مقارنة بين شروح كتب السنة الستة

عبد الكريم الخضير

مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (1)

مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (1) الشيخ/ عبد الكريم الخضير إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: الكتب الستة: فقد طلب مني الإخوة القائمون المرتبون لهذا اللقاء، وهذه الدورة، الحديث عن شروح الكتب الستة، والمراد بالكتب الستة كما هو معلوم، صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، والخلاف في السادس معروف، فمنهم من جعل السادس موطأ الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، كابن الأثير في جامع الأصول، ورزين العبدري في تجريد الأصول، ومنهم من جعل السادس سنن الدارمي، وهو خليق بذلك، والأكثر على أن السادس سنن ابن ماجه، وأول من جعل السادس سنن ابن ماجه هو أبو الفضل بن طاهر في أطرافه وفي شروطه، شروط الأئمة الستة، جعل السادس سنن ابن ماجه، ثم تبعه على ذلك من كتب في الشروط، وفي الأطراف وفي رجال الكتب، فتبعه على ذلك الحافظ عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى- في الكمال، ثم تبعه على إثره الحافظ المزي -رحمه الله تعالى- في الأطراف تحفة الأشراف، وفي تهذيب الكمال أيضاً، ثم الذهبي، ثم الحافظ ابن حجر ومن جاء بعدهم. المقصود أن الكتاب السادس مختلف فيه بين أهل العلم، وهذه الكتب الستة التي هي كتب أصول الإسلام التي قال عنها الحافظ السلفي -رحمه الله تعالى-: "أن الأمة تلقتهما بالقبول، واتفقوا على صحة أصولها"، أما بالنسبة للصحيحين فلا خلاف في صحة ما جاء فيهما، قد تلقتهما الأمة بالقبول، واتفقوا على العمل بما جاء فيهما، وما عداهما إطلاق الصحة عليه فيه نظر، كقول الحافظ أبي طاهر آنف الذكر، ومنهم من أطلق على سنن النسائي الصحيح، وأطلق أيضاً على سنن أبي داود الصحيح بمفرده، وقيل في جامع الترمذي الجامع الصحيح، وعلى كل حال فهذا تساهل ممن أطلقه، ولهذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

ومن عليها أطلق الصحيحا ... فقد أتى تساهلاً صريحا لا شك أن إطلاق الصحيح على ما عدا الصحيحين فيه تساهل؛ لأن فيها الصحيح والحسن والضعيف، ومثله أيضاً إطلاق الحسن عليها، كاصطلاح البغوي في (مصابيح السنة)، حيث قسم الكتاب إلى قسمين: إلى الصحاح والحسان، يرى أن الصحاح ما رواه الشيخان، والحسان ما رواه أهل السنن، وهذا الكلام لا شك أنه مردود؛ لأن في السنن غير الحسن من الصحيح والضعيف، ولهذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: والبغوي إذ قسم المصابحا ... إلى الصحاح والحسان جانحا أن الحسان ما رووه في السنن ... رُد عليه إذ بها غير الحسن الكتب الأربعة فيها غير الحسن، فيها الصحيح وهو كثير، وفيها الحسن وهو كثير جداً أيضاً، وهي من مظانه، وفيها أيضاً الضعيف، فيها أيضاً شديد الضعف، وفي بعضها لا سيما آخرها وهو ابن ماجه ما قيل بوضعه. قد يقول قائل: لماذا لم يجعل الأئمة مسند الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في الكتب الستة؟ لا سيما وأن شرط الإمام أحمد في مسنده قوي جداً، ولا يقل عن شرط أبي داود، إن لم يكن أعلى منه وأرفع، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وكما هو واقع الكتاب؟ أولاً: رتبة المسانيد كمسند الإمام أحمد، ومسند الطيالسي، ومسند أبي يعلى، وغيرها من المسانيد اصطلح الأئمة على جعلها في المرتبة دون السنن، والسبب في ذلكم أن المؤلف في السنن يترجم بأحكامٍ شرعية، فيقول في الترجمة: باب وجوب كذا، باب تحريم كذا، باب ما جاء في الرخصة بكذا .. الخ، فالذي يترجم بحكمٍ شرعي، والأحكام إنما يتطلب فيها أقوى ما يجده الإنسان، لا شك أنه سوف ينتقي أقوى ما عنده من المرويات، بخلاف من يترجم باسم راوٍ من الرواة، صحابي من الصحابة كما يفعله أصحاب المسانيد، فيترجم باسم أبي بكر، وباسم عمر -رضي الله عنهما-، وبغيرهما من الصحابة، ثم يسوق ما وقف عليه من مرويات هذا الصحابي، وحينئذٍ لا يلزمه الانتقاء؛ لأنه لا يستدل بما رواه على حكمٍ شرعي، كما يصنعه صاحب السنن، بل يثبت ما وصل إليه من الأحاديث من طريق ذلك الصحابي، ولذا يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: ودونها في رتبة –يعني دون السنن-.

أول الكتب الستة (صحيح البخاري):

ودونها في رتبةٍ ما جُعلا ... على المسانيد فيدعى الجفلا المؤلف في المسانيد يدعو الأحاديث الجفلا من غير نظر إلى أي شرط، يقول: كمسند الطيالسي وأحمدا ... وعده للدارمي اُنتقدا ذكر أمثلة على المسانيد بادئاً بمسند الإمام أحمد (كمسند الطيالسي وأحمدا) مسند أبي داود الطيالسي؛ لأنه قبل الإمام أحمد -أعني أبا داود-، هذا إن كان المسند من صنيعه، وإن كان من صنيع من روى عنه، وهو يونس بن حبيب فلا ينبغي أن يقدم على مسند الإمام أحمد، (وعده للدارمي انتقدا) (وعده) الضمير يعود على من؟ أين الذين يحفظون الألفية؟ (وعده للدارمي انتقدا) أين؟ طالب: ابن الصلاح. نعم، ابن الصلاح؛ لأن الضمير إذا جاء لمفرد فهو يعود إلى ابن الصلاح. وحيث جاء الفعل والضميرُ ... لواحدٍ ومن له مستورُ كقال أو أطلقت لفظ الشيخ ما ... أريد إلا ابن الصلاح مبهما (وعده للدارمي انتقدا) ابن الصلاح عدّ الدارمي في المسانيد، ولا شك أنهم انتقدوا عليه إن كان يريد بذلك الموجود المتداول؛ لأنه ليس على ترتيب المسانيد، وإنما هو على الأبواب كالسنن، كالجوامع، هو على الأبواب، فهو محل انتقاد، وإن كان ابن الصلاح يقصد المسند للدارمي غير السنن الذي أشار إليه الخطيب وغيره في ترجمته فلا انتقاد عليه، نعم يطلق المسند على غير المألوف، أعني الكتاب المرتب على أسماء الصحابة، وهو الكتاب الذي رويت فيه الأحاديث بالأسانيد كصحيح البخاري مثلاً، سماه مؤلفه (الجامع الصحيح المسند)؛ لأنه ذكرت فيه الأحاديث بالأسانيد، من هذا الباب تصح تسمية سنن الدارمي مسنداًً، إلا أنه لا يقصد هذا؛ لأنه عده في المسانيد المرتبة على أسماء الصحابة، فلا يرد هذا الجواب. أول الكتب الستة (صحيح البخاري): أول هذه الكتب وأعلاها وأغلاها، وهو أصح ما جمعه البشر على الإطلاق، أصح كتابٍ بعد كتاب الله -سبحانه وتعالى- صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وهو المرجح عند جماهير العلماء، وإن زعم أبو علي النيسابوري أنه لا يوجد تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم، وفضل بعض المغاربة صحيح مسلم على صحيح البخاري لكنه قول مرجوح. أول من صنف في الصحيحِ ... محمد وخصّ بالترجيحِ

أشهر شروح صحيح البخاري:

ومسلم بعد وبعض الغرب معْ ... أبي عليٍ فضلوا ذا لو نفعْ إذا تقرر هذا فأول هذه الكتب الستة صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وهو مقدم على غيره من الكتب لصحة أحاديثه وقوة أسانيده وعلوها ودقة استنباطه، فلا يضاهيه كتاب، ولا يقاربه مصنف، ولذا كثرت العناية به، من قبل أهل العلم، فأحصيتُ من شروحه أكثر من ثمانين شرحاً، والذي فاتني من ذلك أضعاف، والعلم عند الله -سبحانه وتعالى-، وهو حري بذلك وجدير وخليق به، ولا غرو أن تهتم الأمة بسنة نبيها -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها هي المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، أكثر من ثمانين شرح لصحيح البخاري، قد يقول قائل: لماذا كل هذه العناية؟ يذهب العجب حينما نعرف أن على تفسير البيضاوي أكثر من مائة وعشرين حاشية، تفسير البيضاوي، وهو من تفاسير الخلف، ليس من التفاسير التي يعتمد عليها أهل العلم، ومع ذلكم عليه أكثر من مائة وعشرين حاشية، منها التام ومنها الناقص، المقصود أنه عني بها أهل العلم عنايةً فائقة، وفي بعض الجهات يكاد لا يعرف غيره. أشهر شروح صحيح البخاري: نذكر هنا أشهر الشروح على صحيح الإمام البخاري فأولها: (أعلام الحديث أو أعلام السنن) لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي وسوف نفصل الكلام في هذا الكتاب.

من الشروح أيضاً شرح أبي جعفر أحمد بن سعيد الداودي، وهذا شرح معروف متداول ينقل عنه أهل العلم كثيراً، وأيضاً شرح المهلب بن أبي صفرة ينقل عنه الشراح كالحافظ والعيني والقسطلاني وغيرهم، وشرح أبي الحسن علي بن خلف المالكي المعروف بابن بطال، شرح أبي حفص عمر بن الحسن بن عمر الأشبيلي، شرح أبي القاسم أحمد بن عمر التيمي، قال القسطلاني: "وهذا واسع جداً"، وشرح عبد الواحد بن التين السفاقسي، ولزين الدين ابن المنير شرح ينقل عنه الشراح ووصف بأنه في نحو عشر مجلدات، وشرح قطب الدين عبد الكريم الحلبي، وشرح مغلطاي التركي، وإن قال عنه الكرماني في شرحه: "إنه بتتميم الأطراف أشبه، وبصحف تصحيح التعليقات أمثل، وكأنه من إخلائه من مقاصد الكتاب على ضمان، ومن شرح ألفاظه وتوضيح معانيه على أمان" هذا وصف الكرماني لشرح مغلطاي، ولا شك أن الكتاب عليه انتقادات وملاحظات، وفيه قصور، لكنه أيضاً شرح من الشروح، ومن ذلكم بل من الشروح المشهورة شرح الكرماني، وسيأتي الحديث عنه مفصلاً -إن شاء الله تعالى-، وشرح سراج الدين ابن الملقن، وشرح شمس الدين البرماوي، وهذا الشرح غالبه مأخوذ من الكرماني ومقدمة فتح الباري، شرح برهان الدين الحلبي اسمه (التلقيح لفهم قارئ الجامع الصحيح) وشرح الحافظ شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر المشهور بـ (فتح الباري) وهو معروف، يأتي تفصيل القول فيه -إن شاء الله تعالى-، وشرح بدر الدين محمود بن أحمد العيني المسمى (عمدة القاري) ونذكره -إن شاء الله تعالى- بعد ذلك، شرح مواضع منه بدر الدين الزركشي، شرحه أيضاً بدر الدين الدماميني، ولجلال الدين السيوطي تعليق لطيف اسمه (التوشيح على الجامع الصحيح) السيوطي له حواشي على الكتب الستة، وهي مختصرة جداً، البخاري في مجلد، مسلم في مجلد، إلى آخر الكتب الستة، شروح مختصرة جداً يغني عنها غيرها، وهذه الشروح المختصرة مختصرة، اختصرها أحد المغاربة، وهذه المختصرات للكتب الستة كلها مطبوعة، النووي -رحمه الله تعالى- شرح قطعةً من الصحيح، من أوله إلى آخر كتاب الإيمان، وكذلك الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- شرح قطعةً من أوله أيضاً، وللحافظ زين الدين بن رجب الحنبلي شرح من أول الكتاب

شرح الفيروز أبادي (منح الباري في شرح البخاري):

إلى الجنائز في كتابٍ أسماه (فتح الباري) ابن حجر موافق له؛ لأن ابن رجب متقدم عليه. شرح الفيروز أبادي (منح الباري في شرح البخاري):

وممن شرحه مجد الدين الفيروز أبادي صاحب القاموس، سمى شرحه (منح الباري في شرح البخاري) كمل ربع العبادات منه في عشرين مجلداً، وعلى هذا لو كمل يمكن يصير خمسين أو ستين مجلداً، قال التقي الفاسي: "لكنه يعني الفيروز أبادي ملأه بغرائب المنقولات لا سيما لما اشتهر باليمن مقالة ابن عربي -يعني في وحدة الوجود، القول بوحدة الوجود- وغلب ذلك على علماء تلك البلاد، وصار يدخل في شرحه من فتوحاته -يعني الفتوحات المكية لابن عربي- الكثير، ما كان سبباً لشين شرحه عند الطاعنين فيه"، والمجد الفيروز أبادي لا يقول بهذه المقالة كما هو معروف؛ لكنه من أجل أن يروج الكتاب نقل عن ابن عربي هذه المقالة، وأشان كتابه بما نقله من الفصوص والفتوحات من أجل رواج الكتاب؛ لأن هذه المقالة اشتهرت وانتشرت في اليمن، واعتنقها كثير من الناس، كما يفعله من يصنّف في أي بلاد من البلدان الذي اشتهر فيها مذهب من المذاهب، من أجل أن يروج الكتاب يذكر ما لا يراه، المذاهب التي لا يعتد بها في الإجماع والخلاف مثل مذاهب الشيعة والزيدية، منهم الهادوية، كتب الصنعاني والشوكاني وغيرهم من أهل تلك النواحي مملوءة بهذه المذاهب، وإن كان لا يعتمد بأربابها وأصحابها، لكن لما كان غالب سكان اليمن في زمن الصنعاني من الهادوية شهر أقوالهم وذكرها من أجل أن يروج الكتاب، وقد يكون الأمر بالعكس فقد يطوى بعض الشيء وإن كانت الحاجة إليه قائمة وماسة من أجل رواج الكتاب، كما فعل ابن أبي العز لشرح الطحاوية في نقوله الكثيرة عن شيخ الإسلام وابن القيم -رحمهما الله تعالى- من أجل أن يروج الكتاب، نقل كثيراً من كتب شيخ الإسلام بل اعتمد عليه اعتماداً كلياً في غالب مباحثه، وعلى تلميذه ابن القيم، ولم يذكر ولم يصرح باسمهما من أجل أن يروج الكتاب، فهذا لا شك أنه فيه نوع من التماس المصلحة فلا مانع من أن يكنى عن الشخص أو ينسب أو يعمى أو لا يذكر اسمه إذا خشي على الكتاب من عدم الرواج، وإن كان فيه شبه مما يسمى في مصطلح الحديث بتدليس الشيوخ؛ لكن مثل هذا لا يترتب عليه عمل، ولا حكم من الأحكام فلا مانع من أن ينسب الكتاب إلى شخصٍ لا يكون في نسبته إليه كذب، كثير من كتب شيخ الإسلام محمد

بن عبد الوهاب التي وزعت في الأقطار يقال: تأليف محمد بن سليمان التميمي، سليمان جده، مفتي نجد قبله، سليمان بن علي، فعلى كل حال ما فعله وما صنعه المجد الفيروز أبادي لا مبرر له، وإن اشتهرت هذه المقالة لأن هذه المقالة أمرها خطير وعظيم، تفوق مصلحة رواج الكتاب، يعني لو لم يؤلف الكتاب أصلاً، الناس ليسوا بحاجةٍ إليه، نعم قد يكون فيه فوائد لكن ضرره أكثر من نفعه، وحينئذٍ إذا كان الكتاب بهذه المثابة يحذر عنه، بخلاف ما إذا كان نفعه أكثر من الضرر المترتب عليه، كما هو مع الأسف الشديد غالب التفاسير التي يعتمد عليها المتأخرون، وغالب شروح الحديث على ما سيأتي عند الكلام على شرح الخطابي. يقول ابن حجر أنه رأى القطعة التي كملت في حياة مؤلفه -يعني الفيروز أبادي- قد أكلتها الأرضة بكمالها، هذه العشرين المجلدة أكلتها الأرضة من الأول إلى الأخير، بحيث لا يقدر على قراءة شيءٍ منها، فلله الحمد والمنة، أكلتها الأرضة وانتهى الإشكال. ممن شرح الصحيح زكريا الأنصاري وشرحه مطبوع، والمعاصرون لهم شروح مطولة ومختصرة من ذلكم (لامع الدراري) للشيخ رشيد أحمد الكنكوهي هذا هندي، وأيضاً (فيض الباري) لمحمد أنور الكشميري، فيهما فوائد وفيهما لطائف ولفتات، ولا تخلو أيضاً من مؤاخذات وملاحظات، (فيض الباري) هذا لأنور الكشميري وصف الشيخ محمد بن عبد الوهاب بما لا يليق به. وعلى كل حال الشروح كثيرة واستقصاؤها قد يكون فيه شيء من الطول، والوقت قصير وكانت النية أن نخصص كل يوم لكتاب، لشرح من الشروح، لكن الظاهر أن هذا غير متيسر؛ لأن شروح البخاري كثيرة ومهمة، وفيها نفائس وفوائد لا يستغنى عنها، وسوف نتكلم على ستةٍ منها فقط: الخطابي، الكرماني، ابن رجب، ابن حجر، العيني، القسطلاني، وكل واحد من هذه الكتب يحتاج إلى مدةٍ طويلة لإظهار فضله واستخراج كنوزه ونفائسه، وإن كانت الطريقة المثلى في هذا قراءة الكتاب كاملاً؛ لأنه ليس الخبر كالعيان، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، أو ما يقدر عليه.

شرح الخطابي (أعلام السنن):

هذه الشروح الستة هي أهم شروح البخاري في الجملة، وإن كانت متفاوتة، وفيها كلام طويل يحتاج إلى ... ، وأنا أتصور أن لو فتح الباري فقط خصص له أسبوع لما كفى، لكن مثلما ذكرت نقتصر على أهم المهمات ولعل البخاري وشروحه يكفيه اليوم مع الغد، وإن احتجنا إلى شيءٍ من يوم الاثنين، وإلا هو مخصص لصحيح مسلم -إن شاء الله تعالى-. شرح الخطابي (أعلام السنن): فأولاً: أعلام الحديث، أو أعلام السنن، نعم شهرة الكتاب بأعلام السنن، وإن كان المحقق رجح من خلال النسخ الخطية أعلام الحديث أعلام السنن لأبي سليمان حمد كذا ضبطه (حمد) سماه أهله حمد كما يقول عن نفسه، وإن قال كثير من الناس أنه أحمد، وليس محرك الميم كما هو الاستعمال الشائع الآن (حَمَد) لا، هو (حَمْد) ولذا يقول الحافظ العراقي في تعريف الحسن: والحسن المعروف مخرجاً وقد ... اشتهرت رجاله بذاك حد حَمْد وقال الترمذي: ما سلم ... من الشُّذوذِ معَ رَاوٍ ما اتُّهِمْ حَمْد –يعني الخطابي- بذاك حد، وقال الترمذي ما سلم .. الخ.

المقصود أن ضبطه (حَمْد) أبو سليمان حَمْد ابن محمد بن إبراهيم الخطابي نسبةً إلى زيد بن خطاب البستي الشافعي المتوفى سنة ثمانٍ وثمانين وثلاثمائة، هذا الكتاب مختصر جداً، يقول عنه القسطلاني: "هو شرح لطيف فيه نكت لطيفة، ولطائف شريفة"، واعتنى الإمام محمد التيمي بشرح ما لم يذكره الخطابي مع التنبيه على أوهامه، الكتاب يعتبره مؤلفه مكملاً لكتابه معالم السنن؛ لأنه صنف معالم السنن لشرح سنن أبي داود قبل أعلام السنن أو أعلام الحديث، فجعل أعلام الحديث أو أعلام السنن مكملاً لما ذكره في معالم السنن، يقول في المقدمة: "وقد تأملت المشكل من أحاديث هذا الكتاب فوجدت بعضها قد وقع ذكره في معالم السنن مع الشرح له والإشباع في تفسيره، فرأيت الأصوب أن أخليها من ذكر بعض ما تقدم شرحه، وبيانه هناك متوخياً الإيجاز فيه مع إضافة إليه ما عسى أن يتيسر في بعض تلك الأحاديث من تجديد فائدة، وتوكيد معنىً زيادةً على ما في ذلك الكتاب ليكون عوضاً عن الفائت وجبراً للناقص منه"، يقول: "ثم إني أشرح بمشيئة الله الكلام في سائر الأحاديث التي لم يقع ذكرها في معالم السنن"، نعم في البخاري أحاديث زائدة على ما في سنن أبي داود والعكس عند أبي داود من الأحاديث ما ليس في الصحيح، "ثم إني أشرح بمشيئة الله الكلام في سائر الأحاديث التي يقع ذكرها في معالم السنن، وأوفيها حقها من الشرح والبيان، فأما ما كان فيها من غريب الألفاظ اللغوية فإني أقتصر من تفسيره على القدر الذي تقع به الكفاية في معارف أهل الحديث الذين هم أهل هذا العلم، وحملته دون الإمعان فيه والاستقصاء له على مذاهب أهل اللغة من ذكر الاشتقاق والاستشهاد بالنظائر ونحوها من البيان لئلا يطول الكتاب.

لا شك أن شرح الخطابي بهذه الصفة كما وصفه مؤلفه يذكر الغريب على وجهٍ موجز خشية أن يطول الكتاب، يقول: "ومن طلب ذلك وجد العلة فيه مراضةً بكتاب أبي عبيد ومن نحا نحوه في تفسير غريب الحديث"، يعني من أراد الاستقصاء في شرح الغريب –غريب ما يقع في الصحيح- فعليه بغريب أبي عبيد، غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام، وهو من الأئمة الثقاة المعروفين المشهورين في الغريب في اللغة وفي الحديث أيضاً، إمام أبو عبيد القاسم بن سلام إمام من أئمة المسلمين، وهو موثوق في نقله، وهو أيضاً سليم من حيث اعتقاده، فكتابه من أنفس الكتب، كتب الغريب أُلف فيه من معاصريه ألف أبو عبيدة معمر بن مثنى لكنه دونه في الثقة والمرتبة، وأيضاً غريب الحديث للنضر بن شميل، والفائق في غريب الحديث للزمخشري، والدلائل لقاسم بن ثابت، وكتب الغريب كثيرة جداً كما ذكرت، ومن أراد أن يقتصر على كتابٍ واحد في الغريب فعليه بكتاب ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، لكن من أراد أن يجمع فهذه أشهر كتب الغريب، في غريب الحديث للخطابي أيضاً صاحب هذا الكتاب، وغريب الحديث لابن الجوزي، مجموعة من أهل العلم صنفوا في غريب الحديث. شرحه للأحاديث متفاوت، شرح الخطابي للأحاديث متفاوت طولاً وإيجازاً حسب أهمية الحديث وما يستنبط منه، وحسب غموض ألفاظه ووضوحها، فمثلاً: حديث (الدين النصيحة) شرحه في سبع صفحات، وحديث ابن مسعود في تخول النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بالموعظة شرحه بأربعة أسطر، تفاوت، لكن يرى أن ذلك الحديث مهم، والحاجة إلى إيضاحه وبيانه قائمة بخلاف حديث التخول بالموعظة؛ لأنه واضح ولا يحتاج إلى إطالة، المؤلف الخطابي شافعي المذهب، يرجح في الغالب مذهب الإمام الشافعي، قد يرجح غيره إذا كان الدليل لا يحتمل التأويل لا سيما إذا كان القول الثاني له وجه عند الشافعية. الكتاب أعني البخاري –صحيح البخاري- بالنسبة للخطابي مروي من طريق إبراهيم بن معقل النسفي إلا أحاديث من آخره فرواها من طريق الفربري، رواية النسفي في الكتاب تنتهي في صفحة (1795) من الجزء الثالث.

مسائل الاعتقاد في الكتاب فيها خلط، وفيها أيضاً خبط عجيب، سلك فيه مسلك الخلف في التأويل، وفي نفي الصفات، في صفحة (529) من الجزء الأول قال: "فالذي يجب علينا وعلى كل مسلم أن نعلم أن ربنا -عز وجل- ليس بذي صورة ولا هيأة، فإن الصورة تقتضي الكيفية، وهي عن الله وعن صفاته منفية، قد يتأول معناها على وجهين فذكرهما" سلك مسلك التأويل في كثير من الصفات، أوّل صفة (الضحك) بما لا يتلائم مع مذهب السلف كما في صفحة (1365و1367و1368) من الجزء الثاني، وفي الجزء الثالث قرر أن الأسماء والصفات لا تثبت، وضع قاعدة، قرر أن الأسماء والصفات لا تثبت إلا بكتاب ناطق، لا بد أن يكون دليلها من القرآن، أو خبر مقطوع بصحته، فإن لم يكونا فيما يثبت من أخبار الآحاد المستندة إلى أصلٍ، فإن لم يكونا يعني إن لم يكن نص من القرآن أو من الخبر المقطوع بصحته ويقصد بذلك المتواتر، يقول: إن لم يوجد من القرآن أو من المتواتر فبما يثبت من أخبار الآحاد المستندة إلى أصلٍ في الكتاب أو في السنة المقطوع بصحتها، أو بموافقة معانيها، يعني أن الأسماء والصفات لا تثبت إلا بالنصوص القطعية، ويقصد بذلك الآيات والأحاديث المتواترة، أما أحاديث الآحاد وأخبار الآحاد وهي عنده لا تفيد إلا الظن فلا تثبت بها العقائد، ومنها الأسماء والصفات، يقول: وما كان بخلاف ذلك فالتوقف عن إطلاق الاسم به هو الواجب، ويتأول حينئذٍ على ما يليق بمعاني الأصول المتفق عليها من أقاويل أهل الدين والعلم مع نفي التشبيه فيه، يقول: هذا هو الأصل الذي نبني عليه الكلام، ونعتمده في هذا الباب، يقول -لأن الكلام بمناسبة حديث الأصابع- يقول: "وذكر الأصابع لم يوجد في شيءٍ من الكتاب ولا من السنة التي من شرطها في الثبوت ما وصفناه" يعني ثبوتها ليس بقطعي وإن كانت في صحيح البخاري، هذا القول يقول به كثير من المتأخرين الذين يسمون الخلف، وهم بإسكان اللام أحرى، في صفحة (2238) تأول صفة (الفرح) بالرضا بالتوبة وقبولها، يقول: "والفرح الذي تعارفه الناس في نعوت بني آدم غير جائز على الله -عز وجل-" نعم، الفرح الذي يشبه فرح المخلوق لا يقال به بالنسبة لله -سبحانه وتعالى-، وإنما يثبت الفرح على ما يليق

بجلاله وعظمته كما هو معروف من منهج أهل السنة والجماعة. التردد، قوله سبحانه: ((ما ترددت في شيء ... )) هذا في الحديث الصحيح –حديث قدسي- صفحة (2259) قال: "التردد في صفة الله -عز وجل- غير جائز"، ثم تأوله على وجهين فذكرهما، هذا منهجه في تقرير مسائل الاعتقاد في هذا الكتاب، وفي معالم السنن أيضاً، لكن الذي نقل عنه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في الجزء الخامس صفحة (58 و59) بواسطة رسالته في الغنية عن الكلام وأهله، نقل عنه شيخ الإسلام ما يخالف هذا الكلام، ولعله رجع عن مسلكه السابق. يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- نقلاً عن الخطابي: يقول: "فأما ما سألت عنه من الصفات، وما جاء منها في الكتاب والسنة فإن مذهب السلف إثباتها وإجرائها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين فخرجوا بذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، وإنما القصد في سلوك الطريق المستقيم بين الأمرين، ودين الله تعالى بين الغالي والجافي والمقصر عنه، والأصل في هذا –كلام نفيس- والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات -هذا كلام الخطابي- ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوماً أن إثبات الباري –سبحانه- إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجودٍ لا إثبات تحديدٍ وتكييف، فإذا قلنا: يد وسمع وبصر، وما أشبهها، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولسنا نقول: أن معنى اليد القوة أو النعمة، ولا معنى السمع والبصر العلم، ولا نقول: أنها جوارح ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إن القول إنما وجب بإثبات الصفات؛ لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها؛ لأن الله ليس كمثله شيء، وعلى هذا جرى قول السلف في أحاديث الصفات" هذا كله كلام الخطابي مما نقله عنه شيخ الإسلام.

شرح النووي لصحيح البخاري:

فنقول: لعل الإمام الخطابي -رحمة الله عليه- رجع عن قوله في مسائل الأسماء والصفات إلى هذا، ولذا نقله شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- مقرراً له، ولا يخفى عليه -رحمه الله- ما سطره في كتبه الأخرى، يقول في الغنية عن الكلام وأهله، كتاب اسمه (الغنية عن الكلام وأهله) للخطابي ما أعرفه وجوده. أقول: مثل هذا الكلام الذي نقلناه عن الخطابي في الأسماء والصفات والتأويل هو موجود مع الأسف الشديد في غالب الشروح، إذ لا يسلم منها إلا القليل النادر، وحبذا لو انبرى لهذه الكتب من التفاسير والشروح من يوثق بعلمه وعقيدته وفهمه وعلق عليها تعليقات تكون مختصرةًً نافعة، كما فعل شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في تعليقه على أوائل فتح الباري، تعليقات نفيسة بأسطر قليلة جعل الله -سبحانه وتعالى- فيها من البركة ما جعلها تدور في الأقطار، وتصحح كثيراً من المفاهيم، الكتاب حتى فتح الباري على ما سيأتي الحديث عنه لم يسلم من نقل أقوال المأولة في الصفات، ومع ذلك ينقل أقوال السلف وينقل أقوال غيرهم ويسكت ولا يرجح، المقصود أن مثل هذه الأقوال تحتاج إلى تعليق لطيف يبين الحق في هذه المسائل. هناك من الكتب ما يسلم -وإن كان قليلاً- من هذه الملاحظات كشرح الحافظ بن رجب -رحمه الله تعالى-؛ لكنه لم يكمل كما سيأتي الحديث عنه -إن شاء الله تعالى-. شرح النووي لصحيح البخاري:

نظراً لضيق الوقت نعرض بسرعة للقطعة التي شرحها النووي من الصحيح، شرع أبو زكريا يحيى بن شرف النووي في شرح الصحيح؛ لكن المنية اخترمته قبل أن يقطع فيه شوطاً كبيراً، فلم يشرح من الصحيح سوى بدء الوحي وكتاب الإيمان فقط، وهو شرح كما وصفه مؤلفه بأنه متوسط بين المختصرات والمبسوطات، لا من المختصرات المخلات، ولا من المبسوطات المملات، يقول: "ولولا ضعف الهمم، وقلة الراغبين في المبسوط لبلغت به ما يزيد على مائة من المجلدات" الكلام صحيح، العمر ينتهي قبل أن يقرأ الإنسان الشروح التي كتبت على الصحيح فضلاً عن أن ينتقي منها ما يراه مناسباً، ويستطرد في الشرح ويذكر كل ما يحتاج إليه من فوائد البخاري، يقول: "ولولا ضعف الهمم وقلة الراغبين في المبسوط لبلغت به ما يزيد على مائة من المجلدات مع اجتناب التكرير والزيادات العاطلات، بل ذلك لكثرة فوائده، وعظم عوائده الخفيات والبارزات". ابتدأ النووي -رحمه الله تعالى- شرحه بمقدمة ذكر فيها أهمية علم الحديث، ومنزلة الإمام البخاري وصحيحه ورواته، وذكر فيها أيضاً سبب تصنيفه، ثم ذكر فهرساً لكتب الصحيح وعدد أحاديث كل كتاب، ثم ذكر فصلاً عن أبي الفضل بن طاهر في طبقات من روى عنهم البخاري، ثم ذكر أسانيده إلى الإمام البخاري ثم أشار إلى بعض المسائل الاصطلاحية، يعني ذكر طبقات من روى عنهم الإمام البخاري مهم جداً، حينما تعرف أن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- روى عن المكي بن إبراهيم بدون واسطة، وهذا غالب الثلاثيات من طريقه، ثلاثيات الصحيح من طريق المكي ابن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع، أعلى ما في الصحيح، حينما تنظر في الصحيح تجد البخاري روى عن المكي بن إبراهيم بدون واسطة، تجده في موضعٍ آخر روى عن المكي ابن إبراهيم بواسطة ثلاثة أشخاص، فإذا عرفت طبقات الرواة سلمت من توهّم سقوط راوٍ أو أكثر حينما يروي عن مثل المكي ابن إبراهيم بدون واسطة، ويروي عنه في مواضع بواسطة، فعلمك بهذه الطبقات يجنبك مثل هذا الوهم، ختم المقدمة بضبط جملةٍ من الأسماء المتكررة في الصحيحين من المشتبه.

يمتاز شرح النووي -رحمه الله تعالى- بالإطالة في تراجم الرواة، يترجم لرواة الأحاديث، ويطيل فيها إطالةً نسبية بالنسبة إلى الشروح الأخرى فيذكر سيرهم وما يستحسن ويستطرف من أخبارهم، ولا شك أن في هذا فائدة للقارئ وتنشيط لهمته والأخبار في الجملة محببة إلى النفوس، فيكون فيها متعة واستجمام من جهة، لكن هذه الإطالة في تراجم الرواة صارت على حساب معاني الأحاديث، وما يستنبط منه من أحكام وآداب وفوائد، فمثلاً الحديث الرابع، استغرق عند النووي صفحات جلها في تراجم الرواة من (66) إلى صفحة (70) من الشرح من (66) إلى (70) بدأ بشرح الحديث الرابع، ترجم لابن عباس في صفحة ونصف، بعده سعيد بن جبير في صفحة .. الخ، ثم في منتصف صفحة (70) منتصف الصفحة الأخيرة فصل في معنى الحديث: قول ابن عباس -رضي الله عنهما- .. الخ، منتصف الصفحة الأخيرة هو بيت القصيد، نعم تراجم الرواة مهمة لكنها في مثل هذا الكتاب الذي التزم مؤلفه الصحة، وانتقى من الرواة أعلاهم، ومن رواياتهم أثبتها، تكون فائدة التراجم أقل؛ لأن للتراجم كتب مستقلة، لكن بيت القصيد معاني الحديث، ألفاظه وما يستنبط منه من أحكام وآداب، النووي -رحمه الله تعالى- قصر في هذا الجانب، شرحه لذيذ وممتع لكنه في هذا الجانب فيه قصور، ووصفه بأنه شرح مختصر، والنووي كما يلاحظ من كتبه يعتني بالتراجم لا سيما بتراجم من عرف بالزهد والعبادة فيذكر تراجم هؤلاء بإسهاب، ويذكر من أخبارهم ما يستلذ ويستطاب، تنشيطاً لهمم القراء، وإشادةً وإفاءً لبعض حقوق هؤلاء؛ لأنه هو -رحمه الله- من هذا النوع، صاحب علم وأيضاً عبادة وزهد وورع، وهو مشهور بذلك، وبهذا يكون الوقت تمت الساعة المتفق عليها، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: الأسئلة المطلوبة الإجابة عليها كثيرة، لكن نقتصر منها بما له صلة بموضوع هذه الدروس. يقول: يتميز صحيح البخاري بكثرة الروايات، وبعض الروايات تزيد وبعضها تنقص، فهل تبينون لنا روايات البخاري لا سيما الروايات التي عليها الشروح المشهورة؟

أما بالنسبة لروايات الصحيح، كما أشار الأخ كثيرة، قد روى الصحيح عن مؤلفه ما يقارب التسعين ألفاً من الرواة، لكن الروايات التي اتصلت بالأسانيد إلى وقتنا معروفة ومحصورة، ولعل من أشهرها وأوفاها رواية أبي ذر التي اعتمد عليها الحافظ ابن حجر في شرحه، ومن الروايات ما اعتمده الخطابي وأشرنا إليه بالأمس رواية إبراهيم بن معقل النسفي، من الروايات المشهورة أيضاً رواية حماد بن شاكر، وهي تنقص قليلاً عن رواية أبي ذر، والروايات كثيرة، والله المستعان، لكن أوفى الروايات رواية أبي ذر، وهي أشهر الروايات وأتقنها، والحافظ اليونيني -رحمه الله تعالى- اعتنى بهذه الروايات، وقابل بينها، ورمز لكل رواية بحرف، وأثبت فروق هذه الروايات، على هامش نسخته بدقة وإتقان، ومن أراد صورة ما كتبه اليونيني وأتقنه وحرره وهذا الكلام سابق لأوانه فعليه بإرشاد الساري للقسطلاني، الذي يعتني بذكر جميع الفروق، سواء ترتب على هذه الفروق فائدة أو لم يترتب عليه فائدة، بخلاف الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- فقد اعتمد على رواية أبي ذر فقط، وأشار إلى ما عداها عند الحاجة، فلم يستقصي جميع الروايات، ولم يذكر جميع الفروق، إنما أشار إلى ما يحتاج إليه. يقول: أسماء الطبعات الجيدة والمحققة لكتب الشروح حيث لا يخفى عليكم انتشار الكتب التجارية؟.

هذه الشروح الكبيرة في نشرها وطباعتها والعناية بها ما يحتاج إلى نيّةٍ خالصة؛ لأن مجرد قصد التجارة لا يوفي هذه الكتب حقها؛ لأنه إذا كان النشر بنية التجارة فقط فالناشر يحاول أن يسدد ويقارب فلا يمضي فيها وقتاً يخسر فيه من جهةٍ أخرى، وإن كسب سمعةً وشهرة؛ لكن تأخير الطبع الذي يقتضيه أو تقتضيه العناية يكلفه أشياء من أشياء مادية أخرى، على كل حال الشروح أما بالنسبة لشرح الخطابي فهو لم يطبع إلا مرة واحدة، وهو بتحقيقٍٍ جيد لا بأس به في رسالة دكتوراة، وشرح النووي القطعة التي شرحها النووي طبعت مرة واحدة في المطبعة المنيرية، وهي طبعة جيدة ولم يعد طبعه بعد، بعد ذلكم الشروح التي يتحدث عنها فيما بعد تذكر طبعاتها أثناء الحديث عنها، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- نقل عن الخطابي ما ذكرناه عنه في كتاب الغنية عن الكلام وأهله في مجموع الفتاوى في الجزء السادس صفحة (59 و60 أو 58 و59) بهذا الحدود. طالب:. . . . . . . . . يمكن الخامس، نعم الخامس، هو موجود عندي، مدون حتى على الفتاوى نفسها. يقول: هل هناك شرح (مختصر البخاري) للزبيدي، وشرح (مختصر مسلم) للمنذري مطبوع موجود في السوق الآن؟ نعم، هناك شروح للمختصرات، منها شرح الشرقاوي المسمى (فتح المبدي) على الزبيدي، أقول: هذا الكلام وكانت النية أن نتحدث عن هذه المختصرات وشروحها، لكن أتصور أن الوقت لا يكفي، مناسبة هذا السؤال نقول باختصار: الزبيدي له مختصر جيد لصحيح البخاري وعليه شروح منها (فتح المبدي) للشرقاوي، وهو شرح تحليلي جيد في الجملة إلا أنه لا يسلم من المخالفات، فمما قاله في كتاب الطلاق: "وقال ابن تيمية التابع للروافض والخوارج"، هذه تنبئ عن شيء، لا يسلم الكتاب من مخالفات، لكنه يحلل الكتاب تحليلاً لفظياً، أنفس منه بالنسبة لمختصر الزبيدي شرح الشيخ صديق حسن خان واسمه (عون الباري) هذا شرح نفيس وجيد، ويستفيد منه طالب العلم الذي لا يحتاج إلى ما في البخاري من تكرار وأسانيد، شرح صديق مأخوذ في الجملة -في جملته- من إرشاد الساري، ويتميز شرح صديق بنقده للقسطلاني فيما يخالف فيه من مسائل الاعتقاد، وهذه ميزة يمكن أن يستفاد منه فيها.

مختصر صحيح مسلم للمنذري له أيضاً شرح للشيخ صديق حسن خان اسمه (السراج الوهاج) طبع قديماً بالهند ثم صور وطبع أخيراً في قطر، هو شرح جيد نفيس فيه مباحث لا توجد في شروح مسلم. يقول: عندما يريد الطالب المبتدي في دراسة شروح الكتب الستة فما هي الكتب التي تراها مناسبة لدراستها؟ سواء شروح البخاري أو غيره من الكتب الستة؟ حقيقةً شرح الكرماني الذي نتحدث عنه الآن مناسبة للبداية إلا أنه لكثرة المخالفات فيه سواء كانت مما يتعلق بالكتاب نفسه المشروح أو في المسائل الحديثية عموماً أو في مسائل الاعتقاد لا ينبغي للمبتدئ أن يقرأ فيه، لكن طالب العلم المتوسط ينصح به، لكن أولى ما يبدئ به بالنسبة لصحيح البخاري شرح الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-، أما البدء بفتح الباري، كما قال السائل: بحر لا ساحل له، صحيح، والحديث عنه طويل ولعلنا نبدأ في الحديث عنه في نهاية الدرس إن أمكن، الفتح بحر كما قيل، وله مختصرات سيأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى-، لكن ما يمنع أن يستفاد منه ويراجع عند الحاجة، أما بداءة طالب العلم المبتدئ فيه فلا أراها، لأنه كتاب طويل، وفيه مباحث قد يصعب عليه فهمها، فلا يؤمن أن يترك الطالب؛ لأن أول ما يقدم للطفل بعد الفطام الأشياء الخفيفة، السهلة الهضم، أما أن يؤتى له بلحم جملٍ كبير وهو بعد الفطام مباشرة هذا ما يناسبه، فتح الباري كتاب نفيس ومملوء بالفوائد ومشحون بالفرائد في جميع الفنون إلا أنه بالنسبة للصغار قد يحملهم على ترك القراءة، فالطالب في بداية الأمر ينبغي أن يبدأ بالأسهل ثم الأسهل ثم يترقى بعد ذلك، يبدأ بالأسهل ثم يترقى، فلو قرأ قبل فتح الباري شرح النووي على مسلم، على ما سيأتي الحديث عنه -إن شاء الله- مع ما فيه من المخالفات إلا أنه شرح نفيس لا يستغني عنه طالب العلم. يقول: هل يحسن بمن قرأ اختصار علوم الحديث وكرره ينتقل إلى ألفية العراقي مع شرحها؟

شرح الزركشي لصحيح البخاري (التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح):

نعم إذا بدأ الطالب بالنخبة ثم قرأ في اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، ما يلزم أن يقرأ لابن الصلاح حواشيه، له أن يحفظ ألفية العراقي ويراجع شروحها، وإن قرأها على شيخٍ معتبر معتمد في هذا الباب فهو أفضل وأجود، منزلة (الموقظة) بين كتب المصطلح منزلة لا بأس بها إلا أنها غير شاملة لجميع أبوابه، ومؤلفها وإن كان إماماً في الصنعة إلا أنه لم يرتب الترتيب الذي اعتمده المتأخرون ترتيباً منطقياً بحيث يبني الأبواب على بعضها، طريقة الزبيدي في اختصاره حذف المكرر واختصار الأسانيد. يقول: هل من الأفضل بالنسبة للمبتدئ أن يقرأ في كتاب الجمع بين الصحيحين للشامي قبل البدء بالقراءة في الصحيحين نفسيهما؟ لا، إذا قرأ المتون وتدرج فيها قرأ الأربعين ثم العمدة ثم البلوغ، وقرأها قراءة بحث وتنقيب، وحفظها إن أمكن، ترقى إلى الأصول مباشرة، يبدأ في البخاري ثم مسلم، وأما كون هذه الكتب فيها المكرر، وفيها الأسانيد، هذه هي زينتها، لا شك أن التكرار مما يعين على الحفظ، يعين على الاستنباط؛ لأن في كل طريق، وفي بعض الطرق ما ليس في بعض، ما يعين على الفهم؛ لأن أحياناً الإمام البخاري يختصر الحديث في موضع بحيث يستغلق على القارئ، فإذا اطلع عليه في الموضع الآخر والثاني والثالث إلى آخر المواضع ينجلي له، فالأفضل أن يقرأ في الأصول. والأسئلة ما تنتهي. يقول: أنا اقتراحي لو يبدأ الدرس في الساعة الرابعة والنصف مثلاً يعني يقدم نصف ساعة؟ على كل حال اقتراح جيد، لكن لو قدمنا نصف ساعة الكتب هذه ما ينتهي الحديث عنها بحيث لو خصص هذا الأسبوع لكتابٍ واحد ما أتصور أن نوفيه حقه، وأكثر الإخوان الذين يحضرون إما طلبة أو موظفين فيشق عليهم البداءة المبكرة، الساعة الخامسة مناسبة بحيث يصلي كل شخص في حيه ثم يحضر بعد ذلك على راحته. شرح الزركشي لصحيح البخاري (التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح):

بعد هذا نبدأ بالشرح الثالث وهو شرح الزركشي، شرح الزركشي اسمه (التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح) مؤلفه الشيخ محمد بن عبد الله بدر الدين الزركشي الشافعي المتوفى سنة أربعة وتسعين وسبعمائة، الشرح ناقص لم يكمل، وصل فيه مؤلفه إلى آخر باب الشروط في الوقف، ومع ذلكم مختصر جداً، هذا نصف الشرح، يعني ثلاثة أجزاء في مجلد واحد نصف الشرح، ولولا أن المتن مطبوع بحرف كبير لجاء الشرح كله بهذا الحجم، قصد مؤلفه فيه كما ذكر في مقدمته: إلى إيضاح ما وقف في الصحيح من لفظٍ غريب أو إعرابٍ غامض أو نسب عويص، أو راوٍ يخشى في اسمه التصحيف، أو خبرٍ ناقص تعلم تتمته، أو مبهم تعلم حقيقته، أو أمرٍ وهم فيه، أو كلام مستغلق يمكن تلافيه، أو تبيين مطابقة الحديث للتبويب، والمشاكلة على وجه التقريب، يقول: "منتخباً من الأقوال أصحها وأحسنها، ومن المعاني أوضحها وأبينها، مع إيجاز العبارة والرمز بالإشارة، فإن الإكثار داعية الملال، وذلك لما رأيت من ناشئة العصر حين قرأته من التقليد للنسخ المصححة، ربما لا يوقفون لحقيقة اللفظ فضلاً عن معناه، وربما يتخرص خواصهم فيه، ويتبجح بما يظنه ويبديه، وربما لو أن المنصف لو كشف عما أشكل لا يجد ما يحصل الغرض إلا ملفقاً من تآليف، أو مفرقاً من تصانيف، وأرجو أن هذا الإملاء يريح من تعب المراجعة والكشف والمطالعة مع زيادة فوائد تحقيق المقاصد، ثم يقول: ويكاد يستغني به اللبيب عن الشروح؛ لأن أكثر الحديث ظاهر لا يحتاج إلى بيان، وإنما يشرح ما يشكل"، يقول: "وسميته بـ (التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح) ومن أراد استيفاء طرق الشرح على الحقيقة فعليه بالكتاب المسمى بـ (الفصيح في شرح الجامع الصحيح) أعان الله على إكماله".

(فتح الباري شرح صحيح البخاري) لابن رجب:

هذا (التنقيح) مختصر جداً، وهو بالألغاز أشبه، يكتب على الحديث سطر أو سطرين، أحياناً يكتب ثلاثة لا تروي غليلاً ولا تشفي عليلاً، عليه نكت من الحافظ ابن حجر، وعليه أيضاً نكت أخرى للقاضي محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي الحنبلي، وأما (الفصيح) الذي ذكره فذكر القسطلاني أنه رأى منه قطعة بخط مؤلفه، هذا التنقيح المختصر للزركشي، وإن زعم صاحبه أنه يكاد يستغني به اللبيب عن الشروح؛ لأن أكثر الحديث ظاهر لا يحتاج إلى بيان، وإنما يشرح ما يشكل فهو كلام صحيح بحد ذاته، الذي يقرأ في صحيح البخاري من أوله إلى آخره بغض النظر عن مناسبة الحديث للترجمة، وهو متوسط الفهم، متوسط التحصيل يخرج بفائدة طيبة، كثير منه لا يشكل، يعني إذا استثنينا المناسبة بين الحديث والترجمة التي هي قد عجز الفحول عن استنباطها، إذا استثنينا الرابط بين الحديث والترجمة وبعض الألفاظ المشكلة، طالب العلم متوسط التحصيل متوسط الذكاء يخرج بفائدة كبيرة بمجرد قراءة المتن، هذا الكلام صحيح لكن الشروح المطولة التي يرى الشارح هذا أنه يمكن أن يستغني بكتابه عنها الوافية لا يمكن أن يستغني عنها طالب العلم أبداً؛ لأنها تولد فيه ملكة يتمكن بواسطتها من محاكاة العلماء في الاستنباط من النصوص وكيفية معالجتها من جميع النواحي، وبهذا يتفتّق ذهن الطالب، تجتمع له العلوم في كتابٍ واحد، فالمطولات كالروضات ينتقل فيها الطالب من فنٍ إلى آخر، ففيها ما يتعلق بالقرآن وعلومه، والحديث وفنونه، ومذاهب العلماء والآداب والفوائد المستنبطة من الحديث من قربٍ أو بعد. على كل الشروح المطولة لا يمكن أن يستغنى عنها، وكم من حديث بحث عنه في عشرة شروح، ولم يصل الباحث فيه إلى حلٍ يشفي، وكم من آية روجع عليها والقرآن بأفصح عبارة، وأوضح بيان، روجع على بعض الآيات التفاسير الكثيرة، ومع ذلكم يبقى الإشكال، وإن كان الإشكال نسبياً بين شخصٍ إلى آخر، فالمطولات سواء كانت من كتب التفسير أو الشروح لا يمكن أن يستغنى عنها بحال. (فتح الباري شرح صحيح البخاري) لابن رجب:

من الشروح المهمة فتح الباري شرح صحيح البخاري للإمام الحافظ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب البغدادي الحنبلي نزيل دمشق المتوفى سنة خمسٍ وتسعين وسبعمائة، بعد الزركشي بسنة، وهو شرح لم يكمل وصل فيه مؤلفه إلى كتاب الجنائز، وهذا القدر الذي أتمه الحافظ ابن رجب -رحمه الله- من عجائب الدهر، ولو قدّر تمامه لاستغنى به طالب العلم عن غيره لا سيما ما يتعلق بنقل أقوال السلف وفهمهم للنصوص، عناية الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- بأقوال السلف، بينما عناية أكثر الشرح بنقل أقوال المتأخرين، وهذه ميزة للحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-؛ لأن فهم السلف للنصوص أولى ما يعتمد، وأجدر ما يعتنى به من غيره، الكتاب مملوء –مشحون- بالفوائد الحديثية والفقهية واللغوية، ففي الجانب الحديثي يعتني الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- بعلل الأحاديث، عنايةً فائقة ويستطرد في ذكر الاختلاف على الرواة سالكاً في الترجيح طريقة المتقدمين في العمل بالقرائن من غير نظرٍ إلى الأحكام المطردة، وبالمناسبة تكثر الدعوة إلى محاكاة المتقدمين في طريقتهم، ونبذ قواعد المتأخرين، كثرت الدعوة هذه وسبقتها سنين الدعوة إلى نبذ كتب الفقه وتقليد الأئمة إلى الأخذ من النصوص مباشرة، هذا الكلام صحيح لا إشكال فيه إلا أنه لا ينبغي أن يلقى على جميع طبقات المتعلمين؛ لأن المبتدئ في العلم سواء كان في علم الحديث أو في الفقه، المبتدئ حكمه حكم العامي، عليه أن يقلد أهل العلم {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(7) سورة الأنبياء] فالذي ليست لديه أهلية النظر في النصوص والموازنة بينها لا يمكن أن يستنبط من الكتاب والسنة، إنما عليه أن يقلد أهل العلم، يتفقه على مذهب ثم بعد ذلك ينظر في هذه المسائل التي حصلها من هذا المذهب، ينظر فيها واحدةً بعد الأخرى، موازنة بين أقوال الأئمة وأدلتهم، والخلوص إلى الراجح من أقوالهم، مثله أيضاً ما يتعلق بالأحاديث من حيث التصحيح والتضعيف، الأصل في هذا كلام المتقدمين بلا شك، والمتأخرون إنما قبسوا من أنواع المتقدمين، فلولا المتقدمون ما صار للمتأخرين شيء، إنما المتأخرون حاولوا أن يضبطوا القواعد

وينظروا المسائل ليسهل فهمها وحفظها على الطلبة ليتعلموا ويتمرنوا عليها، فإذا تأهلوا وصارت لديهم أهلية النظر في أقوال المتقدمين عليهم أن يقتدوا بهم ويسلكوا مسلكهم، وإلا إذا قلنا للطالب المبتدئ: عليك بتقليد المتقدمين وانبذ قواعد المتأخرين، ثم وقف على حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) الإمام أحمد له رأي، الإمام البخاري له رأي، أبو حاتم له رأي، الدارقطني له رأي، يقلد مَن مِن المتقدمين؟ يتبع مَن مِن المتقدمين؟ أحكام المتقدمين مبنية على القرائن، لا يحكمون بأحكامٍ عامة مطردة، الإمام البخاري حكم بوصل حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) بناءً على القرائن التي قامت وأدت إلى ترجيح الوصل على الإرسال، غيره حكم بالإرسال؛ لأن من أرسله كما يقول الحافظ العراقي كالجبل شعبة وسفيان، متى يصل الطالب المبتدئ إلى الحكم بالقرائن؟ هذا دونه خرط القتاد، حتى يتأهل، إذا تأهل هو المطلوب، يعني تقليد الرجال في الدين أمر غير مرغوب فيه، نعم هو فرض العوام وأشباه العوام، لكن طالب العلم المتأهل عليه أن يربى بنفسه عن هذا. على كل هذه لفتة يسيرة فالحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- عنايته بتعليل الأحاديث، والترجيح بين اختلاف الرواة بالقرائن على طريقة المتقدمين، وهو أهل لذلك، بل هو من أئمة هذا الشأن، ومن مقعديه ومنظريه، ويعتني أيضاً بفروق الروايات بين رواة الجامع الصحيح، وينبه عليها، لا سيما ما يترتب على ذكره فائدة، وقد وقفت على ألفاظٍ نبه عليها الحافظ ابن رجب اختلفت فيها الرواة مما فات اليونيني رغم عنايته بالصحيح ورغم إتقانه لرواياته، وبهذا يمتاز شرح الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-، يُعنى الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- بتخريج الأحاديث من المصادر الحديثية المختلفة، الصحاح والمسانيد والأجزاء والفوائد والمستخرجات والمشيخات والفوائد وغيرها.

يُعنى أيضاً بذكر مذاهب أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من فقهاء الأمصار مع الاستدلال والترجيح من غير تعصبٍ لمذهب، مع أنه حنبلي المذهب، والكتاب -أعني فتح الباري للحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- من مصادر ابن حجر، فقد اطلع عليه الحافظ ابن حجر، ونقل منه مصرحاً باسم مؤلفه في موضعين، في الجزء الأول صفحة (176) وفي الجزء الحادي عشر صفحة (340).

الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- يعتني بالمسائل الأصولية كثيراً، ويحرر المسائل الشائكة في هذا الباب فمثلاً في الجزء الثاني صفحة (69) يقول: "والأمر بعد الحظر يعيد الأمر إلى ما كان عليه عند كثيرٍ من الفقهاء" نعم المشهور عند جمع من أهل العلم أن الأمر بعد الحظر للإباحة، لكن المحقق عند أهل العلم أنه يعيد الأمر إلى ما كان، أو يعيد الحكم إلى ما كان عليه قبل الحظر، في صفحة (210) وهذه من الدقائق، يقول في حديث: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) والكلام في هذه اللفظة كثير لأهل العلم، وتخصيص التيمم بالتراب أو تعميمه بجميع ما على وجه الأرض مسألة طويلة الذيول، شائكة المباحث عند أهل العلم، فهذه اللفظة: ((وجعلت تربتها)) لا شك أن الحديث من الخصائص، ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) هذا من الخصائص، وأحاديث الخصائص يرى ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- وبقوله يقول ابن حجر: أن أحاديث الخصائص لا تحتمل التخصيص، يعني إن جاءت عامة فلا تحتمل التخصيص، وإن جاءت مطلقة لا تحتمل التقييد؛ لأن هذه الخصائص إنما جاءت تشريفاً للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وتخصيص الخصائص تقليل لهذا التشريف، ولذا لا مانع عند ابن عبد البر أن يصلي الشخص في المقبرة، وإن ورد المنع منها؛ لأن حديث: ((جعلت لي الأرض مسجدا ًوطهوراً)) والأرض يشمل الأرض بجميع أجزائها بما في ذلك المقبرة، ولو قلنا: بالتخصيص فأخرجنا المقبرة قللنا هذا التخصيص وهو من الخصائص التي لا تقبل التخصيص عنده، فالتخصيص تقليل لهذه الخصائص، لا شك أن شرف النبي -عليه الصلاة والسلام- وشرف أمته بسببه، وبركة اتباعه -عليه الصلاة والسلام- أمر معلوم من الدين بالضرورة، هو أشرف الخلق على الإطلاق، نعم إذا تعارض حقه -عليه الصلاة والسلام- مع حق غيره قدم حقه -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا تعارض حقه -عليه الصلاة والسلام- مع حق الله -سبحانه وتعالى-، لا شك أن المقدم هو حق الله -سبحانه وتعالى-، والمنع من الصلاة في المقبرة حماية لجناب التوحيد فهو من حق الله -سبحانه وتعالى-، وعلى هذا يكون التخصيص هو الوجيه في مثل هذه المسألة.

يقول -رحمه الله تعالى- في هذه اللفظة: ((جعلت تربتها)) وقد ظن بعضهم أن هذا من باب المطلق والمقيد وهو غلط، وإنما هو من باب تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، وهو لا يقتضي التخصيص عند الجمهور، إيش معنى هذا الكلام؟ عندنا: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) مع حديث: ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) هل الأرض ذات أفراد والتراب فرد من أفرادها؟ فيكون من باب الخاص والعام، أو الأرض ذات أوصاف والتراب وصف من أوصافها فيكون من باب الإطلاق والتقييد؟ وما الذي يترتب على القولين؟ إذا قلنا: أنه من باب الإطلاق والتقييد، والمطلق يحمل على المقيد لا سيما في مثل هذه الصورة حينما يتفق المطلق مع المقيد في الحكم والسبب لا شك أنه يحمل المطلق على المقيد، نقل بعضهم الإتفاق على ذلك، إذا اتفقا في الحكم والسبب بخلاف ما إذا اختلفا في الحكم والسبب أو في السبب دون الحكم أو العكس، فالصور أربع، لكن هنا الحكم والسبب متفق، فإذا قلنا: أنه من باب الإطلاق والتقييد وقلنا: أن الأرض ذات أوصاف والتربة وصف من أوصافها قلنا: يحمل المطلق على المقيد للاتفاق في الحكم والسبب، فإذا قلنا: بحمل المطلق على المقيد قلنا: أنه لا يجوز التيمم إلا بالتراب، وهو مقتضى قول الحنابلة فلا يجوز التيمم إلا بالتراب، وإذا قلنا: أن الأرض ذات أفراد والتراب فرد من أفرادها قلنا: أنه من باب الخاص والعام، قد يقول قائل: الخاص مقدم على العام، فيكون مثل التقييد والإطلاق، نقول: لا، الخاص إذا ذكر بحكمٍ مخالف لحكم العام يخصص به العام، لكن إذا كان الخاص مذكوراً بحكمٍ موافق لحكم العام فإنه حينئذٍ لا يخصص به ...

مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (2)

مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (2) الشيخ/ عبد الكريم الخضير {نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ} [(163) سورة النساء] يعني نوح داخل في النبيين، هذا من ذكر العام بعد الخاص للاهتمام بشأن نوح والعناية به، وعكسه أيضاً وهو وارد النصوص كثيراً، المقصود أن الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- يعتني بمثل هذه المسائل الأصولية، مما يجعله كتاباً نفيساً ينبغي أن يعض عليه بالنواجذ، إذا اقترن بذلك خلوه من المخالفات العقدية، استطرد في ذلك قال: "وهو لا يقتضي التخصيص عند الجمهور، خلافاً لما حكي عن أبي ثور، إلا أن يكون له مفهوم، فيبنى على تخصيص العموم بالمفهوم، والتراب والتربة لقب واللقب مختلف في ثبوت المفهوم له" لا شك أن مفهوم اللقب لا يعتد به عند جماهير العلماء؛ لأن القول به له لوازم باطلة، كما هو معروف، الأمثلة على ذلك كثيرة والفوائد لا يمكن حصرها بالنسبة لهذا الكتاب، لكن مما يستطرف أنه قال في صفحة (11) في حديث ذكره قال: "أول من اتخذ الكعب العالي نساء بني إسرائيل يتطاولن بها في المساجد، ليس باللفظ، لكن هو ذكر عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: "إنما سلطت الحيضة على نساء بني إسرائيل؛ لأنهن كن اتخذن أرجلاً من خشب يتطاولن بها في المساجد"، فعلى هذا استعمال هذا الكعب العالي سنة بني إسرائيل.

شرح الكرماني (الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري):

أيضاً المفاضلة بين الشافعي وأحمد وابن قتيبة والخطابي في غريب الحديث لفتة من الحافظ ابن رجب -رحمه الله- يقول: إذا اختلف مثلاً الشافعي وأحمد في جهة، إذا كان الشافعي وأحمد في جهة وابن قتيبة والخطابي في جهةٍ أخرى مثلاً، يقول: "وقد نص على ذلك الشافعي وأحمد وهما أعلم بالسنة واللغة وبألفاظ الحديث ورواياته من مثل ابن قتيبة والخطابي ومن حذا حذوهما ممن يفسر اللفظ بمحتملات اللغة البعيدة"، نعم اللفظة الواحدة يكون لها معاني في اللغة كثيرة، فقد ينتقي مثل ابن قتيبة والخطابي معنىً من المعاني ينزع به ويرجحه فيظن أنه هو المراد في الحديث أو في الآية، لكن إذا وجد من يجمع بين اللغة وبين الفن المخصوص كالسنة مثلاً لا شك أن اختيار الإمام أحمد لبعض الألفاظ دون بعض، أو الإمام الشافعي لما تحتمله اللغة من معاني لا شك أنه يكون أرجح مما يختاره الذي علمه خاص باللغة. محمد بن سلام شيخ الإمام البخاري يقول: الصواب بالتشديد معروف عند أهل المصطلح قاطبةً أن كل ما جاء في الصحيحين من سلام فهو بالتشديد إلا خمسة، فذكروا منهم هذا أنه بالتخفيف، ذكروا منهم محمد بن سلام وعبد الله والد عبد الله بن سلام قالوا: أنهما بالتخفيف ومعهم ثلاثة، لكن ابن رجب -رحمه الله تعالى-يصوب التشديد، وله فيه مصنف في رسالةٍ خاصة. يقول: "لا يجوز تفسير الحديث إلا بما قاله أئمة العلماء الذين تلقوا العلم عمن قبلهم" .. إلى غير ذلك من الفوائد التي لا يمكن استيفاؤها واستقصاؤها، والكتاب مطبوع في عشرة أجزاء في إحدى طبعتيه، والأخرى في سبعة، والطبعة الثانية، طبعة المجموعة ثمانية أشخاص قاموا بتحقيقه طبعة جيدة لا بأس بها، الطبعة الأخرى طبعة طارق عوض الله أنا ما اطلعت عليها، إنما رأيتها لكن لم أعتنِ بها لسبق هذه فقرأتها كلها هذه، وعرفت قيمتها، وأنها جيدة في الجملة، وإن كان طارق عوض الله له يد في هذا الشأن، وهو من أهل التحري في التحقيق. شرح الكرماني (الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري):

بعد هذا شرح الكرماني، مؤلفه شمس الدين محمد بن يوسف بن علي الكرماني المتوفى سنة ستٍ وثمانين وسبعمائة، سماه كما نص على ذلك في نهاية المقدمة (الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري) الكرماني بكسر الكاف، وإن كان الدارج على ألسنة الكثير، وقاله النووي وغيره أنه بفتح الكاف الكَرماني، لكن الكِرماني نفسه ضبطها بكسر الكاف، ولما ورد ذكر كِرمان في الجزء التاسع صفحة (159) قال: "كرمان بكسر الكاف، وقال النووي: بفتحها، أقول: هو بلدنا وأهل البلد أعلم ببلدهم من غيرهم، وهم متفقون على كسرها"، وفي الجزء الرابع والعشرين صفحة (205) قال: "المشهور عند المحدثين بفتح الكاف، لكن أهلها يقولون: بالكسر، وأهل مكة أدرى بشعابها". على كلٍ شرح الكرماني شرح متوسط ليس بالطويل مثل فتح الباري وعمدة القاري ولا بمختصر مثل شرح الخطابي، شرح متوسط مشهور بالقول يعني يأتي باللفظة المراد شرحها فيقول: قوله، وهو جامع لفرائد الفوائد، وزوائد الفرائد، افتتحه بمقدمةٍ أشاد فيها بعلم الحديث وأهله، وأن صحيح البخاري أجلّ الكتب الصحيحة نقلاً وروايةً وفهماً ودراية، وأكثرها تعديلاً وتصحيحاً وضبطاً وتنقيحاً واستنباطاً واحتياطاً، قال: وفي الجملة هو أصح الكتب المؤلفة فيه على الإطلاق.

ثم تحدث باختصار عن الشروح السابقة كابن بطال والخطابي ومغلطاي، ثم ذكر منهجه في كتابه، وأنه يشرح المفردات، الألفاظ غير الواضحة، ويوجه الإعرابات النحوية غير اللائحة، يتعرض لبيان خواص التراكيب بحسب علوم البلاغة، ثم يذكر ما يستفاد وما يتعلق بالحديث من المسائل الكلامية على حد زعمه، ثم يذكر ما يتعلق بأصول الفقه من الخاص والعام والمجمل والمبين وأنواع الأقيسة، ثم يذكر ما يتعلق بالمسائل الفقهية والمباحث الفروعية، ثم يذكر ما يتعلق بالآداب والدقائق، ثم ما يتعلق بعلوم الحديث واصطلاحات المحدثين، ثم يذكر اختلاف النسخ، فيرجح بعضها على بعض ثم يتعرض لأسماء الرجال، ثم يوضح الملتبس ويكشف المشتبه، ويبين المختلف والمؤتلف من الأسماء والأنساب وغيرها، ثم بعد ذلك يؤلف بين الأحاديث المتعارضة حسب الظاهر، ثم يبين مناسبة الأحاديث التي في كل باب، ثم بعد ذلكم ذكر في المقدمة رواة الصحيح كالسرخسي والكشميهني وأبي ذر الهروي وترجم لهم، ثم ترجم للإمام البخاري ترجمةً متوسطة، ثم ختم المقدمة بموضوع علم الحديث وحده، وعدد كتب الجامع وأحاديثه.

الكتاب لا شك أنه جيد ومفيد في الجملة، واشتمل على غالب ما يحتاج قارئ الصحيح بأسلوبٍ واضح شيق، يهتم بالرواة فيذكر اسم الراوي كاملاً وما يستطرف من أخباره بإيجاز، يعني الشرح لا شك أنه ممتع، يذكر من أخبار الرواة ما يستطرف بإيجاز ليس مثل انتقاء وانتخاب النووي لا، لكنه فيه طرافة، ينبه على لطائف الأسانيد كالعلو والنزول وأوطان الرواة وصيغ الأداء وغير ذلك، يقول الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: "هو شرح مفيد على أوهامٍ فيه في النقل؛ لأنه لم يأخذه إلا من الصحف"، يقول العيني بعد أن تعقب الكرماني في الجزء الأول صفحة (101) قال: "وهذا إنما نشأ منه لعدم تحريره في النقل، واعتماده من هذا الفن على العقل"، ولا شك أن الكتاب عمدة لمن جاء بعده من الشراح، لا تكاد تخلو صفحة واحدة من فتح الباري أو عمدة القاري أو إرشاد الساري من نقل عن هذا الكتاب، الكتاب عمدة بالنسبة لمن جاء بعد الكرماني، الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- نقل عنه كثيراً في مئات المواضع، وتعقبه أيضاً في كثير من المواطن، وأوهام الكرماني نبه عليها الحافظ لا سيما ما يتعلق بعلم الحديث وما يتعلق بالصحيح نفسه، لكنه لم يتعقبه فيما يتعلق بالعقيدة؛ لأن الحافظ أيضاً منتقد في هذا الباب على ما سيأتي، من انتقادات الحافظ، يقول الحافظ -رحمه الله تعالى- في الجزء الأول صفحة (57): "الكرماني كعادته بحسب التجويز العقلي جوز أن يكون تعليقاً أو معطوفاً على قتادة فيكون شعبة رواه عن حسين عن قتادة إلى غير ذلك مما ينفر عنه من مارس شيئاً من علم الإسناد" نعم هذا كلام الحافظ بعد أن نقل عن الكرماني وتعقبه بهذا.

في الفتح أيضاً في الجزء الأول صفحة (79 و80) قال: "هذا تعقب مردود" ثم بيّن وجه رده، وفي صفحة (82) قال: "هذا ليس بطائل" ثم ذكر علة قوله، وفي الفتح صفحة (193) من الجزء الأول قال: "هذا مردود لأن سليمان بن حرب لا رواية له عن إسماعيل أصلاً لا لهذا الحديث ولا لغيره"، لكن أكثر الهفوات أو كثير منها وقع من الكرماني في الربط بين الحديث والترجمة، وقد تهجّم الكرماني على البخاري في مواضع، الكرماني في الجزء الثاني صفحة (183) يقول: "البخاري لا يراعي حسن الترتيب، وجملة قصده إنما هو في نقل الحديث وما يتعلق بتصحيحه لا غير ونعم المقصد"، البخاري لا يراعي حسن الترتيب، وجملة قصده إنما هو في نقل الحديث وما يتعلق بتصحيحه لا غير ونعم المقصد.

يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "العجب من دعوى الكرماني أن البخاري لا يقصد تحسين الترتيب بين الأبواب مع أنه لا يعرف لأحدٍ من المصنفين على الأبواب من اعتنى بذلك غيره، حتى قال جمع من الأئمة: فقه البخاري في تراجمه"، هناك هفوة من الكرماني، قال في الجزء العاشر صفحة (183) يقصد كلام الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يقول: "لا يخفى ما في هذا التركيب من التعجرف"، يقول الحافظ في الجزء الرابع صفحة (485): "التعجرف من عدم فهم المراد"، إذا قصر الفهم ولم يعترف صاحبه بالقصور نشأ عنه مشاكل، حينما يقصر فهم الكرماني عن إدراك الرابط بين الحديث والترجمة يقول: لا يحسن ترتيب الأبواب، أو يقول: هذا تعجرف؟ لا شك أن سببه القصور، وقد أبدى العلماء من المناسبات ما يبهر العقول وألفت في تراجم البخاري الكتب المستقلة في بيان الرابط بين الحديث والترجمة في كل باب، وأحياناً في ذكر الرابط قد يخفى حتى على ابن حجر والعيني ومن جاء بعدهم، وأحياناً يقولون: المناسبة ظاهرة، وهي في الحقيقة ليست بظاهرة، وأخشى أن يكون هذا من التخلص، الشارح مع كل ما ذكر من هذه الملاحظات، وما قيل قبل ذلك من أن هذا الشرح نفيس، ولا يستغنى عنه، واعتمد عليه من جاء بعده من الشراح أيضاً الشارح في باب الاعتقاد جرى على طريقة الأشاعرة، ونكب عن طريقة السلف، قال في الحادي عشر صفحة (72): "إطلاق الغضب على الله تعالى من باب المجاز، إذ المراد لازمه، وهو إرادة إيصال العذاب"، وقال في الثاني عشر صفحة (123): "فإن قلت: ما معنى الضحك ها هنا؟ قلت: أمثال هذه الألفاظ إذا أطلقت على الله يراد بها لوازمها مجازاً، ولازم الضحك الرضا"، وقال في الجزء (22) صفحة (124): "والاعتراف بالصفات السبع التي هي الصفات الوجودية" ثم ذكرها، والصفات السبع المراد بها ما يثبته الأشاعرة من صفات الله -سبحانه وتعالى- وهي العلم والقدرة والإرادة والحياة والكلام والسمع والبصر.

أيضاً هو في توحيد العبادة عنده شيء من الخلل، يقول في الثاني والعشرين صفحة (149): "وقد كنت متشرفاً عند شرح هذا الباب بابتداء مجاورة قبره المبارك -يعني قبر ابن عباس- بالحرم المحرم بوج الطائف"، نقل عن الأشعرية في مواضع مقراً لأقوالهم ففي صفحة (197) من الجزء الأول وصفحة (88) من الجزء الثاني والعشرين، صفحة (106) من الجزء الرابع والعشرين يقول: "يجوز أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس ولا يرى ما حولها". على كلٍ الكلام في الكتاب كثير جداً، أيضاً من الناحية الاصطلاحية قرر أن شرط البخاري في صحيحه أن لا يروي إلا ما رواه اثنان عن اثنين .. إلى آخره، تابعاً في ذلك الحاكم فيما يفهم من كلامه والبيهقي وغيرهم، من العرب أيضاً زعموا أن شرط البخاري أنه لا يقبل رواية الواحد، بل لا بد من التعدد في الرواية؛ لكن لا شك أن هذا جهل بالكتاب الذي يشرحه، أول حديث في الصحيح من رواية فرد عن فرد عن فرد .. الخ، فيه أربع من طبقات، حديث (الأعمال بالنيات) تفرد به عمر -رضي الله عنه- في بروايته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم تفرد به عنه علقمة بن وقاص، ثم تفرد به عنه محمد بن إبراهيم التيمي، ثم تفرد به عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، ومثله آخر حديث في الصحيح، حديث: ((كلمتان خفيفتان على اللسان)) .. الخ، تفرد به أبو هريرة، وعنه أبو زرعة ابن عمرو بن جرير البجلي، وعنه عمارة بن القعقاع وعنه محمد بن فضيل، وعن محمد بن فضيل انتشر الحديث، كما أن الحديث الأول انتشر عن يحيى بن سعيد، المقصود أنهما من الغرائب التي لم يروها إلا الواحد عن الواحد، وهما كفيلان بالرد على من يزعم أن العدد شرط للصحة مطلقاً، أو شرط للبخاري في صحيحه، وغير ذلك من المسائل التي يمكن مناقشته فيها، ولو ذهبنا نستطرد ونذكر كلما لوحظ على الكتاب لطال بنا المقام جداً. ونقف على فتح الباري للحافظ ابن حجر ومعه أيضاً عمدة القاري مع ذكر ما بينهما من المناقشات الطويلة والردود، ثم نختم الكلام بالنسبة لما يتعلق بصحيح البخاري بإرشاد الساري غداً -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا السائل يقول: ما المقصود بقولكم: بالربط بين الحديث والترجمة؟ الرابط بين الحديث والترجمة المراد به المناسبة والعلاقة بين الحديث والترجمة، قد يكون الرابط بينهما والعلاقة واضحة، كقوله: "بعض قول الرجل: ما صلينا" فجاء في الحديث ما وقع في غزوة الخندق من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((وأنا والله ما صليتها)) هذه ظاهرة، علاقة ظاهرة، لكن مثل باب القسامة في الجاهلية، ثم ذكر تحت هذه الترجمة القصة التي ذكرها عمرو بن ميمون من أن قردةً في الجاهلية زنت فاجتمع عليها قردة فرجموها، القسامة في الجاهلية، الرابط لا يكاد يدرك في مثل هذا. يقول: ذكر أحد المختصين في علوم الحديث أن فتح الباري لابن رجب -رحمه الله تعالى- والمطبوع بتحقيق ثمانية من المحققين يوجد فيها سقط في عدة مواضع. نعم المطبوع من فتح الباري فيه سقط بلا شك، فيه خروم في أثنائه، اعتمدوا على نسخ وتتفق هذه النسخ على كثيرٍ من المواضع التي فيها الخروم، أما أنه يقول: يوجد فيها سقط في عدة مواضع مع العلم بأن المخطوط لا سقط فيه. هذا الكلام ليس بصحيح، جميع النسخ الموجودة الآن فيها خروم. موسوعة الأطراف لزغلول تحيل على الفتح، يقول: فما الرأي بطريقة زغلول بالإحالة عليه؟ أولاً: الفتح لنعرف كما سيأتي قريباً أنه ليس فيه متن، الحافظ لم يذكر المتن، والمتن المطبوع معه ملفق كما ستأتي الإشارة إليه -إن شاء الله تعالى-. يقول: يحتج بعض الأخوة عندما ينصحون بدراسة علم مصطلح الحديث بأنه من علوم الآلة لا من العلوم الأساسية التي يحتاجها الفرد؟ نعم، هو من الوسائل التي تخدم هذا العلم العظيم، فالهدف من مصطلح الحديث معرفة المقبول والمردود من السنة، ووسيلة إلى معرفة ما يقبل وما يرد من السن، لكن كيف نعرف المقبول لنعمل به والمردود لنجتنبه إلا بواسطة هذا العلم؟! فهو من أهم المهمات، يقاربه مصطلح أو قواعد التفسير أو أصول الفقه كذلك، كلها تخدم وإن كانت من علوم الآلة ومثلها علوم العربية بفروعها، إلا أنها مما يضطر إليه طالب العلم.

شرح ابن حجر (فتح الباري شرح صحيح البخاري):

يقول: الرجاء ذكر ما تميّز به كل شرح من شروح البخاري عن غيره، فمن المعلوم أن هناك من تميّز بضبط أسماء الرواة وآخر في الأحكام وآخر في جمع الطرق .. الخ؟ هذا هو المقصود من هذه المحاضرات ومن هذه الدروس، وما تقدم بُيّن ووضّح، الكتب التي عرضت سابقاً بيّن فيها ما يمتاز بها كل كتاب، وكذلك الكتب اللاحقة، واليوم عن ثلاثة كتب هي في الحقيقة أهم شروح البخاري، ولعل الوقت يسعف بإكمال الحديث عنها. شرح ابن حجر (فتح الباري شرح صحيح البخاري): فأولها: (فتح الباري شرح صحيح البخاري) للإمام الحافظ أبي الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، هذا الكتاب هو أعظم شروح البخاري، اللهم إلا أنه لو كمل شرح ابن رجب لكان منافساً له، يقع الكتاب في ثلاثة عشر مجلداً كباراً إضافةً إلى مقدمةً وافية في مجلد كبير أسماها مؤلفها (هدي الساري) المقدمة مرتبة على عشرة فصول. الأول: في بيان السبب الباعث على تنصيف البخاري لكتابه. والثاني: في بيان موضوعه والكشف عن مغزاه فيه، والكلام على تحقيق شرطه، وتقرير كونه من أصح الكتب المصنفة في الحديث، ويلتحق بذلك الكلام على تراجمه البديعة المنال، المنيعة المثال التي انفرد بتدقيقه فيها عن نظرائه، واشتهر بتحقيقه لها عن قرنائه. الثالث: في بيان الحكمة في تقطيعه للحديث واقتصاره وفائدة إعادته للحديث وتكراره. المعذرةً للإخوان يمكن يصير في السرد شيء من السرعة؛ لأن الكلام طويل، وهذه الكتب إن لم تكن هي بيت القصيد فهي من أهم المهمات. الرابع: في بيان السبب في إيراده الحديث أو الأحاديث المعلقة والآثار الموقوفة مع أنها تباين أصل موضوع الكتاب، نعم أصل موضوع الكتاب للأحاديث المرفوعة لا للآثار الموصولة، لا للمعلقة ولا المقطوعة، المقصود أن هذا أصل موضوع الكتاب؛ لكن أردف ما جاء في أصله بما أثبته تبعاً لذلك من الموقوفات والمعلقات. الخامس: في ضبط الغريب الواقع في متونه، مرتباً له على حروف المعجم بألخص عبارة وأخلص إشارة، لتسهل مراجعته ويخف تكراره. السادس: في ضبط الأسماء المشكلة التي فيه، وكذا الكنى والأنساب.

السابع: في تعريف شيوخه الذين أهمل نسبهم إذا كانت يكثر اشتراكها كمحمد، لا من يقل الاشتراك فيه كمسدد، وفيه الكلام على جميع ما فيه من مهملٍ ومبهمٍ على سياق الكتاب مختصراً. الثامن: في سياق الأحاديث التي انتقدها عليها حافظ عصره أبو الحسن الدارقطني، والجواب عنها حديثاً حديثاً وإيضاح أنه ليس فيها ما يخل بشرطه الذي حققناه. التاسع: في سياق جميع من طعن فيه من رجاله على ترتيب الحروف والجواب عن ذلك الطعن بطريق الإنصاف والعدل والاعتذار عن المصنف في التخريج لبعض من يقوى جانب القدح فيه، إما لكونه تجنب ما طعن فيه بسببه، وإما لكونه أخرج ما وافقه عليه من هو أقوى منه. العاشر: في سياق فهرسة الكتاب باباً باباً، وعدة ما في كل باب من الحديث، ومنه تظهر عدة أحاديثه بالمكرر أوردته تبعاً للنووي، أورده الحافظ تبعاً للنووي، والعيني أورده تبعاً للنووي، وكلهم يقولون: تبركاً به، ومعلوم ما في هذي الكلمة من المخالفة، يقول: ثم أضفت إليه مناسبة ذلك مما استفدته من شيخ الإسلام أبي حفصٍ البلقيني، ثم أردفته بسياق أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم كتابه من غير تكرير، ثم ختمت المقدمة بترجمةٍ كاشفة عن خصائص الإمام البخاري ومناقبه جامعةً لمآثره ليكون ذكره واسطة عقد نظامها، وسر مسك ختامها.

هذه الفصول العشرة التي اشتملت عليها مقدمة فتح الباري، ويمكن للطالب في الأسفار أن يقتصر على هذه المقدمة لطول الكتاب، فإذا قرأ في المتن ومرّ عليه اسم مهمل يحتاج إلى تمييز يرجع إلى هذه المقدمة، مر عليه حديث مقدوح فيه يرجع إلى هذه المقدمة، مرّ عليه راوٍ متكلم فيه يرجع إلى هذه المقدمة، فهي كالشرح المختصر أفردها الحافظ -رحمه الله تعالى- لأهمية مباحثها، ثم في آخر المقدمة ذكر الحافظ منهجه في شرح أحاديث الكتاب فقال: "أسوق الباب وحديثه أولاً"، يذكر الترجمة ثم يذكر الحديث، وهذا عدل عنه على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، يقول: "ثم أذكر وجه المناسبة بينهما إن كانت خفية، ثم أستخرج ما يتعلق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والإسنادية من تتماتٍ وزيادات وكشف غامضٍ وفصيح مدلسٍ بسماعٍ ومتابعة سامعٍ من شيخٍ اختلط قبل ذلك، منتزعاً ذلك كله من أمهات المسانيد والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك" يعني الحافظ إذا أورد حديثاً في الشرح وسكت عليه، ولم يتعقبه بضعف شرطه في ذلك الصحة أو الحسن، وسيأتي ما يخل بهذا الشرط، "ثالثاً: أصل ما انقطع من معلقاته وموقوفاته، وهناك تلتئم زوائد الفوائد وتنتظم شوارد الفرائد"، يقول: "أضبط ما يشكل من جميع ما تقدم أسماءً وأوصافاً مع إيضاح معاني الألفاظ اللغوية، تنبيه على النكت البيانية ونحو ذلك، أورد ما استفدته من كلام الأئمة مما استنبطوه من ذلك الخبر من الأحكام الفقهية والمواعظ الزهدية والآداب المرعية"، يقول: "مقتصر على الراجح من ذلك متحرياً للواضح دون المستغلق في تلك المسالك، مع الاعتناء بالجمع بينما ظاهره التعارض مع غيره، والتنصيص على المنسوخ بناسخه، والعام بمخصصه والمطلق بمقيده، والمجمل بمبينه، والظاهر بمؤوله، والإشارة إلى نكتٍ من القواعد الأصولية، ونبذ من فوائد العربية، ونخبٍ من الخلافات المذهبية، بحسب ما اتصل بي من كلام الأئمة، واتسع له فهمي من المقاصد المهمة، وأراعي في هذا الأسلوب -إن شاء الله تعالى- في كل باب، فإن تكرر المتن في بابٍ بعينه غير باب تقدم نبهت على حكمة التكرار، من غير إعادة له؛ إلا أن يتغاير لفظه

أو معناه فأنبه على المواضع المغايرة أو على الموضع المغاير خاصةً، فإن تكرر في بابٍ آخر اقتصرت فيه بعد الأول على المناسبة شارحاً لما لم يتقدم له ذكر، منبهاً على الموضع الذي تقدم بسط القول فيه"، يقول: "فإن كانت الدلالة لا تظهر في الباب المقدم إلا على بُعد غيرت هذا الاصطلاح بالاقتصار في الأول على المناسبة، وفي الثاني على سياق الأساليب المتعاقبة، مراعياً في جميعها مصلحة الاختصار، دون الهذر والإكثار، والله أسأل أن يمنّ عليّ بالعون على إكماله بكرمه ومنّه". هذا الكلام الذي سمعتموه مسروداً موجود حقيقةً في مقدمة فتح الباري؛ لكن هنا مسائل: الأولى: ما ذكره أولاً من سوق الحديث، معروف أنه عدل عنه، قد قال في مقدمة المجلد الأول في صفحة (5) يقول: "وقد كنت عزمت على أن أسوق حديث الباب بلفظه قبل شرحه، ثم رأيت ذلك مما يطول به الكتاب جداً" يعني لو تصورنا أن البخاري في أربعة مجلدات إضافةً إلى هذه الثلاثة عشر مجلداً يطول الكتاب بلا شك، على هذا البخاري -رحمه الله تعالى- أخلى الكتاب من المتن، بينما يشرح الحديث مباشرةً، قوله: باب كذا، يشرح الترجمة ثم قوله يشرح الحديث لفظةً لفظة.

الذي رقّم الكتاب وخدمه وطبعه -جزاهم الله خير- اجتهدوا، ففي التعليق على صفحة (5) قال المعلق محمد فؤاد عبد الباقي: "ونحن قد حققنا ذلك في هذه الطبعة، فسقنا حديث الباب بلفظه قبل شرحه، ليكون ذلك أعون على فهم الشرح والإلمام بمراميه"، أولاً: الحافظ -رحمه الله- عن قصد حذف الأحاديث، فإدخال الأحاديث في الكتاب في صلب الكتاب لا شك أنه تصرف في الكتاب وزيادة في الكتاب، قصد المؤلف حذفها، فهذا التصرف لا ينبغي، نعم لو جعلوه في حاشية، في أعلى الصفحة وفصلوا بينه وبين الشرح بخط لا بأس، يقول: ونحن قد حققنا ذلك -لو كانت أمنية للحافظ تقول: حققنا هذه الأمنية-، لكن الحافظ عدل عنها قصداً وليت الحافظ حققها بنفسه، لسلمنا من كثير من الاعتراضات الواردة على المتن الموجود في الشرح الذي تصرف الطابع وأدخله فيه، يقول: ونحن قد حققنا ذلك في هذه الطبعة فسقنا حديث الباب بلفظه قبل شرحه، ليكون ذلك أعون على فهم الشرح والإلمام بمراميه وأشرنا بالأرقام إلى أطراف كل حديث، وهي أجزاء متفرقة في مواضع أخرى من صحيح البخاري. أقول: وليته إذ تصرف على خلاف مراد المؤلف انتقى من روايات الصحيح ما اعتمده الحافظ في شرحه، وهي رواية أبي ذر الهروي، المتن المطبوع مع فتح الباري متن ملفق من روايات متعددة، لا يوافق رواية واحدة من الروايات، ليت هؤلاء الذين تصرفوا وأدخلوا الكتاب في هذا الشرح العظيم انتقوا من الروايات ما يناسب الشرح، ولذا يوجد في المتن المقحم من الألفاظ ما لا يوجد في الشرح والعكس، وهذا كثير جداً، كثيراً ما نجد الحافظ يقول: قوله: كذا، ثم يشرح، هذا اللفظ الذي شرحه الحافظ لا تجده في المتن المقحم، هذا كثير جداً.

ونقل عن القسطلاني بالنسبة لفتح الباري: يقول: شهرته وانفراده بما اشتمل عليه الفوائد الحديثية والنكات الأدبية، والفوائد الفقهية، تغني عن وصفه، لا سيما وقد امتاز بجمع طرق الحديث التي ربما يتبين من بعضها ترجيح أحد الاحتمالات شرحاً وإعراباً، وطريقته في الأحاديث المكررة أنه يشرح في كل موضعٍ ما يتعلق بمقصد البخاري من ذكره، ويحيل بباقي شرحه على مكان المشروح فيه، وهذه ميزة امتاز بها فتح الباري، يعني تجد الكتاب متناسب من أوله إلى آخره، يشرح آخر حديث في الكتاب بنفس الطريقة والمنهج الذي شرح فيه أول حديث في الكتاب، بخلاف غالب المؤلفين من الشراح والمفسرين وغيرهم، تجده في أول الكتاب يجلب بجميع ما عنده، ثم تفتر همته أو ينتهي ما عنده فيختصر ويوجز، هذا غالب الشروح هكذا، تأتي الإشارة إلى شيءٍ من هذا في عمدة القاري -إن شاء الله تعالى-. كان الحافظ -رحمه الله تعالى- يتمنى ويود أن لو تتبع الإحالات التي تقع له فيه؛ لأن الكتاب طويل، والكتاب كان تأليفه فيما يقارب ربع قرن لطوله وتحريره وتنقيحه، مكث فيه أكثر من ربع قرن، أنهاه في خمسة وعشرين سنة، لكنه ما زال يحرر وينقح، ويضيف إلى وفاته -رحمه الله-. بعض الإحالات يحصل فيها ما لا يوجد في موضعه، تجد الحافظ يقول: وسنتكلم على هذا الحديث، أو تأتي الإشارة إلى كذا في موضع كذا ثم تأتي، يحيل مرةً ثانية، تأتي الإحالة، الكتاب بحر محيط، كتاب كبير جداً، لا يبعد أن يقع فيه مثل هذه الأشياء، لكن الحافظ تمنى وودّ أن لو تتبعت هذه الحوالات، يقول: فإن لم يكن المحال به مذكوراً أو ذكر في مكانٍ آخر غير المحال عليه ليقع إصلاحه فما فعل ذلك، والكمال لله -سبحانه وتعالى-.

يقول: وكذا ربما يقع له ترجيح أحد الأوجه في الإعراب أو غيره من الاحتمالات أو الأقوال في موضع ثم يرجح في موضعٍ آخر غيره إلى غير ذلك مما لا طعن عليه بسببه، بل هذا أمر لا ينفك عنه كثير من الأئمة المعتمدين، هذا يدل على أن الحافظ مستمر في البحث، لم يقف اجتهاده عند حدّ، وتغير الاجتهاد عند أهل العلم معروف، يتحرر له في مسألةٍ ما، في وقتٍ ما، ثم يتبين له في وقتٍ آخر غيره، المقصود أن تغير الاجتهاد أمر معروف عند أهل العلم، ولذا تجدون الحافظ في أوائل الكتاب أو في مواضع من الكتاب يرجح شيء ثم يعدل عنه في مواضع أخرى.

الحافظ -رحمه الله تعالى- ابتدأ تأليف الكتاب في أوائل سنة سبعة عشرة وثمانمائة على طريق الإملاء، يملي إملاءً، يمليه إملاءً، يعني في الجزء الثامن صفحة (463) يقول: "وقد كنت أمليت في أوائل كتاب الوضوء أن قصة الإفك وقعت قبل نزول الحجاب" وقد كنت أمليت، هذا يدل على أن الكتاب ألف بطريق الإملاء، ثم قال: "وهو سهو والصواب أنه بعد نزول الحجاب فليصلح هناك"، ابتدأ الحافظ -رحمه الله تعالى- تأليف الكتاب في أوائل سنة سبع عشرة وثمانمائة على طريق الإملاء، بعد أن كملت مقدمته في مجلدٍ ضخم في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وسبق منه الوعد للشرح ثم صار يكتب بخطه شيئاً فشيئاً، فيكتب الكراسة، ثم يكتبها جماعة من الأئمة، يمليها على جماعة من الأئمة لتراجع وتنقّح، ثم يكتبها جماعة من الأئمة المعتبرين، ويعارض بالأصل مع المباحثة في يومٍ من الأسبوع، وذلك بقراءة البرهان بن خضر، فصار السفر -يعني المجلد- لا يكمل منه إلا وقد قوبل وحرر إلى أن انتهى، بهذه الطريقة يملي الكراسة على جمع من الأئمة المعتبرين، يمليها عليهم ليراجعوها وينظروا فيها، ثم تقابل وتعارض بالأصل، ثم في يومٍ من الأسبوع تحصل المباحثة والمناقشة حول ما كتب، وهذا هو السر في تحرير هذا الكتاب وتنقيحه وضبطه وإتقانه، يقول: إلى أن انتهى في أول يوم من رجب سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، سوى ما ألحقه فيه بعد ذلك فلم ينتهي إلا قبيل وفاته، ولما تمّ عمل مصنفه وليمةً عظيمة لم يتخلف فيها من وجوه المسلمين إلا نادراً، في يوم السبت ثاني شعبان سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وقرئ في المجلس الأخير، وهناك حضره الأئمة كالقاياتي والونائي والسعد الديري وغيرهم، يقول: وكان المصروف في الوليمة المذكورة نحو (500) دينار، فطلبه ملوك الأطراف بالاستكتاب واشتري بنحو ثلاثمائة دينار، وانتشر بالآفاق، الكتاب طويل لكن مملوء بالفوائد، واختصاره يخل به، وإن حصل من بعض العلماء أنهم اختصروه، فمختصر للشيخ أبي الفتح محمد بن حسين المراغي المتوفى سنة تسع وخمسين وثمانمائة، والشيخ فيصل بن عبد العزيز بن المبارك العالم النجدي المعروف قاضي الجوف له مختصر أسماه (لذة القاري مختصر صحيح البخاري) وله أيضاً

مختصر جديد موجود في الأسواق، المقصود أن الكتاب لا يقبل الاختصار، كله فوائد. من فوائد الفتح: أنا انتقيت كم فائدة، ففي الجزء الأول صفحة (59) أشار إلى عدم اعتناء البخاري بالتنبيه على ما بين الرواة من فروق، وإنما همّ البخاري مراعاة الأصول دون الألفاظ بخلاف مسلم، في الجزء الأول صفحة (16) والحادي عشر صفحة (340) يقول: "جملة ما كرره البخاري بسنده ومتنه نحو عشرين"، عشرين حديثاً، المكررات في البخاري تزيد على خمسة آلاف حديث، التكرار فيه، لكن ما يمكن أن يكرر بالسند والمتن ويخلي المكرر من الفائدة سواء كانت في متنه أو في إسناده أو على أقل الأحوال في صيغ الأداء يقول: إلا في نحو عشرين موضعاً، هذا ذكره الحافظ في الجزء الأول صفحة (16) وفي الحادي عشر صفحة (340). من فوائده وقواعده وضوابطه التي ذكرها يقول: "وقد ظهر بالاستقراء من صنيع الإمام البخاري أنه إذا أورد حديثاً عن غير واحد فإن اللفظ يكون للأخير" يعني إذا كان الحديث مخرج في الصحيح عن أكثر من واحد فاللفظ للأخير، إذا قال البخاري: حدثنا فلان وفلان، فصاحب اللفظ هو الأخير، يقول: "وقد ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا أورد الحديث عن غير واحدٍ فإن اللفظ يكون للأخير" هذا في الجزء الأول صفحة (436) ظهر بالاستقرار لكنها قاعدة أغلبية وليست كلية؛ لأنه يوجد ما يخالف هذه القاعدة، مثلاً في صفحة (30) يقول: "أخبرنا يونس ومعمر" من صاحب اللفظ على القاعدة؟ على القاعدة معمر، يقول الحافظ: "أما باللفظ فعن يونس، وأما بالمعنى فعن معمر" هذا خرج عن القاعدة، في أمثلة ليست يسيرة من هذا النوع، لكن مثلما قال الحافظ -رحمه الله تعالى- بالاستقراء والتتبع القاعدة شبه مطردة إلا في مواضع يسيرة، فالقاعدة حينئذٍ تكون أغلبية وليست كلية.

في التاسع صفحة (374) يقول: "في مواضع الاختلاف -يعني في المسائل المختلف فيها، المسائل الفقهية المختلف فيها- مهما صدر به البخاري من النقل عن صحابي أو تابعي فهو اختياره"، يعني إذا أردت أن تستخرج فقه البخاري واختياراته تنظر في الترجمة في الباب، إذا صدر البخاري الترجمة بقول واحد، إما بحديث أو بقول واحد من الصحابة أو من التابعين فهو اختياره، يقول: "في مواضع الاختلاف مهما صدر به البخاري من النقل عن صحابي أو تابعي فهو اختياره". في التاسع صفحة (420) يقول: "جرت عادة البخاري أن دليل الحكم إذا كان محتملاً لا يجزم بالحكم، بل يورده مورد الاستفهام" ما يقول البخاري باب وجوب كذا، أو باب استحباب كذا إذا كان الدليل محتمل، لا، إنما يورده بلفظ الاستفهام، هل كذا أو هل كذا؟ ما يجزم بهذا إلا إذا كان الدليل نص في الموضوع. في العاشر صفحة (11، 52، 54) يقول: "من قال: إن البخاري لا يستعمل (قال) إلا في المذاكرة لا مستند له" هذه شاعت بين الشراح، وبين العلماء، يتناقلونه، يقولون: البخاري إذا قال: حدثنا فلان قال فلان فإنما يكون البخاري قد أخذ الحديث عن هذا الشيخ مذاكرة، وليس على طريق التحديث، ومعلوم ما بين المذاكرة والتحديث من فرق، يقول: "من قال إن البخاري لا يستعمل (قال) إلا في المذاكرة لا مستند له". الحافظ له اختيار في تكفير المصائب للذنوب في الجزء العاشرة صفحة (105 و110) يقول: "حصول التكفير للمصاب وإن لم يرضَ ولم يصبر" هذه من الغرائب؛ لكن يرى أن التكفير بمجرد المصيبة، والرضا والصبر أجره قدر زائد على ذلك، وهذا رأي استقل به، وهو محتمل. في العاشر صفحة (332) يقول: "هيئة اللباس تختلف باختلاف عادة كل بلد". في الحادي عشر صفحة (209) يقول: "لا يشترط في الذاكر استحضار معناه" يعني لو كان الذكر يعني على غفلة اعتاد الإنسان في أذكاره في الصباح والمساء، وفي غيرها، الذكر يجري على اللسان يقول: "لا يشترط استحضار معناه، ولكن يشترط أن لا يقصد به غير معناه". في الحادي عشر صفحة (268) وفي مواضع أخرى يقول: "أبو الفتح الأزدي غير مرضي في كلامه على الرجال". في الحادي عشر صفحة (441) يقول: "يحيى القطان متعنّت في الرجال".

في الثاني عشر صفحة (214) يقول: "طريقة بعض السلف عند الاختلاف الأخذ برأي الأكثر". فوائد كثيرة جداً جداً، الكتاب مملوء ومشحون بالفوائد؛ لكن الوقت ما يحتمل أكثر من هذا. الحافظ -رحمه الله تعالى- كما سمعنا اشترط في مقدمة الكتاب أنه لا يورد من الأحاديث إلا ما كان صحيحاً أو حسناً، لكن الكمال لله -سبحانه وتعالى- أورد أحاديث فيها كلام، وفيها ضعف، ولم ينبه عليها. في الجزء الأول صفحة (307) يقول: "وعند أحمد من طريقٍ أخرى عن المغيرة أن الماء الذي توضأ به -يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- أخذه المغيرة من أعرابية صبت له من قربة كانت جلدة ميتة، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((سلها فإن كانت دبغتها فهو طهور)) حديث في المسند في الرابع (254) وهو ضعيف، وإن لم يتعقبه الحافظ، ففيه أكثر من راوٍ ضعيف. في صفحة (67) من الجزء الأول قال عن حديث في إسناده عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "رجاله ثقات" وحال عمرو بن شعيب معروفة عند أهل العلم لا سيما عند الحافظ يرى أنه صدوق، ومع ذلك يقول: "رجاله ثقات". في الجزء الثالث صفحة (489) يقول: "روى الإمام أحمد بإسنادٍ حسن عن أبي الزبير عن جابر قال: كنا نطوف ونمسح الركن في الفاتحة والخاتمة" والحديث في المسند، وفي إسناده ابن لهيعة، وقد نص الحافظ في الفتح في الجزء الأول صفحة (23) على ضعفه، الحافظ نفسه نص على ضعف ابن لهيعة ويقول: "بإسنادٍ حسن". في مسائل الاعتقاد منهجه مضطرب، الحافظ منهجه في العقيدة ليس على طريقةٍ واحدة، إنما هو نقال في هذا الباب، ينقل أقوال السلف والأئمة المقتدين بهم، ممن يثبت لله -سبحانه وتعالى- ما أثبته لنفسه، وينقل أقوال الخلف من المخالفين لعقيدة السلف، ولا يتعقب شيئاً من ذلك. وفي صفحة (145) من الجزء السادس و (632) من الجزء الثامن، و (444) من الجزء الحادي عشر أوّل صفحة (العجب) في عجب الله -سبحانه وتعالى- من قوم، أو عجب الله -سبحانه وتعالى- من قوم أوّل ذلك بالرضا يعني على طريقة الخطابي وغيره ممن تقدم ذكرهم، على كلٍ هذا خلل في الكتاب، يعني لو مرّ على الكتاب كله، وعلق على هذه المسائل التي خالف فيها لكان جيداً.

شرح العيني (عمدة القاري):

والكتاب يحتاج إلى زمن طويل لنشر محاسنه ومزاياه؛ لكن هذا ما يحتمله الوقت. بعد هذا (عمدة القاري في شرح صحيح البخاري) لبدر الدين محمود بن أحمد العيني الحنفي المتوفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة. طالب: الطبعة المعتمدة لفتح الباري؟ يسأل عن الطبعة، أفضل الطبعات بالنسبة لفتح الباري، هذه إن تيسرت طبعة بولاق فهي أجود الطبعات على الإطلاق؛ لأن الذين طبعوها، المطبعة السلفية، نعم الشيخ -رحمه الله- راجع مجلدين وشيء من الثالث؛ لكن بقية الكتاب طبع بحروفه بطبعة بولاق، طبعة بولاق هي الأصل التي أخذت منها الطبعة السلفية، إن لم تتيسر فالطبعة السلفية الأولى، وليست الثانية ولا الثالثة، الطبعة الثانية فيها أسقاط كثيرة وأوهام، والثالثة فرع عنها، مصورة عنها، وإن سموها طبعة ثالثة، لكن الطبعة السلفية الأولى متقنة إلى حدٍ ما. طالب: المتقنة الأولى أو الثالثة؟ الأولى الأولى، الثانية لا شيء، فيها أسقاط وأسطر أحياناً، لا لا الطبعة السلفية الأولى، وهي تكاد أن تكون صورة لطبعة بولاق؛ لكن فيها بعض الأخطاء اليسيرة، هنا حتى في بعض التعليقات أشياء في تصويب بعض الكلمات مثل هنا يقول: "فينبغي الاضطراب" في هذه الطبعة، السلفية الأولى، "فينبغي الاضطراب" علق الشيخ -رحمه الله-، قال: "فينبغي أن لا اضطراب" لأن الحافظ نفى الاضطراب عن الحديث؛ لكن لا هذا ولا ذاك: "فينتفي الاضطراب" الحافظ في الفتح يقول: "فينبغي الاضطراب" فعلق الشيخ -رحمه الله- فقال: "ينبغي أن لا اضطراب" صواب العبارة: "فينتفي الاضطراب" يعني بعد كلام وتقرير الحافظ ابن حجر نفى فيه الاضطراب، على كلٍ البشر هذا ما ودع فيهم، من يعرى من الخطأ والنسيان. شرح العيني (عمدة القاري):

(عمدة القاري) لبدر الدين العيني شرع في تأليفه مؤلفه كما قال القسطلاني في أواخر سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وفرغ منه في آخر الثلث الأول من ليلة السبت خامس شهر جمادى الأولى سنة سبعٍ وأربعين وثمانمائة، يعني بدأ بعد الحافظ بأربع سنوات، وفرغ بعده بخمس سنوات، ذكر في مقدمته أنه لما رحل إلى البلاد الشمالية قبل الثمانمائة مستصحباً صحيح البخاري لنشر فضله عن ذوي الألباب ظفر هناك من بعض مشايخه بغرائب النوادر مما يتعلق باستخراج ما في الصحيح من الكنوز، ثم لما عاد إلى الديار المصرية ندبه إلى شرح الكتاب أمور: الأول: يقول: "أن يعلم أن في الزوايا خبايا، وأن العلم من منايح الله -عز وجل- ومن أفضل العطايا. الثاني: إظهار ما منحه الله من فضله الغزير، وإقداره إياه على أخذ شيءٍ من علمه الكثير، يقول: "والشكر مما يزيد النعمة، ومن الشكر إظهار العلم للأمة". الثالث: كثرة دعاء بعض الأصحاب للتصدي لشرح الكتاب، يقول: أنه طلب منه بإلحاح أن يتصدى لشرح الكتاب، ثم أجاب هذه الدعوة فشرح الكتاب.

افتتح الكتاب بمقدمة مختصرة، مقدمة لا تعدو عشرة صفحات، قريبة جداً من مقدمة النووي، افتتح المقدمة بذكر أسانيده إلى الإمام البخاري، ثم فوائد في اسم الصحيح وسبب تأليفه، وترجيح الصحيح على غيره، في شرطه، وعدد الأحاديث المسندة في صحيح البخاري، في فهرس أبواب البخاري مع عدد أحاديث كل كتاب، طبقات شيوخ البخاري، من تكلم فيه من رجال الصحيح، الفرق بين الاعتبار والمتابعة والشاهد، ضبط الأسماء المتكررة، معلقات الصحيح، ثم عرف بموضوع علم الحديث ومبادئه ومسائله، موضوع علم الحديث ومبادئه أخذها من شرح الكرماني، ولذا وقع فيما وقع فيه الكرماني، قال: "موضوع علم الحديث ذات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، هذا الكرماني قاله قبل، ثم العيني من بعده، ولذا يقول السيوطي في مقدمة التدريب: "ما زال شيخنا محي الدين الكافيجي يتعجب من قول الكرماني أن موضوع علم الحديث ذات الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: لأن ذاته موضوع علم الطب وليس موضوع علم الحديث"، ذاته، بدنه، شخصه، المقصود أن التقليد يوقع في مثل هذا، كل هذا المسائل التي ذكرها لا تزيد على عشر صفحات، نعم المباحث التي أودعها الحافظ في مقدمته موجودة في ثنايا هذا الكتاب، كل مبحث في موضعه، وإن كان ليس بصورة جلية وواضحة كما فعل الحافظ -رحمه الله تعالى-.

شرع بعد ذلكم في شرح الكتاب على ترتيبٍ جميل منظم، يشوّق القارئ، يبدأ أولاً: بمناسبة الحديث للترجمة، ثم يتحدث عن رجال رواة الحديث، ثم في ضبط أسماء الرجال ثم الأنساب، يعنون عناوين، مناسبة الحديث للترجمة: ثم إذا انتهى قال: رواة الحديث، ثم ضبط أسماء الرجال، ثم ضبط الأنساب، ثم يذكر فوائد تتعلق بالرجال، ثم لطائف الإسناد، قد يوجد مثل هذه في فتح الباري لكنها غير معنونة، ثم يبين نوع الحديث إن كان الحديث متميزاً بنوعٍ خاص من العزة والغرابة والتواتر، يقول: نوع الحديث، ثم يذكر مواضع الحديث من صحيح البخاري، ثم يذكر من أخرجه غير البخاري، ثم يبين اختلاف لفظه في المواضع، ثم يقول: بيان اللغة، عنوان، ثم بعد ذلكم بيان الإعراب، ثم بيان المعاني، عناوين هذه، بيان البيان، بيان البديع، ثم بعد ذلكم يقول: الأسئلة والأجوبة، يورد إشكالات في الحديث ثم يجيب عنها، ثم سبب الحديث إن كان له سبب، ثم استنباط الأحكام، وهو في كل ذلكم يطيل ويغرب في النقول والردود والمناقشات، ينقل من الشراح، وينقض أقوالهم، المقصود أن الشرح منظم ومرتب لو كان على وتيرةٍ واحدة، لكنه في هذا الترتيب وهذا التنظيم في أوائله لأنه اعتمد على أشياء انقطعت فانقطع معها على ما سيأتي ذكره. ينقل ممن سبقه من الشراح كالخطابي والكرماني وابن بطال والنووي وغيرهم، وينقل كثيراً من فتح الباري، أحياناً ينقل المقطع الكبير من فتح الباري ويبهم المؤلف يقول: قال بعضهم، ولا يسمي، لا يسمي ابن حجر وإن كان ينقل منه واستفاد منه كثيراً، ثم بعد ذلكم يتعقبه كثيراً.

يقول القسطلاني: "واستمد فيه من فتح الباري"، يقول: "كان فيما قيل يستعيره من البرهان بن خضر بإذن مصنفه"، القدر الذي يفرغ منه الحافظ يستعيره العيني من البرهان من خضر بإذن ابن حجر، ما في بأس أن يطلع على الكلام ويناقش ويرد عليه ما في إشكال؛ لأن قصد الجمع الوصول إلى الحقيقة، بإذن مصنفه وتعقبه في مواضع، وطوله بما تعمد الحافظ ابن حجر في الفتح حذفه، من سياق الحديث بتمامه وإفراد كل من تراجم الرواة بالكلام، وبيان الأنساب واللغات والإعراب والمعاني والبيان، واستنباط الفرائد من الحديث والأسئلة والأجوبة إلى غير ذلك، يقول: "وقد حكي أن بعض الفضلاء ذكر للحافظ ابن حجر ترجيح شرح العيني بما اشتمل عليه من البديع وغيره، فقال بديهةً: "هذا شيء نقله من شرح لركن الدين -يعني أحمد بن محمد القريني هذا له شرح على البخاري، قطعة، شرح أوائل البخاري وجد فيها مثل هذا الترتيب وهذا التنظيم، والكلام على الحديث من حيث اللغة والإعرابات والبيان والمعاني والبديع إلى غير ذلك، يقول: "هذا شيء نقله من شرحٍ لركن الدين، وكنت -يقول الحافظ- قد وقفت عليه قبله، ولكن تركت النقل عنه؛ لكونه لم يتم، إنما كتبت منه قطعة وخشيت من تعبي بعد فراغها في الاسترسال"، يقول: إن أردت الاستمرار في هذا الترتيب لا شك أنه متعب، متعب جداً، الاسترسال في بيان ما في كل حديث من هذه المباحث متعب، يقول: "وخشيت من تعبي بعد فراغها في الاسترسال في هذا المهيع، ولذا لم يتكلم البدر العيني بعد تلك القطعة بشيءٍ من ذلك"، هذا الترتيب البديع الذي مشى عليه شيء يسير بالنسبة لعمدة القاري، يعني مشى فيه قرابة جزأين من الخمسة والعشرين، ممكن أن نقول: عشر الكتاب أو أقل، ثم بعد ذلك ترك كثير من هذه المباحث، نعم مشى على الترتيب، يمشي على تراجم الرواة، والرابط والاستنباط والأسئلة والأجوبة؛ لكن ما يتعلق بغرائب اللغة من النقول وما يتعلق به البيان والبديع وغير ذلك لما انتهى شرح ركن الدين انتهى العيني من ذلك.

ولا شك أن شرح العيني شرح موسع ومطول، وشرح حافل لا سيما في ثلثه الأول، والسبب في ذلكم أنه لم يفرق شرح الأحاديث على المواضع المتعددة، ويتحدث عن كل حديث في الموضع المناسب له، لا، أجلب بكل ما عنده في أول الكتاب، ثم في النهاية اختصر جداً، ميزة فتح الباري كما ذكرنا سابقاً التوازن في الشرح، حيث شرح آخر حديث في الكتاب بنفس المنهج والطريقة التي سار عليها في أوله، ثم بعد ذلكم العيني كما هو معروف حنفي المذهب، يتعصب لمذهبه، وهذا مما يحط من قيمة الكتاب، وابن حجر وإن كان شافعياً إلا أنه قد يخرج عن مذهبه لموافقة الحديث على أن المخالفة بين الكتاب المشروح، أحاديث الكتاب المشروح وبين مذهب الشافعي ليست كبيرة، بينهما تقارب كثير، ولذا لا يظهر التعصب بالنسبة لمن شرح الكتاب حينما يكون شافعياً أو يكون حنبلياً مثلاً، لكن حينما يكون الشارح حنفي، وكثير من الكتاب من أحاديث الكتاب تخالف مذهبه، الفجوة كبيرة، بخلاف الهوة التي بين الأحاديث التي في الصحيح وبين مذهب الحنابلة مثلاً أو مذهب الشافعية، الكرماني وابن حجر في مواضع ذكروا أن البخاري إذا قال: قال بعض الناس فمراده الحنفية، هذا يدل على أن فيه اختلاف كبير بين الإمام البخاري وبين مذهب أبي حنيفة -رحمه الله تعالى-. طالب:. . . . . . . . . كلاهما، الكرماني (24، 66) وفتح الباري (12، 320) وغيرهم، يقولون: إذا قال البخاري: قال بعض الناس فمراده الحنفية، هذا يبين لنا سبب ظهور التعصب في شرح العيني وخفاؤه في شرح ابن حجر، هذا الأمر ينبغي أن يتنبه له، يقال: يحمل النصوص على غير مراد مؤلفها؟ نعم فرق كبير بين ما يراه البخاري واختياراته ومذهب أبي حنيفة -رحمه الله-، لا شك أن مذهب أبي حنيفة مذهب متبوع، وله أصوله من الكتاب والسنة، نعم يختلفون في بعض الأصول؛ لكن القدر المشترك من الأصول والأقطاب التي يعتمد عليها في الاستنباط والاستدلال متقارب؛ لكن بعض الأصول التي يعتمدها الحنفية قد توجد بعض الفجوة بينهم وبين غيرهم.

شرح القسطلاني (إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري):

العيني يقصد في نقوله عن الحافظ هو لا يسميه، يبهمه، قال بعضهم، قال بعض الشراح، زعم بعضهم، ثم يتعقبه في مواطن كثيرة جداً، الكتاب مملوء من النقول عن ابن حجر والتعقبات والاستدراكات عليه، أجاب الحافظ ابن حجر عن هذه الاعتراضات وهذه الانتقادات بكتابٍ أسماه (انتقاض الاعتراض) وهو مطبوع في مجلدين، قال القسطلاني: "لكنه لم يجب عن أكثرها، ولعله كان يكتب الاعتراضات ويبيض لها ليجيب عنها فاخترمته المنية"، وله أيضاً -أي لابن حجر- (الاستنصار على الطاعن المعثار) وهو صورة فتيا عما وقع في خطبة شرح البخاري للعيني. أيضاً هناك كتاب وهو نفيس ومؤلفه متأخر اسمه عبد الرحمن البوصيري المتوفى سنة أربعٍ وخمسين وثلاثمائة وألف، اسمه (مبتكرات اللآلئ والدرر في المحاكمة بين العيني وابن حجر) مجلد واحد، يذكر قول ابن حجر ثم يذكر رد العيني واعتراضه، ثم يحكم بما يراه صواباً، والكتاب جيداً، إلا أن الموضوع نفسه يحتمل أكثر من ذلك، يعني ثلاثمائة وثلاث وأربعين محاكمة بينهما في هذا الكتاب، والمحاكمات أكثر من ذلك، فيحتاج إلى تكميل وتتميم. شرح القسطلاني (إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري): بقي عندنا شرح من أهم الشروح وهو (إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري) مؤلفه أحمد بن محمد بن أبي بكر شهاب الدين القسطلاني الشافعي المتوفى سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، شرح كبير ممزوج، يعني شرح تحليلي في عشرة مجلدات كبار، افتتحه -رحمه الله- بمقدمة تتضمن فصولاً: الفصل الأول: في فضيلة أهل الحديث وشرفه في القديم والحديث. الفصل الثاني: في ذكر أول من دوّن الحديث والسنن، ومن تلاه في ذلك سالكاً أحسن السنن. الفصل الثالث: في ذكر نبذة لطيفة جامعة لفرائد فوائد مصطلح الحديث عن أهله وتقسيم أنواعه. الفصل الرابع: فيما يتعلق بالبخاري وصحيحه من تقرير شرطه وتحريره وضبطه وترجيحه على غيره. الفصل الخامس: في ذكر نسب البخاري ونسبته ومولده، وبدء أمره ونشأته وطلبه للعلم، ثم بعد ذلكم ذكر رواة الجامع الصحيح، وهو مرجع حقيقةً في ذكر الرواة وضبطهم وتشعب رواياتهم، ثم ذكر شروح الجامع الصحيح.

من منهج القسطلاني -رحمه الله- في كتابه هذا العناية بتراجم الرواة، وضبط أسماءهم وكناهم وأنسابهم باختصار، يعني ما يفعل مثل ما يفعله غيره من إطالة كالعيني أو غيره أو النووي، لا، كل هذا باختصار، ويكرر ذلك في كل موضع، نعم الاختصار يزيد كلما زاد التكرار؛ لكنه يهتم بهذا، يعتني بذلك عناية فائقة، ولذا الذي يقرأ هذا الشرح لن ينتهي منه حتى يتقن الرواة إتقاناً لا مزيد عليه، فينصح بقراءة هذا الكتاب، ثانياً: العناية بذكر فروق الروايات بدقة، معتمداً في ذلك على اليونيني فلا يترك فرقاً إلا ويشير إليه سواء كان ذلك في الأسانيد وصيغ الأداء أو المتون، وسواء كان الفرق مما يترتب عليه فائدة أم لا. ثالثاً: يشرح الغريب من الألفاظ فالكتاب حقيقته شرح تحليلي، يعني يمكن أن يستغنى به عن غيره، ولا يستغنى بغيره عنه، يعني قد يعوزك شرح كلمة أردتها من شرح العيني أو شرح ابن حجر؛ لكن لا يمكن أن يعوزك شيء قد تتطلب مزيد إيضاح؛ لكن لا بد أن يتكلم عليها؛ لأنه اعتمد تحليل كل كلمة، يذكر في ثنايا الشرح ما في الكلمة من اختلاف من حيث المعنى والإعراب وغير ذلك، يعنى بالتوفيق بين الأحاديث المتعارضة باختصار، يعنى بالاستنباط من الأحاديث وذكر المذاهب من غير إطالة، يخرج الحديث من المصادر المعتمدة في نهاية الشرح، ويذكر مواضع الحديث من الصحيح، يعنى بذكر لطائف الإسناد، يعتمد في كثيرٍ من بحوثه على الشروح السابقة كالكرماني والعيني وابن حجر فهو ملخص لهذه الكتب، هو فيه جمع لهذه الكتب لا سيما الشرحين الكبيرين، العيني وابن حجر، خلاصة لهذين الشرحين.

مذهبه في مسائل العقيدة التأويل غالباً على طريقة المتأخرين من الأشاعرة، في صفحة (96) قال: "والذي نفسي بيده أي بقدرته أو هو من المتشابه المفوض علمه إلى الله، والأول أعلم والثاني أسلم" هذه مقالة كثير ممن ينتسب إلى علم الكلام أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، لكن هذا الكلام ليس بصحيح لأن الأحكم هو الأسلم، كل هذا على سبيل الاختصار والمقام يقتضي بسط أكثر من هذا لا سيما في هذه الكتب، لا سيما في الأخير منها، الأخير منها يحتاج إلى كشف وإشهار بين طلبة العلم؛ لأنه كتاب يكاد يكون مجهول عند كثير من الطلبة؛ ولأهميته طبع الكتاب أضعاف مضاعفة عما طبع غيره، يعني الكتاب طبع في بولاق سبع مرات، بينما العيني ما طبع ولا مرة في بولاق، فتح الباري طبع مرة واحدة، لكن إرشاد الساري طبع سبع مرات، وفي الميمنية طبع مرتين، وغير ذلك من الطبعات، طبعات كثيرة لهذا الكتاب لأهميته، ومثل ما ذكرت المقام يحتمل أطول من ذلك؛ لكن ضيق الوقت يجعلنا نختصر هذا الاختصار الشديد. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: السائل يقول: هل صحيح أن الحافظ لا يعتني بالأبواب التي اعتمدها البخاري؟ الحافظ يشرح كلام البخاري، الحافظ -رحمه الله- يشرح كلام البخاري، البخاري وضع التراجم بنفسه فليس للحافظ أن يغير أو يعدل خلافاً لشراح مسلم نظراً لكون صحيح مسلم خلا عن التراجم، كل شارح من الشراح له اجتهاد في هذه التراجم، أما الحافظ فقد اقتفى أثر البخاري بتراجمه. يقول: لا يعتني بالأبواب التي اعتنى بها البخاري؟ هذا الكلام ليس بصحيح، نعم قد يوجد في المتن المطبوع مع الفتح كما نبهنا بالأمس ترجمة هي غير موجودة بالراوية التي اعتمدها الحافظ أو العكس يوجد في الرواية التي اعتمدها الحافظ ترجمة لا توجد في الطبعة التي أقحمها طابع الكتاب، فيمكن من هذه الحيثية يوجد اختلاف بين المتن المطبوع مع الفتح، وبين الفتح نفسه. يقول: كلام ركيك لكن مفاده يقول: هل علم ابن حجر أن بدر العيني ينقل عنه؟

نعم، العيني ينقل عن ابن حجر على علمٍ منه، فكان يستعير الكتاب كل ما صدر منه مجلد استعاره من البرهان بن خضر برضا الحافظ -رحمه الله تعالى-، واطلع الحافظ -رحمه الله- على انتقادات العيني وأجاب عنها في كتابٍ سماه (انتقاض الاعتراض) وأحضرناه بالأمس، وتكلمنا عنه. يقول: ما هي الطريقة المناسبة في قراءة فتح الباري شرح صحيح البخاري؟ الطريقة المناسبة أن يختار له وقت مناسب، وأن يعتنى بالمتن أولاً ويكرر، ويحاول الطالب فهم المتن ويشرحه من تلقاء نفسه، ثم يراجع عليه الشرح لينظر هل فهمه للحديث ولعلاقة الحديث بالترجمة صحيح؟ مطابق لفهم الحافظ أو أنه أبعد النجعة في الربط بينهما وفي فهم الحديث؟ وهكذا في سائر المتون، ينبغي أن يعتني الطالب أولاً بالمتون فيحفظها إن كانت مما يستحق الحفظ، ثم يحاول أن يفهم هذا المتن، ويشرح المتن ويعلق عليه من تلقاء نفسه، ثم يراجع عليه الشروح لينظر مدى مطابقة فهمه لفهم أهل العلم. يقول: هل تنصحون بحفظ صحيح البخاري وهو لم يحفظ عمدة الأحكام وبلوغ المرام؟ معروف أن التدرج في العلوم أمر مطلوب، فيبدأ بحفظ الأربعين ثم العمدة ثم البلوغ ثم ما شاء من الكتب، ثم إذا بدأ بصحيح البخاري كان أفضل؛ لأنه العمدة في هذا الباب، وما عداه كالمستخرجات عليه. يقول: هناك كتاب لأحد مشايخ الهند عن إحالات ابن حجر في الفتح؟ ذكر لكنه لم يستوعب، طبع في –أظن- تحفة القاري أو ما أشبه ذلك مجلد لطيف؛ لكنه لم يستوعب، هو كتاب جيد في الجملة إلا أنه مثل ما ذكرت. يقول: ما هي المتون التي ينصح بها طالب العلم المبتدي، وكذلك ما هي أهم الشروح المختصرة التي يستفيد منها طالب العلم المبتدئ؟ أولاً: المتون التي ينصح بها الطالب المبتدي، صغار العلم كما يقول أهل العلم المتون المختصرة جداً في كل فن من الفنون، ثم يترقى ويتدرج إلى ما هو أكبر منه، كما هو معروف عند أهل العلم. يقول: ذكرت بالأمس أن كتاب الكرماني بالراء وكسر الكاف كتاب جيد وممتع لكن ذكرت عن منهجه أنه منهج الأشاعرة، هل من توجيهٍ حول ذلك؟

نعم يستفاد من الكتاب فيما يفيده وفيما يعتني به، ولو اقتصرنا على الكتب السالمة الخالية من جميع الملاحظات ما صفى لنا إلا الشيء اليسير، سواء في كتب التفاسير أو شروح الحديث، نعم يصفو لنا تفسير الطبري، تفسير البغوي، تفسير ابن كثير؛ لكن بقية الكتب لا تسلم إلا في القليل النادر، الشروح أيضاً إن صفى لنا شرح ابن رجب ما صفا لنا غيره، كلها فيها ملاحظات، ويأتي في شروح مسلم بيان ذلك وتقريره. يقول: لو ذكرتم أي طبعةٍ لصحيح البخاري توافق شرح الحافظ بن حجر في الفتح؟ الرواية الموافقة لشرح ابن حجر هي رواية أبي ذر الهروي؛ لأن الحافظ اعتمدها وأشار إلى ما سواها عند الحاجة، والرواية هذه لم تطبع بكاملها الآن، لكن طبعة بولاق التي اعتنى بها وبإثبات فروقها الحافظ اليونيني مناسبة إلى حدٍ كبير، يعني مع ما في حواشيها. ودرس اليوم عن صحيح مسلم وشروحه، وإن كان الوقت لا يفي ولا يكفي، إلا أنه لا بد أن ننهي ما يتعلق بصحيح مسلم اليوم. طالب:. . . . . . . . . هو يعزو كثيراً، وابن الملقن له شرح على البخاري أيضاً. طالب:. . . . . . . . . طريقتهم العلم إذا كان مشتهر ومستفيض لا ينسب، المسائل كما ذكر النووي وغيره أن المسائل المشتهرة المستفيضة وإن نقلت عن شخص لا تنسب؛ لأن العلم ليس بملكٍ لأحد، نعم ما يستغرب من الكلام وما ينتقى من أبكار الأفكار ينسب لقائله، الحافظ مشحون بالعزو. صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري المتوفى سنة إحدى وستين ومائتين، ثاني كتب السنة بعد صحيح البخاري عند جمهور العلماء، وأشرنا سابقاً إلى أن من أهل العلم من فضله على البخاري، لكنه قول ضعيف، ووجوه الترجيح بينهما تؤخذ من مظانها، وهي كثيرة، إن كان وجه التفضيل كما قال بعض المغاربة أنه ليس فيه بعد الخطبة إلا الحديث السرد فهذا صحيح، يعني ما فيه معلقات إلا نادراً، معلقاته أربعة عشر حديثاً، حذف الواسطة بينه وبين راويها، وهذه المعلقات كلها موصولة في الصحيح نفسه إلا واحد موصول في صحيح البخاري، أيضاً الآثار والأخبار الموقوفة والمقطوعة عن الصحابة والتابعين نادرة جداً، وإلا موجودة؛ لكنها نادرة ليست بنفس النسبة التي توجد في صحيح البخاري، إذا كان هذا المقصود هذا وجه الترجيح، فلا بأس هذا كلام صحيح ...

مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (3)

مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (3) الشيخ/ عبد الكريم الخضير إذا كان هذا هو المقصود، هذا وجه الترجيح فلا بأس، هذا كلام صحيح، هذا الكلام موجود وحقيقة؛ لكن لا يقتضي الأرجحية بلا شك؛ لأن الكتابين إنما وضعا للأحاديث الأصلية المرفوعة الموصولة، وما عدا ذلك فهو تبع، فإذا نظرنا إلى القدر الموجود في صحيح البخاري من الأحاديث المرفوعة الموصولة وقارنا بينها وبين ما في صحيح مسلم من ذلك لا شك أن ما في صحيح البخاري أرجح مما في صحيح مسلم، منهم من يقول: أن البخاري مرجوح من حيث عنايته بالصناعة الحديثية وتحري دقة السياق في المتون وصيغ الأداء وغيرها، نعم هذا الكلام صحيح، الإمام مسلم يعتني بذلك عناية فائقة، والإمام البخاري لا يعتني بالصيغ، حدثنا وأخبرنا عنده واحد، وأحياناً ينقل عن الراوي بحدثنا وفي موضعٍ آخر أخبرنا؛ لأن معناهما واحد عنده، لكن مسلم يعتني بذلك عناية فائقة، لذا يقول بعضهم: تشاجر قوم في البخاري ومسلم ... لدي وقالوا: أي ذين تقدمُ؟ فقلت: لقد فاق البخاري صحةً ... كما فاق في حسن الصناعة مسلمُ مسلم ما في شك تصرفه في سياق المتون والأسانيد أمر يظهر. شروح صحيح مسلم: ولأهمية صحيح مسلم عني به العلماء قديماً وحديثاً، وكتبوا عليه الشروح الكثيرة من ذلكم (المعلم) للمازري، بفتح الزاي وكسرها، و (إكمال المعلم) للقاضي عياض، و (إكمال إكمال المعلم) للأبي، و (مكمل إكمال الإكمال) للسنوسي، ومن شروحه التي لم تصل إلينا لكنها من خلال النقل عنها فيها شيء من النفاسة والجودة (التحرير في شرح صحيح مسلم) لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل الأصبهاني ينقل عنه النووي كثيراً، وهو كتاب من خلال نقل النووي عنه كتاب نفيس وجيد، من شروحه أيضاً المهمة (المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج) للنووي، ومن شروحه المختصرة (الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج) للسيوطي. من المعاصرين من شرح الصحيح شرحاً وافياً شبير أحمد العثماني؛ لكنه لم يكمل، سمى شرحه (فتح الملهم في شرح صحيح مسلم) وقام بتكملته -وإن كان لم يتم بعد- محمد تقي العثماني، هذا الشرح جيد في الجملة وإن كان صاحبه معاصراً. مختصرات صحيح مسلم:

(المعلم بفوائد صحيح مسلم) للمازري:

مسلم له مختصرات من أهمها: (تلخيص صحيح مسلم) للقرطبي، وشرحه المسمى (المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم) ممن اختصره أيضاً زكي الدين المنذري ومختصره مشهور متداول، وممن شرحه صديق حسن خان في كتابٍ اسمه: (السراج الوهاج على مختصر صحيح مسلم ابن الحجاج) نبدأ بكتاب المازري، باعتبار أنه أول الكتب، أول ما صل من الشروح القديمة. (المعلم بفوائد صحيح مسلم) للمازري: (المعلم بفوائد صحيح مسلم) مؤلفه أبو عبد الله محمد بن علي التميمي المازري، بفتح الزاي، وقيل: بكسرها أيضاً، توفي سنة ست وثلاثين وخمسمائة، المازري في (المعلم) لم يقصد تأليف كتاب يقصد به شرح صحيح مسلم ابتداءً، لكنه في درسه لصحيح مسلم يثير بعض الفوائد والتعليقات، ويمليها على الطلبة أثناء قراءتهم عليه، فلما فرغوا من القراءة عرضوا عليه ما كتبوه فنظر فيه وهذبه فكان ذلك سبب تأليفه هذا الكتاب، يعني على ضوء ما هو موجود الآن، الطلبة يسجلون ويكتبون عن الشيخ، ثم بعد ذلكم يفرغون ما ذكره الشيخ في الأشرطة، ثم يعرض على الشيخ فيقره فيصير كتاباً، هذه طريقة المازري، المازري ما جلس لتأليف شرح على صحيح مسلم، وإنما هي فوائد نقلت عنه في الدرس، ثم عرضت عليه.

(إكمال المعلم) للقاضي عياض:

قال القاضي عياض: "إن كتاب المعلم لم يكن تأليفاً استجمع له مؤلفه، وإنما هو تعليق ما تضبطه الطلبة من مجالسه وتتلقفه عنه" ولا شك أن المعلم بداية انطلاقة لشرح صحيح مسلم، وقد بدأت الشروح في الظهور من عصر المازري، ولم يعرف شيء منها قبل ذلك، فالمعلم هو أقدم الشروح التي وصلتنا الآن من شروح صحيح مسلم، من منهج المازري في المعلم أنه لم يتعرض لشرح المقدمة، مقدمة صحيح مسلم رغم أهميتها، لم يتعرض لشرحها، وإنما علق في مواطن ستة أو سبعة، وهي مواطن يسيرة بالنسبة لمباحث المقدمة، مما يمتاز به صحيح مسلم هذه المقدمة النفيسة في علوم الحديث، المازري ما شرحها، المازري في شرحه لأحاديث الباب، الباب عند الإمام مسلم يحتوي على أحاديث كثيرة، يقوم المازري -رحمه الله تعالى- بالتعليق على حديث أو حديثين في الباب يكون عليهما محور أحاديث الباب، ولا يتعرض لأكثر الأحاديث، لم يذكر -وهو باعتباره أنه تعليق وليس بتأليف- لم يذكر جميع الفوائد المتعلقة بالأحاديث التي تعرض لها، وإنما اقتصر على نكت يراها تحتاج إلى بيان في محال الحديث روايةً ودراية، وأكثر اهتمام المازري منصب على الأحكام الفقهية وتفسير الغريب واللغة، المازري لم يلتزم في تعليقاته ترتيب الأحاديث في صحيح مسلم، ولذا يقول القاضي عياض في إكماله: "وكان في المعلم تقديم وتأخير عن ترتيب كتاب مسلم" يورد أحياناً الألفاظ المختلفة بين رواة الصحيح، يُعنى بالمسائل الفقهية يستنبط من الحديث مباشرة، ولا يكثر من ذكر أقوال الفقهاء، يهتم بمسائل العقيدة التي اشتملت عليها بعض الأحاديث؛ لكن مع الأسف الشديد اعتماده على العقيدة من وجهة نظر الأشاعرة، ويرد على مخالفيهم أيضاً، ويأتي في المثال ما يقرر ذلك. يُعنى بالمباحث اللغوي عناية كبيرة، والكتاب مطبوع في ثلاثة أجزاء صغيرة بتحقيق محمد الشاذلي النيفر. نأتي بما يتعلق بالمعلم من إكماله وإكمال إكماله، ومكمل الإكمال، ثم نرجع إلى النووي ومن بعده. (إكمال المعلم) للقاضي عياض:

(إكمال المعلم): مؤلفه أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصَبي أو اليحصِبي، وقد يقال: بضمها أيضاً، السَّبتي أو السبِّتي، كما يقال: البَصري والبِصري؛ لكن الفتح أشهر، المالكي القاضي المتوفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ألفه القاضي عياض إكمالاً لكتاب المعلم، هذا الكتاب ألفه القاضي -رحمه الله تعالى- تكميلاً لكتاب المعلم للمازري تلبيةً أيضاً لرغبة كثيرٍ من تلاميذه الذين لمسوا من درسه في الصحيح الفوائد الجمة والزيادات المهمة، التمس منه الطلبة أثناء تدريسه لصحيح مسلم أن يشرح الكتاب شرحاً مستقلاً نظراً لكثرة ما يبديه لهم ويذكره من الفوائد والشوارد والنفائس، التمسوا منه ذلك فاعتذر أولاً لانشغاله بالقضاء، ثم لما ترك القضاء اتجه إلى التأليف، في البداية قد عزم على تأليف كتاب مستقل في شرح مسلم؛ لكنه رأى أن من العدل والإنصاف لسابقيه أن يجعل الكتاب مكملاً للنقص الكثير الوارد في المعلم مع اعتماده أيضاً على تقييد المهمل للجياني، لا شك أن الاعتراف بالسابق أمر مهم ينبغي أن يربى عليه الطلبة، فإذا كان هذا من مثل القاضي عياض الذي يستطيع أن يؤلف ابتداءً مثل ما كتبه تبعاً أو أفضل إلا أنه من باب الاعتراف للسابقين، يعني الإنسان يأنف أن يتعلق بأذيال غيره، بل يكتب ابتداءً، لكن الحافظ ابن حجر أكثر مصنفاته تبعاً لغيره، مع إمامته، إما أن يختصر كتاب أو يعلق عليه أو ينكت عليه، هذا من باب الاعتراف، والسبق له وزنه عند أهل العلم، في مطلع الألفية لما تكلم عن ألفية ابن معطي الإمام ابن مالك وأن ألفيته فائقة ألفية ابن معطي قال: وهو بسبقٍ حائز تفضيلا ... مستوجب ثنائي الجميلا السبق لا شك أن السابق له فضل على اللاحق، له فضل كبير على اللاحق، الذي فتح له الأبواب، والكلام في هذا طويل، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- لما سئل الشيخ محمد رشيد رضا عن شيخ الإسلام وهل هو أعلم من الأئمة الأربعة أو دونهم قال: "شيخ الإسلام تخرج على كتب الأئمة الأربعة وكتب أتباعهم، فلهم الفضل عليه من هذه الحيثية، ولكونهم -رحمه الله- أحاط بما كتبوه، ولما كتبه أتباعهم فهو أوسع منهم من هذه الجهة".

المقصود أن السابق له الفضل على اللاحق، والإنسان لا يولد متعلم، إنما يستفيد ممن سبقه، القاضي عياض في كتابه شرح المقدمة شرحاً وافياً، وشرح أيضاً ما لم يتعرض إليه المازري، المازري من متون الأحاديث ببيان المعاني وضبط الألفاظ، واستنباط الأحكام والفوائد وبيان الغامض، وأكمل ما قصر فيه المازري من كلام على بعض الرجال والأسانيد والعلل، ووضح أيضاً كلام المازري والجياني, واستدرك, وصحح عند الحاجة، الكتاب ككثيرٍ من الشروح، شرْح مصدر بالقول، يورد ما يريد أن يشرحه من الصحيح بعد كلمة قوله، كما هو الشأن في كثير من الشروح، ومن ذلكم فتح الباري وغيره. في مقدمة الكتاب ذكر القاضي عياض -رحمه الله- السبب الباعث على التأليف، وأنه اعتمد على كتاب المازري وكتاب (تقييد المهمل) لأبي علي الجياني، ثم ذكر أسانيده التي يروي بها صحيح مسلم، ثم بدأ ينقل ما في المعلم مع تعقيبه وتتميمه وتكميله لكلامه، ويلقب المازري بالإمام فإذا قال القاضي عياض: قال الإمام فمراده المازري، يشير إلى صحيح مسلم بلفظ الأم، فيقول: "ذكر في الأم أو جاء في الأم كلام" وإن كان يوهم أنه الأم للشافعي؛ لكن الأم واحدة الأمهات نعم، ومستفيض عند أهل العلم أن الكتب الستة يقال لها: الأمهات الست، فلا نستغرب أن يقال لصحيح مسلم: الأم، نعم بلفظ المفرد استعمال نادر لكن المجموع استعمال شائع يقال: الأمهات الست، هذا معروف عند أهل العلم، لكن لكتابٍ واحد يقال له: الأم، هذا غريب، وهو ملبس أيضاً حيث أن للإمام الشافعي كتاباً اسمه الأم. وقول الناس: (الأمهات) الذي يراه بعض أهل التحقيق أن جمع أم في غير بني آدم بدون هاء، في بني آدم يقال: (أمهات)، وبذلك جاء القرآن والنصوص، في غير بني آدم يقول: (أمات) دون هاء، ثم ساق ترجمةً مختصرةً في عيون من أخبار الإمام مسلم، وبيان فضل كتابه وقيمته، وثناء الأئمة عليه، ثم شرح المقدمة، ثم بدأ بشرح كتاب الإيمان، ثم الطهارة وهكذا إلى آخر الصحيح.

والقاضي عياض -رحمه الله تعالى- لا يسوق متن الصحيح كامل، كما هي عادة غالب الشراح، وإنما يورد منه ما يريد شرحه فقط، الطبعات الجديدة تورد الصحيح كامل، وهو أيضاً لا يضع تراجم للأبواب، ما التزم أن يترجم لجميع الأبواب، وإنما أحياناً إذا كان الحديث طويلاً قال: باب حديث كذا، أو ذكْر حديث كذا، ذكْر حديث الإسراء، ذكْر حديث التيمم، وما أشبه ذلك، إذا كان الحديث طويلاً، إنما التزام جميع التراجم كما فعل النووي أو غيره لا. طريقته في الشرح أن يجمع في شرح الحديث بين طريقة الشرح بالمأثور، فيبين المراد من الحديث، ويذكر ما له علاقة به من آيةٍ أو حديث آخر أو ما أشبه ذلك، ويذكر ما يروى في ذلك عن السلف الصالح، فقد اعتمد أساساً في بيان المعاني على الكتاب والسنة والآثار ولغة العرب، كما أنه استفاد من الشراح السابقين كابن عبد البر في التمهيد، والمهلب في شرح البخاري، والخطابي في معالم السنن، والباجي في المنتقى، والداودي في شرح البخاري، وغير ذلك، هذه من أهم مصادر القاضي عياض في شرحه، على أن القاضي عياض -رحمه الله- لم يكن مجرد ناقل، بل كان ناقداً بصيراً ممحصاً خبيراً، فكثيراً ما يتعقب غيره بإصلاح الغلط، وبيان الوهم، القاضي -رحمه الله تعالى- مالكي المذهب كما هو معروف، غالباً ما يرجح مذهب الإمام مالك، لكنه يخرج عنه ويرجح غيره إذا كان الدليل بخلاف ما رآه الإمام مالك، وهذا من إنصافه -رحمه الله-.

بالنسبة لمسائل الاعتقاد قاسم يشترك فيه المازري والقاضي عياض والأُبي والسنوسي وأيضاً النووي كلهم يشتركون على تقييد مسائل الأسماء والصفات، أو الأسماء والصفات على مذهب الأشاعرة كلهم، قبل ما نذكر شيء من هذه الصفات هنا مسألة في صدر الصحيح، الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- يقول: "وظننت حين سألتني تجشّم ذلك أن لو زعم لي عليه، وقضي لي تمامه، كان أول من يصيب نفعُ ذلك إياي خاصةً" يعني أول من يستفيد المؤلف في التأليف، أول من يستفيد المعلم في التعليم، هذا معنى كلامه، لكن ما معنى عزم لي؟ والفعل مبني للمجهول من فاعله؟ يقول القاضي عياض: "قال الإمام -يقصد المازري- لا يُظن بمسلم -يعني بالإمام مسلم- أنه أراد لو عزم الله لي عليه؛ لأن إرادة الله لا تسمى عزماً، ولعله أراد: لو سهّل لي سبيل العزم، أو خلق فيّ قدرة عليه" هذا كلام المازري، القاضي عياض قال: "قد جاء هذا اللفظ في الكتاب من كلام أم سلمة -في الكتاب الذي هو الأم صحيح مسلم- من كلام أم سلمة في كتاب الجنائز قالت: ثم عزم الله لي فقلتها" يعني إذا كان المبني للمجهول محتمل، فمثل هذا لا يحتمل شيء، العازم هو الله -سبحانه وتعالى-. يقول: "أصل العزم القوة، ويكون بمعنى الصبر، وتوطين النفس وحملها على الشيء، والمعنى متقارب، ومنه قوله -عز وجل-: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [(35) سورة الأحقاف] .. الخ، المقصود أن صفة العزم لله -سبحانه وتعالى- كلهم ينفونها عن الله -سبحانه وتعالى- بما في ذلكم النووي، وهذه الخلاف فيها أمر يسير، أمره يسير؛ لأنه ما ثبت شيء مرفوع، لا من الكتاب ولا من السنة في إثبات صفة العزم؛ لكن أقوى ما فيه قول أم سلمة "ثم عزم الله لي فقلتها". ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- ذكر أن لأهل السنة في هذه المسألة في إثبات صفة العزم ونفيها قولان، لكنه رجّح إثبات صفة العزم لله -سبحانه وتعالى-. طالب: طريقة القاضي عياض لما يذكر كلام المازري ثم يكمل عليه، يعني هل إكمال المعلم يتضمن كتاب المعلم .. ؟

(إكمال إكمال المعلم) للأبي:

غالباً غالباً، قد يقول إلى آخره، وحينئذ فلا يستغنى عن كتاب المازري، قد يقول إلى آخره، قال الإمام كذا .. إلى آخره، فالخلاف في مثل هذه يسير؛ لكن في مثل تأويل صفة الضحك، في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يزال يدعو)) يعني آخر الناس دخولاً للجنة يقول في الحديث في صحيح مسلم: ((لا يزال يدعو حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك منه قال: ادخل الجنة)) قال الإمام: "الضحك من الله -سبحانه وتعالى- محمول على إظهار الرضا والقبول، إذ هو في البشر علامة على ذلك، ويقال: ضحكت الأرض إذا ظهر نباتها، وفي بعض الحديث: ((فيبعث الله سحاباً فيضحك أحسن الضحك)) فجعل انجلاءه عن البرق ضحكاً على الاستعارة، كأنه تعالى لما أظهر له رحمته استعير له اسم الضحك مجازاً" هذا في الجزء الأول من إكمال المعلم صفحة (558) قال القاضي: "الضحك في البشر أمر اختصوا به، وحالة تغير أوجبها سرور القلب فتنبسط له عروقه، فيجري الدم فيها، فيقبض إلى سائر عروق الجسد، فيثور لذلك حرارة يبسط لها الوجه ويضيق عنها الفم، فينفتح وهو التبسم، فإذا زاد السرور وتمادى ولم يضبط الإنسان نفسه واستخفه سروره قهقه، والمتغيرات وأوصاف الحدث منتفية عن الله تعالى، وجاءت الآثار الصحيحة بإضافة الضحك إليه، فحمل العلماء ذلك على الرضا بفعل عبده ومحبته للقائه وإظهار نعمه وفضله عليه وإيجادها له؛ وقد حملوه أيضاً على التجلي للعبد، وكشف الحجاب عن بصره حتى يراه، والضحك يعبر به عن الظهور ومنه: . . . . . . . . . ... ضحك المشيب برأسه فبكى هذا كلام المازري وتعقيب القاضي عياض، ومثله وقريب منه ما ذكره الأبي في شرحه، في الجزء الأول صفحة (341) ومثله السنوسي أيضاً في نفس الموضع، والنووي أيضاً في الجزء الثالث صفحة (43) ومثله أيضاً تأويل الغضب عند الأبي في الأول صفحة (363) وكذلك عند السنوسي، وغير ذلك، آيات الصفات لا سيما الفعلية أولها هؤلاء الشراح كلهم؛ لكن مثلما ذكرنا سابقاً أن هذه الشروح يستفاد منها على حذر، يعني تؤخذ الفائدة الكبرى التي توجد في هذه الكتب، ويحذر مما يخالف فيه المؤلف من عقائد. (إكمال إكمال المعلم) للأُبي:

بعد ذلكم (إكمال إكمال المعلم) مؤلفه أبو عبد الله محمد بن خلفة الوشتاني الأبي المالكي المتوفى سنة سبع وعشرين وثمانمائة، قد يقول قائل: الأبي هذه ليش تضم الهمزة والمشهور عند الناس في اليمن إيش؟ إب بالكسر، لا هذا ليس منسوباً إلى إب وإنما منسوباً إلى أُبه –المغرب-.

يقول في مقدمته: "أما بعد: فإن هذا تعليق أمليته على كتاب مسلم، ضمنته كتب شراحه الأربعة، المازري وعياض والقرطبي والنووي، مع زيادات مكملة، وتنبيه على مواضع من كلامهم مشكلة، ناقلاً لكلامهم بالمعنى لا باللفظ حرصاً على الاختصار، مع ما في ذلك من بيان ما قد يعسر فهمه من كلامه بعضهم لتعقيده، لا سيما من كلام القاضي عياض، يقول: "سمعت شيخنا أبا عبد الله محمد بن عرفة -رحمه الله تعالى- يقول: "ما يشق علي فهم شيءٍ ما يشق من كلام عياض في بعض المواضع من الإكمال" الآن الإكمال يقرؤه طالب العلم يستفيد منه كثيراً، نعم قد يشكل عليه بعض الأشياء؛ لكن هذا كلام ابن عرفة، ماذا يقول: "ما يشق علي فهم شيءٍ ما يشق من كلام عياض في بعض المواضع" هذا كلام ابن عرفة، لكن اسمعوا كلام ابن عرفة في تعريف الإجارة -الإجارة قد يقول قائل: أنها لا تحتاج إلى تعريف- لننظر هذا الشخص الذي يقول: أن كلام عياض يشق عليه، ابن عرفة يقول في تعريف الإجارة -انتبهوا يا إخوة، هذا استطراد لا علاقة له بما عندنا لكن يقول في تعريف الإجارة: "بيع منفعة ما أمكن نقله، غير سفينةٍ ولا حيوانٍ لا يعقل، بعوضٍ غير ناشئٍ عنها، بعضه يتبعّض بتبعيضها" هذا تعريف الإجارة عند ابن عرفة، ابن عرفة هذا الذي يشق عليه كلام القاضي عياض، كلامه الذي يحتاج إلى ... يعني إذا كان موجود يمكن يوضح، لكن ما استطاع أيضاً التوضيح لمن استدرك عليه في نفس المسألة يقول: "بيع منفعة ما أمكن نقله، غير سفينةٍ ولا حيوانٍ لا يعقل، بعوضٍ غير ناشئٍ عنها، بعضه يتبعّض بتبعيضها" فاعترض عليه أحد تلاميذه بأن كلمة (بعض) تنافي الاختصار، وأنه لا ضرورة لذكرها، فتوقف الشيخ يومين ثم أجاب بما لا طائل تحته، هذا الذي يقول مثل هذا الكلام المعقد، يقول: أنه يشكل عليه فهم كلام القاضي عياض، يعني بالنسبة لهذا الكلام كلام القاضي عياض يصلح للمبتدئين من سهولته ووضوحه.

(مكمل إكمال الإكمال) للسنوسي:

يقول الأبي: "ولم أتعرض للكلام على الخطبة -الأبي لم يشرح الخطبة- لأنها في علم الحديث، وذلك شيء آخر، ورأيت الأهم البداية بشرح الأحاديث، وإن أنسأ الله في الأجل وسهّل، فسأتكلم عليها -إن شاء الله تعالى-، ولما كانت أسماء هذه الشراح يكثر دورانها في الكتاب اكتفيت عن اسم كل واحدٍ بحرف من اسمه فجعلته (م) للمازري و (ع) لعياض و (ط) للقرطبي و (د) لمحي الدين النووي، ولفظ (الشيخ) لشيخنا أبي عبد الله المذكور –يعني ابن عرفة- وما يقع من الزيادات المشار إليها أترجم عليها بلفظ: قلت، وسميته بإكمال الإكمال". الكتاب ضمنه مؤلفه الشروح الأربعة التي ذكرها، شرح المازري وعياض والقرطبي والنووي، أيضاً الشارح ينقل من المصادر بالمعنى لا باللفظ طلباً للاختصار كما تقدم، وهو أيضاً يوضح ما يشكل من هذه النقول، ولم يشرح المقدمة؛ لأنها في علوم الحديث، واهتمامه بالأحاديث نفسها، استعمل الرموز في الشروح التي اعتمد عليها، وعرفنا أن طريقة الأبي كسابقيه في تقرير مسائل الاعتقاد فلا نحتاج إلى إعادة، هنا إحالات كثيرة على تأويل الصفات موجودة. (مكمل إكمال الإكمال) للسنوسي: رابعاً: (مكمل إكمال الإكمال) مؤلفه أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف السنوسي الحسيني المتوفى سنة خمس وتسعين وثمانمائة، جاء في مقدمته يقول: "كان من أحسن شروح صحيح مسلم وأجمعها شرح الشيخ العلامة أبي عبد الله الأُبي -رحمه الله تعالى- أردت أن أتعلق بأذيال القوم، وإن كنت في غاية البعد منهم إلا أن يمنّ الوهاب تعالى باللحاق بعد اليوم" يقول: "فاختصرت في هذا التقييد المبارك -إن شاء الله تعالى- معظم ما في هذا الشرح الجامع من الفوائد، وضممت إليه كثيراً مما أغفله مما هو كالضروري لا كالزوائد، وأكملته أيضاً بشرح الخطبة، فتمّ النفع -والحمد لله تعالى- بشرح جميع ما في الكتاب، وجاء بفضل الله تعالى مختصراً يقنع أو يغني عن جميع الشروح، وما فيها من تطويل أو مزيد إطناب، فهو جدير -إن شاء الله تعالى- أن يسمى لذلك بمكمل إكمال الإكمال".

(المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج) للنووي:

استعمل الرموز أيضاً فـ (ب) للأبي و (ع) لعياض و (ط) للقرطبي و (ح) للنووي –يعني محي الدين- و (ص) للأصل، يعني صحيح مسلم و (ش) للشرح، شرحٌ هو شرح أيضاً بالقول كسوابقه، المقصود أن هذا الشرح لا شك أن فيه شيء من التكميل لمن تقدمه، كما أن إكمال الإكمال مكمل لما قبله، وإن كانت الزوائد في هذين الكتابين يسيرة جداً، الزوائد عند الأبي والسنوسي يسيرة جداً بالنسبة لما ذكره القاضي عياض، ثم ما في شرح النووي على ما سيأتي. يعني لو قيل: على ما نقتصر بالنسبة للبخاري؟ نقول: الذي لا يريد أن يقتني إلا شرح واحد فعليه بفتح الباري، وإن كان قد يحتاج في غالب الأحوال أو يحتاج في كثير من الحالات إلى القسطلاني لضبط الألفاظ. فإذا جمع بين إرشاد الساري وفتح الباري اكتفى بهما عن غيرهما، بالنسبة لصحيح مسلم يعني لو اقتصر على شرح القاضي عياض مع شرح النووي كفاه ذلك؛ لأن زيادات الأبي والسنوسي قليلة نادرة، لا تستحق أن يفرد لها شرح، نعم لو علقت على شرح النووي أو شرح القاضي عياض كان جيد. طالب:. . . . . . . . . المفهم فيه زيادات، وفيه بسط لكثير من المسائل الفقهية والأصولية، وما يتعلق باللغة العربية؛ لكنه ليس بشرح للصحيح، إنما هو شرح للمختصر، لكن يستفاد منه في فهم الصحيح بلا شك. (المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج) للنووي: بعد ذلكم (المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج) لمؤلفه محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة ستٍ وسبعين وستمائة، عن كم؟ ستٍ وسبعين وستمائة، مولده متى؟ واحد وثلاثين، عمره كم؟ طالب: خمس وأربعين سنة.

نعم خمس وأربعين سنة، يكون مولده سنة إحدى وثلاثين وستمائة، خمس وأربعين سنة قد خلف هذا العلم العظيم الذي يستفاد منه منذ تأليف هذه الكتب إلى يومنا هذا في مشارق الأرض ومغاربها، لا سيما الأذكار، ورياض الصالحين، شرح مسلم، شرح المذهب كتاب عظيم، لو قدر تمامه لأغنى عن كثير من كتب الفقه، هذه بركة من الله -سبحانه وتعالى- هذا القدر اليسير من العمر ينتج فيه هذا الإنتاج العظيم مع أنه لم يكن يشغل عمره أو جلّ وقته في التصنيف، لا، عنده في اليوم اثنا عشر درس، في اليوم الواحد اثنا عشر درس، والعبادة تأخذ من وقته الشيء الكثير، فهو معدود من العباد -رحمه الله-، ما يعتذر الشخص بأنه مشغول أو إذا قيل له: ما تحضر الدرس الفلاني؟ قال: أنا مرتبط، أنا مشغول، أشغالي كثيرة، أو طلب منه تأليف تعلل بأعذار واهية، لا، الوقت فيه بركة لمن استغله وصدق النية، يعينه الله -سبحانه وتعالى-، يعني إذا كان يعرف أناس يداومون الدوام الكامل في هذه الأيام يدرسون لهم حلقات، وعندهم أعمال أخرى، ويوجد وإن كان نادر ممن يختم القرآن ممن هذه صفاته كل يوم، ويزور المقابر في كل أسبوع، يزور المستشفيات، يصل الأرحام، ودوامه كامل، يعني من ثمان إلى ثنتين، إعانة من الله -سبحانه وتعالى-، وإلا أكثر الناس يضيع عمره سدى، فالنووي من هذه الشاكلة، مؤلفات، قصر عمر، عبادة تذكر، كثرة دروس، شفاعات كثيرة جداً لذوي الحاجات عند الولاة، حتى أنه أمر بالكف عن هذه الشفاعات فما امتثل -رحمه الله-.

الإمام النووي -رحمه الله تعالى- افتتح كتابه بمقدمةٍ أوضح فيها منهجه في شرحه، وأنه شرح متوسط بين المختصرات والمبسوطات، لا من المختصرات المخلات، ولا من المطولات المملات، يقول: "ولولا ضعف الهمم -يعني كما قال في شرح البخاري- وقلة الراغبين، وخوف من عدم انتشار الكتاب لقلة الطالبين للمطولات لبسطته فبلغت به ما يزيد على مائة من المجلدات، من غير تكرار ولا زيادات عاطلات، بل لكثرة فوائده، وعظم عوائده الخفيات والبارزات ... إلى أن قال: "فأذكر فيه -إن شاء الله تعالى- جملاً من علومه الزاهرات من أحكام الأصول والفروع والآداب والإشارات الزهديات، وبيان نفائس من أصول القواعد الشرعيات"، يقول: "وإيضاح معاني الألفاظ اللغوية وأسماء الرجال، وضبط المشكلات، وبيان أسماء ذوي الكنى وأسماء آباء الأبناء والمبهمات، والتنبيه على لطيفة من حال بعض الرواة وغيرهم، واستخراج لطائف من خفيات علم الحديث من المتون والمسانيد المستفادات، وضبط جملٍ من الأسماء المؤتلفات والمختلفات، والجمع بين الأحاديث التي تختلف ظاهراً ويظن بعض من لا يحقق صناعتي الحديث والفقه وأصوله كونها متعارضات، وأنبه على ما يحضرني في الحال في الحديث من المسائل العمليات، وأشير إلى الأدلة في كل ذلك إشارات إلا في مواطن الحاجة إلى البسطة للضرورات" يقول: "وحيث أنقل -نبهنا عليه قريباً- يقول: وحيث أنقل شيئاً من أسماء الرجال واللغة وضبط المشكل والأحكام والمعاني وغيرها من المنقولات فإن كان مشهوراً لا أضيفه إلى قائله؛ لكثرتهم إلا نادراً لبعض المقاصد الصالحات" يعني إذا أردت أن تشير إلى من قال بالكلام المشهور يحتاج أن تعدد جميع أهل العلم أو جلّ أهل العلم إلا من خالف في هذه المسائل، أما المسائل غير المشهورة النادرة يقول: "وإن كان غريباً أضفته إلى قائليه إلا أن أذهل عنه في بعض المواطن لطول الكلام أو كونه مما تقدم بيانه في الأبواب الماضيات" وإذا تكرر الحديث أو الاسم أو اللفظة من اللغة ونحوها بسطت المقصود منه في أول مواضعه، وإذا مررت على الموضع الآخر ذكرت أنه تقدم شرحه وبيانه في الباب الفلاني من الأبواب السابقات".

ثم قدم بين يدي الشرح أصولاً مهمة جداً، ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها، وأن يقرأها ويفهمها، بدأ بإسناده في الكتاب إلى الإمام مسلم، ترجم لرواته من شيوخه إلى مسلم تراجم مختصرة، تحدث عن صحيح مسلم وشهرته وتواتر نسبته إلى مصنفه، وبيّن منزلته بين كتب السنة، ثم ذكر الخلاف فيما يفيد الخبر الواحد إذا صح، المسألة فيما يفيده الخبر الواحد إذا صح مسألة طويلة الذيول، لكن الجمهور على أن خبر الواحد إذا صح إنما يفيد الظن؛ لاحتمال الخطأ والوهم والنسيان على الراوي، وإن كان حافظاً ضابطاً ثقة، ومعنى إفادة الظن أنه لا يقطع به، يعني لا يعني أن الحديث صح وتوافرت فيه شروط القبول أنه يحلف عليه، وأن نسبته ثابتة إلى قائله مائة في المائة، هذا ما قرره النووي في صدر كتابه، وإن قال بعضهم أنه يفيد القطع، يعني إذا جاءنا حديث من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر نحلف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال هذا الحديث؟ يفيد القطع؟ نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مائة بالمائة، ألا يحتمل أن نافعاً وهم؟! مالك ضبطت عليه أوهام وإن كان نجم السنن؛ لكن بعض أهل العلم يرى أن خبر الواحد إذا صح يفيد القطع بثبوته ويحلف عليه، وإن كان هناك قول ثالث وهو الراجح -إن شاء الله تعالى- أنه يفيد القطع إذا احتفت به قرينة، أما إذا خلى عن القرائن فهو على أصله لا يفيد إلا الظن، إذا احتفت به قرينة أفاد القطع؛ لأن احتمال الخطأ والوهم ضعيف، المسألة مفترضة في الراوي الثقة، احتمال الخطأ والوهم عليه، يعني نسبته مرجوحة، وإلا لو كانت نسبة راجحة ما احتمل ولا الظن، هذه النسبة الضعيفة يقدر أن نسبة الخطأ 10% تقابل هذه الـ10% القرينة، وحينئذٍ يرتفع احتمال الخطأ، احتمال النقيض، فيرتقي إلى القطع، والمسألة مهمة ومبحوثة في كثيرٍ من الكتب، ولا محظور في كون الخبر الواحد إذا صح يفيد الظن؛ لأنه وإن كان يفيد الظن فيجب العمل به وإن كان لا يفيد إلا الظن، وكونه يفيد القطع إذا احتفت به قرينة هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن حجر وغيرهم خلافاً لمن يقول: أنه يفيد القطع مطلقاً؛ لكن هذا القول مرجوح بلا شك، أو كونه يفيد الظن مطلقاً كذلك.

ثم ذكر مراد الإمام مسلم في تقسيمه للأحاديث إلى ثلاثة أقسام أحاديث صحيحة، وبيان مراتب الرواة عنده، ثم ذكر بعض المسائل الاصطلاحية كالصحيح والحسن والضعيف والمرفوع والموقوف وزيادات الثقاة والتدليس والاعتبار والمتابعات والشواهد والاختلاط والناسخ والمنسوخ ومعرفة الصحابة والتابعين ورواية الحديث بالمعنى وغير ذلك. وهذا الشرح على اختصاره لا شك أنه عظيم النفع، جمّ الفوائد، لا يستغني عنه طالب علم؛ لإمامة مؤلفه وحسن انتقائه وجمعه وتنبيهاته العجيبة ولطائفه النفيسة، الحافظ ابن حجر له نكت على هذا الشرح، والشرح لا شك أنه قابل للتنكيت، قابل للحاشية، يعني تبسط مسائله وتوضح، والمؤلف -رحمه الله تعالى- شافعي المذهب، يرجح مذهب الشافعي غالباً، وينتصر له، وقد يرجح غيره لا سيما إذا قوي دليل المخالف، وهذا من إنصافه، أما في مسائل الاعتقاد فهو على ما تقدم في سوابقه أنه يقرر مذهب الأشاعرة في الصفات، ولا يسلك مسلك السلف في إمرارها كما جاءت، وهذا لا شك أنه قدح في الكتاب لكنه يستفاد من الكتاب بقدر ما فيه من فوائد، ويعرض عما فيه أو يعلق لو تيسر من يعلق على جميع الكتاب فيما يخالف فيه المنهج الصالح، وأما الإعراض بالكلية عن الكتاب هذا ليس بمنهجٍ سليم، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- اعتذر عمن هذا مسلكه في مجموع الفتاوى بأعذار كثيرة، حتى أنه اعتذر عمن يظن كثير من طلبة العلم أنه يحرف النصوص، يعني مثلاً فرق بين النووي في تأويله مسائل الصفات مع ما نعرفه عنه من حسن القصد، وبين ما يسلكه الرازي في تفسيره من تأصيله وتقريره وتقعيده، فهو مجتهد مذهب، مجتهد عند الأشاعرة، يقرر هذا المذهب بقوة، ويدافع عنه ويناضل، ويرمي من يخالفه بالعظائم، يعني في تفسير الرازي، في تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى] يقول: "وصنف محمد بن إسحاق -بعد أن رماه بأبشع الألفاظ يعني ابن خزيمة- كتاباً سماه كتاب التوحيد، والأولى أن يسمى كتاب الشرك".

يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "أن الناس يشكون في صدق نيته، والذي يغلب على الظن أنه يعمل بما بلغه، وفهمه من النصوص" كلام شيخ الإسلام يعني إذا كان يقال مثل هذا الكلام في الرازي وصنيعه مثلما سمعتم؟ فكيف بمثل ابن حجر والنووي وغيرهم ممن عرف حسن مقصده، وسلامة منهجه في اتباعه للسنة، وعنايته بها؟. ولا شك أن الكلام على صحيح مسلم وشروحه يحتاج إلى شيءٍ من البسط، وشيء من الزيادة؛ لكن الوقت لا يحتمل أكثر من ذلك، وغداً -إن شاء الله تعالى- نعرض باختصار لشروح سنن أبي داود والنسائي، وبعده لشروح الترمذي وابن ماجه، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا يقول: هل الأفضل لطالب العلم أن يقرأ مختصر الصحيح أو أصله مع الأسانيد، إذ بقراءة المختصر يختصر الوقت، تكرر القراءة مع الإسناد، والمكرر يطول الوقت، وقد لا يستفيد الطالب من قراءة الإسناد خاصة بالصحيح؛ لأن رجاله قد جازوا القنطرة؟

الأصول، الكتب الصحاح، والسنن والمسانيد وغيرها لا تغني عنها المختصرات بحال، نعم الطالب غير المتخصص، أو الطالب المشغول بأمورٍ أخرى غير العلوم الشرعية لو اقتصر على المختصرات كان جيداً بالنسبة له؛ لأن الوقت لا يستوعب قراءة الأصول، أما المكررات في الكتب الأصلية وذكر الأسانيد، ذكر الطرق والمتابعات والشواهد، هذه أمور لا يستغني عنها طالب العلم، بل لا بد له منها، وكون رجال الصحيحين على وجه الخصوص جاوزوا القنطرة، كما قال أهل العلم لا يعني أنه ينبغي أن لا يعتنى بهم، يعتنى بهم، هؤلاء الرجال رووا أحاديث خارج الصحيحين، فهل حكم روايتهم للأحاديث غير الصحيحين مثل الأحاديث التي رووها في الصحيحين؟ بمعنى أن من رجال البخاري مثلاً أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، لو جاءت روايته في سنن أبي داود هل معنى هذا أن روايته في القوة في سنن أبي داود في حكم رواية البخاري قوةً؟ أو أن الشيخين انتقيا من أحاديث الراوي ما ووفق عليه، لا سيما من وجه إليه شيء من النقد؟ وعلى هذا فكون الراوي من رجال الصحيحين لا يؤخذ قضية مسلمة إذا روى خارج الصحيحين؛ لأن الشيخين مع شدة تحريهما وانتقائهما للرجال خرجوا لرواة تكلم فيهم من قبل غيرهم، تخريجهم لهم في الشواهد مثلاً أو فيما توبعوا عليه ووفقوا عليه وعرف أنهم ضبطوه، والإمام مسلم بيّن منهجه في مقدمة صحيحه، وأنه يخرج أحاديث الرواة الضابطين المتقنين من الدرجة الأولى، وقد ينزل إلى رواة الطبقة الثانية ممن يلونهم في الحفظ والإتقان، لكنهم دونهم إذا عرفت ملازمتهم للشيوخ، وقد ينزل قليلاً إلى من مسّ بضربٍ من التجريح لا سيما فيما ووفق عليه، ولذا يقول الحافظ العراقي في معرض كلامه على سنن أبي داود نقلاً عن ابن سيد الناس يقول: وللإمام اليعمري إنما ... قول أبي داود يحكي مسلما حيث يقول جملةُ الصحيح لا ... توجد عند مالكٍ والنبلا فاحتاج أن ينزل يعني الإمام مسلم: فاحتاج إن ينزل في الإسنادِ ... إلى يزيد بن أبي زيادِ

يعني قول أبي داود: "ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما سكت عنه فهو صالح، وما فيه وهن شديد بيّنته"، يقول: هذا كونه ذكر الصحيح وما يشبهه ويقاربه من الحسن يشابه إلى حدٍ ما على حد زعم ابن سيد الناس أبي الفتح اليعمري يشابه إلى حدٍ ما مقالة مسلم في صدر صحيحه، ولذا قال: وللإمام اليعمري إنما قول أبي داود يحكي مسلما فإذا وقفت على رواية يزيد بن أبي زياد مثلاً عند الإمام مسلم وجدتها عند غيره هل روايته في مسلم مثل رواية غيره عنه؟ لا، الإمام مسلم ينتقي، وأيضاً الإمام مسلم يذكر حديث الراوي المتكلم فيه في الشواهد، وكذلك البخاري. المقصود أن قولهم رجال الصحيحين جازوا القنطرة ليس على إطلاقه، هذا هو الأصل وهو الغالب في رواة الأحاديث الأصول عندهم، أما من أخرجوا لهم في المتابعات والشواهد فالأمر فيهم أقل، ولذا يختلفون في شرط البخاري ومسلم، والأكثر على أن شرطهما رجالهما، فإذا وقفنا على حديث في غير الصحيحين روي برجال أخرج لهما الشيخان بالصورة المجتمعة، بنفس الصورة ونفس الصيغ، صيغ الأداء، صح أن نقول: أن الحديث على شرط الشيخين، مع أنه لا يوازي ما في الصحيحين من رواية، ولو كان بالصورة المجتمعة على ما سمعنا. يقول: أفضل طبعات الشروح؟ هذه طلبت كثيراً، لعلها في آخر الوقت ينبه عليها. يقول: هل ينصح الطالب بحفظ صحيح مسلم أولاً أم صحيح البخاري؟ لا شك أن حفظ صحيح مسلم أسهل وأيسر للطالب، فالبداءة به أنسب من هذه الحيثية، وإلا فالأصل هو أنه ينبغي أن يعتنى بصحيح البخاري لا سيما من أراد أن يتفقه من السنة، أما من أراد الحفظ فأيسر له أن يبدأ بصحيح مسلم. يقول: درست أن مسلماً وضع الصحيح بدون تراجم للأبواب، وكذلك النووي في شرحه؟ لا، النووي في شرحه وضع تراجم، تراجم للشرح، لا لأبواب الأصل، لا، ولذا فإن إدخال هذه التراجم في الأصل خطأ، فعله محمد فؤاد عبد الباقي وغيره، لكنه الكتاب في الأصل لم يترجم، أخلاه مؤلفه من التراجم، لكن الشراح اجتهدوا في وضع تراجم، كلٌ وضع تراجم خاصة. يقول: ما أفضل طبعات شروح مسلم؟ هذا تابع لما قبله.

سنن أبي داود مختصراته وشروحه:

يقول: ذكر السنوسي أنه اختصر شرح الأبي لكن المتأمل له يجد أنه يعيد نفس كلام الأبي بحيث لا يلحظ القاري أي فرق بين الشرحين؟ لا توجد فروق تذكر بين هذين الشرحين أو بينهما غيرهما من الشروح التي تقدمتهما مما يُزعم أنه تكميل لها، نعم هناك تعليقات يسيرة من الأبي على القاضي عياض، ومن السنوسي أيضاً على الأبي، لو جردت هذه التعليقات، وكل طالب يعلق على نسخته ما يستحق أن ينقل من هذه الشروح، وإلا كله تكرار في تكرار، يعني ما يوجد في الأبي والسنوسي مكرر مع ما عند القاضي عياض. يقول: هل هناك شرح متوسط أو مختصر لكتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان؟ لا يوجد، هناك كتاب اسمه (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم) لكنه مرتب على الحروف ويصعب الاستفادة منه، وترتيبه أيضاً على الحروف فيه شيء من الخلط، وعليه حاشية وشرح لا بأس به لمؤلفه شنقيطي من الشناقطة، وعلى كلٍ (اللؤلؤ والمرجان) في بابه كتاب نفيس، أنفس من زاد المسلم، فيمكن مطالعة شروح الأحاديث من الشروح المعتبرة، من فتح الباري وشرح النووي مثلاً. يقول: لو تكرمتم بذكر أهم الشروح التي لا يستغنى عنها للكتب الستة مع ذكر الطبعة التي تنصحون باقتنائها؟ وكذلك أفضل الطبعات للمسانيد؟ هذا آخر المقام -إن شاء الله- ينبه على شيءٍ من ذلك، وحقيقةً لا أدري هل أتمكن غداً من تكملة الكلام على بقية الكتب أو نضطر إلى إضافة عصر الجمعة، فإن استطعنا بها ونعمت، فإن لم نستطع فلعلنا نتدارك البقية في عصر الجمعة. يقول: الأخوة بحاجة إلى التعريف بكتب السنن وصحيح مسلم أكثر من الفترة المتبقية للدورة؟ يقول: هذا يطلب زيادة مدة الدورة ولو إلى الأسبوع القادم حتى لا يكون الاختصار مخلاً؟ على كل حال نحن إذا بدأت الدروس عندنا في المسجد الدروس المنتظمة من سنين طويلة لا أستطيع أن أرتبط مع أحد، فحدنا يوم الجمعة؛ لأنه يوم السبت تبدأ دروسنا في المسجد، دروس منتظمة من سنين ارتبط عليها جمع من الأخوة لا أستطيع أن أتركهم. سنن أبي داود مختصراته وشروحه:

فنبدأ بسنن أبي داود وشروحه، فسنن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى سنة خمسٍ وسبعين ومائتين أحد الكتب الأصول الستة اتفاقاً، اعتنى به العلماء وأشادوا به، يقول ابن القيم -رحمه الله- في مقدمة تهذيبه: "ولما كان كتاب السنن لأبي داود -رحمه الله- من الإسلام بالموضع الذي خصه الله به، بحيث صار حكماً بين أهل الإسلام، وفصلاً في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبحكمه يرضى المحققون، فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن نظام، مع انتقائها أحسن انتقاء، واطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء". ويقول المنذري: "فإنه يعني -سنن أبي داود- أحد الكتب المشهورة في الأقطار، وحفظ مصنفه وإتقانه وتقدمه محفوظ عند حفاظ الأمصار، وثناء الأئمة عليه وعلى مصنفه مأثور عن رواة الآثار" والكتاب بالمحل المعروف عند أهل الحديث، وهو ثالث الكتب عند جماهير العلماء، وإن قدم بعضهم سنن النسائي عليه؛ لكن المعتمد عند أهل العلم أن سنن أبي داود يقدم على سنن النسائي، فإنه أنظف أسانيد. وذكرنا أن ابن سيد الناس زعم أن سنن أبي داود بمنزلة أو ينبغي أن يكون بمنزلة أو قريب من صحيح مسلم، وهذا ذكرناه سابقاً، لا شك أن ابن سيد الناس لم يوافق على ذلك؛ لأن أبا داود لم يكلف نفسه انتقاء الرواة والروايات مثل الإمام مسلم. يقول أبو سليمان الخطابي في معالم السنن: "كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف، لم يصنف في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من الناس كافةً، فقد صار حكماً بين فرق العلماء، وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وعليه معول أهل العراق، وأهل مصر وبلاد المغرب، وكثير من أقطار الأرض" يقول: "وأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بصحيحي البخاري ومسلم، ومن نحى نحوهم في جمع الصحيح على شرطهما إلا أن كتاب أبي داود أحسن رصفاً، وأكثر فقهاً". وهو أقرب –حقيقةً- فائدة لمن أراد أن يتناولها بدون عناء من صحيح البخاري، صحيح البخاري فيه شيء من المشقة للطالب المبتدئ، أما سنن أبي داود فالفائدة منه متيسرة؛ لكن دون هذه الفائدة النظر في ثبوت الحديث بخلاف ما في الصحيحين من أحاديث فإنه لا يحتاج إلى أن ينظر فيهما.

(معالم السنن) للخطابي:

ويقول ابن رسلان في مقدمة شرحه: "ينبغي للمشتغل بالفقه وبغيره الاعتناء بسنن أبي داود، فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه، وبراعة مصنفه واعتنائه بتهذيبه" ولا شك أن سنن أبي داود مظنة للأحاديث الصحيحة والحسنة وفيها الضعيف، خفيف الضعف، وفيه شديد الضعف، إلا أن ما كان ضعفه شديداً فقد التزم الإمام أبو داود بيانه، كما في رسالته إلى أهل مكة، قال: ومن مظنة للحسنِ ... جمع أبي داود أي في السننِ فإنه قال جمعت فيهْ ... ما صح أو قارب أو يحكيهْ وما به ضعف شديد قلتهُ ... وحيث لا فصالح خرجتهُ المقصود أن الكلام على سنن أبي داود يطول، كذلكم بقية السنن، ولأهمية هذا الكتب حظي من العلماء قديماً وحديثاً بالشروح والتعليقات والمختصرات، فشرحه جماعة من الأئمة واختصره آخرون، فممن شرحه أبو سليمان الخطابي في كتابه الشهير: (معالم السنن)، شرحه أيضاً النووي لكن شرحه لم يتم، وشرحه مسعود بن أحمد الحارثي، وهو أيضاً لم يكمل، وممن شرحه مغلطاي وهو أيضاً لم يكمل، وممن شرحه أحمد بن محمد بن هلال المقدسي، وشرحه أيضاً الإمام أبو زرعة أحمد بن الحافظ العراقي -رحمهم الله-، ولكنه أيضاً لم يكمل، وممن شرحه أحمد بن رسلان الرملي الشافعي، وهذا شرحه كامل وموجود، وممن شرحه أيضاً بدر الدين العيني، كتابه أيضاً طبع أخيراً وهو ناقص، وشرحه أيضاً باختصارٍ شديد السيوطي في (مرقاة الصعود) وهناك حاشية لأبي الحسن السندي اسمها: (فتح الودود)، وهناك أيضاً شرح لم يكمل أيضاً لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي اسمه: (غاية المقصود)، وأيضاً هناك (عون المعبود) على خلافٍ في مؤلفه؛ لكن الأكثر على أنه لصاحب (غاية المقصود)، وهناك كتاب اسمه: (بذل المجهود) لخليل بن أحمد السهارنفوري. ومن المتأخرين ممن شرحه الشيخ محمود خطابي السبكي في كتابه (المنهل العذب المورود) ونقتصر على الكلام على بعضها، خمسة أو ستة منها فقط. (معالم السنن) للخطابي:

فمن ذلكم (معالم السنن) مؤلفه تقدم ذكره في أعلام الحديث أو أعلام السنن أبو سليمان حَمْد بن محمد الخطابي البستي المتوفى سنة ثمانٍ وثمانين وثلاثمائة، ألفه الخطابي إجابةً لمن سأله ذلك، جاء في مقدمته: "أما بعد: فقد فهمت مسائلتكم -إخواني أكرمكم الله- وما طلبتموه من تفسير كتاب السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث، وإيضاح ما يشكل من متون ألفاظه، وشرح ما يستغلق من مبانيه، وبيان وجوه أحكامه، والدلالة على مواضع الانتزاع والاستنباط من أحاديثه، والكشف عن معاني الفقه المنطوية في ضمنها؛ لتستفيدوا إلى ظاهر الرواية لها، باطن العلم والدراية بها"، يقول: "وقد رأيت الذي ندبتموني له، وسألتموني من ذلك أمراً لا يسعني تركه، كما أنه لا يسعكم جهله، ولا يجوز لي كتمانه، كما أنه لا يجوز لكم إغفاله وإهماله، فقد عاد الدين غريباً كما بدأ، وعاد هذا الشأن دَارِسَةً أعلامه، خاوية أطلاله، وأصبحت رباه مهجورةً، ومسالك طرقه مجهولة".

ثم قسم من ينتسب إلى العلم في زمانه إلى قسمين: أهل الحديث وأثر، وأصحاب فقهٍ ونظر، نظر في من ينتسب إلى العلم في زمنه في القرن الرابع فوجدهم ينقسموا إلى قسمين: أهل حديث وأثر، وأهل فقه ونظر، مع أن كلاً من الفقه والأثر والحديث والنظر لا يتميز كل منهما عن الآخر؛ لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو كالفرع، وكل بناءٍ لم يوضع له أساس فهو منهار، وكل أساس خلا عن بناء فهو قفر وخراب، يقول: "ووجدت هذين الفريقين إخواناً متهاجرين، وعلى سبيل الحق بلزوم التناصر والتعاون غير متظاهرين" ثم بيّن وجه التقصير من كل فريق، وجه تقصير من ينتسب إلى الحديث، ووجه التقصير عند من ينتسب إلى الفقه، يقول: "أهل الحديث مبلغ حاجتهم، وجل قصدهم جمع الروايات والطرق، وطلب الغريب والشاذ، لا يراعون المتون، ولا يتفهمون المعاني، وربما عابوا الفقهاء بمخالفة السنن، وأما أهل الفقه والنظر فإن أكثرهم لا يعرجون من الحديث إلا على أقله، ولا يكادون يميزون صحيحه من سقيمه، وقد اصطلحوا فيما بينهم على قبول الخبر الضعيف والحديث المنقطع، إذا كان ذلك قد اشتهر عندهم، وتعاورته الألسن فيما بينهم، من غير ثبتٍ فيه فكان ذلك ظلةً من الرأي، وغبناً فيه"، يقول: "وهؤلاء -يعني من ينتسب إلى الفقه من أتباع الأئمة- يقول: وهؤلاء -وفقنا الله وإياهم- لو حكي لهم عن واحدٍ من رؤسائهم أو من رؤساء مذاهبهم وزعماء نحلهم قول يقوله باجتهادٍ من قبل نفسه طلبوا فيه الثقة، واستبرؤوا له العهدة"، ثم ذكر الثقاة من أصحاب الأئمة الذين يعول عليهم في نقل المذاهب .. إلى آخر كلامه -رحمه الله-، وهو كلام نفيس جداً.

لا شك أن من ينتسب إلى الحديث بحاجة إلى الدرب على الاستنباط، ومعرفة معاني الأحاديث، وما يستفاد منها، وما يخدمها من علوم اللغة، وأصول الحديث وأصول الفقه وقواعد التفسير، المقصود أن النصوص بحاجة إلى من يخدمها، فعلى طالب الحديث أن يعتني بما يسمى علوم الآلة، فيعرف من علوم الحديث ما يستطيع بواسطته أن يصحح ويضعف، ويعرف من علوم القرآن وقواعد التفسير ما يستطيع أن يتعامل به مع الآيات على طريقٍ سديد، على سنة من سلف؛ لأنه إن اقتصر على مجرد النصوص لا يعرف حينئذٍ العام من الخاص، المنطوق، المفهوم، المطلق، المقيد، الناسخ، المنسوخ، والنصوص كلها مشتملة على هذا كله. ثم أشاد بسنن أبي داود بكلامٍ نقلنا جله، ثم ذكر أقسام الحديث عند أهله، وأنه ثلاثة أقسام، صحيح وحسن وسقيم، وعرف الأقسام الثلاثة، تقسيمه للحديث وحصره الأقسام في الثلاثة حقيقةً لم يسبق إليه، يعني أول من قسم الحديث إلى ثلاثة أقسام هو الخطابي في مقدمة المعالم، نعم الأقسام الثلاثة موجودة في كلام الأئمة، وجد عندهم ذكر الصحيح، ووجد ذكر الحسن ووجد ذكر الضعيف؛ لكن من غير حصرٍ في الأقسام الثلاثة، ولذا انتقد الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- حصر الأقسام في الثلاثة، وقال: "إن كان هذا التقسيم يرجع إلى ما في نفس الأمر فليس إلا صحيح أو كذب ولا ثالث لهما، وإن كان راجع إلى استعمالهم فالأقسام عندهم أكثر من ذلك؛ لكن الجواب أن هذا التقسيم بالنسبة إلى استعمال أهل العلم، وما عدا الأقسام الثلاثة داخل فيها، كما هو معلوم، وكتاب أبي سليمان الخطابي على اختصاره من أنفس الشروح لإمامة مؤلفه، ورسوخ قدمه، ومن الإمامة في الدين، وإن كان منهجه في الاعتقاد على ما سمعنا سابقاً في كتابه (أعلام السنن) وما نقلناه عن شيخ الإسلام عن كتاب الغنية له.

شرح ابن رسلان على سنن أبي داود:

ولعله رجع عما في كتبه هذه إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، وكتابه المعالم هذا أجود من الأعلام، أعلام السنن أو أعلام الحديث الذي سبق ذكره في شروح البخاري؛ لأن هذا الكتاب ألفه أصالةً للسنن، لشرح السنن وخدمتها، أما أعلام السنن أو أعلام الحديث ألفه يريده كالتكملة لهذا الكتاب، ومذهب الخطابي الفقهي والعقدي في هذا الكتاب موافق لما في ذلك الكتاب فلا حاجة لإعادته، والكتاب مطبوع، طبعه الشيخ محمد راغب الطباخ في أربعة أجزاء على انفراد، وهي طبعة جيدة، معتنىً بها، مقابلة على نسخ خطية، في أربعة أجزاء صغيرة، طبع أيضاً مع مختصر المنذري وتهذيب ابن القيم في ثمانية أجزاء بعناية الشيخ أحمد شاكر ومحمد حامد الفقيه، وهي أيضاً طبعة نفيسة وجيدة. شرح ابن رسلان على سنن أبي داود:

بعد هذا شرح ابن رسلان، مؤلفه أحمد بن حسين بن علي بن يوسف بن علي بن أرسلان، قال السخاوي: "بالهمزة كما بخطه، وقد تحذف في الأكثر، بل هو الذي على الألسن"، أبو العباس الرملي الشافعي المشهور بابن رسلان المتوفى سنة أربعٍ وأربعين وثمانمائة، ابن رسلان حقيقةً في شرحه فيه شيء من التوسع، فيُعنى ببيان اختلاف النسخ والروايات، سنن أبي داود له روايات، كما أن للصحيحين روايات، رواية اللؤلؤي، رواية ابن داسة، رواية ابن العبد، وغيرها من الروايات، خمس أو ست روايات، فيعنى ببيان اختلاف النسخ المتداولة، والروايات المعروفة المشهورة، وينقل عمن تقدمه ومن عاصره، سواء كانت أقوالهم مدونة، أو ينقلها مشافهةً عنهم، وهو أيضاً ينقد ويمحص ما ينقله ويتتبع، يخرج الأحاديث المشروحة من الكتب المشهورة، يبين درجات الأحاديث من صحة أو حسن أو ضعف باجتهاده أيضاً وبتقليد غيره كثيراً، يعنى بالصناعة الحديثية إلا أن قدمه في الحديث ليست في الرسوخ مثل قدمه في الفقه، فهو من فقهاء الشافعية، لكن هو في الحديث أقل من ذلك، يعرف الرجال ويبين أحوالهم، يُعنى بفقه الحديث والاستنباط، ولعل هذا هو جلّ قصد المؤلف، لتمكّن المؤلف من علم الفقه، وطبيعة الكتاب المشروح، الكتاب المشروح أقرب ما يكون إلى الأدلة، أدلة الفقهاء، يهتم أيضاً بالمباحث اللغوية، فيشرح الألفاظ والعبارات التي تحتاج إلى بيانٍ وإيضاح معتمداً في ذلك على كتب اللغة وغريب الحديث. أيضاً ابن رسلان يضبط الكلمات التي تحتاج إلى ضبط، وقد يشير إلى الخلاف في الضبط، وهو أيضاً يهتم بالجوانب الصرفية للكلمات، ويعرب ما يحتاج إلى إعراب، وقد يذكر الخلاف في إعراب الكلمة واشتقاقها، يُعنى بالجوانب البلاغية، عرفنا أن ابن رسلان هذا شافعي المذهب، يرجح في الغالب مذهب الشافعية.

شرح العيني على سنن أبي داود:

وأما بالنسبة لمعتقده ومنهجه الذي سار عليه في هذا الكتاب في العقيدة فهو كغيره من غالب الشراح؛ جرى على طريقة الأشاعرة في تأويل الصفات، من ذلكم أنه أول صفة الحياء بعدم الامتناع من بيان الحق، يقول: "فيطلق الحياء على الامتناع إطلاق الاسم الملزوم على اللازم مجازاً" وقال عن حديث النزول: "بأنه يوهم التشبيه، إذ ذكر الرب بما لا يليق به من الانتقال والحركة فيجب تأويله على الوجه الذي يليق بصفاته، وهو أن يراد به إقباله على أهل الأرض بالرحمة والاستعطاف" الكلام في حديث النزول طويل جداً لأهل العلم، حتى الكلام عند من يثبت حديث النزول ويقول بموجبه بالنزول الإلهي، سواء كان في آخر الليل أو يوم عرفة، أو غيرهما من المواضع التي ثبت فيها النزول، من جهة هل النزول يستلزم الحركة والانتقال؟ وهل يخلو العرش من الرب -سبحانه وتعالى- عند نزوله أو لا يخلو؟ كلام طويل حرره وحققه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-. أيضاً ابن رسلان في مقابل يعني ما ذكر من عقيدته يتصدى للمعتزلة بالرد؛ لأنه معروف أن بدعة الأشاعرة في كثيرٍ من أبواب الدين أخف من بدعة المعتزلة، فهو يتصدى للمعتزلة بالرد فنقل عن الزمخشري نفيه رؤية الله -سبحانه وتعالى- في الآخرة، ثم رد عليه، وبيّن أن هذا مذهب المعتزلة، وأن مذهب أهل السنة في هذا أن الله -سبحانه وتعالى- يرى يوم القيامة. والكتاب نفيس ومفيد لقلة الشروح الكاملة بالنسبة للسنن، وإن كان صاحبه غير متميّز في الصناعة الحديثية، لكن جمعه للأقوال الفقهية واستدلاله للمذاهب جمع طيب جداً، يخدم الكتاب ويفيد الطالب، والكتاب محقق؛ لكنه لم ينشر بعد في بضع رسائل دكتوراة. شرح العيني على سنن أبي داود:

(عون المعبود):

بعد هذا شرح العيني على سنن أبي داود، العيني تقدم التعريف به، وهو أيضاً شرح ناقص، وصل فيه مؤلفه إلى باب الشح، وهو آخر أبواب الزكاة، منهج العيني في شرحه يشرح الترجمة شرحاً موجزاً في الغالب، يترجم لرواة الحديث، ويذكر ما قيل في الراوي؛ لكنه لا يرجح ويوازن بين أقوال الأئمة في الراوي، وهذا أمر مهم جداً؛ لأن مجرد النقل لأقوال الأئمة لا يعجز عنه أحد، المهم الخروج بالنتيجة الدقيقة الصائبة من أقوال أهل العلم في الراوي، تأخذ دراسة الأسانيد القسط الأكبر من الشرح، يبين معاني ألفاظ الحديث، ويستدل لما يميل إليه من معنى بالمرويات الأخرى، أو بالروايات الأخرى، يذكر ما يستفاد من الحديث، ويتعرض لكلام العلماء، وانحيازه لمذهبه الحنفي ظاهر، يعني مثل صنيعه في عمدة القاري، يذكر من أخرج الحديث مقتصراً في الغالب على الكتب الستة والموطأ والمسند ومصنف بن أبي شيبة، لا يهتم بالجوانب البلاغية من المعاني والبيان والبديع، كما فعل في أوائل شرح البخاري، وهذا يصدِق مقالة ابن حجر أنه اعتمد في أوائل شرحه على البخاري شرح الركن القريمي الذي اعتنى بهذه الجوانب، أنه لما انتهى شرح القريمي انتهت عناية العيني بهذه الأشياء، وعلى كلٍ شرح العيني طبع أخيراً يعني القطعة الموجودة منه طبعت، وفيه أيضاً خرم يسير في أوله. (عون المعبود):

بعد هذا عون المعبود، عون المعبود اشتهر بين الناس بأن مؤلفه محمد شمس الحق العظيم أبادي؛ لكن جاء في مقدمته بعد البسملة والحمدلة، "أما بعد: فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى أبو عبد الرحمن شرف الحق الشهير بمحمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر الصديقي العظيم أبادي، يقول غفر الله له: أن هذه الفوائد المتفرقة والحواشي النافعة على أحاديث سنن أبي داود جمعتها من كتب أئمة هذا الشأن" هذا كلام من؟ أبو عبد الرحمن شرف الحق الشهير بمحمد أشرف الصديقي، يقول: "جمعتها من كتب أئمة هذا الشأن -رحمهم الله تعالى- العجيب أنه في طرة الكتاب مكتوب: عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي، وهو غير هذا الذي في المقدمة، يأتي ذكر محمد شمس الحق- جمعتها من كتب أئمة هذا الشأن -رحمهم الله تعالى- مقتصراً على حلّ بعض المطالب العالية، وكشف بعض اللغات المغلقة، وتراكيب بعض العبارات مجتنباً عن الإطالة والتطويل إلا ما شاء الله تعالى، وسميتها بعون المعبود على سنن أبي داود، تقبل الله مني" يقول بعد ذلك: "وأما الجامع لهذه المهمات المذكورة من الترجيح والتحقيق وبيان أدلة المذاهب والتحقيقات الشريفة، وغير ذلك من الفوائد الحديثية في المتون والأسانيد وعللها"، هو .... أخونا العلامة الأعظم الأكرم أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي، يقول: "والباعث على تأليف هذه الحاشية -أولاً محمد شمس الحق له شرح مطول على سنن أبي داود اسمه: (غاية المقصود)، وذكر هنا يقول: "الباعث على تأليف هذه الحاشية المباركة أن أخانا الأعظم الأمجد أبا الطيب شارح السنن ذكر غير مرةٍ في مجلس العلم والذكر أن شرحي غاية المقصود يطول شرحه إلى غير نهاية، لا أدري كم تطول المدة في إتمامه والله يعينني، والآن لا نرضى بالاختصار، لكن الحبيب المكرم .. " الخ، المقصود أنه كلامٍ يطول، إنما قد يميّز ما في الكتاب مما ألفه شرف الحق مما ألفه شمس الحق بأن شرف الحق له يقول: له حلّ الألفاظ الغامضة والمباحث اللغوية وبيان التراكيب، هذا لشرف الحق، أما أبو الطيب له من الكتاب الفوائد الحديثية والكلام على المتون والأسانيد والعلل وبيان أدلة المذاهب

والتحقيقات الشريفة. فعلى هذا يكون قد اشترك في تأليف الكتاب اثنان، جاء في آخر الجزء الثامن من مقتصر شرح تهذيب سنن أبي داود لمحققه محمد حامد الفقهي خاتمة لا بد منها يقول: "وقد كان من أهم ما اعتمدت عليه في عملي في طبع مختصر السنن والتهذيب والمعالم عون المعبود؛ لأنه أجمع شرحٍ لسنن أبي داود، بل لعله أنفع شرحٍ للأحاديث مطبوع، وأوسعها إذا استثنينا فتح الباري"، لكن واقع الكتاب بخلاف هذا، الكتاب مختصر، سماه مؤلفه حاشية، وليس بشرحٍ مستوعب ومستقصي، هذا شرح مختصر، يشرح الحديث الواحد في صفحة أو صفحتين، فكيف يقال: أن هذا أوسع شرح للأحاديث مطبوع؟ لا، يعني باستثناء فتح الباري، يعني تجاهل الشروح الكبيرة لصحيح البخاري، يعني لا نسبة بينها وبين شرح العيني، شرح العيني أطول؛ لكن هذا الكتاب على كل حال الذي هو عون المعبود شرح لسنن أبي داود نافع، له مزايا يشرح الأحاديث بطريق المزج، يمزج كلمات المتن في الشرح، فيميز المهمل من الرواة، ويسمي المنسوب والمكنى، ويضبط ما يحتاج إلى ضبط، ثم يشرح الكلمات الغريبة التي تحتاج إلى شرح، ثم يتكلم على فقه الحديث كل هذا باختصار، ثم يخرج الحديث معتمداً في تخريجه على كلام المنذري في المختصر. ومع هذا فهو شرح مختصر لا يستوعب جميع الكلمات، ولا يعلق على رجال الحديث كلهم، إنما يكتفي بضبط بعض الأسماء أو تسمية بعض المكنين أو المنسوبين، يعنى ببيان صحة الحديث وضعفه؛ لكن لا عن اجتهاد إنما يعتمد في ذلك على غيره، وقد وصفه مؤلفه بأنه حاشية اجتنب فيها الإطالة، وقصد بيان معنى أحاديث السنن دون بحثٍ في ترجيح الأحاديث بعضها على بعض إلا على سبيل الاختصار، من غير ذكر أدلة المذاهب على وجه الاستيعاب إلا في المواضع التي دعت إليها الحاجة، يتميز الكتاب بأنه شرح كامل للسنن كلها من أولها إلى آخرها، يظهر فيه أيضاً إتباع المؤلف للنصوص، وليس فيه تعصب لأي مذهب من المذاهب، إنما يرجح على ما يقتضيه الحديث، وهو في هذا متأثر تأثر كبير بالشوكاني، أيضاً هو في المعتمد على طريقة أهل السنة والجماعة، يمر نصوص الصفات ويثبتها على ما يليق بجلال الله وعظمته، وهو أيضاً يرد على معظمي القبور ممن فتن بها، ويقرر السنة في كيفية وضع القبر، وكيفية الزيارة، كما في الجزء التاسع صفحة (36 و37) ينكر بعض البدع المنتشرة ...

مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (4)

مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (4) الشيخ/ عبد الكريم الخضير ينكر بعض البدع المنتشرة في الرابع عشر صفحة (141) قال: "المصافحة والمعانقة بعد صلاة العيدين من البدع المذمومة المخالفة للشرع"، ورد على النووي والعز بن عبد السلام بعض ذلك، وفي الحادي عشر صفحة (464 إلى 468) في حوالي خمس صفحات، قال: "ومن المصائب العظمى والبلايا الكبرى على الإسلام أن رجلاً من الملحدين الدجالين الكذابين خرج من الفنجاب من إقليم الهند" في كلامٍ طويل جداً يرد به على القادياني، ويحذر من بعض أتباعه، فعلى كل حال الكتاب مشهور ومتداول، وهو جيد ونفيس لمن يقنع بالشرح المختصر. (بذل المجهود في حلّ سنن أبي داود): بعد هذا (بذل المجهود في حلّ سنن أبي داود) ألفه الشيخ خليل بن أحمد السهارنفوري المتوفى سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف، منهج المؤلف اهتم المؤلف اعتنى عنايةً كبيرة بأقوال أبي داود صاحب الكتاب وكلامه على الرواة، وعني بتصحيح نسخ السنن المختلفة المنتشرة، خرّج التعليقات، ووصلها من المصادر الأخرى، يذكر مناسبة الحديث للترجمة، ويذكر الفائدة من تكرار الحديث إن تكرر، يستطرد في الاستنباط وذكر المذاهب؛ لكنه كثيراً ما يتعصب للمذهب الحنفي، ويحاول ترجيحه، معتمداً في ذلك على ما تقرر عند الحنفية من أصول، يُعنى ببيان ألفاظ الأحاديث على طريق المزج، ويبين أصولها واشتقاقها، يعتمد في شرح الأحاديث غالباً كما قال في المقدمة على مرقاة المفاتيح للملا علي القاري، وفتح الباري لابن حجر، عمدة القاري للعيني، بدائع الصنائع للكاساني، تقريب التهذيب لابن حجر، تهذيب التهذيب له، الإصابة له أيضاً، الأنساب للسمعاني، مجمع بحار الأنوار، كتاب للفتني في غريب الحديث، وأيضاً القاموس المحيط، ولسان العرب.

(المنهل العذب المورود):

يقول: "ولم آخذ من كلام الشارحين صاحب (غاية المقصود) و (عون المعبود) إلا ما نقلاه عن أحدٍ من المتقدمين، لم آخذه مقلداً لمجرد قولهما دون أن أجده في كلام المتقدمين" أما ما يتعلق بتعصبه وتقريره للمذهب الحنفي فهو ظاهر في الكتاب، وقد أشار إليه في المقدمة صفحة (44) من الجزء الأول، يقول: "ومنها أني أذكر مذهب السادة الحنفية تحت حديثٍ يتعلق بمسألة فقهية، فإن كان الحديث موافقاً لهم فبها، وإلا ذكرت مستدلهم، والجواب عن الحديث وتوجيهه" يعني يجعل كلام الحنفية هو الأصل ثم يجيب عن الحديث، وعلى كل حال هو شرح مبسوط يستفاد منه في الكلام على الرواة، وبيان أحكام الأحاديث لا بأس به، وذكر المذاهب الفقهية؛ لكن الترجيح يمكن أن يستفاد من غيره. (المنهل العذب المورود): بعد هذا كتاب المنهل العذب المورود، ألفه الشيخ محمود محمد خطاب السبكي، معاصر توفي سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وألف، وشرح من أطول الشروح المتداولة، وأمتعها وأجمعها لمسائل الحديث وفوائده، لكنه لم يكمل، بل وصل إلى باب في الهدي في عشرة أجزاء، ثم قام ابنه أمين محمود خطاب بمواصلة شرحه إلى آخر كتاب النكاح، المنهج في شرح هذا الكتاب مشابه إلى حدٍ ما لطريقة العيني في عمدة القاري، يشرح الترجمة، يترجم لرجال الحديث، يشرح الكلمات، يشرح الترجمة بكلامٍ طيب وجيد، ويترجم لرجال الحديث ويطيل في التراجم، يشرح الكلمات، ويتوسع في شرحها، يذكر فقه الحديث ومذاهب الأئمة والفقهاء وأدلتهم، يهتم كثيراً بوصل ما علقه أبو داود، يُعنى بذكر لطائف الإسناد، يخرج الأحاديث تخريجاً لا بأس به في الجملة من الكتب المشهورة، منهج الابن مقارب لمنهج الأب، إلا أن الأب أطول نفساً في الشرح، والكتاب مطبوع ومشهور ومتداول.

من أنفس ما كتب على السنن –سنن أبي داود- المختصر للمنذري، والتهذيب لابن القيم، وهذان الكتابان لا يكاد يستغني عنهما طالب علم، تهذيب السنن لابن القيم أشبه ما يكون بكتب العلل، مؤلفه كما هو معروف شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن أبي بكر بن القيم الجوزية الإمام المحقق المحدث الفقيه المشهور المتوفى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، جاء في مقدمته من كلام ابن القيم -رحمه الله-: "وكان الإمام العلامة زكي الدين أبو محمد عبد العظيم المنذري -رحمه الله تعالى- قد أحسن في اختصاره وتهذيبه، وعزو أحاديثه، وإيضاح علله وتقريبه، فأحسن حتى لما يدع للإحسان موضعاً، وسبق حتى جاء من خلفه له تبعاً"، يقول: "لذلك جعلت كتابه من أفضل الزاد، واتخذته ذخيرةً ليوم المعاد، فهذبته نحو ما هذب هو به الأصل، وزدت عليه من الكلام على عللٍ سكت عنها، أو لم يكملها، والتعرض على تصحيح أحاديث لم يصححها، والكلام على متون مشكلة لم يفتح مقفلها، وزيادة في أحاديث صالحة في الباب لم يشر إليها"، يقول: "وبسطت الكلام على مواضع جليلة لعل الناظر المجتهد لا يجدها في كتابٍ سواه"، إلى أن قال: "فأنا أبرأ إلى الله من التعصب والحمية، وجعل سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تابعةً لآراء الرجال، منزلةً عليها مسوقةً إليها"، الكتاب أشبه مثلما ذكرت أن يكون كتاب علل، يعلل الأحاديث ويستطرد ويطيل في ذلك، فهو إمام في هذا الباب، وأيضاً له تعليقات نفيسة في بعض المسائل الفقهية، وله أيضاً نفس طويل في بعض المسائل مثل طلاق الحائض، وطلاق الثلاث، وغير ذلك من المسائل بحثها في عشرات الصفحات، فهو مرجع في مثل هذه المسائل، لا يستغني عنه طالب علم، إضافةً إلى إمامة مؤلفه ورسوخ قدمه، وشدة اتباعه للنصوص، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا يقول: هل هناك مؤلف في الفرق بين كتب السنة وشروحها؟

قصده مناهج المحدثين في المتون والشروح هنا في كلام متفرق لبعض المعاصرين؛ لكن جمع مناهج الأئمة كلهم والشراح كلهم أو جلهم لا يوجد مجموعاً، ولعل ما ألقي في هذه الدروس يكون نواةً لكتابٍ يجمع بين ما تفرق من كلام طلبة العلم. يقول: حبذا لو جمعتم مثل هذا الكتاب وأخرجتموه لأجل العلم وأهله وطلبته، وقد لمستم الحاجة إليه. لي نية -إن شاء الله تعالى- إن أسعف الوقت. يقول: هل صحيح أن الحافظ أبا داود -رحمه الله- اتهم ابنه بالضعف؟ نعم، صحيح، أهل العلم لا يحابون في علمهم ونقدهم أحداً، علي بن المديني ضعّف أباه، أبو داود ضعّف ابنه. يقول: لعلكم تشهرون دروسكم الأسبوعية، وما يدرس فيها من كتب ومواعيدها، وحث الطلاب على الحضور طلباً للفائدة وتكثيراً للسواد. أما بالنسبة للدروس فهي في السبت والاثنين والأربعاء والجمعة، لكن كوننا نشهرها هي لا تستحق من يتكلف العناء إليها، ونحث الطلاب على غيرها مما فيه الفائدة المرجوة، والله المستعان. طالب: ما هي الكتب التي تدرس؟ الكتب يوم السبت في المغرب في الصحيحين، البخاري ومسلم بعد صلاة المغرب، ويوم الاثنين بعد صلاة المغرب أيضاً في الروض المربع، وقفنا على كتاب البيوع، ويوم الأربعاء بعد المغرب سبل السلام وقفنا على كتاب الجمعة، وأيضاً يوم الأربعاء بعد صلاة العشاء قراءات متنوعة، مجموعة من الإخوان يحضرون كتب ارتبطوا بها من سنين يقرؤون فيها، عصر الجمعة النية أن نبدأ -إن شاء الله- في تفسير الجلالين؛ لأننا جربنا التفاسير المطولة ما أنجزنا منها شيء، تفسير ابن كثير ثلاث سنوات في البقرة، تفسير القرطبي ثمان سنوات في ثمانية أجزاء، في ثمانية مجلدات، فالمطولات تنقطع دونها الأعناق، فرأينا أن يشرح تفسير الجلالين، ويكون مثل المنهج الذي يسار عليه، يعني لا يقتدى به في كل شيء، إنما يكون منهج بأيدي الطلبة توضح معانيه، وتذكر تفاسير الآيات من خلاله ولطائف التفاسير تنقل من غيره -إن شاء الله تعالى-، نبدأ به يوم الجمعة ليس الغد، إنما الجمعة الثانية التي ... لأن العادة جرت أننا نبدأ بالدروس في الأسبوع الثاني من كل فصلٍ دراسي. يقول: ما هي رسالة أبي داود لأهل مكة، وهل تعتبر كمقدمة لكتاب السنن؟

أرسلها إلى أهل مكة لبيان وصف سننه ومنهجه في السنن، وما ذكر فيه من أحاديث، وعدة أحاديثه، وأنه نوعها أنواع منها الصالح، ومنها ما دون ذلك، ذكر فيها الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وذكر أن ما فيه ضعف شديد التزم بيانه، والخلاف في هذا البيان هل هو في السنن أو فيها وفي غيرها من مؤلفاته؟. يقول: سلسلة الأحاديث الصحيحة والضعيفة للألباني -حفظه الله-؟ هذه من أنفع الكتب لطالب العلم، يمكن أن يتخرج عليها الطالب المبتدئ في كيفية التخريج ودراسة الأسانيد والحكم على الأحاديث. يقول: هل يتيسر نسخ هذه الدروس في كتاب حتى يسهل تناوله؟ ذكرت سابقاً أنه يمكن أن يزاد عليه ويضاف ما لم يذكر من الشروح، وأيضاً مناهج الأئمة في المتون، ويخرج -إن شاء الله- في كتاب وإن كان قد يطول أمده؛ لكن حسب التيسير -إن شاء الله تعالى-. يقول: يوجد في المكتبات صحيح البخاري ومسلم في مجلدٍ واحد؟ ويوجد البخاري في مجلد ومسلم في مجلد والسنن كل واحد منها في مجلد، والمسند أيضاً على كبره في مجلد، ثم أخيراً طبعت الكتب الستة كلها في مجلد، وهي لعدة دور نشر فأيها أجود؟ حقيقةً التخفيف في مثل هذه الطريقة، وجمع الكتب كلها في مجلد واحد ما أدري ما قيمته؟ وما فائدته؟ يعني إن كان القصد خفة الحمل فليس بخفيف الحمل حقيقةً، يعني الكتب الستة في مجلد واحد كتاب ثقيل، إن كان القصد منه في الحضر فهذا الكتب ميسورة والمراجع إليها سهلة، وإن تعددت مجلداتها، وإن كان القصد منه السفر فالعناء فيه أشد؛ لأن ورقه لا يتحمل الأسفار، وعلى كلٍ الطبعات القديمة للكتب الأصلية لا يعدل بها شيء. يقول: كثيراً ما تذكر أن أفضل الطبعات للكتاب الفلاني طبعة بولاق أو المنيرية إلا أنها غير متوفرة. نعم، طبعة بولاق غالباً غير متوفرة إلا أن فتح الباري طبعة بولاق مصور، وهو أيضاً نادر، حتى الصورة نادرة، المنيرية لكثير من الكتب مصورة، صحيح البخاري المنير مصور، عمدة القاري المنير مصور، وغيره. يسأل عن مسند الإمام أحمد والطبعة الجديدة؟ الطبعة الجديدة هي من أجود الطبعات وأكثرها خدمة، طبعة جيدة في الجملة.

هذا سؤالان يتعلقان بتحية المسجد، وهي مسألة علمية حقيقة، ما كنت أودّ أن أتحدث عنها؛ لكنها ما في شك أن بعض الأخوة يؤدي التحية وبعضهم يجلس، ولعل السائل نظر إليّ أنا على وجه الخصوص. يقول: ما حكم تحية المسجد وما تقولون .. الخ؟ ينكر بعض الأخوة على من لم يؤد تحية المسجد بعد صلاة العصر؟ الكلام في هذه المسألة، مسألة ذوات الأسباب وفعلها في أوقات النهي كلام يطول جداً، وتحريره يحتاج إلى وقتٍ طويل، والمسألة مسجلة عني في شريطٍ يكاد يكون كامل، لكن ما يمنع أني ألمح إلى هذه المسألة باختصار، المسألة ورد فيها أحاديث، منها ما يبيّن الأوقات، وأنها خمسة، ومنها ثلاثة مضيقة، كما في حديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا"، فذكر الثلاثة المضيقة، ومنها: النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، المقصود أن المسألة خلافية بين أهل العلم؛ لأنه في مقابل هذه الأحاديث وردت أحاديث أخرى مثل حديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) وأحاديث ركعتي الطواف وغيرها في أوقات النهي، فهنا مسألتان: أو هنا بحث المسألة في قطبين: الأول: في النظر إلى النهي وقوته وشدته. الأمر الثاني: فيما دخل هذا النهي وعمومه ومخصصاته، حديث النهي عمل بها جمهور العلماء، فقالوا بالنهي مطلقاً يعني الصلاة في هذه الأوقات، خلافاً للشافعية الذين قالوا: بفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وبين هذه الأحاديث أعني أحاديث ذوات الأسباب وأحاديث النهي عموم وخصوص وجهي، ولا يصيب من يقول: أن العموم والخصوص مطلق، كما يذكر كثير من الناس حينما يتكلمون عن هذه المسألة فيقولون: أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، هذا الكلام ليس على إطلاقه، أحاديث النهي عامة في الصلوات، خاصة في الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات خاصة في الصلوات، فبين هذه النصوص عموم وخصوص وجهي، فليس قول من قال: إن أحاديث النهي مخصوصة بأحاديث ذوات الأسباب كما يقول الشافعية، ومن يقول بقولهم بأولى من قول من يقول: أن أحاديث ذوات الأسباب عامة مخصصة بالأوقات.

سنن النسائي وشروحه:

وعلى كل المسألة من مضايق المسائل ومن عضلها، والترجيح بين النصوص فيها يحتاج إلى شيءٍ من الإمعان والفهم والإفهام أيضاً؛ لأن المسألة مشتبكة تحتاج إلى مزيد بسط، على كلٍ المسألة تحتاج إلى مرجحٍ خارجي، يعني من نظر إلى أدلة ذوات الأسباب وجدها لا تنهض لمعارضة الأوقات، ومن نظر إلى فعل أو الأمر بذوات الأسباب في أوقات النهي وجدها يمكن تخصيص أحاديث النهي بها، وعرفنا أن مذهب الجمهور الحنفية والمالكية والحنابلة كلهم يمنعون من الصلوات عموماً، اللهم إلا الفرائض في هذه الأوقات المذكورة، وعلى كلٍ الأوقات متفاوتة، فأوقات النهي المضيقة ينبغي أن لا يفعل فيها شيء من التطوعات، أوقات النهي الموسعة بعد صلاة الصبح، أو بعد طلوع الصبح إلى طلوع الشمس هذا موسع، جاء فيه قضاء ركعتي الفجر وهي نافلة، وبعد صلاة العصر صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر حينما فاتته؛ لكنه ورد ما يدل على اختصاصه بهذا، وعلى كلٍ من صلى في الأوقات الموسعة لا ينكر عليه ومعه أصل، ومن جلس فمعه كذلك، أحاديث النهي ما زالت قائمة، أما في الأوقات المضيقة فالمرجح أنه لا يفعل فيها شيء من ذوات الأسباب ولا غيرها، اللهم إلا قضاء الفوائت من الفرائض. الآن عندنا في هذا اليوم سنن النسائي والترمذي إن أمكن، وغداً -إن شاء الله تعالى- نكمل الكلام على سنن ابن ماجه والموطأ؛ لأن الخلاف قائم في السادس هل هو ابن ماجه أو الموطأ أو الدارمي؟ فلذلك نرجيء الكلام على السادس غداً -إن شاء الله تعالى-، وسوف يكون الحضور -إن شاء الله تعالى- غداً من بعد صلاة العصر مباشرة، تكون صلاة العصر هنا ويمتد الدرس إلى أن ينتهي -إن شاء الله تعالى- على أني قبيل الغروب بنصف ساعة أو أكثر لا يمكن أن أرتبط به مع أحد، فينهى الدرس قبل الخامسة والنصف -إن شاء الله تعالى-. سنن النسائي وشروحه:

نبدأ بسنن النسائي وتحديد المراد به، سنن الإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الحافظ المتوفى سنة ثلاث وثلاثمائة أحد السنن المشهورة، وأحد الكتب الستة بلا نزاع بين أهل العلم؛ لكن الخلاف في المراد بالسنن عند الإطلاق، إذا أطلق السنن فهل المراد به الكبرى أو الصغرى؟ إذا قيل: رواه النسائي وأطلق هل ينصرف الذهن إلى الكبرى أو الصغرى؟ منهم من قال: أن المراد الكبرى، إذا قيل: رواه النسائي فالحديث في الكبرى، وإذا قيل: هذا الكتاب في رجال النسائي فالمراد به الكبرى أيضاً، وبهذا قال ابن الملقن، وقال صاحب عون المعبود في آخر الجزء الرابع عشر قال: "ثم أعلم أن قول المنذري في مختصره وقول المزي في الأطراف الحديث أخرجه النسائي فالمراد به السنن الكبرى، وليس المراد به الصغرى التي هي مروج الآن في الأقطار"، يقول: "وهذه الصغرى المروجة مختصرة من السنن الكبرى، وهي لا توجد إلا قليلاً"، يعني الكبرى، لا شك أن الذي راج ودرج واشتهر بين الناس هي الكبرى مسماة بالمجتبى، يقول: "فالحديث الذي قال فيه المنذري والمزي أخرجه النسائي، وما وجدته في السنن الصغرى، فاعلم أنه في الكبرى، ولا تتحير لعدم وجدانه فإن كل حديثٍ هو موجود في الصغرى يوجد في السنن الكبرى لا محالة من غير عكس" على أنه قد يوجد -وهذا نادر- في السنن الصغرى ما لا يوجد في الكبرى، ويقول المزي في كثيرٍ من المواضع: "وأخرجه النسائي في التفسير وليس في الصغرى تفسير"، والله أعلم، وفي تدريب الراوي للسيوطي تنبيهات: "الثالث سنن النسائي الذي هو أحد الكتب الستة أو الخمسة هي الصغرى دون الكبرى" صرح بذلك التاج السبكي قال: "وهي التي يخرجون عليها الأطراف والرجال" وإن كان شيخه المزي ضمّ إليها الكبرى، وصرح ابن الملقن بأنها الكبرى وفيه نظر، يقول: "ورأيت بخط الحافظ أبي الفضل العراقي أن النسائي لما صنّف الكبرى أهداها لأمير الرملة فقال له: أكل ما فيها صحيح؟ فقال: لا، فقال: ميّز لي الصحيح من غيره فصنّف له الصغرى" هذه القصة مشتهرة عند أهل العلم مما يدل على أن النسائي هو الذي تولى اختصار السنن بنفسه، ومنهم من يقول: أن الذي اختصر السنن هو تلميذه ابن السني، ويدعمون ذلك بأنه

يوجد في الصغرى أحياناً قال ابن السني: قال أبو عبد الرحمن، وهذا ليس بحجة، فإن كتب المتقدمين تذكر فيها أسماء الرواة عن أصحابها، المسند كله من أوله إلى آخره عدا الزوائد حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، الأم قال الربيع: قال الشافعي، الموطأ: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا مالك .. الخ. المقصود أن هذه ليست بحجة قاطعة في أن الكتاب من اختصار ابن السني، ولو ذكر اسمه فإن طريقة المتقدمين في التأليف تختلف عن طريقة المتأخرين، يذكر الراوي في أصل الكتاب، كما ذكرنا عن الموطأ والمسند والأم وغيرهم، ومن جهل طرائق ومناهجهم في التصنيف أقدم على ما لم تحمد عقباه، حتى صنف بعضهم (إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي الأم ليست للإمام الشافعي) وما يدري أن نسبة الأم للإمام الشافعي استفاضت واشتهرت استفاضةً أكثر من استفاضة نسبته إلى أبيه. على كلٍ لجهل هذا القائل بطرائق المتقدمين في تصنيفهم قال هذا الكلام، وألف في ذلك رسالة، وعلى كل حال الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- تصرف في المسند تصرفاً غير مرضي، فحذف أوائل الإسناد، حذف عبد الله وحذف الإمام أحمد فمباشرة حدثنا فلان يعني شيخ الإمام أحمد، وهذا تصرف، لا شك أنه تصرف غير مرضي وإن كان من الشيخ أحمد شاكر على جلالته وإمامته -رحمه الله-، التصرف في كتب الآخرين غير مرضي عند أهل العلم حتى قالوا: أنه إذا وجد الخطأ في الكتاب، الخطأ الذي لا يحتمل الصواب لا يجوز تغييره، ولا تصويبه، بل يروى على الخطأ؛ لكن ينبه على الصواب في الحاشية أو أثناء قراءة الكتاب، يقول: "وفي كشف الظنون .. ذكر القصة السابقة، القصة السابقة قصة أمير الرملة معروف أنها تكلم فيها كثير من أهل العلم وعلى رأسهم الذهبي -رحمه الله تعالى- في ترجمة النسائي من السير، في كشف الظنون ذكر القصة السابقة فلخص النسائي السنن الصغرى منها، وترك كل حديث أورده في الكبرى مما تكلم في إسناده بالتعليل وسماه المجتبى، وهو أحد الكتب الستة".

(زهر الربا على المجتبى):

"وإذا أطلق أهل الحديث على الحديث على أن النسائي رواه فإنما يريدون المجتبى"، يعني موافق لكلام السيوطي، سنن النسائي -رحمه الله تعالى- من الأهمية بمكانٍ عظيم، لكن الباحث عن شرح لهذا الكتاب حقيقةً ما يجد ما يكفي ويشفي عند المتقدمين، ابن الملقن وهو متأخر في المتوفى سنة أربع وثمانمائة شرح زوائده على الأربعة، والسيوطي أيضاً له حاشية وهو شرح مختصر جداً يأتي ذكره، وأيضاً السندي له حاشية، هؤلاء كلهم لهم خدمة لسنن النسائي، وهي خدمة لا توازي قيمة الكتاب، كتاب عظيم، هناك شروح؛ لكنها مفقودة، شرح ابن رشد قالوا عنه: أنه كتاب حافل، لكن لا يعلم عن وجوده شيء، وشرح لأبي الحسن علي بن عبد الله بن نعمة اسمه (الإمعان في شرح مصنف النسائي لأبي عبد الرحمن) وهو أيضاً مفقود، على كلٍ الكتاب بحاجة إلى عناية، وفيه شرح معاصر نأتي على ذكره -إن شاء الله تعالى-، وهذه الخدمات من السابقين لا تليق بمقام الكتاب، حواشي وتعليقات يسيرة على الكتاب، ولعل الذي صرفهم عن خدمة هذا الكتاب صعوبته؛ لأن الكتاب أشبه ما يكون بكتب العلل، فتراجمه علل، يعلل الأحاديث بالتراجم. (زهر الربا على المجتبى): أولاً: نأتي إلى (زهر الربا على المجتبى) مؤلفه جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة إحدى عشر وتسعمائة، وهو تعليق مختصر جاء في مقدمته يقول: "هذا الكتاب الخامس مما وعدت بوضعه على الكتب الستة، وهو تعليق على سنن النسائي أبي عبد الرحمن على نمط ما علقته على الصحيحين، وسنن أبي داود وجامع الترمذي" يعني علق على البخاري في مجلد، وعلق على مسلم في مجلد، كل واحد من الستة علق عليه في مجلد، وليس بالكبير أيضاً، يقول: "وهو حقيق بذلك"، حقيق بالخدمة لا شك، لكن حقيق بهذه الخدمة المختصرة جداً؟ لا. "إذ له منذ صنّف أكثر من ستمائة سنة ولم يشتهر عليه من شرحٍ ولا تعليق، وسميته زهر الربى على المجتبى" ستمائة سنة بين النسائي والسيوطي لا يوجد شرح مناسب لهذا الكتاب، مع أن شرح السيوطي حقيقةً لا يناسب هذا الكتاب، افتتح السيوطي شرحه بمقدمة ذكر فيها شروط الأئمة نقلاً عن ابن طاهر، وأن ما يرويه أبو داود والنسائي على ثلاثة أقسام:

حاشية السندي على النسائي:

الأول: الصحيح المخرج في الصحيحين. والثاني: صحيح على شرطهما. الثالث: أحاديث خرجاها من غير قطعٍ منهما بصحتها. يقول: "وقد أبنا علتها بما يفهمه أهل المعرفة" أشبه ما يكون بالألغاز كتاب السيوطي، منهج السيوطي في الشرح أولاً: السيوطي لا يتعرض للتراجم بشرحٍ ولا تعليق مع أنها من أولى ما يتكلم عليه في سنن الترمذي، ثانياً: يترجم للرواة على طريقة المزج باختصارٍ شديد. ثالثاً: يشرح ما يحتاج إلى شرحه من المفردات، وهو أيضاً بإيجاز. رابعاً: يذكر بعض الفوائد والأحكام باختصار نقلاً عن من تقدمه كالنووي وابن حجر. خامساً: يذكر اختلاف الروايات في بعض الألفاظ، والكتاب مطبوع مراراً مع النسائي، كما طبع مختصره، يعني على اختصاره له مختصر، السيوطي كتبه وشروحه على الكتب الستة المختصرة جداً لها مختصرات، قام باختصار الكتب الستة كلها شخص مغربي يقال له: علي بن سليمان الدمنثي البجمعوي، له اختصار (التوشيح على الجامع الصحيح) سماه (روح التوشيح)، (الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج) سماه (وشي الديباج)، (زهر الربا على المجتبى) سماه (عرف زهر الربى) .. الخ، (مرقاة الصعود على سنن أبي داود) قال: (درجات مرقاة الصعود) .. الخ. حاشية السندي على النسائي:

(ذخيرة العقبى في شرح المجتبى):

هنا أيضاً حاشية السندي على النسائي، ومؤلفها أبو الحسن نور الدين ابن عبد الهادي السندي ثم المدني المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائة ألف، جاء في مقدمتها: "وبعد فهذا تعليق لطيف على سنن الإمام الحافظ أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي -رحمه الله تعالى-"، يقول: "يقتصر على حل ما يحتاج إليه القارئ والمدرس من ضبط اللفظ، وإيضاح الغريب والإعراب، رزق الله تعالى ختمه بخير، ثم ختم الأجل بعد ذلك على أحسن حال" آمين يا رب العالمين، ثم ذكر شرط النسائي، وأنه يخرج أحاديث أقوامٍ لم يجمعوا على تركهم، "إذا صح الحديث بالاتصال لإسناد من غير قطعٍ ولا إرسال"، ثم نقل عن النسائي قوله: "لما عزمت على جمع السنن استخرت الله تعالى في الرواية عن شيوخٍ كان في القلب منهم بعض الشيء، فوقعت الخيرة على تركهم"، ولذلك ما أخرج حديث ابن لهيعة، وإلا فقد كان عنده حديثه ترجمةً ترجمة، يعني جميع أحاديث ابن لهيعة عند النسائي ومع ذلك تحاشى التخريج عنه، وإن خرج له أبو داود والترمذي وغيرهما. السندي من منهجه في التعليق يشرح الترجمة ويبيّن مراد النسائي وهذه ميزة، لكنه باختصار لا يترجم للرواة، ولعله اكتفاءاً بما في شرح السيوطي، يتكلم على فقه الحديث بشيءٍ من البسط، البسط المناسب لواقع الكتاب، وإلا فالكتاب في جملته مختصر أكثر من كلام السيوطي؛ لكنه لا يستوعب الأقوال ولا يستدل لها، ويرجح رأي الحنفية غالباً؛ لأنه حنفي المذهب، يشيد بالمؤلف –النسائي- ودقته في الاستنباط، ودقة تراجمه كثيراً، وعلى كل حال فالحاشية تعتبر مكملةً لشرح السيوطي، وهي أبسط منه، وقد طبعتا معاً مراراً. (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى):

في شرح حقيقةً لشخصٍ معاصر متأخر من باب الوفاء لمن خدم السنة يُذكر حقيقةً هذا الشرح اسمه (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى) مؤلفه محمد بن الشيخ علي بن آدم بن موسى الأثيوبي الولوي، وهو معاصر وموجود الآن مدرس في دار الحديث الخيرية في مكة، شرح مبسوط جداً، يتوقع أن يصل إلى أربعين مجلداً، لأنه على حد كلامه هو انتهى من المجلد الثامن والعشرين في شرح ستة أجزاء من ثمانية، ولم يطبع منه إلى الآن إلا تسعة مجلدات هذه التسعة في خمس السنن تقريباً أو أقل.

جاء في مقدمة الكتاب: "أما بعد: فيقول أفقر الورى إلى عفو الله تعالى محمد بن الشيخ علي آدم الأثيوبي لما رأيت سنن الإمام الحافظ الحجة أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي -رحمه الله- المسماة بـ (المجتبى) بالباء، أو (المجتنى) بالنون، لم يقع لها شرح يحل ألفاظها حق حلٍ، ويبين معانيها أتمّ تبيين، ويتكلم على رجال أسانيدها وغوامض متونها، ويستنبط منها الأحكام إذ تحت كل حديث خبايا أسرار، وضمن كل خبرٍ خفايا أنوار"، ثم قال: "وكيف لا وهو كلام من أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً -صلى الله عليه وسلم-" يقول: "شمرت عن ساعد الجدّ تشميراً، ونبذت الكسل والملل وراء ظهري نبذاً مريراً، وناديت المعاني بأعلى صوتي جهاراً، فلبتني من كل جانبٍ محبرةً بعبارة محققنا بداراً" يقول: "فاستعنت بالله تعالى وقلت: وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" إلى أن قال: "وسميته (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى) وإن شئت فقل: (غاية المنى في شرح المجتنى) " بعد ذلكم قال: "تنبيه"، جاء بتنبيهات أولها قال: "إني لست في الحقيقة مؤلفاً ذا تحرير، ومصنفاً ذا تحبير، وإنما لي مجرد الجمع لأقوال المحققين، والتعويل على ما أراه منها موافقاً لظاهر النص المبين، فأنا جامع لتلك الأقوال ومرتب لها في كل ما يناسبها من الحديث ثم النظر فيها وفي تناسبها حسب قربها وبعدها منه، والاعتماد على ما يترجح لدى فهمي القاصر وذهني الفاتر، فلذا لا أترك من الأقوال المروية بحكم كل حديث إلا ما غاب عني بدليله، إذا كان بجانبه دليل مذكور، وإن كنت أراه ضعيفاً في نظري -يعني يذكر كل شيء الضعيف والقوي- فعسى أن يطلع عليه غيري ويراه صحيحاً لدليلٍ يقويه، إما من نفس ذلك الحديث لم يظهر لي وجهه، أو نصٍ آخر أقوى منه، فرب مبلغٍ أوعى من سامع" ثم ذكر فوائد التكرار والتطويل -يعني في الشرح- نقلاً عن النووي في شرح مقدمة مسلم، ثم ذكر مصادره في كتابه، أنه اعتمد على كتب الرجال ثم سردها، وكتب المصطلح أيضاً ثم ذكرها، والشروح للأحاديث سواء كانت للصحيحين أو لغيرهما، والمتون والأطراف واللغة والغريب والفقه والنحو والصرف وغيرها، ثم ترجم للإمام النسائي وذكر مؤلفاته ومذهبه في

الجرح والتعديل ومنهجه في التصنيف، وبيان العالي والنازل في سننه، ثم تحدث عن سننه الكبرى، ورواة السنن عن النسائي، وعناية الحافظ بها، ثم تحدث عن السنن الصغرى والموازنة بينها وبين الكبرى، وسبب انتخاب النسائي للصغرى من الكبرى، وزيادة الكبرى على الصغرى وعكسه، ثم تحدث عن تسمية الكتاب المجتبى أو المجتنى وعناية العلماء به، ثم بعد ذلكم ذكر رسالة بكاملها للسخاوي في ختم سنن النسائي سماها (بغية الراغب المتمني في ختم النسائي برواية ابن السني) استغرقت هذه الرسالة قرابة سبعين صفحة من المقدمة، وهي تشكل ما يقرب من نصف المقدمة، نصف المقدمة هذه الرسالة، إذ المقدمة (150) تقريباً، وهذه سبعين، ثم تحدث عن تقريب التهذيب لاعتماده الكبير عليه، يعني في تراجم الرواة في الغالب يعتمد على التقريب، ويقلد الحافظ في أحكامه، وإن كان الأجود والأولى أن يجتهد في أحكامه على الرجال؛ لكن لا يمكن أن يجتهد في كل راوٍ راوٍ، مع جمعه هذا الكم الهائل من أقوال أهل العلم في الأحاديث، وطبقات الرواة. ثم ختم مقدمة في بيان منهج هذا الشرح ومصطلحاته، فقال: "اعلم أن منهج هذا الشرح كما يلي: كتابة الترجمة التي ذكرها النسائي، ثم شرح هذه الترجمة، كتابة الحديث سنداً ومتناً، الكلام على تراجم رجال الأحاديث، ذكر لطائف الإسناد، شرح المتن، ثم بعد ذلكم مسائل تتعلق بالحديث، درجة الحديث، بيان مواضع ذكره عند المصنف في الصغرى والكبرى، بيان من أخرجه من أصحاب الأصول، بيان فوائد ذلك الحديث، ذكر مذاهب العلماء، إن كان هناك اختلاف في حكم ذلك الحديث ثم ترجيح الراجح، ثم إذا بقي هناك أمور لها تعلق بذاك الحديث يقول: فأذكرها بمسألة سادسة فسابعة فثامنة وهلم جراً".

وربما يغير هذا الأسلوب بزيادةٍ أو نقص لسبب ما، ثم ذكر مصطلحات الشرح ورموزه، ثم أعقب ذلكم بذكر أسانيد المؤلف إلى النسائي -رحمه الله تعالى-، والكتاب طبع منه تسعة مجلدات كما قلت، تعادل خمس الكتاب، يتوقع أن يتم الكتاب في أربعين مجلداً، يعني إذا كان الستة من ثمانية ثلاثة أرباع الكتاب في تسع وعشرين أو ثمانية وعشرين مجلداً يتوقع أن يصل إلى ما يقرب من أربعين أو سبع وثلاثين أو ثمان وثلاثين بهذه الحدود. والكتاب لا شك أنه كتاب قيم لا سيما وأن سنن النسائي لم يخدم من قبل المتقدمين خدمة تليق بالكتاب، يطيل في شرح الحديث إطالة يعني الطالب الذي يقرأ الكتاب قراءة وهو لم يتعود على القراءة يكاد يملّ منها، نعم المراجعة عند الحاجة أمرها سهل يسير؛ لأن المراجع يحتاج إلى تطويل؛ لكن الشخص الذي يريد أن يقرأ الكتاب من أوله إلى آخره بهذا الطول يكاد أن ينثني عن قراءته؛ لكن الكتاب جمّ الفوائد، وإن كان جلّ هذه الفوائد منقول من الشروح، سواء كانت شروح الصحيحين أو غيرهما. وتأتي أهمية هذا الكتاب من خلو الكتاب الأصل من الخدمة، فعلينا جميعاً أن نعتني بهذا الكتاب، وكما قلت طبع منه تسعة مجلدات وطبع الباقي جاري، في هذه الإجازة طبع منه أربعة، كان المطبوع خمسة ثم طبع السادس والسابع والثامن والتاسع أخيراً. رابعاً: شروح سنن الترمذي:

هو جامع الإمام أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي المتوفى سنة تسع وسبعين ومائتين، هو أحد الكتب الستة بلا نزاع، على خلافٍ في ترتيبه بين هذه السنن، منهم من يقدمه بعد الصحيحين فيكون الثالث، ومنهم من يؤخره ليكون الخامس على خلافٍ بين أهل العلم في ذلك، من نظر إلى كثرة فوائده، سواء كان منها ما يتعلق بالحديث وصناعته والكلام على الرواة، وتخريج الأحاديث والإشارة إلى الشواهد، من نظر إلى هذه الفوائد مجتمعة جعله الثالث، ومن نظر إلى نزوله في شرطه، وأن شرطه أضعف من شرط أبي داود والنسائي؛ حتى أنه خرج لبعض المتروكين، أنزله إلى المنزلة الخامسة، يقول ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول: "كتاب أبي عيسى أحسن الكتب وأكثرها فائدة، وأحسنها ترتيباً وأقلها تكراراً، وفيه ما ليس في غيره من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال، وتبيين أنواع الحديث من الصحيح والحسن والغريب وغير ذلك" ويقول الدهلوي في (بستان المحدثين): "تصانيف الترمذي كثيرة وأحسنها هذا الجامع الصحيح، بل هو من بعض الوجوه والحيثيات أحسن من جميع كتب الحديث"، أولاً: من جهة حسن الترتيب وعدم التكرار، والثاني: من جهة ذكر مذاهب الفقهاء، ووجوه الاستدلال لكل أحدٍ من أهل المذاهب، والثالث: من جهة بيان أنواع الحديث من الصحيح والحسن والضعيف والغريب والمعلل بالعلل وغير ذلك، والرابع: من جهة بيان أسماء الرواة وألقابهم وكناهم، ونحوها من الفوائد المتعلقة بعلم الرجال.

(عارضة الأحوذي):

في آخر الجامع ذكر الترمذي كتاب العلل، المعروف بالعلل الجامعة وهو مختصر جداً، فيه فوائد جمة، وفيه نفائس، وله أيضاً كتاب العلل الكبير، كتاب مستقل طبع ترتيبه في مجلدين، وعلى كلٍ كتاب العلل الصغير علل الجامع محل عناية، جميع من شرح جامع الترمذي، ومن أنفس شروحه وإن كان سابق على أوانه شرح الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-، وأفرد لأنه لم يوجد غيره، وإلا فالأصل هو تابع لشرح الترمذي للحافظ ابن رجب وهو أعجوبة من أعاجيب الدهر، يعني نقل عنه بعض النقول التي تدل على إمامة هذا الرجل، ويقال: أنه أعظم من شرحه للبخاري وأنفس، وشرحه للعلل، علل الجامع تدل على رسوخ خدمه -رحمه الله تعالى-، قال بعضهم -يعني في سنن الترمذي-: "هو كافٍ للمجتهد، ومغنٍ للمقلد"، وقال أبو إسماعيل الهروي: "هو عندي أنفع من الصحيحين؛ لأن كل أحدٍ يصل إلى الفائدة منه، وهما لا يصل إليها منهما إلا العالم المتبحر". ولأهمية هذا الجامع اعتني به من قبل العلماء فشرحوه، فممن شرحه ابن العربي في (عارضة الأحوذي)، وابن سيد الناس في (النفح الشذي) وتكملته للحافظ العراقي ولابنه وللسخاوي على ما سيأتي الحديث عنه -إن شاء الله تعالى-، ابن الملقن شرح زوائده على الصحيحين وأبي داود، ابن رجب شرحه أيضاً شرحاً لكنه مع الأسف الشديد مفقود كله، سوى شرح العلل، من شروحه المختصرة شرح للسيوطي سماه (قوت المغتذي) وحاشية لأبي الحسن السندي، ومن شروحه أيضاً وهو شرح نفيس لمعاصر المسمى بـ (تحفة الأحوذي) للمباركفوري، يأتي الحديث عنها -إن شاء الله تعالى- كلها. (عارضة الأحوذي): فـ (عارضة الأحوذي) مؤلفه أبو بكر محمد بن عبد الله الأشبيلي المعروف بابن العربي المالكي، المتوفى سنة ستٍ وأربعين وخمسمائة.

عارضة الأحوذي ما معنى العارضة؟ وما معنى الأحوذي؟ يقول ابن خلكان في ترجمة ابن العربي: "العارضة: القدرة على الكلام، يقال: فلان شديد العارضة إذا كان ذا قدرةٍ على الكلام، والأحوذي: الخفيف الشيء لحذقه، وقال الأصمعي: الأحوذي المشمر في الأمور، القاهر لها، الذي لا يشذ عليه منها شيء" ابن العربي ألف هذا الكتاب إجابةً لطلب طائفةٍ من الطلبة، عرضوا عليه الرغبة الصادقة في صرف الهمة إلى شرح هذا الكتاب، يقول: "فصادفوا مني تباعداً عن أمثال هذا، وفي علم علام الغيوب أني أحرص الناس على أن تكون أوقاتي مستغرقةً في باب العلم"، يقول: أنا حريص على العلم وطلبه ونشره إقراءً وتأليفاً؛ لكن صادفوا مني تباعداً لكثرة المشاغل، يشتغل بالقضاء وغيره .. إلى أن قال -بعد أن ألحّوا عليه فأجاب طلبهم-: "فخذوها عارضةً من أحوذي، علم كتاب الترمذي، وقد كانت همتي، طمحت إلى استيفاء كلامه بالبيان، والإحصاء لجميع علومه بالشرح والبرهان؛ إلا أنني رأيت القواطع أعظم، والهمم أقصر عنها، والخطوبة أقرب منها، فتوقفتُ مدةً إلى أن تيسرت مندة الطلبة واغتنمتها" على كلٍ الطبعة هذه محرفة، مشحونة، مملوءة بالأخطاء، لا تكاد تستقيم لك صفحة كاملة بدون تحريف وخطأ وتصحيف، ولذلكم تسمعون من مقدمته أشياء أنا أصلحت كثيراً منها، ويكفي في بيان ما فيها من أخطاء أن الطابع طلب من الشيخ -أولاً الطبعة من ستين أو خمسة وستين سنة، ما هي جديدة، هذه مصورة- طلب من الشيخ أحمد شاكر نسخته من الترمذي، -هذا برهان على كثرة أخطاء هذه الطبعة وعدم الاعتماد على طابعها أو ناشرها- طلب نسخة الشيخ أحمد من جامع الترمذي والشيخ معلق على نسخته ومخرج بعض الأحاديث، نقلوا بعض تعاليق الشيخ أحمد شاكر في صلب المتن، متن الترمذي، فمثلاً يقول: "وأبو هريرة اختلف في اسمه فقالوا: عبد شمس" الشيخ أحمد شاكر قال: "اختلف على نحو ثلاثين قولاً" أدخلوها في كلام الترمذي، "اختلف على نحو ثلاثين قولاً في اسمه .. الخ" فهؤلاء استعاروا نسخة الشيخ، وأيضاً فيه بعض التخاريج، في بعض الأحاديث: "رواه أبو داود" أدخلوها، فهذا دليل على جهلهم، وضعف عنايتهم في الطباعة، والتحريف والأسقاط شيء يفوق الخيال، ولذا لو

تيسر طبع الكتاب من جديد، نعم أحياناً يسقط حديث كامل، وأحياناً يسقط تعليق على حديث في سطرين أو ثلاثة، والنسخة هذه موجودة فيها إصلاحات كثيرة، أما سقط الكلمة والكلمتين، وتحريف اللفظة واللفظتين الشيء الذي يفوق الوصف، ما في إلا طبعة واحدة. يقول أيضاً في المقدمة: "اعلموا -أنار الله أفئدتكم- أن كتاب الجعفي -يعني صحيح البخاري- هو الأصل الثاني" الأصل الأول إيش؟ طالب: القرآن. قولاً واحداً؟ يقول: "اعلموا -أنار الله أفئدتكم- أن كتاب الجعفي هو الأصل الثاني في هذا الباب، والموطأ هو الأول واللباب -لأنه مالكي ابن عربي مالكي المذهب-، يقول: "كتاب الجعفي -يعني صحيح البخاري- هو الأصل الثاني في هذا الباب، والموطأ هو الأول واللباب وعليهما بناء الجميع كالقشيري -يعني مسلم- والترمذي فما دونهما" إلى أن قال: "وليس فيهم مثل كتاب أبي عيسى حلاوة مقطع، ونفاسة منزع، وعذوبة مشرع، وفيه أربعة عشر علماً" ثم ذكرها بكلامٍ مسخه الطابع مسخاً، ثم قال: "ونحن سنورد فيه -إن شاء الله تعالى- بحسب العارضة قولاً في الإسناد والرجال والغريب، وفناً من النحو والتوحيد والأحكام والآداب، ونكتاً من الحكم وإشارات إلى المصالح، فالمنصف يرى رياضه أنيقة، ومقاطع ذات حقيقة، فمن أي فنٍ كان من العلوم وجد مقصده". طريقة ابن العربي في الشرح يذكر طرف الإسناد، مثلاً الحديث الأول -أيضاً الطابع من أوهامه وأخطائه جعل سند ابن العربي في روايته للترمذي بين الترجمة التي وضعها الإمام الترمذي نفسه (أبواب الطهارة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور) هذا كلام الترمذي ثم بعد ذلك: (اخبرنا الشيخ أبو الفتح) كلام ابن العربي، مع أن كلام ابن العربي مفصول تحت؛ لكنه طبعها ضمن المتن،

في الحديث الأول: (باب لا تقبل صلاة بغير طهور مصعب بن سعد عن ابن عمر ترك أول الإسناد واقتصر على طرفه من الآخر عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقبل صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول)) أصح شيء في هذا الباب، ثم يقول: "إسناده" يتكلم على الإسناد بكلامٍ ما يستوعب جميع الرواة، إنما يتحدث عن بعضهم، وضمن الإسناد يخرج الحديث تخريجاً مختصراً، ثم يذكر غريب الحديث، ثم يذكر الأحكام، وتحت هذا العنوان أحكامه، يقول: "فيه مسائل" على عددها، خمس مسائل ست مسائل على حسب ما استنبط من الحديث، في مسائل: الأولى، الثانية، الثالثة، الرابعة، الخامسة .. الخ، ثم يقول: "التوحيد فيه ثمان مسائل" مع أن هذه المسائل التي في وضعت تحت هذا الحديث إنما هي تابعة للحديث الثاني، وليست تابعة للحديث الأول، فما أدري كيف تصرف في طبع هذا الكتاب؟ ومع ذلكم هو لا يلتزم بجميع هذه العناصر التي ذكرها من الإسناد والأحكام والفقه والتوحيد واللغة، أحياناً يذكر اللغة، أحياناً يذكر الإعراب عنوان؛ لكنه لا يلتزم بذلك، فقد يقتصر على عنصر واحد، الأحكام فقد مثلاً، أو اثنين، ومعروف أن ابن العربي مالكي المذهب، في الغالب يرجح مذهب مالك، وقد يخرج عنه لقوة الدليل، فمثلاً في الجزء الثاني صفحة (101) رجح الافتراش في التشهد الأول خلافاً لمذهب مالك الذي يرى التورك في التشهدين.

(النفح الشذي):

مع الأسف في باب الصفات منهجه كغيره من كثيرٍ من الشراح يسلك مسلك التأويل، فيؤول نصوص الصفات عن ظاهرها على ضوء ما هو معمول به عند الأشاعرة، فمثلاً شرح حديث النزول في الجزء الثاني صفحة (233 - 237) أول النزول على غير ظاهره، وأيضاً في الثالث صفحة (163) ((إلا أخذها الرحمن بيمينه)) يعني في الصدقة، "الأصول منها أربع مسائل: الأولى: اختلف الناس -كما قدمنا- في هذه الأحاديث المشكلة، فمنهم من أمرها كما جاءت سواء، وقال بها ولم يفسر، ولم يمثل ولم يشبه، ومنهم من تأولها، وأنكر أبو عيسى التأويل ومال إلى ترك التكلم، وهو مذهب أكثر السلف، وتحرج علماؤنا في التأويل، والمقصود يتبين في أربع مسائل: الأولى: لا يخفى عليهم ما خوطبوا به في لسانهم وخفي على الصحابة الأمر" المقصود كلام على طريقة التأويل إلى أن قال: "فالأمر قريب بفضل الله" يعني سواءً كانت تأويل أو إمرارها كما جاءت، ثم جاء إلى حديث: ((إلا أخذها الرحمن بيمينه)) ثم قال في الحديث الآخر: ((بيمينه)) شرف الصدقة، بأنه يخبر عنها بالأخذ بيمينه ((وكلتا يديه يمين)) عبر باليدين عن تصريفه للأمور وتقديره لها وتدبيره فيها، ليس بذلك لمن لا يتصرف إلا بيديه .. الخ" كلام مشكل، الكتاب مملوء بالفوائد الفقهية والنوادر والنكات واللطائف؛ لكنه بحاجة إلى إعادة طبع من جديد وتحقيق، وفيه أيضاً أحاديث كثيرة ساقطة تدرك من مقابلة الكتاب نسخه بعضها من بعض، والتصحيحات والتصويبات يمكن تجعل الكتاب ضعف هذا الحجم. طالب: عدد الأجزاء؟ ثلاثة عشر جزاءً، يعني صغار، كل جزئين في مجلد، وليس لها من الطبعات إلا هذه الطبعة، يعني طبعة أصلية أما مصورات كثيرة. (النفح الشذي): بعد هذا كتاب لابن سيد الناس اسمه (النفح الشذي) مؤلفه أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري المتوفى سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وهو شرح نفيس مملوء بالفوائد والشوارد من الأحكام الفقهية والصناعة الحديثية، أبان عن إمامة مؤلفه إلا أنه لم يكمل، حيث وقف ابن سيد الناس في شرحه عند: باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام.

ثم شرع الحافظ العراقي في إكماله على طريقة مؤلفه بل أوسع؛ لكنه كسابقه مات الحافظ العراقي قبل إتمامه فشرع ابنه الحافظ أبو زرعة في تكميله وكسابقيه لم يكمله، ثم ذكر السخاوي في ترجمته لنفسه من الضوء اللامع أن من مؤلفاته تكملة شرح الترمذي للعراقي، وذكر أنه كتب منه أكثر من مجلدين في عدة أوراق من المتن، فأصل هذا الكتاب وتتماته سمتها الطول والاستقصاء والتتبع، على كل يتلخص منهج ابن سيد الناس في شرحه بما يلي: يذكر نص الترجمة ويشرحها، يذكر المتن ويخرج الأحاديث، ويبين درجة الأحاديث، ويدرس الأسانيد، ويبين معاني الألفاظ ويضبطها ويعربها إعراباً وافياً، ويبين الأحكام المستفادة من الحديث، وحكمة التشريع منها، ويبين ويستطرد في ذكر المباحث الأصولية المتعلقة بالحديث، والمؤلف له آراء وإضافات من تلقائه، يعني استنباطات من عنده، فهو مجدد في باب الشرح، وليس بنقال كما هي سمة كثير من الشراح، يمتاز هذا الشرح بتوسعه في الشرح عموماً، ويعنى بتخريج الأحاديث ويستطرد في ذلك، والكتاب حافظ لآراء مؤلفه وهو إمام في الصناعة الحديثية، وتنقل أقواله كثيراً في كتب المصطلح.

أما تكملة الحافظ العراقي فهي على نمطه إن لم تكن أجود، وأما تكملة الابن أبي زرعة والسخاوي فلم أطلع عليهما، والكتاب مع الأسف أنه على أهميته ونفاسته لم يطبع منه سوى مجلدين والثالث منذ سنين تحت الطبع فلا يدرى ما مصيره، والذي يعوق عن إتمام مثل هذه المشاريع طول النفس في التعاليق، فالذي طبع الكتاب وحققه وعلق عليه مجلدين فقط الشيخ أحمد معبد -حفظه الله تعالى- أطال النفس في تعاليقه على هذا الكتاب، واستطرد في التعليق على بعض المسائل الاصطلاحية وبعض الرواة، بعض الرواة استغرقت تراجمهم عند الشيخ في التعليق سبعين صفحة، فمثل هذا العمل -والله أعلم- ما يتم على هذه الطريقة، ولا يمكن أن يتم، فلا إفراط ولا تفريط، لا غلو ولا جفاء، يعني يُعتنى بكتب أهل العلم وتُخرج كما يريده مؤلفوها من الصحة والضبط والإتقان، ويعلق عليها بتعليقٍ خفيف في مواطن الحاجة، ويحال على ما يحتاج إليه من مواضع الكتب، أما إثقال الكتب، نعم تعليق الشيخ ما تقاس بتعاليق غيره ممن همه تسويد الورق وتكثير الصفحات، لا الشيخ كلامه مفيد؛ لكنه يعوق عن إخراج الكتاب وإتمامه. النسبة للغد بعد عصر الجمعة عرفنا أن البدء -إن شاء الله- بعد الصلاة مباشرة، نصلي هنا العصر ونبدأ به مباشرة، وننتهي قبل الخامسة والنصف الآن أن نتحدث عن بقية شروح الترمذي، شروح ابن ماجه والموطأ على اختصار ليكون العمل تاماً ولو على وجه، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، إلا إذا كان الإخوان يشقّ عليهم المجيء بعد صلاة العصر مباشرة، في محاضرة بعد المغرب؟ إذا ما في محاضرة بعد المغرب مناسب بعد الصلاة مباشرة، أما إذا في محاضرة بعد المغرب فيصعب، إلا إذا كان القصد يجلسون لهم نصف ساعة آخر ساعة من الجمعة في المسجد حتى تأتي المحاضرة بعد المغرب هذا جيد، لكن إذا كان ما في محاضرة فيكون الحضور -إن شاء الله- بعد الصلاة مباشرة، البدء بالدرس بعد الصلاة مباشرة، ولا نخرج إلا وقد أكملنا ما وعدنا به -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذه ورقة فيها عدة فقرات: يقول: لم تشيروا في الكلام على بذل المجهود من انتقده عليه الدكتور الخميس من مسائل المعتقد؟ مسائل العقيدة في غالب الشروح -هذه أشرنا إليها كثيراً- أنها تعتمد على التأويل في الغالب، يوجد القليل النادر من الشروح الخالي من التأويل، وهذا مع الأسف الشديد نادر جداً، فأشرنا إلى ما فيه من شيءٍ بارز جداً فيه وهو تعصبه لمذهب الحنفية، والغالب على الحنفية المتأخرين بالنسبة للمعتقد أنهم على مذهب الماتريدي، وهو موجود أيضاً في هذا الكتاب. يقول: لم تذكروا خدمة أبي إسحاق الحويني لسنن النسائي؟ خدمة أبي إسحاق الحويني هي مجرد تخريج للكتاب، وموضوع الدروس في الشروح. يقول: ذكر المباركفوري في تحفة الأحوذي أن هناك نسخةً كاملة من صحيح ابن خزيمة مخطوطة، وأن ابن حجر اطلع عليها مع أن الحافظ في إتحاف المهرة لم يعتمد سوى ربع الكتاب فما رأيكم فيما قاله؟ حقيقةً كلام صاحب التحفة تأتي الإشارة إليه، حيث أفرد فصلاً للكتب النفيسة النادرة القلمية المخطوطة الموجودة في مكتبات العالم بخطوط الأئمة، وعليها تقاريظهم، وعليها بلاغاتهم وقراءاتهم؛ لكن هذا الكلام لا رصيد له من الواقع، ذكر كتب كثيرة جداً، يذكر مثلاً صحيح البخاري بخط الحافظ العراقي، أو بخط ابن سيد الناس، وعليه تعليق لابن حجر وكذا، ابن خزيمة كامل يقول، ليس بصحيح، هذا الكلام ليس بصحيح، الموجود من ابن خزيمة هو المطبوع فقط بقدر ربعه، يقول: وان ابن حجر اطلع عليها، لا، الحافظ ابن حجر لم يطلع على هذه. يقول: ما رأيكم بطبعة سنن الترمذي بشرح الشيخ أحمد شاكر؟ يأتي الحديث عليها -إن شاء الله-. تحقيق كمال يوسف الحوت لسنن الترمذي وغيره من الكتب تحقيق ليس بجيد، وفي الغالب أعماله أقرب ما تكون أنها تجارية. يقول: بلغني أن الشيخ أحمد معبد يقوم بتحقيق أحد شروح الترمذي وأظن أنه طبع منها شيء. هو يقوم بتحقيق شرح الترمذي لابن سيد الناس، وهذا أشرنا إليه بالأمس.

(تحفة الأحوذي):

(الحطة في الكتب الستة) وشروحها لصديق حسن خان، كتاب جيد نافع في بابه ماتع، لكنه مع ذلك عليه عواز كبير، وفيه بعض الأخطاء والملاحظات إلا أنه يعتمد على كشف الظنون، وكشف الظنون فيه من الأوهام ما فيه، فيه من الخلط بين الكتب والشروح فيه شيء كثير، ومع ذلكم هو كتاب نفيس لا يستغني عنه طالب علم. (تحفة الأحوذي): الكلام الآن في بقية شروح الترمذي، شروح الموطأ وابن ماجه، من شروح الترمذي وهو من أنفسها وأجودها وإن كان صاحبه متأخراً (تحفة الأحوذي) مؤلفه محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري المتوفى سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة وألف، وهذا الكتاب حقيقةً من أنفع الشروح المتداولة الآن على جامع الترمذي، وأنفع لطالب العلم من شرح ابن العربي، مع إمامة ابن العربي ورسوخ قدمه في الفقه الملكي؛ ولكن مع ذلكم هو أنفس منه؛ لأن جهد ابن العربي في الغالب منصب على الأحكام والاستنباط؛ لكن هذا شرح ليس بالطويل الممل، ولا بالقصير المخل، نعم وإن كان في أوله أجود منه في آخره، ليس بمثابة شرح ابن سيد الناس وتتماته في الطول، وليس مثل شرح السيوطي في شدة الاختصار. مقدمة الكتاب تقع في جزئين، مقدمة التحفة في جزئين، وهذان الجزءان مشتملان على بابين، في كل باب فصول كثيرة، الباب الأول: أشتمل على واحد وأربعين فصلاً. ذكر في الفصل الأول: حد علم الحديث وموضوعه وغايته. والثاني: في فضل علم الحديث وأهله. والثالث: في تدوين الحديث. والرابع: في كتابة الحديث. والخامس: في حجية الحديث، ووجوب العمل به. والسادس: في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم. السابع: في شيوع علم الحديث في أرض الهند هذا الكلام كله حق. الثامن: في اختلاف أغراض الناس في تصانيفهم. التاسع: في بيان طبقات كتب الحديث. العاشر: في ذكر أنواع الكتب المصنفة في علم الحديث.

والحادي عشر في ذكر الجوامع، وذكر إلى الحادي والأربعين في ذكر أنواع المصنفات، ذكر كتب السنن والمسانيد والمستخرجات، والمستدركات والمسلسلات والمعاجم والصحاح، وكتب السنن، وكتب الأئمة الأربعة، وكتب الحديث للحنفية أفردهم بالذكر، وكتب أسماء الرجال، وذكر أئمة الجرح والتعديل، وعلم أصول الحديث، وكتب غريب الحديث، وكتب شروح الحديث، وكتب أحاديث الأحكام، ومختصراته في الحديث, وكتب التخريج، وكتب الموضوعات، وكتب الناسخ والمنسوخ، وكتب مختلف الحديث والأنساب، وكتب وفيات المحدثين، وكتب الصحابة، وكتب المؤتلف والمختلف، وخصص الفصل الأربعين لذكر الأصول التي ذكرها الحنفية أو غيرهم لرد الأحاديث الصحيحة، هذا فصل جيد في مقدمة التحفة، ذكر فيه الأصول التي يعتمد عليها بعض المقلدة من الحنفية وغيرهم يعتمدون على هذه الأصول لرد السنن، وهو تكلم عن هذه الأصول ونقضها واحداً واحداً. أما الفصل الحادي والأربعون وهو آخر فصول الباب الأول ذكر فيه كتب الحديث القلمية النادرة، المخطوطات النادرة من كتب السنة، وذكر أماكن وجودها، وهذا هو الذي وقع عنه السؤال بالنسبة لصحيح ابن خزيمة، ذكر ابن خزيمة وغير ابن خزيمة، ذكر من صحيح البخاري نسخة من أواخر القرن الثالث وعليها خطوط الأئمة، عليها خط ابن سيد الناس، وابن دقيق العيد، والذهبي، والعراقي، وابن حجر، وهي موجودة كاملة، وذكر نسخ لصحيح مسلم موثقة ومقروءة، وذكر كتب كثيرة من المتون والشروح، ويحيل في الغالب على الخزانة الجرمنية، الخزانة الجرمنية هذه في ألمانيا؛ لكن لما فتحت الحدود مع ألمانيا ما وجد شيء من ذلك، وكتب بعضهم مقال باسم (مسيل اللعاب) ذكر في بعض هذه الكتب التي ذكرها المباركفوري وشكك في وجودها. أما الباب الثاني من المقدمة ذكر فيه سبعة عشر فصلاً. الأول: في ترجمة الإمام الترمذي. الثاني: في فضائل جامعه. الثالث في ذكر رواة الجامع. والرابع في بيان شرطه. والخامس في بيان رتبة جامع الترمذي.

والسادس في بيان أنه ليس في الترمذي حديث موضوع، الترمذي خرج لمحمد بن سعيد المصلوب، وهو أحد الوضاعين، لا شك أنه خرج له؛ لكن الحديث الذي خرجه من طريقه نعم لو لم يثبت إلا من طريقه لحكم عليه بالوضع، ولذا قرر الشارح أنه ليس في الترمذي حديث موضوع، وإن كان ابن الجوزي أدخل بعض الأحاديث من جامع الترمذي وسنن أبي داود فضلاً عن ابن ماجه في موضوعاته، بل زاد على ذلكم، فأدخل حديثاً في صحيح مسلم، وأدخل حديثاً من صحيح البخاري رواية حماد بن شاكر. المقصود أن ابن الجوزي بالغ في هذا الباب، وأدخل أحاديث ضعيفة لا تصل إلى حد الوضع في موضوعاته وأيضاً فيه بعض الأحاديث الحسنة، بل فيه ما هو صحيح، مما هو في الصحيحين أو أحدهما، ولذا يقول الحافظ العراقي: وأكثر الجامع فيه إذ خرجْ ... لمطلق الضعف عنى أبا الفرجْ يقول في الفصل السابع: في أن جميع أحاديث الترمذي معمول بها أم بعضها غير معمول به؟ يعني يتساءل هل جميع أحاديث الترمذي معمول بها؟ الترمذي في آخر الجامع في علل جامعه ذكر أن جميع ما في كتابه معمول به سوى حديثين، لم يستثنِ من جامعه إلا حديثين: أحدهما: حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الصلاتين في المدينة من غير خوفٍ ولا مطر. والثاني: حديث معاوية في قتل الشارب المرة الرابعة، يعني قتل المدمن جاء فيه أحاديث تصل بمجموعها إلى رتبة الحسن، وإن كان بعضهم الشيخ أحمد شاكر يصححها، ذكر الترمذي أن العلماء اتفقوا على عدم العمل بهذا الحديث، بعضهم يرى أنه منسوخ؛ لكن رأي ابن القيم في مثل هذا الحديث التوسط، وهو أن قتل الشارب إذا لم يرتدع الناس بالحد يكون من باب التعزير، يعني للإمام أن يقتل الشارب إذا أدمن على الشرب، ولم يرتدع الناس بالحد الذي حده الشارع، وللشيخ أحمد شاكر رسالة صغيرة اسمها (كلمة الفصل في قتل مدمن الخمر) تعليقه أيضاً على المسند مطول حول هذه المسألة، وبحثها بحثاً جيداً. الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- زاد على الحديثين، أحاديث مما صح من الأحاديث ولم يعمل به أهل العلم. والفصل الثامن: في اسم الكتاب. والتاسع: في شروح جامع الترمذي. والعاشر: في بيان عادات الترمذي في جامعه.

والحادي عشر: في شرح بعض الألفاظ المستعملة في جامع الترمذي. والثاني عشر: في تراجم فقهاء الحديث الذين ذكرهم الترمذي. الثالث عشر: في تراجم أئمة التفسير الذين ذكرهم الترمذي. والرابع عشر في تراجم أئمة اللغة المشهورين. والخامس عشر: فيما وقع في الجامع من المكررات، معلوم أن جامع الترمذي أقل الكتب الستة تكراراً؛ لأنه يذكر الحديث الذي يريده ثم الشواهد يشير إليها إشارة، بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان .. الخ، فلا يكرر إلا نادراً. والسادس عشر: في ذكر رواة جامع الترمذي على الحروف، الرواة الذين خرج لهم الإمام الترمذي في جامعه ذكرهم في هذه المقدمة مرتباً لهم على الحروف. والسابع عشر: في شرح بعض الألفاظ التي استعملها الشارح، بعض الاصطلاحات المستعملة في الشرح خصص لها الفصل السابع عشر. وأما الكتاب فصدره -يعني الشرح- صدره مؤلفه بذكر أسانيده إلى الإمام الترمذي، يعني كعادة الشراح، ثم شرع في الشرح، والشرح شرح متوسط، يشتمل على شرح الترجمة باختصار، ترجم للرواة ويذكر ما فيهم أيضاً باختصار، ويذكر من روى عنه ومن رووا عنه، يذكر بعض كلام النقاد في الراوي؛ لكنه في الغالب لا يرجح، وإنما يعتمد غالباً على ترجيحات ابن حجر، يشرح الألفاظ من متن الحديث ويذكر ما فيها من احتمالات، يستنبط من الأحاديث، يذكر الخلاف مع الاستدلال والترجيح من غير تعصب لمذهب معين؛ لكنه في الغالب يقتدي بالشوكاني، يخرج الحديث من المصادر المشهورة بعد حكم الترمذي على الحديث، يعني إذا قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، قال الشارح: وأخرجه فلان وفلان وفلان، هذا موضع التخريج غالباً يخرج الشواهد ويعنى بها عنايةً فائقة، وهذه من مميزات هذا الكتاب، الشواهد يقول فيها الترمذي: وفي الباب يحرص الشارح على تخريجها، فيردها إلى مصادرها، هذا جهد طيب، الحافظ العراقي له كتاب اسمه (اللباب فيما قال عنه الترمذي وفي الباب) تخريج لهذه الشواهد، وأيضاً الحافظ ابن حجر له كتاب آخر، وأيضاً كتاب لمعاصر اسمه (كشف النقاب) طبع منه خمسة مجلدات، وهو كتاب جيد في الجملة، قد يعجز عن تخريج بعض الشواهد، هذا ليس بنقصٍ ولا عيب، وحينئذٍ يقول: "وأما حديث فلان فلينظر من أخرجه".

(الكوكب الدري على جامع الترمذي):

في أحاديث الصفات مسلك الشارح جيد، يثبت الصفات على طريقة أهل السنة والجماعة، وعلى كل حال فالكتاب ما زال هو المتصدر بالنسبة لشروح الترمذي الموجودة المتداولة؛ لأنه جامع بين الرواية والدراية، من غير تعصب لا لمذهب ولا لغيره، إنما يدور مع النصوص. (الكوكب الدري على جامع الترمذي): في كتاب لمعاصر آخر اسمه (الكوكب الدري على جامع الترمذي) هذا الكتاب ألفه محمد يحيى بن محمد إسماعيل الكندهلوي المتوفى سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وألف، شرح مختصر افتتح بمقدمة مختصرة ورقة أو ورقتين، ذكر فيها موضوع علم الحديث، ثم ذكر إسناده في الكتاب، ذكر موضوع علم الحديث والغريب أنه قلد الكرماني في ذلك وقال: "موضوعه ذات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وقال: "وهو أجود من قول من يقول: أن موضوع علم الحديث أقواله -عليه الصلاة والسلام- وأفعاله من حيث القبول والرد"، سمعنا مقالة الكافيجي فيما نقله السيوطي سابقاً، وأن محيي الدين الكافيجي ما زال يتعجب من قول الكرماني أن موضوع علم الحديث هو ذات الرسول -عليه الصلاة والسلام-. بعد هذه المقدمة المختصرة ذكر إسناده في الكتاب، ثم شرع في شرح الكتاب، فيذكر الترجمة، ترجمة الباب، العنوان، ويشرحها بشرحٍ مختصر، لا يفرد المتن، وإنما يسوق ما يحتاجه منه، يذكر ما يحتاج من المفردات ويتكلم عليها بشيءٍ من التفصيل، التفصيل بالنسبة لحجم الكتاب، لا يخرج الحديث ولا الشواهد، يذكر أحياناً بعض الفروق بين النسخ والروايات؛ لكنه بالنسبة للدراية فيه ضعف، والكتاب مطبوع في أربعة أجزاء، عليه حاشية للشيخ محمد زكريا الكندهلوي. شرح الشيخ أحمد شاكر:

خامساً: شرح سماه مؤلفه شرح، شرح الشيخ أحمد شاكر، الشروح كما هو معلوم إما أن تكون موضوعية أو موضعية أو مزجية، الموضوعية يأتي إلى الموضوع عامةً ويتحدث عنه يعني في ظلال ما ذكر فيه من النصوص، هذا شرح موضوعي، يعني مثلما يشرح مثلاً كلام شيخ الإسلام في الواسطية بالنقول الواسعة من كلامه في كتبه المطولة، يعني يأتي إلى المسألة من الواسطية وهي باختصار ينقل لها كلام من كلام الشيخ -رحمه الله تعالى- بتطويل، هذا موضوعي، يتحدث عن الموضوع جملة ولا يحلل الألفاظ، هذا أقرب مثال له: (الروضة الندية شرح الواسطية) وأيضاً شرح الشيخ ابن عيسى على النونية من هذا النوع، يأتي إلى كلام ابن القيم في النونية وينقل له ما يوافقه من كلام ابن القيم أو من كلام شيخه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-. الشرح الموضعي هذا غالب الشروح تعتمده، وهي ما يصدر بقوله: (قوله) يقول الشارح: قوله كذا: يأتي بجملة ثم يشرحها، شرح موضعي، هذا غالب الشراح يصنعونه ويتداولونه، وإن كان اصطلاح بعض المتأخرين أن في تسميتهم الحواشي هي المبدوءة بالقولات لكن ...

مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (5)

مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (5) الشيخ/ عبد الكريم الخضير أن في تسميتهم الحواشي هي المبدوءة بالقولات؛ لكن غالب الشروح تعتمد هذا المنهج وهذا المسلك، من أطول الشروح فتح الباري، يقول الحافظ: قوله كذا ثم يشرح. أما الشرح المزجي يدمج الكتاب كاملاً ويدرجه في الشرح لفظة لفظة، ويسبكها معه، مع الكتاب المشروح، يسبك كلام الأصل مع شرحه، ومن أمثلة ذلك إرشاد الساري، يعني لم يغادر من صحيح البخاري ولا كلمة بخلاف الشروح الأخرى الموضعية. طالب:. . . . . . . . . شرح حديث النزول؟ موضوعي، لا شك أنه موضوعي؛ لأنه ليس بتحليل لفظي للكتاب، وإنما في ظلال هذا الحديث تكلم عن النزول بإفاضة -رحمه الله تعالى-، وقرر فيه مذهب السلف من إثبات النزول على ما يليق بجلال الله وعظمته، ورجح أنه مع ذلك العرش لا يخلو منه تعالى.

الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- اعتمد طريقة المتأخرين الذين اقتدوا بالمستشرقين حينما يضعون الأرقام على المتن، ويعلقون على ما يشاءون التعليق عليه بأرقامٍ مماثلة، افتتح الشيخ -رحمه الله تعالى- كتابه وهو ناقص، الكتاب ناقص، المشروح لا يعادل خمس الكتاب، افتتح المحقق والشارح -رحمه الله تعالى-، وسماه شرح وإلا هو أشبه ما يكون بتحقيق ومقارنة موازنة بين النسخ، وتعليقات على الكتاب؛ لكن فيه تعليقات مستفيضة وجيدة، هذه المقدمة التي افتتح الشيخ كتابه فيها ضافية تحدث فيها عن نسخ الترمذي المطبوعة والمخطوطة، ثم أشاد فيها في هذه المقدمة بعمل المستشرقين، ودقته في إثبات فروق النسخ، ونعى وعتب على من تولى وتصدر للنشر الكتب من المسلمين، وأنهم غفلوا عن جوانب مهمة في التحقيق، وهي مقابلة النسخ، واعتماد النسخ المضبوطة المتقنة، وإثبات الفروق بين النسخ في الحواشي، نعم إثبات الفروق بين النسخ في الحواشي مهم، وله قيمته، وتبين أهميته فيما إذا رجح المحقق لفظاً مرجوحاً، كثيراً ما يختار المحقق لفظاً يجعله في صلب الكتاب ويعلق عليه، يقول: في كذا كذا، يعني في نسخة كذا لفظ كذا، وقد يكون هو الراجح عند التأمل، وهذا كثير في صنيع المحققين المتأخرين، هذه مهمة، وهذه إنما احتيج إليها متى؟ حينما زالت الثقة، وإلا فالمتقدمون من أهل العلم ينقلون من الكتب من غير إثباتٍ لهذه الفروق وينسخون، نعم إذا كان هناك في المقابلات سقط أو ما أشبه ذلك يلحقونه، يسمونه اللحق، أما إثبات فروق النسخ فهذا إنما جاء به المستشرقون وهو أيضاً لا شك أنه حسن لا سيما وأنه تصدى لنشر الكتب وتحقيقها من ليس بأهل، فقد يرجح ما ليس براجح، فإذا ذكر هذه الفروق حينئذٍ يمكن أن يتوصل إلى اللفظ الصحيح، وإن كان في الحاشية، أشاد بعمل المستشرقين ودقتهم، يقول: "وأما دور الطباعة القديمة عندنا وفي مقدمتها مطبعة بولاق فلم يُعنَ مصححوها بهذا النوع من الفهارس أصلاً، وما أظنهم فكروا في شيءٍ منه، مع أن مطبوعات المستشرقين كانت موجودةً معروفة، ومن أمثلة ذلك سيرة ابن هشام نشرها المستشرق ... الخ، ومعها فهارس مفصلة، ثم طبعت في بولاق سنة (1295) بدون فهارس"، يقول: "وأنا أستبعد

جداً أن لا تكون طبعة المستشرق في يد مصححي مطبعة بولاق عند طبع الكتاب" هذا ما يتعلق بالفهارس، وأما ما يتعلق بإثبات الفروق ذكره الشيخ.

لا شك أن الطباعة في مبدأ أمرها لا سيما في بلاد المسلمين ما تعتمد على الفهارس التفصيلية للآيات والأحاديث والأماكن والفرق والرجال والمصادر وغيرها، في البداية كان المؤلفون الأوائل لا يعتنون بذلك بل يقصد بعضهم أن لا يضع لكتابه فهرساً من أجل أن يقرأ الكتاب كله، ويذكر عن ابن حبان -رحمه الله- أنه لما ألف كتابه (الأنواع والتقاسيم) جعله على ترتيبٍ غريب لا يدركه أكثر الناس، فقيل له في ترتيبه هذا فقال: من أجل أن يقرأ الكتاب كله، فإذا وجدت الفهارس الميسرة لا شك أن الطالب سوف يكتفي بها، ولن يراجع الكتاب كاملاً، ولن يتعب نفسه في تصفح الكتاب، ولا شك أن مثل هذا يختصر الوقت إلى حدٍ ما؛ لكنه مع ذلكم يعود الطالب على الكسل والتواكل، الاتكال على غيره، ولذا كانت الثورة على الكتابة، كتابة الحديث في أول الأمر، والخلاف الموجود ثم استقر الأمر على الكتابة ونسي الحفظ، ثم بعد ذلكم خرجت أو ظهرت الطباعة وكان الناس يعتمدون على الخط، من احتاج إلى كتابٍ نسخه، أخذ في نسخه الوقت الطويل؛ لكنه استفاد كثيراً حينما نسخ الكتاب، كتابة الكتاب مرة واحدة عن قراءته عشر مرات، لما خرجت وظهرت الطباعة ثار العلماء حولها، حصلت ضجة؛ لأن لا شك أن مثل هذا يعوق عن التحصيل إلى حدٍ ما، ثم بعد هذا ظهر بعد ذلكم بعد الطباعة الفهارس ثم الحواسب وكلها عوائق عن التحصيل، كلها مما يعوق عن التحصيل، الآن إذا أردت أن تبحث عن حديث في صحيح البخاري، كونك تتصفح الصحيح وتصل إلى الحديث بنفسك، أولاً: أنت في أثنائك بحثك وقفت على عشرات الأحاديث، الأمر الثاني: أن الحديث في مثل هذه الحالة يرسخ في الذهن؛ لأنك تعبت عليه، أما حديث تضغط زر ويطلع لك الحديث تشوفه وبعدين تطفيه، مثل هذا ما يرسخ في الغالب، نعم هو يسعف في المضائق، في وقت الضيق يسعف، خطيب ما بقي عنده وقت، وبحاجة إلى هذا الحديث ما عنده وقت يبحث عن الحديث ويخرجه من مصادره يعتمد، لا بأس، مدرس يعني بقي على درسه شيء يسير وما أشبه، المقصود أن مثل هذه لا يعتمد عليها في التعلم، وإن كان يستفاد منها عند ضيق الوقت، لكن الإشكال أن الناس مخلدون إلى الراحة، يعتمدون عليها في كل شيء، وهذا لا شك أن فيه ضرر

على التعلم، بعد هذه المقدمة الضافية شرع الشيخ -رحمه الله تعالى- بالتعليق والتحقيق وذكر فروق النسخ والتصويبات وتخريج الأحاديث والتراجم لبعض الأعلام، يشرح بعض الألفاظ، يصوب ويرجح، ويستطرد في بحث بعض المسائل، يذكر عن المسألة الواحدة أحياناً صفحتين ثلاث، وهذا جيد بالنسبة للشيخ بتجرد أيضاً، الشيخ يرجح تبعاً للدليل فلا يميل إلى مذهب من المذاهب، وهذا من مزايا هذا الكتاب، ومن مزايا الشيخ -رحمه الله تعالى-؛ لكن القارئ لأعمال الشيخ كلها يلمس منه التساهل في التصحيح وتوثيق الرواة، فقد وثق من الرواة في جامع الترمذي ما يزيد على ثلاثين راوياً الجمهور على تضعيفهم. وناقش الشيخ -رحمه الله- مسألة تصحيح الترمذي وهل هو معتبر أو ليس بمعتبر؟ الترمذي متساهل في التصحيح، نص على ذلك جمع من الأئمة كالذهبي وغيره، لكن الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- يرى أن تصحيح الترمذي معتبر، نعم هو بالنسبة للشيخ أحمد شاكر معتبر؛ لأن الشيخ أحمد شاكر أكثر تساهلاً منه، يعني إذا قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، يحتمل أن يكون المراد حسن صحيح بطريقه هذا أو بمجموع الطرق، بطرقه ومجموعاته وشواهده، وهذا محتمل، لكن الشيخ يذهب إلى أبعد من ذلك، فيرى أن تصحيح الترمذي معتبر ومعتمد، وتصحيحه توثيق لرجاله، فمثلاً: الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- حينما وثق ابن لهيعة في صفحة (16 و 61) ووثق أيضاً الأفريقي عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، ووثق ابن إسحاق، ووثق بقية بن الوليد بإطلاق، ووثق الحجاج بن أرطأة، ووثق علي بن جدعان، ووثق عبد الله بن عمر العمري المكبر، ووثق أيضاً يزيد بن أبي زياد، وجواب التيمي، وإسماعيل بن عياش، وحماد بن الجعد، ورجح رواية الحسن عن سمرة .. الخ في كلامٍ يصعب حصره بالنسبة لتعليقات الشيخ، وتوسعه أيضاً في تعليقه على المسند قريب من هذا، الآن الشيخ الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- ويقول: "عبد الله بن عمر -يعني العمري- ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث" والمحقق الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- رجح أنه ثقة، ومعروف الجمهور على تضعيفه المكبر دون المصغر، دون عبيد الله.

موطأ الإمام مالك -رحمه الله-:

والكتاب لو قدر تمامه، خرج كاملاً لكان من أنفع الكتب، ومن أنفع الخدمات لجامع الترمذي لا سيما فيما يتعلق بتصحيح اللفظ، تصويب الكتاب وتصحيحه؛ لأن نسخ الترمذي سواء كانت المطبوعة أو المخطوطة منذ زمن بعيد فيها تفاوت كبير لا سيما في أحكام الترمذي على الأحاديث، والشيخ أحمد شاكر جمع نسخ جيدة للكتاب، وقارن بينها ووازن وذكر فروق النسخ، واعتنى بالكتاب عناية فائقة، لكن لم يقدر تمامه، شرع في إتمامه محمد فؤاد عبد الباقي، فحقق الجزء الثالث وإبراهيم عطوة عوض طبع الجزء الرابع والخامس لكن من غير أي عناية ولا خدمة. موطأ الإمام مالك -رحمه الله-: السادس من الكتب الستة سبق أن أشرنا إلى أنه مختلف فيه، وهل هو الموطأ؟ كما قال -أو كما زعم- ابن الأثير في جامع الأصول، ورزين العبدري في تجريد الأصول أو الدارمي كما قاله بعضهم، أو سنن ابن ماجه كما اعتمده المتأخرون تبعاً لأبي الفضل ابن طاهر والحافظ عبد الغني في الكمال، والمزي في تهذيبه وأطرافه وغيرهم، اعتمدوا ابن ماجه لكثرة زوائده على الخمسة. الموطأ مؤلفه الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي إمام دار الهجرة، نجم السنن، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة. الموطأ التسمية مأخوذة من التوطئة وهي التهيئة والتسهيل، يقولون: رجل موطأ الأكناف أي سهل كريم الخلق وسبب تأليف الكتاب كما ذُكر مما ذكره ابن خلدون، أن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- ألفه بطلبٍ من أبي جعفر المنصور الخليفة المعروف المشهور، طلب من الإمام مالك أن يؤلف كتاباً ليجمع عليه الناس، وأوصاه ووجهه كيف يؤلف؟ فقال: "تجنب في ذلك رخص ابن عباس، وشواذ ابن مسعود، وتشديدات ابن عمر"، يقول الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "فعلمني كيفية التصنيف".

الموطأ له روايات كثيرة، يعني ليس على صورة واحدة، الموطأت بضعة عشر، تختلف هذه الموطأت في كثرة الأحاديث، في الترتيب، في التقديم والتأخير، في كلام الإمام مالك ونقوله عن التابعين والصحابة، فأوسع هذه الموطآت وأكثرها زيادات رواية أبي مصعب، وهي مطبوعة في مجلدين، وأشهر الروايات وأكثرها تداولاً وعليها أكثر الشروح، رواية يحيى بن يحيى الليثي، على كلٍ من الروايات رواية يحيى بن يحيى الليثي ورواية عبد الله بن وهب، ورواية القعنبي عبد الله بن مسلمة، ورواية ابن القاسم، ورواية معن بن عيسى القزاز، ورواية عبد الله بن يوسف التنيسي، ورواية يحيى بن بكير، ورواية سعيد بن عفير المصري، ورواية أبي مصعب، ورواية مصعب بن عبد الله الزبيري، ورواية محمد بن المبارك الصوري، ورواية سليمان بن برد النجبي، ورواية يحيى بن يحيى التميمي، ورواية أبي حذافة أحمد السهمي، ورواية سويد بن سعيد الحدثاني، ورواية محمد بن الحسن الشيباني، رواية يحيى بن يحيى الليثي ورواية يحيى بن يحيى التميمي، المشهورة من الروايات هي رواية الليثي، والليثي هذا ليست له رواية في الكتب الستة، بخلاف التميمي، من شيوخ مسلم الذين اعتمد عليهم كثيراً في صحيحه، فلا نخلط بينهما، يعني إذا وجدنا الإمام مسلم يقول: حدثنا يحيى بن يحيى لا يظن أنه يحيى بن يحيى الليثي راوي الموطأ، الرواية المشهورة وإن كان الآخر له رواية، لكن ذكر في التقريب من أجل التمييز، لئلا يشتبه للآخر؛ لأنهما من طبقةٍ واحدة، على كلٍ الروايات المشهورة أشهرها رواية ابن يحيى وعليها غالب الشروح، رواية أبي مصعب وهي أوفى الروايات، رواية سويد بن سعيد وهي مشهورة أيضاً، ورواية محمد بن الحسن الشيباني، ويعتمدها من ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة هذه الرواية؛ لأن فيها كلام لمحمد بن الحسن وتعليقات على الأحاديث توافق مذهب الحنفية.

(التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد):

لأهمية الموطأ وإمامة مؤلفه، وعلو أسانيده اعتنى به العلماء عنايةً فائقة، فممن اعتنى به الإمام ابن عبد البر، فشرحه في كتابين عظيمين يأتي الحديث عنهما هما (التمهيد والاستذكار) وممن شرحه أيضاً الباجي في كتابين أيضاً (الاستيفاء والمنتقى) شرحه أيضاً السيوطي (تنوير الحوالك) كتاب مختصر، الزرقاني كتاب متوسط، الدهلوي له شرح اسمه (المسوى) شرح جميل ومختصر وموجز باللغة العربية، له (المصفى) باللغة الأعجمية، المسوى من أراد التفقه من كتاب مالك عليه بهذا الكتاب باختصار؛ لأنه اعتمد على الموطأ في تقرير الفقه المالكي، وضمّ إليه آراء الحنفية والشافعية، وأضرب عن ذكر مذهب الحنابلة؛ لأنه يرى أن هذا المذهب غير منتشر، فهو يخدم المذاهب المنتشرة. (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد): أولاً: (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) للإمام أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النَّمَري، المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة، النَّمِر هذا الاسم، فالنسبة إليه نَمَري، مثل بني سلِمة بالكسر النسبة إليها سَلَمي، هذا هو الصحيح، كتاب التمهيد كتاب فريد في بابه، موسوعة شاملة في الفقه والحديث والرجال، وأنموذج فذ في أسلوبه ومنهجه، رتبه مؤلفه على الأسانيد مرتباً إياها على أسماء شيوخ الإمام مالك -رحمه الله تعالى- الذي روى عنهم ما في الموطأ من الأحاديث، وذكر ما رواه عن كل شيخٍ مرتبهم إياهم على حروف المعجم، فبدأ أولاً بمن اسمه إبراهيم ثم إسماعيل فإسحاق فأيوب وختم الحروف بيحيى ويونس ويعقوب ثم ختم الكتاب بالكنى والبلاغات.

(الاستذكار لمعرفة مذاهب فقهاء الأمصار):

الإمام ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- اقتصر في شرحه على الأحاديث المرفوعة، لم يتعرض للموقوفات ولا المقطوعات ولا أقوال الإمام مالك، إنما اقتصر على شرح ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- سواء كان بأسانيد متصلة أو منقطعة، تكلم على المراسيل، تكلم على البلاغات، وتكلم على الأحاديث الموصولة على حسب ترتيب شيوخ الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، لم يتكلم على ما جاء موقوفاً على الصحابة أو مقطوعاً عن التابعين، ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- أمضى في تصنيف الكتاب أكثر من ثلاثين سنة، أكثر من ثلاثين سنة أمضاها في تصنيف هذا الكتاب، ولذا جاء كتاباً بديعاً متقناً فيه من البحوث الحديثية ما يستفيد منه طالب العلم فائدة لا تقدر، فيه أيضاً من بحث المسائل الفقهية بتجرد، وإن كان الإمام ابن عبد البر مالكي المذهب؛ لكنه يرجح غير ما يراه الإمام مالك تبعاً للدليل، من أظهر المسائل التي رجحها وهي مشهورة عند المالكية عندهم تفضيل المدينة على مكة، الإمام ابن عبد البر بحث المسألة بحثاً مستفيضاً وخرج بترجيح مكة على المدينة خلافاً على ما يقوله إمامه. يقول ابن حزم: "لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلاً، فكيف أحسن منه؟ " والكتاب مطبوع في أربعة وعشرين جزءً، إلا أنها طبعة متوسع فيها شيء ما، يعني يمكن البياضات فيها كثيرة، لو طبع في أقل من هذا العدد ممكن، يمكن أن يطبع في عشرة مجلدات، بحروفٍ ليست صغيرة إنما متوسطة، وورق متوسط الحجم، ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- لما رأى تقاصر الهمم عن تحصيل التمهيد اختصره في كتاب سماه (تجريد التمهيد) مطبوع في مجلدٍ واحد، التمهيد نظراً لطول الوقت الذي مكثه الإمام ابن عبد البر في تأليفه لا نقول إنه قبل الاستذكار؛ لأنه في الاستذكار يحيل على التمهيد في غالب الأحاديث، لا نقول: إن التمهيد قبل الاستذكار، ولذا فيه إحالات من التمهيد على الاستذكار في مواضع هي ليست كثيرة؛ لكنها موجودة، إحالات من التمهيد على الاستذكار، وأما الأكثر والغالب الإحالة من الاستذكار على التمهيد. (الاستذكار لمعرفة مذاهب فقهاء الأمصار):

(المنتقى) للباجي:

أما الاستذكار هو كتاب مبسوط شرح فيه الإمام ابن عبد البر الموطأ، وتفنن فيه وبرع، وجد واجتهد في استنباط المسائل الفقهية، وبسط فيه الدلائل من الكتاب والسنة وأقاويل السلف من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، يعني الأول ميزته المعاني والأسانيد فهو كتاب حديثي، صبغته حديثية، وإن كان يأتي الكلام على الأحكام تبعاً، أما الاستذكار فصبغته فقهية، (الاستذكار لمعرفة مذاهب فقهاء الأمصار) ولو جمع بينهما على ترتيب الموطأ فمزج الكتابان بكتابٍ واحد لكان عملاً جيداً. من أهل العلم من مزج بين الاستذكار والمنتقى للباجي، يوجد له نسخ جمع بين الاستذكار والمنتقى نسيت مؤلفه الآن، له نسخ خطية، لكن لو جمع بين كتابي ابن عبد البر لتكاملا شرحاً مبسوطاً واسعاً واحداً بحيث لا يتشتت الطالب إن أراد الفقه ذهب إلى الاستذكار، وإن أراد الأسانيد ذهب إلى التمهيد. يتخلص مذهب ابن عبد البر في الاستذكار بما يلي: يذكر الحديث من الموطأ برواية يحيى بن يحيى، ثم يذكر شواهده وما جاء في معناه من مرفوعٍ وموقوف. يتكلم على إسناد الأحاديث أحياناً، ويحيل على التمهيد لمن أراد البسط. ثالثاً: يذكر اختلاف ألفاظ الناقلين من رواة الحديث. رابعاً: يشرح ألفاظ الأحاديث بالروايات الأخرى وشواهد العربية. يتكلم على فقه الحديث باستيفاء وما يستنبط منه من أحكامٍ وآداب. يذكر اختلاف الروايات عن الإمام مالك في المسائل الفقهية. يستعرض أقوال فقهاء الأمصار في المسائل الفقهية، ويقارن بين أدلتهم، ويناقشها ويرجح القول الراجح بدليله ولا يتعصب لمذهب. والكتاب مطبوع في ثلاثين جزءً، وهو أيضاً قابل لأن يكون في عشرة أو ثمانية مجلدات؛ لأنه نفخ بالتعاليق والنقول من التمهيد وغيره، الصفحات خمس صفحات تنقل جميع من التمهيد، هذه لا داعي لها، التمهيد موجود فلا داعي لمثل هذا التطويل. (المنتقى) للباجي:

من شروح الموطأ النفيسة (المنتقى) مؤلفه أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد التجيبي الباجي المالكي المتوفى سنة أربع وسبعين وأربعمائة، والكتاب شرح متوسط يعني ليس مثل التمهيد أو الاستذكار، ليس بالطويل الممل، ولا بالقصير المخل، ذكر في مقدمته أنه اختصره من كتابه المبسوط الموسع المسمى (الاستيفاء) لتعذر درسه على أكثر الناس، يقول: أكثر الناس لا يستطيعون أو لا يصبرون على معاناة مثل هذه المطولات جداً مثل الاستيفاء. اقتصر في المنتقى على الكلام على معاني ما يتضمنه الحديث من الكلام على الفقه مربوطةً بما يتعلق بها في أصل كتاب الموطأ ليكون شرحاً وتنبيهاً على ما يستخرج منه من المسائل، هذا كلامه، يشير إلى الاستدلال على تلك المسائل والمعاني التي يجمعها وينصها مما يخف ويقرب؛ ليكون ذلك حظ من ابتدأ بالنظر في هذه الطريقة من كتاب الاستيفاء إن أراد الاقتصار عليه، وعوناً له إن طمحت همته إليه، يعني إن أراد الاقتصار على المنتقى يكفيه، لكن إن طمح إلى كتاب الاستيفاء يكون المنتقى توطئة وتمهيد ودرجة يمكن أن يصعد بواسطتها إلى الاستيفاء.

يقول: "أعرضت فيه عن ذكر الأسانيد واستيعاب المسائل والأدلة، وما احتج به المخالف، وسلكت فيه السبيل الذي سلكت في الاستيفاء من إيراد الحديث والمسألة من الأصل، ثم أتبعت ذلك ما يليق به من الفرع، وأثبته شيوخنا المتقدمون من المسائل، وبالله التوفيق، على كل ٍ المنتقى مطبوع ومتداول، فيه فوائد لا سيما ما يتعلق بمذهب المالكية، الذي يريد أن يطلع على مذهب الإمام مالك عليه بمثل هذا الكتاب، هذه الشروح التي اختلفت مذاهب مؤلفيها يستفاد منها معرفة تلك المذاهب؛ لأن الإنسان قد لا يصبر على قراءة الكتب الفقهية المجردة، وإن كان الأولى به أن يعتمد من كل مذهب متن يديم النظر فيه ليضبط مسائل المذهب على وفق ما يراه إمام المذهب؛ لكن إذا كان ممن لا رغبة له، أو ليس عنده وقتاً يراجع الكتب الفقهية يقتني من هذه الشروح التي تختلف فيها مذاهب مؤلفيها، فمثلاً يطلع على مذهب الشافعي من خلال فتح الباري، وشرح النووي، المذهب الحنفي بواسطة عمدة القاري مثلاً، المذهب المالكي بواسطة مثل هذه الكتب، كتب ابن عبد البر وكتب الباجي وغيرها، يبقى المذهب الحنبلي وهو مع الأسف أن الحنابلة إذا قلنا: أن الكتب الشروح تخدم المذاهب، فالمذهب الحنبلي لم يخدم إلا بالقليل النادر، مثل شرح ابن رجب -رحمه الله تعالى-.

سنن ابن ماجه وشروحه:

أيضاً كتب التفاسير المطولة تخدم المذاهب، مثلاً تفسير القرطبي خدمة جليلة لمذهب الإمام مالك، مع إشارته للمذاهب الأخرى، تفسير أحكام القرآن للجصاص خدمة لمذهب الشافعي، أحكام القرآن لابن عربي يخدم مذهب الإمام مالك، تفاسير الشافعية كثيرة جداً تخدم مذهبهم، تفسير ابن الجوزي على اختصاره يخدم المذهب الحنبلي ويذكر الروايات ويشيد بفقهاء الحنابلة، لا بأس من هذه الحيثية، لكنه مع ذلكم المسألة تحتاج إلى مزيد بسط في خدمة المذهب، سواء كان من خلال الكتاب أو من خلال السنة، ولا نقول هذا من باب التعصب، لكن أيضاً من باب المعادلة والإنصاف، ولذا الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- لما ألف (القول المسدد في الذب عن المسند) هو شافعي، شافعي المذهب، دافع عن المسند بقوة، وقال: إن هذه عصبية نبوية، حينما نتعصب لكتاب هذا الإمام الجليل المحدث الفقيه ليس التعصب للإمام أحمد نفسه، إنما كلما قرب الإمام من النصوص ينبغي أن يعتنى به أكثر، ويحتفى بأقواله وأفعاله. سنن ابن ماجه وشروحه: بعد هذا سنن ابن ماجه مؤلفه أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، وماجه معروف أنها بالهاء في الوقف اندرج، مثل: داسه ومنده، يعني ما تقول: ماجة، وإن كان بعضهم يختار ذلك؛ لأنه لما تداوله العرب صار في حكم الاسم العربي؛ لكن الأصل هو بالهاء، ماجه ومثله منده، وداسه، المتوفى سنة ثلاث وسبعين ومائتين.

يقول ابن الأثير: "كتابه كتاب مفيد قوي النفع في الفقه؛ لكن فيه أحاديث ضعيفة جداً بل منكرة"، فيه حديث موضوع في فضل قزوين، يقول: "حتى نقل عن الحافظ المزي أن الغالب فيما تفرد به الضعف، ولذا لم يضفه غير واحدٍ إلى الخمسة، بل جعلوا السادس الموطأ" وفي الكتاب من حسن الترتيب وسرد الأحاديث بالاختصار من غير تكرار، ليس في أحدٍ من الكتب، وقد عرضه على أبي زرعة فنظر فيه وقال: "أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها" هذا إن صح عن أبي زرعة فقد قاله من باب التشجيع لمؤلفه، شخص تعب على خدمة السنة يعني ينبغي أن يشجّع، ما نفعل مثلما فعل بعضهم، شرح المحرر للمجد فعرضه على واحد من الشيوخ فقال: أريد رأيك في الكتاب وفي تسمية الكتاب وتسمي لنا الكتاب، قال: اتركه عندي، فلما رجع إليه قال: سمه (القول المكرر في شرح المحرر) هذا تحطيم؛ لكن لو أرشده ووجهه إلى كيفية التصنيف، وحذف ما ينبغي حذفه، وإثبات ما ينبغي إثباته كان أولى، لكن مثل هذا ينصدم ما عاد يؤلف شيء. من هذا الباب قول أبي زرعة لابن ماجه يقول: "أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع" يعني كتاب البخاري، كتاب مسلم، الكتب كلها تتعطل، من أجل سنن ابن ماجه، فلا شك أنه إن صح عن أبي زرعة أنه من باب التشجيع لمؤلفه، ثم قال: "لعله لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثاً مما في إسناده ضعف"، لكن الذهبي في السير قال: "قول أبي زرعة إن صح فإنما عنى بالثلاثين الأحاديث المطروحة الساقطة، وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة فكثيرة، لعلها نحو الألف"، بلغت الأحاديث الضعيفة عند الشيخ الألباني نحو الثمانمائة، يعني ما يقارب خُمس الكتاب، الكتاب عني به من قبل أهل العلم وشروحه، شرحه علاء الدين مغلطاي، وشرحه أيضاً السيوطي، برهان الدين الحلبي المعروف بسبط ابن العجمي، كمال الدين الدميري صاحب حياة الحيوان، شرح زوائده على الخمسة ابن الملقن، ممن شرحه أبو الحسن السندي، وممن شرحه الشيخ عبد الغني المجددي في شرح مختصر اسمه (إنجاح الحاجة).

من أهم الشروح وأوسعها شرح مغلطاي، وهو كتاب كبير؛ لكنه لم يكمل، شرح من الكتاب قطعة، وجميع النسخ الموجودة التي توقف عليها خمس أو ست نسخ، ليس فيها شرح لأحاديث المقدمة، مقدمة سنن ابن ماجه التي يتميز بها، طبع هذا الشرح أخيراً، ومعروف أن مغلطاي يعتني باللغة، ويشرح الألفاظ ويوضحها؛ لكنه مع ذلكم يتعصب لمذهبه الحنفي، أما المتداول من هذه الشروح والتعليقات شرح السيوطي، مقارب لشرحه على سنن النسائي، تحليل لفظي لبعض الألفاظ، لا يعتني بالأسانيد كثيراً. وأما حاشية السندي فهي مؤلفها كما تقدم ذكره مراراً أبو الحسن محمد بن عبد الهادي السندي المتوفى سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف، افتتح الكتاب بمقدمة مختصرة جداً، صفحة واحدة، تحدث فيها عن ابن ماجه وعن كتابه باختصارٍ شديد، ومنهج السندي في التعليق والشرح يذكر الترجمة ويشرحها، ثم يذكر ما يحتاجه من المتن ويشرحه، ولا يعرج على الأسانيد، فلا يترجم للرواة، ولا يخرج الأحاديث، هو شرح ناقص، هو كامل لجميع الكتاب، لكن مفردات الشرح ومتطلبات الشرح تحتاج إلى أكثر من ذلك، بحاجة ماسة إلى من يتمه بالكلام على الرواة، وعلى تخريج الأحاديث، ونقد الأسانيد، وهو مطبوع في مجلدين. ما تمس إليه الحاجة لمن يطالع سنن ابن ماجه لمحمد عبد الرشيد النعماني تعليقات مختصرة يترجم لبعض الرواة ويشرح بعض الألفاظ التي تحتاج إلى شرح وهو مطبوع بهامش حاشية سنن ابن ماجه المطبوعة في الهند في مجلدٍ كبير؛ لكن الاستفادة من مثل هذا تصعب على آحاد المتعلمين الذين لا يجيدون قراءة الحرف بالخط الفارسي؛ لكن لو طبع طباعة جديدة معتنىً بها وعلق عليه لصار فيه نفع. من الشروح أيضاً (مصباح الزجاجة) مختصر الذي هو شرح السيوطي مختصر جداً كغيره من شروحه على الكتب الستة، ومنهجه فيما تقدم مقارب لمنهجه في شرح سنن النسائي، له مختصر اسمه (نور مصباح الزجاجة) لعلي بن سليمان الدمنتي البجمعوي المغربي مطبوع قديماً بمصر سنة تسع وتسعين ومائتين وألف كغيره من كتبه ومختصراته لكتب السيوطي.

وعلى كل حال فالكتاب ما زال بحاجة إلى خدمة، كتاب ابن ماجه لا زال بحاجةٍ إلى خدمة، تتجه أولاً إلى الأسانيد ودراستها دراسةً وافية لتمييز الثابت من غيره، ثم تشرح الأحاديث شرحاً وافياً مبسوطاً؛ لأن الكتاب كما تقدم ذكره جيد في السبك، حسن الترتيب، عالي الأسانيد، زوائده على الكتب الخمسة مفردة أفردها البوصيري في كتاب سماه (مصباح الزجاجة) وهو كتاب جيد في بابه، ويحتاج إلى مزيد عناية، وفيه رسالة لدراسة هذا الكتاب الذي هو الزوائد فقط. والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

§1/1