ملء العيبة

ابن رشيد السبتي

أبو محمد عفيف الدين عبد الرحيم، وأبو القاسم عبد الحميد ابنا الزجاج ولقينا هنالك الشيخين الفاضلين الإمام الفقيه النحوي الفاضل عفيف الدين عبد الرحيم بن محمد بن أحمد الزجاج، وابن أخيه أبا القاسم عبد الحميد بن محمد المذكور البغداديين قدما من بغداد حاجين، سمعا أبا الحسن ابن روزبة، وسمع أبو محمد منهما ابن اللتي، وأجاز له ابن الحرستاني، وما أدري أسمع أبو القاسم من ابن اللتي أم لا، وذكر لي أبو محمد أنه لم يبق ممن أسأرتهم دخلة التتر ببغداد غيره، يعني ممن كان من أهل العلم.

قرأت عليهما هناك الجزء المعروف بجزء ابن العالي بسماعهما معا من ابن روزبة، وكانت قراءتي في يوم الجمعة الثاني والعشرين لشوال، وكتبا لي خطهما بالإذن هنالك لي وأخواتي نفع الله بهما، وأخبرني شيخنا أبو محمد أنه سمع على ابن اللتي الأربعين حديثا للطائي، بسماعه لها من مؤلفها، قَالَ أبو محمد: وسمعت الأربعين لأبي عبد الله الحاكم، على أبي الفرج بن عبد السلام، بسماعه من الميهني، بسماعه من ابن خلف، عن الحاكم. ورحلنا منه ضحاء يوم السبت الثالث والعشرين، ومن هناك يرفع الماء إلى الموضع المعروف بجفار المعظم، ونزلنا بالطريق منازل فوافينا جفار المعظم ظهر يوم الخميس الثامن والعشرين لشوال، ووافينا هناك وفودا من أهل الشام، قد وروده قبل مقدمنا. هناك يوم الجمعة لاستيفاء الوافدين من أطراف الشام، ولم يكن الماء بالكثير الذي يسع الناس دون ازدحام، واجتمع من الخلق ما لا يحصيه العد، حرز الركب الشامي بستين ألف راحلة دون الخيل والبغال والحمر، فكان يملأ السهل والحزن.

ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمسن من

وأهل هلال ذي القعدة ليلة السبت، وسافرنا منه ضحوة يوم السبت، ونزلنا منازل بالطريق إلى أن وافينا تبوك ظهر يوم الجمعة السابع لذي قعدة، وهي أدنى أرض الشام إلى المدينة، وضبط هذا الاسم بفتح التاء المثناة من فوق في أوله، وهي أقصى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين دنونا منها بأميال خمسة أو ستة عبأ الناس الجيش وتزينوا بالأسلحة، ورتبت الرجال والفرسان وخلفهم الرواحل ونزل كثير من الناس عن رواحلهم، وساروا بها يسوقونها منتسقة، وعبؤوها بجزل الحطب حتى كأنها مراكب بحرية موسقة، وذلك لتعذر الحطب بأرض تبوك إلا على بعد منها. ويذكر الناس أنهم يعبئون الجيش عند دخولها، عادة لهم يزعمون فيها الاقتداء لأنه صلى الله عليه وسلم دخلها كذلك، والله أعلم. ولا شك أنه انتهى إليها صلى الله عليه وسلم وأقام بها ولم يتجاوزها، وكانت مدة إقامته بها فيما ذكر الرواة عشرين ليلة، وهي آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سنة تسع من الهجرة، أذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في غزو الروم، وذلك في شهر رجب من السنة، وعاد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في شهر رمضان ولم يلق حربا. وكانت له بهذه الوجهة صلى الله عليه وسلم معجزات: منها المعجزة الباقية آثارها ما بقي الدهر، وهي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا شَارَفَهَا أَوْ دَنَا مِنْهَا، قَالَ: " إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يَضْحَى النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا فَلا يَمَسَّنَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ، فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبُضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟ فَقَالا: نَعَمْ.

فَسَبَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، قَالَ: ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْعَينِ قَلِيلا قَلِيلا، حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، فَاسْتَقَى النَّاسُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشَكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا» . وَهَذَا الْحَدِيثُ خَرَّجَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ بَعْدَ ذِكْرِهِ صَدْرَ الْحَدِيثِ، وَالْحَدِيثُ بِجُمْلَتِهِ مِمَّا قَرَأْتُهُ بِتُونُسَ عَلَى الأَدِيبِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّائِيِّ الْقُرْطُبِيِّ مِنْ ضِمْنِ كِتَابِ الْمُوَطَّأِ بِسَنَدِهِ الْعَالِي. أنا أَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ بَقِيٍّ قِرَاءَةً لِبَعْضِهِ وَسَمَاعًا لِسَائِرِهِ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَقِّ بْنِ أَحْمَدَ الْخَزْرَجِيُّ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ فَرَجٍ، أنا الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أنا أَبُو عِيسَى يَحْيَى بْنُ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عِيسَى، أنا عَمُّ أَبِي أَبُو مَرْوَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى أنا أَبِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أنا مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ " أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ تَبُوكَ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْظُهْرِ وَالْعَصْرِ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَيْنَ تَبُوكَ ". وَذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ كَمَا قَدَّمْتُهُ حَرْفًا حَرْفًا. قُلْتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الاسْمَ أَعْنِي تَبُوكَ وَاقِعٌ عَلَيْهَا قَبْلَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر أبو عبيدة البكري في كتابه المسمى بمعجم ما استعجم ما نصه: وذكر القتبي من رواية موسى بن شيبة، عن محمد بن كليب: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء في غزوة تبوك وهم يبوكون حسيها بقدح، فقال: ما زلتم تبوكونها بعد؟ فسميت تبوك، ومعنى تبوكون تدخلون فيه السهم وتحركونه ليخرج ماؤه ".

قلت: صدق صلى الله عليه وسلم فقد رأينا هذا الموضع قد ملئ جنانا من نخيل وبينها يسير زرع للأعراب، وهذه العين صهريج كبير مطوي بالحجر يجتمع فيه ماء كثير، ويخرج منه إلى جفر آخر كبير، يجتمع فيه ماء يسيل من ذلك، وماؤها كثير عذب، فاغتسلنا من هذه العين المباركة وتضلعنا من مائها الطيب المبارك. وبمقربة من العين أصل شجرة يابس فيه غصن كبير ناعم أظنها سدرا يزعم الناس أنه صلى الله عليه وسلم قعد هناك فاخضرت الشجرة والله أعلم، ولقد اتفق لي هناك أن أخذت يسيرا من لحائها بسكين الأقلام، على حكم التبرك لما ذكر من أمرها، ولأني رأيت بعض من حضر هناك أخذ شيئا منها متبركا، فرأيت شخصا قد أقبل إليّ لم أعرفه قبل ولا بعد، فقال لي: حتى أنت تفعل ذلك؟ فقلت: ولم؟ وما تنكر من ذلك؟ فقال: إن كان حقا ما ذكر فيقتدي الناس بك في الأخذ منها فيفنيها الناس، فيذهب هذا الأثر المبارك فتكون سبب إذهابه، وإلا يكن فيقتدي الناس بك في باطل، أو معنى هذا الكلام، فشكرته وانصرف. رجع إلى أبي محمد ابن الزجاج واجتمعت هنا لكم أيضا بالشيخ الفقيه المحدث الفاضل عفيف الدين أبي محمد عبد الرحيم بن الزجاج البغدادي، قدم من بغداد حاجا، وهو من بقية علمائها الذين أسأرتهم دخلة التتر بغداد، وقد تقدم ذكره وقرأت عليه يسيرا " من كتاب البخاري، وأخبرني بجميعه، إذنا معينا، بسماعه لجميعه من أبي الحسن بن روزبة والقطيعي، بسماعهما لجميعة من أبي الوقت أحاديث غزوة تبوك بتبوك

وقد أعلمت على ذلك في موضع آخر لم يقع لي الآن ذكره، ولا أشك أن من جملتها حديث: «السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه فليعجل الرجوع إلى أهله» . وذلك في التاسع لذي القعدة عام أربعة وثمانين وست مائة، وكانت القراءة في أصل عتيق فيه رواية الحمويي وغيره مفسرة، وكأنه تكره من القراءة في غير أصل سماعه أو ما عورض به فأعجبني منه ذلك ولم أحمل عليه في الازدياد. وأقمنا هناك بقية يوم الجمعة إلى ظهر يوم السبت الثامن لذي قعدة، ورحلنا من هناك، ومن تبوك يرفع الماء إلى العلى، وما بينهما أشق شيء في الطريق، وأقله ماء لأنه ليس فيه ماء أصلي سوى بئر بوادي الأخضر، قل أن ينفي بالركب، وقد هلك فيه في بعض الأوقات خلق كثير وعدد كبير، لكن من الله الكريم بلطفه وصادفنا بالطريق من ماء المطر نحو سبعة أمواه. وفي ذلك الطريق في مواضع منه عديدة بصائط كثيرة فيها حصى أبيض رائق كثير الصفاء والبريق في لون البلور كأنه حب اللؤلؤ لصفائه وحسنه وكثرة مائه

وشفوفه، كأنما جزر عنه البحر يلتقطه الناس هنالك، وهو يقبل الجلاء لصفائه ويكون معه غيره من الحصى الأحمر والأسود ولكن كالبحري ليس بشفاف ولا صاف، وأظن هذه الحصى هي التي عنى القائل، أنشده لنا بعض أصحابنا: دمشق بنا شوق إليها مبرح ... وإن لج واش أو ألح عذول بلاد بها الحصباء در، وتربها ... عبير، وأنفاس الرياض شمول. تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق ... وصح نسيم الروض وهو عليل فيكون الشاعر نسب هذه الحصباء إلى دمشق لأن موضع هذه الحصباء بأطراف الشام، فإن أول مكان لاقيناها به عند خروجنا من تبوك أو لعله يوجد في جهات دمشق. ومما جرى لنا في هذه الصحراء، وغالب ظني أن ذلك كان صبيحة الليلة التي عقب يوم انفصالنا عن تبوك، فهب علينا نسيم طيب عند السحر، أوجد نشاطا أزال كسل السهر، فقلت لرفيق لي: ما هذه الرائحة؟ ولم أكن أعرف للشيخ طيب ذلك العرف. أشيح الفلا ما نم أم عنبر الشحر ... أم العرف أهدت طيبة طيب النشر فناولني غصنا عطر النفس، لم أدر حقيقته من الغلس، فقد قلد من الأنداء دررا وسقته المزن من أخلافها دررا، فسألت بعض الأعراب: ما هو؟ فقال: هذا هو الشيحُ، فقلت مطلع هذه الأبيات، ثم تشاغلنا بأداء صلاة الصبح، وصلات ذلك النسيم تنعم الأنوف بالنفح، فتذكرت المطلع بعدما تممت عليه: أشيحُ الفلا ما نم أم عنبر الشحر ... أم العرف أهدت طيبة طيب النشر وإلا فما بال الرياض تعطرت ... وما لثغور النور تبسم عن در؟

وما بال أدواح البطاح تأطرت ... وجرت ذيولا من غلائلها الخضر؟ وما لفصاح الطير تعلو منابرا ... تردد ألحانا على مزهر الزهر؟ وما بال أرواح الصباح تذاءبت ... تفاتح بالبشرى وتتحف بالبشر؟ نعم هو عرف من نواحي معرف ... سرى ملقيا ما حملوه من السر ترى علموا أني فقدت خيالهم ... لفقدي الكرى، فالطيف نحوي لا يسري فأهدوا مع الريح الشمال شمائلا ... سقتني شمولا فانثنيت من السكر على أن بعد الدار يعذر طيفهم ... فيثنيه إن جد السرى مسفر الفجر بشير الرياح المهديات بشائرا ... حقيق علينا أن تقابل بالشكر فحل ضلوعي منزلا إن رضيتها ... وعذرا فقلبي بالمكان الذي تدري ومن كبدي أقريك وهي نضيجة ... ومن أدمعي أرويك إذ لم تزل تجري وبالله إلا ما أقمت مكرما ... لدينا، ولا ترجع سريعا على الإثر فقال: تكفلت الجواب وإنني ... وفي بعهدي لا أميل إلى الغدر فناديته بلغ سلامي وقل لهم: ... أقام لعذر صده ذو الهوى العذري فكان لقائي والوداع معا فلا ... تسل كيف حالي حين ولى مع الصبر وما زلنا نتعرف التيسير والتسهيل والصنع الجميل في كل حل وترحال إلى أن وافينا الحجر حجر ثمود ليلة الجمعة الرابعة عشرة لذي قعدة، عند الغروب ولكثرة الازدحام لم يتأت النزول حتى قضى هزيع من الليل، وبتنا تلك الليلة في الموضع المعروف بمبرك الناقة.

ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر في غزوة تبوك استقى الناس من بئرها فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يتوضؤوا من مائهم ولا يشربوا ولا يعجنوا منه، وما عجنوا منه فليعلفوه الإبل، وأمرهم أن يستعملوا في كل ذلك من ماء بئر الناقة، وأمر عليه السلام أن لا يدخلوا عليهم بيوتهم أعني بيوت أهل الحجر إلا باكين، ونهاهم عليه السلام أن يخرج أحد منهم تلك الليلة منفردا دون صاحبه، ففعل الناس ما أمرهم به صلى الله عليه وسلم إلا رجلين من بني ساعدة خرجا متفرقين: أحدهما للغائط فخنق على مذهبه، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له فشفي، وخرج الآخر في طلب بعير له فاحتملته الريح حتى طرحته في آخر جبلي طيء، فأهدته طيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة. ورحلنا من هذا الموضع في آخر الليل، وشاهدنا في صبيحته من عجائب صنع الله ما يقف فيه الطرف، ويحار فيه الوصف، من الدور المنحوته في الجبال، المحكمة الصنعة، البديعة الإتقان، الفارهة النقش، وأكثرها لم يتغير كأنها قريبة العهد بالصنعة، وبعض تلك المساكن قد أخل بها نفوذ مياه الأمطار لأحجارها فتشقق بعضها، وصورة هذا الحجر أرض رملة متسعة، تحف بها جبال، كأنها أسوار لها، ولها مدخل ضيق كأن جانبيه مصرعا باب في غاية العلو، ومنه كان دخولنا إليه، وما وصفنا من التضايق عليه، وأثناء هذه الأرض المحجورة جبال صغار، فيجيئون إلى تلك الجبال الصغار فيمسحون وجه الجبل بالنجارة، ويحكمون تسويته بالنحت، ويفتحون فيه أبوابا، وينقشون جوانبها وأعاليها بأبدع الصنعة، ثم يتسعون في نقر الجبل قبالة الباب، وعن يمينه ويساره، ويصنعون فيه بيوتا.

وشاهدنا بعض هذه البيوت مملوءا عظاما، وظاهر أحوالهم أن خلقهم كانت كخلقنا، إذ أبواب بيوتهم وزواياها على مقادير أبوابنا المعتادة في الارتفاع، والله أعلم. وفي ظهر يوم الجمعة المذكور نزلنا العلي، وأقمنا به يوم السبت الخامس عشر، وهو موضع فيه مياه بعضها في أحساء، وبعضها جارية في رمال، وبها نخل وزرع وحصن ودور. وفي ذلك الموضع يودع أهل الشام فضول أزوادهم عدة للعودة بعد قضاء الحج والزيارة، يخففون بذلك عن رواحلهم. وهذا الموضع لا أعرف هذا الاسم له مذكورا في الكتب، فلعله كان يسمى باسم آخر. وقد ذكر أبو عبيد البكري في كتابه معجم ما استعجم العلاة بفتح أوله على وزن فعلة أرض بالشام، قلت: فلعله هو فغير، والله أعلم. وذكر أبو عبيد أيضا في ترجمة العوصاء، بالصاد المهملة ممدودا، وهي بلد من أرض الشام ما نصه: «قَالَ الحارث بن حلزة يذكر قتل عمرو بن هند الحارث الغساني، بأبيه المنذر وأخذه ميسون بنت الحارث، وقبتها» . إذ أحل العلاة قبة ميسون ... فأدنى ديارها العوصاء ثم قَالَ: العلاة أرض قريبة من العوصاء، وهي أقرب منزل أنزلها فيه عمرو حين أخرجها من الشام.

ورحلنا من العلى غدوة يوم الأحد السادس عشر من ذي قعدة، وقد تضاعف الشوق وبرح الوجد، فسرنا على اسم الله تعالى منزلا منزلا إلى أن بلغنا وادي القرى، وأكثره خراب، فتجاوزناه والأرواح تكاد تفارق الأجساد شوقا إلى طيبة. وفي عشي يوم السبت الثاني والعشرين تلقانا قريب العصر أهل المدينة على ساكنها الصلاة والسلام، مبشرين بالوصول إلى حضرة المصطفى الرسول صلى الله عليه وسلم، وجالبين من تمر المدينة ما يتحفون به القادمين ملتمسين رفدهم، وقد صنعوا عصيا في أطرافها أوعية صغار، فيجعلون فيها شيئا من التمر ويناولونه أهل القباب المسترة من بين ستورها، فيعطي كل أحد ما تيسر له من الرفد، ويدفعون إلى الركبان والمشيان أيضًا من ذلك على حكم التحفة والهدية، فيحسن كل على قدر وجده، ويقسمه الناس بينهم متبركين مستبشرين، ولقد رأيتهم يحنكون به الأطفال الصغار التماسا للبركة، وحق لهم ذلك. وأصاب الناس عند الغروب مطر شديد لم يمكن معه تمادي المسير ولا ارتياد المنزل، فنزلوا في جوانب الوادي وتضايق حتى نزلوا بطنه، وكان هذا المنزل بمقربة من الموضع الذي يسمونه عيون حمزة، وتمادى المطر حتى طفيت النيران الظاهرة، والتهبت النيران الباطنة، وعصم الله من طروق السيل في تلك الساعة. ولقد صلينا العشاء الآخرة في تلك الليلة، والماء على وجه الأرض يغلب

سيحا على الوجوه إلى أن ارتفع المطر وأصحت السماء، وأوقد الناس النيران، وتدفئوا ونشفوا أثوابهم، ولم يكن أصابنا من وقت خروجنا من الشام إلى تلك الليلة مطر لطفا من الله بنا، وكان المطر ينزل أمامنا فما نقدم منزلا إلا ألفيناه قد مطر بين أيدينا، وكأنما أرسل هذا المطر هدية إلينا ليطهرنا، ويفيض من البركات علينا فمكثنا هناك على مهاد القلق وفرش الشوق لم نكتحل بنوم. وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الديار من الديار إلى أن بقي من الليل نحو الربع وأخذنا في الرحيل، وارتفعت أصوات الحداة، وخفت الركاب واختفت، واهتاجت القلوب وخفقت، وهمعت الدموع حتى لقد كاد يسمع وقعها، ولمعت البروق من آفاق طيبة وتتابع لمعها، فما لمع برق إلا ضج الناس بالتسليم على النبي الكريم، فلله تلك الساعة، ما كان أطيبها، وتلك الأصوات ما كان أعذبها وأطربها. فرحا بمغناه المقدس تربه ... فرح المحب مبشرا بقبول إلى أن تنفس الصبح وقد تراءت أعلام طيبة، مطوقة بالنور متوجة بالهيبة، وقد كدنا من الطرب نطير، وعاينا مرأى بديعا ما له في الوجود من نظير، وحين دنونا من جدران المدينة نفحتنا روائح كأنها العبير، فمن الناس من أقدمت به أريحية الشوق فتقدم، ومنهم من تأخرت به الهيبة فأحجم وما أقدم، حتى سكنت منه الحال، وتأهب لمشاهدة ذلك الجلال.

وكان نزولنا على اليمن والبركة بظاهر طيبة شرفها الله وقت الضحاء من يوم الأحد الثالث والعشرين لذي قعدة، فأخذ الناس منازلهم واغتسلوا، وتجملوا للقدوم على الضريح الطاهر، فلله ذاك اليوم ما أعظمه وأسعده وأكرمه، أعزز به من عيد سعيد فاق كل عيد، فهو خير أيام العمر، وأسعد أوقات الدهر، وتاريخ مولد السعادة، ومفتاح الحسنى والزيادة. ثم دخلنا المدينة شرفها الله للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ملأ السرور قلوبنا وملك التوقير جوارحنا، واستعملنا سنة السلام وحييناه صلى الله عليه وسلم بتحية الإجلال والإعظام، ووقفنا حيث حده العلماء من ضريحه الكريم، المخصوص بالتشريف والتعظيم، وقضينا المستطاع من أدب التحية وكادت تغلب الوقار الأريحية ولله در شيخنا الأديب الصوفي أبي يعقوب يوسف بن أبي الحسن على البكري المهدوي عرف بابن السماط حيث يقول، وهو أيضًا قائل البيت الذي تمثلت به آنفا: وإذا أسأت تأدبي بحماكم ... عفوا، فإني غبت عن معقولي من ذا يرى حرم الحبيب فيهتدي ... لتميز المعلوم والمجهول ولي من كلمة في نحو هذا: وإن أضع أدبا فالصفح ملتمس ... إني بقلب من الإعظام ملآن من ذا يرى ربع محبوب فيصبر عن ... لثم وتعفير خد فعل ولهان ثم قضينا حق السلام على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصديق، ثانيه في الغار والعريش والطريق، ثم على أمير المؤمنين الفاروق ثالثهما في المدفن الكريم المقدس، وتالي أبي بكر في المكانة، الذي اختصه بحمل أعباء الخلافة بعده

وفوض إليه ملقيا مقاليد تلك الأمانة، رضي الله عنهما وجزاهما أفضل ما جزي صاحبي نبي عنه. ثم زرنا بالبقيع قبر أمير المؤمنين ذو النورين وثالث العمرين رضوان الله عليه وقبره في طرف البقيع بقيع الغرقد بالموضع المعروف بحش كوكب، ودفنت معه في قبة واحدة فاطمة بنت أسد رضي الله عنها أم أمير المؤمنين وابن عم سيد المرسلين أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقرأنا على مهد قبرها منقوشا: «ما ضم قبر أم أحد، كفاطمة بنت أسد» . وفاطمة هذه هي بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أم علي وإخوته، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، وهاجرت إلى المدينة وبها ماتت، وشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم، وألبسها قميصه، واضطجع معها في قبرها، فسئل عن ذلك فقال: «لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها، ألبستها قميصي لتكسي من حلل الجنة، وأضجعت معها ليهون عليها» وزرنا من عرف قبره من الصحابة رضوان الله عليهم والصحابيات، وقبر إمام دار الهجرة أبي عبد الله مالك بن أنس رضوان الله عليه، وخرجنا ماشين إلى قباء اقتداء بزيارته صلى الله عليه وسلم إياها، وصلينا في مسجدها في الموضع الذي يقال إنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي فيه، وشربنا من العين التي هنالك، والحمد لله على نعمة الصافية وآلائه الضافية.

ذكر أسماء مدينة النبي صلى الله عليه وسلم: تسمى مدينة الرسول، فإذا قيل المدينة غير مضافة علم أنها هي فصارت كالنجم. وقد سميت في كتاب الله يثرب، وفي الحديث: «من قَالَ يثرب فليقل المدينة» ، وهي الدار، قَالَ الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الحشر: 9] ، وهي طيبة وطابة والعرباء، وهي جابرة والمجبورة والمحبة والمحبوبة والقاصمة قصمت الجبابرة ويندد.

ذكر من لقيناه بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم من العلماء والرواة 3 - أم الخير فاطمة البطائحي فمنهم الشيخة الصالحة الكاتبة أم الخير أم محمد فاطمة بنت إبراهيم بن محمود بن جوهر البعلبكي المعروف البطائحي رضي الله عنها، قدمت في ركب الشام زائرة وحاجة، لقيتها بمسجد المصطفي صلى الله عليه وسلم، وقرئ عليها، وهي مستندة إلى جانب رواق الروضة الكريمة المحمدية على ساكنيها السلام، تجاه رأس المصطفى الكريم وكتبت لي خطها بالإجازة هنالك في جميع مروياتها، ولبني أبي القاسم وعائشة وأمه الله، ولأخواتي ومن تسمى معنا في الإجازة، وبمحضر من ابنها، واسمه في غالب ظني محمد، وكانت تسدل جلبابها على وجهها حياء وصونا رضي الله عنها. قرأت على الشيخة الصالحة أم الخير أم محمد فاطمة بنت إبراهيم البطائحي تجاه رأس المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم، بين قبره ومنبره في الرابع والعشرين لذي قعدة، قُلْتُ: أَخْبَرَكِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْكِ، الْحُسَيْنُ بْنُ

الْمُبَارَكِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْدِيُّ، بِسَمَاعِكِ عَلَيْهِ فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْخُ الْوَقْتِ أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ الصُّوفِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الدَّاوُدِيُّ الْبُوشَنْجِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِبُوشَنْجَ، قَالَ: أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَطَرٍ الْفَرَبْرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الأَحْنَفِ الْجُعْفِيُّ مَوْلاهُمْ، قَالَ: أنا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:

ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي» ومما قرئ عليها، وأنا أسمع بالروضة

«مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» ومما قرئ عليها، وأنا أسمع بالروضة المحمدية تجاه رأس المصطفى الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، جميع الجزء المعروف بجزء أبي الجهم العلاء بن موسى الباهلي رحمه الله، بسماعها من أبي عبد الله الزبيدي لجميعه، بسماعه من أبي الوقت سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة قيل له، أخبركم أبو عبد الله محمد بن أبي مسعود عبد العزيز الفارسي، سنة تسع وستين وأربع مائة، أنا الشيخ الفقيه الصالح أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح الأنصاري، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، رحمه الله، ثنا أبو الجهم العلاء بن موسى بن عطية الباهلي رحمه الله إملاء من كتابه في منزله في شهر ربيع الآخر سنة تسع وعشرين ومائتين وذكر جميع الجزء.

لا يدخل أحد ممن بايع تحت الشجرة النار»

ومنه بالإسناد إلى أبي الجهم وهو أول حديث منه: أنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ الْمِصْرِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَدْخُلُ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ النَّارَ» ومنه بالإسناد: أنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ خَيْرَ مَا رُكِبَتْ إِلَيْهِ الرَّوَاحِلُ مَسْجِدِي هَذَا وَالْبَيْتُ الْعَتِيقُ» ومنه بالإسناد: أنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً اشْتَكَتْ شَكْوَى فَنَذَرَتْ لَئِنْ شَفَانِي اللَّهُ لأَخْرُجَنَّ فَلأُصَلِّيَنَّ فِي

صلاة فيه أفضل من ألف صلاة في ما سواه إلا مسجد الكعبة» . قلت: كذا سمعنا هذا الحديث على

بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَبَرَئَتْ وَصَحَّتْ، وَظَهَرَتْ تُرِيدُ الْخُرُوجَ، فَلَمَّا أَتَتْ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَأَخْبَرَتْهَا بِذَلِكَ، فَقَالَتِ: انْطَلِقِي فَكُلِي مَا صَنَعْتِ وَصَلِّي فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « صَلاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِي مَا سُوَاهُ إِلا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ» . قُلْتُ: كَذَا سَمِعْنَا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى فَاطِمَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ امْرَأَةً» ، وَكَذَلِكَ رَأَيْتُهُ فِي الأَصْلِ الْمَسْمُوعِ عَلَى ابْنِ أَبِي مَسْعُودٍ الْفَارِسِيِّ، وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الأُصُولِ، وَلَعَلَّهُ سَقَطَ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِي اللَّفْظِ اخْتِلافٌ يَسِيرٌ إبراهيم هذا هو ابن عبد الله بن معبد بن عباس بن عبد المطلب، أخرج له مسلم دون البخاري، يروي عن أبيه عبد الله. وذكر محمد بن طاهر المقدسي، في كتابه الذي جمع فيه رجال الصحيحين، أن إبراهيم هذا يروي عن ميمونة عند مسلم، ولم يعين الموضع، فما أدري أعنى هذا الموضع أم غيره فزد فيه بحثا

ورجع إلى أبي محمد عبد الرحيم بن محمد بن أحمد الزجاج البغدادي، وابن أخيه أبي القاسم عبد الحميد بن أحمد بن محمد بن أحمد الزجاج. وممن لقيناه بطيبة زادها الله طيبا: الشيخان الفاضلان الشيخ الإمام العالم بقيه السلف مفتي المسلمين عفيف الدين أبو محمد عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن فارس بن راض العلثي، شهر بابن الزجاج البغدادي، وابن أخيه الشيخ الجليل أبو القاسم عبد الحميد بن أحمد بن محمد المذكور، وهما المتقدم ذكرهما، بوادي الأزرق، ثم بتبوك. فمما قرئ عليهما وأنا أسمع عند علامة حد الجدار الجوفي الأصلي قبل الزيادة من مسجد المصطفى صلوات الله عليه، وسلامة مع الأنفاس مهدى إليه، وذلك في عشي يوم الاثنين الرابع والعشرين لذي قعدة، وفصلت صلاة المغرب ثم اتصلت القراءة إلى قريب العشاء الآخرة من الليلة المسفر صباحها عن الخامس والعشرين، ونحن نشاهد الروضة الكريمة، وكان مجلسا مباركا كريما، نرجو به من الله فضلا عظيما وثوابا جسيما، كثر فيه ترداد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لتردد ذكره الكريم في القصيد المقروء مرة في كل بيت منه أو مرات، لالتزام قائله تكرار اسمه المشرف المكرم في كل قافية من القصيد على طوله ولسان حالي ينشد ما قلته من قصيد: أعد حديث أحبائي علي فما ... يمل سمعي منه بالإعادات أسعد بها من ليلة تحليت من تجلي أنوارها بأشراف حلية، وانتظمت في سلك الوافدين العلية، وحللت أكرم منزل، وضفت أفضل مرسل، راجيا كريم القرى، داعيا بتمام النعمة ببلوغ أم القرى، اللهم كما أفضت علينا نعمك، وأحللتنا حرم نبيك، عليه الصلاة والسلام، فأحللنا حرمك، وأفض دائما علينا كرمك إنك المنعم الكريم الغفور الرحيم.

قصيد أبي عبد الرحمن الشحامي رحمه الله. قيل لهما: قرئ على الشيخ الجليل أبي الفضل محمد بن محمد بن الحسن بن السباك الوكيل وأنتما حاضران تسمعان، وذلك يوم الجمعة رابع عشرين، جمادى الأولى من سنة تسع وعشرين بمسجد ابن بورنداز بالمأمونية شرقي بغداد، فأقرا به، قيل له: أخبرك الخطيب ضياء الدين أبو عبد الرحمن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الكشميهني كتابة، قَالَ: أنا أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي النيسابوري بهمذان في شهر رمضان من سنة خمس وعشرين وخمس مائة. قال شيخنا عفيف الدين أبو محمد بن الزجاج: وأنا به إجازة عبد الصمد بن محمد الحرستاني، قَالَ: أنا أبو القاسم زاهر إجازة قَالَ، أنشدنا والدي أبو عبد الرحمن طاهر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن المرزبان الشحامي لنفسه، قَالَ: أفتتح بذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لأصلين على النبي محمد ... أبدا كما يرضى وآل محمد خير البرايا أجمعين محمد ... والآل خير الآل آل محمد خير الصحابة في الورى أصحابه ... وأعز بيت أهل بيت محمد خير النساء بناته، ونساؤه ... حق الجميع مؤكد بمحمد خير البرايا أمة من بعدهم ... مرحومة قد آمنت بمحمد ثم ذكر خلقة المصطفى صلى الله عليه وسلم ووصف أعضاءه وأوصافه، ثم أسماءه، ثم البعثة والرسالة، وإظهار الدين، وخصائص الإسلام، والمعراج، وإكمال الدين، وإبلاغ الرسالة من خصائصه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ثم الصحابة وحسن مؤازرتهم إياه، ثم شرفه صلى الله عليه وسلم في القيامة وخصائصه فيها، ثم اعتذر أخيرا عن تكرار القافية بعد أن قَالَ: قد قَالَ حسان وقولي قوله ... في مدح خير العالمين محمد ما أن مدحت محمدا بمقالتي ... لكن مدحت مقالتي بمحمد ثم اعتذر فقال: أكثرت تكراري لذكر محمد ... حبا له فخرا بحب محمد حب هو الإيمان إيثارا على ... حب الورى والنفس حب محمد جعل الإلاه صلاته وسلامه ... حقا توجه للنبي محمد وبذاك قد أمر الورى ليثيبهم ... عشرا بواحدة إلاه محمد لا يقبل الله الصلاة من امرئ ... ما لم يصل على النبي محمد حجب الدعاء عن السماء إذا علا ... دون الصلاة على النبي محمد أوما عليه سلام مكة سلمت ... وتنكست أصنامها لمحمد أوفوا الصلاة عليه ثمت سلموا ... حتى تروا رضوان رب محمد يا رب أكرمنا وأكرم نزلنا ... وأغفر لنا وارحم بحق محمد يا رب واخصص بالكرامة عبدك ... الراجي لفضلك طاهر بن محمد

وبهذا البيت ختم القصيد: وما قرأته عليهما، في الليلة المذكورة وفي الموضع المحدود من المحل الشريف السامي المنيف، وحضر السماع عدد لا أحصيهم، الجزء المعروف بجزء أبي الحسين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن العالي، وفيه شيء من حديث غيره، وجميعه رواية شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري عنه، رواية أبي الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي عنه، رواية أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الله بن روزبة عنه، سماع شيخينا أبي محمد وأبي القاسم وجماعة من شيوخنا منه. وهذا الجزء هو الذي تقدمت قراءتي له بوادي الأزرق، وأعدته هنا تبركا بالمحل الشريف. أنا أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ الزُّجَاجِيَّانِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا بِالْمَسْجِدِ الْمُشَرَّفِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالا: أنا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ رُوزْبَةَ الْعَطَّارُ الْقَلانِسِيُّ الصُّوفِيُّ الْبَغْدَادِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ بِبَغْدَادَ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ الصُّوفِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، قَالَ: أنا الإِمَامُ شَيْخُ الإِسْلامِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، قَالَ: أنا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْعَالِي هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ الْبُوشَنْجِيُّ بِهَا فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، قَالَ: أنا أَبُو أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ، وَمَنْصُورُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْفَقِيهُ قَالا: أنا الْحَسَنُ

اقرءوها على موتاكم يعني يس» هذا أول حديث من الجزء

بْنُ سُفْيَانَ، نا أَبُو صَالِحٍ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَلْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَلَيْسَ بِالنَّهْدِيِّ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « اقْرَءُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ يَعْنِي يس» هَذَا أَوَّلُ حَدِيثٍ مِنَ الْجُزْءِ وَبِهِ إِلَى ابْنِ الْعَالِي: أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاجُ بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: أنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، أنا

لو أن أحدهم ينظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله

هَمَّامٌ، أنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي الْغَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمْيَهِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» . وَبِهِ إِلَى شَيْخِ الإِسْلامِ مِنَ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ ابْنِ الْعَالِي: أنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ جِبْرِيلَ الْمَاحِي، أنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الإِسْمَاعِيلِيُّ السَّرَّاجُ بِنَيْسَابُورَ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بنُ الْمُثَنَّى الْعَنْبَرِيُّ، أنا عَفَّانُ، فَذَكَرَهُ حَرْفًا حَرْفًا، سَنَدًا وَمَتْنًا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «بِالْغَارِ» وبه إلى ابن العالي: أنا بِشْرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَّ ابْنَ نَاجِيَةَ، أنا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ، أنا مُوسَى بْنُ هِلالٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ،

من رآني بعد موتي وجبت له شفاعتي»

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ رَآنِي بَعْدَ مَوْتِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» قلت: خرج الدارقطني هذا الحديث، فقال: أنا الْقَاضِي الْمَحَامِلِيُّ، أنا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ، أنا مُوسَى بْنُ هِلالٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وبه أنا شيخ الإسلام، أنا أبو الحسن علي بن أبي طالب الخوارزمي، ثم الهروي، قَالَ: أنا حامد بن محمد الرفاء، قَالَ: أنا أبو الحسن معاذ بن المثنى، قَالَ: أنا مسدد، أنا حماد بن زيد، أنا يونس، قَالَ: سمعت الحسن رحمه الله يقول:

«حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور» . وبه إلى أبي الوقت، قَالَ: أنشدنا الإمام شيخ الإسلام، قَالَ: أنشدنا يحيى بن عمار الإمام، قَالَ: أنشدنا أبو المنذر عبد الله بن محمد بن أحمد بن جعفر الأديب، قَالَ: أنشدني الصولي، لأبي العباس ثعلب: رب ريح لأناس عصفت ... ثم ما أن لبثت أن ركدت وكذاك الدهر من أفعاله ... قدم زلت وأخرى ثبتت بالغ ما كان يرجو دونه ... ويد عما استقلت قصرت وكذا الأيام من عاداتها ... أنها مفسدة ما أصلحت ثم تأتيك مقادير لها ... فترى مصلحة ما أفسدت بهذه الأبيات ختم الجزء

نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب إذا توارت بالحجاب»

وَمِمَّا قَرَأْتُهُ فِي اللَّيْلَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالْمَحَلِّ الشَّرِيفِ الْمَذْكُورِ عَلَى الشَّيْخَيْنِ الإِمَامِ الْعَالِمِ عَفِيفِ الدِّينِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، وَعَلَى ابْنِ أَخِيهِ الشَّيْخِ الْفَاضِلِ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنَيِ الزَّجَّاجِ الْبَغْدَادِيَّيْنِ جَمِيعَ ثُلاثِيَّاتِ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ، بِحَقِّ سَمَاعِهِمَا مَعًا عَلَى أَبَوَيِ الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ الإِمَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَلَفٍ الْقَطِيعِيِّ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَلانِسِيِّ الصُّوفِيِّ الْبَغْدَادِيِّ عُرِفَ بِابْنِ رُوزْبَةَ، أنا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الدَّاوُدِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ سَمَاعًا عَلَيْهِ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفَرَبْرِيُّ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ، مِنْهَا: أنا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» وَبِهِ أنا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: " كُنْتُ آتِي سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطِوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلاةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطِوَانَةِ، قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَتَحَرَّى الصَّلاةَ عِنْدَهَا " قلت: موضع هذه الأسطوانة اليوم معروف وعندها المصحف، وقد ألزق بالسارية خزانة يوضع فيها المصحف، وموضع مصلى الإمام اليوم محدود، يقولون هو موضع مصلى النبي صلى الله عليه وسلم، وظاهر الحال أن موضع سجوده صلى الله عليه وسلم هو موضع

كان جدار المسجد عند المنبر ما كادت الشاة تجوزها» ، قلت: يعني الجدار القبلي، وكذلك كان أيضا

الخزانة التي فيها المصحف، وموضع قعوده صلى الله عليه وسلم، في جلسات صلاته هو موضع سجود الإمام اليوم وهو في وسط المسجد بين القبر والمنبر، وهو مسطح برخام مجزع منخفض يسيرا عن مستوى المسجد كأنه صهريج صغير، يسع مصليين متضامين، وهنالك كان الجدار القبلي الأصلي قبل الزيادة في المسجد، والمسجد كله مفترش برمل أحمر ليس في شيء مفترش بالرخام إلا ذلك الموضع، وحريم الروضة الكريمة، ومركز المنبر الكريم، والمنبر اليوم في وسط المسجد، وإذا كثر الناس في الموسم تقدم الإمام إلى القبلة فصلى في المحراب في الزيادة المزيدة في القبلة وبالإسناد إلى البخاري، من الثلاثيات أنا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: « كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوزُهَا» ، قُلْتُ: يَعْنِي الْجِدَارَ الْقِبْلِيَّ، وَكَذَلِكَ كَانَ أَيْضًا مِقْدَارُ قُرْبِهِ مِنَ الْجِدَارِ الْغَرْبِيِّ كَذَلِكَ أَخْبَرَنِي بَعْضُ شُيُوخِ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ، وَأَمَّا الآنَ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِكَوْنِ الزِّيَادَةِ وَقَعَتْ مِنَ الْجِهَاتِ الأَرْبَعِ وتعرض هنا مسالة فقهية وهي: هل ينسحب الثواب المحدود في قوله صلى الله عليه وسلم «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» على الزيادة أم يختص ذلك بمساحة المسجد الأصلي؟ ظاهر الإشارة يقتضى أن ذلك للمشار إليه في ذلك الوقت، وواسع الفضل ومقتضى العناية يقتضي الانسحاب على جميع المسجد، والله أعلم. أنا الشَّيْخَانِ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِمَا فِي اللَّيْلَةِ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ عِنْدَ حَدِّ الْجِدَارِ الْجَوْفِيِّ مِنَ الْمَسْجِدِ الْمُحَمَّدِيِّ، أَخْبَرَكُمَا أَبُو الْحَسَنِ

ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي» فائدة في الاقتداء بشيوخ الاهتداء:

مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَطِيعِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَلانِسِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِمَا فَأَقَرَّا بِهِ، أنا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى السِّجْزِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ، قَالَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الدَّاوُدِيُّ الْبُوشَنْجِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِبُوشَنْجَ، قَالَ: أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَطَرٍ الْفَرَبْرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الأَحْنَفِ الْجُعْفِيُّ مَوْلاهُمْ، قَالَ: أنا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ، حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» فائدة في الاقتداء بشيوخ الاهتداء: وقفت أنظر إلى سلام شيخنا ابني الزجاج على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجاءا حتى استقبلا مقابلة وجهه الكريم شرفه الله، والقنديل المعلق هناك يكون حذو رؤوسهما، فأديا واجب السلام ثم انحدرا يسيرا ووقفا ودعوا بما تيسر لهما إلى جهة أيمانهما فسلما علي أبي بكر رضي الله عنه، ثم انحدرا يسيرا إلى مقابلة عمر رضي الله عنهما، فسلما عليه رضي الله عنه ووقفا عندهما، فقالا ما تيسر لهما ثم انصرفا على أيمانهما، فرأيت أبا القاسم عبد الحميد منهما يبكي وسمعته يقول وقد ولى: ما أعطي أحد من الشرف ما أعطي أبو بكر وعمر، متى سلم عليه سلم عليهما، هذا أو معناه من الكلام.

الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى الفاسي وممن لقيناه بمدينة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشيخ الصالح الفقيه المالكي أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى بن محمد بن يحيى الفأسي، منسوب إلى مدينة فاس، إحدى قواعد المغرب، وهكذا ضبطه لنا بخطه الفأسي مهموزًا كأنه فر من الاشتراك، لقيناه بمنزله شرقي مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أقعده الكبر عن التصرف، ورأينا منه شيخا فاضلًا نبيها، حسن البشر، جميل اللقاء، حاضر الذهن، كريم الخلق، نفع الله به وبأمثاله. قرأت عليه بداره جميع ثلاثيات البخاري في الرابع والعشرين لذي قعدة من عام التاريخ، بحق سماعه لها علي أبي عبد الله محمد بن أبي البركات بن حمد الهمذاني، سمعها عليه بمكة شرفها الله وأجاز له، قَالَ شيخنا أبو إسحاق، بحق

سماعه من أبي الوقت بالسند المتقدم، وأجاز لي الشيخ أبو إسحاق جميع ما تجوز له روايته، ولأخواتي، ولجماعة معي، وكتب أي خطه بذلك، وخطه حسن مدمج. تنبيه: قول شيخنا أبي إسحاق إن ابن أبي البركات سمع من أبي الوقت لا نعلم صحته، وإنما حدث عنه بالإجازة، وكذلك حدث عنه فخر الدين التوزري، سمع عليه بالحرم الشريف، وقال: أنا الشيخ المعمر الصدوق جمال الدين أبو عبد الله محمد بن أبي البركات بن أبي الخير الهمذاني، قَالَ، أنا أبو الوقت إجازة وقد حدث فخر الدين التوزري عنه بالثلاثيات سماعا، عن أبي الوقت إجازة، وقد كنا نقول: لعله سمع منه الثلاثيات فحسب، لولا أن التوزري قد قَالَ إنها إجازة، وهو معتبر في قوله، إذ هو من أهل الشأن، وليس الشيخ أبو إسحاق من أهل هذا الشأن، وإنما طريقه الفقه، وهذا الشيخ ابن أبي البركات قد تكلم فيه، قَالَ الحافظ جمال الدين أبو عبد الله بن مسدي المهلبي في معجم مشيخته، ونقلت ذلك من خط الراوية أبي إسحاق البلفيقي رحمه الله، مما انتقاه منه ما نصه: أبو عبد الله محمد بن أبي البركات بن أبي الخير بن حمد الهمذاني: شيخ مسن، ذكر أنه قرأ سورة الفاتحة على أبي العلاء الحافظ بهمذان، وصحب

نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب إذا توارت بالحجاب» قوله: إذا توارت يعني الشمس

الرفاعي، ولبس منه، وأذن له أن يلبس عنه، وسكن دمياط، وعلى ما ذكره من رؤية أبي العلاء يكون مولده بعد الخمس وخمسين، قَالَ: توفي وقد ترعرعت وكانت وفاته سنة تسع وستين، وادعى بمكة أن مولده في ربيع الآخر من سنة ست وأربعين وخمس مائة وأحسب أن الذي أخذه من عشر الستين جعله من عشر الخمسين، قَالَ: ومما كان ينقم عليه قديما وحديثا تشييخه للنساء. أنا الْفَقِيهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَأْسِيُّ قِرَاءَةً مِنِّي عَلَيْهِ بِمَنْزِلِهِ شَرْقِيِّ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْبَرَكَاتِ بْنِ حَمْدٍ الْهَمَذَانِيُّ، أنا أَبُو الْوَقْتِ، أنا أَبُو الْحَسَنِ بْنِ الْمُظَفَّرِ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ حَمُّوَيْهِ، أنا الْفَرَبْرِيُّ، أنا الْبُخَارِيُّ، أنا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» قَوْلُهُ: إِذَا تَوَارَتْ يَعْنِي الشَّمْسَ وَلَمْ يَجْرِ لِهَا ذِكْرٌ لَكِنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ، وَكَذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَظِيرُهُ {مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: 61] {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] وأخبرني أَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم المذكور أنه سمع الموطأ الليثي على ابن مسدي وأجاز له. وأخبرني أنه لما جاء ليسمع عليه الموطأ قَالَ له: لزمتني يمين أن لا أسمعه إلا بعشرة دنانير عينا، فقلت له: لو جعلت على الناس في سماعه عشرة فلوس لزهدتهم

فيه، ولم يكن عندي ما أعطيه، فجاء بعض بني الدنيا ليسمعه عليه، فبعث ابن مسدي إليّ فسمعته معه. قال ابن رشيد: وهذه جرحة إلا أن يتأول عليه أنه قصد بذلك تنفيق العلم فالله أعلم، فقد كان الرجل معروف الدين والفضل. وكذلك أخبرني أيضًا أنه سمع الموطأ، يعني الليثي، على أبي عبد الله محمد بن عمر القسطلاني، بسماعه من شرف الدين بن أبي الفضل المرسي. وهو سند نازل.

- عفيف الدين بن عزاز البصري وممن لقيته بالمدينة شرفها الله: الشيخ الإمام الفاضل الثقة المرضي النحوي عفيف الدين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد بن عزاز البصري، ثم المدني الحنبلي، جار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمعت عليه وأجاز لي، ولمن ذكر معي في

الاستدعاء، ولبني أبي القاسم وعائشة وأمه الله، ولأخواتي، وكتب خطه بذلك سمع أبا القاسم ابن القميرة التاجر، والإمام أبا علي بن دوبرة البصري. ومن سماعه على ابن القميرة الجزء الأول والثاني من حديث أبي علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان عن شيوخه. وَسَمِعْتُ أَنَا عَلَيْهِ الْجُزْءَ الأَوَّلَ مِنْ هَذَيْنِ الْجُزْئَيْنِ فِي لَيْلَةٍ يُسْفِرُ صَبَاحُهَا عَنِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ لِذِي قِعْدَةِ عَامِ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ عِنْدَ حَدِّ الْجِدَارِ الْجَوْفِيِّ مِنْ مَسْجِد الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ، بِحَقِّ سَمَاعِهِ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْقَاسِمِ يَحْيَى وَيُدْعَى الْمُؤْتَمَنَ بْنَ أَبِي السُّعُودِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْقُمَيْرَةِ التَّاجِرَ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْمَعُ، فِي يَوْمِ الثُّلاثَاءِ ثَالِثَ عَشَرَ جُمَادَى الأُولَى مِنْ سَنَةِ خَمْسِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ بِبَابِ الأَزْجِ، قَالَ: أَخْبَرَتْنَا شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ الإِبَرِيِّ الْكَاتِبَةُ قِرَاءَةً عَلَيْهَا، وَأَنَا أَسْمَعُ فِي ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ قَالَتْ: أنا أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْبَاقِلانِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ الْبَزَّازُ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي جُمَادَى الأُولَى مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ فِي مَسْجِدِهِ بِدَرْبِ

إذا جاء أحدكم إلى الصلاة فلا يسعى ولكن يمشي وعليه السكينة والوقار وليصل ما أدرك وليقض ما

الْمَجُوسِ، قَالَ: أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ النَّجَّادُ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، قَالَ قُرِئَ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ مُكْرَمٍ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: أنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: أنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَلا يَسْعَى وَلَكِنْ يَمْشِي وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَلْيُصَلِّ مَا أَدْرَكَ وَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ» هذا أول حديث في الجزء الأول الذي سمعته عليه، وآخر حديث في الجزء الأول وَبِالإِسْنَادِ إِلَى ابْنِ شَاذَانَ: أنا عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ:

إذا توضأ العبد فمضمض واستنشق خرجت خطاياه من فيه وخرجت خطاياه من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت

أنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ الْوَزَّانُ، قَالَ: أنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، قَالَ: أنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: أنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ فِيهِ وَخَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِهِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَهُ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى تَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِهِ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رَأْسِهِ» هَكَذَا انْتَهَى هَذَا الْحَدِيثُ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، وَوَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُخْتَصَرًا وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ مُتَمَّمًا مُفَصَّلا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:

إذا توضأ العبد المؤمن فمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا

" إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَمَضْمَضَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَنْثَرَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ، قَالَ: ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلاتُهُ نَافِلَةً لَهُ " وَقَعَ لَنَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ أَعْلَى مِنْ هَذَا بِدَرَجَةٍ: أنا الأَدِيبُ الْمُعَمِّرُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الطَّائِيُّ الْقُرْطُبِيُّ، نَزِيلُ تُونُسَ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَ، أنا قَاضِي الْجَمَاعَةِ أَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ بَقِيٍّ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَقِّ بْنِ أَحْمَدَ الْخَزْرَجِيُّ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ فَرَجٍ، أنا الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أنا أَبُو عِيسَى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عِيسَى، أنا عَمُّ أَبِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِهِ قلت والله المرشد: هكذا يقول مالك، في هذا الحديث، عن عبد الله الصنابحي، وقد اختلف الناس في صحة هذا القول وسقمه وأطالوا الكلام في ذلك هذا على أنه وجد في الصحابة من اسمه عبد الله الصنابحي، فيكون الحديث صحيحا مرفوعا، أو لم يوجد وإنما هو أبو عبد الله الصنابحي المشهور في التابعين، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة فيكون الحديث مرسلًا والتسمية وهما، فذهب الجمهور إلى أنه عن أبي عبد الله الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة، وذهب بعضهم إلى صحة

صحبه عبد الله، وهم الأقلون وقد رأيت أن أورد كلامهم بنصه وإن طال، ليرى الناظر فيه رأيه، مسترشدا بالله، فأقول: قال صاحب الجامع للمصنفات الجوامع من أسماء الصحابة رضي الله عنهم، وهو الحافظ الرحال أبو موسى الرعيني الأندلسي رحمه الله حاكيا عن أبي عمر بن عبد البر وأبي نعيم الحافظ، وأبي عبد الله ابن منده، في باب عبد الله من كتابه ما نصه: عبد الله الصنابحي روى عنه عطاء بن يسار، واختلف عليه فيه، فقيل عبد الله الصنابحي، وقيل أبو عبد الله وهو الصواب، واختلف قول ابن معين فيه: فمرة، قَالَ: حديثه مرسل، ومرة، قَالَ: عبد الله الصنابحي الذي يروي عنه المدنيون يشبه أن تكون له صحبه بر والصواب عندي أنه أبو عبد الله يعني عبد الرحمن بن عسيلة وهو من كبار التابعين لا عبد الله. وقال صاحب الجامع أيضًا في باب عبد الرحمن من كتابه ط ند نع، بر: عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي قبيلة من أهل اليمن من بجيلة، قاله أبو نعيم يكنى أبا عبد الله هاجر إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما انتهى إلى الجحفة لقيه خبر موت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وهو معدود في كبار التابعين، روى عن أبي بكر وعمر وبلال وعبادة بن الصامت وكان فاضلًا، كان عبادة كثير الثناء عليه، أراد بالطاء أبا القاسم الطبراني ومن سواه من العلامات فقد تبين. وقال صاحب الجامع في الكنى من كتابه ند برنع: أبو عبد الله الصنابحي اسمه عبد الرحمن بن عسيلة تقدم ذكره لا يصح له صحبة، وقال أيضا فيه ند: أبو عبد الله الصنابحي آخر لم يدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والصنابح بن الأعسر يقال له أيضا الصنابحي له صحبة تقدم في بابه. وقال القاضي المحدث الحافظ أبو طالب عقيل بن أبي عقيل عطية بن أبي أحمد بن جعفر بن أبي عبد الله بن عطية القضاعي، رحمه الله في كتابه الذي خرج فيه أحاديث الموطأ مفردة مما سواها مع إبقاء ما هو عليه من الترتيب والتبويب: هكذا روى يحيى بن يحيى وجمهور الرواة هذا الحديث عن مالك، قالوا فيه: عن عبد الله الصنابحي، وهو وهم، فإنه ليس في الصحابة عبد الله الصنابحي ولا في التابعين أيضًا، وإنما هو أبو عبد الله الصنابحي واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، وهو من كبار التابعين، معدود في الشاميين، وأحاديثه مرسلة لأنه لم يلق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد روى عنه أنه خرج من اليمن مهاجرا فلما بلغ الجحفة بلغه وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحديثه هذا يستند من طرق حسان، من حديث عمرو بن عبسة، وغيره

كذا قَالَ أبو عمر، وحديث عمرو بن عبسة ذكره مسلم في صحيحه وليس فيه ولا في غيره أن خطايا الرأس تخرج من الأذنين وإنما فيه:

«خرجت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء» . قلت: اكتفينا بإيراد كلام القاضي أبي طالب عن إيراد كلام أبي عمر في التمهيد، إذ كأنه ملخصه، وفي قوله " جمهور رواة الموطأ يقتضي أن بعضهم لم يقل ذلك، ولم أقف على اختلاف في ذلك عن مالك. والله أعلم. وقال الحافظ الإمام أبو بكر محمد بن موسى الحازمي رحمه الله في كتاب العجالة له في الأنساب ما نصه: " الصنابحي منسوب إلى صنابح بن زاهر بن عامر بن عوثبان بن زاهر بن يحابر، وهو مراد، بطن من مراد، منهم أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، يروي عن أبي بكر وبلال وعبادة بن الصامت، روى عنه عطاء بن يسار وأبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني وليس له صحبه لأنه قدم المدينة بعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمس ليال، والصنابح بن الأعسر لا مدخل له مع هذا في الباب، وذاك أحمسي وله صحبة، وهذا صنابحي وهو تابعي انتهى كلام الحافظ أبو بكر. وقد وقفت على كلام جيد في المحاكمة بين هذين القولين في كتاب المآخذ الحفال السامية عن مآخذ الإغفال في شرح ما تضمنه كتاب بيان الوهم من الأخلال أو الإغفال وما أنضاف إليه من تتمير أو إكمال، مما تولى تعليقه الحافظ الناقد أبو

عبد الله محمد بن الإمام أبي يحيى بن المواق رحمه الله على كتاب بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام الذي صنفه المحدث الحافظ أبو الحسن بن القطان، وتولى رحمه الله تخريج بعضه من المبيضة ثم احترمته المنية ولم يبلغ من تكميله الأمنية، فتوليت تكميل تخريجه مع زيادة تتمات وكتب ما تركه المؤلف بياضا والله ينفع بذلك. ونص ما أورده حاكيا كلام شيخه أبي الحسن رحمه الله ومستدركا عليه ومتعقبا قَالَ: ومن المتردد فيه هذا الباب الذي رده بالانقطاع وهو يغلب على الظن اتصاله ما ذكر من رواية مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إذا توضأ العبد المؤمن فمضمض خرجت الخطايا من فيه. . . . . .» الحديث. ثم قَالَ: وعبد الله الصنابحي لم يلق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقال: أبو عبد الله وهو الصواب، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، قَالَ أبو الحسن رحمه الله انتهى ما ذكر وهو كله مقول.

أكثرهم زعموا أن مالكا وهم في قوله عن عبد الله الصنابحي في هذا الحديث، وفي حديث «إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان» وفي صلاته خلف أبي بكر المغرب وقراءته في الأخيرة، {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] كل هذه الأحاديث يقول فيها مالك عن عبد الله الصنابحي فيزعمون أنه وهم فيه أو لم يعرفه، فأسماه عبد الله فإن الناس كلهم عبيد الله. ثم ذكر قول الترمذي: سألت البخاري عنه، فقال: وهم مالك في هذا، فقال: عبد الله الصنابحي، وهو أبو عبد الله الصنابحي، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، ولم يسمع من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا الحديث مرسل. ثم قَالَ: وممن تبعه على هذا ونقله كما هو أبو عمر بن عبد البر، وممن

نحا نحو أبو محمد بن أبي حاتم وأبوه، ثم ذكر ما ذكره ابن أبي حاتم إلى قوله: سمعت أبي يقول ذلك. ثم قَالَ: هذا ما ذكره به، وبلا شك أن هذا الذي ذكروه في أبي عبد الله الصنابحي هو كما ذكروه، وهو رجل مشهور الخير والفضل فاتته الصحبة بموت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل وصوله إليه بليال ولكن التكهن بأنه المراد بقول عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي ونسبة الوهم فيه إلى مالك أو إلى من فوقه، كل ذلك خطأ ولا سبيل إليه إلا بحجة بينة، ومالك رحمه الله لم ينفرد بما قَالَ من ذلك عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، بل وافقه عليه أبو غسان محمد بن مطرف وهو أحد الثقات، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وأثنى عليه أحمد بن حنبل، واتفق البخاري ومسلم على الإخراج له والاحتجاج به. ثم ذكر من طريق أبي داود، عن محمد بن حرب الواسطي، قَالَ:

الشمس تطلع من قرن الشيطان فإذا طلعت قارنها، وإذا ارتفعت فارقها» وذكر الحديث ثم قال: هؤلاء

أنا يزيد بن هارون، أنا ابن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي، قَالَ: زعم أبو محمد أن الوتر واجب، فقال عبادة بن الصامت كذب أبو محمد. . . . . الحديث. وَمِمَّنْ وَافَقَ مَالِكًا وَأَبَا غَسَّانَ عَلَى ذَلِكَ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، رَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، كَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ وَذَكَرَ أَيْضًا أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أنا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنْ قَرْنِ الشَّيْطَانِ فَإِذَا طَلَعَتْ قَارَنَهَا، وَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ: هَؤُلاءِ مَالِكٌ وَأَبُو غَسَّانَ وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَحَفْصُ بْنُ

مَيْسَرَةَ كُلُّهُمْ يَقُولُ فِيهِ: عَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ، نَصَّ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَلَى سَمَاعِهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَتَرْجَمَ ابْنُ السَّكَنِ لاسْمِهِ فِي الصَّحَابَةِ، وَقَالَ: يُقَالُ: لَهُ صُحْبَةٌ، مَعْدُودٌ فِي الْمَدَنِيِّينَ، رَوَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: وَيُقَالُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ الصُّنَابِحِيَّ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الصَّحَابَةِ وسأل عباس الدوري يحيى بن معين عن هذا فقال: عبد الله الصنابحي روى عنه المدنيون، يشبه أن تكون له صحبة. ثم قَالَ الشيخ أبو الحسن بن القطان رحمه الله: والمتحصل من هذا أنهما رجلان: أحدهما أبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي ليست له صحبة يروي عن أبي بكر وعبادة، والآخر عبد الله الصنابحي يروي أيضًا عن أبي بكر وعن عبادة، والظاهر منه أن له صحبة ولا أبت ذلك، ولا أيضا أجعله أبا عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة، فإن توهيم أربعة من الثقات في ذلك لا يصح، فاعلمه. قال القاضي أبو عبد الله بن المواق رحمه الله: تكلم أبو الحسن على هذا الحديث كلاما جيدا، ومع ذلك فعليه فيه أدراك. أحدها: عدة حديث صلاة أبي بكر وقراءته في المغرب {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8] مما رواه مالك، فقال فيه عن عبد الله الصنابحي فإنه وهم، وإنما قَالَ فيه مالك «عن أبي عبد الله الصنابحي» ، روى الرواة عن مالك، عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك، عن عبادة بن نسي، عن قيس بن

الحارث، عن أبي عبد الله الصنابحي، أنه قَالَ: قدمت المدينة في خلافة أبي بكر الصديق، فصليت وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن و { [من قصار المفصل، ثم قام في الثالثة فدنوت منه حتى أن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه، فسمعته قرأ بأم القرآن وهذه ال::] رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] ، الثاني: قوله: عبد الله الصنابحي روى عن أبي بكر فإنه أيضًا وهم جره وهمه الأول، فإنه لما اعتقد أنه الراوي حديث صلاة أبي بكر في المغرب عد فيمن روى عنه عبد الله الصنابحي أبا بكر وليس كذلك، فإن عبد الله الصنابحي لا تعرف له رواية إلا في الأحاديث الثلاثة: حديث الوضوء، وحديث إن الشمس تطلع، وحديث الوتر، فاعلمه. الثالث: قوله إن مالكا لم يعرفه فأسماه عبد الله، فإن الناس كلهم عبيد الله، ونسبه هذا إلى من يقوله ولم يسم أحدًا وهو خطأ من قائله، فإن مالكا رحمه الله أشد الناس تحفظًا وتورعًا في رواية الحديث والإتيان به على نص ما سمعه، ويشهد على صحة ما قلناه وخطأ من قَالَ ذلك أنه ذكره في حديث صلاة أبي بكر المغرب على ما سمعه من أبي عبيد، فقال عن أبي عبد الله الصنابحي، فدل ذلك أنه في الحديثين أتى به على ما سمع من زيد بن أسلم والله أعلم، وقد قَالَ أبو عمر بن عبد البر: ما أظن هذا الاضطراب جاء إلا من زيد بن أسلم، قَالَ القاضي أبو عبد الله محمد بن أبي يحيى: لو كان مالك هو الذي أسماه في الحديثين لأنه لم يعرفه كما زعم هذا القائل لأسماه في هذا أيضًا كذلك، وإنما نقل رحمه الله ما سمع.

الرابع: أنه أغفل من قول ابن معين وغيره في عبد الله الصنابحي ما يقوي مذهبه فيه، وذلك ما روى ابن أبي خيثمة، قَالَ: قَالَ لي يحيى بن معين: الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة لم يلق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعبد الله الصنابحي، ويقال أبو عبد الله الصنابحي لقي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ القاضي أبو عبد الله: ففرق ابن معين بينهما، وأثبت لأحدهما الصحبة ونفاها عن الآخر، وذكر البخاري في التاريخ حديث مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوضوء، ثم قَالَ وتابعه ابن أبي مريم، عن أبي غسان، عن زيد، قَالَ القاضي أبو عبد الله: وأخرج النسائي، الحديثين في مسند مالك، ولو كانا عنده على الوهم ما أخرجهما، وكذلك خرجهما في المصنف ولم يذكر أنهما مرسلان، وذكر مسلم في التمييز أحاديث نسب الوهم فيها إلى مالك، ولم يذكر هذين الحديثين فيها، وذكره أبو القاسم ابن عساكر في الأطراف فجعله في عداد الصحابة من العبادلة، وذكر ابن ماجه القزويني روى حديث الوضوء منها عن سويد بن سعيد، عن حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، نحو رواية مالك، وأنه روى حديث «إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان» ، عن إسحاق

الشمس تطلع بقرني الشيطان» فذكر الحديث خرجه الدراقطني في اختلاف الموطآت فقال: أنا أحمد بن

الكوسج، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم نحوه وَرَوَى رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ الْعَنْبَرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، وَعَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ الصُّنَابِحِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ بِقَرْنَيِ الشَّيْطَانِ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ خرجه الدراقطني في اختلاف الموطآت فقال: أنا أحمد بن محمد بن يزيد الزعفراني، قَالَ: أنا إسماعيل بن أبي الحارث، وأنا روح فذكره، ففي هذا سماعه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من رواية مالك وزهير بن محمد كما في رواية سويد بن سعيد، عن حفص بن ميسرة، ورواه الحارث بن أبي أسامة عن روح بإسناده، وفيه

سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكره قاسم، وروح بن القاسم أحد الثقات وإسماعيل بن أبي الحارث شيخ للبزار روى عنه في مسنده، وقال: ثقة مأمون، وأحمد بن محمد الزعفراني أحد الثقات ذكره الخطيب ووثقه، وحكى أن يوسف القواس، ذكره في جملة شيوخه الثقات، فاعلم ذلك. قال القاضي أبو عبد الله: فهذه روايات كلها عاضدة لما ذكره ولكنه أغفلها والإحاطة لله وحده. الدرك الخامس: إنه ذكر هنا رواية زهير بن محمد، واعتضد بها، ووثقه في جملة من شملهم إطلاق لفظه بل نصه، وقد ضعفه في حديث عائشة في التسليمة الواحدة وقد ضعف به غير حديث، ونقله هنا أصوب. انتهى كلام القاضي أبي عبد الله، أوردناه بجملته وإن كان فيه بعض ما لا تمس حاجتنا إليه في الموضع، ولكنه اشتمل على فوائد ومحاسن فاخترنا إيراده بكماله، والله ينفع بذلك الجميع، ويتغمدنا برحمته إنه منعم كريم رءوف رحيم. تتميم: ومما يشهد لصحة سماع الصنابحي من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ إِخْبَارًا جَمَلِيًّا، وَقَرْأَتُ عَلَيْهِ الإِسْنَادَ، أَبُو الْمَاضِي عَطِيَّةُ بْنُ مَاجِدٍ قَالَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ

أنا فرطكم على الحوض، وأنا مكاثر بكم الأمم يوم القيامة فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم

عِمَادٍ، قَالَ: أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ غَدِيرٍ، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ الْخِلَعِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَاجِّ بْنِ يَحْيَى الشَّاهِدُ، أنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أنا أَحْمَدُ بْنُ شَيْبَانَ الرَّمْلِيُّ، أنا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أنا مُجَالِدٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: « أَنَا فِرْطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَأَنَا مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلا تَرْجِعَنَّ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضَكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» من الجزء التاسع من الخلعيات

وأسمعني شيخنا الإمام أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع المذكور قارئا على الشيخين الإمام العالم الفاضل أبي محمد عبد الرحيم بن الزجاج وابن أخيه الشيخ الفاضل أبي القاسم عبد الحميد جميع ثلاثيات البخاري عند علامة الجدار الجوفي من مسجد المصطفى صلوات الله وسلامه عليه في ليلة أسفر صباحها عن الخامس والعشرين لذي قعدة حسب ما تقدم سندهما فيه، والشيخ أبو محمد بن مزروع سمع بقراءتي، فلما فرغت من جميعها، قَالَ لي: اروها عني، بحق سماعي لها بالبصرة على الشيخ الإمام أبي علي الحسن بن أحمد بن دويرة المقري البصري بسماعه لها من أبي الوقت بسنده. وأخبرني صاحبي ورفيقي الوزير الكاتب الجليل أبو عبد الله بن أبي القاسم، حرس الله مجده، أنا شيخنا جمال الدين بن الظاهري، لما وقف على هذا الإسناد أنكر سماع ابن دويرة من أبي الوقت، والشيخ أبو محمد بن مزروع ثقة، فإن لم يصح السماع فهو من الغلط لا من التعمد والله أعلم، وابن دويرة هذا لا أعرفه. أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مَزْرُوعٍ النَّحْوِيُّ الْحَنْبَلِيُّ سَمَاعًا بِالْقِرَاءَةِ الْمَوْصُوفَةِ، أنا الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دُوَيْرَةَ الْمُقْرِي الْبَصْرِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ، أنا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الدَّاوُدِيُّ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَطَرٍ الْفَرَبْرِيُّ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، أنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: « مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»

ومن سماعات شيخنا عفيف الدين ابن مزروع جميع صحيح مسلم على أبي العباس أحمد بن عمر بن عبد الكريم الباذبيني، وأجازه له ابن أبي الفضل المرسي بسماعهما من المؤيد الطوسي، بسنده. ومن سماعه أيضا الأربعون حديثا، على مذهب المحققين لابي نعيم الحافظ، سمعه علي أبي عبد الله محمد بن عثمان بن حميد الموصلي، بروايته عن أبي الفرج يحيى بن محمود الثقفي، بروايته عن الحداد، عن أبي نعيم. ومن سماعاته الجزء الثالث من الفوائد المسلسلات الأسانيد تخريج أبي بكر بن مسدي بشرطها من التسلسل. ومن سماعاته مسند أبي داود الطيالسي سمعه من أبي الحسن علي بن معالي ابن أبي عبد الله الرصافي، بسماعه من أبي القاسم يحيى بن موسى، بإجازته من أبي على الحسن بن أحمد الحداد، بسماعه من أبي نعيم، وبإجازة الرصافي من أبي المكارم أحمد بن محمد اللبان، بسماعه من الحداد، بسماعه من أبي نعيم،

عن أبي محمد عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، عن أبي بشر العجلي الإصبهاني، عن أبي داود الطيالسي. ومن سماعاته مسند العدني، سمعه من أبي عبد الله، عن الحافظ أبي الفتوح بن عَلِيٍّ بن أبي الفرج بن الحصري بسماعه من أبي محمد عبد الغني بن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني، بسماعه من أبي الفرج سعيد بن أبي الرجاء بن أبي منصور الصيرفي الإصبهاني، بسماعه من أبي العباس أحمد بن محمد بن النعمان، بسماعه من أبي بكر محمد بن إبراهيم بن عَلِيٍّ بن عاصم بن

المقري، بسماعه من إسحاق بن أحمد بن نافع الخزاعي، بسماعه من العدني رحمهم الله ونفعهم. أخبرنا أبو محمد بن مزروع فيما أذن لي فيه في الجملة وأنشده لنا صاحبنا عبد الكريم بن عبد النور الحلبي، بمصر، قَالَ: أنشدنا أبو محمد بن مزروع ببدر قَالَ: أنشدني ابن مسدي، قَالَ: أنشدني ابن أبي الشوارب: اصبر على الدهر أن نابتك نائبة ... ولا تقولن ذرعي منه قد ضاقا فبالنوائب يزداد الفتى شرفا ... كالبدر يزداد في الإظلام إشراقا قال لي عبد الكريم وكتبه لي بخطه: سألت ابن مزروع عن مولده فقال: سنة خمس وعشرين وست مائة بالبصرة. -

عماد الدين الشقاري وممن لقيته بالمدينة شرفها الله، وسلم على ساكنها أفضل السلام: الشيخ الجليل الفاضل عماد الدين أبو نصر وأبو الحجاج يوسف بن أبي نصر بن أبي الفرج بن أبي نصر بن الشقاري بشين مضمومة وقاف مخففة قدمها زائرا في ركب الشام.

أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة، قال: «فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة

سمعت عليه وأجاز لي، ولبني أبي القاسم وعائشة وأمة لله، وأخواتي، ومن ذكر معي في الاستدعاء، وكتب خطه في الرابع والعشرين لذي قعدة سنة أربع وثمانين وست مائة. أخبرني بمسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سمع جامع البخاري على أبي عبد الله الزبيدي كرتين، وأنه سمع عليه جزء أبي الجهم، والأربعين حديثا للطائي. قرأت على الشيخ عماد الدين أمام الروضة المشرفة المطيبة زادها الله شرفا وطيبا، ويسر العود إليها قريبا، في الرابع والعشرين لذي قعدة من عام التاريخ جميع ثلاثيات البخاري، بسماعه على ابن الزبيدي بسنده المشهور. أنا عِمَادُ الدِّينِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أَمَامَ الرَّوْضَةِ الْكَرِيمَةِ قُلْتُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْدِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِهِ، أنا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ الْهَرَوِيُّ، قَالَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ الدَّاوُدِيُّ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَطَرٍ الْفَرَبْرِيُّ، نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، أنا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: " كُنْتُ آتِي سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطِوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلاةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطِوَانَةِ، قَالَ: «فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى الصَّلاةَ عِنْدَهَا» وقرأت عليه أمام الروضة المشرفة في الرابع والعشرين لذي قعدة من عام التاريخ، قلت له: أَخْبَرَكُمُ الْحُسَيْنُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْدِيِّ سَمَاعًا عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِهِ قَالَ: أنا شَيْخُ الْوَقْتِ أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ الصُّوفِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ، قَالَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُظَفَّرِ

ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي»

الدَّاوُدِيُّ الْبُوشَنْجِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ بِبُوشَنْجَ، قَالَ: أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ مَطَرٍ الْفَرَبْرِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الأَحْنَفِ الْجُعْفِيُّ مَوْلاهُمْ، قَالَ: أنا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» وَأَخْبَرَنَا ابْنُ الشَّاقرِيِّ الشَّقارِيُّ، الْمَذْكُورُ إِذْنًا فِي جُمْلَةِ جُزْءِ أَبِي الْجَهْمِ الْعَلاءِ بْنِ مُوسَى بْنِ عَطِيَّةَ الْبَاهِلِيِّ، وَسَمِعْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ إِبْرَاهِيمَ الْبَطَائِحِيِّ، قَالا: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْدِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ، قَالَ: أنا أَبُو الْوَقْتِ السِّجْزِيُّ فِي سَنَةِ ثَلاثٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ قِيلَ لَهُ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أنا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الصَّالِحُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ الأَنْصَارِيُّ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، أنا أَبُو الْجَهْمِ هُوَ الْعَلاءُ بْنُ مُوسَى بْنِ عَطِيَّةَ الْبَاهِلِيُّ يَعْنَي إِمْلاءً مِنْ كِتَابِهِ، أنا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ خَيْرَ مَا رُكِبَتْ إِلَيْهِ الرَّوَاحِلُ مَسْجِدِي هَذَا وَالْبَيْتُ الْعَتِيقُ» -

أحمد بن عثمان المصري وممن لقياه أيضا بالمدينة شرفها الله خطيب مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإمامه الشيخ الخطيب الأديب اللغوي أحمد بن عثمان بن عمر الشافعي المصري، في الخامس والعشرين من ذي قعدة من سنة التاريخ. قرأت عليه ثلاثيات البخاري، وأجاز لي ولبني عائشة وأبي القاسم وأمة الله، ولأخواتي، ولمن ذكر معي في الاستدعاء، وكتب خطه بذلك، وهو من جيد الخطوط، قَالَ لَنَا الْخَطِيبُ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ وَكَتَبَ الإِسْنَادَ بِخَطِّهِ إِلَى الْبُخَارِيِّ، نا بِكِتَابِ الْبُخَارِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أُسَامَةَ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الْمُسْنِدُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ سَعْدِ بْنِ صَدَقَةَ بْنِ كُلَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: أنا الشَّرِيفُ نُورُ الْهُدَى

كان جدار المسجد عند المنبر ما كادت الشاة تجوزها»

الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِيُّ الزَّيْنِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: أَخْبَرَتْنَا أُمُّ الْكِرَامِ كَرِيمَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيَّةُ، قَالَتْ: أنا أَبُو الْهَيْثَمِ الْكُشْمَهِينِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: أنا الْفَرَبْرِيُّ، أنا الْبُخَارِيُّ. قَرَأْتُ عَلَيْهِ بِالإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَى الْبُخَارِيِّ أنا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أنا يَزِيدُ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: « كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوزُهَا» وقرأت عليه بالإسناد المذكور إلى البخاري رحمه الله، قَالَ: أنا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» ذكر سفرنا من المدينة إلى مكة شرفها الله ذاكر سفرنا من طيبة زادها الله طيبا، ويسر العود إليها قريبا، متوجهين إلى مكة حرم الله الشريف، قرب الله منه البعيد، وبلغ المراد فيه للمريد، ومنحنا من إحسانه وامتنانه الجديد فالجديد، بمنه وفضله.

كانت إقامتنا بالمدينة شرفها الله يوم الأحد والاثنين والثلاثاء وليلة الأربعاء وانصرفنا غدوة يوم الأربعاء السادس والعشرين لذي قعدة، صلينا الصبح بذلك المحل الكريم، راجين فضله العميم، وودعناه وما ودعناه، وأودعناه الأرواح وسرنا بالأشباح، والضلوع تتقد، والدموع تطرد، ولسان المقال ينشد: لئن أصبحت مرتحلا بشخصي ... فروحي عندكم أبدًا مقيم ولسان الحال يردد: محبتي تقتضي مقامي ... وحالتي تقتضي الرحيلا فوافينا ذا الحليفة، وهي موضع إحرام المدنيين وجوبا، ومن اجتاز بها من غيرهم ندبا، وهي على ستة أميال من المدينة، وقد قيل على سبعة، وظاهر التقدير أنها ستة، وهي بضم الحاء المهملة وفتح اللام وفتح الفاء بينهما ياء ساكنة مخففة، وهي ماء من مياه بني جشم، وكان بينهم وبين خفاجة العقيليين وهي الآن يعرفها الناس ببئر على، وذو الحليفة أيضا موضع بتهامة، وقد جاء ذكره في الحديث، في حديث رافع بن خديج. «كنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي الحليفة من تهامة فأصبنا نهب غنم. . . . .»

فهو موضع بين حاذة وذات عرق من أرض تهامة، وهذه ليست المهد الذي قرب المدينة. فلبثنا بها يسيرا وتغسلنا هناك للإحرام، تركعنا في مسجدها لما روي عنه في ذلك عليه الصلاة والسلام، وإن كان ذلك الموضع اليوم ليس هو الذي

صلى فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعينه، ولكنه بمقربة منه لأن ذلك قد اجتحفته السيول قديما، ولكن محل الكرام كل منه يعد كريما. وأهللنا بحجة مفردة لم نضف لها قرانا ولا تمتعا على ما اختاره إمام المدينة مالك، ورآه أتم الأعمال وأحسن المسالك، وارتفعت الأصوات بالتلبية ورجي من المنعم الوهاب قبول تلك الأدعية. ورحلنا من هناك قريب الظهر راغبين من الله في قبول الزيارة، وتتميم ما شرعنا فيه من العمل الرابح التجارة، داعين إلى الله أن يصحبنا السلامة في كل حل وترحال، في الأبدان والأقوال والأفعال، اللهم أتمم علينا نعمك، وبلغنا حرمك، وأفض علينا كرمك، وعرفنا القبول بعرفات، واجعل أفعالنا وأقوالنا مبلغة إلى سكنى الجنان والغرفات. ثم لما ظهرنا على البيداء عصفت ريح شديدة ملأت الشعور والأثواب بما سفت عليها من التراب، واشتدت الحال، وعجز الناس لشدة القر عن الاحتمال، فلاذ بعضهم بلبس المخيط، ونزلوا مع الغروب، ورمت التحمل فكدت أعجز ثم من الله الكريم بالإلهام إلى لف بطني بعمامة كانت لي، أدرتها على بطني طاقة فوق طاقة، فمنح الله القوة والطاقة، وقرت بي الحال ونمت صالحا، والحمد لله.

ثم لم نزل نرحل منزلا فمنزلا، وفضل الله لا يزال علينا منزلا، إلى أن وافينا وادي الصفراء، غدوة يوم السبت التاسع والعشرين، وهو واد فيه خصب ونخل وزرع وبطيخ ودباء وقطاني، وتمادى بنا السير نلاقي القرية بعد القرية إلى ظهر ذلك اليوم فوافينا بدرا، المبارك مشهد نصر الله نبيه عليه الصلاة والسلام. الذي أعز الله به دين الإسلام، فوردنا ماءه، وزرنا شهداءه، وحييناهم بالسلام، وبتنا هناك ورحلنا منه قبيل الصبح من ليلة الأحد، الموفية ثلاثين لذي قعدة، فأهل علينا هلال ذي الحجة داعين إلى الله تعالى في تتميم الحجة ليلة الاثنين، وتمادينا على المسير إلى محل النزول لم نعرفه ثم منه إلى رابغ، وافيناه ضحوة يوم الأحد ثاني ذي الحجة، وهو في هذه المدة موضع إحرام الركب

المصري، وهو دون الجحفة بنحو عشرة أميال إلى جهة المدينة، والجحفة عن يسار الطريق اليوم، ومن رابغ يرفع الناس الماء. ذكر غريبة عنت لنا به وما عنت بل أغنت في معنى الآية الكريمة واقتت وهي قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} [المائدة: 94] الآية. صحبني في الطريق، من المدينة على ساكنها الصلاة والسلام قاصدين إلى البيت الحرام أحد الشيوخ من شرفاء المدينة، فلما وافينا رابغ رأيت أمرا عجبا من تخلل الوحش: الغزال والأرنب بين الجمال والرحال، بحيث يناله الناس بأيديهم، والناس ينادون: حرام، حرام، والجوارح قد سلسلت خيفة تعدي جاهل يعتسف المجاهل، فقال في ذلك الشيخ الشريف: تأمل تر عجبا، هكذا جرت عادتنا في هذا الطريق، يؤمنا ونحن محرمون يمر به الوحش ما ترى، فإذا عدنا محلين لم نجد به شيئا، فلما عدنا كان كما قَالَ، فبان لي من معنى الآية الكريمة ما لم يكن غير بالمشاهدة، وكلام المفسرين على الآية معلوم يصدق على ما تناله الأيدي كالبيض والفراخ مما لا يستطيع أن يفر، وما ينال بالرماح ونحوها ككبار الصيد.

ثم رحلنا عنه منزلا منزلا إلى آن وافينا خليصا يوم الأربعاء ضحوة الثالث من ذي حجة، فقلنا هناك ورفعنا عشي النهار. وفي وصف خليص أقول من قصيد. وخليص إذ وردنا خلصه ... فرعى الله أويقات الورود ومطلع القصيد أهل ودي لا تدينوا بالصدود ... بذمام كان في وادي زرود وخليص البيت. وهذا البيت اتفقت فيه موافقة حسنة في التصغير، كرعت في مورد من الحسن لا تحلا عنه، وذلك أن الشعراء أكثروا من التصغير في محال، إما لضرورة وزن، أو لقصد ضعيف غير قوي، وربما ندر منهم فيما صدر عنهم ما يستحسن. كان شيخنا بحر البلغاء وحبر الأدباء أبو الحسن حازم بن محمد، رحمه الله يقول، وقرأته بخطه: كان أبو الطيب المتنبي مولعا بالتصغير، ولم يوفق من ذلك إلا في قوله:

ظللت بين أصحابي أكفكفه ... وظل يسفح بين العذر والعذل فحسن هذا لما كان الموطن مظنة لقلة الصحب، فكثيرا ما يستعملون ذكر الخليلين في هذا الموضع. قلت: ووجه حسن البيت الذي أنشدته من طريقين: أحدهما: المناسبة اللفظية فإن خليصا مصغر وأويقات كذلك، والمناسبة اللفظية مما تعتبر، ومن مستحسن ذلك قول الأديب البارع أبي عبد الله محمد بن غالب الرصافي، رحمه الله: بلادي التي ريشت قويدمتي بها ... فريخا وآوتني قرارتها وكرا فحسن موقع تصغير القادمة لمكان تصغير فرخ. والثاني وهو أقوى للحظ المعنوي، وهو أن أوقات السرور توصف بالقصر، وقد أكثر الشعراء من ذلك حتى قلت: ولم يزل زمن الأفراح مختصرا فناسب ذلك التصغير.

ومما كان شيخنا أبو الحسن رحمه الله يستحسنه من ذلك قول الشريف. يولع الطل بردينا وقد نسجت ... رويحة الفجر بين الضال والسلم فإن لقوله رويحه حسن موقع من النفس، لأنهم لما كانوا يقولون نسيم عليل، ونفس خافت، كان تصغير لفظ الريح في هذا البيت مستحسنا مختارا ولذلك سمعنا شيخنا أبا الحسن رحمه الله يعيب قول ابن عمار: أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى ... والنجم قد صرف العنان عن السرى لأن الانبراء كأنه اعتراض بقوة، والنسيم من شأنه أن يوصف باللدونة والرقة ومن التصغير الذي له طلاوة وحسن موقع قول أبي العلاء صاعد بن عِيسَى الكاتب: إذا لاح من برق العقيق وميضة ... تدق على لمح العيون الشوائم فحسن تصغير الوميضة لما وصفها بالدقة والخفاء ومن المستحسن قول أبي العلاء المعري:

إذا شربت رأيت الماء فيها ... أزيرق ليس يستره الجران لما وصفها برقة الأعناق ودفتها حسن تحقير ما يمر عليها من الماء لضيق مسلكه، فمقداره لذلك نزر. ومن المستحسن قول عمر بن أبي ربيعة: وغاب قمير كنت أرجو غيوبه ... وروح رعيان ونوم سمر فحسن تصغير القمر هنا لأنه دل بإخباره أنه غاب عند ترويح الرعيان، ونوم السمار، على أنه كان هلالا. ومما استحسن قول أبي نصر بن نباتة: ففي الهضبة الحمراء إن كنت ساريا ... أغيبر يأوي في صدوع الشواهق لأن الحية توصف بالضئول والدقة وحسبك قول النابغة. فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش في أنيابها السم ناقع

ونحو منه قول الشريف: زال وأبقى عند وراثه ... جزيم مال عرفته الحقوق وقد رأينا أن نورد القصيد الخليصي بجملته ثم سرنا من خليص بقية النهار نرتحل منزلا منزلا إلى أن وافينا بطن مر ليلة السبت، عند ربع الليل الأول، في الليلة السادسة من ذي حجة، فلله هو لقد حلي بالعين مرآه، وحلا بالفم ماؤه ومرعاه. ثم رحلنا منه عند ربع الليل الآخر من تلك الليلة، فوافينا مكة شرفها الله ضحاء يوم السبت، حامدين لله تعالى على تسهيل المسير، وتيسير العسير، فتلقانا أهل مكة وأطفالها متعلقين بالناس، ليعلموهم المناسك ويهدوهم المسالك، قد درب صبيانهم على ذلك، وحفظوا من الأدعية والأذكار ما يحسن هنالك. ولقينا من تقدمنا إليها من الإخوان، كرفيقنا الأعز علينا، الكاتب البليغ الوزير الماجد أبي عبد الله بن الفقية الوزير الفاضل الصدر أبي القاسم بن الحكيم،

لكونه كان قد تقدمنا من مصر على طريق الصعيد، فلله ذلك الملتقى السعيد، الذي قضت به النفس مناها، ولله تلك الأمكنة الشريفة التي اكتحلت العين برائق سناها. اللهم لك الحمد على هذه النعمة التي عظمت وجلت، وجلت عرائس السرور على منصات الحبور لما تجلت. وكان دخولنا من كداء من الثنية العليا، هناك تلقانا صاحبنا ورفيقنا أبو عبد الله بن أبي القاسم حفظه الله، وشكر له، إذ الدخول منها مستحب لمن كانت على طريقة، ولمن لم تكن، فينبغي أن يعرج إليها ويعوج عليها، وكداء هذه هي بفتح الكاف ممدودة وكدى، بضم الكاف منونة ومقصورة بأسفل مكة، وهاتان اللفظتان يضطرب المحدثون في ضبطهما في الأحاديث الصحيحة في الأمهات، والذي صح عندنا في ذلك ويشهد له الاختبار ما ذكره الإمام أبو عمرو بن الصلاح، رحمه الله، وهو تحرير بليغ في الموضع، قَالَ رحمه الله:

المستحب أن يدخل مكة من ثنية كداء بفتح الكاف والمد، وهو بأعلى مكة ينحدر منها إلى المقابر التي بالموضع الذي تسميه العامة المعلي، والى المحصب، وهو البطحاء، والأبطح مما يلي طريق منى، وإذا خرج من مكة فليخرج من ثنية كدى بضم الكاف والقصر والتنوين، بأسفل مكة بقرب شعب الشافعيين عند جبل قعيقعان وإلى صوب ذي طوى والثنية عبارة عن الطريق الضيقة بين جبلين، وذكر بعض أيمتنا أن الخروج إلى عرفات من هذه الثنية السفلى أيضا. أنبئت عن الحافظ أبي القاسم إسماعيل بن محمد الأصبهاني أنه سمع الحافظ أبا عبد الله الحميدي، وهو صاحب الجمع بين الصحيحين عن الحافظ أبي محمد علي بن أحمد الأندلسي، قَالَ: كداء الممدودة هي بأعلى مكة عند المحصب، حلق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذي طوى إليها أي صعد إليها، وكدى بضم الكاف، وتنوين الدال بأسفل مكة عند ذي طوى بقريب من شعب الشافعيين عند

قعيقعان، حلق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها إلى المحصب، فكأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرب دائرة في دخوله وخروجه، بات صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذي طوى، ثم نهض إلى أعلى مكة فدخل منها، وفي خروجه إلى أسفل مكة، ثم رجع إلى المحصب. وأما كدي مصغر بضم الكاف وفتح الدال وتشديد الياء فإنها لمن خرج من مكة إلى اليمن، وليست من هذين الطريقين في شيء. قال: أخبرني بذلك كله أحمد بن عمر العذري، عن كل من لقي بمكة من أهل المعرفة بمواضعها، من أهل العلم بالأحاديث الواردة في ذلك. قال المصنف: فائدة عزيزة ضابطة لما غلط فيه كثير. قلت: وهذا الذي أنبأ به الحميدي من روايته، عن أبي محمد الظاهري معروف منقول عنه، والعذري إمام في النقل ومشاهدة الآثار وتتبعها. وذو طوى أسفل مكة في صوب طريق العمرة ومسجد عائشة رضي الله عنها. قلت: بقى على أبي عمرو بن الصلاح رحمه الله أن يبين لم سلك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الطريق محلقا شبه دائرة؟ وذلك إذا تؤمل واضح فإنه لا يحصل التيامن في النزول والدخول إلى مكة والخروج عنها إلا كذلك فتأمله، والله أعلم.

وذو طوى يقال بالفتح والضم والكسر في طائه، والفتح أشهر. وعندما عاينا البلد الأمين نشأت السحائب، وأرسلت الغرابي، وأرخت الذوائب، فما وافينا المسجد الحرام شرفه الله إلا والمطر جود ذلك الجود أو وابل، وكل طائف تحت ميزاب الرحمة من جود نائل وإلى أقصى أمله واصل. وحين تجلت لنا الكعبة كالعروس، نالت مناها النفوس، وقد أحرمت الكعبة بتجريدها من المخيط، إلى حد الحجر الأسود وبقي ما سواه بها محيط، ولله در القائل: يا ربة الخال التي بلحاقها ... نال المنى من كان من عشاقها عاينا من بهجتها ما يذكر قول الآخر: ما علق الحلي على صدرها ... إلا لما يخشى من العين نقول، والحلي على نحرها ... من علق الشين من الزين؟ فطفنا بالبيت طواف القدوم: نخب ونسعى، وقد ضاق بالطائفين المسعى، والمطر وابل وميزاب الرحمة يعب عبابه، ويعمم الناس أماما ويمينا وشمالًا انسكابه وهم يزدحمون في الحجر حتى غص بداخليه، ومن لم يجد سبيلا لدخوله ونيل مائة المبارك، عصر له بلل ثوبه بعض نائليه، فدخل معي المطاف رفيقي الوزير أبو عبد الله الذي فاز دوني بمزية البدار، وحظي بحظ من الجوار، فقال لي منبها ومفيدا: إن بعض شيوخنا قَالَ لي: إنه تستحب تلاوة القرآن في الطواف عند نزول المطر، لما يرتجي من اجتماع البركات التي وردت في ثلاث الآيات "، وهي قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران: 96] وقوله {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام: 92] ، وقوله: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} [ق: 9] .

فامتثلت ذلك رجاء نعمة المنعم المالك. وقراءة القرآن لا تقدم على الأذكار المأثورة في هذا المحل، وإن كان أفضل منها، إذ من القواعد أن لا يشغل عن معنى ذكر من الأذكار بمعنى غيره من الأذكار وإن كان أفضل منه لأنه سوء أدب، ولكل مقام مقال يليق به ولا يتعداه، كلام ابن عبد السلام في القواعد، وقد ورد من القرآن في أذكار الطواف ما يقال بين الركنين اليمانيين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] وبهذه الآية عقب على الأذكار، فكان أولى، وروي عن مالك في ذلك الكراهية، قَالَ ابن المنذر: لم يثبت دعاء مسنون إلا {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201] بين اليمانيين، وهي من القرآن. وروى هذا عن ابن جماعة، وروي عنه رواية أخرى أنه يجوز، قَالَ الشيخ أبو محمد الجويني: ويحرص أن يختم في الطواف ختمة أيام الموسم فيعظم ثوابها، حكاه أبو عمرو بن الصلاح ثم قَالَ: ومن العلماء من لم يستحب

قراءة القرآن في الطواف، وهو اختيار أبي عبد الله الحليمي من أصحاب الشافعي. ثم أكملت الطواف بسنته وختمت بالسعي بين الصفا والمروة، وقد امتلأ المسعى بسيله حتى كاد يمنع الإسراع بين الميلين الأخضرين، ولما أدينا العمل المخصوص بذلك الوقت وردنا زمزم وتضلعنا من مائه أكثر مما يتضلع من الماء السلسبيل، وتوقفنا بين الحجر الأسود والباب عند الملتزم للدعاء ثم انصرفنا إلى المنزل الذي أعده صاحبنا ورفيقنا الوزير الفاضل الماجد الكامل أبو عبد الله حرس الله مجده، ويسر مرامه وسنى قصده، فأقمنا هنالك يوم الأحد السابع وصدر يوم الاثنين الثامن، وأخذنا في التوجه إلى منى، وقد سفرت أوجه المنى، فصلينا الظهر في مسجد العقبة، حيث فاز سابقو الأنصار رضي الله عنهم بكريم المنقبة، والعصر بخيف منى. ولقينا هنالك الشيخ الزاهد الفاضل العامل الفقيه أبا محمد المرجاني، نفع

الله به، الواصل معنا، من تونس في المركب، فصلينا العصر جميعا، وأشار بموافقة الجمهور في التوجه تلك الليلة إلى عرفات والمبيت بها وتركهم سنة المبيت بمنى لتوقع ما يخاف من الأعراب في أطراف النهار وأعقاب الناس، ويحذر من انتهابهم بما قل من العدد ولم يستصحب شيئا من العدد، ومن تأخر من الناس أو انفرد وانسلالهم بين تلك الشعاب، وتوغلهم في الجبال بحيث يتعذر الإيحاف عليهم بخيل أو ركاب، فوقع العزم على التوجه، وكان رأيا مباركا والحمد الله، فقدمت له راحلته، فعزمت عليه في الركوب، فأبى إلا أن يسايرني إلى عرفات، ووضع يده في يدي، فسرنا جميعا إلى عرفات فوافيناها عند غروب الشمس، فذهب هو مع صحبه لموضع نزوله، وانفردت أنا مع صحبي، وبتنا تلك الليلة بعرفات، وعلى إثرنا انتهب قطاع العرب بعض من تأخر من أهل الركب، وكان منهم لمن دافعهم قتل وسلب، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل. ورأينا في تلك الليلة عجبا فيما ابتدعته العامة من الاستعداد والاحتفال بوقد الشمع بطول تلك الليلة، بالجبل القائم في وسط عرفات المعروف عند العرب القدماء بإلال، وهو جبل مرتفع، في أعلاه مسجد، تنصب به رايات أمراء الركب، وقد صنع له درج بالبناء من أمامه ومن خلفه، فيرتقى إليه على طريق وينزل من أخرى، وربما التقى فريق مع فريق فيغص الجبل بالصاعدين والنازلين، وهو يتأجج نارا، ويتموج كالبحر زخارا، والطرق إليه بالشموع في بسيط عرفات، كالسطور المذهبات، تتصل به من كل الجهات، وأنت إذا نظرت إليه على بعد من الخيمات، تراه كشعله واحدة، وما يطول من الشمع كأنه ألسن متعاضدة، فترى عجبا، صلدا عاد ذهبا، أو صار لهبًا.

ومما قلت في وصف تلك الليلة: يا ليلة في الآل ... يا حسنها بين الليالي عدد النجوم شموعها ... قد نظمت نظم اللآلي وقلت أيضا في المعنى واصفا ذلك المغنى: بدا الآل في ليالي جمعنا ... في عرفات والسعود تسعد يحكي ثريا الختم نظم شمعه ... أو نرجسا في ربوة ينضد أو النجوم الزهر قد تجمعت ... فنورها متسق مجسد أستغفر الله من هذا المقال، وأسأله الصفح عما جرى مما يوهم استحسان هذه الحال، بل هذه الحالة من قبيح البدع، التي يجب أن يزجر عنها فاعلها ويردع وقد نبه على ذلك الإمام الفاضل جمال الدين أبو عمرو بن الحاجب، الفقيه المالكي، وبين قبح هذه الحالة التي استحسنها العامة، وبين ما أخطأ فيه الناس من أمر هذا الجبل فقال رحمه الله. ومنها إيقادهم النيران عليه ليلة عرفة، واهتمامهم لذلك باستصحاب الشمع له من بلادهم واختلاط النساء بالرجال في ذلك صعودا وهبوطا، بالشموع المشعلة الكثيرة، وقد تزاحم المرأة الجميلة بيدها الشمعة الموقدة كاشفة عن وجهها، وهذه ضلالة شابهوا فيها أهل الشرك في مثل ذلك الموقف الجليل، وإنما أحدثوا ذلك من قريب حين انقرض أكابر العلماء العاملين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وحين تركوا سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحصولهم بعرفات قبل دخول وقت الوقوف بانتصاف نهار يوم عرفة لكونهم يرحلون في اليوم الثامن من مكة إلى عرفة رحلة واحدة، وإنما سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسير في الثامن من مكة إلى منى، والمبيت بها

إلى يوم عرفة، وتأخير الحصول بعرفات إلى ما بعد زوال الشمس يوم عرفة. فأصبحنا يوم الثلاثاء التاسع بعرفات، فتطوفت ضحوة اليوم على ما أمكن من تلك العرصات المباركات، واستصحبت معى كتاب صلة الناسك في صفة المناسك للإمام المحدث الأوحد الفقيه الشافعي أبي عمرو بن الصلاح رحمه الله، فكنت أستعرف به المواضع التي يصفها بموافقة الصفة وانطباقها على ذلك الموصوف، كالصخرات الكبار المفترشة في طرف الجبيلات الصغار التي كأنها الروابي الصغار، وهذه الصخرات هي التي وقف عندها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكالنابت منها، وهي كلها خلف مصلى الإمام وموقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها بإزاء النابت معلوم، متداول النقل، يقف عنده أهل العلم، فوقفنا به والحمد لله. وهي أعني هذه الصخرات عند الجبل الذي يعتني الناس بصعوده ويسمونه جبل عرفة، وإنما عرفة بسيط تحيط به جبال، وهذا الجبل يسمى جبل الرحمة، وجبل الدعاء، واسمه في لسان العرب، إلال على وزن فعال بكسر الهمزة.

وذكره صاحب الصحاح في اللغة بفتح الهمزة منه، وهو خلاف المحفوظ، وبالكسر ضبطه أبو علي، في البارع وقال: هو جبل بعرفات، وكذلك حكاه بالكسر صاحب المجمل، وصاحب المحكم، وأبو عبيد، وغيرهم من أئمة هذا الشأن. قال أبو عبيد: الإل بكسر أوله على وزن فعال كأنه جمع أله جبل صغير من رمل على يمين الإمام بعرفة، قَالَ النابغة الذبياني: بمصطحبات من لصاف وشبرة ... يزرن إلالا سيرهن تدافع وقال طفيل: يزرن إلالا، لا ينحبن غيره ... بكل ملب أشعث الرأس محرم

كذا وقع ينحبن مجود الضبط على إصلاح في نسخة عتيقة تولى عنايتها أبو عبد الله ابن أبي الخصال، والضبط بخطه وأراه وهما، وأن الصواب يحنبن بتقديم الحاء. والتحنيب الانحناء والاعوجاج، وهو بمعنى يجنبن بالجيم ومصدره التجنيب وهو الانحناء والتوثير في رجل الفرس وهو مستحب، وأما التنحيب فلا أعرف له معنى يتجه هنا، وإن كان النحب في اللغة يطلق على السير السريع، ونحب القوم تنحيبا إذا جدوا في عملهم فالتنحيب السير القاصد الدأب، وفي البيت: وجد سير القوم إلى أن اقتربوا من الماء، وكأن هذا لا يتجه في البيت إلا بحذف أو تضمين، فافهم. وفي البارع: الإل جبل رمل بعرفات والضبط بخطه، هكذا ذكره بلفظ المفرد على وزن فعل، قَالَ: وكتب هشام بن عبد الملك إلى بعض ولده: أما بعد، فإذا ورد كتابي فامض إلى الإل فقم بأمر الناس، فلم يدروا أي ولاية هي حتى جاءه أبو بكر الهذلي فقال له: هي ولاية الموسم، وأنشده بيت النابغة المذكور: بمصطحبات من لصاف وثبرة ... يزرن إلالا سيرهن تدافع قلت: إنشاده له بيت النابغة يدل على أنه إلال لا الإل، وصورة الخط واحدة.

وهذا الذي قاله أبو عبيد ونقله كله صحيح إلا قوله: إنه جبل رمل فليس كذلك، وإنما هو جبل مرتفع من حجر صلد، وقد نبتت منه أجبل بعضها أكبر من بعض، يسمى بعضها النبعة وبعضها النبيعة بالتصغير جريا على خيالات العرب في تسمياتها كأنهما نبعتا منه، ولم نجد من يعينهما لنا لكن التسمية تشعر بتعيينهما من جملة تلك الأحجار والصخور الكبار التي هناك، كما تعين النابت منها لأنه ضرس قائم، والصخرات التي بإزائه يمكن الصعود عليها، وإن تكلف في بعضها إلى أن يحصل الصعود، فتكون محلا حاملا للراكب والراجل، وبإزائها قطع من أجبل في الرمال، لا يمكن الصعود عليها، منفصل بعضها عن بعض، وأما هذه الصخرات فقريبة الاتصال ببعضها ببعض. وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: وجاء في الحديث تسميته جبل المشاة لكون الرجال تقف عليه، وتسمى الأجبل الصغار المذكورة النبعة والنبيعة والنابت. وروى مسلم في صحيحه عن جابر: «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركب إلى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة» . وضبطه غير واحد من المصنفين حبل المشاة بالحاء وجعله من حبال الرمل وهو ما استطال من الرمل مرتفعا.

وما ذكرناه من كونه جبل إلال هو الصحيح، وبه شهدت المشاهدة، وهو الذي ذكره بعض من صنف في الأماكن المتعلقة بالحجيج. وروى أبو الوليد الأزرقي، في كتاب مكة بإسناده: أن موقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بين الأجبل النبعة والنبيعة والنابت، وموقفه منها على النابت. قال: والنابت عند النشزة التي خلف موقف الإمام، وموقفه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ضرس من الجبل النابت ضرس بين أحجار هنالك نابتة من الجبل الذي يقال له الإل. قلت: الوجه أن يقول وموقفه إلى النابت لا على النابت لأن النابت لا يمكن القرار عليه، وإنما الوقوف على صخرات مفلطحات بِإزائه يكون الضرس النابت منها عن يساره. وقوله في الحديث: «جعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة» ، هو في التحقيق أميل إلى يمينه، ولعله التفت صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للناس فصار بين يديه، وإلا ففي العبارة بحسب المشاهدة بعض اتساع وتقريب. وقوله أيضا: فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، في تخيله إشكال، فإن بطن الناقة إن اعتبر به جانبها الأيسر فإنما يجئ إلى الضرس النابت، وإن اعتبر أسفل البطن فيكون عبارة عن كونه صعد على الصخرات، فإن الصعود عليها ممكن بالمشاهدة وإن احتاج إلى انعراج عند الصعود حتى يتم رقيه فيستقر لاتساعها والله أعلم.

ولم أر من نبه على هذا، فلذلك أفدنا بالتنبيه عليه، وأرشدنا بغاية البيان إليه، والله المرشد بمنه. قال الإمام أبو عمرو رحمه الله: إذا وضح هذا لمن كان راكبا فليخالط بدابته الصخرات المذكورة وليداخلها كما روي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا كان راجلا فينبغي له أن يقوم على الصخرات المذكور أو عندها على حسب ما يمكنه من غير إيذاء أحد، ولصاحب الحاوي أبي الحسن البصري، فيما يستحب من الموقف كلام جمع فيه بين ما ذكرناه من رواية مسلم في صحيحه عن جابر ورواية الأزرقي، وقال فيه: يقصد الجبل الذي يقال له جبل الدعاء وهو موقف الأنبياء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجمعين. وقال محمد بن جرير الطبري: وكان يستحب الوقوف على الجبل الذي على يمين الإمام، فأثبت بهذا شيئا من الفضيلة للجبل الذي يعني الناس بصعوده. ولا نعلم في فضله خبرا ثابتا ولا غير ثابت، ولو كان له فضل فالفضل الأرجح المخصوص، إنما هو لموقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي ذكرناه، وهو الذي خصه العلماء بالذكر والتفضيل. وقد قَالَ صاحب النهاية، في وسط عرفة جبل يسمى جبل الرحمة، ولا نسك في الرقي فيه، وإن كان يعتاده الناس.

قال الإمام أبو عمرو: قد افتتنت العامة بهذا الجبل في زماننا، وأخطأوا في أشياء من أمره، منها أنهم جعلوا الجبل هو الأصل في الوقوف بعرفات فهم بذكره مشغوفون، وعليه دون باقي بقاعها يحرصون: وذلك خطأ منهم، وإنما أفضلها موقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي سبق بيانه. تنبيه وحسرة: ترك الجمع على سنته في موضعه، وصاروا يصلون بإمام يتم لهم، ولا يحسن السنة أما موقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويؤخر الظهر إلى قريب العصر، فينتظره كثير من الجهال، ويصلي أهل العلم فرادى أو مجتمعون في رحالهم ثم يجيئون إلى موقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والذي ظهر من الحكمة الشرعية في مبيت الناس بمنى، وإقامة الصلاة بمسجد إبراهيم، ثم المجيء إلى الموقف أن يصل الناس وتلك الأمكنة المطهرة طاهرة، ولم يبق إلا التشاغل بالذكر والدعاء، وأما الآن فتصبح تلك العرصات المشرفات، وقد ملئت فضلات آدميات وبهيميات، وإن شئت قل في الجميع بهيميات. ولقد جهدنا أن نجد موضعا للصلاة طاهرا فما وجدناه إلا أن يصلي على حائل يوضع على الأرض حتى على الصخرات المباركات، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومما تطوفنا عليه أيضا مسجد إبراهيم إذ كنا قد نزلنا بآخر عرفات من جهة مكة شرفها الله، ثم رحلنا إلى الموقف الذي كانت الصلاة تجمع فيه قبل أن تغير الأمور، ويضعف الآمر بالمعروف ويخاف الناهي عن المنكر، وحائطه القبلي على بطن عرنة، وضبطها بضم العين المهملة وفتح الراء والنون، يقال له أيضا مسجد

عرنة ولم يتمكن لي النزول في المسجد، وإنما صعدت على حائطه الموالي لعرفة إذ هو الآن دون تسقيف، خفية من سلب أثوابي أو أشد من ذلك، فإن السالب هناك محارب، ولولا أني ترصدت وصول الشريف أمير مكة في جيشه المحتفل المدجج، وعند إقباله أقبلت على تلك المعاهد وصعدت الحائط حتى أدركت جميع ساحة المسجد، فإنه يبيت بمنى ويجئ غداة يوم عرفة، وينزل بالأراك في مضارب له في نهاية من الاحتفال يعجز عنها الوصف، تحيط بها دهاليز، وهي التي تسمى عند أهل المغرب بلغتهم أفراك، ولها أسمية بأنواع من. . . . . قد رفعت عليها الألوية وأعمدة بيت أدم في نهاية الارتفاع، وكذلك خيله ورحائله الفرس والفارس، مجللان في السلاح، وعلى الخيل لباس يسمونه الجوشن والرحائل عليها قباب الحرير المختمة بالذهب. قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح الفقيه الشافعي رحمه الله: وذكر الجويني أن هذا المسجد مقدمه في وادي عرنة لا في عرفات، وأواخره في عرفات، فمن وقف في صدر المسجد فليس واقفا، وما كان من المسجد من عرفات يتميز عما ليس منها بصخرات كبار فرشت في ذلك الموضع. قال أبو عمرو رحمه الله: هذا يخالف إطلاق الشافعي بأن المسجد ليس من عرفات، فلعله زيد بعده فيه من عرفات القدر الذي ذكره الجويني، والله أعلم، وهذا المسجد بينه وبين المكان الذي وقف فيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدر ميل والله أعلم. قال محمد وفقه الله: عاينت هذه الصخرات، وهي في وسط المسجد، وهي أقرب إلى حائط قبلته فيما أحزر.

قال الإمام الفقيه المالكي أبو محمد بن شاس: والواجب من الوقوف ما يطلق عليه اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة، سوى بطن عرنة، فإن وقف ببطن عرنة لم يجزه لأنها من الحرم، وإن وقف بالمسجد فوقف مالك وابن عبد الحكم، في إجزائه، وقال أصبغ لا يجزيه، قَالَ محمد بن المواز: ويقال أن حائط المسجد القبلي على حده ولو سقط لسقط في عرنة، قَالَ أبو الحسن اللخمي: وعلى هذا يجزي الوقوف فيه لأنه من الحل، قَالَ: وكذا عند ابن مزين أنه يجزي الوقوف فيه.

وقال ابن الحاجب: ووقف مالك أن لو وقف في المسجد، وفيه لأصحابه قولان، وكره بنيانه وإنما حدث بعد ابني هاشم بعشر سنين، ويقال: إن الحائط القبلي على حد عرنه ". ذكر تحديد عرفة على ما حددها الإمام أبو عمرو النصري عن الأزرقي: قال رحمه الله: وقد ذكر الأزرقي في كتاب مكة بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قَالَ: «حد عرفة من الجبل المشرف على بطن عرنة إلى جبال عرفة إلى وصيق، إلى ملتقى وصيق ووادي عرنة» قال الإمام أبو عمرو: بطن عرنة ووادي عرنة مضافان على عرنة، وقد تقدم ضبطها، ووصيق هو بواو مفتوحة ثم صاد مك { [غير منقوطة وياء وفي آخره قاف. وقال الشافعي: عرنة ما بين الجبل المشرف إلى بطن عرنة إلى الجبال المقابلة يمينا وشمالا مما يلي حوائط ابن عامر وطريق الحضن. قال أبو عمرو: هو الحضن بالحاء غير المنقوطة والضاد المنقوطة المفتوحتين وبعدهما نون، وهو اسم جبل،

قَالَ صاحب النهاية: وتطيف بمنعرجات عرفة جبال وجوهها المقبلة من عرفة. وقال أبو زيد البلخي: عرفة ما بين وادي عرنة إلى حائط ابن عامر، إلى ما أقبل على الصخرات التي يكون بها موقف الإمام، إلى طريق حضن، قَالَ: وحائط ابن عامر عند عرنة، وبمقربة المسجد الذي يجمع فيه الإمام بني الظهر والعصر، وهو حائط نخيل، وفيه عين، وينسب إلى عبد الله بن عامر بن كرز. قال الإمام أبو عمرو: هو الآن خراب ووادي عرنة المذكور هو في طرف عرفات من جهة منى ومكة يقطعها من يجئ منها إلى عرفات. وذكر بعض من حدد عرفات من أصحابنا أن الحد الواحد منها ينتهي إلى جادة طريق المشرق وما يلي الطريق، والحد الثاني ينتهي إلى حافات الجبل الذي وراء أرض عرفات، والحد الثالث إلى الحوائط التي تلي قرية عرفة، وهذه القرية على يسار مستقبل القبلة إذا صلى بعرفة، والحد الرابع ينتهي إلى وادي عرنة الذي شرحنا حاله، وليس من عرفات وادي عرنة ولا نمرة، وهي في بطن عرنة، ولا المسجد الذي يجمع فيه الإمام الصلاتين، ويقال له مسجد إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليست عرفات من الحرم، وينتهي الحرم من تلك الجهة عند العلمين المنصوبين عند منتهى المأزمين وهما معروفان ظاهران.

وتمادينا في الوقوف بموقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشرف وكرم إلى أن غربت الشمس وتفرق الجمع وأفاض الناس، وجاء أمير مكة الشريف أبو نمى محمد بن أبي سعد الحسنى في جيشه، ووقف ما بين موقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومصلى الإمام، وفي ذلك الوقت أفضنا وتركناه. وكان مما أجرى الله على لساني في تلك العيشة المباركة: اللهم أنا قد تذللنا إليك ثقة بعفوك، وتدللنا عليك ثقة بكرمك. وكنت في تلك الليلة قد قدمت ثقلي مع الراحلة وبقيت مخفا فلما كان عند آخر عرفة ونحن نريد سلوك طريق المأزمين إذ هي الجادة إلى مزدلفة، ومحل الأمن، وهو بين العلمين اللذين في حد الحرم من تلك الجهة، والمأزم بكسر الزاي، ومعناه المضيق بين الجبلين، وكان معي ثلاثة نفر من صحبي، لقينا الشيخ الفقيه العالم الزاهد الورع أبا على عمر بن الصواف نزيل الإسكندرية نفع الله به مع رفيق له، وكان ذلك الرفيق شديد الدربة حسن المعرفة بالطريق، وبتلك الأماكن الشريفة، فصحبناهما للاقتداء بهما، وكان الشيخ الفقيه أبو علي يقول لنا: اسلكوا الطريق الوسط يعني التي هي طريق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أن تغلبوا عليها، فكنا نسلك نعم الطريق، فإذا غلبنا عليه بشدة الزحام تعلقنا بالجوانب إلى أن بلغنا مزدلفة بعد مغيب الشفق، فقلت للشيخ أبي علي عندما شارفنا مزدلفة: إني لست على وضوء وليس لي ماء، فأشار إلى إتباع الحكم الشرعي: إن وجد الماء وإلا فالصعيد، وكنت شديد الظمأ، لأني كنت قد فارقت رحلي مع حركة المشي. فلما وافينا المزدلفة أخرج من عند رفيقه زميزمية صغيرة جدا، من التي يصنع في اليمن، تخفى تحت إبط الحامل بحيث يواريها إبطه فأفرغ لي منها فشربت، ثم

آثرت صحبي، فلم استنطف ما في الإناء، وتركت لصاحبي الوزير أبي عبد الله ما قدرت أنه لا يرويه، فشرب ثم ناول أصحابنا فشربوا بجملتهم، وليس منا من ترك الإناء إلا وهو يرى أن ما أفضل لا يروي صاحبه، ثم أفرغ لنا وتوضأنا، وكثر الله ذلك القليل فكفانا، وما عاينت بركة ولا كرامة ظاهرة لأحد من شيوخنا في سفر إلا تلك، وصلى بنا جمعا على سنة الجمع، وفي الصبح أيضا مثل ذلك فلم نحتج إلى تيمم، وبتنا خير مبيت في أنعم بال وأفضل حال، وقدم لنا يسير كسر مع نتفه من إدام كان فيه يسير خيار، فحصل لنا الري والشبع والصلاة بطهارة الماء ومماشاة ذلك الفاضل والاقتداء به في القفول من عرفة إلى منى، كما حصلت مماشاة الفاضل أبي محمد المرجاني في التوجه من منى إلى عرفة شرفهما الله، نحمد الله على جميل عوائده، وجزيل فوائده، فهو أهل الحمد والشكر. فلما صلينا الصبح أتينا المشعر الحرام فوقفنا به حتى أسفر جدا، ثم دفعنا إلى منى، وعندما وافينا بطن محسر، وهو واد بين مزدلفة ومنى، أمرنا بالإسراع عنده وهو قدر رمية بحجر وضبطه بكسر السين وتشديدها، أسرعنا، كذلك حتى قطعنا عرض الوادي، ومن كان راكبا فحكمه أن يحرك دابته. قال الإمام أبو عمرو رحمه الله: وأول مُحسّر من القرن المشرف من الجبل الذي على يسار الذاهب إلى منى، ثم يخرج منه سائرا إلى منى، سالكا للطريق الوسطى التي تخرج إلى العقبة، وليس وادي محسر من المزدلفة ولا من منى، وهو مسيل ماء بينهما، وقيل سمى محسرا لان فيل أصحاب الفيل حسر في ذلك الوادي أي أعيا، يقال: حسر البعير بكسر السين إذا أعيا فكأن ذلك الموضع حسر الفيل، أي جعله

يعيا، والله أعلم، وأهل مكة يسمونه وادي النار يقال إن رجلا اصطاد فيه فنزلت نار فأحرقته، والله أعلم رجع القول بنا إلى حد المزدلفة: وحدها فيما قاله الإمام أبو عمرو النصري رحمه الله: من مأزمي عرفة المذكورين إلى قرن محسر يمينا، وشمالا من تلك المواطن القوابل والظواهر والشعاب والحبال كلها، وليس المأزمان ولا وادي محسر من المزدلفة. قلت: مزدلفة تسمى أيضا جمعا، وقد قلت في ذلك ملغزا: وما اسم أرض فريد ... وإن تشأ فهو جمع وفيه للفعل وقف ... وفيه للحرف دفع وفيه للجمع صرف ... وفيه للصرف منع وبها قزج، وهو بقاف مضمومة بعدها زاي منقوطة، وهو آخر المزدلفة وهو جبيل صغير، قَالَ الإمام أبو عمرو رحمه الله: والمعروف عندنا في أمهات الكتب الفقهيه الحرام، وفي كثير من كتب تفسير القرآن والحديث أن المشعر الحرام هو المزدلفة بجملتها، وفي الآثار ما يشهد لكل واحد من القولين.

قال الإمام أبو عمرو: ويرقى على قزح إن أمكنه وإلا وقف عنده وتحته. قال: وقد استبدل الناس بالوقوف على الموضع الذي ذكرناه الوقوف على بناء مستحدث، في وسط المزدلفة، ولا تتأدى بذلك هذه السنة، والله المستعان. ذكر ما كتبناه واستفدناه في ذكر المشعر الحرام، زيادة على ما ذكر. قال الزمخشري: المشعر الحرام قزح، وهو الجبل الذي يقف عليه الإمام وعليه الميقدة " ووجدت حاشية على الموضع، أظنها عن الزمخشري: كان أهل الجاهلية يوقدون فيه النار، والان توقد فيه الشموع. قال: وقيل المشعر الحرام ما بين جبلي المزدلفة، من مأزمي عرفة إلى وادي محسر، وليس المأزمان ولا وادي محسر من المشعر الحرام، والصحيح أنه الجبل

لما روى جابر، " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صلى الفجر يعني بالمزدلفة، بغلس ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعا وكبر وهلل ولم يزل واقفا حتى أسفر. وقوله تعالى:] عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [سورة البقرة: 198] معناه مما يلي المشعر الحرام قريبا منه وذلك للفضل كالقرب من جبل الرحمة، وإلا فالمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر، أو جعلت أعقاب المزدلفة لكونها في حكم المشعر ومتصلة به عند المشعر، والمشعر المعلم، لأنه معلم العبادة، ووصف بالحرام لحرمته، وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه نظر إلى الناس ليلة جمع، فقال: «لقد أدركت الناس هذه الليلة لا ينامون» . وهناك التقطنا حصى الجمار للرمي بمنى، والمالكية تلتقط، والشافعية تكسر ولم نزل نلبي إلى رمي جمرة العقبة كما صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتسمى الجمرة الكبرى وهي تحية منى لا يبدأ بغيرها. ولما رمينا جمرة العقبة اجتمعنا هناك بأصحابنا ورحالنا، وضربنا خيمنا وذبحنا نسكنا، وحلقنا وألقينا تفثنا، وفي ذلك قلت بعد من قصيد: وفي حمى عرفات أهل عرفاتي ... وعند جمع تلاقى جمع إخواني أكرم بهم معشرا كالزهر قد طلعوا ... في مشعر، أشعروا فيه بغفران وفي منى نجل أبكار المنى سفرت ... تختال من كثب ما بين كثبان وحين ملنا لخيمات لنا نظمت ... عقدا تألف من در ومرجان قيد البصائر والأبصار بهجتها ... تعز وصفا على قس وسحبان تخال ألوانها زهرا تفتح في ... روض فما شئت من أصناف ألوان

ورد أقاح بهار نوفر شقر ... بنفسج نرجس مفتر سوسان بتنا ونحن من الأفراح في شأن ... ولا رقيب ولا واش ولا شأني حتى قضينا بها ما سن من قرب ... رميا وحلقا وتقريبا لقربان ومنى حدها فيما قاله الإمام أبو عمرو رحمه الله: " ما بين محسر إلى العقبة التي ترمي إليها جمرة العقبة، ومنى شعب طوله نحو ميلين وعرضه يسير، والجبال المحيطة به ما أقبل منها عليه فهو من منى، وما أدبر منها فليس من منى. ومسجد الخيف في أقل من الوسط مما يلي مكة، وجمرة العقبة في آخر منى مما يلي مكة، وليست العقبة التي تنسب إليها الجمرة من منى، وهي العقبة التي بايع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عندها الأنصار قبل الهجرة والمرمى مرتفع قليلًا في سفح الجبل. ثم توجهنا إلى مكة شرفها الله تعالى لأداء طواف الإفاضة، فقضيناه والحمد لله على نعمه التي لا تحصى، حمدا يفوت عد القطر والرمل والحصى. ذكر فائدة عنت في الطواف وطالما أتعبت وعنت: حال الكعبة وبناؤها في الجاهلية، وحضور النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك وحمله معهم الحجارة، ووضعه الركن بيده الكريمة، وعجزهم عن النفقة، فلم يتموا البيت على قواعد إبراهيم، وترك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك لحدثان أهل الإسلام من قومه بحالة الكفر، وأنه لم يستلم إلا الركنين اليمانيين الذي فيه الحجر والذي يليه، وإكمال عبد الله بن الزبير ذلك، وهدمه الكعبة حتى بلغ بها الأرض

وإتمامها على قواعد إبراهيم، وإدخال الحجر في البيت، بعد أن عاين الناس أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل، وإلصاقه الباب الشرقي بالأرض، وفتحه بابا غربها، زمن خلافته لما سمع في ذلك من خالته عائشة رضي الله عنهما، وذلك سنة خمس وستين، وتغيير عبد الملك لما فعله ابن الزبير، ثم ندمه على ذلك لما بلغه الحديث، كل ذلك معلوم مقطوع به. ثم نشأت مسألة الله أعلم بوقت نشء الكلام فيها، وهو ما أحاط بالبيت ملتصقا به أسفل الجدار ما بين الركنين اليمانيين وهو الذي يسمى بالشاذروان وكان بسيطا ثم زهق في هذا العهد الأخير حتى صار كأنه مثلث احتياطا فيما زعموا على الطائفين أن لا يفسدوا طوافهم بكونهم إذا طافوا ماشين عليه حيث كان بسيطا يكون طوافهم في جزء من البيت، وكان منتهاه إلى قريب الركن، ولم تكن تحت الحجر الأسود، من هذه الزيادة الظاهرة شيء، ثم زيدت بمقدار سائره في المدة الأخيرة. وهذا الاسم أعني الشاذروان لفظة عجمية، وهي بلسان الفرس: زارهو الذهب بلغة الفرس، بكسر الذال اسم للزربية وجمعها زرابي، وهي فرش ملونة

بصفرة وحمرة وخضرة، ولا شك أنها استعيرت لهذا المفترش البنياني الضيق القصير الارتفاع الذي أحاط بالبيت من هذه الجهة، وهي استعارة بعيدة، ومن يقول الزربية هي الوسادة تكون الاستعارة أقرب، كأنها وسائد وسدت إلى البيت، والله أعلم. ولا توجد هذه التسمية ولا ذكر مسماها في حديث صحيح ولا سقيم ولا عن صحابي، ولا عن أحد من السلف فيما علمت، ولا لها ذكر عند الفقهاء المالكيين المتقدمين والمتأخرين إلا ما وقع عند أبي محمد ابن شاس الإمام في جواهره. وتبعه على ذلك الإمام أبو عمرو ابن الحاجب رحمهما الله، وذلك لا شك مما نقلاه من كتب الشافعية، إذ لا تعرفه المالكية ولا يعرفه أهل النقل والأثر، إلا ما وقع في كتب الشافعية، وأقدما من ذكر ذلك فيما وقفت عليه المزني، حسبما نقله صاحب الشامل وفسره. وأنا أورد ما حضر من ذلك، للهج المتأخرين بذكره، وإفساد طواف من

طاف عليه ماشيا أو رافعا إحدى رجليه، وهي اليسرى، معتمدا على جدار البيت لئلا يفوته تقبيل الركن عند الازدحام، فنقول والله المرشد: قَالَ الإمام أبو عمرو ابن الصلاح رحمه الله: الواجب السادس أن يكون في طوافه خارجا بجميع بدنه عن جميع البيت، ولو طاف داخل البيت لم يصح، ولو طاف على شاذوران البيت أو في الحجر، فلا يصح أيضا لأنه طائف في البيت، وذلك أن الشاذوران والحجر كلاهما من البيت. أما الشاذوران فهو القدر الذي ترك في عرض الأساس خارجا عن عرض الجدار خاليا من البناء، فإن قريشا لما رفعوا الأساس بمقدار ثلاث أصابع من وجه الأرض نقصوا عرض الجدار عن عرض الأساس الأول، فبقي ذلك القدر من عرض أصل الجدار جزءا من البيت العتيق المأمور بطوافه خارجا عن الجدار المرتفع، وهو ظاهر لكن لا يظهر عند الحجر الاسود، وقد أحدث عنده في زماننا شاذوران، والشاذوران يصعده الجاهل فيمشي بطوافه عليه، فيبطل طوافه لأنه يكون طائفا في البيت، ولو مر خارج الشاذوران وهو يمس الشاذوران بيده فالأصح الذي عليه الأكثرون من أئمتنا أنه لا يصح طوافه، لأن يده إذا كانت في هذا الشاذوران فهي في البيت، والشرط أن يكون جميع بدنه منفصلًا عن البيت وعند هذا ينبغي أن يتفطن لدقيقة ذكرها بعض المتأخرين من أيمتنا وهي أن من قبل الحجر الأسود فرأسه في حالة التقبيل في البيت فعليه أن يقر قدميه في موضعيهما حتى يفرغ من التقبيل ويعتدل قائما فإنه لو زالت قدماه عن موضعيهما قليلا ولو بقدر شبر، ثم لما فرغ من التقبيل اعتدل قائما عليهما في الموضع الذي زالا إليه، ومضى من هناك في طوافه لكان قد قطع قدر شبر من مطافه مع كون بعض جسده في هواء الشاذوران الذي هو من البيت فيبطل طوافه كما سبق. وأما الحجر فهو خارج عن جدار البيت في صوب الشام والمغرب، والميزاب فيه فوقه، وهذا الحجر محوط مدور على صورة نصف دائرة، والحجر أو بعضه من البيت، أخرجته قريش من البيت حين بنوه، لكون النفقة من الحلال قصرت

بهم، فينبغي للطائف أن يطوف حول الحجر وراءه ولا يدخل إليه في طوافه وذكر صاحب نهاية المطلب ووالده، أنه لو دخله وبعد عن البيت بمقدار ستة أذرع وطاف وراءها واستظهر أجزأه، وإن كان مكروها، كذا وقع مكروها، والذي قاله والده أنه مستنكر عند الناس غاية الاستنكار، والحجة لهذا ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أن ستة أذرع من الحجر من البيت» وذكر صاحب التهذيب فيه: أنه إذا طاف فيه وراء سبعة أذرع جاز، والحجة لهذا أنه جاء في بعض روايات مسلم للحديث: «أن من الحجر قريبا من سبع أذرع من البيت» ، وهذا يوجب استيفاء السبع لإسقاط الفرض بيقين، والصحيح والمعتمد، يعني في الطواف، أنه يجب الطواف بجميع الحجر ولا يجوز دخوله بل حوله خارجا منه لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هكذا فعل في طوافه. وأما حديث عائشة رضي الله عنها ففي رواية منه ثابتة في الصحيحين: أن الحجر من البيت، وقد اضطربت الرواية عنها فروي ستة أذرع، وروي ستة أذرع أو نحوها، وروي خمسة أذرع، وروي قريبا من سبعة أذرع، وروي أن الحجر من البيت، وإذا اضطربت الروايات تعين الأخذ بأكثرها ليسقط الفرض بيقين، وهذا

المذهب، فهو الذي نص عليه الشافعي رضي الله عنه. وقال أيضا في كيفية الطواف على التمام: إذا دخل المسجد فليؤم الحجر الأسود، وهو في الركن الذي يلي باب البيت في صوب المشرق ويسمى الركن الأسود ويقال له وللركن اليماني الركنان واليمانيان، وارتفاع الحجر الأسود من الأرض ثلاث أذرع إلا سبع أصابع، والمستحب أن يستقبل الحجر الأسود بوجهه، ويدنو منه بشرط ألا يؤذي أحدا بالمزاحمة فيستلمه بيديه، وقد قيل يستمله بإحدى يديه أو بكلتيهما ثم يقبله من غير صوت يظهر في القبلة، ويسجد عليه يكرر التقبيل والسجود عليه ثلاثا. ثم قَالَ: " والاستلام مأخوذ من السلام بكسر السين وهي الحجارة، زاد غيره يعني إذا مس الحجر قيل استلم أي مس السلام بيده، وقيل من السلام بفتح السين وهو التحية. زاد غيره، أي انه يحيى نفسه عن الحجر، إذا ليس الحجر ممن يحييه يقال اختدم إذا لم يكن له خادم. قال الإمام أبو عمرو: وكيفية ابتداء الطواف إلى انتهائه أنه يحاذي جميع الحجر بجميع بدنه فلا يصح طوافه حتى يمر بجميع بدنه على جميع الحجر، وذلك بأن يستقبل البيت، ويقف إلى جانب الحجر لا من حيث الباب بل من الجانب الآخر إلى صوب الركن اليماني، حيث يصير كل الحجر عن يمين نفسه ومنكبه الأيمن عند طرف الحجر الأيمن، ثم ينوي الطواف لله سبحانه وتعالى، ثم يمشي وهو مستقبل الحجر مارا إلى صوب يمينه حتى يجاوز الحجر، فإذا جاوز الحجر

انفتل وجعل يساره إلى البيت، ويمينه إلى خارج، وإن فعل هذا من الأول وترك الاستقبال في مروره على الحجر جاز ذلك، ويمشي هكذا تلقاء وجهه، طائفا حول البيت أجمع، فيمر على الملتزم إلى الباب ثم إلى الركن الذي يسمى العراقي، وهو الثاني بعد الأسود، ثم يمر على الحجر وهو بكسر الحاء وسكون الجيم وهو في صوب الشام والمغرب، فيمشي حوله إلى أن ينتهي إلى الركن الثالث الذي يسمى الركن الشامي، ويقال له وللركن الثاني الذي قبله الركنان الشاميان، وربما قيل الركنان الغربيان، ثم يدور خلف الكعبة سائرا إلى أن ينتهي إلى الركن الرابع المسمى بالركن اليماني، ثم يسير منه إلى الحجر الأسود حتى يعود إلى الموضع الذي بدأ منه فيكمل له حينئذ طوفة واحدة، ثم يطوف كذلك حتى يكمل سبع طوفات. وكره الشافعي أن يسمى الطواف شوطا ودورا، ورواه عن مجاهد رضي الله عنهما " ثم ذكر حكم الترتيب، قَالَ: وهو في أمرين: أحدهما أن يبتدئ بالحجر الأسود ويمر بجميع بدنه على جميع الحجر على الصفة التي شرحناها أولا، فلو ابتدأ بغير الحجر الأسود أو لم يمر بجميع بدنه لم يحسب له ذلك إلى أن ينتهي إلى محاذاة الحجر الأسود فيجعل ذلك أول طوافه ويلغي ما قبله ويحتاج إلى زيادة طوفة ثامنة حتى يصح سبع، فافهم ذلك، فإنه يدخل من جهته الفساد على حج كثير من الناس. الأمر الثاني: أن يجعل في طوافه البيت على يساره كما سبق بيانه، فلو طاف والبيت على يمينه فهذا طواف باطل منكس، ولو استقبل البيت بوجهه وطاف به فالأصح أنه لا يصح أيضا، وليس شيء من الطواف يجوز باستقبال البيت إلا ما ذكرناه أولا من أنه يمر في ابتداء الطواف على الحجر الأسود مستقبلًا له، فيقع

الاستقبال قبالة الحجر لا غير، وذلك في الطوفة الأولى، خاصة دون ما بعدها. وهذا الاستقبال ذكره القاضي أبو الطيب والشيخ أبو حامد الاسفرايني في طائفة من الأيمة العراقيين، وهو مستحب، فلو أنه تركه ومر بالحجر ويساره إليه وسوى بين الطوقة الأولى وباقي الطوفات في ذلك، بان ذلك لم يذكر صاحب النهاية في طائفة من الخراسانيين إلا هذا، ولم يذكروا هذا الاستقبال أيضا وهو غير الاستقبال المستحب عن لقاء الحجر قبل ابتداء الطواف، فذلك مستحب لا كلام فيه. انتهى ما أردنا إيراده من كلام الإمام أبي عمرو، وإن أطلنا في تتبع أمكنته وجمع مفترقه فطلبا للإفادة بما يعز وجوده ويعجز عن مثل هذا البيان بيانه، والله المرشد، وقال الإمام أبو نصر عبد السيد بن الصباغ، البغدادي الشافعي رحمة الله في شامله: يبتدئ بالطواف من الركن الذي فيه الحجر لما روي في حديث جابر: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه من البكاء» .

وروى نحو ذلك ابن عمر، ثم قَالَ: " يستحب له أن يستقبل الحجر محاذيا له بجميع بدنه، وهل الواجب عليه أن يحاذيه بجميع بدنه أو يحاذيه ببعض بدنه قولان، قَالَ في القديم: يحزيه أن يحازيه ببعض بدنه لأنه حكم يتعلق بالبدن فأجزأ فيه بعضه كالحد، وقال في الجديد: لا يجزيه لأن ابن عمر روى «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما دخل المسجد استقبل الحجر واستلمه» وظاهر هذا استقباله بجميع بدنه، ولأن ما لزم استقباله لزمه بجميع بدنه كالقبلة، فأما إن استقبل بجميع بدنه بعض الحجر، إن تصور ذلك فإنه يجزيه، كما إذا استقبل بجميع بدنه بعض البيت في الصلاة، ثم قَالَ: " إذا ثبت هذا فإنه يأتي من عن يمين الحجر، ثم يجتاز بجميع بدنه على يمين نفسه ويحاذي يساره يمين الحجر، ويطوف سبعا، فإذا انتهى في السابعة إلى الموضع الذي منه بدأ أجزأه، فأما إن حاذي ببعض بدنه جميع الحجر أو بعضه فإن قلنا يجزيه كان على ما ذكرناه، وإن قلنا لا يجزيه لم يعتد بالطوفة الأولى لأنه ابتدأ من حيث لا يجوز له، فإذا أتم سبعا دونها أجزأه. وإذ قد فرغنا من هذا الفصل مجودا فلنرجع إلى ذكر الشاذروان، وننقل ما قلنا من أن ابن الصباغ ذكره، فنقول قَالَ: رحمه الله في الشامل. مسألة: قَالَ يعني المزني: وإن طاف فسلك الحجر أو على جدار الحجر أو على شاذروان الكعبة لم يعتد به في الطواف، وحجة ذلك أنه إذا سلك الحجر فإنه

لا يحتسب له بطوافه فيه ويعيده لأن الحجر من البيت ولم يطف به، وكذلك إذا طاف على شاذروان الكعبة لأنه لم يطف بجميعهما لان الشاذروان منها وعند أبي حنيفة يجزيه ما بعد الحجر لأنه لا يعتبر فيه الترتيب. هذا أقدم ذكر نعرفه للشافعية في الشاذروان. وقال أبو محمد ابن شاس في الجواهر، ولا شك أنه تبع كتب الشافعية، إذ ليس له ذكر في كتب المالكية القدماء، ولا في الحديث ولا في الآثار في علمي: إن واجبات الطواف ستة، فذكر الأول ثم قَالَ: الثاني: الترتيب وهو أن يجعل البيت على يساره ويبتدئ بالحجر الأسود، ولو جعله على يمينه لم يصح، ولزمته الإعادة، وقيل إذا رجع إلى بلده لم تلزمه إعادة ولو بدأ بغير الحجر لم يعتد بذلك الشوط إلى أن ينتهي إلى الحجر، فمنه يبتدي الاحتساب. الثالث: أن يكون بجميع بدنه خارجا عن البيت فلا يمشي على شاذروانه ولا في داخل محوط الحجر فإن بعضه من البيت.

وقال الإمام أبو عمرو بن الحاجب في واجبات الطواف أيضًا: الثالث: أن يطوف خارجه لا في محوط الحجر ولا شاذروانه، داخل المسجد لا من ورائه ولا من وراء زمزم وشبهه على الأشهر إلا من زحام. ووقع له ذكر مقتطف في كتاب الصريح من شرح الصحيح للقاضي أبي بكر ابن العربي رحمه الله، وهو أقدم من ابن شاس من غير تعرض لبيان حكم، قَالَ رحمه الله: شاهدتها يعني الكعبة سنة تسع وثمانين يعني وأربع مائة، وهي مكشوفة لم تستر في ذلك العام لأمر بيناه في كتاب ترتيب الرحلة، فتأملتها مرارا وقست خارجها والحجر والشاذوران كذا ضبط عنه، والمعروف في لغة الفرس الكسر في الذال، واعتبرت الملتزم وهو ما بين الركن والباب، ثم ذكر ذرعها ولم يزد، وأبدع تصويرها. فلنرجع إلى الكلام معهم في المسألة، فنقول: انعقد إجماع أهل العلم قبل نشء هذا المذهب وطرو هذا الاسم الفارسي على أن البيت متمم على قواعد إبراهيم من جهة الركنين اليمانيين، ولذلك استلمهما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون الآخرين، وأن ابن الزبير لما نقضه وبناه إنما زاد فيه من جهة الحجر، وأقامه على الأسس الظاهرة التي عاينها العدول الخيار من الصحابة وكبراء التابعين رضي الله عنهم أجمعين، وما كان يمنع ابن الزبير من إقامة الجدار اليماني على آخر الشاذروان وهو خليفة. وكذلك وقع الاتفاق على أن الحجاج لما نقض البيت بأمر أميره عبد الملك لم ينقض إلا جهة الحجر خاصة، وأعاد فرش سطح داخل الكعبة إلى ما كان من الارتفاع، وغلق الباب الغربي، إذ كان ابن الزبير رضي الله عنهما، قد ألصق سطح

البيت بالأرض وفتح له بابا غربيا، وترك الحجاج أيضا ما زاده ابن الزبير في ارتفاع البيت على حاله، ولا ذكر في شيء من هذا العمل كله للشاذروان. وقد ذكر أبو نصر ابن الصباغ في استلام الركنين الأسود واليماني، وها اليمانيان، وأن أبا حنيفة قَالَ في اليماني: لا يستلم، قَالَ: واحتج أبو حنيفة بأنه لا يقبله فلا يستلمه كالركنين الآخرين ودليلنا ما روى ابن عمر «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يستلم الركن اليماني والأسود في كل طوفة، ولا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر» وروى عنه أنه قَالَ: «ما أراه لم يستلم الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم، وأما قياسهم على الركنين الآخرين قلنا لم يبن على قواعد إبراهيم» ، وهذا الركن بني على قواعد إبراهيم فافترقا. فقد أقر أبو نصر في نصرة مذهبة في التفرقة بين اليمانيين وغيرهما: أن اليمانيين على قواعد إبراهيم فأي وجود للشاذروان، ولو كان الشاذروان من البيت لكان الركن الأسود داخلًا في البيت، فلم يكن متمما على قواعد إبراهيم، ويعضد هذا أنه لم يكن هناك تحت الركن الأسود هذا الشاذروان، وإنما أحدث بعد صونا للجدار وتقوية له، والله أعلم، وأمر الشاذروان شيء ظاهر البطلان، والله أعلم. وقال الإمام الشافعي أبو زكرياء النواوي، رحمه الله: الركن الأسود فيه فضيلتان: احداهما كونه على قواعد بناء إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والثانية: كونه الحجر الاسود. وأما اليماني ففيه واحدة وهى كونه على قواعد إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأما الركنان الآخران فليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين، فلهذا خص الحجر،

الأسود بشيئين: الاستلام والتقبيل للفصيلتين وأما اليماني فيستلمه ولا يقبله لأن فيه فضيلة واحدة، وأما الركنان الآخران فلا يقبلان ولا يستلمان والله أعلم، وقد أجمعت الأمة على استحباب استلام الركنين اليمانيين، واتفق الجماهير على أن لا يمسح الركنين الآخرين، واستحبه بعض السلف، وممن كان يقول باستلامهما الحسن والحسين ابنا على وابن الزبير وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك، وعروة بن الزبير، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، رضي الله عنهم. قال القاضي أبو الطيب: أجمعت أيمة الأمصار والفقهاء، على أنهما لا يستلمان، قَالَ: وإنما كان فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين، وانقرض الخلاف، وأجمعوا أنهما لا يستلمان والله أعلم. فهذا إمام من أئمة الشافعية المتأخرين، يصرح بأن اليمانيين متممان على قواعد إبراهيم. فمن أين نشأ الشاذروان؟ وقال القاضي أبو الفضل عياض في إكماله: «وقوله لم أر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح إلا الركنين اليمانيين، وفي الآخر إلا الحجر والركن اليماني، وفى الآخر الركن الأسود والذي يليه، كله متفق، لأن اليمانيين على أس البيت، وركنان له، والآخرين بعض الحائط وليسا ركنين صحيحين، لأن الحجر وراءهما» ، وجمهور العلماء على استلام الركنين اليمانين دونهما، وروي عن بعض السلف استلام الجميع، وما حكي عن ابن الزبير من استلامه الأربع، قَالَ القابسي: لأنه كان بني

البيت على قواعده الأربع فكانت أركانا كلها، قَالَ القاضي: ولو بني الآن على ما بناه ابن الزبير، لاستلمت كلها كما فعل ابن الزبير ". فهذان إمامان أبو الحسن القابسي ومكانه في المذهب كبير، والقاضي أبو الفضل ومكانه في النبل جليل، قد اتفقا على التنصيص على أن اليمانيين على قواعد إبراهيم. وهذا عندي أمر لا يحتاج إلى نقل، والمتشكك فيه كمن يتشكك في قاعدة من قواعد الشريعة المعروفة عند جميع الأمة. والله أعلم. فلنرجع إلى بيان بعض ما فيه إشكال من كلام الإمام أبي عمرو بن الصلاح رحمه الله. قوله: ولو مر خارج الشاذروان، وهو يمس الشاذروان بيده فالأكثر الذي عليه أئمتنا أنه لا يصح طوافه فقوله: وهو يمس الشاذروان بيده، لا يمكن تصوره لأنه إنما يكون للماشي عليه تحت قدمه فكيف يمسه بيده إلا أن يريد به هواء الشاذروان وما حاذاه من الجدار، فيصح تصوره، أو يكون ذلك في حق من طاف زاحفًا لمرض أو زمانه، فاعلم ذلك. وما ذكره من أن قريشا لما رفعوا الأساس بمقدار ثلاث أصابع من وجه الأرض، وهو القدر الظاهر الآن من الشاذوران الأصلي قبل تزليقه، نقصوا عرض الجدار عن عرض الأساس الأول فهذا لم يأت في حديث صحيح ولا من قول صاحب يصح سنده ش، ولعل ذلك من نقل التاريخيين، والذي وقع عند التاريخيين من ذلك ما لخصه أبو عبيد في كتاب المسالك والممالك له: أن ابن الزبير لما هدم الكعبة وألصقها كلها بالأرض من جوانبها جميعا وظهرت أسسها وأشهد الناس عليها، فقال لهم ابن الزبير: اشهدوا، ثم وضع البناء على ذلك الأساس، ووضع جدار الباب باب الكعبة على مدماك على الشاذروان اللاصق بالأرض، وجعل الباب

الآخر خلفه بإزائه بظهر الكعبة، وجعل عتبته على الحجر الأخضر الطويل الذي في الشاذروان الذي في ظهر الكعبة قريبا من الركن اليماني، وكان البناة يبنون من وراء الستر، والناس يطوفون من خارج، فلما ارتفع البنيان إلى موضع الركن، وكان ابن الزبير حين هدم البيت جعل الركن في ديباجة وأدخله في تابوت وأقفل عليه، وجعله عند دار الندوة، وعمد إلى ما كان في الكعبة من حلية فوضعه في خزانة الكعبة في دار شيبة بن عثمان، فلما بلغ البنيان موضع الركن أقامه بموضعه، فنقر في حجرين: حجر المدماك الذي تحته، وحجر من المدماك الذي فوقه بقدر الركن، فلما فرغوا منه أمر ابن الزبير ابنه عباد بن عبد الله، وجبير بن شيبة بن عثمان، أن يحملاه في الثوب، وقال لهما ابن الزبير: إذا دخلت في الصلاة صلاة الظهر فاحملوه واجعلوه في موضعه، فأنا أطول الصلاة، فإذا فرغتم فكبروا حتى أخفف صلاتي، وكان ذلك في حر شديد، فلما أقيمت الصلاة وكبر ابن الزبير وصلى بهم ركعة خرج عباد بالركن، وهو يحمله، ومعه جبير بن شيبة، ودار الندوة يومئذ قريب من الكعبة فخرقا به الصفوف حتى أدخلاه في الستر الذي دون البيت، وكان الذي وضعه في موضعه هذا عباد بن عبد الله بن الزبير، وأعانه عليه جبير بن شيبة، فلما جعل في موضعه وطوق عليه الحجران كبرا، فأخف ابن الزبير صلاته، وتسامع الناس بذلك، وغضب فيه رجال من قريش حين لم يحضرهم ابن الزبير لإنزاله، وقالوا: قد تنافست قريش في رفعه حين بنيت الكعبة، حتى حكموا فيه أول من يدخل عليهم

الباب، فطلع عليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعله في ردائه ودعا من كل قبيلة من قريش رجلا واحدا فأخذوا بأركان الثوب، ثم وضعه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في موضعه، وكان الركن قد تصدع عند الحريق ثلاث فرق وتشظت منه شظية كانت عند بعض آل شيبة بعد ذلك بدهر طويل، فشده ابن الزبير بالفضة إلا تلك الشظية من أعلاه موضعها بين في أعلى الركن، وطول الركن ذراعان، ومؤخرة داخل الجدار مضرس على ثلاثة رؤوس. قال ابن جريج: فسمعت من يصف لون مؤخرة الذي في الجدار، قَالَ بعضهم مورد، وقال بعضهم: هو أبيض. انتهى ما أوردناه مما ذكره هذا الإمام، وهو صدر في المتأخرين. وذكر الشاذروان ولم يقل إنه أساس البيت أو جزء منه خارج الكعبة وظاهر كلامه أنه المنبسط الذي هو سطح الكعبة اللاصق بالأرض فأما أن يكون مراعى في الطواف عدم جواز السير على الشاذروان فهو الصحيح المتواتر النقل، فاعلم ذلك والله المرشد فلتزد في ذلك بحثا.

وهب قريشا فعلت ذلك فلم أبقاه بن الزبير، وهو مقدم هدم الكعبة كلها من جميع جهاتها حتى ألصقها بالأرض وهذا مما لم يختلف فيه اثنان من النقلة. وكان هدمها يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة سنة أربع وستين، ووضع جدار الباب، باب الكعبة على مدماك على الساف، والمدماك وسافات البناء طاقاته التي تكون بعضها على بعض، فكل صف ساف، قَالَ صاحب الصحاح: والمدماك الساف من البناء، وأنشد الأصمعي: ألا يا ناقض الميثاق ... مدماكا فمدماكا قال: والمدماك المطملة وهو ما يوسع به الخبز. قول أبي عبيد: «الذي في الشاذروان الذي في ظهر الكعبة، قريبا من الركن اليماني لا يريد به أن الشاذروان خارج الكعبة، وإنما أراد بظهرها مقابل وجهها الذي فيه الركن الأسود، والشاذوران الذي ذكر في الموضع هو الذي جعل ابن الزبير عتبة الباب الآخر على الحجر الأخضر الطويل الذي فيه بظهر الكعبة لأنه قد ذكر أن فيه حجرا أخضر، وليس في تلك الجهة شاذروان خارج الكعبة باتفاق. فظهر أن ذلك الذي يسميه الناس اليوم بالشاذروان اسم حادث صنع ليصان به الجدار، لانخفاض تلك الجهة التي بين الركن الأسود واليماني، خيفة إجحاف السيول، والله اعلم.

وقد قدمنا شرح هذا الاسم بلسان الفرس، وليس في لسان العرب، ولا وجدته في اللغة لا عربيا ولا معربا، وهو عبارة عن درجة مجصصة يكون ارتفاعها عظم الذراع في عرض مثله بنيت حول البيت كله إلا موضع الركن الأسود كما ذكر ذلك ابن عبد ربه في العقد في صفة الكعبة، وفيه إشارة إلى أنه جعل حول البيت ما يقيه من السيول. وكذلك ما قاله من» أنه ينبغي أن يتفطن لدقيقة ذكرها بعض المتأخرين فهذه الدقيقة تغيب عن الصحابة ومن بعدهم، فلا يتنبه أحد لها ولا نبه حتى نبه على ذلك بعض المتأخرين إن هذا لمن البعيد القصي في الغاية. وقوله: من غير صوت يظهر في القبلة. يعني أنه يكون لثما، وهذا الذي قاله هو أيضا مذهب مالك رحمه الله. وقوله: يسجد عليه يكرر التقبيل والسجود عليه ثلاثا. هذا التحديد بالثلاث لا أذكره الآن في الأحاديث الواردة في الباب، وأما السجود عليه فمن العلماء من استحبه، ومن العلماء من كرهه، والصحيح عندنا استحبابه للحديث الوارد في ذلك على ما نورده بعد بحول الله. قال الإمام أبو زكريا النواوي، وكذا يستحب السجود على الحجر أيضا: بأن يضع جبهته عليه فيستحب أن يستلمه ثم يقبله ثم يضع جبهته عليه، هذا مذهبنا، ومذهب الجمهور، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب، وابن عباس وطاوس، والشافعي وأحمد، قَالَ: به أقول، وقد روينا فيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وانفرد مالك عن العلماء، فقال: السجود عليه بدعة، واعترف القاضي عياض المالكي بشذوذ مالك في هذه المسألة عن العلماء. وأما الركن اليماني فيستلمه ولا يقبله بل يقبل اليد بعد استلامه، هذا مذهبنا وبه قَالَ: جابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة، وقال أبو حنيفة لا يستلمه، وقال مالك وأحمد يستلمه ولا يقبل اليد بعده، وعن مالك رواية أنه يقبله، وعن أحمد رواية أنه يقبله، والله أعلم. انتهى ما قاله الإمام الشافعي أبو زكرياء النواوي رحمه الله. والحديث الذي أشار إليه في السجود عليه هو ما ذكره أبو بكر البزاز، ضمنه تحت ترجمة نافع بن جبير، عن ابن عباس، ولم يترجم له باسم الراوي له عن ابن عباس، فلذلك أنكر بعضهم أن يكون عند البزار، وهو عنده. قال البزار: أنا محمد بن المثنى، أنا أبو عاصم، أنا جعفر بن عبد الله بن عثمان المخزومي، قَالَ: " رأيت محمد بن عباد بن جعفر، قبل

الحجر ثم سجد عليه، قلت: ما هذا؟ قَالَ: رأيت خالك ابن عباس، قبل الحجر ثم سجد عليه، وقال: رأيت عمر قبله وسجد عليه، وقال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبله وسجد عليه ". وذكره أيضا أبو علي بن السكن، قَالَ: أنا أبو بكر أحمد بن محمد الآدمي المقرئ البغدادي، أنا محمد بن عمر بن أبي مذعور، أنا أبو عاصم، أنا جعفر بن عبد الله الحميدي، رجل من بني حميد من قريش، قَالَ: «رأيت محمد بن عباد بن جعفر قبل الحجر ثم سجد عليه، فقلت ما هذا؟ ثم ذكره بلفظه سواء» . قلت: محمد بن عباد بن جعفر المخزومي القرشي المكي أخرج له البخاري ومسلم، وجعفر بن عبد الله بن عثمان بن حميد أبو عبد الله القرشي المخزومي الحميدي

الحجازي المكي روى عن عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي. ومحمد بن عباد بن جعفر المخزومي المكي روى عنه أبو داود سليمان بن داود الطيالسي وبشر بن السري الأفوه وعبد الله بن داود الخريبي وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل وغيرهم، وهو ثقة، قاله أحمد بن حنبل، وقال العقيلي: في حديثه وهم اضطراب، قَالَ الحافظ الحاكم أبو عبد الله بن خلفون: جعفر هذا مشهور ليس به بأس. فائدة عنت أذكرها: ذكر التقبيل لثما دون صوت: حكى لي صاحبنا الشريف أبو عبد الله محمد بن الشريف الفاضل أبي القاسم الحسني، حفظه الله، قَالَ: حضرت بمكة عند الشيخ محب الدين الطبري، فجاءه مستفت يسأله عن تقبيل الحجر، وقال: علمني السنة في تقبيل الحجر، يعني

أبصوت أم دون صوت؟ فذكر له التقبيل من غير تصويت، فقال: إني لا أستطيع، قَالَ: فأطرق الشيخ ثم ارتجل هذه الأبيات رحمه الله: وقالوا إذا قبلت وجنة من تهوى ... فلا تسمعن صوتا ولا تعلن النجوى فقلت: ومن يملك شفاها مشوقة ... إذا ظفرت يوما بغايتها القصوى وهل يشفي التقبيل إلا مصوتا! ... وهل يبرد الأحشا سوى الجهر بالشكوى هكذا قاله: وهل يشفئ، فحرك حرف العلة للضرورة، ولا ضرورة بأن يقول وهل يبرئ وهي رديفة يشفي، وقد أوردنا في هذه المسألة ما فيه كفاية، وإنه ليغني عن رحلة شاسعة. ثم عدنا إلى منى وأقمنا بها إلى يوم النفر، فتعجل الأمير وتعجلنا بتعجله، ونزلنا الأبطح حامدين لله شاكرين ذاكرين، وأوزعنا الله شكر نعمه، وأتم علينا عميم فضله وكرمه. ذكر غريبة جرت لنا بمسجد الخيف من منى: أقمنا بها سنة بعد العهد بإقامتها، وهو مسجد كبير ليس له باب يصونه ولا سقف يكنه، وبوسطه أو قريب من وسطه موضع فيه تجصيص، يقال: إنه مصلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله أعلم، يتبرك الناس بالصلاة فيه، وفي آخره في القبلة بقية سقف. جاء أعرابي بدوي إلى ناحية من نواحي المسجد فرفع ثوبه وبال، فبادر الناس إليه وهموا به فصرفتهم عنه واستدعيت ذنوبا من ماء فصببته عليه، وأعلمتهم بالسنة الواردة في ذلك الأعرابي البائل في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ولما قضينا طواف الوداع أخذنا في الرحيل حسبما نذكره بعد بحول الله تعالى، والقلوب من والوجد على شفا، والنفوس تأمل وجود الشفا، بتجديد زيارة المصطفى، والله أسأل قبول العمل، والصفح والعفو عن الزلل، وتيسير القفول الذي تم به الأمل، بفضل الله تعالى، إنه منعم كريم، ذو فضل عظيم.

ذكر من لقيناه بمكة ومنى وعرفات شرفها الله تعالى 8، 9 ابنا خليل فمنهم الأخوان الفاضلان العاملان ففيها الحرم الشريف ومفتياه، العالم الفقية المفتي رضي الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن خليل العسقلاني، وأخوه الصالح المبارك علم الدين أحمد بن أبي بكر المذكور، المكيان، لقيتهما بمنزلهما من الحرم الشريف، وكان علم الدين بحالة مرض، فتحفيا وبالغا في البر والتأنيس رضي الله عنهما، وقدما طعامهما المعد للخروج لعرفة وما تيسر من غير ذلك واحتفلا، فإن أهل مكة شرفها الله تعالى يختلفون في ذلك بحسب استطاعتهم. وتذاكر معي رضي الدين في مسائل فقهية وأصلية، وكان شديد العارضة، حاد النظر، متعرضا لإيراد الشبه وقد كانت جرت بينه وبين الشيخ الصالح الفقيه أبي محمد المرجاني، قبل قدومي مذاكرة كان عنها بعض التغير، إذ كان أبو محمد بعيدا عن طرق المناظرة وكان في رضي الدين فضل حدة في المناظرة.

سمعت عليهما بدارهما وذلك في يوم الأحد سابع ذي حجة حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن رسول لله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» . وهو أول حديث سمعته منهما في دارهما في أول يوم رأيتهما، قالا معا: وهو أول حديث سمعناه من الشيخ الإمام تاج الدين أبي الحسن عبد الوهاب بن الإمام السجاد زين الأمناء أبي البركات الحسن بن مُحَمَّدِ بْنِ الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسن الدمشقي عرف بابن عساكر، عن والده بسنده المعروف، وذكر لي علم الدين منهما في هذا المجلس أن الرشيد العطار أجاز له وسمع عليه كتابه المسمى بالمستفيد في الثماني الأسانيد. ولما زرناهما جزنا بالطريق، طريق دارهما، بحجر يتبرك الناس بالتمسح به، فسألت علم الدين عنه، فقال لي: أخبرني عمي سليمان، قَالَ: أخبرني محمد بن إسماعيل بن أبي الصيف، قَالَ: أخبرني أبو حفص الميانشي، قَالَ:

أخبرني كل شيخ لقيته بمكة أن هذا الحجر هو الذي كلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا الحجر المذكور الذي مررنا به هو الذي بجهة باب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمام دار أبي بكر الصديق بارزا هنالك عن الحائط قليلا. وأجاز لي رضي الله عنهما شفاها جميع روايتهما، ولا بني أبي القاسم ولأختيه عائشة وأمة الله. ورضي الدين هذا أحد العلماء العاملين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وله في ذلك مع أمير مكة أبي نمي محمد بن أبي سعد حكايات ونوادر تحكى وتذكر، وقد انتهى الأمر به، فيما بلغني، إلى أن سجنه، فرأى أبو نمي فيما يرى النائم كأن الكعبة، شرفها الله، تطوف بالمحل الذي سجن به رضي الدين، فوجه إليه وأطلقه واعتذر له. ورضي الدين هذا هو الذي تدور عليه الفتيا أيام الموسم، واتفق لبعض أصحابنا الأندلسيين أن نقر به الجمالون قبل الغروب من عرفة فبلغه ذلك، فقال: ابعثوا بالسائل إلى إمام شافعي، يفتيه لئلا يفسد عليه المالكي حجه. مسلسل أو حديث سمعته: قرئ وَأَنَا أَسْمَعُ، على الشيخين الفقيه الإمام مفتي الحرم رضي الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن خليل العسقلاني المكي، وأخيه علم الدين أبي

الفضل أحمد بن أبي بكر، وهو أول حديث سمعته عليهما بمكة، شرفها الله بمنزلهما، بقراءة رفيقي الوزير الجليل الماجد الأصيل أبي عبد الله بن الوزير الجليل أبي القاسم، سنى الله أمله، ويسر له ما أمله، قيل لهما: أَخْبَرَكُمَا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْمُحَدِّثُ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَسَاكِرَ، قَدِمَ حَاجًا، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُمَاهُ مِنْهُ فَأَقَرَّا بِهِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ حَدَّثَنِي الشَّيْخُ وَالِدِي مُسْنِدُ الشَّامِ أَبُو الْبَرَكَاتِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُلَقَّبُ بِالسَّجَّادِ فِي الثَّامِنِ بَعْدَ الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي الْحَافِظُ الإِمَامُ مُؤَرِّخُ الشَّامِ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ: أنا أَبُو الْقَاسِمِ زَاهِرُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّحَّامِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ:، أنا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ

الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» هذا الحديث وهو مخرج في

بْنِ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ الْمُؤَذِّنُ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ: أنا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشَ الزِّيَادِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ: أنا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ الْبَزَّازُ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ قَالَ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ الْعَبْدِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ، أنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي قَابُوسٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنِ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» هذا الحديث وهو مخرج في الأربعين المختارة في فضل الحج والزيارة من تأليف أبي بكر محمد بن يوسف بن مسدي، سمعه الشيخ رضي الدين عن مؤلفه، وقد سمعه أو قرأه عليه رفيقي الوزير الفاضل أبو عبد الله يسر الله مرامه، وتولى بره وإكرامه.

ومما قرئ على الإمام المفتي رضي الدين أبي عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه بمنزله بمكة، زادها الله شرفا، بعد قفولنا من الحج وَأَنَا أَسْمَعُ، في يوم الأحد الرابع عشر من ذي الحجة من عام التاريخ، كتاب الأربعين من رواية المحمدين المخرج من صحيح البخاري رضي الله عنه، تخريج الإمام الحافظ أبي بكر محمد بن عَلِيٍّ بن ياسر الأنصاري الجياني. ومن الجزء المذكور وهو الحديث الأول من الأربعين. أنا رضي الدين سماعا عليه بمنزله بمكة المشرفة، بقراءة صاحبنا الوزير الكاتب البليغ أبي عبد الله بن أبي القاسم سلمه الله وحفظه، قَالَ: أنا الشيخ الصالح بقية السلف أبو عبد الله محمد بن عَلِيٍّ بن حسين بن عبد الملك المكي الطبري بمنزله بمكة المشرفة بقراءتي عليه وهو يسمع صبيحة يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع وخمسين وست مائة، قَالَ: أنا الإمام العالم أبو المظفر محمد بن علوان بن مهاجر الموصلي يوم الثلاثاء سادس صفر سنة ثلاث وست مائة بالحرم قَالَ، أنا الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عَلِيٍّ بن ياسر الأنصاري، ثم الجياني قِرَاءَةً عَلَيْهِ في شهر الله تعالى، الأصم رجب وَأَنَا أَسْمَعُ سنة سبع وخمسين وخمس مائة بالموصل قدم علينا، قَالَ: الحمد لله على سوابغ آلائه، وترادف نعمائه، ثم ذكر تمام الخطبة وصدر الكتاب ثم قَالَ الحديث الأول منها.

رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: استرقوا لها فإن بها النظرة "

مَا أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ وَمُحَمَّدٌ قَالا: أنا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةٌ فَقَالَ: اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ " فالأول من المشائخ هو الإمام العالم الزاهد أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد نزيل نيسابور، والثاني هو أبو عبد الله محمد بن عَلِيٍّ بن الْحَسَنِ الخبازي الجرجاني إمام القراء بنيسابور وشيخ القراءة في عصره، وقرينه الشيخ الإمام أبو سهل محمد بن أَحْمَدَ بْنِ عبيد الله بن حفص الحفصوي المروزي، قدم نيسابور ونزل المدرسة النظامية وقرئ عليه الصحيح، ثم رجع إلى مولده بمرو ومات هنالك رحمة الله عليه، وشيخه هو الثقة أبو الهيثم محمد بن مكي بن زراع الكشميهني الأديب، وشيخه هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري، وشيخه هو محمد بن إسماعيل بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ المغيرة الجعفي البخاري

رَحِمَهُ اللَّهُ، حكى عنه، أنه قَالَ: صنفت الجامع في المسجد الحرام فما كتبت فيه حديثا حتى أستيقن بصحته، واستخرت الله تعالى لكل حديث، وصليت خلف المقام ركعتين ثم كتبته، وشيخه هو محمد بن خالد الذهلي، وشيخه هو محمد بن وهب بن عطية الدمشقي، وشيخه هو محمد بن حرب الخولاني يعرف بالأبرش، وشيخه هو أبو الهذيل محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي الحمصي، وشيخه هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب الزهري،

رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: استرقوا لها فإن بها النظرة " فالأول من المشائخ

وَبِالإِسْنَادِ إِلَى الْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ الْجَيَّانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي بِهِ أَيْضًا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ، أنا مُحَمَّدٌ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وَجْهِهَا سَفْعَةً فَقَالَ: اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ " فالأول من المشائخ الإمام الزاهد المذكر شيخ الصوفية في وقته محمد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بن أبي بكر الخطيب الكشميهني رَحِمَهُ اللَّهُ، والثاني شيخ الزمان في وقته زهدا، وعلما وورعا أبو الخير، محمد بن موسى بن عبد الله الصفار، والثالث هو الإمام أبو الهيثم محمد بن مكي بن زراع الكشميهني، والرابع هو محمد ابن يوسف بن مطر، والخامس هو الإمام المقدم محمد بن إسماعيل، والسادس هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد، والسابع هو محمد بن وهب بن عطية، والثامن هو محمد بن حرب، والتاسع هو محمد بن الوليد، والعاشر هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري. هذا الحديث أول حديث في الجزء: اكتتبت الجزء بكماله وعارضته والحمد لله، وهو جزء حسن ترجى بركة تكرار هذا الاسم الكريم في سلسلة أسانيده بفضل الله ونعمته. وقد أودع المصنف هذا الجزء أحاديث في فضل من تسمى بهذا الاسم وأسندها، وفي أسانيدها ضعف فلذلك لم نخرجها.

وابن علوان المذكور في هذا الإسناد كناه أبو بكر ابن مسدي بأبي عبد الله وذكره في شيوخه وقال فيه: رجل صالح مجاور بالحرم الشريف، وقال: سمع من ابن ياسر وأبي الفضل الطوسي، خطيب الموصل وغيره. وشيخه أبو عبد الله الطبري هو محمد بن عَلِيٍّ بن الحسين بن عبد الملك بن أبي نصر الطبري الأصل المدني الجد، المكي الأب والمولد، والنخلي الدار، شيخ حسن سمع على رأس الست مائة من شيوخ مكة، ثم لزم نخله، من بادية مكة، ذكره أبو بكر بن مسدي في شيوخه بما ذكرناه. قرئ على الإمام رضي الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن خليل العسقلاني بالحرم الشريف وَأَنَا أَسْمَعُ، أخبرك أبو بكر بن مسدي، سماعا عليه فأقر به، وقال: سمعت أبا القاسم محمد بن عبد الواحد التاريخي رَحِمَهُ اللَّهُ يقول: سمعت أبا الحسين محمد بن سراح التغلبي، يقول: سمعت أبا بكر بن

العربي يقول: سمعت محمد بن عبد الملك بن الصوفي، يقول: خرجت مع أبي الفضل بن الجوهري، رَحِمَهُ اللَّهُ مشيعين لقافلة الحاج ومودعين لها، فبتنا معها فلما أصبحنا أثيرت الجمال، وزمت الرحال، فذهبنا معهم إلى موضع يعرف يجب عميرة، فأخذنا في التوديع، والتفت إلى فتى حسن الوجه شاحب اللون وهو يتتبع الرواحل راحلة بعد راحلة ويتردد حتى مشى الحاج عن آخرهم، وكان يقول في أثناء تردده: أحجاج بيت الله في أي هودج ... وفي أي خدر من خدوركم قلبي؟ أأبقى رهين الشوق في أرض غربة ... وحاديكم يحدو بقلبي مع الركب؟ فوا أسفي لم أقض منكم لبانتي ... ولم أتمتع بالجوار وبالقرب؟ وفرق بيني بالرحيل وبينكم ... فها أنا ذا أقضي على إثركم نحبي يقولون: هذا آخر العهد منكم ... فقلت وهذا آخر العهد من قلبي فلما لم يبق من الحاج أثر وانقطع رجاؤه جعل يخطر هائما وينشد ورمى بنفسه إلى الأرض:

خل دمع العين ينهمل ... بان من تهواه وارتحلوا أي ومع صانه كلف ... فهو يوم البين مبتذل قال: ثم سقط إلى الأرض، فبادرنا إليه فوجدناه ميتا، فحفرنا له وغسلناه وكفناه في ردائه وصلينا عليه ودفناه، رحمة الله عليه. أورده ابن مسدي في الأربعين حديثا من رواية المحمدين من تأليفه الذي قسمه أربعة فصول، في كل فصل عشرة أحاديث وحكاية، سمعت بعضه على رضي الدين، وأجاز لي ما فيه بالجملة، إن لم يكن بالخصوص، وسمعه كاملًا على ابن مسدي رَحِمَهُ اللَّهُ. كان أبو بكر ابن مسدي هذا يلقب جمال الدين، وله رواية واسعة، فصنف وفهرس. قال أَبُو إِسْحَاقَ البلفيقي، وقرأته بخطه، سألت جمال الدين، يعني ابن مسدي، عن مولده، فقال سنة ثمان وتسعين وخمس مائة. ووقع عند ابن مسدي: سمعت أبا الحسين محمد بن جابر الثعلبي بالثاء المثلثة والعين المهملة وهو الصواب إلا أن كنيته أبو الحسن لا أبو الحسين وهو المعروف بابن الرمالية وما وقع في روايتنا من سراج عوض جابر والتغلبي بالتاء المثناة وهم من شيخنا أو ناسخ الكتاب، والله أعلم.

مسلسل الدعاء في التسليم. الحمد لله، سمعت شيخنا الإمام الصدر مفتي الحرم الشريف رضي الدين أبا عبد الله محمد بن أبي بكر بن خليل العسقلاني المكي، بداره بالحرم الشريف، في ذي حجة موسم عام أربعة وثمانين وست مائة يقول: سمعت أبا المكارم ابن مسدي، يقول: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَلُنُسِيُّ بِالْمَرِيَّةِ مِنْ بِلادِ الأَنْدَلُسِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا طَاهِرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الأَصْبَهَانِيُّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْفَتْحِ ازْدِيَارَ بْنَ مَسْعُودٍ الْغرنوِيُّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ اللَّبَّانَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ حَمْزَةَ بْنَ يُوسُفَ السَّهْمِيَّ، بِجُرْجَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ، الْبَزَّازَ، بِمِصْرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ الأَنْصَارِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الْمَكِّيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ الْحَمِيدِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ،

الملتزم موضع يستجاب فيه الدعاء، وما دعا عبد الله تعالى فيه دعوة إلا استجابها» أو نحو ذلك

يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: « الْمُلْتَزَمُ مَوْضِعٌ يُسْتَجَابُ فِيهِ الدُّعَاءُ، وَمَا دَعَا عَبْدٌ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ دَعْوَةً إِلا اسْتَجَابَهَا» أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قال ابن عباس: فوالله ما دعوت الله عز وجل فيه قط إلا أجابني، قَالَ عمرو: وأنا والله ما أهمني أمر فدعوت الله فيه إلا استجاب لي منذ سمعت هذا الحديث من ابن عباس، قَالَ سفيان: وأنا والله ما دعوت الله عز وجل قط بشيء إلا استجاب لي منذ سمعت هذا الحديث من عمرو بن دينار، قَالَ الحميدي: وأنا والله ما دعوت الله عز وجل قط بشيء الا استجاب لي منذ سمعت هذا الحديث من سفيان، قَالَ محمد بن إدريس: وأنا والله ما دعوت الله عز وجل، بشيء قط إلا استجاب لي منذ سمعت هذا الحديث من الحميدي. قال محمد بن الْحَسَنِ: وأنا والله ما دعوت الله عز وجل فيه بشيء قط إلا استجاب لي منذ سمعت هذا الحديث من محمد بن إدريس، قَالَ عبيد الله

ابن محمد: دعوت الله مرارا فاستجاب لي، قَالَ حمزة: وأنا دعوت الله عز وجل فاستجاب لي، قَالَ أبو الحسن اللبان: وأنا دعوت الله عز وجل فاستجاب لي، قَالَ أبو الفتح الغزنوي: وأنا دعوت الله عز وجل فاستجاب لي، قَالَ أبو طاهر الأصبهاني: وأنا دعوت الله عز وجل فاستجاب لي، قَالَ أبو عبد الله ابن البلنسي: وأنا دعوت الله عز وجل فاستجاب لي، قَالَ أبو بكر بن مسدي: وأنا دعوت الله عز وجل فاستجاب لي، قَالَ شيخنا أبو بكر بن خليل رضي الله عنه: وأنا دعوت الله فيه فاستجاب لي، وما دعوت فيه بأمر مهم مخوف إلا استجاب لي، قَالَ سامعه تجاه الكعبة المكرمة زادها الله تكريما، محمد بن رشيد: وأنا فقد دعوت الله هناك في أشياء من خير الدنيا والآخرة تعجلت الإجابة في بعضها إثر قدومي وأنا أرجو الإجابة في الباقي بحول الله وفضله. قلت: ألفيت متصلا بهذا الحديث في بعض ما قيد عن شيخنا رضي الدين، ولا أدري أهو فيما سمعته عليه أم لا؟ فهو إجازة إن لم يكن سماعا، ما نصه: قَالَ أبو بكر بن مسدي رَحِمَهُ اللَّهُ: وهذا حديث حسن غريب من حديث عمرو بن دينار المكي عن ابن عباس لا نعلمه مسلسلا هكذا إلا من حديث أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي، عن سفيان بن عيينة عنه تفرد به مسلسلا محمد بن إدريس المكي كاتب الحميدي عنه، وقد روي من حديث أبي الزبير المكي، عن ابن عباس موقوفا قوله ومثله لا يكون رأيا، رواه سليمان بن بلال، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن أبي الزبير، عن ابن عباس، والله أعلم انتهت الزيادة قلت حدث أبو العباس العذري، بحديث الدعاء في الملتزم هذا، عن

أبي أسامه الهروي، عن الحسن بن رشيق، عن أبي الحسن محمد بن الْحَسَنِ بْنِ راشد الأنصاري المذكور في هذا الإسناد، عن أبي بكر محمد بن إدريس، ووقع في هذا الحديث الذي أوردناه كما ترى بإسقاط ذكر الملتزم في مواضع منه، فإما أن يكون ذلك اختصارا، كما قد تبين إسقاط أسماء، في بعض رجاله عند العذري، وإما أن يكون تدليسا، فابحث عنه. قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح، وهو من روايتنا عن شيوخنا عنه " روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه طاف، فلما فرغ من طوافه التزم ما بين الباب والحجر، وقال: هذا والله المكان الذي رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يلتزمه «. » وروينا عنه أنه طاف ثم استلم الحجر، ثم قام بين الركن والباب موضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه وبسطهما بسطا، وقال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل ". رواه أبو داود في سننه ومما قرئ على الرضي جزء من الفوائد المسلسلات الأسانيد، تخريج ابن مسدي سمعها عليه بشرطها من التسلسل برباط مراغة، من مكة المشرفة تجاه الكعبة في ذي حجة عام خمسة وخمسين وست مائة ليلة الثلاثاء الثالثة منه. -

أبو اليمن عبد الصمد بن عساكر وممن لقيناه بمكة المشرفة العالم المحدث الأديب الشاعر الشيخ أمين الدين أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن بن هِبَةِ اللَّهِ الدمشقي، المعروف بابن عساكر الشافعي نزيل مكة. سمع من جده زين الأمناء أبي البركات الحسن بن عساكر، والموفق بن قدامة والمجد محمد بن الحسين القزويني، وأبي القاسم بن صصرى

وأبي محمد المنى، وجماعة بدمشق والقاهرة والإسكندرية وخلق ببغداد، وأجاز له المؤيد بن محمد الطوسي، وأبو روح عبد المعز بن محمد الهروي، وأبو محمد القاسم بن عبد الله الصفار، وإسماعيل بن عثمان القارئ، وعبد الرحيم بن أبي سعد السمعاني، وزينب بنت عبد الرحمن الشعري، في آخرين، وحدث بالكثير، وله تأليف كثيرة وشعر حسن، وخط جيد، وكان ثقة فاضلًا عالما، جيد المشاركة في العلوم، بديع النظم، صاحب دين وعبادة وإخلاص، وكل من يعرفه يثني عليه، ويصفه بالدين والزهد، وجاور أربعين سنة، وكان شيخ الحجاز في وقته، ورحل به أبوه إلى العراق سنة أربع وثلاثين، فسمع بها مع أبيه تاج الدين، ثم حج من بغداد سنة خمس وثلاثين، ورجع إلى الشام ونال بها وبمصر الرتبة العليا، والجاه العظيم عند السلطان، ولم يزل كذلك إلى عام سبعة وأربعين وست مائة، حتى وصل الفرنسيس إلى الديار المصرية في العام المعروف بعام دمياط.

سمعت عليه جملة من الكتب والمصنفات بأسانيده فيها. ومن ذلك كتاب تحفة عيد الأضحى تأليف الشيخ المزكى أبي القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي، رواية الحافظ أبي القاسم، علي بن الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ عنه، رواية ابن أخيه أبي البركات الحسن بن مُحَمَّدِ بْنِ الحسن عنه، رواية حفيده أبي اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن الْحَسَنِ عنه، سمعته عليه بمنزله بمنى يوم النحر سنة أربع وثمانين بقراءة صاحبنا الوزير الكاتب الجليل الماجد الأصيل أبي عبد الله بن الوزير الجليل الفقيه أبي القاسم قال له: أخبركم جدكم زين الأمناء أبو البركات الحسن بن مُحَمَّدِ بْنِ الحسن بن هِبَةِ اللَّهِ الشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ سماعا عليه يوم التروية سنة ثمان عشرة وست مائة فأقر به، قَالَ: أنا عمي الشيخ الحافظ محدث الشام أَبُو الْقَاسِمِ علي بن الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ في يوم الأضحى عام تسعة وستين وخمس مائة، قَالَ: أنا الإمام أَبُو الْقَاسِمِ زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي قراءة في يوم الأضحى تسع وعشرين وخمس مائة. وَأَخْبَرَكُمُ الشَّيْخُ أَبُو أَحْمَدَ مَشْهُورُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَيْسِيُّ سَمَاعًا فَأَقَرَّ بِهِ قَالَ: أنا أَبُو رَوْحٍ عَبْدُ الْمُعِزِّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الَفْضْلِ بْنِ أَحْمَدَ الْبَزَّازُ، سَمَاعًا وَقَدْ أَجَازَكُمُوهُ أَبُو رَوْحٍ، قَالَ: أنا أَبُو الْقَاسِمِ زَاهِرُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّحَّامِيُّ سَمَاعًا، قَالَ: أنا الشَّيْخُ أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكَنْجَرُوذِيُّ، أنا أَبُو حَامِدٍ

ما من أيام أحب إليه العمل، أو أفضل، من أيام العشر، قيل: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل

أَحْمَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الأَنْصَارِيُّ، أنا أَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بْنُ جُمْعَةَ الْحَافِظُ، أنا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَزَّازُ قَالا: أنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أنا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعَمَلَ، أَوْ أَفْضَلَ، مِنْ أَيَامِ الْعَشْرِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: وَلا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلا رَجُلٌ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " هذا أول حديث في الجزء، ولنا منه نسخة وهو جزء حسن وَمِنْهُ بِالإِسْنَادِ إِلَى زَاهِرٍ الشَّحَّامِيِّ مُصَنِّفُهُ، أنا الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ

إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره "

الْبَيْهَقِيُّ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْمُقْرِي، بِبَغْدَادَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ، أنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أنا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ، هُوَ أَبُو غَسَّانَ يَحْيَى بْنُ كَثِيرِ بْنِ دِرْهَمٍ الْعَنْبَرِيُّ مَوْلاهُمُ الْبَصْرِيُّ، يُقَالُ: أَصْلُهُ مِنْ خُرَاسَانَ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أنا شُعْبَةُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ أَوْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّي فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ " وَبِهِ إِلَى الشَّحَّامِيِّ، قَالَ: وَأنا الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أنا

من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي»

عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، أنا أَبِي، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ اللَّيْثِيُّ أنا عُمَرُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ كَانَ لَهُ ذَبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أَهَلَّ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ فَلا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ» قلت: هذان الحديثان أخرجهما مسلم في صحيحه ووقع الأول بدلًا والثاني موافقة: أما الأول فأخرجه عن حجاج الشاعر، عن يحيى بن كثير، قَالَ: حدثنا شعبة، عن مالك، عن عمر بن مسلم، ولم يشك وقال فيه «إذا رأيتم هلال ذي الحجة» والباقي سواء، وأورد به سندا دون متن عن أحمد بن عبد الله

الهاشمي، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن مالك، عن عمر أو عمرو بن مسلم على الشك. وأما الثاني فأخرجه عن عبيد الله بن معاذ فوقع موافقه في شيخه، وعبيد الله هذا روى عنه مسلم في غير موضع في كتابه. وروى البخاري عن محمد بن النضر وحماد بن حميد، وأحمد غير

منسوب عنه في ثلاثة مواضع من كتابه: في تفسير سورة الأنفال موضعان، وفي آخر الاعتصام موضع، ووقع في بعض نسخ الجامع العتيقة في الاعتصام بالقرب من آخره. قال البخاري: حماد بن حميد صاحب لنا، حدثنا وكان عبيد الله بن معاذ في الأحياء حينئذ، وهو حديث واحد. واختلف في اسم ابن مسلم فقيل عمر، وقيل عمرو وهو الأصح وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن يحيى بن الحذاء رَحِمَهُ اللَّهُ في كتابه الذي صنفه في رجال موطأ مالك رضي الله عنه ما نصه: عمرو بن مسلم، روى هذا الحديث عن زياد بن سعد، عن عمر بن مسلم، عن طاوس اليماني، أنه قَالَ:

«أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون كل شيء بقدر حتى العجز والكيس» . قال القاضي أبو عبد الله: هكذا روى جل أصحاب مالك عمر بن مسلم وقد تابعهم على ذلك محمد بن عمرو الليثي، عن عمر بن مسلم، ورواه شعبة عن مالك، واختلف فيه على شعبة فقال: يحيى بن كثير العنبري، عن شعبة، عن مالك: عمرو بن مسلم، وقال غندر عن شعبة، عن مالك: عمر أو عمرو. وقد اختلف فيه أيضا عن محمد بن عمرو الليثي. وقال البخاري: عمرو بن مسلم الجندعي الليثي المدني، عن ابن عمار بن أكيمة، عن سعيد بن المسيب، روى عنه سعيد بن أبي هلال، ومالك بن أنس، وقال بعضهم: الخناعي وهو خطأ، ويقال: عمر قال القاضي أبو عبد الله: هكذا قَالَ محمد بن يحيى الذهلي، عمر بن مسلم، وقال: إن جده عمار بن أكيمة، هو الذي يروي عنه ابن شهاب، والى هذا أشار البخاري، أن عمارا هو جد عمر بن مسلم، وقال الذهلي: إن جندعا من ليث، انتهى كلام القاضي أبي عبد الله.

كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز» ، قال الحافظ أبو عبد الله بن خلفون: هكذا روى

والذي رويناه عن مالك من طريق يحيى بن يحيى الليثي، إنما هو عن عمرو أنا عبد الله بن محمد الطائي قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أنا القاضي أحمد بن يزيد، أنا أبو عبد الله بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الحق، أنا أبو عبد الله محمد بن فرج، أنا القاضي يونس بن عبد الله، أنا يحيى بن عبد الله بن أبي عِيسَى، أنا عبيد الله بن يحيى بن يحيى، أنا أبى يحيى، أنا مالك، عن زياد بن سعد خراساني ثقة قدم المدينة، عن عمرو بن مسلم، عن طاوس اليماني، أنه قَالَ: " أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون: كل شيء بقدر " قَالَ طَاوُسٌ، وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزَ وَالْكَيْسَ أَوِ الْكَيْسَ وَالْعَجْزَ» ، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ خَلْفُونٍ: هَكَذَا رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الأَنْدَلُسِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مَالِكٍ عَلَى الشَّكِّ، فِي تَقْدِيمِ إِحْدَى اللَّفْظَتَيْنِ، وَتَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ وَغَيْرُهُ، وَرَوَتْهُ طَائِفَةٌ عَنْ مَالِكٍ عَلَى الْقَطْعِ بِلا شَكٍّ " ومن جزء الشحامي بالإسناد إليه: أنا الشَّيْخُ أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة» ومنه

الْبَحِيرِيُّ، أنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ. ح وأنا أَبُو سَعْدٍ الْكَنْجَرُوذِيُّ، أنا الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، قَالا: أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، أنا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: « نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» ومنه بالإسناد إلى أبي القاسم زاهر الشحامي مصنفه، أنشدنا أبو الحسن

البحيري، قَالَ: أنشدني محمد بن الحسين السلمي، قَالَ: أنشدني محمد بن الْحَسَنِ البغدادي، قَالَ: أنشدني المتنبي لنفسه: هنيئا لك العيد الذي أنت عيده ... وعيد لمن سمى وضحى وعيدا فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى ... كما أنت فيهم أوحد كان أوحدا لما أنشد البيتان على شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه، قَالَ لنا: هنيئا لكم، أدبا منه رضي الله عنه، ودعاه مرجو القبول بفضل الله، قلت: وهذان البيتان بينهما بيت في شعر المتنبي: ولا زالت الأعياد لبسك بعده ... تسلم مخروقا وتعطي مجددا وبعدهما: هو الجد حتى تفضل العين أختها ... وحتى يكون اليوم لليوم سيدا

وقد حل معنى هذه الأبيات في نثر في تهنئته بعيد الكاتب المجيد بن أبي الحديد المدائني، صاحب الفلك الدائر على المثل السائر، فقال: لا زالت المواسم تغشاك وأغصانها وريقة، وحدائقها أنيقة، والأعياد تلقاك وأنت عيدها على الحقيقة، ولا برحت تهتصر من الشباب لدنا رطيبا، وتنضو من الأعياد سملا وتلبس قشيبا، فهذا اليوم الشريف في الأيام مثلك في الأنام، لكنه أوحد عام محصور، وأنت أوحد الأزمان والدهور ولا أحيل ذاك على محض الجد الذي ميز بين اليومين، وفضل إحدى العينين بك على الجد الذي أسهرك وحاسدك راقد، وأقامك وشائنك قاعد، وقد زدت عليه يعني على أبي الطيب المتنبي في معنى أبياته بأن جعلت توحيده بالاستحقاق لا بالجد والاتفاق، وفيه زيادة أخرى وهي عموم توحيده وخصوص توحيد العيد في أيام العام مفردة. زاهر الشحامي هذا ذكره الحافظ أبو بكر ابن نقطة في كتابه فقال فيه ما نصه: " أَبُو الْقَاسِمِ زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي النيسابوري سمع من أبي سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي، وأبي يعلي الصابوني، وأبي عثمان سعيد بن محمد البحيري، وأبي القاسم القشيري، حدث عنه الحافظ أَبُو

الْقَاسِمِ بن عساكر الدمشقي، وأبو سعد ابن السمعاني، في جماعة من المتأخرين، أدركنا من أصحابه جماعة فوق العشرة، مولده في ذي الحجة من سنة ست وأربعين، وتوفي في الرابع عشر من شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة بنيسابور. ومما سمعته عليه رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مأواه قِرَاءَةً عَلَيْهِ بمنى، وقد نلنا بها أقصى المنى بقراءة رفيقنا الوزير الجليل الماجد الأصيل الكاتب البارع أبي عبد الله بن الحكيم حرس الله عاليه، وشكر الكريمة مساعيه يوم النحر سنة أربع وثمانين جزء فيه مسلسل يوم العيد تخريج الشيخ الإمام العالم الحافظ صدر الحفاظ ناصر السنة أبي القاسم علي بن الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بن عبد الله الشافعي الدمشقي رَحِمَهُ اللَّهُ عن شيوخه. قَالَ أنا جَدِّي أَبُو الْبَرَكَاتِ الْحَسَنُ بْنُ الأَمِينِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ فِي يَوْمِ الأَضْحَى سَنَةَ عِشْرِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ، قَالَ: أنا عَمِّي الإِمَامُ الْحَافِظُ مُحَدِّثُ الشَّامِ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ سَمَاعًا عَلَيْهِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ بَعْدَ الصَّلاةِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، وَمَرَّةً أُخْرَى فِي يَوْمِ فِطْرٍ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ بِالْمُصَلَّى بِدِمَشْقَ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُسْلِمِ بْنِ مُحَمَّدِ

بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ بْنِ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ الشَّافِعِيُّ مِنْ لَفْظِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِدِمَشْقَ فِي يَوْمِي عِيدَيْنِ فِطْرٌ وَأَضْحَى بَعْدَ الصَّلاةِ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَتَّانِيُّ مِنْ لَفْظِهِ فِي يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ عِيدِ أَضْحَى، قَالَ: أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ زِيَادٍ الْمَيْدَانِيُّ، فِي يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَرَجِ الْحَلَبِيُّ الصُّوفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْحَبَّالِ فِي يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ الْوَرَّاقِ بِحَلَبَ فِي يَوْمِ عِيدِ أَضْحًى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْقَصِيرُ يَوْمَ عِيدِ فِطْرٍ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، حَدَّثَنِي أَخِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ فِي يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْكُوفِيُّ فِي يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: أنا وَكِيعٌ يَوْمَ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ فِي يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَوْمَ عِيدِ

شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطرا أو أضحى، فلما صلى، قال: قد أصبتم خيرا، فمن أحب

فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمَ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: " شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِطْرًا أَوْ أَضْحًى، فَلَمَّا صَلَّى، قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْعُدَ فَلْيَقْعُدْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلْيَنْصَرِفْ " قال الإمام أَبُو الْقَاسِمِ مصنفه: كذا في هذه الرواية وفيها خلل عند أهل الدراية. وأبو الحسن الميداني من المحدثين الأيقاظ، وعبد العزيز الكتاني يعد في جملة الحفاظ، وشيخنا من أعيان علماء الإسلام، وأعلم من لقيت بالشام، فكيف استمر خفاء الوهم على ثلاثة من أهل العلم فلم يوضحوه للناقلين عنهم، ولا نبه على الصواب واحد فهم وفي الحديث وهم شنيع، وغلط ظاهر فظيع، لا يخفى على الحفاظ النقاد، والذين لهم بصر بعلم الإسناد. وهو أن شيخ أبي جعفر القصير الراوي عن بشر بن عبد الوهاب بن بشير الذي ذكر في هذه الرواية بالتباس هو أحمد بن مُحَمَّدِ بْنِ فراس ابن أخت سليمان بن حرب لا بن أخيه، يعلم ذلك كل من يقرأ حديثه ويرويه، وسأورده من طرقه كما ذكرت ليظهر مصداق ما أخبرت أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْبُنْدَارِ الأَنْمَاطِيُّ مِنْ قِرَاءَةٍ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي جَامِعِ الْمَنْصُورِ غَرْبِيِّ

شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومي عيدين فطر وأضحى، فلما فرغ من الصلاة أقبل علينا

بَغْدَادَ يَوْمَ عِيدِ الأَضْحَى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: أنا أَبُو الْحُسَيْنِ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الطَّيُّورِيُّ الصَّيْرَفِيُّ، فِي يَوْمَيْ عِيدِ فِطْرٍ وَأَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: أنا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْحَرْبِيُّ، فِي يَوْمَيْ عِيدَيْ فِطْرٍ وَأْضَحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ التَّمَّارُ يَوْمَيْ عِيدِ فِطْرٍ وَأَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: أنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْوَاسِطِيُّ يَوْمَ عِيدَيْنِ فِطْرٍ وَأَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: أنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرَشِيُّ الْقَزْوِينِيُّ يَوْمَ عِيدَيْنِ فِطْرٍ وَأَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ قَالَ: أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فِرَاسِ بْنِ الْهَيْثَمِ، يَوْمَ عِيدَيْنِ فِطْرٍ وَأَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، أنا بِشْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الأُمَوِيُّ يَوْمَ عِيدَيْنِ فِطْرٍ وَأَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ، أنا وكيع يَوْمَ عِيدَيْنِ فِطْرٍ وَأَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: أنا سُفْيَانُ يَوْمَ عِيدَيْنِ فِطْرٍ وَأَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: أنا ابْنُ جُرَيْجٍ يَوْمَ عِيدَيْنِ فِطْرٍ وَأَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: أنا عَطَاءٌ يَوْمَ عِيدَيْنِ فِطْرٍ وَأَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: أنا ابْنُ عَبَّاسٍ، يَوْمَ عِيدَيْنِ فِطْرٍ وَأَضْحًى بَيْنَ الصَّلاةِ وَالْخُطْبَةِ، قَالَ: " شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَيْ عِيدَيْنِ فِطْرٍ وَأَضْحًى، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ أَصَبْتُمْ خَيْرًا فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلْيَنْصَرِفْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ حَتَّى يَسْمَعَ الْخُطْبَةَ فَلْيُقِمْ " هذا الذي أوردته هو صدر الجزء، ثم استمر في إيراد طرق الحديث أحسن إيراد، وبين ما وقع له فيه من عالي إسناد، والجزء عندنا بكماله معارض مسموع والحمد لله حق حمده.

من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» هذا أول حديث منها، ولنا منها نسخة، وهي عشرون

ومما سمعته عليه أيضا، رضي الله عنه وأرضاه، جميع ثلاثيات جامع الإمام أبي عبد الله البخاري رضي الله عنه، وذلك بباب منزله من الحرم الشريف زاده الله شرفا، في الخامس عشر لذي حجة أربعة وثمانين وست مائة. قَالَ: أنا جَدِّي أَبُو الْبَرَكَاتِ زَيْنُ الأُمَنَاءِ الْمَعْرُوفُ بِالسَّجَّادِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْدِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِمَا قَالا، أنا أَبُو الْوَقْتِ إِجَازَةً لأَبِي الْبَرَكَاتِ، وَسَمَاعًا لابْنِ الزُّبَيْدِيِّ، قَالَ: أنا الدَّاوُدِيُّ، أنا الْحموييُّ، أنا الْفَرَبْرِيُّ، أنا الْبُخَارِيُّ، نا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، نا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» هذا أول حديث منها، ولنا منها نسخة، وهي عشرون حديثا وألفيت في ثبت بسماع صحيح البخاري عليه رضي الله عنه ما نصه: قَالَ أبو اليمن ابن عساكر، أخبرني الشيوخ أبو الفتح فضل الله بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن طاهر بن سعيد الميهني وجدي أبو البركات الحسن، وأبو عبد الله الحسين بن الْمُبَارَكِ بْنِ

مُحَمَّدِ بْنِ يحيى قِرَاءَةً عَلَيْهِما، وأجاز لي غير واحد: منهم أبو علي الحسن أخو شيخنا أبي عبد الله الحسين وأبو الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أَحْمَدَ بْنِ بكران الداهري، وأبو الفتوح نصر بن أبي الفرج بن عَلِيٍّ الحصري، ومن لا يحصى كثرة قالوا كلهم: أنا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ أبي عبد الله عِيسَى بْنِ شعيب بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ إسحاق السجزي الصوفي الهروي المولد والمنشأ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، إلا الشيخ أبا البركات الحسن فإنه قَالَ أنا أَبُو الْوَقْتِ إجازة، قَالَ أَبُو الْوَقْتِ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عبد الرحمن بن أبي طلحة، محمد بن المظفر البوشنجي، قَالَ: أنا أبو محمد بن عبد الله بن أَحْمَدَ بْنِ حمويه السرخسي، قَالَ: أنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري، قَالَ: أنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ المغيرة بن الأحنف بردزبة البخاري الجعفي رَحِمَهُ اللَّهُ.

قال أبو اليمن رضي الله عنه: وأخبرني به الإمام الحافظ فقيه أهل الشام أبو عمرو عثمان بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عثمان الفقيه الحافظ المصنف، رَحِمَهُ اللَّهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أنا أبو الفتح منصور الْفُرَاوِيّ، قَالَ: أنا محمد بن إسماعيل بن محمد الفارسي، قَالَ: أنا أبو عثمان العيار، قَالَ: أنا محمد بن عمر بن شبويه الشبوي، أنا الفربري، أنا البخاري. كان هذا السماع الذي نقلته هنا على شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه، لجميع صحيح البخاري، في مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تجاه الحجرة الشريفة صلوت الله على الحال بها في مجالس آخرها يوم الاثنين لأربع ليال خلون. ولأبي اليمن ابن عساكر أشعار كثيرة جيدة سمعناها وروينا بعضها منها.

وما اعتذاري وقد أصبحت جاركم ... إن لم يطل في رسوم الدار تردادي وقرئ عليه بباب الصفا، وَأَنَا أَسْمَعُ مما كتب به لبعض أودائه وكانت عادته أن يزوره في أول كل شهر فأبطأ عليه وأظنه كان من أهل الطائف أو ساكنا بها: إذ كنت لم تطلع هلالا لشهرنا ... فكن بدره البادي لعشر وأربع أطلت ثواء في خميلة روضة ... وذاك لمثوى الغصن أنسب موضع وخلفتني بين الطلول مناشدا ... لمن ليس يشكي إن شكوت ولا يعي أروح بقلب للفراق مروع ... وأغدو بدمع في الديار موزع وقد فاتني رؤيا حماك بناظري ... فصفه لعلي أن أراه بمسمعي وقرئ عليه وَأَنَا أَسْمَعُ مما كتب به لبعض إخوانه يستدعيه للزيارة. يا سيدي إن كان منك زيارة ... فاجعل مزارك بالأصائل والبكر أخشى عليك الكاشحين من السرى ... رياك نمام ووجهك كالقمر أو لا فإنك رقة تحكي الصبا ... فعسى تهب لنا نسيما في السحر ومما أذن لي فيه من نظمه، وأنشده لي رفيقي الوزير الماجد الفاضل الكاتب الحافل أبو عبد الله أعزه الله ووقاه، قَالَ: أنشدنا شيخنا الإمام العالم جار الله أمين الدين أبو اليمن ابن عساكر لنفسه: أرقت لومض مبتسم ... أضاء لنا دجى الظلم فبت به سليم هوى ... لجيران بذي سلم تجشم كل شاسعه ... فحل حمى بني جشم فسل نارا على علم ... بدت، عن جيرة العلم ورد ريا على ظما ... روى ماء على إضم

وعفر في الربي بقبا ... بخدك غير محتشم وألصق بالبرى كلفا ... فؤادك يبر من سقم ... وسل عن قلب خائفهم ... بسلع أو بخيفهم طريح هواه بينهما ... قتيلا إثر بينهم فما يمن لنا شجن ... وبرق الشام لم يشم بمكة لي قديم هوى ... علقت به من القدم فأمي نحوها أبدا ... على جنب وفي أمم لزام الحب قمت له ... مقام هوى بملتزم وفي جمع وخيف مني ... لعمرك مجمع الهمم وفي عرفات قد عرفت ... كريم عهودها القدم وطيبة طاب مربعها ... فعنها قط لا ترم إذا ما عن لي شجن ... فمن حرم إلى حرم أزور أحبة كرموا ... كلفت على النوى بهم وأسعى في زيارتهم ... برأسي لا على قدم وأنشدني رفيقي الوزير الفاضل الكاتب الكامل أبو عبد الله، سنى الله أمله ويسر له ما أمله، وكتبه لي بخطه البارع، قَالَ: أنشدني شيخي أبو اليمن رضي الله عنه وأرضاه لنفسه، وأنشدته عليه من قصيد، وهو لي من أبي اليمن إجازة. أعد ذكره بالله يا ذاكر اسمه ... على كبد المشتاق إن له بردا وغن بذكراه القلوب فإنه ... قلوب محبيه بتذكاره تحدى فقد صديت منا قلوب لبعده ... تقاعدها في الحب عن قربه صدا وأمدحه حبا له أرتجي مني ... به منه قربا لا أرى بعده بعدا في الأخرى وفي الدنيا وأدنى لشيق ... بلقياه أن يلقى الأماني والسعدا وما يحتوي نظمي ولا نظم مادح ... محامده اللائي جمعن له الحمدا

ولكن من حبي له أذكر اسمه ... فأشدو به شفعا وأشدو به فردا أحلي به نطقي وأطرب مسمعي ... وأجلو صدا قلب بأشواقه التدا إذا صح ودي فيه أو صح منه لي ... وداد، فوجد الفقد قد فقد الوجدا قلت: هذه الأبيات ساقها شيخنا أبو اليمن رضي الله عنه في فصل تكلم فيه على فضائل المحدثين رضي الله عنهم، قَالَ: ومنها كتبهم الصلاة والتسليم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتبهم، ومحافظتهم عليها بين خطهم ولفظهم، وقد علم ما ورد في ذلك من القربات. ومنها فضل النطق باسمه والتذاذ الأسماع بذكره فإن ذلك أوقع في الأسماع من طيب النغمات: أعد ذكره يا ذاكرا اسمه الأبيات، وهي من قصيدة له طويلة ستأتي بعد إن شاء الله. وأنشدني رفيقي المذكور، أعلى الله قدره ويسر أمره، وكتبه لي بخطه، قَالَ: أنشدني شيخي جار الله أمين الدين أبو اليمن، رضي الله عنه وأرضاه لنفسه، وأنشدته عليه، وهو لي من أبي اليمن إجازة: بملتقى الركنين قلبي لقى ... كم لي ومن أهوى بها ملتقى لجيرة الحي على أن أفي ... عقدت ما بينهما الموثقا ولى عن سفح الصفا جيرة ... قلبي إليهم لم يزل شيقا إخوان صدق أخلصوا ودهم ... غصن التصافي بينهم أورقا حلوا الصفا مغنى وحلوا الصفا ... معنى ونقوا فثووا بالنقا عهدي بهم مذ نفروا من منى ... عسى بجمع جمع من فرقا فسائل الأحياء عن حيهم ... أأنجد أم أشأم أم أعرقا تعرفت من قبل تعريفنا ... أرواحنا فاشتقات الملتقى أشتاقهم حبا وقد أصبحوا ... منا إلينا في الهوى أشوقا فقبل الركن إذا جئته ... عني وجدد موثقا موثقا

صافحه كي يصفح عن سيء ... جنيته تجن الجنى المونقا معاهد عهدي قديم بها ... لا مصرهم أهوى ولا جلقا فاصب بها لإيراق اللوى ... وبرقها شم ودع الأبرقا يا موقفا من بطن نعمان هل ... من موقف فيك لمن وفقا ليلتقي من حيه منجد ... بمتهم بعد لقاء لقى وأنشدنا صاحبنا الوزير الجليل الماجد أبو عبد الله حرس الله مجده، قَالَ: أنشدنا أبو اليمن جار الله رضي الله عنه لنفسه بالمسجد الحرام، وهو لي منه إجازة: منازل إطرابي ومرتبع الأنس ... سقاها الحيا بين المقطم والمقس وحيا وإن شطت ديار أحبتي ... إليها على الأشواق أصبح أو أمسى مطالع أقمار، مجرة أنجم ... مهب صبا مربى مها فلك الشمس منازل فيها كل ملهى ومشتهى ... ومهوى ومحبوب إلى العين والنفس مراتع غزلان ربوع أحبة ... ملاعب أتراب، مجالب للأنس محط صبابات، ومنشأ صبوة ... ومنزع أشواق إلى حضرة القدس غنيت بها عن كل مغنى يشوقني ... فأنسي بها عن غيرها أبدا ينسى تغنت بها الأطيار لا لحن معبد ... ولا نغم العيدان بالنقر والجس وأطلق فيها الماء، وهو مسلسل ... فمطرد صحت مبانيه بالعكس وفاء إليها الفيء فاعجب لآنس ... من الوحش، أو وحشية من مها الإنس أحن إليها بالأصائل والضحى ... ومن حبها قد مسني شبه المس ولو بجفون العين صافحت تربها ... أبل به المشتاق من ألم النكس. وشعره رضي الله عنه كثير، وقد كتبنا منه جملة في غير هذا الموضع تركناه هنا اختصارا. قرأت بخط شيخنا أبي اليمن ابن عساكر رضي الله عنه في إجازة كتبها لبعض أصحابنا ما نصه:

أجزت من اسمه في الاستدعاء معين، ورسمه مبين، ما سألوا إجازته بلغهم الله سبحانه من أملهم نهايته، بشرطه عند أهله، من تصحيحه وضبطه لافظا به، كتبه أبو اليمن بن أبي الحسن بن الحسين بن مُحَمَّدِ بْنِ الحسن بن هِبَةِ اللَّهِ، عفا الله سبحانه عنه حامدا ومصليا ومسلما، وفي شيوخنا والحمد الله كثرة، وفي الرواية سعة، والله سبحانه يعيذنا من المباهاة، وذلك بمكة شرفها الله في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين. وكان هذا الذي كتبه الشيخ رضي الله عنه إثر كتب كتبه المحب الطبري وسمي فيه بعض شيوخه كالمفتخر أو المباهي. ولنذكر نبذا من أسمعته ومروياته. قرأت بخطه رضي الله عنه وآتاه رحمة من لدنه ما نصه: بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين، وأفضل صلوات المصلين على أفضل المرسلين، وسيد سادات النبيين، صفوة المصطفين، محمد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المصطفى الأمين وعلى آل محمد الطيبين، ورضي الله عن الصحابة والتابعين ورحمة الله على علمائنا ومشائخنا، وإخواننا ووالدينا وسلف الأمة أجمعين، وعلينا معهم آمين آمين. وبعد فقد سمع مني السادة الجلة العلماء، الأئمة الفضلاء الأدباء النبلاء، أَبُو الْحَسَنِ علي بن الشيخ الفقيه الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن محمد التونسي، وأبو محمد عبد الله بن الوزير الجليل أبي عبد الله بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله

الطبيري، وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن إِبْرَاهِيمَ المعروف بابن الحكيم بقراءته نفعهم الله سبحانه ونفع بهم، وبلغهم وبلغ بهم، وجعلني وإياهم من العلماء العاملين، والأخلاء المتقين، وأدخلنا برحمته في عباده الصالحين كتاب معرفة أنواع علم الحديث تأليف شيخنا إمام عصره وشيخ وقته غير مدافع، قدوة أهل الشام، وشيخ الإسلام أبي عمرو عثمان بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عثمان بن أبي نصر المعروف بابن الصلاح، قدس الله روحه، ونور ضريحه، وجزاه عني أفضل الجزاء وجعل نصيبه من إفضاله ورضوانه أوفر الإجزاء، بسماعي لجميع الكتاب منه رَحِمَهُ اللَّهُ، إملاء علينا من لفظه وقراءة علينا وَأَنَا أَسْمَعُ بعد الإملاء في مجالسه وقِرَاءَةً عَلَيْهِ عودا بعد بدء، سمعوا ذلك مني فأجزتهم روايته عني بسندي المذكور، وأجزتهم رواية ما أسنده شيخنا في أثنائه عن مشائخه الذين أجازوا لي بإجازاتي منهم رَحِمَهُ اللَّهُ ورحمهم، وأجزتهم رواية ذلك إجازة شاملة لما عساه ينبو عنه السمع، أو يتجاوزه الطرف، أو يفرط إليه الوهم، أو يتطرق إليه السهو، وأجزتهم رواية جميع مروياتي من مسموع ومجاز ومياداة وتأليف ونظم ونثر، نفعهم الله سبحانه ونفع بهم. وناولتهم كتاب شرح السنة تأليف الإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي رَحِمَهُ اللَّهُ سبحانه، وهو في تسعة أجزاء ضخمة، ورويته لهم عن شيخي الإمامين العالمين أبي المجد محمد بن الحسين بن أَحْمَدَ القزويني، قدم علينا رَحِمَهُ اللَّهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ لجميعه سنة عشرين وست مائة، وقاضي القضاة أبي

المحاسن يوسف بن رافع بن تميم، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ لما انتخب منه وإجازة لجميعه منه، بسماعهما له من أبي منصور محمد بن أسعد الطوسي المعروف بحفدة العطاري بسماعه من المؤلف، وبإجازتي من الحافظ الإمام أبي الفتوح نصر بن أبي الفرج بن على البغدادي، بإجازته من الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر عمر بن أَحْمَدَ بْنِ عمر الأصبهاني، بإجازته من المؤلف واللفظ له، مناولة مقترنة وبالإجازة، والله سبحانه ينفع جميعنا بذلك في الدارين، ويعيذنا من المباهاة والمرايات في الروايات. قال ذلك وكتبه أبو اليمن جار الله سبحانه، عفا الله عنه ورحمه ووالديه ومشائخه وإخوانه، في يوم الجمعة سلخ شوال من سنة أربع وثمانين وست مائة بالمسجد الحرام تجاه الكعبة المعظمة، زادها الله شرفا ورفعه، حامدا الله سبحانه ومصليا على رسوله محمد وآله ومسلما، انتهى الرسم. وأخبرنا صاحبنا الوزير أبو عبد الله بن الحكيم أن شيخنا أبا اليمن تحمل الشمائل للترمذي عن ابن اللتي، سماعا عن أبي الوقت، سماعا عن الإمام أبي إسماعيل عبد الله بن مُحَمَّدِ بْنِ منصور الأنصاري الهروي عن الجراحي.

عن المحبوبي، عن الترمذي. ونقلت من خط رفيقي الوزير الماجد الفاضل أبي عبد الله، يسر الله مرامه، وجعل التيسير يقدمه أمامه، ما نصه: تناولت من يد شيخنا جار الله أمين الدين أبي اليمن رضي الله عنه، في يوم الأحد الثاني لشوال أربع وثمانين وست مائة، بباب منزله بالحرم الشريف، كتاب رسالة القشيري إلى الصوفية، وقال لي: أجزتك هذا الكتاب أن ترويه عني بإسنادي فيه. أخبرنا به جدي الشيخ أبو البركات الحسن بن مُحَمَّدِ بْنِ الحسن بن هِبَةِ اللَّهِ بن عبد الله بن الحسين رحمة الله، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ، أنا عمي الحافظ أَبُو الْقَاسِمِ علي بن الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: أنا أبو المظفر عبد المنعم بن الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، قَالَ: أنا والدي، وأنبأتنا الشيخة أم المؤيد زينب بنت الشيخ أبي القاسم عبد الرحمن بن حسن بن أَحْمَدَ الشعري الجرجاني، قالت: أنا أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه بن أَحْمَدَ الشاذياخي قِرَاءَةً عَلَيْها، قَالَ، أنا المصنف رحمهم الله أجمعين، والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وكتب الشيخ بخطه ما نصه: صحيح ذلك، كتبه أبو اليمن، عفا الله سبحانه عنه ورحمة. ونقلت أيضا من خط رفيقي الوزير الفاضل الكامل أبي عبد الله كان الله وسلمه ولا أسلمه ما نصه: " تناولت من يد شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه، في السادس عشر لشهر شوال من سنة أربع وثمانين وست مائة، كتاب سيرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تأليف محمد بن

إسحاق، رواية عبد الملك بن هشام واختصاره، وأذن لي في روايته عنه، وحَدَّثَنِي به عن جده الشيخ أبي البركات الحسن رحمة الله قِرَاءَةً عَلَيْهِ، بإجازته من أبي محمد عبد الله بن رفاعه بن غدير السعدي، عن شيخه الشيخ أبي الحسن علي بن أَحْمَدَ بْنِ علي الفقيه عن الشيخ الأسعد أبي محمد عبد القوي بن عبد العزيز الجباب، عن ابن رفاعة، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ علي بن الْحَسَنِ بْنِ الحسين الخلعي قَالَ: أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عُمَرَ بْنِ النحاس، قَالَ: أنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن الورد، قَالَ: أنا أبو سعيد عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي، قَالَ: أنا أبو محمد عبد الملك، بن هشام، عن زياد البكائي، عن ابن إسحاق رحمهم الله وكتب الشيخ: صحيح ذلك، كتبه أبو اليمن عفا الله عنه ومن خط صاحبنا أبي عبد الله ما نصه: تناولت من يد شيخنا أبي اليمن، رضي الله عنه، كتاب الجامع الصحيح تصنيف أبي الحسين مسلم بن الحجاج، وأذن لي في روايته عنه، بحق سماعه لجميعه على جده أبي البركات الحسن، قَالَ: سمعته على عمي الحافظ أبي القاسم،

قَالَ: سمعته على الْفُرَاوِيّ، وبحق إجازته من المؤيد الطوسي والحرستاني عن الْفُرَاوِيّ، وبحق سماعه لجميعه على المشائخ الأحد عشر الذين قيدت أسماءهم عندي بأسانيدهم، وقال لي: أذنت لك أن تروي عني جميع هذا الكتاب بأسانيدي فيه، وهي التي أعلمتك بها، وذلك بالمسجد الحرام تجاه الكعبة المعظمة في التاسع والعشرين لذي قعدة أربع وثمانين وست مائة، قاله محمد بن الحكيم وفقه الله تعالى، وكتب الشيخ، صحيح ذلك، كتبه أبو اليمن عفا الله سبحانه عنه حامدا ومصليا ومسلما. وألفيت بخط صاحبنا الوزير الكاتب الحسيب أبي عبد الله محمد بن الفقيه الوزير المعظم أبي القاسم بن الحكيم بعد التسمية والتصلية ما نصه: صورة طبقة سماع شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه في كتاب مسلم على المشائخ الأحد عشر المسمين بعد ذا في أصل جده، وهو مجزأ على أربعة وأربعين جزءًا. وفي الجزء الأول ما صورته مختصرا: سمع هذا الجزء وهو الأول على المشائخ العشرة الإمام علم الدين أَبُو الْحَسَنِ علي بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الصمد السخاوي، وتقي الدين أبو عمرو عثمان بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عثمان الشهرزوري عرف بابن الصلاح، وصدر الدين أبو علي الحسن بن مُحَمَّدِ بْنِ محمد بن مُحَمَّدِ بْنِ البكري، وتقي الدين أَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم بن مُحَمَّدِ بْنِ الأزهر

الصريفيني، والقاضي الإمام تاج الدين أبو المعالي أحمد بن أبي نصر محمد بن مميل الشيرازي، وزين الدين أبو زكرياء يحيى بن عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ غالب الحضرمي المالقي، وجمال الدين أَبُو الْحَسَنِ علي بن يوسف بن الْحَسَنِ الصوري، وجمال الدين أبو عبد الله محمد بن عَلِيِّ بْنِ محمد المقري العسقلاني، وبدر الدين أبو العز مفضل بن عَلِيِّ بْنِ عبد الواحد القرشي، ومجد الدين أبو عبد الله محمد بن مُحَمَّدِ بْنِ عمر الصفار الاسفرايني بسماع تاج الدين بن الشيرازي، من أبي عبد الله محمد بن مُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن بن عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الحراني، وسماع جمال الدين العسقلاني، من أبي الفتح منصور بن عبد المنعم الْفُرَاوِيّ، وبإجازة المسمع الأول والثاني منه وسماع الباقين سوى شيخنا علم الدين من المؤيد بن مُحَمَّدِ بْنِ علي الطوسي، قالوا ثلاثتهم: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفُرَاوِيُّ، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْغَافِرِ الْفَارِسِيُّ، وَبِسَمَاعِ عَلَمِ الدِّينِ مِنْ أَبِي

الْقَاسِمِ فيره بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الشَّاطَبِيِّ، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هُذَيْلٍ، أنا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ نَجَاحٍ الأُمَوِيُّ، أنا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسِ بْنِ دلهاث، أنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الرَّازِيُّ، قَالَ الْفَارِسِيُّ وَالرَّازِيُّ، أنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ الْجُلُودِيُّ، أنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ الْفَقِيهُ، نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، رَحِمَهُ اللَّهُ بِقِرَاءَةِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُعَيْبٍ التَّمِيمِيُّ، جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: صَدْرُ الدِّينِ أَبُو الْوَفَاءِ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَأَمِينُ الدِّينِ أَبُو الْيُمْنِ عَبْدُ الصَّمَدِ ابْنَا أَبِي الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَسَاكِرَ، وَمُثْبَتُ السَّمَاعِ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَبْشَاهْ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْهَمَذَانِيُّ، ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ، فِي ثَالِثَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلاثِينَ

بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة» والحمد لله حق حمده وفيه أيضا سمع من البلاغ

وَسِتِّ مِائَةٍ أَوَّلُهُ الْخُطْبَةُ وَآخِرُهُ بَابٌ يَتْلُوهُ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: « بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ» والحمد لله حق حمده وفيه أيضا سمع من البلاغ بخط الجمال القاري عند قوله: عن أنس بن مالك، قَالَ: " كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فرح عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله من ماء زمزم» الحديث إلى آخره، وهو حديث جابر بن عبد الله يَقُولُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة» . على المشائخ الثلاثة عشر ثم ذكر المشائخ العشر، وزاد فيهم تاج الدين أبا الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن عَلِيٍّ القرطبي، والصالح أبا عبد الله محمد بن حميد بن مسلم بن الكميت، وضياء الدين أبا بكر عتيق بن أبي الفضل بن مُحَمَّدِ بْنِ سلمان السلماني. وذكر سماع القرطبي من أبي عبد الله محمد بن عَلِيِّ بْنِ صدقة الحراني، عن أبي عبد الله الْفُرَاوِيّ سماعا، وذكر سماع الضياء عتيق من الحافظ أبي القاسم علي بن الْحَسَنِ بْنِ عساكر، وذكر سماع بن الكميت، من المؤيد الطوسي ثم أكمل الطبقة. وفي الجزء الثاني: سمع الجزء على المشائخ الأحد عشر، فذكر السخاوي، وابن الصلاح وابن مميل، والمالقي، والبكري، وابن الأزهر، وأبا العز مفضلًا، وابن الكميت، والصوري، والصفار الإسفرايني، وعتيقا السلماني، ثم ذكر أسانيدهم، وذكر السماع إلى نصف الجزء عند قوله: " وناه إسحاق بن إِبْرَاهِيمَ التاجر، قَالَ: أخبرنا

جرير. ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا حسين بن عَلِيٍّ، عن زائدة كلاهما، عن المختار، عن عمر، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ الله: {إِنَّ الشِّرْكَ} [لقمان: 13] الحديث. ثم ذكر السماع أيضا إلى آخر الجزء على هذه الصورة.

وفي الجزء الثالث: سمعه على المشائخ الثلاثة عشر: السخاوي، وابن الصلاح، وابن مميل، والبكري، وابن الأزهر، والقرطبي، والمالقي والعسقلاني، وابن الكميت، وأبو العز، والاسفرايني، والصوري، وعتيق، ثم ذكر الأسانيد وذكر السامعين، وأول الجزء، باب الوضوء. انتهى ما وجدته بخط صاحبنا، وبإفادته لنا ذلك، ولم يتأت له نقل ما في بقية الأجزاء لعارض السفر، أو لشاغل شغله، ولم يبين آخر هذا الجزء الثالث، إما غفلة وإما لأنه اعتمد على بيان الأوائل بحسب ترتيب الأجزاء إذ ببيان ما في أول الجزء والثاني يتبين آخر ما قبله، والله المرشد. وقد أفادني صاحبنا ورفيقنا في هذه الوجهة الكريمة المقري الفاضل الصالح أبو محمد عبد الله بن عَلِيِّ بْنِ سليمان القاضي الأنصاري، الكحال في ما أطلعنا عليه من ثبت أسمعته بدمشق إذ كان قد أقام بها مدة طويلة، بعد قفوله من الحج معنا، فتمتع بلقاء كثير ممن لم يقدر لنا لقاؤه أو الاستكثار مما عنده، فكان من جملة ذلك سماعه لصحيح مسلم، عن ابني سباع: الإمام العالم المفتي العلامة تاج الدين أبي محمد عبد الرحمن بن الفقيه المقري أبي إسحاق إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري البدري الشافعي، وعلى أخيه شقيقه إمام القراء صدر النحاة شرف

الدين أبي العباس أحمد، بحق سماعهما من الحافظين أبي عمرو بن الصلاح وتقي الدين أبي إسحاق إبراهيم بن مُحَمَّدِ بْنِ الأزهر الصريفيني، والحافظ الشريف صدر الدين أبي على الحسن بن مُحَمَّدِ بْنِ محمد بن البكري التيمي، والمحدث النحوي زين الدين أبي زكريا يحيى بن على بن أَحْمَدَ غالب الضرمى، والفقيه الرحال بدر الدين أبي العز المفضل بن عَلِيِّ بْنِ عبد الواحد القرشي، والمحدث الزاهد مجد الدين أبي عبد الله محمد بن عُمَرَ بْنِ الصفار الإسفراييني، وجمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف بن أبي الحسن الصوري التاجر، وأبي عبد الله محمد بن حميد بن مسلم بن الكميت الحراني، بسماعهم من أبي الحسن المؤيد بن مُحَمَّدِ بْنِ علي الطوسي المقري بنيسابور جبرها الله تعالى. وبسماعهما من الشيوخ القاضي تاج الدين أبي المعالي أحمد بن مُحَمَّدِ بْنِ هبة الله بن مُحَمَّدِ بْنِ الشيرازي، والحافظ تاج الدين أبي الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن عَلِيٍّ القرطبي، والصدر الكبير نجم الدين أبي محمد الحسن بن سالم بن عَلِيِّ بْنِ سلام الدمشقي، بسماعهم من أبي عبد الله محمد بن عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن بن صدقة الحراني. وبسماعهما من الشيخ جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عَلِيِّ بْنِ محمود العسقلاني، بسماعه من أبي الفتح منصور بن عبد المنعم بن عبد الله بن الْفُرَاوِيّ الصاعدي. وبسماعهما من الشيخ الإمام العلامة علم الدين أبي الحسن علي بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الصمد السخاوي، بإجازته وإجازة الشيخ تقي الدين بن الصلاح من منصور بن الْفُرَاوِيّ هذا، بسماعهم ثلاثتهم من الإمام الفقيه أبي عبد الله محمد بن الفضل بن

أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاوِيّ، بسماعه من أبي الحسين عبد الغافر بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الغافر الفارسي، وبسماع الشيخ علم الدين السخاوي، من الإمام الزاهد أبي القاسم بن فيره الشاطبي، بسماعه من أبي الحسن علي بن هذيل، بسماعه من أبي داود المقري، بسماعه من أبي العباس العذري، بسماعه من أبي العباس الرازي، بسماعهما من الجلودي، بسماعه من ابن سفيان الفقيه، عن المصنف. وبسماعهما من الشيخ ضياء الدين أبي بكر عتيق بن أبي الفضل سلامة السلماني للجزء الأول والنصف الأخير من الجزء الثاني والجزء التاسع والعاشر، ومن أول الجزء السابع عشر إلى آخر الحادي والثلاثين، ومن أول الرابع والثلاثين إلى آخر السابع والثلاثين، من مقدار الربع الأول من الجزء التاسع والثلاثين إلى آخر الثالث والأربعين. وبسماعهما من الشيخ العدل صفي الدين أبي البركات عمر بن عبد الوهاب بن أبي عبد الله محمد القرشي، من أول الجزء التاسع عشر، إلى آخر الحادي والعشرين، من منتصف السادس والعشرين إلى آخر الثالث والثلاثين، ومن أول السادس والثلاثين إلى آخر الأربعين. وبسماعهما من الحافظ الكبير مؤرخ الشام أبي القاسم علي بن الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ الشافعي، وهذه التجزئة المشار إليها تجزئة أصله، وهو أربعة وأربعون جزءا بحق سماع الحافظ رَحِمَهُ اللَّهُ لجميع الصحيح بقراءته بنيسابور على أبي عبد الله الْفُرَاوِيّ عن الفارسي عن الجلودي، عن ابن سفيان، عن مسلم، وكمل ذلك لصاحبنا أبي محمد في تسعة عشر مجلسا، أولها يوم الأحد ثاني شهر رمضان وآخرها يوم الأحد ثامن شوال عام ستة وثمانين وست مائة، بقراءة صاحبنا علم الدين البزرالي.

قال محمد بن رشيد: نقلت طبقة السماع مختصرا من خط أبي الوليد محمد بن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله التجيبي بن الحاج، والتصحيح عليها بخط ابني سباع عبد الرحمن وأحمد، والله ينفع بذلك. قال ابن رشيد وفقه الله: وقد كنت لقيت بدمشق عام أربعة وثمانين تاج الدين أبا محمد عبد الرحمن، وهو المعروف بتاج الدين الفركاح، وهو أحد أعلام فقهاء دمشق وعلمائها، لقيته بجامع دمشق، الأعظم فأعلمت به، فسلمت عليه ولم يقض منه سماع البتة ولا إجازة في ما علمت الآن، والسماع رزق، وكان ذلك لما لزمني من المرض بدمشق، مما قطعني عن نيل آمالي بها إلى أن أعجل رحيل الحاج، والله المحمود والمشكور، على كل حال. وإنما كتبنا هذا الطبقة هنا لينظر هل سماع شيخنا أبي اليمن في الأجزاء الباقية التي لم تسم موافق لهذا أم لا؟ وإن كان وقع في المسماة بعض اختلاف. ومن خط صاحبنا أبي عبد الله: قرأت على شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه بمنه وجزاه خيرا الجزاء القصيدة الموسومة بحرز الأماني ووجه التهاني إنشاء أبي القاسم ابن فيره، وأذن لي في روايتها عنه، عن الإمام العالم أبي الحسن علي بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الصمد السخاوي، سماعا غير مرة، عن المنشئ المذكور سماعا وشرحا وقراءة وعربية، وكملت قراءتها في الثاني لذي حجة من سنة أربع وثمانين وست مائة تجاه الكعبة المعظمة شرفها الله، قاله محمد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الحكيم وفقه الله وكتب حامدا لله ومصليا على رسوله ومسلما.

وقرأت له في هذا اليوم بعض كتاب مقامات الحريري، وناولني جميعها وأذن لي في روايتها عنه، عن شيخه الإمام أبي عبد الله الحسين بن إِبْرَاهِيمَ الإربلي، سماعا عليه بقرءاته، عن أبي طاهر بركات بن إِبْرَاهِيمَ القرشي الخشوعي، سماعا، قلت: يعني عن الحريري إجازة. قال ذلك محمد المذكور حامدا لله ومصليا على رسوله ومسلما بالمسجد الحرام، وكتب الشيخ ما نصه: صحيح ذلك، كتبه أبو اليمن عفا الله سبحانه عنه حامدا ومصليا ومسلما. ومن خط صاحبنا الوزير أبي عبد الله حفظه الله ما نصه: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله وصلواته على سيدنا محمد رسوله الكريم، وعلى آل محمد وصحبه وسلم تسليما. المملوك المستحق بالفضائل التي يعجز عن شكرها لسانه، ولو أربى على الغاية بيانه، محمد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن إبراهيم بن يحيى اللخمي بن الحكيم، وفقه الله تعالى إلى العمل بطاعته، يرغب من شيخه وإمامه ومفيده جار الله أبي اليمن رعى الله جواره، ورفع في أعلى منازل أوليائه المتقين مقداره، وجزاه خيرا ما به جزى أهل الإحسان، وتغمده في الآخرة والأولى بالرحمة والرضوان، وبلغ به وبلغه، وأضفى عليه لبوس اعتنائه به وأسبغه، أن ينعم عليه ويسدي الجميلة إليه بأن يخط فيما تيسر من هذه الأوراق بيده الكريمة مكتوبا يتضمن إطلاق الإذن للمملوك في الرواية

العامة عنه لجميع ما يرويه وينقله ويدريه، ويحمله من العلوم الدينية التي خص بها ووصل أسباب الأعمال الصالحة بسببها، وأن يسمى من أمكن من مشاهير أعلام شيوخه، الذين بهم يقتدى، وبأنوار معارفهم في ظلمات الجهل يهتدي، وأن يعين وقت مولده، وأن يكون ذلك كله بخط الكريمة المباركة يده، ليجد المملوك إن شاء الله تعالى بركة ذلك في الحال والمال، والحال والترحال، والله يبقي إنعام مولاي على من قصده، ولجأ إليه في طلب العلم واعتمده، وبمنه وكرمه، والسلام الكريم يخص مقامه الكريم كثيرا ورحمة الله تعالى وبركاته، كتب في الرابع لذي حجة، عرفنا الله بركته، من سنة أربع وثمانين وست مائة، وكتب الشيخ بخط يده المباركة ما نصه: أحمد الله وهو للحمد أهل ... وأثنى أثنى عليه بشكري وأصلي على الذي خص حقا ... بالمقام المحمود يوم الحشر أحمد المصطفى وعترته الغرر ... وأصحابه النجوم الزهر وسلام على الألى شيدوا العلم ... وشادوا بناه من كل حبر العدول الأيقاظ من كل جيل ... الثقات الحفاظ في كل عصر أثروه وآثروه وأدوه ... كما حملوه جوزوا بخير نضرت منهم الوجوه وحازوا ... قصب السبق من وجوه البر بلغوه كما وعوه وقرت ... يا لعمري عيونهم بالنشر حبذا فعلهم، وشكر لمسعاهم ... ونبلا بهم، ورفعة قدر قد أجزت اللخمي محمدا الخير ... ربيب الحجي، رفيع الذكر ما اقتضاه استدعاؤه من سماع ... ومجاز وكل نظم ونثر دأب أهل الأداء بالشرط في التصحيح ... والضبط وابتغاء التحري لافظا بالذي أجزت علاه ... زاده الله من علاء وفخر ومبيحا له الرواية عني ... حسبما قد رويت غير موري غير راو من غير أصل ولا فرع ... لأصل بغير علم وخبر شكر الله سعية وتولاه ... ووقاه كل سوء وضر

وعليه إذا روى ذاك عني ... طاب ذكراه أن يطيب ذكري لست أعني الثناء لكن عساه ... أن يوالي بغفر ذنب وستر هذه نفثة لمضنى وأنى ... لي بالشعر بعد وخط الشعر؟ زبرتها يدا أبي اليمن جار الله ... ما بين زمزم والحجر نجل عبد الوهاب والحسن الجد ... وسقى الله تربهم صوب قطر عام سبعين قد تقضت مئينا ... ثم يا أربع مضين وعشر حامدا ربه منيبا إليه ... مستعينا بالله في كل أمر انتهى ما وجدته بخط صاحبنا الوزير الكاتب الماجد أبي عبد الله بن أبي القاسم، ووقع هذا البيت الذي قبل الأخير من هذه القطعة الرائية بخط الشيخ رَحِمَهُ اللَّهُ غير بين المعنى مع إبهام اللفظ، ولعل الشيخ تركه ليكشطه ويصلحه فنسي، وقد يمكن أن يصلح بأن يقال: عام سبعين ثم ست مئين ... بعدما أربع مضين وعشر وأنشدنا صاحبنا رفيقنا الوزير أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم، وكتبه لنا بخطه قَالَ: وهو مما سمعته، من لفظ شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه، ومن خطه نقلته، مجيزا للفقيه أبي محمد الطبيري: أجزت الطبيري الندب ذا المنهج الحسن ... كدأب شيوخ العلم في سالف الزمن رواية ما عني يجوز لناقل ... روايته مما صحيح من حسن مجازا ومسموعا على وسع خطره ... ونظما ونثرا وهو في ذلك مؤتمن على الشرط في التصحيح والضبط لافظا ... به من مسانيد الصحاح أو السنن وما هو موصول وما هو مرسل ... وما فيه تعليق وما فيه عن وعن أجزت له والله يشكر سعيه ... ويرعاه للتبليغ في الحل والظعن أفدناه هذا وهو لو قد أفادنا ... لكان له أهلا وكان به قمن.

وهذا لعمري خط نجل عساكر ... أبي اليمن جار الله وابن أبي الحسن لسبعين عاما بعد عشر وأربع ... وست مئين قد تقضت من الزمن بمكة ما بين الحطيم وزمزم ... شكورا لما أولاه مولاه ذو المنن نجزت وهي من الشعر النفيس في معناه. وقد وقفت له رَحِمَهُ اللَّهُ ونفعه، على قصيد كتبه للقاضي سراج الدين عمر بن الفقيه أبي العباس أحمد بن الشيخ كمال الدين الخضر الأنصاري الشافعي، إمام مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخطيبه، في طبقة ساع صحيح البخاري عليه، رَحِمَهُ اللَّهُ ونفعه، بطيبه، زادها الله تشريفا وتطييبا، وهي: سمع السراج إمام دار الهجرة ... عمر بن أَحْمَدَ ذي الفنون الحجة مني البخاري الصحيح مكملا ... جمع الإمام إمام أهل الصنعة ومن الزبيدي الحسين سمعته ... عن شيخه السجزي بأعلى رتبة ورواته من بعد أعلام رضا ... أضربت عن ذكري لهم للشهرة أسمعته وأجزته ما عنّ في ... إسماعه من سقطة أو غفلة وأجزته ما صح عني عنده ... فليروه لرواية وردية وأفادنا ضعفي إفادتنا له ... مما لديه من فواضل عدة فلنا به منها إنالة موسع ... وله به منا عجالة مسنت والله ينفعه، وينفعنا بما ... يروي ويسمع خالصا من سمعة فإذا روى عني أطيل بقاؤه ... فعساه يخلصني بصالح دعوة زبرته يمنى خادم الآثار جار ... الله ما بين الصفا والمروة أعني أبا اليمن المؤمل أمنه ... في طيبة أحبب بسكنى طيبة من بعد ست مائة وسبعين فلت ... شفعت بعشر بعد خمس وفت مستغفرا مما جناه وحامدا ... مولاه معترفا له بالنعمة. أنا شيخا أبو اليمن، كتبا، قَالَ: كتب إلينا الشيخ أبو زكرياء يحيى بن أبي

الحسن العلبي رَحِمَهُ اللَّهُ، من بغداد، قَالَ: أنا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شعيب السجزي، قَالَ: أنا أبو إسماعيل عبد الله بن مُحَمَّدِ بْنِ علي الهروي، أنا محمد بن أَحْمَدَ الجارودي، قَالَ: أنا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ، نا أبو يحيى الساجي، قَالَ: نا أبو داود السجزي، قَالَ: نا أحمد بن حنبل، قَالَ: نا الشافعي، قَالَ: أنا مالك، عن ابن عجلان، عن أبيه، قَالَ: «إذا أغفل العالم لا أدري أصيبت مقاتله» . قال أبو اليمن: أنشدنا صاحبنا الشيخ أبو المظفر يوسف بن الْحَسَنِ بْنِ النابلسي الحافظ رَحِمَهُ اللَّهُ لنفسه فيما أذن لنا في روايته عنه في معنى هذا الإسناد.

أرى أثرا عليه النور باد ... فدونكه سراجا في الظلام تجمع فيه حفاظ علاهم ... إمام عن إمام عن إمام قلت: كذا وقع ولعله علاوة أو سرة أو ثقات، وأقربه للتصحيف، علاة جمع عال، مثل رام ورماة وقاض وقضاة. ومما ورد عن شيخنا أبي اليمن في كتابه ونقلته من عند صاحبنا أبي عبد الله بن أبي القاسم، وأنشده لي عنه، قَالَ: أنشدني شيخنا أبو اليمن، أنشدنا شيخنا أبو محمد عبد العظيم المنذري، قَالَ: أنشدنا شيخنا الحافظ أَبُو الْحَسَنِ علي بن المفضل المقدسي، لنفسه في أسماء العشرة رضي الله عنهم: لقد بشرت من غر أصحاب أحمد ... بجنة عدن زمرة شهداء سعيد وسعد والزبير وعامر ... وطلحة والزهري والخلفاء وبالإسناد إلى المقدسي لنفسه في أسماء الفقهاء السبعة رضي الله عنهم. ألا كل من لا يقتدي بأئمة ... فقسمته ضيزى عن الحق خارجه فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد وأبو بكر سليمان خارجه

أنشدنا صاحبنا الوزير الكاتب الأديب أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن الوزير أبي القاسم بن الحكيم، قَالَ: أنشدنا أبو اليمن، عن الشيخة أم المؤيد زينب ابنة أبي القاسم الشعري في كتابها إلى من نيسابور، قَالَ: وأنشدنا عنها شيخنا أبو عمرو ابن الصلاح، قِرَاءَةً عَلَيْهِ بدمشق قالت: كتب إلينا أَبُو الْقَاسِمِ محمود بن عُمَرَ الزمخشري. أربعة للدين أركان ... حبهم يمن وإيمان أربعة أول أسمائهم ... عين وهم في الناس أعيان عتيق والفاروق والمجتبي ... منهم وذو النورين عثمان وأخبرنا أبو اليمن إذنا في كتابه، ونقلته من خط صاحبنا أبي عبد الله، قَالَ: أنشدنا شيخنا الفقيه الحافظ المفتي أبو نصر محمد بن هِبَةِ اللَّهِ، قَالَ: أنشدنا ملك النحاة أبو نزار الحسن بن صافي بن عبد الله، لنفسه يعارض الحريري في بيته: خليلي إن راعتك يوما فصاحتي ... وهالك أصناف الكلام المحبر فسل منصفا عن قالتي غير جائر ... يحبك بأن الفضل للمتأخر

ومما أذن لنا في روايته عنه في الجملة شيخنا أبو اليمن رضي الله عنه كتاب الصحيح المسمى بكتاب التقاسيم والأنواع، لأبي حاتم بن حبان البستي رضي الله عنه، ومؤلفه أحد الأئمة الكبار، والكتاب أحد جلة المصنفات الجامعات المفيدات، بحق سماعه على شيخه الإمام العالم الرحال شرف الدين أبي عبد الله بن أبي الفضل المرسي، عن أبي روح عبد المعز بن مُحَمَّدِ بْنِ أبي الفضل البزاز الصوفي، عن أبي القاسم تميم بن أبي سعيد بن أبي العباس الجرجاني سماعا عن الحاكم أبي الحسن على بن محمد البحاثي، سماعا عن أبي الحسن محمد بن أَحْمَدَ هارون الزوزني، سماعا عن الحافظ أبي حاتم بن حبان مؤلفه رَحِمَهُ اللَّهُ ورضي عنه. قال شيخنا أبو اليمن رضي الله عنه: وقد أجازه لي أبو روح رحمة الله.

قلت: وحبان بحاء مهملة مكسورة بعدها باء موحدة مشددة قلت: والله المرشد، هكذا أطلق صاحبنا عن أبي اليمن في رواية هذا الكتاب المسمى ب التقاسيم والأنواع، ولا أدري هل اقتصر في المسموع على الحديث دون الكلام عليه، أو هو عنده مسموع بجملته؟ أو هل له فيه قراءة أو لشيخه أبي عبد الله بن أبي الفضل؟ وكذلك أطلق أيضا في جميع الكتاب في تحديثه به عن أبي روح بالإجازة. وفيما كتب لنا به شيخنا إمام المقام أبو أحمد وأَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم بن مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم بن أبي بكر الطبري المكي الشافعي، من مكة شرفها الله مما قَالَ في فهرسة روايته، قَالَ رحمة الله ما نصه: سند المسند لأبي حاتم بن حبان: أخبرني به شرف الدين محمد بن أبي الفضل السلمي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ تجاه الكعبة المعظمة سنة أربع وأربعين وست مائة، قَالَ: أنا أبي روح عبد المعز بن مُحَمَّدِ بْنِ أبو الفضل البزاز الصوفي الهروي سماعا لجمعية ما خلا أشياء يسيرة من أول القسم الثالث من أقسام السنن، وهو أخبار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما احتيج إلى معرفتها إلى إثناء النوع العاشر من هذا القسم عند قوله: ذكر الأخبار عن تمام حج الواقف بعرفة ليلًا أو نهارا، فإن شيخنا شرف الدين أنابه عنه إجازة إن لم يكن سماعا والذي سمعناه من هذا الكتاب إنما هو الحديث المسند غير الكلام عليه، وكذلك سمعه شيخنا من أبي روح، وكذلك سمعه أبو روح من أبي القاسم تميم بن أبي سعيد، قَالَ أبو روح: أنا أَبُو الْقَاسِمِ تميم بن أبي سعيد الجرجاني نزيل هراة، قَالَ: أنا الحاكم أَبُو الْحَسَنِ علي بن محمد البحاثي، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ محمد بن أَحْمَدَ بْنِ هارون الزوزني، قَالَ: أنا المصنف.

قلت: ذكر ابن نقطة أن تميم بن أبي سعيد روى كتاب التقاسيم والأنواع لأبي حاتم البستي عن أبي الحسن علي بن مُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بْنِ عبد الله البحاثي، عن أبي الحسن محمد بن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هارون الزوزني، عن مؤلفه، وقال في اسم عبد المعز يروي كتاب التقاسيم والأنواع لأبي حاتم بن حبان بن أَحْمَدَ بْنِ حبان البستي يعني عن تميم هذا، فأطلق. وأخبرنا أبو اليمن فيما أنشدني فيه ونقلته من خط صاحبنا أبي عبد الله، قَالَ: أنشدنا شيخنا أَبُو الْحَسَنِ محمد بن الْحَسَنِ بْنِ علي البغدادي الأديب الفاضل رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: أنشدنا أبو محمد عبد الله بن عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ المقري الحنبلي، لنفسه. أشح على الكتب من لمسة ... بمس ومن نظرة تنظر وتبصر مجهولة بعدنا ... بأيدي الجهول ومن يخبر كذا سيرة الكتب، يا ذا الذي ... لها من جميع الورى يذخر كذا وقع ولعله تسخر: أنشدني صاحبنا الوزير أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم، قَالَ: أنشدني شيخنا وسيدنا وإمامنا وقدوتنا الأوحد الكامل والأديب الحافل، جار الله ووليه، وعامر حرمه وأمين دينه، أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن عساكر رضي الله عنه ونفع به لنفسه قِرَاءَةً عَلَيْهِ بباب الصفا، تجاه الكعبة المعظمة شرفها الله في ثامن شوال سنة أربع وثمانين وست مائة قلت: وهو لي من الشيخ إجازة.

بين نعمان منزل وكساب ... جادت السحب رسمه بانسكاب معهد للرباب سقيا لعهدي ... في رباه، سقته ذات الرباب مربع للهوى ومرتبع الحبب ... قديما، ومجمع الأحباب ومغاني العشاق يصبوا إليها ... كل صب فدمعه في انصباب تربة تكحل النواظر منها ... من عماها وملعب الأتراب ولديها الأرواح قد خوطبت قد ... ما فلبت طوعا لخير مجاب وأقرت بالحب حقا لمحبوب ... بديع الصفات سامي الجناب فاجتباها بقربه وسقاها ... من صفا حبه طهور الشراب ثم آبت فألقيت ثم سكرى ... منه حتى تلقاه يوم المآب وهي ترتاح كل عام إليها ... كلفا بالتذاذ ذاك الخطاب أيها الساطر الفلا بحروف ... كحروف قد سطرت في كتاب فهي تهوى إلى تهامة شوقا ... جاد تلك الرسوم هامي السحاب أنت إما عرضت عرض بذكري ... في سراة النادي وبين صحاب أهل ودي والنازلون بقلبي ... وإليهم في النازلات انقلابي بيننا ذمة وعهد وداد ... قد صفا بالصفا من الأشواب ما تناسيته لعمري، وظني ... أنهم في الهوى بهم مثل ما بي بث شوقي إن أنت آنست منهم ... شرح شكوى أو نلت رجع جواب ناد باسمي بين المشاعر وأنشد ... عن فؤادي ما بين تلك الشعاب لا خلت منك مكة يا أبا اليمن ... تلقى رحبا بتلك الرحاب حيث تضحى وأنت لله جار ... عائذ الله بين ركن وباب ماسحا تارة وملتزما أخرى ... تمد الأستار بالأطناب إن خلا منك مشعراها فقد كنت ... قطينا بها مدى أحقاب طالما قد نعمت عينا بنعمان ... وشطي إلال بين الهضاب ولكم عوارف حين عرفت ... تعرفتها حسان عذاب

حيث تستنزل المواهب من بر ... رحيم ومنعم وهاب بين شعث غبر أفاضوا عشاء ... قد أفاضوا دموعهم بانسكاب فلكم نلت جمع شمل بجمع ... بجدا محسب بغير حساب وبرمي الجمار وفيت نذرا ... بانقضاء الأتفاث والآراب ثم وافيت فاستلمت وجددت ... متابا للغافر التواب ورقيت الصفا فأحرزت سعيا ... صالحا إذ سعيت سعي مثاب ثم ودعت وانصرفت ترجي ... عودة في تأسف واكتئاب يا رعى الله عهد وصل تقضى ... بالغزال الربيب بين الروابي إذ مصيفي على العذيب ونجعي ... بين ياج إلى صفاء السباب وسقى ليلة على عذب السقيا ... سقينا بها كئوس عذاب إذ تنص الركاب يجرين شوقا ... يتخللن بين بيض القباب ثم زاحمن في المضيق إلى أن ... بعد لأي أجزن نجد الحقاب يا ليالي منى لعمري لفيكن ... منال المنى ونيل المتاب ولأنتن غرة لليالي ... في وجوه الأيام كالأذهاب تتقضى بالذكر والشكر لله ... وجمع الأصحاب والأحباب هل إلى عودة سبيل لنلقى ... ملطفات العتاب بالأعتاب طال عهدي بها فهل لي إليها ... من معاد يطفي حريق التهاب ظلت تشتاقها وأنت نزوح ... شوق صب إلى الأحبة صاب شمت برقا يمانيا من شام ... من تهام على نوى واغتراب بت تستنشق الجنوب وقد هبت ... بليل بليلة الأثواب كيف جانبتها وأنت محب ... هل محب رأيته ذا اجتناب فاحمد الله إذ بطيبة طابت ... أنت ثاو فكنت طاب ابن طاب بين قبر ومنبر أنت منها ... غاديا رائحا بلا إغباب في رياض من جنة الخلد تمشي ... في ممر من رسمها وذهاب جار خير الأنام والمصطفى الهادي ... إلى الله الكريم والنصاب

أفضل المرسلين حقا بلا شكك ... وخير الورى بغير ارتياب صفوة المصطفين أفرد بالحب ... وبالقرب فهو لب اللباب مخلص من شوائب وحظوظ ... معرق الخيم طاهر الأنساب حين قدرا فلم يكن من سفاح ... بل نكاح مؤكد الأسباب من خيار القرون قرنا فقرنا ... وكرام الأرحام والأصلاب في الصبا قد حمي نهى عن تعريه ... وعن وقفة لدى الأنصاب غصن ماد بين غصنين حسنا ... أتلع الحيد أوطف الأهداب وجبين كأنه فلق الصبح ... يجلي حنادس الغيهاب وله منطق ألذ إلى السمع ... من المسمعات بالإطراب بخطاب جزل وقول بليغ ... منه فصل من غير ما إغراب وإذا ساقط الحديث حسبت الدر ... حسنا تساقطت من سخاب من فم أشنب اللثات ضليع ... بارد الظلم واضح الأنياب وثنايا كاللؤلؤ الرطب منظوما ... عذاب معسلات الرضاب شيم قدست وتمم منها ... كل نقص للعنصري التراب وخلال ما شانها خلل ... لا في اكتهال ولا بحال شباب فهو بدر في جنح ليل تجلى ... وهو شمس بدت خلال سحاب وهو نور في لمعة قد تراءى ... قد توارى من ظله في حجاب شرح الصدر منه فهو مصفى ... قد تزكي من كل ذام وعاب أول الناس عنه تنحسر الأرض ... وأولاهم بقرع الباب عقدت في يديه ألوية الحمد ... لأمر فأعجب لأمر عجاب فعلى جاهه أولو العزم جمعا ... قد أحالوا في المعضلات الصعاب وإلى ظله أووا فتراهم ... في جنوح إلى جناح العقاب والمقام المحمود ما قام فيه ... غيره من أولئك الأنجاب كاشفا كل كرب خطب عن الناس ... برجع لربه وخطاب وبشير عند الإياس بفضل ... وخطيب لهم بفضل الخطاب

وإلى الله صحبة الروح أسرى ... فحباه بزلفة واقتراب كم محي له وكم من ملاق! ... إذ سما في السماء بالترحاب كم مراق إلى العلا قد ترقى! ... فتحت بالمنى له كل باب فانتهى منتهى به قد تناهى ... بالقضايا مطالب الطلاب ثم أدنى حبا وأزلف حتى ... كان أدنى إليه من قدر قاب وله البدر شق إذ سألوه ... آية جهرة بنص الكتاب ليس فيها للخلق صنع فتلفي ... شبهة ما لمنكر الحق آب شاهدته قريش والسفر أنيا ... أنهم شاهدوه عند الإياب وله الكوثر الروي من معين ... سلسبيل يمد في ميزاب وعداد الكواكب الزهر فيه ... من أباريقه ومن أكواب طينه المسك حف من حافتيه ... بقصور من لؤلؤ وقباب رب أبرد ظما أبي اليمن ريا ... بورود من شرب ذاك الشراب لا تحلئه باقتراف لسوء ... عن ورود من مائه واكتساب وحمام على فم الغار عششن ... فأعشين عين المرتاب وكذا الراه إذ تولج فيه ... نبتت ثم فهي ذات انشعاب قد توارى من كيدهم ثاني اثنين ... فكانا عن مكرهم في حجاب واسأل المدلجي سراقة عنهم ... آب عنهم وحد عداوة ناب إذ يَقُولُ الصديق إنا أتينا ... فانبرى عنه طرفه وهو كاب جاء يسطو فعاد قد عاذ منه ... بأمان لنفسه، وكتاب وإليه الأشجار مما دعاها ... قد أتته تخد خد التراب ثم عادت إلى المنابت سعيا ... ساريات العروق في أسراب وبكفيه سبحت حصيات ... أسمعتهم فهن ذات اصطخاب نبع الماء من أنامله الخمس ... غزيرا مدغفقا ذا عباب

وبتصديقه قد اعترف الضبب ... مقرا فآمن الأعرابي وبصاع وبهمة أشبع الألف ... فشادوا نقاب تلك الجوابي زود الجيش مرملين حييسا ... فضل تمر أحصوه ملء جراب وعلى فقده فقد ردد الجذع ... حنينا لبعده بانتحاب وحقيق لأعين فارقته ... أن تسح الدموع سح السحاب فعلى فرقة الأحبة يبكي ... كل ناء المزار بعد اقتراب فانثنى نحوه يسكن منه ... باحتضان له جوى الأوصاب أين منا النشيج خوف نواه ... من أنين الجماد والأخشاب فض جمع الأعداء يوم حنين ... إذ رماهم بقبضة من تراب وإذا ما نوى قتال عدو ... قذفوا في القلوب بالإرعاب وثلاث في أمر زينب آيات ... عظام منها نزول الحجاب جاءها فابتنى بها حكمة الله ... بلا شاهد ولا خطاب بل خصوصية بها خصه الله ... فكانت تسمو على الأتراب ولكم آية وكم من دليل ... قد أزالت عماية الارتياب ذاكم الفخر لا ممالك سابور ... ولا الهرمزان في الأحقاب فأطل أو فأقصر لمدح فيه ... بارتجال للنظم أو باقتضاب وصفه بين لكل رسول ... نعته مثبت بكل كتاب خصه الله بالمحبة والخلة ... مع رفع ذكره المستطاب ورؤوف بالمؤمنين رحيم ... غير فظ جاف ولا صحاب وهدانا به الإله فجلى ... ظلم الظلم فهي ذات انجياب فعلا دينه على كل دين ... مذهبا باقيا بغير ذهاب وحبيب مدلل بالأماني ... ورسول مظلل بالسحاب ذاكم المصطفى المحب ومن ذا ... لسواه في فضله بالمحاب أو حبا له سلام محب ... شفه شوقه إلى الأحباب غض صوتا لدى السلام وكن منه ... لرد عليك في الارتقاب

لا تطأ أرضه بنعل وطأها ... بجفون العيون والأهداب انتشق تربه وقبله واخضع ... وتوسد شريف تلك القباب وتضرع والصق به القلب كيما ... ينثني عن ولوعه ذا انقلاب لا تضمخ منك الترائب طيبا ... بل تضمخ بطيب ذاك التراب وتشفع به إلى الله تسلم ... من عذاب خزي وخزي عذاب عذ به في النجاة فهو معاذ ... وتوسل ولذ بذاك الجناب وتأدب فلا يكن منك إخلال ... وزم الخلال بالآداب إن حبي له لزام ولما ... يزل الحب لازم الأحباب واشتياقي إليه شوق معنى ... مفرط في صبابة واكتئاب رب أنعم عيني برؤياه لا عن ... جنب منه بل بغير اجتناب واشف بالقرب منه غلة شوقي ... فلبعدي عنه لقد جل ما بي يا شفيع العصاة كن لي إلى الله ... شفيعا من الأليم العذاب فبحسبي بأن تكون شفيعي ... عند رب العباد يوم الحساب جئت أشكو بثي لعلك تشكي ... لمرزا في دينه ومصاب قد توالت إلى الخطايا خطاه ... وأقل الأعباء من كل عاب مسرفا في ارتكابها ومصرا ... والجا في الذنوب من كل باب فأعنه بعطفه لتقوي منه ... عزما على التقى باحتساب عله أن ينيب منها إلى الله ... بصدق مستعصما بمتاب وحنان برأفة منك تهديه ... وتنجيه من شديد العقاب أرتجي وصلة لديك وما لي ... سبب موصل من الأسباب غير حبي له وأرجو بحبي ... ولآل النبي والأصحاب فاسأل الله لي صلاح فسادي ... وادع لي بالهدى دعاء مجاب صلوات الإله تترى عليه ... باقيات على مدى الأحقاب وعلى آله الذي تزكوا ... ليس فيهم لعائب من معاب حبهم مذهبي بغير غلو ... وإليهم إما دعيت انتدابي

ورضاه ورحمة من لدنه ... تتوالى على جميع الصحاب يا آلهي وأنت ربي وحسبي ... بك ربا أحسن إليك مآبي وأجزني على الصراط برحمي ... منك أنجو بها ويسر حسابي لا كتابي تنشره إي رب واصفح ... عن طوايا صحائف الكتاب فذنوبي كثيرة ليس تحصى ... وعيوبي شتى ملأن عيابي فأقل عثرتي وثبت فؤادي ... لا يزغ في مواطن الإرهاب واعف عني وارحم وسامح وأعتقني ... من النار يوم فك الرقاب وله رَحِمَهُ اللَّهُ وهو مما أجازه لنا وأفاده لنا صاحبنا الوزير الكاتب أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم بن الحكيم، رفيقنا قَالَ الشيخ رَحِمَهُ اللَّهُ ما نصه: قَالَ أبو اليمن عبيد الله عرف بابن عساكر، عفا الله عنه، ورحمه ووالديه ومشائخه وكافة المسلمين، يمدح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحها على ريم فقد جاوزت كشدا ... وأنجد بلاغا قد بلغت بها نجدا على تعهن أرسلتها في عواهن ... تجد فلا تألو ولا تأتلي جدا أجازت فلفت ما لها لفت ناظر ... سوى ما إليه وجهها وجه القصدا ومرت على ودان عجلى مشيحة ... وأنزلها من وقع أخفاقها ودا لما شفها برح الجوى مسها الوجى ... ومذ عاينت نجدا بها عانت الوجدا فألق العصا بين العقيق إلى قبا ... إلى أحد واجعل لها أحد حدا أنخ بالعوالي تعل بالقرب رتبة ... فقد جد ثاو حل من رسمها جدا ورد بقناة أو فحل أذاخرا ... وشأ خطة نعمان والأنعم الفردا

على إضم قد كان مورد ظمئها ... فعنه لقد صدت إلى مقمر صدا وخيم على بطحانها إن تربه ... شفاء لذي الود الذي داؤه أودى وعن عدوتي سلع فلا تعد واتبع ... مرابع ما للقلب عن حبها مغدا وعرض بذكري بالعريض وخيفة ... عسى سائل عني وسل لي بها عودا فثم لبانات لقلبي قديمة ... بلاباتها ما تنقضي قد صفت ودا وفيها لأبناء الهوى إن عرفتهم ... معاهد عرفان بها كرمت عهدا هي الدار نعم الدار أشرب طيبها ... قلوب محبيها فهاموا بها وجدا ومن حرتيها برد نيران شوقها ... فواعجبا من حرة أسأرت بردا فلا تحسبنها سبخة هي إثمد ... فكم قد شفت مما بها أعينا رمدا وما هن لابات ولكن لحسنها ... فرشن من الديباج إستبرقا بجدا كأن سناها في سواد حرارها ... صباح من الليل البهيم ارتدى بردا فحل حماها واستخل من جنابها ... منى طائرا يمنا هدى طالعا سعدا وسف تربها تشف الجوى فبجوها ... شفاء جو قد شفه شوقها جهدا وألصق بها قلبا وداو بها شجا ... وعفر بها وجها وصعر لها خدا فأرواحها طيب يضوع لناشق ... يضمخ منه العطف والردن والبردا وتربتها من طيبها إن شممتها ... عبيرا وندا خالطا عنبرا وردا فمن طيبها للطيب طيب بطيب ... كريم ثوى فيها بأنفسنا يفدى عليها جمال أو لديها لناظري ... جلال سناء والظلال به يهدي قديم مقيم حبها واشتياقها ... قدمت بها عهدا فجدد بها عهدا ألكني إليها قد تمادت بي النوى ... فلست على بعدي ووجدي بها جلدا ففي الحب ما لاقيت من شحط دارها ... ولله شوقي ما أعاد وما أبدى

وذرني وإياها ووجدي فللهوى ... ولي ولها شأن وما سره يبدى معاهد لا عهدي بمصر وجلق ... فحسبي جنات وحسبي بها عدا تعوضت من مقرا برسمها ... فقرت به عيني وما سخنت سهدا وطاب لها عيش على عوز به ... فلم نذكر عيشا بغوطتها رغدا ونالت بها ما لم تمن لأجله ... منى في حفافي نيلها ظلها امتدا فلا تلحني في حبها إن حبها ... لزام لقلبي ليس منها له بدا وإن شميما من نشام وإذخر ... لأشهى لها من شمها البان والوردا وأصبو إلى حوذائها وجليلها ... ولا أبتغي شيح الشآم ولا الرندا فدعني وحصباء العقيق فلي به ... هوى بجواه للمحبين قد أعدى أهيم عسى جد إليه مبلغ ... أحوم على ورد لعل به وردا ويا حبذا لثمي ثراه أسوفه ... أبرد من شوق حمى طرفي البردا فكم سح في ساحاتها سيح عبرتي ... ونظم جزع الدمع في جزعه عقدا حنيني إليها غارب في كلفي بها ... لك الله عن ذكر الرباب ودع دعا وكم زرتها شوقا على بعد شقة ... على رحل من سرت نصا ولا وخدا ومن دونها تلقى حماة حقائق ... مسومة حردا مطهمة جردا أعاود من شوقي فلا القلب يشتفي ... ولا حبها يسلى ولا قلقي يهدا وما نزعتني حاجة غير حبها ... وشوقي إليها لا سعاد ولا سعدى يطيب بها وردي وأصبر صاديا ... بفلسة ظام عله وقدا فيا مصدرا ما طاب عن طيب مورد ... أمر مذاقا حين أعذبه وردا فكم لي بها من وقفة وسط روضة ... تبوأت من أرجائها جنة خلدا وكم من مقام قمته في مقامها ... به ظل مني ظل أمني ممتدا فيا سعد جدي إن ثويت بربعها ... ويا جد سعدي إن سعيت بها جدا ويا فوز سعيي إن ترسمت رسمها ... ونعمى لعيني حين أسعى بها حفدا

فطوبى لمن يقضي بطيبة عمره ... وإما قضى نحبا يبوأ بها لحدا فسرح سوام الطرف في جنباتها ... تجد طرفا تهدي عماك بها يهدى ويمم بها خير الأنام مسلما ... فكرر على بدء تحيته عودا فطأ يجفون العين منك ولا تطأ ... بنعلين أرضا حل من لحدها مهدا وردد تحيا الشوق واسمع لأمره ... وألق لديه السمع تستمع الردا وقم نادما أو باكيا شاكيا له ... تحول حال مد فيها الهوى مدا وتب من ذنوب قد جنيت عديدة ... ذنوب لعمري لست تحصي لها عدا تشفع به فيها عساها بجاهه ... تكفر واسأل من مواهبه الرفدا ولا تعتذر بل واعترف متنصلًا ... وأوف بعهد الله لا تنقض العهدا بمثواه طابت طيبة وتشرفت ... بتشريفه حتى أغتدت للورى قصدا فكان تمام الحج أن يقفوا بها ... مطاياهم يأتون من حبها وفدا هو المصطفى بالحب والقرب مرتضى ... لمنحة ما أولاه مولاه أو أسدى وخاتم رسل الله وهو إمامهم ... وأولهم في الفضل قد فاقهم مجدا ومسراه يرقى في السماوات معجز ... به قد تحداهم فجاوزهم حدا فأيهم في فعله كان مثله ... تردد في التخفيف عنا فما ردا ومن ظل منهم والغمام تظله ... وفاء إليه الفيء يعمده عمدا من ذا الأشجار منهم فأقبلت ... إليه تخد الأرض طوعا له خدا ومن خص بالحوض الروي يورد الورى ... ويصدرهم ريا وقد وردوا وردا ونال من الله الوسيلة فاعتلى ... على كل عال منهم سيدا جعدا ومن ذا الذي أعطى الشفاعة فاغتدى ... بزلفتها ما منهم أوحدا فردا فقام مقام الحمد يحمده الورى ... شفيعا لهم من بعد ما أجهدوا جهدا أحيلوا عليه بعد لأي فأقبلوا ... إليه عجالا يصمدون له صمدا وكان لها أهلا وقال أنا لها ... ووفى عريض الجاه قد أمن الردا

فحن لذاك القدس لما بدا له ... تقدس وصفا ساجدا خاضعا عبدا وألهمه الله المحامد فانثنى ... بتمجيد تقديس يوالي له الحمدا وقال له ارفع وقل يسمع، وفيهم تشفع ... وسل تعطه، وأعطي وما أكدى فحد له حدا لقوم وكلما ... أتى شافعا فيهم يحد له حدا فأخرج من في النار من كان مؤمنا ... ولم يبق إلا من قد استوجب الخلدا فمن ذا له جاه لديه كجاهه ... ومن ذا الذي أجدى علينا كما أجدى وآيته في الغار إذ أجلب العدى ... عليه ليروده وكادوا له كيدا فأعشيت يا نور الهدى أعين العدى ... فردوا وهم حقا بذاك الردى أردى فيا ويلهم ساموه سوءا وسماهم ... بحسنى ودادا فيهم وهم الأعدا أتاهم بقرآن ليرشدهم به ... فردوا عليه القول كفرا به ردا يبشر ذا تقوى وينذر من طغا ... وعيدا لمن يخشى، ومن يرتجي وعدا فصدوا عن الحق الذي جاءهم به ... وضلوا غلوا منهم وطغوا جحدا وقالوا ولو شئنا لجئنا بمثله ... فصدوا عن الإفصاح عن زعمهم صدا أقروا على عجز بإعجاز نظمه ... فحادوا عدولا عن معارضة حيدا وهم مالكو فصل الخطاب وفاصلوا ... عرى كل خطب في جدالهم لدا فما منهم باد أبان بيانه ... ولا حاضر عن مثل إبداعه أبدى فيا ضلة الأحلام ضلوا بجهلهم ... عكوفا على الأصنام قد عبدوا ودا وهم كفروا بالله مالك أمرهم ... وخالقهم يدعون من دونه ندا وكم آية دلت وكم من دلائل ... بصدق رسول الله أوضحت الرشدا وكم من براهين تواتر نقلها ... لتخصيصه نصا قد انتقدت نقدا أعد ذكره بالله يا ذاكر اسمه ... على كبد المشتاق إن له بردا وعن بذاكره القلوب فإنه ... قلوب محبيه بتذكاره تحدى فقد صديت منا قلوب لبعده ... تقاعدها في الحب عن قربه صدا

وجل به أحوالنا واجل منعما ... بأنواره قلبا من الرين مسودا فمن لي بأن أمسي وأصبح جاره ... فأحبب إليه بالمراح وبالمغدى أيا رب أوردنا حنانيك حوضه ... لنسقى شرابا مازح المسك والشهدا ولا تختلج من دونه فتكن كمن ... لما راق من دنياه عن دينه ارتدا وأنعم برؤياه عيونا مشوقة ... لرؤيته واجعل لنا عنده ودا وشفعه فينا فاعف عنا ونجنا ... من النار منا منك من قبل أن نردى وبلغه عنا كل لحظة ناظر ... صلاة وتسليما إذا انتهيا ردا وهبنا يقينا من عذاب جهنم ... يقينا وتسديدا يكن دونها سدا ولا تخزنا عند الحساب وهننا ... بإكرام مثوانا وهي لنا رشدا فأشهد أن الله أهداه رحمة ... لنا فهدانا من لدنه بما أهدى فبلغ ما أوحى إليه وحضنا ... عليه وأدى بالأمانة ما أدى فصلى عليه الله ما وقب الدجى ... وما متعت شمس ضحى اليوم فامتدا صلاة دراكا ديمة وعميمة ... فلا فرعها يذوي كما عرفها يندى وأهدى التحايا الطيبات لفضله ... ومثل التحايا الطيبات له يهدى وصلى على الآل الكرام الألى زكوا ... أبا وصفوا أمّا لهم وسموا جدا أولو الفضل والإفضال لا ظلم عندهم ... ولا بغي فاسرد آي سؤددهم سردا وعدد له ما شئت من رتب العلى ... فإنك لا تحصي مآثرهم عدا فحيهلا بعد الرسول بذكرهم ... ومن قبل حب الصحب حبهم يبدى حقيق علينا حبهم واتباعهم ... إذا ما هدوا قصدوا وهم بالهدى أهدى لحب رسول الله حقا نحبهم ... بذلك أوصانا به نحكم العقدا وألحق بهم أهل السوابق والنهى ... صحابته فامحض لكلهم الودا بصحبته خصوا وفي الله هاجروا ... إليه وفيه فارقوا الأهل والولدا أشداء في دين الإله أئمة ... وشادوه بالتأييد والنصر فاشتدا عدولا رضا فازوا من الله بالرضى ... جهادا وفي إرضائه بلغوا الجهدا وهم شهداء الله والوا وعزروا ... وآووا وواسوا واعتزوا في الشرى أسدا

وقل ربنا أرحمنا وإخواننا الألى ... بالايمان حازوا الخصل في سبقهم شدا وبينهم فاجمع لديك وبيننا ... بدارك قد أعطيتنا الملك والخلدا ألا يا أخا الإحسان لا تنس وامقا ... بصدق وداد منك ما زال معتدا فقف لمشوق بين قبر ومنبر ... وقوف شج يبكي أحبته فقدا وقل مبعدا أقضاه في الحب أنه ... بذلك أهل فاقتضى حظه البعدا ولو أنه للقرب أهل لناله ... وبل صدا من شوقه ولما صدا عساه على علاته ولعله ... إذا جاءه مستغفرا أنجز الوعدا فكم توبة قد تابها فأضاعها ... فمن سيء أخفى بما حسن أبدى عسى رحمة لله يرحمه بها ... تكفر من زلاته الخطء والعمدا تمحضه عفوا يكون بفضله ... لما قد جنى عمدا مجلله غمدا مدحتك يا خير البرية أرتجي ... به منك قربا لا أرى بعده بعدا في الأخرى وفي الدنيا وأدنى لشيق ... بلقياك أن يلقى الأماني والسعدا وما يحتوي نظمي ولا نظم مادح ... محامدك اللائي جمعن لك الحمدا ولكن من حبي له إذا ذكر اسمه ... فأشدو به شفعا وأشدوا به فردا أحلى به نظمي وأطرب مسمعي ... وأجلو صدا قلب بأشواقه التدا إذا صح ودي فيك أو صح منك لي ... وداد فوجد الفقد قد فقد الوجدا عليك سلام الله بدءا وعودة ... يروح ويغدو طيبة الختم والمبدا وقال رَحِمَهُ اللَّهُ ورضي عنه، وهو مما أجازه لي، وقال لنا صاحبنا الوزير أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم بن الحكيم حرس الله معاليه وكتب في الصالحات مساعيه: سمعتها على ناظمها رضي الله عنه:

أنخ مطاياك بلغت المقصدا ... بين ثنيات كداء وكدى أرود بها سوقكها فطالما ... نهنهها زجر الحداة والحدا أربع عليها ترتبع سائبة ... فحل أنساعا وأرخ مقودا وخلها بالأخشبين ترتوي ... علا وذرها منه تشفي العمدا تروع مرعاه وترتاد لها ... بين رباه مرتعا وموردا ما وردت صداء من كاظمه ... لكنها صدت على كظ الصدا كم شاقها محصب وأبطح ... فظل ذكراها له مرددا إن لها بين الحجون والصفا ... معاهدا تصبوا إليها أبدا منازل قد شفها ادكارها ... وكاد يبليها هواها كمدا لها وللأحباب فيها موعد ... للوصل وافته توفي الموعدا هوى قديم ووداد أول ... إذا انتهى عاد لها كما بدا وفي حماها أنست عن جانب ... فأنسيت عن جانب نار هدى وكم لها في حبها علاقة ... أقامها الوصل لها وأقعدا ما فارقت مربعها مشيحة ... تفري الفلا شوقا لمغناها سدى ونكبت عن مائة وظله ... إلا ليهديها الطريق الأقصدا إن أنت لم تشف بذاك شوقها ... لم تدر كيف الشوق فت الأكبدا عاذت بذياك الحمى وفسحت ... لا تأتلي في رسمه ترددا والتزمت ضربة حب لازم ... جد بها نحو حماها وحدا وجددت ميثاقها ولم يزل ... ميثاقها مؤكدا مجددا وحصبت بالشعب ثم أصعدت ... لا تنقضي أنفاسها تصعدا حازت مناها إذ أجازت بمنى ... تؤم جمعا وتريد النجدا وما شكت حيفا ملما إذ غدت ... ملمة بالخيف تسمو صعدا تعرفت في عرفات موطنا ... ما أنكرته الروح في طول المدى فاض عليها إذ أفاضت فائض ... من منعم جم النوال والجدا

وقت نذور أو قضت عن تفث ... أوطارها وقد تلقت أسعدا ثم ثنت عنانها لطيبة ... تؤم خير العالمين أحمدا المصطفى على الورى والمحتبى ... بالحب والقرب الرضى محمدا حنت إلى لثم الثرى من يثرب ... لم تغتمض بالنوم ليلًا أرمدا فأوبت في سيرها وما وفت ... تفري الفيافي وتجوب الفدفدا فأصبحت كالسطر في طرس الفلا ... من كل نون تحت راء قد بدا مذ سلكت وادي العقيق ناثرت ... سلوك جمع كالعقيق بددا حتى أتت بطحان لا تشكو وجا ... ولا تخاف دركا من الردى ويممت خير الورى فسلمت ... تسليم صب شوقه توقدا وقبلت ذاك الثرى وصافحت ... بالترب منه طرفها المسهدا عاذت به وإن من عاذ به ... مسترشدا فقد تحرى رشدا تشفعت بجاهه ومن غدا ... له شفيعا ينج من النار غدا واستغفرت لذنبها وجددت ... توبة خطاء عدا أو اعتدى وأصبحت في روضة من جنة ... من حلها حل جنانا خلدا وشاهدت آثاره فعاينت ... منبره وقبره والمسجدا صفوة خلق الله خير رسله ... أتزر الحمد وبالمجد ارتدى له مقام الحمد عند ربه ... يقام بالتخصيص فيه أوحدا يقوم فينا شافعا مشفعا ... مراجعا لربه مرددا يشفع فينا عودة لبدأة ... وكان أولى وعلينا أعودا يسمو إلى وسيلة خص بها ... ينال فيها سؤله ممجدا ويغتدي والرسل أتباع له ... بالحب والقرب مخصا مفردا يصدر إذ يصدر أمر مالك ... من في الجحيم مالك قد أوردا يا صفوة الله ومن أصفيته ... صفو الوداد في الهوى مؤكدا

كن لي إلى الله شفيعا إن لي ... جرائما أخافها من الردى ظلمت نفسي واعتديت ظالما ... وجئت من الذنب كثيرا عددا قد أثقلت ظهري ذنوب فانثنى ... بونيها عن كل حد مقعدا وقد أتيت تائبا مستغفرا ... فاقبل معاذيري، وكن لي مسعدا واشفع فأنت شافع مشفع ... فيمن غدا بذنبه مصفدا أقبل علي قد أتيت مقبلا ... بوجهك المسعود حتى أسعدا فلا تخيبني فإني مرتج ... جداك يا رب النوال والندى ها أنذا معترف بما جنت ... يدي فحسبي منك حسبي مقصدا لا عمل يزلفني ولا يد ... تسعفني أرجو بها منك يدا إلا حنان من لدنك أرتجي ... به جنانا ونعيما سرمدا فاشفع إلى الله بأن يجيرني ... لا يسلكن بي عذابا صعدا فلا تخيب أملي يا أملي ... فقد أتيت وافدا مسترفدا إني محب والمحب دائما ... يذكر من يهوى ولوعا قد غدا مقصر عن اللحاق بالذي ... أحبه فما بلغت أمدا لكنني أرجو بحبي لهم ... بأن أكون منهم حيا غدا والمرء مع من في الدنا أحبه ... كذا روينا عنك ذاك مسندا وأرتجي منك بأن تسقيني ... من حوضك العذب الروي وتوردا صلى عليك الله ما هبت صبا ... وما تغني طائر وغردا وما دجا ليل وذر شارق ... وما لوخد عيسه حاد حدا وخصك الله بما أنت له ... أهل كما هديتنا سبل الهدى وزادك الله علا ورفعة ... وشرفا على الورى وسؤددا ومما وجدته متصلا بهذه القصيدة، عند صاحبنا الوزير أبي عبد الله منسوبه بغير خطه للناظم رَحِمَهُ اللَّهُ: قضى شجونا وما قضى له شجنا ... وكم تمنى وهل يعطى المحب منى صب ترسم رسم الدار يندبها ... بعد الأحبة لما فارق السكنا

ويسأل الربع عنهم أيه سلكوا ... وليس نافعه أن يسأل الدمنا يا دار ما فعل الأحباب أين ثووا ... أأشأموا أم بيمنى قد نووا يمنا يا طول وجدي بهم واوحشتي لهم ... وفرط شوقي إلى من عنك قد ظعنا سقيا لعهدك يا دار الهوى فلقد ... بوصلهم فيك بلغنا المنى زمنا يا منتدى الحي هل من عودة لهم ... تدني بها وطرا من نازح وطنا هم الأحبة كم أبقوا لدي لهم ... آثار حسنى وكم قد آثروا حسنا تالله ما نقضوا عهدي ولا رفضوا ... ودي ولا أتبعوا في منهم مننا لا تبعدوا وبلى والله قد بعدوا ... وشطت الدار والمثوى بهم وبنا دع عنك ندب المغاني وانتدب عجلا ... فليس يغنيك ندب غادر البدنا وسر إلى المصطفى الهادي الورى فله ... تزجى المطي فنهنهها بغير ونى الهاشمي رسول الله سيدنا ... فهو الرءوف بنا وهو الشفيع لنا صلى عليه إلاه العرش ما وخدت ... عيس وما أشعرت حجاجة بدنا ومن نظمه رضي الله عنه وهو من جملة المجاز: يا من تبوأ من مشاعر مكة ... متبوأ بين الصفا والمروة ألقى العصا فيها وأوضع كي بها ... تضع الخطا والحوب عنه بتوبة فأوى إلى حرم ولاذ بمأمن ... مستوثقا منها بأوثق عروة وغدا يجدد في معاهد رسمها ... عهد الأحبة بعد طول المدة عهد وميثاق لهم ما قطعت ... أسبابه وحباله ما رثت فمقبل طورا وطورا ماسح ... أركانها ومردد لتحية حتى إذا ما قيل صفى سره ... وتقدست أوصافه وترقت

بمواهب جادت له بعوارف ... قد أشرقت أنوارها بأشعة أضحى بعيدا عن حماه محجبا ... عن باب مولاه بكل تعلة يا ويحه قد أوثقته حظوظه ... في حيث يطلق من وثاق الزلة غلقت لديه رهونه بعلائق ... علقت به وجرائر قد جرت بمقر أمن عينه سخنت به ... ولديه قرة كل عين قرت فمسود بين الورى ومسود ... وجه النهى بصحائف مسودة أيان يونس من صلاحك بعدما ... أشفيت لا تشفى هوى من علة متقسم العزمات لست بمزمع ... ما فيه عائدة عليك بوصلة ومتى ترجى منك يا متلون ... عتبى منيب أو إنابة مخبت قد شبت غدرا بعد شيب غدائر ... لمم الخطا من بعد وخط اللمة فدراك معترك المنون فقد أتت ... ودع المنى واهبب لأخذ الأهبة وانظر لأمرك حيث أمرك منظر ... لابد من بعد الكرى من يقظة وارفع إلى مولاك شكواك التي ... طالت بها نجواك أبعد شقة واخضع له واضرع إليه وناده ... متنصلا مما جنيت بذلة وأبسط له كف السؤال فإنه ... جم النوال ببسط ظل النعمة واغسل ذنوبك بالدموع لعله ... أن يجتبيك من لدنه برحمة نوحوا على من هذه أنحاؤه ... وابكوا ورثوه بأوجع ندبة ومن نظمه رضي الله عنه وهو من جملة المجاز بأستار بيت الله قم متمسكا ... وبالله عذ من ناره أن تمسكا ولا تعتصم إلا بحبل اعتصامه ... فلا بسوى توفيقه لا تمسكا ولذ بحماه فاستلم ثم فالتزم ... وعظم على التقوى شعائر ربكا وجدد عهودا في معاهدها التي ... إلى من بها برح اشتياقك شفكا معاهد للأرواح فيها معارف ... غذاك هواها إذ سقاك فعلكا

فمن حبها وافيت أشعث أغبرا ... تلبي لرب باللطائف ربكا عليك شعار الحب تزهى ببذلة ... تبذلتها لله من زهو ملككا فجددت رسم الوصل بعد دروسه ... وطفت كما طاف المحبون قبلكا فقرة عين منك كم سخنت شجى ... بمنية قرب نلته بعد بعدكا ويا برد حر الشوق منك بوقفة ... بملتزم تنهي وتشرح ما بكا فصافح يمين الله ذكرى لعبده ... وقل آبق وافى وفاء بعهدكا وقض بما بين الحجون إلى الصفا ... شجون هوى من أجلها طال شجوكا نعمت بنعمان فظل أراكها ... مقيلك طوبى ثم طوبى ليهنكا فبشراك منها موقف عز موقفا ... تنال به الزلفى ويغفر ذنبكا يباهي بك الله الملائكة العلى ... ظفرت لعمري ثم قد جد جدكا وعرفت تعريف الألى عرفوا الهوى ... وما أنكروا من بعد ذاك فمن لكا بشطي إلال ثم في سفح نابت ... تراوح كي يرتاح في الحب قلبكا ومن عجب أن الأعاجيب جمة ... طلوع لسعد في أفول لشمسكا فلما قضى منها هواك شجونه ... دفعت إلى جمع بطائر يمنكا أفضت وقد فاضت عليك إلى منى ... مواهب أسرار بها بر حجكا فوفيت نذرا ثم قضيت للمنى ... بها تفثا من رمي جمر وحلقكا فإن لم تكن أهلا لذ حق أهله ... فقل رب أهلني لذاك بفضلكا وقفت لتوديع وقوف شجٍ جوٍ ... تودعها حزنا وتسأل عودكا وهل يرحم البين المجد أخا أسى ... شكا فرقة الأحباب أو موجعا بكى ولكن سفح الدمع يشفي صبابة ... لذي لوعة فاسفح لنأيك دمعكا تزود فقد أعجلت منها بنظرة ... عسى عودة من قبل ترحل عيسكا فما في الدنا وقت كوقتك في منى ... ولا مثل نعمان الأراك بأرضكا

وله رضي الله عنه مما ضمنه صدر رساله كتب بها من المنصورة في أثناء كتاب لبعض إخوانه من أولي النهي والآداب أنشدها لنا صاحبنا ورفيقنا الوزير الأجل الكاتب الأحفل أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم بن الحكيم، قَالَ، أنشدها لي وأنشدتها عليه غير مرة. أما شاقكم روض القتال وقد سرى ... إليكم نسيم النصر وهو معطر وعارض نقع صابهم وبل نبله ... فشاموا به برق الصوارم تشهر دجا ليله بأسا وقد طلعت به ... نجوم نصال وهو بالبيض مقمر ففاضت سرابيل المفاضات أبحرا ... ببحر سيول العسكر المجر تزخر ومالت غصون السمر وابتسمت به ... أقاحي ثغور البيض بالنصر تثمر وحدق نوار الشيات وقد بدا ... له ورق تحت الجواشن أخضر فمن دمهم فوق الأباطح والربى ... شقيق ومن زرق الأسنة نوفر سقيناهم خمر الردى فانتشوا بها ... فكل بأقطار البلاد مقطر وطلت على تلك الطلول دماؤهم ... ولم يبق من يحمى ذمارا ويثأر فلا ظل إلا تحت خفاق راية ... ولا ماء إلا جوهر السيف يقطر أقام سناد المجد ضرب مصرع ... يقطع أجزاء القوافي ويبتر ولا مهد إلا صهوة البيد أجردا ... يمر مرور الريح بالهام يعثر لتهنكم هذي الفتوح التي غدا ... وراح بها الإسلام وهو مظفر ومن نظم شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه مما قاله عند موافاته المنصورة، تحريضا للمجاهدين، وتحضيضا للمتثاقلين إلى الأرض، أن ينفروا في سبيل الله، والقاعدين، من قصيد في قضية دمياط عام 647، أفادها لنا صاحبنا الوزير أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم عنه:

جلل أصابك والخطوب جسام ... فالقلب دام والدموع سجام ومصيبة عظمت وخطب فادح ... ذهلت له الألباب والأفهام أضحى به الإسلام منفصم العرى ... يجنى عليه برغمها ويضام وشكت شريعة أحمد لمديلها ... جور الألى إذلالها قد ساموا كسفت له الشمس المنيرة واغتدى ... وجه الصباح وقد علاه ظلام لبست له الأيام ثوب كآبة ... فلحزنها حتى الممات دوام ذهبت بشاشة كل عيش ناضر ... فعلى التهاني والسرور سلام فالروض لا نضر ولا خضل الربى ... ما ماس فيه للغصون قوام لم يسر فيه لنا النسيم معطرا ... والدوح ما غنى عليه حمام وتعطلت سبل اللسان فلا هوى ... مستعذب فيه جوى وغرام هجر الحبيب فلا وصال يرتجى ... منه ونقض وداده إبرام وتقطعت ذمم المودة وانقضى ... زمن السرور كأنه أحلام وغدا الزمان كما تراه وثغره ... لا ضاحك فرحا ولا بسام يا ناصري الدين الحنيف أهكذا ... عنكم يجازى ديننا الإسلام أسلمتموه إلى الصغار وأبتم ... والعار مقترن بكم والذام خارت عزائمكم وشتت جمعكم ... وتقطعت ما بينكم أرحام أين الحروب المتقى سطواتها ... منكم؟ وأين الكر والإقدام؟ أين الصواهل ضمرا؟ ... أين البواسل زؤرا والفارس المقدام؟ أين الصوارم شرعا؟ أين ... الذوابل رعفا؟ أين الفتى الهمام؟ أين الذي قد باع مهجة نفسه ... لله؟ فهو على الردى حوام؟ أين الكريم الخيم؟ أين أخو الوغى؟ ... أين الذين عن العدى ما حاموا؟ لا تضعفوا جبنا ولا تتهيبوا ... من شأنه الإذلال والإرغام

لكم الكرامة والمهابة والحجا ... والأيد والآراء والأحلام لكم المثوبة والجزاء المرتضى ... وعليهم الآصار والآثام أنتم برضوان الإله وقربه ... منهم أحق وفيكم الأعلام كم فيكم من باسل فتكاته ... يحنو لديها الصارم الضمضام ومدجج يوم الكريهه ما اجتلى ... إلا وقد نثرت عليه الهام خواض غمرة كل موت كافل ... دين الإله بنصره قوام يردي الفوارس معلما لا ناكصا ... يوم الهياج إذا الحروب تقام ويشن في الأعداء غارة بأسه ... فلنار عزمته يشب ضرام ومدرعين إذا الردى يوم الوغى ... شيمت بوارقه وحم حمام لبسوا القلوب على الدروع وجردوا ... العزمات فهي لهم لعمرك لام بذلوا نفوسهم لنصرة دينهم ... فلهم عليه حرمة وذمام راموا النعيم السرمدي فأبعدوا ... في نيله مرمى وعز مرام جنحوا إلى العلياء فاهتجروا المنى ... فعلى جفونهم المنام حرام قد أعربوا لغة الردى في لحنهم ... فلهم بألسنة الرماح كلام أفعالهم تبنى على حركاتها ... كسر العدى والحذف والإدغام إخوان صدق منهم من قد قضى ... نحبا ومنهم من له يستام باعوا النفوس فحبذا من مشتر ... رب لديه البر والإنعام فعلى نفوسهم الزكية رحمة ... من ربهم وتحية وسلام وعلى وجوههم البهية نضرة ... الإجلال موصول بها الإكرام جنات عدن فتحت أبوابها ... لهم ومثوى حظوة ومقام أرواحهم تحيا وتحبر بالمنى ... وكأنما لم تألم الأجسام وسقوا شرابا من رحيق سلسل ... عذب له المسك السحيق ختام

يستبشرون بنعمة وكرامة ... من ربهم هذا النعيم التام حضروا حظيرة قدسه فتنعموا ... بجواره فهم لديه كرام هذي المعالي هل لها من طالب؟ ... ها أنتم عنها الغداة نيام هذي السعادة قد أضل سحابها ... بدت الطلول ولاحت الأعلام هذي جنان الخلد تحت سيوفكم ... وبها إليكم لوعة وهيام تجلى عليكم حورها وقصورها ... ويشوقها شعث بكم وكلام وتنفست أنفاسها مسكية ... النفحات لا ضال الحمى وخزام ربحت تجارتكم ألا فاستبشروا ... هاتيك سوق المكرمات تقام يا أخوة الإسلام كيف قعدتم ... عن نصرة وأرى العدى قد قاموا ورقدتم عنه، وعين عدوه ... بالبغي والظفران ليس تنام عدمت نفوسكم الأبية نخوة ... الإيمان فهي لذاك ليس تلام أم هل ترى رضيت بذلة دينها ... فلها المذلة منه والإجرام أمست مساجدكم كنائس لا يرى ... فيها لكم عند الصلاة زحام لا يسمع التأذين في عرصاتها ... خوف العداة، ولا الصلاة تقام رفع الصليب على المنابر وانبرى ... الناقوس فيه بشركهم إعلام وغدا منار الحق منهدم البنا ... فالحرم حل والحلال حرام درست رسوم العلم فهي محيلة ... وتبدلت من بعده الأحكام وتحكمت فرق الضلالة في الهدى ... فتصيدت آساده الآرام فالبيت والأركان يندب ركنه ... الواهي القوى والحج والإحرام والحجر والمسعى ومروة والصفا ... والأبطحان وزمزم ومقام ما طل نعمان الأراك ولا سقى ... من بعده وادي العقيق غمام وتغيرت صفة الزمان لأجله ... وتنكرت من بعده الأيام فالشمس تبدو اليوم غير منيرة ... حزنا، وما زان الهلال تمام ونبيها الهادي بطيبة قد شكا ... بث الجوى، فجواه ليس يرام نسخت شرائعه، وبدل دينه ... وانحل من سلك الزمان نظام

يا عصبة التوحيد كيف تحكم ... الثالوث فيكم والعلى أقسام وعلا على الحق اليقين لديننا ... من دينه البهتان والإيهام ميلوا عليه واستعينوا واصبروا ... لا تدبروا ولتثبت الأقدام وترقبوا النصر العزيز وأوبة ... الفرج القريب فربنا علام لابد من يوم يشيب لهوله ... فود الوليد ويفشل الضرغام لا تمتروا في هلك قوم كذبوا ... فلسوف يا قومي يكون لزام يا مدعي دين المسيح وإنه ... ليطول منه لما ادعوه خصام غيرتم دين المسيح وما انتحى ... موسى وما قد سن أبراهام وحسدتم خير البرية أحمدا ... فلنعته في كتبكم إبهام هيهات نور الشمس ليس بمختف ... والمسك كيف كتمته نمام منا عليه صلاة صادٍ صادق ... ولنا به برق السعود يشام يا باعث المختار من خير الورى ... فهو الذي للمتقين إمام يا خير مسئول وأكرم منعم ... ومريد ما تجرى به الأقلام يا كاشف الغماء يظلم خطبها ... فلها على سعة الفضاء ركام انصر شريعتنا، وسدد أمرنا ... فلنا الحراسة منك والإعظام عجل دمار الكافرين وأردهم ... حتى يكون لهم بنا استعصام وأتح لهم محنا تأجج نارها ... يبدو عليها زفرة وقتام واحلل عزائمهم، وشتت جمعهم ... حتى يرى لوجودهم إعدام وأذل عزتهم، وخيب سعيهم ... ليكون منهم للردى استسلام وارأب ثأى الإسلام واجبر كسره ... حتى يعود وشمله ملتام نجزت ومنه بالإسناد فيما أنا به أبو اليمن قَالَ: إنه لما كان في وقيعه دمياط

عام هياط ومياط، واشتد الحال في بعض الأيام، وعاين الناس وقع الحمام، تقدم رضي الله عنه للقتال مع رفيق كان له، وهبا أنفسهما له، فاستشهد رفيقه وخلص هو جريحا، بالعوم فقال: شيء وهبته لله فلا أرجع فيه فغادر الأهل والوطن، واقتعد غارب الغربة إلى محل الأنس، حرم الله الشريف، فتبوأه دارا ووالي مدة عمره حجا واعتمارا، وزيارة إلى المصطفى، إلى أن توفي على ذلك، وقد قضى من ذلك لبانات وأوطارا رَحِمَهُ اللَّهُ عليه. ومما قرأته بخط شيخنا أبي اليمن ابن عساكر رضي الله عنه، مما نسبه لنفسه، وقد أورده أيضا في الجزء الذي خرجه في صفة النعل الكريمة معرفا بأنه من نظمه، وبينه وبين هذه التي نقلت من خطه بعض اختلاف، وكانت تلك النسخة مسموعة عليه، وأنا أورد بحول الله هذه الأبيات على ما نقلته من خطه، ثم أتبع ذلك بما وقع من الاختلاف بينه وبين المسموع عليه، وقال فيما خطه بيده أنه قاله حين شاهد مثال نعل سيدنا المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا منشدا في رسم ربع خال ... ومناشدا لدوارس الأطلال دع ندب آثار وذكر مآثر ... لأحبة بانوا وعصر خال والثم ثرى الأثر الأثير فحبذا ... إن فزت منه بلثم ذا التمثال قبل، لك الإقبال، نعل أخمص ... حل الهلال به محل قبال أثر له بقلوبنا أثر بها ... شغل الخلي بحب ذات الخال ألصق بها قلبا يقلبه الهوى ... وجدا على الأوصاب والأوجال

ستبل حر جوى ثوى بجوانح ... في الحب ما جنحت إلى الإبلال صافح بها خدا وعفر وجنة ... في تربها وجدا وفرط تغال يا شبه نعل المصطفى نفسي الفدا ... لمحلك الأسمى الشريف العالي هملت لمرآك العيون وقد نأى ... مرمى العيان بغير ما إهمال وتذكرت عهد العقيق فناثرت ... شوقا عقيق المدمع الهطال وصبت فواصلت الحنين إلى الذي ... في الحب بالي منه في بلبال أذكرتني قدما لها قدم العلا ... والجود والمعروف والإفضال ولها المفاخر والمآثر في الدنا ... والدين في الأقوال والأفعال لو أن خدي يحتذى نعلا لها ... لبلغت من نيل المنى آمالي أو أن أجفاني لموطئ نعلها ... أرض سمت عزا بذا الإذلال انتهت القطعة التي وجدت بخطه رضي الله عنه، وأما التي في النسخة المنقولة من المسموعة على من سمعها عليه فتوالت فيها الأبيات الثلاثة الأولى، والبيت الرابع فيها: أثر له فقلوبنا أثر بها ... شغل الخلي بحب ذات الخال وبعده: قبل، لك الإقبال، نعلي أخمص ... حل الهلال به محل قبال كذا بغير زحف، وبعده: ألصق بها قلبا يقلبه الهوى ... وجدا على الأوصاب والأوجال وبعده: صافح بها خدا وعفر وجنة ... في تربها وجدا وفرط تغال

وبعده: ستبل حر جوى ثرى بجوانح ... في الحب ما جنحت إلى الإبلال ثم توافقت موالاة الأبيات وقال: يا شبه نعل المصطفى روحي الفدا ... لمحلك الأسمى الشريف العالي وقال في الثاني بعده: عملت لمرآك العيون وقد نأى ... مرقى العيان بغير ما إهمال وزاد فيها بيتا بعد قوله: وصبت فواصلت الحنين وقال فيه: وصبت فواصلت الحنين إلى الذي ... ما زال بالي منه في بلبال أذكرتني من لم يزل ذكري له ... يعتاد في الأبكار والآصال وقال في الذي بعده: أذكرتني قدما لها قدم العلا بفتح القاف والجود والمعروف والأفضال وقال في البيت الآخر لو أن ولو قَالَ: ولو أن بنقل الحركة لكان أفصح ومما قرأته بخط صاحبنا الوزير الجليل أبي عبد الله محمد بن الفقيه الوزير الفاضل أبي القاسم بن أبي إسحاق اللخمي بن الحكيم، رفيقنا: أنشدنا صاحبنا أثير الدين أبو حيان الأثري، قَالَ: أنشدنا أمين الدين جار الله أبو اليمن لنفسه في وصف كتاب:

وجاءت إلينا من لدنك رسالة ... على فترة في آيها الذكر محكم تحديت فيها بالبلاغة معجزا ... لمن رامها فاللفظ در منظم كتيبة فصل أم كتابة فاضل ... أولو الفضل فيها للفواضل ألهموا أخط يراع أم قنا الخط أشرعت ... يراع لها قلب الكمي المصمم أسحر حلال، أم هي الخمر حللت ... لشاربها لا لغو فيها يؤثم أروضة حزن ثم مذ نمنم الندا ... خمائلها عنها النسيم المهينم وهي من أبي اليمن إجازة رَحِمَهُ اللَّهُ ورضي عنه وآتاه رحمه واسعة من لدنه. ومن خطب شيخنا أبي اليمن رَحِمَهُ اللَّهُ وهو ما أجازه لي وأخبرني بها رفيقي الوزير الجليل الفاضل السري الكامل أبو عبد الله بن الفقيه الوزير أبي القاسم بن الحكيم، حفظه الله وتولاه، سماعا من لفظه قَالَ: قرأت على شيخنا أبي اليمن بن عساكر رضي الله عنه بباب الصفا تجاه الكعبة المعظمة زادها الله شرفا، هذه الخطبة من إنشائه. الحمد لله المنزه عن سمات النقص بصفات الكمال، المتعالي، في أحدية ذاته وتقدس، وحدانية صفاته عن الأشباه والأمثال، الذي نصب أدلة ما في الوجود من آيات قدرته وبدائع صنعته وأسرار حكمته دليلا على وجوده فضرب للناس الأمثال، له الأسماء الحسنى والصفات العلى والمثال الأعلى وهو الكبير المتعال، لا نلحد في آياته ولا نعدل بصفاته بل نؤمن بما وردت النصوص الصريحة والأخبار الصحيحة من نفي ذلك وإثباته ولله سبحانه من ذلك ما يليق بصفات العصمة ونعوت الجلال. أحمده بجميع محامده ولا أحصى ثناء عليه، وأحمده بما حمد به على ما استحمد عليه، وأحمده على حمده حمدا يبلغ حق حمده وأحمده حمد من قدر قدر نعمه فشكر لربه، وأشهد أنا لا إله إلا الله شهادة من شرح الله صدره للإسلام.

فهو على نور من ربه، وكتب في قلبه الإيمان فلن يمحوه برحمته بعد كتبه، وأوقن به إيقان من وفقه فاعتصم بحبل عصمته فأمن به إذ أمن به من سلبه، وألجأ إليه لجأ من عاذ من مكره بقوته وحوله، ولاذ من الحور بعد الكور بمواهب إتمام إحسانه القديم وفضله، واشهد أن محمد عبده ورسوله المخصوص برفع الذكر، ووضع الوزر، وشق القلب، وشرح الصدر، المقدم في تأخر وقته على النبيين، المصلي بجميعهم في عليين، المنتهي في مسراه إلى سدرة المنتهى، المستوي بزلفته في مستوى، يسمع فيه ويرى حق اليقين وعين اليقين الشفيع في زحمة العصاة من أمته المذنبين المشفع في إلحاق المسيئين منهم بالمحسنين، رحمة لهم ومنة من رب العالمين، وجاها له ومكنة عند ذي العرش فهو عند ذي العرش مكين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين ورضوان الله عن الصحابة والتابعين، ورحمة الله على سلف الأمة أجمعين، وعلى علمائنا ومشائخنا ووالدينا وإخواننا والمسلمين، والسلام عليهم وعلينا معهم وعلى عباد الله الصالحين آمين. ومما أفاده صاحبنا عنه: قَالَ شيخنا أمين الدين أبو اليمن رضي الله عنه، وكان السلطان قد قبض على جماعة من عمد الأمراء الذين كانوا مرابطين بدمياط فصلب منهم جماعة وافرة نيف وخمسون رجلًا، في ليلة واحدة، ونالت الشفاعة واحدا منهم يعرف بابن النقيب فسلم، قَالَ فأنشدني لنفسه في ذلك: أنا الذي حقق مسموعه ... عند جميع الناس مرآه فقال إن شئت هذا الذي ... أماته الله وأحياه

وأخبرني صاحبي ورفيقي الوزير أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عن شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه ومن تصانيف شيخنا أبي اليمن: كتاب إتحاف الزائر وإطراب المقيم والسائر، ولم أقف عليه: وقد وقع إلينا أجزاء حديث من سماعات شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه، رأينا أن نثبتها هنا ونختم بها اسمه المبارك. فمن ذلك الجزء الذي تروية أم الفضل بيبي ابنة عبد الصمد الهرثمية عن أبي محمد عبد الرحمن بن

لكل شيء زكاة وزكاة الدار بيت الضيافة» هذا الحديث آخر ما في الجزء، وعندي منه نسخة. ومن

أَحْمَدَ الأنصاري، ويسمى جزء بيبي بسماعه على جده زين الأمناء أبي البركات الحسن بن مُحَمَّدِ بْنِ الحسن الشافعي، بجامع دمشق، في أوائل شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وست مائة، بحق إجازة أبي البركات، عن أبي الوقت الهروي كتب إليه من بغداد، وبحق إجازته أيضا من أبي سعد عبد الجليل بن منصور الهروي، كتب إليه من هراة قالا، أخبرتنا الشيخة الصالحة أم الفضل بيبي بنت عبد الصمد بن عَلِيِّ بْنِ محمد الهرثمية، قالت: أنا الشيخ الزاهد أبو محمد عبد الرحمن بن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن يحيى بن مخلد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن المغيرة بن ثابت الأنصاري وذكره. ومنه بالإسناد: فِيمَا أنا بِهِ أَبُو الْيُمْنِ، إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ نَصْرٍ النَّهْرَاوَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ الأَزْدِيُّ، نا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، نا شُعْبَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ زَكَاةً وَزَكَاةُ الدَّارِ بَيْتُ الضِّيَافَةِ» هذا الحديث آخر ما في الجزء، وعندي منه نسخة. ومن سماعاته الفوائد المستخرجة عن الشيوخ، من رواية القاضي أبي نصر محمد بن أَحْمَدَ بْنِ هارون بن الجندي، عنهم، رواية أبي القاسم علي بن مُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بْنِ أبي العلاء المصيصي عنه سماعا، رواية أبي القاسم الخضر بن الحسين بن عبد الله بن عبدان، عنه سماعا، رواية أبي المحاسن محمد بن السيد بن فارس بن سعد الصفار، عنه سماعا، رواية أبي اليمن بن عساكر عنه سماعا. ومن سماعات شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه وقفت عليه وعليه خطه بالسماع عليه، كتاب الأربعين في قواعد الدين لأبي سعد إسماعيل بن أبي صالح أحمد بن عبد الملك بن عَلِيِّ بْنِ عبد الرحمن النيسابوري، نزيل كرمان، قَالَ

أبو اليمن: حَدَّثَنِي بِهَا جَدِّي أَبُو الْبَرَكَاتِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحَافِظُ مُحَدِّثُ الشَّامِ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَسْمَعُ بِدَارِ السُّنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ تَاسِعَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ أَبُو سَعْدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّيْسَابُورِيُّ نَزِيلُ كَرْمَانَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ بِبَغْدَادَ قَالَ: نا الشَّيْخُ الْحَافِظُ وَالِدِي أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَصَمُّ، قَالَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، نا أَبُو الْمُغِيرَةِ، نا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:

كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع» بهذا الحديث افتتح خطبة الكتاب، وقفت على

« كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» بهذا الحديث افتتح خطبة الكتاب، وقفت على الكتب مسموعا على أبي اليمن وعليه خطه وصدر الإسناد بخطه، وهذا الحديث لنا من أبي اليمن إجازة في الجملة التي من مفصلها هذا الكتاب الذي من مفصله هذا الحديث المستفتح به والحمد الله حق حمده ومن سماعاته رضي الله عنه الجزء الذي يعرف بجزء محمد بن هشام بن ملاس، وهو من الأجزاء العوالي، سمعه على الشيخ الأصيل عز الدين أبي القاسم عبد الله بن الشهيد جمال الدين أبي على الحسين بن عبد الله بن رواحة الأنصاري الحموي، بسماعه من الحافظ أبي طاهر السلفي، أنا السلار أَبُو الْحَسَنِ مكي بن منصور بن مُحَمَّدِ بْنِ علاف الكرجي، بقراءتي عليه سنة إحدى وسبعين وأربع مائة، أنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان الصيرفي، أنا محمد بن يعقوب الأصم، نا محمد بن هشام بن ملاس النميري، وكان السماع بقراءة محمد بن أبي جعفر بن عَلِيٍّ القرطبي عشية يوم الخميس سنة ثمان وعشرين وست مائة في ثامن عشر محرم. وسمعه أيضا شيخنا أبو اليمن وتقيد السماع بخطه قَالَ رضي الله عنه: وسمعته مرة،

ثانية على الشيخ أبي القاسم عبد الله بن الحسين، بسماعه المبين فيه، وعلى الشيخ القاضي الأشراف أبي العباس أحمد بن القاضي الفاضل أبي علي عبد الرحيم بن أبي المجد علي بن الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الفرج بن أَحْمَدَ البيساني، بإجازته من أبي القاسم ذاكر بن كامل بن أبي غالب الخفاف البغدادي، بإجازته من أبي بكر عبد الغفار بن مُحَمَّدِ بْنِ الحسين الشيروي، بسماعه، من أبي سعيد محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان الصيرفي، عن أبي العباس الأصم، قراءة أبي البقاء خالد بن يوسف بن سعد النابلسي، الحافظ في يوم الأحد رابع عشر شهر رجب سنة عشرين وست مائة، كتبه أبو اليمن بن عساكر، عفا الله بمنه عنه، حامدا ومصليا ومسلما. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيُمْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا أَذِنَ لَنَا فِيهِ بِخَطِّهِ بِالإِسْنَادَيْنِ إِلَى ابْنِ شَاذَانَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْمَعْقِلِيُّ أَبُو الْعَبَّاسِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مَلاسٍ النُّمَيْرِيُّ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، نا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، نا حُمَيْدٌ، قَالَ، قَالَ أَنَسٌ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةَ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] ، قَالَ أَبُو

طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَائِطِي الَّذِي بِكَذَا أَوْ كَذَا هُوَ لِلَّهِ، وَلَوِ اسْتَطَعْتُ أَنْ أُسِرَّهُ لَمْ أُعْلِنْهُ، قَالَ: اجْعَلْهُ فِي فُقَرَاءَ أَهْلِكَ وَقَرَابَتِكَ. . . . "، وَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَهِيَ أَحَادِيثُ جُمْلَةٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ وقد وقع لنا هذا الحديث بسند محمدي وما أدري هل يتصل الجزء بذلك السند كله أم لا، ونحن نورده تبركا بالاسم الكريم: أنا الخطيب الصالح أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن صالح الكتاني، كتب بخطه، أنا الكاتب البليغ المحدث الإمام أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي البلنسي إجازة، أنا الحاكم أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن أبي العباس أحمد بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله بن محمد الأندرشي،

فيما أجازه لي قَالَ: أنا المحدث الحافظ أبو سعيد محمد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، بن محمد المسعودي البنجديهي، نا محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي توبة الكشميهني، نا محمد بن أَحْمَدَ الزاهد، نا محمد بن موسى، نا محمد بن يعقوب، نا محمد بن هشام، أنا مروان بن معاوية الفزاري، نا حميد، عن أنس، قَالَ: لما نزلت 0000 وذكره بلفظه سواء، غير أنه قَالَ: «حائطي الذي هو بكذا أو كذا بزيادة لفظ هو» . ورجال الإسناد كلهم أئمة معروفون: محمد بن أَحْمَدَ الزاهد هو أبو الفضل محمد بن أَحْمَدَ بْنِ أبي الحسن الميهني الصوفي الزاهد العابد، روى عنه أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن الكشميهني، وإسماعيل بن مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن عبد الصمد الحفصي السنجي. وقد وقع لنا هذا الحديث عاليا جدا تساعيا، أنا أَبُو الْحَسَنِ علي بن أَحْمَدَ المقدسي، فيما كتبه لنا، أنا أبو المكارم أحمد بن محمد اللبان كتابة من أصبهان قَالَ أنا الشيخ أبو بكر عبد الغفار بن مُحَمَّدِ بْنِ الحسين الشيروي إجازة، قَالَ: أنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصيرفي سنة عشرين وأربع مائة، نا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، قَالَ: نا محمد بن هشام بن ملاس، وذكره بلفظ أبي اليمن سواء، متفق عليه رواه خ عن مسدد، عن معمر، عن حميد، ورواه ق عن محمد بن

حاتم، عن بهز، عن حماد، عن ثابت، عن أنس فهو خماسي لمسلم، وخماسي لابن شاذان، فهو فيه بمنزلة مسلم، والشيروي بمنزلة من سمعه من مسلم، واللبان بمنزلة من أخذه عن ابن سفيان، والمقدسي بمنزلة من أخذه عن الجلودي ومن سماعات شيخنا أبي اليمن رضي الله عنه الجزء المعروف بالبانياسي، وهو من تأليف الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي، وهو يحتوي على أربعة مجالس: أولها: «الحياء من الإيمان» وآخرها: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» ، سمعه أبو اليمن على الشيخ الإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قدامة المقدسي، بسماعه من الشيخين أبي

الفتح محمد بن عبد الباقي بن أَحْمَدَ بْنِ سلمان المعروف بابن البطي، وأبي الحسن علي بن عبد الرحمن بن مُحَمَّدِ بْنِ رافع الطوسي المعروف بابن تاج القراء بسماعهما من أبي عبد الله مالك بن أَحْمَدَ بن عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ المالكي البانياسي وبه شهر الجزء بسماعه من أبي الحسن أحمد بن مُحَمَّدِ بْنِ موسى بن القاسم بن الصلت، بسماعه من أبي إسحاق المملي. ومن سماعات شيخنا أبي اليمن الجزء الثالث من الفوائد المسلسلات الأسانيد تخريج أبي بكر بن مسدي سمعها عليه بشرطها من السلسلة وسمعه معه جماعة منهم أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن أبي بكر بن خليل المكي، وعفيف الدين عبد السلام بن مزروع وأَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم بن عبد العزيز اللوري برباط مراغة من مكة المشرفة تجاه الكعبة المعظمة ليلة الثلاثاء الثالث لذي حجة سنة خمس وخمسين وست مائة.

- المحب أبو محمد الطبري وممن لقيت بمكة زادها الله شرفا الشيخ الفقيه المحدث الإمام المصنف العالم العامل فقيه الحرم الشريف محب الدين أبو العباس وأبو محمد أحمد بن عبد الله بن مُحَمَّدِ بْنِ أبي بكر الطبري المكي رضي الله عنه، ونفع به وبأمثاله، وهو أحد العلماء الفضلاء، لقيته بالحرم الشريف، وطلبت منه السماع والإجازة فوعدني في غالب ظني وضاق الوقت عن ذلك، وأجاز لي بخطه باستدعاء رفيقي الوزير الكاتب البليغ أبي عبد الله تولى الله شكره ويسر أمره جميع ما رواه وألفه على العموم ولابني أبي القاسم اسعده الله ولجماعة من الأصحاب.

ونص الاستدعاء بخط صاحبنا الوزير أبي عبد الله بن الفقيه الوزير أبي القاسم بن الحكيم: المسئول من سادتنا علماء الإسلام، وهداة الأنام، شيوخ الحرم الشريف، المخلدة لهم رتبة التعظيم والتشريف، أبقاهم الله لجواهر العلوم منظمين ولحللها مسدين ملحمين، أن يجيزوا الرواة عنهم بجميع ما يجوز عنهم روايته على الشرط المعروف عند حملة هذا العلم لمحمد بن عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عمر بن رشيد، ولابنه أبي القاسم محمد وللقاسم بن عبد الله بن الشاط، ولأخيه أحمد ولمحمد بن عَلِيٍّ الغماري، ثم سمى جماعة من الأصحاب ومن أهل بلده رندة، ثم قَالَ ولكاتب الاستدعاء، محمد بن عبد الرحمن، بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ يحيى اللخمي، ثم ابن الحكيم، ثم سمى آخرين وفقهم الله، فإن رأوا ذلك فعلوه منعمين متطولين، أسأل الله أن يديم بقاءكم ويشكر تعملكم، والسلام الكريم يخصكم كثيرا ورحمة الله تعالى وبركاته، كتب في أوائل ذي قعدة، عام أربعة وثمانين وست مائة. فكتب المحب ما نصه: أجزت لهم ما سألوه بشرطه وكتب أحمد بن عبد الله الطبري المكي حامدا ومصليا ومسلما أخبرني رفيقي الوزير الفاضل أبو عن شيخنا أبي اليمن ابن عساكر رضي الله عنه، أنه قَالَ: لم أر المحب في وقت من الأوقات إلا في عمل من صلاة أو طواف أو دعاء أو تعليم علم أو تصنيفه أو نحو هذا، وحسبك هذا عن الإطناب في وصفه. سمع رضي الله عنه وأرضاه من عم أبويه الإمام جمال الدين يعقوب بن أبي

بكر الطبري، ومن أبي النعمان بشير بن أبي بكر بن سليمان الجعفري، ومن أبي الحسن بن المقير، ومن أبي القاسم عبد الرحمن بن أبي حرمي بن بنين الكاتب وجماعة غيرهم. وخرج لنفسه تخاريج، ومن جملتها العوالي في جزء كبير، سمع عليه رفيقي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بعضه وألف جملة تصانيف، وله نظم فيه رقة ولطافة. ومولده فيما قرأته بخطه سنة خمس عشرة وست مائة، وقرأت بخطه ما نصه: سمعت على الشيخ أبي الحسن على بن أبي عبد الله بن المقير النجار البغدادي والشيخ الإمام شرف الدين أبي عبد الله محمد المرسي السلمي، والشيخ عبد الرحمن بن أبي حرمي الكاتب، وشيخ الحرم الإمام العالم بشير بن حامد الجعفري التبريزي.

بخ بخ بخمس ما أثقلهن في الميزان» ! قال، قلت: وما هي يا رسول الله؟ قال: «سبحان الله والحمد

أنا أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِكِتَابِهِ بِالْحَرَمِ الشَّرِيفِ، أنا عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْجَمِيزِيِّ، أنا أَبُو طَالِبٍ أَحْمَدُ بْنُ الْمُسْلِمِ بْنِ رَجَا اللَّخْمِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّازِيُّ، أنا أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى السَّعْدِيُّ بِمِصْرَ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَطَّةَ الْعُكْبَرِيُّ بِهَا، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ أَبُو يَحْيَى الْجَحْدَرِيُّ، نا عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، أنا رَاعِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « بَخٍ بَخٍ بِخَمْسٍ مَا أَثْقَلُهُنَّ فِي الْمِيزَانِ» ! قَالَ، قُلْتُ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ

أَكْبَرُ، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى يَحْتَسِبُهُ وَالِدُهُ» ومن سماعه على عم أبويه سنن أبي داود رواية اللؤلؤي، ورأيت له صورة شجرة مغصنة كتب فيها أسانيده في سنن أبي داود أفادني ذلك رفيقي الوزير الفاضل أَبُو عَبْدِ اللَّهِ شكر الله إفادته، وسنى في الدارين سعادته. وها أنا أورد تلك الأسانيد مختصرا لبعض الأنساب فيها لشهرتها وتاركا ما سواه على حاله ولفظه. قال شيخنا الإمام العالم مفتي الحرمين عميد الدين أبو محمد أحمد بن عبد الله الطبري، أنا عم أبوي الإمام جمال الدين يعقوب بن أبي بكر الطبري يعني بكتاب السنن لأبي داود سماعا، أنا الإمام محمد بن أبي الصيف سماعا، ثنا الشيخ علي بن خلف بن معزوز التلمساني، أنا علي بن عبد الله المكناسي، أنا أبو بكر الطوطوشي، أنا التستري، أنا الهاشمي، أنا اللؤلؤي، أنا أبو داود.

قال ابن معزوز: وأنا أبو محمد الأشيري، أنا أبو بكر بن العربي أنا الطرطوشي، قَالَ ابن معزوز: وأنا الحافظ أبو حفص الميانشي، أنا القاضي أبو المظفر محمد بن مُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بْنِ الحسين الطبري، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن إِبْرَاهِيمَ المقري، أنا التستري. ح قَالَ شيخنا المحب رضي الله عنه: وأخبرنا به عاليا عم أبوي الفقيه أبو أحمد يعقوب بن أبي بكر الطبري سماعا، أنا برهان الدين نصر بن أبي الفرج الحصري، أنا أبو طالب محمد بن محمد العلوي، أنا التستري. قال المحب: وأنا به عاليا جد الشيخ المعمر أَبُو الْحَسَنِ علي بن المقير قراءة أنا أبو المعالي الفضل بن سهل بن بشر الإسفراييني إجازة، أنا الخطيب أبو بكر أحمد بن عَلِيِّ بْنِ ثابت، أنا أبو عمر الهاشمي. قال الأشيري: وأنا أبو الوليد بن الدباغ وأبو الفضل عياض قالا، أنا أبو علي الصدفي، أنا أبو بكر بن عبد الباقي أنا الخطيب. ح قَالَ الأشيري: وأنا أبو جعفر بن غزلون، أنا القاضي أبو الوليد

الباجي، أنا أبو ذر الهروي، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحسين بن مُحَمَّدِ بْنِ بكر الوراق الهراس، أنا اللؤلؤي. قال القاضي أبو المظفر الطبري، وأنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن عبد الله الطوسي، أنا أبو الفتح نصر بن محمد الطبراني، أنا أبو علي الحسين بن محمد الروذباري، أنا أبو بكر بن داسة. قلت: إنما هو أبو الفتح نصر بن عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ منصور بن مُحَمَّدِ بْنِ الحسين الحاكمي، حدث بكتاب السنن لأبي داود في سنة تسع وستين وأربع مائة بنيسابور، بسماعه من أبي علي الحسين بن مُحَمَّدِ بْنِ محمد الروذباري، عن أبي بكر بن داسة، سمعها منه أَبُو الْحَسَنِ عبد الغافر بن إسماعيل، وأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْفُرَاوِيّ، ووجيه الشحامي، في آخرين. ح قَالَ الأشيري وأنا عبد الله بن موهب الجذامي قلت صوابه:

أَبُو الْحَسَنِ علي بن عبد الله بن موهب، كتب إليه أبو عمر بن عبد البر بالإجازة وأراه آخر من حدث عنه، أنا أبو عمر بن عبد البر، أنا أبو محمد بن عبد المؤمن، أنا ابن داسة. ح قَالَ ابن عبد البر: وأنا أبو زيد عبد الرحمن بن يحيى بن محمد، أنا أبو عمر أحمد بن سعيد بن حزم، أنا أبو سعيد ابن الأعرابي، أنا أبو داود. قال ابن عبد البر: وأنا سعيد بن عثمان المقري النحوي، أنا أبو عمر أحمد بن دحيم، بن خليل، أنا أبو عِيسَى إسحاق بن موسى بن سعيد الرملي، أنا أبو داود.

بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبه وحك بعضه ببعض» . نا موسى، نا حماد، عن حميد، عن

انتهت الأسانيد والحمد لله. وبالإسناد إلى أبي داود، واللفظ للؤلؤي: نا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نا حَمَّادٌ، نا ثَابِتٌ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: « بَزَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبِهِ وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ» . نا مُوسَى، نا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ، نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، مِنْ أَصْلِهِ الَّذِي كَتَبَ بِالْبَيْتِ الْمَقْدِسِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الطَّرْطُوشِ وَسَمِعَهُ عَلَيْهِ، وَسَمِعَهُ بَعْدُ عَلَى الشَّيْخِ الْفَقِيهِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْعَبْدَرِيِّ الأَنْدَلُسِيِّ، نَزِيلُ بَغْدَادَ الشَّافِعِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْخَطِيبِ وَهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رُبَاعِيَّاتِ أَبِي دَاوُدَ، وَهِيَ أَعْلَى مَا عِنْدَهُ، وَقَعَ لَهُ رُبَاعِيًّا مِنْ طَرِيقَيْهِ طَرِيقُ أَبِي نَضْرَةَ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَرِوَايَةُ اللُّؤْلُؤِيِّ هِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، وَهِيَ آخِرُ مَا أَمْلَى أَبُو دَاوُدَ وَعَلَيْهِ مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْوَزِيرُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ الْمُصْحَفِيُّ، فِي بِرْنَامِجِهِ

طبقات أمتي خمس طبقات، كل طبقة منها أربعون سنة، فطبقتي وطبقة أصحابي أهل العلم والإيمان،

ومن مرويات شيخنا المحب الطبري، وهو لي منه إجازة، وأفاده لنا عنه رفيقي الوزير الفاضل أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جزاه الله عني أحسن الجزاء، الطبقات التي صنعها أبو الفرج ابن الجوزي رَحِمَهُ اللَّهُ مرتبة على راس كل أربعين سنة، وأسند معها الحديث المروي في ذلك المنصوص فيه على مائتي سنة ورتب ابن الجوزي، ما وراء ذلك إلى زمانه ذلك الترتيب، والحديث هو ما أخبرناه مع الطبقات المذكورة شيخنا محب الدين بإجازته، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمُّ أَبَوَيَّ الْفَقِيهُ الإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الطَّبَرِيُّ إِمَامُ مَقَامِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلامُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، عَنِ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَنِيِّ سَمَاعًا مِنْ لَفْظِهِ، عَنِ الْوَاعِظِ جَمَالِ الدِّينِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَوْصِلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْجَوْزِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ الْبَنَّاءِ، وَأَحْمَدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمُقْرِي، وَعَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ الْخَيَّاطِ قَالُوا: أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النَّقُّورِ، قَالَ: أنا عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ الْوَزِيرُ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، نا كَامِلُ بْنُ طَلْحَةَ، نا عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، نا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « طَبَقَاتُ أُمَّتِي خَمْسُ طَبَقَاتٍ، كُلُّ طَبَقَةٍ مِنْهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَطَبَقَتِي وَطَبَقَةُ أَصْحَابِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَالإِيمَانِ، وَالَّذِي يَلُونَهُمْ إِلَى الثَّمَانِينَ أَهْلُ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ إِلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ أَهْلُ التَّرَاحُمِ وَالتَّوَاصُلِ،

وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ إِلَى السِّتِّينَ وَمِائَةٍ أَهْلُ التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ إِلَى الْمِائَتَيْنِ أَهْلُ الْهَرْجِ وَالْحُرُوبِ» انتهى الحديث وعليه رتب الإمام أبو الفرج الطبقات المذكورة التي انتهى بها إلى أربع عشرة طبقة آخرها على رأس سنة ستين وخمس مائة، ومات رَحِمَهُ اللَّهُ قبل انقضاء التي بعدها، ورتب لكل طبقة منها خمسة أسماء الخليفة والفقيه والمحدث والمقري والزاهد على هذا النظام، فالطبقة الأولى على رأس الأربعين من الهجرة، وقد كتبتها في ورقة غير هذه فالحقها من هناك إن شئت. وقد روينا هذا الحديث من غير طريق المحب أعلى من المحب بدرجتين فكأني سمعته من الموصلي رواية عن ابن الجوزي، فساويت ابن أبي الصيف، وهو ما أخبرني به أبو الفرج عبد الرحمن بن أَحْمَدَ المقدسي سماعا عليه بصالحية دمشق، قَالَ: أنا أبو محمد عبد الجليل بن أبي غالب بن أبي المعالي بن مندوبة قِرَاءَةً عَلَيْهِ وأنا حاضر في الرابعة سنة عشر وست مائة، قَالَ: أنا أبو المحاسن نصر بن المظفر البرمكي، قِرَاءَةً عَلَيْهِ قَالَ: أنا أبو الحسين ابن النقور، قَالَ، نا أَبُو الْقَاسِمِ عِيسَى بن عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ داود بن الجراح، نا أَبُو الْقَاسِمِ البغوي، قَالَ، نا كامل بن طلحة، قَالَ، نا عباد بن عبد الصمد أبو معمر، قَالَ: نا أنس بن مالك، فذكره سواء حرفا بحرف غير أنه قَالَ: «إلى العشرين والمائة والستين والمائة» .

وقد أخبرنا به أيضا المحب إجازة عاليا، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ، ابن المقير قِرَاءَةً عَلَيْهِ بالمسجد الحرام لخمس خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وست مائة، قَالَ، أنبأنا الشيخ الإمام الزاهد أبو الكرم المبارك بن الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الشهرزوري، قَالَ: أنا أبو الحسين بن النقور البزاز، فيما أذن لنا في روايته، قَالَ قرئ علي أبي القاسم عِيسَى بن عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ داود بن الجراح الوزير وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ، قرئ على أبي القاسم عبد الله بن مُحَمَّدِ بْنِ عبد العزيز البغوي، وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ، نا كامل بن طلحة أبو يحيى الجحدري إملاء من كتابه، قَالَ: نا عباد بن عبد الصمد أبو معمر، قَالَ: نا أنس بن مالك، فذكره سواء مثل المتقدم غير أنه قَالَ: إلى الستين يعني ومائة وأنا أيضا المحب إجازة قَالَ: أنا الشيخ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن الفشلي، قَالَ، أنا الشريف أبو محمد يونس بن يحيى بن أبي الحسن بن أبي البركات القصار الهاشمي، البغدادي سماعا عليه بالمسجد الحرام في شهر رمضان سنة اثنتين وست مائة قَالَ: أنا الإمام العالم الأوحد أبو الكرم المبارك بن الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ علي الشهرزوري فذكره سواء. قلت: وهذا الحديث هومن جزء فيه أحاديث عوال خماسيات الإسناد من حديث ابن النقور، والجزء بجملته مسموع للمحب على ابن المقير وعلي أبي عبد الله ابن الفشلي. قلت: وعباد بن عبد الصمد هو أبو معمر البصري، يروي عن أنس، قَالَ فيه البخاري، منكر الحديث، وقال الرازي: ضعيف يروي عن أنس نسخة،

عامتها مناكير، وعامة ما يروي في فضائل على رضي الله عنه، وهو غال في التشيع، ذكر ما أوردته فيه أبو الفرج أبن الجوزي رَحِمَهُ اللَّهُ في كتاب الضعفاء له، وكامل بن طلحة الراوي عنه هو الجحدري، قَالَ يحيى فيه: ليس بشيء وقال أحمد، ما أعلم أحدا يدفعه بحجة أنشدني رفيقي الوزير الماجد أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أصلحه الله قَالَ: أنشدني شيخنا محب الدين الطبري لنفسه يخاطب الكعبة شرفها الله. وقائلة هل يجمل النوم مع وصلي ... ومثلك محسود على الوصل من مثلي فقلت: وحيي فيك ما نمت إنما ... بحسنك والحسنى غلبت على عقلي وكيف ينام المستهام وعمره ... تقضى انتظارا يرتجى ليلة الوصل وأنشدني أيضا، قَالَ: أنشدني شيخنا محب الدين لنفسه: ما لطرفي عن الجمال براح ... ولقلبي به غذاء وراح كل معنى يلوح في كل حسن ... لي إليه تقلب وارتياح وغرامي به قديم وشربي ... دائما من سلافه أقداح أجتلي الحسن شاهدا فيه معنى ... هو روح وما سوى أشباح كل حسن يروق مشكاة رسم ... لأهيل الحمى وهم مصباح وهو للوجود روح وروح ... ومعان ونوره الوضاح

وهم السر في الجمال وعنهم ... تروي أخباره الحسان الصحاح فبهم يعشق الحمال ويهوى ... ويشوق الحمى وتهوى الملاح وبهم يعذب الغرام ويحلو ... ويطيب الثناء والامتداح لا تلم يا خلي قلبي فيهم ... ما علي من هوى المليح جناح ويح قلبي وويح طرفي إلى كم ... يكتم الحب والهوى فضاح صاح عرج على العقيق وسلع ... وقباب فيها الوجوه الصباح قف بجرعائها وناد بناد ... مشرق الروض عطره فياح يا أهيل الحمى وأهل المصلى ... وربوع تشتاقها الأرواح للمحب المشوق قلب جريح ... وبترب الحمى تداوي الجراح يتمنى يطير شوقا إليكم ... إنما عز مسعد وجناح وإليكم له اختلاف قديم ... وغدو بربعكم ورواح فبعهد الوصال جودوا بعطف ... فإلى الجود طرفه جماح ومن نظمه رضي الله عنه: الوجد يشهد أنني مقتول ... بهوى المحجب والغرام كفيل أسر الفؤاد جميله وجماله ... فالقلب فيه كثير وجميل لله أيام الوصال وعيشنا ... مستعذب والحادثات أفول آنست فيها نور أنس جماله ... واستقبلتني بالقبول قبول يا معهد الأحباب هل من عودة ... ويضم شملي ظلك المأهول أو هل بتنعيم الحمى من وقفة ... أو هل من إلى وادي الأراك سبيل أو هل أرى من أرض مكة معلما ... أو يبدون لي شامة وطفيل أو تقبل النكبا جميل تحية ... لمتيم صب براه نحول

يحلو له مر الهوى، وحديثه ... فيه عريض شرحه وطويل يا ويح قلبي من صدود أحبتي ... ما الصد إلا للمحب قتول كيف الوصول إلى الوصال وعزة ... عزت فعز على المحب وصول أم كيف أسلو وهي غاية مطلبي ... إن الغرام بعزة لجميل أرجو وآمل وصلها وصلاتها ... يا حبذا المرجو والمأمول لا نلت وصلا إن تحدث خاطري ... بسلوها أو أضمر التبديل إن أقبلت فبفضلها أو أدبرت ... فالصد منها والجفا مقبول ومن لفظه رضي الله عنه: بالعامرية لي عن ربعها شغل ... نعم وبين الحشا من صدها شعل لا تعذلا في هواها صاحباي ولكن ... أسعداني فقد ضاقت بي الحيل لابد منها وإن عزت مطالبها ... وإن أسأت وإن أقصاني الزلل ولا وسيلة لي إلا عواطفها ... وليس لي عوض عنها ولا بدل أرجو وآمل أن تدنو مودتها ... يا حبذا ذلك المرجو والأمل أعلل النفس من يوم إلى غده ... وقد ترادفت الأسقام والعلل يقضي الغرام على العشاق أنهم ... ما حملوا في الهوى من ثقله حملوا شرع المحبة عدل كيفما صنع ... الأحباب لا حرج في كل ما فعلوا هم قرة العين إن أدنوا وإن بعدوا ... وأهل ودي إن صدوا وإن وصلوا والصبر أجمل عون للمحب إذا ... عز الوصال وعزت منهم الوصل دين الصبابة لا أبغي به بدلًا ... وليس لي حول عنه ولا ميل

ومن نظمه رضي الله عنه: أعيدوا لنا من وصلكم ما ألفناه ... وعودوا مريضا واله القلب مضناه ولا تنسوا الفضل الذي كان بيننا ... وحسبكم عهد الأراك وذكراه ومن نظمه رضي الله عنه يشير إلى قول من أنكر التصويت في تقبيل الحجر الأسود. وقالوا: إذا قبلت وجنة من تهوى ... فلا تسمعن صوتا ولا تعلن الشكوى فقلت: ومن يملك شفاها مشوقة ... إذا ظفرت يوما بغايتها القصوى كان المحب رضي الله عنه قد رغب إليه وأرغبه صاحب اليمن في التوجه إليه ليسمع عليه الحديث فأجابه إلى ذلك، وأقام عنده فيما بلغني سنتين، فأشعاره التي يتشوق بها إلى معاهده وأحبته هي مما نظمه في أيام تغيبه عن مكة شرفها الله تعالى. ومما أذن لنا في روايته عنه، ونقلته من خط صاحبنا أبي عبد لله، قَالَ: أنشدنا شيخنا بشير بن أبي بكر الجعفي الإمام الحافظ شيخ الحرم لنفسه: أنيسي وحدتي في قعر بيتي ... لأني لم أجد أنسا في إنسي ولما لم أجد في الإنس أنسا ... جعلت أنيس نفسي عين نفسي توفي شيخنا محب الدين الطبري، رضي الله عنه ورحمه في مستهل جمادى الأخرى من عام أربعة وتسعين وست مائة بمكة، شرفها الله. وجادة قرأت بخط المحدث الرحال أبي إسحاق البلفيقي رَحِمَهُ اللَّهُ ما نصه: صاحبنا محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله المكي الطبري، مدرس بالمدرسة

الشافعية عاكف على مذهب الشافعي، لقيته بها سنة تسع وخمسين وست مائة، وعنده عناية بالرواية وسماع الحديث، وله أربعينات، منها في المناسك مختصرة الإسناد ومنها في نوع آخر، وأختصر التنبية والمهذب للشيرازي، وألحق في طرر المهذب المختصر ما زاد الغزالي في الوسيط، وناولني هذين المختصرين وسمعت عليه بعضهما من أولهما بقراءته وبقراءتي، وأنشدنا من شعره. قال: وقصد في الأربعين الأولى في الذكر هنا أن تكون في المهم من أمر الدين للإشارة بقوله من أمر دينها، فبدأ بحديث الإيمان من مسلم، ثم أتي بأحاديث وذكر لنا بعض أشياخه، وعنده جماعة وافرة بالإجازة من الشام ومصر، وسمع ممن قدم على مكة، فممن سمع عليه بمكة واستوفى ما عنده على ما ذكر لي: ابن الجميزي، وسمع أيضا على ابن المقير، والتبريزي شيخ الحرم، وابن الزعفراني، وابن أبي حرمي والهمذاني الحاجي، وعلي الطبري، والفخر الطبري، والجمال الطبري، والفخر المالكي، وعبد الغني النجار، وبنت الزبيدي، وريحان السكبي، وابن الأخضر، وابن خليل المكي، ووالدته، وخالته، وجدته، وقيصر الصوفي، والشمس الطبيب، التاج القسطلاني، الحوارني بالمدينة أبو العلا القزويني، ابن العالي محيي الدين راجح ابن إسماعيل أم الحسن بنت الجميزي الأبيوردي صابنا ابن بقي المتوفي بمكة، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن مسدي وممن أجازه: ابن خليل الحلبي وأبو عمرو ابن الصلاح، وابن رواج وابن النجار مذيل كتاب الخطيب، وجماعة كبيرة وسنده في الودعانية عن ابن المقبر، انتهى ما وجدته بخط البلفيقي.

وبعض من ذكر لا أعرفه لتقصير التعريف الواقع بخط البلفيقي هنا، فليبحث عنهم، وبعضهم علم معروف، فالتبريزي، قد تقدم، وابن المقير، وأَبُو الْحَسَنِ بن الجميزي، وابن أبي حرمي، والجمال الطبري، وهم عم أبويه، يعقوب بن أبي بكر، وعلي الطبري هو تقي الدين أَبُو الْحَسَنِ وقد تقدم، وابن مسدي أيضا قد تقدم، وابن بقي المتوفي بمكة هو أَبُو الْقَاسِمِ أحمد بن مُحَمَّدِ بْنِ قاضي الجماعة أبي القاسم أحمد بن يزيد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن بقي، رَحِمَهُ اللَّهُ يروي عن جده أبي القاسم، وابن رواج وهو أبو محمد بن عبد الوهاب الإسكندري مشهور مكثر، وابن خليل الحلبي هو فيما نراه، أبو الحجاج يوسف بن الخليل بن عبد الله الدمشقي الحافظ وكان بحلب أيضا، ويحتمل أن يكون أخاه أبا إسحاق إبراهيم، وابن النجار صاحب ذيل كتاب الخطيب هو أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن محمود بن مُحَمَّدِ بْنِ الحسن بن هِبَةِ اللَّهِ بن أبي القاسم بن عبد الله بن النجار البغدادي، والأبيوردي صاحبه هو محمد بن مُحَمَّدِ بْنِ أبي بكر الأبيوردي رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى، وابن خليل المكي هو الفقيه الإمام أبو داود سليمان بن خليل العسقلاني إمام مقام إبراهيم الخليل عليه السلام، سمع عليه سنة ست وثلاثين وست مائة، والتاج

القسطلاني هو أَبُو الْحَسَنِ علي بن أَحْمَدَ بْنِ علي القسطلاني، وقيصر هو قيصر اقسنغر الصوفي، والحوراني هو أحمد بن عبد الواحد ابن مري الحوراني، وأبو العلاء هو ماجد بن سليمان القرشي الفهري، وابن الأخضر هو علي بن عبد العزيز بن محمود بن الأخضر، وراجح هو راجح بن أبي بكر بن إِبْرَاهِيمَ العبدري، والفخر المالكي، أراه محمد بن عُمَرَ بْنِ عبد الكريم الحميري

بن المالكي، وريحان السكيني هو أبو الطيب ريحان بن عبد الله الحبشي السكيني الشرفي عتيق شرف الدين بن سكينة، وبنت الزبيدي هي صفية بنت إبراهيم بن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يحيى الزبيدي، وأم الحسن هي فاطمة بنت نعمة بن سالم الحمبري الحراج سمع عليها، وابن الزعفراني هو أبو مدين شعيب بن يحيى الزعفراني سمع عليه.

رجع إلى ابني الزجاج وممن لقيته بمكة شرفها الله، الشيخان الفاضلان الفقيه الإمام أبو محمد عبد الرحيم بن مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن الزجاج، وابن أخيه أَبُو الْقَاسِمِ عبد الحميد بن أَحْمَدَ بْنِ محمد البغداديان، وقد تقدم لقاؤهما بطيبة زادها الله طيبا، ويسر العود إليها قريبا. فسمعت عليهما جزءا من حديث أبي الحسين أحمد بن مُحَمَّدِ بْنِ أبي بكر بن العالي وغيره، رواية شيخ الإسلام أبي إسماعيل عنه، رواية أبي الوقت عنه، رواية ابن روزبة عنه، رواية أبي محمد وأبي القاسم عنه، وقد تقدم سماع هذا الجزء عليهما بطيبة شرفها الله سمعته عليهما بين الحجر الأسود وزمزم تجاه الكعبة المعظمة في ليلة أسفر صباحها عن الرابع عشر من ذي حجة من عام التاريخ بقراءة رفيقي الوزير الفاضل الماجد الكامل أبي عبد الله يسر الله أموره ومنحه من كل خير موفوره، من الجزء المذكور.

دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء» قال محمد بن رشيد: لا نعلم في

أنا الشَّيْخَانِ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْقَاسِمِ سَمَاعًا عَلَيْهِمَا تِجَاهَ الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ بَيْنَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ وَزَمْزَمَ، أنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنُ رُوزْبَةَ سَمَاعًا عَلَيْهِ، أنا أَبُو الْوَقْتِ سَمَاعًا عَلَيْهِ، أنا شَيْخُ الإِسْلامِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْعَالِي، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ بْنِ مُوسَى الْحَافِظُ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ، نا إِسْحَاقُ بْنُ الأَخْيَلِ، نا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: « دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» قال محمد بن رشيد: لا نعلم في شيء من الحديث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتم بعمامة بيضاء مع حضه على لباس البياض، ولم نر لأحد من أهل العلم تنبيها على هذا، وذلك فيما نرى والله أعلم أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكثر دهن رأسه بالطيب، فلو اعتم بالبياض تغير بكثرة الطيب، فلذلك عدل عن البيضاء إلى السوداء والدهماء

قلت: وإسحاق بن الأخيل الحلبي هذا ذكره ابن أبي حاتم، وقال: روى عن عثمان بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطرائفي، روى عنه عبد الله بن أبي داود السجستاني، وقال الدارقطني فيما وجدته عنه: إِسْحَاق بن الأخيل حلبي ثقة، عن مبشر بن إسماعيل ومعاوية بن هشام، وعمار الدهني هو أبو معاوية عمار بن أبي معاوية البجلي الدهني، ودهن قبيلة من بجيلة كوفي ثقة. ومعاوية بن هشام هو القصار الأسدي مولاهم يكنى أبا الحسن، صدوق، وقال الدارقطني: ليس بالقوى. وبالإسناد إلى ابن العالي: أنا أَبُو عَلِيٍّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ شَاذَانَ الْحَافِظُ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيِّ، بِمِصْرَ قُلْتُ لَهُ حَدَّثَكُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: نا أَبِي، قَالَ: نا أَبُو الْمُنْذِرِ أَسَدُ بْنُ عَمْرٍو

من أدرك ليلة عرفة التي بعد يوم عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج»

الْبَجَلِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ» وبالإسناد إلى شيخ الإسلام: أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْبَاسَانِيُّ، نا أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ يَاسِينَ إِمْلاءً، نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، نا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ أَبُو الْعُمَيْسِ، أنا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ

{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3] قال عمر:

بْنِ الْخَطَّابِ، " أَنَّ رَجُلا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعَاشِرِ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الصَّبَّاحِ، وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدٍ كِلاهُمَا عَنْ جَعْفَرٍ قلت: كذا وقع في النسخة هذا الإسناد: نا جعفر بن عون أبو العميس وذلك غلط، وإنما هو: نا جعفر بن عون، أنا أبو العميس، وأبو العميس اسمه عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود، وهو أخو عبد الرحمن المسعودي، روى عنه جعفر بن عون وغيره، وخرج مسلم الحديث عن جعفر، أنا أبو العميس. فائدة: جرى لي مع الشيخ الإمام أبي محمد بن الزجاج رضي الله عنه في حالة سماع هذا الجزء عليه في الليلة المذكورة: أني رمقت الشيخ وهو قد ضعف عن القعود، فإنه كان غاية في ضعف البدن، قد نهكه السن والمرض والسفر، وكان لي وعاء أحمل فيه كتبي فدعمت ركبته به، فنظر إلى نظر المغضب، وأشار إلي أن

استعمال مثل هذا امتهان، وأبي من ذلك، رضى الله عنه. رؤيا رأيتها صادقة ولما ضربت له مثلا مطابقة رأيت فيما يرى النائم في بعض هذه الليالي الكريمة كأني ألتقط حول الكعبة في المطاف في جهة الركن الأسود ياقوتا ودرا، وبعضه أشرف وأفخر من بعض، فكان تصديق، ذلك أني أتيت المسجد الحرام، فوجدت أبا محمد، وأبا القاسم ابني الزجاج، قد جلسا أمام قبة يسمع عليهما الحديث فسمعت عليهما جزء ابن العالي، وفيه الصحيح من الحديث وما دونه، وفيه شيء من الشعر، فكان ذلك التفاضل بحسب الواقع هنالك. ذكر رؤيا رأيتها هي من 000 رأيت فيما يرى النائم 0000 متوجها في الطريق إليها كأني أحفر قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهبت هذه الرؤيا إلى أن عرضتها على بعض الأصحاب، فقال هي رؤيا خير إن شاء الله: هي طلبك حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبحثك عنه، فسرت بذلك فلما عدت إلى المغرب اتفق أن طالعت كتاب الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، لأبي عمر بن عبد البر رَحِمَهُ اللَّهُ فوجدت فيه في باب جامع فضائل أبي حنيفة وأخباره. أن أبا حنيفة رَحِمَهُ اللَّهُ، رأى نحوا من هذه الرؤيا وإن لم أبلغ أنا ما بلغه أبو حنيفة في رؤياه فتضاعف سروري بذلك وأرجو أن تكون كناية عن حال الوقت فأنال بحول الله بعد حظا مما ناله في الاستقبال.

ورؤيا أبي حنيفة هي ما أنا به إجازة مشافهه وخطأ أَبُو الْحَسَنِ عبد الله بن أَحْمَدَ بْنِ عبيد الله القرشي وأبو محمد عبد الله بن أَحْمَدَ بْنِ عبيد الله النفزي قالا: أنا أَبُو الْقَاسِمِ أحمد بن يزيد بن بقي إجازة، قَالَ: أنا أَبُو الْحَسَنِ شريح بن مُحَمَّدِ بْنِ شريح، بكتابه، أن خاله أبا عبد الله أحمد بن مُحَمَّدٍ الخولاني. أخبره إجازة إن لم يكن سماعا قَالَ أنا الفقيه الحافظ أبو عمر بن عبد البر النمري إجازة في جميع تصانيفه ورواياته قال أبو عمر رَحِمَهُ اللَّهُ: نا حكم بن منذر، قَالَ: نا أبو يعقوب يوسف بن أَحْمَدَ وذكر جملة أخبارهم، قَالَ: قَالَ أبو يعقوب نا أحمد بن الْحَسَنِ

الدينوري، قَالَ، نا القاسم بن عباد، قَالَ، نا صالح بن محمد، عن يوسف بن رزين، عن أبي حنيفة، قَالَ: " رأيت في المنام كأني نبشت قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخرجت عظامه فاحتضنتها قَالَ فهالتني هذه الرؤيا، فرحلت إلى ابن سيرين فقصصتها عليه، فقال: إن صدقت رؤياك لتحيين سنة نبيك محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ونا أحمد بن الْحَسَنِ، قَالَ، نا القاسم بن عباد، قَالَ، ذكر لي عن محمد بن شجاع، نحو هذا الخبر في الرؤيا إلا أنه قَالَ فيه: «فجعل يؤلف عظامه ويقيمها ثم ذكر مثله» ونا أحمد بن الْحَسَنِ، قَالَ، نا شعيب بن أيوب، قَالَ، نا عبد الحميد بن يحيى الحماني، قَالَ: نا يوسف بن عثمان الصباغ، قَالَ: قَالَ لي رجل:

رأيت كأن أبا حنيفة ينبش قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسالت عن ذلك ابن سيرين ولم أخبره من الرجل، فقال: هذا رجل يحيى سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أبو عمر، وحدثنا حكم بن منذر بن سعيد، قَالَ: نا أبو يعقوب يوسف بن أَحْمَدَ، قَالَ: نا محمد بن عَلِيٍّ السمناني، قَالَ، نا أحمد بن مُحَمَّدِ بْنِ العباس بن يزيد، قَالَ: نا القاسم بن عباد، قَالَ، نا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، قَالَ: قَالَ أبو يوسف: كنا تختلف في المسألة فنأتي أبا حنيفة، فكأنما يخرجها من كمه فيدفعها إلينا. قلت: هذا من تأويل رؤياه الصادقة ونحو من هذه الرؤيا ما أخبرنا به الشيخ الأديب الحسيب اللغوي أبو محمد القاسم بن مُحَمَّدٍ الهوزني الإشبيلي بغرناطة قدمها علينا من إفريقية، وكان مجزلا حظه من تعبير الرؤيا، يأتي من ذلك بدقائق وفرائد وعجائب، ولم يكن تمكنه في العلم بذاك فقلت له: من أين لك هذا؟ فقال لي: كنت رأيت بإشبيلية وأنا صبي صغير بحيث أحمل على عنق الغلام كأني فيما يرى النائم عند روضة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورأيت في جانبها طاقا أتقاصر عن إدراكه والناس يتواردون عليه فيدخلون أيديهم في ذلك الطاق ويخرجون لقما يلتقمونها فرمت ذلك فلم تدركه يدي، فأخذت قصبة وجعلت أبل أسفلها بريقي وأدليها من ذلك الطاق ثم أخرجها فأجد في أسفلها ترابا قد علق بها، فالتعلقه ثم أعيد تلك القصبة، فعلت ذلك الفعل مرات، واستيقظت وقد وعيت الرؤيا فقصصتها على أبي فقال: هل أعلمت أمك ذلك؟ قلت: لا، قَالَ: واستدعى غلاما لنا فحملني على عنقه مع أبي رَحِمَهُ اللَّهُ، إلى المعبر المشهور بإشبيلية المعروف بالحنتمي، وكان يأتي في التعبير بأمور يعجز عن إدراك فهمها ذوو الأفهام الثاقبة، فقصصتها عليه فقال: يا بني، التراب تراث، وهذا القدر الذي نلت من تراثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزر يسير، وأرى ذلك أنك تؤتي حظا من علم التعبير، فصدق

تأويلة رَحِمَهُ اللَّهُ، ومن غريب ما جرى للشيخ أبي محمد رَحِمَهُ اللَّهُ، من التعبير الغريب وأنا بغرناطة، أنه جلس في بعض العشيات مع قاضي الجماعة أبي بكر الأشبرون الإشبيلي، وكان بينهما صحبة وصداقة، ببلدهما إشبيلية، فقال له القاضي: إني رأيت البارحة، أني أقرأ من أول ياسين أو من ياسين إلى قوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] فقال له أبو محمد: تعيش من ليلة الرؤيا ثمانيا وعشرين ساعة أو مثلها ليلة، أو مثلها جمعا أو مثلها شهورا، فقال له القاضي ممازحا وكان قد نيف على الثمانين، أو مثلها سنين، فقال: لا يحتمل عمرك ذلك، ثم قطع الخصوم بينهما الكلام. فلما كان في الثامنة والعشرين حكم في الجامع إلى أن غربت الشمس، وكان قويا صحيحا، فتوجه إلى منزله فمات فجأة بعد العشاء الآخرة رَحِمَهُ اللَّهُ. فائدة أخرى: لقيت بالحرم الشريف بعض العلماء الوافدين في الركب وأخبرني باسمه فأنسيته ولم أره قبل ولا بعد، فجرى الكلام معه في الطواف بالبيت، لم شرع جعله على اليسار؟ فذكرت بعض ما قيل فيه، فقال: إنما ذلك لأن الطائف بالبيت مصل مؤتم بالكعبة، ومن شأن الإمام إذا ائتم به المفرد أن يقف عن يمين الإمام، وهو يسار المأموم، وهذا الذي قاله هذا الفاضل، ذكره الله في الصالحات، حسن جميل، ويحتمل عندي، أن يكون ذلك لأن يكون ابتداء حركة الطائف على يمين نفسه بخلاف لو جعلها على يمينه فإنه يكون ابتداء حركته على يساره. وقد وقعت لبعض الصوفية في ذلك إشارة حسنة ضمنها شعرا له، وهو ما

أخبرناه، أنا الشيخ الصالح المقري أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن عياش القرطبي نزيل مالقة معينا لما اشتمل على هذا القصيد، قَالَ، أنا أبو القاسم ابن الطيلسان، سماعا عليه، قَالَ، أنشدنا سماعا منه الفقيه الحاج الزاهد الورع الصوفي العابد أبو جعفر أحمد بن غالب البياني بالمسجد الجامع بقرطبة، قَالَ، أنشدنا الواعظ الحافظ أبو بكر الأطرابلسي، على منبره بحرم الله الشريف تجاه الكعبة المعظمة، سنة ثمان وثمانين وخمس مائة لنفسه، وقد سأله سائل: لم كان الطواف بالكعبة على الشمال، والسنة في العبادات التيمن؟ وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب التيمن في شأنه كله؟ فأنشد مجاوبا له بعد يوم: إنما الكعبة في ضرب المثال ... كعروس جليت بين رجال فاستحت منهم فغطت وجهها ... بأكف وخمار ودلال وثياب كحل نورية ... دللوها فتناهت في الدلال وادي إبراهيم كرسي لها ... ثم نصوا شخصها بين الجبال تاجها ميزابها، إكليلها ... ما علاها من بهاء وجمال زمزم خادمها زملها ... مشعل الحسن فتاهت في الكمال وإذا طاف بها عاشقها ... ردها من فرح على الشمال فيه سر ليكون قلبه ... أقرب الأشياء منها للوصال هي أم الحج لا شك ولا ... ريب في الحج ولا فيه جدال هي أم الخلق منها ولدوا ... وهي لا حمل لها ولا فصال

ولما أكملنا حجنا وعمرتنا طفنا طواف الوداع، داعين إلى الله تعالى أن لا يجعله آخر العهد بتلك الأماكن الشريفة، والعرصات المكرمة المنيفة، وكنت حين القدوم أردت دخول البيت شرفة الله فمنعني حجبته إلا بعد إعطاء ما يرضيهم مما يبذل لهم، فكان قد حضرني بعض الشيء، مما طبت نفسا بإهدائه فأبوا قبوله استنزارا منهم له، فرأيت أن لا أعينهم على اتخاذ بيت الله مغرما، وأنا لا أشاركهم فيما اتخذوه، مأثما، فلما حان الرحيل، وزمت المطايا ولم يبق من السفر إلا القليل، كنت فيمن تأخر، فألفيت البيت قد تركوه مفتوحا، فاغتنمت دخوله، وأنلت القلب من ذلك سؤله: اللهم أتمم علينا نعمتك وابسط علينا رحمتك، وودعت البيت وأخذنا في الرحيل راغبين إلى الله في التيسير والتسهيل. ذكر بدعة عظيمة أحدثها العامة في دخول البيت المعظم: قد عاينا بعضها، وعلمنا منا لم نعاين وقد فسر ذلك الإمام أبو عمرو بن الصلاح رَحِمَهُ اللَّهُ، فقال: " وقد ابتدع من قريب بعض الفجرة الختالين في الكعبة المكرمة أمرين باطلين عظم ضررهما على العامة. أحدهما ما يذكرونه من العروة الوثقى، وأوقعوا في قلوب العامة أن من ناله بيده فقد استمسك بالعروة الوثقى، فأحوجوهم أن يقاسوا إليها شدة وعبئا ويركب بعضهم فوق بعض، وربما وضعوا الأنثى فوق الذكر، ولا مست الرجال ولامسوها، فلحقتهم بذلك أنواع من الضرر دينا ودنيا.

والثاني: مسمار في وسط البيت فسموه سرة الدنيا على ذلك الموضع وحملوا العامة على أن يكشف أحدهم على سرته وينبطح بها حتى يكون واضعا سرته على سرة الدنيا، قاتل الله واضع ذلك ومختلقه وهو المستعاذ. قلت: ومن الحوادث الشنيعة طواف النساء ليلا بالشمع في أيديهن سافرات عن وجوههن، عاينا من ذلك ما يحزن، وغيرنا منه المستطاع بإطفائها في أيديهن والله تعالى المستعان المسئول أن يمن على المسلمين بمن يدفع البدع، ويجبر من الدين ما انكسر، ويلأم منه ما انصدع بمنه وكرمه. اللهم أوزعنا شكر نعمك، وأفض علينا واكف كرمك، وأصحبنا في سفرنا، وكن معنا ولا تكلنا إلى حولنا وقوتنا طرفة عين، إنك المنعم الكريم الوهاب. -

صاحبنا أبو محمد البسكري وحين أثيرت الجمال، وتنادى الناس بالرحال، وكان قد خرج معنا عازما على السفر صاحبنا وأحد رفقائنا الفقيه الفاضل الصوفي الأديب المتخلق أبو محمد عبد الله بن عمران البسكري، نفع الله به، وكان قد أنفد ما عنده جودا وسخاء حتى لم يبق له إلا مصحف يقرأ فيه، وثوب يستظهره ليس له كبيرة قيمة، وسليخة يفترشها، نشأت عنده، نفع الله به، عزيمة أمضاها، وسعادة قضيت له في الأزل فاقتضاها، في المقام في تلك المشاهد الكريمة والمعاهد العظيمة، وكان أبسر شيء عليه النظم، فأخذ بعض الأصحاب في كسر عزيمته عليه، وتصعيب المقام.

دون سبب يرجع إليه، فارتجل جملة أبيات سمعناه منه، فعلق بحفظي منها: عليكم سلام الله إني عائد ... إلى حيث لا أخزى ولا أتندم إلى حرم فيه لقوم هداية ... وفيه لأرباب المطالب زمزم ومن عرف الرزاق سكن سره ... ودر عليه الرزق من حيث يقسم ثم ودعنا، وعاد إلى خير معاد، وهو الآن مقيم بها، مغبوط الحال، محمود الخلال، تقبل الله جواره، وأجاب في تلك المعالم الشريفة جؤاره. وكان نفع الله به قد ركب البحر معنا من حضرة تونس، حماها الله تعالى، ومن نظمه ما أنشدناه بعض أصحابنا عنه، إن لم نكن سمعناه منه: أملت رؤيتكم وكانت مقلتي ... ترنو إلى شيء من الأعراض فأبت جلالة قدركم ما رمته ... حتى تطهرها يد الإمراض. خاطب بهذين البيتين صاحبنا ورفيقنا أيضا في هذه الوجهة الأديب الصوفي المحقق الفقير المتخلق أبا محمد عبد الله بن الوزير أبي عبد الله الطبيري الشريشي المولد، السبتي المنشأ ثم التونسي الدار، وكان قد قدم تونس حماها الله، وأراد رؤيته، فاعتراه رمد منعه عن رؤيته، فلما عوفي من مرضه وتلاقيا، قَالَ هذين البيتين، وأنشدني له بعض أصحابنا: أهلا وسهلا بالذين أحبهم ... وأجلهم مني بمنزل ناظري قوم إذا ذكروا حديث نبيهم ... لم يخرجوه عن المراد الظاهر

رؤيا صالحة تدل على أعمال له ناجحة: أخبرني رفيقي الوزير أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن أبي القاسم، قَالَ: كنا بمكة جلوسا مع صاحبنا أبي محمد البسكري وأبي محمد الطبيري، قَالَ: فأغفى الطبيري واستيقظ متعجبا، فقال: رأيت الساعة عينا تنبع يعني بيننا أو عندنا في الأرض ومطرا ينزل عليها من السماء مسامتا لها، قَالَ: فمد أبو محمد البسكري يده من كمه والسبحة في يده يحركها فقال: هذه هي العين النابعة، صدق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنه لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له» . ذكر سفرنا من مكة شرفها الله قافلين إلى طيبة زادها الله طيبا رحلنا من ظاهر مكة شرفها الله بعد ظهر يوم الاثنين، الخامس عشر لذي حجة، راغبين إلى الله تعالى في القبول، مزمعين بمشيئة الله على العود إلى حضرة الرسول، داعين يبلوغ السول، فما زلنا نسير منزلا منزلا، متعرفين البركة في كل إقامة وحركة، إلى قريب الفجر من الليلة الخامسة والعشرين، وقد شارفنا المدينة شرفها الله، فنزل مطر وابل، ولمعت بروق ملأت ما بين السماء والأرض، وعشيت الجمال وماد بعضها على بعض حتى انقطعت الأنساع، وتكسرت الهوادج وعاينا أمرا هائلا كهول البحر حالة اغتلامه، فوقف الناس ساعة عن المسير، ثم أديل من العسر اليسر، وأشرق الفجر، وسرنا حامدين لله شاكرين إلى أن وافينا المدينة على ساكنيها الصلاة والسلام، عشي يوم الخميس من صبيحة اليوم الخامس والعشرين.

ولما وصلنا ذا الحليفة أو نحوها نزلنا من الأكوار، واحتدم الشوق لقرب المزار، وكان صاحبي ورفيقي الوزير الفاضل الأديب الحافل الماجد الكامل أَبُو عَبْدِ اللَّهِ منحه الله العافية ومسح عليه بيمينه الشافية، قد أصابه رمد، فعند معاينته تلك المعاهد الكريمة أحس بالشفاء من ألمه، فبادر إلى المشي على قدمه، احتسابا لتلك الآثار، وإعظاما لمن حل تلك الديار، وأنشدنا لنفسه في وصف الحال، وكتبه لي بعد بخطه: ولما رأينا من ربوع حبيبنا ... بيثرب أعلاما أثرن لنا الحبا وبالقرب منها، إذ كحلنا جفوننا ... شفينا، فلا بأسا نخاف ولا كربا وحين تبدى للعيون جمالها ... ومن بعدها عنا أديلت لنا القربا نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة ... لمن حل فيها أن نلم بها ركبا ولما قضينا واجب السلام على خيرة الأنام، وصاحبيه المفضلين المقدمين في الصحب الكرام، المخصوصين بما لم يخص به أحد من أهل الإسلام عدنا إلى رحالنا، وكانت إقامتنا هناك بقية يوم الخميس ويوم الجمعة بعده ويوم السبت وصدر يوم الأحد، نتردد إلى الصلوات، والى تحيته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبيه رضي الله عنهما بأكرم التحيات، ورأينا من فعل الوافدين أنهم إذا فرغوا من الصلاة أدرات الصفوف كلها أعناقها إلى أيسارها، وقالت برفيع من أصواتها: السلام عليكم أيها النبي ورَحِمَهُ اللَّهُ تعالى وبركاته، ولم نر من ينكر ذلك الفعل، ولا بلغنا أيضا قول عن السلف رضوان الله عليهم، فأنا لا أنكره ولا أعرفه ذكر بعض ما جرى لي هنالك: قرأت مكتوبا في وجه الخزانة الكريمة التي تقابل المتوجه إلى الروضة الكريمة، وهي التي يضع الناس فيها الكتب الواردة بالتسليم عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذين البيتين مكتوبين ببياض في سواد:

سعدتم به يا زائرين ضريحه ... أمنتم به يوم المعاد من الرجس سلمتم وأصبحتم بأكناف طيبة ... فطوبى لمن يضحى بطيبة أو يمسي وبلغني أن هذين البيتين من كلمة لمحمد بن رشيد بفتح الراء وكسر الشين البغدادي الواعظ، وهذه الخزانة الموضوعة في هذا الموضع كأنها قصد بها أن لا يستقبل المصلي شيئا من الروضة الكريمة، ولذلك بنيت من الجهة الجوفية على زاوية حادة لئلا يستقبل المصلي منها شيئا، والله أعلم.

- أَبُو الْحَسَنِ التجاني وكان من جملة من صحبنا من مكة شرفها الله إلى المدينة طيبها الله الشيخ الفقيه المقري الفاضل الحافظ الأديب البارع الناظم الناثر الحافل أَبُو الْحَسَنِ علي بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ محمد التجاني، أحد صدور طلبة تونس ومقرئيها للعربية والأدب، وكان قد قدم مكة شرفها الله، قبل قدومنا وأَبُو الْحَسَنِ هذا يبلغ من سرعة النظم وسهولته مبلغا لم ينته أحد من أهل زمانه إليه مع ما جبل عليه من حسن الخلق، حتى يقال: إنه لا يظهر عليه أثر الغضب لولا أنه يعرف ذلك بحمرة تعتريه في وجنتيه فذكرت له البيتين أو أقرأته إياهما، وسألته أن يزيد عليهما ونحن مستقبلون الروضة الكريمة فقال مرتجلا، وللبيتين مذيلا: وينسى بها الأوطان والأهل إنه ... يرى بجوار المصطفى غاية الأنس

ثم وطأ قبلهما بيتين، وهما: قفوا سلموا، هذا ضريح محمد ... أما تبصرون النور أسنى من الشمس فصلوا عليه واسألوا وتوسلوا ... إلى الله بالمبعوث للجن والإنس وكتبها لنا عنه هنالك صاحبنا الوزير الفاضل السري، الكامل أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حفظه الله وتولاه وأعانه على شكر ما أولاه، ولما دخلنا حريم الروضة الكريمة، سألت الشيخ الفقيه الأديب الحافظ أبا الحسن المذكور أن ينشدني شيئا لنفسه في المعنى، فأنشدني عند الرأس الكريم رأس المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتبهما لنا صاحبنا ورفيقنا الوزير الفاضل أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بخطه شركه الله تعالى. أقول إذا ما نحن صرنا بطيبة ... نزلنا بحمد الله بالمنزل الرحب نزلنا بمغنى أكرم الخلق كلهم ... قرآنا عليه اليوم مغفرة الذنب وحضرت انتظار صلاة الجمعة مستقبل المنبر الكريم، وكنت قد قعدت لشدة الازدحام عند آخر المسقف على البناء الذي هنالك شبه دكان مستطيل كأنه حد للروضة المحمدية المشار إليها بقوله عليه السلام: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» ، فجاء جلوسي أمام الصفوف، فاجتذبني رجل من أمراء الشام كان قاعدا خلفي أو جليسه، وفسحا لي ما بينهما فأفاضا في الحديث معي مؤنسين وكان جليسه من أهل العلم ولم أعرفه قبل ولا بعد، فجرى ذكر أبي بكر بن العربي الطائي الحاتمي أو أجراه ذلكم الرجل جليس الأمير، فقال: حكى لي ابن العربي أنه قَالَ: كنت هنا يوما فجاء رجل فقال لي: أأنت ابن العربي؟ قلت: نعم، قَالَ: أأنت الطائي الحاتمي؟ قلت: نعم، فقال: أنت الفتى الذي تزعم أنك تخبر عن الله؟ فقلت: نعم، فقال: فما قَالَ لك؟ قَالَ: فرمت أن أنطق فلم أطق، فعلمت أن صاحب الحال يقطع صاحب المقال، هذا أو نحوه.

كتبت الحكاية من حفظي بعد طول زمان، وأشك هل قَالَ: إن ابن العربي أيضا أخبره بهذه الحكاية بمسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم لا. استدراك: كنت استصحبت معي لشيخنا الناقد العلامة النسابة أبي بكر محمد بن حسن بن حبيش، بلغه الله إلى مشاهدة تلك المشاهد ونظمه وسطى المعاين المشاهد قصيدا حافلا في السلام على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان سماه: التحيات الإعجازية والأريحيات الحجازية، ثم سدسه ووسمه بثراء العديم وشفاء السقيم في تسديس بجمع بتقديس بين التسبيح والتسليم. فلم بلغنا مدينة خاتم الأنبياء رأينا من قضاء واجب حقه أن نشمله في الدعاء، وأن نبلغ تسليمه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنشد منه صاحبنا ورفيقنا الوزير الفاضل الماجد الكامل أَبُو عَبْدِ اللَّهِ شكره الله في الروضة المحمدية بمقربة من قبر المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى مقدار عشرة أذرع من الروضة الكريمة جملة واستوهب الدعاء للناظم ممن حضر معه بالروضة الكريمة تقبل الله ذلك ونفع به، ونفع الناظم بما نظم، والقارئ بما قام به والتزم، وختم لنا بما به لأوليائه ختم، إنه ذو المن والكرم. ومطلع القصيد مع التسديس: أسبح رب العرش عز دوامه ... وأحمده والحمد يعلو مقامه وأشكره والشكر يرعى ذمامه ... فيهدي لخير الخلق عني سلامه سلام كعرف المسك فص ختامه ... على من هدانا فعله وكلامه

فسبحان من عم البرية نعمة ... بإرسال من آتاه حكما وحكمة أتى للعلى بدءا وللرسل ختمة ... وشرف مختارا ليرحم أمة سلام على المبعوث للخلق رحمة ... ليحفظ من هذا الوجود نظامه وهو طويل في نحو أربع وعشرين قائمة كذا ومائة. وترددنا في تلك الأيام لتجديد زيارة من بالبقيع من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كالعباس رضوان الله عليه، والحسن رضوان الله عليه، وعثمان رضوان الله عليه، وغيرهم من المعرفين هنالكم، والله ينفع بذلك ويجدد عليهم رضوان، وقد فعل اللهم انفعنا بمحبتهم، واحشرنا في زمرتهم، اجعلنا ممن سلك واضح طريقتهم يا ذا المن والإحسان والجود والامتنان. ذكر سفرنا من المدينة على ساكنها الصلاة والسلام. كان وداعنا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الأحد الثامن والعشرين لذي حجة وقد أودعناه الأرواح ورحلنا بالأشباح. أودعكم وأودعكم جناني ... وأنثر عبرتي نثر الجمان وقلبي لا يريد لكم فراقا ... ولكن هكذا حكم الزمان ولله در القائل: لو كنت ساعة بيننا ما بيننا ... وشهدت حين نكرر التوديعا لعلمت أن من الدموع محدثا ... وفهمت أن من الحديث دموعا والناس داعون وقائلون: «اللهم لا تجعله آخر العهد بنبيك» ولما خرج الناس عن المدينة لم يزالوا يعطفون رؤوسهم إليها، داعين ومسلمين حتى غابت عنهم: «اللهم لا تجلعنا ممن نفته المدينة، واربط على قلوبنا

بالصبر، وأنزلن علينا السكينة، وكن لنا صاحبا في السفر، ومن علينا بالوصول إلى الأهل سالمين كما مننت بقضاء الوطر، ولا تجعله آخر العهد بزيارة سيد البشر» . وأهل هلال المحرم ليلة الأربعاء مفتتح عام خمسة وثمانين وست مائة، ونحن بالمنزل المعروف بمطرح الغزالة، اللهم أهلله علينا بالأمن والإيمان والسلام والإسلام، واجعله عاما سعيدا، وازو لنا السفر، وقرب لنا ما نخاله بعيدا. ووافينا يوم الأربعاء صبيحة الغرة وادي الصفراء، ومنه يرفع الناس الماء إلى ينبع، والعامة تقول الينبوع، ورحلنا منها ضحاء يوم الخميس، وسرنا بقية يومنا، ثم نزلنا منزلا لم يسم لنا، ثم قمنا منه لينبع فوفيناه عصر يوم الجمعة الثالث لمحرم، وكان يوما صائفا شديد القيظ، على أنه لم يكن زفر قيظ، كابد الناس فيه من العطش شدة حتى ذكر أنه مات بعض المشاة عطشا، ووجه الأمير رواياه مسرعة إلى ينبع ليستقوا الماء ويلتقوا به الناس، ولما وافينا ينبع خرج مغنون بأصوات طيبة عذبة يرددون هذه الأبيات ويحيون بها القادمين نفوسهم بطيب تلك النغمات. أيها القادمون أهلا وسهلا ... كيف نجد؟ وكيف بان المصلى؟ كيف خلفتم العقيق، وسلعا ... وقبا والنقى ومن ثم حلا؟ فأجابوا: لله ما كان أهنا ... زمن الملتقي! وما كان بأحلى لله درهم حادوا عن الجواب، لما رأوا أنهم لا عذر لهم في الإياب وأقمنا هناك للراحة من التعب، ولأن الركب المصري ربما تخفف من

الأزودة، وأودعها هنالك، استعدادا للعودة يوم السبت ويوم الأحد، ورحلنا منه ظهر يوم الاثنين السادس لمحرم. وهذا الموضع المعروف بينبع بفتح أوله وسكون ثانيه بعده باء معجمة بواحدة مضمومة وعين مهملة كذا قيده أبو عبيد رَحِمَهُ اللَّهُ، والعامة تقوله الينبوع بزيادة واو وإلحاق أداة التعريف وهي بليدة حسنة كثيرة المياه والخضر والبساتين وهي بين مكة والمدينة، وكانت من بلاد بني ضمرة قوم عزة كثير، وقد ذكره كثير في شعره وقد وصف غيثا: ومر فأروى ينبعا وجنوبه ... وقد جيد منه جيدة فعباثر قال أبو عبيد البكري رَحِمَهُ اللَّهُ، وينبع عن يمين رضوى، لمن كان منحدرا من المدينة إلى البحر، وهي قرية كبيرة وبها عيون عذاب غزيرة، زعم محمد بن عبد الحميد بن الصباح، أن بها مائة عين إلا عينا، ووادي ينبع يليل. يصب في غيقة، قَالَ جرير: نظرت إليك بمثل عيني مغزل ... قطعت حبائلها بأعلى يليل ويسكن ينبع الأنصار وجهينة وليث.

ومن حديث محمد بن عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبي طالب رضي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهم: «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى في مسجد ينبع» . ثم سرنا إلى أن وافينا المغيرة يوم الأربعاء الثامن لمحرم، عند الضحاء، وبها ما يحتفر في أحساء، وضبط هذا الاسم مفعلة بفتح الغين من التغيير ولم نجده في الأسماء المذكورة القديمة. ورحلنا منه ليلا ليلة الخميس التاسع لمحرم فوافينا الحوراء يوم الجمعة يوم عاشوراء عند طلوع الشمس، وبها ماء رديء للشارب، وهو واد كثير شجر الأراك ومما جرى على لساني هنالك من شدة الشوق، متفائلا بالعودة إلى طيبة، سنى الله ذلك: أيا حضرة المصطفى المجتبي ... ضمنت لعيني أني أراك ويصدق فالي فينعم بالي ... لأني حللت بوادي الأراك ثم رحلنا منه ظهر اليوم، وما زلنا نسير منزلا منزلا، منها ما سمي لنا ومنها ما لم يسم فمما سمي موضع ماء يسمى الوجه، وموضع يسمى سلمى وموضع يسمى عيون القصب، وهي مياه طيبة في بسيط ينبت القصب، وهناك تلقانا أوائل القادمين من الشام بالدقيق والتين والخروب، وكان الناس من فقد الأزودة في شدة لأنا لما انفصلنا عن ينبع وقع في الجمال موتان ذريع، حتى كان يترك منها في المرحلة الواحدة المائة وما قاربها، ورخصت الأزودة والحوائج ثم

عدمت أو كادت حتى صار الناس يطرحون حوائجهم، وكثر المشاة من المخدرات والأطفال، وكان الأمير حسن السيرة فسار بالناس سيرا رفيقا، وارتفق الناس بعضهم ببعض، وأركبوا بعضهم بعضا، وأبرد الأمير بردا إلى أطراف الشام لتدارك الناس بالطعام والركاب، فكان أول ركب لقيناه بعيون القصب، وكانوا يبيعون ما قدموا به رطلا أو نحوه بدرهم من أي شيء كان، ثم بعد ذلك تلقانا الناس وتباشروا بالسلامة، وسمعتهم عند تلاقيهم يقولون: الحمد لله على جمع الشمل وطول الأعمار. وكان من جملة ما وردناه أيضا مغارة شعيب عليه السلام، وهو ماء مدين ومدين بلد جذام، ومدين. . . . . . . أحد بني وائل بن جذام، ويروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ لوفد جذام: «مرحبا بقوم شعيب وأصهار موسى ولا تقوم الساعة، حتى يتزوج فيكم المسيح ويولد له» ، وجدت هذا الحديث بخط الكاتب الأوحد العلامة النقاب أبي عبد الله بن أبي الخصال رضي الله عنه. وهذا الماء مورد معين جدا، في مغارة منقورة في حجر، ينزل إليها بأدراج متسعة بحيث يتلاقى فيها الصاعد والنازل وهى شبه صهريج مملوءة عذبا طيبا. ووافينا عقبة أيلة يوم السبت الخامس والعشرين من شهر محرم وهذا الموضع تصنع فيه سوق عظيمة يجتمع فيها الرفاق والتجار عند توجه الناس للحج وعند قفولهم من البلاد الشامية والمصرية بأنواع المرافق وصنوف التجارات، وينصب فيه من الحوانيت ما يوجد في المدن العظام، ورأينا فيه من الاستعداد بأنواع

الأطعمة ما لا يأخذه الوصف، ويقيم أمير الركب في ذلك الموضع أياما حتى ينصرف أهل كل بلد إلى بلدهم، وحينئذ يسير الأمير ببقية الناس. فرحلنا منه متعجلين قبل الأمير مع الجمالين الذي اكترينا منهم، غدوة يوم الأحد السادس والعشرين، فوافينا موضعا يسمى نخيلا وفيه بئر ومصنع الماء وغدر، ويوم الثلاثاء الثاني والعشرين، ورحلنا منه ضحوة يوم الأربعاء إلى موضع يعرف بالقباب، وافيناه ضحاء يوم الخميس فقلنا هناك، وفيه مصانع للماء كثيرة في جباب مقبوة، وفيه غدر، ورحلنا منه بقية اليوم. وأهل علينا هلال صفر، جعله الله هلال يمن وسعد، بمنعرج ذلك الوادي، ليلة الجمعة، ثم سرنا منزلا منزلا والجمالون يستعجلون بنا فعدمنا الماء، فجددنا السير، فوافينا ليلة الأحد الثالثة لصفر منزلا بمقربة من الموضع الذي يسمونه البويب، نزلناه عند غروب الشمس، ونحن عطاش، ولقلة جمعنا من الركبان لم نجد من نشري منه ماء، ولا من يتصدق به، ولقد أغلى رفيقنا الوزير الفاضل أَبُو عَبْدِ اللَّهِ في تلك الليلة في ثمن شيء منه فما وجد، إلى أن تفضل بعض من كان في ذلك الركيب بالتصدق بصطل منه، توزعه الأصحاب، وكنت راكبا وكان بعض صحبي ماشيا قلدته بعضي، والله يرزق العون بمنه، فألهم الله، وله الحمد والشكر، إلى أن تعشى الجمال وتأخذ في الرحيل، ففعلنا ذلك ورحلنا منه عند العشاء الآخرة، فسرنا ليلتنا نجد السير بليلة نابغية، أبطأت كواكبها ولم يؤب عازبها، أو حجرية شدت نجومها بأمراس منعت أن. . . . . . . بقرب من الأفق غاربها.

ليل كأن مداه عكس أحرفه ليل وليل فلا طول ولا قصر إلى أن تمكن الملل، وترادف الكلل، وتعذر بعض الأصحاب عن المشي، فأركبته وسرت على ما بي، فيا لها ليلة ما أطولها، فلما تمادى المسير ظن بعض ذلك الركب أنهم أخطأوا الطريق لأنهم كانوا قدروه أقرب مما وجدوه فعرسوا من آخر الليل، وكان الجمال الذي معنا بصيرا بالطريق لكونه كان من أهل ذلك الموضع فأمعن المسير، فما كان إلا اليسير، فتراءت لنا كنار الحباحب، فتارة تبدو وآونة تخفى عن المراقب، فاتخذناها أما، وجعلنا نعمل إليها اعتناء بشأنها، فما راعنا إلا تباشير الفجر، وقد أديل العسر باليسر، وقد وافينا بركة الحجاج، وقد أحدثت الباعة عليها حوانيت وأفرانا، واتخذوا من الخبز أصنافا وألوانا، فنزلنا على جانب البركة، وهو غدير كبير يمتلئ من فيض السيل فلشدة التعب بركنا حتى لم نطق القيام إلى الماء مع أنه قريب من اللهوات، سهل التناول بالأيدي كيف بالأدوات، فقام من كان فيه بعض نشاط من الأصحاب إلى بعض تلك الحوانيت، فجاء بخبز لم تبرد ناره وتفتر. . . . . . . فإنه لم يفارق ضرعه واستملى من ذلك الماء العذب ووضعه بين أيدي الصحب فأكلنا وشربنا حتى كدنا نسرف، وعدنا إلى ما لم نزل من فضل الله وتيسيره نعرف، ثم قمنا لأداء الفرض، وقد أسفر الفجر، وعظم بفضل الله الأجر، ثم استرحنا ساعة إلى أن أشرقت الشمس، ونشطت النفس، وتلك صبيحة يوم الأحد الثالث لشهر صفر، وهذه البركة بينها وبين مدينة القاهرة نحو من اثني عشر ميلا، وعندها يجتمع الركب وينصب الأمير رايته عند التوجه للحج، وعند القفول منه، وهناك يتلقى الناس القادمين، وكنا أول وفد قدم فرأينا

من تحفي الناس بنا وتمسحهم بأثوابنا ما يعجز عنه الوصف حتى أنهم ليناولوننا قصب السكر مقشورا. . . . . . . ومن استعداد الناس للقاء من لهم في الركب، فيخرجون إليهم بأنواع الأطعمة والأشربة والأثواب النقية وماء الورد، وأنواع الحلاوة وقصب السكر، إلى غير ذلك. وبالجملة فالقوم لهم اعتناء بالأمور الدينية والدنيوية يبلغون فيهما إلى حالة يعجز عن وصفها اللسان، ولا يفي بنعمتها البيان، وتكل دونها البنان، فسرنا إلى أن وافينا القاهرة، ودخلنا على بابها قاصدين إلى. . . . . . . فما استوفينا قطع تلك المسافة إلى عند الظهر.

ذكر وصولنا إلى مصر حرسها الله تعالى، من الوجهة الكريمة شفعها الله بأمثالها ويسر علينا عما قريب في مثالها، ومن لقيناه بها من الشيوخ والأصحاب. وافينا مصر حرسها الله ظهر يوم الأحد الثالث لشهر صفر من عام خمسة وثمانين وست مائة، ونزلنا بها بخان يعرف بربع الكارمي بمقربة من منزل صاحبنا المحدث أبي عبد الله محمد بن عاصم شكره الله تعالى وحفظه، والحمد لله تعالى على إكمال النعمة وإتمام البغية.

أبو العز عز الدين الحراني اتصل مقدمنا بالشيخ المسند رحلة مصر شيخنا أبي العز عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني أبقاه الله مسلما، وصل إلينا مهنئا لنا ومسلما، غدوة يوم الاثنين الرابع من شهر صفر، فكان من قوله جزاه الله خيرا: ما بمنزلي إلا من سر بقدومكم واتفق أن كنا أول من دخل مصر من الركب الحجازي، لسبب أوجب استعجالنا، فلما استقر به المجلس، وسأل عن أحوالنا وشكر الله وحمده على بلوغ آمالنا، بدره صاحبنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن عاصم، فقال: يا مولانا أما تضيف أصحابنا، فقال: نعم، فقال صاحبنا: الآن بإسماعهم بعض مسموعاتك فأنعم بذلك

وهكذا شأن القوم نفعهم الله تعالى حرصا على الإفادة والاستفادة. وكان قد حضر في الوقت من مسموعاته جزء وهو المجلس الثالث عشر من أمالي القاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون الضبي فسمعناه عليه، بحق سماعه بقراءة أبيه عبد المنعم، في السنة الخامسة من عمره، في يوم الاثنين ثاني عشر من رجب سنة تسع وتسعين وخمس مائة على الشيخ الصالح أبي العباس أحمد بن الْحَسَنِ بْنِ أبي البقاء العاقولي، فأقر به، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي مَنْزِلِهِ بِدَارِ الْخِلافَةِ الْمُعَظَّمَةِ بِشَرْقِيِّ بَغْدَادَ، فِي مُحَرَّمَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاثِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، أنا الشَّيْخُ الثِّقَةُ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النَّقُّورِ الْبَزَّازُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِهِ وَأَنَا أَسْمَعُ وَذَلِكَ فِي رَجَبَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، نا الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ الضَّبِّيُّ إِمْلاءً، نا الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ فِي سَنَةِ سَتٍّ وَعِشْرِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نا أَبُو إِسْحَاقَ الدَّبَّاغُ وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ

مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة، فقال: كم ترك؟ قالوا: ترك دينارين: قال: كيتين،

الصَّحَّافُ، نا عَمْرُو بْنُ سَلْمٍ، نا عُبَيْدَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " مُرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: كَمْ تَرَكَ؟ قَالُوا: تَرَكَ دِينَارَيْنِ: قَالَ: كَيَّتَيْنِ، قَالَ: وَكَانَ إِذَا مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ سَأَلَ: أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: عَلَيْهِ دَيْنٌ، قَالَ: أَتَرَكَ وَفَاءً؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالُوا: لا، لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ " هذا أول حديث في الجزء وسمعت عليه الجزء بجملته، وذلك في رابع شهر صفر، وجدته في موضع آخر خامس صفر، وكذلك قيده صاحبنا أَبُو عَبْد اللَّهِ وكان حاضرا معي، وعين اليوم بأنه يوم الاثنين، فإن كان اليوم يوم الاثنين فهو الرابع لا محاله، لانا رأينا الهلال ليلة الجمعة، والظاهر أن تاريخ المصريين كان مخالفا لرؤيتنا، فقيده صاحبنا على تاريخ المصريين والله أعلم، ولم أستطع كتبه لرمد كان أصابني بالصحراء، من الله بالشفا منه، فعلقت منه هذا الحديث، وأنا شاك، وقد

قيد منه رفيقنا الوزير الفاضل الكاتب الكامل أَبُو عَبْد اللَّهِ وصل الله عزته، فقيد أوراقا على الولاء، ثم حال السفر عن إكماله ومعارضته ولكن خطه، حفظه الله يندر فيه الغلط ويقل السقط، والتحديث سائغ بالنقل من خط من هذه صفته ولم تقع المقابلة. وَبِالإِسْنَادِ إِلَى الضَّبِّيِّ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الآدَمِيُّ الْمُقْرِي سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نا الْعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ الْبَحْرَانِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، نا الْعَلاءُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ عَبْد اللَّهِ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَفِي عُنُقِهَا شَيْءٌ

الرقى والتمائم والتولة شرك» ، فقلنا: هذه الرقى والتمائم عرفناها، فما التولة؟ قال: شيء تجعله

مَعْقُودٌ فَجَذَبَهُ فَقَطَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصْبَحَ آلَ عَبْدِ اللَّهِ أَغْنِيَاءَ أَنْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتَّوَلَةَ شِرْكٌ» ، فَقُلْنَا: هَذِهِ الرُّقَى وَالتَّمَائِمُ عَرَفْنَاهَا، فَمَا التَّوَلَةُ؟ قَالَ: شَيْءٌ تَجْعَلُهُ النِّسَاءُ لأَزْوَاجِهِنَّ يَتَحَبَّبْنَ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ نا عَبْدُ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْمَتُّوثِيُّ بِالْبَصْرَةِ، نا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الزَّعْفَرَانِيُّ، نا سَعِيدُ بْنُ سَلْمَانَ، نا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَمِّهِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ صُهَيْبِ الْخَيْرِ، عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

من أصدق امرأة صداقا، وهو مجمع أن لا يوفيها إياه ثم مات ولم يوفها إياه لقي الله عز وجل وهو

« مَنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً صَدَاقًا، وَهُوَ مُجْمِعٌ أَنْ لا يُوَفِيَهَا إِيَّاهُ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُوَفِّهَا إِيَّاهُ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ زَانٍ، وَمَنْ أَدَانَ دَيْنًا وَهُوَ مُجْمِعٌ أَنْ لا يُؤَدِّيَهُ إِلَى صَاحِبِهِ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ سَارِقٌ» حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْكُوفِيُّ، نا الْفَضْلُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُعْفِيُّ، نا سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ بِدَوْحَاتٍ فَصُمْنَ، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: « مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ عَلِيٌّ مَوْلاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ» حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ دَرَسْتَوَيْهِ النَّحْوِيُّ، سَنَةَ سِتٍّ

اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر، ولا يموتن أحدكم وعليه دين، فإنه ليس هناك دينار ولا درهم،

وَعِشْرِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، نا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، وَلا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنَّمَا يَقْتَسِمُونَ هُنَالِكَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ فَأَخَذَ بِيَمِينِهِ وَأَخَذَ بِشِمَالِهِ» حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَنْبَرِيُّ بِالْبَصْرَةِ، نا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْفَحَّامِ، نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: « عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَنَا ابْنُ ثَلاثَ عَشْرَةَ، فَرَدَّنِي وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَرَدَّنِي، وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ،

قدم رجلان معي من قومي، قال: فأتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخطبا وتكلما فجعلا يعرضان

وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَقَبِلَنِي» حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِي الْقُرَشِيُّ بِالْبَصْرَةِ، نا أَبُو سَهْلٍ زِيَادُ بْنُ الْخَلِيلِ نا مُسَدَّدٌ، نا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ. وَقَالَ: قَدِمَ رَجُلانِ مَعِي مِنْ قَوْمِي، قَالَ: فَأَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَا وَتَكَلَّمَا فَجَعَلا يَعْرِضَانِ بِالْعَمَلِ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «إِنَّ أَخْوَنَكُمْ مَنْ طَلَبَهُ، فَعَلَيْكُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ، فَمَا اسْتَعَانَ بِهِمَا فِي شَيْءٍ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شَيْخٍ النَّاقِدُ بِالْبَصْرَةِ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَفٍ أَبُو زُرَيْقٍ الضَّبِّيُّ، نا حَجَّاجٌ، نا حَمَّادٌ، أنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ أَخَذَ سَيْفًا وَأَصْحَابُهُ حَوْلَهُ، فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ؟ فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ، يَقُولُ هَذَا أَنَا وَهَذَا أَنَا، فَقَالَ: مَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟ فَقَالَ سِمَاكٌ أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفَلَقَ يَوْمَئِذٍ هَامَ الْمُشْرِكِينَ "

أحب الأيام إلى الله يوم الجمعة، وأحب البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله

حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْحَسَنِ، نا أَبُو عُمَيْرٍ عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، نا أَبِي، نا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، نا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَحَبُّ الأَيَّامِ إِلَى اللَّهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَأَحَبُّ الْبِقَاعِ إِلَى اللَّهِ الْمَسْاجِدُ، وَأَبْغَضُ الْبِقَاعِ إِلَى اللَّهِ الأَسْوَاقُ، وَأَحَبُّ الْكَلامِ إِلَى اللَّهِ قَوْلُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ " أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحشييُّ، نا أَبُو مُسْلِمٍ، نا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، نا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعُمَرِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مِنَ الْوِحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا أَسْرَى رَاكِبٌ بِلَيْلِ وَحْدَهُ أَبَدًا»

حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، نا أَبُو أَحْمَدَ الْجُرَيْرِيُّ، نا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ الْجَزَّارُ، نا أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَايِنِيُّ، عَنْ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ، عُمَارَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: " أَقْبَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَلَهُ ظُفْرَتَانِ، وَوَجْهٌ أَبْيَضُ بَضٌّ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسَّمَ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: مَا الَّذِي أَضْحَكَكَ؟ أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ جَمَالِكَ يَا عَمِّ قَالَ الْعَبَّاسُ: مَا الْجَمَالُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي الرَّجُلِ؟ قَالَ: اللِّسَانُ "

هذا مقدار ما وجدته من الجزء بخط صاحبنا الوزير أبي عَبْد اللَّهِ سلمه الله. ومما سمعت عليه أيضا، إثر قدومي، من كتاب الجامع للبخاري من باب صوم يوم عرفة متواليا إلى آخر باب بيع المزابنة وهي بيع التمر بالتمر، وآخر الباب: «أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها» ، وكان القري صاحبنا نجم الدين محمد بن عبد الحميد، وكان يهينم في القراءة هينمة لم ترضني حتى احتجت أن أستفهم جليسي، لكونه قد ألف قراءته فأبان لي عنها بما علمت من القرائن أنه هو الذي قرأ، وأرجو أن يكون في هذا باب ما يغتفر له مع إتيان الإجازة على ذلك كله ومع ذلك فلم تطب نفس بقراءته فصدني ذلك على توالى السماع، وكان سفرنا منها قريبا من ذلك فلم أتمكن من قراءته بنفسي، وكان ذلك من أعظم آمالي، فلم يقدر، والحمد الله على كل حال. قال له القارئ: أخبركم أبو المعالي أحمد بن يَحْيَى بن عبيد الله بن عَبْدِ اللَّهِ الخازن البيع البغدادي، في شهور سنة ست مائة سماعا عليه، وأخبركم

إجازة المشائخ الحفاظ الأربعة أبو الفرج عبد الرحمن بن عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الجوزي البكري، وأبو محمد عبد العزيز بن محمود بن الأخضر، وأبو بكر عبد الرزاق بن الشيخ الولي أبي محمد عبد القادر الجيلي، وأَبُو الْحَسَنِ محمد بن أَحْمَدَ بْنِ عمر بن حسين القطيعي، وشيخ الشيوخ أبو أحمد عبد الوهاب بن عَلِيِّ بْنِ علي بن سكينة، وأبو البركات داود بن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ ملاعب، وأبو العباس أحمد بن الْحَسَنِ بْنِ أبي البقاء العاقولي، وأبو سعد ثابت بن مشرف بن أبي سعد الأزجي، وأبو يعلي حمزة بن عَلِيِّ بْنِ حمزة بن القبيطي، وأبو الفضل عبد الواحد بن عبد السلام بن سلطان البيع وأبو زكرياء يَحْيَى بن حسين بن أَحْمَدَ الأواني، وأبو بكر محمد بن أبي طاهر المبارك بن مشق، وأبو الفضل عبد السلام بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الداهري، وأبو الفضل سليمان بن مُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بْنِ الموصلي، وأبو نصر المهذب بن أبي الحسن بن أبي نصر بن عبيد الله بن قنيدة، وأبو حفص عمر بن كرم بن أبي الحسن عمر الدينوري

الحمامي، وأبو علي الحسن بن إِسْحَاقَ بن موهوب بن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الخضر الجواليقي، وأَبُو عَبْد اللَّهِ الحسين بن الْمُبَارَكِ بْنِ الزُّبَيْدِيِّ، قالوا كلهم: أنا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شعيب بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاق السجزي الصوفي الهروي قدم علينا بغداد طالب الحج في شهور سنة ثنتين وخمسين وخمس مائة، يعنون قِرَاءَةً عَلَيْهِ وهم يسمعون قيل له: أخبركم أَبُو الْحَسَنِ عبد الرحمن بن مُحَمَّدِ بْنِ المظفر بن معاذ الداودي قِرَاءَةً عَلَيْهِ وأنت تسمع ببوشنج في شهور سنة خمس وستين وأربع مائة، قَالَ: أنا أبو محمد بن حموية، السرخسي سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة، قَالَ: أنا أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن مطر الفربري سنة ست عشرة وثلاث مائة، أنا الإمام أَبُو عَبْد اللَّهِ البخاري رضي الله عنه. وبالإسناد من المسموع بقراءة ابن عبد الحميد إلى البخاري: نا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: نا يَزِيدُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ»

جمال الدين بن الظاهري وممن لقيناه أيضا شيخنا الإمام المحدث الفاضل جمال الدين أبو العباس احمد بن مُحَمَّدِ بْنِ الظاهري، وقد تقدم التعريف به. الحديث المسلسل بالأولية أنا سَمَاعًا مِنْ لَفْظِهِ وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ بَعْدَ قُفُولِي مِنَ الْحَجِّ، بِمَنْزِلِهِ مِنْ ظَاهِرِ الْقَاهِرَةِ الْمُعِزِّيَّةِ، قَالَ: أنا ابْنُ الْجميزيُّ، هُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ سَلامَةَ اللَّخْمِيُّ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ بِمَكَّةَ وَبِمِصْرَ، أَوْ قَالَ بِالْقَاهِرَةِ، الشَّكُّ مِنِّي، قَالَ: أنا أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ

الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء» قال الحافظ أبو طاهر: قال لي

مِنْهُ، قَالَ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ السَّرَّاجِ اللُّغَوِيُّ، بِبَغْدَادَ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ: أنا أَبُو نَصْرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَاتِمٍ السِّجْزِيُّ الْحَافِظُ بِمَكَّةَ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ: أنا أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ، بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُهَلَّبِيُّ بِنَيْسَابُورَ وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ: نا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ الْبَزَّازُ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ: نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي قَابُوسٍ مَوْلًى لعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» قال الحافظ أبو طاهر: قَالَ لي ابن السراج: لما دخلت مصر حضرت مجلس أبي إِسْحَاق الحبال فأخرج لي هذا الحديث، وكان يرويه عن أبي نصر، فقلت: هو سماعي منه، فقال: اقرأ فتسمعه أنت مني وأسمعه أنا منك، فقرأه رَحِمَهُ اللَّهُ. وقرأه علينا شيخنا جمال الدين من طريق آخر خلاف طريق ابن الجميزي، لم يحضرني ذكره

وَمِمَّا سَمِعْتُهُ عَلَيْهِ جُزْءٌ فِيهِ أَحَادِيثُ لأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي شُرَيْحٍ، رِوَايَةُ الشَّيْخَةِ أُمِّ الْفَضْلِ بِيبِي بِنْتِ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَرْثَمِيَّةِ عَنْهُ، رِوَايَةُ أَبِي الْوَقْتِ عَبْدِ الأَوَّلِ بْنِ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ عَنْهَا، رِوَايَةُ أَبِي الْمُنْجَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ اللَّتِّيِّ عَنْهُ، رِوَايَةُ شَيْخِنَا جَمَالِ الدِّينِ عَنْهُ. أنا جَمَالُ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الظَّاهِرِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ بِقِرَاءَةِ صَاحِبِنَا الْوَزِيرِ الْكَاتِبِ الأَدِيبِ الْبَارِعِ الْمَاجِدِ الْحَسِيبِ الأَصِيلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَقِيهِ الْوَزِيرِ الْجَلِيلِ الْصَدْرِ الْمُشَاوَرِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْحَكِيمِ الرُّنْدِيُّ صَانَهُ اللَّهُ وَوَقَاهُ، وَذَلِكَ فِي عَاشِرِ صَفَرَ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ بِمَنْزِلِ الشَّيْخِ بِظَاهِرِ الْقَاهِرَةِ الْمُعِزِّيَّةِ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الثِّقَةُ الأَمِينُ بِقَيَّةُ السَّلَفِ مُحَدِّثُ الْعِرَاقِ أَبُو الْمَنْجَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ بْنِ زَيْدٍ اللَّتِّيُّ الْبَغْدَادِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَادِسِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاثِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ قِيلَ لَهُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى بْنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ الْهَرَوِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنْتَ تَسْمَعُ بِبَغْدَادَ فَأَقَرَّ بِهِ، قَالَ: أَخْبَرَتْنَا الشَّيْخَةُ الصَّالِحَةُ أُمُّ الْفَضْلِ بِيبِي بِنْتُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَرْثَمِيَّةُ، قَالَتْ، أنا الشَّيْخُ الزَّاهِدُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَخْلَدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُ الْعَزِيزِ، الْبَغَوِيُّ بِبَغْدَادَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نا مُصْعَبِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، إِمْلاءً فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِكْرِمَةَ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ:

التمسوا الرزق في خبايا الأرض»

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « الْتَمِسُوا الرِّزْقَ فِي خَبَايَا الأَرْضِ» هذا أول حديث من الجزء وهو عندي بكماله وَمِنْهُ: بِالإِسْنَادِ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي شُرَيْحٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ، نا مُصْعَبٌ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتَعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُهَا وَوَلاؤُهَا لَنَا. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَبِهِ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ: أنا عَبْدُ اللَّهِ، نا مُصْعَبٌ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» تنبيه: ابن أبي شريح هذا شيخ مشهور صحيح السماع من البغوي وغيره، والمكنى بأبي شريح هو أبوه أحمد بن محمد، وقال الحافظ أبو بكر بن نقطة: الشريحي بضم الشين المعجمة هو أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أحمد بن مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بن يَحْيَى بن مخلد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن ثابت الأَنْصَارِيّ المعروف بالشريحي، سمع عَبْد اللَّهِ بن مُحَمَّدٍ البغوي، ويَحْيَى بن مُحَمَّدِ

صاعد، وأبا بكر محمد بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ فيروز، وإسماعيل بن العباس الوراق، وغيرهم، قَالَ الخليل بن عَبْدِ اللَّهِ القزويني: عبد الرحمن بن أَحْمَدَ المعروف بابن أبي شريح فقيه وثقة زاهد، سمع البغوي ويَحْيَى بن صاعد ومحمد بن الفضل البلخي، ثقة أمين يحتج به، مات سنة إحدى وتسعين وثلاث مائة، وهو آخر من كان بهراة ممن يعتمد عليه، وقال في باب شريح: وشريح وكان سماعه صحيحا، حدث عنه أبو بكر محمد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ العمري، وأبو عاصم الفضيل بن يَحْيَى الفضيلي، وبيبي بنت عبد الصمد بن عَلِيٍّ الهرثمية، وأبو منصور عبد الرحمن بن مُحَمَّدِ بْنِ عفيف البوشنجي المعروف بكلار.

- قطب الدين القسطلاني وممن لقيناه بها شيخنا قطب الدين أبو بكر محمد بن أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ القسطلاني ابقاه الله. الحديث المسلسل بالأولية: نا الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ الْقَسْطَلانِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْنَا مِنْ لَفْظِهِ وَكِتَابِهِ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ لَفْظِهِ، قَالَ: نا نَجْمُ الدِّينِ أَبُو النَّعْمَانِ بَشِيرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَامِدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجَعْفَرِيُّ التِّبْرِيزِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ

الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»

مِنْهُ، وَذَلِكَ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ جُمَادَى الأُخْرَى مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاثِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ بِالْمَكَانِ الْمَشْهُورِ بِالدُّرَيْبَةِ جِوَارِ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ: نا الشَّيْخُ الإِمَامُ الأَوْحَدُ مُخْلِصُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الأَصْبَهَانِيُّ مِنْ لَفْظِهِ فِي الرِّبَاطِ الأُرْجُوَانِيُّ بِدَرْبِ زاخي شَرْقِيِّ مَدِينَةِ السَّلامِ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ نا أَبُو الْقَاسِمِ زَاهِرُ بْنُ طَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّحَّامِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، نا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنِ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، نا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشَ الزِّيَادِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، نا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ الْهِلالِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَنْ أَبِي قَابُوسٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» وَحَدَّثَنَا بِهِ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ أَيْضًا سَمَاعًا مِنْ لَفْظِهِ بِمَدْرَسَةِ الْحَدِيثِ الْكَامِلِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ الْمُعِزِّيَّةِ فِي السَّادِسِ لِصَفَرَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ لَفْظِهِ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْمُحْسِنِ بْنُ أَبِي الْعَمِيدِ بْنِ خَالِدٍ الْخَفِيفِيُّ الأَبْهَرِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ لَفْظِهِ بِحَرَمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ، نا أَبُو الْمَحَاسِنِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ الإِمَامِ الْحَافِظِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ الإِمَامِ عُثْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ

الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»

بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَوْمَسَانِيُّ، نا الإِمَامُ أَبُو الْوَفَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ جَابَانَ، أنا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، الْمُؤَذِّنُ النَّيْسَابُورِيُّ قَدِمَ عَلَيْنَا هَمَذَانَ، نا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمَشَ الزِّيَادِيُّ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلالٍ الْبَزَّازُ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ الْعَبْدِيُّ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبْي قَابُوسٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» قال عبد الرحمن: هذا أول حديث سمعته، من سفيان، وقال أبو حامد: هذا أول حديث سمعته من عبد الرحمن، وقال أبو طاهر: هذا أول حديث سمعته من عبد الرحمن، وقال أبو صالح: هذا أول حديث سمعته من أبي طاهر، وقال أبو الوفاء: هذا أول حديث سمعته من أبي صالح، وقال عبد الرزاق بن إِسْمَاعِيلَ القومساني: هذا أول حديث سمعته من أبي الوفاء، وقال أبو طالب: هذا أول حديث سمعته من القومساني، وقال الشيخ قطب الدين: هذا أول حديث سمعته من شيخنا أبي طالب، قَالَ محمد بن رشيد: وهو أول حديث سمعته من لفظ شيخنا قطب الدين

الحديث المسلسل بالضيافة على الأسودين التمر والماء: الحمد لله مستحق الحمد، أَضَافَنَا الشَّيْخُ الرَّاوِيَةُ الإِمَامُ الْمُحَدِّثُ الصُّوفِيُّ قُطْبُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَسْطَلانِيُّ، أَبْقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، بِمَنْزِلِهِ مِنَ الْقَاهِرَةِ فِي شَهْرِ صَفَرَ فِي السَّابِعِ مِنْهُ عَامَ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ عَلَى الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنَا نَجْمُ الدِّينِ أَبُو النُّعْمَانِ بَشِيرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَامِدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْجَعْفَرِيُّ التِّبْرِيزِيُّ نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَهُ، بِمَنْزِلِهِ بِمَكَّةَ بِالأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ، أَضَافَنَا الشَّيْخُ الزَّاهِدُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ، بِمَنْزِلِهِ بِالأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ، فِي مَنْزِلِهِ بِالأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوسْيَابَاذِيُّ فِي مَنْزِلِهِ بِالأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمُحْتَسِبُ بِالأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ السَّيْقَلِيُّ بِالأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنَا أَبُو شَيْبَةَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَطَّارُ الْمَخْرَمِيُّ الْبُرْكَانِيُّ عَلَى أَحَدِ الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنَا

من أضاف مؤمنا فكأنما أضاف آدم، ومن أضاف اثنين فكأنما أضاف آدم وحواء، ومن أضاف ثلاثة

جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ الدِّمَشْقِيُّ عَلَى الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ، عَلَى الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ، عَلَى الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَى الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنِي أَبِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَلَى الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ قَالَ: أَضَافَنِي أَبِي عَلَيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، عَلَى الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: مَنْ أَضَافَ مُؤْمِنًا فَكَأَنَّمَا أَضَافَ آدَمَ، وَمَنْ أَضَافَ اثْنَيْنِ فَكَأَنَّمَا أَضَافَ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَمَنْ أَضَافَ ثَلاثَةً فَكَأَنَّمَا أَضَافَ جِبْرَيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، وَمَنْ أَضَافَ أَرْبَعَةً فَكَأَنَّمَا قَرَأَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ، وَمَنْ أَضَافَ خَمْسَةً فكَأَنَّمَا صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْجَمَاعَةِ مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، وَمَنْ أَضَافَ سِتَّةً فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ سِتِّينَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَمَنْ أَضَافَ سَبْعَةً أُغْلِقَتْ عَنْهُ سَبْعَةُ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ وَمَنْ أَضَافَ ثَمَانِيَةً فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ أَضَافَ تِسْعَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَاتٍ بِعَدَدِ مَنْ عَصَاهُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ أَضَافَ عَشَرَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ مَنْ صَامَ وَصَلَّى وَحَجَّ وَاعْتَمَرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ". قُلْتُ: كَذَا وَقَعَ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ، وَهُوَ وَهِمَ سَقَطَ لَهُ مِنْهُ رَجُلانِ، وَصَوَابُهُ بَعْدَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ الدِّمَشْقِيُّ عَلَى الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنَا نَوْفَلُ بْنُ إِهَابٍ عَلَى الأَسْوَدَيْنِ

التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ، أَضَافَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحُ، عَلَى الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ، قَالَ: أَضَافَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ رُضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحُ، وَكَانَ مُتَّهَمًا، يُقَالُ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ لا يُعْلَمُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَهْلُ الْبَيْتِ قَوْمٌ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ مسلسل أطعمني وسقاني سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْقَسْطَلانِيَّ فِي التَّارِيخِ بِمَنْزِلِهِ وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا يَقُولُ، سَمِعْتُ شَيْخَنَا نَجْمَ الدِّينِ أَبَا النُّعْمَانِ بَشِيرَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، يَقُولُ، سَمِعْتُ الشَّيْخَ الزَّاهِدَ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الْكَرَجِيَّ بْهَا فِي مَنْزِلِهِ وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْحَافِظَ أَبَا الْفَضْلِ بْنَ طَاوُسٍ فِي مَنْزِلِهِ وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي يَقُولُ، سَمِعْتُ الْحَافِظَ أَبَا مَسْعُودٍ سُلَيْمَانَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، مِنْ لَفْظِهِ بِأَصْبَهَانَ فِي مَنْزِلِهِ وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي يَقُولُ، سَمِعْتُ أَبَا سَعْدٍ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْمَالِينِيَّ، وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي يَقُولُ، سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ مَنْصُورَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ

السَّمَرْقَنْدِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عُلاثَةَ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي يَقُولُ، سَمِعْتُ سَيْفَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَجَّاجِ وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِي وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي يَقُولُ، سَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ النُّعْمَانَ بْنَ ثَابِتٍ، وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي يَقُولُ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي يَقُولُ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدَ، وَأَطْعَمَانِي وَسَقَيَانِي يَقُوَلانِ، سَمِعْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، يَقُولُ: « دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي» ،

قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَبُو يُوسُفَ وُمَحَّمَدٌ فِي حَدِيثِهِمَا ضَعْفٌ وبالإسناد قَالَ الحافظ أبو مسعود: كذا في كتابي سيف بن محمد، والصحيح سند بن مُحَمَّدِ بْنِ سند. انتهى ما قاله شيخنا أبو بكر وسند هذا بالنون محمد بن سند يروي عن أبيه، روى عنه محمد بن الربيع الجيزي، ذكره عبد الغني بن سعيد في المؤتلف والمختلف له، ولم يعرف بشيء من حاله، وأما سيف بن مُحَمَّدٍ الذي صحف به سند بن محمد فهو سيف بن مُحَمَّدِ بْنِ أخت سفيان الثوري، عن الثوري، وعاصم الأحول، والأعمش، قَالَ أحمد: هو كذاب يضع الحديث ليس بشيء، وقال مرة: لا يكتب حديثه ليس بشيء، وقال يَحْيَى: كان كذابا خبيثا، وقال مرة: ليس بثقة، وقال أبو داود، كذاب، وقال زكرياء الساجي، يضع الحديث، وقال النسائي، ليس بثقة ولا مأمون، متروك، وقال الدارقطني: ضعيف متروك. ذكر جميع هذا أبو الفرج الجوزي رَحِمَهُ اللَّهُ، في كتاب الضعفاء له.

مسلسل في المحرم يدخل البستان ويشم الريحان: نا الشَّيْخُ الْمُحَدِّثُ قُطْبُ الدِّينِ أَبُو بَكْرٍ الْقَسْطَلانِيُّ بِالْقَاهِرَةِ الْمُعِزِّيَّةِ حَضْرَةُ السُّلْطَانِ، قِرَاءَةً عَلَيْنَا مِنْ لَفْظِهِ فِي التَّارِيخِ بِمَنْزِلِهِ، قَالَ: نا نَجْمُ الدِّينِ أَبُو النُّعْمَانِ بَشِيرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَامِدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ سَلْمَانَ مِنْ لَفْظِهِ، بِمَنْزِلِهِ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ الْبِلْدَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الشَّيْخُ أَبُو الْجَوْهَرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْفَضْلِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَاوُسٍ بِأَصْبَهَانَ، أنا وَالِدِي أَبُو الْفَضْلِ وَكَانَ كَبِيرَ الشَّأْنِ قَالَ: أنا الشَّيْخُ أَبُو طَاهِرٍ تَمِيمُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ فُورَكٍ الْمُعَلِّمُ بِأَصْبَهَانَ بِدَرْبِ جنبلانَ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي جَامِعِ أَصْبَهَانَ، نا وَاسْمُهُ سَلْمَانَ، أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سُفْيَانَ، نا الْوَلِيدُ بْنُ الزَّيْنَبَانِ، نا الْمُعَافِي بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، " فِي الْمُحَرَّمِ يُدْخَلُ الْبُسْتَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيُشَمُّ الرَّيْحَانُ ".

في المحرم يدخل البستان؟ قال: نعم ويشم الريحان " انتهت الأحاديث ونقلتها من خطي الذي كنت

وَبِهِ إِلَى أَبِي النُّعْمَانِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا شَيْخُنَا أَفْضَلُ الدِّينِ عَلَيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْغَزْنَوِيُّ بِنَهَاوَنْدَ فِي الْمَيْدَانِ، قَالَ: أنا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مَنْزِلِهِ بِأَصْبَهَانَ، قَالَ: أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ الْحَافِظُ فِي جَامِعِ ولدانَ. ح قَالَ: وَنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَبِي عَدْنَانَ بِمَدِينَةِ جرباذ قانَ، قَالَ: أنا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بِأَصْبَهَانَ، قَالَ: أنا الإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ فِي جَامِعِ أَصْبَهَانَ، قَالَ: أنا عَمْرٌو الرَّزْجَاهِيُّ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى جُرْجَانَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ، نا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْهَيْثَمِ يُعْرَفُ بِعَلانَ، نا حُمَيْدَانُ فِي دِهْلِيزِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، نا الْوَلِيدُ بْنُ الزَّيْنَبَانِ، عَنْ مُعَافِي بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ وَالرُّضْوَانُ: " فِي الْمُحَرَّمِ يُدْخَلُ الْبُسْتَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَيُشَمُّ الرَّيْحَانُ " انتهت الأحاديث ونقلتها من خطي الذي كنت نقلته من خط نجم الدين أبي النعمان بشير بن أبي بكر شيخ شيخنا. وسَمِعْتُ عليه أيضا في السابع لصفر من سنة خمس وثمانين وست مائة، إثر قفولي من الحج، بقراءة صاحبنا ورفيقنا الوزير الكاتب الأديب البارع صدر الدين أبي عَبْد اللَّهِ محمد بن الفقيه الجليل الوزير الفاضل أبي القاسم بن إِبْرَاهِيمَ اللخمي الرندي شهر بابن الحكيم، حرس الله مجده وحفظ عهده، الجزء الذي وسمه شيخنا أبو بكر بارتقاء الرتبة باللباس والصحبة، وكتبت جميعه، وكتب لي خطه عليه. وقد كان تقدم لباسي منه الخرقة قبل توجهي للحج، وذكرت هناك سنده فيها من بعض طرقه، وقد استوفي ذلك في هذا الجزء، وهو جزء حسن.

ومما وقفت عليه من سماعات شيخنا قطب الدين القسطلاني رَحِمَهُ اللَّهُ: صحيح البخاري، سمعه على أبيه أبي العباس بالحرم الشريف، بقراءة ظهير الدين أبي عَبْد اللَّهِ محمد بن فرقد بن هوشات الشيباني، بسماعه من أبي محمد بن يونس بن يَحْيَى بن أبي الحسن الهاشمي بمكة المشرفة. ح وسمع أيضا من قوله إلى باب العيدين والتجمل فيه على الإمام زين الدين أبي الحسن محمد بن أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ القطيعي بقراءة الإمام محيي الدين أبي إِسْحَاق إبراهيم بن أبي عَبْد اللَّهِ بن أبي نصر الحلبي، عليه بالحرم الشريف، في مجالس آخرها سادس عشر ذي الحجة سنة ثمان وعشرين وست مائة، وناوله جميع الكتاب وأجازه مشافهه. ح وكتب إليه من بغداد جماعة منهم: أبو سعد ثابت بن مشرف، وأبو حفص عمر بن كرم الدينوري، وأبو الفضل عبد السلام بن بكران الداهري، قالوا كلهم: أنا أَبُو الْوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بْنُ عِيسَى سماعا عليه. وصحيح مسلم سمعه على الإمام شرف الدين أبي عَبْد اللَّهِ محمد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي الفضل المرسي، بالحرم الشريف في مجالس آخرها في ذي القعدة من سنة إحدى وعشرين وست مائة، بسماعه من المؤيد الطوسي بنيسابور. وقرأه بمكة، على الفقيه صفي الدين مصطفى بن محمود الأَنْصَارِيّ المصري، بسماعه من أبي المفاخر سعيد بن الحسين المأموني بمصر، قالا: أنا أَبُو عَبْد اللَّهِ الْفُرَاوِيّ، أنا الفارسي، أنا الجلودي، أنا ابن سفيان.

وسنن أبي داود سمعه من أبيه أبي العباس بمكة، بسماعه من الحافظ أبي الفتوح نصر بن أبي الفرج الحصري بها، قَالَ شيخنا أبو بكر القسطلاني، وكتب به إلينا أبو الفتوح، من مكة أيضا، قَالَ: أنا النقيب أبو طالب محمد بن مُحَمَّدِ بْنِ أبي زيد العلوي، أنا أبو علي علي بن أَحْمَدَ التستري. قال شيخنا أبو بكر: وأنا به والدي عن السلفي إجازة، عن أبي طاهر جعفر بن مُحَمَّدِ بْنِ الفضل العباداني البصري. ح قَالَ أبو بكر وكتب إلينا جماعة منهم أَبُو الْقَاسِمِ الحسين بن هِبَةِ اللَّهِ بن محفوظ بن صصرى الدمشقي. ح وأنا به مشافهة أَبُو الْحَسَنِ علي بن الحسين البغدادي، كلهم عن أبي المعالي الفضل بن سهل بن بشر الاسفرايني إجازة، عن أبي بكر الخطيب إجازة قالوا كلهم أنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي، أنا أبو علي محمد بن أَحْمَدَ اللؤلؤي، أنا أبو داود. وجامع الترمذي سمعه بمكة المشرفة على الشيخ أبي الحسن الخلال، وقد تقدم ذكره وأسانيده فيه. والسنن الصغرى: للنسائي المعروفة بالمجتبي بالباء سمعه من أبيه بالحرم الشريف، بسماعه من أبي الفتوح الحصري، وبإجازة شيخنا أبي بكر بن الحصري، بسماعه من أبي زرعة المقدسي، ببغداد، بسماعه من أبي محمد

الدوني، أنا الْقَاضِي أبو نصر بن الكسار الدينوري، أنا أبو بكر بن السني، أنا أبو عبد الرحمن النسوي. وسمعه أيضا بدمشق من أبي الفضل إسماعيل بن أَحْمَدَ بْنِ الحسين العراقي، قَالَ: أنا المشائخ أبو طاهر السلفي وأبو العباس أحمد بن ينال الترك وأبو الفتح عَبْد اللَّهِ بن أَحْمَدَ الخرقي وأبو المحاسن محمد بن عبد الخالق الجوهري، وأبو المحاسن عبد الرزاق بن إِسْمَاعِيلَ القومساني الأصبهانيون قالوا: أنا أبو محمد الدوني. وسنن ابن ماجه سمعه من أبيه بالحرم الشريف، بسماعه من أبي الفتوح الحصري، وأجازه إياه أبو الفتوح، قَالَ: أنا أبو زرعة المقدسي، أنا أبو منصور محمد بن الحسين، نا أبو طلحة القاسم بن أبي المنذر الخطيب، أنا أَبُو الْحَسَنِ القطان، نا محمد بن يزيد، بن ماجه.

ح قَالَ شيخنا أبو بكر: وأنا مشافهة بمكة الإمام أبو حفص عمر بن مُحَمَّدٍ السهروردي. وكتب إلينا من بغداد الأنجب بن أبي السعادات في آخرين كلهم، عن أبي زرعة سماعا. قلت: صح سماع المقدسي لجميع هذا الكتاب من أبي منصور محمد بن الحسين المقومي رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: قد صح سماعه من أبي منصور وينهي عن هذا. قلت: كان أبو زرعة يَقُولُ: الكتاب سماعي من أبي منصور المقومي، وكان سماعي في نسخة عندي بخط أبي، وفيها سماع إسماعيل الكرماني، فطلبها مني فدفعتها إليه، منذ أكثر من ثلاثين سنة، وقد أجازه المقومي، فلأجل غياب النسخة كان يقال له في القراءة: إجازة إن لم يكن سماعا، وسماعه على المقومي لغير ذلك موجود صحيح، وأبو زرعة ثقة، حدث عنه الأئمة أبو بكر الحازمي، وأبو الفرج بن الجوزي، وأبو محمد بن الأخضر، وأبو محمد بن قدامة، وأبو الفتوح الحصري، ومن لا يحصي كثرة، فاعلم ذلك، والله الموفق.

الشيخ أبو صادق بن الرشيد العطار وممن لقيته أيضا بمصر في قفولي من الحج شيخنا المحدث المسند الصدوق جمال الدين أبو صادق محمد بن الإمام المحدث الحافظ رشيد الدين أبي الحسين يَحْيَى بن عَلِيِّ بْنِ عَبْد اللَّهِ القرشي. سَمِعْتُ عليه في قفولي، بقراءة صاحبنا المحدث الفاضل أبي عَبْد اللَّهِ محمد بن عاصم بن عبيد الله بن مُحَمَّدِ بْنِ إدريس القيسي الأندلسي ثم الرندي، جميع الأربعين حديثا المروية بالأسانيد المصرية، تخريج شيخنا جمال الدين أبي صادق لنفسه، وذلك في مجالس آخرها السادس عشر من شهر صفر سنة خمس وثمانين وست مائة، بالمدرسة الفاضلية بزقاق القناديل من مصر المحروسة.

وكتب لي نسخة منه بخطه، وكتب لي خطه عليها جزاه الله خيرا ونفعه ونفع به. أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الصَّدُوقُ أَبُو صَادِقٍ سَمَاعًا عَلَيْهِ، وَكَتَبَهُ لِي بِخَطِّهِ، وَهُوَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ مِنَ الأَرْبَعِينَ، قَالَ: أنا الشَّيْخُ الصَّالِحُ الْمُحَدِّثُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي الْجُودِ الأَنْدَلُسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقِرَاءَةِ وَالِدِي عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ قَاسِمٍ الزَّيَّاتُ، أنا أَبُو صَادِقٍ مُرْشِدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ الْمَدِينِيُّ الْعَدْلُ، أنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ شَعْبَانَ الْخَوْلانِيُّ، نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ، أنا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيُّ، أنا يُونُسُ، أنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا عُشَانَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ، يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « تَدْنُو الشَّمْسُ مِنَ الأَرْضِ فَيَغْرَقُ النَّاسُ، فَمِنَ

النَّاسِ مَنْ يَبْلُغُ عَرَقُهُ كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى الْعَجُزِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى الْخَاصِرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ مَنْكِبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ عُنُقَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ وَسَطَ فِيهِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَألجمهَا فَاهَ» ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ هَكَذَا، وَمِنْهُمْ يُغَطِّيهِ عَرَقُهُ، وَضَرَبَ بِيَدِهِ إِشَارَةً. قَالَ شَيْخُنَا الصَّدُوقُ أَبُو صَادِقٍ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ، بِنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، فَرَوَاهُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُوسَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ عَمْرٍو الْكِنْدِيِّ، وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ قلت والله المرشد: كان شيخنا أبو صادق هذا يستعمل في تخريج أحاديث رواياته النوع المسمى من التدليس بتدليس التجميل، وقد أكثر منه المتأخرون.

والخطيب الإمام أبو بكر البغدادي يكثر منه ويلهج به في تصانيفه، وهو أن يروي عن شيخ تتأخر وفاته، أو يشركه فيه غيره، أو يكثر هو عنه فيريد أن يوهم أنه غيره، فيصفه بصفات مختلفة قصد الإغراب، كلها صادق فتارة يكنيه، وتارة يسميه وتارة ينسبه إلى أحد أجداده أو إلى موضع ينزله أو إلى موضع التحديث إلى غير ذلك فيوهم كثرة المشائخ. وهذا وإن كان صدقا في نفس الأمر، ففيه توعير لمعرفته، وقد يؤدي إلى تضييعه جملة أو إلى أن يكون متشبعا بما لم يملك عند قصد إيهامه كثرة المشائخ، فان فعل ذلك لكونه غير ثقة فهذا قبيح مذموم، وليس من التجميل في شيء، لما فيه من عدم النصح وإظهار الباطل في صورة الحق. قال شيخنا الإمام الأوحد أبو الفتح محمد بن عَلِيِّ بْنِ وهب القشيري، أبقاه الله، وللتدليس مفسدة، وفيه مصلحة، أما مفسدته فإنه قد يخفى ويصير الراوي مجهولا، فيسقط العمل بالحديث لكون الراوي مجهولا عند السامع مع كونه عدلا معروفا في نفس الأمر، وهذه جناية عظمى ومفسدة كبرى، فأما مصلحته فامتحان الأذهان في استخراج التدليسات والقاء ذلك إلى من يراد اختبار حفظه ومعرفته بالرجال، ووراء ذلك مفسدة أخرى يراعيها أرباب الصلاح والقلوب، وهو ما في التدليس من التزين، وتنبه لذلك ياقوته العلماء المعافي بن عمران الموصلي، وكان من أكابر العلماء والصلحاء. انتهى مقال شيخنا أبي الفتح فلنرجع إلى بيان هذا الشيخ الذي وعره أبو صادق فأقول، هو العفيف أَبُو الْحَسَنِ مرتضى بن العفيف أبي الجود حاتم بن مسلم بن أبي العرب الحارثي الشافعي المقري المقدسي الشارعي المصري الأندلسي، لأنه

نزل جامع الأندلس بالقرافة واصله مقدسي، ونزل مصر، فيتلاعب بهذه الصفات والأسماء كيف شاء، وقد أجاز لنا فخر الدين أَبُو الْحَسَنِ علي بن أَحْمَدَ المقدسي المعروف بابن البخاري، وأجاز له بركات الخشوعي، وأجاز له مرشد بن يَحْيَى المذكور فساوينا شيخنا في هذا الإسناد. ومما قرأته عليه في جملة الأربعين المروية بالأسانيد المصرية: أنا الشَّيْخُ الْمُحَدِّثُ الصَّدُوقُ أَبُو صَادِقِ بْنِ الإِمَامِ الْحَافِظِ أَبِي الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ، وَكَتَبَهُ لِي بِخَطِّهِ، وَمِنْهُ نَقَلْتُ هَذَا، وَهُوَ الْحَدِيثُ الثَّانِي، مِنَ الأَرْبَعِينَ الْمِصْرِيَّةِ، قَالَ: أنا الإِمَامُ الْحَافِظُ وَالِدِي أَبُو الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الْقُرَشِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَأْوَاهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: نا الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْفَقِيهُ الْمَالِكِيُّ إِمْلاءً، أنا أَبُو الضِّيَاءِ بَدْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَبَقِيُّ الْخَزَادَاذِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أنا الشَّرِيفُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمُوسَوِيُّ الْكُلْثُمِيُّ بِمِصْرَ، أنا أَبُو الْفَتْحِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي مَطَرٍ الْمَعَافِرِيُّ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الإِسْكَنْدَرِيُّ الْفَقِيهُ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الصَّبَّاغِ، قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو، نا مَطْرُوحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، نا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله تعالى فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة

وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلانِيُّ، قَالَ، نا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ إِلا الْمُرَابِطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَنْمُو لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُؤَمَّنُ مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ» . قَالَ شَيْخُنَا أَبُو صَادِقٍ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَلَى رَسْمِ الْحَافِظِ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هَانِي حُمَيْدِ بْنِ هَانِي الْخَوْلانِيِّ الْمِصْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، الْجَنِّيِّ الْمِصْرِيِّ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ فِي سُنَنَهِ فَرَوَاهُ فِي الْجِهَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فَرَوَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، كِلَيْهِمَا عَنْهُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ حَسَنٌ. وَرِجَالُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ مِصْرِيُّونَ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، مِمَّنِ انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِ حَدِيثِهِ دُونَ الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا مِصْرَ، وَلأَهْلِ مِصْرَ عَنْهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ حَدِيثًا اتَّصَلَتْ لَنَا كُلُّهَا بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ -

أبو الفتح ابن دقيق العيد ومن لقيناه أيضا عودا على بدء، شيخنا الإمام الحافظ العلامة الأوحد مفتي المسلمين تقي الدين أبو الفتح محمد بن عَلِيِّ بْنِ وهب القشيري، أمتع الله ببقائه الإسلام، وأعلى درجته في دار السلام، وأفاض عليه عوارف الإنعام. نا الإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَامِلُ الصَّدْرُ مُفْتِي الْمُسْلِمِينَ شَرَفُ الْعُلَمَاءِ فَخْرُ الْفُضَلاءِ بَقِيَّةُ الْمُجْتَهِدِينَ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ الإِمَامِ الْعَالِمِ الْفَاضِلِ الصَّدْرِ مَجْدِ الدِّينِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ أَبِي الطَّاعَةِ الْقُشَيْرِيُّ الْقُوصِيُّ، وَبَلَغَنَا أَنَّ أَصْلَهُ مِنْ مَنْفَلُوطَ مِنْ بِلادِ صَعِيدِ مِصْرَ، إِمْلاءً وَأَنَا أَسْمَعُ مِنْ لَفْظِهِ وَأَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَسَمَاعًا أَيْضًا عَلَيْهِ بِقِرَاءَةِ غَيْرِي بِالْقَاهِرَةِ الْمُعِزِّيَّةِ فِي الْعَاشِرِ لِصَفَر إِثَرِ قُفُولِي مِنَ الْحَجِّ عَامَ

الفطرة خمس: الاختتان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط " أنشدنا شيخنا

خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى الْفَقِيهِ الْمُفْتِي أَبِي الْحَسَنُ عَلِيُّ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ سَلامَةَ الشَّافِعِيُّ، عَنِ الْفَقِيهِ الْمُفْتِي أَبِي طَاهِر أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السِّلَفِيِّ الْحَافِظِ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: أنا الرَّئِيسُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: نا بَحْرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُزَكِّي، بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الأُمَوِيُّ قَالَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَبَحْرُ بْنُ نَصْرِ بْنِ سَابِقٍ، قَالا: أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: أنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الاخْتِتَانُ، وَالاسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظَفَارِ، وَنَتْفُ الإِبِطِ " أنشدنا شيخنا الإمام أبو الفتح لنفسه وأملاه على. تمنيت أن الشيب عاجل لمتي ... وقرب مني في صباي مزاره لآخذ من عصر الشباب نشاطه ... وآخذ من عصر المشيب وقاره وأنشدني أيضا لنفسه وأملاه علي: أتيتك والآمال تسري إلى مدى ... بعيد أراه باصطناعك يقرب وقد شنع الأعداء أن مطالبي ... ترد على أعقابها وهي خيب

وما تركوا من حجة أو أتوا بها ... على أنني ما لي ببحرك مشرب ووالله لا صدقت أنك ترتجي ... لدفع ملم فادح فتخيب وأجاز لنا غيرة مرة ما حدث به من مسموعاته وجميع ما رواه بالإجازة وما صنفه، وما قاله نظما ونثرا. وقد سمينا ما انتهى إلينا من أسماء تصانيفه فيما تقدم، ومن جملتها الاقتراح في بيان الاصطلاح وهو جزء مفيد تضمن الوفاء بحملة وافرة من أصول علم التحديث والرواية، وختمه بجملة وافرة من الحديث، ووقعت له فيه أبحاث حسان، وهو من جملة ما حدث به من تصانيفه، ومن جملة ما تضمنه أن قَالَ في الباب السابع منه في معرفة الثقات من الرواة ما نصه: ولمعرفة كون الراوي ثقة طرق: منها إيراد أصحاب التواريخ ألفاظ المزكين في الكتب التي صنفت على أسماء الرجال ككتاب البخاري وابن أبي حاتم. ومنها تخريج الشيخين أو أحدهما في الصحيح للراوي محتجين به، وهذه درجة عالية لما فيها من الزيادة على الأول، وهو إطباق جمهور الأمة أو كلهم على تسمية الكتابين بالصحيحين والرجوع إلى حكم الشيخين بالصحة، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح، وهو بمثابة إطباق الأمة أو أكثرهم على من ذكر فيهما، وقد وجد في هؤلاء الرجال المخرج عنهم في الصحيح: من تكلم فيه بعضهم وكان شيخ شيوخنا الحافظ أَبُو الْحَسَنِ المقدسي يَقُولُ في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح. هذا جاز القنطرة. يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه، وهكذا نعتقد وبه نقول، ولا نخرج عنه إلا ببيان شاف، وحجة ظاهرة لتزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين، ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما، نعم يمكن أن يكون

للترجيح مدخل عند تعارض الروايات، فيكون من لم يتكلم فيه أصلا راجحا على من قد تكلم فيه، وإن كانا جميعا من رجال الصحيح، وهذا عند وقوع التعارض، انتهى ما أردناه من كلام الشيخ أبقاه الله. وكان هذا المنزع الذي نزعه شيخ والده أَبُو الْحَسَنِ المقدسي من قوله: هذا جاز القنطرة، تبع فيه الإمام الحافظ أبا الفضل محمد بن طاهر المقدسي، رَحِمَهُ اللَّهُ في عمله كتابه الذي جمعه في أسماء من احتوى عليه الصحيحان من الرجال، حيث اكتفى في ذلك بالتعريف بأسمائهم، وكناهم، وأنسابهم، ما يتعلق بذلك وموالدهم ووفياتهم، ومن روى عنه، ومن روى عنهم، من غير تعرض لكلام من تكلم في بعضهم، أو تعديل من اتفق على تعديله منهم، غير أنه ألم بيسير من تعليل بعض الحديث المتكلم في علته. انتهى وقد سلك الإمام الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح رَحِمَهُ اللَّهُ نحوا من هذا المسلك، وضيق على نفسه بما لا يخلص معه في مخنق الاعتراض الذي أوردناه عليه فلنورد كلامه بنصه، ثم نذكر ما عنده في ذلك مما ظهر لنا، وبه يظهر أن كلام شيخنا أبي الفتح أظهر من كلام الإمام أبو عمرو بن الصلاح رَحِمَهُ اللَّهُ، ونص ما قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ، في النوع الأول من أنوع علوم الحديث، بعد أن قسم الحديث الصحيح أقساما ما نصه: هذه أمهات أقسامه، وأعلاها الأول، وهو الذي يَقُولُ فيه أهل الحديث كثيرا: صحيح متفق عليه، يطلقون ذلك ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم لا اتفاق الأمة عليه، لكن اتفاق الأمة لازم من ذلك وحاصل معه لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول، وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته، والعلم اليقيني النظري واقع به، خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ، وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح، لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ، والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ، ولهذا كان الإجماع المبني على الاجتهاد حجة مقطوعا بها وأكثر

إجماعات العلماء كذلك، وهذه نكته نفسية نافعة، ومن فوائدها القول بأن ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن. والله اعلم. انتهى ما أردناه من كلام الإمام أبي عمرو رَحِمَهُ اللَّهُ وآن أن نذكر ما عندنا في ذلك فنقول والله المرشد: هذا الذي سلكه شيخنا رضي الله عنه في هذه المسألة من الاعتماد على ما في الصحيحين هذا المسلك من الظن الراجح فيما ذاكره أو أحدهما على ما خرجه غيرهما هو أرجح المذاهب وأحسنها، وهو أظهر من دعوى ابن الصلاح رَحِمَهُ اللَّهُ الإجماع على صحة ما فيهما أو في أحدهما بناء على قوله إن الأمة ظنت صحتهما وظن الأمة معصوم، فإن الارتهان في الإجماع صعب، وغايته أن يدعي أنه إجماع استقرائي وحاصله شهادة على النفي بأنه لم يجد أحد من الأئمة مطعنا فيما فيهما أو في أحدهما إلا في تلك الأحرف اليسيرة التي هي خارجة عن هذا الإجماع، وهي التي تكلم عليها الدارقطني وغيره مما هو معلوم عند أهل هذا الشأن، ويلزم من دعوى الإجماع على صحة ما فيهما أن يكون ما فيهما أو في أحدهما ما عدا تلك الأحرف مقطوعا بنسبته إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمقطوع به لا يمكن الترجيح بين آحاده، وإنما يبقى الترجيح في مفهوماته، ونحن نجد علماء الشأن يعرضون لأحاديث كتابي البخاري ومسلم ويرجحون بعضها على بعض باعتبار من سلم رجالهما من التكلم فيه على من لم يسلم، وبغير ذلك من وجوه الترجيحات النقلية، ولو كان الجميع مقطوعا به ما بقي مسلك للترجيح. فهذا يعارض الإجماع الذي استقرأه ابن الصلاح رَحِمَهُ اللَّهُ فتأمل ذلك، فهي مسألة نفيسة جدا تمس الحاجة إليها، وعلى ما قرره الشيخ أبو الفتح

يصح الترجيح لأنها مسالك ظنية. تنبيه بني ابن الصلاح رَحِمَهُ اللَّهُ كلامه على أن الأمة إذا ظنت شيئا لزم أن يكون ذلك واقعا في نفس الأمر، فيكون عنده مدلول الظن المجمع عليه يصيره الإجماع معلوما وإلا لم يتم له قصد، ولنا أن ننازع في ذلك ونقول: إنما ذلك راجع إلى أنها إذا أجمعت على شيء أنه مظنون فظنها معصوم بمعنى أن ذلك الشيء لا يمكن أن يكون مشكوكا، ولا معلوما ولا مجهولا، وإذا أخذناه على هذا المعنى لم يلزم ما قاله ابن الصلاح رَحِمَهُ اللَّهُ. تنبيه ثان: من أئمة الشأن من سلك مذهبا أضيق مما سلكه الشيخ الإمام أبو الفتح رَحِمَهُ اللَّهُ، وقال: إنه لا يجوز التقليد في التصحيح والتسقيم لأنا في اتباع من حكم بالصحة أو السقم على حديث وتقليده في ذلك كاتباعنا لمن قَالَ: الحكم في هذه المسألة التحريم أو التحليل، لأن كل واحد منهما أخبر عن ظنه، ولا يلزمنا تقليد أحد، وهذا المسلك مسلك صحيح واضح لا ينسد إلا بما ادعاه الإمام ابن الصلاح من الإجماع، فإن متبع الإجماع ليس بمقلد ولكن هذا الإجماع كما بيناه مصادم بعمل العلماء في أعمال الترجيح، وقد سلم الإمام بن الصلاح ما يدل على هذا المعنى وينقصر عليه في قوله في الفائدة الثالثة من هذا الباب فقال: إن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحا. وأي ترجيح يكون مع القطع بصحة الجميع وبأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله. وكأن ابن الصلاح قَالَ هذا قبل أن يظهر له ما قرره بعد من أن عصمة ظن الأمة يلزم عنها القطع بالمظنون، أو يتأول قوله: أنه أراد أصح صحيحا من حيث الرجال ووجود الشروط المتفق عليها مستوفاة أو أكثرها لا من حيث المتون، ولكنه خلاف الظاهر فتفهم هذا كله فإنه مهم خاف، والحاجة إليه ماسة، والسالكون مضيق التحقيق أفذاذ قليلون، والكثير يسلك المسلك السهل الرحب، وينكب عن الصعب الضيق، والله المرشد لواضح السبيل بمنه.

صواب الصلاحي وممن لقيناه بالقاهرة المعزية بباب منزله الفتى الطواشي صواب الصلاحي شيخ حسن البزة موقر الجلسة. سَمِعْتُ عليه بها كتاب التوكل لابن أبي الدنيا، بسماعه من سبط الحافظ السلفي، وكتب لي خطه مجيزا ولبني وأخواتي. أنا الْفَتَى صَواب الصَّلاحِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ الْمُعِزِّيَّةِ، قَالَ: أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَكِّيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَاسِبُ سِبْطُ الْحَافِظِ السِّلَفِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ، أنا

الْحَافِظُ أَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ، قَالَ: أنا أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ الْبَطَرِ الْقَارِئُ سَمَاعًا عَلَيْهِ، قَالَ: أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ الْمُعَدَّلُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ صَفْوَانَ الْبَرْدَعِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أنا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا الْقُرَشِيُّ، نا مَهْدِيُّ بْنُ حَفْصٍ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ. ح وَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي، نا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْجَيْشَانِيِّ،

لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا» روينا عن

عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» رَوَيْنَا عَنْ صَوَابٍ هَكَذَا عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ فِي الأَصْلِ، وَفِي الْحَاشِيَةِ أَبِي تَمِيمٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، سَمِعَ أَبَا بُصْرَةَ الْغِفَارِيَّ، وَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ هذا الحديث الواحد علقناه من الكتاب من أوله، وأعجل السفر عنه نسخه.

- علم الدين العراقي وممن لقيناه أيضا بمصر الإمام العلامة الحافظ البليغ المفسر المتفنن إمام أئمة البيان أبو محمد عبد الكريم بن عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيّ الشافعي ويدعى علم الدين ويعرف بالعراقي، مصري المولد والمنشأ، وقال فيه بعض أصحابنا: أصله من وادي آش أحد معاقل الأندلس الشهيرة، أحد المتصدرين المشهورين بالديار المصرية في علم التفسير والبيان وأصول الدين والفقه. وله وضع حسن في علم البيان على كتاب الكشاف للزمخشري، وهو فيما بلغني في مجلدين، لقيته بجامع عمرو بن العاص، وبحضرته بعض الأدباء فعرفوه مكاني، فبالغ في البر

والاعتناء، وكان ذلك بين يدي سفري ليوم أو ليومين، وسألته وينشدني شيئا من نظمه، فقال: ليس من الأدب أن أنشدك شيئا خاطبت به غيرك وسيرد عليك مني ما يخصك فأعجلني السفر ولم يقدر لي لقاؤه بعد. وكان قد قَالَ لي على عادة البلاد: تسل أو تسأل؟ فقلت: كيف ترون، فقال لي: لقيت العلم اللورقي، فقال لي تسل أو تسأل؟ قَالَ فقلت له: سلوا عما، بدا لكم لئلا تقولوا مسائل بيتت، قَالَ: فذاكرته فلم ينصفني. فقلت للشيخ علم الدين بن أبي إِسْحَاق، أبقاه الله، فسلوا أنتم، فقال: نسألك عن مسألة جرت اليوم في المجلس، وهي: ما إعراب قوله تعالى: {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14] فكالمته وذكرت ما حضرني، فما تعلق بما أورد علي وقال لا يصح حمل الآية الكريمة على ظاهرها لئلا يلزم منه أحد أمرين: إما نفي التنبئة، وإما نصب مثل، قَالَ: وإلى نصب مثل يؤدي تقدير المعربين لهذه الآية فإنهم يقدرونه: ولا ينبئك أحد مثل تنبئة الخبير، قَالَ: ومحمل الآية عندي أن التقدير والمعنى: لا مثل للخبير فينبئك هذه التنبئة، وأنها على المعروف من كلام العرب كقول الشاعر: على لاحب لا يهتدى بمناره ... إذا ساقه العود النباطي جرجرا أي لا منار له فيهتدي به: قلت والله المرشد: وتفصيل ما أجمله الشيخ يحتوي على تقرير وتحرير.

أما التقرير فإنه إذا قَالَ القائل: ينبئك مثل زيد، ثم أدخل حرف النفي على ينبئك انتفى هذا الموجب سواء أبقينا مثلا على ظاهرها أو أردنا بها ما يراد بقولهم: مثلك يفعل كذا أي أنت تفعل كذا، ومعلوم أن الآية لم يرد بها نفي التنبئة ولو أريد: لا ينبئك أحد مثل تنبئة الخبير لزم إظهار الفاعل ونصب مثل. وأما التحرير فإنه مما أقيم فيه المسبب مقام السبب، فنفي المسبب والمراد نفي السبب، وهو وجود مثل لهذا الخبير المخبر، فحاصل المعنى من العبارة الكريمة: يا محمد لا تنبئة موجودة من أحد كهذه التنبئة لانتفاء مثل خبير أنبأك بها، وينظر إلى هذا قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39] المعنى فلا يقبل، وتقديره: فلا يربو أجره كربا الصدقات المقبولات وتضاعفها، فنفي فرعه لانتفاء أصله، لأن الزيادة فرع المزيد، فإذا انتفى الأصل انتفى الفرع، ونحو منه قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء: 111] أي من خوف الذل، فنفي اتخاذ الولي لانتفاء سببه وهو خوف الذل فإن اتخاذ الولي فرع المخافة من الذل ومسبب عنها. وأما قول الشاعر: على لاحب لا يهتدى بمناره ... إذا ساقه العود النباطي جرجرا فيحتمل عندي وجهين: أحدهما أن يكون مما نفي فيه المسبب والمراد نفي سببه أي لا منار له فيهتدي به، وحاصله نفي المسيب لاعتقاد نفي سببه، وإنما قلنا إن المراد نفي سببه لأنه لا يلزم من نفي المسبب نفس السبب بخلاف العكس. الوجه الثاني: أن يكون أراد نفي الجدوى، وهي الهداية، فلعدم جدوى هذا

المنار وهي الهداية به، وإن كان موجودا فكأنه معدوم، ومنه قوله تعالا: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] ، يعني الأيمان بعد ثبوتها لانتفاء ثمرتها وهي الوفاء بها. وكان شيخنا مجلي الحفاظ، ومحلي ترائب المعاني بأتراب الألفاظ، الإمام العلامة أَبُو الْحَسَنِ حازم بن مُحَمَّدِ بْنِ حازم الحازمي، رَحِمَهُ اللَّهُ، يسمي هذا النوع النفي الفرضي، وهو أن يراد نفي الشيء، فينفي جزاؤه، أو ما يخصه إذا قدر وجوده فرضا، ويقصد بذلك تأكيد نفيه ويقول: إن تحقيق التقدير في قول امرئ القيس أن يكون المقصود أنه لا منار فيه يهتدي به، ولو فرض فيه منار أيضا لم يهتد به لأنه من البعد بحيث تتضاءل فيه المسافة التي يمكن أن يهتدي فيها بالمنار فتنقطع عن سالكه، رؤيته وهو على أول تيهه وضلاله، فكأنه لم يهتد به جملة، أو لأنه كثرة الآل والسراب بحيث لو قدر فيه ثبوت منار لم يهتد به أيضا لانطماسه فيها وكأن ما ذهب إليه شيخنا أَبُو الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ ينتظم الوجهين المتقدمين ومن هذا المعنى عندي قوله تعالى {وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} [فاطر: 14] أي أنهم لا يستجيبون بحال ولو قدرت سمعهم. ومن نفي الافتراض عندي قول زهير. بأرض خلاء لا يشد وحيدها ... علي ومعروفي بها غير منكر أي لا وحيد بها يشد، ولو قدر فيها ثبوت وحيد لم يكن هنالك من يشده لإقفارها من الأنيس

ومنه قول أبي كبير الهذلي. وعلوت مرتئبا على مرهوبة ... حصاء ليس رقيبها في مثمل غيطاء معنفة يكون أنيسها ... ورق الحمام جميمها لم يؤكل أي لا جميم بها يؤكل ولو قدر بها جميم لم يكن بها من يأكله لأنه قفر وكذلك قوله: ليس رقيبها في مثمل أي ليس بها رقيب فيكون في مثمل، والمثمل الملجأ، والكلام على هذا وأمثاله يتسع مجاله، ويقل رجاله، والله أسأل أن ينفعنا، بما علمنا بمنه وفضله. قلت: وقد يشهد لصحة إدخال النفي على كلمة في الجملة والمراد غيرها إذا كان في الكلام ما يشهد لذلك ما ذكر أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري رَحِمَهُ اللَّهُ في كتاب الوقف والابتداء من تأليفه لما تكلم على قوله تعالى: {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف: 46] فقال ما نصه: فيه وجهان، إن شئت قلت: الوقف على قوله تبارك وتعالى {لَمْ يَدْخُلُوهَا} [الأعراف: 46] ثم تبتدئ {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف: 46] أي وهم يطمعون في دخولها وإن شئت قلت: المعنى دخولها وهم لا يطمعون في دخولها قبله فيكون الجحد منقولا من الدخول إلى الطمع كما نقول في الكلام: ما ضربت عَبْد اللَّهِ وعنده أحد فمعناه ضربت عَبْد اللَّهِ وليس عنده أحد، فالجحد منقول من الضرب إلى آخر الكلام، حكي عن العرب، ما كأنها أعرابية، بمعنى كأنها ليست أعرابية، قَالَ وأنشد الفراء.

ولا أراها تزال ظالمة ... تحدث لي نكبة وتنكوها أراد وأراها لا تزال ظالمة فمعنى الجحد الأول: التأخير وأنشد الفراء أيضا: إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ ... فدعه وواكل حاله واللياليا يجئن على ما كان من صالح به ... وإن كان فيما لا يرى الناس آليا أراد وإن كان في ما يرى الناس لا يألو، فعلى هذا المذهب الثاني لا يحسن الوقف على قوله عز وجل: {لَمْ يَدْخُلُوهَا} [الأعراف: 46] انتهى كلام ابن الأنباري. قلت: وقد حملوا على نحو من هذا قوله تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40] وقالوا: المعنى لم يرها ولم يقارب رؤيتها، والله أعلم. وكان مع هذا الإمام الجليل الذي لم يقض التمتع به والاقتباس من أنواره حتى أنا لم نظفر منه ولا بالإجازة، وإن كان الرجل إنما يقصد بعلمه ودرايته لا لعلو روايته، الكاتب البارع جمال الدين أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن إِبْرَاهِيمَ الأنصاري المروي أبوه، المصري الدار، وهو الذي نبه الشيخ الإمام على مكاني فأوجب اعتناء الشيخ بي وبره، وسنذكره بعد إن شاء الله.

المكين العسقلاني وكان أيضا حاضرا في مجلسه الأديب الناظم المعروف بالمكين بن عز بن حسام العسقلاني فأنشدني لنفسه من قصيد: حثوا كتائبكم تترى إلى التتر ... فما حمى الثغر مثل الطعن في الثغر وما شفى الغيظ إلا صارم وذكر ... بكف أروع مثل الصارم الذكر شهم الفؤاد، بحبل الله معتصم ... يوم الوغى، ولدين الله منتصر ومما جره الحديث في ذلك المجلس لما أخذنا بأطرافه، وأبدينا نبذا من طرائفه ذكر الوزير الجليل الخطيب البليغ العالم المتفنن أبي الحسن سهل بن مالك

الأزدي الغرناطي، نادرة مصره بل نادرة عصره، حكيت عنه حكاية حكاها لي عمي الكاتب الفاضل الفقيه أَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رشيد، قَالَ: حكى لي أبو جعفر الطوسي أنه دخل يوما مع جماعة من أصحابه بمرسية على الوزير الأجل أبي الحسن سهل بن مُحَمَّدِ بْنِ مالك لما غربه ابن هود عن وطنه، قَالَ: فقدم إلينا حوتا، فلما فرغنا من أكله، قَالَ لعجوز كانت عنده تخدمه اشتري لهم تينا يأكلونه عليه، وكان الوزير أَبُو الْحَسَنِ في سمعه ثقل، فقالت العجوز: هلا أخرج لهم من عديل التين الطيب الذي سيق له، وهو في الغرفة؟ فسمعها الأصحاب ولم يسمعها الوزير أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: فقلنا له يا سيدي. . . . . . . . . . هلا أطعمتنا من عديل التين الذي أهدي لك؟ فقال: ومن أعلمكم به؟ ثم أنشد لنفسه: لو جاء إبليس إلى مشربي ... سرا عن الناس بإحدى الطرف أخبرتني أنت بمن ساقها ... يا عالم الغيب بما في الغرف فقال لنا علم الدين العراقي: هذا مأخوذ من قول الآخر: لو طبخت قدر بمطمورة ... بالدار أو أقصى بلاد الثغور وأنت بالصين لو جبتها ... يا عالم الغيب بما في الصدور

الشريف شرف الدين الكركي وممن لقيته أيضا بمصر الفقيه الإمام الوحد المفتي السيد الشريف شرف الدين أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن عمران بن موسى بن عبد العزيز بن مُحَمَّدِ بْنِ حزم بن حمير بن سعيد بن عبيد بن إدريس بن إدريس بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ موسى بن جعفر بن مُحَمَّدِ بن عَلِيِّ بْنِ الحسين بن عَلِيِّ بْنِ أبي طالب الحسيني رضي الله عنهم، يعرف بالشرف الكركي. لقيته بالمدرسة الطيبرسية مع صاحبنا ورفيقنا الوزير الفاضل الكاتب الكامل بدر الدين أبي عَبْد اللَّهِ بن الوزير الجليل الفاضل الفقيه أبي القاسم بن

الحكيم حرس الله مجده وحفظ وده، فقرأ عليه رفيقنا أَبُو عَبْد اللَّهِ شرحه لعقيدة المهدي التي تسمى بالمرشدة وسماه اللمحة المسددة في شرح المرشدة، فسَمِعْتُ عليه جميعه، وذلك في أخريات صفر من عام خمسة وثمانين وست مائة بفسطاط مصر بجامع عمر بن العاص رضي الله عنه، وأجازتي جميع رواياته إذ ذاك، ولأولادي أبي القاسم وعائشة وأمة الله. تضمن الشرح الحديث الذي خصه الترمذي في تعديد الأسماء الحسنى وجرت المباحثة بيني وبينه في تحقيق الكسب وضايقته فآل كلامه إلى أنه إطلاق لغوي من حيث إن العبد صدر منه ذلك الفعل، يعني على وجه الاختيار في الظاهر فنسب إليه وأنه في الحقيقة مجبر، وهذا الذي قاله ليس بحث الأشعريين عليه.

ولد هذا الشيخ بمدينة فاس قواعد بلاد المغرب الشهيرة نشأ بها وتفقه على الشيخ أبي محمد صالح فقيه أهل المغرب في زمانه ثم رحل إلى المشرق وتفقه بمصر على الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وسمع الحديث على الحافظ زكي الدين، وأخبرني أنه سمع عليه الجامع لأبي عِيسَى الترمذي، قَالَ: أنا ابن طبرزد، قَالَ: أنا الكروخي، وذكر تمام السند، ثم رحل إلى الحجاز. والمرشدة المشار إليها هي العقيدة الموحدية التي كان الموحدون رحمهم الله يلزمون تعلمها وتعليمها وحفظها الصغار والكبار، وهي: بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على محمد وعلى آل محمد. اعلم، أرشدنا الله وإياك، أنه وجب على كل مكلف أن يعلم أن الله عز وجل واحد في ملكه، خلق العالم بأسره العلوي والسفلي، والعرش والكرسي والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، جميع الخلائق مقهورون بقدرته، لا

تتحرك ذرة إلا بإذنه، ليس معه مدبر في الخلق، ولا شريك في الملك، حي قيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، عالم الغيب والشهادة، لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا، فعال لما يريد، قادر على ما يشاء، له الملك والعلاء، وله العزة والبقاء، وله الأسماء الحسنى، لا دافع لما قضى، ولا مانع لما أعطى، يفعل في ملكه ما يريد، ويحكم في خلقه ما يشاء، لا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا، ليس عليه حق ولا عليه حكم، فكل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، موجود قبل الخلق، ليس له قبل ولا بعد، ولا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا أمام ولا خلف، ولا كل ولا بعض لا يقال متى كان، ولا كيف كان، ولا مكان كون المكان ودبر الزمان، لا يتقيد بالزمان، ولا يتخصص بالمكان، لا يلحقه وهم، ولا يكيفه عقل، ولا يتخصص في الذهن، ولا يتمثل في النفس، ولا يتصور في الوهم، ولا يتكيف في العقل، لا تلحقه الأوهام والأفكار، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. نجزت وأقام منصرفة من الحجاز بالكرك من أعمال الشام، حتى صارت شهرته بمصر الآن بالكركي، ثم انتقل إلى مصر في حدود سبعين وست مائة، وأقام يدرس ويفتي بالمذهبين، ويلقي الدروس، في كل فن: العربية واللغة والأصليين وعلم الحساب وغير ذلك من العلوم، وصفه لي بعض أصحابنا بهذا كله، وزاد أن قَالَ: واليه انتهت الرئاسة بالديار المصرية، وعليه مدار الفتيا بها في زماننا. كتب لي بخطه مجيزا، قلت: في استدعاءين، وكان كتبه فيهما أو في أحدهما، وأنا غائب عن الديار المصرية، في توجهي إلى الشام عام أربعة وثمانين

وست مائة وأظن كتبه كان في أواخر شعبان، من السنة، وأجاز لبني وأخواتي. وسمى بخطه مما روى من الكتب: صحيح مسلم بن الحجاج، أخذه عن بقية السلف شرف الدين بن أبي الفضل المرسي، عن المؤيد الطوسي بسنده. قال: ومن ذلك الموطأ رواية الليثي، وذلك روايتي عن العبقوي، عن المقدسي، عن الزهري، عن الطرطوشي بسنده المعروف. قلت: الزهري هو أبو طاهر إسماعيل بن مكي بن عوف القرشي الزهري، عن الفقيه أبي بكر الطرطوشي، قَالَ: أنا الفقيه الْقَاضِي أبو الوليد الباجي، قَالَ: أنا أبو الوليد يونس بن عَبْدِ اللَّهِ الصفار، إجازة ومناولة، قَالَ: أنا أبو عِيسَى الليثي، قَالَ: أنا عم أبي أبو مروان عبيد الله بن يَحْيَى بن يَحْيَى، قَالَ: نا أبي، عن مالك رَحِمَهُ اللَّهُ. قال: ومن ذلك الشجرة، عن مصنفها ابن عبد السلام الإمام المشهور يعني عز الدين، وكذلك اختصاره الرعاية، للمحاسبي وكذلك

المعجم المترجم عن مصنفه الحافظ العبقوي، وكتاب جامع الأصول في حديث الرسول لابن الأثير، عن عبد المحسن الرجل الصالح خديم الخليل عليه السلام بالشام، عن مصنفه، ورسالة التصوف للقشيري، عن المراغي، عن ابن عساكر، عن أبي القاسم ولد المصنف، عن أبيه. انتهى ما كتبه بخطه من أسانيده في الكتب المذكورة، فابحث عن تحرير أسماء هؤلاء المذكورين، وكيفية أخذ بعضهم عن بعض بحول الله. أنا الإِمَامُ شَرَفُ الدِّينِ الْكركِيُّ فِيمَا أَذِنَ فِيهِ بِخَطِّهِ، أنا شَرَفُ الدِّينِ ابْنُ أَبِي الْفَضْلِ الْمَرْسِيُّ، أنا الْمُؤَيَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ أَحْمَدَ الصَّاعِدِيُّ الْفُرَاوِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ بِنَيْسَابُورَ، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ الْجُلُودِيُّ، أنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ الْفَقِيهُ، قَالَ: نا أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ، نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ

نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن»

«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» وبه إلى مسلم: نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ، وَلا تَشُفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» ولهذا الإمام يسير نظم أودع بعضه شرح المرشدة، وهو ما قرئ عليه وَأَنَا أَسْمَعُ، وقد أنشد في هذا التصنيف للشهرستاني، من نهاية الإقدام، قَالَ ينبه فيه على قصور الإفهام. لقد طفت في تلك المعاهد كلها ... وصيرت طرفي بينها غير نائم فلم أر إلا واضعا كف حائرا ... على ذقنه أو قارعا سن نادم

فقال الشيخ شرف الدين الكركي المذكور وقد أجبته بشيء أنشدته: مررت على ربع الحياري فلم تجد ... سوى حائر والشكل بالشكل أعرف على أن حكم الحس والوهم يزدري ... ورب قوي في النهاية يضعف وله رثاء رثى به الإمام الصوفي الفقيه العدل الفاضل أبا عَبْد اللَّهِ بن النعمان أوله: هوى من سماء الدين في الشرق والغرب ... ولي من الأوتاد ينمي إلى القطب يقول فيها: لقد ذيل النعمان في الروض إذ جرى ... له في اسمه ذكر لدى النعي في العشب ورثاه الكاتب الأديب سراج الدين أبو حفص عمر بن مُحَمَّدٍ الوراق. فقال من قصيد أوله: عليك فتى النعمان دمعي شقائق ... وعندك أنهار جرت وحدائق وعندك ما قدمت من كل صالح ... فيا سابقا للخير خيرك سابق أفادنا هذه الأبيات صاحبنا المحدث أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن عاصم الرندي، وكتب لي البيتين الأخيرين بخطه.

وأنشدنا صاحبنا الكاتب البارع الوزير أَبُو عَبْد اللَّهِ بن الفقيه الوزير الجليل أبي القاسم بن الحكيم، حرس الله معاليه وشكر مساعية، قَالَ: أنشدني شرف الدين الكركي لنفسه: إليك أشكو الذي أخشاه من ضرر ... ومنك وحدك ما أرجوه من وطر عقدا وثيقا به ألقاك معتمدا ... عليك في أمره أو ينقضي عمري وإن صرفت إلى خلق أمورهما ... ففعلة جرها ضرب من الخور أو أنها نفثة المصدور تغلبة ... أو سعلة عن أذى في الحلق والسحر هذا على أنني قد خلته سببا ... مصرفا لي بما تجريه من قدر تعلقا بأمور أنت شارعها ... هاد إلى فعلها كسبا على قدر

- زين الدين ابن الجميزي السكان ومن لقيته بمصر الشيخ الصالح زين الدين أبو محمد عبد الرزاق بن عماد الدين إبراهيم بن أبي الفضائل هبة الله بن سلامة بن المسلم اللخمي الشافعي السكان المصري المعروف بابن الجميزي. لقيته بحانوته مع صاحبنا المحدث أبي عَبْد اللَّهِ بن عاصم، وأجاز لي لفظا، وأشك في السماع منه، وكان قبل ذلك قد كتب لي عنه ملتفظا بالإجازة لي، ولبني وأخواتي، صاحبنا المحدث نجم الدين أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن عبد الحميد، وأنا في الوجهة الحجازية يوم الاثنين السابع والعشرين من محرم من سنة خمس وثمانين. سمع من عمه بهاء الدين وابن الصابوني، الأربعين البلدانية للسلفي الحافظ رَحِمَهُ اللَّهُ وغير ذلك، وأجاز له عمه بهاء الدين أَبُو الْحَسَنِ بن أبي الفضائل ابن الجميزي رَحِمَهُ اللَّهُ.

- الجمال المغربي ومن لقيناه بمصر الأديب الفاضل الكاتب البارع الحافل جمال الدين أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيّ المروي أبوه من أهل المرية من الأندلس، المصري الدار، ويعرف بالجمال المغربي. كتبت عنه بعض رسائله، ومن ذلك استفتاء، كان أنشأه لسبب عرض له، وأمل أعرض عنه، فما بلغ منه ما أمله، وذلك أنه خاطب بعض الفضلاء شاكيا له بحاله، وشارحا له ما ألح عليه من فقره وإقلاله، فلم يواسه بشيء من جاهه ولا ماله، فكتب هذا الاستفتاء مستعديا عليه في القضية، وشاكيا به إلى فضلاء الديار المصرية، ونصه، وهو مما سمعته عليه بقراءة، فيقنا المعظم الوزير الجليل الماجد الكامل الأصيل أبي عَبْد اللَّهِ بن الحكيم، حرس الله معاليه، وكتب في الصالحات مساعيه:

ما يَقُولُ السادة الأمجاد، والقادة الإنجاد، كنوز المفاخر، ومعادن المآثر، أهل المجد السامي، والرفد إلهامي، والحسب التليد، والأدب العتيد، في متعفف متكفف، في خمل الخمول مختف، والى كسر الانكسار منكف، لا تمتد إليه راحة براحة، ولا يجد من المواساة ما يأسو به جراحه، ولشدة ما مني به من خصاصة الإفلاس، لا يرى مادة الحياة إلا في الأحلام أو في أيدي الناس، يمسي وأساود الهموم تساور سويداء قلبه، ويصبح وغمام الغموم يكف بما يزيد في كربه، ولا ينفك يعالج بالمنى، قلبا بجمرات الحسرات اكتوى، ويصون عن التبذل، وجها بماء الحياء قد ارتوى، أوى إلى عزيز مصره، وفريد عصره، ومن زكت منه الأواصر، وعقدت عليه الخناصر، وازدانت به صدور المحافل، ودانت له صدور الجحافل، وألقت إليه الرياسة عصا تسيارها، وابتسمت له ثغور السعود وضمته عواصم أسوارها، ليفتح له من الإسعاف بابا مرتجا، وليسبغ عليه من الإسعاد ظلا سجسجا، وليبوئه من الإكرام جنة دانية القطاف، وليورده من الإنعام موارد عذبة النطاف، وليقوم مناد حاله يتثيقف نظره، وليدني منه غنى طال عليه مطال منتظره، ثقة أنه يمير بجوده النمير، وأن السؤال يثير إحسانه الكثير وأن دفع العسير عليه يسير، أفيجوز، لهذا المكمل المؤمل، أن يلفت وجهه عن هذا المذلل المعلل، وأنه إذا شكا إليه ضنك عيشته لا يشكيه، وإذا رآه لقى بين أيدي الجوائح لا يندبه ولا يبكيه، ويتركه والأيام تغاديه وتراوحه بنحوسها، وتضفي عليه من الضرورة لبوس بوسها، وتقطع طرق المناجح على رواد قصوده، وتحكم اليأس على رجائه فتديل مقصوره على ممدوده، ولم يرقب فيه إل ولاء، ولا ذمة انتماء، أفتوا بمقتضى الفتوة، ومروا بمرتضى المروة، مفضلين محسنين، على ممر الإعصار والسنين. انتهى الاستفتاء، وكتب في الجواب عليه عدد كثير، وجمع كبير من فضلاء المصرين وأدبائهم وعلمائهم أراني من ذلك جملة في بطائقها، وقال لي أريد جمعها في كتاب يضم نشرها، ويبقي أثرها ويخلد خبرها. وكتب منها صاحبنا الفاضل الوزير الكامل أَبُو عَبْد اللَّهِ وصل الله إسعاده

وسنى في جميع محاولاته مراده، جوابا واحدا ولم ينسبه، وكتبته من خطه، وهو هذا: حقيق بمن اختاره الله لمصره عزيزا، واصطفاه من أهل عصره، فأوفى عليهم تبريزا، وخليق بمن كان لصدور المحافل زينا، ولأعيان الصدور عينا، وبمن أحكمت الأواصر في مودته عقدا، ولويت الخناصر، على فتوته كرما ومجدا، أن يفتح لعافيه من إسعافه مرتج الأبواب ويمنح موافيه من إسعاده أبهج الأسباب، ولا يجوز له وقد ارتدى بحلة الكمال، واغتدى في حلية الجلال، أن يصرف وجه إنصافه، عن طالب إسعافه، ولا يلفت ليت إشفاقه عن خاطب إرفاقه، لاسيما إذا وثق بأنه يمير بنمير موجوده، وعلق بأن سؤاله يثير كثير إحسانه وجوده، وهذا الفاضل وإن كان منكفيا في كسر الانكسار، لعدم اليسار، مختفيا، في خمل الخمول، للخطب المهمول، فقد أحرز من الفضائل منزلة مشيدة الأركان، وبرز بإجماع الأفاضل في حلة معلمة الأردان، وحسبك بما نجم من فتواه من نجوم البديع، حالية بالمقابلة والترصيع، خالية من المقابلة والتربيع، فالإنشاء كلمة مجموعة وهذه نتيجتها ومعناها، ودوحة خضرة، وهذه ينعها وجناها، وإذا تقرر ذلك فالمذهب المهذب في شرع الكرام، الحكم بنهاية المطلب ونيل المرام. ومن جملة من كتب جوابا عن هذا الاستفتاء ناصر الدين نصير المنياوي، وذكر لي الجمال المغربي المستفتي المذكور أنه وقع لنصير في هذه المجاوبة بيت شعر أثناء الجواب، استحسنه كل من سمعه لجودة نظمه وخفاء التعريض فيه وهو: عين المروءة في إنسانها أبدا ... نور يرى سر أرباب الضرورات ومن ترسيل الجمال المغربي المذكور ما سمعته عليه بقراءة رفيقي الوزير الجليل الماجد الكامل الأصيل أبي عَبْد اللَّهِ بن الحكيم، أحكم الله معاقد مجده، وثبت

قواعد سعده، وهي رسالة صدرت له جوابا عن مجموع رسالتين، وردتا عليه، إحداهما أرجأ جوابها حتى وردت عليه أخرى، فجاوب عنهما معا، بدأتها: «لم يزل المملوك متشوقا لمشاهدة محياه الذي تهدي المسار إلى القلوب أساريره ويود الصحب لو استمدت من تألق بشره تباشيره، ويبهر عين الشمس إشراقه، فينقلب إليها بصرها خاسئا وهو حسير، وتظل متحيرة في درج مطالعها فلا تدري إلى أي جهة تسير، والى تقبيل يده التي جارى جود السحاب جودها فكبا، ورام البحر أن يكون أخا لنوالها فانف وأبي، وانتظمت قلائد مننها فزانت أجياد الأجواد، ومد نيل نيلها فكان لرفع الإعدام عن العفاة بالمرصاد، ومتشوقا لمراسمه التي تتجدد بورودها عليه رسوم سعوده، ويورق بوفادات إفاداتها إليه يابس عوده، وتجعل فرق الفرقد لقدم تقدمه نعلا، وتثبت له في العبيد اسما لما كان امتثاله لأوامرها فعلا، وتنفث في روع حاله بتعهدها روح الانتعاش، وتبرز حظه من الإقبال في أبهر حلي وأبهي رياش، وتأخذ بيده لترفعه في حضيض الخمول إلى أوج النباهة، وتحله من قلوب الصدور بما تحله له من نفاسه الوجاهة، إلى أن ألقي إليه كتاب كريم انطوت طوية ضميرة على سر بر يلحق المأمور في الإحسان بأميره عتب به الزمان، وكان من قبل لا يصغى للعتاب، وجنح مما جنى من تجنبه على بغية إلى المتاب، ففضه عن سطور كأنها سموط در أضحى الدرج لها درجا، وإذا أنعم النظر فيه كان المهرق سماء وكل معنى كوكبا وكل لفظة برجا، فاستحشد خواطر أفكاره واستنجدها، وسألها الإعانة على سلوك طريق استصعبها في جوابه واستبعدها، فجاس بها خلال ديار الألفاظ مهملها ومستعملها وأثار بها دفائن المعاني مفصلها ومجملها، فما وجد فنا من بعيد البديع البارع، ولا نوعا من ترصيع التصريع الرائع، إلا وقد ذل لمولانا صعب قياده وأطاعه، وبذل لمراده من مواتاته جهد الاستطاعة، فبينما المملوك متردد الفكر في تلفيق ما يؤدي به واجب الجواب، وجمع ما عساه يصيب به غرض الصواب، إذ تلاه كتاب تليت فيه سورة الإحسان، وجليت منه صورة الحسن، ورويت به عطاش الأذهان حتى ظن أنه صيب المزن، فلله منشيه لقد أنشأ القلوب، بما أنشأ وأطربها بها، وأودع

أصداف الأسماع من درر البلاغات أحسنها وأغربها. فالأول طلع قمرا جعل الطرف والقلب له نزلا، فثوى فيهما ولم يبغ عنهما حولا وغدا لهذا ذرورا يزيد سواده نورا، ولهذا سميرا يفيد سويداه نورا، والثاني بزغ شمسا أشعتها آداب وفضائل، وبروجها بصائر شرفها فيها غير متناقص ولا متضائل، فلولا أن التوفيق عرف نفس المملوك مظنة الهداية، وصرف طمعها عن طلب النهاية، في حال البداية، لسولت له أن يضاهي النيرين بنجوم كلها في الخفاء سها، وأن يعارض الجواهر بأعراض لا تصدر إلا عمن شرد الرشد عنه فغفل وسها، ويأبي الله إلا أن يهدي إلى سبيل الرشاد من ائتم بأقوال مولانا وأفعاله، وألزم التمسك بعرى ولائه كبير قومه، وصغير آله، على أنه لما ورد الثاني منهما عليه، أعجله في الجواب موصله إليه ولم يمهله غير ساعة من نهار، فأملى لسان المملوك عن بال كاسف، وخاطر في أدهم الهم راسف، ما وقف عليه مولانا من الخطأ والخطل، وشاهده من الزلل والخلل، فإنه وقعت منه غلطات وضحت له بعد قفوله، وصدرت عنه فرطات لم يترو في إصلاحها لتعجيله، فمولانا يضفي عليها ستر تغافله، ويدفع بالصفح عنها في صدر تجامله، أنهى المملوك ذلك بعد تقبيل يد مولانا المالك الوالد، ألقى الله بين يديه لسان الواشي وقلب العدو وعين الحاسد» . أنشدنا صاحبنا جمال الدين المغربي، بمصر، قَالَ: أنشدنا المعين عثمان بن سعيد بن تولوا الفهري، لنفسه من قصيد، وقد سأله الصاحب زين الدين يعقوب بن عبد الرفيع الزبيري، معارضة قصيدة حبيب التي أولها.

ما في وقوفك ساعة من باس ... تقضي ذمام الأربع الأدراس فنظم له قصيدة خيرا منها فقال فيها: يا سعد ساعدني بوقفه ساعة ... ما في وقوفك ساعة من بأس تقضي ذمام الأربع الأدراس يَقُولُ فيها: وأخذت بالسيف المظفر بالعدى ... ثأر الخلائف من بني العباس وأنشدنا جمال الدين المذكور بمصر، وكتبه لنا بخطه، قَالَ أنشدنا ابن تولوا لنفسه: يا ذا الذي استام سكينا ومقلته ... تفعل في القلب أفعال السكاكين ملكت في الحسن أضعاف النصاب ولم ... تخرج زكاة لعشاق مساكين وأنشدنا جمال الدين المذكور وكتبه لنا بخطه، قَالَ أنشدنا ابن تولوا لنفسه في صفة كاتب: ندب له البحر فكر، والغمام يد ... لذاك في الطرس يبدي الدر والزهرا ما بين لفظ وخط سر حسنهما ... في كل حين يسر السمع والبصرا وأنشدنا جمال الدين المذكور، قَالَ، أنشدنا المعين ابن تولوا لنفسه من قصيد: أبني الزبير دعاء داع طالما ... لباه جاه منكم، ونوال أيديكم أضحت مفاتيح الغنى ... وسواكم أيديهم أقفال ما في علاكم ما يقال وكيف لا ... وبكم عثار ذوي العلاء يقال

وابن تولوا هذا أحد الأدباء النحاة الصدور من أهل إفريقية تيملي من طائفة الموحدين، استوطن مصر والقاهرة، وكان حيا في هذه المدة، ولكنه كان متعذر اللقاء لشدة مرض لزمه، منع الدخول عليه، واسمه عثمان بن سعيد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ بْنِ تولوا يكنى أبا عمرو.

- نصير الحمامي المنياوي وممن لقيناه أيضا بمصر الأديب البارع العذب المنازع الغريب الأمر في ما يأتي به على عاميته من عجيب النظم والنثر ناصر الدين نصير بن أَحْمَدَ بْنِ علي المصري، الحمامي المنياوي، نسبة إلى بعض منى مصر. وهذا الرجل من مشاهير أدباء المصريين، على أنه فيما وصف لي في عداد العامة أو الأميين، ولكن له طبع معين، ومخالطة لفضلاء والأدباء، هي له على الاستعارات الأدبية والإشارات النحوية، في نظمه أكبر معين، حتى صار كلامه ونثره ونظامه، كأنه صادر عن المبرزين في الطلب، الحائزين فيه أعلى الرتب، وهو

يشتغل باكتراء الحمامات والعمل فيها، فيقصده نبلاء الشعراء ورؤساء الكتاب، ويبايته أهل العلم، والفضل والآداب. قصدته في حمامه ليلا مع رفيقي الكاتب الجليل الماجد الكامل الوزير الفاضل أبي عَبْد اللَّهِ بن الحكيم، حملنا إليه صاحبنا المحدث المسند المقيد أَبُو عَبْد اللَّهِ بن عاصم الرندي، نزيل مصر، فأملى علينا جملة من كلامه وقد استحضر جماعة من خدامه، بمصابيح في أيديهم وكل منهم قائم على أقدامه، برا بقاصديهم في ناديهم، وهو يتمايل في إنشاده طربا، ويبدي من بدائعه عجبا، فمما ابتدأ به أولا في الإنشاد لنفسه وذلك يدل على حسن تهديه وجودة حسه: لا تفه ما حييت إلا بخير ... ليكون الجواب خيرا لديكا قد سمعت الصدى وذاك جماد ... كل شيء تقول رد عليكا وأنشدنا نفسه: ما زال يسقيني زلال رضابه ... لما خفيت ضنى وذبت توقدا ويظنني حيا رويت بريقه ... فاذا دعا قلبي يجاوبه الصدى وأنشدنا لنفسه: وليل رضا حتى الغزالة مر لي ... بقرب غزال حسنه ليس يبخس سقاني سلاف الريق والكأس ثغره ... على ورد خد لاح أعلاه نرجس وقد كان محمر الشفاه فلم أزل ... أقلبه حتى غدا وهو ألعس وأنشدنا لنفسه: أقول لقلبي وقد ذاب ... في هوى شادن حاز حسنا غريبا تصبر إذا كنت في شدة ... عسى فرج الله يأتي قريبا وله نظم رائق يفتخر فيه بالجمام وقدمته، ويشير ألطف إشارة بأظرف

عبارة إلى آلاته وشرف صنعته، ويبدي فيه بدائع روائع من توريته، فمما أنشدنا لنفسه من قصيد، يعد في هذا المعنى من النوع الفريد النظم: قد طاب إيثاري وآثاري ... وقد سمت داري ومقداري أصبحت ذا ناد ندي غدا ... يعرى به المرء من العار أبوابه للناس قد فتحت ... من سائر يأتيه أو سار مرخم ما في حروف اسمه ... نقص فقل من غير إنكار ولي قدور لم ينم ساعة ... طباخها من كثر خطار كم من نزيل فيه خولته ... إذ جاء في البارد والحار كم عصرت عندي مشمولة ... مليحة النشر لزوار وثم صب وخليع غدا ... يشرب في طاس وقوار ذو خلوات يحصل الكشف لي ... فيها إذا واصلت أسحاري ومجلسي في حسنه جنة ... سدر وماء نهره جار والحوض مع رضوان في خدمة ... الخارج والداخل في داري مبارك الأعتاب ميمونها ... يحمدها البائع والشاري أسلب من شئت انتصافا إذا ... لاقيته لا سلب غدار ألقى به ذا العذر بالبسط ... والتخويل في معروفي الجاري تأتي ذوو الأعذار سعيا له ... فتنثني من غير أعذار وله ألغاز مستعذبة استعمل فيها طرقا من التورية مستغربة، من ذلك ما أنشدنا لنفسه في وصف قنطرة الخليج وكسره. وما اسم خماسي الحروف مؤنث ... يمر عليه من يسير ومن يسري له حسن شكل زين الرفع نصبه ... على أنه لم يبن إلا على الكسر له الدهر كم من جعفر وخليفة ... أتى راكبا هذا وهذا أتى يجري وكم قامت الحرب الضروس لأجل ما ... جرى عنده والنصر تم لذي الصبر وتلك على التحقيق حرب مسرة ... كما قد بكى المسرور من كثرة البشر

وأنشدنا لنفسه في حق: يا إماما في كل علم وفن ... وله في القريض باع وكف أي شيء من أرض صنعا ظريف الشكل ... لم يحك ذاك للظرف طرف وله حافر برجل ويمشي ... وله منطق وسمع وطرف يكتم السر لا يبوح بسر ... ومن كرام الأصول ما فيه خلف حق ما قتله تجده مغطى ... ولو له لو فهمت في الحال كشف وأنشدنا لنفسه في مخفية على لفظ ما تنطق به العامة يا شاعرا في عصره واحدا ... ألفاظه في الشعر قسية ما اسم تراني أبدا شيقا له ... ولو كنت على نية حروفه تكتبها ظاهرا ... وليس تقرأ غير مخفية وقد ردد هذا المعنى في وصف آنية يسمونها خماسية، في بيت أنشده لنا من أبيات لم يستحضر غيره: حروفه عدا سداسية ... وأنت تقرأها خماسية نحو من هذا ما أنشدنا صاحبنا الأديب الكاتب أبو الحجاج يوسف بن عَلِيٍّ الطرطوشي لنفسه ملغزا في رباعي: ما اسم لدى العد سداسي ... وهو إذا شئت خماسي وهو رباعي على حاله ... فاعجب له، وهو ثلاثي وأنشدنا لنفسه ملغزا في وصف نار، وكتب به لشخص من أصحابه يعرف بالسراج عمر: وما اسم ثلاثي به النفع والضرر ... له طلعة تغني عن الشمس والقمر وليس له وجه وليس له قفا ... وليس له سمع وليس له بصر يمد لسانه تختشي الريح بأسه ... ويهزأ يوم الضرب بالصارم الذكر

يموت إذا ما قمت تسقيه قاصدا ... وأعجب من ذا أن ذاك من الشجر أيا سامع الأبيات دونك شرحها ... وإلا فنم عنها ونبه لها عمر وقد أملى علينا غير ذلك من نظمه جده وهزله، فيما لم نر إيراده هنا، وأظن السراج عمر هذا المخاطب هو السراج عمر المعروف بالوراق أحد أدباء الديار المصرية، ومما بلغنا من نظمه أعني من نظم السراج الوراق قوله: يا نازح الطيف مر نومي يعاودني ... فقد بكيت لفقد النازحين دما أوجبت غسلا على عيني بأدمعها ... وكيف وهي التي لم تبلغ الحلما وقوله: سألتهم وقد زموا المطايا ... ففوا نفسا فساروا حيث شاءوا ولا عطفوا على وهم غصون ... ولا التفتوا إلى وهم ظباء وهذا من النظم البديع والنسج الرفيع ولنصير هذا مراجعات ومداعبات ومطايبات مع فضلاء أدباء المصريين، فمما كتب به إليه الأديب أبو الحسين المعروف بالجزار: حسن التأتي مما يدل على ... عقل الفتي والعقول تختلف والعبد من كان في جزارته ... يعرف من أين تؤكل الكتف

فجاوبه نصير بقوله: ومذ عرفت الحمام ظلت فتى ... لطف يداري من لا يداريه أقبل عذرا من كل معتذر ... وأطلب الرزق عند باريه أعرف حر الأشيا وباردها ... وآخذ الماء من مجاريه وعلى ذكر الحمامي والحمام، ما أنشدنا بعض أصحابنا لبعض المشرقيين في وصف طياب: وقيم كلمت جسمي أظافره ... بغير ألسنة تكليم خرصان إن أمسك اليد منى كاد يخلعها ... أو سرح الشعر عند الغسل أبكاني فليس يمسك بالمعروف منه يدا ... ولا يسرح تسريحا بإحسان ومما وجدته للأديب البارع أبي عثمان سعد بن عَبْدِ اللَّهِ الأقوبي، رَحِمَهُ اللَّهُ ملغزا في مضاوي الحمام وهو من النثر الجيد في معناه. ما نجوم اشرقت في سماء، تنير مع الضياء وتخفي عند الظلماء، يهتدى بأنوارها الساطعة، إذا كانت الشمس طالعة، وإن من أعجب الأمور، أن انكدارها يقضي بزيادة النور، فيا ذا الذهن الثاقب، أنبئني ما هذه الكواكب؟ لو قَالَ: يهتدي بأنواها الباهرة، ما دامت الشمس ظاهرة لكان عندي أحسن. ووقفت بإفريقية على جزء صنفه المحدث الرواية العدل أمين الدين أَبُو الْقَاسِمِ عبد الرحيم بن أَحْمَدَ بن عَلِيِّ بْنِ طلحة الأَنْصَارِيّ، الخزرجي، ذكر فيه الأحاديث الواردة في ذكر الحمام، وختمه بأبيات مما يليق بذكر الحمام، رأيت أن أوردها هنا، ليتضمن اسم هذا الحمامي، ما يصلح أن يحاضر به في الحمام، قَالَ في آخره: شاهدت في صفة حمام بإشبيلية مكتوبا: أتصعب الحمام من فرط حره ... وتنسى لهيبا في فؤادي وأضلعي وما اشتق إلا من لهيبي لهيبه ... وما ماؤه إلا بقية أدمعي

وشاهدت في الصفة التي تقابلها منه: ولم أدخل الحمام ساعة بينهم ... طلاب نعيم، قد رضيت ببوسي ولكن لتجري دمعتي مطمئنة ... فأبكي ولا يدري بذاك جليسي قال: وبت ليلة في حمام الخشابين في إشبيلية مع الآجل أبي عبد الرحمن بن السيد المرحوم أبي إِسْحَاق بن أمير المؤمنين رحمهم الله، ووزيره أبي زيد عبد الرحمن بن العباس بن تيفوت، وكاتبه أبي عمرو بن حفصون الشلبي، وكان شاعرا مجيدا، وكان عبد الرحمن أجلح الرأس ثم حلق ما في مؤخر رأسه، فكأن رأسه لم يخلق الله فيه شعرا قط، فناوله الأجل أبو عبد الرحمن المشط والطفل، وقال له اغسل رأسك يا عبد الرحمن، فأنشأ أبو عمرو في ذلك الوقت يَقُولُ: منحتم المشط لمن عهده ... بالشعر يا مولاي عهد قديم فلو خطاياه كما شعره ... أتي إلى الله بقلب سليم قال أمين الدين: سَمِعْتُ أبا الميمون عبد الوهاب بن عتيق بن وردان يَقُولُ: كان ابن الدوري من أهل الأدب والفضل بمصر، فدخل الحمام ومعه ابن رزين فقال ابن رزين. لله يوم بحمام نعمت بها ... والماء من حوضها ما بيننا جار كأنه فوق شقات الرخام ضحى ... ماء يسيل على أثواب قصار فقال ابن الدوري مجيبا في ذلك:

وشاعر أوقد الطبع الذكاء له ... فكاد يحرقه من فرط إذكاء أقام يعمل أياما رويته ... وشبه الماء بعد الجهد بالماء قال أمين الدين قَالَ أبو الميمون رَحِمَهُ اللَّهُ، وله في الحمام أيضا، ثم أنشدني قوله: إن عيش الحمام أطيب عيش ... غير أن المقام فيه قليل هي مثل الملوك يضفي لك الود ... قليلا لكنه يستحيل جنة تكره الإقامة فيها ... وجحيم يطيب فيه الدخول فكأن الغريق فيها كليم ... وكأن الحريق فيها خليل انتهى ما ختم به الجزء فلنجعله ختام ذكر الحمامي، ولنتبع ذلك بفائدة علمية فنقول: إن هذا الاعتراض الذي اعترض به ابن الدوري تشبيه ابن رزين، حتى أتى من الزري عليه بما يزري به ويشين، ليس بصحيح، فإن التشبيه على ضربين: ضرب تمثل فيه ذات شيء بذات شيء آخر لوجود شبه جامع بينهما وضرب يشبه فيه حال من شيء بحال من شيء آخر. ومن هذا النوع الثاني، هو قول ابن رزين، فكأنه إنما شبه المجموع بالمجموع لا المفردين بالمفردين فلما تخيله ابن الدوري من تشبيه المفرد بالمفرد بادر بالاعتراض. والنوع الأول كثير بحيث يعني عن المثال: مديحي عصا موسى وذلك أنني ... ضربت به بحر الندر فتضحضحا فيا ليت شعري إن ضربت به الصفا ... أيبعث لي منه جداول سيحا

كتلك التي أبدت ثرى البحر يابسا ... وأجرت عيونا في الحجارة سفحا سأمدح بعض الباخلين لعله ... إذا اطرد المقياس أن يتسمحا فإن ارتاب مرتاب في حسن قول ابن الرومي، وقال ليس في المديح شيء يشبه العصا، فجوابه، أن يقال: إن التشبيه إنما وقع حال المديح وحال العصا، وذلك من أبدع التشبيه وأبرعه. ومما يشبه قول ابن رزين هذا قول الشيخ الصوفي أبي يعقوب بن السماط نفع الله، به: والخيل مع قرع الشكيم كأنها ... ترمي بقطن بالدماء يليل

- صاحبنا أبو حيان الجياني وممن لقيناه أيضا بالقاهرة المعزية، مجددين للقائه، شاكرين لعهده وصفائه، صاحبنا الأديب النحوي المتفنن المحدث أثير الدين أبو حيان محمد بن حيان الجياني، فمما أنشدني لنفسه، وهومن جيد قوله، وذكر أن بعض أصحابه الذين كانوا يقرؤون عليه ويتعلمون بين يديه، سايره ليلة في بعض أسواق القاهرة، وكان يلقب بدر الدين، فقال له: يا سيدي هل طلع البدر فأنشده ارتجالا:

سأل البدر هل تبدي أخوه ... قلت يا بدر لن يطيق طلوعا كيف يبدو وأنت بالليل باد! ... أو بدران يطلعان جميعا قلت: وهذا مما ينظر إلى ما أنشدنا الأديب الحسيب أبو العباس بن أبي طالب العزفي لنفسه: وعدتني أن تزور يا أملي ... فلم أزل للطريق مرتقبا حتى إذا الشمس للمغيب دنت ... وصيرت من لجينها ذهبا أيأسني البدر منك حين بدا ... لأنه لو ظهرت لاحتجبا وأنشدني لنفسه: إذا غاب عن عيني أقول سلوته ... وإن لاح حال اللون واضطرب القلب تهيجني عيناه والمبسم الذي ... به المسك، منظوم به اللؤلؤ الرطب وأنشدني لنفسه: أيا باخلا حتى بلمس بنانه ... تعطف على من جاد فيك بنفسه غريب الحب لم ينو سلوة ... طوال الليالي أو يحل برمسه وأنشدني لنفسه: ما كنت أدري الكيميا موجودة ... حتى شهدتكم لدى الهيجاء فرأيت فضة تبركم ورماحكم ... عادت نضارا من دم الأعداء وأنشدني لنفسه: من نصير المشوق من لحظ خضر ... كلم القلب كلمة ليس تبرا تبع القلب شخصه إذ تولى ... وكذاك الكليم يتبع خضرا وأنشدني بالقاهرة، قَالَ: أنشدنا شيخنا أمين الدين أبو اليمن ابن عساكر،

لنفسه، وقد بعث إليه أحد أصحابه فتى اسمه محمد يستدعي منه الختمة فوجهها إليه وكتب معه: ملاوي إن محمدا وافى إلى ... علياك بالذكر الحكيم رسولا علقت به روح الأمين صبابة ... فعليه نزل حبه تنزيلا ومما أخبرني به صاحبنا أبو حيان، وكتبه بخطه ما نصه: قال أبو حيان الأندلسي، وسطره بخطه، حدثنا التاجر أَبُو عَبْد اللَّهِ البرجوني بمدينة عيذاب من بلاد السودان وبرجونه قرية من قرى دار السلام، قَالَ: كنت بجامع كولم من بلاد الهند، ومعنا رجل مغربي اسمه يونس، فقال لي: اذكر لنا شيئا؟ فقلت له قَالَ علي صلوات الله عليه «إذا وضع الإحسان في الكريم أثمر خيرا، وإذا وضع في اللئيم أثمر شرا، كالغيث يقع في الأصداق فيثمر الدر، ويقع في فم الأفاعي فيثمر السم» ، فما راعنا إلا ويونس المغربي قد أنشد لنفسه: صنائع المعروف إن أودعت ... عند كريم زكت النعما وإن تكن عند لئيم غدت ... مكفورة موجبة إثما كالغيث في الأصداف در وفي ... فم الأفاعي مثمر سما قال: أبو حيان: فلما سَمِعْتُ هذه الأبيات نظمت معناها في بيتين وهما: إذا وضع الإحسان في الحب لم يفد ... سوى كفره، والحر يجزي به شكرا كغيث سقى الأفعى فجادت بسمها ... وصادف أصدافا فأثمرت الدرا وأنشدنا صاحبنا أبو حيان محمد بن حيان الجياني بالقاهرة، وكتبه لنا بخطه، قَالَ أنشدني صفي الدين التاجر الموثر الفاضل أبو محمد عبد الوهاب بن الرشيد التكريتي بعيذاب من بلاد السودان، قَالَ: أنشدنا ظهير الدين أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد القبيصي لناظر الجيوش عون الدين بن العجمي بدمشق.

لهيب الخد حين بدا لعيني ... هوى قلبي عليه كالفراش فأحرقه فصار عليه خالا ... وها أثر الدخان على الحواشي وأنشدنا أبو حيان بالقاهرة وكتبه لنا بخطه، قَالَ: أنشدنا الأمير بدر الدين أبو المحاسن يوسف بن سيف الدولة أبي المعالي بن زماخ الحمداني المهمندار لنفسه بالقاهرة: فلا تعجب لحسن المدح مني ... صفاتك أظهرت حكم البوادي وقد تبدي لك المرآة شخصا ... ويسمعك الصدى ما قد تنادي وأنشدنا صاحبنا أبو حيان بالقاهرة وكتبه لنا بخطه، قَالَ، أنشدنا أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَحْمَدَ بْنِ تولوا النحوي اللغوي الأديب الإمام لنفسه، بجامع عمرو بن العاص من مصر: أما السماح فقد أقوت معالمه ... فما على الأرض من ترجى مكارمه ولا يغرنك من يلقاك مبتسما ... فطال ما غر برق أنت شائمه لا تتعب النفس في استخلاص راحتها ... من باخل لؤمه في الجود لائمه آخي المذلة إعزازا لدرهمه ... ويصحب الذل من عزت دراهمه ماذا أقول لدهر عاش جاهله ... غنى، ومات بسيف الفقر عالمه قد سالم النقص حتى ما يحاربه ... وحارب الفضل حتى ما يسالمه وأنشدنا صاحبنا أبو حيان بالقاهرة، وكتبه بخطه، قَالَ: أنشدنا الإمام محب الدين أبو محمد أحمد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي بكر الطبري، بمكة المشرفة، لجدته فاطمة بنت محمد بن عبيد الله الخطيبي الأصبهاني، من قصيد طويل ترثى به:

فلا تنكرن صبري إذن وتجلدي ... ففي الصخرة الصماء للماء منبع وفيها لمن رام الزناد وقيده ... فيا عجبا ضدان في الصخر مودع وأنشدنا أبو حيان بالقاهرة وكتبه لنا بخطه، قَالَ: أنشدنا الإمام الأديب الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن أبي بكر يَحْيَى بن عَبْدِ اللَّهِ الهذلي التطيلي لنفسه، من قصيد بمدينة غرناطة. كيف اعتقدت ظباء الإنس غزلانا ... وقد تثنت على الكثبان أغصانا سلت صوارم ألحاظ لها فتن ... على القدود التي تهتز خرصانا فما استباحت حمى قلب تعشقها ... حتى أعدت من الألحاظ أعوانا ومن رأى وجنات الورد يانعة ... لم يعدم الحسن أن يلقاه بستانا أهدت شذا عرفها الأراج عاطرة ... فضمخت منه أعطافا وأردانا ألقي هواها بمرآة النهى فأبى ... منها الكمال الذي لم يحو نقصانا كأنما كحلت بالسحر أعينها ... فأذهلت حين راشت منه أجفانا وأثبتت حدق منها إذا نظرت ... في وسطها من سواد القلب إنسانا وقد تناثر لما طار من شغف ... فصار في أوجه الغزلان خيلانا وأنشدني أبو حيان بالقاهرة وكتبه لنا بخطه، قَالَ: أنشدنا الفقيه الأصولي وجيه الدين رحله الوقت أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي طالب أحمد بن عمران الأَنْصَارِيّ، الأزدي السعدي، بقراءتي عليه بإسكندرية، بإسناده لظاهر بن الْحَسَنِ المخزومي. ليس التصوف أن يلاقيك الفتى ... وعليه من نسج النحوس مرقع بطرائق بيض وسود لفقت ... فكأنه فيها غراب أبقع إن التصوف ملبس متعارف ... يخشى الفتى فيه الآله ويخشع وأنشدني أبو حيان، قَالَ: أنشدني أَبُو الْحَسَنِ حازم لنفسه:

بلغت في الأعداء كل مراد ... وغدا لك التأييد ذا إسعاد الأبيات الثمانية، وقد تقدم سماعي لها، من قائلها، شيخنا أبي الحسن حازم في رسمه، وتوجهت يوما لزيارة قبر الإمام الشافعي رضي الله عنه وتطوفت بالقرافة لزيارة فضلاء من بها، فقرأت في حائط مكتوبا بفحم: أيتها النفس إليه اذهبي ... فحبه المشهور من مذهبي مفضض الثغر له نقطه ... من عنبر في خده المذهب أيأسي التوبة من حبه ... طلوعه شمسا من المغرب وكتب بإزائه أيضا: لا تحسبن شامة في خده طبعت ... على صقالة خد راق منظره وإنما خده الصافي تخال به ... سواد عينيك خالا حين تنظره وقال: كتبه حسين بن مُحَمَّدٍ الدميني، وكتبت في الحائط بالفحم بإزاء الأبيات الثلاثة الأولى. قال شاعر المغرب أبو الحكم مالك بن المرحل

مذهبي تقبيل خد مذهب ... سيدي ماذا ترى في مذهبي لا تخالف مالكا في رأيه ... فبه يأخذ أهل المغرب ثم كان انصرافنا عن معد حرسها الله، داعين إلى الله تعالى عز وجل في تيسير المسير وتسهيل العسير، ليلة الجمعة الثانية والعشرين لشهر صفر من عام خمسة المذكور، وأنا شاك من الرمد الذي كان عراني، والله أسأل الشفاء والعافية. ووافينا ثغر الإسكندرية عشية يوم الأربعاء، السابع والعشرين من صفر، وحالتي من الرمد مشتدة، منعتني من استيفاء أغراض عدة، وأهل علينا بها هلال شهر ربيع الأول عرف الله بركته ليلة السبت. وفي تلك الليلة توفي الشيخ المحدث سراج الدين أبو بكر بن فارس شيخنا رَحِمَهُ اللَّهُ، ودفن عصر يوم السبت غرة الشهر، مر بجنازته علي وأنا بشارع الروحي، باحد الفنادق هناك، والمذكورن بين يديه، والثناء كثير عليه، رحمه لله ونفعه، وكان منهم من يَقُولُ: هذا المحدث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم أستطع حضور جنازته للرمد الذي وصفته.

ذكر من لقيناه بثغر الإسكندرية في الصدور ممن لم نكن لقيناه في الورود 1 7 وجيه الدين أبو محمد بن خير 1 - لقينا به الشيخ الجليل الأصيل وجيه الدين أبا محمد عَبْد اللَّهِ بن خير بن حميد بن خلف القرشي. سَمِعْتُ عليه وأجاز لي ولبني عائشة وأمة الله ومحمد، ولأخواتي، ولمن ذكر معي في الاستدعاء، وكتب خطه في ذلك وكتب اسمه بما نصه: وكتب عَبْد اللَّهِ بن خير بن أبي محمد بن خلف القرشي، فلعل حميدا هو المكني بأبي محمد، وعلى ما ذكرته أولا كتبه في طبقة السماع صاحبنا الصفي محمود بن أبي بكر التنوخي الشافعي. سمعت عليه بقراءة الصفي المذكور الجزء الخامس والسادس من أحاديث الخلعي، وذلك في يوم الأحد ثاني شهر ربيع الأول بشارع الروحي، بأحد المساجد هناك، بسماعه لهما من أبي عَبْد اللَّهِ محمد بن عماد بن مُحَمَّدٍ الحراني، في سنة خمس عشرة وست مائة، بسماعه من أبي محمد بن غدير، قال، أنا أَبُو الْحَسَنِ الخلعي رَحِمَهُ اللَّهُ، وكانت نسختي من الكتاب التي بخط حماد بن هِبَةِ اللَّهِ الحراني خال محمد بن

عماد، يمسكها صاحبنا شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن طي بن حاتم الزبيري المصري، حفظه الله. أنا الشيخ الجليل أبو محمد عَبْد اللَّهِ بن خير القرشي سماعا عليه، بثغر الإسكندرية في التاريخ المذكور، قَالَ: أنا أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن عماد بن مُحَمَّدٍ الحراني سماعا عليه في سنة خمس عشرة وست مائة، قَالَ: أنا الشيخ أبو محمد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رفاعة بن غدير السعدي، سماعا عليه. قلت: وكان ذلك في الثامن عشر من محرم سنة ست وخمسين وخمس مائة بالجامع من مصر، قيل له: أَخْبَرَكُمُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخِلَعِيُّ، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، قَالَ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، أنا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَدِينِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ، نا أَبُو مُوسَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، سَمِعَهُ يَقُولُ: اطَّلَعْتُ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُنِي لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ النَّظَرِ»

من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه، وأني محمد رسول الله دخل الجنة» قلت: أبا الطاهر

هذا أول حديث في الجزء الخامس. ومنه بالإسناد إلى أبي الحسن الخلعي رَحِمَهُ اللَّهُ: أنا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمُقْرِي، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، نا الْقَاضِي أَبُو الطَّاهِرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْد اللَّهِ بِنْ نَصْرِ بْنِ بجير بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ الذُّهْلِيُّ إِمْلاءً، نا أَبِي، نا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، نا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ، وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» قلت: أبا الطاهر هذا، المذكور في هذا الإسناد، يعتبر الاسم الواقع في نسبه بجير بضم الباء وفتح الجيم، وكان أبو الطاهر هذا قاضيا فاضلا جليلا في القضاء، سمع بشر بن موسى، وأبا مسلم الكشبي، وأحمد بن يَحْيَى ثعلبا، وهو آخر من حدث عنه، وخلقا كثيرا، وكان ثقة ثبتا كثير السماع فاضلا، سمع منه الدارقطني ومن بعده، وكان أبوه أبو العباس أحمد الْقَاضِي واسط، يحدث عن محمود بن

خداش وغيره، كذا قيده الأمير، وعنه ما ذكرته، وبعضه: وبه إلى الخلعي: أنا أبو محمد إسماعيل بن عمرو بن إِسْمَاعِيلَ المقري، نا أَبُو الْقَاسِمِ الحسين بن عَبْدِ اللَّهِ القرشي، نا أَبُو الْقَاسِمِ علي بن الْحَسَنِ بْنِ قديد الأزدي، نا أبو الربيع، ابن أبي رشدين، نا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبب، قَالَ: قَالَ هشام بن عبد الملك لابن شهاب: أبلغك أنه من قَالَ: لا إله إلا الله دخل الجنة؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض، فلما أنزلت الفرائض لم تنفع لا إله إلا الله إلا بأدائها.

لا يخافن أحدكم إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه، ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحي من

وبه إلى الخلعي: أنا الْخَصِيبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَصِيبِ الْقَاضِي، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، نا أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَصِيبُ الْقَاضِي، إِمْلاءً، أنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، نا أَبُو الرَّبِيعِ، نا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي غَمْرَةَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: « لا يَخَافَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا ذَنْبَهُ، وَلا يَرْجُوَنَّ إِلا رَبَّهُ، وَلا يَسْتَحِي مَنْ لا يَعْلَمُ أَنْ يَتَعَلَّمَ، وَلا يَسْتَحِي مَنْ يَعْلَمُ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ لا أَعْلَمُ» وبه إلى الخلعي: أنا الخصيب بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الخصيب، نا أبي الْقَاضِي أبو بكر بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الخصيب، نا جعفر بن محمد، نا أحمد بن عِيسَى، نا عَبْد اللَّهِ بن وهب، عن مالك بن أنس، أن سعيد بن المسيب كان يَقُولُ:

سترون ربكم لا تضامون في رؤيته كما تنظرون إلى القمر ليلة البدر، فمن استطاع منكم أن لا يغلب

«إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد» أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْجَلِيلُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَيْرٍ، سَمَاعًا عَلَيْهِ بِثَغْرِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ فِي التَّارِيخِ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عِمَادٍ الْحَرَّانِيُّ، سَمَاعًا عَلَيْهِ، فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مِائَةٍ، نا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ رِفَاعَةَ سَمَاعًا عَلَيْهِ، قُلْتُ: وَذَلِكَ فِي مُحَرَّمٍ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ بِالْجَامِعِ مِنْ مِصْرَ، قِيلَ لَهُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْخِلَعِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنْتَ تَسْمَعُ فِي مَسْجِدٍ بِالْقَرَافَةِ مِنْ مِصْرَ، قَالَ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الشَّاهِدُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، أنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ بِشْرِ بْنِ دِرْهَمٍ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الأَعْرَابِيِّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، بِمَكَّةَ وَأَنَا بِمَكَّةَ وَأَنَا أَسْمَعُ، نا أَبُو عُثْمَانَ سَعْدَانُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ الْمَخْرَمِيُّ الْبَزَّازُ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْهِلالِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ لا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ كَمَا تَنْظُرُونَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لا يُغْلَبَ عَلَى صَلاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَلْيَفْعَلْ»

لا إله إلا الله ثلاث مرات، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق

هذا أول حديث في الجزء السادس وبالإسناد منه الخلعي: أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّازُ، أنا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادِ بْنِ بِشْرِ بْنِ الأَعْرَابِيِّ بِمَكَّةَ، نا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ الْمَخْرَمِيُّ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: " اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَوْمٍ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: لا إِلَه إِلا اللَّهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فَتْحٌ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمْأَجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ حَلْقَةً بِإِصْبَعِهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ". قلت: اجتمع في هذا الحديث أربع صحابيات: زوجتان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وربيبتان -

شرف الدين بن الصواف ولقينا بها الشيخ الجليل الأصيل العدل شرف الدين أبا الحسين يَحْيَى بن أَحْمَدَ بْنِ عبد العزيز بن عَبْدِ اللَّهِ علي بن عبد الباقي بن عَلِيِّ بْنِ الصواف، وذلك في ثاني شهر ربيع الأول. سَمِعْتُ عليه وأجاز لي، ولأولادي محمد بن أبي القاسم وعائشة وأمه الله، وأخواتي عائشة وفاطمة ورحمه، وجميع من ذكر معي في الاستدعاء، وهو جيد الخط، عارف بما يكتب، وكتب أن مولده في سنة تسع وست مائة. سمت عليه في اليوم المذكور بقراءة الصفي محمود جميع الجزء العاشر من الخلعيات، بحق سماعه له من ابن عماد مع جميع الخلعيات، كذا تقيد في طبقة سماعي بخط الصفي محمود، وكان كتابي يمسكه شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر الزبيري.

ينزل ربنا تبارك وتعالى، كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقي ثلث الليل فيقول: من يدعوني

أنا شَرَفُ الدِّينِ أَبُو الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الصَّوَّافِ سَمَاعًا عَلَيْهِ فِي التَّارِيخِ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عِمَادٍ الْحَرَّانِيُّ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ غَدِيرٍ السَّعْدِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ فِي التَّاسِعَ عَشَرَ مِنْ مُحَرَّمَ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِ مِائَةٍ، قِيلَ لَهُ أَخْبَرَكُمُ الْقَاضِي الْفَقِيهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْخِلَعِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنْتَ تَسْمَعُ بِقَرَافَةِ مِصْرَ بِمَسْجِدِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الْعَشْرِ الأَوَّلِ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، وَمَرَّةً ثَانِيَةً فِي صَفَرَ سَنَةَ تِسْعِينَ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، قَالَ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّازُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، نا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَدِينِيُّ الْمُعَدَّلُ، نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ أَبُو مُوسَى، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُنَزِّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى، كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَي ثُلُثُ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرَنِي فَأَغْفِرَ لَهُ " وَبِهِ إِلَى الْخِلَعِيِّ: أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّازُ، نا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ كَامِلٍ الْحَضْرَمِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، نا أَبُو زَكَرِيَّاءَ،

من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك، لا شريك لك، فلك

يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِيٍّ الْعَلافُ، نا سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، أنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ غَنَّامٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فَمِنْكَ وَحْدَكَ، لا شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ، وَلَكَ الشُّكْرُ، أَدَّى شُكْرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ " وَمِنْهُ بِالإِسْنَادِ إِلَى الْخِلَعِيِّ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْبَزَّازُ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، نا أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَدِينِيُّ، نا أَبُو مُوسَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو يَقُولُ:

اللهم إني أسألك علما نافعا، وأعوذ بك من علم لا ينفع» .

«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ» . قَالَ جَابِرٌ: فَأَسْرَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ فَادْعُوا بِهِنَّ وَمِنْهُ بِالإِسْنَادِ إِلَى الْخِلَعِيِّ، أنا أَبُو النُّعْمَانِ ترابُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، نا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَهْدِيٍّ الدَّارَقُطْنِيُّ إِمْلاءً، نا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَالِكِيُّ، الْقَاضِي بِالْبَصْرَةِ، نا النَّضْرُ بْنُ طَاهِرٍ أَبُو الْحَجَّاجِ، نا زَنْفَلٌ الْعَرَفِيُّ، عَنِ ابْنِ مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، قَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي "

يكثر هذا الدعاء: «اللهم اجعل واسع رزقك علي عند كبر سني» وهذا الجزء العاشر معظمه في الدعاء

وَبِهِ إِلَى الْخِلَعِيِّ، أنا أَبُو النُّعْمَانِ ترابُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدٍ، نا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَهْدِيٍّ الدَّارَقُطْنِيُّ، نا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجُنَيْدِ، نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، نا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ حُرَيْثٍ، نا عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ هَذَا الدُّعَاءَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ وَاسِعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّي» وهذا الجزء العاشر معظمه في الدعاء والأذكار الشرعية، فيه من ذلك كل شيء حسن جميل.

رجع إلى أبي الحسن التجاني وممن تجدد لنا لقاؤه بثغر الإسكندرية الشيخ الفقيه الفاضل المقري المسند الأديب البارع الحسن الأخلاق أَبُو الْحَسَنِ علي بن إِبْرَاهِيمَ التجاني، ولما قدم الإسكندرية اعتنى به هنالك، وقدم لعقد الوثاقة، وارتسم في

عدولها وصدور شهودها، وتركناه بثغر الإسكندرية على تلك الحالة، وهو أهل لذلك، أنشدنا وصل الله بهجته، وحرس مهجته، ورد غربته، قَالَ: أنشدني والدتي ابنة الْقَاضِي المفتي أبي زيد عبد الرحمن بن عبد السلام بن أبي القاسم الجمحي لنفسها، واسمها ست الأهل ملغزة تميما، وكأني الآن أشك هل كان هذا الإنشاد بمصر أو بثغر الإسكندرية. يقولون لي هذا حبيبك ما اسمه فما اسطعت إفشاء وما اسطعت أكتم فقلت اسمه ميم وحرف مقدم فهذا اسم من أهوى فديتكم افهموا ومن شعر ست الأهل المذكورة ما أنشدني بعض الأصحاب، غاب عني تعيينه الآن، ملغزة أيضا في حسناء: حبيب نأى عني وفي القلب مثواه وأحرق أحشائي لهيب لذكراه كتمت اسمه خوف الوشاة تعمدا فصحف تجد في أول الشعر معناه ومما أنشدناه الشيخ أَبُو الْحَسَنِ بلفظه وَأَنَا أَسْمَعُ بثغر الإسكندرية المحروس، وذلك في يوم السبت مستهل شهر ربيع الأول من عام خمسة وثمانين وست مائة، وأجاز لنا في التاريخ جميع ما يجوز له وعنه روايته بشرطه، وكتب ذلك عنه في طبقة السماع عليه صاحبنا أحمد بن أبي بكر بن طي بن حاتم القرشي الزبيري حفظه الله وتولاه، القصيد الرثائي الحافل الذي رثى به الكاتب الجليل المحدث المتقن أَبُو عَبْد اللَّهِ القضاعي الأبار، شيخه الإمام المحدث الخطيب الشهيد أبا الربيع سليمان بن موسى بن سالم، لما استشهد بكائنة

أنيشة حصن من حصون بلنسية جبرها الله، على ثلاثة فراسخ، وذلك ضحى يوم الخميس الموفي عشرين لذي الحجة سنة أربع وثلاثين وست مائة، قَالَ: أنشدنا قائله الإمام أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن أبي بكر القضاعي الأبار، لنفسه رَحِمَهُ اللَّهُ: ألما بأشلاء العلى والمكارم ... تقد بأطراف القنى والصوارم وعوجا عليها مأربا وحفاوة ... مصارع غصت بالطلى والجماجم نحيي وجوها في الجنان وجيهة ... بما لقيت حمرا وجوه الملاحم وأجساد إيمان كساها نجيعها ... مجاسد من نسج الظبا واللهاذم مكرمة حتى عن الدفن في الثرى ... وما يكرم الرحمان غير الأكارم هم القوم راحوا للشهادة فاغتدوا ... وما لهم في فوزهم من مقاوم تساقوا كئوس الموت في حومة الوغى ... فمالت بهم ميل الغصون النواعم مضوا في سبيل الله قدما كأنما ... يطيرون من أقدامهم بقوادم يرون جوار الله أكبر مغنم ... كذاك جوار الله أسنى المغانم عظائم راموها فخاضوا لنيلها ... ولا روع يثنيهم صدور العظائم وهان عليهم أن تكون لحودهم ... متون الروابي أو بطون التهائم ألا بأبي تلك الوجوه سواهما ... وإن كن عند الله غير سواهم عفا حسنها إلا بقايا مباسم ... يعز علينا وطؤها بالمناسم وسؤر أسارير تنير طلاقة ... فتكسف أنوار النجوم العواتم لئن وكفت فيها العيون سحائبا ... فعن بارقات لحن منها لشائم ويا بأبي تلك الجسوم نواحلا ... بإجرائها نحو الأجور الجسائم تغلغل فيها كل أسمر ذابل ... فجدل منها كل أبيض ناعم فلا يبعد الله الذين تقربوا ... إليه بإهداء النفوس الكرائم مواقف أبرار قضوا من جهادهم ... حقوقا عليهم كالفروض اللوازم أصيبوا، وكانوا في العبادة أسوة ... شبابا وشيبا بالغواشي الغواشم

فعامل رمح دق في صدر عامل ... وقائم سيف قد في رأس قائم ويا رب صوام الهواجر واصل ... هنالك مصروم الحياة بصارم ومنقذ عان في الأداهم راسف ... ينوء برجلي راسف في الأدهم أضاعهم يوم الخميس حفاظهم ... وكرهم في المأزق المتلاحم سقى الله أشلاء بسفح أنيشة ... سوافح تزجيها ثقال الغمائم وصلى عليها أنفسا طاب ذكرها ... فطيب أنفاس الرياح النواسم لقد صبروا فيها كراما وصابروا ... فلا غرو أن فازوا بصفوا المكارم وما بذلوا إلا نفوسا نفيسة ... تحن إلى الأخرى حنين الروائم ولا فارقوا، والموت يتلع جيده ... بحيث التقى الجمعان، صدق العزائم بعيشك طارحني الحديث عن التي ... أراجع فيها بالدموع السواجم وما هي إلا غاديات فجائع ... تعبر عنها رائحات مآتم جلائل دق الصبر فيها فلم نطق ... سوى غض أجفان وعض أباهم أبيت لها تحت الظلام كأنني ... رمي نصال أو لديغ أراقم أغازل من برح الأسى غير بارح ... وأصحب من سامي البكا غير سائم وأعقد بالنجم المشرق ناظري ... فيغرب عني ساهرا غير نائم وأشكو إلى الأيام سوء صنيعها ... ولكنها شكوى إلى غير راحم وهيهات هيهات العزاء ودونه ... قواصم شتى أردفت بقواصم ولو برد السلوان حر جوانحي ... لآثرت عن طوع سلو البهائم ومن لي بسلوان يحل منفرا ... لجاث من الأرزاء حولي جاثم وبين الثنايا والمخازم رمة ... سرى في الثنايا طيبها والمخارم بكتها المعالي والمعالم جهدها ... فلهف المعالي بعدها والمعالم سعيد صعيد لم ترمه قرارة ... وأعظم بها وسط العظام الرمائم كأن دما أذكى أديم ترابها ... وقد مازجته الريح مسك اللطائم يشق على الإسلام إسلام مثلها ... إلى خامعات بالفلا وقشاعم كأن لم تبت تغشى السراة قبابها ... ويرعى حماها الصيد رعي السوائم

سفحت عليها الدمع أحمر وارسا ... كما تنثر الياقوت أيدي النواظم وسامرت فيها الباكيات نوادبا ... يؤقن تحت الليل ورق الحمائم وقاسمت في حمل الرزية قومها ... وليس قسيم البر غير المقاسم فوا أسفا للدين أعضل داؤه ... وأيأس من آس لمسراه حاسم ويا أسفا للعلم أقوت ربوعه ... وأصبح مهدود الذري والدعائم قضى حامل الآثار من آل يعرب ... وحامي هدى المختار من آل هاشم خبا الكوكب الوقاد إذ متع الضحى ... لنخبط في ليل من الجهل فاحم وخابت مساعي السامعين حديثه ... كما شاء يوم الحادث المتفاقم فأي بهاء غار ليس بطالع ... وأي سناء غاب ليس بقادم سلام على الدنيا إذا لم يلح بها ... محيا سليمان بن موسى بن سالم وهل في حياتي متعة بعد موته ... وقد أسلمتني للدواهي الدواهم فها أنا ذا في خوف دهر محارب ... وكنت به في أمن دهر مسالم أخو العزة القعساء كهلا ويافعا ... وأكفاؤه ما بين راض وراغم تفرد بالعلياء علما وسؤودا ... وحسبك من عال على الشهب عالم معرسه فوق السهى ومقيله ... ومورده قبل النسور الحوائم بعيد مداه لا يشق غباره ... إذا فاه السحر ضربة لازم يفوض منه كل ناد ومنبر ... إلى ناجح مسعاه في كل ناجم متى صدم الخطب الملم بخطبة ... كفى صادما منه بأكبر صادم له منطق سهل النواحي قريبها ... فإن رمته ألفيت صعب الشكائم وسحر بيان فات كل مفوه ... فبات عليه قارعا سن نادم وما الروض حلاه بجوهره الندى ... ولا البرد وشته أكف الرواقم بأبدع حسنا من صحائفه التي ... تسيرها أقلامه في الأقالم يمان كلاعي نماه إلى العلا ... تمام حواه قبل عقد التمائم

يروق رواق الملك في كل مشهد ... ويحسن وسما في وجوه المواسم ويكثر أعلام البسيطة وحده ... كمال معال أو جمال مقاوم لعا لزمان عاثر من جلاله ... بواق من الجلى أصيب بواقم مناد إلى دار السلام منادم ... بها الحور، واها للمنادي المنادم أتاه رداه مقبلا غير مدبر ... ليحظى بإقبال من الله دائم إماما لدين أو قواما لدولة ... تقضى ولم تلحقه لومة لائم وإن عابه حساده شرفا به ... فلن تعدم الحسناء ذاما لذائم فيا أيها المخدوم عال محله ... فدى لك من ساداتنا كل خادم ويا أيها المختوم بالفوز سعيه ... ألا إنما الأعمال حسن الخواتم هنيئا لك الحسنى من الله إنها ... لكل تقي خيمه غير خائم تبوأت جنات النعيم ولم تزل ... نزيل الثريا قبلها والنعائم ولم تأل عيشا راضيا أو شهادة ... ترى ما عداها في عداد المآثم لعمرك ما يبلى بلاؤك في العدى ... وقد جرت الأبطال ذيل الهزائم وتالله لا ينسى مقامك في الوغى ... سوى جاحد نور الغزالة كاتم لقيت الردى في الروع جذلان باسما ... فبوركت من جذلان في الروع باسم وحمت على الفردوس حتى وردته ... ففزت بأشتات المنى فوز غانم أجدك لا تثني عنانا لأوبة ... أداوي بها برح الغليل المداوم ولا أنت بعد اليوم واعد هبة ... من النوم تحدوني إلى حال حالم لسرعان ما قوضت رحلك ظاعنا ... وسرت على غير النواجي الرواسم وخلفت من يرجو دفاعك يائسا ... من النصر أثناء الخطوب الضوائم كأني للأشجان فوق هواجر ... بما عادني من عاديات هواجم عدمتك موجودا يعز نظيره ... فيا عز معدوم ويا هون عادم

ورمتك مطلوبا فأعيا مناله ... وكيف بما أعيا منالا لرائم وإني لمحزون الفؤاد صديعه ... خلافا لسال قلبه عنك سالم وعندي إلى لقياك شوق مبرح ... طواني من حامي الحوى فوق جاحم وفي خلدي والله ثكلك خالد ... ألية بر لا ألية آثم ولو أن في قلبي مكانا لسلوة ... سلوت، ولكن لا سلو لهائم ظلمتك إن لم أقض نعماك حقها ... ومثلي في أمثالها غير ظالم يطالبني فيك الوفاء بغاية ... سموت لها حفظا لتلك المراسم فأبكي لسلو بالعراء كما بكى ... زياد لقبر بين بصري وجاسم وأعبد أن يمتاز دوني عبدة ... بعلياء في تأبين قيس بن عاصم وهذي المراثي قد وفيت برسمها ... مسهمة جهد الوفي المساهم فمد إليها رافعا يد قابل ... أكب عليها حافظا فم لاثم نجزت، والحمد لله ورحم الله الجميع. وأجاز لنا الشيخ أَبُو الْحَسَنِ لفظا جميع ما يجوز له وعنه روايته بشرطه وذلك في يوم السبت مستهل شهر ربيع الأول عام خمسة وثمانين وست مائة، وكتب ذلك عنه في طبقة السماع عليه صاحبنا أحمد بن أبي بكر بن طي بن حاتم القرشي الزبيري حفظه الله وتولاه، وقد تقدم ذلك أول الرسم. ذكر من حضرنا من تسمية شيوخه: قرأ وسمع لي جماعة من أهل إفريقية، أجازوه إجازة عامة منهم:

جده أبو أمة قاضي الأنكحة بتونس أبو زيد عبد الرحمن بن عبد السلام بن قاضي الجماعة بها أبي القاسم الجمحي، والأستاذ الجامع أَبُو عَبْد اللَّهِ السوسي، وبين قراءته عليه وقراءة أبيه نحو من خمسين عاما، والْقَاضِي المدرس أَبُو الْحَسَنِ بن مُحَمَّدِ بْنِ الرشيد الأصبحي، والعدل الرواية أبو عمرو عثمان بن سفيان بن عمار التميمي، والفقيه المعدل أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن حسن بن بشارة الكندي وأنظارهم. وأخذ أيضا بالقراءة والسماع والإجازة عن جلة من الوافدين عليها من أهل الأندلس منهم: الناظم الناثر أَبُو عَبْد اللَّهِ القضاعي، والخطيب الأديب أبو محمد عَبْد اللَّهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن برطلة الأزدي، والْقَاضِي الرواية أبو إِسْحَاق إبراهيم بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عياش التجيبي، والمحدث الضابط أَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم بن مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم البلفيقي. وكتب إليه بالإجازة من أهل المشرق كبراؤهم ممن تجل أنظارهم وتقل نظراؤهم، ثم ارتحل إليهم فحج وأخذ مما لديهم. نقلته من خط ابنه أبي الفضل محمد بن عَلِيٍّ، قلت. . . . . . . . . .

3 - ابن الجابي البزاز وممن لقيناه بثغر الإسكندرية حماها الله تعالى في قفولنا، من طلبتها الأديب جمال الدين محمد بن مُحَمَّدِ بْنِ الجابي البزاز. أنشدني لنفسه وأملاه علي يخاطب شمس الدين أبا عَبْد اللَّهِ بن النعمان رَحِمَهُ اللَّهُ عز وجل، وهذا الشأن بالإسكندرية ضعيف، ولم يبق بها بعد فقد ناصر الدين بن المنير رَحِمَهُ اللَّهُ، من يعتبر: عرج بباب المنحنى وقبابه ... وأسأل أهيل الحي عن أعرابه وانشد فؤاد متيم قلق الحشا ... يشكو الجفا والبعد من أحبابه واقر السلام على الحبيب وقل له ... صل والها تحظ غدا بثوابه

اعطف وجد وارحم كئيبا مدنفا ... قد صرحت عواده بذهابه قد قرح الدمع المصون جفونه ... وتبرحت أحشاؤه بمصابه لا يستطيع تصبرا عن وصل من ... يفتر عن برد ومسك رضابه أترى أرى الوجه الجميل ويشتفى ... قلبي المعنى من لذيذ عتابه يا عاذلي دعني فلو عاينت ما ... عاينته من لفظه وخطابه لعذرتني ونظرت حسنا بارعا ... ورأيت ألفاظا أتت بكتابه هذا ابن نعمان الذي كل الورى ... يبغون علما نازلين ببابه شمس لدين الله، حافظ علمه ... بر، تقي، زاد في آدابه قطب الزمان، ومن علا فوق العلى ... صافي الأداة ففاز من يعنى به يا واحدا في عصره وزمانه ... يا منعما في بعده وإيابه بادرت تشريفا فزدت جلالة ... ورقيت عزا يا أجل صحابه من رام مدحك فهو عنه عاجز ... ماذا يَقُولُ وأنت فوق جوابه انتهت القصيدة وهي وإن كان في بعض أبياتها لطافة وحلاوة وعلى بعضها طلاوة فهي عديمة التلاؤم غير متناسقة الأبيات. قلت: أَبُو عَبْد اللَّهِ بن النعمان هو الشيخ الإمام الصوفي العارف شمس الدين أَبُو عَبْد اللَّهِ محمد بن موسى النعمان المزالي الفاسي، تجول في البلاد ونزل مصر، وكان معظما بها معروف الجلالة والمقدار، سمع من الهمداني، والصفراوي، وابن رواج، وابن الجميزي، وابن المقير، ومرتضى بن العفيف وغيرهم كثيرا، لم ندركه، توفي قبل وصولنا البلاد رَحِمَهُ اللَّهُ ونفعه، وله فضائل تذكر وكرامات تشهر،

قرأت بخط صاحبنا الأديب النحوي أبي حيان محمد بن حيان الجياني: أنشدنا شمس الدين أَبُو عَبْد اللَّهِ بن النعمان، قَالَ: أنشدنا الحافظ زكي الدين أبو محمد عن العظيم المنذري لنفسه: اعمل لنفسك صالحا لا تحتفل ... بظهور قيل في الأنام وقال فالناس لا يرجى اجتماع قلوبهم ... لابد من مثن عليك وقال

§1/1