مكارم الأخلاق لابن عثيمين

ابن عثيمين

مقدمة

مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, بعثه الله تعالى بالهدى ودين الحق, ليظهره على الدين كله, بعثه الله تعالى بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, فبلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة, وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين, ووفق الله من شاء من عباده فاستجاب لدعوته, واهتدى بهديه, وخذل الله بحكمته من شاء من عباده, فاستكبر عن طاعته, وكذب خبره, وعاند أمره, فباء بالخسران والضلال البعيد. أما بعد فبحثنا هذا يدور حول الحديث عن حسن الخلق ومكارم الأخلاق. والخلق: هو السجيةُ والطبع1, وهو كما يقول أهل العلم: صورةُ الإنسان الباطنة, لأن الإنسان صورتين2:

_ 1 قال ابن الأثير في النهاية 2/70 الخلق بضم اللام وسكونها: الدين والطبع والسجية. وحقيقة: أنه صورة الإنسان الباطنية وهي نفسه وأوصافه. 2 قال القسطلاني: أعلم أن الأخلاق جمع خلق, بضم الخاء واللام ويجوز إسكانها [خلق] . قال الراغب: الخلق والخلق بالفتح وبالضم في الأصل بمعنى واحد كالشراب والشرب ولكن خص الخلق الذي يالفتح بالهيئات والصور المدركة بالبصرة. وخص الذي بالضم بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة. أ. هـ. شرح المواب اللدنية 4/243.

صورة ظاهرة: وهي شكل خلقته التي جعل الله البدن عليه, وهذه الصورة الظاهرة منها جميل حسن, ومنها ما هو قبيح سيئ, منها ما بين ذلك. وصورة باطنة: وهي حال للنفس راسخة تصدر عنها الأفعال من خير أو شر, من غير حاجة إلى فكر وروية. وهذه الصورة أيضاً منها ما هو حسن إذا كان الصادر عنها خلقاً حسناً, ومنها ما هو قبيح إذا كان الصادر عنها خلقاً سيئاً, وهذا ما يُعبر عنه بالخلق, فالخلق إذن هو الصورة الباطنة التي طبع الإنسان عليها. والواجب على المسلم أن يتخلق بمكارم الأخلاق أي أطايبها, والكريم من كل شيء هو الطيب منه بحسب ذلك الشيء, ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "إياك وكرائم أموالهم" 1 حين أمره بأخذ بالزكاة من أهل اليمن. فعلى الإنسان أن تكون سريرته كريمة, فيحب الكرم, والشجاعة, والحلم, والصبر ,أن يلاقي الناس بوجه طلق, وصدر منشرح, ونفس مطمئنة, فكل هذه الخصال من مكارم الأخلاق. وقد قال الني صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" 2, فينبغي أن يكون هذا الحديث دائماً نصب عين المؤمن, لأن الإنسان إذا علم بأنه لن يكون كامل الإيمان إلا إذا أحسن خلقه كان ذلك دافعاً له على التخلق بمكارم الأخلاق ومعالي الصفات وترك سفا سفها ورديئها.

_ 1 أخرجه البخاري رقم 1496كتاب الزكاة. ومسلم رقم 29 كتاب الإيمان. 2 أخرجه أبو داود رقم4682 كتاب السنة. والترمذي 1162 كتاب الرضاع وفيه زيادة: "خياركم خياركم لنسائهم" وأحمد في المسند 2/472 وهو في صحيح الجامع رقم1230, 1232

كمال الشريعة الإسلامية من ناحية الأخلاق

كمال الشريعة الإسلامية من ناحية الأخلاق والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من مقاصد بعثته إتمام محاسن الأخلاق, فقال عليه الصلاة والسلام: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" 1. فالشرائع السابقة التي شرعها الله للعباد كلها تحث على الأخلاق الفاضلة, ولهذا ذكر أهل العلم أن الأخلاق الفاضلة مما طبقت الشرائع على طلبه, ولكن الشريعة الكاملة جاء النبي عليه الصلاة والسلام فيها بتمام مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال. ولنضرب مثلاً. مسألة القصاص: ذكر أهل العلم في مسألة القصاص, أي: لو أن أحداً جنى على أحد فهل يقتص منه أم لا؟ ذكروا أن القصاص في شريعة اليهود حتميٌّ ولابد منه, ولا خيار للمجني عليهم فيه, وأن الأمر في شريعة النصارى العكس, وهو وجوب العفو, لكن شريعتنا جاءت كاملة من الوجهين, ففيها القصاصُ وفيها العفو, لأن في أخذ الجاني بجنايته حزماً وكفاً للشر, وفي العفو عنه إحساناً وجميلاً, وبذل معروف فيمن عفوت عنه,

_ 1 أخرجه أحمد في المسند2/381, والحاكم في المستدرك2/613, وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي. والبخاري في الأدب المفرد رقم 273. والبيهقي 10/192 وابن أبي الدنيا في: مكارم الأخلاق رقم 13 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/15: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وصححه أيضا: الألباني في السلسلة الصحيحة رقم45.

فجاءت شريعتنا والحمد لله مكملة, خيرت من له الحق بين العفو والأخذ, لأجل أن يعفو في مقام العفو, وأن يأخذ في مقام الأخذ. وهذا بلا شك أفضل من شريعة اليهود التي ضيعت حق المجني عليهم في العفو الذي يكون فيه مصلحة لهم, وأفضل من شريعة النصارى التي ضيعت حق المجني عليهم أيضاًً فأوجبت عليهم العفو وقد تكون المصلحة في الأخذ وإنزال العقوبة.

الأخلاق بين الطبع والتطبع

الأخلاق بين الطبع والتطبع وكما يكون الخُلقُ طبيعة, فإنه قد يكون كسباً, بمعنى أن الإنسان كما يكون مطبوعاً على الخلق الحسن الجميل, فإنه أيضاً يمكن أن يتخلق بالأخلاق الحسنة عن طريق الكسب والمرونة. ولذلك قال الني صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس: "إن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة" قال يا رسول الله, أهما خلقان تخلقت بهما, أم جبلني الله عليهما, قال: "بل جبلك الله عليهما". فقال: "الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما ورسوله" 1. فهذا دليل على أن الأخلاق الحميدة الفاضلة تكون طبعاً وتكون تطبعا, ولكن الطبع بلا شك أحسن من التطبع, لأن الخلق الحسن إذا كان طبيعياً صار سجية للإنسان وطبيعة له, لا يحتاج في ممارسته إلى تكلف, ولا يحتاج في استدعائه إلى عناء ومشقة, ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء, ومن حُرم هذا – أي حُرم الخلق عن سبيل الطبع – فإنه يمكنه أن يناله عن سبيل التطبع, وذلك بالمرونة, والممارسة كما سنذكر إن شاء الله تعالى فيما بعد.

_ 1 أخرجه أبو داود رقم 5225 كتاب الأدب. وأحمد 4/206 وأخرج مسلم شطره الأول رقم 25, 26 كتاب الإيمان. والترمذي رقم 2011 كتاب البر والصلة.

من الأفضل

من الأفضل؟ وهنا مسألة وهي: أيهما أفضل رجل جُبل على خلق حميد, ورجل يجاهد نفسه على التخلق به, فأيهما أعلى منزلة من الآخر؟ ونقول جواباً على هذه المسألة: إنه لاشك أن الرجل الذي جُبل على الخلق الحسن أكمل من حيث تخلقه بذلك, أو من حيث وجود هذا الخلق الحسن فيه, لأنه لا يحتاج إلى عناء ولا إلى مشقة في استدعائه, ولا يفوته في بعض الأماكن والمواطن, إذ أن حسن الخلق فيه سجيه وطبع, ففي أي وقت تلقاه تجده حَسَن الخلق, وفي أي مكان تلقاه حَسَن الخلق, وعلى أي حالٍ تلقاه حَسَن الخلق, فهو من هذه الناحية أكمل بلا شك. وأما الآخر الذي يجاهد نفسه ويروضها على حسن الخلق, فلا شك أنه يؤجر على ذلك من جهة مجاهدة نفسه, وهو أفضل من هذه الجهة, لكنه من حيث كمالُ الخلق أنقص بكثير من الرجل الأول. فإذا رزق الإنسان الخلقين جميعاً, طبعاً وتطبعاً كان ذلك أكمل, الأقسام هي: 1 - من حرُم حسن الخلق طبعاً وتطبعاً 2 – من حرمه طبعاً لا تطبعاً 3 - من رُزقه طبعاً لا تطبعا

4 - من رُزقه طبعاً لا تطبعاًً ولا شك أن القسم الثالث هو أفضل الأقسام لأنه مع بين الطبع والتطبع في حسن الخلق1.

_ 1 ويروي ابن القيم رحمه الله أن جميع الأخلاق الفاضلة تنشأ عن أمرين: الأول: الخشوع. الثاني: علو الهمة. قال رحمه الله في كتاب الفوائد ص 210, 211: "وأما الأخلاق الفاضلة كالصبر , والشجاعة, والعدل, والمروءة, والعفة, والصيانة, والجود, والحلم, والعفو, والصفح, والاحتمال, والإيثار, وعزة النفس عن الدناءات, والتواضع, والقناعة, والصدق, والإخلاص, والمكافأة على الإحسان بمثله أو أفضل والتغافل عن زلات الناس, وترك الاشتغال بما لا يعنيه, ولامة القلب من تلك الأخلاق المذمومة ونحو ذلك, فكلها ناشته عن الخشوع وعلو الهمة. والله سبحانه أخبر عن الأرض بأنها تكون خاشعة, ثم ينزل عليها الماء فتهتز, وتأخذ زينتها وبهجتها, فذلك المخلوق منها إذا أصابه حظه من التوفيق. أ.هـ.

مجالات حسن الخلق

مجالات حسن الخلق إن كثيراً من الناس يذهب فهمه إلى أن حسن الخلق خاص بمعاملة الخلق دون معاملة الخالق ولكن هذا الفهم قاصر, فإن حسن الخلق كما يكون في معاملة الخلق, يكون أيضاً في معاملة الخالق, فموضوع حسن الخلق إذن: معاملة الخالق جلا وعلا, ومعاملة الخلق أيضاً وهذه المسألة ينبغي أن يتنبه لها الجميع. أولاً: حسن الخلق في معاملة الخالق: حسنُ الخلق في معاملة الخالق يجمع ثلاثة أمور: 1 - تلقي أخبار الله بالتصديق. 2 - وتلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق. 3 - وتلقي أقداره بالصبر والرضا. هذه ثلاثة أشياء عليها مدار حسن الخلق مع الله تعالى. أولاً - تلقي أخبار بالتصديق: بحيث لا يقع عند الإنسان شك, أو تردد في تصديق خبر الله تبارك وتعالى, لأن خبر الله تعالى صادر عن علم, وهو سبحانه أصدق القائلين كمال قال تعالى عن نفسه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} 1. ولازم تصديق أخبار الله أن يكون الإنسان

_ 1 سورة النساء, الآية: 87.

واثقاً بها, مدافعاً عنها, ومجاهداً بها وفي سبيلها, بحيث لا يداخله شك أو شبهة في أخبار الله عز وجل وأخبار رسوله صلى الله عليه وسلم. وإذا تخلق العبد بهذا الخلق أمكنه أن يدفع أي شبهة يوردها المغرضون على أخبار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, سواء أكانوا من المسلمين الذين ابتدعوا في دين الله ما ليس منه, أم كانوا من غير المسلمين الذين يلقون الشبه في قلوب المسلمين بقصد فتنتهم وإضلالهم. ولنضرب لذلك مثلاً [حديث الذباب] : ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء" 1. هذا خبر صادر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم في أمور الغيب لا ينطق عن الهوى, لا ينطق إلا بما أوحى الله تعالى إليه لأنه بشر, والبشر لا يعلم الغيب بل قد قال الله له: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} 2. وهذا الخبر يجب علينا أن نقابله بحسن الخلق وحسن الخلق نحو هذا الخبر يكون بأن نتلقاه بالقبول والانقياد, فنجزم بأن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في

_ 1 أخرجه البخاري رقم5782 كتاب الطب. وأبو داود بنحوه رقم 3844 كتاب الأطعمة. وأخرجه ابن ماجه رقم 3505 كتاب الطب. وأحمد في المسند 2/246, 236, 340, 355. 2 سورة الأنعام, الآية: 50.

هذا الحديث فهو حق وصدق, وإن اعترض عليه من اعترض, ونعلم علم اليقين أن كل ما خالف ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه باطل, لأن الله تعالى يقول: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} 1. ومثال آخر [من أخبار يوم القيامة] : أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بقدر ميل" 2. وسواء كان هذا الميل ميلَ المكحَلة أم كان ميل المسافة, فإن هذه المسافة بين الشمس ورءوس الخلائق قليلة ومع هذا فإن الناس لا يحترقون بحرها, مع أن الشمس لو تدنو الآن في الدنيا مقدار أنملة لاحترقت الأرض ومن عليها. قد يقول قائل: كيف تدنو الشمس من رءوس الخلائق يوم القيامة بهذه المسافة, ثم يبقى الناسُ لحظةً واحدةً دون أن يحترقوا؟! نقول لهذا القائل: عليك أن تكون حسن الخلق نحو هذا الحديث. وحسنُ الخلق نحو هذا الحديث الصحيح يكون أن نقبله ونصدق به, وأن لا يكون في صدورنا حرج منه ولا ضيق ولا تردد, وأن نعلم أن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا فهو حق, ولكن هناك فارقاً عظيماً بين أحوال الناس في الدنيا, وأحوالهم في الآخرة, بحيث لا يمكن أن نقيس أحوال

_ 1 سورة يونس, الآية: 32. 2 أخرجه مسلم رقم62 كتاب الجنة ونعيمها. والترمذي رقم 2421 كتاب الزهد.

الدنيا بأحوال الآخرة, لوجود هذا الفارق العظيم. فنحن نعلم أن الناس يقفون يوم القيامة خمسين ألف سنة!! وعلى مقياس ما في الدنيا, فهل يمكن أن يقف أحدٌ من الناس خمسين ألف دقيقة؟ الجواب: لا يمكن ذلك, إذن الفارق عظيم, فإذا كان كذلك, فإن المؤمن يقبل مثل هذا الخبر بانشراح صدر وطمأنينة, ويتسع فهمه له, وينفتح قلبه لما دل عليه. ثانياً: ومن حسن الخلق مع الله عز وجل, أن يتلقى الإنسان أحكام الله بالقبول والتنفيذ والتطبيق فلا يرد شيئاً من أحكام الله, فإذا رد شيئاً من أحكام الله فهذا سوء خلق مع الله عز وجل, سواءٌ ردها منكراً حكمها, أو ردها مستكبراً عن العمل بها, أو ردها متهاوناً بالعمل بها, فإن ذلك كله منافٍ لحسن الخلق مع الله عز وجل. مثال على ذلك: [الصوم] الصوم لا شك فيه أنه شاقٌ على النفوس, لأن الإنسان يترك فيه المألوف, من طعام وشراب, ونكاح, وهذا أمر شاق على الإنسان ولكن المؤمن حسن الخلق مع الله عز وجل, يقبل هذا التكليف, أو بعبارة أخرى: يقبل هذا التشريف, فهذه نعمة من الله عز وجل في الحقيقة, فالمؤمن يقبل هذه النعمة التي في صورة تكليف بانشراح صدر وطمأنينة, وتتسع لها نفسه فتجده يصوم الأيام الطويلة في زمن الحر

الشديد, وهو بذلك راضٍ منشرح الصدر, لأنه يحسن الخلق مع ربه, لكن سيئ الخلق مع الله عز وجل يقابل مقل هذه العبادة بالضجر والكراهية, ولولا أنه يخشى من أمر لا تُحمد عقباه, لكان لا يلتزم بالصيام. مثال آخر: [الصلاة] فالصلاة لا شك أنها ثقيلة على بعض الناس, وهي ثقيلة على المنافقين, كمال قال النبي عليه الصلاة والسلام: "أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر" 1. لكن الصلاة بالنسبة للمؤمن ليست ثقيلة قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ , الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 2. فهي على هؤلاء غري كبيرة وإنما سهلة يسيرة, ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "وجعلت قُرة عيني في الصلاة" 3. فالصلاة هي قرة عين المؤمن, وزاده اليومي الذي يتزود به للقاء الله تعالى, ولذلك فهو يعظم قدرها لها أعظم الاهتمام, لأنها عماد

_ 1 أخرجه البخاري رقم 644 كتاب الأذان. مسلم رقم251, 252, 253 كتاب المساجد. والترمذي رقم 217 في أبواب الصلاة. وأبو داود رقم 548 كتاب الصلاة. والنسائي رقم 848 كتاب القبلة. وابن ماجه رقم 791 كتاب المساجد. 2 سورة البقرة الآيتان: 45, 46. 3 أخرجه النسائي رقم 3949, 3950 كتاب عشرة النساء. وأحمد في المسند 3/128, 199, 285 وهو في صحيح الجامع رقم 3134.

الدين وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة. فحسن الخلق مع الله عز وجل بالنسبة للصلاة أن تؤديها وقلبك منشرح مطمئن ,وعينك قريرة تفرح إذا كنت متلبساً بها, وتنتظرها إذا فات وقتها, فإذا صليت الظهر, كنت في شوق إلى الصلاة العصر, وإذا صليت المغرب كنت في شوق إلى صلاة العشاء, وإذا صليت العشاء كنت في شوق إلى صلاة الفجر. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يا بلال أرحنا بالصلاة" 1. يقول: أرحنا بها, فإن فيها الراحة والطمأنينة والسكينة, لا كما يقول البعض: أرحنا بها, لأنها ثقيلة عليهم, وشاقة على نفوسهم. وهكذا دائماً تجعل قلبك معلقاً بهذه الصلوات فهذا لا شك أنه من حسن الخلق مع الله تعالى. مثال ثالث [تحريم الربا] وهذا في المعاملات فقد حرم الله علينا الربا تحريماً أكيداً وأحل لنا البيع وقال في ذلك: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ

_ 1 أخرجه أبو داود رقم 4985 كتاب الأدب. وأحمد في المسند 5/364 من طريق مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن سالم بن الجعد, عن رجل من أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم. والإسناد صحيح وجهالة الصحابي لا تضر. والحديث في صحيح الجامع للألباني رقم 7892.

وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} 1. فتوعد من عاد إلى الربا بعد أن جاءته الموعظة, وعلم الحكم, توعد بالخلود في النار, والعياذ بالله, بل إنه توعده في الدنيا أيضاً بالحرب فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مؤمنين , فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 2. هذا يدل على عظم هذه الجريمة وأنها من كبائر الذنوب والموبقات. فالمؤمن يقبل هذا الحكم بانشراح ورضا وتسليم, وأما غير المؤمن فإنه لا يقبله, ويضيق صدره به, وربما يتحيل عليه بأنواع الحيل, لأننا نعلم أن في الربا كسباً متيقناً وليس فيه أي مخاطرة, لكنه في الحقيقة كسب لشخص وظلك لآخر ’ ولهذا قال الله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} 3. ثالثاً: ومن حسن الخلق مع الله تعالى: تلقي أقدار الله تعالى بالرضا والصبر. وكلنا نعلم أن أقدار الله عز وجل التي يجريها على خلقه ليست كلها كلائمة للخلق بمعنى أن منها ما يوافق رغبات الخلق ومنها ما لا يوافقهم. فالمرض مثلاً: لا يلائم الإنسان, فكل إنسان يحب أن يكون صحيحاً معافى.

_ 1 سورة البقرة, الآية: 275. 2 سورة البقرة الآية: 278, 279. 3 سورة البقرة الآية: 279.

وكذلك الفقر: لا يلائم الإنسان, فالإنسان يحب أن يكون غنياً. وكذلك الجهل: لا يلائم الإنسان فالإنسان يحب أن يكون عالماً. لكن أقدار الله عز وجل تتنوع لحكمة يعلمها الله عز وجل, منها ما يلائم الإنسان ويستريح له بمقتضى طبيعته, ومنها ما لا يكون كذلك. فمت هو حسن الخلق مع الله عز وجل نحو أقدار الله؟ حسن الخلق مع الله نحو أقداره: أن ترضى بما قدر الله لك, وأن تطمئن إليه وتعلم أنه سبحانه وتعالى ما قدره إلا لحكمة عظيمة وغاية محمودة يستحق عليها الحمد والشكر. وعلى هذا فإن حسن الخلق مع الله نحو أقداره, هو أن يرض الإنسان ويستسلم ويطمئن, ولهذا امتدح الله الصابرين فقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ , الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 1. ثانياً: حسن الخلق في معاملة الخَلق: أما حسن الخلق مع المخلوق فعرّفه بعضُهم بأنه كفُّ الأذى, وبذلُ النّدى، وطلاقة الوجه. ويذكر ذلك عن الحسن البصري رحمه الله2.

_ 1 سورة البقرة الآية: 156. 2 انظر الآداب الشرعية 2/216. وهناك تعريفات أخرى لحسن الخلق منها: تعريف الواسطي قال: هو أن لا يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بالله تعالى. وقيل: هو التخلي من الرذائل والتحلي بالفضائل. وقيل: هو بذل الجميل وكف القبيح. وسئل سهل عنه فقل: أدناه الاحتمال وترك المكافأة والرحمة للظالم والاستغفار له والشفقة عليه راجع في ذلك: مدارج السالكين لابن القيم 2/294 الإحياء لأبي حامد الغزالي 3/53 والآداب الشرعية2/216.

أولاً: معنى كفى الأذى: معنى كف الأذى أن يكف الإنسان أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض، فمن لم يكف أذاه عن غيره سواء كان هذا الأذى بالمال، أو يتعلق بالنفس، أو يتعلق بالعرض، فمن لم يكف أذاه عن الخلق فليس بحسن الخلق، بل هو سيئ الخلق. وقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم حُرمة أذية المسلم بأي نوع من الإيذاء وذلك في أعظم مجمع اجتمع فيه بأمته حيث قال: "إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا, في بلدكم هذا" 1. إذا كان رجل يعتدي على الناس بأخذ المال، أو يعتدي على الناس بالغش، أو يعتدي على الناس بالخيانة، أو يعتدي على الناس بالضرب والجناية، أو يعتدي على الناس بالسبّ والغيبة والنميمة، لا يكون هذا حسنَ الخلق مع الناس، لأنه لم يكف أذاه، ويعظم إثم ذلك كلما كان موجهاً إلى من له حق عليك أكبر. فالإساءة إلى الوالدين مثلاً أعظم من الإساءة إلى غيرهما، والإساءة إلى الأقارب أعظم من الإساءة إلى الأباعد، والإساءة إلى الجيران أعظم من الإساءة إلى من ليسوا جيراناً لك. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن" قالوا: من يا رسول الله؟ قال: "من لا يأمن جاره بوائقه" 2.

_ 1 أخرجه البخاري رقم67 كتاب العلم. ورقم 1741 كتاب الحج. ورقم 4406 كتاب المغازي. وأخرجه مسلم رقم 29, 30 كتاب القيامة. 2 أخرجه البخاري رقم 6061 كتاب الأدب. واللفظ له. ومسلم بنحوه رقم 73 =

ثانياً: معنى بذل الندي: الندى هو الكرم والجود، يعني: أن تبذل الكرم والجود. والكرم ليس كما يظنه بعض الناس أنه بذل المال فقط، بل الكرم يكون في بذل النفس، وفي بذل الجاه، وفي بذل المال، وفي بذل العلم. إذا رأينا شخصاً يقضي حوائج الناس، يساعدهم، يتوجه في شئونهم إلى من لا يستطيعون الوصول إليهم، ينشر علمه بين الناس، يبذل ماله بين الناس، هل نصفُ هذا بحس الخلق؟ نعم، نصفه بحسن الخلق، لأنه بذل الندى، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحُها، وخالق الناس بخلق حسن" 1. ومن مخالفة الناس بخلق حسن: أنك إذا ظُلمت أو أسيء إليك، فإنك تعفو وتصفح وقد امتدح الله العافين عن الناس، فقال في أهل الجنة: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 2 وقال تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 3

_ = كتاب الإيمان ولفظه: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه" قال النووي: البوائق: جمع بائقة وهي الغائلة والداهية والفتك. انظر مسلم بشرح النووي 2/207. 1 أخرجه الترمذي رقم1987 كتاب البر والصلة. وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد في المسند 4/153, 158, 236 من حديث أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما. وهو في صحيح الجامع الصغير رقم 97. 2 سورة آل عمران الآية: 134. 3 سورة البقرة الآية: 237.

وقال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} 1 وقال تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} 2. وكل إنسان يتصل بالناس، فلابد أن يجد من الناس شيئاً من الإساءة، فموقفه من هذه الإساءة أن يعفو ويصفح، وليعلم علم اليقين أنه يعفوه وصفحه ومجازاته بالحسنى، سوف تنقلب العداوة بينه وبين أخيه إلى ولاية، ومحبة، وصداقة، قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} 3. وتأملوا أيها العارفون باللغة العربية كيف جاءت النتيجة بإذا الفُجائية، لأن إذا الفجائية تدل على الحدوث الفوري في نتيجتها: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَميمٌ} ., ولكن ليس كل أحد يوفق لذلك قال: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} 4. هل نفهم من هذا أن العفو عن الجاني محمود مطلقاً ومأمور به؟ وقد يفهم البعض من الآية هذا الكلام، ولكن ليكن معلوماً أن العفو إنما يُحمد إذا كان العفو أحمد، فإن كان الأخذ أحمد فالأخذ أفضل. ولهذا قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا

_ 1 سورة النور الآية: 22. 2 سورة الشورى الآية: 40. 3 سورة فصلت الآية: 34. 4 سورة فصلت الآية: 35.

يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} 1. فجعل العفو مقروناً بالإصلاح. فالعفو قد يمكن أن يكون غير إصلاح، فقد يكون هذا الذي جنى عليك واجترأ عليك رجلاً شريراً معروفاً بالشر والفساد، فلو عفوت عنه لتمادى في شره وفساده فالأفضل في هذا المقام أن تأخذ هذا الرجل بجريرته، لأن في ذلك إصلاحا ً. قال شيخ الإسلام ابن تيميه: الإصلاح واجب، والعفو مندوب، فإذا كان في العفو فوات الإصلاح فمعنى ذلك أننا قدمنا مندوباً على واجب، وهذا لا تأتي به الشريعة وصدق رحمه الله.

_ 1 سورة الشورى الآية: 40.

تنبيه مهم وإنني بهذه المناسبة أود أن أنبه على مسألة يفعلها كثير من الناس بقصد الإحسان، وهي أن تقع حادثه من شخص، فيهلك بسببها شخص آخر، فيأتي أولياء المقتول فيسقطون الدية عن هذا الجاني الذي فعل الحادث، فهل إسقاطهم للدية محمود ويعتبر من حسن الخلق؟ أم في ذلك تفصيل؟ في ذلك تفصيل، فلابد أن نتأمّل ونفكر في حال هذا الجاني الذي وقع منه الحادث، هل هو من الناس المعروفين بالتهور وعدم المبالاة؟ هل هو من الطراز الذي يقول: أنا لا أبالي أن أدهس شخصاً لأن ديته في الدرج والعياذ بالله. أم أنه رجل حصلت منه هذه الحادثة مع كمال التعقل وكمال الاتزان، ولكن الله تعالي قد جعل لكل شيئاً مقداراً. في ذلك تفصيل، فلابد أن نتأمّل ونفكر في حال هذا الجاني الذي وقع منه الحادث، هل هو من الناس المعروفين بالتهور وعدم المبالاة؟ هل هو من الطراز الذي يقول: أنا لا أبالي أن أدهس شخصاً لأن ديته في الدرج والعياذ بالله. أم أنه رجل حصلت منه هذه الحادثة مع كمال التعقل وكمال الاتزان، ولكن الله تعالي قد جعل لكل شيئ مقداراً. إن كان من هذا الطراز الأخير فالعفو في حقه أولى، ولكن حتى وإن كان من هذا الطراز المتعقل المتزن, يجب قبل أن نعفو عنه أن ننظر: هل على الميت دين؟ فإذا كان على الميت دين، فإنه لا يمكن أن نعفو، ولو عفونا فإن عفونا لا يعتبر. وهذا مسألة ربما يغفل عنها كثير من الناس، ونحن نقول ذلك لأن الورثة يتلقون الاستحقاق لهذه الدية من الميت الذي أصيب بالحادث، ولا يردُ استحقاقهم إلا بعد قضاء الدين إن كان الميت مديناً.

ولهذا لما ذكر الله الميراث قال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 1. والحاصل أن من حسن الخلق: العفو عن الناس وهذا من باب بذلك الندى، لأن بذل الندى إما إعطاء وإما إسقاط، والعفو من الإسقاط. ثالثاً: طلاقة الوجه: وطلاقة الوجه: هو إشراقه حين مقابلة الخلق، وضدُّ ذلك عبوس الوجه. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" 2. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن البر فقال: وجه طلق ولسان لين. وقد نظمه بعض الشعراء فقال: بني إن البر شيء هين ... وجه طليق ولسان لين فطلاقة الوجه وتُدخل السرور على الناس، وتجذب المودة، والمحبة، وتوجب انشراح الصدر منك وممن يقابلك. لكن إذا كنت عبوساً, فإن الناس ينفرون منك، ولا ينشرحون بالجلوس إليك، ولا بالتحدث معك، وربما تصاب بعُقدٍ نفسيه، وربما تصاب بالمرض الخطير وهو ما يسمى بالضغط، فإن انشراح الصدر

_ 1 سورة النساء الآية: 11. 2 أخرجه مسلم رقم 144 كتاب البر والصلة. والترمذي رقم 1833 كتاب الأطعمة مطولا.

وطلاقة الوجه من أنجع العقاقير المانعة من هذا الداء ولهذا ينصح الأطباء من ابتلي بهذا الداء بأن يبتعد عما يثيره ويغضبه، لأن ذلك يزيد في مرضه، فانشراحُ الصدر، وطلاقة الوجه تقضي على هذا المرض، ويكون بذلك الإنسان محبوباً إلى الخلق كريماً عليهم. هذه هي الأصول الثلاثة التي يدور عليها حسنُ الخلق في معاملة الخلق. ومن علامات حسن الخلق مع الخلق: أن يكون الإنسان حسن المعاشرة مع من يعاشره من أصدقاء وأقارب, لا يضيق بهم ولا يضيق عليه, بل يدخل السرور على قلوبهم بقدر ما يمكنه في حدود شريعة الله, وهذا القيد لا بد منه, لأن من الناس من لا يسر إلا بمعصية الله والعياذ بالله فهذا لا ينبغي أن نوافقه عليه, لكن إدخال السرور على من يعاشرك من أهل وأصدقاء وأقارب في حدود الشرع من حسن الخلق. ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي" 1. وكثير من الناس - مع الأسف الشديد - يحسن الخلق مع الناس, ولكنه لا يحسن الخُلُق مع أهله, وهذا خطأ عظيم, وقلبٌ للحقائق, إذ كيف تحسن الخُلق مع الأباعد وتسيء الخلق مع الأقارب؟ قد يقول: لأن

_ 1 أخرجه الترمذي رقم3895 كتاب المناقب. وابن حبان في صحيحه رقم 1312 موارد من حديث عائشة رضي الله عنها. وهو في صحيح الجامع رقم3314. وأخرجه ابن ماجه رقم 1977 كتاب النكاح من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

الأقارب أمونُ عليهم1. فنقول: هذا ليس بسبب يجعلك تسيء الخلق معهم, فالأقارب أحق الناس بأن تحسن إليهم في الصحبة والعشرة, ولهذا قال رجل يا رسول الله من أحق الناس بحسن مصاحبتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال ثم من؟ قال: "أمك" قال ثم من؟ قال: "أبوك" 2. والأمر عند بعض الناس على العكس تجده يسيء العشرة مع أمه, ويحسن العشرة مع زوجته, فيكون مقدماً إحسان العشرة مع زوجته التي هي عنده بمنزلة الأسير, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم" 3. يعني: بمنزلة الأسرى. والحاصل: أن إحسان العشرة مع الأهل والأصحاب والأقارب كل ذلك من مكارم الأخلاق.

_ 1 أمون عليهم: أي أقوم بكفايتهم من النفقة وغيرها. 2 أخرجه البخاري رقم5971 كتاب الأدب. ومسلم رقم1, 2 كتاب البر والصلة. وابن ماجه رقم 2706 كتاب الوصايا. 3 أخرجه الترمذي رقم3087 كتاب التفسير وقال الترمذي: حديث حسن صحيح

كيفية اكتساب مكارم الأخلاق

كيفية اكتساب مكارم الأخلاق ذكرنا أولاً حسن الخلق يكون بالطبع ويكون بالتطبع, وأن حسن الخلق بالطبع أكمل من حسن الخلق بالتطبع وذكرنا لذلك دليلاً وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم للأشج بن عبد القيس: "بل جبلك الله عليهما" 1. وكذلك لأن حسن الخلق بالطبع لا يزول عن الإنسان لكن حسن الخلق بالتطبع قد يفوت الإنسان في مواطن كثيرة, لأنه يحتاج إلى ممارسة وإلى معاناة وإلى رياضة ومجاهدة, وإلى تذكر ذلك عند حدوث كل ما يثير الإنسان. ولهذا جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه الصلاة والسلام, فقال: يا رسول الله أوصني قال: "لا تغضب". فردد مراراً. قال: "لا تغضب" 2 وقال النبي عليه الصلاة والسلام: "ليس الشديد بالصرعة, إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" 3. والصرعة: والذي يصرع الناس كهُمزة, ولًمزة. فهمزة الذي

_ 1 أخرجه أبو داود رقم 5335 كتاب الأدب وأحمد في المسند 4/206. وأخرج مسلم شطره رقم 25, 26 كتاب الإيمان. والترمذي رقم 107 كتاب البر والصلة. 2 أخرجه البخاري رقم 6116 كتاب الأدب. والترمذي رقم 2020 كتاب البر والصلة. 3 أخرجه البخاري رقم 6114 كتاب الأدب. ومسلم رقم 107 كتاب البر والصلة

يهمز الناس, ولمزة: الذي يلمز الناس بالعيون. فليس الشديد هو الذي يصرع الناس ويغلبهم: "إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" يتحكم فيها ويملكها في مواطن الغضب, وملك الإنسان نفسه عند الغضب يعتبر من محاسن الأخلاق, فإذا غضبت فلا تنفذ الغضب, ولكن استعذ بالله من الشيطان الرجيم, وإذا كنت قائماً فاجلس, وإذا كنت جالساً فاضطجع, وإذا ازداد الغضب فتوضأ حتى يزول عنك. ويستطيع الإنسان اكتساب مكارم الأخلاق, وذلك عن طريق الممارسة, والمجاهدة, والتمرين فيكون الإنسان حسن الخلق لأمور منها: أولاً: أن ينظر في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم: ينظر النصوص الدالة على مدح ذلك الخلق العظيم الذي يريد أن يتخلق به. فالمؤمن إذا رأى النصوص تمدح شيئاً من الأخلاق أو الأفعال, فإنه سوف يقوم به 1. والنبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى ذلك في قوله: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك: إما أن

_ 1 فالتزكية لا تكون إلا عن طريق الرسل كما قال ابن القيم: "وتزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان وأشد فمن زكى نفسه بالرياضة والمجاهدة والخلوة التي لم يجيء بها الرسل فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه. وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب؟! فالرسل أطباء القلوب فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم وعلى أيديهم وبمحض الانقياد والتسليم لهم والله المستعان. أ.هـ مدارج السالكين [2/300] .

يحذيك وإما أن تبتاع1 منه وأما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافح الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة" 2. ثانياً: أن يصاحب من عرفوا بحسن الأخلاق, والبعد عن مساوئ الأخلاق وسفاسف الأعمال حتى يجعل من هذه الصحبة مدرسة يستعينُ بها على حسن الخلق فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" 3. ثالثا ً: أن يتأمل الإنسان ماذا يترتب على سوء خلقه: فسيئ الخلق ممقوت سيئ الخلق مهجور سيئ الخلق مذكور بالذكر القبيح فإذا علم الإنسان أن سوء الخلق يفضي به إلى هذا فإنه يبتعد عنه. رابعاً: أن يستحضر الإنسان دائماً صورة خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف أنه كان يتواضع للخلق, ويحلم عليهم, ويعفو عنهم ويصبر على

_ 1 يحذيك أي يعطيك بدون بيع. 2 أخرجه البخاري 2101 كتاب البيوع. ورقم 5534 كتاب الذبائح وأخرجه مسلم 146 كتاب البر والصلة. قال النووي: وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الخلاق والورع والعلم والأدب والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة. أ. هـ انظر مسلم بشرح النووي 16/394. 3 أخرجه الترمذي 2378 كتاب الزهد وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود 4833 كتاب الأدب وأحمد في المسند 2/303 ,334 وحسنه الألباني وهو في صحيح الجامع الصغير 3545 وسلسلة الأحاديث الصحيحة 927.

أذاهم, فإذا استحضر الإنسان أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأنه خير البشر وأفضل من عبد الله تعالى, هانت على الإنسان نفسه وانكسرت صولة الكبر فيها فكان ذلك داعياً إلى حسن الخلق.

صور من مكارم الأخلاق

صور من مكارم الأخلاق ومن مكارم الأخلاق: أن تصل من قطعك: من الأقارب ممن تجب صلتهم عليك, إذا قطعوك, فصلهم ولا تقل: من وصلني وصلته! فإن هذا ليس بصلة, كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ليس الواصل بالمكافئ إنما الواصل من إذا قطعت رحمها وصلها" 1 فالواصل هو الذي إذا قطعت رحمه وصلها. وسأل النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله, إن لي أقارب أصلهم ويقطعوني, وأحسن إليهم ويسيئون إلي, وأحلم عنهم ويجهلون علي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك" 2. وقوله: "تسفهم المل" أي: كأنما تضع التراب أو الرماد الحار في أفواههم. وإذا كان وصل من قطعك يعد من مكارم الأخلاق فكذلك وصل من وصلك هو أيضاً من هذا الباب, لأن من وصلك وهو قريب, صار له حقان: حق القرابة, وحق المكافأة, لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

_ 1 أخرجه البخاري5991 كتاب الأدب. 2 أخرجه مسلم رقم22 كتاب البر والصلة.

"من صنع إليكم معروفاً فكافئوه" 1. وكذلك عليك أن تعطي من حرمك. أي: من منعك ولا تقل: منعني, فلا أعطيه. وتعفو عمن ظلمك, أي من انتقصك حقك: إما بالعدوان وإما بعدم القيام بالواجب. والظلم يدور على أمرين: اعتداء وجحود: إما أن يعتدي عليك بالضرب وأخذ المال وهتك العرض وإما أن يجحدك فيمنعك حقك. وكمال الإنسان أن يعفو عمن ظلمه, ولكن العفو إنما يكون عند القدرة على الانتقام, فأنت تعفو مع قدرتك على الانتقام لأمور: أولاً: رجاء لمغفرة الله عز وجل ورحمته فإن ممن عفا وأصلح فأجره على الله. ثانياً: لإصلاح الود بينك وبين صاحبك لأنك إذا قابلت إساءته بإساءة, استمرت الإساءة بينكما, وإذا قابلت إساءة بإحسان, عاد إلى الإحسان إليك وخجل. قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} 2. فالعفو عند المقدرة من مكارم الأخلاق, لكن بشروط أن يكون العفو

_ 1 أخرجه أبو داود رقم 1672 كتاب الزكاة ورقم 5109 كتاب الأدب. والنسائي 2566 كتاب الزكاة باب 72 وهو في صحيح الجامع 6021. 2 سورة فلصت الآية: 34.

إصلاحاً, فإن تضمن العفو إساءة فإنه لا يندب إلى ذلك, لأن الله اشترط, فقال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ} 1 أي كان في عفوه إصلاح, أما من كان في عفوه إساءة أو كان سبباً للإساءة, فهنا نقول: لا تعف! مثل أن يعفو عن مجرم, ويكون عفوه هذا سبباً لاستمرار هذا المجرم في إجرامه فترك العفو هنا أفضل وربما يجب ترك العفو حينئذٍ. ومن مكارم الأخلاق أيضاً بر الوالدين: وذلك لعظم حقهما. فلم يجعل الله لأحد حقاً يلي حقه وحق رسوله صلى الله عليه وسلم إلا للوالدين. فقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} 2. وحق الرسول ضمن الأمر بعبادة الله, لأنه لا تتحقق العبادة حتى يقوم العبد بحق الرسول عليه الصلاة والسلام, بمحبته واتباع سبيله, ولهذا كان داخلاً في قوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} . وكيف يعبد الله إلا من طريق الرسول صلى الله عليه وسلم؟! وإذا عبد الله على مقتضى شريعة الرسول صلى اله عليه وسلم, فقد أدى حقه. ثم يلي ذلك حق الوالدين, فالوالدين تعبا على الولد, ولا سيما الأم قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيهِ إِحْسَانًا حَملَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعتْهُ كُرْهًا} 3, وفي آية أخرى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ

_ 1 سورة الشورى الآية: 40. 2 سورة النسا الآية: 36. 3 سورة الأحقاف الآية: 15.

وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} 1. فالأم تتعب في الحمل, وعند الوضع, وبعد الوضع وترحم صبيها أشد من رحمة الوالد له, ولهذا كانت أحق الناس بحسن الصحبة والبر حتى من الاب. قال رجل يا رسول الله من أحق الناس بحسن مصاحبتي؟ قال: "أمك" قال: ثم من؟ قال: "أمك" قال ثم من؟ قال: "أمك" قال ثم من؟ قال: "أبوك" 2. والأب أيضاً يتعب على أولاده ويضجر بضجرهم ويفرح لفرحهم ويسعى بكل الأسباب التي فيها راحتهم وطمأنينتهم وحسن عيشهم, يضرب الفيافي والقفار من أجل تحصيل العيش له ولأولاده. فكل من الأب والأم له حق, ومهما عملت من العمل فلن تقضي حقمها, ولهذا قال الله عز وجل: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} 3 فحقهم سابق, حيث ربياك صغيراً حين كنت لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضراً فواجبهما البر. والبر فرض عين بالإجماع على كل واحد من الناس, ولهذا قدمه النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله, كما في حديث ابن مسعود, قال, قلت: يا رسول الله, أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة في وقتها" وقلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين" قلت: ثم أي؟

_ 1 سورة لقمان الآية: 14. 2 أخرجه البخاري رقم5971 كتاب الأدب. ومسلم رقم1, 2 كتاب البر والصلة. 3 سورة الإسراء الآية: 24.

قال: "الجهاد في سبيل الله" 1. والولدان هما الأب والأم, أما الجد والجدة فلهما بر, لكنه لا يساوي بر الأم والأب, لأن الجد والجدة لم يحصل لهما ما حصل للأم والأب من التعب, والرعاية والملاحظة, فكان برهما واجباً من باب الصلة, أما البر فإنه للأم والأب. لكن ما معنى البر؟ البر: إيصال الخير بقدر ما تستطيع, وكف الشر. إيصال الخير بالمال, وإيصال الخير بالخدمة, وإيصال الخير بإدخال السرور عليهما, من طلاقة الوجه وحسن المقال والفعال ’ وبكل ما فيه راحتهما. ولهذا كان القول الراجح وجوب خدمة الأب والأم على الأولاد إذا لم يحصل عليه بضرر, فإن كان عليه ضرر, لم يجب عليه خدمتهما, اللهم إلا عند الضرورة. ولهذا نقول: إن طاعتهما واجبة فيما فيه نفع لهما, ولا ضرر على الولد فيه, أما ما فيه ضرر عليه, سواء كان ضرراً دينياً, كأن يأمراه بترك واجب, أو فعل محرم, فإنه لا طاعة لهما في ذلك, أو كان ضرراً بدنياً, فلا يجب عليه طاعتهما. أما المال فيجب عليه أن يبرهما ببذله, واو كثر, إذا لم يكن عليه ضرر, ولم تتعلق به حاجة, والأب خاصة له أن

_ 1 أخرجه البخاري رقم527 كتاب مواقيت الصلاة. ومسلم رقم139 كتاب الإيمان.

يأخذ من مال ولده ما شاء ما لم يضر. وإذا تأملنا في أحوال الناس اليوم, وجدنا كثيراً منهم لا يبر بوالديه, بل هو عاق, تجده يحسن إلى أصحابه, ولا يمل الجلوس معهم, لكن لو يجلس إلى أبيه أو أمه ساعة نهار لوجدته متململاً, كأنما هو على الجمر, فهذا ليس ببار, بل البار من ينشرح صدره لأمه, وأبيه, ويخدمهما على أهداب عينيه, ويحرص غاية الحرص على رضاهما بكل ما يستطيع. وكما قالت العامة "البر أسلاف" فإن البر مع كونه يحصل به البار على ثواب عظيم في الآخرة, فإنه يجازى به في الدنيا, فالبر والعقوق كما يقول العامة "أسلاف" أقرض, تستوف إن قدمت البر لأبيك وأمك, برك أولادك, وإن قدمت العقوق عقك أولادك. وهناك حكايات كثيرة في أن من الناس بر والديه فبر به أولاده, وكذلك في العقوق هناك حكايات تدل على أن الإنسان إذا عق أباه عقه أولاده. ومن مكارم الأخلاق أيضاً صلة الأرحام: وهناك فرق بين الوالدين, والأقارب الآخرين, فالأقارب لهم الصلة, والوالدان لهما البر. والبر أعلى من الصلة, لأن البر كثيرة الخير والإحسان, لكن الصلة ألا يقطع, ولهذا يقال في تارك البر: إنه عاق, ويقال فيمن لم يصل: إنه قاطع!

فصلة الأرحام واجبة, وقطعها سبب للعنة والحرمان من دخول الجنة, قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ , أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} 1 وقال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا يدخل الجنة قاطع" 2 أي قاطع رحم, والصلة جاءت في القرآن والسنة مطلقة. وكُل ما أتى وَلَم يُحددِ ... بِالشرعِ كالحرِز فالعُرفِ احْدُدِ وعلى هذا, يرجع إلى العرف فيها, فما سماه الناس صلة, فهو صلة, وما سموه قطيعة, فهو قطيعة, وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأزمان والأمكنة والأمم. إذا كان الناس في حالة فقر وأنت غني, وأقاربك فقراء, فصلتهم أن تعطيهم بقدر حالك. إذا كان الناس أغنيا وكلهم في خير فيمكن أن يكون الذهاب إليهم في الصباح أو المساء مما يعد صلة. وفي زماننا هذا الصلة بين الناس قليلة, وذلك لانشغال الناس في حوائجهم, وانشغال بعضهم عن بعض والصلة التامة أن تبحث عن

_ 1 سورة محمد الآية: 22 ,23. 2 أخرجه البخاري رقم 5984 كتاب الأدب. ومسلم رقم19 كتاب البر والصلة

حالهم, وكيف أولادهم, وترى مشاكلهم, ولكن هذه الأمور مع الأسف مفقودة عند كثير من الناس. ومن مكارم الأخلاق أيضاً: حسن الجوار مع الجيران: والجيران: هم الأقارب من المنزل, وأدناهم أولاهم بالإحسان والإكرام قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخورًا} 1, فأوصى الله بالإحسان إلى الجار القريب والجار البعيد. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر, فليكرم جاره" 2. وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا طبخت مرقة, فأكثر ماءها, وتعاهد جيرانك" 3. وقال صلى الله عليه وسلم: "وما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" 4. وقال صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن؛قيل: من

_ 1 سورة النساء الآية: 36. 2 أخرجه البخاري رقم6019 كتاب الأدب. ومسلم رقم77 كتاب الإيمان ورقم 14 كتاب اللقطة. 3 أخرجه مسلم رقم142 كتاب البر والصلة. 4 أخرجه البخاري رقم6014, 6015 كتاب الأدب. ومسلم رقم140, 141كتاب البر والصلة.

يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه" 1, أي شروره وغوائله. إلى غير ذلك من النصوص الدالة على العناية بالجار والإحسان إليه وإكرامه. والجار إن كان مسلماً قريباً, كان له ثلاثة حقوق: حق الإسلام, وحق القرابة, وحق الجوار. وإن كان قريباً جاراًً, فله حقان: حق القرابة وحق الجار. وإن كان مسلماً غير قريب وهو جار فله حقان: حق الإسلام وحق الجوار. وإن كان جاراً كافراً, فله حق واحد فقط, وهو: حق الجوار. فمن مكارم الأخلاق حسن الجوار مطلقاً: أياً كان الجار, ومن كان أقرب فهو أولى. ومن المؤسف أن بعض الناس اليوم يسيئون إلى الجار أكثر مما يسيئون إلى غيره, فتجده يعتدي على جاره بالأخذ من ملكه وإزعاجه. وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله في آخر باب الصلح في الفقه شيئاً من أحكام الجوار فليرجع إليه ومن مكارم الأخلاق أيضاً الإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل

_ 1 أخرجه البخاري رقم6016 كتاب الأدب.

واليتامى: جمع يتيم وهو الذي مات أبوه قبل بلوغه. وقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى اليتامى, وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم حث عليه في عدة أحاديث1. ووجه ذلك: أن اليتيم قد انكسر قلبه بفقد أبيه, فهو في حاجة إلى العناية والرفق. والإحسان إلى اليتامى يكون بحسب الحال. والمساكين: هم الفقراء, وهو هنا شامل للمسكين والفقير. فالإحسان إليهم مما أمر به الشرع في آيات متعددة من القرآن, وجعل لهم حقوقاً خاصة في الفيء وغيره. ووجه الإحسان إليهم أن الفقراء أسكنهم, وأضعفهم وكسر قلوبهم, فكان من محاسن الإسلام ومكارم الأخلاق أن نحسن إليهم جبراً لما حصل لهم من النقص والانكسار. والإحسان إلى المساكين يكون بحسب الحال: فإذا كان محتاجاً إلى طعام, فالإحسان إليه بأن تطعمه, وإذا كان محتاجاً إلى كسوة, فالإحسان إليه بأن تكسوه, ويكون أيضاً بأن توليه اعتباراً, فإذا دخل المجلس, ترحب به, وتقدمه لأجل أن ترفع معنويته. فمن أجل النقص الذي قدره الله عز وجل عليه بحكمته أمرنا عز

_ 1 منها قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وقال بأصبعيه السبابة والوسطى". وأخرجه البخاري رقم 6005 كتاب الزدب من حديث سهل بن سعد. وأخرجه مسلم بنحوه رقم 42 كتاب الزهد من حديث أبي هريرة.

وجل أن نحسن إليهم. كذلك ابن السبيل وهو المسافر: وهو هنا المسافر الذي انقطع به السفر أو لم ينقطع بخلاف الزكاة, لأن المسافر غريب, والغريب مستوحش, فإذا آنسته بإكرامه والإحسان إليه, فإن هذا مما يأمر به الشرع. إذا نزل ابن سبيل بك ضيفاً, فمن مكارم الأخلاق أن تكرم ضيافته, لكن قال بعض العلماء: إنه لا يجب إكرامه بضيافته إلا في القرى دون الأمصار! ونحن نقول: بل هي واجبة في القرى والأمصار, إلا أن يكون هناك سبب, كضيق البيت مثلاً, أو أسباب أخرى تمنع أن تضيف هذا الرجل, لكن على كل حال ينبغي إذا تعذر أن تحسن الرد. ومن مكارم الأخلاق أيضاً " الرفق بالمملوك والخادم " والمملوك يشمل المملوك" الآدمي والبهيم, فالرفق بالمملوك الآدمي بأن تطعمه إذا طعمت وتكسوه إذا اكتسيت, ولا تكلفه ما لا يطيق. - والرفق من البهائم سواء كانت مما تركب, ا, تحلب أو تقتنى, يختلف بحسب ما تحتاج إليه, ففي الشتاء تجعل في الأماكن الدافئة إذا كانت لا تتحمل الحر ويؤتى لها بالطعام, وبالشراب إن لم تحصل عليه بنفسها بالرعي, وإذا كانت مما تحمل, فلا تحمل ما لا تطيق.

وهذا يدل على كمال الشرع ,وأنه لم ينس حتى البهائم بل جعل لها حقاً. ومن مكارم الأخلاق أيضاً ترك الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق فالفخر بالقول والخيلاء بالفعل والبغي والعدوان والاستطالة: الترفع والاستعلاء. فالإنسان منهي أن يتفاخر على غيره بقوله, فيقول: أنا العالم! أنا الغني! أنا الشجاع! وإن زاد على ذلك يستطيل على الآخرين ويقول: ماذا أنتم عندي؟ فيكون هذا فيه بغي واستطالة على الخلق. والخيلاء تكون بأفعال, يتخايل في مشيته وفي وجهه وفي رفع رأسه ورقبته إذا مشي, كأنه إلى السماء, والله عز وجل وبخ من هذا الفعل فقال: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} . فالواجب أن تكون متواضعاً في القول وفي الفعل, لا تثن على نفسك بصفاتك الحميدة, إلا حيث دعت الضرورة أو الحاجة إلى ذلك, كقول ابن مسعود رضي الله عنه: "لو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب

_ 1 سورة الإسراء الآية: 37

الله تبلغه الإبل لركبت إليه" 1, فإنه رضي الله عنه قصد بذلك أمرين: الأول: حث الناس على تعلم كتاب الله تعالى. الثاني: دعوتهم للتلقي عنه. والإنسان ذو الصفات الحميدة لا يظن أن الناس تخفى عليهم خصاله أبداً, وساء ذكرها الناس أم لم يذكرها, بل إن الرجل إذا صار يعدد صفاته الحميد أمام الناس, سقط من أعينهم, فاحذر هذا الأمر. والبغي: العدوان على الغير ومواقعه ثلاثة بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "إن دماءكم, وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" 2, فالبغي على الخلق يكون في الأموال, والدماء والأعراض. ففي الأموال: مثل أن يدعي ما ليس له, أو ينكر ما كان عليه, أو يأخذ ما ليس له, فهذا بغي في الأموال. وفي الدماء: القتل فما دونه, كأن يعتدي على الإنسان بالجرح والقتل. وفي الأعراض: يحتمل أن يراد بالأعراض: السمعة, فيعتدي

_ 1 أخرجه البخاري رقم5002 كتاب فضائل القرآن. مسلم رقم115 كتاب فضائل الصحابة 2 أخرجه البخاري رقم 1739 كتاب الحج من حديث ابن عباس. والبخاري رقم 1741 كتاب الحج. ومسلم رقم 29, 31 كتاب الحج من حديث أبي بكرة. ومسلم رقم 147 كتاب الحج من حديث جابر.

عليه بالغيبة التي يشوه بها سمعته, ويحتمل أن يراد بها الزنى وما دونه, والكل محرم, فمن مكارم الأخلاق ترك الاعتداء على الأموال والدماء والأعراض. وكذلك الاستطالة على الخلق, يعني: الاستعلاء عليهم بحق أو بغير حق. فالاستعلاء على الخلق منهي عنه سواء كان بحق أو بغير حق والاستعلاء هو أن يترفع الإنسان على غيره. وحقيقة الأمر أن يكون من شكر الله عليه أن إذا منَّ عليك بفضل على غيرك من مال أو جاه أو سيادة, أو علم , أو غير ذلك, فإنه ينبغي أن تزداد تواضعاً, حتى تضيف إلى الحسن حسنى, لأن الذي يتواضع في موضع الرفعة هو المتواضع حقيقة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ... وما تواضع أحد لله إلا رفعه" 1. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أوحى إلي أن تواضعوا, حتى لا يفخر أحد على أحدِ, ولا يبغي أحدٌ على أحد" 2.

_ 1 أخرجه مسلم رقم69 كتاب البر والصلة. وقال النووي في شرح صحيح مسلم 16/358: وقوله صلى الله عليه وسلم: "وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله": فيه وجهان: أحدهما: يرفعه في الدنيا ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة ويرفعه الله عند الناس. والثاني: أن المراد ثوابه في الآخرة ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا ... وقد يكون المراد الوجهين معا في جميعها في الدنيا والآخرة. والله أعلم. 2 أخرجه مسلم رقم64 كتاب الجنة ونعيمها.

أخلاق غير المسلمين

أخلاق غير المسلمين يورد كثير من الناس أن أهل الغرب أحسن أخلاقاً منا في تعاملهم ووبيعهم وشرائهم بينما تجد الغش والكذب وإنفاق السلة بالحلف الكاذب منتشراً بين صفوفنا نحن المسلمين. وللرد على هذه الفرية نقول: قال النبي عليه الصلاة والسلام: "البينة على المدعي" 1, وما كان مشهوراً بين الناس من أن الغرب عندهم حسن الخلق في المعاملة فهذا ليس بصحيح, فإن عندهم من سوء المعاملة ما يعرفه من ذهب إليهم ونظر إليهم بعين العدل والإنصاف دون النظر إليهم بعين الإجلال, والإكبار فقد قال الشاعر: وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ ... كما أن عين السخط تبدي المساويا ولقد حدثني كثير من الشباب الثقات الذين ذهبوا إلى الغرب عن أفعال من أسوأ الأخلاق, لكنهم هم إذا نصحوا فيما ينصحون فيه من البيع والشراء, فليس لأنهم ذوو أخلاق, وإنما لأنهم عباد مادة, والإنسان كلما كان أنصح في معاملة من هذه المعاملات الدنيوية كان

_ 1 أخرجه الترمذي رقم1341 كتاب الأحكام. وقال: هذا حديث في إسناد مقال. وصححه الألباني وهو في صحيح الجامع2897. وقال الترمذي أيضا: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن البينة على المدعي واليمين على من المدعى عليه. أهـ, سنن الترمذي 3/678.

الناس إليه أقبل وإلى شراء سلعته وترويجها أسرع. فهم لا يفعلون ذلك لأنهم كاملوا الأخلاق, لكن لأنهم أصحاب مادة, ويرون من أكبر الدعايات لتنمية أموالهم أن يحسنوا المعاملة, من أجل أن يجذبوا إليهم الأعداد الكبيرة. وإلا فهم كما وصفهم الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} 1, ولا أظن أحداً أصدق وصفاً من الله عز وجل للكافرين, فإنهم شر البرية, وكيف يرجى خيرٌ مقصود لذاته من قوم وصفهم الله بأنهم شر البرية, لا أعتقد أن ذلك يكون أبداً, لكن ما يوجد فيهم من الصدق والبيان, والنصح في بعض المعاملات, إنما هو مقصود لغيره عندهم, وهو الحصول على المادة والكسب, وإلا فمن رأى ظلمهم وغُشمهم واستطالتهم على الخلق في مواطن كثيرة, عرف مصداق قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} . وأما بالنسبة لما وقع من كثير من المسلمين, من الغش والكذب والخيانة في المعاملات فإن هؤلاء المسلمين نقصوا من إسلامهم وإيمانهم بقدر ما خالفوا الشريعة فيه من هذه المعاملات فلا يعني أن مخالفة بعض المسلمين وخروجهم عن إطار الشريعة في مثل هذه الأمور, لا يعني ذلك النقص في الشريعة نفسها, فالشريعة كاملة, وهؤلاء الذين أساءوا إلى شريعة الإسلام, ثم إلى إخوانهم المسلمين, هؤلاء أساءوا إلى

_ 1 سورة البينة الآية: 6

أنفسهم فقط, والعاقل لا يجعل إساءة العامل سوءاً في الشريعة التي ينتمي إليها هذا العامل. ولذلك فإنني أرجو من جميع المسلمين أن تكون لهم حملة قوية في محاربة هذه الأمور التي لا يقرها الإسلام من الكذب والخيانة والغش والخداع وما أشبه ذلك. فلا بد أن نبين للناس أن من كمال الدين كمال الخلق كما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" 1. وعلى هذا فكل من كان ناقص الخلق2 فهو ناقص الدين, فكمال الدين بكمال الخلق, ولذلك فإن تأثير كامل الخلق على غيره من جَلبِهِ إلى الإسلام وإلى الدين أكبر من تأثير ذي الديانة السيئ الخلق, فإذا وفق من كان قوياً في العبادة إلى كمال الخلق كان ذلك أحسن وأكمل.

_ 1 أخرجه أبو داو رقم4682 كتاب السنة. والترمذي رقم1162 كتاب الرضاع. وفيه زيادة: "خياركم خياركم لنسائهم" وقال الترمذي: حديث حسن صحيح وهما في صحيح الجامع 1230, 1232. 2 قال ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين": الدين كله خلق فما زاد عليك في الخلق زاد في الدين. أ. هـ,. من المدارج 2/294.

كمال خلق النبي صلى الله علية وسلم

كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الخلق أخلاقا؟ الرسول عليه الصلاة والسلام،وقد قال الله تعالى فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 1 وفي الصحيح أن هشام بن حكيم سأل؟ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خُلق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلقه القرآن. فقال: لقد هممت أن أقوم ولا أسأل شيئا" 2!! فهو صلى الله عليه وسلم أكمل الناس خلقا في جميع محاسن الأخلاق وجميل الخصال والأفعال. والحوادث والوقائع التي وقعت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام, تدل على حسن خلقه. بل إنه صلى الله عليه وسلم،كان حسن الخلق حتى مع الأطفال: فكان يلاطفهم ويلاعبهم, وكان يقول لأحد الأطفال: "يا أبا عمير, ما فعل النغَيْر؟ " 3، وأبو عمير كنية لطفل وكان معه "نغير" وهو طائر صغير مثل العصفور هلك هذا النغير،فحزن عليه الصبي واغتم فكان عليه الصلاة والسلام يلاطفه قائلا: "ماذا فعل النغير". وكذلك من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم, ورحمته بالخلق أن أعرابياً جاء وبال في المسجد, فزجره الناس ونهروه بشده, فنهاهم النبي عليه الصلاة

_ 1 سورة القلم الآية: 4. 2 أخرجه مسلم رقم476 كتاب صلاة المسافرين. وأبو داود رقم 1342 كتاب الصلاة. وابن ماجه مختصرا رقم 2333 كتاب الأحكام وأحمد. وأحمد في المسند 6/54, 91, 111, 188, 216. 3 أخرجه البخاري رقم6203 ومسلم رقم30 كتاب الآداب. ومسلم رقم 30 كتاب الأدب.

والسلام فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم, بذَنوب من ماء فأريق على البول, ثم دعا الأعرابي فقال له: "إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر إنما هي للصلاة وقراءة القرآن" 1, أو كما قال النبي عليه الصلاة والسلام. وجه حسن الخلق في هذه القصة ظاهر, فهو لم يوبخ هذا الأعرابي ولم يأمر بضربه, بل إنه تركه حتى قضى بوله, ثم أعلمه أن المساجد لا تصلح لما فعل إنما هي للصلاة, والذكر, وقراءة القرآن. وكذلك من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام ورحمته بالمؤمنين،أن رجلا أتى إليه عليه الصلاة والسلام, وقال: يا رسول الله هلكت!! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "وما أهلكك؟ " فقال الرجل: وقعت على امرأتي في رمضان – يعني جامعها في نهار رمضان – فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "فهل تجد ما تعتق به رقبه؟ " قال لا. قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتاليين" فقال: لا. قال: "فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ " قال: لا. ثم جلس. فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق2 فيه تمر, فأعطاه إياه وقال له: "تصدق بهذا" فقال الرجل: على أفقر منا؟! فما بين بتيها أحوج إليه منا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه, ثم قال: "اذهب فأطعمه أهلك" 3.

_ 1 أخرجه البخاري رقم219, 220 كتاب الوضوء. ورقم 6128 كتاب الأدب ومسلم رقم 98, 99, 100 كتاب الطهارة. 2 العرق: هو الزنبيل والنفقة والمكتل وهو عند الفقهاء ما يسع خمسة عشر صاعا وهي ستون مدا لستين مسكينا لكل مسكين مد انظر مسلم بشرح النووي 7/226. 3 أخرجه البخاري رقم1936 كتاب الصوم ورقم 2600 كتاب الهبة ورقم =

وحسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام في هذه القصة ظاهر بين: فإنه لم ينهر هذا الرجل, ولم يشتمه ولم يوبخه, لأنه جاء نادماً تائباً خائفاً, فرأى النبي عليه الصلاة والسلام بعلمه وحكمته أن هذا الرجل لا يستحق أن يوبخ, بل يبين له الحق الذي جاء من عند الله, ويعامل بالرفق واللين وهذا من رحمته صلى الله عليه وسلم, التي مدحه الله تعالى بها في كتابه حيث قال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ} 1. وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} 2 وأما صفاته صلى الله عليه وسلم فهو المقدم في كل صفه حميدة عرفت شرعاً أو طبعاً. ففي الكرم: كان صلى الله عليه وسلم أكرم الناس, يعطي عطاءً لا يعطيه أحد من بشر, جاءه رجل فأعطاه غنما من جبلين, فرجع إلى قومه فقال: يا قوم, أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة3. وقال جابر بين عبد الله رضي الله عنهما ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ = 5368 كتاب النفقات. ورقم 6087 كتاب الأدب. وأخرجه ومسلم رقم 81, 82, 83, 84, 85, 86, 87 كتاب الصيام. 1 سورة آل عمران الآية: 159. 2 سورة التوبة الآية 128. 3 أخرجه مسلم رقم 57, 58 كتاب الفضائل

قط فقال: "لا" 1. ولما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين تبعه الأعراب يسألونه, فألجؤوه إلى شجرة،فخطفت رداءه وهو على راحلته فقال: "ردوا علي ردائي أتخشون علي البخل؟ فوالله لو كان لي عدد هذه العِضاه2 نعما, لقسمته بينكم, ثم لا تجدوني بخيلا, ولا جبانا, ولا كذوبا" 3. وكان صلى الله عليه وسلم يؤثر على نفسه, فيعطي العطاء ويمضي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار4. أهدت امرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام شمله منسوجة فقالت: "يا رسول الله, أكسوك هذه فأخذها النبي عليه الصلاة والسلام, محتاجا إليها, فلبسها, فرآها عليه رجل من الصحابة فقال:يا رسول الله, ما أحسن هذه! فكسنيها, فقال: "نعم" , فلما قام النبي عليه الصلاة والسلام لامه أصحابه, فقالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجا إليها, ثم سألته إياها, وقد عرفت أنه لا يسأل شيئا فيمنعه, فقال: "رجوت ربكتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفن فيها" 5.

_ 1 أخرجه مسلم رقم56 كتاب الفضائل 2 العضاه: الشجرة الغليظة الثابتة الأصل. 3 أخرجه البخاري رقم2821 كتاب الجهاد والسير. ورقم 3148 كتاب الفرض الخمس. 4 الحديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم" أخرجه البخاري رقم 6459 كتاب الرفاق. ومسلم رقم 28 كتاب الزهد. 5 أخرجه البخاري رقم6036 كتاب الأدب.

وكان كرمه صلى الله عليه وسلم كرماً في محله, ينفق المال له وبالله, إما لفقير, أو محتاج, أو في سبيل الله, أو تأليفا على الإسلام،أو تشريعا للأمة. وفي الشجاعة: كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس, وأمضاهم عزما وإقداما, كان الناس يفرون وهو ثابت, قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: لما التقى المسلمون والكفار – يعني في حنين – وولى المسلمون مدبرين, طفق الرسول صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار, وأنا آخذ بلجامها أكفها لإرادة ألا تسرع, وكان يقول حينئذ: "أنا النبي لا كذب, أنا ابن عبد المطلب" 1. وقال علي رضي الله عنه: "كنا إذا احمر البأس, ولقي القوم القومَ, اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب من العدو منه" 2. وقال أنس - رضي الله عنه-: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس, وكان أجود الناس, وكان أشجع الناس, ولقد فزع أهل المدينة ذات ليله, فانطلق ناس قبل الصوت, فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا – وقد سبقهم إلى الصوت – وهو على فرس لأبي طلحة عري, في عنقه السيف وهو يقول: "لم تراعوا3 لم تراعوا" قال: "وجدناه

_ 1 أخرجه مسلم رقم76 كتاب الجهاد والسير. وأخرجه البخاري بنحوه من حديث. البراء بن عازب رضي الله عنه رقم2864 كتاب الجهاد ورقم 4315, 4317 كتاب المغازي. 2 أخرجه أحمد في المسند 1/156 وبنحوه مسلم رقم 79 كتاب الجهاد من حديث البراء رضي الله عنه. 3 قوله: لم ترعوا: أي لا تخافوا والعرب تتكلم بهذه الكلمة واضعه "لم" موضع "لا".

بحرا1 أو إنه لبحر وكان فرساً يبطأ"2. أما لينه وحسن خلقه: فقد كان صلى الله عليه وسلم لطيفا رحيما, فلم يكن فاحشا ولا متفحشاً3، ولا صخاباً في الأسواق, ولا يجزي السيئة بالسيئة, ولكن يعفو ويصفح4، قال أنس - رضي الله عنه-: "خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أف قط ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟ لي أف قط, ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا؟ "5.

_ 1 قوله: وجدنا بحرا: أي وجدوا الفردوس سريع الجري بعد أن كان يبطأ. 2 أخرجه البخاري رقم 2908 كتاب الجهاد والسير ورقم 6033 كتاب الأدب ومسلم رقم رقم48 كتاب الفضائل. قال النووي في شرح صحيح مسلم 15, 67, 68: وفيه فوائد: منها شجاعته صلى الله عليه وسلم من شدة عجلته في الخروج إلى العدو قبل الناس كلهم بحيث كشف الحال ورجع قبل وصول الناس. وفيه بيان عظيم بركته ومعجزته في انقلاب الفردوس سريعا بعد أن كان يبطأ وهو معنى قوله: وجدناه بحرا: أي واسع. أ.هـ. 3 لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أخرجه البخاري رقم3559 كتاب المناقب. ورقم6029, 6035 كتاب الأدب. ومسلم رقم 68 كتاب الفضائل. 4 لحديث عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في الفرقان: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيراً} وحرزاً للأميين, أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاباً بالأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة, ولكن يعفو ويغفر ... " أخرجه البخاري رقم 2125 كتاب البيوع ورقم 4838 كتاب التفسير 5 أخرجه البخاري رقم 6038 كتاب الأدب ومسلم رقم 51 كتاب الفضائل.

وكان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم, ويداعب صبيانهم, ويضعهم في حجره, وربما بال الصبي في حجره, فلا يعنف1. وكان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة الحر والعبد, والغني والفقير, ويعود المريض في أقصى المدينة, ويقبل عذر المعتذر2 وكان يسمع بكاء الصبي وهو يصلي بالناس فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتن أمه3. و"كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولأبي العاص بن الربيع, فإذا قام حملها, وإذا سجد وضعها!! "4. قال أبو بريده: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذا جاء الحسن والحسين

_ 1 فقد أتت أم قيس بنت محصن بابن لها لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله أخرجه البخاري رقم 223 كتاب الوضوء. ومسلم رقم 104 كتاب الطهارة. 2 وهذا كله من تواضعه صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم في "مدارج السالكين" 2/310 عن تواضع النبي صلى الله عليه وسلم: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر على الصبيان فيسلم عليهم وكانت الأمة تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكل لعق أصابعه الثلاثة وكان النبي صلى الله عليه وسلم في بيته في خدمة أهله ولم يكن ينتقم لنفسه قط وكان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويرفع ثوبه ويحلب الشاة لأهله ويعلف البعير ويأكل مع الخادم ويجالس المساكين ويمشي مع الأرملة واليتيم في حاجتهما وبيدا من لقيه بالسلام ويجيب دعوة من دعاة ولو إلى أيسر شيء. وكان النبي صلى الله عليه وسلم هين المؤونة لين الخلق كريم الطبع جميل المعاشرة طلق الوجه بساما متواضعا من غير ذلة جواد من غير سرف رقيق القلب رحيما بكل مسلم خافض الجناح للمؤمنين لين الجانب لهم. أ. هـ. 3 أخرجه البخاري رقم707, 708, 709, 710 كتاب الأذان. ومسلم رقم 192 كتاب الصلاة. 4 أخرجه البخاري رقم516 كتاب الصلاة. ورقم 5996 كتاب الأدب. ومسلم رقم41,42,43 كتاب المساجد.

– عليهما السلام – عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران1, فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه, ثم قال: "صدق الله {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} 2, نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما" 3. قال الحسين بن علي - رضي الله عنهما -: سألت أبي عن سير النبي صلى الله عليه وسلم في جلسائه فقال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم البشر, سهل الخلق, لين الجانب, ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا عياب ولا مشاح4 يتغافل عما لا يشتهي, ولا يؤيس منه راجيه ولا يُخيب فيه, قد ترك نفسه من ثلاث: المراء, والإكثار, وما لايعنيه, وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحداً ولا يعيبه, ولا يطلب عورته, ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه, وإذا تكلم أطرق جلساؤه, كأنما على رءوسهم الطير, فإذا سكت تكلموا, لا يتنازعون عنده الحديث, من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ, حديثهم عنده حديث أولهم, يضحك مما يضحكون منه, ويتعجب مما يتعجبون منه, ويصبر للغريب على الجفوة5 في منطقه ومسألته, حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم6, ويقول: "إذا رأيتم

_ 1 يعثران: من العثرة أي يمشي صغير يميل في مشيه. 2 سورة الأنفال الآية: 28. 3 أخرجه الترمذي رقم3774 كتاب المناقب. وقال: حسن غريب إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد. وأخرجه النسائي رقم 1412 كتاب الجمعة. وأبو داود رقم 1109 كتاب الصلاة. 4 مشاح: مفاعلة من الشح وهو شدة البخل. 5 الجفوة: الغلظة وسوء الخلق. 6 أي كان أصحابه يتمنون أن يأتي هؤلاء الأغراب ليستفيدوا من أسئلتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على شدة توفير الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهيبتهم له.

طالب حاجة يطلبها فأرفدوه" 1, ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ, ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز, فيقطعه بنهي أو قيام" 2. وفي الزهد والتقلل من الدنيا: كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة, خيره الله تعالى بين أن يكون ملكاً نبياً أو عبداً نبياً, فاختار أن يكون عبداً نبياً, وخيره بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش وبين ما عند الله فاختار ما عند الله. قال أنس: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مرمل بالشريط وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف, فدخل عليه نفر من أصحابه ودخل عمر, فانحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير عمر بين جنبيه وبين الشريط ثوباً, وقد أثر الشريط بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا عمر"؟ قال: والله إلا أن أكون أعلم أنك أكرم على الله عز وجل من كسرى وقيصر, وهما يعبثان في الدنيا فيما يعبثان فيه, وأنت يا رسول الله بالمكان الذي أرى! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ " قال عمر: بلى, قال: "فإنه كذلك" 3.

_ 1 فأرقدوه: أي فأعينوه على بلوغ حاجته. 2 أخرجه الترمذي في الشمائل رقم 352 وفي إسناد أبو عبد الله التميمي من ولد أبي هالة مجهول كما قال الحافظ. وفيه جميع بن عمير بن عبد الرحمن العجلي منهم. قال الحافظ في التقريب؟ رافضي ضعيف" والراوي عن الحسن بن علي لا يعرف. انظر الشمائل المحمدية للترمذي بتحقيق: سيد بن عباس الجليمي ص 34, 35. 3 أخرجه أحمد في المسند 3/139. وابن حبان في صحيحه رقم 6362 كتاب=

هذه درر من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذوها نبراساً لكم تأتمون به وتأخذون بهديه وتسيرون على منهاجه فتهتدوا, فإن الله جبله على مكارم الأخلاق, وأمرنا بالاقتداء به. قال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتََدُون} 1 رزقنا الله وإياكم محبة خذا النبي صلى الله عليه وسلم, ووفقنا إلى اتباع سنته وهديه حتى يأتينا اليقين.

_ = التاريخ. وأبو يعلى في مسنده رقم 2783 وذكر الحافظ الهيثمي في: مجمع الزوائد 10/326 وقال: رجاله رجال الصحيح غير مبارك بن فضالة. 1 سورة الأعراف الآية: 158.

§1/1