَلَو ذيل عَلَيْهِ بقلت لَكَانَ أتم فَائِدَة انْتهى وَأَقُول انا لطول الزَّمن وَبعد الْعَهْد بِهِ وانطماس آثارها لم نقدر على سبرها وضبطها ثمَّ ذكرهَا فَلذَلِك اكتفينا بِمَا تقدم على أَن أَكثر مَا ذكره لم يبْق لَهُ أثر وَقد ذكر النعيمي تربة وَاحِدَة بعد ذَلِك فَقَالَ

الْبَاب الثَّانِي عشر فِيمَا اشْتهر من الْجَوَامِع أَقُول لَا يُوجد فِي بِلَاد الاسلام مَدِينَة أَكثر جَوَامِع ومساجد من دمشق حَتَّى انها أفردت بالتآليف فَذكر الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي أَوَائِل تَارِيخه عددا عَظِيما مِنْهَا ثمَّ تلاه ابْن شَدَّاد فَزَاد عَلَيْهِ عددا وافرا ثمَّ تلاهما النعيمي فَذكر فِي آخر كِتَابه تَنْبِيه الطَّالِب وارشاد الدارس جَمِيع مَا أورداه وَزَاد عَلَيْهِمَا ثمَّ جَاءَ بعدهمْ يُوسُف بن عبد الْهَادِي الشهير بِابْن الْمبرد فَجمع كتابا سَمَّاهُ ثمار الْمَقَاصِد فِي ذكر الْمَسَاجِد فَزَاد عليهموأبى ثمَّ قَالَ أَن الْمَتْرُوك الَّذِي لم نذكرهُ نَحن وَلَا ابْن شَدَّاد أَكثر من خَمْسمِائَة مَسْجِد وأربى ثمَّ قَالَ إِن الْمَتْرُوك الَّذِي لم نذكرهُ نَحن وَلَا ابْن شَدَّاد أَكثر من خَمْسمِائَة مَسْجِد فِي الْبَلَد وَمَا حولهَا وَفِي الْقرى فناهيك ببلدة تحتوي على الف وَخَمْسمِائة مَسْجِد فَللَّه درها وانما ذكرنَا مَا هُوَ بواديها فَقَط واما مَا هُوَ مُحِيط بمعاملتها مِمَّا وَرَاء جبالها كثير جدا انْتهى وَقَالَ ابْن شَدَّاد وَكَثْرَة تِلْكَ الْمَسَاجِد تدل على اهتمام أَهلهَا بِالدّينِ وَكَثْرَة الْمُصَلِّين فِيهَا والمتعبدين انْتهى وَقد أوردت جَمِيع مَا ذَكرُوهُ فِي كتَابنَا منتخب النفائس من كتاب تحفة الطَّالِب وأرشاد الدارس وَفِي كتَابنَا تَهْذِيب تَارِيخ دمشق الَّذِي أَلفه الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن عَسَاكِر الدِّمَشْقِي وَقد كنت أردْت أَن أوردهَا هُنَا فتأخرت لِأَنِّي رَأَيْت أَنه لاطائل فِي ذكرهَا لِأَن غالبها قد اندرس وَلِأَن المترجمين لَهَا لم يذكرُوا بناتها وعرفوها بأمكنة تَغَيَّرت أسماؤها فتراهم يَقُولُونَ مَسْجِد فِي زقاق صَفْوَان سفل لطيف مَسْجِد عِنْد حمام ابْن أبي الْمَطَر بناه أبن أبي فَيْرُوز مسجدالأزرعي مُقَابل دَار أبن الْبري وَهَكَذَا وَهَذَا كَانَ فِي زمن ابْن شَدَّاد فِي عصر الستمائة وَنحن الْآن من أَيْن لنا معرفَة بزقاق صَفْوَان وبدار ابْن الْبري بعد مُضِيّ سَبْعمِائة سنة فَمن ثمَّ اقتصرنا على ذكر مَا اشْتهر مِنْهَا وَعرف بانيه وأضربنا عَن الْبَاقِي وأخرنا الْكَلَام على الْجَامِع الْأمَوِي لطول الْكَلَام عَلَيْهِ فَقُلْنَا

حرف الهمزة

حرف الْهمزَة الْجَامِع الْأمَوِي هُوَ أعظم جَوَامِع دمشق وَلِلنَّاسِ فِيهِ قصائد وَلِلنَّاسِ وأقوال يضيق عَنْهَا الْحصْر وَلَهُم فِي بانيه الأول مَذَاهِب لَا يعلم الْمُحَقق مَا الثَّابِت مِنْهَا وَمَا المختلق لطول الزَّمَان وبنائها على الظَّن والتخمين وانا ذاكرون هُنَا مانراه أقرب الى الْعقل وألى طبع الزَّمَان تاركين الْبَاقِي لآصحابه وَمِمَّا نرَاهُ مَا بَين مَا قَالَه عز الدّين بن شَدَّاد قَالَ أَخْبرنِي أَحْمد أبن عبد الْكَرِيم الْمَعْرُوف بِابْن الْخلال الْحِمصِي أَنه وقف على كتاب ألف لبَعض الوزراء وَفِيه أَن الْوَزير قَالَ وَهُوَ بِحَضْرَة أبي الْعَلَاء المعري ان الْوَلِيد لما هدم الْحَائِط الشَّرْقِي حَائِط الْجَامِع أَمر أَن يعمق أساسه وبينما هم يحفرون إِذا بهم انْتَهوا إِلَى حَائِط فَأَمرهمْ الْوَلِيد أَن يحفروا أَمَامه فوجدوا فِيهِ بَابا ففتحوهإذا بهم انْتَهوا إِلَى حَائِط فَأَمرهمْ الْوَلِيد أَن يحفروا أَمَامه فوجدوا فِيهِ بَابا ففتحوه فوجدوا خَلفه صَخْرَة عَلَيْهَا كِتَابَة فَحملت اليه فأحضر من قَرَأَهَا فاذا بهَا مَا صورته لما كَانَ الْعَالم مُحدثا ثَبت أَن لَهُ مُحدثا أحدثه وصانعا صنعه فَبنِي هَذَا الهيكل لمضي ثَلَاثَة الآلف وَسَبْعمائة سنة لاهل الأسطوان فان رأى الدَّاخِل اليه ان يذكر بانيه بِخَير فعل وَالسَّلَام فَقيل لأبي الْعَلَاء من أهل الأسطوان فَقَالَ لَا اعرف ثمَّ انشد (سيسأل قوم الحجيج وَمَا منى ... كَمَا قَالَ قوم من جديس وَمَا طسم) يَعْنِي أَن بعد الْعَهْد بالأوئل ينسي آثَارهم ويطمس الْمنَار دون أخبارهم وَيُقَال أَنه رئي حجر فِي المئذنة الشرقية عَلَيْهِ كِتَابَة باليونانية فترجمت إِلَى الْعَرَبيَّة فاذا هِيَ مَا تعربيه لما كَانَ الْعَالم مُحدثا والحدوث دَاخل عَلَيْهِ وَكَانَت الضَّرُورَة تقود الى عبَادَة محدثه لَا كَمَا يَقُول ذُو اللحيين وَذُو اللسانين واشباهما فَلَمَّا دعت الضَّرُورَة الى عبَادَة الْخَالِق الْمُحدث بِالْحَقِيقَةِ تجرد لانشاء هَذَا الْبَيْت وَالنَّفقَة عَلَيْهِ محب الْخَيْر تقربا الى منشئ الْعَالم ومبديه وايثارا لما عِنْده وَذَلِكَ سنة ثَلَاثمِائَة والفين لأهل الاسطوان

فعلى صحة هاتين الحكايتين وسبق الاولى الثانية يكون بناء هذ الهيكل أيام كانت اليونان مالكة لسوريا وأيا ما كان فان المؤرخ لا يطمع في أن يعرف الزمن الذي انشئت فيه دمشق وأسس جامعها وكل ما يقال فيه فأنه تخرصات وأوهام لا يقف صاحبها على حقيقة وغاية أمرنا هنا

فعلى صِحَة هَاتين الحكايتين وَسبق الاولى الثَّانِيَة يكون بِنَاء هَذ الهيكل أَيَّام كَانَت اليونان مالكة لسوريا وأيا مَا كَانَ فان المؤرخ لَا يطْمع فِي أَن يعرف الزَّمن الَّذِي انشئت فِيهِ دمشق وَأسسَ جَامعهَا وكل مَا يُقَال فِيهِ فَأَنَّهُ تخرصات وأوهام لَا يقف صَاحبهَا على حَقِيقَة وَغَايَة أمرنَا هُنَا أَن نذْكر تَارِيخ جعله جَامعا على أَن ذَلِك التَّارِيخ أَيْضا يحار فِيهِ النَّاظر فَلَا يقدر أَن يفرق بَين الصَّحِيح وَغَيره لما تغشاه من المبالغات كَمَا هُوَ شَأْن كتب التَّارِيخ عندنَا حَتَّى أَنهم أوصدوا أَمر هَذَا الْجَامِع الى مَا وَرَاء الْعُقُول وَذَلِكَ لأَنهم ينقلون كل خبر يسمعونه ثمَّ لَا يحكمون عُقُولهمْ فِي التَّفْرِقَة بَين جيده وردئيه وَلَو أخذت أذكر جَمِيع مَا قَالَه المؤرخون عَنهُ لَكَانَ موضوعنا هزءا عِنْد أهل زَمَاننَا لِأَن التَّارِيخ عِنْدهم لبس ثوبا غير ثَوْبه الأول فَأَسَّسَ على التَّحْقِيق والتدقيق لَا على التَّسْلِيم بقول الْقَائِل أيا مَا كَانَ فَلذَلِك أضربت عَن كثير مِمَّا ذكره ابْن عَسَاكِر وَغَيره من أضرابه واكتفيت بِمَا ترَاهُ وسأمهد لعذري شذرة مِمَّا قيل ليعلم الْمطَالع مَا كَانَ عَلَيْهِ بعض الْقَوْم فقد قَالَ يَا قوت فِي مُعْجم الْبلدَانِ لَو عَاشَ الانسان ألف سنة وَجعل يتَرَدَّد كل يَوْم من ايأمها إِلَى الْجَامِع لَكَانَ يرى فِي الْيَوْم مَا لَا يرَاهُ بأمسه فَتَأمل هَذِه الْمُبَالغَة الَّتِي دونهَا قَول المتنبي (وأخفت أهل الشّرك حَتَّى أَنه ... لتخافك النُّطْق الَّتِي لم تخلق) وَمثل هَذَا كثير فَاعْلَم ذَلِك واليك مَا نروية مَنْسُوبا لقائله قَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصر تَارِيخ الاسلام ان الْوَلِيد بن عبد الْملك هُوَ الَّذِي بنى جَامع دمشق أَيَّام سلطنتة ورخرفه وَكَانَ نصفه الغربي كَنِيسَة لِلنَّصَارَى وَالنّصف الآخر مَسْجِدا للْمُسلمين فأرضى الْوَلِيد النَّصَارَى بعدة كنائس صَالحهمْ عَلَيْهَا ثمَّ هَدمه الا حيطانه الْأَرْبَعَة وَأَنْشَأَ قبَّة النسْر والقناطر وحلاه بِالذَّهَب والجواهر وستور الْحَرِير وَبَقِي الْعَمَل فِيهِ تسع سِنِين وَأنْفق عَلَيْهِ الاموال الْعَظِيمَة حَتَّى جعله نزهة للناظرين انْتهى وَكَانَ الِابْتِدَاء بِهِ سنة سبع وَثَمَانِينَ وَفِي كتاب فتوح الْبلدَانِ للبلاذري ان الْوَلِيد لما أَرَادَ هدم الْكَنِيسَة قَالَ بعض النَّصَارَى أَن لَهَا شَأْنًا عَظِيما فَمن هدمها جن أَو أَصَابَته عاهة فحنق من قَوْلهم ودعا بمعول فأخذة بِيَدِهِ وَأخذ يهدم الْحِيطَان فاقتدى بِهِ الفعلة وَلم يصب اُحْدُ مِنْهُم بِسوء وَقَالَ الْأَكْفَانِيِّ بعد أَن روى هَذِه الْحِكَايَة أَن الْوَلِيد لما سمع مقالتهم أَتَى بسلم فنصبه على محراب المذبح وَصعد وَضرب بِيَدِهِ المذبح حَتَّى أثر فِيهِ ثرا كَبِيرا وَقَالَ أَيْضا ان الْوَلِيد اغتم يَوْمًا

فَدخل عَلَيْهِ الْمُغيرَة بن الْوَلِيد فَقَالَ مَا غمك فَلم يُخبرهُ فألح عَلَيْهِ فَذكر لَهُ أَن النَّصَارَى أَبُو عَن بذل الْكَنِيسَة فَقَالَ لَهُ الْمُغيرَة لاتهتم أَن خَالِد بن الْوَلِيد قد دخل من الْبَاب الشَّرْقِي بِالسَّيْفِ وَدخل أَبُو عُبَيْدَة من بَاب الْجَابِيَة بالأمان فَنحْن نماسحهم الى الْموضع الَّذِي وصل اليه السَّيْف فَمَا كَانَ لنا بِهِ حق أخذناه والا دَار يناهم فأخذنا الْكَنِيسَة بِالرِّضَا فَقَالَ لَهُ فرجت عني فتول هَذَا الْأَمر قَالَ فتولاه فبلغت المساحة الى سوق الريحان حَتَّى حَاذَى القنطرة الْكَبِيرَة أَرْبَعَة اذرع بالذراع الْهَاشِمِي وأذا بباقي الْكَنِيسَة قد دخل بِالْمَسْجِدِ فَبعث اليهم وَقَالَ هذاحق قد جعله الله لنا فَقَالُوا قد أقطعتنا كنائس وبذلت لنا من المَال كَذَا وَكَذَا فان رَأَيْت أَن تتفضل علينا فعلت فَامْتنعَ عَلَيْهِم أَولا ثمَّ أَعْطَاهُم أَربع كنائس وَقَالَ النعيمي وَقد بنى الْوَلِيد جَمِيع مَا كَانَ دَاخل حيطان الْمَسْجِد وَزَاد فِي سمكها ثمَّ انه توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين وَلم يتم الْبناء فاتمه من بعد أَخُوهُ سُلَيْمَان وَتُوفِّي سنة تسع وَتِسْعين وعملت لَهُ الْمَقْصُورَة حِين أستخلف وَبنى الْفضل بن صَالح الْعَبْسِي الْقبَّة الغربية وَكَانَت تسمى قبَّة المَال وروى ابْن عَسَاكِر بِسَنَدِهِ الى زيد بن وَاقد قَالَ وكلني الْوَلِيد على الْعمَّال فِي بِنَاء جَامع دمشق فَبَيْنَمَا نَحن فِي الْعَمَل أذا وجدنَا مغارة فَعرفنَا الْوَلِيد ذَلِك فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل وافى وَبَين يَدَيْهِ الشموع فَنزل فاذا هِيَ كَنِيسَة لَطِيفَة ثَلَاثَة أَذْرع فِي ثَلَاثَة أَذْرع واذا فِيهَا صندوق فَفتح فاذا فِيهِ سفط وَفِي السفط رَأس يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام قَالَ فَرد الى مَكَانَهُ بِأَمْر الْوَلِيد وَقَالَ أجعلوا العمود الَّذِي فَوْقه مغيرا عَن بَقِيَّة الاعمدة فَجعل عَلَيْهِ عَمُود مسفط الرَّأْس قَالَ زيد قد رَأَيْت الرَّأْس الشريف حِين أَرَادوا بِنَاء الْجَامِع وَقد أخرج من تَحت ركن من أَرْكَان الْقبَّة وشعره وبشرته لم يتغيرا وَيُقَال ان الرَّأْس الشريف نقل من دمشق الى بعلبك وَمِنْهَا الى حمص فَحلبَ فَجعل فِي قلعتها فِي جرن من الرخام ثمَّ نقل مِنْهَا الى الْجَامِع لما أستولى التتار عَلَيْهَا كَذَا قيل وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْأَمر وَقد أَطَالَ أبن عَسَاكِر وَأورد أقوالا متناقضة تَارَة تثبت شَيْئا وَتارَة تنفيه كَمَا هِيَ عَادَته فِي نقل كل مَا يسمعهُ ويتصل بِهِ من غير تمحيص وَلما بنى وليد هَذَا الْجَامِع جعله اعجوبة فِي النقش والزينة وصفح جدرانه بالرخام العجيب والفسيفساء وصور الْأَشْجَار حَتَّى اندهش بِهِ النَّاظر وبناه بالقناطر المعقودة اقواسها بَعْضهَا الى بعض وَأقَام الرصاص فَوْقه مَكَان الطين وَلِلنَّاسِ تفنن فِي الأرصاد

الَّتِي كَانَت بِهِ أقيم مقَام الفكاهات وَلَقَد رَأَيْت فِي كتاب الأقاليم مَا نَصه وبدمشق مَسْجِد لَيْسَ فِي الاسلام أعمرولا اكبر مِنْهُ بقْعَة وَأما الْجِدَار والقمة الَّتِي فَوق الْمِحْرَاب عِنْد الْمَقْصُورَة فَمن بِنَاء الصابئيين وصلاهم ثمَّ صَار فِي أَيدي اليونان وَكَانُوا يعظمون فِيهِ دينهم ثمَّ صَار الى الْيَهُود وملوك عَبدة الاوثان فَقتل فِي ذلكالزمن يحيى بن زَكَرِيَّا وَنصب رَأسه على بَاب جيرون من هَذَا الْمَسْجِد ثمَّ بعد ذَلِك نصب فِيهِ راس الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا كَانَ زمن الْوَلِيد بن عبد الْملك عمره فَجعل أرضه رخاما مفروشاوجعل وَجه جدرانه مجزعا وأساطينها رخاما مذهبا ومحرابه مذهبا مرصعا بالجوهر وَجعل السّقف كُله مذهبا مكتبا كَمَا يطوف بيربيع جِدَار المسج يُقَال انه أنْفق فِي بنائِهِ خراج الشَّام خمس سِنِين وَجعل سطحه رصاصا وسقفه خشبا مذهبا وَجعل المَاء يَدُور على رقْعَة الْمَسْجِد حَتَّى اذا أنفجر فِيهِ انبسط على جَمِيع أَرْكَانه بالسواء انْتهى ولبعض الْفُقَهَاء فِيهِ أَقْوَال نزلت منزلَة التَّرْغِيب فِي الصَّلَاة فِيهِ ارضاء لبانيه وللعوام كَمَا هُوَ شَأْن كثير من النَّاس مِنْهَا مَا رُوِيَ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَنه قَالَ الصَّلَاة بِمَسْجِد دمشق بِثَلَاثِينَ ألف صَلَاة هَكَذَا اتَّصل بِنَا مُنْقَطع الاسناد وَيُمكن أَن يكون مفترى على سُفْيَان لِأَن كثيرا ن الروَاة افتروا الْكَذِب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكيف لَا يفترون على سُفْيَان وعَلى تَقْدِير صِحَة الاسناد اليه فان لَهُ مُعَارضا وَهُوَ أَن تَرْتِيب الثَّوَاب لآ يكون الْأَمْن صَاحب الشَّرْع وَلم يرد عَنهُ خبر بِهَذَا وَالِاجْتِهَاد وَالْقِيَاس لَا يتأتيان فِي أَمْثَاله وَمثله تَفْسِير الْبَعْض التِّين بحامع دمشق وَالزَّيْتُون بِالْمَسْجِدِ الاقصى لَكِن هَذَا مُحْتَمل لانه لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ثَوَاب وَلَا عِقَاب وَأما الأول فَلَيْسَ منشوه الا مَا كَانَ منجهته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي تحفة الانام للبصروي أَن الَّذين عمروا هَذَا المعبد كَانُوا من عباد الْكَوَاكِب السَّبْعَة وَكَانُوا يجْعَلُونَ على كل من أبوابه عيدا وَكَانُوا يصلونَ الى القطب الشمَال وبابه الى جِهَة الْقبْلَة خلف الْمِحْرَاب وَهُوَ بَاب حسن من الْحِجَارَة المنحوتة عَن يمينة وَعَن يسَاره بَابَانِ صغيران بِالنِّسْبَةِ اليه وَكَانَ غربي المعبد قصر تحمله هَذِه الأعمدة الَّتِي ببان الْبَرِيد وشرقية قصر جيرون وَكَانَ دَارا لمن يملك دمشق فِي الْقَدِيم انْتهى وَقد شاهدنا عِنْد بَاب البربد قبَّة شاهقة تحملهَا عمد أَربع وَقد هدمت وأزيل العمودان الغربيان وَبَقِي اثْنَان عَن يَمِين الدرج وَعَن شِمَاله

قَالَ ابْن كثير وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة هدمت القنطرة الَّتِي عِنْد الْبَاب الشَّرْقِي من الْجَامِع ونشرت احجارها لتبليطه قَالَ البرزالي وَفِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة احْتَرَقَ سوق النحاسين بِدِمَشْق وَكَانَ قربيا من الْجَامِع فوجدوا حَائِط دَار الخطابة متعتعا فخرب فوجدوا فِيهِ حِجَارَة كبارًا وَظهر بَاب كَبِير مليح لَهُ أُسْكُفَّة وجوانب مخرمَة خلف محراب الْمَقْصُورَة فنقلت حجارته لبِنَاء بَاب الْفرج وان زقاق هُنَاكَ يُسمى بزقاق القباب وَهُنَاكَ دَار مسلمة ابْن عبد الْملك قَالَ أبن كثير وَفِي سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة كملت عمَارَة القاسارية الَّتِي بِبَاب الزِّيَادَة وجددت قاساريتان أَيْضا وَسكن بهما الصواغ وتجار الذَّهَب والجوهر وهما حَسَنَتَانِ وَالْكل وقف الْجَامِع وروى ابْن عَسَاكِر بِسَنَدِهِ الى مُحَمَّد بن أَحْمد بن زير القَاضِي انه قَالَ انما سمي بَاب السَّاعَات هُنَاكَ لساعات يعلم بهَا كل سَاعَة تمْضِي من النَّهَار عَلَيْهَا عصافير من نُحَاس وحية مِنْهُ وغراب فاذا تمت السَّاعَة خرجت الْحَيَّة فصفرت العصافير وَصَاح الْغُرَاب فَسَقَطت حَصَاة انْتهى وَهُوَ اختراع غَرِيب ان صَحَّ السَّنَد قَالَ الذَّهَبِيّ فِي العبر وَفِي سنة أحدى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فِي يضف شعْبَان احْتَرَقَ الْجَامِع كُله من حَرْب وَقع هُنَاكَ فَضربُوا دَارا مجاورة للجامع فقضي الْأَمر وَاشْتَدَّ الْخطب وأتى الْحَرِيق على سائره فدثرت محاسنه وَانْقَضَت ملاحته وَيُقَال ان الْقبَّة الَّتِي فِيهَا فوارة المَاء أُقِيمَت سنة سِتّ وَتِسْعين وثلاثمائة وَقد وصفهَا قمر الدولة جَعْفَر بن دواس الْكِنَانِي بقوله (رايت بالجامع الْمَعْمُور منقبة ... فِي جلق كنت أحدى من لَهَا سمعا) (فوأرة كلما فارت فرت كَبِدِي ... وماؤها فاض بالأنفاس فاندفعا) (كَأَنَّهَا الْكَعْبَة الْعُظْمَى فَكل فَتى ... من حَيْثُ قَابل أبنوبالها) وَقيل أنشئت سنة سِتّ عشرَة وَأَرْبَعمِائَة أنشاها الشريف أَبُو يعلى وَعمل حولهَا قناطر وَعقد عَلَيْهَا قبَّة مزخرفة وَبنى فَوْقهَا شاذروانا وَعَمله كَانَ سنة أَربع عشرَة وَخَمْسمِائة ثمَّ تهدم الْكل وَبقيت الفوارة واما الْقبَّة الشرقية الَّتِي فِي الْجَامِع فقد بنيت سنة سِتِّينَ وَمِائَة فِي أَيَّام الْمهْدي

وَفِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة جددت أَبْوَاب الْجَامِع من نَاحيَة بَاب الْبَرِيد بِالنُّحَاسِ الْأَصْفَر وَفِي سنة سبع عشرَة وسِتمِائَة نصب محراب الْحَنَابِلَة بالرواق وَالثَّالِث بعد ممانعات كَثِيرَة وَصلى فِيهِ الشَّيْخ موفق الدّين الْمَقْدِسِي ثمَّ أَخذ مِنْهُم سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وعوضوا عَنهُ بالمحراب الغربي عِنْد بَاب الزِّيَادَة وَفِي سنة ثَمَان وَعشْرين وَسَبْعمائة نقض الْحَائِط القبلي مِمَّا يَلِي بَاب الزِّيَادَة ثمَّ بني وَكَانَ فِي كل ركن من الْجَامِع صوفعة فهدمت وَلم يبْق مِنْهَا الا الْمَوْجُود الْآن وَفِي سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة وَقع حريق عَظِيم بِدِمَشْق احترقت فِيهِ المنارة الشرقية من الْجَامِع وَفِي أَيَّام النَّاصِر ابْن الْملك الْعَزِيز فرض فِي مَاء القنوات زِيَادَة للجامع على مَاء بانياس وَهِي مِقْدَار سبع عشرَة أصبعا من أَصَابِع المَاء للكلاسة وللبركة المجددة بِبَاب الْبَرِيد وللقسطل المساق للبيمار ستان الدقاقي ولمشهد عُرْوَة وَفِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ كَانَ الْجَامِع كَأَنَّهُ خَان ينَام فِيهِ النَّاس وَكَانَ لكل مُقيم بِهِ مَوضِع قد أفرده واقتطعه وَعمل فِيهِ صندوقا وأحاطه بمقصورة حَتَّى كَانَ فِيهِ مَا يقرب من ثَلَاثمِائَة خزانَة ومقصورة فأزال الْملك الظَّاهِر ركن الدّين جَمِيع ذَلِك ونظف الْجَامِع وفرشه بالحصر والبسط وَغسل رخامه وَحسنه وَكَانَ بِصَحْنِ الجامعأيضا حواصل للمنجنيقات وحواصل لِلْأُمَرَاءِ وَغَيرهم من خيم وَشبههَا فأزالها أَيْضا ورتب أوقافه للمستحقين وفتش على كتب الْوَقْف الَّتِي كَانَت لَهُ فجمعها من المختلسين ورتبها وجلدها وأتقنها وَلَوْلَا ذَلِك لجعله النَّاس بُيُوتًا وأسواقا كَمَا جعلُوا غَيره من الْجَوَامِع والمدارس ورايت فِي بعض التواريخ أَن المنارة الشمالية الْمُسَمَّاة بمئذنة الْعَرُوس بناها الْوَلِيد والمنارتان الموجودتان الْآن قد يمتان ثمَّ ان الْجَامِع احْتَرَقَ أَيَّام فتْنَة تيمورلنك سنة ثَلَاث وَثَمَانمِائَة واحترقت ابنية الْبَلَد كلهَا ثمَّ عمر وَفِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة احْتَرَقَ الْجَامِع وَمَا حوله من الْأَسْوَاق فَأتى الْحَرِيق على جَمِيعهَا ذكره أبن طولون فِي تَارِيخه وَفِي سنة احدى عشرَة وثلاثمائة وَألف احْتَرَقَ الْجَامِع أَيْضا فأسف النَّاس عَلَيْهِ أسفا عَظِيما ثمَّ جمع لَهُ أهل الْخَيْر أَمْوَالًا وأنفقت الدولة عَلَيْهِ جانبا حَتَّى تمّ بِنَاؤُه فِي

ابن القيسراني

سنة خمس عشرَة وثلاثمائة وَألف وَبِالْجُمْلَةِ فان بِنَاء الْجَامِع الأول لم يبْق مِنْهُ الا مَالا يذكر وَكَانَ فِي هَذَا الْجَامِع من الْمدَارِس الغزالية والأسدية والمنجائية والقوصية والسيفية والمقصورة الْكَبِيرَة والزواوية والشيخية وَكَانَ لَهُ تِسْعَة أَئِمَّة وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ سبعا واحدى عشرَة حَلقَة للتدريس فِي الْفُنُون وَلها مقررات من مَال الْمصَالح وَكَانَ بِهِ ثَلَاث حلقات للاشتغال بِالْحَدِيثِ وَقد حكى المحبي الدِّمَشْقِي فِي تَارِيخه الْمَشْهُور أَنه بعد الْخمسين وَألف أحدثت وَظِيفَة تدريس فِي الْجَامِع الْأمَوِي تَحت قبَّة النسْر رتبها بهْرَام آغا كتخدا وَالِد السُّلْطَان أبراهيم وَبنى السُّوق الْجَدِيد والخان قرب بَاب الْجَابِيَة لأَجلهَا وَعين للمدرس سِتِّينَ قرشا وللمعيد ثَلَاثِينَ ولقارئ الْعشْر عشرَة قروش ودرس بِهَذِهِ الْوَظِيفَة قرشا الشَّيْخ سعودي ثمَّ بعده تَاج الدّين بن أَحْمد المحاسني الدِّمَشْقِي وَفِي الْجَامِع أَيْضا بَيت الخطابة وَكَانَ بِهِ خزانَة كتب حكى المحبي فِي تَارِيخه فِي تَرْجَمَة على الدفتري أَنه وقف كتبه وأستودعها بَيت الخطابة بِالْقربِ م الْمَقْصُورَة بالجامع الْأمَوِي الى ان أدعى النظارة عَلَيْهَا بعض الْمُفْتِينَ بِالشَّام واحتوى عَلَيْهَا وفيهَا نفائس الْكتب قَالَ وَكَانَ لعَلي الدفتري مُشَاركَة فِي الْفُنُون وَتُوفِّي سنة ثَمَانِي عشرَة بعد الْألف وَكَانَ بِهَذَا الْجَامِع جمَاعَة من أفاضل الموقتين واليك تراجم بَعضهم ابْن القيسراني هُوَ مُحَمَّد بن نصربن صَغِير الْمَعْرُوف بِابْن القيسراني حَامِل لِوَاء الشّعْر فِي زَمَنه تولى ادارة السَّاعَات مجامع بنى أُميَّة مُدَّة ثمَّ سكن حلب وَكَانَ عَارِفًا بفنون الْهَيْئَة والنجوم والهندسة والحساب مدح الْمُلُوك والكبار وعاش سبعين سنة وَمَات بِدِمَشْق قَالَ ابْن خلكان وَكَانَ أبن مُنِير ينْسب الى التحامل على الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم ويميل الى التَّشَيُّع فَكتب اليه بن القيسراني وَقد بلغه أَنه هجاه (يَا أبن مُنِير هجوت مني ... حبرًا أَفَادَ الورى صَوَابه) (وَلم تضيق بِذَاكَ صَدْرِي ... فان لي أُسْوَة بالصحابة)

ابن الشاطر رئيس المؤذنين

وَمن محَاسِن شعره قَوْله (كم لَيْلَة بت من كاسي وريقته ... نشوان أمزج سلسالا بسلسال) (وَبَات لاتحتمي عني مراشفه ... كَأَنَّمَا تغرة ثغر بِلَا وَالِي) وَله فِي خطيب (شرح الْمِنْبَر صَدرا ... لتلقيك رحيبا) (أَتَرَى ضم خَطِيبًا ... مِنْك أم ضمخ طيبا) وَله فِي غزال (بالسفح من لبنان لي ... قمر مَنَازِله الْقُلُوب) (حملت تحيته الشمَال ... فَردهَا عني الْجنُوب) (فَرد الصِّفَات غريبها ... وَالْحسن فِي الدُّنْيَا غَرِيب) (لم أنس لَيْلَة قَالَ لي ... لما رأى جسمي يذوب) (بِاللَّه قل لي يافتى ... من علك قَالَ الطَّبِيب) توفّي بِدِمَشْق سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة وَدفن بِبَاب الفراديس وترجمه الصَّفَدِي وَقَالَ نَشأ بقيسارية السَّاحِل فنسب اليها وَسكن دمشق فِي دولة تَاج الْمُلُوك ثمَّ سكن حلب مُدَّة وَولي بهَا خزانَة الْكتب وَتردد الى دمشق وَبهَا مَاتَ واتقن الهندسة والحساب والنجوم ثمَّ اطال الْكَلَام بسرد مَاله من النّظم والنثر ابْن الشاطر رَئِيس المؤذنين اقول مرت عَليّ سنُون وانا متشوق لرؤية شَيْء من تَارِيخ حَيَاة هَذَا الرجل فَلم اظفر بِهِ لِأَن أَكثر المؤرخين من الْفُقَهَاء هم اعدأء لأولي الْعُلُوم الفلسفية والهندسية وَتَمَادَى بِي الْحَال الى ان رَأَيْت النعيمي يقل شَيْئا من ترجمتة عو تَارِيخ الصّلاح الصفدن وَلكنه لم يرو لي غليلا وَأَنا هُنَا أنقل مَا ظَفرت بِهِ وَلَعَلَّ الزَّمَان يطلعني على مطول أخباره قَالَ الصَّفَدِي هُوَ عَليّ بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن ابراهيم بن حسان أبن عبد الرَّحْمَن بن حسان بن ثَابت الانصاري الأوسي رَضِي الله عَنهُ فريد الزَّمَان الْمُحَقق المتقن البارع الرضي أعجوبة الدَّهْر رَئِيس المؤذنين بالجامع الْأمَوِي قَرَأَ على عَليّ بن ابراهيم يُوسُف بن وَكَانَ يعرف بِابْن الشاطر تسمى هُوَ بذلك فَسَأَلته عَن

مولده فَقَالَ فِي خَامِس عشر شعْبَان سنة خمس وَسَبْعمائة بِدِمَشْق رايته غير مرّة وَدخلت منرلة فِي شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة لرؤية الاسطرلاب الَّذِي ابدع وَضعه فَوَجَدته قد وَضعه فِي قَائِم حَائِط فِي منزله دَاخل بَاب الفراديس فِي درب الطيار ورايت هَذَا الاسطرلاب فَأَنْشَأَ لي طَربا وجدد لي فِي المعارف رَأيا وَقلت ان من تقدمه من الافاضل عِنْد جبل علمه الراسخ هباء وَلَو رَآهُ اقليدس لما كَانَ عِنْده الا نقطة من خطه أَو أرشميدس لرَأى شكله قطاعا فِي تحريره وَضَبطه فسبحان من يفِيض على بعض النُّفُوس مَا يَشَاء من الْمَوَاهِب ويجدد فِي كل عصر من يحيي رسوم الْفضل الَّذِي عدم فِي اللَّيَالِي الذواهب وَصُورَة الاسطرلاب الْمَذْكُور قنطرة مِقْدَار نصف أَو ثلث ذِرَاع تَقْرِيبًا يَدُور أبدا على الدَّوَام فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة من غير مَاء على حركات الْفلك لكنه قد رتبها على أوضاع مَخْصُوصَة تعلم منا السَّاعَات المستوية والساعات الزمانية هَذَا كَلَام الصَّفَدِي رَحمَه الله قَالَ النعيمي والى هَذَا الْفَاضِل ينْسب عمل المنحرفتين فِي مئذية الْعَرُوس انْتهى قلت الَّذِي يلوح لي أَن الَّذِي دَعَاهُ الصَّفَدِي الاسطرلاب لَيْسَ هُوَ الاسرلاب الْمَشْهُور لَان هَذَا ميزَان الشم س واختراعه كَانَ قبل زَمَنه بألوف من السنين وَلكنه الْآلَة الْمُسَمَّاة فِي زمننا بالساعة وَيكون أبن الشاطر هُوَ المخترع لهَذَا النَّوْع الْعَظِيم الْفَائِدَة ثمَّ ان أهل بِلَادنَا أهملوه هُوَ واختراعه حينا من الده ر حتي ظفر بنخب أفكاره الافرنج فهذبوه واتقنوه فنسب اليهم على أَن اختراعه يزِيد على مَا تفننوا بِهِ بِمَعْرِِفَة الزمانية التيتقسم كلا من النَّهَار وَاللَّيْل إِلَى اثنى عشر قسما فِي جَمِيع الْفُصُول فَللَّه فِي خلقه شؤون واما المنحرفتان فقد بَقِيَتَا الى حُدُود تسعين وَمِائَتَيْنِ والف فِي مئذنة الْعَرُوس وَفِي أَثْنَائِهَا كَانَ شَيخنَا الشَّيْخ مُحَمَّد الشهير بالطنطاوي اماما فِي فيالهيئة والميقات فِي دمشق فَنظر فِي هَاتين المنحرفتين فَرَأى وضعهما قد اخْتَلَّ لمرور السنين وَاخْتِلَاف الرِّيَاح والامطار عَلَيْهِمَا وبينما هُوَ يحرر وضعهما اذا بالبلاطة قد انْكَسَرت فشرع بانشاءمنحرفتين على نمطهما حَتَّى أتمهما غير أَنه رسمهما على الْأُفق الْحَقِيقِيّ فاختل الْعَمَل بهما وَلم ينْتَفع بهما كالاولتين وَقد حصل لَهُ أثْنَاء الْعَمَل معاكسات من أهل دمشق وهجاه بعض ذَوي الخلاعة وَالْعقل المنحرف ثمَّ انه رسم منحرفتين على الافق المرئي وَوَضعهمَا فِي جَامع الدقاق وَكَانَت وَفَاته سنة

قلت وَله رِسَالَة سَمَّاهَا النُّجُوم الزاهرة فِي الْعَمَل بِالربعِ الْمُجيب بِلَا مري وَلَا دَائِرَة وَله الزيج الْمَشْهُور ذكره صَاحب كشف الظنون ورايته انا أَيْضا وطالعت فِيهِ وَاخْتَصَرَهُ شمس الدّين الْحلَبِي وَسَماهُ الدّرّ الفاخر وَصَححهُ الشَّيْخ شهَاب الدّين احْمَد بن غُلَام الله بن احْمَد كاسب الكومي الديشي بِجَامِع الْملك الْجَدِيد وَسَماهُ نزهة النَّاظر فِي تَصْحِيح زيج ابْن الشاطر ثمَّ اخْتَصَرَهُ وَسَماهُ اللمْعَة فِي حل الْكَوَاكِب السَّبْعَة ولخصه أَيْضا مُحَمَّد بن عَليّ ابراهيم الشهير بِابْن زُرَيْق الخيري الشَّافِعِي الموقت وَسَماهُ الرَّوْض العاطر فِي تَلْخِيص زيج ابْن الشاطر وقرات فِي رِسَالَة الْعَمَل بِالربعِ الْمُجيب بِلَا موري تصنيف الشَّيْخ جلال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْجُوَيْنِيّ مالفظه اعْلَم اني لما وجدت غَالب مَا يحدث من الْخلَل فِي الرّبع الْمُجيب الموري وَذَلِكَ لِأَن الْخَيط اذا شدّ تحول الموري عَن مركزه وَكَذَلِكَ اذا أرخي فتختلف الاعمال وَلَا تكون غَالِبا الا تقريبية وَلم أجد مَا يَفِي باصلاح ذَلِك مَعَ ان الْعَلامَة الشَّيْخ عَلَاء الدّين ابْن الشاطر رَحمَه الله تَعَالَى وضع رِسَالَة فِي الْعَمَل بِالربعِ الْمُجيب بِلَا موري لكنه قَيده فِي غَالب الاعمال بعرضدمشق وَمَعَ ذَلِك زَاد فِي أوضاع الرّبع المدارات الثَّلَاث وخطي الطول وَالْعرض والمدارات اليومية ثمَّ جَاءَ بعده تِلْمِيذه شمس الدّين الخليلي وَأصْلح من ذَلِك شَيْئا يَسِيرا لَكِن سلك فِي ذَلِك طرقا يعسر فهمها على المبتدىء وَلَا يفْتَقر اليها المنتهي وَنقل عَنهُ من ذَلِك شَيْئا يَسِيرا الْعَلامَة الشَّيْخ بدر الدّين سبط المارديني فِي ستينيته وَلَو اهْتَدَى الى هَذِه الطَّرِيقَة الَّتِي سلكتها فِي هَذِه الرسَالَة لما صدر رسَالَته بأعمال الموري وَقد يسر الله وَله الْحَمد والْمنَّة مَا صَعب على أولئكالافاضل وعسر على كل لَبِيب كَامِل مَعَ أَنِّي سلكت فِي أَعمال هَذِه الرسَالَة من الطّرق أسهلها وَمن الاعمال أَصَحهَا وَمن الْوُجُوه أقربها هَذَا كَلَامه وَمِنْه يعلم ان ابْن الشاطر هُوَ المخترع لهَذَا الْعَمَل وَأَن لمن بعده التَّهْذِيب والتقريب وَكَفاهُ بذلك افتخارا انتهي اقول ثمَّ اني اطَّلَعت لَهُ على رِسَالَة مُطَوَّلَة سَمَّاهَا تسهيل اليواقيت فِي الْعَمَل بصندوق النواقيت وَهِي آلَة اخترعها وَجعل هَذِه الرسَالَة لبَيَان الْعَمَل بهَا فَعلمت مِنْهَا ان لَهُ اختراعات كَثِيرَة فِي هَذَا الْفَنّ ورايت لَهُ رِسَالَة تحتوي على خمس وخمسينومائة مَسْأَلَة من الْأَعْمَال الفلكية بناها على طَريقَة فن الْجَبْر وَفِي كشف الظنون انه توفّي سنة سبع وَسبعين وَسَبْعمائة وَقَالَ فِي شذرات الذَّهَب فِي حوادث سنة خمس وَسبعين وَسَبْعمائة عَليّ بن ابراهيم

ابن رستم

ابْن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي ابْن الشاطر وَيعرف أَيْضا بالمطعم الفلكي كَانَ أوحد زَمَانه فِي ذَلِك مَاتَ أَبوهُ وَله سِتّ سِنِين فَكَفَلَهُ جده واسلمه لزوج خَالَته وَابْن عَم ابيه عَليّ بن ابراهيم فَعلمه تطعيم العاج وَتعلم علم الْهَيْئَة والهندسة والحساب ورحل بِسَبَب ذَلِك الى مصر والاسكندرية وَكَانَت فضائله لاتنكر وَكَانَ لَا يفخر بِعُلُومِهِ وَله ثروة ومباشرات وَدَار من أحسن الدّور وضعا وأغربها وَله الزيج الْمَشْهُور والاوضاع الغريبة الْمَشْهُورَة الَّتِي مِنْهَا الْبسط الْمَوْضُوع فِي مَنَارَة الْعَرُوس بِجَامِع دمشق يُقَال ان دمشق زينت عِنْد وَضعه فِيهَا انْتهى ابْن رستم رضوَان بن مُحَمَّد عَليّ بن رستم الْخُرَاسَانِي فَخر الدّين الشهير بِابْن الساعاتي قَالَ ابْن أبي أصيبعة كَانَ مولده ومنشؤه بِدِمَشْق وَكَانَ أَبوهُ من خُرَاسَان وانتقل الى الشَّام واقام بِدِمَشْق الى ان توفّي وَكَانَ اوحد عصره فِي معرفَة السَّاعَات وَعلم النُّجُوم وَهُوَ الَّذِي عمل السَّاعَات الَّتِي عِنْد بَاب الْجَامِع الاموي فِي دمشق وَضعهَا ايام الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي وَكَانَ لَهُ مِنْهُ الانعام الْكثير والجامكية والجراية لملازمته للساعات وَبَقِي على ذَلِك أَيَّام حَيَاته وَلم يؤرخ وَفَاته فِي طَبَقَات الاطباء تَرْجمهُ الصَّفَدِي بقريب مِمَّا تقدم وَلم يؤرخ وَفَاته أَيْضا وَخلف وَلدين أحدهماالشاعر الْمَشْهُور بِابْن الساعاتي وَالثَّانِي رضوَان وَكَانَ طَبِيبا مَشْهُورا بفنه وَله مؤلفات عديدة الْحَارِثِيّ المهندس هُوَ مؤيد الدّين أَبُو الْفضل أَحْمد بن عبد الْكَرِيم بن عبد الرَّحْمَن الْحَارِثِيّ كَانَ مولده ومنشؤه بِدِمَشْق وَكَانَ يعرف بالمهندس لجودة مَعْرفَته بالهندسة وشهرته بهَا قبل ان يتحلى بِمَعْرِِفَة صناعَة الطِّبّ وَكَانَ فِي أول أمره حجارا وينحت الْحِجَارَة أَيْضا وَكَانَ تكسبه بصنعة النجارة وَله الْيَد الطُّولى بهَا وَالنَّاس كثيرا مَا يرغبون فِي اعماله واكثر أَبْوَاب البيمارستان الْكَبِير الَّذِي أنشأه نور الدّين من نجارته وصنعته ثمَّ انه حبب اليه الْعلم فَأقبل على كتات أوقليدس وَكَانَ يَوْمئِذٍ يشْتَغل فِي مَسْجِد خاتون تَحت المنيبيع فَكَانَ فِي كل غَدَاة لَا يصل الى مَحل شغله الا وَقد حفظ مِنْهُ شَيْئا وحله فِي

طَرِيقه واذا فرغ من الْعَمَل مسَاء فعل ذَلِك حَتَّى حلّه كُله وفهمه فهما جيدا وَقَوي فِيهِ ثمَّ أقبل على كتاب المجسطي وَشرع فِي قِرَاءَته وحله واشتغل أَيْضا بصناعة النُّجُوم والزيجات وَلما أَتَى الشّرف الطوسي الى دمشق وَكَانَ فَاضلا فِي الهندسة والعلوم الرياضية قَرَأَ عَلَيْهِ وَأخذ عَنهُ شَيْئا من معارفه ثمَّ أقبل على صناعَة الطِّبّ وَهُوَ الَّذِي أصلح السَّاعَات الَّتِي بِجَامِع دمشق الاموي وَكَانَ لَهُ على مراعاتها وتفقدها جامكية ياخذها وَكَانَ لَهُ جامكية أَيْضا من البيمارستان النوري لكَونه كَانَ طَبِيبا فِيهِ واشتغل بِالْحَدِيثِ والادب والنحو وَكَانَ لَهُ نظم ذُو دَرَجَة وسطى توفّي سنة تسع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة عَن نَحْو سبعين سنة وَمن مؤلفاته رِسَالَة فِي معرفَة رمز التَّقْوِيم مقَالَة فِي روية الْهلَال اخْتِصَار كتاب الاغاني الْكَبِير لأبي الْفرج الاصبهاني فِي عشر مجلدات وَوَقفه فِي الْجَامِع مُضَافا الى الْكتب الْمَوْقُوفَة فِي مَقْصُورَة ابْن عُرْوَة كتاب فِي الحروب والسياسة كتاب فِي الْأَدْوِيَة المفردة على تَرْتِيب حُرُوف أبجد قَالَه فِي طَبَقَات الاطباء مُلَخصا وَقَالَ الصَّفَدِي كَانَ ذكيا أستاذا فِي نجارة الدُّف وَنقش الرخام وَضرب الْخَيط وَله من قصيده مدح بهَا القَاضِي مُحي الدّين ابْن الزكي (خصصت بِالْأَبِ لما أَن رَأَيْتهمْ ... دعوا بنعتك أشخاصا من الْبشر) (ضد النعوت تراهم ان بلوتهم ... وَقد نسمي بَصيرًا غير ذِي بصر) (والنعت مالم تَكُ الافعال تعضده ... اسْم على صُورَة خطت من الصُّور) (وبالحقيق بِهِ لفظ يطابقه الْمَعْنى كنجل الْقُضَاة ... كنجل القضاه الصَّيْد من مُضر) (فالدين وَالْملك والاسلام قاطبة ... برايه فِي أَمَان من يَد الْغَيْر) (كم سنّ سنة خير فِي ولَايَته ... وَقَامَ لله فِيهَا غير معتذر) هَذَا وَكَانَ بالجامع عدد وافر من الموقتين الا أَنهم لم يشتهروا اشتهار هَؤُلَاءِ فَلذَلِك أضربنا عَن ذكرهم وَرُبمَا ترجمنا بَعضهم اثناء تراجم المشاهيرمن الدمشقيين

التكية المسماة بالأحمدية

التكية الْمُسَمَّاة بالأحمدية حكى المحبي فِي تَارِيخه أَن أَحْمد باشا الْمَعْرُوف بشمسي نَائِب الشَّام هُوَ الَّذِي بنى التكية بِالْقربِ من سوق الأروام حرف الْبَاء جَامع برسباي بمحلة سوق صاروجا مَشْهُور وَالنَّاس يسمونه جَامع الْورْد أنشاه برسباي وَفرغ من انشائه سنة ثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة الْبَانِي عِنْد الْكَلَام على التربة البرسبائية جَامع يرويز ذكره المحبي فِي تَارِيخه فَقَالَ الْأَمِير برويز بن عبد الله الامير الْكَبِير أحد أَعْيَان كبراء دمشق واصحاب الرَّأْي وَالتَّدْبِير وَكَانَ أَمِيرا جليل الْقدر عالي الهمة نَافِذ القَوْل مُحْتَرما يتَرَدَّد اليه نواب الشَّام وقضاتها وَيَصْدُرُونَ عَن رايه وَهُوَ فِي الأَصْل من أرقاء عَليّ جلبي دفتري الشَّام سَابِقًا الَّذِي كَانَ يسكن بمحملة القيمرية فتنقل فِي مَرَاتِب الأخيار حَتَّى صَار أَمِير الْأُمَرَاء وتقاعد وَعمر مَسْجِدا بِالْقربِ من دَاره بمحلة القيمرية وَيعرف الْآن بِهِ ورتب لَهُ اماما ومؤذنا وأجزاء وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من اصحاب المروءات والوجاهة والمآثر الفائقة وَلم يسمع عَنهُ زلَّة وَبلغ من الْعُمر نَحْو تسعين سنة أَو قَارب الْمِائَة وَقتل فِي محاربة عَليّ بن جانبولاذ سنة خمس عشرَة والف حرف التَّاء جَامع تنكز تقدم الْكَلَام عِنْد شرح حَال الْمدرسَة التنكزية وَهُوَ جَامع بديع الهندسة والاتقان

جامع التوبة

فِي أول الشّرف القبلي وَهُوَ الْآن مدرسة لتلامذة الْجند العسكري وَفِي وَصفه قَالَ ابْن صَدَقَة (وافيت جَامع تنكر فَوَجَدته ... متفردا بَين الرياض وحيدا) (لم صرت وَحدك هَهُنَا فاجابني ... لما جمعت الْحسن صرت فريدا) جَامع التَّوْبَة هُوَ بمحلة العقيبة مَشْهُور بناه الْملك الاشرف مُوسَى ابْن الْملك الْعَادِل سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ مَحَله يعرف بخان الزنجاري وَكَانَ بِهِ كل مَكْرُوه من القيان وغيرهن فعمره الاشرف جَامعا قَالَ ابْن شَدَّاد ثمَّ ولي خطابته الشَّيْخ بحيى ابْن عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام الملقب وَالِده بسُلْطَان الْعلمَاء فجدد قبلته ومحرابه وذهبه وبيض أساطينه البرانية وأروقته الشمالية وصانة أتم صيانه وجدد لَهُ ريعا وَوَقفه عَلَيْهِ وَمن النَّوَادِر الْمُتَعَلّقَة بِهَذَا الْجَامِع مَا حَكَاهُ فِي شذرات الذَّهَب قَالَ كَانَ بمدرسة الشامية أَمَام يعرف بالجمال السبتي وَكَانَ شَيخا حسنا صَالحا وَكَانَ فِي صباه يلْعَب بلمهياة تسمى بالجفانة ثمَّ حسنت طَرِيقَته وَصَارَ مَعْدُود من الاخيار فولاه الاشرف خَطِيبًا فَلَمَّا تولى مَكَانَهُ الْعِمَاد الوَاسِطِيّ الْوَاعِظ وَكَانَ مُتَّهمًا بِشرب الشَّرَاب وَكَانَ ملك دمشق فِي ذَلِك الْوَقْت الْملك الصَّالح أَبَا الْجَيْش فَكتب اليه الْجمال عبد الرَّحِيم ابْن الزوتينية (يامليكا أوضح الْحق ... لدينا وابانه) (جَامع التَّوْبَة قد ... قلدني مِنْهُ الأمانه) (قَالَ قل للْملك الصَّالح ... أَعلَى الله شانه) (يَا عماد الدّين يامن ... حمد النَّاس زَمَانه) (قُم الي فانا وَفِي بالجفانه بؤس واهانه) (لي خطيب واسطي ... يعشق الشّرْب ديانه) (وَالَّذِي قد كَانَ من قبل يُغني بالجفانة) (فَكَمَا كنت كَذَا صرت ... فَلَا أربح جانه)

حرف الجيم

(ردني للنمط الأول ... واستبق ضَمَانه) حرف الْجِيم الْجَامِع الْجَدِيد بالعمارة مُقَابل خَان كَانَ يُقَال لَهُ خَان السَّيِّد وَيُسمى الْآن بالمعلق وَمحله يُقَال لَهُ بَين الحواصل وَهُوَ جَامع حسن نزه يصعد اليه بسلم حجر وَهُوَ مَبْنِيّ بِالْحجرِ الابلق وَله مَنَارَة شاهقة تطل على بَابه وشبابيكه تطل على نهر بردى وَله صحن وبركة وايوان دَائِرَة وَله بَاب ثَان وَفِي سَابِع عشر ربيع الثَّانِي سنة ثَمَان وَخمسين والف نزلت صَاعِقَة فأصابت رَأس المنارة فهدمت شَيْئا من بنائِهِ فتكفل نَائِب الشَّام يَوْمئِذٍ بعمارة مَا خرب وَلكنه لم يعده كَمَا كَانَ جَامع جراح خَارج بَاب الصَّغِير وَهُوَ مَعْرُوف وَكَانَ من قبل مَسْجِدا للجنائزكبيرا وَفِيه بِئْر

جامع الجوزة

فَلَمَّا خرب جدده جراح المضحي ثمَّ أنشأه الْملك الْأَشْرَف مُوسَى جَامعا سنة احدى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وجدد مَعَه مَسْجِدا بدار السَّعَادَة دَاخل بَاب النَّصْر واوقف عَلَيْهِمَا قَرْيَة الدعيفينية من أَعمال مرج دمشق ثمَّ احْتَرَقَ أَيَّام الْملك الصَّالح عماد الدّين اسماعيل سنة اثْنَتَيْنِ واربعين وسِتمِائَة فجدد بناءه مُجَاهِد الدّين مُحَمَّد ابْن الامير غرس الدّين قليج النوري سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وسِتمِائَة ثمَّ دثر سنة ارْبَعْ وَسبعين وَتِسْعمِائَة من حريق اتَّصل بِهِ وَوَقع الْخلف بَين من يعمره أهوَ مصطفى باشا وَالِي باشا أَو سِنَان بك آغا الينكجرية أَو من مَال السلطنة ثمَّ اعْرِض كل مِنْهُمَا عَن بنائِهِ وتركاه فَانْتدبَ الْكَمَال الحمراوي وحث همة اصحاب الْخَيْر فَجمع لَهُ مبلغا وافرا وَضمن انه يكمل مَا ينقص من مَاله فعمره على صورته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا الْآن جَامع الجوزة هُوَ مَعْرُوف عِنْد المحكمة الْمُسَمَّاة بالعونية نِسْبَة الى قناة هُنَاكَ كَانَت تسمى قناة العوني وَكَانَ من قبل صَغِيرا وَفِي سنة ثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة وَسعه القَاضِي بدر الدّين نَاظر الْجَيْش وَجعله جَامعا قَالَه الاسدي فِي تَارِيخه حرف الْحَاء جَامع الْحَاجِب بسويقة صاروجا فرغ من بنائِهِ سنة ثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة مَسْجِد الحسودية هُوَ بمحلة الحسودية خَارج دمشق بِالْقربِ من جَامع يلبغا بناه فضل الله بن عِيسَى البوسنوي الْحَنَفِيّ نزيل دمشق قَالَ المحبي فِي تَرْجَمته هُوَ الاستاذ الشهير والامام المتفنن كَانَ أحد أَعْيَان الْعلمَاء معرفَة واتقانا وحفظا وضبطا للفقه وتفننا فِي علله مُمَيّزا لصحيح الاقوال من سقيمها مستحضرا لكثيرا من الْفُرُوع على تشعبها وَكَانَ عَارِفًا بالأصلين والْحَدِيث وفنون الادب حق الْمعرفَة نظارا كثير الِاشْتِغَال تولى الافتاء فِي بلغراد ثمَّ حج سنة عشْرين والف وَلما رَجَعَ توطن دمشق وَاشْترى دَارا دَاخل بَاب الْجَابِيَة بمحلة الشَّيْخ عَمُود ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الامينية ثمَّ بالتقوية وَفِي الْجَامِع الْأمَوِي

جامع الحشر

وقرا عَلَيْهِ غَالب اعيان الْفُضَلَاء فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وافتى مُدَّة طَوِيلَة بِدِمَشْق وَبنى الْمَسْجِد الْمَذْكُور ورتب فِيهِ مبرات ووقف عَلَيْهِ حوانيت بسوق الرصيف قرب الْمدرسَة الامينية احتكرها من وقف الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وَكَانَت وِلَادَته ببوسنه سراي فِي صفر سنة تسع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَتُوفِّي فِي صفر ايضا سنة تسع وَثَلَاثِينَ والف وَدفن بمقبرة الْبَاب الصَّغِير بِالْقربِ من حَضْرَة بِلَال الحبشي رَضِي الله عَنهُ جَامع الْحَشْر تَحت القلعة من الْجَانِب الغربي وَكَانَ يُسمى بالحدر شمَالي دَار السَّعَادَة بناه ارغون شاه وَهُوَ جَامع قديم جدده سِنَان جاويش الينكجرية فِي سنة ثَمَان بعد الالف فجَاء على احسن تَرْتِيب قَتله الينكجرية سنة عشر بعد الالف جَامع الْحَنَابِلَة وَيُقَال لَهُ جَامع الْجَبَل وَالْجَامِع المظفري وَهُوَ بسفح قاسيون مَعْرُوف ومشهور شرع فِي بنائِهِ الشَّيْخ أَبُو عمر مُحَمَّد بن احْمَد بن قدامَة الْمَقْدِسِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة فأنفق عَلَيْهِ رجل يُقَال لَهُ الشَّيْخ ابو دَاوُد محَاسِن النامي الى ان بلغ الْبناء قامة فنفذ مَا كَانَ مَعَه ثمَّ ان الْملك المظفر كوكبوري صَاحب اريل بلغه ان الْحَنَابِلَة بِدِمَشْق شرعوا فِي بِنَاء جَامع بسفح قاسيون فعجزوا عَن الْعَمَل فَأرْسل اليهم ثَلَاثَة الآف دِينَار اتابكية وامر بَان ينْفق عَلَيْهِ حَتَّى يتم وَمَا بَقِي يشترى بِهِ وقف وَيُوقف عَلَيْهِ فاتم ابو عمر بناءه وَجعل منبره ذَا ثَلَاث درج كدرج مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ان المظفر أرسل ألف دِينَار لسياق اليه المَاء من قَرْيَة بَرزَة فَمَنعهُمْ الْملك الْمُعظم صَاحب دمشق وأعتذر بِأَن فِي طَرِيقه قبورا كَثِيرَة للْمُسلمين فَصنعَ لَهُ بِئْرا عَلَيْهِ مدَار ووقف عَلَيْهِ أوقافا تقوم بِهِ وَهُوَ بَاقٍ الى الْآن الْملك المظفر كوكبوري هُوَ أَبُو سعيد كوكبوري الامير زين الدّين عَليّ كوجك التركماني وَمعنى كوجك اللَّطِيف الْقدر ولي مظفر الدّين مملكة أربل بعد موت أَبِيه وَله أَربع عشرَة سنة

فتعصب عَلَيْهِ اتابك مُجَاهِد الدّين قيماز وَكتب محضرا بانه لَا يصلح للْملك لصغره واقام مَكَانَهُ أَخَاهُ يُوسُف فسكن حران مُدَّة ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة السُّلْطَان صَلَاح الدّين وَتمكن مِنْهُ وَتزَوج بأخته ربيعَة وأقفة مدرسة الصاحبة بشرقي الصالحية وَشهد مَعَه عدَّة مَوَاقِف ظَهرت فِيهَا شجاعته واقدامه وَكَانَ حِينَئِذٍ على امرة حران والرها فَقدم اخوه يُوسُف منجدا لصلاح الدّين فاتفق مَوته على عكا فَأعْطى السُّلْطَان صَلَاح الدّين لمظفر الدّين أربل وَشهر زور وَأخذ مِنْهُ حران والرها ودامت أَيَّامه الى ان توفّي سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَكَانَ من أدين الْمُلُوك واجودهم واكثرهم برا ومعروفا على صغر مَمْلَكَته قَالَه ابْن شقدة فِي منتخب الشذرات وَقَالَ ايْنَ خلكان واما سيرته فَلهُ فِي فعل الْخيرَات عجائب وَلم نسْمع ان احدا فعل فِي ذَلِك مثل مَا فعله لم يكن شئ فِي الدُّنْيَا أحب اليه من الصَّدَقَة وَكَانَ لَهُ فِي كل يَوْم قناطير مقنطرة من الْخبز يفرقها على المحاويج فِي عدَّة مَوَاضِع من الْبَلَد واذا نزل من الرّكُوب يكون قد اجْتمع جمع كثيرعند الدَّار فيدخلهم اليه وَيدْفَع لكل وَاحِد كسْوَة على قدر الْفَصْل من الصَّيف والشتاء وَغير ذَلِك وَمَعَ الْكسْوَة شَيْء من الذَّهَب وَكَانَ قد بنى أَربع خانقات للزمنى والعميان وملاها من هذَيْن الصِّنْفَيْنِ وَقرر لَهُم مَا يَحْتَاجُونَ اليه كل يَوْم وَكَانَ يَأْتِيهم بِنَفسِهِ كل يَوْم اثْنَيْنِ وخميس بعد الْعَصْر وَيدخل الى كل وَاحِد فِي بَيته ويسأله عَن حَاله ويتفقده بِشَيْء من النَّفَقَة وينتقل الى الآخر حَتَّى يَدُور عَلَيْهِم جَمِيعهم وَهُوَ يباسطهم وَيخرج مَعَهم وَيجْبر قُلُوبهم وَبنى دَار للنِّسَاء الارامل ودارا للضعفاء ودارا للأيتام ودارا للقطاء ورتب بهَا جمَاعَة من المراضع وكل مَوْلُود يلتقط يحمل اليهن فيرضعنه وأجرى على أهل كل دَار مَا يَحْتَاجُونَ اليه فِي كل يَوْم وَكَانَ يدْخل اليهمفي كل يَوْم ويتفقد أَحْوَالهم ويعطيهم النَّفَقَات زِيَادَة على الْمُقَرّر لَهُم وَكَانَ يدْخل على البيمارستان وَيقف على مَرِيض مَرِيض ويسأله عَن مبيته وَكَيْفِيَّة حَاله وَمَا يشتهية وَكَانَت لَهُ دَار مضيف يدْخل اليها كل قادم على الْبَلَد من فَقِيه وفقير وَغَيرهمَا واذا عزم الانسان على السّفر اعطاه نَفَقَة تلِيق بِمثلِهِ وَلم تكن لَهُ لَذَّة بسوى السماع فانه كَانَ لَا يتعاطى الْمُنكر وَلَا وَيُمكن من أدخاله الْبَلَد وَكَانَ اذا طرب فِي السماع خلع شَيْئا من ثِيَابه وَأَعْطَاهُ للناشد وَنَحْوه وَكَانَ يسير فِي كل سنة دفعتين من أَصْحَابه وأمنائه الى بِلَاد السَّاحِل وَمَعَهُمْ جملَة مستكثرة من المَال يفك بِهِ أسرى الْمُسلمين من أَيدي الْكفَّار فاذا وصلوا اليه أعْطى كل وَاحِد شَيْئا وان لم يصلوا فالأمناء

يعطونهم بِوَصِيَّة مِنْهُ وَكَانَ يُقيم فِي كل سنة سَبِيلا للْحَاج ويسير مَعَهم جَمِيع مَا تَدْعُو النه حَاجَة الْمُسَافِر فِي الطَّرِيق ويسير أَمِيرا مَعَه خَمْسَة آلَاف دِينَار ينفقها فِي الْحَرَمَيْنِ على المحتاجين وأرباب الرَّوَاتِب وَله بِمَكَّة حرسها الله آثَار جميلَة وَهُوَ اول من اجرى المَاء إِلَى جبل عَرَفَات وَغرم عَلَيْهِ جملَة كَثِيرَة وَعمل بِالْجَبَلِ مصانع للْمَاء واما أحتفاله بمولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فان الْوَصْف يقصر عَن الاحاطة بِهِ كَانَ يعمله سنة فِي الثَّامِن من شهر ربيع الأول وَسنة فِي الثَّانِي عشر لأجل الِاخْتِلَاف الَّذِي فِيهِ فاذا كَانَ قبل المولد بيومين أخرج من الابل وَالْبَقر وَالْغنم شَيْئا كثيرا يزِيد على الْوَصْف وزفها بِجَمِيعِ مَا عِنْده من الطبول والمغاني والملاهي حَتَّى يَأْتِي بهَا الميدان ثمَّ يشرعون فِي نحرها ونيصبون الْقُدُور ويطبخون الالوان الْمُخْتَلفَة فاذا كَانَت لَيْلَة المولد عمل السماعات بعد ان يُصَلِّي الْمغرب فِي القلعة ثمَّ ينزل وَبَين يَدَيْهِ من الشموع الموكبية الَّتِي تحمل كل وَاحِدَة على بغل وَمن وَرَائِهَا رجل يسندها وَهِي مربوطة على ظهر الْبَغْل فاذا كَانَ صَبِيحَة يَوْم المولد أنزل الْخلْع والبقج وخلع على كل وَاحِد من الْفُقَهَاء والوعاظ والقراء وَالشعرَاء وَدفع لكل وَاحِد نَفَقَة وهدية وَمَا يوصله الى وَطنه انْتهى مَا أوردهُ ابْن خلكان مُلَخصا وَقَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي تَارِيخ الاسلام بعد كَلَام طَوِيل وثناء جميل قالجماعة من أهل أربل كَانَت نَفَقَته على المولد فِي كل سنة ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار وعَلى الاسرى مِائَتي الف دِينَار وعَلى دَار المضيف مائَة ألف دِينَار وعَلى الخانقاه مائَة وعَلى الْحَرَمَيْنِ والسبيل وعرفات ثَلَاثِينَ ألف دِينَار غير صَدَقَة السِّرّ انْتهى كَلَام ابْن قَاضِي شُهْبَة أَقُول ان للنَّاظِر فِي كتَابنَا هَذَا ان يَقُول هَذِه الاموال الَّتِى كَانَ ينفقها هَل كَانَت من مَال لَهُ خَاص أَو من مَال الرّعية فاستبد بهَا وبذرها وَلم لم ينفقها فِي مصَالح الْمُسلمين وتقوية شوكتهم مَعَ احْتِيَاج وقته الى ذَلِك فرحمه الله ورحم أَمْثَاله مَا كَانَ أبعدهم عَن مرامي السياسة توفّي فِي السّنة الْمَذْكُورَة سَابِقًا وَهِي سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بقلعة أربل وَحمل الى مَكَّة ليدفن فِي الْحرم فَلَمَّا وصلوا بِهِ الى الْكُوفَة لم يَتَيَسَّر لَهُم الْوُصُول وَلم يتَّفق وُصُول الْحَاج اليها لقطع التتار الطَّرِيق عَلَيْهِم فَدفن عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ ابْن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وانت تعلم ان الْبِلَاد فِي زَمَنه كَانَت فِي ضيق وَخَوف شَدِيد من الاعداء الَّتِي تكتنفها وَمثله مغموس فِي الملآهي ومحبة العظمة والأبهة وَكَانَ ذَلِك قدرا مَقْدُورًا

جامع الحيوطية

جَامع الحيوطية قبلي محلّة قبر عَاتِكَة قَالَ ابْن طولون فِي تَارِيخه الْمُسَمّى بفاكهة الخلان فِي نَوَازِل الزَّمَان أنشأ هَذَا الْجَامِع الْأَمِير عَليّ بن حيوط قبلي محلّة قبر عَاتِكَة شَرْقي الشويكة على الْجَانِب الغربي والشمالي من بُسْتَان الصاحب وَهُوَ حسن نزه اخذه من بَيته وجهله جَامعا ووقف عَلَيْهِ جِهَات عديدة وأقيمت بِهِ الْجُمُعَة سنة خمس وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة حرف الْخَاء جَامع خيلخان خَارج بَاب كيسَان من الْجَانِب القبلي وَقد أَدخل الْيَوْم فِي بُسْتَان لَهُ يُقَال لَهُ بُسْتَان الْأَمِير وَلم يبْق من آثاره الْيَوْم الابعض منارته وقبر الى جَانبهَا وَقد شاهدته أَنا وَمُحَمّد شُعَيْب الجندي أحد تلامذة الْمدرسَة السُّلْطَانِيَّة بِدِمَشْق سنة 1333 انشأه نجم الدّين ابْن خيلخان سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَأول من خطب بِهِ الامام ابْن الْقيم حرف الدَّال جَامع داريا كَانَ هَذَا الْمَسْجِد أَولا عِنْد قبر أبي سُلَيْمَان الدَّار أَنِّي فَأَحْرَقتهُ الفرنجة لما اخذت داريا أَيَّام مجير الدّين آبق فَأمر السُّلْطَان نور الدّين بعمارة هَذَا الْجَامِع سنة خمس وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَجعله وسط الْبَلَد وَفِي هَذِه السّنة عمر مشْهد أبي سُلَيْمَان الدَّارَانِي قَالَه الاسدي جَامع الدرويشية بناه درويش باشا بالمحلة المنسوبة اليه وَكَانَت قبلا تسمى بالاخصاصية قبلي دَار السَّعَادَة وَكَانَ مَحَله مَسْجِدا صَغِيرا فعمره جَامعا نزها ورتب فِيهِ الْوَظَائِف لما كَانَ حَاكما بِدِمَشْق وَتمّ بِنَاؤُه سنة اثْنَتَيْنِ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وتسمائة قَالَ فِي منتخب الشذرات وَفِي هَذِه السّنة يَعْنِي الْمَذْكُورَة عمر درويش باشا الْوَزير جَامعا بِدِمَشْق فَجعل لَهُ مامية تَارِيخا فَقَالَ

ويحيى عليلا يشفي غليلا

(فِي دولة السُّلْطَان بِالْعَدْلِ مُرَاد ... من قَامَ بالغرض وَأَحْيَا السنه) (درويش باشا قد أَقَامَ معبدًا ... وَكم لَهُ أجربه وَمِنْه) (بناه خير جَامع تَارِيخه ... لله فاسجد واقترب بجنه) انْتهى ووقف عَلَيْهِ أوقافا دَاره وَجعل بِهِ مدرسين حَنِيفا وشافعيا فدرس بِهِ من الشَّافِعِيَّة الشَّيْخ اسماعيل النابلسي ثمَّ الْحسن البوريني ثمَّ الشسخ عبد الْغَنِيّ ابْن الشَّيْخ اسماعيل النابلسي ثمَّ وَلَده الشَّيْخ اسماعيل وَذَلِكَ بِمُوجب شَرط الْوَاقِف وَعمر درويش باشا مُقَابل هَذَا الْجَامِع من الْجِهَة الْقبلية مكتبا وتربة حَسَنَة وَدفن بهَا ورايت مَكْتُوبًا فِي القيشاني الْمَبْنِيّ بِهِ محرابه الَّذِي فِي صحن الْجَامِع هذَيْن الْبَيْتَيْنِ (يَا حسنه من جَامع مَا مثله ... بأشرفيه رَجَب بهمتة) (وَمن رب الْعَرْش فِي تَارِيخه ... جَزَاؤُهُ قصر زهى فِي جنته وَفِي حَائِطه الشمالي بركَة مَاء مَكْتُوب فِي صدرها (هَذَا سَبِيل بل سلسبيل وَيحيى عليلا يشفي غليلا) (وزمزم المَاء فِيهِ يجْرِي ... عِنْد مقَام حوى جَلِيلًا) (أجرأه أجرا فادخره ... درويش باشا بنى سَبِيلا) أَي فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَقَالَ فِي شذرات الذَّهَب مَا حَاصله وَفِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة توفّي درويش باشا ابْن رستم باشا الرُّومِي تولى أيالة دمشق وَعمر بهَا الْجَامِع خَارج بَاب الْجَابِيَة لصيق المغيربية وَعمر الْحمام دَاخل الْمَدِينَة بِالْقربِ من الاموي وَيعرف الْآن بحمام القيشاني وَعمر القيسارية والسوق والقهوة ووقف ذَلِك فِيمَا وَقفه على جَامعه وَشرط تدريسه للشَّيْخ اسماعيل النابلسي وَكَانَ خصيصا بِهِ وَعمر الجسرعلى نهر بردى عِنْد عين القصارين بالمرجة وَمَات بِبِلَاد قرمان وَنقل تابوته الى دمشق فَدفن بهَا انْتهى اقول جَمِيع عماراته بَاقِيَة وَلَكِن الْحمام صَار سوقا فَزَاد نَفعه عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قَالَ الْعَدوي وَكَانَت ولَايَته بِدِمَشْق ثَلَاث سِنِين وَسِتَّة اشهر رَحمَه الله تَعَالَى جَامع دك الْبَاب هُوَ بطرِيق الصالحية للذاهب الى الجسر الابيض

حرف السين

حرف السِّين جَامع السَّقِيفَة هُوَ خَارج بَاب توما مَعْرُوف ومشهور بناه سنة أَربع عشرَة وَثَمَانمِائَة رجل يُقَال لَهُ خَلِيل الطوغاني كَانَ رَأس نوبَة فِي دَار السَّعَادَة قَالَ ابْن قَاضِي شُهْبَة كَانَ مَحَله يعرف بالسبعة فبناه الطوغاني وَجعل لَهُ شبابيك على النَّهر فجَاء حسنا ورتب فِيهِ خَطِيبًا ومؤذنين وقارئا للْحَدِيث وَتُوفِّي سنة خمس عشرَة وَثَمَانمِائَة قَالَ وَدفن بِدِمَشْق وَكَانَ شَيخا ان لم يكن من الظلمَة فَهُوَ من أعوانهم التكية السليمانية فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة بنى السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان جَامعا وتكية بالميدان الاخضر الْمُسَمّى الْيَوْم بالمرجة مَكَان قصر الْملك الظَّاهِر بيبرس فَأخذت آلَات الْقصر وَجعلت فِيهِ وأضيف اليها مَا يحْتَاج الْبناء اليه فَجمع من الْآلَات والأحجار والرخام الصافي والملون والقباب والصنائع والترصيص مَا يحير فِيهِ النَّاظر ويشرح الخاطر ويشتمل على حجرات وخلاوي كل خلْوَة بقبة وأوجاق وشبابيك الى الْجَامِع ومطبخ ومطعم مئذنيتن شرقية وغربية كَأَنَّهُمَا ميلان وَأما الْقبَّة والمنبر والمحراب فَفِي غَايَة الاتقان وَفِي الْجَانِب القبلي من الْجَامِع جنينة بديعة المنظر قَالَه الشَّيْخ مَحْمُود الْعَدوي وَقَالَ ثمَّ تَجَدَّدَتْ مدرسة الى جَانب التكية السليمانية برسم التدريس سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة من زاوئد التكية الْمَذْكُورَة فَجَاءَت محكمَة الْبناء حلوة الشَّمَائِل انْتهى وَهَذَا كُله من آثَار السُّلْطَان سُلَيْمَان خَان ابْن السُّلْطَان سليم خَان الْحَادِي عشرمن مُلُوك بني عُثْمَان الْمُتَوفَّى سنة أَربع وَسبعين وَتِسْعمِائَة فرحمه الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة مَسْجِد سِنَان آغا على حافة نهر بردى خَارج بَاب الْفرج فِي الْمحلة الَّتِي تسمى بالمناخلية من الْجَانِب الغربي كَانَ فِي أَيَّامه مَسْجِدا قَدِيما ضيقا وبجانبه أَمَاكِن مشعثة ومسلخ ومخازن فَجعل سِنَان آغا الينكجرية هَذَا الْمَكَان كُله جَامعا وضمه الى الاول وَزَاد فِيهِ وَجعل لَهُ منبرا ومئذنة لطيفين قَالَه الْعَدوي وَلم يؤرخ أَيَّام بنائِهِ

جامع السنانية

جَامع السنانية هُوَ مَشْهُور مَعْرُوف عِنْد بَاب الْجَابِيَة وَكَانَ مَوْضِعه أَولا مَسْجِدا يُقَال لَهُ مَسْجِد البصل فجدده سِنَان باشا وَجعله جَامعا عَظِيما وتمت عِمَارَته سنة تسع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة فجَاء جَامعا لجَمِيع المحاسن جَامع وأوقف عَلَيْهِ أوقافا عَظِيمَة وَالَّذِي بناه هُوَ يُوسُف بن عبد الله سِنَان باشا الْوَزير الْأَعْظَم قَالَه نجم الدّين الْغَزِّي فِي تَارِيخه لطف السحر وَقَالَ هُوَ صَاحب الْخيرَات الْكَثِيرَة والمبرات الغزيرة حَتَّى قيل انه أنشاأربعين مَسْجِدا جَامعا يخْطب على منابرها فِي أقطار المملكة العثمانية غير الجسور والخانات وَكَانَ كل مَا مَاتَ مَمْلُوك لَهُ أَو مولى حفظ مَا يَرِثهُ مِنْهُ أَو يتَنَاوَلهُ من بعده فيعمر بِهِ مَسْجِدا أَو غَيره وَعمر بِدِمَشْق جَامع السنانية خَارج بَاب الْجَابِيَة وَعمر خَارج دمشق جَامعا بسعسع وجامعا وخانا بالقطيفة وجامعا بعيون التُّجَّار وَعِيد كل جَامع تكية مَضْمُومَة النه ولي الوزارة للسُّلْطَان مُرَاد خَان أبن السُّلْطَان سليم خَان ثمَّ عزل عَنْهَا ثمَّ اعيد وَهُوَ وَزِير أعظم وَولي دمشق فِي أثْنَاء ذَلِك فِي أَوَائِل سنة خمس وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَفِيه أبتدا خَارج بَاب الْجَابِيَة بعمارة السنانية وَحضر تأسيسها وأحضر جمعا من الْعلمَاء والمؤذنين وَولي على عمارتها وَعمارَة السُّوق الْأَمِير مُحَمَّد بن منجك وَضم اليه أثنين ثمَّ خرج من دمشق معزولا وَولى بعده خسر وباشا الطواشي ثمَّ اعيد سِنَان باشا الى الوزارة وَبَقِي بهَا حَتَّى مَاتَ سنة أَربع بعد الْألف مَسْجِد السويقة المحروقة قَالَ فِي سلك الدُّرَر فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن أبي بكر الْمَعْرُوف باليتيم الدِّمَشْقِي العاتكي الصُّوفِي الْمُتَوفَّى سنة خمس بعد الالف كَانَ فِي أول أمره يتكسب بِبيع القهوة بالسويقة المحروقة وَكَانَت قهوبه مجمع الصَّالِحين وَكَانَ الى جَانِبه حوش يجمع بَنَات الْخَطَأ فاستأجره وأخرجهن مِنْهُ وأتخذ فِيهِ مَسْجِدا قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمَكَان الَّذِي بنيت فِيهِ المرادية وَيُقَال ان دَاخل حرمهَا بناه مُرَاد باشا نَائِب الشَّام فِي سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة تَرْجَمَة مُرَاد باشا هُوَ مُرَاد باشا كَانَ وزيرا أَيَّام السُّلْطَان أَحْمد تَرْجمهُ المحبي بترجمة طَوِيلَة اقتصرنا

مِنْهَا على ذكر مَا أنشاه وبناه لمناسبته لموضوع كتَابنَا فَنَقُول تولى المترجم الحكم بِالْيمن وَله بهَا آثَار مِنْهَا جَامع فِي قصر صنعاء واجرى لَهُ غيلا من جبل نُقِيم وَانْقطع فِي زمن حسن باشا الْوَزير وَبنى أَيْضا قبَّة عَظِيمَة على قُبُور السَّادة بني الاهدل بزبيد وَرفع عَن الرّعية جملَة من الْمَظَالِم والبدع وَنشر عدله فِي الْجبَال وَكَانَ مَعَ ذَلِك سفاكا للدماء كَانَ يحب الْعلمَاء ويميل الى الصلحاء ثمَّ عزل عَن الْيمن واعطي حُكُومَة قرمان وَأمر بِالسَّفرِ مَعَ الْوَزير الاعظم الموجه الي تبريز فأسرته الْعَجم فِي الْوَاقِعَة وَلما تخلص من الْأسر ولاه السُّلْطَان مُرَاد نِيَابَة دمشق فعمر بهَا السُّوق الَّذِي عِنْد بَاب الْبَرِيد وَكَانَ يعرف بسوق الطواقية شرع فِي تعميره فِي أَوَاخِر اثْنَتَيْنِ بعد الالف فهدم الحوانيت الْقَدِيمَة وجدد بناءها ووسع الطَّرِيق وَرفع السّقف وَبنى على مربعة بَاب الْبَرِيد قبَّة عَظِيمَة عالية ملاصقة للعمودين العظيمين الباقيين عَن يَمِين بَاب الْبَرِيد وشماله فَجَاءَت قبَّة حَسَنَة وَجَاء الْبناء محكما حسنا وَأخذ الْبيُوت الَّتِي وَرَاءه وعمرها وكَالَة حَسَنَة وامر أَن يسكن فِيهِ سوق السباهية فنقلوا اليه بُرْهَة حَتَّى مَاتَ ثمَّ أعيدوا الى سوقهم ثمَّ عمر الى جَانِبه سوقا آخر وَنقل اليه تجار سوق الذِّرَاع وَكَانَ تَمام الْعِمَارَة سنة خمس بعد الالف وَقَالَ أَبُو الطّيب الْغَزِّي فِي تَارِيخ الْوكَالَة (هاك تَارِيخا سماله ... بدر هالات الغزاله) (جملَة الْملك بهاء ... وسخاء وبساله) (صَحَّ فِي آخر شطر ... ضمن الدّرّ مقاله) (ولي الشَّام مُرَاد ... فَبنى خير وكاله) وَالْوكَالَة اسْم للخان كَمَا هُوَ مَعْرُوف فِي عرف المصريين والدمشقيون يسمونه قيسارية قلت هَذِه الأبينة بعظها تبدلت أوضاعها وَبَعضهَا عرضة للتبديل وَأما الْقبَّة فقد هدمت سنة لما بني السُّوق وتبدلت أوضاعها وَلم يبْق سوى الاعمده الْعَظِيمَة الَّتِي عَن يسَار وَيَمِين الدَّاخِل الى الْجَامِع من جِهَة بَاب الْبَرِيد وسيكون لَهَا شَأْن وترتيب يحفظها لتَكون أثرا قَدِيما معمارا يدل على سَعَة أفكار القدماء فِي الْفَنّ المعماري والهندسة ثمَّ ان مُرَاد باشا وقف الْجَمِيع على الْحَرَمَيْنِ الشريفين ثمَّ انْفَصل عَن دمشق وَولي حلب وديار بكر ثمَّ أعطي ولَايَة روم أيلي مرَّتَيْنِ ثمَّ صَار وزيرا وَأمر بمحافظة بلغراد

جامع السياغوشية

ثمَّ تولى الوزارة الْعُظْمَى وتقلبت بِهِ الْأَحْوَال السياسية الى ان خرج لقِتَال الْعَجم فَلَمَّا وصل الى ديار بكر أبتدا بِهِ الْمَرَض واسترسل مَعَه الى أَن توفّي سنة عشْرين والف وَحمل مصبرا الى قسطنطينية فَدفن بتربته الَّتِي أحدثها لنَفسِهِ بمدرسته الْمَعْرُوفَة بِهِ جَامع السياغوشية بحارة كَانَت تسمى بالقصاعين دَاخل بَاب الْجَابِيَة حكى المحبي فِي تَارِيخه فِي تَرْجَمَة حسن باشا بن عبد الله الْأَمِير الْكَبِير الْمَعْرُوف بشوربزه حسن أحد صُدُور دمشق وأعيانها أَن المترجم كَانَ منتميا الى الْوَزير الْأَعْظَم سياغوش باشا فَدفع اليه مَالا وَأمره ان بيني لَهُ مَسْجِدا بِدِمَشْق ويرتب فِيهِ من يقوم بشعائره فَبنى الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بالسياغوشية بِالْقربِ من دَاره بحارة القصاعين دَاخل بَاب الْجَابِيَة وَأحسن بناءه وَكَذَا فعل مَعَه الْوَزير الاعظم مُرَاد باشا فعمر لَهُ سوق المرادية بِبَاب الْبَرِيد والخان وسوق الذِّرَاع وَجعله وَقفا على الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ ان حسنا الْمَذْكُور ولي وقف البيمارستان النوري فَأَقَامَ شعائره بعد ان كَانَت اضمحلت وَعمر أوقافه وأتى فِيهِ من حسن التنمية بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ عمر وقف البيمارستان القيمري وأنماه وَولي توليه الْجَامِع الْأمَوِي بعد ان كَاد وَقفه يذهب فبذل جهده فِي ضَبطه وتنميته وَعمر حمام البزورية وقف دَار الحَدِيث النوريه بِأَمْر الْوَزير أَحْمد باشا الْحَافِظ وَصرف من مَاله مبلغا واستوفاه من أجوره ثمَّ سلمه لمتوليه بعد الِاسْتِيفَاء وَتُوفِّي سنة سبع وَعشْرين وَألف وَكَذَلِكَ عمر الْمَذْكُور الخان الْمَعْرُوف بسوق جقمق وَوَقفه مَعَ جملَة عقاراته على ذُريَّته حرف الصَّاد الزاوية الصمادية وَالْمَسْجِد بهَا بمحلة الشاغور بِالْقربِ من الْبَاب الصَّغِير الْمُسَمّى الْآن بِبَاب الشاغور وَالَّذِي يلوح من كتاب الْكَوَاكِب السائرة للنجم الْغَزِّي ان الَّذِي بناها مُحَمَّد بن خَلِيل الصمادي فانه قَالَ هُوَ مُحَمَّد بن خَلِيل بن عَليّ بن عِيسَى بن أَحْمد بن صَالح بن عِيسَى بن دَاوُد

ابْن مُسلم بِفَتْح اللَّام مُشَدّدَة الصمادي ثمَّ الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي القادري شيخ الطَّرِيقَة الصمادية بِالشَّام كَانَت عمَامَته وشده من صوف أَحْمَر كَمَا ذكره ابْن طولون وَالْمَعْرُوف من حَال الصمادية وضع الشدود الْحمر والتعمم بالصوف الْأَبْيَض ثمَّ هم الْآن يتعممون بالعمائم الْخضر لثُبُوت نسبهم وَكَانَ المترجم لَهُ مجَالِس حَسَنَة وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد وخصوصا الاروام وَاجْتمعَ بالسلطان سليم خَان اثناء سَفَره الى بِلَاد الرّوم واعطاه قَرْيَة كَتِيبَة رَأس المَاء ثمَّ اسْتَقر الامر على ان عين لَهُ قَرْيَة كناكر التابعة لبلاد الْعَجم وغلالها الى الْآن تستوفيها الصمادية بعضه لزاوية الشَّيْخ مُحَمَّد الْمَذْكُور وَبَعضه لذريته واشتهر امْرَهْ وامر آبَائِهِ من قبله بدق الطبول عِنْد هيجان الذَّاكِرِينَ واشتداد الذّكر فَأنْكر عَلَيْهِم جمَاعَة واستفتي فِيهِ مُحَمَّد بن حَامِد الصَّفَدِي وَابْن قَاضِي عجلون فأفتيا بالاباحة قِيَاسا على طبل الحجيج وطبل الْجِهَاد ثمَّ استفتى فِيهِ الْبَدْر الْغَزِّي فَأفْتى بالاباحة لِلْعِلَّةِ نَفسهَا وَكتب على السُّؤَال مؤلفا بسط فِيهِ القَوْل توفّي المترجم سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَلم يدْفن فِي نفس الزاوية لِأَنَّهُ كَانَ قد وَقفهَا قَدِيما وَلكنه دفن بايوانها وَخلف ثَمَانِيَة عشر ولدا وَدُنْيا وَاسِعَة هَذَا كَلَام الْغَزِّي بِاخْتِصَار وَيظْهر مِنْهُ ان المترجم هُوَ الَّذِي بنى الزاوية وانه أول من استوطن دمشق من هَذِه العائلة هَذَا واني لأعجب من هولاء الْمُفْتِينَ وَمن قياسهم دق الطبل فِي الاذكار على طبل الْجِهَاد وعَلى طبل الحجيج وَمن شَرط الْقيَاس ان يكون الأَصْل الْمَقِيس عَلَيْهِ ثَابتا بِكِتَاب أَو بِسنة أَو باجماع ثمَّ هُوَ من خَصَائِص الْمُجْتَهد وَنحن نرى مثل هَؤُلَاءِ يشددون النكير على من يَقُول بِعَدَمِ انْقِطَاع الِاجْتِهَاد وينسبونه الى الْبِدْعَة ثمَّ هم يجتهدون فيمالا يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد ثمَّ أَي دَاع لجعل الضَّرْب بالطبل عبَادَة وَهل هُوَ الا تشريع بِمَا لم يَأْذَن الله بِهِ وان كنت فِي ريب من أَحْوَال مثل هَؤُلَاءِ فتامل مَا كتبه النَّجْم الْغَزِّي فِي الْكَوَاكِب فِي تَرْجَمَة هَذَا الرجل ثمَّ حكم الْعقل فِيهِ تعرف مبلغه من الْعلم وَالْعقل وبلوغة رُتْبَة الذكاء والتنبه وَفقه النَّفس فانه قَالَ ان جمَاعَة الصمادية كَانُوا يضْربُونَ الطبول قَدِيما بَين يَدي شيخهم فِي حلقتهم يَوْم الْجُمُعَة بالجامع الاموي بعد الصَّلَاة فَأمر أحد الْحُكَّام بمنعهم من ذَلِك فَأخْرج الطبل خَارج الى الْجَامِع فَدخل الطبل بِنَفسِهِ يضْرب عَلَيْهِ وَلَا يرَوْنَ لَهُ حَامِلا وَلَا ضَارِبًا وَاسْتمرّ فِي هَوَاء الْجَامِع من بَاب الْبَرِيد حَتَّى انصدم بِبَعْض عواميد الْجَامِع مِمَّا يَلِي جيرون انْتهى وَيُمكن أَن تكون هَذِه الْحِكَايَة هِيَ الَّتِي اتخذها هَؤُلَاءِ أصلا وقاسوا عَلَيْهِ مَا أراداوا فمثلهم من يَنْبَغِي لنا أَن نجعلهم قدوة

مدفن ابن عربي الحاتمي الطائي الاندلسي

ونكتب مؤلفاتهم أملا بالاستفادة مِنْهَا فانا لله وانا اليه رَاجِعُون هَذَا وَقَالَ فِي الْكَوَاكِب فِي تَرْجَمَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خَلِيل الصمادي ورتب السُّلْطَان سُلَيْمَان على الصمادية مُرَتبا على قَرْيَة كناكر قدره فِي كل سنة ثَمَانُون غرارة من الْحِنْطَة مِنْهَا أَرْبَعُونَ لزاويتهم وفقرائها وردوادها وَمِنْهَا أَرْبَعُونَ لذرية الشَّيْخ مُحَمَّد وَهِي بَاقِيَة بِأَيْدِيهِم الى الْآن توفّي سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَدفن مُحَمَّد وَهِي بَاقِيَة بِأَيْدِيهِم الى الْآن توفّي سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَدفن بزاويتهم دَاخل بَاب الشاغور وَحكى الْغَزِّي فِي لطف السحر فِي تَرْجَمَة مُسلم ابْن مُحَمَّد بن خَلِيل الصمادي انه حصلت بَينه وَبَين عبد الرَّحِيم الْحلَبِي خَليفَة الشَّيْخ مُحَمَّد سعد الدّين مُنَازعَة عَظِيمَة بِسَبَب ذَلِك الطبل حَيْثُ ان الْحلَبِي كَانَ مَعَه طبل فَقَالَ لَهُ الصمادي ان الطبل لَيْسَ من طَريقَة بني سعد الدّين وانما هُوَ مَخْصُوص بِنَا وبمن اخذ عَنَّا ثمَّ حميت الْفِتْنَة بَينهمَا حبى أسكنها الْحُكَّام بِدِمَشْق وياليت قَائِلا قَالَ للغزي وامثاله هَب انكم افتيتم بِجَوَاز الطبل للصمادية دون غَيرهم فَللَّه دركم مَا أعلمكُم بالحلال وَالْحرَام توفّي مُسلم الْمَذْكُور سنة خمس عشرَة وَألف مدفن ابْن عَرَبِيّ الْحَاتِمِي الطَّائِي الاندلسي لما دخل دمشق السُّلْطَان سليم خَان ابْن السُّلْطَان بايزيد خَان ابْن السُّلْطَان مُحَمَّد خَان تَاسِع مُلُوك بني عُثْمَان كَانَ على قبر ابْن عَرَبِيّ تَابُوت من الْخشب وَكَانَ بِقُرْبِهِ مزبلة وحمام قديم مَنَافِعه معطلة وَكَانَ السُّلْطَان يُحِبهُ لاشتهار مصنفاته بِبِلَاد الرّوم فأ خُذ مَكَاني المزبلة وَالْحمام وعمرهما جَامعا بمنبرومحرات وَصرف عَلَيْهِ اموالا عَظِيمَة ورتب لَهُ وظائف وقراء وانواعا من الْخيرَات وَجعل لَهُ أَرْبَعَة مؤذنين وَثَلَاثِينَ قَارِئًا يقرؤون الْقرَان عِنْد طُلُوع شمس كل يَوْم فيختمون ختمة واوقف على ذَلِك أوقافا دارة مِنْهَا قَرْيَة التل ومنين وحرستا وعذرا وقيسارية الْحَرِير بِدِمَشْق وطاحون بَاب الْفرج وَغير ذَلِك من الطواحين والدكاكين والجص الْمُسَمّى بالجبصين والثلج وَبنى مُقَابل الْجَامِع تكية يطْبخ بهَا الطَّعَام صباح وَمَسَاء كل يَوْم وَفِي يَوْم خَمِيس يطْبخ الارز المفلفل والارز بالعسل ثمَّ انها احترقت سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ عمرت فَصَارَت احسن مَا كَانَت أَولا وأرخ القَاضِي مُحي الدّين الْعَدوي الْبناء السليمي بقوله (سليم بنى لله خيرا ومسجدا ... وَقد تمّ فِي تَارِيخه خير جَامع) وَسَتَأْتِي تَرْجَمَة هَذَا السُّلْطَان فِي الْقسم السياسي من هَذَا الْكتاب ونقول هُنَا

حرف العين

انه ولد باماسية سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَثَمَانمِائَة وَجلسَ على تخت السلطنة وَله من الْعُمر سِتّ واربعون سنة وَكَانَ ملكا قهارا وسلطانا جبارا قوي الْبَطْش كثير السفك للدماء شَدِيد التَّوَجُّه الى اهل النجدة والبأس عَظِيم التَّجَسُّس على اخبار النَّاس وَرُبمَا غير لِبَاسه وتجسس لَيْلًا وَنَهَارًا وَكَانَ شَدِيد الْيَقَظَة والتحفظ يحب مطالعة التواريخ واخبار الْمُلُوك وَله نظم بِالْفَارِسِيَّةِ والرومية والعربية وَمِمَّا ينْسب اليه من النّظم قَوْله (الْملك لله من يظفر بنيل منى ... يردده قهرا وَيضمن بعده الدركا) (لَو كَانَ لي أَو لغيري قدر انملة ... فَوق التُّرَاب لَكَانَ الْكل مُشْتَركا) حمل حَملَة عَظِيمَة على الشاه اسماعيل فالتقاه بِقرب تبريز فَهَزَمَهُ وشتت شَمله ثمَّ رَجَعَ فِي طَرِيقه الى جِهَة حلب فَوَقع المصاف بَينه وَبَين الغوري ملك مصر وَالشَّام بمرج دابق شمَالي حلب فانكسر عَسْكَر الغوري وَهلك هُوَ تَحت سنابك الْخَيل فَملك السُّلْطَان سليم حلب ودمشق ثمَّ توجه الى مصر وَقَاتل طومان باي اُحْدُ مُلُوك الجراكسة فَقتله وَاسْتولى على مصر فَهُوَ اول مُلُوك بني عُثْمَان الَّذين ملكوا الْبِلَاد الْعَرَبيَّة وَجعل فِي مصر الْقُضَاة الاربعة ثمَّ استولى على الارض الحجارية وَغَيرهَا ورتب الرَّوَاتِب وَأبقى الْأَوْقَاف على حَالهَا ورتبلأهل الْحَرَمَيْنِ سَبْعَة آلَاف اردب حِنْطَة فِي كل سنة ثمَّ عَاد الى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فابتلي بداء الْجَمْرَة فَكَانَت سَبَب مَوته سنة سِتّ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة حرف الْعين جَامع العسالي هَذَا الْجَامِع عمره أَحْمد باشا كوجك الْمُتَوفَّى سنة سِتّ واربعين والف بِالْقربِ من قَرْيَة الْقدَم خَارج دمشق سنة خمس واربعين والف وَجعل فِيهِ تكية ووقف عَلَيْهَا قرى من ضواحي صيدا وبعلبك وَالْحق بذلك سِتِّينَ جُزْءا بالجامع الْأمَوِي وتعيينات لأهل الْحَرَمَيْنِ وَبنى سَبِيلا بِالْقربِ من تِلْكَ الْعِمَارَة عَظِيم النَّفْع وارخه بعض الأدباء بقوله (أنشأ الْوَزير للوفود منهلا ... لوجه مَوْلَاهُ اذا وافى غَدا) (وانشد الْوَارِد فِي تَارِيخه ... هَذَا السَّبِيل الأحمدي قد بدا)

ترجمة واقفها

قَالَه المجي فِي خُلَاصَة الاثر وَكَانَت عِمَارَته لأجل الشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ الحريري العسالي شيخ الخلوتية بِالشَّام قَالَ المحبي وَكَانَ العسالي عابدا زاهدا مُتَّفقا على صَلَاحه وَكَانَ وَالِده كردِي الأَصْل قدم من بِلَاد حَرِير وَنزل بقربة عَسَّال من ضواحي دمشق فولده لَهُ بهَا أَحْمد هَذ فَدخل دمشق فِي صباه وَأخذ بهَا عَن بعض صوفيتها ثمَّ ارتحل الى حلب ثمَّ إِلَى عينتاب فلقي بهَا الشَّيْخ شاه ولي الخلوتي فَأخذ عَنهُ الطَّرِيقَة الخلوتية وَرجع الى دمشق وَسكن بصالحيتها مُدَّة مديدة وَكَانَ نواب الشَّام وقضاتها وأعيانها يسعون اليه وَرُبمَا أَخذ بَعضهم الطَّرِيق عَنهُ وَأخذ عَنهُ من أهالي دمشق وَغَيرهَا خلائق لَا يُحصونَ وَلما عمر لَهُ أَحْمد باشا كوجك تكيته الْمَشْهُورَة نَقله اليها سنة سِتّ وَأَرْبَعين فأزداد اشتهارا الى أَن توفّي ثامن عشر ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَدفن بهَا وترجمه المحبي بترجمة مُطَوَّلَة وَوَصفه بالعابد الزَّاهِد وارتقى فِي مدحه الى انه وصل الى مقَام القطبية ثمَّ قَالَ والعسالي بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَبعدهَا سين مُهْملَة والف وَلَام نِسْبَة الى قَرْيَة من قرى الْجُبَّة من نواحي دمشق وَكَانَت طَرِيقَته خلوتية قَالَ والخلوتية معروفون ونسبوا الى الْخلْوَة لانها من لَوَازِم طريقتهم ثمَّ أَفَاضَ فِي ذكر القطب والغوث وَنقل كَلَام الاستاذأيوب فِي رسَالَته الاسمائية فِي كَيْفيَّة الْخلْوَة ولسنا الْآن بصدد ذكر ذَلِك فليراجعه من أحب زِيَادَة الِاطِّلَاع تَرْجَمَة واقفها قَالَ المحبي فِي تَارِيخه خُلَاصَة الاثر مَا ملخصه أَحْمد باشا الْوَزير الْكَبِير الْمَعْرُوف بكوجك أَحْمد الارنؤودي أحد الوزراء الْمَشْهُورين بالشجاعة وَشدَّة الْبَأْس وَحسن التَّدْبِير وَكَانَ عَارِفًا بأحوال الحروب كَانَ أَولا خامل الذّكر ثمَّ نَهَضَ بِهِ الْحَظ حَتَّى صَار بكلربكيا وَتَوَلَّى حُكُومَة سيواس ثمَّ ورد دمشق حَاكما بهَا أَولا سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَبعد ماعزل عَنْهَا ولي حُكُومَة كوتاهية فنجم فِي بِلَاد الرّوم الياس باشا وَأظْهر العقوق للدولة العثمانية وَذَلِكَ أَيَّام السُّلْطَان مُرَاد فعينه السُّلْطَان لمحاربته فَسَار اليه وقابله وفتك بِهِ واسره غنم مِنْهُ غَنَائِم كَثِيرَة وَعَاد بِهِ الى الابواب السُّلْطَانِيَّة فَأكْرمه السُّلْطَان لذَلِك وفوض اليه ثَانِيًا كَفَالَة دمشق وَكَانَ ذَلِك سنة اثْنَتَيْنِ واربعين والف وخلع عَلَيْهِ خلعة الوزارة وعينه لمقاتلة الامير فَخر الدّين بن معن وَقد كَانَ خرج

حرف القاف

عَن طَاعَته السلطنة وَملك كثيرا من القلاع الَّتِي فِي ضواحي دمشق وَتصرف فِي ثَلَاثِينَ حصنا وانضم اليه من طائفه السكبان خلق عَظِيم وَلما وصل المترجم الى الشَّام جمع اعيان الْعلمَاء وكبراء الْعَسْكَر فَقَرَأَ عَلَيْهِم الفرمان فأذعنوا لطاعته وانضم اليه أُمَرَاء الاطراف ونائب حلب فَخرج بِمن مَعَه ثَانِي صفر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين فخيم بمعسكره بِالْقربِ من قَرْيَة الْكسْوَة ولمت تَكَامل الْجمع رَحل الى قره خَان وَكَانَ بنوالشهاب يسكنون وَادي تيم الله بن ثَعْلَبَة فَأرْسل شرذمة من الْعَسْكَر لمنازلتهم لأَنهم منبع الشقاوة فَسَارُوا الى جَانب حاصبيا وريشيا فَالتقى العسكران وَكَانَ الْأَمِير عَليّ بن فَخر الدّين أَمِير صفد مَعَ الشهابية وَبعد حَرْب طَوِيل ظفر الْعَسْكَر بالشهابيين وَقتل الامير عَليّ وَجِيء بِرَأْسِهِ الى الْوَزير أَحْمد فسر بذلك وَكَانَت الْغَنِيمَة عَظِيمَة والقتلى والأسرى كَثِيرَة وَلم ينج الا شرذمة يسيرَة ثمَّ سَار أَحْمد باشا بعساكره الى الْبِقَاع العزيزي وافتتح قلعة قبر الياس وَكَانَ فَخر الدّين فِي قلعة جزين فحاصرها الباشا فَلَمَّا راى قخر الدّين انه مَأْخُوذ خرج من القلعة وأتى احْمَد باشا طَائِعا فَقبض عَلَيْهِ واتى بِهِ الى دمشق ودخلها بموكب حافل وفخر الدّين خَلفه مُقَيّد على فرس فَكثر دُعَاء النَّاس للباشا ومدحه شعراء دمشق بالقصائد واكثروا من التواريخ ثمَّ ارسل ابْن معن الى مقرّ السلطنة فَقتل هُنَاكَ وأحاط أَحْمد باشا بِمَالِه من الاملاك وَالْعَقار واواني الذَّهَب والفضه وآلات الْحَرْب ووقف قراه وأملاكه على التكية العسالية ثمَّ طلبه السُّلْطَان الى محاربة الْعَجم فِي قلعة روان وعزل عَن حكومه دمشق ثمَّ أُعِيد اليها قَرِيبا وامر بمحافظة الْموصل وَعين مَعَه عَسْكَر الشَّام فحافظوا مُدَّة ثمَّ مرض فِي اثناء الْمُحَافظَة وَأَرَادَ المقاومة لشاه الْعَجم عَبَّاس شاه فَمَا ساعده الْقدر فَقتل وَأسر غَالب من مَعَه من العساكر وَأرْسل راسه الى دمشق فَدفن فِي تكيته الْمَذْكُورَة وَكَانَ قَتله فِي ربيع الثَّانِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين والف رَحمَه الله حرف الْقَاف جَامع مَسْجِد الْقصب هُوَ خَارج دمشق بمحلة مَسْجِد الاقصاب وَيُقَال لَهُ مَسْجِد ابْن منجك كَانَ أَولا صَغِيرا فهدمه الْأَمِير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن منجك وَوَقع بِسَبَب ذَلِك بَين القَاضِي

جامع القلعة

الْمَالِك وَابْن الحسباني قَاضِي الشَّافِعِيَّة بِسَبَب ابْن منجك لآنه قصد توسعته من جِهَة الْقبْلَة بِأخذ خَان كَانَ يُقَال لَهُ خَان فَارس فَحكم الْمَالِكِي بِأخذ ذَلِك بِالْقيمَةِ قهرا فمانعك الشَّافِعِي وَوَقع بَينهمَا أُمُور ثمَّ ظهرأن الْحق بيد الشَّافِعِي وَلَكِن أَخذ ابْن منحك الارض بِغَيْر طَرِيق شَرْعِي سنة احدي عشر وَثَمَانمِائَة جَامع القلعة بناه السُّلْطَان نور الدّين مَحْمُود بن زنكي ورممه الْملك النَّاصِر أبن قلاوون سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة حرف الْكَاف الْجَامِع الكريمي هُوَ جَامع القبيبات قَالَ فِي شذرات الذَّهَب مَا خلاصته وَفِي سنة أَربع وَعشْرين وَسَبْعمائة توفّي الصاحب الْكَبِير كريم الدّين عبد الْكَرِيم بن هبة الله ابْن السديد المصي أسلم كهلا فِي أَنَام الجاشنكير وَكَانَ كَاتبه وَتمكن من السُّلْطَان غَايَة التَّمَكُّن بِحَيْثُ صارالكل اليه وَبِيَدِهِ العقد والحل وَبلغ من الرُّتْبَة مَالا مزِيد عَلَيْهِ وَجمع أمولا عَظِيمَة عَاد اكثرها للسُّلْطَان وَكَانَ حسن الْخلق عَاقِلا خيرا سمحاوقورا مرض مرّة فزينت مصر لعافيته وَكَانَ يعظم اهل الدّين وَله بر وآثار عمر البيارات وَأصْلح الطّرق وَعمر جمع القبيبات وجماع القابون وأوقف عَلَيْهِمَا الاوقاف ثمَّ انحرف عَلَيْهِ السُّلْطَان ونكبه فنفي الى الشويكة ثمَّ الى الْقُدس ثمَّ الى اسوان فاصبح مشنوقا بعماته وَلما احس بالقبل صلى رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ هاتوا مَا عنْدكُمْ عِشْنَا سَعْدا ومتنا شُهَدَاء اعطاني السُّلْطَان الدُّنْيَا الاخرة وشنق وَقد قَارب التسعين 010 هـ 0 وَقَالَ النعيمي أجْرى المَاء فِي جدول الى ذَلِك الْجَامِع فَعَاشَ بِهِ النَّاس يؤمئذ وَعمل حوضا كَبِيرا تجاه الْجَامِع من الغرب لشرب النَّاس وَالدَّوَاب حرف الْمِيم جَامع الْمرْجَانِي كَانَ بضواحي المزة بناها مُحَمَّد بن أَحْمد الْمرْجَانِي سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَكَانَ ذَا مأثر حَسَنَة واشتغال بِالْحَدِيثِ جَامع المزار بزايين معجمتين هُوَ بالشاغور أنشاه عزران شاه السَّيِّد تَقِيّ الدّين الزَّيْنَبِي الجوين ثمَّ خرب أَنَام فتْنَة تيمورلنك فجدد الطواشي مرجان خازندار الاير شيخ ووقف عَلَيْهِ ورتب بِهِ وَذَلِكَ سنة ثَلَاث عشرَة وَثَمَانمِائَة جَامع المزة انشاة الْوَزير ابْن شكر سنّ اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة وَهُوَ عبد الله بن على ابْن الْحُسَيْن الْمصْرِيّ الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي اصله ن الدميرة بَلْدَة بَين الاسكندري ومصر وَلما نَشأ اشْتغل بلافقه والْحَدِيث وَأخذ عَنهُ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ واستوزر للعادل وَتمكن مِنْهُ ثمَّ غضب عَلَيْهِ ونفاه الى أمد ثمَّ بعد موت الْعَادِل رَجَعَ الى دمشق وامتدحة السخاري بمقامه قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَكَانَ موثرا للْعُلَمَاء والصاحين كثير الْبر بهم والتفقد لَهُم لَا يشْغلهُ مَا هُوَ فِيهِ كَثْرَة الاشغال عَن مجالستهم ومباحثهم وانشا مدرسة قبالة دَاره بِالْقَاهِرَةِ قَالَ أَبُو شامة وَكَانَ خليقا بالوزارة لم يتولها بعد مثله كتابا سَمَّاهُ البصائر وترجمه الْمُوفق عبد اللَّطِيف وَبَالغ فِي ثلبه وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة ورايت بِخَط العلموي ان ابْن شكر لَهُ آثَار حَسَنَة بِدِمَشْق مِنْهَا بِنَاء الْمُصَلِّي بميدان الْحَصَى وتبلط جَامع دمشق وَعمارَة جَامع الفوارة وتجدد جَامع حرستا وَغير ذَلِك ورايت فِي هَامِش تَنْبِيه الطَّالِب نقلا عَن النعيمي مَا حَاصله أَن هَذَا الْجَامِع قد خرب وَبَطلَت الصَّلَوَات فِيهِ سِنِين الى ان أَمر السُّلْطَان سُلَيْمَان بعمارة جَامِعَة والتكية

حرف الميم

حرف الْمِيم جَامع الْمرْجَانِي كَانَ بضواحي المزة بناها مُحَمَّد بن أَحْمد الْمرْجَانِي سنة تسع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَكَانَ ذَا مأثر حَسَنَة واشتغال بِالْحَدِيثِ جَامع المزار بزايين معجمتين هُوَ بالشاغور أنشاه عزران شاه السَّيِّد تَقِيّ الدّين الزَّيْنَبِي الجوين ثمَّ خرب أَنَام فتْنَة تيمورلنك فجدده الطواشي مرجان خازندار الْأَمِير شيخ ووقف عَلَيْهِ ورتب بِهِ وظائف وَذَلِكَ سنة ثَلَاث عشرَة وَثَمَانمِائَة جَامع المزة أنشأة الْوَزير ابْن شكر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة وَهُوَ عبد الله بن عَليّ ابْن الْحُسَيْن الْمصْرِيّ الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي اصله ن الدميرة بَلْدَة بَين الاسكندرية ومصر وَلما نَشأ اشْتغل بالفقه والْحَدِيث وَأخذ عَنهُ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ واستوزر للعادل وَتمكن مِنْهُ ثمَّ غضب عَلَيْهِ ونفاه الى أمد ثمَّ بعد موت الْعَادِل رَجَعَ الى دمشق وامتدحه السخاوي بمقامة قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَكَانَ موثرا للْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ كثير الْبر بهم والتفقد لَهُم لَا يشْغلهُ مَا هُوَ فِيهِ من كَثْرَة الاشغال عَن مجالستهم ومباحثهم وانشا مدرسة قبالة دَاره بِالْقَاهِرَةِ قَالَ أَبُو شامة وَكَانَ خليقا بالوزارة لم يتولها بعده مثله ألف كتابا سَمَّاهُ البصائر وترجمه الْمُوفق عبد اللَّطِيف وَبَالغ فِي ثلبه وَتُوفِّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وسِتمِائَة ورايت بِخَط العلموي ان ابْن شكر لَهُ آثَار حَسَنَة بِدِمَشْق مِنْهَا بِنَاء الْمصلى بميدان الْحَصَى وتبليط جَامع دمشق وَعمارَة جَامع الفوارة وتجديد جَامع حرستا وَغير ذَلِك ورايت فِي هَامِش تَنْبِيه الطَّالِب نقلا عَن النعيمي مَا حَاصله أَن هَذَا الْجَامِع قد خرب وَبَطلَت الصَّلَوَات فِيهِ مُدَّة سِنِين الى ان أَمر السُّلْطَان سُلَيْمَان بعمارة جَامِعَة والتكية

جامع المصلي

مَكَان قصر الْملك الظَّاهِر سنة خمس وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة فَأخذت آلَات هَذَا الْجَامِع الى عِمَارَته وأخذته أَيْضا جَامع آلَات النيرب وَلم يبْق بالمزة جَامع غير جَامع الْمرْجَانِي فَقَط وَمثله جَامع الافرم وَقد كَانَ غربي الصالحية بناه الافرم نَائِب السلطنة سنة سِتّ وَسَبْعمائة ورتب لَهُ خَطِيبًا يخْطب فِيهِ وَقد أصبح الْيَوْم لَا أثر لَهُ وَكَانَ تجاه الرِّبَاط الناصري وكل مِنْهَا يسلم على الاخر سَلام الْوَدَاع جَامع الْمُصَلِّي قبلي الْبَلَد من خَارج بمحلة الميدان أنشاه الْملك الْعَادِل سيف الدّين أَبُو بكر ابْن أَيُّوب سنة سِتّ وسِتمِائَة وَجعله لصَلَاة الْعِيدَيْنِ وَلم يتهيأ لَهُ وقف قَالَ أَبُو شامة وَقد بنى لَهُ أَرْبَعَة جدر مشرفة وَجعل لَهُ أبوابا صونا لمكانة لنزول القوافل وَجعل لَهُ محرابا من حِجَارَة ومبنرا مِنْهَا وعقدت فَوْقه قبَّة ثمَّ عمل ذَلِك فِي قبلته رواقان ومنبر من خشب جَامع الملاح خَارج الْبَاب الشَّرْقِي جوَار المزار الْمَنْسُوب لسيدنا ضرار بن الازور رَضِي الله عَنهُ بِالْقربِ من محلّة الملاح وَهِي القعاطلة أنشاه الصاحب نميريال سنة احدى وَسَبْعمائة وَكَانَ غير مُسلم أَولا ثمَّ أسلم وَتَوَلَّى نظر الدَّوَاوِين وَكَانَ الْأَلْيَق بِي أنلا أذكر هَذَا الْجَامِع هُنَا لانه قد تهدم وَلم يبْق مِنْهَا الا بعض جدران واقفة وَبَعض الاعمدة وَلَكِنِّي ذكرته هُنَا للاستبصار جَامع ابْن منجك بآخر ميدان الْحَصَى بناه الْأَمِير أبراهيم ابْن سيف الدّين منجك وَقَالَ فِيهِ بعض الادباء حينما أَمر بِحمْل حِجَارَة الْبناء على الْعجل من أَرض الْعِمَارَة (لنا مليك على الْبُنيان مقتدر ... قُلُوب صم الْحَصَى من خَوفه وجله) (ذُو همة لَو نأى فِي أمره جبل ... أَتَى بِهِ مسرعا فِي الْحَال بالعجلة) وَالظَّاهِر أَن بناءه كَانَ قبل الثَّمَانمِائَة وَالله أعلم

المنارة البيضاء

المنارة الْبَيْضَاء هِيَ المنارة المبنية عِنْد كَنِيسَة النصاري دَاخل دمشق بمحلة الخراب حكى المحبي فِي تَارِيخه فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن يُونُس العيثاوي ان الَّذِي بناها عَلَاء الدّين ابْن الحجيج وَكَانَ تَاجر كَبِيرا وَلما أَرَادَ بناءها فِي ذَلِك الْمحل اخْتلف عُلَمَاء وقته فِي جَوَازه فأفتي الشَّيْخ أسماعيل النابلسي الشَّافِعِي بِعَدَمِ جَوَاز بنائها حذارمن ان يكون اشهار الاذان بهَا سَببا لسَبَب النصاري دين الاسلام وافبي العيثاوي الشَّافِعِي بِجَوَاز الْبناء فَمَال القَاضِي مصطفي بن بُسْتَان الى قَوْله وَمَال نَائِب الشَّام حسن باشا الى فتوي النابلسي ثمَّ بنيت بِأَمْر القَاضِي بعد أَن بذل النصاري للوزير مَالا جما لمنع بنائها وَألف العيثاوي رِسَالَة اسْتندَ بهَا على مَا قَالَه وَكَانَ ذَلِك قبل التسعين وسِتمِائَة حرف النُّون جَامع النّحاس كَانَ شَرْقي الركنية بالصالحية وَقد صَار الان بستانا يُقَال لَهُ بُسْتَان النّحاس وَالَّذِي بناه عماد الدّين عبد الله بن الْحُسَيْن بن النّحاس كَانَ أَولا لَهُ خدمَة فِي دولة زَمَانه ثمَّ أقبل على الزَّاهِد وَالْعِبَادَة والانقطاع الى مَسْجِد الْجمع توفّي سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَدفن بسفح قاسيون نفي تربة كَانَت تنْسب اليه جَامع النيرب لم نذْكر هَذَا الْجَامِع الا للتذكار والا فَمَا الْفَائِدَة فِي ذكر جَامع صَار بستانا كَانَ بِالْقربِ من الربوة على حافة نهر بردي وَكَانَ هُنَاكَ سوق والنيرب م محَاسِن دمشق تَابع بَيت لهيا وَيُقَال ان شَرْقي هَذَا الْجَامِع قبر حَبَّة أم مَرْيَم وَالَّذِي بناه مُحَمَّد بن أَحْمد الشهيربابن أبي الْعَيْش الانصاري الدِّمَشْقِي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَقد أذهبته الايام والليالي فسبحان من تفرد بِالْبَقَاءِ وَكَانَ بالربوة ايضا جَامع فاندرست آثاره أَيْضا وَكَانَ بدرب الصالحية الْآخِذ الى الجسر فَوق جَامع برسباي جَامع يُقَال لَهُ جَامع الْعَنْبَري فهدم سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة فَلم يبْق لَهُ أثر حرف الْوَاو مَسْجِد وائلة بن الْأَسْقَع هُوَ فِي سويقة بَاب الصَّغِير مَسْجِد كَبِير وَله أوقاف حرف الْيَاء جَامع يلبغا على شاطئ نهر بردي مَعْرُوف مَشْهُور وَهُوَ الْآن مكتب للعسكرية وَكَانَ مَحَله تلآ يشنق عَلَيْهِ كَمَا حَكَاهُ أبن نَاصِر فِي كِتَابه توضيح المشتبه فاخذه سيف الدّين يلبغا وأنشا فِيهِ هَذَا الْجَامِع سنة سبع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة ويلبغا هَذَا كَمَا قَالَه الْحُسَيْنِي فِي ذيل العبر كَانَ يائبا بِدِمَشْق يَعْنِي واليا وَفِي السّنة الْمَذْكُورَة جَاءَ أَمر السلطنة اليه بِالْقَبْضِ على جمَاعَة من أُمَرَاء مصر كَانُوا بِدِمَشْق فَجمع يلبغا الامراء واستشارهم فِي ذَلِك فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَاكْتُبْ أرغون شاه نَائِب حلب فاجابه بِالطَّاعَةِ وهم بالعصيان وتحول بخزائنة وَأَهله الى الْقصر الظَّاهِرِيّ فاقام بِهِ أَيَّامًا ثمَّ جَاءَ الْأَمر لسلطاني بتولية أرغون على دمشق فَغَضب لذَلِك ورد الرَّسُول بِلَا جَوَاب وَخرج من الْبَلَد فَأَقَامَ ثَلَاثَة دَاره فتأهب النَّاس لِلْخُرُوجِ وَسَارُوا لامساكة فَلَمَّا علم بذلك جهز ثقله وزاده وَمَا خف عَلَيْهِ من أَمْوَاله وَركب بِمن أطاعة فوافاه الْجَيْش عِنْد رَكبه فنهب النَّاس أمتعته وخيامه وَمَا قدرُوا عَلَيْهِ وَتَبعهُ الْعَسْكَر من خَلفه ففر بَين أَيْديهم فأحاطت بِهِ الْعَرَب فِي الطَّرِيق وأجؤوه الى وَاد بَين حمص وحماة فَلم يَسعهُ الا الاستجارة بنائب حماه فأجاره وَأكْرم نزله وَكتب الى الْملك المظفر يُعلمهُ بذلك فَجَاءَهُ الْجَواب بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فقيده وأرسله مَحْفُوظًا فَلَمَّا وصل الى قاقون خنق هُنَاكَ وَأخذ راسه الى الْقَاهِرَة وأحبيط على امواله وأموال من مَعَه من الامراء فَتَأمل الاستبداد والسيئات الَّتِي كَانَت فِي ذَلِك الزَّمن مَا أفظعها وَقَالَ البدري فِي كِتَابه نزهة الْأَنَام فِي محاسي الشَّام جَامع يلبغا من أحسن الْجَوَامِع ترتيبا ومتنزها بصحنة بركَة مَاء سريعة داخلها فسقية مستدرية بهَا نوفرة يصعد مِنْهَا المَاء قامة وَمن فَوْقهَا مكعب مَاء مربعة داخلها فسقية مستديرة بهَا نوفر يصعد مِنْهَا المَاء قامة وَمن فَوْقهَا مكعب عَلَيْهِ عريشة عِنَب ماون يصل المَاء الى قطوفها الدانية وبجانبها حوضان فيهمَا من

حرف الواو

حرف الْوَاو مَسْجِد وائلة بن الْأَسْقَع هُوَ فِي سويقة بَاب الصَّغِير مَسْجِد كَبِير وَله أوقاف حرف الْيَاء جَامع يلبغا على شاطئ نهر بردى مَعْرُوف مَشْهُور وَهُوَ الْآن مكتب للعسكرية وَكَانَ مَحَله تَلا يشنق عَلَيْهِ المجرمون كَمَا حَكَاهُ بن نَاصِر فِي كِتَابه توضيح المشتبه فاخذه سيف الدّين يلبغا وأنشا فِيهِ هَذَا الْجَامِع سنة سبع وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة ويلبغا هَذَا كَمَا قَالَه الْحُسَيْنِي فِي ذيل العبر كَانَ نَائِبا بِدِمَشْق يَعْنِي واليا وَفِي السّنة الْمَذْكُورَة جَاءَ أَمر السلطنة اليه بِالْقَبْضِ على جمَاعَة من أُمَرَاء مصر كَانُوا بِدِمَشْق فَجمع يلبغا الامراء واستشارهم فِي ذَلِك فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فكاتب أرغون شاه نَائِب حلب فاجابه بِالطَّاعَةِ وهم بالعصيان وتحول بخزائنه وَأَهله الى الْقصر الظَّاهِرِيّ فاقام بِهِ أَيَّامًا ثمَّ جَاءَ الْأَمر السلطاني بتولية أرغون على دمشق فَغَضب لذَلِك ورد الرَّسُول بِلَا جَوَاب وَخرج من الْبَلَد فَأَقَامَ ثَلَاثَة أَيَّام بالقبيبات ثمَّ نُودي بِالْبَلَدِ بِأَنَّهُ من تَأَخّر عَن مقاومة يلبغا يشنق على بَاب دَاره فتأهب النَّاس لِلْخُرُوجِ وَسَارُوا لامساكه فَلَمَّا علم بذلك جهز ثقله وزاده وَمَا خف عَلَيْهِ من أَمْوَاله وَركب بِمن أطاعه فوافاه الْجَيْش عِنْد ركُوبه فنهب النَّاس أمتعته وخيامه وَمَا قدرُوا عَلَيْهِ وَتَبعهُ الْعَسْكَر من خَلفه ففر بَين أَيْديهم فأحاطت بِهِ الْعَرَب فِي الطَّرِيق وألجؤوه الى وَاد بَين حمص وحماة فَلم يَسعهُ الا الاستجارة بنائب حماه فأجاره وَأكْرم نزله وَكتب الى الْملك المظفر يُعلمهُ بذلك فَجَاءَهُ الْجَواب بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فقيده وأرسله مَحْفُوظًا فَلَمَّا وصل الى قاقون خنق هُنَاكَ وَأخذ راسه الى الْقَاهِرَة وأحتيط على جمع امواله وأموال من مَعَه من الامراء فَتَأمل الاستبداد والسيئات الَّتِي كَانَت فِي ذَلِك الزَّمن مَا أفظعها وَقَالَ البدري فِي كِتَابه نزهة الْأَنَام فِي محَاسِن الشَّام جَامع يلبغا من أحسن الْجَوَامِع ترتيبا ومتنزها بصحنه بركَة مَاء مريعة داخلها فسقية مستديرة بهَا نوفرة يصعد مِنْهَا المَاء قامة وَمن فَوْقهَا مكعب عَلَيْهِ عريشة عِنَب ملون يصل المَاء الى قطوفها الدانية وبجانبها حوضان فيهمَا من

جامع لاقرب من مسجد الأقصاب

انواع الْفَوَاكِه وأجناس الريحان وَله شبابيك تطل على جهاته الثَّلَاث انْتهى وَهَذَا كَانَ وَصفه الاول وَأما الْآن فقد بحول وتبدل وَقد ولع الشُّعَرَاء قَدِيما بوصفه فَقَالَ القَاضِي كريم الدّين الطاراتي (عرج لساحة يلبغا ... تنظر بِهِ مَا يَبْتَغِي) (من قَالَ فِي الدِّينَا لَهُ ... مثل يكون فقد لَغَا) وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْمَالِكِي (كم نزهة فِي يلبغا تبتغي ... ومدرج لم يخل من دارج) (فياله من جَامع جَامع ... فاق على الزَّوْرَاء فِي عالج) (يموج فِي بركته مَاؤُهُ ... تَحت منار لَيْسَ بالمائج) (مئدنة قَامَت على بَابه ... تشهد للداخل وَالْخَارِج) وَلابْن حبيب وَهُوَ أول ن مدح هذاالجامع (يممن دمشق ومل الى غربيها ... والمح محَاسِن حسن جَامع يلبغا) (من قَالَ من حسد رايت نظيرة ... بَين الْجَامِع فِي الْبِلَاد فقد لَغَا) وَقَالَ دوريش الطالوي (ألمم اذا هم عرَاك يلبغا ... وأعطف لمقصفه تنَلْ مَا يَبْتَغِي) (فوحق كوثرماو من قَالَ فِي ... جنَّات عدن مثله فقد لَغَا) جَامع لاقرب من مَسْجِد الأقصاب لم أدر من تَارِيخه سوى أَنِّي رَأَيْت مَكْتُوبًا على أسكفه بَابه أنشاهذا الْمَسْجِد الْمُبَارك الْفَقِير الى الله تعالي عبد بن الاتيملثي أوقفة على مَذْهَب الامام أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله تَعَالَى وأوقف عَلَيْهِ جَمِيع الدَّار والحوانيت الَّتِي تجاورها وشرفيه وَبصرى وريعها الى امام فَقِيه وأيتام ومؤذن وخادم حسب كتاب الْوَقْف سنة أَربع وَسبعين وَسَبْعمائة انْتهى

خاتمة بما كان في دمشق من المتنزهات المشهورة

خَاتِمَة بِمَا كَانَ فِي دمشق من المتنزهات الْمَشْهُورَة دير مران كَانَ قَدِيما من المتنزهات الدمشقية قَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن شاشو فِي كِتَابه الَّذِي ضاهى بِهِ نفحة الريحانية هُوَ دير بِدِمَشْق بسفح قاسيون بِالْقربِ من الربوة وَهُوَ أحد الديارات الْمَذْكُورَة فِي الشّعْر أَولهَا هَذَا الدَّيْر وَفِيه يَقُول الشهَاب ابْن عبد الرَّحْمَن الْعِمَادِيّ الدِّمَشْقِي (أيا دير مران سقاك غمام ... تروح وتغدو وعيشهن سَلام) (وحياك من دير وَحيا معاهدا ... لمغناك مَا ناح الزَّمَان حمام) (وقفت على رسم بِهِ رَاح دارسا ... وَقد فاح عرف الرياض خزام) (فَقلت ولي فِيهِ رسيس صبَابَة ... وَفِي الْقلب مني لوعة وغرام) (كَأَن لم يكن بَين الْحجُون الى الصَّفَا ... أنيس وَلم تهرق هُنَاكَ مدام) وَهَذَا يدل على أَنه أصبح خرابا قبل زمن الْعِمَادِيّ وَالثَّانِي دير الْقَائِم الاقصى على شاطئ الْفُرَات وَفِيه يَقُول هَاشم بن مُحَمَّد الْخُزَاعِيّ (بدير الْقَائِم الاقصى ... غزال شادن أحوى) (بَرى جسمي لَهُ حبي ... وَلَا يدْرِي بِمَا ألْقى) (وأخفي حبه جهدي ... وَلَا وَالله لَا يخفى) وَالثَّالِث دير عبدون وَهُوَ بِظَاهِر الْمَطِيرَة بِبَغْدَاد وَفِيه يَقُول ابْن المعتز (سقى الجزيرة ذَات الطل وَالشَّجر ... ودير عبدون هطال من الْمَطَر) وَالرَّابِع دير مارت يَعْنِي مَرْيَم وَهُوَ بِالشَّام وَفِيه يَقُول ابْن هُرْمُز (نعم الْمحل لمن يسْعَى للذته ... دير لِمَرْيَم فَوق الظّهْر معمور) (ظلّ ظَلِيل وَمَاء غير ذِي أَسف ... وقاصرات كأمثال الدمى حور)

وَالْخَامِس دير العذارى وَهُوَ بسرمن رأى وَفِيه يَقُول جحظة (أَلا هَل الى دير العذارى ونظرة ... الى من بِهِ قبل الْمَمَات سَبِيل) وَقد تفنن الشُّعَرَاء فِي وصف هَذِه الديارات كَمَا تفننوا فِي وصف الْجَامِع الاموي فقد رَأَيْت كثيرا مِنْهُم أطنبوا فِي مِدْحَة فَأَحْبَبْت أَن أضم بَعْضًا مِنْهَا لما هُنَا لِأَن الْكَلَام عَلَيْهِ سَابِقًا كَانَ تاريخيا بحتا وَهَذَا الخاتمة أدبية وَالشَّيْء انما ينظم مَعَ مَا يماثله فَمن ذَلِك قَول بدر الدّين حسن بن حبيب الحبلي (معبد الشَّام يجمع النَّاس طرا ... واليه شوقا تميل النُّفُوس) (كَيفَ لَا يجمع الورى وَهُوَ بَيت ... فِيهِ تجلى على الدَّوَام الْعَرُوس) وَله أَيْضا (يَا رَاغِبًا فِي غير جَامع جلق ... هَل يَسْتَوِي الْمَمْنُوع والممنوح) (أقصر عناك وَفِي غلوك لَا تزد ... ان الزِّيَادَة بَابهَا مَفْتُوح) وَقد أَخذ هَذَا الْمَعْنى من كَلَام جمال الدّين أبن نَبَاته وَهُوَ (أرى الْحسن مجموعا بِجَامِع جلق ... وَفِي صَدره معنى الملاحة مشروح) (فان يتغالى فِي الْجَوَامِع معشر ... فَقل لَهُم بَاب الزِّيَادَة مَفْتُوح) وَقَالَ صَلَاح الدّين خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي (تَقول دمشق أذ تفاخر غَيرهَا ... بمعبده الزاهي البديع المشيد) (جري ليباهي حسنه كل معبد ... وَمَا قصبات السَّبق الا لمعبد) وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَول برهَان الدّين القيراطي (سقى بِدِمَشْق الْغَيْث جَامع نسكها ... ورضا بِهِ الْحمام المغرد) (اذا مَا زهى للعين من ذَاك معبد ... للذّكر حلاوفي السّمع من ذَاك معبد) وَمن معانية اللطيفة قَوْله (دمشق لَهَا فِي الْحسن منصب ... عَال وَذكر فِي الملا شَائِع) (فَخَل من قَاس بهَا غَيرهَا ... وَقل لَهُ ذَا الْجَامِع الْمَانِع

أنهار دمشق المحتفرة للشرب وسقي الزرع والاشجار

وَله أَيْضا (فِي الْجَامِع الاموي الْحسن مُجْتَمع ... وبابه فِيهِ للأحداق لذات) (دقائق الْحسن يحويها لَهُ درج ... فحبذا مِنْهُ بالساعات سَاعَات) (وحبذا معبدكم أطربت أذنا ... فِيهِ من الذّكر نغمات وأصوات) (جلا الْعَرُوس على الرائين قطعتها ... تزفها من بدور التم طارات) وَمن لطائفة أَيْضا (يَقُول لنا نسر بِجَامِع جلق ... انا الطَّائِر المحكي وَالْآخر الصدى) (وَقد أطرب الاسماع مطرب جنكها ... وغنى بِهِ من لَا يُغني مغردا) وَقَالَ القَاضِي شمس الدّين الْبَارِزِيّ الْحَمَوِيّ (دمشق لَهَا منظر رائق ... فَكل الى وَصلهَا يابق) (فَأنى يُقَاس بهَا بَلْدَة ... أَبى الله وَالْجَامِع الْفَارِق) وللشباب الظريف فِي غُلَام يتمشى بِصَحْنِ الْجَامِع الاموي (تمشى بِصَحْنِ الْجَامِع الشادن الَّذِي ... على قده أَغْصَان بَان النقى تثني) (فَقلت وَقد لاحت عَلَيْهِ حلاوة ... أَلا فانظروا هذي الْحَلَاوَة فِي الصحن) أَنهَار دمشق المحتفرة للشُّرْب وَسقي الزَّرْع والاشجار روى الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه بِسَنَدِهِ الى زفر قَالَ سَأَلت مَكْحُولًا عَن نهر يزِيد وَكَيف كَانَت قصَّته قَالَ سَأَلت مني خَبِيرا أَخْبرنِي الثِّقَة انه كَانَ نهر صَغِير بناطيا يجْرِي شَيْئا يسْقِي ضيعتينفي الغوطة لقوم يُقَال لَهُم بَنو فرقا وَلم يكن فِيهِ لأحد شَيْء غَيرهم فماتوا فِي فِي خلَافَة مُعَاوِيَة وَلم يبْق لَهُم وَارِث فَأخذ مُعَاوِيَة ضياعهم وَأَمْوَالهمْ فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَاتَ مُعَاوِيَة فِي رَجَب سنة سِتِّينَ وَولي أبنه يزِيد فَنظر الى أَرض وَاسِعَة لَيْسَ لَهَا مَاء وَكَانَ مهندسا فَنظر الى النَّهر فاذا هُوَ صَغِير فَأمر بحفره فَمَنعه من ذَلِك أهل الغوطة ودافعوه فلطف بهم الى أَن ضمن لَهُم خراج سنتهمْ من مَاله فَأَجَابُوهُ الى ذَلِك فاحتفر نَهرا فِي سَعَة سِتَّة أشبار وَعرضه

وعمقه سِتَّة أشبار وَله ملْء جنبتيه وَكَانَ على ذَلِك كَمَا شَرط لَهُم فَهَذِهِ قصَّة نهر يزِيد وَمَات فِي رَجَب سنة أَربع وَسِتِّينَ حَتَّى ولي هِشَام بن عبد الْملك فساله أهل قَرْيَة حرستا شرب شفاههم وَمَاء لمسجدهم فَكلم فَاطِمَة بنت عَاتِكَة بنت يزِيد فِي ذَلِك فأجابته على أَنه احتفر نَهرا صَغِيرا يجْرِي الى مَسْجِدهمْ للشُّرْب لَا لغيره وَفتح الْحجر الَّذِي يمر مِنْهُ المَاء لقرية حرستا فترا فِي فتر مستديرا وَيجْرِي لَهُم من الأَرْض على مِقْدَار شبر من ارْتِفَاع بطن النَّهر وَسَأَلَهُ عبد الْعَزِيز مولى هِشَام أَن يجْرِي لهشيئا يسقى ضيعته فَأَجَابَهُ بعد ان سَأَلَ فِي أمره فصيرت لَهُ ماصية فتحهَا شبر فِي أقل من شبر ثمَّ سَأَلَهُ خَالِد ان يسْقِي ضيعته فَأَجَابَهُ لما طلب وَفتحت لَهُ ماصية كحكاية هَذِه الْمَاضِيَة وَأقَام رجل من أهل دمشق يُقَال لَهُ جرجة بن قعرا عِنْد سُلَيْمَان بن عبد الْملك شَاهِدين يَشْهَدَانِ أَن لَهُ فِي النَّهر قناة تجْرِي الى حمام لَهُ يُريدهُ وَزعم أَنَّهَا كَانَت من قبل فسجل لَهُ عبد الْملك سجلا بذلك وَهُوَ رَطْل من المَاء يجْرِي فِي سيلون فِي ديره وَقل المَاء فِي ولَايَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك حَتَّى لم يبْق فِي بردى الا شَيْء يسير فشكوا ذَلِك الى سُلَيْمَان فَأرْسل عبيد بن أسلم مَوْلَاهُ وَمَعَهُ جمَاعَة لكرايتها فَلَمَّا باشروا الْعَمَل اذا هم بِبَاب من حَدِيد مشبك يخرج المَاء من كوى مَوْجُودَة فِيهِ يسمعُونَ داخلها صَوت مَاء كثير ويسمعون صَوت اضْطِرَاب السّمك فِيهَا فَكَتَبُوا الى سُلَيْمَان بذلك فَأَمرهمْ ان لَا يحركوا شَيْئا وَأَن يكروا قدامه فَفَعَلُوا مَا أَمرهم وَلم يزل كَذَلِك الى ولَايَة هِشَام بن عبد الْملك فَلم يكن فِيهِ أَكثر من ذَلِك فَشكى اليه أهل بردى قلَّة المَاء فَأمر الْقَاسِم بن زِيَاد ان يُمَيّز لَهُم المَاء فمازه لَهُم فَأعْطى أهل نهر يزِيد سِتّ عشرَة مسكبة وَالْفرق الْكَبِير خمس مساكب وَالْفرق الصَّغِير أَربع مساكب ونهر داريا سِتّ عشر مسكبة ونهر ثورا اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين مسكبة ونهر بانياس ثَلَاثِينَ مسكبة ومسكبة حملت فِيهِ تصب ليزِيد بن أبي مَرْيَم مولى سهل بن الحنظلية وَثَلَاث مساكب للفضل ابْن صَالح الْهَاشِمِي حملت فِيهِ من بعده ونهر مجذول اثْنَتَيْ عشرَة مسكبة ونهر دَاعِيَة ثَلَاث عشرَة مسكبة ونهر حَيْوَة وَهُوَ نهر الزلف اثْنَتَيْ عشرَة مسكبة ونهر التومة الْعليا خمس مساكب ونهر التومة السُّفْلى أَربع مساكب ونهر الزابون أَربع مساكب ونهر الْملك أَربع مساكب والقناة لم تمز يَوْمئِذٍ بل تركت تَأْخُذ ملْء جنبيها وَكَانَ الْوَلِيد ابْن عبد الْملك لما بنى الْمَسْجِد اشْترى مَاء من نهر السّكُون يُقَال لَهُ الوقية فَجعله فِي

القلعة

الْقَنَاة الى الْمَسْجِد وَالْحجر شبر وَنصف فِي شبر وَنصف وثقب الثقب شبر فِي اقل من شبر على أَنه اذا انْقَطَعت القناه اَوْ اعتلت لَيْسَ لأحد أَن يَأْخُذ من مَاء الوقية شَيْئا وَلَا لأَصْحَاب القساطل فِيهَا حق فاذا جرت يَأْخُذ كل ذِي حق حَقه وَيفتح القساطل على الْوَلَاء وَقَالَ يزِيد أَنا أدْركْت الْقَنَاة يدْخل فِيهَا الرجل يسير فِيهَا وَهِي مسقوفة يمد يَدَيْهِ وَلَا ينَال سقفها وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء هَذِه قصَّة نهر يزِيد قَالَ ابْن عَسَاكِر بعد ان روى مَا تقدم عَن طَرِيقين فَهَذِهِ الْأَنْهَار الَّتِي ينْتَفع بهَا الداني والقاصي وينقسم مِنْهَا المَاء الى الْأَرْضين الجداول فِي من المواصي وَيدخل من بعْدهَا الى الْبَلَد فِي القني فينتفع بِهِ النَّاس الِانْتِفَاع الْعَام على الْوَجْه الهني ويتفرق الى البرك والحمامات وَيجْرِي فِي الشوارع والسقايات وَذَلِكَ من الْمرَافِق الهنية والمواهب الجزيلة السّنيَّة والفضيلة الْعَظِيمَة الَّتِي عدت من فَضَائِل هَذِه الْمَدِينَة اذ المَاء فِي أَكثر الْبِلَاد لاينال الا بِالثّمن وَهُوَ الَّذِي تحصل بِهِ حَيَاة النُّفُوس وازالة الدَّرن ورايت فِي كتاب صور الأقاليم مَا نَصه مخرج مياه دمشق من تَحت كَنِيسَة يُقَال لَهَا الفيجة وَأول مَا يخرج يكون أرتفاعه مِقْدَار ذِرَاع فِي عرض بَاعَ ثمَّ يمشي فِي شعب تتفجر مِنْهُ الْعُيُون فَيَأْخُذ مِنْهُ نهر عَظِيم أجراه يزِيد بِعرْض الدجلة ثمَّ يستنبط مِنْهُ نهر المزة ونهر الْقَنَاة وَيظْهر عِنْد الْخُرُوج من الشّعب بِموضع يُقَال لَهُ النيرب ثمَّ يبْقى من هذاالماء عَمُود النَّهر فيسمى بردى وَعَلِيهِ قنطرة فِي وسط مَدِينَة دمشق لَا يعبرها الرَّاكِب غزارة وَكَثْرَة فيفضي الى قرى الغوطة وَيجْرِي المَاء فِي عَامَّة دور دمشق وسككهم وحماماتهم انْتهى القلعة بناؤها قديم جدا وَرُبمَا يذكر فِي الْقسم السياسي وَنَذْكُر الْآن مَا أتصل بِنَا من وصفهَا مُلَخصا من كتاب نزهة الانام فِي محَاسِن الشَّام لتقي الدّين البدري الْمصْرِيّ قَالَ ان هَذِه القلعة قدر مَدِينَة وَبهَا ضريح الصَّحَابِيّ الْجَلِيل أبي الدَّرْدَاء وَبهَا جَامع وخطبة وحمام وطاحون وَبَعض حوانيت لبيع البضائع وَبهَا دَار الضَّرْب الَّتِي بِضَرْب بهَا النُّقُود وَبهَا الدّور والحوصل وَلها طارمة كَأَنَّهَا أفرغت بقلب من شمع تسامت رُؤُوس الْجبَال يُقَال ان تيمورلئك لما حاصرها وَعجز عَنْهَا أَمر ان تنقب وتقطع

الاشجار وَتعلق بهَا حَتَّى اذا تَعْلِيقهَا اشعلها باطلاق النَّاس فِيمَا تحتهَا من الْخشب ظنا مِنْهُ أَنَّهَا تتفسخ بذلك وَتسقط شذر مذر فَيملك القلعة فَلَمَّا علقت النَّار فِيمَا تحتهَا يبرك كَمَا يبرد الْأسد وَلها صَوت مزعج فسموها بالأسد البارك وَهِي الْآن على الثُّلثَيْنِ من علوها وبالقلعة آبار ومجار للْمَاء ومصارف بِحَيْثُ اذا وَقع الحصاروقطع المَاء كَانَ لَهَا من المَاء مَا يكيفها وَبهَا يمر نهر بانياس فينقسم قسمَيْنِ أَحدهمَا يبقي ظَاهرا على حَاله والآخرتنسحب عَلَيْهِ الاوساخ والأقذار وَهُوَ الْمُسَمّى بقليط يمر تَحت الأَرْض بِنَحْوِ قامتين وَالْمَاء الطَّاهِر يتشعب فَوْقه يَمِينا وَشمَالًا وَلَا ويزال قليط سائرا الى ان يخرج من الْبَاب الصَّغِير ويتصل بمحلة المزاز وَهُنَاكَ يعد لسقي الاراضي الزراعية هَذَا ونعتها كَانَ أَيَّام ألبدري وَأما ألآن فقد تَغَيَّرت بعض أوصافها فهدم بَابهَا الغربي وَجعل مَكَانَهُ دكاكين وَذهب خندقها وابتيى أسواقا وَرُبمَا ياتي زمَان لَا يبْقى لَهَا فِيهِ أثر لعدم نَفعهَا وتبدل الاسلحة الَّتِي كَانَت قَدِيما بغَيْرهَا وتغيرت أَيْضا الدّور والحواصل وَدَار الضَّرْب وانما نذْكر أَمْثَال ذَلِك تَنْبِيها على مَا كَانَت عَلَيْهِ دمشق فِي سالف عهدها ومجدها وَمِمَّا كَانَ قَدِيما ملعبا ومرتعا تَحت القلعة فانه كَانَ منهلا للغريب وَكَانَ ساحة تحفها الدّور وتعلوها الْقُصُور وَبهَا كل مَا تطلبه الشّفة وَاللِّسَان فسكانها لَا يَحْتَاجُونَ لشَيْء من الْمَدِينَة وبهادار الْبِطِّيخ الَّتِي تبَاع بهَا جَمِيع الْفَوَاكِه وَهُنَاكَ الْعين الْمَشْهُورَة الْمجمع على برودة مَائِهَا وعذوبته وخفتة وَكَانَ هُنَا سوق للأقمشة وللفراء وللعبي وللنحاس وللسكاكين وَلِجَمِيعِ الاصناف الَّتِي كَانَت مَشْهُورَة فِي ذَلِك الزَّمن وَكَانَ هُنَاكَ سوق القيق هَذِه هِيَ الابنية الَّتِي هُنَاكَ واما الساحة فانك لَا تَسْتَطِيع ان ترى أرْضهَا لِكَثْرَة مَا بهَا من المتعيشين والوظائفية ويتخلل بَينهم اصحاب الْحلق والمغالبة والمضحكون وَأَصْحَاب الملاعيب والحكوية والمسامرون وَبهَا كل مَا يلذ للسمع وتشتهية النَّفس وهم على هَذِه الْحَال لَا يفترون صباحا وَلَا مسَاء لكِنهمْ فِي الْمسَاء أَكثر مِنْهُم اجتماعا ويستمرون الى طُلُوع الثُّلثَيْنِ وَهُوَ عبارَة عَن ثَلَاثَة طبول مُتَفَرِّقَة على القلعة يضْربُونَ فِي الثُّلُث الأول كل وَاحِد مِنْهُم ضَرْبَة وَفِي الثُّلُث الثَّانِي من اللَّيْل يضْربُونَ كل وَاحِد ضربتين وَفِي الثُّلُث الآخر من اللَّيْل يطلع الْمُؤَذّن على مئذنة الْعَرُوس بالجامع الاموي ويعلق لَهُم قنديل الاشارة فَيضْرب كل طبل من الطبول الثَّلَاثَة ثَلَاث ضربات ويشتغل فِي المنارات بالتسبيح وَالْأَذَان وَكَانَ بِهَذِهِ الساحة خطبتان احداهما بصدرها فِي

بين النهرين

جَامع يلبغا وثانيتهما بآخرها الْمدرسَة المؤيدية قَالَ البدري وبتلك الساحة شَجَرَة حور يحْتَاط بهَا أَرْبَعَة رجال فَلَا ينظر أحدهم لمن يُقَابله لعظم سَاقهَا هـ وَتلك آثَار اندرست فَلم يبْق مِنْهَا الا جَامع يلبغا وَتلك الشَّجَرَة وَالْعين وَأما الساحة فقد صَارَت أسواقا ودورا واقطع أثر الطبول لعدم الِاحْتِيَاج اليها وَبَقِي الْقنْدِيل الَّذِي يعلق فِي مئذنة الْعَرُوس وليته انْقَطع لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِيهِ وجود السَّاعَات وَلكُل زمَان عوائد وَرِجَال بَين النهرين هُوَ مُبْتَدأ الْوَادي كَانَ مُشْتَمِلًا على فُرْجَة سَمَاوِيَّة بهَا دور وقصور وسويقة بهَا حَانُوت طباخ وصاجاتي وقطفاني وفقاعي وحواضري وفاكهاني وأمثالها وعدة مقاعد للجلبية وحمام يشْرَح الصَّدْر وقنطرة يتَوَصَّل مِنْهَا الى جَزِيرَة لَطِيفَة من رَأسهَا يَنْقَسِم نهر بردى فَيصير نهرين والمقسوم مِنْهُ هُوَ نهر الشَّيْخ أرسلان وَبهَا مقصفان للبطالين فِيمَا بَين المقسمين وَكَانَ فِي قبالتهما زواية يقاللها زَاوِيَة الشَّاب التائب يُقَام بهَا يومي السبت وَالثُّلَاثَاء أَوْقَات للوعظويتوصل مِنْهَا الى زقاق الفرايين الْمُشْتَمل على قاعات وأطباقوكم غرفَة بهَا وَكم رواق يطلون بهَا على مَا بَين النهرين وَلكُل من هَؤُلَاءِ ناعورة يستلذ صَاحبهَا بأنينها وَبهَا يَقُول ابْن تَمِيم (وناعورة قَالَت وَقد ضَاعَ قَلبهَا ... وأضلعها كَادَت تعد من السقم) (أدور على قلبِي لِأَنِّي فقدته ... وَأما دموعي فَهِيَ تجْرِي على جسمي) ولبعضهم (لقد كنت غصنا فِي الرياض منعما ... أميس ونصبي فِي أَمَان من الْخَفْض) (فصيرني صرف الزَّمَان كَمَا ترى ... فبعضي لما لَا قيت يبكي على بَعْضِي) وللعلاء ابْن القضامي (وَذَات شجو أسالت ... مدامعا لم تصنها) (تبْكي بفرط دموع ... ويضحك الرَّوْض مِنْهَا)

الشرفان

الشرفان ان الأقدمين شبهوا دمشق فِي حسن وَضعهَا بالباز فَجعلُوا الهامة هامته وأختاروا موضعا سموهُ صدر الباز وشبهوا سفح قاسيون بالجناح الْأَيْسَر وخصوا قِطْعَة مِنْهُ باسم الشّرف الْأَعْلَى وَهِي من سوق ساروجا حَتَّى صدر الباز وشبهوا الْقسم الثَّانِي وَهُوَ من سراي العسكرية فَمَا فَوْقه الى الغرب بالجناح الْأَيْمن وخصوه باسم الشّرف الشمالي وشبهوا الْبَلَد ببطنه وَمِمَّا يَليهَا الى الشرق بالذنب وَبِذَلِك علم موقع كل وَاحِد من الشرفين وَكَانَ بِكُل من هذَيْن الشرفين عدَّة من الْمدَارِس والمساجد وَلكُل مِنْهَا مَا يَكْفِيهِ من الاوقاف الَّتِي استولت عيله أَيدي المتشبهين بالفقهاء فأظهروا فِيهَا أَنْوَاع الْمَفَاسِد ثمَّ تصرفوا فِيهَا بِمُقْتَضى أهوائهم وكل من الشرفين يطلّ على الشقراء وَالْقصر الأبلق كَانَ الَّذِي فِي الْمَاضِي من الزَّمن وبنيت التكية السليمانية والسليمية مَوْضِعه وعَلى المرجة ذَات الْعُيُون والغدران وَقد أَكثر الشُّعَرَاء فِي وصف هاتيك الرياض فَقَالَ النواجي (أَلا ان وَادي الشَّام أصبح جنَّة ... محاسنه مَا بَين أهل النهى تتلى) (وان شرفت بالنيل مصر فَلم تزل ... دمشق لَهَا بالغوطة الشّرف الْأَعْلَى) وَقَالَ عَليّ بن شرف الدّين المارديني فِي غُلَام اسْمه عَليّ من الشّرف الاعلى (حبي عَليّ وَلَكِن وَجهه حسن ... وَفعله المرتضى يحلو بِهِ الشغف) (بدر من الشّرف الْأَعْلَى لَهُ نسب ... وَهل لغير عَليّ ينْسب الشّرف) وَقَالَ ابْن الشَّهِيد (لم يحك جلق فِي المحاسن بَلْدَة ... قَول صَحِيح مَا بِهِ بهتان) (وَلَئِن غَدَوْت مسابقا فِي غَيرهَا ... هَا بَيْننَا الشقراء والميدان) وَمن تَحْرِير القيراطي (سربي الى الشقراء من جلق ... واثن الى الخضراء مِنْك الْعَنَان) (فِيهَا جنان لَو رأى حسنها ... أَبُو نواس للها عَن جنان) (وَانْزِلْ بواديها الَّذِي نشره ... مسك وحصبا النَّهر مِنْهُ جمان)

المرجة

المرجة قَالَ البدري وَمن جملَة محَاسِن دمشق طاحون الشقراء ظَاهر قصر الْملك الظَّاهِر بيبرس بِالْقربِ من زَاوِيَة الاعجام ويليها قَصَبَة سوق فِيهِ احدى وَعِشْرُونَ حانوتا وبأعلاها طباق تطل على المرجة وبآخر السُّوق الْمَسْجِد المطل على نهر بردى قَالَ البدري وَقد أدركتها غير دَائِرَة ثمَّ هدمت فِي أَوَائِل حكم الْملك الاشرف قايتباي انْتهى فعلى هَذَا فان المرجة كَانَت عامرة آهلة وَهِي من المحاسن الَّتِي لَا تدْرك وَبهَا يَقُول التقي مُحَمَّد الْحَمَوِيّ (ذكرت أحبتي بالمرج يَوْمًا ... فقوت أدمعي نيران وهجي) (فصرت أكابد الاحزان وحدي ... وكل النَّاس فِي هرج ومرج) وللقاضي مجير الدّين بن عبد الظَّاهِر (ومرجة وَاد يروقك حسنها ... وَلَا سِيمَا ان جاد غيث مبكر) (بهَا فاض نهر من لجين كَأَنَّهُ ... صَفَائِح أضحت بالنجوم تسمر) (تلاحظها عين تفيض بأدمع ... يرقرقها مِنْهُ هُنَالك محجر) (وَكم غازلت فِيهَا الغزالة مقلة ... تسارق أوراق الغصون فتنظر) (اذا فاخرته الرّيح ولت عليلة ... بأذيال كُثْبَان الربى تتعثر) (بِهِ الْفضل يَبْدُو وَالربيع وَكم غَدا ... بِهِ الرَّوْض يحيا وَهُوَ لَا شكّ جَعْفَر) المنيبع هِيَ متنزه كَانَ بِهِ سويقة وحمام وأ فران وَكَانَ بِهِ الْمدرسَة الخاتوينة وَهِي من أَعَاجِيب الدَّهْر يمر بصحنها نهر بانياس ونهر القنوات على بَابهَا وَلها شبابيك شطل على المرجة بهَا الواح رُخَام لم يسمح الزَّمَان بنظيرها وعدة خلاوى للطلبة وللنواجي فِي هَذِه المتنزه البديع (أيا سادة اهدوا محَاسِن جلق ... لطرفي فَفَاضَتْ بالبكا عبرات) (منيبيع جفني فَوق ربوة جبهتي ... يزِيد ودمعي بعدكم قنوات)

البهجة

الْبَهْجَة وَيُقَال لَهَا الْجَبْهَة هِيَ متنزه أَيْضا وَهِي أَرض مربعة قدر فدانين كَانَت لَهَا سقائف تظلها من غير طين بَين شجر الصفصاف والجوز والحور وكل مفرش حَصِير تحتاط بِهِ جداول المَاء من أَربع جهاته مَعَ البرك والبحيرات بالنوافر وَهِي بِجَانِب نهر بردى وَكَانَ بهَا حوانيت الشرايحية والجزارين والطباخين والحوامضية والاقسماوية والفاكهانية وَغير ذَلِك وَكَانَ بهَا مَسْجِد ومدرستان وبربط للدواب ومقاصفية واقفين فِي خدمَة النَّاس وَعِنْدهم اللحف والأنطاع والعبي لمن يبيت عِنْدهم أَو ينَام وَفِي البهجه قَالَ ابْن حجَّة الْحَمَوِيّ وَلكنه سَمَّاهَا الْجَبْهَة (لما مَلأ الْجَبْهَة بالانوار ... لمنا على ذَلِك خوف الْعَار) (قَالَ أصرفوالي الِاسْم من بلدتكم ... فجبهتي منَازِل الاقمار) وَبِه يَقُول عَليّ بن سعيد (أَن للجبهة فِي قلبِي هوى ... سَاكن عِنْدِي للْوَجْه الْجَمِيل) (برقص المَاء بهَا من طرب ... ويميل الْغُصْن للظل الظليل) (وتود الشَّمْس لَو باتت بهَا ... فَلِذَا تصفر فِي وَقت الْأَصِيل) ويعلوها نهر القنوات وبانياس وينحدر المَاء مِنْهُمَا اليها وَمن فَوق النَّهر حمام النزهه والى جانبة مقصف بحوانيت فِيهَا البضائع ويمر وَسطه نهر قنوات ويتوصل مِنْهُ الى زَاوِيَة الحريري وَقد كَانَت مشورة وَلم يَك فِي وَقتهَا أبدع مِنْهَا وينحدر المَاء الى متنزه كَانَ اسْمه قطية وَهُوَ مقصف كَانَ بجانبها نهر بردى وَعَلِيهِ نواعير متشعبة أراضيه بجداول المَاء والبرك والتجيرات وَبِه قَصَبَة حوانيت يعلوها أَربع طباق ومربط للدواب وَعند المقاصفي العبي واللحف والانطاع حَتَّى الأطباق والملاعق لمن نَأْكُل قَالَ البدري وَهَذَا مِمَّا لَا يُوجد فِي بلد من الْبلدَانِ انْتهى وَذَلِكَ بِحَسب زَمَانه فان المطاعم كَانَت لَا تُوجد الا فِي دمشق ثمَّ عَمت الْبلدَانِ والاقطار وَفِي

البهنسية

ذَلِك المتنزه يَقُول القَاضِي أَحْمد الْكِنَانِي (أيا حسن سلسال على مرج قطية ... اذا مَا جرى فِيهِ نَخُوض وَنَلْعَب) (تهددنا أَغْصَانهَا برؤوسها ... فَينْظر من طرف خَفِي ويرهب) البهنسية هِيَ روض بَين أَشجَار وفواكه وثمرات مَعَ عُيُون من المَاء وَتظهر مِنْهُ الى مرجه جسر بناه رجل يُقَال لَهُ حسن بن شواش وَكَانَ هُنَاكَ مقاصفي وَبيع وَشِرَاء ويتوصل مِنْهُ الى أَرَاضِي حميص مَا بَين رياض وغياض ويعلوها محلّة النيربين وَهِي من أعظم المحلات وأخضرها وأنضرها حَسَنَة الثمرات كَثِيرَة الأزهار وَكَانَ بهَا سويقة وحمام يُقَال لَهُ حمام الزمرد وجامع بِخطْبَة وَكَانَت فِيمَا سلف سكن الرؤساء والاعيان وَمِنْهَا يتَوَصَّل الى أَرض الربوة وَكَانَ الْخَارِج من بَاب يلبغا يمشي بَين أَشجَار واثمار ومياه وظل الى الربوة فَلَا يرى الشَّمْس الا اذا قصد رؤيتها وَبِذَلِك يَقُول الْبَدْر بن لُؤْلُؤ الذَّهَبِيّ (دعِي الله وَادي النيربين فانه ... قطفت بِهِ يَوْمًا لذيذا من الْعُمر) (درى أنني قد جِئْته متنزها ... فَمد لتلقائي ساطا من الزهر) (وَأوحى الى الاغصان قربي فَأرْسلت ... هَدَايَا مَعَ الارواح طيبَة النشر) وَأخذ مني المَاء القراح وحيثما اتجهت رايت المَاء فِي خدمتي يجْرِي وَقَالَ الوداعي (وصبا صبَّتْ من قاسيون فسكنت ... بهبوبها وصب الْفُؤَاد الْبَالِي) (خاضت مياه النيربين عَشِيَّة ... فاتتك وَهِي بليلة الأذيال) الربوة سميت بذلك لِأَنَّهَا مُرْتَفعَة مشرفة على غوطتها ومياها وكل رأب مُرْتَفع على مَا

حوله يُقَال لَهُ ربوة وَبهَا مغارة لَطِيفَة بسفح الْجَبَل الغربي وَبهَا صفة محراب وَكَانَ بهَا جَامع وخطبة وَمحل للدرس وعدة مَسَاجِد وَكَانَ بهَا قاعات وأطباق وسويقتان يشقهما نهر بردى وَكَانَ بهَا صيادون للسمك يصطادون والقلايون على جنب النَّهر يقلون ويذبح بهَا كل يَوْم خَمْسَة عشر رَأْسا من الْغنم وذل غير ماكان يجلب اليها من اللَّحْم من الْمَدِينَة وَبهَا عشرَة شرايحية لَيْسَ لَهُم شغل غير الطَّبْخ والغرف فِي الزبادي والصحون وكل مَا تشتهيه الانفس وَكَانَ بهَا فرنان وَثَلَاثَة حوانيت برسم عمل الْخبز التنوري وَأما الْفَوَاكِه فَلَا قيمَة لَهَا بهَا قَالَ البدري وَلَقَد اشْتريت رَطْل التوت مِنْهَا بِربع دِرْهَم وَمثله الرطل الدِّمَشْقِي من المشمش والتفاح قَالَ وَبهَا حمام لَيْسَ لَهُ نَظِير على وَجه الارض لِكَثْرَة مَائه ونظافته وَله شبابيك تطل على الْأَنْهُر من فَوْقه وَمن تَحْتَهُ وَبهَا طارمة الْمَسْجِد الديلمي الَّذِي جدده نور الدّين الشَّهِيد وَله أوقاف على قَارِئ قرَان ومدرس بخاري ومؤذن وبواب وقيم ووقاد وَغير ذَلِك وللتاج الْكِنْدِيّ فِي وصفهَا (ان نور الدّين لما أَن رأى ... فِي الْبَسَاتِين قُصُور الْأَغْنِيَاء) (عمر الربوة قصرا شاهقا ... نزهة مُطلقَة للْفُقَرَاء) وَقَالَ مجير الدّين أبن تَمِيم (ياحسن طارمة فِي الجو شاهقة ... مَا أَن تمل بهَا العينان من نظر) (نزه لحاظك فِي طاقاتها لترى ... أَصْنَاف ماخلق الرَّحْمَن للبشر) (ترى محَاسِن وَاد يحتوي نزها ... لذاذة السّمع والأبصار والفكر) (وربوة قد سمت حَتَّى تخال لَهَا ... سرا تحدثه للأنجم الزهر) (مَا بَين روض وأنهار مسلسلة ... تجْرِي وَتحمل أنواعا من الثَّمر) (كم بت فِيهَا وخدني شادن غنج ... حُلْو التثني كغصن البانة النَّضر) (أَشْكُو اليه الَّذِي ألْقى ومقلته ... تَشْكُو الي الَّذِي تلقى من السهر) (حَتَّى رَأَيْت نُجُوم اللَّيْل قد غربت ... عَنَّا وهبت علينا نسمَة السحر) (بتنا نجرر أذيال العفاف بهَا ... وَالله يعلم منا صِحَة الْخَبَر) (لاخير لَذَّة فِي تمْضِي ويعقبها ... خَطِيئَة تسلك الانسان فِي سقر)

وَقَالَ السَّيِّد مُحَمَّد ابْن السيدكمال الدّين بن حَمْزَة (رعى الله أَوْقَات الرّبيع بجلق ... وَحيا الحيا أرجاء ربوتها الْغِنَا) (اذا حركت أدواحها شجو عاشق ... تحاكيه باللحن العنادل اذ غنا) (ويذكو بهَا نشر النسيم اذا سرى ... فتذكو بتاريخ الغرام الَّذِي جنا) (وتطرد الانهار فِيهَا كَأَنَّهَا ... سوابق أَفْرَاس أعنتها تثنى) (فَكيف يلام الحازم الرأى ان صبا ... الى ظلها الأملى وَقد أشبهت عدنا) وَتلك القاعة الَّتِي بناها نور الدّين هِيَ على شعب جبل منحوتة بألواح من خشب سقفها نهر يزِيد وأساسها من تحتهَا نهر ثوراومنظرها من الغايات الَّتِي لَا تدْرك ومقابلها فِي الْجَبَل الغربي بذيله دف الزغفران والجبل الشَّرْقِي فِي رَأسه مثل الجنك وَقد اطنب الشُّعَرَاء فِي وصفهَا فَقَالَ ابْن نباتة (فِي الجنك من مغنى دمشق حمائم ... فِي ورق أَغْصَان تشوف بلطفها) (فاذا أَشَارَ لَهَا الشجي بكاسه ... غنت عَلَيْهِ بجنكها وبدفها) وَقَالَ الصّلاح الصَّفَدِي (انهض الى الربوة مستمتعا ... تَجِد من اللَّذَّات مَا يَكْفِي) (فالطير قد غنى على عوده ... فِي الرَّوْض بَين الجنك والدف) وَقَالَ ابْن الوردي (دمشق قل مَا شِئْت فِي وصفهَا ... واحك عَن الربوة مَا تحكي) (فالطير قد غنى على عوده ... فِي الرَّوْض بَين الدُّف والجنك) وَمن لطائفه قَوْله (يَا ربوة اطربتني ... وَحسنت لي هتكي) (اذ لست أَبْرَح فِيهَا ... مَا بَين دف وجنك) وَلابْن حبيب (كم تَحت جنك الربوة الفيحاء من ... دف زهت أشجاره بشنوفها) سقيا لَهَا من ربوة من حل فِيهَا ... اطربته بجنكهاودفوفها)

ولشعبان الآثاري (بِرَبْوَةٍ الشَّام ربت منيتي ... وقر قلبِي وَهِي دَار الْقَرار) (وطيرها المطرب فِي جنكه ... غنى على ناي وعود وطار) وللشريف القواس (أود بِأَنِّي لَو راى الجنك سَاعَة ... وَأنْفق فِيهَا كل مَا أَنا مملك) (فَلَيْسَ لنَفْسي سوى الجنك مطلب ... ودعهم يَقُولُونَ فِيهِ للصب مهلك) وَقَالَ ايضا (سر بِي الى الْوَادي وقف متنزها ... فالجنك غنت فَوْقه الاطيار) (لَو لم تكن هِيَ جنَّة المأوى لنا ... مَا كَانَ تجْرِي تحتهَا الْأَنْهَار) وللقيراطي (سقى الجنك منهل الربَاب فشوقنا ... لطيب المغاني مِنْهُ لم يأتها حصر) (وَحيا بقطر الشَّام أنهارها الَّتِي ... على شَهِدَهَا بالدمع من مقلتي قطر) (وجادت سَمَاء الْغَيْث أَرض سمائها ... غصون رياض الزهر آفافها زهر) (فكم جَاءَنِي مِنْهَا نسيم مُمْسك ... وَعرفهَا للقادمين بهَا الْعطر) وَحكى ان الشَّيْخ شمس الدّين الْخياط الشهير بضفدع خرج مَعَ القَاضِي ابْن خلكان الى الربوة فرايا غلمانا يعومون يَلْعَبُونَ فِي نهر نور الدّين تَحت التخوت الْمَعْرُوفَة بالمنيقبة فَأَنْشد ضفدع قَوْله (لربوتنا وَاد حوى كل بهجة ... فعيش الورى يحلو لَدَيْهِ ويعذب) (تزف لنا الْأَنْهَار من تَحت جنكها ... فَلَا عجب انا نَخُوض وَنَلْعَب)

المقسم

وانشد ابْن خلكان (وسرب ظباء فِي غَدِير تخالهم ... بدورا بأفق المَاء تَغْدُو وتغرب) (يَقُول خليلي والغرام مصاحبي ... أمالك عَن هذى الصبابة مَذْهَب) (فَفِي دمك المطلول خاضواكما ترى ... فَقلت لَهُ دعهم يخوضوا يلعبوا) الْمقسم هُوَ الْمحل الَّذِي يَنْقَسِم فِيهِ النَّهر الى سَبْعَة أَنهَار وحواصله من ينابيع عين التوت وَالنّهر الْمَذْكُور مَعْرُوف مَشْهُور يمر بِالْقربِ من قَرْيَة الزبداني الى ان يلتقي بِعَين الفيجة فيسيران مَعًا الى الْمحل الَّذِي يُقَال لَهُ الْمقسم وَمِنْه يتشعب الى السَّبْعَة أَنهَار ولبرهان الدّين القيراطي (عِنْدِي بِأَرْض الشَّام فرط صبَابَة ... فسقي حما هَا الرحب صَوت غيوث) (وعيوننا لفراق مشمشها حكت ... جَرَيَان أدمعها عُيُون التوث) وللقيراطي (دمشق وافى بِطيب ... نسيمها المتداني) (وَصَحَّ قَول البرايا ... من عَاشر الزبداني) وَهَذَا الانهار السَّبْعَة مِنْهَا يزِيد وثورا بِبَطن الشَّرْقِي ويشق نهر بردى بطن الْوَادي ونهر بانياس ونهر القنوات ونهرالمعنية ونهر الدَّارَانِي بذيل الْجَبَل الغربي وَينزل الى المقاسم بِنَحْوِ عشْرين دَرَجَة كالشاذروان فرؤيته تذْهب الْهم والحزن وَمَا ألطف قَول صدر الدّين الْآدَمِيّ (قَالُوا فُؤَادك بردا عَن محبتهم ... فَقلت نَار الجوى لَا تنطفي أبدا) (بردت قلبِي عَن الاحباب مذ رحلوا ... بمايزيدوما ثورا وَمَا بردا) وللشيخ شعْبَان الآثاري (شوقي يزِيد وقلب الصب مَا بردا ... وَبَان يأسي من المعشوق حِين غَدا)

الحواكير

(وأدمعي قنوات والعذول حكى ... ثورا يلوم الْفَتى فِي عنفه ابدا) (على مغنية بالجنك جاوبها ... شَبابَة كم بهَا من عاشق شَهدا) (فالبدر جبهتها والدف ربوتها ... وخالها مَاتَ من خلْخَالهَا كمدا) هَذَا مَا كَانَ فِي الْقَدِيم من متنزهاتها وَهِي مَوْجُودَة الى الْآن الا أَن أبنيتها تَغَيَّرت وأوضاعها تبدلت وَقَالَ البدري انه كَانَ من ظَاهر بَاب السَّلامَة الى ظَاهر بَاب توما ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ عينا تجْرِي الى الْقبْلَة قَالَ وَرَأَيْت غالبها وأرتويت من أعذبها انْتهى وَنحن لم نر مِنْهَا شَيْئا والارض لله يقلبها كَيفَ يَشَاء الحواكير هِيَ كالحدائق فِي سفح قاسيون والفاصل بَينهَا وَبَين جبل الربوة عقبَة دمر الَّتِي بجانبها قبَّة السيار وَقد تضاربت الآراء فِي هَذَا الْقبَّة فَحكى البدري فِي نزهة الانام فِي شَأْنهَا حِكَايَة ملتقطة من أَفْوَاه الْعَوام مُدعيًا صِحَّتهَا وَهِي لَا أصل لَهَا قَالَ ان نصرا وسيارا كَانَا أَخَوَيْنِ فِي الله وابتنى كل وَاحِد مِنْهُمَا قبَّة يتعبد فِيهَا وَكَانَا اذا اشتاق احدهما لصَاحبه مَشى اليه فِي الْهَوَاء وَهَذِه كَمَا ترى مَوْضُوعَة ملفقة وَزعم كتاب الجرائد فِي عصرنا ان قبَّة السيار مرصد للفلك وَلَيْسَ بِصَحِيح وَالْأَقْرَب للصِّحَّة مَا رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه بِسَنَدِهِ الى أَحْمد بن الْخَيْر الْوراق الدِّمَشْقِي قَالَ لم تزل مُلُوك بني الْعَبَّاس تخف الى دمشق طلبا للصِّحَّة وَحسن المنظر مِنْهُم الْمَأْمُون فانه اقام بهَا وأجرت اليها قناة من نهر منين فِي سفح جبلها الى مُعَسْكَره بدير مران وَبنى الْقبَّة الَّتِي فِي اعلى جبل دير مران وصيرها موقدا توقد النَّار فِي اعلاها لكَي ينظر الى مَا فِي عسكرة اذا جن عَلَيْهِ اللَّيْل وَكَانَ ضوؤها وضياؤها يبلغان الى ثنية الْعقَاب والى جبل الثَّلج انْتهى وَهَاتَانِ القبتان احداهما فِي الْجَبَل الغربي عَن الصالحية وَهِي الْآن بَاقِيَة وَالثَّانيَِة على قمة جبل قاسيون فِي الْجَانِب الشمالي وَقد تهدمت وَلم يبْق مِنْهَا الا بعض آثَار وَهنا انْتهى مَا أردنَا أيراده فِي هَذَا السفرالمبارك بعد تجشم مشاق فِي التنقيب

على تِلْكَ الْآثَار وَكَثْرَة عناء فِي مشاهدتها عيَانًا لانطماسها وتبدل أوضاعها كَمَا يعلم مِمَّا تقدم وتعب فِي استحصال بعض الْكتب التاريخية لِأَن بَعْضهَا فِي دِيَارنَا أصبح معدما وَهُوَ الْقسم الْمعول عَلَيْهِ وَالْبَعْض يتعسر الْوُصُول اليه وَالْبَعْض الآخر لَا يُوجد لدينا الا نَاقِصا ولنذكر هُنَا الْكتب الَّتِى استحضرناها لهَذَا الْمَقْصد الْجَلِيل وَهِي تَنْبِيه الطَّالِب وارشاد الدارس لاحوال مَوَاضِع الْفَائِدَة بِدِمَشْق كدور الْقُرْآن والْحَدِيث والمدارس للشَّيْخ عبد الْقَادِر بن مُحَمَّد النعيمي الدِّمَشْقِي ومختصره للشَّيْخ عبد الباسط العلموي وذيله لمحمود الْعَدوي ومختصره أَيْضا للبقاعي وثمار الْمَقَاصِد فِي الْجَوَامِع والمساجد ليوسف بن عبد الْهَادِي الْمَعْرُوف بِابْن الْمبرد وتحفة الانام فِي فضل الشَّام للبصروي ونزهة الانام فِي محَاسِن الشَّام للبدري والضوء اللامع لأهل الْقرن التَّاسِع للسخاوي وبهجة الناظرين الى تراجم الْمُتَأَخِّرين لرضي الدّين مُحَمَّد الْغَزِّي العامري وتاريخ دمشق لِلْحَافِظِ عَليّ ابْن عَسَاكِر وَمُنْتَخب شذرات الذَّهَب لعبد الرَّحِيم بن شقدة وَالنّصف الاول من الذيل الوافي على المنهل الصافي ليوسف بن تغري بردي وَكتاب مورد للطافة لَهُ وَكتاب صور الاقاليم والمقصد الارشد فِي طَبَقَات أَصْحَاب الامام أَحْمد لابراهيم بن مُفْلِح وطبقات الْحَنَابِلَة لِلْحَافِظِ عبد الرَّحْمَن بن رَجَب والطبقات للكمال بن حَمْزَة وَالْكَوَاكِب السائرة للنجم الْغَزِّي وذيلها لطف السحر لَهُ ايضا وطبقات الشَّافِعِيَّة لِابْنِ السُّبْكِيّ وطبقات الْحَنَفِيَّة والشقائق النعمانية لطاش كبري وتاريخ عبد الرَّحْمَن بن شاشو الَّذِي ضاهى بِهِ نفخه الريحانة وتاريخ ابْن الاثير وكتابوفيات الْأَعْيَان لِابْنِ خلكان وفوات الوفيات للصلاح الصَّفَدِي فَهَذِهِ الْكتب الَّتِي كنت اعتني بمراجعتها اثناء التاليف وَكنت أراجع غَيرهَا أَحْيَانًا من الْكتب المطبوعة كتاريخ مصر للاسحاقي وتحفة الناظرين للشرقاوي وتاريخ المحبي وتاريخ الْمرَادِي وَغير هَؤُلَاءِ من بعض قطع من تَارِيخ ابْن كثير والصفدي والذهبي وَغَيرهم وَالله تَعَالَى أسأَل ان يَجْعَل بِهِ النَّفْع عَاما وان يحيي آثارنا كُنَّا عنينا باحياء آثَار من قبلنَا وان يغْفر لنا زلاتنا وَيسْتر عوراتنا ويسهل أمورنا وَشرح صدورنا وَأَن يعيننا على اتمام مَا قصدناه بِنِعْمَة تَعَالَى وَكَرمه وَقد كَانَ الْفَرَاغ من تبييضه فِي أَوَائِل شهر ربيع الاول سنة ثَمَان وَعشْرين وثلاثمائة والف من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وأكسل وأكمل التَّحِيَّة على يَد ناظم عقده وناسخ برده الْفَقِير اليه تَعَالَى عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن مصطفى بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد الشهير كأسلافه بِابْن بدران الدِّمَشْقِي عَفا الله عَنهُ وَعَن وَالِديهِ ومشايخه وَعَن جَمِيع الْمُسلمين آمين

بعد كِتَابَة مَا تقدم ظَفرت بِخمْس وَأَرْبَعين ورقة من أول كتاب الْبَرْق المتالق فِي محَاسِن جلق للشَّيْخ مُحَمَّد كَمَال الدّين الْغَزِّي العامري الدِّمَشْقِي فالتقطت مِنْهُ مَا يتَعَلَّق بمتنزهات دمشق الَّتِي طمس الدَّهْر أثار أَكْثَرهَا وَقد صدر ذَلِك الْفَاضِل كِتَابه بأرجوزة مُطَوَّلَة من نظمه واليك هِيَ بِتَمَامِهَا قَالَ (الْحَمد لله مفيض النعم ... مول لمن شَاءَ صنوف الْكَرم) (مكون الاكوان بالاتقان ... صنع حَكِيم مبدع متقان) (بِلَا مِثَال سَابق قد صورا ... هَذَا الْوُجُود فَكُن بذا مُعْتَبرا) (فَفِيهِ أكبر شَاهد التَّوْحِيد ... ولقو الايمان كالتشييد) (فكم بقاع خصها بالشرف ... واختها قضى لَهَا بالسخف) (وبلدة حوت رياضا وزهر ... وورودا يانعات ونهر) (وبلدة من عاصفات الْحر ... ظمأى وسقيا أرْضهَا من بِئْر) (وقرية ربت من الأ مطار ... تسقى بِمَاء الديمة المدرار) (مَشِيئَة قد شاءها الرَّحْمَن ... بكفه الاعطاء والحرمان) (هذي دمشق الشَّام دَار اللَّهْو ... فاسند حَدِيثي عَن رباها وارو) (حاكت جنان الْخلد عِنْد الْعرض ... بل قيل عَنْهَا جنَّة فِي الارض) (بل شامة الدُّنْيَا وَعين الْملك ... وَيعرف الدِّينَار عِنْد السبك) (أنهارها عد النُّجُوم الزهر ... وَلَيْسَ الا فِي رياض تجْرِي) (وكل روض فِي مِثَال الْجنَّة واق لاخوان الصَّفَا كالجنة) (فان ترم تَفْصِيل ذَا قُم واستمع ... سهل القريض أَخا الذكاء الْمُمْتَنع) (بعد التَّحِيَّات الغزار الجمة ... تهدي لخير الْخلق مهدى الْأمة) (وَآله الانجاد ثمَّ الصحب ... وَكلهمْ فِي فَضله كالسحب) (هاك اسْتمع مني حَدِيث الشَّام ... دَار التصابي وَالنَّعِيم السَّامِي) (قد خصها الرَّحْمَن بالانهار ... وَطيب الْأَرْوَاح والازهار) (وخصها الْمولى بِذَاكَ الْجَبَل ... وَقل ان يَخْلُو مَكَان من ولي)

(فكم بنى ضمه قاسون ... وَكم ولي عِنْده مدفون) (وَكم صَحَابِيّ بهَا استشهدا ... وَفِي خبايا أرْضهَا قد الحدا) (ودير مران على قاسون ... كَأَنَّهُ فِي ملك أفريدون) (وَتَحْته تِلْكَ الرياض الغضه ... وَبَينهَا الامواه مثل الفضه) (غنت بهَا الاطيار فِي الأفنان ... فمالت الأغصان كالنشوان) (كَذَا الحواكير الَّتِي ينساب ... فِيهَا يزِيد السلسل المطياب) (كم أَن دولاب عَلَيْهِ وشكى ... وشاقه عهد الرياض فَبكى) (وقطر الدُّمُوع فِي الْحِيَاض ... وباح بالاسرار للرياض) (وقرية النّخل مَكَان الصلحا ... فكم بهَا قصد نزيل نجحا) (بالصالحية سميت يَا صَاح ... بل منتدى اللَّذَّات والافراح) (تحفها الْقُصُور والجواسق ... كَأَنَّهَا بَين الربى سرادق) (تظلها الادواح كالأعلام ... تزورها الْأَرْوَاح للسلام) (وكل طير آخذ فِي مغنى ... وكل حزب مِنْهُم فِي معنى) (وموكب الازهار فِي المكافحة ... ونافخات الطّيب مِنْهَا نافخة) (فَلَو ترى الريحان بَين الآس ... واصفر الخيري كالنبراس (كَذَلِك المنثور والسوسان ... وَعِنْده خشخاشة ألوان) (وحلقه المحبوب بَين الزهر ... حاكت سنا الْيَاقُوت فَوق النَّحْر) (وفَاق عرف الطّيب عرف الديك ... لَهُ مقَام السَّبق كالتمليك) (للياسمين الغض عطر ذاكي ... يَحْكِي ضِيَاء الزهر فِي الافلاك) (وَعِنْده النسرين ثمَّ الفاغية ... قد أشبها فِي الطّيب نفح الغالية) (كَذَاك زهر الأرغوان الباهي ... وَثمّ عنبر بوي زهر زاهي) (شقائق النُّعْمَان فِي الأزهار ... كجلنار فاح فِي الاسحار) (وسنبل فِي اللَّوْن كالفيروزج ... وزنبق يزهو بِوَجْه أَبْلَج) (ونرجس بالطل عين شكرى ... باتت تناجينا بِعَين شهرا)

ذكر متنزهاتها

(وَغَايَة الآمال زهر المضعف ... وَفعله فِي الرَّوْض فعل القرقف) (واطيب الازهار بعد الْورْد ... زهر القرنفل عطره كالند) (زهر الأقاحي حَقه من تبر ... كَذَا البهار قِطْعَة من صفر) (وَعند زهر البان لذ القصف ... وطاب لي فِيهِ الثنا وَالْوَصْف) (وَكم مُنَادِي الشوق فِينَا لعلع ... لَدَى زهور سميت باللعلع) (كَذَلِك البلسان زاكي الْعطر ... بالليلك أنعم ياله من زهر) (ان البنفسج فَضله لاينكر ... وعرفه الذاكي كَذَا اللينوفر) (وزهر أزريون فِي الازهار ... يَحْكِي عبير الْمسك فِي الاسحار) (وَعند مرزنجوش طَابَ النشر ... فَلَا تقل ذرين لَا والشحر) (ومبهم الأسما زهور شَتَّى ... وَلم أقل فِي وصف شَيْء حَتَّى) ذكر متنزهاتها (وَأنْظر الى السهمين والميطور ... ترَاهَا جنَّات بِلَا مَحْظُور) (والنيرب الْأَعْلَى مَحل الْأنس ... كَذَلِك الادنى حَيَاة النَّفس) (ونزهة الدُّنْيَا أَرَاضِي سطرا ... لم تلق الا رَوْضَة أَو نَهرا) (وان تصيب جحفل الاطيار ... وَمجمع الازهار والأنهار) (تمشي بهاالامواه مشي الصل ... وحليها الزهر وَنقش الطل) (فرشها الْيَاقُوت والزمرد ... وفوقها شحرورها يغرد) (فكم بهَا روض وَكم من مغنى ... طير التصابي فِي رباها غنى) (وَفِي رياض السفح واللوان ... هبت ريَاح الشيح الجوذان) (والجبهة الغرا مَحل الْبسط ... وشرحة الْوَادي مَكَان الشط) (وَاذْكُر رياض الْقصر والخلخال ... والفيحة الخضراء والسلسال) (مسارح الآرام والغزلان ... معاهد للحور والولدان) (محَاسِن الدُّنْيَا رياض الغوطة ... لماغدت فِي حسنها مغبوطة)

تفصيل أنهارها

(تشقها الانهار والخلجان ... وكل نهر مِنْهُم سيحان) (وَأَيْنَ مِنْهَا الشّعب يابوان ... وَمَا حوى الخابور والميدان) (وَمجمع الامواه جسر الغيضه ... وَحَيْثُ مَا يممت تلق روضه) (ملتفة الأغصان بالأغصان ... ومرتع الأطيار والغزلان) (ومنتدى الأفراح وَادي الربوه ... وَاد حباه ربه بالحظوة) (تجْرِي بِهِ الْأَنْهَار كالكواكب ... لَكِنَّهَا تمشي على الْمَرَاتِب) (قد سَاقهَا حكيمها المهندس ... وخطها فَوق الرئيس الأكيس) (وَكلهمْ قد جَاوز الرياضا ... وبره عَلَيْهِمَا قد فاضا) (فقسموا من بَعْضهَا أقساما ... وخصصوها للقرى سهاما) تَفْصِيل أنهارها (أَولهَا أصل النهور بردى ... كم شوق محرور لَدَيْهِ بردا) (وَعند ثوراها يثور الوجد ... غذاؤه القيصوم ثمَّ الرند) (كَذَا يزِيد أطيب الْأَنْهَار ... اذ جريه فِي دَاخل الْأَحْجَار) (يَا طيب مَاء القنوات العذب ... اذ خصصوه أَهلهَا للشُّرْب) (وصنوه فِي فعله باناس ... نهر زها فِي حسنه ياناس) (يتلوه نَهرا اسْمه الدَّارَانِي ... يمشى يمشي الواله الحيران) (وجدول يُسمى قناة المزه ... مقَامه فيهم مقَام العزه) (هذي النهور السَّبْعَة الْأُصُول ... اسْمَع فدتك النَّفس مَا أَقُول) (أما أَبُو الانهار زاهي الْبَهْجَة ... يشق جَوف الأَرْض تَحت المرجه) (المرجة الخضراء ذَات الشّرف ... وَقد زهت أكنافها بالغرف) (هُوَ مثل السهْم كالمجتاز ... حَتَّى يرى قد شقّ صدر الباز) (وَقد جرى فِي ذَلِك الميدان ... كَأَنَّهُ سَابُور فِي الايوان) (تضمه قنطارمن جلمد ... ترنو كألحاظ الغزال الأغيد) (هُنَاكَ يلقى جدولا قد عذبا ... سَمَّاهُ أهل الشَّام نهر عقربا)

الذي ينقسم من نهري المنيحي والداعياني

(وَبعده من للتصابي داعيه ... سموهُ من أنهارها بداعية) (ثمَّ المنيحي جدول كَبِير ... كَأَنَّهُ من بَينهم أَمِير) (كَذَاك نهر اسْمه الزيديني ... يسير بَين الْورْد والنسرين) (وَثمّ نهر اسْمه الوسطاني ... ومقسم الغربي نهر ثَانِي) (يَا مجمع الأحباب يَا درمينا ... كم ذَا بأشراك الْهوى ترمينا) (وياحياة النَّفس نهر الماصية ... والحاجبي نهر سما فِي السامية) (وَلست أنسى الْجَدْوَل البالاني ... يسير سير الْآبِق الولهاني) (كَذَا خليج اسْمه الشيداني ... ونهر تل الذَّهَب الساماني) (يمشي رويدا صنوه الزابون ... كَذَاك نهر الْملك المصون) (وَبَيت نَائِم نهرها قد عظما ... وجدول يسْقِي أَرَاضِي حزرما) (وجدول يسْعَى الى الغريفه ... يمشي كخود شيق مهفهفه) (وَآخر يسْقِي رياض المتبن ... يمشي إِلَيْهَا كالحكيم المتقن) (وللبلالية خصوا جدولا ... يمشي اليها صحرائها مهرولا) (وَمَا بَقِي يجْرِي الى العباده ... يسْعَى كسعي الْحَيَّة المرتاده) الَّذِي يَنْقَسِم من نهري المنيحي والداعياني (الجامعي نهر بهَا قد عرفا ... وراق حسنا مَاؤُهُ فَوق الصَّفَا) (وجدول يُسمى بنهر البيره ... ياحسن روضات بِهِ معموره) (وجدول المزاز ثمَّ الشق ... غنت عَلَيْهِم صادحات الْوَرق) (وراق مَاء الْجَدْوَل السلطاني ... كم سَار من روض إِلَى بُسْتَان) (وفاقه فِي الْحسن نهر الزلف ... قد اتحفت ادواحه بالطرف) (وجدول يسْعَى الى الخياره ... وَجَربه فِي رونق الاماره) (ولاتدع يَا صَاح نهر الشبعا ... كَذَا البلاطي جدول كالأفعى) (كَذَا كليبا جدول مَعْرُوف ... وَعين ترما نهرها مَوْصُوف) (الى كفر بَطنا خليج يجْرِي ... ونهر جسرين كذوب الْقطر) (وجدول يجْرِي الى حموريا ... سقيا لأوقات مضيت فِيهِ ليا)

ذكر أوديتها

(ونهر سقبا فِي صفا اللجين ... كَأَنَّهُ الاسفنط فِي الدنين) (والأفتريس الْقرْيَة المصطاف ... يجْرِي اليها جدول خطَّاف) (الزهر والأرواح فِي بَيت سوا ... لَهَا خليج كالحباب اذا التوى) (هَذَا الَّذِي قد قسموا من بردى ... فاسمع وَكن فِي قَوْلنَا مُعْتَمدًا) (أما الَّذِي قسمته يادارا ... يامن تخيرت الفيافي دَارا) (نهر العرا والذيب والشراك ... كَذَاك نهر الميلقون الذاكي) (وَالْحجر الدائر شعب خامسه ... وجدول قد خص بالكفارسه) (فقسموه عِنْدهم يَا صَاح ... يامن سناه فِي ضيا الْمِصْبَاح) (نهر الكريمي ثمَّ نهر الغربي ... أَبُو عباد جدول كالقضب) (وَقسمت قنوات يَا مسرور ... نهر الْقصير حَظه التصغير) (وجدول الأشعاب نهر طامي ... يخد وَجه الأَرْض كالصمصام) (ونهر ثورا قسموه فاستمع ... نظما حلا فِي الذِّهْن ثمَّ المسمع) (أَولهَا الْأَنْصَار نهر طافح ... يجْرِي وَنشر الزهر مِنْهُ فائح) (ونهر بشرجدول سلسال ... وَالْمَاء فِيهِ قرقف جريال) (وغالب نهر سليم الْقلب ... وماؤه عذب لذيذ الشّرْب) (كَذَاك نهر بالمحلات اشْتهر ... وصنوه الرداب نهر مُعْتَبر) (كَذَلِك الشباك نهر زاخر ... كَذَا الفراديس الذكي العاطر) (ونهر قلبين ونهر الزَّيْنَبِي ... ونهر بَاب الثُّلُث عذب المشرب) (كَذَاك عليتا خليج مِنْهُ ... حَدِيث عطر الرَّوْض يرْوى عَنهُ) (وَمن يزِيد جدول الشجرية ... ونهر مهْدي فرقة فضيه) (فَهَذِهِ الاصول بالأقسام ... وَكلهَا تجْرِي على الدَّوَام) (مواهب الله الْعلي الْأَعْلَى ... نالتها جلقنا فَكَانَت أَهلا) ذكر أَوديتهَا (ولنشرع الْآن بِذكر الأودية ... اللَّاتِي لأمراض الْقُلُوب أدوية) (اذ كلهم فِي دوحة المعطار ... بالطيب يَحْكِي جونة الْعَطَّار)

ذكرالأعين

(تخاله يبختال كالعرائس ... فِي حلل الديباج والاطالس) (وَكلهمْ فِي حسنه تياه ... تحفه الأزهار والأمواه) (أَوَّلهمْ يَا صَاح وَادي بردى ... وَاد ترى للأنس فِيهِ مدَدا) (تجْرِي عَلَيْهِ بالدموع الْأَعْين ... اذ قصرت عَمَّا حواه الألسن) (ثانيهم وَادي حَيَاة النَّفس ... الربوة الْغِنَا مَحل الْأنس) (وَادي المكرم عِنْده كيوان ... كِلَاهُمَا فِي حسنه غمدا ن) (بِالْقربِ مِنْهُم وادين الجنادله ... دع عَنْك فِي أَوْصَافه المجادله) (وَادي السفرجل منظر فتان ... أنهاره فِي وَسطه غُدْرَان) (وَادي الْحِمصِي صديق الرّوح ... كم ذَا يُغني طيره للدوح) (وأذكر مَحل الشطح وَادي الشقرا ... فَأَيْنَ وَادي آش أَيْن الزهرأ) (وَادي الصفيرا موسم اللَّذَّات ... أوقاته من أطيب الْأَوْقَات) (يظله الشرفان من طَرفَيْهِ ... يفاخر المريخ فِي شرفيه) (وأشرف الوديان وَادي برزه ... فِيهِ بقاع الْفضل حَتَّى أرزه) (لحرنة وَادي معربا ... كِلَاهُمَا عَن حسنه قد أعربا) (ووادي التل الرفيع الْقدر ... يضوع نشرا من عبير الزهر) (وَادي منين أَنْضَرُ الوديان ... أطياره تشدو على العيدان) (وَادي الدريج الطّيب الْأَرْوَاح ... قد غص بالامواه والأدواح) (ووادي حلبون سقَاهُ الْقطر ... على غنا الطير فاح الْعطر) (ونزهة الدُّنْيَا بديع السيما ... وَادي التصابي والهنا بسيما) (ووادي الخضرا محط الرحل ... كم ذَا شددنا نَحوه من رَحل) (يَا صَاحِبَايَ نَار شوقي هيجا ... وعرجا بِي نَحْو وَادي الفيجا) (وأطربا سَمْعِي بِذكر الْوَادي ... وَاد سمي يَا صَاح بالعراد) (ونهر الطامي الْبَهِي المنظر ... وَلَيْسَ مرأى الْعين مثل الْمخبر) (ووادي الشرق عروس الدُّنْيَا ... اذ بَينهم بالْحسنِ نَالَ الْعليا) ذكرالأعين (وَنَتبع الذكرى بِذكر الْأَعْين ... وقاها رب الشَّام شَرّ الْأَعْين)

(أشهرها فِي الْحسن عين الصاحب ... تفوق بالمنثور نثر الصاحب) (وَفِي صفا الراووق عين الخضرا ... مَاء كذوب الدّرّ حَاز الفخرا) (كَذَاك عين اسْمهَا سيافه ... وماؤها فِي غَايَة اللطافه) (وَأجل صدا قلبِي بِعَين منين ... بَين الربى والتين وَالزَّيْتُون) (ياعين ذَاك الرَّوْض يَا فتانه ... يامن سيميتي عِنْدهم مرجانه) (وَلَا تسل عَن لطف عين الكرش ... مَاء قراح لؤلؤي الْفرش) (وَكم جَمعنَا الشمل فِي الوراقه ... عين ترَاهَا بالصفا براقه) (يَا عين يامن بالزينبية عرفت ... من لي بأوقات لديك سلفت) (وَعند عين الشرش روض زاهي ... تأوي اليه زمر الملاهي) (وأنعم بِعَين اللَّذَّة الفضية ... قد سميت يَا صَاح بالرقيه) (وَعين قرقوز سقى عهدي بهَا ... كم للتصابي بِعْت غايات النهى) (وَعين أقلايا حكت بالرصف ... ضِيَاء مرْآة بروض القصف) (عين حروش كالزلال الصافي ... قد أحرزت محَاسِن الْأَوْصَاف) (فَهَذِهِ الْعُيُون ذَات الْقدر ... اذ سقيها الرياض سقِِي النَّهر) (فالبعض مِنْهَا قَارب المدينه ... وَالْبَعْض مِنْهَا للقرى معونه) (وَمَا سواهاصاح لَيست بحصى ... وَلَا تروم الْعد والاستقصا) (فانهض وشمر للتصابي باعا ... قد خص بالحرمان من أضاعا) (فَهَذِهِ الدُّنْيَا وَهَذَا الْعَيْش ... وَغير ذكر الشَّام عِنْدِي طيش) (الا منَاط الْعِزّ والتمكين ... ومهبط الْقُرْآن والتبيين) (واذ حباه الله بالتشريف ... وَخَصه بالسعي والتعريف) (وَعِنْده الأوزار حَقًا تطرح ... وَفِيه للغفران نعم المطمح) (وبلدة الْمُخْتَار عين الْملك ... حامي حمى الاسلام ماحي الشّرك) (قد صحت الْأَقْوَال عِنْد السنه ... فِي أَن فِيهَا من رياض الجنه) (ونالت الْعليا بِخَير الْخلق ... وخيركم بعدِي خدين الصدْق) (وصنوه الْفَارُوق مُحي الدّين ... وثالث الْخُلَفَاء ذُو النورين) (هواطل الرضْوَان فِيهَا تهمي ... بِالرِّضَا وَالْعَفو أرجوا ختمي)

انهارها

انهارها نهر يخرج من قرب الزبداني وَآخر يخرج من صدع جبل الفيجه من نِهَايَة أَسْفَله وَقد عقد على مخرج المَاء مِنْهُ عقد قديم يظْهر أَنه روماني ثمَّ ترفده مَنَافِع فِي مجْرى النَّهر وَيُسمى هَذَا المَاء بنهر بردى ثمَّ يقسم ذَلِك النَّهر على أَرْبَعَة أنهر غربية وَهِي نهر داريا ونهر المزة ونهر القنوات ونهر بانياس وَاثْنَانِ شرقيان وهما نهر يزِيد ونهر ثورا ونهر بردى ممتد بَينهم فَأَما بانياس والقنوات فهما نَهرا الْمَدِينَة مسلطان على دورها يدْخل نهر بانياس القلعة ثمَّ يَنْقَسِم قسمَيْنِ قسم للجامع الْأمَوِي وَقسم للقلعة كل قسم مِنْهُمَا على أَقسَام كَثِيرَة ويتفرق فِي الْمَدِينَة بأصابع مَعْدُودَة مَعْلُومَة وَكَذَلِكَ يَنْقَسِم نهر القنوات فِي الْمَدِينَة وَلَا مدْخل لَهُ فِي الْجَامِع وَلَا فِي القلعة وَيَمْشي المَاء فِي قني مدفونة تَحت الأَرْض الى أَن يصل الى مستحقيها بالدور والأماكن على حسب التَّقْسِيم من متنزهاتها مَا ذكره الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ النابلسي من قصيدة (لم أنس بالنوروز محفلها الَّذِي ... بسروره قلب الحزين تعلقا) (جمع الْأَنَام أكابرا وأصاغرا ... وحوى الملاح مقرطقا وممنطقا) (أَيَّام قطع النَّهر وصل شملنا ... بأحبة ألفوا الخلاعة مُطلقًا) وَمن الْمحَال الممدوحة فِيهَا الجنك وَبِه يَقُول القيراطي (سقى الجنك منهل الربَاب فشوقنا ... لطيب مغاني أرضه مَاله حصر) (وَحيا بقطر الشَّام أنهارها الَّتِي ... على شَهِدَهَا بالدمع من مقلتي قطر) وَقَالَ الشَّيْخ شمس الدّين الْأَسدي من قصيدة (وسقاك يَا سطرا ومقرى صيب ... لدعوده فِي الزّجر هطل شيق) (وحباك يَا أطلال جوسق واصلا ... أَطْرَاف جديا مستهل مُشفق)

جوسق وجديا هما من متنزهات الشَّام (لله سرحة ذَلِك الْوَادي الَّذِي ... قلبِي يهيم بِهِ وَذَاكَ الْجَوْسَقِ) وَمِنْهَا (وَالْقصر والشرفان والميدان ... والشقراء عشق للَّذي لَا يعشق) وَقَالَ الأديب مُحَمَّد بن سعيد السمان من قصيدة (ورشفت بالخلخال حَيْثُ مقاسم الْأَنْهَار ... يجْرِي مَاؤُهَا الرقراق) (ولثمت جبهتها وَفِي أطرافها ... لَك لذ من تِلْكَ الشذا أستنشاق)

§1/1