مقتطفات من السيرة

عمر عبد الكافي

سلسلة مقتطفات من السيرة [1]

سلسلة مقتطفات من السيرة [1] كان العالم قبل بعثة رسول الهدى عبارة عن قوى متناطحة متشاكسة، وكان السائد فيها حكم قانون الغابة والذي ينص على أن القوي يأكل الضعيف، ويلتهم الكبير الصغير، وفشت عادات وأعراف لم يعرفها التاريخ من قبل، حتى ولد الهدى وانبلج صبح النبوة بمولد محمد صلى الله عليه وسلم.

إجمال موضوعات السيرة النبوية

إجمال موضوعات السيرة النبوية نحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده. وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: نسأل الله عز وجل ألا يجعل لنا ذنباً إلا غفره، ولا مريضاً إلا شفاه، ولا عسيراً إلا يسره، ولا كرباً إلا أذهبه، ولا هماً إلا فرجه، ولا عيباً إلا ستره، ولا ديناً إلا قضاه، ولا مريضاً إلا شفاه، ولا ضالاً إلا هداه، ولا ميتاً إلا رحمه، ولا مسافراً إلا رده غانماً سالماً لأهله، اللهم رد إلينا المسافرين، ورد علينا الغائبين سالمين غانمين يا رب العالمين. اللهم اجعل هذه الدروس في ميزان حسناتنا يوم القيامة، اللهم ثقل بها موازيننا، واجعلها خالصة لوجهك الكريم، ولا تجعل للشيطان فيها حظاً أو نصيباً، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين، وانصرنا على أعدائنا يا أكرم الأكرمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فإني استشرت واستخرت كثيراً قبل أن أبدأ بهذه الدروس ولم أجد أفضل ولا أعظم من أن نتحدث عن السيرة العطرة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيكون حديثنا عن حالة العرب قبل الإسلام، ومولده صلى الله عليه وسلم، ومكثه في مكة، وزواجه من السيدة خديجة، وبعثته عندما صار عمره أربعين سنة، واستمراره في الدعوة ثلاث عشرة سنة في مكة، ثم الهجرة ومكثه في المدينة وتأسيس الدولة المسلمة، ثم الغزوات. ومن خلال هذه السيرة العظيمة لأفضل الخلق، نستطيع الحديث عن حال المسلمين، فإذا نظرنا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في ولادته وفي صغره -وما كان صغيراً قط- نرى ونتعلم كيف نربي أولادنا، وسوف نتحدث عن تربية الأولاد في الإسلام. وعندما يصل الرسول إلى سن الشباب، فسوف نخرج أحاديث إلى الشباب في زمن ارتكبت فيه الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأل الله العصمة لنا ولشبابنا ولأبنائنا ولصغارنا وكبارنا. ثم نتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً، فنتحدث عن صفات المعلم، وعن صفات المتعلم وعن فضيلة العلم. نتحدث عن الرسول داعية إلى الله، فنتعلم كيف يدعو الإنسان إلى الله عز وجل، ونتحدث عن الرسول كأب؛ لنرى كيف كان أباً في بيته، نتحدث عنه كزوج؛ لنتوقف عند حقوق الزوج على زوجته وحقوق الزوجة على زوجها، وهذه أشياء مهمة. ونتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قائداً محنكاً وسياسياً بارعاً ومفاوضاً عظيماً؛ لنتحدث عن موقف المفاوضات والمعاهدات في الإسلام، ونتحدث عن الغزوات لنرى الرسول قائداً عسكرياً عظيماً لا يشق له غبار وكيف كان يخطط، وكيف كان ينظم مواقف القتال ونعرف موقف الإسلام من القتال. نتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو فقير كيف كان يتعامل وهو غني، وعندما دخل الناس في دين الله أفواجاً، ونتحدث عنه في حالة اليسر وفي حالة العسر، ونتحدث مجملاً عن قول الله عز وجل فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. ونتحدث عنه كيف كان يعامل أعداءه، وكيف كان يعامل أهل الذمة، كيف كان يعامل المنافقين الذين كان يعرفهم واحداً واحداً، ونتحدث عنه حليماً يحلم على الناس، فقد وسع صدره العالم كله فدخل الناس في دين الله أفواجاً محبةً في رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتداءً به. نتحدث عنه عند وفاته وكيف صبر صحابته على هذه الفاجعة الكبيرة التي نحن في خضم حياتنا لا نذكرها إلا قليلاً، فنتحدث عن الصحابة كيف كانوا تلاميذ نجباء لأشرف أستاذ عرفته البشرية صلى الله عليه وسلم. هذا مجمل عناوين الحديث عن السيرة العطرة، وأدعو الله عز وجل إن كنا من أهل الدنيا أن يعيننا على شرحها وتوضيحها والخروج بالدروس المستفادة منها. فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه يا أكرم الأكرمين.

فضل مجالس العلم

فضل مجالس العلم وقبل أن ندخل في الموضوع لابد من الحديث عن فضيلة مجالس العلم، فقد كثرت الأزمات في بيوتنا، ولعل الأزمات اشتد لهيبها وغبارها عندما انقطعت دروس العلم ودروس الإثنين والخميس، وصار كثير من المريدين لا يحضرون أي دروس في أي مكان، وهذه خلة أعتب عليهم فيها. فالكثير من الإخوة والأخوات رفضوا الذهاب إلى دروس العلم، وبذلك استطاع الشيطان أن يغويهم، لأن العلم ودروس العلم هي التي تضيق الأبواب التي يدخل الشيطان منها، قال الحسن البصري رضي الله عنه: إن لك في المسجد فوائد سبع. أول فائدة: أخاً مستفاداً في الله. يعني الأخوة التي تحصل في بيت الله لا تحدث في أي مكان آخر؛ لأن زمالة العمل قد تنتهي بمجرد أن تحال على التقاعد أو تنقل من مكان إلى مكان وهذا على سبيل المثال. لكن الأخ في الله عندما يغيب عنك قال فيه صلى الله عليه وسلم: (تعاملوا مع الناس بحيث إنكم إذا غبتم حنوا إليكم وإذا متم ترحموا عليكم)، يعني أن المسلم عندما يغيب عن أخيه فإنه يحن له فيسأل عنه، وإذا مات ترحم الناس عليه. فنحن عندما نسمع اسم أبي بكر فإننا نقول: رضي الله عنه، فكم هي أعداد الناس الذين يدعون لـ أبي بكر بهذا الدعاء ولـ عمر بن الخطاب وعثمان وعلي وحمزة وخالد وسعد وأم سلمة والسيدة زينب، كل الصالحين والصالحات عندما تأتي سيرتهم نقول: رحمهم الله، ورضوان الله عليهم، وعند ذكر الصالحين تستدر الرحمات. وعندما مرض صديق للشافعي رضوان الله عليه، ذهب الشافعي ليزوره، فبسبب مرض صاحبه وأخيه في الله وحبيبه رجع وهو مريض، فلما وصل الشافعي مريضاً إلى البيت بلغ صاحبه مرض الشافعي فقام من فراشه وذهب يزور الشافعي، وكان الشافعي لا يستطيع الجلوس، فلما رأى أخاه قادماً إليه فمن شدة فرحته بشفاء أخيه قام من فراشه واحتضنه ثم ترجم الشافعي الكلام قائلاً: مرض الحبيب فزرته فمرضت من حزني عليه فأتى الحبيب يزورني فبرئت من نظري إليه ولا أحد يعرف الأخوة إلا الذي جربها. لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها فأنت كمسلم من الواجب أن تراعي قضية هامة، وهي أن لك في المسجد أخاً مستفاداً في الله، وهناك أناس نحبهم على البعد وبمجرد السماع بهم. ومن جميل أخوة النبي عليه الصلاة والسلام أنه عندما جاءه جعفر الطيار رضوان الله عليه من رحلة الحبشة مع إخوانه الذين كانوا مهاجرين معه كان عليه الصلاة والسلام يحتضنه ويقبله، وكان جعفر ابن عمه، وكان أشبه الناس خلقاً برسول الله، وكان يقول فيه: (أشبهت خلقي وخلقي)، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا أدري بأيهما أفرح: بفتح خيبر أم بقدوم جعفر). وكان سيدنا الحبيب يراعي هذه القضية جداً، وكان لا يقوم لأحد أبداً، ولكن كان يقوم لـ فاطمة عندما يجدها قادمة فيحتضنها ويقبلها بين عينيها، وكانت فاطمة تضع رأسها على صدر أبيها، فتستريح من عناء الدنيا وبلائها. والإنسان عندما يأتي إلى الجامع يجب أن يكون ذلك لهدف وهو إرضاء الله عز وجل، أو لطلب رحمة مستنزلة، يقول تعالى في الحديث القدسي: (ألا إن بيوتي في الأرض المساجد وإن زواري عمارها ألا إن من تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فما على المزور إلا أن يكرم زائره). والملائكة السياحون في الأرض دائماً ما يقعدون في مجالس العلم، وأقول: لو كُشِفَ الحجاب لرأيت حولك من الملائكة مالا يعد ولا يحصى، ثم يصعدون إلى الله عز وجل وهو العليم الخبير فيسألهم (علام ما تركتم عبادي؟ فيقولون: يتدارسون العلم ويسمعون آياتك، فيقول: ماذا يريدون؟ فيقولون: يريدون الجنة، فيقول: وهل رأوا جنتي؟ فتقول الملائكة: لا يا رب، فيقول: فما بالكم لو رأوها؟ ومم يستعيذون؟ فيقولون: من النار، فيقول الله: هل رأوها؟ فيقولون: لا يا رب، فيقول: لو رأوا النار ماذا سيعملون؟ أشهدكم أني قد غفرت لهم. فيقولون: إن فيهم فلاناً إنما جاء لحاجة، فيقول: وله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)، فحتى الذي جاء لمصلحة أو الذي جاء يكتب تقريراً أو الذي أتى يعمل شيء غير حضور المجلس فربنا يغفر للكل ويكرمه سبحانه من أجل المجموعة. ولا يسمع العلم إلا في مثل مجالس الذكر التي في المساجد، فالعلم لا أعرفه إلا في بيت الله، فطالما أن المسلم وثق بالإنسان الذي يتكلم وصارت بينهما علاقة حب في الله صار بين العالم والمريد أو الشيخ ومريده علاقة ينتج عنها ثمرة طيبة، علماً مستظرفاً أو كلمة تدلك على هدى، أو تمنعك من ردى. وذات يوم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد بعد العصر فوجد صحابياً قاعداً في الجامع واضعاً خده على كفه فقال له عليه الصلاة والسلام: (ما الذي يجلسك في وقت ليس من أوقات الصلاة في المسجد؟ قال له: هموم وديون لزمتني يا رسول الله)، فعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم ثمان كلمات: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، ومن العجز والكسل، ومن الجبن والبخل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال)، فبمجرد أن يقولها الإنسان فإن ربنا يفرج الكرب. فتسمع في المسجد كلمة تدلك على هدى، أو تمنعك من ردى، أو أن تترك الذنوب خشية أو حياء، فعندما تتعود على المسجد تستحي أن ترتكب غلطة في الخارج. فدروس العلم كلها فائدة، ولن ينشرح الصدر إلا بدروس العلم، ولن تشعر أنك قريب من الله إلا بدروس العلم، والإنسان الذي يحضر دروس العلم يعلم الفرق بين الصلاة التي تكون قبل الدرس والصلاة التي تكون بعده، فأنت تأتي إلى صلاة المغرب ولا زالت هموم العمل والدنيا ومشاغلها عالقة في ذهنك، ثم تجلس في الدرس وتستمع الشيخ وتصلي بعد ذلك العشاء، فالنفسية التي صليت بها العشاء تختلف تماماً عن النفسية التي صليت بها المغرب؛ لأن صلاة العشاء تأتي بعد درس العلم، ولذلك فالصحابة رضوان الله عليهم كان عندهم الخشوع لله عز وجل في جميع الصلوات؛ لأنهم كانوا مع الله في كل وقت، وكانوا موصولين بالله عز وجل. فدرس واحد أو مجلس واحد من مجالس العلم يكبر سبعين مجلساً من مجالس الذنوب، وكل مجلس من مجالسنا ليس فيها ذكر لله فهي من مجالس الذنوب.

حالة العالم قبل الإسلام

حالة العالم قبل الإسلام قبل الحديث عن مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لابد أن نعلم كيف كانت حالة العالم قبل ميلاد رسول الله. وسيجد المتأمل قوى متطاحنة، وقوى متقاتلة، ففارس والروم مثل أوروبا وأمريكا الآن، وكان جماعة من الهنود يبيحون زواج المحارم، فكان الواحد منهم يتزوج ابنته، ويتزوج أخته، ويتزوج عمته وخالته. واليونانيون عندهم فلسفة كذابة، والرومان -مثل أمريكا الآن- عندهم ميول استعمارية، والفرس كانوا يعبدون النار، وقد أوقدت نيرانهم منذ نبوة سيدنا موسى ولم تنطفئ إلا يوم أن ولد رسول الله. وقبل أن نتحدث عن حالة العالم قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نأخذ لمحة سريعة عن الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حال الأنبياء السابقين مع الدعوة

حال الأنبياء السابقين مع الدعوة فالدين كله من بداية عهد آدم عليه السلام إلى سيدنا محمد يقوم على أمرين: العقيدة والتشريع، ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم بتواضعه الجم: (الأنبياء إخوة دينهم واحد وأمهاتهم شتى)، يعني دينهم واحد لكن الأمهات مختلفة. وقال في حديث آخر: (الأنبياء إخوة لعلات)، والعلات: الضرائر. وأول الدعاة على وجه الأرض هو سيدنا نوح وظل يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة. {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} [نوح:5] وهذا دليل أنه كان يعظهم موعظة في الصبح وموعظة في الليل {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح:7]. فصبر هذه السنين كلها، نسأل الله الستر، والله لو سترك الله لم يفضحك أحد، ومن كرم ربنا أنه إذا سترك في الدنيا فهو أكرم من أن يفضحك على رءوس الخلائق يوم القيامة، لكن يفضحك لو فضحت نفسك وجاهرت بالمعاصي. فظل يدعو إلى أن قال له ربه: يا نوح! اصنع الفلك، وقال له: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} [المؤمنون:27] أي: إلا امرأتك، وبعد أن ركب نادى على ابنه فلا يزال يؤمل فيه خيراً: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ} [هود:42] أي: عن الخير وعن الحق وعن الاستقامة {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:42 - 43]. ووصلت السفينة إلى جبل الجودي في العراق، ووصل نوح إلى بر السلامة ومتعه الله عز وجل ومن آمن معه، وما آمن معه إلا قليل، وقيل: إن مع سيدنا نوح سبعين واحداً. ثم بعد ذلك انحرفت البشرية فبعث الله رسولاً من الرسل، وقد عرفنا قصص قوم صالح وقوم هود وقوم لوط، ثم جاء الخليل عليه السلام والذي يعتبر النبي عليه الصلاة والسلام من سلالته. وقد وصف الله عز وجل سيدنا إبراهيم بقوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:37]. وقد بلغ إبراهيم من العمر 80 عاماً ويئس هو وزوجته من الولد فإذا بها تحمل بإسماعيل جد العرب وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد أن كبر أمر الأب أن يأخذ إسماعيل وأمه ويضعهما بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ. كبر سيدنا إسماعيل ووصل عمره إلى خمس عشرة أو ست عشرة سنة، وإبراهيم لم يره، فأول ما قابل أباه قبله واحتضنه وقبل يديه، وقال له: يا إسماعيل! {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] فكان جوابه أن قال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]، وقد قال الله تعالى في سيدنا إسماعيل: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم:54]. فهو من سلالة سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي كان أبوه آزر يصنع التماثيل التي يعبدونها، وكان عمر سيدنا إبراهيم عشر سنين، فكان يقول آزر: يا إبراهيم! بع هذه الآلهة، والآلهة أنواع: آلهة ذهب للأغنياء وآلهة حجر وآلهة طين، فكان سيدنا إبراهيم يربط الآلهة بحبل، ويمشي يقول: يا أيها الناس! من الذي يشتري من لا ينفع ولا يضر، فكان لا يشتري منه أحد بسبب تروجيه الرائع. وذات يوم دخل سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلى المعبد وذلك يوم العيد، وكسر الأصنام كلها وعلق الفأس على كتف كبيرهم، فجاء القوم وقالوا: من الذي فعل هذا بآلهتنا؟ وكان هذا أحد أساليب دعوته التي كاد أن يسلم قومه بسببها. وهذا يذكرنا بقصة أبي ذر الذي وجد صنمه مبتلاً قد تبول عليه ثعلبان وكان أبو ذر لا يعرف عن الإسلام شيئاً فقال: أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب فلو كان رباً كان يمنع نفسه فلا خير في رب تصبه المصائب برئت من الأصنام في الأرض كلها وآمنت بالله الذي هو غالب فيدخل على الرسول من أجل أن يعلن إسلامه، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ماذا فعل الثعلبان بصنمك يا أبا ذر؟). ومن ذلك قصة سيدنا عمر بن الخطاب فقد كان أبوه قاس وكان هؤلاء الناس ليس لهم عقول، فكان للخطاب إله من العجوة يعبده، وفي ذات يوم ذهب الخطاب ووصى ابنه عمر على هذا الصنم، وكان عمره عشر سنين فظل منتظراً أباه حتى شعر بالجوع قال: فقلت: يا إلهي! أطعمني، فلم يجبه، يا إلهني اسقني قال: فأخذت ذراعه فأكلته فلم يتكلم -وجد العجوة طعمها حلو- فراح وأخذ ذراعه الثانية وأكله فلم يتكلم، حتى أكله كله، فتذكر سيدنا عمر غلظة الخطاب، فكلم أمه أن تصنع صنماً آخر، فأخذت عجوة صنعت بها تمثالاً. فإذاً منطقة العرب كانت منطقه غريبة جداً في مسألة العبادة. وكان سيدنا نوح يدعو إلى التوحيد ونبذ الفاحشة، وجاء من بعدهم سيدنا داود وسليمان والملكان اللذان أعطاهما رب العباد ما لم يعط أحداً من العالمين. فسيدنا داود ألان الله له الحديد، قال تعالى عنه: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ:11] أي: دروعاً للحروب والسيوف والرماح. وأما سيدنا سليمان فيقول: {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ} [النمل:16]، وكان سيدنا داود يقرأ الزبور الكتاب المنزل عليه فمن شدة حلاوة وجمال صوته كان الماء يتوقف عن الجريان وكانت الطيور تردد معه تسبيحه لله عز وجل، قال تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ:10]، ثم جاء من بعده ابنه سليمان وورث أباه وأعطاه الله ما لم يعط أحداً من قبل ولا من بعد فقد سخر الله له الريح غدوها شهر ورواحها شهر {تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} [ص:36 - 37] يأتون له باللؤلؤ والمرجان من تحت البحر وكان ملكه في بيت المقدس الذي يريد اليهود الآن أن يهدموا المسجد الأقصى بغرض إخراج هيكل سليمان من تحته. وقصة الهدهد التي حدثت مع نبي الله سليمان نتعلم منها كلنا، فذات يوم كان سليمان قاعداً في ملكه تظلله الطيور، والجن والشياطين والوحوش أمامه، فرأى شعاع الشمس وقد نفذ إليه فقال: لابد أن هناك طيراً غير موجود {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ} [النمل:20] وبعد قليل جاءه الهدهد وقال: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل:22] وقال: إنه يوجد من الإنس امرأة تحكمهم ويسجد قومها للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فأضلهم عن السبيل، فتحدث الهدهد في قضية الإيمان والتوحيد والعقيدة، فأراد سليمان أن يتأكد وأن يستوثق من كلام الهدهد ومن الخبر الذي جاء به. فأرسل معه كتاباً قال له: خذ هذا الكتاب فألقه إليهم، فقطع الهدهد المسافة من بيت المقدس إلى صنعاء، وطار حاملاً رسالة نبي الله سليمان، أخذ الهدهد الرسالة وذهب إلى ملكة سبأ وألقى إليهم الخطاب، فقالت: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل:29]؛ لأن الخط يدل على أنه خط ملوك وشعار الملك عليه، فأكيد إن الرسالة من نبي الله سليمان، ثم سألتهم عن رأيهم فقالوا: {نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل:33]، وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (تعس قوم ولوا أمورهم امرأة)، فأنا كنت أتمنى أن المصالح الحكومية يديرها الرجال، والمدرسة التي تكون فيها مديرة أتمنى أن كل الذي تحت يدها يكن نساء، لكن أن الرجل يعمل تحت إمرة المرأة فهذا لا ينبغي، والمرأة عقلها كالرجل تماماً ولكن مكانها البيت أساساً. ويا ليت تراعى هذه القضية فإن المرأة بطبيعتها تمر عليها أيام تكون فيها عصبية، بسبب الإفرازات المعينة التي تحصل لها في جسمها وهذا ما يجعلها في حالة عصبية، فأحياناً تجد المرأة راضية عنك تماماً ولكن بعد خمس دقائق يتبخر هذا الرضا ولا تعرف أين ذهب، فهذه حالتها. ليس معنى هذا أن النساء بهن شيء من الجنون فكلمة حنان واحدة تجعل المرأة راضية كل الرضا كما قالت بنت محلم الشيباني: يا بنية كوني له أمة يكن لك عبداً. يعني: كوني لزوجك مثل الخدامة فهو سيكون عندك عبداً. قالت: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل:35] فدخل رسلها على سليمان في ملكه وكان الشياطين والجن قد صنعوا الطريق المؤدي إلى العرش الذي يجلس عليه سليمان من الذهب الخالص فدخل الرسل ومعهم هدايا من الذهب، والتي تعتبر قليلة بالنسبة لسليمان فقال: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل:36] فأيقن نبي الله سليمان أنهم سوف يأتون إليه مسلمين فعرض الأمر على جنوده من الجن من يأتي بعرش بلقيس قبل أن تصل {قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل:39]. فقال عفريت مؤمن بالله عز وجل عنده علم من الكتاب: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل:40] فبمجرد أ

سلسلة مقتطفات من السيرة [2]

سلسلة مقتطفات من السيرة [2] لقد كان العالم قبل مجيء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يعج بالأباطيل والظلم والكفر، ولم تكن أمة من الأمم مؤهلة لحمل الرسالة الإلهية كأمة العرب، لما كان فيهم من الأخلاق النبيلة. وقد تقدم مولده صلى الله عليه وسلم إرهاصات كثيرة ومبشرات تنبئ عن مقدمه بالنور ليضيء العالم بعد تخبطه أزماناً في دياجير الظلام.

الرد على من أنكر المعجزات النبوية أو لم يذكرها في كتبه

الرد على من أنكر المعجزات النبوية أو لم يذكرها في كتبه هذه هي الحلقة الثانية من السيرة العطرة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث عن السيرة ليس سرداً تاريخياً لوقائع السيرة أو للتاريخ، ولكننا ندرس التاريخ الإسلامي والسيرة العطرة لسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم لكي نأخذ العبر والعظات التي نتعلمها منه صلى الله عليه وسلم. فلقد كانت حياته كلها عبراً ودروساً مستفادة يستطيع المسلم أن يأخذ منها القبس وأن يضيء منها المصابيح وأن يتلمس منها المفاتيح في ليالي الأيام وظلمات الطرقات وهو يسير إلى الله عز وجل سيراً حثيثاً. كما أن المتصدر لتدريس حياة النبي صلى الله عليه وسلم يجب ألا ينسى للحظة أنه نبي، فمن قال: إنه كان قائداً عظيماً، فلابد أن يعلم أنه نبي كذلك، ومن قال: إنه كان سياسياً بارعاً، نعم هو كذلك ولكنه نبي، فكل حركة من حياة سيدنا الحبيب فهي نابعة من النبوة، أي: وهي بأمر من الله عز وجل فعندما يتكلم فإنه يتكلم بوحي من الله، ويتحرك ويتصرف بناء على توجيهات الوحي الأعلى، فهذه مسألة مهمة أغفلها العلماء الذين ظهروا في بداية العصر الحديث من أمثال محمد عبده والشيخ المراغي ومن على وتيرتهم رحمهم الله جميعاً وألحقنا بهم على الإسلام، وجزاهم الله خيراً على ما فعلوا للأمة الإسلامية؛ لكنهم جاءوا في وقت كان الهجوم على الإسلام شرساً، والهجوم على نبي الإسلام أشد شراسة. وقد دافعوا عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخلت كتاباتهم التي كتبوها عن لفظة (رسول الله)، ومن الحديث عن المعجزات؛ لأنهم شعروا أن المعجزات ليست مسألة عقلية، وهم كانوا يدحضون الحجة بالحجة، فيريدون أن يردوا على أمثال رينان أو من كان على شاكلته من المستشرقين. فهذا الرجل علماني أو عقلاني، فمن أجل أن يقنعه محمد عبده فإنه يرد عليه بالعقل. فـ محمد عبده لم يتحدث مثلاً عن حادثة المعراج؛ لأنه رأى أن هذه مسألة ليست عقلية عند الأوروبيين وهم لن يقبلوا، ولم يتحدث مثلاً عن أن المياه نبعت من بين أصابع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بحجة أن هذه ليست مسألة عقلية، ولم يتحدث أن الرسول مسح بيده على قدم أبي بكر في الغار عندما لدغته الحية فعادت سليمة كأن لم يكن بها شيء، لكن نقول لـ محمد عبده ولغيره: نحن نأخذ شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه رسول مؤيد بالوحي الأعلى، وقد ورد في كتب الصحاح، أن رجلاً أعرابياً اصطاد ضباً، ثم أتى أناساً كان بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يسأل: من هذا؟ من هذا؟ فقالوا: هذا رسول الله، فاقترب منه وقال: يا محمد! من يشهد لك بالرسالة؟ ولو قال له: الله يشهد، فسينكر الأعرابي، ولو قال له: الصحابة يشهدون فإنه سيقول: إنهم أصحابك وأصدقاؤك. فقال الحبيب مبتسماً: (أتريد شاهداً يشهد على صدق رسالتي يا أعرابي؟ قال له: نعم، قال له: هذا الضب الذي في يدك)، فنظر الرجل إلى الضب فقال الضب بلسان عربي مبين: أشهد أنك رسول الله، فإذاً الرسول مؤيد من الوحي الأعلى. أما أن يأتي محمد عبده أو غيره من أجل أن ينفي قضية المعجزات فهذا خطأ فادح. ومن المعجزات أن النبي يوم ولد تصدع إيوان كسرى وغاضت بحيرة ساوة وسقطت شرفات إيوان كسرى وخمدت نار فارس. فنحن خلال دراستنا لحياة الحبيب يجب أن ننظر إليه على أنه رسول، وقد وضح هذه القضية لـ عمر بن الخطاب فقد دخل عليه يوماً ووجد الحصير وقد أثر في جنبه، فقارن سيدنا عمر بين كسرى وقيصر وهما يعصيان الله ويرفلان في الحرير والديباج، وتنام أنت على حصير ويؤثر في جنبك يا رسول الله! فقال: (يا ابن الخطاب أفي شك أنت؟ إنها نبوة لا ملك وشقاء أمتي يوم يكون فيها كسرى ويوم يكون فيها قيصر). وعندما كان يجد عليه الصلاة والسلام الصحابة يقومون له عندما يأتي احتراماً له وهيبة فكان يأمرهم فيقول: (اجلسوا، إنما يقوم الناس لرب العالمين، لا تطروني كما أطرت الأعاجم ملوكها ولا تعظموني كما عظمت النصارى المسيح ابن مريم، وإنما قولوا: عبد الله ورسوله، فأنا عبد الله ورسوله)، ففيه العبودية وفيه الرسالة. {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف:110] ضع تحت (يوحى إلي) خطوطاً. يقف أبو سفيان في فتح مكة، والمسلمين داخلين خلف الحبيب فالرايات مرفوعة، راية خضراء للأوس وراية ثانية للخزرج وراية أخرى للمهاجرين، والرسول داخل بين كوكبة من صحابته ورايته سوداء صلى الله عليه وسلم يحملها علي بن أبي طالب، فعندما دخل العشرة آلاف قال أبو سفيان للعباس: لقد صار ملك ابن أخيك كبيراً، فيرد العباس ويقول له: إنها نبوة لا ملك يا أبا سفيان! أي: أن هذا التأييد إلهي من الله عز وجل، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف:110]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]. ويقول لموسى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39] ويقول لحبيبه محمد: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48]. وقد أشار موسى إلى الرسالة، وأشارت الرسالة إلى محمد عليه الصلاة والسلام. فموسى قال لأهله {امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} [طه:10] فهو أشار ناحية الرسالة، بينما الرسالة جاءت لحبيب الله، ويقول الله لموسى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} [طه:13] وحبيبنا عليه الصلاة والسلام هو المختار. وفي صلح الحديبية يحصل أمر غريب: فالمشركون أرادوا الصلح وأرسلوا سهيل بن عمرو رئيس وفد المشركين في المفاوضات، وكان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم ومعه المسلمون في الطرف الآخر من المفاوضات، وأمر علياً أن يكتب بنود الصلح، وفي النهاية قال: اكتب يا علي! هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو. فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول الله ما قاتلتك. وهذا الكلام مهم جداً ونريد خلال دراسة السيرة أن نرتقي ونرتفع لنقترب من شخصية الحبيب المصطفى، التي سوف نرى فيها عجباً عجاباً، فإنه ما قدره حق قدره إلا ربه. ولذلك عندما حدثت الأزمات وراء بعضها: خديجة تموت، ثم بعد ثلاثة أيام يموت أبو طالب واشتد الإيذاء من قريش، فيذهب إلى الطائف ليكذبه أهل الطائف ويخرجوا أولادهم يقذفون بالحجارة وتسيل دماؤه الزاكية على رمال الطائف، ويجلس هناك في ظل البستان، فينادي ربه ويقول: (اللهم أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له السماء والأرض، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك)، فترتج لهذا الدعاء أرجاء السماء، واجتمعت الملائكة كلها في صف الحبيب المصطفى. وقد قال تعالى لنسائه: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4] فجبريل في صفه والملائكة والمؤمنون، والله قبل كل شيء وبعد كل شيء. فينزل ملك الجبال ويقول: السلام يقرئك السلام، ويقول لك: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال: لا تفعل؛ فلعل الله يخرج من أصلابهم من يقول: لا إله إلا الله. وقد قال عليه الصلاة والسلام: (بعثت إلى الناس كافة، فإن لم يؤمنوا فإلى العرب خاصة، فإن لم يؤمنوا فإلى قريش، فإن لم يؤمنوا فإلى بني عبد مناف، فإن لم يؤمنوا فإلى بني هاشم، فإن لم يؤمنوا فإلى نفسي)، وهذا من تواضعه عليه الصلاة والسلام، اللهم ثقل بصلاتنا عليه موازيننا يوم القيامة، اللهم فرح بنا قلب نبينا، واسقنا من يده الكريمة شربة من حوض الكوثر لا نظمأ بعدها أبداً آمين يا رب العالمين. وبينما هو راجع من الطائف كان يسلي نفسه بسورة الرحمن، فكلما وصل إلى قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13] يسمع من يقول: ولا بأي من آلائك نكذب يا ربنا فلك الحمد، فيلتفت من حوله فلا يجد أحداً، فيعرف أن الجن قد آمنت به، أي: فإن كنت حزيناً من الإنس فقد آمنت بك الجن، وإن كنت هيناً عند أهل الأرض فأنت عظيم عند أهل السماء. وبالليل رجع إلى مكة فوجد أبا طالب قد مات وخديجة قد ماتت بعده بفترة، وأهل الطائف لم يؤمنوا، فاشتد تنكيل قريش بالتعذيب والقهر والجبروت لأصحابه ولأحبابه، عند هذا الألم والضيق يطرق الباب عليه طارق، فيدخل من الباب رجل شديد بياض الوجه شديد سواد الشعر ليس عليه أثر السفر، فقال: يا محمد! السلام يقرئك السلام ويستزيرك ويقول: أنت ضيف على ربك الليلة. وكأن الله يقول له: إذا كانت خديجة ماتت وأبو طالب مات فلا تخف فإني معك. ومادمت مع الله فلا تظن أن شيئاً قد فاتك أبداً، فثق يا مظلوم! أن نصر الله آت، وليكن عندك ثقة في الله عز وجل وأن نصر الله آت، ولكن في الوقت الذي يريده هو لا في الوقت الذي تريده أنت.

سبب اختيار العرب لتكون الرسالة فيهم

سبب اختيار العرب لتكون الرسالة فيهم وأما بالنسبة لموضوع اليوم فهو سيكون على شقين: سبب اختيار العرب ليكون الرسول من بينهم. والشق الثاني: المقدمات الطويلة والمبشرات الكثيرة التي تبشر بوصول سيدنا رسول الله. إن الناظر بنظرة تاريخية إلى حالة العالم قبل ميلاد رسول الله، يجد أنه كان فيه قوتان تحكمان وهم الفرس وهؤلاء مجوس يعبدون النار، والروم وهؤلاء أهل كتاب ولكنهم يؤمنون بالتثليث وببنوة عيسى لله أو أنه هو الله. وهناك قوة أخرى ولكنها بعيدة بالنسبة لهذا العصر وهي الهند وشرق آسيا وما وراء النهر، وهذه قوة رهيبة جداً ولكن كان عندهم مسألة زواج المحارم -كما قلنا من قبل- فيحل للواحد عندهم أن يتزوج بنته أو يتزوج عمته أو خالته أو أخته. وأصلح الناس في هذا الوقت لتلقي الرسالة هم العرب. فالفرس عبارة عن أناس كافرين بالله عز وجل يعبدون النار، ففيهم الجبروت كما كان الفراعنة وكما كان الفينيقيون. وأما الرومان فهم دولة استعمارية -كما يقال- تجيد الاستعمار وتجيد احتلال الأرض وتجيد أن تأخذ ما ليس من حقها. أما الهنود فعندهم عبادات غريبة، فهم لا يصلحون للرسالة، لبعدهم عن العالم في هذا الوقت. أما العرب فهم أمة فيها من الأخلاق ما لو طور لصاروا أفضل الناس، ومن الأخلاق التي يتميز بها العربي: الكرم، وقد جاء الإسلام يدعو إلى الكرم وكان سيدنا الحبيب أجود من الريح المرسلة، وكان كريماً جداً صلى الله عليه وسلم. والشهامة كذلك لا تجدها إلا في العربي، والغيرة على المحارم لا تجدها إلا في العربي، حتى وصل الأمر ببعض القبائل أنهم كانوا يئدون بناتهم أحياء بدافع الغيرة ومن خوفهم أن البنت ستجلب العار وهذا ما جاء الشرع ليحرمه، لكن هذا كان من شدة غيرة العربي على المحارم حتى قال عنترة: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها ومن الأخلاق الفاضلة النجدة؛ وقد بلغ الأمر أن النجدة والكرم العربي وصل إلى أن هاشماً جد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يهشم الثريد ويطعم أهل مكة في المجاعة عاماً متواصلاً إلى أن تزول الأزمة: عمرو الذي هشم الثريد لقومه وأهل مكة مسنتون عجاف ولذلك سمي هاشماً.

حكم التسمي بعبد المطلب

حكم التسمي بعبد المطلب قد يسأل سائل ويقول: جد الحبيب الذي اسمه عبد المطلب هل المطلب اسم من أسماء الله؟ لا، وإنما عم عبد المطلب كان يسمى المطلب بن عبد مناف، فلما مات هاشم بن عبد مناف ذهب المطلب أخوه إلى امرأة أخيه وقال لها: أعطيني ابن أخي من أجل أن نربيه عندنا، وكان عبد المطلب أسمر، فأركبه عمه المطلب وراءه على الفرس، فلما رأته قريش قالت: إن المطلب اشترى عبداً، فسمي بـ عبد المطلب واشتهر بهذا الاسم. وكل واحد من أجداد الرسول صلى الله عليه وسلم له منقبة وفضل.

قصة عبد مناف وأخذه مفاتيح الكعبة من خزاعة

قصة عبد مناف وأخذه مفاتيح الكعبة من خزاعة نأتي بعد ذلك إلى عبد مناف وكان رجلاً إبراهيمياً، يعني: على دين الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وهذه السلالة المصطفاة كما جاء في الحديث الصحيح: (إن الله اصطفى من خلقه آدم، واصطفى من ولد آدم إبراهيم، واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني عبد مناف، واصطفى من بني عبد مناف هاشماً، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار) صلى الله عليه وسلم، فهي سلالة عريقة. وكانت مفاتيح الكعبة عند خزاعة، وكان زعيم قبيلة خزاعة سكيراً، فسكر مرة، فجاءه عبد مناف وقال له: أتبيعني مفاتيح الكعبة بزق من الخمر؟ قال له: نعم، فأحضر له زجاجتين من خمر، وأخذ منه مفاتيح الكعبة، وظلت في أيديهم إلى الآن كما وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم. أقول: إن العرب كانوا أفضل الناس لتلقي الرسالة؛ لأن العرب رغم ما ترى فيهم الآن من شرور؛ لبعدهم عن الإسلام، إلا أنه لا تصلح العرب إلا بنبوة ورسالة، فأنت ترى الشخص منهم منهمكاً في الشهوات، وفجأة عندما يعرف الالتزام ويعرف المسجد تلقى صوته منخفضاً، وتراه مؤدباً ومطيعاً لأبيه وأمه. إذاً: العرب كانوا أنفع الناس وأجدر الناس بالرسالة، ولذلك هي دعوة الخليل إبراهيم: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي} [البقرة:124] إلى أن قال: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة:127 - 128] أي: الأمة العربية، {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة:128 - 129]. وقال تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78]، فسدينا إبراهيم سمانا مسلمين.

بشارات وإرهاصات بين يدي مولد النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته

بشارات وإرهاصات بين يدي مولد النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته إذاً: ألم يكن العرب أجدر الناس بالرسالة؟ هذا سؤال. السؤال الثاني: هل ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم فجأة، أو كان العرب والعالم مستعداً استعداداً نفسياً لتلقي أمر الرسالة؟ تعالوا إلى البشارات التي جاءت قبل ميلاد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. أول بشارة: أن كل نبي كان يأخذ الله عز وجل عليه الميثاق أن يصدق بنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومنها أن الله عز وجل قال عن اليهود: {النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157] إلى آخر كلام الله عز وجل. ومنها: بشرى عيسى عليه السلام، قال: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] عليه الصلاة والسلام. ينام عبد المطلب ليلة من الليالي فيرى أن سلسلة من فضة خرجت من ظهره أولها في الأرض وآخرها في السماء، ثم انقلبت السلسلة إلى شجرة وارفة، على كل ورقة من أوراقها نور يتعلق به أهل المشرق وأهل المغرب. ففسرت هذه الرؤيا بأن شخصاً من سلالته يتبعه أهل المشرق وأهل المغرب؛ فكان سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم. ومن البشارات: أن الشياطين قبل مولد الحبيب صلى الله عليه وسلم كانت تتسمع إلى الملأ الأعلى، كانت تصعد إلى العلو وتقترب إلى السماء وتسمع كلام الملائكة، ففجأة رأت أن الذي يقرب من السماء، يرجم ويحرق، قال تعالى مخبراً عنهم: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} [الجن:9]، يقولون في أنفسهم: ما الذي يحصل؟! من يقرب من السماء يحرق، قالوا: لابد أن النبي الخاتم قد بعث. إذاًَ: من دلائل النبوة الخاتمة: أن الشيطان الذي يقترب من السماء يحترق، فقال الشياطين: ابحثوا، فبحثوا لمدة أربعين سنة في بقاع الأرض، إلى أن دلهم الله عز وجل على سيدنا الحبيب وهو عائد من الطائف يقرأ سورة الرحمن، وآمن الجن بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. نأتي إلى أحد أجداد الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو كعب بن لؤي وكان على دين الخليل إبراهيم، وكان يجمع قريشاً يوم الجمعة، ويوم الجمعة كان اسمه: يوم العروبة، فكان كعب بن لؤي جد الحبيب أول من سمى يوم الجمعة بيوم الجمعة؛ لأنه كان يجمع قريشاً بعد الزوال ويخطب فيهم، ويقول: أيها الناس! الدار والله! أمامكم -الكعبة- والظن خلاف ظنكم، فزينوا حرمكم وعظموه، وتمسكوا به ولا تفارقوه، فسيأتي له نبأ عظيم، وسيخرج منه نبي كريم، ثم يقول: نهار وليل واختلاف حوادث سواء علينا حلوها ومريرها على غفلة يأتي النبي محمد فيخبر أخباراً صدوقاً خبيرها ننتقل إلى تبع الحميري الذي أتى قبل ميلاد الحبيب بسبعمائة سنة، كان يريد أن يهجم على يثرب؛ لأنه كان لـ تبع الحميري ثأر في يثرب، فجهز جيشاً يريد أن يهجم عليها، فقالوا له: يا تبع إن يثرب مهاجر خاتم الأنبياء، فامتنع تبع الحميري عن الهجوم على يثرب. فهذا دليل على أنه موجود في الكتب القديمة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول تبع: شهدت على أحمد أنه رسول من الله باري النسم فلو مد عمري إلى عمره لكنت وزيراً له وابن عم

ارتجاس إيوان كسرى وسقوط بعض شرفاته عند مولد النبي الخاتم

ارتجاس إيوان كسرى وسقوط بعض شرفاته عند مولد النبي الخاتم ننتقل بعد ذلك إلى اليوم الذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم، فقد اهتز يوم مولده إيوان كسرى، ووقعت منه أربع عشرة شرفة. وكان عند كسرى عالم اسمه الموبذان فرأى رؤيا، فقال له كسرى: ماذا رأيت؟ قال: رأيت إبلاً صعاباً -أي: ضخمة- تقود خيلاً عراباً، -يعني: خيلاً عربية- قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادنا، فخاف كسرى وقال: قطعت دجلة وأتت إلي؟ وكان عنده في حاشيته شخص اسمه والعياذ بالله عبد المسيح، فقال له: يا عبد المسيح أليس لك خال في الشام يسمى سطيحاً؟ قال له: بلى، قال: اذهب إليه واحك له الرؤيا، وكان الناس في ذلك الوقت يثقون جداً في كلام الكهان. وقبل أن يصل عبد المسيح إلى أرض الشام، كان سطيح ينازع الموت، فلما أتاه عبد المسيح قال سطيح: جاءكم عبد المسيح على جمل مشيح، أرسلك ملك بني ساسان ليسأل عن ارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان! يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة -أي: سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم- وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، فليس الشام لـ سطيح شاماً، ولا مقام العراق لكسرى مقاماً، يملك منهم ملوك وملكات عدد الساقط من الشرفات، وكل ما هو آت آت، وفاضت روحه. فحكم من هذه السلالة أربعة عشر ملكاً إلى خلافة عمر بن الخطاب، فقد فتح فارس سعد بن أبي وقاص في موقعة القادسية وما بعدها.

إفحام المشركين بالقرآن وبلاغته وفصاحته

إفحام المشركين بالقرآن وبلاغته وفصاحته من المبشرات: أن وفد المشركين جاء إلى الحبيب بعد بعثته، وقالوا: يا محمد تقول: إن قرآنك عربي؟ قال: نعم، قالوا: لكننا وجدنا فيه ألفاظاً غير عربية، قال: اضربوا لي أمثلة، قالوا: من ضمن ذلك كلمة (قسورة) كما في قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:50 - 51]، والقسورة في اللغة: الأسد. ثم قال لهم: وماذا بعد؟ قالوا: كلمة (كباراً) كما في قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [نوح:22] وقال: وماذا بعد؟ قالوا: كلمة (عجاب) كما في قوله تعالى: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5]. فقال لهم: ائتوني بأبلغكم، فأحضروا قس بن ساعدة، وكان يضرب به المثل في البلاغة، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تقصوا عليه شيئاً مما حدث بيني وبينكم. فجاء قس وكان قد جاوز المائة من عمره، فقال له الحبيب: اجلس يا عماه، فجلس، ثم قال له: قف فوقف، فقال له: اجلس، فجلس بصعوبة، وقال: قف، فغضب قس وقال: ما هذا يا بن قسورة العرب، إن أباك كان رجلاً كباراً، إن هذا لشيء عجاب؛ أتقيمني وتقعدني! والحق ما شهدت به الأعداء، لم يكلمه أحد أو حكى له، وإن الله ليؤيد هذا الدين برجال لا خلاق لهم. وقس بن ساعدة كان بليغاً فكان يخطب في قريش وفي العرب ويقول: يا أيها الناس إن لله ديناً غير دينكم أو خيراً من دينكم الذي أنتم عليه، ونبياً قد حان حينه وجاء وقته، وأظلكم أوانه، فطوبى لمن آمن به فهداه، وويل لمن خالفه وعصاه، فبادروا إليه، وقائل يقول: ظهر النور، وبطل الزور، وبعث الله محمداً بالحبور، -ها هو يذكره بالاسم- صاحب النجيب الأحمر، والتاج والمغفر، والوجه الأزهر، والحاجب الأقمر، والطرف الأحور. فذلكم محمد المبعوث إلى الأسود والأحمر.

قصة بحيرى الراهب مع أبي طالب

قصة بحيرى الراهب مع أبي طالب من البشريات: قصة بحيرى الراهب عندما أخذ أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم معه في تجارة وكان عمره اثنتي عشرة سنة إلى الشام، فـ بحيرى كان يعرف أبا طالب، فقال له: يا أبا طالب من هذا الغلام الجالس تحت الشجرة؟ قال له: هذا ابني، فـ بحيرى نظر إليه وقال: ابنك يا أبا طالب؟ قال: نعم. قال بحيرى: لابد أن هذا الغلام يتيم، قال له أبو طالب: بلى، مات أبوه، قال له: يا أبا طالب هذا هو النبي الخاتم. قال: كيف عرفت ذلك؟ قال: وأنا في الصومعة وأنتم قادمون، ما من شجرة يمر عليها إلا وطأطأت فروعها ساجدة له، وما جلس تحت شجرة إلا وأظلته، وما سار معكم في حر الظهيرة إلا وظللته غمامة، فارجع به إلى بلدك الآن، فإن اليهود هنا في الشام، ولو أحسوا أنه معك لقتلوه، عد بابن أخيك، قال له: والتجارة؟ قال: خذ المال الذي عندي في الصومعة كله وارجع، فرجع.

قصة سلمان الفارسي مع الرهبان والأحبار المبشرين ببعثة النبي الخاتم

قصة سلمان الفارسي مع الرهبان والأحبار المبشرين ببعثة النبي الخاتم البشرى التي بعدها: قصة سلمان الفارسي رضوان الله عليه، كان أبو سلمان أحد الموقدين للنار التي يعبدها الفرس، وذات مرة يمشي سيدنا سلمان، فيمر براهب في صومعة، فدخل عنده، فقال: ماذا تعمل؟ قال: إني أعبد الله، فآمن سلمان بالله الواحد، وفر من أبيه بعد أن قيده بالقيود، فالراهب قبل أن يموت بأيام قال له: يا سلمان ليس على دين الوحدانية أحد إلا راهب في أرض الموصل، فاذهب إلى أرض الموصل في العراق فاسأل عليه، وامكث عنده. فذهب سلمان إلى هذا الرجل، فلما أوشكت أيامه على نهايتها قال له: يا سلمان لم يبق على دين الوحدانية إلا راهب بأرض الشام فاذهب إليه. فهاجر سلمان؛ ولذلك يسمى سلمان في التاريخ: الباحث عن الحقيقة، فسافر سلمان إلى أن وصل إلى الراهب، فلما أدركت الراهب المنية قال له: يا سلمان لم يبق على دين الوحدانية أحد، ولكن أظلنا زمان النبي الخاتم، سوف يبعث ويهاجر إلى أرض كلها خضرة تسمى يثرب أو تسمى طيبة، فلما اتجه نحو يثرب أخذته جماعة من اليهود وباعوه، فمكث في يثرب يعمل فيها، وكان سلمان قد سمع من الراهب أن للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث علامات: يقبل الهدية، ولا يقبل الصدقة، وبين كتفيه خاتم النبوة. فسمع سلمان وهو على النخلة يهودياً يقول لصاحبه اليهودي: لقد هاجر محمد من مكة إلى يثرب ووصل البارحة، ونزل في أرض بني النجار، فسيدنا سلمان من فرحته أوشك أن يقع من فوق النخلة، فذهب إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم وعمل له اختبارات. أتى إليه فقدم له طعاماً، وقال: أنت رجل غريب، ولست في بلدك، وهذه صدقة مني إليك، فأزاح الرسول صلى الله عليه وسلم الصحفة بعيداً عنه، فقال سلمان: هذه واحدة، لا يأكل الصدقة. ثم جاء في اليوم الثاني بطعام فقال له: هذه هدية، فمد الرسول صلى الله عليه وسلم ليأكل، قال: هذه الثانية. وفي اليوم الثالث ظل يدور حول الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم، فالرسول فهم مراده فكشف عن كتفه فظهر خاتم النبوة، فأكب سلمان على الحبيب يقبله، وآمن بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، فقال الحبيب: (سلمان منا آل البيت).

أسماء الشهور العربية ومعانيها

أسماء الشهور العربية ومعانيها بقي أن نختم الدرس بشيء هام، فسائل يسأل: هل هذه الشهور الاثنا عشر من يوم أن خلقها الله وهي بهذه الأسماء؟ قالوا: لا، كانت لها أسماء عند العرب، ثم سموها بالأسماء التي نسميها نحن الآن، قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36]. والأشهر الأربعة الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، فالشهور العربية بالترتيب: المحرم، وكان اسمه مؤتمر، وناجر هذا اسم صفر، وبقية الشهور، صيوان وصوان وربا وآيدة والأصم وعادل وناصل الذي هو رمضان، وواغر ورنا وبرق الذي هو ذو الحجة، فالعرب غيروا الأسماء وسموها المحرم إلى ذي الحجة، فما هي هذه الأسماء وما معناها؟ فسمي المحرم؛ لأنه كان يحرم فيه القتال، وهو أول الأشهر العربية. نأتي إلى الشهر العربي ربيع، سمي بذلك؛ لارتباعهم فيه، يعني: يجلسون في الربع وفي البلد ولا يسافرون ولا يهاجرون؛ لأنه وقت الخصوبة في الأرض، فكانوا يجلسون ولا يسافرون. أما رجب فقالوا: من الترجيب، رجّب الإنسان الشيء أي عظمه، فكانوا يعظمون شهر رجب، فلذلك يسمى شهر رجب: الأصب أو الأصم؛ لأنهم لم يكونوا يقاتلون فيه، ولكنهم كانوا يعملون شيئاً اسمه النسيء، والنسيء هو أن يهجموا في الشهر الحرام، فيقال لهم: ألا ترون أنه شهر محرم؟ فيقولون: لا، نحن سنؤخر المحرم إلى صفر، قال تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة:37]. فالنسيء هو عبارة عن لف ودوران من العرب كما فعل بنو إسرائيل؛ حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان يوم السبت، وهؤلاء أناس أصحاب أموال، فماذا يعمل اليهود؟ ففي يوم السبت هم ممنوعون من صيد الحوت، فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة، فكان اليهودي يتضايق عندما يرى الحوت أمامه ولا يستطيع أن يصطاده، فماذا يعمل؟ كان يضع الشباك من يوم الجمعة بالليل، وينام في البيت، فتخرج الحيتان يوم السبت فتقع في الشباك، ولا تستطيع أن ترجع إلى البحر، فيأتون في صباح يوم الأحد ويأخذونها. فإن قيل لهم: لماذا تفعلون هذا؟ قالوا: إننا لم نصطد يوم السبت، بل نمنا في بيوتنا!! سبحان الله، وكذلك فعل السامري عندما ضحك عليهم وقال لهم: هل السرقة حلال أو حرام؟ قالوا: السرقة حرام، قال: وماذا عملنا في ذهب المصريين، إننا سرقناه، فمادام أنكم سرقتم ذهب المصريين فلابد أن تتخلصوا من هذا المال المسروق، قالوا: فما الحل؟ قال: اجمعوا هذا المال المسروق فجمعوه فصاغه وصنع منه عجلاً، وعبدوا هذا العجل، فكفّروا عن ذنب السرقة بالسجود لغير الله والعياذ الله. فالعربي يجب عليه أن يتعلم الأسماء، وشهر شعبان قال: من تشعب القبائل للقتال بعد أن حرموا القتال في شهر رجب. ورمضان من الرمضاء وهو شدة الحرارة، ويبدو أنهم عندما سموا اسم رمضان كان في وقت حر. وشوال من شالت الإبل أذنابها من أجل موسم تلقيح ذكور الإبل للإناث. وذو القِعدة من القعود عن القتال للاستعداد لموسم الحج. وذو الحِجة يسمى بذلك؛ لأنه موسم يذهب فيه العرب إلى أداء مناسك الحج. هذه تعتبر مقدمة للإرهاصات لمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحلقة القادمة سنتحدث إن شاء الله عن حمل السيدة آمنة لسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وكيفية ولادته عليه الصلاة والسلام، ومن كان موجوداً ساعة ولادته، ومن الذي سماه محمداً، ولم سمي بهذا الاسم؟ وهل كان من العرب من سمي باسم محمد؟ ثم بعد ذلك سنتحدث عن صفاته الخلقية؛ من أجل أن نتخيله أمامنا صلى الله عليه وسلم، ثم نعيش معه صغيراً عند حليمة السعدية وغلاماً مع أمه إلى أن ماتت، ومع جده إلى أن مات، ومع عمه أبي طالب إلى أن تزوج بالسيدة خديجة، ثم إلى سن الأربعين وحضور حرب الفجار، وحضور حلف الفضول الذي تم فيه كل خير، ثم بعد ذلك نواصل المسيرة مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

وجوب الاستمرار في النصيحة

وجوب الاستمرار في النصيحة Q أمي دائماً تتحدث عن الناس، ولا يهمها أن تعرف أخبارهم؟ مما جعلني أدخل معها في جدال، وعندما أقول لها: هذا حرام تغضب مني، أرجو النصيحة؟ A يجب أن تواصل النصيحة لأمك.

حكم منع الزوج أم الزوجة وأخواتها من زيارتها

حكم منع الزوج أم الزوجة وأخواتها من زيارتها Q إذا منع الزوج أخوات الزوجة وأمها من زيارتها، ثم سافر سفراً طويلاً، وقام بزيارتها أخ لها أو أمها، فهل يكون على الزوجة وزر، ويكون ذلك مخالفاً لأمر الزوج؟ A يجب على الزوج ألا يمنع زوجته من زيارتها لأهلها، أو من زيارة أهلها لها، إما أنها هي التي تذهب وتزور أهلها كل جمعة مرة أو يزورها أهلها، أما أنك تمنع عنها زيارة الأهل فهذا ما لا يحق لك، إلا إذا رأيت أن دخول أم زوجتك أو خالها أو أخيها في البيت يحيله رأساً على عقب، ويفسد بسببه عليك امرأتك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (وألا يوطئن فرشكم من تكرهون) كما في خطبة حجة الوداع، يعني: أن المرأة لا تدخل في بيت زوجها شخصاً يكرهه.

حكم إجراء عمليه لإزالة السمنة

حكم إجراء عمليه لإزالة السمنة Q طلب زوج من زوجته إجراء عملية تجميل لإزالة السمنة من بعض أجزاء الجسم، وقد أطاعت أمر زوجها وأجرت العملية، هل يكون عليها إثم؟ A لا، ليس عليها، لكن هناك علاج نبوي، قال عليه الصلاة والسلام: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع) تظل المرأة تأكل وتأكل ثم تقول: أنا أريد أن أخفف من السمنة، يا أختي ارحمي نفسك الله يرضى عليك.

حكم بقاء الموظف في مكان العمل بلا عمل

حكم بقاء الموظف في مكان العمل بلا عمل Q أعمل في شركة وأظل طوال النهار بلا عمل تقريباً، وأتحرج أن أقرأ في كتاب أو عمل مفيد خشية أن يكون حراماً، فهل يحق لي أن أمضي الساعات الطوال بلا عمل، وقد يكون هذا له تأثير ضار على الصحة؟ A نعم له تأثير، لكن أنت تحرص أن تأخذ المرتب مقابل عملك، وهذا النظام فاسد في الدولة.

حكم صلاة الوتر آخر الليل

حكم صلاة الوتر آخر الليل Q أصلي العشاء ثم أنام، ثم أقوم لصلاة القيام والتهجد، ثم أصلي الشفع والوتر، هل يصح ذلك؟ A يصح ذلك إن شاء الله.

درجة حديث (يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء)

درجة حديث (يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء) Q حديث سيدنا علي: (يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي: قراءة القرآن)؟ A هذا حديث لا أصل له.

حكم الفوائد الربوية على الودائع

حكم الفوائد الربوية على الودائع Q أودعت مبلغاً من المال في بنك للحصول على شقة، فسحبت هذا المبلغ لعدم رغبتي في الشقة، فوجدت في الدفتر فائدة على هذا المبلغ، ماذا أفعل؟ A لا تأخذها، وإن أخذتها فأعطها لمن يستحق ولا ثواب لك فيها، ومن تصدق بالمال الحرام فكأنما يغسل ثوبه النجس بالبول.

حكم مس الجني للإنسي

حكم مس الجني للإنسي س Q هناك امرأة سقطت من سلم، فمسها الجن، وعندما تسمع القرآن تصرخ وتقول: إني يهودي فما حكم ذلك؟ A جاءتني زوجة وزوجها، فقال الزوج: امرأتي تحصل لها حالة غريبة، وتكلمني بكلام مثل الرجل، وتقول لي: سآكلك، وكلام مثل هذا وأنا أخاف، فقلت للمرأة: ما هي المشكلة؟ فحكت الحكاية، ولمحت من كلامها بأسماء عفاريت، فقلت لها: بالله عليك يا مؤمنة يا محجبة يا من تعرفين الله عز وجل ما هي أخبار أم زوجك معك؟ فقالت: الله يخرب بيتها، الله يأخذها، فقلت: وضعت يدي على المشكلة، ثم قلت لها: أنت تعيشين مع أم زوجك؟ قالت: نعم، ادع لي يا سيدنا الشيخ أن ربنا يفك الأزمة، فقلت لزوجها: افصل بين زوجتك وأمك، وحلت المشكلة ولا يوجد عفريت ولا جن، فلماذا العفريت لم يلق إلا امرأتك المهم أريد أن أقول: لابد أن نبحث عن حل للمشكلة، وعلى كل من أجل ألا يغضب إخواننا الذين هم مؤمنون بهذه القضية، إذا رأيت أمراً غير طبيعي فيك أو في زوجتك فاقرأ سورة البقرة في جلسة واحدة فإن الله يذهب ما في البيت من شر.

تفسير قوله تعالى (والذي قال لوالديه أف لكما)

تفسير قوله تعالى (والذي قال لوالديه أف لكما) Q تفسير الآية: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} [الأحقاف:17]؟ A هذه الآية نزلت في رجل والعياذ بالله يؤذي أباه وأمه، ولنا فيها تفصيل إن شاء الله؛ لأن لها قصة طويلة.

حكم طلاق الغضبان

حكم طلاق الغضبان Q ما حكم الرجل الذي حلف في ساعة غضب شديد على زوجته بيمين الطلاق، فقال لها: أنت طالق ثلاث مرات، بهذا اللفظ؟ A جاء في الحديث: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد)، وكل من يسألني في هذا الأمر يقول لي: والله يا شيخ في ساعة غضب قلت لها: أنت طالق، وذهبت وفتحت الكتاب وقرأت فيه أن طلاق الغضبان، أقول: يا بني لا تفتح كتاباً، ولا داعي لفتح الكتاب، لكن اسأل العالم، فسيقول لك: أتعرف أن هذه امرأتك التي خاطبتها بالطلاق وقت الغضب؟ سيقول: نعم، وهذا الشخص عند مخاطبته لأمه وفي حال الغضب لا يقول لأمه: أنت طالق؛ لأنه يعرف أنها أمه، وكذلك يعرف أن هذه امرأته، فيقع الطلاق عليه. وجمهور الفقهاء يقولون: طلاق السكران لا يقع، والغضبان يدخل عند الجمهور في حكم السكران، أما أبو حنيفة فقال: هو الذي أدخل السكر على نفسه، فيقع طلاق السكران والغضبان.

حكم إركاب سائق النقل العام للأصدقاء والمعروفين بدون أجرة

حكم إركاب سائق النقل العام للأصدقاء والمعروفين بدون أجرة Q والدي يعمل سائقاً في هيئة النقل العام، فإذا أركب معه أحد الأصدقاء أو المعروفين بدون أجر، هل يجوز أم لا؟ A هذا حرام ولا يصح.

حكم سفر المرأة مع أختها وزوج أختها

حكم سفر المرأة مع أختها وزوج أختها Q أنا فتاة، هل السفر مع أختي وزوجها جائز على أساس أنه محرم أم لا؟ A هو محرم مؤقت، ولكن يجب أن تكوني أمامه محجبة إذا كان هناك ضرورة للسفر.

ما جاء في تحريم الموسيقى

ما جاء في تحريم الموسيقى Q هل ورد شيء يحرم الموسيقى؟ A وردت أشياء.

حكم كشف الوجه والكفين للمرأة

حكم كشف الوجه والكفين للمرأة Q هل الحجاب الشرعي يوجب تغطية الوجه واليدين، أم يجوز كشف الوجه والكفين؟ A أنت بالخيار، إن أرادت زوجتك أن تغطي وجهها فقد أراحت واستراحت، وإن أظهرت وجهها لا بأس، لكن من دون تجمل ومن دون (ماكياج)، والطرحة الحمراء والفستان الليموني وكذا وكذا، والبنطلون الواسع، فهذا ليس بحجاب.

حكم لبس السواد للنساء عند الخروج

حكم لبس السواد للنساء عند الخروج Q هل ورد شيء عن لبس الأسود بالنسبة للنساء عند الخروج؟ A ما ورد شيء، وإنما هذا شيء من كمال وتمام الحجاب الإسلامي. جزاكم الله خير الجزاء، وبارك الله فيكم.

سلسلة مقتطفات من السيرة [3]

سلسلة مقتطفات من السيرة [3] كان ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم إيذاناً بنور الله الذي يضيء الدنيا، ورحمة الله التي تعم الوجود، وفي تذكر مولده صلى الله عليه وسلم يعيش المرء لحظات من الأنس والفرحة التي تجلو الهموم عن القلب.

فوائد دراسة السيرة النبوية

فوائد دراسة السيرة النبوية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: تحدثنا في الحلقة السابقة وقلنا: لم اختار الله سبحانه بفضله العرب ليبعث فيهم أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم؟ وذكرنا أنهم لم يتصفوا بصفات شاعت بين الفرس وبين الروم، وإنما هم أناس أميون بسطاء فيهم أخلاق طيبة؛ لأنه لو كان العرب متعلمين مثل الفرس أو مثل الروم، لادعى مدع وقال: هذا تطور علمي، لكن جاء هذا الرسول بهذا الدين في أمة أمية: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة:2] ومعجزته أيضاً أنه كان أمياً صلى الله عليه وسلم، لكنه الأمي الذي علمه الله، فما بالك بإنسان علمه رب العباد سبحانه! فالسيرة النبوية العطرة لها فوائد جمة كثيرة. أول فائدة: أننا نعيش في رحاب رسول الله، نعيش معه في بيته، وفي حربه، وفي غزواته، وفي سماحته، وفي حلمه، وفي خلقه، وفي غضبه، وهو فقير، وهو غني، نعيش معه وهو أب، وهو زوج، وهو عارف، وهو متعلم، يجلس أمام جبريل ليتعلم منه ليعلمنا كيف التواضع صلى الله عليه وسلم. والله عز وجل قد وصفه بأجل وصف وأعظم وصف: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وكفى بها كلمة، ليس بعد كلام الله كلام، عندما يقول الله عز وجل عن شخص: ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)) فليس لأحد أن يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: الفائدة الأولى: أن نقترب ممن نسير خلفه. الفائدة الثانية: المشاكل التي تواجهنا في الحياة: والحياة صارت لنا كلها مشاكل لسبب واحد ألا وهو: بعدنا عن الله عز وجل، وبافترائنا على أنفسنا أو على غيرنا، وأننا على صواب والباقي على خطأ، وهذه كارثة، كل واحد منا واضع في ذهنه أنه على الصواب، بدليل أن إخواننا الذين يجلسون على المقاهي وفي النوادي يعتبرون أصحاب المساجد ومرتاديها خائبين، مع أن البعيد عن رحمة الله هو الخائب الحقيقي، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9 - 10]، وقال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1] اللهم اجعلنا منهم يا رب. إذاً: المؤمن الذي عرف طريق الله هو المفلح، فعندما يفتري عليك مفتر فاعلم أن هذه سنة الله في الخلق، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29] يعني: المجرم يضحك من المؤمن: ((إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ)). فإذاً: لا تحزن؛ فهذه سنة الله في الأرض، بل لا يوجد أحد عانى من الكفار والفجار والمنافقين واليهود أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنا فيه العبرة ولنا فيه الأسوة. الفائدة الثالثة: كيف تصبر على زوجتك في البيت؛ لأن امرأتك مادامت على الطريق فاسأل الله السلامة، وإذا لم تكن امرأتك على الطريق فاعلم أنك تزوجت حريقاً مشتعلاً ليل نهار، واسأل الله أن يهديها. قال فيها عمر بن الخطاب: إن أحسنت لم تشكرك، وإن أسأت لم تغفر لك إساءتك. وكان سيدنا عمر يستعيذ من زوجة ومن جار، إن رأى الواحد منهم حسنة كتمها، وإن رأى سيئة أذاعها. والحسن البصري عندما لقيه جاره وقال له: إن فلاناً يقول عنك كذا وكذا، يعني: خبراً ليس بجيد؛ فقال له الحسن: ألم يجد الشيطان أحداً غيرك لينقل لي ما يقول فلان؟ وإذا عرفت زوجتك دروس العلم وعرفت حقوق الزوج فتلك نعمة يجب أن تحمد الله عليها، فمن عنده زوجة صالحة إن نظر إليها سرته، تتعامل معه برفق ولين، وجاء في الحديث: (إذا أراد الله ببيت أو بأهل بيت خيراً رزقهم الرفق واللين). فمعرفة السيرة مهمة، فبدراستها تعرف كيف تتعامل مع أهلك، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة خلقت من ضلع أعوج)، ولا يعني ذلك أن المرأة عوجاء، بل تكوينها هكذا؛ لأن الضلع لو عدلته ينكسر؛ لأن الله خلقه هكذا، فكيف تعاملها؟ قال: عاملها على عوجها، فالمرأة تكون عصبية في بعض الأيام، وخاصة في أيام الدورة تكون حالتها سيئة للغاية، فتركيبتها تتغير، ولا تتحمل، فالمسلم يجب أن يراعي حال زوجته، ويصبر عليها، وإذا دخل بيته سلم على زوجته وصافحها برفق وحنان من قلبه. فإذا أحب الله بيتاً أدخل عليهم الرفق واللين، إذا مررت بجانبه لا تسمع فيه صوتاً، فتقول: هذا بيت فلان ألا يوجد به أولاد؟ يقال لك: بلى إن عنده خمسة أولاد، ولكن لا يوجد صوت؛ لأن الأب متصل بالله والأم متصلة بالله، والله رزقهم السكن والمودة والرحمة والرفق واللين فلا تسمع لهم صوتاً، وجاره لا يوجد معه إلا ولد، فتسمع المرأة تصيح والرجل يصيح، والولد يكسر ويفسد، والجيران وجيران الجيران يسمعون هذا، فهل هذا البيت فيه المودة والرحمة؟! أيضاً: من فوائد دراسة السيرة: أنها تعلمنا كيف كان يتعامل صلى الله عليه وسلم مع أزواجه، وكيف كان الصحابة مع زوجاتهم، كيف كان أبو ذر مع زوجته، وكيف كان عبد الله بن رواحة مع امرأته، وكيف كان عبد الله بن مسعود مع امرأته زينب، كيف كان يعامل هؤلاء أزواجهم؟ هؤلاء تلاميذ الحبيب عليه الصلاة والسلام. كذلك من فوائد دراسة السيرة: أننا نعيش في شظف العيش وغلاء المعيشة وكثرة البلايا والابتلاءات وأصبحت الصدور ضيقة، فما أن يتحدث متحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وينشرح الصدر.

ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم

ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم نتحدث الآن عن مولده صلى الله عليه وسلم، فهل يا ترى حملت به أمه حملاً عادياً؟ مهما يبحث الإنسان في قاموس الكلمات يعجز، والعجز عن الإدراك إدراك، كما قال فيه الشاعر: فمثلك قبل لم تر قط عيني ومثلك قبل لم تلد النساء فهو شخص بسببه تغير الكون كله، ولو اهتدى الكون كله والناس أجمعون إلى تعاليم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لانحلت مشاكل الساعة كلها، لكن القضية إما ضعيف يحب الرسول أو قوي لا يحب الرسول، فالضعيف الذي يحب الرسول لا يؤدي مهمة، والقوي الذي لا يحب الرسول كذلك لا يؤدي مهمة، نحن نريد قوياً يحب الرسول، نريد أمة قوية تحب رسول الله ولا تنافق، لكن من ينظر إلى زعامات الأمة يجد أن مصلحة الأمريكان التقت مع مصلحتهم، ونحن نقول: إن مصلحة اليهودي والمسيحي والكافر لا تلتقي مع مصلحة المسلم، أنا أقول: لا إله إلا الله، وهو يقول: إن عيسى هو الله وابن الله، فكيف تلتقي مصالحنا؟! هو يريد أن يتوسع ويسيطر على مصادر الثروات، وأنا أريد أن أعيش في أمان وفي سلام، وأريد أن أنشر المحبة في العالم. إذاً: لا تلتقي مصالحنا مع مصالحهم أبداً أبداً. وكما قيل: الحق صديقي وأستاذي صديقي، فإذا اختلف الحق مع أستاذي أمشي وراء الحق، ولذلك قال أبو حنيفة: مذهبي هو الحديث الصحيح، فإن رأيتم مذهبي يخالف الحديث الصحيح فدعوا مذهبي واعملوا بالحديث الصحيح. يعني: الذي بيننا وبين أي عالم الكتاب والسنة، والجدال لا يستحب إلا بين عالم وعالم، والجدال يكون بالكتاب والسنة: إذا كانت الآية تقول كذا فسمعاً وطاعة يا رب، والآيات التي تتكلم عن ولاية المسلم لغير المسلم لا تحتاج إلى تفسير ولا تأويل، واقرأ إن شئت في البقرة وفي آل عمران وفي المائدة، وكل سور القرآن تتحدث بوضوح عن هذا الأمر، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، وقال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:141].

مكان ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم

مكان ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم مكان ميلاد رسول الله مكة، ومكة أشرف الأماكن على وجه الأرض؛ ففيها الكعبة، والكعبة تحت البيت المعمور، ولو وقع حجر من البيت المعمور لسقط على سقف الكعبة، والبيت المعمور تطوف حوله الملائكة، ورآه الحبيب ليلة المعراج، وأخبر أنه يدخل فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة يسبحون بحمد ربهم لا يرجعون إليه إلى يوم القيامة، وأبونا آدم قبل أن ينزل إلى الأرض كان يطوف حول البيت المعمور ويسبح مثل الملائكة، فلما أهبط إلى الأرض، قال: يا رب اجعل لي مكاناً في الأرض كالبيت المعمور أطوف حوله مسبحاً بحمدك، فدلته الملائكة على مكان الكعبة. واكتشف العلماء بالقمر الصناعي من فوق الأرض أن الكرة الأرضية البيضاوية مركزها الكعبة المشرفة. والرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر التفت إلى مكة وقال: (يا مكة تعلمين أنك والله أحب بلاد الله إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت أبداً). عاش فيها ثلاثاً وخمسين سنة، أربعين قبل البعثة وثلاث عشرة سنة بعد البعثة، واضطر صلى الله عليه وسلم أن يخرج منها مهاجراً إلى يثرب، وبعدما فتح مكة ظن الصحابة أنه سوف يمكث فيها، ولكن قال: (عودوا إلى المدينة؛ لا هجرة بعد الفتح وإنما جهاد ونية) وعاد بالصحابة إلى المدينة، حتى عمه العباس بن عبد المطلب عاد أيضاً معه رضوان الله عليه إلى المدينة.

زمن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم

زمن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم أما زمن ولادته صلى الله عليه وسلم فقد كان في ربيع الأول، شهر من شهور الله المكرمة عند الله عز وجل، قبل فجر يوم الثاني عشر من ربيع الأول لم تشعر آمنة بآلام الطلق، وهي أيضاً أثناء الحمل لم تشعر بآلامه، أيعقل أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ثقيلاً على أحد وأولهم أمه؟ وبعد ذلك قبل أن تضع بأيام سمعت هاتفاً وهي يقظة يقول: لقد حملت بخير خلق الله. وقيل: إن هذا الهاتف كان يأتي لكل أم أنجبت نبياً. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا حملت المرأة سقطت عنها كل يوم مائة ألف سيئة، فإذا فاجأها الطلق تساقطت ذنوبها كما يتساقط ورق الشجر في اليوم الشاتي، فإذا وضعت وأرضعت كان لها بكل مصة من صدرها -أو من ثديها- كعتق رقبة من ولد إسماعيل، فإن أسهرها ابنها فكأنما قامت لله تصلي والناس نيام). إذاً: ألا تفرح المرأة بالحمل؟! كذلك من فوائد دراسة السيرة: أن أمهات الصحابة وزوجاتهم في بيت واحد، سيقال: وهل يعقل أن امرأة تعيش مع أم زوجها وتصبر؟ هناك من النساء إلى يومنا هذا تعيش مع أم زوجها وتصبر، ونسأل الله أن يبارك في النساء الصالحات؛ لأنها تعرف أن إكرامها لأم زوجها إكرام لزوجها، والزوج عندما ينظر أن امرأته تكرم أمه سيكرمها. فأتمنى من الزوجات الأخوات اللاتي يصلين عندنا دائماً بفضل الله ألا أسمع عنهن إلا كل خير، فأنا أريدهن أن يكن عنواناً للزوجة الصالحة؛ لأنهن إذا لم يكن عنواناً صالحاً، فمن سيكون؟!

ذكر الأشخاص الذين لهم تعلق بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم

ذكر الأشخاص الذين لهم تعلق بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم أما الأشخاص الذين لهم تعلق بميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم، فالحامل آمنة بنت وهب، وآمنة من مصدر أمن يأمن، فهي ستنجب للبشرية أمنها، وهذا حصل، فهو أمان البشرية كلها صلى الله عليه وسلم، قال الكاتب الإنجليزي برناردشو لو كان محمد بن عبد الله على قيد الحياة لحل لنا مشاكل العالم كلها ريثما صنعنا له (فنجاناً) من القهوة. يعني: أنه صلى الله عليه وسلم خلال عشر دقائق سيحل جميع مشاكل الدنيا؛ لأنه مؤيد من ربه سبحانه وتعالى. وعندما ولد صلى الله عليه وسلم وجدوا الحبل السري مقطوعاً، ووجدوه مختوناً، فقد نزل مطهراً مكتملاً؛ حتى لا يرى سوأته أحد صلى الله عليه وسلم. وهذه الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف كانت قابلته، يعني: تلقته بيديها، هنيئاً لك يا شفاء يا أم عبد الرحمن فقد كان أول ما استهل على يديها، والشفاء اسمها جميل؛ لأنها تلقت الشفاء، وأضيئت الحجرة عند ولادته إلى درجة أن الشفاء أغمضت عينيها من شدة الضوء، ونزل صلى الله عليه وسلم على يديه ورجليه رافعاً رأسه إلى السماء، وتقول الشفاء: سمعت قائلاً يقول: يرحمك الله. فهو نزل بالرحمة وهو رحمة. وجاء عبد المطلب وحضنه، وأخذه وطاف به حول البيت سبعاً، فقيل له: ما أسميته يا عبد المطلب؟ قال: سميته محمداً، فقيل له: ما هذا الاسم الغريب يا عبد المطلب؟ قال: لكي يحمده الله في السماء ويحمده الناس في الأرض. فهو محمد في السماء ومحمود في الأرض، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (أنا محمد وأحمد؛ والماحي الذي يمحو الله به الكفر، والحاشر الذي يحشر الناس بين يديه، والعاقب فلا نبي بعدي) صلى الله عليه وسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: (أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشارة أخي عيسى، ورؤيا أمي التي رأتها) فهو دعوة إبراهيم عندما قال: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} [البقرة:129]. وبشرى عيسى عندما قال: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6]. ورؤيا أمه، فقد رأت أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام. لقد بحث العلماء في النسب الشريف من ناحية أبيه وجده وجد جده إلى عدنان الجد الأعلى، إلى سيدنا إبراهيم، ومن ناحية أمه آمنة بنت وهب فوجدوا أنها تلتقي مع عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم في جدهم كلاب الذي هو والد قصي بن كلاب بن مرة فـ كلاب هذا هو الجد الأعلى لـ آمنة وعبد الله، وأم السيدة آمنة من بني زهرة، وأم عبد المطلب من بني مخزوم، وأم كعب جده الأعلى من خزاعة، فهو من خير بطون العرب من جميع الاتجاهات. والسيدة آمنة أرضعته ثلاثة أيام، وثويبة مولاة أبي لهب التي أعتقها أبو لهب فرحاً بابن أخيه يوم الإثنين، فلما أعتقها خفف الله عنه الحساب كل يوم إثنين في النار؛ إكراماً لفرحته بمقدم رسول الله، فكيف بالذي يحب الرسول صلى الله عليه وسلم محبة ليس لها نظير؟ قال سيدنا الشافعي: يا رب قلت لموسى وهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه:44] لمن قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]، فماذا تصنع بمن قال: سبحان ربي الأعلى. وجاء شخص إلى هارون الرشيد وقال له: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أكلمك وأنصحك وأغلظ عليك في النصيحة، فقال له هارون الرشيد: لا تفعل، فقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل موسى وهارون وهما خير منك إلى فرعون وهو شر مني، فقال لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه:44] فكيف تغلظ علي في النصيحة؟! وأوقف رجل عبد الملك بن مروان وهو يمشي بالموكب، فقال له الحرس: ابتعد يا رجل، فقال له: يا أمير المؤمنين إن نملة استوقفت سليمان فكلمته فكلمها، وتبسم ضاحكاً من قولها، ولست أنت عند الله أعظم من سليمان، ولست أنا عند الله أحقر من النملة. انظروا إلى طريقة ترتيب الكلام، وتعلمون قصة الأعرابي الذي كان لا يعرف في القرآن شيئاً، لكنه لما صلى وراء الإمام وقرأ الإمام الآية وأخطأ في نهايتها، قرأ قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة:38]، فقال الإمام: والله غفور رحيم، فالأعرابي الذي لا يحفظ القرآن، قال: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38] فالإمام تذكر وأكمل الآيات بعد ذلك، فبعد ذلك قال الإمام: من رد عليّ جزاه الله خيراً، قال له الأعرابي: أنا، قال له: بارك الله فيك، أتحفظ القرآن؟ قال له: لا، قال: أتحفظ هذه السورة؟ قال: لا، قال: أتحفظ هذه الآية؟ قال له: هذه أول مرة أسمعها، قال: فكيف عرفت؟ قال: يتحدث الله عن السارق والسارقة ويتحدث عن الحد وقطع اليد، ولو كان الله عز وجل غفوراً رحيماً في هذه المسألة بالذات لما حكم على السارق والسارقة بقطع اليد، لكنه لما عز في عليائه حكم على السارق بقطع اليد، فتكون نهاية الآية: ((عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) وليس غفوراً رحيماً؛ فالأعرابي يفهم اللغة بالسليقة. يقول الجاحظ: دخلت على معلم فوجدته يعلم طفلاً: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ} [لقمان:13]، قال: {يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} [يوسف:5]، فقلت له: لقد أدخلت آية في آية، ما الذي جاء بيوسف إلى لقمان؟ {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان:13]، والشيخ يقول له: {لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ} [يوسف:5] أدخل يوسف في لقمان، فقال الشيخ: إن أباه يدخل شهراً في شهر ولا يدفع الأجرة، وأنت تعيب علي إدخال سورة في سورة؟! فإذاً: ثويبة أرضعته بعدما أرضعته أمه ثلاثة أيام ويقال: خمسة أيام، فـ ثويبة أرضعته إلى أن جاءت حليمة، وأم أيمن من اليُمْن وهي التي حضنته، وكان عمرها ثمانين سنة، وكانت لا تترك الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج في غزوة من الغزوات إلا وخرجت معه، فكانت إذا رأت بعض الصحابة تزحزحوا قليلاً إلى الوراء، قالت: اسبتوا سبت الله أقدامكم -بالسين- كانت لا تخرج لسانها؛ لأنها كانت أعجمية لم تكن عربية، فيقول لها الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا أم أيمن يا أماه! ادعي الله لهم بالنصر ولا تقولي: سبت)؛ لأن السبت يعني: القيد، ولذلك يسمى اليوم الذي بعد الجمعة: السبت؛ لأن اليهود لم يكونوا يتحركون فيه، فهذا اسمه القيد. وبعد ذلك جاءت حليمة السعدية وأخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرضعته، وأرضعت معه الحمزة عمه، وأبا سلمة المخزومي ابن عمته. فالسيدة حليمة عندما أتت مع غيرها أخذت كل واحدة منهن ولداً وتركن اليتيم صلى الله عليه وسلم، وبقيت حليمة لم تجد ولداً لترضعه فقالت لزوجها: ما رأيك أن نأخذ هذا اليتيم، ربما يجعل لنا فيه خير، بدل أن نرجع بدون ولد، فأخذت الرضيع وما أحسن حظ حليمة فمجرد أن وضعته على الأتان، فإذا بها تسرع وتسبق الدواب، وقد كانت قبل ذلك ضعيفة؛ لأن البركة بدأت، وإذا بظلة مظللة لها ورضيعها وهم في عز الظهيرة، فقالوا: إن هذا الأمر ليس أمراً عادياً، وهم عائدون كانت أرضهم جدباء، ولم يصبحوا الصبح إلا والمطر ينزل والعشب ينبت، وكانت غنم حليمة هزيلة لا يوجد في ضرعها ولا نقطة لبن، وإذا بغنم حليمة مليئة باللبن، ثم بعد ذلك هذا الطفل اليتيم لا يبكي كما يبكي الأطفال، إنه ليس طفلاً عادياً، بل كلما نظرت إليه السيدة حليمة تجده باسماً. فالسيدة حليمة تلحظ الخير كله في وجود هذا الطفل الهاشمي، أكمل ثلاث سنوات عندها، فجاء أخو سيدنا الحبيب من الرضاعة الذي هو ابن السيدة حليمة وقال: يا أماه جاء رجلان فأخذا محمداً فأضجعاه تحت الشجرة وشقا صدره وأخرجا منه شيئاً وغسلاه بشيء كان في الطست، ثم غادراه بعد أن أغلقا صدره وهو ممتقع اللون تحت الشجرة، فالسيدة حليمة خافت عليه فقامت بإرجاعه إلى أهله، فهذه هي حادثة شق الصدر، قال الله عز وجل: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1]. قد يقول قائل: ماذا أخرج منه جبريل؟ لقد أخرج منه الحقد والحسد وحب الدنيا وملأه بالحكمة والإيمان، وكان من الممكن أن الله عز وجل يشرح صدره من غير شق، لكن فُعل به ذلك؛ ليُعلم أنه ليس مخلوقاً عادياً، وليس هذا فحسب، بل كان بين كتفيه خاتم النبوة، وخاتم النبوة كحبة الخردل أو كالدينار، وهو دائرة مكتوب فيها بنفس لون جلد الحبيب صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. فخافت السيدة حليمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرجعته لأمه؛ لأن هذه أمانة، وهو من خير أبناء قريش، فلقد ورث كما يرث أي إنسان، وكل إنسان يرث ثلاثة أنواع من الوراثة: وراثة خَلقية، ووراثة خُلقية، ووراثة عامة أو خاصة، أما الوراثة الخلقية كأن يخرج الولد شبيهاً بأبيه، وتخرج البنت شبيهة بأمها، أو يخرج الولد فيشبه الأم في عينيه ويشبه الأب في شعره، وهذه تسمى الوراثة النسبية. وهناك وراثة خُلقية، كأن يرث الولد عن أبيه الكرم، أو يرث عن أبيه الفداء والتضحية والجهاد، أو يرث عن أ

ذكر وصف النبي صلى الله عليه وسلم

ذكر وصف النبي صلى الله عليه وسلم إن علماء السيرة وصفوا سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم أعظم وصف، ومن الصحابة من وصف خلقته صلى الله عليه وسلم وشكله العام، كالصحابي الجليل هند بن أبي هالة وهو ابن السيدة خديجة من زوجها الأول، فـ أبو هالة كان متزوجاً السيدة خديجة وأنجب منها هنداً، وهند اسم يطلق على الرجل والمرأة. قال الحسن بن علي رضي الله عنه: صف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خال! وهذا من أدب الحسن، فـ هند ابن السيدة خديجة رضي الله عنها، وفاطمة أيضاً بنت السيدة خديجة، فهو أخو السيدة فاطمة من أمها، فلما أراد الحسن من هند بن أبي هالة أن يصف له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا خال. والصحابي الجليل هند استشهد في موقعة الجمل وهو يحارب في صف علي كرم الله وجهه، والكلام الذي وصف به النبي صلى الله عليه وسلم كلام عربي. قال: (كان صلى الله عليه وسلم فخماً مفخماً)، أي: تنظر إليه فتحترمه وله هيبة، (يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة التمام)، وهذا كوصف خالد بن الوليد رضي الله عنه له، قال: كان صلى الله عليه وسلم نضاح المحيا، أي: كمن هو خارج من الحمام بعد أن اغتسل، قالوا: يا خالد! حتى في المعركة؟ قال: حتى في المعركة، فأنت حين تنظر إلى العسكري بعد التدريبات، أو عندما يلبس البدلة العسكرية حدث عنه ولا حرج، ويجوز للعسكري أن يصلي بالبيادة، ويجوز له أن يصلي في النعل، فيمسحه هكذا على الأرض بيديه ويذهب للصلاة، بل إن ابن مسعود رضي الله عنه كان يكره أن يخلع المصلي حذاءه فيقول: لو أن الله يسلط عليها سارقاً يسرق نعله، حتى يحرم أن يخلعها مرة أخرى. قال: (أطول من المربوع وأقصر من المشذب)، والمربوع: الرجل الطويل العادي، فلا هو بالطويل البين ولا بالقصير البين، ومع أنه كان متوسط الطول صلى الله عليه وسلم، لكن إذا سار معه أحد أطول منه رأى الرائي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أطول. قال: (عظيم الهامة) أي رأسه صلى الله عليه وسلم مرفوع، ومؤخر رأسه فيه شيء من الضخامة. قال: (رجل الشعر إن انفرقت عقيصته فرقها)، رجل الشعر أي: مسترسل ناعم، لو فرقه بيده هكذا افترق، وكان شعره كله أسود. سيدنا أبو بكر ذات مرة كان يسوي للرسول صلى الله عليه وسلم شعره، فقال: عددت لك سبع عشرة شعرة قد شابت يا رسول الله! ولم يزل كذلك صلى الله عليه وسلم حتى انتقل للرفيق الأعلى، وقد كان العربي في ذلك الزمن لا يشيب إلا بعد سن السبعين والثمانين، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد شاب وعمره ثلاث وأربعون سنة، فلما سئل عن ذلك قال: (شيبتني هود وأخواتها)، وأخوات هود: التكوير والانفطار والنبأ والانشقاق، وما شاكل هذه السور التي تتحدث عن يوم القيامة وما فيه من الرعب ومصارع السابقين. قال: (يجاوز شعره شحمة أذنيه)، لطول شعره صلى الله عليه وسلم. قال: (أزج الحواجب) أي: أن الحواجب مقترنة ببعضها وملتصقة. قال: (أزهر اللون)، أي: أبيض مع شيء من الحمرة، فليس بأبهق، إذ يقال عن الأبهق: عدو الشمس. قال: (واسع الجبين) أي: جبهته صلى الله عليه وسلم واسعة. قال: (أقنى العرنين)، يعني: أنفه صلى الله عليه وسلم طويلة فلا هي عريضة ولا معكوفة ولا مائلة، وإنما أقنى العرنين صلى الله عليه وسلم. قال: (له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أن الشمس تطل من جبينه) لضيائه وإشراقه صلى الله عليه وسلم. قال: (كث اللحية، سهل الخدين)، يعني: ليس كلثوماً، والكلثوم: ذات الوجه المدور الممتلئ. وكان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم سهل الخدين. قال: (ضليع الفم) أي: كان صلى الله عليه وسلم إذا تكلم خرج الكلام من كل فمه. وتصفه السيدة عائشة فتقول: (كأن كلماته حبات در انتظمت في عقد)، أي: كالحبات في العقد منتظمة واحدة فواحدة. قالت: (كان لا يسرد كلامه كسردكم) أي: كان يخرج منه الكلام واضحاً يفهمه الأعرابي. حتى إن الأعرابي إذا نظر إلى وجهه صلى الله عليه وسلم يقول: (والله ما هذا بوجه كذاب). قال هند رضي الله عنه: (مفلج الأسنان)، أي: أسنانه ليست ملتصقة ببعضها، ولم يكن على أسنانه بقايا أكل صلى الله عليه وسلم، وكان رغم ذلك يستاك قبل الصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة). ومن الناس من إذا لم يجد السواك أدخل إصبعه في فمه وهذا غلط؛ فالإصبع ليس بسواك إنما السواك بالمسواك؛ لأن المسواك فيه مواد كيميائية قادرة على قتل أي نوع من البكتيريا في فمك بفضل الله رب العالمين، ومن كانت نفسيته ضعيفة لا تتحمل الفرشة، لو استخدم السواك لكان الشفاء إن شاء الله. قال: (دقيق المسربة)، أي: شعر ما تحت السرة. قال: (كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك)، بادن يعني: ليس نحيفاً، ومتماسك أي: ثابت جسمه عند مشيه لا يهتز. قال: (سواء البطن والصدر) يعني: صدره مستو مع بطنه. قال: (عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس)، أي: العظم الذي في ناحية الصدر. قال: (أنور المتجرد) أي: إذا انكشف عضو من جسمه أضاء، صلى الله عليه وسلم. قال: (عاري الثديين والبطن) أي: عار من الشعر. قال: (طويل الزندين) أي: الذراعين. قال: (رحب الراحة) أي: يده واسعة. قال: (سائل الأطراف) أي: أصابعه منسالة، فلا إصبع صغيرة ولا إصبع طويلة. قال: (مسيح القدمين) أي: أن رجليه لينتان وناعمتان، وبواطن أصابعه منحطة على الأرض. قال: (إذا زال زال قلعاً) يعني: إذا مشى كأنه يأخذ رجليه من رمل، وكأنما تطوى له الأرض طياً، وكأنما ينصب من علو، ولذلك كان يرأف بالصحابة رضوان الله عليهم، فكان يأمرهم أن يمشوا قدامه ويقول: (دعوا ظهري لملائكة ربي). قال: (يمشي هوناً، إذا التفت التفت جميعاً) يعني: كان يلتفت بجميع جسمه إذا أراد أن يكلم أحداً. قال: (خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة). هذا وصف سريع لـ هند بن أبي هالة لسيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

بعض النقاط المستنبطة من مولد النبي صلى الله عليه وسلم

بعض النقاط المستنبطة من مولد النبي صلى الله عليه وسلم الأولى: إن محمداً صلى الله عليه وسلم لما ولد جاء أماناً لأهل الأرض، وبه دمر الله كيان الوثنية. النقطة الثانية: أكرمنا الله به بأن جعلنا خير أمة أخرجت للناس، وجعلنا أتباعاً له صلى الله عليه وسلم. النقطة الثالثة: جعل كلمة محمد رسول الله مقرونة بشهادة التوحيد، فمن يقل: أشهد أن لا إله إلا الله فقط، لا تنفعه يوم القيامة؛ لأنه لم يقرنها بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. النقطة الرابعة: النبي ليس رحمة للمسلمين فقط، بل هو رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم.

سلسلة مقتطفات من السيرة [4]

سلسلة مقتطفات من السيرة [4] إن للآباء حقوقاً على أبنائهم، من حيث برهم وطاعتهم والدعاء لهم، كما أن للأبناء حقوقاً على آبائهم من حيث البحث لهم عن الأم الصالحة، واختيار الاسم الحسن، وحسن التربية، وتعليمهم أمور دينهم وحثهم عليها وغير ذلك.

حقوق الأولاد على الآباء

حقوق الأولاد على الآباء إن الأولاد من رزق الله وفضله علينا، ولهم حقوق علينا كما أن لنا حقوقاً عليهم. وقد يقول قائل: لماذا الولد يكون وديعاً وطيباً ولطيفاً في طفولته، حتى إذا كبر ودرس وأكمل الدراسة في الجامعة وتوظف؛ نسي والديه وانقلب عليهما؟! فما الذي يجعل الولد عاصياً بعدما كان مطيعاً؟! نسأل الله الهداية لأبنائنا وبناتنا، اللهم تب على كل عاق واهده يا أكرم الأكرمين. والعقوق مسألة منتشرة نواجهها في البيوت، ولا توجد أسرة أو عائلة تخلو من ولد عاق أو بنت عاقة، فما هو الذي قلب الموازين وجعل هذا الولد البار المطيع يصبح عاقاً؟ وما الذي يجعل أولادنا بعد أن كانوا في المساجد يصادقون الأشرار ويشربون السجائر، أو يتعاطون -والعياذ بالله- المخدرات؟ إن المولود منذ أن ينزل من بطن أمه تصبح له عندنا حقوق قد نغفل عن بعضها، وقد نتذكر البعض الآخر، فدروس السيرة العطرة ونحن نمر عليها نعرف بها ما هو حق الابن على أبيه، وما هو حق الأب والأم على أبنائهما، وعندما نعرف قصة زواج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة فإننا نتوقف وقفة طويلة عند البيت المسلم والزوجة المسلمة والزوج المسلم، وكيف يتعامل المسلم مع الزوجة العنيدة ذات العشرة السيئة، وكيف تتعامل الزوجة الطيبة المستقيمة الصبورة مع زوج غاضب متهور، أو زوج بخيل يسيء معاملتها؟ وكيف يعالج الإسلام المشكلة إذا حدثت في البيت المسلم قبل أن تستفحل وقبل أن ينتشر الأمر في العائلة؟ والأمر طالما هو في يدك وفي داخل حجرتك فحله ميسور، وأما مشكلة الزوج والزوجة حين تخرج من عتبة الدار فإنها تقلب الحياة الزوجية رأساً على عقب، وإذا بأطراف كثيرة تتدخل: إخوانها وأهلها وإخوانه وأهله، وأمها وأمه، وأبوها وأبوه، وكذلك الأقرباء: الخالات والعمات، فظن في ذلك شراً ولا تسأل عن الخبر. فكل هذه عبارة عن دروس سأقف عندها ونستفيض في الشرح؛ فلو أن المسلم اتقى الله وأدى حق زوجه، والمسلمة كذلك اتقت الله وأدت حق زوجها، لوثقنا أن نصر الله آت وأن كرمه آت، وأن فضله سبحانه سوف يتنزل علينا، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96].

إتمام الزواج بطريقتي العرف والدين ونتائج كل طريقة

إتمام الزواج بطريقتي العرف والدين ونتائج كل طريقة إن الداء كله في التكذيب بما جاء في الكتاب والسنة، وأقول دائماً: إن أمر الزواج وطريقة إتمامه ينقسم إلى شيئين: الدين، والعرف، فالناس يأخذون من الدين ما يعجبهم، وما دام الدين في مصلحتهم يطبقونه، وإن لم يكن الدين في مصلحتهم لا يطبقونه، بل يطبقون العرف، وهذا من المسلم ليس بجيد، فنحن نريد مسلماً صادقاً مع نفسه. يقول: أنا سوف أتزوج بالدين، فإذا عارضته خطوة من خطوات الزواج ليست لها نص في الكتاب ولا في السنة لا يطبقها، لكن نحن نأخذ من الدين الذي يعجبنا ونرفض الشيء الذي لا يعجبنا أو الشيء الذي ليس في مصلحتنا، وهكذا المسلم المزيف، ونحن نريد مسلماً حقيقياً إذا أراد أن يقول فقوله من كتاب الله، وإذا أراد أن يفعل ففعله من كتاب الله، وإذا أراد أن يتحرك فحركته كلها من الكتاب والسنة المطهرة. وقد درست بيوت الصحابة على مر السنين، ولربما عشت سنوات طويلة في بيوت الصحابة أدرسها، وقد أكرمني الله سبحانه لما نزلت إلى مكة أو المدينة، وتلمست الكتب المفصلة في التاريخ لبيوت الصحابة وتواريخهم، وتعايشت مع أساتذة التاريخ وعلمائه، وخرجت بحقيقة لم تكن غريبة علي، وقد أكدتها لي الأحداث والسير: أن بيوت الصحابة كان عنوان كل بيت منها كتاب الله وسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم، فلا يوجد في بيت من بيوت الصحابة مشكلة يومية كما هو مألوف لدينا، وقد كان الصحابي تأتي إليه زوجته وتقول له: يا أبا فلان! ألك اليوم حاجة؟ فإن كان قضى حاجته، وإن لم يكن قالت له: هل تأذن لي أن أقوم لربي الليلة؟ فبيت بهذا الشكل لا يتوقع وجود الشر فيه. فالرجل يذهب ليصلي الفجر خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يتجه بعد صلاة الفجر إلى عمله، فإن كان فلاحاً أخذ الفأس، وإن كان نجاراً أخذ أدوات النجارة وهكذا، وقد كان نساء الصحابة على شاكلة واحدة، إذ كانت المرأة تقول لزوجها: أبا فلان! أستحلفك بالله ألا تدخل علينا حراماً؛ فإننا نصبر على حر الجوع ولكن لا نصبر على حر جهنم يوم القيامة. لا بد أن خللاً ما يحدث في البيوت حتى تكون نتيجته هذه الهزة التي حدثت بين الزوج والزوجة في هذا العصر الحديث، ذهبت مرة إلى إحدى المراكز المتخصصة فسألت: هل عندكم إحصائية؟ قالوا: في ماذا؟ قلت: أريد أن أطرح سؤالاً على الزوج المصري المسلم والزوجة المصرية المسلمة بعد مرور سنوات، وهو: لو عادت بك الحياة مرة أخرى أتتزوج فلانة هذه امرأتك؟ وأنت يا فلانة! لو رجعت بك الحياة مرة أخرى وجاء هذا الزوج وطرق بابك هل ستقبلين به؟ فقيل لي: هذا سؤال غريب، وبحث غريب جداً، وعلى كل سوف نجري البحث في ذلك، فأجروا البحث في خلال أربعة أشهر، وكنت على اتصال دائم معهم، وكانوا يقولون: يا شيخ! لا تتعجل الأمور هذا بحث اجتماعي، فذهبوا وسألوا وشكلوا بحثاً عشوائياً من مناطق شتى من القاهرة الكبرى، والقاهرة الكبرى تمثل مصر، ومصر تمثل العالم الإسلامي، فهي شريحة من شرائح المسلمين في العصر الحديث، فوصلت النتيجة لكن ما كنت أتوقع أنها بهذه الكآبة، إذ إن النتيجة تقول: ستون بالمائة من الأزواج والزوجات يرفضون تماماً أن تعاد الحياة، يعني: لو جاء الزوج يطرق الباب ليراجع زوجته سوف يطردونه. وتسعة وعشرون بالمائة يعاودون التفكير في ذلك ويضعون شروطاً، فالزوجة تشترط أنه لا يتزوج عليها، وتشترط أنها تزور أمها يوماً بيوم، وهكذا تشترط شروطاً معينة. والنسبة الباقية هن اللاتي فوق الستين سنة. فلا بد أن خللاً ما حدث في البيت المسلم، وهذا الخلل غير طبيعي حصل في بيوت المسلمين حتى وصل المسلمون إلى هذه الحالة؛ لأننا نأخذ من الدين ما يعجبنا وندع ما لا يعجبنا.

بعض أحوال المسلمين اليوم تجاه دينهم

بعض أحوال المسلمين اليوم تجاه دينهم جاء رجل فطرق باب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وسأله سؤالاً، فأجابه فلم تعجبه الإجابة، فطرق باب أبي بكر وسأله نفس السؤال فلم تعجبه الإجابة، وأبو بكر أجاب بما أجاب به الرسول صلى الله عليه وسلم، فذهب السائل إلى عمر بن الخطاب وقال: عندي لك سؤال، قال: اسأل، فسأله، قال: أسألت أحداً قبلي؟ قال له: نعم، قال: من؟ قال: الرسول وأبا بكر، قال: وجئت لتسألني؟! قال له: نعم، قال: أراك لا تريد إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إجابة أبي بكر؟ قال: نعم، قال: إذاً: انتظر، فدخل عمر رضي الله عنه وجاء إليه رافعاً سيفه ليقتله، ففر الرجل مذعوراً. وفي هذا الزمان يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحجب، والقرآن كذلك، فتقول المرأة: لم أقتنع بعد، فلو ظهر عليها سيدنا عمر ماذا ستفعل؟ إن سيدنا أبا بكر جهز جيوشاً جرارة ضد من كان ينطق بالشهادتين، ويقيم الصلاة في وقتها، ويصوم رمضان، ويحج البيت، ويعتمر، ويفعل التكاليف الشرعية إلا أنه يمنع الزكاة، فماذا سيفعل أبو بكر لو مشى في شارع من شوارع القاهرة ووجد نفراً من الناس وسأل واحد منهم: هل تصلي يا فلان؟! فقال: لا، فيقول له: لماذا؟ قال: هؤلاء المصلون لا يعجبونني!! إذاً: ماذا كان سيصنع أبو بكر في هؤلاء الذين لا يصلون، مع أن الصلاة مقدمة على الزكاة؟ لا بد أن أمراً ما قد حدث في البيوت. وبعض الإخوة من الملتزمين والملتزمات إذا وجدوا شخصاً غير ملتزم هجموا عليه هجوماً شرساً؛ فبعض العلماء شبه مثل هذا الداعية بماسك السكين، فإما أن يجرحك وإما أن يجرح نفسه.

الناس رجلان: مبتلى ومعافى

الناس رجلان: مبتلى ومعافى من كان بعيداً عن الدين قال فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: (إنما الناس رجلان: مبتلى ومعافى، فاحمدوا الله على العافية، وارحموا أهل البلاء) فاحمدوا الله على العافية في الصحة والدين والزوجة والأولاد، وليدع أحدكم بهذا الدعاء: (اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة). وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نرحم أهل البلاء، فلو أن كفيفاً يقوده مبصر ووقع الكفيف في حفرة فإننا نلوم المبصر؛ لأنه هو العارف فعليه التوجيه، ومن أهل البلاء الذي لا يصلي، فأنت عندما تريد أن تنصحه لا تهاجمه بالكلام القاسي؛ ولذلك كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول فيه ربه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. ويذكر أن أحد الأمراء الجائرين -وكثير ما هم- كان من لا ينضم إليه فقد وقع في الأذى، فقال له أحدهم مرة: لقد أوتيت أيها الأمير! ما لم يؤت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وما هو؟ قال: قال الله في الرسول صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]، وأنت فظ غليظ القلب ورغم ذلك ما انفضضنا من حولك! وفي الحديث: (سوف يأتي زمان على أمتي يكرم المرء اتقاء لشره) يعني: تكرمه وهو لا يستحق الكرم، وإنما تكرمه من أجل أن تستريح من أذاه، وكم من أناس بهذا المنطق، والويل كل الويل لمن يكرم اتقاء فحشه وشره.

وضوح الحلال والحرام بين الناس

وضوح الحلال والحرام بين الناس إن في الحياة الدنيا حلال وحرام، حلال يوصلنا إلى الجنة، وحرام -والعياذ بالله- يوصل إلى النار، ولا مكان بين الجنة والنار، فلا منزلة ولا درجة بين الحلال والحرام؛ ولذلك سئل الحسن البصري: ما رأيك في الغناء والموسيقى؟ قال: إذا تميز يوم القيامة أهل الحق عن أهل الباطل، فأهل الغناء والموسيقى مع من سيكونون؟ فالقضية في الإسلام واضحة، الحمد لله أن الله سبحانه فطر الناس على معرفة الخير والشر من دون تساؤل، فليس هناك من يقول: هل الرغيف الشامي حلال أم الرغيف البلدي؟! وكلاهما رغيف، ولا أحد يشك في الخبز هل هو حلال أو حرام، لكنه إذا قال: البيرة حلال أم حرام؟ فهذا هو الذي يحيك في صدره، وكذلك السجائر؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه الناس)، فأنت تتردد في مسألة الشبهة وتتردد في مسألة الحرام فتسأل عن ذلك، لكن من المستبعد أن يسأل المرء عن شيء قد وضح أنه حلال أو حرام، فاللحمة والخضار والفول لا يسأل عنه؛ لأن هذا حلال بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، فالإنسان لا يسأل إلا عما يتردد في ذاته، اللهم أحسن لنا فطرتنا، واجعلنا من العاملين بكتابك وسنة رسولك، يا أكرم الأكرمين! إنك على ما تشاء قدير. كان المدرس في الزمان القديم كل الناس يهابونه، ورحم الله أحمد شوقي حين قال: قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا أعلمت أشرف أو أجل من الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولا قال الله سبحانه وتعالى {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} [الشورى:49 - 50]، إن الرجل قد يرزقه الله بنين وبنات، وقد يرزقه بنين فقط، وقد يرزقه بنات فقط، وقد لا يرزقه لا بنين ولا بنات، فيذهب إلى الطبيب فيقول له: أنت سليم وامرأتك سليمة، لكن الله لم يرد بعد، وهو لا يزال عنده أمل، اللهم لا تحرم أحداً من الذرية الصالحة. ونحن كلنا كعرب نحب الذرية الذكور، مع أن البنات إشارة إلى الجمال والحنان والرقة، فالبنت هي التي تعطيك عائلة وترعاك.

الرضا بقضاء الله وقدره

الرضا بقضاء الله وقدره ثبت في الصحيح أن أم سليم مرض ابنها فذهب أبوه أبو طلحة إلى المسجد لصلاة المغرب، ففاضت روح ابنه إلى بارئها وغطته أم سليم، فلما رجع أبو طلحة قال: كيف حال الغلام؟ قالت: هو أسكن ما كان، وهذا الكلام فيه تورية، فقدمت له طعام عشائه وتزينت له، وقبيل الفجر قالت له: يا أبا طلحة! قال: نعم، قالت: لو أن جيراننا استودعهم قوم أمانة وجاء أصحاب الأمانة ليأخذوا أمانتهم، فرفض جيراننا إعادة الأمانة إلى أصحابها، قال: لقد أخطأ جيراننا، إن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58]، فقالت: إن ابننا كان أمانة عندنا فأخذها صاحبها. فخرج يصلي خلف الحبيب صلى الله عليه وسلم وأعلمه بموت ابنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا طلحة! أعرستم الليلة؟ قال: نعم، قال: اللهم بارك لهما فيه، فأنجب أبو طلحة سيدنا عبد الله بن أبي طلحة الذي أنجب أحد عشر ولداً كلهم كانوا من حفظة كتاب الله. فيا أخي المسلم! إن رزقك الله الابن أو البنت فافرح في كلا الأمرين، وإن لم يرزقك لا بهذا ولا بذاك فاصبر إلى أن يأتي رزق الله. ويروى أن أبا حمزة -شيخ أعرابي- تزوج امرأة فأنجبت له ثمان بنات، فغضب وهجرها، وكان يبيت في بيت من بيوت جيرانه، فمر عليها يوماً وهي ترقص ابنتها وتقول: ما لأبي حمزة لا يأتينا يظل في البيت الذي يلينا غضبان ألا نلد البنينا والله ما هذا بعيب فينا وإنما نأخذ ما أعطينا ونحن كالأرض لزارعينا ننبت ما قد زرعوه فينا إذاً: إذا رزقك الله بابنة فلا تضجر؛ لأن رزق البنت ضعف رزق الولد، يقول الله عز وجل عندما تهبط البنت من بطن أمها: (ضعيفة خلقت من ضعيفة، أشهدكم يا ملائكتي أن من عالها أعوله حتى يموت)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من ربى ثلاث بنيات فأحسن تربيتهن كن حصناً له من النار أو أدخلناه الجنة، قالوا: واثنتان يا رسول الله؟! قال: واثنتان، قالوا: وواحدة؟! قال: وواحدة) وذلك لأن تربية البنت يحتاج إلى تركيز ومجهود وانتباه، فلا يجوز أن يغفل الأب إلى أن يلاقي بنته تذهب إلى الجامعة وهي لابسة البنطلون، وتشرب السجائر، ولابد للأب أن يمهد لها الحجاب من سن السابعة أو الثامنة أو التاسعة، وبعدها تلاقي أمها لابسة النقاب والخمار والحجاب، وكذلك خالتها وعمتها وأختها الكبيرة، فتنشأ البنت في بيئة مسلمة، لكن إن رأت أمها واقفة أمام الباب نازعة خمارها أو نقابها فهي ستفعل مثلها: وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه فالأب والأم يعودان الطفل على شيء وإن لم يظهر، إذ إن الولد عبارة عن كمبيوتر ترجمان لترجمة أحداث تقع أمامه، فإذا وجد البيئة سيئة أمامه، ووجد الأب يرفع صوته على أمه، ووجد الأم هي المسيطرة في البيت، والخلاف بينهما في كل لحظة، فإنه ينشأ على هذه الصفات السيئة، حتى إن كثيراً من البيوت التي تحدث فيها المشاكل تجد الولد يقول: أنا يا عم! إذا كبرت لن أتزوج، وعمره خمس سنين، فتقول له: لماذا؟ يقول: الزواج هم ومشاكل؛ يقول ذلك لأنه لم ير من الزواج إلا هذا، فنصيحتي لك يا أخي المسلم أنه إذا حصل شجار بينك أنت وامرأتك وتريد تعاتبها، فخذها في داخل الغرفة بعيداً عن أولادك ولا تتح لجو الفساد أن ينتشر في البيت.

حقوق الأبناء على الآباء

حقوق الأبناء على الآباء

اختيار الأم الصالحة واختيار الاسم الحسن للمولود

اختيار الأم الصالحة واختيار الاسم الحسن للمولود أول حق لابنك أو لابنتك عليك كما قلنا من قبل: أن تختار له الأم الصالحة، فهو حق يتعلق برقبتك يوم القيامة، ويقول لك: أبي أين حقي في الأم الصالحة؟ ويستحب البشارة بالابن أو البنت، قال تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} [الصافات:101]، وقال تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ} [مريم:7]، فالتبشير يكون بالشيء مستحب. دخل رجل على الحسن البصري فقال: ليهنك الفارس يا أبا سعيد! يعني: هنيئاً لك بالفارس، فضحك الحسن فقال: ما أدراك أفرس هو أم حمار؟ وكان عياش بن أبي ربيعة رجلاً خطيباً، فقالت له عمته: يا عياش! أريد أن أزوج ابنتي فتعال وقل خطبة النكاح، فلما جيء بها لم يستطع أن يتكلم، فقال: قال صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)، فقالت أم البنت: أماتك الله يا رجل! أتيت بك لتخطب خطبة النكاح فتقول: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله)؟! إذاً: لابد أن يختار الأب لابنه الأم الصالحة، فإذا جاء الولد يسميه اسماً طيباً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أسماء معينة تدل على التبشير أو التنفير. فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن اسم رباح، ويكره أن تسمى ولدك محسناً. وكثير من الناس يسمون بناتهم بأسماء لا يفهم معناها مثل: رولا، وبعضهم يسمي بناته بأسماء غير جيدة مثل: ناهد، ونهاد، وميادة، وقد كره الفقهاء هذه الأسماء؛ لأنها أسماء لها معانٍ ليست طيبة، بل تدل على الميوعة، فاختر لبناتك أسماء لطيفة، والأسماء كثيرة والحمد لله رب العالمين، فإن اللغة العربية واسعة في مسألة الأسماء. دخل رجل على عمر بن الخطاب فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ما اسمك يا رجل؟ قال: اسمي حرقة، قال: ابن من؟ قال: ابن ضرام، قال: من أين جئت؟! قال: من ذات اللظى، قال: أين ذات اللظى؟ قال: في حرة واقد، قال: الحق أهلك فقد احترقوا، فرجع فوجد الخيمة قد اشتعلت. وتعرف الجاحظ أديب العربية على رجال أسماؤهم أسماء جهنم، فقال: وأين مالك؟ قالوا له: ومن مالك؟ قال: ألستم خزنة جهنم؟!! ويذكر أن امرأة أنجبت طفلاً وسمته غضبان، وكان كثير الغضب، وكانوا يعيرونه بهذا الاسم، فانتحر ومات؛ لأنه غضبان. فاختر لابنك اسماً جيداً، والأسماء ميسورة لكن ليس كل اسم في القرآن يسمى به، فلا يمكن أن تسمي ولدك أبا لهب، فليس كل اسم في القرآن نسمي به، وليس كل ما تقرأه في كتب اللغة أو في كتب التراث أو في كتاب الله يصلح أن يكون اسماً؛ لأن من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم كلاباً وكعباً ومرةً، ونهى النبي عن اسم مرة أيضاً.

العقيقة عن المولود

العقيقة عن المولود في اليوم السابع من ميلاد المولود أو الرابع عشر أو الواحد والعشرين يعق عن الذكر أو الأنثى، والعقيقة مأخوذة من العقوق: وهو الإلقاء، كأنك تلقي الجنس الذي نزل به الولد بأن تذبح عن ابنك شاتين أو خروفين، وعن ابنتك شاةً أو خروفاً. فإن قيل: هل يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية؟ A يشترط في العقيقة ألا يكون فيها عيب، ويستحب جمع الأحباب والفقراء للأكل منها، وتذبح على اسم فلان وتقول: بسم الله نذبح عقيقة فلان ابن فلان، أو فلانة بنت فلان. وهناك معلومة لابد أن يتنبه لها الناس وهي: أننا ننادى يوم القيامة بأسماء آبائنا لا بأسماء أمهاتنا. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (الولد مرتهن بعقيقته حتى يعق عنه أبوه). ويسن في العقيقة ألا يكسر عظمها، هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحلق لأبناء فاطمة في اليوم السابع، ويتصدق بوزن هذا الشعر فضة أو ما يوازيها للفقراء والمحتاجين.

الأذان في أذن المولود وتحنيكه

الأذان في أذن المولود وتحنيكه أول ما يخرج الجنين من بطن أمه يجب أن يؤذن في أذنه ويقام في الأذن الأخرى، لكن لا يؤذن بشدة، حتى لا يضر طبلة الأذن. وابن القيم رحمه الله علق تعليقاً طيباً على ذلك، قال: الحكمة من الأذان في أذن المولود والإقامة في الأذن الأخرى: أن الشيطان ينتظر الولد حال نزوله من بطن أمه فيستقبله، فقبل أن يمسه الشيطان يسمع المولود أذان الله عز وجل فيهرب الشيطان عند ذلك، فلا يلمس الابن أو البنت بسوء إن شاء الله، ويكون هذا أول شيء سمعه عند خروجه من بطن أمه. ثم يحنك المولود، وهو أن يأتي بتمرة ويمضغها المحنك ويضعها في فم المولود، ولابد أن يكون المحنك أحد الصالحين أو ممن نتوسم فيهم الخير، فلا يكون المحنك ممن يدخن، ولا يكون موظفاً مرتشياً والعياذ بالله، وعند مضغ التمرة يؤخذ منها وتوضع في الحلق وأسفله، هكذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت علمياً أن هذا يفيد الطفل صحياً، وحتى وإن لم تظهر لنا علة فعلينا أن نطبق ما سمعناه وما رأيناه من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذاً: نحلق الشعر ونتصدق بوزنه فضة، وبعدها نحنك الولد، ونسميه اسماً طيباً، ونعق عنه في اليوم السابع أو الرابع عشر أو الحادي والعشرين.

الختان للذكور

الختان للذكور الختان واجب عند جمهور الفقهاء على الصبي، فقد أوجب الإسلام عليك أن تختن ابنك الصبي الذكر، حتى قال الإمام مالك: إن من لم يختتن لا يصلي إماماً بالناس، ولا تؤكل ذبيحته. أما مسألة ختان البنات فلم يرد في ذلك حديث واحد صحيح، ومنهم من يقول: الختان واجب على الذكور مكرمة للإناث، وهذا ليس بحديث، بل أقصى ما صنعه علماء الحديث أنهم قالوا: إن هذا حديث ضعيف، فليس هناك حديث صحيح في جواز ختان الأنثى.

الفرق بين بول الصبي الرضيع وبول الصبية

الفرق بين بول الصبي الرضيع وبول الصبية هناك فرق بين الابن والبنت، فالابن الذي لا يزال يرضع من والدته ولم يأكل إذا بال على ثوبك تنضح الثوب بالماء، وتمسح على مكان البول، وأما البنت التي لا تزال ترضع من ثدي أمها ولم تأكل إذا بالت على الثوب فلابد من غسله، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ماء الصبي ينضح، وماء الصبية يغسل). وقد أثبت العلماء الفرنسيون في مؤتمر لهم: أن بول البنت يختلف تركيبه كيميائياً عن بول الابن، وأن نسبة القلوية في بول البنت زائدة عن نسبة القلوية في بول الابن، وثبت أن هذه الزيادات في التركيبة تترك أثر رائحة في الثياب، والذي ابتكر هذا الأمر رجل كافر لا يعرف الله ولا رسوله، لكننا لا نملك إلا أن نصلي على المعصوم من الخطأ صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، فإذا قال فقد صدق صلى الله عليه وسلم.

تعليم الطفل الإسلام وتربيته على ذلك

تعليم الطفل الإسلام وتربيته على ذلك إن للابن حقاً عليك وهو: أن تعلمه أولاً وأخيراً الإسلام، فكما أنك حريص على نجاحه في الدراسة، وعلى قبوله في المدرسة كذلك تكون حريصاً جداً على أن تعلمه القرآن وتأتي بمن يحفظه كتاب الله. فإن قيل: هل لي ثواب إذا كنت لا أحفظ القرآن وأتيت بمن يعلم ابني القرآن ويحفظه؟ ف A نعم، يقف الابن الحافظ للقرآن على باب الجنة ويرفض أن يدخل إلا بصحبة أبيه وصحبة أمه، فيدخلان معه، فيقول الله: أرضيت يا عبدي؟! فيقول: لا، أعطهما من فضلك بفضل ما علماني القرآن، فيقول الله لجبريل: ألبسهما حلة الشرف وتاج الكرامة، إن عدد درجات الجنة كعدد آيات كتاب الله، فالقرآن 6236 آية، وعدد درجات الجنة 6236 درجة، فكلما قرأ حافظ القرآن آية ترقى درجة، حتى تكون منزلته عند آخر آية يقرؤها. فطوبى للذي يحفظ القرآن ويعمل به، اللهم اجعلنا من الحافظين لحروفه، والعاملين بحدوده، والمقيمين له آناء الليل وأطراف النهار، ولا تجعلنا من الذين يهتمون برسمه فقط وبتلاوته فقط، وإنما تلاوة وعملاً يا أكرم الأكرمين! آمين يا رب العالمين! القرآن يا إخواننا فيه أسرار وعجائب، وفيه أشياء عظيمة لا يعلمها إلا من رزقه الله حب تلاوة كتاب الله وحفظه، يقول صلى الله عليه وسلم: (لاعبه سبعاً، وأدبه سبعاً، ثم اترك له حبله على غاربه) فتصاحبه حين يكون عمره أربع عشرة سنة، وهذا السن هو سن المراهقة، وسن المراهقة هو سن التغير الفسيولجي للولد، فالأب يصاحب ابنه، والأم تصاحب ابنتها، والبنت لا تأخذ النصيحة من زميلاتها، وإنما تأخذ النصيحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فيا أخي المسلم! إن بداية هلاك أولادك بهلاكك أنت إذا كنت تدخن، فابدأ بنفسك أولاً في الإقلاع عن التدخين، وقد قام المكتب القومي بإحصائية للتدخين والمدخنين فوجدوا الآتي: أن المصري الذي لا يدخن يدخن رغم أنفه كل يوم ثلاث عشرة سيجارة، والمدخن يأخذها من الفلتر منقاة، وللأسف بعد أن تدخل السموم في رئتي المدخن يخرجها مسممة، فلا يضر نفسه فقط، بل يضر معه من لا يدخن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار)، كما أنه لا يمكن لأحد أن يتصدق بسيجارة ويقول: هذه سيجارة لله؛ لأنك لا تريد أن تتصدق بشيء أنت مشكوك في أمره، قأؤكد قائلاً: إن التدخين حرام، إن التدخين حرام، إن التدخين حرام، وأجمع على تحريمه علماء زادوا عن الخمسمائة في مؤتمر للإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وفي عام 1987م أقر العلماء في هذا المؤتمر جميعاً حرمته، وذلك بعد أن وضح علماء الطب والبيولوجيا أضرارها، وأحالوها لعلماء الفقه، فأقر علماء الفقه جميعاً من دون استثناء حتى المدخنين منهم على تحريمه اللهم تب على كل مدخن يا رب! فاجعل من نفسك قدوة صالحة في البيت، واعلم أن القميص الأبيض إذا نفخت فيه دخاناً من سيجارتك فإنك تغير لون القميص، فكيف بالرئتين التي جعل الله لها شعباً كي تأخذ الأكسجين المنقى وتضخه، وتفصل الدم المؤكسج إلى دم غير مؤكسج، ألا يكفينا تلوث السيارات وتلوث البيئة التي نحن فيها، وتلوث الأخلاق؟ فإننا نريد أن نعدل الأخلاق، ثم نعدل الأشياء المادية، اللهم تب علينا جميعاً يا أكرم الأكرمين!

البحث للطفل عن أصدقاء صالحين ثم التعرف على من يصاحب

البحث للطفل عن أصدقاء صالحين ثم التعرف على من يصاحب من حق الابن عليك أن تختار له الرفقاء الصالحين، ولا بد أن تعرف من يصاحب، قال الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فإن المقارِن بالمقارَن يقتدي وحين يعود الأب ابنته على الحجاب ليس معناه أنه يحمي نفسه فقط، بل يحمي المجتمع أيضاً، فإذا كن النساء لا يتحجبن فكيف يغض الشاب بصره عن مئات من النساء!! فنسأل الله أن يعين الشباب، وأن يعصمنا جميعاً من الخطأ، فالرجل عندما يحجب امرأته ويحجب ابنته وأخته وأهله يريد رفقاً وخيراً بالمسلمين. إذاً: لابد أن أعرف عن ولدي من يصاحب، وعن ابنتي من صديقتها. نسأل الله العصمة لأبنائنا وبناتنا، وأن يبعد عنهم شياطين الإنس والجن.

بر الأبناء بالآباء

بر الأبناء بالآباء إن الأب والأم إذا بكيا مرة منك فأنت عاق، فما عاقبة العقوق؟ قيل: لو يفعل العاق ما يفعل من أبواب الخير فلن يدخل الجنة، ولو يفعل البار بوالديه ما يفعل من أبواب الشر فلن يدخل النار، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا بر الوالدين. والوالدان لهما ثلاث حالات: إما أن يكونا على قيد الحياة، أو يكونا قد فارقا الحياة، أو يكون أحدهما على قيد الحياة والآخر قد مات، فإن كانا على قيد الحياة فاسجد لله شكراً؛ لأن الأمر لا زال فيه سعة، وإن كان أحدهما قد مات فاحمد الله أنك لحقت أن تبر بالآخر، فإن علقمة عندما أراد أن ينطق بالشهادة عند الموت لم يستطع، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: أأحد من والديه حي؟ قالوا: نعم، أمه، فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال ولدك لا ينطق الشهادتين، قالت: لأنني لست راضية عنه، فقد كان يدخل بالطعام على زوجته وأولاده قبلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارضي عنه يا أم علقمة، قالت: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجمعوا لي حطباً، فقالت: لماذا يا رسول الله؟! قال: لنحرق علقمة، فرق قلب أم علقمة لابنها فقالت: قد رضيت عنه يا رسول الله! فذهبوا إليه فوجدوه يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم ذهبت روح علقمة إلى بارئها. وأتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يأذن له بالقتال معه في غزوة أحد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أأحد من والديك حي؟ قال: كلاهما حيان، وتركتهما يبكيان، قال: ارجع فالزم أقدامهما فثم الجنة، وأضحكهما كما أبكيتهما). فمن بر الوالدين ألا يبكي أحدهما منه، ولا يوجد أحد منهما غاضب، لكن إذا كان الأب غاضباً من ابنه؛ لأنه يكثر من الذهاب إلى المسجد فهذا غضب في الهوى، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأعلم أباً كان يغلق باب البيت الرئيسي ويأخذ المفتاح معه؛ حتى لا يستطيع ولده الذهاب لصلاة الفجر، فجئت لأكلمه فقال: أنا خائف عليه، فقلت له: لماذا لا تخاف عليه حين يذهب إلى النادي؟! اتركه يذهب إلى المسجد ولا تخف عليه، فإنه في حفظ الله، وما دام أن هناك عالماً ناصحاً فاهماً يعلمه فلا تخف عليه أبداً. وبر الأم أهم من بر الأب، فإنه إذا ماتت أم العبد قال الله: عبدي ماتت التي كنا نكرمك من أجلها، فاعمل صالحاً نكرمك من أجله. اللهم اجعلنا بررة بآبائنا أحياء وأمواتاً يا أكرم الأكرمين!

الأسئلة

الأسئلة

حكم التعامل مع بنك ربوي في بيع بالتقسيط

حكم التعامل مع بنك ربوي في بيع بالتقسيط Q بعض النقابات تتعامل مع بنك ناصر الاجتماعي، وبنك ناصر يأخذ الأدوات المنزلية ويبيعها بالتقسيط بنسبة تصل إلى خمسة وأربعين بالمائة، فما حكم ذلك؟ A إذا كانت بنسبة فائدة فهذا حرام.

حكم الصلاة لله ركعتين بعد أذان المغرب قبل إقامة الصلاة

حكم الصلاة لله ركعتين بعد أذان المغرب قبل إقامة الصلاة Q أنا أدخل المسجد بعد أذان المغرب والإمام لم يقم الصلاة بعد، فهل يجوز لي أن أصلي ركعتين؟ A يجوز، أجازه البعض من العلماء.

علاقة الخاطب بمخطوبته

علاقة الخاطب بمخطوبته Q ما علاقة الخاطب بمخطوبته؟ A الخاطب غريب عن مخطوبته مثله مثل أي شخص، فلا يرى شيئاً من جسمها، ولا يسلم عليها، ولا يقعد معها في خلوة، إلى أن يعقد قرانه بها.

حكم زكاة الذهب الذي تلبسه المرأة

حكم زكاة الذهب الذي تلبسه المرأة Q ما حكم زكاة الذهب الذي تملكه المرأة؟ A لا زكاة عليه ما دامت تلبسه.

حكم تغطية المرأة قدميها في الصلاة

حكم تغطية المرأة قدميها في الصلاة Q ما حكم تغطية المرأة القدمين في الصلاة؟ A الإمام أحمد بن حنبل أوجب تغطية القدمين في الصلاة، وأباحها بعض الفقهاء.

حكم أعياد الميلاد

حكم أعياد الميلاد Q ما حكم أعياد الميلاد: هل هي بدعة، أم ليست ببدعة؟ A لا أقول: إنها بدعة مضلة، لكن لا داعي لأعياد الميلاد.

حكم دعاء الأم على الولد

حكم دعاء الأم على الولد Q أمي تتكلم في أعراض الناس فأقول لها: حرام يا أمي، فتدعو علي وتقول: منك لله، فهل هذا الدعاء مستجاب؟ A لا، ليس مستجاباً.

حكم غيرة الرجل

حكم غيرة الرجل Q ماذا تعمل المرأة إذا كان زوجها غيوراً جداً، وغيرته هذه تسبب مشاكل؟ A تدعو الله سبحانه أن يهدئه قليلاً، والغيرة إن لم تكن في موضعها فإنها تدخل إليه الشك -والعياذ بالله- وتتحول حياته إلى جحيم. أسأل الله أن يهدئ من غيرة هذا الرجل شديد الغيرة على زوجته. والغيرة على الحرمات مستحبة ومطلوبة، لكن هي مسألة قياسية، فإن زادت عن حدها المطلوب فقد توصل إلى التهم.

الأساليب المتاحة للأم في تأديب ولدها

الأساليب المتاحة للأم في تأديب ولدها Q ما حكم ضرب الأم لولدها الذي يبلغ من العمر ست سنين ضرباً مبرحاً، حتى إنها كسرت أسنانه، وهي متألمة من ذلك؟ A لابد أن يكون الضرب ضرباً خفيفاً، وانتبه أن تضرب أحداً على وجهه، وعليك أن تكون قدوة حسنة في تأديب امرأتك، وذلك بعد أن تعظها وتهجرها في المضجع، هذه هي الخطوات الإسلامية، أما ولدك فلا يجوز لك ضربه على وجهه أبداً، وإذا أدبت فأدب بأساليب أخرى. وجزاكم الله خيراً. اللهم لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم، اغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

سلسلة مقتطفات من السيرة [5]

سلسلة مقتطفات من السيرة [5] تربية الأولاد على الأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن من أعظم وسائل بناء المجتمع الصالح، وقد اهتم الإسلام بالطفل منذ اختيار الزوجة الصالحة لتكون له أماً إلى تعليمه الصلاة وضربه عليها عندما يقارب البلوغ، فيجب على الوالدين مراعاة أولادهما في التربية، وإبعادهم عن أسباب الانحراف والفساد.

الاختلاف سنة من سنن الله

الاختلاف سنة من سنن الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، أما بعد: فإن دراسة السيرة النبوية الشريفة ليست سرداً للأحداث ولا إملاءً للقصص، ولكنها تذكر لكي يأخذ المسلم العبرة منها والعظة في زمن تلاطمت فيه الأحداث، وتشابكت فيه الأمور، وتشعبت فيه القضايا، فلم يستطع الإنسان في هذه الأيام أن يستبين الصواب من الخطأ، وقد يغلق على العالم وعلى الإنسان الحكيم المسلم أموراً كثيرة قد لا يصل فيها إلى نتيجة، مع ما نشعر به جميعاً من أن اعتصامنا أولاً وأخيراً، وتمسكنا أولاً وأخيراً يجب أن يكون بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولعله مما يعزي الإنسان حديث من أحاديث المعصوم صلى الله عليه وسلم، فقد سأل الله عز وجل أموراً أربعة، فأعطاه ثلاثة ومنعه من الرابع، وهذا الحديث علمه مهم؛ لكي تهدأ النفوس، ولتعلم أن هذا الخلاف الكائن على الساحة، وأن هذا الاختلاف الغريب بين المسلم والمسلم ليس إلا تحقيقاً لسنة الله في الكون. فقد سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ربه ألا يجعل هلاك أمته بسنة عامة، أي: لا يحصل للأمة مجاعة فتهلك كلها، وهذه بفضل الله، فما يزال في الأمة خير كثير، وإن كان الغني فينا مبذراً والفقير غير صابر، والذي يعطى غير شاكر، فما يزال في الأمة خير، وهذه قضية مسلم بها، وهو أن الأمة الإسلامية المحمدية لن تهلك بمجاعة. قال صلى الله عليه وسلم: (فأعطانيها)، يعني: أنه سأل ربنا سبحانه وتعالى ألا يهلك الأمة بسنة عامة فأعطاه سؤله. قال: (وألا يسلط عليهم أحداً من غير جلدتهم فيستبيح بيضتهم)، فلن يسلط على الأمة الإسلامية أحداً من أعدائها يضيعها، حتى وإن استقرت أمريكا في المنطقة أو الاتحاد السوفيتي أو اليهود أو غيرهم، فلن يكون هلاك الأمة على يد أجنبي. قال: (فأعطانيها)، وليس هناك أكثر من هذا فلن تهلك الأمة بمجاعة، ولن يسلط عليها العدو. قال صلى الله عليه وسلم: (وسألت الله عز وجل: ألا يهلكهم كما أهلك الأمم التي من قبلهم)، يعني: قوم عاد وقوم ثمود وغيرهم. قال: (فأعطانيها)، وهذا من كرم الله أيضاً. قال: (وسألت ربي أن لا يلبسهم شيعاً وألا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها) فالنبي صلى الله عليه وسلم سأل الله للأمة ألا تفترق، وألا يضرب بعضهم بعضاً، ولا يعيب بعضهم على بعض، قال: (فمنعنيها).

ضرورة اعتبار الجماعات الإسلامية وسائل للدعوة

ضرورة اعتبار الجماعات الإسلامية وسائل للدعوة فالأمة سيحصل فيها اختلاف، فلا تغضب ولا تحزن حين تجد الأمة فرقاً؛ فما تجده على الساحة من اختلاف ينبغي أن تنظر إليه بعين قلبك لا بعين بصرك، فلا تعتبر هذه المجموعات فرقاً متناحرة، بل اعتبرها وسائل دعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذه المسألة أساس الدعوة كلها، فندعو بالحكمة؛ لأن الله قال لرسوله هذا، فقد قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]، كان السائب بن عبد الله رجلاً من بني مخزوم، وكان رجلاً عنيداً، وبنو مخزوم بطبيعتهم أناس لا يقادون بسهولة، وهم عشيرة خالد بن الوليد، وحالهم كما قال الشاعر: إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً تخر له الجبابر ساجدينا ونشرب إن وردنا الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطيناً فهو لما يشرب يشرب صفواً. سنبدأ ظالمين وما ظلمنا ولكنا سنبدأ ظالمينا فـ السائب بن عبد الله المخزومي لما وقع في الأسر ساقه الصحابة مصفداً بالأغلال؛ لأنه كان مقاتلاً صنديداً، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتصفح وجوه الأسرى صافحه وقال: مرحباً بأخي وشبيهي. وكان فيه شبه من الرسول صلى الله عليه وسلم. فلما قال صلى الله عليه وسلم هاتين الكلمتين، قال: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ثم قال: والله لقد جئت وما أحد على وجه الأرض أبغض إلى قلبي منك، وسوف أعود إلى أهلي وما أحد على وجه الأرض أحب إلى قلبي منك، وما أرض أحب إلى قلبي من أرض أنت فيها يا رسول الله، فهذا أثر الحكمة والموعظة الحسنة. ولقد كان صحابة الحبيب المصطفى لكل واحد منهم شخصية مستقلة، فـ أبو بكر كان ليناً هيناً ودوداً، وكان من رحمة الله أنه هو الذي خلف رسول الله بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى. فقد كان المسلمون بحاجة إلى من يعاملهم برقة ويعاملهم بالتي هي أحسن، فكان أبو بكر على نفس منوال الحبيب، وأما عمر بن الخطاب فإنه -مع إيمانه وقوته وقدرته- كان عنيفاً في الحق. فرسولنا صلى الله عليه وسلم رأى فيه أصحابه الرأفة والرقة، فقد أرسلت إليه السيدة زينب بنته تقول: إن ابني ينازع، فاحضر إلينا. فهي تريد أن يكون حاضراً عند خروج روح ابنها الذي كان عمره بضع سنوات. فأسرع الرسول صلى الله عليه وسلم مع بلال وعمار وعلي وبعض من الصحابة، فوضع الرسول حفيده في حجره وضمه إلى صدره، فخرجت روح الولد، فأجهش الرسول بالبكاء، فاستغرب سعد بن أبي وقاص ظاناً أن هذا ليس من الصبر، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (يا سعد! هذه رحمة وضعها الله في قلب من يحب من عباده، ومن لا يرحم لا يرحم). فالبكاء مسألة رحمة وليس عنواناً للجزع، وقد دخل سيدنا عمر على نساء قاعدات في مأتم وفيهن واحدة تعدد محاسن الميت والنساء يرددن بعدها، فناول عبد الرحمن بن عوف الدرة وقال: اضرب هذه؛ فإنها تأمر بالجزع وقد نهى الله عنه، وتنهى عن الصبر وقد أمر الله به. فتلك طريقة الصحابة في دعوتهم، فـ أبو بكر لين، وعمر شديد في الحق. وأما أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد فقد كان على يديهما فتح الشام، فلما دخلا دمشق وقع أمر عجيب، فالمكان الذي دخل منه أبو عبيدة دخله بالصلح، فدخل عن طريق السلم والمعاهدة، والمكان الذي دخل منه خالد بن الوليد دخله بالحرب؛ لأن خالداً كان مفطوراً على الجندية، فـ خالد جندي، وأبو عبيدة داعية إلى الله، وأبو ذر رجل ناسك، وعثمان بن عفان رجل قائم بالليل، وسيدنا بلال رجل عابد لله عز وجل، وسيدنا عمر بن الخطاب رجل أمين قوي، فهذه العناصر الطيبة من الصحابة إذا وضع كل واحد منها على حدة قلت: هذا هو الإسلام، وحين تجمعهم كلهم تقول أيضاً: هذا هو الإسلام.

أهمية التعاون والاحترام بين المسلمين

أهمية التعاون والاحترام بين المسلمين وأنا أريدك أن تنظر إلى الساحة الآن فلا تغضب، والذي يُغضِب هو شيء واحد فقط، وهو أن يعيب بعضنا بعضاً، فلا يعيب بعضنا على بعض، بل نعمل بما اتفقنا عليه، فقد اتفقنا على التوحيد والصلاة والصيام وحج البيت، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصلة الرحم، والاستقامة، والبعد عن الانحراف، والدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه. لقد ذهب الشافعي ليصلي في الكوفة موضع رفات أبي حنيفة، ووقف ليصلي، فصلى الصبح ولم يقنت، والإمام الشافعي يرى القنوت في صلاة الصبح، فقام من الركوع وسجد، وبعدما سلم قالوا له: أنسيت يا إمام؟! فقال: لا، ولكني احترمت قبر أبي حنيفة، كل الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة. ولم يقل: أنا الذي أفهم واترك عنك فلاناً، وأنا الذي أعرف. ولقد قال أبو حنيفة: علمنا هذا صواب يحتمل الخطأ، وعلم غيرنا خطأ يحتمل الصواب، فمن رأى غيرنا فله ما رأى ولنا ما رأينا. فقضية الخلاف قضية يجب أن لا توصلنا إلى ما نحن فيه أبداً، وأن المساجد لله. فالعالم الذي في المسجد يقول: قال الله وقال الرسول، ويأتي بالدليل من الكتاب والسنة، وأحسبه على خير وأظنه كذلك فأقول له: سمعاً وطاعة. فإذا نظرت إلى الساحة اليوم فوجدت فيها اختلافاً كثيراً فلا تحزن؛ فهذه سنة الله في خلقه، وسنة الله في الأمة، فنسأل الله أن ينزع من قلوبنا الغل والحقد والحسد، وألا يجعل في قلوبنا ضغينة على مسلم، وأن يجعلنا إخوة متحابين في الله متزاورين في الله متجالسين في الله، إن ربنا على ما يشاء قدير.

حقوق الابن على أبيه

حقوق الابن على أبيه كنا قد تحدثنا عن حق الابن على أبيه، وسأكمل هنا بقية حقوق الابن على أبيه لأكمل أيضاً حقوق الوالدين على أبنائهما، من أجل أن يعلم أنه لو صلح البيت لصلحت الأسرة، ولو صلحت الأسرة المسلمة لصار المجتمع كله صالحاً، فيخرج من بيننا أناس صالحون، وشباب صالح ونساء صالحات.

اختيار الأم الصالحة

اختيار الأم الصالحة وقد سبق أن ذكرنا من أن تختار له أماً صالحة، لا أماً غنية فقط، بل إن اخترتها غنية فلا بد من أن يكون عندها دين، أو جميلة، فلا بد من أن يكون عندها دين، أو ذات نسب، فلا بد من أن يكون عندها دين، لحديث: (فاظفر بذات الدين تربت يداك). فالمهم أنك تتزوج امرأة صالحة ونبتة طيبة من بيت طيب، فهذا هو أول حق لابنك قبل أن يوجد، وسوف يطالبك الابن بهذا الحق يوم القيامة إن لم تختر له الأم الصالحة. وليس بصحيح ما يقوله بعض البعيدين عن الله، حيث يقول الواحد منهم: لا ينفع أن آخذ امرأة لا أحبها، والبنت تقول: حين أحبه أوافق عليه والأولى هو أن تختبر أخلاقه نتيجة الفوضى والانحراف، ونقول هنا ما قاله عمر بن الخطاب، فسيدنا عمر جاءه رجل يقول له: أريد أن أطلق زوجتي، فسأل عن السبب، فقال: أنا لا أحبها. فضربه عمر بالدرة وقال: أولم تبن البيوت إلا على الحب، فأين الرعاية والتذمم؟! يقول: البيوت لا تبنى على الحب فحسب، فالحب لا بد من أن يكون موجوداً، فيجب أن يكون الود والتعاطف والمودة بينك وبين امرأتك، فإن ولى الحب يبقى شيء مهم، وهو أن لك حقوقاً وعليك واجبات، وزوجتك لها حقوق وعليها واجبات. ولو أن كل واحد منا أدى ما عليه وأخذ ما له لصلحت الأمور، أما أن تبتعد عن الله وتبتعد عن طريق الله وتبتعد عن مجالس العلم، وتبتعد عن تقوى الله، وتبتعد عن قيام الليل وصيام النهار وقراءة القرآن، وتريد امرأتك أن تكون صالحة، فمعنى ذلك أن تغالط نفسك، فأصلح ما بينك وبين ربك يصلح الله لك ما بينك وبين زوجتك، والزوجة كذلك ما بينها وبين ربها، لا أن تقعد تشتكي من زوجها، فكلما ذهبت إلى أمها أخبرتها بما يصنع زوجها، فهذه خيانة من الخيانات، فليس من حقك أن تذهبي إلى أمك لتقصي عليها أسرار بيتك ومشاكلك، فهذه خيانة. قال أهل العلم: إن الأم لها حق خاص، لحديث: (من أولى الناس بالحقوق على الرجل يا رسول الله! قال: أمك، قال: وعلى المرأة؟ قال: زوجها)، فمن أكبر الحقوق على المرأة حق زوجها، ومن أكبر الحقوق على الرجل حق أمه. كما قال أهل العلم: إن المرأة ليس من حقها أن تذهب إلى أمها لتخبرها عما تطبخ، فكم من خيانة في البيوت! وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم تلك خيانة، والله قد سماها خيانة أيضاً فقال تعالى: {اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم:10]. قالوا: إن زوجة لوط وزوجة نوح كانتا تخرجان أسرار زوجيهما النبيين فسمي ذلك في الإسلام خيانة. وفي الحديث: (إن من أكبر الخيانات أن يحدث الرجل زوجته حديثاً فتصبح لتحدث به جيرانها)، فتقعد مع الجيران لتكلمهم، وقال: (ومن أكبر الخيانات عند الله أن تسر المرأة لزوجها بحديث فيصبح ليحدث به جلساءه)، فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خيانة. فأنت تختار زوجة صالحة من أجل أن يتأسس البيت على أساس صالح، فهذا هو الحق الأول لابنك عليك، وقد خرج الإمام الشافعي رضوان الله عليه لطلب العلم، فقال: يا أمي! أوصيني؟ قالت: لا تكذب. وما أكثرت عليه، فلم تقل: اجمع المال، وانتبه لا تأمن زوجتك، بل قالت له: لا تكذب. وسافر الإمام الشافعي، فخرج عليهم قطاع طريق ليأخذوا ما معهم، فقال أحد اللصوص للشافعي: هل معك شيء؟ قال: معي أربعون ديناراً. فاللص ظن أن الشافعي يضحك عليه، فتركه، فجاء لص آخر فقال له: أمعك شيء؟ قال: معي أربعون ديناراً، فأخذوه إلى رئيسهم، فقالوا: هذا نسأله: أمعك مال؟ فيقول: معي أربعون ديناراً! فقال له: معك أربعون ديناراً؟ قال: نعم، فقالوا له: أين تضعها؟ فقال لهم: أديروا وجوهكم. وأخرج المال، ثم قال: لقد عاهدت أمي على ألا أكذب وأنا أخاف أن أحيف بعهد أمي. فشق شيخ اللصوص ثوبه، وقال: أنت تخاف أن تحيف بعهد أمك وأنا قد حفت بعهد الله، أشهد الله أني قد تبت على يديك، وكان اللصوص كلهم تابعين له، فقالوا له: لقد كنت شيخنا في المعصية وفي الحرام، وأنت الآن شيخنا في التوبة. وقد حدث أن المحكمة الشرعية في السعودية أقامت حد قطع اليد على شاب، وقبل أن يقطع المتولي للقطع، قال له الشاب: اقطع أولاً لسان أمي، فقال: لماذا؟ قال: لقد سرقت دجاجة من دجاج الجيران وأنا صغير، فزغردت أمي وقالت: لقد صار ابني رجلاً، ففرحتها هي التي جعلتني أستمر في السرقة. فالأم حين تكون صالحة يصلح بها المجتمع، وأما إذا كانت بخلاف ذلك فإنها حين يكبر الأولاد تقول لهم: سأطلعكم على أمور لم أقلها لكم وأنتم صغار، وأبوكم هذا قد أرهقني منذ ثلاثين سنة. فتكره الأولاد في أبيهم. فيا امرأة! اصبري واحتسبي إذا كان زوجك ليس صالحاً وقد صبرت طول هذه المدة، فمن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثلما أعطى آسية امرأة فرعون في الجنة، ومن صبر على سوء خلق زوجته أعطاه الله مثلما أعطى أيوب على صبره.

حقوق المولود عند ولادته

حقوق المولود عند ولادته والحق الثاني اختيار الاسم، ثم الأذان في أذن وإقامة الصلاة في الأذن الثانية، ثم حلق الشعر والتصدق بوزنه فضة أو ذهباً، ثم الختان، ثم العقيقة.

حق الطفل في التربية والتعليم والرفق

حق الطفل في التربية والتعليم والرفق إن الصبي إذا بلغ خمس سنين فإننا دائماً نقول: الحمد لله على أن أولادنا من الذكاء بمكان، فإنهم حين يرون إعلاناً في التلفزيون يحفظونه، والواجب على الآباء ألا يُشغلوا عن الأولاد بمسألة الرزق، فلا بد من رعاية الولد ولا تتركه للبطالة وأسباب الانحراف والمخدرات والفشل في الدراسة وفي الجامعات وفي المعاهد. ويجب علينا أن نتدارس ذلك من الآن من أجل أن نغرس في أبنائنا القواعد والمثل من كتاب الله ومن شرع حبيبنا صلى الله عليه وسلم. فالولد إذا بلغ أربع أو خمس سنين وبدأت كلماته تظهر واضحة، فإنني آتي له بالذي يحفظه القرآن، وهذه مسألة مهمة. والأب غالباً لا يجيد تعليم ولده، حتى إنك تجد المدرس المتخصص في مادة معينة يأتي لابنه بمدرس، فتقول له: أنت الكيمياء كلها وتأتي لابنك بمدرس الكيمياء، فالأب بطبيعته يكون عصبياً على ابنه يريد أن يشربه العلم بسرعة، فالعصبية هذه لا تنفع. لقد حلف لي أحدهم بالله على أنه قال لآخر: يا فلان! صوتك دائماً منخفض، ألا تعلي صوتك قليلاً؟! فقال له: أنا نشأت في بيت كان من عادة أهله أن الأب أو الأم أو الإخوان إذا تعلم أحدهم نطلب منه أن يعيد الكلام مرة أخرى؛ لأن الصوت منخفض. فانظر إلى هذا الرفق في البيت، فالإسلام يريد أن يكون الإنسان رقيقاً في بيته. ولذلك يروى أن سيدنا عمر جاءه رجل وقال له: أريد أن توليني ولاية. فقال له: مر علي غداً. فـ عمر يريد أن يمتحن الرجل ليعلم أيصلح لذلك أم لا، وعمر خبير في علم النفس، فقال للخادم: أدخله مباشرة. فجاء الرجل وطرق باب أمير المؤمنين، فأدخله الخادم، فوجد الرجل منظراً غريباً، لقد رأى أمير المؤمنين الذي يخاف منه العالم كله يحبو على يديه ورجليه وقد أركب على ظهره بعض ولده، وكأنه قطار أو سيارة، فهذا هو عمر بن الخطاب صاحب مقولة: (إذا كنت في أهلك فكن صبياً، وإذا كنت بين إخوانك فكن رجلاً) يعني: اضحك مع امرأتك، واضحك مع أولادك وانبسط معهم، وإذا كان تبسمك في وجه أخيك صدقة فما بالك به في وجه زوجتك؟! إن كثيراً من الناس لا يضحكون إلا أمام الغريب وفي المكاتب، فالأستاذ فلان في مكتبه لطيف، وحين يرجع بيته تقول زوجته: عياذاً بالله رب العالمين، فأنا أريدك أن تنبسط في بيتك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته. فلما رأى الرجل ذلك وقف مستغرباً، فنظر سيدنا عمر إلى الرجل وقال له: ما لك يا أخا الإسلام؟! فماذا تصنع مع أهلك؟ فقال له: أنا إن دخلت بيتي فر الواقف واستيقظ النائم ووقف الجالس. فقال: من لا يرحم لا يُرحم، فإذا كنت هكذا مع أبنائك، فكيف تكون مع أبناء المسلمين؟! لا حاجة لنا في ولايتك.

تأدبيه لست وضربه لثلاث عشرة وتزويجه لست عشرة

تأدبيه لست وضربه لثلاث عشرة وتزويجه لست عشرة جاء في حديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أدب ابنك لست)، فحين يبلغ ابنك ست سنين تبدأ تؤدبه، فتعرفه بأن هذا غلط وهذا صحيح، فإذا تفل في وجه عمه فلا تقل: ابني هذا كبر وصار رجلاً، بل قل له: احترم عمك، فعمك مثل أبيك، فسلم عليه. لقد كنا في الأرياف نقوم في الصبح فنقبل يد الأب والأم والأخ الأكبر، وقد ذهبت هذه العادة. وقد قال صلى الله عليه وسلم في حق الأم: (الزم قدميها فثم الجنة)، فحين يقعد الولد أو البنت عند أرجل الأب والأم فهناك الجنة، فالجنة تحت أقدامهما. وكذلك يعلمه على أن يقبل يد الأخ الأكبر، ولكن ليس الأخ الذي لا يصلي. فرب الابن الأول ليكون قدوة لإخوانه، فإذا كان الولد الكبير منحرفاً يشرب السجائر، ويشهد النوادي، فإن الأولاد الصغار يكونون مثله، وحين يكون الأكبر مستقيماً يكون الأولاد كلهم على حالة من الاستقامة. فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا بلغ ابنك ستاً فأدبه، واضربه على الصلاة والصيام لثلاث عشرة)، فحين يبلغ ثلاثة عشر عاماً فاضربه إن لم يصل أو لم يصم، فإذا بلغ الست عشرة فزوجه، وخذ بيده وقل: أدبتك وعلمتك وربيتك وزوجتك، اللهم إني أسألك بره في الدنيا وأعوذ بك من عذاب يأتي من خلفه في الآخرة. فأرشد إلى تزويجه لست عشرة سنة، وفي زماننا لا يتزوج الرجل إلا بعد أن يكاد يشيب؛ لأننا نضع عقبات أمام الحلال، فيصير الحرام سهلاً، ولكن لو سهلنا أمر الحلال لصار الأمر ميسوراً. ولا أريد بذلك أن يتخذ أولادنا الصغار ذلك حجة على آبائهم؛ فإنما أعني الولد ذا الست عشرة سنة الذي يعمل، لا أن تبقى إلى الخامسة والعشرين وأنت تأخذ حاجتك من أبيك ثم تريد أن يزوجك أبوك. فإذا بلغ الخمس فأت بمن يحفظه القرآن ويعلمه ليتقن لسانه اللغة العربية؛ لأن هناك مشكلة نعانيها في إتقان العربية، وأحد أسباب ذلك المدارس الأجنبية، ففي العشرينات والثلاثينات والأربعينات لما فتحوا المدارس الأجنبية كانت مدارس للتبشير الكنسي، وكانت هذه خطة اللورد كرومر عام ألف وتسعمائة وأربعة، فعلمن المناهج العلمية في مصر، وخطب اللورد كرومر عام ألف وتسعمائة وأربعة وقال: طالما كان في مصر هذا المبنى -الذي هو الأزهر- وهذا الكتاب -الذي هو المصحف- فلن تستعمر مصر أبداً. فكانوا مدركين ماذا يعملون، فعلمنوا التعليم، وفصلوا بين التعليم الديني والتعليم الدنيوي، فجعل الدين للأزهري فقط، مع أنه ليس هناك شيء اسمه ديني ودنيوي، فالدين هو الدنيا والدنيا هي الدين؛ لأنه يجب على الولد أن يتعلم هذا مع هذا في وقت واحد، لا أن تلقى حصة الدين في الحصة السابعة ويأخذ حصة الرياضة في الحصة الأولى. ومنهج الدين نفسه الذي في الكتاب لا يسمن ولا يغني من جوع. فأقول: إن ابنك أو بنتك إذا وصل إلى أربع أو خمس سنين فأت بمن يحفظه القرآن؛ من أجل أن يتكلم باللغة العربية جيداً، فيعرف مخارج الحروف، ويعرف أحكام التلاوة، ويعرف الحلال والحرام، فالقرآن كله بركة، وسوف يبارك الله في الولد، وفي الأثر: لاعبه سبعاً، وأدبه سبعاً، وصادقه سبعاً.

اختيار الرفقة الصالحة للولد

اختيار الرفقة الصالحة للولد فإذا دخل الولد المدرسة فعلي أن أرى زملاءه، وهذه مسئوليتك أمام الله، فاذهب وزر المدرسة وانظر من يجلس بجانبه، فاعرف أباه، فلعله من أصحاب المخدرات، وقد يكون أبوه ساباً للدين والعياذ بالله، وقد يكون هو ابن فنانة، وقد تقول: والولد ما ذنبه؟! أقول: الولد يكتسب ممن هم حوله، فلقد ذهبت إلى إحدى مدارس اللغات، وبينما كنت في المحاضرة سألني تلميذ في ثالث ابتدائي عمره تسع سنين، فقال لي: البيرة حلال أم حرام؟ فقلت: البيرة هذه أتعرف شكلها؟! قال: نعم. فقلت له: هي حرام، فقال: من الذي قال؟ فقلت له: الدين. فقال: هات لي نصاً! فالولد يسألني عن البيرة وعن النص، فما هو الذي جعل الولد تأتي في عقله مسألة البيرة غير أنه رآها في التلفزيون أو في وسائل الإعلام المنحرفة أو رآها في بيته أو رآها في الشارع. فنحن نضيع أبناءنا دون أن ندرك، فالمرأة تقول لابنها الذي دخل في أول ابتدائي: انتبه -يا حمادة- أن يعطيك أحد وردة تشمها. وهي بذلك تكني عن المقصود، وإذا بالولد يقول: تقصدين الهروين والكوكايين؟ فقالت له: نعم، فقال لها: لا، هذا في الثانوي، وأما منهجنا فمنهج السجائر. فهذه كارثة؛ لأن هذا هو نتاج المجتمع الذي نحيا فيه. إن الأوروبيين يقولون لنا: ما هي حكاية رجم الزاني؟! إنها عملية وحشية جداً. فنقول لهم: إنكم تنظرون إلى آخر المسألة لا إلى أولها، فالإسلام يفرض على أتابعه أن يكون المجتمع كله صالحاً، فيكبر الولد في مجتمع ليس فيه مخدرات ولا خمر ولا دور سينما ولا ملاه ولا سرقات، والحدود فيه تقام، والنساء في الشوارع إما منقبات أو مخمرات، فلا أحد يرى عورات النساء في المجلات. ثم إن الإسلام يحتم على الدولة أن تعين من بيت المال الشاب الفقير الذي لا يستطيع الزواج، فتزوجه وتوجد له سكناً وعملاً. فالإسلام يوجد له مجتمعاً جيداً، وعملاً، ويقيه من الانحراف ومن الانحلال ومن الحرام، وييسر أمر زواجه، فبعد هذا كله لو انحرف وزنى فإنه يصنع شيئاً لا يليق به. إذاً: لا ننظر إلى القضية من آخرها، وإنما ننظر إلى أولها. كما يعيبون علينا -أيضاً- بأن المرأة في الإسلام مظلومة في قضية الميراث، ونقول: لا تنظروا إلى المسألة من آخرها، بل انظروا إليها من أولها، فالرجل إذا أراد الزواج فإنه يجهز البيت، ويأتي من الأثاث بما يقدر عليه، ويقدم المهر للزوجة، وبعد هذا كله تأتي الزوجة معززة مكرمة، فتقعد في البيت، وفي فترة الحياة الزوجية كلها ينفق عليها؛ لأن القوامة للرجل. فالأب إذا ترك مبلغاً من المال قدره ثلاثون ألف جنيه مثلاً، وكان له ولد وبنت، فإن الولد يأخذ عشرين والبنت تأخذ عشرة، فالولد إذا أراد الزواج كلف بما سبق ذكره، فيذهب ما ورثه، وأما البنت فتأخذ عشرة آلاف وهي غير مكلفة بقرش ولا بعشرة، كما أنها تأخذ المهر، وقد يكون ثلاثة أو أربعة آلاف، فيصير بيدها مال كثير، فلا تنظر إلى النتائج من آخرها، فالنتائج مبنية على مقدمات. قلنا: إن الصبي إذا دخل المدرسة فلا بد من معرفة أصحابه، وكذلك البنت حين تدخل الجامعة، وإن من العجيب أن يقال: هذا بيت محافظ، ويعني بذلك أن البنت لا يأتي إليها زملاؤها في البيت، ولكن ليس عيباً أن تذهب إلى زميلها إلى بيت أهله، فحين تجري الدياثة في دماء المسلمين ماذا تقول عن الإسلام، وماذا تقول عن الرجولة والشهامة، فكيف تذهب البنت إلى الجامعة من أجل أن تكلم زميلها؟! فلتكلم زميلتها. إن البيت المسلم هو الذي يتكون منه الوطن المسلم والأمة المسلمة، فلو ربينا أولادنا على المثل، وعلى تاريخ الصحابة، وكيف كانوا يعيشون خلف رسول الله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت بيوتهم، لصلحت أحوالنا جميعاً. لقد كان مجتمع الصحابة يمثل البنوة الصالحة، فسيدنا أنس بن مالك ذهبت أمه تشكوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له: إنه لا يرضى أن يأكل معي يا رسول الله، فقال له: لماذا يا أنس؟ قال: أخاف أن تمتد يدي إلى جزء في الصحفة وقعت عليه عين أمي، فأكون عاقاً لها. وكان أبو هريرة حين يخرج من البيت يسلم على أمه وهو ماشٍ، فيقول: السلام عليك يا أماه، رحمك الله كما ربيتني صغيراً. وحين يرجع يقول كذلك، فترد أمه عليه بقولها: وعليك السلام يا أبا هريرة، رحمك الله كما بررتني كبيراً. ولم يكونوا كحالتنا اليوم، حيث تعتب المرأة على زوجها من لحظة زواجه لتحطم نفسيته وتدفعه بكلامها إلى أن يكره زوجته، فتقول: يا بني! إن البؤس دخل إليك من ساعة زواجك بهذه. والأصل أن تقول: يا ابني! اصبر عليها، فقد يكون لها ظروف خاصة، أو حالة مرض. ويجب على الزوج أن يغض طرفه عن بعض عيوب زوجته؛ لأننا لسنا ملائكة نحن ولا زوجاتنا.

أسباب انحراف الأولاد

أسباب انحراف الأولاد

الخلافات بين الزوجين

الخلافات بين الزوجين وهنا أمر نريد ذكره، وهو: لماذا ينحرف الأولاد؟ وما هي أسباب انحراف الأولاد ومن ثم انحراف الكبار؟ فحين تجد محامياً خائناً تعرف أنه أثناء دراسته في الجامعة أو المدرسة كان غشاشاً، فنجح بالغش، فتجده محامياً خائناً، وكذلك حين تجد المهندس غير الكفؤ أو الطبيب الجشع. وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه فأقول: إن انحراف الكبير جاء من الصغر، فما هي أسباب الانحراف؟ إن أول سبب في انحراف الأولاد: الخلافات بين الزوجين: فإذا كان بينك وبين زوجتك خلاف فأغلق عليها الغرفة، وتحدث أنت وهي حتى تصلا إلى حل، وقد يصل هذا الخلاف إلى طلاق، فتقع الطامة الكبرى، حيث يأتي الأب بزوجة، وربما تزوجت الأم بزوج آخر، فيعيش الولد إما مع امرأة أبيه، وإما مع زوج أمه. وهنا تثور الثائرة؛ لأننا لسنا مسلمين كما ندعي، ولسنا مؤمنين حقيقة، فالتقوى ليست في قلوبنا بما يرضي الله. فالكارثة أن زوجة الأب لا تتعامل بما يرضي الله، وزوج الأم لا يتعامل بما يرضي الله، فلو تعاملت معهم زوجة الأب بما يرضي الله لقالت: هؤلاء مثل أولادي، وسأعاملهم معاملة حسنة. فهنا يجب أن نراجع أنفسنا في مسألة الخلافات، ولا ننسى أن نتعاهد على أنه لا ينام أحدنا وهو غاضب من الآخر. إن هناك بيوتاً تعاني العجب، فامرأة تحلف وتقول لي: إن زوجي خاصمني منذ سنتين، فهل هذه معيشة؟! وهل هذا بيت؟! وهل هذا سكن؟! وهل تلك مودة؟! إن أكثر ما تستطيع أن تهجر فيه زوجتك هو أربعة أشهر، وفوقها لا يحل لك، فلو كان هناك قضاء إسلامي وذهبت الزوجة إلى القاضي المسلم وأثبتت أنك هجرتها منذ أربعة أشهر فإنه قد يطلقها عليك؛ لأنك زوج غير كفؤ، فكيف يعيش المسلم في هذا النكد المستمر؟! وكيف يخرج لعمله؟! وكيف تعيش الزوجة وكيف تصلي؟! يجب أن تنزل السكينة في بيوت المسلمين، ولن تنزل السكينة إلا إذا كان الزوج والزوجة على طريق الله عز وجل. فخلافات الأب والأم يجب أن نبتعد بها عن الأبناء، وخلافات الزوج والزوجة لا يصح أن تصل إلى أهلها أو أهله؛ لأن هذه خيانة عند الله، ويجب أن نكتم ذلك في بيتنا، فالبيت لا تخرج منه المشكلة، ولنحل المشاكل ولنواجهها ولا نهرب منها. قد يكون الزوج غيوراً أكثر من اللازم، والحل هنا مقدور عليه، والكارثة الكبرى أن الزوجة هي التي تكون غيورة أكثر من الزوج، وهنا تقع الطامة الكبرى، فالزوجة حين تكون غيورة توقعها غيرتها في الشك، فالشك يحيل حياتها وحياة زوجها إلى جحيم، فقد صور لنا الإعلام على مدى سبعين سنة من أيام يوسف بيه أن الزواج بالثانية نهاية البيوت. فالمسلسلات التي تأتي الآن تقنع النساء بأن مجرد تفكير الزوج في زوجة أخرى تقع به الكارثة والطامة التي تحيل البيت إلى نكد، ففهموا المرأة المصرية بأن الزوجة الثانية هي نهاية المطاف، وفَهَّموا الزوجة المصرية بأنها عدوة لضرتها، وصيروا أمر البيوت على طريقة غريبة جداً، فيقولون: إذا كانت البنت قد بلغت عشرين سنة فقد اكتملت شخصيتها، وعليه فهي التي تقول رأيها. فنزعوا حياءها بعد أن كان عندها حياء، فأين حياء العذارى؟! لقد كان الحديث عن الزواج في مجلس فيه بنت عمرها سبعة عشر عاماً يجعلها تترك الجلسة وتدخل؛ لأنه عيب أن يتكلموا عن الزواج والبنت قاعدة. وأما اليوم فقد صارت هي التي تفتح هذا الموضوع؛ لأن الحياء ذهب، والحياء من الإيمان، فلو كان هناك إيمان لصار هناك حياء، فاليوم لا حياء عند الكبير ولا عند الصغير، فيجب أن يكون البيت هو المرفأ، فالرجل يرجع من شغله إلى بيته من أجل المشاكل بعد الشغل، فبعدما تنتهي من عملك ارجع إلى بيتك من أجل أن تجد واحة الأمان والراحة. وبعضهم يقول لك: أنا لا أرجع إلى البيت إلا للنوم مباشرة. فهل البيت فندق! إن البيت له حقوق عليك، والبيت له حرمات يجب أن نراعيها، وإلا فلن يكون هناك مجتمع مسلم، ولن توجد فائدة من دروس العلم. وهنا مسألة أحب التنبيه عليها، وهي: أن بعض الناس يقولون: إذا دخل فلان أو فلانة عندنا، فإنهما حين يخرجان تحصل مشاجرة بين الرجل وزوجته. وهناك شكاو تأتي إلينا بهذا الشكل، والإسلام لا يوجد فيه طيرة، ولا يوجد شيء في الإسلام اسمه: (عيني ترف)، و (يدي تأكلني)، ونحو ذلك. فما يحدث للعين أمر فسيولوجي طبيعي، فاذهب إلى دكتور العيون، وانظر ما الذي حصل فيها من كثرة النظر، فغض بصرك وهي لن ترف، فما هي علاقة الرف بالمصائب التي تنزل عليك؟ إن المصائب سببها أنك تقي، فالله يريد أن يمتحنك، أو أن أعمالك سيئة فسلط البلاء عليك. وكذلك حين تأتيك نعمة تراها أنت نعمة، فيمكن أن تكون نقمة، فالمال قد يكون نقمة، والولد قد يكون نقمة، وكذلك الزوجة والبيت والدابة، فالنعمة التي تأتي إليك تقربك من الله هي نعمة، والشيء الذي يأتي إليك فيبعدك عن الله يكون نقمة، فالمال الذي يشغلك عن الله يكون نقمة، وكذلك الولد الذي يشغلك عن الله، والبيت الجديد الذي يشغلك عن الله. فما يقربك من الله نعمة، وما يبعدك عن الله فهو نقمة، فأول أسباب الانحراف خلافات الزوج والزوجة التي تصل إلى الطلاق.

الرفقة السيئة

الرفقة السيئة السبب الثاني: الرفقة السيئة: حيث يكون الولد جيداً لا يعرف سيئ الأعمال، فتجده فجأة تفوح منه رائحة السجائر وبعض الناس يخرج علبة سجائر من جيبه ثم يقول: خذ يا حمادة. فتقول له: عيب عليك أن تعلمه. فيقول لك: هو على كل حال سيدخن، فتدخينه أمامي أفضل! والصواب أنهما على خطأ، والتدخين حرام، وقد أفتى تسعمائة وخمسون عالماً في أحد المؤتمرات بحرمة التدخين. فهذه العادة السيئة تتسرب إلى البيت، إما عن طريق الأب أو الأم، وإما بصحبة أولاد مدخنين يقولون له: يا ولد! تريد أن تكون رجلاً؟ فيقول: نعم، فيقولون: خذ نفساً من السيجارة، فيأخذ منها فيبدأ يسعل، فيقولون له: لا تخف، فأولها هكذا. كحال الولد الذي جاء إلى الجامع، فاقترب منه الإخوة المصلون وكلموه بكلام طيب، وهو أسلوب أهل المسجد، مع أنه يخوف منهم دائماً، فيقولون لك: هؤلاء متطرفون، فالولد رجع إلى أبيه يقول له: يا أبي! إن الذين عند الشيخ فلان طيبون جداً ومرحون. فقال له: يا بني! هي تبدأ هكذا!! فالرفقة الصالحة مهمة، ففي الحديث: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)، والإخوان في الله كاليدين تغسل إحداهما الأخرى.

الإعلام السيئ

الإعلام السيئ ومن وسائل الانحراف التي تسبب لأولادنا الانحراف -والعياذ بالله رب العالمين-: الإعلام، وأشده مصيبة التلفزيون، فلو أن إبليس وجنوده اجتمعوا من أجل أن يفتنوا المسلمين ولن يصلوا إلى ما يصل إليه التلفزيون، فهو فساد دخل عليك من تحت الباب، ونحمد الله على أن مفتاح التلفزيون في يدك، فيمكن أن تفتحه ويمكن أن تقفله، فالموضوع بيدك أنت. إنك حين تسأل البنت الصغيرة في المدرسة: ماذا تريدين أن تكوني يا ابنتي؟ تقول: أنا أريد أن أكون مذيعة. لماذا؟ تقول: من أجل الأحمر والأخضر، ومن أجل أن أجمل شعري عند الكوافير. فإن قلت لها: لماذا لا تريدين أن تكوني مثل خالتك فلانة المحجبة؟ فإنها تقول: لا، فشكلها موحش جداً. وهذه كارثة. والمرأة في البيت التي ليست محجبة تقول لك: أنا أشاهد التلفاز على النية، ولا يضرني ذلك إذا كان بيني وبين ربنا عمار، وأي عمار ذلك وقد خربت ما بينك وبين الله؟! والذي يغضبني من الأمهات في البيوت أن المرأة قد يكون لها ثلاثة أولاد صغار مزعجون، فتريد أن تلهيهم من أجل أن تعمل، فتقول لهم: تعالوا. وتفتح لهم التلفزيون، فيجلس الأولاد ينظرون وهم يخزنون ما فيه، فالولد عبارة عن كمبيوتر يخزن. ولكي تعرف مصيبته أذكر لك أن أحد الأساتذة قال لي: رجعت إلى البيت، ولي ابن في رابع ابتدائي، يقول: إن ابنه قال له: اسكت يا أبي، فقد كان هناك قلة أدب في التلفزيون قبل أن تأتي، قال له: ماذا؟ فقال له: لا أقدر أن أقول لك، فقال له: لا بد من أن تقول، فقال له: رأيت رجلاً يقبل امرأة. فالأب يريد أن يصل إلى فهم الولد لذلك، فقال له: وما العيب في هذا؟ يريد أن يرى ما هو العيب عنده وما هو الذي ليس عيباً عنده، فقال: يا أبي لا أقدر أن أقول لك، فقال له: قل. فقال له: يقبلها في البلكونة، فقال: وهذه فيها عيب؟! قال له: لا، لا بد أن يقبلها تحت السلم. فإذا كان الولد في رابعة ابتدائي يقول هكذا فماذا يكون حين يكبر؟! إنه إذا كان التلفزيون موجوداً في البيت وستضطر إلى فتحه للطفل فافتح له برنامج أطفال، وافتح له نشرة أخبار، وافتح له مواضيع ثقافية، وافتح له برنامجاً عن عالم الحيوان، وحين يأتي وقت المسلسل لا تنظر أنت ولا هو، وعليه فإن الأولاد حين يتخرجون من الجامعة ستجدهم يقولون: التلفزيون عندنا برنامج أطفال أو نشرة أخبار. لقد عاش لله أجدادنا من غير تلفزيون، ونستطيع أن نعيش بغير هذا الجهاز الخطير الذي يودي بحياة أبنائنا وأسلوب معيشتهم إلى خطر كبير.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الصلاة قبل المغرب

حكم الصلاة قبل المغرب Q ما حكم الصلاة قبل صلاة المغرب؟ A لا صلاة قبل صلاة المغرب.

حكم إمامة ابن الحادية عشرة

حكم إمامة ابن الحادية عشرة Q لي أخ في الحادية عشرة يقرأ القرآن بتلاوة جيدة، فهل يصح له الصلاة بنا جماعة في المنزل؟ A يصح، ولكن أتمنى أن تأتوا إلى المسجد، لأنه إذا كنا سنصلي في البيوت فلن يعمر أحد بيوت الله.

حكم عزف الموسيقى الوطنية

حكم عزف الموسيقى الوطنية Q أنا امرأة متحجبة، وهوايتي المفضلة عزف موسيقى وطنية، فهل ذلك حرام؟ A نعم حرام.

حكم الصلاة عن الميت

حكم الصلاة عن الميت Q توفى والدي منذ سنوات ثلاث ولم يكن يصلي، وأنا أصلي والحمد لله، ومنذ وفاته وأنا أصلي كل فرض مرتين عني وعن والدي، فهل يجوز ذلك؟ A لا يجوز ذلك؛ إلا إذا كان الأب قد مات وعليه زكاة، فإني أزكي عنه، أو عليه صيام، فإني أصوم عنه، أو لم يحج، فإني أحج عنه، أما أن أصلي عن أبي أو عن أمي اللذين ماتا فلم يرد بهذا نص، بل هناك نص يقول: (لا صلاة عن الميت).

حكم إنشاء مزرعة الدواجن في حال تغذيتها بما فيه دم

حكم إنشاء مزرعة الدواجن في حال تغذيتها بما فيه دم Q رجل ينوي إنشاء مزرعة للدواجن، ويعرف أن أحد مكونات غذائها هو الدم، فهل يمضي في إنشاء المزرعة؟ A أنصحه بألا يمضي.

حكم بيع التماثيل

حكم بيع التماثيل Q رجل ورث تمثالين يقدر ثمنهما بحوالي ثمانين ألف جنيه، هل بيعهما والاستفادة من ثمنهما حلال أو حرام؟ A ما يحرم اقتناؤه يحرم بيعه.

حكم رفع الصوت بالدعاء في خطبة الجمعة

حكم رفع الصوت بالدعاء في خطبة الجمعة Q يحدث في أثناء الدعاء في خطبة الجمعة صخب شديد، فهل هذا يتعارض مع الخشوع؟ A يجب أن ندعو الله سبحانه بهدوء، فنحن ندعو سميعاً بصيراً، ولا داعي للخروج عن الخشوع في الصلاة.

حكم دخول الحائض المصلى

حكم دخول الحائض المصلى Q ما حكم دخول الحائض المصلى وذهابها إلى مجالس العلم؟ A لا يجوز للحائض أن تدخل المسجد.

حكم صبغ الأظافر بعد الوضوء

حكم صبغ الأظافر بعد الوضوء Q ما حكم وضع طلاء الأظافر بعد الوضوء؟ A إذا أرادت المرأة أن تتوضأ مرة أخرى فإنه يجب أن تزيل طلاء الأظافر الذي على أظافرها من أجل أن تتوضأ مرة أخرى.

حكم صبغ شعر المرأة

حكم صبغ شعر المرأة Q هل صبغ الشعر حلال أم حرام؟ A لا يوجد نص يحرمه؛ لأن شعر المرأة لا يجوز أن يراه أحد.

ما يقال عند رف العين

ما يقال عند رف العين Q هل هناك دعاء يقال عند رف العين؟ A نقول: اللهم لا يأتي بالخير إلا أنت.

الموقف من انحراف الوالدين

الموقف من انحراف الوالدين Q لي أب وأم لا يصليان، ويتكلمان في الناس دائماً، وأشعر بأنه لا توجد بركة في المنزل، وعندما أحدث أمي تسخر مني، وأقول لها: اتركي عنك الكلام في الناس، فتقول: دع الشيوخ ينفعونك، فهل علي مسئولية؟ A ما عليك إلا النصح والقدوة الحسنة، ونسأل الله أن يثيبك ويهدي والديك وإخوانك.

حكم ذهاب النساء للتعزية ولبسهن السواد

حكم ذهاب النساء للتعزية ولبسهن السواد Q ما الحكم في طريقة عزاء السيدات وفرشهم في الشوارع؟ A لا يوجد شيء في الشرع أن يذهبن للعزاء في الشوارع أو في غير الشوارع، لكن إذا كانت المرأة صديقتها أو قريبتها فإنه يجوز لها أن تعزيها، وإذا ذهبت للعزاء فلا تلبس الأسود. والمصيبة أن الرجال في البيوت ضاعت القوامة منهم، فحين تذهب المرأة لتعزي أو تخرج لطلعة رجب لا أحد يقدر أن يمنعها، وفي الشرع لا عزاء للمرأة، ولا صلاة جنازة للمرأة، ولا تذهب المرأة لتسلم، واليوم تجد الجنازة ذاهبة وخلفها خمس سيارات فيها نساء لابسات الأسود. فقرابة الميت يباح لهن الحداد ثلاثة أيام، والزوجة تحد على زوجها أربعة أشهر وعشراً في العدة، أما التي تذهب للعزاء فما علاقتها بلبس الأسود، وقد تقول: هذا عيب، فلو ذهبت بلون آخر لنظر الناس إلى نظرة استغراب، وأقول: فلينظروا؛ لأن الثياب السوداء عادة أخذناها من الفراعنة، وهي عادة ما أنزل الله بها من سلطان، فيا ليت النساء يتركن هذا، ولا داعي للجلوس في تلك الأماكن. والمشكلة أنهم يأتون بواحدة لتقرأ القرآن بالميكرفون، وأتمنى أن يدخل رجل شهم ويأخذ الميكرفون فيضربها به على رأسها ضربتين، ويخرجها ويغلق البيت.

كيفية نية قضاء الفائتة

كيفية نية قضاء الفائتة Q كيف أنوي صلاة الفريضة الفائتة؟ A تقول: هذه صلاة الظهر التي علي، وهكذا في بقية الفروض.

حكم النذر لأهل الله

حكم النذر لأهل الله Q نذرت نذراً لأهل الله أن أذبح خروفاً لله، وأنا أريد أن أعطي نقوداً لجامع بدلاً من الخروف، فما الحكم؟ A لا أعرف ماذا تعني بأهل الله، فإذا كان النذر لله فأوف به، أما إذا كان للحسين أو للسيدة أو للسيد، فهذا نذر حرام لا يوفى به.

حكم الذهاب إلى من يرشد إلى مكان الضائعة

حكم الذهاب إلى من يرشد إلى مكان الضائعة Q لي أخت تغيبت عن المنزل منذ أربعة شهور، ولا نعرف عنها أي شيء، وقد نصحنا بعض أهل الخير الذهاب إلى الشيوخ لكي يرشدونا، مع العلم أنهم لا يأخذون نقوداً؟ A ما علاقة الشيخ بذلك، بل ادعوا الله بأن تعود إليكم أختكم.

حكم قراءة المرأة القرآن بصوت مرتفع بمسمع من الرجال

حكم قراءة المرأة القرآن بصوت مرتفع بمسمع من الرجال Q هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن بصوت مرتفع على مسمع من الرجال مثلما يفعل المقرئون؟ A لا تقرؤه على مسمع الرجال، ولكن إذا كانت ستتعلم لتصحح القراءة فقد أجاز ذلك البعض، ولو كان هناك امرأة تعلمها فذلك أفضل.

حكم مصافحة الأجنبي

حكم مصافحة الأجنبي Q إذا سلمت على رجل أجنبي، فهل ينتقض الوضوء؟ A يحرم أن يصافح الرجل امرأة يحل له أن يتزوجها.

بيان معنى صلاة الاستخارة

بيان معنى صلاة الاستخارة Q أرجو توضيح صلاة الاستخارة؟ A صلاة الاستخارة سببها أن تحتار في أمر ما ولا تصل فيه إلى نتيجة، كأن يتقدم خاطب لبنتك، أو جاء لك عمل غير عملك، ولا تدري أتوافق أم ترفض، فتستخير الله بأن تصلي قبل النوم ركعتين، فتقرأ في الركعة الأولى الفاتحة والكافرون، وتقرأ في الثانية الفاتحة والإخلاص، ثم تدعو بعد التسليم بالدعاء المحفوظ، ولو من ورقة، أو قل: اللهم خر لي واختر لي الخير يا رب أينما كان، إنك على كل شيء قدير، وتنام. وليس شرطاً أبداً أن ترى رؤيا، فلا يوجد علاقة بين الرؤيا والاستخارة أبداً، لكن إلى أن ينشرح صدرك أو يضيق، أو ييسر الأمر أو لا ييسر، أو تفتح الأبواب للموضوع أو تغلق، فإن دخلت في الاستخارة وخرجت منها كما دخلت وما وصلت إلى حل، فهنا تحكم العقل وتعمل بالحسابات الظاهرية. ولا تستخر وقد عزمت، كأن تريد أن تسافر إلى الخارج بأي طريقة، فتقول: أستخير، فهذا غير صحيح، وإنما تدخل في الاستخارة وأنت متأرجح بين تنفيذ الأمر وعدم تنفيذه.

سلسلة مقتطفات من السيرة [6]

سلسلة مقتطفات من السيرة [6] ولد النبي صلى الله عليه وسلم في عام الفيل يتيماً بلا أب، ثم ماتت أمه وهو صغير فكفله جده عبد المطلب حتى مات، وأوصى بكفالته لأبي طالب فكفله أبو طالب ورباه وأحسن إليه وزوجه بخديجة رضي الله عنها، ودافع عليه من كفار قريش بعد نزول الوحي.

موقف أعداء الإسلام من المسلمين

موقف أعداء الإسلام من المسلمين الحمد لله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فنسأل الله عز وجل: ألا يدع لنا ذنباً إلا غفره، ولا مريضاً إلا شفاه، ولا عسيراً إلا يسره، ولا كرباً إلا أذهبه، ولا هماً إلا فرجه، ولا ديناً إلا سدده وقضاه، ولا ضالاً إلا هداه، ولا مظلوماً إلا نصره، ولا ظالماً إلا قصمه، ولا عيباً إلا ستره، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحه. اللهم اشرح لنا صدورنا، اللهم اشرح لنا صدورنا، اللهم اشرح لنا صدورنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، اجعل ثأرنا على من ظلمنا، اللهم من أراد بنا شراً فاجعل اللهم كيده في نحره. اغفر لنا والمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. ارزقنا يا مولانا قبل الموت توبة وهداية، وعند الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ونعيماً، أكرمنا ولا تهنا، أعطنا ولا تحرمنا، زدنا ولا تنقصنا، كن لنا ولا تكن علينا، آثرنا ولا تؤثر علينا، نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، ومن الخوف إلا منك، ونعوذ بك ربي أن نقول زوراً، أو نغشى فجوراً، أو نكون بك من المغرورين. نعوذ بك من عضال الداء، وشماتة الأعداء، وخيبة الرجاء، وزوال النعمة، وفجأة النقمة، اللهم أغننا بالافتقار إليك، اللهم أغننا بالافتقار إليك، ولا تفقرنا بالاستغناء عنك، اغفر لنا وارحمنا، عافنا واعف عنا، سامحنا وتقبل منا. اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، فرج كرب المكروبين. اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، ثقل بهذه الجلسات موازيننا يوم القيامة، اجعلها خالصة لوجهك الكريم، أنر بها على الصراط أقدامنا يوم القيامة، اللهم أنر لنا الطريق على الصراط يوم القيامة، أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظله. اللهم اسقنا من حوض الكوثر شربة لا نظمأ بعدها أبداً، نسألك أن نصحب رسول الله في جنة الفردوس الأعلى يا أكرم الأكرمين، اللهم لا تحرمنا من النظر إلى وجهك الكريم، في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسيلما ًكثيراً. أيها الإخوة الأحباب! هذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة السادسة في حدثينا عن السيرة العطرة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الليلة هي ليلة مولد خير إنسان عرفته البسيطة، وخير خلق الله عرفته السماوات والأرض، سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، اللهم احشرنا في زمرته، وأوردنا حوضه، واحشرنا تحت لوائه، وحببنا فيه في الدنيا وفي الآخرة جواراً وقربة يا أكرم الأكرمين! ويا رب العالمين! ويأتي مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا العام وفي كل قلب مسلم كرب وغصة، وألم وأسى، مما وصلت إليه أحوال المسلمين، ولا يجب أبداً على المسلمين أن يظهروا مظاهر الاحتفال؛ لأن هناك ما يهمهم، وما يؤلمهم، فهناك معتد ومعتدى عليه، وهنا مسلم لا يحب أخاه المسلم، وهجوم من جميع الأطراف على جميع الأطراف بالكلام وبعدم الاقتناع، حتى خاض الناس في أهل العلم الذين يأخذون بأيدي الناس إلى الصراط المستقيم، ونسأل الله سبحانه العصمة والمغفرة والرحمة، إن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل أن تصل إلينا. اللهم عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك، اللهم إن عاملتنا بفضلك رحمتنا، وإن عاملتنا بعدلك أهلكتنا ولك الحق علينا، يا أكرم من سئل، ويا خير من أعطى، ويا أكرم الأكرمين! يأتي المولد النبوي، والغرب الصليبي والشرق الشيوعي قد أعدا عدته لكي يستأصلا شأفة المسلمين، كل على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم قد اجتمعوا على شيء واحد، وهو عداوة الإسلام، وعداوة نبي الإسلام، وعداوة القرآن الكريم. وللأسف الشديد نحن الذين مكناهم من هذا الأمر، فلو تمسك حكام المسلمين ومحكوموهم قيادة وشعوباً بالكتاب والسنة لما خرجت هذه الجرذان من جحورها لتتغلب علينا، ما غلب المسلمون أعداءهم ًبالعدد ولا بالعدد، رغم قلة عددهم وعتادهم إلا بطاعة المسلمين لله وبمعصية أعدائهم له. نحن جئنا في زمن كشَّر الجميع عن أنيابه ضد الإسلام، وضد نبي الإسلام، وأعلن أغلب أعضاء الكنجرس الأمريكي أنهم لا يخافون أبداً من الشيوعية، وقالوا بالتعبير الواضح: لقد تقلمت أظافر الشيوعية، فلم يصر للشيوعية مكانة على الأرض، وإنما القوة التي يخافون منها أو الزحف القادم الذي يعملون حسابه هو الزحف الإسلامي. فيستغلون أي فرصة للإيقاع بين المسلم وأخيه المسلم، وبين الدولة المسلمة والدولة المسلمة، وإقناع المسلمين بأشياء ليس طعناً في الإسلام ظاهراً، ولكن يظهر لمل ذي عقل وفقه أن هناك عداء مستحكماً ضد الإسلام والمسلمين وضد بلاد الإسلام. هناك خطة لتجويع العالم الإسلامي، وخطة لنهب ثروات العالم الإسلامي، وخطة موضوعة سواء من الغرب الصليبي أو الشرق الشيوعي أو من اليهود والصهيونية العالمية في جميع مؤتمراتهم، فلا يجتمعون إلا وتقطر قلوبهم حقداً على الإسلام، يريدون إيقاف الزحف الإسلامي أو المد الإسلامي. وأكثر ما يخيف أعداء الإسلام أن المسلمين بدءوا ينتبهون في بقاع الأرض للتربية الإسلامية في البيوت، فقال الأعداء: إن تربية الولد والبنت على الإسلام وعلى الكتاب والسنة دليل على أن المسلم عندما يتمسك بإسلامه لا يستطيع أحد مهما بلغ من قوة، ولا تستطيع قوة مهما بلغت من حجم أن تغلب مسلماً أو مسلمين يشهدون بحق: أن لا إله إلا الله، ولا خالق للكون ولا مدبر له ولا مصرف له إلا الله رب العالمين.

واجب المسلمين تجاه كتب هيكل وطه حسين

واجب المسلمين تجاه كتب هيكل وطه حسين والعداء مستحكم لنبي الإسلام، وعلى مر الزمن تتلمذ على أيديهم أناس، مثل الدكتور: محمد حسين هيكل رحمه الله وغفر الله لنا وله، والدكتور طه حسين وأحمد لطفي السيد وغيرهم ممن تربوا تربية غربية، وأثر هذا الفكر الغربي فيهم ومن على منوالهم، وللأسف الشديد فقد امتلأت كتبهم بالمغالطات التاريخية. ويجب على من يتصدر للتاريخ ألا يحكم فيه هواه، فالتاريخ حقائق مجردة كالكيمياء وكالرياضة وكقوانين الطبيعة، وعندما تسرد رأياً خاصاً يجب أن تعلم الناس أن هذا رأي خاص لك، أما أن تنقل أنه حقيقة تاريخية فهذا كلام سيئ. فـ محمد حسين هيكل الذي له كتاب (منزل الوحي)، وأنصح بعدم قراءته إلا لمن تمكن من معرفة التاريخ الإسلامي، أو كانت له خلفية بالتاريخ الإسلامي، وكذلك كتب طه حسين؛ لأن هؤلاء عبارة عن أبواق لهذا العالم الغربي أو لجماعة المستشرقين الذين كانوا يطعنون في الإسلام وفي نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. ويجب أن ننتبه أننا مستهدفون، ومسألة أن إنتاجنا مشكوك في إنتاجيته، هذه حقيقة للأسف موجودة على الساحة، نتيجة تقصيرنا في ناحيتين: الناحية الأولى: في صلتنا بالله عز وجل. الناحية الثانية: في اتخاذ الأسباب المعطاة لنا.

اقتصاد الدول الإسلامية

اقتصاد الدول الإسلامية وهنالك عملوا إحصائية اقتصادية بحتة، من السوق الأوروبية المشتركة في إمكانيات العالم الإسلامي الاقتصادية، وجدوا أنه لو اجتمعت الدول الإسلامية، وعملت السوق الإسلامية المشتركة، فإن أرصدة العالم الإسلامية تستطيع أن تحتوي جزيرة الذهب التي هي رصيد أمريكا وجميع دول أوروبا الغنية، ودول أوروبا وأمريكا تملك عشر ما يملكه العالم الإسلامي، لكن اكتشفوا أن العالم الإسلامي بنسبة (98%) منه مديون للدول الغنية، وصارت هذه الدول الإسلامية أفقر الدول وأكثر الدول تخلفاً، حتى لا يذكر الإسلام اليوم في بقعة من بقاع الأرض إلا ويذكر بجواره التخلف أو التطرف أو البعد عن المدنية والحضارة. رغم أن العظماء والعلماء أو المفكرين منهم قالوا كلاماًَ غير ذلك. ولما سألوا ابنة إستالين عندما هربت من الاتحاد السوفيتي إلى الغرب الرأسمالي، قالوا لها: كيف تتركين بلدك وبلد آبائك وأجدادك، وأنت بنت إستالين من أكبر دعاة الشيوعية؟ قالت: الحياة بدون دين كحياة الإنسان بعيداً عن الماء والهواء. وقال موليير الفرنسي: كيف لا أومن بوجود الله ولولا الله لخانتني زوجتي وسرقني خادمي؟ أي: لو لم يوجد هناك رب لكان المجتمع عبارة عن غابة، وقد صار غابة بالفعل؛ لبعد الناس عن الدين فـ {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود:43] والذين سيرحمهم الله هم الذين سيتمسكون بكتاب الله عز وجل. فالمسلمون عندهم قوى، وثروات بشرية وغيرها، لكن الأعداء بدءوا يحاربوننا فيها، ويفرضون علينا تحديد النسل وتنظيم الأسرة من أجل أن ينتصروا علينا بأعدادهم وبعلمهم. أقول لأبنائنا في المدارس وفي معاهد العلم: تفوقوا. وأقول لإخواننا الصناع والحرفيين: اعملوا بجد. وأقول للموظف: اتق الله في عملك، يبارك الله لك في القليل، فاللهم بارك لنا في القليل وارزقنا من الحلال، وكثره لنا يا أكرم الأكرمين! وأبعدنا عن الحرام يا أرحم الراحمين! وبغضنا إليه حتى وإن كان كثيرا ًإنك يا مولانا على ما تشاء قدير. وليس الكلام السابق نظرة تشاؤم في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن يجب على الدعاة البيان، وهم أمناء على رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما خلف النبي درهماً ولا ديناراً، وإنما ورث علماً للناس، والعلماء ورثة الأنبياء، وكما أخذ الله ميثاقاً على النبيين، أخذ ميثاقاً على العلماء أن يبينوه للناس ولا يكتموه، فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. نعيش هذا الدرس كله بإذن الله مع سيدنا الحبيب المصطفى، والمعيشة مع الحبيب المصطفى تشرح الصدر، وتشعر الإنسان بالأمل؛ فقد ولد نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يتيم الأب، وماتت أمه وهو صغير، ثم يكفله جده، ثم يموت فيكفله عمه، وعمل في رعي الأغنام وهو ابن أحد عشر عاماً، فإذا كنا نحبه حقاً فإن الواجب علينا أن نتأسى به.

النبي صلى الله عليه وسلم يتعلم الفصاحة والبيان في بني سعد

النبي صلى الله عليه وسلم يتعلم الفصاحة والبيان في بني سعد وقد أخذته السيدة حليمة السعدية إلى بني سعد، وهناك في بني سعد تعلم أشياء أربعة: تعلم اللغة العربية والفصاحة والبلاغة، فهذه القبيلة عربية أصيلة، وتعلم فيها لهجات العرب، لذلك لما كان يأتي إليه وفد من أي قبيلة كان يكلم الوفد بلهجته، رغم أنه ما تعلم في معهد ولا مدرسة، فقد كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} [الجمعة:2] صلى الله عليه وسلم. وقال بعض العلماء عن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم إنه علمه ربه، وأتوا بأدلة أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعلم على مر الوقت. وهذه القضية ليست بحاجة إلى تفسير أو تأويل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ولد في أمة متقدمة ومتحضرة كفارس أو كالروم، وما خرج من حدود مكة أبداً، إلا ما كان قبل بعثته حينما ذهب متاجراً للسيدة خديجة إلى الشام ورجع. لذلك أنصح الذين يقرءون كتب محمد حسين هيكل أو طه حسين أو غيرهما أن يدققوا قليلاً، أو يقرءوا في سيرة ابن هشام أو ابن إسحاق، أو السيرة النبوية لـ أبي الحسن الندوي، أو البداية والنهاية لـ ابن كثير، من أجل أن يأمنوا على تاريخهم وعلى دينهم في هذه المراجع الطيبة. فإن الدكتور هيكل يقول: إن محمداً ذهب إلى الشام، ثم تجادل مع الرهبان هناك، وتعلم منهم أشياء. ويجاب عليه: بأن الرسول ما علمه إلا ربه، قال له ربه: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:113]. وقال تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} [الشورى:52] أي: كنت قبل هذا لا تعرف أن تقرأ ولا تعرف ما معنى الإيمان. وفي نهاية قصة سيدنا يوسف قال له: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} [يوسف:102]. وعندما اختلف بنو إسرائيل في كفالة السيدة مريم يريدون من ذلك أخذ الثواب الذي لكفالة اليتيم، فأتوا إلى نهر الأردن، وعملوا القرعة، وهي عبارة عن قطع أو ألواح من الخشب، وكل واحد يكتب عليها اسمه، ويلقونها في نهر الأردن، فأي لوح أو قطعة من الخشب تصل أولاً فصاحبها هو الذي يتكفل باليتيم، يقول ربنا لحبيبه صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران:44]. فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند زكريا وأقاربه والأحبار والرهبان من بني إسرائيل عندما ألقوا القرعة في نهر الأردن؟ فقد كان في عالم الغيب. وفي آخر قصة سيدنا يوسف قال له: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} [يوسف:102]، لماذا؟ قال تعالى في سورة أخرى: {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان:32]، أي: من أجل أن نثبت العقيدة عندك يا حبيب الله، ولتعلم أن الله سبحانه ينصر رسله.

بركة النبي صلى الله عليه وسلم في كفالة عمه أبي طالب

بركة النبي صلى الله عليه وسلم في كفالة عمه أبي طالب فالرسول صلى الله عليه وسلم لم تأت على لسانه كلمة: يا أبي أبداً، وبعد ست سنوات ماتت أمه، وما قال: أمي، إلا سنوات قليلة؛ لأجل أن يبقى قلبه معلقاً بالله، ومن أجل ألا يتدخل أحد من البشر في تربيته، ويعيش يتيماً في بيت عمه أبي طالب، وقد كان كثير العيال، وكان الأكل لا يكفيهم، فعندما يأكل معهم الحبيب المصطفى، فإن العيال يشبعون ويفضل أكل، فكان أبو طالب يقول: انتظروا حتى يأتي ابني محمد. إذاً: أبو طالب كان يرى أن الخير كله والبركة كلها في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد تعلم الرسول صلى الله عليه وسلم في بني سعد الفصاحة والبيان واللغة العربية، والرماية، وركوب الخيل، وتعلم السباحة في بئر كانت عندهم، ومر ذات يوم على بئر فتبسم، فقيل: ما يضحكك يا رسول الله؟! قال: هنا تعلم نبيكم السباحة. والسباحة رياضة طيبة يقرها الإسلام، وهناك رياضات لا يقرها الإسلام. وقد كان من طبيعة العرب أنهم يأخذون أبناءهم إلى البادية في جو الصحراء النقي من أجل أن يتعلم ما تقدم ذكره. ثم عاد إلى أمه وذهبت به لتزور أخواله في بني النجار، ثم ماتت، ودفنت في الأبواء، وكان لا يزال يذكر عطفها وحنوها عليه فيبكي صلى الله عليه وسلم. وبقي ست سنوات في كنف جده عبد المطلب، وكان عبد المطلب الرئيس العام لقريش، أو زعيم قريش، وكانوا يضعون له فراشاً أو سجاداً عند الحجر الأسود، ولا يقترب من هذا الفراش أحد من أبنائه الكبار، فيحيطون بهذا الفراش، ويأتي عبد المطلب فيجلس، فعندما كان يأتي سيدنا محمد وكان عنده من العمر سبع سنوات كان جده يجلسه على الفراش، ويقول: دعوا ابني هذا، فإن له شأناً عظيماً، ثم يضعه بجواره ويمسح على ظهره، ويقول: إن فيه خيراً عظيماً. أي: إنه ليس ولداً عادياً وإنما هو إنسان سوف تكون له مكانته. ويبقى سنتين في كفالة جده، وكان جده لا يتركه، وكان ينام معه، وكان عبد المطلب يقول: ينام معي في الليلة الظلماء وكأن الشمس في حجرتي. ثم يموت جده عبد المطلب، وقبل أن يموت أوصى ابنه أبا طالب أن يتكفل بسيدنا محمد، وقد كان عدد أبناء عبد المطلب عشرة، وقد قال: لو رزقت بعشرة لذبحت واحداً، ولم يؤمن منهم إلا اثنان: حمزة والعباس، أسلم حمزة في السنة السادسة من البعثة، وبعد ثلاثة أيام من إسلامه أسلم عمر بن الخطاب، فـ حمزة كان ترتيبه في الدخول للإسلام برقم (39)، وعمر كان ترتيبه ورقمه (40). ولأن المسلمين كانوا يشتكون من أبي جهل عمرو بن هشام ومن عمر بن الخطاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين عندك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام)، فتحققت الدعوة في سيدنا عمر، ونزل جبريل يوم أن أسلم وقال: يا رسول الله! إن أهل السماء قد كبروا عندما أسلم عمر. أما المسلمون اليوم فإنهم أصفار تنضم إلى أصفار، فعددهم ألف مليون مسلم، ولو بصق كل واحد منا بصقة لأغرقنا إسرائيل، ولو نفخ كل واحد منا نفخة لطيرنا إسرائيل، وإذا كانت هذه النفخة لا تخرج من قبل موصول بالله فلا تطير أمامها ولا نملة؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا ينصر الناس بالمناظر ولا الغلبة بالصدر وبالذراع، إنما الغلبة بالإيمان. كما غلب سيدنا داود عليه السلام جالوت، وذلك لما بعث الله طالوت ملكاً كان من ضمن جنوده سيدنا داود، وكان عمره خمس عشرة سنة، فوضع حجراً في مقلاع، وسمى الله وضرب بمقلاعه فطار الحجر فقتل جالوت، قال تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة:251] قال الله له: يا داود! أنت عليك أن تضرب وأنا علي أن أقتل، أنت تأخذ بالأسباب، وأنا المسبب.

ميلاد المسيح عليه السلام

ميلاد المسيح عليه السلام وكانت السيدة مريم في شبابها تتعبد الله عز وجل في المحراب، قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37] اللهم ارزقنا يا رب من حيث لا نحتسب يا رب العالمين. أما لحظة الولادة فإنها أشد من حالة مريم وهي بدون حمل، ولذا فإن المرأة تضع وحولها فريق من المساعدين والمساعدات. أريد أن أقول: إن القرآن عبارة عن دستور المسلم، وما علينا إلا أن نتخذ الأسباب، قال تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم:22 - 23] أي: ألجأها ألم الوضع إلى جذع النخلة، {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} [مريم:23 - 24] وفي قراءة: (فناداها مَنْ تحتها) وكلتاهما صحيحتان، وقراءة ابن عباس (مَن) بمعنى: الذي، أي: أن عيسى هو الذي نادى، ولذلك قال أهل العلم: الذي نادى من تحتها حقيقة هو عيسى ليس جبريل؛ لأنها لما جاءت به وهو رضيع قال لها قومها: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم:28 - 29] فلو لم تعهد منه الكلام من قبل لما أشارت إليه، إذاً: بدليل أنها سمعته يتكلم قبل ذلك فأشارت إليه من أجل أن ينقذها من هذا الموقف ويشفع لها ويشهد معها. فلما أشارت إليه استغرب اليهود وقالوا: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم:29]. فأنطق الله عيسى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم:30] فأثبت عبوديته لله؛ ليرد على جميع الفرى والأكاذيب القائلة أنه ابن الله أو أنه هو الله. {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ} [مريم:30] وآتاني فعل ماض، ومعناه: أعطاني، فالله عندما يتحدث ليس هناك ماض أو مستقبل، فإن الزمان ملك لله عز وجل، وإذا أراد الله شيئاً كان، ومثل ذلك قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:96] وهو لا يزال غفوراً رحيماً، وفي قواعد اللغة العربية أن كان لا تدل على الماضي فقط، وإنما تدل على الماضي والحاضر والمستقبل، أي: كان الله غفوراً رحيماً في الماضي وما زال غفوراً رحيماً في الحاضر، وسوف يظل بمشيئته وبفضله ورحمته غفوراً رحيماً في المستقبل، فاللفظ له مدلولات في اللغة العربية. وقوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم:24 - 25] أي: قال لها سيدنا عيسى عليه السلام: لا تخافي ولا تحزني، والقرآن لا يأتي بمترادفات فالخوف شيء والحزن شيء آخر، مثل قوله تعالى وهو يمن على قريش: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:4]، فإذا أمن شعب في لقمة عيشه وحريته سوف تأتي نتيجة طيبة من هذا الشعب، أما أن تحارب الناس في لقمة عيشها وفي أمنها فستكون هنالك نتيجة سيئة. ذكر لي أحد الأساتذة أنه في كل يوم جمعة يضع حباً للعصافير في البلكونة ليحصل على ثواب، وفي يوم من الأيام وضع الحبوب ففوجئ بأن العصافير لا ترضى أن تنزل، اكتشف أنه نسي باب البلكونة مفتوحاً، فالعصافير فكرت أنه عمل لها فخ من أجل أن يمسكها، فتأمين الناس من الخوف أمر مهم فإن العصفورة إذا لم يأمن لا تنزل، ولذلك قال ابن القيم: طائر الطبع -أي: الهوى- يرى الحبة، وعين العقل ترى الفخ فتقول: حذار! حذار! فالعاصي يرى المعصية حلوة، فينظر إلى امرأة ماشية، أو إلى فيلم، أو يسمع نكتة، أو حاجة جيدة، لكن لو فكر بقبله فإنه سيرى الفخ، وسيعلم أن الشيطان يضحك عليه، ويضع السم في العسل. وقوله تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم:25] أمرها الله تعالى بأن تهز جذع النخلة وهي متعبة بآلام الوضع والولادة، وقد رزقها سابقاً وصحتها جيدة وبدون مجهود، وفي هذا درس للمسلمين بأن يأخذوا بالأسباب ويستعينوا بالله ولا يعجزوا، فالمزارع عليه أن يبذر الحب ويقول: يا رب! ولا يكون طوال السنة نائماً، كالطالب الذي لا يذاكر فيرسب فيحتج بالقضاء والقدر، فالمطلوب منه أن يتخذ السبب ويذاكر جيداً. وقوله تعالى: {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم:25] ما الحكمة من ذكر الرطب في هذه الآية مع أن الشام مليئة بالتفاح والحوامض وغيرها؟ فقد وجد علماء الكيمياء العضوية أن الرطب فيه مركب يوقف النزيف عند المرأة بعد الوضع، وهذا المركب لا يوجد إلا في الرطب فقط أما التمر والبلح الناشف فلا. فعلى المؤمن أن يطرق السبب والله عليه فتح الأبواب، والذي يمسك باب الله يعطيه مفتاحه، والذي يريد الغنى في الآخرة ربنا عنده الدنيا والآخرة، والذي يريد الدنيا الله يعطيه الدنيا، والذي يريد الآخرة يعطيه الله الدنيا والآخرة؛ لأن الله يقول: يا دنيا! من خدمك فاستخدميه، أي: الذي يبقى عبداً لك فاستعبديه، ومن استخدمك فاخدميه. فالإنسان إما في حالة حزن أو هم أو غم، والحزن هو ألم النفس على الماضي، والغم هو ألم النفس في الحاضر، والهم هو ألم النفس من الخوف من المستقبل، لكن المؤمن بفضل الله ما فات منه لا يندم عليه.

قصة الرجل والعصفورة

قصة الرجل والعصفورة قال العرب في قصة رمزية: صياد اصطاد عصفورة، فقالت له: ماذا ستعمل بي؟ أنا لا أسمن من جوع، وإذا بعتني لا أساوي شيئاً، لكن أقول لك ثلاث حكم، حكمة وأنا لا زلت على يدك، وحكمة وأنا على الشجرة، وحكمة وأنا على الجبل، فأطلقها، فقالت: الحكمة الأولى: لا تندمن على ما فات، فطارت ووقفت على الشجرة. ثم قالت له: الحكمة الثانية: لا تصدقن كل ما يقال لك أنه يكون رغم أنه لا يكون، أي: لا تصدق بالأمر المستحيل يا مسكين! لو ذبحتني لوجدت في حوصلتي قطعة من الذهب تزن مائة مثقال، فعض على إصبعه. ثم قال: هات الثالثة. فقالت: من أين الثالثة؟ هي الأولى والثانية معك، قلت لك: لا تندمن على ما فات، وأنت ندمت، وقلت لك: لا تصدقن بكل ما يقال أنه يكون رغم أنه لا يكون، أنا لا أزن مثقالاً واحداً فكيف يكون بجوفي مائة مثقال من الذهب؟ فالمسلم لا يندم على ما فات، فإن ما فات قدر، واحمد الله أن مرت الأزمة بخير، سواء كانت أزمة مالية أو أزمة صحية أو غيرهما، فالمسلم يتعود على الأزمات ويصبر عليها. فـ أبو طالب أخذ الحبيب المصطفى، فصار الرسول صلى الله عليه وسلم في كفالة عمه، وكان عمه كثير العيال، وكان عمر الحبيب صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سنة وهو يرعى غنماً لقريش على قراريط في مكة، والقراريط أقل من الدراهم، فالفرد المسلم لابد أن يكون منتجاً وعاملاً وعنصراً فاعلاً في المجتمع.

سبب حلف الفضول

سبب حلف الفضول وقيل: أن رجلاً من اليمن أعطى العاص بن وائل المال، ولم يرض أن يعطيه حقه، فاستجار اليمني بصناديد قريش، وهم أبو جهل وأبو لهب وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف وغيرهم من عظماء قريش. فأرادوا من العاص بن وائل أن يعيد المال للرجل فرفض، فوقف الرجل في اليوم الثاني عند الحجر الأسود، ونادى: يا معشر قريش! يا من لا تظلمون أحداً، لي ظلامة عند العاص بن وائل، فمن يعيد إلي حقي؟ فقام الحارث بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان أكبر أبناء عبد المطلب، فجمع بعضاً من قومه وكان منهم أربعة يسمون بالفضل، وهم: الفضل بن زيد، والفضل بن وائل، والفضل بن عبيد الله، والفضل بن عبد الله، فاجتمعوا وتواعدوا أو تعهدوا بنصرة المظلوم في مكة، سواء كان من مكة أو من خارجها، فسمي بحلف الفضول، وسبب تسميته بحلف الفضول؛ لأنه صاحب فضل في إعادة الحق لأهله؛ أو لأن المجتمعين كان أغلب أسماؤهم الفضل. فقال أصحاب هذا الحلف: سوف نعيد الحق لأهله ما بل بحر صوفة، وما بقي جبلا ثبير وحراء مكانهما. والرسول صلى الله عليه وسلم قد حضر حلف الفضول وهو ابن أربعة عشر عاماً في دار عبد الله بن جدعان وقال: (ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت إلى مثله لأجبت).

تجارة الرسول في مال خديجة

تجارة الرسول في مال خديجة ولما كان عمر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، أرسلت السيدة خديجة إليه لكي يتاجر لها في تجارته، وذهب أبو طالب إليها وقال: يا خديجة! بلغني أنك تعطين أجيرك بكرين يعني: جملين، وإني أطلب لابن أخي أربعة. قالت: يا أبا طالب! أنت كبيرنا وزعيمنا وعظيم قريش، فلو جئت لتطلب هذا في بعيد بغيض، أي: لو أن رجلاً ليس بيننا وبينه قرابة ونكرهه، فما بالك وأنت جئت في قريب حبيب؟! فلمح أبو طالب هذه الكلمة، وقال بلسان الحال: ما الذي جعلها تتكلم بهذه اللهجة؟ قيل إن ابن عباس لما دخل على إحدى الصحابيات يعزيها في زوجها فقال: إذا كان زوجك قد مات، فإن زوجتي قد ماتت، قالت: عجباً يا ابن عباس! أتخطبني في عدتي؟ قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (كل أرض يذكر فيها اسم الله تتيه على بقية الأراضي بجوارها). والمسلم عندما يموت يبكي عليه مكانان: موضع سجوده في الأرض ومصعد عمله في السماء، وهناك أناس لا يقفل عملهم بعد الموت، فلا يغلق مصعد العمل بعد الموت، فالذي عمل صدقة جارية، أو لديه علم ينتفع به، أو له ولد صالح يدعو له، أو عمل خيراً في الناس، أو سن في الإسلام سنة حسنة، أو بنى مسجداً، أو بنى معهداً علمياً، أو ساعد في بناء مستشفى، أو زرع نخلة، أو كل ما يستظل به من الناس والطيور والحيوانات، أو عمل سبيل ماء للناس ليشربوا منه، فما يفعل من خير سوف يصعد، ولذلك يقول ربنا: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:5]. أي: ما قدمته في الحياة الدنيا وما أخرته بعد الموت، فهذه الآية تدل على أن العمل لا يوقف، اللهم اجعلنا من أهل الخير يا رب العالمين! فالسيدة خديجة وافقت على ما قاله أبو طالب، فتاجر الرسول ببضاعتها إلى بلاد الشام، فبيعت كل قوافل قريش إلا البضاعة التي للسيدة خديجة فإنها لم تبع، فبقي يومان على رحيل القافلة، وكان ميسرة وهو غلام خديجة حزيناً؛ لأن التجارة بارت وستخسر، فشاء الله أن تصاب المزروعات في الشام بمرض وإذا بقافلة السيدة خديجة تشتري بأغلى الأثمان، وهذا من بركة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. جاء إلي رجل وقال لي: إنه سيفصل من وظيفته، وسيراقب من قبل أجهزة الأمن. قلت له: إذا أراد الله شيئاً كان، فثق بالله وتوضأ وصل ركعتين خالصاً لوجه الله، واقرأ ياسين بنية قضاء الحاجة، واخلص لله في الدعاء، ففعل ذلك، ففي ذلك اليوم حدثت أحداث في الأمن المركزي، وحصل تغيير في الدولة كلها، وإذا بالرجل قد ترقى في وظيفته، وكان كلما يقابلني يقول: ليس لنا سوى الله. فباع النبي صلى الله عليه وسلم تجارة السيدة خديجة ضعف ما كان ميسرة يأخذ البضاعة، وكان ميسرة ينظر إلى سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم وغصن الشجرة يتدلى إليه، وكان يمشي معه والسحابة تظلل الحبيب المصطفى ولا تظلل ميسرة، وكلما ينظر إليه يرى وجهه منوراً، إلى أن عادا إلى مكة، وظل هكذا ثلاث سنوات وهو يتاجر للسيدة خديجة. وقد حصلت حادثة لـ خديجة ولها من العمر عشرون سنة، كانت جالسة مع نساء من قريش، فمر من أمامهن حبر من أحبار اليهود زار مكة للتجارة، فلقى هؤلاء النسوة قاعدات، فقال: يا معشر نساء قريش! النبي الخاتم سوف يكون من هنا، فيا سعادة من تزوجته، فحصبنه بالحصى، وذلك من حياء العذارى، فقد كانت البنت في زمن الجاهلية تستحي، وتصوب نظرها إلى الأرض، وبالذات عندما تخبر بخبر الزواج، فتستحي وتجري إلى خدرها؛ لأن هذا الكلام عيب عندها، أما الآن فإن البنت تقعد وتضع رجلاً على رجل وتقول: لكن هذا الرجل لا يعجبني. والذي عنده حياء عنده دين، والذي ليس عنده دين ليس عنده حياء، فإن الحياء من الإيمان، فمن لا حياء عنده لا إيمان له، قالوا: إذا لم تستح فاعمل الذي يعجبك. إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل أي: ما دام أن المرء لا يدنس عرضه بالكلام السيئ فأي رداء يلبسه فهو جميل، ففي ذلك الزمان كان يوجد حياء العذارى، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثيب تستأمر، والبكر تستأذن)، يعني: الدليل على أن البنت موافقة على الزواج إذا سكتت، فالسكوت علامة الرضا، ولو كانت معترضة فإنها ستقول: لا، ولذلك قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (استأمروا نساءكم في شأن بناتهن) يعني: لست أنت الذي تكلم البنت: ما رأيك في فلان؟ بل اجعل أمها هي التي تقول لها ذلك؛ لأن سرها يكون مع الأم. أما قولهم: شاوروهن وخالفوهن، فليس هذا من الدين، فلو كان هذا القول صحيحاً فإن فيه تضييع الوقت، فينبغي للمسلم أن يشاور زوجته في أي أمر، فيقول لها: سنعمل كذا ولن نعمل كذا، وعلى المسلم أن يعرف أخلاق زوجته، فإذا كانت تغضب من بعض الأمور فلا يشاورها؛ لأن المشورة سيكون نهايتها لا تحمد. وأقول للنساء: لا تكرهن أزواجكن في أهلهم، وأقول للرجال: لا تكرهوا زوجاتكم في أهاليهن. ومن ضمن حقوق زوجتك عليك: أنك لا تمنع زوجتك أن تذهب كل جمعة على الأقل إلى أبويها ما داما أنهما في نفس البلد، ولا تحلف على منعها من ذلك، لا تحلف على ما أحل ولا تحرم ما أحل الله. فالسيدة خديجة تذكرت هذه الحادثة، وكانت من قبل قد تزوجت من رجلين: رجل مات ولم تنجب منه، والرجل الآخر أنجبت منه هند بن أبي هالة، فبعثت إلى رسول الله صاحبتها نفيسة أو نُفيسة أما نِفيْسة فلا يوجد هذا الاسم في قواميس اللغة العربية، يقال: الشيء النفيس، وهو النادر الغالي الثمين، وليس النِّفيس. فقالت نفيسة: ألك في الزواج يا محمد؟! وأخذ الفقهاء من هذا: أن المرأة الصالحة تخطب لنفسها إذا كان الرجل فيه صلاح وتقوى. وبعض الناس يفتح مع زوجته صفحات سوداء في كل يوم، بل الواجب عليه أن يعمق المحبة بينه وبينها فإنها تأتي بالود، وتأتي من الكلام الطيب. قالت لي امرأة متبرجة أنها كانت تتكسب بالحرام، وقد سمعت مني حديثاً كان هو سبب الهداية، وهو أن السيدة عائشة كانت واقفة والحبيب صلى الله عليه وسلم واضع ذراعه على باب حجرة السيدة عائشة وساتر السيدة عائشة بكمه وهي واضعه ذقنها على ذراع الحبيب وتنظر إلى الأحباش وهم يلعبون في المسجد، وكان يقول لها: هل اكتفيت يا عائشة؟ فتقول: انتظر يا رسول الله قليلاً، وكان يكرر عليها: هل اكتفيت؟ فتقول: انتظر يا حبيب الله، فهذا يدل على حنان رسول الله، فالمرأة هذه قالت: جلست أقارن بين حنان الرسول وفضاضة زوجي، وقلت: الإسلام عظيم جداً، وأنا غلطانة أني ما تزوجت رجلاً متديناً، وكان هذا سبب هدايتها، واستقامت على طريق الله، فاللهم اهدنا جميعاً يا رب. فهذه القصة الصغيرة تنبئ عن حنان الحبيب ورحمته، فعلى المسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخلق العظيم فيتعامل مع زوجته برفق وحنان، فإن ذلك سبب في تساقط ذنوبهما كما يتساقط ورق الشجر في اليوم الشاتي، فالزوج يصافح زوجته ويمد يده إليها وإن رفضت أن تمد يدها، فالرجل يكون ودوداً، صاحب القلب الكبير، يدخل عليها بوجه طلق.

قصة سيدنا أيوب عليه السلام مع زوجته

قصة سيدنا أيوب عليه السلام مع زوجته لذلك سيدنا أيوب لما تأخرت عليه زوجته وكانت ذاهبة تأتي له بالأكل وهو طريح الفراش، حلف بالله أن يضربها مائة سوط، فعندما خرجت من عنده: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83]، فقال له ربه: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص:42] فضرب برجله الأرض ولم يكن يستطيع أن يحرك رجله؛ لأنه كان مشلولاً، فضرب برجله فنبع الماء، فشرب قليلاً واغتسل بالباقي فعاد شاباً كما كان، وبرئ من المرض. فدخلت عليه، فظنته رجلاً آخر فقالت له: هل رأيت زوجي؟ قال لها: رأيته، قالت: فأين ذهب؟ قال: هو الجالس أمامك، فسجدت لله سجدة الشكر، ثم أراد أن يبر بيمينه فيضربها مائة سوط، فقال له ربنا: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص:44] يعني: مائة عود من أعواد القمح، ويجعلها في حزمة واحدة ويضربها ضربة واحدة، {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44]. فالمسلم يعامل زوجته بحنان ورقة، والله يبارك له فيها، وهذه المعاملة تجعل الزوجة تستحي من زوجها قليلاً، وإذا لم تؤثر فيها هذه المعاملة فقد أخذ ثواب الصبر. قيل إن الجاحظ كان يمشي في الصحراء فرأى خيمة، فجاء إليها وقال: السلام عليكم يا أهل الخباء، فرد عليه السلام امرأة وقالت: من؟ قال: الضيف، قالت: وما للضيف عندنا؟ قال: يكرم، قالت: ما عندنا شيء، فخرج من الخباء وجه امرأة مقطب الجبين، فخاف الجاحظ منها، ثم رأى رجلاً مقبلاً هاشاً باشاً وضيء الوجه، فقال: مرحباً، أهلا أخا الإسلام، من أنت؟ قال: ضيف، قال: مرحباً بالضيف، وأتى به وأقعده وأكله. ثاني يوم ألجأته الرحلة إلى خيمة، فقالت: السلام عليكم يا أهل الخباء؟ فقالت امرأة: من؟ قال: ضيف، قالت: مرحباً بالضيف، فجلس خارج الخيمة وأتت له بفرخة، فأكل حتى شبع، وبعد قليل أتى رجلاً مكشر الوجه، فنظرت إليه لكي يلقي السلام فلم يلق، قلت: فألق السلام، فأشاح إلي بيده، ودخل إلى الداخل، قال: فسمعت صياحاً بينه ويبن زوجته، فاستلقيت على قفاي من الضحك، وخرج الرجل فقال: أتضحك وأنا أتصارع مع زوجتي؟! قال: لقد رأيت البارحة عجباً ورأيت اليوم عجباً، الأمس رأيت المرأة بخيلة جداً وزوجها كريم وبشوش، واليوم الرجل بخيل جداً وزوجته كريمة، قال: المرأة التي رأيتها بالأمس هي أختي، وهذه المرأة أخت الرجل الذي رأيته بالأمس. فالمؤمن كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه. قال صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة). قيل: إن الأصمعي الأديب العربي المعروف لقي امرأة كالبدر ليلة التمام وزوجها يقطب في وجهها، وشكله دميم ومكشر، فقال: ما الذي يصبرك على هذا؟ قالت: لعله صنع حسنة ما فجازاه الله عنها خيراً بي، وصنعت أنا سيئة يوماً ما فجازاني الله بها شراً به.

زواج الرسول بخديجة

زواج الرسول بخديجة فالسيدة نفيسة جاءت لسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم فقالت: أما لك في الزواج بـ خديجة؟ قال: ومن أين لي مهرها؟ أي: أنها رفضت صناديد العرب؛ لأن أبا جهل كان يريد أن يتزوجها وكذلك أبو لهب وعقبة بن أبي معيط؛ لأنها كانت سيدة نساء قريش. ثم قال لها: سوف آتي بأعمامي من الغد، والسيدة خديجة أتت بعمها أسد بن عبد الله بن أسد، والسيدة خديجة تلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده السابع قصي. فدخل أبو طالب والعباس، فوقف أبو طالب ليخطب خطبة الزواج، فقال: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل، وضئضئ معد، يعني: من الأصل أو من المعدن الذي من معد الذي هو جد العرب، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته، وسواس حرمه، أي: الخدم الذين في الحرم، وجعل لنا محجوجاً وحرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس. ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل من قريش شرفاً ونبلاً وفضلاً إلا رجح به، وهو إن كان في قل فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مسترجعة، يعني: المال دول، اليوم معك وغداً يكون مع فلان وفلان، وهذا يكون غنياً ثم فقيراً، والفقير يصبح غنياً والدول هكذا، فما يصدق على الأفراد يصدق على الدول، وسبحان من يعز من يشاء ويذل من يشاء، ويغني من يشاء ويفقر من يشاء، فاللهم أغننا بالافتقار إليك يا رب العباد. وقد قسم أبو طالب الخطبة ثلاثة أقسام: المقدمة وتكلم فيها عن الأصل، والقسم الثاني تكلم عن أعظم عريس في العالم منذ أن خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. والقسم الثالث: قال: وبعد: هذا هو والله له نبأ عظيم وخطب جليل جسيم -يعني: له مكانة وهي النبوة المنتظرة- وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعلي. قال عمها وهو رجل عظيم في قومه: ما تقوله يا أبا طالب فلا نقول نحن شيئاً، قال أبو طالب: هذا اثنا عشر مثقالاً من الذهب، وخمسمائة درهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ومني عشرون بعيراً. قال عمها: اشهدوا يا معشر قريش أني زوجت محمد بن عبد الله من بنت أخي خديجة بنت خويلد. فهذا أعظم زواج في العالم، لا يليه إلا زواج فاطمة من علي. وقد كان رسول الله يسكن مع عمه أبي طالب، وكان بيت أبي طالب قد ضاق عليه من كثرة العيال، فالسيدة خديجة كانت وحدها في بيت كبير، فطلبت من رسول الله أن يسكن معها في بيتها. فعلى أبي الزوجة إذا وسع الله عليه أن يعطي زوج ابنته شقة، ولا يضيق عليهما، بل عليه أن يشعر الرجل بقوامته، وأنه هو رب البيت، لقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228]، وقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34]. وبيت السيدة خديجة مكون من ثلاثة سلالم على الأرض، ثم في داخل البيت فناء واسع عبارة عن ثلاثين متراً طولاً في ثلاثة عشر متراً عرضاً، وهذا الوصف من كتب السيرة، لكنني حولتها من الذراع إلى مقياس العصر، وعلى اليمين فيه غرفة ستة أمتار في سبعة أمتار، كان يستقبل فيها الحبيب المصطفى أصدقاءه، وكان أكبر صديق له أبا بكر الصديق وعمار بن ياسر، وكان أصدقاؤه يأتون إلى البيت. قيل: إن الناعم بن عبد الله كان من جنوب الجزيرة، فقعد بجنب العباس فرأى رجلاً يصلي ووراءه واحد ووراءه ولد صغير وخلفه امرأة، قال: ما هذه الصلاة الغريبة التي أراها؟ ومن هذا؟ قال له: هذا ابن أخي محمد بن عبد الله، يقول: إنه نبي الأمة، قال: ومن الذي خلفه هذا؟ قال: هذا صاحبه أبو بكر، قال: ومن هذا الشاب الصغير؟ قال: هذا علي بن أبي طالب، قال: ومن المرأة التي خلفهم؟ قال: هذه خديجة بنت خويلد، فلما أسلم بعد عشر سنين قال: يا ليتني كنت أسلمت ساعتها وكنت أنا الرابع، وذلك لأن هداية الله لم تأت بعد. ثم الغرفة التي بعدها مثل الحجرة سبعة أمتار في أربعة أمتار كانت غرفة بنات النبي صلى الله عليه وسلم، والحجرة الثالثة كانت أحد عشر متراً في ستة أمتار، وهذه حجرة سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم والسيدة خديجة، وكان فيها جزء عنده محراب يتعبد فيه لله عز وجل. اللهم اغفر لنا وتقبل منا واقبلنا في عبادك الصالحين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

سلسلة مقتطفات من السيرة [7]

سلسلة مقتطفات من السيرة [7] جعل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أسوة للمؤمنين، والنظر في حياته يورث المرء اقتداء به، وحياة بناته صلى الله عليه وسلم إنما كانت مصوغة بتربيته، ولذا كان على المسلم والمسلمة أن يتخذا من بيت النبوة دليل استهداء واقتداء، فيعلما سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة زوجاته وسيرة بناته رضي الله عنهن وأرضاهن.

رحمة الله تعالى بعباده

رحمة الله تعالى بعباده بسم الله الرحمن الرحيم أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو الدرس السابع في سلسلة حديثنا عن السيرة العطرة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياته وحياة صحابته. وأسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يثقل به موازيننا يوم القيامة، وألا يجعل للشيطان فيه حظاً أو نصيباً. اللهم اطرد عن نفوسنا وعن بيوتنا وعن ذرياتنا وأزواجنا شياطين الإنس والجن. اللهم أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، ولا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عيباً إلا سترته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا غانماً سالماً رددته. اللهم لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، واجعلنا نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من عادى دينك ونبيك وقرآنك، إنك -يا مولانا- على ما تشاء قدير. اللهم إنك تعلم أن في كل قلب واحد منا كرباً، فأذهب اللهم كروبنا، وفرج اللهم غمومنا، واطرد -اللهم-همومنا، وحقق لنا آمالنا، وأذهب آلامنا. اللهم اكشف عنا الكرب الخاص والعام، اللهم اكشف عنا الكرب الخاص والعام، اللهم اكشف عنا الكرب الخاص والعام. اللهم ألهمنا رشدنا، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ووفقنا والمسلمين جميعاً إلى ما تحبه وترضاه. وبعد: فإن مجالس العلم هي المكان الذي تهطل فيه الرحمة على عباد الله، فاللهم اجعلنا من الذين تهطل عليهم رحمتك يا أكرم الأكرمين. لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو صحابته إذا جلسوا حوله إلى أن يتجمعوا؛ لأن الرحمة عندما تنزل شبهها أهل العلم بأنها مثل الثوب الذي يغطي المجموعة، فكلما تقاربنا تقاربت قلوبنا، وهطلت علينا رحمة الله عز وجل,. وفي إحدى الغزوات رأى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تحطب تنورها، أي: ترمي في التنور الحطب الذي توقد فيه، فكلما هبت النار ابتعدت برضيعها، بحيث تكون هي أقرب إلى النار من ابنها، فلما مر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله! أليس الله عز وجل أرحم بنا مني بابني هذا؟! فانظر إلى الصحابيات المسلمات الأول اللواتي ندعو الله عز وجل أن يلحقنا بهن وبأزواجهن في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وهذا الأمل الوحيد الذي يحيا عليه المسلم وبه.

حقيقة الفوز

حقيقة الفوز قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185] فاللهم اجعلنا من الفائزين. فالفوز كل الفوز ليس في أنك تأخذ شهادة استثمار، ولا في أن ابنك يدخل الطب أو الهندسة، بل الفوز كل الفوز أن تزحزح قدماك عن النار وتطأ قدماك الجنة. قيل لـ عثمان: ما هي أسعد اللحظات يا عثمان بن عفان؟ فقال: أن تجد نفسك في جنة الرضوان. وهل هناك سعادة أفضل من هذه السعادة؟! ولذلك جاء في الحديث الشريف: (يؤتي بأبأس أهل الأرض فيغمس في الجنة غمسة، يقال له: هل رأيت شدة قط؟! هل مر بك بؤس قط؟! فيقول: لا والله ما رأيت شدة قط، ولا مر بي بؤس قط). فأبأس أهل الأرض الذي لم ير يوم هناء من زوجة ولا من أخ ولا من جار ولا من مدير في العمل ولا من حاكم ولا من محكوم، بل رأى الذل كله، ورأى الفقر بعينه، ورأى أياماً ضنكا، ولكنه صبر لما ابتلاه الله عز وجل، فيغمس في الجنة غمسة فيخرج كالبدر ليلة التمام، فيقال له: عبدي! هل رأيت بؤساً من قبل قط؟ فيقول: وعزتك وجلالك إني في النعيم منذ أن خلقتني. فنسي كل الهموم والبلاء الذي من جهة أقاربه وإخوانه الذين أتعبوه في المحاكم من أجل فدان من الأرض، وكل الذل الذي رآه في الدنيا. ويؤتى بأنعم أهل الأرض ممن رأى النعيم كله ورأى العز كله ورأى الخير كله، وكان الناس يرفعون له التعظيم، وتفتح له الأبواب، ولكنه لم يتق الله، فلم يستخدم نعم الله في شكر الله عز وجل، بل استخدمها في معصية الله، فيغمس في النار غمسة فيخرج كالفحمة المتوقدة، فيقال له: عبدي! هل رأيت نعيماً من قبل قط؟ فيقول: وعزتك وجلالك إني في الشقاء منذ أن خلقتني. فاللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها يا رب. ولذلك لم يغفل الصحابة رضوان الله عليهم عن الخوف من الله وعن ذكر الله، فقد جاء رسول سعد بن أبي وقاص لينبئ عمر بن الخطاب بفوز ونصر المسلمين في القادسية، فلما وصل رسول سعد إلى المدينة في نصف الليل قال: هل يعقل أن أطرق على أمير المؤمنين الباب الآن؟! إنه لم يبق إلا ساعة أو ساعتان وسيخرج ليصلي بالمسلمين صلاة الصبح، فدخل ليزور قبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فدخل الروضة الشريفة فوجد في قبلة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً ساجداً يبكي بكاء مراً وقد علا نحيبه وهو يقول: يا رب! لائذ ببابك، عائذ بجنابك، لا تطردني من رحابك. فقال الرجل في نفسه: هذا رجل أسرف على نفسه، فسأنتظر حتى ينتهي من الصلاة من أجل أن أحدثه بأحاديث الرحمة حتى لا يقنط من رحمة الله، ومن أجل أن يستشعر فضل الله سبحانه وتعالى، فلما سلم رأى أمير المؤمنين عمر، فقال له: يا أمير المؤمنين! أبيت أن أطرق بابك في نصف الليل وأنت هاهنا في المسجد؟! فقال: يا أخا الإسلام! إن نمت النهار كله أضعت رعيتي، وإن نمت الليل كله أضعت نفسي. ولذلك عندما دخل أبو حازم على أبي جعفر المنصور قال له: يا أبا حازم! عظنا، فقال: يا أمير المؤمنين! صل إلى كل ذي حق حقه، فقال: وإن كنت لا أستطيع؟ قال: دعها لمن يستطيع، ولا تتحمل تبعات الناس يوم القيامة، إن الأمير العادل ليؤتى به يوم القيامة ينتفض على الجسر انتفاضة يطير منها كل عضو من أعضائه لا يعيدها إليه إلا عدله. يعني: أن الأمير العادل سينفك جسمه، وسيطير كل عضو إلى مكان، ولا يعيد هذه الأعضاء ولا يجمعها إلا العدل، فيجب عليك أن تكون عادلاً، وإن كان الخصم بغيضاً إليك، قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8]، فلا تدفعني كراهيتي لإنسان إلى ألا أقول الحق، ومن صفات المنافق أنه: (إذا خاصم فجر).

فضل لا إله إلا الله

فضل لا إله إلا الله فتلك المرأة قالت: (يا رسول الله! أليس الله أرحم بنا مني بولدي؟! فبكى صلى الله عليه وسلم حتى اخضلت لحيته بالدموع، ثم قال: يا أمة الله! لن يعذب الله عز وجل في النار إلا من شرد وأبى، قالت: ومن يشرد ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من لم يقل: لا إله إلا الله) فهذا هو الذي سيعذب في النار. ولكن ليعلم أن (لا إله إلا الله) لها حقوق، فأنا إذا شهدت الشهادتين وصليت كما ينبغي وزكيت وصمت رمضان وحججت البيت إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، فهل يعني ذلك أنني انتهيت من تطبيق الإسلام؟! لا، إن هذه هي أركان الإسلام، وليست الإسلام كله، مثلما يصف سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم صحابته: (أنا مدينة العلم وعلي بابها، وأبو بكر حيطانها وعثمان أرضها وسقفها). وإن من عظمة (لا إله إلا الله) أنه يؤتى بعبد يوم القيامة وزنت أعماله فخفت موازينه والعياذ بالله، فأيقن بالهلكة، فجاءت الملائكة ببطاقة فيها: (لا إله إلا الله)، فألقوها في ميزان حسناته، فطاشت سجلات سيئاته، فقال جبريل: لقد سعد فلان ابن فلان سعادة لن يشقى بعدها أبداً، فاستبشر العبد خيراً قال: ما في هذه البطاقة؟ فوجد فيها مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا يثقل مع اسم الله شيء، فلو وضعت (لا إله إلا الله) في كفة والسماوات والأرض وما فيهن في كفة لرجحت كفة (لا إله إلا الله). فاللهم اجعلنا من أهل (لا إله إلا الله) واحشرنا في زمرة أهل (لا إله إلا الله) آمنين مطمئنين يا رب العالمين. فالله عز وجل جعل كلمة التوحيد كلمة تقال باللسان، ولكن يجب أن نطبقها بالجنان، فأركان الإيمان ثلاثة: تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان. فتقول أنا مؤمن، وتصدق هذا الكلام بالقلب، وعملك يصدق هذا كله. فلو أن شخصاً يقول: أنا مسلم وهو يلعب طاولة ويشرب البيرة ويدخن السيجارة ويقطع الرحم، ويظلم امرأته، ويختلس ويرتشي، فهل صدق بالجنان وعمل بالأركان؟! إن إسلامه لا ينفع، وإنما نريد إسلاماً كاملاً. والقول باللسان يعقبه تصديق قلبي، ومعنى ذلك أني أقول: (لا إله إلا الله) أي: لا معبود بحق إلا الله، فلا أتوكل إلا على الله، ولا أخاف إلا من الله.

حقيقة التوكل على الله

حقيقة التوكل على الله فخوفي وتوكلي على من يقول للشيء كن فيكون، ولذلك سمع أحد التابعين حديثاً من أحد الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بايعوني، فمددنا أيدينا، فقال: ألا تسألون علام تبايعوني؟). فانظر إلى إذعان الصحابة، فبمجرد أن قال: بايعوني، مد كل يده، لو قلت الآن من سيبايعني؟ لقلتم: على ماذا وكم ستعطينا، ومتى وأين وهل ستعطينا شقة أم لا وهكذا، أما الصحابة فقال لهم: تبايعونني؟ فمدوا أيديهم، فقال لهم: لماذا لا تسألوني؟ (فقالوا: يا رسول الله! نبايعك على ما تقول، فبايعهم على عدم الشرك بالله، وعدم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وعدم ارتكاب الفواحش) إلى أن قال: (وألا يسأل أحد منكم شيئاً إلا الله)، يعني: لا أحد منكم يسأل شيئاً من أحد إلا من الله، يقول الراوي: فكان الواحد منا يقع منه خطام ناقته فينزل ويأخذه قبل أن يناوله أحد. من أجل أن يطبق كلام النبي صلى الله عليه وسلم. فهؤلاء الصحابة على العين وعلى الرأس، ولكن تعال إلى التابعي الذي سمع هذا الحديث، وهو سعيد بن جبير رضي الله عنه، فقد قال: وأنا أعاهد الرسول على ما عاهده عليه السبعة. أي: سأعاهده على ألا أسأل أحداً غير الله شيئاً، فأراد الذهاب إلى الحج، فقالت له زوجته: لتبق معنا فإن ابنتنا مريضة، فقال: إني عقدت النية وإن ماتت فبقضاء الله عز وجل، وكانت زوجته صالحة، فلم تذهب إلى أخيها وابن عمها وخالها ولم تجمع الجيران لتشكوه. فخرج، فتخلف عن القافلة، فوقع في بئر ليس فيه ماء، فقال: أنادي لعل أحداً يسمع، قال: فتذكرت بيعتي لرسول الله فلم أناد. قال: فسمعت لغطاً وأصواتاً، وكان الوقت ليلاً، وكان العربي عندما يجد حفرة يستطيع بصوته أن يعرف إن كان فيها ماء أم لا، وإذا بالصوت يقول: هذه حفرة وليست بئراً، فتعالوا لندفنها لكيلا يقع فيها أحد. قال سعيد بن جبير -رضوان الله عليه-: فهممت أن أنادي، فتذكرت بيعتي لرسول الله فسكت. قال: فلما أيقنت الهلكة قلت: يا رب! لا أسأل إلا أنت، وعلمك بحالي يغني عن سؤالي. فرأيت نفسي على وجه الأرض.

مكانة السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها

مكانة السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها تلك مقدمة سريعة لتنجلي القلوب للدخول على درسنا الذي نريده، وكنا قد توقفنا عند زواج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة رضي الله عنها. فالسيدة خديجة لها وضع خاص في الإسلام، وإني لأعتب على الكتاب الذين يكتبون ويؤلفون، فالسيدة خديجة لم تأخذ حظها من الكتابة إلى اليوم؛ وهي العمود الأساسي الذي قامت عليه الدعوة في بدايتها، فهي التي وقفت بجوار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن فضل الله سبحانه وتعالى أن قيض لرسوله صلى الله عليه وسلم من يناصره، ومن لا تقف الجبال الشم الرواسي أمام القلوب المؤمنة. فالسيدة خديجة تقف أمام زوجها قائلة: إنك لتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، والله لن يخزيك الله أبداً. فقال لها: إنني أخاف أن يكون هذا الذي أتاني ليس بملك؟ فقالت له السيدة الحصيفة اللبيبة: إذا رأيته فأخبرني. فلما رآه قال لها: هذا هو بالباب، ثم قال له: ادخل يا جبريل. فدخل، فلما علمت أنه دخل البيت كشفت خمارها، فقال لها: لقد خرج جبريل. فقالت: هذا ملك وليس بجني. ومات ابنها عبد الله فبكت، وكانت تود أن يعيش لها هذا الطفل، فلما بكت نزل جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أقرئ خديجة منا السلام، وإن الله يقول لها: كفى حزناً على عبد الله؛ إن له مرضعاً في الجنة ترضعه، أتحبين أن ترينه يا خديجة؟! فقالت: بل أصدق الله ورسوله. إن هذا الكلام كلام كبير وليس كلاماً قصصاً تقال، فإنه يدل على قوة الإيمان بالغيب، وهذه مسألة عظيمة. فسبحان الله العظيم، يأتي الرجل اليوم مرتين ليصلي في الجامع فيظن نفسه أبا بكر الصديق، أما السلف فكانوا على العكس من ذلك، فهذا عطاء بن أبي رباح أحد كبار التابعين، يقول: إني أصلي الركعتين وبعد أن أسلم أشعر كأنني زان أو سارق رآه الناس وهو يزني أو يسرق حياء من الله عز وجل أنه لم يصلهما كما ينبغي! فيشعر أنه مقصر في حق الله. يا مؤمن! إن الواحد من الشعب المصري يظن نفسه أبا بكر الصديق، ألم يكن هناك رجل فاجر يقول: إنني أترسم خطا عمر بن الخطاب؟ وكان يذبح المسلمين! وعندما حج عطاء قيل له: أترى أن الله قبل الحجيج؟ فقال: لو وقف هؤلاء أمام باب بخيل وطلبوا منه دانقاً -نصف درهم- أيعطيهم؟ قالوا: نعم، لأن البخيل يستحيي من العدد الكثير قال: فالله أكرم من هذا البخيل، فنام عطاء بن أبي رباح بعد أن أفاض الحجيج من عرفات، فرأى في الرؤيا كأن ملكين قد هبطا من السماء فقال أحدهما للآخر: كم حج البيت هذا العام؟ قال: ستمائة ألف، قال الملك الآخر: وكم قبل الله منهم؟ قال: ما قبل إلا ستة، فقام سيدنا عطاء فزعاً من الرؤيا، فمكث طول يومه يبكي ويقول للناس في منى: أيها المسلمون استغفروا الله، ادعوا الله بضراعة، ولكن لا يريد أن يذكر لهم الرؤيا. وفي اليوم الثاني أخذته سنة من النوم فرأى نفس الملكين، فقال أحدهما: كم حج البيت هذا العام؟ قال: ستمائة ألف، قال: وكم قبل الله منهم؟ قال له: ما قبل إلا ستة، قال له: ولكن هذا قليل، قال: لقد وهب مع كل واحد من الستة مائة ألف!

حياة بنات الرسول صلى الله عليه وسلم

حياة بنات الرسول صلى الله عليه وسلم أنجبت أم المؤمنين خديجة أول ما أنجبت السيدة زينب رضوان الله عليها وعلى سائر أولاد رسول الله، وهم أربع بنات وثلاثة ذكور، وكلهم ماتوا في حياة أبيهم إلا السيدة فاطمة لحقت به بعد ستة أشهر. فتخيل الحبيب وهو يدفن بيده ستة من أولاده، فيا من حزن على ولد أو بنت من أولاده تذكر حال رسول الله، وإن من رحمة الله بك إذا مات لك ولد أو ماتت لك ابنة أن ابنك يأخذ بيدك إلى الجنة. فإنه يوم القيامة تسمع جلبة، فيقول الله وهو العليم الخبير: يا جبريل! ما هذه الجبلة؟ فيقول: يا رب! هؤلاء أبناء المسلمين وبناتهم وقفوا على باب الجنة ورفضوا أن يدخلوها إلا بصحبة آبائهم وأمهاتهم، فيقول: يا جبريل! من صبر من الآباء والأمهات على موت ابنه فألحقهم بأبنائهم. وهذا (اسمه) الفرط، فالذي يموت له ولد أو بنت يستبشر خيراً. وأحد الصالحين ماتت له بنت فبكاها بكاء مراً، كانت غالية عليه جداً، فظل يبكي ويبكي ويبكي، فرأى في المنام أن كل الأولاد يرتعون في الجنة ويشربون والبنت كادت تهلك من العطش ولا أحد يريد أن يسقيها، قال: يا بنيتي لم لا تشربين مع إخوانك وأخواتك؟ قالت: كيف أشرب ودموعك قد منعت عني شرب المياه؟ فانتبه إلى هذه المسألة.

ذكر بعض سيرة زينب رضي الله تعالى عنها

ذكر بعض سيرة زينب رضي الله تعالى عنها فسيدنا الحبيب أول ما أنجب أنجب السيدة زينب كبرى بناته، فعندما كبرت زينب وبلغت ثلاث عشرة سنة أو دونها زوجها من ابن خالتها أبي العاص بن الربيع، وأمه اسمها هالة، وهالة هي أخت السيدة خديجة. وظل أبو العاص على كفره بعد البعثة، وأما زينب فقد أسلمت وآمنت برسالة أبيها، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ورزقت زينب بـ أمامة وعلي، فلما كانت غزوة بدر اشترك أبو العاص بن الربيع مع قومه من مشركي مكة ضد الجيش المسلم ووقع في الأسر، فالرسول وزع الأسرى، فقال: يا فلان! خذ فلاناً وفلاناً وفلاناً، ويا فلان! خذ فلاناً وفلاناً وفلاناً، فوقع أبو العاص بن الربيع في سهم بلال مؤذن رسول الله، فبدأ الأغنياء من أهل الأسرى يأتون من أجل أن يدفعوا الفدية، وكان مقدارها أربعة آلاف، فيدفعون الفدية ويأخذون أسيرهم، فجاء عبد الله بن الربيع أخو أبي العاص زوج زينب من أجل أن يفتدي أخاه، وكانت السيدة زينب في مكة، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: زينب تفدي زوجها يا محمد، فقد بعثت بهذه الصرة فدية لزوجها. ففتح الرسول الصرة فبكى بكاء مراً؛ فقد كان فيها عقد للسيدة خديجة أعطته لابنتها زينب في ليلة عرسها، فبعثته السيدة زينب تستدر به عطف رسول الله، فعندما تذكر ابنته وتذكر زوجته السيدة خديجة قال: إن شئتم أن تردوا عليها أسيرها فردوه، فسيدنا بلال قال: والله لأردن أبا العاص لا بعقد ولا بمال، ولكن إرضاء لله ورسوله. فعاد أبو العاص واطمأنت زينب عليه، فحين دخل بيته قال: يا زينب! لقد حان الفراق، فلقد وعدت أباك بأن أردك إليه، فإن الإسلام فرق بيني وبينك، وكانت السيدة زينب مسلمة وهو مازال على شركه، فوجب التفريق عندئذ، فقال لها: إن أخي سيأخذك إلى منطقة كدى -وهي على بعد ثمانية كيلو من الحرم- وهناك سوف ينتظرك زيد بن حارثة وعلي بن أبي طالب ليصحباك إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الوقت كانت السيدة زينب حاملاً بالحمل الثالث، فخرج أخو أبي العاص بن الربيع من أجل أن يسلم السيدة زينب لـ زيد وعلي خارج مكة، وإذا بالمشركين وراءه، فقالوا: إلى أين تذهب، قال: أذهب لأسلم زينب بنت محمد لتذهب إلى أبيها، وكان المشركون قد خرجوا من هزيمة بدر في تلك اللحظة، وكل واحد منهم قد قتل له قريب، فقام أحد أولئك المشركين وشد الهودج الذي ركبت عليه، فوقعت السيدة زينب على صخرة، فنظر عبد الله بن الربيع فوجد حولها بركة من الدماء، فإذا بها قد أجهضت ما في بطنها، فسل السيف وجهز كنانته بالنبال وقال: والله ما اقترب منها أو مني أحد إلا قتلته. وكان كافراً، ولكن أخاه وعد الرسول بأن يعيد إليه ابنته، ومسألة الوعد عند العربي مسألة تذهب فيها الرقاب فلا يخلف وعداً أبداً؛ وهذه من صفات المؤمنين، وهي من الصفات العربية الأصيلة. لكن أنبه على مسألة في الوعد، وهو أنه ليس من الخلف أن تعد ثم تخلف لعدم القدرة على الوفاء، وإنما الخلف أن تعد وأنت تنوي أن تخلف الوعد، فانتبه لذلك. فاقترب أبو سفيان من أخي أبي العاص وقال له: يا ابن الربيع! ما أصبت؛ خرجت على القوم، وهم حديثو عهد بهزيمة، وتريد أن تأخذ بنت محمد وتهاجر بها؟! ارجع حتى تهدأ النفوس ثم اخرج بها. فعاد بها فظلت مريضة أياماً من أثر الإجهاض، وبعد أن تماثلت للشفاء ودعها زوجها ووصلت إلى رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذت معها علياً وأمامة، فـ علي بعدما هاجر مع أمه كان عمره سبع سنوات، فأدركته حمى فمات لحكمة يعلمها الله، ولم يبق للرسول من أحفاده إلا الحسن والحسين وزينب أولاد فاطمة فقط، وبقية أولاده من بناته ماتوا في حياته، ولم تبق من حفيداته إلا أمامة التي هي بنت زينب، وقد تزوجها سيدنا علي بعد موت خالتها فاطمة. فالسيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مكثت في بيت أبيها سنوات، إلى أن طرق الباب طارق بالليل وهي تتذكر الأيام الخوالي، فقد عاشت أياماً بمكة بجوار قبر أمها خديجة، وإخوتها الثلاثة الذكور أموات في القبور، والأحياء من أهلها بعيدون عنها؛ لأن بيت النبوة أكثر البيوت ابتلاء، فأكثر الناس بلاء الأنبياء فالأولياء فالأمثل فالأمثل، فإذا كنت تمشي بما يرضي الله والمصائب تنزل عليك تترا فاحمد الله عز وجل، وقل: إنا لله وإنا إليه راجعون. فطرق باب زينب طارق، وإذا به أبو العاص بن الربيع زوجها السابق، ولم تتزوج بعد، فجيء به قد أسر وهو في قافلة لقريش أغار عليها أسامة بن زيد ومجموعة من المسلمين بسبعمائة فارس، فأسروا المجموعة كلها، فهرب من الأسر وجاء إلى زينب يستجير بها، فسمعت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يطرق أبواب نسائه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان كل يوم يمر على بيوت نسائه بيتاً بيتاً ويقول:: (أيقظوا صواحب الحجرات، رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاءت الراجفة تتتبعها الرادفة، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه). ثم يذهب إلى بيت فاطمة يدق عليها الباب، يا فاطمة، يا علي! ألا تصليان، وكان سيدنا علي يقوم الليل ويأتي لينام قبل الفجر قليلاً فيأتي رسول الله ليوقظه: يا علي! ثلاث مرات، وهو يقول له: يا رسول الله إن أرواحنا بيد الله إن شاء قبضها، وإن شاء أرسلها، ويقلب الرسول كفيه ويقول: {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف:54]. فالسيدة زينب سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم في إيقاظه لنسائه، وكانت في الحجرة التي بجانبه، فدخلت المسجد مسرعة، وقبل أن يقيم بلال صلاة الفجر قالت: أيها الناس! إني أجرت أبا العاص بن الربيع، فأقام بلال فلما انتهى رسول الله من الصلاة قال: (أيها الناس! أسمعتم ما سمعت؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: يا زينب! ونحن أجرنا من أجرت). ثم قال سيدنا الحبيب: (أعيدوا إلى أبي العاص ما سلبتموه؟)، أي: من القافلة، فأرجعوا إليه كل شيء، فرجع إلى مكة ووزع عليهم أشياءهم، ففرحوا بالتجارة وبالربح، ثم قال: يا معشر قريش! أعادت إليكم تجارتكم؟ قالوا: لقد وفيت يا أبا العاص. فقال: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهاجر إلى المدينة في السنة السابعة من الهجرة، فدخل على سيدنا الحبيب فأسلم وبايع وصار صحابياً، وبعد ذلك بأدب قال: يا رسول الله! أريد أن تعيد إلي زينب؟ فقال: (يا أبا العاص! لقد وعدت فوفيت ونحن إذا وعدنا وفينا، عد إلى زوجتك فهي حل لك) فعاد إليها أبو العاص وعاش معها سنة، وماتت السيدة زينب رضوان الله عليها ودفنها أبوها ونزل في قبرها ونام قليلاً ثم خرج مصفراً وجهه وبكى وقال: (لقد كاد القبر أن ينطبق على هذه المرأة الصالحة، لولا أني نمت في قبرها) صلى الله عليه وسلم. والسيدة زينب هي التي كانت ترعى السيدة فاطمة؛ لأن فاطمة كانت صغرى البنات، فكانت فاطمة تعتبر زينب أمها الثانية، فكانت أول من حزن لزواج زينب، فشعرت بأن أحداً أتى وأخذ منها أمها، فكانت تقول لأبيها وهي صغيرة: يا أبت! عندما أكبر لن أتزوج، فيضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: لم يا فاطمة؟ فتقول: لأني لا أريد أن أفارقك يا أبي. فيقول لها: بل أنت معي في الدنيا والآخرة.

ذكر بعض خبر رقية وأم كلثوم

ذكر بعض خبر رقية وأم كلثوم وأما السيدة رقية والسيدة أم كلثوم فلهما حديث آخر، فقد جاء أبو لهب ليخطبهما لولديه عتبة وعتيبة، فقال: يا ابن أخي! أريد أن أزوج عتبة وعتيبة أبناء عمك من بنات عمهن. فقال: يا عماه! وهل يرفض لك طلب؟! فانتقلت السيدة رقية والسيدة أم كلثوم إلى بيت أبي لهب مع تحفظ السيدة خديجة على زواج رقية وأم كلثوم؛ لأنها تعرف أم جميل، فعاشت رقية وأم كلثوم في بيت أم جميل، وكانت امرأة سليطة اللسان، وكانت من أعلى بيوتات قريش، فأخوها هو أبو سفيان. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم وانتشرت دعوته في مكة قالت أم جميل لولديها: لن تساكناني تحت سقف واحد وبنات محمد معكما. فطلق عتبة وعتيبة رقية وأم كلثوم، وكان قصد أم جميل أن تشغل الرسول صلى الله عليه وسلم ببناته المطلقات عن أمر الدعوة، فهي تريد أن تزيد من مشاكله. فعادت رقية وأم كلثوم، وفرحت السيدة خديجة بطلاق ابنتيها، هذا الطلاق الذي يقال فيه: ألف مبروك؛ لأن هناك طلاقاً تهنئ فيه، مثل أن يأتي إليك شخص ويحكي لك مشكلة عويصة جداً، ثم تحل له المشكلة بالطلاق، وبعد أن يطلق يقول لك: بارك لي يا فلان على الطلاق، نسأل الله أن يصلح ذات بين المسلمين. وانظر إلى هذا الحديث وما أحسنه: (ليس منا من أفسد امرأة على زوجها)، يعني: عندما تكون في الشغل وعينك زائغة وتعيد الكلام، فزميلتك الموظفة تعجب بك وبتصنعك لها فتكره زوجها، ثم تسعى إلى فراقه بالطلاق لتتزوج بزميلها. وهذه المشكلة حلها بأن تجلس الموظفة في بيتها. في زمان أمي وأمك وجدتي وجدتك كانت المرأة لا ترى إلا زوجها فحياتها كلها لزوجها، فالرجل ما كان يستريح إلا بجوار زوجته، والزوجة ما كانت تستريح إلا بوجود زوجها، لكن هذه الأيام تغيرت الأمور وانقلبت الموازين.

زواج عثمان برقية فأم كلثوم

زواج عثمان برقية فأم كلثوم ولم تمض سوى شهور قليلة حتى جاء سابع سبعة في الإسلام ليخطب السيدة رقية، وهو سيدنا عثمان بن عفان، فتزوج بـ رقية وأنجبت منه عبد الله بن سيدنا عثمان، فهاجر بها إلى الحبشة. فانظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كم عاش من المآسي، فالسيدة زينب تموت في حياته، والسيدة رقية في بداية البعثة تتركه وتذهب إلى الحبشة مع زوجها عثمان رضي الله تعالى عنهما. وبعد ذلك عادت السيدة رقية من الحبشة إلى مكة، ثم هاجرت مع عثمان إلى المدينة، ثم في غزوة بدر اشتد الألم عليها، فاستأذن عثمان الرسول في تمريضها فأذن له، فعاد الرسول صلى الله عليه وسلم من الغزوة فوجد أن ابنته رقية قد فارقت الحياة إلى جوار ربها. وأريدك أن تتخيل حياة سيدنا الحبيب، فالسيدة رقية عندما عادت من الحبشة قالت: أين أبي؟ فقيل لها: في المسجد عند الحجر الأسود، فقالت: أين أمي؟ فسكتت أختها أم كلثوم، فأجهشت فاطمة بالبكاء وتركت الحجرة، فعلمت السيدة رقية أن أمها قد ماتت، وهي لم تكن موجودة في موت أمها، وعندما ماتت لم يشهد أبوها موتها ودفنها، فحزن عليها حزناً شديداً، وحزنت أختها أم كلثوم، فجاء عثمان ليخطب أم كلثوم فزوجه الرسول بها، ولذلك سمي عثمان بـ ذي النورين؛ لأنه تزوج اثنتين من بنات الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم ماتت أم كلثوم عند عثمان، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يطيب نفس عثمان لئلا يحزن في نفسه، فقال: (لو كانت عندنا ثالثة لما زوجناها إلا لـ عثمان بن عفان) وانظر إلى أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عثمان، فقد دخل عليه أبو بكر وعمر وعلي وفخذه مكشوفة، فلما دخل عثمان غطى فخذه، فلما سألته عائشة قال: (ألا أستحي من رجل تستحي منه ملائكة السماء؟!).

ذكر بعض خبر فاطمة رضي الله تعالى عنها

ذكر بعض خبر فاطمة رضي الله تعالى عنها فالسيدة أم كلثوم ماتت عند سيدنا عثمان، وصلى عليها أبوها صلى الله عليه وسلم، ولم يبق لسيدنا الحبيب إلا السيدة فاطمة صغرى بنات النبي وأشبه الناس برسول الله خلقاً وخلقاً، وقد خرجت بعد موت أبيها بشهرين لتسأل أبا بكر الميراث، فكانت مشيتها مشية رسول الله ومنطقها منطقه، فطريقة كلامها هي طريقة كلام أبيها صلى الله عليه وسلم. وحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكرات الموت أشار إليها فاقتربت، فسارها في أذنها فبكت، ثم سارها في أذنها فابتسمت، فبعدما انتقل إلى الرفيق الأعلى، سألتها عائشة عن ذلك فقالت: قال لي في أول مرة: إني لاحق بالرفيق الأعلى؛ لأن ملك الموت لا يستأذن على أحد، وإنما استأذن على حبيب الله، فقال: (يا ملك الموت! انتظر حتى ألقى أخي جبريل) فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله! هذه آخر مرة أنزل فيها إلى الأرض، السلام يقرئك السلام ويبشرك خيراً بمكانتك من الله، فقال: (يا جبريل من لأمتي من بعدي؟ فقال الله: يا جبريل! نبئ حبيبي محمداً أننا لن نسوءه في أمته أبداً وسوف نرضيه. فقال: لا أرضى وأحد من أمتي يعذب في النار، فقال: يا جبريل! نبئ محمداً أن كل من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله لن يخلد في النار أبداً). قالت السيدة فاطمة: وابتسمت عندما قال لي: وأنت أول أهلي لحوقاً بي. فبعد ستة أشهر تماماً لحقت السيدة فاطمة بأبيها صلى الله عليه وسلم.

زواج فاطمة رضي الله عنها

زواج فاطمة رضي الله عنها لما بلغت فاطمة إحدى عشرة سنة دخلت في سن الزواج، فجاء أبو بكر ليحوز هذا الشرف، فجاء يخطب فاطمة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر! إن فاطمة صغيرة السن. ولو كان غير أبي بكر لألح، ولكن أبا بكر لم يلح. ولذلك عندما تأيمت حفصة بعد أن مات زوجها جاء سيدنا عمر إلى أبي بكر فقال له: يا أبا بكر! تأيمت حفصة، أتريد أن تتزوجها؟ وانظر إلى الرجل الصالح كيف يخطب لابنته، ولكن سيدنا أبا بكر سكت فلم يتكلم، فعتب عليه عمر في نفسه، ثم جاء عثمان وقال له: يا عثمان! تأيمت حفصة، ألا تتزوجها؟! فقال: لا أتزوج اليوم. فحزن عمر، فاشتكى إلى الرسول من أجل ألا يبقى في قلبه شيء من جهة أبي بكر وعثمان، فقال: يا رسول الله! تأيمت حفصة فعرضتها على أبي بكر فسكت، وعرضتها على عثمان فقال: لا أتزوج. فقال له: (يتزوج حفصة من هو خير من أبي بكر وخير من عثمان)، ثم عرض عليه أن يتزوج حفصة. فلقي أبو بكر عمر في صلاة الفجر فقال له: أراك وجدت علي يا عمر، فقال له: نعم. قال: لقد سمعت الرسول يذكرها، فرفضت أن أفشي سر رسول الله. ثم جاء عمر أيضاً ليخطب فاطمة، فقال له: إنها صغيرة السن، فجاء سيدنا علي فجلس أمام الرسول خجلاً، فعندما رآه النبي صلى الله عليه وسلم كذلك عرض عليه أن يزوجه بها، وهو الذي رباه، وكان دائماً يضع يده على رأسه ويقول: (اللهم إني أحب علياً فأحبه وأحب من يحبه)، وكلنا نحب سيدنا علياً ونحب الصحابة، فاللهم ارزقنا حبهم يا رب، وارزقنا صحبتهم في الجنة يا أكرم الأكرمين.

الأسئلة

الأسئلة

الفرق بين الفاحشة والمنكر والكبيرة

الفرق بين الفاحشة والمنكر والكبيرة Q هل هناك فرق بين الفاحشة والمنكر والكبيرة؟ A هي معان متقاربة للحرام، نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم.

حكم قراءة السور مرتبة في الصلاة

حكم قراءة السور مرتبة في الصلاة Q هل قراءة سور القرآن في الصلاة يجب أن تكون بحسب ترتيبها في المصحف؟ A نعم.

حكم الاغتسال بعد الجنابة حال خشية فوات صلاة الجماعة

حكم الاغتسال بعد الجنابة حال خشية فوات صلاة الجماعة Q إذا استيقظ شخص لصلاة الفجر فوجد نفسه جنباً، فإذا اغتسل فاتته الجماعة، فماذا يفعل؟ A يجب أن يغتسل.

حكم صلاة داخل المسجد ركعتين لم ينو بهما تحية المسجد

حكم صلاة داخل المسجد ركعتين لم ينو بهما تحية المسجد Q كلما دخلت المسجد أصلي ركعتين لله، ولا أصلي ركعتين بنية تحية المسجد، فما الحكم؟ A هي مسألة نية، فانو بها تحية المسجد.

ما يصنعه من يرى الثعابين في المنام

ما يصنعه من يرى الثعابين في المنام Q ماذا أصنع عند رؤية الثعابين في المنام؟ A عليك أن تقرأ القرآن قبل أن تنام، وتقرأ المعوذتين ثلاثاً.

موقف المرأة من منع زوجها لها إعطاء جيرانها

موقف المرأة من منع زوجها لها إعطاء جيرانها Q زوجي ينهاني عن إعطاء جيراني أي شيء، وحلف على ذلك بالله، وأنا لم أنته عن ذلك، فما الحكم؟ A هو حر في ماله، ولكن الجار عليه أن يحسن إلى الجار حتى وإن جار، والوزر عليه وليس عليك.

حكم الاكتفاء بصلاة الفريضة عن تحية المسجد

حكم الاكتفاء بصلاة الفريضة عن تحية المسجد Q أدخل المسجد فأصلي الفرض مباشرة، ولا أصلي ركعتين تحية المسجد، فما الحكم؟ A هذا صواب.

الموقف من ظلم الوالدين

الموقف من ظلم الوالدين Q نحن بنات ثلاث، لا يحترمنا أبونا وأمنا، ويلعنانا أمام الناس، ولو قلنا لهما: لا تعاملانا هكذا، ولي أخت قد خاصمت والدي منذ سنتين، ونحن نعرف البر بالوالدين، فكيف نعاملهما؟ A يجب عليك أن تبري أباك وأمك حتى وإن ظلماك، قال صلى الله عليه وسلم: (وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه) ولو ضربك أبوك بالحذاء فإنك تعطينه الحذاء من أجل أن يكمل ما يريده من الضرب، وحسابه على الله.

كيفية الذكر عند الوضوء في الحمام

كيفية الذكر عند الوضوء في الحمام Q هل يصح ذكر عند الوضوء في دورة المياه؟ A لا، بل يقال في السر.

موقف المرأة من مضايقة زوجها لها

موقف المرأة من مضايقة زوجها لها Q أنا امرأة متزوجة ومؤمنة بالله، والشيء الوحيد الذي يضايقني هو أن زوجي يمنعني أمام ابني ما أريد فعله، ويرد علي، وهذا يضايقني، وصوتي يعلو عندما أكلمه، فماذا أفعل؟ A اصبري على زوجك وادعي له بالهداية.

نصيحة لمن يشعر بالإرهاق الذهني

نصيحة لمن يشعر بالإرهاق الذهني Q أنا شاب أفكر كثيراً، وأشغل عن الصلاة وقراءة القرآن، والصلاة أحياناً لا أواظب عليها، فأرجو أن تعرفني بسور من القرآن تجلب لي الراحة؟ A القرآن كله فيه راحة.

حكم الحب قبل الزواج

حكم الحب قبل الزواج Q قرأنا أن أحد الصحابة أحب زوجته قبل أن يتزوجها في بداية الدعوة، وكان يقابلها ويكلمها، فهل هذا يبيح الحب قبل الزواج؟ A لا يوجد شيء في الدين مثل هذا، ولا أعرف في كتب الفقه ذلك، وقد يكون شخص يحب امرأة ويكتم هذا الحب في قلبه فقط، أما أن يترجم هذا الحب إلى لقاء فهذا حرام.

الفرق بين صلاة الحاجة وصلاة الاستخارة

الفرق بين صلاة الحاجة وصلاة الاستخارة Q هل صلاة قضاء الحاجة مثل صلاة الاستخارة، أم بينهما فرق؟ A لهذه نية ولهذه نية.

وقت صلاة الاستخارة

وقت صلاة الاستخارة Q هل صلاة الاستخارة لها وقت معين؟ A يفضل أن تكون قبل النوم.

حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم Q أنا شاب أتوجه دائماً إلى الله بالدعاء، وعندما أريد حاجة من الله أتوسل إلى الله بالنبي وأقول في دعائي: وحياة حبيبك النبي، وبحق آياتك الكريمة، فما حكم قولي هذا؟ A قل: يا رب، ولا تتوسل بذلك.

نصيحة للمقصر في الصلاة

نصيحة للمقصر في الصلاة Q أنا شاب أصلي أحياناً وأترك الصلاة أحياناً، وأرجو النصيحة؟ A حين تصلي ادع الله في السجود أن يجعلك من المحافظين على الصلاة.

القبول غيب لا يعلمه غير الله تعالى

القبول غيب لا يعلمه غير الله تعالى Q أنا شاب كلما حصلت لي مشكلة أو ضائقة أتوجه إلى الله وأصلي إلى أن تنتهي، فهل أنا عند الله غير مقبول، وبماذا تنصحني؟ A الرضا من الله عز وجل عن العبد مسألة لا يعلمها إلا الله عز وجل، فما عليك إلا أن تدعو الله في حالة اليسر وفي حالة العسر.

ما تقوله الحائض بعد الطهر

ما تقوله الحائض بعد الطهر Q ماذا تقول الحائض بعد التطهر؟ A لا تقول شيئاً.

حكم قصر الصلاة في البلدة بعد الرجوع من السفر

حكم قصر الصلاة في البلدة بعد الرجوع من السفر Q كنت مسافراً إلى خارج القاهرة، فصليت الظهر قصراً، ثم رجعت إلى القاهرة بعد صلاة العصر، فهل أصلي العصر قصراً؟ A لا.

حكم العادة السرية

حكم العادة السرية Q العادة السرية حلال أو حرام؟ A حرام.

حكم الاكتفاء بغسل ما أصاب الثوب من المني

حكم الاكتفاء بغسل ما أصاب الثوب من المني Q يصيب ملابسي المني أحياناً، فهل يجوز لي أن أغسل الجزء المبتل منها فقط؟ A يجوز.

سلسلة مقتطفات من السيرة [8]

سلسلة مقتطفات من السيرة [8] المسلم يلتزم بالإسلام بجميع جزئياته، ولا يفرط في شيء منها، وهو دائماً معتصم بالله، لا يعيقه اليأس ولا القنوط من الوصول إلى بابه، ولا تثنيه الأسباب المادية عن التوكل عليه.

أهمية محافظة المسلم على المظهر العام

أهمية محافظة المسلم على المظهر العام الحمد لله، وأفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات على سيدنا محمد وعلى آله وسلم: وبعد: فالعبد المسلم منا قد يرى أمامه في المجتمع أموراً متشابكة متضاربة، وهذه الأمور قد تصيب البعض منا بالإحباط، وقد تصيب بعضنا باليأس لما يرى من فساد الناس والذمم، وانتشار الفوضى، وبعد الناس عن طريق الله عز وجل، حتى صار كثير من الناس ينظرون إلى الملتزمين في طريق الله عز وجل أنهم أهل سوء ومصالح ذاتية، لا أهل مبادئ، وللناس بعض من الحق، لأنهم يرون بعضنا يسيء إلى الدين دون أن يدري. فربما يخلف الناس كلهم مواعيدهم، ولكن عندما يخلف المحافظ على الصلوات في المساجد ودروس العلم والمنتمي إلى ما يسمونه الآن التيار الإسلامي فإن ذلك خطير، والحمد لله أننا لسنا تياراً ماركسياً ولا شيوعياً ولا فنياً. اللهم اجعلنا من تيار المسلمين يا رب العالمين! واجعلنا موجات متعاقبة من تيار لا إله إلا الله محمد رسول الله، اللهم احشرنا في زمرة الموحدين، واجعلنا من هؤلاء يا أكرم الأكرمين! آمين يا رب العالمين! وعندما يخلف الوعد من يشار إليه بالبنان بأنه يذهب إلى المسجد في كل وقت، ويؤدي العمرة والحج ويزكي عن ماله إلخ فلا يعيب الناس عليه كما يعيب بعضهم على بعض في الشارع؛ لأنه ألزم نفسه خطاً، فوجب عليه أن يلتزم بهذا الخط. وقد تضحك امرأة بصوت مرتفع في مكتب من مكاتب الموظفين أو في الشارع، ولكن المخمرة أو المنقبة إذا ضحكت بصوت مرتفع فإن هذا يثير حفيظة الناس ضدنا الذين نقول: إننا على الخط أو نكاد؟ وبلا شك نظرتهم إلى الملتزم غير نظرتهم إلى غير الملتزم. ولو أن امرأة تلبس بنطلوناً وتمضغ لبانة في الشارع وصوتها مرتفع فلا أحد يعيب عليها، ولكن المحجبة والمختمرة والمنقبة إذا علا صوتها على صوت الرجل أو في الطريق العام فهي تلفت النظر. فالإنسان المسلم يجب أن يراعي أن كل حركة محسوبة عليه. ولو أن إنساناً لا يعرف طريق المسجد جلس على قارعة الطريق أو على قهوة من القهاوي وجلس ينظر إلى الذاهبين والراجعين فلا يعاب عليه، ولكن إذا جلست أنت يا من تحافظ على دروس العلم في المساجد وتنقب عن مجالس العلماء على قهوة من هذه القهاوي فسوف يعاب عليك، ولن يعاب عليك فحسب، ولكن للأسف سيخوض الناس في الإسلام، ولذلك كان الصحابة والتابعون من بعدهم يتأسون برسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يكون ظاهرهم كباطنهم، فلابد من الحفاظ على المظهر العام؛ حتى لا تخوض الناس في عرضه، فلا ينهى الناس عن شيء ويأتيه هو، فهذه هي الكارثة. والحكيم العربي يقول: إن عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل. يعني: إنسان يلتزم بما يقول من غير أن يقول شيئاً، وإنما هو مخلص في عمله، محافظ على مواعيده، لا يعطل مصالح الناس، إن كان في يده مشكلة حلها بفضل الله، ويسعى بين الناس في الخير، ولا يتكلم، فهذا عنوان طيب للإسلام. وهذا عمل رجل في ألف رجل، وخير من قول ألف رجل في رجل. ومن قبل خمسة وعشرين سنة من انقلاب اثنين وخمسين إلى نكسة سبعة وستين وهم يبحثون على تعريف للفلاح، ومن هو الفلاح؟ ويأتون يمين وشمال، ولجان تنفض ولجان تجتمع؛ حتى يعرفوا الفلاح! وهو كلام لا يغادر حلوقهم، ولذلك يدخل من أذن ويخرج من الأذن الأخرى. ورجل من الجزائر اسمه أحمد بن بلا ركن سنوات طويلة إلى الاشتراكية ثم بدأ يقرأ عن الإسلام، ثم قال قبل أن يصل إلى الجزائر وهو في المنفى: ضيعت شطر عمري في أشياء لا تمت إلى الحقيقة بصلة، فقد تسمينا بالاشتراكية وبالقومية، ولا شيء يبقى إلا الإسلام وكلمة التوحيد والعمل بها. وهذا بعد أن رفعوا الشعارات الضخمة والقوية.

معالجة الغرور أو الافتتان بالشخصيات

معالجة الغرور أو الافتتان بالشخصيات

موقف رسول الله من علي رضي الله عنه في غزوة خيبر

موقف رسول الله من علي رضي الله عنه في غزوة خيبر والمسلم ليس عنده هذا، وإنما يعمل مثل سيدنا علي رضي الله عنه في غزوة خيبر، فقد كسر الدرع الذي كان يتلقى به السيوف، فالمحارب العربي كان يمسك السيف بيد والدرع أو الدرقة أو الترس باليد الثانية؛ لأجل أن يتلقى عليها ضربات السيوف، فكسر درع أو ترس علي، فبحث عن ترس فلم يجد، فلقي باب من أبواب الحصن وقع، فحمل الباب واستخدمه كدرع. قال سيدنا أنس بن مالك: فلما انتهت المعركة وفتحنا خيبر حاول سبعة وأنا ثامنهم أن نزحزح الباب عن مكانه فلم نستطع. ولم يكن هناك لجنة تعطيه نجمة داود أو نجمة عبد السميع. فتبسم علي رضي الله عنه، وخاف الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الابتسامة، فقد تكون ابتسامة فخر أو غرور أو خيلاء، فالرسول أراد أن يقفل عليه الباب. ولا تفكر أنك أذكى من الشيطان، صحيح أن الشيطان كيده ضعيف، كما قال تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء:76]، ولكنك في أحيان كثيرة أضعف من الشيطان؛ لأنه يعمل ضدك أربعاً وعشرين ساعة متواصلة، وأنت تعمل ضده لحظات، أنت تقول: أعوذ بالله، ولكن هو يخطط وينظم. فسيدنا الحبيب خاف على علي من هذه الابتسامة فقال: يا علي! قال: نعم. قال: أأنت فارس العرب؟ قال: يقولون ذلك يا رسول الله! يعني: لست أنا الذي أقول، وإنما الناس يقولون هذا. وكل الناس هكذا هذا الوقت، فكلما تكلم أحد يقول: أنت لا تعرف من أنا؟ وأنا لا يهمني أن أعرف، ولكنك تراب ابن تراب، وأنا أبي تراب ابن تراب، و (كلكم لآدم وآدم من تراب). ولنفرض جدلاً أنك تزوجت من امرأة ذات حسب ونسب، فمعنى هذا أن المرأة كل يوم الصباح ستقول لك: ألا تعرف أنا بنت من؟ وكل قليل تذكرك بذلك، ولو لم تتزوجها لعنست في بيت أبيها. فسيدنا الحبيب قال: أأنت فارس العرب يا علي! وشجاعها؟ قال: يقولون ذلك يا رسول الله! قال: هناك فارس خلف هذا الجبل، أتحب أن تلقاه وتقابله؟ قال: أقابله يا رسول الله! فذهب، فقال الفارس لـ علي: أتبارزني؟ قال: أبارزك، فبارز الفارس علياً، فصرع الفارس علياً على الأرض، مع أنه يقال: أن سيدنا علياً لما كنت تعييه الحيلة في فارس كان ينزعه من قفاه من فوق الفرس فيرضه على الأرض رضة يكون فيها أجله، وهذا حق وحقيقة. فـ علي الذي كان يأخذ الفارس من على فرسه ويرميه في الأرض يكون أجله، جاء الفارس وصرعه مرة وثانية وثالثة، فسيدنا علي قال: الموضوع فيه سر، أستحلفك بالله أن تكشف لي عن وجهك، فإذا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تقف الأمور عند حدودها، ولا يترك الأمور تتسع؛ لأنه لو أشيع بين الناس أن علياً كان يستخدم ترساً عبارة عن باب يعجز ثمانية عن أن يحملوه فهذه ستكون خيلاء وغروراً.

موقف عمر بن الخطاب من خالد بن الوليد رضي الله عنهما

موقف عمر بن الخطاب من خالد بن الوليد رضي الله عنهما وقال قائد الفرس يوماً لـ خالد بن الوليد: يا خالد! هل أنزل الله سيفاً من السماء على نبيكم فأعطاه لك، فما دخلت معركة إلا وانتصرت؟ وهذا اليوم مثل قضية مس الجن، وهذا الكلام المسلم لا يلقي له بالاً، وحتى وإن كان حقيقة فما عليك إلا أن تعتصم بالله عز وجل، فمن ذا الذي قال: يا رب! وخذله رب العباد سبحانه؟! ومن ذا الذي رفع يديه إلى السماء وقال: يا رب! والله سبحانه وتعالى لم ينصره؟! فارفع يديك بإلحاح وبإلحاف وبتضرع وبتذلل وقل: إني فقير فأغنني، إني ضعيف فقوني، إني مذنب فتب علي، وليكن هكذا دعاؤك لله عز وجل في كل وقت، وتوجه إلى الله بأسمائه الحسنى، وقل: يا غني أغنني فأنا فقير، يا قوي قوني فأنا ضعيف. وإذا أردت أن تسأل فلا تسأل إلا الله، ولا تسأل أحداً، فلا يوجد واسطة بينك وبين ربنا، وادع بأسماء الله الحسنى وسوف يستجيب الله سبحانه وتعالى لك. فاللهم استجب لنا دعاءنا يا أكرم الأكرمين! فـ خالد بن الوليد تعجب! وقال: لم ينزل سيف من السماء، ولكنها دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستجيبت الدعوة في سيدنا خالد.

أسباب عزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد

أسباب عزل عمر بن الخطاب لخالد بن الوليد ولما رأى عمر بن الخطاب أن الناس ستفتن بـ خالد بن الوليد كشخص عزله، ليس للأسباب التي نقرؤها في كتب التاريخ، ولكن حتى لا يفتتن الناس به، لأن الناس بدأت تفتتن بالشخصيات. ثم إن المرحلة التي عزل فيها خالد كانت مرحلة تستدعي السلم والمصالحات والمعاهدات، ولم يكن خالد يصلح لهذه المعاهدات، فكل واحد له شخصية وطريقة، فكان أبو عبيدة بن الجراح ومعاوية بن أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل يجيدون التفاوض والسياسات والمعاهدات، وأما خالد فكانت طريقته أو شخصيته مجبولة على القتال وعلى المعركة، فكان يهون عليه في سبيل الله سبحانه وتعالى ما يلاقي رضي الله عنه، ورغم ذلك مات على فراشه وقال: ما من موضع في جسدي إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح، وهأنذا أموت على سريري كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء. وإذا لم يكن من الموت بد فمن العجز أن تموت جباناً وقال أبو بكر رضي الله عنه: احرص على الموت توهب لك الحياة. وقس على وزنها: احرص على الآخرة توهب لك الدنيا والآخرة، واحرص على الدنيا فلن تأتيك لا الدنيا ولا الآخرة، فلو حرصت على الآخرة لآتاك ربنا الدنيا والآخرة؛ لأن الله عنده مفاتح الغيب، ومفاتح الدنيا والآخرة. اللهم! إن أحييتنا في الدنيا فأحينا على الاستقامة، وإن أمتنا فأمتنا على الإسلام والإيمان يا أكرم الأكرمين!

أسباب اليأس وعلاجها

أسباب اليأس وعلاجها

السبب الأول: جهل الناس بطبيعة الدين الإسلامي

السبب الأول: جهل الناس بطبيعة الدين الإسلامي وأنت عندما ترى المجتمع اختلطت فيه الأمور، فلا احترام فيه لكبير، ولا عطف على صغير، ولا رحمة وعطف من غني على فقير، ولا تواضع من فقير أو من غني أو من موظف أو من ذي جاه أو مال أو منصب؛ فلا تظن أن الدنيا قد انتهت، كلا. واليائسون من الإصلاح يئسوا لأمور ثلاثة، ونحن ما زال عندنا أمل بصلاح الأمة، وأكبر عنوان لصلاح هذه الأمة نساؤها وشبابها الذين تعرف أقدامهم بيت الله عز وجل، وما دامت أقدامك قد عرفت بيت الله ودروس العلم فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر. السبب الأول من أسباب اليأس: جهل الناس بطبيعة الدين الإسلامي: والدين الإسلامي حول العرب الغوغاء من أنعام سائمة ترتع في الصحراء إلى أناس فيهم الاحترام والوقار والعبادة والفروسية والنخوة والإيثار وحب الخير للغير كما يحبونه لأنفسهم ويكرهون لهم ما يكرهون لأنفسهم. وهكذا حول الإسلام العرب من أمم متصارعة ومتحاربة وقبائل متناحرة إلى إخوة متحابين في الله، والله سبحانه وتعالى يمن على المسلمين بقوله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103] فهذه منة من الله عز وجل. والأقرع بن حابس كان له عشرة من الولد في الإسلام، وما قبل واحداً منهم، ودفن سبعاً من بناته أحياء قبل الإسلام، ثم لما جاء الإسلام وأسلم وجد الرسول صلى الله عليه وسلم يحتضن الحسن والحسين ويقبلهما، فقال: أتقبلون أبناءكم يا رسول الله؟! وهناك أناس فيهم جفاف في العاطفة، ويعتبرون عطفك الشديد على ابنك أو على ابنتك ضعفاً، فقال صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم لا يرحم، وماذا أصنع وقد نزع الله الرحمة من قلبك؟). فما كان الأقرع بعدها إلا رحيماً بأبنائه وبأبناء المسلمين، وتحول هذا الإنسان ذو القلب الغليظ إلى إنسان رقيق القلب. وقال سيدنا أنس رضي الله عنه: كنت لا أحب اليقطين، واليقطين هو: القرع. قال: فلما رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقطها من طرف الصحفة أحببتها لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالإسلام حول الحب، ولذلك سيدنا عمر قال: يا رسول الله! والله إني لأحبك أكثر من كل شيء إلا من نفسي، فقال: (يا عمر! لن يكمل إيمان أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وزوجه وولده ونفسه التي بين جنبيه. فقال عمر: والله إنك الآن يا رسول الله! أحب إلي من ولدي وأهلي ونفسي التي بين جنبي، قال: الآن يا عمر!). أي: هذا الوقت تحول إيمان عمر ودرجات الإيمان عنده من حب محدود إلى حب مطلق. ووصل الأمر بـ عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أن يجهز جيش العسرة، والجيش في هذا العصر يحتاج إلى مليارات ليتجهز بها. والعساكر الأمريكان الذين كانوا في درع الصحراء على بعد ألف وخمسمائة كيلو متر من مكة المكرمة استخدموا في شهري أغسطس وسبتمبر ثمانمائة واثنين وثلاثين مليون دولار ثمناً لكريمات دهن الشفاه بسبب القشف في الصحراء. والجندي منا راتبه ثلاثة جنيه، ربنا يعينه، ويوسع عليه من واسع فضله. وهو حامد وشاكر، والحمد لله فهذه نعمة من النعم. فالجندي الأمريكي جالس يدهن شفتيه وهو غضبان، وقد أتوا له بصديقته لتسليه، فكيف سيحارب؟! ولكن الجندي المسلم الذي يتحرك بإذن الله أول ما يقال: هناك حرب ضد إسرائيل فكلنا سنذهب صفاً واحداً إن شاء الله. ولو فتح التطوع لإخراج إسرائيل من المسجد الأقصى فسوف يجدون بإذن الله ملايين الملايين يقولون: لا إله إلا الله، حي على الجهاد. والمسلم بطبيعته يعلم أن الدين حول العرب من أناس تتصارع وتتحارب وتتناحر وتتشاكس إلى إخوة متحابين في الله. هذا هو السبب الأول ليأس المصلحين، ومن فضل الله فأنا لا أيأس أبداً من أنه ما زال هناك خير في الأمة، بل بالعكس الخير يكثر، والشر ينحسر، قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:17]، فالذي ينفع الناس سيبقى وسيظل بلا إله إلا الله. وفي الحديث: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة على الحق لا يضرها من ضل). لأنها مستمسكة بالكتاب والسنة. وأعظم شيء أنك تلقى زوجتك رغم الفوضى والعري في الشوارع منقبة ومختمرة، تمشي بأدب، وتأتي إلى المسجد وتسمع درس العلم، وتقوم تصلي الفجر وتصلي ركعتين في جوف الليل، وتقرأ القرآن، وأولادك الصغار على الأكل يقولون: باسم الله، اللهم بارك لنا في ما رزقتنا! وبعد أن يكملوا يقولون: الحمد لله رب العالمين، وتجد أولادك مصلين وبناتك مطيعات. فهذه نعمة من النعم، وهذا فضل يجب أن تحمد الله عليه، وتستزيد الله من فضله، قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]. اللهم اجعلنا من الشاكرين، وممن تقبل شكرهم وتزيدهم من فضلك يا أكرم الأكرمين! يا رب العالمين!

السبب الثاني: انتشار الفساد

السبب الثاني: انتشار الفساد السبب الثاني من أسباب يأس البعض منا: انتشار الفساد: والشيطان لا يريهم إلا كل صورة سيئة، ولا يضع أمامهم إلا الشر فقط. وإذا ذهبت إلى أمريكا فستجد الطوابير أمام العيادات النفسية، تريد حجز مكان عند الدكتور النفسي؛ لأن عندهم إما مكتئب، وإما مقدم على الانتحار، وإما قانط من الحياة وما فيها، وإما من دخل مرحلة الجنون. وواحدة من هذه تكفي. والله سبحانه وتعالى يعطي الإنسان شيئاً ويسلبه شيئاً، ولو أعطاه كل شيء لأصبح مثل فرعون، فـ فرعون أعطي من كل شيء فاستكبر، {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:49 - 50] قال له: والذي يؤمن به أين يذهب؟ قال: يذهب إلى جنات تجري من تحتها الأنهار وملك لا يفنى. قال: أنا عندي هذا كله، عندي ملك مصر، {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51]. وسيدنا موسى بعدما دخل على فرعون بالرسالة لم يمرض أبداً. اللهم لا تسلبنا بعد العطاء يا رب! وثبت علينا نعمة الإيمان يا أكرم الأكرمين فقد كان صاحب غنى وجاه ومنصب ومكانة والناس كلها -والعياذ بالله- تعبده من دون الله. ثم إن ربنا بدأ يبتليهم، فابتلاهم بالدم، فكان الطباخون يغرفون ويذهبون بالأطباق إلى فرعون فتعود مليئة بالدم، فقالوا: يا موسى {اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان:12]، فلما كشف العذاب قالوا: لن نؤمن لك، فابتلاهم الله بالضفادع، فكان فرعون وقومه يأتون ليتكلموا وما إن يفتح أحدهم فمه حتى تقفز الضفدعة إلى فمه، والفئران في عام 1985م حولت حياة أهل الريف والصعيد إلى جحيم، نسأل الله العافية والرحمة. فأرسل الله عليهم الجراد والقمل والدم والضفادع آيات مفصلات. ثم قال سيدنا موسى: نأخذ هؤلاء المؤمنين ونذهب بهم بعيداً عن انحراف فرعون إلى الأرض المقدسة، فسار بهم نحو سيناء، فأتبعهم فرعون ومن معه من جنوده، فلما رءوهم {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:61 - 62]، ثم عبر سيدنا موسى ومن معه البحر. وكان سيدنا جبريل يجلس مع سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يسامره ويكلمه عن أخبار الأمم السابقة، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم كان عنده من العلم ما ليس عندنا، ولكن الشيء الذي يخص أمر العقيدة والوصول إلى الله لم يخبئه عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً، فما خبأ شيئاً مما علم صلى الله عليه وسلم، وما علمه بلغه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]. فقال له: لو تراني يا رسول الله! وأنا أدس الماء في فمه؛ كي يغرق قبل أن تدركه رحمة الله عز وجل. وانظروا إلى غيظ سيدنا جبريل منه، فهو يريد أن يغرقه قبل أن تنزل عليه رحمة ربنا؛ لأن سيدنا جبريل يغار على مقام الوحدانية. وأنت تريد الانتقام ممن يشتم أباك، فما بالك بمن يقول: أنا ربكم الأعلى. وقد كان الشافعي يدعو الله ويبكي ويقول: يا رب! تقول هذا لمن قال: أنا ربكم الأعلى -يعني: أنت قلت لموسى وهارون: اذهبا إلى فرعون وقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى- فكيف بمن يقول في كل لحظة: سبحان ربي الأعلى، أي: إنك ستكرمه يا رب! إن شاء الله. اللهم أكرمنا ولا تهنا، اللهم أكرمنا ولا تهنا. فالشيطان قد يوسع لك منظر الفساد أمامك، وعندئذٍ أيضاً لا تشك في الصلاح والإصلاح أبداً.

السبب الثالث: توهم الداعية أنه وحيد في الدعوة

السبب الثالث: توهم الداعية أنه وحيد في الدعوة النقطة الثالثة التي تصيب من يرشد الناس باليأس: أنه يقول: أنا يد واحدة، واليد الواحدة لا تصفق. ونقول اليد الواحدة بفضل الله وإن شاء الله ستصفق، لأنها يد مع يد مع يد، وكل الأيادي المؤمنة إن شاء الله سوف تجتمع على الخير، ولا تجتمع أمتي على ضلالة أبداً. فاللهم اجمعنا بعد فرقة، ووحدنا بعد شتات، واهدنا بعد ضلال، إنك يا مولانا على ما تشاء قدير.

مولد فاطمة الزهراء عام إعادة بناء الكعبة

مولد فاطمة الزهراء عام إعادة بناء الكعبة هذه هي الحلقة الثامنة وسنقف فيها مع أصغر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حازت حب أبيها أكثر من غيرها، وظلت على قيد الحياة بعد انتقال أبيها إلى الرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم، ومنها كان عقبه ونسله الطاهر عليه الصلاة والسلام، فأنجبت أربعة من الأبناء والبنات، وهي السيدة فاطمة الزهراء. وقد كان يوم ولادتها يوم عظيم في تاريخ البشرية، فالسيول هدمت الكعبة، والكعبة كانت كلما تأتيها سيول تهدمها، وكانت قريش تخاف الاقتراب من الكعبة، لأنه كان لهذا المكان احترام، فأرادوا أن يعيدوا بناءها، وخافوا من هدمها، وقالوا: إن هدمناها فقد يصيبنا الله بشيء؛ لأنهم رأوا ما صنع الله بـ أبرهة عندما أراد سوءاً بالكعبة، ورأوا الطير الأبابيل، وذكروها في شعرهم، ورأوا هلاك أبرهة أمام أعينهم. وكانت الحجارة التي أتت بها الطير الأبابيل حجارة مسومة معلمة، يعني: الحجر أو الحصاة مكتوب عليها اسم الذي ستقتله، وسبحان الله، فأنت لابد أن تكون مع الله حتى يأتيك نصر الله عز وجل! وكان قد قال أبرهة لـ عبد المطلب يا عبد المطلب! آتي لهدم بيت آبائك وأجدادك وتسألني عن مائة ناقة لك ولأبنائك؟! فقال له: الإبل أنا ربها، وللبيت رب يحميه. والذين يقولون: احتمال أن تعمل أمريكا أو إسرائيل أو العراق كذا، نقول لهم: هذا بيت محمي من الله عز وجل، والملائكة ستحرسه، ولا تظنوا إلا كل خير، ولا تشكوا في قدرة الله عز وجل، قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25]، فبيت الله محروس من قبل الله عز وجل، وعلى حدود مكة والمدينة ملائكة تحرس الحرمين الشريفين. فرد عليه الإبل، وقام أبرهة ومعه اثنا عشر فيلاً، والفيل الكبير كان اسمه محموداً، يعني: محمود الفعال، فكان يوجه الفيل يميناً فيمشي، وشمالاً فيمشي، وغرباً فيمشي، وشرقاً فيمشي. وعندما نذهب نحج نأتي إلى مكان بين الصفا والمروة ونسرع فيه قليلاً، وهو وادي محسر، وهو عند المشعر الحرام ببضع أمتار، وهذا هو المكان الذي هلك فيه أبرهة، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر الصحابة أن يسرعوا في هذه المنطقة، واليوم بعض السائقين ينزلون الحجاج في وادي محسر؛ لالتقاط الحصى، وإذا قلت له: لا أحد ينزل في هذا المكان، قال: انزلوا هنا حتى لا تقع لنا مشاكل. فلما وصل إبرهة وادي محسر إذا بالطير تحجب ضوء السماء، وكان ينزل كل طير معه ثلاث حصيات، حصاة في منقاره، وحصاة في رجله اليمنى، وحصاة في رجله اليسرى، وكل حصاة مكتوب عليها اسم المقتول بها، مسومة عند ربك. وأبرهة اجتمعت عليه الطيور حتى جمعه جنوده قطعاً في جرة. فيجب على كل مسلم أن يدرك أن للبيت رباً يحميه. والرسول صلى الله عليه وسلم ولد في عام الفيل، ولما بلغ من العمر ثلاثين عاماً أرادت قريش أن تعيد بناء الكعبة، فدخل الوليد بن المغيرة والد خالد بن الوليد وأمسك بالمعول وقريش ساكتة كلها وقال: يا رب! إنك تعلم أننا لا نريد إلا خيراً، وضرب فوقعت حجر من الكعبة، فقالت قريش: انتظروا حتى الصباح، فإن حدث شر للوليد أعدنا الحجر إلى مكانه ولن نقترب من الكعبة، وإن لم يحصل له شيء هدمناها وبنيناها كما كانت، فانتظروا إلى الصباح فإذا الوليد سليماً معافى، فذهبوا لإكمال الهدم والبناء، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشاركهم في ذلك. ثم اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود، فاحتكموا وقالوا: أول واحد يدخل من باب الحرم نحتكم إليه، فإذا به سيدنا محمد، ولم يكن رسولاً بعد، وقالوا: هذا هو الأمين محمد، قد رضينا بالأمين محمد، فسألهم: مالكم؟ فقالوا: لقد اختلفنا من الذي يضع الحجر، وكاد أن يحدث تنازع بين القبائل، لأن كل قبيلة تريد أن تحوز هذا الشرف، وهذا شرف كبير لأي قبيلة تضع الحجر في مكانه، وعندئذٍ خلع عباءته الشريفة، وبسطها على الأرض، ووضع الحجر فيها، ثم قال: لتختر كل قبيلة واحداً منها ليرفع من طرف، فلما اقترب الحجر من مكانه أخذه صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ووضعه مكانه، وانتهت المشكلة، فعاد إلى البيت فإذا بـ خديجة قد وضعت فاطمة الزهراء. فأبوها ولد في عام الفيل، وهي ولدت في يوم إعادة بناء الكعبة، وقد سماها فاطمة الزهراء، قالوا: لأنها كانت كأن الشمس تشع من وجهها كأبيها، فـ الزهراء يعني: مضيئة، فالسيدة فاطمة حرمت حنان أمها وهي صغيرة، وتزوجت في غيبة أمها.

هجرة فاطمة رضي الله عنها وبيان ما لاقت فيها

هجرة فاطمة رضي الله عنها وبيان ما لاقت فيها وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأحد الأنصار وأحد بني عبد المطلب من المدينة ليأتيا بـ فاطمة وأم كلثوم، وكانت السيدة رقية مع زوجها عثمان بن عفان في الحبشة ساعة الهجرة، والسيدة زينب كانت ما تزال في عصمة زوجها أبي العاص بن الربيع الذي هو ابن خالتها، فأمه هي السيدة هالة أخت السيدة خديجة. فالسيدة أم كلثوم والسيدة فاطمة تبعتا من جاء من عند أبيهما ليأخذهما، فخرج عليهم الحويرث بن عبد قصي أحد صناديد قريش فنخس بعيرهما فوقعت السيدة فاطمة على الأرض وأصابها جروح وكدمات في جسدها رضي الله عنها، فكان صلى الله عليه وسلم يقول: (من لقي الحويرث بن عبد قصي فليقتله ولو وجده تحت الحجر الأسود). وقد قتله علي بن أبي طالب في عام الفتح. هاجرت السيدة فاطمة ولحقت بأبيها صلى الله عليه وسلم في المدينة، وقد كانت صغيرة؛ لأنها ولدت قبل البعثة بعشر سنوات. فأول ما نزل الوحي على سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بإقرأ كانت السيدة فاطمة بنت عشر سنوات، وفي بعض الروايات: ثمان، وفي بعضها: ست. من كرم الله عز وجل عليها أن كرم زوجها علياً، قال أنس بن مالك: بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، وصلى علي خلفه يوم الثلاثاء. وهذا كرم ما بعده كرم. والسيدة فاطمة كانت ترى كيف كانت قريش تعذب أباها، ورأت طلاق أختيها السيدة رقية والسيدة أم كلثوم من عتبة وعتيبة ابني أبي لهب، والعياذ بالله.

بيان عاقبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم

بيان عاقبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم وعتبة بعدما طلق زوجته السيدة رقية بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شتم الرسول صلى الله عليه وسلم عند الكعبة، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك)، فعندما سمع أبو لهب الدعوة كان لا يسير إلا وعتبة في يده، ويقول: إن دعوة محمد مستجابة. ولما أراد إخوة عتبة أن يأخذوه معهم في رحلة إلى الشام، قال أبو لهب لهم: أعينكم على عتبة؛ فإن محمداً دعا عليه، ودعوة محمد مستجابة، لا يسير عتبة أمامكم ولا خلفكم ولا أيمنكم ولا أيسركم، وإنما سيروه وسطكم، واجعلوه ينام في وسطكم، فناموا وهو وسطهم، فقال أحدهم وكان آخر الشهر وهو في ظلام في الصحراء: أشعر أن أسداً يتشممنا. فقال الذي بجانبه: اسكت، ما أظن أن الأسد يتشمم، وإنما الأسد يفترس. فكأنه كان يبحث عن أحد حتى شم عتبة فأخذه وسحبه من بين أصحابه وأكله. فيا ويل من يسب الرسول صلى الله عليه وسلم أو يسب دين الله عز وجل! فالذي يسب الدين والعياذ بالله فقد خرج من الملة وقد حبط عمله وصار مرتداً، وإن أراد التوبة فليجدد الإيمان، وليغتسل ولينطق بالشهادتين، وليصلي ركعتين بنية التوبة، وليعقد على زوجته من جديد، وليستأنف عمله فلقد حبط عمله.

دفاع فاطمة رضي الله عنها أمام المشركين عن أبيها

دفاع فاطمة رضي الله عنها أمام المشركين عن أبيها والسيدة فاطمة رأت مرة أبا جهل وهو يضع سلى الجزور -يعني: ما يبقى بعد الولادة- على ظهر أبيها صلى الله عليه وسلم، فكانت تأتي وتزيلها عن ظهر أبيها وتبكي وتقول: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله. فهي بنت ضعيفة لا تجد من ينصر أباها. فكان يقول سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم عند الكعبة: من ينصرني، فتقول فاطمة: أنا أنصرك يا أبتاه! وابن عمه علي وكان عمره عشر سنين يقول: أنا أنصرك يا ابن العم! ولقد كان نعم النصير. ولو تفكرنا بجدية فإن الذي ينام في مكان الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة محكوم عليه بالقتل. وانظر إلى عظمة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يقول لـ علي: نم في هذا الفراش!

من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم

من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم رغم عداء قريش له كانت لا تحفظ أماناتها إلا عنده، فقال لـ علي: نم هنا، فإذا طلع الصباح أعد أمانات قريش إلى أصحابها. فهم يبحثون عنه ليقتلوه، وهو يبحث ليعيد الأمانة، فانظر إلى هذه الأخلاق! ورحم الله أمير الشعراء إذ يقول في الحبيب صلى الله عليه وسلم: يا من له الأخلاق ما تهوى العلا منها وما يتعشق الكبراء زانتك في الخلق العظيم شمائل يغرى بهن ويولع العظماء فإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاء وأحدهم قبل البعثة أراد الرسول في شيء، فقال له: انتظرني عند الكعبة قبل الغروب، فذهب الرسول ينتظر كما وعد الرجل، فلم يأت، وفي اليوم الثاني لم يأت، فقعد ستة أيام، وفي اليوم السابع جاء الرجل ماشياً فرأى النبي صلى الله عليه وسلم جالساً فقال: ما الذي يجلسك هكذا يا محمد؟! فقال: يا بني! هذا سابع يوم أنتظرك. فهو قد أعطى الرجل كلمة أنه ينتظره قبل الغروب، فمر أول يوم فقال: أنتظر ثاني يوم، وهكذا حتى جلس سبعة أيام ينتظره، ومن يعمل منا هكذا، فنحن نتشكك حتى نلغي المواعيد. والمستشرقون يقولون: لو لم يكن محمد رسولاً لكانت أخلاقه تصلح أن تكون وحدها رسالة. وما ضرب امرأة ولا خادماً بيده قط، إلا في سبيل الله عز وجل. وفي غزوة بدر قال أمام الصحابة قبل احتدام المعركة: من جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد منه، ومن أخذت من ماله شيئاً فهذا مالي فليأخذ منه ما يشاء. فقال سواد بن عبد الله رضوان الله عليه: أنا يا رسول الله! قال له: ماذا؟ قال: ضربتني، قال: وماذا تريد؟ قال: أضربك كما ضربتني. فالصحابة هابوا، فقال: أين ضربتك؟ قال: على ظهري، فقال الحبيب: وهذا ظهري وانحنى صلى الله عليه وسلم، فقال: لا، لقد ضربتني بدون ثوب، فلا أضربك على القميص الذي تلبسه، فكشف عن كتفيه، فأكب سواد يقبل خاتم النبوة ويبكي ويقول: يا رسول الله! ربما لا يكون لي حياة بعد الغزوة، فلربما رزقت الشهادة، فأريد أن يكون آخر ما يقع نظري عليه خاتم النبوة، وسمعتك تقول: (من نظر إلى خاتم النبوة فلن يدخل النار يوم القيامة). وما كان لـ سواد بن عبد الله أن يجلد ظهر خير عباد الله صلى الله عليه وسلم. فالرسول صلى الله عليه وسلم تركه بعد أن حصنه بكلمات الله ليلة الهجرة خرج والمشركون واقفون صفين، ووضع التراب على رءوسهم وقرأ سورة ياسين، {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9]، ثم غادر المكان إلى أبي بكر حيث كان ينتظره ومعه الراحلة وعبد الله بن أريقط وعامر بن فهيرة، وسار في الطريق في كنف الله عز وجل، ونام علي فقال الله عز وجل: يا جبريل! يا ميكائيل! اهبطا، لتكون أنت يا جبريل! عند رأس علي، وأنت يا ميكائيل! عند أقدام علي، فإن أرادوا علياً بسوء فخذوهم، فإني أفدي حياته، لأنه فدى حياة حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم. فهو مربى على الشجاعة وعلى التضحية وعلى الذود عن الذمار والدفاع عن الحرمات، رضوان الله عليه.

خطبة علي لفاطمة رضي الله عنهما

خطبة علي لفاطمة رضي الله عنهما فهاجرت السيدة فاطمة إلى أبيها وكبرت في السن، وجاء أبو بكر ليخطب فاطمة، فرده الرسول صلى الله عليه وسلم برفق، وجاء عمر ليخطبها فرده الرسول صلى الله عليه وسلم برفق، إلى أن جاء علي. وتقول رواية من الروايات: إن سيدنا الحبيب قرب لـ علي المسألة فقال: أجئتنا لتخطب فاطمة؟ قال: نعم، قال: توكلنا على الله. الرواية الثانية: قال: يا رسول الله! جئت أخطب منك فاطمة، قال: أهلاً ومرحباً، فسكت. فخرج فرأى عمر على الباب قال: ماذا قال لك رسول الله، قال: والله ما فهمت شيئاً، قال: أهلاً ومرحباً، قال: تكفيك إحداهما من رسول الله.

زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب

زواج عمر بن الخطاب من أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وسيدنا عمر لما خطب أم كلثوم من علي أبيها رضوان الله عليه، وكانت أم كلثوم رابع أبناء السيدة فاطمة، فأبناؤها: الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم. فقال له علي: إنها صغيرة يا أمير المؤمنين! فقال له: يا علي! ألا ترضى الخير لأخيك المسلم؟ قال: نعم، قال: أنا أريد أن آخذ من هذه السلالة، فقال له: سوف أرسلها لك، فإن أعجبتك كان بها. فقال سيدنا علي لـ أم كلثوم وهي بنت صغيرة: خذي يا ابنتي هذا البرد وقولي لأمير المؤمنين: أيعجبك هذا الثوب؟ فلما وصلت أم كلثوم إلى عمر قالت له: يقول أبي: أيعجبك هذا البرد؟ فقال لها عمر: قولي لأبيك: وهل هذا البرد لا يعجب أحداً. فرجعت تقول له: هو يقول لك: وهل هذا البرد لا يعجب أحداً فقال لها: أترضي بأمير المؤمنين زوجاً؟ فسكتت، فقال: توكلنا على الله. وقد كان هناك شيء اسمه حياء العذارى، وترى البنت إذا خطبت تبكي من الخوف والخجل، واليوم نسأل الله العصمة لبناتنا وأبنائنا. ولنخفف من المهر، ونشجع الشباب على الزواج، والمصيبة أننا نقول هذا الكلام وكلما جاءنا عريس نكدنا عليه، فيسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، وكونوا عباد الله إخواناً، وساعدوا الشباب، ولا تتركوهم يصلون إلى الأربعين سنة وهم لم يتزوجوا، فساعدوهم على إقامة البيت المسلم، ونريد كل يوم أن نعقد قراناً بين اثنين هنا في المسجد بإذن الله، فلنشجع الشباب، ولنيسر الأمر.

الحث على إكثار النسل

الحث على إكثار النسل ونريد تطبيق القاعدة الإسلامية: (تناكحوا تناسلوا) وليس حددوا أو نظموا، فأكثروا من الذرية، ولا يضحك عليكم أحد ويقول: واحد أحسن من أربعة. فالأربعة أحسن من الواحد، والعشرة أحسن من الكل، وإن شاء الله تأتي بعشرين ولداً. وإن فلاحاً أسبانياً له واحد وعشرون ولداً -ولو كان عندنا لضربناه في ميدان التحرير بالرصاص- أهدى له الملك الأسباني أعلى وسام أسباني، وسماه بطلاً قومياً؛ لأنه كثر الذرية. والفرنسيون الذين يصدرون لنا حبوب منع الحمل رئيسهم ميتران يعطي الولد الثاني ثمانمائة وأربعين فرنكاً زيادة على مرتب الأب، ويعطي الولد الثالث ألفاً وأربعمائة وستين فرنكاً فرنسياً زيادة على المرتب. فهم يكثرون النسل ويضحكون علينا، ويصدرون لنا الخيبة. والذي يقول: إن أكثر القادرين مادياً هم الذين عندهم ولد واحد أو اثنان، حتى نربيه نقول له: والدتك لما أتت بكم سبعة أربتكم أم لم تربكم؟ وإذا نظرنا الآن إلى أبناء جيل الأمهات من خريجات الجامعة نجد أن الولد قد تربى في الحضانة، نسأل الله السلامة، وليس عنده عطف ولا حنان. وقد عملوا إحصائية فوجدوا أن ابن الموظفة جبان؛ لأنه مرمي من صغره في الحضانة؛ لأن أمه في الشغل، وليست فارغة لتربيته، ربنا يهديهن لأن يعدن، {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل:18].

عقد علي رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها

عقد علي رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها فسيدنا علي لما قيل له: أهلاً ومرحباً رجع ثانياً إلى سيدنا الحبيب وقال له: يا رسول الله! أرضيت أن تزوجني فاطمة؟ قال: نعم يا علي! اذهب فأحضر أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ومثلهم من الأنصار؛ حتى يشهدوا على العقد. فحضر العشرة، ودخلوا إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي! ما عندك؟ قال: عندي درع حطمية، يعني: تتحطم السيوف عليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب بعها يا بلال! في السوق، فباعها بأربعمائة درهم، وجاء بالأربعمائة وجلس متأدباً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور عشرة من صحابته رضوان الله عليهم جميعاً، فقال: يا علي! اخطب لنفسك. فخطب علي في حضرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله شكراً لأنعمه وأياديه، وأشهد أن لا إله إلا الله تبلغه وترضيه، وهذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنته فاطمة على صداق مبلغه أربعمائة درهم، فاسمعوا ما يقول، واشهدوا على العقد. فقال الصحابة بأدب: ماذا تقول يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المهروب من عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، ونيرهم بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. إن الله عز وجل جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمراً مفروضاً، وحكماً عادلاً، وخيراً جامعاً يعني: إن ربنا جعل المصاهرة تجمع بين الأسر، وهي تناسب وتقارب بين الناس، وقد قال أجدادنا: النسب مثل اللبن. فلا تقل: إن القطيعة حصلت، وحاول أن تقرب، لا أن تبعد، ودع الوزر على من يقطع الأرحام. اللهم لا تجعلنا من المقطعين للأرحام يا رب العالمين! أوشج بها الأرحام أي: اجعلها وشيجة وقربة، وألزمها الأنام، فقال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان:54] وأمر الله يجري إلى قضاء، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:39] ثم إن الله قد أمرني أن أزوج فاطمة بنت خديجة من علي بن أبي طالب، فاشهدوا أني قد زوجته على أربعمائة مثقال فضة إلى آخر القصة.

سلسلة مقتطفات من السيرة [9]

سلسلة مقتطفات من السيرة [9] تمتاز حياة إبراهيم عليه السلام بالمواقف العظيمة والابتلاء الذي قابله بالصبر، فقد ألقي في النار فصبر، وأمره الله تعالى بترك هاجر وابنها إسماعيل بمكة فنفذ أمر الله وصبر، وأمره تعالى بذبح ابنه إسماعيل فعزم على التنفيذ وصبر.

أسباب الحديث عن الخليل عليه السلام

أسباب الحديث عن الخليل عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم. أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده. وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو الدرس التاسع في سلسلة دروسنا عن السيرة النبوية العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسموات. ونسأل الله عز وجل في بداية هذه الجلسة الطيبة أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يثقل بها موازيننا يوم القيامة، وألا يجعل للشيطان فيها حظاً أو نصيباً. اللهم لا تدع لنا -يا مولانا- ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مديناً إلا قضيت دينه، ولا عيباً إلا سترته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا حاجة من حوائج الدنيا لك فيها رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها بكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم اشرح صدورنا، واغفر ذنوبنا، ويسر أمورنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وأذهب الغل والحسد من قلوبنا، واجعلنا إخوة متحابين فيك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك حبك، وحب من أحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. كنا قد توقفنا عند زواج السيدة فاطمة الزهراء قرة عين الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من ربيب بيت النبوة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه. وتحدثنا عن أبناء فاطمة الأربعة ذكوراً وإناثاً، فتحدثنا عن الحسن وعن الحسين وعن زينب وعن أم كلثوم، فاللهم ألحقنا بهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر يا أكرم الأكرمين. وتحدثنا عن زواجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة، وكيف وقفت معه، وكيف ناصرته، وكيف أيدته، وكيف كانت القلب الحنون، وكانت الإنسانة التي تخفف وطأة الحياة على قلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. وهكذا يجب أن تكون المرأة المسلمة، فيجب أن تكون بجوار زوجها هي الزوجة، وهي الأم، وهي الابنة، وهي الحبيبة، وهي الرفيقة، وهي التي تكون مرآة لزوجها يرى فيها عيوبه، ويصل هو وهي بطاعتهما لله عز وجل إلى حياة هانئة سعيدة فيها سكن وفيها مودة وفيها رحمة، فاللهم اطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، ووفقنا وزوجاتنا وذرياتنا إلى ما تحبه وترضاه يا أرحم الراحمين. والتاريخ كله سلسلة واحدة، فهو عبارة عن حلقات، كل حلقة متصلة بالتي تليها، وقبل أن أدخل في قضية بعثة الحبيب المصطفى ونزول سيدنا جبريل عليه السلام أقف قبل ذلك قليلاً عند أبي الأنبياء الذي نحن على ملته، وسمانا بالمسلمين، ووصفه الله بأنه كان أمة قانتاً لله، ولقيه الحبيب ليلة المعراج في السماء السادسة فرحب به وحياه: وقال: أهلاً بالنبي الصالح والابن الصالح، وأنبأه بأن الجنة كلها قيعان، غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فالحديث عن خليل الرحمن سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فنحن في كل تشهد نذكر الفضل لخليل الرحمن عليه السلام، فنقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. والأنبياء -كما قال صلى الله عليه وسلم- كلهم إخوة، دينهم واحد وأمهاتهم شتى، فكل رسول من الرسل يأتي فيقول: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59]، فهذه الجملة عنوان لدعوة كل رسول إلى الله عز وجل. ومما نعلل به الحديث عن سيدنا الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أن قصة سيدنا إبراهيم تكاد تتقارب مع رسالة الحبيب المصطفى، ثم إن الابتلاءات التي ابتلي بها الرسل كان للخليل النصيب الأعظم منها، فمدحه رب الأرض والسموات فقال: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:37]، فبم وفى؟ قال أهل العلم: وهب جسده للنيران، وطعامه للضيفان، وابنه للقربان، وروحه للرحمن، فهو متصل بالله عز وجل. ثم إن سيدنا إبراهيم هو أبو الأنبياء، ويدعيه أهل كل ملة، ولكن يبين الله سبحانه وتعالى الحقيقة الأساسية والتاريخية فيقول: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67]، فسيدنا إبراهيم ليس بيهودي ولا نصراني، ولكنه حنيف مسلم عليه السلام.

الصبر عنوان حياة أولي العزم من الرسل

الصبر عنوان حياة أولي العزم من الرسل وسيدنا إبراهيم عليه السلام أحد أولي العزم من الرسل، والله قد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، وأولو العزم هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء الخمسة أولو العزم، فعند الحديث عنهم عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام يقوى قلب الحبيب المصطفى، فكلهم قد ابتلوا وشردوا، واتهموا بالجنون والتخريف. وكان عليه الصلاة والسلام بتواضعه يقول: (إنما مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فجمله وحسنه إلا موضع لبنة فيه، فجعل الناس يطوفون به ويقولون: ما أحسنه لولا هذه اللبنة) فالناس تطوف حول البيت وتقول: ما أجمل هذا البيت، ما أعظم هذا البيت، لو وضعت هذه اللبنة، قال: (فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين). فهل هناك تواضع أكثر من هذا؟! مع أنه صلى الله عليه وسلم مهما تحدثنا عن عظمته فلن نبلغ ذرة من بحار ومحيطات فضل الله سبحانه على حبيبه صلى الله عليه وسلم.

نشأة الخليل وهجرته عليه السلام إلى مصر

نشأة الخليل وهجرته عليه السلام إلى مصر نشأ سيدنا الخليل وبعث في أرض العراق، ولما أتعبه أهل العراق -كما هي عادتهم- هاجر إلى نابلس في فلسطين، فلما حدثت المجاعة في العراق والشام -وكانت تشمل الأردن وفلسطين وسوريا- جاء الخليل إلى مصر؛ لأن مصر أرض الخيرات، وإذا استقام أهل مصر على طريق الله عز وجل كان الخير كله، ومصر هي عمود الإسلام في كل الأزمان، فاللهم اهد أهلها ووفق ولاتها إلى ما تحبه وترضاه يا أكرم الأكرمين، وجنبهم بطانة السوء وارزقهم بطانة خير تحضهم على الخير وتحثهم عليه.

ولادة إسماعيل عليه السلام

ولادة إسماعيل عليه السلام وقد مكث سيدنا الخليل عليه السلام سنوات ولم ينجب، حتى قال أهل العلم: بلغ ستاً وثمانين سنة من عمره ولم ينجب، فيا من يئست من الإنجاب، ويا من ترغب في البنين ويئست أن يأتي ولي العهد! ثق في رحمة الله عز وجل الذي يقول للشيء كن فيكون، فسوف يقول للعاقر: كوني ولوداً، وسوف يقول لمنجبة البنات: انجبي أبناءً. وأنت لا تعرف الخير أين يكون، فالخير فيما أنت فيه، فإذا وصل الإيمان إلى ذروته فاختيارك ما اختار الله لك، لأن ربنا سبحانه {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص:68] فالاختيار من عند الله. وإذا اختار لك فإنه سيقنعك بما اختار لك، وإذا قنعك بما اختار لك رضي عنك، فاللهم ارض عنا جميعاً. فلو لم ترض بزوجتك وكشف لك الحجاب لرأيت أن فيها الخير كله، ولو أن المرأة الغاضبة على زوجها كشف لها عالم الغيب لما اختارت إلا زوجها، حتى وإن كان سيئ الطبع أو بذيء اللسان أو بخيلاً؛ لأن أعمالها لا ترقى لأن تدخلها الجنة، فالله يحبها فيبتليها بزوج سليط اللسان أو بخيل أو قليل الأدب من أجل أن يكثر حسناتها كل يوم، فعندما تموت تموت وهي كيوم ولدتها أمها، وهكذا أنت حين يرزقك الله بزوجة سيئة. ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه يتغابى والبيوت كلها فيها عيوب، وهل هناك بيت من غير عيب غير بيت سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم؟! ثم إن في النساء سيئة وأسوأ، وكذلك الرجال، وفيهم حسن، وأما الأحسن فقليل، وهو الذي يقدم خيراً لمن قدم إليه شراً، وهو النوع من الناس نادر، والنادر لا حكم له. كرجل امرأته تؤذيه ثلاثين سنة وهو صابر، فهذا رجل من القلة الذين هم صابرون، فاللهم اجعل لنا صبراً كصبر أيوب، واجعل نساءنا كآسية امرأة فرعون. فسيدنا إبراهيم بلغ به السن مبلغه، فهاجر إلى مصر ورجع بالسيدة هاجر، فتسرى بها، فحملت بإسماعيل.

بيان حقيقة ترك إبراهيم إسماعيل وهاجر في مكة

بيان حقيقة ترك إبراهيم إسماعيل وهاجر في مكة وفي الكتب أن السيدة سارة غارت، والواقع أنه لو كانت غيرة لبنى لهذه بيتاً ولهذه بيتاً، فيضع واحدة في مكان والأخرى في مكان آخر، ولكن سيدنا إبراهيم أخذ هاجر وابنه الرضيع وذهب إلى مكة، ولا يتحرك نبي من الأنبياء ولا رسول من الرسل إلا بإذن من الله. فسيدنا يونس عليه السلام لما تحرك خطوة بدون استئذان الوحي حصل له ما حصل، كما قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} [الأنبياء:87]، فليس براض عنه قومه؛ لأنهم لم يؤمنوا، ويجب أن يكون غضبك لله عز وجل. وهناك قصة في الغضب لله والغضب للنفس، وهي أن أناساً كان يعبدون شجرة، وعلم بهم رجل مسلم، فأخذ الفأس وذهب ليقطعها، فقابله إبليس في صورة رجل فقال: إلى أين؟ قال له: هناك شجرة تعبد من دون الله سوف أذهب لأقطعها، فقال له: مالك وللناس، دع الناس في شأنهم، وعد إلى بيتك وسوف تجد تحت وسادتك كل صباح عشرة من الدنانير. فالشيطان يغرك ثم يضرك، كما قال تعالى: {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص:15]، ويأتي يوم القيامة إلى أهل الفسق والفجور فيقول لهم: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:22] ويقول لمن أغواه: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة:28]. فالرجل عاد إلى البيت فلم يجد تحت وسادته في الصباح شيئاً، وكذلك في اليوم الثاني والثالث، فقال: الرجل يضحك علي، فأخذ الفأس وذهب، فلقي الشيطان في صورة ذلك الرجل فقال له: إلى أين؟ فقال: أنت كذاب تضحك علي، لقد رفعت الوسادة ثلاثة أيام فلم أجد شيئاً. فقال له: إلى أين ستذهب؟ قال: سأذهب لأقطع الشجرة، فقال له: لو مددت يدك لقطعتها قبل أن تمدها إلينا. فقال له: لماذا لم تقطع يدي أولاً؟ قال له: لقد خرجت أول مرة غضباً لله، فما كان لأحد أن يمسك بسوء، وأما الآن فإنك خرجت غضباً لنفسك، فإن مددت يدك قطعتها. فيونس عليه السلام خرج مغاضباً، فركب في السفينة، فكانت الأمواج تأخذها وتضعها، فقال راكبوها: لا بد من إجراء قرعة لقذف أحدنا في البحر، فوقعت القرعة على يونس، فقذف في البحر {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات:142]. وحين ابتلعه قال له الله: لم أرسل يونس لك طعاماً، وإنما أرسلتك له حافظاً، وحين دخل في جوف الحوت قال: وعزتك وجلالك لأذكرنك في مكان ما ذكرك أحد فيه من قبل، ثم قال: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]، أوله تهليل وأوسطه تسبيح وآخره اعتراف بالذنب. فلما قال ذلك قالت الملائكة: يا ربنا صوت معروف في مكان غريب. فأسماع الملائكة تتعود على ذكر الذاكرين، فأنت حين تكون من الذاكرين لله تتعود الملائكة على سماع صوتك. قال تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144]. قال تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الصافات:145 - 146] واليقطين هو القرع، والقرع هو النبات الوحيد الذي لا يأتي حوله ولا فوقه الذباب، لأن سيدنا يونس سيخرج مبتلاً من الحوت، فالذباب سيجتمع عليه، فكساه الله تعالى بالقرع ثم أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون، قال تعالى: {فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات:148]. فسيدنا الخليل أخذ هاجر وابنه إسماعيل وتركهما في واد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم، وهذا أمر من الله. فكل حركة من حركات الأنبياء لا تكون إلا بوحي، ولذا لا ينبغي أن تساوي بيوت الأنبياء والمرسلين ببيوتنا؛ فهم المثل الأعلى.

بيان عظمة توكل هاجر على الله وثقتها به

بيان عظمة توكل هاجر على الله وثقتها به فتركهما في مكان لا زرع فيه ولا ماء ولا عمران، فقالت هاجر: يا إبراهيم! آلله أمرك بهذا؟ قال لها: نعم، قالت: إذاً لن يضيعنا. فانظر إلى اليقين، فإذا كان الله هو الآمر فلن نضيع، والذي يمشي تبعاً لأمر الله لا يضيع، فإذا كنت داخل حدود ما أمر الله فأنت في راحة وفي مأمن من الشيطان ومأمن من كل سوء إن شاء الله رب العالمين؛ لأنك عندما تعمل الطاعة يكافئك الله بطاعة بعدها، وإن للطاعة لنوراً في الوجه ورضا في القلب ومحبة في قلوب الخلق وسعة في الرزق وبركة في العمر، وإن للمعصية لظلمة في الوجه وانقباضاً في القلب وضيقاً في الرزق وكراهية في قلوب الخلق وضنكاً في المعيشة، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:124]. فـ هاجر لم تقل لسيدنا إبراهيم: يا رجل! جئت بي من مصر من أجل أن تهينني في بلاد الغربة، وترميني في صحراء، بل قالت: الله أمرك بهذا؟! فقال لها: نعم، فقالت: لن يضيعنا. فكانت على ثقة بالله. فمن اعتمد على ماله قل، ومن اعتمد على عقله ضل، ومن اعتمد على ذكائه اختل، ومن اعتمد على الله فما قل ولا ذل ولا ضل ولا اختل. فأنت موصول بالله تكل الأمور إلى القوي المتين، وتقول: يا رب! لست قادراً، فاهد ابني، واهد امرأتي. إن أم أبي هريرة شتمت الرسول صلى الله عليه وسلم فجاء أبو هريرة إلى رسول الله فقال له: يا رسول الله! ادع لأمي، فقال: اللهم اهد أم أبي هريرة، فرجع البيت، فسمع صوت ماء، فطرق الباب، فقالت أمه: انتظر يا بني، فخرجت والماء يقطر منها قد أسلمت. فلما ذهب إبراهيم عليه السلام مكثت هاجر مع ابنها، فانتهى الزاد، فبكى الطفل الرضيع، فقامت السيدة هاجر تركض بين الصفا والمروة سبع مرات حتى نزل جبريل عليه السلام وفجر الأرض تحت أقدام سيدنا إسماعيل، فتفجرت بئر زمزم وأتت جرهم، وكبر سيدنا إسماعيل، فتعلم منهم الفروسية، وتعلم منهم اللغة العربية، ونشأ عربياً بينهم.

البلاء المبين

البلاء المبين وفي أول زيارة وأول لقاء بين إبراهيم وإسماعيل قال إبراهيم لإسماعيل: إن الله أمرني بأمر، أتعينني عليه؟ قال له: أعينك يا أبتاه، فقال: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102]. فتخيل أنك أخذت امرأتك وابنك وهو رضيع وتركتهما في مكان بعيد، وبعد اثنتي عشرة سنة أتيت إلى ابنك فقلت له: أنا أتيت لأذبحك. فبالله عليك ماذا سيقول الولد؟! فسيدنا إبراهيم قال لابنه: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102]، فقال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات:102]، فالأمر من الله، {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]. ثم قال: يا أبت! إن أردت تنفيذ أمر الله فألقني على وجهي، فقال: لماذا يا بني؟ قال: ربما رأيت وجهي فتأخذك الرقة فلا تنفذ أمر الله في. فالابن يشجع أباه على الطاعة وأما أبناء اليوم فإنهم يشجعون آباءهم على المعصية. لقد كان عمر سيدنا إبراهيم في الوقت الذي سيذبح فيه إسماعيل ثمانية وتسعين عاماً، هل له بعد ذلك أمل في أن يخلف ولداً آخر؟! إنه تنفيذ أمر الله. وقال له أيضاً: وشد وثاقي، لكي لا يتطاير بعض من دمي يصيب ثوبك. فالذي نخرج به من دروس السيرة هو التوكل على الله، وتنفيذ أمر الله، سواء رضي العقل أم لم يرض. قال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:103]، أي: أسلما لله، ولذا قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة:130 - 131]، والإسلام ليس كلاماً، بل الإسلام عمل وعقيدة، فكلام الإيمان سهل، ولكن العمل الإيماني هو الصعب، فالعمل الإيماني هو تحويل الكلام إلى عمل، وساعتها تكون المؤمن الحقيقي. قال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات:103] أي: أسلما أمرهما لله، {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103]، أي: جعله على وجهه كما قال له. فحينئذٍ نزل جبريل بكبش الفداء: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:106 - 107] فنجح في الامتحان.

إبراهيم عليه السلام في بيت إسماعيل بعد زواجه

إبراهيم عليه السلام في بيت إسماعيل بعد زواجه وبعد ذلك تزوج إسماعيل، وبعد زمن جاء إبراهيم وكانت امرأة إسماعيل في البيت، فقال لها: كيف حالكم يا بنيتي؟ فقالت: بشر حال، فقال لها: إذا جاء إسماعيل فقولي له: إبراهيم يقرئك سلاماً، ويقول لك: غير عتبة بابك. فلما رجع قالت له: جاء شخص كبير اسمه إبراهيم فسأل عليك، وهو يسلم عليك ويقول لك: غير عتبة بابك. فقال لها: أنت العتبة، أنت طالق. فهي عتبة لا ترضى، وعتبة ليست متواضعة. ثم تزوج سيدنا إسماعيل، وجاء سيدنا إبراهيم يسأل عليه، فوجد امرأته فقال لها: كيف الحال يا بنية؟ فقالت: بخير حال يا عماه، نحمد الله، هذا فضل من الله كبير، فقال لها: إذا جاء إسماعيل فقولي له: إبراهيم يقرئك السلام، ويقول: تمسك بعتبة بابك. ثم جاء سيدنا إبراهيم يزوره، فلقيه فقال: يا إسماعيل! إن ربي أمرني أن نرفع القواعد من البيت، فلبى إسماعيل مباشرة، وبدءا في رفع القواعد، وارتفع البنيان، فقال إبراهيم: يا إسماعيل! هات لي حجراً أقف عليه، فكان سيدنا إبراهيم يقف عليه ثم ينقله، فالحجر بقدرة الله يتحرك إلى الجهة التي يريد إبراهيم أن يتحرك إليها.

الصبر العظيم في حياة إبراهيم عليه السلام

الصبر العظيم في حياة إبراهيم عليه السلام لقد تعرض سيدنا إبراهيم لابتلاءات توالت، فيا من ابتلي بضنك في المعيشة، وولد عاق، قل: يا رب! أغنني، فسوف يغنيك من فضله، وإن كانت امرأتك غاضبة عليك، فاتق الله يهدها لك، وإن كان ابنك على غير المرجو وقد ربيته فلم يكن فيه فائدة فاعلم أن هذا ابتلاء من الله، فاصبر على الابتلاء، وإذا كان بعض العمال قد أتعبوك في محلك فاستجر بالله سبحانه وتعالى، فسيقذف الرأفة والرحمة في قلوبهم. فسيدنا إبراهيم وهو صغير كان أبوه منشغلاً بصناعة التماثيل، فكان يقول له: يا إبراهيم! بع الآلهة. وكانت الآلهة أنواعاً، فالغني يشتري إله ذهب، والفقير يشتري إله طين. فسيدنا إبراهيم جمعها كلها في مكان وقال: من الذي يشتري ما لا ينفع ولا يضر! ثم كسر الأصنام وقال لقومه: اسألوا كبيرهم هذا، فقذفوه في النار، قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69]، فكانت الملائكة تسامر سيدنا إبراهيم وهو قاعد في وسط النار، ولم تحترق إلا القيود والحبال التي ربطوه بها. لكن برد وسلام. ثم دخل عليه نفر من الملائكة، وكان كريماً، فقد كان يمشي مسافة ميلين قبل الطعام ليأتي بضيف. قال تعالى: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69]، فرآهم لا يأكلون فخاف، فقالوا: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} [هود:81] فنحن ملائكة آتون إلى قوم لوط لنعذبهم، فقال لهم: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت:32] فقالوا: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا} [العنكبوت:32]، ثم بشروا سارة {بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود:71]. ويروى أن كافراً آكل في بيت الخليل، فعلم إبراهيم بحقيقته، فأخذ الأكل من أمامه وطرده، فقال الله: يا خليلي! أبيت أن تضيفه في بيتك ساعة، وأنا -مع كفره بي- أضيفه في ملكي منذ خمسين سنة. فانطلق سيدنا إبراهيم ليرده، فقال له: لقد طردتني، فقال: لقد عاتبني فيك ربي. فقال: رب يعاتب خليله في كافر مثلي؟! هذا رب أولى بالعبادة والتوحيد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، فقال الله: يا إبراهيم! أعجبت من رجل أكل نصف طعامه كافراً ثم أكل نصفه مؤمناً بفضل حسن الخلق؟! وشتان ما بين الأكلتين. فحاصل حياة الأنبياء هو التربية على الصبر.

سلسلة مقتطفات من السيرة [10]

سلسلة مقتطفات من السيرة [10] يعيش المسلمون مشاكل اجتماعية مؤلمة، فمنها مشاكل في بيت الزوجية، ومشاكل في بيت الأبوة والبنوة، ومشاكل في بيت الأخوة الإسلامية، وكل ذلك مرده إلى عدم الامتثال لما نسمعه من هدي الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم في حياتنا، وإن لذلك لعلاجاً في الإسلام يصل به المرء إلى السعادة في حياته، فعلى المسلم أن يتبع خطوات هذا الدواء لينال أمنيته في دنياه وآخرته.

أسباب ظهور المشاكل الاجتماعية في حياة المسلمين

أسباب ظهور المشاكل الاجتماعية في حياة المسلمين أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو الدرس العاشر من دروسنا حول السيرة العطرة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسأل رب العباد سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل كل دروسنا خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل للشيطان فيها حظاً أو نصيباً، وأن يثقل بها موازيننا يوم القيامة، وأن يضيء لنا بها على الصراط يوم لا نور إلا نور الإيمان. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلى غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هما ًإلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عيباً إلا سترته، ولا مظلوما ًإلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا مسافرا ًإلا غانماً سالماً رددته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا ضالاً إلا أخذت بيده إلى صراطك المستقيم، واجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنها نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. إن الذين يواظبون على دروس العلم ومجالس أهل العلم لابد أن يختلف الواحد منهم عمن لا يحضر، فالذي يواظب على درس العلم يجب أن يكون لدرس العلم عنده ثمرة، فيشعل درس العلم في قلبه جذوة الإيمان، فيجعله يحسن التعامل مع الناس ومع رب الناس، أما أن أحضر درس العلم وأظل فاشلاً في معاملتي للناس، سيئاً في معاملتي لخالق الناس وخالقي، فإن درس العلم حينئذٍ يكون حجة علي لا حجة لي؛ لأن المسلم في كل موعظة يستمع إليها وكل درس علم يستفيد منه، ويجب عليه أن يكون لهذا الدرس عنده ثمرة.

المشاكل الاجتماعية في حياة المسلمين

المشاكل الاجتماعية في حياة المسلمين إنني عندما أنظر إلى مشاكل المسلمين أجد هذه العناوين الثلاثة: العنوان الأول: فشل معاملة الزوج لزوجته والعكس، فكيف تحضر مجلس العلم ثم تسيء إلى زوجتك في البيت، فما الذي استفدته -أخا الإسلام- من درس العلم؟! والعكس صحيح، فما الذي استفادته الأخت المسلمة التي تركت بيتها وجاءت لتستمع إلى درس العلم ثم تسيء معاملة الزوج! فالعنوان الأول في مشاكلنا، فإن لم نشعر في دروس العلم بالسكينة، ولم نستفد من الثمرة فلا فائدة فيها، وستبقى حجة علينا يوم القيامة. العنوان الثاني: سوء معاملة الأبناء للآباء، وسوء معاملة الآباء للأبناء. فالعنوان الأول والثاني في البيت المسلم. العنوان الثالث: سوء معاملة المسلم لإخوانه من المسلمين في المجتمع، وأصل هذه العناوين الثلاثة سوء معاملة العبد لله عز وجل، وسوء الأدب مع الله؛ لأنني عندما أفشل في معاملة المخلوق يكون فشلي دليل على أن صلتي بالله واهية، ودليلاً على أن صلتي بالله ضعيفة، وقد جاء في الحديث الشريف: (من اتقى الله عز وجل أحبه الناس شاءوا أم كرهوا) يعني: رضوا أم لم يرضوا فسيحبونه، والمهم أن يحسن معاملته مع الله.

أهمية المسجد والبيت في إزالة الهموم

أهمية المسجد والبيت في إزالة الهموم ما الذي جعل الرجل في بيته يسيء معاملة الزوجة؟ وما الذي جعل المرأة تسيء معاملة زوجها؟ يجب أن نبحث عن العلة؛ لأننا نريد البيوت أن تكون هي المكان الذي يستريح فيه الإنسان بعد المسجد، فأنت تعود منهكاً من الأعمال التي في الدنيا، والوظيفة ثقيلة عليك، فلا بد من أن تذهب إلى مكانين لترتاح فيهما، فأول مكان هو بيت الله، فلا راحة لمؤمن إلا بلقاء الله، ولن تستريح -يا عبد الله- إلا حين تلقى الله عز وجل، فأفضل مكان تلقى فيه ربك هو بيته، فالله يدعوك إلى زيارته لتستريح نفسك. ولذلك يروى أن أحد الصحابة رضوان الله عليهم دخل عليه المصطفى فسأله: ما الذي أوجدك في المسجد في وقت ليس من أوقات الصلاة؟! فقال: هموم وديون لزمتني يا رسول الله. فالهموم والغموم هجمت على الرجل، فذهب إلى بيت الله، ليقول: (يا رب)، ولا ينفع أن تقول: (يا رب) أمام التلفزيون، ولا أن تقول: (يا رب) والأولاد بجوارك يلعبون، فنحن نريد كلمة (يا رب) تخرج من داخل القلب لا كحال الرجل الذي لقيه سيدنا موسى، فقد كان راعي غنم، فجلس يدعو ويبكي فقال: (يا رب) يريد شيئاً، فقال موسى برحمة النبوة: يا رب! لو الأمر بيدي لاستجبت له، فقال الله تعالى: (يا موسى! صاحبك يدعوني بلسانه وقلبه عند غنمه، وأنا لا أستجيب لعبد لسانه معي وقلبه مع غيري). فحين تدعو الله لا بد لك من أن تكون قلباً وقالباً مع الله، فاللسان يدعو والقلب فيه حرارة الإيمان توصلك بالله عز وجل، فحينئذ يستجيب الله لك، فهذا معنى أن تقول: (يا رب). وأنت بذلك تقصر المسافة بين الأرض والسماء، فاجعلها دعوة مستجابة، وقل: (يا رب) يقل الله لك: لبيك يا عبدي، ولا يوجد عبد يرفع يديه إلى السماء ويقول: (يا رب) إلا ويستحي رب العباد من أن يرد يدي العبد خائبتين. فهو حنان منان، حنان يعطي السائل قبل أن يسأل، فأنت في عمرك وأنت تأكل لا تقول: يا رب! أعني على الهضم، إلا إذا كان عندك عسر هضم، فلا تسأل نعمة الهضم إلا إذا كان عندك عسر هضم، وفي غير ذلك لا تدعو بهضم الطعام، مع أنه لو أن هناك لقمة ما هضمت لبقيت يومك كله في تعب. إذاً: فهناك نعم غير مرئية أنت لا تدعو الله بها، فهو حنان يعطي السائل قبل أن يسأل. والمنان: هو الذي يمن على عباده دون أن يطيعوه، فهذا يظلم، وهذا يختلس، وهذا يرتشي، وهذا لسانه طويل، وهذا يغتاب، وهذا ينم، فلو أن الله تعالى حاسبنا على ما نعمل فماذا سيحصل؟! لقد ابتلي فرعون وقومه بالجراد والقمل والضفادع، والله قادر على أن يحل بنا ذلك، ولكن برحمته يعطينا مع عصياننا له، فالله تعالى يقول: (يا موسى! صاحبك يدعوني بلسانه وقلبه عند غنمه، وأنا لا أستجيب لعبد لسانه معي وقلبه مع غيري). فكيف تدعوه وأنت مشغول عنه؟! فإذا أردت الإجابة فأقبل على الله بكلك.

بشرى للمظلوم

بشرى للمظلوم جاء رجل يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ظلماً نزل به، فلم يتكلم الرجل قبل أن يأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له: اقعد. فقعد، فقال صلى الله عليه وسلم: (بشر المظلومين بنور يسعى بين أيديهم على الصراط، هم في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله) فقام الرجل وقال: السلام عليك يا رسول الله. أي: إذا كان المظلوم له هذا الأجر فليس علي شيء في أن أبقى مظلوماً. وأما نحن فكلنا لا نريد أن نبيت مظلومين، وإذا دعا المظلوم على الظالم قال الله عز وجل: (يا عبدي! هناك مظلوم منك يدعو عليك، إن شئت أجبت لك وأجبت عليك، وإن شئت أخرتكما حتى يسعكما عفوي يوم القيامة). يعني: أنت يا مظلوم قد ظلمت غيرك من غير أن تذكر، فيمكن أن نعطيك حقك، ولكن سنأخذ منك مظلمة غيرك عندك، ولكما أن تبقيا إلى يوم القيامة فيسعكما عفوي. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تدع على الظالم؛ فإن الظلم أسرع إليه من دعائك عليه) أي: لا تدع على الظالم، ولماذا لا أدعو على الظالم وأنا أريد الانتقام منه؟! يقول لك: لا تدع عليه؛ لأن نتيجة ظلمه أسرع إليه من دعائك عليه، لأن ربنا يقول: (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)، فظلمه أسرع إليه من دعائك عليه. وأجدادنا في المثل قالوا: (جئت لأدعو فوجدت الجدار مائلاً)، فاتركه وخل الظلم يستشري عليه، وكل أمرك إلى الله. تلك هي المشاكل الثلاث التي نواجهها كلنا: سوء علاقة الزوج بزوجته والعكس، وسوء معاملة الأبناء للآباء والعكس، وسوء معاملة المسلم لإخوانه المسلمين. والمصيبة أن كل واحد منا يشكو، ولا يوجد أحد يقول: أنا سيء، ولا أحد يقول: أنا ظالم.

صفحات مشرقة من حياة السلف

صفحات مشرقة من حياة السلف لقي سفيان الثوري أبا حازم بعد أن دخل على أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور وقال: يا أمير المؤمنين! أنا أرحم بك من ابنك المهدي. يقول له: أنا عالم أرحم بك وأعرف بمصلحتك وأحن عليك من ابنك المهدي. وسفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث، ومعنى: (أمير المؤمنين في الحديث) أنه يحفظ ستمائة ألف حديث بأسانيدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه درجة في علم الحديث. فلما لقي أبا حازم قال له: إني عاتب عليك يا أبا حازم، فقال: لماذا؟ قال: كيف تقول لـ أبي جعفر: ابنك المهدي. يعني: أنه ولد ضائع لا يصلح أن يكون اسمه المهدي، فقال له: يا سفيان! كلنا مهدي. أي: كلنا كان في المهد صغيراً. يقول: أنا ليس قصدي أنه مهدي من الهداية، وإنما هو مهدي لأنه كان في المهد صبياً، وكلنا كان في المهد صبياً. فانظر إلى الدقة في كلام هؤلاء. وقعد أحمد بن حنبل يكلم واحداً من العلماء كان صاحباً له، وفي أثناء الكلام اقتلع نبتة من الأرض، فقال له: يا ابن حنبل! ارتكبت خمسة أخطاء: الأول: اقتلعت شيئاً يسبح بحمد الله. الثاني: صنعت شيئاً لم تؤمر به. والثالث: أن حديثك لغو، والمؤمن يعرض عن اللغو. والرابع: شغلت نفسك بشيء غير ذكر الله عز وجل. والخامس: أنك عالم يقتدى به، فالناس حين ترى أحمد بن حنبل يقتلع النبتة تصنع صنيعه. فالذي يتصدى ليقول للناس: هذا حلال وهذا حرام عليه أن يحاول بقدر الاستطاعة أن يكون كما كان يدعو صلى الله عليه وسلم: وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت. فاللهم أقمنا على طريقك يا أكرم الأكرمين.

أدوية المشاكل الزوجية

أدوية المشاكل الزوجية

استئذان الزوج في الخروج من البيت

استئذان الزوج في الخروج من البيت وهنا أريد أن أضع علاجاً لتلك المشاكل الثلاث: فالمشكلة الأولى: سوء معاملة الزوجين، فالحكم الفقهي الذي لابد من معرفته أنه لا يجوز للمرأة أن تذهب إلى المسجد بدون إذن زوجها، نعم هناك حديث آخر وهو: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) يعني: حين تأتي امرأة تريد أن تذهب إلى الجامع لا تمنعها، ولكن إذا اعترض الزوج على ذهاب زوجته إلى المسجد فلا يجوز للمرأة أن تذهب بدون إذن زوجها، والكارثة الكبرى أنه يسمح لها بالخروج كل يوم إلى السوق والعمل، فتأتيها سيارة تركبها في الساعة السادسة والربع، فإذا أرادت الذهاب إلى المسجد منعها! فإن فعل فيجب عليها أن تطيع، والذنب في رقبته، فلا تأتي إلى الجامع إلا بإذنه، ولا تذهب لزيارة أهلها إلا بإذنه، وقد بلغ الحال ببعض النساء الصالحات إلى أنها لا تطرق باب جارتها إلا بعد إذن من زوجها، وهذا هو الإسلام.

تقدير الزوج لزوجته وقصر نظره عليها

تقدير الزوج لزوجته وقصر نظره عليها وفي المقابل لا بد للزوج من أن يقدر ذلك لزوجته، فهل من المعقول أن تحبك زوجتك مع ما يحصل من المشاكل؟! وهل ستبقى أنت والزمن ضدها، أم أنك ستكون معها ضد الزمن؟! لابد من أن تبقى معها، فأنت الصدر الحنون، ففي الحديث: (عيشوا مع الناس حتى إذا فارقتموهم حنوا إليكم، وإن متم ترحموا عليكم) فعاملها بحسن، حتى إذا غبت قالت: متى يأتي لنستأنس به في البيت. فتحب رجوعك إلى البيت. وأنت كذلك، فلا تقلب عينيك فيما حرم الله، ثم ترجع لترى زوجتك فتستقل نعمة الله عليك، فالشيطان يزين لك المعصية، ويضع لك السم في العسل، ويريك النساء الأخريات في العمل على أنهن النساء، أما التي في البيت هذه فهي امرأة عادية، ولو قصرت نظرك على ما أحل الله لك لحسن الله زوجتك في عينيك، ومن غض بصره اتقاء الله عز وجل أعقبه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه، ويجري الله الحكمة على لسانه، فغض بصرك وتعود على هذا، وسترى الثمرة. يروى: أن حاتماً الأصم كان صاحبه شقيق البلخي ثلاثين سنة، فجاء يوماً فقال شقيق لزوجته: من في الباب؟ فقالت: صاحبك الأعمى. فجاء فرأى حاتماً، وحاتم ليس أعمى، فقال: زوجتي تظنك أعمى، فـ حاتم كان يغض بصره، فنريد أن نكون مثل حاتم. وإنا لنعجب من حال ما يحصل في مدارسنا، فأحد الطلاب يقول: أنا في ثاني ثانوي، تدرسني مدرسة اللغة، فتقول لنا وهي تدرس: انظروا إلى فمي وأنا أتكلم؛ لأجل أن تعرفوا مخارج الحروف! وولي أمر طالبة يقول: ذهبت أسأل عن ابنتي في الثانوية، فدخلت وقت الفسحة فسألت عن الأستاذ، فدلوني عليه، فذهبت فلقيت الأستاذ وهو مع خمس من تلميذاته يأكل معهن، فقلت له: حضرتك الأستاذ فلان؟ قال: نعم، قلت: هل أكلم سيادتك على جانب؟ فأنا ولي أمر التلميذة فلانة، فغضب الرجل؛ لأنه قطع عليه خلوته! ومدرسة الكيمياء تدرس المعادلة على السبورة، فجاء الأولاد يشتكون، ومن شكواهم: أن المدرسة ترفع يدها وهي لابسة لبساً قصيراً، فبالله عليك هل الولد سينظر إلى المعادلة؟! فأنا أريد منك أن تجرب غض البصر، فيا ليت أنا نجرب غض البصر، ونجعله رياضة نفسية نتعود عليها، وفي البداية سيكون أمراً عسيراً، ولكن عسره يزول إلى أن يصير عادة، ولذلك يقال: إن سيدنا أحمد بن حنبل خرج مرة إلى صلاة العصر وإذا به يرجع، ففتح الباب فخافت زوجته وقالت: ما لك يا أحمد؟! فقال وقد وقعت عينه على كعب امرأة ماشية: هذا زمان الفتن. فلا بد من أن نتواصى بالصبر، فالله تعالى يقول: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3]، والصبر أنواع، فأصعب أنواعه الصبر على الطاعة، فالصبر على البلية قد يكون سهلاً، وكذلك الصبر عن المعاصي، ولكن الصبر على الطاعة عسير، فمن منا يقوم الليل فيصلي ساعتين؟! فقيام الليل عسير؛ لأنه ضد هوى النفس، فالذي ضد هوى النفس يرضي الله، والذي مع هوى النفس يغضب الله، وكل ما ألصقك بالدنيا يبعدك عن الله، فالأموال حين تكثر يشغل البال، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من حافظ عليها -يعني: الصلاة- كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة يوم القيامة، وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف) وإنما ذكر هؤلاء الأربعة؛ لأنه لا يمنعك عن الصلاة ولا عن دروس العلم ولا عن المساجد إلا شواغل هؤلاء الأربعة، فقد تكون ملكاً، فالملك يمنعه ملكه عن الصلاة، فلا يصلي ولا يذهب إلى المساجد، فهو مع فرعون، وقد تكون وزيراً فلا تصلي وتكون مع هامان، وقد يمنعك مالك فتكون مع قارون، وقد يمنعك عن الصلاة تجارتك فتكون مع أبي بن خلف. فإذا أحسنت معاملة زوجتك فسوف تجد نتيجة طيبة، ولذلك يروى: أن أحد العلماء استضاف تلميذه فقرب إليه أكلاً، فبينما هما يأكلان إذا بزوجة العالم تؤنب العالم وتقول له: يا من يصنع ويغفل. فالتلميذ قال: ما هذا؟ فابتسم العالم، فقال له التلميذ: لو كنت مكانك لخنقتها. فقال له العالم: أتذكر عندما أكلنا في بيتك في الجمعة الماضية؟ قال: نعم، قال له: ماذا حدث؟ قال: قفزت الدجاجة على صحفة الأكل فقلبتها. فقال: هل غضبنا من الدجاجة؟ قال: لا، قال: أنزلت امرأتي منزلة الدجاجة. ورجل سفيه دخل على عالم يعظ الناس فتعمد وداس على رجله، فقام إليه الناس، وقال العالم: اسكتوا، فقالوا له: لقد داس على قدمك فابتسمت، ونحن الذين تألمنا، فقال: أنزلته منزلة الحجر، فلو عثرت بحجر فهل سأضربه؟! فانظر يا أخي إلى هؤلاء كيف يسهلون الأمور! وكلنا نعرف قصة سيدنا عمر بن عبد العزيز حين دخل المسجد في الظلام، وفيه رجل نائم، فداس على رجل النائم، فهب الرجل مذعوراً وأمسك بتلابيب أمير المؤمنين، وقال: أأنت أعمى؟! فقال سيدنا عمر: كلا، فالذين كانوا حول أمير المؤمنين غضبوا، فقالوا: يا أمير المؤمنين! يقول: أأنت أعمى وتسكت؟! قال: إنما سألني سؤالاً: أأنت أعمى؟ فقلت له: كلا. فبالله عليك إذا كانت هكذا فهل ستغضب من زوجتك أو ستغضب زوجتك منك؟! فكيف تكون حنوناً على زوجتك؟! لقد قال الحبيب: (من نظر إلى زوجته نظرة رحمة نظر الله إليهما نظرة رحمة، ومن نظر الله إليه نظرة رحمة لم يعذبه يوم القيامة) فالله يغفر لك بنظرة إلى زوجتك. فأنا أريد أن أقول: إن كل مشاكلنا في البيوت سببها عدم الصبر، فلا الرجل قادر على أن يصبر على زوجته، ولا الزوجة قادرة على أن تصبر على زوجها.

حالنا في معاملة إخواننا المسلمين

حالنا في معاملة إخواننا المسلمين والمشكلة الثانية: سوء معاملة المسلم لأخيه المسلم، وهذه فينا كلنا حتى ونحن في المسجد، ففي المسجد لا يسع بعضنا بعضاً، ولا يرحم بعضنا بعضاً، ثم نريد من ربنا أن يبعث لنا حاكماً صالحاً، والحاكم الصالح إنما يأتي لقوم يحب بعضهم بعضاً، فاللهم ول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، وأصلح أحوالنا، وآمن روعاتنا، واستر عوراتنا، واغفر ذنوبنا، وارحمنا وأنت خير الراحمين.

مراحل العمر وأثرها على المرء

مراحل العمر وأثرها على المرء إذا بلغ المرء أربعين سنة فإن عليه أن يقول: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} [الأحقاف:15]، ومن بلغ الأربعين من عمره ولم يغلب خيره شره فليتجهز للنار. قال تعالى عن سيدنا موسى عليه السلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص:14]، ولم يذكر تعالى: (واستوى) في شأن سيدنا يوسف عليه السلام، وبلوغ الأشد هو في الثامنة عشرة أو في الحادية والعشرين، وهذا رأي أبي حنيفة، وهذا هو الذي يؤخذ به في القانون المدني، ولكن هناك من يهبه الله تعالى الفضل قبل ذلك مثل سيدنا يحيى عليه السلام قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم:12]. ومثل سيدنا داود عليه وعلى سيدنا سليمان وعلى نبينا الصلاة والسلام، فسيدنا داود قال تعالى عنه: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة:251] وكان عمره حينها خمسة عشر عاماً. وكذلك سيدنا سليمان، ففي قصة الغنم احتكم الرجلان إلى داود عليه السلام، فقال لهما: لصاحب الزرع أن يأخذ الغنم مكان زرعه. فلما خرجا وجدا سيدنا سليمان -وهو ابن خمسة عشر عاماً- قاعداً على الباب، فقال: بم حكم لكما أبي؟ فأخبراه، فقال سيدنا سليمان: لو كان الأمر بيدي لقلت: لصاحب الزرع المأكول أن يأخذ الغنم فيستفيد من ألبانها ونسلها حتى يعيد صاحب الغنم الأرض مزروعة كما كانت قبل أن تأكلها غنمه، ثم يأخذ صاحب الغنم غنمه وصاحب الأرض أرضه، فقال جبريل: يا داود! الحكم ما حكم به سليمان، ولذلك قال ربنا: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء:79]، فاللهم احشرنا في زمرتهم يا رب العالمين. فربنا يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، ولكن لا يعطي الدين إلا لمن يحب، فمن أراد الله به خيراً فقهه في الدين، ورزقه الثبات على الدين. إننا كلنا نعصي الله، وليس العجب أن يغفر الله للناس، بل إن العجب أن يستر الله على الناس؛ لأن المرء يخطئ مرة ومرتين وعشراً وعشرين، ولما أقام عمر الحد على رجل سرق بكت أمه قبل قطع يده، فقالت: يا أمير المؤمنين! هذه أول مرة يسرق فيها، فقال عمر بفراسة المؤمن: والله ما كان الله ليفضحه من أول مرة. فلما قطعت اليد دخل سيدنا علي على الرجل الشاب فقال له: أستحلفك بالله! هل هذه أول مرة؟ أي: هل صحيح ما تقول أمك؟! فقال: هذه هي المرة الحادية والعشرون. فاتق الله يا عبد الله وعد؛ لأنه ربما يأتيك ملك الموت وأنت على معصية. ولكي يكون المسلم متقياً لله عز وجل عليه أن يكثر من قراءة القرآن، ويكثر من العبادة، ويحسن المعاملة مع الزوجة، ومع الأبناء، ومع الجار، ومع الناس، فربنا حينئذٍ سيحسن قلبه، وسيحبه الناس، فاللهم اجعلنا من الذين يحبون الناس ويحبهم الناس. فسيدنا موسى قال الله تعالى عنه: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص:14]، وسيدنا يوسف قال تعالى عنه: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [يوسف:22] لماذا؟ قالوا: لأن سيدنا يوسف سيفتن قبل أن يستوي، فسيعطيه الله الحكم من قبل، وسيعطيه المناعة، فحين تأتي المشكلة يلقاها بقلب مؤمن.

إرهاصات النبوة

إرهاصات النبوة لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة كان قد حبب إليه الخلوة قبلها بسنوات، فكان يأتي غار حراء في شهر رمضان من كل سنة، فيأخذ الأكل والشرب ويذهب ليجلس وحده في غار حراء يتعبد، فينظر إلى السماء، وإلى الجبال، وإلى الأرض، ويتفكر في حال الأصنام التي لا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً، ولذلك نزل عليه قول الله عز وجل: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى:7]، فهل الرسول كان ضالاً؟! إن الضلال في اللغة قد يأتي بمعنى شدة الحب، ولذلك قال أولاد سيدنا يعقوب لأبيهم: {تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف:95] يعنون الحب الذي كان ليوسف، فالضلال من درجات الحب، فالحب درجات، فمنه: العشق، والهيام، والصبابة، والجوى، إلى درجة الضلالة، والدرجة التي بعدها هي الجنون. فالضلال شدة الحب، فكأن الله -والله أعلم- يريد أن يقول لحبيبه: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى:7] أي: وجدناك شديد الحب أو شديد التطلع لمعرفتنا أو شديد الحب لنا، فهديناك إلينا وعصمناك بنا، وليس المعنى أنه منحرف وبعيد عن الحق، لا، فما سجد لصنم قط، وما لعب مع الصبيان أبداً، بل كان إذا أراد اللعب يسمع صوتاً يقول: ما لهذا خلقت يا محمد.

الرؤيا الصادقة

الرؤيا الصادقة وقبل نزول الوحي بستة أشهر كان الرسول يرى الرؤيا فتقع كفلق الصبح، وهذه من إرهاصات النبوة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)؛ لأن الوحي نزل على سيدنا الحبيب ثلاثاً وعشرين سنة، والستة الأشهر بالنسبة لهذه المدة جزء من ستة وأربعين، فمن يرى رؤيا صالحة كأنه حقق من النبوة جزءاً من ستة وأربعين، ومن حفظ القرآن وعمل به فليس بينه ويبن النبوة إلا أن يوحى إليه. والرؤيا من الرحمن، والحلم من الشيطان، وليس كل رؤيا صادقة، بل شرط الصادقة أن تكون نائماً على طهارة، وأن تراها قبل الفجر، وأن يكون ذهنك غير مشغول بأمر آخر، باستثناء الاستخارة، كأن تكون مبيتاً النية على شيء، فرأيت في المنام شيئاً يتعلق به، فهذه هي الرؤيا الوحيدة التي لو حصلت تكون رؤيا صحيحة. أما ما عدا هذه فلا، كأن تنام وأنت جائع، فترى أنك تأكل، أو تنام وأنت عطشان، فترى في الليل أنهاراً وبحاراً. جاء رجل إلى ابن سيرين فقال له: رأيت أني أختم على أفواه الرجال والنساء، وأضع سترة على عوراتهم. فقال له: أنت مؤذن تؤذن للفجر في رمضان قبل الفجر، فقال له: صدقت يا ابن سيرين. والثاني قال له: يا إمام! رأيت كأن بيضاً في يدي، وأنا آخذ البياض وألقي الصفار. فقال: استدعوا لي رجلاً من الشرطة، فقال: كيف الرؤيا تأتي بالشرطة؟! قال: أنت تسرق أكفان الموتى. فوجدوه كذلك. ويروى أن مريضاً طال مرضه رأى في المنام رسول الله صلى الله لعيه وسلم، فقال له: ادع الله لي. فقال له: عليك بلا ولا، فأتى ابن سيرين فقال: رأيت رسول الله يقول لي: عليك بلا ولا، فقال له: هو زيت الزيتون، فقال: يا ابن سيرين! من أين أتيت بها؟ أكل شيء تقوله من القرآن، فقال: من قوله تعالى: {شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]، فالرجل أخذ زيت الزيتون فشفي بفضل الله. والرؤيا كالطائر، فكيفما فسرت وقعت، فعليك ألا تقصها إلا على من يعرف الكتاب والسنة. رأى بلال رضي الله عنه رؤيا وهو في دمشق: أنه يسلم على رسول الله والرسول لا يرد السلام، فقام مذعوراً، فذهب إلى المدينة فقص الرؤيا على عمر، فقال له: يا بلال! منذ كم أنت في دمشق؟ قال: منذ أربعة أشهر يا أمير المؤمنين. قال: لابد من أن تزور الحسن والحسين سبطي رسول الله، فذهب فزار الحسن والحسين، فقال الحسن والحسين لسيدنا عمر: يا أمير المؤمنين! نستشفع بك إلى بلال ليؤذن لصلاة الفجر؛ لأن سيدنا بلالاً بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى امتنع عن الأذان، فقال: نعم، ثم قال: أذن لنا لصلاة الفجر، فقال: اعفني يا أمير المؤمنين. قال: أستحلفك بالله، ومن أقسم على أخيه فليبر قسمه، فصعد بلال وقال: الله أكبر الله أكبر، فالمدينة كلها تعجبت، فهذا صوت كصوت بلال، فلما قال: (أشهد أن لا إله إلا الله) هرع الناس إلى المسجد النبوي الشريف، فلما قال: (أشهد أن محمداً رسول الله) خنقته العبرة وضجت المدينة كلها بالبكاء كيوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبو حنيفة وله اثنا عشر عاماً رأى أنه ينبش قبر رسول الله، فقام من الرؤيا مذعوراً، فذهب إلى شيخه فقال له: رأيت رؤيا أفزعتني، وقصها عليه، فقال: أبشر يا أبا حنيفة، إنك ستنقب عن سنة الرسول فتخرجها للناس، وقد كان، وهذه منة مثل منة التفسير ومنة التأويل يمن الله بها.

أول الوحي

أول الوحي مكث الرسول صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يرى الرؤيا فتقع كفلق الصبح، وبلغ أربعين سنة فإذا بجبريل يدخل عليه ولم يعرفه من قبل، فيقول له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، يعني: أنا أمي لا أقرأ ولا أكتب. والعرب تطلق (الأمي) على الذي لا يقرأ ولا يكتب، وكان تعليم القراءة والكتابة مقصوراً على الرجال فقط، فكان النساء كلهن لا يقرأن ولا يكتبن، فينسب الذي لا يقرأ ولا يكتب إلى أمه، فيقال: أمي. فلما قال: ما أنا بقارئ غطه، ولذا قال صلى الله عليه وسلم -كما في البخاري -: (فغطني حتى خشيت على نفسي. فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فغطه المرة الثانية، فقال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فغطه المرة الثالثة، فقال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5]). فهذه أول خمس آيات تنزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما حصل ذلك خاف صلى الله عليه وسلم فولى من الغار تجاه مكة، فرأى بين السماء والأرض جبريل عليه السلام تسد أجنحته مشرق الأرض ومغربها، فقال: يا محمد! أنت نبي هذه الأمة، وأنت رسول رب العالمين، وأنت خاتم النبيين، وأنا جبريل أمين وحي السماء. وهي إحدى المرتين التي رأى الرسول فيها جبريل على حقيقته، والمرة الثانية كانت في ليلة الإسراء والمعراج، ولذلك قال الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم:13 - 16]، فرأى جبريل على حقيقته في الوقتين. وهناك رواية ثالثة ضعفها البعض، فيها قال الرسول: (يا جبريل! أريد أن أراك على حقيقتك. فقال: لا تستطيع. ثم قال: اخرج إلى البقيع يا رسول الله، قال: فخرجت فرأيت رأس جبريل في السماء، وأقدامه في الأرض، وأجنحته تسد مشرق الأرض ومغربها، فقال: يا رسول الله! ما بالك بمكائيل وأنا بالنسبة له كحلقة ملقاة في فلاة، ولو رأيته وهو ينتفض خوفاً من الله عز وجل حتى يصير كالعصفور؟!) فالملائكة {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، فكيف حالنا؟! ولذلك لا يأمن مكر الله إلا كل خاسر وكل منافق وكل كافر وكل فاجر، أما الإنسان الخائف من عذاب الله الذي يؤتي ما آتى وقلبه وجل فهو العبد التقي النقي، اللهم اجعلنا منهم يا رب العباد.

صور نزول الوحي

صور نزول الوحي

الصور البشرية

الصور البشرية عاد صلى الله عليه وسلم إلى خديجة وقال: زملوني زملوني، دثروني دثروني. وإنما ضمه جبريل في غار حراء لينقل له النور الإلهي، وعلى أساس هذا كان جبريل يأتي إلى سيدنا الحبيب بصور شتى، فهذه الصورة الأولى أتى فيها على حقيقته، والصورة الثانية كان يأتيه فيها على هيئة رجل يشبه دحية الكلبي، وهو أحد الصحابة، وكان رجلاً وسيماً قسيماً، فكان جبريل يأتي مثل دحية الكلبي، ولذلك رأى الصحابة جبريل في هذه الصورة البشرية؛ لأن الملائكة تتشكل، فسيدنا أبو ذر كان يسير بجوار الحبيب فقال جبريل: هذا أبو ذر يا رسول الله، أقرئه مني السلام، فقال: أوتعرفه يا جبريل؟! قال: والذي بعثك بالحق نبياً إننا في طرقات السماء نعرف أبا ذر أكثر مما تعرفونه في طرقات المدينة. قال: بم؟ قال: بكثرة قوله: لا إله إلا الله. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر)، وقال: (رحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث يوم القيامة أمة وحده). وسيدنا عبد الرحمن بن عوف وجد رجلاً يكلم الحبيب صلى الله عليه وسلم، فأطال الكلام، فبعد أن أكمل قال: يا رسول الله! عطلك الرجل، وأوشكت أن آتي لأنهره. فقال له الرسول: (أورأيته يا عبد الرحمن؟ قال: نعم، قال: هذا جبريل، ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه). فكان يأتي بصورة بشر، ونحن نعلم حديث عمر في أركان الإسلام حين أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، شديد بياض الوجه، ليس عليه أثر من آثار السفر، ولا يعرفه أحد، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ قال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، قال: صدقت).

هيئة صلصلة الجرس

هيئة صلصلة الجرس وكان يأتيه الوحي كصلصلة الجرس لا يراه أحد، وهو أشد عليه، فكان يتصبب عرقاً في اليوم الشاتي صلى الله عليه وسلم، فيعرف الصحابة أن هذه لحظة وحي فلا يكلمه أحد، وقد نزل عليه في هذه الحالة ورأسه صلى الله عليه وسلم على فخذ أحد الصحابة، فكادت الفخذ أن ترض، أي: أن تنكسر من شدة الألم. وقال تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:5].

الأسئلة

الأسئلة

حكم صيام التطوع بنيتين

حكم صيام التطوع بنيتين Q هل يجوز صيام التطوع بنيتين؟ A لا.

حكم جلوس الحائض فيما يتبع المسجد

حكم جلوس الحائض فيما يتبع المسجد Q هل يجوز للحائض أن تحضر مجلس العلم، وتجلس في حديقة المسجد؟ A الحديقة تتبع المسجد، فلا يجوز لها الجلوس فيها.

حكم تأخير صلاة الفجر إلى خروج وقتها

حكم تأخير صلاة الفجر إلى خروج وقتها Q أنا أصلي الصبح في الساعة السابعة أو السابعة والنصف، فما الحكم؟ A هذا حرام.

الموقف من رفض الأم الخاطب المتدين

الموقف من رفض الأم الخاطب المتدين Q تقدم شاب متدين لخطبة فتاة، فالفتاة موافقة لتدينه والأم رافضة، فهل تقبل الفتاة وتخالف أمها؟ A لا يصح الزواج بدون رضا الأب والأم.

سنة صلاة العشاء

سنة صلاة العشاء Q هل صلاة العشاء لها سنة أم لا؟ A صلاة العشاء لها سنة بعدية، ويجوز أن يصلي الإنسان السنة في بيته؛ لأن السنن والنوافل تضيء البيوت.

حكم صلاة المرأة في المسجد

حكم صلاة المرأة في المسجد Q هل صلاة النساء في المسجد حرام؟ A ليست بحرام.

حكم العادة السرية

حكم العادة السرية Q ما حكم العادة السرية؟ A حرام، وهي معصية.

لا يلزم من المذي والودي الاغتسال

لا يلزم من المذي والودي الاغتسال Q هل يجب الاغتسال من المذي والودي؟ A ليس فيهما الاغتسال.

الصلاة بعد الوتر

الصلاة بعد الوتر Q هل هناك صلاة بعد صلاة الوتر؟ A لا، لكن من أراد أن يقوم الليل بعدها فليقم.

حكم سماع القرآن أثناء المداعبة بين الزوجين

حكم سماع القرآن أثناء المداعبة بين الزوجين Q هل يجوز سماع القرآن خلال مداعبة الرجل لزوجته؟ A لا، فليس ذلك من آداب استماع القرآن.

معنى التعريض بالخطبة

معنى التعريض بالخطبة Q ما معنى قوله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ} [البقرة:235]؟ A المعنى: أن المرأة التي توفي زوجها وهي في العدة لا تذهب فتخطبها، ولكن تعرض.

ما يصنعه التائب من مصاحبة البنات

ما يصنعه التائب من مصاحبة البنات Q كنت أمشي مع فتاة قبل الزواج، فهداني الله فابتعدت عن طريق الشيطان، ثم تزوجت هي، وأنا تبت إلى الله، وقد عرفت أن أحد شروط التوبة استسماح صاحب الشيء، فكيف أستسمح أهلها، أأذهب إلى ذويها وأحكي لهم ذلك مع ما فيه من المخاطرة؟ A لا، بل ادع لهم، ونسأل الله قبول التوبة، فمن أخذت من حقه شيئاً ولم أستطع إرجاعه له فإني أدعو له.

درجة حديث (إني أخفيت عن عبادي ثلاثة أمور)

درجة حديث (إني أخفيت عن عبادي ثلاثة أمور) Q هناك حديث قدسي: (إني أخفيت عن عبادي ثلاثة أمور لو كشفتها لأصبح كل عبادي يعبدونني: الكشف عن وجه الله، ورؤية العباد للجنة، ورؤية العباد للنار)، فما صحة هذا الحديث؟ A هذا ليس بحديث.

سلسلة مقتطفات من السيرة [11]

سلسلة مقتطفات من السيرة [11] الحرص على الأخلاق والتزام الأدب ومعرفة علامات الساعة من المواضيع الهامة جداً للمسلم، فيحرص على تعلمها والاستفادة منها في سيره إلى الله تعالى، وسبب بلاء الأمة اليوم وانتكاستها إعراضها عن تعاليم دينها وهدي نبيها صلى الله عليه وسلم.

الإخلاص لله في الحضور إلى المسجد وحلقات العلم

الإخلاص لله في الحضور إلى المسجد وحلقات العلم أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه، صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، أما بعد: فنسأل الله عز وجل أن يجعل هذه الجلسة خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل للشيطان فيها حظاً أو نصيباً، اللهم ثقل بهذه الجلسات موازيننا يوم القيامة، وأنر بها على الصراط طريقنا، وأظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونق قلوبنا، وبيض وجوهنا، وآمن روعاتنا، واغسل ذنوبنا، ونقنا منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، واقض دين المدينين، وفك كرب المكروبين، وفرج اللهم كروبنا وكروب المسلمين، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. هذه هي الحلقة الحادية عشرة أو الدرس الحادي عشر في سلسلة حديثنا عن السيرة النبوية العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات، وهي الحلقة الثانية في الحديث عن مسألة الوحي. والحديث عن مسألة نزول الوحي على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلح أن يقرأ على قلوب مهمومة مشغولة بهم الرزق والعيال والزوجة والجار والدار والعمل والمال وقلة ذات اليد وسوء المعاملة من الناس، فلا يصلح العلم مع قلب كهذا القلب. ولكن المسلم الذي يريد قلبه أن يتفتح للعلم يأتي إلى المسجد أولاً ابتغاء مرضاة الله، لا أن يأتي الجامع من أجل أن يراه فلان، من أجل أنه غاضب من زوجته ساعة، أو أن هذا الرجل يقول كلاماً حلواً فقط، فانتبه أن تكون أتيت من أجل هذا. بل يجب أن يكون قدومك إلى بيت الله من أجل أنك تلقى أعز الأحبة، وليس لنا حبيب سوى الله، وأنت قد يكون لك ابن أو أخ أو أب عزيز لديك، فما بالك بعزة الله عز وجل ومكانته عند المؤمن، وقد قيل للحسن البصري: ما مكانتي عند الله؟ فقال: انظر ما مكانة الله عندك، تعرف مكانتك أنت عند الله فإذا كان الله كل شيء عندك فأنت عند الله كل شيء، وإذا كان الله عز وجل هو آخر الاهتمامات بالنسبة لك - يعني: إن كان آخر ما تهتم به هو الله والدين وأمر الآخرة - فثق تماماً أنك لا تساوي عند الله شيئاً، اللهم اجعلنا من الذين يساوون عندك أشياء يا رب العباد! ولا تأت إلى المسجد من أجل أن تتعلم كلمتين تتفلسف بهما على صاحبك في المكتب أو جارك الذي يحضر عند الشيخ فلان، فنحن لا نضرب الناس ببعضها، ولكن ائت إلى بيت الله ابتغاء مرضاة الله، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العالم رضاً بما يصنع، ومن أراد الدنيا فعليه بالعلم، من أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم. فمسألة العلم أو مسألة إتيانك إلى بيت الله عز وجل يجب أن تكون خالصة لوجه الله الكريم، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يرحب بطلاب العلم ويقول: (مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى)، وكان يرحب بمن يريد العلم، وكان دائماً ينزل الناس منازلهم، وكان يقول عن سلمان الفارسي: (لقد جمع علم الأولين والآخرين). وكان يقول عن ابن عمه ابن عباس: (وعاء ملئ علماً). فـ سلمان الفارسي جمع علم الأولين والآخرين، ومعاذ بن جبل سيرفع راية العلماء يوم القيامة، وعمر بن الخطاب الملهم، وعلي بن أبي طالب باب مدينة العلم، فما بالك بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

باب التجرؤ على الفتوى هذه الأيام

باب التجرؤ على الفتوى هذه الأيام واليوم كلنا نفتي حتى النساء يفتين، والكارثة أن تقول لها: هل درست أصول الفقه؟ فتقول لك: إنها لا تحتاج إلى ذكاء، هذا حلال وهذا حرام، أفليس للعلم قوانين، وإذا اجتمعت النساء مع بعض في مكان واحد فقل على الدنيا السلام. وإذا اجتمعن في مكان واحد بدون رابط فلا تظنن إلا شراً. وسيدنا عمر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم حوله نسوته أمهات المؤمنين كلهن، وهؤلاء أرقى صنف، وربنا قال فيهن: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب:32] فقال عمر: ما لي أسمع ارتفاع أصواتهن عليك يا رسول الله؟! قال: يا ابن الخطاب! يسألنني النفقة، فـ عمر لم يحتمل وقال: وحفصة منهن؟ قال: نعم، فقام عمر يضرب حفصة، وقام أبو بكر يضرب عائشة، والرسول يحجز بينهم ويقول: دعاهن يطالبن بالحقوق. فلما هدأ سيدنا عمر قال: يا رسول الله! لو رفعت ابنة زيد - زوجة عمر، وهي جميلة بنت زيد بن عبد الله، وهي زوجته الأولى - صوتها علي بالنفقة لوجأت عنقها، فتبسم الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال: (يا ابن الخطاب! من لا يرحم لا يرحم، إنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت إليه لتقومه كسرته).

صفات الزوجة الصالحة

صفات الزوجة الصالحة والزوجة الصالحة هي أعظم نعمة ينعم الله بها على العبد بعد الإيمان بالله عز وجل، وهي التي فيها الشروط الأربعة، فيا ليت زوجتك تكون كذا، وإن لم تكن فيا رب اجعلها كذا، ونساؤنا كلهن كذا إن شاء الله وبالذات الحاضرين معنا الآن. إن نظر إليها سرته، فهي ليست غاضبة، وإنما هي مبتسمة، وليست بلهاء، وليس عندها قصور في الفكر، وإنما هي مبتسمة؛ لأن هذا يشجع الزوج ويرفع حالته المعنوية، فيبدأ يعاملها معاملة جيدة، ويضعها فوق رأسه، فهو أصلاً إسلامه وإيمانه قليل، ولا يريد أحداً يشجعه على أن يرجع إلى الخلف. وقد كان الطلبان الوحيدان كل يوم لكل الصحابيات - وما بلغنا أبداً في كتب السيرة ولا قرأنا أن واحدة من الصحابيات لما غضبت من زوجها قالت له ما لا يلذ ولا يطيب - أنها في الصباح تمسك زوجها من يده وتقول له: يا فلان! نستحلفك بالله ألا تدخل علينا حراماً؛ فإننا نصبر على حر الجوع ولا نصبر على حر جهنم يوم القيامة، هذا المطلب الأول، فقد كانت تشجع الرجل على أكل الحلال، وألا يمد يده إلى شبهة، وإذا رضيت عنك المرأة رضيت عنك الدنيا كلها. ولا تنس أم زوجتك، فيجب أن تسترضيها، فإنها إن رضيت عنك فقد استتب الأمن في بيتك، فلا تناصبها العداء، فلست مثلها، ولو وضعتك في رأسها فلا تقل على الدنيا السلام. ومصائبنا كلها من سوء معاملة الزوجات والأزواج، وليس معنى هذا أن الأزواج طيبون، فالطرفان متقاربان. والمطلب الثاني للصحابية أنها كانت تأتي إلى زوجها بالليل وتقول له: يا فلان! ألك حاجة؟ أي: أتريد أن تأكل أو تشرب، فيقول: لا، جزاك الله خيراً، بارك الله فيك، فتقول: أتأذن لي أن أقوم لربي الليلة؟ ونحن نريد أن يكون في البيوت مودة ورحمة، ولا تأتي المودة ولا الرحمة إلا من ثمرة عمل طويل وصبر جميل، اللهم اجعلنا وإياهن من الصابرين والصابرات.

بيان ضعف المرأة

بيان ضعف المرأة والمرأة فيها ضعف خلقي أوجده ربنا فيها، ففي كل شهر عدة أيام يصبح فيها جسدها ضعيفاً وعاطفتها متوترة ونفسيتها متقلبة، فعاملوا نساءكم أثناء الدورة الشهرية معاملة الأطفال، وإذا فهمت هذا كان ربنا قد فتح عليك، وإن لم تفهم فأنت حر، وفي هذه الأيام تكون التركيبة غير التركيبة. فتقلب حالتها النفسية والتوتر العصبي كل هذا من أثر التكوين الطبيعي وعمل الدورة الشهرية والدم الفاسد في الجسد، فيتغير تكوينها كله، فأنت يجب أن تراعي هذه النقطة، فكن في هذه الأيام خفيف الظل. وهي التي تقوم على البيت، فهي تلبس الكبير، وترضع هذا، وتعطي الدواء لهذا، وتنتظر أن يعود هذا من المدرسة، وهذا من الجامعة، وتعد الغداء، وتعرف أنك أول ما تأتي من العمل تريد أن تأكل لقمة، وأن يكون البيت نظيفاً، فكل المشاكل هذه فوق رأسها، ثم تأتي أنت تقول لها: القميص لماذا لم يصلح زراره؟ فلماذا لا تفعل مثلما كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يفعل؟ فقد كان يرقع ثوبه، يعني: يخيطه، فكان إذا انقطع زرار قميصه خاطه بنفسه، ولا يقل: يا عائشة! خيطيه، وكانت عائشة تفرح بخياطته له، ولكنه كان هو يحمل عنها هذا العمل، فكان يخيط ثوبه ويرقعه، ويخصف نعله، (وكان في مهنة أهله، يقم لهن البيت)، يعني: ينظفه، وهل يوجد اليوم رجل فينا يساعد زوجته في التنظيف، إذا عملنا ذلك فنحن مقتدون برسول الله صلى الله عليه وسلم (ويقطع معهن اللحم).

بيان أدب نساء الصحابة

بيان أدب نساء الصحابة قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في ماله وعرضه). وكانت الصحابيات بهذا المنطق كلهن، فاستقامت حياة الصحابة، ولم نسمع أن صحابية لما ذهب زوجها غدوة مع الحبيب صوتت، ونحن كل ثلاثة أشهر نسافر نحارب إسرائيل مثلاً نجد النساء واقفات لنا عند السويس يمنعننا، ويقلن: ربما تغرق في قناة السويس، فالعينة غير العينة. وانظر إلى الصحابيات كيف تربين، فالسيدة سمية أم عمار بن ياسر استشهدت في سبيل الله، وخولة بنت ثعلبة جاءت تشكو بأدب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسيدة فاطمة لما كانت تغضب على علي بن أبي طالب كانت تأتي تشتكي إلى أبيها، فكان يحكم بينهما وتنتهي المشكلة في لحظة، ونحن إذا كان هناك مشكلة بين الزوج والزوجة نظل ستة أشهر نصلح بينهما ولا يريدان أن يصطلح، قال تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35] لكنه هو لا يريد صلحاً، ولا هي تريد صلحاً، وإنما كل واحد يريد أن يحقق ما في هواه. ومجالس العلم يجب أن نراعي فيها الاستفادة والنية الخالصة، ونحن جئنا كلنا ابتغاء لمرضاة الله، ولم نأت لغير هذا السبب، اللهم ثقل بهذه المجالس موازيننا يوم القيامة.

بيان أمانة الرسول صلى الله عليه وسلم

بيان أمانة الرسول صلى الله عليه وسلم وأما مسألة الوحي إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعالوا ننظر إلى الموحى إليه عليه الصلاة والسلام من زوايا ثلاث: شهادة الخصوم له، وشهادة الأتباع، وشهادة الواقع. فأما الخصوم فهل كان أبو جهل وأبو لهب وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف وأبو سفيان بن حرب ليسوا مقتنعين بصدق رسول الله وقد كان يسمى في الجاهلية الأمين؟ وفي ليلة الهجرة جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً ينام في مكانه لسببين: السبب الأول: من أجل أن يعمي على قريش. والثاني: أنه قال لـ علي: يا علي! عندما تستيقظ في الصباح أعد أمانات قريش إلى أصحابها، فهم يبحثون عنه من أجل أن يقتلوه، وهو يبحث من أجل أن يرجع لهم أماناتهم، فأي أمانة تلك؟! ولنفرض جدلاً أن أباك ترك عندك مائة جنيه، وأخاك ترك معك مائة جنيه، ثم تخاصمتما فشتمك وطردك من بيته ولم يرض أن يزوج بنته لابنك، وأكل في ميراثك من أبيك، فهل سترجع له المائة جنيه؟ الشيطان سيقول: هذا من حقك، وهذا الذي أنت ستقوله، ولكن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم لما أخذت قريشاً بيوت الصحابة وأموالهم وخرجوا مهاجرين إلى الحبشة بثيابهم وبرواحلهم، وتركوا دورهم وحقولهم وآبارهم وأموالهم فأخذتها قريش غنيمة ورغم ذلك ما استحل النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه أن يأخذها كبدل لما ضاع من صحابته، بل بالعكس قال: (أرجع يا علي! ما ائتمنتنا عليه قريش) فهو الأمين صلى الله عليه وسلم. وأول خصم له أبو جهل، ولا يوجد خصم ألد من هذا الخصم، فقد كان خصماً عنيداً، وكان يقول: تسابقنا وبنو هاشم، أطعموا فأطعمنا، وسقوا فسقينا، يعني: أكرموا الناس بأن عملوا مثلهم، وقالوا: فينا السقاية فقلنا: فينا الحجابة، فقالوا: فينا السدانة، فقلنا: فينا اللواء، فقالوا: منا نبي، فأنى لنا بهذا الشرف؛ والله لن نؤمن به أبداً، يعني: المسألة تنافس غير شريف. والرسول صلى الله عليه وسلم وهو راجع من رحلة المعراج لقيه أبو جهل فقال له: قل لنا ما يثبت صدق كلامك، وأنك كنت في بيت المقدس وصعدت إلى السماء ورجعت في جزء من الليل، ونحن نذهب إليها في شهر ونعود في شهر، فقال له: ماذا تريد أن تعرف؟ قال له: صف لنا المسجد الأقصى، وهو دخل المسجد الأقصى وجلس فيه جزءاً من الليل، مقدار صلاة ركعتين، يعني: مقدار ربع ساعة، والوقت ليل، والمسجد الأقصى مسجد كبير ليس صغيراً، فكيف يصفه وهو قد دخله في جزء من الليل وما مكث فيه إلا قليلاً ثم خرج، فإذا بجبريل عليه السلام ينقل المسجد الأقصى أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ينقل ما يشابهه بقدرة الله. ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب فجبريل نقل المسجد الأقصى على يده فكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر ويصفه، فيه كذا باب وكذا شباك وكذا سارية وفيه كذا وفيه كذا، وسيدنا أبو بكر لأنه كان كثير السفر كان يقول: صدقت يا محمد! صدقت يا حبيب الله! صدقت يا رسول الله! صدقت يا صادق يا أمين! صدقت يا من لا تنطق عن الهوى! فسمي من يومها الصديق، لأن الكل كان يكذبه، وهو الوحيد الذي كان يقول له: صدقت. فقالوا له: زدنا أمارة أيضاً مع أنه قد وصف المسجد تفصيلاً فقال: إن هناك قافلة قادمة، وفي القافلة بعير عليه غرارة سوداء - قطعة قماش سوداء - فرأى البعير البراق فجفل، - يعني: خاف - فتحرك سريعاً فكسرت ساقه، وسوف تصل القافلة قبل غروب شمس غد بإذن الله، وقد كان العربي يعرف المسافات والأزمنة ويحسبها فأوشكت الشمس على المغيب ولم يظهر في الأفق أثر للقافلة، ففرح أبو جهل وأبو سفيان وأبو لهب وشمتوا وقالوا: لقد كذبت علينا، فقال: يا رب! أخر لي قرص الشمس عن السقوط حتى تصل القافلة، فصاح صائح من قريش: إن قرص الشمس قد سقط خلف الجبل، فصاح آخر: وإن القافلة قد ظهرت، هذه هي الأمانة، فكان الخصوم لا يقدرون أن يكذبوه، والصدق هو أول شروط النبوة! وليس هذا فقط، بل كان يقول: لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة أعين، يعني: لا يأتي من خلف أحدهم ويتكلم عليه، وكان لا يحب أحداً من أصحابه يكلمه عن أحد من أصحابه، ويقول: أريد أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر. وعمر بن عبد العزيز قال في أول يوم تولى الإمارة: الذي يدخل عندنا أشترط عليه ثلاثة شروط: ألا يغتاب عندنا أحداً، وألا يمتدحنا، فنحن أعلم بأنفسنا، وأن ينقل إلينا حاجة من لا يستطيع نقلها. يعني: إذا كان هناك أحد مظلوم في أقصى البلاد لا يستطيع أن يوصل شكواه فأوصلها أنت مشكوراً، فما دخل عليه إلا أهل العلم.

بيان زهد العلماء في الحكام والدنيا

بيان زهد العلماء في الحكام والدنيا وقال: للحسن البصري: أنا صرت أميراً للمؤمنين - وكان صديقه - فبمن أستعين، ومن أجعل بطانتي؟ قال: يا أمير المؤمنين! أما أهل الدين فلا حاجة لهم بك؛ لأنهم لا يحبون المناظر، ولا المتاجرة بالدين، وأما أهل الدنيا فلا حاجة لك أنت بهم، قال: أهل الدين لا يريدونني وأنا لا أريد أهل الدنيا، إذاً: من يقف بجانبي فقال: عليك بأهل الشرف؛ فإن شرفهم يمنعهم من الخيانة! ونحن إن لم نستفد من السيرة فسنضيع وقتنا هباءً منثوراً. وأبو حازم لما مشى خلفه أمير المؤمنين قال له: يا أمير المؤمنين! أنت تمشي خلفي من مكة إلى المدينة إلى حدود العراق فطلب شيئاً، قال له: يا أمير المؤمنين! من حاجات الدنيا أم من حاجات الآخرة؟ قال له: من حاجات الدنيا، فتبسم أبو حازم وقال: إذا كنت لم أطلب الدنيا ممن يملكها، فكيف أطلبها ممن لا يملكها؟! وهناك ناس يقولون: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة:200 - 201] فهذا هو الذي فاز بالاثنين، فبدلاً من أن تطلب الدنيا اطلب الدنيا والآخرة، وبدلاً من أن تدعو وتقول: نجح الأولاد، واجعل زوجتي مهتدية، ولسانها طيباً وجاري جيداً، والمدير قلبه رحيماً، وكل هذا في الدنيا، أفلا يوجد شيء للآخرة، أو لا تريد شيئاً أبداً للجنة؟ أو لا تريد البعد عن النار؟

بيان عظم الهمة في النية

بيان عظم الهمة في النية والحسن البصري أول ما شرب من ماء زمزم اقترب مريدوه منه وقالوا له: (ماء زمزم لما شرب له)، فأنت شربته بأي نية؟ وأنا أنوي أن بنت ابنتي شعرها يصلح، وغيرها من الدعوات الغريبة، وقبل الامتحانات الأمهات والآباء يبعثون لنا بالرسائل، فأجد على المكتب ستين أو سبعين ورقة، فيها جداول الامتحان، وهذا يريد قراءة يس وهذا آية الكرسي وهذا غيرها، ولو أن الولد ذاكر جيداً واتقيت الله فيه وأكلته الحلال فربنا سيأخذ بيده. فـ الحسن البصري قال: شربت ماء زمزم بنية أن يرويني يوم العطش الأكبر. فالنية نية كبيرة ضخمة واسعة. وسيدنا عمر جلس مع الصحابة وقال: ليتمنى كل واحد منكم أمنية، والصحابة كانوا صرحاء، ونحن لا نعرف هذه الصراحة، ولو كنا صرحاء لقال الذي لا يعمل: أتمنى أن يعمل، والذي ليس عنده شقة أن يجد شقة، والذي لم يتزوج أن يتزوج، والذي ليس عنده ولد أن يرزقه ولداً، وأما الصحابة فأول واحد قال: أتمنى جبلاً كجبل أحد ذهباً؛ لأنفقه في سبيل الله تعالى، والذي بعده قال: أريد وادياً كوادي عوف - وهو واد كبير وواسع جداً - مليء بالخيل أغزو بها في سبيل الله تعالى، وعلى هذه الوتيرة بقيت الأماني تقال، فلما جاء الدور على أمير المؤمنين، قالوا: وأنت يا أمير المؤمنين! ما هي أمنيتك؟ فتبسم وقال: أتمنى مسجداً مثل هذا المسجد مليئاً برجال من أمثال أبي بكر الصديق. وبالله عليك هل سمعت عن أمنية مثل هذه، ولو طلبت من كل مصري من الإسكندرية إلى أسوان أن يقول لك أمنيته لوجدتها أمنية خائبة، والمصيبة أنك تحدد على الله، والتحديد حرام، كأن تقول: نجح ابني فقط ولن أطلب شيئاً آخر، فإذا نجح ابنك ثم جاءت لك مصيبة بعد ذلك؟ فلماذا لا تدعو بأن ينجح لك ابنك ويكرمه ويوفقه ويبعده عن الشر؟ وهل خزائن الله تنفذ؟ فلماذا لا تطلب من الكريم وهو القائل: (إن من عبادي من لو جاء إلى باب أحدكم طلب منه سوطاً لمنعه، ولو طلب مني الجنة لأعطيتها له). يعني: كأن يقول لشخص: أعطني شلناً أو عشرة فيقول له: لا يوجد، ولو قال لربه: أعطني الجنة لأعطاها له. ومثل أبي نواس لما جاء فقير، فقال له: أعطني، قال: يا أم عبد الله! - زوجته - قالت: نعم، قال: أعطي السائل درهماً، قالت له: ليس عندنا دراهم، قال لها: أعطيه رغيفاً، قالت: ما عندنا أرغفة، فسكت أبو نواس إذ لا يوجد لا قرش ولا رغيف، فقال: السائل: كوب ماء، قال لها: أعطيه كوب ماء، قالت: ما عندنا ماء، فـ أبو نواس نظر إلى الرجل وقال له: انصرف يا فاجر! يا خاسر! يا منافق! فقال له: تمنعني وتشتمني! قال: أردت أن تنصرف مأجوراً أي: ما دام أنك لم تأخذ شيئاً من عندنا، أفلا تأخذ كلمتين في جنبيك تصبر عليهما توضع لك في ميزان الحسنات. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرقق قلوبنا، وأن يشرح صدورنا، وأن يغفر زلتنا، وأن يغسل حوبتنا، إن ربنا على ما يشاء قدير.

بعض معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

بعض معجزات النبي صلى الله عليه وسلم فشهادة الخصوم تشهد بأمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33]. فربنا يقول: هؤلاء لا يكذبونك يا محمد! وهم جاءوا له وقالوا: نحن سنؤمن بك لو شققت لنا القمر نصفين، فقال: يا رب! شق لقريش القمر نصفين، فأقسم الصحابة أنهم نصف القمر على جبل أبي قبيس والنصف الآخر على الجبل المواجه له، فقالوا: سحرنا محمد. ومن الكارثة أنك تجد كثيراً من الناس للأسف الشديد إذا أقسمت له بالله لا يصدق، وإذا خلفت له بالصلاة صدق. فإذاً: المشركون أو الكفار كانوا لا يكذبون رسول الله، وإنما كانوا يجحدون وينكرون آيات الله، فقالوا: نحن سنؤمن لك لو صيرت لنا الجبل الذي أمامك هذا ذهباً، فقال: وإن لم تؤمنوا فقد أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود، يعني: لو لم تؤمنوا فإن الصاعقة ستنزل عليكم، وأبو سفيان كان رجلاً كبير العقل، فقال: أسألك الله والرحم يا محمد! لأنه يعرف أنه صادق. وأبو لهب لما بصق عتبة ابنه على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متزوجاً ابنته أم كلثوم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك) فـ أبو لهب قال لأصحاب ابنه: انتبهوا لـ عتبة، فإن دعوة محمد مستجابة. وأبو جهل كان يشعر بالهيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا أبا جهل! أتستطيع أن تضرب محمداً؟ قال: أقدر، فقام أبو جهل وبحث عنه فلم يجده، فعرف أنه في البيت، فطرق الباب، وقريش كلها خلف أبي جهل من أجل أن ترى ماذا سيفعل؟ فعندما فتح الرسول الباب هرب أبو جهل إلى الخلف، فقالوا: يا أبا الحكم! إنك وعدت أن تضربه، فقال: لما فتح الباب رأيت فحلاً خلفه مثل الجمل الكبير جداً يريد أن يأخذني، فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم قال: ذلك جبريل لو مد يده لأخذه. قال تعالى: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] وأنت عندما تقول لجارك إذا كنت مسافراًَ: انتبه للأولاد وقال لك: في عيني، فإنك تسافر وأنت مطمئن، فما بالك بالله يقول لحبيبه صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] ويقول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67] ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم: سيروا أمامي فيقولون: نسير خلفك يا رسول الله؟! فيقول: خلوا ظهري لملائكة ربي، وكان إذا سار كأنه ينصب من منحدر؛ لأن الأرض كانت تطوى له طياً. وفي مطار أمستردام (72) صالة، ومن أجل أن تتنقل بين الصالات جعلوا الطرق تمشي، فتقف على سير وينزل بنفسه؛ من أجل أن يمتعوا الناس، فإذا كان هذا يعمله الرجل الهولندي من أجل أن يريح البشر فما بالك بما يفعله الله لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان تطوى له الأرض طياً صلى الله عليه وسلم. وسيدنا أنس رضي الله عنه حفر بئراً في بيته فخرج البئر مالحاً فردمه وحفر آخر فخرج البئر مالحاً، فذهب إلى سيدنا الحبيب وقال له: يا رسول الله! كلما حفرت بئراً وجدته مالحاً، فقال له: تعال معي، فذهبوا فأخرج دلواً فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قليلاً منه في فمه وتمضمض ثم بصقه في البئر، فكان الصحابة يتحيلون على أنس من شدة عذوبة ماء بئر أنس. وسيدنا جابر كان له جمل كليل في السير، وكانت الجمال كلها تمشي وهو آخرها، فقال: يا رسول الله! هذا بعيري قد أتعبني، فنخسه صلى الله عليه وسلم بعصا كانت في يده، فعاد يسابق الجمال في سيره. ولما سافروا في سفر وشح عليهم الماء قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوني بماء لأتوضأ، فتبسم الصحابة وقالوا: يا رسول الله! لا يوجد هناك ماء لا لوضوء ولا لشرب إلا قدح، فقال: ائتوني به، وفرج بين أصابعه، وصب عمر بن الخطاب ونبع الماء من بين أصابعه فشرب العدد كله، فسئل أسامة: كم كنتم يا أسامة؟! فقال: كنا سبعمائة رجل، فقد كان مؤيداً من ربه. ولو أراد لكان أغنى الناس، فقد كان له في كل غنيمة من الغنائم الخمس، وخمس الغنائم في غزوة بني قريظة كان عبارة عن ثمانية آلاف بعير، واثني عشر ألف رأس شاة، وسبعة آلاف وخمسمائة مثقال من الفضة والذهب، غير الدروع والسيوف، ومع هذا فقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي، فقد كان ينفقها لله، وكان عنده قانون: أنفق ينفق عليك، أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالاً، والله سبحانه وتعالى يقول: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:245] وربنا عنده خزائن كثيرة كثيرة كثيرة، {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات:47] فاللهم وسع علينا في أرزاقنا يا أكرم الأكرمين! ولما قابله أعرابي وقال له: يا محمد! من يشهد لك بالرسالة؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم نظر ولم ير أحدً معه، فقال له: هذه الشجرة، فالأعرابي ضحك، فقال لها: تعالي يا شجرة! فتحركت من مكانها ولها حفيف، فقال لها: من أنا؟ قالت بلسان عربي مبين: أنت محمد رسول الله، قال لها: عودي إلى مكانك. ومحمد حسين هيكل وطه حسين أنكروا معجزات رسول الله بالمرة، والرسول صلى الله عليه وسلم بغير معجزات كيف يكون؟ فقد أيده الله بمعجزات كما أيد موسى بالعصا، وكما أيد عيسى بإحياء الموتى وبإبراء الأكمه والأبرص، وأنه يعمل من الطين طيراً فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله إلى آخر المعجزات، وأيد سيدنا سليمان بالريح غدوها شهر ورواحها شهر، والشياطين كل بناء وغواص، والصافنات الجياد، وكل هذه المسائل أيد الرسل بها، فالمعجزات هذه مسألة حقيقية وردت بها الكتب الصحيحة وجاءت في كتاب الله عز وجل.

بيان انتكاس المسلمين اليوم

بيان انتكاس المسلمين اليوم والغربيون كلهم يكرهون الإسلام بلا استثناء وبدون نقاش، ونحن نري الناس الإسلام صورة مشوهة، ورجل منا تزوج امرأة أمريكية، وجلس يكلمها عن أبي بكر وعمر وحلاوة الخلق الإسلامي، وكيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل والمجتمع الإسلامي، فقالت المرأة: أنا أريد المدينة الفاضلة هذه، ثم جاءت إلى القاهرة، ورأت في اليوم الثالث هذا يضرب هذا، وهذا يرفع صوته فقالت له: أين أبو بكر وعمر اللذان تحدثت عنهما؟ وأين الأخلاق التي تحدثت عنها؟ فنحن نظلم الإسلام ونظلم أنفسنا عندما نعرض الإسلام من أخلاقنا عرضاً مشوهاً، فالناس تنظر إلى الإسلام وتقول: أمعقول أن هؤلاء مسلمون، فالتصق الإسلام اليوم بالتخلف وباعتداء المسلم على أخيه المسلم، والكارثة أن الكل يتحدث باسم الإسلام. وصدام لما اجتاح الكويت قال: أنا سأعيد توزيع الثروات، أفنصبت نفسك بديلاً عن الله عز وجل، كما قال تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف:32] فهناك الغني وهناك الفقير، والدنيا دول، وقد بقينا إلى سنة تسعة وخمسين ونحن في مصر نرسل كسوة الكعبة، ونعمل لها زفة، ثم حدث ما حدث في مصر؛ نتيجة لظروف كثيرة، فافتقرت وصارت مدينة وصار أهل الحجاز هم أصحاب المال. وهكذا الدنيا لا تظل على حال، وإنما يصير الغني فقيراً والفقير غنياً، ولكن الغنى غنى القلب. ومصر كنانة الله في الأرض، والكنانة هي: الجعبة التي يضعون فيها السهام، فعندما تقول: مصر كنانة الله في الأرض، أي: أن الله سوف يحفظ مصر من سهام الأعداء، وما دامت مصر قوية في الإسلام وبالإسلام فالإسلام قوي في أنحاء العالم كلها، وإذا ضعف الإسلام في مصر ضعف في العالم كله؛ لأن المصري بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. والشاب المصري لن تجد مثله أبداً، فإنك تجد فيه الشهامة والنخوة والإسراع في النجدة، ولا يجلس المريض مع المريض في سريرين متقاربين إلا وتكلما مع بعضهما بالذات النساء، وأنت تأخذ المعلومات في ثلاث ساعات، والمرأة تبرمجها لك في ثلاث ثوان، وتأتي لك بتاريخ حياة الرجل من سلالة أبيه رمسيس الأول بالتفصيل. والإسلام هكذا، كله ود وحب وحنان، ونحن كمصريين هذه فطرتنا. أما ما طرأ على المجتمع المصري في هذه الأيام فليست من طبيعتنا، فالحقد والغل والحسد ليست من طبيعة الشعب المصري أبداً، وليست هذه نزعة عرقية، والمسلم واحد في كل مكان، ولكن المصري فيه مميزات ليست موجودة في غيره، وهذا باعتراف هتلر، فقد قال: أنا أريد العقل الألماني والعسكري الإنجليزي والعاطفة المصرية، وأحتل العالم في أسبوع، والحاكم المصري إذا خرجت منه العاطفة صرنا في مصيبة، ولكنها ترجع بسرعة. نسأل الله أن يجنب بلادنا وبلاد المسلمين كل شر، إن ربنا على ما يشاء قدير. وكما شهد الخصوم للنبي صلى الله عليه وسلم في وقته فقد شهدوا له وفي وقتنا الحاضر، فهذا فولتير أعظم مفكر في فرنسا وأوروبا يقول: من قال: إن محمداً ليس بنبي فهو كذاب. وبرناردشو الساخر الأيرلندي الإنجليزي المعروف يقول: لو كان محمد بن عبد الله يعيش بيننا اليوم لحل لنا مشاكل الساعة كلها ريثما عملنا له فنجاناً من القهوة، أي: في خلال عشر دقائق.

الأخوة بين المهاجرين والأنصار

الأخوة بين المهاجرين والأنصار وقد كان العربي يحتل أرض العربي صاحبه، ويقاتله عشر سنوات أو أربعين سنة من أجل أن فرسه سبق فرسه، وقد قال ربنا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103]. يعني: كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم، ولو قامت حرب بيننا وبين إسرائيل مثلاً فهجروا إخواننا الذين في السواحل -نسأل الله العفو والعافية- وجاء المسلم السويسي وقال لك: أنا أريد آخذ غرفتين أو غرفة في شقتك ونقسم الثلاجة نصفين، فقبل أن يكمل طلباته فستقول: إن هذا الرجل قد جن. والرسول صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، فكان يأتي المدني الأنصاري ويقول لأخيه المهاجري مثل سعد بن الربيع الذي آخى الرسول بينه وبين عبد الرحمن بن عوف، قال: يا عبد الرحمن! أنا لي بيتين، فالبيت الذي يعجبك خذه، وأنا متزوج امرأتين فأطلق لك واحدة فإذا انقضت العدة تزوجتها، وعندي كذا دينار فنقسمها نصفين، وأين تجد هؤلاء الناس؟ وما أخذ بسيف الحياء فهو حرام، وهذا حكم فقهي، وهذه النقطة مهمة، لأن الإيمان لما ضاع منا ضاع الحياء، مثل شخص جلس معك في المكتب، وجد أمامه قلماً جميلاً فقال: هذا القلم جميل لم أر مثله في السوق، فأعطيته وقلت: تفضل يا أخي! فيقول: لولا أنك حلفت، فأخذه في جيبه، فهذا كأنه سرقه، والإسلام يحاسبه على أنه سارق. ومثل الموظف الذي لا يقضي لك المصلحة إلا برشوة، ويتعلل بأن الأولاد كثير هذه الأيام، والمدارس والمصاريف والحكاية والرواية. فـ عبد الرحمن بن عوف قال له: جزاك الله خيراً يا أخي! دلني على السوق، قال له: ماذا تفعل في السوق؟ وماذا لديك؟ قال: عندي أقط، وقد دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة في الرزق، فوالله لو وضعت يدي تحت حجر لظننت أني أجد تحته ديناراً، ولو أمسكت التراب لصار ذهباً، ببركة دعوة رسول الله. ويوم موت عبد الرحمن بن عوف كانت نساؤه أربعاً، وهذا أمر حلال، أحله الله، واليوم صور الإعلام أن الزوجة الثانية بالنسبة للرجل تعني الحرب العالمية، والحاقة والصاخة والهول الأكبر. فلما مات عبد الرحمن بن عوف كانت زوجته الرابعة حاملاً وأخذت اثنين مليون دينار، وهم ما كانوا يعرفوا المليون، وإنما كانوا يقولون: ألف ألف، والأربع يشتركن في الثمن، فهي أخذت اثنين مليون دينار، يعني: واحد من اثنين وثلاثين من التركة، فقد كانت تركة عبد الرحمن بن عوف يوم موته أربعة وستين مليون دينار، وهذا قبل ألف وأربعمائة سنة، فكانت أكثر من ميزان المدفوعات لأمريكا. وهذا كله ببركة التجارة الحلال، وعدم الضحك على الناس، وعدم استخدام الدين للوصول إلى مآرب؛ لأن الدين غاية وليس وسيلة. فالخصوم الحاليين قد شهدوا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكلنا قرأنا كتاب العظماء مائة، وأولهم محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه شهادة الخصوم تشهد له بالصدق والأمانة. وكان أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء الناس، فمن أتباعه أبو بكر، وكان من سلالة بني تيم، وعمر وكان من سلالة بني عدي، وعثمان وكان من سلالة بني أمية، وعبد الرحمن بن عوف وكان من سلالة العائلات، وخالد بن الوليد وكان من سلالة بني مخزوم، وسعد بن أبي وقاص. وكلهم من علية القوم، ومن أعظم أصول وبطون قريش. وقد كانوا يقولون: إن الفقير دخل الإسلام من أجل أن يحتمي فيه، وهو لم يجد الحماية في الإسلام! فقد كان يمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم عند الكعبة وهم يعذبون فيقولون له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فكان يغضب ويقول: (والذي بعثني بالحق نبياً لقد كان الرجل من قبلكم ينشر ما بين مفرق شعره إلى أخمص قدميه لا يثنيه عن قوله لا إله إلا الله، اصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده). وكان يقول (ليبلغن هذا الدين ما زوي لي من الأرض، حتى تخرج الظعينة من أرض العراق)، تحج بيت الله الحرام لا تخاف على نفسها إلا الذئب على الغنم)، فهي ستمشي وسط بلاد مسلمة، فالمسلم لا يروع المسلم، وسبحان الله! تمشي الظعينة من أرض العراق لا تخاف.

بيان بعض علامات الساعة

بيان بعض علامات الساعة وسوف يأتي زمان قرب الساعة يعود فيه الأمان إلى الأرض، فترعى النمور مع الأبقار، والذئاب مع الغنم، وتلعب الصبية بالحية فلا تضرهم شيئاً، فالأمان سوف يعود، وترجع البركة إلى الأرض: (قال: فيستظل الفئام من الناس بالقحفة من الرمانة)، أي: قشرة الرمان. نسأل الله ألا نكون على وجه الأرض عندما تقوم الساعة.

أولا: العلامات الصغرى

أولاً: العلامات الصغرى لا تقوم إلا على شرار الناس. وذكر صلى الله عليه وسلم من علامات الصغرى أن: (يصير العام كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة)، وهذا قد حصل. وأخبر أنه: (يصدق الكذوب ويكذب الصادق، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين). وأن يربي الإنسان جرو كلب خير له من أن يربي له ولداً، فتجد الآن بعضهم يقول: لو ربيت كلباً كان ظهر ذلك فيه! وقال: (وأن تصير الأمانة مغنماً)، فإذا وضعت أمانة عند شخص أكلها على أنها غنيمة: (والزكاة مغرماً، والمال دولاً)، أي: يتداوله الأغنياء: (وأن يبر الرجل صديقه ويعق أباه، ويطيع زوجته ويعصي أمه، وتنتشر القينات والمعازف)، والقينات جمع قينة وهي الراقصة: (ويشرب الخمر وترتكب الفاحشة على قارعة الطريق) أو مقدمات الفاحشة. وهذا كما تجد اليوم ولداً تافهاً يخرج من الإعدادي أو الثانوي واضعاً يده على كتف بنت. يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (أمثلهم)، أي: الغيور جداً: (أمثلهم من يقول: لو نحيتها عن الطريق قليلاً) وأن: (ينحسر الفرات عن جبل من ذهب، أو كنز من ذهب، يتقاتل الناس عليه، فيموت من كل مائة تسعة وتسعون، لا يدري القاتل لم قتل ولا المقتول لم قتل). وأن: (تعود أرض العرب مروجاً خضراء)، أي: الجزيرة العربية الصحراء القاحلة تعود مروجاً خضراء، وهذا دليل على أنها كانت قبل كذا مزروعة، وثبت في تاريخ الجيولوجيا أن الجزيرة والحجاز كانت كلها أرض زراعية. وأن: (تلد الأمة ربتها، وأن تجد الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان)، ولا نملك إلا أن نصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنه جالس بيننا يقص واقعنا الذي نحن فيه. اللهم تب علينا، اللهم تب علينا، اللهم تب علينا، اللهم تب علينا يا رب العالمين!

ثانيا: العلامات الكبرى

ثانياً: العلامات الكبرى وبعد علامات الساعة الصغرى تأتي علامات الساعة الكبرى، ولو جاءت أول علامة من علامات الساعة الكبرى فلا تنفع التوبة، قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158] فقد قفل الباب، فأول ما تظهر يغلق باب التوبة. وأول علامة هي: أن تطلع الشمس من المغرب، ثم ظهور الدابة، وأيهما ظهر أولاً فالأخرى على أثرها، والدابة ذكرها الله في كتابه في قوله: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل:82]. والدابة هذه اسمها الجساسة، فتجوس في الأرض، وتدخل على الناس في الحرم من باب السلام معها عصا موسى وخاتم سليمان، فتخطم - تلمس - بعصا موسى وجه المؤمن فيبيض وجهه، وتلمس وجه الفاجر والفاسق والمنافق بخاتم سليمان فيسود وجهه، يعني: تعلوه كآبة، فينسى الناس الأسماء ويتعاملون بيا مؤمن ويا كافر، ثم يظهر الدخان، قال تعالى: {فَارْتَقِبْ} [الدخان:10]، أي: وارتقب يا محمد! أنت وأتباعك: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ} [الدخان:10 - 11]، أي: يصبح الناس يجدون الدنيا مثل ضباب الشتاء، وهذا الضباب أو الدخان على رأس المؤمن كالزكام البسيط، وعلى رأس الكافر والمنافق والفاجر كنيران تغلي، اللهم سلم يا رب العباد! ثم يظهر المسيح الدجال، ومصيبته كبيرة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه في كل صلاة، حتى أن عمر كان يقول: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحدثنا على المنبر عن المسيح الدجال، فكنت أنظر خلفي مخافة أن يأتي ليجلس بجواري. وأما صفة المسيح الدجال؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعور كأن عينه طافية كالعنبة، يرى المؤمن مكتوباً على جبهته كافر، عندما تمتنع السماء عن المطر والأرض عن الإنبات، يقول: يا سماء أمطري فتمطر، يا أرض أنبتي فتنبت، يا ضرع امتلئ لبناً فيمتلئ، اقلص فيقلص، ويقول: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فلا يضره بإذن الله). والمسلم عندئذ لا يملك طعاماً ولا شراباً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طعام المؤمنين يومها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، يلهمهم الله به كما يلهمون النفس، وأكثر أتباعه اليهود والمنافقون والنساء، حتى يعود الرجل إلى بيته فيحبس أمه وزوجته وأخته وابنته؛ مخافة أن يخرجن من خلفه فيتبعن المسيح الدجال). ولا يسلط عليه أحد إلا المسيح عليه السلام، فعندما يراه يذوب كما يذوب الملح في الماء، فيقتله المسيح ثم يدخل المسيح على المسلمين في المساجد فيقدمه الإمام فيقول المسيح: لا، إنما جئت تابعاً لأخي محمد، ليصل بكم إمامكم، فيصلي خلف الإمام عليه السلام. ثم بعد ذلك يأمر الله عيسى بأن يحرز عباده إلى جانب الطور، ثم بعد ذلك يأتي يأجوج ومأجوج، وهي العلامة السادسة من القرآن. ولا يوجد أهم من أن نعرف علامات الساعة، فهو موضوع خطير جداً، فيظهر يأجوج ومأجوج كما قال الله: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء:96 - 97] فيدعو عيسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين عليهم، فتأتي طيور لها أعناق كأعناق البخت فتأخذ يأجوج ومأجوج فيلقونهم في البحر، ثم تمطر السماء، ويقول الله للأرض: ردى بركتك، ثم يقبض الله أرواح المؤمنين، فلا يبقى على الدنيا إلا لكع ابن لكع، وعليهم تقوم الساعة. اللهم اغفر لنا وارحمنا، وتوفنا على الإسلام، واجعل خير أعمالنا خواتيمها يا أكرم الأكرمين! وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. تبنا إلى الله، تبنا إلى الله، تبنا إلى الله. ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، وعزمنا عزماً أكيداً على أننا لا نخالف أمراً من أوامر الله، وبرئنا من كل دين يخالف دين الإسلام، والله على ما نقول وكيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

سلسلة مقتطفات من السيرة [12]

سلسلة مقتطفات من السيرة [12] مهما ادلهمت الخطوب على الأمة، واحلولك الظلام فإن بشائر النصر تنبئ عن فجر جديد للأمة، وانتصار وشيك، ولنا في حياة الرسول وصحبه في أول الإسلام أسوة حسنة، فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.

الثناء على أمة محمد صلى الله عليه وسلم والبشارة لها بالتمكين والرفعة

الثناء على أمة محمد صلى الله عليه وسلم والبشارة لها بالتمكين والرفعة أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، أما بعد: اللهم اجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، اللهم ثقل بها موازيننا يوم القيامة، اللهم لا تجعل للشيطان فيها حظاً أو نصيباً. اللهم اجعلها خالصة لوجهك الكريم واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ولا تجعل لنا ذنباً إلا غفرته، ولا تجعل فينا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا ذنباً إلا غفرته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا عيباً إلا سترته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته. اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم أعد الغائبين المسافرين إلى أهلهم غانمين سالمين، وانصر اللهم الإسلام والمسلمين، واطرد عن بيوتنا وأبنائنا وبناتنا شياطين الإنس والجن، واطرد عن أزواجنا وذرياتنا شياطين الإنس والجن. اللهم لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، اللهم خذ بيد أولادنا ووفقهم يا رب العالمين، اللهم اطرد عنهم شياطين الإنس والجن، اللهم وفقهم إلى ما تحبه وترضاه، اللهم اعصمهم من الزلل يا أرحم الراحمين. اللهم باعد بينهم وبين الخطايا كما باعدت بين المشرق والمغرب، ووفقهم وإيانا إلى ما تحبه وترضاه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: فهذه هي الحلقة الثانية عشرة في سلسلة حديثنا عن السيرة النبوية العطرة للحديث عن التاريخ العظيم لسيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، حشرنا الله في زمرته وتحت لوائه وسقانا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبداً، وفرّح بنا قلب نبينا، وشفعه فينا، وأوردنا حوضه وجعلنا من أمته الذين يشفعه فيهم يوم القيامة إنه على كل شيء قدير.

منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواضعه

منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواضعه يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (بشر هذه الأمة بالثناء والرفعة والتمكين في الأرض والنصر على الأعداء). صدقت يا رسول الله، فالأمة مبشرة من المعصوم صلى الله عليه وسلم برغم ما يحدث من سلبيات، أو من قصور، أو من تقاعس، أو من بعض الانحرافات أو من بعض التجاوزات من كثير منا وكثيرات، لكن رغم ذلك يبشرنا الحبيب المصطفى بالثناء والذكر الحسن من رب الأرض والسماء، وما دام ربنا يثني فظن خيراً ولا تسأل عن الخبث، وفي القرآن أثنى الله على خير أمة فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]. فالخيرية كل الخيرية في هذه الأمة، وقد وضحها لنا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس -رضوان الله عليه- فيما يروي عن الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم، عندما تلقى موسى الألواح فوق الجبل وموسى عليه السلام هو الوحيد من الرسل الذي تلقى أوامر الله بدون وحي، فهو الكليم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:164]. ولذلك ما احتمل سيدنا أبو بكر الرجل اليهودي الذي حلف وهو يتناقش معه بقوله: والذي اصطفى موسى على العالمين أن ما أقوله حق، فضرب الرجل وقال: إن الله اصطفى محمداً، فذهب أبو بكر يقص قصته على رسول الله لينظر ما يقول صلى الله عليه وسلم. وهنا يتجلى خلق التواضع لسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، وإلا فكل الدلائل تشير إلى أن اصطفاء خير البشر كان لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام؛ لكنه يقول بكل تواضع، (لا تفضلوني على موسى بن عمران، ولا على يونس بن متى)، فلو قيل: موسى كليم، لكن سيدنا يونس لم يذكر كثيراً مثل سيدنا موسى عليهم الصلاة والسلام. ثم يقول: (ما كنت ليلة المعراج أقرب إلى ربي من يونس وهو في بطن الحوت أقرب إلى ربه، وأول من ينشق عنه القبر يوم القيامة نبيكم ولا فخر). الحبيب يقول لـ أبي بكر: (أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة نبيكم، فيجد عند القبر جبريل، فيكون أول ما يسأله: كيف حال أمتي يا جبريل؟ فيقول: بخير حال يا رسول الله، ثم يسأله: وكيف حال الحسن والحسين وفاطمة) وذلك حناناً منه صلى الله عليه وسلم، ولذلك لو سمعت من يتكلف لك بالمسائل الصعبة فافتح أي كتاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تجد فيه أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما. فأول من ينشق عنه القبر يوم القيامة نبيكم ولا فخر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (فأجد موسى منبطحاً تحت العرش آخذاً بقوائمه، فلا أدري أصعق فيمن صعق أم كفته الصعقة الأولى). ومع ما أوتيه صلى الله عليه وسلم من العلم يقول: أنا لا أعرف هل اكتفى الله بأنه صعقه مرة واحدة يوم قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف:143].

التحذير من الاختلاف بين الدعاة لأنه يهدم ولا يبني

التحذير من الاختلاف بين الدعاة لأنه يهدم ولا يبني دخل أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا خير البرية! فقال صلى الله عليه وسلم: (خير البرية إبراهيم الخليل)، ومع ذلك تجد اليوم بعض من يدعي العلم يقول: أنا الشيخ فقط، ينبغي أن تسمعني أنا فقط، غافلاً أو متغافلاً عن قاعدة التعلم التي قررها سيدنا الإمام مالك وهو يسند ظهره إلى قبر الحبيب ويشرح للناس كلام الله وكلام رسوله ويقول: كل الناس يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا المقام الشريف، وإنما استثناه لأنه لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، ولا يقول كلاماً من عند نفسه. وكم أنزعج وغيري مثلي من بعض الناس الذين يحبون أن يستقطبوا الناس ويصدوهم عن سماع غيرهم، فأقول: هلا تركتم الناس يتعلمون ممن شاءوا طالما أن من يعلمهم يقول: قال الله قال الرسول. أما أن يذهب عند هذا يوغر صدره من الدرس، ويذهب عند هذا فيفعل كما فعل الأول، فيصدق فيهم قول الشاعر: وإذا فرق الرعاة اختلاف علموا هارب الذئاب التجري والمعنى: أن الرعاة عندما يختلفون فيما بينهم تأكل الذئاب الغنم، وما أكثر الذئاب هذه الأيام. وكم هزني البارحة خبر حتى ظللت كل يومي مكتئباً وكلما تذكرت اكتأبت من جديد، والخبر هو ما قرأته في آخر صفحة في الجريدة، أن شرطة الملاهي أمسكت بثلاث راقصات يرقصن من غير ترخيص، وهذا يشير أن هناك من يرقصن بتراخيص، أنا لا أدري هل يلزمها حمل الرخصة في جيبها مثل رخصة السيارة أم لا؟ ولك بعد هذا أن تتخيل كم من ذئاب حولك تحطم أسوار الفضيلة وأهل الدين وأهل الاستقامة، والمسألة خطيرة وليست بهينة، فأنت تبني ومن حولك مائة يهدمون، فما الفائدة إذا كنت تبني وغيرك يهدم؟ فسبحان الله العظيم!! وهنا يجدر التنبيه أن دروس السيرة ليست حكايات، فيحتج البعض فيقول: أنت لم تكلمنا عن شيء من أحداث السيرة، فالذي يريد السيرة حكايات فليذهب ويقرأ في الكتب، أما نحن فنعتقد أن السيرة علم نحاول به أن نأخذ بأيدينا وأيديكم إلى طريق الحق. ولذلك قال أهل العلم: من احترقت بدايته أشرقت نهايته، فالطالب الذي يذاكر طوال السنة ليل نهار يكون في آخر السنة الأول، ومثلها: المؤمن وهو يعاني ويكابد الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية لا يتكلم إلا بخبر، غاضاً بصره لا ينظر إلا إلى حلال، أصم لا يسمع إلا الخير، ويذهب بأرجله إلى الخير، فيحرص على أن يصلي الفجر والعشاء ويحضر دروس العلم، ويتذلل للعلماء ويتواضع للناس ولا يتكبر على أحد، كل هذا الكلام احتراق للنفس، فمن احترقت بدايته أشرقت نهايته جعل الله نهايتنا مشرقة.

الذين لا تبلى أجسادهم في القبر

الذين لا تبلى أجسادهم في القبر وقد سألني أحدهم فقال: ألم تقل في خطبة سابقة: إن أجساد الأنبياء والعلماء والشهداء لا تأكلها الأرض، لماذا؟ فقلت له: أولاً: لست أنا الذي يقول! بل هذا الحبيب المصطفى هو الذي يقول، ثانياً: أما ما هو السبب؟ فقد ضربت له مثلاً بسيطاً جداً. فقلت له: أنت لو أتيت بقالبين من طوب، قالب طوب لبن (غير محرق) ووضعته في الماء، ستجد أنه بعد ساعتين يتفكك، وأتيت بالقالب الثاني الذي أحرقته حتى صار طوباً أحمر، فإنك مهما وضعته في الماء يبقى كما هو، فقالب الطوب عندما حرق بالنار أصبح يتحمل الرطوبة والثقل، فالطوب اللبن الغير محرق مثله الذي لا يصلي ولسانه يخوض وعينه تزوغ وأذنه تسمع والرجل تمشي واليد تمتد للحرام، فهو ما تعب في شيء! فلذلك تكون نهايته مثل نهاية الطوب النيئ، فأول ما يدخل القبر يعصر حتى يذاب جسده. أما الثاني فقد احترقت بدايته فأشرقت نهايته، ولذا عندما نقرأ عن الصحابة رضوان الله عليهم وما حصل لهم نجد عجباً. فهذا سيدنا مصعب بن عمير -رضى الله عنه- أول سفراء الإسلام لما دعي الحبيب المصطفى ليصلي عليه بعد أن استشهد في أحد وجد عليه ثوباً إذا غطوا به وجهه ظهرت رجلاه، وإذا غطوا رجليه ظهر وجهه، فقال: (غطوا وجهه وضعوا على قدميه الإذخر، ثم بكى النبي صلى الله عليه وسلم! فقيل: ما يبكيك يا حبيب الله؟ قال: لقد رأيت هذا الشاب بمكة) وقد كان سيدنا مصعب قبل الإسلام يسمى الشاب المعطر وكانت أمه تستقدم ملابسه الداخلية من حرير اليمن الخالص. شأنها اليوم شأن من يذهبون هذه الأيام إلى باريس لاستقدام كسوة الشتاء، وإلى لندن من أجل كسوة الصيف، فكانت أم مصعب بن عمير من الغنى تأتي له بالملابس الداخلية من الحرير اليمني، فكيف بالملابس الخارجية؟ فلما دخل في الإسلام منعته أمه من المال، وعاش على شظف العيش وبانت عليه الشدة، فتذكر الحبيب صلى الله عليه وسلم أيامه وبكى، ثم قال: (كيف بكم إذا جاء عليكم زمن يغدى على أحدكم بصحفة ويراح بأخرى -أي: يعطونه طبقاً فيه نوع من الأكل ويأخذون طبقاً فيه نوع آخر من الأكل- يغدو أحدكم في حلة ويمسي في أخرى) أي: يلبس في الصبح (بدلة) وبعد الظهر (بدلة) ويلبس في الصبح (ثوباً) وبعد الظهر (ثوباً)، قالوا: ما أجمل هذا يا رسول الله، إذاً نتفرغ لنشر الدين ولا يشغلنا الرزق عنه. فقال صلى الله عليه وسلم: (لا، أنتم اليوم خير من يومئذ)، لأن المال سيشغل الناس عن الدين وعن الطاعة، ومثل محب الدنيا كشارب من البحر لا يزيده الشرب إلا عطشاً، ولن يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، فمن احترقت بدايته أشرقت نهايته.

ذكر بعض ما شرف الله به أمة محمد على من قبلها

ذكر بعض ما شرف الله به أمة محمد على من قبلها وعودة إلى الحديث الذي صدرنا به كلامنا: أمسك سيدنا موسى عليه السلام الألواح، بعد أن ألقى الله له الألواح على الجبل، فلما تلقى الألواح وفيها الوصايا العشر، وجد في الألواح صفات أمة معينة، لم تذكر من هذه الأمة؟ فقال: يا رب! أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدروهم -أي: الكتاب المقدس الذي نزل عليهم يستطيعون حفظه، ومعلوم أنه لا أحد من القساوسة يستطيع أن يحفظ الإنجيل، ولذلك إذا تحدث أحدهم بجملة من الكتاب المقدس اضطر إلى فتح الكتاب ليأتي بالعبارة فهو لا يجيد حفظها- فقال موسى: اجعلهم أمتي يا رب! قال: كلا يا موسى إنما هم أمة أحمد، قال موسى: وأرى في الناس أمة من الأمم من هم منهم بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، وإن هم بسيئة ولم يعملها ما كتبتها عليه شيء فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، اجعلهم أمتي يا رب! قال: كلا يا موسى إنما هم أمة أحمد. قال: أرى في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها، -إذ الصدقات من قبل كان لا يحل أكلها، ويروى أن إسرائيل كان إذا أراد أن يخرج صدقة يضعها فوق الجبل، ودليل قبول الصدقة أن تنزل صاعقة لتحرقها، فإذا نزلت الصاعقة وأحرقت ما قدم كان ذلك دليلاً على قبول الصدقة، وإذا لم تنزل الصاعقة فالصدقة غير مقبولة، أما نحن فبإمكان الغني أن يعطي الفقير ولا حرج أن يذهب فيأكل عنده- قال موسى: اجعلهم أمتي يا رب! قال: كلا، إنما هم أمة أحمد. قال: يا رب! أرى في الألواح أمة هم آخر الأمم، ولكنهم أول الناس دخولاً إلى الجنة، اجعلهم أمتي يا رب! قال: كلا يا موسى إنما هم أمة أحمد- وهكذا حتى عدد إحدى عشرة صفة، والحديث رواه ابن عباس وحسنه مسلم رضوان الله عليه، وقال: الحديث حسن صحيح، فأقسم ابن عباس راوي الحديث فقيل: يا ابن عباس! أنت تحلف؟ قال: لأن الرسول قد أقسم، وقال: فوالله لقد ألقى موسى الألواح من بين يديه وقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد. وهذه دلائل العظمة للأمة المحمدية -الأمة الإسلامية.

فضل مجالس الذكر والحث على المداومة عليها

فضل مجالس الذكر والحث على المداومة عليها من النعم التي تستوجب الشكر أن يوفق المرء لحضور مجالس التذكر والعلم والمداومة عليها. ووالله لو كشف عنا الحجاب، ورأينا الملائكة يجلسون حولنا ما قام الواحد منا، ولذلك جاء في الأثر: ينادي مناد من تحت العرش على اثنين: المصلي والجالس في بيت الله، لو يعلم كلاهما من يناجي ومن يجالس ما انفتل من صلاته وما خرج من المسجد. والمعنى: لو يعرف الذي يصلي من يكلم ما خرج من الصلاة، ولو يعرف الذي يجلس في الجامع مع من جلس ما كان يخرج؛ لأنه سيشعر حينها أنه كالسمك في الماء إن خرج منه أصيب بالاختناق، فنحن عندما نخرج إلى الناس هذه الأيام قطعاً ستتألم نفوسنا من الكلام ومن الناس الذين يمشون في الشارع ومن الأيمان الكاذبة والفاجرة والصفقات الخاسرة، أما في بيت الله عز وجل فنحن نشعر براحة الصدر، كيف لا ونحن في بيت الكريم سبحانه! ويقول أهل العلم: لو كشف لنا الحجاب لرأينا الرحمة وقد غطت الجالسين في بيت الله كالملاءة أو كالغطاء الذي تغطي به أبناءك لو رأيتهم في البرد، فرحمة الله تنزل على العبد فتغطيه، وما دامت رحمة الله تغطي العبد فليظن خيراً وليستبشر خيراًً.

الثناء على الأمة من الملائكة

الثناء على الأمة من الملائكة قال صلى الله عليه وسلم: (بشر هذه الأمة بالثناء من الله). والملائكة أيضاً تثني على المؤمنين حتى أن المؤمن النائم على وضوء وذكر، تدعو له الملائكة وتستغفر له؛ لأنه إذا لم ينم كان سيسبح ويذكر ويصلي، فهكذا حياته كلها، فلم يعطله عن الذكر إلا أنه يجب أن ينام، ولذلك فإن الملائكة تصلي عليه حتى وهو نائم، على أن حملة العرش، وهم أرقى نوع في الملائكة، يستغفرون لمن في الأرض. ومن أعمال الملائكة أيضاً أنهم يؤمنون على دعاء المسلم، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة استجاب الله له، كما جاء في الحديث، فلو أن الإمام يدعو والناس يؤمنون، ثم أمنت الملائكة مع المؤمنين كانت الإجابة عند رب العالمين. وعلى العكس من ذلك من دعت عليه الملائكة، وقد روي: أن الرجل الفاجر أو المنافق أو الفاسد أو المنحرف إذا مات تفرح الملائكة وتقول: الحمد لله الذي أراح الله منه البلاد والعباد، وقال فيه الحبيب صلى الله عليه وسلم: (مستريح ومستراح منه). ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (عيشوا مع الناس معيشتهم حيث إن متم ترحموا عليكم وإن غبتم حنوا إليكم)، فعلى كل منا أن يحرص أن تكون فيه هاتان الصفتان: إذا غاب عن أخيه المسلم يحن إليه، ويتذكر أيامه وجلساته معه، وإذا مات دعا له بالرحمة. وكم من علماء صالحين نذكرهم بالرحمة، وكم من أناس فاسدين مفسدين إذا ذكروا قال السامع: ماتوا والحمد لله، وما يمنعه أن يدعو عليهم إلا أنهم قد ماتوا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اذكروا محاسن موتاكم)، لكنه لا يستطيع أن يخرج كلمة رحمه الله، أما العلماء والصالحون فندعو لهم، فنحن حين نذكر مثلاً العز بن عبد السلام رضي الله عنه، وكذا صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه، وخالد بن الوليد رضي الله عنه، وأخونا الشيخ إبراهيم عتوي رحمه الله ورضي عنه، فندعو له لأنه كان يزرع خيراً في الناس. لكنا لو ذكرنا فاجراً كان يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا أو ما شاكله فلن نترحم عليه، ولذا كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم: (فعيشوا مع الناس معيشة إن غبتم حنوا إليكم وإن متم ترحموا عليكم).

أمة محمد شاهدة للرسل على أممهم يوم القيامة

أمة محمد شاهدة للرسل على أممهم يوم القيامة وقوله صلى الله عليه وسلم: (بشر هذه الأمة بالثناء والرفعة)، فالثناء من الله ومن الملائكة ومن الرسل أيضاً، فهم يثنون على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كما يثني عليها أتباع الرسل يوم القيامة، وقد ثبت أن المسلم من ضمن الشهداء الذين يشهدون على أمة نوح، وأمة إبراهيم، وأمة لوط، وأمة موسى، وأمة عيسى، وكل الأمم، فتأتي أمة نوح ليسألهم رب العباد: يا قوم نوح! هل بلغكم نوح الرسالة؟ فيقولون: لا، يا رب! ما بلغنا. فيسأل نوحاً: يا نوح هل بلغت؟ يقول: نعم يا رب لقد بلغت، فيقال: لكن قومك ينكرون، أمعك من شهود؟ فيقول: نعم يا رب، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: أمة محمد، فيقال لأمة محمد: أتشهدون يا أمة محمد؟ فيقولون: نشهد يا ربنا أن نوحاً بلغ قومه، فيقول قوم نوح: كيف تستشهد علينا قوماً لم يرونا؟ أي: كيف يشهدون علينا وقد جاءوا بعدنا بعشرة آلاف سنة أو عشرين ألف سنة! ولله الحجة يوم القيامة ولكي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، يقول: يا أمة محمد كيف تشهدون وأنتم ما رأيتم نوحاً ولا قومه؟ فتقول أمة محمد يا ربنا! قرأنا كتابك وعلمنا أن ما فيه صدق، وقرأنا فيه أن نوحاً قد بلغ قومه وصدقنا بما جاء به محمد، فيقال: صدقتم يا أمة محمد، وهكذا سائر الأمم. ثم يأتي بعد ذلك من يشهد على الأمة، وهو سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:41 - 42]. ومعلوم أن شهادة الحبيب غير شهادة الكاره، ومن ذا يساوي الرسول صلى الله عليه وسلم خوفاً على أمته، يروى أن الله قال له: يا محمد! أأجعل إليك حساب أمتك؟ فيقول الحبيب: (كلا يا رب، بل حسابهم إليك فأنت أرحم بهم مني).

أكثر أهل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم

أكثر أهل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ومما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ -فكبر الصحابة فرحاً بهذا الخبر، ثم قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟)، وهنا ينبه على أن المسلم إذا وجد شيئاً يعجبه يقول: الله أكبر ولا يصفق، لأن التصفيق إنما جعل للنساء. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ فكبر الصحابة، فقال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ -أي: نصف أهل الجنة- فكبر الصحابة ثم قال: أترضون أن تكونوا ثلثي أهل الجنة؟ فكبر الصحابة. ثم قال: أهل الجنة مائة وعشرون صفاً أمتي ثمانون صفاً). يذكر أن رضوان خازن الجنة يقف على الباب، فإذا جاء إليه أحد يريد أن يدخل سأله: من أنت؟ يقول: فلان، فيقول له: من أي أمة؟ فيقول: من أمة محمد، فيقول حينها: ما أمرت أن أفتح لأحد قبل أمة محمد، أي أنهم أول الناس دخولاً، ولذلك يقول سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم: (لكظيظكم على باب الجنة أحب إلي من شفاعتي)، إذ أن شفاعته هي من أجل أن يدخل عدد منا الجنة، لكنه حين يراهم مزدحمين على باب الجنة يفرح وازدحامهم أحب إليه. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الرؤيا التي رآها -والحديث رواه الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن أبي هريرة -: (ورأيت رجلاً من أمتي والنبيون جلوس حلق حلق)، رأى في الرؤيا أن كل نبي جالس وحوله حلقة ذكر وعلم، وفي هذا حث على تتبع حلق العلم والبعد عن مجالس اللهو والموسيقى العربية أو الغربية. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلما جاء -أي: الرجل الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم- إلى فرج حلقة منع منها، فجاءته صلته للرحم فأجلسته الملائكة بجواري). وصلة الرحم عظيمة جداً، حيث أجلست صاحبها بجانب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، كأنه علي بن أبي طالب، أو الحسين، أو أبو بكر. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجلاً من أمتي يكلم الناس ولا يكلمونه فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فأمر الله الناس أن يكلموه فكلموه، ورأيت رجلاً من أمتي يقوم على الصراط ويكبو -أي: يقوم ويقع- تريد أن تتخطفه كلاليب جهنم، فجاءته صلاته علي فأوقفته فدخل الجنة سالماً)، اللهم صل على حبيبك رسول الله، صلى الله عليك وسلم، صلى الله عليك وسلم.

خروج عصاة الموحدين من جهنم

خروج عصاة الموحدين من جهنم تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بشر هذه الأمة بالثناء)، وذكرنا أن الثناء من الله ومن الملائكة ومن الرسل. وجاء أن أهل النار -أبعدنا الله عنها- ينظرون فيرون معهم جماعة في جهنم، ومعلوم أن النار سبع دركات. وفي أول دركة في النار، يقول المشركون والكفار للمسلمين العصاة الذين يقضون مدة العقوبة: ما أغنى عنكم صلاتكم ولا إيمانكم ولا توحيدكم، فأنتم فقط حرمتم أنفسكم من الخمر وسائر الشهوات والملذات، فيحزن المسلمون العصاة، فيقول الله سبحانه وتعالى يقول للملائكة: أخرجوا من النار كل من قال: لا إله إلا الله، ولذلك يقول الله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2]. وقولهم ذلك هو في هذا الموقف، وذلك بين لمن قرأ القرآن وتدبر قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحجر:2] ولا غرابة، فهم يتمنون يوم القيامة أن يكونوا حميراً، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40]. وذلك لأن الله حين يقتص للحيوانات والبهائم العجماء من الظالمين الذين يعذبونها يأخذ من حسناتهم، وهنا ننبه على ترك العصافير وعدم حبسها في الأقفاص، وقد يتعلل البعض بقوله: لو طارت من القفص فستموت فنقول له: لا دخل لك بها يرزقها من يرزق الدودة في باطن الصخر، كما أن الله حين خلق العصافير خلقها طليقة، ولم ينزلها في صندوق من السماء، ثم يقول الله سبحانه للحيوانات: كوني تراباً، إذ الحيوانات ليس لها جنة ولا نار، قال تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير:5] والوحوش تحشر يوم القيامة من أجل أن يقتص الله من الخلائق، حتى إن العصفور الصغير يصبح يهز ما بين المشرق والمغرب يريد حقه. فبعد أن يقتص يقول للحيوانات: كوني تراباً، فيقول الكافر كما أخبر الله عنه {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40] يتمنى أن يكون حيواناً من أجل أن يكون مآله في الآخرة التراب.

وعد المؤمنين بالتمكين في الأرض

وعد المؤمنين بالتمكين في الأرض (بشر هذه الأمة بالثناء والذكر والرفعة والتمكين في الأرض)، وقد وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ} [القصص:6]} أي: يحدث لهم التمكين. صحيح أن سنوات طويلة مرت وقروناً تعاقبت ونحن غير ممكنين في الأرض وذلك لعصياننا لله عز وجل، لكن هناك قوانين عند الله لا تتعطل، ومؤدى هذه القوانين: من نصر الله نصره الله، ومن نصر دين الله نصره الله عز وجل، ومن حافظ على دين الله حافظ الله عليه، ومن اتقى الله سار في بلاد الله آمناً وعاش مطمئناً ومات منصوراً، ومن يتق الله خاف الناس منه وتهيبوه وأحبوه. حتى عندما يجدون ابناً من أبنائنا متمسكاً بدينه، لا يشرب خمراً ولا فوضى ولا غيره يحترمونه؛ لأنه عندهم صاحب مبدأ، لا كما يفعل البعض إذا دخل روما صنع ما يصنع الرومان، وإذا دخل أثينا فعل ما يفعله النمساويون، بل أكون متمثلاً بأخلاق الإسلام أينما كنت، مسلم في القاهرة مسلم في فيينا، مسلم في نيويورك في أي مكان، فأنا مسلم أقول: لا إله إلا الله، لا تتغير عندي الأثواب أبداً، إنما كياني وحياتي كلها تحت شعار لا إله إلا الله محمد رسول الله. أولاً: الصراع بين الحق والباطل صراع أزلي، منذ أن خلق الله الخلائق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد تظن أحياناً أن الباطل ينتصر، فمثلاً تسمع من يقول لك: يا أخي! الكذاب هو الذي يعيش جيداً، والنصاب هو الذي يعيش جيداً، والمرتشي هو الذي يستطيع العيش. وهذا غير صحيح، وهو نتاج النظر بالبصر لا البصيرة، فإن من نظر بعين البصيرة أيقن أن دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة، وقد تطول هذه الساعة في عرف الزمن، فنحن لنا منذ بعثة الحبيب المصطفى إلى الآن يوم ونصف؛ لأن اليوم عند الله بألف سنة مما نعد، وقد بلغ التأريخ ألف وأربعمائة وإحدى عشرة سنة، فنحن لم نكمل اليوم والنصف من أيام الله، فلو أن الباطل علا على الحق لمدة يوم من أيام الله فإن ذلك ليس بشيء من أيام الله. وما ينبغي أن نصنعه أن نحرص على أن نضع لبنة في صرح الحق، وهكذا الجيل التالي إلى أن يأتي جيل ليرى أن البناء قديم.

العمل على البناء في الأمة وتدارك الهدم

العمل على البناء في الأمة وتدارك الهدم أما أن أهدم وغيري يهدم فإن الجيل القادم لا يجد سوى الخراب، ومعلوم أن الجيل الماضي سلم لنا الراية منكسة، -أقصد جيل العشرينات والثلاثينات- مع أنه جيل جيد لكن كان محكوماً عليه وكان معذوراً بما وصل إليه، فقد كان هناك استعمار أجنبي، وتفريق دويلات ترزأ به الأمة، إلى أن وصل الحال أن بعثوا سنة تسعة عشر إلى السيدة التي تسمى: رائدة العمل المثالي في مصر، هدى الشعراوي وإلى امرأة أخرى على شاكلتها، اسمها نشيزة النبراوي من أجل أن تحضرا مؤتمر التنظيم النسائي العالمي، وطلبوا منهن بعد العودة إلى مصر أن يشكلن تنظيماً مثل هذا. فرجعت هدى الشعراوي للأسف الشديد وأقامت مجلة أسمتها: مجلة السفور، فحذار منها، وتلتها جماعة من الشام للأسف ومن لبنان، وتبعهم في النهج مروان النقاش ويعقوب طنوح فأقاموا المسرح، وتبعهم السيد يوسف سنة ثلاث وثمانين وأقام مسرح رمسيس، وبدأ العالم العربي ينساق باتجاه الفن والحضارة الأوروبية، وتربى بعض الناس في الغرب منهم طه حسين وأحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل وحمزة الشيخ ورفاعة الطهطاوي الأزهري، ومحمد عبده وقليل من هذه الفرقة رجعوا ونقلوا لنا الحضارة الغربية تحت عنوان الدين، ناقلين ما ليس في الحضارة الغربية من خير، بل جاءوا بالشر الذي فيها. فصار الجيل السابق متأثراً جداً بهؤلاء الذين سموا بالعباقرة أو العمالقة، وأكاد أجزم أن أوروبا لن تستطع أن تخدمها فكرة عدو للإسلام أكثر مما خدمها رجل كـ طه حسين، ومما كان يقوله: الإسلام لا يصلح أن يكون ديناً في عصرنا، ناهيك عما كتبه في الشيخين، وعن منهج التعليم في الثانوية العامة يقول: أنا أجهز لهم أخطاء موجودة واضحة في كتاب الشيخين المقرر عليهم! من أجل أن يفهموا الخلفية الصحيحة للتاريخ الإسلامي؛ لأن طه حسين كان ينظر إلى التاريخ الإسلامي نظرة الغرب. فالجيل الماضي سلم الراية منكسة، ضاعت حينها أرض فلسطين، وضاع المسجد الأقصى، وضاع روح الانتماء إلى الإسلام، ثم ابتلينا في العصر الحاضر منذ عشرين أو ثلاثين سنة بالفرق والجماعات، فهذه الجماعة تشتم تلك، وتلك الجماعة تعيب على هذه، وهذه الجماعة تضرب أفراد الجماعة الأخرى، والجماعة الأخرى لا تصلي خلف هذه، وللأسف الشديد أنه في عام واحد وثمانين في أحداث سبتمبر كانوا يصلون صلاة الفجر خمس جماعات داخل زنزانة واحدة، لأن جماعة كذا لا تصلي خلف جماعة كذا، ولعمري يريد العدوا أكثر من هذا. وإذا تصارع أهل المحراب ألا يستولي عليه أصحاب الحانة والخمارة. ومما يؤسف أشد الأسف أن إخواننا المسلمين في أحد مساجد واشنطن تقاتلوا مع بعضهم، وهم في أمريكا في عقر دار الصليبية العالمية، من أجل ختام الصلاة، هل هو جهر أم سر؟ وارتفعت الأصوات وكثر اللغط كعادة الصوت العربي الذي يثير الغرابة لارتفاعه وشدته، ولما سمعت الأصوات جاء الأمن الأمريكي، وبتهمة إزعاج للجيران، أصدر حاكم واشنطن أمراً بإغلاق المسجد!! فليت شعري ماذا كسبنا؟ هناك مثل عامي يقول: أنا وأخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب، أليس من باب أولى أن أقول: أنا وأخي المسلم على غير المسلم، لا كما هو حاصل اليوم أن المسلم الملتزم ضد المسلم الملتزم؟! ينبغي أن نعلم أننا إخوة متحابون في الله! معلوم أن الصراع بين الحق والباطل صراع أزلي، ولذلك لما ظهرت الدعوة وأصبحت علنية، قاسى النبي وصحابته من قريش ما لم يقاس أحد، وكما يقول أهل الفلسفة: الآلام العظيمة هي التي تصنع الأحلام الكبيرة، وهو معنى قولنا سابقاً: من احترقت بدايته أشرقت نهايته. قد يظن البعض أن الباطل ينتصر، حين يرى في المسلمين من يرتشي ويختلس، أو يفعل الفواحش والمنكرات، ولا يصاب بمكروه معجل، وهو لا يدري إن الله يملي له، ويستره المرة تلو المرة، لكنه أن أصر أخذه الله أخذ عزيز منتقم. يذكر أن شاباً جيء به إلى عمر بن الخطاب ليقيم عليه حد السرقة، فجاءت أمه تشفع له وتقول: يا أمير المؤمنين! والله إن هذه لأول مرة يسرق فيها، أفتقطع يده، فقال عمر: والله يا أمة الله ما كان الله ليفضحه من أول مرة، ثم بعد أن أقام عمر الحد على هذا الشاب دخل علي بن أبي طالب على الشاب وقال له: أستحلفك بالله أهذه أول مرة؟ قال: والله يا علي! إن هذه المرة هي الحادية والعشرون! فربنا يملي له مرة واثنتين وثلاثاً. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تعير أخاك بالذنب فيعافيه الله ثم يبتليك)، فلو ذهبت لتزور أخاك المسلم ووجدت ابنه غير متأدب، فلا تعجل وتقول: ما هذا ألا يوجد رجال في البيت يربون هذا الابن، فلربما يرزقك الله بولد أقل منه أدباً عقوبة لك. ولو ذهبت لتزور صاحبك فوجدت زوجته ترفع صوتها عليه وتسيء الأدب معه، فلا تقول: ما هذا أين ذهب الرجال؟ هل ماتوا أم ماذا. فقد لا تلبث أن ترزق زوجة تعاملك بالمثل، ولذا لا ينبغي أن تعير بالذنب لأنك إن عيرت أخاك به قد لا تلبث أن تبتلي بنفس العيب. بل إذا بلغك عن شخص سيئة فلتقل: غفر الله لنا وله، وتدعو له في ظهر الغيب، والدعاء في ظهر الغيب مستجاب، كما ثبت في الحديث كما أنك حين تدعو لأخيك المسلم بظهر الغيب يقول الملك: ولك مثل ذلك، فلو دعوت لأخيك المسلم وراء ظهره فقلت: اللهم يسر له أمره يقول الملك: ولك مثل ذلك والملائكة تؤمن على دعاؤك وهكذا لو قلت: يا رب اشف له ابنه، يقول: ولك مثل ذلك، وكذا لو قلت: اللهم اهد له زوجته، يقال: ولك مثل ذلك، ولو قلت: يا رب! ارزقه من عندك، يقال: ولك مثل ذلك، كما أنك لو دعوت عليه فقلت: يا رب! أنزل عليه مصيبة، يقال: ولك مثل ذلك، فالضد بالضد.

قريش توفد وفدا إلى أبي طالب ليثني ابن أخيه عن دينه

قريش توفد وفداً إلى أبي طالب ليثني ابن أخيه عن دينه لا يظنن ظان أن الأمر مستوٍ عند الله، فإن للباطل جولة وإن للحق جولة، ولكن الحق غالب إن اعتضد بالصبر: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} [الرعد:17] فلقد لاقى رسول الله صلى الله عليه وسلم العناء قريش، إذ بعثوا إلى أبي طالب فقالوا له: يا أبا طالب! لقد رأيت ابن أخيك يسفه آلهتنا ويعيبهم، ويفرق بين المرء وأبنائه، وبين الزوج وزوجته، يا أبا طالب! أعطنا محمداً لنقتله ونعطيك شيبة بن ربيعة وتعرف أن هذا أفضل الشباب في قريش تربيه، فقال: سفهت أحلامكم معشر قريش، أفأعطيكم ابني لتقتلوه وتعطوني ابنكم لأربيه لكم، قالوا: فاجعله يسكت عنا. فجاء أبو طالب وقال له: يا ابن أخي! إن قومي كلموني فيك، فقال: ماذا يريدون يا عماه؟ قال: يا بني! يقولون إنك عبت آلهتهم وسفهت أحلامهم وفرقت بين الابن وأبيه وبين الزوج وزوجته، فانظر ماذا تريد أن تعمل؟ وكان مما قالوه أيضاً: إن كان محمد يريد أن يكون ملكاً علينا ملكناه، وإن كان يريد أن يكون أغنانا جمعنا له المال فصار أغنانا، وإن كان هذا الذي يأتيه رأي من الجن نأتي له بالأطباء من أرجاء الجزيرة فيسعون في زواله وانتفائه، فقال صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم: (يا عماه! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه). وهنا ندرك أولاً أن أصحاب الدعوات الكبار لا ينظرون إلى دنيا، فالدنيا بالنسبة لهم دنيئة، ينظرون إليها بعين البصيرة لا بعين البصر، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج رآها فرأى امرأة عجوزاً شمطاء حيزبون عليها من أنواع الحلي والدر والأحجار الكريمة ما لم تر عينه، تنادي وتقول: يا محمد، فأعرض عنها رسول الله، وقال: (من هذه يا جبريل؟ قال: هذه هي الدنيا ما نظر الله إليها منذ أن خلقها، فقالت: يا محمد! إن نجوت مني فلن تنجو مني أمتك). ومما قاله سيدنا علي عن الدنيا: الدنيا ساعة فاجعلها طاعة. فالدنيا كلها ساعة وسرعان ما تنتهي، ولذا إذا مات العبد قامت قيامته، فلكل قيامته، ومن الغريب أن تجد من يقول: حدثني عن علامات الساعة، ومتى هي، لا زال الوقت مبكراً على قيامها، فإنها لا تقوم إلا بعد أن نحرر بيت المقدس، وننتصر على اليهود، غافلاً أنه لو مات الآن قامت قيامته، إذ إن القيامة قيامتان: قيامة صغرى، وقيامة كبرى، فإذا مات العبد فقد قامت قيامته الصغرى. فما دامت الدنيا ساعة فوصية سيدنا علي أن نجعلها طاعة، ثم يقول: والنفس طماعة فعودها القناعة. وفي أثر آخر يقول: الدنيا إذا حلت أوحلت، فلو أنك بقيت تصارع لتكون المدير العام أو رئيس مجلس الإدارة، ومن ثم وصلت إلى ذلك المنصب ولكنك غافل عن المسئولية، إذ إن كل خطأ يحدث في المصلحة يكون المدير هو المسئول عنه.

نصيحة أبي حازم للمنصور العباسي

نصيحة أبي حازم للمنصور العباسي ومما يذكر لنا التأريخ أن أبا حازم دخل على أبي جعفر المنصور فقال: عظني يا أبا حازم، قال: يا أمير المؤمنين! صل إلى كل ذي حق حقه، وأبو جعفر المنصور حينها يحكم العالم كله، فقد دخلت الصين في الحكم الإسلامي والمغرب وكان موسى بن نصير على بعد مائة وخمسين كيلو من باريس، لا يحول بينه وبينها إلا مرتفعات حجزت بينه وبين فتحها، ولما رأى الجليد عليها وكان أول مرة يرى فيها الجليد، قال: والله لولا هذه الثلوج لذهبت مقاتلاً في سبيلك أفتح على اسمك بلاد الله، فقال أبو جعفر المنصور واعياً لسعة ملكة ومشقة إيصال الحقوق: فإن لم أستطع يا أبا حازم. وهنا نلمس قوة أبي حازم في الحق، فهو لم يقل له: على قدر ما تستطيع، بل قال: إذاً دعها لمن يستطيع. ثم قال الإمام علي وهو يصف الدنيا: الدنيا إذا حلت أوحلت، وإذا أينعت ظهرت ثمارها من العز والجاه والمال والكراسي والمناصب -نعت أي: تنعي الذي حظه قليل وتنوح كما تنعي الميت، والميت من مات قلبه، وليس من مات جسده، ثم قال: والدنيا إذا كست -أي عندما تكسيك- أوكست. معلوم أن أول من يدخل الجنة بغير حساب أبو بكر، والأرملة التي ربت اليتامى، وأهل الصبر، ورجل إذا نادى زوجته وعنده ضيوف: ائتينا بشراب لم تقل له: أي شراب تريد؟ لأنه لا يوجد لديه إلا نوع واحد فقط، أما نحن اليوم فحين تذهب عند أحد الناس يقول لك: ماذا تحب أن تشرب بارد أم ساخن، إذا كان بارداً فعندنا كذا وكذا وكذا، وإذا كان ساخناً فعندنا كذا وكذا وكذا.

الصبر على البلاء ومراعاة النعمة

الصبر على البلاء ومراعاة النعمة ومن أعظم ما سطر في التاريخ من مراعاة النعمة وشكرها والصبر على زوالها ما حدث للتابعي الجليل: عروة بن الزبير لما انتشر المرض في رجله وقرر الأطباء بترها فقال لهم: اتركوني أصلي، فلما قطعوا رجله أغمي عليه من شدة الألم، فلما أفاق ووجد رجله بجانبه أخذها وبكى، قالوا: أتبكي من قدر الله وقضائه، قال: لا، يعلم الله أني لم أسر بها إلى معصية قط، وما سرت بها إلا لتعمير بيت الله والإصلاح بين المتخاصمين وقضاء حاجات المسلمين، يا رب! إن كنت قد أخذت القليل فقد أبقيت الكثير فلك الحمد. ويضرب لذلك مثل: وهو لو أن اثنين جلسا ليشربا كوبين من الشاي أحدهما قوي الإيمان والآخر ضعيف الإيمان فشرب هذا نصف الكوب وشرب الآخر نصف الكوب، فإن المؤمن يقول: الحمد لله الكوب لا زال فيها نصفها، أما الثاني فيقول: يا خسارة لقد انتصف الكوب، مع أنهم يشتركون في فعل واحد، لكن الفرق بين من ينظر إلى ما بقي ومن ينظر إلى ما شرب، فالذي قطعت رجله لم ينظر إلى الرجل المقطوعة، لكنه نظر إلى اليدين الباقيتين والرجل الأخرى والعينين والآذان، فنظر إلى الباقي معه من النعم، يعيش المرء منا عشرين أو ثلاثين سنة في صحة وعافية ثم يصاب بالأنفلونزا فينسى كل أيام الصحة، قال الله سبحانه: {فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف:42] لكن العبد الحق يكون راضياً وقانعاً ومتوكلاً على الله حق التوكل، فهذا سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لاقى من قريش الكثير ولم يثنه شيء عن دعوته ودينه.

الهجرة الأولى إلى الحبشة

الهجرة الأولى إلى الحبشة أمر الرسول الصحابة بالهجرة إلى الحبشة، أي أنهم هاجروا من أرض كافرة إلى أرض هي أيضاً كذلك، إلا أن المسلم يفر من الأرض لأسباب ثلاثة، قال الإمام الشافعي: سافر تجد عوضاً عمن تفارقه وانصب فإن لذيذ العيش في النصب إني رأيت وقوف الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب والتبر كالترب ملقى في أماكنه والعود في أرضه نوع من الحطب أي أن عود البخور في أرضه يسمى عوداً، لكنه حين يجلب إلى العطار يسمى بخور، والمياه عندما تقف في مكانها تكون راكدة لكنها حين تجري تكون طيبة، فالإمام الشافعي يشبه موضوع السفر، فيقول: سافر تجد عوضاً عمن تفارقه وانصب فإن لذيذ العيش في النصب فالسفر يكون لثلاثة أسباب: إما سعياً وراء العلم، وممن جسد ذلك من الأئمة الليث بن سعد، فقد ظل يبحث في الأحاديث فاستشكل حديثاً فأخذ يسأل عن الذي رواه؟ فقيل: تلميذ الأشتر النخعي أستاذ أبي حنيفة فقال: أين أجده؟ فقيل: في نجد، فأخذ الراحلة وذهب إلى نجد، وأخذ يسأل أين فلان؟ فقيل: هذه ناقته تجري وجرى وراءها، فلما أدرك الرجل وجده قد ثنى ثوبه يدعو ناقته إلى حجره، فقال له: أفي حجرك شيء؟ قال له: لا، وإنما أوهم الناقة لتأتي، فقال: تكذب على الناقة، حري بك أن تكذب على رسول الله، أنا لست بحاجة إلى حديثك، فرجع إلى مصر مرة أخرى. ومن الأخطاء الفادحة ما يصنعه الآباء والأمهات من استسهال الكذب على الأطفال، ومواعدتهم بالمواعيد الكاذبة، فيعد أحدهم الطفل بأنه سيعطيه كذا، أو يشتري له كذا، وهو غير عازم حتى على إعطائه أو الشراء له، كل ذلك وهو غافل عن أن الله يكتب كل ذلك كذباً عليه. سمع الرسول صلى الله عليه وسلم امرأة وهي تدعو ابنها وتقول له: تعال أعطيك، فقال لها: (في يدك شيء؟ قالت له: لا، قال: لو لم يكن في يدك شيء لكتبت عليك كذبة)، فلو قلت لابنك: تعال أعطيك، أو: تذهب إلى المدرسة وأعطيك جنيهاً، وأنت لا تريد أن تعطيه فأنت كذاب، وما يزال الرجل يتعود الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً كما ثبت في الحديث. كما أن الكذاب معرض لمصيبة أخرى، فلو أن كل كذبة قيلت في البلد تنسب إليه حتى وإن لم يكن قالها، فكلما كذبت كذبة قيل: فلان هو الذي قالها. يذكر أن رجلاً كان يحدث صاحبه فقال له: انظر لا يوجد شيء غريب في الحياة؟ إن أبي يرحمه الله كان يصلي المغرب على شاطئ النيل، فمرت سمكة طويلة، ظلت تمر حتى نام وقام يصلي الفجر ولم يمر ذيلها بعد. فسكت صاحبه برهة ثم قال له: أما أنا فإن أبي يرحمه الله ذهب إلى الحداد وطلب منه أن يصنع له قدراً قطره ثلاثين متراً -مثل الجامع- فقال الأول: يا لكذبك يا أخي، وهل هناك قدر قطره ثلاثين متراً؟ فأجابه: وأين ستطبخ سمكة أبيك. وما ينبغي على المسلم هو أن يتحرى الصدق، فالصدق منجاة، ومن الخطأ أن تتوقع أن الكذب سينجيك، ذكر الإمام الغزالي أن رجلاً فر من أعدائه فوجد رجلاً يفتل الليف ويصنع منها الحبال، فقال له أخفني عندك، فقال له: لماذا؟ قال: هناك جماعة يجرون خلفي، فقال له: ادخل تحت كومة الليف هذه، فدخل تحت كومة الليف، فجاء الذين يجرون خلفه، فسألوه أرأيت رجلاً يمر من هنا؟ فقال لهم: نعم، ثم أخذوا يعددون أوصافه وهو يقول: نعم، ثم قال لهم: هو تحت كومة الليف هذه، فظنوا أنه يكذب عليهم واستبعدوا أن يكون متخفياً تحت كومة الليف فتركوه وذهبوا، فلما ذهبوا خرج الرجل من كومة الليف وأمسك بعنق صاحب الليف وقال، أما قلت لك أن تخفيني؟ فقال له: اسكت إن الصدق قد أنجاك، لأنه قال لهم: أنا لم أره، سيحرصون على أن يبحثوا عنه تحت كومة الليف. تقدم أن السفر يكون لأسباب ثلاثة: إما سفر للعلم أو سفر للسعي على الرزق: فإذا رأيت أن الرزق ضيق في بلد أسافر إلى بلد آخر، لكن المهم أن لا يغير المال من أخلاقي، وأن تكون النية صادقة لله: أوسع على أولادي ولا أنسى حق الله عز وجل، ولذلك قال: يا ثعلبة! قليل تشكره خير من كثير لا تطيقه. وقيل أيضاً: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. وقيل أيضاً: قليل يكفيك خير من كثير يطغيك، لأن القليل الذي يكفيك وتكون شاكراً أفضل من الكثير. لأنك لو كان لديك مائة جنيه وأخرجت منها عشرين جنيهاً لله، وآخر لديه مليون جنيه وأخرج عشرين ألفاً، فالأول أنفق الخمس من ماله، والثاني أنفق واحداً من أربعين، فسبق درهم درهمين. ويكون السفر كذلك للفرار بالدين: فعندما تجد بلداً يعصى الله فيه وترتكب الفواحش ولا يوجد فيه أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر ولا مجالس علم ولا بيوت آمنة، حينها لك أن تهاجر إلى بلد تشعر فيها بالأمن والأمان. ومن النوع الثالث كان فرار الصحابة وسفرهم رضوان الله عليهم إلى الحبشة وكان على رأس المهاجرين عثمان بن عفان وزوجه رقية بنت رسول الله، وجعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله، وغيرهم.

من دهاء عمرو بن العاص

من دهاء عمرو بن العاص أمر الرسول الصحابة بالهجرة إلى الحبشة، أي أنهم هاجروا من أرض كافرة إلى أرض هي أيضاً كذلك، إلا أن المسلم يفر من الأرض لأسباب ثلاثة، قال الإمام الشافعي: سافر تجد عوضاً عمن تفارقه وانصب فإن لذيذ العيش في النصب إني رأيت وقوف الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب والتبر كالترب ملقى في أماكنه والعود في أرضه نوع من الحطب أي أن عود البخور في أرضه يسمى عوداً، لكنه حين يجلب إلى العطار يسمى بخور، والمياه عندما تقف في مكانها تكون راكدة لكنها حين تجري تكون طيبة، فالإمام الشافعي يشبه موضوع السفر، فيقول: سافر تجد عوضاً عمن تفارقه وانصب فإن لذيذ العيش في النصب فالسفر يكون لثلاثة أسباب: إما سعياً وراء العلم، وممن جسد ذلك من الأئمة الليث بن سعد، فقد ظل يبحث في الأحاديث فاستشكل حديثاً فأخذ يسأل عن الذي رواه؟ فقيل: تلميذ الأشتر النخعي أستاذ أبي حنيفة فقال: أين أجده؟ فقيل: في نجد، فأخذ الراحلة وذهب إلى نجد، وأخذ يسأل أين فلان؟ فقيل: هذه ناقته تجري وجرى وراءها، فلما أدرك الرجل وجده قد ثنى ثوبه يدعو ناقته إلى حجره، فقال له: أفي حجرك شيء؟ قال له: لا، وإنما أوهم الناقة لتأتي، فقال: تكذب على الناقة، حري بك أن تكذب على رسول الله، أنا لست بحاجة إلى حديثك، فرجع إلى مصر مرة أخرى. ومن الأخطاء الفادحة ما يصنعه الآباء والأمهات من استسهال الكذب على الأطفال، ومواعدتهم بالمواعيد الكاذبة، فيعد أحدهم الطفل بأنه سيعطيه كذا، أو يشتري له كذا، وهو غير عازم حتى على إعطائه أو الشراء له، كل ذلك وهو غافل عن أن الله يكتب كل ذلك كذباً عليه. سمع الرسول صلى الله عليه وسلم امرأة وهي تدعو ابنها وتقول له: تعال أعطيك، فقال لها: (في يدك شيء؟ قالت له: لا، قال: لو لم يكن في يدك شيء لكتبت عليك كذبة)، فلو قلت لابنك: تعال أعطيك، أو: تذهب إلى المدرسة وأعطيك جنيهاً، وأنت لا تريد أن تعطيه فأنت كذاب، وما يزال الرجل يتعود الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً كما ثبت في الحديث. كما أن الكذاب معرض لمصيبة أخرى، فلو أن كل كذبة قيلت في البلد تنسب إليه حتى وإن لم يكن قالها، فكلما كذبت كذبة قيل: فلان هو الذي قالها. يذكر أن رجلاً كان يحدث صاحبه فقال له: انظر لا يوجد شيء غريب في الحياة؟ إن أبي يرحمه الله كان يصلي المغرب على شاطئ النيل، فمرت سمكة طويلة، ظلت تمر حتى نام وقام يصلي الفجر ولم يمر ذيلها بعد. فسكت صاحبه برهة ثم قال له: أما أنا فإن أبي يرحمه الله ذهب إلى الحداد وطلب منه أن يصنع له قدراً قطره ثلاثين متراً -مثل الجامع- فقال الأول: يا لكذبك يا أخي، وهل هناك قدر قطره ثلاثين متراً؟ فأجابه: وأين ستطبخ سمكة أبيك. وما ينبغي على المسلم هو أن يتحرى الصدق، فالصدق منجاة، ومن الخطأ أن تتوقع أن الكذب سينجيك، ذكر الإمام الغزالي أن رجلاً فر من أعدائه فوجد رجلاً يفتل الليف ويصنع منها الحبال، فقال له أخفني عندك، فقال له: لماذا؟ قال: هناك جماعة يجرون خلفي، فقال له: ادخل تحت كومة الليف هذه، فدخل تحت كومة الليف، فجاء الذين يجرون خلفه، فسألوه أرأيت رجلاً يمر من هنا؟ فقال لهم: نعم، ثم أخذوا يعددون أوصافه وهو يقول: نعم، ثم قال لهم: هو تحت كومة الليف هذه، فظنوا أنه يكذب عليهم واستبعدوا أن يكون متخفياً تحت كومة الليف فتركوه وذهبوا، فلما ذهبوا خرج الرجل من كومة الليف وأمسك بعنق صاحب الليف وقال، أما قلت لك أن تخفيني؟ فقال له: اسكت إن الصدق قد أنجاك، لأنه قال لهم: أنا لم أره، سيحرصون على أن يبحثوا عنه تحت كومة الليف. تقدم أن السفر يكون لأسباب ثلاثة: إما سفر للعلم أو سفر للسعي على الرزق: فإذا رأيت أن الرزق ضيق في بلد أسافر إلى بلد آخر، لكن المهم أن لا يغير المال من أخلاقي، وأن تكون النية صادقة لله: أوسع على أولادي ولا أنسى حق الله عز وجل، ولذلك قال: يا ثعلبة! قليل تشكره خير من كثير لا تطيقه. وقيل أيضاً: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. وقيل أيضاً: قليل يكفيك خير من كثير يطغيك، لأن القليل الذي يكفيك وتكون شاكراً أفضل من الكثير. لأنك لو كان لديك مائة جنيه وأخرجت منها عشرين جنيهاً لله، وآخر لديه مليون جنيه وأخرج عشرين ألفاً، فالأول أنفق الخمس من ماله، والثاني أنفق واحداً من أربعين، فسبق درهم درهمين. ويكون السفر كذلك للفرار بالدين: فعندما تجد بلداً يعصى الله فيه وترتكب الفواحش ولا يوجد فيه أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر ولا مجالس علم ولا بيوت آمنة، حينها لك أن تهاجر إلى بلد تشعر فيها بالأمن والأمان. ومن النوع الثالث كان فرار الصحابة وسفرهم رضوان الله عليهم إلى الحبشة وكان على رأس المهاجرين عثمان بن عفان وزوجه رقية بنت رسول الله، وجعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله، وغيرهم.

دهاء عمرو بن العاص في تخلصه من مكيدة هرقل

دهاء عمرو بن العاص في تخلصه من مكيدة هرقل لما وصلوا إلى أرض الحبشة، تضايقت قريش من هجرتهم فبعثوا وراءهم داهية العرب عمرو بن العاص ليأتي بهم، وكان ذكياً ذكاء خارقاً، ومما يستدل به على دهائه أنه دخل على ملك الروم، وهو أحد قواد الجيش الإسلامي الذي فتح الروم، هو وخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل ومعاوية بن أبي سفيان فلما دخل عمرو، ظن هرقل ملك الروم أن الرجل هو القائد العام للمسلمين لما رأى في عمرو من اللباقة والفطانة والفصاحة، فكلم هرقل من حوله بكلمة لم يفهم عمرو معناها إذ قال: إذا خرج هذا الرجل من باب البلاط فاقتلوه، إلا أن خادماً عربياً عند بلاط هرقل قال لـ عمرو: يا عمرو! كما أحسنت الدخول فأحسن الخروج. وفي كلام الخادم إلغاز لا يفهمه إلا الدهاة، ومن الإلغاز في الكلام ما حدث لـ موسى بن عبد الله النصيري عندما كان أحد ولاة مصر في زمن أحد خلفاء الدولة العباسية، فغضب الخليفة العباسي على الوالي المصري وأراد قتله، لكنه يريد أن يأتي به إلى بغداد من أجل أن يقضي عليه، إلا أن أحد من في بيت الخليفة أدرك ما يريده الخليفة، فبعث له رسالة كتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم يا موسى إن وختم الرسالة وبعث بها إليه. فلما فتح موسى الرسالة وجد فيها: يا موسى إن، فاحتار في أمر هذه الرسالة، وكان عنده جارية حافظة القرآن، ففطنت لمعنى الرسالة وقالت له إن صاحبك يريد أن يقول لك: {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص:20]، وهو بدوره أرسل رسالة إلى صاحبه كتب فيها: يا موسى إنا، فلما وصلته عرف الرد {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24]. ومثل ذلك قول الخادم لـ عمرو: يا عمرو كما أحسنت الدخول فأحسن الخروج، فرجع عمرو مرة ثانية إلى الملك وقال له: أيها الملك! لي مائة من أصحابي أنا أحد تلامذتهم وأريد أن يشرفوا بلقائك، فاغتر الملك بكلام عمرو وقال في نفسه: بدلاً من قتل واحد نقتل مائة، فأذن له الملك بالذهاب وأمر حاشيته ألا يمسوه بسوء، ونجا عمرو مما كاد له الملك، وهذا شأن المؤمن كيس فطن.

دهاء عمرو بن العاص يفشل أمام جعفر بن أبي طالب في الحبشة

دهاء عمرو بن العاص يفشل أمام جعفر بن أبي طالب في الحبشة كانت تلك لمحة تدل على دها عمرو أما ما حدث من أمره مع النجاشي فإنه استجلب له هدايا عظيمة فلما دخل عليه قال له: إن قوماً من قومنا خرجوا على دين آبائهم وأجدادهم، واعتصموا بأرضك، وإن كبراء أمتي أرسلوني إليك لكي تعيدهم إلينا. فاستدعا النجاشي المهاجرين فجاءوا يقدمهم جعفر بن أبي طالب، وكانوا قد اختاروه ليتحدث عنهم، فتكلم جعفر وقال: أيها الملك! كنا قوماً ضلالاً نستحل الحرمات، ونغتصب الأموال، ونسرق، ونرتكب الفواحش، ونقطع الرحم، ونجور في الحق، حتى جاءنا رجل منا لا ننكر نسبه، أمين لا يخون، صادق لا يكذب، يقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، ويصنع كذا وكذا أمرنا بأن نصل الأرحام، وأن نراعي الأيتام، وأن نعطي لكل ذي حق حقه، وأمرنا بعبادة الله وحده لا شريك له، فإن آمنا دخلنا الجنة فاتبعناه. قال: والله إن ما يقوله هذا وما قاله عيسى يخرج من مشكاة واحدة، أنتم آمنون في أرضي، فانهزم عمرو في الجولة الأولى، فعزم على أن يكيدهم بأشد من كيده الأول فأتى الملك وقال له: أيها الملك! إنهم يقولون في عيسى ومريم كلاماً، -يريد: كلاماً سيئاًَ- فاستدعاهم الملك مرة أخرى ثم قال لهم: ما تقولون في عيسى يا رجل، فقال: إن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول وروح الله ثم قرأ عليه من سورة مريم، فبكى النجاشي ومن حوله وقال: لا أسلمكم لأحد أبداً، أنتم آمنون في أرضي.

مقاطعة قريش لبني هاشم والمسلمين

مقاطعة قريش لبني هاشم والمسلمين وبعد أن هاجر المسلمون إلى الحبشة الهجرة الأولى، قامت قريش بمقاطعة الرسول وأصحابه، وكتبوا صحيفة المقاطعة، ومما ورد فيها: أنهم لا يتاجرون مع أصحاب محمد، ولا يزوجونهم ولا يعطونهم شيئاً، ولا يزورونهم، فدخل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعب أبي طالب ودخل معهم كل بني هاشم مسلمهم وكافرهم تعصباً لقومهم، ما عدا رجلاً واحد وهو أبو لهب فقد شذ عن قومه وجلس في مكة، ودام مكوثهم بالشعب ثلاث سنين، وكانوا حين كتبوا شروط المقاطعة على صحيفة ألصقوها على جدار الكعبة، فلما طال مكوثهم وألم بهم من الجهد ما ألم، اجتمع ثلاثة من خيار قريش وقالوا: يا معشر قريش! نحن نأكل وبنو هاشم لا يأكلون، ونشرب وهم لا يشربون، ونرعى وهم لا يرعون، هل هذا من حسن الجوار وحسن العشرة، يجب أن نذهب لنقطع ونمزق الصحيفة. فذهبوا إلى الصحيفة فوجدوا الأرضة وهي: دودة أو حشرة -قد أكلتها وما بقي منها إلا (باسمك اللهم)، خرج الرسول من شعب أبي طالب، ليذهب بعد ذلك إلى الطائف وهناك يكذب في الطائف، وفي طريق عودته يؤمن به الجن ثم يعود إلى مكة فتموت خديجة ويموت أبو طالب فكأن النصير في الأرض ولى عنه، فعندئذ جاءته رحلة الإسراء والمعراج. وهذا هو موضوع حلقتنا إن شاء الله في الدرس القادم بمشيئة الله.

مسألة

مسألة هناك حكم فقهي فيما يتردد على ألسنتنا من قول المسلم لأخيه: في ذمتك حصل، في ذمتك لا أعرف وهو أن الذي يقول للمسلم: في ذمتك، فكفارته قوله: لا إله إلا الله، لأن قوله: في ذمتك، حولتك من مسلم إلى شخص من أهل الذمة نصراني أو يهودي. فينبغي من الآن ألا تقول لأخيك: في ذمتك، وأن تتكلم مباشرة.

سلسلة مقتطفات من السيرة [13]

سلسلة مقتطفات من السيرة [13] الصراع بين الحق الباطل سنة كونية منذ امتنع إبليس من السجود لآدم أبي البشر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والناس في ذلك على ضربين: مؤمن بدعوة الله تعالى وهم القليل على مدار الأزمان، وكافر بالله وبرسله وهم الأكثر، والعاقبة للمتقين.

موقف الكفار من دعوة الرسل

موقف الكفار من دعوة الرسل الحمد لله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وآله، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه الحلقة الثالثة عشرة في سلسلة حلقاتنا في الحديث عن السيرة العطرة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. اللهم اجعل هذه الجلسة خالصة لوجهك الكريم، اللهم ثقل بها موازيننا يوم القيامة، اللهم ثقل بها موازيننا يوم القيامة، اللهم ثقل بها موازيننا يوم القيامة، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عيباً إلا سترته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً لأهله، اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. كما نسألك يا مولانا أن تشرح صدورنا، اللهم اشرح لنا صدورنا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، اللهم توفنا على الإسلام، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. موضوع حلقة درس اليوم إن شاء الله هو: خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لدعوة أهل الطائف إلى الإسلام ثم رجوعه إلى مكة بعد أن لم يستجب له أهل الطائف، ثم عام الحزن بوفاة السيدة خديجة رضوان الله عليها، ووفاة عمه أبي طالب. وسوف نتحدث بمشيئة الله عن رحلة الإسراء والمعراج وما فيها من حكم وعبر ودروس مستفادة، فنقول: أهل مكة وقفوا من الدعوة الإسلامية موقف العداء، وهذه سنة الله في خلقه، فإن الصراع الأزلي قائم بين الحق والباطل، وبين أهل الخير وأهل الشر. وقلنا فيما مضى إنه وإن كان يقع بعض النصر المؤقت لأهل الباطل على أهل الحق، فإنه لا يصيب أهل الحق خوف طالما أنهم يوافقون الكتاب والسنة ويثقون ثقة مطلقة في نصر الله عز وجل، فسنة الله لا تتخلف في كونه أبداً؛ لأن القضية في الصراع بين الحق والباطل هو صبر وثبات أهل الحق على الحق، لكن الإنسان الذي لا يصبر لا نصر له، والإنسان السريع في غضبه والمتضايق من المصابرة والمثابرة لا يكون النصر حليفاً له. ومثال ذلك: سيدنا نوح أول الدعاة على وجه الأرض عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، ومع ذلك كانت زوجه كافرة وابنه كافراً. فإذا كانت زوجة سيدنا نوح وزوجة سيدنا لوط وابن سيدنا نوح كافرين؛ فلا تيأس من هداية زوجاتنا ولا نقنط من رحمة الله بنا؛ فقد كان عم النبي أبو لهب زوجة عم النبي أم جميل كافرين، وهي أخت أبي سفيان بن حرب وعمة معاوية بن أبي سفيان ومع ذلك لا نيأس من رحمة الله. وأبو سفيان أتم الله له النعمة بالإسلام، وكذلك خالد بن الوليد أكره الله بالإيمان، وعكرمة بن أبي جهل أتم الله له الإيمان وصار صحابياً من أصحاب الحبيب عليه الصلاة والسلام، وقد كانوا من ألد أعداء الإسلام ثم هداهم الله، فلا نقنط من رحمة الله؛ لأن سيدنا علياً يقول: سبحانك! قطرة من فيض رضاك تملأ الأرض ريا، ونظرة من عين رضاك تقلب الكافر ولياً. والماء الذي يصح الوضوء به لا يتغير طعمه ولا لونه ولا ريحه عند وقوع النجاسة فيه إذا كان الماء أكثر من قلتين كما ذكر الفقهاء. فالماء نعمة مطلقة يجب أن نحمد الله عليها، وهي نعمة لا توازيها أي نعمة أخرى. وأبو حازم نظر إلى أمير المؤمنين هارون الرشيد وفي يده كوب من الماء، فقال له: يا أمير المؤمنين! لو منع عنك هذا الكوب من الماء بكم تشتريه؟ قال: بنصف ملكي، قال له: وإذا دخل هذا الماء إلى بطنك فلم يخرج منها فبكم ستخرجه؟ قال: بنصف ملكي الآخر. قال: تباً لملك لا يساوي كوب ماء. ومن فضل ربنا علينا أن جعل عضلة تتحكم في البول وتخرجه عندما تأتي الإشارات من المخ وتنبه العضلة على الإفراغ، فالمسلم عندئذ يقول: الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى علي ما ينفعني.

حكم من به سلس البول

حكم من به سلس البول والذي عنده سلس بول يجب عليه الوضوء عند كل صلاة، فيتوضأ لكل صلاة ويصلي ولو تقاطر منه البول أثناء صلاته ويكملها، وصلاته صحيحة إن شاء الله، وهذا من تيسير الدين. والمسلم يشكر نعمة الله عندما يرى أشخاصاً عندهم سلس بول أو غيره من الآلام والمصائب. ولو أعطانا الله عز وجل النعمة على قدر طلباتنا لما تقدمنا خطوة في الحياة، ولما استطعنا أن نعيش، فالله هو الحكيم بنا العليم بما يصلح حياتنا. فالله تعالى هو الذي يعطيك القوة البدنية التي تقدر تقعد بها في الشغل ثمان أو عشر ساعات، فاطلب من الله كل يوم أن يديم عليك هذا. والمؤمن لا يقول عن شيء إنه فاعله غداً إلا أن يشاء الله سبحانه، فلابد من ذكر المشيئة، قال تعالى: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102]، فلابد من تقدم المشيئة عن العمل أو الفعل أو القول أو القصد. العمل الخالي من ذكر المشيئة عمل محكوم عليه بالفشل. وسيدنا نوح عندما وجد ابنه كافراً قال له: {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود:42]، {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ} [هود:43] أي: سأطلع فوق جبل عالي واقعد في أعلاه، {يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود:43] أي: يمنعني عن الغرق، {قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود:43]. وأهل العلم يقفون عند الجملة هذه: {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود:43] ويقولون: كل الناس اليوم يعملون عمل ابن نوح، فأحدهم لسان حاله يقول: سآوي إلى جبل عقلي، والآخر: سآوي إلى جبل عزتي سآوي إلى جبل جاهي ومنصبي، ولكن المهم أن تهوي بنفسك إلى رحمة الله وأن تفر من نفسك إلى الله، اللهم اجعلنا من الفارين إليك يا رب العالمين، ومادام أنت فررت من نفسك إلى الله فإنك تكون قد فررت من الركن الضعيف إلى الركن القوي. وقال تعالى حاكياً عن نبيه لوط: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:80]، قال جبريل: يا لوط! قد أويت إلى الركن الشديد، وهو ركن رب العبيد سبحانه وتعالى. وقال تعالى حاكياً عن ابن نوح: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:43]، فلما استوت السفينة على جبل الجودي تذكر نوح ابنه ولم يتذكر امرأته فقال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود:45]. وقوله تعالى: {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:43] وذلك من أجل ألا يرى سيدنا نوح ابنه وهو يغرق فيحن قلبه على موت كافر. لذلك فالمسلم لا يحن على موت كافر ولا يصلي عليه ولا يدعو له ولا يقبره في مقابر المسلمين إلى غير ذلك من الأحكام التي ذكرها العلماء.

حكم الإجهاض

حكم الإجهاض وإجهاض الجنين لما دون أربعة شهور حرام؛ لأن الخلية الحية قد تكونت منذ اليوم الأول من الحمل، فالتي أجهضت جنينها في اليوم الأول من الحمل فقد قتلت نفساً بغير حق، وعليها دية، وهي مائة من الإبل إن كان الجنين ذكراً، وخمسون من الإبل إن كان أنثى، أي: ما يعادل خمسين ألف جنيه؛ لأنها استعجلت قدر الله عز وجل وقضاءه مع أنها لو تركته إلى أن يبلغ الكتاب أجله سوف ينزل من غير تدخل منها وإنما بقضاء الله وقدره. وهناك احتمال أن الذي كان في بطنها هو الذي سوف يخلص المسلمين من البلاء، أو قد يكون عابداً صالحاً أو طيباً ناجحاً بما يرضي الله أو مدرساً بارعاً يعلم الآلاف من الطلاب أو مخترعاً يخترع قنبلة ذرية نضرب بها إسرائيل، أو قد يكون خليفة المسلمين الذي يجتمع المسلمون عليه، أو زعيماً مسئولاً، المهم أن المسلم لا يستعجل القدر، ولا يظن أن الإجهاض لما دون أربعة أشهر من عمر الجنين أنه جائز. فالإجهاض حرام منذ اليوم الأول من الحمل ولا يجوز إلا بسبب واحد وهو أن يقول الطبيب المسلم أو الطبيبة المسلمة إن هناك خطراً على حياة الأم أو على حياة الجنين. ولقد أعجبني أستاذ فاضل حينما سأله سائل فقال له: أنا طبيب أمراض نساء وتيقنت أن الذي في بطن الحامل سوف يخرج متخلفاً عقلياً، فهل يجوز الإجهاض في مثل هذه الحالة؟ قال الأستاذ: نفرض أن طفلاً عمره عشر سنين وهو كفيف لا يرى أبكم لا يتكلم أصم لا يسمع مشلول لا يتحرك فلا يجوز قتله وهو في هذه الحالة، وكذلك لا يجوز قتله لو كان جنيناً حتى ولو ثبت أنه مشوه. وهذه المسألة فيها خلاف بين الفقهاء، المهم أن هذا الجنين لو خرج من بطن أمه متخلفاً أو معوقاً أو متأخراً إلى آخره، فهذا هو قضاء الله وابتلاؤه الذي سوف يرفعك درجات، وقد يدخلك الجنة عن طريقه أو بسببه.

روابط الصلة بين المؤمنين

روابط الصلة بين المؤمنين وقوله تعالى: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:46]، وقراءة ابن عباس: إنه عَمِلَ غيرَ صالح، فلما عمل غير صالح خرجت البنوة والأهلية؛ لأن الأهلية لا تكون إلا بالإسلام وبالعمل الصالح، ورب أخ لك لم تلده أمك، ورب أخ لك في الله تحبه ويحبك ولا تعرف اسمه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا آل البيت). إذاً: سلمان مع الحسن والحسين وعلي وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن مرآة أخيه) أي: مرآة ينظر فيها وجهه، ولذلك قال أحد العلماء لتلاميذه: أنا أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم، فهذا تناقض. إذاً: المصلحة التي تجمعنا هي قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه). والحسن البصري ترك قوماً فلم يجالسهم فسئل عن سبب ذلك فقال: لأنهم أناس إن غفلت ما ذكروني، وإن ذكرت ما أعانوني، وإن نصحت غضبوا مني. فالأخ المسلم لابد له أن يذكر أخاه المسلم بطاعة الله تعالى. وقالوا: إن العالم أهم للإنسان من أبيه وأمه؛ لأن العالم يقي الإنسان من نار الآخرة بخلاف الأبوين فإنهما لا يهتمان إلا بأمور ولديهما الدنيوية إلا ما رحم الله تعالى. ويجب على الإنسان أن يكون قدوة صالحة لأهله، قال صلى الله عليه وسلم: (وخيركم خيركم لأهله). (وخير الناس أنفعهم للناس) وأولى الناس بك أهلك، قال تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ0 مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. والمؤمن يرى أن الحق قادم، وأن دولة الباطل ساعة ودولة الحق بلا تحديد، وهي الحياة الأخروية في الجنة دار النعيم تكون لأهل الحق، اللهم اجعلنا من أهل الحق ومن القائمين بالحق ومن القائلين بالحق ومن الذي يقبلون الحق يا أرحم الراحمين! قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الباطل خفيف كخفته يوم القيامة، وإن الحق ثقيل كثقله يوم القيامة) فالباطل في الدنيا خفيف مثل خفته يوم القيامة، والحق ثقيل في الدنيا والآخرة، وما يقبل الحق فينا إلا قلائل. ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يدعوهم إلى كلمة التوحيد، وجو الطائف لطيف؛ لأنه مليء بالبساتين، أما مكة فهي وسط جبال فالحرارة تكون فيها دائماً مكتومة، ومن حكمة الله الجليلة أن جعل البيت الحرام الذي يحج إليه كل عام شديد الحرارة لئلا تعيش فيه الميكروبات والحشرات، فإن درجة الحرارة قد تصل إلى ثلاثين أو أربعين درجة مئوية. ومع ذلك فإن مليوني حاج يجتمعون في مكان واحد وقد أتوا من كل مكان، وكل واحد منهم يرجع سالماً غانماً، وقد ثبت على مر التاريخ كله أن السماء تمطر مطراً غزيراً بعد موسم الحج بأيام في مكة والمدينة، ومن حكمة ذلك تنظيف أرض الحرمين. والنبي صلى الله عليه وسلم ترك مكة وذهب إلى الطائف ليقول لهم: (قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، أنا رسول الله إليكم، والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبداً أو النار أبداً). فعندما تتحجر القلوب لا يفيد الوعظ ولا النصح، فالإيمان مثل التيار الكهربائي مع التلفزيون، فإذا فتح التيار الكهربائي ظهرت الصورة على شاشة التلفزيون، وإذا أغلق التيار انعدمت الصورة، وهكذا الإيمان إذا حصل في القلب ظهرت في الجوارح البشاشة والرفق واللين والرحمة والرضا والثقة في الله والأمن والاستقامة وعدم الخوف، وإذا نزع الإيمان من القلب حصل عدم الرضا وضيق الصدر وعبوس الوجه وتقطيب الجبين، لا يتحمل امرأته وعياله.

قصة سحرة فرعون مع موسى عليه السلام

قصة سحرة فرعون مع موسى عليه السلام فالإيمان عندما يكون في شغاف القلب فإنه يعمل خيراً كبيراً وكثيراً، وقصة سحرة فرعون أكبر شاهد ودليل، وفقد ثبتوا على الحق ولم يخافوا الموت، وقد ذكرت كتب التفسير أنهم كانوا ستين ألف ساحر. والسحرة في ذلك الزمن بمثابة وزارة الإعلام والصحافة من إذاعة وتلفزيون في زماننا الحاضر. فقال السحرة لـ فرعون: {إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الأعراف:113 - 114] أي: نحن سوف نرقيكم، فأجمعوا أمرهم وقالوا: {يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} [طه:65] أي: من سيرمي الأول، {قَالَ بَلْ أَلْقُوا} [طه:66] فلما ألقوا رموا الحبال والعصي، فكان {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66]. يقال: إنها كانت عبارة عن أنابيب مثل البلاستيك المطاطة مليئة بزئبق، فعندما رموها إلى الأرض فإن الزئبق لا يستقر في الأنبوبة فيحصل له تمدد مع أشعة الشمس فتتحرك الأنابيب المطاطية وكأنها ثعابين. قال تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه:67] أي: أن النبي الرسول الكريم خاف منها. قال تعالى: {قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:68 - 69]. فلما ألقى سيدنا موسى عصاه التقمت كل الحبال والعصي حق الستين ألف ساحر، قال تعالى: {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} [الأعراف:117]، فالسحرة يفهمون لعبة الحسر، فعندما ألقى موسى عصاه فأكلت حبالهم وعصيهم عرفوا أن هذه آية منعند الله وليست من قبيل السحر، فإذا بالسحرة قد سجدوا لله رب العالمين وآمنوا برب موسى وهارون. قال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} [الأعراف:123]، لأنه كان مقتنعاً أنه إله، قال تعالى حاكياً عن قول فرعون: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38]. قال الله سبحانه وتعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} [طه:71]، أي: إنه لزعيمكم ورئيسكم الكبير الذي علمكم السحر. وحجة الطاغية التهديد، فالله هو الجبار القهار القوي وفرعون ضعيف لا يملك لنفسه نفعاً وضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فرد عليه السحرة، قال تعالى: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا} [طه:72]، أي: لن نفضلك على ما جاءنا من أمور العقيدة الواضحة. قال تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:72]، أي: الذي تريد أن تعمله فأعمله، {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:72 - 73] فجعل الله تعالى تدمير فرعون في تدبيره.

قصة الغلام المؤمن

قصة الغلام المؤمن ويروى أن هنالك ملكاً كان لديه ساحر مسن، فطلب من الملك أن يحضر إليه أذكى غلام في البلاد لكي يعلمه السحر، فأحضروا له غلاماً ذكياً، فكان يتردد إلى الساحر، وفي طريقه إلى الساحر كان هنالك راهب فتعلم منه الغلام الإيمان والعقيدة حتى عرف بالطبيب. وكان للملك وزير أعمى فقال له الغلام: إنني لا أستطيع أن أرد إليك بصرك إلا إذا آمنت بالله رب العالمين لا شريك له فآمن الوزير بالله تعالى، حتى علم الملك بذلك فأحضر الغلام فأخبره بما جرى بينه وبين الوزير فقال له الغلام: ربي وربك الله، فقال الملك خذوه في مركب فإذا كنتم في وسط البحر فألقوه فيه، فلما توسطوا به في البحر قال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت، فاضطرب القارب بما فيه فانقلبوا في وسط البحر ورجع الغلام المؤمن إلى الملك سالماً غانماً، فقال له الملك: من الذي أنجاك؟ قال الله رب العالمين. فقال الملك: خذوه إلى أعلى جبل وارموه منه، فلما وصلوا به إلى قمة الجبل قال الغلام: اللهم اكفنيهم بما شئت، فاهتز الجبل فسقطوا منه إلا الغلام، فعاد سائراً على قدميه إلى الملك. ثم قال له: أيها الملك إنك لن تستطيع أن تسلط عليّ إلا أن تجمع الناس في صعيد واحد، وتأخذ سهماً من كنانتي وتقول: باسم الله رب هذا الغلام فترميني به فسأموت حينئذ. فجمع الناس في صعيد واحد وربط الغلام على شجرة وأخذ من كنانته ووضعه في القوس وقال: باسم الله رب هذا الغلام، فألقي الغلام صريعاً، فقال الناس جميعاً: آمنا بالله رب الغلام. فحفر أخدوداً في الأرض وأضرم فيه النيران ورمى فيه كل موحد، قال تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:4 - 8]. وكانت هنالك امرأة ومعها ابن صغير لها فخافت على ابنها من النار فتلكأت وتلعثمت، فإذا بالولد ينطق بلسان واضح: يا أماه اثبتي إنك على الحق وأنه لا إله إلا الله، فرمت بنفسها وابنها في النار. فيجب على المؤمن أن يثبت على لا إله إلا الله، وأن يكون دائماً متصلاً بالله وواثقاً برحمة الله وعارفاً أن فضل الله واسع.

دعوة النبي في الطائف

دعوة النبي في الطائف ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، فرفضوا الإيمان به، فأخرجوا صبيانهم وغلمانهم ومجانينهم وخدمهم ليقذفوا الرسول صلى الله عليه وسلم بالحجارة، وزيد بن حارثة رضي الله عنه كان معه يحميه من كل اتجاه حتى سالت قدما رسول الله الشريفتان بدماء غزيرة. فسيدنا زيد قال له: يا رسول الله! استرح في ظل هذا البستان، وكان صاحب البستان ابني ربيعة فتحركت له رحمهما، فبعثا مع خادم لهما قطفاً في طبق من عنب، وهذا الخادم يدعى عداساً، فقرب العنب بين يدي رسول الله فقال: (باسم الله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وارزقنا خيراً منه) هكذا كان يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام. فسمع عداس هذه العبارة وما سمع بها قط في الطائف؛ لأن الطائف كانت مركز اللات الذي هو الصنم الكبير في الجزيرة، كما أن مركز هبل كان في مكة، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم:19 - 20] فقال عداس: (والله! إن هذا لكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له رسول الله: ومن أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟ قال: أنا نصراني من نينوى -وهي في شمال العراق- فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بلد العبد الصالح يونس بن متى؟ قال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متى؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي، فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه). ثم وضع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ظهره إلى جدار البستان فقال: (اللهم أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له السماء والأرض، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل بي سخطك، لك الحمد حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك). فترتج السماء لهذا الدعاء فينزل ملك الجبال ويقرئه من الله السلام، ويقول له: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت، والمراد بهما جبلي مكة والطائف، فقال رسول الله: يا ملك الجبال! لا تفعل عسى رب العباد أن يخرج من أصلابهم من يقول: لا إله إلا الله. ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة إلى مكة، فكان رسول الله يقرأ سورة الرحمن ويسمع زيد بن حارثة، ثم يقول له: (يا زيد! إن الله ناصر دينه ورسوله)، وإذا به يعلم بعد ذلك أن الجن قد آمنت به، فإذا كان قد كذبه الأنس فقد صدقه الجن. ولما أراد أن يدخل إلى مكة، وقف الكفار على مداخل مكة ليمنعوه من الدخول، فأرسل إلى الأخنس بن شريق لكي يجيره ويكون في حمايته فرفض، ثم بعض إلى سهيل بن عمرو ثم إلى المطعم بن عدي وكان أحد عظماء مكة وكان كافراً فرضي، فجاء بأبنائه السبعة يحملون سيوفهم ويحيطون برسول الله. إن الله ليؤيد هذا الدين برجال لا خلاق لهم، فربنا له جنود لا يعملهم إلا هو. فجاء المطعم بن عدي بأبنائه يحيطون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاف حول البيت سبعاً، ثم بات في بيت المطعم ثم رد عليه جواره. ثم ماتت خديجة رضي الله عنها الزوجة الصالحة التي هي عبارة عن أم كان النبي صلى الله عليه وسلم يستند إليها، والتي كانت الصدر الحنون للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان رسول الله عندما يذبح ذبيحة يقول: (أرسلوا إلى صويحبات خديجة). ورحب مرة بامرأة عجوز، فسئل عنها فقال: (لقد كانت تزورنا أيام خديجة). وهذا من وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لبني جنسه، بل للمخلوقات الأخرى كالجذع الذي كان يخطب بجانبه، وعندما صعد جبل أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فيهتز أحد فيقول له: (اثبت أحد فإنما فوقك نبي وصديق وشهيدان). وكان يقول: (أحد جبل يحبنا ونحبه)، فبذل الحب لجبل أحد لأن فيه أحبابه دفنوا فيه؛ وهم شهداء غزوة أحد. وشكا الجمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: (من الذي ينضح بهذا البعير؟ قال شاب من الأنصار: أنا يا رسول الله، قال: أحسن إلى بعيرك فإنه يشكو إليّ أنك تحمله فوق طاقته). اتقوا الله في البهائم العجماء فإن في كل كبد رطب أجراً عند الله سبحانه وتعالى.

حادثة الإسراء والمعراج

حادثة الإسراء والمعراج تموت خديجة ويموت أبو طالب فيزداد تكذيب أهل مكة وإيذاؤهم للنبي صلى الله عليه وسلم، فبعد رجوعه من الطائف إلى مكة منعه أهل مكة من الدخول إليهم، وبعدما مات أبو طالب ودفن، جاء جبريل إلى رسول الله فقال له: يقرئك ربك السلام، وأنه يستضيفك هذه الليلة في سمائه. وهذا من أجل أن تتعادل القوى، ويحصل شرح وتثبيت لسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأحداث متلاحقة والدعوة تريد قوة. فجاء جبريل ومعه البراق وهو أكبر من الحمار ودون البغل، قريب من الحصان، سمي البراق بهذا الاسم لأنه كالبرق في سرعته، يضع حافره آخر ما يقع عليه نظره، فسرى به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم صلى وراءك منهم كل ذي خطر ومن يفز بحبيب الله يأتمم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى فرأى الأنبياء وقوفاً صفاً صفاً لاستقباله صلى الله عليه وسلم، وهل صلى هؤلاء الأنبياء بأرواحهم أم بأجسادهم؟ فلا يعلم كيفية ذلك إلا الله. ووقف الحبيب المصطفى تواضعاً في الصف، فإذا بجبريل يأخذ بيد الحبيب ويقدمه عليهم ليصلي بهم؛ لأنه خاتمهم وسيد الخلق وحبيب الله. وفي هذا إعلان واضح وعام وشامل بمكانة الحبيب، فصلى بهم ركعتين على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، مع أن أباه إبراهيم موجود، ثم عرج به إلى السماء السابعة، وكان لكل سماء لون ومادة تختلف عن مادة ولو السماء الأخرى. وفي رواية البخاري أن جبريل طرق باب السماء الأولى، فقيل له: من؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فرحب به أهل السماء، يعني: إذا كنت يا محمد! قد كفر بك بعض الإنس فقد آمن بك الجن، وإن كنت مكذباً في الأرض فأنت مصدق في السماء، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فرأى أبا البشر آدم فرحب به فقال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم صعد إلى السماء الثانية فرأى سيدنا إدريس ثم صعد إلى السماء الرابعة فرأى الكريم ابن الكريم ابن الكريم سيدنا يوسف بن يعقوب بن إبراهيم، ثم صعد إلى السماء الخامسة فرأى سيدنا نوحاً فقال له: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح، ثم صعد إلى السماء السادسة فرأى سيدنا موسى، ثم صعد إلى السماء السابعة فوجد أباه خليل الله إبراهيم عليه السلام فقال له: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، بلغ أمتك مني السلام، وقل لهم: إن الجنة عذب ماؤها، حصباؤها اللؤلؤ، وغرسها سبحان الله والحمد لله. أقول: غمسة واحدة في الجنة تنسيك آلام الدنيا ومتاعبها ومصائبها. ثم صعد النبي عليه الصلاة والسلام من السماء السابعة إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها -أي: حملها وثمرها- كقلال هجر، وهي عبارة عن جرار مصنوعة من الفخار، وأوراقها كآذان الفيلة، فتأخر جبريل وقال له: وما منا إلا له مقام معلوم، تقدم أنت فلو تقدمت لاحترقت، لأن جبريل مخلوق من نور، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم خطوات فإذا ببرد وسلام فعلم أنه على بساط حظيرة القدس. والله عز وجل لا يحيط به مكان ولا زمان، وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك. قال رجل لـ أبي حنيفة: أنا لا أومن إلا بشيء أراه، فأخذه أبو حنيفة حتى أوصله إلى شاطئ نهر الفرات، وأنهار الجنة أربعة: نهران باطنان منبعهما الجنة ونهران في الدنيا: النيل والفرات، فحفر حفرة صغيرة في الشاطئ، وطلب من الرجل أن ينقل ماء النهر بكامله إلى وسط تلك الحفرة، فقال الرجل: أيعقل أن ينقل كل ماء النهر في هذه الحفرة؟ فقال أبو حنيفة: فهل يعقل بعقلك الصغير أن ترى الله عز وجل؟ فلما علم الحبيب أنه في حضرة الله عز وجل أسرع بخلع نعليه كما صنع كليم الله موسى عندما كان في الوادي المقدس طوى، فقيل له: لا تخلع نعليك، فتلعثم النبي صلى الله عليه وسلم في الكلام فألهمه الله فقال: التحيات لله والصلوات والطيبات، فقال الله عز وجل: السلام عليك أيها النبي ورحمته وبركاته، فقال الملائكة أدباً: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فضجت ملائكة السماء وملائكة الأرض: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. وقدم جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أكواب: كوباً من العسل وكوباً من الماء وكوباً من اللبن، فشرب اللبن فقال جبريل: هديت أمتك على الفطرة، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم المغتابين والنمامين والمرابين وهم يعذبون، ورأى الذين يفعلون الخير والذي يجاهدون في سبيل الله.

أسرار الصلاة

أسرار الصلاة والصلاة فيها أسرار، فأول ما يسأل العبد يوم القيامة عن صلاته، فإذا صلحت صلح باقي العمل وإن وجدت ناقصة ردت، وعندما يسمع المسلم المنادي يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح يستشعر ويجيب النداء، النداء يوم القيامة: يا فلان بن فلان: فيقول نعم يا رب! إذاً: في كل أذان تتذكر نداء الله عليك يوم القيامة، و (حي) بمعنى: تعالى وهلم وأسرع. وقبل أن يدخل المسلم في الصلاة فإن عليه أن يتوضأ، والوضوء هو طهارة الظاهر والباطن، فطهارة الباطن تطهير القلب، وطهارة الظاهر تطهير أعضاء الوضوء المعروفة، ثم بعد ذلك لا يتم الدخول في الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام فتقول: الله أكبر، أي: أن ذكر الله أكبر من كل شيء مما سواه. فمن قال: الله أكبر وهو يفكر في الزوجة والولد، والمال والدنيا والوظيفة والمركز والانتخابات والترشيح والكلام الفاضي، يقال له: كذبت يا عبدي فلست أكبر شيء عندك، وكيف سيكون حاله وهو بين يدي الله ويقال له: كذبت يا عبدي! ثم بعد تكبيرة الإحرام يأتي بدعاء الاستفتاح وهو: سبحانك اللهم وبحمدك وتعالى جدك وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا الله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بك، وجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، ثم يأتي بالاستعاذة، وهي قوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. نقول جميعاً: تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، وعزمنا عزماً أكيداً على أننا لا نخالف أمراً من أمور الله، وبرئنا من كل دين يخالف دين الإسلام، والله على ما نقول وكيل. اللهم اشف كل مريض، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم تب على كل عاص واهد كل ضال وارحم كل ميت، اللهم فك كرب المكروبين، اللهم انصر المجاهدين، واختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين، اطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، وانزع من قلوبنا الغل والحقد والحسد، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، اللهم إنا نسألك حبك وحب من أحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة مقتطفات من السيرة [14]

سلسلة مقتطفات من السيرة [14] أمر الله عز وجل بإقام الصلاة، وأوجب على العبد أن يتطهر استعداداً لها، فيدخل المسلم الصلاة وهو طاهر البدن والمكان من النجاسة، وطاهر القلب من الحقد والبغضاء والشحناء، وطاهر الجوارح من المعاصي والآثام، فإذا صلى العبد وهو على هذا الحال صار نقياً من الأنجاس الحسية والمعنوية، فيقبل الله صلاته ويرتفع بها درجات.

أنواع الطهارة

أنواع الطهارة أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه هي الحلقة الرابعة عشرة في سلسلة حديثنا عن السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات، من رب الأرض والسماوات، وهي الحلقة الخاصة بموضوع الصلاة كما وعدنا يوم الإثنين الماضي، حيث تعرضنا في سلسلة السيرة العطرة للرحلة العظيمة - رحلة الإسراء والمعراج - لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلنا: إننا لن نتعرض لما جاء في الكتب من تفصيلات ربما لا ترقى إلى مستوى الصحة، ولكن توقفنا عند الأمر بالصلاة الذي يرينا مكانة الصلاة في الإسلام، ومكانة الصلاة للمسلم، ومنزلة الصلاة بالنسبة لأركان الدين، فهي عماد الدين، من أقامها أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين. وفي بداية هذه الجلسة الطيبة ندعو الله عز وجل عسى أن تكون ساعة من ساعات الإجابة، اللهم اجعل هذه الجلسة خالصة لوجهك الكريم، اللهم ثقل بها موازيننا يوم القيامة، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً. اللهم تب على كل عاصٍ، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، وانصر كل مظلوم، واقصم ظهر كل ظالم، اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، وسامحنا وتقبل منا، صلنا بك يا ربنا ولا تقطعنا عنك، اللهم صلنا بك ولا تقطعنا عنك، اللهم صلنا بك ولا تقطعنا عنك. اللهم وكما رزقتنا الإسلام بدون أن نسألك اللهم فارزقنا الجنة ونحن نسألك، اللهم ارزقنا الجنة ونحن نسألك، وارزقنا الجنة بدون سابقة عذاب، اللهم زحزحنا عن النار وعما قرب إليها من قول أو عمل، وقربنا يا مولانا من الجنة، وما قرب إليها من قول أو عمل، إنك يا مولانا على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. الحديث عن الصلاة حديث يستمد أهميته من مكانة الصلاة في الإسلام، وإذا أردت أن تدخل في الصلاة فلا بد لك من ثلاثة شروط، وتسمى شروط صحة، وهي: طهارة البدن، والثوب، والمكان. مسألة طهارة البدن سهلة؛ لأن الطهارة أنواع أربعة: أولاً: طهارة البدن من الأنجاس. ثانياً: طهارة الجوارح من المعاصي. ثالثاً: طهارة القلوب من الآثام والتفكر فيها. رابعاً: طهارة الباطن مما سوى الله عز وجل، وهي طهارة الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.

أهمية إقامة الحكم بشريعة الله

أهمية إقامة الحكم بشريعة الله قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة)، يعني: الإسلام سينتهي حلقة حلقة (أولها نقضاً الحكم وآخرها الصلاة). الحكم بكتاب الله وبسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم قد انتهى أمره، فأول شيء ينتقض في الإسلام وينتهي هو الحكم، بشريعة الله، فهذا أول ما يضيعه المسلمون للأسف! تسمع عن شخص قبضوا عليه له ستة وأربعون سرقة، مع أنه لو سرق مرة واحدة قطعت يده، فإذا سرق مرة أخرى تقطع له رجله، فإذا سرق مرة ثالثة تقطع له يده الثانية، ثم تقطع رجله الثانية، فإن سرق مرة أخرى فللحاكم أو الوالي أن يرى ما يراه؛ لأن هذا مفسد في الأرض. فالله عز وجل لا يفضح العبد من أول مرة، فمن كرمه سبحانه أنه لا يفضحك في الذنب من أول مرة، فمن ستر الله عليك أنه يسترك مرة ومرة ومرة ومرات، لكن إن تبجحت وتماديت كشفك رب العباد سبحانه؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا تتبعوا عورات المسلمين فتفضحوهم، فمن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته وفضحه ولو في جوف بيته). يعني: إذا كانت عيناك تراقب عيوب الناس وتطلعان على عورات الناس وتبحثان عن المثالب والمعايب عند الناس فإن الله سبحانه وتعالى يتتبع عورتك، وإذا تتبع الله عورتك فضحك داخل بيتك؛ ولذلك الإمام الشاطبي رضي الله عنه كان يقول: عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم من يزن في بيت بألفي درهم في بيته يزن بربع الدرهم إن الزنا دين فإن أقرضته كان القضا من أهل بيتك فاعلم من يزن يزن به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهم فأنت إذا نظرت إلى عورات ومحارم الناس يسلط الله عليك من ينظر إلى محارمك، فلو نظرت أنت إلى محارم الناس ماذا أخذت منهم؟! ولو نظر هؤلاء الناس الذين نظرت إلى محارمهم أو خضت في عوراتهم بعينيك فماذا أبقوا لك؟! فإذا كنت تنهش في عرض الناس فكل الناس ينهشون في عرضك، وإذا كنت تعير بالذنب أخاك فإن الله يعافيه ويبتليك. ولقد ثبت أن امرأة حلفت بالله أنها كانت تزور قريبتها، وعند قريبتها ولد فيه مرض -نسأل الله أن يعافي مرضانا ومرضى المسلمين- فأقسمت هذه المسلمة بالله أنها كلما كانت تذهب تزور هؤلاء الناس تعيب عليهم الولد، فربنا رزقها بولد فيه نفس المرض، كما تدين تدان! قال صلى الله عليه وسلم: (البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، واعمل ما شئت، فكما تدين تدان) صلى الله وسلم عليك يا سيدي يا رسول الله! فأنت إذاً يجب عليك أن تقرأ التاريخ فستجد أول عروة تضيع من المسلمين الحكم بكتاب الله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لحد يقام في أمتي خير لهم من أن يمطروا أربعين سنة)، يعني: لو طبقنا حداً واحداً من حدود الله عز وجل، لكان أحسن لنا من مطر أربعين سنة. فالموت على توبة خير من العيش على معصية، يعني: الإنسان يموت وهو تائب منيب إلى الله راجع إليه أحسن وأفضل بكثير من أن يعيش وهو عاص؛ لأن مسألة الإمساك بمن يتعاطى المخدرات علاجها بسيط جداً، قبض عليه وثبتت التهمة، لكن الكارثة أن ترى محامياً يدافع عن تاجر المخدرات، فيجب على القاضي أن يحكم على المحامي كما يحكم على تاجر المخدرات، فيكونا مع بعض، وما أدى إلى الحرام فهو حرام؛ ولذلك سيدنا الحبيب لما جيء بالمرأة المخزومية التي سرقت وأراد قطع يدها، فشفع فيها أسامة، فقال له رسول الله: (أتشفع في حد من حدود الله؟!). ثم سيدنا الحبيب صعد المنبر وكان إذا غضب يظهر منه عرق في جبهته صلى الله عليه وسلم، وكان يغضب إذا انتهكت حرمة من محارم الله، فقال: (إنما أهلك الذين كانوا من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه) الشريف أي: ذو المكانة، (وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها). ولذلك هو كان يقدم أهله في المغرم ويؤخرهم في المغنم، في غزوة بدر خرج نفر من المشركين وقالوا: أخرج لنا أكفاءنا يا محمد! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قم يا علي، وهو ابن عمه وزوج ابنته، وقم يا حمزة، وهو عمه، وقم يا أبا عبيدة وهو ابن الحارث بن عبد المطلب، فهؤلاء الثلاثة كانوا أول من يبارز في غزوة بدر، وفي ساعة توزيع الغنائم هم آخر أناس، فليس تولي الكرسي وسيلة للغنى! وليس هذا فحسب، بل كان يقول: (يا بني هاشم! يا بني عبد المطلب! يا بني عبد مناف! لا يأتيني الناس بحسناتهم يوم القيامة وتأتونني بذنوبكم تحملونها -أو أوزاركم- على ظهوركم تقولون: أدركنا يا محمد، لا أقول لكم إلا ما قاله العبد الصالح: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118] اللهم قد بلغت! اللهم فاشهد). سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، أول ما تولى دخل على زوجته فاطمة من أجل أن يصلح البيت أولاً؛ لأن البيت لو صلح صلح من كان في البيت. المتصدرات للحركة النسائية في مصر، تبحث عن حياتهن فتجدهن فاسدات وفاشلات في الحياة الزوجية، وفاقد الشيء لا يعطيه، تجد واحدة فاشلة في الحياة الزوجية ومتصدرة، هل هذه هي التي تصلح أمر النساء؟! نحن نريد قدوة، فالمسلم عندما يرى القدوة تصلح حاله وكما قلنا: عمل رجل بألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل. وهذا عمر رضي الله عنه أول ما تولى دخل على فاطمة بنت عبد الملك زوجته وبنت عمه، وكانوا يعيشون أيام عز ومال من قبل، فقال لها: يا فاطمة! لقد توليت أمر المسلمين، وسوف أعيش على الحصير، فأمرك إليك إن شئت المواصلة فواصلي، وإن شئت الفراق فالأمر إليك. فقالت: بل أعيش على الحصير لأدخل الجنة، وعاشت فاطمة على الحصير تقول: كنت أستيقظ بالليل فأرى عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليه ينتفض، فأقول: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ يقول: كلما أتذكر أنني مسئول عن المسلمين أذكر اليتيم الجائع، والمسكين العاري، والأرملة التي لا تجد لأطفالها طعاماً، وأظن أنهم خصومي يوم القيامة، وربما لا تقوم لي حجة، وإنا لله وإنا إليه راجعون! جعلوا يقسمون المال عنده داخل بيت المال، فوضع يده على أنفه ليسدها، فقيل: ما هذا يا عمر؟ فقال: وهل ينتفع منه إلا برائحته! كيف أشم شيئاً ليس من حقي؟! هذا كلام نقوله ونفضفض، ونسأل الله السلامة. وكان أبو بكر يدعو قائلاً: يا من سترتنا في الدنيا لا تفضحنا على رءوس الأشهاد يوم القيامة، ادع هذه الدعوة الصالحة لا تنساها: اللهم يا من سترتنا في الدنيا لا تفضحنا على رءوس الأشهاد يوم القيامة. ومن كرم الله علينا أن الله إذا ستر عبداً في الدنيا فهو أكرم من أن يفضحه على رءوس الأشهاد يوم القيامة، ما دام ستر في الدنيا فيكون قد ستر في الآخرة، لكن نريد دعواتك، ندعو لك بالستر الجميل، اللهم سترك الجميل يا رب! نحن نذكر قصة المرأة لما جيء بسارق فقطع عمر بن الخطاب يده، وجاءت أمه باكية: يا أمير المؤمنين! أتقطع يده من أول مرة! قال لها: يا أمة الله! ما كان الله ليفضحه من أول مرة، فدخل سيدنا علي على الولد بعدما قطعوا يده، وقال له: أستحلفك بالله، كم مرة سرقت؟ قال: إحدى وعشرين مرة، تركه يسرق مرة ومرتين وثلاثاً. وفي إحدى محاكم الشام قبل أن تترك الشريعة في بلاد المسلمين أقيم الحد على شاب عمره عشرون سنة، فجاءوا به إلى القاضي، فنطق القاضي بالحكم على أن تقطع يده، فصرخ الولد وقال: اقطعوا لسان أمي قبل أن تقطعوا يدي، قال: سرقت بيضة من بيت الجيران، فزغردت أمي وقالت: لقد صار ابني رجلاً، مثلما تدلل ابنك عندما تجده يضرب ابن عمه فتفرح بأن الولد قد كبر، علمه الأدب بدلاً من تعليمه قلة الأدب. إذاً: الآن الولد يشرب الدخان من أجل أن يكون رجلاً، فتراه يضعه في فمه، ويخرجه من أنفه وأذنيه، إذاً كيف يكون هذا رجلاً؟! فلو وجد الصحبة الطيبة والأم الصالحة، لما كانت هذه حاله: (لحد واحد يقام في الأرض خير لأمتي من مطر أربعين سنة). إذاً: الله عز وجل كتب على الأمة المحمدية أن أول عروة تنتقض وتضيع: الحكم بالشريعة، وآخر عروة تنقض الصلاة، فما دام الحكم ضائعاً ماذا بقي لنا؟ إذاً لا بد أن نتمسك بالصلاة.

طهارة الظاهر من النجاسات

طهارة الظاهر من النجاسات

نجاسة الكلب

نجاسة الكلب إذاً: الطهارة أنواع أربعة: النوع الأول: طهارة الظاهر من النجاسات، والنجاسات إما جمادات أو حيوانات أو موائع يعني: سوائل. الحيوانات كلها طاهرة ما عدا الكلب والخنزير، فيا من تربي في بيتك كلباً! هذا الكلب إذا ولغ في وعاء لك فإنه لا يطهر هذا الوعاء إلا بغسله سبع مرات أولاهن بالتراب. يقول بعضهم: لا يا أستاذ! الناس تحضروا وأنت ما زلت تأخذ بالتراب، الآن توجد المطهرات وغيرها، ويذكر لك أنواعاً من المطهرات التي يضحكون عليهم بها في الإعلام، ويقول لك: هذا الذي ينظف ويلمع ويصنفر وانظري غسيلك أنظف من غسيلي والغسيل كما هو، غش في غش، وتجد المرأة شعرها بدأ يتساقط، يقول لها: نحن عندنا شامبو يخرج القرف من الشعر، وإذا انتهى الشعر من أين سيخرج؟ عجوز ترجي أن تكون صبية وقد شاب منها الرأس واحدودب الظهر تدس إلى العطار ميرة أهلها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر ويقول الشاعر: ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب إن من شاب في الإسلام لن يعذبه الله يوم القيامة في النار، والناس البسطاء اليوم يذهبون إلى الحلاق، فيقولون له: اصبغ لي شعري، نق لي الشيب! يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن بالتراب). أهل العلم الحديث يقولون لنا: عندما يلغ الكلب في الإناء ينزل الميكروب في كمية من اللعاب ويبقى على شكل شريط، أنت لو تراها على الميكروسكوب الإلكتروني، تجده عبارة عن شريط من اللعاب، وفيه ميكروب الكلب، فعندما تأتي تغسل بأي نوع من المنظفات تجد المنظف ينظفه، وبعدما يمر عليه المنظف يعود اللعاب مرة أخرى ويحتفظ بالميكروب كما هو، ولو حتى غسلت سبعين ألف مرة فإنه يبقى الميكروب. والرجل الألماني الحاصل على جائزة نوبل في العلوم سنة خمسة وستين، لما قرئ عليه هذا الحديث رجع إلى المعمل، وقعد يغسل اللعاب بكل نوع من الكيماويات، فوجد أن الميكروب ما زال باقياً فلما مسح الطبق بالتراب نظفه ووجد أنه لا أثر للميكروب، فقال: إن محمداً يعرف هذا منذ ألف وأربعمائة سنة، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله. فوجود الكلب في بيتك له عدة مصائب: المصيبة الأولى: أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا تمثال، فالذي عنده كلب في البيت لا لصيد ولا لحراسة فإنه ينقص من ثوابه كل يوم قيراطان أقلهما كجبل أحد. إذاً: الكلب الموجود في البيت شر؛ لأن الملائكة لن تدخل بيتاً فيه كلب، كذلك الكلب نجاسة، يلعب بالبول ويلحس فيك وأنت متوضئ، إلى غير ذلك، فالحيوانات كلها طاهرة ما عدا الكلب والخنزير.

نجاسة الخنزير

نجاسة الخنزير الخنزير نجس، بعضهم يقول: يا أستاذ! أنا عندي روماتيزم في مفاصلي قال لي الدكتور: ادهنها بدهن خنزير، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم سؤالاً كهذا أو قريباً منه، هل نتداوى بالخمر يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الخمر داء وليس دواء، ما جعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليها). إذاً: البيرة حرام، وما دام أنها حرام فلا يستشفى بها، ولقد ثبت أن الذين يشربون البيرة أنها تريحهم مدة مؤقتة، ثم تنقلب فتترسب في الكلى فتتعب الكلى أكثر، فما جعل الله شفاء الأمة المحمدية فيما حرم الله عليهم أبداً. إن الله من حبه ورحمته عندما يحرم شيئاً يكون ضاراً بالإنسان، وعندما يحلل شيئاً يكون نافعاً للإنسان، فهناك آلاف الأنواع من المطاعم والمشارب جعلها حلالاً واستثنى منها بعض ما يذهب العقل، ويسبب ضرراً صحياً للجسد، فهذا حرمه الله. نحن لا نبحث عن العلة، ولكن نقول: آمنا بالله وسمعنا وأطعنا، فالصحابة لما قيل لهم: لا تأكلوا الخنزير، قالوا: سمعاً وطاعة، واليوم يقال لأحدنا: هذا فيه التيفود والدودة الشريطية، والفيروسات، والأميبيا وكلها تتعب البطن والأمعاء، وتصيب الإنسان بعدم الغيرة وغيرها، ونسي شيئاً اسمه: تعبد لله عز وجل. واليوم يضحكون علينا، يقولون: الوضوء هذا نظافة، والصلاة رياضة، نقول: لا، الوضوء هذا عبادة، لأنه لو كان من أجل النظافة فوسائل النظافة أكبر من ذلك، والصلاة عبادة، وائتمار بأمر الله، وليست رياضة! هذا رجل فرنسي اكتشف في سنة خمس وثمانين شيئاً فقال: إن الذي عنده الغضروف يريد أن يعجل في شفائه فعليه أن يتعالج بعلاج طبيعي، فيقوم بحركات مثل حركات المسلمين في الصلاة وسيشفى، لكن أنت يجب أن تقول: سمعنا وأطعنا ونحن نصلي لأن الصلاة مفروضة، فإذا وجد فيها فوائد بدنية أو فوائد قلبية فهذا خير. وسميت الصلاة بهذا الاسم لأنها صلة بين العبد وربه، وسيدنا علي فسر كلمة الأمانة بالصلاة: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72] فقال: الأمانة الصلاة. بالنسبة للجمادات من النجاسات إذا مسها الإنسان ولم يعلق شيء منها بثوبه ولا ببدنه فلا شيء عليه، وإذا تحول هذا الجماد إلى مائع أو سائل فسيعلق في ثوبك.

طهارة الجوارح من الآثام والمعاصي

طهارة الجوارح من الآثام والمعاصي النوع الثاني وهو أهم: طهارة الجوارح من الآثام والمعاصي: ومن فضل الله علينا أن الأشياء التي سنحاسب عليها أعطانا ربنا باباً نقفل به على هذا الشيء، من أجل ألا يعمل وقت ما نريد، وأسوأ ما عندنا هو اللسان، وعندما لا تريد أن تتكلم تقفل فمك. ولذلك أبو بكر رضي الله عنه كان يضع حصاة في فمه تحت لسانه، فإذا أراد أن يتكلم يمسكها بيده ثم يتكلم، قال أبو بكر: أنا أضع حصاة في فمي من أجل أن يثقل لساني، فإذا أردت أن أتكلم أخرج الحصاة فأكون قد فكرت في الكلمة هل هي صحيحة أم هي خطأ؟ فإن كانت صحيحة قلتها، وإن كانت خطأ لا أقولها. إذاً: يجب أن يكون لسان العاقل خلف عقله، ولسان الجاهل أمام عقله، قيل للحسن البصري: لماذا تتكلم في اليوم سبع أو ثمان كلمات؟ قال: قبل أن أقول الكلمة أسأل نفسي هل توضع لي في ميزان الحسنات أم توضع لي في ميزان السيئات؟! فإن وجدتها توضع في ميزان الحسنات قلتها، وإن وجدتها توضع في ميزان السيئات امتنعت عنها، فرأيت أن أكثر كلماتي سوف توضع في ميزان السيئات؛ فلذلك سكت! يقول تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] انظر كم مضى من عمرك وأنت تتكلم؟ لا تحسب الثلاثة عشر عاماً؛ لأنك لا زلت صغيراً، فيكون لك سبع وأربعون سنة وأنت تتكلم فيها، فلو تكلمت في اليوم ساعة أو ساعة ونصفاً صار لديك خمسمائة ساعة في السنة، وأنا أضرب هذا المثال لشخص ما أحد يسمع صوته، سبحان الله خمسمائة ساعة في السنة، وطوال الخمسين سنة التي تكلمت فيها والملك يكتب عنك! ولذلك جعل مالك بن دينار رضوان الله عليه يبكي ويبكي، فقيل: ما يبكيك يا مالك؟ قال: بلغت اليوم ستين سنة وحسبت أيامي فوجدتها واحداً وعشرين ألف يوم وخمسمائة، فلو عملت في كل يوم ذنباً واحداً فقط، كيف ألقى الله بواحد وعشرين ألف وخمسمائة ذنب؟! هذا مالك بن دينار لكن اضرب أنت في ألف ذنب أو ألفين، أين تذهب يا عبد الله؟ الواحد منا يجب أن يستيقظ ويراجع نفسه، وليس كل شيء لا بد أن تتكلم فيه، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع) يعني: يجب أن تحبس لسانك قليلاً، لكن نحن نسمع الكلمة فنضاعفها إلى عشرين كلمة! كذلك النظر! فلا تفكر أن النظر إلى عرض المسلمين هذا هو الحرام فقط، لا. هذا جرير يقول: إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا العينان ممكن أن تنظر بهما إلى إنسان باحتقار، فتنظر إلى المسلمين بازدراء أو بالشماتة والعياذ بالله، وهذا نظر حرمه الله عز وجل، إذاً: كيف يكون النظر بالعينين؟ انظر للمسلمين بالرحمة والعطف والرفق، تأخذ على النظرة ثواباً إذا نظرت إلى الناس برفق، فمثلاً: أنظر إلى اليتيم لأنني لا أستطيع أن أنفق عليه، وأقول: اللهم ارحم أباه، اللهم بارك في الولد أو البنت وأعن أمه أو أمها. كذلك أنظر بالعينين إلى المصحف، والحسن البصري كان إذا كان مريضاً فتح المصحف ونظر فيه، وإذا أردت أن تكلم الله فأحرم بالصلاة، وأنت تصلي كتبت الصلاة بينك وبين ربك، فتتكلم وربنا يسمعك، وهذا من فضل الله عز وجل ولله المثل الأعلى! إذاً: أعطاني ربي عينين من أجل أن أحفظ المصحف، وأنظر إلى بيت الله، وأنظر إلى الطرقات، وأنظر إلى ملكوت الله، وأنظر إلى الكعبة، وأنظر إلى العالم الصالح، وأنظر إلى وجه الأب والأم، كل هذا نوع من أنواع العبادة، والملائكة تكتب لك حسنات وأنت تنظر إلى وجه أبيك وأمك برحمة وحنان. قال صلى الله عليه وسلم: (من نظر إلى وجه أبيه أو إلى وجه أمه برحمة نظر الله إليه، ومن نظر الله إليه فلن يعذبه يوم القيامة). إذاً: طهارة الجوارح من الآثام والمعاصي، فاللسان لا يتكلم إلا بخير، والعينان لا تنظران إلا إلى ما أحل الله، واليد جعل الله لي الخيار أن أمدها في خير أو شر والعياذ بالله، فإن مددت اليد بخير كتب لك حسنات، وإن مددتها بشر كتب عليك سيئات. أبو حازم رفض أن يناول أمير المؤمنين الحبر، قال: أخاف أن يكتب شيئاً يظلم به مسلماً فأكون مشاركاً له في الإثم يوم القيامة. ولذلك جاء رجل خياط وقال: يا تلميذ أبي حنيفة: أنا كنت أخيط أثواب الحجاج؟! فقال: أنت كـ الحجاج، قال: وأنا ما ذنبي؟ أنت لو فاصلته وهذا فاصله كان سيراجع نفسه، أي: سيقول: لماذا يكرهني الناس؟! لماذا لا يحبني الناس؟! كان ابن عمر يقف في الصلاة إلى جوار الكعبة، فتحط حمام الحرم على رأسه، دليل على أنه يقف مدة طويلة حتى تظنه قطعة من الأرض؛ لأنه بقي مدة طويلة لا يتحرك، فهؤلاء هم الناس. داود الطائي صلى العصر وسلم عن يمينه وشماله، والتفت فلم يجد أحداً، والجامع كان مليئاً فسمع صوتاً في الخارج، فخرج وقال: أين ذهبتم؟ قالوا: هذا عمود في الجامع وقع في الخلف، فوقع السقف على الناس فهربوا، وهو لم يشعر بذلك، وهذا فيه دليل على أنه كان خاشعاًَ. جاء رجل إلى أبي حنيفة وقال: يا أبا حنيفة! بعت بيتاً من بيوتي، ووضعت المال عندي في البيت ثم نسيت مكانه، قال: وأنا ما ذنبي؟ قال: ألست عالمنا؟! ألست شيخنا؟! أخبرني أين المال! فقال له: عد إلى بيتك وقم لله الليلة، وصل لعل ربنا يعلمك ويعرفك، فجاء الرجل في صلاة الفجر وفمه مفتوح جداً، فقال له أبو حنيفة: لقد وجدت نقودك، قال: وكيف عرفت يا أبا حنيفة؟ قال: يظهر على وجهك، فقال له: ماذا حدث؟ قال: بينما أنا أكبر تكبيرة الإحرام في الركعة الأولى وقد نويت أن أقوم الليل كله، تذكرت مكان النقود، فخرجت من الصلاة! فقال له: أبو حنيفة: ثم نمت؟ قال: نعم، قال: كنت أثق أن الشيطان لن يدعك تتعبد لله الليلة، إذاً: النية لم تكن خالصة لله عز وجل، والشيطان لا يترك الإنسان أبداً. فهذا داود الطائي قالوا له: كيف لم تشعر بسقوط سقف المسجد؟ فقال لهم: أنا إن جاء وقت صلاتي أسبغت وضوئي، أي: أتوضأ جيداً، وجلست في المكان الذي سوف أصلي فيه حتى تجتمع جوارحي -أي: نفسه ليس لها هم بالدنيا- ثم أقوم أكبر للصلاة. وكلنا نكبر، لكن كلنا نخدع أنفسنا في التكبير، لأن معنى (الله أكبر) أنه أكبر من كل شيء، لكن من الخطأ أن أسرح في الصلاة عند الولد أو البنت أو الدراسة أو الفلوس أو المرتب أو العلاوة أو أذى الزوجة أو الجار أو صاحب البيت أو أو يجب أن تحقق ما قلت، فعندما تقول: الله أكبر، تستشعر أنه لا يوجد أكبر من الله. قال: ثم أقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعاً بخشوع، وأسجد سجوداً بتواضع، واضعاً الجنة عن يميني، والنار عن يساري والصراط تحت قدمي، والكعبة بين حاجبي، وملك الموت ورائي؛ كي أظن أنها آخر صلاة لي، وأتبع ذلك بالإخلاص في النية، ثم لا أدري أقبلها مني رب العباد أم لم يقبلها؟! فهؤلاء هم الصالحون، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (أول ما ينظر في عمل العبد يوم القيامة ينظر في صلاته إن وجدت كاملة قبلت وسائر عمله، وإن وجدت ناقصة ردت وسائر عمله). إذاً: النوع الثالث من الطهارة: طهارة الجوارح من الآثام والمعاصي، فلا تمشي إلا إلى كل خير، تذهب في الخير، وتسعى في الخير، وكان يحيى بن زكريا عليهما السلام يقول: اللهم إن رأيتني أغادر مجالس الذاكرين إلى مجالس الغافلين فاكسر لي رجلي. وتعال إلى البطن وما حوى، إن العبد ليقذف باللقمة الحرام في جوفه لا يتقبل الله له عملاً أربعين يوماً، سيدنا أبو بكر وضع إصبعه في فمه وأرجع شربة اللبن، لما شك في مصدرها، ونحن لا نبحث هل هي شبهة أو ليست شبهة؟ وهل هذا حرام أم ليس بحرام؟! وهل هذا سحت أم ليس بسحت؟! نسأل الله السلامة. يقول صلى الله عليه وسلم: (يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، فوالذي نفسي بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه لا يتقبل الله له عملاً أربعين يوماً).

طهارة القلب من الآثام والأمراض

طهارة القلب من الآثام والأمراض النوع الثالث في الطهارة: طهارة القلب من الآثام والأمراض: اتفقنا من قبل أن القلوب ثلاثة: قلب سليم، وقلب سقيم، وقلب ميت، ما علامة السليم؟ وما علامة السقيم؟ وما علامة الميت؟ القلب السليم: هو القلب الذي ليس فيه إلا الله، قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] قالوا: سليم من الدنيا وما فيها. اللغة العربية لها مدلولات غريبة؛ ولذا سمي القلب قلباً لتقلبه، بعد نصف ساعة تغضب، وبعد ساعتين تهدأ فأنت متقلب؛ ولذلك سيدنا الحبيب يدعو قائلاً: (اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك)، هذا دعاء مهم في ثبات القلوب، والقلوب بيد علام الغيوب يقلبها كيف يشاء، اللهم اجعلنا من القلوب الأواهة المخبتة المنيبة التي تتقلب في طاعتك يا رب! والإنسان سمي إنساناً لتناسيه، ومن نعمة الله على العبد أنه ينسى، فأنت عندما تتذكر كل المآسي التي جاءت في حياتك، يحصل لك انفجار في المخ، لكن من فضل الله أنك تنسى، تنام قليلاً ثم تقوم وقد هدأت وهذا النعاس جند من جنود الله، ونعمة من نعمه، والله يبعث عليك قليلاً من النوم حتى تستريح أعصابك وتفيق مرتاحاً. أول ما تفتح عينيك من النوم تقول: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور، تحمد الله أنك كنت في نعمة النوم، فكن أنت دائم الصلة بالله. كذلك المال سموه مالاً؛ لأنه مال بالناس عن الحق؛ ولذا يقول الشاعر: رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال ومن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا رأيت الناس منفضة إلى من عنده فضة ومن لا عنده فضة فعنه الناس منفضة إن قل مالي فلا خل يصاحبني وفي الزيادة كل الناس خلان كم من عدو لأجل المال صاحبني وكم صديق لفقد المال عاداني يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). فالعبرة بالخلق والصلاح لا بالمال.

علامات القلب السليم

علامات القلب السليم

إذا تليت عليه آيات الله زادته إيمانا

إذا تليت عليه آيات الله زادته إيماناً القلب السليم له علامات: أول علامة من علامات القلب السليم: أنه إذا تليت عليه آيات الله زادته إيماناً، ووجل وخاف، ورهب من الله عز وجل، سيدنا سلمان الفارسي فر من المدينة من أجل آية سمعها من فم الحبيب المصطفى، لم يستطع أن يلحقه ثلاثة أيام، قال له: أين كنت يا سلمان؟ قال له: آية سمعتها منك يا حبيب الله! وهي قوله تعالى: {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان:65]. كان الصحابي منهم إذا مر بآية من آيات الجنة شم رائحة الجنة، فهذا سيدنا أنس بن النضر يمر عليه سعد بن معاذ فيقول له: يا سعد! والله إني لأشم رائحة الجنة دون أحد! ومن فضل الله علينا أن ربنا ما جعل للذنوب رائحة، قال الحسن البصري: احمدوا ربكم الذي لم يجعل من ذنوبكم رائحة، وإلا لما جلس مؤمن بجوار مؤمن. تخيل أنت أن الذنوب لها رائحة! لكانت مصر كلها جيفة، ولكان بعضنا يغير بعضاً، فمن فضل الله أن جعل الستر علينا. ومن فضل الله علينا أنه أخفى عن سمعنا عذاب أهل القبور، ولا يسمع عذاب أهل القبور إلا الحيوانات والطيور. واسألوا أقاربكم الفلاحين، يمر أحدهم بالجاموسة التي لا تحلب من جنب القبر فترجع وتحلب هواء لشدة ما رأت وسمعت، والحمار الذي يمشي على شطر ويكون أعرج يمرون به من جنب المقابر فيجري بقوة من هول العذاب، فيصير فرساً سباقاً بسبب الذي يراه من العذاب! ولو كنا نحن نسمع العذاب لعير بعضنا بعضاً، ولسب بعضنا بعضاً، فمن ستر الله علينا وفضله لم يسمعنا العذاب، يسمع عذاب أهل القبور كل مخلوق إلا الثقلان: الإنس والجن، وكل شيء في الكون يسبح الله، حتى اللقمة التي تأكلها تقول: سبحان الله! أحد العلماء قعد مع صديق له عابد، ومع المريدين، فجعل يتلفت يميناً وشمالاً يريد أن يبصق فلم يجد مكان مناسباً للبصق، فقالوا له: مالك؟ قال: أريد أن أتخلص من الذي في فمي، فسمعت تسبيح الأرض، الرجل أعطاه الله كرامة فسمع هذا التسبيح، فلم يعزم أن يبصق في الشيء الذي يسبح. وكان العالم الآخر أفقه منه، وفوق كل ذي علم عليم فبصق هذا العالم فجأة، فقال له: يا رجل! ألا تسمع التسبيح؟ قال له: سمعت مسبحاً في مسبح، كله يسبح مع بعض. ولقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم تسبيح الحصى بين يديه، وهذا من معجزاته، وكذلك أبو بكر رضوان الله عليه قعد مرة يستجمر بحجارة بعدما قضى تبوله، فسمع تسبيح الحصى فرماها ثم أمسك واحدة أخرى فسمع التسبيح، أمسك الثالثة فقال: اللهم اصرف عن سمعي تسبيح الحصى الليلة فقط، فـ أبو بكر كان الله عنده في كل شيء!

صحابية ذات قلب سليم

صحابية ذات قلب سليم أول علامة من علامات القلب السليم أنه إذا سمع آيات الله تتلى عليه خاف ووجل، سيدنا الحبيب يقرأ في صلاة المغرب: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:44] وامرأة من المصليات خلف الحبيب سقطت وأغشي عليها، وهذا دليل يرد على الذي يقول لك: النساء يصلين في البيوت، يعني: أنت أغير على الدين من رسول الله؟! فلما أغشي عليها أفاقوها ودعوا على الرسول بعد الصلاة، فجاء وقال: مالك يا أمة الله؟ فقالت: سمعتك تقول في جهنم: لها سبعة أبواب، فاستشعرت أنه سيدخل كل عضو من أعضائي من باب! فقال: لا يا أمة الله! إنها سبعة منازل تلي بعضها، كل منزلة تشتد في حرها عن المنزلة التي فوقها سبعين ضعفاً، ومن سيوضع فيها؟ قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5] نؤخر الظهر إلى العصر، والعصر إلى المغرب بدون عذر شرعي. فقالت: يا رسول الله! عندي سبعة من العبيد أعتقتهم لوجه الله، لعل الله يعتقنا منها فنزل جبريل للتو قائلاً: أقرئ أمة الله منا السلام، وقل لها بعتقك لعبيدك السبعة سد الله عنك أبواب النار السبعة، وفتح لك أبواب الجنة الثمانية. القلب السليم إذا سمع آيات الله تتلى عليه تجده يرتجف ويخاف، فكان الصحابي إذا مر بآية من آيات الجنة شم رائحتها، وإذا مر بآية من آيات النار أحس بلسعها في جسده وقلبه.

إذا ذكر الله خاليا فاضت عيناه

إذا ذكر الله خالياً فاضت عيناه العلامة الثانية: صاحب هذا القلب إذا ذكر الله خالياً فاضت عيناه: إذا وجد أهل الجامع كلهم يبكون يقول: وأنا مثلهم أبكي معهم، وهذا من التأثير، لكن نريدك أن تكون أنت الذي تشحن غيرك، أنت الذي تبكي فتجعل الذي عن يمينك يبكي، والذي عن شمالك يبكي.

أن يهتم بالدين كاهتمامه بأبنائه

أن يهتم بالدين كاهتمامه بأبنائه العلامة الثالثة: أن يستشعر هذا القلب أن الإسلام ابن من أبنائه: يعني: كم لديك من الأولاد في البيت؟ أربعة أولاد، إذاً عندك خمسة، عندك ثلاثة أولاد؟ إذاً عندك أربعة، فتعتبر هذا الإسلام ابناً من أبنائك، فلو أننا اعتبرنا هذا الإسلام ابناً من أبنائنا لانتصر، لكن المشكلة أنه يقول لك: أنا خليني في حالي! هذا قلب اعترته الأمراض، الدنيا وما فيها، يقول لك: أنا أخرج من الصباح الباكر وأرجع الساعة واحدة بالليل وأنا تعبان، قال ابن مسعود: (لا يكن أحدكم قطرب نهار جيفة ليل) القطرب: الذي هو ذكر النحلة والمعنى: ناشط في النهار لكن في الليل جيفة ينام، والشيطان يعقد على رأسه ثلاث عقد، ويضربه على رأسه: نم عليك ليل طويل فارقد!

القلب السليم يكون بين الخوف والرجاء

القلب السليم يكون بين الخوف والرجاء قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:16] عنده خوف من الله وطمع في رحمة الله: {يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] خائف من الله عز وجل، لكن عنده رجاء وأمل. مثل سيدنا عمر رضي الله عنه، حيث قال: لو نادى مناد يوم القيامة كل الناس في الجنة إلا واحداً، لخشيت أن أكون أنا هذا الواحد، ولو نادى مناد يوم القيامة كل الناس في النار إلا واحداً؛ لرجوت من الله أن أكون أنا هذا الواحد. فهو يعبد الله بين الخوف والرجاء، خائف من الله لكن عنده أمل في رحمة الله عز وجل. وذاك الأعرابي لما قال للحبيب: (من سوف يحاسبنا يوم القيامة يا رسول الله؟! قال: الله قال: إذاً لا أبالي -كيف لا تبالي- قال: إن الذي سوف يحاسبنا هو الكريم، وإن من صفات الكريم أنه إذا حاسب عبداً عفا). روى الإمام الترمذي عن أبي هريرة في ذكر الرجل الذي بقي له حسنة لو جاءت له يدخل الجنة، فقال له: عبدي إن جئتني بحسنة أدخلتك الجنة، فطاف على أهل المحشر: أعطني حسنة يا فلان! يا فلان! أمك يوم القيامة تذهب تسألها تقول لك: يا بني! كان بطني لك وعاء، وحجري لك وطاء، وصدري لك غطاء، فهل عندك من حسنة تنفعني في مثل هذا اليوم؟ يقول: يا أماه! أنا لا أنكر شيئاً من ذلك، أليس عندك أنت حسنة؟! ويقول الابن لأبيه: يا أبت! كنت باراً بك وكذا وكذا أليس من حسنة؟ يقول له: يا بني! لا أنكر شيئاً من ذلك أليس عندك أنت من حسنة؟! سيدنا عيسى يمسك بقائم العرش قائلاً: يا رب! لا أسألك عن مريم بنت عمران، وإنما نفسي نفسي، وعندما تزفر النار إحدى الزفرات الثلاث فالرسل المقربين يأخذون بقوائم العرش، وينسى الكليم أخاه هارون، وينسى الخليل ابنه إسماعيل، وينسى عيسى أمه مريم، وكل الأنبياء يومها يقولون: يا رب! سلم، يا رب! سلم، إلا حبيبنا محمداً فإنه يقول: يا رب! أمتي، يا رب! أمتي، عليه الصلاة والسلام. فيجب على الواحد أن يجهز لهذا اليوم، ويستعد للقاء الله عز وجل، ويستعد لهذا اليوم الذي تشيب منه الولدان، قال تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]. اللهم خفف عنا العذاب يا رب العباد، وأبعدنا عن عذاب النار، وأدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب يا أكرم الأكرمين!

القلب السليم لا يستصغر الذنوب

القلب السليم لا يستصغر الذنوب إذاً: القلب السقيم قلب تعتريه الذنوب، والكارثة فيك أنك تستصغر الذنب، لكن يجب أن تستعظم هذا الذنب في حق من عصيته! قال أهل العلم: لا تستصغر الذنب، ولكن انظر إلى عظم من تعصيه! وقال أهل العلم: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. لا صغيرة إن قابلك عدله، ولا كبيرة إن واجهك فضله. فلو عاملك بالعدل ضعت، ولو عاملك بالفضل فهي منة منه سبحانه، اللهم عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بعدلك؛ فإنك إن عاملتنا بفضلك رحمتنا، وإن عاملتنا بعدلك أهلكتنا. والعبد إذا لم يتب نكت فيه نكتة سوداء، ثم نكتة سوداء، ثم نكتة سوداء، ولا يوجد توبة، فيصير القلب كله أسود، ويصير محجوباً عن نور رب العباد سبحانه، بعدما كان سقيماً صار ميتاً! إذاً: لا تنظر إلى هذا الذنب على أنه صغير، لا يوجد شيء اسمه ذنب صغير وذنب كبير، هو ذنب في حق الله عز وجل، والذي يستصغر الذنب هو القلب السقيم، وإن تركت سقم القلب مات، لأننا كما قلنا ونقول: إن الجسد كما أن له غذاء فالقلب له غذاء، والغذاء الوحيد الذي يغذي القلب هو ذكر الله، والاستغفار، وحضور مجالس العلم، فتبحث عن مجالس العلم بقوة فالعلم يؤتى إليه، ومن طلب العز في العلم يفلح. وهذا الإمام علي بن أبي طالب يوصي ابنه الحسن فيقول: يا حسن! زاحم العلماء بالمناكب، فإن رحمة الله لا تفارقهم لحظة. زاحمهم وضيق عليهم في المجالس من أجل أن تشعر أن رحمة الله عز وجل وراء هذا العالم.

وجوب تطهير القلب من الآثام

وجوب تطهير القلب من الآثام نريد أن نقول: إن القلوب ثلاثة: سليم، وسقيم، وميت، فصاحب القلب الميت يقول لك: يا أستاذ! أنا قلبي نظيف ومتصل بالله، لا تهتم بهؤلاء المصلين هؤلاء أناس يكذبون، وهذه النساء المحجبات نصابات وكذابات، هذا يغلط على الكل ويغالط نفسه، أريد أن أقول: إن المسلم يجب أن يراعي هذه القضية، وأن ينقذ قلبه بين الحين والآخر؛ لكي يتحول القلب السقيم إلى قلب سليم، ولا يتحول القلب السقيم إلى قلب ميت والعياذ بالله رب العالمين! فطهارة القلب من الآثام والأمراض واجبة، والأمراض القلبية مثل الحقد والحسد والضغينة والغل والظن السيئ بالناس، وإذا رأيت إنساناً ملطخاً بالمعصية فلا تبحث خلفه من أجل أن تتهم الرجل، حتى قال أهل العلم: إذا فر المرجوم من ميدان الرجم لا يعاد، يعني: شخص اكتشفنا أنه يرتكب فاحشة، فجاءوا به وأدخلوه في الحفرة، وبدءوا يرجمونه فعندما أحس بألم الحجارة هرب، فلا يرجع مرة ثانية؛ لأنه احتمال أنه تراجع عن اعترافه، أو يكون الشهود لم يضبطوا الشهادة، فلا يعاد إلى مكان الرجم. وهذا سيدنا عمر رضي الله عنه يقول للصحابة: ما بالكم إذا رأى أمير المؤمنين رجلاً يرتكب الفاحشة مع امرأة فأقام عليه الحد؟! قالوا: وجبت طاعة أمير المؤمنين، وسيدنا علي قاعد فقال: أمع أمير المؤمنين شهود ثلاثة؟ قال له: لا، قال: إذاً نقيم حد القذف على أمير المؤمنين، نعم، هؤلاء هم الناس! يقول عمر: لا تغالوا في المهور، ولا يزيد أحدكم عن أربعمائة درهم، فقالت له امرأة: يا ابن الخطاب ما هذا الكلام الذي تقوله؟! ربنا يقول لك: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء:20] فالله يأمرك بقنطار وأنت تقول: أربعمائة. فطأطأ عمر رأسه، وقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر، حاججت أميركم فحاجته، كم أخطأ عمر في دين الله؟! يقول بعض الناس: أنا لا أغلط، أنا صاحب عقل فأقول له: لا يغني العقل ولا الذكاء، والإنسان مجبول على الخطأ، نسأل الله السلامة والهداية. إذاً: الأحقاد والضغائن والآثام التي بداخل القلب يجب أن تزال، هذا هو الإطار العام للطهارة، من أجل أن أدخل على الصلاة طاهر القلب. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سلسلة مقتطفات من السيرة [15]

سلسلة مقتطفات من السيرة [15] للصلاة أهمية عظيمة في الدين لا تخفى على مسلم، وإنما يحققها العبد بتطهير ظاهره وباطنه، ويتم تطهير الظاهر بتطهير البدن والثوب والمكان من النجاسات، وبقطع الأذى الخارج منه وإزالته، وبالوضوء المشتمل على الغسل والمسح.

أهمية الصلاة

أهمية الصلاة الحمد لله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه هي الحلقة الخامسة عشرة في السيرة العطرة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الحلقة الثانية في موضوع الصلاة. وأسأل الله عز وجل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، اللهم اجعلها خالصة لوجهك الكريم، اللهم ثقل بها موازيننا، اللهم ثقل بها موازيننا، اللهم ثقل بها موازيننا، اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا غانماً سالماً رددته. اللهم ارحم برحمتك ضعفنا، واكفنا شر ما أهمنا وما يهمنا، وعلى الإيمان التام والسنة توفنا وأنت راض عنا، اللهم تب على كل عاص، اللهم تب على كل عاص، اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، اللهم اهد كل ضال، اللهم اهد كل ضال، واشف كل مريض، اللهم اشف كل مريض، اللهم اشف كل مريض. اللهم فك كرب المكروبين، اللهم فك كرب المكروبين، واقض دين المدينين، وارحم موتانا وأموات المسلمين، واجعل -اللهم- برحمتك جمعنا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل بيننا -يا مولانا- شقياً ولا محروماً. اللهم إنك تعلم أنه في كل قلب كل واحد منا كرب، فنفس كروبنا، اللهم إنك رزقتنا الإسلام من غير أن نسألك، فارزقنا الجنة ونحن نسألك، اللهم ارزقنا الجنة بدون سابقة عذاب، اللهم نجنا من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، واجعلنا من الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اجعلنا من الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعل -اللهم- خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك. إن موضوع الصلاة له أهمية قصوى؛ لأن هذا الأمر جعله الرسول عماد الدين، فالصلاة عماد الدين، فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين، قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر). وإن العلماء على رأيين في تارك الصلاة: فبعضهم يقول: إن تارك الصلاة المصر على تركها كافر، وبذا قال الإمام أحمد وغيره: إنه يفرق بينه وبين زوجته؛ لأن المرأة إن كانت تصلي فهي مسلمة. فالإمام أحمد اعتبر تارك الصلاة كافراً، ولا يجوز زواج المسلمة بالكافر، وأما جمهور الفقهاء فعلى أن الذي لا يصلي إن عاد فصلى فإنه يعيد الصلوات التي فاتته. وأهل الحجاز يتبعون ما قاله الإمام أحمد، فتارك صلاته عندهم كافر، فإن عاد فصلى فقد عاد إلى الإسلام، والإسلام يجب ما قبله. ومثال الذي يصلي والذي لا يصلي كاثنين درساً في وقت واحد، وتوظفا، وأحيلا على المعاش، فأحدهما اسمه محمود والثاني اسمه محمد، وأحدهما مسلم والآخر نصراني، فمحمود النصراني عاش بين المسلمين يعامل الناس معاملة جيدة، ومضى عليهما ستون سنة، وفي يوم فوجئ صاحب محمود بأنه يصلي، فقال: ما الذي جرى يا محمود؟ فقال له: إني أنا كنت مقصراً ستين سنة، ولقد تبت، وإن دينكم جميل جداً، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبدءا يصليان في وقت واحد، فمحمود ترك الصلاة عشرات السنوات ولم يصل أي فرض وأما محمد فعمله جار عليه بالصلاة منذ أول صلاة. إن تارك الصلاة كافر على مذهب أحمد، ولهذا القول أدلته. وأما الجمهور فقالوا: إما أن يكون تاركاً للصلاة جحوداً أو تاركاً لها تكاسلاً، فالمسلم الذي ترك الصلاة جحوداً منكر لها، فهذا كافر. وأما إذا تركها تكاسلاً فقد قال أبو حنيفة احبسوه وعزروه حتى يصلي، فحين يأتي وقت الظهر يقال له: يا فلان! صل، وكذلك العصر والمغرب وسائر الفروض. وأما الإمام الشافعي فيرى أنه يستحق القتل، فمتى ما قيل له: يا فلان! لماذا لا تصلي، وقال: لن أصلي؛ فإنه لم يمتثل لأوامر الله، وهذه قلة أدب، فيستحق القتل. إذاً: الجمهور على أن تارك الصلاة جحوداً وإنكاراً كافر، مثل المسلمة غير المحجبة، فإن كانت منكرة للحجاب البتة، فإنه لو كان هناك حكم إسلامي لقطعت رقاب كثير من النساء. وأما تارك للصلاة تكاسلاً، تقول له: لم لا تصلي؟! فيقول لك: نسأل الله أن يهدينا، عندي ضيوف، فهو لا يريد أن يصلي، ولكنه خجل من أن يقول لك: أنا لا أصلي. فهذا يحكم بفسقه، والفاسق لا يشهد في المحكمة الإسلامية، فالقاضي يسأل عن الذي يشهد في المحكمة، ليعلم الذي يصلي والذي لا يصلي. فالصلاة موقعها من الدين أنها العمود الأساسي أو الركن الأساسي في الدين، ولذلك جاء في الحديث أن عرى الإسلام سوف تنقض عروة عروة، فأولها الحكم وآخرها الصلاة.

أنواع الطهارة

أنواع الطهارة وقد تحدثنا عن الطهارة، وقلنا: إن الطهارة أنواع أربعة: طهارة الظاهر من البدن والثوب من النجاسات. وطهارة الجوارح من المعاصي. وطهارة القلوب من الرذائل والأخلاق الذميمة. وطهارة السر عما سوى الله عز وجل. ومسألة السر لن نتكلم فيها؛ لأنها طهارة الأنبياء، فكل حياة النبي من الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام لله، أما أنت فحياتك لامرأتك مرة، ولأولادك مرة، ولأقاربك مرة، ولمديرك في العمل مرة، ونعوذ بالله من الشرك الظاهر الخفي. والناس أنواع ثلاثة: الأول: من قدم معاشه على معاده، فهذا من الهالكين، كشخص يقدم الدنيا على الآخرة، وهذا كثير في المسلمين. النوع الثاني: من قدم معاده على معاشه، فهذا من الفائزين، وهذا عنوانه: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42]، يعرف أن النهاية عند الله عز وجل، والذي يتمنى شيئاً يعطيه الله عز وجل إياه، فالذي يريد الدنيا وما فيها يعطاها، والذي يريد الآخرة وما فيها يعطاها. وقد دفنا أحد الإخوة الأعزاء علينا كان معنا منذ أكثر من عشرين سنة مواظباً على الدروس والجمع، وفي آخر كلام له عندي في البيت قال لي: يا شيخ! أنا أشتهي أن أموت وأنا أصلي، فيموت وهو ساجد لله رحمه الله رحمة واسعة، فطالما كان محباً للخير، يتمنى من الله أن يموت وهو في الصلاة، فلما طلب من الله هذا أجابه الله، فالله سبحانه لا يخذل عبده أبداً. وهذا مثل حديث: (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق)، أي: أنك تتمنى وتقول: يا ليت أن الدولة تقول في يوم من الأيام؛ لنحارب إسرائيل، وأنت ما دخلت في الجيش ولا في التجنيد. وقد جاء في الحديث أن صلاة في المسجد الأقصى تعدل ألف صلاة، وصلاة في المسجد النبوي الشريف تعدل عشرة آلاف صلاة، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة، وصلاة في أرض الرباط تعدل ألف ألف صلاة، فركعة المجند في أرض المعركة بمليون ركعة، وخير من هذا كله ركعتان يصليهما المؤمن في جوف الليل والناس نيام.

المراد بطهارة الظاهر

المراد بطهارة الظاهر فأما طهارة الظاهر فعن النجاسات، كالبول. وبول الصبي ينضح، وبول الجارية يغسل، وهذا كلام الحبيب المصطفى، فإذا كان عندك ولد عمره ثلاثة أشهر فبال عليك أو على والدته فإن تأخذ في يدك قليلاً من الماء وتضعه على البقعة التي أصابها البول في الثوب، فيصير طاهراً، وإذا كان عندك بنت عمرها كذلك فبالت عليك فلا تقل: إنهم متعبون، بل اغسل ثوبك؛ وقد كنا نسأل العلماء الذين علمونا عن صحة الحديث، وعندما علمنا مقاييس الصحة اكتشفنا صحة هذا الحديث. وقد اكتشف الباحثون أن بول البنت في بداية تكوينها يختلف تماماً عن البول عند الولد، فهناك مواد كيماوية زائدة عند البنت تؤثر على نسيج البول، وهذا حديث الذي لا ينطق عن الهوى. ومن النجاسات بول الآدمي، وأما بول مأكول اللحم فطاهر، فعندما ترى الفلاح في بلادنا، وراد الجاموسة يمشي، فإن مسحت بالذيل فيه وبالت عليه قلنا: بول ما يؤكل لحمه طاهر، والإسلام دين اليسر. فبول وروث ما يؤكل لحمه طاهر، وبول الإنسان نجس، ولذلك قال سيدنا علي: يا ابن آدم! علام تتكبر وأنت نزلت من مجرى البول مرتين، تنتنك عرقة، وتقلقك بقة، وتميتك شرقة، فعلام الكبر على الله. ومعنى هذا أنك لا تساوي أي شيء، لكن في ميزان الله تساوي كل شيء.

المراد بطهارة الباطن

المراد بطهارة الباطن وليس كل مصل بمصل، فقد جاء في الحديث: (إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يصر على معصيتي، ورحم الأرملة والمسكين وابن السبيل، ورحم المصاب، فهذا أكلؤه برعايتي، وهو في الفردوس في الجنة أباهي به ملائكتي في السماء). فالمسألة هي مسألة تواضع وإخلاص نية لله، ولذلك ذكر أهل العلم مسألة النية في الصلاة عندما تصلي، فحين أصلي أطهر الظاهر وأبحث عن تطهير الباطن؛ لأن الظاهر محل نظر المخلوق، والباطن محل نظر الخالق جل جلاله جلاله، ولذلك تنظف ما تقع عليه عينا أخيك، والله أولى بأن تنظف له ما ينظر إليه، ففي الحديث: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: والله إنا لنستحي يا رسول الله. فقال: الحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى، وأن تؤثر ما يبقى على ما يفنى، وأن تعد نفسك مع الموتى). إنه إذا قيل: استح من الله نقول: إنا نستحي، والحق أن الحياء من الله هو حفظ الرأس وما وعى، ففي الرأس عقل وعينان وأنف وفم ومخ وسمع. فالعين خلقت للنظر إلى ما أحل الله، وكذلك الأنف والأذن خلق كل منهما لاستعماله فيما أحل الله، فلا أكفر نعمة الله بتلك الجوارح. وكفران النعمة هو أن أستعمل نعمة الله في معصية الله، حيث يستعمل المرء النعمة التي أعطاها الله له في أن يعصي الله، فالله يعطيه فلوساً، فبدل أن ينفقها في سبيل الله ينفقها في إغضاب الله. فالعينان يكون حفظهما بترك النظر إلى الحرام، والأنف بألا أشم به ما لا يجوز شمه، فقد جاء في الحديث: (أيما امرأة استعطرت فخرجت فشم الناس رائحتها فهي زانية، وكل عين زانية). فالله عز وجل أمر المرأة بالحجاب، والحجاب شرطه ألا يكون لافتاً للنظر، وليس المراد أن تلبس الخمار أو النقاب فحسب كيفما كان. وأمر المرأة بعدم الاستعطار، وفي هذا الوقت تسمع بعض الناس يقول: إن فلانة كانت هنا في الأصانصير؛ لأنهم يرونها كل يوم تنزل في وقت معين وقد استعطرت وتركت رائحتها. والعجب أن المرأة قد تكون في خارج البيت معطرة، وفي داخل البيت مبصلة. ثم بعد ذلك تحفظ السمع، والسمع فيه مصائب، كسماع الغيبة والنميمة والطعن في أعراض الناس. وكذلك حفظ البطن، فلا يدخل البطن إلا الطعام الحلال، وقد جاء في حديث: (سوف يأتي زمان على أمتي من لم يأكل الربا أصابه غباره). فالمراد بحفظ البطن وما حوى حفظ المعدة، قال صلى الله عليه وسلم: (وأن تذكر الموت والبلى، وأن تؤثر ما يبقى على ما يفنى، وأن تعد نفسك في الموتى). وأما طهارة القلب فتطهيره من آفاته، ومنها الكبر، فنسأل الله أن يخرج الكبر من قلوبنا، وأن يجعلنا وإياكم من أهل التواضع، فمن تواضع لله رفعه، اللهم اجعلنا من المتواضعين.

آداب قضاء الحاجة

آداب قضاء الحاجة

الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها

الانحراف عن استقبال القبلة واستدبارها ثم ندلف إلى موضوع الصلاة، فهناك شروط لصحة الصلاة، منها: طهارة الثوب، وطهارة البدن، وطهارة المكان، والاتجاه إلى القبلة. فإذا أراد المرء الصلاة وأراد قبلها دخول الكنيف فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها. ومن آداب دخول الكنيف الدخول بالقدم اليسرى، والاستعاذة بالله من الخبث والخبائث.

ترك الكلام وعدم الدخول بما فيه ذكر الله

ترك الكلام وعدم الدخول بما فيه ذكر الله ومن آداب دخول الكنيف ألا تتكلم إلا لضرورة، وألا تدخل بما فيه ذكر الله، وبعض الناس قد يدخل بالجريدة ويقول لك: أنا رجل أعمال ليس عندي وقت، وفيها آيات أو أسماء لله، فلا ينبغي أن تدخل بالجريدة أو الصحيفة إلى دورات المياه. وكذلك لو كان لك سلسلة فيها آية الكرسي أو مكتوب عليها (ما شاء الله) أو (الله أكبر) أو (لا إله إلا الله) أو أي ذكر من هذه الأذكار، فلا تدخل بها، إلا إذا كنت في منطقة وتخاف فيها إذا تركتها أن تضيع، ولا يجوز لك أن تدخل بخاتم مكتوب عليه (الله) أو (لا إله إلا الله) إلى دورة المياه، فهناك ناس يلبسون الدبلة المكتوب عليها -مثلاً- (عبد الله) ويدخلون بها دورات المياه؛ والواجب هو نزعها. وهذه العادة مستحدثة من جملة أمور ما أنزل الله بها من سلطان، فإنك تجد بعض المساجد بعدما يُنتهى من الأذان يقول فيها الناس اللهم صل وسلم عليك يا أسود الشعر، يا كحيل العينين، ونحو ذلك فمن أين أتي بهذا الكلام؟! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي)، وذلك الذي يقال لم يثبت عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن تابعي التابعين، ولا عن الفقهاء الأربعة، ولا عن ابن تيمية، ولا عن ابن القيم، ولا عن العز بن عبد السلام، لم يثبت هذا إلا في عصور الانحلال بعد عهد الفاطميين. بل قد أفتى ابن القيم بأن الذي يأتي بالذكر قبل الفجر بساعة مبتدع، وقال: من جاء في ديننا هذا بشيء من عنده فهو عليه رد، لحديث رسول الله، فيكون عمله بدعة من البدع يرد عليه يوم القيامة، وهل أنت أعلم من الرسول أو من بلال، أو من أبي بكر أو عمر؟! وإنك لتجد مساجدنا كبيرة وفيها هذا الكلام مع الأسف. وقد ألف أحد العلماء العظماء رسالة في أن المساجد التي فيها بدع لا يصلى فيها، وأنا لا أريد أن أحرض، بل أنقل لك ما أعلمه من الكتاب والسنة وأقوال العلماء الخلص، وما جاء به الحبيب أسمعه، وما جاء به الناس لا أعرفه. ولا يقل قائل: هناك بدعة حسنة، ودليلها أن عمر بن الخطاب عمل بدعة حسنة، وهي صلاة التراويح، فلم يعملها عمر؛ لأن الرسول في يوم من الأيام في رمضان قام ليصلي، فصلى بالناس ثمان ركعات، فأصبح من شهد ذلك يقول: إننا صلينا وراء الرسول ثمان ركعات البارحة، ثم صلى بهم في اليوم الثاني ثمان ركعات، فزاد العدد وفي اليوم الثالث امتلأ المسجد، وفي اليوم الرابع صلى العشاء ودخل ولم يخرج، فقالوا: يا رسول الله! كنا ننتظرك؟ فقال: (خشيت أن تفرض عليكم). ثم جاء زمن عمر فنظر إلى الصحابة فرأى كل واحد بعد العشاء يصلي بمفرده، فقال: لو اجتمعوا على إمام واحد. إذاً: عمر أحيا سنة للحبيب، فالبدعة بدعة، ولا يوجد هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة، فكل شيء في الكتاب والسنة يقال فيه: سمعاً وطاعة، وأما غير الكتاب والسنة فلا سمع له ولا طاعة. ولذلك يروى أن عمر بن عبد العزيز دخلت عليه امرأة فقالت: أين عطائي الذي كان يعطيني أعمامك من بني أمية؟! فقال لها: ليس لك عندنا شيء. فقالت: أأجيئك بصك الوليد؟ تعني الوليد بن عبد الملك، أي: أأحضر لك الورقة الممضاة بخط أمير المؤمنين قبل أن يموت؟ فتبسم عمر بن عبد العزيز وقال: أبالمصحف ستأتين؟! يعني: ما هي هذه الورقة التي كتبها أمير المؤمنين؟! فهل ستأتين بورقة من المصحف، فما دام أنها ليست من المصحف فلا عبرة بها. إذاً: لا تتكلم في دورة المياه إلا لضرورة، ولا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، لا تدخل ومعك صحيفة أو ورقة مكتوب فيها اسم الله عز وجل.

الاتكاء على الجانب الأيسر

الاتكاء على الجانب الأيسر ومن آداب دورة المياه أن تتكئ على الجانب الأيسر قليلاً: وقد وجدوا في مباحث الطب والعلم البيولوجي أن الفضلات تتجمع نحو جهة الفتحة ليسهل إخراجها، ولذلك تجد كثيراً من الأوروبيين حين يسمعون بمثل هذا يدخلون في دين الله أفواجاً. وبعدما تتيقن من قضاء الحاجة تنظف محل النجاسة تماماً، ولا تكن كالذي يقول لك: أنا بعد أن أقضي الحاجة أشعر بقطرة نزلت وأنا أتوضأ، وأقول: إن المسلم يبذل احتياطاته الكاملة، وينتظر قليلاً، ولا يفتح باب الوسوسة الشيطانية، فإذا كان ينزل منه شيء أثناء الوضوء فعليه قبل أن يرتدي ثيابه وقبل أن يبتدئ بالوضوء أن يقف على يمينه ويحرك شماله حركة دائرية إن كان يقدر وهو واقف على رجله اليمين، ولا يفتح باب وسوسة الشيطان.

الخروج باليمين مع التلفظ بالذكر المأثور

الخروج باليمين مع التلفظ بالذكر المأثور وبعدما تقضي الحاجة تخرج برجلك اليمين، وتقول: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني وأبقى علي ما ينفعني.

صفة الوضوء

صفة الوضوء

النية

النية وبعد قضاء الحاجة يكون الوضوء، والوضوء له فرائض وسنن، ويجوز فيه أن تتلفظ بنية الوضوء، ويكره أن تتلفظ بنية الصلاة، فيجوز أن تقول: نويت الوضوء، ونويت أن أتوضأ، ولكن لا يجوز لك أن تقول: نويت صلاة العشاء بل إذا صليت خلف الإمام فنية الإمام لك نية، وقد قال أهل العلم: إن النية محلها القلب. إذاً: يجوز أن أنوي الوضوء جهراً ولو كنت في الحمام، فأقول: نويت أن أتوضأ.

غسل الكفين وتخليل أصابعها

غسل الكفين وتخليل أصابعها وبعد ذلك غسل الكفين ثلاثاً وتخليل أصابعهما، فيدك اليمين تخلل الشمال، والشمال تخلل اليمين. ومن كان لابساً لخاتم فعليه تحريكه إذا كان ضيقاً، لأنه عند بعض الفقهاء إذا لم تحرك الدبلة الضيقة يكون وضوءك باطلاً وصلاتك -أيضاً- باطلة، فلابد من أن تحرك الدبلة. هناك مسألة مهمة في الصلاة، وهي أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاة الصافد والحاقن والحاقب، والصافد -بالدال- الذي يضم قدميه، وإن من فقه الرجل أن يوسع بين رجليه على مقدار اتساع الكتفين، وأما المرأة فتضم قدميها. فالحبيب يهتم بك في الصلاة، ولو صليت ورجلاي مضمومتان فليس معنى ذلك بطلان الصلاة، ولكن الرسول يريدك أن تكون خاشعاً في الصلاة. ونهى صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصافن، والمراد به من يرفع إحدى رجليه، كما قال الله: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} [ص:31]، فالخيل الصافنة التي تقف على ثلاث أرجل، فأنت عندما تقف في الصلاة فتعتمد على رجل وترفع الرجل الثانية تنافي حال الخشوع. ونهى عن صلاة الحابس فلو صليت وأنت حابس ستصلي وأنت قلق، ولذلك لا تصل وأنت تدافع الأخبثين، بل اذهب إلى الكنيف واقض حاجتك ثم صل براحة وكذلك الجائع بشدة لا يصلي حتى يذهب جوعه لفقد الخشوع بالجوع.

المضمضة والاستنشاق

المضمضة والاستنشاق ثم بعد ذلك يتمضمض الإنسان ثلاث مرات على مهل ويرج الماء في فمه رجاً، ويحركه بأصبعه إذا لم يكن معه سواك، فالسر كل السر في السواك، وقد أجرى بعض الباحثين اختباراً للعاب الكائن في السواك والكائن في أصناف المعجونات، فوجدوا أن اللعاب في السواك فيه مادة كيميائية جديدة تقضي على اثنين وتسعين نوعاً من أنواع الميكروبات والبكتيريا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة). وقال: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب). والفم والأنف تبع للوجه، فلا تقل: إن المضمضة والاستنشاق، بل هما سنة عند بعض الفقهاء واجبان، وأنا لا أريد أن أدخلك في خلافات الفقهاء، ولكن خذ الكلام بهذه الطريقة، فالفم والأنف تبع للوجه. فبعد المضمضة تستنشق وتستنثر، أي: تدخل الماء إلى أنفك ثم تخرجه، وتفعل ذلك ثلاث مرات.

غسل الوجه واليدين والرجلين ومسح الرأس والأذنين

غسل الوجه واليدين والرجلين ومسح الرأس والأذنين ثم يأتي غسل الوجه، والوجه من منبت الشعر الطبيعي إلى أسفل الذقن، وما بين شحمتي الأذنين. ويتعاهد المرء المناطق الغائرة، وكبير السن يتعاهد التجاعيد ما أمكن. ثم يغسل اليد اليمنى إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم الشمال ثلاث مرات. ثم مسح الرأس كله ثلاث مرات أو ربعه، وبعد مسح الرأس مسح الأذنين بالسبابة من الداخل والإبهام من الخارج. ثم غسل الرجلين إلى الكعبين مع تخليل الأصابع، وليس ضرورياً تخليل الأصابع إذا كنت مريضاً. وبهذا يتم وضوءك، وبعده تقول كما قال صلى الله عليه وسلم: (من توضأ ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء). وبعد الوضوء تصلي ركعتين إن تيسر لك وبه تخرج الخطايا من كل أعضائك، وبالصلاة تتناثر الذنوب، فإذا سَلَّمت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك. اللهم تقبل منا صلاتنا وصيامنا وعبادتنا. اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، اللهم علمنا ما جهلنا وذكرنا ما نسينا، ووفقنا إلى ما تحبه وترضاه، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

سلسلة مقتطفات من السيرة [16]

سلسلة مقتطفات من السيرة [16] إن مما يجب على المسلم في دينه العلم بوجوب اجتناب أماكن العصيان، والعلم بوجوب الإخلاص لله تعالى في عمله ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، والعلم بأحكام الغسل من الجنابة ونحوها، والعلم بأهمية صلاة الجماعة ولزومها على القادر.

ضرورة مجانبة أماكن المعاصي

ضرورة مجانبة أماكن المعاصي بسم الله الرحمن الرحيم أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه -بمشيئة الله عز وجل- هي الحلقة السادسة عشرة في سلسلة حديثنا عن السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات، وهي الحلقة الثالثة في الحديث عن الصلاة وأسرارها. وسوف نطيل الوقفة عند الصلاة؛ لأنها هي الباقية لنا من الدين، فقد ورد في البخاري ومسلم عن الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم: (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، أولها الحكم وآخرها الصلاة) وقد انتقضت عروة الحكم بالإسلام، ولم يبق لنا إلا الصلاة. ونتوجه إلى الله عز وجل في ضراعة وابتهال وقلوب مخبتة منيبة عسى أن تكون ساعة من ساعات الإجابة أن يجعل الله برحمته جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً. اللهم لا تجعل بيننا شيقاً ولا محروماً، اللهم اغفر لنا وارحمنا عافنا واعف عنا، سامحنا وتقبل منا، لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، اللهم اكشف العذاب عنا إنا مؤمنون، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ولداً عاقاً إلا جعلته باراً بوالديه، ولا طالباً إلا نجحته، ولا صاحب كرب إلا أذهبت كربه، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً. اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: يأتي هذا الدرس في الحديث عن الصلاة في ليلة ينزل فيها سخط الله وغضبه على مصر، فنسأل الله أن تكون هذه الدروس جالبة لرحمة الله بالناس، وأن يجعلنا رب العباد من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا من الذين يتقبل الله منهم أعمالهم، ولعل الله عز وجل أن يرفع بفضله ورحمته غضبه، من أجل رجل كبير السن أو امرأة فاضلة أو مسلم صالح أو شاب تقي أو فتاة تعرف الله عز وجل، أو طفل رضيع لا ذنب له، أو بهيمة ترتع، فينزل علينا رحمته ولا ينزل علينا غضبه ولا عقابه. ولعل ذلك يجعل المسلمين يستقبلون أي يوم من أيامهم بتقوى الله وبالاستغفار، فربما بات قوم على معصية الله فنظر الله إليهم نظرة مقت فغضب عليهم فلعنهم كما لعن بني إسرائيل من قبل. فاللهم لا تلعنا معهم يا أرحم الرحمين، واكنفنا بعينك التي لا تنام، واحرسنا بركنك الذي لا يرام، إنك -يا مولانا- على ما تشاء قدير، فلا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، وأنت نعم المولى ونعم النصير. منا الدعاء وعليك الإجابة، ومنا التكلان وعليك القبول، إنك أمرتنا بالدعاء ووعدتنا بالإجابة، فهانحن قد دعوناك فحقق لنا ما وعدتنا بإجابة دعائك، واغفر لنا وارحمنا يا أرحم الرحمين. ولعلنا نذكر قصة الحسن البصري الذي كانت له جارية تركها على باب السوق وقال لها: يا ابنتي! امكثي هنا ولا تتحركي من مكانك، وعاد الحسن البصري بعد أن قضى حاجته فلم يجد الجارية، فلما عاد إلى البيت وجدها، فقال لها: يا بنية! لمَ لم تنتظريني كما أمرتك؟! فقالت: يا سيدي تركتني في مكان لا يذكر فيه اسم الله. فالسوق فيه بايع ومشتر وحلاف مهين وكذاب، فخشيت أن ينزل الله غضبه عليهم فيمقتهم فتكون معهم، فأسرعت من توها لتعتصم بالبيت الذي يذكر الله فيه. فاجتنب المكان الذي يعصى الله فيه، ولذلك قال الله عز وجل في أمر الخمر: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة:90 - 91]. فالله عز وجل قال في مسألة الخمر: (اجتنبوه) حتى لا تجلس في المكان الذي فيه معصية الله؛ لأن الشيطان يسول المعصية للإنسان. وقد جيء لـ عمر بن عبد العزيز برسالة من واليه على حمص يقول له: هناك ثلاثة أو أربعة من علية القوم شربوا الخمر، فقال: أقم عليهم الحد. فقال: فلان كان معهم، ولكنه كان صائماً. فقال: ابدأ به يعني: أقم الحد عليه أولاً؛ لأن الله يقول: {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء:140]. إذاً: أقام سيدنا عمر بن عبد العزيز الحد على الصائم الذي لم يشرب الخمر ولكنه جلس مع شاربي الخمر.

أثر النية الصالحة

أثر النية الصالحة والأعمال بالنيات، ولذلك رويت قصة في زمن موسى عليه السلام في النية عجيبة، وإننا في دروس العلم نريد أن نصحح أمر العقيدة؛ لأن الذي حفظ المصريين ومصر هو وتد الإسلام، ولو أن الوتد مال لزعزع الإسلام كله. فالشعب المصري فيه سر غريب، جاءه الفاطميون ليشيعوه، وبنوا الأزهر من أجل أن يكون منارة للفكر الشيعي، فصار الفاطميون أهل سنة. وتجد فيهم الفطرة الصافية، حتى المنحرف عندما تذكره بالله تجد عنده استجابة، فالجزار الذي لا يعرف الله عز وجل وميزانه مطفف، واللحمة عنده يملؤها ماءً إذا سمع من يسب الدين في الطريق يخرج بأداة الجزارة. ففي زمن موسى عليه السلام كان هناك رجل يمشي في زمن المجاعة، فأدخل يديه في جيبه فلم يلق مالاً، ففكر قائلاً: ما هو الذي يوجد عندي في البيت لأخرجه لله؟ فلم يجد، فنظر عن يمينه وعن شماله في جبال من رمال الصحراء، فقال: وعزتك وجلالك لو كانت هذه الجبال طعاماً لوزعتها على عبادك، فقال الله لكلميه موسى: بلغ عبدنا أننا قد قبلنا منه صدقته. إذاً: (إنما الأعمال بالنيات)، فاللهم أحسن نوايانا. فأنت يمكنك أن تنوي التوبة وأنت نائم.

قرب الشيخ من الرحمة

قرب الشيخ من الرحمة يروى أن الإمام الحسين بن فاطمة الزهراء ابن سيدنا علي أتاه رجل وقال له: عندي مرض وليس له علاج، فقال له: كل الأمراض لها علاج إلا مرضاً واحداً، وهو الهرم. يعني: عندما يعجز الرجل. والذي يعجز نتمنى أن يرضى لنقبل يده؛ لأن رحمة الله متمثلة فيه، لأن العبد إذا بلغ ستين أو سبعين سنة يسمى أسير الله في الأرض. فيقول الله عز وجل: عبدي! شاب شعرك، واحدودب ظهرك، ووهن عظمك، فاستح مني؛ فإني أستحي أن أعذبك. ثم إن الله عز وجل يأمر ملك السيئات إذا وصل العبد إلى هذه السن ألا يكتب عليه سيئة، ولذلك قيل: إن الله يكره العاصين، وكرهه للشيخ العاصي أشد، فالله يكره أهل المعصية، وعندما يكون الرجل كبيراً في السن عاصياً يكون كره الله له أشد؛ لأن كبير السن متمثلة فيه رحمة الله عز وجل، ولذلك قالت البنتان لسيدنا موسى: {لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23]. وفي الحديث (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويعطف على صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه). وكان ابن عباس يضع ركاب الفرس لسيدنا زيد أحد كتبة الوحي، فقال له زيد: ما هذا يا ابن عباس؟! فقال: هكذا أمرنا أن نجل علماءنا. فينزل زيد من فوق الفرس ويقبل يد ابن عباس التي قدمت له الركاب، ويقول: هكذا أمرنا أن نجل آل بيت نبينا، فهذا هو الاحترام المتبادل، فاللهم احشرنا في زمرتهم يا أكرم الأكرمين.

أقسام الناس في الإخلاص والمتابعة

أقسام الناس في الإخلاص والمتابعة

المخلصون المتابعون وأسرار الإخلاص

المخلصون المتابعون وأسرار الإخلاص الناس أقسام أربعة: فقسم فيه إخلاص ومتابعة، وقسم لا إخلاص فيه ولا متابعة، وقسم فيه إخلاص من غير متابعة، وقسم فيه متابعة ولكن لغير الله عز وجل. والإخلاص فيه أسرار ثلاثة: الأول: أنه لا يطلع عليه ملك مقرب فيكتبه؛ لأن الإخلاص كما قال الله فيه: (إنما الإخلاص سر من أسراري أستودعه قلب من أحب وأرضى عن عبادي)، فالذي يحبه الله ويرضى عنه يضع فيه الإخلاص. وقد روي أن سيدنا داود عليه السلام أراد أن يشكر ربنا بعد أن أنعم عليه بنعم عظيمة، فقال: (يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك)، فبحث الملائكة عن ثوابها، فلم يجدوا لها ثواباً عندهم، فقالوا: يا رب! كم نكتب ثوابها؟ فقال: يا ملائكتي! اكتبوها لداود كما هي وأنا أجازيه عليها يوم القيامة. فالإخلاص لا يكتبه ملك مقرب؛ لأنه سر بين العبد وربه. الثاني: أن الشيطان لا يطلع على قلب العبد المخلص فيفسد الإخلاص فيه؛ لأن الشيطان لا يقدر على المخلص، قال تعالى: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر:40]. ولذلك لما كان سيدنا يوسف عليه السلام من المخلصين لم يستطع الشيطان إغواءه فقد قال تعالى عنه: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24]. فسيدنا يوسف من المخلصين، فلا يستطيع إبليس أن يغويه. الثالث: أن المخلص لا يفكر بإخلاصه، فالمخلص لا يعرف أنه مخلص. فقد بعث سعد بن أبي وقاص رسولاً إلى عمر، وقال: اذهب وبشر أمير المؤمنين بأننا انتصرنا في القادسية. فذهب الرجل فوصل المدينة في نصف الليل، فقال: عما قريب يطلع الفجر، وحين يدخل عمر ليصلي بالناس سأقول له، قال: فدخلت فصليت ركعتين في الروضة الشريفة فرأيت رجلاً ساجداً في المحراب يبكي بكاء مراً، ويقول: يا رب! لائذ ببابك، عائذ بجنابك، لا تطردني من رحابك. فقال: إن هذا مسرف على نفسه، إنه رجل عمل سيئات، فسأنتظره حتى ينتهي لأحدثه بأحاديث الرحمة، فلعله قانط أو يائس، فبعد أن سلم واقترب عرف أنه أمير المؤمنين عمر، فقال له: يا أمير المؤمنين! ماذا تصنع هنا؟! فقال: يا أخا الإسلام! إن نمت الليل كله أضعت نفسي، وإن نمت النهار كله أضعت رعيتي. وقد يسأل أحدنا نفسه سؤالاً فيقول: هل يعقل أن سيدنا عمر يخاف هذا الخوف كله، فيقول: يا ليت أم عمر لم تلد عمر، يا ليتني كنت نسياً منسياً؟! إنك لو سألت أي سارق في الدولة عن مآله بعد الموت لقال: الجنة، وكأن معه صك الغفران. إن الصحابة الكبار كانوا على وجل، حتى قال الحبيب: (لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).

إخلاص عطاء بن أبي رباح

إخلاص عطاء بن أبي رباح ولقد روي أن عطاء بن أبي رباح ذهب ليحج، فبعدما أفاض الحجيج من عرفة، قيل له: أتظن أن الله سيقبل العمل أو لا؟ فقال: أوقن أن الله قبل، لولا أني فيكم، يعني: أنا الشر الوحيد الذي لن ينزل الله الرحمة بسببه. وعطاء بن أبي رباح هو الذي نام ليلة المزدلفة، فرأى ملكين، يقول أحدهما للآخر: كم حج هذا العام؟ فقال له: ستمائة ألف، قال: وكم قبل الله منهم؟ قال له: ما قبل إلا ستة. فقام عطاء فزعاً، والواحد منا لو رأى هذه الرؤيا لقال: أنا من الستة، لكن عطاء خاف على نفسه، فظل يدعو الله عز وجل، ويقول للناس: ألحوا في الدعاء، وفي ثاني أيام منى أخذته سنة من النوم، فرأى نفس الملكين، فقال أحدهما للآخر: كم حج هذا العام؟ قال له: ستمائة ألف، قال له: وكم قبل الله منهم؟ قال له: ستة، فقال الملك: لكن الله كريم، قال: نعم، إنه أعطى كل واحد من الستة مائة ألف. وهذا من رحمة الله، ولذلك قيل: إنه لو أتي برجل مؤمن وأعطي مفاتيح الجنة يوم القيامة وقيل له: أدخل من شئت، فإنه سوف يدخل ويقف على الباب ويمنع ويقول: لا نريد الزحمة. فالإنسان كنود بخيل لا يعرف العطاء، لكن الله عز وجل كريم يغفر يوم القيامة مغفرة يتطلع إبليس إليها، فيظهر من رحمة الله عز وجل ما لا يخطر على قلب بشر، فستظهر الرحمة يوم القيامة، حيث يجمع العباد ثم بعد ذلك يقول: يا عبادي! ما بيني وبينكم فقد غفرته لكم، فتصالحوا. وقد أجاب العلماء عن ذلك السؤال، وهو: ما الذي جعل العظماء من أهل العلم وأهل التقوى يتهمون أنفسهم بالتقصير؟ فقالوا: إن ربنا من رحمته أن ينسي الصالحين الأعمال الصالحة التي يعملونها، فالواحد منهم يعمل العمل ولا يذكر عمله، فيقول: يا إلهي! إنني سأضيع، وسأكون في داهية، فلم أعمل شيئاً. وأما أنت فإنك إذا عملت حسنة صغيرة تعيرنا بها سنتين، فلو أتى إليك أحد مرة وأخذ منك خمسة جنيهات فإنك بعد ثلاثين سنة تقول له: أتذكر الخمسة الجنيهات التي أخذتها؟! وقد قالوا لـ عطاء بن أبي رباح: يا عطاء! إننا نرى فئراناً كثيرة تخرج من بيتكم، قال: نعم، قالوا له: لماذا لا تحضر قطة؟ قال: أخاف أن تهرب الفئران إلى بيت جاري فأكون قد ظلمته. إنك قد تحضر الكلاب المسعورة إلى باب جارك، وتتمنى أن شقة جارك تسقط على أولاده. وسمعت بأذني في عرفة شخصاً يدعو الله بأن يهدم بيته، ويقول: آمين يا مولانا. فقلت له: آمين على ماذا؟ فقال: أن يهدم الله بيتي، فقلت له: لماذا؟ قال: إن البيت قد أجرته في منطقة مهمة جداً، ويأتي بسبعين جنيهاً في الشهر، ومنذ عشرين شهراً وأنا أطالب جهة الإسكان ولا فائدة، فأدعو الله أن يهده من أجل أن أبيعه، فإن المتر وصل إلى ألفي جنيه! فسبحان الله، أتدعو على الناس؟! لنفرض أن الله استجاب: {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا} [الإسراء:11].

الإخلاص سر لا يكتبه الملك ولا يفسده الشيطان

الإخلاص سر لا يكتبه الملك ولا يفسده الشيطان فالإخلاص السر الذي فيه أن الملك لا يكتبه، والشيطان لا يفسده، والعبد لا يعرفه فأول نوع من الناس مخلص متابع، عنده إخلاص في العمل ومتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي عمله الرسول يعمله، والذي لم يعلمه لا يعمله. يروى أن سهل بن عبد الله ذهب إلى أحد أصحابه فأحضر له بطيخاً فلم يأكل، فقال له: ما هذا يا سهل؟! هل البطيخ فيه نص؟! قال: لا، قال: فلم لا تأكل؟! قال: لم يصلني كيف كان يأكله رسول الله. فانظر إلى المتابعة إلى أي حد وصلت. وأبو ذر وضع مرة رجله اليسرى في نعله اليسرى، فتصدق بدينار، فقالوا: لماذا يا أبا ذر؟! قال: خالفت سنة حبيبي؛ إذ كان الأفضل أن يضع رجله اليمين أولاً. وسيدنا أبو طلحة الأنصاري الصحابي الجليل كان واقفاً في بستانه يصلي، فجاء عصفور يشقشق في الشجرة، فشغله العصفور في الصلاة، فصلى وهو مشغول بالعصفور، فبعدما سلم ذهب إلى الحبيب فأخبره وقال: فأشهدك أني قد تصدقت بالبستان لله رب العالمين. وسيدنا الحبيب روت عنه السيدة عائشة أنها غيرت له شراك نعله البالي، وكان الرسول يصلي أحياناً بنعليه، فلما صلى قال: (أين شراك نعلي القديم، قالت: ولم يا رسول الله! قال: لقد كاد الشراك الجديد أن يشغلني في الصلاة)، يعني: رباط الحذاء الجديد كان سيشغلني في الصلاة، فهو يخشع مع الله رب العالمين. والنوع الثاني من الناس: ليس عندهم إخلاص ولا متابعة، فهؤلاء فاسقون فجرة.

الإخلاص من غير متابعة

الإخلاص من غير متابعة والنوع الثالث: من عنده إخلاص، ولكن لا توجد عنده متابعة، فنيته صادقة، ولكن لا توجد عنده متابعة. ومثال هؤلاء كمن يرزقه الله بولد، فهو مخلص في حبه لابنه، ولذا يهزه حتى يأتي له ارتجاج في المخ، ويضربه حتى يأتي له صمم. قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (لا يكن أحدكم إمعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجنبوا إساءتهم). فالرجل من هؤلاء قد لا يجد ما يأكل، ويأخذ من الشئون الاجتماعية مرتباً، وقد تسأل عنه فيقال لك: إنه عمل عيد ميلاد لابنه أو لابنته. فهو إمعة يعمل عيد ميلاد، ويعمل ذكرى سنوية، وبعض هؤلاء تجده يقول لصاحبه: أنا أعرف أنك خاطب، فيقول له: من أين عرفت؟ فيقول له: الدبلة في يدك اليمين، ويقول له: لقد تزوجت، فيقول: من أين عرفت؟ فيقول: الدبلة في يدك الشمال. وهذه بدعة منكرة ما أنزل الله بها من سلطان، ومن استن بسنة قوم حشر معهم يوم القيامة، ولذلك كان سيدنا عمر يقول: اللهم لا تجعل لفاجر علي نعمة حتى لا أحبه. فلو أن شخصاً نصرانياً صنع لك معروفاً، وأخاك المسلم يؤذيك فإنك تحب الكافر؛ لأن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وكراهية من أساء إليها. فلو ربينا أبناءنا على الإخلاص والمتابعة لفعلنا شيئاً عظيماً.

المخلصون لغير الله

المخلصون لغير الله النوع الرابع: أناس عندهم إخلاص ولكن لغير الله، حيث يقول الواحد منهم: لو أن البنت نجحت في البكالوريوس هذه السنة فإني سأذبح عجلاً للسيد، فارتبط السيد بالعجل ولا أعرف لماذا. فالسيد البدوي رجل كان تقياً ورعاً عالماً فاضلاً مجاهداً في سبيل الله، وكان يحارب التتار، ولكن لا أعرف ارتباط هذا الرجل الصالح بذبح العجل. وهناك قصص في هذا الباب منسوجة كذباً، فقد ذكروا أن امرأً من أسيوط كان نذر أنه يذبح البقرة للسيد، وفي الصباح لم يلق البقرة في الزريبة، فظل يبحث عنها ولم يلقها، فذهب إلى طنطا فوجدها مربوطة هناك عند السيد! إنه لابد من أن نرقى في مسألة الفكر؛ لأن الفكر مرتبط بالعقيدة، وعقيدتنا -والحمد لله- صافية ليس فيها ألوان، فالعقيدة صواب أو خطأ، حلال أو حرام، استقامة أو انحراف، وجنة أو نار، ولا يوجد حل وسط. لقد كان هناك شخص أيام محمد علي في السودان اسمه عثمان الدكين، وكان شيخ طريقة، فبلغهم أن جيش محمد علي ذاهب من أجل أن يحتل السودان ويضمها إلى مصر، فجاءوا إليه فقالوا: يا سيدنا الشيخ، إن محمد علي آت لاحتلالنا، فماذا نعمل؟ فقال: من أين سيأتون؟ قالوا: عن طريق النيل، فقال: أنا سأشرب ماء النيل كله بحيث إن مراكبهم تنزل في القاع وتلصق في الطين! وهناك أخ لي في الله ذهب إلى إحدى جلسات العلم عند أحدهم، فكان الدرس كله على وجوب تقبيل يد العالم. فهذه حلقة فيها هوى، وانظر إلى الفرق بين هذا وبين الإمام مالك، فعندما وصل هارون الرشيد إلى المدينة أرسل إلى إمام دار الهجرة: يا إمام دار الهجرة! وصلت إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأريد أن تحضر إلي لأدارسك العلم، فأرسل مالك إليه: يا أمير المؤمنين! العلم يؤتى إليه ولا يأتي. فالذي يريد التعلم يحضر، ولا يأتي العلم إلى البيوت. ثم قال: يا أمير المؤمنين! إني أعقد درساً بعد صلاة العصر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أردت أن تستزيد علماً فاحضر، ولكن لا تأت متأخراً وتتخطى رقاب المسلمين، فإن تخطيت رقاب المسلمين أحرجتك أمام رعيتك، فجاء هارون الرشيد متأخراً فجلس في الخلف، وكان يريد أن يرى وجه مالك الذي يقطر نوراً، فقال للخدم! ائتوني بكرسي من أجل أن أنظر، وكل الناس جالسون على الأرض، فجلس هارون الرشيد على الكرسي، فقال الإمام مالك: فيم كنا نتحدث البارحة؟ فقالوا: توقفنا يا إمام عند أركان الصلاة، فقال: وبم وعدتكم البارحة؟ قالوا: وعدتنا أن تحدثنا عن سنن الصلاة، فقال: كلا، سوف نلغي الموضوع ونؤجل سنن الصلاة، وسوف أحدثكم عن التواضع. وهارون الرشيد لا يتغابى، فعلم أن الكلام عليه فترك الكرسي.

آداب مهمة في الصلاة

آداب مهمة في الصلاة سبق الحديث عن الوضوء وآداب دخول دورة المياه، وبيان أن الوضوء ظاهري وباطني، فإذا كنت أنظف الأماكن التي تقع عليها نظرة المخلوق؛ فلابد من أن أنظف المكان الذي يقع عليه نظر الخالق عز وجل، ففي الحديث: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). وقد قلنا: إن الطهارة في الصلاة تشمل طهارة البدن وطهارة الثوب وطهارة المكان، ثم ذكرنا الطهارة الباطنة، وهي طهارة الجوارح من المعاصي، وطهارة القلب من الحقد والحسد والغل والضغينة، وطهارة السر عما سوى الله عز وجل. وقلنا: إن كثيراً منا كاذب في صلاته، فعندما أكبر تكبيرة الإحرام وأقول: (الله أكبر)، فمعنى كلمة (الله أكبر) أن الله أكبر من كل شيء، فالله سبحانه وتعالى أكبر من كل شيء، فلو غفلت فذكرت الزوجة ومرض الأولاد والجار السيئ وصاحب البيت والمستأجر والمدير لصارت هذه الأمور -والعياذ بالله- أكبر عندك من الله، فستكون الزوجة أكبر، والابن أكبر، والمال أكبر، والرزق أكبر! لكن العبد المؤمن يوقن أن الله أكبر، ولذلك فإنه حين يرفع يديه يلقي الدنيا خلفه ويستقبل الله بوجهه وقلبه، مثل أحد الصالحين الذي كان يقف في الصلاة فيضع الجنة عن يمينه، والنار عن يساره، والصراط تحت قدميه، والكعبة بين حاجبيه، وملك الموت وراءه يظنها آخر صلاة، ويتبع ذلك بالإخلاص في النية، ثم لا يدري أقبلها منه رب العباد أم لم يقبلها، فهذه هي الصلاة. ولذلك روي أن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم صلى عند أم سلمة، فتقدم خطوات، ومد يده كأنما يريد أن يأخذ شيئاً، ثم تراجع، ثم أكمل صلاته، فلما أنهى الصلاة قالت أم سلمة: ما هذا يا رسول؟! فقال: أرأيتني يا أم سلمة؟! قالت: نعم، نظرت إليك تقدمت إلى الأمام ومددت يدك ثم أعدتها، ثم عدت إلى الوراء، وأكملت الصلاة، فقال: (بينا أنا أصلي إذا بباب من أبواب الجنة يفتح، وإذا بي أرى عنقوداً من عنب يتدلى من غصن من أغصان أشجارها، فمددت يدي لأقطف لتأكلي منه يا أم سلمة، فقيل لي: إنك ما تزال في الدنيا يا محمد)، فطعام الجنة لا ينفعك في الدنيا، وطعام الدنيا سيريحك الله منه في الجنة؛ لأنه لا ينال إلا بمشقة، فالدنيا لا يأتي فيها الرزق ولا العيش إلا بالكد، وأما الجنة فقد قال تعالى عنها: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان:14]، تنزل إلى فمه، ويرى الطائر في سماء الجنة، فيعجبه فيقع مشوياً بين يديه. وليس بينك وبين هذا النعيم سوى الصبر، فالمسلم صبور؛ لأنه يرجو ما عند الله عز وجل، فإذا حرم في الدنيا من نعمة الله عز وجل سيعوضه الله خيراً منها يوم القيامة. والمرء يأكل في الدنيا عن جوع، وفي الجنة لا يوجد جوع ولا عطش، وفي الدنيا لو أكلت فأكثرت فإنك تصاب بالتخمة ولكن في الجنة لا توجد تخمة، فلو أكل المرء ألفي سنة لما شعر بالتخمة. ثم إن أكل الدنيا له فضلات، وأما في الجنة فلا بول ولا غائط ولا مني ولا مخاط ولا عرق، بل تخرج فضلات الأكل على جسد العبد برشح كريح المسك. فإذا دخلت في أمر الصلاة، فقلت: (الله أكبر) فكأنما ألقيت الدنيا خلف ظهرك واستقبلت الله رب العالمين. وأول ركن من أركان الصلاة النية، وقد أجاز الفقهاء التلفظ بالنية في الوضوء، فيمكن في دورة المياه أن تقول: نويت الوضوء، لكن العمل وحده مقترن بالنية، فعند دخول الوقت أشمر كمي، إذاً أنا أريد أن أتوضأ، فهذه نية.

صفة الغسل

صفة الغسل كيف كان يغتسل رسول الله؟ إن الاغتسال النموذجي للصغير وللكبير أن تعلم أنك أمام أحد أمرين: فإما أن الماء ينزل من صنبور أو دش، وإما أن تأخذه من إناء، فإن كنت ستغتسل من إناء فإنك تأخذه بإناء صغير، ولا تدخل يدك في الماء وأنت جنب، والمؤمن لا ينجس، فإذا كنت جنباً، فإنك تتناول الماء بإناء صغير، ثم بعد ذلك تغسل محل النجاسة، وبعدما تغسل محل النجاسة تغسل يديك، وبعد ذلك تبدأ فتتوضأ. فقد تقول لك: سمعت شيخاً يجيز أن تضع المرأة على رأسها شيئاً وتغتسل! وقد سمعت هذا، وهذا لا يصح، فيجب على المرأة عند الاغتسال من الجنابة أن تغسل شعرها حتى يصل الماء إلى فروة رأسها وليس من الضروري أن تحل ظفائرها. وبعد ذلك نأخذ ماء للأذن اليمنى ونغسلها، وكذلك اليسرى، وبعد ذلك نغسل الجسد، فنغسل الجانب الأيمن مع التدليك، ثم الأيسر مع التدليك، وبعد ذلك نصب الماء على الجسم كله. والركن الأساسي في الاغتسال هو تعميم سائر البدن بالماء الطهور مع التدليك ما أمكن ذلك.

أهمية صلاة الجماعة

أهمية صلاة الجماعة ثم بعدما يغتسل المسلم يدخل وقت الصلاة، فهو سيواظب على صلاة الجماعة، ومن واظب على ترك صلاة الجماعة في المسجد فقد أتى كبيرة من الكبائر؛ لأنك إن لم تصل في المسجد، وهذا إن لم يصل في المسجد، وهذا إن لم يصل في المسجد، فإن الجامع سيغلق. فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت بأن آمر بالصلاة فتقام، فآمر رجلاً يؤم الناس، ثم أخالف إلى أناس لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم). وقد جاء ابن أم مكتوم إلى رسول الله فقال: يا رسول الله! إنني كفيف، وليس لي قائد يقودني، أأصلي الفرائض في بيتي؟ فقال: (أتسمع حي على الصلاة؟! قال: نعم، قال: لا أجد لك رخصة). قال: إذاً فليس عندنا رخصة في ترك صلاة الجماعة إلا للمريض الذي يخاف أن يعدي إخوانه أو الإنسان الذي يشغله العمل الضروري للقوت عن الصلاة. اللهم اغفر لنا ذنوبنا. وارحمنا يا أرحم الرحمين، واستر عيوبنا، ونق قلوبنا، وثبت أقدامنا يوم تزل الأقدام، وأعطنا كتبنا بأيماننا لا بشمائلنا، اللهم وفقنا إلى ما تحبه وترضاه، اللهم خذ بأيدي أولادنا في الامتحانات، ورقق قلوب الممتحنين لهم، اللهم أبعد عنهم شياطين الإنس والجن، وأكرمهم بالاستقامة كما أكرمتنا يا أرحم الراحمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

سلسلة مقتطفات من السيرة [17]

سلسلة مقتطفات من السيرة [17] لا يزال العبد المسلم في طلب الخير من مظانه مدة حياته، وإن من الخير الذي ينبغي للمسلم علمه أن يعلم أسباب ثقل الطاعة عليه ليتقيها، وأن يعلم الأحكام الشرعية المتعلقة بصلاته، ومن جملتها الأحكام المتعلقة بصلاة فاقد الماء ومن في حكمه، وصلاة فاقد الطهورين، والأحكام المتعلقة بطهارة الحائض والنفساء، والأحكام المتعلقة بصفة الصلاة، وغير ذلك من الأحكام الشرعية.

تغير حال المسلمين

تغير حال المسلمين الحمد لله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فنسأل الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا ويرحمنا. اللهم لا تعذبنا فأنت علينا قادر، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، ولا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا غائباً إلا سالماً غانماً رددته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته. اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، واقض دين المدينين، اللهم اقض دين المدينين، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا. يا أرحم الرحمين ارحمنا، فإن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل لأن تصل إلينا. اللهم توفنا على الإسلام، اللهم احشرنا في زمرة المؤمنين، اللهم احشرنا في زمرة المؤمنين اللهم أبعد عن بيوتنا وأبنائنا وبناتنا وذرياتنا وأزواجنا شياطين الإنس والجن. اللهم باعد بيننا وبين الحرام بعد المشرقين، وبارك لنا في الحلال وإن كان قليلاً، وحببنا إلى الحلال يا أكرم الأكرمين. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه. اللهم كما رزقتنا الإسلام من غير أن نسألك ارزقنا الجنة ونحن نسألك، اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. هذه -بمشيئة الله عز وجل- هي الحلقة السابعة عشرة في سلسلة حديثنا في السيرة العطرة على صاحبها أزكى وأفضل الصلوات والتسليم من رب الأرض والسماوات، وهي الحلقة الرابعة في الحديث عن الصلاة. وإن حلقات السيرة النبوية ليست منهجاً دراسياً نكمله، بل إن حلقات السيرة العطرة حلقات هامة؛ لأنها تلمس كل جوانب الدين الإسلامي من ناحية العقيدة ومن ناحية التشريع. وحين توقفنا عند أحداث السنة العاشرة من البعثة تحدثنا عن الإسراء والمعراج، فتوقفنا عند أهم نقطة في مسألة الإسراء والمعراج، وهي الصلاة، حتى لقد قال الحسن البصري رضي الله عنه: لو بعث أحد من الصحابة في مدينة من مدن الإسلام أو قرية من قرى الإسلام فلن يعرف من الإسلام إلا الصلاة. فالإسلام انتهى ولم يبق منه للمسلمين إلا الصلاة؛ لأنه سيمشي في الشارع فسيلقى امرأة لابسة بنطلوناً وأخرى لابسة الشورت، وأخرى جعلت شعرها أخضر، وأخرى جعلت عينيها حمراوين، فكل هذا سوف يراه، ولكن يرى نسوة يسرن كما أمر الله عز وجل، كما قال الله عز وجل عن المرأة الصالحة وبنت الرجل الصالح: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:25]، فلن يجد هذا الاستحياء، ولن يجد حياء عند البنت ولا خفض صوت عند المرأة، بل بالعكس، فربما يجد أصوات الرجال قد انخفضت وأصوات النساء قد علت، فيتعجب من اختلاط الحابل بالنابل، فقد اختلط الرجال بالنساء في كل مكان، وأصبح في هذا الوقت الرجال مختلطين بالنساء في الباصات، وفي مكتب الوظيفة، فكل موظف جالس مع موظفة يتكلمان، ويعرف أدق أسرارها ويقول لك: هذه مثل أختي، وهي تضحك على نفسها وعلينا وتقول: هذا مثل أخي، وأنا أشكو له همي، ومدير المكتب هذا مثل أبي، والموظف الجديد هذا مثل ابني. واختلطت الأمور ببعضها حتى إن الإنسان لا يستبين الحق من الباطل، ولكن الحق له مقياس واحد، فإن اختلفنا في شيء فحكمه إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فيجب أن نرد كل أمورنا إلى الله عز وجل، فلو أن أحداً من الصحابة بعث ونظر إلى الأسر والمجتمعات الإسلامية لهاله ما يرى، بل سوف يراع ويخاف ويرتعش، ويقول: هل هذه هي أمة محمد؟! هل هذه خير أمة أخرجت للناس؟! هل هي الأمة التي فيها الخير كله وفيها البركة كلها، وفيها تتمثل رحمة الله عز وجل للبشرية كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]؟! فاللهم احشرنا في زمرة الصالحين وأكرمنا ولا تهنا يا أكرم الأكرمين.

أسباب ثقل الطاعة على العبد

أسباب ثقل الطاعة على العبد ثم إن التوفيق للعبد في العبادة له علامات، وذلك لتسأل نفسك فتقول: ما هو الأمر الذي لم أوفق في الطاعة بسببه؟! فلماذا الطاعة ثقيلة علي، ولماذا المعصية يسيرة علي؟! فالواحد منا يسأل نفسه: لماذا كان قيام الليل صعباً على الواحد منا؟ ولماذا كان صيام الإثنين والخميس مسألة ليست سهلة؟ ولماذا كان الذهاب إلى المسجد يشكل عبئاً على القلوب؟! ولماذا صار قبول الحق صعباً؟! ولماذا لم تعد صفة التواضع فينا هي القاعدة الغالبة والكبر هو الاستثناء؟! فلقد صار الكبر قاعدة وصار التواضع هو الاستثناء! ولماذا صارت الخيانة طبع الجميع، والأمانة صارت استثناء في الناس؟! لقد كان الرعيل الأول إذا دخل الرجل إلى السوق لا يهم من يعامله، بل يقال له: عامل من شئت، وادخل عند أي تاجر في السوق؛ لأن كل التجار صادقون أمناء. ثم جاء زمن تدخل فيه السوق فيقال: عامل من شئت إلا فلاناً وفلاناً، ثم جاء زمن يقال: لا تعامل إلا فلاناً أو فلاناً، ثم جاء زمن قيل فيه: لا تعامل أحداً. وهذا الكلام يقوله سيدنا عبد الله بن مسعود، فكيف لو رأى زمننا هذا؟! لقد خرج الإمام أحمد لصلاة العصر فوقعت عينه على كعب امرأة، فوضع العباءة على وجهه وقال: هذا زمن الفتن. فكيف بـ أحمد بن حنبل لو مشى في شوارع مدننا الكبرى؟! فماذا سيقول؟! نسأل الله العصمة، ونسأل الله الهداية، ونسأل الله الرحمة، ونسأل الله الستر، ونسأل الله العون، ونسأل الله شرح الصدور، إن ربنا على ما يشاء قدير. فاسأل نفسك وقل: لماذا كانت الطاعة ثقيلة علي، وقبول الحق ثقيلاً علي، ولماذا كان الباطل حبيباً إلي؟! قال صلى الله عليه وسلم: (إن الحق ثقيل كثقله يوم القيامة، وإن الباطل خفيف كخفته يوم القيامة)، يعني أن الحق في الدنيا ثقيل كما أنه في الميزان ثقيل، فاللهم ثقل موازيننا يا رب. وهو في الدنيا -أيضاً- ثقيل على النفس؛ لأن النفس تستهويها المعصية، فأيهما أحب إلى النفس: أن تنام ساعتين بالليل وتغطي نفسك بالبطانية أو باللحاف الجيد وتقفل الغرفة والنوافذ، أو أن تقوم فتتوضأ بماء بارد لتصلي لله؟! وأيهما أحب إلى النفس: أن آكل سبعة أيام في الأسبوع أو أن أصوم يومين؟ وأيهما أحب إلى النفس: أن الحق يظهر، سواء على لساني أو على لسان غيري، أم ألا يظهر إلا على لساني؟! فسيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم نهانا عن الجدل؛ لأن الجدال يجعلني أدخل في مرحلة أني أنتصر لنفسي بأي طريقة من أجل ألا يضحك علي أحد، وترى المتجادلين يقول أحدهما: أنا معي الدليل، فيأتي الآخر فيعطيه دليلاً أقوى فلا يلقى قبولاً، بل يقول: هذا حديث ضعيف، مع أنه في البخاري. فالجدل محرم على المسلم مع أخيه المسلم، ولكنه جائز بين العلماء، فالعالم سيجادل العالم بالحجة فيصل إلى الحق. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً).

الانشغال بالنعمة عن المنعم

الانشغال بالنعمة عن المنعم وقد أجاب العلماء عن سبب ثقل الطاعة على العبد فقالوا: لذلك جملة أسباب: السبب الأول: انشغال الإنسان المسلم بالنعمة عن المنعم، كشخص يريد مالاً فقال يا رب! ارزقني ألف جنيه، ويظل يدعو، فرزق ذلك الألف، فشغله ذلك الألف. ولذا قال أهل اللغة: سمي المال مالاً لأنه مال بالناس عن الحق. وقد روي أن أبا سليمان الداراني كان له أخ في الله، فأغناه الله، قال: حجب الشيطان بيني وبينه، لأن الشيطان يزين له، فيصير الناس على طبقات، ولكن المسلم للمسلم كالبنيان. وقد روي أن فقيراً دخل مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس بجانب رجل غني، فالغني لم عباءته، مثل بعضهم حين يأتي يوم الجمعة آخر الخطبة ومعه سجادته ينظر إلى الناس باحتقار ويبتعد عنهم ويصلي لوحده، يخاف أن يطأ أحد بجانبه فيصيبه بميكروبات. فلملم الغني عباءته، فأدرك الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: (أيها الغني! أخفت أن يعديك فقره، أم خفت أن يعدو عليه غناك؟!)، ولم يكن الغني مثل غني اليوم يسمع الكلام بأذنه اليمنى ويخرجه من الأذن اليسرى، فقال: نزلت له عن نصف مالي يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتقبل يا فقير؟ قال: لا يا رسول الله. قال: لماذا؟ قال: أخاف أن يدخلني من الغرور ما دخله)، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8]. يا ابن آدم! إنك تنزل من مجرى البول مرتين، أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وتحمل في بطنك العذرة، وقد قلنا: إن فضلات الحيوانات التي يؤكل لحمها طاهرة، فلو لمست ما نزل من الجاموس والبقر والغنم فإني أصلي، ولو مسست ما ينزل من ابن آدم فقد تنجست، فلم تتكبر على خلق الله؟! والكبر عند العلماء أنواع، فإما أن يكون بالمال، وإما أن يكون بالعلم، وإما بالعبادة، وإما بالجاه، وإما بالمنصب، وإما بالأتباع، فبعض الناس يتكبر بالمال، ولذلك يقول سيدنا علي رضي الله عنه: رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال ومن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا رأيت الناس منفضة إلى من عنده فضة ومن لا عنده فضة فعنه الناس منفضة والإمام الشافعي يقول: حتى الكلاب إذا رأت غنياً حركت أذنابها، وإن رأت فقيراً كشرت أنيابها. فالكلاب تنظر إلى الفقير المسكين فتنبح عليه؛ لأنه ليس عنده شيء يعطيه لها، ولكن الغني تتملق إليه: إن الدراهم تكسو الرجال فصاحة وكمالاً. فقد كان اسمه بكراً، فلما غني سمي (الحاج بكر)، والفارق المال. قيل لـ قارون: هات الزكاة يا قارون. فقال: زكاة ماذا؟ قيل: زكاة المال، قال: مال من؟ قيل: مال الله، قال: لا، ليس مال الله: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:78]، وهذا طبع الناس كلهم، يقول المرء: إنني تعبت في السعودية وتعبت في الخليج في جمع المال. والذين يريدون الحياة الدنيا ينظرون إلى السيارات الفارهة والطيارات ولا يدرون أن من فيها يحملون أمراضاً ومشاكل، فاترك العباد على رب العباد يغني من يشاء ويفقر من يشاء. قال تعالى: {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79]، أي: لو أن لنا مثل قارون! فقال المؤمنون: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ} [القصص:80] وفي آخر القصة بعدما قال الله عز وجل: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ} [القصص:81] قال تعالى: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} [القصص:82] فتغير الحال. ومن التكبر التكبر بالعلم، وهذا من أسوأ أنواع الكبر، فإذا تكبر العالم بعلمه كان -والعياذ بالله- أول من تسعر به النار يوم القيامة، نسأل الله سبحانه أن يبعدنا وإياكم عن طريق هؤلاء. ومنه التكبر بالجاه وبالمنصب وبالأبناء، فكل هذا من أنواع الكبر. ومنه الكبر بالعبادة، كأن تذهب إلى جارك فتقول له: يا فلان! لماذا لا نراك في درس ولا في الجامع؟! لماذا أنت هكذا؟! إن آخرتك سيئة يا أخي! وكأن آخرتك أنت هي الطيبة! فادع الله له بالهداية، ولا تظن أنك قد وصلت، فكلنا يطرق الباب عسى رب العباد أن يفتح، وأنت لا تعرف لمن يفتح. فانشغال الناس بالنعمة عن المنعم سبب من أسباب ثقل الطاعة، فإن انشغلت بالنعمة فإنك تظل تتذكر نعمة الأولاد ونعمة الزوجة ونعمة البيت وتنسى الذي أنعم والذي أعطى والذي وهب، وهو الوهاب الفتاح العليم الرزاق الناصر المعين الستير.

الاغترار بصحبة الصالحين

الاغترار بصحبة الصالحين السبب الثاني: الاغترار بصحبة الصالحين وعدم الاقتداء بهم. فيقول المرء: كنا أمس مع العالم الفلاني فأحضر لنا كذا وكذا، ويفتخر، فماذا عملت بالذي سمعته منه؟! إن لنا سنوات طويلة نسمع فيها من العلماء، فماذا صنعنا؟! فحالنا هو الاغترار بصحبة الصالحين وعدم الاقتداء بهم. وذلك لا ينفع، فـ عبد الله بن أبي ابن سلول صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يصلي وراءه، فماذا فعلت صلاته خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ولذلك المسلم لا يظن أنه مادام يمشي مع الرجل الصالح الذي يحسبه صالحاً فقد أخذ براءة، فمن اعتقد هذا كان كحال أهل صكوك الغفران، وهي صكوك عند النصارى كانوا يوزرعونها في الكنيسة، وعندهم اليوم شيء اسمه كرسي الاعتراف، وفي الإسلام ليس هناك كرسي اعتراف، فالذي أذنب يذهب ويتوضأ ويصلي ركعتين لله بنية التوبة، فيقول الله: قبلت يا عبدي، ولا توجد واسطة بينك وبين الله، ولا أي أحد، ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهناك يذهب المرء إلى الكنيسة، فيقول له صاحب الكنيسة: بكم ستتبرع؟ فيقول: سأتبرع للكنيسة -مثلاً- بعشرين هكتاراً أو خمسين هكتاراً أو مائة هكتار، فيقول له: خذ هذا الصك، وفيه أن الرب يسوع غفر لفلان ومسح ذنوبه ولن يدخل النار. فهذا الحاصل عندهم، وقد ذكر أن شخصاً كان ذكياً ناصحاً، فذهب إلى البابا وقال له: ماذا يشتري من عندك الناس؟ قال: يشترون قطعة في الجنة، فقال: أنا أريد أن أشتري جهنم! فقال: وهل أحد يريد أن يشتري جهنم؟! قال له: أنا حر بمالي أعمل ما بدا لي، فهل تبيع لي جهنم؟ فقال له: أبيعها بخمسين هكتاراً، فقال له: هذه خمسون هكتاراً، وأخذ صكاً فيه أن فلاناً الفلاني اشترى من البابا النار، ثم ذهب فجلس على الباب، فكان يلقى الشخص آتياً، فيقول له: إلى أين؟ فيقول: أذنبت كثيراً وأريد أن أجلس على كرسي الاعتراف من أجل أن أشتري قطعة من الجنة، فيقول له: من أي شيء تخاف؟ فيقول: أخاف من النار، فيقول: إنني قد اشتريتها! وهذه قصة وقعت؛ لأنه إذا غاب العقل فظن شراً ولا تسأل عن الخبر.

عدم قبول الحق

عدم قبول الحق السبب الثالث: عدم قبول الحق: والحق ثقيل على القلوب؛ لأن الدنيا مدبره عنا ونحن نجري خلفها، والآخرة مقبلة علينا ونحن مولون أظهرنا لها. فالدنيا ستنتهي، وكل يوم ينتهي ينقص من عمرك ويقربك من الآخرة، والمصيبة أنه كلما طالت الحياة بالمرء، تلقاه يمسك بالدنيا بيديه ولسانه، وينسى الآخرة. فطول الأمل ينسي الآخرة، والهوى يصدك عن الحق، ويجعلك لا تقبل الحق.

أحكام الطهارة

أحكام الطهارة

تيمم فاقد الماء ومن في حكمه

تيمم فاقد الماء ومن في حكمه كنا قد انتهينا إلى استقبال القبلة للصلاة، وتحدثنا عن تكبيرة الإحرام، فهي مأخوذة من لفظ الإحرام وكأن العبد يطوف حول الكعبة، وقلنا: إن إشارة العبد بيديه في تكبيرة الإحرام كأنما يلقي بها الدنيا خلفه ويستقبل الله بقلبه وبوجهه. هناك مسألة في الطهارة، وهي فيمن لم يجد الماء، أي: فاقد الماء الطاهر في نفسه المطهر لغيره، أو الذي لم يجد من الماء إلا ما يكفي لشرب الإنسان، والحيوان المحترم، والحيوان المحترم هو الذي نأكله نحن ونستفيد منه، كالبقرة، والنعجة، وكذلك ما ينتفع به لغير ذلك، كالقطة وكلب الصيد وكلب الحراسة، فكل هذه محترمة. فالماء إذا كان لا يكفي إلا هذا الحيوان فلا يصح أن أتوضأ به. وانظر إلى حنان الإسلام، وانظر إلى عظمة الإسلام، فقد دخلت امرأة النار في هرة، والرجل المسرف على نفسه دخل الجنة في كلب. ويقولون لنا اليوم: هناك جمعية الرفق بالحيوان، ومن قصصها أن كلباً حبس في شقة في إحدى شقق لندن، فجاء مفتش جمعية الرفق بالحيوان، وبعد وقت فتحوا الباب، فوجدوا أن صاحب الكلب كان يريد أن يخرج، فتعلق به الكلب، فتشاجر صاحب الكلب مع كلبه فعض الكلب في أنفه، لأنه من تربى مع شيء تخلق بأخلاقه، وكان الكلب ينزف، فالمهم أن القاضي حبس الرجل شهراً وغرمه مائة جنيه إسترليني. وعندنا في الإسلام أحسن من هذا، فسيدنا عمر لقي رجلاً حمل حماراً أكثر من حمله، وكان الحمار لا يستطيع أن يمشي، فقال له عمر: حمار من هذا؟ فقال له: حماري، قال له: وما فوقه؟ قال: هذه أشياء لي، فقال: يا محمد بن مسلمة! حمله ما حمل الحمار. فإذا بالرجل يسقط على الأرض، فقال له: أرأيت، أليس ذلك حراماً عليك؟! فهذا هو الرفق. وكان سيدنا عمر يأتي إلى إبل الصدقة التي فيها جرب ويدهنها بالقطران بيده، ويقول: لو أن بغلة عثرت بالعراق لخشيت أن يسألني الله عنها: لم لم تسو لها الطريق يا عمر. فهذا هو الشعور بالمسئولية. ففاقد الماء، والذي لا يستطيع استخدامه؛ لأنه بارد بشدة، أو لأنه حار بشدة، ولا يوجد إناء آخر، أو أراد شراءه ولكن من يريد أن يبيع الماء لي يريد أن يبيعه بثمن أكثر من الثمن المعقول، وهذا يسمى فاقد الماء حكماً، فكل هؤلاء يعدلون إلى التيمم، فالإسلام علمنا التيمم، فييمم الإنسان وجهه وكفيه. ومعنى (تيمم): توجه، ولذلك يقال: يمم صوب البلدة الفلانية. فأنت تتيمم من الصعيد الطاهر الطيب، فكل ما جنسه الأرض، وكل شيء أصله من الأرض يمكن أن أتيمم منه، وكذلك لو كانت الوسادة عليها تراب، أو السجادة، أو البلاط، أو أي شيء طاهر ليس فيه نجاسة. فأضرب بيدي ضربة واحدة، ثم أمسح وجهي، ولو كانت الأرض ترابية أو رملية فإني أضرب بيدي وأنفضها. فانظر إلى حنان الإسلام وعظمة الإسلام، إلى درجة أن الفقهاء قالوا: إن المسلم إذا وجد ماء قليلاً لا يكفي لاغتساله وهو جنب، أو كانت الحائض تريد أن تقوم للصلاة بعد أن ذهب الحيض وتريد أن تغتسل وكان الماء قليلاً؛ فإنها تعدل إلى التيمم. والوضوء لا يرفع الجنابة، وإنما يرفع الجنابة الاغتسال أو التيمم. فأوامر الإسلام يقال فيها: سمعاً وطاعة، فيوم العيد نفطر فيه ولا نصوم، مع أن اليوم الذي قبله من رمضان يحرم فطره، وكذلك الحجر الأسود نقبله، وكل ذلك لا ندري بعلته. وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، فأصابت رجلاً منهم شجة، فأجنب في الليل، فسأل أصحابه فقالوا: لابد من أن تغتسل، فاغتسل فمات، فقال الحبيب: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟! إنما شفاء العي السؤال) فالذي لا يعرف لا حرج عليه في أن يسأل؛ لأن المتكبر بطبيعته لا يحب أن يسأل. ويروى أن عمرو بن العاص رضوان الله عليه أصبح جنباً، وكان أمير السرية، ولم يكن يعرف الحكم، فتمرغ في الأرض وصلى بأصحابه، واستفتي الرسول فأجاز ما صنع عمرو. وهناك صورة مثالية للتيمم، وهي أن أضرب الصعيد بيدي، وأضع كف يدي اليسرى على ظهر يدي اليمنى وأمرها على الظهر، وبعد ذلك على البطن، وأجعل بطن الكف الأيمن على ظهر الكف الأيسر، ثم أمرها على البطن، وبهذا أكون طاهراً، سواء من جنابة أو من حدث أصغر، وأصلي ما أشاء بهذا التيمم إلى أن ينتقض التيمم، ونواقضه نواقض الوضوء العادية، كخروج الريح.

حكم ما يشكل من الريح

حكم ما يشكل من الريح وهنا مسألة في يسر الدين، فسيدنا أبو هريرة جاء إليه رجل فقال له: إني أشعر أن شيئاً يخرج مني مثل الريح. وهذا من عمل الشيطان، فهناك شيطان اسمه خنزب، وعمله أخذ الصلاة مقاولة، فمن أول دخولك دورة المياه حتى تسلم وهو معك، فبعدما تتوضأ يأتي فينفخ في الدبر فيخيل إليك أنك أخرجت ريحاً، فقال أبو هريرة للرجل: أسمعت صوتاً؟ قال: لا، قال: أشممت ريحاً؟ قال: لا، قال: أنت طاهر. فعندك قانون الصوت والرائحة، فإذا لم تشم ريحاً ولم تسمع صوتاً فأنت طاهر؛ لأن عمل الشيطان يشغلك في الصلاة فيعمل لك هذا الإزعاج، فاحذر الوسوسة أن تدخل فيها فتحال حياتك إلى جحيم، فإذا فتح لك باب الوسوسة فقل: اخسأ يا لعين، ولا تفسد علي عبادتي لله رب العالمين.

صلاة فاقد الطهورين

صلاة فاقد الطهورين وهنا مسألة أخرى، وهي فاقد الطهورين، وهو الذي لا يجد ماءً ولا يستطيع أن يتيمم، كشخص عمل عملية وهو على السرير، فلا تسقط الصلاة عنه؛ إذ لا تسقط إلا عن الميت، ومن في حكمه، كالذي في غيبوبة، فتسقط عنه الصلاة إلى أن يزول المؤثر، فتجب عليه الصلاة أول ما يفيق. وكذلك المجنون يعقل، والنائم يصحو، فكل هؤلاء مكلفون بالصلاة، ولا تسقط عنهم الصلاة. فإن كان المريض لا يستطيع الحراك، ولا يجد من يوضئه أو ييممه، فإنه يصلي على السرير الذي هو عليه ولو إلى غير القبلة، ولو كان عليه نجاسة، كدم في ثيابه وصديد وجراح، فيصلي ولو بعينيه، فإن لم يستطع فليذكر الله في قلبه. فمن قال: لا أستطيع الصلاة قائماً قلنا: صل قاعداً، فإن لم تستطع فصل مضطجعاً، فإن لم تستطع فصل مستلقياً، فإن لم تستطع فصل بعينيك، فإن لم تستطع فاذكر الله في قلبك، فالصلاة لا تسقط إلا عن ميت فقط.

حكم انقطاع دم النفساء قبل الأربعين

حكم انقطاع دم النفساء قبل الأربعين وهنا مسألة مهمة، وهي أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس. وقد كانت الأم تقول لابنتها: عندما تلدين -يا ابنتي- لا تصلي قبل أربعين يوماً فأصبح عند المرأة عقيدة أنها لا تصلي، ولا يعاشرها زوجها إلا بعد مرور أربعين يوماً، وهذا غير صحيح؛ فالقضية عند الفقهاء بإجماع مرتبطة بانقطاع الدم، فلو انقطع الدم عقب الولادة بلحظات فإنها تغتسل وتصلي ويعاشرها زوجها. وهناك نساء كثيرات جداً عندما يحسب ما تركن من الصلاة يكون أمرهن خطيراً؛ لأن المرأة حين تطهر من الحيض تماماً تجب عليها الصلاة. وبعضهن تطهر بعد صلاة الظهر فتقول: سأغتسل غداً وأبتدئ أصلي من الصباح، وهي طاهرة في بقية اليوم من الدم، فيكون عليها صلاة عصر وصلاة مغرب وصلاة عشاء، وعندما تضرب هذا في خمسين سنة يكون على هذه المرأة صلوات كثيرة، وهذه مشكلة كبيرة، فستأتي يوم القيامة وهي أسيرة جهلها. فبعد الولادة حال انقطاع الدم تغتسل وتصلي وتصوم إن كانت قادرة، وما تركته يكون في ذمتها، فنج نفسك -أخي- قبل الممات وبلغها، وقل لها: هل صمت الأيام التي عليك؟! وهل صليت ما عليك؟! إن المرأة تمكث ثلاث ساعات في المطبخ لا تكل، وعند الصلاة تقول: يا سيدنا الشيخ! عندي روماتزم في ركبتي، فهل أصلي وأنا جالسة؟! إن الصحابي كان يرفع المطرقة فيسمع الأذان فيرمي المطرقة ويقول: لا بورك في طرقة سمع صاحبها الأذان ثم لم يجب. فالله عز وجل لن يبارك في هذه الطرقة، فالصلاة أولاً، والذي يتعود على أن تكون الصلاة أول أمره تصير ملكة له، فحين يسمع الأذان يمشي في أول الوقت، فأول الوقت رضوان، وأوسطه رحمة، وآخره مغفرة.

صفة الصلاة

صفة الصلاة

كيفية رفع اليدين حال تكبيرة الإحرام

كيفية رفع اليدين حال تكبيرة الإحرام قلنا: إن أول ركن من أركان الصلاة النية، والنية محلها القلب، ثم تكبيرة الإحرام، ثم الوقوف لها، أي: لتكبيرة الإحرام، ولابد من أن تتوجه إلى القبلة وتقف ثم تكبر. والرجل يرفع يديه بحذاء شحمة أذنيه حتى يمسهما بالإبهامين، من أجل أن نخرج من خلاف الفقهاء، والمرأة لا تعمل هكذا؛ لأنها عورة، وأما الرجل فبخلافها، فإذا أخذت ثوباً واشتملت به من السرة إلى الركبة فصلاتي صحيحة إن شاء الله، وأما المرأة فجميع جسدها عورة، ولابد أن تنبهوا نساءكم على أنه من باب الأحوط أن تغطى ظهور الأقدام، فإما أن يكون الثوب طويلاً، وإما أن تلبس شراباً، ولكن ليس مما يكشف الساق، بل هو السميك الذي يمسح عليه. وبمناسبة ذكر المسح أقول: إذا توضأت في الصباح وصليت الفجر وارتحت قليلاً، وبعد ذلك أتى الضحى فتوضأت وصليت ركعتي الضحى وتوكلت على الله فلبست الشراب ثم ذهبت إلى العمل، ثم بعد ذلك انتقض وضوءك، فإنك تتوضأ وتمسح على الشراب. وأما كيف أمسح فبأن آخذ الماء بيدي وأنثرها وآتي إلى ظاهر القدم فأمسحه، فهذا هو المسح على الجورب، ويجوز لي أن أمسح على الجورب يوماً وليلة إذا كنت مقيماً، وإذا كنت مسافراً فثلاثة أيام بلياليها. وعودة إلى ما سبق أقول: إن لك أن ترفع يديك إلى أذنيك، أو إلى حذاء المنكبين، وأما المرأة فتقول: الله أكبر رافعة يديها إلى حذاء المنكبين فحسب، كما أنك تجهر في الصلاة في الركعتين الأوليين من الرباعية وفي ركعتي الصبح وركعتي المغرب، وأما المرأة فكل صلاتها سرية، وإذا صلت إمامة بالمسلمات تقف وسطهن، والصوت الذي يخرج منها هو (الله أكبر) و (سمع الله لمن حمده) فقط، أما غير هذا فلم يرد به نص، وذلك لأن المرأة عورة، ولذا تلم نفسها في صلاتها.

قراءة الفاتحة

قراءة الفاتحة وبعد تكبيرة الإحرام مع القيام لها قراءة الفاتحة، ولابد من إظهار كل حرف منها، فلو أن حرفاً من الفاتحة ضاع لبطلت الصلاة، إذ لا صلاة إلا بأم الكتاب. والسرعة بها قد تسقط بعض حروفها، والشيطان لن يتركك تقرأ بهدوء، فيقول لك: الأوتوبيس كاد أن يحضر، فتبدأ تسرع في القراءة، يريد أن يضيع صلاتك، فتسرع حتى لا تعلم ما قلت. وإذا قرأت الفاتحة واضحة وأتيت بها واقفاً، فلم تقرأ نصفها وأنت واقف والبقية وأنت راكع، فإنك تقول في آخرها: ((وَلا الضَّالِّينَ)) آمين. و (آمين) ليست آية من آيات الفاتحة، وإنما هي من رحمة الله، ومعناها (استجب يا رب).

صفة الركوع

صفة الركوع فإذا قرأت الفاتحة وقرأت السورة بعدها تركع. والركوع النموذجي كما كان يركع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يضع يديه على ركبتيه شاداً ذراعيه مفرجاً بين أصابعه، ورأسه في استواء مع جسده، فلو وضع إناء على ظهره الشريف مليء بالماء لاستقر. فهذا هو الركوع النموذجي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الكتب الصحيحة.

حكم تغميض العينين في الصلاة

حكم تغميض العينين في الصلاة وفي الصلاة حال القراءة تفتح عينيك؛ لأن بعض الفقهاء يكره تغميض العينين، لكن إذا وجدت أن تغميض العينين مدعاة للخشوع فغمض؛ لأن الصحابة كانوا يصلون على حصى وعلى رمل، ولذلك يبعد عندهم الانشغال بغير الصلاة، وأما أنت فتصلي على سجادة في البيت شكلها غريب، فيأتي الشيطان وأنت في الصلاة فيشغلك. وقد كره الفقهاء أن تصلي على ثوب فيه صور؛ من أجل أننا نريد أن تكون الصلاة فيها خشوع، ولذلك يروى أن سيدنا عمر أتى برجل ليبني مسجداً فقال له: لا تحمر ولا تخضر ولا تصفر، بل أكن الناس من البرد ومن الحر والمطر، فهل ستجد في هذه الأيام مثل هذا المسجد؟! ليس من الممكن. وقد كان لي أخ كريم رافقني في العمرة، فذهبنا إلى مسجد القبلتين، وهو أستاذ عمارة خريج هندسة في العمارة، فسمع درساً لي ذكرت فيه حديث: (إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم)، يعني أن المصحف حين يكون مصبوغاً وملوناً، والجامع حين يزخرف ولا يوجد فيه من يصلي يحل الهلاك. وكان المسجد في الزمن الماضي فيه حصى ورمل وهو مليء بالناس، فقال لي: لا يا سيدنا الشيخ، الجامع بالزخرفة سيكون شكله جميلاً، والواحد منا يحب أن يجمل بيته. فقلت: يا أخي! ذاك بيتك، وأما المسجد فمحل الخشوع، فقال: لست مقتنعاً، فقلت له: انتهينا، فذهبنا إلى مسجد القبلتين، فوقف يصلي في القبلة، وقد عملوا لها زخرفة غريبة، ولكونه صاحب خبرة في الهندسة المعمارية ظل ينظر فيها، ثم رجع يقول لي: صلى الله عليه وسلم، فقلت له: ماذا حصل؟ فقال: لم أكن في ركعتين ولا في نصف، بل مكثت أنظر إلى الزخرفة التي في القبلة. فقلت له: إن الرسول يأتي بجوامع الكلم من أجل أن يريحك، لكن أنت تريد أن تجرب، والإسلام لا يدعمك بالتجربة، وإنما يعطينا التجربة جاهزة، فيقول لك: هذا حلال وهذا حرام، فيريحك، فقال لك: لا تصل وأنت جائع، أو حابس للبول، أو تدافع الجوع، فكل هذه الحالات ليست وقت طمأنينة، وأريدك في الصلاة أن تكون مستريح البال.

حكم تسبيحات الركوع

حكم تسبيحات الركوع والتسبيحات التي في الركوع ليست فرضاً، وإنما الفرض الركوع والاطمئنان فيه، ولما نزل قول الله عز وجل: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74] قال: (اجعلوها في ركوعكم) فلما نزل قول الله عز وجل: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1] قال: (اجعلوها في سجودكم). إذاً: الصلاة كلها قرآن، فتقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، وتسمع العجب من بعض الناس بجانبك في الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي) هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نؤلف من عندنا صلاة. وآخر يأتي ويقول في التشهد: اللهم صل على سيدنا محمد، والوارد: (اللهم صل على محمد)، فسيدنا الحبيب كان يقول حين كان يصلي: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد. فهو في غير الصلاة سيدي وتاج رأسي، ولكن في الصلاة لا سيد مع الله، فنريد أن تكون العقيدة صحيحة، وهذا الكلام فقه، والفقه ليس فيه بيع حمص، بل هو فقه حلال وحرام، يدخل الجنة ويدخل النار. فعندنا كتاب وسنة، ونحن ملتزمون -بفضل الله- بالكتاب والسنة، فاللهم اعصمنا بكتابك وسنة رسولك يا رب العباد.

ذكر ما يقال بعد الرفع من الركوع

ذكر ما يقال بعد الرفع من الركوع وبعد الرفع من الركوع تقول (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد). ولك أن تطيل كما ثبت في الحديث، فتقول زيادة على ذلك: حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لربي الحمد، لربي الحمد، لربي الحمد، تقولها إحدى وعشرين مرة كما قال سيدنا الحبيب.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من طلقت بعد العقد عليها والخلوة بها قبل البناء

حكم من طلقت بعد العقد عليها والخلوة بها قبل البناء Q امرأة قد طلقت من زوجها قبل البناء بعد أن تم العقد عليها، وبعد أن طلقت من زوجها ذكرت أنه قد حدثت خلوة بينهما، ولكنها يوم الطلاق لم تقل للمأذون بأنه حدثت خلوة بينهما، فما حكمها في الإسلام؟ A هذه قضية خطيرة، فعندما نعقد القران فليس معناه أنها أصبحت كلأ مباحاً، فأتمنى عدم الخلوة، والأصل أن يكون العقد والبناء في يوم واحد من أجل ألا تحصل مشاكل، ولا يقل قائل: إنها امرأتي؛ إذ لابد من أن يعرف الناس أنه قد خلا بها؛ لأنه لو حدث في هذا النهار حمل، فابن من سيكون؟! وليعلم أن ذلك ليس بحرام، فالعقد يصير المرأة زوجة، فما حدث حلال ليس بحرام، ولكن لابد من أن يعلم الناس أنه قد حدثت خلوة، وعندما طلقت هذه الأخت كان لابد لها من أن تقول: إنه حدثت خلوة.

ما تصنعه مريدة الحجاب حال رفض أهلها

ما تصنعه مريدة الحجاب حال رفض أهلها Q أخت تريد أن ترتدي الخمار، ولكنها تلاقي من والديها رفضاً شديداً، ولا تقدر على إقناعهما، فماذا تفعل؟ A تكلم قريباً لها أو رجلاً ذا مرتبة عالية في أسرتها أو امرأة طيبة لإقناع الأب والأم.

كيفية قضاء الصلوات المتروكة

كيفية قضاء الصلوات المتروكة Q كيف يصنع بالصلوات المتروكة؟ A تصلي مع كل فرض الفرض الذي ترك.

ما يصنعه من يرى في النوم ما يزعجه

ما يصنعه من يرى في النوم ما يزعجه Q أقرأ القرآن كل يوم قبل النوم، ولكني أحلم كل يوم وأظل أصيح حتى يوقظني من بجواري في الفراش، فكيف أصنع؟ A هذه مرحلة مؤقتة إن شاء الله، وسوف يعود الاطمئنان، وعليك أن تختمي القرآن بالمعوذتين وتمسحي جسدك بهما.

حكم تشميت الرجل المرأة

حكم تشميت الرجل المرأة Q هل يجوز للرجل تشميت المرأة إذا عطست؟ A إذا كانت من ضمن محارمه.

حكم كشف المرأة وجهها في بيت والد زوجها

حكم كشف المرأة وجهها في بيت والد زوجها Q زوجي يرفض أن أرتدي النقاب في منزل والده عند زيارتنا لهم في المناسبات، بحجة أن النقاب سوف يعيقني عن مساعدتهم في أعمال المنزل، حيث تقيم الأسرة كلها في سكن واحد، حتى لا يشعروا بأننا ضيوف في أيام زيارتنا لهم، فهل هذا حرام؟ A من الواجب ألا تكشف وجهها طالما كانت منقبة، ونسأل الله أن يهدي زوجها، وإذا كان عليها عمل فلتدخل المطبخ ولتغلق على نفسها مع النساء.

ما تصنعه المرأة المحتجبة حال رفض زوجها للحجاب

ما تصنعه المرأة المحتجبة حال رفض زوجها للحجاب Q أنا امرأة أرتدي النقاب والخمار، ولكن زوجي وأسرتي يعارضون ارتدائي للنقاب، فماذا أفعل؟ A ادعي الله عز وجل في السجود بأن يهديهم.

سلسلة مقتطفات من السيرة [18]

سلسلة مقتطفات من السيرة [18] للصلاة جملة عظيمة من السنن ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها، ومن تلك السنن رفع اليدين حال تكبيرة الإحرام، ودعاء الاستفتاح، والاستعاذة والبسملة، وقراءة سورة بعد الفاتحة، والتسبيح في الركوع، والتسميع والتحميد في الرفع منه، والهوي إلى السجود، وغير ذلك من السنن التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها في صلاته، فينبغي للمسلم أن يأتسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في عبادته ليحوز كامل الأجر والثواب.

ثمرة الائتساء برسول الله صلى الله عليه وسلم

ثمرة الائتساء برسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه هي الحلقة الثامنة عشرة في سلسلة حديثنا عن السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات، وهي الحلقة الخامسة في الحديث عن الصلاة عماد الدين التي إن أقامها المسلم فقد أقام الدين، وإن هدمها فقد هدم الدين. فاللهم اجعلنا من المقيمين للصلاة ومن المحافظين عليها ومن الخاشعين فيها ومن الذين تقبلت منهم صلاتهم وعبادتهم يا أكرم الأكرمين. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا سالماً غانماً رددته. اللهم اجعل جمعنا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل -يا ربنا- بيننا شقياً ولا محروماً. اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وارحم كل ميت، واشرح صدر كل إنسان صدره ضيق يا أكرم الأكرمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. إن دروس السيرة فيها عبر عظيمة وفوائد جمة كثيرة؛ لأن فيها الحديث عن أعظم إنسان وجد على ظهر البسيطة، وهو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد فيه المرء الأب الحنون، ويجد فيه الصديق المخلص، ويجد فيه قبل كل شيء وبعد كل شيء الأسوة والقدوة الحسنة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] صلى الله عليه وسلم. وهو أسوة في كل شيء في الحياة، فيجب أن نتأسى في كل خطوة من خطوات حياتنا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك بأن المرء منا في كل عمل وفي كل قول وفي كل فعل وفي كل خطوة وفي كل جلسة وفي كل ذهاب ومجيء يسأل نفسه: لو كان الرسول مكاني فماذا كان سيصنع؟! وسوف تستقيم حياتك بهذا الشكل. فلو أن أخاك دعاك إلى فرح، فإنك تقول له: يا فلان! هل هذا الفرح فيه أغان؟! فيقول: وهل يتم فرح من دون أغان؟! فتسأل نفسك مباشرة فتقول: لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم مكاني ودعي إلى هذا المكان فهل سيذهب أم لا؟ والإجابة واضحة، ولا تريد توضيحاً. فلو أنك في كل حركة تسأل نفسك قائلاً: لو كان الرسول مكاني فماذا كان سيعمل، لاستقامت الأمور. فلو أن زوجتك رفعت صوتها عليك بعد أن جئت إليها وأنت فرح ومعك بعض الأشياء الطيبة، فإنك تسأل نفسك هذا Q لو كان الرسول مكاني فماذا كان سيعمل؟! والحال أنه لو كان مكانك لتبسم في وجهها. ولو أن جارك آذاك، فإنك تسأل نفسك أيضاً قبل أن ترد، فتقول: لو كان الرسول مكاني فماذا كان سيعمل؟! هل سيجرجر جاره في القسم؟! وهل سيستعدي عليه الناس؟! و A لا، بل سينصحه بالتي هي أحسن، فإن انتصح وإلا شكاه إلى الله رب العالمين. هكذا كان الحبيب المصطفى أسوة، فما الذي يجعلنا لا صبر لنا؟ إننا لم نتأس برسول الله في أعماله، ولا أريدك أن تحب رسول الله حباً نظرياً، بل أريدك أن تحب سيدنا الحبيب حباً عملياً، فهل كان يسخر من أحد؟! وهل كان يتكبر على أحد من المسلمين؟! ومن أعلم من رسول الله؟! لا أحد في الخلق أعلم من رسول الله، فهل تكبر بعلمه على أحد؟! لقد دخل عليه الأعرابي وقال له: (يا رسول الله! من ذا الذي يحاسبنا يوم القيامة؟ فقال له: الله. فقال له: إذاً -والله- لا أبالي)، فهل قال له: أنت مخطئ؟! لا، بل كان يتبسم، ودخل أعرابي عليه فأخذ يتكلم، فقال له عمر: اسكت يا أعرابي، فقال له: لماذا؟ قال له: إن الرسول غضبان؛ لأن اليهود نقضوا البيعة، ففي هذا الوقت لا يحب أن يتكلم. فقال: والذي بعثه بالحق نبياً لن أتركه حتى يضحك. فسيدنا عمر يحبس الأعرابي، والأعرابي عازم على أن يضحك النبي، فقال له أبو بكر: اتركه يا عمر. يعني أن الرسول رحب الصدر، فدخل على الحبيب فوجد العرق الهاشمي قد امتلأ، وبذلك يفرق الصحابة أن الرسول صلى الله عليه وسلم غاضب، وكان يغضب إذا انتهكت حرمة من حرمات الله، ولم يغضب لنفسه قط، فقال الأعرابي: يا رسول الله! سمعتك تقول: (إن المسيخ الدجال سوف ينزل معه طعام فيه ثريد، ولا طعام في الأرض ساعتئذٍ إلا طعامه)، أي: لا يوجد أكل على وجه الأرض إلا الذي يملكه المسيخ الدجال. ثم قال: (أأدعي إيماني به فأضرب في ثريده حتى أشبع ثم أكفر به يا رسول الله؟! فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فنظر إلى عمر وقال: ألم أقل لك: إني لن أتركه حتى يتبسم). ولو كان غير النبي صلى الله عليه وسلم لقال له: أنت مضيع لوقتنا. وسهيل بن عمرو كان يرفع صوته في صلح الحديبية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان الكاتب هو سيدنا علياً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب يا علي! بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: أنا لا أعرف الرحمن ولا الرحيم، فقال له: اكتب: باسمك اللهم، فكتب (باسمك اللهم) فقال له: اكتب: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو. فقال له سهيل: لو أعلم أنك رسول الله ما قاتلتك. يريد أن ينفي عن سيدنا الحبيب صفة الرسالة، ورسولنا قادر على دخول مكة، ولكن لم يأذن الله بعد، وليس لكل واحد منا أن يستعجل، فلا تستعجلن أبداً ما عند الله؛ فإن ما عند الله يطلب بطاعته ولا يطلب بمعصيته. فقال له: اكتب يا علي: هذا ما عاهد عليه محمد بن عبد الله، فسيدنا علي رفض أن يمسح (رسول الله) فقال له: أين هي يا علي؟ فقال له: ها هي. فمحاها الرسول بيده. فعلى المسلم أن يتأسى بسيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في كل قول وفي كل فعل وفي كل عمل وفي كل خطوة وفي كل مجلس. إذاً: عندما تذهب إلى أي مكان قل لنفسك: لو كان الرسول هنا فهل سيرضى أن يجلس هنا؟! إن أخلاق الرسول ضاعت بيننا، فالواحد منا قد يقف يصلي ساعتين، ولكنه عند المشاكل يكون شخصاً آخر، فالناس قد تبكي بداخل الجامع، وبعد دقيقة يخرجون فيبكون من المشاكل من أجل أن واحداً ضرب آخر. فكأننا في المسجد عصافير محبوسة في قفص، ترى الواحد منا جالساً يسمع خطبة الجمعة ويصلي وهو باك متضرع إلى الله قانت، وعند الخروج تجده يزاحم يريد أن يخرج. فالمسلم عندما يرى الحبيب في كل عمل له، وفي كل خطوة له، وفي كل قول له يكفيه ذلك: وقد روي أن رجلاً دخل على أبي بكر فشتمه من باب الغيظ، فسكت أبو بكر، فأعاد مرة أخرى، فسكت أبو بكر، فلما أعاد الثالثة قام أبو بكر يريد أن يرد، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم ليغادر المجلس، فقال: يا رسول الله! سكت في أول مرة وسكت في المرة الثانية، فلما أردت أن أرد في المرة الثالثة قمت من المجلس؟! فقال: يا أبا بكر! أرسل الله ملكاً ليرد عليه، فلما أردت أن ترد فارق الملك المكان وحضر الشيطان، وأنا لا أجلس في مجلس فيه شيطان. إذاً: فكل اثنين يتشاجران فالموجود بينهما هو الشيطان، فهو الذي يملي عليهما، فيقول: عيره بأمه عيره بأبيه، ولذلك كان من رحمة الله عز وجل بنا أنه لا يسمعنا عذاب أهل القبور، وإلا لعير بعضنا بعضاً بمن سبق إلى لقاء ربنا سبحانه وتعالى. فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة لنا في كل شيء.

سنن الصلاة

سنن الصلاة

بيان المراد بالسنة

بيان المراد بالسنة ومن أكبر الأعمال التي يجب أن نتأسى فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة. وكنا قد تحدثنا عن التيمم، وتحدثنا عن الاغتسال، وتحدثنا عن هيئة وكيفية الصلاة. وهنا سنتحدث -إن شاء الله- عن سنن الصلاة ومبطلات الصلاة ومكروهات الصلاة. فما هي السنة؟ السنة إما قول أو فعل لرسول الله، فإما أن يقول كذا، وإما أن يفعل كذا، وإما أن يسكت عن شيء حدث أمامه، فإذا سكت فذلك دليل على إقراره لهذا الشيء، وهو لا يسكت على باطل أبداً، فقد أتى إليه بشير أبو النعمان يقول له: (يا رسول الله! إني نحلت ابني حائطاً) أي: بستاناً، فقال: (ألك ولد غيره؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: أنحلت كلاً منهم حائطاً، فقال له: لا يا رسول الله، فقال له: ألا ترضى أن يكونوا لك في البر سواء؟! لا تشهدني على جور، أشهد عليه غيري). فالرسول لم يقره، بل قال له: إما أن تعطي كل واحد بستاناً، وإما ألا تفضل واحداً على واحد. ومتى أفضل واحداً على واحد؟! A ذلك يكون في أربعة إخوة مثلاً فثلاثة تزوجوا في البيت، والرابع ما زال يتعلم، أو جاء بعد دهر، فإخوانه قد تخرجوا وزوجهم أبوهم، وهو جاء على حين كبر، فهذا الولد مازالت أمامه مراحل تعليم حتى يصل إلى مستوى إخوته. فهنا يحجز له أبوه ما يساوي ثمن تعليمه كإخوته، وثمن تزويجه كإخوته، فمثلما عمل مع إخوانه يعمل معه. وكذلك إذا كان أحد أبنائك مريضاً له وضع خاص، فعنده مرض عضال، فتحجز له مبلغاً معيناً قبل أن تقسم التركة وأنت على قيد الحياة. أما إذا كان لك ولدان: ولد بار جداً، وولد عاق، فإن بر أحدهما يجعلك تميل إليه، وتريد أن تعطيه أكثر، والولد الثاني عاق، فتريد أن تنقصه عن أخيه، وذلك غير صحيح، فالعاق عليه ذنب وذنوب وعقاب عند الله، فلا تعط البار أكثر من العاق، ولكن اقسم بينهما بالسوية كما أمر الله، وعقوقه يرجع عليه، فهو أخذ مالاً والله لن يبارك فيه، ويخرج له أولاداً عاقين له مثلما عق أباه. ولذلك يقال: إن ملك الموت ينزل ليقبض روح عبد من عباد الله، فيقول الله: يا ملك الموت لا تفعل، فيقول: يا ربنا لقد حان أجله، فيقول الله له: يا ملك الموت هذا شأني في عبادي؛ لقد كان باراً بأبيه وأمه فأعطيناه كذا سنة علاوة رضا من رب الرضا. يعني: كافأناه على أن أرضى أباه وأمه. إذاً: لا يوجد شيء يطيل العمر إلا بر الوالدين، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا يرد الدعاء إلا القضاء، ولا يزيد في العمر إلا بر الوالدين) إذاً: عندما تكون باراً بوالديك يعطيك ربنا علاوة رضا من رب الرضا، لا يعرفها حتى ملك الموت، فهي سر يعلمه الله. وعقوق الابن العاق لا يمنعه حقاً من حقوقه، لكن المسلم لابد أن يلاحظ أنه كما عق والديه، فإن أبناءه سوف يعقونه. منذ شهرين حدث أمر في محافظة قنا، وهو أن رجلاً حمالاً يحمل فوقه أواني فخارية، ويخرج من البيت إلى السوق من أجل أن يبيعها، وكان له ابن يساعده، وبينما كان الأب يمشي وقد كبر في السن تعثر بطوبة فوقع على الأرض فتكسر الفخار كله، فطرح الابن ما كان على كتفه ونزل يضرب والده، ويقول له: ألا تنتبه، ألا تكون يقظاً! فاجتمع الناس عليهما وضربوا الولد حتى كادوا أن يفتكوا به، وهذه من شهامة الصعايدة، فقال لهم الأب: اتركوه، قالوا له: لماذا؟ قال: لقد ضربت أبي في هذا المكان! (الذنب لا يبلى، البر لا ينسى، الديان لا يموت، اعمل ما شئت كما تدين تدان) حديث الحبيب المصطفى. غض بصرك عن محارم الناس تلق الناس غاضي أبصارهم عن محارمك. أجل عينيك في محاسن السائرات يجل الناس أنظارهم في محاسن محارمك، وانتبه فإن النظرة جزء من مقدمات الزنا، (فالعين تزني وزناها النظر، واليد تزني وزناها اللمس، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه). عندما تنظر فإنك ستكون مديناً، وسداد الدين بنظر الناس في محارمك، يعني: أنت لو نظرت إلى خمسين امرأة فسينظر إلى محرمك خمسون رجلاً، فبالله عليك كم أخذت من الخمسين اللاتي نظرت إليهن، والخمسون رجلاً عندما نظروا إلى امرأتك أو ابنتك كم أبقوا لك؟ وأنا أعجب كل العجب من رجال يمشي أحدهم مع امرأته وهي كاشفة عن ساقيها وذراعيها ورقبتها وشعرها كله، ثم يقول: إن امرأتي هذه من عائلة محافظة! فكيف إذا كانت من عائلة غير محافظة؟ وهل يعقل أن يكون المسلم على هذا الحال لا غيرة عنده على العرض؟ يا مؤمن! إن ذكر الحمام لو جاء عند غير أليفه سيظل جناحه يضرب من الغيره، وهكذا غيره من الحيوانات، ويشذ عن كل الحيوانات في الغيرة حيوان واحد هو الخنزير، ويقال: إن الذي يأكل لحم خنزير يصاب بعدم الغيرة، ولعل الذين سافروا إلى فيينا أو جنيف أو الدول الإسكندنافية شاهدوا البلايا التي في الطرقات العامة فضلاً عن غيرها، وهناك لا تجد شخصاً يهتز لأي منظر، بل بالعكس؛ فإنك إن نظرت تعجب الناس منك، يقال لك: يا أستاذ! ماذا تنظر، انشغل بحالك، يعني هو سيسخر منك، أو يقول لك: هذه حرية شخصية. والأسف الشديد أن الأمة أصيبت بما أصيب به أهل الكتاب: (لتحذن حذو أهل الكتاب حذو النعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه). مثال ذلك: في أوروبا أخرج اليهود شيئاً اسمه مسابقة ملكة جمال العالم، وملكة جمال العنب، وملكة جمال البقر، وملكة جمال القطط، وأجمل جاموسة، وأجمل بقرة، وأجمل امرأة، وأجمل قطة، وأجمل كلب وهكذا، فنحن المصريين من سلالة فرعون الذي قال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] وقال لقومه: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29]، وقال عن سيدنا موسى: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26]، {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:54]. فمن أجل أن نكون مسايرين للعصر، أعلنا سريعاً عن أحسن نجوم الجمال. إننا متخلفون في الأكل وفي الشرب وفي التصنيع وفي الزراعة، لكن في ملكة جمال العالم -نحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه- لسنا متخلفين، بل صرنا من المتقدمين، وتجد المفتي عافاه الله تجرأ وأصدر فتوى بتحريم مسابقة ملكة جمال مصر، ولكن قامت بعض الصحف لتسخر من فتواه. فمسابقة ملكة الجمال تتطلب لها مواصفات خاصة، وفي الشرع أن المرأة يحرم عليها أن تنظر إلى المرأة إلا إذا كانت من محارمها وكان النظر إلى دون ما بين السرة والركبة، وبعض العلماء قالوا من الصدر. والمسلمة مع المسيحية أو اليهودية كأنها مع رجل أجنبي تماماً، أي أنه إذا دخلت على امرأتك المنقبة أو المحجبة امرأة مسيحية أو يهودية فلابد أن تتحجب، وقد يكون هذا الرأي غريباً على كثيرين، لكن هذا هو كلام الفقهاء الأربعة، ولذلك فإني أتعجب من السعوديات حين أصدر لهن المفتون فتوى أنه لا يجوز للمرأة أن تقود السيارة، وبعد ذلك عندهم شغالات سرلنكيات، ومنهن بوذيات، والشغالة المسيحية أو اليهودية أو البوذية غير المسلمة تعيش في البيت باستمرار، ولا يعقل أن المرأة تمكث محجبة أو منقبة أربعاً وعشرين ساعة. ومن أكبر الكبائر عند الله أن تنعت الزوجة لزوجها أختها أو صاحبتها كأنه يراها. فسيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة لنا في الصلاة، فلا أحد يؤلف في الصلاة؛ لأن العبادات كلها مأخوذة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: (صلوا كما رأيتموني أصلي).

سنة رفع اليدين حال تكبيرة الإحرام

سنة رفع اليدين حال تكبيرة الإحرام وأول سنة من سنن الصلاة رفع اليدين، وقد قلنا: إن تكبيرة الإحرام فرض، وهي: (الله أكبر) ولكن رفع اليدين فيها سنة. ورفع اليدين في مواضع أربعة في الصلاة: فأول رفع عند تكبيرة الإحرام، ثم عند الهوي إلى الركوع، ثم عند الرفع من الركوع. وفي رأي للإمام أحمد زيادة الرفع عند القيام من التشهد الأول. والمتفق عليه بين الفقهاء، هو السنة الوحيدة التي أجمع عليها خمسون صحابياً منهم العشرة المبشرون بالجنة هي الرفع في تكبيرة الإحرام. فهذه سنة مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم بعد ذلك: دعاء الاستفتاح، فقد كان سيدنا الحبيب عندما يكبر يسكت قليلاً قبل أن يدخل في القراءة. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة، فكان في صلاة الصبح يصلي بالمسلمين بستين إلى مائة آية، وكان حين يكبر تكبيرة الإحرام يسرع بعض الصحابة فيتركون أعمالهم ويذهبون لقضاء الحاجة، ثم يتوضئون بجوار البقيع، ثم يذهبون إلى الصلاة فيدركون الركعة الأولى. وبعض الناس يقول لك: يا أخي! من صلى بالناس فليخفف. فنقول له: هذا هو التخفيف. وقد قرأ في المغرب في الركعتين بسورة الأعراف، وقرأ بالمرسلات، وقرأ بـ (ق) وقرأ بالسجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان:1]. ثم إن إطالة القراءة في الصلاة فيها فائدة أخرى، فأنا عندما أقرأ في المصحف يكتب لي الحرف بعشر حسنات، وفي الصلاة الحرف بمائة حسنة، ولذلك كان سيدنا عبد الله بن عمر يكمل المصحف تلاوة في الصلاة في قيام الليل فقط في كل أسبوع، ففي كل ليلة كان سيدنا ابن عمر يقوم الليل بقدر أربعة أجزاء ونصف. إذاً: أول سنة رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، فتكبيرة الإحرام ركن، ورفع اليدين فيها سنة.

سنة دعاء الاستفتاح والاستعاذة

سنة دعاء الاستفتاح والاستعاذة ثم دعاء الاستفتاح، وإذا سكت الإمام طويلاً بعد تكبيرة الإحرام قبل أن يدخل في القراءة فإنك تستفتح عليه، فتقول له: سبحانك اللهم وبحمدك، فقد يظن أن هذه الصلاة سرية، فأنت تستفتح عليه في ركعتي الصبح وركعتي المغرب وركعتي العشاء. وقد ورد في دعاء الاستفتاح روايات كثيرة، وسنأخذ رواية واحدة من أجل أن نحفظها، وهي: سبحانك اللهم وبحمدك، وتعالى جدك، وتقدست أسماؤك، ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بك. ومعنى (وتعالى جدك): تعالت عظمتك، يعني: تعاليت -يا ربنا- في عظمتك. والسنة التي بعد ذلك هي الاستعاذة، بقولك: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). وقد أجمع الفقهاء على الإسرار بها، فلا يسمع إلا نفسه، فأعلى درجات الإسرار أن تسمع نفسك فقط.

سنة البسملة

سنة البسملة والسنة التالية للاستعاذة هي البسملة، وقد قال أحمد ومالك رضي الله عنهما: يسر بالبسملة. وقال أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهما: يجهر بالبسملة، فعندما تجد إماماً يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) وإماماً آخر يقول: (الحمد لله رب العالمين)، فاعلم أنهما على صواب، ومذهبك أنت مذهب من يفتيك، فلو أن شخصاً قال: هل الرسول كان يقرأ البسملة أو لا؟ نقول له: إن الحديث الذي وصل إلى أبي حنيفة هو أن الرسول كان يجهر بالبسملة، والأحاديث التي وصلت إلى أحمد ومالك فيها أن الرسول كان يسر بالبسملة، أو أن الرسول أحياناً كان يجهر بها وأحياناً كان يسر بها، وكلاهما صواب. كحال بعض الخطباء حين يصعدون إلى المنابر، فبعضهم يجلس، وبعضهم يقول: السلام عليكم ورحمة الله، فهذا حدث من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا حدث منه. ولذلك كان على الذي يتصدر للفتوى أن يدرس المذاهب، وقبل أن يدرس المذاهب يدرس أصول الفقه، والذي لا يدرس أصول الفقه لا يجوز أن يقول: هذا حلال وهذا حرام، ولذلك وددت من الدولة إذا عينت مفتياً أن تختاره فقيهاً أصولياً يؤصل القواعد؛ لأن هذه مسألة مهمة. ففي كتاب إعلام الموقعين للإمام ابن قيم الجوزية ذكر تسعاً وتسعين حالة لموضوع معين كموضوع الطلاق، وأذكر أن أستاذنا الذي علمنا أصول الفقه درسنا على مدى اثنين وعشرين شهراً ثلاث حالات من التسع والتسعين بالتفصيل، ثم قال: أكملوا أنتم، فالقضية عسيرة. فأريد أن أقول: إن مسألة (حرام وحلال) ليست سهلة، وقد صارت كلمة الحرام عندنا أمراً ميسوراً، فتجد الولد يدفع أخاه في البيت ليلعب معه، فيقال له: يا ولد! حرام عليك، يا بنت! حرام عليك، فكلمة (حرام) أصبحت خفيفة على الناس من كثرة استخدامها، وكلمة الحرام لا تقال إلا بنص، وكلمة الحلال لا تقال إلا بنص.

حكم قراءة الفاتحة

حكم قراءة الفاتحة وبعد البسملة قراءة الفاتحة، وقد قلنا: إن قراءة الفاتحة ركن، ويجب أن تأتي بها قائماً إذا كنت تصلي واقفاً، إلا لمرض أو لعجز ونحو ذلك وبعدها قراءة السورة. فإذا كنت تصلي مأموماً في المغرب أو في العشاء أو في الصبح فقرأ الإمام ولم يسكت بعد الفاتحة لكي تقرأ أنت، وقد سمعت أنت حديثاً يقول: (لا صلاة إلا بأم الكتاب)، وهي الفاتحة، فإنك تفهم من الحديث أنه لا تصح الصلاة إلا إذا قرأت الفاتحة، ولذلك أفتى الإمام الشافعي بوجوب قراءة الفاتحة على الإمام والمأموم. والإمام أبو حنيفة والإمام مالك قالا: إذا قرأ الإمام فليس عليك قراءة، وجاء الإمام أحمد فتوسط بين الطرفين، ويعجبني فيها رأي أحمد، وودت ألو كان رأي أبي حنيفة كرأي أحمد؛ لأن دراستي التفصيلية في مذهب الإمام أبي حنيفة، وبفضل الله درست بقية المذاهب، ولكن شغلي كله مع أبي حنيفة وتلميذيه محمد بن الحسن الشيباني وأبي يوسف رضوان الله عليهم جميعاً، فوددت أن رأي أبي حنيفة مثل رأي أحمد في هذه المسألة. وأنا لا يهمني ما قال جمهور الفقهاء، بل يهمني الرأي الذي استند فيه إلى الدليل. فالإمام الشافعي أخذ بحديث: (لا صلاة إلا بأم الكتاب)، والذي روى هذا الحديث رواه إلى هذه اللفظة فقط، وعندما بحثنا في هذا الحديث وجدنا أن هذا الحديث فيه جزئية لم تصل إلى الإمام الشافعي، وهي: (لا صلاة إلا بأم الكتاب، إلا أن تكون مأموماً فقراءة الإمام لك قراءة). واستدل أبو حنيفة بأدلة عظيمة جداً: وكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم فسيدنا الحبيب هو المحيط، والعلماء هم القنوات، وكل واحد يأخذ على قدر ما يعطيه الله عز وجل من فضله، فاللهم علمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا، وثقل بهذا العلم موازيننا جميعاً يوم القيامة، واجعله خالصاً لوجهك الكريم يا أكرم الأكرمين. ومن جملة ما احتج به على الشافعي أنه قيل له: إذا دخلت إلى الصلاة لأصلي خلفك، فانتهيت أنت من قراءة السورة فركعت فكبرت أنا وركعت معك، فهل حسبت لي ركعة أم لم تحسب؟! فقال الشافعي: تحسب، فقيل له: ما قرأت الفاتحة، فتبسم الشافعي وقال: رضي الله عن أبي حنيفة، الناس كلهم في الفقه عيال على أبي حنيفة. واحتج عليه بقول الله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]، والمستمع شريك للمتكلم، فعندما تفتح القرآن المرتل عندك في البيت لتسمع الشيخ الحصري رحمه الله وجزاه الله خيراً، فإنك في الثواب كالشيخ الحصري تماماً؛ لأن المستمع شريك للمتكلم. وإن سمعت غيبة تأخذ نفس المصيبة، أو إن سمعت سباً ورضيت به، أو إن سمعت أغاني، فالمغنية تكسب أموالاً وأنت تخسر حسنات. فكأن الذي استمع إلى الإمام وهو يقرأ قد قرأ. واحتج عليه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى خلفه أناس حديثو عهد بالإسلام، فكان يقرأ سورة الحمد وهم يقرءون معه، فبعدما انتهى قال: (ما لي أنازع في الصلاة؟ إذا قرأت فاستمعوا، وإن سكت فاقرءوا)، فالإمام أبو حنيفة والإمام مالك قالا: إنه إذا كانت الصلاة جهرية فالمأموم يسمع، بل قال أبو حنيفة رضوان الله عليه: حتى في صلاة السر، فلو لم يقرأ المأموم أجزأته قراءة الإمام وصلاته صحيحة، وانظر إلى التيسير. ومما احتج به صاحبا أبي حنيفة على الإمام الشافعي أنه إن مكثت أقرأ الفاتحة على مهل، وقرأها الإمام مسرعاً، ثم ركع وأنا مازلت في: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، فإني أركع، ولا أكمل القراءة؛ لأنه لابد من أن أتابع الإمام، وأما مساواة الإمام فمكروهه وسبقه حرام، فلو أنك ركعت قبل الإمام فصلاتك باطلة، ولو رفعت قبل الإمام فصلاتك باطلة، والأفضل أن تتأخر عن الإمام قليلاً، ولكن لا تتأخر جداً. وأما الإمام أحمد فقد أراحنا في هذه المسألة، وهذا رأي أفتي به إخواننا منذ عشرين سنة. فهو يقول: في الجهرية لا تقرأ، وفي السرية تقرأ، وتكون بهذا قد أخذت بالأحوط، أو إذا رأيت إماماً يسكت ويطيل السكوت بعد الفاتحة، فاقرأ الفاتحة، ولكن الغالب أن الإمام لا يسكت المدة التي تستطيع أن تقرأ فيها الفاتحة بأحكام تلاوتها، فالأفضل أن تنصت.

سنة التسبيح في الركوع

سنة التسبيح في الركوع وبعد سنة قراءة السورة بعد الفاتحة تأتي سنة أخرى، فالركوع فرض، والسنة التي فيه هي التسبيح. فعندما نزل قول الله عز وجل: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:74]، قال الرسول: (اجعلوها في ركوعكم)، يعني تقول: (سبحان ربي العظيم) ثلاث مرات، وسيدنا أنس رضي الله عنه لما رأى عمر بن عبد العزيز يصلي قال: والله ما رأيت أحداً يصلي كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الغلام. فمكث الحاضرون ينظرون إلى عمر بن عبد العزيز كيف يصلي من أجل أن يتعلموا كيف كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الراوي: فعددنا له في ركوعه وفي سجوده عشر تسبيحات، وما بين كل تسبيحة وتسبيحة سكوت بقدر تسبيحة. فهكذا كان الركوع المطمئن، وفي أقل ركوع نقول ثلاث تسبيحات: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، أي: أنزهك يا رب، فأصفك بكل كمال؛ فإن الكمال لله عز وجل.

سنة التسميع والحمد بعد الرفع من الركوع

سنة التسميع والحمد بعد الرفع من الركوع وبعد ذلك تقول: (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)، وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يزيد فيقول: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً كما يحب ربنا ويرضى، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لا منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لربي الحمد، لربي الحمد، لربي الحمد. فأنت لك في الرفع أن تقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وتستوي قائماً. ولا داعي للتلخيص في الصلاة، ففي الصلاة لا تلخص، وإنما أريدك أن تصلي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي.

سنة الهوي إلى السجود

سنة الهوي إلى السجود وبعد ذلك هيئة الهوي إلى السجود، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينزل بركبتيه أولاً قبل اليدين، ثم يضع اليدين، وعندما يرفع كان يرفع ركبتيه أولاً ثم يرفع يديه، فهذه سنن مؤكدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان يسجد على سبعة أعظم: وهي: الجبهة مع الأنف، واليدان، وهناك كثير من الناس يضعون الكفين والساعدين على الأرض، وهذا منهي عنه؛ لأنها هيئة الكلب، كما قال تعالى: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:18]. ويجوز للمرأة أن تصنع هذا، من أجل ألا يظهر منها شيء، ولكن الرجل يجافي بين جنبيه، فيضع كفيه على الأرض ويجافي الذراعين، ويوسع ما بين جنبيه، فلا يلصق الساعدين إذا كان يصلي وحده، فإذا كان هناك زحام فلا يفعل ذلك. ثم الركبتان، ثم الأصابع، فتكون الأصابع كلها باتجاه القبلة. ولتكن الجبهة مع الأنف مقدمة قليلاً على اليدين.

ذكر صيغة التشهد

ذكر صيغة التشهد ثم تجلس للتشهد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (التحيات لله والصلوات والطبيات، السلام عليك -أيها النبي- ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -وفي رواية أخرى: وأن محمداً عبده ورسوله- اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد) هذا هو التشهد. وقد كان بإمكانه صلى الله عليه وسلم أن يقول: (اللهم صل على سيدنا محمد)، ولكن قال للصحابة: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)، فهو في غير الصلاة سيدنا وتاج رءوسنا، وأما في الصلاة فلا سيد مع الله.

الأسئلة

الأسئلة

حكم كشف المرأة وجهها لزوج أختها

حكم كشف المرأة وجهها لزوج أختها Q هل تكشف المرأة وجهها أمام زوج أختها؟ A لا، هذا حرام؛ لأن زوج أختها محرم مؤقت، سواء دخل بأختها أم لم يدخل.

حكم الصلاة على رسول الله في قراءة الصلاة

حكم الصلاة على رسول الله في قراءة الصلاة Q إذا كان الإمام يقرأ جهراً في الصلاة ومر بآية تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يصلي عليه سراً؟! A أجازه بعض الفقهاء ومنعه البعض الآخر.

حكم ترك طواف الإفاضة وترك طواف الوداع

حكم ترك طواف الإفاضة وترك طواف الوداع Q ما حكم من ترك طواف الإفاضة وطواف الوداع لعذر أو لغير عذر؟ A إن ترك لعذر فعليه فدية، وإن ترك لغير عذر فبعض العلماء يقولون: يعيد الحج من العام القادم، وهناك من يقول: إنه يفدي فدية، وحجه صحيح بإذن الله.

حكم ذبح ما أشرف على الهلاك من حيوان الغير

حكم ذبح ما أشرف على الهلاك من حيوان الغير Q أنا أعمل خبيراً في مزرعة دواجن، فأجد دواجن مريضة على وشك الموت، فهل أذبحها وآكلها من غير علم صاحب المزرعة، أم أتركها تموت؟ A اتركها لتموت.

صحة الزواج على أحد المذاهب الأربعة

صحة الزواج على أحد المذاهب الأربعة Q هل هناك فرق بين الزواج على مذهب الإمام أبو حنيفة والشافعي؟ A تزوج على أي مذهب، وإنما لا يعجبني قول المأذون: وعلى مذهب الإمام الأعظم فهل إذا لم تتزوج على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة لم يصح أن تتزوج على مذهب رسول الله؟!

حكم الصلاة مع الجنابة

حكم الصلاة مع الجنابة Q نبدأ الدراسة في الكليات في الساعة الثامنة إلى ما بعد صلاة العصر، وفي بعض الأحيان أستيقظ في الصباح وأجد نفسي جنباً، ولا يوجد الوقت الكافي للاغتسال، فهل أصلي الظهر وأنا جنب؟ A لابد من أن تغتسل قبل الخروج، فهذه ليس فيها رخصة.

ما تصنعه المحتجبة بصورها قبل الحجاب

ما تصنعه المحتجبة بصورها قبل الحجاب Q إذا تحجبت الفتاة وكان لها صور قبل تحجبها تظهر فيها بدون الحجاب، فهل عليها ذنب إذا شاهد شخص هذه الصور، مع أنها لا تملك أن تمنع كل الناس من مشاهدتها؟ A تحاول على قدر الاستطاعة أن تجمع هذه الصور.

حكم الشك في الخارج من الفرج في الصلاة

حكم الشك في الخارج من الفرج في الصلاة Q شعرت بخروج قطرة لا أعلم إن كانت بولاً أم غيره، وذلك في السجود الأول في الركعة الأخيرة من صلاة العشاء، فما الحكم؟ A إذا تيقنت بعد الصلاة فمن باب الاحتياط أن تعيد صلاة العشاء، وإن لم تتيقن فصلاتك -إن شاء الله- صحيحة.

حكم العقد بغير موافقة أولياء المرأة

حكم العقد بغير موافقة أولياء المرأة Q هناك شاب خطب فتاة، ولكنه يريد أن يعقد عليها مخافة أن يقع في خطأ، وأسرة الفتاة غير موافقة على كتابة العقد، فهل يعقد الشاب على الفتاة دون علم الأسرة؟ A لا يفعل، فلا يعقد عليها من دون علم أسرتها، وليبتعد عنها إلى أن ييسر الله ويعقد؛ لأن الخطيب أجنبي عن خطيبته، فلا ينظر شعرها، ولا يسلم عليها، ولا يخرج معها، ولا يخلو بها، ولا يذهب معها.

درجة الحديث الوارد فيمن خلا بذات زوج غائب

درجة الحديث الوارد فيمن خلا بذات زوج غائب Q يذكر أن من جلس عند امرأة لم يكن زوجها موجوداً يقيض الله له ثعباناً يلدغه يوم القيامة، فهل هذا حديث؟ A هذا ليس بحديث.

حكم الزواج من الأقارب

حكم الزواج من الأقارب Q ما حكم زواج الأقارب في الإسلام؟ A إن الرسول أوضح لنا أنه لا داعي من زواج الأقارب، وقد أقر العلم بأن زواج الأقارب يأتي بالصفات الوراثية التي ليست بجيدة، فيا ليت كل واحد يتزوج من غير أقاربه من أجل أن يبقى حبيباً لخالته وحبيباً لعمته.

جهة سداد دين الميت

جهة سداد دين الميت Q هناك بنت تزوجت من شاب، وقد اشتريا جهاز البيت وأثاثه بالشراكة، ودخل بها وعليه دين من ثمن الجهاز، ومات بعد أحد عشر شهراً من الزواج، فمن الذي يدفع المبلغ المتبقي؟ A إذا كان هذا ديناً فأبو الزوج هو الذي يدفع الباقي، وإذا لم يكن ديناً فإنه يصير ميراثاً، والزوجة ترث الزوج.

سلسلة مقتطفات من السيرة [19]

سلسلة مقتطفات من السيرة [19] إن العبد الحق مراده الله، فهو حريص على مرضاته، يتتبع كل عمل يوصله إليه، ويرضيه عنه، ومن سنن هذا الكون التي كتبها الله فيه التدرج حتى في السلوك إليه، وتطبيق شرعه، وقد جعلت أول درجات السلوك التوبة، لكونها مطهرة، ثم الدعاء فهو نعم المقربة، ثم الافتقار إلى الله وصدق اللجوء إليه.

الدخول على الله

الدخول على الله الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى أصحابه أجمعين. وبعد: فإنما يراد العلم للعمل، ولا خير في علم بلا عمل، ويذكر أن خطيباً خطب في الناس خطبة، ثم أعادها في الجمعة الثانية، ثم أعادها في الجمعة الثالثة، قيل له: يا إمام! لقد حفظناها، قال: إذا عملتم بها قلنا لكم غيرها. والعلم ليس بكثرة الرواية، وإنما العلم الخشية من الله عز وجل، وأن نعمل بما نعلم، فمن عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم، ومن لم يعمل بما يعلم تاه فيما يعمل، ولم يوفقه الله فيما يعلم. فالإنسان المسلم يجب عليه حين يستمع أن يبادر فيطبق وينفذ. ويقال إن سيدنا عمر بن الخطاب رضوان الله عليه حفظ البقرة في ثمان سنوات، وكان يحفظ الآية وقبل أن يحفظ الآية التي بعدها يطبق الآية التي قبلها، وبعد أن يطبقها عملياً يحفظ الآية التي تليها، وبعد أن يحفظها يطبقها على نفسه، وبعد ذلك يحفظ الثالثة وهكذا، ونحن اليوم نعجز عن تطبيق آية واحدة أو حديث واحد. لا يستطيع الواحد منا أن يطبقه على نفسه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. اللهم لا تدع لنا يا مولانا في هذا اليوم العظيم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً لأهله. اللهم احقن دماء المسلمين. اللهم لا تسل قطرة مسلمة من دماء المسلمين إلا في سبيلك، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، واطرد اللهم شياطين الإنس والجن عن بيوتنا. اللهم اهد لنا زوجاتنا وأبنائنا وذرياتنا. اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين، ثقل بهذا العلم موازيننا يوم القيامة، اجعله نوراً لنا على الصراط يوم القيامة. اللهم اغفر لنا وارحمنا، عافنا واعف عنا، سامحنا وتقبل منا، صلنا بك ولا تقطعنا عنك، واجعلنا لديك من المقبولين. آمين آمين. والحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: كلنا يتساءل كيف الدخول على الله؟ عندما يسأل السائل منا: كيف أقابل الوزير الفلاني؟ -ولله المثل الأعلى- قد يقال: ندخل إلى مدير مكتبه أو بواسطة من يعرفه، أو تتصل بمدير المكتب ليحدد لك موعداً معه. إذاً: هذه وسائل للقاء أو للدخول على أحد المسئولين؛ المحافظ الوزير رئيس الوزراء أي شخص. . إذاً: هناك وسائل أو مفاتيح وأسباب للدخول على بعض المخلوقات. أما السؤال الأهم: وهو كيف أدخل على الله؟ فلابد أن يعلم أن هناك خطوات، وهناك أبواب تطرق، وهناك مفاتيح يستطيع الإنسان أن يرد، باستخدامها على الله، قال أهل العلم: من داوم على القرع لابد أن يفتح له، ولذلك من أسماء يوم القيامة القارعة: لأنها تقرع الأسماع، ومنه قرعت طبول الحرب أي: بدأت تتأكد الحرب. ويذكر أن هذا الكلام قيل أمام السيدة رابعة العدوية فتبسمت وقالت: ومتى أغلق باب الله حتى يقرع، إنما الذي يريد أن يدخل يدخل، ولكن الدخول له شروط! أنت عندما تريد أن تقابل أحد المسئولين تبدأ بالتفكير من الليل؛ فتحدد الملابس التي سترتديها، والورقة التي تقدمها فلابد أن يكون اللقاء لائقاً به، وإذا كنت ذاهباً من أجل أن تقدم طلباً ما أو مشكلة ما، فستحرص أن تكون معك المستندات اللازمة، وستحرص على أن تستحضر الكلام اللائق بما تريد، ولله المثل الأعلى، أنا عندما أريد أن أدخل على الله، فهناك خمس درجات لابد أن أصعد عليهن أولاً من أجل أن يكون دخولي في المدخل الصحيح:

الدرجة الأولى للدخول على الله التوبة

الدرجة الأولى للدخول على الله التوبة

معنى التوبة

معنى التوبة الدرجة الأولى من أجل أن أدخل على الله: التوبة. والتوبة في أبسط معانيها تنظيف للعبد وتطهير له، فكما أحرص إذا أردت أن أدخل عند العظيم أن أكون نظيفاً؛ أريد ألا تقع عينه إلا على النظيف، والثياب موضع نظر الخلق، أما موضع نظر الخالق فهو القلب، فينبغي أن يقع نظره على نظيف طاهر، فكما أكون حريصاً أنني أظهر أمام غيري من الناس بالثياب الطيبة النظيفة التي لا يؤذي أعينهم منظرها؛ يجب أن أنظف قلبي؛ لأن هذا محط نظر المولى عز وجل؛ إذ الله عز وجل ينظر إلى القلوب: إن القلوب في الأجساد كالأواني، وأفضل الأواني أصلبها وأرقها وأصفاها، وكذا كان قلب سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يحمل هذه الثلاث الصفات: الرقة والصلابة والصفاء. ورقة القلوب: هي رقة على المسلمين رقة على الأرامل رقة عند سماع كلام الله، والرقة هي معنى قوله تعالى: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:23]، فإن القلوب حين تخشع تخاف ثم تغشاها رهبة، ومن ثم بعد ذلك يكون فيها رجاء، ولذلك جاء أن أعرابياً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم سؤالاً فقال: (يا رسول الله! من الذي يحاسبنا يوم القيامة؟ قال: أنت تعرف يا أعرابي أنه الله عز وجل، فتبسم الأعرابي، وقال: مادام أن الذي يحاسبنا هو الله فإنه كريم، والكريم إذا حاسب سامح وإذا قدر عفا)، فإنك عندما تكون كريماً مع ابنك أو كريماً أحياناً مع زوجتك تمر بعض الأمور التي أخطئوا فيها، فتتجاوز عنها، حالك كما قال الشاعر: ليس الغبي بسيد في قومه بل إن سيد قومه يتغابى أما الرجل الغبي فيصدق فيه قول الشاعر العربي: قال حمار الحكيم يوماً لو أنصف الدهر كنت أركب إذ الحمار لا يعجبه الحال، فقال: لو أن الدهر كان عادلاً لكنت أنا الراكب لا صاحبي، وهذا بمنطق الحمار: قال حمار الحكيم يوماً لو أنصف الدهر كنت أركب فإنني جاهل بسيط وصاحبي جهله مركب فمفهوم كلامه: إنني مخلوق وجهلي بسيط، أما المصيبة ففي الجاهل الذي يجهل أنه جاهل.

أصناف الناس

أصناف الناس قال علي: الرجال أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري، ورجل يدري ولا يدري أنه لا يدري، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري. فالرجل الذي يدري ويدري أنه يدري: فذلك عالم فتعلموا منه، أي: هو رجل عالم وواثق من علمه فتعلم منه. وأما الرجل الثاني فرجل عنده تواضع وبساطة، فإنه يعلم ولكن لا يستطيع أن يوصل تلك المعلومة، وهو ما ذكره الإمام عنه أنه لا يدري أنه يدري، وفسرها بقوله: فذلك صالح فصاحبوه. أما الرجل الثالث: فإنه لا يدري -أي: أنه جاهل- ويدري أنه لا يدري، أي أنه يعرف حدود إمكانياته ولذلك فسر حاله الإمام علي فقال: ذلك جاهل فعلموه، فإنه مادام يعرف حدود إمكانياته العلمية، فينبغي أن أعلمه. يذكر أن أعرابياً كان شديد الحب لربه، ولكن لا يستطيع أن يعبر عن حبه لربه، فلما نزل المطر ونبت العشب أخذ حمار الأعرابي يأكل بنهم، فأراد الأعرابي أن يشكر الله عز وجل، فنظر إلى السماء وقال: وعزتك وجلالك لو كان لك حمار لتركته يرعى مع حماري لأني أحبك!! فالأعرابي يحب الله عز وجل، ولكن طريقة تعبيره خاطئة كونه لا يستطيع التعبير. أما الرابع فإنه رجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فهو جاهل ويجهل أنه جاهل، وهذا خطره شديد، وضرره أكيد، ولا أقل من أن يبتعد عن هذا الرجل، فإن البلاء كله فيه، فهو جاهل ولا يعرف حدود جهله، ويظن أنه يفهم كل شيء. لقد أصبحنا في زمن اختلط حابلها بنابلها، لا يعرف فيها الصواب من الخطأ.

توبة الفضيل بن عياض

توبة الفضيل بن عياض يذكر أن الفضيل بن عياض قبل أن يتوب الله عليه كان سارقاً يدخل إلى البيوت ويسرقها، وفي يوم من الأيام كان يتسلل في بيت فسمع صاحب البيت وهو يقرأ كتاب الله عز وجل في قيام الليل، -في حين أن الناس هذه الأيام لا يقومون الليل ولا يصلون الفجر في جماعة -وكان مما يقرؤه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:16]. فكانت هذه الكلمة لها وقع عليه فدخلت في مجامع قلبه، فبكى وقال: قد آن يا رب.

توبة سارق عند السيدة رابعة العدوية

توبة سارق عند السيدة رابعة العدوية ويذكر أيضاً أن سارقاً دخل منزل السيدة رابعة ليسرق، تلفت السارق يميناً وشمالاً، قال: ما هذا البيت النكد، لا يوجد فيه شيء يسرق، فنظر إليها وإذا هي تصلي، فلما انتهت من صلاتها نادته: تعال يا عبد الله، قال: أفي البيت أحد، قالت له: نعم، لا تخرج بيديك فارغتين، قال: وهل وجدت شيئاً ولم آخذه؟ قالت: لا، ادخل وتوضأ من هذا الإبريق وصل لله ركعتين، فنزلت هذه الكلمات على قلب الرجل كالصواعق، إنه لا يصلي، فذهب وتوضأ ووقف وصلى، فلما سجد أخذ يبكي، فقالت رابعة: وقف ببابي فما أعطيته شيئاً، ووقف ببابك فلا ترده خائباً، فهناك فرق بين أن تذهب عند شخص بخيل وتذهب عند شخص كريم. ومثل ما تقدم ما حدث للصحابي الذي دخل على كسرى، فنظر إليه كسرى، وقال له: تمن يا أعرابي! أي أمنية وأنا أحققها لك، فقال له: أتمنى ألف دينار، قال: أعطوه ألف دينار، فقال حاشية كسرى: يا رجل! تمن عليه فهو كسرى، أتتمنى عليه ألف دينار؟!! فقال: وهل هناك أكثر من الألف؟ سبحان الله الصحابي لا يعرف أن هناك أكثر من ألف، لكنه في حسابات الآخرة من أصحاب الملايين.

التوبة تمحو ما قبلها

التوبة تمحو ما قبلها فإذاً: من أجل أن أدخل على الله عز وجل فإن أول درجة أصعدها التوبة، والتوبة هي: أن أنزع عن الذنب وألا أعود إليه مرة أخرى وأن أعزم على عدم العودة وأن أرجع الحقوق إلى أصحابها، لكن لها حقيقة أخرى، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (التائب حبيب الرحمن)، أنت لو أخطأت خطأً مدنياً في القانون المدني يحسب خطأ مدنياً، ويحكم عليك، وتعد من أصحاب السوابق، وتوضع في ملف الحالة الجنائية، ولا يمكن أن تمسح، حتى لو قضيت مدة العقوبة. أما عند الله عز وجل فإن عمل رجل سيئات وذنوب وجرائم: لم يصل، ولم يصم وغيرها من الذنوب والمعاصي، ثم يقول: تبت إليك يا رب! فإنه لن يفتح له الملفات أو يقال له: إن صحيفتك التي فيها السوابق مليئة؟ لا، بل العكس، قال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70]، فإنه لا يمسحها فقط، بل إن الذنوب عندما تمسح يكون له رصيد مصفى بالحسنات، أي: يكون له مكان السيئة حسنة، ولا عجب فالله هو الكريم سبحانه. ومن ميزات التائب أيضاً ما قاله عنه الحبيب صلى الله عليه وسلم: (عاشروا التوابين فإنهم أرق أفئدة)، وذلك لأن قلوبهم ما زالت لينة طيبة، أما الذي يصلي منذ زمن، فالبعض يظن أنه عمر بن الخطاب، يقول لك: الحمد لله نحن نصلي ونحن كذا، وكان الأحرى أن يسأل الله القبول، وأن يديمها عليه نعمة، فإن من أعظم النعم من الله على العبد أن يرزقه الهداية.

الدرجة الثانية من درجات الدخول على الله

الدرجة الثانية من درجات الدخول على الله

أكل الحلال شرط لإجابة الدعاء

أكل الحلال شرط لإجابة الدعاء الدرجة الثانية: الدعاء المخلص لله، والدعاء له خمسة شروط: وأول شروطه: أكل الحلال، نسأل الله أن يحل اللقمة التي نأكلها، لكن وللأسف جل هذه الأموال التي نتقاضاها ربا؛ لأن غالب المعاملات المالية هذا الزمان ربوية، أو تمر عبر بنوك ربوية، لكن مادام أن المسلم ينوي نية صادقة فسييسر الله سبحانه وتعالى له الحلال بإذنه تبارك وتعالى. والأكل الحلال فيه خير كثير، من ذلك الخير حفظ الله ذلك الحلال وصونه له، يذكر أن سهل بن عبد الله خطفت منه الحدأة قطعة اللحم، وذهبت بها إلى بيته، وتشاجرت هي وغراب فوق بيته، فوقعت اللحمة في بيته، فخاف من امرأته أن يعود بلا لحم كما يخاف الأزواج من زوجاتهم، فذهب الرجل إلى المسجد، ينتظر أن تهدأ زوجته؛ لأن الزمن قادر بفضل الله على تهدئة الناس، فالله عز وجل ينسي الناس البلاء. وبعد أن انتهت الصلاة عاد إلى البيت يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، فدخل وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقالت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما لك في الطعام؟ فقال: ومن أين لنا الطعام؟! فقالت له: بعد أن خرجت تصارعت حدأة مع غراب فوق بيتنا، فوقعت منهما قطعة لحم، فسجد لله شكراً وقال: أشكر ربي أن أرسل لي خادماً يحمل عني قطعة اللحم. فهؤلاء الناس كانوا في خدمة الله فكانت الدنيا كلها في خدمتهم، ولا عجب فالدنيا كلها في خدمة أهل الإيمان، وهذا معنى ما جاء في الأثر: يا دنيا من خدمك فاستخدميه، ومن استخدمك فاخدميه. وكان الإمام الشافعي دائماً يقول: أمطري سماء سرنديب وفيضي جبال تكرور تبراً أنا إن عشت لست أعدم قوتاً وإذا مت لست أعدم قبراً همتي همة الملوك ونفسي نفس حر ترى المذلة كفراً فالإنسان المسلم وهو يمشي في طريق الله عز وجل، ويريد أن يتمثل الدرجة الثانية: درجة الدعاء المخلص لابد أن تكون أول زاوية من زوايا الدعاء أكل الحلال.

الدعاء وأوقات الاستجابة

الدعاء وأوقات الاستجابة الشرط الثاني: اختيار الأوقات المناسبة للدعاء: فعلى الداعي أن يعرف الله عز وجل؟ وأعظم اللحظات التي يدعو فيها الله عز وجل هي لحظات صفاء القلب، وقد يسأل: ما هي علامات صفاء القلب؟ أبين علامات صفاء القلب أن تكون منشرح، وتبحث عن سبب الانشراح فتجد أنه ليس بسبب ما حصلت عليه من مرتب ولا علاوة ولا أن امرأتك راضية عنك أو أولادك، بل هو انشراح صدر بدون سبب دنيوي، وتود في نفسك أن تفعل أعمال الخير، فتقول في نفسك: أتمنى أن يكون درس في المسجد، فأحضره، أو أتمنى أن يأخذني شخص إلى زيارة شخص مريض، أو غيرها من الأعمال. فهذه لحظات أنت قريب فيها من الله وهي أعظم اللحظات للدعاء، ولذلك ندرك معنى قول سيدنا عمر: أنا لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء كانت معه الإجابة؛ لأن الله عز وجل وعد، فقال: منك الدعاء وعلي الإجابة، ولكن دعاء بشروط. ومن الأوقات المناسبة، التي يصفو فيها القلب: الثلث الأخير من الليل، ووقت هطول المطر، ووقت الأذان، وما بين الأذان والإقامة، وعندما يصعد الإمام على المنبر، وبين الخطبتين، وبعد صلاة العصر إلى المغرب، وبعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وعند سفر المسافر، وعند زيارة المريض، ودعاء المسلم لأخيه في ظهر الغيب، وعندما يكون المرء في السجود، ففي الحديث: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد). فكل هذه الأوقات أوقات طيبة للدعاء، ومن الأوقات كذلك: عند زحف الصفوف على العدو، ولكن عندما يكون القتال في سبيل الله، وفي الحديث: (الرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل ليذكر؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)، فإذا كانت الحرب في سبيل الله، استجيب الدعاء، أما إذا كانت من أجل أرض، أو من أجل مال أو أي شيء من عرض الدنيا فلا، بل لابد أن يكون القتال في سبيل الله في سبيل الدين في سبيل إحقاق الحق في سبيل إبطال الباطل، وحينها يكون النصر والغلبة وإن كان المسلمون قلة، قال تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:249].

إحضار الصغار عند الدعاء

إحضار الصغار عند الدعاء الشرط الثالث: أن تحرص عندما تدعو وأنت في شدة أن تحضر أولادك الصغار، وإذا لم يكن عندك أولاد فأحضر أولاد الجيران! وذلك أن قلوبهم مازالت بيضاء من الداخل لم يكتب عليهم أي شيء، فإن تأمينهم على دعائك يوافق تأمين الملائكة، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة استجاب الله له.

الدعاء بعد قراءة القرآن وختمه

الدعاء بعد قراءة القرآن وختمه الشرط الرابع: الدعاء بعد قراءة القرآن أو عندما يختم المصحف، وقد يستبعد القارئ هذا مع أن الأصل في المسلم أن يكون أنيسه وجليسه القرآن، بل من لم يختم القرآن في شهر فقد بات هاجراً لكتاب الله. ومن السنة أن تختم المصحف كل جمعة، وإذا عزمت أن تكون على السنة فتختمه كل جمعة، كان عليك أن تقرأ كل ليلة بقدر أربعة أجزاء ونصف، فإن كنت لا تستطيع، فلتختم كل عشرة أيام، فإن لم تستطع ففي كل خمسة عشر يوم، فيكون ما تقرأه جزئين في اليوم، فإن كنت لا تستطيع ففي كل عشرين يوماً، فإن كنت لا تستطيع ففي كل شهر مرة، وإياك أن يمر عليك الشهر من غير أن تختم المصحف، وفي الحديث: (عليك بالحال المرتحل، قالوا: ما هو الحال المرتحل يا رسول الله، قال: الرجل يضرب من أول القرآن حتى آخره، كلما حل ارتحل). وقد كان ابن عمر رضي الله عنه يختم القرآن بطريقة عجيبة، فقد كان عندما يصل إلى سورة الناس، يفتتح بالفاتحة مرة أخرى وأول أربع آيات في البقرة وبعد ذلك يدعو ويحضر اليتامى وأطفال الحي وأولاده ويؤمنوا على دعائه، وهذا هو الحال المرتحل.

ثواب قراءة القرآن

ثواب قراءة القرآن أما ما يكون لي عندما أقرأ القرآن، فإنه أولاً عهد الله بين يدي عباده، فالله يكلم من يقرأ القرآن، فهنيئاً لك أيها المسلم إن أردت أن تكلم الله فأحسن الصلاة، وإن أردت أن يكلمك الله فاقرأ القرآن. كما أن لك بكل حرف في القرآن عشر حسنات، قال صلى الله عليه وسلم: (لا أقول ألف لام ميم حرف، وإنما ألف حرف ولام حرف وميم حرف)، ففي قوله تعالى: {الم} [البقرة:1] ثلاثون حسنة، فانظر إلى نفسك كم اقترفت من الذنوب، فتمسحها بكثرة الحسنات، وقراءة القرآن إن شاء الله مقبولة سواء بفهم أو بغير فهم. وقد يقول قائل: أنا أقرأ في القرآن ولا أفهم، فهل لي أجر في ذلك؟ نقول له: إن أهل العلم علمونا فقالوا: اقرأ القرآن فإن الله قادر أن ينقلك من قراءة بغير فهم إلى قراءة بفهم، فهذا الحسن البصري يقول: تعلمت القرآن من عبد الله بن مسعود -أستاذه وأستاذ علم القراءات- فلما ترقى بي الحال -بسبب القراءة والتدبر- صرت كأني أسمعه من رسول الله -هو لم ير الرسول لكن كأنه يسمعه من سيدنا الحبيب- فلما ترقى بي الحال صرت كأني أسمع جبريل يقرؤه على رسول الله، فلما ترقى بي الحال كأني أسمعه من المولى عز وجل. ولا عجب؛ فقارئ القرآن في رقي بل يقال له يوم القيامة: اقرأ وترقى اقرأ وترقى وهو في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله! إذاًَ: يشرع الدعاء في دبر وختم القرآن، ومن ضمن الأدعية العظيمة في ختم القرآن: اللهم لا تجعلنا ممن يقرأ القرآن فيشقى، واجعلنا ممن يقرأ القرآن فيرقى، يا رب! لا تجعلني من الذي يقرأ القرآن فيشقى -لأنه يقرأ ولا يطبق- وإنما اجعلني من الذي يقرأ القرآن فيترقى بالقراءة، اللهم اجعلنا منهم يا رب العباد. يروى أن هذا القرآن يأتي والمسلم على الصراط على هيئة النور فيعلق في رقبة من كان يقرؤه، فيخاف في أول وهلة، فيقول له: لا تخف يا عبد الله، إنني أنا القرآن شفيعك اليوم ونورك على الصراط وسوف آخذ بيدك إلى الجنة. اللهم اجعلنا من أهل القرآن يا رب العالمين. ولكي يدرك المسلم عظمة هذا القرآن ينبغي أن يستشعر أن القرآن كالحبل طرفه بيدك والطرف الآخر بيد المولى عز وجل، وحينها لابد أن يكون متمسكاً بكتاب الله، يفزع إليه في أي أزمة أو شدة أو ضيق صدر، فيتوضأ ويقرأ سورة يوسف، ولا يشترط أن يكون حافظاً للقرآن عن ظهر قلب، فإن الذي يقرأ القرآن من المصحف بصوت له أنوار ثلاثة: نور في عينيه، ونور في لسانه، ونور في أذنيه، والذي يقرأ القرآن غيباً بصوت، له نور في لسانه ونور في أذنيه، والذي يقرأ القرآن في السر له نور في لسانه أو في القلب. فاللهم نور بالقرآن قلوبنا وأبصارنا وأسماعنا يا رب العباد.

الإلحاح في الدعاء

الإلحاح في الدعاء الشرط الخامس: وله فرعان: الفرع الأول: الإلحاح: ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب العبد اللحوح)، ولكن هل نحن نحب العبد اللحوح؟ لو كان عندك ولد ثقيل الطباع، وقال لك: يا أبت إنني أريد جنيهاً، يا أبت أريد جنيهاً وإلخ، فربما أنك ترمي الجنيه في وجهه: خذ يا بني لقد أضجرتني! أما الله عز وجل، فإنه لا يضجر منك، بل إن الله عز وجل يحب العبد الملحاح، أي: الذي يلح في المسالة.

أن يدعو موقنا بالإجابة

أن يدعو موقناً بالإجابة الفرع الثاني من الشرط الخامس: أن تدعو وأنت موقن بالإجابة: قال سيدنا الحسن رضي الله عنه: أنا عندما أدعو أرى من الله الإجابة. ومن مستجابي الدعوة سيدنا سعد رضي الله عنه، فقد استجاب الله له في شخص ظلمه، ووصفه بما ليس فيه، فدعا عليه وقال: اللهم إن كان هذا كاذباً فأرني فيه شيئاً، فتخرج ناقة شاردة نادة فتجري كأنما تبحث عن أحد فتأخذ الرجل بين قدميها حتى تهلكه. هذا مع ما كان عليه الصحابة من العفو والتسامح فقد كانوا إذا ظلم أحدهم يقول: اللهم إن كان صادقاً فاغفر لي، وإن كاذباً فاغفر له، وهذه درجة عالية، من السماحة نعجز عنها، بل لو نظر أحدنا إلى أخيه نظرة فقط، لسمع من العبارات النادة، والألفاظ الكريهة ما الله به عليم. ومما يجلي سماحة الصحابة وعفوهم وحلمهم ما حدث لـ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عندما سرقت أمواله فما كان منه إلا أن قال: أنا أدعو وأنتم أمنوا، قالوا: قل يا ابن مسعود قال: اللهم إن كنت تعلم أن الذي سرق نقودي محتاجاً إليها فبارك له يا رب فيها، وإن كان غير محتاج إليها فاجعله آخر ذنب يرتكبه يا أرحم الرحمين! ولا عجب فهذا نهج الدعاة والمصلحين، فهذا حبيب النجار المذكور في قوله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس:20]، إذ أخذ يدعو قومه ويستعطفهم: يا قوم يا قوم يا قوم فلم يسمعوا له، بل بطحوه أرضاً ووقفوا على بطنه حتى خرجت أمعاءه من دبره فمات، فعندما مات قال الله عز وجل عنه: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} [يس:26]، فعندما مات ودخل الجنة هل دعا على قومه؟ وهل قال: أنا وبعدي الطوفان؟ إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر وهل قال: إذا مت عطشان فلا أريد أن ينزل الماء على أحد بعدي؟ فيا أخي ادع للناس بالخير. فـ حبيب النجار عندما دخل الجنة أول شيء قال: {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:27]، فقال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله حبيباً النجار وعظ أهله حياً وتمنى لهم الخير ميتاً). ولذلك قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (عيشوا مع الناس معيشة إن غبتم حنوا إليكم، وإن متم ترحموا عليكم)، اللهم اجعلنا من هؤلاء، إن هناك أناساً إذا غابوا فإن الناس تحن إليهم، وعندما يموتون فإن الناس تترحم عليهم، وهناك أناس تحل السعادة إذا غادروا المكان، لا تحل السعادة معهم.

الدرجة الثالثة من درجات الدخول على الله الافتقار

الدرجة الثالثة من درجات الدخول على الله الافتقار

السعادة في الافتقار إلى الله لا في المال

السعادة في الافتقار إلى الله لا في المال الدرجة الثالثة بعد التوبة والدعاء: الافتقار: أي: أن تدخل على الله وأنت ذليل، فالله عز وجل نصر المسلمين في بدر وهم أذلة، فإني عندما أذل لله يعطيني مسألتي، قال الإمام الشافعي: من طلب العلم في العز لا يفلح. نجد في واقعنا الطالب المسكين الذي يذاكر تحت عمود النور أو في الجامع يكون هو الأول، ونجد الولد المرفه الذي يحضر له أبوه مدرسين، ويحضر له كمبيوتر وبجانبه خادمة تحضر له القهوة وغير ذلك من مدرسين خصوصيين في البيت، ويدرس بمدرسة خاصة وفي الأخير يرسب، فالله عز وجل هو صاحب العطاء، تارة يعطيك قليلاً من المال ويأخذ منك قليلاً من السعادة، وتارة يعطيك قليلاً من الصحة ويأخذ منك قليلاً من المال، وإن كان ابن آدم يريد الصحة والمال والسعادة. وللكاتب الشهير مصطفى صادق الرافعي كتاب لطيف اسمه (المساكين)، يتكلم هذا الكتاب عن شخصية اسمها شخصية الشيخ علي، وهذا الشيخ رجل زاهد في الدنيا. مما ذكر فيه على لسان الشيخ علي قوله: يا رب! هذا رجل أعطيته المال، فيقول: يا رب هذا المال فأين السعادة؟ لأن المال لا يسعد، وإلا لأسعد دول الخليج، أليس كذلك؟ التي أصبح أغلب الموظفين المصريين يتمنى أن يذهب إليها. فهم في هذه الدول يعانون بين الفينة والفينة المشاكل الأمنية التي تقلقهم، فالمال لا يسعد، بل قد يكون نقمة على صاحبه، وفي اللغة: إنما سمي المال مالاً؛ لأنه مال بالناس عن الحق، قال سيدنا علي رضي الله عنه: رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال ومن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا رأيت الناس منفضة إلى من عنده فضة ومن لا عنده فضة فعنه الناس منفضة رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا ومن الأمثال العربية المصرية: معك قرشٌ تسوى قرشاً.

فضيلة الافتقار إلى الله

فضيلة الافتقار إلى الله فمن أجل أن تدخل على الله عز وجل لابد من الافتقار، والتذلل إلى الله، فيكون حالك وأنت تدعو حال افتقار، فإذا قمت في الليل وتوضأت وصليت ركعتين ثم دعوت: يا رب! اهدني، وفقني، ثبت لي الإيمان، حفظني القرآن، حبب إلي كذا، قد يستجاب لك؛ لأن الله جل في علاه في كل ليلة ينزل إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله فيتودد إلى عباده. قال أهل العلم: ليس العجيب من فقير يتودد إلى غني، ولكن الأعجب من غني يتودد إلى فقير، وليس العجيب أن يتقرب الضعيف إلى القوي، ولكن الأعجب أن يتودد القوي إلى الضعيف! واعلم أخي أنه إذا كانت فيك ظلمة من المعاصي فإن من أسماء الله النور، وإذا كان عندك فقر فإن من أسماء الله الغني، وإذا كان عندك عصيان فمن أسماء الله التواب، وإذا كان عندك انحراف وتوهان فإن من أسماء الله الهادي، فإن كان عندك ذل من الناس والناس يزعجونك ويذهبون بك إلى المحاكم وغيرها، فإن من أسماء الله المعز، فمن التجأ إلى الله فقد التجأ إلى ركن ركين، قال سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58]. فطالما أنك طرقت بابه فستلقاه مفتوحاً مادامت السماوات والأرض، فإذا قلت: يا رب! يقول: لبيك يا عبد، فإذا قلت: أعطني، فلن يحيلك إلى أحد بل هو الذي يعطيك؛ لأن خزائنه لا تفند. جاءني قبل سنوات شخص يقول: يا سيدنا الشيخ أنقذني، فقلت له: ما شأنك، قال: صدر في حقي قرار إزالة -إخلاء إداري- وأنا مسكين وحالتي متعبة ولا أملك شيئاً، وعندي خمسة من الأولاد وأمهم وأمي، ويريدون أن يعطونا خيمة وراء المحافظة، فقلت له: قل يا رب! فإن الله عز وجل يقول: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر:21]، فانصرف الرجل من عندي وهو يردد: يا رب! يا رب! فإذا به يتصل بي بعد أيام بأن الله قد استجاب دعاءه وفرج همه وعوضه خيراً مما كان معه. ولذا ينبغي على المسلم أن يطرق باب الله، والله عنده ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ لأن القضية عنده لا تحد بحد، والمشكلة أننا كبشر نريد تخطيطاً وتنظيماً وظهوراً بأسباب ومسببات والاستعانة بالغير، غافلين عن أن الله عز وجل هو المعين سبحانه، ونحن نقرأ كل يوم في الصلاة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].

الواقع المؤسف للمسلمين

الواقع المؤسف للمسلمين ومن العجيب أن يأتيك بعض الناس يقول لك: والله يا سيدنا الشيخ إن امرأتي حالتها متعبة عندها مس، ماذا لو ذهبت بها إلى الشيخ محمد العسكري، فهو يقرأ على المرضى في أرض الحجاز؟ فأقول له: يا أخي! محمد العسكري لا يلقى إلا زوجتك، الجن من النار والإنس من الطين هذه طبيعة وهذه طبيعة، وإن قرأت في كتب بعض السلف أنه يجوز زواج الجني من الإنسية أو الإنسية من الجني ومثل هذا الكلام، فهذا كلام ليس فيه حديث ولا ورد به خبر صحيح، كل هذا اعتبارات أي: حوادث سماعية، والدين فيه كتاب وسنة. وقبل أيام أتت إلي امرأة تشتكي: يا سيدنا الشيخ زوجي مريض، فقلت: ما به؟ قالت: مخاوف، أي: متزوج من تحت الأرض، قلت: وما أدراك؟ قالت: يأتي في الليل وينزل لينام تحت السرير. وهذا يثير استغرابي؛ ففي حين أن العالم يتقدم والناس تفتك بالمسلمين وتسيل الدماء الإسلامية على أرض المسلمين وتحتل أرض المسلمين وتأخذ ثروات المسلمين وتستنزف إيراداته، والناس يعيشون في مثل هذه الأوهام.

مثل المسلمين كشبل نشأ بين الغنم فنسي طبعه

مثل المسلمين كشبل نشأ بين الغنم فنسي طبعه يذكر أن راعي غنم أتى تحت شجرة فرأى شبلاً، فتلفت يمنة ويسرة فلم ير أباه ولا أمه، فأخذ الشبل ورباه وسط القطيع، فشب الأسد الصغير، وأخذ يتصرف على أنه خروف أو نعجة من القطيع يأكل الحشائش والزرع وييعر ويفعل ما تفعله النعاج، فلما كبر هجم على القطيع أسد آخر، ففر كل القطيع إلا الأسد الصغير فقد ترك كل القطيع وركض وراء الأسد الآخر، فوقف ذلك الأسد الآخر، وقال له: لماذا تطاردني؟ قال: لأنك أذعرتنا معشر الخرفان، قال له: إنك مثلي، قال له: لا، أنت أسد وأنا خروف، قال له: لا، من الذي قال لك هذا تعال، وعلى صفحة البئر قال له: انظر إلى الماء، فقال: ما هذا، قال له: هذه صورتك، قال له: والذي بجانبها؟ قال له: صورتي، قال له: لي صورتان، قال: بل أنت أسد ولك صوت حقيقي بداخلك أنا سأزأر، فزأر الأسد فزأر مثله، تفرق القطيع في كل مكان، فقال له: ارجع إلى أصلك! فالمسلمون هم هذا الشبل الصغير الذي تربى وسط الأغنام ونسي أصله ونسي حضارته ونسي تاريخه ونسي عمر بن الخطاب ونسي خالد بن الوليد ونسي ربعي بن عامر حيث بعثه سيدنا سعد إلى كسرى ليوصل له الرسالة التي جاءوا من أجلها، فجاء ربعي ودخل على كسرى، فاتجه إليه القادة من أجل أن يرعبوه، لكن سيدنا ربعي بن عامر دخل غير آبه بهم، أتى إلى كرسي كسرى أو سريره وربط فرسه وجلس بجانبه، فصرخ به الحاشية -فلكل شخص من الحكام حاشية- وقالوا له: انزل، قال: لا، فقال كسرى: اتركوه، ثم قال بلهجة وغلظة المتكبرين: يا أعرابي! سأعطي كل واحد منكم عشرة دنانير وتعودون إلى الصحراء التي جئتم منها، فإني أعلم أنه ما جاء بكم من الصحراء إلا الجوع؟ قال: يا هذا! -لم يقل يا ملك ولا يا جلالة الملك ولا يا فلان- إن الله عز وجل ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وجئنا لنخرج الناس من جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة. أيها الملك! بيننا وبينك أمور ثلاثة: إما أن تدخل في دين الله، وإما أن تدفع الجزية صاغراً، وإما السيف. وهنا سؤال يفرض نفسه: ماذا كان يملك ربعي بن عامر وهو يكلم كسرى؟ لم يكن يملك ما يزعمه البعض اليوم ضرورة للكلام مع الزعماء من رأس مال أو غيره، فقد تكلم مع أعظم شخص في العالم في ذاك الزمان وهو كسرى وهو لا يملك إلا الإيمان بالله، ومادام أنه يملك الإيمان بالله فلن يطأطئ الرأس إلا لله.

عبد الله بن الزبير وموقفه عند مرور عمر بن الخطاب عليه وعلى الأطفال

عبد الله بن الزبير وموقفه عند مرور عمر بن الخطاب عليه وعلى الأطفال وممن جسدوا هذا المعنى الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، بينما كان يلعب مع الصبية، قد بلغ السابعة من عمره، مر عمر بن الخطاب وكانت له هيبة، من رآه هابه حتى إن سيدنا عمر كان يمشي مع الصحابة فحانت له التفاته -أي: نظر فجأة- فوقع الصحابة على الأرض من هيبته، وكان عمر طويلاً، فكان وهو يسير على الأرض رأسه برأس الراكب، على الفرس -وقد استغل هذا الطول وهذا الجسد في نشر الدين- فكيف بالإيتكيت من أولادنا في هذا الزمان الذين إذا رأوا شاباً طويلاً رشح للعب السلة، فهو حري أن يقال له: لا أفلحت أنت ولا الذين ربوك، ألم تفلح إلا في هذا الموضوع؟ عودة إلى سيدنا عمر وموقفه مع ابن الزبير، فإنه لما مر عمر فر الصبية ما عدا عبد الله بن الزبير، فانحنى عمر إليه وقال له: ما الذي أوقفك مكانك ولم تجر مع إخوانك؟ فرد عليه رداً لطيفاً، وقال: لست مذنباً حتى أخاف منك وليست الطريق ضيقة حتى أوسعها لك. قال له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن الزبير! ولا عجب من هذا الثبات فأبوه الزبير بن العوام وأمه أسماء بنت أبي بكر، وأنعم بهما من أبوين تقيين ورعين مؤمنين. وهنا تنبيه أن من أعظم أسباب فساد الأبناء هو فساد دخل الآباء، فالأب حين يكون كسبه من الاختلاسات والرشاوي يأتي الابن عاقاً لوالديه، وقد يتجرأ والعياذ بالله على ضرب والديه إذا نصحاه أو أرشداه بما يخالف هواه.

افتقار رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذلله لربه

افتقار رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذلله لربه والافتقار إلى الله والتذلل بين يديه شأن النبي صلى الله عليه وسلم، فها هو في بدر بعد أن صف الصفوف ظل يدعو ويلح في الدعاء بكل انسكار وافتقار: (اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد اليوم في الأرض) فيقول أبو بكر: يا رسول الله! هون على نفسك فإن الله منجز لك ما وعد، وتقع العباءة من على كتفيه الشريفتين ويعيدها أبو بكر ويرفع يديه ويجلس في التشهد، فيراه أبو بكر يتبسم وهو يقرأ التشهد، فلما سلم قال له أبو بكر: خيراً يا رسول الله، لقد رأيتك تتبسم، قال: مر أخي جبريل من أمامي ومعه ثلاثة آلاف من الملائكة مسومين فألقى علي السلام فتبسمت. دعا الله عز وجل فأنزل الملائكة مباشرة لمؤازرته ونصره، وكان الكفار ينظرون إلى المسلمين وقلتهم بالنسبة لعدد الكفار، فالحساب المادي يذكر أن النسبة بينهم ثلاثة على واحد، فالكفار ألف وهؤلاء ثلاثمائة مع فارق شاسع، لكن الله جعل المشركين ينظرون إلى المسلمين فيرونهم كثيرين، أي: كثرهم الله في أعينهم. وجعل المسلمين كذلك ينظرون إلى المشركين فيجدونهم قلة، ثم ينزل الله المطر في أرض معركة بدر ليثبت الرمال من تحت أقدام المسلمين وتتزحلق الأرض من تحت أقدام المشركين، وهذه أرض وهذه أرض وهو مطر واحد؛ إلا أن الأمر بيد الواحد، فالله عز وجل عندما يمكر بمن يستحق المكر فإنما يقول للشيء كن فيكون، سبحانه!

الدرجة الرابعة للدخول على الله صدق اللجوء إليه

الدرجة الرابعة للدخول على الله صدق اللجوء إليه

اللجوء إلى الله في كل شأن

اللجوء إلى الله في كل شأن الدرجة الرابعة: صدق اللجوء إلى الله: فتكون لاجئاً إلى الله عز وجل، موقناً بأنه ليس لك إلا هو، وليس المعنى بأنك تلجأ إلى الله وقت الأزمة فحسب، بل تلجأ إلى الله في كل شأن من شئونك؛ لأن المسلم إذا صدق في لجوئه إلى الله أتاه نصر الله، ولذلك قيل: اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبلج فمادام أن الأزمة تشتد وتزيد شدة، فقد قرب انفراجها، وهكذا كل أزمة عندما تشتد وتضيق ندرك أنه ما تبقى لها إلا قليل، وأن حلها قد دنى، كما أن انتظار الفرج نوع من العبادات. قال سيدنا علي: عندي أمل في أي شيء. يعني: أعيش على الأمل، فإن حصل فيكون خيراً، وإذا لم يحصل فيكون خيراً، لكن الناس من خوف الخوف في خوف، ومن خوف الذل في ذل، ومن خوف الفقر في فقر، يظل الواحد يتكلم عن الفقر وعن الخوف، فليكن عندك أمل في نصر الله عز وجل، لكن علينا أن ننصر الله أولاً، قال تعالى: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:7]. فلابد أن تدرك أنك بغير الله عاجز، عاجز في بيتك في عملك ولو كنت مديراً ولو كنت رئيساً ولو كنت وزيراً، قال شاعرنا العربي: لقد كانت الأمثال تضرب بيننا بجور سدوم وهو من أظلم البشر هذا سدوم كان قاضياً أو حاكماً. فلما بدت في الأرض آيات ظمهم إذا بسدوم في حكومته عمر وسدوم كان أظلم شخص، فلما ظهر بعد ذلك آيات أخرى فإن سدوماً كأنه عمر بن الخطاب.

معنى صدق اللجوء إلى الله

معنى صدق اللجوء إلى الله ومعنى صدق اللجوء إلى الله: أن لا أشرك مع الله أحداً، فلو عمل المسلم من الأعمال (99. 99%) لله و (0. 01%) لغير الله، فلن يقبل منه، وفي الحديث القدسي: (أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، فمن أشرك في عمل معي غيري تركته وشركه)؛ لأن الله عز وجل يريد أن يكون العمل (100%) له وحده. ومما ينافي صدق اللجوء النذر للأموات كمن ينذر للسيد البدوي أو غيره، فالنذر عبادة لا تكون إلا لله، ومن العجيب أن نجد ممن يدعي العلم ينصح الناس بهذه الشركيات، وإذا استمر الأمر كذلك فستكون الكارثة. لا ننكر أن هؤلاء الذين ينذر لهم كانوا صالحين، بل منهم من كان مجاهداً في سبيل الله لكنه وللأسف ألصق به أشياء أغرب من الخيال، فلا ينبغي أن يطاف بقبر من القبور، ولا تطوف بشيء إلا بالكعبة، ولا تقبل شيئاً من جماد إلا الحجر الأسود، وليعلم المسلم أننا حين نعمل هذه الأعمال نظهر تعبدنا لله عز وجل بتنفيذ أوامره، ولذلك قال سيدنا عمر وهو يقبل الحجر الأسود: أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك. حكى لي إمام أحد المساجد التي فيها قبور أنه فتح صندوق القبر فوجد فيه ورقة لامرأة تشتكي عمها الذي أكل عليها الميراث، فهل هذا من الإسلام، وهل يعقل أن يكون المسلم بهذه العقيدة وهذا العقل؟! ورجل آخر وللأسف ممن يتعلم الناس على يديه، كان جالساً في مجلس فدخل ولد صغير، فقال: إن هذا الولد ابن شيخنا الفلاني، ثم ناداه فقال له: كيف حالك يا بني؟ قل لأبيك يوصي علينا سيدنا الحسين بأن ينتبه لي قليلاً!! فقام رجل من العوام الجالسين وقال له: يا سيدنا الشيخ إذا كان الحسين سينتبه لك كان من الأولى أن ينتبه أولاً لنفسه في كربلاء. الدرجة الخامسة: حب الناس، ولذا إن لم يكن في قلبك حب للناس فثق أن أعمالك لن تقبل، ولذلك يقول الله عز وجل: {وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر:10]؛ لأن المؤمن مع المؤمن لا يغل أبداً.

السنن الراتبة بعد الفرائض وقبلها

السنن الراتبة بعد الفرائض وقبلها تحدثنا في السنن عن رفع اليدين في الصلاة، وذكرنا أن الفقهاء عدو من السنن في الصلاة رفع اليدين في أربعة مواضع: الموضع الأول: تكبيرة الإحرام. الثاني: عند الركوع. الثالث: الرفع من الركوع، الرابع عند القيام من التشهد الأوسط للركعة الثالثة. وهذه سنن لا تبطل الصلاة بعدم عملها، فلو لم يعملها المصلي فإن الصلاة صحيحة بإذن الله. ومن السنن كذلك دعاء الاستفتاح، ويقال بعد تكبيرة الإحرام، حينما يسكت الإمام قبل أن يقرأ الفاتحة، فإنه يدعو دعاء الاستفتاح. ومن السنن كذلك قول المأمومين خلف الإمام: (آمين) بعد فراغ الإمام من الفاتحة، والجهر بها، ومعنى قولنا: آمين أي: استجب يا رب. والملائكة الذين يصلون معنا يؤمنون على ذلك أيضاً. قال الفقهاء: إذا صلى المرء إماماً لجماعة فسلم: السلام عليكم ورحمة الله، فإنه يسلم على المسلمين خلفه والملائكة والجن المؤمن، وقد يقول قائل: الجني إذاً يصلي معنا، فأنا حين أصلي، أصلي وبجانبي أحد الجن، فنقول: قد كفاكهم الله عز وجل حيث قال: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27]. فإذا صلى مأموماً سلم على جاره الذي عن يمينه وجاره الذي على يساره. وإذا كان منفرداً سلم على الملك الذي عن يمينه والملك الذي عن شماله. ويجدر التنبيه هنا على مسألة: وهي قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (من صلى بالناس فدعا لنفسه دونهم فقد خان الأمانة)، أي: لا يصح أن أصلي بك إمام وأدعو لنفسي، بل بنبغي علي أن أدعو للكل، فإذا أردت أن أدعو لنفسي فأدعو عندما أكون منفرداً، أو أكون مأموماً. ومن المسائل المهمة التي ينبه عليها إخواننا الذين يحتجون ويقولون: لماذا لا تتركونا نصلي السنة بعد العشاء؟ نقول لهم: الأصل في السنن أن تصلى في البيوت، والفرائض في المسجد؛ لأن البيت الذي تصلى فيه السنن يراه أهل السماء مضاء كما نرى نحن أهل الأرض الكوكب الدري الغابر في الأفق، فبيوت المسلمين التي فيها قيام ليل منيرة كما نرى الكواكب في السماء. والسنن المؤكدة في اليوم والليلة ثنتا عشرة ركعة، أولها: ركعتا الفجر، وفي الحديث أن عائشة رضي الله عنها قالت: عجبت يا رسول الله لمن يصلي الفجر بعد شروق الشمس كيف يرزقه الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة! يرزقه، ولكن لا يبارك له في رزقه)، أي أن البركة مسلوبة. وفي الحديث الآخر: (صلوهما ولو طردتكم الخيل). ثانيها: أربع قبل الظهر، قد يقول قائل: نقرأ في كتب الفقه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي اثنتين قبل الظهر واثنتين بعده، وللتوفيق بين هذين المذهبين لابد أن يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يصلي في البيت قبل الظهر ركعتين، بعد أن يؤذن بلال، ويصلي الركعتين الأخريين عندما يدخل المسجد، فيكون مجموع الركعات أربعاً. فالذي رأى صلاة الحبيب ركعتين فإنه رأى الرسول في المسجد فقط، أما عبد الله بن مسعود الذي كان يؤذن له بالدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينظر إلى الرسول وهو يصلي ركعتين في البيت، وركعتين في المسجد، فجاء الحديث عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الظهر أربعاً، لكن الصحابي الذي لم يكن يدخل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وهذا هو أصل الخلاف القائم والأصل عدم الخلاف، فهذا وصل له شيء. وهذا وصل له شيء، وقد تقدم أن الإمام الشافعي عندما لم يصل له حديث: (لا صلاة إلا بأم الكتاب)، كاملاً، وبقيته: (إلا أن تكون مأموماً)، أوجب قراءة الفاتحة على المصلي إماماً أو مأموماً أو منفرداً. قال الفقهاء: إن الإمام يجبر المأموم، فإن أخطأ فخطؤه عليه ولا خطأ عليهم، ولذلك من أهم شروط الإمام أن يكون من يصلي وراءه راضين به؛ لأني حين أصلي وراء إمام ولست راضياً عنه فإنني أغتابه وأنا أصلي. كما ينبغي على الإمام ألا يفرض نفسه على الناس، لا كما يحدث في بعض المناطق يقحم نفسه أحدهم إماماً وإن كان في المصلين من هو أحفظ منه وأقرأ منه، وفي الحديث: (يؤم الناس أقرؤهم لكتاب الله. فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في العلم سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم في السن). فذكر شروط الإمامة بالتفصيل، ولم يقل كما قال بعض الفقهاء: أجملهم ثوباً أو أجملهم زوجة وغيرها من الشروط التي لم يرد بها أثر. إذاً: أنت تصلي أربعاً قبل الظهر وركعتين بعد الظهر. ثالثها: ركعتان بعد المغرب، وكان الحبيب صلى الله عليه وسلم أحياناً يصلي بعد المغرب ستاً، يصليها مثنى مثنى، ويسميها بعض الفقهاء صلاة الأوابين. رابعها: ركعتان بعد صلاة العشاء، فمجموعها اثنتا عشرة ركعة، وهي سنن مؤكدة، من حافظ عليهن وجبت له شفاعة المصطفى، فالذي ينبغي على المسلم أن يحافظ عليها، فإنها من الفرائض كالسور للبيت، ومثل من يصلي السنن كمثل رجل عنده بيت وحول البيت بستان، فجاء السارق يسرقه، فدخل على البستان، وما أن وصل إلى باب القصر أو باب البيت يكون الحارس قد انتبه له وأمسك به. ومثل من لا يصلي النوافل كمثل رجل له بيت لا يحوطه بستان فإن السارق يدخل على البيت مباشرة. فالفريضة كالبيت، والسنن كالحديقة والشيطان كالسارق يريد الدخول لإفساد الفريضة، ولذا فإنه يأتي إلى الذي يحافظ على السنن فيكسله عنها واحدة تلو الأخرى؛ لكنه لا يكاد يثنيه عن أغلبها حتى ينتبه لمكره ويستأنف نشاطه، أما من لا يصلي السنن فإنه يساومه على تأخير الفرض أو تعجيله ثم تركه بالكلية فهو على خطر. والذي ينبغي أن ينتبه له أن على المصلي أن يثب على الصلاة إذا سمع النداء، ومن العجيب كيف يتوانى المسلم وهو يسمع: حي على الصلاة حي الفلاح، وكلمة حي: اسم فعل أمر بمعنى تعال هلم، نداء لكل مسلم لا لإبراهيم فقط أو محمد فقط أو محمود فقط أو سعيد فقط أو مبروك فقط، بل لكل مسلم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد كان الصحابي إذا سمع حي على الصلاة يترك كل ما في يده، وهو يقول: لا بورك في عمل سمع صاحبه نداء الله ثم لم يجب، نذهب نصلي ثم نرجع. ولا يقول كبعض الناس اليوم: أكمل الذي في يدي أذهب، وقد يطول العمل فتفوته الصلاة في جماعة، بل قد يخرج وقت الصلاة ولم يكمل بعد. ولذا ينبغي إذا حضرت الصلاة أن تقول لصاحبك في المكتب وفي المعمل وفي الشغل وفي البيت: قم إلى الصلاة، وكذلك الزوج لزوجته، والمرأة لزوجها، الكل ينبغي أن يحض على الصلاة. وفي الحديث: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ زوجته، فإن لم تستيقظ نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن لم يستيقظ نضحت في وجهه الماء). ولكن هناك بعض الأخوات يفهمن الكلام على غير المراد، توقظ زوجها لصلاة الفجر وهو لا يصلي الظهر والعصر، فكيف سيصلي الفجر؟ فتأخذ الماء من الثلاجة فتصبه عليه، فيقوم الرجل وهو غاضب فيقول: من الذي قال هذا؟ فتقول: الشيخ عمر! وبعدها ترى شراً ولا تسأل عن الخبر. والمرأة أخذت الكلام بجد. وأنا أقول: عندما ترى رؤيا سيئة -كابوس- تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وتتفل على يسارك ثلاثاً، فإحدى النساء رأت في المنام أن البيت يقع عليها فقامت فزعة من الرؤيا وذكرت محاضرتنا، فتفلت ثلاثاً فجاء على وجه زوجها! فتخيل أنت وأنت في الساعة الرابعة قبل الفجر والبصاق نازل على وجهك؟ فقام الرجل فقال: ما هذا يا امرأة؟ فقالت: والله الرجل قال كذا وكذا، وأنا رأيت كابوساً فقال: أنا لا دخل لي في الكابوس، ما الذي حصل بعد الكابوس؟ فقالت: الشيخ عمر قال، فقال لها: الشيخ عمر؟ أنت طالق ثلاثاً إن ذهبت إلى محاضرة مرة أخرى، لكن الله هداه بعد ذلك، وأصبح ما شاء الله عليه صاحبي وحبيبي الآن يزرني وأزوره، وكلكم أحبابي نسأل الله أن يديم الحب في الله سبحانه وتعالى.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية توجيه الميت في القبر

كيفية توجيه الميت في القبر Q في بعض مناطق الريف عندما يموت الإنسان يضعون رأسه ناحية الغرب وقدمه ناحية القبلة وعند الدفن كذلك، فهل هذا صحيح؟ A الصحيح أن يوضع الميت ناحية القبلة، بحيث الذي يصلي عليه يكون متجهاً للقبلة.

ختان الإناث

ختان الإناث Q هل ختان البنات سنة أو واجب أو فرض؟ A لا حديث صحيح ورد في ختان البنات.

حكم النقاب

حكم النقاب Q سمعت من الشيخ محمد الغزالي بالأمس أن النقاب ليس له دليل أو أصل في الإسلام؛ ودليله على ذلك أنه لن يبقى شيء يغض المؤمنون أبصارهم منه إن كن النساء متسترات بالنقاب؟ A هناك رأي من الفقهاء يفرض النقاب، وهناك رأي لا يراه فرضاً، وما تراه أفضل فافعله وكله خير.

اعتياد سجود السهو

اعتياد سجود السهو Q أحاول جاهدة الخشوع في الصلاة، ولكن على الرغم من ذلك أشعر باضطراب في حصر عدد الركعات يختلط علي الأمر، فأصلي في نهاية كل صلاة أؤديها سجدة السهو؟ A مادام صار السهو لنا عادة فلا نسجد للسهو، بل نبني على الأكثر.

ارتداء الخمار عند قراءة القرآن

ارتداء الخمار عند قراءة القرآن Q هل يجب أن أرتدي الخمار أثناء قراءة القرآن؟ A أتمنى ذلك.

رفع المصلي بصره إلى السماء عند القيام من الركوع

رفع المصلي بصره إلى السماء عند القيام من الركوع Q يرفع بعض المصلين رءوسهم إلى أعلى وأبصارهم إلى السماء عند القيام من الركوع، فهل هذا جائز؟ A هذا حرام، لا يصح أن ينظر المصلي إلى الأعلى وهو في الصلاة، أو أن يصلي ووجهه إلى الأعلى، وإنما يكون نظره محل سجوده.

قراءة الفاتحة على الميت والدعاء له

قراءة الفاتحة على الميت والدعاء له Q ما حكم قراءة الفاتحة على الميت، والصوم والصلاة والصدقة، وما هي الصيغة السليمة للدعاء له؟ A لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ الفاتحة على الميت أو قرأ قرآن على الميت وأفضل الدعاء: اللهم اغفر له وارحمه.

حكم شهادات الاستثمار ذات المرتب الشهري

حكم شهادات الاستثمار ذات المرتب الشهري Q حكم شهادات الاستثمار ذات المرتب الشهري؟ A ربا. السؤال: والأخرى ذات القيمة المتضاعفة؟ وما حكم فائدة البنوك؟ الجواب: ربا. السؤال: والاستثمار الأفضل؟ الجواب: ضعها في بنك إسلامي والحجة عليه.

صيام الإثنين والخميس سنة

صيام الإثنين والخميس سنة Q حكم الإسلام في صيام يوم الإثنين والخميس؟ A سنة.

إعفاء اللحية

إعفاء اللحية Q شاب مسلم أريد أن أكمل إيماني بإعفاء اللحية، ووالدي ووالدتي يريدون مني حلق اللحية وأنا لا أرغب في ذلك؟ A مادام أنك ربيتها فلا تحلقها.

حكم الصلاة الفائتة

حكم الصلاة الفائتة Q هل تظل الصلاة الفائتة ديناً على المسلم؟ A تظل ديناً على المسلم.

حكم تبرع غير المسلم بالدم للمسلم

حكم تبرع غير المسلم بالدم للمسلم Q هل يجوز تبرع غير المسلم بالدم للمسلم؟ A نعم. يجوز.

حكم إخراج الزكاة عن الكفن

حكم إخراج الزكاة عن الكفن Q اشتريت كفناً وأحفظه في المنزل فهل علي إخراج زكاة عليه؟ A وهل اشتريت كفناً بثلاثة آلاف جنيه؟ لكن إذا كان الكفن قيمته ثلاث آلاف جنيه -وهذا حرام- فأخرج فيه الزكاة.

حكم أكل الرجال والنساء على مائدة واحدة

حكم أكل الرجال والنساء على مائدة واحدة Q هل يجوز أن تأكل النساء والرجال معاً على مائدة واحدة؟ A إذا كانوا محارم ويؤمن الفتنة فلا شيء في ذلك، وإذا لم يكن فيا ليت للرجال مكان وللنساء مكان.

هل يلزم الإمام الجهر بالنافلة إن أم مفترضا

هل يلزم الإمام الجهر بالنافلة إن أم مفترضاً Q جاء أخ ليصلي خلفي صلاة المغرب وكنت أصلي السنة، فهل أجهر بالسنة؟ A يجوز ذلك.

من تاب تاب الله عليه

من تاب تاب الله عليه Q لي صديق ارتكب الفحشاء أكثر من مرة وتاب، فما رأيك فيه؟ A تاب الله عليه، نسأل الله أن يتوب علينا وعليك يا أخي.

حكم الصور وتعليقها

حكم الصور وتعليقها Q أعطيت خطيبتي كرت فيه صورة فوتوغرافية لي، فعلقته في الصالون، فحضرت ثاني يوم ولم أجده، فسألتها، فقالت: إن الصور تمنع دخول الملائكة البيت، فهل هذه الصورة المنهي عنها، أم الصورة المجسدة؟ السؤال: العلماء كذلك على رأيين ولا داعي للصور إلا لضرورة، لكن للعلماء رأي يقول: إن الصور ليست محرمة إنما الحرام التماثيل، ولكن من باب أولى تركها، ومادام أنه مازال خطيبها فمن غير الصحيح وضع صورتك من الآن أمامها فقد تضجر منك.

حكم إعفاء اللحية

حكم إعفاء اللحية Q حكم الدين في تربية اللحية؟ A واجب، وأنا مقصر فيها.

حكم التكبير عند الشروع في قراءة سورة من القرآن

حكم التكبير عند الشروع في قراءة سورة من القرآن Q هل يجوز التكبير عند بداية قراءة أي سورة من القرآن؟ A لا، وإنما التكبير في القرآن في سور معينة، هذا في علم القراءات.

حكم لعب الشطرنج إذا لم يله عن الصلاة

حكم لعب الشطرنج إذا لم يله عن الصلاة Q ما حكم لعب الشطرنج إذا كان لا يلهي عن الصلاة؟ A أجازه أبو حنيفة.

مشروعية الوضوء لمن أحدث والصلاة لمن توضأ والدعاء لمن صلى

مشروعية الوضوء لمن أحدث والصلاة لمن توضأ والدعاء لمن صلى Q قرأت حديثاً قدسياً فيه: (من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني، ومن توضأ ولم يصل فقد جفاني، ومن لم يصل ولم يدعني فقد جفاني)؟ A هذه أحاديث للندب، وليست فرضاً.

حكم الصلاة في مسجد فيه قبر

حكم الصلاة في مسجد فيه قبر Q حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟ A إذا كان وراءه، وكان مضطراً للصلاة في هذا المسجد فليصل.

صحة حديث (من صلى أربعا قبل الظهر)

صحة حديث (من صلى أربعاً قبل الظهر) Q قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى أربعاً أقبل الظهر وأربعاً بعدها حرم الله لحمه على النار)، ما مدى صحته؟ A الحديث صحيح؛ أخرجه الترمذي في صحيحه.

ما هي النخامة

ما هي النخامة Q ما هي النخامة؟ A النخامة هي البصاق.

ذكر آية فيها سجود في مجلس علم من غير تلاوة

ذكر آية فيها سجود في مجلس علم من غير تلاوة Q إذا ذكرت آية فيها سجدة في مناقشة أو مجلس علم وليس في تلاوة؟ A عليك سجدة بعدما تعود.

الضرائب لا تغني عن الزكاة

الضرائب لا تغني عن الزكاة Q هل ضرائب الحكومة تغني عن الزكاة؟ A لا.

حكم تحية المسجد أثناء الخطبة

حكم تحية المسجد أثناء الخطبة Q هل تحية المسجد واجبة في أثناء الخطبة؟ A لا.

حكم صلاة السنن قبل الأذان

حكم صلاة السنن قبل الأذان Q هل من الممكن صلاة السنة قبل أن يؤذن للصلاة؟ A لا.

إيتار التسبيح في الركوع والسجود

إيتار التسبيح في الركوع والسجود Q هل يجب أن يكون التسبيح في السجود والركوع وتراً؟ A طبعاً، (إن الله وتر يحب الوتر).

معنى المعصية والذنب والخطيئة والسيئة

معنى المعصية والذنب والخطيئة والسيئة Q ما معنى: المعصية، الذنب، الخطيئة، السيئة؟ A كلها خطأ، نسأل الله التوبة.

سلسلة مقتطفات من السيرة [20]

سلسلة مقتطفات من السيرة [20] إن الحياء يحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى، وذكر الموت والبلى عصمة لإيمان المرء، وإذا أراد الله بعبده هلاكاً نزع منه الحياء، فيصل به الحال إلى خلع ربقة الإسلام من عنقه. وإن من مواد الحياء إقامة المرء لصلاته بأركانها وسننها وهيئاتها، ولا يتم ذلك إلا بالمعرفة العلمية لتلك الأحكام.

موقف المسلم في زمن الفتنة

موقف المسلم في زمن الفتنة أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه -بمشيئة الله عز وجل- الحلقة العشرون في سلسلة حديثنا عن السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات، وهي -بمشيئة الله- الحلقة السابعة في الحديث عن الركن الأساسي في الإسلام، وهو عمود الإسلام والركن الأول بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وهو الركن الذي يسأل العبد أولاً عنه يوم القيامة، فإن وجد كاملاً قبل وسائر عمله، وإن وجد ناقصاً رد وسائر عمله، وهذا الركن هو الصلاة. فاللهم اجعلنا من المحافظين عليها، ومن الخاشعين فيها، ومن الذين تقبلت -يا ربنا- صلاتهم وعبادتهم. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا مجاهداً في سبيلك إلا نصرته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا غانماً سالماً رددته. اللهم احفظ لنا أبناءنا في مصر وفي غيرها يا أرحم الرحمين، واحفظ أبناء المسلمين في كل بقاع العالم يا أكرم الأكرمين، وانصر الأقليات الإسلامية في بقاع الأرض. اللهم ارم الكافرين في الكافرين، وأخرجنا من بينهم سالمين. اللهم لا تُسل قطرة دم مسلمة إلا في سبيلك، اللهم لا تُسل دماء المسلمين إلا في سبيلك، اللهم لا تُسل دماء المسلمين إلا في سبيلك. اللهم انزع الغل والحقد والحسد من قلوب المسلمين على المسلمين، اللهم اجعلنا على المسلمين أذلة وعلى الكافرين أعزة، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وولِّ أمورنا خيارنا، ولا تولِّ أمورنا شرارنا، وأصلح -يا مولانا- أحوالنا. اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. اللهم تب على كل عاصٍ، واهد كل ضال، واشفِ كل مريض. اللهم فرج كرب المكروبين، اللهم إنك تعلم أن في كل قلب واحد منا كرباً، ففرج -اللهم- كروبنا، وأذهب غمومنا، واقض اللهم ديوننا، واشرح لنا صدورنا، اللهم اشرح صدورنا، اللهم اشرح صدورنا، اللهم اشرح صدورنا، وآمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا. يا أرحم الرحمين! ارحمنا، اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة، فإن لم نكن أهلاً لرحمتك فرحمتك أهل لأن تصل إلينا، واختم لنا منك بختام السعادة أجمعين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. قبل الدخول في تكملة سنن الصلاة ومكروهاتها ومبطلاتها، أذكر حديثاً للصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، وهو -إن شاء الله- حديث صحيح رواه الإمام أحمد ورواه ابن حبان ورواه الدارقطني ورواه ابن ماجه عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسنبدأ هذا الدرس بهذا الحديث العظيم، وكل كلام سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يصلح أن يكون منهاج عمل، فالمسلم يأخذ كل حديث من أحاديث المعصوم صلى الله عليه وسلم منهاج عمل في حياته، وما تعبنا منذ أن تعبنا إلا عندما نسينا كلام الصادق الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك). ولقد سأله أحد الصحابة يوماً فقال: (يا رسول الله إن جاءني رجل يريد أن يأخذ مالي ويريد أن ينتهك عرضي، فيريد أن يأخذ أرضي، أأقاتله؟ قال: قاتله، قال: فإن قتلته؟ قال: فهو في النار، قال: فإن قتلني؟ قال: فأنت شهيد). أما في زمن الفتن فهناك حديث آخر لا يعارض هذا الحديث، يعني: الفاحشة ترتكب علناً، والناس يقتل بعضهم بعضاً، فلا يدري القاتل لم قَتل، ولا المقتول لم قُتل، فقد أمر صلى الله عليه وسلم فيه بأن تكسر السيوف والقسي وأمر بلزوم البيوت حتى تأتي المرء منيته أو يأتيه سهم غرب، ولما قيل له: (فإن دخل علي بيتي؟! قال: كن كخير ابني آدم) إذ قال لأخيه: {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:28]. وهذا عندما تكثر الفتن وأنت لا تعرف الصواب أين هو، والغلط أين هو، تريد أن تزنها فلا توزن، فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن يزيل الغم، فليس لها من دون الله كاشفة.

الهلاك بذهاب الحياء

الهلاك بذهاب الحياء لقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبد هلاكاً نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء فلا تراه إلا مقيتاً ممقتاً)، يعني: عندما ينزع الله الحياء من شخص يكون وقحاً يقول الكلمة ويرجع فيها مرة أخرى ولا يهمه ذلك، ويشتمك ولا يهمه ذلك، ويتطاول على الكبير والصغير. فعندما ينزع الحياء من ابن آدم لا تجد هذا الإنسان إلا مقيتاً ممقتاً، يعني: غاضباً، ومغضوباً عليه، من الله ومن الناس. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: يا جبريل! إني أحب عبدي فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل). فهل سمعت من قبل عن حب إجباري؟! فالله عز وجل يلقي المحبة في نفس جبريل لك إذا كنت محبوباً، فنسأل الله أن يجعلنا من الذين أحبهم الله؛ لأن ذرة من محبة الله تجعلك أغنى إنسان، ولكن ليس بالأموال؛ فأصحاب الخليج كانت لديهم أموال، فكانت سبب نقمة. وفي الحديث: (إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لفسد، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لفسد، وإن من عبادي من لا تصلحه إلا الصحة، ولو أسقمته لفسد، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا السقم، ولو عافيته لفسد). فالله عز وجل يعرف الذي ينفع هذا والذي ينفع هذا، ولذلك عندما يقول لك أخوك: لماذا أنت مضطهد لابنك محمود؟ فإنك تقول: أولادي كلهم عندي سواء، فيقول: الولد الكبير تعطيه العشرين والثلاثين جنيهاً، وهذا تعطيه الشيء القليل، فتقول: إن هذا الولد أراه يمشي مع بعض الأولاد، وأظنهم يشربون السجائر، وأنا لا أريد أن أكثر المال في جيبه من أجل ألا يتناول به ما يتناوله. فأنت يا صاحب العقل المحدود -تعرف ما الذي يصلح ولدك وما الذي يفسده، فما بالك بالله؟! فهو الذي يعرف ما يصلحك. إن معيار الناس لقياس الرجال هو المال، ولذا يروى أن رجلاً مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال لهم: (ما تقولون في هذا؟ فقالوا: إن هذا حري إن خطب أن يجاب، وإن قال أن يسمع، وإن شفع أن يشفع. ثم مر آخر فقير، فقال: ما تقولون في هذا؟ فقالوا: إن هذا حري إن خطب ألا يجاب، وإن قال ألا يسمع، وإن شفع ألا يشفع. فقال صلى الله عليه وسلم: لهذا خير من ملء الأرض من هذا). ويقول الناس: إن الغني إذا تكلم كاذباً قالوا صدقت وما نطقت محالا أما الفقير إذا تكلم صادقاً قالوا كذبت وأبطلوا ما قالا إن الدراهم في المواطن كلها تكسو الرجال مهابة وجلالا فهي اللسان لمن أراد فصاحة وهي السلاح لمن أراد قتالا وقال سيدنا علي: حتى الكلاب إن رأت غنياً حركت أذنابها، وإن رأت فقيراً كشرت أنيابها. فاحمد الذي سواك فأحسن خلقك، وأغناك من فضله، وقنعك بما آتاك، وإذا قنعك بما آتاك فأنت أغنى الأغنياء؛ لأن الحسن البصري قال: إن بيني وبين الأغنياء يوماً لا يوجد غيره، فالأمس مضى، والغد لا أخافه ويخافونه، فليس بيني وبينهم إلا اليوم، وأنا مشغول فيه بذكر الله. ونعيم أهل الغنى والعز والجاه في الأمس مضى، وفقر وبؤس الفقراء مضى. قال: والغد لست خائفاً منه، وأما الغني فخائف، يحسب للدولار حسابه، والوزير الجالس على الكرسي يخاف أن يسحب الكرسي من تحته، بل إن الذي يراقبك تجده يسهر إلى الفجر ليعلم أين ذهبت ومن أين أتيت، وأنت في نوم عميق.

بيان المراد بالحياء

بيان المراد بالحياء فالله عز وجل إذا أراد بعبد هلاكاً -والعياذ بالله- نزع منه الحياء. والحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى، وأن تعد نفسك مع الموتى، وأن تؤثر ما يبقى على ما يفنى. وإذا كان المسلم عنده إيمان فإن عنده حياء. وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام)، وأنا سأضرب لك مثلاً: أدخلت المرأة المستشفى وأولادها الخمسة جالسون بجانبها يخافون أن تموت أو يحدث لها شيء، وذلك من باب البر بالأم، ففي هذه اللحظة تستغل حنان الأم فيها، وعندها بنت واحدة، فتقول لأولادها: اسمع يا محمود، اسمع يا أشرف، اسمع يا أحمد، اسمع يا عبد الغني، أنتم تعرفون أن فاطمة أختكم هي الورطة التي وسطكم، فيقولون: مري يا أماه! فتقول: إذا كنتم موافقين أن يكون ذهبي لأختكم، وكل الذي في الدولاب لأختكم أتوافقون على ذلك؟ فبالله عليك ماذا سيقول الأولاد في هذه اللحظة! لاشك أنهم سيوافقون حياء وإحراجاً، فهذه الفلوس والذهب والأشياء التي أخذتها فاطمة حرام، لأن ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام؛ ولأنها استغلت سيف الحياء لتأخذ موافقة مشكوكاً في أمرها من أولادها وهم غير راضين. (ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يعظ أخاه في الحياء، فقال له: دعه؛ فإن الحياء لا يأتي إلا بخير)، والحياء شعبة من الإيمان، فمن كان عنده إيمان سيكون عنده حياء. وقد كان في الزمن الماضي شيء اسمه: (حياء العذارى)، فعندما يذكر الزواج أمام بنت تحمر وتخضر وتصفر وتختبئ من أبيها، وأما الآن فإن البنت تجلس وتضع رجلاً على رجل وتفكر في فتى أحلامها، وتذكر الشروط، كأن يكون ممشوق القوام، وشعره أسود، ونحو ذلك. ولكن في زمن حياء العذارى كان إذا تقدم الرجل لبنت يقول الأب لامرأته: جاء خاطب، فتدخل المرأة لتكلم البنت، هكذا كانت الأمور، وكل بيوتنا كانت هكذا، وكان الناس إذا دخل الواحد منهم بيت غيره يغض البصر، ويظل واقفاً، وهذه هي الآداب الإسلامية، أي أن أظل واقفاً في البيت الذي دخلت ضيفاً فيه حتى يشير صاحب البيت إلى الكرسي الذي أجلس فيه، فليس أنا الذي أختار الكرسي؛ لأن الضيف أسير إلى درجة أنني عندما أبيت في بيت صاحبي وأحب أن أصبح صائماً أستأذنه؛ لأنني أسير.

حصول المقت بذهاب الحياء

حصول المقت بذهاب الحياء إذاً: إذا أراد الله بعبد هلاكاً نزع منه الحياء، فإذا نزع الحياء فلا تجده إلا مقيتاً ممقتاً، فالله عز وجل عندما يحب عبداً ينادي جبريل: يا جبريل! إني أحب عبدي فلاناً فأحبه، فيقع حب العبد عند جبريل، فينادي جبريل في الملائكة: يا ملائكة السماء، يا ملائكة الأرض! إن ربكم يحب عبده فلاناً وأنا أحبه فأحبوه، وذلك لأنه رئيس الملائكة، فهو الرئيس الذي يصدر أوامره للملائكة كلها. فسيدنا جبريل يقول: (أحبوه)، فيحبونه، وبعد ذلك يوضع له القبول في الأرض. ولذلك عندما من الله على سيدنا موسى قال له: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39]، أي أنه لا أحد يرى موسى إلا أحبه، إلى درجة أن فرعون كان يحبه وهو عدو له. وحين أتوا به من الصندوق قذف الله حبه في قلب زوجته، فقالت: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القصص:9]، فقال لها فرعون: لك أنت وحدك، قال سيدنا الحبيب: (لو قال لها: قرة عين لي ولك لهداه الله)، ولكن قال لها: لك أنت وحدك. مثل الرجل الصالح الذي أراد سفراً وامرأته حامل، فقال: اللهم إني أستودعتك ما في بطنها. وسافر، فرجع، فقالوا له: البقاء لله، فإن امرأتك قد ماتت. فقال: سأزور القبر، فذهب فسمع صوتاً بداخل القبر، فقال لهم: متى ماتت؟ فقالوا له: ماتت قبل يومين، ففتح القبر، فلقي الرضيع بجانب أمه الميتة، فأخذ الرضيع فصاح، فأغلق القبر فسمع صوتاً يقول: يا فلان! استودعت ربك ما في بطنها فوجدته؛ لأن وديعة الله لا تضيع. فسيدنا موسى كان صغيراً لا يقدر على شيء، فقالوا: كيف نعمل به؟! فقال: اتركوه لا تقتلوه، وأحضروا من يرضعه. وكان الأمر قد صدر من السماء وهم لا يعلمون: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص:12]، فأتت أخته فقالت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص:12]، فقيل لها: ائتي بها الآن. فأحضرت أم سيدنا موسى، فقيل لها: خذيه وأرضعيه، وكانوا من قبل يحضرون له مرضعات فيرفض، وحين أتت أمه التقم ثديها، فقال فرعون: أنا أشك في أن هذه أمه، فهل أنت أمه؟ فقالت له: نحن قوم لا يرفضنا الأطفال، فهاتوا أي ولد وضعوه على صدري. فكلما أتوا بولد رضيع ووضعوه على صدر أم سيدنا موسى يمسك بصدرها ويرضع، فقالوا: هذا صحيح. وبعد قليل كبر سيدنا موسى ثم ضرب فرعون على وجهه، فشك فرعون، فقال: سأعمل له امتحاناً. فأحضر تمرة وجمرة لينظر أين سيضع يده، أعلى التمرة أم على الجمرة؟ فأراد موسى أخذ التمرة، فنزل جبريل فأخذ يد سيدنا موسى ووضعها على الجمرة، ومع ذلك لم يكن فرعون مطمئناً؛ لأنه رأى رؤيا تفسيرها أن ولداً من بني إسرائيل سيكون على يديه زوال ملك فرعون. وبعد ذلك قالت أم موسى: إن كنتم تريدون إرضاعه فأحضروه عندي، فصرفوا لها مرتباً عالياً من القصر الملكي. وهنا مسألة، وهي عندما ترضع زوجتك ابنك هل ستعطيها أجرة؟ إن الواجب عليك أن تعطيها أجرة فالإسلام يقول: من حقوق المرأة على زوجها أن تأخذ أجرة الرضاعة. ففي الفقه أنني أعطي زوجتي أجر الرضاعة، وإذا لم تأخذ فإنه إذا مص الطفل من صدر أمه مصة كتب لها حسنة وحط عنها سيئة ورفع لها عند الله درجة. فالحاصل أن الله إذا أحب عبداً وضع له القبول في الأرض، وكذلك إذا أبغض عبداً فإنه يبغضه جبريل، وتبغضه الملائكة، ثم توضع له البغضاء في الأرض، فكل واحد يقول: إن فلاناً هذا دمه ثقيل على قلبي، لا أحبه أبداً. فاللهم اجعلنا من الذين تحبهم، واجعلنا من المتاحبين فيك يا أرحم الرحمين.

أثر ذهاب الحياء على نزع الأمانة

أثر ذهاب الحياء على نزع الأمانة يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبد هلاكاً نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء فلا تراه إلا مقيتاً ممقتاً، فإذا لقيته مقيتاً ممقتاً نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة لا تراه إلا خائناً مخوناً). والأمانة كلمة واسعة، فالوضوء أمانة، والصلاة أمانة، والعبادة كلها أمانة، والكلمة أمانة، والدين والإسلام عندك أمانة، فالواجب أن تحافظ عليه مثل ابن من أبنائك. وعمرك أمانة، وزوجتك أمانة، وأولادك أمانة، وجارك أمانة، والبيت -إذا كنت مستأجراً- أمانة، والعمل أمانة، والآلة التي تعمل عليها أمانة، وكل الجوارح أمانة، والله عز وجل سوف يسألني: ماذا صنعت في هذه الأمانات؟ فإذا أراد الله بعبده هلاكاً نزع منه الحياء، ثم تنزع منه الأمانة، فلا تلقاه إلا خائناً مخوناً، والخائن قال فيه صلى الله عليه وسلم: (خمسة من أهل النار وذكر منهم الخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه)، يعني: إن كان الشيء صغيراً فإنه يخونك فيه أيضاً.

أثر ذهاب الحياء على نزع الرحمة

أثر ذهاب الحياء على نزع الرحمة قال صلى الله عليه وسلم: (فإن لم تلقه إلا خائناً مخوناً نزعت منه الرحمة). فتخيل واحداً ليس عنده رحمة، فلا يقبل رأي آخر، ولا يقبل من أحد أن يعارضه. قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا نزعت منه الرحمة فلا تلقاه إلا رجيماً ملعناً) فهو شخص ليس عنده رحمة بالناس ولا بالفقير ولا بالأرملة ولا باليتيم ولا بالمسلم ولا بامرأته ولا بأولاده. والمسلم كله رحمة، قال تعالى في نبيه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. وانظر إلى رحمة سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، فقد قال لـ عمر في عبد الله بن أبي: (يا عمر لو أعلم أن الله سيغفر له إذا زدت على سبعين لاستغفرت له). وفي المحشر يذهب الناس يوم القيامة إلى آدم، فيقولون: (يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك منه روحه، وأسجد لك الملائكة، يا آدم! اشفع لنا عند ربنا. فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، اذهبوا إلى نوح، فيأتونه فيقول: لقد غضب ربي اليوم غضباً لم يغضب مثله قبله، ولن يغضب بعده مثله، اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم ثم موسى ثم عيسى وكلهم يقول ذلك ويذكر ذنباً خلا عيسى عليه السلام، فيقول لهم عيسى: اذهبوا إلى أخي محمد عليه الصلاة والسلام، فيأتونه فيقول: أنا لها. ثم ينطلق فيسجد تحت العرش، ويحمد الله بمحامد يلهمها، فيقول الله عز وجل: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيقول: يا رب! أمتي. فيفصل الله بين الخلائق).

أثر ذهاب الحياء على الطرد من رحمة الله وخلع ربقة الإسلام

أثر ذهاب الحياء على الطرد من رحمة الله وخلع ربقة الإسلام فإذا أراد الله بعبد هلاكاً نزع منه الحياء، فيكون مقيتاً ممقتاً، ثم تنزع منه الأمانة، فيكون خائناً مخوناً، فعندما تلقاه خائناً مخوناً تنزع منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة لا تجده إلا رجيماً ملعناً، فيطرد -والعياذ بالله- من رحمة الله، فإذا لم تلقه إلا رجيماً ملعناً نزع الله منه ربقة الإسلام -والعياذ بالله رب العالمين- فيموت على شر حال، فاللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها يا رب العالمين.

ذكر بعض أحكام الصلاة

ذكر بعض أحكام الصلاة قلنا: إن السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون فعلاً أو قولاً أو سكوتاً على شيء حدث أمامه صلى الله عليه وسلم، ولا يسكت الرسول صلى الله عليه وسلم على باطل أبداً. وإن من سنن الصلاة رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وعند الهوي إلى الركوع، وعند الرفع منه، وعند الهوي إلى السجود كما أجازه البعض، فهذه مواضع أربعة لرفع اليدين. أما الاطمئنان في الركوع والتمكن في الجلوس ففرض، فعندما آتي وأركع لابد من أن أطمئن في ركوعي إلى درجة أنه لو وضع كأس فوق ظهري لما انكفأ. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما ورد- إذا ركع شد رجليه وشد ذراعيه، والتقم بأصابعه ركبتيه، ثم بعد ذلك يسوي ظهره، ورأسه حتى قال الصحابة: لو وضع إناء من ماء على ظهر الحبيب لاستقر. وليحرص المرء على بصره في الصلاة، فإن من أبصر إلى السماء وهو يصلي أوشك أن يخطف الله بصره والعياذ بالله. كما يحرص على متابعة الإمام، فمن كان يسبق الإمام في الرفع من الركوع أو في الهوي إلى السجود فإنه يخشى عليه أن يمسخ الله وجهه وجه حمار. فلابد على المسلم من أن يدرك هذا؛ لأن الصلاة لها قانون، فلها أركان وسنن ومكروهات ومستحبات ومبطلات، وكيف يكون للكرة قانون وليس للصلاة قانون؟! فقانونها كما تعلمنا من سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم في قوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي). وهناك مسألة، وهي تغميض العينين، فمن باب المصالح المرسلة إن رأيت أن إغماضك لعينيك جالب للخشوع فذلك طيب، وحين أركع يكون نظري إلى أطراف أصابع قدمي.

بيان موضع وضع اليدين على الصدر حال القيام

بيان موضع وضع اليدين على الصدر حال القيام وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن الإقماح)، قال ربنا: {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} [يس:8]، فما معنى الإقماح؟ الإقماح: هو أن يوضع الإنسان -والعياذ بالله- في الأغلال، وذلك برفع اليدين وضمهما مع العنق. فالمرء حال قيامه يضع يده ناحية قلبه، فيضع الشمال وفوقها اليمين، وهذه هيئة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينزل في وضعهما عن السرة، وأما الإقماح فممنوع. وفي حال الركوع أجعل رجلي مشدودة جداً ليست منثنية؛ لأن الصحابة قالوا: رأينا النبي صلى الله عليه وسلم شاداً ساقية شاداً ذراعيه. فهذه هيئة الصلاة التي تجعل المسلم خاشعاً في ركوعه، وأنت مكلف بأن توضح لوالدك ولأختك ولبنتك ولزوجتك ذلك. فوضع اليدين على الصدر سنة، وقد تجد بعض الناس قد أرسل يديه، فتقول له: لماذا يا أخي؟ فيقول لك: أنا مالكي. ولا يدري أن الإمام مالكاً عذب حتى خلعت ذراعه، فلم يكن يستطيع أن يرفع يده، فكان يصلي مرسلاً يديه، فرأى بعض الناس مالكاً ولم يقرءوا الموطأ الذي جمع فيه الأحاديث، أو المدونة الكبرى التي دون فيها فقه الإمام مالك، فظنوا أن هذه هيئة صلاة، مع أن جمهور الفقهاء على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يديه على صدر، لو أنني أرسلت يدي فالصلاة صحيحة إن شاء الله تعالى. ونحن نريد أن نصلي كما كان الحبيب يصلي.

الأسئلة

الأسئلة

حكم صلاة من تيممت في مسجد ليس فيه محل وضوء للنساء

حكم صلاة من تيممت في مسجد ليس فيه محل وضوء للنساء Q ذهبت إلى حلقة علم في مسجد، فلم أجد مكاناً لوضوء النساء، فتيممت لأصلي المغرب، وعند صلاة العشاء لم أتيمم، ثم أعدت صلاتي في بيتي، فهل علي وزر؟ A لا وزر إن شاء الله.

حكم بيع المسجد الصغير لبناء مسجد كبير

حكم بيع المسجد الصغير لبناء مسجد كبير Q في بلدتنا مسجد صغير بني قديماً، وأهل البلدة كثر عددهم، فأرادوا أن يبنوا مسجداً كبيراً حتى يسع الناس، فقرروا أن يبيعوا المسجد القديم لأحد الناس لكي يتخذه مسكناً ثم يشتروا بثمنه قطعة أرض، فما الحكم؟ A المساجد لا تباع، فليبنوا المسجد الثاني، ونسأل الله أن يرزقهم.

حكم نقل أعضاء الميت إلى الحي

حكم نقل أعضاء الميت إلى الحي Q هل نقل أعضاء الميت إلى شخص آخر على قيد الحياة في أشد الحاجة إلى هذه الأعضاء حلال أو حرام؟ A حرام.

حكم دخول الحمام بما فيه ذكر الله

حكم دخول الحمام بما فيه ذكر الله Q قد يكون معي في المحفظة ورقة فيها أسماء الله الحسنى، فهل يجوز لي أن أدخل بها دورة المياه؟ A الأفضل أن تتركها خارج دورة المياه إن كنت في بيتك، فإن كنت في غير البيت وتخاف عليها فأدخلها في الجيب.

ما يقال في سجدتي السهو

ما يقال في سجدتي السهو Q ماذا يقال أثناء سجدتي السهو؟ A يمكن أن يقول الإنسان: سبحان من لا ينام، أو: سبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم، أو: سبحان ربي الأعلى.

حكم القراءة من المصحف في الصلاة

حكم القراءة من المصحف في الصلاة Q إذا قرأ المصلي من مصحف يمسكه بيده أثناء الصلاة فهل تبطل صلاته؟ A أجاز البعض هذا في صلاة النفل.

حكم استعمال أحمر الشفاة المصنوع من شحم الخنزير

حكم استعمال أحمر الشفاة المصنوع من شحم الخنزير Q سمعت في حديث لكم أن أحمر الشفاه يوضع فيه شحم الخنزير، فهل معنى ذلك أنه محرم على أن أضعه لزوجي في المنزل، وهل هذا يقتصر على بعض الأنواع المستوردة؟ A أنا لا أعرف حقيقة هذا الأمر، ولكن قال لي بعض إخواننا من أصحاب الصيدلة: إن فعلاً أدوات المكياج كلها التي تستخدمها النساء يوضع فيها أنواع من شحوم الخنزير، فإذا كان كذلك فإن المرأة إذا وضعت لا يجوز لها أن تصلي.

حكم الائتمام بالمدخن

حكم الائتمام بالمدخن Q ما حكم الصلاة التي يؤم المصلين فيها إمام يدخن؟ A التدخين حرام، والإمام الذي لا ترتاح له لا داعي إلى أن تصلي وراءه، من أجل ألا تغتابه؛ لأن غيبة المسلم حرام، وغيبة العالم أشد حرمة.

حكم الأكل في المطاعم والطرقات

حكم الأكل في المطاعم والطرقات Q ما حكم الأكل في المطاعم؟ A المطاعم العامة ليس فيها شيء؛ لأن الكل يأكل فيها، ولكن لأن من أكل في الشارع فإن مروءته تسقط، وقد يسقط حياؤه، قال أبو حنيفة: الآكل في الطريق لا يشهد أمام القاضي المسلم، فتسقط شهادته، وكذلك الذي يبول في الطريق.

حكم قضاء السنن الفائتة

حكم قضاء السنن الفائتة Q هل نقضي سنن الصلاة؟ A لا.

حكم الاستعانة بالكافرين على المسلمين

حكم الاستعانة بالكافرين على المسلمين Q ما حكم الاستعانة بالكافرين على المسلمين؟ A لا تجوز الاستعانة بمشرك على مسلم، واسأل أي عالم، فسيقول لك نفس هذا الكلام.

حكم الدم الخارج من الإنسان

حكم الدم الخارج من الإنسان Q ما حكم الدم الذي يخرج من الإنسان؟ A هو نجس إذا كان بحجم الدرهم، أما يسير الدم فمعفو عنه.

حكم قص الأظافر بعد الوضوء

حكم قص الأظافر بعد الوضوء Q ما حكم قص الأظافر بعد الوضوء؟ A الإمام مالك يقول: إنه ينقض الوضوء؛ لاحتمال أن تأخذ قطعة من الجلد، فمن الأحوط قص أظافرك قبل الوضوء.

حكم الحج عن الميت

حكم الحج عن الميت Q هل أحج عن الميت؟ A حج عن الميت.

حكم الصلاة خلف من يسب الدين

حكم الصلاة خلف من يسب الدين Q أبي كثيراً ما يسب الدين، ثم أدخل المسجد فأجده يصلي بالناس إماماً، فهل أصلي وراءه؟ A الذي يسب الدين ولا يتوب يخرج من الملة كما تخرج الشعرة من العجين، وإن لم يتب فإنه كافر لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، فكيف يصلي إماماً بالناس!

حكم صلاة من لا يتقن إخراج بعض الحروف

حكم صلاة من لا يتقن إخراج بعض الحروف Q عندي عيب خلقي في اللسان، وعند الصلاة لا أستطيع إخراج بعض الحروف الصحيحة، فما حكم صلاتي؟ A صلاتك صحيحة.

القول في طلعة رجب

القول في طلعة رجب Q هل هناك ما يسمى بطلعة رجب؟ A ليس هناك في الشرع طلعة رجب ولا طلعة نوفمبر، فالنساء يردن أن يخرجن من البيوت وتذهب إلى المقابر، وإذا رأيتم شخصاً يأكل ويشرب أو يضحك أو يتكلم عند المقابر فاعلم أنه مطموس البصيرة والعياذ بالله.

حكم صلاة من به سلس بول

حكم صلاة من به سلس بول Q ما حكم صلاة الذي عنده سلسل بول أو قطرات بول؟ A يتوضأ لكل صلاة، وصلاته صحيحة.

حكم الصلاة في محل العمل

حكم الصلاة في محل العمل Q نحن نصلي في مكان العمل، فهل يجوز ذلك؟ A جيد أنهم يتركونكم تصلون في العمل، فاحمد الله عز وجل يا أخي.

حكم تهذيب اللحية

حكم تهذيب اللحية Q هل من السنة تسوية اللحية؟ A يجوز لك أن تهذبها.

حكم تغطية الرأس

حكم تغطية الرأس Q هل من السنة تغطية الرأس؟ A هذه عادة وليست عبادة.

حكم صلاة النافلة حال إقامة الصلاة

حكم صلاة النافلة حال إقامة الصلاة Q قد أصلي في المسجد نافلة، فتقام الصلاة وأنا أصلي، فهل أقطع صلاتي؟ A لا، بل أكمل الصلاة.

حكم تحنيط الحيوانات

حكم تحنيط الحيوانات Q هل تحنيط الطيور والحيوانات حرام؟ A إذا كان لغرض علمي فليس فيه حرمة، وإذا كان لشيء آخر فلا.

مدى صحة ما يذكر من مغفرة الله لذاكريه إذا انقطعت عنهم الإضاءة

مدى صحة ما يذكر من مغفرة الله لذاكريه إذا انقطعت عنهم الإضاءة Q يشاع كثيراً على ألسنة الناس أنه إذا انقطعت الإضاءة عن قوم يذكرون الله أو يتدارسون القرآن أو يتكلمون في أمور دينهم، فقد غفر الله لهم، فهل هذه المقولة صحيحة؟ A أظن أن الذي قال هذه المقولة من أصحاب الكهرباء، فلا يوجد لها سند يثبتها.

حكم الصلاة على رسول الله والاستغفار قبل البدء بأذكار الصلاة

حكم الصلاة على رسول الله والاستغفار قبل البدء بأذكار الصلاة Q عرفنا أذكار الصلاة التي تقال دبر كل صلاة، ولكن قبل أذكار الصلاة أقول بعض الأذكار مثل الصلاة على النبي والاستغفار فهل هذا صحيح؟ A الذكر في أي وقت صحيح إن شاء الله.

سلسلة مقتطفات من السيرة [21]

سلسلة مقتطفات من السيرة [21] إن من جملة الأمور التي ينبغي للمسلم أن يعلمها في دينه أن يعلم ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من جميل الأخلاق التي كانت تمثل وجهاً للدعوة إلى الإسلام، كما أن عليه أن يعلم جملة أخرى من دينه، وذلك ما يتعلق بمبطلات الصلاة ليجتنب ارتكابها لتتم له صلاته.

وقفات مشرقة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم

وقفات مشرقة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم الحمد لله رب العالمين، حمد عباده الذاكرين الشاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه الحلقة -بمشيئة الله عز وجل- هي الحلقة الحادية والعشرون في سلسلة حديثنا عن السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات. إن كثيراً منا يعتقدون أن حادثة الإسراء والمعراج كانت في السابع والعشرين من رجب، ولعل المحققين في التاريخ يقولون بخلاف ذلك، ولكن لا نريد الدخول في الخلافات التاريخية، سواء أكانت حادثة الإسراء والمعراج في أول رجب من السنة العاشرة من البعثة، أم كانت في ذي القعدة، أم كانت في السابع والعشرين من رجب، فالقضية هنا لا تهم، والإسلام لا يهتم بقضية الزمان أو قضية المكان ما لم تتعلق بهما عبرة، وما يهم المسلم هو العظة والعبرة التي يتخذها من كل حادثة في التاريخ. إن الله عز وجل اطلع على قلوب عباده، فوجد أن أنقى القلوب وأصفى القلوب وأشوق القلوب إلى لقائه عز وجل هو قلب الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم. فعلم سبحانه وتعالى في سابق علمه أن قلب الحبيب متشوق إلى رؤية مولاه عز وجل، فاستزاره في ليلة المعراج، ثم اطلع الله على قلوب العباد، فوجد أصفى القلوب وأنقى القلوب بعد قلب سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام قلوب صحابته الطاهرة، فقد نصروا الإسلام، ووقفوا بجوار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقرأنا في التاريخ وعلمنا في السيرة ما هو الهول الذي لاقوه من الكفار ومن المشركين، وكيف تحملوا التبعات وهاجر بعضهم الهجرتين: الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة.

موقفه مع عمه أبي طالب

موقفه مع عمه أبي طالب وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قوة لمن حوله، وكان يعطيهم الطمأنينة ويعطيهم الأمان، ويعطيهم الثقة ويعطيهم الصدق، ويعطيهم اليقين، ويعطيهم صدق التوكل على رب العباد سبحانه وتعالى، فلم يتزعزع قط. فقد جاء أبو طالب إليه وقال: يا ابن أخي! لقد جئت قومك بما لم يأت به أحد غيرك. فارفق بي وبنفسك. وذلك أنهم يعبدون أصناماً من دون الله، ويعبدون الملائكة ليقربوهم إلى الله زلفى، ويقولون عن الملائكة: إنهم بنات الله، ويطوفون بالبيت عرايا، وجاء هو ليقول غير ذلك! فكان يريد أن يقول له: يا ابن أخي! أنا لا أريد إهانة عند أهل مكة. وفي هذا الوقت لم يكن حول الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين شخصاً في مكة كلها، حيث صناديد مكة والعتاة الكبار والمجرمون والطغاة، فقال له قولته الشهيرة التي نحفظها قولاً ولا يطبقها واحد منا عملاً: (والله -يا عم- لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه). يعني أنه لن يتراجع عما أمره الله به، فإما أن يظهر الله هذا الأمر، وإما أن يهلك دونه ويستشهد في سبيل الله عز وجل. وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم صدقاً ما بعده صدق، وفي ليلة الهجرة جعل علياً يبيت مكانه؛ حتى إذا أصبح أعاد أمانات قريش إلى أهلها، فانظر كيف يعملون به وكيف يعاملهم! فرسول الله عليه الصلاة والسلام إنسان رباه الله عز وجل، فما ظنك بمن رباه المولى عز وجل؟! إنك حين ترى ولداً مؤدباً تقول: الله يجزي من علمك الخير، ونسأل الله أن يبارك في والديك، فما بالك بمن كان مربيه هو هاديه وبارئه وخالقه؟!

هديه في العبادة

هديه في العبادة وليس هذا فحسب، فقد ذهب بعض الصحابة إلى بيوت النبي يسألون عن عبادته، فأخبر نساء النبي الصحابة بكيفية عبادة الرسول لربه، فتعجبوا من حال الرسول الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، حيث يعمل هذا كله، فقال أحدهم: أنا أصوم الدهر كله ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أقوم الليل كله ولا أنام، وقال ثالث: وأنا أعتزل النساء، بسبب أنهن يعطلن عن العبادة. فلما بلغه صلى الله عليه وسلم هذا الكلام، صعد إلى المنبر، فقال: (بلغني عن أقوام كذا وكذا، أما إني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).

رحمته بأمته

رحمته بأمته ودخل عليه الأعرابي يطلب منه شيئاًَ فأعطاه، ثم قال له: هل رضيت؟ قال: ما رضيت، فأخذه إلى البيت وأعطاه حتى رضي، وخرج الأعرابي ليعلن رضاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيضرب الرسول لنا أحسن مثل، فيقول للصحابة: (إنما مثلي ومثل هذا الرجل كمثل رجل له ناقة شردت فاتبعها الناس، فما زادوها إلا نفوراً، فقال صاحب الناقة: يا قوم! خلوا السبيل بيني وبين ناقتي؛ فأنا أعلم بها، فجمع لها من قمام الأرض في حجره إلى أن جاءت فناخت واستناخت، فلو قتلتموه لدخل النار). يقول: قصتي مع هذا الرجل تماماً مثل رجل عنده ناقة شردت، فجرى الناس وراءها وهم غرباء عنها، فولت، فقال لهم صاحبها: إن الناقة لي، وأنا أدرى بها، وأنا أعرف الذي يجذبها، فجمع لها من حشائش الأرض فجاءت فأناخت، فيقول: إن هذا الرجل الأعرابي مثل الناقة تماماً، فلو أنكم وقت أن قال: إنه ليس براض قتلتموه لذهب إلى جهنم؛ لأنه شتم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الرسول صبر حتى رضي الرجل.

تألفه الناس بالعطاء والنوال

تألفه الناس بالعطاء والنوال ودخل عليه أحد المؤلفة قلوبهم بعد غزوة حنين، فلمح في عيني الرجل أنه يريد المال، فرأى الرجل غنماً بين جبلين فقال: ما أكثر هذه الغنم! فقال: (أتحب أن يكون لك مثلها؟ فقال الرجل: نعم) وهل أحد يكره أن يكون له مثل ذلك؟! (فقال: هي لك) فالرجل أخذ قطيع الغنم ورجع إلى قبيلته وكان عددها عشرين ألفاً وقال: أيها الناس! إني لكم ناصح أمين، آمنوا بمحمد؛ فإنه يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، فدخلوا في دين الله. فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك له مجموعة من النعاج، ولكن الخير الذي وراءه كان كثيراً. وقد وقعت صفية بنت حيي في السبي بعد خيبر، فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها. وكانت السيدة عائشة والسيدة حفصة تقولان لها: يا ابنة اليهودية. لأن أمها ماتت على اليهودية، فشكت ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم، فكان يقول لها: (قولي لهما: إن كانت أمي يهودية فأبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد، فأين لكما من هؤلاء؟!) فهل أحد يجتمع له أب وعم وزوج مثل هؤلاء الثلاثة؟! فأبوها في السلالة سيدنا هارون، وعمها سيدنا موسى أخوه، وزوجها محمد صلى الله عليه وسلم، فمن التي يجتمع لها مثل هذا؟!

أخذه باليسر في الأمور

أخذه باليسر في الأمور فحنان الرسول كان يجذب إلى الإسلام بما لا يجذبه عنف الكثيرين، فهناك أناس في هذه الأيام لا يخيرون بين أمرين إلا اختاروا أشدهما، فقد جلست مرة في مجلس أحد العلماء -غفر الله لنا وله- كان يعرف قليلاً في الفقه المقارن، فكان كلما استفتي يبحث عن أصعب شيء في كل مذهب ويفتي، وأنا أعرف أنه يتبع مذهب الإمام أحمد. فكيف بهذا من فعل سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم حين ذكر إسبال الثياب، فقالت أم سلمة: ما تصنع إحدانا بثوبها؟ فقال: (ترخيه شبراً) ثم رخص في إرخائه ذراعاً، وبعد ذلك سألنه عن مرورهن بالثياب المرخاة على النجاسة وهن ذاهبات إلى الصلاة، فقال: (ألا تمشين على أرض جافة؟ فقلن: نعم، فقال: هذا يطهر هذا). وفي ذات مرة كان يمشي مع سيدنا عمر والصحابة، فحضرت صلاة العصر، فوجدوا رجلاً عنده بئر وعنده مجموعة من الغنم، فتقدم عمر وكان مقداماً رضي الله عنه، فقال: يا صاحب البئر! أترد السباع عليه؟ أي: هل السباع تشرب من هذا البئر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (يا صاحب البئر! لا تخبرنا، إنا نرد على السباع وترد علينا).

رحمته بأتباعه

رحمته بأتباعه وفي حديث السبعين ألفاً أخبر صلى الله عليه وسلم بأن سبعين ألفاً من أمته يدخلون الجنة بدون حساب، وكان عنده أعرابي جالساً فقال: (ألم تستزد ربك يا رسول الله؟ فقال: استزدته. فقال: ماذا أعطاك؟ قال: أعطاني مع كل واحد من السبعين ألفاً سبعين ألفاً) فوضع عمر يده على فم الأعرابي، فرفع يد عمر وقال: يا ابن الخطاب! إن الله هو الذي يعطي، ولو كان العطاء بيدك -يا ابن الخطاب - لما دخل الجنة أحد. فتبسم الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولو صورنا سيدنا الحبيب في ليل أو نهار لوجدناه بسام المحيا صلى الله عليه وسلم، والذين وصفوه قالوا: كان نضاح المحيا، أي: كأنه خارج من الحمام، حتى في وسط المعركة تنظر إليه فتقول: كأنه مستحم في هذا الوقت صلى الله عليه وسلم. وما وقعت ذبابة على جسده الشريف قط، كأن يده أخرجت من جؤنة عطار، أي كأنه غمسها في إناء العطور وأخرجها، وكان يمسح على وجه الصحابي فتظل الرائحة على وجهه من الجمعة إلى الجمعة. وقد جاء قتادة، وكان دميم الوجه، فكلما أراد أن يخطب امرأة قالت: لا أريده، فجاء بمسكنة وبأدب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هل أتزوج من الحور العين يا رسول الله في الجنة؟ يعني: إذا كنت غير مقبول في الدنيا، فهل لي في الآخرة من أمل؟! فقال صلى الله عليه وسلم: (بل تتزوج في الدنيا والآخرة)، ومسح بيده على وجه قتادة، فأصبح جميلاً، فيده كلها فيها الخير صلى الله عليه وسلم.

بيان عظمة فضل رسول الله ورحمته بأمته

بيان عظمة فضل رسول الله ورحمته بأمته ولقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أمنة للأرض، كما كان أصحابه أمنة لمن بعدهم، ووصفه ربه بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. وإنما تظهر هذه الرحمة بمعرفة أحوال الأمم السابقة فإن الله كان إذا أراد عذاب أمة يعذب الأمة كلها، فطوفان نوح، والصيحة، والريح العقيم عذاب أمم بأسرها، وكذلك عذاب قوم لوط، فعندما مرت الملائكة على سيدنا إبراهيم قدم لهم عجلاً، كما قال تعالى: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69]، ففوجئ سيدنا الخليل بأنهم لا يأكلون، وكان من حياء الخليل أنه إذا أكل مع ضيفه طأطأ رأسه، وأما في الشريعة الإسلامية المحمدية فمن أدب النبوة أنك تتكلم مع الذي يأكل إذا كنت صاحب البيت، ففي الحديث: (تحدثوا على طعامكم ولو في ثمن الطعام). وقد كان المدرسون يعلمون الخطأ في المدارس في هذا الأمر أيضاً، حيث يقولون: من آداب المائدة ألا تتحدث وأنت تأكل. وهذا تعليم مخالف للسنة، فالسنة أن يكلم بعضنا بعضاً على الأكل، ولكن المهم ألا يكون في نيتك أن تتكلم مع الرجل من أجل أن يتكلم لتأكل طعامه، بل تكون نيتك أنك تغمر صاحبك بكلمة طيبة، ولا تتكلم بالسوء، كأن تقول له: انظر إلى صاحب الفرن الحرامي، انظر إلى صاحب الخضار المجرم، فإنك بهذا الشيء تدخل نفسك في متاهة، وتقوم مأزوراًَ غير مأجور. ومن الآداب في الضيافة ألا تتكلف لأخيك المسلم، فالموجود يكفي، أما الضيافة على أرقى مستوى، وتكليف الناس فوق الطاقة فليس من الشرع في شيء. ولو يعلم المسلم ما للضيف عنده لاستكثر من الضيافة، قال ابن مسعود: إن أحب إنسان إلى قلبي هو الضيف، فقالوا له: لماذا؟ قال: رزقه على الله، وثوابه لي، ويأخذ ذنوب أهل البيت وهو خارج. والضيف إذا دخل البيت يسمى أسيراً، فلا يتحرك إلا بإذن صاحب البيت، فإن قال لك: اجلس، فاجلس في المكان الذي أمرك. وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد موجوداً ولا يتكلف مفقوداً، فالأكل الذي وجد أمامه لا يرفضه، ولا يتكلف أشياء غير موجودة. وكان إذا وضع اللقمة في فمه يمضغها، ولا يتناول لقمة أخرى حتى يبتلع ما في فمه، ولم يكن نهماً، ولذلك يروى أن كافراً استضافه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلب له حلاب سبع شياه فشربه، ثم أسلم، فقرب إليه حلاب شاة فما استطاع شربه كله، فقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء). فسيدنا إبراهيم عندما دخل عليه الضيوف الملائكة أوجس منهم خيفة عندما وجدهم لا يأكلون، فقالوا: لا توجل، إنا رسل ربك ذاهبون إلى قوم لوط. وحين دخل الملائكة على سيدنا لوط نقلت امرأته خبرهم إلى قومها، فجاءه قومه يهرعون إليه، فقال: يا قوم! لا تؤذوني في ضيفي {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود:78]، فقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود:79]، فقال: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:80]، فطمس الله أعينهم، ثم اقتلع جبريل عليه الصلاة والسلام قراهم وجعل عاليها سافلها حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم والعياذ بالله يا رب العالمين. وأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلم تصب بعذاب عام.

ذكر بعض مكروهات الصلاة

ذكر بعض مكروهات الصلاة

العبث في الصلاة

العبث في الصلاة كنا قد تحدثنا عن بعض سنن الصلاة، وبقي لنا الحديث عن بعض مكروهات الصلاة، وبعض مبطلات الصلاة. فمن مكروهات الصلاة: أن يعبث الإنسان بجسده أو بثوبه، كمن ينظر إلى الساعة ويصلح الكوت، وثلاث حركات في الركعة الواحدة تبطل الصلاة، فعندما تعمل ثلاث حركات في الركعة تكون الصلاة باطلة؛ لأنك خرجت عن المألوف. إنك تقف أمام مديرك أو الوزير أو المسئول بأدب وباحترام، وتطأطئ رأسك أمام مخلوق لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولكنك في الصلاة تقف أمام الله عز وجل. وقد كان علي رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة يرتعد ويصفر وجهه ويقول: جاء وقت الأمانة، وأريد ألا أكون من المضيعين لها، يعني الوقوف بين يدي الله عز وجل، ورأى رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه. فالعبث بالثوب ونحوه بمقدار ثلاث مرات في الركعة يبطل الصلاة، وأما الحركة والحركتان فمن مكروهات الصلاة. ومن مكروهاتها التبسم، فلو تبسمت في الصلاة فقد أتيت مكروهاً، ولكن لو استمرت البسمة في الركعات كلها، أو في قراءة الفاتحة بطلت صلاتك عند بعض الفقهاء. وإن من قلة الحياء أن يقف الإنسان بين يدي مولاه ثم يتبسم.

ضم القدمين ومدافعة الأخبثين

ضم القدمين ومدافعة الأخبثين ومن مكروهات الصلاة أن تضم القدمين، ومن الفقه أن توسع بين قدميك، ولكن هناك أناس يوسعون بينهما كثيراً، والأصل أن تفرج بين قدميك باتساع كتفيك، فهذه أدعى للخشوع. ولا تصل وأنت تدافع الأخبثين البول أو الغائط؛ فلا صلاة لحابس ولا صلاة لحاقن، ولا لصافد، أو صافن، فالصافد هو الذي يضم إحدى رجليه إلى الأخرى، والصافن هو الذي يقف على رجل ويرفع الأخرى، قال تعالى: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} [ص:31]، فالصافنات هي الخيل التي ترفع قدمها الأمامية، فهذا دليل على أنها خيل أصيلة. ودليل ذلك أنه عندما كان يصلي الحبيب بالليل حتى تتورم قدماه كان من شدة الألم يقف على رجل ويرفع الرجل الأخرى من كثرة إطالته في صلاته، فقال له ربه: {طه} [طه:1] أي: طأ الأرض بكلتي قدميك {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه:2]، فنحن لم ننزل عليك القرآن لتشقى، وإنما أنزلناه رحمة وتذكرة لمن يخشى. فكره لنا أن نصلي ونحن في حالة الصفن، وفي حالة الصفد، أو ونحن ندافع الأخبثين.

الصلاة بحضرة الطعام

الصلاة بحضرة الطعام وتكره الصلاة حال حضرة الطعام، فالمسلم لا يصلي بحضرة الطعام؛ لأن عقله يتعلق به. والأصل أن المسلم يأكل كما جاء في الحديث: (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولابد فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه). وقد سأل أناس الحسن البصري فقالوا: ما حال من يأكل في اليوم أكلة واحدة؟ فقال: هذا طعام الصديقين، فقالوا: وما حال من يأكل في اليوم أكلتين؟ فقال: هذا طعام المؤمنين، فقالوا: وما حال من يأكل ثلاث مرات؟ فقال: مروا أهله ليبنوا له معلفاً! فكيف إذا كان يأكل عشر مرات؟! خاصة إذا كان في الأكل شبهة. فهناك أناس يجعلون الأكل غاية، فيقولون وهم يأكلون في الصباح: ماذا ستعملون لنا في الغداء؟! وإن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم دخل على سيدنا علي، فوجد عنده طبقين: طبق فيه قليل من الخل، وطبق فيه قليل من الزيت، فكان يأخذ لقمة الرغيف من الشعير ويضعها في الزيت، وبعد ذلك يضعها في الخل، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا ابن أبي طالب! طعامان في طعام واحد؟! إنك لمسرف!). وسيدنا الحسن البصري تلميذ علي بن أبي طالب وتلميذ ابن مسعود وإمام التابعين، دخل على أصحابه وهم يأكلون، فقالوا: أين الإدام يا إمامنا؟ فقال: أذكر العافية فأجعلها إدامي، يذكر أن الله عز وجل أعطاه العافية وجعلها له نعمة، وانظر إلى الرضا، فنعمة الرضا نعمة لا تساويها نعمة، فاللهم اجعلنا من الراضين. وقد ذهب جماعة إلى إمامهم الفضيل بن عياض، فقال لهم: أتريدون طعاماً؟! عندي طعام أنعم الله عز وجل به علينا اليوم، وكانوا يريدون أن يأكلوا؛ لأن الأكل عند الصالحين نعمة وشفاء، فالطعام الحلال شفاء من كل داء. فلما دخلوا على الفضيل قال لهم: إن الله عز وجل وسع علي هذا اليوم بطعام، أأحضره لكم لتأكلوه؟ قالوا له: نعم على الرحب والسعة. فأحضر لهم رغيفين وقليلاً من ملح، فأكلوا، ثم قال لهم: قوموا لنصلي لله ركعتي شكر. فقالوا: فما بالكم لو أطعمنا لحماً؟! وجمهور الفقهاء على أن من مكروهات الصلاة أن تغمض عينيك، ولكن قال الإمام أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة: إذا رأيت أنه من مدعاة الخشوع أن تغمض عينيك فلتغمض عينيك.

ذكر بعض مبطلات الصلاة

ذكر بعض مبطلات الصلاة

القهقهة

القهقهة وسنذكر هنا بعض مبطلات الصلاة: فمن مبطلات الصلاة: القهقهة، وقد قال الإمام أبو حنيفة: إن قهقهت في الصلاة، -أي: ضحكت بصوت عالٍ- بطلت صلاتك ووضوءك تأدباً مع الله. والذي يغيظني في بعض المسلمين أن أحدهم عندما يضحكه ابنه في الصلاة، يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله. فلماذا تسلم؟! أتظن أن هذه صلاة؟ إنها بطلت بضحكك.

النفخ والتثاؤب المظهران لبعض الحروف

النفخ والتثاؤب المظهران لبعض الحروف ومن مبطلات الصلاة النفخ، فإذا كنت ساجداً فوجدت قشة أو ريشة أو ورقة أمامي فنفختها بطلت الصلاة؛ لأنني أخرجت حرفين ليسا من الصلاة في شيء. وقد ذكر الفقهاء أن من مكروهات الصلاة التثاؤب، فالتثاؤب مكروه في الصلاة فإن خرج معه حرفان بطلت الصلاة، ولابد من أن تكتمه في خارج الصلاة، فإذا جاءني التثاؤب فإما أن أضع بطن كف يدي اليمنى أو ظهر كف يدي اليسرى، لأن يدي اليمين آكل بها وأشرب وأتصدق، أما يدي الشمال فأستنجي بها، فلذلك عندما أضعها على فمي أضع ظهرها. وهناك شخص كندي مسلم سألني سؤالاً لطيفاً فقال: عندما كان الرسول يتثاءب هل كان يضع بطن كفه اليمين على فمه وظهر كفه الشمال؟ فقلت له: بل إنه قال لنا أن نعمل هكذا، ولكنه لم يكن يتثاءب؛ لأن التثاؤب من الشيطان، والشيطان لا يأتي لرسول الله، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأن لكل امرئ شيطاناً، فقالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ فقال: (حتى أنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم) وليس المراد أن الشيطان أسلم، بل المعنى: فأسلم من شره، فلا يزين لي إلا كل خير.

الحركة العنيفة

الحركة العنيفة ومن مكروهات الصلاة الحركة العنيفة، كما لو كنت واقفاً أصلي فجاءت نحلة أو دبور أمام وجهي، ففزعت فزعاً شديداً أدى إلى أني قفزت من مكاني، فتبطل الصلاة. ولكن الإمام أبا حنيفة قال: لو أن بابك طرق طرقاً عنيفاً، وكنت تظن أن الذي جاء قد جاء من سفر؛ فإنه يجوز لك أن ترجع إلى الوراء خطوات ووجهك إلى القبلة، فتفتح الباب له وتكمل صلاتك، وصلاتك صحيحة، وهذه مسألة شذ فيها أبو حنيفة، والجمهور على أنه لا يفعل إلى ينتهي من الصلاة. ويجوز لي أن أبطل الصلاة إذا رأيت خطراً يحيط بابن أو بزوجة أو بإنسي أو بحيوان محترم. والمراد بالحيوان المحترم كل الحيوانات النافعة، المأكول منها وغير المأكول، أما الحيوانات الضارة أو المحرمة مثل الخنزير فغير محترمة.

الخطاب بآيات القرآن

الخطاب بآيات القرآن ومن مبطلات الصلاة أنك تقرأ آيات يفهم منها أنك تكلم أحداً، كما لو انتهيت من قراءة الفاتحة وقد فتحت الباب منتظراً لصاحبك وأنت تصلي بجانب الباب، فقلت: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] آمين، {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:46]. فلا يصح هذا، بل يحرم. ومثل شخص اسمه يحيى يأتي إلى صاحبه يريد منه كتاباً، فيقول له: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12] لا لا، وهذا -مع الأسف- من ضمن الآيات التي تقطع، فتذهب إلى محل العصير فتجد لافتة مكتوباً عليها: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان:21]، وتذهب إلى الطبيب، فتجده يكتب في عيادته: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22]! وهذا -والله- رأيته بعيني رأسي في عيادة أحد الأطباء. فالناس يتجرءون في تفسير الآيات، فيفتحون دار الأوبرا -مثلاً- أو السينما أو وزارة الثقافة ويكتبون على الباب: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1]! وهذه الآية قيلت لرسول الله، فما علاقة فتح السينما بفتح مكة؟! وكذلك أيام الحرب: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60]، وفي المعاهدات: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال:61]، فنحن في التقطيع والتفصيل جاهزون، والقرآن لا يباع ولا يشترى ولا يفصل ولا يقطع ولا يمزق، إنما القرآن دستور نزل ليعمل به، فاللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه يا رب العالمين.

نطق ما ليس من الصلاة لغير مصلحتها

نطق ما ليس من الصلاة لغير مصلحتها ومن مبطلات الصلاة التفوه بكلمة ليست من الصلاة، إلا في حالة سكوت الإمام بعد تكبيرة الإحرام في الصبح أو المغرب أو العشاء، فإذا أطال السكوت فإنه يحتمل أنه يظن أنه يصلي ظهراً أو عصراً، فهنا يفتح عليه، ونقول له: سبحان الله، أو سبحان الله وبحمده. وكذلك عندما يخطئ الإمام، فنذكره بقولنا: (سبحان الله) أو: (سبحان الله وبحمده)، ولو كان هناك نساء فإنهن يصفقن، فإنما جعل التصفيق للنساء. كما أن الكلام لمصلحة الصلاة لا يبطلها، ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالمسلمين العصر، فصلى ركعتين ثم تشهد وسلم. فقال ذو اليدين: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: (ما قصرت وما نسيت. فقال: بل نسيت، فقال: أحقاً ما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم)، فقام فأتى بالركعتين وجلس للتشهد وسجد سجدتي السهو ثم سلم. فأخذ بعض أهل العلم من ذلك جواز الكلام لمصلحة الصلاة، وقالوا: إن الكلام لإصلاح الصلاة لا يبطل الصلاة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم تلقين الميت الشهادة بعد موته

حكم تلقين الميت الشهادة بعد موته Q ما الحكم في تلقين المتوفى ساعة دفنه؟ A لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يلقن الميت بعد الموت، وقوله: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) يراد به قبل خروج الروح.

الفرق بين الغيبة والريبة والنميمة

الفرق بين الغيبة والريبة والنميمة Q ما الفرق بين الغيبة والريبة والنميمة؟ A الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، والريبة الشك في الناس، والنميمة أن تنقل كلام الناس للإيقاع بينهم.

حكم النفخ في الأكل لتبريده

حكم النفخ في الأكل لتبريده Q هل النفخ في الأكل لتبريده حرام؟ A مكروه أن تنفخ في الطبق أو تنفخ في الكأس، وفي الحديث: (إن الله أطعمنا حلالاً ولم يطعمنا ناراً)، فانتظر قليلاً حتى يبرد الطعام، ولا تستعجل رزقك، وقد تأكل أنت وصاحبك من طبق واحد فتنفخ فيستقذر الطعام.

حكم تجارة العملات

حكم تجارة العملات Q ما الحكم في تجارة العملة؟ A يبيحها بعض العلماء، وأنا لا أطمئن إليها.

حكم جلوس المرأة في المسجد لاستماع العلم

حكم جلوس المرأة في المسجد لاستماع العلم Q هل يجوز جلوس المرأة في المسجد لكي تسمع الحديث وهي حائض؟ A لا يجوز.

حكم من نذر صيام أيام ثم عجز عنها

حكم من نذر صيام أيام ثم عجز عنها Q امرأة لها خمس وأربعون سنة، وقد نذرت بأن تصوم خمسة عشر يوماً من رجب، ولكنها صامت ستة أيام فقط، فماذا تعمل في البقية؟ A تطعم عن كل يوم مسكيناً.

الحجاب الصحيح

الحجاب الصحيح Q أنا أرتدي الحجاب وليس الخمار، فهل يجوز لي في الصلاة خلعه، وهل هذا الحجاب صحيح؟ A هذا حجاب ناقص، والحجاب الأساسي هو الخمار.

حكم صلاة الاستخارة للآخرين

حكم صلاة الاستخارة للآخرين Q لي صديقة تقول: إنها تصلي ببعض الفتيات صلاة الاستخارة عندما يأتي لإحداهن خاطب، فما حكم ذلك؟ A لا يستخير أحد لأحد.

حكم رفض الزوجة طلب زوجها لظلمه لها

حكم رفض الزوجة طلب زوجها لظلمه لها Q إذا رفضت الزوجة طلب زوجها عندما يكون ظالماً لها في شيء، أو عندما تكون مرهقة ومتضايقة جداً، فلا تستطيع أن تجيبه، فما الحكم؟ A قال الحسن البصري لمن ظلمه: يا هذا! إن عصيت الله فينا فإننا لا نملك إلا أن نطيع الله فيك. فهو عاص لله في معاملتها، فلا تعصي هي الله في معاملته، ونسأل الله أن يصبرها ويهديه.

حكم الصلاة في مسجد فيه قبر

حكم الصلاة في مسجد فيه قبر Q ما حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟ A نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

حكم مصاحبة من يجالس الفتيات

حكم مصاحبة من يجالس الفتيات Q لي صديق في الجامعة يحب مصاحبة البنات، فهل أتجنبه؟ A انصحه، فإن لم يقبل النصح فتجنبه.

مدى صحة صيام رسول الله من أول كل شهر

مدى صحة صيام رسول الله من أول كل شهر Q هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم صام أول ثلاثة أيام من كل شهر عربي؟ A قال عنه الصحابة: (كان يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم).

ثبوت رؤية رسول الله ربه

ثبوت رؤية رسول الله ربه Q هل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل؟ A رآه.

الفرق بين الشيعة والشيوعية

الفرق بين الشيعة والشيوعية Q ما الفرق بين الشيوعيين والشيعة؟ A هناك فرق بينهما كبير، فالشيعة فرقة من الفرق الإسلامية، والشيوعيون أناس منكرون لوجود الله عز وجل، وقد انهدت الشيوعية في هذا العصر.

دعاء استفتاح المذاكرة

دعاء استفتاح المذاكرة Q أريد دعاء أستفتح به المذاكرة؟ A تقول: ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين. أو: اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الصعب إذا شئت سهلاً.

حكم نهب المشرك حقه وقتله

حكم نهب المشرك حقه وقتله Q هل نهب المشرك حقه أو قتله بدون حق حلال أم حرام؟ A حرام.

بيان المراد بحجاب المرأة

بيان المراد بحجاب المرأة Q ما هو حجاب المرأة؟ A هو تغطية وجهها وجميع جسدها، والجمهور على جواز كشف الوجه والكفين.

حكم دفن الميت في التابوت

حكم دفن الميت في التابوت Q توفى والدي في ثالث عيد عرفة، ونظراً لمركزه السياسي في الدنيا دفن مع أصحابه في التوابيت، وذلك بعد سؤال مفتي الديار السعودية فأباح ذلك، وسألت أهل العلم في مصر فقالوا: إن هذا الدفن غير شرعي، ويجب إصلاح هذا الوضع الشاذ، فما الحكم؟ A إن أمكن -أيها الأخ الكريم- أن تصلح هذا الوضع بقدر الاستطاعة فذلك خير؛ لأن المسلم لا يدفن في تابوت، وإنما يدفن في الأرض.

موضع اليدين حال القيام في الصلاة

موضع اليدين حال القيام في الصلاة Q على مذهب الإمام أبي حنيفة توضع اليد تحت السرة، وأنت قلت: توضع اليد فوق السرة، فنرجو بيان هذا الأمر؟ A كل ذلك جائز.

حكم من أفطر في رمضان لعذر ولم يستطع القضاء

حكم من أفطر في رمضان لعذر ولم يستطع القضاء Q أنا امرأة مصابة بمرض السكر، وفي شهر رمضان الماضي أفطرت عشرين يوماً، ولم أستطع القضاء، فما الحكم؟ A الواجب أن تصومي، فإن لم تستطيعي فعليك الفدية.

حكم سفر المعتدة لضرورة

حكم سفر المعتدة لضرورة Q معتدة توفى عنها زوجها في بلد عربي وهي في مصر، فما حكم سفرها إلى هذا البلد العربي أثناء العدة لتخليص متعلقات زوجها، ولاسيما أنه ليس هناك أحد يقوم بهذه المهمة، وعدم سفرها قد يضيع حقها وحق أولادها؟ A يجوز لها ذلك إذا كانت الضرورة بهذه الصفة، ولكن لا تسافر إلا مع ذي محرم، مع أن المعتدة لا تخرج من بيتها، ولكن أجاز بعض الفقهاء أن تخرج لضرورة قصوى تخص أمر المعاش.

امتداد مدة الدورة الشهرية

امتداد مدة الدورة الشهرية Q هل يمكن أن تزيد مدة الدورة الشهرية إلى عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً؟ A يسأل فيها طبيب أمراض نساء أو طبيبة.

مدى صحة أذكار الجوشن

مدى صحة أذكار الجوشن Q انتشرت في هذه الأيام صحيفة فيها أذكار تسمى أذكار الجوشن، ويقال: إنه واجب على كل مسلم أن يقولها ولو مرة واحدة في العمر، فما صحة هذا؟ A لم يرد هذا في الكتب الصحيحة.

حكم استفتاح الدعاء في السجود بالحمدلة والصلاة على رسول الله

حكم استفتاح الدعاء في السجود بالحمدلة والصلاة على رسول الله Q عند الدعاء يستحب البدء بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله، فهل نفعل هذا في السجود؟ A لا.

حكم نزع الحجاب بحجة الظروف

حكم نزع الحجاب بحجة الظروف Q رأيت فتاة في الجامعة منذ فترة وهي محجبة، ثم رأيتها بعد ذلك وقد نزعت الحجاب، فقلت لها: إنك كنت أجمل بالحجاب لأستطيع التأثير فيها لتعود إليه، ولكنها قالت: إن الظروف هي التي جعلتها تفعل ذلك، فما هو حكم الدين فيمن تنزع الحجاب أو ترتديه كموضة؟ A ذلك حرام، ونعوذ بالله من السلب بعد العطاء.

حكم صلاة من لا يحسن قراءة غير الفاتحة

حكم صلاة من لا يحسن قراءة غير الفاتحة Q أنا شاب لا أعرف أن أقرأ إلا الفاتحة، فما حكم صلاتي؟ A هذا رضا ونعمة، وتعلم بقدر الاستطاعة.

حكم الودائع في البنوك

حكم الودائع في البنوك Q ما نصيحتكم بالنسبة للودائع في البنوك، ولاسيما أن بعض هيئات الفتوى أباحت التعامل مع البنوك؟ A استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك.

الموقف من خلاف الطوائف الإسلامية

الموقف من خلاف الطوائف الإسلامية Q أنا أحضر درساً للعلم كل يوم أحد عند شيخ فاضل من أهل السنة، قد تتلمذ على يد الشيخ الألباني، ثم آتي درساً آخر عند شيخ آخر، ولكنني شعرت بأن هناك رسالتين مختلفتين، وهديين مختلفين نتيجة الخلافات، فأرجو أن ترشدنا إلى الصواب؟ A هذا صواب وهذا صواب، وهذا خلاف علماء الأمة المسلمة، واعمل ما يستريح إليه قلبك.

سلسلة مقتطفات من السيرة [22]

سلسلة مقتطفات من السيرة [22] إن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مليئة بالآداب الإسلامية، والأخلاق التي تكون سبباً في الدنو من منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أنزل الله عليه كتاباً مفصلاً وحاكياً قصص الأمم السابقة لتكون عبرة لأولى العقول والأبصار.

من آداب العالم مراعاة حال السائل

من آداب العالم مراعاة حال السائل إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. نسأل الله عز وجل في مفتتح جلستنا هذه أن يجعل برحمته اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، ولا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة وفي هذا الشهر العظيم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا صدراً ضيقاً إلا شرحته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً. اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، وسامحنا وتقبل منا، وصلنا بك ولا تقطعنا عنك، اللهم انظر إلينا نظرة رضا، اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا، اللهم ارض عنا، اللهم إن لم ترض عنا فاعف عنا، واطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، نعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، ومن الخوف إلا منك، نعوذ بك ربي أن نقول زوراً، أو نغشى فجوراً، أو نكون بك من المغرورين، نعوذ بك من عضال الداء، وشماتة الأعداء، وخيبة الرجاء، وزوال النعمة، وفجأة النقمة، نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، واجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين، غير فاتنين ولا مفتونين. اللهم اكشف عنا الكرب الخاص والعام، اللهم اكشف عنا الكرب الخاص والعام، اللهم آمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم اكشف السوء عن المسلمين، اللهم اكشف الكرب عن المسلمين، وأوقع اللهم الكافرين بالكافرين وأخرجنا من بينهم سالمين، لا تسل قطرة دم مسلمة إلا في سبيلك، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. كان الإمام علي كرم الله وجهه يحمد الله عز وجل دائماً ويقول: الحمد لله الذي نطقت بوحدانيته الكائنات، فالسماء تقول: سبحان من رفع سمكي فسواني، والأرض تقول: سبحان من مهدني لمن يسير على ظهري، والبحار تقول: سبحان من أجراني لقصادي وورادي، والعاصي يقول: سبحان من اطلع علي وأنا أعصيه فسترني، فلما رآني سترني وغطاني، والعارف يقول: سبحان من سلك بي الطريق إليه فوحدته وعرفته. لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اجعلنا يا ربنا من الحامدين لك ليل نهار، آمين يا رب العالمين! مجالس العلم هي أفضل ما للمسلم من زاد إلى الآخرة، فإن السفر طويل، وإن الزاد قليل، ومن أراد كثرة الزاد فما عليه إلا أن يرتع في مجالس العلم، ولمجالس العلم آداب، منها ما يخص العالم ومنها ما يخص المتعلم، ونجملها على سبيل الإجمال لا الحصر، فنقول: إن من الآداب التي تجب أن تكون موجودة في العالم أن ييسر على الناس ولا يعسر عليهم؛ فما خير الرسول بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ولا يوجد أمران خير الرسول بينهما إلا واختار الأسهل للأمة وقاله، صلى الله عليه وسلم. ثم إن لكل فتوى بيئة، فالذي يفتي به في دولة مسلمة لمسلم لا يستطيع أن يفتي به لمسلم يعيش في دولة كافرة، والذي يفتي به في مكان فيه أمن وأمان لا يمكن أن يفتي به في مكان فيه قهر واستعلاء وظلم، وليس معنى هذا أن الدين يتلون أو أنه يتغير، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصف الدواء مشخصاً للداء، يدخل عليه شاب يقول له: (أأقبل وأنا صائم يا رسول الله؟! قال: لا). ويدخل عليه رجل كبير السن: (أأقبل وأنا صائم يا رسول الله؟! قال: نعم، قبل) فالرسول يعرف حالة هذا ويعرف حالة هذا، والشاب لا تؤمن منه الفتنة، والشيخ الكبير ربما تؤمن منه الفتنة عندما يقبل زوجته فلا يحدث نفسه بشيء، فالرسول يضمن للعجوز صومه، ولا يضمن للشاب صومه، فيمنع هذا من التقبيل، ويجيز لهذا التقبيل، رغم أن السؤال واحد وفي وقت واحد، وليس معنى هذا أن الدين برأيين وإنما يُراعى فيه مقتضى الحال والبيئة والظروف؛ لأن الإسلام يراعي الظرف الذي أنت فيه. يأتي رجل فيقول: (عظني يا رسول الله؟! فيقول له: أفش السلام)، ويدخل ثانٍ فيقول: (عظني يا رسول الله؟! فيقول له: بر والديك)، والثالث يقول له: (أطعم الطعام) وللرابع: (صل بالليل والناس نيام) وهكذا، رغم أن السؤال واحد. وعندما نريد تفسير ذلك فإننا نجد أن الأول لمح فيه الحبيب بفراسة النبوة وبنورها الكبر، ومن أجل أن يحد من كبره قال له: سلم على الناس؛ لأن من الكبر ألا تسلم على الناس، فالرسول يريد أن يعلم الرجل التواضع، فقال له: (أفش السلام) أي: سلم على الناس وأنت ماشٍ، يعلمه كيف يتواضع صلى الله عليه وسلم. والثاني: رآه عاقاً، فقال له: بر والديك. والثالث: رآه بخيلاً فقال له: أطعم الطعام. والرابع: كان ينام طوال الليل، فقال له: صل بالليل والناس نيام. فالرسول صلى الله عليه وسلم يصف الدواء لحالة الداء، والدواء قد ينفع إنساناً ولا ينفع آخر. فالمؤمن الصادق يقول في نفسه: الدواء نفع فلاناً وما نفع فلاناً؛ لأن سر الشفاء وضع لفلان في دوائه، ولم يوضع لفلان في دوائه، فالقضية قضية السر من الله سبحانه بالشفاء، ولذلك قال الإمام الغزالي: من أيقن أن الدواء يشفي من المرض فقد أشرك بالله، إنما الدواء وسيلة وسبب وقدر من أقدار الله عز وجل يجريه رب العباد في الوقت المطلوب. ومن الناس من يكون محتاجاً ويدعو الله فتستجاب دعوته، والآخر يقول: لقد مللت من الدعاء، فالأول دخل في إطار استجابة الدعاء، لأنه اختار الوقت المناسب، ودعا بإخلاص، وأيقن في الإجابة، وأمنت الملائكة على دعائه، وأكل من الحلال حتى استجيب دعاؤه، عندئذ كانت الإجابة موافقة للدعاء. والثاني دعا في وقت غير مناسب، ولم تؤمن الملائكة، ولم يأكل حلالاً، ولم يضطر ويلح بالمسألة ثم لم يوقن بالإجابة؛ فلم تكن هناك إجابة. إن الذي يعلم الناس يجب أن يراعي مقتضى الحال، فقد يكون عندك ولد كلما دخل امتحاناً يحصل على مائة بالمائة، وفي شهر جاء بسبعة وتسعين في المائة، وأخوه الثاني يرسب في كل شهر، وفي شهر نجح وأتى بخمسين في المائة، فيقول الأب للذي أتى بخمسين في المائة: أنت أصبحت جيداً وعظيماً، وليس هناك أحسن منك، والذي أتى بسبعة وتسعين في المائة يقول له: أنت لست بجيد، يقول ذلك لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين. إذاً: فهذا يقال له كلام، وهذا يقال له كلام، كما قيل: العبد يقرع بالعصا، والحر تكفيه الإشارة، حتى إنك لو غمزت له بعينك لفهم.

الأدب مع الله تعالى

الأدب مع الله تعالى

سيدنا يوسف نسي ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين

سيدنا يوسف نسي ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ذكر الله في القرآن الكريم أن يوسف عليه السلام دخل معه السجن فتيان {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:36] أي: أنت رجل وجهك يشع منه النور. ففسر يوسف لكل واحد منهما رؤياه: فالأول سينجو ويكون له شأن في القصر، والآخر سيصلب فتأكل الطير من لحمه {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} [يوسف:41]. قال تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا} [يوسف:42] أي: استيقن أنه سينجو {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف:42] أي: اذكرني عند الملك وقل له: هناك شخص مظلوم مرمي في السجن منذ سنين فانظر إليه نظرة، قال {فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف:42] فأنسى الشيطان يوسف ذكر مولاه وربه الحقيقي عز وجل، فكان من نتيجة هذا أن لبث في السجن بضع سنين.

الشجرة تخفي سيدنا زكريا على قاتليه

الشجرة تخفي سيدنا زكريا على قاتليه يروى أن زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام جرى وراءه بنو إسرائيل يريدون أن يقتلوه، لكن عندما تكون أنت في خدمة الله يصير الكون كله في خدمتك، فإن سيدنا زكريا عليه السلام وهو يجري فتحت له شجرة ساقها فدخل فيها فأغلقت عليه، فبحثوا عنه فلم يجدوه. فقال لهم إبليس: إنه في هذه الشجرة، فقالوا: كيف نخرجه؟ قال لهم: هاتوا منشاراً وانشروا من فوق الشجرة فتقسموه نصفين وتستريحوا منه، فبدءوا ينشرون إلى أن وصل المنشار بقرب رأس سيدنا زكريا عليه السلام، فآلمه المنشار فقال: آه، فقال الله له: (يا زكريا! لو قلت: آه مرة أخرى لمسحت اسمك من ديوان الأنبياء، فاصبر). إذاً: أنت ما دمت وكلت أمرك لله فلا تلتجئ إلى أسباب واهية، فالأسباب مجرد عوامل تشجعك على قضاء الأمر أو عدم قضائه، ولكن الأهم أن تعتمد أنت على من يقول للشيء: كن فيكون.

أدب إبراهيم عليه السلام في دعائه ربه

أدب إبراهيم عليه السلام في دعائه ربه كان سيدنا إبراهيم في قمة الأدب مع الله، قال: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:79 - 80]. مع أن سياق النص الذي خلقني فهو يهديني، والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا أمرضني فهو يشفيني، لكنه عند المرض قال: وإذا مرضت أنا، أي: أنا الذي أدخل على نفسي المرض بأن أتعرض للهواء، أو آكل كثيراً، ولا أنام جيداً، وأسهر كثيراً. إذاً: سيدنا إبراهيم عليه السلام كان في قمة الأدب حين قال: وإذا مرضت أنا.

أدب الرجل الصالح مع ربه في قصته مع موسى عليه السلام

أدب الرجل الصالح مع ربه في قصته مع موسى عليه السلام ذكر الله الرجل الصالح صاحب سيدنا موسى في كتابه، قال الرجل الصالح: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:79] ثم قال: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} [الكهف:82] فعند الخير والكنز قال: فأراد ربك، وعند السفينة قال: فأردت أن أعيبها. وهذا من أدبه مع الله عز وجل.

أدب الجن الذين آمنوا في خطابهم عن الله سبحانه

أدب الجن الذين آمنوا في خطابهم عن الله سبحانه في سورة الجن قال الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10]. فقوله: {أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10] الرشد والخير والإرادة منسوبة إلى الله، وقوله: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الجن:10] أريد: فعل مبني للمجهول، فما تجرءوا أن يقولوا: أراد ربك شراً بمن في الأرض. وانظر إلى أدب النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته العطرة وهو يدعو الله ويقول: (وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت) يعني: أنا على عهدك ووعدك على قدر استطاعتي، فمقدرتي أن أقوم الليل كله، أو نصفه أو ثلثه، وهذا أدب. ومن الأدب العالي جداً يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني ألجأت ظهري إليك، ووجهت وجهي إليك، رغبة ورهبة إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت). انظروا إلى الأدب في قوله: ألجأت ظهري إليك، شخص ألجأ ظهره لله هل يستطيع أحد أن يضربه، ويقال: من له ظهر لا يضرب على بطنه، فما بالك بالذي ألجأ ظهره إلى الله؟!

وقفات مع سيرة عمر رضي الله عنه

وقفات مع سيرة عمر رضي الله عنه من عجائب العظماء رضوان الله عليهم من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، أن الواحد منهم لا يهتم برؤية إنسان أبداً. دخل عمر بن الخطاب بيت المقدس ولقي القادة المسلمين منتظرين له بالحلل، فجاءهم راكباً على بغلة من المدينة هو وخادمه يركب قليلاً وسالم قليلاً، وقد قال عمر لـ سالم: أنت تركب وأنا أمشي، وأسمعك جزءاً من القرآن، ثم أنا أركب وأنت تمشي وتسمعني جزءاً من القرآن. لكن الشباب الصائع الفاشل في الدراسة في هذا الزمان يضع شريطاً أجنبياً في سيارته، ويزعجنا ويصدع آذاننا باللهو. فلما تعبت الدابة قال عمر لـ سالم: كم أنفقنا في حجنا؟ قال له: تسعة عشر درهماً يا أمير المؤمنين! قال له: هذا إسراف يا سالم! قال سالم: تعبت الدابة فماذا نصنع؟ قال عمر له: المسافة التي بقيت أنا أعرفها؛ لأن سيدنا عمر في الجاهلية كان يتولى أمر السفارة لقريش، فمن طبيعة تعامله أنه كان يسافر، وفرق بين فلان مسئول في الخارجية دبلوماسي يكلمك بنعومة ولا تأخذ منه إجابةً أبداً، إلا إذا سألته: ماذا عملت في المباحثات؟ قال: كل شيء على ما يرام، فتقول له: على ماذا اتفقتم بالضبط؟ فيقول لك: في الجدول المعلن نتيجة القرارات المتخذة في الأمور المعتمدة، وكلهم مثل الثعابين هكذا. يقول رجل يهودي قبل اندلاع حرب الخليج بيسير: يجب أن تعمل أمريكا على أن يعود العرب مرة أخرى حفاة عراة كما كان أجدادهم. هذه وجهة نظر الغرب فينا، ونحن لابد أن نسأل الله أن ينصرنا، فإنه لما هان الإسلام عندنا أصبحنا عند الأعداء كالذباب، لكن هرقل في الروم، وكسرى في فارس إذا سمعا اسم عمر بن الخطاب يهتزان خائفين، ويبعث إليه أربعة رسل: اذهبوا وانظروا هذا الذي يرعبنا وأنصفوه لي. وهكذا جاء رسل كسرى إلى المدينة المنورة يسألون عن بيت أمير المؤمنين وكان كسرى يسميه ملك العرب، واليوم يقولون: الزعيم العربي الأوحد، ولا توجد كلمة زعيم إلا عند العرب للأسف، ولقد سمعت عن الزعيم بوش أنه موظف مسكين لا يستطيع أن يكح إلا إذا استأذن من مجلس الكونجرس: هل أكح؟ فإن قالوا له: كح يكح، لا تكح لا يكح. في سنة تسعة وسبعين ذهب وفد من مصر بلغ عددهم مائة شخص وقابلوا أعضاء الكونجرس فأضافوهم على طعام، وقبل أن يخطب قاطعه عضو في الكونجرس وقال له: قف، الطعام الذي أكلوه هؤلاء المصريون من أين هو بالضبط؟ قال له: ماذا تعني؟ قال: يعني: نحن لا ندفع ضرائب الأمريكان وتأتي الوفود لتأكلها، نحن ندفعها لخدمة الشعب الأمريكي. فقال لصاحب المراسم: أجبه، فقال له: هذا الطعام تبرعت به الشركة الفلانية، شركة من شركات الدعاية، هي التي أطعمت الوفد الرسمي المصري، فقال له: أكمل خطبتك. ولو عدنا إلى التاريخ لعرفنا أن سعداً قال لـ عمر بن الخطاب حين قام يخطب: لا سمع ولا طاعة، فقال عمر: لماذا يا سعد؟! قال: لأنك تلبس ثوبين ونحن نلبس ثوباً واحداً، فقال عمر: قم يا عبد الله بن عمر! وأخبرهم من أين جاء الثوب الثاني، فقال عبد الله: إن أبي رجل طوال، فأعطيته ثوبي ليرقع به ثوبه. وكان البيت الذي يملكه أمير المؤمنين عمر كوخاً صغيراً عليه صوف غنم، فانظروا إلى البساطة في المعيشة، وانظروا إلى العظمة في التخويف؛ لأنه عند الله عظيم، فجاء الرسل الأربعة فسألوا عنه، فقال عبد الله بن عمر: إنه ليس موجوداً. فقالوا: أين نلقاه؟ قال: قد تلقونه نائماً تحت النخل! فوجدوه واضعاً يده اليسرى تحت رأسه، ويده اليمنى على عينيه لتقيه حر الشمس، وناصباً رجله اليسرى وواضعاً رجله اليمنى فوقها، ويغط في نوم عميق. فقالوا: هل هذا عمر؟ قال: نعم، هذا عمر. فجلس رسول كسرى يعد الرقع التي في ثوب عمر بن الخطاب فوجدها سبع عشرة رقعة، ويترجم حافظ هذا المنظر العجيب ويقول: وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عُطلاً وهو راعيها وعهده بملوك الفرس أن لهم سوراً من الجند والأحراس يحميها رآه مستغرقاً في نومه فرأى فيه الجلالة في أسمى معانيها تحت ظل الدوح مشتملاً ببردة كاد طول العهد يبليها فقال قولة صدقة أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها فقال: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر. رضوان الله على عمر ورضوان الله على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى الله وسلم على المعلم الأول والقدوة الأعظم أستاذنا صلى الله عليه وسلم وأستاذ البشرية كلها. نعود إلى قصة حضور أمير المؤمنين عمر ومولاه سالم بيت المقدس، قال سالم: الدابة تعبت، فماذا نعمل؟ قال له: نريحها ثلث الطريق، وأركب أنا ثلث الطريق، وأنت تركب الثلث الباقي، قال له: اقتراح جيد يا أمير المؤمنين! فأراحوا الدابة الثلث، وركب سيدنا عمر الثلث، وبقى الثلث الباقي عند سالم رضوان الله عليه، ركب سيدنا سالم حتى إذا ما رأى مشارف بيت المقدس قال: يا أمير المؤمنين! سأنزل الآن، قال: ولم؟ قال: لقد دخلنا إلى بيت المقدس وأرى البطارقة والقساوسة وقواد المسلمين في الانتظار على أبواب المدينة، قال: لا، ما أنت أحوج بالثواب مني، وما أنا بأغنى منك عن الثواب. وكان البطارقة والقساوسة لا يعرفون عمر، فأخذوا يسلمون على من يركب الدابة ويقولون: مرحباً أمير المؤمنين! فقال لهم: هذا أمير المؤمنين، فسجد كبير القساوسة وبكى، وقال: قرأنا في كتبنا المقدسة أن من يتسلم مفاتيح بيت المقدس حاكم عادل يدخل إلى المدينة ماشياً وخادمة راكب بثوبه سبع عشرة رقعة، فعدوا الرقع التي في ثوب عمر فوجدوها سبع عشرة رقعة. فالإسلام يدعى إليه بالقدوة لا بمحاضرات، ولا بكلام فارغ، والإسلام ينتصر بالقدوة، وكل واحد قدوة في مكانه، رب الأسرة قدوة، وربة البيت قدوة، والشاب قدوة، والطالب قدوة، والأستاذ قدوة، والمدير قدوة، والطبيب قدوة، والوزير قدوة، والرئيس قدوة، وكلهم قدوة، فإن افتقدنا القدوة افتقدنا الإسلام، والإسلام فطرة، والفطرة دائماً تتوافق مع الإنسان في حياته. من منا يحب الخيانة؟ لا أحد. من منا يحب الغش؟ لا أحد. من منا يحب الانحراف؟ الفطرة نفسها لا تحب. وإذا رأيت منحرفاً أو مختلساً أو مرتشياً فاعلم أنه مبتلى وادع الله له، واسأل الله له العافية. قل: اللهم عافه واعف عنه؛ لأنك إذا رأيت شخصاً مبتلى في جسده، أو شخصاً مشلولاً، أو كفيفاً، أو شخصاً فيه عاهة، فقل: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه. فمن باب أولى أنك عندما ترى مبتلى في الدين تدعو بهذا الدعاء، وهذا من أكبر الابتلاءات، فاحمد الله على عافية الدين، واحمد الله على أنك تحب مجالس العلم، وأنك تحب المسجد وتحب ذكر الله، اللهم حبب إلينا بيتك ومجالس العلم يا رب العالمين!

ذكر ما يتعلق بالرؤيا من أحكام

ذكر ما يتعلق بالرؤيا من أحكام فمن الواجب أن يراعي العالم حالة من يسأل: دخل رجل على ابن سيرين رحمه الله فقال له: يا ابن سيرين! رأيت في الرؤيا أنني أؤذن، قال: سوف تحج هذا العام إن شاء الله. فخرج ودخل شخص آخر فقال: يا ابن سيرين! رأيت في الرؤيا أنني أؤذن، قال له: سوف تتهم بسرقة. فقيل له: هي رؤيا واحدة، فما معنى هذا؟ فقال: رأيت على الأول سمات الصلاح ففسرتها بقوله عز وجل: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27]، أما الثاني فلم أرَ عليه سمات الصلاح، ففسرت ذلك بقوله تعالى: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف:70]. إذاً: الرؤيا واحدة، ولكن اختلفت التأويلات والتفسيرات. ذهب رجل إلى أبي حنيفة وقال له: يا أبا حنيفة! رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، قال: وكيف رأيته؟ قال: رأيته عرياناً فغطيته، قال: ليتك ما غطيته، قال له: لماذا؟ قال: لقد غطيته حقيقة. فمات الرجل منتحراً. فهذا الرجل رأى الرسول صلى الله عليه وسلم عرياناً، فمن باب أولى عندما ترى الرسول صلى الله عليه وسلم في الرؤيا عرياناً تغطيه. ويذكر أن سيدنا أبا حنيفة وعمره إحدى عشرة سنة رأى رؤيا، رأى أنه ينبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام مذعوراً خائفاً، فذهب إلى أستاذه حماد، فقال له: رأيت في الرؤيا أني أنبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: أبشر يا أبا حنيفة! سوف تنقب عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فتعلمها للناس. فليس كل من هب ودب يفسر الرؤيا، ومن الناس من يدعي أن رؤيا السمك في المنام همٌ والبلح غم ونحو ذلك، فمن الذي أتى بهذا الكلام أساساً؟! فالذي يفسر الرؤيا لابد أن يكون حافظاً لكتاب الله، وعنده علم التنزيل، إذ إن علم التنزيل علم خاص لا يتضمن علوم القراءات فقط، بل فيه الناسخ والمنسوخ والمتشابه والمكي والمدني ومن ثم ترتيب الآيات والتنجيم في القرآن، أي: نزول القرآن مفرقاً، كل هذا اسمه علوم التنزيل، فعلوم التنزيل علم خاص بكتاب الله عز وجل، ولابد للذي يفسر الرؤيا أن يكون كذلك. وليس كل رؤيا تراها؛ لأن هناك رؤيا وهناك حلماً، وهناك كابوساً، والرؤيا من الرحمن، ولابد أن أكون نائماً وأنا متوضئ وعلى طهارة وعلى ذكر، وخالي الذهن من الموضوع الذي رأيته إلا الاستخارة، أي: رؤيا خير تبشرني بالخير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة). والحلم ما كان مرتبطاً بتفكيرك، كأن تكون منتظراً بعثة أو عريساً لابنتك، أو منتظراً نقوداً أو بيعةً معينة أو ثروةً معينة، فتكون مشغولاً بذلك، هذا الانشغال تراه في منامك، وهذا يسمى حلماً وليس رؤيا؛ لأنه موافق لتفكيرك ولوضعك قبل النوم. وهناك شيء في منام الإنسان يسمى الكابوس، فقد تكون نائماً على طهارة وخير وبركة وذكر، ولكن هناك شيء يرعبك، كأن يكون البيت سقط عليك، أو المخبر يدق الباب، أو صاحب الضرائب قابلك وسلم عليك وابتسم ابتسامة صفراء، أو يكون عندك خمسة أولاد ونظرت في الرؤيا فوجدت زوجتك حاملاً، هناك أناس يخافون من هذا مع أن هذا خير وبركة. فالكابوس أو الرؤيا المزعجة لا تحكيها لأحد، وينبغي لك حين تقوم أن تتفل على يسارك ثلاثاً، أي: تنفخ وليس المعنى: تبصق، ثم تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، هذا في الرؤية المزعجة، ولا تكن كلما قابلت واحداً تقول له: أنا رأيت رؤيا مزعجة، لكن لا أريد أن أحكيها، بل لابد أن تنساها، وما قدره الله سوف يكون، سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم كان كلما صلى مع الصحابة الصبح يقول: (أيكم رأى رؤيا) فمن حظ الصحابة أنهم أول ما تقع أعينهم على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما وقعت العينان على رؤية وجهه صلى الله عليه وسلم إلا وفرحت، وانشرح صدر من يراه، وما رآه الحزين إلا وسر صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في غزوة أحد: (رأيت كأن في سيفي ثلمة -أي: كأن في سيفي مكاناً مكسوراً أو مخدوشاً- وكأنني أدخلت يدي في درع حصينة، وكأن بقراً تذبح بين يدي، وكان أبو بكر جالساً فقال: أتأذن لي في تأويلها يا رسول الله؟! قال: أول يا أبا بكر! قال له: أما الثلمة فرجل من آل بيتك يقتل، وأما الدرع الحصينة فعودتك سالماً إلى المدينة بإذن الله، وأما البقر التي تذبح فقتلانا وقتلاهم، قال: هكذا نزل علي جبريل بتأويلها يا أبا بكر!). وهذا دليل على فضل أبي بكر رضي الله عنه، فقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما سبقكم أبو بكر بصلاة ولا صيام ولا زكاة، ولكن سبقكم بشيء وقر في قلبه).

فضل طلب العلم وطلابه

فضل طلب العلم وطلابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من الشجر لشجرة كالرجل المؤمن، خبروني ما هي؟). فالمؤمن مثل شجرة من الأشجار كلها منافع، فقال عبد الله بن عمر وكان عمره سبع عشرة سنة: (فنظرت إلى وجه أبي -أي: هو عمر بن الخطاب - وإلى وجه أبي بكر فوجدتهما صامتين، فخطر ببالي أنها النخلة، ولكني رأيت الشيخين وقد هابا رسول الله فكيف لا أهابه أنا قال: فسكت، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: هي النخلة)، وكاد أن يقولها عبد الله بن عمر، ولو قالها لفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس كالمدرس في هذه الأيام، فلا تراه إلا وهو يقول لطالبه إذا أجاب: لن تفلح أو كذا، نسأل الله أن يهدي المدرسين والمدرسات الأحياء منهم والأموات، لأن الميت من مات قلبه، قال الشاعر: ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء إنما الميت من يعيش كئيباً كاسفاً باله قليل الرجاء فمن صفات العالم أن يرق حاله بالمسلمين، وأن يعاملهم كما يعامل أبناءه، فيكون طليق الوجه، لا يصرخ في وجه أحد بل يكون مؤدباً معهم وحنوناً وقدوة. إن صفات المريد بإيجاز قال فيها أهل العلم: أن يصير المريد بيد شيخه كالميت في يد المغسل يطيعه ويجله ويحترمه ويحبه في الله، وقد قلت سابقاً: إن الإمام الذي لا ترتاح له لا تصلِّ خلفه؛ لأنك تصلي وراءه وأنت تغتابه، والغيبة حرام، فما بالك عندما تكون الغيبة في الصلاة؟ فالغيبة في الصلاة أشد وأنكى. إذا وافقت أخلاق العالم أخلاق المتعلمين بارك الله في مجلس العلم، وهكذا التقى المعلمون والمتعلمون في هذا المجلس لمرضاة الله عز وجل، ولم يأتوا ليروا فلاناً ويسلموا على فلان ومشتاقين لفلان، وإنما أتوا لابتغاء مرضاة الله، قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة:18]. ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (أكاد أهم عذاباً بأهل الأرض فأنظر إلى المتزاورين في، وإلى المتحابين في، وإلى المتجالسين في، وإلى عمار بيتي فأرفع عذابي عن أهل الأرض). (ما من عبد يتطهر في بيته ويتوجه إلى بيت من بيوت الله إلا تبشبش الله في وجهه كما يتبشبش أهل الغريب عندما يعود إليهم غريبهم)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع). فنحن نريد النوايا أن تتغير، والنيات أن تكون صادقة، فلو كشف عنا الحجاب لرأينا الملائكة تحيط بمجلسنا، فإن لله ملائكة سياحين في الأرض يبتغون مجالس العلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة تتعاقب فيكم بالليل والنهار) فمع غروب الشمس ساعة درس العشاء تنتظر ملائكة النهار وملائكة الليل وتحضر مجالس العلم، فيصعدون إلى ربهم ويشهدون لمن حضر مجلس العلم أنه قد حضر، (فيقول الله: وأشهدكم أني قد غفرت لهم). ويقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون:9]. فالأزواج والأولاد أعداء لنا؛ لأنهم يلهوننا عن ذكر الله، فيكون الرجل مثل النحلة ينام بالليل متعباً، ويصبح الصبح ليبحث عن رزقه، وعندما تطأ أقدامي أي بلد أوربي أنظر إلى الناس وهم ذاهبون إلى العمل في الصباح ويعودون وهم منهكو القوى كل يوم، فلا أرى إلا حيوانات سائمة. فترى الأم تأتي بكلب، والأب يأتي بكلب، ويقعد الصديق مع صديقه الكلب ويكتب ثروته كلها للكلب، لكن المسلمين إذا عجز الطب عندهم ربط المريض أملاً بينه وبين ربه، فتراه يتوضأ ويصلي لله ويقول: يا رب! الأمل عندك، فيقول الله له: وأنا سوف أعطيك الشفاء من عندي. إذاً: سبب عدم وجود الأمراض النفسية هو الصلة بالله عز وجل، وإني أشكركم لأنكم استقبلتموني، فلست أنا صاحب فضل، بل أنتم أصحاب فضل علي؛ لأنكم تتركون أنفسكم لي لأزرع فيكم خيراً، فمن أفضل الناس من ترك نفسه لك لتزرع فيها خيراً، ومن أسوأ الناس من ترك إليك لتزرع فيها شراً، فأنتم أحب الناس إلى قلبي؛ لأنكم تتصدقون علي بنفوسكم كي أزرع فيها خيراً إن شاء الله. اللهم اجعلنا من الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه. إنك أيها المسلم! في يوم الجمعة تكون نشيطاً، فإذا ذهبت للعمل يوم السبت قل نشاطك، وفي يوم الأحد قل نشاطك أكثر، وفي يوم الإثنين بعد العصر تكون قلقاً وهكذا ضاع كل نشاطك، لماذا؟ لأن أهل العلم قاسوها وقالوا: إن القلب الذي يمتنع عن مجلس علم كل ثلاثة أيام يبتلى بالسقم ومرض البعد عن الله عز وجل، فلا تكفي جلسة علم من الجمعة إلى الجمعة، فلابد أن يكون هناك جلسة علم في وسط الأسبوع على الأقل، فحاول أن ترتب أمورك على أن يبقى لك درس علم عند أي عالم تثق به، ليس بمبتدع ولا مزيف، وإنما يقول: قال الله قال الرسول، يقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لابنه الحسن: زاحم العلماء بالمناكب، فإن رحمة الله لا تفارقهم لحظة. فلا تفرط في جلسات العلم أكثر من ثلاثة أيام؛ لأن القلب تعتريه حالات فتقل الشحنة فيه ويقل الإيمان.

الحث على تعاهد كتاب الله عز وجل والإكثار من العمل الصالح

الحث على تعاهد كتاب الله عز وجل والإكثار من العمل الصالح التقى أبو بكر رضي الله عنه بـ حنظلة غسيل الملائكة، فقال له أبو بكر: كيف حالك يا حنظلة؟! قال: والله قد نافق حنظلة يا أبا بكر! قال له: لماذا؟ قال: نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنشعر أننا نطير في السحاب، فإذا عدنا إلى بيوتنا عافسنا الأزواج والذرية والطعام والشراب فعدنا إلى ما كنا فيه. قال له: وأنا كذلك يا حنظلة! أبو بكر أصبح منافقاً من وجهة نظره؛ لأننا منذ قليل قلنا: حسنات الأبرار سيئات المقربين. فدخل الاثنان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالا: نافقنا يا رسول الله! لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فما من مسلم يشاك بشوكة إلا يجد ألمه في قلبه صلى الله عليه وسلم، وقال صلى الله عليه وسلم لجبريل: (يا جبريل! من لأمتي من بعدي؟ فسأل جبريل ربه فقال: نبئ محمداً أننا لن نسوءه في أمته وسوف نرضيه، فقال: لا أرضى وأحد منهم في النار، يقول الله عز وجل: يا جبريل نبئه أن كل من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله لن يخلد في النار). أي: لا يدخل الجنة مباشرة، فإن كان عليه عقوبات يقضي مدة العقوبة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يدخلنا وإياكم الجنة بدون سابقة عذاب، من كرمه وفضله ومنه وجوده. عاملنا بفضلك يا ربنا! ولا تعاملنا بعدلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر وحنظلة رضي الله عنهما: (يا أبا بكر! يسروا ولا تعسروا، يا أبا بكر! لو أنكم تدومون على ما تكونون به عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولزارتكم في بيوتكم). يعني: لو أن هذه الحالة الإيمانية تبقى عالية جداً لكانت الملائكة تقابلكم في الطريق وتسلم عليكم وتزوركم في بيوتكم، قال: (ولكن يا أبا بكر! ساعة وساعة) يعني: ساعة مع إيمان عال جداً، وساعة مع الدنيا وما فيها. لكن المصيبة أن نقول: ساعة لربك وساعة لقلبك، والله يا مسلم إن أربعاً وعشرين ساعة تكون لقلبك، وتبحث عن وقت لربك فلا تجد إلا الصلاة تصليها ولا تزال مشكوكاً في أمرها. قال الصحابة: كان عمر يخفف بنا في صلاة المغرب والعشاء -وهو أمير المؤمنين يصلي بهم- فكان يقرأ من مائة إلى مائة وخمسين آية من سورة البقرة ويقول: لقد خففنا كما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم، أما نحن ففي رمضان تجد المصلين يقولون للإمام: كن رحيماً وخفف قليلاً، وتراهم يحفظون الأحاديث فيقول أحدهم: (الطبق يستغفر للاعقه)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى بالناس فليخفف) فليخفف بالنسبة لتخفيفك أنت أم تخفيف سيدنا عمر أم تخفيف الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ يقول: (كان صلى الله عليه وسلم يخفف في صلاته، فكان بلال يقيم صلاة الظهر، فنترك أعمالنا، فنذهب إلى البقيع لقضاء الحاجة، ثم نتوضأ وندخل المسجد فندرك الرسول صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى) هذا هو التخفيف، والمصيبة أنه يرد عليك ويقول: يا أستاذ! هذا زمن غير الزمن الأول، فكن حلواً! جاء رجل في العام الماضي بعد يوم عشرين من رمضان فقال: ماذا يا مولانا! خير؟! فقلت له: خيراً إن شاء الله، قال: أنت نسيت: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] أم ماذا؟ لقد كنت حسناً عندما كنت تقرأ آيتين وتقلب، ثم تقرأ آيتين وتقلب، فقلت: ماذا ستقلب يا بني؟! حتى الأسلوب نفسه لا أدب فيه، وكأنه يشتم. فهذا الشخص لو عرف الفائدة التي في سورة الإخلاص لما قال ذلك، إن الحرف في كتاب الله عشر حسنات، فعندما تقول: الم، يعني: ثلاثون حسنة، وتقول: بسم الله الرحمن الرحيم فيها تسعة عشر حرفاً، وعدد زبانية جهنم تسعة عشر ملكاً، ويقولون: إن الذي ينطق البسملة، فكل حرف يمنع عنه واحداً من زبانية جهنم، وهذا من ملح التفسير وليست من أصول العلم. إن الله سبحانه وتعالى يقول: {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر:1] فالصبح مثنى، والمغرب ثلاث، والعشاء والظهر والعصر أربعاً أربعاً، فيقولون: الذي يواظب على الصلاة ويصلي الصبح فكأنما يصير ملكاً من الملائكة له جناحان, والذي يحافظ على المغرب جيداً يصير كأنما هو ملك له أجنحة ثلاثة، ومن صلى الرباعية فكأنما صار ملكاً له أربعة من الأجنحة. أقول: هل هناك أحد يكره أن يكون ملكاً؟ يقول الرجل: هذا ابني مثل الملك، من أخلاقه وهدوئه وأدبه. فحرف في المصحف بعشرة والصلاة بمائة، يقولون لـ أبي حنيفة: في كم تختم القرآن يا أبا حنيفة؟! قال: في الصلاة أم في خارج الصلاة؟ فهو استغرب من السؤال فانظر إلى الرد، يريد أن توضيح السؤال، يقولون له: أنت تختم القرآن في كم؟ قال: في الصلاة أم خارج الصلاة؟ قالوا له: في الصلاة، قال لهم: في صلاة الليل أم في صلاة النهار؟ فهذا هو العالم الذي يصلى خلفه، ليس أيَّ عالم يأتي ليؤدي واجباً ويذهب. قالوا: في صلاة الليل، قال: في الليلة أصلي بعشرة أجزاء، فأختم المصحف في صلاة الليل كل ثلاثة أيام مرة. عاش أبو حنيفة من سنة (80هـ) إلى سنة (150هـ) أي: عمر سبعين سنة، فكان يقوم نصف الليل وعمره عشر سنين، واستمر على ذلك حتى أصبح عمره ثلاثين سنة، فكان عبد ينام العشاء ويقوم في نصف الليل يصلي حتى الفجر. وفي السنوات الباقية من حياته كان يتوضأ العشاء ويصلي بها صلاة الصبح بالمسلمين، حتى لا يلقى الله منافقاً يوم القيامة. قالوا للحسن البصري: كيف تختم القرآن؟ قال: أختم المصحف في كل جمعة مرة، وفي كل شهر مرة، وفي كل سنة مرة، وفي عمري مرة، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: أختمه في كل جمعة مرة قراءة ترتيل، وفي كل شهر مرة، أتمهل في القراءة كل يوم من أجل يبدأ التدبر. ويختمه في عمره مرة كلما يمر على آية يتوقف عندها، وينظر ما هو الحلال وما هو الحرام، وما هو المحكم وما هو المتشابه، والمختلف في التفسير. قال الحسن البصري لـ ابن سيرين: والله أراك تفسر الرؤى كأنك من آل يعقوب، يعني: كأنك من سلالة يوسف. فقال له ابن سيرين: وأنا أراك تفسر القرآن كأنما رأيت التنزيل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنريد أن نقول: إن مجالس العلم خير كلها، ولا شيء يعدل مجلس العلم، فقد ثبت على مر السنين إخوة كثيرون كانوا معنا، وصلتهم يد الردى وصاروا تحت أطباق الثرى، ورآهم إخوة نحسبهم على خير، -وإن كان هذا لا يقعد قاعدة- لكن أقول: إن هذه من ضمن الرؤى التي تدل على أن إخواننا الذين نحسبهم على خير رءوا إخوانهم الذين سبقوهم يقولون: قولوا لفلان أن يطيل قليلاً في دروس العلم؛ لأننا وجدنا فيها الخير كله. نسأل الله أن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم، وأن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

الصلاة فضلها وتغليظ عقوبة تاركها

الصلاة فضلها وتغليظ عقوبة تاركها أولاً: تحدثنا عن الصلاة، وكيف أن الله سبحانه وتعالى توعد الذي يسهو عن صلاته، وكيف أن الله لا يقبل الذي يسهو في صلاته، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5]. قال أهل العلم: من السهو عن الصلاة: أن يجمع الظهر مع العصر، أو العصر مع المغرب، أو المغرب مع العشاء بدون عذر، فإنما يدخل يوم القيامة وادياً يسمى وادي ويل، هذا الوادي تستعيذ النار منه كل يوم مائة مرة من شدة حره. فقال أحد الصحابة لـ عمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين! فما بالك بمن لا يصلي؟! قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر). وقال صلى الله عليه وسلم: (الصلاة عماد الدين، من أقامها أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين). وقال عليه الصلاة والسلام: (من أسبغ وضوءه، وأتم ركوعها وسجودها، لفت كما يلف الثوب الأبيض، وترتفع إلى الله قائلة لصاحبها داعية: حفظك الله كما حفظتني، ومن لم يسبغ وضوءها، ولم يتم ركوعها ولا سجودها، تلف كما يلف الثوب الخلق، ويضرب بها وجه صاحبها وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني). وقال: (ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رأسهم شبراً، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: عاق لوالديه)، فالعاق لوالديه يحافظ على الصلاة في جماعة، فيقول الله: قبلت صلاة الجماعة إلا صلاة فلان، فيقول: لماذا يا رب؟! يقول الله: عاق لوالديك، والعقوق حده كلمة أف، فكم تسمع كلمة أف من ولدك في اليوم؟ ففي الأكل ستمائة أف، سبحان الله! وهناك عقوق من نوع آخر، وهو عقوق الوالدين لأولادهم، دخل رجل على أمير المؤمنين عمر وقال: يا أمير المؤمنين! ولدي يعقني، فدعا عمر ولده وقال: يا فلان! لم تعق أباك؟ قال: يا أمير المؤمنين! قال صلى الله عليه وسلم: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) فاختار أبي أمة تزوج منها فأنجبتني، فأنا أعير بها أمام أصحابي. وتجلى أن امرأة فنانة مطربة، سألوا ابنها: هل أنت سعيد أن والدتك فلانة؟! قال: بالطبع، الحمد لله أن أمي فلانة، أنا فخور بها، ولو لم أكن ابنها لتمنيت أن أكون ابنها. فمن حق ابنك عليك قبل أن يخلق أن تختار له الأم الصالحة. ثم قال عمر: وماذا بعد؟ قال له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (علموا أبناءكم القرآن) وأبي ما علمني، فانظروا إلى هذا الذي يبحث عن حقوقه. فقال عمر: وماذا بعد؟ قال: (أحسنوا تسمية أبنائكم) وأبي سماني جعراناً. جعران وخربوش وخيشة وحمار وقط وحيوان وخروف، وكأن الأسماء انعدمت، لقد كان في الزمان القديم عندما يريدون أن يلاعبوا أولادهم يقول الواحد منهم: سيدة أبيها، وسيدة الأهل، وعين أبيها دخلت، وعين أبيها خرجت، ومنهم من يقول: أنا عندي سيدة الناس، وهذا أحسن من سيسي وميمي وفيفي، وهناك سيدة محترمة عمرها سبعون سنة اسمها (ميمي هانم). قال: أحسنوا تسمية أبنائكم، وأبي سماني جعراناً، فأعير به أمام أصحابي، قال عمر: يا هذا؟ أنت عققت ولدك وولدك لم يعقك، أي: يقول: إن العقوق انقلب الآن. ومن العقوق أيضاً: أن البنت يهديها الله وتتحجب، وتلبس خماراً، فيعترض الأب والأم، وهذا عقوق من الوالدين. ويتقدم لها زوج صالح لا يرضون به؛ لأنه ملتحٍ، أو صاحب مساجد، ويقولون عنه: هؤلاء الذين هدموها، هؤلاء الذين خربوها! فمن الذين عمروها؟! نحن لنا أربعون سنة أو خمسون سنة لم نعمرها؟ أبداً، إنما الذي يعمرها هم الشباب الصالح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشاب الذي ينشأ في طاعة الله يباهي الله به ملائكته). يأتي الله بالأغنياء وبالفقراء وبالشباب يوم القيامة، هؤلاء الثلاثة أصناف الذين لم يطيعوا الله سبحانه، فيقال: أنتم يا أغنياء! ما منعكم أن تصلوا وتصوموا؟ فيقولون: شغلتنا أموالنا يا ربنا! فيقال: أأنتم كنتم أغنى أم سليمان بن داود؟ يقولون: لا، سليمان كان أغنى، فيقول الله: ما شغله غناه عن ذكري لحظة. ويقول للشباب: أأنتم أجمل شباباً وفتوة أم يوسف؟! يقولون: بل يوسف، فيقول الله: ما شغله شبابه عن ذكري. فيقال: وأنتم يا فقراء؟ فيقولون لم نجد ما نأكل، كنا نركض وراء لقمة العيش، فيقال: أأنتم أفقر أم عيسى ومحمد؟ فيقولون: بل عيسى ومحمد، قال: ما شغلهما فقرهما أبداً عن ذكري لحظة. إذاً: أصبح الرسل علينا حجة، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً، ومن لم يحافظ عليها حشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف)، ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الأربعة المجرمين لأن الذي يشغلك عن الصلاة إحدى هذه الأربع: الملك، الوزراة، الغنى، التجارة، فمن شغله ملكه عن الصلاة فهو مع فرعون والعياذ بالله رب العالمين. ومن شغلته وزارته فهو مع هامان، ولذلك جمعهم الله في قوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص:8] فالجندي يقول: أنا مسكين وعبد مأمور، وستظل عبداً مأموراً إلى متى؟! كن عبداً لله، ولا توطئ هامتك إلا لله؛ فمن دخل على غني أو على عظيم فتضعضع له لغناه أو لعظمته فقد ذهب ثلثا دينه. فعليك ألا توطئها إلا لله عز وجل، ولأهل التقوى والاستقامة وأهل العلم، هؤلاء الذين نحترمهم ونجلهم، ولكبار السن أيضاً، فأول ما تنظر إلى شخص قد شاب رأسه فكن مؤدباً معه في الكلام، ولا ترفع صوتك عليه، بل ضعه في منزلة والدك. دخل رجل على أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك فقال هشام: عظني أيها الرجل؟! قال: يا أمير المؤمنين! اتخذ كبير المؤمنين أباً، وأوسطهم أخاً، وأصغرهم ابناً، فبر أباك، وصل أخاك، واعطف على ابنك. فالحاكم يكون كبير السن أباً له يبره، والذي مثله في السن أخوه فيصله، والذي أصغر منه ابنه يعطف عليه، فالأمور بهذه الطريقة ستستقيم. فإن قيل: الذي يسرح في صلاته ماذا يفعل؟ A لنتخيل أنك شاعر، والشاعر هذا مرهف الحس، ويحب أن يؤلف الشعر في جو رومانسي، كذلك الفنان نفس القضية، تخيل أن هذا الشاعر يريد أن يقول قصيدة أو يؤلف قصيدة، أو الفنان يريد أن يعمل شيئاً، أو المخترع يريد أن يخترع شيئاً، فجاء تحت شجرة عليها عصافير، وكلما يفكر في الموضوع فإن صوت العصافير يشغله، فيخرجه من التفكير الذي هو فيه، فيشد نفسه ويعود إلى الفكرة مرة أخرى وإذا بصوت العصافير يشغله، فهنا يختار أحد الأمرين: إما أن يترك المكان، وهو لا يستطيع أن يترك المكان، أو يقطع الشجرة، ولو قطع الشجرة فإن العصافير ستهرب، فيأتي آخر ويقول: صدر قرار جمهوري بمنع قطع الشجرة. فيقول أهل العلم: شجرة الشهوات عليها عصافير الهوى، فشغلتك عن الله في الصلاة، ومن أجل أن تكون صادق النية وفكرك مع الله عز وجل اقطع شجرة الشهوات لتقع عصافير الهوى ويصير قلبك مع الله.

فضل الزهد والورع والتقوى

فضل الزهد والورع والتقوى يقول الإمام علي رضي الله عنه: غرس الزهد بقلبي شجرة، فالزهد زرع في قلب سيدنا علي شجرة، حتى وإن كان أغنى الأغنياء فهو زاهد، حتى وإن كان يملك الملايين لكنه زاهد، والشخص لا يوجد معه شيء لكنه شره ليس بزاهد، هناك نوعيات هكذا، قال الإمام علي رضي الله عنه: غرس الزهد بقلبي شجره ثم نقى بعد جهد حجره وسقاها إثر ما أودعها كبد الأرض بدمع فجره وإذا ما رأى طيراً مقبلاً حائماً حول حماها زجره نمت في ظل ظليل تحتها روح القلب ونحى ضجره ثم بايعت إلهي تحتها بيعة الرضوان تحت الشجره كلام سيدنا علي كلام عالم، إذ جعل الزهد بقلبه شجرة، ثم أنزل الأشياء السيئة التي عليها، ورقق القلب بالبكاء والخشية والتباكي، ولما رأى الطير مقبلاً صاحب هوى ودنيا وحرص وبعد عن الله، أخذ يطرده حتى تكون الشجرة صافية وسليمة، فلما كان كذلك، بايع الله هناك تحت الشجرة كما بايع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة الرضوان. جاء رجل فقال: يا علي! عندي مرض، قال: ما مرضك؟ قال له: البعد عن الله، قال له: عليك بعروق الصبر، وعصير التواضع، وضع ذلك في إناء التقوى، وأوقد عليه بنار الحزن، واسكب عليه من ماء الخشية، وتمضمض بالتقوى والورع، وأبعد نفسك عن الحرص والطمع، تشف من مرضك بإذن الله. فهذه الوصفة: تقوى، وتواضع، وصبر، وتوكل، وصدق نية، وحزن على ما مضى من الذنوب، ليس حزناً على الأرض التي ضاعت. دخل رجل أسود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! قرأت في القرآن: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] أيمنعني سوادي من دخول الجنة؟ فتبسم الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال: (بل أنت في الفردوس الأعلى)، ففاز بها هذا هذا الرجل الأسود؛ لأنه كان يريد أن يطمئنه من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقال له: أنت في أعلى درجة. ولذلك الأم لما وجدت ابنها في أحد قالت له: يا رسول الله! حارثة ابني في النار فأبكي عليه الدهر كله، أم في الجنة فأصبر واحتسب! انظر إلى الأم العاقلة، إن كان في النار فسأبكي عليه، وهذا صحيح، لأن نهايته سيئة، وإن كان في الجنة فلماذا أبكي عليه؟! فقد انتقل من دار إلى دار التكريم، قال: (إن الجنة درجات، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى منها يا أم حارثة). وأم قتادة رضي الله عنها كانت بعد أن يغادر الصحابة المسجد تقوم بتنظيفه، فعندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم ماشياً في البقيع وجد قبراً جديداً، فقال: (قبر من هذا؟ قالوا: يا رسول الله! قبر أم قتادة، قال: ولم لم تعلموني بها؟ قالوا: يا رسول الله! ماتت في حر الظهيرة أمس، وخشينا عليك من شدة الحر، قال: أما علمتم أن من صليت عليه صلاة الجنازة وجبت له شفاعتي يوم القيامة؟! فصف الصحابة صفوفاً وصلى ثم قال: يا أم قتادة! السلام عليك ورحمة الله، أي الأعمال خيراً وجدتِ عند ربك؟ ثم أطرق بأذنه، وقال: أتسمعون ما أسمع؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: لو سمعتم ما أسمع لسمعتم أم قتادة تقول: خير ما وجدت عند الله في كتاب حسناتي تعمير بيوت الله عز وجل). فتعمير بيوت الله يكون بالزيارة والنظافة والتعبد فيها، فلا يدخل المسجد من أجل أن يسرق أو يفتري، ولا يدخل الجامع من أجل أن يؤذي، أو يدخل الجامع من أجل أن يجعل المسجد وسيلة ارتزاق أبداً، ومادام العالم والمتكلم والمحدث يأخذ أجراً على ما يقول فإنه يشك في علمه، إلا إذا لم تكن له إلا هذه المهنة، لكن يجب أن يكون متواضعاً وقنوعاً وراضياً بالقليل وسيبارك الله له. لكن المساجد ليست وسيلة ارتزاق، وإنما هي بيوت الله عز وجل، يجب أن نعمرها بالتقوى وبالإيمان والعمل الصالح.

الثلاثة الذين لا يقبل الله صلاتهم

الثلاثة الذين لا يقبل الله صلاتهم إن أول الثلاثة الذين لا يقبل الله صلاتهم: عاق لوالديه، وتعرفون الصحابي علقمة الذي لم يستطع أن ينطق الشهادتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أله أم؟ قالوا: نعم، يا رسول الله! فأتوا بها فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لـ علقمة يموت لا يستطيع أن ينطق الشهادتين؟ قالت: يا رسول الله! كان إذا أتى بالأكل يدخل على زوجته أولاً. فقال لها: ارضي عنه يا أم علقمة! قالت له: لا يا رسول الله! فكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فقالت: لا يا رسول الله! قال: يا بلال! يا أبا الدرداء! يا أبا ذر! يا عمر! اجمعوا حطباً، قالوا: لماذا يا رسول الله! قال: نحرق علقمة، فرق قلب أم علقمة، فقالت: رضيت عنه يا رسول الله! فذهبوا إلى علقمة فوجدوه يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. والثاني: مدمن الخمر، والمخدرات كالخمر، كذلك البريل، فإنهم قد حللوها ووجدوا فيها نسبة من الكحول، فلا يجوز شراء البريل، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فالبيرة والبريل هي مثل الخمر تماماً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) فقد يقال: هذه تباع في السعودية، فنقول: وهذا هو مصدر الشك، فقد شككت فيها حين علمت أنها تباع في السعودية فأخذناها إلى المعمل فقالوا: بيرة. فإن قيل: إن البيرة مفيدة لغسيل الكلى، فنقول: إن علماء الطب يقولون: إن هذه البيرة تقوم بغسل الكلى أولاً، ومن ثم تعمل ترسبات فيها -والعياذ بالله رب العالمين- ثم على المدى الطويل تصيب الشخص بفشل كلوي. وأضف إلى ذلك مدمن التدخين، ففي مصر يدخن سكانها كل يوم بمليوني جنيه سجائر، بلاد أثقلتها الديون وشعبها يدخن بمليوني جنيه سجائر، وللأسف الشديد الذي لا يدخن في مصر يدخن بالرغم عن أنفه ثلاث عشرة سيجارة كل يوم، والمصيبة أن الذي يدخن يأخذ سمومها مباشرة منها، والذي لا يدخن يأخذ سمومها عن طريق الاستنشاق. وإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار) فأنت أيها المدخن! تنشر الفساد في الأرض، كذلك إن كنت غنياً وتدخن فأنت مسرف، والمسرفون إخوان الشياطين، وإن كنت فقيراً فأنت سفيه، والله يقول: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5] فإذا وجدت شخصاً يدخن فلا تتصدق عليه. ولكي تعرف من غير إثباتات أن السجائر حرام من شربك لها دون أن تقول: باسم الله، لكنك في الأكل تقول: باسم الله، وعندما تدخل بيتك تقول: باسم الله، وهل قد تصدقت على شخص بسيجارة وقلت له: هذه السجارة؟! وهل ستلقى ذلك في ميزان الحسنات؟! والثالث: الديوث: وهو الذي علم القبح على أهله ويسكت عليه، كأن تكون زوجته متبرجة، وابنته بلغت الحلم وهي متبرجة، فهو يعلم أن الشر في أهله ويسكت على ذلك، فهؤلاء لا ترتفع صلاتهم فوق رءوسهم شبراً. ويضاف إلى هؤلاء المخاصم لأخيه، أو المقاطع لرحمه، كأن يكون مقاطعاً لعمته ولخالته وأخيه المسلم، ويأتي ببراهين وحجج حتى نقول له: معه حق، فقد ورد في الحديث: (أن الرحم تعلقت بجدار العرش، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا يكفيك أن من وصلك وصلته، وأن من قطعك قطعته). أيها الإخوة الكرام! يجب علينا أن نحافظ على الصلاة؛ لأنها هي التي بقيت الذي بقيت لنا في الدين، فنصلي بثقة وخشوع، لله عز وجل، ونتم ركوعها وسجودها، ونكثر من صلاة الجماعة في المساجد، أما النوافل فهي في البيوت، وعندئذ يتقبل الله منا صلاتنا. اللهم تقبل منا صلاتنا وعبادتنا، اللهم اقبلنا وتقبلنا، اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، واجعل اللهم خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، اللهم أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وصلنا بك ولا تقطعنا عنك، واطرد عن أبنائنا وبناتنا وذرياتنا وأزواجنا وزوجاتنا شياطين الإنس والجن. اللهم عمر بذكرك بيوتنا آناء الليل وأطرف النهار، واجعلنا من البيوت الذاكرة لك يا أكرم الأكرمين! واجعلنا من الذين إذا سمعوا أحسنوا فيما سمعوا وطبقوا ما سمعوا يا أكرم الأكرمين! وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سلسلة مقتطفات من السيرة [23]

سلسلة مقتطفات من السيرة [23] يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فيجب على المؤمن أن يتابع الرسول في كل صغيرة وكبيرة سواء الصلاة أو نحوها من العبادات، ومن أهم الأشياء التي يجب معرفتها في الصلاة، صلاة الجماعة وكيفية التعامل مع الإمام، وما يجوز في الصلاة وما لا يجوز.

التحذير من البدع واللعب بالدين

التحذير من البدع واللعب بالدين أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. اللهم لا تدع لنا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قطعته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته. اللهم اطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، اللهم اجعل هذه الجلسات في ميزان حسناتنا يوم القيامة، اللهم ثقل بمجالس العلم موازيننا يوم القيامة، اللهم أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: هذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثالثة والعشرون من سلسلة حديثنا عن السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليم من رب الأرض والسماوات. روى الإمام الدارقطني وابن حبان في صحيحه أن سويداً الأسدي رضوان الله عليه قال: (كنت سابع سبعة وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: معه إخوته الستة وهو سابعهم، دخلوا على سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (فقال: من القوم؟ قالوا: نحن المؤمنون) يعني يفتخر أنه مسلم، ولا يحرج من الناس أن يقول: والله أنا أحضر درس علم؛ لأن الذين في المكتب يقولون له: نحن عندنا فيديو، ومسرحية في الموضوع الفلاني، وهو كذلك لا يحرج، بل العكس، يجب أن يعتز بإيمانه ويحمد الله على هذه النعمة؛ لأن نعمة الإيمان لا تساويها نعمة، حتى قيل: أيما رجل أو امرأة حفظ كتاب الله، ثم ظن أن أحداً أعطي خيراً منه فقد استقل نعمة الله عليه، لكن المصيبة أن يحفظ العبد القرآن ويتاجر به، ويأخذ القرآن ويجعله وسيلة من وسائل التجارة، والمسلم من الواجب عليه دائماً أن يستغل نعم الله عز وجل في منفعة عباد الله، حتى قالوا: إن الذي يأخذ على القرآن أجراً والعياذ بالله لا ثواب له فيما قرأ. ثم الكارثة الكبرى في البدعة التي تحدث حول قراءة القرآن، تجد في دور المناسبات العشرات جالسين يكتمون أنفاسهم من رائحة الدخان التي تنبعث من داخل الدار، بل إن المسجد فيه ملائكة تحضر مجالس الذكر، وأشك -والعياذ بالله- أن تكون دور المناسبات فيها الملائكة؛ لما يحدث فيها من المظاهر الكاذبة والسرقات والفوضى، وأتمنى من الذي يكتب لنا تقريراً أن يتقي الله في كتابته، ونحن لا نخاف إلا من الله عز وجل، لكن القضية أن دور المناسبات عبارة عن عنوان للبدع التي سوف يجد الإنسان فيها كلاب النار والعياذ بالله! كما قال صلى الله عليه وسلم: (أهل البدع هم كلاب أهل جهنم). أهل البدع الذين يخترعون في الإسلام اختراعات ليست في الكتاب ولا في السنة، هؤلاء والعياذ بالله كلاب على أهل جهنم في جهنم، نسأل الله السلامة لنا ولكم. يقرأ قارئ من الناس القرآن والناس يتكلمون ولا يبالون، القرآن يقرأ وكل شخص يتحدث مع الثاني وكل هذا الإنفاق من مال اليتيم أو الصغار الذين مات أبوهم، يأتي عمهم ويصرف أربعمائة أو خمسمائة جنيه أو ما كثر أو قل على قدر الحاجة، ثم إذا به يطالب اليتامى بمصاريف الجنازة، ويقول: إنني أعطيت صاحب المحل مائة، والمقرئ أخذ أربعمائة، ودار المناسبات أخذت مائتين، وصاحب القهوة أخذ أربعين، والعمال أخذوا إكرامية على الرجل الذي مات! فصار الموت صورة من صور التجارة! وللأسف الشديد أن المصريين آلوا على أنفسهم أن يدخنوا قبل أن تأتي علامات الساعة الكبرى وإن من علامات الساعة الدخان كما في سورة الدخان، وقد ذكرنا أن علامات الساعة الكبرى ست وهي: طلوع الشمس من مغربها، ثم ظهور الدابة، ثم ظهور الدخان، وهو دخان يغشى الناس كما في سورة الدخان، قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ} [الدخان:10 - 11] فهو دخان مظلم، ما هذا الدخان يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: (يأتي على رأس المؤمن كالزكمة) أي: كالزكام في الشتاء، وعلى رأس الكافر والفاجر والمنافق قال: (كنيران تغلي) نسأل الله السلامة، يكون به دوخة من صعوبة هذا الجو الصعب، هذا من ضمن علامات الساعة الكبرى، نسأل الله السلامة. كذلك ظهور المسيخ الدجال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر صحابته منه ويقول: (إن ظهر وأنا بينكم فأنا حجيجه دونكم)، يعني: أنا أكفيكم مشكلته لا تخافوا، (وإن ظهر من بعدي فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مؤمن) يعني: الله عز وجل سيحافظ على المؤمنين الباقين على الإيمان، الذين لا تزلزلهم العواصف ولا القواصف، لأن اعتمادهم على الله عز وجل. المسيخ الدجال أكثر أتباعه اليهود والمنافقون والنساء، سبعون ألف من يهود أصبهان، والمنافق الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام والعياذ بالله! والنساء لضعف عقولهن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى يعود الرجل إلى بيته فيربط أمه وأخته وزوجته وابنته مخافة أن يخرجن فيتبعن المسيخ الدجال). أما صفته: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (رجل جعد قطط)، أي: رجل طويل شعره جعد (له عين طافية كالعنبة)، أي: له عين بارزة إلى الخارج، شكلها مثل العنبة (المؤمن يقرأ على جبهته كافر)، يعني المؤمن ينظر إلى صورته فيقرأ على جبهة: كافر، قال: (يقرأ المؤمن عليه فواتح سورة الكهف)، أربع آيات من أول الكهف. ولذلك مما ينبغي للمسلم ليلة الجمعة ويوم الجمعة أن يقرأ سورة الكهف، فعندما تقرأ فواتح سورة الكهف لن يسلط عليك بإذن الله، فهو معه قوة سحرية وإمكانيات يستطيع أن يؤثر بها في الناس! ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن السماء لا تنزل مطراً لأنه لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، حيث يتقاتل الناس فلا يدري القاتل لم قتل، ولا المقتول فيم قتل، يسأل القاتل: لم قتلته يا أخي؟ قال: لا أعلم، ويسأل المقتول: لم قتلت يا فلان؟ كذلك تظهر الفاحشة وترتكب علناً في الطريق والعياذ بالله يعني: مقدماتها ظاهرة. إذاً: المسيخ الدجال لا ينزل المطر من السماء في وقته، والأرض لا تخرج النبات، إذاً: لا يوجد أمن غذائي، وهذه أكبر فتنة يتعرض المسلمون لها، فتنة صعبة، فينظر الدجال إلى السماء فيقول لها: يا سماء! أمطري، فتمطر، ويا أرض أنبتي! فتنبت الأرض زرعاً، ويقول: إن معي جنة وناراً، من آمن بي أدخلته الجنة، ومن كفر بي أدخلته النار، وجنته نار، وناره جنة، فجاء الرجل الأعرابي ودخل على سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم فسمعه يذكر الدجال، قال: لابد أن أكلمه، فمنعه سيدنا عمر وقال له: اسكت، إن الرسول حزين على المسلمين الذين بعثهم في سرية وغدر بهم المشركون وقتلوهم، فيقول الأعرابي: لابد أن أكلمه ولن أتركه حتى يضحك، فدخل على سيدنا الحبيب، وقال: (سمعتك تقول: إن المسيخ الدجال يأتي ولا طعام في الأرض، أفأدعي أنني قد آمنت به فأضرب في ثريده بيدي حتى تمتلئ بطني ثم أكفر به مرة أخرى؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: بل يطعمك الله بما يطعم به عباده المؤمنين) أي: لا تخف إن الله سيغنيك من فضله، قال: إن الله يطعم المؤمنين يومئذ بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، يلهمونه كما يلهمون النفس، يقول: سبحان الله ويشبع، الحمد الله ويشبع، فيستغني عن المسيخ؛ لأنه مع الله رب العالمين. فيظل المسيخ يعيث فساداً في الأرض، فينتشر في بقاع الأرض، إلا أماكن ثلاثة فهو ممنوع من دخولها، وهي مكة والمدينة، وبيت المقدس، ويقف على حدود المدينة، فيخرج إليه المنافقون منها؛ لأنه يوجد منافقون في المدينة، وهناك منافقون في مكة، فهؤلاء يخرجون إليه ويسمعون له، فتنفي المدينة خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد. وبعضهم يقول لك: أرض السعودية المقدسة، والأرض المقدسة إنما هي مكة والمدينة وبيت المقدس، ولها حدود وضحتها الكتب، وأنت داخل على مكة تعرف أن هذا بداية أرض الحرم التي لا يجب أن نقتل صيدها، ولا أن نقطع حشيشها، أي: النبات الذي فيها، ولا أن نغلو فيها، والسيئة فيها مضاعفة، والحسنة فيها مضاعفة. يمكث المسيخ الدجال في الأرض أربعين يوماً، والناس يكونون في شدة الكرب حتى ينزل المسيح ابن مريم عليه السلام عند المنارة الشرقية شرقي دمشق، ثم بعد ذلك يعرفه الناس، فيدخل على المسلمين في المسجد، فتقام الصلاة ويقدمه إمام المسلمين للصلاة فيقول: كلا، إنما جئت تابعاً لمحمد، فيصلي سيدنا عيسى مأموماً خلف إمام المسلمين. ثم يتتبع المسيخ الدجال حتى قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم: (يلقاه على باب لد) واللد: هذه مدينة في فلسطين، فعندما يراه المسيخ الدجال يذوب كما يذوب الملح في الماء، فيقتله هناك. ثم يظهر يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، وينهد السد الذي عمله ذو القرنين، ينساحون بعد ذلك في الأرض، ويشربون بحيرة طبرية، -وهي في فلسطين، ماؤها عذب- وينشرون الفساد في الأرض، فعندئذ يدعو المسلمون وراء سيدنا عيسى، فالله عز وجل يقول لعيسى: يا عيسى! حرز بعبادي جانب الطور، وكل عباد الله يذهبون ناحية جبل الطور في صحراء سيناء، عندئذ يدعو عيسى ومن معه على هؤلاء القوم الذين هم يأجوج ومأجوج، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون كلهم أمواتاً، فعندئذ يملأ نتنهم الأرض؛ لأنهم آلاف مؤلفة وأعداد كبيرة لا يعلم عددها إلا الله، تأتي طيور لها أعناق كأعناق ا

شرح حديث سويد الأسدي

شرح حديث سويد الأسدي فسيدنا سويد الأسدي قال: (كنت سابع سبعة وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من القوم؟ قلنا: المؤمنون فقال: لكل شيء حقيقة وفي -رواية أخرى- لكل حق حقيقة فما هي حقيقة إيمانكم قالوا: خمس عشرة خصلة، خمس آمنا بها، وخمس عملنا بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية إن شئت أبقيناها وإن شئت تركناها)، انظر إلى الأدب عند هؤلاء! والمعنى: إن وجدتها صواباً أبقيناها، واليوم بعض الناس يقول لك: أنا أصلي، لكن الغيبة لا أستطيع أن أتركها، خذ الإسلام كله، إن الإسلام كله دستور عمل، قولوا: سمعنا وأطعنا، لا تأخذ الشيء الذي تهواه وتترك الشيء الآخر، يقول لك: أنا أريد أن أعرف حقوق الزوج على زوجته، فنقول: كذلك اسأل ما هي واجبات الزوج نحو زوجته؟! ما هي حقوق المرأة؟! لماذا تسأل فقط في الذي يهمك؟! يقول لك: كلمنا عن بر الآباء، ولماذا لا أكلمك أيضاً عن بر الأبناء؟! ابنك لابد أن يبرك، لكن كذلك أنت لابد أن تبره أيضاً، لا تكن عاقاً له، عندما تمنعه عن المسجد فهذا عقوق، وعندما تزوجه بالمرأة التي تريدها أنت وهي ليست محجبة فهذا عقوق، فعندما تزوجه اتق الله عز وجل وحافظ على بيته، لا تزوجه بامرأة سفيهة اللسان أو عاصية لزوجها، أنت مسلم يجب أن تعوض السعادة في أبنائك ما لم تحققها أنت في نفسك. قال: (ما هي هذه الخمسة التي آمنتم بها؟) والحديث ضعفه بعض علماء الحديث، ولكن تقوى بآثار أخرى، وذكره الإمام أحمد في المسند ووصل إلى درجة الصحة، قال: (أما الخمسة التي آمنا بها يا رسول الله فنحن نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر)، كل هذه غيب، الله عز وجل بالنسبة لبعض الناس غيب، لكن بالنسبة للمؤمن ليس بغيب. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد الله لا يغيب أبداً عن المؤمن، بالعكس أنت ترى آثاره في كل وقت وحين، وترى آثار رحمته، انظر إلى آثار رحمة ربك، سترى رحمة الله موجودة في كل شيء، عندما يشفي المريض وعندما يغني الفقير، وعندما يحل المشكلة، وعندما يسهل العسير، وعندما يهدي العاصي، وعندما يتوب على المسلم، كل هذه من آثار رحمة الله عز وجل. عندما تنام وتصحو كل يوم هي آية من آيات الله، بل إنها من أكبر الآيات، قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:42] يعني: هذا النوم صورة من صور الموت، وقال الحبيب: (النوم أخو الموت). بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كل ليلة: (أيقظوا صواحب الحجرات، رب نائمة في الدنيا بائسة في الآخرة، رب طاعمة في الدنيا جائعة في الآخرة، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه). تخيل أن شخصاً يسمع الرسول يقول هكذا كل ليلة هل يصحو أو لا؟ يوقظ النساء، ثم يذهب إلى سيدنا علي، وحبيبته فاطمة فيقول: يا علي! يا فاطمة! ألا تصليان؟ فسيدنا علي يقول: يا رسول الله! إن أرواحنا بيد الله، إن شاء أيقظها وإن شاء أمسكها، فيخرج الرسول من عندهما وهو يضرب كفاً في كف ويقول: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً)، أتجادل يا علي؟! قم ويكفي! لكنه كان حبيبه وكان يدلعه ويقول له: يا أبا تراب! ولذلك قيل: إن جماعة كانوا جالسين فكان أحدهم من سلالة الوليد بن المغيرة الذي قيل فيه: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31] قال: أنا ابن العظيم في القريتين، والآخر جالس عند أبي جعفر المنصور الذي هو أمير المؤمنين، فقال: وأنا ابن أمير المؤمنين، وآخر رجل مسكين ليس له فخر فقال: وأنا ابن من أمر الله الملائكة أن تسجد له، من الذي غلب؟! انظروا إلى هؤلاء الناس كيف كانوا يفكرون! فسيدنا سويد الأسدي قال له: أين أول علامة من علامات الإيمان بالله؟ قال: إننا نشهد لله عز وجل في كل وقت وحين، الصغير والكبير! ثم بعد ذلك قال: وكذلك نؤمن بالملائكة، والإيمان بالملائكة غيب، لكن عندما تقرأ في القرآن أن الله خلق الملائكة وجعلهم أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، إذاً: هل هذا غيب أم شهادة؟ صار الغيب شهادة؛ لأننا نصدق ما جاء في كتاب الله، يعني: الذي يقوله عز وجل يكون حقاً وحقيقة. نؤمن بالرسل ولا نفرق بين أحد منهم، لا تقل: فلان لا يعجبني، فلست أنت الذي تختار ما يعجبك، أنت لا تفرق بين أحد من رسل الله، ثم بعد ذلك الإيمان بالكتب المنزلة، وهي: التوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وصحف إبراهيم وهكذا. كذلك نؤمن باليوم الآخر إيماناً عملياً، فإنك لو سألت شخصاً: هل هناك يوم آخر أم لا؟ سيجيب: نعم، فتقول: وهل تجهزت له؟ هل جهزت نفسك؟ يقول لك: لا، الشخص بقدر استطاعته، وليس هذا فحسب، إننا نريدك أن تكون مثل التلميذ المستعد للامتحان، فعندما يأتي إليك ملك الموت تكون جاهزاً للقاء الله! فهذه هي الخمسة التي آمنتم بها، فما هي الخمسة التي عملتم بها؟ (قالوا: نحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت إن استطعنا إلى ذلك سبيلاً).

خصال الجاهلية التي أقرها الإسلام

خصال الجاهلية التي أقرها الإسلام فسيدنا سويد الأسدي قال: (كنت سابع سبعة وفدنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من القوم؟ قلنا: المؤمنون فقال: لكل شيء حقيقة وفي -رواية أخرى- لكل حق حقيقة فما هي حقيقة إيمانكم قالوا: خمس عشرة خصلة، خمس آمنا بها، وخمس عملنا بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية إن شئت أبقيناها وإن شئت تركناها)، انظر إلى الأدب عند هؤلاء! والمعنى: إن وجدتها صواباً أبقيناها، واليوم بعض الناس يقول لك: أنا أصلي، لكن الغيبة لا أستطيع أن أتركها، خذ الإسلام كله، إن الإسلام كله دستور عمل، قولوا: سمعنا وأطعنا، لا تأخذ الشيء الذي تهواه وتترك الشيء الآخر، يقول لك: أنا أريد أن أعرف حقوق الزوج على زوجته، فنقول: كذلك اسأل ما هي واجبات الزوج نحو زوجته؟! ما هي حقوق المرأة؟! لماذا تسأل فقط في الذي يهمك؟! يقول لك: كلمنا عن بر الآباء، ولماذا لا أكلمك أيضاً عن بر الأبناء؟! ابنك لابد أن يبرك، لكن كذلك أنت لابد أن تبره أيضاً، لا تكن عاقاً له، عندما تمنعه عن المسجد فهذا عقوق، وعندما تزوجه بالمرأة التي تريدها أنت وهي ليست محجبة فهذا عقوق، فعندما تزوجه اتق الله عز وجل وحافظ على بيته، لا تزوجه بامرأة سفيهة اللسان أو عاصية لزوجها، أنت مسلم يجب أن تعوض السعادة في أبنائك ما لم تحققها أنت في نفسك. قال: (ما هي هذه الخمسة التي آمنتم بها؟) والحديث ضعفه بعض علماء الحديث، ولكن تقوى بآثار أخرى، وذكره الإمام أحمد في المسند ووصل إلى درجة الصحة، قال: (أما الخمسة التي آمنا بها يا رسول الله فنحن نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر)، كل هذه غيب، الله عز وجل بالنسبة لبعض الناس غيب، لكن بالنسبة للمؤمن ليس بغيب. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد الله لا يغيب أبداً عن المؤمن، بالعكس أنت ترى آثاره في كل وقت وحين، وترى آثار رحمته، انظر إلى آثار رحمة ربك، سترى رحمة الله موجودة في كل شيء، عندما يشفي المريض وعندما يغني الفقير، وعندما يحل المشكلة، وعندما يسهل العسير، وعندما يهدي العاصي، وعندما يتوب على المسلم، كل هذه من آثار رحمة الله عز وجل. عندما تنام وتصحو كل يوم هي آية من آيات الله، بل إنها من أكبر الآيات، قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:42] يعني: هذا النوم صورة من صور الموت، وقال الحبيب: (النوم أخو الموت). بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول كل ليلة: (أيقظوا صواحب الحجرات، رب نائمة في الدنيا بائسة في الآخرة، رب طاعمة في الدنيا جائعة في الآخرة، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه). تخيل أن شخصاً يسمع الرسول يقول هكذا كل ليلة هل يصحو أو لا؟ يوقظ النساء، ثم يذهب إلى سيدنا علي، وحبيبته فاطمة فيقول: يا علي! يا فاطمة! ألا تصليان؟ فسيدنا علي يقول: يا رسول الله! إن أرواحنا بيد الله، إن شاء أيقظها وإن شاء أمسكها، فيخرج الرسول من عندهما وهو يضرب كفاً في كف ويقول: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً)، أتجادل يا علي؟! قم ويكفي! لكنه كان حبيبه وكان يدلعه ويقول له: يا أبا تراب! ولذلك قيل: إن جماعة كانوا جالسين فكان أحدهم من سلالة الوليد بن المغيرة الذي قيل فيه: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31] قال: أنا ابن العظيم في القريتين، والآخر جالس عند أبي جعفر المنصور الذي هو أمير المؤمنين، فقال: وأنا ابن أمير المؤمنين، وآخر رجل مسكين ليس له فخر فقال: وأنا ابن من أمر الله الملائكة أن تسجد له، من الذي غلب؟! انظروا إلى هؤلاء الناس كيف كانوا يفكرون! فسيدنا سويد الأسدي قال له: أين أول علامة من علامات الإيمان بالله؟ قال: إننا نشهد لله عز وجل في كل وقت وحين، الصغير والكبير! ثم بعد ذلك قال: وكذلك نؤمن بالملائكة، والإيمان بالملائكة غيب، لكن عندما تقرأ في القرآن أن الله خلق الملائكة وجعلهم أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، إذاً: هل هذا غيب أم شهادة؟ صار الغيب شهادة؛ لأننا نصدق ما جاء في كتاب الله، يعني: الذي يقوله عز وجل يكون حقاً وحقيقة. نؤمن بالرسل ولا نفرق بين أحد منهم، لا تقل: فلان لا يعجبني، فلست أنت الذي تختار ما يعجبك، أنت لا تفرق بين أحد من رسل الله، ثم بعد ذلك الإيمان بالكتب المنزلة، وهي: التوراة والإنجيل والزبور وصحف موسى وصحف إبراهيم وهكذا. كذلك نؤمن باليوم الآخر إيماناً عملياً، فإنك لو سألت شخصاً: هل هناك يوم آخر أم لا؟ سيجيب: نعم، فتقول: وهل تجهزت له؟ هل جهزت نفسك؟ يقول لك: لا، الشخص بقدر استطاعته، وليس هذا فحسب، إننا نريدك أن تكون مثل التلميذ المستعد للامتحان، فعندما يأتي إليك ملك الموت تكون جاهزاً للقاء الله! فهذه هي الخمسة التي آمنتم بها، فما هي الخمسة التي عملتم بها؟ (قالوا: نحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ونقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونصوم رمضان، ونحج البيت إن استطعنا إلى ذلك سبيلاً).

الصبر عند البلاء

الصبر عند البلاء ما هي الخمسة التي تخلقتم بها في الجاهلية؟ قالوا: (الصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والثبات عند اللقاء، وترك شماتة الأعداء، والتوكل على رب الأرض والسماء) ما أحسن هذا الكلام! فسيدنا الحبيب أعجب بها، فانظروا إلى كلامه الجميل: قال: (حكماء وعلماء من فقههم كادوا أن يكونوا أنبياء). لنأت إلى الخمسة التي أتوا بها، (أولاً: الصبر عند البلاء): فعلام يكون الصبر؟ على ضد راحة النفس؛ الصبر على ألم، على مرض، على مضايقة شخص، على ضنك معيشة، على بلاء، على مشاكل مسلمين، فهذا كله يجب أن يستكمل الإنسان الإيمان بالصبر!

الشكر عند الرخاء

الشكر عند الرخاء ثانياً: (والشكر عند الرخاء). بالنسبة للصبر عند البلاء هذه سهلة، أتعرفون ما الأصعب منها؟ الشكر عند الرخاء؛ لأن الناس عندما يوسع الله عز وجل عليهم حالهم كما قال الله: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} [الإسراء:83]. سيدنا أيوب عليه السلام مكث مبتلى ثماني عشرة سنة لا يتحرك، إنك إن ابتليت تقول: ما هذا؟! ألم ينفع الطب؟ احضروا لي دكتوراً، أعطوني دواء، إنني قد ضقت من رقدة السرير، يا رجل! خفف قليلاً، إن هذا من الذنوب التي عليك، فهي تمحى بصبرك على المرض، فإبليس دخل على أيوب وقال: يا أيوب! لو كنت نبي الله حقاً لدعوت الله أن يفرج عنك ما أنت فيه، ألست نبياً؟ قال: يا إبليس! إنني في نعمة لو علمتها لحسدتني عليها، قال: وأين هذه النعمة؟ شخص مشلول لا يتحرك والحشرات تدب عليه، ولا يستطيع أن يذبها عنه؛ لأن الشلل وصل إلى يديه أيضاً. فقال: أنا في نعمة الرضا عن الله، قال لي: يا أيوب! ارض بما قسمت لك تكن أغنى الناس، فأنا راض بما قسم الله لي، يا إبليس! عشت سبعين سنة صحيح البدن، وأستحي أن أطلب من الله الشفاء بعد ثمانية عشر عاماً من المرض أمام سبعين عاماً من الصحة. وامرأته ذهبت تحضر الدواء فتأخرت عليه، فحلف بالله أن يضربها مائة جلدة، وهو لا يستطيع أن يتحرك، لكن نفسية المريض مثل الطفل، يريد من كل أحد أن يداريه، ونسأل الله أن يصبر كل إنسان مريض، ولأن هذا المريض يحتاج إلى رعاية ومتابعة وصبر، وانشراح صدر. والمسلم عندما يموت وهو مريض خير من أن يموت وهو صحيح؛ لأنك عندما تموت وأنت مريض تموت وأنت ذليل لله، تقول: يا رب! اشفني، فيستجيب الله لك الدعاء بأن يشفيك من مرض الدنيا كله ويأخذك إلى رحمته، وأنت لو تعرف الحقيقة لرأيت أن ما عند الله خير مما عندك في الدنيا، وأولادك لهم رب لا يغفل عنهم ولا ينام. فعندما تأخرت زوجته نزل سيدنا جبريل، وقال له: اضرب برجلك في الأرض، قال له: وهل أستطيع أن أتحرك، قال له: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص:42]، فضرب برجله فخرج نبع من الماء، قال له: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص:42]، اشرب واغتسل، فأخذ من الماء الذي نبع تحت رجله، فشرب واغتسل فرجع أيوب مثلما كان، فدخلت امرأته تقول له: يا أخانا! ألم تر أيوب زوجي؟! يقول لها: أنا أيوب، تقول: من أيوب؟ يقول لها: أيوب الذي كان مريضاً. تعالي أنا حلفت أن أضربك مائة جلدة، لماذا تأخرت؟ فهذه المرأة الصابرة أكرمها الله عز وجل وقال: يا أيوب! خذ عثكولاً من عثاكيل النخل فيه مائة شمراخ واضربها به ضربة واحدة: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44].

الثبات عند اللقاء

الثبات عند اللقاء ثالثاً: (ونثبت عند اللقاء): أي: عندما تكون هناك حرب لا نولي الأدبار، ولكن نثبت؛ ولذلك سيدنا عبد الله بن أم مكتوم الذي نزلت فيه: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس:1] أتى في القادسية وقال لسيدنا سعد: أريد أن أقاتل معكم، قال: ليس على الأعمى حرج، إن الله وضع عنك الجهاد، إنك لست مكلفاً بالقتال! فقال: أريد أن أقاتل فأرزق الشهادة في سبيل الله ثم قال: أنا أمسك راية الجيش وأنا كفيف لا أرى، إن غلبتم فإنني لن أتحرك، طالما يرى المسلمون الراية مرفوعة يقاتلون بإذن الله فرفع الراية يوم القادسية ورزقه الله الشهادة، ومن أخذ الله منه نعمة العينين لا يجد له جزاء يوم القيامة إلا أن يبيح له وجهه الكريم ينظر إليه بكرة وعشياً! يعني: الشخص الذي يأخذ الله عز وجل منه الحبيبتين يكافئه الله، والله عز وجل سمى العينين حبيبتين يقول في الحديث القدسي: (ما أخذت من عبدي الحبيبتين إلا ولم أجد له جزاء في الجنة إلا أن أبيح له وجهي، ينظر فيه بكرة وعشياً). (وعينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله، وعين غضت عن محارم الله) فالذي غض بصره عن محارم الله، فإن الله عز وجل يمنع النار من الوصول إلى عينيه فغضوا أبصاركم عن عورات الناس، يغض الناس أبصارهم عن عوراتكم، ومن غض بصره كشف الله بصيرته، وأعطاه نوراً في البصيرة. كان بشار بن برد كفيفاً، فقال له رجل: أتعرف بيت أبي حنيفة؟ قال له: نعم، قال: صفه لي، قال: اسلك ثلاث منحنيات، وهو في المنحنى الرابع، البيت الثاني على الشمال، بشار يصف للذي يرى بعينيه، فقال له: ربما أتوه، تعال لتقودني، الذي يرى بعينيه يقول لـ بشار الكفيف: تعال دلني وأنا أمشي وراءك، فـ بشار يمشي وهو ماسك بيد الرجل، ويقول: أعمى يقود بصيراً لا أبا لكم قد ضل من كانت العميان تهديه فضحك بشار وقال: ومن جعل الغراب له دليلاً يمر به على جيف الكلاب وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، يثبت عند اللقاء؛ ولذا يقول علي كرم الله وجهه: كنا إذا حمي الوطيس، واحمرت الحدق -يعني: كانت المعركة شديدة- نحتمي بظهر رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان كل الصحابة يختبئون وراء النبي صلى الله عليه وسلم. وكان الصحابة يتعلمون الرماية، وكان يمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً) أي: تعلموا الرمي من أجل أن تكونوا متعلمين فنون القتال.

ترك شماتة الأعداء

ترك شماتة الأعداء رابعاً: (وترك شماتة الأعداء): والشماتة: أن تستريح أنت بمن شمت فيه، يعني: أن تشمت في شخص أنه حصل له مكروه، هذه هي الشماتة. فلا تعير بالذنب على أخيك فيعافيه ثم يبتليك، والعياذ بالله رب العالمين! وصحابة رسول الله كانوا صابرين عند البلاء، وشاكرين عند الرخاء، وثابتين عند اللقاء، وسابقين عند لقاء الأعداء، ومتوكلين على رب الأرض والسماء.

شرح حديث: (لا تجمعوا ما لا تأكلون ولا تبنوا)

شرح حديث: (لا تجمعوا ما لا تأكلون ولا تبنوا)

معنى قوله: (لا تجمعوا ما لا تأكلون ولا تبنوا ما لا تسكنون)

معنى قوله: (لا تجمعوا ما لا تأكلون ولا تبنوا ما لا تسكنون) وفي الحديث: (لا تجمعوا ما لا تأكلون، ولا تبنوا ما لا تسكنون، وتوكلوا على من أنتم عليه قادمون، وارغبوا فيما أنتم إليه آتون إليه، وازهدوا فيما أنتم عنه راحلون). لا إله إلا الله، انظر إلى كلام الحبيب، انظر إلى أسلوب بلاغة العربي وانظر إلى كلام سيدنا الحبيب، يعني: لا تجمعوا شيئاً أنتم لن تأكلوه؛ لأنك ستموت في الوقت الذي يريده الله. (ولا تبنوا ما لا تسكنون)، يعني: ابنوا ما يكفيكم فقط. ولذلك يقول العلماء: إن الشيء الذي لا تستخدمه مكان للشيطان. والشياطين كل واحد متخصص في شيء، ومنهم واحد متخصص في الوسوسة في الصلاة، وهو الذي اسمه خنزب، فهذا خنزب يجعلك تفسد صلاتك، ويظل يوسوس لك في الصلاة، لكن لا تلتفت إليه، حتى إنه -كما في الحديث-: (ينفخ في مقعدة العبد حتى يخيل إليه أنه أخرج ريحاً). وجاءوا إلى أبي هريرة فسألوه هذا Q أصحيح يا أبا هريرة! أن الشيطان يأتي وينفخ في مقعدة الشخص ويخرج رائحة من الدبر؟ قال: نعم، قالوا: إذاً نذهب لنتوضأ؟ قال: مادام أنك لم تشم ريحاً ولم تسمع صوتاً فصلاتك صحيحة، من أجل ألا نفتح باب الوسوسة! وهناك ولد من أولاد إبليس عمله زرع الخلاف بين الزوجين، فيظل أربعة وعشرين ساعة يزرع الخلاف والشقاق. وإبليس كل ليلة يجمع أولاده، وهو على عرشه فوق الماء ويسألهم: ماذا عملتم اليوم؟ فيقول الأول: خرجت وراء فلان حتى شرب خمراً، فيقول له: غداً يتوب، بئس ما صنعت! ويقوم غيره ويقول: ظللت وراء فلان حتى جمع صلاة الظهر مع صلاة العصر، فيقول له: غداً يتوب، بئس ما صنعت! فيقوم آخر ويقول: ظللت وراء فلان حتى أكل درهم ربا، فيقول: غداً يتوب ويكفر عن سيئاته! فيأتي الآخر ويقول: ظللت وراء فلان حتى طلق زوجته، فيقول له: أنت! أنت! أنت الابن حقاً، أنت الذي أدخلت النكد في البيت، وطردت المرأة من مملكتها ومن النعيم الذي كانت فيه، ثم بعد ذلك محاكم ومنازعة، وتتدخل أخوات الزوجة وإذا وصل الأمر إليهن فظن شراً ولا تسأل عن السبب! فالمسلم يجب أن يستعيذ بالله من الشيطان ومن إبليس وجنوده، فاللهم أعذنا من الشيطان الرجيم.

معنى قوله: (وازهدوا فيما أنتم عنه راحلون)

معنى قوله: (وازهدوا فيما أنتم عنه راحلون) ثم قال: (وازهدوا فيما أنتم عنه راحلون): أي: نزهد في الدنيا التي نحن سنرحل فيها، قال رجل لأحد الصالحين: أين العمران يا شيخ؟ أوصلني يا أخي إلى العمران، قال له: تعال ورائي، فظل يمشي وراءه حتى وصل إلى المقابر، قال: يا أخي أقول لك العمران وتحضرني إلى هذا المكان؟ قال: يا هذا، هاهنا العمار، وهناك الخراب، كل الذين هناك يأتون إلى هنا ولا أحد من هنا يعود إلى هناك، يقول له: كل المناظر التي تراها من العمارات وناطحات السحاب كل من يسكنها لابد أن يأتي إلى هنا، فهل هناك شخص لا يأتي إلى هنا؟! كلهم سيموتون. وجاء في سنن الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: يقال للمؤمن: أتريد أن تعود إلى الدنيا؟ فيقول: ألدار الهموم والأحزان ترجعاني؟ قدماني إلى ربي. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأبأس أهل الدنيا فيصبغ في الجنة صبغة فيخرج كالبدر ليلة التمام، فيقال: عبدي! هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول: وعزتك وجلالك أني في النعيم منذ أن خلقتني! ويؤتى بأنعم أهل الأرض ممن لم يذكر الله ربه، فيصبغ في النار صبغة، فيخرج كالفحمة، فيقال: عبدي! هل رأيت نعيماً من قبل قط؟ فيقول: وعزتك وجلالك أني في الشقاء منذ أن خلقتني)، يعني: غمسة في الجنة أنست المعذبين عذابهم في الأرض؛ وغمسة في النار أنست أهل العز عزهم الذي كانوا فيه.

معنى قوله: (وارغبوا فيما أنتم عليه قادمون)

معنى قوله: (وارغبوا فيما أنتم عليه قادمون) قال: (وارغبوا فيما أنتم عليه سوف تقدمون): أي: لتكن عندكم رغبة في الذي عند الله عز وجل، فإن عنده نعيماً لا يزول، {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، قالوا: صفها لنا يا رسول الله، قال: (إن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة) قال: إنه يبلغ ملكه ألفين سنة وهو يمشي، فإذا بالشجر يسلم عليه، والغلمان الذين إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً يسلمون عليه، والملائكة يسلمون عليه، وثم يؤذن مؤذن فيقول: والآن يسلم عليكم ربكم فيقول: سلام عليكم عبادي، إني قد رضيت عنكم، فهل رضيتم عني؟! يقول تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة:72]، فتنسى كل الهموم التي كنت تعانيها في الدنيا. حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يشتهي رجل في الجنة الزرع)، رجل يريد أن يزرع: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ} [الزمر:34] قال: (فيزرع ويخرج الزرع في نفس الوقت فيأكل، فيقول الله: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء). وكان الأعرابي من أجل البادية في الصحراء جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: والله لا يكون إلا قرشي أو أنصاري يا رسول الله، لأن هؤلاء أصحاب زرع؛ فتبسم الحبيب صلى الله عليه وسلم!

أحكام صلاة الجماعة

أحكام صلاة الجماعة

قبول صلاة الجماعة وأجر الذهاب للمسجد

قبول صلاة الجماعة وأجر الذهاب للمسجد ولندخل في موضوع صلاة الجماعة وصلاة الجمعة. صلاة الجماعة لها أحكام مهمة جداً، منها: صلاة المسبوق الذي دخل ووجد فلاناً يصلي. النقطة الثانية: متى أدرك الركعة؟ النقطة الثالثة: إثبات صلاة الجماعة. النقطة الرابعة: لو أني صليت بأهل بيتي في البيت جماعة، هل تكتب لي جماعة أو الجماعة لا تكون إلا في المسجد؟ والجماعة هل تكون بالإمام والمأموم فقط، أو الإمام وعدد معين؟ ومن يؤم الناس؟ وهل على المأموم قراءة أم ليس عليه قراءة؟ وإذا سابق المأموم إمامه في حركة، كأن ركع قبله، هل بطلت صلاته أم لم تبطل؟ وإذا سها المأموم في الصلاة هل عليه سجود سهو أم لا؟ هذه الأسئلة تعرض للإنسان دائماً في مسألة صلاة الجماعة. أولاً: صلاة الجماعة مقبولة بإذن الله، وهذا أول شيء؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (ينظر الله في قلب الإمام، فإن وجده صالحاً قبل صلاته وصلاة من معه، فإن لم يجد قلب الإمام صالحاً نظر في قلوب المأمومين فإن كانوا صالحين قبل صلاتهم وصلاة إمامهم). النقطة الثانية: قال: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) فهل إذا صليت في أهل بيتي تكتب لنا جماعة؟ وأبو هريرة رضي الله عنه كان ينظر آخر جامع في البلد فيذهب يصلي فيه، فقيل: لماذا يا أبا هريرة تعمل هذا؟ قال: إن كل خطوة ترفع بها له حسنة وتحط عنه سيئة إلى أن يدخل المسجد. والإنسان إذا توجه إلى المسجد ليصلي فالملائكة تكتب له الحسنات كأنه في صلاة إلى أن تقام الصلاة.

يؤم الناس أقرؤهم

يؤم الناس أقرؤهم تعال إلى صلاة الجماعة، من الذي يؤم؟ أعلم الناس بالسنة وأقرؤهم لكتاب الله وأورعهم، بألا يشتهر بمعصية، يعني: لا يجاهر بمعصية من المعاصي، ثم لا يخالف ما يقول، يقول لك: خذ بالقرآن، وهو ينفخ في دخانه، لا، بل الواجب كما قال سيدنا شعيب: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود:88]. ولو أن هناك ولداً عمره اثنتا عشرة سنة، وهو حافظ للبقرة وآل عمران ورجل آخر عمره ستون سنة وهو حافظ البقرة فقط، من الذي يصلي إماماً؟ الذي عنده سورة البقرة وآل عمران، أقرؤهم لكتاب الله وأعلمهم بالسنة هذا هو الذي يصلي.

قراءة المأموم وراء الإمام

قراءة المأموم وراء الإمام هل على المأموم قراءة؟ قلنا: في صلاة الجهر ليس عليه قراءة، كصلاة الصبح أو المغرب، أو العشاء فإنه لا يقرأ، فقراءة الإمام له قراءة. أما في صلاة السر كالظهر والعصر والثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء فإن الفاتحة تقرأ، لكن لا تشوش على أخيك المصلي الذي بجوارك. وهنا مسألة: أنا دخلت المسجد ووجدتهم أقاموا الصلاة، ثم صلوا، متى تحسب لي ركعة، إذا أدركت الإمام قبل أن يركع أو في الركوع، ولكن هناك نقطة: وهي: لابد أن أكبر تكبيرة الإحرام أولاً وأنا واقف، فأقول: الله أكبر وأنا واقف، وبعد ذلك أقول: الله أكبر من أجل الانتقال من الوقوف إلى الركوع، فإذا قلت: الله أكبر مرتين على تؤدة وتمهل وأدركت الإمام في الركوع وسبحت معه فالركعة هذه تحسب إن شاء الله.

سجين الإمام

سجين الإمام مسألة: أنا دخلت في صلاة المغرب، ووجدت الإمام يقرأ بصوت، فيكون هناك احتمالات، إما أن يكون الإمام في الركعة الأولى وإما أن يكون في الركعة الثانية، وتبين الأمور بعد السجود؛ فإذا سجد السجدة الثانية وجلس فمعناه أنه كان في الركعة الثانية، وإذا قام فمعناه أنه كان في الأولى، فإذا قام وأتى بالركعة الثانية فإذاً: أنا لم تفتني ركعة وبعدما يسلم سأسلم معه. لكن إن قرأ الفاتحة وسورة ثم جلس للتشهد، فإذاً: هو كان في الركعة الثانية، فجلست معه للتشهد، ثم قرأت معه الفاتحة وركعت، وبعد ذلك جلس، وقرأ التشهد الأخير، فأنا كانت بالنسبة لي الركعة الثانية التي هي الثالثة بالنسبة للإمام فهنا: أنتظر حتى يسلم الإمام عن يمينه وعن شماله، وأنتظر قليلاً لا أقوم مباشرة؛ لأنه احتمال أن يكون حصل للإمام سهو في الركعة الأولى التي لم أدركها، فلو سجد للسهو أنا مكلف أن أسجد للسهو رغم أنني لم أكن أصلي معه؛ لأن العلماء يسموني سجين الإمام، أنا مسجون تبع الإمام وعلى ذمته فلا أقوم مباشرة، وإنما أنتظر قليلاً حتى لو سجد للسهو سجدت معه، إذا لم يسجد للسهو أقوم وأقرأ الفاتحة بدون سورة أخرى، فهي بالنسبة لي الركعة الثالثة.

حكم قراءة السورة بعد الفاتحة

حكم قراءة السورة بعد الفاتحة قد يقول لك: يا سيدنا الشيخ إنني في الركعة الثانية قرأت سورة الفاتحة فقط؟ نقول: صلاتك صحيحة إن شاء الله؛ لأن من رحمة الإسلام أن جعل قراءة السورة سنة وليست ركناً ولا فرضاً؛ لأنه إذا صلى الشخص ثلاث ركعات المغرب؛ أو الركعتين الأوليين بالنسبة للعشاء، أو الظهر أو العصر أو الصبح بدون سورة فصلاته صحيحة إن شاء الله. إذاً: لو أنني دخلت في صلاة الظهر وهي كلها صلاة سرية ووجدت الإمام واقفاً، فدخلت في الصلاة وقرأت، فبمجرد أنني قرأت: بسم الله الرحمن الرحيم، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] ركع الإمام مباشرة، أقرأ بقية الفاتحة أو أركع؟ أركع، وهذه هي الحجة التي تمسك بها الأحناف حيث قالوا: المأموم إذا لم يقرأ الفاتحة خلف الإمام وركع معه، أحسبت له ركعة أم لا؟ حسبت له ركعة، وماذا تقولون في حديث: (لا صلاة إلا بأم الكتاب)؟ فتغلب المذهب الحنفي على مذهب الشافعي في هذه النقطة. فهذا بإيجاز من أجل أن يتقرر في الأذهان: أن الركعة التي تدخل فيها هي الركعة الأولى بالنسبة لك.

إذا ركع الإمام فظن المأموم أنه سجد

إذا ركع الإمام فظن المأموم أنه سجد مسألة: الإمام أراد أن يركع فكبر وأتيت فأدركته أنا ولكن سجدت، لأنني ظننت أنه سجد، فأقوم مباشرة عندما أشعر أنه لا يوجد ساجد حولي. المهم: أنت يا مأموم إذا حصل لك هذا الخطأ ارجع إلى الوضع الذي كنت فيه مع الإمام، وأكمل صلاتك معه ولا سجود للسهو عليك، فصلاة الإمام تجبر سهوك.

إذا ركع المأموم قبل الإمام

إذا ركع المأموم قبل الإمام مسألة: إذا قال الإمام: الله أكبر في الركوع، فشخص سبقه وركع قبله ففي هذه الحالة تبطل صلاة المأموم إذا سبق الإمام، أما إذا ساوى الإمام في النزول ففعله مكروه، يعني: لو أنني أساوي الإمام في الحركة هذا مكروه.

استخلاف الإمام إذا انتقض وضوءه

استخلاف الإمام إذا انتقض وضوءه مسألة: لنفرض أنك صليت إماماً بالناس فانتقض وضوءك فماذا تعمل؟ أولاً: الواجب أن يصلي خلف الإمام أعلم الناس، يعني: الأقرب للإمام في الفقه والقراءة، وهو يعرف من الذي يصلي في الصف الأول وراءه، فيقول: يا فلان! تقدم وأكمل الصلاة، فيدخل فلان في الوضع الذي وقف فيه الإمام. ولنفرض جدلاً أني ركعت وانتقض وضوئي، فالمأموم الذي خلف الإمام يقوم بتكملة الصلاة. إذاً: الإمام يتنحى ويدخل المأموم ليتم الصلاة، فإن كان الإمام يقرأ فإنه يدخل المأموم ويقرأ، وإن كان الإمام راكعاً يدخل المأموم وهو في الركوع، وإن كانوا في حالة سجود يدخلوا في حالة سجود وتكمل الصلاة. انظر إلى جمال الإسلام وعظمة الفقه، لابد أن نعرف الأحكام من أجل أننا أحياناً ربما يقدم أحدنا للصلاة وهو لا يعرف فهل تقول: لا أستطيع أن أصلي إماماً؟!

الأسئلة

الأسئلة

حكم الائتمام بالمأموم المسبوق أو من يصلي النافلة

حكم الائتمام بالمأموم المسبوق أو من يصلي النافلة Q كنت أصلي السنة فجاء بجواري من يصلي بنية صلاة الفرض، فهل أعدل النية من السنة إلى الفرض؟ A لا تعدل النية، بل أكمل صلاتك، وصلاتكما صحيحة إن شاء الله.

وجوب متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة

وجوب متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة Q هل يجب متابعة النبي عليه الصلاة والسلام في كل شيء حتى في التشهد، وغير ذلك؛ فهذا خطأ؟ A هل أنت تفتي أو أنك تنصحني أو أنك تسأل؟ إن كنت تسأل سأجيب عليك، وإن كنت تتعالم علي فلا داعي لهذا، يقول صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) عندما كان يصلي هل كان يقول: اللهم صل على محمد أم على سيدنا محمد؟ لا سيد مع الله في الصلاة.

معنى حديث (ومن مس الحصى فقد لغا)

معنى حديث (ومن مس الحصى فقد لغا) Q ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن مس الحصى فقد لغا)؟ A الذي يلعب في أطراف السجاد والخطيب يخطب بطلت جمعته، ومن يلعب بالسبحة أو يلعب بالساعة، أو ينظر ويلتفت في الجامع يميناً وشمالاً ويلعب بالحصير الذي أمامه فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له.

حكم من نظر إلى أفلام عارية ثم دخل المسجد تائبا

حكم من نظر إلى أفلام عارية ثم دخل المسجد تائباً Q من دخل السينما وتفرج على أفلام عارية يوم الخميس ثم دخل الجامع وصلى؟ A من تاب تاب الله عليه.

حرمة مس المصحف ودخول المسجد للمرأة الحائض

حرمة مس المصحف ودخول المسجد للمرأة الحائض Q ما الواجب على الحائض نحو القرآن والمسجد؟ A لا تمس المصحف، ولا تسمع القرآن إلا إذا كانت معلمة أو متعلمة، ولا تدخل الحائض المسجد.

حكم اكتحال الصائم

حكم اكتحال الصائم Q هل وضع الكحل في العين يفطر الصائم؟ A إذا لم يصل إلى الحلق فليس هناك مشكلة.

حكم إفطار المرضع إذا لم تستطع الصوم

حكم إفطار المرضع إذا لم تستطع الصوم Q أنا زوجة ولي رضيع أرضعه، هل يحل لي صيام رمضان؟ A والله على حسب الاستطاعة، إن استطعت كان بها، وإن لم تستطيعي فإن الله قد وضع عنك الصوم، وأفدي عن كل يوم إطعام مسكين، ثم اقضي الصيام بعد ذلك.

قراءة الفاتحة للمأموم في الركعتين الأخريين

قراءة الفاتحة للمأموم في الركعتين الأخريين Q هل يجوز قراءة الفاتحة فقط في الركعة الثالثة والرابعة في كل من صلاة العصر والعشاء والركعة الثالثة من المغرب؟ A أنت تقرأ الفاتحة والسورة في الركعات التي هي قبل التشهد الأول، وبعد التشهد الأول تقرأ الفاتحة فقط.

حكم قراءة القصص والروايات

حكم قراءة القصص والروايات Q هل قراءة القصص والروايات حرام؟ A يا إخوان! هذه الأشياء: التلفاز أو الفيديو أو غيرها هذه حلالها حلال وحرامها حرام، كأن يكون شخص عنده فيديو فيحضر أشرطة تتحدث عن الإعجاز العلمي، وعن آيات الله في الكون، وعن مناسك الحج، وعن أشياء في عظمة الله في عالم الحيوان فهذه حلال، وإذا استخدم الفيديو في أشياء غير هذه يكون حراماً، والتلفاز إذا استخدمته فضيع وقتك، وجعلك تضيع وقت الصلاة، جعلك تنظر إلى المتبرجات فهذا حرام فيكون مثل السكين، السكين قد تستخدمه لحلال أو لحرام، فتذبح به دجاجة حلالاً، أو تذبح به امرأتك حراماً.

حكم إطلاق السيد على غير الله سبحانه

حكم إطلاق السيد على غير الله سبحانه Q سمعت من عالم بأنه يوجد حديث يقول: (السيد الله)، ولذلك لا يجوز أن يكتب في الخطابات مثلاً: السيد فلان؟ A والله لا أعرف الحديث بهذا الشكل، ولكن سيدنا عمر يقول: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا.

نصيحة بقراءة كتاب إحياء علوم الدين وعدة الصابرين

نصيحة بقراءة كتاب إحياء علوم الدين وعدة الصابرين Q أرجو تحديد اسم كتاب يعرفني بالله عز وجل؟ A كتاب عدة الصابرين، وكتاب إحياء علوم الدين.

عقوبة العاق لوالديه

عقوبة العاق لوالديه Q ما رأي الدين في عقوق الوالدين؟ A العاق مهما عمل من خير فلن يدخل الجنة، والبار مهما عمل من شر فلن يدخل النار.

حكم من تذهب إلى الكوافير بدون إذن الزوج

حكم من تذهب إلى الكوافير بدون إذن الزوج Q زوجتي ذهبت إلى الكوافير وقصت شعرها بدون إذن مني، فما الحكم؟ A لا، هل هذا يصح أيتها الأخت؟ هذا لا يصح ولا يعقل، إياك أنك تخرجي بدون إذن زوجك! وأنت يا أخي! إن لكل شخص منا زلة فهي أخطأت، وأي إنسان يتوب تاب الله عليه.

فضل من يحفظ أسماء الله الحسنى

فضل من يحفظ أسماء الله الحسنى Q هل يدخل الجنة من يحفظ أسماء الله الحسنى أو يقرؤها؟ A المراد: يقرؤها ويعمل بها، ويتخلق بأخلاق الله أو بأسماء الله، فيتصف بصفات الجمال، وينقهر بصفات الجلال، يعني: يتخلق بالرحمة والرأفة والود والمغفرة والستر، وينقهر بأسماء الجلال كالقهار والمتكبر والجبار وهكذا.

حكم غسل الزوج لزوجته عند الوفاة

حكم غسل الزوج لزوجته عند الوفاة Q هل يجوز للزوج أن يغسل زوجته في حالة الوفاة؟ A أباحها بعض الفقهاء، ولكن جمهور الفقهاء على أن يغسلها النساء وليس الزوج؛ لأن الزوجية قد انقطعت بالوفاة.

حكم قص شعر المرأة عند موتها

حكم قص شعر المرأة عند موتها Q هل يجوز قص شعر المرأة عند موتها؟ A لا يجوز.

القبر الذي سار بصاحبه

القبر الذي سار بصاحبه Q ما هو القبر الذي سار بصاحبه؟ A حوت سيدنا يونس عليه السلام.

كيفية التعامل مع الأب الذي لا يرتاح لدروس العلم

كيفية التعامل مع الأب الذي لا يرتاح لدروس العلم Q أبي لا يستريح لحضور دروس العلم فما واجبي نحوه؟ A أن تبره أو تحاول أن تكون طائعاً له وليناً معه، حتى يكون راضياً عنك في حضورك لمجالس العلم.

حكم اللعب بالشطرنج

حكم اللعب بالشطرنج Q هل لعب الشطرنج حرام؟ A حرمها أبو حنيفة إذا عطلت عن وقت أداء الصلاة، يقول لك: كش ملك، ولا يوجد ملك ولا شيء من هذا، وإنما هو لهو ولعب.

جزاء تارك الصلاة

جزاء تارك الصلاة Q ما جزاء تارك الصلاة؟ A أولاً: الذي لا يصلي لن يدخل الجنة إلا بعد أن يصلي كل الصلوات التي لم يصلها في جهنم والعياذ بالله! فصلاح أول هذه الأمة الزهد واليقين، وفساد آخر هذه الأمة البخل وحب الدنيا.

كيفية الوصول إلى مرتبة اليقين

كيفية الوصول إلى مرتبة اليقين Q إن دروس اليوم وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو عن اليقين، فكيف الوصول إلى هذه المرتبة؟ A أولاً: عليك بقيام الليل، وحب المسلمين، وحضور مجالس العلم، وكثرة التلاوة لكتاب الله.

إثبات رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه

إثبات رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه Q ما كان لرسول أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب، قلتم من قبل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى الله، كيف ذلك؟ A يا أخي! كل قاعدة لها استثناءات، والرسول مستثنى من ذلك، كان يصلي بالمسلمين ويقول لبعض الصحابة في آخر صف: (لا تسبقوني في ركوع أو سجود فقالوا: أوترانا يا رسول الله؟ فقال: أتظنون أن قبلتي بين عيني، إني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي) إذاً: فهل الرسول مثلك؟! وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سلسلة مقتطفات من السيرة [24]

سلسلة مقتطفات من السيرة [24] قد يسهو الإنسان وينسى وهذا من الطبع الذي جُبل عليه الإنسان، وقد جعل الشارع الحكيم تعاليم وأحكاماً لمن سها في صلاته، ومن ذلك سجود السهو الذي يجبر الإنسان به ما نقص أو اختل في صلاته.

ذكر بعض الحكمة من صحف موسى عليه السلام

ذكر بعض الحكمة من صحف موسى عليه السلام أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه هي الحلقة الرابعة والعشرون في سلسلة حلقاتنا عن السيرة النبوية العطرة على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات، نسأل الله في بداية هذه الجلسة الطيبة أن يجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل بيننا ربنا بفضله ورحمته شقياً ولا محروماً. اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا عيباً سترته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا صاحب صدر ضيق إلا شرحته، ولا مسافراً إلا رددته غانماً سالماً لأهله. ارزقنا يا مولانا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرةً ونعيماً. اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، اللهم اطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، أكرمنا ولا تهنا أعطنا ولا تحرمنا زدنا ولا تنقصنا كن لنا ولا تكن علينا آثرنا ولا تؤثر علينا انصرنا ولا تنصر علينا وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين، غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين، آمين آمين يا رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: سأل سيدنا أبو ذر رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! ماذا كانت صحف موسى؟) أي: هل كانت عبارة عن سور، أم آيات محددة، أم على شاكلة القرآن، أم ماذا كانت؟ فقال سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كانت حكماً كلها، كان فيها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، وعجبت لمن أيقن بالحساب ثم هو يضحك، وعجبت لمن يؤمن بالقدر ثم هو ينصب، وعجبت لمن أيقن بالجنة والنار ثم هو يغفل، وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم هو يركن إليها) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. لعل هذه تكون بداية لحديثنا اليوم في تكملة الحديث عن السيرة النبوية العطرة، وعن صلاة الجماعة وصلاة الجمعة وسجود السهو، وصلاة المسافر فكلنا على سفر كلنا في الدنيا مسافرون، وسوف تحط الرحال يوماً ليحاسبنا رب العباد سبحانه على صغير الأمر وكبيره. يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم عن صحف سيدنا موسى عليه السلام: (عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح) فما قيمة فرح العبد والموت ينتظره؟ ولذلك كان الصحابي الجليل سلمان الفارسي يتعجب من ثلاثة أنواع من الناس: مؤمل في الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس يغفل عنه، وضاحك بملء فيه وهو لا يدري أساخط عنه ربه أم راض! فالله لا ينسى، قال تعالى: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6] فكل شيء مكتوب عند الله عز وجل، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (كل سجل مد البصر)، فيه كل المظالم والحسنات والسيئات. فالإنسان إذا أراد أن يكتب ترجمة لحياة شخص العلمية فقط فإنه يحتاج لبيان ذلك عدة ساعات، وعندما يريد كتابة ذلك وتفريغه على الورق فإنه يحتاج إلى سجلات كثيرة، وسيضجر الإنسان من التسجيل لكن الملائكة لا يضجرون؛ لأنه عملهم، فهم ينفذون ما طلب منهم بلا كلل، فالملك لا يكل ولا يمل، وإنما هو يعمل لا يتوانى، فتكتب الملائكة اللفظات والخطوات والنظرات، وتكتب جميع أعمال الجوارح، وأعمال القلب، والمظالم إن كنت مظلوماً أو ظالماً تكتب لك الحسنات تكتب السيئات وتكتب كل حركة. حتى قال ابن عباس: عندما يمسك الكافر بكتابه ويقول: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49] قال: إن الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك. إذاً: التبسم هذا إما أن تأخذ فيه ثواباً أو تأخذ عليه عقاباً، إن تبسمت في وجه أخيك عندما تلقاه كتبت لك عند الله حسنة؛ لأن تبسمك في وجه أخيك صدقة. وقد تودي ضحكة بسيطة صدرت من إنسان على سبيل السخرية والاستهزاء وازدراء الآخرين، وقد تكثر من الضحك والفرح في الدنيا ولكنك ستحزن يوم القيامة، وخصوصاً الذي يسخر ممن هو دونه في الوظيفة أو العمل، ويتلذذ بالسخرية من الناس وإدخال الرعب على قلوبهم، فمثل هذا أذنب وهو يضحك. وقد يأتي الإنسان الموت وهو على خاتمة غير حسنة، كأن يأتي الموت رجلاً وهو يرقص في عرس، ومثل هذا يبعث يوم القيامة وهو على الحالة التي مات عليها. فإن تجلس مع أناس يخوفونك فتجد أمناً يوم القيامة خير لك من أن تجلس مع أناس يؤمنونك فتجد خوفاًً يوم القيامة، قال تعالى في الحديث القدسي: (لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، من أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة، ومن خافاني في الدنيا أمنته في الآخرة). اللهم أمنا يوم الفزع الأكبر يا أكرم الأكرمين. فيخرج للعبد من تحت العرش تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر. فلو نظرت بعينيك فإن آخر ما انتهى إليه بصرك هذا هو السجل الواحد، وهي تسعة وتسعون سجلاً، فمنذ أن بدأ العداد يعد ويسجل عليك فذلك كان منذ بلغت الحلم. والكتاب الذي ستمسكه بيدك هو الذي يقول فيه ربنا: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عنقه} [الإسراء:13] والطائر عبارة عن شهادة فيها مجمل الدرجات؟ وفي هذه الشهادة يجد الإنسان هل أكثر من السيئات فيكون ناجحاً بتفوق، أم العكس, أم أن نجاحك كان بسيطاً وشارفت على الرسوب، ولذلك فإن سورة الواقعة قسمتهم إلى ثلاثة أقسام: مقربين، وأصحاب يمين، وأصحاب شمال. والحسن البصري كان يقرأ: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:10 - 11] فيبكي ويقول: لقد ذهب السابقون والمقربون، اللهم اجعلنا من أهل اليمين. والأصل أن المؤمن يشعر نفسه بالتقصير لكي يعمل، فإن الإنسان متى اغتر بعمله فإن العمل بدأ يحبط وهو لا يشعر. وهناك شهود عشرة على أعمالك المسجلة في الكتاب الذي ستأخذه يوم القيامة وهم: الشمس والقمر، ورقيب وعتيد الملكان اللذان يسجلان الحسنات والسيئات. وبقية الشهود هي الجوارح، فاللسان ينطق، والأذن تقول: أنا سمعت، والعين تقول: أنا نظرت، والرجل تقول: أنا ذهبت، واليد تقول: أنا بطشت، والقلب يقول: أنا ظننت ظن سوء، فيسأل الإنسان جوارحه: ما الذي أنطقكم، فيقولون: {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [فصلت:21]. وبعد ما يخرج للعبد من تحت العرش تسعة وتسعون سجلاً، يقول له الله: يا عبدي! اقرأ فيها فيقول: يا رب! أنت لا تظلم الناس شيئاً، فيقول: من أجل ألا يبقى لك حجة، فيطلع على الملفات من بدايتها إلى نهايتها، ومن فضل الله عليك أن جعلك تطلع على كتابك وسجلاتك. وبعد أن ينتهي العبد من اطلاعه على سجلاته يقول له: إليك هذه الأسئلة الثلاثة: السؤال الأول: هل ظلمك حفظتي؟ فيقول العبد: لا، يا رب! السؤال الثاني وهو أغرب: ألك حسنة مخفية؟ فيقول: لا يا رب! لم يحصل. السؤال الثالث وهو الأغرب: ألك عذر تعتذر إلينا به؟ أي: بين لنا السبب الذي أوقعك في الذنوب. فاستغرب الصحابة من السؤال الثالث وقالوا: (أيقبل ربنا الأعذار يا رسول الله! قال: لا أحد أشد قبولاً للعذر من الله رب العالمين) لكن أين العذر فأنت الذي لم تكن تصلي أنت الذي لم تكن تزكي أنت الذي لم تكن تصوم أنت الذي لم تتق الله أنت الذي كنت ترتكب ما حرم الله هذا العذر الذي ستقوله لربنا سبحانه وتعالى فأول شيء في صحف سيدنا موسى: (عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح) فما دام الموت آتياً فبماذا يفرح الإنسان؟ ولذلك الإنسان الذي يدرك أنه ميت تجده شجاعاً زاهداً كريماً متوكلاً على الله، والإنسان الذي يعمل حساب الموت تجده بخيلاً جباناً خائفاً من الغد ضيق الصدر؛ وذلك لأن الدنيا تحيط به من كل اتجاه، لكن لو عاش في الآخرة بقلبه وقالبه لارتاح واطمأن كما قال الله لموسى: (يا موسى! خمس ختمت لك بهن التوراة: إن عملت بهن نفعك العلم كله، وإن لم تعمل بهن فما نفعك من العلم شيء، يا موسى! لا تخش ذا سلطان ما دام سلطاني باقياً، وسلطاني باق لا يزول أبداً). إذاً: فالذي يخاف من الموت لا يخاف من السلطان ما دام سلطان الله باقياً، فإذا كنت متوكلاً على الله وظهرك تلجئه لمولاك الذي يقول للشيء كن فيكون وتوكلت على الحي الذي لا يموت فلا خوف. (يا موسى! لا تخش ذا سلطان ما دام سلطاني باقياً، وسلطاني باق لا يزول أبداً) والجملة الأخيرة نفهمها من سياق النص، لأن سلطان الله باق من غير أن يتكلم. الثانية: (لا تخش فوات الرزق ما دامت خزائني مملوءة، وخزائني مملوءة لا تنفد أبداً) فلا أخاف من الرزق؛ لأن خزائن الله ما دام أنها مملوءة فأنا لا أخاف، والله قادر على أن يجعل أهل الأرض على قدر واحد من الحال، ولكن الله جعل منا الغني ومنا الفقير ليختبرنا وليبتلينا ببعض، ولكي يرى حنان الغني على الفقير ويرى حب الفقير للغني وعدم تقديمه عليه. وثواب الغني الشاكر وكذلك الفقير الصابر، ولكن الفقير الصابر هو الذي يدخل الجنة أولاً؛ لأن المال له طغيان، والفقير الصابر يدخل قبل الغني الشاكر الجنة بنصف يوم، واليوم عند الله قدره ألف سنة، إذاً: الفقير يدخل قبل الغني الجنة بقدر خمسمائة سنة، والسبب في ذلك أن صاحب المال الكثير سيحاسب من أين اكتسبه وفيم أنفقه، قال عليه الصلاة والسلام: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأله عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، و

أحكام سجود السهو وسد الفرجة في الصف

أحكام سجود السهو وسد الفرجة في الصف كنا قد توقفنا مع صلاة الجماعة واليوم نتحدث عن سجود السهو. فالإنسان قد يسهو في الصلاة إما بنقص أو بزيادة، وليس ذلك عمداً، فمن تعمد أن يزيد في الصلاة شيئاً أو أن ينقص شيئاً بطلت صلاته. صلى النبي عليه الصلاة والسلام بالصحابة بعد عودته من غزوة الخندق صلاة العصر فصلى ركعتين ثم سلم، وكان يصلي وراء الحبيب المصطفى دائماً أبو بكر وعلى يمين أبي بكر عمر، وهاذان الاثنان كانا أكرم اثنين عند سيدنا الحبيب، وكان يسأل دائماً قبل أن يبدأ في الصلاة: أين أبو بكر؟ أين عمر؟ وكان يقول: (ليلني أولو الأحلام منكم) أي: الذي يصلي خلفي يكون أعلم الناس؛ من أجل أنه لو حصل للإمام غلط أو نقض للوضوء فيتقدم للصلاة من هو خلفه. ولذلك نحن دائماً نقول: لو كان في المسجد إمام راتب ودخل أعلم العلماء في هذا المسجد فمن باب أولى أن يصلي الإمام الراتب الإمام الذي تعود الناس أن يصلوا خلفه في هذا المكان؛ لأنه يعرف من الذي يصلي خلفه، إلا إذا أذن لهذا العالم فهو يتقدم للصلاة، وهناك نائب الإمام كما يسميه بعض الفقهاء، ويجوز أن يقف على يمين الإمام لوحده، فقد أجاز بعض العلماء ذلك ويكون متأخراً قليلاً ولكن أطراف أصابع قدمه تكون عند كعب الإمام فيسد الفرجة. وحكم من أتى ليصلي فوجد صفاً خلف الإمام ولا أحد يصلي في الصف الثاني فهو مخير بين أمرين: إما أن يسحب واحداً من الصف؛ ولابد أن نتفهم هذا الشيء، فعندما يسحبني شخص فإني ألين معه وأنسحب، لا أن يشد وأنا أشد، وإن شد الإنسان شخصاً فلم يتجاوب معه يتركه فإنه لا يعرف الحكم؛ وهو بذلك سوف يخرجه من خشوعه في الصلاة. ولا تمسكه بعد الصلاة وتوبخه بأنه جاهل ولا يعرف الحكم. فـ أبو حنيفة قال: تعلمت خمسة مناسك من مناسك الحج من حجام، أي الذي يداوي الناس بالحجامة، وهو عمل ممتهن، أو كما يطلق عليه: مزين؛ لأنه يزين الإنسان بحلاقة شعره. وقد ابتلي شباب المسلمين بأنواع من الحلقات المخيفة والتي نسأل الله عز وجل أن يعافي شباب المسلمين منها. فإذا أتيت لوحدك في الصف فاسحب أخاك ليصلي بجوارك من أجل ألا تبقى وحدك، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الذئب يأكل من الغنم الشاردة) فوقوفك في الصف لوحدك يسهل للشيطان أن يوسوس لك. إذاً: أنت مخير بن أن تجذب أخاً من الصف ليصلي بجوارك أو أن تقف وتصلي لوحدك. وإذا دخلت من باب المسجد فوجدت صفين أو ثلاثة؛ فمن أجل أن تدرك الإمام في الركوع كبرت وركعت، ثم نظرت ووجدت أنه بينك وبين الصف مسافة شاسعة بمقدار صفين وهذه مسافة كبيرة، وقد أجاز بعض الفقهاء أن تتحرك خطوتين أو ثلاثاً فقط من أجل أن تنضم إلى الصف إن كان فيه فرجة، وهذا لا يبطل الصلاة. وإذا دخلت في الصلاة فحصل خلخلة أو اتسعت فرجة في الصف الذي أمامك إما بسبب خروج مصل أو غير ذلك، فتقدم وسد الفرجة فقد جاء في الحديث: (من سد فرجة في الصف غفر له). فسيدنا أبو بكر وسيدنا عمر كانا خلف الحبيب في الصلاة قال: (فلما قرأ التشهد الأول -أي النبي عليه الصلاة والسلام- سلَّم، فهاب أبو بكر وعمر أن يكلما رسول الله) على الرغم من أنهم أقرب الناس له- ولكن من الهيبة خافا أن ينبها رسول الله إلى ذلك. (فبعد أن سلم خرج السرعان من المسجد) والسرعان جمع سريع وهؤلاء هم الناس الذي يخرجون من المسجد بعد التسليم مباشرة، فقال ذو اليدين: (يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: ما قصرت وما نسيت قال له: بل نسيت يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: أحقاً ما يقول ذو اليدين؟ فقال عمر بن الخطاب: نعم يا رسول الله! فقام وكبر ثم صلى ركعتين ثم سجد سجدتي السهو). وهذا النسيان الذي أصاب النبي صلى الله عليه وسلم بيان لبعض أحكام السهو، وهو بهذا وضع قاعدة فقهية. أما بالنسبة لسجود السهو، فالسهو جميعنا نقع فيه، وهذا ناتج عن الانشغال بغير الصلاة، قال عليه الصلاة والسلام: (ليس لابن آدم من صلاته إلا ما عقل منها) أي: أن الملائكة يكتبون لك الشيء الذي أدركت بذهنك أنك تصلي.

حكم من ترك الصلاة

حكم من ترك الصلاة أما جزاء من لم يصل صلاة الجمعة فمن ترك جمعة بدون عذر طبع على ثلث قلبه، ومن تركها جمعتين من غير عذر طبع على ثلثي قلبه، ومن تركها ثلاث جمع طبع على قلبه كله. ومن آداب خطبة الجمعة أن يستمع المصلي للخطبة وينصت، فلا يجوز الكلام أثناء الخطبة، قال عليه الصلاة والسلام: (من مس الحصى والإمام يخطب فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له، ومن قال لجاره: أنصت والإمام يخطب فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له). فالمساجد كانت قديماً مفروشة حصى، والآن الشخص الذي يلعب بسجاد المسجد فإنه حكمه نفس حكم من مس الحصى. صحيح أن هناك بعض الخطباء يحمل المصلي على أن يبحث له عن عماد من أجل أن يتكئ فيأخذ نومة خمس دقائق حتى يقيم الصلاة، لكن الإنسان يحرص على الاستماع للخطبة. ومن أحكام يوم الجمعة أنه لو جاء المصلي إلى صلاة الجمعة والإمام قد رفع من الركوع في الركعة الثانية فإنه يصليها ظهراً.

أسباب السهو في الصلاة

أسباب السهو في الصلاة نعود لموضوع السهو فكلنا نسهو، وقد قال سيدنا ابن عباس: الحمد لله الذي قال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5] ولم يقل: (الذين هم في صلاتهم ساهون) وإلا لهلكنا جمعياً. أسباب السهو كثيرة منها: أكل الشبهات وأكل الحرام وحب الدنيا وكراهية الموت والإقلال من مجالس العلم والإقلال من قيام ليل والإقلال من صيام النهار والإقلال من التقوى قال عليه الصلاة والسلام: (ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدوا بعمله: تقوى تحجزه عن محارم الله، وحلم يكف به السفيه، وخلق حسن يعيش به بين الناس). وحسن الخلق يكاد يكون منعدماً عند كثير من الناس فتجده منذ أن يقوم من نومه حتى ينام وهو يتلفظ بألفاظ ليست جيدة، وهو بذلك يخالف صحابة رسول الله الذين كان كلامهم أشبه بالسكر، فيجد الإنسان بعض المسلمين يشتم زوجته وجاره، وهنا لا يمكن أن تحصل الرحمة؛ لأن اللسان يغرف مما في القلب، فالقلب آنية واللسان مغرفة، فإن كان قلبك مليئاً بالإيمان فلن يتكلم لسانك إلا بما هو خير.

متى يسجد للسهو

متى يسجد للسهو أما بالنسبة لأحكام السهو فلو أن شخصاً نسي الجلوس للتشهد الأوسط فقام منه، فحكم هذا كما قال أهل العلم: إن كنت إلى الجلوس أقرب وتذكرت فاجلس، وإن كنت إلى القيام أقرب فقم ولا تعد، ويعرف الإنسان أنه إلى السجود أقرب من خلال السبعة الأعضاء التي نسجد عليها: الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين. فلو رفعت رأسي وقمت بالركبتين لكن يدي ما زالتا في الأرض وكذلك أطراف أقدامي فإنني في هذه الحالة إلى السجود أقرب، فأجلس للتشهد ولا أقوم. وإذا كنت للقيام أقرب فلا تجلس وبعد أن تنتهي من التشهد الأخير سلم عن اليمين ولا تسلم عن الشمال، ثم اسجد سجدتي السهو ولا تقرأ التشهد مرة أخرى ثم تسلم على اليمين وعلى الشمال. وهناك رأي يقول: إن النقص في الصلاة يسجد الإنسان له قبل السلام والزيادة بعد السلام، ولكن هذا الرأي قد يسبب في تشكيك الناس، فإن سجدتي السهو سجدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سلم بنص حديث ذي اليدين الذي رواه الإمام مسلم رضوان الله عليه عن ابن عباس. وأما الإنسان الذي يشك هل قرأ الفاتحة أم لم يقرأها، فإن تذكر قبل أن يركع فقرأها فلا شيء عليه، وإن ركع ثم تيقن أنه لم يقرأ الفاتحة وهو قد ركع فصلاته باطلة؛ لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة الذي لا يجبره سجود السهو، ولو أنك قلت: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] ثم هويت نازلاً وأنت تقول: (وَلا الضَّالِّينَ) فإن الصلاة بطلت؛ فلا بد أن تقرأ الفاتحة كاملة وأنت قائم إلى أن تقول: آمين. وحكم من لم يستو واقفاً بعد الركوع هو بطلان الصلاة، فلابد من الرفع والاطمئنان راكعاً. والواجب على المصلي أن يطمئن في سجوده وركوعه، ويكون الاطمئنان بمقدار قولك: سبحان ربي الأعلى مرة واحدة، فالواجب عليك هو مرة واحدة ومن زاد فهو أفضل. وإذا سها الإمام فقام بعد التشهد الأخير، أو أنه قام بعد آخر ركعة ظناً منه أن سيقوم للأخيرة فعلى المصلين خلفه أن ينبهوه فيقولوا بصوت مرتفع: سبحان الله، أما إذا كانت النساء خلفه فإنهن يصفقن بأيديهن لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل التصفيق للنساء). أما إذا سها المأموم بأن يكبر الإمام للركوع فيسجد المأموم فلا يعلم أنه سها إلا عندما يسمع قول الإمام: سمع الله لمن حمده، فعلى المأموم أن يقوم ليكمل الصلاة ولا شيء عليه ولا يسجد للسهو؛ لأن صلاة المأموم تجبرها صلاة الإمام.

لا حياء في طلب العلم

لا حياء في طلب العلم وعلى الإنسان أن يتعلم ولا يستحي في طلبه العلم، فقد روي عن أبي حنيفة أنه قال: تعلمت خمساً من مناسك الحج من مزين، قال: دخلت على الحجام -وهو لا يعرف أبا حنيفة فقلت: بكم تحلق رأسي؟ فقال له: أو ما قرأت شيئاً من القرآن؟ فقد قال تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197] فهذه الأولى. قال: وأعطيته جانب رأسي الأيسر فلكزني، وقال: إن الرسول كان يحب التيامن في كل شيء، وهذه الثانية. وبعد ذلك: قال: فجلست مبهوتاً يعني مستغرباً، فقال: إنك ما زلت في أرض الله فكبر الله واذكره، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:203] وهذه الثالثة. أما الرابعة فإن أبا حنيفة أراد الخروج فقال له: صل هنا ركعتين تشهد لك بها هذه الأرض يوم القيامة. والخامسة قال له: جلست معي قليلاً ومن الواجب إذا صاحب المسلم مسلماً ولو للحظة أن يعرفه باسمه واسم أبيه واسم المكان الذي جاء منه، فقال له: أنا اسمي أبو حنيفة النعمان، فعرف المزين أنه العلامة الفقيه واعتذر منه، فقال أبو حنيفة: والله! إنك لأفقه مني، وهذا يدل على حسن خلق أبي حنيفة. عندنا صلاة جماعة وصلاة فرد، وعندنا صلاة حضر وصلاة سفر. فالمسلم لا يصلي وحده في البيت إلا النوافل، وكما يقال: نور بيتك بالنافلة فهذه صلاة الفرد.

بعض أحكام صلاة المسافر

بعض أحكام صلاة المسافر أما صلاة السفر فإن الإنسان لا يمسى مسافراً إلا إذا قطع مسافة من بيته أكثر من 80 كيلو. ويكون الإنسان مسافراً إذا قطع هذه المسافة بأي وسيلة من وسائل النقل، فإنه لا يعتد بالوقت وإنما يعتد بالمسافة. وصفة صلاة المسافر هي: أن يقصر من الصلاة الرباعية فيجعلها ركعتين، ولا يصح القصر في صلاة الصبح؛ لأنها ركعتان وكذلك صلاة المغرب، فالقصر لا يكون إلا في صلاة الظهر والعصر والعشاء. وقد أوجب ذلك: عبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وهذا رأي أبي حنيفة. وأجازها مالك وقال الإمام أحمد: أن تقصر الصلاة في السفر أفضل من إتمامها. ولو دخل مسافر مسجداً الإمام فيه مقيم فإن الفقهاء على رأيين: يقول الإمام مالك إنك سجين الإمام، فصل ركعتين فقط وبعدما يقوم من التشهد للركعة الثالثة كن جالساً مكانك إلى أن يأتي هو بركعتين ثم يقرأ التشهد ويسلم فسلم معه، أو أنك تكمل معه. ويصح أن يصلي المسافر بالمقيمين لكن لابد عليه أن ينبههم أنه سيقصر وعليهم أن يتموا الصلاة. وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عندما صلى بالمسلمين يوم فتح مكة فقد قال: (أيها الناس! إنا قوم سفر فأتموا صلاتكم). فلو أن مسافراً كان في الإسكندرية فصلى الظهر قصراً ثم صلى العصر كذلك، ثم بعد ذلك عاد إلى مكان إقامته في القاهرة فوصل إلى هناك قبل المغرب فإنه لا يعيد صلاة العصر، وهذا مثل شخص تيمم فلم يجد ماء، فبعد أن تيمم وصلى وجد الماء، فإن صلاته صحيحة ولا يعيد الصلاة. أما إذا سافر من الإسكندرية ولم يؤذن للمغرب أو أذن فله أمران: يجوز أن يصلي المغرب ساعة ما أذن وتجمع معه العشاء جمع تقديم، ويقصر صلاة العشاء. ويجوز أن يؤخر المغرب رغم أنه أذن وعندما يصل القاهرة يصلي المغرب ثلاثاً، والعشاء أربعاً؛ لأنه قد وصل إلى مكان إقامته. وهذه الأحكام تنطبق على من كان مسافراً في طاعة وليس في معصية، كأن يكون قد سافر للحج أو للتنزه وبغرض الترفيه المشروع على الأهل والأولاد وليس بغرض النظر إلى المحرمات أو غير ذلك.

سلسلة مقتطفات من السيرة [25]

سلسلة مقتطفات من السيرة [25] الموت حق لابد منه، وما من يوم يمر إلا وتقبض فيه أرواح إلى بارئها، فلابد للمسلم من معرفة ما يجب عليه إزاء هذه المصيبة النازلة، فكم من أموات عذبوا بمخالفات وقعت بعدهم. فعلى المسلم أن يتعلم إن وجد ميت بحضرته كيف يتصرف، فيتعلم التغسيل والتكفين، وكيفية وضع الميت في قبره، ومعرفة ما يتعلق بكل ما تقدم من بدع ومحدثات حتى تجتنب وتحذر.

الطريق إلى محبة الله لك ومحبة الناس

الطريق إلى محبة الله لك ومحبة الناس بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده. وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه هي الحلقة الخامسة والعشرون من حلقاتنا في السيرة النبوية العطرة، على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التسليمات من رب الأرض والسماوات. وهذا هو الدرس الأخير في شهر شعبان، وهكذا الدنيا تمضي. وهذه الحلقة الخامسة والعشرون لعلها تكون مسك الختام في مسألة الصلاة، وندعو الله عز وجل أن يجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم فك الكرب عن المكروبين، وسد الدين عن المدينين، واقض حوائجنا وحوائج المحتاجين. اللهم فك عنا الكرب الخاص والعام، اللهم اكشف كروبنا، واشرح صدورنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم لا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا هماً إلا فرجته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً في طريقنا إلا أبعدته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته يا أكرم الأكرمين. اللهم اغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. ما ترك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً إلا وبينه وشرحه لأمته وحضهم عليه، وما ترك شراً يحيط بالأمة إلا وضحه وبينه وحذر المسلمين منه، فكان يقول فيما يقول صلى الله عليه وسلم: (من زهد في الدنيا أحبه الله، ومن زهد فيما في أيدي الناس أحبه الناس). آخر منتهى الآمال في الحياة أن يحبك الله وأن يحبك الناس، وهذه غاية لا يكون الوصول إليها بسهولة، فكيف أبقى محموداً عند الله وعند الناس؟ يجب أن تعرف أولاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الغر الميامين رضوان الله عليهم جميعاً كانوا زاهدين في الدنيا، لأنه كما يقول العلماء: اشتغالك فيما هو مضمون لك -الذي هو الرزق- وتقصيرك عما هو مطلوب منك -الذي هو العمل- دليل على انطماس البصيرة فيك. أي: أن تعمل ليل نهار للشيء المضمون، وتنام ليل نهار عن الشيء المطلوب، هذا دليل على أنك مطموس البصيرة والعياذ بالله، لكن مضاء البصيرة مشتغل فيما هو مطلوب منه، ومتوكل بما هو مضمون له. يقول سيدنا عيسى عليه السلام: يا ابن آدم! إن كان الغد من أجلك فسوف يأتيك فيه رزق -يعني: إن كان غداً من أجلك فرزقك مضمون- وإن كان الغد ليس من أجلك فلا تشغلن نفسك برزق غيرك، فإن من رزقك سوف يرزقهم. وتجد أغلب الناس اليوم يعمل صباح مساء قائلاً: أؤمن أولادي، والصواب: أن الذي يريد أن يؤمن مستقبل أولاده، فليؤمنهم بالتقوى، وبالرصيد الإيماني، وبأن يربيهم على طاعة الله، فعندما يموت لا يأكل الأولاد حراماً، وأنا أضمن مائة في المائة أنه ما دام الأولاد لم يأكلوا حراماً فإن ربهم سوف يبارك لهم ويرزقهم. فإن قلت: الولد لا يصلي؛ فالسبب أنك تؤكله حراماً، أو قلت: الولد يعصيني؛ فهذا لأنك عققت أباك قبل هذا، وإن كان الولد يشتم أمه؛ فلأنك شتمت أمك قبل هذا، وأمه -التي هي امرأتك- كانت تتأفف من أمها قبل هذا. وهكذا، فكما تدين تدان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اعمل ما شئت، كما تدين تدان)، هذا كلام الحبيب عليه الصلاة والسلام. يعني: الذي سوف تزرعه سيأتيك ولو بعد أربعين أو خمسين أو سبعين سنة، فالذي عملته في أبيك وأمك سوف يعمل فيك، والذي عملته من خير في الناس، فأنت عندما تكبر سيعمل فيك نفس الخير، وعندما تقوم للرجل الكبير السن من مجلسك، وتهدئ السيارة من أجل الرجل العجوز أن يمشي، فسيقيض الله لك من يصنع معك هذا وأكثر؛ لأن البر عند الله لا يبلى، فأنت قدم لنفسك خيراً فقط، وستجازى عليه عاجلاً أو آجلاً، فقبل أن تدخل في حفرة مظلمة وحيداً، نورها الآن بأعمال الخير، وستنير لك هناك إن شاء الله. اللهم أنر لنا مستقبلنا في القبر وعلى الصراط يا رب العالمين. وما معنى: أن ينور الله لنا قبرنا؟ يجب أن تعلم أنه من رحمة الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل جلَّ عذاب أمته في القبر، يعني: مجموعة من ذنوبك تتخلص منها وأنت في القبر، وهذا من كرم الله لنا، أي: أن نخرج من القبور ونكون قد تخلصنا من 95% من الذي علينا، ويفضل قليل، والخمسة في المائة هذه عبارة عن حقوق عباد، وربنا يغري الذي ظلمته فيقول له: أتريد حقك منه؟ يقول: نعم، أريد حقي، فما هو حقك؟ فيقول: هذا باع لي شيئاً وغشني فيه، بكم جنيه؟ فيقول: بألف جنيه مثلاً، فكم سيأخذ من ثوابك مقابل الألف جنيه؟ ننظر: الألف جنيه هذه فيها مليون مليم، إذا قسمناها على اثنين سيكون الناتج نصف مليون، يقول العلماء في تفسير الحديث: (من أخذ من حق أخيه دانقاً)، الدانق: هو مليمان، فسيأخذ صاحب الحق مقابل الاثنين ثواب سبعمائة صلاة مكتوبة مفروضة مقبولة، وسوف يبقى نصف مليون، ستكون بثلاثمائة وخمسين مليوناً، وأنت لم تصل الصلاة هذه كلها، وصلاتك نفسها مشكوك في أمرها، إلا ما كان صلاة الجماعة، قيل لـ أبي موسى: يا أبا موسى الأشعري! ماذا تحب؟ قال: أحب صلاة الجماعة، أضمن ثوابها وأكفى سهوها. يعني: حتى إن سهوت فيها فهي مقبولة، فصلاة الإمام تجبر صلاة المأمومين كلهم، وإذا كانت صلاة الإمام والمأمومين كلها سواء لا قيمة لها رغم هذا يفخر بنا ربنا أمام الملائكة، رغم أن قلوبنا هواء، فيقول: (يا ملائكتي! أرأيتم عبادي وقد اصطفوا يصلون من أجلي، ويسبحون كما تفعلون، أشهدكم أني قبلت صلاتهم وغفرت ذنوبهم، ورضيت عنهم)، وهذا من فضل صلاة الجماعة. لكن لو صليت لوحدي، فالأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس لابن آدم من صلاته إلا ما عقل منها)، أي: لا يؤجر إلا على ما وعى منها، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5].

كيفية الخشوع في الصلاة

كيفية الخشوع في الصلاة فعند أن أقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، أتأمل معناها، وأنها تعني: الحمد لك يا رب! وقلنا: هو رب العالمين، لا رب المسلمين فحسب أو رب النصارى، أو اليهود، أو الأمريكان فقط، فحينها يتقي رب العالمين، وكل ما سوى الله عالم، فهو إذاً رب الملكوت كله. إذاً: فلما أقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] أفكر في الحمد، ومعناه: أني أثني عليه سبحانه لكونه رب العالمين كلهم. ثم أمجده فأقرأ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3]، وكلمة (الرحمن) أعم وأشمل من (الرحيم)؛ ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: (يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة)؛ لأن في الدنيا يرحم ربنا المؤمن والكافر، يرحم الكافر بأن يسهل له أن يعمل خيراً، ينتفع به الناس ويجازيه عليه في الدنيا، فتراه في تقدم وحضارة، وربح، وهواء نظيف، وكل هذا من أجل أن يموت وقد أخذ حقه كاملاً، وليس له في الآخرة إلا النار. أما المسلم فيجازى على عمل الخير دنيا وآخرة، لكن ربنا يسلب الدنيا عن المؤمن أحياناً، كما يمنع أهل المريض بعض أنواع الطعام عن مريضهم؛ لمصلحته وعافيته، ولله المثل الأعلى، فهو كذلك يمنع المال أحياناً عن المؤمن من أجل ألا يطغى، وأنت لا تدري بحالك عند حيازته، ولذلك سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه كان لا يملك شيئاً، فكان يقعد للرسول في الباب ليل نهار، ويسمع من الرسول ويأخذ منه ويتعلم، وليس معنى هذا أنه انقطع للعبادة، لكن نحن دائماً نضحك على أنفسنا، فنقول: ساعة لربك وساعة لقلبك، ثم اكتشفنا أننا نضحك بهذه الكلمة أيضاً على أرواحنا، فلا توجد لا ساعة ولا دقيقة لربك. وهذه الخمس الصلوات التي في اليوم كم تأخذ منك؟ أطول صلاة تأخذ منك عشر دقائق، أو ربع ساعة ولو جعلناها ربع ساعة، وقرأنا فيها: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1]، لقال أناس: هذا تطويل، والرجل يطول على المصلين، هناك رجل أول مرة يصلي التراويح في رمضان، فقرأ الإمام قوله تعالى: (مداهمتان) فاغتاظ الرجل وقال: وأيضاً مداهمتان مش مداهمة واحدة؟ والثاني قرأ: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] ولما قالوا: آمين، قرأ: (طه)، وكبر وركع، سبحان الله! ما هذه العجلة العجيبة؟! مع أن أكثر صلاة تصليها تأخذ منك عشر دقائق، ولو جمعت الصلوات كلها فإنها لا تستغرق ساعة واحدة، وبقيت معك ثلاث وعشرون ساعة أين تذهب؟! فينبغي الإخلاص في العبادة، لا في الأكل والشرب ونحوهما من متاع الدنيا، بل المسلم إذا أراد أن يحبه الله يزهد في الدنيا كما كان صحابة الحبيب صلى الله عليه وسلم.

الاستغناء عما سوى الله

الاستغناء عما سوى الله وإن أردت أن يحبك الناس فازهد بما في أيديهم، يقول سيدنا علي: أنفق على من شئت تكن أميره، واستغن عن من شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره. والمسلم لا يستغني أبداً عن الله، فيستغني عن أي شيء لكن لا يترك الصلاة، ولا يترك قيام الليل، ولا الأخلاق الحميدة. إذاً: فالمسلم في الدنيا يزهد مما في أيدي الناس، وما دام أنه زهد بالذي عند الناس، فإنهم سيحبونه، لكن لو طلب منهم ما في أيديهم فإنه سيثقل عليهم، والناس لا يريدون النظر إلى خلقته، فأول ما ينظر إليه يكشر، والأغنياء يوم القيامة مالهم سوف يصفح صفائح من نار، وتكوى بها ثلاثة أماكن: الجباه والجُنوب والظهور، قال تعالى: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة:35]. فالغني أول ما يأتيه يكشر في وجهه ويعطيه جنبه ثم ظهره، لكن لو جاء إليه المحافظ: أهلاً يا سعادة الباشا، ولا يعطيه جنبه، ولا ظهره، فالله تعالى عاقبه في هذه الثلاثة الأماكن، في الجبهة التي كانت تنقبض في وجه الفقير، وكذا الجنب الذي كنت تعطيه الفقير كذلك، ثم الظهر الذي أعطيته المسكين. إذاً: فالمسلم لا يتكبر على أحد، ثم هو في الدنيا غريب، سابح ضد التيار، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جاء هذا الدين غريباً وسوف يمضي كما بدأ غريباً فطوبى للغرباء الذين يستمسكون بسنتي عند فساد أمتي). اللهم اجعلنا من أهل الغربة يا أرحم الراحمين، وانصرنا على من عادانا، وقو عقيدتنا، وألهمنا صوابنا، وتوفنا على الإسلام، يا أكرم الأكرمين.

أحكام الجمعة وآدابها

أحكام الجمعة وآدابها

أهمية التعود على الخطابة

أهمية التعود على الخطابة نتحدث اليوم إن شاء الله عن فضل وآداب صلاة الجمعة، من أجل تكملة صلاة الجماعة، ثم سنتكلم عن أحكام الجنائز وصلاة الجنازة، وتغسيل الميت، ثم أحكام القبور، ودفن الموتى. نأخذ أولاً أحكام الجمعة، لأنه أحياناً يفاجأ المسجد بأن الإمام غائب، فافرض أنك دخلت مسجداً وإمامه لما يأت بعد، والمؤذن لا يحسن الخطابة، فيقوم أحد الإخوة ويأتي بكلمتين يذكر الناس، وطبعاً كل القاعدين بعد الخطبة سيكونون نقاداً من الدرجة الأولى، وهذا موضوع سهل. وفي البلاد خطيب الجمعة لما يأت بعد، فبحثوا في البلد عمن يخطب الجمعة فلم يجدوا، مع أن الشيخ المأذون لابس عمامة، وعليه هيبة العلماء، ومن باب الشيء بالشيء يذكر، بينما الشيخ عبد العزيز البشري رحمة الله عليه يمشي في شارع فؤاد، وهو من علماء الأزهر وأبوه كان من هيئة كبار العلماء، وهو لابس لبس العلماء، وكان عليه سمت ووقار، وكان فلاح يمشي فقال: سيدنا الشيخ، قال: نعم، قال له: اقرأ لي هذا الجواب، الشيخ عبد العزيز لقي الجواب عبارة عن طلاسم لم يفهمها، فقال له: خذ يا بني! ما أستطيع قراءته، فالفلاح غضب منه، وقال: لابس عمامة، وعليه سمت العلماء! وغضب، فقال له الشيخ: خذ العمامة واقرأها أنت، أي: إذا كانت المسألة باللبس، فخذ العمامة واقرأها أنت، إذا كانت العمامة هي التي تقرأ. فأصحاب البلد قالوا: من يخطب الجمعة؟ هلا أخبرتم الشيخ أو المأذون ليبحث عن خطيب، فيكون الناس في ورطة بسبب غيابه، إذاً: فالحل إن فرضنا أن الإمام يأت أن يقوم واحد من المصلين فيخطب، وليست هناك مشكلة. ويقال: إن هناك خطيباً قام ليخطب، وهو غير متعود، فذهب ما في رأسه من آية أو حديث، حتى الآية التي يقرؤها عند الزواج، فقال: وقفت ورجلاي ليستا قادرتين على حملي، قال: ثم فتح الله علي والحمد لله، فقلت: الشهادتين، ثم أما بعد، وقلت: سيأتيني الكلام بعدها فلم يأت، فقلت: ثم ثاني مرة اسمعوا، قال: ومددت الصوت فيها قليلاً، فقال له رجل من آخر الجامع: يا مولانا! أنت الله يفتح عليك قلت: اسمعوا أول مرة وسمعنا، ثم قلت: اسمعوا ثانية وسمعنا، ثم قلت: اسمعوا الثالثة، فانتظرنا ماذا ستقول الآن؟ قال الخطيب: ثم أخذوني وأنزلوني. وفي مكان آخر وللأسف الشديد، رفض الحاضرون أن يقف أحدهم ليخطب؛ فصلوا الجمعة ظهراً، فيأثم الحاضرون جميعهم؛ لأنهم صلوا أربع ركعات، ولا يوجد هناك خطيب، فقام أحدهم يصلي بهم ظهراً.

أركان الخطبة

أركان الخطبة إذاً: تفادياً لهذا كله، ينبغي أن نعرف أركان الخطبة. أركان خطبة الجمعة: الحمد، والشهادتان، وأما بعد، وخطبتان بينهما استراحة، وفيهما ما يحض على الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، أو كلمة: اتقوا الله، أو: احذروا النار، أو: ارجوا الجنة، أو: اعملوا خيراً، أو يخلص نفسه ويقرأ سورة (ق) لو كان حافظاً، ويقول: أما بعد، فيقرأ سورة (ق)، ثم يقول: وأقم الصلاة، وصلاتهم صحيحة وخطبتهم صحيحة تماماً، فهذه أركان خطبة الجمعة. عبد الملك بن مروان بينما هو قاعد، وكان فقيهاً في اللغة، قال ذات يوم لأصحابه: ليصعد أحدكم ليخطب لنا الجمعة، وكان الحكام قديماً هم الذين يصلون بالناس؛ لأنهم كانوا أبلغ الناس وأعلمهم، فصعد الرجل وأمير المؤمنين ينظر إليه، فارتبك وقال: الحمد لله الذي خلق السموات والأرض في ستة أشهر، فقال أمير المؤمنين: ويحك! في ستة أيام، قال: احمد الله يا أمير المؤمنين! أني لم أقل لكم: في ست سنوات؛ لأن الموقف رهيب. إذاً: فينبغي للمسلم ألا يهتز ولا يرتبك، وهؤلاء الحاضرون كلهم إخوانه، لكن حقيقة أن الذي يصعد للخطابة يكون كل أحد مركزاً عليه، ناظراً إليه، هذا من ناحية اللغة، والآخر من ناحية الحديث، والثالث من ناحية شكله، والرابع من ناحية كلامه، وهكذا، لكن نحن لو تعاملنا بالود، فالمسألة بسيطة، لو صعد الرجل فقال ما فتح الله عليه، فجزاه الله خيراً، وكثر خيره، وقد أنقذ الله الموقف به، حتى لا يأثم الكل بترك الجمعة.

آداب الجمعة وفضلها

آداب الجمعة وفضلها وهناك آداب للمسلم يوم الجمعة، لابد أن نعرفها، وأحكام يوم الجمعة قد ينساها الإنسان يوم الجمعة. ويوم الجمعة هو أفضل الأيام عند الله، وفيه ساعة ما وافقها عبد مسلم بالدعاء إلا استجاب الله له، ولا أحد يعرف وقتها بالضبط، وهناك من يقول: هي بعد صلاة الصبح قبل الشمس تطلع، وقيل: ما بين جلستي الإمام على المنبر، وقيل: ما بين صعود الإمام لغاية نزوله، وقيل: ما بين اصفرار الشمس بعد العصر لغاية الغروب، المهم: أن من فجر الجمعة إلى مغرب الجمعة يوم مبارك عند الله سبحانه وتعالى. وسمي يوم الجمعة لأن الناس يتجمعون فيه، وكان قبل الإسلام يسمى يوم العروبة، وسموه بعد بيوم الجمعة. ويوم الجمعة هذا يعوضنا عنه ربنا في الآخرة، فاللهم اجعلنا من أهل الجنة يا رب، اللهم أدخلنا الجنة بدون حساب أو عذاب، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات يا أرحم الراحمين. يوم الجمعة تصل للمسلمين في القبور بطاقات دعوة، والرسول سماها بطاقة دعوة، يعني: (بطاقة) لغة عربية، ففي الحديث: (بطاقة دعوة، مكتوب عليها كلمات أربع). الأغنياء الآن يكتبون الدعوات التي للزواج على بطاقة من فضة، فربنا في الجنة يبعث لك بطاقة فيها: (أربع كلمات: عبدي اشتقت إليك فزرني)، والذي أتى بها ليس مأمور الضرائب، وإنما تأتي بها الملائكة، ووراء الملائكة الخدم وأطفالنا الذين ماتوا وهم صغار، يا فرحة من مات له ولد، وصبر عليه، فالأولاد أمام الجنة يأبون الدخول إلا مع آبائهم وأمهاتهم، فيكرم الله الذي مات له طفل وصبر، فيقول: (ماذا صنع عبدي؟) ويقول ربنا للملائكة: (أخذتم فلذة كبد عبدي) فيسمى الولد فلذة كبد، ثم قال سبحانه: (أقبضتم ولد عبدي؟ يقولوا: نعم يا رب، يقول: وماذا صنع؟ يقولون: لقد حمدك واسترجع، قال: ابنوا لعبدي في الجنة قصراً وسموه قصر الحمد، وألحقوا به أبناءه). اللهم اجعلنا منهم يا رب، واجعلنا من الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، آمين يا رب العالمين. إذاً: فيقول الله: (عبدي اشتقت إليك فزرني)، والأطفال هؤلاء وصفهم كما قال الله: {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا} [الإنسان:19]، وفي الجنة أيضاً الحور العين، والملائكة، والغلمان، ومخلوقات لا يعلمها إلا الله، وقصور ونور وأشجار وطيور وخير كثير، وفي الحديث: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر). ويوم الجمعة تعد لك النجائب، يعني: عندما يكون الرجل مسئولاً في الدنيا تجهز له السيارات، بعضها عن يمينه وأخرى عن شماله، وأمامه وخلفه، إلى أن يصل إلى مقصوده، ثم يفتح له الباب، والحرس حوله، وكل هذا في الدنيا. أما في الآخرة فالملائكة هي التي توسع لك الطريق، وتهيئ لك المكان، والأشجار تسلم على المؤمن فتقول: السلام عليك ولي الله، السلام عليك يا حبيب الله! فسبحان من جعل الشجر يوسع لك وكنت في الدنيا لا يوسع لك أحد، وقلنا قبل هذا: إن الكلاب إذا رأت غنياً حركت أذنابها، وإن رأت فقيراً كشرت أنيابها، فالمؤمن يوسع له الشجر في الجنة والملائكة ترحب به، وتجتمع في سوق لا يباع فيه ولا يشترى، وكل الذي تريده تجده، أما في الدنيا فإن أردت أن تأكل أو تشرب أو تلبس فقد تجد وقد لا تجد، لكن في الجنة لك ما تشاء.

الاغتسال والتبكير

الاغتسال والتبكير إذاً: فيوم الجمعة له آداب: أولاً: الاغتسال. ثانياً: التبكير له، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة)، والمراد بالساعة الأولى: وقت الضحى، أي: الساعة السابعة؛ لأن الساعة الأولى تبدأ من بعد أن تنشر الشمس أشعتها، وهذا الأول كأنما قدم بدنة، أي: كأنما ضحى في سبيل الله بناقة كبيرة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن راح في الساعة الثانية) إلى أن بلغ الساعة الأخيرة، وهي التي قبل صعود الإمام بنصف ساعة، أو بساعة، وهذه الساعة ما تجد أحداً فيها في المسجد، بل هناك من يقول: الإمام ينزل من على المنبر الساعة الثانية عشرة فنحن نحضر الساعة الثانية عشرة ونصف إلا ثلاث دقائق، يعني: من أجل أن يضبط مجيئه على الصلاة، مع أنه لا جمعة له؛ لأن خطبة الجمعة تعدل ركعتين، ومن جاء في الساعة الأخيرة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فكأنما قدم بيضة). وأول ما يقول الإمام: السلام عليكم تغلق الملائكة الصحف، ولا تكتب أحداً ممن دخل بعد، فإن جاء يوم القيامة وقال: أنا كنت أحضر الجمعة، فيقال له: أنت كنت تأتي بعد أن يرتقي الإمام المنبر. إذاً: فالمسلم يبكر ليوم الجمعة، يلبس أفضل الثياب، وإن رزقه ربنا طيباً يتطيب به، والمساجد يجوز أن تبخر يوم الجمعة، حتى تكون رائحتها طيبة، ولا ينبغي أن تبقى لابساً للشراب من ثلاثة أيام ثم تأتي يوم الجمعة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا)، وهل البصل حرام؟ لا، ليس حراماً، ولكن من أجل الريحة المنبعثة من آكله، ولو أكل بصلاً فينبغي له أن يصلي خارج المسجد، أو في آخر صف، أو لا يدخل الجامع أصلاً؛ لئلا يؤذي الناس. ولذلك يقول الفقهاء: من كان عنده انفلونزا فلا يصلي صلاة الجماعة في المسجد؛ حتى لا يعدي أحداً، فقد وضعت عنه صلاة الجماعة، فيقعد في البيت؛ من أجل ألا يعدي غيره، إذاً: فالمسلم ينبغي عليه أن يراعي هذه المسائل. وإذا تأخر أحد عن الجمعة فلا يؤذي إخوانه بمزاحمتهم؛ ليفسحوا له، فيتخطى رقابهم ويؤذيهم، واحد من الصحابة جاء متأخراً والرسول على المنبر يخطب، وعلاوة على هذا يريد الصف الأول، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اجلس فقد آنيت وآذيت)، أي: جئت متأخراً وتؤذي الناس. وفي الحديث: (من فرق بين مسلمين يوم الجمعة فرق الله شمله يوم القيامة، ومن تخطى الرقاب يوم الجمعة تخطى الله به جسراً إلى جهنم)، (من سد فرجة في الصف سد الله عنه باباً من أبواب جهنم) فهذه بعض آداب الجمعة. كثير من المسلمين للأسف يبقى في يده سبحة وأنا ما أدري من أول من اخترع السبحة، والسبحة ليست من الإسلام في شيء، وأنت عندما تسبح بيدك فالجوارح كلها تشهد لك يوم القيامة، أما السبحة فلن تشهد، والرسول صلى الله عليه وسلم سبح بيديه، والصحابة سبحوا بأيديهم ونحن لم نطلب منك أكثر من ثلاثة وثلاثين، وليس حسابها صعباً؟ لكن عندما تحسب مائة ألف جنيه تحسبها بدقة وسرعة فائقة، وكذا عندما تحسب ميراث أبيك، فتقول: لي ثلاثة فدانات وأربعة عشر قيراطاً وستة أسهم، والسهم كذا متراً، والقيراط مائة وخمسة وسبعون متراً، والمتر، وهكذا يحسبها بالدقة، لكن في التسبيح يصير الأمر صعباً، فسبح بيديك.

الإنصات وعدم اللغو

الإنصات وعدم اللغو ومن الآداب: أن الإمام عندما يخطب فلا تحرك السبحة لو كانت معك؛ لأنك حينها كأنما مسست الحصى، ومن مس الحصى فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له. ولو دخل جارك والإمام يخطب فقعد بجوارك وقال: السلام عليكم، فهل ترد عليه أم لا؟ لا ترد، ولا حتى بالإشارة، وبعد الصلاة خذ صاحبك وعلمه آداب الجمعة، وحذره من إضاعته لها؛ وقل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (من قال لجاره والإمام يخطب: أنصت، فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له).

حكم السفر يوم الجمعة

حكم السفر يوم الجمعة أما السفر يوم الجمعة، فقد أجمع الفقهاء على كراهيته، وفي الحديث الذي عند الدارقطني رحمه الله مرفوعاً: (إن الملائكة لتدعو على من سافر يوم الجمعة في غير ضرورة: لا صحبك الله أيها المسافر!). فما دام أنه ليست هناك ضرورة فليس هناك داع للسفر، والضرورة مثل صلة رحم، أو أداء زكاة، ونحو ذلك، أما غيره فلا داعي للسفر يوم الجمعة، وإذا أردت أن تسافر فسافر مبكراً؛ من أجل أن يأتي وقت ظهر الجمعة قد وصلت للمكان الذي أردته. ومن ترك ثلاث جمع اسود قلبه. وقالوا: كل المخلوقات تبقى خائفة يوم الجمعة ما عدا الإنس والجن؛ لأن كل المخلوقات تتوقع أن القيامة تقوم يوم الجمعة، فكل المخلوقات خائفة، أما الذين سيحاسبون من الإنس والجن فلا يخافون! وكانت الريح إذا هبت يوم الجمعة أكثر الرسول صلى الله عليه وسلم من الخروج والدخول، يخشى أن تكون بوادر الساعة.

قراءة القرآن يوم الجمعة

قراءة القرآن يوم الجمعة ومن سنن الجمع أو آدابها: أن القرآن الذي يقرؤه الشيخ في الأوقاف، أو في الأهالي يوم الجمعة، لا ينبغي فعله؛ لأنه بدعة، لكن لكوننا -للأسف- مرتبطين بقانون الأوقاف يحدث ذلك للأسف، وسميت الأوقاف أوقافاً لوقف الحال، إذاً: فهذه القراءة ليست من شعائر الجمعة. فيلسوف يقول: يا شيخ! ليس كل من في الجامع يستطيع أن يقرأ القرآن، ولا الجامع فيه مصاحف تكفي المصلين كلهم. ويقال له: أما المصاحف فكل واحد من المصلين يأتي بمصحف صغير معه، أما النقطة الثانية: فمن لا يستطيع القراءة فيقرأ ويكرر الفاتحة والإخلاص والمعوذتين، وإن لم يحفظها فيسبح ويذكر الله ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهل ليوم الجمعة أذان واحد أم اثنان؟ كان بلال يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذاناً واحداً، أول ما سيدنا الحبيب عليه الصلاة والسلام يرتقي المنبر.

حكم البيع بعد أذان الجمعة

حكم البيع بعد أذان الجمعة ومما انتشر الآن أن كثيراً من التجار يتأخرون قليلاً بعد الأذان، مع أن البيع ساعة الجمعة حرام، فلا يصح البيع أول ما يؤذن المؤذن للجمعة، وذلك عندما يصعد الخطيب على المنبر فيحرم البيع حينها، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] (ذروا) أمر أي: اتركوا البيع، ولو باع أحد فالبيع حرام، وربنا لن يبارك فيه. وهناك مساجد تكون فيها زحمة، وفيها أناس يبيعون الجرائد خارج المسجد، فمن أجل أن يجد المصلي له مكاناً يشتري جريدة ويصلي عليها، وهذا غير صواب، فما دام الإنسان متأخراً فلا يزيد الطين بلة بصلاته على ما قد يكون فيه اسم الله، أو صفحة الوفيات، وهي الصفحة الصادقة الصحيحة في الصحف العربية، أو فيها آيات أو أذكار أو اسم الله أو نحو ذلك، فيحرم أن تقف برجليك على اسم الله.

حكم الصلاة على ثوب فيه صور ونحوها

حكم الصلاة على ثوب فيه صور ونحوها ومما ينبغي التنبه له أنه يحرم أن تصلي على ثوب فيه صور أو نقوش، أو كتابة تشغلك، وأجاز بعض العلماء أن يمسك الإنسان المصحف في الصلاة ويقرأ، لكنني شخصياً لا ترتاح له نفسي، مع أنه يجوز. إذاً: فتمنع الصلاة على ما فيه شاغل من كتابة ونقوش ونحوها، ويحرم البيع بعد أذان الجمعة.

عثمان بن عفان هو الذي أمر بالأذان الأول للجمعة

عثمان بن عفان هو الذي أمر بالأذان الأول للجمعة وهل للجمعة أذان أم أذانان؟ كان التجار يتأخرون في عهد سيدنا عثمان فيأتيهم بواحد يؤذن قبل الصلاة في السوق بمدة، وقديماً لم يكونوا يخافون على محلاتهم من السرقة؛ لأن الحدود كانت تقام، فاللص يخاف أن تقطع يده، إذا شهد عليه عدلان بأنه سرق، ولابد في الشاهد أن يرى، وإلا ترد شهادته، ولو اجتمع سبعون على الشهادة ولم يروا فلا يقام حد بشهاتدهم، ونقول لأحدهم: انظر إلى الشمس، أتراها؟ سيقول: نعم، فنقول له: على مثلها فاشهد، فإن كنت تنظر إلى الحق مثلما أنت تنظر إلى الشمس فاشهد وإلا فلا. إذاً: فكان سيدنا عثمان يبعث في السوق من يؤذن، ثم يبعث من يؤذن ثانية للصلاة؛ فيهرع الناس نحو المسجد، فيصعد سيدنا عثمان للخطابة ويقول: السلام عليكم، ويقف عند الخطابة على الأرض، وكان سيدنا أبو بكر يخطب وهو على الدرجة الثانية، انظروا التواضع والأدب، وكان سيدنا عمر يقف على الدرجة الأولى، فسيدنا عثمان أول ما تولى خطب واقفاً على الأرض، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين! كل واحد منكم يأتي وينزل درجة، وسوف يأتي زمن على الناس يخطبنا الناس في خندق، فكانت نكتة لطيفة أو طيبة، فحينها ارتقى سيدنا عثمان الدرجة التي كان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقف عليها. وللأسف أن الشيعة -هداهم الله- يأخذون هذه على سيدنا عثمان، فيقولون: كيف أبو بكر وعمر -وهم لا يحبونهما- يفعلان هكذا؟ أي: لماذا يقف أبو بكر على الدرجة الثانية، وعمر على الدرجة التي تحتها، وعثمان يرتقي الدرجة التي فوق، هذا لا يصلح، فنقول: وإلى متى يستمر هذا؟ أي: من جاء ينزل درجة درجة.

حكم الأذانين للجمعة

حكم الأذانين للجمعة وهل الأذانان في المسجد بدعة أم لا؟ لا ليست بدعة، وقد ذهب أحد العلماء إلى إحدى البلاد فقالوا له: الحمد لله أنك أتيت، فبلادنا انقسمت نصفين، نصف موافق على أذان واحد يوم الجمعة، ونصف آخر يقول: لا بد من أذانين يوم الجمعة، وكل واحد من الفريقين يصلي عند من وافقه، قالوا: ونحن نريد منك فتوى، فقال لهم: الأذان سنة، واتباع المسلمين واجتماعهم فرض، والفرض مقدم على السنة، فأرجو ألا تأتي أسئلة في أذان أو أذانين، فلا نريد أن نعمل خلافات في المساجد، لكن يقال: ما هو الأمثل أو الأصح والأفضل؟ وهل ثبت أن المؤذن أيام الرسول صلى الله عليه وسلم أو في عصر الصحابة أو التابعين كان بعد أن ينهي الأذان يقول: الصلاة والسلام على سيدنا حبيب الله، يا أسود الشعر! يا كحيل العينين! يا أبيض الوجه؟ A لا، فهل يتهم من لا يفعل ذلك أنه لا يحب النبي؟ وفي هذه الأيام يكره الدراويش أهل السنة، بسبب مخالفتهم لبدعهم، واتباعهم لسنة نبيهم، مثلاً يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي). ولو أنكم أيها الدراويش تفهمون اللغة لعلمتم أن (ثم) تقتضي الترتيب مع التراخي، وحروف العطف على ثلاثة أحوال، فعند أن أقول: دخل أحمد ومحمود، فحرف العطف الواو يفيد المعية، يعني: دخل أحمد مع محمود، وعندما أقول: دخل أحمد فمحمود، فالفاء تقتضي الترتيب مع الفورية، وعندما أقول: دخل أحمد ثم محمود، فـ (ثم) تقتضي التراخي مع الترتيب، وفي الحديث: (قولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي)، أي: بعد قولكم كقوله صلوا علي، أي: أنتم يا من تسمعون لا أنت أيها المؤذن؛ لأننا بعد الأذان نقول: اللهم! رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود، ثم بعد ذلك نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. وحذار من الابتداع في الدين؛ لأن الزيادة في الدين كالنقص منه تماماً، فإياك أن تشرع في الدين ما لم يأذن به الله، وقد قال الله لحبيبه عليه الصلاة والسلام: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]. وإن دخلت والإمام على المنبر، فبعض المذاهب تقول: يجوز أن يصلي الإنسان ركعتين خفيفتين، والجمهور يقولون: طالما والإمام على المنبر ودخلت المسجد فينبغي أن تقعد؛ لأن صلاتنا أصلاً بدون أصوات محيطة صلاة مشوشة، فما بال الإمام يخطب وأنا أصلي؟ فمن باب أولى إذا طلع الإمام إلى المنبر أن أقعد.

سنة الجمعة وقراءة سورة الكهف

سنة الجمعة وقراءة سورة الكهف ثم هل للجمعة سنة أم لا؟ قالوا: نعم، تصلي السنة أربعاً، اثنتين اثنتين، أو أربعاً مع بعض، هذا إن أردت أن تصلي في الجامع، أما إن صليت في البيت فصل ركعتين. ومن آداب الجمعة: قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة أو يومها؛ لحديث: (من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أو يوم الجمعة، أعطاه الله نوراً إلى الجمعة التي تليها)، فالذي يواظب على قراءة سورة الكهف في كل جمعة يخلصه الله من فتنة المسيخ الدجال إذا ظهر، وهو على ظهر الأرض.

ميزة الصدقة يوم الجمعة

ميزة الصدقة يوم الجمعة وهل الصدقة يوم الجمعة لها ميزة على غيرها؟ الصدقة يوم الجمعة بالنسبة للأسبوع مثل رمضان بالنسبة للسنة، فالصدقة فيه أفضل من الصدقة في غيره، والصلاة فيه خير من الصلاة في غيره، كما أن البر فيه خير من البر في غيره، لكن حذار من المحترفين الذين يقفون على باب المسجد كل جمعة، إلى غاية حفظ أشكالهم.

ثواب من يصلي على الجنازة

ثواب من يصلي على الجنازة نأتي الآن لصلاة الجنازة، أحكامها. يفاجأ الناس أحياناً بصلاة الجنازة، فما يعرف أحدهم كيف يصلي، فتجد نصف المعزين يقفون في الخارج، مع أن في الحديث: (من حضر جنازة فصلى عليها وسار معها حتى تدفن كان له قيراطان أقلهما كجبل أحد)، أما الذي يصلي على الجنازة ويذهب فله قيراط واحد. وقال ابن عمر للسيدة عائشة: أحقاً ما سمعنا يا أم المؤمنين؟! قالت: وماذا سمعت يا ابن عمر؟ قال: سمعنا أن الرسول يقول: الذي يحضر جنازة ويصلي عليها وينتظر حتى تدفن، له في الجنة قيراطان، أقلهما كجبل أحد، قالت: صحيح ما سمعته يا ابن عمر، قال: كم من قراريط ضيعناها! انظر على ماذا كان ندمهم، أما نحن فنندم على أرض كانت وراء نادي الصيد مثلاً، كان المتر بخمسة جنيهات والآن بخمسة آلاف جنيه، فلا تندم على ما فاتك من الدنيا.

استعداد الروح لمفارقة البدن

استعداد الروح لمفارقة البدن نشرع الآن في أحكام الجنائز، وسنعرف أركانها، وطريقتها، وكيف كان يصليها الرسول، ولو دخلت كذا جنازة أو كذا ميت فمن الذي يبقى قريب الإمام؟ أم نصلي على واحد واحد؟ بادئ ذي بدء نقول: عندما يموت الميت يقول أهل العلم: إن الروح تستعد لمغادرة البدن، بدليل أنها تشعر بأشياء، ولما ينزل الموت وتخرج الروح يشعر الناس أنه قد كان يشعر بأحاسيس توحي له أنه سوف يموت. فنحن قبضة من تراب الأرض ونفخة من روح الله، ولم يأمر الله الملائكة بالسجود لأبينا آدم إلا بعد أن نفخ فيه من روحه، فالسر الذي فيك هو بعد النفخ. وأنت كل يوم تموت، لكن لا تشعر، فعندما تنام تكون في صورة من صور الموت، ولذلك أول ما تفتح عينيك تقول: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)، وتنطق بالشهادتين تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والذي يتعود على هذا أول ما نلحده في القبر ويأتي -إن شاء الله- يوم النفخ في الصور النفخة الثانية، أول ما يفتح عينيه وتعود الروح إلى بدنه ينطق بالشهادتين، ويحسب في زمرة الموحدين، اللهم احشرنا في زمرة الموحدين يا رب العالمين.

فضل النطق بالشهادتين عند النوم واليقظة

فضل النطق بالشهادتين عند النوم واليقظة إذاً: فالمسلم إذا تقلب في نومه نطق بالشهادتين، وإذا نام يدعو بالدعاء المعروف وهو قوله: (يا رب! أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها، لك مماتها ومحياها، فإن أمتها فاغفر لها، وإن أحييتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين). فإن لم تحفظ هذا الذكر كله، فقل: يا رب! أنت خلقت نفسي وأنت الذي تتوفاها، يا رب! فاحفظني، وإن أمتني هذه الليلة فتب علي واغفر لي، فلا أدري أأقوم الصبح أم لا أقوم، ولعل هذه آخر نومة لي، ولكن للأسف أن كثيراً من الناس لا يرجعون المظالم ولا يصالحون أهاليهم إلا إذا أرادوا أن يحجوا، مع أن الواحد قد ينام ولا يقوم من نومه، فلماذا لا يرجع حقوق الناس قبل ذلك؟! والعبد عندما يموت يكون الأمر كما قال أهل العلم: (إذا زرتم المريض -أي: مرض الموت- فنفسوا له في أجله) يعني: أعطه أملاً، فقل له: ما شاء الله، صحتك جيدة، وادع له، فربنا يقول للشيء: كن فيكون، ريحه نفسياً، واعطه أملاً أكبر. حصل قديماً أن زير مريض فقيل له: ما لك؟ قال: اسكت، صدري ينقبض علي ويختنق، وأشعر أن روحي سوف تخرج، فقال له: هذا المرض الذي مات فيه عمي! فأغلق على الرجل كل أمل. إذاً: لا تجعله يائساً، بل اجعل عنده أملاً، وعندما تجعل الرجل يشعر برحمة الله تتحسن الحالة الشديدة، فقد يقول الأطباء: هذا الرجل لن يعيش، أو هذه المرأة لن تعيش، هذا من حيث العلم النظري، أما الحقيقة فلا يعلمها إلا الله، وإنما هذه بوادر علمية.

مضار اختلاط الرجال والنساء ومشاهدة التلفاز

مضار اختلاط الرجال والنساء ومشاهدة التلفاز والصالحون هم الذين يحضرون المريض وقت الموت؛ لأن الصالحين بطبيعتهم سيقعدون عند المريض، وقد يقوم أحدهم يرقيه، لكن الرجل مع الرجل والمرأة مع المرأة، لا أن توصي لي بنت عمتك بذلك، وتقول: هذه مثل أختي، فليست مثل أختك، بدليل: أنه يصلح أن تتزوجها إن لم يكن لها زوج، واسمك في الفقه: أجنبي، فلا تسلم عليها ولا تختل بها، ولا تقل: أنت تأتي لنا بأشياء غريبة، فهذه أمور ليست بغريبة لكن تجهلها، فلا يحل لك أن تصافحها كل يوم في الشغل، وتقول: الناس يسلمون على بعضهم، نقول: سلم لكن من بعيد إلى بعيد، فتقول: السلام عليكم، وتغض البصر، ولا تقل: هي مثل أختي، وأنا قاعد معها أكثر مما أقعد مع امرأتي، لأن هذه هي أصل المشكلة، فالمصيبة أتت من هنا، فما الذي جعلك تستصغر النعمة التي منّ بها ربنا عليك وهي امرأتك؟ فلا تعمل مقارنة، فتنظر إليها على أنها أفضل وأحسن من زوجتك في لبسها وجمالها وما إلى ذلك فإن الشيطان هو الذي يزين لك ذلك، ويريد منك أن تستقل نعمة الله عندك. وكذلك العكس، أي: المرأة عند أن ترى الرجل جديداً وجميلاً تزدري زوجها. والمصيبة أنه حتى التي ليست موظفة دخلوا لها من تحت الباب، من التلفزيون، فتفتح التلفزيون وتتابع البطل، والبطل طبعاً معه بطلة التي هي امرأته في الظلم، فيقبلها ويعانقها، فيحصل بذلك من الفتنة الشيء الكثير، وهذه من البلاوي التي جاءت من طريق التلفزيون. وقد ترجع إلى بيتك وأنت متعب تريد أن توسع على عيالك، فتأتي الزوجة بجوارك، فإذا أردت أن تذهب إلى النوم في الساعة الواحدة إلا ربع قالت الزوجة: الآن نبدأ السهرة، تقول: سهرة ماذا يا امرأة؟ فمتى سينامان؟ ومتى سيستقظان لصلاة الفجر؟ ويأتون للمرأة بأناس ذوي جمال كيما تقارنك بهم، وكذلك يأتون بنساء فاتنات متبرجات كيما تقارنهن بزوجتك، فيحصل الشقاق والفراق. ولو تأملت في سيرة أمي وأمك، وجدتي وجدتك، لوجدت أنهن كن راضيات بأزواجهن، وكانت البركة حالة بينهم، لأنه لا يوجد أمامها إلا هذا الرجل، فلا ترى من رجال الدنيا إلا زوجها فلاناً، فهذا كان في أدمغتهن، وكان هذا بالفطرة السليمة، ولما كانت إحداهن عندها دين، كانت عندما تأتي لتسلم على أي رجل تجعل يدها في ثوبها أو في خرقة والرجل كذلك كان يجعل يده في طرف جلابيته، أو في منديل ويسلم عليهن، أو يمد كمه على يده. وكان الرجل عندما يتزوج يذهب ويتفق مع الرجل أبي البنت، ويتكلم الأب ويقول كلمة لا روغان فيها، ويقول: يا بني! أعطيتك كلمة، أما في هذا الوقت فقبل أن يعطي كلمة يقول: دعني أنظر رأي قوات التحالف من الداخل، فتجد الجواب عندك كعاصفة الصحراء، أن الحكاية خربت. المهم: أن المسلم قديماً كان في دعة وفي هدوء نفس، وفي راحة بال وسكينة؛ لأنه ما كانت هناك مقارنات.

الرقية الشرعية للمريض

الرقية الشرعية للمريض إذا: فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا زرتم المريض فنفسوا له في أجله). ومن التنفيس الرقية الشرعية، وهي سهلة جداً، فإن كنت غير حافظ لأي دعاء فاجعل يدك على الجزء المريض من أخيك، واقرأ الفاتحة بنية صادقة يشفه الله. وحافظ الأدعية النبوية ففيها خير وبركة، فقد كان سيدنا الحبيب يجعل سبابته الشريفة على فمه، أي: السبابة التي نحركها في التشهد والتي قال عنها عليه الصلاة والسلام: (لسبابة أحدكم في الصلاة أشد على الشيطان من مقامع الحديد)، أي: تضرب الشيطان في دماغه، وعد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم أثناء التشهد واحداً وخمسين عدة، أي: بسبابته يحركها. المهم: أن تجعل إصبعك السبابة على فمك، ثم تضعها في التراب ثم تجعلها على الجزء المريض، وقل: (باسم الله تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا). فإن لم تحفظها فقل: (اللهم اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً). أو قل: (اللهم كما رحمتك في السماء، أنزل رحمتك على الأرض، أنزل على هذا المريض رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك). بل والله إن هناك إخوة في الله، ونحسبهم على خير ولا نزكي على الله أحداً، عندما نأخذهم لزيارة مريض، يجعل أحدهم يده على المريض، ويكون الأخ صالحاً فيقرأ: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] ثلاث مرات بصدق، فيكرمه الله بشفاء المريض. ومما ينفع المرضى الصدقات، وفي الحديث: (داووا مرضاكم بالصدقة).

ربط الذقن بالرأس والإغماض والتحريك للميت

ربط الذقن بالرأس والإغماض والتحريك للميت إذاً: فنحن رقينا المريض، ثم مات، فماذا نعمل؟ أول شيء نعمله أن نذهب عند لحيته أو ذقنه فنربطه بخرقة ومنديل أو نحو ذلك؛ من أجل ألا يفتتح الفم؛ لأنه لو افتتح فلا نقدر على إغلاقه، فتربط من تحت اللحية إلى فوق دماغه. ثم نغمض عينيه، ونبتدئ بتحريك يديه ثلاث أو أربع مرات، أي: نهز اليد مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً، وهكذا رجلاه، ونحرك بطنه، ونجعل ذراعيه إلى جانبه أو نضجعه على يمينه، ونخلع منه كل ملابسه ونغطيه بأشياء خفيفة، وبعض الجهال يقولون: لابد أن نغطيه باللحاف الثقيل حتى لا يبرد، ولكن الناس أعداء ما يجهلون، الجهل كارثة. إذاً: فالمسلم بعد ما نخلع منه ثيابه نغطيه بشيء رقيق. وهل نترك النور مضيئاً أم نطفئه؟ وذلك إن فرضنا أنه مات ليلاً. الأمر على حد سواء.

أهمية الصبر لأهل الميت

أهمية الصبر لأهل الميت والغرفة التي فيها الميت فيها ملائكة، بل ثق أن البيت في هذه الحالة فيه ملائكة، والملائكة في هذه اللحظة تؤمن على الدعاء، فأهل الميت إن سألوا الله الصبر، فالملائكة ستقول: اللهم ألهمهم الصبر، وإن سألوا المغفرة والرحمة للميت، فالملائكة تؤمن، وتقول: اللهم اغفر له وارحمه يا رب، وإن صوتوا ولطموا، وصاحوا: وامصيبة، فهي الكارثة؛ لأن الملائكة ستقول: مصيبة دائمة إن شاء الله، وكارثة دائمة إن شاء الله، وكرب دائم إن شاء الله. عياذاً بالله من هذا. وفي هذه اللحظات يعرف المسلم الحق من غيره، وتكون هناك غربلة، فأول ما تخرج الروح، تجد البيت ممتلئاً بالناس، ويظهر الصابر من غيره. فلا يحل لمسلمة أن تحد على مسلم أو مسلمة أكثر من ثلاثة أيام، ما عدا الزوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرة أيام، يعني: تلبس الحداد على زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، أما إن كان أباها أو ابنها أو أخاها أو أمها أو عمها، فإنها تحد عليهم ثلاثة أيام، ولا يحل أكثر من ذلك، وإلا فهي آثمة، وأنت إن لم تنصحها فأنت مشارك في الإثم، فقل: يا أمي حرام، لا يحل أن تحد المسلمة على ميت أكثر من ثلاثة أيام سوى الزوج. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن ناحت على ميت -أي: ولولت وصوتت- كانت كمن هدمت الكعبة بيديها كمن أخذت حربة تحارب بها الله رب العالمين). وفي آخر: (ومن ناحت على ميت ولم تتب، بعثت يوم القيامة ناشرة شعر رأسها، عليها سرابيل من قطران، تدخلها الملائكة إلى النار: نوحي على أهلها كما كنت تنوحين في الدنيا). فالمسلم يعظ النساء ويحذرهن، بل اكتب تحذيراً في وصيتك وقل: أنا بريء من الذي يصوت علي. وأيضاً: لا تخرج المرأة خلف الجنازة، ولا إلى المقابر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لنساء خرجن وراء جنازة: (أغسلتن فيمن غسل؟ قلن: لا، قال: أصليتن فيمن صلى؟ قلن: لا، فذاهبات أين؟ قلن: ذاهبات المقابر، قال: ارجعن مأزورات غير مأجورات). وفي حديث آخر: (أين كنت يا فاطمة؟ قالت: يا أبت كنت أعزي في دار فلان)، أي: جارتها ماتت فذهبت تعزي أهلها، فقال: (أذهبت معهم إلى الكدى؟) الكدى: جمع كدية، وهي المقابر، (قالت: لا يا أبت، قال: يا فاطمة! لو ذهبت معهم إلى الكودا لما شممت رائحة الجنة). وبالذات في الأعياد، وفي طلعة رجب، فعظ النساء وقل لهن: اقعدن واتقين الله.

غسل الميت

غسل الميت نأتي الآن لغسل الميت، هناك من يقول: بعثنا لرجل يأتي يغسل ولم يأت، فلابد أن نعرف كيف نغسل. لابد أن يحضر غسل الميت أقرب الناس إليه، وأعلمهم بالفقه، فهذا هو الذي يغسل الميت، وغسل الميت سهل وهين جداً، لكن لابد أن نتعود عليه ونعرفه، وغسل الميت مثل غسل الحي تماماً. اجعل واحداً يساعدك، إما ابن الميت أو أخوه، فواحد يصب لك ماء ويقلبه لك، واثنان بالكثير -لا خمسة أو ستة كما هو حاصل- يحركانه بهدوء والناس لا يفهمون، فأول ما يموت ميت يغطونه إلى الصبح، فتنبعث منه روائح مؤذية! فيكفي اثنان يحركان الميت بهدوء دون إيذاء للميت، وعندما تحرك الميت بصعوبة أو بعنف فإنه يشعر، وفي الحديث: (وكسر عظم الميت ككسر عظم الحي). وفي زماننا إن كبر الرجل وليس له أحد يرمونه في دار المسنين، ثم يجدونه بعد يومين قد تكسرت بعض عظامه، فكل المسلمين المحيطين به والذين يعرفونه يحاسبون عليه، لذا أنا أقول لك: لين الميت وكل قليل تحرك ذراعه، وتقعد جنبه تقرأ القرآن، وتدعو الله له بالمغفرة والثبات.

تخليص الميت من الفضلات برفق

تخليص الميت من الفضلات برفق ثم نأتي للغسل، فنقعد الميت ونضغط على بطنه، لعل هناك فضلات ما زالت داخل بطنه فتخرجها. وإن قلت: لماذا نخرج الفضلات والدود سوف يأكله؟ أقول: إكرام الميت واجب، فنخرج الفضلات منه حتى لا يؤذي الحي، يقول أحد الأطباء: لما قتل أحد جبابرة مصر، دخلت من أجل أن آخذ الدم ونحلله بسرعة، فدخلت ورأيته نائماً على السرير وقد خلعوا كل ملابسه، فخلعوا الحزام الأخضر والحزام الأحمر والخيط وكل هذه الجوقة، فقلت: سبحان الله! ومات ولا حول له ولا قوة، قال: ومن ساعتها لم أترك فرضاً؛ لأنه رأى عين اليقين، فنحن من هذا الوقت قبل أن نرى أحداً نتقي الله؛ لأن الموت يأتي فجأة، فنكون على خير حال. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها يا رب. إذاً: فتقعد عند الميت وتضغط على بطنه مرة أو مرتين أو ثلاثاً، ثم تأخذ خرقة وتنظف محل النجاسة، واحذر من إظهار العورة، حتى ولو كنت ابنه أو أخاه أو قريبه فلا تكشفها.

من يغسل المرأة

من يغسل المرأة والمرأة يغسلها أقرب الناس إليها: بنتها، أو أختها، أو عمتها، أو خالتها، أو صاحبتها، أو من تعرف الغسل من الأباعد إن عدم الأقارب. وهل يجوز أن يغسل الرجل امرأته؟ جمهور الفقهاء على أنه يجوز للرجل أن يغسل امرأته، وذهب أبو حنيفة -وأنا معه في هذه النقطة- إلى أنه ليس له أن يغسلها، قال: لأنه قد انقطعت عرى الزوجية بالموت، فالزوج لا يغسل زوجته إلا في حالة واحدة، وهي عند عدم وجود امرأة تغسل فيغسلها زوجها. ولو أن امرأة ذهبت للحج مع رفقة آمنة فماتت وليس هناك امرأة تغسلها، فإنها تُيمم. ولو أن رجلاً سافرت معه خمس أو ست نساء، فمات ولم يوجد رجل يغسله يُيمم. انظروا كيف يحافظ الإسلام على الحرمات!

الستر على الميت والمحافظة عليه

الستر على الميت والمحافظة عليه هذا سيدنا عمرو بن العاص كتب في الوصية قوله: ولا يقبلني بعد موتي من كان يحرم عليه تقبيلي في حياتي، يريد أن يحافظ على نفسه بعد ذهاب روحه؛ لأنها أمانة، فتمنع من تقبيله بنت خالته، وبنت عمه، ونحوهما، وليس بمجرد موته أبقى ناظراً إليه؛ لأن الميت عورة، وأنت يا من تغسل لو رأيت أي شيء في جسم الميت فلا يجوز أن تتكلم به، وهذا أخطر من الغيبة. ويقال -والعهدة على الراوي- إن في زمن الإمام مالك، كانت امرأة تغسل امرأة أخرى، فبينما هي تغسلها قالت: -أي: المغسلة- كم ارتكب هذا الفرج من فواحش، والميت ليس كالحي الذي يستطيع أن يرد، فالذي حدث أن يد المغسلة التصقت في جسد الميتة، فاجتمعوا في الخارج وقالوا: ماذا نعمل؟ قالوا: لا يوجد أحد، فقالوا: اقطعوا يدها، ثم قالوا: نسأل الإمام مالكاً، فجاء الإمام مالك وقعد خارج الغرفة فقال: يا أمة الله! هل اغتبت الميتة أو قلت في حقها شيئاً؟ قالت له: قلت كذا كذا، قال: استسمحيها، فاستغفرت الله واستسمحتها، فانفكت يدها بعيداً. فقيل: لا يفتى ومالك في المدينة. والعهدة في هذه القصة على الراوي، أما أنا فلا أصدق ولا أكذب، لكن المهم: أن الميت له عورة وحرمة، فينبغي أن نحافظ عليه.

كيفية غسل الميت

كيفية غسل الميت وبعد أن أمسح محل الأذى بخرقة، أبتدئ الغسل بالصابون وليفة رقيقة، وأسخن الماء كما أسخن لنفسي، وبعدها أبتدئ بأخذ الماء وأغسله الغسل الذي أغتسله، أي: أغسل الرأس والوجه والأذنين، ثم الشق الأيمن من أعلى، ثم الشق الأيسر كذلك، ثم إن الرجل الذي معي يعدله قليلاً، فأغسل الشق الأيمن من تحت، ثم الشق الأيسر كذلك، ثم أصب الماء على بقية الجسد، ثم أوضئه، وبعدها نأخذه وننشفه، ثم نجعل الكفن ثلاث قطع للرجل، وخمس للمرأة، ونسد كل فتحة في الجسد، كالأنف والفم والأذن وفتحة الدبر، نسدها بقطع من القطن أو الخرق، حتى لا يخرج منها أي شيء في وجه الأحياء، ثم أكفنه وأربطه من فوق ومن تحت، وإن كان هناك ريحة طيبة من عطور ونحوها، فنعطره بها، وهكذا تم غسله وتكفينه. ومن المسائل المهمة في الكفن أنه لابد أن يكون شرعياً، وهو معروف عند الباعة.

كيفية صلاة الجنازة

كيفية صلاة الجنازة الصلاة على الميت: عند الصلاة على الميت يقف الإمام عند رأس الرجل، وعند منتصف المرأة، ولو أن ثلاثة ماتوا نقول: من كان حافظاً للقرآن أكثر، فيقال: فلان، فنجعله من ناحية الإمام، والثاني بعده والثالث بعده، فأقربهم للإمام يكون أحفظهم للقرآن وأعلمهم بالسنة وهكذا. وصلاة الجنازة عبارة عن أربع تكبيرات لا ركوع فيها ولا سجود، وصلاة الجنازة قسمان: صلاة الجنازة على من حضر، وذلك إذا كانت الجثة أمامي، وصلاة الغائب على من مات في أرض غريبة ولم يصل عليه، أو مات في البحر، أو مات حرقاً، أو مات في أرض معركة ولم نعرف أين ذهب به. والشهيد لا يغسل ولكن يدفن بملابسه؛ كرامة له. ونكبر عليه أربع تكبيرات، ويكبر المأمومون من غير صوت مرتفع، فإن تكبيرات الجنازة من غير صوت، بخلاف تكبيرات العيدين، ثم يقرأ الفاتحة. وبعد التكبيرة الثانية يقول: اللهم صل على محمد إلى: إنك حميد مجيد. وبعد الثالثة يدعو للميت بالمغفرة والرحمة والتثبيت، وهذا لمن ليس حافظاً للمأثور. وبعد التكبيرة الرابعة يدعو للميت وله وللمسلمين، ثم يسلم، يقول الجمهور: يسلم عن يمينه وعن شماله، ورأي الإمام أحمد -كما هو المعمول به في الحرم- أنه يسلم على اليمين فقط. فإذا صليت على الجنازة أمشي وراءها في صمت، وأما حكاية واحد وعشرين طلقة، والموسيقى ونحو ذلك فهذا حرام كله، أقف إلى أن تدفن الجنازة، وأنتظر ساعة بعد الدفن، أسأل الله له المغفرة والتثبيت. وبذلك نكون قد عرفنا بعض أحكام الصلاة، وجزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً. اللهم اطرد عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، اللهم اطرد عنا شياطين الإنس والجن، أكرمنا ولا تهنا، أعطنا ولا تحرمنا، كن لنا ولا تكن علينا، آثرنا ولا تؤثر علينا، انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

§1/1