ملوك حمير وأقيال اليمن وشرحها المسمى خلاصة السيرة الجامعة لعجائب الملوك التبابعة

الحميري، نشوان

ابتداء الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الأمر جد وهو غير مزاح ... فاعمل لنفسك صالحا يا صاح كيف البقاء مع اختلاف طبائع ... وكرور ليل دائم وصباح الدهر أنصح واعظ يعظ الفتى ... ويزيد فوق نصيحة النصاح وانظر بعينيك اليقين ولا تسل ... يا أيها السكران وهو الصاحي تجري بنا الدنيا على خطر كما ... تجري عليه سفينة الملاح تجري بنا في لج بحر ما له ... من ساحل أبدا ولا ضحضاح شغل البرية عن عبادة ربهم ... فتن على دنياهم وتلاحي ومحبة الدنيا التي سلكت بهم ... أبداً مع الأزواج والأشباح كل البرية شارب كأس الردى ... من حتف أنف أو دم سفاح

نسب النبي هود عليه السلام

لا تبتئس للحادثات ولا تكن ... بمسرة في الدهر بالمفراح أًفأين هود ذو التقى ووصيته ... قحطان زرع نبوة وصلاح هود النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح بن ملك ين متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس عليه السلام: أبن يارذ بن مهلائيل بن أنوش بن شيت بن آدم أبي البشر - صلى الله عليه وسلم -. واتفق كثير من علماء السير أنَّ أول نبي مرسل بعثه الله بعد نوح بشيرا ونذيرا وأمينا على وحيه هو هود عليه السلام وهو أبن العرب العاربة وهو الذي يقول في علقمة: أبونا نبي الله هود بن عابر ... ونحن بنو هود النبي الطهر لنا الملك في شرق البلاد وغربها ... ومفخرا يسمو على كل مفخر فمن مثل كهلان القواضب والقنا ... ومن مثل أملاك البرية حمير

قبيلة عاد

ذكر وصية هود عليه السلام ثم إنَّ هودا عليه السلام وصى بنيه ووعظهم فقال: أوصيكم بتقوى الله وطاعته والإقرار بوحدانيته وأحذركم الدنيا فإنّها غرارة خداعة غير باقية عليكم ولا أنتم باقون عليها. فاتقوا الله الذي إليه تحشرون ويقتننكم الشيطان أنه لكم عدو مبين. ثم أقبل على قومه وعمه عاد يوصيهم بما وصى بنيه ويعظهم بما حكى الله تبارك وتعالى عنه: (وإلى عاد أخاهم هوداً، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) إلى قوله (ولا تتولوا مجرمين) فكان ردهم: ما حكى الله تعالى عنهم: (يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين. وقالوا من أشد منا قوة) إلى قوله (ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون) فأهلكهم الله بالريح الصرصر كما قال عز وجل (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية. سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية) فلما هلك عاد على غير دين هود جزع هود عليهم واكتأب فأنشده ابنه قحطان شعرا يسلى عليه بعض ما كان به من القلق والارتماض والحزن على قومه وبنيه وبني عمه فقال: إني رأيت أبي هودا يؤرقه ... حزن دخيل وبلبال وتسهاد لا يحزنك إنْ خصة بدهية ... عاد بن عوص فعاد بئس ما عادوا عاد عصوا ربهم واستكبروا وعتوا ... عما نهوا لا سادوا ولا قادوا

وفاة النبي هود وموضع قبره

بعدا لعاد فما أوهى حلومهم ... في كل ما ابتدوا وكل ما اعتادوا قاموا يردون عنهم سفاهتهم ... ريحا بها أهلكوا أيان ما بادوا إلاّ يظنون إنَّ الله غالبهم ... وإنَّ كلا لأمر الله منقاد يا ليت شعري وليت الطير تخبرني ... أسالم لي لقمان وشداد ويروى أنَّ هذه الأبيات لابنه يعرب ثم إنَّ هودا عليه السلام ومن آمن معه من قومه أقاموا على ساحل البحر مما يلي أرض عاد يعبدون الله حتى ماتوا وانقرضوا قال الخزاعي: ثم توفي هود بالأحقاف من أرض اليمن وقبره هناك معروف بالقرب من نهر الحقيف. قال عبيد بن شرية: إنَّ الذين آمنوا مع هود كانوا أقل من

حديث علي عليه السلام مع الحضرمي عن قبر هود

أربعين نفرا وذكر بعض أهل السير والعلم بأمر هود قال: أخبرنا البحتري عن محمّد بن إسحاق يرفع الحديث إلى أبي سيد الخزاعي عن أبي الطفيل بن أبي عامر لكناني عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنَّ رجلاً من حضر موت جاء يسأل أهل العلم فقال له على كرم الله وجهه: يا حضرمي أرأيت في بلادك كثيبا أحمر أعفر يخالطه مدرة حمراء فيه أراك وسدر موضع كذا وكذا من بلدك هل رأيت قط أو تعرفه؟ قال الحضرمي: نعم والله يا أمير المؤمنين قال عليّ عليه السلام فإن فيه قبر هود عليه السلام. قال وصار أمر هود بعده إلى وصية ابنه قحطان فدفنه بالأحقاف بموضع يقال له بجوار نهر الحقيف. قال وهب: إنَّه لمّا كان في زمن عمرو ذلك الأذعار هبت ريح عظيم فزع أهل اليمن منها وزعموا أنها كانت الريح العقيم فكشفت عن منبر هود عليه السلام وهو منبر من الذهب مرصع درا وياقوتا وعن يمينه عمود من الجزع الأحمر مكتوب عليه بالمستند: لمن ملك الذمار؟ لحمير الأخيار. لمن ملك الذمار؟ للحبشة الأشرار لمن ملك ذمار؟ لفارس الأحرار. لمن

قحطان بن هود ووصيته

ملك ذمار لقريش التجار ويقال إنَّ هودا كتبه وإنَّه من علم الوحي وذمار: غمدان ومأرب وصنعاء وعالية الهنيق وما بينهما فلما صار أمر هود عليه السلام بعده إلى وصيه قحطان لزم طريقته واقتدى بها ولمّا احتضره الموت أقبل على بنيه وأهل بيته يوصيهم فقال لهم: لم تجهلوا ما نزل بعاد دون غيرهم حين عتوا على ربهم واتخذوا إلها غيره يعبدونه من دونه وعصوا أمر نبيهم هود وهو أبوهم الذي علمهم الهدى وعرفكم سواء السبيل (وما بكم من نعمة فمن الله) وأوصيكم بذي الرحم خيرا وإياكم والحسد فانه داعية إلى القطيعة فيما بينكم وأخوكم يعرب أمين عليكم وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا أمره واحفظوا وصيتي واعملوا بها واثبتوا عليها ترشدوا وإياكم والتحاسد والتباغض فقال أي قحطان في ذلك شعرا: أبا يشجب أنت المرجى وأنت لي ... أمين على سري وجهري حافظ عليك بدين لست تنكر فضله ... فقد سبقت فيه إليك المواعظ وواصل ذوي القربى وحطهم فانهم ... ملاذك إنْ حامت عليك البواهظ ولفظك فأعربه بأحسن منطق ... فانك مرهون بما أنت لافظ وكن كاظما للغيظ في كل بدرة ... إذا شخصت تلك العيون اللواحظ تغيظ به الأعداء سرا وجهرة ... بحلمك هاتيك النفوس الغوائظ

يعرب بن قحطان وعدد أولاده

وما ساد من قد ساد إلاّ بحلمه ... إذا لم يلاحظه من البخل لاحظ وكن راكبا محض الشمائل ماجدا ... تقيا نقيا إنني لك واعظ قال نشوان: أم أين يعرب وهو أول معرب ... في الناس أبدى النطق بالإنصاح قال عبيد بن شرية: يعرب بن قحطان بن هود النبي هو أكبر أولاد قحطان وهم: يعرب وخيار وأنمار والمعتم والمناحي ولأي وماعز وغاضب ومنيع وجرهم والملتمس والقاطمي وظالم والغشيم والمغتفر وباقر: ستّة عشر رجلاً وأمهم امرأة من عاد وكلهم قد ملك غير ظالم يملك وقد ك يسير في الجيوش فلما توفي قحطان بن هود قام

ذكر وصية يعرب

مقامه ولده يعرب وخلفه بأحسن الخلافة في أخوته وأهل بيته، وسار سيرته في أهل مملكته وحفظ وصته أبيه وثبت عليها وتجمل بها، وهو أول من ألهم العربية المحضة. وقال فأبلغ، واختصر يجز، وأشار إلى المعنى وحذف. واشتق اسم العربية من أسمه ويعرب، أول من عظمه أهل بيته، حيي بتحية الملك أبيت اللعن وأنعم صباحا. وكان ملكا عظيما لم يغز ولم يكن بنو سام تصدر إلاّ عن رأيه. ذكر وصية يعرب ثم إنَّه وصى بنيه قبل موته وقال: يا بني منى حصلا عشرا وتكن لكم شرفا وذكرا وذخرا. يا بني تعلموا العلم وأعلموا به واتركوا الحسد ولا تلتفتوا إليه فانه داعيه إلى القطيعة فيما بينهم واجتنبوا الشر وأهله فإن الشر لا يجلب عليكم إلاّ الشر وأنصفوا الناس من أنفسكم وإياكم والكبر فإنه يبعد قلوب الرجال. وعليكم بالتواضع فإنه يقربكم إلى الناس ويحبكم إليهم واحفظوا الجار واصفحوا عن المسئ فإنَّ الصفح عن المسئ يحسم العداوة ويزيد مع السؤدد سؤددا ومع الفضل فضلا. وآثر الجار والدخيل على أنفسكم فإن جماله جمالكم ولأن تسوء حالة أحدكم خير له من أنْ تسوء حالة جاره ولأن يفقد الناس المقتدى أكثر من أنْ يفقدهم المقتدى وانصروا المولى في السلم والحرب وفانه منكم ولكم وآثروا المولى من أنفسكم وحقه عليكم مثل حق أحدكم على سائركم وإذا استشاركم مستشير فأشيروا عليه بمثل ما تشيرون على أنفسكم فإنّها أمانة ألقاها في أعناقكم وأمانة ما قد علمتم وتمسكوا

يشجب بن يعرب

باصطناع الرجال تسودوا به غيركم فإن ذلكم يزيدكم شرفا وفخرا إلى آخر الدهر وأنشأ يقول: نعرفكم بما وصى أبوكم ... بما وصاه قحطان بن هود فوصاكم بما وصى أباه ... أبو أبيه عن الجدود أذيعوا العلم ثم تعلوا ... فما ذو العلم كالكل البليد ولا تصغوا إلى جبل فتغووا ... غواية كل محتمل حسود وذو دوا الشر عنكم ما استطعتم ... فليس الشر من خلق الرشيد وكونوا منصفين لكل دان ... لنصفكم من القاضي البعيد عليكم بالتواضع لا تزيدوا ... على فضل التواضع من مزيد فإنَّ الصفح أفضل ما ابتغيتم ... به شرفا مع الملك العتيد وحق الجار لا تنسوه فيكم ... فإن الجار ذو حق أكيد عليكم باصطناع الخير حتى ... تنالوا كل مكرمة وجود قال نشوان: أم أين يشجب خانه من دهره ... شجب وحاه له بقدر واحي وحاه: أي قدره. واحي: أي مقدر. والشجب الهلاك. قيل: فثبت يشجب على هذه الوصية دون غيره من إخوته وعشيرته فساد الجميع

وصية يشجب

بلزومه منهاج أبيه، وحفظه لمّا أمره به وندب إليه، فساد بني سام وملك أمرهم ونهيهم عمره، وحاز اليمن والحجاز، ولم يغير وصية يشجب. ثم إنَّه لأوصى بنيه وأهل بيته، فقال يا بني إني لم أر إخوتي وعشيرتي إلاّ بحفظي وصية أبي يعرب وبعملي بها وثباتي عليها، وإنَّ أبي يعرب لم يسد إخوته وعشيرته إلاّ بحفظه وصية أبيه هود عليه السلام، وبعمله بها وثباته عليها، فأقيموا على ما وجدتموني عليه، وهو الذي أنهيه إليكم، فاحفظوا ذلك واثبتوا عليه، وأعملوا به. والله خليفتي عليكم، والرشيد المهتدي منكم. وأنشأ يقول: أوصى النبي ابنه قحطان جدي بما ... أوصى بنيه أب من بعد قحطان علم حواء أبي دون إخوته ... وحزته بعده من دون إخواني وزادني يعرب من عنده شيما ... وصى بنيه بها يوما ووصاني حفظتها حين ما غيري استهان بها ... وحفظها آخر الأيام من شأني أعبد شمس أبيت اللعن من خلف ... هل بعدي اليوم لي في ملكنا ثاني هل أنت تحفظ عني ما حفظت وما ... به بنيت لكم ملكي وسلطاني إني رأيتك هشا ما جدا فطنا ... وقد إخالك طبا غير كلان قال نشوان: وسبا بن يشجب وهو أول من سبأ ... في الغزو قدما كل ذات وشاح سبأ بن يشجب بن يعرب، ك ملكا عظيما، واسمه عامر، وك يعبد الشمس فسمى عبد شمس، وهو الذي يقول فيه الشاعر:

غزوات سبأ

ورثنا العز من جد فجد ... وراثة حمير من بعد شمس وغزا بابل فافتتحها، وك سبب ذلك أنه لمّا مات أبوه يشجب، ادعى كل واحد من أولاد يعرب الملك، ففتر الأمر، وتغلبت ملوك الأعاجم: بنو فارس على الفرس، وبنو يافث على أرمينية وما والاها، وبنو عوجان بن يافث على انطاكية ودروب الروم، وبنو كنعان على بيت المقدس إلى المغرب. فقام عبد شمس بن. . . . . فجمع بني قحطان وبني هود، وخطب خطبة تركناها للاختصار. ثم زحف إلى بابل فافتتحها وقتل من وجد فيها، وسار خلفهم يقتل، إلى أنْ بلغ أرض غرسان، ثم رجع على بني يافث من ناحية اديلم والخزر إلى أرمينية كل من لقيه، ويستخلف على كل أمة قوما من المتعربين معه، حتى بلغ إلى أرض الجزيرة فبنى صنجة وهي من أوابد الدنيا، ثم لم يزل حتى عبر اى اشام يأسر ويقتل من لقي من بني عوجان بن يافث، حتى أبعدهم إلى خلف عمورية، ثم رجع إلى الشام يسير ويقتل في بني حام، حتى بلغ بهم أقصى المغرب، ومنهم من هرب إلى براري مصر ذات الجنوب، وأذعنوا له بالطاعة فأسكنهم على شاطئ النيل، وكان كلما قتل أمة سبا ذراريهم، فسمى بذلك سبأ، ولم يعرف قبله السبي، وإنّما أحل الله له ذلك لأنهم نكثوا وغدروا وبدلوا الشريعة، ثم بني مدينة مصر وسماها بابليون، لأنه خلف ابنه بابليون واليا على مصر وعلى أولاد حام، وأنشأ يقول: إلاّ قل البابليون والقول حكمة ... ملكت زمام الشرق والغرب أجمل وخذ لبني سام من الأمر قسطه ... ولا تك جبارا عليهم وأمهل

بناؤه السد

وخذ حام من الأمر حظه ... إذا صدقوا يوما على الحق واقبل فإن جنحوا بالقول طاعة ... يريدون وجه الحق والعدل فاعدل ولا تظهرن الجور في الناس يجتروا ... عليك به، واجعله ضربة فيصل ولا تأخذن المال من غير وجهه ... فإنك إنْ تأخذه بالرفق يسهل ولا تتلفن المال في غير حقه ... فإنَّ جاء مالا بد منه فأسدل وداو ذوي الأحقاد بالسيف إنَّه ... متى بلق منك العزم ذو الحقد يعقل وكن لسؤال الناس غيثا ورحمة ... ومن يك ذا عرف من الناس يسأل وإياك والضيف الغريب فإنه ... سيثني بما تؤتيه في كل منزل ثم رجع سبأ إلى اليمن، فبنى السد الذي ذكره الله تعالى في كتابه، واسمه العرم. وهو سد يقبل إليه سبعون واديا بالسيول. ولمّا أسس قواعد السد بناه ولم يتممه. وسبأ هو الذي قسم الملك بين ولديه حمير وكهلان، ونصب ولده حمير ملكا بعد أنْ جمع أهل مملكته، وأجلس ولده حمير عن يمينه وولده كهلان عن يساره، وقال للناس: هذا يصلح ليمني أنْ تقطع شمالي وهل يصلح لشمالي أنْ تقطع يميني؟ قالوا: لا يصلح ذلك لهما، فقال أرأيتم إنَّ غفلت عنها وأراد بعضهما أنْ يقطع بعضا، ما أنتم صانعون؟ فقالوا جميعا: نمنع اليمين عن الشمال، وتمنع الشمال عن اليمين، فقال: أعطوني العهود على ذلك. فأعطوه العهود والمواثيق على منع بعضهما من بعض، فقال: أيها الناس إني لم أرد بيدي إلاّ ولدي هذين حميرا وكهلان، ولا آمن أنْ يختلفا بعدي، فأعطوا حميرا من ملكي ما يصلح لليمين، وأعطوا كهلان ما يصلح للشمال. وإني جعلت حميرا عن يميني لأنه أكبر من كهلان، وجعلت له ما يصلح لليمين. وجعلت كهلان عن شمالي، لأنه أصغر من حمير، فجعلت له ما يصلح للشمال. فقالوا جميعا: يصلح لليمين، والسيف والقلم والسوط، وحكموا للشمال بالعنان والترس والقوس

نسب هي بن بي وشعره

والدواة، وقالوا: إنَّ صاحب السيف يصلح للثبات والوقوف في موضعه، وصاحب القلم لا يكون إلا مديرا فاتقا راتقا آمرا ناهيا، وصاحب السوط لا يكون إلاّ رائضاً سائساً. وحكموا أنَّ صاحب الوقوف والثبات والفتق والرتق والتدبير لا يكون إلاّ الملك الأعظم الراقد في دار المملكة وهو حمير؛ وحكوا أنَّ العنان وصرف لهوادي الخيل، للذب عن الملك نكاية الأعداء حيث كانوا، وحكموا أنَّ الترس يرد به البأس عند اللقاء، وأنَّ القرش ينال به الناوئ والمعادي على البعد منها، وحكموا أنَّ جميع ذلك لا يصلح إلاّ لحائط الدولة والذاب عنها وعن بيضتها والقائم بحروبها وفتوحها وإصلاح ثغورها: وهو كهلان. فتملك حمير الملك الراتب في دار المملكة، وسلم إليه فكنى أبا أيمن لجلوسه عن يمين أبيه، وتقلد كهلان الأطراف والثغور والحروب ومنتوأة الأعداء حيث كانوا، فلم يزلا على ذلك وأولادهما وأولاد أولادهما: ومن ولد حمير ملك قائم بالملك، ومن ولد كهلان ولد قائم بالثغور والأعمال وقود الجيوش والغزو إلى العدو حيث ك، وكان لكهلان على حمير المعونة بمثل معونة اليمن للشمال في الرمي بالقوس والنزع عليها بالنبل؛ وهما في غير القوس والمال والنجدة؛ وكان لحمير على كهلان الطاعة وكفاية ما تقلد من رتق الفتق وسد الخلل واستخراج الأتاوات. وفي ذلك يقول هي بن بي أحد من حضر القسمة هذه: ما سد هذا الورى أبناء قحطان ... إلاّ بفضل لهم وإحسان ما في الأنام لهم حي يشاركهم ... ولا لواحدهم في الأرض من ثاني لم يشهد الناس في بدو ولا حضر ... حكما كحكم عظيم الملك والشان سبا بن يشجب لا بنيه وإنهما ... للسيدان الرفيعان العظيمان

ما قيل في عمر سبأ

أعطي ابنه حميراً منه اليمن وقد ... أعطى الشمال ابنه المسمى بكلهان وقال أقسم ملكي اليوم بينهما ... وقسمة المال للابنين سهمان يعطي اليمن الذي تسطو اليمن به ... فيما يعانيه من سر وإعلان وللشمال الذي تسطو الشمال به ... عند النوائب من بأس وسلطان فالسيف والسوط صارا لليمن معاً ... وهكذا القلم الجاري ببرهان والترس والقوس صارا للشمال وقد ... صار العنان لهما فالمال نصفان وصار ذاك بتاج الملك معتصماً ... دون الجحاجح من أولاد قحطان وصار بالخيل يحمي الأرض قاطبة ... طول الزمان لذاك الآخر الثاني وروى أنَّ سبأ لم يكمل بناء السد حتى نزل به الموت، وقيل إنَّ عمره كان خمسمائة سنة وسبعين عاماً، منها خمسمائة عام في الملك. فلما توفى عبد شمس أنشد ابنه حمير يرثيه؛ وهي أوّل مرثية قيلت في العرب: عجبت ليومك ماذا فعل ... وسلطان عزك كيف انتقل فأسلمت ملكل لا طائعاً ... وسلمت للأمر لمّا نزل فلا تبعدن فكل امرئ ... سيدركه بالمنون الأجل فيا عبد شمس بلغت المدى ... وشيدت مجداً فلم يمتثل وشيدت ذحراً لدار البقا ... فلما أفلت إليها أفل فلم يبق من غير التقى ... وذاك لعمري أبقى العمل وأحكمت من هودٍ المحكما ... تِ وآمنت من قبله بالرسل وأحرمت بالبيت توفي النذو ... رُ كما كان هود لديها فعل

حمير وكهلان ابنا سبأ

وطغت وأهلكت حتى إذا ... رأيت الهلال بها يستهل رحلت وزادك خير التقى ... وقوضت عن حرمتها محل قال نشوان: أو حمير وأخوه كهلان الذي ... أودى بحادث دهره المجتاح حمير بن سبأ بن يشجب بن يعقوب بن هود النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: ثم إنَّ حمير أقام بمملكة أبيه سبأ، وزاد فيها تعظيما، وكهلان ردفه على ذلك، فلم يزل ملكا حتى مات هرماً، وملك زيادة على خمسمائة سنة، ولمّا أسن، جمع بنيه وبني عمه ووجه عشيرته فوصاهم وقال: يا بني - وكانوا اثني عشر رجلاً - اعلموا أنَّه ما اجتمع اثنان متآزران متعاضدان على أربعة أو خمسة من أشتان الرجال إلاّ غلباها وملكا أسرها وقيادها، وما اجتمع خمسة نفر متعاضدان متآزران على عشرة أنفار إلاّ غلبوهم، ولا اجتمع عشرة أنفار متعاضدان متآزران على الجماعة التي تكون ضعفهم عدة في رأي العين من أشتات الرجال، إلاّ غلبوهم وملكوا قيادهم؛ وأيما عصبة غلبت أربعين رجلاً يوشك أنْ تغلب الثمانين والمائة وما فوقها، وغلاب المائة حريون أنْ يغلبوا الألف، ومنتهى العز لفرقة أنْ يطمع فيها ألف رجل، وما من رجل أطاعه رجل فقام له بالمجازاة على ذلك إلاّ أطاعه عشرة أنفار، وما من رجل أطاعه عشرة أنفار

فقام لها بمجازاتها على طاعتها إلاّ إطاعة مائة رجل، وما من رجل أطاعه مائة رجل فقام لها بمجازاتها على طاعتها إلاّ إطاعة ألف رجل إلاّ وقد ساد لا محالة، ومن ساد فقد ملك، ومن ملك فقد أوتى المنتهى من أهل في دنياه. يا بني أطيعوا الأرشد منكم، ولا تعصوا الهميسع فأنه خليفتي بعد الله عليكم وأميني فيما بينكم، وأنَّه لسيفكم وانتم لحد ذلك السيف. وأنَّه لرحم، وإنكم سنان ذلك الرمح. وما السيف لولا هذه؟ وما الحد لولا السيف؟ وما السنان لولا الرمح؟ وما الرمح لولا سنانه؟ انتم بالهميسع وله، والهميسع بكم ولكم. وأنشأ يقول: همسع لا تجهل مع الناس سيرتي ... فسر بها في الناس بعد هميسع بني انهم أوصيك خيراً فأنهم ... تضر بهم من شئت يوماً وتنفع وعمك وأبن العم دونك بعده ... مرد لمن يردى صفاك ومدفع هم لكهف بل هو لك موئل ... وهم لك من دون البرية مقزع وليست عناق الطير يوماً وإنَّ لها ... تذل وتستخذى البغاث وتخضع تؤوب إلى وكر سوى وكرهت الذي ... تؤوب إليه للمبيت وترجع هميسع إنَّ الناس وحش وانهم ... إلى الفرق من رد القوارب أسرع هميسع دار الناس تعط قيادهم ... فحظك منهم أنَّ يطيعوا ويسمعوا هميسع جد بالخير تجز بمثله ... فكل امرئ يجزى بما هو يصنع هميسع لا والله ما أنت حاصد ... طوال الليالي غير ما أنت تزرع

مؤازرة كهلان للهميسع

وأوصيك بالأقصين مثل وصيتي ... بأخوتك الدنيا فهل أنت تسمع قالوا: واقتصر كهلان على ما حكم له به من مؤازرة أخيه، وسلمت إليه الأعنة، وملك لأطراف والثغور، وندب إلى أرض الحجاز جرهم بن الغوث ومن لف لفها وولى عليها سيدهم هي بن بي بن جرهم بن الغوث بن شداد بن سعد بن جرهم بن قحطان، وأمرهم أنَّ يسمعوا له ويطيعوا أمره، وقسم عليهم الخيل والعدة والسلاح والروايا وكتب لهي بن إليَّ ساكني الحجاز من العمالقة وهو وسعد بن هران وبني مطر وبني الأزرق وغفار بالسمع والطاعة ودفع الإتاوة إليه. وكان كاتب عهده له: إلاّ ئك من كهلان عن أمر حمير ... لعامله هي بن بي بن جرهم إلى من بأعراض الحجاز محله ... من الناس طرأ من فصيح وأعجم على أنَّ هيا ليس يعصي وأنَّه ... لديهم لذو أمر مشير مقدم وإلاّ فلا يلحون إلاّ نفوسهم ... إذا ما ابتلوا بالهضلان العرمرم وجهز إلى أرض نجد مما تياسر من الطائف إلى حضر، فإلي ضرية، فحدود اليمامة، الهميمبن عاصم بن جلهمة الجديسي فيمن تخالف من جديس باليمن ومن لحقهم من

إرسال كهلان عمرو بن جحدر أحد من تخلف باليمن من ثمود إلى تيماء وخيبر وتلك النهوج

الأتباع. وكتب له إلى سكان ظهر نجد من العمالقة وعبس الأول وعبد ضخم كتاباً، وهو: باسمك اللهم. من أبن سبا كهلان عن أمر حمير ... إلى أهل للهيم بن عاصم على أنَّ لا يعصي الهميم وأنَّه ... يطاع ويعطى الخرج السوائم وإلاّ فلا يلحون إلاّ نفوسهم ... إذا ما ناموا بالخيل تحت الضراغم قالوا: فتجهز الهميم والياً على أهل الوبر بنجد، وسارت الأدلاء بين يديه، حتى توسط بلاد نجد ما بين اليمامة وجبلي طيء والطائف. فملكها وأخذ الإتاوة من أهلها وانفذ بها إلى كهلان. ثم إنَّ كهلان دعا أبن جحدر أحد من تخلف باليمن من ثمود بن عابر، ليتجهز إلى تيماء فالوادي فخيبر فتلك النهوج إلى ما قارب أيلة، وعقد له الولاية على ساكني هذه البلاد من ثمود وزهرة بن عمليق، وكان كتابه كتاب لعمرو بن جحدر: باسمك اللهم، من أبن سبا كهلان عن أمر حمير ... إلى ساكني الوادي لعمر بن جحدر على طاعة منهم لعمرو بن جحدر ... وللقليل كهلان وللملك حمير ودفع الإتاوات التي يسألونها ... إلى عاملي عمرو الهمام الغضنفر وإلاّ فلا يلحون إلاّ نفوسهم ... إذا زارهم بالبيض والسمر عسكري قال: فتجهز عمرو بن جحدر والياً على ساكني تلك المواضع في أهل بيته وعشائره من بني سام بالخيل والإبل والعدد، حمير قطن بتيماء. فلما توفي حمير، قام بعده ابنه الهميسع، وآزره عمه كلاه وهو شيخ كبير وقتاً، ثم أقبل على ابنه زيد بن كهلان فقال يا بني إنَّ العمر قد ولى، وبقي من أبيك الأثر، فقم من أبن عمك مقام أبيك من

عدد ملوك حمير

أبيه وحفظ الهميسع وصية أبيه، وعمل بها، وأجرى الناس على ما كان أبوه حمير يفعله وقال نشوان: وملوك حمير ألف ملك أصبحوا ... في الترب رهن ضرائح وصفاح آثارهم في الأرض بخبرنا بهم ... والكتب من سيرٍ تقص صحاح أنسابهم فيها تنير وذكرهم ... في الطيب مثل العنبر النفاح ملكوا المشارق والمغارب واحتووا ... ما بين أنقرة ونجد الجاح ملكوا ثمود وعادا الأخرى معا ... منهم كرام لم تكن بشحاح أنقرة: موضع بأقصى بلاد الروم به هلك أمرؤ القيس بن حجر بن حارث الملك أبن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية بن الحارث الأكبر أبن معاوية بن كندة. فلما حضرت امرأ القيس الوفاة في بلاد الروم قال:

ثمود وعاد الأولى والآخرة

كم خطبة مستحنفره ... وحفنة مدعثر وطعنةٍ مثعنجره ... مقبورةٍ بأنقره وله حديث. وقوله ملكت ثمود وعاد الأخرى فإنَّ ملوك حمير ملكت ثموداً وعاداً الأولى وثمود الآخرة والدليل على عاد الأولى وعاد الآخرة قوله تعالى (وأنَّه أهلك عاداً الأولى). وجمير أمة قديمة كعاد وثمود في القدم يدل على ذلك قول الخلجان بن الوهم العادي ملك عاد يخاطب قومه: أفي كل يوم بدعة تحدثونها ... ورؤيا على غير السبيل تعبر فإنَّ لعاد سنة في حفاظها ... سنحيى عليها ما حيينا ونقبر وأنا لنخزي من أمور تسبينا ... بها جرهم فيمن تسب وحمير قوله وملوك حمير ألف ملك يدل قول علقمة بن ذي جدن: يا ابنة القليل ذي فائش الفا ... ئق بعض الكلام، ويحك غضي

عدد التابعية الذين غزوا بلاد الأعاجم

لو رأيت القشيب بعد بهاء ... جارجاً هد بعضه فوق بعض وأقاويل حمير قد تولوا ... بعد عقدٍ للأمر منهم ونقض ألف ملك سقاهم الدهر كأساً ... مرة زلزلت بهم كل أرض والتبابعة منهم الذين غزوا بلاد الأعاجم، سبعون تبعاً؛ يدل على ذلك قول نعمان بن بشير الأنصاري، في شعر له طويل إلى معاوية: لنا بني قحطان سبعون تبعاً ... أطاعت لها بالخرج منها الأعاجم ويدل على ذلك قول لبيد بن ربيعة الكلابي: فإن تسألنا فيم نحن فإننا ... عصافير في هذا الأنام المسحر المسحر: المعلل والمسحر: المخدوع، قال الله تعالى (إنما أنت من المسحرين) أي من المعللين ويقال من المخدوعين ويحتج المفسرون على القولين جميعاً بهذا البيت: عبيد لحي حمير إنْ تملكوا ... ونظلمنا عمال كسرى وقيصر ونحن وهم ملك لحمير عنوة ... وما إنْ أنا من سادة غير حمير تبابعة سبعون من تبع ... توفوا جميعاً أزهاراً بعد أزهر وقال الربيع بن ضبع الفزاري - وكان من المعمرين، عمر ثلاثمائة وخمسين

أيمن بن الهميسع

سنة - حيث يقول: وغمدان إذ غمدان لا قصر مثله ... زهاء وتشييداً يحاذي الكواكبا ومأرب إذ كانت وأملاك مأرب ... توافي جباة الصين بالخرج ماربا وأصحاب بينون وأصحاب ناعط ... خلا ملكهم منهم وأصبح عازبا وقل في ظفار يوم كانت وأهلها يدينون نهراً شرقها والمغاربا لهم دانت الدنيا جميعاً بأسرها ... تؤدى إليهم خراجها الروم دائبا فمن ذا يرجى الملك من بعد حمير ... ويأمن تكرار الردى والنوائبا أولئك مأوى للنعيم كفاهم ... ولكن وجدنا الخير للشر صاحبا وقد ذكرت الشعراء ملوك حمير في أشعار كثيرة لا يحتملها هذا الموضوع لكثرتها ومدى ما ملكوا كثير يزيد على ثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة سنة على ما ذكر أصحاب السير في تاريخهم. وقال نشوان: أين الهميسع ثم أيمن بعده ... وزهير ملك زاهر وضاح في عصره هلكت ثمود بناقةٍ ... لقيت بها ترحاً من الأتراحِ الهميسع بن حمير سبأ. ولمّا توفي حمير قام الهميسع مقام أبيه حمير وحفظ وصيته واستقام عليها وعمل بها، وأجرى الناس على ما كان أجراهم عليه حمير حين ولاه أبوه

وصية كهلان لابنه زيد

سبأ، فاشتدت أطناب المملكة للهميسع، واستحصدت مدايرها وآزره عمه كهلان؛ وهو شيخ كبير وقتا؛ ثم أقبل على ابنه زيد بن كهلان يوصيه بطاعة الهميسع بن حمير فقال: بني، إنَّ العمر واى وبقى من أبيك الأثر، فقم من أبن عمك مقام أبيك من أبيه وأنشأ يقول: يا زيد إنَّ اباك اصبح نسره ... لا يستطيع إلى النهوض سبيلا اليوم عمك خف عنا آفلا ... وغداً ستشهد من أبيك أفولا يا زيد لا تعص الهميسع وانتظر ... ماعونه لك بكرة وأصيلا يا زيد إنَّ لك الحجاز ونجدها ... وإليك أصبح خرجها محمولا وإليك يرفع عن ثمود وغيرها ... عمرو بن جحدر خراجها المسؤلا وإليك من عند الهميم رواحل ... بالخرج تداب في البلاد ذميلا كن للهميسع طائعاً كيما يكو ... ن لك الهميسع ناصراً وكفيلا ولمّا توفي كهلان بن سبأ، قام زيد بن كهلان للهميسع قيام أبيه كهلان، وتقلد ما كان يتقلد من الأعمال في الأطراف والثغور، وجدد لهم العهود، فسمعوا له وأطاعوا، ودفعوا له الإتاوات. ثم إنَّ زيد بن كهلان جرد ابنه عمراً إلى مدين وما حولها، وأمرهم له بالسمع والطاعة ودفع الإتاوة، وكتب له كتاباً نسخته: لعمرو بن زيد من أبيه وعمه ... ألوك من الأحياء من أهل مدين

وفاة الهميسع

بطاعتهم عمراً وتسليم خرجهم ... إليه وحيا من مسر ومعلن وإلاّ فأولى الخليل تغيظ مدينا ... وتسرح أخاها بلحج وأبين وتوفى الهميسع بن حمير وتولى ابنه بعده أيمن بعه فأجال بالشرف والسؤدد، فقال مالك أبن حمير في ذلك: نطيع ولا نعصي أخانا هميسعاً ... وأيمن ما غنى الحمام وسجعا لقد ساد أملاك البلاد هميسع ... وما بلغت تسعاً سنوه وأربعا وأيمن شمنا فيه ما في هميسع ... رأته بنو هود فطيما ومرضعا فو الله ما ننفك نجمع أمرنا ... على ما عليه الرأي والأمر أجمعا ونوصي بنينا أنْ يكون جموعهم ... لأيمن ما عاشوا وما عاش تبعا ثم تولى أيمن بن الهميسع بعد أبيه فسار سيرة أبيه وجده. وحفظ جميع ما انتهى إليه من وصايا أبيه وأسلافه لصيانة الدولة وسياسة الملك، فحمدت أيامه، وشاع عدل، ورغب الناس فيه فحسنت الأحدوثة، ونصب معه زيد بن كهلان ابنه مالك بن زيد ين كهلان. ولمّا مات الهميسع بن حمير وولى الملك أيمن بن الهميسع، أقبل زيد على مالك وهو يقول: أتى يوم الهميسع فاحتواه ... وزيد يومه لا بد آتي وكل لا محالة مستقل ... يؤول من الحياة إلى الممات

وفاة أيمن ابن الهميسع وقيام زهير بن أيمن بالملك

وكل جماعة لا بد يوماً ... تصير إلى التفرق والشتات أملك سر لأيمن في مسير ... لوالده إذا حانت وفاتي أطعمه يطعمك أيمن مثل ما قد ... أطاعني الهميسع في حياتي هو الملك العظيم وأنت فاعلم ... على عماله وعلى الولاة إليك إتاوة الأطراف تجبى ... وتأمر بالجيش الناشرات ثم توفي أيمن بن الهميسع، وولى الملك بعده ابنه زهير بن أيمن، وهو الذي يقول فيه أخوه الغوث بن أيمن بن الهميسع: أبي الملك إلاّ أن يكون وليه ... ومالكه بعد الهميسع أيمن وأن يتلقاه زهير وراثة ... وللتبر في شبر من الأرض معدن قد استوطن الملك الأنيل محله ... وللجذر أغصان وللملك موطن أرى لزهير أذعن الناس كلهم ... كما لأبيه أو لجده أذعنوا وآزره على أمره نبت بن مالك بن زيد بن كهلان؛ وعاضده على ملكه صدراً من ولايته، ثم نصب معه ابنه الغوث بن نبت، فتولى ما كان يتولى نبت مع زهير، ولمّا أسن زهير وصى ابنه عريب بن زهير؛ ولم يكن له أبن غيره، فقال: يا بني أوصيك بتقوى الله، فآثره على من سواه. وأعظك مع جميع حمير بمصارع ثمود نصب أعينكم، وسماع آذانكم، فما أجيب لها نداء، ولا قبل منها فداء ولا ملكوا قبلها حذرا، ولا اعتلقوا لمّا فاجأهم وزرا. بل أصبح بينهم ما اوعدوا به

اعتزال نبت عن العمل, وقيام ابنه الغوث مقامه

فهل تسمع لهم خبراً، أو تنظر لهم أثراً؟ ثم أوصيك أنْ تعمل لدنياك بسنة آبائك، فقد انتهى إليك ما كان من وصية آبائك ووصية جدك سبأ بن يشجب، وما افترق عليه أبناؤه يوم الوصية والقسمة، وما جداك حمير وكهلان، فلا تجرين الأمور إلاّ على ما جرتبه الرسوم من عصرهما ذلك إلى هذه الغاية ووص بذلك من صار ذلك الأمر من ولدك أو بني عمك. وأوصيك بالاستقامة على ما وجدتني عليه من العدل على الرعية والتجاوز عن المسيء، والكف عن أذى العشيرة، والتحفظ بها، والتحبب إليها، فما المرء إلاّ بقومه ولو عز وعلا؛ ثم أنسأ يقول: عريب لا تنس ما وصى أبوك به ... إنَّ الوصية لمّا يعدها الرشد كل امرئ عزه فاعلم عشيرته ... وفي العشيرة يكن العز والعدد أما رأيت ثموداً أمس كيف لقوا ... سوء النكال وعاداً قبلها انجردوا من بعد ما ملؤا سهل البلاد فلم ... ينفعهم عدد منهم ولا جلد ولمّا اعتزل نبت عن العمل في ولاية زهير، ونصب ابنه الغوث، أقبل عليه وكان كاملا في أحواله من الشجاعة، والفطنة، والرأي الثاقب، فقال يرثي أيمن الهميسع ويوصيه: قضى نحبه بعد الهميسع أيمن ... وأيمن فاعلم خير حي وهالك وكل امرئ لا شك يقضي قضاءه ... ويسقي بحوض المنهل المتدارك

وصية نبت لابنه الغوث

فشبه بني الدنيا إذا ما جهلتم ... بتلك النجوم الثاقبات الشوابك فمن بين باد لاح عند طلوعه ... ومن آفل دان وهاد وسالك وكل نور على قدر ذاته ... وسلطانه عند اختلاف المسالك هو الغوث لا ينسى وصيتي التي ... يخص بها الغوث بن نبت بن مالك يطيع زهيراً مثل ما كنت لم أزل ... أطيع أباه أيمناً في المآلك بني عرفت الرشد فاعرف حياءه ... مدى الدهر واسلك في الأمور مسالكي فذكروا أنَّ الغوث بن نبت حفظ وصية أبيه، وعمل بها، وثبت عليها. وتقلد أعمال أبيه من الأطراف والثغور في طاعة الملك زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير، وكتب إلى العمال؛ فسمعوا له وأطاعوا. وحملوا الإتاوة. ثم أنَّه جرد ابنه الأزد بن الغوث واسمه درء إلى مأرب ليستوطنها. وعقد له الولاية على ساكنيها، وأمرهم بالسمع والطاعة، وكتب إليهم كتاباً إلى جميع أهل مأرب: من حضرموت ومرخة، وشبوة القوس وبيحان شعراً: من الغوث عن شورى زهير ورأيه ... إلى مأرب بالأمر والنهي للأزد على أنَّ بعد الغوث للأزد أمره ... وتجبى له الأطراف في الغور والنجد ولا يتعدى طاعة الأزد مأرب ... مدى الدهر ما وهم براكبه يحي

خبر ثمود والناقة

وإلاّ فلا يلحون نفوسهم ... إذا ما منوا بالخافقات وبالجرد وقوله في عصره هلكت ثمود فكان هلاكها في زمن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير. حديث هلاك ثمود ز وهو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح بن لمك أبن متوشلح بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيت بن آدم أبي البشر - صلى الله عليه وسلم - وعلى الطيبين من ذريته أجمعين. قال عبيد بن شرية: إنَّه لمّا أهلك الله عاداً الأولى والآخرة، خلفت ثمود بعدهم فانتشروا في البلاد واثاروها وتكبروا، وساروا في الأرض بغير الحق، وعبدوا الأصنام. وكانت منازلهم بالحجر - وهو وادي القرى إلى رملة فلسطين - ما بين الحجاز والشام وذلك قول الله عز وجل (ولقد كذَّب أصحابُ الحجر المرسلين) وكانوا قوماً عرباً، وأعطاهم الله فضلا في القوة والأبدان وسعة في الرزق، وطولا في الأعمار، فلم يزدهم ذلك إلاّ طغياناً وكفراً، فلما كثر عتوهم، بعث الله إليهم صالحاً عليه السلام، وكان من أوسطهم نسباً وهو صالح بن عمرو بن وهبة بن كاشح بن أحقب بن الود بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، لإارسله إليهم حجة عليهم، فمكث يدعوهم من عصر شبيبته، إلى أنْ صار شيخاً كبيراً وكان من أمرهم أنهم قالوا له: يا صالح قد أكثرت علينا العاء وخوفتنا العذاب، وأنت بشر مثلنا، وذكرت أنَّ الله أرسلك إلينا، ونحب أنْ تأتينا بىية أنْ كنت من الصادقين. فقال لهم صالح: فإذا فعلت

ذلك لكم، وفعله لي ربي وربكم، ما الذي تفعلون؟ قالوا: نعبد إلهك، ونؤمن به، ونتبعك. فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق وتأكد عليهم أشد التأكيد. وكان لثمود عيد في كل سنة يخرجون إليه، يجتمعون، ويأكلون، ويشربون، ويقربن لأصنامهم القربان، فخرجوا وخرج معهم صالح، فلما قضوا ما يحتاجون إليه من عيدهم، وصالح معتزل عنهم قريب من صخرة كانت هنالك، يعبد الله تعالى، فلما كان من الغد، اجتمعوا إلى صالح فتحدثوا ما شاء الله، ثم نظروا إلى صخرة منفردة في قاع أفيق، قالوا: يا صالح، إنا نطلب منك أنْ تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة حمراء عشراء لها ضجيج وعجيج، ورغاء شديد، تفور لبنا سائغا. فإن فعلت لنا ذلك، فعلنا لك فعلنا لك عاهدناك عليه، وإلاّ علمنا أنك كاذب. وإنما سألوا ذلك الجزاء به، وظنوا أنه لا يفعل، ولا يكون منه ذلك، ولا يقدر عليه. ولم يكن الله ليحقر نبيه، وهو القادر على ما يشاء، فقال لهم صالح: زيدوا أعطوني عهودكم ومواثيقكم على ذلك، فأعطوه ما وثق به، ثم قام صالح، وصلى ما شاء الله، ثم رفع رغبته إلى الله، فدعاه، وتضرع إليه، وهم يدعون أصنامهم أنْ تحول بين صالح وبين ذلك. فبينما هم ينظرون اى صالح ما يفعل له إله، وما تفعل لهم أصنامهم، إذ نظروا اى الصخرة تتحرك وترتعد من خشية الله تعالى، ثم اضطربت، فنظروا إليها تتمخض كما تتمخض المرأة للولد، ثم انصدعت وانفلقت عن ناقة عظيمة، على ما سألوا ووصفوا. إلاّ إنَّ الله عظم خلقها على كل دابة في الأرض. وكانت كأنها طود عظيم، رأسها كأعظم بعير فلما رأى ذلك رئيسهم جندع بن عمرو خرو لله ساجدين، وسجد معهم بشر كثير من عظمائهم، وأقر الله عين نبيهم، وصدق ظنه، وكانت العامو من ثمود عند ذلك قد خشو أنْ يموت تلك الساعة، فهل تسمع لهم خبرا، أو تنظر لهم أثرا؟ ثم أوصيك أنْ تعمل لدنياك بسنة آبائك، فقد انتهى إليك ما ك من وصية آبائك ووصية جدك سبأ بن يشجب، وما افترق عليه أبناؤه يوم الوصية والقسمة، وهما جداك حمير وكهلان، فلا تجرين الأمور إلاّ على ما جرت به الرسوم من عصرهما ذلك إلى هذه الغاية، ووصى بذلك من صلى بذلك الأمر من ولدك أو بني عمك. وأوصيك بالاستقامة على ما وجدتني من العدل والرعية والتجاوز عن المسيء، والكف عن أذى العشيرة، والتحفظ بها، والتحب إليها، فما المرء بقومه ولو عز وعلا، ثم أنشأ يقول: عريب لا تنسى ما وصى أبوك به ... إنْ الوصية لمّا يعدها الرشد كل امرى عزه فاعلم عشيرته ... وفي العشيرة العز والعدد أما رأيت ثمودا أمس كيف لقوا ... سوء النكال وعادا قبلها انجردوا من بعد ما ملؤوا سهل البلاد فلم ... ينفعهم عدد منهم ولا جلد ولمّا اعتعزل نبت عن العمل في ولاية زهير، ونصب ابنه الغوث، أقبل عليه وكان كاملا في أحواله من الشجاعة، والفطن، والرأي الثاقب، فقال يرثي أيمن الهميسع - ويوصيه: قضى نحبه بعد الهميس أيمن ... وأيمن فاعلم خبر حي وهالك وكل امرئ لا شك يقضي قضاءه ... ويسقي بحوض المنهل المتدارك

فقام فيهم نفر من مشايخهم، مشايخ أهل الكفر والضلالة. ومنهم رباب بن صعر صاحب كهناهم، والحباب بن خليفة، وردوان بن عمرو صاحب أورثناهم، فنهوا ثمودا عن الإسلام وزجروهم عنهم، وذلك قول الله عز وجل (وأما ثمود فهديناهم فاستجابوا العمى على الهدى). واستحوذ عليهم الشيطان فأعطوا ساداتهم وكبرائهم، وارتدوا إلى الكفر عبيد بن شرية: وثبت جند رأسهم وسيدهم على الإسلام وأناس معه حمير ماتوا رحمهم الله تعالى. ومكنت الناقة في أرض ثمود ترعى الشجر وتشرب الماء. ثم أنْ صالحا خشى عليها سفهاء ثمود فقال: يا معاشر ثمود (هذه ناقة الله لكم أية، فذروها تأكل من أرض الله ولا تمسوها فيأخذكم عذاب أليم) فأوحى الله إليهم (ونبئهم أنْ. . . . . . بينهم، كل شرب مخضر) وقال (لها شرب ولكم شرب يوم معلوم). وقيل كانت يوم شربها، فإذا وردت وضعت رأسها في الماء فتسفه حمير لا تدع قطرة. قال ثم ترفع رأسها فتقوم فتفجع لهم، ثم تدر، فيحلبون ما شاءوا من اللبن، فيشربون منه، ما اشتهوا حليبا، ودخرون منه في آنيتهم ما أحبوا، ويتزودونه كما يتزودون الماء، فيكون لبنها خلفا لهمعن الماء، وسموها الهجول وإذا كان يوم وردهم شربوا من الماء ما شاءوا، وادخروا منه ما شاءوا ليوم وردها. وكانوا من ذلك في سعة وفضل وحالة حسنة، وكانت الناقة إذا جاء الصيف طلعت ظهر الوادي، فهربت منها المواشي من الإبل والبقر والغنم وغيرها من الوحوش إلى بطن الوادي، فيضر بها. . .، وإذا ورد الشتاء والبرد هبطت الناقة إلى بطن الوادي، وذعرت منها الدواب،

إلى ظهر الوادي، في برد شديد وجذب شديد، وأضر ذلك بمواشيهم، وذلك للبلاء الذي أراده الله بهم، وقدره عليهم، فلما كان ذات يوم، أصبحت الناقة في بطن الوادي معها سقب لها على مثل خلقها وهيئتها، فلما رآه كفار ثمود قالوا: سحر صالح الناقة حنتجت سقبا. فمكثوا على ذلك حتى دنا الوقت الذي أراد الله فيه هلاكهم، فانبعثت فيه عجوز ملعونة فاسقة، يقال لها عنيزة بنت غنم، وكانت ذات ماشية كثيرة هي وأخت لها من أمها، يقال لها الصدوف ابنة المحيا. ثم إنْ الفاسقين - عنيزة والصدوف - أجمع رأيهما على عقر الناقة، فأخذتها في المكر والحيل فأتت الصدوف رجلاً يقال له مصدع بن مهرع، فدعته إلى نفسها أنْ عقر الناقة. ونكاحها أنْ فعل لها ذلك. فأجابه رغبة في جمالها وسعة مالها، وانطلقت عنيزة الفاسقة، إلى رجل من أهل مدينة قرح يقال له قدار بن سالف، وكان فاسقا ملعونا جريئا على الله سبحانه وعلى الفواحش وهو أحد التسعة الذين ذكرهم الله تعالى في محكم كتاب بقوله (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون)، فكلمته عنيزة الفاسقة في عقر الناقة، وبذلت له على ذلك نكاح أبنتها الرباب، وكانت وسية الخلق، فأجابها عدو الله إلى ذلك وكان قدار وامقا للرباب قد طلبها فلم يجد إليها سبيلا، وكانت الرباب وكانت الرباب أجمل

امرأة زمانها، فلما ذكرتها أمها لعدو الله، تاقت نفسه إليها فطاوعها، فاجتمع هو ومصدع فتكلما في ذلك، ثم استغويا من سفهائهم ومترفيهم من أهل مدينة قرح سبعة نفر، فتبايعو على عقر الناقة، واجتمعوا في بيت عنيزة. . . . . . وأتتهم الصدوف بما شاءوا من الخمر واللحم، وعمدت إلى ابنتها الرباب فزينتها وحلتها وأمرتها أنْ تبدي محاسنها لقدار، فما رآها الفاسق ذهب عقله، وتام حلمه. وتبرجت الصدوف لمصدع، فذهبت بعقله، وكان ذلك يوم ورد الناقة، فبينما هم في ناديهم، إذ قل عيهم الماء لمزاج الخمر، فطلبووا ماء فلم يقدروا هذا شيء منه، فحمل عليهم مصدع فمرت به فرماها بسهم فانتظم ساقها، وحمل عليها فضرب عرقوبها، وخرت الناقة صريعة لها رغاء شديد، ثم طعن بالسيف في لبنتها فنحرها، وهرب سقبها، فتعلق بحبل يقال له غبق ولحقه مصدع وأخوه فامتنع منها في صخرة منذ الجبل ولم يقدر عليه. قال عبيد بن شرية: وأكب قدار وأصحابه على الناقة، فذبوحها وجزروا لحمها أنَّ ضاء، وأتتهم عنيزة والصدوف بالخمر والقدور إلى الوادي، فنصبوها فشووا وشربوا وأكلوا، وظلوا نهارهم في ذلك المكان يتمتعون ويلهون ويقولون الأشعار، فكان مما روى لنا مما قالوا هذا الشعر: وأصبح صالح فردا حقيرا ... وما يرجو لناقته نصيرا عقرناها بأيد عز ... ولم نخش لذي ثأر نكيرا وما نلق لنا فيما فعلنا ... بها إلاّ الكرامة والسرورا

وأصبح لحمها فنيا غريضا ... تلهوجه وطائفة وغيرا سنطلب صالحا ومصديقه ... لنلحقه بناقة عقيرا سنطلبه ونقتله فمن ذا ... يكون له وإنْ هرب المجيرا فأجابه رجل من المسلمين يقول: عصت بغيا ثمود ربي ... أخاهم صالحا وعصوا قديرا على الأشياء أخرج كي يتوبوا ... لهم من صخرة الوادي بعيرا كما سألوا نبيهم فكانوا ... لمّا قد عاينوا من ذلك بورا سقاهم مثلها ماء معينا ... وأرواهم بها درا غزيرا فما اعتبروا أولاك طغوا عليها ... ببغيهم وغالوها كفورا وقالوا فاعقروها ثم ملوا ... لنا من لحمها الوادي قدورا أطاعوا مصدعا وقدار غيا ... ورهطا تسعة كسبوا الشرورا قال: وكان صالح - صلى الله عليه وسلم - نازحا عنهم في دار قومه، ولا علم له بما فعلوا بالناقة، حتى بلغه الخبر، فخرج مسرعا في عصبة من قومه نحوهم حتى وقف عليهم، فإذا الخمر واللحم عندهم وهم يأكلون ويشربون. فقال هم صالح: أعقرتموها؟ رماكم الله بما لا طاقة لكم به من العذاب وأنتم تنظرون. وقام صالح عليه السلام فصلى ودعا إلى الله، فاستجاب الله دعاءه، وأوحا الله إليه أنْ الصيحة نازلة بهم لثلاثة أيام، فقال لهم صالح (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب)، فقالوا وهم. . . . . . منه: ما علاقة ذلك

يا صالح؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه إنَّ علامة ذلك أنَّ تصبح وجوههم يوم الخميس مصفرة، وتصبح يوم الجمعة محمرة، وتصبح يوم السبت مسودة، ثم يأتيهم العذاب غداة يوم الأحد مشرقين. فلما سمعوا قوله كذبوه، وتآمروا لقتله في ليلتهم تلك، وقالوا: هلموا لنقتل صالحاً وأصابه في ليلتنا هذه ونلحقه بناقته. ونستريح منه؛ فإنَّ يك صداقاً فقد جعلناه قبلنا، وإنَّ يك كاذباً فقد اشر منه. فتعاقدوا على ذلك وتعاهدوا وأجمعوا على قتله؛ فأنطلق قدار وأصحابه حين أسوا حمير أتوا منزل صالح يريدون قتله فوجدوه وأصحابه المسلمين قعودا يذكرون الله تعالى، فلما طال ذلك عليهم قالوا: هلموا لنقتله وأصحابه ولا يعلم أحد من قتلهم؛ وإنَّ طالبنا أحد من أوليائهم، أقسمنا لهم: ما شهدنا مهلك أهله، وذلك قوله تعالى (قالوا تقاسموا الله لنبيتنه وأهله، ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصداقون). ثم وثبوا ليقتحموا البيت على صالح، فبعث الله تعالى ملائكته معهم حجارة من نار، فدمغتهم بها، فهلك قدار وأصحابه، ولا علم لصالح وأصحابه بهم فلما أبطأ قدار ومن معه على قومهم، انطلقوا إلى منزل صالح في طلبهم، فوجدوه على باب صالح موتى، وقد رضخوا بالحجارة. ولم يكن لصالح وأصحابه علم بشيء من ذلك، من قتل قدار وأصحابه ولا بمجيئهم إليهم، فأخذوا صالحاً وقالوا له: أنت فعلت هذا وقتلت أصحابنا، وقد قتلوا على بابك. فوثب رهط صالح دونه وقالوا: والله لا وصلتم إليه أو نموت دونه عن أخرنا، وقد أخبركم أنَّ العذاب نازل بكم إلى ثلاثة أيام فإنَّ يك صادقا فذلك أعز له، وإنَّ يك كاذباً سلمناه الكم بما جناه على نفسه من الكذب؛ وكان رهط صالح أعز بيت في ثمود وأمنعهم، وضيت ثمود منهم بذلك. قال فأوحى الله تعالى إلى صالح بأمر قدار وأصحابه الرهط إذ لم يعلم صالح من قتلهم (إنا دمرناهن وقومهم أجمعين) لمّا أرادوا قتل صالح وأصحابه. وأصبحت وجوههم يوم الخميس مصفرة، سوى صالح ومن أسلم معه. فلما رأوا ذلك أيقنوا بالعذاب، وعلموا أنَّ صالحاً قد صدقهم، فأزدادوا كفرا وطغياناً وجرأة على الله وبغضاً لنبيه صالح على السلام، وأجمعوا على قتله وقتل أصحابه،

وقالوا: لسنا ندعه يعش بعدنا هو وأصحابه، وشغل عنه رهطه بما جاءهم من الأمر. وبلغ صالحاً عليه السلام ذلك عنهم فخرج من بين أظهرهم ومن معه من المسلمين إلى الشام، فلما أصبحت وجوههم يوم الخميس مصفرة ويوم الجمعة محمرة ويوم السبت مسودة، وأيقنوا بالعذاب وجعل بعضهم يخبر بعضاً بما يرون في وجوههم من التغير، فأحتفر كل منهم قبراً لنفسه وتحنطوا ولبسوا أكفانهم، وكانت أكفانهم الأنطاع وحنطوا المر، وجلسوا في حفرهم يوم الأحد، فلما ارتفع الضحى أخذتهم الصيحة، فلم يبق منهم صغير ولا كبير، إلاّ امرأة يقال لها بديعة وكانت مقعدة فأطلق الله رجليها وكانت كثيرة العداوة لصالح عليه السلام فخرجت حمير أتت إلى قرح، فأخبرتهم بما رأته من العذاب الذي أصيب به ثمود، ثم هلكت تلك المرأة حين أخبرتهم بما رأته. قال عبيد: سمعت أبن عباس يقول: إنَّ الله تبارك وتعالى، بعث جبريل عليه السلام فوقف على الفج الذي عقرت فيه الناقة، فصاح فيهم صيحة، فخرجت أرواحهم من أبدانهم فهلكوا جميعاً، إلاّ هذه الجارية المقعدة التي أخبرت أهل قرح بهلاك أهل الحجر. قال عبيد: ثم إنَّ الله تبارك وتعالى اهلك ثمود وأهل قرح، وبعد ذلك لإحدى وعشرين ليلة، قال تعالى (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا)، وفي ذلك يقول مبدع بن تميم؛ وهو من أصحاب صالح عليه السلام شعراً: أبى الله إلاّ أنْ يحل بأرضنا ... من أجل صدوف والعجوز أبها دعت أم غنم شر خلق علمته ... بأرض ثمود كلها فأجابها أزيرق من قر دعته، وربما ... دعت أم غنم للقبيح شبابها

قيام عريب بن زهير

فنادت نداء لم تجد لشقائه ... سوى أبن خديج إذ رأته ربابها وقالت أطع تعل الرباب وأختها ... فدونك أم السقب فاهتك حجابها فصمم عاد ذلك لعقرها ... ونادت صدوف عند ذلك حجابها فقال حباب إني غر فاعل ... لذلك، فنادت مصدعاً فأجابها وقال نشوان: وعريب أو قطن وجيدان معاً ... أضحكوا كأنهم نوى وضاح جيدان بالجيم من ولد الهميسع بن حمير، وحيدان بالحاء المهملة من ولد مالك أبن حمير، عريب هو أبن زهير ولمّا توفي زهير بن ايمن، ابنه عريب احسن قيام حمد فيه ولم يذم، وعدل ولم يجر، وولى معه الغوث بن نبت صدراً من ولاته، ثم أسند العمل إلى ابنه الأزد، فتولى جميع ما كان أبوه الغواث يتولاه لزهير ولعريب، ولم يزل يكلأ الملك، وسن في أعمال الأطراف: أنَّه كلما مات عامل طرف لد عمله الأرشد من ولده أو من أخوته أو من بني عمه، ولا يخرج إلى غيرهم. وأخذ برفع الإتاوة، وجعل له على أهل عمله السمع والطاعة، وأمره أنَّ يحيى رسم من مضى قبله في طاعة من تقلد الملك من حمير، وطاعة

وصية عريب بن زهير لبنيه

من تقبر الأطراف من كهلان ولمّا أسن عريب بن زهير أوصى أولاده وهم أربعة نفر صناجة وجيادة وأبرهة وقطن وصية عريب بن زهير لبنيه فقال لهم: يا بني، إني وجدت الشرف والسؤدد والعز والنجدة والطاعة والملك: تدور على ستّة أشياء. يا بني إني وجدت السؤدد لا يزايل الكرم، ولا سودد لمن لا كرم له. وإني وجدت العزفي العدد حيث ما كان، ولا عز لمن لا عدد له، ولا عدد لمن لا عشيرة له، وإني وجدت النجدة في الأيادي ولا نجدة لمن لا أيادي له وإني وجدت الطاعة مع العدل، ولا طاعة لمن لا عدل له. وإني وجدت الملك في أصطناع الرجال، ولا ملك لمن لا يصطنع الرجال ليكونوا له حصنا. يا بني احفظوا وصيتي، ولا تعصوا أخاكم قطناً فأنه خليفتي بعد الله تعالى، وولي الملك بعدي دون كل أحد، وثم أنشأ يقول: مضت لأسلافنا فيما مضى سير ... سلسلو بها لهم ملكا فما وهنوا وسست بعدهم الملك الذي ملكوا ... وأنت سائس هذا الأمر يا قطن ثم أعد سيرتهم يوما وأنت لها ... لا تعد عن سيرتي ما أورق الفنن

وفاة عريب ومرثاة الأزد له

بالأصل تمرع لا بالفراع مونقة ... وكيف لولا أصله الغصن ذر التغافل عن نيل تجود به ... إنَّ التغافل عياض والهدى فطن ومن هذا قالت العرب: السخاء فطنة، واللؤم تغفل. ولمّا عريب رثاه الأزد فقال: أمسى عريب عن الملك اللقاح وعن ... رعية الملك تحت. . . . . مرموسا وكان فيما مضى الملك اللقاح به ... مستوسق العز في الآفاق مأنوسا لولا أبو وائل خير الورى قطن ... لأصبح الملك ميادا ومنكوسا به استقامت لنا الدنيا وأسعد من ... بالأمس بعد عريب كان منحوسا وولى الملك قطن بن عريب، بعد أبيه عريب بن زهير، وسار في الناس سيرة أسلافه، وآزره الأزد صدرا من ولايته، ثم نصب معه أبنه مازن بن الأزد فندب أخاه نصير بن الأزد وجرده إلى الشحر وعمان في الرجال والعدد، وأمره أنْ يتوطن تلك البلاد، وكتب له: من مازن مهرق فيه الألوك إلى ... من حل في الشحر من عجم ومن عرب أنْ أسمعوا وادفعوا الخرج الوفاء إلى ... نصر ودينوا ولا تعصوه في سبب يوما وإلاّ فلوموا فيه أنفسكم ... إذا منيتم لنا بالجحفل اللجب فسار نصر باب الأزد حمير وصل الشحر، فسمع له من بمشارق. . . . . . إلى عمان، ودفعوا

وصية قطن لابنه جيدان

إليه الخرج، فمن عقر نصب بن الأزد بتلك النهوج الجلندي بن المكبر بن مسعود، وكان ملكا في بقايا مملكة أبن عمارة الأزدي، من فراهيد، وهو يحوي ما بين عمان وسيراف. و. . . . . . قطن أظهر العدل، وأظهر النعمة في أهل بيته، وأشعر. . . . الأمن والعدل، وقمع السفيه وأمن السبيل وأحسن إلى الغريب، وواصل ملوك الأعاجم، فاعتقدوا خلته، وجعله كل واحد منهم معقلا وراء ظهره، وقهر القوم، وقال لابنه جيدان: قد سرت سيرة آبائك، وازددت في السياسة وما شا كلها، فاحتذ على مثالي ويمم في المشكلات مناري، وأنا لك وصيتي في ثلاث خصال: أحسن إلى أهل بيتك، فانه لا قوم للنفس إلاّ بصلاح البدن، واعتدال الطبائع، ولا حياة مع طمو إحداها ولا طغيان واحدة منها ما لم يوصل إليها من الغذاء ما يهيجها إيثار للذة، واتباع للشهوة. وأحسن إلى رعيتك: فمالك من أموالهم، وسلطنتك من فضل طاعتهم، وما أنت إلاّ واحد منهم لولادتك، فاياك أنْ تخرجهم بالعسف والجور، فيرتجوا الراحة عند

غيرك، ويكونوا كمن مال من الفيح إلى الظل، وإذا نزلت العظمة فاتقها بمن اصطنعت من الرجال وبني العم، وأنْ كرموا عليك وساءك ابتذالهم في مجاشمة الموت، فإن الرء قد يتقي السيف عن وجه بيده، لأن في بقيا الوجه و. . . . فيه من آلة الحياة عوضا من اليد - وإنَّ كثر غناؤها - عن الوجه، وواصل من يحادك. . . . . . الملوك بنشر ذكرك في رعاياهم، وأعمر بلادهم بمن يدخلها من أهل عملك إليهم في. . . . . . المنافع، ليروا صورة عدلك عليهمبينة، فإنَّ عدل عليهم سلطانهم كنت شريكا له بشكره، وإنْ جار عليهم كانوا إلى اجتذاب سلطانك أسرع، ولك من رعيتك الأولى أطوع، وأنشأ يقول: . . . . . يا جيدان فاحفظ وصيتي ... ولا نصح أولى من نصيحة والد تفقد بني الأعمام واريش نبالهم ... فهن خبيات لاحدى الشدائد ولا ترفعن بعضا على البعض إثارة ... فتلفيهم ما بين طاغ وحاقد ورب كثير صالح قد أزاله ... ومال به عن طبعه قل حاسد وما صالح الأشياء إلاّ أقلها ... وما هو من أجناس غير واحد أين منهم من بان عنهم بفعله ... لئلا يرى من بعده غير جاهد وأما جميع الناس بالعدل لا تدع ... لهم فيه شكوى مشتك نحو حاسد

تولي جيدان الملك بعد أبيه قطن

وأمن سبيل الناس واقمع سفيههم ... ولا تك في وصل الملوك بزاهد فأنت بهم مستظهر في رعية ... ومجتلب منهم قلوب الأباعد ولمّا حسنت سيرة جيدان بن قطن بعد أبيه وحمدت أفعاله واستحسنت، رأى إنَّ يقلد الملك في حياته ابنه الغوث بن جيدان بن قطن. فقال: وصيت غوثا بما وصى أولئله ... وللوصية إيماء وانكاث قلدته الملك لمّا أنْ رأيت له ... خصائلا نحوك للملك إحثاث وقال نشوان: والغوث المرملين ووائل ... أو عبد شمس ذو الندى الفياح الفياح: الواسع، يقال: بحر فياح. وقال بعض العلماء: خلع جيدان الملك باليمن إلى ابنه، وتبع ذا القرنين لمعرفته بفضله ورغبته في المسير معه. وذكروا أنَّ الغوث بن خيدان ولي الملك في حياة أبيه، وبعد

زواج الغوث بأم البنين ابنة ذي القرنين

وفاته دهرا طويلا. وكان من أحسن الملوك سيرة، وأعلمهم بسيرة آبائه وأجداده. ثم أنَّه خطب إلى ذي القرنين ابنته أم البنين فزوجه بها، فلم يلبث معها إلاّ شهراً حمير توفي وهي حامل بوائل، وخلف في الملك ذا القرنين، وتوافقت على مقامه حمير وكهلان، وسنذكر حبر ذي القرنين. وكان مع الغوث بن جيدان من بني كهلان؛ مازن بن الغوث بن الأزد عاملا على أهل الثغور ولمّا نشأ بن الغوث وخال فيه جده ذو القرنين ما يصلح للملك أشار للناس اليه، فقام وائل بن الغوث بالمملكة، وسار في الناس سيرة حسنة حميدة، وساس أهل زمانه سياسة حسنة، واستكملت جزيرة العرب - من اليمن إلى الحجاز والعروض والبحرين وأدانى الشام - طاعة له وإجابة؛ فلما رأت ذلك ملوك بابل والمشرق ومصر والمغرب خافوا منه أنْ يلاقوا مثل ما لقي آباؤهم الأولون من سبأ بن يشجب، وقاموا من الحمول مع ذي القرنين وسيأتي ذكر نسبه فيما بعد إنَّ شاء الله تعالى. فقال ملوك الآفاق المذكورة: هذا رجل معه بقية من ملك آبائه، وطاعتة ومحبة من أهل الأرض من قبل أبي أمه، فلأفئدة إليه مصغية، والألباب إليه مائلة فداروه عنهم بالروح، وغمروه بالتحف والهدايا، وأدلوا له بالمصانعة وحاطوه بمن متلأهم من رعيته. ثم نصب ابنه عبد شمس بن وائل لدهائه في السؤدد والشرف على أخيه ردمان بن وائل وصية وائل بن الغوث قال له: يا بني اتق الله في نفسك يتقيك ما سواه. واعلم أنك ومن تحت يدك عباد

أولاد عبد شمس بن وائل

الله، فاجعل شكره فيما فضلك به عليهم، إحسانك إليهم. واعلم إنَّ كل مستدعي سائمة يعيش من درها، ويستشعر من دفئها ويجب عليه حياطتها من التلف، وحفظها من السبع، ورد ضالتها، والحاق كسيرها، وتحصين حجرتها وارجاع كل المراتع لها، من ذلك وإلاّ فحقيق أنْ يسترجع منه ما استرعى، ويسترد منه ما استودع، ويحبط ما صنع، ويعزل عن الرعاية، أحوج ما يكون من البلغة والكفاية. فاحذر أنْ تكون ذاك. وأنشد يقول: اتق الله شر سواه ... وبتقوا اوص يا عبد شمس أنت عبد الله ومن رعيت عباد ... الله نفس إذا تعيش كنفسي هو ربي مفضل البعض في الرز ... ق على البعض ذاك في كل جنس فله الشكر والحمد والحق ... علينا وحقه غير منسي وتفقد مع الصباح رعايا ... ك وحطها بمثله حين تمسي ذكر ملك عبد شمس بن وائل فلما توفي وائل بن الغوث؛ قام بمقامه ابنه عبد شمس. فاجتهد وعاش في أهل عصره ميمون الطائر، نضر الأيام، لا ترداد به الرياسة إلاّ جدة، ولا تطوية الليالي إلاّ عن ادخار لعدة، واستعداد لنجدة. فلما بلغ من عمره منتهاه مثال حان في وطره أقصاه؛ جمع بنيه: الصوار وجشم - وفيه المدد من حمير - وزرعة ذو مناخ وقطن وينكف، ولهيبة، وموكف، ومرة، والحطيب، والصهيب والقفاعة فقال:

وصية عبد شمس لأولاده بطاعة الصوار

يا بني، أوصيكم بطاعة أخيكم الصوار، فانه أكبركم وأرجاكم عندي. وأنت يا أبا السميع - وكان الصوار يكنى أبا السميدع - خليفتي بعد الله تعالى عليكم وعلى رعيتي واحفظ مني خصالا لن تضل ما اقتديت بها؛ اعلم أنْ العز لا يتبين في الحرب إلا بصدق اللقاء وحماية الأذمار، وذلك أمارة الغلبة، ولا يتبين في سالم إلا من منع الجار، وشموخ الأنف عن سموه الخسف، والحمل على الدنية. ولن يكون ذلك إلاّ بالرجال، ولن تعرف معك النادر منهم إلا بإبانة قدره، عمن ليس يغني عناءه. لأنك إذا ضممت مسماكين في أحدهما قصر وقع الحمل على الأطول وسقط الأقصر، وكذلك الأدق من الأجدال الحوامل. وأعلم أنْ الملك بيت أساسه العدل، وقواعده التدبير، وحيطانه التيقظ، وأركانه الحزم، وتلاحكه الشدة، وعماده إزراء الكفاة، وعوارضهالقادة، ومواحظه الأتباع. ولا استقامة لمدبري المملكة ومستخرجي الإتاوة إلاّ بمصادقة قادة الجيوش، ولا يحمل قائد الجيش وسائق الجماعة سوى أصحاب الخزانة، وربما وجدت مائة مقاتل وأعجزك كاف، وكثير أنْ يصدق الكرة العشرة من الماءة المقاتل، والمائة من الألف، والألف من عشرة أضعاف. وأنشأ يقول: أوصي بني وإنْ تقارب بينهم ... فيما لدي بطاعة الصوار

إبراهيم الخليل عليه السلام ومعاصرته للملوك الثلاثة

وإليك يا صوار أوصي بالذي ... وصى اليّ ابوتي في الجار ومحل كل حيث يبلغ قدره ... إذ من بها متفات الأقدار إنَّ الأصابع مستو آصالها ... والفرع بين أطوال وقصار ومن الرجال الكل حيث توجهت ... منه الركاب وحامل الأوزار والملك بيت لا تقوم سماؤه ... إلا بأعمدة رست وجدار فالبعض منه ببعضه متدافع ... بالطين فوق الأرض والحجار ولربما عز الخيار وأيوا ... واستنصروا في الدين بالأشرار وعاش إبراهيم الخليل عليه السلام عمر هؤلاء الملوك الثلاثة. وذو القرنين عليه السلام أيضاً لحق عربياً ووائلا. وكان النائب معه على الثغور حارثة بن الغطريف أبن امرئ القيس وقال نشوان: وزهير الصوار أو ذو يقدمٍ ... منيا بدهرٍ سالبٍ طراحِ ولمّا توفى عبد شمس بن وائل؛ قام بمقامه الصوار بن عبد شمس، فالتقط في ايامه آثار أجداده، واستعمل وصية أبيه عبد شمس في المملكة، وأعلم الحساب أنْ الملك كائن في ولده، وغير خارج منهم، إلى مظهر نبي من ولد إسماعيل، وأنهم يملكون في مدتهم شرق البلاد وغربها، ويبلغون من العز ما لا يبلغه غيرهم، فأخذ في جمع المال وادخار السلاح، وأنجد حمير باتخاذ العدد، ولم ينس حظه من العدل وحسن السيرة، حمير حسرت به حياته، فجمع بينه وهم آل شرح يحضب وذو يقدم والسميع والغوث وأشغم

وصية الصوار لأولاده بطاعة ذي يقدم

برك، وأقبل على ذي يقدم من بينهم وقال: يا بني رحم على حفظك من دنياك أنْ تسلبه، ولا تنس من الله تعالى، فانه. . . يناسيك ذكرته. ولا تناصب من ناصبت وقد جعلته ملاذا. . . . . . .، بل لا تسرع بالمباينة عن ضرورة، ولا تعاقبن إلاّ عن جريرة، ولا تخف في الله سواه. وإذا عمرت ما بينك وبينه، فلا تبتئس، وأنْ خرب ما بينك وبين أحد من خلقه. وإذا ملكت الرعية فاحرص على إرهابها دون السوط، وبالسوط دون السيف. فما غلب القول فبالسوط، وما غلب السوط فالسيف غالبه، ولا بقية مع السيف، فلا تركبه إلاّ فيما لا لبسة فيه. وإياك وإجماع الكلمة عليك، فإنَّ بليت فأطفئها عنك بالغفلة إنْ أنظرتك، وباللين إنْ أهملتك، إلى أنْ تستعطف من قدرت على استعطافه بما غلب عليه ذا الطمع، وذا الرئاسة والرتبة بالزيادة في رتبته. واعلم أنك إنْ شححت عندهما بالمال، هو مالهم، وإنْ سمحت فهو مالك. واعلم أنْ اليد إذا أثقلها ما يقع فيها من الطمع تخفف بثقلها ما في القلب، فإذا طفئت الثائرة، وافترقت الكلمة، فما أقدرك على أنْ تقسو. وإياك أنْ ينسلخ عنك يوم من أيام دعتك وحفضك إلاّ وأنت على مثل عدة المهايب وحذر المحارب، فرب ملك أتى عليه مالا يحسبه. وأنشأ يقول: وصى أوائلنا قدما ونحن كما ... وصوا فلا بد نوصي اليوم يا قدم فراقب الله إنَّ الله آثر من ... راقبته، إنَّه يملي وينتقم من يتق الله لا تدحض له قدم ... إلاّ وثبته من بعدها قدم

مؤازرة امرئ القيس الغطريف وأبيه في عمل الغوث ووائل وعبد شمس والصوار وذي يقدم

أو يذكر الله يذكره ويظهره ... لو أنَّه في تخوم الأرض منكتم وعامل الناس بالقول الرقيق فإنَّ ... تعجز فبالسوط أو بالسيف إنْ رغموا والترك مفسدة والقول مذكرة ... والسوط مزجرة والسيف محترم وذلك آخر ما داوى الرجال به ... إذا تعالى عليك الداء والسقم لا تصبرن على منع لواجبة ... من الرعية واصبر إنْ هم سئموا فإن شتمت وإنْ عاقبت بعضهم ... صيرتهم لك أعداء وهم خدم قد يشتم العبد مولاه فيحمله ... كرها وتظلم الزمني فيظطلم لا تجمعن عليك الناس كلهم ... ولا تهاون بداء حين ينسجم وذكروا أنْ امرأ القيس الغطريف بن حارثة البهلول أشرك أباه حارثة في عمل. . . . . الغوث، ثم عمر فاستفرد بالعمل مع أربعة أملاك: مع وائل وعبد شمس والصوار وذي يقدم. ثم قلد ابنه حارث الأحساب - وهو الغطريف - الثغور والأطراف التي ك يتولاها ويتقلدها في طاعة من ذكرنا، وكتب له عهدا وهو: من امرئ القيس ألوك لابنه ... حارث الأحساب عن أمر قدم إلى جميع اناس بالطاعة في ... آفاقها من عرب أو من عجم وأنْ يؤدي الخرج محمولا إلى ... حارثة الأحساب عمال الأمم ولا يلام قدم إنْ أعرضوا ... ووافت الخيل إليهم بالنقم ولمّا ول ذو يقدم بعد أبيه الصوار لميفقد معه غير شخصه فقام ذو يقدم بعد. . . . . . .

قيام ذي يقدم بالملك بعد أبيه

وحذاه باجتهاد واستمر على سيرة من مضى، واستخلف بعده ابنه أنس بن ذي يقدم وقال له: يا بني إنَّ في وصية آبائك الكفاية لمن علم بها وحفظها، وإني أزيدك معها خصالا لا غنى لك عنها، وقد كانت في تدبيرهم وإنْ لم يذكروها: لا تذكر الظهور فتذهب هيبتك، ولا تدمن الحجبة فتنسي ويجترئ عليك كثير من كفاتك، وييأس المتظلم من لقائك، فيظهر التشكي ويظن من ليس مثلك أنْ الرعية إذا رضيت به أنه بدل منك، ولا تقبحن مستنصحافيخفى عليك الخلل وتذم وأنت لا تعلم، ويؤتى عليك من حيث لا تشعر. واعلم أنْ نظام الدولة في اتفاق الأهواء على الملك واجتماع الكلمة معه. ولن يقدر على جمع القلوب في صدر واحد إلاّ بخصلة وهي أنْ تصدر من كل قوم رئيسهم فانه سداد من واءه، فعن غضبه يغضبون، وبرضائه يرضون. وأنشأ يقول: أبا عمرو إذا ما قمت بعدي ... فأمرك بالأقارب والعشير ولا يفقدك مطلول نصيرا ... ولا تظهر لهم ك الظهور وإنْ من الحجاب لمّا يغبي ... عليك الجاريات من الأمور ولا تقبح نذيرا جاء يسعى ... بنصح، فالنذير أخو البشير وأنْ الناس مثل النحل تأوي ... إلى يعسو بها بعد المطير وليس رحى يدور بغير قطب ... ولا عيس تقاد بلا جرير وإنْ العدل مصلح الرعايا ... ومرضاة الصغير مع الكبير

ذكر سنى يوسف وحدوثها أيام ذي يقدم

وإنْ إخافة المولى ومن لا ... تفارقه من الخطر الخطير قالوا: وفي أيام ذييقدم وف سنو يوسف عليه السلام، فقحط البلاد واتصل عليها الجدب، وغارت العيون. وفي هذه الحطمة اعتفد الناس باليمن، ويقول أهل اليمن: إنْ النواصح اتخذ. . . ذلك العصر أو بعده، وذلك أنْ أهل اليمن لمّا قدمموا على يوسف عليه السلام. . . . . . . من مصر، رثى لهم من بعد السفر، فقال: أين أنتم من النواصح ووصفها لهم. . . . . . . آبار النواصح، فكل بئر بقية باليمن من ذلك العهد عتد، لا تنضب ولا تنضب وتحول، وتسم العادية واليوسفية. القصيدة: أم أين ذو أنس وعمرو وابنه المل ... طاط لط بمسحت جلاح الملطاط: ساحل البحر، وز قيل الملطاط في بعض اللغات: رأس هامة البعير، وبه سمى الملطاط أي العالي، والجلاح: الذي يأخذ أعلى الشجر، والمسحت الذي يسأصل الشجر بقلع أصوله، قال الفرزدق: وعض زمان يا بن مروان لم يدع ... من المال إلاّ مسحتا أو مجلف ولمّا توفي ذو يقدم، وقام بعده ابنه ذو أنس، واستن على سنن آبائه، وجرى إلى غايتهم، أقبل على ابنه عمرو دون أخويه - غنم والرتع - فقال له وهو يوصيه:

يا بني، أنْ النعمة سرود، فاربطها بالعمل الصالح، والزيادة بتمام شكر الشيء فاستدرها بالشكر فلا رغبة لمصطنع في اصطناع من لا يظهر جميه، ولا يشكر عليه إنْ لم يكافئ، وإنما النماء في العد. . . . . . . فاستجلبه بصلة الرحم والإحسان إلى العشيرة، وأشرك بني العمك في النعمة، فانه لا بهاء. . . . . . . لا تتبين على حاشية الرجل وأهل بيته، وأفش في الناس العدل، وأذاقهم القسط. يدخل الكافة في عمارة الأرض، واستعمل الأسفار، ولا تنظر في قلة ما يؤخذ من الواحد، فإن القليل إذا أخذ من الجماعة كثير، وإنْ الكثير من البعض قليل، كالتاجر يلحقه سعة ماله من أقل الأرباح، وأكثر من أضعاف ربح المزهد المقل، ولرب قليل خير من الكثير، ولرب أكله حرمت أمثالها وأنشأ يقول: يا عمرو من صاحب الأيام كان له ... على الغرير بها فضل بما اختبروا إنْ الأنيس وإنْ لم ترض عقدته ... يسوى به العاقل العريف ما عمرا من لم يجاز بخير نعمة شردت ... عنه وأصبح عنها يقتفي الأثرا والشكر مفتاح أسباب المزيد لمن ... يبغي المزيد وكافاك الذي شكرا وإنْ في صلة الأرحام ميمنة ... وخير خيرك ما في الأهل قد ظهرا هذاك والعدل أدنى ما يطاع به ... وقد يقود لك البادين والحضر وأما عمرو بن ذي أنس، ويقال ذي أبين، فانه لمّا توفي ذو أبين - وهو ذو أنس -

وصية ذي أنس إلى ابنه الملطاط

عام من بعده ابنه عمرو مضطبعاً بعبء الرياسة، مستحقاً لمّا قلد، حافظاً لمّا أؤتمن عليه، كأنه قد شاهد أباه فكان ما وصاه حاضراً بين يديه. ثم أسند الأمر إلى ابنه الملطاط وقال: يا بني، إنَّ الملك ثمرة حلو جناها، وحسن رواها. كل فاغر لها بقيه، وليست لا بالحرسة والحفظة. فلا تزهدن في اصطناع الرجال، وادخار الثقات. ولا يغرنك أنَّ تقول إذا اعتمدت المال كانت الرجال أقرب، فرب ملك اطرح أهل الثقة والنجدة فطمع في جزائه، وأخذ بكظمه على حين لم يسعفه من الرجال إلاّ الطريف الذي لا اصطناع له بحمل، فكان كمن أراد أنَّ يحصد يوم بذر، وإنّما منافع المال بالمقدمات من أنفاقه، ولولا إنَّ الرجل يصبر على جواده من يوم أفتلائه إلى أوان قروحه؛ ما انتفع به ساعة حاجته، ولربما رأيت الرجال تأتي بالمال وتكتسب التلاد في المدة اليسيرة ولا يكسبك مالك الرجل النادر إلاّ بعد المدة الطويلة، وإذا لجأت إلى حصن فتفقد داخله معك، فأن الحصن بثقاته، والمنزل بجاره، وأدل العيون على أعداتك تباطل ما يمكرون، وتأتيهم من حيث لا يشعرون وأنشأ يقول: أوصيك يا ملطاط فاحفظ وصيتي ... كحفظي لمّا وصى به سلف الخالي بأن لا تصون المال من رجل رضي ... فإنَّ رجال الناس تأتيك بالمال

وفاة عمرو ذي أنس وقيام الملطاط

والمال يأتي في المهم بمانع ... يحامى عليه غير ذي التكلة الآل سوى بقعة في قرقري أو خلالة ... يخللها ما بين أضراسه الخالي فأدل عيون الحرب تأمن بياتها ... وحاد بأكثار وبيت باقلال ورادف بأحراس عليك ومثلهم ... عليهم فهم باب عليك بأقفال وأنت فشرد بالظنين فانه ... يخونك من حال وأنت على حال أمنت فسكنى الحصن مجلس ... ومفتون أقياد عليك وأغلال ولمّا توفي عمرو بن ذي انس قام بعده الملطاط بحزم وعزم، ووازره على الثغور حارثة الأحساب بن امرئ القيس بن ثعلبة كما وازره أباه وجده وجد أبيه، وذلك أنَّ عمره شبيه بعمر أبيه ثلاثمائة وستاً وثلاثين سنة بقولهم، ثم أوصى ابنه عامرا ماء السماء في أيام الملطاط فقال: يا عامر الخير إني قد وهى بصري ... ورابني ما يريب المستربينا ورابني ما يراب أبن الثلاث به ... من المئات الخوالي والثمانينا قلدت أعمال أسلافي وقلدها ... قبلي اللهاميم الأغرينا فاثبت على كل ما أوصى إليك وما ... قد كان قدماُ به الآباء توصينا لا تعد عن طاعة الملطاط انك ما ... لم تعصه كدم عند المشجينا

سبب تسمية عامر بماء السماء

لم تعص آباؤنا آباءه ولقد ... كانوا لآبائنا قدماً مطيعينا أنا نجيب بني أعمامنا وهم ... إذا دعوناهم يوماً أجابونا نعزهم فيعزونا وننصرهم ... فينصرونا ونكفيهم فيكفونا نسعى لهم بين أيديهم إذا نهضوا ... وإنَّ نهضنا يكونوا بين أيدينا إذا مضى سيد منا يقوم لنا ... مقامه سيد نعده فينا تحكى أواخر أقوامي أوائها وإنَّ من بعدا منا سيحكينا يا عامر الخير لا تنس الوصاة وكن ... بعدي لقومك من خير الوصيبينا قال: وإنّما سمي عامر ماء السماء لأنّه كان يقيم مائه إذا مست الناس مقام المطر، فيتبلغ الناس بعطائه ورفد وقت الجدب، إلى أنَّ يلحقهم المطر والخصب ويذكر إنَّ عامر بن حارثة جرد إلى الشام زيد بن ليث في أحياء قضاعة وحمير بأمر المطاط وولي عليهم زيد بن حارث ليث بن سعود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة من حمير وكتب كاتباً إلى أهل الشام نسخته: نزيد إلى من حل بالشام حجة ... من الملك الملطاط والقيل عامر على أنَّ زيداً ليس يعصي وينتهي ... إلى أمر زيد كل باد وحاضر ويعطونه الخرج الذي يسألونه ... وفاه ولا يلقونه بالمعاذر وإلاّ فلا يلحون إلاّ نفسهم ... إذا ما منوا بالسلهبات الضوامر

تفرق عشائر زيد بن ليث عند وصولهم الحجاز

قال: فلما صار زيد بن ليث بالحجاز؛ وقع بين عشائره كلام، فاقترفت قضاعة عنهم، فمنهم من رجع إلى اليمن، فنسلهم بها إلى اليوم، وهم خولان ومهرة ومجيد ومنهم من نزل الحجاز ونسله بها، وهم بلى بن عمرو، وبهراء بن عمرو، وأقام زيد بالحجاز، فأفترق نسله بها؛ من سعد وعذره وجهينة ونهد، فارتفعت إلى نجد العلياء، وقد كانت دهراً طويلا بتهامة. وأما من مضى من قضاعة إلى الشام ومصر والبحرين؛ فنسله بها إلى اليوم وهم: كلب بن وبرة وتنوح وسليخ وخشين والقين والعليص القصيدة: والملك بعدهم إلى شددٍ به ... عصف الزمان كعاصف الأرياح

وصية الملطاط إلى ابنه شدد

ذكروا: إنَّ الملطاط وصي إلى ابنه شدد، فقال: يا بني، لو أنَّ ملكا يستغنى بثاقب رأيه دون آراء الناس لفضل عقله، وكمال معرفته، وحسن رويته، وبارع أدبه وفطنته، وعلمه بما تقدم من التجارب لأسلافه، مع حفظه ورواه وأحاط به من سنن الأوائل من آبائه وسير الماضين من أجداده، لكنت من أغنى الملوك، عن مشاركة أهل الآراء، ومشاورة الأقوال، ووصية الموصين إلاّ أنه لا بد للملك ممن يعينه في الرأي والأمر والنهى، ولا بد له من مشير يحمل عنه مض ما يثقله من ذلك، ولا بد المولد من وصية الوالد، قلت الوصية أو كثرت. وأنشأ يقول: جربت قبلك أسبابا علمت بها ... في الملك بيني وبين الناس يا شدد فلم أجد عدة للملك تكلؤه ... مثل النوال إذا ما قل العدد ولم أجد طاعة كالعدل إنَّ نزعت ... عن طاعة لمليك في الأنام يد والناس كالوحش إنَّ داريتهم شرعوا ... وان دنيت لهم عافوا وما وردوا متى أطاعتك سادات العشيرة لا ... يعصيك في الناس فأعلم بعدها أحد داري الورى وذوى القربى وجدلهم ... بالفضل انك مطلوب بما تجد وذكروا إنَّ شدد بن الملطاط امتثل ما عهد إليه أبوه، فسعد به من قاربه، وحظى به من لم ينأ عنه. ولم يكن له ولد غير ابنين: الحارث الرائش، ووتار، فأسند إليه الملك وأشهره به، وقال له:

وفاة شدد, وقيام ابنه وتار

يا بني، إنَّ الملوك لا يسمحون بالملك أنْ يخرج من أحدهم في حياتهم إلاّ إلى الولد والقريب، حمير إذا حيل بينه وبينه، وبلغت النفس اللهاة قال: هاك خذه حباء! هيهات جاد بما ليس له. إلاّ وإني أحبوك به أحرص ما كنت على الحياة، ألا وإنَّ الالغبطة أنفس من القارضة؛ ولرب قائل منهم يقول: ألا يا ليتني إذا مت أرجع فأنظر ما يصنعون. ألا وإني جعلت آخر الأمر أوله لأخرج من الدنيا وليس لي شجن فيها، وأنشأ يقول: جعلت عمري أثلاثاً فأوله ... صبي وأوسطه للغشم والحرث ثم استقمت فكان الثلث آخره ... قسما لدنياي موفوراً لآخرتي فلما توفي شدد قام بعده ابنه وتار، وكان ولي عهده، وكان في عهد إليه: إذا أنا مت فقف عمرك على خمس خصال، تستعذب وردها، وتستعدي صدرها، وتحمد غبها: على فرض لله تؤديه، وقرض لنفسك نقضيه، وتيقظ في الملك تحميه، وحكم عدل في الرعية تمضيه، ولذي اللب في غير الدهر ما يكفيه ولم تطل مدة وتار، ولا ثبت قدمه في الملك؛ حمير نازعه عمومته بنو الصوار في الأمر، وقالوا: نحن أقعد، وإنّما هو ملك أبينا، ولن نتخاطى به إلى الأولاد دون الآباء. فشح في ذلك وشحوا، وتداعوا إلى الحرب. ولمّا رأت ذلك وجوه حمير خافوا الفرقة وحاذروا القطيعة، فرأوا خلع وتار وإخراج عمومته من الملك، وفتلوا حبل الملك في

إقامة بتع بن زيد

يد بتع بن زيد صاحب السد سد بتع. فملك بتع بن زيد وحسنت سيرته ورضى بذلك بنو الصوار، وقربها جميعاً وأدناهم وآثرهم، فكان له الاسم ولهم الجسم وصية بتع الملك لابنيه علهان ونهفان فلما احتضر أوصى ابنيه علهان ونهفان، وقال: أوصيكما بتقوى الله أولا، ثم باتفاقكما بع، فلا ذل مع وفقة، ولا عز مع فرقة، ولولا تداول الرجلين بالخطو ما بلغ ذو الحاجة من المسير مراده، ولولا توافق اليدين في المتح ما ملأ الوارد ورده، وما استديمت العارية بمثل صيانتها ورعاية حق المعير فيها. فاحفظوا الله في جوار النعم، كيلا تعود نقما، فانه إذا أوسف انتقم، كوثر قصم، ولا تبسطنكم عليه دالة، فليس بينكم وبينه قرابة. وإذا زللتم فاهربوا إليه، فليس عليه مجير. ولا منه خفير، ثم اعلموا: أنَّ هذا الأمر صار إلينا عن قوم لم يرفضوه زهداً، ولم يسلموه جهداً، ولم يسلبوه قهراً. وإنّما أمانة غائب إلى أوبة ومال يتيم يرزق منه بالمعروف إلى أنْ يؤنس رشده، ويتبين حزمه، ويعز عقله ثم

قيام علهان ونهفان بالملك

يسلم إلى يد ما ملكت، فيكون بذلك عملكما، وعليه تحافظكما، فإذا حان من أحدكما ما حان مني فليرد الأمر بهذه الوصية إلى الغابر، وليردده الغابر إلى من غبر بعده بمثل ذلك، إلى أنْ يقوم من بني الصوار من يجتمعون عليه، ويسلمون إليه عن تسارع، كما أخذتموه عن تراض. والسلام ثم ملك علهان ونهفان فأحسنا السيرة، وأمتثلا ما وصاهما به أبوهك، حمير سبق الموت بنهفان، واستقر بالملك علهان، فأقل أعباءه، واضطلع بجمله، وسار سيرة من سلفه، حمير ألم به ما ألم بهم، فأوصى إلى أبن أخيه شهران، وقال: وصية علهان الملك لابن أخيه شهران إني لم أخصك بالملك دون أبني أيمن لأجل أنك تزيد عليه في الفضل أو تسبقه في نجدة. وكلنني أحببت أنْ أصل ما طوته الأيام من عمر أبيك دون ما بقى من عمري. وإني أوصيك يا بني بالكف عن المعصية، والإحسان إلى الرعية، فإذا أنعمت فأنعم، وإذا كويت داء العر فاحسم، وإذا أدمت المكايد فاحسم، وإذا غضبت فاكظم، وإذا أساء إليك من هو دونك فاحلم، وإذا سئلت مما في يدك فأكرم، وإذا أعنت الحرب فلا تغشها إلاّ عن مقدمات فإنّها غاية شر، لا تنجلي إلاّ بذهاب نفوس، فتوق أشد ما قدرت، فإذا حملت عليها فليكن أمرك دونهم ثم ملك شهران بن نهفان فأوسع الناس رغبة ورهبة وشملهم عدله، وأقام فيهم سلطانه فرهبوا، وأمر ببناء ما حول ناعط من القصور وابتنى تلفم وأمر بتزبير أيامهم في حجارة القصور، واستعمل ابنه تألب ريم في أرض حمير، ثم كتب له كتاباً نسخته:

وصية شهران الملك إلى ابنه تألب ريم

وصية شهران الملك إلى ابنه تألب ريم بسمك اللهم رب حمير وهمدان، زبور ما زبر، على قط وحجر، بعهدي لك يا تألب بحياتي، ووصيتي لك بعد وفاتي، أنَّ لك الشركة في الأمر ما حييت، والحوزة للملك ما رديت. فاحتذ سنتي، واعمل جادتي، ولا ترضين لنفسك أنْ يقال أبوه خير منه، وأنْ تلحق الآخ بالأمر، وما الناس إلاّ زائد على أبيه، أو ناقص عنه، ولوّلا ذلك ما بقي في الغابر شيء مما يكون في الداشر. ثم اعلم أنَّ رعيتك ليسوا ثلة تأكل من حجرتها، وتبتاع من عفوتها، وإنّما هم لك أشياء، يطلبون من بلغة الدنيا مثل ما تطلب، ويرهبون من تقلبها مثل ما ترهب، وإنّما لك منهم فضل الطاعة، وعليك فيهم حسن الحياطة، واعط كلا منهم منزلته، ولا تنصب في كل بني أب غير رئيس واحد، فإنَّ كانوا أكثر افترقوا كالنحل التي لها يعسوب واحد، فإذا كثر في الخلية اليعاسيب ذهب كل منهم بفريق. واعلم أنَّ لكل عصر أهلا، وبما باينت طباعهم من كان قبلهم، فلا تستعمل في الآخر سيرة الأول أجمع، ولا تترك قلائد فإنَّ الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم، ولولا ذلك ما كان أهل دهر أكرم من أهل دهر، ولا أهل عصر أنجد من أهل عصر، ولا أهل زمان أعلم من أهل زمان، والأيام متقلبة فاركب

وفاة شهران وقيام تألب ريم بالملك

لكل زمان وركبه؛ واعلم أنَّه لا خلل في ملك تيقظ ربه، وأطل على عماله، وسار في رعيته بالعدل، وقبض أيدي أتباعه. . . . . . قادتهم بالمال، وملأ صدورهم بالهيبة، وأشترك صلته في نعمته، وتفقد. . . . . . من حيث لا يعلمون، وأحسن إلى من يغضب لغضب الجماعة، ويرضى برضائه العصبة. وخلط اللين بالشدة، والرقة بالغلظة، ولا ينسلخ. . . . . . يوم إلاّ وهو رابح من الخير، خفيف الظهر من الوزر والسلام. فلما توفي شهران، قام بعده تألب ريم فعظم سلطانه وحسنة أيامه، وذكرته حمير في كثير من مساندها، ولم تعرف له همدان عهدا، ولا وصية، لأنه كان أكثر أيامه في بلد حمير. قيام حاشد ذلك مرع وترشيحه الحارث الرائش. ثم ملك من بعده حاشد ذو مرع، فأحسن السيرة غير طويل، ثم جمع حمير وكهلان فقال: أيها الناس، إنَّ لكل قوم دولة، ولكل دولة مدة، كما لكل حاملة تمام، ولكل مرضعة فطام، وقد حان منا انقطاع أمد، ووفاء عدد، بظهور الحارث بن شدد، وإنَّه لنا لولد، وقد جاء في الخبر أنه الملك المنتظر، والعلم المشتهر، وإني قد رأيت أنْ أنزل نفسي منزلة القيالة خشية أنْ أنزلها منه. فلم يزل على ذلك حمير قام الحارث الرائش فاستخلصه وأعتضد به.

قيام الحارث الرائش بالملك

القصيدة. قال نشوان: والحارث الملك المسمى رائشا ... إذ راش من قحطان كل جناح وحباهم بغنائم الفرس التي ... فاضت على الجندي والفلاح وعزا الأعاجم فاستباح بلادهم ... ملك حماه كان غير مباح ركب السفينة إلى بلاد الهند في ... لجج يسير بها على الألواح وبنى بأرضهم مدينة راية ... فيها الجباة لعامل جراح والترك كانت قد أذلت فارسا ... لم يستروا من شرهم بوجاح فشكوا إليه، فزارهم بمقانب ... فيها صراح ينتمي لصراح تركوا شبايا الترك فيهم بينهم ... للبيع تعرض في يد الصياح وغدا منوشهر يمت بطاعة ... وولاية من منعم مناح هذا الملك هو الحارث الرائش بن شدد بن قيس بن صيفي بن حمير الأصغر. هذا نسبه الصحيح. ومن ولده التبابعة، وقد نسيه الهمداني في الأكاليل إلى ولد الصوار فقال: هو الحارث الرائش بن أبي شدد بن الملطاط بن عمرو بن ذي أبين بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس، وقال في الأكاليل أيضاً: وقد قال بعض العلماء: إنَّ الرائش من ولد قيس بن صيفي. وقال نشوان بن سعيد:

ذكر غزواته وسبب تسميته الرائش

تتابع الأملاك من حمير ... عدتهم سبعون لا تقصر من ولد الرائش جمهورهم ... من حمير الأصغر ما حمير يا أيها السائل عن تتبع ... وتبع كالشمس بل أشهر وك الحارث الرائش يدعى بملك الأملاك. ولا ملك الأملاك إلاّ الله عز وجل، وقيل إنَّه لمّا توفي شدد بن قيس قام بعده ابنه الحارث وأخذ في أهبة المسير والغزو وأمر باتخاذ الخيل والسلاح، وعرك جزيرة العرب والحجاز واليمن، حتى استوسقت له. فلما اشتد ملكه وعلا سلطانه، خافته ملوك البلدان ورؤساء النواحي، فأتته هدية من ملوك الهند فاخرة، من مسك أذفر، وكافور وعنبر، وياقوت أحمر وجوهر، وجوار حسان، ومن تحف الصين. وتطلعت نفسه إلى غزو الهند فعبأ الجنود وأظهر أنه يريد بلاد المغرب بحرا وبرا، وعبأ السفن حتى إذا رأى أنَّ البحر قد أمكن، قدم رجلاً من أهل بيته يقال له يعفر بن عمرو بن شرحبيل بن عمرو بن أبين بن ذي يقدم بن الصوار أبن عبد شمس في جيشه عظيم، وسار خلفه في خيل عظيمة حتى دخل أرض الهند. فقتل المقاتلة وسبى الذرية وغنم الأموال. ثم أقبل إلى اليمن، وخلف بعفر في أثنى عشر ألف فارس في أرض الهند، وأمره ببناء مدينة هنالك ليذكر بها فقام وابتنى مدينة لم ير مثلها، وسماها الرياشة فثقل هذا الاسم على العجم فسموه الراية، ويقال الواية، فأقام بها يعفر بن عمرو حينا، وخلف عماله وعاد إلى اليمن بالغنائم العظيمة، فراش بها حمير وكهلان، فسمى الرائش لذلك، مأخوذ من رياشة السهم، لأنه أدخل في اليمن ما لم يدخله قبله من السي، وممن يحسن الزراعة والصنع. فلما قسم الغنائم بين حمير وكهلان أمرهم أنْ يستعملوا البي وأهل السواد في إثارة الأرض، ففتق لهم العيون، ودلهم على اتخاذ

المستغلات، وفي ذلك يقول نوفل بن سعد بن عبد أد الحميري حيث يقول: من ذا من الناس له ما لنا ... من عارب الناس ومن عجم سار بنا الرائش في جحفل ... مثل مغيض سائل المفعم يؤم أرض الهند غاز لها ... في معدن الأنوج والكركم منصلتا لا ينثني عزمه ... أفرض من ذي لبد ضيغم قد جرد الغارات من قبله ... يقتل في حصد القنا الملثم أعنى بها عفر إذ جاءها ... يا حبذا ذلك من مقدم في بحرها المسجور يطوي بنا ... يؤم سير الملك الأعظم

عودة الرائش من الغزو وإذعان الملوك له

ساء صباحا عندها صبحوا ... من ذاك بالداهية الصيلم رجت سرنديب إلى كالة ... منها فجر ما فقرى الكولم فأول الغاية قاموا بها ... فأسلموا للفيق المظلم ناداهم إنى لكم قاهر ... واليوم يومي فأعلموه حم يقتل من شاء ويأسرهم ... . . . . . . . ماه حده محذم يستعبد الأطفال قهرا ولا ... . . . . . . . غير البطل المعلم لو تظهر الجن لنا أذعنت ... وأسلمت طوعا ولم تقدم فأقعص الرائش أملاكها ... وآب بالخيرات والأنعم ثم سبينا كل ممكورة ... ذات دلال بضمة المعصم والدر والياقوت من أرضها ... والعسجد الخالص كالعندم وقد بنى يعفر في أرضهم ... مدينة ذات بنا ملحم يذكر في الدهر بها ما بنى ... كما بقي ذكر بني آدم ولمّا وصل الرائش من بلد الهند أذعنت له الملوك وأدت له الخراج: فأقام باليمن دهرا

ذكر أن أهل بابل من غير العرب

طويلا لا يغزو، ودانت له الآفاق، حتى أتاه رسل ملك بابل، وكتاب منوشهر، بعد ملوك الأكاسر بهدايا نفيسة من الجواهر والعقيق الأحمر والمسك التبتي، والحرير و. . . . . . . والحلية والآنية الفيعة، وكان أكثر ما بعث إليه من بلاد الترك وأمتعتهم من السلاح ليرغبه في بلدهم، وعرفه فسادهم في الأرض، وانبساطهم إلى أعمال بابل، وأنْ جمهورهم بأذربيجان، وأنْ بابل منهم والشام على خوف، وأنهم لا يرون أهل بابل في عيونهم شيئاً، قال عبيد بن شرية: وأهل بابل بقية ولد نوح من غير العرب، فأجمع عند ذلك على غزو الترك، وكان غزا في عمره مرتين: الأولى في بلد الهند والسند، وهي التي تقدم ذكرها. والثانية إلى بابل وخراسان وبلاد الترك. فلما رأى الرائش تلك الهدايا، قال للرسول: أي ما أرى من بلادكم؟ قال: بعضه أيها الملك، وبعضه من بلاد الترك، وهم من ورائنا، من حالهم أنهم لا يدنون لأحد من الملوك فخلف ليغزون تلك البلاد التي خرج منها ما رأى. واستخلف على اليمن بعقر بن عمرو، وكان ذلك في زمان موسى بن عمران عليه السلام. وكتاب منوشهر أنَّه يستدعيه إلى بلاد الفرس، ويستنصر على الترك لأنهم قد كانوا استظهروا على الفرس، وأباحوا بلادهم، فنهض الرائش في مائة ألف وخمسين ألفا، وكانت الرواد في إبقاء الطريق متقدمين، فلم يجدوا خيرا من طريق على جبلي طيء، حتى خرج ما بين العراق والجزيرة، ونزل الموصل، وبعث شمر ذا الجناح الأكبر بن عطاف بن المنتاب بن عمرو بن زيد بن علاق أبن عمر بن ذي أبين، حتى دخل على الترك أذربيجان، فأوقع فيهم وقعة أترت فيهم، فقتل المقاتلة، وسبى الذرية، وتبع قلهم، حتى أوغل في بلد الترك، وكتب إلى الملك

ذكر الحجرين اللذين زبر الرائش عليهما سيره إلى بلاد الترك ووضعهما على باب المدينة

الرائش يخبره بما قتل وسبى وما احتوى من الأموال، فأمره أنْ يصل بكل ما معه، وأمره أنْ يزبر سيره على باب مدينة الترك على حجرين متقابلين شامخين. فكتب على أحدهما إنَّ الحارث الرائش ذا مراثد سيد الأوائل بلغ من الدنيا ما أمله، وبقي ينتظر أجله، فمتى يقض يمض. وتحته مكتوب ما نسخته: يا جابيا أرض خراسان ... ملججا في أرض حران فتحت أرض الهند مستأثرا ... بيعفر الأول والثاني تتبع قرن الشمس إنْ أشرقت ... حتى بدا الضحى قاني سافر على التبت مستعجلا ... مقتحما أرض سجستان سينقض الرائش بعد الذي ... نال ويبقى الناس في شان وعلى الأخرى أثبت في اجلاميد خبر المسير في البيد، أنْ الرائش الصنديد، سار وكان أول سائر، نحو المشرق في غزا يريد حوز المكاثر، بحمير الحنوف وشعبها الكثيف واسمها المخوف وتحته هذه الأبيات: إلاّ أنْ الزمان أطلع أمري ... وسوف أطيعه كرها بقسر ركبت الدهر أعواما عزيزا ... سيسأم طول هذا الدهر دهري

طريق الرائش في عودته من غزو الترك

يخادعني بأيام حسان ... ويقطع دائبا في ذاك عمري قال وهب بن منبه: إنَّ الرائش أخذ إلى أرض أرمينية إلى ما تحت بنات نعش، ثم رجع إلى الشام، ثم إلى بيت الله الحرام، ثم رجع إلى غمدان. قال عبيد بن شرية: وقد ذكر الرائش مسيرة في شعره هذا وبشر بظهور المصطفى، سيد ولد آدم محمّد - صلى الله عليه وسلم - فقال: أنا الملك المقدام حين أمضي ... جلبت الخيل من أوطان سام لأغزو أعبدا جهلوا مكاني ... من أبنا يافث وقبيل حام وأحكم في بلادهم بحكم ... سوى لا يجاوز في غلام بني قحطان فانتجعوا وسيروا ... وحجوا البيت في البلد الحرام باذن الله حطوا فهو بيت ... توارثة الهمام عن الهمام دعوا إحرام لبني أبيكم ... وكونوا مثل قحطان وسام وكونوا مثل ملطاط بن عمرو ... وذي أنس الأظافر ذي المسام لأنا الأغلبون إذا بطشنا ... وإنا المانعون لكل ذام وإنا يوم نغضب أو نسامي ... تكاد الأرض ترجف بالأنام وإنْ ترضى تقر بمن عليها ... ويشرق وجهها بعد الظلام وفينا الملك والأملاك حقا ... ونحن الأكرمون بنو الكرام أبوه يعرب فيه نسامي ... فنقهر من يفاخر أو يسامي ملوك الناس طرا حيث كانوا ... بعيدا يافثا وقبيل حام

فإن أهلك ولم أرجع إليكم ... فقد هلك الملوك من الأنام وإنْ أهلك فقد أثلت ملكا ... لكم يبقى إلى وقت التامي ويهلك بعدنا منا ملوك ... أولو عز كعالية الغمام ويخاف بعدهم منا ملوك ... يدينون العباد بغير ذام وينتشر الأساود ثم عشراً ... عقاب الله في القوم الأثام ويملك بعدهم منا ملوك ... ضعيف أمرهم نكل المرام ويملك بعدهم ملك عظيم ... نبي لا يرخص في الحرام يفارق أهله وله كتاب ... يوافق جعله رجع الكلام يسمى أحمدا ياليت أني ... أؤخر بعد مخرجه بعام ويخلف بعده خلفاء يسر ... ويملك ما بعدهم أولاد عام وتظهر راية المنصور فيهم ... على راء وراء بعد لام فينشر ما طوى ملك طوته ... ثلاث بعد واحدة تمام فتنبعث الحقوق وقد أميتت ... كما انبعث الدفين من السلام ويملك بعدهم رجل ضعيف ... على أيامه أذكى السلام وهذه إشارة إلى المهدي آخر الزمان. ونحيل أي من الصيام والقيام، وخروجه من تحت أستار الكعبة على ما روي في الملاحم. والله أعلم

وصية الرائش لابنه أبرهة بعد عودته من الغزو

ولمّا استقر الرائش بقصر غمدان بصنعاء أقبل على ابنه أبرهة بن الحارث يوصيه فقال له: يا بني، إنَّ أباك خولك الملك فأقره في محتد أنت أوسط الناس فيه وأولاهم به، وإني لموصيك بزيادة ما نالت يداك من الخيرات تفعله إلى من سمع لك وأطاع، واجعل العدل لك ناصراً وخذ الإحسان لك نجدة، واصطنع العشيرة ليوم ما. وأنشأ يقول: لويت لك الملك الذي كان حازه ... لأولاده في سالف الدهر حمير فكن حافظاً للملك بعدي عامراً ... فقد يحفظ الملك الأثيل ويعمر وعمرانه أنْ تبسط العدل دونه ... وبالعدل تنهي من نهيت وتأمر وثابر على الإحسان إنك لن ترى ... كريماً به إلاّ يعان وينصر وقومك واصلهم وحطهم فإنما ... بقومك تعلوا من أردت وتقهر وقال نشوان: أو ذو المنار بنى المنار إذا غزا ... ليدله في رجعته ومراح ألقى بمنقطع العمارة بركه ... في الغرب يدعو لات حين براح ذو المنار: هو أبرهة بن الحارث الرائش الملك، ويسمى ذا المنار لأنه أوّل من نصب المنار والأعلام والأميال على الطريق ليهتدي بها جيشه عند القفول من غزوهم في رجوعهم، وكان غزوهم إلى منقطع العمارة في المغرب، فملك تلك النواحي، وولى بها

ذكر العبد ذي الأذعار بن أبرهة

الولاة والعمال والكفاة وقال نشوان: والعبد ذو الأذعار إذ ذعر الورى ... بوجوه قوم في السبأ قباح قوم من النسناسمذكورون في ... أصى الشمال كل رياح ويروى أنَّ أبرهة بن الرائش كان من أجمل أهل زمانه فيما يذكر، فعشقته امرأة من الجن يقال لها العيوف ابنة الرابع فتزوجها فولدت له العبد بن أبرهة، فشب العبد

غزو أبرهة لبلاد المغرب واستخلافه على اليمن ابنه افريقيس

وبلغ مبالغ الرجال الأوائل من آبائه، وسار ابرهة نحو المغرب غازياً، ومعه ابنه العبد فصيره مع مقدمته واستخلف على اليمن ابنه إفريقيس بن ابرهة، وسار أبرهة حمير أوغل في أرض السودان براً وبحراً، وأمعن فيها، ثم بدا له المقام فأقام، وسرح ابنه العبد أبن أبرهة في غرب الأرض في عسكر حمير انتهى إلى قوم وجوههم في صدورهم، وإذا كان النهار وجرت عليهم الشمس استخفوا في الماء، فوضع فيهم السيف حمير أفناهم. ورجع إلى أبيه بسبي كثير، وأصاب من الأموال شيئاً عجيباً، وأخذ منهم قوماً. فلما قدم إلى أبيه ذعر الناس منهم فسمي ذا الأذعار لذلك. قال عبيد بن شرية: فلما رجع أبرهة من غزوته تلك أمر بمنارة فبنيت وشب فيها النيران، لتهتدي بها جيوشه، وكان ذلك المنار أوّل منار وضعه الملوك، فلذلك سمي ذا النار وقال نشوان: وأخوه إفريقيس وارث ملكه ... حتف العدو وجابر الممتاح ملك بنى في الغرب إفريقيةً ... نسبت إليه بأوضح الإضاح وأحل فيها قومه فتملكوا ... ما حولها من بلدة ونواح هذا الملك إفريقيس بن أبرهة ذي المنار بن الحارث الرائش، عزا نحو الغرب من يمين مسير أبيه في أرض البربر حمير انتهى إلى طنجة من أرض المغرب فرأى بلاداً كثيرة الخير قليلة الأهل، فأمر ببناء مدينة إفريقية، وأسكن فيها قبائل من قومه، وهم أهل كنانة

ذكر أن قبائل المغرب من حمير

وعهامة وزنانة ولواتة وصنهاجة قبائل ضخمة في المغرب من حمير ونقل البربر وهم جيل من الناس بقية ممن قتلهم يوشع بن نوح، لأنه دعاهم إلى طاعة الله عز وجل فكرهوا الحق وأحبوا المقام على الكفر فقتلهم، وهربت منهم طائفة إلى السواحل ثم رجعوا بعد ذلك، فقتل منهم إفريقيس في غزوته من قتل، ونقل بقيتهم إلى بربرة، فأسكنهم بحيث هم من بلاد البربر، وفي ذلك يقول: بربرت كنعان لمّا سقتها ... من بلاد الملك للعيش العجيب ورأت كوش لعمري دارها ... نرتقي عيشاً لنا لا يثرب ثم أمسوا غير ممسي من مضي ... بتريب وطريد ذي تعب فاشكري ضبعان شكراً صادقاً ... واحذري مني انتقام ذا حرب

تولي عمرو بن عامر مزيقيا الأعمال في الأطراف والثغور لأبرهة وللعبد ولشرحبيل وللهدهاد

قال السميدع بن عمرو بن علاق في ذلك إلى المغرب في جحفل ... فيه لعمري كل شاب همام بأمر إفريقيس لا ننثني ... بكل صهال وعضب حسام حتى أتينا الأرض طلحانها ... من دون بحر غير سهل المرام نخوض بالفرسان في ماقط ... يكثر فيه ضرب أيد وهام يأمر بالهمة ذو حنكة ... نقهر من شئنا بجيش لهام نقتل منهم شيخ أملاكهم ... أروع قوم غير وغد كهام ونسكن البربر في فصفص ... كتائب سارت كمثل الغمام ثم ابتني البنيان في جوفها ... بغير ما كره لدهر الدوام روى الخزعلي أنَّ عمرو بن عامر مزيقياً تولى الأعمال في الأطراف والثغور لأبرهة ذي المنار، وللعبد بن أبرهة، ولابنه شرحبيل، والهدهاد بن شرحبيل مصاهر الجن. وقال نشوان:

قصة الهدهاد مع الغزالة وزواجه من الجن

وكذلك الهدهاد أيضاً عامر ... هدت قواعد ملكه المنصاح النصاح: المنشق، هذا هو الملك الهدهاد بن شرحبيل بن بريل ذي سحر أبن شرحبيل بن الحارث بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة، وهو حمير الأصغر أبن سبأ الأصغر بن كعب بن سهل بن زيد بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس أبن وائل بن الغوث بن جيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير الأكبر بن سبأ الأكبر. وهو أبو بلقيس التي ذكرها الله تعالى في كتابه العظيم في سورة النمل. وكان الهدهاد ملكا عظيما، ولم يكن له ولد ذكر، ولا عقب غير بلقيس أمها من الجن، وشمس أمها من العرب. فأما بلقيس فقد ملكت بعد أبيها وأما شمس فكانت عند ياسر ينعم صاحب امسند بوادي الرمل، وكان يبب تزويج الهدهاد بن شرح أبن شرحبيل من الجن أنه خرج للصيد في جماعة من خدمه وخاصته. فرأى ذئبا يطرد غزالة، وقد ألجأها إلى مضيق ليس للغزالة مخلص عنه ولا محيص، فحمل الهدهاد على الذئب فرده عن الغزالة، وبقي الهدهاد يتع نظره إلى الغزالة، لينظر إلى أين تنتهي، فسار في إثرها، وانقطع عن أصحابه، فبينما هو كذلك، إذ رفع له عن مدينة عظيمة، فيها من ما دعى باسمه من النساء، والنعم، والخيل، والإبل، والنخيل، والزرع، والفواكه،. فوقف دونها متعجبا مما ظهر له منها. فبينما هو كذلك إذا أقبل عليه رجل من أهل تلك المدينة التي ظهرت له، فسلم ورحب به وحياه، وقال له: أيها الملك إني أراك متعجبا مما ظهر لك في يومك هذا، فقال له الهدهاد: إني لكما قلت، فما هذه المدينة؟ ومن ساكنها؟ فقال هذه مأرب، سميت باسم بلد قومك. وهي مدينة عرم حي من

الجن، وهم سكانها، وأنا اليلب بن صعب ملكهم وصاحب أمرهم. قال فبينما هم كذلك إذ مرت بهم امرأة لم ير الراءون أحسن منها وجها، ولا أكمل منها خلقا، ولا أظهر منها صباحة، ولا أطيب منها رائحة، فافتتن بها اهدهاد، وعلم ملك الجن أنَّه قد. . . . . . .، وشغف بها، فقال له: أيها الملك، إنْ كنت قد هويتها فهي ابنتي وأنا أزوجكها، فجزاه الهدهاد خيرا على كلامه، وقال له: من لي بذلك؟ فقال له الجني: إنما عرضت عليك من تزويجي منك وجمعي بينكما على أسر الأحوال وأنا بها زعيم، فهل عرفتها؟ فقال له الهدهاد: ما رأيتها قبل يومي هذا، فقال له الجني: فإنّها الغزالة التي خلصتها من الذئب، ولا نكافئك على فعلك الجميل أبداً بأحسن من حبائك بها، بشهادة الله عز وجل وشهادة ملائكته. فإذا أردت ذلك فاقدم إلينا بخاصة أهل بيتك وملوك قومك ليشهدوا إملاكها، ويحضروا وليمتها، وميعادك الشهر الداخل. وقال فانصرف الهدهاد على الميعاد، وغابت المدينة، وإذا أصحابه حوله يدورون عليه. فقالوا له: أين كنت؟ ونحن في طلبك مذ فارقتنا، ولم نترك شيئاً من هذه الفلوات إلاّ قلبناه لك وطلبناك فيه، فقال لهم الهدهاد: إني لم أبعد، ولم أجب. وأقبل يسير وهو يقول: عجائب الدهر لا تفني أوابدها ... والمرء ما عاش لا يخلوا من العجب ما كنت أحسب أنْ الأرض يعمرها ... غير الأعاجم في الآفاق والعرب وكنت أخبر بالجن فلا ... أرد أخبارهم إلاّ إلى الكذب حتى رأيت مقاصير مشيدة ... للجن محفوفة الأبواب والحجب

يحفها الزرع والماء المحيط بها ... مع المواقير من نخل ومن عنب ما بنها الخيل من طرف ومن تلد ... والجود فيها من الأنعام والكسب وكل بيضاء تحكي الشمس ضاحكة ... هيفاء من موصوفة العرب يمضي جمادي ويأتي بعده رجب ... وسوف آتيك على الميعاد من رجب حتى أوافي خير الجن من عرم ... أعني أبن صعب هو المعروف باليلب نبغي لديه الذي نادي ومن به ... من التواصل والإصهار والنسب قال: فذكروا أنْ الهدهاد خرج إلى المياد إلى إصهار في خاصة قومه وخدمه، حتى وافاهم، فوجدوا قصرا بناه له الجن في فلاة من الأرض محفوفة بالنخيل والأنعام وأنواع الزرع وفنون الفواكه، تخترق فيها المياه الجارية. فعجب القوم من ذلك عجبا شديدا، ورأوا ملكا عظيما، ونزلوا في القصر معه على فراش لم يروا مثلها قط، وقربت لهم موائد عليها من طيبات المأكول وألوانه التي لم يأكلوا قط أطيب منها طعما، ولا أذكى رائحة، وسقوا من الشراب ما لم يشربوا قط ألذ ولا أهضم وأمرا ولا أخف عنه، فمكثوا معه ثلاثة أيام بلياليها في ذلك، وزفت إلى الهدهاد أمرأته الحروري ابنة اليلب بن صعب العرمي ملك الجن، فأذن الهدهاد لبني عمه وخاصة عشيرته بالانصراف إلى مواضعهم، وصار ذلك القصر دار مملكته، قال فذكروا أنها أقامت معه زمانا: الحروري ابنة اليلب، فولدت له بلقيس، فنشأت من أعقل امرأة سمع بها في ذلك الزمان، وأفضله رأيا وحلما وتدبيرا وعلما. وكانت ذات المشورة على أبيها، حتى عرف

وصية الهدهاد عند الوفاة إلى رؤساء حمير واستخلافه بلقيس

ذلك جميع حمير منها، وقال: فلما حضرته الوفاة بعث رؤساء حمير وأهل الرأي والقدر منهم، فقال: إني استخلفت عليكم بلقيس. و. . . . . . رجل منهم: أبيت اللعن، تدع أهل بيتك وأفاضل قومك وتستخلف علينا امرأة، وإنْ كانت بالمكان الذي هي به منك ومنا، فقال: يا معاشر حمير إني قد رأيت الرجا وعجمت أهل الفضل والرأي، فلما رأيت مثل بلقيس رأيا وحلما وعلما، مع أنْ أمها من الجن. وأنا أرجو أنْ تظهر لكم بها عناية من الجن فتنتفعوا بها وأنتم وعاقبتكم، فاقبلوا رأي فيها، مع أني مؤديه إلى غيرها من أهل بيتها، وهو أني قد كنت سميت الملك لابن خالي هذا الغلام، وهو غلام له رأي وعقل، وهو أولى بالأمر من بعدها، أما في وقتها أو بعد موتها. قالوا: فمن هو؟ قال ياسر بن عمرو أبن يعفر، قالوا سمعنا وأطعنا، وأنت أيها الملك أبصر لنا. ثم هلك بعد أنْ لبث في الملك مائة سنة على ما ذكر والله أعلم. وقال نشوان: أم أين بلقيس المعظم عرشها ... أو صرحها العالي على الأصراح زارت سليمان النبي بتدمر ... من مأرب دنيا بلا استنكاح في ألف ألف مدجج من قومها ... لم تأت في إبل إليه طلاح جاءت لتسلم حين جاء كتابه ... بدعائها مع هدهد صداح سجدت لخالقها العظيم وأسلمت ... طوعا وكان سجودها لبراح بلقيس: ابنة الهدهاد ملكة سبأ التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم في سورة النمل، وقص خبرها وخبر سليمان بن داود عليه السلام وخبر الهدهد الذي كتب

قصتها مع سليمان عليه السلام

معه إلى بلقيس وقومها، فلما أراد الله تعالى إكرامها بسليمان خرج مخرجا لا يدري أين مراده، إليها أم إلى غيرها، وكان إذا ركب من منزله بتدمر غدا بتدمر معه، فيكون مقبله بصف النهار، بإصطخار من أرض فارس، ثم يتروح في بيت كالبستان في غدوه ورواحه، في مثل ذلك المسير إلى كل وجه يأخذ إليه، وقول الله أصدق القائلين (غدوها شهر ورواحها شهر). قال عبيد بن شرية، وكان سليمان بن داود عليه السلام، إذا أراد الخروج وضع سريره على الأرض وكرسيه وكراسي أصحابه وجلسائه، ثم جلس وأجلس الإنس على يمينه وشماله، وأجلس من ورائهم عمراتبهم، فمنهم قائم ومنهم جالس وأظلته الطير وأقلته الريح، وسارت بهم لا تزيل أحدا من مجلسه، ولا تفسد عليه شيئاً من عمله، حتى يأذن لها بوضعها فتضعها على الأرض، فيقضي غرضه ويأمرها بالرجعة فترجعهم فتنقلهم إلى حيث يريد الوقوف. وعن وهب بن منبة الأبناوي قال: ورث سليمان الملك، وآتاه الله النبوة، وسأله أنْ يهب له ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، ففعل، فسخر الله له الريح والجن والإنس والطير، وكان فيما يذكرون أبيض اللون، وضيئا جسيما، وكثير الشعر، يلبس الثياب البيض، فإذا خرج من بيته إلى مجلسه عكفت عليه الطير، وقام له الإنس والجن حتى يجلس على سريره، وكان نبيا غزاء قل ما يغفل عن الغزو، ولا يسمع بملك في ناحية من الأرض إلاّ أتاه حتى يذله، وكان - فما يزعمون - إنْ أراد الغزو ضربت له سفينة من خشب، ثم نصب عليها

الأبنية مما يحتاج إليه الناس والدواب، وجم آلة الحرب كلها، حتى إذا جمع فيها كل ما يريد أمر الريح العاصف فدخلت تحت خشب تلك السفينة فاحتملتها إذا استقلت أمر الريح فتحملهم إلى حيث يريدون، وإنْ الريح لتمر بالزراعة فلا تحركها فكان كذلك - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان غد، غدا إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه فتفقد الطير الذي يظله من الشمس، فرأى فيما يعمون موضع الهدهد مفتوحا للشمس، (فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان منالغائبين) أخطأه بصري أم غاب فلم يحضر، فلما عرف أنَّه غاب قال (لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتني بسلطان مبين)، أي بحجة في عذره في غيبته، ذكروا أنْ عذابه بنتف ريشه (فمكث غير بعيد)، ثم جاء الهدهد فقال له سليمان: ما خلفك عن نوبتك؟ (فقال: أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين)، إني أدركت (امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون. . قال سننظر أنَّ صدقت أم كنت من الكاذبين. اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم) - أي عن قريبا منهم - (فانظر ماذا يرجعون) ثم كتب معه: بسم الله الرحمن الرحيم. من سلمان بن داود، إلى بلقيس ملكة سبأ وقومها. أما بعد فلا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين. فأخذ الكتاب الهدهد برجله - وقيل بمنقاره - وانطلق حتى أتاها، فألقى الها الكتاب، فوقع في حجرها،

فنظر إليه، ونظر من حولها إلى الطائر، الذي ألقى الكتاب إليها فخاضوا في ذلك، فقالوا: رمى إليها بكتاب من السماء تعظيما لقدرتها، فبلغها ذلك، فبعثت إلى مقاول حمير، وقالت (يا أيها الملأ إني ألقي إليَّ كتاب كريم إنَّه من سليمان وإنَّه بسم الله الرحمن الرحيم أنْ لا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين. يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون. قالوا نح أولو قوة وألوا بأس شديد، والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين. قالت: إنَّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون)، ثم قالت (وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون) قال عبيد بن شرية: فبعثت إليه أربعين رجلاً، وبعثت معهم مائة وصيف ومائة وصيفة، ولدوا في شهر واحد، لهم ذوائب وقصاص والزي الواحد، وختمت على سراويلهم، وبعثت بمائة فرس نتجت في يوم واحد، ألوانها واحدة، وبعثت بحق رصاص فيه من الجواهر والزمرد والدر والياقوت الأحمر والأصفر والأبيض والأسود ملحم لا يوصل إلى عد كل جنس ما فيه، إلاّ أنْ يكسر، وبعثت إليه بخرزة غير مثقوبة، وقالت: تثقب هذه الخرزة بغير علاج إنس ولا جان ولا بحدادة، وبعثت إليه بخرزة مثقوبة ثقبا ملتويا وسألته أنْ يدخل فيه خيطا، وقالت للوفد: إنْ قبل الهدية فهو ملك يرغب في المال، وإنْ كان نبيا فليس له رغبة في الدنيا، وإنما رغبته في دخولنا في دينه فهو لا يقبل الهدية. فكتبت إليه كتابا، أنْ يميز بين الوصفاء والوصائف من غير أنْ يعري أحدا منهم، وأنْ يميز الخيل أيها نتج قبل صاحبه، وعما في الحق قبل أنْ يفتحه. فلما قدم الوفد إليه،

وألقوا إليه كتابها قرأه، وعرف ما سألته عنه ودعا بالجن والأنس ودعا بالوند، وقال: من يميز بين الغلمان والجواري ولا ينزع ثيابهم؟ فأعلموه انهم لا علم لهم بذلك، وكذلك يميزا، وجميع ما سألته عنه فقالوا: لا علم لنا بشيء من ذلك. فاشتد إعجابه من ذلك بما سألته عنه، فمكث أياماً يقلب الأمر فيما سألته عنه حتى أطلعه الله على علم ما سألته من حكمته، فدعا بالغلمان والجواري، وأمر بطشت فيه ماء، ودعاهم واحداً بعد واحد، وقال اغلوا أيديكم، فكان من غسل من الغلمان حدر الماء من يده حدراً، ومن غسل من الجواري يصببن الماء صعداً، فيميزهم على ذلك. ودعا بالخيل فقال نتجت في يوم واحد، وهذا خال هذا، وهذا عم هذا، وهذا أبن عم هذا حتى فرغ منهن. والوفد ينظرون في كتابهم، والتعيين في علاماتهم، ثم دعا بالخرزة التي لم تثقب. فوضعها بين يديه، قال لمن حضر: من يثقب هذه الخرزة؟ فتكلمت دودة بين يديه فقالت: يا سليمان، يا نبي الله، أنا أثقبها على أنْ يجعل رزقي في الخشب: نعم. فلزمت الدودة الخرزة حتى خرجت من الجانب الآخر في ثلاثة أيام، ثم انطلقت لرزقها، ثم دعا بالحق فحركه، ثم قال: فيه عدد كذا وكذا من الجواهر، ومن الزمرد كذا وكذا، ومن الياقوت الأحمر كذا وكذا، والأصفر كذا وكذا، والأبيض والأسود، حتى فرغ من جميع ذلك، والوفد ينظرون. ثم دعا بالخرزة التي ثقبها ملتو فقال لمن بحضرته: أيكم يأخذ هذه الخرزة الملتو ثقبها، فيدخل فيها خيطاً؟ فأجابته دودة: على إنَّ يكون في الفصفصة معيشتها. قال: كل ذلك لك. فأخذت خيطاً في فمها ودخلت به، حتى خرجت

من الجانب الآخر، ثم انطلقت إلى رزقها في الفصفصة وهي القصب وكانت في الخشب. ثم أمر سليمان عليه السلام برد جميع ما بعثت به إليها. وقد ذكره الله تعالى، وقال المرسل (أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون، إرجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها، ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون) إلاّ أنَّ تأتيني مسلمة هي وقومها. فلما رجعت إليها الرسل بما قالت: قد عرفت والله ما هذا بملك، وما لنا به من طاقة، ولا نصنع بمكائرته شيئاً. وكتبت إليه: إني قادمة إليك بملوك قومي، حتى أنظر ما أمرك وما تدعوني إليه من دينك. ثم أمرت بسرير ملكها الذي كانت تجلس عليه، وكان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ، فجعل في سبعة أبيات بعضها في بعض ثم أقفلت عليه الأبواب، وكان لا يخدمها إلاّ النساء. ثم قالت لمن خلفت على سلطان ملكها: أحتفظ بما قبلك، وسرير ملكي لا يخلص إليه أحد من عباد الله عز وجل حتى آتيك. ثم شخصت إلى سليمان في ألف ألفِ فارس، ثم جمعت مقاول حمير وأبناء ملوكها ثم قالت: يا معشر حمير إني خارجة إلى سليمان فما ترون؟ قالوا: الأمر إليك. فخرجت فيمن معها، وتركت باقي أجنادها بغمدان ومآرب. وقال لها قومها: ما الذي تريدين. الدخول والطاعة أو محاربته، قالت سوف يأتيكم العلم وما يكون. وامرت من معها بالنهوض إليه إلى تدمر من بلاد الشام. وتدمر مدينة قديمة بالشام، فيها بناء عجيب يقال إنَّ الجن بنته لسليمان. والصحيح أنَّ تدمر سميت بملكة من العمالقة بنتها وهي: تدمر ابنة حسان بن أذينة بن السميدع بن هوثر بن عريب بن

مآرب بن لاي بن عميلة بن هوثر بن عمليق بن لبسميدع بن الصور بن شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الميسع بن حمير الأكبر بن سبأ الأكبر. عن هشام بن محمّد الكلبي عن الشرقي بن محمّد بن خالد القسري قال: كنت مع مروان بن محمّد فهدم ناحية من تدمر؛ فإذا في أساس حائط من حيطانها مجرى من رخام طويل، فاجتمع قوم، غفلبوا الطبق، فظن مروان إنَّ فيه كنزاً، وإذا فيه امرأة على قفاها، عليها سبعون حلة منسوجة بالذهب، جربنها واحد، وإذا لها غدائر في رأسها إلى قدمها، فذرعت قدمها، فإذا هو ذراع، وإذا صحيفة من ذهب في بعض غدائرها فيها مكتوب: أنا بنت ساسان الملك بن اذينة بن السميدع، من ولد الصوان بن عبد شمس، خرب الله بيت من يخرب بيتي. قال: فما لبثنا إلاّ قليلا، حتى جاء عبد الله وعامر بن إسماعيل فقتل مروان رجع الحديث إلى خبر مسيرها، قال أبن إسحاق: فجعل سليمان يبعث الجن فيأتونه بخبر مسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة. حتى إذا دنت جمع من عنده من الجن والإنس ممن تحت يده، فقال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أنْ يأتوني مسلمين، قال عفريت من الجن - اسمه كودي - أنا آتيك به قبل أنْ تقوم من مقامك - يعني من مجلسه - وإني عليه لقوي أمين فزعموا أنَّ سليمان ابتغى أسرع من ذلك، فقال آصف

بن برخيا بن سمعيا من سبط لاوي بن يعقوب وكان صديقاً يعلم الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب، وإذا سئل به أعطى: يا نبي الله أنا آتيك به قبل أنْ يرتد إليك طرفك فمد عينيك فلا ينتهي طرفك إلى مده حتى أمثله بين يديك. قال: ذلك أريد فذكروا أنَّ آصف بن برخيا توضأ وركع ركعتين وقال: انظر يا نبي الله وامدد طرفك حتى ينتهي طرفك، فمد سليمان عليه السلام طرفه ينظر نحو اليمن ودعا آصف أبن برخيا فانحرف العرش من مكانه الذي هو فيه ثم قبع بين يدي سليمان (فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي. ليبوني أأشكر أم أكفر، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإنَّ ربي غني كريم. قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون) أي أتعقل أم يكون من القوم الذين لا يعقلون. ففعل ذلك لينظر أتعرفه أم لا تعرفه. فلما انتهت إلى سليمان وكلمته، أخرج إليها عرشها، ثم قال لها (أهكذا عرشك؟ قالت كأنه هو). ثم أمر سليمان بالصرح وقد عملته الشياطين من زجاج أبيض كأنه الماء في صفاء لونه، فأرسل الماء من تحت الصرح، ثم وضع له سريره فيه، فجلس عليه. وعكفت عليه الطير والجن والإنس، ثم قال (ادخلي الصرح) ليريها ملكا هو أعز من ملكهاو سلطانا أعز من سلطانها (فلما رأته حسبته لجة، وكشفت عن ساقيها) لا تشك أنَّه ماء لتخوضه إليه قيل (أنَّه صرح ممرد من قوارير) فلما وقفت على سليمان، دعاها إلى عبادة الله عز وجل وعاتبها على عبادة الشيطان من دون الله. فقالت بقول الزنادقة: أو ليس هو في ناحية، فوقع سليمان ساجداً لله تعالى

إسلام بلقيس مع سليمان

لأجل ما سمع منها، وسجد الناس منه، واسقط في يدها، حين رأت عجيب ما صنع سليمان، فلما رفع رأسه قال: ويحك ماذا قلت؟ قالت، وأنسيت ما قلت (رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) فأسلمت وحسن إسلامها. قال فزعموا أنَّ سليمان قال لها - حين أسلمت وفرغت من أمرها - اختاري رجلاً من قومك أزوجك به. قالت: ومثلي - يا نبي الله - ينكح الرجال، وقد كان لي في قومي من الملك والسلطان ما كان لي، قال: نعم أنَّه لا يكون في الإسلام إلاّ ذلك، ولا ينبغي لك أنْ تخرجي مما أحل الله لك، فقالت: زوجني - إنْ كان ولا بد من ذلك - ذا بتع. قال واسمه موهوب إل. وإل سم الله تعالى، أي هبة الله عز وجل، وحمير تقول: اسم ذي بتع بريل. قال الفيروزي: ومات ذو بتع بريل. قال علقمة: أو مثل صرواح وما دونها ... مما بنت بلقيس أو ذو بتع فزوجه إياها، وردها إلى اليمن، وسلط زوجها ذا بتع على اليمن، وأولاده الساكنون بالسحول. ودعا زوبعة أمير حي الجن فقال: اعمل لذي بتع ما استعملك بقومك، فصنع ذو بتع المصانع باليمن، ولم يزل بها ملكا حتى توفي سليمان عليه السلام. فهذا ما روى محمّد بن إسحاق بن يسار مولى قريش وقال قوم: بل تزوج بها سليمان بن داود، وربما كان ذلك والله اعلم. والصحيح

ما قاله أسعد تبع يفتخر في شعره: لدتني من الملوك ملوك ... كل قيل متوج صنديد ملكتهم بلقيس تسعين عاماً ... بأولى قوة وبأس شديد ونساء متوجات كبل ... قيس وشمس ومن اميس جدودي عرشها درعه ثمانون باعاً ... كللته بجوهر وفريد وبدر قد كللته وياقو ... ت وبالتبر أيما تقييد ولها جنتان تسقيهما عينان ... فازا بسه المسدود لا تبالي أنْ لا ترى غيث سيل ... جاءها السيل من مكان بعيد ولو إنَّ الخلود كان لحي ... باحتيال أو قوة أو عديد أو بملك لمّا هلكنا وكنا ... من جميع الأنام أهل الخلود وقال أسعد تبع أيضاً يذكر بلقيس في شعر له: ولقد بنت لي عمتي في مأرب ... عرشاً على كرسى ملك متلد عمرت به تسعين عاماً دوخت ... أرض العراق إلى مفازة صيهد يغدو إليها ألف ألف كلهم ... عقب لها يتعاقبون من الغد فرأت سبيل الرشد حين تبينت ... ما قد أتاها من حكيم مرشد نزلت عن الملك العظيم لربها ... قبل المنية أو يقال لها ردي

ملك رحبعم بن سليمان اليمن

قال أبو محمّد: قال وهب بن منبه الأنباري: لمّا مات سليمان أولى أمره في الخلق من بعده ابنه رحبعم بن سليمان بن داود عليهما السلام، وهو وصيه وخليفته ملك رحبعم: فولى اليمن سنة؛ وأتاه رسول بني إسرائيل من بيت المقدس فقال له: إنَّ أهل الشام يرتدون بعد سليمان عن دين الله، واجتمعت إليه ملوك حمير فقال له القلمس أفعى نجران، يا خليفة رسول الله، أردت الشام، وأهله أهل بأس وفتنة، لا يعطون إلاّ عن أسر، فاجعل سيفك دليلا، وعزمك خليلا، وإنَّ الكفر صدأ بالقلوب، لا يحول بينها وبينه إلاّ الخوف، ولن تخيفهم إلاّ بعزم وصبر، والله المعين قال رحبعم: لله بيت المقدس ينصرون الله وينصرهم، فخذوا أهبة الحرب وأعدوا الجيوش حتى ياتسكم أمري، فإنَّ السنة محلة، ة العام جدب. فتربص كل قوم من جيوش حمير مكانهم، ومضى رحبعم إلى الشام يريد بيت المقدس واختار من يني إسرائل مائة رجل فسار بهم على مدائن الشام، فأجابوه على أمر الله، حمير بلغ إلى انطاكية، فتمردوا وقتلوه ومن معه من المؤمنين، وهم الذين اختارهم للمسير معه من بني إسرائيل. والقاتل لهم من بقايا القوم الجبارين من بني مارع بن كنعان بن حام بن نوح، وتجبر

حدوث فتنة على الملك باليمن

بنو كنعان باخوانهم من القبط من كنعان، والنواب بن كنعان بن حام بن نوح، ولم يكن لبني إسرائل بهم طاقة. ووقعت فتنة باليمن على الملك، وتغلب كل على ما تحت يده وانشغلوا عن الظهور على أنطاكية، فأرسل الله جناً من الملائكة على أهل انطاكية فأغاروا عليهم وأوغلوا في طلبهم، فلما أصبحوا عطفت عليهم جنود الملائكة ووضعوا فيهم السيف فقتلوهم إلى باب انطاكية، ودخل منهم انطاكية المدينة وأغلقوا الباب، ونزل الملائكة على أهل المدينة فقتلوهم أجمعين وذكر بعض أهل العلم أنَّ فيهم أنزل الله سبحانه (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين، فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون. لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه، ومساكنكم لعلكم تسألون، قالوا يا ويلنا أنا كنا ظالمين، فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين) قال أبو محمّد: حدث أسد، عن أبي إدريس، عن وهب أنَّه قال: هزمت الملائكة أهل انطاكية الذين قتلوا رحبعم، أغلقوا باب سورهم وعلوه فهبت عليهم ريح صرصر شمالية ببرد شديد فأسقطتهم موتى، ونزلت الملائكة على الباقين فقتلتهم. والله اعلم قال نشوان: أو ياسر الملك المعيد لمّا مضى ... من ملك حي لا تراه لقاح أبقي بوادي الرمل أقصى موضعٍ ... بالغرب مسند ماجدٍ جحجاح لم يلق بعد عبوره بيتاً ولا ... شيئاً من الحيوان ذي الأرواح

غزو ياسر ينعم للشام والمغرب وبلوغه وادي الرمل

هذا الملك ياسر ينعم عمرو بن العبد بن أبرهة بن الرائش. وسمي ياسر ينعم لأنه رد ملك حمير إليها بعد أنْ انتقل إلى سليمان بن داود عليه السلام وهو الذي أوصى له الهدهاد بالملك في عهد بلقيس وبعدها، فأجابته حمير وقدموه قال أبي محمّد: لمّا ولى ياسر ينعم الملك، أقر بلقيس على ملكها بمأرب ولم يغير عليها شيئاً من أمرها. وكان ياسر ملكا عظيما، خرج من اليمن غازياً، فدوخ الشام وقبض أقواتها، وتوجه نحو المغرب لرؤيا رآها، حتى إذا بلغ وادي الرمال الذي يسيل - ولم يبلغه أحد من الملوك غيره - ويقال إنَّ اسم الوادي الرسيل، فلما انتهى إلى الوادي لم يجد مخرجاً ولا مجازاً، حتى كان يوم السبت. ويقال إنَّ ذلك الوادي لا يسكن إلاّ يوم السبت، فانه لا يجري ولا يتحرك. فلما رآه كذلك أمر رجلاً من أصحابه من أهل بيته يقال به عمرو بن زيد بن أبي يعفر أنْ يعبر بأصحابه، فلم يرجعوا. ويقال أنَّه لا يوجد خلف ذلك الوادي نبات ولا شيء من حيوان. فلما رأى ذلك ياسر ينعم أمر بصنم من نحاس فصنع ونصب على صخرة، ثم كتب على صدر ذلك الصنم كتاباً بالمسند وهو كتاب بالحميري أبياتا من شعره، وكلاماً قاله. أما الكلام: أنا الملك الحميري ياسر ينعم

بيان المواضع التي كتبت عليها ملوك حمير

اليعفري، ليس وراء ما بلغته مذهب، فلا يجاوزه أحد فيعطب. وأما الأبيات فقوله على لسان حال الصنم: أنا علم المليك ثبت دهري ... على رأي المقاول والقبول نصبت فلم أزل فيها مقيما ... لحمير للشباب وللكهول فما أحد يجاوزني فيحيى ... على التل المطل على السهول ليعلم من أتاني من أمامي ... فليس له ورائي من سبيل وقيل إنَّ ذلك الصنم على هيئة الانسان، لا يزال يشير إلى من أتى إليه من أمامه أنْ يرجع. وفيه يقول دعبل بن على الخزاعي: وهم كتبوا الكتاب بباب مروٍ ... وهم غرسوا هناك التبتينا وفي صنم المغارب فوق رمل ... تسيل تلوله سيل السفينا قال أبن الكعلي: كانت متب ملوك حمير بباب الصين، وباب مرو، وسمرقند، وفي صنم المغرب، وبباب أنقرة ببلاد الروم، وبباب ذي الكلاع وقال علقمة بن زيد بن يعفر أخو صاحب المقنب الذي غرق في وادي الرمل: ايا ياسر الأملاك قد رمت خطة ... علت فوق غابات الملوك القماقم رددت علينا ملكنا في نصابه ... ولولاك كان الملك أضغاث حالم سلكت بلاد الغرب تطوي بجحفل ... كمثل البا عند ارتجاج الهواجم

تفض جموعاً للأعاجم عنوة ... بأبناء قحطان الحماة الخضارم إذا ما أتوا أرضاً أباحوا ملوكها ... وقادوا جميعاً أهلها بالجرائم فأوردتهم في مورد لن يناله ... من الناس غاز رام أرض الأعاجم أتسير بهم وادي السيل سيوله ... تسيل برمل كالجبال الرواكم تسير نهاراً والليالي دائباً ... اتسبي سبياً من قبيل أقادم فأوردته عمراً بمقنبه ضحى ... ليعلم من أسبابه سر كاتم فهاض جناحي إذ ثوى غير آيب ... إلى أبن أمي كان رمحي وصارمي وودعني عمرو عليه تحيتي ... وأفردني عمرو لهم ملازم وقال النعمان بن الأسود بن المعترف الحميري: لعمري لقد جللت حمير نعمة ... وفرت بملك ذي بقاء إلى الحشر وأرجعتها الملك الذي كان قد وهى ... فأنت حسام الدهر ذو النعم الزهر ولولا سليمان الذي كان ملكه ... من الله تنزيلا ووحياً على قدر لمّا كان إنس يبتغي أنْ يرومنا ... ولا الجن إذ نحن الأقاصم للضهر ولكن قضاء كان تحويل ملكنا ... إلى أين نبي الله داود ذي النصر فذاك سليمان الذي كان ملكه ... من الله تنزيلا عليه بلا نكر

فنحن ملوك الناس قبل نبيه ... وقبل أبيه الخير عصراً من الدهر ونحن ملوك الناس والمقتدى بنا ... إلى أنْ يصير الملك منا إلى فهر يكون نبي أمره غير واهن ... ورحيم بذي القربى وبالأجنب الوتر محمّد الهادي وأحمد اسمه ... رسول منير مشرق الوجه كالبدر له أمة منا غطاريف سادة ... مصاليتها أهل النكبة والصبر يدينون دين الحق عن دين أحمد ... يسيرون في الدنيا على الحق بالنصر وسوف تطأ السودان أرض أبن حمير ... فتعبر عشراً من العشر فيقتلهم ذو الشأن منا بقدرة ... ويقتلهم قتلا ذريعاً إلى البحر فيسلبه الملك الذي هو ملكه ... نبي كريم النفس متسع الصدر ويغلب آفاق البلاد بعزمه ... ويبقى بذاك الذكر في آخر الدهر يرد عماد الملك من آل حمير ... تقوم له الأملاك بالحمد والشكر بني حمير سيروا البلاد لعزكم ... فإنَّ المعالي لا تنال بلا قهر وقال نشوان: أم أين شمر يرعش الملك الذي ... ملك الورى بالعنف والإسجاح قد كان يرعش من رآه هيبة ... ورنا إليه بطرفه اللماح وبه سمرقند المشارق سميت ... لله من غازٍ ومن فتاح

السيوف اليرعشية

وأتى بمالك فارسٍكيقاوسٍ ... في القيد يعثر مثخنا بجراح فأقام في بئرٍ بمأرب برهةًفي السجن يجأر معلناً بصياح فاستوهبت سعدى أباها ذنبه ... فعفى وسيره بحسن سراح هذا شمر يرعش بن افريقيس بن أبرهة ذي المنار بن الحارث الرائش، وهو الذي أحدث السيوف الحميرية اليعرشية، وهي أحكم السيوف سقياً، وأكثرها جوهراً. من بقاياها الصمصامة سيف ذي يزن قيفان الذي صار إلى عمرو بن معدي كرب الزبيدي. وله حديث طويل، ويقال إنَّ حديدها من جبل نقم. وسمي يعرش لأنه كان يرعش من رآه هيبة. وقيل: سمى بذلك لأنه أصابه الفالج في آخر عمره فكان يرتعش منه. وحمير جميعاً لا يقولون إلاّ يرعش بكسر العين، فدل ذلك على أنَّه يرعش من رآه من الهيبة. وغزا شمر يرعش من اليمن في جنود كثيرة، حتى دخل أرض بابل، ثم توجه يريد الصين، فأخذ على أرض فارس، وسجستان، وخراسان، وبلاد الترك، فافتتح

حيلة أحد وزراء ملوك الصين على شمر يرعش وجيشه

المدائن والحصون، وقتل وسي الأعاجم، ودخل مدينة السغد فهدمها فسميت سمر كند بلغة العجم، أي شمر أخر بها، فتغيرتها العرب. وقيل هو أول من أمر ببنائها فسميت به، وكتب على بابها بالحميرية في صخرة مبنى عليها سورها: هذا ملك عرب لا عجم، شمر يرعش الملك الأشم، فمن بلغ هذا المكان فهو مثلي، ومن جاوزه فهو أفضل مني. ويقال: إنْ سبب خروج شمر من اليمن إلى الشرق أنْ ملكا من الملوك ببابل يقال له كيقاوس بن كنينة تجبر وبني صرحا يريد فيه الرقي إلى السماء كما فعل فرعون وهامان، فنهض إليه شمر بجنوده، فحاربه فظفر به، وقفل به إلى اليمن أسيرا، فسجنه ببئر بمأرب، ثم إنْ سعدي ابنه سمعت قيقاوس يجأر في تلك البئر فرحمه، فلم تزل تشفع له أبيها حتى أطلقه من السجن وولاه على بلده ورد إليها على خراج يؤديه إليه في كل سنة. وقيل في رواية أخرى: إنَّ شمر لمّا افتتح سمرقند هدمها، ثم أمر ببنائها، ثم توجه إلى الصين، فخافه ملك الصين خوفا عظيما، وعلم أنَّه لا طاقة له به، فجمع ملك الصين وزراء، فاستشارهم وقال: قد أقبل هذا الأعرابي ولا طاقة لنا به، فماذا ترون؟ فأتى كل واحد منهم برأي، وبقي واحد منهم لا يتكلم، فقال: ما تقول؟ فقال: أرى أنْ تظهر الغضب عليّ وتجدع أنفي وتأخذ دوري وضياعي وأملاكي ودوابي وعبيدي، حتى يعلم الناس بذلك. فكره ذلك ملك الصين لعظم حال ذلك الوزير عنده، فلم يعذر ذلك الوزير حتى ساعده، وفعل به ما أشار عليه به، فخرج الوزير من الصين حتى انتهى إلى شمر يرعش، فأراه جدع أنفه، وشكى إليه ما فعل به ملك الصين، وأظهر لشمر يرعش النصيحة، فجعله شمر يرعش من خاصته، ثم احتاج إلى دليل يدله على الطريق إلى

القول بأن سكان بلاد التبت من اليمن من جيش شمر يرعش

الصين في المفازة العظيمة التي دونه، فقال وزير ملك الصين لشمر يرعش: أنا الدليل أيها الملك، ولا تجد من يعرف هذه المفارة مثلي، فنهض شمر يرعش بجنوده يتبعون ذلك الوزير بهم غير الطريق حتى بعدوا بعدا عظيما عن. . . . . . وأشرفوا على الهلاك وأيقنوا. . . . . . . ونفذ ما معهم من الماء. فقال شمر: أين الماء؟ فقال الوزير: لا ماء ها هنا إلاّ الموت. . . . . . . . أنْ تهلكنا وملكنا، وتقتل رجالنا وتسبي ذرارينا، فوهبت نفسي لأهل بلادي، ووقيتهم من الهلاك بنفسي، فأنت ومن معك أحق بالهلاك من ملكنا وأهل بلادنا. فأمر شمر بضرب عنقه، وأيقن شمر بالهلاك، وقال لجنده: توجهوا أينما شئتم، وفرش له درع من حديد، وظلل عليه بدرقة من حديد، وظلل عليه بدرقة من حديد، فذكر عند ذلك قول قوم من. . . . . . . حكموا في ميلاده أنه يموت في بيت سقفه من حديد، وفراشه من حديد، وذهب كل منهم على وجهه فهلكوا في تلك المفارزة، وتناثر من جنوده ثلاثون ألفا فوقعوافي أرض فيها الشجر والماء والنخيل وهي بلاد التبت التي يجلب منها المسك، فتملكوها وتوطنوها، وبعدت منهم أرض اليمن، فسكنوا بها إلى اليوم، فزيهم زي العرب، وأخلاقهم أخلاق العرب، ولهم ملك قائم بنفسه منهم، وهم معترفون أنهم من العرب من اليمن، وهم يحبون العرب حبا شديدا. وقيل: إنَّ شمر يرعش قفل إلى اليمن سالما غانما. وفي رواية أخرى حتى دخل اليمن، وقرب من ريام ثم هلك، والله أعلم أي ذلك كان. القصيدة: والأقرن الملك المتوج تبع ... عراك البلاد بكلكل فداح

الملك تبع الأقرن

وغزا بلاد الروم يبغي وادي إلي ... قوت صاحب عزة وطماح فقضى هنالك نحبه وأتى إلى ... أجل معد للحمام متاح هذا الملك تبع الأفران: وهو ذو القرنين المذكور في القرآن، أبن شمر يرعش بن إفريقيس، بن أبرهة ذي المنار بن الحارث الرائش، وسمى الأقرن ذا القرنين لشيب كان على قرنيه ولد وهو فيه. وكان ملكا عظيما، عالما حكيما. قد أطلع علم الكتاب، وسمع حكومات من ينظر القرانات ويقال أنَّه القائل: أنا الملك المتوج ذو العطايا ... جلبت الخيل من أوطان سام ويقال: إنْ أباه شمر الذي قالها. ويقال: إنْ أباه الحارث قالها. والله أعلم. وغزا تبع الأقرن بلاد الروم وأوغل فيها حتى قطعها. ووصف له أنْ بتلك الناحية واديا فيه الياقوت، وأنْ بالقرب منه عينا يسمى ماؤها ماء الحيوان الذي ظفر به الخضر دون ذي القرنين. فلما بلغ إلى هذه الناحية أدركه الشتاء هناك فمات ودفن هناك، وكرم الله وجهه أصحابه راجعين خوف الهلاك، فأرادت حمير أنْ تحمله إلى اليمن مثال ذلك الموضع. وهو موضع الظلمات، ولا يكون مظلما إلاّ إذا بعدت الشمس في أيام الشتاء، إذا هي انتهت في الجهة اليمانية عند حلول الشتاء رأس الجدي، فتصير تلك الأيام ليلا بلا نهار في ذلك الموضع. وفيه يقول قطن بن الغوث بن ذي الأذغار: إنْ يمس في اللحد أبو مالك ... يسقي عليه الترب بالحصاب

اختلاف الآراء في ذي القرنين المذكور في القرآن الكريم

في غربة أصبحت ميتا بها ... وليس من يبرح بالصاقب في حفرة غبراء مكروهة ... ذات ظلام ليس بالثاقب فوق سواسي الأرض من خلقها ... تركت دون المعبر الكاذب فقد غنينا زمناً بيننا ... منك كبدر الغسق الواقب غيثاً يعم الأرض مضى ... وكفه فيها غنى الطالب يعطي جزيل المال لا ينثنى ... وكل بكر غضة كاعب يا حمير الأملاك لا تسأموا ... فقد فجعتم بالفتى الغالب كثير من حمير يرى أنَّ هذا الملك، هو ذو القرنين المذكور في القرآن الكريم، ولمّا رأوا من شدة ملكه وعلما وعدله وحسن سيرته، ولأنّه بلغ المبلغ التي ذكرت لذي القرنين اليسار، ودخل بلاد الظلمات التي وادي الياقوت، وفيها العين التي يسمى ماؤها ما الحيوان، التي ظفر بها الخضر عليه السلام دون ذي القرنين، وغير ذلك من الأوصاف التي وصف بها ذو القرنين ونهم من يرى أنَّه تبع الأكبر وهو الرائد، وأسمه الصعب أبن تبع الأقرن بن شمر يرعش بن إفريقيس بن أبرهة ذي المنار بن الحارث الرائش وقال آخرون من حمير: هو الصعب بن القرنين بن لهماذ بن عهم بن الراتع بن أبن ذي أبين بن ذي يقدم بن الصوار. وقال قوم منهم: هو ياسر بن عمرو بن العبد بن

باب الحقيقة المعمول عليها إلى ذي القرنين السيار

أبرهة بن الرائش. وقد روى أنَّه غير هؤلاء المذكورين باب الحقيقة المعمول عليها إلى ذي القرنين السيار ومعرفة الطرق التي جاءت منها اللبسة فيه، والتنبيه على الأخبار الباطلة والمتعاملون بهذا الاسم أربعة: أولهم المساح باني سد يأجوج ومأجوج. وهو الصعب بن مالك بن الحارث بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان وأهل السجل يقولون: هو الهميسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان، وروايتهم أنَّه لقي إبراهيم الخليل عليه السلام يوم حاكم إليه أهل الأردن وهم من العماليق. وذلك أنَّ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - أحتفر بئراً في صحراء الأردن للماء لأجل ماشيته؛ وأدعى قوم من العماليق أنَّ عرصة البئر في حوزتهم، فحاكمهم إلى ذي القرنين وهو سائر إلى الشمال بعد منصرفه من الشام، وكان الخضر على مقدمة عسكره، فلما أوغل ذو القرنين في الشمال، رفع للخضر عن ماء الحيوان فشرب منه، ولم يعلم ذو القرنين ولا أحد من أصحابه، فخلد وعمر وقال حسان بن ثابت الأنصاري يفتخر بذلك، ويذكر فيهم ذا القرنين ومسيره في البلاد، وبناءه السد، ويذكر نصر الأزد للاسلام في شعره أوله يذكر فيه ما صار إليه من المشيخ بعد الشباب: كبرت كذلك المرء ما عاش يكبر ... وقد يهرم الباقي الكبير المعمر

لقد كن يأتين الغواني يزرنني ... بأردانها مسك ذكي وعنبر ولمّا رأين البيض شيبي وذرنني ... ونادينني: يا عم والشيب يوذر تنفرن عني حين أبصرت شاملا ... على مفرقي كالقطن بل هو أنور وكن خلالي يوم شعري كأنه ... جناح غداف أسود حين ينثر أريع عليه ألبان في كل ليلية ... فيصبح جعداً كالعناقيد يقطر وقد كنت أمشي كالردني ثابتاً ... فصرت كأني ضالع الرجل أصور فبدلت شيباً بعد ما أسود حالك ... متى مسه خضب إذا هو احمر كرابية حمراء في رأس حالق ... على شعف باد لمن يتبصر علا الشيب رامي بعدما كان أسودا ... وفي الشيب آيات لمن يتفكر وبعد الشباب الشيب والضعف والفنا ... وموت له قدر عبوس مكدر فكم كم من الأملاك قد ذل ملكهم ... وهل من نعيم دائم لا يغير سوى ملك ربي ذي الجلال فإنه ... له الملك يقضى ما يشاء ويقدر لقد كان قحطان الندى القرم جدنا ... له منصب في رافع السمك يشهر ينال نجوم السعد إنَّ مد كفه ... تقل أكف عند ذلك وتقصر ورثنا سناء منه يعلو ومتحداً ... منيف الذرى سامي الأرومة يذكر إذا انتسبت شوس الملوك فإنما ... لنا الراية العليا التي ليس تكسر لنا ملك ذي القرنين هل نال ملكه ... من البشر المخلوق خلق مصور

بواتر يتلو الشمس عند غروبها ... لينظرها في عينها حين يدخر ويسمو إليها حين تطلع غدوة ... فيلمحها في برجها حين يظهر وكيلا بأسباب السماء نهاره ... وليلي رقيباً دائماً ليس يفتر وأوصد سداً من حديد أذابه ... ومن عين قطر مفرغاً ليس يظهر رمى فيه يأجوجاً ومأجوج عنوة ... إلى يوم يدعى للحساب وينشر وفي سبأ هل كان عز كعزهم ... لهم حسب محض لباب وجوهر وقد كان في بينون ملك وشؤدد ... وفي ناعط ملك قديم ومفخر وأسعد كان الناس تحت سيوفه ... حواهم بملك شامخ ليس يقهر تواضع أشرف البرية كلها ... إذا ذكرت أشرافها الصيد حمير وفي الكفر كنا قادة وذوي نهى ... أنا عدد الفيض الذي هو يكثر وأول من آوى النبي محمداً ... نصرنا وآوينا نذب وننصر عن المشرق الميمون أحمد ذي النهى ... كأنا ضراغيم الفضا حين نضجر إذا شمرت حرب وهز هزيزها ... نهضنا مساعير لها حين تسعر نكب الكماة الشوس عند اصطلائها ... قتلنا ولاة الشرك من كان يكفر إذا زفت الأنصار حول محمّد ... بجيش كريم مزيد حين يزخر يزفون حول الهاشمي نبيهم ... على وجهه نور من الله يزهر إذا خطروا بالمشرفية والقنا ... فبخ لهم من عصبة حين تخطر

إذا ما مشوا في السابغات كأنها ... هزيم من الرعد المجلجل يزأر فضلنا ملوك الشام في كل مشهد ... لنا الأثر في المرعى وورد ومصدر وقال عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي يذكر ذا القرنين ويخبر باسمه: فسموا كذى القرنين نعرف فضلكم ... به إنَّ في اليوم المبين شافيا لنا الشرق والغرب احتيالا وقوة ... فأبقى لنا غداً به الهر باقيا بنى دون يأجوج ومأجوج إذ رأى ... فسادهم ردماً لدى السد راسيا دعا إذ أناه بالحديد فازه ... ولاءم بالقطر المذاب السآبيا فما قدروا أنْ ينقبوا بحيلة ... ولا وجدوا فيه لرجل مرقيا فقد سار عرض الأرض قدماً وطولها ... وما كان بها واهن البطش واهيا فنودي لمّا سار والشمس خلفه ... على الماء ذا القرنين قف واحف طافيا فقد جئت حدّثني الأرض والظلمة التي ... مررت بها تهوى على الماء ماشيا وكان اسمه في قومه الصعب لم يكن ... له اسم سواه يستحق المماريا فحقق أنَّه الصعب بن مالك، وكذلك حقق حسان بن ثابت أنَّه من ولد مالك بن زيد بن كهلان بقوله: لنا ملك ذي القرنين هل نال ملكه ... من البشر المخلوق خلق مصور فلما فرغ من خبره قال: وفي سبأ هل كان عز كعزهم

فأخرجهم من حمير، وأخرجها من قصصه وقال فيه علقمة بن ذي جدن ورثاه في جملة من ذكر من ملوك قحطان فقال: أين الذي بلغ المشارق كلها ... ومغارب الأرض التي لم تعمر وبنى على يأجوج ردماً رصف ... بالقطر لم ينقب ولمّا يظهر فتناولته منية قصدت ... فأجابها ومضى كأن لم يذكر وقال الخارجي: سموا لنا واحداً في الناس نعرفه ... في الجاهلية لاسم الملك محتملا كالتبعين وذي القرنين يقبله ... أهل الحجى فأحق القول ما قبلا وقال أبن أبي ذؤيب الخزاعي، بشعر مخمس: ومنا الذي في الخافقين تغربا ... وأصعد في كل البلاد وصوب وفي ردم يأجوج بني ثم نصبا ... فقد نال قرن الشمس شرقاً ومغربا بعسكر موت ليس تحصى فتحسبا ... وذلك ذو القرنين من آل كهلان وغير الهمداني - وهو مؤلف الإكليل - بروي البيت المقدم من آل قحطان، وقال فيه أسعد تبع وسماه خاله للولادات التي ذكرها: عمني الخير حين تذكر بلقيس ومن مطلع الشمس خالي وقال أيضاً: قد كان ذو القرنن خالي قد أتى ... طرف البلاد المكان الأبعد

وقال: قد كان ذو القرنين قبلي مسلما ... ملكا تدين الملوك وتسجد وكان أبن إسحاق يرويه: قد كان ذو القرنين. . . . . . .، وهذا يحتمل أنَّه كان جده من جهة الأمهات المقدم ذكرهن. والثاني الإسكندر بن فليبس وهو من اليونانيين، وهو الذي بنى الإسكندرية، وإليه ينسب تاريخ ذي القرنين الذي نحن فيه لمدخل سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة من الهجرة على ألف سنة ومائتين وخمسين سنة، ويقال أنَّ فيلبوس من ولد هرمس ملك مصر، المنجم صاحب الأحكام، وهو الاسكندر بن بيلبوس بن مصريم بن هرمس بن هردس بن ميطون بن رومي بن ليطي أبن يونان بن ثافث بن ثوبه بن سرجون بن رومية بن نرط بن نوفل بن روفل بن الأصغر أبن اليفظ أبن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام. وكان ملكه الذي بلغ فيه أقصى المغرب والمشرق خمس عشرة سنة، وكان عمره ستا وثلاثين سنة. وكان يؤدب الاسكندر ارسطاطاليس الحكيم، فزعموا أنَّه خرج إلى بابل ثارا بها سنحاريب وسوروان

وبخت نصر وبمصر وببلد الروم وظفر بدار الملك ببابل وبدارا عظيمها وأكابر أهل بابل. وكتب إلى أرسطوطاليس يشاوره في قلهم ويقول: قد كتبت إليك، وقد أظفرني الله بأهل بابل، فمنح أكنافهم وملك بلادهم، وأمكن من حكمائهم، وأشاورك في قتل من قبضت عليه من الملوك والقادة والأشراف والسادة لتنفيذ فيهم أمرك، فاحسم عنك وعن بلدك البلاد إلى آخر الدهر. فكتب إليه أرسطوطاليس: قد علمت لكل بلد قسمة، وقسمة فارس النجدة، وإذا قتلت الأشراف تحولت النجدة في السفلة منهم، فسمت الإخاء إلى منازل ذوي الأقدار، ولم يبتل الناس ببلاء أشد عليهم من قوة اللئيم، وغلبة السفلة، وأخاف أنْ يكون لفارس على أهل بلدك دولة يوما من الأيام فيأتيهم ممن ليس عنده بقية ولا روية ولا نظر في. . . . . . . والسلام. فابقي الاسكندر عليهم. وقد روى بعض العامة من العجم أنْ هذا باني السد، ولم يوغل هذا في الشمال، وإنما كانت له غزوتان: واحد للمغرب، والثانية للمشرق، وفيها مات، ومما يدل على أنَّه ليس بذي القرنين الذي ذكره الله عز وجل في كتابه رواية العجم لغدره بدارا ودسة عليه صاحب حرسه، فلما قتل على الشريطة التي شرط له والعهد الذي أعطاه قتله، قال تركه تكربت للحاشية على الملوك، وأنَّه سقى السم فمات. فحمل في تابوت من ذهب ووضع بين الحكماء، فتكلمت، فقال أحدهم: ما زلت تكنز الذهب، حتى كنزت فيه. وقال بعضهم عليه أنت ميتا اوعظ منك حيا. وقال آخرون: إنْ أمرا هذا آخره لحري أنْ يزهد في أوله. والرجل الصالح لا يكنز الذهب، كما قال الله عز وجل (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم). وكثيرا ما ينتحل

الأعاجم سد يأجوج ومأجوج، ولا يجدون إلى أنَّ ينحلوه الاسكندر سبيلا، لمعرفة الناس بمبالغة من البلاد، فيقولون: هو الاسكندر الأكبر الذي يدعى أبن فيليبوس بن مصريم الذي بنى عليه بنيه ريح، والذي بين قيام فيليبوس بن مصريم وهو عندهم أبو الاسكندر الأكبر وبين قيام الاسكندر الآخر ثلاث عشرة سنة وثلاث مائة وستّة وعشرون يوماً، ومن كان عصره على هذا القرب من الاسكندر بن فيليبوس، فليس يخاف بناء ابنه للسد. والذي روى الخبر وهذا التاريخ من العجم، ويقولون أنَّه لم يرفع أحد من اليونانيين والروم رأسه على ملك بابل حتى قام الاسكندر بن فيلبوس على دارا؛ وما رأيت أحداً من العلماء على اختلافهم في نسب الاسكندر ذي القرنين شك أنَّ ذا القرنين الذي ذكره الله تعالى في كتابه، ذكرته العرب في أشعارها، وسماه العرب البناء، والمسلح غير الاسكندر وأقدم منه، وهو الذي تحاكم إليه إبراهيم عليه السلام في الأردن وصاهر إليه جيدان بن قطن. وهذا درجته متقدمة لعصر الاسكندر اليوناني، وإنَّ بين الاسكندر بن فيلبوس وبين إبراهيم عليه السلام عشرين بطناً ومما يدحض رواية العجم فيما أدعوه من بنائه السد أنَّ مسير الدنيا المشرق إلى المغرب فيما يؤثر عن العلماء أنَّه مقدار خمسمائة سنة من مطلع الشمس إلى مغربها، وكان مدة عمر الاسكندر بن فيلبوس ستاً وثلاثين سنة، فكيف يمكن بلوغه مطلع الشمس إلى مغربها في هذه المدة اليسيرة، وإنّما تصح الرواية في بلوغ أقصى مطلعها وأقصى مغربها فيمن أقدره الله على ذلك وممكن له في الأجل فنال ذلك على المهل، وهو ذو القرنين الصعب، ويكنى ذا رياش بن مالك بن الحارث ذي مراثد بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان، وذو القرنين اسم عربي من الأذواء وهو من المعمرين، وكان فيما يذكرون والله اعلم أنَّ

عمر ألفا سنة، وقد جاءت بذلك الشواهد من الأشعار. ومنها قوله بعد رجوعه لمّا نعيت نفسه إليه فجعل يخاطب نفسه: صعب حقاً كل شيء ذاهب ... إلاّ الإله الواحد المعبود هتكت خطوب الدهر عمرك هتكة ... أمسى حسامك دونها مغمودا عمرت ألفاً بعد ألفا قبلها ... في العالمين فقد دعيت وحيدا وقصدت آفاق البلاد بقدرة ... فوجدت نحساً دونها وسعودا فهديت فيها مؤمناً ذا همة ... ونشزت منها كافراً وجحودا ورايت عين الشمس عند سقوطها ... ووردت أمواج المحيط ورودا وبلغت أعلام المشارق كلها ... أبغي بما أبغي لهن حدودا فوطئت يأجوجاً ومأجوجاً بها ... وبنيت دونها وحديدا وجعلت عن شريهما مندوحة ... فالفج عن صدفيهما مقصودا وولجت في الظلمات حين ولجتها ... خوفا وكان وتاجها محدودا ولقيت تحت الشمس قوماً خلتهم ... تحت الظلام خنازراً وقرودا وعلوت في الدنيا بعزة قاهر ... أكدت فيها للبقا تأكيدا حاولت أنَّ أعطي الخلود وأرتقي ... في الخافقين إلى السماء صعودا فأبى لي الله الذي أملته ... أمس المنى دون الرضا ممدودا

فالحنو للصعب المعبهل منهل ... يسعى به أمداً له ممدودا قال النعمان بن الأسود بن المعترف بن عمرو بن يعفر بن سكسك المقعقع الحميري يرثي ذا القرنين الحميري: بحنو قراقر أمسى رهيناً ... أخو الأيام والدهر الهجان لئن أمست وجوه الدهر سوداً ... جلين لذلك الملك اليماني لقد صحب الردى ألفين عاماً ... ولاقاه الحمام على ثمان إذا جاوزت من شرفات حنو ... وسرت بايك برقة رحرحاني إذا جزت العقيق بأرض هند ... إلى القنوات والنخل الدواني هناك الصعب ذو القرنين ثاو ... بأرض تنوفة الحنوين عاني ألم تر أنَّ حنو الرمل أمسى ... لملك الدهر والدنيا مغاني فقال للنازلين بكل أرض: ... لكم أمر على بعد وداني قال أبو محمّد: حدثنا أسد عن إدريس عن وهب بن منبه عن عبد الله بن العباس أنَّه سئل عن ذي القرنين، ممن كان؟ قال: كان من حمير، وهو الصعب بن ذي مراثد، وهو الذي مكن الله له في الأرض، وآتاه من كل شيء سببا، بلغ قرني الشمس وداس الأرض، وبني السد على يأجوج ومأجوج. قال فالأسكندر الرومي؟ قال: كان

الاسكندر الرومي رجلاً صالحاً حكيما، بني على بحر أفريقيس منارتين: واحدة يأرض بابلبيون، وأخرى في أرض رومة، وسمي إفريقيس باسم ملك عظيم من عظماء التبابعة، أكثر الآثار عليه في المغرب من المصانع والمدن والآثار وسئل كعب الأحبار عن ذي القرنين، فقال: الصحيح عندنا من علوم أحبارنا وأسلافنا أنَّه من حمير، وأنَّه الصعب بن ذي مرائد، والأسكندر من بني يونان أبن عيص بن اسحق بن إبراهيم عليه السلام، ورجاله أدركوا عيسى بن مريم، منهم جالينوس وأرسطوطاليس ودانيال وهو من بني إسرائيل، وجالينوس وأرسطوطاليس من بني يونان من الروم، وفيه قال أسعد تبع: قد ك ذو القرنين جدي مسلماً ... ملكا تدين له الملوك وتسجد طاف المشارق والمغارب عالماً ... يبغي علوماً من كريم مرشد وأتى مغار الشمس عند غروبها ... في عين خلب وثأط حرمد وذكره قس بن ساعدة الإيادي فقال: أيّها الناس، هل أتاكم ما لم يأت آبائكم الأولين، أو أخذتم عهداً من السنين، أم عندكم من ذلك يقين، أم أصبحتم من ريب المنون آمنين، بل أصبحتم والله في غفلة لاعبين، أبن الصعب ذو القرنين، جمع الثقلين، وأداخ الخافقين، وعمر ألفين، لم تكن الدنيا عنده إلاّ كلمحة عين، من لم يتعظ اتعظ به

أيها الناس، أين الآباء والأمهات، والإخوة والأخوات، والأبناء والبنات. أما ترون آيات بعد آيات، وأموات بعد أموات، إلاّ وإنْ علم الغيب باطن، وبناء الخلق ظاهر، اضمحلت الأشخاص وذهبت، وعادت العظام رميا وبعثت، كلا ليصلن كل عامل عمله، كلا بل هو إله واحد، ليس بمولود. . . . . . . والد، أسكنهم التراب وإليه المآب. أما بعد، فإنَّ الحي حكم بالموت. أيها الأشهاد، أين ثمود وعاد. . . . . . الآباء والأجداد أين الظالم والمظلوم، أين الحس الذي لم يسكن؟ هل تدرون أين ذهب أبرهة ذو النار وعمرو ذو الأذعار؟ أم هل تدرون ما صار إليه عبادة الفتاح وأذينة الصباح، وجذيمة الوضاح؟. عزوا فقهروا، ونهوا وأمروا، وبنوا المصانع والآبار وجدلوا الأنهار، وغرسوا الأشجار، واستخدموا الليل والنهار هجمت الآجال دون الآمال. إلاّ وإنْ كل شيء إلى زوال. وأنشأ يقول: قد كنت أسمع بالزمان ولا أرى ... أنْ الزمان يطيق نتف جناحي فأراه أسرع في حتى أصبحت ... بيضا متون عوارضي وصفاحي وأنا الكبير بسنة في قومه ... هيهات كم ناسمت من أرواح صافحت ذا جدن فأدرك مولدي ... همرو بن شمر إذ سقى بالراح

والقيل ذو يزن رأيت محله ... بالقهر. . . . . . بين مرامر وصفاح فتك الزمان بملك حمير فتكة ... وسعى بكل عشية وصباح أودى أبو كرب وعمرو قبله ... وأباد ملك أذينة الصباح وأباد إفريقيس بعد مقامه ... في الملك. . . . . . . . . . الفياح والصعب ذو القرنين أصبح ثاويا ... بالحنو بين ملاعب الأرواح وغدا بأبرهة النار فأصبحت ... أيامه مسلوبة الأصباح أخنى على صيفي بحادثة صرفة ... مستأثرا بجذيمة الوضاح أم أين علكدة الهمام وملكه ... أم أين عز عبادة الفتاح والعبد والهدهاد صارا عبرة ... طارا. . . . . الدنيا بغير جناح لا تمس في شك الظنون أما ترى ... أيامه مشهورة الايضاح لا تأمنن مكر الزمان فإنه ... أودى الزمان بشمر الصياح من بعد ملك الصين أصبح هالكا ... أكرم به من هالك مجتاح برك الزمان على أبن هاتك عرشه ... وعلى أذنيه سالب الأرواح وعلى الذي كانت بموكل داره ... يهب الفيان وكل أجرد شاحي أين الذين تملكوا قد أهلكوا ... وعلى المقعقع حل بالأتراح شخصت على بعد النوى أشخاصهم ... فرآهم الأوهام بالأشباح

أفبعد أملاك مضوا من حمير ... أرجوا الفلاح ولات حين فلاح . . . . ذا يصافق كفه كف الردى ... يشرى البقا عن بيعة الأرباح . . . . .،. . . . . . . بن ساعده من جملة ملوك حمير. وقال الأعشى: والصعب ذو القرنين أصبح ثاويا ... بالحنو في جدث رميم مقيما في شعر طويل. وقال الربيع بن ضبع الفزاري: سيدركني ما أدرك المرء تبعا ... ويغتالني ما اغتال أنسر لقمان أجار مجير النمل من عز ملكه ... وأنزل سيف البأس من رأس غمدان وألوى بذي القرنين بعد بلوغه ... مطالع الشمس بالإنس والجان وقال الربيع أيضاً: لا بد أنْ ألقي المنون وإنْ نأت ... عني الخطوب وصرفه المحتوما هلا ذكرت له العرنجج حميرا ... ملك الملوك على القليب مقيما والصعب ذو القرنين عمر ملكه ... ألفين أمسى بعد ذلك رميما ونبت به أسبابه حتى رأى ... وجه الزمان بما يسوء شتيما وقال امرؤ القيس بن حجر المقصور بن الحارث آكل المرار، يذكر ذا القرنين الصعب بن ذي مرائد: ألم يحزنك أنْ الدهر غول ... ختور العهد يلتهم الرجالا

أزال عن المصانع ذا رياش ... وقد ملك السهول والجبالا همام طحطح الآفاق وجيا ... وقاد إلى مشارقها الرعالا وسد بحيث ترقى الشمس سدا ... ليأجوج ومأجوج الجبالا والثالث المنذر بن ماء السماء اللخمي. . . . . . . الحيرة، وكان يدعى بذي القرنين وقد رحل عنه امرؤ القيس بن حجر المندي. . . . . يوم طلبه فاستجار منه بالمعلي بن تميم بن ثعلبة الطائي فمنعه عنه، وأنشأ يقول: فما ملك العراق على المعلي ... بمقدار ولا الملك الشآم أسد نشاص ذي القرنين حتى ... تولى عارض الملك الهمام وكانت له مسيحتان من. . . . . . . . فسمى بهما ذا القرنين، والغدارة من شعر الرأس قرن وهي قرون الشعر. والرابع، هو الذي أتى فيه الخبر عن عليّ وأبن عباس عليهما السلام وقد سئلا عن ذي القرنين الماح، فقالا: ذو القرنين، هو الصعب بن عبد الله بن مالك بن زيد بن سدد أبن زرعة، وهو حمير الأصغر بن سبأ الأصغر بن كعب. وإنَّ صح طرق هذا الحديث عن عليّ عليه السلام، فانه الذي ملك بعد تبع الأكبر المدة التي تنسب إلى

ذي مقار وهي خمس وخمسون سنة، وإنَّ لم يصح، فالذي ملك بعد تبع، ذو مقار. وقال وسئل عليّ عليه السلام عمن اجتمع له ملك الأرض كلها، فقال: ملك الأرض كلها أربعة: مؤمنان وكافران. فالمؤمنان سليمان بن داود، وذي القرنين، اسمه الصعب بن عبد الله بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر بن سبأ الأصغر. والكافران: تبع والنمرود. ورواية عبد الله بن عباس بن أبن سلام تخالف هذا الحديث في تبع، لأنه ذكر أنَّه رجل مؤمن، إلاّ أنْ يكون عليّ عليه السلام أراد تبع الأكبر. وروي عن سفيان بن عيين عن ليث بن أبي سليم، عمن حدثه عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنَّه سئل عن ذي القرنين: ما ركب في مسيره يوم سار؟ فقال: خير بين ذلل السحاب وبين صعابه فاختار ذلله وهو الذي لا برق فيه. فهؤلاء الأربعة المتفق عليهم بهذا الاسم، واختلف في أيهم المساح؟ والصحيح الذي جاءت به الشواهد في كتاب الله تعالى وفي أشعار العرب، وقد وقع الإجماع فيه، أنَّه من ولد قحطان بن هود عليه السلام، وإنما وقع الاختلاف في نسبه إلى حمير أو كهلان فيما تقدم من الروايات. والله أعلم بالحقيقة. وقال نشوان: والرائد الملك المتوج تبع ... ملك يرود الأرض كالمساح فتح المدائن والمشارق وانتحى ... للصين في برية وبراح فأذاق بعبر حتفه فدحى به ... في عقر لحد للمنية داحي

الملك الرائد تبع الأكبر

وأحل من يمن بتبت معشراً ... أضحوا بها عنا من المزاح والترك قبل الصين كان لهم به ... يوم شتيم الوجه والأكلاح هذا الملك الرائد، وهو الذي يسمى به الأكبر لعظم ملكه، وشدة وطأته. وهو تبع أبن الأقرن بن يرعش بن إفريقيس؛ وكثير من حمير يقول أنَّه ذو قرنين السيار الذي بنى سد يأجوج ومأجوج؛ وأنَّه الصعب ذو القرنين بن الأقرن، فأقام عشرين سنة لا يغزو، ثم أتاه عن الترك ما ساءه من تطاولهم على من ببابل، وتناولهم لأطاربفه، فسار إليهم على الأرض نجد ثم على جبلي طيء ثم على الأنبار، وهو الطريق الذي ك يسلكه الرائش وشمر يرعش، فلقيهم في حدّثني أذربيجان، فهزمهم وأذرع القتل فيهم وأسر منهم وسبى، ثم جال في بابل وبلد خرسان وفارس، ثم توجه إلى نحو الصين فافتتحها واستباحها وأخذ ما كان من الأموال وقتل ملكها يعبر وأقام بها مدة ثم قفل، وخلف في التبت في صدره جيشاً عظيماً رابطة، فأعقبهم بالتبت إلى اليوم قال عبيد بن شرية: وهو التبتيون، وإذا سئلوا عن أنسابهم أخبروا انهم من العرب وإنَّ لهم بيتاً يعبدون فيه ربهم، ويطوفون حوله أسبوعاً ويذبحون، وذلك في شهر من السنة. قال ولمّا كثرت الأعداء بيننا وبين البيت، وكنا إذا خرجنا إليه تعظيما له أعتزلوا دونه، فلما رأى ذلك أولونا جعلوا في بلادهم وموضعهم الذي يسكنون

فيه بيتا مثل ذلك البيت، فنحن اليوم نعظمه ونطوف به سبع مرات، ونذبح فيه شهرين في السنة ونطعم ثلاثة أيام من جاء من الناس. قال معاوية بن أبي سفيان لعبيد بن شربة من أين علمت بقتالهم في حدّثني أذربيجان وخبر التبت؟ قال عبيد شربة: يا أمير المؤمنين، أهمني ذلك فسألت عنه من وقع إلينا من الأعاجم من تلك النواحي، وغدوت أيضاً إلى ذلك الثغر فسألت - وفي السؤال شفاء من العي وبيان عن العمي - وإذا تقادم الشيء ولم يجيء ذكره ذهب أصله وبطلت حقيقة أمره وماتت شواهده ثم آلى يبع يميناً، لا يدع أرضا مما كان آباؤه قد حوته من أرض الأعاجم وغيرهم إلاّ ترك فيها رابطة وعسكراً من قومه، وذلك حين رجع من الصين قال عبيد بن شربة: وقد قال تبع الأكبر في ذلك شعراً: أنا تبع الأملاك من نسل حمير ... ملكنا عباد الله في الزمن الخالي ملكناهم قهراً وسارت جيوشنا ... إلى الهند والأتراك ترى بأبطال ولك بلاد الله قد وطئت لنا ... خيول لعمري غير نكس وأعزال فمالت بنا شرق البلاد وغربها ... لهتك ستور نكبة ذات أهجال وعطل منها كل حصن ممنع ... ونقل منها ما حوته من المال وتلك شروق الأرض منها وطأتها ... إلى الصين والأتراك حالا على حال فإبنا جميعاً بالسبايا وكنا ... على كل محبوك من الخيل صهال بكل فتاة لم تر الشمس وجهها ... أسيلة تجري الدمع بيضاء مكسال

سموت البرى غرثى الوشاح كأنها ... من الحسن بدر زال عن غيم هطال أتينا بها فوق الجمال حواسراً ... بلا دملج باق عليها وخلخال تركناهم عزلا تطيح نفوسهم ... فلا ساكن منهم مقيم ولا وال فما الناس إلا نحن لا ناس غيرنا ... وما الناس إنْ عدوا لقومي بأمثال وتبع الأكبر هذا، هو القائل من شعر طويل: منع البقاء تقلب الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسي وطلوعها بيضاء صافية ... وغروبها صفراء كالورس تجري على كبد السماء كما ... يجري حمام الموت للنفس اليوم أعلم ما يجيء به ... ومض بفصل قضائه أمس وتشتت الأهواء يخلجني ... والغزو نحو مطلع الشمس وانا الهمام الحميري على ... نجم السعود ولدت لا النحس قدنا الجياد على كواكبها ... أسد العرين وأشبل الفرس أبطال ملحمة إذا التحمت ... من كل أشوس ليس بالنكس كم معشر أدوا خراجهم ... قسراً إلي وجانبوا مرسي فإذا غزونا أمة خضعت ... وتيقنت بالذل والتعس حزقاً تنفر عن جباههم ... ونذيقهم ما ذاق ذو الضرس أيقنت أني سوف أحصل في ... من قد مضى ويضمني رمسي

الملك أسعد الكامل (تبع الأوسط)

ولسوف يفنى الناس كلهم ... طراً في الأرض من جنس وأعوذ بالملك المهيمن من ... ما غال بالبأساء والرجس وقال نشوان: والكامل الملك المتوج أسد ... فيه تقصر مدحه المداح كم قاد من جيش أجيش كبابلٍ ... وكتيبةٍ تغشى البلاد رداح حتى اسباح بلاد فارس بالقنا ... وبكل أجرد في الجياد وقاح والترك والخزر استباح بلادهم ... والروم منه تتقي بالراح والصين تجبي خراجها عماله ... في بكرةٍ من دهرهم ورواح نطح الأعاجم في جميع بلادهم ... بأحد قرنٍ في الوغى نطاح وأذاق موليس الحمام وجؤذراً ... ونجى قباذ كثعلبٍ صياح حتى أتاه ذو الجناح برأسه ... من أرض بلخ ونهرها المنساح وأتى بقسطنطين في أغلاله ... وبهرمزٍ في قيده الملحاح وغزوا أرض الشمال فخاض في ... ظلماتها بمنارة المصباح وكسى البنية ثم قوس هدية ... سبعين ألفاً من بنات لقاح هذا الملك هو تبع الأوسط؛ أسعد الكامل بن ملكي كرب بن تبع الأكبر

الكلام على أبيه ملكي كرب وميله إلى همدان

وهو الرائد بن تبع الأقرن، بن شمر يرعش بن افريقيس بن أبرهة ذي المنار بن الحارث الرئش، وكان أبوه ملكي مرب ملكناً على اليمن لا سواها، وما أجله بنو سبأ الأصغر وسائر بطون حمير إلاّ لأنهم طلبوا بذلك الراحة مما كانوا يعتادونه من تعب في المغازي مع ملوكهم الأوائل، فمال ملكي كرب إلى همدان وكان ينتاب ناعطاً وضهراً ومدراً ورياماً، ثم خطب إلى موهبيل بن عبد ريم عمرو بن الفائش بن شهاب بن مالك بن معاوية بن دومان بن بكيل صاحب قصر خمر ابنته الفارعة بنت موهبيل فزوجه بها وتقدم بها في قصر خمر، فأقام معها حولا، وعاد إلى ظفار فحملت فولدت غلاماً فسماه أسعد، ولم يلبث ملكي كرب إلاّ يسيراً جتى توفي وابنه أسعد عند أمه وخئولته بخمر، فلما توفي ملكي كرب مرج الأمر من حمير، فماسكه بكير وكان بكير من أعوان ملكي كرب ووزرائه، وهو بكير بن نوفان بن أبتع بن أنوف بن ذي بتع صاحب بلقيس، وهو قيل ناعط، وموهبيل بن ريم جد اسعد الكامل: وكان من قصة أسعد الكامل أنَّه خرج ذات يوم إلى قصر خمر ولا علم لهم بخروجه، حتى انتهى إلى جبل هنوم وقيل اختطف إلى حبل هنوم وهو الأصح، فصادف نسوة فأضفنه، ثم جاءته الكبرى منهن بأسقية فيها خمر وفيها دم فشرب جميع ذلك، ثم جاءت الوسطى وقد أخذ فيه السكر

بمركب من مراكب الجن، ويقال أنَّه حمار، فركبه فطار به من حرفه فأسقطه فتجرح بدنه، وتهاضت عظامه، وجعلت الثالثة تمرضه حتى برئ، وفرشت له فراشا فوقه ابر يضاجعها غليه، ومرضته حتى برئ جسمه، وقوى عظمه ثم سرحته وأخبرته أنَّه سيقتل أعداءه ويبلغ أينما نواه، وينال في الملك ما يهواه، وأمرته أنْ لا يقف في خمر، وأنْ يكون مقامه بظفار، وصدوره للغزو منها. وقد ذكر جماعة من أهل العلم، منهم المفضل، ووهب بن منبه، وغيرهما، أنْ الحارث الرائش أول من دخل أرض الأعاجم وأدخلها، وأنه اشتد غضبه على رؤساء قومه بسبب لم يرضه لهم، فوضع يده في قتلهم فهرب منهم رجل، فطلبه الرائش، فأعجزه هربا، ترفعه أرض وتخفضه أخرى، حتى إذا جنه الليل، انضاف إلى كهف في جبل، فأخذته عينه، فإذا آت قد أتاه فقعد عند رأسه، وأنشأ يقول: الدهر يأتيك بالعجائب والأ ... يام والدهر فيه معتبر بينا ثرى الشمل فيه مجتمعا ... فرقه في صروفه القدر لا تنفع المرء فيه حياته ... مما سيلقى يوما ولا الحذر إني زعيم بقصة عجب ... عندي لمن يستزيدها الخبر تأتي بتصديقها الليالي والأ ... يام إنَّ المقدور ينتظر يكون في الأسر مرة رجل ... ليس له في ملوكهم خطر مولده في قرى ظواهر هم ... دان بتلك التي اسمها خمر يقهر أصحابه على حدث السن ... ويخفي فيهم ويحتقر حتى إذا أمكنته صولته ... وليس يدري بشأنه البشر أصبح في هنوم على وجل ... وأهله غافلون ما شعروا

رأوا غلاما بالأمس عندهم ... أزرى لديهم جهلا به الصغر لم يفقدوه لا در درهم ... لو علموا العلم فيه لأفتخروا حتى إذا أدركته روعته ... بين ثلاث وقلبه حذر جاءت إليه الكبرى بأسقية ... شتى وفي بعضها دم كدر فقال هاتي إليَّ أشربه ... قالت له ذر فقال لا أذر فناولته فما تورع عن ... أقصاه حتى أماده السكر فنهنهته الوسطى فنازلها ... كأنه الليث هاجه الذعر قالت له هذه مراكبنا ... فاركب فشر المراكب الحمر فقال حقا صدقت ثم سما ... فوق ضبيع قد زانه الضمر فصد لمّا رآه من أرن ... ومن جراح وهاجه الحصر فدق منه جنبا فغادره ... فيه جراح منها به أثر ثم أتته الصغرى تمرضه ... فوق الحنايا ودمعها درر فحال منها بمضجع ضجر ... وما يساوي الوطاء والدعر وكان إذ بعد صرعته ... من شدة الجهد تحته الإبر فقلن لمّا رأين حالته ... أسعد أنت الذي لك الظفر في كل ما وجهه توجهها ... وأنت تشقي بحربك البشر وأنت للسيف واللسان وللأ ... بدان تبدو كأنها الشور وأنت أنت المهريق كل دم ... إذا ترامى بشخصك السفر

نهوضه مع خمر إلى ظفار محل ملك آبائه

فارشد فلا تسكن في خمر ... ورد ظفار فإنّها الظفر فلست تلتذ عيشة أبداً ... وللأعادي عين ولا أثر نحن من الجن يا أبا كرب ... يا تبع الخير هاجنا الذعر فيما بلوناه فيك من تلف ... عن غمض. . . . . . وأنت مصطبر ثم أتى أهله فأخبرهم ... بكل ما قد. . . . . . فما اعتبروا فسار عنهم من بعد تاسعة ... إلى ظفار وشأنه الفكر فحل فيها والدهر يرفعه ... في عظم الشأن وهو يشتهر حتى أتته من المدينة تش ... كو الظلم شمطاء قومها غدروا أدلت إليه منهم ظلامتها ... ترجو. . . . . . ثأرها وتنتصر فاعمل الرأي في الذي طلبت ... تلك وكل بذلك يأتمر فعبأ الجيش ثم سار به ... مثل الدبا في البلاد ينتشر قد ملأ الخافقين عسكره ... كأنه الليل حين يعتكر تقهر أعداءه كتائبه ... فليس تبقى منهم ولا تذر حتى قضى منهم لبانته ... وفاز بالنصر ثم من نصروا إنا وجدنا هذا يكون معا ... في علمنا والمليك مقتدر والحمد لله والبقاء له ... كل إلى ذي الجلال مفتقر فلما رجع أسعد الكامل إلى أهله بخمر أعلمهم. . . . . . كان من خبره وخبر النسوة الآتي لقيهن من الجن، وعمل على ما أخبرنه به، فنهض إلى ظفار وهو أبن تسع سنين وزيادة أشهر فأقام بها، وكان من شأنه دراسة العلوم والنجوم، واصطناع المعروف إلى أكابر أهل ظفار وهم لا يعلمون أنَّه أبن ملكهم ملكي كرب. وإنما كتم جده أمره

نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن سبه

خوفا عليه من غوائل حمير ممن يطلب المملكة. إلى أنْ وجده موهبيل بن عبد ريم قد اشتد ساعده، وكثر من الناس مساعده لمّا كان يصطنع به الرجال من المعروف، وجده موهبيل يمده بالأموال فملكه الملك وهو أبن خمس وعشرين سنة. فلما أسعد هرب منه بكير بن نوفان. وكان أسعد تبع ملكا. . . . . . .، شاعرا فصيحا، عارفا بالنجوم وأحكام القرانات، وهو أحد المعمرين، عمر. . . . . . . . وإحدى وخمسين سنة، وكان ملكه ثلاثمائة وستون وعشرين سنة، وكان مؤمنا بالله والذي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن سبه، واخبر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو القائل: شهدت على أحد أنَّه ... رسول من الله باري النسم فلو مدينة عمري إلى عمره ... . . . . . . . . . وزيرا له وابنعم وألزمت طاعته كل من ... على الأرض من عرب أو عجم واجعل نفسي له جنة ... وأفرج عن صدره كل غم نبي وجدناه في كتبنا ... به يهتدي وبه يعتصم يسود الأنام ببرهانه ... وبالرغم يسبي ذراري العجم ومنا قبائل. . . . . . يؤونه ... إذا حل في الحل بعد الحرم وهو أحمد سيد المرسلين ... وأمة أحمد خير الأمم هو المصطفى وأخو المرتضى ... وأكرم من حملته قدم قال عبيد بن شرية: ذكر أنه. . . . . . . الكامل أكثر الغزو في كل ناحية وكان لا يخرج بقومه مخرجا حتى ينظر في مطالع السعود من النحوس، فيسير بجنده، ويتجنب

ذكر غزوات أسعد الكامل

النحوس فيترك بذلك، وكان يغزو سنة إذا قرب المسير عليهم، ويقيم سنة فإذا غزا بهم ثلاث سنين أقام سنتين، وكان يكثر التوجه بقواده، فإذا سار بنفسه لم يسر إلاّ في كل. . . . . . سنين سنتين، فإذا خرج لم يترك طريقا مما سلكه آباؤه. . . . . . .، ولا منهلا إلاّ ورده، ولا بلدا كذلك إلاّ وطئه وقصده، أو بعث إليه عسكره حتى دخل الظلمات وفي ذلك يقول: سيذكر قومي بعد موتي وقائعي ... وما فعلت قومي بقيس أفاعلا وما دوخت أرض اليمامة بالقنا ... وما فعلت فيه تميما ووائلا فحمير سادات الملوك وخيرها ... وهم من قديم الدهر سادوا القبائلا وسكنت أرض الشام منهم قبائلا ... ملوكا واتبعت الملوك الأفاضلا وغسان حازوا بلدة الروم كلها ... وفي الصين صيرنا الملوك الأقاولا ويوم لقينا العجم في أرض فارس ... لقت ضيغما من آل قحطان باسلا فدوخت أرض الفرس حتى تركتها ... يبابا طحنا علوها والأسافلا ودوخت أملاك العراق ولم أزل ... أحل بهم في كل عام زلازلا يصبحهم في أول العام جيشنا ... فيمكث فيهم قابلا ثم قابلا ونلت بلاد الهند والسند كلها ... وفي الصين صيرنا وعاملا ونلت بلاد المشرقين كلاهما ... ونلت بلاد المغربين وبابلا ونحن أثرنا في سمر قند ضحوة ... جحيما لظاها يلفح الدور شاعلا وجادت لنا في أصبخان سحابة ... بودف يروع المذهلات الحواملا

بكل قضيب حادث العهد صقله ... وسهم متين يفتق الدرع دخلا وتسعين ألفاً تحمل البيض والقنا ... بها قهراً زبرخاً وكابلا فلنا قضيت الغل من كل بلدة ... توجهت أرض أعمد الدار قافلا فأمسيت في غمدان في خبر محتد ... منيعاً بها أسد الجدود المحالا وريدان قصرى في ظفار ومنزلي ... بها أس جدي دورنا والمنهلا عن الجنة الخضراء من أرض يحضب ... ثمانون سداً يقذف الماء سائلا مآثرنا في أرض تصدق قولنا ... إذا ما طلبنا شهداً ودلائلا وعلملي بملكي سوف يبلى جديده ... ويرجع ملكا كاسف اللون محاملا وملك جميع الناس يبلى وملكنا ... على الدهر باق ذكره ليس زائلا قال عبيد: فلما فرغ تبع من أرض فارس وما يليها، توجه إلى الشام وذكر ما صنع بأرض معد وغيرها من البلاد بقوله: رب مازن مؤرق بعد نوم ... غير ما باطل ولكن بجد يا بني مازن فوارس سعد ... سني ما فعلتم بمعد إذا أثرتم مع العجاج عجاجاً ... وانتضيتم لها صفائح هند

ذكر أن أسعد كان يعرف علم النجوم

أسروا ثلثهم وثلثاً أبادوا ... ومضى ثلثهم بأتعس جد منهم راعي المخاض ومنهم ... مالي للحياض في كل ورد وصرفنا إلى كنانة جنداً ... فتوافت إلى كنانة جندي وتركنا ثقيف ننضح للجند ... بقهر على هوان وكد وجعلنا للخرج منزل قيس ... قد أقروا بالخرج من غير عهد وجعلنا بني نزار هداة ... يرشدون الطريق في كل قصد وجعلنا نضراً وأحلاف نضر ... خدماً بين خام ومؤدي والشعر طويل، قال عبيد: كان تبع إذا أراد أنْ يخرج للغزو أو في سفر طويل، أرسل إلى أهل النجوم وأصحاب المعرفة بالعلم، فيسألهم عن علمهم، وكان أيضاً يعرف علم النجوم، وانما كان يأمرهم ليتفقوا بأجمعهم على ما كان عنده منها. وقال في ذلك: اضحل الطلول من دار نحفي ... فرسوم الديار مثل السطور أقفرت بعد عامر وأنيس ... من مهاة ومن غزال غرير ناضر العيش في غضارة ملك ... ونعيم وبهجة وسرور طال ليلي لمّا تذكرت نحفب ... ودعاني هواي نحو المسير فتعلمت في الفرش وأجمعت ... مسيراً لمصلتين صقور برجال إذا هم ركبوا الخيل ... وساروا في الجحفل الجمهور تتهادى كأسد غاب عليها ... كل درع مسرد مشهور

قلت لليلة التي طال فيها ... أرقي في قرى ظفار أنيري فكمشت الجوع كمشا رحيبا ... وارتحلنا بصمة الأحمور ثم سرنا مسير صدق نؤم الجدى ... في سيرنا بيعمن المسير ثم بالديوان. . . . . . . . رحانا ... بالصنديق كالرحى المستدير ثم بالهنعة. . . . . . . . . جميعا ... وقتلنا الوزير بعد الأمير ثم سرنا وبالذراع نزلنا ... فظللنا بنعمة وحبور ثم بالنثر شط عني نوى البعد ... فأغنيت كل عان فقير ثم بالطرفة. . . . . . . . . وكنا ... آل ملك وثورة ونقير ثم يالجبهة ارتفعنا فكنا ... جبهة الرأس فوق عين النضير ثم بالزبرة ازبأرت عليهم ... خيلنا بالأسود ذات الزئير ثم بالصرفة استقريت أرضا ... بوعيدي وعسكري ونكيري ثم بالعو للأعادي نزلنا ... بقضا الواحد القدير الكبير ثم سرنا مع السماك علينا ... كل فضفاضة كماء الغدير ثم بالغفر سرت بالخيل قدما ... بكماة وكل قرم جسور ثم بالكوكب الزبانا معد ... أذعنت بالعواء بعد الهرير

ثم صبحنا بالأكاليل كل عدو ... واجتلينا مخبآت الخدود ثم بالقلب قلبت هام قوم ... بسيوف مذلقات ذكور ثم بالشولة اشتفيت وشالت ... بالأعادي الأيام بالتغيير ثم سرنا وبالنعام نزلنا ... يوم رهج وصولة وهدير ثم بالبلدة اعترضت الأعادي ... بجموع وكان ذاك سروري وبسعد ذبحت أبناء سعد ... ووضعت المدى بها في النحور وبسعد البلوغ دمرت قوما ... بلعتهم منفرات الشعور وبسعد السعود أسعد جدي ... فاستولى الملك واستقام سريري وبه اصطدت قلب كل عدو ... وأزرت الأحياء أهل القبور وبسعد الأخباء أخبيت أرضا ... بعد نهب وقتل قوم كثير ثم بالفرغ الدلو حولي ... كل قوم متوج محبور ثم بالفرخ آخر الدلو صرنا ... بعد ايغالنا بخير المصير ثم بالحوت قد حويت الأعادي ... بالعناجيج والسيوف الذكور ثم بالنطح لم نزل ننطح النا ... س بقرون مذلق مطرور ووطئنا بالبطن أرض معد ... بالعاجيج نعتلي بالوعور ورجعنا إلى الثريا فثرنا ... يوم نقع وظلمة ديجور أجمل الفرقدين والجدي معها ... حيث دارت بنات نعش فدور

قصته مع المرأة التي قدمت من الشام تشكو, ووعده لها بالنصر

لا أبالي النسرين حيث استقلا ... وسهيلا إذا أجد مسيري ثم أممت زهرة الردف قصدا ... لمقامي في نعمتي وحبوري إنما طيرة النجوم لغيري ... ولنا يمنها بلا تطيير قد كتبنا مساندا في ظفار ... وكتبنا أيامنا في الزبور وذكرت الذي يكون لحيني ... إنَّ ملكي للباقي المنصور ويذكر أنْ امرأة من الشام أتت إليه تشكو من رجل ذبح كبشا لها غصبهاع أخذه، فآلت يمينا لتشكونه إلى ملك اليمن إنْ لم ينتصف لها ملك الشام، فعلم قباذ ملك الشام بيمينها من أجل عامله الغاضب عليها ذلك الكبش فلم ينتصف لها مه، فوفدت على أسعد الكامل إلى ظفار، فأدلت بشكيتها إلى من الملك الشامي، وما رضيه لعامله من ظلمها واحتقاره لملك اليمن، فآلى أسعد لينصرها ولينصفها، فعبأ الجيوش لرأس السنة، وأمرها بالانصراف إلى بلدها وقد وعدها بوصول العساكر، فراحت وأقامت تنتظر وصول العساكر وفاء الحول، فسارت جنوده وقدم عليها شمر ذا الجناح، وسار أسعد من بعدهم بمن معه من الجنود. وفي ذلك يقول: أنعم صباحا أسعد الكامل ... يا ناقما بالثار والتابل أثنى على الله بآلائه ... الواحد المقتدر الفاعل في كل ما أولاه من آجل ... وكل ما أعطاه من عاجل سرنا إلى الأعداء من أرضنا ... لم نك نرجو قفل القافل في جحفل كالليل من حمير ... قد حضروا بالأسل الذابل

أنا أبو الجيش الذي شمروا ... إلى العراق المواكب الهائل يقتادهم من حمير شمر ... وأسعد من بعده ناهل أيها المخبر عن خيلنا ... ما العالم المخبر كالجاهل تسعون ألفا عددا بلقها ... ودهمها كالعارض الوابل والكمت والشقر إذا استقبلت ... مثل الدبا المسترسل الشائل أولها من زمزم شارب ... وآخرها من علب راحل نحن ملكنا الأرض لم يعصنا ... في الأرض من حاف ومن ناعل سائل معدا عندنا علمنا ... وليس من يعلم كالجاهل أو لم يكن يوم لقيناهم ... نقتلهم بالحق والباطل ولم ندع في كل أقطارها ... من شائع الذكر ولا خامل إلاّ أذقناه بها حتفه ... حتف ثمود كان في العاجل ثم استجالت خيلنا والتوت ... تطلب ذحلا في بني باسل في الجيل والديلم ثم انثنت ... تطلب بالجر على كابل وأرض كرمان وفي فارس ... وفي خرسان وفي بابل وفي سجستان فما دونها ... فساحة الموصل يا سائلي وفي قرى الشام وما حولها ... وأرض مصر الساحل والروم قد أدت لنا خرجها ... من قبل أنْ يأتيهم عاملي

والهند قد صبحهم جيشنا ... بكل نهد ساخط صاهل وكل أهل الأرض عبد لنا ... لا شك من حاف ومن ناعل والمسك والأنجوج يهدي لنا ... والدر في أصدافه الذابل نحن نصرنا أم عمرو الشفا ... ولم أكن في نصرها آمل نحن قتلنا عاقرا كبشها ... وكان عن صولتنا غافل ظن بأن البحر أنجى له ... لم ينجه بحر ولا ساحل وغاب والخيل على إثره ... أين أراد الصانع الفاعل حتى قلبنا الأرض من تحتها ... ثم جعلنا علوها سافل مالي وللبحر وأهواله ... استرزق الله على الساحل رحنا ثمانين على غزوة ... حتى أتينا السنة القابل جئنا وقد أولاد أولادنا ... ذو لحية أو جمة شامل ما منهم إلاّ فتى أروع ... يهتز مثل الجمل البازل لا حول في إقدامنا للبلا ... أم يكن في جيشنا غافل نبسون قبل الذي نالنا ... قبل دخول المظلم الهائل لولا أتان أخرجتنا إذا ... متتا ولم يفضل لنا فاضل

والديك والخندور كانا كعا ... دأبا دليلين متى يأكل أردت الماء فالتقى دونه ... أمر عظيم مفظع هائل ورحت والموت لنا واقف ... يقول لي في. . . . . . . . العاجل أرحل أبا حسان مستعجلا ... فكل من فوقى الثرى راحل حميك يا غمدان من بعدنا ... ولست للتعطيل مستاهل نحن رفعنا علو آجره ... بألف ألف عدها القائل ومن زجاج فوقه خلوة ... خضراء مثل القضبة الباقل أبصارها للناس علية ... لا شارب فيها ولا آكل حميك يا غمدان من بعدنا ... حميك يا غيمان والماجل فيه ثمانون من أموالنا ... كيلا وألفا ذهب حاصل ألف لجام فيه من مذهب ... لألف مهر أدهم صاهل ألف لجام فيه من عسجد ... أيضاً لألفي مهرة حامل إذن تركناه لأولادنا ... لكن خشينا الوارث العائل فربما قد يلد المجتبى ... نكسا ذليلا عرضه باذل وربما قد يلد المجتبى ... ليثا هماما ضيغما باسل قال عبيد بن شرية: ثم اقبل تبع بن ملكي في جموع حمير وكهلان من. . . . . . . . .

حربه مع قباذ ملك بابل

ومعهم أولادهم، حتى وقفوا بأرض العراق، للذي بلغه من رفاهة عيشها وكثرة خيرها، يريد الأعاجم وملكها قباذ، فسار تبع حتى نزل أرض الحيرة، فعسكر بمجموعه فيها إلى الكوفة مما يلي شط الفرات، قبل أنْ تكون الحيرة والكوفة والبصرة بوقت طويل، ثم إنَّ العجم اجتمعوا إلى ملكهم قباذ ببابل، ولم يكن تبع علم هل اجتماعهم للحرب أو للهزيمة فبعث شمر ذا الجناح على مقدمته بالجيوش، وجرد معه الخيول، وأمره أنْ يجد في الطلب، حتى يلقى قباذا وأصحابه وجموعه، ورحل تبع في الأثر من مكانه الذي رحل منه شمر، مجدا في الطلب، فتحير في صحراء الحيرة، ثم نظر تبع فإذا هو غير بعيد من مكانه الذي رحل منه، فقال تبع: إنَّ لهذا المكان شأن عظيم، فخلف العيال وذوي الزمانة والضعفاء والأثقال وخلف معهم عشرة آلاف فارس لحفظهم وسمي تبع الحيرة الذي كان من تحيره، ومضى تبع حتى واقع قباذ - ببابل - وجموعه، واقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم قباذ وجنوده، حتى أتى الري فأتبعه ذا الجناح بالري وقد جمع فيها من عسكره جموعا كثيرة ليقاتلهم بها، فواقعه شمر ذو الجناح فقتل قباذا وفض جموعه بها، وأقبل تبع حتى وصل الحيرة بعد هزمه قباذا ببابل، فخلف بها من أحب أنْ يتخلف، وصار لوجهه ذلك إلى خراسان وغيرها مما تقدم ذكره في شعره الأول. ثم إنَّ تبعا بشر حمير بأن الملك سيعود إليه بعد أنْ يصير إلى قريش، ويعيده الله إليها على يدي رجل من ولد قحطان اسمه على ثلاثة أحرف يجمع الله له الأرض ويدعو إلى سبحانه، وذلك عند انقضاء ملك قريش، فإنَّ ملكها ليغرب قبل انقضاء الساعة وذلك إذا اختلف قريش في ذات بينها، فعند ذلك يخرج عيسى بن مريم عليه السلام على الحرمين، وعند ذلك يخرج ذلك الرجل من ولد قحطان. قال: ولم يزل تبع يفتح البلدان، ويقتل الفرسان، ويركب البحار، ودخل الظلمات. وذلك أنْ الشتاء أدركه في تلك الأرض التي إذا بعدت عنها الشمس فصارت

في الجنوب في رأس الجدي، وانقطع عن تلك الأرض نور الشمس ما شاء الله. ثم إنَّ تبع لمّا أراد دخول الظلمات ترك نتج الأتن في مكان النور، وسار في الظلمة، بالشماع المنيرة، فلما أراد الرجوع جعل تلك الأتن في مقدمة العسكر فقفلت. . . . . . . الأتن في مقدمة العسكر. . . . . . . أولادها في موضع النور والجيش خلفهن حتى خرج من الظلمات. وفي ذلك يقول تبع: لولا أتان أخرجتنا إذا ... متنا ولم يخرج لنا فاضل ولمّا رجع أسعد يريد اليمن، ذكر رجوعه ودخول الظلمات في شعر طويل يقول فيه: دخلت الظلمات أعظم مدخل ... من حيث لا زرع وأوطان ومعي مقاول حمير وملوكها ... والأزد أزد شنوءة وعمان ومعي قضاعتها وكندتها معا ... والقلب مذحج والذرى همدان قلت اقبضوا فإذا الحصى بأكفهم ... الدر والياقوت والمرجان ولم ين قبل أسعد ولا بعده ملك مثله. وسمي الكامل لكماله في أمر الدنيا والآخرة. ومن الناس من يقول: أنَّه نبي، لأنَّ الله تعالى عده من الأنبياء عند قصصهم فقال تعالى (وقوم تبع كل كذب الرسل) وقد ذكر قوم كل نبي قبله. وأسعد القائل: سلى تخبري عن كل محض الشمائل ... وعن كل فياض البدين مقاتل وسيرى أريك الملك أو تنظرينه ... بيمينك إرثا في صميم المقاول أربك ذرى قحطان حيث ابتنى لها ... أبوها قصورا حكمت بالجنادل لتستيقني أنا أرومة معشر ... كرام جدود من ملوك أفاضل

ذكر أن أسعد أول من كسا البيت الحرام

وتستقيني أنا أرومة من مضى ... وما خابر يا أم عمرو كجاهل حجبنا بناء المجد طرا فلم ندع ... بما قد حجبنا من محل ونازل وطفنا بلاد الله طرا فلم نجد ... . . . . . . قوما مثل قومي الأفاضل أبونا الذي ساد البلاد وسامها ... بسمر القنا والمرقفات الفواصل وبالخيل تردي بالكماة كأنها ... قطا أفزعتها نازحات الأجادل فأدى بلاد لم ندوخ ملوكها ... وأي عزيز لم نقد بالسلاسل لنا فليق صعب القياد عرندس ... ثمانون ألف راكبا غير راجل وألف وألف ألف ألف مسريل ... يجيبون طوعا للأمير الحلاحل فهيهات قومي أم همرو عن الخنا ... مكان الثريا من يد المتناول وأسعد أول من كسى البيت، وذلك أنَّه عند رجوعه من غزاته هذه مر بالبيت فكساه الأنطاع المذهبة اليمانية، فرأى في المنام قائلا يقول: زد في كسوة البيت فكساه المعافري، فرأى في المنام قائلا يقول: في كسوة البيت فكساه الوشي، ونحر بمكة سبعين ألف بدنة، وطاف وسعى وعمل له بابا ومفتاحا لم يكونا له قط، وقال في ذلك: وكسونا البيت الذي حرم الل ... هـ ذا ملاء مقصبا وبرودا ثم طفنا لديه عشرا وعشرا ... وخررنا عند المقام سجودا وأقمنا به من الشهر تسعا ... وجعلنا لبابه إقليدا وأمرنا بدنه الجرهمي ... ين وكانوا بحافتيه شهودا وأمرنا أنْ لا نريق حولي ... نا منيا ولا دما مفصودا ونحرنا في الشعب سبعين ألفا ... فترى الطير حولهن ركودا

رجوعه من الغزو

وطفقنا نؤم قصدا سهيلا ... وزممنا لواءنا المعقود وصفا ملكنا لنا غير أني ... لست أرجو مع الفناء خرودا ملك يفى سوى ملك ربي ... فله ملكنا حميدا مجيدا قال: فلما رجع أسعد الكامل إلى غمدان، وغيره من بلاد اليمن، أقام ما شاء الله أنْ يقيم، ولمّا رجع اعتل علته التي مات منها لمرض شديد، دعا ابنه حسانا وجعل يوصيه فقال له: حضرت وفاة أبيك ياحسان ... فانظر انفسك فالزمان زمان فلربما ذل العزيز وربما ... عز الذليل وهكذا الإنسان وأعلم بني بأن كل قبيلة ... ستذل الإكليل نهضت لها قحطان قحطان أسد سادة يمينه ... غلب تهاب لقاءها الأقران فيهم ملكنا الأرض من أقطاراها ... حتى أتت بخرجها عدنان أنيابها القضب الحداد إذا هوت ... لقرينها ورماحها الأشطان وجيادها تسعون ألفا ضمر ... قب البطون كأنها العقبان عصبت بشر ذي الجناح بقائد ... ما أنْ نجئ بمثله النسوان فملكت أرض الروم أحسن بلدة ... ومضى هرقل وأسلم الصلبان

وقتلت أملاك الأعجام كلها ... أهل المرازب وانتفى ساسان ونفخت سمى في العراق فأحرقت ... أقصى مساكن أهلها النيران ودخلت في الظلمات أعظم مدخل ... من حيث لا زرع وأوطان ومعي مقاول حمير وملوكها ... والأزد شنؤة وعمان ومعي قضاعة بالقواضب والقنا ... والحي كندة والذرى همدان قلت اقبظوا فإذا الحصا بأكفكهم ... الدر والياقوت والمرجان وأقمت فيها ليلتين دليلنا ... ديك وخندور معا وأتان وطمعت في العمر الطويل وعيشة ... في الخلد لولا فاتني الحيوان وكسوة بيت الله أعظم كسوة ... حذر العقاب ويرحم الرحمن ولقد علمت لئن هلكت وأوحشت ... مني ظفار وعطلت ريدان فليفقدن من الملوك أعظممها ... ولتفقدن حليفها التيجان وأنا باو كرب وخال ياسر ... ذو التاج ينعم وابنه شادان نحن الملوك بني الملوك مقاول ... ولنا أساس الملك والسلطان قولوا لحمير يقربوني قائما ... من حولي الحبلات والرمان وأفطن لكاهنتي فإنَّ كلامها ... حق وإنَّ قبورنا غيمان

خبره مع تابعته من الجن التي تسكن في جبل ينور, وإرساله ابنه حسانا إليها, وما جرى لها معها

وكان لتبع تابعة من الجن تسكن في ينور، وهو على مسيرة ساعة من صنعاء، فأرسل تبع ابه حسانا إليها فقال: إذا أتيت ينور فاقرع الجبل فانه سيفتح لك باب فادخل حتى إذ أتيت إلى المرأة فأخبرها أني مثقل بالمرض، فانظر ماذا تقول لك وما تأمرك به، ولا تعصها في شيء. فأقبل حسان حتى انتهى إلى المكان فقرعه ففتح له باب فدخل فلما انتهى إلى المرأة فأخبرها بالخبر، فأشارت إليه أنْ يقعد على الكرسي فيه حيات وعقارب ودود، فأبى، وقعد على الأرض، ثم قدمت بين يديه طبقا فيه رؤس ناس، فقالت: كل هؤلاء، فأبى أنْ يفعل ذلك، فدعت بقدح فيه دم، فقالت: اشربه، فأبى أنْ يشربه، فقالت: ما أبعد همتك عن همة أبيك، وقالت: قد أمرتك فلم تفعل، فاما إذ عصيتني، فانظر إذا رجعت إلى أبيك، ودخلت باب غيمان، فاقتل أول من يلقاك من الناس، وأدرك أباك فهو في آخر رمق، فخرج مسرعا حتى إذا أتى غيمان، فلقيه على بابها أخوه معدي كرب، فأبى أنْ يقتله، ثم دخل على أبيه فأخبره الخبر، وما قالت له المرأة من قتل أول من لقيه، فقال له تبع ما أراك إلاّ مخطئا. إنَّ هذه أمثال ضربتها لك. أما الكرسي الذي أقعدتك عليه، لا يملك حمير إلاّ من صبر على مثل لدغ الحيات والعقارب والدود، وأما الذي سقتك فانه لا يملك حمير من أهرق دمها. وأما الرؤس والعظام التي أمرتك أنْ تأكلها وتمشها، فانه لا يملك حمير إلاّ من أكل أموالها. وأما أخوك فسيقتلك إنْ لم تقتله. وهذا قد أوله له أبوه. فقال: لو أنك أكلت الرءوس لخضعت لك رؤساء حمير، ولو أنك قعدت على الكرسي الذي فيه الحيات والعقارب والدود لكثر ولدك ثم مات أسعد تبع بغيمان، وقبره بها.

قصة طسم وجديس

قال عبيد بن شرة: ومنهم من قال: إنَّ تبع قتله قومه. قال الحسن الهمداني: ذلك يقال في تبع الأصغر، لأنّه صاحب الحبرين. وجاء في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم أذل غيمان، وأسقط مهور كندة. وقال نشوان: أم أين حسان بن أسعد خانه ... دهر تلا الإحسان. . . . . . . . . . . . ورياح الطسمى لمّا جاءه ... مستعيدا فشفى غليل رياح أفنى جديسا باليمامة إذا علوا ... طسما بحد ذوابل وصفاح هذا حسان بن أسعد الملك تبع بن حسان وهو ملكي كرب بن. . . . . . الأكبر. وحسان هذا هو الذي قتل جديسا باليمامة، وكان سبب ذلك أنْ ملكا من طسم يقال له عمليق بن جباس. وكان مطيعا لملوك حمير، وكان ملكا على طسم وجديس أبني عامر أبن روم بن سام بن نوح النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان جبارا، لا لا يتزوج رجل امرأة إلاّ أهديت إليه قبل زواجها، حتى تزوج رجل من جديس عقيرة ابنة أخت الأسود بن عفار عظيم جديس ورئيسها، فلما أرادوا أنْ يهدوها إلى زوجها بدأوا بها عمليقا فأدخلوها عليه، ومعها القيان يضربن بالدفوف ويغنين ويقلن:

ابدي بعمليق المليك فاركبي ... وبادري الصبح بأمر معجب فسوف تلتقين الذي لم تطلبي ... فما لبكر دونه من مذهب قال عبيد: فجعل عفيرة. . . . . . - وهي ينطلق بها إليه - يا آل جديس، أهكذا بفعل بالعروس؟ قال فادخلت العفيرة على عمليق فافترعها وخلى سبيلها، فخرجت إلى قومها شاقة ثيابها ودرعها عن عورتها وهي تقول: لا معشر أذل من جديس ... أهكذا يفعل بالعروس لكل يوم أشوس عبوس ... عدمتم يا سقط النفوس ثم قالت لقومها: ويحكم أيرضى بهذا الحر من رجالكم، وقد أعطى المهر، والله إنْ المون ينزل به أهون عليه من أنْ يفعل هذا الفعال بعرسه، وأنشأت عفيرة تحرض قومها على حرب عمليق: أتصبح تمشي في الدما فتيانكم ... صبيحة زفت في النساء إلى البعل فإنَّ أنتم لم تغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساء لا تعدوا من الفحل وها دونكم طيب العروس فأنتم ... خلقتم لأثواب العروس وللغسل فلو أننا كنا رجالا وأنتم ... نساء نقيم على الذل أترضون ما يؤتى إلى فتيانكم ... وأنتم رجال كثيرة عدد الرمال وترضون هذا بيا لقومي لأختكم ... عشية زفت في النساء إلى البعل فإنَّ أنتم لم تغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساء في المنازل والحجل

فقبحا لبعل فيه حمية ... ويختال يمشي بيننا مشية الفحل فموتوا كراما وأصيبوا عدوكم ... بداهية توري ضراما من الجزل وإلاّ فخلوا. . . . . . . وترحلوا ... إلى بلد تبقى خلاء من الأهل ولا تجزعوا قومي من الحرب إنها ... تقوم مرارا على رجل فيهلك فيها كل وغد مراكل ... ويسلم فيها ذو الطعان وذو الفضل فلما سمع جديس شعرها أنفوا لذلك أنفا شديدا وأخذتهم الحمية، فعزموا على اغترار الملك وحده، وقالوا إنَّ نحن بدأناهم الحرب لم نثق بالغلبة لكثرتهم فاتفقوا على ذلك فبلغ عفيرة ما عزموا عليه، فقالت لقومها: لا تغدرن بهم فالغدر منقصة ... وكل غدر له عقبي وإن صغرا إني أخاف عليكم مثل ذاك غدا ... ففي الأمور تباشير لمن نظرا حسوا سعيرا لهم فيها منابذة ... فتلكم شيم نرجو بها الظفرا سيان عندي باغ في غوايته ... يوما ومن كان مظلوما إذا غدرا فبادروا القوم في ديارهم ... على الريهة حتى تحطموا القصرا فأجابها أخوها فقال: إنا وعشيك ما نبدي مبادهة ... نخاف فيها سروف الدهر والخطرا ففي المكايد للأقوام مدركة ... وكل مكر نرجى بعده الظفرا

افناء قبيلة جديس لقبيلة طسم

كفى لديك ولا تنهي لعاقبة ... أخاك فيما يراه الرأي قد حضرا ثم إنَّ الأسود بن عقار أتي الملك عمليقاً فقال: أيها الملك إنب أحب أنْ تجعل غداءك عندي أنت وجميع جندك. قال عمليق: إنَّ عدد القوم كثير، ولا أحسب البيوت تسعهم. فقال الأسود: فنخرج لهم اذاً غداء إلى بطن الوادي، وهو وادي اليمامة الذي البيوت على حافته، فقال عمليق: لا بأس بذلك. ثم إنَّ الأسود بن عقار جمع سيوف أصحابه بالليل فدفنها في الرمل على حافة الوادي وقال لقومه: إذا اشتغل القوم بلأكل فاستخرجوا سيوفكم من الرمل واحملوا عليهم فلما أصبح، أمر الأسود فنحرت لهم الجزر الكثيرة والبقر والغنم، وكان كثير المال، ثم هيأ الطعام، وخرج عمليق وجنده إلى بطن الوادي، وحمل الأسود إليهم الطعام، وقام رجاله ومعه أشراف جديس يقدمون الطعام، فلما أكب عمليق على الطعام هو وجنده ثارت جديس واستخرجوا سيوفهم من الرمال وحملوا عليهم، وأمامهم الأسود بن عقار يرتجز ويقول: يا صبحة ما صبحة العروس ... حين تمشت بدم جميس يا طسم ما لا قيت من حديس ... هلكت يا طسم فبيس بيس فقتلوا الملك عمليقاً وجميع قومه، فلم يسلم أحد إلاّ رجل واحد اسمه رياح بن مرة، فانه هرب منهم، فطلبوه. فأعجزهم هرباً حتى سلم، فقالت امرأة من طسم: قتلت طسماً جديس ... هكذا بغياً وظلما إنهم كانوا ملوطا ... جمعوا رأياً وحزما غدروا بالحى طسما ... قلدوا عاراً وأثما لو شعرنا إذ ذهبنا ... لحطمنا القوم حطما

استغاثة رياح بن مرة الذي نجا من القتل بالملك حسان بن أسعد

بسيوف مرهفات ... تقصم الأصلاب قصما أو لعل الدهر يوماً ... بعد هذا أنْ يلما نقموا أمراً يسيراً ... وأتوا أمراً أطما فمضى رياح بن مرة الذي أفلت من القتل حتى أتى الملك حسان بن أسعد الكامل مستغيثاً، فوجده بنجران معسكراً يريد التوجه إلى العراق، فدخل عليه وشكا إليه ما كان من غدر جديس بطسم وبمليكهم عمليق، وأنه كان في طاعته، فغضب حسان من فعل جديس وغدرهم بطسم، ونهض إليهم بجنوده، فقال له رياح الطسم: أيّها الملك، إنَّ فيهم امرأة - زرقاء - تنظر على مسيرة ثلاثة أيام، وستنذر قومها إذا رأت الجنود فيهربون، فأمر الملك حسان جنده، أنْ يحمل كل واحد منهم غصناً من الشجر فتكون فيأيديهم، فيغطون بتلك الأغصان نفوسهم، ففعلوا ذلك وساروا إلى اليمامة، فنظرت الزرقاء إلى الجيوش قد أقبلت، ورأت رجلاً منفرداً من الجيش يخصف نعلا له. فقال قوكها: ما ترين؟ فقالت لقد جاءتكم حمير، وسارت إليكم الشجر، قالوا كيف تسير الشجر، لقد خولط عقلك، فكذبوها حتى ورد عليهم حسان بن أسعد تبع بالجنود وهم على غير استعداد للحرب ولا للهرب، فتحصنوا في قصورهم، فأقاموا يحاربهم حتى اسنزلهم، فضرب أعناقهم جميعاً، فلم يفلت منهم أحد، وأمر الملك بالزرقاء فأدخلت عليه، فقال لها: بم نلت هذا البصر؟ فقالت بحجر الأيمد، كنت أدقه وأكتحل به كل ليلة إذا أويت إلى فراشي، فأمر الملك بقلع عينها، فوجدوا للحدقتين عروقاً سوداء من الكحل وكثرته، وكانت المرأة تسمى اليمامة، وكان وادي اليمامة يسمى جوا، فسمي باسم اليمامة. وقد ذكرها الشعراء، قال بعضهم وهو سطيح الكاهن:

عدم رغبة حمير في الغزو لبلاد الأعاجم

ما أبصرت ذات أشفار كنظرتها ... يوماً كما صدق الدنيا إذا سجعا فحاولت نظرة ليست بكاذبة ... إذ يرفع الإلُّ رأس الكلب فارتفعا قالت أرى رجلا في في كفه كتف ... أو يخصف النعل يكفي أنَّه صنعا فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذو آل حسان يرخي البيض والشرعا فاستنزلوا آل جو من منازلهم ... وهدموا شاخصا البنيان فاتضعا قال عبيد بن سرية في كتابه: لمّا شاور حسان حمير على غزو جديس قالوا: أيّها الملك، لا تنهض بحمير إلى أكلة رأس من جديس، فإنما هم وطسم عبيدك، قتل بعضهم بعضا. فقال لهم حسان: إني أريد أنْ أنصف بعضهم من بعض. ثم إنَّ حساناً من بعد قتل جديس نهض بجنوده يريد العراق، فصعب ذلك على حمير، وعلموا أنَّه لا ينتهي عن غزوته، حتى يبلغ بهم حيث بلغ أبوه وجده، وانه يبلغ بهم الصين وبلاد الروم وغيرها، فشق ذلك عليهم، فاختلفوا إلى أخيه عمرو بن أسعد فسألوه أنْ يرد أخاه عن سفره، فقال لهم: أنَّه لا يفعل، فقالوا له: إنْ أبى فاقتله ونحن نملكك من بعده علينا. وقد كان حسان قال بعد قتله جديساً هذه الأبيات: من كان يرجو أنْ يؤوب ... فلست من سفري بآيب فتجهزي وتجملي ... يا يمن يا خير الركائب فلقد وصلت بنا اليما ... مة حاجباً من بعد جانب سيري إلى هجر لنح ... وي منهم خير الحقائب وتجهزي نحو العراق ... بكل سياف زناشب

قصة ذي رعين الأصغر من عمرو بن أسعد ونصحه بعدم قتل أخيه

حتى أبيد ملوكهم ... أهل الأكالل والعصائب ثم إنَّ حمير حلفوا جميعاً لعمرو بن أسعد، إلا ذو رعين الأصغر، وهو شراحيل بن عمرو بن شمر ينعم بن شراحيل بن معدي كرب ذي عشم بن الغوث بن يعرب ينكف بن جديان بن لهيعة بن مثوب بن يرعن ذي رعين الأكبر. وذو رعين الأصغر هذا خال عمرو بن اسعد. فنهاه عن قتل أخيه، وأشار عليه أنْ لا يفعل ما أرادت حمير وقال له: ما قتل رجل أخاه أو بن عمه أو خاله إلاّ ندم، فأبى عمرو وكره مشورته وأكره خاله ذا رعين على الدخول مع حمير فيما دخلوا فيه، فقال له خاله: على شريطة، وهي أنْ تحفظ لي وديعة تجعلها عند بعض خدمك. وتشدد عليه في حفظها، فقال عمرو: ذلك لك، فكتب ذو رعين أبياتاً فيها هذين البيتين: ألا من يشتري سهراً بنوم ... سعيداً من يبيت قرير عين فإن تك حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين ودفع الرقعة إلى رجل من خدم عمرو، وشدد عليه عمرو في حفظها، ثم إنَّ عمراً وثب على أخيه حسان فقتله ورجع بالجنود إلى اليمن، فافترقت عليه حمير حتى ضعف عن الغزو، وسمي موثبان. ثم أنَّه ندم ندامة عظيمة على قتل أخيه حسان، وامتنع منه النوم، وشكا ما لقى من السهاد على خواصه، فقالوا: لا تقدر على النوم حتى تقتل الذين اشاروا عليك بقتل أخيك، فأمر بكل من أشار عليه بقتل أخيه، وحالفه على ذلك

ندمه على قتل أخيه وقتله كل من أشار بذلك

أنْ يأتوا إليه في وقت معلوم، فأتوا إليه في ذلك اليوم، فأمر بهم فأدخلوا عليه جماعة بعد جماعة، فأمر بضرب أعناقهم حتى أفناهم، وكان خاله ذو رعين ممن أمر به، فأدخل عليه، فذكر كرم الله وجهه الملك بمشورته عليه ونهيه له عن قتل أخيه سأله الوديعة التي تركها عند خادمه، فأتاني بها خادم فوجد فيها البيتين ألا من يشتري سهراً بنوم فأمر الملك بأكرمه ورفده، وخرج سالماً مشكوراً من عنده وقال نشوان: أم أين عمرو وصنوه المدرى له ... فأصاب صفقة خاسرٍ كداح لم يستمع من ذي رعينٍ عذله ... والحين لايثنيه الحي اللأحي فبدت ندامة وجانبه الكرا ... فرأى السلو بغير شرب الراح أفنى رجالا شاركوه فأصبحوا ... ككباش عيدٍ في يدي ذباح أو تبع عمرو بن حسان الذي ... سفح الدماء بسيفه السفاح قتل اليهود بيثرب وأراهم ... أنياب ثغر للنية شاح هذا الملك عمرو تبع الأخير بن حسان بن أسعد تبع، وهو آخر التبابعة، وقد كان غزا الأعاجم، وقتل على طريق المدينة، وفي نفسه على اليهود الذين بها حقد في حدث أحدثوه في غيبته في تلك الغزاة، فجمع منهم ثلاثمائة رجل فضرب أعناقهم في المدينة، فقدم إليه شيخ كبير قد أسن: أيها الملك أبيت اللعن، مثلك لا يفنى رعيته على الغضب، فإنَّ هذه المدينة لمهاجر نبي في آخر الزمان من ولد إسماعيل عليه السلام، فكف عنهم. وكان الشيخ أحد حبرين من أحبارهم، فأعجب تبع بهما، وأتبع بهما دينهما،

إتباع أهل اليمن لليهودية

وراج بهما إلى اليمن معه، بعد أن كرهوا الانتقال عن دينهم وكانوا صابئين، فحاكمهم الحبران إلى النار بضروان، فدخلاها وقد تقلدا التوراة، ودخل معهما أربعون من حمير، فاحترق الحميرون وسلم الحبران، وتهودت حمير جميعاً. وقد روى أنَّ هذه القصة مع جده أبي كرب وهو الأصح، وان قصة تبع هذا بيثرب، إنَّ رجلان من عسكره لمّا صار هناك دخل حديقة لبعض اليهود فاسترقى نخلة منها مكان اليهودي غائباً، فدخل فوجد الحميري في رأس النخلة، فرماه بحجر فوقعت على قلبه، وقال: إنّما النخل لمن أبره، يعني لمن ألقحه، فوقع الحميري ميتاً، فحمل عسكر السلاح، فهربت اليهود إلى دار الأطام وهي الحصن من الطين؛ فقامت الأوس والخزرج دونهم، لأنهم جيرانهم وحلفائهم، فلما أمسوا ملأوا أتراسهم تمراً وأدلوا إلى العسكر، وقالوا إنكم أضياف فكلوا، فبلغ ذلك الملك تبع فأعجبهم فعله، وقال ما أعجب أمرنا وأمر عشائرنا، يعني الأوس والخزرج منعوا جيرانهم وحلفاءهم منا، ولا طاقة لهم بنا، وأرسلوا بالقرى للعسكر الذين يقاتلونهم، لا أعتراض لجيرانهم، فلما علمت الأوس والخزرج أنَّ الملك قد كف عنهم العسكر، خرج إليه سيدهم كلفة بن عوف بن مالك لن الأوس ومالك بن العجلان بن يزيد بن سالم بن الغوث بن الخزرج، فسلما عليه فاكرمهما وحياهما ووهب الدرع الرابعة لكلف بن عوف، وهي التي صارت إلى أحيحة بن الجلاح بن الجريش بن حجيرة بن كلفة بن عوف، فوهبها لقيس بن زهير بن جذيمة العبسي. وهي التي أخذها منه الربيع بن زياد. وعفا تبع هذا عن اليهود. وكان آخر من غزا بلاد الأعاجم من ملوك حمير

الملك عبد كلال بن مشوب

وقال نشوان: أم أين عبد كلالٍ الماضي على ... دين المسيح الطاهر المساح هذا الملك: عبد كلال بن مئوب بن ذي حدث بن الحارث بن مالك بن عبدان بن مالك بن حجر بن ذو عين، ملك بعد عمرو بن حسان بن أسعد تبع وقال نشوان: أو ذو معاهر غلقت أبوابه ... فأني لها الحدثان بالمفتاح هذا الملك ذو معاهر بن حسان الأضحم بن تبع الأقرن، سمي ذا معاهر لأنه أول من أحدث المعاهر لباب ظفار، وهي من ذهب، كانت على باب ظفار إذا فتح الباب سمع لتلك الجرس صوت من مكان بعيد. وقال نشوان: أو ذو نواسٍ حافر الأخدود في ... نجران لم يخش احتمال جناح ألقى النصارى في نيرانٍ أججت ... بوقود جمرٍ مضرمٍ لفاح فدعا له ثعلبان أحابشا ... منهم بقاع الأرض غير ضواح فتقحم البحر العمسق بنفسه ... وسلاحه وجواده السباح فغدا طعاماً بعد عز باذخ ... للحوت من نونٍ ومن تمساح هذا الملك، ذو النواس الأصغر، واسمه زرعة بن عمرو بن زرعة الأوسط بن حسان

قصة أصحاب الأخدود

الأصغر أبن عمرو بن زرعة الأكبر أبن عمرو بن تبع الأصغر أبن حسان بن أسعد تبع، وهو صاحب الأخدود، سمي يوسف لمّا تهود، وقيل سمي ذا نواس، لذؤابتين كانتا له تعلوان رأسه، وكان على دين اليهود، فشكا إليه يهود نجران غلبة النصارى، وذال أنَّه وقع بين اليهود والنصارى فتنة بنجران، فنهض ذو النواس بالجند إلى نجران، فخرب الأخدود وأضرم النار فيه، وخير النصارى بين الرجوع عن دينهم أو إحراقهم بالنار، فمنهم من رجع عن دينه، ومنهم من لم يرجع فأحرقه بالنار، وفيهم نزلت هذه الآيات (قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود) إلى قوله (العزيز الحميد). فلما صنع ذو النواس ما صنع بالنصارى في نجران، غضب ذو ثعلبان الأصغر أبن ولد ذي ثعلبان الأكبر أبن شرحبيل بن الحارث بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة وهو حمير الأصغر. ومضى إلى ملك الحبشة النجاشي ودينه دين النصارى، فاستنجده، وشكا إليه ما صنع ذو نواس، فبعث النجاشي مع ذي ثعلبة قائداً يقال له كالب، ويقال بربكي، في ثلاثين الفاً إلى اليمن، فلقيهم ذو نواس، فقال لهم: نحن سماعون مطيعون، فدونكم اليمن، فهذه مفاتيح خزائنها فابعثوا إلى مخاليفها من يقبض لكم الخزائن، وأتي بمفاتيح تحملها إبل كثيرة، فكتب بذلك كالب إلى النجاشي يشاوره، فكتب إليه النجاشي أنْ يقبل منهم الطاعة، وافترقت الحبشة في المخاليف، فاما صاروا بها كتب ذو نواس إلى رؤساء حمير أنْ يذبحوا كل ثور اسود عندهم، فعلموا ما أراد، فوثبوا على الحبشة فقتلوهم

إرسال ملك الأحباش جيشا عظيما برياسة أرياط وأبرهة

حتى أفنوهم، وبلغ ذلك النجاشي، فعلم أنَّه قد غدر بهم، فوجه قائدين بجيش عظيم إلى اليمن يقال لأحدهما إرياط والآخر إبرهة الاشرم، فلقيهم ذو نواس بمن معه فقاتلهم، فلما رأى أنَّه لا طاقة له بهم، أقتحم البحر بنفسه وفرسه، فغرق فيه، ففي ذلك يقول علقمة ذو جدن: أو ما فعلت بقيل حمير يوسف ... أكل الثعالب لحمه لم يقبر ورأى بأن الموت خير عنده ... من أنَّ يدين لأسود أو احمر ثم جمع النعمان بن عفير أبو يوسف جموعا من أهل اليمن وقاتل الحبشة بالسحول، فهزموه إلى قتل شرعة فيمن تبعه من أهل اليمن، ولحقهم الحبشة فقاتلوهم، فلم يكن لهم بهم طاقة، واستولت الحبشة على اليمن وقال نشوان: وأتى أبن ذي يزنٍ بأبنا فارس ... لمّا تغرب وانثنى بنجاح فغدا الأحباش للأعارب أعبدا ... يشرونهم بخسارة ورباح الملك سيف بن ذي يزن بن النعمان بن عفير بن زرعة بن الحارث بن النعمان بن قيس أبن عبيد بن سيف الأكبر أبن عامر ذي يزن وهو الذي عنى عمرو بن العاص بقوله

وفود سيف على كسرى وطلبه النصرة

في الحسن بن على جواباً لمعاوية: فأقبل يمشي مستخيلا كأنه ... شراحيل ذو همداناو سيف ذي يزن وهو الوافد على كسرى انوشروان في آخر أيامه، فو. . . عند النعمان بن المنذر بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن مالك بن مضر بن نمارة بن لخم، فلما استأذن سيف ودخل فرآه سمران؟ فقال النعمان: هذا ملك سمران، يعني العرب. فقربه كسرى وعظمه، وقال له كسرى: ما احتاجك؟ فقص عليه قصته وسأله النصرة، وقال له: أنا أبن عمك، ولوني لونك، فوجه معناً من يأخذ البلد وتكون في ملكك، فوعده، وأقام عنده، وكان قد بعث إليه بعياب دراهم، فقال ما هذا؟ قيل حباء الملك. فأمر سيف بتشقيق العياب، فانتثرت الدراهم فأنهبها الناس، فغضب كسرى وقال: لمَ لمْ تقبل حبائي؟ فقال سيف: جبال أرضي ذهب وفضة، ولم أرد من الملك إلاّ النصرة، وإنَّ تكون بلادي له، فوعده بالنصر وأقام عنده: ثم إنَّ كسرى استشار مرازبته وقال: ما ترون في أمر هذا العربي قد وعدته بالنصرة وبلاده نائية؟ فقالوا: أنت ملك وأبن الملك والوفاء احسن بك من الغدر. قال له الموبذان: إنَّ عندي رأياً. قال: وما هو؟ قال: في سجونك قوم استوجبوا القتل بجرائمهم، فانظر رجلاً من أساورتك فقوده عليهم، وقوهم بالسلاح، ووجههم معه، فان ظفروا كان باسمك، وان هلكوا فهو لذي أردت

القتال بين الأحباش وسيف بن ذي يزن بساحل عدن وهزيمة الأحباش

فأمر كسرى بمن في سجونه، فوجههم معه واختار رجلاً من المسجونين يقال له وهرز فأمره عليهم، وكانوا في مركبين، فغرق أحدهما وسلم الآخر الذي فيه سيف ووهز، فخرجوا بساحل عدن، فلقيهم مسروق بن أبرهة الأشرم بجموع الجيش الحبشي فاقتتلوا هناك، ثم إنَّ وهرز قال لهم: على أي شيء ملكهما فقال:: على فرس فسكت، ثم قال لهم: على أي شيء ملكهم؟ فقالوا: على بغل. . . . . . . على أبن الحمار، انتقل من العز إلى الذل لقد ذل فذل ملكه ثم دعا بقوس وكنانة واستخرج عصابة فعصب بها حواجبه، وأوتر قوسه ولم يكن يوترها غيره، ثم استخرج سهما من كنانته وقال أروني ملكهم، فقالوا صاحب الدرة الحمراء التي بين عينيه فرماها وهرز ففلق الياقوتة وتغلغل السهم في دماغه فسقط وانهزمت الحبشة. وكان قد اجتمع أهل اليمن في لقاء سيف، فحضروا معه الوقعة، وقتلت الحبشة قتلا عظيما، وملكوا من سلم منهم من القتل، وقد كان كسرى عهد إلى وهرز وأعطاه تاجا وخلعة ومنطقة وقال له: إذا صرت إلى اليمن فاسأل أهل اليمن عن هذا الرجل - يعني سيفا - فإنَّ كان من الملوك فسلم إليه الأمر والأبسه التاج والخلعة والمنطقة، وإنْ لم يكن من الملوك فابعث إليَّ برأسه واضبط البلاد إلى أنْ يأتيك أمري، فلما اجتمع أهل اليمن سألهم وهرز عن سيف، فقال: ملكنا وأبن ملكنا والقائم بثأرنا. فألبسه وهرز التاج والمنطقة والخلعة وسلم الأمر له. وسيف هذا هو القائل: ولقد سموت إلى الحبوش بعصبة ... أبناء كل غضنفر أسوار من كل أبيض في الحروب كأنه ... أسد ببيشة شابك الأظفار

وصول وفد قريش إلى صنعاء وعلى رأسهم عبد المطلب لتهنئة سيف بن ذي يزن

خيمت في لجج البحار فلم يكن ... للناس غير ترجم الأخبار قالوا أبن ذي يزن يسير إليكم ... فحذار منه ولات حين حذار والعام عام قدومه ولعله ... نابت عليه نوائب. . . . . . . . حتى إذا أمنوا المغار عليهم ... وافيت بين كتائب الأحرار ما زلت. . . . . . فلهم وشريدهم ... حتى اقتضيت من العبيد بثاري وسيف هذا هو الذي وفد عليه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف جد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجوه قريش ووجوه قبائل العرب يهنئونه بالظفر على العبيد الحبشة، وما أيده الله به، فاستأذنوا بالدخول عليه، فأذن لهم سيف ذي يزن، واسمه ذو يزن بن عثمان بن عفير بن زرعة بن الحارث، واستأذنه عبد المطلب بالكلام فقال: إنْ كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك وأبناء الملوك، وعن يمينه ويساره المقاول وأبناء المقاول وهو ينفح بالمسك والعنبر في مفرقه وعارضيه، وعليه حلل القز والحرير، فقال له عبد المطلب: إن شاء الله تعالى قد أحلك محلا رفيعا منيعا، صعبا شامخا باذخا، وأتيتك منبتا طابت أرومته، وعزت جرثومته، وثبت أصله، وبسق فرعه، في أكرم معدن وأطيب موطن. وأنت ابيت اللعن، رأس العرب الذي به تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد، وربيعها الذي تخصب منه البلاد. سلف خير سلف، وأنت فيهم خير خلف، ولم يخمل ذكر من أنت سلفه، ولن يهلك من أنت خلفه. ونحن أيّها الملك، أهل حرم الله، و. . . . . . . . البيت الحرام، أشخاصا إليك أيها الملك، الذي أبهجنا من ذكر ما سرنا من كشفك الكرب الذي فدحنا، والغم الذي أقلقنا والهم الذي أكربنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة. فهذا الذي أوفدنا إليك أيها

تبشير سيف لعبد المطلب برسول الله - صلى الله عليه وسلم -

الملك. قال: وأيهم أنت أيّها المتكلم؟ فقال: أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، قال الملك: أبن اختنا سلمى؟ قال: نعم. قال: ادن يا عبد المطلب. ثم اقبل عليه وعلى النفر الذين معه، فقال: مرحبا وأهلا وسهلا، وناقة ورحلا، وملكا ربحلا: يعطى عطاء جزلا، قد سمع الملك مقالكم، وعلم كلامكم، وعرف قرابتكم، وقبل وسيلتكم، وانتم أهل الليل والنهار، لكم الكرامة ما أقمتم، ولكم الحباء إذا ظعنتم. ثم انهضوا إلى دار الضيافة والوفود فأقاموا بها شهراً لا يؤذن لهم بالوصول إليه، ولا الوقوف بين يديه، ولا يؤذن لهم بالانصراف، وأجريت عليهم الأرزاق والجرايات، ثم لهم انتباهة، فأرسل إلى عبد المطلب فأذن منزله، وقرب مكانه من مكانه، واكرم مجلسه. ثم إنَّ سيف بن ذي يزن أقبل وقال له: إني مفض إليك من سر علمي، لو يكون غيرك لم أبح به، وبكني وجدتك معدنه فأطلعتك عليه، فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله تعالى فيه، فإنه بالغ فبه أمره. إني وجدت في الكتاب المكنون والعلم المخزون، العلم الذي اخترناه لأنفسنا، واحتجزناه دون غيرنا، خبراً جسيما، وحظاً عظيماً، فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاء لناس كافة، ولك خاصة. فقال عبد المطلب: أيها الملك، مثلك من سر وبر وبشر، فما ذلك فداك أهل الوبر والمدر زمراً بعد زمر؟ فقال سيف الدين بن ذي يزن: إذا ولد غلام بتهامة، به علامة، كانت له الإمامة، ولكم بها الزعامة إلى يوم القيامة، يزيدكم الله به شرفا وفخراً، وجاهاً وقدراً، قال عبد المطلب: أبيت اللعن لقب أبت بخير ما آب بمثله وافد، ولولا هيبة الملك وإعظامه لسألته من سروره إياي، ما أزداد به سروراً، فأن رأى الملك إنَّ يخبرني بإفصاح، فقد أوضح بعض الإيضاح. قال: خلته الذي يولد، أو قد ولد، اسمه محمّد بين كتفيه شامة، يموت

أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، وقد ولدناه مراراً، والله باعثه جهاراً، وجاعل له منا أنصاراً، ويعز الله بهم أولياءه، ويذل بهم أعدائه، ويضربون الناس دونه عن عرض، وسيفتح لهم كرائم الأرض. يعبد الرحمن، ويزجر الشيطان، ويكسر الأوثان، ويخمد النيران. وقوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله. ويقول الحق، وينطق بالصدق. قال فخر عبد المطلب لله ساجداً. فقال له الملك: ارفع رأسك، فقد ثلج صدرك، وعلا كعبك، وارتفعت مرتبتك، وقرت عينك، هل أحسست من أمره شيئاً، أو رأيت أثراً يا عبد المطلب؟ قال: نعم، يا أيّها الملك، كان لي أبن، وكنت به معجباً وعلبه حدباً رفيقا، من شدة حبي إياه، وإكرامي به، زوجته كريمة من كرائم قومي، اسمها أمنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، فجاءت بغلام سميته محمّداً، مات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعم، بين كتفيه علامة، أو قال شامة، وفيه كل ما ذكرت من العلامة قال له سيف بن ذي يزن: والبيت ذي الحجب، والعلامات على النصب، انك لجده يا عبد المطلب، قول صدق غير كذب، وإنَّ الذي نطقت به كما قلت لك، فاحتفظ بابنك، وأحذر عليه من اليهود، فإنهم له عدو، ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا. واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك، فإني لست آمن أنَّ تدخلهم النفاسة من أنَّ تكون لك الرئاسة، فيبتغون لك الغوائل، وينصبون لم الحبائل، وهم فاعلون د أو أبناؤهم، فكن على حذر منهم، ولولا أنَّ الموت مجتاحي قبل مبعثه لصرت بخيلي، حتى استحكم أمره، وأهل نصرته منها، وموضع قبره فيها، ولولا إني أخاف عليه الرزايا، واتقي عليه الآفات وأخشى عليه العاهات، لأوطأت أسنان العرب كعبه، ولا علنت

وفاة سيف بن ذي يزن

على حداثة سنه بشرفه وقدره وذكره، ولكني صارف ذلك بغير تقصير مني لمن صك من هؤلاء النفر. ثم أمر لكل واحد منهم بمائة من الإبل، وعشرة أعبد، وعشرة. .، وعشرة أرطال من التبر، وعشرة أرطال من الفضة، وكرش مملوء من عنبر، يأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك. ثم قال: ائتني بخبره وما يكون أمره سد رأس لحول، قال: فمات سير بن ذي يزن رحمه الله قبل إنَّ يحول، قال: فكان عبد المطلب يقول بعد ذلك: أيها الناس، لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء الملك، فأنه إلى نفاد، ولكن ليغبطني بما يبقى في عقبي من بعدي شرفه وذكره، ومحاسنه وفخره. فإذا قيل له: ما ذلك؟ فيقول: ستعلمون نبأه بعد حين؛ وفي ذلك يقول أميه بن عبد شمس: . . . . . المدح تحمله المطايا ... إلى أكوار أجمال ونوق مغلغلة مرابقها تعالى ... إلى صنعاء من فج عميق تؤم بنا أبن ذي يزن وتفرى ... ذوات بطونها أم الطريق وترعى في مخايلها بروقاً ... توافقه الوميض إلى البروق فلما وافقت صنعاء صارت ... إلى ذي الملك والحسب الوثيق إلى ملك أدر لنا العطايا ... بحسن بشاشة الوجه الطليق وكان في الوفد امية بن أبي الصلت الثقفي فقال فيه: لا يطلب الثأر إلاّ كابن ذي يزن ... في البحر خيم للأعداء أحولا أتى هرقلا وقد شالت نعامته ... فلم يجد النصر الذي سالا ثم انثنى نحو كسرى بعد سابعة ... من السنين لقد أسرعت قلقالا

حتى إني ببني الأحرار يقدمهم ... تخالهم فوق وجه الأرض أجبالا من مثل كسرى فتى دان الجنود له ... ومثل وهرز يوم الروع إذ دالا لله درهم من عصبة خرجوا ... ما أنْ رأيت لهم في الأرض أمثالا بيضا مرازية غلبا جحاجحة ... أسدا تربت في الغيضات أشبالا أرسلت أسدا على. . . . . . . فقد ... أمسى شريدهم في الأرض فلالا فاشرب هنيئا عليك. . . . . . . مرتفعا ... في دار غمدان دارا منك محلالا قصر بناء أبوك القيل ذو يزن ... فهل ترى أحدا نال الذي نالا منطقا بالرخام المستزاد له ... ترى على كل ركن من تمثالا اطل بالمسك إذ. . . . . . . له ... وأسبل اليوم في برديك إسبالا تلك المكارم. . . . . . من لبن ... شيبا بماء فصارت بعد أبوالا وقال نشوان: أين المثامنة الملوك وملكهم ... ذلوا لصرف الدهر بعد جماح ذو ثعلبان وذو خليل ثم ذو ... سحر وذو جدن وذو صروح أو ذو مقار قبل أو ذو حزفر ... ولقد محا ذا عثكلان ماح

المثامنة

تلك المثامنة الذرى من حمير ... كانوا ذوي الإفساد والإصلاح هؤلاء الملوك الثمانية وأولادهم أبيات ثمانية. . . . . . . . المثامنة من حمير، ولا يصلح الملك لمن ملك من ملوك حمير إلاّ بهم حتى يقيمه هؤلاء الثمانية، وإنَّ اجتمعوا على عزله عزلوه، وفيهم يقول الشاعر: تطول عليّ بالأملاك حتى ... كأنك من مثامنة الملوك وفيهم يقول علقمة ذو جدن: كانت لحمير أملاك ثمانية ... كانوا ملوكا وكانوا خير أقيال فذو خليل وذو سحر وذو جدن ... وذو حزفر كريم الجد والخال فاسمع هديت ومنهم حين تنسبه ... ذو ثعبان بأعلى باذخ عال ومن صميمهم ذو عثكلان ولا ... بنبيك مثل امرئ بالعلم قوال وذو مقار وذو صرواح ثامنهم ... أولاك أملاكنا في دهرنا الخالي كانت بيوتات قوم كلما فنيت ... منها ملوك أتوا منها بأبدال وهم بريل ذو سحر، ونوف وثعلبان الأكبر، ومرة ذو خليل، وحماحم

القيل ذو مراثد

ذو عثكلان، بنو شرحبيل بن الحارث بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة، وهو حمير الأصغر أبن سبأ الأصغر. وذو مقار بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة وهو حمير الأصغر، وذو صروح بن الحارث بن مالك بن. . . . . . . . . بن سدد بن زرعة حمير الأصغر، وغلس ذو حزفر بن أسلم بن شرحبيل بن الحارث بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر، منهم بلقيس ابنة الهدهاد بن شرح بن شرحبيل بن ذي سحر. ومنهم ذو حوال أبن يريم بن ذي قار، منهم آل القشيب بن حزفر، ومنهم الحمام في الأبرون أولاد حماحم ذي عثكلان بن شرحبيل، ومنهم البحريون بالقصيد أولاد بحر بن عمرو بن زيد بن كرب بن نوف بن عريب بن مرة ذي خليل بن شرحبيل، ومنهم علقمة ذو قيفان الملك، وعلقمة بن ذي جدن الشاعر، كلاهما من آل ذي جدن. وقال نشوان: أو ذو مراثد جدنا القيل أبن ذي ... سحر أبو الأذواء رحب الساح وبنوه ذو قين وذو شقر وذو ... عمران أهل مكارم وسماح والقيل ذو دنيان من أبنائه ... راح الحمام إليه في الرواح خدمتهم جن الهواء وسخرت ... لمقاول بيض الوجوه صباح ذو مراثد القيل بن ذي سحر، وهو الذي خرج من مارب في وقت أبن أخيه الملك الهدهاد بن شرح بن ذي سحر، فقسم اليمن بين أولاد هؤلاء وبني نجرا

نسب نشوان بن سعيد الحميري

وعمرانأعلى البون، وولده هناك وببلاد حمير وناعط وظفار وغيرهم. منهم قائل الشعر هذا نشوان بن سعيد بن سعد بن أبي حمير بن عبيد بن أبي قاسم بن عبد الرحمن بن مفضل بن إبراهيم بن سلامة بن أبي حمير بن أقرع بن قيس بن مرائد بن عبد الرحمن بن الحارث بن زيد بن عبد إل بن شرحبيل بن عمران بن حسان ذي ورائد بن ذي سحر. ومن ولده الدنيانيون بظفار الملك كم ملك اليوم، والبوسيون بصنعاء ونواحيها، من ولد ذي بوس بن عبد الرحمن بن زيد بن عبد إل بن شرحبيل بن مرائد بن ذي سحر وبه سمي بيت بوس. ومن ولد ذي قين بالظاهر من بلد همدان، وكان ملكا على همدان. قال الهمداني في الجزء الرابع من الإكليل: وجد قبر بيريم بالقرب من ظفار، وكانت الملوك تسكنها، وهو قبر ذي دنيان بن ذي مرائد بن ذي سحر، فوجدت ثنية مضببة بالذهب وكانت سقطت في حياته، وكتب عليها

لا تحزن على ثنيتك ذا مرائد، فإنك إلى دنياك غير عائد ووجد مع دنيان قبره لوح من ذهب مكتوب فيه إني مرائد ذو دنيان، أنا وأنثة ستمائة حيوان، بهجرنا ما. . . . . جنح أبان أي مثل آبائنا. والصريف نحذيان والطيم نلبسان، يقول: أنا وامراتي وهي الأثنة بلغتكم، حيبنا؛ والصريف نحذيان، أي الفضة يحذيانها، يلبس الطميم: الحرير. قال: ووجد في قبر من مقابر الملوك بيريم لوح من ذهب مكتوب فيه بالمسند: إني ديباجة بنت نوف ذي شقر بن ذي مراثد فيملك لادي يسمى لي مندد طحن يمندد بحري قدو سنه لي فاعتقدك بقبري، فمن ما سمع بي فليحزن لي. وأيما أنثة لبست حليتي ليكون موتها جنح موتي. تقول: أمرت عبدي يشتري لي في حطمة وقعت مدينة طحين بمد لؤلؤ فلم يجده فاعتفدت أي عليها بابها حمير ماتت، ثم دعت على كل امرأة تلبس حليها بعدها إنَّ يكون موتها مثل موتها قال ووجد مسند بحقل قتاب إني شمعة بنت ذي مرائد، كنك إذا وحمك، أوّل القشم من أرض الهند، بطله زاهد أوّل آتى به تريد الفواكه زاهد تريد طويا وثماوالخريف تسمى القشم عند حمير، ومن يروى هذا منهم يرى أنَّ الجن كانت تخدمهم. هذا

ذو الرمحين وذو ترخم

قول الحسن بن أحمد بن يعقوب في الجزء التاسع من الإكليل. وقال عبد الله بن عباس المرهبي في كتاب مفاخر همدان: وكان من الثامنة آل ذي مراثد، وكانوا أكمل حمير جمالا وكانت الجن تخدمهم، والعلماء، والعلماء بأخبار حمير يرون ذلك كلهم آل ذي مرائد خصوصاً، وذلك عندهم بنسب بلقيس لأنهم أهل بيتها. وقد ذكر أسعد الكامل بريلا ذا سحر في شعر الذي عد فيه ملوك حمير، وافتخر بهم. وذكر ذا دنيان فقال: ومن ذي بريل ومن ذي ينوف ... إلى العدد الأكبر الأغبر وذي دنيان ابتنى قبلنا ... فخار ومن بعدهم يزهر وقال نشوان: أم أين ذو الرأين أو ذو ترخم ... سقيا بكأس للمنون ذباح ذو ترخم أبن ذي الرمحين بن يعفر بن عجرد بن سليم بن شرحبيل بن الحارث بن مالك أبن زيد بن سدد بن حمير الأصغر، وأولاد التراخم من أشراف حمير، ويضرب بهم المثل فيقال: أنت تترخم علينا، أي تعظم وتشرف، أي كأنك من آل ذي ترخم. وكذلك تقول الناس في أبيات أخرى من حمير: أنت تقيفن علينا، أي كأنك من آل قيفان بن شرحبيل بن أساس بن يغوث بن علقمة ذي جدن. وكذلك تقول

ذويهر, ذو يزن, ذو بوس, ذو بيح, ذو الأنواح

الناس: هو يحزفر، أي كأنه من آل ذي حزفر بن شرحبيل بن الحارث، وكذلك تقول: أنت تخنفر علينا، أي كأنك من ولد ذي خنفر بن يسار بن زرعة بن معاوية بن صيفي ابنحمير الأصغر بن سبأ الأصغر وقال نشوان: أم أين ذو يهر وذو يزنٍ وذو ... بؤس وذو بيحٍ وذو الأنواح هو يعفر ذو يهر بن الحارث بن أسعد بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر وكان من عظماء المقاول، وقيل أنَّه سخر الناس في عمل، وكان في وقته عجوز لها ولد، فبادر مع الناس في العمل ذي يهر، فلازمته أمه لتعجل له غذاء قبل سيره، فأبى وقال: إني أخاف العقوبة، فقالت: لا بأس عليك، فأني أغدو معك، فلما تغدى سارت منع إلى ذي يبهر، فأراد عقوبته لتأخره، فقالت العجوز: ترفق بأمر ياذا يهر ... فاليوم لك وغداً لآخر فكف عنه من العقوبة. ويقال أنَّه اتعظ بكلام العجوز، وقطع ذلك العمل. ومن ولده علامة حمير ونسابتها، الذي أخذ عنه الهمداني الحسن بن أحمد بن يعقوب ما وصفه في الإكليل من أنساب حمير وأخبارها، وهو أبو نصر محمّد بن عبد الله بن سعد بن عبد الله بن محمّد بن وهب آل بن نوف بن يعفر بن شرحبيل بن عريب بن زيد بن وهب

آل بن يعفر بن ذي يهر الأصغر بن زيد بن شمر بن شرحبيل بن شمر بن زرعة بن شرحبيل أبن زرعة بن وهب آل بن يعفر ذي يهر الأكبر بن الحارث. وكان أبو نصر ورعا دينا وهرب بدينه من. . . . . . . إلى صعدة، وكان ساكنا بقصر جده ذي يهر ببيت حنبص، فاحرقه أبن أبي الملاحف القرمطي، فأقامت النار أربعة أشهر تتبع خشبه، فأقام أبو نصر رحمه الله بصعدة حتى انقضى أمر القرامطة. ومن أولاد أبي نصر القضاء آل أبي نور بوقش، ولا علم لهم بعلم جدهم لأنهم على رأي الشيعة، وهم يزهدون في كل علم إلاّ علم مذهبهم. وذو يزن الأكبر أبن أسلم بن الحارث بن مالك بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر، من ولده سيف بن ذي يزن الوافد على كسرى، وذو بيح أبن ذي قيفان، والبيح العز والشرف. قال طرفة بن العبد يفتخر: يحسب من حاولنا أننا ... حمير من صوت الوغي والبيوح شبه قومه بحمير في العز والشرف. وأما ذو الأنواح فهو يحمد بن ذي الرمحين أخو ذي ترخم، ويسمى يحمد أذينه ذو الأنواح، وكانت أمة كلاعية، وكانت تقبله وتضمنه إليها وهي تقول: يا عييناه، يا أذيناه. فسمى لذلك أذينة، ثم نشأ وشب ولهج بالصيد

ذو قيفان, ذو أصبح

فخرج يوما يتصيد في حقل شرعة، فبينما هو يطرد ظبيا، إذ وقعت يد جواده في حجر فعثر به جواده فدق عنقه فمات، فنا حته أمه. . . . . . . سنة، كل يوم تعقر على قبره وتنوح النساء، فسمى لذلك ذا الأنواح، وكان. . . . . . . . أجمل الناس، ومات حدثا لم يستقم عارضه، وهو الذي يقول فيه قس بن ساعدة الإيادي: برك الزمان على أبن هاتك عرشه ... وعلى أذينه سالب الأنواح وقال النابغة أيضاً: بعد أبن جفنة وأبن هاتك عرشه ... والحارثين يؤملن فلاحا يريد الحارث بن عمرو الكندي، والحارث بن جبلة: ولقد أرى أنْ الذي هو غالهم ... قد بز حمير قبلها الصباحا والتبعين وذا نواس عنوة ... وعلى أذينة سلب الأنواحا أي ألبسها السلاب، وهي ثياب سود تلبسها النساء عند النياحة. وقال الأعشى: أزال أذينة عن ملكه ... وأخرج من قصره ذا يزن وقال نشوان: أم أين ذو قيفان أو ذو أصبح ... لم ينج بالإمساء والإصباح ذو قيفان بن شرحبيل بن أساس بن يغوث بن علقمة ذي جدن الأكبر. وذو أصبح

ذو حوال, ذو مناخ

هو الحارث بن مالك بن زيد بن قيس بن صيفي بن حمير الأصغر، ويسمى ذا أصبح، لأنه غزا عدوا وأراد الله أنْ يبيته، ثم نام دونه حتى أصبح الصباح، ثم قال لجيشه أصبح فسمى ذا أصبح، وهو الذي أحدث السياط الأصبحية فنسبت إليه. قال الراعي: أخذوا العريف فقطعوا حيزومه ... بالأصبحية قائما مغلولا وقال الآخر: أرى أمة شهرت سيفها ... وقد زيد في سوطها الأصبحي وقال نشوان: أم أين ذو الشعبين أصبح صدعه ... لم يلتم كمشعب الأقداح حسان ذو الشعبين بن سهل بن زيد بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير الأكبر. وسمي ذا الشعبين أي ذو القبلتين، والشعب الحي العظيم والقبيلة العظيمة الضخمة. وفيه يقول النعمان بن بشير: وحسان ذو الشعبين منا ويرعش ... وذو يزن تلك البحور الخضارم وقال نشوان: أو ذو حوال حبل دون مرامه ... أو ذو مناخ لم ينخ بمراح وهو عامر ذو حوال الأصغر بن عوسجة بن آلي زاد بن الشرمح بن يريم بن ذي مقار أحد المثامنة المقدم ذكرهم من ولد آل بعفر ن عبد الرحمن بن كريب الحوالي، ملكوا اليمن في الإسلام مائة وخمسين سنة. وحاربوا سلطان العراق والخلفاء، حتى غلب محمّد بن يعفر على

إبراهيم بن محمد الحوالي وبناؤه مسجد صنعاء

الأمر، فملك حضرموت وجميع اليمن، وابنه إبراهيم بن محمّد الذي بنى مسجد صنعاء الجامع، واوصى بحظيرة شاهرة، وولى عليّ بيحان المكرمان الأصغر محمّد بن أحمد بن أبي جعفر من ولد مكرمان الأكبر بن حاشد بن شمر بن ربيعة بن سعد بن عامر بن عدي أبن الأشرس بن شبيب بن أشرش أبن كندة، وولى على جوف المجزر المفضل بن سعد بن يونس بن سعيد بن قيس بن غسان بن زيد بن عبد الله بن ربيعة بن ظبيان بن كعب أبن عوف بن ظبيان بن أنعم بن عمرو بن مراد بن مذحج، وولى على غرق الدعام بن إبراهيم بن عبد الله بن يأس بن الأزهر بن يأس بن حجل بن عمير بن أزهر بن ثمامة بن سعد بن عميرة بن عبد عليان بن أرحب بن الدعام بن معاوية بن دومان بن بكيل بن جشم بن جبران بن نوف بن همدان، وكان عبده واليا عليها، ثم ولى الدعام بعده، ثم تغير عليه الدعام بعد ذلك وخالف عليه، فقال الشاعر: ودعام حل أبنا يعفر ... رفعوه في عظيم المنزلة كان في طود أتان ساكنا ... صاحبا للفقر لا حيلة له فحباه ملك أبنا يعفر ... بهبات جمة متصلة ثم ولاه بوادي غرق ... فغدا يعمل فيه عمله

جعفر بن إبراهيم المناخي

ثم جازاه بأن خالفه ... من تجري جرو سوء أكله وقال فيه الشاعر: رأيت أبن يعفر خير الملوك ... و. . . . . . . . . للأعادي انتقاما نفي السبرجمي إلى مكة ... فلم يستطع بزبيد مقاما وولي على غرق عبده ... أبا محجن ثم ولى دعاما وبيحان ولي بها المكرمان ... وولي الهزيلي أيضاً شباما الهزلي جد بني الدعام، شبام حضرموت. ومنهم السلطان راشد بن أحمد، وأما ذو مناخ فهو زرعة بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بن قطن بن عريب أبن زهير بن الهميسع بن حمير الأكبر، ومن ولده المناخيون ملوك اليمن، منهم الأمير جعفر أبن إبراهيم بن محمّد بن ذي المثلة بن عبد الله بن سلمة بن مكسوم بن سويد بن حسان أبن مرة بن لهيع بن خمر بن زيد بن شرحبيل بن زيد بن سفعة بن زرعة ذي مناخ ملك اليمن، الذي يسمى باسمه مخلاف جعفر ونسب إليه. وملك المناخيون اليمن الأقصى مائة وخمسين سنة، وخالفوا سلطان العراق أيضاً مثل الحواليين، ولم يدخلوا تحت طاعة الخلفاء من قريش. وقال نشوان: أم أين غمدان أو ذو فائش ... أو ذو رعين لم يفز بفلاح

الملك عمرو ذو غمدان

عمرو ذو غمدان أبن إلى شرح بن يخصب بن الصوار الملك بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير الأكبر الذي بنى قصر غمدان بعد بنائه الأول، وابنه وسار الملك الذي هو. . . . . . . . في قصور الجواف ومأرب وناعط وغيرها. وذو فائش الأكبر بن زيد بن مرة بن عريب أبن زيد بن يريم بن. . . . . . . . يوسف بن بولس بن يحصب بن دهمان بن مالك بن سعد أبن عدي أبن عوف. . . . . . . . بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر. ومن ولده سلامة الفيل ذو فائش الأصغر بن ذي يهر بن ذي فائش الأكبر. وفيه يقول الأعشى: وذو فائش قد زرته في ممنع ... من الشم فيه للوعول موارد ببعدان أو ربمان أو رأس سلية ... شفاء لمن يشكو السمائم بارد وذو فائش. . . . . . . . فوق مشرفة ... تقصر عنه الهضبات الرواعد ومن دونه جرد المذاكي وفوقها ... حماة بأيديها السيوف الحواصد وله فيه أيضاً من شعر طويل:

الملك ذو رعين

رأيت سلامة ذا فائش ... إذا زاره الضيف حيى وبشيء وقال لهم مرحبا مرحبا ... وأهلا وسهلا بهم وانتهش وله أشعار كثيرة، في ديوان. . . . . . . . مذكورة. وأما ذو رعين الأكبر فهو يريم ذو رعين بن سهل بن زيد بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير الأكبر. وقال نشوان: أو ذو الكباس وذو الكلاع ويحصب ... أضحكوا وهم للنائبات أضاحي عمرو ذو الكباس أبن كبر آل أبن هامن بن أصبح بن زيد بن قيس بن صيفي أبن حمير الأصغر. ويزيد ذو الكلاع بن يعفر بن زيد بن النعمان أبن زيد بن شمال بن وحاظة بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر، ويحصب أبن دهمان بن مالك بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر. وقال نشوان: والقيل أبرهة بن صباح قضى ... نحبا وأبرهة أبو الصباح

أبرهة الصباح الفيل

أبرهة بن الصباح القيل بن شرحبيل بن لهيعة بن مرثد الخير بن ينكف ينوف بن شرحبيل شيبة الحمد بن معدي كرب بن مصبح بن عمرو بن الحارث ذي أصبح بن مالك بن زيد بن قيس بن صيفي بن حمير الأصغر، وكان ملكا عظيما جوادا، وفيه يقول قس بن ساعدة الأيادي: وعلى الذي كانت بموكل داره ... يعطى القيان وكل أجرد شاحي موكل قصر على جبل في بلاد عنس في يمانى أفيق، وأما أبو الصباح فهو أبو شمر بن أبرهة الأصغر بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح القيل، وهو الوافد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفرشه رداءه وقال إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. وأفرش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رداءه لأبيض بن حمال السبائي بن مرثد بن ذي لحيان بن ذي العبير بن همان بن شرحبيل بن معدان بن مالك بن أسام أبن زيد بن كهلان بن عوف بن عمرو بن سعد بن عمرو بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر، وأقطعه جبل الملح بمأرب، فقيل له: يا رسول الله انك أقطعته الماء العذب ولا ملح لأهل اليمن غيره، فاستقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأبيض فأقاله، وأفرش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رداءه الحارث بن عبد كلال الأكبر أبن عريب بن فهد بن زيد بن مثوب بن يريم بن مرة بن شراحيل بن معدي كرب ذي عشيم بن الغوث بن يعرب ينكف بن جيدان بن لهيعة بن مثوب بن يريم ذو رعين.

الأختلاف في ذي القرنين أيضا

وأفرش النبي - صلى الله عليه وسلم - رداءه أيضاً حجر بن وائل الحضرمي، من ولد. . . . . . . . أبن حضرموت بن سبأ الأصغر، وأمر معاوية أنْ ينزله في بعض آطام المدينة، ثم. . . . . . . . معاوية شكى إلى حجر حر الرمضاء وسأله أنْ يعيره حذاءه، فقال حجر: لست يا بن. . . . . . . . . سفيان ممن يلبس أحذية الملوك، قال فأردفني. . . . . . . . . على الناقة، فقال له حجر: ولا. . . . . . . . . من أرداف الملوك، ولكن استظل بظل. . . . . . . . . وكفى لك شرفا على قومك. وقال نشوان: والصعب ذو القرنين أدركه الردى ... قصدا ولم يضرب له بقداح اختلف الناس في ذي القرنين الذي ذكره الله عز وجل في سورة الكهف، فقال قوم إنَّه الإسكندر بن فلبس اليوناني وقال قوم: إنَّه الهميسع بن عمرو بن. . . . . . . . . أبن زيد بن كهلان بن سبأ الأكبر، وقال بعض حمير: إنَّه الصعب الملك الرائد. . . . . . . . الأكبر بن تبع الاقرن بن شمر يرعش. وقال عليّ بن أبي طالب وأبن عمه عبد الله بن عبد. . . . . . . . . أبن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر بن سبأ الأصغر، وهو قول بعض حمير. . . . . . . . . . في ذي القرنين، والصحيح أنْ ذا القرنين تبع الأقرن، لأنه ولد وقرناه أشيبان فسمى. . . . . . . . . الأقرن، وذو القرنين قال فيه أسعد بن ملكي كرب بن تبع الأكبر أبن تبع الأقرن. وقد كان ذو القرنين جدي قد أتى ... طرف البلاد من المكان الأبعد فرأى مغار الشمس عند غروبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد وبنى على يأجوج حين أتاهم ... ردما بناه إذ أتاه مخلد

هاتك عرشه وأخوه جذيمة الوضاح

ودعا بقطر قد أذيب فصب ... ما بينه وكذا بناء المحقد ملك المشارق والمغارب يبتغي ... أسباب ملك من حكيم مرشد وقال نشوان: وسطا على الصيف هاتك عرشه ... وعلى أخيه جذيمة الوضاح هاتك عرشه: اسمه الحارث وأخوه جذيمة الوضاح القيلان، وابنا الحارث بن زرعة أبن غيمان بن أخنس بن كبر آل بن هامن بن أصبح بن زيد بن قيس بن صيفي بن حمير الأصغر. وقال نشوان: وجذيمة الوضاح غير جذيمة الزب ... اء عن علم وعن إصحاح جذيمة الوضاح، سمى بذلك لبياض لونه، فأما جذيمة الأبرش بن مالك الأزدي الذي قتلته الزباء، فهو جذيمة الأبرش بن مالك بن فهم بن غانم بن دوس بن عدثان أبن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد. وكان الأبرص فعظم عند الناس أنْ يقولوا الأبرص، فقالوا الأبرش، وكان ملكا عظيما بالحيرة قبل المنذر، وكان قد قتل ملكا من العمالقة بقال له عمرو وهو أبو الزباء الملكة ابنة عمرو بن ظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوثر بن عريب

بن مازن بن لأي بن هوثر بن عمليق بن السميدع بن الصوار بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير الأكبر. وكانت العمالقة ملوك الشام، وكانت الزباء في حصن عظيم منيع، فلم يقدر عليها جذيمة الأبرش فأقامت الحرب بينتهما مدة من الزمان، ثم إنَّ الزباء أرسلت إلى جذيمة تطلب عليه نكاحها وأن يجمع ملكها إلى ملكه، وسميت الزباء لكثرة شعرها، وكذلك يقال: رجل أزب أي كثير الشعر. فأجابها جذيمة إلى ذلك. ثم أنَّه تجهز للمسير إليها فنهاه وزيره قصير بن عمرو اللخمي فقال: أيّها الملك، إنَّ العروس تزف إلى البعل، فإنَّ كانت صادقة أتت إليك. فلم يقبل منه جذيمة وسار إليها حتى قرب من حصنها ومدينتها، فلقيه جنودها، فقال قصير: أيّها الملك، قد عصيتني فيما مضى، وان معي رأياً فيما بقى، قال: وما هو؟ قال إنْ رأيت جنودها أحاطوا بك، فإني معرض لك فرسك العصا فانج عليها، وإن لم يحيطوا بك، وساروا بين يديك، فليس عندهم بأي. فأحاطت جنود الزباء بجذيمة الأبرش، فعرض له قصير العصا، فشغل عن ركوبها، فركبها قصير فنجا عليها، وأحاطت جنود الزباء بجذيمة الأبرش، فقبضوا عليه، فنظر إلى قصير والفرس تهوي به كالريح فقال: ما ضل من تهوى به العصا؛ أي ما ضل عن الرأي، فأرسلها مثلاً؛ قدموا به إلى الزباء، فكشفت شعر عانتها وقد طال طولا عظيماً لترك التعهد لنفسها، وعظم الحزن على ابيها، فلما كشفته، قالت: أتراني ذات بعل يا جذيمة؟ ثم أمرت بطشت لدمه فقطعت رواشيه: أي فصدت عروق يديه؛ وقالت: احتفظوا بدم الملك. فقال جذيمة: دعوا دماً ضيعه أهله، فأرسلها مثلاً أيضاً، وولى الأمر بعد جذيمة أبن أخته عمرو بن عدي بن مالك بن نصر بن أنمار بن لخم، جد آل المنذر؛ واتخذ قصيراً وزيراً لا يعمل إلاّ برأيه فقال قصير: إنَّ أطعتني أخذت بثار خالك من الزباء، فقال له عمرو: لا أخالفك في رأي، فقال له قصير: اغضب عليّ، واجدع

الملكة الزباء

أنفي، وخذ مالي وعبيدي وضياعي ودوري. فقال له عمرو: إني لا أجزم على ذلك، فلم يبرح به قصير حتى أطاعه وجدع أنفه وأخذ ماله. فخرج قصير إلى الزباء فشكا عليها ما فعل عمرو، فقربته، وأدنته، لإاشار عليها أنْ تعطيه ملا يتجر فيه ففعلت، وكان يتجر إلى أسواق العراق، ويأمر إلى عمرو أنْ يمده بالأموال، وهو يزوده على مال الزباء، فكان يأتيها بأضعاف مالها، ويأتي بهدايا العراق وطرائفه العجيبة. ثم أنَّه أمر إلى عمرو أنْ يأتي إليه بالرجال ففعل، فحملهم على الإبل ومعهم السلاح، وسار بهم حمير دخل المدينة، وهم في الغرائر على الإبل ومعهم السلاح، فلما دخلوا طعن البواب غرارة على بعض تلك الإبل بخلال ك في يده فضرط رجل من تلك الغرار لمّا أصابه البواب بذلك الخلال، فصاح البواب؛ ووثب الرجال الذين هم على الإبل وفي أيديهم السلاح، وقد كانت الزباء نظرت الإبل قبل دخولها فقالت: ما للجمال مشيها رويدا ... أجندلا تحمل أم حديدا أم صرفاناً شديدا ... أم الرجال جثما قعودا وكان قد صور للزباء صورة عمرو، فلما دخل إليها عمرو؛ قلعت فص خاتم كان في يدها، وكان تحته السم فمصته، وقالت: بيدي لا بيدك يا عمرو؛ فلما مصت السم ماتقبل أنْ يصل اليها، فملك عمرو بلادها مع بلاده، وأخذ منها بثأر خاله قال نشوان: والحرة الزباء سيق لها الردى ... بيدي قصير الخسر لا الأرباح قتلت جذيمة وهو خاطبها ولم ... تفعل كفعل نضيرة وسجاح

قصة النضيرة ابنة الملك الضيزن مع سابور

فخرج قصير إلى الزباء فشكا عليها ما فعل عمرو، فقربته، وأدنته، لإشعار عليها أنْ تعطيه ملا يتجر فيه ففعلت، وكان يتجر إلى أسواق العراق، ويأمر إلى عمرو أنْ يمده بالأموال، وهو يزوده على مال الزباء، فكان يأتيها بأضعاف مالها، ويأتي بهدايا العراق وطرائفه العجيبة. ثم أنَّه أمر إلى عمرو أنْ يأتي إليه بالرجال ففعل، فحملهم على الإبل ومعهم السلاح، وسار بهم حمير دخل المدينة، وهم في الغرائر على الإبل ومعهم السلاح، فلما دخلوا طعن البواب غرارة على بعض تلك الإبل بخلال ك في يده فضرط رجل من تلك الغرار لمّا أصابه البواب بذلك الخلال، فصاح البواب؛ ووثب الرجال الذين هم على الإبل وفي أيديهم السلاح، وقد كانت الزباء نظرت الإبل قبل دخولها فقالت: فخرج قصير إلى الزباء فشكا عليها ما فعل عمرو، فقربته، وأدنته، لإاشار عليها أنْ تعطيه ملا يتجر فيه ففعلت، وكان يتجر إلى أسواق العراق، ويأمر إلى عمرو أنْ يمده بالأموال، وهو يزوده على مال الزباء، فكان يأتيها بأضعاف مالها، ويأتي بهدايا العراق وطرائفه العجيبة. ثم أنَّه أمر إلى عمرو أنْ يأتي إليه بالرجال ففعل، فحملهم على الإبل ومعهم السلاح، وسار بهم حمير دخل المدينة، وهم في الغرائر على الإبل ومعهم السلاح، فلما دخلوا طعن البواب غرارة على بعض تلك الإبل بخلال ك في يده فضرط رجل من تلك الغرار لمّا أصابه البواب بذلك الخلال، فصاح البواب؛ ووثب الرجال الذين هم على الإبل وفي أيديهم السلاح، وقد كانت الزباء نظرت الإبل قبل دخولها فقالت: النضيرة هذه، ابنة الملك الضميزن بن معاوية، من بني العبيد أبن الاخرم أبن مرو بن النخع بن سليح بن حلوان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة؛ وأمه جهيلة وبها يعرف، فيقال الضيزن من جهيلة وكان ملكا بالحضر. قال أبن الكلبي: وهو بجبال تكريت بين دجلة والفرات؛ وكان الضيزن قد ملك الجزيرة، وكثيراً من الشام، وكانت معه قبائل قضاعة، وكان كثير الغارات على الفرس، فنهض إليَّه سابور، الملك ذو الاكتاف بن ازدشير بن بابك ملك فارس بمجموع الأعاجم والفرس، قحصروه ثلاث سنين، فلم يقدروا عليه، حتى اطلعت عليه ذات يوم النضيرة ابنة الضيزن من الحصن، فرأت سابور؛ وكان جملاً؛ أى عشقنه وأرسلت إليه، أنها تدله على عودة الحصن على شرط أنْ ينكحها، ويؤثر على نسائه. فعقد لها بذلك، وكان لأهل الحصن نفق تحت الأرض وهو طريق إلى نهر بسور الحصن يسمى الثرثار، فدلته النضيرة على ذلك الطريق، فدخلت منه جنود سابور، فقتلوا أهل الحصن، وقتلوا الضيزن. ثم إنَّ سابور بات بالنضيرة معرساً. فباتت ساهرة لم تنم، فلما أصبح قال لها سابور مم سهرك هذه الليلة، فقالت: من خشونة فراشك هذا، فقال لها: أنَّه فراش من حرير محشو بزغب النعام، ولم تنم الملوك على ألين منه ولا أوطأ، فنظر إلى ورقة آس خضراء بين عكنتين من عكن بطنها، فتناولها فسال الدم من موضع الورقة من ترفها، فقال: لها بما كان أبواك يغذيانك؟ فقالت: بالمخ والزبد وصفو الخمر والشهد. فقال: إنَّ كانت هذه حالتك معهما، وفعلت بهما ما فعلت؛ فلن تصلحي لأحد بعدهما؛ وأمر بها فعقدت ذوائبها بين

ذو أقيان وذو أفرع وذو الجناح

فرسين، وأمر بالفرسين أنَّ يركضا، فقطعاها إرباً، وقد ذكر ذلك الشعراء، في أشعارها؛ قال الربيع بن ضبع الفزازي: هلا بميت لضيز ... بالحضر إذ أمن الزمن صدق العدو وكان ذا ... الطولي له لو لم يخن فهوى به سهم ... الضيرة لليدين والذقن باعت أباها والعشرة ... بوجه سابور الحسن فأتى عليهم كلهم ... والبيض أخون مؤتمن وأما سجاح: فهي امرأة من تميم ادعت النبوة والوحي؛ وهي من لود حرام بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن عمرو بن تميم؛ وكانت في زمن مسيلمة الكذاب بن يمامة أبن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عدي بن حنيفة، فأرسل إلى سجاح أنَّ تلقاه للمناظرة أيهما أولى بالنبوة، وذلك بعد مون النبي صلى الله عليه وسلم، فلما التقيا للمناظرة عرض لها مسيلمة بالنكاح، فسلمت الأمر إليه وشهدت له بالنبوة، ونكحها مسيلمة. قال حاجب بن زرارة: أمست نبيئتنا أنثى نطوف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا وكان مسيلمة إذا صلى بالعرب قال: ما يريد الله بتولية أدباركم وسجودكم على جباهكم، صلوا لله قياما كراماً. الله اكبر وقال نشوان: أم أين ذو أقان أو ذو أفرع ... أو ذو الجناح هزبر كل جناح ذو أقان، وذو أفرع أبنا حمير الأصغر، وذو الجناح الأكبر أبن العطاف بن المنتاب

ذو ذرائح ونسبه

بن عمرو بن علاق بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان أبن قطن بن عريب بن زير بن ايمن بن الهميسع بن حمير الأكبر؛ من ولده شمر ذو الجناح الاصغر بن شرحبيل بن يعفر بن الحارث بن شمر الأكبر، قائد أسعد الكامل؛ صاحب الوقعات المذكورة، وفيه يقول اسعد الكامل: أنا أبو الجيش الذي شمر ... إلى العراق المواكب الهسائل يقتادهم من حمير. . . ... وأسعد من بعده ناهل وقال نشوان: أو ذو العبير وذو ذرائح خانه ... دهر يعيد النسر كالذراح ذو العبير بن همان جد الابيض لن حمال المذكور في نسبه. وذو ذرائح، أبن بينون بن منياف بن شرحبيل بن ينكف بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان أبن قطن بن عريب بن زهير بن ايمن الهميسع بن حمير الأكبر قال نشوان: أم أين ذو بينون أو ذو مرعلى ... وبنو شراحبيل وآل شراح

ذو بينون ونسبه

ذو بينون؛ الذي سميت به بينون بن منياف بن شرحبيل ينكف بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن ايمن بن الهميسع بن حمير الأكبر، وذو المر علي - أي ذو الجيش بن ينكف بن عبد شمس بن وائل، وفيه يقول أسد تبع: وذو المر على فل تنسه ... وآباؤه لهم المنسر المنسر: جماعة من الخيل. وأما شرحبيل، فهو شرحبيل ذو همدان؛ أي الملك على همدان؛ وهو شرحبيل بن الصامخ، اسمه مالك بن مرئد بن بكير بن نوفان بن أبتع بن أنوف بن ينوف ذي بتع زوج بلقيس أبن موهب إل بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن جيدان بن قطن بن عريب بن زهير بن ايمن بن الهميسع بن حمير الأكبر. وكانت أم شرحبيل بن الصامخ لميس ابنة أسعد تبع. وكان آل ذي بتع

ذو بتع الأكبر

ملوك على همدان، حمير ظنهم بعض النسابة أنهم من همدان، فنسبهم إلى همدان. قال الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني: وقيل شراحبيل ذو همدان، أي الملك على همدان، أي الملك على همدان، فنسب إلى من هو ملك عليه، وكان أمره إليه وفيه يقول عمرو بن العاص: فأقبل يمشي مستخجلا كأنه ... شراحبيل ذو همدان أو سيف ذو يزن وفي أبيه وأمه يقول علقمة ذو جدن: ولميس كانت في ذؤابة ناعط ... يجبي إليها الخرج ساكن بربر والصامخ الملك المتوج بعلها ... ذو التاج حين يلوث والمحضر وإلى ذي يتع الأكبر ينسب سرو بتع بين حاز وبيت دفع. وكذلك سعيد بن قيس بن زيد ذي مرب نسبه الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني إلى همدان، والصحيح أنَّه من ولد معدي كرب بن أسعد الكامل، وإنما نسب إلى همدان لأنه كان هو و. . . . . . . . . . ملوك على همدان، والدليل على ذلك قول عليّ بن أبي طالب عليه السلام في سعيد بن قيس: فلله در الحميري الذي أتى ... إلينا مغيرا من بلاد التهائم سعيد بن قيس خير حمير والدا ... وأشرف من في عربها والأعاجم قال الحسن الهمداني في كتاب الإكليل: جميع ما في كتابنا هذا أنَّ أخذناه عن أبي نصر

الملك فهد بن عبد كلال ونسبه

اليهري عالم حمير ونسابها، ووارث ما أدخرته في خزائنها من مكنون علمها. ثم قال في كتابه هذا: قال أبو نصر: وأما معدي كرب بن أسعد تبع سعيد بن قيس وأهل بيته. خالف قول معلمه ونسبه إلى همدان. وأما آل شراح فهم الشراحيين ملوك زبيد وجبلان، منهم آل يوسف. وهم ولد شراح بن شرحبيل بن يريم بن سفين ذي حرث أبن شرحبيل بن الحارث بن زيد بن يريم ذي رعين الأكبر. قال نشوان: أم أين ذو شهران أم ذو ماور ... أضحت زنادها بلا قداح ذو شهران بن بينون الذي قال فيه قس بن ساعدة: وعلى الذي ملأ البلاد بخيله ... شهران مثل شقيقه المصباح وذو ماور بن ناشر ينعم بن عمرو. قال نشوان: أم أين فهد أو همال وابنه ... زيد عفاهم دهرهم بمساح هذا فهد الملك أبن عبد الله كلال بن عريب بن فهد بن زيد بن مثوب بن ذي رعين الأكبر، وكان ملكا عظيما يجبى إليه من بلاد الحبش إلى جزيرة زيلع وجزيرة بربر وجميع اليمن، وفيه يقول سلامة بن جندل التميمي في شعر له طويل:

همال بن صيفي وولده زيد بن همال

ألا إنَّ خير الناس كلهم فهد ... وعبد كلال خير سائرهم بعد وفيه يقول عمرو بن معد كرب: ألا عتبت عليّ اليوم عرسي ... لأيتها كما زعمت بفهد وهمال بن صيفي بن حمير الأصغر، وابنه زيد بن همال صاحب مقدمة. . . . . . . . وقائد نعوته، وكان مع ذلك يتولى أعمال تهامة ة الحجاز وعمل اليمامة والبحرين بنجد إلى كندة. قال نشوان: أم أين ذو ثات وذو هكر وذو ... نمر وذو صبر وذو المشراح ذو ثات القيل أبن عريب بن أيمن بن الحارث بن زيد بن يريم ذي رعين الأكبر، وفيه يقول حسان بن ثابت الأنصاري: وفي هكعر قد كان عز ومنعة ... وذو ثات قيل ما يكلم قائله ذو نمر بن زرعة بن زيد بن ثابت بن الحارث بن مالك بن عبدان بن مالك بن حجر بن يريم ذي رعين الأكبر. وذو المشراح بن شعر بن عدي بن الحارث بن شرحبيل بن مثوب بن ذي رعين الأكبر. قال نشوان: أم أين ذو غيمان أو ذو شوذب ... اللا بيض في النساء ملاح

ذو غيمان ونسبه

ذو غيمان - الذي ينسب إليه غيمان - أبن أخنس بن كبر آل بن هامن أصبح بن زيد أبن قيس بن صيفي بن حمير الأصغر، وذو الشوذب بن علقمة ذي جدن الأكبر الذي قال فيه النعمان بن بشير الأنصاري: وذو الشوذب السمح كان. . . . . ... تصان له حور النساء النواعم قال نشوان: أم أين نبع وذو سخط. . . . . . . . ... أو ذو الملاحي لات حين ملاح ذو نبع بن الحارث بن ماك بن ألي شرح بن يخضب بن دهمان بن مالك بن سعد أبن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر، من أولاد النبعيون باليمن وجوه وأشراف. وأما ذو سخط. . . . . . . . زرعة بن الحارث بن زرعة بن ذي نواس بن عمرو بن زرعة بن حسان بن سعد الكامل. وولده السخطيون أشرف بيت في العرب. وذو الملاحي بن علقمةبن أسلم بن مرثد بن أغلس، وهو زيد بن علقمة ذي جدن الأكبر أبن الحارث بن زيد بن غوث بن سعد بن شرحبيل بن الحارث أبن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر. قال نشوان: أم أين أوسان أو ذو مأذن ... أم أين ذو التيجان والإبراح

ذو أوسان ونسبه

الإبراح التعظيم، وذو أوسان بن وائل بن معاوية بن يعفر بن مرة بن حضرموت أبن سبأ الأصغر. من ولده بن عبد الله الأوساني النسابة وذو مأذن كريب أبن مأذن بن جيدان بن الحارث بن زيد بن يريم ذي رعين، ووجد في بعض دواوينه من كريب ذي ماذنم إلى تهامة وطودم كتى هلم وحضايم بألفي جعيرم وماتي راكبتم ذرحم لنحم يوم خوسم أي من كريبالى ساكن تهامة وطود من ائتوا يوم الخميس الادنى حتما محتوما بألفي خشبة ومائتي راكبة ذرح. والذرح عود نفيس، وطود جبال السراة ما بين صنعاء وتهامة. وأما ذو اتيجان فهو سفين بن عبد كلال الأصغر بن نصر بن سهل بن عريب بن عبد كلال بن عريب بن فهد بن زيد بن مثوب أبن يريم ذي رعين، وسمي ذا التيجان لأنّه تتوج بتسعة تيجان. قال نشوان: وعباهل من حضرموت من بني ... أحماد والأشبا وآل صباح والعباهلة: الملوك الذين أقروا على ملكهم لا يزالون عنه. ومن ذلك كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الأقيال والعباهلة من آل حضرموت. ذو أحماد وذو جدن بطنان هما من جمهور ولد الحارث بن حضرموت بن سبأ الأصغر. وكذلك شبا بن الحارث، وهم الأشبا منهم محمّد بن عمرو وبن عبد الله بن زيد قاتل معن بن زائدة ببست، وذلك أنْ معن بن

زائدة قتل أباه عمرو بن عمرو بن عبد الله بن زيد بحضرموت خديعة، وكان ملكا بحضرموت، وكان أولاده صغارا. فلما أدرك محمّد بن عمرو بن عبد الله، أخذ أخا له صغيرا وأخذ نفقة كثيرة وحج، ثم سأل عن معن بن زائدة، فقيل له إنَّ المنصور ولاه على بست بعد خروجه من اليمن، فلحقه محمّد بن عمرو إلى هناك، وتسبب في وصوله إليه فلم يصل إليه، فأقام هو أخوه عند رجل من اليمانية سنة، حمير أمر معن ببناء. . . فوقع الأجراء، فدخل محمّد أبن عمرو هو وأخوه فيهم، فلما قرب كمال بناء الدار. . . إليها معن لينظرها، ومحمّد وأخوه بختلفان مع الاجراء بالآجر والطين ومحمّد يرصد معنا، ثم إنَّ معنا دخل بعض دهاليز تلك الدار ليقضي حاجته وكان قد احتجم ذلك اليوم فتبعه محمّد بن عمرو فوجده مكبا على حاجته، فقط بطن معن بسكين مسمومة كانت معه، وغمز أخاه فخرجا من غير باب الدار من موضع كان الأجراء يدخلون منه بالآجر والطن إلى البناء إلى منزل اليماني الذي كانا عنده فقالا إنا من ولد جرير بن عبد الله البجلي، وكانا قد عملا لهما غارا في بئر داره تحت الأرض مع الماء، فأدليا نفوسهما ودخلا في ذلك الغار، وأبطأ معن عن أصحابه فلحقوه فوجدوه قتيلا، فأمروا بأبواب المدينة فغلقت، وفقدوا من الأجراء الحضرميين، فعلموا أنهما قتلاه، فطلبوهما في دار اليماني الذي كانا عنده فلم يجدوهما، ثم طلبوهما في جميع دور المدينة فلم يجدوهما، فأقاما في ذلك الغار في تلك البئر حتى هدأ الطلب، وفتحت الأبواب فخرجا، ثم قصدا الشام إلى بعض بني حوشب، فكتب لهما إلى مصر وخرجا من عدن، وكان معن بن زائدة قد أساء إلى أهل اليمن، فلقي محمّد بن عمرو بن عبد الله وجوه أهل اليمن يهنئونه بالظفر وألبسوه التاج وهو طلبة الثأر، وكان معن يقول لمحمد ولأخيه من أنتما فيقولان من نجران. وقد ذكرت الشعراء ذلك في أشعارها، فقال مروان بن أبي حفصة في مرئية معن: فلو أنْ أم الحضرمي تلفلفت ... بثوبين في جنح من الليل دامس

لغاتك إنْ شاءت كما غالك ابنها ... وقد يقتل المغرور أضعف لامس و. . . . . . . . عبد الرحمن بن يوسف الأجعدي: يا معن أصبحت في بيداء مظلمة ... من بعد ما كانت بين الخلق محتالا تمشي السبنتي إلى الهيجاء مدرعا ... عليك من حلق الماذي سربالا حتى أتاك أبن عمرو في أطامره ... قد جاشم الصبر أحوالا فأحوالا حتى سقاك بها كأسا معتقة ... من شربة جعلت في الصدر أنكالا بمثل خافية النسر التي جعلت ... هلكا لمثلك إذ ما كنت منشالا وفي رواية: عشقالا. والعشقال الجافي الثقيل. وقال محمّد بن عمرو في ذلك: خرجت منه والقلب مني كأنه ... تجيش غواشيه بنار تضرم حللت به وترى ولم آل خائبا ... وكان فؤادي حره يتهجم فاطعنته تحت الشراسيف طعنة ... وأخرى برأس للفؤاد تهدم فهذا بما قدمت معن ولم أكن ... لأقعد حتى تمس لحما يقسم وقيل أنَّه قتله بسجستان، وآل صباح من ولد ذي رعين أحماد بن الحارث أبن حضرموت.

ذو جدن بن الحارث بن حضرموت

قال نشوان: والغر من جدن وأبنا مرة ... وبني شبيب والألى من شاح ذو جدن بن الحرث بن حضرموت، ومرة بن حضرموت وفيه العدد، وشبيب أبن حضرموت بن سبأ، من ولده حجر بن وائل الحضرمي، وآل شاحي من الاشبا. قال نشوان: وبنو الهزيل وآل فهد منهم ... من كل هش للندى مرتاح من آل الهزيل السلطان راشد بن أحمد بن الدغار بن أحمد بن أبي العلاء بن الدغار أبن أبي الهزيل بن أبي النعمان بن هزيل بن فهد بن محمّد بن عبد الله بن عوف بن مهدي بن مرداس بن ناعمة بن الغوث بن عبد شمس بن العوام بن قحطان بن العوام بن أحمد بن الحارث بن ثوابة بن شبا بن حضرموت بن سبأ الأصغر. وفهد بن القيل بن يعفر بن مرة بن حضرموت بن سبأ الأصغر، من أولاد السلطان الهيعة بن راشد بن شجيعة بن فهد بن أحمد بنقحطان بن العوم بن أحمد بن عبد الله بن عمرو بن فهد بن القيل بن بعفر بن مرة بن حضرموت بن سبأ الأصغر.

وقال نشوان: أذواء حمير قد ثوت وملوكها ... في الترب ملك ضرائح وصفاح أضحوا ترابا يوطئون كمثل ما ... وطئت هوامد تربة وبطاح ذلت لهم دنياهم ثم انثنت ... ترميهم بالحوافر الرماح مطرت عليهم بعد سحب سعودهم ... سحب النحوس بوابل سحاح ما هابهم ريب المنون ولا احتموا ... عنه بأسياف ولا أرماح كلا ولا بعساكر ودساكر ... وجحافل ومعاقل وسلاح سكنوا الثرى بعد القصور ولهوهم ... بمطاعم ومشارب ونكاح أضحت مدثرة قصورهم التي ... بنيت بأعمدة من الصفاح والدهر يمزج بؤسه بنعيمه ... ويرى بنية الغم في الأفراح تمَّ

§1/1