مفردات القرآن للفراهي

عبد الحميد الفراهي

مُفْرَدَاتُ القُرْآنِ (نَظَرَاتٌ جَدِيدَةٌ فِي تَفْسِيرِ أَلْفَاظٍ قُرْآنِيَّةٍ) تَأليف الإمام عبد الحميد الفراهي صَاحِبُ تَفْسِيرِ (نِظَامِ القُرْآنِ وَتَأْوِيلِ الفُرْقَانِ بِالفُرْقَانِ) تَحقيق وشَرح الدكتور محمَّد أجمل أيّوب الإصلاحي دار الغَرب الإسْلامي

مُفْرَدَاتُ القُرْآنِ (نَظَرَاتٌ جَدِيدَةٌ فِي تَفْسِيرِ أَلْفَاظٍ قُرْآنِيَّةٍ) تَأليف الإمام عبد الحميد الفراهي صَاحِبُ تَفْسِيرِ (نِظَامِ القُرْآنِ وَتَأْوِيلِ الفُرْقَانِ بِالفُرْقَانِ) تَحقيق وشَرح الدكتور محمَّد أجمل أيّوب الإصلاحي دار الغَرب الإسْلامي

( c) 2002 دَار الغَرب الإسلامي الطبْعَة الأولَى دار الغرب الإسلامي ص. ب. 5787 - 113 بيروت جميع الحقوق محفوظة. لا يسمح بإعادة إصدار الكتاب أو تخزينه في نطاق استعادة المعلومات أو نقله بأي شكل كان أو بواسطة وسائل إلكترونية أو كهروستاتية، أو أشرطة ممغنطة، أو وسائل ميكانيكية، أو الاستنساخ الفوتوغرافي، أو التسجيل وغيره دون إذن خطي من الناشر.

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فإن هذا الكتاب الجليل الذي بين أيديكم من الكتب الأصيلة في تفسير ألفاظ القرآن، ويحفل بنظرات جديدة وتحقيقات بارعة واستدراكات قيمة على كتب اللغة والتفسير. ولو لم يتضمن إلا تفسير كلمة (الآلاء) لكفاه شرفاً وتميزاً عن أمثاله من كتب غريب القرآن. وهو من تأليف الإمام عبد الحميد الفراهي رحمه الله (1280 - 1349 هـ) أحد أفذاذ العلماء المتأخرين. كانت شخصيته الجامعة بين علوم الشرق والغرب نادرة العصر كما يقول العلامة السيد سليمان الندوي. لقيه العلامة الدكتور تقي الدين الهلالي المراكشي قبل وفاته بسبع سنوات، فوصفه في مذكراته بأنه "نادر في علماء العرب فضلاً عن علماء الهند". انتهى إليه فقه العربية فكان فيه السابق المبرّز والجواد المبِرّ، وأفنى عمره في تدبر كتاب الله ومدارسته، فبلغ في علمه شأواً لم يبلغه إلا قليل من أهل العلم. "ومن نظر في تصانيفه علم أنه لاحق سبق السابقين" (¬1)، ولم يسعه إلا أن يصدّق قول القائل: كم ترك الأول للآخر. ¬

_ (¬1) من قول أبي الحسن البيهقي في جامع العلوم الأصفهاني (معجم الأدباء 4: 1737).

ولد في الهند وتوفي فيها، مع ذلك ألّف كل مصنفاته العلمية في اللغة العربية، دون الأدوية التي كانت لغة العلم والأدب في شبه القارة الهندية، ولم يسمع في ذلك لنصح الناصحين وعلل العاذلين، فإنه ألّف ما ألّف لعلماء العالم الإسلامي أجمع، وهل للعالم الإسلامي من لغة غير لغة القرآن؟. ولكن مما يؤسف له أن كتبه كلها (غير كتاب أقسام القرآن) صدرت في الهند، ونفدت نسخها قبل أن تصل إلى أيدي العلماء والباحثين في البلاد العربية، فلم يقفوا عليها لينهلوا من معينها العذب، ويقتطفوا من روضها الأُنُف. فلا هي وُفّيت حقها من الإفادة والدراسة والنقد، ولا هو وفّي حقه من التقدير والإنصاف والاعتراف. ولا أدلّ على ذلك من غياب ترجمته عن كتاب الأعلام للزركلي، وخلوّ الدراسات القرآنية والعربية التي ظهرت في العالم العربي في غضون سبعين عاماً مضت بعد وفاة المؤلف عن الدلالة على مكانته والإشارة إلى آرائه والنقل من كتبه إلا نادراً. وقد دفعني ذلك في سالف أيامي إلى أن أقبل على بعض مؤلفاته وأخرجها للدارسين بعد ضبطها وتصحيحها وشرحها. وألفيت نفسي -على قصور باعي وضعف حيلتي- نازعة إلى خدمة كتاب مفردات القرآن، لأهميته البالغة في علم القرآن وعلم اللغة معًا، وكان ذلك عام 1395 هـ. وكتاب المفردات هذا من الكتب التي لم يقدّر للمؤلف رحمه الله أن يكملها أو يحرر المادة التي كتبها في أزمنة مختلفة، فتوفاه الله، والكتاب في المسودة. فلما أنشأ تلامذته وأصدقاؤه الدائرة الحميدية ومطبعتها لنشر ما لم ينشر من مؤلفاته أسندوا تحرير المسودات وإعدادها للنشر إلى تلميذه الشيخ أختر أحسن الإصلاحي رحمه الله، فأصدر عدة كتب، منها هذا الكتاب الذي نشر سنة 1358 هـ. وكنت قرأت الكتاب في زمن الطلب، فحيرتني أمور منها أن عدداً كبيراً من الألفاظ التي فسرت في الكتاب موجودة بنصها في أجزاء التفسير المطبوعة،

فأيهما الأصل؟ ولم أجد جواباً عن هذا السؤال وغيره لأن الكتاب صدر بدون مقدمة من الناشر. ولكن إذ طبع بعد وفاة المؤلف توقعت أن تكون مسودته بخطه محفوظة. وكانت بالفعل محفوظة، ولم تكن دونها "مهامِهُ فِيح" أو "خَرقٌ تجرُّ به الرياح ذيولاً"، بل كانت على طرف الثمام، ولكن لم يتيسّر بلوغ المرام، إلا بعد بضعة أعوام!. وتبين بعد النظر في الأصل أن الناشر رحمه الله لم يقتصر على تصحيح النص وتحريره بل أكمل المواد الناقصة منه بما ضم إلييها من نصوص التقطها من كتب المؤلف الأخرى، ثم أضاف إليه جملة مختارة من الألفاظ التي فسرت فيها، وأنزلها في الكتاب منازلها حسب ترتيب المؤلف. فلم يكن بد من الرجوع إلى تلك الكتب التي نقلت منها النصوص المزيدة لمعارضتها بالأصول. ومرة أخرى كانت تلك الكتب على حبل الذراع، ولكن تصرّم زمن حتى أمكن الوصول إليها والاطلاع. ثم شغلتني شواغل عن العناية بالكتاب فلم أتمكن من إنجاز العمل إلا سنة 1403 هـ. ولكن مواطن عدة في الكتاب كانت خارجة عن طوقي، وهي التي رجع فيها المؤلف إلى اللغة العبرانية، وكتب بعض الألفاظ بحروفها، فشقّ عليّ أن أمرّ بها دون أن أفهمها وأوثقها. فكان من فضل الله سبحانه أن تهيأت لي فرصة للإلمام باللغة العبرانية إلماماً يمكّنني من مراجعة معاجمها والنسخة العبرية للعهد القديم، فحققت النصوص المتعلقة بها في الكتاب. ثم بدا لي أن أتقيل ناشر الطبعة الأولى، فأضفت إلى نشرتي أيضاً ألفاظاً استخرجتها من كتب المؤلف، ولا سيما تفسير سورة البقرة الذي كان مخطوطاً آنذاك، وجمعتها في ملحق، وحققتها وعلقت عليها حسب المنهج الذي اتبعته في سائر الكتاب. وبعدما نجز هذا العمل أيضاً تجرّمت حِجَج خلون حلالها وحرامها!. وأخرجت في خلال هذه الفترة كتابين آخرين من كتب المؤلف وهما:

"إمعان في أقسام القرآن" (1415 هـ) و"الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح" (1420 هـ). ولكن كتاب المفردات الذي كان أول كتاب اشتغلت به ظل ينتظر من ينهض بأعباء نشره، وظل المعنيون بآثار الفراهي يترقبون صدوره إلى أن قيّض الله لنشره الحاج الحبيب اللمسي صاحب دار الغرب الإسلامي في بيروت، الذي وقف حياته على خدمة العلم وأهله، وإخراج كنوز التراث الإسلامي العظيم ودرره. وإني إذ أصدر اليوم نشرة جديدة للكتاب بعد ما مضى نحو خمسة وستين عاماً على نشرته الأولى التي أصدرها جدي لأمي رحمه الله، لا أراني إلا مقتفياً أثره في خدمة الكتاب. وإن اختلفت هذه عن تلك في بنائها ومنهجها، فذلك لأنني حرصت على أن تجمع نشرتي بين خصائص أصل المؤلف وفوائد النشرة الأولى كاملة غير منقوصة ومميزاً بعضها عن بعض. ولما كانت سيرة المؤلف لا تزال مجهولة عند كثير من الدارسين العرب صدّرت الكتاب بفصل في ترجمة المؤلف وآثاره المطبوعة والمخطوطة. وأتبعته فصلاً آخر تحدثت فيه عن كتاب المفردات مشيراً إلى مقاصده والأسباب التي بعثته على تأليفه مع وجود كتب كثيرة في هذا الموضوع، ونوهت بمنهج المؤلف في تفسير الألفاظ والقيمة العلمية للكتاب. وبعد ذلك وصفت نشرته الأولى ومنهجها، ومسودة الكتاب، ثم بينت الطريقة التي سلكتها في إعداد هذه النشرة الجديدة. وقبل أن أختم كلمتي هذه، أقدّم خالص شكري إلى كل من أعانني، أو أبدى اهتماماً بهذا العمل، وحثّني على إنجازه والتعجيل في إصداره، راجياً أن يشكر معي شيخنا الحاجّ الحبيب اللبيب الذي تولّى نشر الكتاب، وألبسه هذه الحلة القشيبة، سائلاً الله أن يبارك في عمره ويتقبل مساعيه. اللهم اغفر لمؤلف هذا الكتاب وتلميذه الناشر نشرتَه الأولى وأحببهما وارضَ عنهما واجعلهما مع السفرة الكرام البررة، فقد كانا من أهل القرآن الذين

هم أهلك وخاصتك، ومن المتبعين لسنة نبيك، والمجتهدين في ابتغاء مرضاتك. اللهم لك الحمد على أن وفقتني لخدمة هذا الكتاب الخادم لكتابك العزيز، فاجعل عملي -على ما فيه من ضروب النقص والتقصير- خالصاً لوجهك الكريم، واغفر لي ولوالديَّ وللمؤمنين. وصلِّ اللهمّ وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الرياض 10/ 11/ 1422هـ الموافق 24/ 1/ 2002 محمد أجمل أيوب الإصلاحي

ترجمة المؤلف

ترجمة المؤلف (1) مصادر الترجمة: اعتمدت في ترجمة المؤلف على مصادر عديدة أهمها: 1 - الترجمة الذاتية التي كتبها المؤلف رحمه الله بخطه في دفتر مذكرات العلامة الدكتور تقي الدين الهلالي المراكشي رحمه الله (¬1) عندما زاره في قريته في 17 رمضان سنة 1342 هـ، أي قبل وفاة المؤلف بسبع سنوات. وهي على وجازتها أوثق مصدر لسيرته. ثم ما كتبه الهلالي نفسه عن المؤلف في مذكراته. وقد نقل النصين أحد تلامذته -وهو الشيخ أبو الليث الإصلاحي الندوي رحمه الله (¬2) - في مقاله (الإمام حميد الدين الفراهي رحمه الله) المنشور في مجلة الضياء الشهرية التي كانت تصدر في لكناؤ (عدد رجب 1352 هـ ص 253 - 260). ¬

_ (¬1) ولد الدكتور الهلالي في سجلماسة سنة 1311 هـ وتوفي في الدار البيضاء في 26 شوال سنة 1407 هـ. واتفق أن قدم الدكتور الهلالي إلى الهند سنة 1400 هـ فلقيته في وفد من مدرسة الإصلاح، فحدثنا عن الإمام الفراهي، فسألته أن يكتب لنا ما يحضره عن سيرة الفراهي، فوعدنا، وفي اليوم التالي سلم إلي ووقة كان أملاها على مرافقه وختمها بإمضائه: "أملاه الدكتور محمد تقي الدين بن عبد القادر الهلالي بمدينة بنارس- الهند في اليوم 6/ 4/ 1400هـ". (¬2) كان اسمه (شير محمد) وبهذا الاسم نشر مقاله المذكور، وكلمة (شير) تعني الأسد فسماه الدكور الهلالي (أبا الليث) فاشتهر هذا الاسم الجديد، ونسي الاسم الأول. كان الشيخ أبو الليث رحمه الله من كبار العلماء الزهاد، انتخب بعد انقسام الهند أميراً للجماعة الإسلامية الهندية، فقادها أكثر من ثلاثين سنة. توفي في 16 جمادى الأولى سنة 1411 هـ.

2 - رسائل العلامة شبلي النعماني رحمه الله إلى المؤلف، وهي منشورة ضمن مجموعة (مكاتيب شبلي) المجلد الثاني (ص 1 - 55). 3 - نزهة الخواطر للعلامة الشريف عبد الحي الحسني المتوفى سنة 1341 هـ (248:8 - 249) وقد زاد في الترجمة ابن المؤلف الشيخ أبو الحسن علي الندوي رحمه الله. 4 - ثلاث مقالات في سيرة المؤلف كتبها العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله وهي: أ- ترجمة موجزة بالعربية كتبها في 27 شعبان سنة 1349 هـ، لتلحق بآخر كتاب إمعان في أقسام القرآن (طبعة المكتبة السلفية بالقاهرة). ب- مقال بالأردية نشره فور وفاة المؤلف في مجلة معارف (عدد نوفمبر سنة 1930 م)، وهو أقوى ما كتبه الندوي في الوفيات. جـ- ترجمة مفصلة نشرت في المجلة نفسها في عددي يناير وفبراير سنة 1931م. وقد أحلنا لهذه الترجمة والترجمة التالية على كتاب "مختصر حيات حميد". 5 - ترجمة المؤلف التي صدر بها تلميذه الشيخ أمين أحسن الإصلاحي رحمه الله كتاب (مجموعة تفاسير فراهي) وهو مجموعة أجزاء تفسير الفراهي التي ترجمها الإصلاحي إلى الأردية. 6 - مقال للدكتور شرف الدين الإصلاحي بعنوان (ترجمان القرآن مولانا حميد الدين الفراهي رحمه الله)، نشر في مجلة معارف (عدد رجب 1411 هـ) لخص فيه كتابه الجليل الذي ألفه في سيرة الفراهي، ولا يزال مخطوطاً (¬1). ¬

_ (¬1) صدر مؤخراً بعنوان (ذكر فراهي) في 840 صفحة من الدائرة الحميدية بمدرسة الإصلاح، أعظم كره (الهند).

(2) اسمه ونسبه ومولده

(2) اسمه ونسبه ومولده: هو عبد الحميد بن عبد الكريم بن قربان قنبر بن تاج علي، حميد الدين، أبو أحمد، الأنصاري، الفراهي. وقد ذهب العلامة السيد سليمان الندوي في ترجمته إلى أن اسمه الحقيقي "حميد الدين"، ولكن لما كان هذا الاسم في العربية لقباً رأى فيه تمدحاً وتعاظماً، فسمى نفسه في أول مصنفاته العربية "عبد الحميد" (¬1). والحق أن عبد الحميد هو الاسم الذي سمي به بعد ميلاده، وظل معروفاً به -حسب الشواهد التي بين أيدينا- إلى سنة 1306 هـ إذ كان عمره 26 سنة. ومن ذلك: 1 - عنوان قطعتين في تاريخ ميلاده (¬2)، لشيخه محمد مهدي الذي درس عليه اللغة الفارسية في صغره، ونصه: "تاريخ تولد عبد الحميد خلف حاجي صاحب ممدوح وتلميذ راقم" والقطعة الأولى منها: باشرفِ بخت شد عبد الحميد ... رونقِ ميلاد بفضلِ ودود فكر جو كردم بيِ تاريخِ سال ... كفت خرد نوبرِ باغِ وجود وسمى أخاه كذلك "عبد الرشيد" في قطعة أخرى في تاريخ ميلاده، وهو أيضاً اشتهر فيما بعد برشيد الدين. 2 - وللشيخ المذكور أيضاً قصيدة بالفارسية بمناسبة زواج الفراهي في 17 رجب سنة 1299 هـ، سماه في عنوانها "عبد الحميد". ¬

_ (¬1) حيات حميد (الندوي): 2. (¬2) قرأت القطعتين في نسخة من ديوان الشيخ محمد مهدي منقولة من أصل المؤلف، وفي وثيقة مع قطعات أخرى في تاريخ ميلاد والد الفراهي وأخيه وعمه. وقد وقفت على نسخة الديوان عند كاتبها شيخنا بدر الدين الإصلاحي رحمه الله. أما الوثيقة فقد وقعت عليها عرضاً ضمن نسخة كتاب الدر النضيد للفراهي إذ كنا أنا والدكتور شرف الدين الإصلاحي نتصفح مخطوطات الفراهي المحفوظة عند الشيخ المذكور في شهر مارس سنة 1980م.

3 - في رسالة بعث بها الفراهي إلى والده من لاهور، حينما كان يدرس على العلامة فيض الحسن السهارنفوري عام 1300 هـ أو قبله، كتب اسمه "عبد الحميد" واسم أخيه "عبد الرشيد" (¬1). 4 - بهذا الاسم سماه ابن عمته العلامة شبلي النعماني في رسالة مؤرخة في 27 مارس عام 1884م (الموافق 1301 هـ) (¬2). 5 - في خزانة كتب الفراهي نسخة خطية من مثنوي جلال الدين الرومي (الدفتر الأول) ذكر الفراهي في آخرها بالفارسية أنه اشتراها سنة 1306 هـ، ثم كتب اسمه مركباً هكذا: "محمد عبد الحميد أنصاري بسر عبد الكريم أنصاري" (¬3) والجدير بالذكر أن هذا الاسم المركب هو الذي صدر به أول كتبه سنة 1891م. وهما رسالتان كلفه المسؤولون في كلية عليكره ترجمتهما من العربية إلى الفارسية لإقرار تدريسهما في الكلية التي كان هو أحد طلابها في السنة الأولى. فنشرت الرسالتان باسم "محمد عبد الحميد" مع كونه قد عوف في الكلية باسم "حميد الدين". وقد غلب "حميد الدين" على "عبد الحميد" وخاصة بعد ما ثبت في أوراقه الرسمية، واشتهر به لكونه أقرب إلى ذوق أهك الفارسية والأردية وأكثر شيوعاً على ألسنتهم، فأخذ الفراهي نفسه يوقع مكاتباته بحميد الدين. وبهذا الاسم صدرت كتبه المعدودة في الأردية والفارسية، أما كتبه العربية -وهي جل مؤلفاته- فأثبت عليها اسمه هكذا: "المعلم عبد الحميد الفراهي". ولا يبعد أن يكون إيثاره اسمه الأول "عبد الحميد" على الاسم الثاني "حميد الدين" راجعاً إلى ما أشار إليه العلامة السيد سليمان الندوي من كونه في العربية من ألقاب ¬

_ (¬1) مكاتيب فراهي: 10. (¬2) مكاتيب شبلي 1: 69. (¬3) هذه النسخة محفوظة في مكتبة مدرسة الإصلاح.

المدح، فتجنبه الفراهي ورعاً وتواضعاً. أما كنيته "أبو أحمد" فكنى بها نفسه في أول ديوانه العربي إذ سماه "ديوان أبي أحمد الأنصاري" (¬1). وكذلك لما أرسل قصيدة له إلى العلامة شبلي النعماني ضمن رسالة غير مؤرخة كتب عنوانها "قصيدة لأبي أحمد الأنصاري" (¬2)، وهي موجودة في ديوانه المطبوع بعنوان "في تطاول الطليان على طرابلس" (¬3). لم نجد هذه الكنية إلا في الموضعين المذكورين، ولم يكن من أبنائه من يسمى "أحمد"، فالظاهر أنه قصد بهذه الكنية التعمية على استخبارات الاستعمار البريطاني التي كانت تراقبه لأسباب من أكبرها قصائده العربية في وصف عداء الصليبيين للمسلمين وهجومهم على بلادهم، وتحريض المسلمين على جهادهم (¬4). أما نسبة الأنصاري فقد نص عليما صاحب نزهة الخواطر والعلامة الندوي، ولكن الفراهي نفسه لم ينتسب إليها في كتاباته إلا قليلاً، ومن ذلك ما نقلناه آنفاً من آخر نسخته من كتاب المثنوي. ولعل ذلك كان قبل أن يختار لنفسه نسبة "الفراهي"، التي اقتصر عليها ابتعاداً مما قد تشم منه رائحة التفاخر بالنسب. أما وجود هذه النسبة في عنوان الديوان العربي فإنه -كما قلنا- بني على الإخفاء والإغماض دون الإعلام والإظهار. و"الفراهي" نسبة إلى قريته التي كانت مسقط رأسه، واسمها "فَريها"، وهي من قرى (أعظم كره) أحد أضلاع (¬5) الإقليم الشمالي في الهند "أُتَّرا براديش". ¬

_ (¬1) نسخة منقولة من أصل المؤلف محفوظة في مكتبة دار المصنفين بمدينة أعظم كره. (¬2) مكاتيب فراهي: 37. (¬3) ديوان المعلم عبد الحميد الفراهي: 8 - 10. (¬4) حيات حميد (الإصلاحي): 61. (¬5) الجمهورية الهندية مقسمة إلى أقاليم أو ولايات، والجزء من الإقليم يسمى بالأردية (ضِلعاً).

(3) شيوخه ورحلاته في طلب العلم

ولد الفراهي في القرية المذكورة صباح يوم الأربعاء سادس جمادى الآخرة سنة 1280 هـ (¬1)، في أسرة كريمة معروفة بنسبها وعلمها ومكانتها الاجتماعية، ويعد أهلها من أعيان المنطقة ووجهائها، فنشأ الفراهي وترعرع في رخاء ورفاهية. (3) شيوخه ورحلاته في طلب العلم: بدأ الفراهي تحصيله العلمي في منزله كدأب أبناء البيوتات الشريفة، إذ عين له مؤدب يسمى الشيخ أحمد علي (¬2)، فقرأ عليه القرآن الكريم، وحفظه وهو ابن عشر سنين أو نحو ذلك. ثم تعلم اللغة الفارسية في منزله أيضاً في مدة تسعة أشهر (¬3)، أخذها عن الشيخ محمد مهدي الذي كان من المؤدبين المشهورين في تلك الديار، وله ديوان شعر بالفارسية (¬4). وسرعان ما حصلت له بذكائه وتوقد ذهنه ملكة قوية في اللغة الفارسية، وامتلك ناصية البيان، فبدأ يقرض الشعر، ولم تمض مدة قليلة حتى أخذ يجاري فحول شعراء الفارسية. فقال -وهو ابن ست عشرة سنة- قصيدة صعبة الرديف عارض بها قصيدة للشاعر الفارسي المشهور خاقاني الشرواني الملقب بحسان العجم (ت 595 هـ) (¬5)، فلما عرضها ابن عمته العلامة شبلي النعماني على شيخه العلامة محمد فاروق العباسي -من جلة علماء الفارسية في عهده- (¬6) وسأله عن قائلها، قال: لا أدري ولكن الظاهر أنها ¬

_ (¬1) هذا التاريخ الدقيق لميلاد المؤلف ورد في الوثيقة التي سبق ذكرها. (¬2) مقال الدكتور شرف الدين الإصلاحي، مجلة معارف عدد رجب 1411 هـ ص 89. (¬3) الترجمة الذاتية للفراهي في مجلة الضياء المجلد الثاني، العدد السابع، ص 260. (¬4) نزهة الخواطر 248:8. وهذا هو الصواب في اسمه، ويسميه عامة المترجمين للفراهي "مهدي حسين" وهو خطأ. وقد اطلعت على نسخة خطية من ديوانه عند الشيخ بدر الدين الإصلاحي رحمه الله، كما سبق. (¬5) انظر ترجمته في لباب الألباب: 405. (¬6) انظر ترجمته في نزهة الخواطر 476:8.

لبعض الشعراء المتقدمين! (¬1). بدأ الفراهي تعلم اللغة العربية، وله أربع عشرة سنة، فانتقل من قريته إلى مدينة (أعظم كره) وقرأ فيها على ابن عمته العلامة شبلي النعماني (ت 1332 هـ) الذي كان أكبر منه بست سنين (¬2). ثم توجه معه إلى مدينة (لكناؤ) وحضر هناك مدة يسيرة في دروس العلامة الفقيه الشهير عبد الحي الأنصاري اللكنوي (ت 1304 هـ) (¬3)، كما أخذ عن الشيخ فضل الله بن نعمة الله الأنصاري (ت 1312 هـ) أحد الفضلاء البارعين في المعقولات (¬4). ثم حداه حادي الشوق إلى التتلمذ على أديب العربية وشاعرها المفلق العلامة فيض الحسن السهارنفوري (ت 1304 هـ) (¬5) الذي كان مدرساً في الكلية الشرقية بمدينة (لاهور) -وقد درس عليه من قبل العلامة شبلي النعماني أيضاً- فسافر إلى (لاهور) وقرأ عليه -بصفة شخصية- كتب الأدب العربي وبعض كتب المعقولات. وقد أحب الشيخ تلميذه لفرط ذكائه وحسن أدبه، فأهدى إليه نسخة كتبها وصححها بخط يده من كتابه (رياض الفيض) وهو شرح للمعلقات السبع في ثلاث لغات: العربية والفارسية والأردية (¬6). وكان من حب الفراهي لشيخه أنه نشر ديوانه العربي سنة 1334 هـ على نفقته، وهو أول مطبوعات دار المصنفين بمدينة (أعظم كره). وبعد ما تخرج في العلوم المتداولة من المنقول والمعقول وعلوم العربية، أقبل سنة 1300 هـ- وهو ابن عشرين سنة- على اللغة الإنجليزية والعلوم ¬

_ (¬1) حيات حميد (الندوي): 3، (الإصلاحي): 28. (¬2) انظر في سيرته كتاب (حيات شبلي) للسيد سليمان الندوي والأعلام للزركلي 3: 355. (¬3) انظر ترجمته في نزهة الخواطر 8: 250. (¬4) نزهة الخواطر 248:8 وانظر ترجمته في 387:8. (¬5) انظر ترجمته في نزهة الخواطر 8: 389. (¬6) هذه النسخة النادرة محفوظة في مكتبة مدرسة الإصلاح، والكتاب مطبوع.

(4) مناصبه وأعماله التعليمية والإدارية

الحديثة، فالتحق بثانوية (كرنَل غنْج) بمدينه (الله آباد) ثم بكلية (عليكره) التي تطورت فيما بعد إلى (جامعة عليكره). وكانت العربية والفارسية من المواد اللازمة لطلاب الكلية، ولكن الفراهي أعفي عنهما، بل كلّف من قبل المسؤولين ترجمة كتابين (¬1) من العربية إلى الفارسية لإدخالهما في المقررات الدراسية في الكلية التي كان هو أحد طلابها كما سبق. وقد عني الفراهي في دراسته في الكلية بالفلسفة الحديثة ونال فيها درجة الامتياز مع اهتمامه بالإنجليزية والعلوم العصرية الأخرى. وقد أخذ الفلسفة من المستشرق الإنجليزي الشهير (توماس أرنولد) الذي كان من أساتذة الكلية، وعمل فيها مدرساً عشر سنوات (¬2). ومن مؤلفاته كتاب (الدعوة إلى الإسلام) الذي نال قبولاً عظيماً عند الباحثين المسلمين، ولكن الفراهي كان ينتقد هذا الكتاب انتقاداً شديداً ويرى أن الغرض من تأليفه تجريد المسلمين من روح الجهاد (¬3). وفي أثناء طلبه في كلية عليكره، طلب إليه ترجمة تفسير سيد أحمد خان (مؤسس الكلية) إلى اللغة العربية، فرفضها قائلاً: "لن أشارك في نشر هذا الإثم" (¬4). ثم درس سنتين علم القوانين الجارية (الحقوق)، ولكنه كان يكره الاشتغال به، فنبذه ولم يكمل تحصيله (¬5). (4) مناصبه وأعماله التعليمية والإدارية: تولى الفراهي بعد إكمال دراسته مناصب عدة تعليمية وإدارية. فعين سنة 1314 هـ مدرساً للعربية والفارسية بمدرسة الإسلام في مدينة (كراتشي)، ودرس فيها أكثر من تسع سنوات. ¬

_ (¬1) أحدهما جزء من طبقات ابن سعد، والآخر رسالة بدء الإسلام من تأليف العلامة شبلي النعماني باللغة العربية. (¬2) انظر ترجمته في كتاب المستشرقون 84:2. (¬3) حيات حميد (الإصلاحي): 34. (¬4) مجلة معارف عدد رجب 1411 هـ، ص 92. (¬5) الترجمة الذاتية، مجلة الضياء 2/ 7 ص 260.

ثم عيّن عام 1324 هـ أستاذاً مساعداً للعربية في كلية عليكره، وكان أستاذ العربية فيها حينذاك المستشرق اليهودي الألماني (جوزف هوروفيتس) ناشر الجزئين الأولين من طبقات ابن سعد وصاحب كتاب (المغازي الأولى ومؤلفوها) (¬1)، ولعل تعيينهما كان في وقت واحد. وقد أخذ عنه الفراهي اللغة العبرانية، كما استكمل المستشرق عليه العربية (¬2). وبعد سنتين عيّن عام 1326 هـ أستاذاً للعربية بجامعة (الله آباد) وقضى هناك نحو ست سنوات، واختير عضواً في اللجنة العربية للعلوم الشرقية. ولما اقترح سنة 1331 هـ تأسيس جامعة عالمية في المدينة المنورة كان هو والعلامة شبلي النعماني من بين العلماء الذين اقترحت أسماؤهم للتدريس فيها (¬3). ثم اختارته حكومة (حيدر آباد الدكن) عميداً لدار العلوم التي كانت كلية شرقية، فغادر إليها سنة 1332 هـ منتدباً من قبل حكومة ولايته، وكان -بالإضافة إلى مسؤوليته الإدارية- يدرّس الصفوف العليا في الكلية. وكان الفراهي أحد المؤسسين للجامعة العثمانية بحيدر آباد، وهو الذي اقترح أن يكون تدريس العلوم الشرعية فيها في اللغة العربية، والعلوم العصرية باللغة الأردية، فوافقوا على الجزء الثاني ولكن لم يوافقوا على الجزء الأول من اقتراحه (¬4). وكانت له في حيدر آباد حلقة أسبوعية لتفسير القرآن الكريم يحضرها العلماء والباحثون وطلبة علم القرآن، ويعرضون عليه أسئلتهم فيجيب عنها (¬5). مكث الفراهي بحيدر آباد إلى سنة 1337 هـ، ثم استقال من منصبه مع ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في كتاب المستشرقون 2:433. (¬2) حيات حميد (الندوي): 8، (الإصلاحي): 36. (¬3) مجلة معارف، عدد رجب 1411 هـ، ص 96. (¬4) حيات حميد: 17. (¬5) المرجع السابق: 18.

رغبة المسؤولين في بقائه هناك، وعاد إلى وطنه. وقد أشار إلى ذلك في ترجمته الذاتية قائلاً: "ولما كانت هذه المشاغل تمنعني عن التجرد لمطالعة القرآن المجيد، ولا يعجبني غيره من الكتب التي مللت النظر في أباطيلها، غير متون الحديث وما يعين على فهم القرآن، تركت الخدمة، ورجعت إلى وطني، وأنا بين خمسين وستين من عمري. فيا أسفا على عمر ضيعته في أشغال ضرها أكبر من نفعها! ونسأل الله الخاتمة على الإيمان" (¬1). بعد عودته من حيدر آباد تولى الفراهي إدارة مدرسة إصلاح المسلمين التي أنشأتها جمعية إصلاح المسلمين في بلدة (سراي مير). وقد قامت هذه الجمعية في منطقة (أعظم كره) لإصلاح عقائد المسلمين وإزالة البدع المنتشرة وفض المنازعات والخصومات بين المسلمين، ثم أسست الجمعية مدرسة إصلاح المسلمين -التي سميت فيما بعد بمدرسة الإصلاح اختصاراً- لتخريج علماء ودعاة يحملون رسالتها، فيستمر عمل الدعوة والإصلاح. وقد أسند الإشراف على المدرسة إلى الفراهي وهو في حيدر آباد، فلما رجع إلى وطنه باشر إدارة المدرسة، ووضع فكرتها التعليمية، ورسم لها منهاجاً دراسياً فريداً يختلف عن مناهج المدارس الدينية الأخرى في نظامها، ومقرراتها الدراسية، وطريقة التدريس فيها. وفي السنوات الخمس الأخيرة من عمره قد وقف جزءاً كبيراً من وقته وجهده على خدمة هذه المدرسة فكان يقيم ثلاثة أيام من كل أسبوع في المدرسة، ويلقي دروساً في تفسير القرآن الكريم على أساتذتها وطلابها الكبار (¬2). ولما توفي العلامة شبلي النعماني سنة 1332 هـ واجتمع تلامذته -وهو أحدهم- لتنفيذ فكرة أستاذهم لإنشاء مؤسسة دار المصنفين في مدينة أعظم كره، اختاروا الإمام الفراهي رحمه الله رئيساً لها والعلامة سليمان الندوي مديراً. ¬

_ (¬1) مجلة الضياء 2/ 7 ص 260. (¬2) حيات حميد (الإصلاحي): 38.

(5) صفاته وأخلاقه

(5) صفاته وأخلاقه: كان الفراهي رحمه الله معروفاً بفرط الذكاء ونفاذ البصر وسرعة الإدراك ودقة الاستنباط. وكان ورعه وزهده في الدنيا، وقصده في العيش، وعزوفه عن السمعة، وحسن تعبده، مع جود وغنى نفس وتواضع، موضع إجماع من معاصريه. كان العلامة شبلي النعماني رحمه الله يقول: "من جلس إلى عبد الحميد انصرف قلبه عن الدنيا" (¬1). ويقول السيد سليمان الندوي رحمه الله: "كان رحمه الله آية من آيات الله في حدة الذهن وكثرة الفضل وسعة العلم ودماثة الخلق وسداد الرأي والزهد في الدنيا والرغبة في مرضاة الله" (¬2). ومما وصفه به صاحب نزهة الخواطر: "جودة فهم، ووفور ذكاء، وشهامة نفس، وانجماع لا سيما عن بني الدنيا، وعدم اشتغال بما لا يعنيه". ويقول الأستاذ عبد الماجد الدريابادي رحمه الله: "لم تر عيني مثله في الصبر والشكر والقناعة والتوكل وغنى النفس". وقال في موضع آخر: "كانت شخصية الفراهي قوية جذابة، قلما رأينا مؤمناً قانتاً مثله، قيل في وصف أولياء الله إن الجلوس معهم يذكّر الإنسان بالله سبحانه، وكان يصدق هذا الوصف على الفراهي صدقاً تاماً. أما الصلاة فكأن قلبه معلق بأوقاتها. أقام في حيدر آباد سنوات عميداً لدار العلوم، يتقاضى مرتباً عالياً، وكانت صلته بطبيعة الحال بعلية القوم، لكن لم يتغير شيء مما كان عليه من القناعة والاقتصاد في المطعم والملبس والديانة والصدق والإخلاص. أما مجالسه فلا مجال فيها للغيبة ولغو القول والهزل. وبالجملة فلم يكن له نظير لا في العلم والفضل ¬

_ (¬1) حيات حميد: 55. (¬2) ترجمة الفراهي الملحقة بكتابه إمعان في أقسام القرآن ط دار القلم: 15.

(6) ثقافته وعلومه

ولا في الديانة والتقوى" (¬1). وقد أقبلت الدنيا على الفراهي، فتهيأت له فرص لو اغتنمتها وسعى إلى ما يسعى إليه أهل الدنيا لنال أجلّ الرتب وأعلى المناصب، وحاز كل ما تطمع فيه النفوس من الأموال والألقاب وحسن الصيت، ولكنه كان زاهداً في كل ذلك، مقبلاً على الله، قائلاً للدنيا ما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. "يا دنيا غُرِّي غيري" (¬2). وكان من تيقظه وحذره في ذلك أنه قال في أثناء بعض تلك الفرص (¬3) التي يتمنى الناس حصولها في حياتهم مقطوعة رباعية في الفارسية يخاطب نفسه محذراً إياها، ترجمتها: "الجاهل مشغول بالبحث عن لذيذ المآكل، والعاقل مصروف همه إلى نيل الصيت والسمعة. أما أنت أيها الفراهي فاجتنب الاثنين، فيوشك أن ترى كليهما قد نشبت حلوقهما في الحبالة" (¬4). وكان من ورعه وعدله أنه حكم في قضية -جعله الخصم حكماً فيها- على والده، مع كونه من أبرّ الناس به، وخرج بذلك جزء كبير من ضياعه إلى ملك الخصم (¬5). (6) ثقافته وعلومه: كان الفراهي عالماً ذا ثقافة واسعة متنوعة، فقده برع في العلوم النقلية والعقلية، ومهر في اللغات العربية والفارسية والإنجليزية، وتعلّم اللغة العبرانية. وانفرد من بين معاصريه من علماء الهند بأنه درس مع كل ذلك علوم الغرب وآدابه في اللغة الإنجليزية دراسة الناقد البصير، ثم لم يزده ذلك إلا قوة في الدين واستقامةً عليه علماً وعملاً. ¬

_ (¬1) مقال الدريابادي في صحيفته (صدق) عدد 19/ 6/ 1945 م. (¬2) الرقة والبكاء: 198. (¬3) مقال الأستاذ شير محمد في مجلة الضياء 2/ 7. (¬4) نواي فهلوي: 40. (¬5) حيات حميد (الإصلاحي): 53.

لكن العلم الذي غلب عليه هو علم القرآن الذي بلغ فيه إلى منزلة تتقاصر دونها الهمم. ونكتفي هما بلمحة موجزة عن ثقافته الواسعة التي امتازت في كل جوانبها بالكيف أكثر من الكم. قد اعترف أقران الفراهي وشيوخه بعلو منزلته في معرفة اللغتين الفارسية والعربية فيقول الأستاذ عبد الماجد الدريابادي: "قد بذّ العلامة الفراهي في الآداب الفارسية والعربية أقرانه بل شيخه شبلي النعماني أيضاً" (¬1) وقد ذكرنا فيما سبق معارضته -وهو ابن ستة عشر عاماً- للشاعر الفارسي الشهير (خاقاني) بقصيدة صعبة الرديف بهرت أحد كبار علماء الفارسية وخيّل إليه أنها لبعض الشعراء المتقدمين. وقد طبع ديوان شعره الفارسي عام 1903 م فأرسل العلامة شبلي النعماني نسخة منه إلى الأمير العالم صاحب المكتبة الشهيرة الشيخ حبيب الرحمن الشيرواني وكتب إليه: "طبع شيء من شعر حميد الدين، نرسل إليكم نسخة منه، ولعلكم تنظرون في القصيدتين اللتين في آخر الكتاب لتتذوقوا اللسان الفارسي الأصيل" (¬2). وقد طبع الديوان مرة أخرى في طبعة أوفى بعنوان (نواي فهلوي) سنة 1967 م. للفراهي ديوان آخر ترجم فيه صحيفة أمثال سليمان إلى الفارسية الدريّة التي لا يشوبها شيء من ألفاظ العربية، وقد طبع في حياته في حيدر آباد بعنوان (خردنامه). ومما يدل على علو كعبه في الآداب الفارسية رسائل العلامة شبلي النعماني إليه في أثناء تأليفه كتاب (شعر العجم)، يقول في بعضها: "الآبيات التي سترسلها إلي من شاهنامة الفردوسي، ينبغي أن تفسر الغريب من ألفاظها في مواقعها، فإن أكثر ألفاظها غير مألوفة الآن" (¬3). وكتب في رسالة أخرى: ¬

_ (¬1) مقاله (مولانا حميد الدين الفراهي) في صحيفة الداعي، عدد 3 ديسمبر 1976م. (¬2) مكاتيب شبلي 1:124. (¬3) المرجع السابق 2: 28، وكتاب شعر العجم في تاريخ الشعر الفارسي في خمسة مجلدات.

"أرسل إلي أمثلة من التخييل في الشعر الفارسي حسب آراء النقاد الغربيين" (¬1). أما الإنجليزية فقد أتقن الفراهي دراستها، وألّف فيها وحاضر، وقد اطلع بواسطتها على كتابات المستشرقين عن القرآن وتاريخ العرب، وعلى الأدب الإنجليزي شعراً ونثراً وبلاغةً، وعلى كتب الفلسفة الحديثة وما ترجم إليها من كتب الفلسفة والآداب اليونانية. ومن آثاره بالإنجليزية مقالة في عقيدة الشفاعة والكفارة، ردّ بها على بعض علماء النصارى (¬2). وقد أقرت ندوة العلماء في اجتماعها السنوي الذي عقد في دلهي عام 1328 هـ إعداد ترجمة إنجليزية لمعاني القرآن الكريم، نظراً لأن التراجم الأخرى الموجودة في ذلك الحين قد تمت على أيدي النصارى. فشكّلت لجنة مؤلفة من العلامة الفراهي والنواب عماد الملك البلجرامي والشيخ محمد صالح، على أن يقوم عماد الملك بالترجمة ويراجعها الفراهي والشيخ محمد صالح (¬3). وقد درس الفراهي -رحمه الله- اللغة العبرانية، والذي دعاه إلى ذلك انتشار جمعيات التنصير في عهده في الهند، والرد على اليهود والنصارى من خلال كتبهم يقتضي دراستها الدقيقة وبصورة مباشرة. فاستفاد الفراهي بمعرفته للغة العبرانية ووقوفه على الدراسات المتعلقة بصحف أهل الكتاب في اللغة الإنجليزية، في كشف كثير من تحريفاتهم بنصوص كتبهم، كما نرى في كتابه (الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح) فقد جاء بثلاثة عشر دليلاً من التوراة نفسها للرد على زعمهم بأن الذبيح إسحاق عليه السلام، وناقش علماء أهل الكتاب، وفسّر بعض ما أشكل عليهم من كتبهم. ومن مؤلفاته التي لم يكملها (الطريف ¬

_ (¬1) المرجع السابق 2: 18. (¬2) ذكرها السيد سليمان الندوي في ترجمة الفراهي الملحقة بكتابه (إمعان في أقسام القرآن). انظر طبعة دار القلم: 19. (¬3) حيات شبلي: 582.

في التحريف) الذي كان يريد أن يجمع فيه جملة من تحريفاتهم. وقد استفاد أيضاً بمعرفته للغة العبرانية -وهي من أخوات العربية- في تحقيق بعض ألفاظ القرآن الكريم وأساليبه. ومن ثم لما جاءت فكرة الرد على شبهات المستشرقين وافتراءاتهم على القرآن الكريم، وكتب بعض المسؤولين في حكومة (بهويال) إلى العلامة شبلي النعماني رد عليه بأنه لا يوجد في الهند كلها من يستطيع أن يقوم بهذا العمل مثل حميد الدين الفراهي (¬1). وكتب في رسالة أخرى: "يندر في المسلمين من يجيد الكتابة في اللغة الإنجليزية (مع تبحره في القرآن) ولذلك فإن حميد الدين هو الذي يستطيع أن يقوم بهذا العمل خير قيام" (¬2). أما العلوم العقلية فدرسها الفراهي أيام طلبه إذ كانت جزءاً لازماً من نظام الدرس في عصره، ثم اهتم بالفلسفة الحديثة حينما دخل كلية عليكره، ونال فيها درجة الامتياز، وقد واصل اطلاعه على ما كتبه فلاسفة الغرب. يقول الأستاذ عبد الماجد الدريابادي الذي كان من المختصين في الفلسفة الحديثة: "إن الفراهي قد درس الفلسفة دراسة واسعة وعميقة جداً، وكان يقرأ أحدث ما يصدر في الغرب من كتب الفلسفة والمنطق، ولم يكن يكتفي بالاطلاع عليها، بل يقرؤها قراءة بحث ونقد ومقارنة" (¬3). ومن هنا كان أعرف بخطرها وضررها وضلالها. وقد نبّه على ذلك في كتبه (¬4)، ثم لما قرر المنهج الدراسي لمدرسة الإصلاح حذف منه كتب المنطق والفلسفة، ولم يترك إلا مبادئهما ليلمّ الطالب بالمصطلحات المستعملة في الفنين فيتمكن من الاستفادة من كتب علماء الإسلام في أصول الفقه والكلام. وكان من أعظم كتبه التي لم يكملها كتاب حجج القرآن، والأبواب الثلاثة الأولى منه في نقد الفلسفة والمنطق وعلم ¬

_ (¬1) مكاتيب شبلي 1: 25. (¬2) المرجع السابق 1:254. (¬3) مقالته في صحيفة الداعي، عدد 3 ديسمبر 1976 م. (¬4) من ذلك قوله في كتاب المفردات: "ومضرة كتب الفلسفة أضلّ وأوغل" (ص 5).

الكلام. والعلماء والباحثون الذين حضروا مجالسه ومحاضراته في نقد هذه العلوم وبيان زيفها، كانوا يشبهونه بشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ذلك وفي تبحره في علوم القرآن. أما العربية فكان فيها إماماً لا يشق له غبار، وكان له في كل علم من علومها من لغة، ونحو، وبلاغة، وعروض، تحقيقات واجتهادات واستدراكات على الأئمة. ونكتفي هنا بالإشارة إلى كتابه (جمهرة البلاغة)، الذي نقض فيه الأساس الذي يقوم عليه فن البلاغة عند أرسطاطاليس، وهو نظرية المحاكاة، التي يرى الفراهي أن فن البلاغة العربية تأثر بها، فجار عن قصد السبيل، وانتقد في ذلك الإمام عبد القاهر الجرجاني مع اعترافه بجلالته. وقصد في هذا الكتاب إلى تأسيس فن البلاغة على قواعد جديدة في ضوء القرآن الكريم وكلام العرب الأقحاح. ولما أرسل الفراهي فصولاً من جمهرة البلاغة إلى العلامة شبلي النعماني أعجب به إعجاباً جعله يلخص مباحثه المهمة وخاصة نقده لنظرية المحاكاة في مجلة الندوة التي كان يصدرها باللغة الأردية، مع أن النعماني نفسه يعدّ من أشهر النقّاد والكتّاب ومن الأركان الخمسة للأدب الأردي، وقد نشر الكتاب بعد وفاة المؤلف، ونفد قبل أن يصل إلى البلاد العربية ليأخذ مكانه من البحث والنقاش، فهو كتاب فريد في تاريخ البلاغة العربية. وللفراهي ديوان شعر لطيف في العربية، طبع سنة 1387 هـ، وقد ذكره الدكتور تقي الدين الهلالي رحمه الله فقال في مذكراته: "وللشيخ المذكور ديوان شعر، سمعته منه، بليغ مؤثر في استنهاض همم المسلمين وبث الحياة في قلوبهم، وذكر عداء الإفرنج لهم، وذكر حرب طرابلس والحرب الكبرى، والرجل فصيح في التكلم لغاية ... ". أما العلوم الشرعية فتشهد بطول باعه فيها الفصول التي سوّدها من كتبه: الرائع في أصول الشرائع، وإحكام الأصول بأحكام الرسول، وفقه القرآن، وكان

ينوي تدوين فن أصول الفقه على نحو جديد بعد تخليصه مما اختلط به من مباحث الفنون الأخرى، وله تعليقات على طرر كتب الحديث والفقه والأصول وغير ذلك. ولكن العلم الذي استحوذ على عقله وقلبه، فأقبل عليه إقبالاً منقطع النظير هو علم القرآن. وكل ما درسه من علوم المنقول والمعقول وآداب الأمم وتاريخها وفلسفتها سخره لخدمة القرآن الكريم والمنافحة عنه. وقد شرع في تدبر القرآن الكريم أيام طلبه في كلية عليكره، كما ذكر في فاتحة نظام القرآن، وكان كتاب الله أحب الكتب إليه، والنظر فيه ألذ من كل ما في الدنيا (¬1). وكان يعكف كل يوم بعد قيام الليل على تدبر القرآن الكريم، ثم يشتغل بالبحث والنظر والتأليف، ويستمر على ذلك بعد صلاة الفجر إلى الساعة التاسعة صباحاً، وظل ذلك دأبه أكثر من ثلاثين سنة. ولما استقال من عمادة دار العلوم بحيدر آباد صار يقضي معظم وقته في تدبر القرآن والتأليف فيه. فحاز السبق في علم القرآن وفتح الله عليه من علومه ما شاء، وبلغ في ذلك شأواً لم يبلغه إلا قليل من أهل العلم، فلقبه معاصروه بترجمان القرآن. يقول العلامة السيد سليمان الندوي: "ثم انقطع إلى تدبر القرآن ودرسه، والنظر فه من كل جهة، وجمع علومه من كل مكان، فقضى فيه أكثر عمره، ومات وهو مكب على أخذ ما فات من العلماء، ولف ما نشروه ولمّ ما شتتوه، وتحقيق ما لم يحققوه. فكان لسانه ينبع علماً بالقرآن، وصدره يتدفق بحثاً عن مشكلاته، وقلمه يجري كشفاً عن معضلاته" (¬2). وقد ألف في تفسير القرآن وعلومه بضعة عشر كتاباً أجلّها تفسيره (نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان) الذي صدر منه أحد عشر جزءاً في حياته وجزءان بعد وفاته. ولعله لم يشرع في التفسير من أوله إلا في آخر حياته فوافاه الأجل وهو في تفسير الآيات (47 - 62) من سورة البقرة. ¬

_ (¬1) فاتحة نظام القرآن: 2. (¬2) ترجمته الملحقة بكتابه إمعان في أقسام القرآن ط دمشق: 17.

وكان للإمام الفراهي منهج فريد في التفسير، اشتهر به في شبه القارة الهندية، وقد أفاض القول في بيان أصوله في مقدمة تفسيره (فاتحة نظام القرآن) وكتابيه دلائل النظام والتكميل في أصول التأويل، وأبانت عنه أجزاء التفسير التي صدرت في حياته. وأهمها أصلان يدل عليهما عنوان التفسير نفسه: الأول نظام القرآن، والآخر تأويل الفرقان بالفرقان. أما تأويل الفرقان بالفرقان فهو أصل معروف مجمع عليه ولا يحتاج إلى بيان، غير أن منهج الفراهي يتميز بالتمسك الشديد بهذا الأصل والاستفادة منه على أنحاء لم يفطن لها كثير من المفسرين. أما "النظام" فالمقصود به ما يسميه الكتاب المعاصرون بالوحدة الموضوعية، فكل سورة لها موضوع معين -يسميه الفراهي عمود السورة- تدور عليه بأجزائها المترابطة فيما بينها ترابطاً معنوياً محكماً. ويختلف النظام عن التناسب الذي عني به جماعة من علمائنا القدامى، وعدّوه علماً شريفاً، والفرق بينهما "أن التناسب جزء من النظام، فإن التناسب بين الآيات بعضها مع بعض لا يكشف عن كون الكلام شيئاً واحداً مستقلاً بنفسه، وطالب التناسب ربما يقنع بمناسبة ما، فربما يغفل عن المناسبة التي ينتظم بها الكلام، فيصير شيئاً واحداً. وربما يطلب المناسبة بين الآيات المتجاورة مع عدم اتصالها، فإن الآية التالية ربما تكون متصلة بالتي قبلها على بعد منها. فإن عدم الاتصال بين آيات متجاورة يوجد كثيراً. ومنها ما ترى فيه اقتضاباً بيناً، وذلك إذا كانت الآية أو جملة من الآيات متصلة بالتي على بعد منها" (¬1). ومراعاة النظام عند الفراهي ليس أمراً مقصوداً لذاته، وإنما هو المنهاج الصحيح لتدبر القرآن، والنظام هو الحكم عند تضارب الأقوال، وهو المرجح عند تعدد الاحتمالات، وهو الإقليد الذي تفتح به كنوز حكمة القرآن. ¬

_ (¬1) دلائل النظام: 87 - 89.

(7) تلامذته

وفي الكشف عن نظام القرآن لا يلجأ الإمام الفراهي إلى مناهج أهل الفلسفة والمنطق أو المتصوفة، وإنما يعتمد على القرآن نفسه. وفي ذلك يقول رحمه الله: "أجمع أهل التأويل من السلف إلى الخلف أن القرآن يفسر بعضه بعضاً، وأنه هو أوثق تعويلاً وأحسن تأويلاً، فنقول: كما أن القرآن يفسر مطالب آياته بعضها ببعض، فكذلك يدلك على نظام مطالبها ومناسبتها، بما يأتيك بنظائره، فتكثر الشواهد على رباط أمر مع أمر، وبذلك يحثك على التأمل في جامع وصلة بينها، ثم يأتي عليه بأمثلة كثيرة بعضها أوضح من بعض، حتى يتدرج بك على ما كان أدق وأغمض" (¬1). وتبين من ذلك أن هذا الأصل -أي النظام- أيضاً راجع في حقيقة الأمر إلى الأصل السابق، وهو تفسير القرآن بالقرآن. (7) تلامذته: كان المؤلف رحمه الله -لما انفرد به من بين أقرانه من الجمع بين الثقافتين الإسلامية والغربية والتعمق فيهما- مرجعاً ومنتهى لكثير من العلماء الأجلاء، وأولهم شيخه وابن عمته العلامة شبلي النعماني رحمه الله. تشهد بذلك رسائله المنشورة ضمن الجزء الثاني من "مكاتيب شبلي" التي بلغ عددها 77 رسالة، وأكثرها تحتوي على مسائل علمية. ومن المؤسف أن أجوبة الفراهي رحمه الله قد ضاع جلها بل كلها، إذ لم نعثر إلا على جواب واحد في غضون نسخة كتابه الرائع في أصول الشرائع المحفوظة في خزانة الدائرة الحميدية، وهو في أربع صفحات بعنوان "حكمة بعض الشرائع المتعلقة بفرائض الزوجين" (¬2). وسؤال النعماني الذي أجاب عنه الفراهي مذكور في رسالتين له (¬3)، وهو عن قوله تعالى ¬

_ (¬1) الإتقان في علوم القرآن 3: 322. (¬2) وقفت عليه في 5 مارس سنة 1980 م، وقد نشره الدكتور شرف الدين الإصلاحي في "مكاتيب فراهي": 42 - 47. (¬3) مكاتيب شبلي 2: 37 - 38.

في سورة الأحزاب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ... } [الأحزاب: 50]. وقد درس الفراهي -كما علمنا- في كراتشي وعليكره والله آباد وحيدر آباد، فقرأ عليه في فصول الدراسة عدد كبير من الطلبة، ثم ألقى دروساً ومحاضرات في ندوة العلماء، والجامعة الملية الإسلامية، وحيدر آباد، ومدرسة الإصلاح؛ وأكثر الذين يحضرون فيها كانوا من العلماء والباحثين وطلبة العلم من الصفوف العليا. وممن حضروا مجالس الفراهي واستفادوا من دروسه ومحاضراته في تفسير القرآن وغيره، ثم تأثروا بعض التأثر بأفكاره، وتبين ذلك في كتاباتهم، وأقروا بذلك هم أنفسهم أو بعض أقرانهم: 1 - العلامة صاحب الرئاستين أبو الكلام آزاد (ت 1377 هـ). 2 - العلامة السيد سليمان الندوي (ت 1373 هـ). 3 - الشيخ مناظر أحسن الكيلاني (ت 1375 هـ). 4 - الأستاذ عبد الله العمادي (ت 1366 هـ). 5 - الأستاذ عبد الماجد الدريابادي (ت 1397 هـ). أما تلامذته الذين حملوا لواء فكره، وقاموا بنشره فهم الذين استفادوا منه في آخر حياته في مدرسة الإصلاح، ولا سيما صاحباه الشيخ أختر أحسن الإصلاحي (1320 - 1378 هـ) والشيخ أمين أحسن الإصلاحي المتوفى سنة 1418 هـ. وكان أوليهما أبعد غوراً وأثقب نظراً في علم القرآن والعربية، وأشبه بشيخه في الصلاح والورع وحسن السمت، ولكنه لم يؤلف شيئاً غير مقالات معدودة في تفسير بعض الآيات المشكلة نشرت في مجلة الإصلاح، وقد نذر حياته لخدمة مدرسة الإصلاح حسب المنهج الذي رسمه لها شيخه، فتخرج على يديه جيل متميز من العلماء العاملين. ثم اعتنى بصيانة مسودات شيخه وإعدادها للنشر، فأصدر فاتحة نظام القرآن وتفسير سورة الفيل ومفردات القرآن وجمهرة

(8) مصنفاته

البلاغة وغير ذلك. وتوفي في رحاب مدرسة الإصلاح في 24 ربيع الأول سنة 1378 هـ عن 58 سنة. أما زميله الشيخ أمين أحسن الإصلاحي فكان مع تبحره في العلم خطيباً مفوهاً وكاتباً أديباً، وقد غادر سنة 1944 م مدرسة الإصلاح (الهند) إلى بنجاب (باكستان) للعمل مع الأستاذ أبي الأعلى المودودي في الجماعة الإسلامية، وكان الرجل الثاني فيها. ثم تركها سنة 1958م وانصرف إلى أعماله العلمية. وله مؤلفات جليلة كلها بالأردية وأعظمها تفسره (تدبر قرآن) في تسع مجلدات كبيرة، وقد ألفه على منهج شيخه، واستغرق تأليفه 29 عاماً. ومن أحسن مؤلفاته: حقيقة التوحيد، وحقيقة الشرك، وتزكية النفس، والدولة الإسلامية، والدعوة الإسلامية ومنهاجها، والكتاب الأخير هو الوحيد الذي ترجم إلى العربية (بغير إذنه وبعد حذف فصل منه) ونشر بالكويت. وهو الذي ترجم كتب شيخه إلى الأردية بأسلوبه الرائع، فتيسر لعامة الباحثين في شبه القارة الهندية الاستفادة من أفكار الفراهي ونتائج تدبره في القرآن الكريم. (8) مصنفاته: قبل أن نسرد أسماء مؤلفات الفراهي، يحسن أن نشير إلى منهجه في التأليف، فإنه يختلف عن منهج عامة المؤلفين الذين إذا عزموا على تأليف كتاب جمعوا مادته ثم رتبوها في صورة كتاب. أما الفراهي فإن الموضوعات التي رأى ضرورة الكتابة فيها وحلّ مشكلاتها كانت ماثلة بين عينيه، يديم النظر والبحث فيها، فإذا حقّق مسألة أو حلّ معضلة أو أحكم رأياً قيد ذلك وكتب عليه: "من كتاب ... " حتى إذا اكتملت جوانب البحث أقبل على تأليفها وتنسيقها. ولذلك كان يؤلف كتباً عديدة في وقت واحد، وقد بقى أكثر مؤلفاته ناقصاً، لأسباب منها طريقته هذه في التأليف، وأعماله الإدارية، والأمراض التي قد أنهكته وكانت تعاوده حيناً بعد حين. وقد قسم الشيخ أمين أحسن الإصلاحي آثار الفراهي إلى ثلاثة أقسام:

أولا: الآثار المطبوعة

الأول ما وفقه الله لإنجازه ونشر أكثره في حياته، والثاني ما كتب جملة صالحة من فصوله، والثالث ما لم يقدر له أن يكتب إلا بعض مباحثه أو تعليقات متفرقة حوله. ونورد فيما يلي عناوين آثار الفراهي كلها مما وقفنا عليه -كاملة كانت أو ناقصة- مرتبة على حروف المعجم، مقدمين المطبوعة منها على المخطوطة: أولاً: الآثار المطبوعة: 1 - أسباق النحو. وهو كتاب في اللغة الأردية في جزءين لتعليم النحو والصرف للناشئين على منهج ميسر جديد. وقد صدرت طبعته الأولى في حياة المؤلف، ثم زاد فيه أشياء، وكان في بعض الأبواب بياض تركه للأمثلة فأضافها تلميذه الشيخ أختر أحسن الإصلاحي ونشره سنة 1357 هـ، وصدرت منه طبعات كثيرة، وهو مقرر في عدد من المدارس الدينية في الهند. 2 - أساليب القرآن. أفرد هذا الكتاب لذكر وجوه الأساليب في القرآن وبيان دلالاتها ومواقع استعمالها. نشرته الدائرة الحميدية سنة 1389 هـ. 3 - أمثال آصف الحكيم. مجموعة حكايات آصف، نقلها الفراهي من الإنجليزية إلى العربية في زمن طلبه. ونشر الكتاب بعد وفاته، وصدرت منه عدة طبعات، وهو مقرر في بعض المدارس الدينية في الهند. 4 - إمعان في أقسام القرآن. صدرت منه طبعتان في حياة المؤلف أولاهما في مدينة لكناؤ وكانت صغيرة الحجم. ثم زاد المؤلف في فصوله وألفها على نحو جديد وصدرت هذه النسخة المعدلة من المطبعة الأحمدية في عليكره سنة 1329 هـ، والطبعة الثانية منها صدرت من المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1349 هـ، وصورتها دار القرآن الكريم بالكويت سنة 1401 هـ. ثم صدرت طبعة منه باعتناء الكاتب من دار القلم بدمشق، سنة 1415 هـ. 5 - تحفة الإعراب. قصيدة رائية في النحو بالأردية تشتمل على 128 بيت،

مقررة في بعض المدارس الدينية، طبعت في حياة المؤلف وصدرت منها عدة طبعات. 6 - ترجمه فارسي باره از طبقات ابن سعد. ترجمة جزء من طبقات ابن سعد بالفارسية طبعت في مطبعة مفيد عام بمدينة آغره سنة 1891 م. 7 - ترجمه فارسي رسالة بدء الإسلام. ترجمة رسالة بدء الإسلام من تأليف العلامة شبلي النعماني بالعربية، طبعت بمطبعة مفيد عام بمدينة آغره سنة 1891 م. 8 - التكميل في أصول التأويل. رسالة قيمة في أصول التفسير لم يقدر للمؤلف إكمالها، نشرته الدائرة الحميدية، سنة 1388 هـ. 9 - جمهرة البلاغة، اسم الكتاب تاريخي يشير إلى سنة 1322 هـ، ولعله تاريخ بداية التأليف. نشرته الدائرة الحميدية بعد وفاة المؤلف، سنة 1360 هـ. 10 - خِرَد نامه. ترجمة منظومة لأمثال سليمان عليه السلام بالفارسية الدَّرِيّة، نشره المؤلف في حيدر آباد سنة 1916 م. 11 - دلائل النظام، ألف هذا الكتاب لإقامة الحجة على وجود النظام (أي الوحدة الموضوعية) في كل سورة من سور القرآن الكريم، وبيان الطرق التي تهدي إلى نظام السورة. نشرته الدائرة الحميدية سنة 1388 هـ. 12 - ديوانه العربي، نشره الشيخ بدر الدين الإصلاحي من الدائرة الحميدية سنة 1387 هـ. 13 - الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح. صدر الكتاب في حياة المؤلفين سنة 1338 هـ وطبع في مطبعة معارف بأعظم كره، وصدرت طبعة أخرى منه من الدائرة الحميدية سنة 1414 هـ، ثم أصدرت دار القلم بدمشق سنة 1420 هـ طبعة ثالثة باعتناء هذا الكاتب. 14 - رسالة في عقيدة الشفاعة والكفارة. بالإنجليزية، رد بها على بعض علماء

النصارى، وقد ذكر هذه الرسالة العلامة السيد سليمان الندوي في ترجمة الفراهي، ولم نقف عليها. 15 - فاتحة نظام القرآن. مقدمة تفسيره (نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان نشرها الدائرة الحميدية سنة 1357 هـ بعد وفاة المؤلف، وتقديم الكتاب بقلم العلامة السيد سليمان الندوي. 16 - في ملكوت الله. قصد فيه ذكر السنن الإلهية في رقي الأمم وانحطاطها وعلو الحق وهزيمة الباطل وأصول النظام السياسي للإسلام، ولم يتمه. نشرته الدائرة الحميدية سنة 1391 هـ. 17 - القائد إلى عيون العقائد. نشرته الدائرة الحميدية، سنة 1395 هـ. 18 - مفردات القرآن، سنتحدث عن هذا الكتاب في الفصل التالي. 19 - نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان، وهو تفسيره الكبير الذي صدرت منه الأجزاء الآتية: أ- تفسير سورة الفاتحة والبسملة. نشر مع فاتحة نظام القرآن سنة 1357 هـ. ب- تفسير سورة الذاريات، مطبعة معارف بأعظم كره، دون تاريخ. جـ- تفسير سورة التحريم، مطبعة فيض عام، عليكره، سنة 1326 هـ. د- تفسير سورة القيامة، صدرت طبعته الأولى من مطبعة فيض عام بمدينة عليكره، دون تاريخ. والطبعة الثانية صدرت من الدائرة الحميدية سنة 1403 هـ. هـ- تفسير سورة المرسلات، مطبعة معارف، دون تاريخ. و- تفسير سورة عبس، مطبعة معارف، دون تاريخ. ز- تفسير سورة الشمس، مطبعة فيض عام، سنة 1326 هـ. ح- تفسير سورة التين، مطبعة معارف، دون تاريخ. ط- تفسير سورة العصر، مطبعة فيض عام، سنة 1326 هـ.

ثانيا: الآثار المخطوطة

ي- تفسير سورة الفيل، مطبعة معارف، سنة 1354 هـ. ك- تفسير سورة الكوثر، مطبعة معارف، دون تاريخ. ل- تفسير سورة الكافرون، مطبعة فيض عام، سنة 1326 هـ، ونشر بعد ذلك في صحيفة "الجامعة" العربية نصف الشهرية التي كان يصدرها الأستاذ عبد الرزاق تحت إشراف الأستاذ أبي الكلام آزاد في كلكتا، وذلك في العدد العشرين من المجلد الأول الصادر في شهر شعبان سنة 1342 هـ الموافق مارس 1924م (ص9 - 14). م- تفسير سورة اللهب، مطبعة معارف، دون تاريخ. ن- تفسير سورة الإخلاص، هذا الجزء وحده بالأردية، ولعل المؤلف ألفه لأحد معارفه بناء على طلبه، زمن إقامته بكراتشي. نشرته الدائرة الحميدية سنة 1378 هـ. 20 - نواي بهلوي. وهو ديوانه الفارسي وقد طبع في حياة. المؤلف بعنوان "ديوان حميد" بمطبعة شمسي في مدينة حيدر آباد سنة 1903 م. ثم أصدره الأستاذ بدر الدين الإصلاحي بهذا العنوان سنة 1967م. ثانياً: الآثار المخطوطة: قد اطلعت على هذه المخطوطات كلها إلا أربعاً في منزل مدير الدائرة الحميدية الشيخ بدر الدين الإصلاحي رحمه الله في قريته، وقيدت معلومات عنها، وكان ذلك في شهر مارس سنة 1980م، وقد أخبرني الشيخ عدة مرات أن شيخه العلامة أختر أحسن الإصلاحي رحمه الله الذي كانت مسودات المؤلف محفوظة عنده، سأله -لحسن خطه- أن ينسخ مسودات الكتب غير المطبوعة. فنسخ كل واحدة منها نسختين: نسخة للدائرة الحميدية ونسخة لنفسه. وقد رأيت تلك النسخ النفيسة التي حافظ الشيخ فيها على خصائص الأصل حفاظاً شديداً جعلها مطابقة للأصل كالصور الشمسية. ولا آلت المسودات بعد وفاة الشيخ إلى الدكتور عبيد الله الفراهي أخبرني بوجود أربع مسودات أخرى، وهي المذكورة

بالأرقام: 34 و40 و 45 و 46. ومعظم هذه المخطوطات تعد من القسم الثالث من آثار المؤلف حسب تقسيم الشيخ أمين أحسن الإصلاحي. 21 - إحكام الأصول بأحكام الرسول - صلى الله عليه وسلم -. "في علم أصول الفقه المأخوذ من استنباطات الرسول عليه السلام في القرآن الحكيم". النسخة المنقولة من الأصل في 9 أوراق. 22 - الأزمان والأديان. في حكمة عناية الدين بشهور وأيام وساعات معينة. لهذه الرسالة ثلاث مسودات يبلغ مجموع عدد صفحاتها 22 صفحة. 23 - أسباب النزول. المسودة في 9 أوراق. 24 - الإشراق في الحكمة الأولى من حقائق الأمور ومكارم الأخلاق. النسخة المنقولة من الأصل في 4 أوراق. 25 - أصل الفنون. رسالة بالأردية للمدرس في الأصول العامة لتعليم العلوم. المسودة في 8 أوراق. 26 - الإكليل في شرح الإنجيل. المسودة في 10 أوراق. 27 - أوصاف القرآن. لهذه الرسالة مسودتان، مجموع أوراقهما 25 ورقة. 28 - تاريخ القرآن. المسودة في 10 أوراق. 29 - تزكية الروح. هذه الرسالة في 3 أوراق. 30 - تعليقات في التفسير. هذه التعليقات قيدها على حواشي نسختين من المصحف في أثناء تدبره للقرآن الكريم، قد اصطحبهما تلميذه الشيخ أمين أحسن الإصلاحي، فهما الآن عند ورثته في باكستان. وقد جمعت هذه التعليقات قديماً في نسخة مفردة استنسخها كثير من الناس. 31 - حجج القرآن. من أجلّ كتب المؤلفين ولم يقدر له إتمامه ولكن أورد خطته في أول الكتاب وكتب جملة من مباحثه. يشتمل على ثلاث مقالات

وكل مقالة في ثلاثة أبواب. المقالة الأولى في نقد المنطق والفلسفة وعلم الكلام، والمقالة الثانية في تأسيس العلم وبيان طريق احتجاج القرآن، والمقالة الثالثة في ذكر حجج القرآن على الربوبية والمعاد والرسالة. النسخة المنقولة من الأصل في 168 صفحة، وتضم محتوى ثلاث مسودات. 32 - حكمة القرآن. وهو أيضاً من أهم كتب المؤلف، والنسخة المنقولة من الأصل في 27 ورقة. 33 - الدر النضيد في النحو الجديد. بدأ تأليفه سنة 1315 هـ، وله مسودتان مجموع أوراقهما 44 ورقة. 34 - دلائل إلى النحو الجديد والمعاني والعروض والبلاغة. ذكر هذه الرسالة السيد سليمان الندوي في ترجمة الفراهي. 35 - الدمدمة والشمقمة. أراد المؤلف ترجمة كتاب (هتّهـ يوك) من كتب الهنادك، وهو في تزكية النفس، وبعد ذلك كان ينوي ذكر أصول التزكية في ضوء القرآن في كتابه السابق (تزكية الروح)، المسودة في 6 ورقات انتهى فيما إلى ترجمة الفقرة 32 من الكتاب المذكور. 36 - الرائع في أصول الشرائع. المسودة في 23 ورقة ألحقت بها 34 ورقة تشتمل على المباحث المتعلقة بالكتاب. 37 - رسالة في إصلاح الناس. المسودة في 5 ورقات، وقد ترجمها الشيخ أمين أحسن الإصلاحي بالأردية ونشرها في مجلة (الإصلاح) عدد يونيو 1936م. 38 - الرسوخ في معرفة الناسخ والمنسوخ. النسخة المنقولة من الأصل في 8 ورقات. 39 - سليقة العروض. هذا الاسم تاريخي يشير إلى سنة 132 هـ، وللرسالة مسودتان في 21 ورقة، وكان المؤلف يريد إصلاح علم العروض ووضعه

على نحو جديد، وقد علمه بعض تلامذته على طريقته؛ ولكن لم ينجز تأليف كتابه. 40 - الطارق والبارق. مجموعة خواطر وأفكار. 41 - العقل وما فوق العقل. النسخة المنقولة من الأصل في 4 ورقات. 42 - فقه القرآن. النسخة المنقولة من الأصل في 6 ورقات. 43 - فلسفة البلاغة. هذا الاسم أيضاً تاريخي يشير إلى سنة 1324 هـ، أراد تأليفها تمهيداً لفهم كتابه جمهرة البلاغة. لها مسودتان في 6 ورقات. 44 - القسطاس. "وهي رسالة في علم جديد، وهو منطق العمل وميزان الإرادات وأساس الحكمة العملية". النسخة المنقولة من الأصل في 14 ورقة. 45 - قيد الأوابد. مجموعة خواطر وأفكار. 46 - لوامع الأفكار. مجموعة خواطر وأفكار. 47 - مسائل النحو. الأصل في 8 ورقات، وفي الصفحة الأولى عنوان الكتاب وبعده: "من المفصل للزمخشري". 48 - المنطق الجديد. الأصل في 18 ورقة. 49 - نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان. بقيت أجزاء ناقصة من التفسير لم تطبع إلى الآن منها تفسير سورة البقرة، وهو يشتمل على تفسير 62 آية في 56 فصلاً، وعدد أوراقه 124 ورقة (¬1). ومنها تفسير سورة آل عمران انتهى فيه إلى الآية 31. 50 - النظام في الديانة الإسلامية. وهو جزء من كتاب حكمة القرآن، ولكن نظراً لأهمية الموضوع أفرده بكتاب وكتب له خطبة مستقلة. النسخة المنقولة من الأصل في 15 ورقات. ¬

_ (¬1) صدر مؤخراً من الدائرة الحميدية.

(9) وفاته وثناء العلماء عليه

51 - النظر الفكري حسب الطريق الفطري. النسخة المنقولة من الأصل في 6 ورقات. (9) وفاته وثناء العلماء عليه: توفي رحمه الله -وهو يتلو القرآن الكريم- في 19 جمادى الآخرة عام 1349 هـ على إثر عملية جراحية أجراها طبيبه الخاص في مدينة (مثورا) ودفن بها. وقد رثاه عدد من أصحابه وأصدقائه بقصائد عربية وفارسية وأردية. منها قصيدة الشيخ اللغوي الأديب عبد الرحمن الكاشغري (ت 1971 م). ومنها قوله في وصف الإمام: ويُعطِّر الأيامَ من أنفاسه ... عَرفُ الهدى والعلمِ والعرفانِ قد كان كعبةَ سؤددٍ وبفضله ... للمكرمات مشيّدَ الأركانِ ويدَ السماح وهامةَ الهممِ العلى ... ولسانَ صدقٍ فيصلاً كَيَمانِ ومحجّةَ الحسنى وحجّةَ أهلِها ... ويمينَ دينِ الحق والإيمانِ (¬1) ومنها قول بعضهم في تاريخ وفاته: قضى نحبه شيخ ولي مفسر ... حميدُ السجايا ذو الكمال أديبُ وذاك حميدُ الناس حجةُ قومه ... خبيرٌ بأسرار العلوم أريبُ لقد قلت محزوناً لعام وفاته ... تخلّى إلى المولى المجيب نجيبُ (¬2) 1349 وقد نقلنا فيما سبق أقوال بعض معاصريه عن علمه وخلقه، ونضيف هنا مقتطفات من أربع كلمات: أولها للعلامة السيد سليمان الندوي، وهي أقوى ما كتبه في وفيات الأعلام. وقد كتبها في مجلة (معارف) الصادرة من دار المصنفين بأعظم كره بعنوان (الصلاة على ترجمان القرآن) استهلّها بقوله: ¬

_ (¬1) مجلة الضياء (لكناؤ) المجلد الأول، العدد السابع: 29 - 30. (¬2) عثرت على هذه المقطوعة في الأوراق المحفوظة في الدائرة الحميدية.

" (الصلاة على ترجمان القرآن) نودي بذلك قبل نحو ستة قرون من مصر والشام إلى حدود الصين، للصلاة على الإمام ابن تيمية رحمه الله، وحقّ أن ينادى بذلك مرة أخرى من ربوع الهند إلى بلاد مصر والشام على الأقل، فإن ابن تيمية هذا العصر قد توفي في التاسع عشر من جمادى الآخرة سنة 1349 هـ (الموافق 11 نوفمبر سنة 1930 م). ذلك الإمام الجليل الذي كانت شخصيته الجامعة بين علوم الشرق والغرب نادرة العصر، شخص واحد اجتمع فيه عالَم من العلم والمعرفة، ماهر في العلوم الدينية، ناقد للعلوم العقلية، وحيد عصره في علوم العربية، نسيج وحده في علم القرآن، عارف بحكمته ودقائقه، كُنَيف ملىء علماً، ولكن لم ينقل من علمه -مع الأسف- إلى الدفاتر والأوراق إلا قليل ... " (¬1). والكلمة الثانية للعلامة أبي الكلام آزاد رحمه الله قال فيها: "كان حميد الدين الفراهي رحمه الله من العلماء الربانيين الذين لا تكون بضاعتهم العلم فحسب، بل يجمعون بين العلم والعمل. ويندر وجود أمثال هؤلاء الحائزين للشرفين، كما لا يخفى على أهل النظر. وإني كلما قابلته تأثرت بعمله أكثر من علمه، فإنه كان رجلاً تقياً بكل معنى الكلمة ... " (¬2). وقد اطلع العلامة السيد رشيد رضا رحمه الله على أجزاء من تفسير الفراهي، فكتب كلمة في مجلة المنار (صفر 1327 هـ) ومما قال فيها: "وقد ألقينا على بعض هذه الرسائل لمحة من النظر، فإذا طريق جديد في أسلوب جديد من التفسير، يشترك مع طريقنا في القصد إلى المعاني من حيث هي هداية إلهية، دون المباحت الفنية العربية ... وإن للمؤلف لفهماً ثاقباً في القرآن، وإن له فيه مذاهب في البيان .. وإنه لكثير الرجوع باللغة إلى مواردها والصدور عنها ريان من شواهدها". ¬

_ (¬1) مجلة معارف المجلد 26 العدد السادس ص 322. (¬2) انظر مجلة الإصلاح المجلد الأول العدد الثامن ص 56 - 61.

وقد نقلنا من قبل بعض ما كتبه الدكتور تقي الدين الهلالي في مذكراته، حينما زار الفراهي رحمه الله قبل وفاته بسبع سنين، ومما جاء فيها أيضاً: " ... والرجل فصيح في التكلم لغاية، نادر في علماء العرب فضلاً عن علماء الهند ... سمعت منه خطبة تفسيره للقرآن اغرورقت منها عيناي لفصاحتها وحقّيّتها. وهو عارف بمسألة الخلافة محقق لها، لا يلتبس عليه شيء من أمرها خلافاً لأهل الهند، مجتهد في العقائد والعمليات، لا ينتمي لمذهب لكنه يتعبد على مذهب الحنفية لأنه نشأ عليه ويعتقد أن الأمر في مثل ذلك سهل. ماهر في الإنجليزية والعربية والفارسية والأردية. وبالجملة فهو أعلم من لقيته قبل هذا الحين، وهو 17 رمضان 1342 هـ" (¬1). ¬

_ (¬1) مجلة الضياء المجلد الثاني العدد السابع، ص 260.

كتاب مفردات القرآن

كتاب مفردات القرآن (1) كتب غريب القرآن قبل الفراهي: قد اعتنى المسلمون بتفسير ألفاظ القرآن في وقت مبكر، وتفننوا فيه. فصنّفوا كتباً في تفسير مشكل القرآن وغريبه، وأفردوا كتباً في لغات القرآن، وأخرى في الوجوه والنظائر. وأقدم الرسائل في كل نوع من الأنواع المذكورة تنسب إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما (ت 68 هـ). ولا غرو في ذلك فهو ترجمان القرآن وحبر الأمة، فكثرت مروياته في التفسير كثرة ظاهرة، كما كثر الحمل عليه أيضاً في هذا الباب. وقد صرّح بعض المتقدمين بتأليف ابن عباس رضي الله عنهما في فن الوجوه والنظائر، فقال أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أحمد الضرير النيسابوري الحيري (ت 430 هـ) في مقدمة كتابه وجوه القرآن: "والسابق بهذا التصنيف عبد الله بن عباس ثم مقاتل ثم الكلبي" (¬1). وقد أشار ابن الجوزي (ت 597 هـ) إلى أنه "قد نسب كتاب في الوجوه والنظائر إلى عكرمة عن ابن عباس، وكتاب آخر إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس" (¬2). أما فن لغات القرآن فقد وصلتنا رسالة رواها إسماعيل بن عمرو بن راشد الحداد (ت 429 هـ) بإسناده عن عطاء بن أبي رباح (ت 114 هـ) عن ابن عباس رضي الله عنهما. وهي مطبوعة (¬3). ¬

_ (¬1) التصاريف، مقدمة المحققة: 28. (¬2) نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر: 82. (¬3) نشرها صلاح الدين المنجد سنة 1946 عن نسخة محفوظة في دار الكتب الظاهرية.

أما تفسير ألفاظ القرآن بوجه عام، فذكر فؤاد سزكين أن كتاباً لابن عباس رضي الله عنهما بتهذيب عطاء بن أبي رباح يوجد مخطوطاً في مكتبة عاطف أفندي بعنوان "غريب القرآن" (¬1). ومما روي عنه مسائل نافع بن الأزرق (ت 65 هـ) المشهورة، قيل إن ابن الأزرق سأل عنها طالباً الاستشهاد على كل مسألة منها بشاهد من كلام العرب. وقد وردت جملة من تلك المسائل في كتاب فضائل القرآن لأبي عبيد (224 هـ) (¬2) والكامل للمبرد (ت 285 هـ) -وقد نقلها من بعض كتب أبي عبيدة (ت 210 هـ) وغيره (¬3) - والوقف والابتداء لابن الأنباري (ت 328 هـ) (¬4) والمعجم الكبير للطبراني (360 هـ) (¬5). وساقها السيوطي بتمامها إلا بضعة عشر سؤالاً -حسب قوله- في كتاب الإتقان (¬6). ¬

_ (¬1) تاريخ التراث العربي 1/ 67 ولكن في موضع آخر من الكتاب (ص 90) نسب سزكين النسخة نفسها إلى أبي جعفر بن أيوب المقرئ الذي كان تلميذاً لعبد الملك بن جريج (ت 150 هـ). وينسب إلى علي بن عبد الله بن عباس -وكان أصغر أبنائه- (ت 117 هـ) كتاب بعنوان "معاني ألفاظ القرآن" في مخطوطة قم. انظر تاريخ التراث العربي 8: 36. (¬2) الإتقان في علوم القرآن 2: 56. (¬3) الكامل (الدالي) 3: 1144 - 1155. (¬4) إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل: 76: 98. (¬5) المعجم الكبير 10: 248 - 256. (¬6) الإتقان في علوم القرآن 2/ 56 - 88. وانظر لنسخ من هذه المسائل: تاريخ التراث العربي 1/ 67، وقد نشرها محمد فؤاد عبد الباقي سنة 1950 م ملحقة بكتابه معجم غريب القرآن مستخرجاً من صحيح البخاري 234 - 281 بعد ما رتب الألفاظ على حروف المعجم. ثم نشرتها بنت الشاطئ سنة 1971م مع دراستها في كتابها الإعجاز البياني في القرآن 269 - 509 معتمدة على الإتقان، وبلغ عدد المسائل فيها حسب ترقيمها 189 مسألة. وقد صدرت نشرات مستقلة لهذه المسائل منهما ما أخرجه إبراهيم السامرائي في بغداد سنة 1968 بعنوان "سؤالات نافع بن الأزرق إلى عبد الله بن عباس" ونشرة محمد أحمد الدالي التي صدرت بدمشق سنة 1993 بعنوان "مسائل نافع بن الأزرق عن عبد الله بن عباس"، ولم أطلع عليهما. وقد وقفت بأخرة على نشرتين أخريين لها إحداهما بتحقيق محمد عبد الرحيم وأحمد نصر الله، صدرت من مؤسسة الكتب =

ويظهر أن هذه القصة لها أصل، ولكن أكثر المسائل المذكورة فيها مصنوعة. ويرى بعض الباحثين أن الكتب المنسوبة إلى ابن عباس رضي الله عنهما كان بعضها -على الأقل- من تأليفه هو (¬1)، بينما يرجح آخرون أنها من تدوين الرواة (¬2)، على غرار ما صنعه السيوطي، إذ استخرج أقوال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير مفردات القرآن مما روي عن طريق علي بن أبي طلحة (120 هـ) فجمعها في فصل مفرد (¬3). وأياً كان الأمر، فلا شك أن مرويات ابن عباس رضي الله عنهما هي التي مهدت للتدوين في علم غريب القرآن، في وقت مبكر، وهيأت المادة الأولى لكل من ألّف فيه. وإذا رجعنا إلى المصادر للبحث عن أول من ألف في غريب القرآن طالعنا بعضها بثلاثة أسماء من طبقة واحدة وهي: - أبو سعيد أبان بن تغلب البكري (ت 141 هـ). - محمد بن السائب الكلبي (ت 146 هـ). - أبو روق عطية بن الحارث الهمداني. وقد جاء ذكرهم في ترجمة أبان عند ياقوت إذ قال: "صنف كتاب الغريب في القرآن، وذكر شواهده من الشعر. فجاء فيما بعد عبد الرحمن بن محمد الأزدي الكوفي، فجمع من كتاب أبان ومحمد بن السائب وأبي روق عطية بن ¬

_ = الثقافية في القاهرة 1413 هـ، بلغ عدد المسائل فيها 250 مسألة، والأخرى نشرة عبد الرحمن عميرة بعنوانها الغريب "مسائل الإمام الطستي عن أسئلة نافع بن الأزرق وأجوبة عبد الله بن عباس" صدرت من دار الاعتصام سنة 1994م، يقول عنها الدكتور أحمد الخياطي: "مسائل الطستي في المخطوطة الأصلية بدار الكتب تشتمل على حوالي 280 مسألة وأنا أحصيت ما جمعه عميرة ففاق 400 مسألة"! انظر مقاله "شواهد التفسير عند ابن عباس في مسائل نافع بن الأزرق"، في مجلة دار الحديث الحسينية بالمغرب العدد 150 ص 175 (1418 - 1419). (¬1) تاريخ التراث العربي 24:8. (¬2) المعجم العربي: 13. (¬3) الإتقان في علوم القرآن 2: 6 - 54.

الحارث، فجعله كتاباً فيما اختلفوا فيه وما اتفقوا عليه، فتارة يجيء كتاب أبان مفرداً، وتارة يجيء مشتركاً على ما عمله عبد الرحمن" (¬1). وبناءً على هذا النص يعد معظم الباحثين المعاصرين أبان بن تغلب أول من صنف في غريب القرآن (¬2)، ولكن ليس فيه ما يقطع بذلك، فإن الثلاثة من طبقة واحدة، وهي الطبقة الخامسة من الكوفيين من طبقات ابن سعد (¬3)، وترتيبهم في الذكر عند ياقوت لا يستلزم تقديم أحدهم على الآخر في التأليف أيضاً. ولكن يعارض أولية هؤلاء ما جاء في غير واحد من المصادر أن أول من ألف في غريب القرآن هو أبو عبيدة معمر بن المثنى (ت 210 هـ)، منها كتاب الأوائل لأبي هلال العسكري (ت بعد 400 هـ) الذي يقول: "أول من صنف في غريب القرآن أبو عبيدة معمر بن المثنى. صنف كتاب المجاز، وأخذ ذلك من ابن عباس حين سأله نافع بن الأزرق ... " (¬4) ونقل ابن خير الإشبيلي (ت 575 هـ) قول أبي بكر الأدفوي (388 هـ) إن: "أول كتاب جمع في غريب القرآن ومعانيه كتاب أبي عبيدة معمر بن المثنى، وهو كتاب المجاز" (¬5). ولعل الذي يرفع الخلاث بين القولين أن أبا هلال وغيره يقصدون أول من ألف من أهل اللغة، فإن الثلاثة الأولين يعدون من أهل التفسير، ويشهد بذلك قول ابن درستويه (ت 347 هـ): "وذلك أن أول من صنف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنى، ثم قطرب بن المستنير، ثم الأخفش، وصنف من الكوفيين الكسائي ثم الفراء" (¬6). ¬

_ (¬1) معجم الأدباء 1:38. (¬2) انظر المعجم العربي: 33 ومقدمات كتب غريب القرآن. (¬3) طبقات ابن سعد 6: 358، 359، 369. (¬4) الأوائل 2: 130. (¬5) فهرست ابن خير 134 وانظر ص 60 وانظر الوسائل في مسامرة الأوائل للسيوطي: 112. (¬6) تاريخ بغداد 405:12.

وقد شهد القرنان الثاني والثالث إقبالاً عظيماً على التأليف في غريب القرآن، وعلماء اللغة هم الذين كانوا فرسان هذا الميدان، فقلما نجد منهم من لم يذكر له كتاب في هذا الفن، حتى الأصمعي الذي روي أنه كان يتحرج من تفسير ألفاظ القرآن نسب إليه كتاب في غريب القرآن (¬1). وتسمى كتبهم في المصادر بأسماء مختلفة من (غريب القرآن)، و (معاني القرآن)، و (مجاز القرآن)، و (ما يستعجم الناس فيه من القرآن) و (غرائب القرآن). وهي عناوين كانت متقاربة في مدلولها في ذلك العصر، فكان الكتاب الواحد يطلق عليه أحياناً (مجاز القرآن) و (معاني القرآن)، و (غريب القرآن) و (إعراب القرآن)، ومثال ذلك كتاب أبي عبيدة معمر بن المثنى (¬2). وسبب ذلك أن الكتب الأولى التي ألّفت في هذا المجال لم تكن مقصورة على تفسير ألفاظ القرآن فحسب، بل كانت تضم بالإضافة إلى ذلك -مباحث النحو والصرف والقراءات، وتفسير ما أشكل من معاني الآيات، ومذاهب العرب في القول؛ على اختلافها في التوسع في إيراد تلك المباحث بحسب اهتمام مؤلفيها وثقافتهم. ويتضح ذلك جلياً من دراسة الكتب الثلاثة التي وصلت إلينا من كتب الأوائل، وهي: مجاز القرآن لأبي عبيدة (ت 210 هـ)، ومعاني القرآن للفراء (ت 207 هـ)، ومعاني القرآن للأخفش الأوسط (ت 215 هـ). ثم تتابعت الكتب في تفسير غريب القرآن في القرون التالية، وبلغت كثرة لا يأتي عليها الحصر، فقال السيوطي في الإتقان: "أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون" (¬3). ومن أشهرها: كتاب تفسير غريب القرآن لابن قتيبة (ت 276 هـ). وقد ¬

_ (¬1) هدية العارفين: 623. وفي الفهرست للنديم (ص 38):"كتاب لغات القرآن للأصمعي". (¬2) انظر مقدمة المحقق. (¬3) الإتقان في علوم القرآن 2: 30.

جعله مقصوراً على الغريب، غير خالط إياه بمسائل العربية التي ضمّن بعضها كتابه السابق (تأويل مشكل القرآن). ورتّبه على ثلاثة أقسام: الأول في ذكر أسماء الله الحسنى وصفاته وفسر فيه 26 حرفاً، والثاني في ألفاظ كثر تردادها في القرآن فلم ير بعض السور أولى بها من بعض وفسر فيه 40 حرفاً. والثالث سائر الكتاب الذي رتبه على ترتيب السور في المصحف. وقد ذكر ابن قتيبة أن كتابه "هذا مستنبط من كتب المفسرين، وكتب أصحاب اللغة العالمين"، واختار في كل حرف "أولى الأقاويل في اللغة وأشبهها بقصة الآية" نابذاً منكر التأويل ومنحول التفسير. وكان غرضه في الكتاب الاختصار والإكمال فلم يحش كتابه بالنحو وبالحديث والأسانيد حتى لا يطول الكتاب فيقطع منه طمع المتحفظ وبغية المتأدب (¬1). ومن كتب الغريب التي عدها الزركشي "من أشهرها" كتاب نزهة القلوب لابن عزيز السجستاني (ت 330 هـ) وكتاب الغريبين لأبي عبيد أحمد بن محمد الهروي (ت 401 هـ) (¬2). أما كتاب ابن عزيز فيقال إنه صنفه في خمس عشرة سنة، وكان يقرؤه على شيخه أبي بكر ابن الأنباري، فكان يصلح له فيه مواضع (¬3). ولعل سبب إعجاب العلماء بهذا الكتاب يرجع إلى أمرين أولهما تحرير المعنى باختصار، والثاني ترتيبه البديع، فقد رتبت فيه الألفاظ على حروف المعجم، ولم ينظر فيها إلى أصلها واشتقاقها، غير أنه اتبع في ذلك منهجاً غريباً، وهو أنه يقسم الحرف الواحد إلى ثلاثة أبواب، المفتوح ثم المضموم ثم المكسور، ثم يرتب الألفاظ في كل باب على السور، ولا ينظر إلى الحرف الثاني وما بعده. ولكن لم يسلم له هذا الترتيب العجيب، فاضطرب في مواضع كثيرة، وصعب البحث عن الكلمات فيه. ¬

_ (¬1) تفسير غريب القرآن، مقدمة المؤلف، ص 3. (¬2) البرهان في علوم القرآن 1: 291. (¬3) نزهة الألباء: 232.

أما الهروي فهو أول من جمع بين غريب القرآن وغريب الحديث، وسمى كتابه (كتاب الغريبين) "ورتبه مقفى على حروف المعجم على وضح لم يسبق في غريب القرآن والحديث إليه" كما يقول ابن الأثير في مقدمة النهاية (¬1)، واشترط في كتابه الاختصار، فقلل الشواهد، وحذف الأسانيد. واستدرك على كتاب الهروي الحافظ أبو موسى المديني (ت 581 هـ) في كتابه (المجموع المغيث في غريب القرآن والحديث) ورتبه حسب ترتيب كتاب المهروي (¬2). أما كتاب المفردات للراغب الأصفهاني (ت نحو 412 هـ) فله مكانة مرموقة بين مؤلفات هذا الفن، وقد عده الزركشي من أحسن كتب الغريب (¬3)، وقال فيه الفيروزابادي: "لا نظير له في معناه" (¬4). وهو "أشبه ما يكون بمعجم كامل للألفاظ القرآنية" (¬5)، وقد رتبه الراغب على حروف المعجم معتبراً فيه أوائل الحروف الأصلية دون الزوائد، ولكن لم يراع ترتيب الحرف الثاني والحرف الثالث من الكلمة. ومنهجه فيه أنه يذكر أولاً المعنى الأصلي للمادة ثم يتتبع دورانها في القرآن الكريم فيورد الآيات التي وردت فيها مشتقاتها ويبين مناسبة المعاني المستعارة بالمعنى الأصلي. وعلى الرغم من أن الراغب ذكر في المقدمة أنه استخار الله تعالى "في إملاء كتاب مستوفىً فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي"، أغفل ألفاظاً عديدة، نحو (زبن) و (كلح) و (هلع) و (سردق) أو أخل في تفسيرها، كما ذكر مواد لم ترد في القرآن الكريم نحو مادة (زعق). فألف شهاب الدين أحمد بن يوسف الشهير بالسمين الحلبي (ت 756 هـ) كتاب (عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ) وبناه على كتاب الراغب، ثم زاد عليه زيادات كثيرة حسنة، مع إتقان الترتيب وإيراد الشواهد ¬

_ (¬1) النهاية في غريب الحديث 1:8. (¬2) صدر بتحقيق عبد الكريم العزباوي من جامعة أم القرى سنة 1406 هـ. (¬3) البرهان في علوم القرآن 12: 291. (¬4) البلغة: 91. (¬5) المعجم العربي 1:44.

(2) كتاب المفردات: أسباب التأليف ومقاصده

وجمع الأقوال (¬1). وأثنى عليه صاحب كشف الظنون قائلاً بأنه "أحسن الكتب المؤلفة في هذا الشأن" (¬2). (2) كتاب المفردات: أسباب التأليف ومقاصده: بعد هذه الكتب المشهورة وغيرها من المؤلفات الكثيرة في تفسير ألفاظ القرآن، عزم الإمام الفراهي على تأليف كتاب جديد في هذا الموضوع، وجعله جزءاً من مشروعه القرآني العظيم المشتمل على اثني عشر كتاباً، وكان كتاب المفردات أول الكتب الثلاثة منها التي ألفها لتمهيد الطريق إلى فهم القرآن على الوجه الصحيح. وهي كتاب المفردات، وكتاب أساليب القرآن، وكتاب التكميل في أصول التأويل. فما الذي دعاه إلى ذلك؟ أفرأى خَلّة فيما ألفه السابقون من كتب غريب القرآن، فأراد سدّها، أم كان غايته التلخيص والتهذيب والتيسير؟. للإجابة عن هذا السؤال نرجع إلى المقدمة الأولى من الكتاب التي عقدها المؤلف على بيان مقصد الكتاب والحاجة إليه، ونلخص ما قاله فيها في النقاط الآتية: 1 - المعرفة بالألفاظ المفردة هي الخطوة الأولى في فهم الكلام، وبعض الجهل بالجزء يفضي إلى زيادة جهل بالمجموع، وإنما يسلم المرء عن الخطأ إذا سد جميع أبوابه. فمن لم يتبين معنى الألفاظ المفردة من القرآن أغلق عليه باب التدبر، وأشكل عليه فهم الجملة، وخفي عنه نظم الآيات والسورة. 2 - ولو كان الضرر عدم الفهم لكان يسيراً، ولكنه أكثر وأفظع. وذلك بأن المرء قلما يقف على جهله، بل يتجاوز موقفه، فيتوهم من اللفظ ضد ما أريد، ¬

_ (¬1) صدرت للكتاب ثلاث طبعات أولاها في إستنبول من دار السيد للنشر سنة 1407 هـ بعناية محمود محمد السيد الدغيم، وهي طبعة مصورة من نسخة الكتاب المحفوظة في مكتبة نور عثمانية (إستنبول). (¬2) كشف الظنون: 1208.

فيذهب إلى خلاف الجهة المقصودة. 3 - ثم سوء فهم الكلمة ليس بأمر هين، فإنه يتجاوز إلى إساءة فهم الكلام وكل ما يدل عليه من العلوم والحكم، فإن أجزاء الكلام يبين بعضها بعضاً للزوم التوافق بينها. 4 - وربما ترى أن الخطأ في معنى كلمة واحدة يصرف عن تأويل السورة بأسرها، فيتوجه المرء إلى سمت كلما مر فيه بعد عن الفهم. 5 - وهكذا ترى الخطأ في حد كلمة واحدة أنشأ مذهباً باطلاً وأضل به قوماً عظيماً وجعل الملة بدداً (¬1). 6 - معظم القرآن الحكمة وهي الأصل، ولا سبيل إلى فهمها من القرآن دون الاطلاع على معاني كلماتها المفردة ودون العلم بصحيح علوم اللسان من البيان ... ثم أشار إلى أن "كتب اللغة والغريب لا تعطيك حدود الكلمات حداً تاماً". وقد فصل القول في ذلك مقدمة تفسيره، إذ تكلم على مصادره اللسانية، فنص أولاً على أن المعاني الشرعية كالصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها قد حفظها الله تعالى بالسنة المتواترة المتوارثة من خلف إلى سلف، ثم قال: "فأما في سائر الألفاظ وأساليب حقيقتها ومجازها فالمأخذ فيه كلام العرب القديم والقرآن نفسه. وأما كتب اللغة فمقصرة فإنها كثيراً ما لا تأتي بحد تام، ولا تميز بين العربي القح والمولد، ولا تهديك إلى جرثومة المعنى، فلا يدرى ما الأصل وما الفرع، وما الحقيقة وما المجاز. "فمن لم يمارس كلام العرب، واقتصر على كتب اللغة ربما لم يهتد لفهم بعض المعاني من كتاب الله" (¬2). ¬

_ (¬1) وأشار في موضع آخر إلى أن بعض خلافهم في العقائد كان مرده عدم الوقوف على استعمال اللفظ على وجوه كثيرة، ومن ثم تشتد الحاجة إلى معوفة معاني المفردات وأنحائها المختلفة. انظر كتاب التكميل في أصول التأويل: 36. (¬2) فاتحة نظام القرآن: 12 ولا يعزبن عنك أن هذا الكلام الذي نقلته كلام إمام من أئمة اللغة قضى أكثر حياته عاكفاً على تدبر كتاب الله وتمرس بكلام العرب وتذوق بيانهم =

تبين من ذلك أن أهمية المعرفة الدقيقة لمعاني الكلمات في فهم الكلام وقصور كتب اللغة والغريب في إعطاء هذه المعرفة في تفسير بعض الألفاظ هو الذي حفز الفراهي إلى إفراد كتاب في هذا الموضوع. وأمر آخر دعاه إلى تأليف هذا الكتاب، وذلك أن طريقته في تفسيره (نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان) أنه يقسم آيات السورة إلى مجموعات، ثم يتناول كل مجموعة، ويفسر أولاً مفردات ألفاظها. فلو تكلم في هذا الفصل على الألفاظ المشكلة على الوجه الذي تقتضيه من التفصيل والاستقصاء والاحتجاج وتكثير الشواهد لخرج فيه عن الحد الذي رسمه له. ومن ثم رأى أن يجمعها في كتاب مفرد، ليجمل القول فيها في التفسير، ويحيل الراغب في التفصيل على ذلك الكتاب. وفي ذلك يقول في خطبة كتاب المفردات: "أما بعد، فهذا كتاب في مفردات القرآن، جعلته مما نحول إليه في كتاب نظام القرآن، لكيلا نحتاج إلى تكرار بحث المفردات إلا في مواضع يسيرة يكون فيها الصحيح غير المشهور، فنذكر بقدر ما تطمئن به القلوب السليمة". وقد بين المؤلف موضوع كتاب المفردات والجوانب التي كان يريد تناولها في تفسير ألفاظ القرآن في فصل كتبه في الورقة الأولى من المسودة: "في كتاب المفردات يبحث عن الألفاظ المفردة، ويكشف عن معانيها بحيث أن تتضح لها الحدود واللوازم، وما يتصل بها، وما يفترق عنها، وما ¬

_ = وتوغل في معرفة أسرار العربية وغوامضها، ولا يلقي الكلام على عواهنه، فلا تحملنه على الزراية بكتب اللغة وانتبه لقوله "بعض المعاني من كتاب الله". ويشبه ما قاله الإمام الفراهي هنا، كلام إمام آخر من أئمة اللغة في عصرنا، وهو العلامة محمود شاكر رحمه الله، فانظر إلى قوله في تفسير كلمة (المصمئل) في بيت ابن أخت تأبط شراً (خبر ما نابنا مصمئل): "أصحاب اللغة يقولون ... فلو اقتصرت على نص اللغة هنا في تفسير هذا اللفظ لفقد الشعر معناه". وقال في تفسير (الحي) بعدما نقل ما ورد في كتب اللغة: "هذا الذي قالوه إبهام وقصور في العبارة". انظر نمط صعب ونمط مخيف: 145، 224.

يشابهها، وما يضادها، فيحيط العلم بدلالة الألفاظ المفردة". ولم يكن من قصده أن يؤلف كتاباً شاملاً لألفاظ القرآن الكريم. فقد صرح في خطبة الكتاب بأنه لا يورد منها في هذا الكتاب "إلا ما يقتضي بياناً وإيضاحاً، إما لبناء فهم الكلام أو نظمه عليه فإنّ الخطأ ربما يقع في نفس معنى الكلمة فيبعد عن التأويل الصحيح، أو في بعض وجوهه فيغلق باب معرفة النظم. وأما عامة الكلمات فلم نتعرض لها وكتب اللغة والأدب كافلة به". ومن مقاصد هذا الكتاب كما قال في تذكرة كتبها على الورقة الأولى من المسودة أيضاً "الفرق بين معاني الألفاظ عند نزول القرآن وبين ما صارت بعد ذلك، مثلاً "الوحي" لم يكن مختصاً بما أنزل الله على الأنبياء". وفي تذكرة أخرى بعنوان "للمفردات" قال: "نستقصي ألفاظاً تغيرت معانيها بعد الإسلام، ونبين معانيها التي نزل بها القرآن مثل الصلاة والتسبيح والركوع والآلاء والقرآن، والكتاب، والفرقان، إما بالذهول عن المعاني القديمة أو بالغلبة أو التبادر، كالطوفان فإنه الريح الدوارة الشديدة -كما نرى في آيات موسى عليه السلام- والمتبادر الآن منه فوران الماء، وليس هذا معناه في القديم من اللغة العربية" (¬1). والجدير بالذكر أن هذا المقصد الجليل هو الذي رمى إليه الأستاذ محمد حسين هيكل الذي اقترح على مجمع اللغة العربية بالقاهرة إعداد معجم ألفاظ القرآن الكريم، فقد ذكر في تصديره لكتاب (معجم غريب القرآن مستخرجاً من صحيح البخاري) للأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي: "فالفكرة التي قصدت أنا إليها، يوم اقترحت وضع هذا المعجم هي أن يقف من يدرس القرآن على معاني ألفاظه عند العرب حين أوحاه الله إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - فكثيراً ما تتغير قيم الألفاظ وإن لم تتغير معانيها تغيراً أساسياً، ونحن ¬

_ (¬1) عثر على هذه التذكرة ضمن مسودات المؤلف الدكتور عبيد الله الفراهي وزودني بها جزاه الله خيراً.

(3) هل أنجز التأليف؟

أحوج ما نكون إلى معرفة القيم التي كانت لكل لفظ من ألفاظ القرآن حين نزوله ... فلا بد للباحث في كتاب الله ليكون بحثه علمياً دقيقاً من أن يقف على القيم الدقيقة لهذه الألفاظ حين نزولها حتى يبلغ الغاية من الدقة المرجوة ... " (¬1). وقد أوكل إعداد المعجم إلى لجنة من أعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة وظهر بعدما استغرق العمل أكثر من عشر سنوات، ولكن لم يتحقق به الغرض الذي قصده صاحب الاقتراح. ويتبين من دراسة الألفاظ التي اشتمل عليها كتاب المفردات أن من مقاصده أيضاً الرد على المنصرين والمستشرقين الذين يزعمون أن عدداً كبيراً من ألفاظ القرآن أخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليهود والنصارى، وأن بعضها لم يفهمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخطأ في استعماله في القرآن {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} وكان المؤلف رحمه الله مطلعاً على كتاباتهم، فرد على مطاعنهم في هذا الكتاب، ومن أمثلة ذلك كلمة الدرس، واليهود، والنصارى، وقد صرح فيها بمزاعمهم. وهناك ألفاظ اعتنى المؤلف بتأصيلها دون إشارة إليهم أو تعرض لكلامهم، ولكن لا يخفى على المطلع على كتبهم أنه أراد إزالة الشبهات التي أثاروها حول تلك الألفاظ. (3) هل أنجز التأليف؟: مما يبعث على الأسف أن كتاب مفردات القرآن من الكتب التي لم يقدر للمؤلف رحمه الله أن يكملها، لا من حيث مقدماته، ولا عدد ألفاظه، ولا استيعاب الكلام في تفسيرها. فتوفي وهو مجموعة فصول سودت في أزمنة مختلفة، ولم تحظ بإعادة نظر أو تبييض، بل الحق أن كثيراً من نصوصها قيدها المؤلف في صورة مذكرات ليستفيد منها عند تأليف الكتاب. وإليكم بعض الشواهد على ما قلنا. ¬

_ (¬1) معجم غريب القرآن: د.

أولا: المقدمات

أولاً: المقدمات: أما المقدمات فقد جاءت في المسودة بعد خطبة الكتاب ثلاث مقدمات شبه كاملة وثلاثة نصوص ناقصة. والظاهر أنه كتبها ليفصلها فيما بعد في صورة مقدمات مستقلة أو يدمجها في بعض المقدمات. ومنها نص في "الحروف المقطعات" قال فيه: "وإنا نورد كل ما علمنا من أقوالهم" ولكن لم يورد شيئاً منها هنا، ولا أتم كلامه على الحروف المقطعات. ولا شك أنه كان يريد أن يخصها بمقدمة مستقلة، ويعرف المطلعون على أفكار الفراهي أن له رأياً خاصاً في تفسيرها، ولا ندري أكان قد توصل إليه عندما كتب النص الموجود في المفردات أم لا، ولكنه أبان عنه في أول تفسير سورة البقرة، وقد نقلت كلامه في التعليق. وكذلك في نص آخر "العام والخاص" أشار إلى أن في سورة الأعراف مثالاً للعطف، ولم يذكر ذلك المثال. وقال في "تذكرة" وجدت في أوراق المؤلف كتبها "للمفردات" يعني هذا الكتاب: "ونقدم قبل ذكر الألفاظ أموراً مهمة، وأهمها التحذير من أخذ المعاني الحديثة. ومنها ذكر أسباب التغير، ومنها غلبة المعنى الأهم كاسم القرآن والطوفان ومنها تفسير السلف الذي ظنوه عاماً كمعنى الآلاء". ولكن لم نجد كلامه في هذين الموضوعين في المقدمات الموجودة في مسودة الكتاب. ووصفنا المقدمات الثلاث الأولى بأنها شبه كاملة، لما فيها من الاقتضاب وعدم الاستقصاء. ومن ذلك قوله في المقدمة الأولى: "فمن لم يتبين له معنى الكلمة وحدودها لم يتمثل له شكله، ولا اتضح مفهومه مثلاً كلمة (موارد) في بيت طرفة. ومثل كلمتي سلكي ومخلوجة في بيت امرىء القيس:

ثانيا: عدد الألفاظ

نطعنهم سُلْكَى ومخلوجةً ... كرَّكَ لأمينِ على نابل ولعدم فهمهما أظلمت المصرعة الثانية. وانظر كيف اختلفت الأئمة في معنى البيت". هنا لم يورد المؤلف بيت طرفة، ولا فسره. أما قول امرىء القيس فقد فسره في الحاشية تفسيراً مخالفاً لأقوال الشارحين الذين أخطأوا فيه جميعاً. وقد انكشف بتفسيره معنى البيت وتألق. فما كان أبصره بالشعر! وهذا البيت هو الذي قال فيه أبو عمرو بن العلاء: "ذهب من كان يعرف هذا وهو مما درس معناه" وليت الإمام الفراهي فسر بيت طرفة أيضاً!. ومن ذلك أيضاً أنه بدأ المقدمة الثانية بقوله "فنقسم أولاً مواضع الوهم من الكلمة أو الكلام .. " ويفهم من (أولاً) أنه سيتبعه الكلام على موضوع آخر في هذه المقدمة لأنه جعل عنوانها (في الأصول اللسانية) وهو عنوان عام. ثم في الكلام على الكلمة المرادفة ضرب المثل بلفظ "الفزع" وقال إنها "أول كلمة شرحها صاحب الكامل رحمه الله، وأخطأ فيه، وكذلك الأزهري". ولم يفصل نقده للمبرد والأزهري، وتلت المقدمة الثانية "تذكرة" تتعلق بالكلمة الجامعة المعاني والفرق بينها وبين الكلمة المشتركة، وقد كتبها ليضيفها إلى الكلام على الكلمة الجامعة في المقدمة الثانية. ثانياً: عدد الألفاظ: قد أحال المؤلف في تفسير بعض الألفاظ القرآنية في كتبه الأخرى على كتاب المفردات، وهي غير موجودة فيه، نحو كلمة (أمة) في قوله تعالى {إِنَّ إبراهيم كان أمةً قانتاً} (النحل: 120)، إذ فسرها في كتاب التكميل في أصول التأويل، وقال في آخره: "انظر كتابنا مفردات القرآن" (¬1). وكذلك لما تكلم في تفسير سورة البقرة على اسم الإشارة (ذلك) في قوله تعالى: {ذَلِكَ الكتاب لا ¬

_ (¬1) التكميل في أصول التأويل:59.

ريب فيه} أحال على كتاب المفردات (¬1). ومنها كلمة المثاني التي قال فيها في بعض تعليقاته على نسخته من لسان العرب: "الشواهد على ما قلنا ذكرناها في كتابنا في مفردات القرآن" (¬2). والكلمات الثلاث لم ترد في مسودته التي وصلتنا. فهل كان هناك ألفاظ أخرى كان المؤلف يريد تفسيرها في هذا الكتاب، فلم يتمكن من ذلك؟ لم يشر المؤلف إلى عدد الألفاظ التي كان ينوي تفسيرها في كتاب المفردات، غير أنه قال بعد ما صرح في خطبة الكتاب بأنه لا يورد فيه إلا الألفاظ التي تقتضي البيان والإيضاح لبناء فهم الكلام أو نظامه عليه: "ومع ذلك تجد هذا الكتاب إن شاء الله تعالى محتوياً على جل ما يقتضي الشرح من ألفاظ القرآن". أما مسودة الكتاب فلا تحتوي إلا على 44 كلمة، فهل كان عدد الألفاظ القرآنية التي رآها بحاجة إلى فضل بيان وشرح قريباً من ذلك أو زائداً عليه زيادة يسيرة؟. الذي يغلب على الظن أن العدد المطلوب كان أكثر من ضعف العدد المذكور، والدليل على ذلك أن ظهر الورقة الأولى من المسودة يحمل فهرساً غير مرتب لألفاظ قرآنية عددها أيضاً 44 كلمة، وهي كما يلي: الآلاء، الأمة، الحبك، التقوى، الصوم، الصلاة، الدين، الكتاب، الحكمة، الذكر، الزكاة، الرسول، النبي، الوحي، العرش، الكرسي، الاستواء الجهاد، ليلة القدر، الغيب، الفزع، الضلال، جهنم، الزقوم، الكلمة، الأمر، الروح، التوراة، الإنجيل، الزبور، الصحف، النور، بين يدي، بأعين، السكينة، الإفساد، الرجم، العهد، القسط، الولد والابن، المحكم والمتشابه، المثل، التأويل، الطوفان. والظاهر أن المؤلف قيّد تلك الكلمات لتفسيرها في هذا الكتاب، ولكن ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة (مخطوط). (¬2) لسان العرب (ثنى) نسخة الفراهي المحفوظة في مكتبة مدرسة الإصلاح.

ثالثا: تفسير الألفاظ

مسودته لم تتضمن منها إلا سبع كلمات، وهي: الآلاء، والحبك، والحكمة، والذكر، والزكاة، والعرش، والطوفان. فإذا حذفناها من الفهرس وأضفنا الباقي وهي 37 كلمة إلى محتوى المسودة بلغ عددها 81 كلمة. وقد عثرنا في كراستين بخط المؤلف على تفسير تسع كلمات إحداها وهي (الولد والابن) من الفهرس المذكور، وأحال في ثلاث كلمات -كما سبق- على كتاب المفردات، وفسر في كتاب الطارق والبارق معنى (ذكر الله) وصرح بأن ذلك "من كتاب المفردات"، كما فسر فيه ألفاظاً أخرى توافق مقاصد الكتاب، فالأغلب أنها منه ولو لم يصرح فيها بذلك. وهناك عدد ملحوظ من المفردات فسرها في أجزاء تفسيره، وناقش أئمة اللغة في تأصيلها أو تفصيل وجوهها، أو بيان تطور معانيها، ومنها: الأبّ، والأبتر، والتين، وسفرة، وصرة، والمنّ، والسلوى، والنصارى، وهادوا، والتكذيب، وغيرها. وبعضها بلا شك كان من الألفاظ التي توخى معالجتها في كتاب المفردات، نحو كلمة (الأبّ) التي أشار إليها في مقدمة الكتاب. فإذا أضيف مثل هذه الألفاظ إلى الفهرس بلغ مجموعها مائة كلمة أو تزيد. هذا وقد فسر المؤلف ثماني كلمات من الفهرس الوارد في أول المسودة في مؤلفاته الأخرى وهي: الإنجيل، والتقوى، والصحف، والصلاة، والصوم، والغيب، والمحكم والمتشابه، والتأويل. أما بقية ألفاظ الفهرس المذكور فلم أجد للمؤلف كلاماً مفصلاً عليها، وإن أشار إلى بعضها في مؤلفاته. ثالثاً: تفسير الألفاظ: أما الشواهد على أن المؤلف لم يستوعب الكلام في تفسير كثير من المفردات ولا أعاد النظر فيما سوده من فصول، فهي كثيرة مستفيضة. ومنها: 1 - في تفسير كلمة (الآل) -وهي أول كلمة في الكتاب- ورد في المسودة نصان مستقلان يظهر أن المؤلف كتبهما في زمنين مختلفين، ثم وضعهما في المسودة ليؤلف منهما نصّاً واحداً عند التبييض.

(4) منهج الكتاب

2 - في كلمة (الآلاء) أراد أن ينقل كلام ابن دريد في قول الأعشى: أبيض لا يرهب الهزال ولا ... يقطع رحماً ولا يخون إلا من لسان العرب، ولم يكن اللسان بين يديه في وقت التسويد فكتب: "قال ابن دريد (انظر لسان العرب تحت كلمة إلّ) ". 3 - في كلمة (الحبك) لم نجد في المسودة غير العبارة الآتية: "قال أبو صخر ... "، وقد فسرها في تفسير سورة الذاريات. 4 - في كلمة (الدرس): "وقد شبه عنترة الحاجب بالنون في قوله ... " وترك البياض. 5 - في الكلام على كلمة (الرحمن) ذكر أن أكثر الناس يزعمون أن العرب في الجاهلية لم تعرف هذه الكلمة، وأن متمسكهم قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60]، ثم قال: "والتأويل عندي غير ما فهموه، كما سنذكره بعد إثبات أن العرب عرفت هذا الاسم للرب تعالى"، ولكن لم يذكر تأويل الآية. ومما استدل به على قوله: أن العرب "كانوا يسمّون بعبد الرحمن في الجاهلية مثل ... "، وترك البياض. 6 - في كلمة (الزكاة): لم يتكلم على أصلها ومعناها، وإنما ذكر جهتين من جهاتها. 7 - وكذلك في كلمة الصلاة ذكر جهات الصلاة فقط. 8 - في الكلام على كلمة (لعل) قال: "تأتي للعلة كثيراً"، ولم يؤد على ذلك، وأجّل ذكر الأمثلة من القرآن وكلام العرب لوقت التبييض. (4) منهج الكتاب: (1) مما يمتاز به كتاب المفردات عن غيره من كتب غريب القرآن أن مؤلفه قد مهد لتفسير الألفاظ بعدة مقدمات تناول فيها بعض القضايا المتعلقة

بلغة القرآن، والأصول التي تهدي إلى الفهم الصحيح للمفردات وتسد مداخل الوهم والغلط فيها. وهي -كما علمنا في الفقرة السابقة- ثلاث مقدمات: 1 - في مقصد الكتاب وحاجتنا إليه. 2 - في الأصول اللسانية. 3 - في كون القرآن خالياً عن الغريب. ولو قدر للمؤلف صنعة الكتاب على الوجه الذي يرتضيه، وفصل النصوص الناقصة التي وردت في المسودة، وتناول بعض المسائل التي صرح بأنها أهم ما يتكلم عليه في المقدمة نحو التحذير من أخذ المعاني الحديثة، وذكر الأسباب المفضية إلى تغير معاني الألفاظ، لازداد عدد المقدمات وحجمها وغناؤها. وقد نقلت خلاصة المقدمة الأولى من قبل في بيان أسباب التأليف، ونلمع هنا إلى مضمون المقدمتين الثانية والثالثة. أما المقدمة الثانية فقسم فيها المؤلف الكلمة إلى أربعة أقسام للتنبيه على مواضع الوهم منها وهي: 1 - الكلمة المشكلة على غير العرب أو غير العارف بلغتهم. 2 - الكلمة المشتركة بين معنيين أو أكثر. 3 - الكلمة الجامعة المعاني. 4 - الكلمة المرادفة. وقد اهتم المؤلف بالقسمين الأخيرين، لأن أكثر ما يقع الوهم فيهما، أما المرادفة فهي نوعان: الأول ما يطابق مرادفه مطابقة تامة، والثاني ما يوافقه من بعض الوجوه. ويرى المؤلف أن النوع الأول قليل جداً، وأما الثاني فهو كثير جداً، وفيه معظم الوهم. ثم ذكر أن من أنفع شيء في فهم الكلمات المرادفة معرفة تفسير الصحابة والتابعين، فإنهم كثيراً ما فسروا الكلمة بمرادفها حسب ما أريد في موضعها، ولكن الخطأ الذي وقع فيه المتأخرون أنهم توهموهما مترادفين من جميع الوجوه فأخطأوا صحيح معنى الكلمة.

أما الكلمة الجامعة المعاني فهي الكلمة المشتركة التي لم يذهل عن الجامع بين معانيها. والفرق بينهما أن المشترك إنما يراد به أحد الوجوه نصاً ولجهة نظام الكلام، والباقي إشارة. ونبه المؤلف على أن الكلمة الجامعة أيضاً كثيراً ما يكون عرضة للوهم، إذ يفسرها السلف بمرادف لها ببعض الوجوه فيظن أنهما متطابقان تماماً. ولكون القرآن حافلاً بالألفاظ الجامعة ولأن تنزيلها على وجوهها يحتاج إلى تدقيق النظر في موقعها وسياق الكلام، عني المؤلف بها في تفسيره عناية خاصة، وأحسن نموذج لمنهجه في تفسير الألفاظ الجامعة كلمة (الاتقاء). أما المقدمة الثالثة فعقدها المؤلف لإثبات أن القرآن الكريم "قد أخلص عن الوحشي الغريب كما أخلص عن التعقيد في التركيب)، وقد ذكر فيها أربعة أسباب لاعتقاد الناس بوجود الغريب في القرآن وهي: 1 - تأليف العلماء في غريب القرآن. 2 - كثرة الأقوال في تأويل بعض الألفاظ. 3 - القول بأن بعض الألفاظ مجلوب من لغات أجنبية كالحبشية والحميرية. 4 - ما روي من أن بعض جلة الصحابة خفي عليهم معنى بعض الكلمات كالأبّ والتخوف والفاطر. ثم تكلم المؤلف على كل سبب من الأسباب المذكورة. ومن ذلك قوله في السبب الثالث بأن كون اللفظ معرباً لا يجعله غريباً ولا مجهولاً، فكل ما عربه العرب واستعملوه في كلامهم فهو من لغتهم. أما الروايات التي نقلت في جهل بعض علماء الصحابة نحو أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ببعض الألفاظ، فإن المؤلف ينكرها أشد الإنكار، ويرى أنها بصرف النظر عن ضعف سندها تعارض صريح العقل وتصريح القرآن الكريم، وقد ذكر دلائله في هذه المقدمة وفي تفسير سورة عبس عند الكلام على كلمة (الأب). (2) أما منهج المؤلف في تفسير المفردات القرآنية فقد يكون من التجوز

أن نتحدث عنه، إذ لم تظفر مادة الكتاب من جهد المؤلف في دراستها والنظر فيها والاحتجاج عليها بما كان يتوخاه. وكثير من نصوصه لا تعدو أن تكون بمنزلة مذكرات وإشارات، كما تبين من الفقرة السابقة. ولكن مع ذلك لا نرى بأساً في الإشارة إلى الملامح البارزة لمنهجه في تفسير الألفاظ والمصادر التي يعتمد عليها، وطريقته في الاستشهاد، في ضوء ما فسره من ألفاظ وما بينه من أصول في هذا الكتاب وغيره. 1 - لم يقصد المؤلف بتأليف هذا الكتاب -كما سبق- أن يكون معجماً شاملاً لألفاظ القرآن، وإنما أفرده لتفسير الألفاظ التي وقع فيها نوع من الإشكال فرآها بحاجة إلى فضل بيان. واقتضى ذلك أن يرجع في تحقيقها إلى منابع اللغة الأولى، فيتتبع استعمالها في القرآن الكريم وكلام العرب القديم، وينظر في أصلها ومشتقاتها، واستعمالها في اللغة العبرانية وغيرها من أخوات العربية. وقد أشار إلى منهجه هذا في تذكرة وردت في أول الكتاب، فقال: "إذا اشتبه المعنى فطريق التوضيح تتبع استعمال لفظه، كما فعلنا بلفظ (عصر) و (آلاء)، والنظر في أصله واستعماله في أخوات العربية كالعبرانية والسريانية". أما المعاني الشرعية كالصلاة والزكاة والحج، فقد نص المؤلف في تذكرة كتبها في الورقة الأولى من المسودة على أنها تؤخذ من استعمال القرآن، فالقرآن أصل هذه المعاني، وليست هي أصلاً للقرآن، وصرح كذلك في مقدمة تفسيره عندما ذكر مصادره اللسانية بأن المصطلحات الشرعية قد حفظها الله تعالى بالسنة العملية المتواترة، فالمرجع فيها إلى القرآن والسنة. ثم قال: "فأما في سائر الألفاظ فالمأخذ فيه كلام العرب القديم والقرآن نفسه" (¬1). فالمصدر الأول في تفسير المفردات هو القرآن الكريم سواء في تحقيق أصل المعنى أم وجوهه وأحواله المختلفة أم تبين الفروق الدقيقة بين الألفاظ التي يظن أنها مترادفة، وذلك بتدبر سياقاتها ومواقعها. ¬

_ (¬1) فاتحة نظام القرآن ص 12.

وهناك بحث في ألفاظ القرآن يعتمد على القرآن الكريم وحده، لأنه خاص بالأسلوب القرآني. وهو بيان جهات الكلمة. والمقصود به عند المؤلف تفسير العلاقات بين معاني الألفاظ التي يكثر اقترانها في القرآن الكريم مما يلفت النظر ويدعو المتدبر إلى البحث عنها. نحو كلمة (الصلاة) التي تقترن كثيراً بالزكاة والإنفاق، وأحياناً بالصبر، وتارة بالإيمان، وأخرى بالنحر وهكذا. ويدل ذلك على أن الصلاة ذات جهات، فهي ترتبط بالزكاة من جهة، وبالصبر من جهة، وبالإيمان من جهة أخرى. وكذلك (الصبر) قرن في كتاب الله بالصلاة، والشكر، والمرحمة، والحق، والصدق، فالصبر له صلة بكل من هذه الأمور باعتبارات مختلفة. فكان الفراهي يريد أن يستقصي جهات الألفاظ هذه في كتاب المفردات بالنظر في سياقها في القرآن الكريم، حتى لا يتعرض لها في تفسيره إلا بقدر الحاجة، كما فعل في تفسير سور الكوثر، فإنه لما تكلم على المناسبة بين الصلاة والنحر قال: "اعلم أن للصلاة والنحر وجوهاً كثيرة دلنا القرآن عليها، ولا حاجة إلى استقصاء الوجوه هاهنا، وتجدها في كتاب المفردات، وإنما نذكر الآن هاهنا ما يدل على المناسبة بينهما" (¬1). لا توجد كلمة النحر في كتاب المفردات، أما الصلاة، فقد ذكر فيه اثني عشر وجهاً من وجوهها بعنوان "جهات الصلاة"، منها أن الصلاة إقرار بالتوحيد، وأنها ذكر لعهدنا بالعبودية الخالصة لله، وأنها شكر لربنا، وأنها رجوع إلى الرب، وأنها تقرب وحضور. وقد شرح كل هذه الجهات مستدلاً بالآيات الكريمة. ومن الألفاظ التي ذكر المؤلف وجوهها في المفردات كلمة (الإسلام)، فقال: "معناه ظاهر وبين، وهو الطاعة والخضوع، ولكن القرآن رفع هذه الكلمة، فخصها بطاعة الله مثل كلمة (الدين)، فإنه الطاعة في أصل اللغة، وقد ¬

_ (¬1) تفسير سورة الكوثر، الآية: 16.

استعمله العرب لطاعة الله. ثم لهذا المعنى البين وجوه ونتائج وتاريخ. والقرآن دل على كل ذلك، فنذكر ما يتعلق بهذه الكلمة من وجوهها ... ". وكذلك ذكر بعض جهات الزكاة وجهات الصدقة. ومن ذلك أيضاً البحث في العلاقة بين الصبر والشكر. وموضوع الجهات هذا ليس موضوعاً لغوياً بحتاً. ولكنه في غاية الأهمية في تفسير "المصطلحات القرآنية" والكشف عن جوانب من حكمة القرآن وأسرار الدين. 2 - أما كلام العرب القديم فقد نوه المؤلف بأهميته ودراسته وممارسته وتذوقه لتبين دلالة الكلمة ووجوهها وأحوالها التي كانت عليها إبان نزول القرآن الكريم. وقال في ذلك: "فمن لم يمارس كلام العرب، واقتصر على كتب اللغة ربما لم يهتد لفهم بعض المعاني من كتاب الله" (¬1). ولم يذهب عليه أن جزءاً من الشعر الجاهلي منحول، ولكنه يرى أن هذا المنحول لا يخفى على النقاد، ثم أكد أنه لا يصح الاعتماد في تفسير الألفاظ القرآنية إلا على ما ثبت منه. وقال في ذلك: "من كلام العرب القديم الذي وصل إلينا ما هو منحول، وما هو شاذ، ولكن لا يصعب التمييز بين المنحول والصحيح على الماهر الناقد، فينبغي لنا أن لا نأخذ معنى القرآن إلا مما ثبت" (¬2). وقد دارس المؤلف كلام العرب مدارسة دقيقة، وقيد على طرر الدواوين التي نظر فيها إشاراته وتعليقاته. وبتدبره الطويل المتصل في القرآن الكريم، واستقرائه وممارسته لكلام العرب، وبما وهبه الله من ذكاء وقاد، وبصر نفاذ، وذوق أدبي عالٍ، قد توصل في تحقيق بعض المفردات القرآنية إلى نتائج مهمة تختلف عما جاء في كتب اللغة والتفسير. ¬

_ (¬1) فاتحة نظام القرآن: 12. (¬2) المرجع السابق.

وتقل الشواهد الشعرية أو تكثر حسب ما يقتضي تحقيق معنى الكلمة، ولكن لا ننسى أن الكتاب لم تخرج من المسودة، فلو قدر للمؤلف إكماله لنقل كثيراً من الشواهد التي أشار إليها في طرر الدواوين إلى مواضعها من هذا الكتاب. وتمتاز الشواهد الشعرية التي ساقها المؤلف في هذا الكتاب أو غيره نحو كتاب الأساليب وأجزاء التفسير أنها منسوبة جميعاً إلا ما ندر. ويعتمد المؤلف في نقلها على دواوين الشعراء والمجموعات الشعرية كالمفضليات وجمهرة أشعار العرب وحماسة أبي تمام وشعراء النصرانية، وقد ينقلها من لسان العرب. ومعظم الشواهد للشعراء الجاهليين، وقليل منها لغيرهم من الإسلاميين والأمويين. ثم إن عدداً كبيراً من شواهد المؤلف شواهد جديدة لم ترد في مظانها من كتب التفسير والغريب والمعاجم، مع أنها وردت في الدواوين المشهورة التي رواها علماء اللغة، وكانت خليقة بالتقييد لكونها تهدي إلى معنى جديد لبعض الكلمات أو وجه جديد من وجوهه أو تفسير أدق من تفسيره المعروف. وقد أشاد العلامة السيد رشيد رضا رحمه الله بمنهج الفراهي هذا في تفسير ألفاظ القرآن وأساليبه، إذ وقف على بعض أجزاء تفسيره، فقال يصف منهجه: "وإنه ليكثر الرجوع باللغة إلى مواردها، والصدور عنها ريان من شواهدها". وللتدليل على ذلك نقل تفسير الفراهي لكلمة (الصغو) في قوله تعالى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} من كتابه (تفسير سورة التحريم). 3 - كما لا يعتمد المؤلف على المنحول من كلام العرب، لا يلتفت كذلك في تفسير ألفاظ القرآن إلى المعنى الشاذ. وهو عنده من الأصول الأولية للتأويل فقال في مقدمة التفسير: "يجب أن نترك المعنى الشاذ الذي لم يثبت في اللغة كما قيل في معنى (التمني) إنه هو التلاوة. وما فزعوا إلى هذا المعنى الشاذ الذي لم يثبت إلا فراراً من بعض الإشكال. وهذا أفتح لأبواب الفتنة واختلاف الأمة ... " (¬1). ¬

_ (¬1) فاتحة نظام القرآن: 13.

4 - وقد ذكر المؤلف أصلاً آخر جعله من الأصول المرجحة للتأويل وهو "الأخذ بأثبت الوجوه لغة"، فقال: "المعنى الذي كثر في كلام العرب لا ينبغي تركه إلاّ لصارف قوي، فإذا تساوى الوجوه الآخر وهي النظم والموافقة بباقي القرآن وصريح العقائد فلا بد أن نأخذ المعنى الشائع" (¬1). ومن ثم يرى أن (الشوى) في قوله تعالى: {نزَّاعةً للشَّوَى} بمعنى لحم الساق، لأن هذا المعنى هو الشائع في كلام العرب، ثم هو الأوفق بالسياق وباقي القرآن. وقد استدل الإمام الطبري رحمه الله كثيراً بهذا الأصل في تفسير ألفاظ القرآن، فقال مثلاً في تفسير قوله تعالى {أَمَرنَا مُترَفِيهَا}: "وتوجيه معاني كلام الله جل ثناؤه إلى الأشهر الأعرف من معانيه أولى ما وجد إليه سبيل من غيره" (¬2). فعلق الفراهي على كلامه في نسخته من تفسير الطبري: "هو الأصل الذي يعتمد عليه كثيراً". وقال الطبري في موضع آخر في تفسير قوله تعالى {وفارَ التَّنُّور}: "كلام الله لا يوجه إلا إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب، إلا أن تقوم حجة على شيء منه بخلاف ذلك فيسلم لها ... " (¬3). فنوه الفراهي بذلك قائلاً: "أصل راسخ". وفي موضع آخر علق بقوله: "أصل من أصول التأويل". 5 - أما كتب اللغة، فلم ينكر المؤلف أهميتها، بل صرح في خطبة الكتاب بأن عامة المفردات القرآنية (يعني غير المشكلة) يعول في تفسيرها على كتب اللغة. والمعجم الذي كان المؤلف يعتمد عليه كثيراً لسان العرب لابن منظور لكونه مجمعاً لأمهات المعاجم، ومعرضاً لأقوال أئمة اللغة والشواهد الشعرية والنثرية من كلام العرب، بالإضافة إلى غريب الحديث الذي ضمّ إليه من كتاب ¬

_ (¬1) التكميل: 62. (¬2) تفسير الطبري (ط الميمنية) 15: 41. (¬3) تفسير الطبري (ط الميمنية) 12:24.

(5) القيمة العلمية للكتاب

النهاية لابن الأثير. فنرى المؤلف في تفسيره نظام القرآن إذا فسر بعض الألفاظ لا يتجاوز لسان العرب، وينقل مادته كلها منه، ولكن النتيجة التي يتوصل إليها بعد إنعام النظر في تلك المادة تكون أكثر دقة من غيره فشتان ما بين ناقل وناقد. ومن أمثلة ذلك تفسيره لكلمة (الصغو) فقد نقل كل شواهده من لسان العرب وصرح بذلك، لكونها كافية للدلالة على ما ذهب إليه، ولم يجد في كلام العرب إلا ما يعززه، وهو أن الصغو ضد الزيغ. وفي أول تفسيره للكلمة نبه على أصل عظيم من أصول اللغة فقال: "في جميع الألسنة ولا سيما في لغة العرب ألفاظ خاصة لأفراد خاصة تحت معنى كلي. والذهول عن هذه الخصوصيات مبعد عن فهم اللسان. مثلاً (الميل) معنى كلي، ثم تحته: الزيغ والجور والإرعواء والحيادة والتنحي والانحراف، كلها للميل عن الشيء. والفيء والتوبة والالتفات والصغو كلها للميل إلى الشيء، فمن خبط بينهما ضلّ وأضلّ". 6 - وقد أشار المؤلف في تذكرته التي نقلناها من قبل إلى مصدر مهم يفيد الرجوع إليه في توضيح الكلمة التي يشك في معناها، وهو استعماله في أخوات العربية كالعبرانية والسريانية. وقد استفاد المؤلف بمعرفته للغة العبرانية في تحقيق بعض الألفاظ التي هي من المواد المشتركة بينها وبين العربية، والرد على المستشرقين الذين زعموا أن القرآن الكريم أخذ بعض الألفاظ من اليهود والنصارى. ومن الكلمات التي رجع فيها المؤلف إلى العبرانية: (الأبّ) و (السفرة) و (الدرس). (5) القيمة العلمية للكتاب: على أن الإمام الفراهي رحمه الله لم يتيسر له تأليف كتاب المفردات على الوجه الذي أراده، لا يخفى على من نظر فيه قيمته العلمية ومكانته الجليلة بين كتب غريب القرآن، فإنه ليس من نوع التأليف المكرر الذي قصد به التهذيب والتيسير، وإنما هو كتاب أصيل يحفل بنظرات جديدة وتحقيقات بارعة وفوائد

المثال الأول: كلمة الآلاء

نفيسة تخلو منها الكتب الأخرى، فهو -على صغر حجمه وقلة مادته- يعد من أفضل الكتب المصنفة في بابه. وتبرز قيمة الكتاب وميزته في جوانب كثيرة منها: 1 - مقدماته التي تناول فيها مسائل مهمة تتعلق بلغة القرآن. 2 - منهجه في تفسير الألفاظ. 3 - تفسيرات جديدة لبعض الألفاظ. 4 - الكشف عن أصول جديدة ترجع إليها مشتقات المواد اللغوية. 5 - بيان التطور اللغوي لبعض الألفاظ. 6 - العلاقات المعنوية بين الألفاظ التي قرن بعضها ببعض في كتاب الله. 7 - تأصيل الكلمات التي زعم الطاعنون أن القرآن أخذها من اليهود والنصارى. 8 - الآراء اللغوية المنثورة في الإبدال وغيره. 9 - الشواهد الشعرية الجديدة. 10 - تفسير لبعض الشعر القديم خلافاً للشراح جميعاً. ولكن القيمة الكبرى للكتاب عندي في المنهج الذي سلكه المؤلف في دراسة الألفاظ، فإن هذا المنهج هو الذي هداه في تفسير بعض المفردات القرآنية إلى النتائج التي ينشرح لها الصدر، وينجلي بها الغموض، فيتعين معنى النص، ويضيء السياق. ولكي تتضح القيمة العلمية لكتاب المفردات، ويتبين ما يضيفه إلى الدراسات القرآنية والمعجم العربي من نظرات جديدة في تحقيق بعض الألفاظ، نورد ثلاثة نماذج من الكتاب: المثال الأول: كلمة الآلاء: - قد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم 34 مرة: مرتين في سورة الأعراف (69، 74) ومرة واحدة في سورة النجم (55) والمواضع الباقية في سورة الرحمن. وأجمع أهل اللغة وعامة المفسرين على أن معناها: النعم،

ولكن الإمام الفراهي رحمه الله يقول إن القرآن وكلام العرب كلاهما يأبى هذا المعنى. والظاهر عنده أن معناه: "الفعال العجيبة، ولما كان غالب فعال الله تعالى الرحمة ظنوا أن الآلاء هي النعم، والرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما حملتهم على هذا، ولكن السلف إذا سئلوا أجابوا حسب السؤال والمراد المخصوص في موضع مسؤول عنه". وقال في موضع آخر: " ... ولما كانت الرحمة من أغلب شؤون الرب عز وجل غلب استعمال هذا اللفظ في معنى النعم، ولكن العربي القح هو الأول، وبه نزل القرآن". فكلمة الآلاء عند الفراهي تشمل في أصل معناها عجائب لطف الله تعالى وبطشه وقدرته، والنعمة ليست إلا وجهاً واحداً من وجوه معناها، وقد غلب هذا الوجه على الكلمة فيما بعد لأن غالب أفعال الله تعالى من الرحمة والنعمة. وقد استدل المؤلف على ما ذهب إليه بالقرآن الكريم وكلام العرب، أما القرآن فقد جاء قوله تعالى في سورة النجم {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى * هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} بعد ذكر إهلاك الأقوام، وفي سورة الرحمن جاءت الآية الكريمة {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} في خلال وصف يوم القيامة وعذاب جهنم في الآيات (33 - 45) آخرها قوله تعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}. وقد أشكل هذا الموضع على المفسرين فتعسفوا في تأويله بأن ذكر جهنم والإنذار من العذاب من النعم لكونه زاجراً عن الشرك والمعاصي. وقد فطن بعض أهل التفسر قديماً بأن هذه الكلمة ليست في الأصل بمعنى النعمة، فروى الإمام الطبري عن ابن زيد أنه قال: "الآلاء: القدرة". ولكن الغريب أن الطبري رحمه الله أورد هذا القول ضمن الروايات التي احتج بها على معنى النعم، ثم التزم تفسيرها بالنعم في جميع المواضع إلا واحداً، وهو بعد قوله تعالى في سورة الرحمن: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)}، فقال في تفسيرها: "يقول تعالى ذكره: فبأي قدرة ربكما معشر الجن والإنس على ما أخبركم بأنه فاعل بكم تكذبان؟ " وواضح هنا أن الطبري رحمه الله لاحظ أن

معنى النعم لا يستقيم في هذه الآية، ففسّرها بالقدرة. وقد تساءل العلامة فخر الدين الرازي مرة بعد أخرى في تفسير الآية حينما جاءت بعد ذكر عجائب خلق الله وقدرته ثم أجاب من وجوه منها: "أن الآية مذكورة لبيان القدرة لا لبيان النعمة". وقال في موضع آخر: "وفي الجواب قولان ... الثاني أن نقول: هذه بيان عجائب الله تعالى لا بيان النعم". أما كلام العرب فاستدل المؤلف بثمانية شواهد منها قول طرفة بن العبد يمدح الحارث بن همام بن مرة رئيس بني بكر: كاملٍ يحمل آلاء الفتى ... نبَهٍ سيد سادات خِضَم ومنها قول الأجدع الهمداني يصف فرسه. ورضيتُ آلاءَ الكميت فمن يُبع .. فرساً فليس جوادنا بمباع وقد انتقد المؤلف الجوهري بأنه فسر كلمة الآلاء في بيت الهمداني بمعنى الخصال الجميلة في مادة (بيع)، ولكنه لم يثبت على هذا المعنى الذي هو أصله، وفسر الآلاء في مادة (ألا) بمعنى النعم. قلت: وقد فسر بذلك قبل الجوهري الأخفش الأصغر (ت 315 هـ) في الاختيارين فقال: "آلاؤه: خصاله الصالحة التي فيه". وهكذا فسر شارح ديوان الخنساء قولها: فبكّي أخاكِ لآلائه ... إذا المجد ضيّعه السائسونا فقال: "لآلائه أي لغنائه وبلائه ومجده". ومن شواهد المؤلف قول فضالة بن زيد العدواني وهو من المعمرين: وفي الفقر ذلّ للرقاب وقلما ... رأيتُ فقيراً غيرِ نكسٍ مذممِ يلام وإن كان الصواب بكفه ... ويُحمد آلاءُ البخيلِ المدرهَمِ يقول المؤلف: "أي يحمدون صفات البخيل وفعاله. وهذا البيت أوضح دلالة مما ذكرنا قبله على معنى الآلاء".

المثال الثاني: كلمة العصر

ومنها قول الحماسي: إذا ما امرؤ أثنى بآلاء ميت ... فلا يبعدِ اللهُ الوليدَ بن أدهما فما كان مفراحاً إذا الخير مسّه ... ولا كان مناناً إذا هو أنعما يقول الفراهي: "ففسر ما أراد من الآلاء بذكر أنه لم يكن مفراحاً إذا مسه الخير، ولا مناناً إذا أنعم". وقد أضفت إلى شواهد المؤلف شواهد أخرى من كلام العرب تؤيد ما ذهب إليه في تحقيق معنى الكلمة. هذا التحقيق والتفسير الدقيق لكلمة الآلاء يعد فتحاً علمياً في دراسة لغة القرآن، وتاريخ المعجم العربي أيضاً. وبرهان ذلك أن المعجم الكبير الذي أصدر مجمع اللغة العربية بالقاهرة الجزء الأول منه سنة 1970 "بعد جهود ربع قرن" لم يزد في تفسيرها على معنى النعمة. فلو لم يحو كتاب مفردات القرآن للفراهي إلا تفسير كلمة الآلاء لكفاه شرفاً وتميزاً. المثال الثاني: كلمة العصر: أطبقت كتب اللغة والغريب على أن العصر هو الدهر، لا فرق بينهما. أما العلامة الفراهي فقد هداه تذوقه لمواقع استعمال كلمة العصر في كلام العرب والنظر في مشتقات مادته إلى أن العصر ليس مرادفاً للدهر فذكر في كتاب المفردات أن للعصر معنيين: "الزمان الماضي، وآخر النهار". ثم أورد الشواهد على قوله، وقد توسع في تأصيله وتحقيقه في تفسير سورة العصر في فصل عقده بعنوان "دلالة كلمة العصر"، ومما قال فيه: "اعلم أن كلمة العصر اسم للزمان من جهة ذهابه ومروره، كما أن الدهر اسمه من حيث مجموعه. ولذلك يستعمل العصر كثيراً للأيام الخالية" وساق بعد ذلك خمسة أبيات من الشواهد المذكورة في كتاب المفردات ثم قال: "ومن هنا (الإعصار) للريح السريعة من جهة المرور والذهاب، و (عصر المائع): إمراره،

و (العصر) لآخر النهار من جهة ذهاب النهار (والعصارة)، ومنه (عنصر) الشيء. فكلمة العصر تذكرهم الأيام الخالية وتوجههم من صفات الزمان إلى زواله وسرعة ذهابه. والأولى عبرة لهم بما جلب على الإنسان من حكم الله فيهم حسب أعمالهم، والثانية تحرّضهم على التشمير لكسب ما ينفعه من زمان أجلى صفته سرعة الزوال". ومن الشواهد التي أوردها في كتاب المفردات قول رُبَيع بن ضبع: أصبح مني الشباب قد حسرا ... إن ينأَ عني فقد ثوى عُصُرا وقول أبي حُزابة: وكنا حسبناهم فوارسَ كَهمسٍ ... حيُوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا وقول مسعود بن مَصاد الكلبي: قد كنتُ في عُصُرٍ لا شيء يعدلُه ... فبان مني وهذا بعده عُصُرُ وفسّره الفراهي بقوله: "أي هذا الزمان بعد ذلك أيضاً ماض ومارّ" ومن الشواهد التي علق عليها الفراهي خلال قراءته لدواوين الشعر الجاهلي قول عبد الله بن سلمة الغامدي من قصيدة له: فإن تشِب القرون فذاك عصر ... وعاقبةُ الأصاغر أن يشيبوا علق عليه بقوله: "فذاك عصر، أي فذاك الدهر شأنه أن يمر". ومن أوضح الشواهد التي وقعت عليها قول لبيد بن النِّمس الغساني. نحن كنا الملوك في عُصُر الدهْـ ... ـرِ وكنتم -فيم الأناة- عبيدا والشواهد على ما ذكره المؤلف كثيرة جداً. وقد وقعت بأخرة على نصّ يدلّ على أن بعض العلماء قد فطن قديماً لما ذهب إليه الفراهي، فقال المرزوقي في كتاب الأزمنة والأمكنة (1:255): "وحكى بعضهم أن العصر لما قد سلف، ولم يجىء في شعر الفحولة إلا كذلك ... ".

المثال الثالث: كلمة الدرس

ثم كلام المؤلف على مشتقات مادة (عصر) يبين أن العصر بمعنى الزمن و (عصر المائع) و (العنصر) كل ذلك من أصل واحد، بينما جعله ابن فارس أصولاً ثلاثة: الأول دهر وحين، والثاني ضغط شيء حتى يتحلب، والثالث تعلق شيء وامتساك به، وجعل العنصر من الأصل الثالث. المثال الثالث: كلمة الدرس: جاءت مادة (درس) في القرآن الكريم ست مرات وكلها بمعنى القراءة، أما في اللغة فمن معانيها غير القراءة: البلى، والجرب، والدياس، والأكل الشديد. وقد زعم بعض المستشرقين أن الدرس بمعنى القراءة أخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليهود، فرد عليه الفراهي في كتاب المفردات بأن "النبي كيف يتكلم قوماً بلسانهم ثم يزيد فيه ما ليس منه، والقرآن يصرح بأنه عربي مبين، فلا يكون فيه إلا ما عرفته العرب". ثم بيّن أصل المادة ومشتقاتها في العربية فقال: "أصله الحك والمشق، ومنه للخط، قال أبو دواد: ونؤي أضرَّ به السافياءُ ... كدرسٍ من النون حين امحى أي كخط النون. ومنه كثرة الاشتغال بالقراءة. وهذا يتضح من استعمال الكلمة في كلتا اللغتين: العربي والعبرانية. ومن أصل المعنى: الدرس للجرب والحكة. والمدروس: الفراش الموطأ، والدرس للأكل الشديد. ومنه درس الطعام: داسه ... ودرس الصعب حتى راضه. ودرست الكتاب بكثرة القراءة حتى خف حفظه. فالدرس: كثرة القراءة ... كما قال تعالى: {وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} أي بالغت في قراءتك عليهم. وأما أنها لا توجد في هذا المعنى في أشعار العرب، فلذلك لأن للشعر مجاري محدودة ومعاني خاصة، فقلما يذكرون القراءة فضلاً عن إكثارها". وقد ذهب الراغب إلى أن الأصل في مادة درس قولهم (درس الدار)

(6) النشرة الأولى للكتاب

بمعنى بقي أثرها، ولما كان بقاء الأثر يقتضي انمحاءه في نفسه فسر الدروس بالانمحاء ثم قال: "وكذا درس الكتاب ودرست العلم: تناولت أثره بالحفظ. ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبر عن إدامة القراءة بالدرس ... ودرس البعير: صار فيه أثر جرب". فكأن أصل المعنى لهذا اللفظ عند الراغب: بقاء الأثر، ومنه تفرعت المعاني الأخرى، ولا يخفى ما فيه من التكلف والبعد. ومثله ما ذهب إليه ابن فارس إذ جعل أصل المعنى الخفاء والخفض والعفاء، وقال: "ومن الباب درست القرآن وغيره، وذلك أنّ الدارس يتتبع ما كان قرأ، كالسالك للطريق يتتبعه". وفي الكتاب أمثلة أخرى لتأصيل الكليات التي زعم المستشرقون أنها مأخوذة من أهل الكتاب نحو سفرة، وسبح، والصلاة، والركوع. (6) النشرة الأولى للكتاب: بقيت مسودة هذا الكتاب الجليل بعد وفاة المؤلف رحمه الله -كغيرها من آثاره- عند أخص أصحابه إلى أن أنشأوا سنة 1355 هـ مؤسسة سموها باسم شيخهم "الدائرة الحميدية". وكان من أعظم أهدافها نشر مؤلفات الإمام الفراهي رحمه الله وترجمتها باللغة الأردية. وأسسوا لتحقيق هذا الغرض مطبعة، وأصدروا مجلة شهرية بالأردية سميت "الإصلاح". وذكر الشيخ أمين أحسن الإصلاحي في افتتاحية العدد الأول منها الذي صدر في شهر شوال سنة 1354هـ (يناير سنة 1936م) أنه سيتولى هو الشؤون الإدارية للدائرة، وتحرير المجلة، وترجمة مؤلفات الإمام بالأردية. أما تصحيح الأصول المسودات وإعدادها للنشر فوكل إلى الشيخ أختر أحسن الإصلاحي. وقام بإدارة المطبعة والإشراف على أعمالها الشيخ عبد الأحد الإصلاحي ومساعده الشيخ عزيز الرحمن الإصلاحي. وأعلن في افتتاحية عدد جمادى الأولى سنة 1358 هـ (يوليو 1939م) بأنه سيصدر كتاب الأساليب وأصول التأويل والمفردات في مجموعة واحدة. ومما ورد في الافتتاحية عن كتاب المفردات:

"كان في إعداده صعوبات، ويشتغل به في هذه الأيام الشيخ أختر أحسن، وسينجز عمله في وقت قريب إن شاء الله. وبعد أن ينظر فيه مولانا السيد سليمان الندوي، يدفع إلى الكاتب". وبعد ثلاثة أشهر طلعت في شهر رمضان 1358 هـ (نوفمبر 1933 م) بافتتاحيتها التي جاء فيها بعنوان "هديتنا في شهر ديسمبر": "في ديسمبر العام الماضي أهدينا إلى المشتركين في مجلة الإصلاح كتاب (فاتحة نظام القرآن). ونريد أن نقدم إليهم هذا العام من مخطوطات الأستاذ الإمام أصول التأويل وكتاب الأساليب ومفردات القرآن. ونتوقع أن هذه المجموعة ستأتي في مائة صفحة. فإن زاد حجمها حذفنا منها إحدى الرسائل المذكورة. ولعل كتابة المجموعة مع طبعها تستغرق زمناً أطول مما يستغرقه عدد واحد من المجلة، فيطول انتظار القراء! ". وقد نقلت هذين النصين لما فيهما من دلالات مهمة تفيدنا في معرفة طبيعة النشرة الأولى من كتاب المفردات. ومنها: 1 - أنهم واجهوا صعوبات في إعداد كتاب المفردات للنشر. 2 - الذي أعده للنشر هو الشيخ أختر أحسن الإصلاحي رحمه الله. 3 - قبل دفع المسودة إلى الكاتب كانوا يرغبون في أن يراجعه العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله. وصدر كتاب المفردات، في طبعة حجريه بالخط الفارسي ولم يضم إليه الكتابان الآخران إذ بلغ عدد صفحاته وحده 78 (4+74) صفحة، وأهدي إلى قراء المجلة مكان عدد ديسمبر منها. وبصدوره توقفت المجلة بعدما استمرت أربع سنوات، وكانت من أرقى المجلات العلمية في اللغة الأردية، وذلك لضعف الإمكانات المادية. وجاءت هذه النشرة خلواً من مقدمة الناشر، مع أنها كانت أهم مما حرصوا عليه من إثبات اسم المشرف على طبع الكتاب، وهو الشيخ عبد الأحد الإصلاحي رحمه الله، ولولا مسودة الكتاب التي وصلت إلينا

(7) الأصل المخطوط

ثم ما بينه الشيخ أمين أحسن رحمه الله في افتتاحية مجلة الإصلاح لما عرفنا شيئاً عمن أعد الكتاب للنشر ولا عن منهجه في إعداده. وقد تبين من مراجعة المسودة أن الكتاب المطبوع إذا كان أصله من تأليف الإمام الفراهي فإنه من صنعة الشيخ أختر أحسن الإصلاحي رحمه الله. ويمكن أن نلخص منهجه في خدمة الكتاب في النقاط الآتية: 1 - لما كان أصل المؤلف مسودة، وقد اعتمد في كثير مما علقه على ذاكرته، ولم يتمكن من إعادة النظر، بقي فيه أشياء من السهو والوهم وسبق القلم، فصحح الناشر هذه المواضع. 2 - وجد في بعض المفردات نصوص عدة في المسودة وغيرها من كتب المؤلف، فجمع الناشر بينها وألف منها نصاً واحداً متكاملاً، كما صنع في لفظ (الآل) و (الصلاة) و (الحبك). 3 - أضاف في بعض المواضع أبياتاً من الشواهد التي أشار إليها المؤلف في حواشي الدواوين الشعرية التي طالعها، كما فعل في (الشوى). 4 - أكمل النقص وسد الفراغ في بعض المواضع. انظر كلمة (الدرس). 5 - أضاف إلى الأصل 34 كلمة من الكتب الأخرى للمؤلف بعدما تناولها بشيء من التعديل، لتكون منسجمة مع مادة الأصل، ورتبها مع ألفاظ الكتاب من غير تمييز بين الأصل والملحق. ورحم الله الشيخ أختر أحسن الذي لم يدخر وسعاً في خدمة كتاب شيخه مع قلة المصادر، وضيق ذات اليد؛ وعمل في صمت وإخلاص، ثم زهد في ذكر اسمه بجانب اسم شيخه استصغاراً لنفسه واحتساباً لعمله. (7) الأصل المخطوط: نسخة الكتاب الخطية مسودة المؤلف كما سبق، وهي محفوظة في الدائرة الحميدية. وكانت -حينما اطلعت عليها قبل نحو 25 سنة- عند الشيخ بدر الدين الإصلاحي رحمه الله الذي كان مدير الدائرة، وقد انتقلت بعد وفاته سنة

1416 هـ إلى حفيد المؤلف الدكتور عبيد الله الفراهي مدير الدائرة حالياً. مجموع أوراق الأصل 33 ورقة. ومقاس الورقة (2.5 × 32.5) سم. ورد عنوان الكتاب في وجه الورقة الأولى في أعلاه "كتاب مفردات القرآن"، وبجانبه بخط مائل بين القوسين: "روابط الكتب الخمسة"، ويعني بها الكتب الآتية: مفردات القرآن، وأساليب القرآن، والتكميل في أصول التأويل، ودلائل النظام، وتاريخ القرآن. وتحت هذا العنوان بيّن موضوعات هذه الكتب وعلاقتها فيما بينها. وفي الحاشية اليسرى من هذه الصفحة أربعة نصوص كتبها تذكرة له لكتاب المفردات وغيره، نثبتها هنا حسب ترتيبها: 1 - " (وجوه الكلام) تذكرة: قوله تعالى {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (¬1) في إثبات المعاد. وقوله تعالى {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} (¬2) في إبطال الشرك. وهكذا قوله تعالى {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (¬3) أي من جانبه لأنذركم من ... فتفروا إلى الله. و {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (¬4) أي من عذابه إن أشركتم به. فانظر جهات جملة واحدة. وإنما استدللنا عليها من السياق. وكذلك لكلمة واحدة وجوه، وتستدل عليها بورودها في القرآن في مواضع مختلفة ومن كلام العرب". 2 - "تذكرة لتاريخ القرآن: الربط بين السور من وجوه مختلفة، والترتيب الزماني من بعض الوجوه لا كلها. فالتي نزلت أولاً ربما تكون آخرة لبعض الوجوه. أيضاً نذكر أوصاف القرآن من كونه بيناً وظاهراً ثم باطناً ومحكماً ثم متشابهاً". ¬

_ (¬1) سورة الحديد، الآية: 5. في الأصل "ولله ملك". (¬2) سورة النساء، الآية: 171. (¬3) سورة الذاريات، الآية: 50. (¬4) سورة الذاريات، الآية: 51.

(8) عملي في الكتاب

3 - "من مقاصد هذا الكتاب الفرق بين معاني الألفاظ عند نزول القرآن وبين ما صارت بعد ذلك. مثلاً "الوحي" لم يكن مختصاً بما أنزل الله على الأنبياء". 4 - "إنما أنزل القرآن بلسان العرب. فالمعاني الشرعية مأخوذة من استعمال القرآن. فالقرآن أصل هذه المعاني، وليست هذه المعاني أصلاً للقرآن". أما ظهر الورقة الأولى فورد فيه فهرس يشتمل على أربع وأربعين كلمة، والظاهر أن المؤلف كان ينوي تفسيرها في هذا الكتاب، كما سبق. وبدأ الكتاب من الورقة الثانية، فكتب فيها عنوان الكتاب "مفردات القرآن"، ثم البسملة وخطبة الكتاب والمقدمات التي استغرقت ست ورقات. وتلتها المفردات القرآنية، وأولها كلمة (الآل) وآخرها كلمة (يثرب)، وعددها 44 كلمة. ورتبت الألفاظ على حروف المعجم دون النظر إلى الأصول والزوائد. والمسودة مكتوبة بخط فارسي واضح جميل، وقلما كتب المؤلف بخط النسخ، والجدير بالذكر أنه كان يكتب مسودات كتبه بقلم الرصاص، وذلك -فيما يظهر- ليسهل عليه التصحيح والتغيير فيما يكتب، وفيه توفير للورق أيضاً. (8) عملي في الكتاب: اعتمدت في تحقيق النص على مسودة المؤلف، وغفر الله لشيخنا بدر الدين الإصلاحي الذي كان ضنيناً شديد الضن بمخطوطات الفراهي، ولا غرو، فكلها علق مضنة. وعلى ذلك أذن لي -ولو بعد لأي- بالنظر في المسودة أولاً، ثم أعانني -جزاه الله خيراً- على مقابلة المطبوع بها بحيث أمسك بالأصل وقرأه علي وأنا أنظر في المطبوع. ولعل ذلك كان في شهر ربيع الأول سنة 1400 هـ. وقد توفي الشيخ في اليوم الثاني من شهر صفر سنة 1417 هـ، فتغمده الله برحمته. وبعد توثيق النص، ميزت بين الأصل والزيادات، فالألفاظ التي أضيفت إلى الكتاب في المطبوعة، جمعتها في ملحق في آخر الكتاب، ورتبتها كترتيب الأصل، ثم قابلتها بمصادرها المطبوعة والمخطوطة من كتب المؤلف، غير كلمتين لم أجد أصلهما، فاعتمدت فيهما على الطبعة الأولى، وهما: الحكم والحكمة

والصالح (ص 278) والفكر والذكر والآية (ص 302). أما النصوص التي زيدت لإكمال ما ورد في الأصل في تفسير الألفاظ فأبقيتها في مواضعها بعدما قابلتها بمصادرها من كتب المؤلف، وجعلتها بين معقوفين، وأشرت إلى مصادرها في الحاشية. ولم أجد بعض الزيادات -وهي نادرة- في الأصل ولا في شيء من كتبه فأثبتها في الحاشية. رقمت الألفاظ القرآنية، وقسمت النص إلى فقرات وضبطته، وقد وضع المؤلف أحياناً خطوطاً تحت النص أو أرقاماً فوقها للتنبيه والتوضيح، فحاولت المحافظة عليها ما أمكن. فالألفاظ التي كانت تحتها خطّ طبعت بالخط البارز، أما الأرقام التي وضعها المؤلف فوق بعض الكلمات فاستعملنا لها الأرقام العربية لتمييزها عن أرقام الحواشي وغيرها. ثم علقت على النص، وشرحته سالكاً المنهج الآتي: - تتبعت الكتب الأخرى للمؤلف، فإذا عثرت على نص يتصل بالمفردات ويفيد في شرحها أو تأييدها أو الاستدراك عليها نقلته في الحاشية أو أشرت إليه، وكان ذلك مما أدى إلى كثرة الحواشي وطولها أحياناً. - ترك المؤلف في بعض المواضع فراغاً ليستدركه عند تبييض الكتاب، فعنيت بسدّ ما بقي منه في المطبوعة، ومن أهم تلك المواضع ما وقع في تفسير كلمة (الرحمن). - نبهت في التعليقات على ما وقع في الأصل من سهو أو وهم إلا أن يكون السهو في نقل الآية الكريمة فصححتها في المتن دون الإشارة إليه في الحاشية. أما ما وقع فيه من سبق القلم فقد صحح بعضه في المطبوعة، وما فاتها صححته في هذه النشرة وأشرت إليه في الحاشية. - خرجت الشواهد من الآيات القرآنية والأحاديث والآثار والأشعار والأمثال. وعنيت بصفة خاصة بالشواهد الشعرية لأهميتها البالغة، وأحلت على ديوان الشاعر إن وجد، وإلا فعلى المجموعات الشعرية والمصادر القديمة التي وردت فيها. ومن المعجمات التي رجعت إليها في التخريج المقاييس واللسان

بوجه خاص. وقد خرجت قديماً بعض الشواهد من مصادرها وقد توسعت فيه ثم صدر ديوان الشاعر بتحقيق جيد، فأحلت عليه، وأوجزت في التخريج. - فسرت الأبيات تفسيراً لغوياً موجزاً، واعتمدت في ذلك على شروح الدواوين ولسان العرب. - ترجمت للشعراء بإيجاز شديد، وكنت قد استقصيت من قبل ذكر مصادر ترجمتهم، لأن الكتاب ليس مقصوراً على المختصين في اللغة والأدب، وربما يخفى على الدارسين والمختصين في علوم القرآن -فضلاً عن عامة الباحثين في العلوم الشرعية- زمن الشاعر وشهرته ومكانته بين شعراء العربية، والموقع موقع التوثيق والاستناد والاستشهاد على معاني ألفاظ القرآن، ثم إن الكتاب من المراجع المقررة في بعض المعاهد والجامعات الهندية، فأردت إسعافهم بأسماء جميع المصادر التي ترجمت للشاعر لعلهم يجدون بعضها في المكتبات، ولكن قررت أخيراً أن أختصر وأكتفي بالمصادر الرئيسة حتى لا يزيد حجم الكتاب. أما الأعلام الأخرى فأحلت في ترجمتها إلى مصدر أو مصدرين بالإضافة إلى كتاب الزركلي وكحالة. - ولما كان العمل تمّ في أزمنة وأمكنة متباعدة، لم يتيسّر الاطراد في الإحالة على بعض المصادر أو طبعة من طبعاته، فرجعت مثلاً إلى بعض المعاجم الأجنبية في موضع، ثم لم أجده لأراجعه في مواضع أخرى. وحينما رجعت إلى طبعة جديدة من بعض المصادر، لكون الطبعة التي استفدت منها قديماً لم أحصل عليها فيما بعد، حرصت على النصّ على الطبعة المقصودة في مكانها. ولكن أخشى أن أكون قد سهوت عن ذلك في بعض المواضع. - زدت على شواهد المؤلف شواهد كثيرة: منها ما وقفت عليه في قراءتي للدواوين الشعرية، ومنها ما أشار إليه المؤلف في حواشي الدواوين التي دارسها. وكانت طريقته أنه إذا مر ببيت ورد فيه لفظ من ألفاظ القرآن مما يحتاج إلى الاستشهاد عليه، قيد ذلك اللفظ بجانب البيت في الحاشية، وربما فسره أو علق على البيت، ومن أكبر تلك الدواوين كتاب شعراء النصرانية.

فاخترت من شواهد المؤلف وخرجتها من المصادر الموثوق بها، غير مبيح لنفسي أن أعتمد فيها على كتاب شعراء النصرانية مثلاً. وقد فاتني حينما علقت على الكتاب أن أميز بينها وبين شواهدي فاستدركت ذلك في الفهارس. وزيادة هذه الشواهد أيضاً مما جعل التعليقات تجور على المتن في الظاهر، وليس ذلك من مذهبي في التحقيق، ولكني رأيته من صميم خدمة النص، فإن المؤلف لو قدر له أن ينجز تأليف الكتاب لنقل تلك الشواهد إلى متنه. ثم إن المواضع التي أكثرت فيها من إيراد الشواهد قد استوجبت ذلك، لأن المؤلف قد ذهب فيها مذهباً جديداً في تفسير اللفظ أو نبه على أسلوب من أساليب العربية خفي على كثير من أهل العلم وله أهميته في فهم بعض المواطن من كتاب الله عز وجل. - الألفاظ التي زيدت في المطبوعة وعددها 35 كلمة وضعتها في ملحق في آخر الكتاب كما سبق. وأثبتها كما وردت في مصادرها التي نقلت منها، وأشرت في الحاشية إلى ما عولجت به في المطبوعة من بعض التصرف لتكون كأنها جزء من هذا الكتاب. - ثم زدت أنا أيضاً 42 كلمة استخرجتها من كتب المؤلف المطبوعة والمخطوطة، وجمعتها في ملحق آخر، واتبعت في تحقيقها وشرحها والتعليق عليها المنهج نفسه. - وأخيراً صنعت فهارس متنوعة كاشفة تعين القارئ على الاستفادة من الكتاب. وقد سألت العالم الجليل الشيخ أمانة الله الإصلاحي -من تلامذة العلامة أختر أحسن الإصلاحي رحمه الله- فنظر في مسودة هذا العمل، وأفادني بملحوظاته القيمة. فجزاه الله خير الجزاء، وأنعم عليه بعاجل الشفاء. وقد علّق الشيخ في بعض المواضع، فأثبتُّ تعليقاته منسوبة إليه، ورمزها حرف النون، فإن جاء تعليقه بجانب حاشيتي ختمتها بحرف الجيم للتمييز بينهما. وهكذا حرصت في نشرتي هذه على أن أجمع فيها بين ما وضعه مؤلفه

الإمام الفراهي وما صنعه تلميذه العلامة أختر أحسن الإصلاحي رحمهما الله، من غير أن أفرط فيما يقتضيه منهج التحقيق. فإن نجحت في مسعاي فذلك من فضل الله وحده، وإلا فحسبي أني اجتهدت. وأسأل الله سبحانه أن يتقبل صالح أعمالنا ويغفر لنا خطايانا، وأن يجعل القرآن حجة لنا لا حجة علينا، إنه سميع مجيب.

كتاب مُفرَدات القرآن تأليف المعلّم عبد الحميد الفراهي رحمة الله عليه طبع باعتناء عبد الأحد الإصلاحي بمطبعة إصلاح سر أئمة أعظم كد السنة 1358هـ (غلاف الطبعة الهندية)

الورقة الأولى من مسودة المؤلف

الورقة الثانية من المسودة

الورقة الأخيرة من المسودة

مُفْرَدَاتُ القُرْآنِ (نَظَرَاتٌ جَدِيدَةٌ فِي تَفْسِيرِ أَلْفَاظٍ قُرْآنِيَّةٍ) تَأليف الإمام عبد الحميد الفراهي صَاحِبُ تَفْسِيرِ (نِظَامِ القُرْآنِ وَتَأْوِيلِ الفُرْقَانِ بِالفُرْقَانِ) تَحقيق وشَرح الدكتور محمَّد أجمل أيّوب الإصلاحي

روابط الكتب الخمسة

بسم الله الرحمن الرحيم روابط الكتب الخمسة الكتبُ المتعلقةُ بلسان العرب من حيث دلالته على معانيه ثلاثةٌ: 1 - كتاب المفردات. 2 - وكتاب الأساليب (¬1). 3 - وكتاب أصول التأويل (¬2). ففي كتاب المفردات يُبحَث عن الألفاظ المفردة، ويُكشَف عن معانيها الخاصة، بحيث أن تتّضح لها الحدود (1)، واللوازم (2)، وما يتّصل بها (3)، وما يفترق (¬3) عنها (¬4)، وما يشابهها (5)، وما يضادّها (6) (4)؛ فيحيطُ العلم بدلالة الألفاظ المفردة. وفي كتاب الأساليب يُبحث عن دلالة التراكيب المختلفة الوجوه التي تدلّ عليها الأساليب المتنوعة، فيحيطُ العلم بما يدل عليه الكلام من المعاني حتّى يُحفظَ عمّا لا دلالة له عليه. وفي كتاب أصول التأويل يُبيَّن عما يُؤخذ من المعاني المختلفة، وما لا يؤخذ، وما يمكن بينها الجمع. ثم بعد ذلك يستوي السبيل إلى فهم ربط معاني القرآن من نفس القرآن. ¬

_ (¬1) مطبوع، انظر مقدمة التحقيق (أساليب القرآن). (¬2) مطبوع، انظر المقدمة (التكميل في أصول التأويل). (¬3) في الأصل والمطبوع: يفرق، ولعله سهو. (¬4) الأرقام 1 - 6 من المؤلف.

وهو أحبُّ إليّ من أن يؤخذ من كتابنا "نظام القرآن" (¬1)، فإن العلم من طريق الاستنباط والفكر بصيرة وبيّنة. ولكن مَن لي بالمستنبطِ المتفكرِ المُفْرِغِ جهدَه في أخذ المعارف من عيونها النضّاخة إلا ما شاء الله، وفوق كلّ ذي علم عليم. ولدفع الظنون التي بُنِيَت على الأوهام الناشئة عن قلة النظر والتأمّل في روايات جمع القرآن ومواقع تنزيلها، وضعنا كتابين: 4 - تاريخ القرآن (¬2). 5 - ودلائل النظام (¬3). لتطمئن القلوب، وتستعدّ للنظر في نظم القرآن. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله المستعان. فمن شاء قدم النظر في كتاب التاريخ ودلائل النظام، إن كان لا يرى قلبه مطمئنّاً بأنّ كلام الله تعالى منظّم على غاية حسن النظم. فهذه خمسة كتب في فهم ظاهر القرآن. وتليها سبعة كتب في علوم القرآن (¬4)، وأوّلها كتاب الحكمة (انظر عنوان كتاب الحكمة) (¬5). ¬

_ (¬1) يعني تفسيره (نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان) انظر المقدمة. (¬2) مخطوط، انظر المقدمة. (¬3) مطبوع. والنظم أو النظام في القرآن اصطلاح خاص عند المؤلف، يقصد به الوحدة الموضوعية في السورة والتلاحم بين أجزائها وكذلك ربط السورة بما قبلها وما بعدها. وعلى ذلك بنى تفسيره (نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان). (¬4) وهي كما ذكر المؤلف في أول كتابه (حكمة القرآن): 1 - حكمة القرآن. 2 - حجج القرآن. 3 - القائد إلى عيون العقائد. 4 - الرائع في أصول الشرائع. 5 - إحكام الأصول بأحكام الرسول. 6 - أسباب النزول. 7 - الرسوخ في الناسخ والمنسوخ. (¬5) سقط القوسان وما بينهما من المطبوعة.

مفردات القرآن

مفردات القرآن بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا للإيمان. بما (¬1) أنعم علينا بالقرآنِ. وحفظه عن النسيان. وتحريف البيان. بما يسَّره على اللسان. وبما أحيا لغةَ بني عدنان. على تقادمِ الزمان - ثم الصلاة على سيدنا محمد الذي أيّده الله بأقوى سلطان. وأبقى برهان. بما أرسله بهذا الفرقان (¬2). أما بعد. فهذا كتاب في مفردات القرآن، جعلتُه مما نحوّل إليه في كتاب "نظام القرآن"، لكيلا نحتاج إلى تكرار بحث المفردات إلا في مواضع يسيرة يكون فيها الصحيحُ غيرَ المشهور، فنذكر بقدر ما تطمئن به القلوب السليمة. ولا نورد في هذا الكتاب من الألفاظ إلا ما يقتضي بياناً وإيضاحاً، إمّا لبناء فهم (1) الكلام أو نظمه (2) عليه. فإن الخطأ ربما يقع في نفس معنى الكلمة، فَيُبعِدُ عن التأويل الصحيح؛ أو في بعض وجوهه (¬3)، فيُغلِقُ بابَ معرفةِ النظم. وأما عامة الكلمات فلم نتعرّض لها، وكتب اللغة والأدب كافلة به. ومع ذلك تجد هذا الكتاب إن شاء الله تعالى محتوياً على جُلّ ما يقتضي الشرح من ألفاظ القرآن. وقبل الشروع في شرح الألفاظ نقدِّم بعضَ أمورٍ كلّيةٍ تزيد الناظر بصيرة. ¬

_ (¬1) في المطبوعة: "مما"، وهو خطأ مطبعي. (¬2) بعده في المطبوعة: "الذي هو غاية الهدى وتمام التبيان". ولم أجد هذه الزيادة في الأصل أو غيره. (¬3) في المطبوعة: "وجوهها". والصواب ما في الأصل. والضمير يرجع إلى المعنى.

المقدمة الأولى في مقصد الكتاب وحاجتنا إليه

المقدمة الأولى في مقصد الكتاب وحاجتنا إليه لا يخفى أن المعرفة بالألفاظ المفردة هي الخطوة الأولى في فهم الكلام. وبعضُ الجهل بالجزء يُفضي إلى زيادة جَهلٍ بالمجموع. وإنما يسلَم المرء عن الخطأ إذا سدّ جميع أبوابه. فمن لم يتبيّن معنى الألفاظ المفردة من القرآن ثم غلق (1) * عليه باب التدبر، وأشكل (2) عليه فهم الجملة، وخفي (3) عنه نظم الآيات والسورة. ولو كان الضرر عدم الفهم لكان يسيراً، ولكنه أكثر وأفظع. وذلك بأن المرء قلّما يقف على جهله، بل يتجاوز موقفه، فيتوهم (1) من اللفظ ضد ما أريد، فيذهب إلى خلاف الجهة المقصودة. ثم (2) سوءُ فهم الكلمة ليس بأمر هين، فإنه يتجاوز إلى إساءة فهم الكلام وكلِّ ما يدل عليه من العلوم والحكم. فإنّ أجزاء الكلام يبين بعضُها (¬1) بعضاً للزوم التوافق بينها. مثلاً كلمة "النزع" في [س قصص: 75] (¬2) تبين معنى "الشهيد" هناك. فسوءُ فهمها صَرفَ عن معنى غيرها. وهكذا "الآلاء" (¬3) و "الطوفان" (¬4). ¬

_ (*) هذه الأرقام العربية من المؤلف. انظر ما سلف في المقدمة ص 79. (¬1) في المطبوعة: "بعضه"، وهو خطأ مطبعي. (¬2) وهو قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} وانظر كلمة "الشهيد" في هذا الكتاب ص 197. (¬3) انظر "الآلاء" في هذا الكتاب ص 125. (¬4) انظر "الطوفان" في هذا الكتاب ص 218.

وربما (3) ترى أن الخطأ في معنى كلمة واحدة يصرف عن تأويل السورة بأسرها. فيتوجه المرء إلى سَمت (¬1)، كلّما مَرَّ فيه بَعُدَ عن الفهم مثلَ لفظ القسم وأدواته (¬2). فلو علموا معناه تبيّن لهم تأويلُ أكثر السور التي فيها القسم. فمن لم يتبين له معنى الكلمة وحدودُها لم يتمثل له شكلُه، ولا اتضح مفهومُه. مثلاً كلمة "موارد" في بيت (¬3) ¬

_ (¬1) أي نحوٍ ومذهبٍ. (¬2) انظر في القسم وأدواته ومقاصده كتاب المؤلف "إمعان في أقسام القرآن". وانظر تفسيره لبعض السور التي افتتحت بالقسم نحو سورة الذاريات والمرسلات والقيامة والشمس والتين والعصر، وكلها مطبوعة. (¬3) وهو كما في المطبوعة بعد "طرفة": كأنَّ عُلوبَ النِّسْعِ في دَأَياتِها ... مواردُ مِن خَلقاءَ في ظَهر قَردَدِ والبيت من معلقته في ديوانه بشرح الأعلم: 20 وشرح المعلقات لابن الأنباري: 170 والتبريزي: 113 والزوزني: 45. العلوب: الآثار، والنسع: ما يشدّ به الرحال من السيور. دأياتها: ضلوعها. القردد: الأرض الغليظة المرتفعة. واختلفوا في شرح البيت، ونقل التبريزي ثلاثة أقوال: أولها أن هذه العلوب في صدرها -أي الناقة- مثل آثار الموارد في الصخرة والموارد هي طرق الورّاد. وهو قول ابن الأنباري. وقيل: معنى البيت أن النسوع لا تؤثر في هذه الناقة إلا كما تؤثر الموارد في الصخرة الملساء. وهذا قول النحاس. وقيل: أراد بالموارد مواضعَ مرّ الحبال على حرف البئر المطوية حتى تؤثر فيها أثراً ليس بالمبالَغ، فكذلك آثار النسوع في جنب هذه الناقة، ليس بالمبالغ لصلابة جلدها. ونقله ابن الأنباري عن أحمد بن عبيد. وقال الزوزني: المورد هو الماء الذي يورَد، وشبّه آثار النسع بالنقر التي فيها الماء في بياضها، وجعل جنجيها صلبين كالصخرة الملساء، وجعل خلقها في الشدة والصلابة كالأرض الغليظة. وقال الشيخ فيض الحسن السَّهارَنفوري -وهو من شيوخ المؤلف رحمه الله- في كتابه "رياض الفيض" (وهو شرح المعلقات باللغات الثلاث: العربية والفارسية والأردية): الموارد جمع مورد، وهو النهر الصغير الذي يرده الناس والدوابّ. والخلقاء: الحجر الأملس الأبيض. يقول: "كأنّ آثار النسع الذي يشدّ به الرحل عليها في مواضع مختلفة من فقار ظهرها المرتفع أنهار صغار من الحجر الأملس الأبيض على وجه أرض غليظة مرتفعة. (رياض الفيض، نسخة الفراهي بخط المؤلف ص 67) وقد حرصت على إثبات هذا القول هنا لأني لم أجد في آثار المؤلف رحمه الله تفسيراً لهذا البيت، ثم رأيته يعلّق =

طرَفة (¬1). ومثل كلمتي "سُلكى ومخلوجة" في بيت امرئ القيس (¬2): نَطْعَنُهم (¬3) سُلْكَى ومَخلُوجةً ... كَرَّك لأمينِ علَى نَابِلِ (¬4) ¬

_ = بقلمه على شرح شيخه في عدة مواضع خالفه فيها في تفسير الشعر، إلا أنه تجاوز هذا الموضع. ومن قول طرفة هذا أخذ حسان بن ثابت في قوله (الديوان 1:25): ترى أثرَ الأنساع فيها كأنّها ... مواردُ ماء ملتقاها بفدفد وقال أيضاً (1: 50): متى ما نَسِمْ لا ينكرِ الناس وسمنا ... ونعرفُ به المجهول ممن نكايدُ تلوح به تعشو عليه وسومنا ... كما لاح في سُمر المتانِ المواردُ (¬1) هو طَرَفة بن العبد البكري، من شعراء المعلقات، قتل بالبحرين وهو ابن ستّ وعشرين سنة. ابن سلاّم: 137 - 138، ابن قتيبة: 185 - 196، الآمدي: 216، المرزباني: 5 - 6، الخزانة 2: 419 - 425. (¬2) امرؤ القيس بن حُجْر الكندي، من أهل نجد، أشهر شعراء الجاهلية وأشعرهم. كان أبوه ملكاً على بني أسد، وأمه فاطمة أخت كليب ومهلهل ابني ربيعة التغلبيين. ابن سلاّم: 51 - 55، 81 - 96؛ ابن قتيبة: 105 - 136، الأغاني: 9: 76 - 102، الآمدي: 5، الكامل لابن الأثير: 1: 511 - 520، الخزانة: 1: 329 - 335. (¬3) هذا البيت قد أشكل على العلماء باللسان، وأرى أنهم أخطأوا جميعاً. والمعنى أن أثر الطعن مشتبك، وشبهه بدرع ونسجه، وأكد ذلك بتشبيهه بدرع على درع يلبسهما المستلئم حذراً من النبال، لكيلا تنفذ إلى جسمه. فقوله: "على نابل" معناه: لدفع من يرميه بالنبال (حاشية المؤلف). وقد فسر المؤلف هذا البيت أيضاً في حاشية نسخته من شرح ديوان امرئ القيس للبطليوسي: 169 فقال: "معنى البيت أن الطعنة لكثرتها تغطي الجسم، مثلما تلبس درعين واحداً فوق آخر، احتراساً عن نبل الرامي. فهذه الطعنات تجعل جسم المطعون مشابهاً بحبك "الدرع". (¬4) البيت من قصيدة له قالها في نيله من بني أسد ما أراد من ثأر. انظر ديوانه: 120، والبيت وحده في مشكل القرآن: 70، والمعاني الكبير 911، 1089 ومجالس ثعلب: 172، والجمهرة 2: 4 و 62، والمقاييس (خلج، لأم) واللسان (نبل، سلك، خلج، لأم) ومع ثلاثة أبيات بعده في الأصمعيات: 143. واختلفوا كثيراً في معنى البيت. وروي عن أبي عبيدة أنه سأل أبا عمرو بن العلاء عن =

ولعدم فهمهما أظلمت (¬1) المصرعة الثانية، وانظر كيف اختلفت الأئمة في معنى البيت: وهكذا ترى الخطأ في كلمة واحدة أنشأ مذهباً باطلاً، وأضلَّ به قوماً عظيماً، وجعل المِلّةَ الواحدةَ بَدَداً. وكتب اللغة والغريب لا تعطيك حدودَ الكلماتِ حدّاً تامّاً (¬2). وكتب السير والتفسير لا تبيّن لك بالتمام والصحة أموراً جاءَ ذكرُها في القرآن. وكتب العلوم الأخَر من العقليات والأخلاق لا تعطيك ما تضمَّن عليه (¬3) القرآن ¬

_ = هذا البيت، فقال: "ذهب من كان يعرف هذا، وهو مما درس معناه". انظر المعاني الكبير:912. وفسّره الأصمعي، فقال: أراد: نطعنهم طعنة سلكى: أي مستوية، ومخلوجة: عادلة ذات اليمين وذات الشمال، كما تردّ سهمين على صاحب سهام قد دفعهما إليك لتنظر إليهما، واذا أنت ألقيتهما إليه لم يقعا جميعاً مستويين على جهة واحدة، ولكن أحدهما يعوج ويستوي الآخر، فشبه جهتي الطعن بجهتي هذين السهمين - انظر مشكل القرآن: 70. وقال ابن سيده: روى بعض أهل العلم عن رؤبة قال: سألناه عن قول امرئ القيس: نطعنهم سلكى ... فقال: حدثني أبي عن أبيه قال: حدثتني عمتي -وكانت في بني دارم- فقالت: سألت امرأ القيس -وهو يشرب طِلاَءً مع علقمة بن عبدة- ما معنى "كرك لأمين على نابل"؟ فقال: مررت بنابل، وصاحبُه يناوله الريش لُؤاماً وظُهاراً، فما رأيت أسرع منه ولا أحسن، فشبهت به. وبه فسر البيت ابن الأعرابي. وعَلَّق الفراهي على هذه الرواية التي نقلها في لسان العرب (نبل) عن ابن سيده، في حاشية نسخته: "هذه رواية ضعيفة، وليس المعنى، كما زعم". وكان زيد بن كُثوة العَنبري يقول: الناس يغلطون في لفظ هذا البيت ومعناه، وإنما هو: "كَرَّ كَلاَمَينِ على نابلٍ" أي نطعن طعنتين متواليتين لا نفصل بينهما كما تقول للرامي: ارم ارم، فهذان كلامان لا فصل بينهما، شبه الطعنتين في موالاته بينهما، وكان الزيادي يستحسن هذا المعنى! انظر مشكل القرآن: 71 والمعاني الكبير: 1089. (¬1) في الأصل: أظلم، وما أثبتناه من المطبوعة. والمصرعة: المصراع- (ج). الظاهر أنه لم يشكل عليهم معنى كلمتي (سلكى ومخلوجة)، وإنما أشكل معنى الشطر الثاني لما فيه من الإيجاز ولعدم تفطنهم لمعنى (على) في قوله (على نابل) - (ن). (¬2) وانظر فاتحة نظام القرآن للمؤلف: 12. (¬3) أجرى (تضمّن) مجرى (احتوى واشتمل) فعدّاه بحرف على.

من الحكم والأسرار. فاحتَجنا إلى ثلاثةِ علوم: 1 - اللغة. 2 - والتأريخ. 3 - والحكمة. ومن أراد التأمل الصحيح والتدبر التامّ وجب عليه أن لا يَغفُل عن التنقيد (¬1) فيما يأخذه من هذه العلوم كلِّها. ومن يتمسك بالقرآن، وينوِّر اللهُ عقله به، يطّلع على أغلاطٍ كثيرةٍ في كتب القوم. والضررُ يكون بقدرِ الاعتمادِ عليها والغفلةِ من التنقيد (¬2). ومضرةُ كتبِ الفلسفةِ (¬3) أضلُّ وأوغَلُ. فإنّ معظمَ القرآنِ الحكمةُ، وهي الأصلُ، ولا سبيلَ إلى فهمِها من القرآن دونَ الاطّلاع على معاني كلماتها المفردة، ودونَ العلمِ بصحيح علوم اللسانِ من البيان الحافل (¬4) بدلائل (¬5) ... ¬

_ (¬1) استبدل به في المطبوعة (النقد). وقد شاع في كتب المتأخرين استعمال هذا المصدر وأمثاله كالتطبيق والتعضيد وغيرهما. وانظر في إجازتها مقال الشيخ عبد القادر المغربى في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق. المجلد 25: 611. (¬2) انظر التعليق السابق. (¬3) في المطبوعة: "الفلاسفة"، وهو خطأ مطبعي. (¬4) سقط في المطبوعة "الحافل" وما بعده. (¬5) هنا في الأصل كلمة مطموسة.

المقدمة الثانية في الأصول اللسانية

المقدمة الثانية في الأصول اللسانية فنقسم أولاً مواضع الوهم من الكلمة أو الكلام: فأولها المشكلة (¬1) على غير العرب أو العارف بلغتهم. والمشكلة نوعان: الأول: ما لم يتبيّن لهم معناه فأخطأوا أصل الأمر. والثاني: ما لم يتبيّن لهم الأمورُ المتعلقة به من الأحوال الصحيحة، فصارت الكلمة غيرَ دالّة على ما أريد منها. ثم أمرُ المشتركة بين معنيَين أو أكثر. ولا يُهتدى إلى المعنى المراد في موضع خاص إلا بسياق الكلام (1) وموقعه (2)، واختيار (3) ما كان أحسن تأويلاً، مثلاً "المثاني" لفظ مشترك بين الآيات وغيرها (¬2). فإذا علمتَ من استعمالات العرب اشتراكَ لفظ فتأمّل فيه. ¬

_ (¬1) وضع المؤلف في الأصل فوق (المشكلة، والمشتركة، وجامعة المعاني، والمرادفة) الأرقام 1، 2، 3، 4 على الترتيب. (¬2) وجدت حاشية للمؤلف في نسخته من لسان العرب (ثنى) قال فيها: "المثاني كالقوافي، وكانوا يسمون القوافي مفاصل، وكذلك المثاني هي المفاصل، ولكن خصوا المثاني بآيات القرآن، ثم سمّوا الشعر قافية، فكذلك سمّيت الآيات بالمثاني، إلا أنه لا واحد لها. الشواهد على ما قلنا ذكرتها في كتابنا (مفردات القرآن) ". لم أجد هذه الكلمة في مسودة المفردات، إلاّ أنني رأيت المؤلف يُعلم على الأبيات التي وردت فيها كلمة المثاني للحبال نحو قول شبيب بن البرصاء (المفضليات؛ التقدم 1:72، دار المعارف 171): فلا وصل إلا أَن تُقرّب بيننا ... قلائصُ يجذبن المثانيَ عُوجُ

والمشترك نوعان: لا جامعَ بين معانيه، أو جامعٌ ذُهِلَ عنه. فإن لم يُذهَل عنه فالكلمة جامعة المعاني. فربما يكون المراد بها معناها الوسيعَ الجامعَ، وربما يُراد بها طرف خاصّ من غير نظر إلى المعنى الجامع، فحينئذٍ تكون حالُه حالَ المشتركة. والدليلُ ليس إلا موقع الكلمة وجهة رباطها، مثل كلمة "آية"، فهي كلمة جامعة لكلّ ما يدلّ على شيء، وربما تستعمل للمعجزة (¬1). ثم المرادفة لغيرها. وهي قسمان: المطابق لمرادفه (¬2) من جميع الوجوه. وهذا قليل جدّاً. والثاني ما يوافقه من بعض الوجوه. وهذا كثير جدّاً، وفيه معظم الوهم، فربما يظنّونهما متحدتين، وكثيراً ما يكون بينهما فرق لطيف لا يفطن به (¬3) غيرُ الممارس باللسان، فيلتبس (¬4) عليه بعض معاني الكلام، مثلاً لفظ "الفزع" أوّل كلمة شرحها صاحب الكامل (¬5) رحمه الله، وأخطأ فيه (¬6)، ¬

_ (¬1) انظر كلمة (الآية) في هذا الكتاب ص 134. (¬2) في الأصل: "بمرادفه" سهو. وكذا في المطبوعة. (¬3) في المطبوعة: "له"، وما في الأصل صواب، فإنّ (فطن) يتعدى بالباء واللام وإلى جميعاً، انظر القاموس (فطن). (¬4) في الأصل: "فألبس"، وما أثبتناه من المطبوعة. (¬5) هو محمد بن يزيد المبرّد الثُّمالي الأزْدي البصري، أبو العباس النحوي اللغوي الأديب. مولده بالبصرة ووفاته ببغداد (210 - 285 هـ). معجم الأدباء 6: 2678، ابن خلكان 4: 313، الأعلام 7: 144، معجم المؤلفين 12:114. (¬6) قال في تفسير قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: "إنكم لتكثرُون عند الفزَع وتقِلُّون عند الطمع" (الكامل: 3): "الفزع في كلام العرب على وجهين: أحدهما ما تستعمله العامة تريد به الذعر. والآخر: الاستنجاد والاستصراخ، من ذلك قول سلامة بن جندل: كنّا إذا ما أتانا صارخٌ فزِعٌ ... كان الصراخُ له قرعَ الظنابيبِ يقول: إذا أتانا مستغيث كانت إغاثته الجدّ في نصرته ... ويشتق من هذا المعنى أن يقع (فزع) في معنى أغاث، كما قال الكَلْحَبَة اليربوعي: فقلتُ لكأسٍ ألجميها فإنّما ... حللتُ الكثيبَ من زَرودَ لأفزعا يقول: لأغيث. وكأس اسم جارية، وإنما أمرها بإلجام فرسه ليغيث". وقال الأزهري (ت 370 هـ) في تهذيب اللغة (2: 146): "العرب تجعل الفزع فرقاً، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وتجعله إغاثةً للفزع المروّع، وتجعله استغاثة. فأما الفزع بمعنى الاستغاثة، فإنه جاء في الحديث أنه فزع أهل المدينة ليلاً فركب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرساً لأبي طلحة عرياً، فلما رجع قال: لن تراعوا، إني وجدته بحراً. معنى قوله فزع أهل المدينة: أي استصرخوا وظنوا أن عدواً أحاط بهم". وقد ردّ علي بن حمزة البصري (ت 375 هـ) على المبرد ردّاً شديداً في تنبيهاته (ص 91) فقال: "أكثر هذا الكلام فاسد، وهو كلام متخبط لم يعرف حقيقة الفزع ... وقد تخبط في هذا الحرف قبل أبي العباس وبعده جماعة من الرواة كل واحد منهم أضبط من أبي العباس، ولم يغن عنهم ضبطهم فيه شيئاً". ثم قال: "الفزع في كلام العرب على معنيين، وكذلك الإفزاع أيضاً على معنيين، فأحد معنيي الفزع الخوف ... ومن هذا الفزع الخوف قول سلامة بن جندل الذى أنشده أبو العباس: (كنا إذا ما أتانا صارخ فزع) يريد خائفاً مستغيثاً مستنصراً، وهذه كلها صفات الخائف. وأما المعنى الآخر من الفزع والإفزاع هو الإغاثة. تقول: فزع فلان فلاناً، إذا أغاثه، ومن هذا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المقدم ذكره. وقد أوضح هذا وأبانه الشماخ، وقد وصف إبلاً فقال: إذا دعت غوثها ضرّاتُها فزعت ... أطباقُ نيّ على الأثباج منضودِ يقول: إذا قلّ لبن ضراتها نصرتها الشحوم التي على ظهورها فأمدّتها باللبن ... ومن هذا قول الكلحبة اليربوعي الذي أنشده أبو العباس ولم يتأت لتلخيصه وروايته ... وقد قالوا في الإفزاع: فزعت إلى فلان فأفزعني أي لجأت إليه فنصرني، وقالوا أيضاً: فزعني فزعاً أي نصرني والأول أعلى". وقد غلّط البطليوسي (ت 521 هـ) أيضاً أبا العباس في طرره على الكامل فقال (القرط: 196): "هذا غلط من أبي العباس، لأنه أوهم أنه جاء بوجهين، وهما واحد في الحقيقة لأن الاستنجاد والاستصراخ هما من الذعر، ثم قال: (ويشتق من هذا المعنى) فأوهم أنه معنى ثالث، وهذا كله تخليط، وإنما كان يجب أن يقول: إن الفزع في كلام العرب على وجهين: أحدهما الذعر، والآخر الإغاثة والنصر، ثم ينشد بيت سلامة شاهداً على المعنى الأول، وبيت الكلحبة شاهداً على المعنى الثاني، وإنما غلّط أبا العباس في هذا أنه رأى العرب تقول: فزعت إلى فلان، فتوهمه وجهاً آخر غير الذعر، وكذلك فزعت إلى الله، وهذا كله راجع إلى معنى الذعر". وجعل ابن فارس (ت 395 هـ) في المقاييس (4: 501) مادة فزع أصلين صحيحين "أحدهما الذعر، والآخر الإغاثة" وجعل الحديث المذكور وقول الكلحبة وقول سلامة كل ذلك من الإغاثة! =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقال أبو عبيد الهروي (ت 401 هـ) في تفسير الحديث: "الفزع: الخوف في الأصل، فوضع موضع الإغاثة والنصر، لأن من شأنه الإغاثة والدفع عن الحريم مراقب حذِر" (النهاية 3: 443). وقال الراغب (ت 412 هـ) في المفردات (ص 635): "الفزع: انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف، وهو من جنس الجزع، ولا يقال: فزعت من الله، كما يقال: خفت منه ... ويقال: فزع إليه إذا استغاث به عند الفزع. وفزع له: أغاثه. وقول الشاعر (كنا إذا ما أتانا صارخ فزع) أي صارخ أصابه فزع، ومن فسّره بأن معناه المستغيث فإن ذلك تفسير للمقصود من الكلام، لا للفظ الفزع". وأرى الهروي والراغب قد قاربا الصواب، فالفزع أصل واحد (لا أصلان كما قال ابن فارس) وهو الذعر أو قريب منه، فإذا فزع أحد، لما حزبه أمر أو أخافه عدو ولجأ إلى رجال قبيلته، فزعوا لنجدته، فيذهب سكونهم ووقارهم الذي كانوا عليه، ويهبّون مضطربين حذرين، فيكونون هم أيضاً في حالة من الفزع. فقولهم: "فزع له" ليس بمعنى أغاثه تماماً، بل قام فزعاً لإغاثته، والفزع باقٍ على معناه. وكذلك "فزع إليه" تضمّن معنى لجأ، وقد دلّ عليه حرف الجرّ (إلى)، والفزع على معناه. أما أفزعه فالهمزة فيه للتعدية، وقد جاءت أيضاً لسلب المأخذ، ويتبين ذلك من السياق. ويكون المعنى: أزال فزعه، وهو الذي توهموه بمعنى الإغاثة. وكذلك فزّع عنه أي كشف عنه الفزع، هذا هو الأصل، وقد يأتي "فزع" بمعنى الإغاثة على التجريد أو الاستعارة كما في قول الشماخ. أما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: "إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلّون عند الطمع" فالفزع فيه بمعناه، أي إذا أصاب المسلمين فزع كإحاطة العدوِّ بهم مثلاً، فلا يتخفى الأنصار خوفاً من العدوّ، بل يظهرون من بيوتهم ويكثرون، ويقاتلون، فأما إذا ذهب الفزع وانهزم العدوّ، وقسّمت الغنائم فينكشفون ويقلّون ولا يزدحمون طمعاً فيها. فقابل النبي - صلى الله عليه وسلم - كثرتهم في مواقع الفزع بقلتهم في مواقع الطمع. وفي هذا المعنى قول عنترة من معلقته: يخبركِ من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعفّ عند المغنمِ ويبيّن معنى الفزع هذا قول الراعي: إذا ما فزِعنا أو دُعِينا لنجدةٍ ... لبسنا عليهنّ الحديد المسرّدا أي إذا أصابنا فزع كهجوم العدوّ مثلاً، وقد غلط من فسّر (فزعنا) هنا بمعنى أغَثْنا (اللسان - فزع) فلو أراد (أغثْنا) لم يكن لما عطفه عليه (دُعينا لنجدة) معنًى. ويشبه الفزع في تطوره هذا (صرخ) فقيل: إنه من الأضداد، إغاثة واستغاثة والحق أن=

وكذلك الأزهري (¬1)، وألبس على الناس بلاغة آية [51 من سبأ] (¬2). ومِن أنفع شيء في هذا البابِ معرفةُ تفسيرِ الصحابة والتابعين فإنّهم كثيراً ما فسَّروا كلمةً بمرادفها حسبَما أريدَ في موضع خاص، وظنّ المتأخرون أنّهما متّحدان ومتطابقان من جميعِ الوجوه، فأخطأوا صحيحَ معنى الكلمة. وهذا يقع كثيراً في تفسير كلمةٍ جامعةٍ، فإنّهم يفسِّرونها بلفظٍ مرادفٍ لها ببعض الوجوه، مثلاً "توفاه الله" تفسيرُه: أماته الله (¬3) فتظنهما متطابقتين، وهو وهم، فإن ¬

_ = الصراخ أصل واحد (وأصاب هنا ابن فارس) وكان الرجل منهم إذا فزع صرخ منادياً من يغيثه، فيصرخ السامع أيضاً في إجابته للداعي، فكلاهما صرخ: هذا مغيثاً وذلك مستغيثاً. هذا ونقل الزبيدي قول المبرد في الكامل على هذا النحو: "أصل الفزع: الخوف ثم كنى به عن خروج الناس بسرعة لدفع عدوّ ونحوه إذا جاءهم بغتةً، وصار حقيقة فيه" ثم قال: "ونسبه شيخنا إلى الراغب وليس له" (التاج - فزع) قلت: لم أجد هذا النص في مطبوعة الكامل. (¬1) هو محمد بن أحمد الأزهري الهروي أبو منصور اللغوى الفقيه الشافعي (282 - 370 هـ) معجم الأدباء 5: 2321، ابن خلكان 4:334، الأعلام: 5: 311، معجم المؤلفين: 8: 230. وقد نقلنا تفسيره للفزع في الحاشية السابقة. (¬2) وهو قوله تعالى {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} لم يتكلم المبرد على هذه الآية، ولكن أسلوبه في تفسير الفزع وخاصة قوله (أحدهما ما تستعمله العامة تريد به الذعر) يوهم القارئ أن الفزع في كلام الله لا يكون إلاّ بمعنى الإغاثة أو الاستغاثة، وقد يفسر الفزع في هذه الآية بمعنى استغاثوا. وقد كشف المؤلف عن بلاغة الآية الكريمة في موضع آخر فقال: "والبلاغة القصوى التي يحسر دونها الوصف ويضيق العقل عن إحاطتها في قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا} فأرادوا الفرار {فلا فوت} أي لم يمكنهم أن يفلتوا {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} فمن فهم معنى الآيتين صُوِّرت بين يديه جماعةٌ، أولاً فزعوا، فأرادوا الفرار، فلم يمكنهم الإفلات، بل أخذوا على مكانهم، فلما يئسوا قالوا: آمنا، ولات حين الإيمان، فإن وقت الإيمان كان بالغيب، في حياتهم الأولى، وقد فَاتهم الآن، وبعُد عنهم مكاناً، فيمدُّون إليه أيديهم كالمتناوش لِما بعُد عنه، فأنَّى له ذاك! ". (¬3) انظر الإتقان 8:2 قال ابن عباس رضي الله عنهما: {مُتَوَفِّيكَ} سورة آل عمران، الآية: 55 "مُمِيتُك".

تذكرة

"التوفي" أعمُّ من "الإماتة". ومثالُ الجامع في القرآن قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} (¬1). فالتقوى هاهنا جامعة. وكذلك قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (¬2). فـ "الرجاء" هاهنا بمعنى جامع. والقرآن ملآن مِن الجامع. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -. "أوتيتُ جَوَامِعَ الكَلِم" (¬3). واعلم أن هذه الأقسام الأربعة من أربع تقسيمات، فإنّ لكلّ قسم مقابلاً والتقسيم ثنائي منطقي، وتحت كل تقسيم قسمان، والمجموع ثمانية أقسام: المشكلة والمعروفة، المشتركة والمنفردة، الجامعة والخاصة، المرادفة والمباينة. ثم اعلم أن التقسيم الأول ينشأ من نسبة الكلمة إلى الناس، والثاني من نسبتها إلى عِدَّة معانٍ متباينة. والثالث من نسبتها إلى عدَّةِ معانٍ بينها أمر مشترك. والرابع من نسبتها إلى كلمة أخرى تُشارِكها أو تُبايِنها في المعنى. ... تذكرة (¬4): (1) معنى جامع لوجوه كما قال تعالى: {هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة النساء، الآية: 1. (¬2) سورة الممتحنة، الآية: 6. (¬3) أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري في كتاب التعبير، باب المفاتيح في اليد. ومسلم في كتاب المساجد. وانظر فتح الباري 401:12 والنّووي 5: 9 والنهاية (جمع). (¬4) هذه التذكرة قد سقطت من المطبوعة، فأضيفت فيما بعد إلى كتاب التكميل في أصول التأويل: 37. (¬5) سورة المعارج، الآيات: 19 - 21، وتمام الآية الأولى {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا}.

فالهلوع جامع، وهو ضيق الذرع. وقال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} (¬1). فالصبر جامع، وهو تثبت النفس واستقامتها (¬2). والقرآن ربما يُبيّن الوجوه بعد الجامع، وربما يُبيّنها في مواضع مختلفة كبيانه "الإسلام" و "الإيمان". (2) الفرق بين الجامع والمشترك أن المشترك إنما يراد به أحدُ معانيه، وأما الجامع فربما يُراد به المعنى الجامع، وربما يُراد به أحدُ الوجوه نصّاً لجهة النظم والباقي إشارة أو تساوِياً، أو يراد أحد الوجوه. والجامع كقوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (¬3). وكقوله: {أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ} (¬4). فكلمة "أحد" جامعة لكل ما يدل عليه من اللوازم. ومحض وجود المعنى الجامع الذي انشقّت منه المعاني لا يخرج اللفظ عن المشترك، مثل "الكتاب" للوحي، والشريعة، والعهد؛ (¬5) أو "القطيعة" لجماعة من الغنم وقطع الرحم. اللهم إلا إذا أمكن الجمع بين الوجوه دخل في الجامع، فحينئذٍ يكون الفرق دقيقاً. أيضاً في الجامع يكون دلالة اللفظ بالذات على معنى جامع، وفي المشترك ربما يكون المأخذ جامعاً ولا التفات إليه، مثلاً "العصر" مشترك بين آخر النهار والزمان الماضي (¬6)، والمأخذ جامع، ولكن اللفظ لا يشير بدلالته ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 177. (¬2) انظر (الصبر) في هذا الكتاب ص 288. (¬3) سورة العصر، الآية: 3، وانظر تفسير سورة العصر للمؤلف. (¬4) سورة الإخلاص، الآيتان: 1، 2، وانظر تفسير سورة الإخلاص للمؤلف. (¬5) انظر كلمة (الكتاب) في ص 233. (¬6) انظر (العصر) في هذا الكتاب ص 222، وتفسير سورة العصر للمؤلف.

على أحد معانيه إلى معناه الآخر كما دلّ في "الصبر". فكأنّ معاني المشترك منقطعة بعضها عن بعض، فلا يجمع، وفي الجامع بقيت الوُصلة (¬1). ¬

_ (¬1) وهذه تذكرة أخرى كتبها المؤلف عن "اللفظ الجامع" لهذا الكتاب، نقلها لي الدكتور عبيد الله الفراهي من مسودة كتاب الطارق والبارق، ثم رأيتها مطبوعة في حاشية كتاب التكميل: 38، ونصّها: "للمفردات: الجامع الوجوه ربما يخص ببعض وجوه معناه خصوصية ما، فيراد ذلك الوجه عند الإطلاق دون التقييد. مثلاً يستعمل الإيمان والكفر والمحبة وغيرها عند الإطلاق مخصوصاً لوجه، وعند التقييد حسب القيد. فقوله تعالى: {واللهُ معكم} مراده أنه تعالى نصيركم. وكذلك قوله تعالى {واقْتَرِب} في آخر سورة العلق معناه: قرب الرحمة، للقرينة ولتخصيصه عند الإطلاق. وليس كذلك في قوله تعالى {وَنَحْنُ أَقرَبُ إِليهِ مِنْ حَبْلِ اُلوَرِيد} فإنه ليس للرحمة بل لمحض العلم كما دلّت عليه القرينة".

المقدمة الثالثة في كون القرآن خاليا عن الغريب

المقدمة الثالثة في كون القرآن خالياً عن الغريب قد أفصحَ القرآن بكونِه (¬1) عربيّاً مبيناً، وقد وجدناه كذلك. فإنّ مَن مارس لغةَ العرب، ونظَرَ في أشعارهم وخُطَبهم ومحاوراتهم وَجَدَ القرآنَ أسهلَها كلِماً، وأقومَها نظماً، وأَبينَها مقالةً، وأوضحها دلالةً، وأجمعَها سَلاسةً وجَزالةً، قد أخلَص عن الوحشيّ الغريب، كما أخلَصَ عن التعقيد في التركيب. ثم يَشهد بذلك صريحُ المعقول. فإنّ الغرضَ منه التبليغ والصَّدعُ بالحق والترغيب والترهيب. وهذا يقتضي كلاماً واضحاً. ولكن ربما يظنّون خلاف ذلك: 1 - لما رأوا العلماء صنّفوا (¬2) في غريب الحديث والقرآن. 2 - وذكروا اختلافاً كثيراً في تأويل بعض الألفاظ (¬3). ¬

_ (¬1) في المطبوعة: "عن كونه" وهو الذي نصّت عليه المعاجم. ولكن كثر في كلامهم تعديته بالباء -كما في الأصل- وخاصة إذا كان بمعنى "صرّح". من ذلك قول الكتّاب لأبي العتاهية (ت 211 هـ) لما أمر المهدي بأن تملأ بَرِنيَّتُه مالاً فطلب دنانير: "ما ندفع ذلك ولكن إن شئت أعطيناك دراهم إلى أن يفصح بما أراد" (الكامل: 870) ومنه قول الجاحظ (ت 255 هـ) في مقدمة الجزء السابع من الحيوان (ص 5): "وعلى الإفصاح بالحجة على الحجة"، وقوله في البيان: 38 (ولا مفصح بحاجته) وقول ابن قتيبة (ت 276 هـ) في مقدمة عيون الأخبار (ل: 16): "وإذا مرّ بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة ... ". (¬2) زاد في المطبوعة: "قد"، قبل: "صنفوا"، ولا حاجة إليها. (¬3) نحو اختلافهم في تأويل "النازعات غرقا" و "الشفع" و "الوتر".

3 - وأوَّلوا بعضَها بلغة من الحبش والحمير والأنباط نحو كلمة "مِشكاة" (¬1) و "معَاذير" (¬2). 4 - ونقلوا بعضَ أخبار تدلّ على أنَّ مِن جلَّةِ الصحابة مَن لم يعلم بعضَ الكلمات منه مثل كلمة "أبّ" و "تخوّف" (¬3). فهذه أربعة وجوه لذلك الظن. وندّلك على ما يزيله إن شاء الله تعالى. فأمّا التسميةُ بالغريب فبالنسبة إلى العجم ومَن قلّ عِلمُه بالعربية. وأمّا الاختلافُ في التأويل فلِقلّةِ العلم بمواقعِ النزول وأحوالِ مَن نزل فيهم، وقلّةِ التدبّرِ في نظمِ القرآن، ووجوهٍ أخر كما نذكره فيما يأتي. وأما كونُ بعضِ الألفاظ مِن غيرِ لغةِ قريش فإن صحّت الرواية فنحملها على بيان أصل الكلمة، فإنّه لا شك أن غيرَ واحدٍ من الألفاظ العربيةِ مجلوبة من لسانٍ آخر، مثل كلمة "سجيل" (¬4) و "قسطاس" (¬5) و "قنطار" (¬6). وهذا لا يجعل الكلمة غريبة ولا مجهولة. ¬

_ (¬1) أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: المشكاة: الكوة بالحبشية. انظر الإتقان 2: 116، والمهذب: 144. وانظر اللغات في القرآن:36، والبرهان: 1: 288. (¬2) قيل: المعاذير: الستور بلغة اليمن. انظر الإتقان 2: 89. وانظر تفسير المؤلف لسورة القيامة: 7. وقيل: سِينِين: الحسن بالنبطية. انظر البرهان 1:288. (¬3) انظر الإتقان 2: 4. (¬4) روي عن مجاهد وابن عباس أنها معربة من الفارسية، وأصلها "سنك كل" انظر الإتقان 2: 112، والمهذب: 96، وانظر أدب الكاتب: 384 وإليه ذهب المؤلف في تفسير سورة الفيل: 3، وقيل "سجِّيل" بمعنى "سجِّين" واستحسنه الأزهري في التهذيب 585:10 - 586. (¬5) عن مجاهد وابن جبير أنها الميزان بلغة الروم. انظر المهذب: 125، والإتقان 2: 115، وأدب الكاتب: 384، والجمهرة 27:3، والزركشي 1: 288. أصله constans باللاتينية، ومعناه: مستقيم. عرب بحذف النونين. انظر المعرب: 488. (¬6) انظر الجمهرة 3: 340، والإتقان: 2: 116، والمهذب: 131. قال السدِّي: هو مائة رطل من ذهب وفضة - اللسان (قنطر) وهو لاتيني أصله centenarium وهو مشتق من centum بمعنى المائة، ومنه "قنطيرا" بالسريانية. انظر جيفري: 244، والمعرب: 516.

تذكرة

وأما الرواية بجهل جِلَّة الصحابة رضي الله عنهم بمعنى بعض الألفاظ فلا نثِق بصحتها (¬1)، لكونها خلافَ صريحِ العقل وتصريح القرآن، كما قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} (¬2). {فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} معناه هاهنا: وُضِّحت، فإن هذا كان اعتراضهم. وأما كونها تفصيلاً لإجمالٍ فذلك لا قدح فيه. قال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (¬3). وقوله: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} أي بعيد عن العقل أن يأتي الرسول بكلام لا يفهمه قومه. فأيّ فائدة لهذا الكلام؟ ولذلك قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (¬4). ........................ تذكرة: روَوا أنّ أبا بكر رضي الله عنه لم يَعلم معنى {وأبَّاً} (¬5)، أفأظهر عدم علمه بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ وأن عمر رضي الله عنه بقي في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - غيرَ عالم بمعنى {تَخَوُّفٍ} (¬6). هيهات! كانت السورتان تقرآن كثيراً، وهم في صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يسألوه، ولا سمعوا أحداً يسأله! ¬

_ (¬1) قال السيوطي في الإتقان 2: 4: "فهذه الصحابة -وهم العرب العرباء وأصحاب اللغة الفصحى ومن نزل القرآن علهيم وبلغتِهم- توقّفوا في ألفاظ لم يعرفوا معناها، فلم يقولوا فيها شيئاً". فَعَلَّق الفراهي على كلامه في حاشية نسخته (141): "لا يصح أن كلمةً من القرآن خفِيَ معناها على علماء الصحابة، لا سيّما القرشيون". (¬2) سورة فصلت، الآية: 44. (¬3) سورة هود، الآية: 1. (¬4) سورة إبراهيم، الآية: 4. (¬5) في قوله تعالى في سورة عبس، الآية: 31 {وفاكهةً وأبَّاً} وقد ردّ المؤلف هذه الرواية ردّاً مفصلاً في تفسير سورة عبس، انظر الفصل العاشر. (¬6) في قوله تعالى في سورة النحل، الآية: 47 {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

وقال تعالى: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (¬1). فبيّن أن المقصود أن تعقلوا، فلذلك جعلناه عربياً وكتاباً واضحاً. ولم يُنقل إلينا أنّ الصحابة خاصتهم ولا عامتهم رضي الله عنهم سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - معنى كلمةٍ من القرآن، ولا حرجَ في سؤال معنى الكلمة، بل لا بدّ منه. وقريش حكام في عُكاظ يُذعن لحكمهم شعراءُ العرب وخطباؤهم (¬2). ¬

_ (¬1) سورة الزخرف، الآيات: 1 - 3. (¬2) نقل ابن فارس في الصاحبي: 33 "عن إسماعيل بن أبي عبيد الله قال: أجمع علماؤنا لكلام العرب، والرواة لأشعارهم، والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالّهم أن قريشاً أفصح العرب ألسنة وأصفاهم لغة. وذلك أن الله جل ثناؤه اختارهم من جميع العرب واصطفاهم، واختار منهم نبي الرحمة محمداً - صلى الله عليه وسلم -، فجعل قريشاً قُطّانَ حرمه وجيران بيته الحرام وولاته. فكانت وفود العرب من حجاجها وغيرهم يفدون إلى مكة للحج، ويتحاكمون إلى قريش في أمورهم، وكانت قريش تعلمهم مناسكهم وتحكم بينهم. وكانت قريش مع فصاحتها وحسن لغاتها ورقة ألسنتها إذا أتتهم الوفود من العرب تخيّروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم، فاجتمع ما تخيروا من تلك اللغات إلى نحائزهم وسلائقهم التي طبعوا عليها، فصاروا بذلك أفصح العرب". وفي الخزانة 1: 61 "ومعنى "المعلَّقة" أن العرب كانت في الجاهلية يقول الرجل منهم الشعر في أقصى الأرض، فلا يعبأ به، ولا ينشده أحد حتى يأتي مكة في موسم الحج، فيعرضه على أندية قريش، فإن استحسنوه رُوي وكان فخراً لقائله، وعلّق على ركن من أركان الكعبة حتى ينظر إليه. فإن لم يستحسنوه طرح ولم يعبأ به". وفي الأغاني 21: 225 عن حماد الرواية: "كانت العرب تعرض أشعارها على قريش، فما قبلوه منها كان مقبولاً، وما ردّوه كان مردوداً، فقدِم عليهم علقمة بن عبدة فأنشدهم قصيدته التي يقول فيها: هل ما عَلِمتَ وما استُودِعتَ مكتومُ فقالوا: هذا سمط الدهر، ثم عاد إليهم العام المقبل فأنشدهم: طحَا بكَ قلبٌ في الحِسان طَروبُ=

أفَهُم لا يعرفون بعضَ كلمات القرآن مع كونه على غاية السهولة والعذوبة بالنسبة إلى عامَّة كلام ذلك العصر؟ فمَن كان من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنَه هُدِي إن شاء الله تعالى. وأما المتعسِّفُ فلا يُسكِتُه شيء عن المِراء. والله يَهدي من يشاء!. فالغايةُ من هذا البحث الخلاصُ عن الجهل والشك الناشِئَين مِن سُوء فهمِ المفردات. أما الجهلُ فاثنان: الأول هو الجهل بنفس معنى الكلمة، فنفهم خلافَ المراد. والثاني هو الجهل بكيفِه وكمِّه، فيخفى علينا نظم الكلام ودلالة نسقه. وأما الشكّ فهو أيضاً اثنان: الأول في تعيين وجه من وجوه متباينة، فنقف حَيارَى، أو نقع في الخطأ. والثاني هو التذبذب في تعيين وجه من وجوه بينها عموم وخصوص. والخلاص من ذلك بأمرين: الأول معرفة معنى الكلمة ووجوهه وأحواله. والثاني الاعتصام بنظم الكلام. فوضعتُ هذا الكتاب للأمر الأول، وفيه عَون على الأمر الثاني. فإن من عرف معنى الكلمة، وأحاطَ بوجوهه وما يتعلق له من الأحوال أمكنه أن يطلع على ما هو أكملُ رِباطاً وأحسنُ تأويلاً. ¬

_ = فقالوا: هاتان سمطا الدهر". مقتضى هذه النصوص أن تكون الحكومة بين الشعراء في سوق عكاظ في أيدي قريش، كما ذكر المؤلف، ولكن لم أجد نصّاً صريحاً في ذلك.

في ألفاظ القرآن

في ألفاظ القرآن (1) من الألفاظ ما غيروا معناه لخطأ في الرأي مثل كلمة "الذكر" و "الحكمة" (¬1) قال بعض المحدثين: إن "الذكر" هو الحديث (¬2)، وقال بعض الشيعة: إن "الذكر" هو النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأرادوا بذلك تأويل آية {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (¬3) حسب رأيهم. (2) تبديل معاني الألفاظ العامة صعب جداً، وقد حُفِظ لسانُ العرب. ¬

_ (¬1) انظر كلمة "الحكمة" في ص 172. (¬2) وانظر فاتحة نظام القرآن: 32. وممن صرّح بذلك ابن حزم في الإحكام ومن كلامه: "فإن قال قائل: إنّما عنى تعالى بذلك القرآنَ وحده، فهو الذي ضمن تعالى حفظه، لا سائر الوحي الذي ليس قرآناً. قلنا له: هذه دعوة كاذبة مجردة من البرهان، وتخصيص للذكر بلا دليل ... والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - من قرآن أو من سنّة .. " (1: 135 - 136). وقد فُسّر "الذكر" في آية أخرى بالحديث. وهي قوله تعالى في سورة الأنبياء، الآية: 2 {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} انظر الخازن 3: 254. (¬3) سورة الحجر، الآية: 9. ذكر الفراء بلفظ "يقال: إن الهاء في قوله {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} لمحمد - صلى الله عليه وسلم - (معاني القرآن 2: 85). ونقله الطوسي في التبيان 6: 320. وقد فسروا "الذكر" بالنبي في آية أخرى وهي {قد أنزل الله إليكم ذكراً * رسولاً} [سورة الطلاق، الآية: 10]. كما ذكر المؤلف في كتابه آصول التأويل: 64 فقال: "وكذلك أخطأ الأشعريون والشيعة وبعض أهل الحديث في تأويل كلمة "الذكر" في قوله تعالى {ذكراً * رسولاً} وكذلك في معنى "الحكمة" لما أرادوا تعظيم الحديث". وقال المؤلف في تعليقه على نسخته من الإبانة: 42 "أخطأ فيما زعم أن الذكر من أسماء النبي". وفسَّر بعضهم "الذكر" بالنبي في سورة الأنبياء، الآية: 2. انظر الدامغاني: 180. وانظر الإتقان 2: 153 - 154 ونزهة الأعين النواظر 1: 189.

(3) إنما قال: "الذكر" عوض القرآن ليدل على أن الحفاظة (¬1) تتعلق بالمعنى واللفظ معاً. فإن تغيّر المعنى لم يكن "ذكرا" بل كان "قرآناً" يتلونه كما يتلو اليهود والفرق المبتدعة منا، وليسوا منا. (4) إذا اشتبه المعنى فطريق التوضيح تتبع (1) استعمال لفظه كما فعلنا بلفظ "عصر" (¬2) و "آلاء" (¬3)، والنظر (2) في أصله، واستعماله في أخوات العربية كالعبرانية والسريانية (¬4). ¬

_ (¬1) كذا في الأصل. وأهل الفارسية والأردية يستعملون المصدر "الحِفظ" بمعنى ضدّ النسيان و "الحِفَاظَة" بمعنى الصيانة والتعهد. ومن هنا جرت الكلمة على قلم المؤلف. (¬2) انظر ص 222. (¬3) انظر ص 125. (¬4) كما فعل بلفظ (أبّ) انظر ص 245.

العام والخاص

العام والخاص (1) (¬1) ربما يراد من اللفظ معنى أعمّ مما يستعمل فيه عادة، ويسمونه التجريد، وربما [يراد] (¬2) منه معنى أخصّ مما يستعمل فيه عادة. أما الأول فكما في قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} (¬3). أي هدأ وسكن، وكما في قوله تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} (¬4). أي قارب أن ينقضّ. ولا أراه من المجاز ولا من التشبيه، فلم ينسب الإرادة إليه، ولا شبّه الجدار بذوي الحسّ. وكثيراً ما يقع ذلك عند العطف والبدل مثلاً قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (¬5). أي تمكنوا من الدار (¬6) وقوله تعالى: ¬

_ (¬1) هذا الرقم يشير إلى أن الفصل ناقص. (¬2) من المطبوعة. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 154. (¬4) سورة الكهف، الآية: 77. (¬5) سورة الحشر، الآية: 9. (¬6) في البحر المحيط: "قيل هو من عطف الجمل، أي واعتقدوا الإيمان، قاله أبو علي، فيكون كقوله: علفتها تبناً وماء بارداً =

{قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا *رسولاً} (¬1). أي أرسل (¬2). وفي سورة الأعراف مثال في العطف (¬3). ¬

_ = أو يكون ضمّن تبوأوا معنى لزموا ... وقال ابن عطية: والمعنى تبوأوا الدار مع الإيمان معاً، وبهذا الاقتران يصح معنى قوله (من قبلهم) فتأمله". انظر البحر 10:143 والمحرر 5: 287. ولعل قول ابن عطية أظهر. (¬1) سورة الطلاق، الآيتان: 10 - 11. (¬2) في الأصل والمطبوعة: أرسلنا. وذلك لسهو وقع فيها في نقل الآية الكريمة. وللمعربين عدة أقوال في الآية (البحر المحيط 10: 204) أجودها (عند الزجاج) وأبينها معنًى (عند ابن عطية) أن يكون (رسولاً) منصوباً بفعل محذوف وهو بعث أو أرسل، وقد دلّ عليه (أنزل). انظر معاني الزجاج 188:5 والمحرر 327:5. وانظر دلائل النظام للمؤلف: 66. (¬3) لعل المؤلف رحمه الله يقصد قوله تعالى (50): {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}. يقول أبو حيان: "يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون (أفيضوا) ضمّن معنى ألقوا، فيصح العطف. ويحتمل أن يكون أضمر فعلاً بعد أو، وهو ألقوا. وهما مذهبان للنحاة فيما عطف على شيء بحرف عطف والفعل لا يصل إليه. والصحيح منهما التضمين لا الإضمار على ما قررناه في علم العربية" البحر المحيط 5: 61.

الحروف المقطعات

الحروف المقطعات (1) الحروف المقطعة أسماء للسور، فلا شبهة في معانيها. وأما وجه التسمية فلا حاجة بنا إليه لفهم الكلام، كما لا نحتاج إلى العلم بوجه التسمية بسائر الأسماء كالأرض والسماء والنار والهواء (¬1) والماء (¬2). ولكن العلماء ¬

_ (¬1) في الأصل والمطبوعة بعد الهواء: "الأرض" مكرراً. (¬2) زاد القول بياناً في تفسير سورة البقرة، فقال: "اعلم أنها مع كونها أسماء للسور، هي من القرآن، لرجع الإشارة إليها. فلا بد أن نقرأها بالقرآن. وأيضاً إنها نزلت مع القرآن فلا سبيل إلى تركها، فإن القرآن كله محفوظ، كما هو مبسوط في موضعه، وإنّا مأمورون بقراءته. واعلم أن أسماء حروف الهجاء كانت معلومة للعرب يتكلمون بها. فالمفردات من أسماء السور مثل ص، ق، ن من العربي المبين. أما المركبات مثل حم، ألم، المص. حم عسق، فأيضاً -بعد الدلالة على أنها أسماء للسور التي تبتدأ بها- صارت من العربي المبين. فإن قلت: إنها كلمات لم تعرفها العرب، قلنا: إنهم كانوا يسمّون بالمركبات، فيعطونها معنى خاصّاً لم يفهم من مفرداتها. فكانوا يسمّون رجالهم وأولادهم وأفراسهم وألويتهم وأسيافهم بأسماء خاصة، ولم تكن العرب تعرف هذه الأسماء بهذه المعاني، وإنما تعرف المعاني العامة لتلك الألفاظ. ولكن استعمال الذين جعلوا هذه الأسماء بإزاء المعاني الخاصة كان يدلّ السامع على وضعها الجديد، وذلك لا يسمّى خروجاً عن الإبانة. فهكذا تسمية السور بهذه الأسماء- بعد الدلالة على ما وضعت لها لم تخرجها عن الإبانة. فإن قيل: إن الأسماء التي كانت العرب تضعها بإزاء المعاني الخاصة لم تكن خالية عن مناسبة بين مدلولها العام ومدلولها الخاص، وأما هذه الحروف المقطعة فلا نجد مناسبة بينها وبين السور. قلنا: عدم العلم بمناسبة بين الاسم والمسمى لا بأس به بعد الدلالة على ما خصّ به. فإن أكثر الأسماء الجوامد لا نعلم المناسبة بينها وبين مسمّياتها. ثم لا يلزم من جهل المناسبة نفيها. فإنّا نعلم أن الله تعالى لم يخلق شيئاً إلا=

تكلموا فيه اعتناء بشأنها، ولكنهم اختلفوا، ولم يأتوا بما يقطع به ويطمئن به القلب. وإنّا نورد كلّ ما علمنا (¬1) من أقوالهم ... (¬2). هذه الأسماء ليست كسائر الكلمات، فإنها يتكلم بها بأسماء حروفها، فالمراد بها الحروف من جهة أصواتها التامّة. والأصوات حركات تنشأ من القلب، ولكل صوت مناسبة بعاطفة من عواطف الروح، فإذا وردت عليه واردة نشأت حركة، وأنشأت صوتاً يدلّ على تلك الواردة دلالة الأثر على المؤثّر، مثل كلمة (آه) تنشأ من الحزن وتدلّ عليه ... (¬3). ¬

_ = بحكمة ونفع، ولكن المنافع تظهر يوماً فيوماً بالتأمل وزيادة العلم. فما خفي نفعه نتفكر فيه ولا ننكره لعدم الاطلاع عليه، فكذلك تفكر العلماء في مناسبة هذه الأسماء بمسمياتها. وفي إعمال الفكر ترويضه وإكماله. ومهما غمض الأمر زاد إعمال الفكر وكان أنفع لترويضه، وأردع للنفس عن الغرور بما علمت، وأحثّ لها إلى التعلّم. فإنّ الإحساس بالجهل أول خطوة التعلم. ومن نعمة الله على العلماء أنهم مهما ازدادوا علماً ازدادوا إحساساً بجهلهم وبقلة علمهم في جنب ما لم يعلموا. فغموض مناسبة هذه الأسماء ينطوي على حكمة عظيمة، فإنّ القارئ في أول نظره ينتبه على أن هذا الكتاب بحر عميق، وينبغي له أن يستفرغ جهده في تدبره حسب ما وجد في نفسه من الأهلية والاستعداد، فإنّ كل امرئ مكلف لما في وسعه ... وستجد في الفصل الخامس عشر إشارة إلى المناسبة بين هذه الأسماء ومسمياتها". تفسير سورة البقرة (مخطوط)، الفصل 11. (¬1) من المطبوعة نظراً للسياق. وفي الأصل: علمت. (¬2) بياض في الأصل. (¬3) بياض في الأصل. اقتصر المؤلف هنا على هذه التوطئة، ولم يكمل الفكرة. ويبدو أنه حينما كتب هذه الكلمة لم يكن توصّل إلى نظريته المعروفة عن الحروف المقطعات. فهو يذهب هنا في تفسيرها إلى غير ما استقرّ عليه رأيه فيما بعد، وفصّله في تفسير سورة البقرة، وهو من آرائه المبتكرة التي فتحها الله عزّ وجلّ عليه. وهداه إليها القرآن الكريم نفسه. فقال: "قد تفكر العلماء في وجه التسمية بهذه الحروف، وذهبوا في كل مذهب. ووجدنا لهم فيه حسب ما اطلعنا تسعة وعشرين قولاً (1). ولكني لم أجد فيها تمسكاً بالقرآن = ............................................ (1) ذكر الحافظ ابن حجر أنه اختلف في هذه الحروف على أكثر من ثلاثين قولاً (فتح الباري 8: 554). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فليس لها محلّ في كتابنا هذا. ولولا في القرآن إشارة إلى هذا الأمر لطويناه على غَرِّه، ولكنّي آنستُ ناراً لعلّي آتيكم منها بقبس، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. فاعلم أنّ العرب إذا وضعوا لشيء اسماً جديداً عمدوا إلى ما يناسب المسمَّى أو يدلّ على خاصّة مميّزة، كما ترى في ما لقّبوا به بعض الرجال كالملك الضلّيل، والمرقِّش، وتأبط شرّاً. فإنّ الاسم من الوسم، فما يكون علامةً يصلح للاسميّة. وهكذا سُمّي بعضُ السور مثل الروم، والنمل، والبقرة، والعنكبوت. وإذ قد ثبت أن هذه الحروف المقطعات أسماء للسور فلا بدّ أن تكون الحروفُ ذواتِ المعاني والمركباتُ من مثل الأسماء المركبة كمعدي كرب. وقد علمنا أن أسماء الحروف في لسان العرب لم تكن في الأصل أسماء للأصوات المجردة، كما هي في الهندية والإنكليزية، بل كانت أسماء للأشياء وتماثيل لها. ولذلك بقي كثير منها ملفوظة بأسماء تلك الأشياء، ومكتوبة بهيئات فيها بقايا تماثيل تلك الأشياء، كما أن حروف أهل الصين بقايا تماثيل كانت حروفهم في الأوائل على هيئاتها. وقد علمنا طرفاً من معاني أسماء حروفنا، مثلاً (ألف) فإنها اسم البقرة، وكانت على صورة رأس البقرة، والباء فإنها تسمى بالعبرانية "بيت" أي البيت، والجيم فاسمها بالعبرانية "جيمل" أي الجمل، وهكذا في الأخر. وهذا أمر ثابت معلوم لا يخفى على من له معرفة بتاريخ الكتابة العربية، فإنا نعلم أن حروفنا هذّبت من العبرانية (1) التي أخذت من حروف العرب القديمة التي أخذ عنهم القبط الكتابة بالتماثيل التي توجد الآن على الأهرام المصرية، ولكنهم غيّروها وابتدعوا فيها حسب أفكارهم. ذلك، ثم قد دلّنا القرآن على هذا السرّ بما قد سمّى سورةً بحرف بقيت (2) في لسان العرب دالّةً على معناها. وهي حرف "ن" فإنها الحوت، والسورة المسمّاة بها جاء فيها ذكر يونس عليه السلام، ولم يذكر فيها غيره من الأنبياء، وذكره الله تعالى فيها باسم (صاحب الحوت)، ففي ذلك إشارة للمتوسّم إلى وجه التسمية. فإن كانت هذه السورة قد سمّيت بحرف (ن) لأجل معنى هذه الحرف، فعسى أن تكون السور الباقية المسماة بالحروف أيضاً قد سميت حسب معانيها الأولية. = ..................................... (1) انظر سخندان فارس: 47. والذي ثبت عند المحققين أن الخط العربي مشتقّ من الخط النبطي، والأنباط أخذوا كتابتهم من الآراميين. والخط المستعمل عند اليهود المعروف بالخط المربّع مأخوذ أيضاً من الآراميين. انظر بعلبكي: 122، وبروكلمان: 37. (2) لعل المؤلف رحمه الله أنث كلمة الحرف هنا وفيما يأتي، لأنه إنما قصد إلى اسم الحرف كالألف والنون والطاء، وهذه الأسماء مؤنثة في العربية.

........................... ¬

_ = وهذا يحثنا على النظر في المعاني التي كانت حروفنا دالّة عليها في خط التمثال. فلما نظرنا فيها وجدنا ما يؤيد هذا الرأي. فإن حرف "ط" صورتها في العبرانية ومعناها: الحية، وكانت على صورة حية رفعت أعلاها وجعلت أسفلها كالحلقة. ونجد السورة المسماة بـ (طه) تبتدأ بعد التمهيد بقصة موسى عليه السلام وقلب عصاه حيّة. ثم سبرنا هذا القياس طرداً وعكساً، فوجدنا أن السور الآخر التي سماها الله تعالى بأسماء تبتدأ بالطاء أعني "طسم" و"طس" تبتدأ بقصة موسى عليه السلام مع ذكر عصاه وانقلابها حية. وكذلك وجدنا أن غير هذه السور الأربع إمّا لا تذكر قصة موسى، وإما تذكرها -وهي كثيرة- فلا تذكر الحية إلا سورة الأعراف، ولكنها جاءت بقصة موسى عليه السلام تابعة لقصص السابقين من الأنبياء من نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام، فلم تكن حرف الطاء أولى بها (1). فهذه السور كلها قد خصت بموسى عليه السلام. ولستُ أول من جعل هذه السور مخصوصة بموسى عليه السلام، فإن بعض العلماء اطلعوا على طرف منه. فقال السخاوي (2): إن سورة طه تسمى "سورة الكليم"، وسماها الهذلي (3) من الكامل "سورة موسى" (4). هذا. وأما (الم) فالألف صورة رأس البقرة، وكانت هذه الحرف عندهم دالّة على الإله الواحد (3). ولم نجد السور التي تبتدأ أسماؤها بالألف إلا ومن أعظم مطالبها الإيمان بالله الواحد. ولكن التوحيد أغلب تعليم القرآن. فهذا ليس مما يستدلّ به، وقصاراه أنه لا يخالف ما اطلعنا عليه. = .............................. (1) ولكن لا يلزم مراعاة ذلك في كل سورة فلا يضرّ عدم افتتاح سورة الأعراف بالطاء مع ذكر الحية فيها فقد ذكرت قصة يونس عليه السلام في عدة سور ولكن لم تبدأ بالنون إلا سورة واحدة. وكذلك ذكر هود عليه السلام في سور كثيرة ولكن لم تسمّ به إلا سورة واحدة. إذن يصح الاستدلال ما لم توجد سورة مبدوءة بالطاء خالية من ذكر انقلاب العصا حيّةً. (2) هو علي بن محمد علم الدين أبو الحسن السخاوي المقرئ المفسر النحوي الشافعي. شيخ مشايخ الإقراء بدمشق. توفي سنة 643 هـ. انظر ترجمة في غاية النهاية 1:568، والأعلام: 332:4، ومعجم المؤلفين: 7/ 209. (3) يوسف بن علي أبو القاسم الهذلي اليشكري صاحب كتاب الكامل في القراءات الخمسين. وصفه ابن الجزري بالأستاذ الكبير الرحال. توفي سنة 465 هـ. غاية النهاية 2: 397 والأعلام 242:8، ومعجم المؤلفين 12: 318. (4) الإتقان 1: 161. (5) ولعل ذلك لدلالة الألف على رقم الواحد.

(1) الآل

(1) الآل (¬1) هو صورة للأهل (¬2). ويطلق على العشيرة والقوم (¬3) والأنصار (¬4). قال النابغة الذبياني (¬5): ¬

_ = وإني لا أدّعي المعرفة بجميع معاني الحروف ولكن العلم القليل الذي حصل لنا يؤيد ما استدللنا عليه من القرآن. وهذا القدر يكفي لمن أراد مزيد العلم، ووجد لنفسه فرصة ونشاطاً للخوض في هذه الغمرة، وفوق كل ذي علم عليم. وأما الحكمة في هذه التسمية فنذكرها في الموقف الثاني". ثم ذكر في الفصل التالي ثلاث حكم في هذه التسمية. انظر تفسير سورة البقرة، الفصل 16. (¬1) وجدنا في الأصل نصين مستقلّين، فأثبتناهما منفصلين خلافاً للمطبوعة التي ألّفت منهما نصًّا واحداً. ثم كلمة الآل وردت في المطبوعة بعد الآلاء، فرددناها إلى مكانها الصحيح حسب الأصل. (¬2) انظر معاني الأخفش: 92 ومجاز القرآن 1: 40، 225، 302 والطبري 2: 37 وسرّ صناعة الإعراب: 100 - 106. (¬3) (والقوم) ساقط من المطبوعة. (¬4) وانظر تفسير سورة البقرة، الآية: 115 حيث فسّر (آل فرعون) بمعنى "قوم فرعون وأتباعه" واستشهد بالبيتين من شعر النابغة، ثم قال: "وهذا كثير في كلام العرب. وأما الآل بمعنى الأولاد خاصة فمعنى مولّد، غير أن الأولاد والعيال داخلة في الآل، وربما يراد به الأولاد حسب القرينة". (¬5) هو زياد بن معاوية، كنيته أبو أمامة. من شعراء الطبقة الأولى. اشتهر باعتذارياته. مات في الجاهلية في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يبعث. ابن سلام: 51، 56 - 58، ابن قتيبة: 157 - 173، الأغاني 11: 3 - 36، الآمدي: 293، الخزانة 2: 135 - 137.

وقفتُ فيها سَراةَ اليومِ أسألُها ... عن آلِ نُعْمٍ أَموناً عَبرَ أسفارِ (¬1) [وقال أيضاً (¬2): مِن آلِ مَيَّةَ رائحٌ أو مُغْتَدِ ... عجلانَ ذَا زَادٍ وغَيرَ مُزَوَّدِ] (¬3) وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (¬4). وقبل ذلك: {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} (¬5). ¬

_ (¬1) البيت من سمطه عند صاحب جمهرة الأشعار: 305. وانظر ديوانه: 202. فيها: أي في دمنة الدار. سراة اليوم: وسطه. في الأصل والمطبوعة: "القوم" والتصحيح من الديوان وغيره. أموناً: مطية موثقة الخلق مأمونة الكلال والعثار. عبر أسفار: قوية على السفر. (¬2) مطلع قصيدته المشهورة في وصف المتجردة زوج النعمان بن المنذر ملك الحيرة. ديوانه: 89. في الأصل والمطبوعة: عجلٌ فذا زاد، ولكن لم أجد هذه الرواية فأثبتّ ما في الديوان. (¬3) زيادة في المطبوعة من تفسير سورة البقرة للمؤلف: 115 ومن شواهد الآل -وهي كثيرة- قول الحطيئة، وهو مطلع قصيدة له في ديوانه (نعمان طه) 5: 1 - ألا آلُ ليلى أَزْمَعُوا بقُفُول ... ولَمْ يُنْظِرُوا ذَا حَاجَةٍ لِرَحِيلِ هذه رواية طبعة الشنقيطي. وعلّق الفراهي في حاشية نسخته (43) "آل بمعنى أهل". 2 - وقالت سَلمَى الكنانية: وَالله لولا رهطُ آلِ مُحَمّدٍ ... لَلاَقَتْ سُلَيمٌ بَعدَ ذلكَ نَاطِحَا وَكائنْ ثَوَى يومَ الْغُمَيصَاءِ مِن فَتًى ... كَرِيمٍ وَلَمْ يُشعَل لَهُ الرأسُ واضحَا علق الفراهي في حاشية نسخته من أنيس الجلساء: 18: "آل محمد - صلى الله عليه وسلم - أي أتباعه". والغُميصاء: موضع في بادية العرب قرب مكة كان يسكنه بنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة الذين أوقع بهم خالد بن الوليد رضي الله عنه -ومعه بنو سُلَيم- عام الفتح، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، ووداهم على يدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وانظر البلدان 214:4. (¬4) سورة الأعراف، الآية: 130. (¬5) سورة الأعراف، الآية: 103.

و {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ} (¬1). مرتين، ولم يذكر لفرعون أولاداً، والظاهر أنه لم يكن له ولد. ... الآل للقوم. في سورة المؤمن: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} (¬2). وفي سورة الأعراف: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ... وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (¬3). وكل ما ذكر في هذه الآيات من العذاب وقع على جميع قوم فرعون. ومثله قوله تعالى: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} (¬4). وأيضاً: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ} (¬5). أي قوم موسى وقوم هارون عليهما السلام، وحين كلّمهم صموئيل النبي عليه السلام (¬6) بهذا الكلام كان بنو إسرائيل فِرَقا وأقواما، وكان قوم هارون عليه السلام مختصاً بخدمة البيت. ¬

_ (¬1) سورة الأعراف، الآيات: 109، 127. (¬2) سورة المؤمن (غافر)، الآية: 45. (¬3) سورة الأعراف، الآيات: 130 - 137. (¬4) سورة الأعراف، الآية: 141. (¬5) سورة البقرة، الآية: 248. (¬6) عاش في أواخر القرن الحادي عشر قبل الميلاد، حسب تقدير المؤرخين. انظر دائرة المعارف البريطانية الجديدة ( samuel) 16: 207 وانظر قاموس الكنائس: 552.

فإن قلتَ: لِمَ لا تأخذه بمعنى أولاد موسى عليه السلام وأولاد هارون عليه السلام؟ قلتُ: آل موسى وآل هارون يحتوي موسى وهارون عليهما السلام أيضاً، كما أنه احتوى جميع بني إسرائيل. ولذلك جاء في الحديث: "أُعطِيَ [مِزماراً] من مزامير آل داود" (¬1). فهذا يحتوي داود والمغنين معه (¬2). أيضاً: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} (¬3). وفي التوراة أن بنت فرعون أرسلت أمتها، فأخذته، ودعت له بمرضعة ثم أخذته ابناً. (هذا فحواها) (¬4). وفي القرآن -ولَهُوَ الصحيحُ- أن هذه امرأة فرعون. فإن الآية المتصلة ¬

_ (¬1) يعني أبا موسى الأشعري رضي الله عنه. وما بين المعقوفين تكملة من صحيح مسلم. وفي المطبوعة: "لقد أعطيت" وكذا في النهاية 2: 312 (زمر). والحديث متفق عليه. أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقراءة؛ ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن. الفتح 93:9، والنووي 6: 326. (¬2) وقال غيره: إن "آل" هنا صلة زائدة، والمعنى: من مزامير داود. انظر النهاية واللسان (آل). ومثله ما رواه الشيخان عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صَلِّ على آل فلان. فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صَلِّ على آل أبي أوفى". أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة؛ ومسلم في كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقة. فدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يشمل أبا أوفى وعشيرته جميعاً، وذلك أحسن من أن يقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أبا أوفى وحده، والآل زائدة أو بمعنى الشخص، كما قال ابن حجر في الفتح 3: 361. (¬3) سورة القصص، الآية: 8. (¬4) انظر سفر الخروج 2: 5 - 10.

(2) الآلاء

بالتي سبقت تبين ذلك. فقال تعالى: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} (¬1). (2) الآلاء أجمعوا على أنّ معناه: النعم، ولكنّ القرآن -وأشعار العرب- يأباه (¬2). ¬

_ (¬1) سورة القصص، الآية: 9. (¬2) انظر ما شئت من كتب التفسير والغريب واللغة. ولم يعبأوا بما رواه الطبري (27: 124) عن ابن زيد أنه قال: الآلاء: القدرة، بعدَ ما ذكر الطبري نفسه هذا القول ضمن الروايات التي احتج بها على معنى النعم! ثم التزم الطبري تفسير الآلاء بالنعم في جميع المواضع التي وردت فيها في القرآن الكريم إلا موضعاً واحداً، وهو بعد قوله تعالى في سورة الرحمن: 37 {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} فقال (27: 142): "يقول تعالى ذكره: فبأي قدرة ربكما معشر الجن والإنس على ما أخبركم بأنه فاعل بكم تكذبان؟ " فهل رأى الطبري معنى النعم لا يستقيم في هذه الآية؟ ولأمر ما نرى الرازي يتساءل مرة بعد أخرى إذا جاءت الآية {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} بعد ذكر عجائب خلق الله، فيقول مثلاً في تفسير قوله تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ}: "فإن قيل: المقصود تعديد النعم على الإنسان، فما وجه بيان خلق الجانّ؟ " ثم يجيب من وجوه "ثالثها أن الآية مذكورة لبيان القدرة لا لبيان النعمة" (29: 99) ويقول في تفسير الآية 22: "المسألة الثالثة: أي نعمة عظيمة في اللؤلؤ والمرجان حتى يذكرهما الله مع نعمة تعليم القرآن وخلق الإنسان؟ وفي الجواب قولان ... الثاني أن نقول: هذه بيان عجائب الله تعالى لا بيان النعم ... " (29: 103). وقال القرطبي (17:159): "الآلاء: النعم، وهو قول جميع المفسرين ... وقال ابن زيد: إنها القدرة ... وقاله الكلبي، واختاره الترمذي محمد بن علي وقال: هذه السورة من بين السور علم القرآن ... وإنما صارت علماً لأنها سورة صفة الملك والقدرة". وهو الحكيم الترمذي صاحب نوادر الأصول في أحاديث الرسول، توفي نحو سنة 320 هـ. انظر الأعلام 6: 272.

والظاهر أن معناه: الفِعال العجيبة. فارسيته: كِرِشْمَه. و (¬1) لما كان غالب فعاله تعالى الرحمة ظنوا أن الآلاء هي النعم (¬2). والرواية عن ابن عباس رضي الله عنه حملتهم (¬3) على هذا (¬4). ولكن ¬

_ (¬1) الواو ساقطة من المطبوعة. (¬2) وقال المؤلف في تعليقاته التفسيرية: 434 يفسر قوله تعالى في سورة النجم: 55 {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى}: "آلاء الله: شؤونه العجيبة من لطفه وبطشه. ترجمته في الفارسية (كِرِشمه اِيزدى) وقال يمدح فرسه لشؤونه العجيبة: ... [يعني بيت الأجدع الآتي] ولما كانت الرحمة من أغلب شؤون الربّ غلب استعمال هذا اللفظ في معنى النعم، ولكن العربي القح هو الأول، وبه نزل القرآن". وانظر تعليقاته (سورة الأعراف): 147، 148. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، والحاكم في كتاب الأصول عن لقيط بن عامر في حديث طويل قال: "فقلتُ: يا رسول الله كيف يجمعنا (يعني الله عز وجل) بعدما تُمزّقنا الرياحُ والبلى والسباعُ؟ قال: "أنبئك بمثل ذلك من آلاء الله: الأرض أشرفتَ عليها وهي مَدرة بالية، فقلتَ: لا تحيا أبداً، ثم أرسل ربك عليها السماءَ، فلم تلبث عنك إلا أياماً حتى أشرفتَ عليها وهي شَرَبة (أي حوض) واحدة. ولعمر إلهِك لَهو أقدرُ على أن يجمعهم من الماء على أن يجمعهم من نبات الأرض، فيخرجون من الأصواء، أو من مصارعهم، فينظرون إليه وينظر إليهم". قلتُ: يا رسول الله وكيف ونحن ملء الأرض، وهو شخص واحد ينظر إلينا ونحن ننظر إليه؟ قال: "أنبئك بمثل ذلك من آلاء الله: الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونها ويريانكم ساعة واحدة، وترونهما لا تضارّون في رؤيتهما ... " الحديث. انظر المسند 4: 13 والمستدرك 560:4 - 564، وعنهما نقل السيوطي في الدر المنثور 6: 293، فخطّ الفراهي رحمه الله تحت كلمة الآلاء في الموضعين، وعلّق على هامش نسخته من الدرّ: "كلمة آلاء بمعنى عجائب القدرة والخلقة". ولكلّ من الأستاذ عبد الله العمادي والأستاذ بدر الدين الإصلاحي مقال باللغة الأردية، بسطا فيه رأي المؤلف في معنى "الآلاء". انظر مقال الأول بعنوان "كرشمه قدرت" في مجموعة "مقالات قرآني". ومقال الآخر بعنوان "لفظ آلاء كي تحقيق" في مجلة الإصلاح عدد نوفمبر سنة 1937: 660 - 677، ويلاحظ أن العمادي أغفل في مقاله ذكر شيخه الفراهي. (¬3) في الأصل: حملهم، والتصحيح من المطبوعة. (¬4) انظر الرواية المشار إليها في الطبري 27: 124، والدر المنثور 96:3 و141:6، والإتقان: 2: 46.

السلف إذا سئلوا أجابوا حسب السؤال والمراد المخصوص في موضع مسؤول عنه (¬1). وهذا الظن فتح لهم نفَذاً إلى تبديل معنى "إلى" في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (¬2). فقالوا: إن "إلى" واحد الآلاء (¬3). وليس في كلام العرب له مثال (¬4). ¬

_ (¬1) فهذا ابن زيد فَسَّر كلمة الآلاء بالنعم في قوله تعالى في سورة الأعراف: 71 {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} وفسَّرَها بالقدرة في سورة الرحمن كما سبق. انظر الطبري 8: 217 و 27: 124. ومما يؤيد أن ابن عباس رضي الله عنهما لا يرى كلمة الآلاء مرادفة للنعم ما أخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله تعالى {جَدُّ ربنا} الجن: 3، قال: "آلاؤُه وعظمتُه"، وأخرَج ابن المنذر عن أبي حاتم عنه، قال: "أمره وقدرته". انظر الدرّ المنثور 6: 271. (¬2) سورة القيامة، الآيتان: 22، 23. (¬3) وينسب هذا القول إلى الصاحب بن عبّاد، وإنما أعجب به المعتزلةُ فِراراً من القول برؤية الله تعالى يوم القيامة. فقال المرتضى في أماليه 1: 36: "وهاهنا وجه غريب في الآية حكي عن بعض المتأخرين، لا يفتقر معتمده إلى العدول عن الظاهر أو إلى تقدير محذوف، ولا يحتاج إلى منازعتهم في أن "النظر" يحتمل الرؤية أو لا يحتملها، بل يصح الاعتماد عليه، سواء كان النظر المذكور في الآية هو الانتظار بالقلب أو الرؤية بالعين، وهو أن يحمل قوله تعالى {إلى ربها ناظرةٌ} على أنه أراد به نعمة ربها، لأن الآلاء: النعم" وانظر تفسير سورة القيامة للمؤلف: 16. (¬4) أي شاهد. قال أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 217 "واحدها في قول بعضهم: "أَلًى"، تقديرها "قَفاً"، وفي قول بعضهم: "إلًى"، تقديرها "مِعًى". وعليهما اقتصر الجوهري. وقال الطبري 12: 506 (شاكر): وقد حكي سماعاً من العرب: "إلْيٌ، مثل "حِسيٌ"، وذكر المرتضى أربع لغات، ورابعها: " ألْيٌ" مثل "رَمْي" والخامسة عند الصغاني في التكملة: "إلْوٌ" بكسر الهمزة كفِلْو -ولعل ضبطها في التاج بفتحها كدَلْو وهم- فهذه لغات خمس حكوها ولكن لم يأت أحد منهم بشاهد على قوله. وهناك لغتان أخريان نقلهما الزبيدي في التاج، وفيهما نظر.

ولكنهم زعموا أن الأعشى (¬1) أراد هذا (¬2) في قوله: ........................... ......... ولا يخون إلا (¬3) قال ابن دُرَيد (¬4) (انظر لسان العرب تحت كلمة إلّ) (¬5). ¬

_ (¬1) هو الأعشى الكبير ميمون بن قيس، كان أعمى ويكنى أبا بصير، كان يفدِ على ملوك فارس والحيرة، من متقدمي شعراء الجاهلية، وكان يغنّى في شعره، فكانت العرب تسمّيه "صنّاجة العرب" وهو عند القرشي من أصحاب السموط، أدرك الإسلام ولم يسلم. ابن سلام: 52، 65 - 67، ابن قتيبة: 257 - 266، الأغاني 9:104 - 124، الآمدي: 10، المرزباني: 325 - 326، الخزانة: 1: 175 - 178. (¬2) انظر مجاز القرآن 1:218، وشرح المعلقات لابن الأنباري: 51، والمرتضى 1: 37 واللسان (إلّ، إلى). (¬3) أكمل البيت في المطبوعة: أَبْيَضُ لا يَرهبُ الهُزَالَ ولاَ ... يَقطعُ رِحْماً ولا يَخونُ إلاَ وهو من قصيدة في ديوانه: 271 في مدح سَلامة ذي فائش، وقال ابن قتيبة بعدما أورد منها الأبيات الأربعة الأولى (69): وهذا الشعر منحول، لا أعرف فيه شيئاً يُستحسن إلا قوله: يا خيرَ مَن يَركبُ الْمَطِيَّ ولاَ ... يَشرَبُ كأساً بكفِّ من بَخِلا والبيت وحده في المصادر السابقة والطبري (شاكر) 12: 506، والجمهرة 1 - 20، والمقاييس 1: 21، و129، والتمام: 100. (¬4) هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (223 - 321 هـ). من أئمة اللغة والأدب. كان يقال: ابن دريد أشعر العلماء وأعلم الشعراء. مولده بالبصرة، وتوفي في بغداد. معجم الأدباء 6: 2489، ابن خلكان 4: 323، الأعلام 6: 80، معجم المؤلفين 9: 189. (¬5) كذا في الأصل، وفي المطبوعة جعل ما بين القوسين في الحاشية، وأثبت مكانه قول ابن دريد من لسان العرب: "وقد خفّفت العربُ الإلَّ"، وانظر الجمهرة 1: 20. وبذلك فسّر ابن جنّي في التمام: 100 بيت بُرَيق بن عياض الهذلي: فقال: إليكما عنه، ولولا ... مقام الجِدّ ما رقبوا إلاء ثم أنشد بيت الأعشى.

أما القرآن فقوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى} (¬1) بعد ذكر إهلاك الأقوام. وهكذا في سورة الرحمن (¬2). وأما كلام العرب، فقال طرفة: كَاملٍ يَحمِلُ آلاءَ الفتى ... نَبَهٍ سَيِّدِ سَاداتٍ خِضَمّ (¬3) وقالت مَيَّة بنت ضِرار (¬4) ترثي أخاها: ¬

_ (¬1) سورة النجم، الآيتان: 55 - 56. (¬2) إذ جاء الترجيع بعد ذكر القيامة والعذاب أيضاً، كقوله تعالى {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}. ولمّا أشكلت هذه الآيات أوّلوها بأنّ خلق جهنّم من النعم. فقال الجاحظ في كتاب الحيوان (5: 99): " ... وكذلك نقول في خلق جهنّم إنها نعمة عظيمة ومنة جليلة إذا كان زاجراً عن نفسه ناهياً وإلى الجنة داعياً". وعلّق الفراهي في حاشية نسخته من الحيوان (5: 37) بقوله: "أخطأ كما أخطأ الناس في معنى الآلاء". وانظر مثل هذا الجواب في أمالي. المرتضى 1: 127 والكشاف 4: 451، وفي تفسير ابن كثير 4: 278. (¬3) البيت من قصيدة له في ديوانه: 110 ومختارات ابن الشجري: 40، وهى في يومٍ لبكرٍ على تغلب معروفٍ بيوم تَحلاقِ اللِّمَم، زعم الأصمعي أنها مصنوعة وأنه أدرك قائلها، وأثبتها أبو عبيدة والمفضل وغيرهما، وصلة البيت قبله: أجدرُ الناسِ برأسٍ صِلدِمٍ ... حازمِ الأمرِ شُجاع في الوَغَمْ والبيت وحده في اللسان (نبه). نبهٌ: مرتفع الذكر. الخِضَمّ: السيد المعطاء. يعني بهذا الوصف الحارث بن هُمام بن مُرّة لأنه كان رئيس بني بكر يومئذٍ. (¬4) هي مَيَّة بنت ضِرار بن عمرو بن مالك بن زيد، من بني ضَبّة. اشتهرت بشعرها في رثاء أخيها قَبِيصَة بن ضِرار أحد فرسان ضَبَّة، وكان قد شهد الكُلابَ الثاني حين اجتمعت مَذِحج لقتال تميم، فهزمتهم تميم، وقتلوا قائدهم عبدَ يغوثَ بن صلاءة، وكان هذا الكلاب قبل الإسلام بقليل. وقتل قبِيصة ضَمْرةُ بن لَبيد الكاهن. انظر الأغاني 16: 255 - 258. وقد وهم الزركلي في الأعلام 7: 342 - وتبعه مؤلف شاعرات العرب: 398 - فقال: ورد اسمها في جمهرة أنساب العرب: 203 "أمية". قلت: لم يذكر ابن حزم في الجمهرة إلا أبناء ضرار، ومنهم أمية بن ضرار.

كَرِيمٍ ثناه وآلاؤُه ... وكافِي العشيرةِ ما غَالَها (¬1) وقال المهلهِل (¬2) أخو كُلَيب يرثي أخاه كليباً: الحزمُ والعزمُ كانا مِن طبائِعه ... ما كلُّ آلائِه يا قَومِ أُحْصِيها (¬3) وقال رَبِيعَة بن مَقروم أحد بني غَيظ بن السِّيد (¬4): ولَولاَ فوارسُنا ما دَعَتْ ... بذَاتِ السُّلَيْمِ تَميمٌ تَمِيما ومَا إنْ لأُوئبَهَا أَنْ أعُدَّم ... مَآثِرَ قومِي وَلاَ أن ألُوما وَلكنْ أُذَكِّرُ آلاءَنا ... حديثاً ومَا كانَ مِنَّا قَدِيما (¬5) ¬

_ (¬1) من أبيات لها أنشدها ابن الأعرابي، وصلة البيت قبله وهو أولها: لِتَجرِ الحوادثُ بعدَ امرئٍ ... بوادي أشائِينَ أَذْلالَها والأبيات في اللسان (أشر، زهف) وانظر شاعراتِ العرب: 400. غَالَها: كذا بالمعجمة في الأصل واللسان، وغَاله الشيء يغوله غَولا: أهلكه، وغالَه: أخذه من حيث لم يَدر. وقد ورد في شعر الخنساء بالمهملة من عَاله الشيءُ يعوله عولاً: غلبه وثقل عليه وأَهمَّه، أنشده في اللسان (عول): ويَكفي العشيرةَ ما عَالَها ... وإن كانَ أصغرَهم مَولِدا (¬2) اسمه امرؤ القيس وقيل: عدي بن ربيعة، وهو خال امرئ القيس بن حُجر، وأبو ليلى أمِّ عمروِ بن كلثوم، وأخو كليب بن وائل الذي هاجت بقتله حرب بكر وتغلب. النقائض: 905 - 906، ابن سلام: 39، ابن قتيبة: 297 - 299، الآمدي: 7 - 8، المرزباني: 79، الكامل لابن الأثير 1: 523 - 539، الخزانة 2: 164 - 174. (¬3) البيت من قصيدته التي مطلعها: كليبُ لا خيرَ في الدنيا ومَنْ فيها ... إذ أنتَ خلَّيتها فيمن يُخَلِّيها وهي في العقد الفريد 5: 217 والكامل لابن الأثير 1: 531 - 532 وانظر أخبار المراقسة: 302، والنصرانية 1: 166. (¬4) شاعر مخضرم، وفد على كسرى في الجاهلية، ثم عاش إلى أن أسلم، فحسن إسلامه، وشهد القادسية وجلولاء، وهو من شعراء مضر المعدودين. الأغاني 22: 87 - 95، الآمدي:182، الإصابة: رقم 2738، الخزانة 8: 438 - و439. (¬5) الأبيات من قصيدة له في المفضليات: 184، وشرح الأنباري: 365، والتبريزي: 847 =

وقال الأجدَعُ الهَمْدَاني (¬1): ورَضِيتُ آلاءَ الكُمَيتِ فَمَن يُبِعْ ... فَرَساً فليسَ جَوادُنا بِمُبَاعِ (¬2) قال الجوهري (¬3) في هذا الشعر: "آلاؤُه: خِصالُه الجميلةُ" (¬4). ولكنه لم يتثبت على هذا المعنى الذي هو أصله، فقال في مادة ألا: ¬

_ = -848. "ذات السُّلَيم": موضع لبني ضبة بأرض اليمامة، وكان فيه يوم ذات السُليم. "أُوئِبهَا": أخزيها وأفضحها. (¬1) هو الأجدع بن مالك بن أمية الهمداني، فارس هَمْدان وشاعرها في عصره. جاهلي إسلامي. وكانت تحته كبشة بنت معد يكرب الزبيدي، وهو والد مسروق بن الأجدع الفقيه. وذكر معظم المترجمين للأجدع وابنه أن الأجدع وفد على عمر، فسماه عبد الرحمن، وقال: إنما الأجدع شيطان. ولعلهم اعتمدوا على رواية الكلبي، والراجح أن الوافد على عمر ابنه مسروق. فقد روى الشعبي عن مسروق أنه قال: قدمت على عمر، فقال لي: ما اسمك؟ فقلت: مسروق بن الأجدع، فقال: أنت مسروق بن عبد الرحمن، حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الأجدع شيطان. فكان اسمه في الديوان: مسروق بن عبد الرحمن. انظر طبقات ابن سعد 50:6، الاشتقاق: 425، الإكليل 10: 76 - 78، الأغاني 14: 25، الآمدي: 61، جمهرة الأنساب: 294، الإصابة: رقم 425، تهذيب التهذيب: 10: 110، اللسان والتاج (جدع) وانظر الأعلام 1: 84. (¬2) البيت من قصيدة له في الأصمعيات: 69، والاختيارين: 469. والبيت وحده في إصلاح المنطق: 235، وأدب الكاتب: 343 وشرحه للجواليقي: 313، والجمهرة 3: 436، والآمدي: 61، والمقاييس 1: 327 واللسان (بيع) ورواية الأصمعيات لصدر البيت: نَقفُو الجيادَ مِنَ الْبيُوتِ وَمَن يُبع أباع الشيءَ: عرضه للبيع. (¬3) هو أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393 هـ) من أئمة اللغة والأدب. كان من أعاجيب الزمان ذكاءً وفطنةً وعلماً. أصله من بلاد الترك من فاراب. معجم الأدباء 2: 656، إنباه الرواة 1: 229، الأعلام: 1: 313، معجم المؤلفين 2: 267. (¬4) انظر الصحاح (بيع) وقد فسَّر قبله الأخفش الأصغر (ت 315 هـ) في الاختيارين فقال: "آلاؤه: خصالُه الصالحة التي فيه". وبالخصال فسّر الجواليقي في شرحه لأدب الكاتب.

"والآلاء: النعم، واحدها: ألا بالفتح، وقد يكسر ويكتب بالياء، مثاله (¬1): مِعى وأمعاء". فاتبع ما فهم المفسرون عن ابن عباس رضي الله عنه. وقال فَضالةُ بن زيد العَدْواني، وهو من المعمرين (¬2): وَفِي الْفَقْرِ ذُلٌّ لِلرِّقَابِ وَقَلَّمَا ... رَأَيتُ فَقِيراً غَيرَ نِكْسٍ مُذَمَّمِ يُلاَمُ وَإنْ كانَ الصَّوَابُ بِكَفِّه ... ويُحْمَدُ آلاءُ الْبَخِيلِ الْمُدَرْهَمِ (¬3) أي يحمدون صفات البخيل وفعاله. وهذا البيت أوضح دلالة مما ذكرنا قبله على معنى "الآلاء". وقال الحماسي (في المراثي، ولم يسمه أبو تمام): إِذَا مَا امْرُؤٌ أَثْنَى بآلاءِ مَيِّتٍ ... فَلا يُبعِدِ اللهُ الْوَليدَ بنَ أدْهَمَا فَما كانَ مِفْرَاحاً إذا الخيرُ مَسِّه ... وَلا كانَ مَنّاناً إذَا هُوَ أنعَما (¬4) ففسر ما أراد من "الآلاء" بذكر أنه لم يكن مفراحاً إذا مسّه الخير، ولا منَّاناً إذا أنعم. وقالت الخنساء (¬5): ¬

_ (¬1) في الأصل والمطبوعة: مثال، والتصحيح من الصحاح (ألو). (¬2) شاعر مخضرم من المعمرين. ذكر أبو حاتم أنه وفد على معاوية فسأله عن عمره، فقال: عشرون ومائة سنة. انظر المعمرين: 103 - 106. والإصابة: رقم 7030. (¬3) من أبيات قالها في حديث طويل دار بينه وبين معاوية أولها: ومَا العيشُ إلاَ المَالُ فَاحفَظ فُضولَه ... ولا تُهلِكَنْه في الضلال فتَندَمِ وهي في المعمرين: 105 والحماسة البصرية 2: 82 - 83. (¬4) من أبيات في شرح المرزوقي: 925 - 926 والتبريزي 2: 195، وانظر الأضداد لابن الأنباري: 198. (¬5) هي تُماضِر بنت عمرو بن الحارث بن الشَّريد السُّلَمِية. أشعر شواعر العرب، عاشت في الجاهلية وأدركت الإسلام، وفدت على النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قومها بني سُليم. فكان =

فبَكِّي أخاكِ لآِلاَئِه ... إذا المَجْدُ ضَيَّعه السَّائِسُونَا (¬1) ¬

_ = رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستنشدها ويعجبه شعرها فكان يقول لها وهي تنشد: هيه يا خُناسُ. ومعظم شعرها في رثاء أخيها صخر وكان شريفاً في بني سليم وقد هلك في الجاهلية. ابن سلام: 203: 210، ابن قتيبة: 343 - 347، الأغاني 15: 61 - 80، الآمدي: 157، الإصابة: رقم 11106، الخزانة 1:433 - 438. (¬1) البيت من قصيدة لها في أنيس الجلساء: 243. ونقل عن النسخة المصرية في شرح البيت: "لآلائه" أي لغنائه وبلائه ومجده. "السائسون" أي المجرّبون الذين قد عرفوا المجد، وساسوه. ومن شواهد الآلاء: 1 - قول أوس بن حجر من قصيدة في ديوانه 75: لولا بَنو مَالكٍ والإلُّ مَرْقَبَةٌ ... ومالِكٌ فيهم الآلاءُ والشرَفُ الإلّ: العهد، مرقبة: موضع الحفظ والرعاية. وانظر السيرة 4: 189. 2 - وقال أيضاً في رثاء فَضَالة بن كَلَدَة الثقفي: ألَهفا على حُسنِ آلائه ... على الجابرِ الحيِّ والحارب انظر البيان 1: 81، ورواية التعازي: 33 "حسنِ أخلاق" وانظر الديوان: 101. 3 - وقال عنترة بن شدّاد العبسي من أبيات في ديوانه 316: ألكم بآلاءِ الوَشيج إذا ... مَرّ الشَياهُ بوَقْعِه خُبرُ قال البطليوسي: الآلاء: النعم، وهي هنا خصاله وعمله الحسن. الوَشيج: الرماح. الشياه: بقر الوحش. 4 - وقال أعشى باهلة -وهو جاهلي- في رثاء أخيه لأمّه المنتشِر بن وَهب من قصيدة مشهورة: إنّي أشدّ حَزِيمي ثم يُدرِكُني ... منكَ البلاءُ ومن آلائك الذِكَرُ انظر الأصمعيات: 91، وفحول الشعراء: 211. أشدّ حزيمي: أي أوطِّنُ نفسي على الصبر والجلَد. 5 - وقال شُيَيم بن خويلد الفزاري -جاهلي- من قصيدة في النقائض (1:106): يا قومَنا لا تغُرّونا بمَظلمةٍ ... يا قومَنا واذكروا الآلاءَ والذمما 6 - وقال عِياض بن كثير بن جابر الضبيّ -قال المرزباني في معجمه: 268 (القدسي): جاهلي وقال ابن ميمون: مخضرم- من قصيدة له في منتهى الطلب (قصائد نادرة: 63) يصف جواده: =

(3) الآية

(3) الآية ما تستدِلُّ به على أمر. وليست هي تمام الدليل، بل يُنَبِّهُك على الدليلِ. ووضوحُ الآية كونُها ظاهرة لمن يفهمها: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} (¬1). واستعملته العرب في هذا المعنى. قال الحارث بن حِلِّزَة (¬2): ¬

_ = على كُلِّ آلاء الجياد مُدَرَّبٌ ... إذا شَلَّت الخيلُ الطريدةَ يَلحقُ الشَلُّ: الطرد. 7 - وقال أميَّة بن الأسْكَر الكِنانيّ، وهو مخضرم، عُمِّر في الجاهلية طويلاً وألفاه الإسلام هرماً (انظر فحول الشعراء: 190 والإصابة: رقم 253): كم مِن أسيرٍ مِن قريش وغيرِها ... تداركه مِن سَعيِنا نذرُ ناذر فلما قدَرنا أنقذَتْه رمِاحُنا ... فآبَ إلى آلائه غيرَ شاكر حماسة البحتري: 110. 8 - وقال أعشى هَمدان -أموي- من قصيدة في ديوانه: 109 يعرِّض بمحمد بن الأشعث ويذكّره بمالَه ولقومه من مواقف في نصرته: فاذكر أيادينا وآلاءَنا ... بعَودةٍ مِن حِلمك الراشدِ و- وقال الأخطل من قصيدة في ديوانه: 747. أبلِغْ بَني عَوفٍ بأنّ جَنابَهم ... على كُلِّ آلاءِ الزَّمانِ مَريعُ آلاء الزمان: أي صروف الزمان وشؤونه. مريع: خصيب. (¬1) سورة العنكبوت، الآية: 49. (¬2) الحارث بن حِلِّزة -بكسر الحاء المهملة وكسر اللام المشدَّدة- من بني يشكر، من بكر بن وائل. وهو من شعراء المعلقات. ابن سلام: 151 - 152، ابن قتيبة: 197 - 198، الأغاني 11:37 - 44، الآمدي: 124، الخزانة 1:325 - 326.

مَنْ لَنا عِندَه مِنَ الخيرِ آيا ... تٌ ثَلاثٌ فِي كُلِّهِنَّ الْقَضَاءُ (¬1) أي كل منها كافية شافية لا تبقي شبهة. الفرق بين الآية والدليل المنطقي من وجوه: 1 - الأول أن الآية ما عليه بناء الدليل المنطقي. مثلاً "العالم متغير، وكل متغير حادث" فتغيرُ العالَمِ هو الآيةُ على حدوثه. 2 - والثاني أن الآية هي التي تَبعث الفكرَ وتُلقي السؤالَ في القلب، وتُذكّره ما نسِي (¬2)، ¬

_ (¬1) البيت من معلقته في شرح ابن الأنباري: 493، والتبريزي: 407، مَنْ: يعني عمرو بن هند. (¬2) والشواهد كثيرة، منها: 1 - قول زهير بن أبي سُلمى (ويقال إنه لصرمة الأنصاري): أراني إذا ما شِئتُ لاقَيتُ آيةً ... تُذكِّرُني بعضَ الذي كنتُ نَاسِيَا ديوانه (الأعلم): 170. علق الفراهي في حاشية نسخته من شعراء النصرانية 583: "الآية تُذَكِّرُ". 2 - وقال النَّمِر بن تَولَب العُكْلي من قصيدة له في مختارات ابن الشجري 1:16. وأَقْصَرَ عَنْها، وآياتُها ... يُذَكِّرْنَه داءَه الأَقْدَما وانظر شعره: 100. أقصر عنها: كفّ القلبُ عن تُكْتَمَ وهي حبيبته. 3 - وقالت جندب ترثي أخاها من قصيدة في رياض الأدب 82: وَقَالوا قتَلْنَاه في غَارةٍ ... بآيةِ أنْ قَدْ وَرثنا النِّبالا علق الفراهي في حاشية نسخته: "آية أي علامة ودليل" 4 - وقال عبيد بن الأبرص من قصيدة في ديوانه 133: تُريني آيةَ الإعراض عنها ... وفظّت في المقالة بعد لِينِ 5 - وقال امرؤ القيس من كلمة في ديوانه 339: لِمَن طَلَلٌ دائرٌ آيُه ... تقادَمَ في سالفِ الأَحْرُسِ الأحرُس: جمع حَرْسٍ وهو الدهر. 6 - وقال بِشْر بن أبي خازم من قصيدة له في ديوانه 70 ومختارات ابن الشجري 2: 21. =

(4) الأبابيل

وتهيج فيه خُلقاً أودعه من الرحم والتقوى والصبر والشكر وغير ذلك. 3 - والثالث أن الآية موجودة في فطرة الفكرة، والدليل المنطقي أمر مفروض، فإن الفكرة تجري من تصور إلى تصور، مثلاً من تغير العالم إلى حدوثه. وإظهارُها في صورة القضايا مفروضٌ. وإنما فرضوها لأجل النظر فيها كما يقطِّعون البيت في الأفاعيل (¬1). (4) الأبابيل [الأبابيل: جماعة من الخيل والطير وغيرهما. قال زهير بن أبي (¬2) سُلمى (¬3): ¬

_ = تَغيّرتِ المنازلُ بالكثيبِ ... وعَفَّى آيَها نسجُ الجَنوبِ 7 - وقال زُهير من قصيدة في ديوانَه (الأعلم) 193: أمِن آل ليلى عرفتَ الطلولا ... بذى حُرُضٍ ماثلاتٍ مُثولا بَلِين وتحسَبُ آياتِهنّ ... م عن فرطِ حَولين رَقّا مُحِيلا (¬1) وانظر ما سيأتي في ص 302، وتجد كلاماً مبسوطاً في حقيقة الآية في كتاب عيون العقائد للمؤلف: 161 - 164، وقال رحمه الله في تفسير سورة البقرة: ق 3 وما نصه: "قال الجوهري: الآية: العلامة، والأصل أوَيَة بالتحريك. ورَوَى الجوهري عن أبي عمرو قوله: خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم لم يدَعُوا وراءهم شيئاً. ومعنى الآية من كتاب الله تعالى جماعة حروف. وأنشد لبُرج بن مُسْهِر الطائي: خَرَجنا مِن النَّقبَينِ لا حيَّ مثلُنا ... بآيتنِا نُزجي اللِّقاحَ المطَافِلا أقول: لا دلالةَ في البيت على ما زعم. لعله أراد: بأعلامنا وشِعارنا. وقال الجوهري: آية الرجل: شخصه. تقول منه: تآيَيْتُه على تَفاعَلتُه، وتَأيَّيْتُه على تَفَعَّلْتُه، إذا قصدتَ آيتَه وتعمّدتَه. قالت امرأة لابنتها: الحصْنُ أدنى لَو تَأيَّيْتِه ... مِن حَثِيكِ التُّربَ على الراكبِ أقول: لا دلالة في البيت على ما زعم. لعلها أرادت: أخذتِه موضع التوقفِ فإنّ التأيّي بمعنى التوقف معلوم. يقال: هذا ليس بمنزلِ تَئِيَّةٍ، أي تلَبُّثٍ". (¬2) "أبى" ساقط من المطبوعة. (¬3) من مُزَينة، أحد الثلاثة المقدمين على سائر شعراء الجاهلية. ومن شعراء المعلقات. =

وَبِالفَوارسِ مِنْ وَرْقَاءَ قَدْ عُلِمُوا ... فُرْسانَ صِدْقٍ على جُرْدٍ أَبابيلِ (¬1) و] (¬2) قال الأعشى: طَرِيقٌ وجبَّارٌ رِوَاءٌ أصولُه ... عليه أَبابيلٌ مِنَ الطَّيْر تَنْعَبُ (¬3) أراد هاهنا من الطير: الغربانَ (¬4)، فإنه استعمل "تنعب" (¬5). ¬

_ = ابن سلام: 51، 63 - 65، المعمرون: 83 - 84، ابن قتيبة:137 - 153، الأغاني 10: 298 - 323، الخزانة 2: 332 - 336. (¬1) البيت من قصيدته التي يمدح بها الحارث بن ورقاءَ من بني أسد. وصلة البيت قبله: يُعْطِي الجزيلَ ويَسمُو وهو مُتَّئِدٌ ... بالخيلِ، والقومُ في الرَّجراجةِ الجُولِ ديوانه (الأعلم): 97 والبيت وحده في مسائل نافع بن الأزرق. انظر الإتقان 2: 72 والجرد: الخيل القصيرة الشعر. (¬2) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من تفسير سورة الفيل للمؤلف. وقال فيه أيضاً: "أما أبابيل فجمع من غير واحد كالعباديد. وقيل: جمع إبّالة". وقيل غير ذلك، انظر اللسان (إبل) وعمدة الحفاظ: 5. (¬3) البيت من قصيدته التي يهجو بها الحارث بن وَعْلَة، وصلة البيت قبله: وشَاقَتْك أظعانٌ لِزينبَ غُدوةً ... تَحَمَّلْنَ حتى كادتِ الشمسُ تغربُ فلما استقلَّت قلتُ نخل ابن يامنٍ ... أهنَّ أم اللاتي تُرَبِّتُ يَترَب ديوانه: 237، والبيت وحده في إصلاح المنطق: 357 واللسان (جبر، طرق، روى) في الأصل والمطبوعة: "عليها"، والتصحيح من الديوان. وانظر تفسير سورة الفيل: 2. الطريق: ضرب من النخل، وقيل: ما ينال باليد. الجبار: ما فات اليد من النخل لطوله. (¬4) في المطبوعة: الغراب، خطأ مطبعي. (¬5) ومن شواهد الأبابيل: 1 - قال عامر بن الطفيل -جاهلي- من قصيدة في ديوانه 139: ترى رائداتِ الخيل حولَ بيوتنا ... أبابيلَ تردِي بالعشيّ وبالبُكُرْ تردي: من الردَيان، وهو ضرب من العَدْو. 2 - وقال معبد الخزاعي (وكان يومئذ مشركاً) يثبّط أبا سفيان عن الرجوع إلى أحد لاستئصال المسلمين بزعمه، من أبيات في السيرة (103:2): كادت تُهَدُّ من الأصوات راحلتي ... إذ سالت الأرض بالجُرد الأبابيلِ =

(5) أتى يأتي

(5) أَتَى يَأتي بمعنى أَضَرَّ. كما قال تعالى: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} (¬1). وأيضاً: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ} (¬2). ¬

_ 3 - وقال أمية بن أبي الصلت: حولَ شيطانهم أبابيلُ رِبِّيُّـ ... ـونَ شدّوا سَنَوَّراً مدسورَا سيرة ابن هشام 2: 112. قال ابن هشام: السَنوَّر: الدروع. والدُّسُر: المسامير التي في الحِلَق. وقد أخطأ محقّق الديوان (408) إذ ضبطه "سِنَوَّراً" بكسر السين وتشديد الواو المفتوحة، وفسَّره بفقارة عنق البعير! والصواب هنا بفتح السين لا غير. والذي بمعنى فقارة عنق البعير هو "سِنَّور" بكسر السين وتشديد النون المفتوحة. 4 - وقال النعمان بن بشير الأنصاري (شعره: 119): ترى القُمْرَ بالقيعان جئن بُنانةً ... أبابيلَ ينسِفن الجميمَ وصُيَّما يعني بالقمر: الحمر. والبنانة: الروضة المعشبة. والجميم: النبت الكثير، وقيل: الذي طال بعض الطول ولم يتمّ. 5 - وأنشد السمين في عمدة الحفاظ: 6. تراهم إلى الداعي سِراعاً كأنهم ... أبابيلُ طيرٍ تحت دَجنٍ مُخرَّقِ في القرطبي 20: 157 "دجن مسخّن" ورجح المعلّق أنه "مسخر". 6 - وأنشد في اللسان (هطل): أبابيلُ هَطْلَى مِن مُراحٍ ومُهمَلِ يعني الإبل، والهطلى: التي تمشي رويداً رويداً، وقيل: متقطعة. (¬1) سورة الحشر، الآية: 2، وفسرها المؤلف في حاشية نسخته من أساس التقديس للرازي: 131 فقال: "أتى: أوقع عليهم" وعند الطبري (28: 29): فأتاهم أمر الله. وقال أبو حيان في البحر (243:8): أي بأسه. (¬2) سورة النحل، الآية: 26. قال أبو عبيدة في المجاز (1: و35): "إذا استأصلوا شيئاً قالوا هذا الكلام وهو مثل". وقال الطبري (14: 97): معناه: هدم الله بنيانهم من أصله، ثم نقل كلام أبي عبيدة. وفسره ابن كثير بالاستئصال ومثّل له بالآية السابقة من سورة الحشر انظر تفسيره (ط الشعب) 4: 485 وفي سورة الحشر (7: 84) قال: "أي جاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال" واستدلّ بآية النحل.

(6) أحوى

(6) أحوَى إذا استُعمِل للنبات فهو ما كان منه شديدَ الخضرة مُلتفًّا، زادَ خضرةً لالتفافه (¬1). قال جابر بن حَرِيش، وهو جاهلي (¬2)، (حماسة، صفحة 54) (¬3): ¬

_ (¬1) ومنه: احواوت الأرض: اخضّرت. وجَميم أحوى: يضرب إلى السواد من شدة خضرته. وقال معظم المفسرين -وتبعهم اللغويون- إن "أحوى" في قوله تعالى: {فجعله غثاءً أحوى} معناه: أسود، من القِدَم، لما ذهبوا إلى أن الآية مثل للحياة الدنيا في زوالها وفنائها كما في سورة الكهف وغيرها. ولكنّ السياق هنا مختلف تماماً، فهو يدلّ هنا على أن أمر الله تعالى سيبلغ غايته وكماله، ولكن بالتدرج الذي قدره الله له، وفي ذلك تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم -. انظر "تدبر قرآن" 9: 313. ولم يأت أحد منهم بشاهد على تفسيره للأحوى من كلام العرب، إلا أنهم لما رأوا الشواهد متظافرة على النقيض زعم بعضهم أن "أحوى" حال من المرعى، وفي الآية تقديم وتأخير. قال ابن الأنباري (الأضداد: 353): "فيه تفسيران: أحدهما: والذي أخرج المرعى أحوى -أي أخضر غضاً- فجعله بعد خضرته غثاء، أي يابساً. والتفسير الآخر: والذي أخرج المرعى، فجعله يابساً أسود، على غير معنى تقديم ولا تأخير. أجازهما كليهما الفرّاء". انظر معاني الفراء 3: 256. وردّ على القول بالتقديم والتأخير الطبري (30: 153). وممن أجاز القولين: الزمخشري (738:4). ومن ثم جعلت الكلمة من الأضداد فقال ابن الأنباري: "يقال: "أحوى" للأخضر من النبات الطريّ الريّان من الماء، ويقال: "أحوى" للنبات الذي اسودّ وجفَّ" أفليس غريباً بعد ذلك أن يندر معنى البلى والقِدَم والاحتراق في جميع مشتقات هذه المادة، ووجوه استعمالها في كلامهم؟ والدافع إلى القول بالتقديم والتأخير في الآية الكريمة إشكال كلمة "الغثاء". وسيأتي تحقيقها في ص 229. (¬2) شاعر من قبيلة طيئ. ولم أقف في ترجمته على أكثر من هذا. والدليل على ما استنبطه المؤلف من كونه جاهلياً أنه ذكر في شعره حرب الفساد التي وقعت بين طيئ في الجاهلية واستمرت خمساً وعشرين سنة، كما قال التبريزي في شرحه 2: 74. (¬3) سقط القوسان وما بينهما من المطبوعة. وقد أحال المؤلف هنا إلى نسخته من حماسة أبي تمام، وليست بين أيدينا.

ولَقَدْ أَرانا يَا سُمَيَّ بِحَائلٍ ... نَرعَى الْقَرِيَّ فَكَامِساً فَالْأَصْفَرَا فَالْجِزْعَ بَينَ ضُبَاعَةٍ فَرُصَافَةٍ ... فَعُوَارِضٍ حُوَّ الْبَسَابِسِ مُقْفِرَا لاَ أرضَ أكثرُ مِنْكِ بَيْضَ نَعامَةٍ ... وَمَذَانِباً تَنْدَى ورَوْضاً أخْضرَا وَمُغَبَّباً يَحْمِي الصِّوَارَ كأنَّه ... مُتَخَمِّطٌ قَطِمٌ إذَا ما بَرْبَرَا إذْ لاَ تَخافُ حُدُوجُنا قَذَفَ النَّوى ... قَبْلَ الْفَسَادِ إقامةً وَتَدَيُّرَا (¬1) أي حين كانت هذه الأمكنة معشبة (¬2)، فلم نكن نحتاج إلى التفرقِ عن بلادنا، وذلك قبل زمن الفساد. (في هذه الأبيات شواهد أخر: "ولقد أرانا" أي كنّا أرانا (¬3). "لا أرض أكثر منك" فيه ¬

_ (¬1) الأبيات في شرح المروزقي: 592 - 593 والتبريزي 2: 74 والأبيات الثلاثة الأولى في البلدان 432:4، والبيت الأول وحده في البلدان 339:4 واللسان (كمس) والبيت الثاني وحده في البلدان 3: 451، والبيت الرابع وحده في المقاييس 202:4 واللسان (عين) والبيتان الأول والثاني في البكري 1:163. حائل: وادٍ في جبلي طيئ بالقرب من أجَأ، وهي اليوم من المدن المشهورة بالمملكة العربية السعودية. القري: وادٍ. كَامِسٌ والأصفر: جبلان. الجِزْع: منقطع الوادي. ضُبَاعة، ورُصَافة، وعُوَارِضٌ: كلها جبال في بلاد طيئ. حُوّ: رواية البلدان (4: 432): "أحوى البسابس". ورواية المرزوقي والبلدان 3: 451: "جَوَّ". والبَسَابِسُ: جمع البَسْبَسِ: الأرض الخالية الواسعة. بيضَ نَعامةٍ: قال المرزوقي: خص النعامة لأنها لا تبيض إلا في الأرض الخصبة حيث يتوفر الكلأ والماء. المذانب: مسايل المياه. مغَبّباً: ثوراَّ لَه غَبَبٌ، وهو ما تغضَّن من جِلد مَنبت العُثنون الأسفل. ورواية المرزوقي: "مُعَيَّناً". الصِّوار: القطيع، قَطِمٌ: هائج صوول. مُتَخَمِّطٌ: متكبر غضبان له سَورة وجَلبَة. بَرْبَرَ: صَوَّت. نوىً قُذُف: بعيدة. حرب الفساد: بين جديلة وثُعَل من قبائل طيئ والتديّر: نزول الدور. (¬2) في الأصل: "كان - معشبا" وهو من سبق القلم. والتصحيح من المطبوعة. (¬3) "قد يفعل" بمعنى "قد كان يفعل" من الأساليب الشائعة في كلام العرب. وشواهده أكثر من أن تحصى. وقد نبّه المؤلف رحمه الله على هذا الأسلوب مراراً في كتبه. انظر أساليب القرآن: 27 وتفسير سورة الفيل للمؤلف: 31. وإليكم أمثلة معدودة مما أشار =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ =إليه في حواشي الدواوين الشعرية التي طالعها: 1 - قال المرقش الأكبر من قصيدة في المفضليات 236: فإن يُظعِنِ الشيبُ الشبابَ فقد تُرى ... به لمّتي لم يُرْمَ عنّي غرابُها 2 - وقال معاوية بن مالك -وهو معوّد الحكماء- من قصيدة فيها 357: فإن يك نبلُها طاشَتْ ونَبلي ... فقد نرمي بها حِقَباً صِيابا صِياباً: جمع صائبة، حال من الضمير في (بها). 3 - وقال خُراشة بن عمرو العبسي من قصيدة فيها 405: أبَى الرسم بالجونَين أن يتحولا ... وقد زاد بعد الحول حولاً مكمّلا وبُدِّل من ليلى بما قد تحلّه ... نعاجَ الملا ترعى الدخول فحوملا 4 - وقال المرّار بن منقذ من قصيدة فيها 89: وترى منها رسوماً قد عفت ... مثل خطِّ اللام في وحي الزبُرْ قد نرى البِيضَ بها مثل الدمى ... لم يخُنْهنّ زمانٌ مقشعِرُّ علّق الفراهي في حاشية نسخته من المفضليات: "قد نرى" أي قد كنا نرى، وهذا أقوى سند في الباب". 5 - وقال عبيد بن الأبرص من قصيدة في ديوانه 133 - 134: فإن يَك فاتني أسفاً شبابي ... وأمسى الرأسُ منّي كاللّجِينِ وكان اللهو حالفني زماناً ... فأضحى اليوم منقطع القرِين فقد ألِجُ الخِباءَ على العذارى ... كأنّ عيونهن عيونُ عِين اللجِين: قال الأصمعي: هو الزبَد على الشيء إذا جفّ. ويُروى: كاللُجَين يعني الفضّة، وذلك عيب في الشعر يسمّى السّناد (الديوان). 6 - وقال بِشر بن أبي خازم من قصيدة في ديوانه 70: فإن تك قد نأتني اليومَ سَلمى ... وصَدّت بعد إلفٍ عن مشيبِ فقد ألهو إذا ما شئت يوماً ... إلى بيضاءَ آنسةٍ لعوبِ 7 - وقال حسّان بن ثابت رضي الله عنه من قصيدة في ديوانه (1: 255): ذاك مَغنًى من آل جفنة في الدهـ ... ـرِ وحقٌّ عاقبُ الأزمانِ قد أراني هناكَ حقَّ مَكينٍ ... عند ذي التاج مجلسي ومكاني وعلّق الفراهي هنا أيضاً في حاشية نسخته من الديوان (111): "قد أراني" أي قد كنت أراني. وهذا أوثق الشواهد. 8 - وقال الأحوص من قصيدة في شعره 218:

التفات (¬1). وأيضاً فيه خطاب إلى غير ذوي العقول). وقال امرؤ القيس: وغيثٍ من الوسميِّ حُوٍّ نباتُه ... تبطّنتُه بشيظَمٍ صَلَتانِ (¬2) [وقال زُهير بن أبي سُلمى: وغيثٍ من الوسميّ حُوٍّ تِلاعُه ... أجابت روابيه النِّجا وهوَاطِلُهْ (¬3) ¬

_ = نزل المشيبُ فما له تحويلُ ... ومضى الشبابُ فما إليه سبيلُ ولقد أراني والشباب يقودني ... ورداؤه حسنٌ عليّ جميلُ 9 - وقال دريد بن الصمة من أبيات في حماسة البحتري 26: وإنّني رابني قَيدٌ حُبِستُ به ... وقد أكون وما يُمشى على أثَري 10 - وقال عدي بن زيد العبادي من أبيات في حماسة البحتري (180) أيضاً: ولقد يُصاحبني الشبابُ فلم أكن ... آتي به إلا الفعَال الأصوَبا وقد لحظ ذلك "بعض النحويين" فذكر- كما حكى عنه أبو حيان في البحر (2: 21) "أن مما يصرف المضارع إلى الماضي: قد، في بعض المواضع"، ومنه {قد يعلم ما أنتم عليه}، {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك}، {قد يعلم الله المعوقين منكم} وقال الشاعر: لعمري لقومٌ قد نرى أمس فيهم ... مرابطَ للأمهار والعَكَرِ الدَّثِرْ قلت: البيت لامرئ القيس والاستدلال به صحيح، ومنه قوله تعالى: {قد نرى تَقَلُّبُ وَجْهِكَ في السَّمَاء} انظر العكبري 1: 125، أما الآيات الثلاث السابقة فالأظهر أن (قد) فيها للتحقيق، كما سيأتي تحت كلمة (حرد). (¬1) انظر أساليب القرآن: 19 - 24. (¬2) البيت من قصيدة في ديوانه: 87. ويروى: حُوٍّ تلاعُه. الغيث: أراد به الكلأ. الوسمي: أول المطر. تبطنتُه: سلكتُ بطنَه وسِرتُ فيه. الشيظم: الطويل الجسيم الفتي الرائع، يعني الفرس. الصلتان: النشيط الحديد الفؤاد. (¬3) البيت من قصيدة في ديوانه (ثعلب): 103 و (الأعلم): 47 وصلة البيت بعده: هبطتُ بممسود النواشر سابحٍ ... مُمَرٍّ أسيلِ الخدّ نَهْدٍ مراكلُه قال الأعلم: التلاع: مجاري الماء من أعلى الأرض إلى بطن الوادي. النجاء جمع نَجوة: وهي المرتفع من الأرض. وقصر النجا ضرورة، وهي تبيين للروابي كالنعت. الهواطِل: جمع هاطلة وهي سحابة يدوم ماؤها في لين. أي أجابت روابيه النجاء بالنبت، وأجابت هواطله بالمطر.

وأيضاً (¬1): فقال: شياهٌ راتعاتٌ بقفرةٍ ... بمستأسِد القُريانِ حُوٍّ مسايلُهْ] (¬2) من معنى التفاف النبات استعير للإنسان الغضّ البادن (¬3)، كما في قول تأبط شرّاً (¬4): مُسبِلٌ في الحيّ أحوى رِفَلُّ ... وإذا يغزو فسِمْعٌ أزلُّ (¬5) ¬

_ (¬1) من قصيدته السابقة انظر ديوانه (ثعلب): 105 و (الأعلم): 50. فقال: أي الغلام والشياه هنا: الأتُن. المستأسد: ما طال وعظم وقوي من النبات. والقُريان مجاري الماء إلى الرياض، مفردها: القَريّ. (¬2) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من تعليقات المؤلف على حاشية نسخته من شعراء النصرانية: 576، 577. (¬3) لم تذكر المعاجم هذا المعنى. وقد فسّر الأخفش الأصغر قول مالك بن حريم الهمداني من قصيدة له في الاختيارين 231: وأقبلَ إخوانُ الصفاء فأوضَعوا ... إلى كلِّ أحوى في المقامة أفرعَا فقال: "إلى كل أحوى أي: أسود الرأس، شابّ". ويصحّ أن يكون معنى الأحوى في هذا البيت ما ذكره المؤلف. وكثيراً ما يصفون الظبي بالحوّة، كما في قول الشاعر: فما أمُّ أحوى قد تحمَّمَ رَوقُه ... تراعي به سِدراً وضالاً تناسِقُهْ أنشده ابن الأنباري في الأضداد (352) وقال في تفسيره: "أراد بالأحوى الذي قد اخضرّ موضع الزغَب منه والشعر". وقال نفسه في شرح قول طرفة من معلقته: وفي الحيّ أحوى ينفض المرد شادِنٌ ... مظاهرُ سِمطَي لؤلؤ وزبَرجَدِ "إن الأحوى ظبي له خطتان من سواد" انظر شرح القصائد السبع له: 139. (¬4) هو ثابت بن جابر الفَهمي من قيس عَيلان، أحد أغربة العرب والشعراء الصعاليك في الجاهلية. أسماء المغتالين: 215 - 216. ابن قتيبة: 312 - 314، شرح المفضليات للأنباري: 1 - 2. الأغاني 21: 144 - 196، الخزانة: 1: 137 - 139. والصواب -كما سيأتي- أن هذا الشعر لابن أخت تأبط شراً، وقد سمّاه البكري في اللآلي: 919 "خُفاف بن نضلة". وفي التيجان (243): الهجّال. (¬5) البيت من لاميّة اختلفوا في نسبتها، فنسبوها إلى تأبط شراً، وابن أخته، والشنفرى وخلف الأحمر. وأوّل من نسبها إلى خلَف دِعبل الخزاعي الذي حكى عنه ابن المعتز في طبقاته (147) أنّ خلفاً أقرّ له بأنه هو الذي قالها. وتبعه ابن قتيبة (الشعراء 790) =

............................ ¬

_ = وصوّبه المرزوقي (شرح الحماسة 273) وغيره. وقال الخالديان بعد إيراد القصيدة للشنفرى: "وقد زعم قوم من العلماء أن الشعر الذي كتبناه للشنفرى هو لخلف الأحمر، وهذا غلط ... " (الأشباه 2: 115 - 116). واستدلّ أبو عبد الله النمري على كونها لخلف بقوله فيها: جلّ حتى دقّ فيه الأجلُّ "فإن الأعرابي لا يكاد يتغلغل إلى مثل هذا". وردّ عليه أبو محمد الأعرابي الغندجاني، ثم نقل عن شيخه أبي الندى أنه احتجّ على كون الشعر مولّداً بأنه ذكر فيه سَلعاً وهو بالمدينة، وإنما قتل تأبط شراً في بلاد هذيل. (إصلاح ما غلط فيه النمري: 109) وقول أبي محمد مردود فإنّ سلعاً جبل في بلاد هذيل أيضاً وقد ذكره البرَيق الهذلي في شعره (البلدان 3: 237). والقصيدة في التيجان: 246، وشرح الحماسة للمرزوقي: 273 والتبريزي 2: 161 - 164 وأشباه الخالديين 2: 113 - 114، والبيت وحده في اللسان (زلل). وقد نشر الأستاذ محمود شاكر مقالة نفيسة عن هذه القصيدة في مجلة المجلة في نحو 127 صفحة بعنوان "نمط صعب ونمط مخيف"، استوعب فيها الكلام على نسبة القصيدة وبحرها، وأفصح عن المنهج الصحيح لدراسة الشعر الجاهلي، ثم شرح القصيدة شرحاً لا نظير له. أما نسبة القصيدة، فقد "قطعت جهيزة قول كل خطيب". وخلاصة بحثه أنها قصيدة جاهلية محضة، والراجح أنها لابن أخت تأبط شرا، ولا يصح قطعاً أن يكون شيء منها لخلف الأحمر. وأحبّ أن أنقل هنا من أواخر كلامه لخطورة القضية، ولاغترار الناس بما تناقلته الكتب من غير تمحيص، ولأن البحث المشار إليه لم يُنشر كتاباً برأسه، فلم يقف عليه كثير من الباحثين. يقول الأستاذ محمود شاكر: " ... ومحمد بن سلام في كتاب طبقات فحول الشعراء (ص: 40) قد أوضح هذه القضية كلّ الإيضاح، فقال، وذكر المنحول من الشعر: "وليس يشكل على أهل العلم زيادة الرواة ولا ما وضعوا، ولا ما وضع المولدون. إنما عضل بهم أن يقول الرجل من أصل البادية من ولد الشعراء، أو الرجل ليس من ولدهم، فيشكل ذلك بعض الإشكال". وإذن، فما وضعه الرواة، أو معاصروهم، من شعر قالوه هم، ثم نسبوه إلى شعراء الجاهلية، ليس مما يشكل على أهل العلم تمييزه، مهما بلغ من إتقان الرواية فيما صنع من الشعر. وهذه قضية يصححها العقل بالتأمل، ولا يمكن أن يؤتى عالم بالشعر من هذه الناحية، إلاّ إذا كان غير حقيق بعلمه. أفتظن بعد هذا، أنه ممكن أن يضع خلَف شعراً مصنوعاً، ثم ينسبه إلى جاهلي، وبينهما نحو مائتي سنة، مع شدة اختلاف النشأة، =

ومن شواهد الأحوى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ومع تبدل الزمان، ويسير هذا المصنوع في رواة الكوفة والبصرة. ويعرفه الجاحظ وأبو تمام، وهما من هما، ويعرفه أيضاً من لا نعلم من أئمة نقد الشعر في عصر الرواية وشيوخها، ثم يجوز عليهم هذا الشعر المصنوع، كما يظن القفطي (صاحب التحف والنوادر!؟) ثم ماذا؟ ثم لا يكون فيهم من يميّز ذلك، حتى يحتاج الأمر، بعد زمان من سيرورة الشعر فيهم، إلى أن يقرّ خلَف شيخ البصرة، لدعبل الفتى الكوفي، بأنه هو الذي وضعه وصنعه!! أي سخف هذا؟ ولو كان الأمر في بيت أو بيتين، لقلنا: عسى أن يكون! أما في قصيدة تامة كهذا فلا، ولا كرامة! ... ". أما معنى البيت فقد فسّره الأستاذ محمود شاكر على أن الصفات المذكورة في الصدر صفات الفرس "فالشاعر مثّل صاحبه في الشطر الأول -وهو في الحي- فرساً أحوى من الجياد العتاق ذيّالاً يرفل من خيلائه وزهوه ومثّله في الشطر الثاني، إذا فارق حيّه في غاراته، سِمعاً أزلّ سريع الخطفة، لا تفلت فرائسه" والسمع: ولد الذئب من الضبع، فيما يزعمون، والأزل: الأرسح الخفيف الوركين، وهي صفة لازمة للذئب. قلت: كنت نقلتُ كلام الأستاذ هذا من صفحات مجلة المجلة قبل أكثر من عشر سنوات. وقد نشر البحث بأخرة في صورة كتاب عام 1416 هـ. ومن شواهد الأحوى: 1 - قول الأسوَد بن يعفُر النهشَلي -جاهلي- من قصيدة له في المفضليات (219): ولَقَد غَدوتُ لعازِبٍ مُتناذَرٍ ... أحوَى المذانبِ مُؤنقِ الرُوّادِ عازب: بعيد، أراد مكاناً. متناذر: يتناذره الناس لخوفه. المِذنَب: المسيل بين تلعتين. المؤنق: المعجب. 2 - وقال أبو دُواد الإيادي: عَبَق الكِباءُ بهنّ كلَّ عَشيَّةٍ ... وغَمَرنَ ما يلبَسْنَ غيرَ جِمادِ كرِكٌ كلَون التين أحوى يانعٌ ... متراكبُ الأكمامِ، غيرَ صَوادِ انظر شعره في الدراسات: 311. الكِباءُ: ضرب من العود والمدخنة. الجِماد: ضرب من البرود. غَمَرنَ: زَعفَرنَ ثيابهن. كرِك: أحمر، يعنى الجِماد، فإن لونه أحمر كالتين الطرِيّ الناضج حين يكون متراكب الأكمام. 3 - وقال الطفيل الغنوي، وهو جاهلي، من قصيدة في ديوانه (85): نشُقّ العِهادَ الحُوَّ لم تُرعَ قبلَنا ... كما شُقَّ بالمُوسى السَّنام المُفَلَّعُ العَهد: مطَر بعدَ مطر والجمع: عِهاد، وأراد أرضاً أصابتها العِهادُ. المفلَّع بالفاء مِن فَلَّعَ الشيءَ: شقَّه. انظر اللسان (فلع). =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ =4 - وقال دُرَيد بن الصِّمَّةِ الجُشَمي ... من قصيدة في ديوانه 56: وَغَيثٍ منَ الوَسْمِيِّ حُوٍّ تلاعُه ... عَلَتْه جُمادَى بِالْبَوَارِقِ وَالرَّعْدِ تَبطَّنْتُه تَعْدُو بِبَزِّيَ نَهْدَةٌ ... جُلاَلةُ مَا بَينَ الشَّرَاسِيفِ وَاللِّبدِ البَزّ: السلاح. جُلالة: عظيمة. الشراسيف: أطراف أضلاع الصدر التي تشرف على البطن. 5 - وقال الحُطيئَة من قصيدة في ديوانه 180: بِمُسْتَأسِدِ الْقُريَانِ حُوٍّ تِلاعُهُ ... فَنُوَّارُهُ مِيلٌ إلَى الشَمْسِ زَاهِرُهْ ويروى: "حُوٍّ نباتُه". النُّوَّار: النَّور وهو الزهر. زاهرة: ما زهَر منه. 6 - وقال ذو الرُّمَّةِ من قصيدة في ديوانه: 724: جَرى الإسْحِلُ الأحوى بِطَفْلٍ مُطَرَّفٍ ... عَلَى الزُّهْرِ مِنْ أَنيْابِها، فَهْيَ نُصَّعُ طَفلٍ: يعني بنانا رخصا ناعما. مُطَرَّف: مخضوبة الأطراف بالحِنّاء. الزُّهر: البيض نُصَّعٌ: شديدات البياض. 7 - وقال أيضاً في صفة روضة من قصيدة في ديوانه 399: حَوَّاءُ قَرْحَاءُ أشراطيَّةٌ وَكَفَتْ ... فِيها الذهاب وَحَفَّتْهَا البَرَاعِيمُ قَرحَاء: فيها نَور وزهر أبيض كقُرحة الفرس وهي: بياض في وجه الفرس. أشرَاطِية: مُطرت بنوء الشَّرطين وهما نجمان من الحَمَل. الذِّهاب: جمع الذِّهْبَة وهي المطرة الضعيفة. وَكَفَت: قَطَرت. حَفَّتها: أحاطت بها. 8 - وَقَالَ البَعِيثُ يهجو جَرِيراً وهو مطلع قصيدة له في النقائض 108: أأنْ أَمْرَعَتْ مِعْزَى عَطيَّةَ وَارْتَعَتْ ... تِلاَعاً مِنَ الْمَرُّوتِ أحْوَى جَمِيمُهَا أمْرَعَتْ: أخصبت. عطيّة: أبو جرير. المَرُّوت: من بلاد بني تميم. و- وقال الرَّاعي النُّميرِي من قصيدة في ديوانه 36: وَتَرعَى القَرارَ الحُوَّ حَيْثُ تَجاوَبَتْ ... مَذَاكٍ وأبكارٌ مِنَ الْمُزْنِ دُلَّحُ أساس البلاغة: 144 (ذكى) وفي اللسان (ذكا): الجوّ، تصحيف. ورواية الديوان: رعين قرار المزن. مذاكي السحاب: التي مطرت مرة بعد أخرى. دُلَّح: مثقلة بالماء. 10 - وقال مُزاحِم العُقَيلي: كأحقبَ مِن وَحشِ الغُمير بمتنِه ... ولِيتَيه مِن عَضّ العِيارِ كُدومُ أطاع له بالمِذْنَبَينِ وكَتنَةٍ ... نَصيٌّ وَأحوَى دُخَّلٌ وَجَميمُ انظر معجم البكري: 1004 (الغمير) وفيه تصحيف. الغمير والمذنبان وكتنة: مواضع في بلاد بني عُقيل. أحقب: يريد الحمار الوحشي. الكُدوم: آثار العَضّ. =

(7) الإسلام

(7) الإسلام معناه ظاهر بيّن، وهو الطاعة والخضوع. ولكن القرآن رفع هذه الكلمة فخصَّها لطاعةِ الله (¬1)، مثلَ كلمةِ "الدين"، فإنه الطاعة في أصل اللغة، وقد استعملَه العربُ لِطاعَةِ الله. ثم لهذا المعنى وجوه، ونتائج، وتأريخ. والقرآن دَلَّ على كل ذلك. فنذكر ما يتعلق بهذه الكلمة من وجوهها: ¬

_ = النصيّ: نبت معروف ما دام رطباً، دخّل: نبت قد دخل بعضه في بعض من التفافه. الجميم من النبات: الذي طال بعض الطول ولم يتمّ. 11 - وقال البُريق الهذَلي من قصيدة رواها الأصمعي لعامر بن سدوس (أشعار الهذليين: 750، 828). نَشقُّ التلاعَ الحُوَّ لم تُرعَ قبلَنا ... لَنا الصارخُ الحُثحوثُ والنعَم الدَّثْرُ الصارخ الحثحوث: المغيث السريع إلى من دعاه. الدثر: الكثير. 12 - وقال الراجز (البيان 3: 53): هذا وُرودُ بُزَّلٍ وسُدُسِ يُغلِي بها كلُّ مُسيمٍ مُرغِسِ رُدَّتْ من الغورِ وأكناف الرَّسي مِن عُشُبٍ أحوَى وحَمْضٍ مُورسِ سُدُس: واحدتها سَديس: الذي أتت عليه السادسة. مُرغِس: الذي ينعم إبله. الحمض: كل نبات لا يهيج في الربيع ويبقى على القيظ وفيه ملوحة، إذا أكلته الإبل شربت عليه، وإذا لم تجده رقّتْ وضعفت. قاله الليث. مورس: أصفر. 13 - وقال آخر يصف إبلاً ملأها شحمةً عشبُ أرضٍ نبتَ بنوء الأسد: طَرمَحَ أقطارَها أحوى لوالدةٍ ... صحماءَ والفحلُ للضرغام ينتسبُ اللسان (طرمح) طرمَحَ: رَفعَ. صحماء: سوداء، يعني السحابة. 14 - وقال آخر (المقاييس واللسان - دخل): تباشيرُ أحوى دُخَّلٍ وجميمِ (¬1) في الأصل: "لطاعته" وصوابه من المطبوعة.

(1) الإسلام هو العبودية، وهو تسليم النفس لرضى الله تعالى بالكلية، وبه يتقرَّبُ العبدُ إلى مولاه، ويَرْفَعُ منزلتَه حسبَ كمالِه في الإسلام. قال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) ووصَّى بها} أي بملة الإسلام {إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} أي وصى بها يعقوب بنيه قائلين لأبنائهما {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} أي القيام بالدين وخدمته وتعليمه للناس {فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (¬1). (2) فذكر هاهنا طرفاً من تاريخ الإسلام، وهو عهده بالله على القيام به ووصيَّته لذريته، أي جعلهم الله أمة مخصوصة لخدمة الدين. وهذا هو معنى الإسلام لله. (3) ويقرب منه معنى "القربان" و "النذر" كما يتبين لك من القرآن حيث ذكر طرفا آخر من تاريخ إسلام إبراهيم عليه السلام، ودَلَّ على كمال معنى الإسلام وسماه "إحساناً"، فقال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (¬2). فهذا هو كمال الإسلام المسمى بالإحسان. (4) ثم ذكر طرفاً آخر من إسلام إبراهيم عليه السلام حين دعا لأمة مسلمة وارثة لملّته، ولأن يبعث فيهم نبيّاً منهم كما قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} قائلين {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} هاهنا "علينا" من جانب تلك الأمة، وكذلك قوله ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآيات: 130 - 132. (¬2) سورة الصافات، الآيات: 103 - 105.

{وَأرِنَا مَنَاسِكَنَا} أي أرِ هذه الأمة بوسيلة نبيّ منهم، كما صرَّحَ بذلك فقال: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬1). وَلْيُعلمْ أن هذه الأمور ليست وقائعَ متبدِّدة، بل كلُّ ذلك يجتمع حول نقطة واحدة: وهي واقعة القربان. وحفظها الله بشريعة الحجّ ومناسكه، لنعلمَ تاريخَ القربانِ وإسلام إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام. وأخبر الله عن حالة الذين حقّقوا حجهم بقوله عز من قائل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (¬2). فإسلام النفس لمرضاة الله هو معنى الحج والإسلام (¬3). (5) ثم عَلَّمَنَا اللهُ تعالى سعة معنى هذا الإسلام حيث قال: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (¬4). فَدَلَّ على أربعة أمور: الأول أن كل شيء أسْلَمَ لله. والثاني أن كلهم يرجعون إليه، وهذا لازم للإسلام، فإن رجعوا إلى غيره كان الإسلام باطلاً، فدَلَّ على المعاد. والثالث أن الإسلام يتحقق بإطاعة رسله، لما يظهر من سياق هذه الآية. والرابع أن الإسلام لا اختلاف فيه، فإن كلهم أسلموا لله، فدينُهم واحد، فلا مُشاجَرة فيه، كما صرح في قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآيات: 127 - 129. (¬2) سورة البقرة، الآية: 207. (¬3) وانظر مقدمة "الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح"، والفصل العاشر من تفسير سورة الكوثر للمؤلف. (¬4) سورة آل عمران، الآية: 83.

فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (¬1). (6) هذا. ثم دل فيه على طرف آخر من معنى الإسلام، وهو السِّلم كما صرح به في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} (¬2) الخ. (7) ثم الإسلامُ يُنافي الشركَ. فالمسلمُ هو الموحّدُ، لأنَّ من أشرَكَ بالله لم يُسلِمْ نفسَه لله تعالى. قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (¬3). أي أنتم لستم بمسلمين. فأنتم خلاف ملة إبراهيم الذي وصَّى بَنِيه بالإسلام، كما مرّ. ولذلك قال بعد آيتين: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (¬4). فبيّن معنى الإسلام. ويشبه هذه الآيات قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} أي تولى عن الشرك، وأقبل إلى ربه كالعبد {وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬5). ¬

_ (¬1) سورة آل عمران، الآيتان: 19 - 20. (¬2) سورة البقرة، الآية: 208. (¬3) سورة آل عمران، الآية: 64. (¬4) سورة آل عمران، الآية: 67. (¬5) سورة البقرة، الآية: 112.

(8) إلا

"وهو محسن" أي أحسن إسلامه بالاستقامة وبالأعمال الصالحة ورضى القلب. فدَلَّ على تمام معناه، لا على أمر زائد، فإن من أسلم وجهه لله لا بد أن يكون محسناً. وفي هذا التوضيح فائدتان: الأولى بيان أن العمل الحسن يلزم الإسلام. والثانية أن البقاء على الإسلام لازم. فمن أسلم مرة فكأنه عاهد بالطاعة. ولذلك قال تعالى: {فلا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون} (¬1). (8) إلاَّ (¬2) لها استعمالات: قال في سورة الصافات: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} (¬3). وقال فيها أيضاً: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} (¬4). أي لقد ضلَّ قبلهم أكثر الأولين إلاّ ... (¬5). ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 132. (¬2) لا توجد هذه الكلمة في المطبوعة. ولعلها حذفت لنقصانها الظاهر. (¬3) سورة الصافات، الآيات: 38 - 41 يفهم من كلام المؤلف فيما يأتي أن قوله تعالى: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} متصل عنده بقوله {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ}، والاستثناء منقطع. (¬4) سورة الصافات، الآيات: 71 - 74. (¬5) يعني أن الآيتين 72 - 73 معترضتان، والاستثناء منقطع. وهو عند غيره متصل وقد استثني من (المنذرين). انظر مجاز القرآن 2: 171 والطبري 23: 66 والزمخشري 4: 47.

(9) أن

(9) أنْ لها استعمالات: (1) تُقدَّر قبلها لامُ العلّة: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} (¬1) أيضاً: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} (¬2). أي لأن رآه استغنى. أيضاً: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (¬3). أيضاً: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ} (¬4). أي لأن تؤمنوا. أيضاً: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} (¬5) والعلة تُراعَى وجوداً وعدماً، كقول عمرو (¬6): ¬

_ (¬1) سورة الزخرف، الآية: 5. (¬2) سورة العلق، الآيتان: 6 - 7. (¬3) سورة البقرة، الآية: 282. (¬4) سورة الممتحنة، الآية: 1. (¬5) سورة الأنعام، الآية: 131. (¬6) هو عمرو بن كلثوم التغلبي، سيّد فارس من شعراء المعلقات. وأمه ليلى بنت مُهَلْهِل بن ربيعة التغلبي. =

فَعَجَّلْنَا الْقِرَى أنْ تَشْتِمُونَا (¬1) أي لِشتمِكم، ومعناه: لئلا تشتِمونا، كما تقول: هذا دواء للحمى، أي لدفع الحمى (¬2). ومنه قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} (¬3). لحاظاً لضلالتكم، أي لكيلا تضلوا. وكذلك: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} (¬4). وكذلك: {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} (¬5). أيضاً: ¬

_ = ابن سلام: 151، ابن قتيبة: 234 - 236، الأغاني 11:46 - 54، الآمدي: 232، المرزباني: 6 - 7. (¬1) صدره: نَزَلْتُمْ مَنزِلَ الْأَضْيَافِ مِنَّا والبيت من معلقته شرح ابن الأنباري: 420، والتبريزي: 361 وجمهرة الأشعار: 412 والبيت وحده في الأضداد لابن الأنباري: 31 والمغني: 55. فَعَجَّلنَا: في الأصل والمطبوعة: "وعجلنا" والتصحيح من المصادر. والبيت تهكم واستهزاء، يعني بتعجيل القرى الإيقاع بهم. (¬2) أدرك المؤلف رحمه الله كُنهَ المسألة، وطبَّق المفصلَ. وقال غيره إن "أن" في مثل هذا الموضع بمعنى "لِئَلاَّ"، أو حذف قبلها "كراهية" أو "مخافة"، أو على إضمار "لام" قبل أن و "لا" بعدها، ثم جعلها بعضهم من الأضداد. انظر الأزهية: 64، والرصف: 117، والمغني: 55، والأضداد: 311. (¬3) سورة النساء، الآية: 176. (¬4) سورة المائدة، الآية: 19. (¬5) سورة الأنعام، الآية: 70.

{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} (¬1). أيضاً: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} (¬2). ودل القرآن على تضمن النفي حيث جاء: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} (¬3). فلولا تضمنت "أن" نفياً لما اتبعت بالنفي (¬4). وكذلك: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} (¬5). فلولا تضمنت نفياً لما أُتبِعت بقوله "أبداً" (¬6). (2) و "عن" الجارّة: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} (¬7). وأيضاً: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ} (¬8). ¬

_ (¬1) سورة النحل، الآية: 15. (¬2) سورة الأنبياء، الآية: 31. (¬3) سورة فصلت، الآية: 22. (¬4) النفي في (ولا أبصاركم) متعلق بالنفي في (وما كنتم). (¬5) سورة النور، الآية: 17. (¬6) لا تستلزم (أبداً) النفي، قال تعالى: {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا} سورة الممتحنة، الآية: 4. (¬7) سورة الممتحنة، الآية: 8. {أَن تبروهم} بدل من {الذين لم يقاتلوكم ... } انظر الكشاف 4: 516 والبحر 8: 255. (¬8) سورة الممتحنة، الآية: 9. {أَن تَوَلَّوْهُمْ} بدل من {الذين قاتلوكم ... } انظر الكشاف 4: 516 والبحر 8: 255.

أيضاً: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} (¬1). أيضاً: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (¬2). أيضاً: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ} (¬3) الآية. (3) و"مِنْ": {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} (¬4). أي عجبوا من أن ... (4) وباء الجر: {وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (¬5). وأيضاً: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬6). ¬

_ (¬1) سورة النساء، الآية: 172. (¬2) سورة الأنعام، الآية: 56، سورة غافر، الآية: 66. (¬3) سورة التوبة، الآية: 54. وتمام الآية. {إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ}. (¬4) سورة ق، الآية: 2. (¬5) سورة الأحزاب، الآية: 37. (¬6) سورة آل عمران، الآيتان: 170 - 171. {ألاَّ خوفٌ عليهم} بدل من "الذين". انظر الكشاف 1: 4، والبحر 3: 115.

(5) و"على": {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} (¬1). أي على أن تعتدوا، كما قال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} (¬2). أيضاً: {وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ} (¬3). (6) "أن" تأتي للبيان كقوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (¬4). أيضاً: {وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} (¬5). فإن أردت قدّرت "بأن صدُّوكم" أيضاً، و "حَزَناً على ألا يجدوا" ولعل منه: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (¬6). (7) يُقدَّر قبلها أيضاً ما هي بيانه، مثلاً: ¬

_ (¬1) سورة المائدة، الآية: 2. (¬2) سورة المائدة، الآية: 8. (¬3) سورة هود، الآية: 89. (¬4) سورة المائدة، الآية: 2. (¬5) سورة التوبة، الآية: 92. (¬6) سورة الفتح، الآية: 25. انظر الكشاف 342:4 والبحر 8: 98 قالا: {أَن تَطَئُوهُم} بدل اشتمال من {رِجَالٌ} أو من الضمير المنصوب "هم" في {لم تعلموهم}، والأول هو الراجح.

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا} (¬1). أي قائلاً وآمراً أن لا تشركْ أو بأن لا تشرك. أيضا: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} (¬2). أي تأمرك بأن تقول لنا أو تأمرنا أن ... ولعل منه: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} (¬3). أي وأمرك أن لا تسجد (¬4). ولعل منه: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} (¬5) الآية. أي وتخافون، أو مخافة أن ... ومن (1) (¬6): {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} (¬7). وأيضاً: ¬

_ (¬1) سورة الحج، الآية: 26. انظر الكشاف 3: 152. (¬2) سورة هود، الآية: 87. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 12. (¬4) قال الطبري 12:324 - 326 "والصواب عندي من القول في ذلك أن يقال: إن في الكلام محذوفاً قد كفى دليل الظاهر منه، وهو أن معناه: ما منعك من السجود فأحوجك أن لا تسجد، فترك ذكر "أحوجك"، استغناء بمعرفة السامعين قوله: {إلا إبليس لم يكن من الساجدين} أن ذلك معنى الكلام، من ذكره" وانظر كلمة "لا" تحت رقم 39، والأساليب: 9، 29. (¬5) سورة فصلت، الآية: 22. وانظر ما سبق في الوجه الأول من وجوه استعمال (أن). (¬6) أي من الوجهِ الأول وهو أن تقدر قبلها لام العلة. (¬7) سورة غافر، الآية: 28.

(10) الإيمان

{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (¬1). أيضاً: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا} (¬2) ومن السابع: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا} (¬3). أي ملهِمين أو مبشرين بأن لا تخافوا. ومن البيان قوله تعالى: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) ألاَّ تَتَّبِعَنِ} (¬4). ومنه: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} (¬5) (10) الإيمان هو من الأمن، فالإيمان هو: الاعتماد، ومن هاهنا: "آمَنَ بهِ" (¬6): أيقن به. ¬

_ (¬1) سورة العنكبوت، الآية: 2. (¬2) سورة الروم، الآية: 10. (¬3) سورة فصلت، الآية: 30. (¬4) سورة طه، الآية: 92. و "لا" هنا مثلها في آية الأعراف التي مضت في رقم 7، وقدّر فيها قبل "أن": وأمرك - (ج). وتأويله هنا أصحّ مما سبق، فينبغي أن يقال هناك مثل ما قيل هنا- (ن). (¬5) سورة المائدة، الآية: 80. وانظر الكشاف 1: 667 والبحر 3: 541. (¬6) زاد هنا في المطبوعة: "صدّقه، و".

[والفرق بين "الإيمان" و "الإيقان" أن "الإيمان": تصديق وتسليم، وضده: التكذيب، والجحود، والكفر. و "الإيقان" ضده: الظن والشك. فليس كلُّ مَن أيقن صَدَّقَ، بل ربّما (¬1) يكذّب المرءُ عُتوّاً ومكابرةً وقد أيقن بالشيء، كما حكى الله تعالى عن فرعون وقومه: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (¬2). وكذلك ليس كلُّ من آمن فقد أيقن، فربَّما يؤمنُ الرجلُ بغلبة الظنِّ، ثمَّ يوفقه اللهُ، فيخرج عن الظن، ولكن لا يكمل الإيمان إلا بالإيقان. فالإيمان جزءان: علم وتسليم، وبكمالهما يكمل] (¬3). و"آمَنَ لَه": أذعن لقوله. ["آمَنَه": أعطاه الأمن] (¬4) فهذا هو الأصل لغةً. [وهو اصطلاح ديني (¬5) قديم. في العبرانية؟؟؟؟ (أمن) معناه: الصدق والاعتماد، والمتعدي منه: إيمان وتصديق وتثبّت. ومنه؟؟؟؟ (آمين) (¬6) كلمة تصديق] (¬7). ¬

_ (¬1) في المطبوعة: "إنما"، وهو خطأ مطبعي. (¬2) سورة النمل، الآيتان: 13 - 14. (¬3) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من تفسير سورة البقرة: 24. وانظر تفسير سورة العصر، الفصل التاسع. (¬4) زيادة في المطبوعة من تفسير سورة البقرة: 22 وسياق الكلام هناك: "الإيمان يطلق على وجوه: 1 - آمنه: أعطاه الأمن.2 - آمن له: أذعن له.3 - آمن به: صدّق به". (¬5) سقط من المطبوعة: "اصطلاح ديني" و "تثبت". وأراد بالتثبت: الثبات. (¬6) وردت كلمة آمين 12 مرة في سفر التثنية 27: 15 - 26. وانظر نحمياه 5: 13 ويرمياه 11: 5 و 28: 6. (¬7) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من تفسير سورة العصر: 10. في المعجم الكبير (1: 508): "أمن" مادة واسعة التصرف والاستعمال في العربية الجنوبية القديمة والحبشية والعبرية والآرامية، تدل على الثبات والطمأنينة.

(11) تنازع

ثم علّمنا القرآنُ فروعَ هذا الأصل: (1) فمنها أن المؤمن لا بد أن يتوكل على الله، كما قال تعالى: {زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (¬1). (2) ومنها أن الإيمان لكونه جزماً واعتقاداً لا بد أن يسوق إلى العمل، كما قال تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (¬2). (11) تنازع قد تبدّل معناه (¬3). وفي الصحيح التنازع هو التداول والجذب عموماً. ويستعمل للكأس والحديث. في القرآن: ¬

_ (¬1) سورة الأنفال، الآية: 2، وأول الآية {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}. (¬2) سورة البقرة، الآية: 3. وانظر تفسير سورة العصر للمؤلف: 10. (¬3) يعني أن معنى الخلاف والتخاصم غلب على معنى التداول والتجاذب. فزعم أبو حيان (البحر 254:6) أن "التنازع يقتضي الاختلاف". ثم دخلت الكلمة في الفارسية والأردية، بعدما تجردت عن أصلها، فصارت محصورة في معنى الخلاف والخصام. فأخطأ بعض المفسرين والمترجمين لمعاني القرآن الكريم، وجعلوا التنازع بمعنى التخاصم في الموضع الذي هو فيه بمعنى التداول لا غير. ومن أسلوب القرآن الكريم أن التنازع إذا أريد به الجذب والتداول، تعدّى إلى مفعوله بنفسه، وكان مذكوراً، كما في الآيات التي استشهد بها المؤلف. أما إذا كان بمعنى الخصام والاختلاف فيتعدى إليه بحرف الجرّ (في) كما في قوله تعالى [آل عمران: 152]: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} وقوله تعالى [النساء: 59]: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} وقوله تعالى [الأنفال: 43]: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} وقوله تعالى [الحج: 67]: {فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ} أو يحذف المفعول به، كما في قوله تعالى [الأنفال: 46]: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا}.

{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} (¬1). أيضاً: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} (¬2). أيضاً: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الطور، الآية: 23. وأخطأ في ترجمة التنازع في هذه الآية الشيخ عبد القادر الدهلوي رحمه الله انظر ترجمته لمعاني القرآن: 630. (¬2) سورة طه، الآية: 62. قال الزمخشري (الكشاف 3: 72): "والظاهر أنهم تشاوروا في السرّ وتجاذبوا أهداب القول، ثم قالوا: إن هذان لساحران ... " فردّ عليه أبو حيان لما أخطأ في معنى التنازع، وقال (البحر 6: 255): "والأظهر أن تلك قيلت علانية. ولو كان تناجيهم ذلك لم يكن ثَمّ تنازع". (¬3) سورة الكهف، الآية: 21. ومن شواهد التنازع والنزاع بمعنى تجاذب أطراف الحديث قول امرئ القيس من قصيدة (ديوانه: 32): فلما تنازعنا الحديثَ وأسمحَتْ ... هَصَرتُ بغصن ذى شماريخَ ميّالِ وقال الحادرة من قصيدة (المفضليات: 44): وإذا تنازعُكَ الحديثَ رأيتَها ... حَسَناً تبسّمُها لذيذَ المكرَعِ وقال ابن مقبل من قصيدة في ديوانه (261): ظنّي بهم كعَسَى وهم بتنوفةٍ ... يتنازعون جوائبَ الأمثالِ وقال القطامي (طبقات ابن المعتز: 199): فلما تنازَعنا الحديثَ سألتُها ... مَن الحي قالت معشر من محارب ومنه المنازعة للمصافحة. قال الراعي النميري من قصيدة (ديوانه: 82): يُنازِعْنَنا رخصَ البنانِ كأنّما ... يُنازِعننا هُدّابَ رَيطٍ مُعضَّدِ قال اللحياني: المعضّد هو الذي وشيُه في جوانبه. ومن تنازع الكأس قول الأخطل من قصيدة (شعر: 168): وشاربٍ مُربحٍ بالكأس نادمَني ... لا بالحَصورِ، ولا فيها بسَوّارِ نازعتُه طيّبَ الراحِ الشَّمول وقد ... صاح الدجاجُ وحانت وقفةُ الساري

(12) الحبك

(12) الحُبُك [الحَبْكُ هو العَقْد، كما قال أبو دُوَاد (¬1): كَأنَّ الْغُضُونَ مِنَ الْفَهْدَتَينِ ... إلىَ طَرَفِ الزَّوْرِ حَبْكُ الْعُقَدْ (¬2) ومنه: الإدماج والإحكام في النسج، ومنه الحِبَاك، وجمعه: الحُبُك للطرائق والأسِرَّة التي توجد في الثوب المحكم النسج وغيره. قال زهير بن أبي سلمى يصف ماء مرت عليه الريح، فأنشأت فيه غضوناً: مُكَلَّلٍ بِأُصولِ النَّبْتِ تنسُجُه ... رِيحٌ خَرِيقٌ لضَاحِي مَائِه حُبُكُ (¬3) ¬

_ (¬1) هو جَارِية بن الحجّاج الإيادي، شاعر جاهلي قديم وصاف للخيل. كان على خيل المندر بن ماء السماء ملك الحيرة (505 - 554 م) وكان امرؤ القيس راويته. ابن قتيبة: 237 - 240، الأغاني: 16: 249 - 301، الآمدي: 166، الخزانة: 9: 590 - 592. (¬2) البيت من ثلاثة أبيات وردت في الخيل: 76، والبيت وحده في الأساس (فهد) واللسان (فهد) وانظر شعره في الدراسات: 303 رقم 20. الغُضُون: مكاسر الجلد. الفَهدتَان: اللحمتان اللتان تكتنفان صدر الفرس. الزَّور: وسط الصدر، وقيل: ما ارتفع منه إلى الكتفين، أو ملتقى أطراف عظام الصدر حيث اجتمعت. وقال أبو عبيدة: إن مما تستحب العرب في الخيل كثرة غضون ما بين العضدين والفهدتين وباطن الذراعين والإبطين من الجلد، وذلك أسرح ليديه وأبسط لضبعيه إذا جرى. شبه الشاعر هذه الغضون بحبك العقد. ومثل حبك العقد ورد عقد الحبك. قال أبو كبير الهذلي -وهو شاعر مخضرم- يذكر تأبط شرا: مِمَّنْ حَمَلْنَ به وَهُنَّ عَواقِدٌ ... حُبُكَ النِّطَاقِ فشَبَّ غير مُهَبَّلِ الحماسة بشرح المرزوقي: 85. غير مهبل: أي محموداً لم يُدْعَ عليه بالهَبَل والثكل. هذا، وقد وجدت أخيراً بيت أبي دواد في كتاب المنجّد لكراع النمل وضبط فيه "حُبْك العَقِد"، وفسّر كراع (العقد) بما تعقد من الرمل، ولعل ذلك أشبه بالصواب. (¬3) البيت من قصيدة له في ديوانه (الأعلم): 85، والبيت وحده في المجاز 2: 385 والكامل 3: 60 والجمهرة 1: 228. واللسان (نسج، خرق، حبك، نجم). مُكَلَّلٍ بأصول النبت: قال الأعلم: يقول: هو ماء دائم لا ينقطع فالنبت قد كلَّله =

و] (¬1) قال أبو صخر (¬2): [وَمَا مُتَرَجِّزُ الآذِيِّ جَوْنٌ ... لَهُ حُبُكٌ يَطِمُّ عَلى الْجِبَالِ (¬3) قال الفراء (¬4) في قوله تعالى: {والسماء ذات الحبك} (¬5): "الحبُك تكسر كلِّ شيءٍ كالرملة إذا مرَّت عليها الريح الساكنة، والماءِ القائمِ إذا مرَّت به الريح" (¬6). ¬

_ = وأحاط به. والخريق: الشديدة. الضاحي: ما برز وظهر للشمس. (¬1) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من تفسير سورة الذاريات للمؤلف: 4 - 5. (¬2) هو عبد الله بن سَلْم السَّهْمِي، من الشعراء الهذليين في الدولة الأموية، وكان موالياً لبني مروان متعصباً لهم. وله في عبد الملك بن مروان مدائح. الأغاني 23:268 - 288، اللآلي: 399، العيني 1:162، الخزانة 3: 261 - 263. (¬3) البيت من قصيدة له في مدح عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسِيد، وكان منقطعاً إليه، وصلته بعده: تحمّل آلُ بُصرى مِن وَحاه ... وأهلُ الحَوف هَمُّوا بارتحالِ بأغزرَ مِن نَوالِ بني أسِيدٍ ... ولا قرِدُ الذُّرى واهي العزالي والقصيدة له في شرح أشعار الهذليين: 963 وانظر التمام: 219. والبيت وحده في اللسان (رجز) قال في اللسان. ترجَّزَ السحاب: إذا تحرك تحركاً بطيئاً لكثرة مائه، وغَيثٌ مُرْتَجِزٌ: ذو رعد، وكذلك مُتَرِجِّز، وأنشد بيت أبي صخر، الآذي: قال الجوهري: هو موج البحر، وقال ابن شميل: الآذي هي الأطباق التي تراها ترفعها من متنه الريح دون الموج. يَطِمُّ: يعلو ويغمر. وحاه: صوته. الغزالي جمع العزلاء وهي فم المزادة الأسفل. والقرد من السحاب: المتعقد المتلبد بعضه على بعض. (¬4) هو أبو زكريا يحيى بن زياد الديلمي الكوفي (144 - 207 هـ) إمام الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. معجم الأدباء 6:2812، ابن خلكان 6: 176، الأعلام: 8: 145، معجم المؤلفين 13: 198. (¬5) سورة الذاريات، الآية: 7. (¬6) كذا في اللسان (حبك) وفي معاني القرآن 3: 83 "بها" مكان "عليها". وانظر تفسير الآية الكريمة في تفسير سورة الذاريات للمؤلف: 4 - 5.

وفي حديث الدجّال: "إنَّ رأسه حُبُكٌ حُبُكٌ" (¬1) والسحاب يوصف بذلك، فإن الحُبُكَ فيه تجعّد قطعاتِه مثل الموج المزبِد المتراكم أو كسَبائِب القطن (¬2). قال امرؤ القيس يصف القصور الشامخات المكلَّلَة بالسحب: تُلاعِبُ أولادَ الْوُعُولِ رِبَاعُها ... دُوَينَ السَّماءِ فِي رُؤوسِ المجَادلِ مُكَلَّلَةً حمراءَ ذاتَ أسرّةٍ ... لَها حُبُكٌ كأنَّها مِنْ وَصَائِلِ (¬3) أي مكللة بسحب حمراء ذات طرائق (¬4). وهذا وصف سحاب الشتاء من جهة لونه وقطعاته (¬5). قالت الخنساء تصف السحاب الشتوي (¬6): ¬

_ (¬1) رواه هشام بن عامر. انظر المسند 4: 20، 5: 372 وانظر النهاية 1: 332 واللسان (حبك) وفي الأصل والمطبوعة: "شعره" مكان "رأسه" والتصحيح من المسند. ولفظه: "إن رأس الدجال من ورائه حبك حبك" وفي موضع آخر: "إن رأسه من بعده حبك حبك". (¬2) السبائب: جمع السَّبيبة وهي الشُّقَّةُ الرقيقة من الكتّان وغيره. (¬3) البيتان من قصيدة له في ديوانه: 96 ويمدح بها جاريةَ بن مُرّ الثُّعلِي وبني ثُعَل ويهجو خالد بن أصمع النبهاني الذي عجز عن حمايته. وصلة البيت قبله: تَبيتُ لَبُوني بالْقُرَيةِ أُمَّناً ... وَأسْرَحُها غِبّاً بأكنافِ حَائلِ بَنُو ثُعَلِ جِيرَانُها وَحُماتُها ... وتُمنع مِنْ رُمَاة سَعْدٍ ونائلِ المجَادِلُ: القصور. وقال الشارحون: إنه أراد به الجبال المرتفعة المنيعة. مُكللةً: يعني رؤوس المجادل. حمراء: أي سحابة حمراء. ذات أسرة: قال الشارحون إنها وما بعدها صفة للمكللة. وقال الفراهي يعلق على شرح البطليوسى في نسخته: 149 "ذات أسرَّة" و "لها حبك كأنها من حبائل" [وهي رواية أخرى - المحقق] و "حمراءُ" كلها صفة للسحاب. انتهى وهذا المعنى عند الأعلم أقرب وأشبه. وانظر تعليقات المؤلف التفسيرية: 424. وصائل: ضرب من الثياب الحمر المخططة. (¬4) "أي ... طرائق" ساقط من المطبوعة. (¬5) ونحوه قول ابنة وثيمة ترثي أباها: ويكون مِدْرهَنا إذا ... نزلت مجلِّحةٌ عظيمهْ واحمرّ آفاق السما ... ء ولم تقع في الأرض ديمهْ قال الجاحظ: أي اشتد البرد وقلّ المطر وكثر القحط (البيان 1:183). (¬6) الأبيات من قصيدة لها في أنيس الجلساء: 60 - 62 وصلة الأبيات قبلها: =

حِينَ الرِّيَاحُ بَلاَئِلٌ ... نكْبٌ هَوائِجُها صوَارِدْ يَنفِينَ عَنْ لِيطِ السَّمَا ... ءِ ظَلاَئلاً وَالماءُ جَامِدْ مِزَقاً تُطَرِّدُهَا الرِّيَا ... حُ كأنَّها خِرَقٌ طَرائِدْ] (¬1) ¬

_ = وَابكي لِصَخْرٍ إنَّه ... شُقَّ الفؤادُ لِمَا يكابدْ المستضاف مِنَ السِّنِيـ ... ـنَ إذا قَسا منها المحَارِدْ بلائل: ذات ندى وبرد. نُكْبٌ: جمع نَكباء، وهي الريح التي تهبّ من بين ريحين. هوائجها: ما هاج منها وثار. صوارد: باردة. لِيط السماء: وجهها. الظلائل: السحب المظلة. مِزَقا: يقال: سحاب مِزَق إذا كان متقطعاً في السماء. الخِرَق: جمع خِرْقة، وهي الجماعة من الجراد. الطرائد: التي يطاردها الريح. (¬1) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من تفسير سورة الذاريات للمؤلف. ومن شواهد الحبك: 1 - قال المُرقِّش الأكبر مِن قصيدة له في المفضليات: 230. بل عزَبَتْ في الشَّول حتى نوَتْ ... وسُوِّغت ذا حُبُكٍ كالإرَمْ في المفضليات: عزبت: تباعدت. في الشول: مع الشول وهي الإبل التي لا ألبان لها. نوَت: سمنت. الحبك: الطرائق من تجمع الوبر في السنام. يقول: ساغ لها ذلك السنام أي دام لها. كالإرم: أي كالجبل. 2 - وقال حميد بن ثور الهِلالي من قصيدة في ديوانه 114: مِن كل أبيضَ هنديٍّ وسابغةٍ ... تغشى البنانَ لها من نسجها حُبُكُ 3 - وقال نافع بن الأسود التميمي من قصيدة (شعراء إسلاميون: 104) يمدح قومه: عليهم من الماذِيِّ زَغْفٌ مضاعَفٌ ... له حُبُك من شكِّه المتلازمِ الماذي: السلاح، الحديد الجيد. الزغف: الدرع المحكمة الصغيرة الحلق. الشك: اللصوق والاتصال. 4 - وقال ذو الرمة في طرائق الرمل: رُكامٍ ترى أثباجَه حين تلتقي ... لها حبكٌ لا تختطيه الضغابسُ ديوانه: 1131. ثَبَج الرمل: معظمه وما غلظ من وسطه. لا تختطيه: لا تتخطّاه. الضغابس: ضعفاء الناس. 5 - وقال الشماخ بن ضِرار من قصيدة له في ديوانه: 282 يصف أتاناً: حتى استغاثت بجَونٍ فوقه حُبُكٌ ... تدعو هَدِيلاً به الوُرْق المثاكيلُ بجون: أي بماء جون. وفي رواية اللسان (عزهل): بأحوى.

(13) حرد

(13) حَرْد التكبر والإعجاب بالقوة (¬1). قال قَبِيصة بن النصراني الجَرْمي (¬2): إذا جِيادُ الخَيل جاءت تَردِي مملوءةً مِن غضبٍ وحَرْدِ (¬3) ¬

_ (¬1) قد اختلفوا في تفسير كلمة الحرد الواردة في سورة القلم: 25 {وغدوا على حردٍ قادرين}. فذكر اللغويون من معانيها القصد، والمنع، والغيظ، والغضب. وقال ابن الأعرابي: يجوز أن يكون هذا كله معنى قوله تعالى. وقال بعض المفسرين هو: الجِدّ والسرعة والنشاط. انظر المجاز 2: 262، ومعاني الفراء 3: 176 وإصلاح المنطق: 47 وغريب القتبي: 479، والكامل 2: 86 والقالي 1:7 والأضداد: 229. وانظر تفسير الآية في الطبري 29: 31 - 34 والكشاف 4: 591. وهذا كله استنباط من سياق الكلام. وما استنبطه المؤلف رحمه الله أقرب وأليط، كما يظهر من شواهد الكلمة في كلام العرب. وهو المعنى الكثير الورود. (¬2) من شعراء الجاهلية. وجَرم: رهط من طيئ. وجاء اسمه في مقطوعة في نشرة عسيلان 1: 358 والتذكرة السعدية 1: 133، "قبيصة بن جابر النصراني الجرمي". وفي شرح المرزوقي 2: 706 والتبريزي 2: 119: "قبيصة بن جابر" فقط، فترجم له في حاشية المرزوقي بأنه "أبو العلاء قبيصة بن جابر الأسدي ... له إدراك وصحب عمر بن الخطاب. وهو من فقهاء أهل الكوفة". وهو خطأ، فإنّ الشاعر طائي وأبو العلاء أسدي، ونقل هذا الخطأ ناشر التذكرة إلى حاشيته غير ملتفت إلى ما في أصله من نسب الشاعر (الجرمي) ولا إلى شعره الذي يشهد بطائيته وهو قوله: لنا الحصنان من أجأ وسلمى وانظر شعراء النصرانية: 1: 93 - 97. (¬3) من حماسية في شرح المرزوقي: 624، والتبريزي 2: 89، والفيضي: 243 - 244 ونسبها الأخير إلى الأعرج المعني. ويؤيده أن "الوَرد" الوارد في الرجز اسم فرس الأعرج. وأنشد الشطرين له أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي. انظر اللسان (حرد). وهما في الصحاح (حرد) دون عزو. والأعرج عدي بن عمرو بن سويد بن ريّان الطائي المعني. شاعر مخضرم. انظر المرزباني (القدسي): 251. وقبل الشطرين: =

وقال جابر بن رَأْلان السِّنْبِسي (¬1): قد يعلم القوم أنّا يومَ نجدتِهم ... لا نَتقي بالكميّ الحاردِ الأسَلا لكنْ ترى رجُلاً في إثرِه رجلٌ ... قد غادرا رجُلاً بالقاع منجدِلا (¬2) (فيه شاهد آخر، وهو: "قد يعلم" أي قد علموا وهم يعلمون) (¬3). ¬

_ = هاجرتي يا ابنة آل سَعْدِ ... أأن حلبتُ لِقحةً للوَرْدِ جهلتِ مِن عنانه الممتدِّ ... ونظَري في عِطفه الألَدِّ والردَيان: ضرب من المشي. والحرد: فسّره المرزوقي بالقصد -وهو غير ملائم لسياق الكلام- وأبو نصر بالغضب، مع أن الشاعر قد عطفه على الغضب!. (¬1) سِنْبس أبو حي من طيىء. وجابر شاعر جاهلي. انظر النوادر: 264 وعنه في الخزانة 445:8 وشرح الأبيات 1: 111. وهو أول من قال: من عزّ بزّ، وله قصة مع المنذر بن ماء السماء في الفاخر:89 وانظر المستقصى 2: 357 والميداني 2: 341. (¬2) البيتان من حماسية في شرح المرزوقي: 609 والتبريزي 2: 81. لا نتقي: أي لا نحجم فنتقي رماح الأعداء بالشجعان ولكن نتهافت ونتتابع حرصاً على القتال (المرزوقي) منجدلاً: صريعاً. وفسّر المرزوقي (الحارد) بأنه "المجتمع الخلق الشديد المهيب الذي يحسب من عزته غضبان". (¬3) إلى هذا المعنى أشار أبو حيّان في تفسير قوله تعالى في سورة الأنعام، {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} فقال في البحر (487:4): "عبّر هنا بالمضارع، إذ المراد: الاتصاف بالعلم واستمراره ولم يلحظ فيه الزمان كقولهم: هو يعطي ويمنع". وردّ على الزمخشري الذي ذهب إلى أن (قد) هنا تفيد التكثير. انظر الكشاف 2: 17. وقد جاء المضارع بعد (قد) في القرآن الكريم في ثمانية مواضع، سبعة منها مضارع (علم) وهي: الأنعام: 33 والحجر: 97 والنحل: 103 والنور: 63، 64، والأحزاب: 18. والصف: 5. والأظهر أنّ (قد) في هذه المواضع للتحقيق كما قال ابن هشام في المغني: 232. وانظر عضيمة 2: 307 - 303. ومثله قول طرَفة بن العبد من قصيدة في مختارات ابن الشجري 1: 38 (الديوان: 67). فَلَقَد تَعْلَمُ بَكرٌ أنَّنا ... وَاضِحو الأوجُهِ في الْمَحْفِل غُرُّ وَلَقَد تَعلَمُ بَكرٌ أَنَّنا ... صَادِقو البأسِ لدَى الرَّوع وُقُر أما الموضع الثامن الذي دخلت (قد) فيه على مضارع (رأى) وهو قوله تعالى في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = سورة البقرة: 144 {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} الآية فالراجح أن معناه: قد كنا نرى. وهو استعمال آخر من استعمالات (قد) سبق الكلام عليه تحت كلمة (أحوى) ص 140. من شواهد "الحرد": 1 - قال يزيد بن خذَّاق -وهو جاهلي قديم- من شعراء المفضليات في قصيدة له وهو يهجو النعمان بن المنذر، ويتوعَّده: نُعْمانُ إنَّك خَائِنٌ خَدِعٌ ... يُخْفِي ضميرُكَ غَيرَ مَا تُبدي فإذا بَدَا لكَ نَحْتُ أَثْلَتِنَا ... فعَلَيكها إنْ كُنْتَ ذَا حَرْدِ المفضليات: 296. وفسره الأنباري (594) بالقصد، وليس بشيء. ونَحَت أثْلَتَه: نال من عِزِّه. يقال: فلان لا تنحَتُ أَثْلَتُه. 2 - وقال الحُصَين بن الْحُمام الْمُرِّي -وهو جاهلي- من قصيدة له في المفضليات 317: ولاَ غَرْوَ إلاَّ حِينَ جَاءَت مُحَاربٌ ... إلينا بألفٍ حَاردٍ قَدْ تَكَتَّبَا الغَرْو: العجب. مُحارب: بنو محارب الذين انضموا إلى أعداء الشاعر. تَكَتَّبَ: صار كتيبة. والتكتّب: التجمع. 3 - وقال خُفَافُ بن نَدْبَةَ -وهي أمه، وخُفَاف مخضرم- من قصيدة له في الأصمعيات 19: يَا هِنْدُ يَا أُخْتَ بني الصَّارِدِ ... مَا أنَا بالْبَاقِي وَلاَ الْخَالِدِ إنْ أُمْسِ لاَ أَمْلِكُ شَيئاً فَقَدْ ... أَمْلِكُ أَمْرَ الْمِنْسَرِ الْحَارِدِ قَدْ أملِكُ: أي قد كنت أملك. المِنْسَر: قطعة من الجيش تمرّ قدّامَ الجيش الكبير. 4 - وقال رُؤْبةُ بن العَجَّاج من أرجوزة في ديوانه: 46 يمدَح خالد بن عبد الله القَسري: وَارثَ مَجْدٍ أَزَرَ الأَطَاوِدَا ... في قُحَمٍ كَابَدَ أَمراً كَابدَا يَسْقِيْنَ بالْمَوْتِ الْكَمِيَّ الحَارِدَا ... في مَحْفِدٍ يَعْلُوبه المَحَافِدا الأطاود: جمع الأطواد ومفرد الأطواد: طَوْدٌ وهو الجبل. قُحَمٌ: المهالك. كَابِدٌ: شاقّ. في مَحْفِدٍ: في جمعٍ من أعوانه. 5 - وقال مالك بن حِطَّان وهو في المعركة قبل أن يموت يومَ قُشاوةَ: لَعَمرِي لَقَد أقدمتُ مُقدَم حَارِدٍ ... ولكنَّ أقرانَ الظهور مَقَاتِلُ النقائض: 22 - 23، قال الأصمعي: فلان قِرن الظهر، وهو الذي يأتيه من ورائه ولا =

............................ ¬

_ = يَعلم- انظر اللسان (ظهر) مُقْدَم حارِدٍ: أي إقدامَ شجاعٍ حَارِدٍ. في الأبيات السابقة جاءت صفة "حارد" للكميِّ أو الجيش، ولعل أصل الصفة للأسد وشبه به الكميّ الشجاع والجيش. وهو شائع في كلامهم. قال الأعشى: 6 - وَمَا مُخْدِرٌ وَرْدٌ عَلَيهِ مَهَابةٌ ... أبو أشْبُلٍ أَمْسَى بخَفَّان حَارِدَا ديوانه: 103 مُخْدِرٌ: مُقيم في عَرِينه. خَفَّان: موضع قِبَل اليمامة كثير الأُسْد. انظر معجم البكري: 505. 7 - وقال الفرزدق: فَقُلْتُ عَسَى أن تُبْصرِيني كَأنَّمَا ... بَنِيَّ حَوَالَيَّ الأُسُودُ الحَوارِدُ دلائل الإعجاز: 211 وفي الديوان 146: "اللوابد". 8 - وَقَالَ جرير من قصيدة في ديوانه 178: وكيف نجاةٌ للفرزدق بعدَما ... ضَغا وهو في أشداقِ أغلبَ حاردِ وانظر النقائض: 990. أغلب: أسد غليظ الرقبة، يعني نفسه. الضغاء: صوت الذليل إذا شقّ عليه. وضغا الذئب والكلب وغيرهما: صاح وصوّت. 9 - وقال أيضاً في القصيدة المذكورة (176): فكيف يرومُ الناسُ شيئاً منعتَه ... لَهاً بينَ أنياب الليوث الحواردِ قال أحمد بن عبيد: هو منعنَه يعني اللها. 10 - وقال الأشهب بن رُمَيلة، وهو شاعر أموي: أسودُ شرىً لاقت أسودَ خفيّةٍ ... تَساقَوا على حَردٍ دماءَ الأساوِدِ والبيت من الشواهد المشهورة. انظر البيان 55:4 وغريب القتبي: 480 والكامل: 1: 52، 3: 17. وانظر التخريج في شعره: برقم 4 مجلة المعهد 26: 1. واستشهد به أبو عبيدة في المجاز 2: 266 والطبري 29: 33 وغيرهما على معنى الغضب، والمبرد على معنى القصد. وشرًى وخفيّة: مأسدتان. 11 - وقال رؤبة بن العجاج من أرجوزة في ديوانه 44: يزيدُه نهمُ الوعيد حردا 12 - وقال الطرِمّاح: منعنا حِمَى غوثٍ وقد دَلَفَتْ لنا ... كتائبُ جاءت وابن سَلمى على حَرد ديوانه: 189، وأنشد جزءاً منه ابن فارس في المقاييس 2: 51 (حرد) والمجمل: 231. 13 - أنشد ابن فارس في المقاييس 2: 32 والمرزوقي في شرح الحماسة 560: =

............................ ¬

_ = وإني لمن قوم تصيد رماحُهم ... غداة الصباح ذا الحُدورة والحردِ الحادر: الشاب الممتلئ لحما وشحماً مع تَرارةٍ. 14 - وقال أعشى همدان من قصيدة في ديوانه (109) يعرض بمحمد بن الأشعث: وكم لقينا لك من واترٍ ... يصرِف نابَي حَنِقٍ حاردِ 15 - قال الطبري في تفسير الآية الكريمة (29: 33): "المعروف من معنى الحرد في كلام العرب: القصد، من قولهم: قد حرَثَ فلانٌ حَرْدَ فلانٍ، إذا قصد قصدَه"، ورجح هذا المعنى. وأنشد قول الراجز: وجاء سيلٌ كان من أمرِ اللَّهْ يحرُد حردَ الجنّةِ المغِلّهْ وعامة اللغويين والمفسرين يحتجّون بهذا الرجز على معنى القصد. نسبه أبو عبيدة في المجاز (2: 266) إلى الأول. وينسب إلى حنظلة بن مُصَبِّح وحسّان بن ثابت. وذكر أبو عبيد أنّ أبا حاتم قال: هذا البيت مصنوع، صنعه من لا أحسنَ الله ذكرَه! يعني قُطرباً. وبه قال ابن السيد في طرره على الكامل. انظر الجمهرة 1: 115 والقرط: 227 والخزانة 10: 360 - 361. 16 - والشاهد الموثوق به على معنى القصد قول الجُميح -واسمه منقِذ بن الطمّاح وهو جاهلي- من قصيدة له في المفضليات (35): أمّا إذا حردتْ حردي فمُجرِيةُ ... جرداءُ تمنع غِيلاً غير مقروبِ المجرية: ذات الجراء. الغِيل: الأجمة. يذكر نفار زوجه منه، ويشبهها باللبؤة التي تمنع غيلها الذي فيه جراؤها، فلا يقربه أحد. 17 - قال أبو محمد الأنباري في شرح بيت الجميح: "حرد حرده: قصد قصده. ومثله قول عَبِيد: فنهضت نحوه حثيثةً ... وحردَتْ حردَه تَسِيبُ يصف العقاب والثعلب". انظر شرحه للمفضليات: 27. وفي الديوان 19: "حَردةً"، ولعله تصحيف. 18 - وأنشد يونس بن حبيب: حرد الموتُ حردَهم فاصطفاهم ... فعلَ ذيَ نِيقةٍ بهم كَالخبيرِ وقال: معناه: قصد الموت قصدهم (الزاهر 1: 553). قلت: ومما يلحظ في الشواهد الأربعة الأخيرة أن (الحرد) استعمل فيها استعمالاً خاصّاً: "حرد حرده: قصد قصده". ثم استعمل لوجه خاص من وجوه القصد. فإنّ قصد

(14) الحق

(14) الحَقّ (1) ما هو الواقع صِدْقاً. (2) والواجا خُلُقاً. (3) والبيِّن ظهوراً (¬1). ¬

_ = الموت المفترس والسيل المدمّر والمرأة الثائرة واللقوة الطلوب لَقصدٌ يتضمن معنى التبختر والنخوة والإعجاب بالقوة. أما الآية الكريمة والشواهد السابقة الأخرى فالقول بأن (الحرد) فيها بمعنى القصد قول غير وجيه وبعيدٌ عن السياق. (¬1) ذكر المؤلف في تفسير سورة العصر معنيين للحق: معنى عاماً ومعنى خاصّاً. أما المعنى العام فقال فيه: "إن الحق في الأصل هو الموجود المستقر، فله وجوه أو درجات: فهو الواقع في الكون، والثابت في العقل، والواجب في الأخلاق إما لك وإما عليك. واستعمله القرآن بهذه المعاني كلها. كما قال تعالى [ص: 64]: {إن ذلك لحقٌّ تخاصم أهل النار}. وكما قال تعالى [يونس: 30]: {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}. أي إنه لَهُوَ المولى بالحقيقة أبدا. وكما قال تعالى [الذاريات: 19]: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}. أي كالدَّين الواجب عليهم". وأما المعنى الخاص فهو "المواساة بمن هو أهلها، كأنَّ المرحمةَ كانت ذمة وحقاً واجباً عليهم- قال ربيعة بن مقروم: يُهِينُونَ فِي الحَقِّ أَمْوَالَهم ... إذَا اللَّزَبَاتُ الْتَحَيْنَ الْمُسِيمَا أي ينحرون في القحط ويطعمون الجِياعَ [المفضليات: 183] وقال سويد بن أبي كاهل اليشكري [من قصيدة في المفضليات: 194]: مِن أناسٍ لَيْسَ مِن أخلاقِهم ... عَاجلُ الْفُحْشِ ولا سُوءُ الجَزَعْ عُرُفٌ لِلحَقِّ مَا نَعْيا به ... عند مُرِّ الأمرِ مَا فِينَا خَرَعْ =

(15) الحكم والحكمة

فالقيامة حق، والله تعالى حق بالمعنى الأول والثالث. والعدل حق بالمعنى الثاني، والحكمة بالمعنى الثالث (¬1). والشواهد على المعنى الأول والثاني كثيرة، وأما المعنى الثالث فقوله تعالى: {قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا} (¬2). (15) الحُكْم وَالحِكْمَة (¬3) "الحكم": فعل للقضاء المطلق حقاً أو باطلاً. قال تعالى: ¬

_ = [الخَرَع: الضعف واللين]. وقال لبيد [من قصيدة في ديوانه: 286]: فإنْ تَقْبَلُوا الْمَعْروفَ نَصْبِرْ لِحَقِّكم ... وَلَنْ يَعدَمَ المعروفُ خُفًّا ومَنْسِمَا وهذا كثير في كلامهم" انظر الفصل السادس: 7 - 8. ثم يقول في الفصل الحادي عشر (16 - 17): "أما المعنى الخاص الذي ذكرناه في الفصل السادس -وهو المواساة بالضعفاء- فمتفرع من معناه العام. كأنّ أجلّ الحقوق عند العرب هذه: فهي لازمة على المستطيع حاصلة لذوي الحاجة. وكأنها ثابتةٌ عند العقل، ومعلومةٌ للناس -ولذلك سموا الإحسان "معروفاً"- ومعمولةٌ بينهم كالقانون الثابت المستقر، فالحق بمعنى المواساة كأنه قد أُشرب من تلك العروق كلها". وانظر المناسبة بين "الحق" و "الصبر" في الفصلين السادس والثاني عشر. (¬1) والحقّ من أسماء الموت بالمعنى الأول والمعنى الثالث. قال عَامِر بن حَوطٍ من بني عامر: وَأزورُ بيتَ الحَقِّ زَورةَ مَاكِثٍ ... فَعَلامَ أَحْفِلُ مَا تَقوَّضَ وَانْهَدَمْ انظر شرح المرزوقي: 1676. (¬2) سورة البقرة، الآية: 71. (¬3) وانظر "الحكم والحكمة والصالح" تحت رقم 55. وتفسير سورة آل عمران (مخطوط): 46 تحت قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} الآية 79.

{ما لكم كيف تحكمون} (¬1) أيضاً: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (¬2). ويطلق على القوة التي هي منشأ القضاء، وحينئذٍ يراد به الفهم. وسيأتيك شواهده (¬3). وأما "الحِكْمَة" فهي اسم للقوة التي منها ينشأ القضاء بالحق. قال تعالى في نعت داود عليه السلام: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} (¬4). فذكَر الأثر بعد القوة التي هي مصدر ذلك (¬5) الأثر. وكما أن القول الفصل من آثار الحكمة، فكذلك طهارة الخلق وحسن الأدب من آثارها. ولذلك كانت العربُ تطلِق اسمَ الحكمة على قوة جامعة لرَزانةِ العقل والرأي، وشَرافةِ الخلق الناشئة منها. فسَمَّوا الرجلَ العاقلَ المهذبَ "حكيما". وكذلك يطلقون اسم الحكمة على فصل الخطاب، وهو: القول الحق الواضح (*) عند العقل والقلب (¬6). ................................ (*) والآن انظر في نظم قوله تعالى: = ¬

_ (¬1) سورة الصافات، الآية: 154 وسورة القلم، الآية: 36. (¬2) سورة المائدة، الآية: 50. (¬3) سقطت هاء الضمير في المطبوعة. (¬4) سورة ص، الآية: 20. (¬5) في الأصل: تلك، وهو من سبق القلم. والتصحيح من المطبوعة. (¬6) انظر في تعريف "الحكمة" وأسمائها كتاب حكمة القرآن للمؤلف: ق 6 و7.

وكل هذه الوجوه من معاني الحكمة جاء فى كلام العرب. فاستعملها القرآن والنبي - صلى الله عليه وسلم - بما عرفوه. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن مِنَ الشَعْرِ لَحِكْمَة" (¬1) .................................... = { ... ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]. فاعلم أن المخاطب على ثلاث مدارج: خالي الذهن، ومعترف، ومنكر. وبعبارة أخرى: تخاطب أولاً، أو بعد اعتراف، أو بعد إنكار. فأولاً تخاطبه بما يتقبل عقله من الحق الواضح والخير المعروف. فهذا هو الدعوة بالحكمة. فإذا رأيت أنه مقِرّ بحسن ما تدعو إليه، ولكنه لا يوافق عمله علمه، فتحثّه على (¬2) العمل بالموعظة الحسنة. وإذا رأيت أنه يخالف (¬3) دعوتك فتجادله بالطريق التي هي أحسن. فالأول: إلقاء العلم، وهذا يكفي للسابقين. والثاني: جذب إلى العمل. وهذا ينفع الصالحين الذين جاء فيهم: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55]. والثالث: إزالة العوائق، وبهذا هُدِي خلقٌ، وتمت الحجة على الآخرين. كما جاء في قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل: 36]. وبعبارة أخرى: الدعوة بالحكمة عامة للناس، ثم هم يفترقون: فمنهم من يستمع ويميل، ومنهم من يجادل. فللأول "الموعظة"، وللثاني "حسن المجادلة" [حاشية المؤلف]. ¬

_ (¬1) أخرج البخاري عن أبي بن كعب في كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه. افظر فتح الباري 10: 537. وفيه "حكمة" بدون اللام. أما باللام "لحكمة" فانظره في حديث أبي أيضاً في سنن ابن ماجه: 1235. وانظر النهاية 1: 419. (¬2) في الأصل: إلى، والتصحيح من المطبوعة. (¬3) في المطبوعة: يخاف. خطأ مطبعي.

أي ليس كل شعر غواية، بل منه ما يتضمن على الحق (¬1) والحث على الخير. هذا. ثم استعملها الله تعالى في أكمل أفرادها، فسمى الوحي "حكمةً" كما سماه "نوراً"، و "برهاناً"، و "ذِكراً" و "رحمةً". ومن هذه الجهة سَمَّى القرآنَ "حكيماً" أي ذا حكمة، كما سمَّى نفسه حكيماً وعليماً. فهذه وجوه. فإذا سمّى القرآن "كتاباً" و "حكمة" معاً، فذلك من جهتين: سمى "كتاباً" من [جهة] (¬2) كونه مشتملاً على الأحكام المكتوبة، و "حكمة" من جهة اشتماله على حكمة الشرائع من العقائد الصحيحة والأخلاق الفاضلة. واستدللنا على هذا الفرق من تتبع استعمال الكلمتين معاً، ومما علمنا من استعمال "الكتاب" للأحكام و "الحكمة" لأصولها. وتسامح بعض أهل العلم في هذا المقام، وتبعه الإمام الشافعي رحمه الله، وتبعه أكثر المحدثين، فظنوا أن "الحكمة" أريد بها الحديث (¬3)، فإنّ ¬

_ (¬1) انظر ما قلنا في ص: 98 الحاشية 3. (¬2) زيادة يقتضيها السياق. (¬3) روي تفسير "الحكمة" بالسنة عن قتادة. انظر الطبري 3: 87 والتصاريف: 201. وفسرها الإمام مالك فيما رواه الطبري عن ابن وهب عنه بالمعرفة بالدين والفقه في الدين والاتباع له. وقال الإمام الشافعي رحمه الله في رسالته (76 - 79) بعد نقل الآيات التي قرن الكتاب فيها بالحكمة: "فذكر الله الكتاب -وهو القرآن- وذكر الحكمة، فسمعتُ مَن أرضى مِن أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله. وهذا يشبه ما قال، والله أعلم. لأن القرآن ذُكِرَ وأُتبِعتْه الحكمة، وذكر الله مَنَّه على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجُز -والله أعلَم- أن يقال الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله. وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله وحتّم على الناس اتباع أمره. فلا يجوز أن يقال لقول: فرض إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله، لِما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقروناً بالإيمان به. وسنة رسول الله مبينة عن الله معنى ما أراد: دليلاً على خاصّه وعامّه، ثم قرن الحكمة بها بكتاب فأتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله". =

............................ ¬

_ = نقل المؤلف رحمه الله كلام الإمام الشافعي في كتابه (حِكمة القرآن) ثم عقّب عليه بقوله: "فهذا كلامه فيما يتعلق بمعنى الحكمة في الآيات التي زوجت فيها بالكتاب أو الآيات. وهذا الذي ذهب إليه الإمام رحمه الله مذهب في التأويل، فإن العام ربما يستعمل في بعض أفراده. ولما كان "الحكمة" بمعنى الفهم، وقد خصَّها بفهم الكتاب من تقدمه من علماء التأويل، كما روي عن مجاهد وغيره، وقد رأى الإمام في عهده من مدعي فهم الكتاب من كان يؤوّله إلى العقليات الزائفة ويظن أنها هي الحكمة - نبه الإمام على أن فهم الكتاب إنما يكون بالسنة، واستدل على ذلك: (1) بما بينه من كون السنة مبينة للكتاب و (2) من أن الله لم يفرض علينا اتباع قول أحد غير السنة، ومَنّ علينا بتعليم الكتاب والحكمة، فلا نجد شيئاً يكون جديراً بأن يقون بكتاب الله غير سنة نبيه. فلم يذهب الإمام إلى ما ذهب إليه إلا على حسن نية ونصيحة للمسلمين فجزاه الله عنا خير جزاء. وأما في غير هذه المواضع فهو على ما هو المعنى المشهور كما قال في خطبة كتابه هذا ما نصّه". ثم نقل كلام الإمام مع تفسير بعضه بين القوسين. ومما نقله: "فكل ما أنزل الله جل ثناؤه في كتابه رحمة وحجة، علمه من علِمه وجهِله مَن جهِله، لا يعلم مَن جهله ولا يجهل مَن علمه. والناس في العلم طبقات، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به. فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله في استدراك علمه: نصاً واستنباطاً، والرغبة إلى الله في العون عليه، فإنه لا يدرك خير إلا بعونه. فإنّ من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصاً واستدلالاً. ووفقه الله للقول والعمل بما علم منه: فاز بالفضيلة في دينه ودنياه. وانتفت عنه الريب. وَنوَّرت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة". (انظر الرسالة: 19 - 20. ونسخة الفراهي: 4 - المحقق) ثم قال: "هذا الكلام يشتمل على فوائد عظيمة. ولمتانته يستدعي شرحاً وتنبيهاً، وقد دل فيه على أصل عظيم في الحكمة فنذكر بعض ما يستفاد منه: ... " انظر حكمة القرآن: ق 13، 14. وعلق الفراهي كذلك على كلام الإمام في حاشية نسخته من الرسالة: 13 فقال: "كل ما ذكر الإمام من مكانة الإيمان بالرسول واتباعه، فلا شك فيه. وأما قوله رحمه الله في تفسير الحكمة فضعيف -والله أعلم-. وإنما أراد الإمام رحمه الله أن يجعل السنة حيث يسوغ بها تخصيص الكتاب وصرفه عن ظاهر معناه لكي يوفق بين الكتاب والسنة والآثار. والمجتهد قد يخطئ، وإنما الأعمال بالنيات. فاعلم أن قوله تعالى: {وَأَنزَلَ اَللهُ =

الكتاب كتاب الله. ومثار الخطأ أنهم أخطأوا معنى "الكتاب" حيث جاء مع الحكمة. والدليل على ما قلنا آيات: فمنها قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} (¬1). وهكذا قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (¬2). وكلمة (يتلى) و (أنزل) لم يستعملها القرآن للحديث. نعم إن الحديث ربما يتضمن الحكمةَ، ولا شك أن الحديث ربما يبيّن ما في القرآن من الحكمة. ولعل مراد الذين تبعهم الإمام رحمه الله كان هذا. ولكن الحديث يشتمل على الأحكام، كما أنه يشتمل على الحكمة، فلا وجه لتخصيصه باسم (الحكمة). ¬

_ = عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} وقوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}، وأمثال ذلك يبين أن الحكمة شيء نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان يتلوه، ويعلمه الناس، فلا يكون أحكاماً جاءت بها السنة. وقد ذُكِر معنى الحكمة مجملاً على صفحة 7". يعني تعليقه في حاشية الصفحة المشار إليها: "الحكمة لها معنيان: الأول ما أنزل الله، والثاني ما آتاه الله عباده. كما أن العلم والمعرفة والذكر وأمثالها يراد بها ما يعبّر عنها، وما هو صفة العقول. والقرآن يستعمل هذه الألفاظ في كلا المعنيين". وقال في حاشية الصفحة نفسها تعقيباً على قول الإمام الشافعي في (البيان الرابع): "أفاد الإمام رحمه الله تعالى: كل ما سنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس فيه كتاب فهو المراد من الحكمة في قوله تعالى {ويعلمهم الكتاب والحكمة}. قال الفراهي: "الكتاب": ما شرع لهم، و "الحكمة": ما أودع صدورهم من العلم وذكر في القرآن وكتبه". وانظر تعليق المؤلف على كلام الإمام ابن تيمية في حاشية "معارج الأصول" (مجموعة مقالات ندوة الفراهي: 210). (¬1) سورة النساء، الآية: 113. (¬2) سورة الأحزاب، الآية: 34.

وجاء أوضح من ذلك حيث قال تعالى بعد ذكر ما قضى من أصول الدين: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} (¬1). وقال تعالى في صفة عيسى عليه السلام: {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} (¬2). فسمى التوراة "كتاباً"، لأن معظمها الأحكام، والإنجيلَ "حكمة" لما كثر فيه الدلائل والمواعظ، كما قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (¬3). فكان الإنجيل مشتملاً على هدى ونور، وهدى وموعظة، وعلى قليل من الأحكام وتصديق التوراة. ولغلبة الأمر الأول سمي "حكمة". ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} (¬4). فاتضح أن تأويل "الحكمة" إلى الأَحاديث غير صحيح، وأن اسمَ "الكتاب" إذا يُتبَع بالحكمةِ (¬5) فالمراد منه الأحكام. فلا تنسَ هذا الفرق. رجعنا إلى بيان معنى "الحكم"، فاعلم أنه أيضاً مثل "الحكمة" يُطلق على القولِ المشتملِ على القضاء الحقِ الواضحِ الذىِ قُضي بالعلم. وهذا من ¬

_ (¬1) سورة الإسراء، الآية: 39. (¬2) سورة المائدة، الآية: 115. وكتب المؤلف رقم 1 تحت الكتاب والتوراة ورقم 2 تحت الحكمة والإنجيل. (¬3) سورة المائدة، الآية: 46. (¬4) سورة الزخرف، الآية: 63. (¬5) في المطبوعة: "قُرِنَ بالحكمة".

استعمال الكلمة العامّة في أحسن أفرادها (¬1). قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} (¬2). وهكذا استعمال "الحكم" في معنى القوة، إذا أريد به الفهم الصائب. قال تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} (¬3). أي آتيناه صفاتٍ ثلاثاً: الفهمَ، والمحبةَ، وطهارةَ الأخلاق. فاتَّصَفَ حسبَ ذلك، فصار تقياً: فاجتنب ما يَضر، وأحبَّ والدَيه، وحسن خلقه: فلم يَظلم مَن دونه، ولم يُسخِط مَن فوقه. وقال تعالى: {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ} (¬4) الآية. فذكر "العلم" بعد "الحكم" ليعلم أن "الحكم" هاهنا هو الحكم المطلق، فإنه لا يكون إلا بالعلم. وهكذا قوله تعالى في موسى عليه السلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} (¬5). وأيضاً: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ ¬

_ (¬1) في الأصل: أفراده، والصواب من المطبوعة. (¬2) سورة الرعد، الآية: 37. (¬3) سورة مريم، الآيات: 12 - 14. (¬4) سورة الأنبياء، الآية: 74. (¬5) سورة القصص، الآية: 14. ومثله قوله تعالى في يوسف عليه السلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} سورة يوسف، الآية: 22.

{شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (¬1). وأما "الحكم" بمعنى الأمر فكثير. ومنه قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (¬2). ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء، الآيتان: 78 - 79. (¬2) سورة يوسف، الآية: 40. من شواهد "الحكم": 1 - قال الأعشى من قصيدة: لا يَأخُذُ الرُّشْوَةَ في حُكْمِهِ ... وَلاَ يُبَالِي غَبَنَ الخَاسِرِ الحكم: القضاء. انظر مجاز القرآن 1: 187. 2 - قال النابغة الذبياني من قصيدة في ديوانه: 23: اُحْكُمْ كحُكمِ فَتاةِ الحَيِّ إِذْ نظرَتْ ... إلى حَمامٍ شِراعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ فتاةُ الحي: يعني زرقاءَ اليمامة. قال الأزهري: الحكم: القضاء بالعدل، وأنشد هذا البيت. (التهذيب 4: 111). شِراع: قاصدة إلى الماء -الثمد: الماء القليل- ومنه " أحكم من زرقاء اليمامة". 3 - وقال حاتم الطائي من قصيدة (ديوانه ط 264:2): تبيَّنْ فإنّ الحكمَ يهدِي مِن العَمى ... إذا ما التقينا أيَّنا أنت ضائرُ 4 - قال المُسَيَّبُ بن عَلَس من مفضلية له (61): فرأيتُ أن الحُكم مُجْتَنِبُ الصِّبَا ... وَصَحوتُ بعدَ تَشَوُّقٍ ورُوَعِ الحكم: الحكمة، الرُّواع: الرَّوع. 5 - قال لبيد بن ربيعة، وهو مطلع قصيدة في ديوانه 107: سَفَهاً عَذَلْتِ وَقُلْتِ غَيْرَ مُلِيمِ ... وبُكاكِ قِدْماً غيرُ جدِّ حَكيمِ علق الفراهي في حاشية نسخته من ديوانه لبيد (طبعة الخالدي - 81): "حكيم أي عاقل". 6 - وقال بشر بن أبي خازم من قصيدة في ديوانه 192: تناهيتَ عن ذكر الصَّبابة فاحكمِ ... وما طرَبي ذكراً لِرسمٍ بسَمْسَمِ 7 - وقال المخبَّل السعدي من مفضلية (118): لتنقِّبَنْ عنّي المنيّةُ إنَّ ... م اللَّهَ ليس كحكمه حكمُ =

(16) خاتم النبيين

(16) خاتمَ النبيين اعلم أن النبوّة قد خُتمت بمحمد - صلى الله عليه وسلم -. وقال المسيح عليه السلام: "كان الناموس والأنبياء إلى يوحنّا، ومن ذلك الوقت يبشّر بملكوت الله". لوقا 16:16. فلم يجيء المسيح إلا للبشارة بملكوت الله الذي يأتي بعد. وضرب له أمثالاً تطابق نبوة (¬1) محمد - صلى الله عليه وسلم -. ولذلك جاء في وصف المسيح عليه السلام في القرآن: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (¬2). فالنبوة قد ختمت بالمسيح في بني إسرائيل، ولكن بقيت لبني إسماعيل، ثم ختمت بمحمد - صلى الله عليه وسلم - للأبد. ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يكون بعدي إلاّ الرؤيا الصالحة" (¬3). ¬

_ = 8 - وقال عَوف بن الأحوص (جاهلي) من مفضلية (174): أُقِرّ بحكمكم ما دمتُ حيّاً ... وألزَمُه وإن بُلِغَ الفَناءُ فلا تتعوّجوا في الحكم عمداً ... كما يتعوجُّ العودُ السَّراءُ السراء: شجر تصنع منه القسيّ. (¬1) في الأصل والمطبوعة: بنبوة، وهو سهو. (¬2) سورة الصف، الآية: 6. (¬3) رواه البخاري في كتاب التعبير، باب المبشرات عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لم يبق من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة. انظر فتح الباري 12: 375. وعنه في الموطأ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ ويقول: ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة". انظر كتاب الجامع باب ما جاء في الرؤيا (شرح الزرقاني 4: 450).

(17) درس

(17) درس هذا اللفظ يوجد كثيراً في كلام العرب في معنى البلى. وأما في معنى القراءة كما يفهمون من استعمال القرآن، حيث جاء: {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ} (¬1) فلا يوجد له مثال. وزعم بعض من غير المسلمين أن هذا اللفظ أخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليهود، وزاده في لغتهم (¬2). وهذا بعيد. فإن النبي كيف يتكلم قوماً بلغتهم ثم يزيد فيه ما ليس منه؟ والقرآن يصرح بأنه عربي مبين، فلا يكون فيه إلاّ ما عرفته العرب. فاعلم أن "الدرس" في معنى البلى مجاز، وأصله: الحكّ والمشق، ومنه: للخَطّ (¬3). قال أبو دواد: وَنُؤيٌ أَضَرَّ بِهِ السَّافِيَاءُ ... كَدَرْسٍ مِنَ النُّونِ حِينَ امَّحَى (¬4) ¬

_ (¬1) سورة القلم، الآية: 37. (¬2) يعني لغة العرب. (¬3) لم تثبت المعاجم هذا المعنى لكلمة (الدرس). وانظر قول المرّار الآتي. (¬4) أنشده في اللسان (سفا) وانظر شعره: 350 رقم 68، وفيه ضبط "نؤيٍ" بالكسر. النؤي: الحفرة حول الخباء لدفع السيل. السافياء: قال الفراهي: السافياء واحد السواف للتراب قال مالك بن الريب التميمي: بأنكمَا خَلَّفْتمَانِي بقَفْرَةٍ ... تُهِيلُ عَلَيَّ الرِّيحَ فِيْها السَّوَافيا انظر تعليقه على لسان العرب في نسخته 19:112 (سفا). ومنه أخذ عُروةُ بن أُذَينة (شعره: 102): فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ النُّسؤيُ كَالنُّسونِ نَاحِلاً ... نُحولَ الْهِلاَلِ وَالصَّفِيحُ الْمُشَيَّدُ وقد شبّه المرار بن منقذ الرسوم بخط اللام في مفضليته (89): وترى منها رسوماً قد عفت ... مثل خط اللام في وحي الزُّبُرْ

أي كخط النون. وشكل النون في الخط العربي القديم هكذا: [. . .] فشبّه أمواج الرمل بهذا الشكل. وقد شبه عنترة (¬1) الحاجب بالنون في قوله .... (¬2). ومنه كثرة الاشتغال بالقراءة. وهذا يتضح من استعمال الكلمة في كلتا اللغتين العربي والعبرانية (¬3). ومن أصل المعنى: "الدرس" للجرَبِ والحَكّة. و "المدروس": الفراش الموطأ. و "الدرس" للأكل الشديد. ومنه: "درس الطعام ": داس. قال ابن ميّادة (¬4): ¬

_ (¬1) عنترة بن شدّاد العَبْسي. وأمه أمة حبشية. أحد أغربة العرب، ومن أشجع أهل زمانه وأجودهم. وهو من شعراء المعلقات. ابن سلام: 152، أبن قتيبة: 250 - 254، الأغاني: 8: 235 - 243، الآمدي: 225، الخزانة 1:128 - 129. (¬2) زاد هنا في المطبوعة قوله: له حاجبٌ كالنون فوقَ جفونه ... وثَغرٌ كزَهر الأُقحوانِ مُفلَّجُ والبيت من قصيدة في ديوانه: 115، المفلّج: يعني أن أسنانه منفرجة متباعدة. (¬3) [. . .] (د ر ش) ورد كثيراً في العهد القديم بمعنى الطلب، والتحري والاحتفاء. وهو شائع في العبرانية الحديثة بمعنى الشرح والتفسير. ومنه "مِدراش" بمعنى الدراسة والتفسير والتعليق. والجدير بالذكر أن العبرانية فرّقت بين هذه المادة ومادة [. . .] (درس) التي خصت بمعنى الوطء والدوس. وهما في العربية والسريانية مادة واحدة. ومن معانيها في السريانية: الدوس وتعبيد الطريق، والبلى، والوعظ، والتعليم، والجدال، ودرس القضية ومناقشتها، والتدريب، والتحادث. ومنه "بيت درشا": المدرسة. انظر جزينيوس: 205 وكوستا: 71، وإسمث: 98 والأخير يرى أن الأصل معنى الدياس. وقد ذهب ابن فارس في المقاييس (درس) إلى أن الأصل معنى الغموض والخفاء. أما الراغب (311) فالأصل عنده بقاء الأثر!. (¬4) اسمه الرَمّاح بن أبرَد اليربوعي. وميّادة: أمه. شاعر فصيح مقدّم من شعراء الدولتين قال البغدادي: توفي في صدر خلافة المنصور في حدود 136 هـ. من نسب إلى أمه: 91، ابن قتيبة: 771 - 775، ابن المعتز: 106 - 109 الأغاني 2: 227 - 300، الآمدي: 180، اللآلي: 306، الأدباء 11: 143 - 148، تحفة الأبيه: 104 - 105، الخزانة 1: 160 - 161.

هَلاّ اشتَرَيْتَ حِنْطَةً بالرُّسْتَاقْ سَمْراءَ مِمَّا دَرَسَ ابنُ مِخْرَاقْ (¬1) ودَرَسَ الصعبَ حتى رَاضَه. ودرستُ الكتاب بكثرةِ القراءةِ حتى خفَّ حفظُه (¬2). فالدرس: كثرة القراءة. ومعنى الكلمة في العبرانية اختص بالقراءة (¬3). وأما في العربي فبقيت الكلمة على السعة، وأقرب إلى الأصل، إذ جاءت لكثرة القراءة، لا للقراءة، كما قال تعالى: {وَلِيَقُوُلواْ دَرَسْتَ} (¬4). أي بالغتَ في قراءتك عليهم. وأما أنها لا توجد في هذا المعنى في أشعار العرب، فذلك لأن للشعر مجاريَ محدودة، ومعاني خاصة، فقلّما يذكرون القراءة فضلاً عن إكثارها (¬5). ¬

_ (¬1) البيتان -وهما من مشطور السريع- في اللسان (درس) بنصب "سمراءَ" صفةً للحنطة، وبرفعه في المقاييس (أفق) والأزمنة والأمكنة 2: 8، واللآلي: 656، والأساس (درس) واللسان (درس، سمر) وديوان سلامة بن جندل: 124، وفيها مكان البيت الأول: يَكفِيك مِنْ بَعضِ ازْدِيارِ الآفاقْ وهو بينهما في رواية الأنباري في شرح المفضليات: 242 - 243، فيكون "سمراءُ" فاعل يكفيك. وقال الصغاني في التكملة بعد ما نقل البيتين عن الجوهري (درس): "ليس لابن ميادة على القاف رَجَزٌ". وانظر تخريج البيتين والروايات في شعر ابن ميادة: 178 - 182. (¬2) انظر اللسان (درس). (¬3) انظر معانيها في العبرانية في التعليق السابق. (¬4) سورة الأنعام، الآية: 105. (¬5) ورد في شعر لبيد كلمة "مُدَارِس"، فقال مِن قصيدة في ديوانه 42: يومَ لا يُدخل المُدَارِسَ في الرَّحْـ ... ـمَةِ إلاَّ بَراءةٌ وَاعتذارُ علق الفراهي في حاشية نسخته من ديوان لبيد (الخالدي): "المُدارس: الذي يدرس الكتب".

(18) الرحمن

(18) الرحمن اسم مخصوص بالرب تعالى. والعرب عرفته، ولم يُسَمَّ له غيرُ الله إلا "رحمن اليمامة" (¬1) ولكن بغير حرف التعريف. فكلمة "الرحمن" لم يعرفوا بها إلا الله تعالى. فهو قريب من اسم الذات (¬2). وزعم أكثر الناس خلاف ذلك، فظنّوا أن العرب لم تعرف هذا الاسم لله تعالى (¬3). ومتمسكهم قوله تعالى: ¬

_ (¬1) هو مُسَيلمِة بن ثمامة الحنفي الوائلي، ولد ونشأ باليمامة، ادعى النبوة وقتل سنة 12 هـ وهو ابن مائة وخمسين سنة. انظر ترجمته في المعارف: 405، والأعلام في 7: 226. (¬2) قال المقدسي في البدء والتاريخ 1:61 وهو يحتج على إثبات الباري عز وجل بأنه لا يخلو لسان أمة من الأمم إلا وهم يسمونه بخواص من أسمائه عندهم، ومستحيل وجود اسم لا مسمى له: "فمن ذلك قول العرب له "الله" مفرداً من غير أن يشاركوه في هذا الاسم بأحد من معبوداتهم لأنه خاص له عندهم. وكانوا يطلقون على غيره على التنكير. وأما "الرب" بالتعريف و"الرحمن" فلم يكونوا يجيزونه إلا لله تعالى. وإنما تسمى مسيلمة الكذاب بالرحمن مضادة لله جل وعزّ، ومعاندة لرسوله عليه السلام. ذلك مشهور مستفيض في قوافي أوائلهم قبل قيام الإسلام. فمن ذلك قول بعضهم في الجاهلية: ألاَ ضرَبَتْ تلِكَ الْفَتاةُ هَجِينَها ... ألاَ قَطَعَ الرَّحْمنُ مِنها يَمِينَها فأضاف فعل القطع إلى الرحمن لأنه أراد به الدعاء، وعلم أنه لا يجيب الدعاء إلا الله". (¬3) انظر تفسير سورة الفرقان في معاني الفراء 2: 270، والكشاف 3: 98، والعجب منه - وهو اللغوي الأديب- أنه قال: {وَمَا الرحَمَنُ} يجوز أن يكون سؤالاً عن المجهول بما ويجوز أن يكون سؤالاً عن معناه، لأنه لم يكن مستعملاً في كلامهم كما استعمل الرحيم والرحوم والراحم"! والحق أن استعمال "الرحمن" في كلام العرب أكثر من استعمال "الرحوم". ونقل النسفي كلام الزمخشري بحروفه وزاد في أوله (3: 385): "أي لا نعرف الرحمن فنسجد له، فهذا سؤال عن المسمى به لأنهم ما كانوا يعرفونه بهذا الاسم"! وقال الرازي في مفاتيح الغيب (24: 105): "يحتمل أنهم جهلوا الله تعالى، ويحتمل أنهم وإن عرفوه لكنهم جحدوه، ويحتمل أنهم وإن اعترفوا به، لكنهم جهلوا أن هذا الاسم =

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (¬1). والتأويل عندي غير ما فهموه، كما سنذكره بعد إثبات أن العرب عرفت هذا الاسم للرب تعالى (¬2). [1] قال حاتم الطائي (¬3): يَقُولُونَ لِي أهْلَكْتَ مَالَك فَاقْتَصِدْ ... وَمَا كُنتُ لَولاَ مَا تقولونَ سَيِّدَا كُلُوا الآنَ مِنْ رِزْقِ الإلهِ وأيْسِرُوا ... فإنَّ عَلَى الرَّحْمنِ رِزْقكُمُ غَدَا (¬4) ¬

_ = من أسماء الله تعالى. وكثير من المفسرين على هذا القول الأخير، قالوا: الرحمن اسم من أسماء الله مذكور في الكتب المتقدمة والعرب ما عرفوه"! وهذا القول الأخير قول الزجاج انظر معاني القرآن له 4: 73 و (اللسان رحم) وانظر ابن كثير 6: 129. (¬1) سورة الفرقان، الآية: 60. (¬2) لم يذكر تأويله هنا. وردَّ الطبري على القائلين بأن العرب لم يعرفوا "الرحمن" ردّاً مفحماً فقال (1: 131 - شاكر): "وقد زعم بعض أهل الغباء أن العرب كانت لا تعرف "الرحمن"، ولم يكن ذلك في لغتها، ولذلك قال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} إنكاراً منهم لهذا الاسم، كأنه كان محالاً عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحته، أو لا، وكأنه لم يتل من كتاب الله قول الله {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ} يعني محمداً {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} سورة البقرة: 146 - وهم مع ذلك به مكذبون ولنبوته جاحدون، فيعلم بذلك أنهم كانوا يدافعون حقيقة ما قد ثبت عندهم صحته واستحكمت لديهم معرفته. وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهلاء ... " ثم أنشد الطبري بيتين، ثانيهما لسلامة بن جندل السعدي. وعلق على قول الطبري العلامة محمود محمد شاكر فقال: "لا يزال أهل الغباء في عصرنا يكتبونه، ويتبجَّحون بذكره في محاضراتهم وكتبهم نقلاً عن الذين يتتبعون ما سقط من الأقوال، وهم الأعاجم الذين يؤلفون فيما لا يحسنون باسم الاستشراق، ورد الطبري مفحم لمن كان له عن الجهل والخطأ ردة تنهاه عن المكابرة" وانظر القرطبي 1: 90. (¬3) هو حاتم بن عبد الله الطائي. يضرب به المثل في الجود والكرم، ابنه عدي بن حاتم صحابي جليل مشهور. وكان حاتم شاعراً جيد الشعر. ابن قتيبة: 241 - 249، الأغاني 17: 278 - 304، الكامل لابن الأثير 1: 606 - 608، الخزانة 3: 127 - 130. (¬4) البيتان من قصيدة في ديوانه: 231. وفيه: "اليومَ" مكان "الآن".

(2) وقد كانوا يسمون بعبد الرحمن في أيام الجاهلية مثل ... (¬1). ¬

_ (¬1) بياض في الأصل. وممن سمي "عبد الرحمن" في الجاهلية: 1 - عبد الرحمن بن عامر بن عُتوارة. قال ابن الكلبي: "وقد سمَّت العرب في الجاهلية "عبد الرحمن"، سمى عامر بن عُتوارة ابنه عبد الرحمن" انظر الاشتقاق:58. وهو عند ابن حزم في جمهرة الأنساب 182: ابن عتوارة بن عامر. قال: وهو أول من سُمّي في الجاهلية عبد الرحْمن. 2 - عبد الرحمن بن جُمانة المحاربي، أحد بني طريف بن خلَف بن محارب بن خَصَفة. نصّ على كونه جاهلياً في اللسان والتاج (حرم) وله شعر في نوادر ابن زيد: 440، وفي المؤتلف عن ثعلب في أماليه. وهو غير عبد الرحمن بن جمانة الباهلي الذي ورد شعره في رثاء قتية الباهلي في تاريخ الطبري 6: 521 والبلدان (بلنجر) على أنني أخشى أن يكون الصواب في الثاني عبد الملك، فإن الآمدي لم يذكر فيمن يقال له ابن جمانة إلا عبد الرحمن المحاربي وعبد الملك الباهلي وبشاراً العبسي. والأبيات التي وردت في الطبري عُزِيت في النقائض: 363 إلى "جمانة بن عبد الملك"، رجل من بني أوس بن معن بن مالك" والصواب إن شاء الله: عبد الملك بن جمانة. وقد صرح السكري بأن جمانة أمّه- انظر المؤتلف: 109. 3 - عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري. قتله أبو قتادة فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أغار عبد الرحمن على إبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقتل راعيها وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل. رواه إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه، وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب غزوة ذي قرد (النووي 12: 421) وأحمد 52:4 - 54، وابن سعد في طبقاته: 2: 81 - 84. وانظر سيرة ابن هشام 281:3 وقد كتب إليّ بهذا الاسم قديماً الشيخ العلامة حبيب الرحمن الأعظمي رحمه الله قبل أن أعثر على نص ابن الكلبي في الاشتقاق (ط وستنفلد). فلما لقيته لأول مرة في دلهي سنة 1401 هـ وأخبرته بالنص المذكور فرح وعاتبني على عدم إفادته به. ثم لم يتفق لي لقاؤه حتى توفي سنة 1412 هـ. 4 - سمى ابن سلام في طبقات فحول الشعراء: 131 جد سلامة بن جندل "عبد الرحمن" وغيره يقول: "ابن عبد". يقول الأستاذ محمود محمد شاكر: "فإن صحت رواية ابن سلام فهي دليل آخر قوي على فساد دعوى الشنقيطي" (يعني أن العرب لم يعرفوا الرحمن). وتأمل بعد ذلك قول الحافظ ابن حجر رحمه الله في ترجمة أبي هريرة رضي الله عنه، وهو يذكر اختلافهم في اسمه: "اختلف في اسمه، فقيل: ... وقيل: "عبد الله"، وقيل "عبد الرحمن". وجميعها محتمل في الجاهلية والإسلام إلا الأخير، فإنه إسلامِيّ جزماً"! انظر الإصابة: رقم 10674.

(3) والقرآن أنزِل بلسان قوم نبينا، وحينئذٍ كيف يستعمل اسماً لمعنى جديد؟ [4] (¬1) ثم القرآن نقل عن المشركين تسميتهم الرب تعالى باسم "الرحمن". وذلك قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} (¬2). وقال أعشى قيس: وَلاَ جَعَلَ الرَّحْمنُ بَيْتَكَ فِي الْعُلاَ ... بِأجْيَادَ غَرْبِيَّ الصَّفَا وَالْمُحَرَّمِ (¬3) [قال المثقِّب العَبْدي (¬4): لَحَى الرَّحْمنُ أَقْوَاماً أَضاعُوا ... عَلَى الوَعْوَاعِ أفرَاسِي وَعِيسِي (¬5) ¬

_ (¬1) لم يرد الرقمان 1 و4 في الأصل ولا المطبوعة، فزدتهما. (¬2) سورة الزخرف، الآية: 20. وانظر التعليقات التفسيرية: 396 ومثله قوله تعالى حكاية عنهم في سورة الأنبياء: 26 {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وانظر كذلك سورة مريم: الآية 88. (¬3) البيت من قصيدته التي يهجو بها عمير بن عبد الله بن المنذر بن عبدان، وصلة البيت قبله: فَمَا أَنْتَ مِنْ أهْلِ الحَجُونِ وَلاَ الصَّفَا ... وَلاَ لَكَ حَقُّ الشُّرب مِنْ مَاءِ زَمزَمِ ديوانه: 159، والبيت وحده في اللسان (جيد) والإتقان 88:2 ومع بيت آخر في البلدان 1:104، والعجز وحده في اللسان (حرم) أجياد: موضع بمكة يلي الصفا، المحرَّم: الحرم، قاله الليث. (¬4) اسمه عائذ بن مِحْصَن بن ثعلبة -وكان أبوه مِحْصن زعيماً كبيراً في عصره، وقد لقب بالمُصْلِح لسعيه في الصلح بين بكر وتغلب- والعَبْدي نسبة إلى عبد القيس أحد أجداده. وهو شاعر جاهلي قديم من شعراء البحرين. كان في زمن عمرو بن هند. و "المثقِّب" بكسر القاف، وقيل: بفتحها. ابن سلام: 329 - 332، ألقاب الشعراء: 316، ابن قتيبة: 60، شرح المفضليات للأنباري: 574. المرزباني: 167 - 168، شرح الأبيات: 2: 15. (¬5) البيت من ثلاثة أبيات وردت له في معجم البلدان 5: 380، وانظر ملحق الديوان: 57 الوَعْواعُ: اسم موضع.

وقال سُوَيد بن أبي كاهل اليَشكري (¬1): كَتَبَ الرَّحْمنُ وَالْحَمْدُ لَهُ ... سَعَةَ الأَخْلاَقِ فِينَا وَالضَّلَعْ (¬2)] (¬3) ¬

_ (¬1) شاعر متقدم من المخضرمين. وهو من المعمرين: عمر في الإسلام حتى أدرك الحجاج ابن يوسف. ابن سلام:152 - 153، ابن قتيبة: 421 - 422، الأغاني 13: 100 - 106، الإصابة: 3725، الخزانة 6: 125 - 126. (¬2) البيت من مفضليته التي قال فيها الأصمعى إن العرب كانت تفضلها، وتقدمها، وتعدّها من حكمها، ثم روى عن "عيسى بن عمر أنها كانت في الجاهلية تسمى "اليتيمة". انظر المفضليات: 197، وشرح الأنباري: 399 والتبريزي: 867 - 920، والبيت في اللسان (ضلع) والعجز وحده في المقاييس 3: 369. الضّلَع: من الاضطلاع بالأمور. (¬3) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من شواهد المؤلف التي أشار إليها في نسخته من شعراء النصرانية. ومن شواهد الرحمن: 1 - قال سَلامَة بن جندل السعدي من قصيدة: عَجِلْتُمُ عَلَيْنَا عَجْلَتَينَا عَلَيكُمُ ... وَمَا يَشَأِ الرَّحمنُ يَعْقِدْ وَيُطْلِقِ كذا في الطبري 1: 131 (شاكر)، واحتج به على معرفة العرب للرحمن. وفي ديوانه: 184 والأصمعيات: 152 "حِجّتَين عليكم". قال الأصمعي: سنتين كانتا عليهم. 2 - وقال الشنفرى: ألا ضربتْ تلك الفتاةُ هجينَها ... ألا قضَبَ الرحمنُ ربّي يمينَها أورده الطبري قائلاً: "قد أنشد لبعض الجاهلية الجهلاء". وذكر الأستاذ محمود شاكر أن ابن سيده استشهد به في المخصص 17:152 ثم نقل تعليق الشنقيطي على البيت، وردّ عليه. والبيت للشنفرى نسبه إليه ابن الكلبي، وقال: "وقد روي بيت في الجاهلية ولم ينقله الثقات، وهو للشنفرى" انظر الاشتقاق: 59 والبدء والتاريخ: 1: 61. 3 - وقال بلعاء بن قيس الكناني -جاهلي- من أربعة أبيات في أسماء خيل العرب لأبي محمد الأعرابي 39: قدَرَ الرحمنُ أن ألقاكمُ ... عارضاً رمحي على مَتْنِ الأغَرّْ 4 - وقال خداش بن زهير في يوم الفجار من أبيات في الأغاني 76:22: أتتنا قريشٌ حافلِين بجمعهم ... عليهم من الرحمن واقٍ وناصِرُ وهي في المفضليات: 365 والأصمعيات: 217 لعوف بن الأحوص. ورواية البيت =

(19) الزكاة

(19) الزكاة [ما ينفقونه في سبيل الله، وهو الصدقة، ثم خصّت بما كتبه الله في الأموال. وتسميته بالزكاة من زَكَا يَزْكو: طهر، كما في القرآن: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} (¬1). أي طاهرة عن الذنب. وأيضاً زكَا الزرعُ: طال ونما. ووجه التسمية أنها طهارة للنفس والمال، وبركة ونَماء له، فجمعت المعنيين. قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬2). ¬

_ = فيهما خالية من الشاهد. 5 - وقال قيس بن الحِدادية -وهي أمه، وقيس شاعر جاهلي قديم- من قصيدة نقلها صاحب الأغاني (14: 151) من كتاب لأبي عمرو الشيباني: شكوتُ إلى الرحمن بُعدَ مزارِها ... وما حَمّلتْني وانقطاعَ رجائيا 6 - وقال رُشَيد بنُ رمَيض العَنَزي، وهو شاعر مخضرم: جاءت هدايا من الرحمن مرسلةً ... حتّى أنيخت لدى أبياتِ بسطامِ يريد بسطام بن قيس الشيباني من أشهر فرسان العرب في الجاهلية، أدركَ الإسلام ولم يسلم. انظر شعراء النصرانية: 258 والأعلام 2: 51. 7 - وقالت هند بنت عتبة -قبل إسلامها- لرملة بنت شيبة بن ربيعة، وهي من المهاجرات: لحى الرحمن صابيةً بِوَجٍّ ... ومكةَ عند أطراف الحَجونِ تدين لمعشرٍ قتلوا أبَاها ... أقتلُ أبيكِ جاءكِ باليقين انظر الاستيعاب 2: 730 وأسد الغابة: 6925 والإصابة: رقم 11186. وجّ: هو الطائف، انظر البلدان 5: 361. (¬1) سورة الكهف، الآية: 74. (¬2) سورة التوبة، الآية: 103.

(20) س وسوف

وقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (¬1). فنبّه على كلتا الجهتين لتسمية الزكاة باسمها] (¬2). لها جهات: فمنها كونها ذكراً للمعاد. فإنما نعطي أموالنا، فنردّها إلى الرب، وهكذا نرد أنفسنا، ولهذا وجب الخضوع فيها: {وهم راكعون} (¬3). {وقلوبهم وَجِلَةٌ} (¬4). فصارت كالصلاة من جهة أخرى، أي الخشوع والخوف. (20) س وسَوْفَ زعم الزَّمَخْشَرِي (¬5) أن "س" في مواقع الوعد والوعيد تخبر عما هو لا بدَّ ¬

_ (¬1) سورة الروم، الآية: 39. (¬2) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من تفسير سورة البقرة للمؤلف: 102. (¬3) سورة المائدة، الآية: 55، وتمام الآية الكريمة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}. في كتاب "الطارق والبارق للمؤلف تذكرة (للمفردات) جاء فيها: " ... وقوله تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: متواضعون، فإن الزكاة من آدابها أن يعطيها الرجل خائفاً وجِلاً متضرعاً، فإن الله تعالى يتقبلها من المتقين. وهو يضعها في يد الله، ويتقرب بها إليه. ورأينا الركوع في سنة إبراهيم وما ذكر في القرآن من آداب الصدقة". وانظر ما يأتي في (القربان) برقم 36 ص 231. (¬4) سورة المؤمنون، الآية: 60. وتمام الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}. (¬5) هو أبو القاسم محمود بن عمر جار الله الخوارزمي الزمخشري (457 - 538 هـ) من أئمة =

واقع (¬1). وعندي أنها تخبر عما قَرُبَ: إما وقوعاً، وإما إمكاناً. وليست بالوعد المقطوع به. لأن الملوك والأمراء ربيا يعدون ويوعدون من غير إلزام على أنفسهم، لكيلا ينقلب الرجاء استغناءً والتخويف يأساً (¬2). ومواقع الكلام في القرآن تدل على ذلك. ويمكن تأويل قول الزمخشري إلى ما قلنا، بمعنى أن الله تعالى كثيراً ما ¬

_ = التفسير والنحو واللغة والأدب والبلاغة، معتزلي الاعتقاد. معجم الأدباء 6:2687، ابن خلكان 5: 168، الأعلام 7: 178، معجم المؤلفين 12: 186. (¬1) قال الزمخشري (الكشاف 2: 289) في تفسير قوله تعالى في سورة التوبة: 71 {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}: "السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة، فهي تؤكد الوعد، كما تؤكد الوعيد في قولك: سأنتقم منك يوماً، تعني: أنك لا تفوتني، وإن تباطأ ذلك. ونحوه: {سيجعل لهم الرحمن ودا}، {ولسوف يعطيك ربك فترضى}، {سوف يؤتيهم أجورهم}. ونقل عنه ابن هشام في المغني (185) وقال: "زعم الزمخشري أنها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة، ولم أر من فهم وجه ذلك. ووجهه أنها تفيد الوعد بحصول الفعل، فدخولها على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتضٍ لتوكيده وتثبيت معناه". وردّ أبو حيان على الزمخشري ولاحت له في قوله "دفينة خفية من الاعتزال" فقال (5: 71): "وليس مدلول السين توكيد ما دخلت عليه. إنما تدل على تخليص المضارع للاستقبال فقط". والحق أن الزمخشري مسبوق في استنباط هذا المعنى. فقد أورده الراغب في مفرداته: 435 (سوف) فقال: "وقوله {فسوف تعلمون} تنبيه أن ما يطلبونه وإن لم يكن في الوقت حاصلاً فهو مما يكون بعد لا محالة". والراغب توفي في أوائل القرن الخامس. وقد نقل الزركشي (280:4 - 281) ما قاله الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {أولئك سيرحمهم الله} ثم قال: "ومثله قول سيبويه في قوله {فسيكفيكهم الله}: معنى السين أن ذلك كائن لا محالة، وإن تأخرت إلى حين". ولم أجد هذا النص في كتاب سيبويه. وهو موجود بحروفه في الكشاف 1: 196 إلاّ أن فيه: "وإن تأخر". فأخشى أن يكون الزركشي قد وهم. وانظر عضيمة 1/ 2/ 172. (¬2) وانظر كلاماً يشبه هذا للزمخشري في تأويل "لعلّ" في بعض المواضع إما كانت من الله تعالى. الكشاف 1:92 (البقرة: 21).

(21) سارب

أخبر عما هو لا بد واقع بهذا الحرف، فلا يقولنّ أحد إن الإخبار بهذا الحرف إخبار عما هو غير مستيقن، كقوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (¬1). وأمثال ذلك. فأراد التنبيهَ على دفع شبهة. والمرادُ مما قدمنا التنبيهُ على أمر آخر: وهو أنّ المخبَرَ عنه ربما يكون مقطوعاً به في ذاته، ولكن الخبر يبقى محلاًّ للرجاء والخوف والمشيئة لا مِن جهة ضعفٍ في الإخبار، بل مِن جهةِ سعةِ اختيارِ المخبِر. (21) سَارِبٌ الذي يذهب حيث يشاء (¬2).قال الأخنَس بن شِهاب التغلبي، وهو جاهلي (¬3): أَرَى كُلَّ قَوْمٍ قَارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهم ... وَنَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَهُ فَهْوَ لسَارِبُ (¬4) ¬

_ (¬1) سورة الشعراء، الآية: 227. (¬2) وبه فسر أبو عبيدة (2: 323) قوله تعالى في سورة الرعد: 10 {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} وقال الفراء 2: 60 "ظاهر بالنهار" ونقله الطبري 13: 113 أما الأخفش فقلب المعنى ففسر في معاني القرآن 2: 370 "المستخفي" بالظاهر و"السارب" بالمتواري، ثم جاء ابن الأنباري فجعل الكلمة من الأضداد! انظر أضداده: 76 وتبعه ابن الدهان (أضداده: 99) ولم يذكره الأصمعي والسجستاني وابن السكيت ولا الصغاني. (¬3) شاعر جاهلي قديم من أشراف تغلب ورؤسائها، حضر وقائع حرب البسوس، ويقال له "فارس العصا". الاشتقاق: 336، الآمدي: 30، شرح الحماسة للتبريزي 2: 123 الخزانة 37:7 وانظر شرح الأنباري للمفضليات: 410. (¬4) البيت من قصيدة له في المفضليات: 208 وشرح الأنباري: 421 والتبريزي: 939، =

(22) السعي

(22) السَّعْي المشي مشي الجدّ والطلب. وذلك إذا كان في عبادة فالمقصود إظهار العبودية، كما تقول في القنوت: "وَإليكَ نسعَى ونَحفِد" (¬1) فقولنا: "نحفِد" (¬2) يبين معنى "نسعى" (¬3). كما قال عَدِيّ بن زَيد (¬4): ¬

_ = والاختيارين: 146، وفي شرح الحماسة للمرزوقي: 728، والتبريزي 2: 126. والبيت وحده في إصلاح المنطق: 201 وغريب القرآن لابن قتيبة: 225، والمعاني الكبير 1: 551 مع بيتين، والجمهرة 1: 256 والأمالي 2: 243 واللآلي: 868 واللسان (سرب). وقال الأصمعي في تفسير البيت: "هذا مثل. يريد أن الناس أقاموا في موضع واحد لا يجترئون على النُقلة إلى غيره، وقاربوا قيد فحلهم أي حبسوا فحلهم عن أن يتقدم، فتتبعه إبلهم خوفاً أن يُغار عليها. ونحن أعزاء نقتري الأرض، نذهب فيها حيث شئنا. فنحن قد خلعنا قيد فحلنا ليذهب حيث شاء، فحيثما نزع إلى غيث تبعناه" انظر اللسان (سرب). (¬1) أخرجه البيهقي عن عمر رضي الله عنه موقوفاً، وصححه الذهبي، انظر المهذب في اختصار السنن الكبير للذهبي 2: 175، والأذكار للنووي: 58. (¬2) قال الأزهري: الحفد في الخدمة والعمل: الخفّة. وقال أبو عبيدة: أصل الحفد: الخدمة والعمل. وقيل: معنى "وإليك نسعى ونحفد": نعمل لله بطاعته (اللسان). (¬3) قال المؤلف في تفسير قوله تعالى في سورة عبس {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}: "يسعى" أرِيدَ به المجيء بالشوق على سبيل الكناية. وليس المراد به الإسراع بالقدم لدلالة الموقع. وكما يبينه قوله: {وَهُوَ يَخْشَى} وهذا مثل ما مرّ في قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله} " انظر تفسير سورة عبس: 5. (¬4) شاعر فصيح من شعراء الجاهلية من زيد مناة بن تميم. وكان نصرانياً، وهو أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى. قال ابن قتيبة: "وعلماؤنا لا يرون شعره حجة" ويردّ قولَه كثرةُ شعر عدي المستشهد به في كتب اللغة والنحو قبل ابن قتيبة وبعده. انظر معجم شواهد =

مُتَّكِئاً تَخفِقُ أبوابُه ... يَسعَى عليه العبدُ بالكوبِ (¬1) فالمشي إلى المسجد ينبغي أن يكون على نهج العبد الذي يحفِد على مولاه، وقد دعاه. ولذلك قال تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (¬2). وإنما جاء النهي عن السعي المفرط الذي يُخرجه من الوقار، والأمر بينَ بينَ. ومما ذكرنا يظهر معنى السعي بين الصفا والمروة، فإن إبواهيم وإسماعيل عليهما السلام كانا يسعيان إلى طاعة الله (¬3). ¬

_ = العربية. ابن سلاّم: 137، 140 - 142، أسماء المغتالين: 140 - 141، ابن قتيبة: 225 - 233، الأغاني 2: 80 - 128، المرزباني: 80 - 82، الكامل لابن الأثير 1: 422 - 428، الخزانة: 381 - 386. (¬1) من أربعة أبيات في ديوانه: 67 وقبله: لَلشَّرَفُ العَودُ فأكنافُه ... ما بينَ جُمرانَ فَيَنصُوبِ خيرٌ لها إنْ خشيَتْ جَحْرَة ... من ربِّها زيدِ بن أيّوب ونسب الجاحظ هذه الأبيات الثلاثة في البخلاء: 232 إلى الأعشى. وانظر ذيل ديوانه (جاير): 237. وهي في معجم البكري: 752 والبلدان 5: 451 لعدي. والبيت وحده لعدي في المجاز 2: 206 وجمهرة الأشعار: 129 ولحن العوام: 186 وشرح ديوان المتنبي 1: 106 واللسان (كوب، صفق). حَجْرةً: أيَ سنة شديدة مجدبة، تَخفِق: كذا في الأضل من النصرانية 2: 473، وكذا في معجم البكري. وفي غيرهما: تُقرع، تُصفق، تُصرَف. فإن صحّت الرواية فالمعنى أنّ الأبواب تضطرب من فتحها ثم إغلاقها مرّة بعد أخرى. ولكن أخشى أن يكون صواب الرواية "تُصْفَق" كما في اللسان (صفق) أي تُغلَق. (¬2) سورة الجمعة، الآية: 9. (¬3) وانظر كتاب الرأي الصحيح في من هو الذبيح للمؤلف: 68. ومن تحقيقات المؤلف أن المروة هي موضع قربان إسماعيل عليه السلام، وهي التي حرّفتها اليهود في قصة الذبح في التوراة -حينما أدخلوا مكانه اسم إسحاق عليه السلام- بـ (موره) و (مورياه) و (مرياه). انظر الفصل الثامن من الكتاب المذكور: 54 - 62.

(23) السنة

(23) السُّنَّة هي طريق قوم (¬1). فإذا نُسبتْ إلى شخص واحد كان المراد أنه الإمام. وكذلك إذا نسبت إلى الرب تعالى كان المعنى أنها طريق عامّة يجري بها أمره في عباده، كما قال تعالى: {سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} (¬2). ¬

_ (¬1) قال الأفوَه الأوْدي من قصيدة في الطرائف الأدبية 13: نحن أودٌ ولأودٍ سنّةٌ ... شَرَفٌ ليس لنا عنه قَصارُ سنّةٌ أورثَناها مذحجٌ ... قبلَ أن يُنسبَ للناس نِزارُ وقال أيضاً (الطرائف: 19): ولكل ساعٍ سنّةٌ ممن مضى ... تَنمي به في سعيه أو تُبدِعُ في المنجّد 110: "يقول: ترفعه في طلبه أو تنقطع به عما يريد". وقال المتلمس من قصيدة في الأصمعيات 246: وقد كنت أرجو أن أكون لخلفكم ... زعيماً فما أُحرِزتُ أن أتكلّما لأورِثَ بعدي سنّةً يهتدى بها ... وأجلوَ عن ذي شبهة أن يُفهَّما ما أحرزت: ما منعني أحد من الكلام. وقال سُوَيد بن كُراع العُكْلي من قصيدة (شعراء مقلون: 66): كذاك تعوّدنا على ما ينوبنا ... ولِلحقّ فينا سنّةٌ ومحارمُ وقال لبيد بن ربيعة في معلقته (شرح الأنباري: 593): من معشر سنّت لهم آباؤهم ... ولكل قوم سنّةٌ وإمامها (¬2) سورة غافر، الآية: 85. وقال المؤلف يفسّر قوله تعالى: {وَلَن تجَدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تبديلًا} [الأحزاب: 62]: "أما سنة الله فهي الطريق المرعية في أفعال الله تعالى: هي طريق العدل والرحمة. وهاهنا (أي في الآية) هي نصر أنبيائه وقمع الظالمين إذا بلغوا آجالهم". وقال أيضاً: "ظنّوا أن المراد من سنة الله طبائع الخلق كلها، فالنار مثلاً لا بد أن تحرق الإنسان، فعادات المخلوقات غير متبدلة. وعلى هذا أنكروا المعجزات. وَغرَّهم أقوال من سمى هذه الطبائع "سنة الله". وأوّل من استعمل كلمة "سنة الله" في هذا المعنى هم أصحاب رسائل إخوان الصفاء. وتبعهم صاحب حجة الله البالغة، وتأويل القرآن إنما =

(24) الشهيد

(24) الشهيد الذي يشهدَ ويحضُر. ويُحمل على وجوه: (1) من يشهد المشاهدَ العظيمة من القوم، ويتكلم عن القوم، فهو لسانُ القوم، فما قال كان ذلك قولَ القوم، فهو رئيسهم، وهم يُذعنون لِما قال. قال الحارث بن حِلِّزَةَ: وهو الربُّ والشهيدُ ...... ... ......................... (¬1) وهذا كما قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (¬2). ¬

_ = يصحّ حسب استعماله". انظر عيون العقائد: 165. وصاحب "حجة الله البالغة" هو الإمام الشاه أحمد بن عبد الرحيم المعروف بوليّ الله الدهلوي (1114 - 1176 هـ). انظر ترجمته في نزهة الخواطر 6: 410 والأعلام 1:149. (¬1) أكمل البيت من المطبوعة. وَهُوَ الرَّبُّ وَالشَهِيدُ عَلَى يَو ... مِ الحِيَارَينِ وَالْبَلاَءُ بَلاءُ والبيت من معلقته، انظر شرح ابن الأنباري: 475 والتبريزي: 390 وأنشده في اللسان (ريب، حير). عنى بالرَّبّ المنذر بن ماء السماء، ويوم الحِيارَين من أيام العرب وقد غزا المنذر أهل الحيارين ومعه بنو يَشكر فأبلوا بلاءً حسناً. والبلاء بلاء: أي شديد. (¬2) سورة القصص، الآية: 75. وقال المؤلف في تعليقاته التفسيرية: 304 " {شهيداً} أي إمامهم في الكفر" وقال أيضاً: 305 {شهيداً} أي زعماءهم الذين دعوهم إلى الشرك". ويرى غيره من المفسرين أن الشهيد هنا النبي الذي يشهد على أمته يوم القيامة، كما قال تعالى في سورة النساء، الآية: 41 {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} وقال في سورة النحل، الآية: 89 {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ} انظر الطبري 11:104 (الحلبي) ولم يلاحظوا الفرق بين آية القصص وغيرها في الأسلوب، وخاصة كلمة {نزعنا} في الآية =

(2) فمن هاهنا الشهيد عند الملوك من رؤساء القوم، فهو لسانهم ووكيلهم، وشفيعهم، ولذلك جاء في الأحاديث لفظُ "الشهيد" بياناً للشفيع (¬1). (3) من شهد وعرف أمرا بنفسه، ثم أخبر أصحابه. فهو الواسط بين الأمر المشهود له وبين الذين يخبرهم. وعلى هذا قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (¬2). ¬

_ = الأولى. وهي ناظرة إلى قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: 69]. وانظر ما قاله المؤلف في المقدمة الأولى ص 95. (¬1) عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المدينة خيرٌ لهم ولو كانوا يعلمون. لا يدعها أحد رغبةً عنها إلا أبدلَ اللهُ فيها مَن هو خير منه. ولا يثبت أحد على لأْوائِها وجَهدها إلاَّ كنتُ له شفيعاً أو شهيداً يومَ القيامة" رواه مسلم -واللفظ له- في كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بالبركة؛ ومالك في الموطأ، كتاب الجامع، باب ما جاء في سكنى المدينة والخروج منها؛ والترمذي في المناقب، باب فضل المدينة. قال القاضي عياض: إن هذا الحديث رواه جابر وسعد وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وأسماء بنت عميس وصفية بنت أبي عبيد رضي الله عنهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ (يعني: وشفيعاً أو شهيداً) ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك وتطابقهم فيه على صفة واحدة. بل الأظهر أنه قال - صلى الله عليه وسلم - هكذا". انظر النووي 9:145 - (ج). ومما يبين المناسبة بين الشفاعة والشهادة قوله تعالى في سورة الزخوف (86): {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} - (ن). (¬2) سورة البقرة، الآية: 143. وقال المؤلف يفسر قوله تعالى في سورة النساء: 41 {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} في تعليقاته: 84 - 85: " {بشهيدٍ}: بشفيع. لما بدّلوا معنى الشفيع وصاروا يعبدون الشفعاءَ أبطل الله ذلك المعنى، فاستعمل كلمة "شهيد". فالشهيد هو الذي يُؤذَن بالكلام، وبواسطته يغفر لمن يشاء الله. فليس لأحد أن يبدأ بالكلام. ثم اعلم أن الأصحاب وصلحاء الأمة شهداء كأنبياء بني إسرائيل. قال تعالى: [البقرة: 143] ". وبعد إيراد الآية =الكريمة قال: "وهذه مرتبة عظيمة للنبي. وقد روى الرازي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابن مسعود رضي الله عنه: اقرأ القرآن عليَّ. قال: فقلت: يا رسول الله،

(4) من شهِد بأمرٍ عظيمٍ على بيّنةٍ منه. وصدَّقَ شهادتَه ببذل مُهجته، فهو كاملُ الشهادة، إذ قامَ بأمرٍ، فأظهره، ولم يكتُمه، ثم أظهَرَ صدقَه وجِدَّه في الشهادة، وحَضَرَ، ولم يختفِ. وعلى هذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} (¬1). وأيضاً: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} (¬2) الآية. (5) ومن علم شيئاً، وهو السَّنَد فيه، وهو الشاهد. وعلى هذا قوله تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬3). ¬

_ = أنت الذي عَلَّمْتَنيه، فقال: أحِبّ أن أسمعَه من غيري. قال ابن مسعود: فافتتحت سورة النساء، فلما انتهيت إلى هذه الآية بكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمسكتُ عن القراءة" بكى لجلالة هذه النعمة. فهذه الشهداء لله على الناس. ثم من الكفار شهداء مفترون: شهدوا في الدنيا زوراً، ويشهدون يوم القيامة بذنوبهم، فيحق العذاب على أتباعهم وعليهم. الأنعام: 151 والقصص: 75 ومريم: 69، وحم السجدة: 47 وق: 21". والحديث متفق عليه. أخرجه البخاري في كتاب التفسير وكتاب فضائل القرآن، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب فضل استماع القرآن. انظر الفتح 8: 250 و 98:9، والنووي 6: 334. (¬1) سورة المائدة، الآية: 8. وقال المؤلف رحمه الله في تفسير الآية الكريمة في تعليقاته: 101 "الشهيد كالرسول ولذلك سمَّى الله الأنبياء "شهداء". ثم الشهيد هو الرقيب والمحافظ كما ترى في آخر هذه السورة، وكما قال الحارت بن حلزة في آخر قصيدته". يعني بقوله "في آخر هذه السورة" قوله عز وجل على لسان عيسى عليه السلام: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117]. (¬2) سورة النساء، الآية: 135. (¬3) سورة العنكبوت، الآية: 52.

(25) الشوى

(25) الشوَى في (¬1) القرآن في صفة جهنم: {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} (¬2). واختلفوا في معناه (¬3). ولكن المعنى الكثير الوقوع في كلام العرب هو لحم الساق (¬4). ¬

_ (¬1) في المطبوعة: "جاء في" (¬2) سورة المعارج، الآية: 16. (¬3) انظر معاني القرآن للفراء 3: 185، والطبري 29: 76، واللسان. (¬4) ذكر المؤلف في كتابه التكميل في أصول التأويل: 62 أصلاً من الأصول المرجِّحة للتأويل بعنوان "الأخذ بأثبت الوجوه لغةً" فقال: "إن المعنى الذي كثر في كلام العرب لا ينبغي تركه إلا لصارف قوي. فإذا تساوى الوجوه الآخر وهي (في المطبوعة: هو؟) النظمُ والموافقةُ بباقي القرآن، وصريح العقائد، لا بد أن نأخذ المعنى الشائع. ومثاله معنى "الشوى" فإنه لحم الساق عموماً في كلام العرب. وقد أخطأ العلامة عبد القادر الدِّهْلَوي في ترجمة قوله تعالى: {نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى} فظن أنه: الكبد. والموقع ذكر دنوّ العذاب، لا دخول المنكرين في النار. فإن سياق الكلام هكذا: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)} [المعارج: 1 - 18]. فهذا بيان الموقف، يومَ أُزلِفت الجنة للمتقين، وبرزت الجحيم للغاوين. فليس لهم حميم. فحينئذٍ تدعو الجحيمُ الكفارَ، وتُخرج لظاها، فتذهب بلحم سُوقهم. وأما أنها تُخرِج أكبادَهم، فليس هذا مما جاء في شيء من القرآن حتى إنهم حين يدخلونها لا تخرج أكبادهم ولا قلوبهم. =

قال ابنُ حُزَابَة الحماسيّ (¬1): مُشَمِّرٌ لِلمنايا عَن شَواه إذا ... ما الوَغْدُ أسنبَلَ ثوبَيه على القدَمِ (¬2) قال امرؤ القيس: سَلِيمِ الشَّظَى عَبْلِ الشَّوَى شَنِجِ النَّسَا ... لَهُ حَجَبَاتٌ مُشْرِفَاتٌ عَلَى الْفَالِ (¬3) ¬

_ = وكذلك أخطأ من أخذها بمعنى جلد الرأس. فإن مجيء الشوى للحم الساق عامّ شائع. ولجلد الرأس جاءت الشواة في قليل من الكلام مع احتمال معنًى آخر. ثم لم يذكر في القرآن ولا في الحديث مجيء النار في الموقف من فوق، حتى إذا دنا وأطلّ عليهم نزع جلدة رؤوسهم. فلو تساوى المعنيان للشوي لكان الأخذ بما هو أوفق بالنظم وباقي القرآن أحرى. فكيف والمعنى غير معروف وغير معتمد عليه". والعلامة عبد القادر المذكور هو ابن الإمام العلامة ولي الله الدهلوي. وقد اشتهر بترجمته للقرآن الكريم إلى اللغة الأردية. توفي سنة 1242 هـ. انظر ترجمته في نزهة الخواطر 7: 326. (¬1) كذا في شرح التبريزي 2: 113 "أخو حزابة أو ابن حزابة". والصواب: أبو حزابة، كما سيأتي في (العصر) برقم 225، وكما في شرح المرزوقي: 687. وقال الشاعر نفسه: أنا أبو حزابة الشيخ الفانْ اسمه الوليد بن حنيفة، وقال ابن الأعرابي: الوليد بن نهيك. تميمي من شعراء الدولة الأموية بدوي، سكن البصرة، وكان شاعراً راجزاً فصيحاً. خرج مع عبد الرحمن بن الأشعث على عبد الملك قال أبو الفرج: أظن أنه قتل معه. انظر كنى الشعراء: 283 وتاريخ الطبري 5: 472 والأغاني 22: 273 - 282، واللسان والقاموس (حزب) وضبطه الدارقطني (المؤتلف والمختلف 2/ 719) والأمير (الإكمال 2: 459) بالنون: أبو حزانة. وتبعهما الذهبي (المشتبه: 233) وأقرّه ابن حجر (التبصير: 437) وقد نقل الأمير عن ابن الكلبي. ونبّه ابن ناصر الدين في التوضيح (3: 220) أنه وجد في نسختين من جمهرة ابن الكلبي بالباء الموحدة. قلت: ومثله في مطبوعة الجمهرة: 226. (¬2) البيت من حماسية له في المرزوقي: 688 والتبريزي 2: 113 وصلة البيت قبله: فعُقبةُ بن زهيرٍ يومَ نازلَه ... جمعٌ من الترك لم يُحجم ولم يَخِمِ الوغد: الجبان الضعيف النذل. إسبال الثوب على القدم: ضد التشمير. (¬3) البيت من لاميته المشهورة، وصلة البيت قبله: كَأنِّيَ لَم أرْكبْ جَواداً لِلَذَّةٍ ... وَلَمْ أَتَبَطَّن كَاعِباً ذَاتَ خَلخالِ =

قال جرير (¬1): مَاذَا ذَكَرْتَ مِنَ الهُذَيلِ وَقَدْ شَتَا ... فِينَا الهُذَيْلُ وَفِي شَوَاه كُبُولُ (¬2) [قال الأَفْوَهُ الأَوْدِي (¬3): ¬

_ = وَلَمْ أسبأ الزِّقَّ الرَّوِيَّ ولَمْ أقُل ... لِخَيليَ كُرِّي كَرَّةً بعدَ إجْفَالِ وَلَم أَشْهَدِ الخَيْلَ المُغِيرةَ بِالضُّحَى ... عَلَى هَيكلٍ نَهْدِ الْجُزَارةِ جَوّالِ ديوانه: 36، والبيت مع صلته "ولم أشهد" في اللسان (شظى، نيل) ووحده في المقاييس 2: 371، واللسان (شنج) والعجز وحده في اللسان (حجب). وصدره عجز بيت آخر يروى له وصدره: 334: طَوِيلِ القَرا نَهْدِ التَّلِيلِ مُشَذَّبِ الشَّظَى: قال الأصمعي: هو عُظَيْمٌ ملزق بالذراع، فإذا تحرك من موضعه قيل: قد شَظِيَ الفرسُ. العَبْل: الضخم. النسا: عرق، ووصفه بالشنج لأنه أصلب له. والحَجَبَات: رؤوس الأوراك. على الفال: يريد "على الفائل"، وهو عرق عن يمين عجب الذنَب ويساره. قال الأعلم: المعنى أنه مشرف الكفل، فحجباته مشرفة لاتصالها بالكفل". (¬1) هو جَرِير بن عَطيَّة بن الخَطَفَى -بفتَحات- من بني كُلَيب بن يربوع. مات باليمامة سنة 110 هـ أحد الثلاثة المقدمين من شعراء الدولة الأموية. ابن سلاّم: 297، 374 - 461، ابن قتيبة: 464 - 470، الأغاني 3:8 - 88، الآمدي: 94، ابن خلكان 1:286 - 291، الخزانة 1:75 - 77. (¬2) البيت من قصيدة يمدح بها عبد الملك ويهجو الأخطل. انظر ديوانه: 2: 96 والنقائض بينه وبين الأخطل: 184. في الأصل والمطبوعة: "فإذا ذكرتَ" وكذا في بعض نسخ الديوان وغيرها ولعله تحريف، والصواب "ماذا" كما جاء في الأصل الذي اعتمده محقق الديوان وفي النقائض. والهُذَيل: هو ابنِ هُبيرة التغلبي أَسَره وأربعة أبنائه يزيد بن حذيفة السَّعدي في يوم ذي يُهْدَى في بلاد بني ضَبَّةَ. شَتَا: أقام شِتوتَه. (¬3) هو صَلاءَةُ بن عمرو بن مالك. مِن مَذْحِج. من كبار الشعراء القدماء في الجاهلية. وكان سيد قومه وقائدهم في الحروب. والعرب تعدّه من حكمائها. ألقاب الشعراء: 325، ابن قتيبة: 223 - 224، الاشتقاق: 412، الأغاني 12: 165 - 167، جمهرة الأنساب: 386.

نَظَلُّ غَيارَى عِندَ كُلِّ سَتِيرَةٍ ... تُقَلِّبُ جِيداً وَاضِحاً وَشَوًى عَبْلاَ (¬1) قالت الخِرنِق أختُ طرَفة (¬2): سَارَ بِه أَجْرَدُ ذُو مَيْعَةٍ ... عَبْلاً شَوَاه غيرَ كَابٍ عَثورْ (¬3) قال الأعشى: مُسْتَقْدِمُ البِرْكةِ عَبْلُ الشَّوَى ... كَفْتٌ إذَا عَضَّ بِفَأسِ اللِّجَامْ (¬4) قال المثقِّب العَبدي: كأني وأقتادِي على حَمْشَةِ الشَّوى ... يَجورُ صَراريٌّ بها ويُقيمُها (¬5) قال عَنترة العبسي: وحَشِيّتي سَرْجٌ على عَبلِ الشوى ... نهدٍ مَراكلُه نبيلِ المَحزِمِ (¬6)] (¬7) ¬

_ (¬1) البيت من سِتّة أبيات له في الأغاني 12: 166 وانظر الطرائف الأدبية: 23، الستيرة: العفيفة. (¬2) لأمّه، وقال ابن السكّيت إنّها عمّته. وهي بنت بدر بن هِفّان بن مالك. وزوجها بِشر بن عمرو بن مرثد الذي قتله بنو أسد يوم قُلاب في الجاهلية. انظر اللآلي: 780، والبلدان (قلاب) والخزانة 5: 55 والنصرانية 1: 321 والتاج (خرنق). (¬3) من أبيات لها ترثي بها زوجها بِشراً، وتصف خروجه للصيد، وأولها وهو صلة البيت قبله: يَا رُبَّ غيثٍ قَد قَرَى عَازِبٍ ... أَجَشَّ أَحْوَى فِي جُمَادَى مَطِيرْ ديوانها: 35 وفيه: قَادَ به أجردَ ذَا مَيعةٍ والمؤلف أخذ عن رياض الأدب 1:33. كَبَا الفرس: إذا انتفخَ ورَبا من عَدْوٍ. (¬4) البيت في زيادات جاير: 257، وهو غير موجود في ديوانه. البِرْكة: الصدر، كَفْتٌ: سَرِيع. فأسُ اللجام: الحديدة المعترضة في الحَنَك. في المطبوعة: "كأس" من شعراء النصرانية: 391. وهو تحريف. (¬5) البيت من قصيدة له في ديوانه: 50. الأقتاد: عيدان الرحل. حَمشة: دقيقة. الصراري: الملاّح. (¬6) من معلقته في ديوانه: 199 وجمهرة الأشعار: 489 وشرح ابن الأنباري: 316 والتبريزي: 280. الحشيّة: الفراش المحشو بالقطن أو الصوف. نهد: ضخم مشرِف. المراكل: جمع المَركل وهو موضع الركل أي الضرب بالرجل. المحزم: موضع الحزام. (¬7) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من شواهد المؤلف التي أشار إليها في نسخته من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = شعراء النصرانية: 71، 326، 391، 414، 810. من شواهد الشوى: شواهد الشوى بهذا المعنى في كلام العرب من الكثرة بحيث لا تحصى. وقد تجمّع لدي عدد كبير منها. وأكتفي هنا بإيراد بعضها مما ورد فيه الشوى للإنسان: 1 - قال كعب بن زهير يصف صائداً من قصيدة (ديوانه: 107): فصادَفْنَ ذا حَنَقٍ لاصقٍ ... لُصوقَ البُرامِ يظنّ الظنونا قصيرَ البنانِ دقيقَ الشوى ... يقول أيأتين أم لا يجينا يعني أن الصائد قد لصق في مكمنه كالبرام وهو القُراد. 2 - وقال أبو صخر الهذلي من قصيدة (التمام: 172): قِصارِ الخُطى شُمٍّ شُموسٍ عن الخنا ... خِدالِ الشوَى فُتْخِ الأكُفِّ خراعبِ الشموس جمع شامسة. وهي التي لا تُطمع الرجال. الفتخاء: عريضة الَكفّ مع اللين. خراعب: جمع خَرعَبة وهي الشابة الحسنة القَوام الرخصة اللينة. وانظر أشعار الهذليين: 916. 3 - وقال جميل بن معمر من قصيدة (ديوانه: 127): قَطوفُ الخُطى عند الضحى عَبلةُ الشوى ... إذا استعجل المشيَ العِجالُ النحائفُ قَطوف الخُطى: متقاربتها بطيئة. العِجال: جمع عَجلى. 4 - وقال أيضاً (176): لقد أنكحوا حَربي نُبَيهاً ظعينةً ... لطيفةَ طيِّ البطنِ ذاتَ شوًى خَدْلِ حري. خصمي. نُبَيْه: زوج بثينة. 5 - وقال عمر بن أبي ربيعة من قصيدة (شرح ديوانه: 484): يذكّرني ابنةَ التيمي ظبيٌ ... يرود بروضةٍ سهل رُباها فقلت له وكاد يُراع قلبي ... فلم أر قطّ كاليوم اشتباها سِوى حَمشٍ بساقكَ مستبينٍ ... وأنَّ شواكَ لم يُشبِه شواها 6 - وقال ذو الرمة من قصيدة (ديوانه: 143): وحَليُ الشوى منها إذا حُلّيت به ... على قصَباتٍ لا شِخاتٍ ولا عُصْلِ شِخات: دقاق. عُصل: معوجّة. 7 - وقال أيضاً (1152): مِن كلِّ عجزاءَ في أحشائها هَضَمٌ ... كأن حَليَ شواها أُلبِسَ العُشَرا العُشَر: شجر لين ناعم. =

(26) الصبر والشكر

(26) الصبر والشكر الصبرُ كالأساسِ للشكر، فهو بالقوّة موجودٌ قبله. والشكرُ قبلَ كلِّ عملٍ صالحٍ. قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (¬1). وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (¬2). وقال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ ... إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (¬3). وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (¬4). ¬

_ =8 - وقال أيضاً (1513): أولاك كأنهن أولاكِ، إلا ... شوَى لِصواحبِ الأرطى ضِئالا يعني: كأن الظعائن بقر. 9 - وقال حُجَلُ عبد بني مازن من فزارة (المؤتلف: 112): يا هندُ إحدى الخُرَّد المِلاحِ ذات الشوى والكفَل الرَّداحِ (¬1) سورة البقرة، الآيتان: 45، 153. (¬2) سورة إبراهيم، الآية: 5، سورة لقمان، الآية: 31، سورة سبأ، الآية: 19، سورة الشورى، الآية: 33. (¬3) سورة الإنسان، الآيات: 1 - 3، وتمام الآية: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}. (¬4) سورة فصلت، الآية: 30، سورة الأحقاف، الآية: 13.

أي صبروا على الإيمان ولم تزعزعهم المصائب. والدليلُ على كونِ الشكر قبلَ الأعمالِ الصالحةِ في الوجوب والوجود أنَّ جميعَ الأعمالِ الصالحةِ تنشأ مِن استعمالِ القَوى في طاعةِ الرب وحسبَ رضاه. وذلك هو الشكرُ، كما قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} إلى قوله: {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}. ومن جهة أخرى أن العدلَ أساسُ الحقوقِ. وأوَّلُ الحقّ العبودية والإسلامُ لِلرَّبّ. وهذا بحسب وجوب الحقّ. وأما بحسبِ الوجود فأوّلُ الحقوقِ الشكرُ، فإن أوّلَ الفيضِ رحمةٌ، ويَلزمها الشكرُ مِنّا. ولزومُ الشكرِ للرحمة مبنيٌّ على العدلِ والقِسطِ، وهو الحقّ بمعنى ضد الباطل. ولكنّ الشكرَ يحتاجُ إلى الصّبرِ، لأن العبدَ يُبتلَى ويَنتظِر الجزاءَ الذي هو وجودُ الحقّ والعدلِ في الآخرة، فالضَّجور أبعدُ عَن الشكرِ، فكان الصبرُ بناءً للشكر. ولذلك قال تعالى: {صَبَّارٍ شَكورٍ}. (1) فالصبرُ متقدمٌ على الشكرِ تقدُّمَ الجزءِ على الكلِّ، والشكرُ متقدمٌ على الصبرِ تقدُّمَ الأفضلِ الجامعِ. (2) وأيضاً الشكرُ متقدمٌ تقدُّمَ الإيمانِ عَلى العملِ، فإنَّ الشكرَ كيفيةٌ تَنشأ مِن معرفةِ النِّعم. فأوّلُ العبوديةِ هو الشكرُ وجوباً وزماناً. (3) وأيضاً الشكرُ دائمٌ متّصلٌ لدوَام النعمة، والصبرُ عندَ الشدائد. (4) وأيضاً الشكرُ إثباتٌ، وأمّا الصبرُ فهو كفُّ النفسِ عن الضجَر. (5) وأيضاً الشكرُ هو العَونُ على الصبر. فإنَّ مَن رَسَخَ في قلبه معرفةُ النعم، وآمنَ بربِّه، صَبَرَ علَى المكارِه لرضاه. والآن تأمَّلْ في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬1) فاتحة الصلاة، وفي قوله تعالى: ¬

_ (¬1) سورة الفاتحة، الآية: 2.

(27) الصدقة

{وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬1). فهذا يدُلّ على جامِعيةِ (¬2) الشكر. أيضاً في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (¬3). فالعبودية الخالصة لله هي الشكر، والاستعانة به أمسُّ بالصبر. أيضاً في قوله تعالى حكاية عن قول إبليس: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي التوحيد {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (¬4) أي مُوَحِّدين. فَدَلَّ على أنَّ الشكرَ هو الإيمان (¬5). (27) الصدقة (11) (¬6) نورٌ وبصيرةٌ. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} (¬7). وقال تعالى: ¬

_ (¬1) سورة يونس، الآية: 10. (¬2) في الأصل والمطبوعة: جامعة، ولعل الصواب ما أثبتنا. (¬3) سورة الفاتحة، الآية: 5. (¬4) سورة الأعراف، الآيتان: 16 - 17. (¬5) وانظر كتاب "دلائل النظام" للمؤلف: 35 - 37. (¬6) سقط الرقم من المطبوعة. (¬7) سورة المجادلة، الآية: 12.

(28) الصفح

{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} (¬1). وهو النور، كما بيّن بعد ذلك بقوله: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} (¬2). إلى آخر الآية التاسعة عشرة. (2) وَأيضاً طهورٌ، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬3). ومن هاهنا سُمِّيَت الزكاة "زكاة" (¬4). ومن هاهنا أوّلُ خُطوه السلوك إعطاءُ كلِّ ما في اليَد. و "النور" و "الطهور" شيء واحد. وإنما الاختلاف من جهة الإضافة. "فالنور" جلاءُ العقلِ والفهمِ، و "الطهور" جلاءُ القلب (¬5). (28) الصفح يكون للإعراض وترك المجادلة. قال تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ} (¬6). وقال تعالى: ¬

_ (¬1) سورة الحديد، الآية: 11. (¬2) سورة الحديد، الآية: 12. (¬3) سورة التوبة، الآية: 103. (¬4) انظر "الزكاة" في صفحة 195. (¬5) وانظر في جهات الصدقة كتاب "حكمة القرآن" للمؤلف: ق 4. (¬6) سورة الزخرف، الآية: 89. انظر غريب القتبي: 401 والكشاف 4: 268.

(29) الصلاة

{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (¬1). وقال تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} (¬2). (29) الصلاة [هي في الأصل: الإقبال على شيء (¬3). ومنه: الركوع، ومنه: التعظيم، ¬

_ (¬1) سورة الفرقان، الآية: 63. (¬2) سورة الحجر، الآيتان: 85 - 86. انظر الكشاف 2: 587. ومن شواهد الصفح من كلام العرب قول الفِنْد الزِّمَّاني من حماسيته (شرح المرزوقي: 32): صفحنا عن بني ذُهل ... وقلنا القوم إخوانُ عسى الأيام أن يرجعْـ ... ـنَ قوماً كالذى كانوا وقال في الشرح مرةً: "عفونا عن جرم هؤلاء القوم". وقال مرةً: "أعرضنا عنهم". وهو الصواب. وقال حاتم الطائي من قصيدة في ديوانه (238) وهو من شواهد الكتاب (1: 368، 3: 126). وأغفر عوراء الكريم ادّخارَه ... وأصفح عن شتمِ اللئيم تكرّما يقول الأعلم: " ... وإن سبّني اللئيم أعرضت عن شتمه إكراماً لنفسي عنه". وقال الأعشى من قصيدة في ديوانه (ط 7) 289: كان ذا الطاقة بالثقل إذا ... ضنَّ مولى المرء عنه وصَفَحْ وقال الحارث بن هشام المخزومي يعتذر عن فراره يوم قُتل أخوه أبو جهل ببدر: فصفحتُ عنهم والأحبّة فيهم ... طمعاً لهم بعقابِ يومٍ مفسدِ وهو من شواهد سيبويه 1: 369 وانظر سيرة ابن هشام: 523. (¬3) وقال المؤلف رحمه الله في تفسير سورة الكوثر: 29 وهو يذكر الوجه الحادي عشر من وجوه المناسبة بين الصلاة والنحر: "أرى أن الصلاة في أصل معناها القربة القريبة =

والتضرّع والدعاء. وهي كلمة قديمة، بمعنى الصلاة والعبادة. جاءت في الكلدانية بمعنى الدعاء والتضرّع (¬1). وفي العبرانية بمعنى الصلاة والركوع (¬2). ومن هذا الأصل صلِيَ النارَ: أقبل عليها، ثم بمعنى دخل النار، كما قال تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا} (¬3). وأيضاً: {وَيَصْلَى سَعِيرًا} (¬4). ومنه: التصلية، كما قال تعالى: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} (¬5). ¬

_ = والإقبال على الشيء والدخول فيه. فيقال للفرس المتصل بالسابق: "المصلّي"، وللجالس حول النار بقربها: "الصالي"، وكذلك لمن دخل في حرّها". وانظر ما سيأتي من تعليقاته على سورة النور. وقال صاحب المقاييس (3: 300): "الصاد واللام والحرف المعتلّ أصلان: أحدهما النار وما أشبهها من الحمى، والآخر جنس من العبادة". وقال الزجاج: الأصل في الصلاة: اللزوم (اللسان - صلى) والراجح ما قاله المؤلف، فإنّ الإقبال على الشيء والانحناء هو المعنى المشترك للكلمة في العربية وأخواتها، ولعل أصل المعنى يرجع إلى كلمة (صلا) بمعنى وسط الظهر، وقد حفظتها العربية. (¬1) يعني الأكّدية (البابلية والأشورية)، والكلمة فيها بهيئة "صَلو" و "صَلِيتو" انظر طه باقر: 114. (¬2) وذلك تجوّز من المؤلف رحمه الله. فإنّ كلمة الصلاة من الألفاظ الآرامية التي وردت في العهد القديم انظر دانيال 6: 11 وعزرا 6: 10، وتطلق في الآرامية -كما قال المؤلف- على الركوع والصلاة، وكذلك في الحبشية. انظر جزينيوس: 1109. أما العبرانية فالكلمة الشائعة فيها بمعنى الصلاة والدعاء والتضرع هي [. . .] (تِفِلاّ) من مادة (فلل). انظر مثلاً الملوك الأول 33:8، الثاني 6:17 عزرا 10: 1، دانيال 9: 20. (¬3) سورة اللهب، الآية: 3. (¬4) سورة الانشقاق، الآية: 12. (¬5) سورة الواقعة، الآية: 94.

واستعملت العرب كل ذلك (¬1)] (¬2). جهات الصلاة (من أصول الشرائع أيضاً) (¬3). ¬

_ (¬1) نحو قول طَرَفة بن العبد من حماسية في شرح المرزوقي: 139 وديوانه: 198. 1 - الشَرُّ يَبْدؤه فِي الأصْلِ أَصْغَرُه ... ولَيْسَ يَصْلَى بِنَارِ الحَرْبِ جَانِيهَا 2 - وقالت امرأة من بني عامر من حماسية 252: سَيَتْرُكها قَومٌ وَيَصْلَى بحَرِّها ... بَنُو نِسْوَةٍ لِلثُّكْلِ مُصْطَبِرَاتِ 3 - وقالَ الطُهَوِي من حماسية 3: وَلاَ تَبْلَى بَسَالَتُهم وَإنْ هُمْ ... صَلُوا بالحَرْب حِيْناً بَعدَ حِينِ 4 - وقال قَيس بن زُهير (اللسان - صلى): فَلاَ تَعْجَلْ بأمرِكَ وَاسْتَدِمْهُ ... فما صَلَّى عَصَاه كَمُسْتَدِيمِ 5 - وقال أبو زُبَيد الطائي (اللسان - صلى): فَقَدْ تَصَلَّيْتُ حَرَّ حَرْبِهِمِ ... كما تَصَلَّى الْمَقْرُورُ مِنْ قَرَسِ 6 - وقال الرُّقَاد بن المنذر الضبي من حماسية 182: وأوْقَدَ نَاراً بَيْنَهُمْ بِضِرَامِها ... لَهَا وَهَجٌ لِلْمُصْطَلِي غيرُ طَائلِ 7 - وقال عديّ بن زيد العبادي من قصيدة في ديوانه 61: إنني وَاللَّهِ فَاقْبَلْ حَلِفِي ... لأَبِيلٌ كُلَّمَا صَلَّى جَأَرْ الأبيل: الراهب. جأر: تَضَرّع ورفع صوته بالدعاء. 8 - وقال الأعشى من قصيدة في ديوانه (101) وهو يخاطب بنته التي دعت له بأن يجنّبه الله الأوصاب والآلام: عَلَيكِ مِثلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغتَمِضي ... يَوماً فإنَ لِجَنْب المرء مُضْطَجَعَا 9 - وقال أيضاً من قصيدة في ديوانه (293) يصف الخمر: لَهَا حارِسٌ مَا يبرحُ الدَّهْر بَيْتها ... إِذَا ذُبِحَتْ صَلَّى عَلَيْهَا وَزَمْزَمَا 10 - وقال أيضاً يصفها من قصيدة في الديوان 85 (ط 7): وقابَلَها الرِّيحُ فِي دَنِّهَا ... وَصَلَّى عَلَى دَنِّها وَارْتَسَمْ صلَّى: دعا لها أن لا تحمَض ولا تَفْسُد. ارتسَمَ: كبَّرَ ودعا (اللسان). (¬2) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من تفسير سورة البقرة للمؤلف: 23. (¬3) سقط القوسان وما بينهما من المطبوعة. ويعني المؤلف أن هذا البحث يتعلق بكتابه "الرائع في أصول الشرائع" أيضاً. وكتب هذه التذكرة لنفسه يستفيد بها في الكتاب المذكور.

هي: (1) إقرارٌ بالتوحيد. (2) وذكرٌ لعهدنا بعبوديته الخالصة. والذكرُ هو الذي يجعل المعتقد به راسخاً في النفس حتى تتكيف به. أصلُ الخِلقة تعبُّدٌ للخالق. فتركُ العبادةِ تناقضٌ في الوجود. ولذلك كلُّ خلقٍ يعبدُ الرب. والصلاةُ مخّ العبادة، فلزم جميعَ الخلق لزومَ التوحيد والتعبّد. وقد يُعبَّر عن الصلاة بالتسبيح (¬1). فكلُّ خلقٍ له صلاةٌ، كما قال تعالى: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} (¬2). وقال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (¬3). وقال تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} (¬4). وقال تعالى: ¬

_ (¬1) قال المؤلف في تعليقاته على سورة النور 41 - 46 (ص 279 - 280): "أصل معنى "الصلاة": الإقبال والتوجه، وباطنها الإنابة، كما قال: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ويؤيده آيات أخر. و "التسبيح" هو الخشوع والسجود. وصلواتنا جامعة لكليهما. وقوله: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} ناظر إلى مفهوم التسبيح والصلاة. وعلى هذا فَجَرَيان كل شيء حسب مشيئة الله تعالى دليلٌ على ملكه وتسبيح كل شيء له. وأوضاعُ كل شيء بحسب طباعه صورٌ لخشوعه الظاهر وصلاته. كما قال تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} أي: يجريان حسب تقديره ومشيئته. {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} فكلُّ ذلك في تسبيحٍ وصلاة". (¬2) سورة النور، الآية: 41. (¬3) سورة الإسراء، الآية: 44. في الأصل خطّ تحت (بحمده). (¬4) سورة الرعد، الآيات: 13. هنا أيضاً خط تحت (بحمده).

{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (¬1) (3) الصلاةُ عهدُنا بالله. قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} (¬2). وقال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (¬3). [4] (*) وعبادتُه هو الدعاء الخالص له، كما قال تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (¬4). وقال: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} (¬5). (5) الصلاة شكرٌ لربّنا، وهو الربُّ الواحدُ. فالشركُ في الدعاءِ كفرٌ، كما أن تركَ الصلاة والإعراضَ عن ذكره كفرٌ. قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (¬6). ¬

_ (¬1) سورة الرعد، الآية: 15. هنا خط في الأصل تحت قوله تعالى: {يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ}. (¬2) سورة البقرة، الآية: 152. (¬3) سورة يس، الآيتان: 60 - 61. (*) هذا الرقم غير موجود في الأصل والمطبوعة. (¬4) سورة الرعد، الآيات: 13 - 15 وقد خطّ في الأصل تحت "دعوة الحق". (¬5) سورة الأعراف، الآيتان: 205 - 206. في الأصل خط تحت الألفاظ الآتية: اذكر، تضرعاً وخيفة، عبادته، يسبحونه. (¬6) سورة البقرة، الآيتان: 152 - 153.

فبناءُ الصلاةِ الصبرُ، وكذلك بناءُ الشكرِ الصبرُ (¬1). (6) (*) ويجب علينا هذا الشكر خاصة، لأنه تعالى أمرَ الملائكةَ بالسجدةِ لآدم، فوجب عليه أن يسجد لِربّه. قال تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} (¬2). فتركُ الصلاة مِنّا صار أشدَ كفراً من عصيانِ إبليس بثلاث مرات: 1 - لوجوبِها فطرةً. 2 - لوجوبها بما وَعَدْنا أن نَعبدَ. 3 - لوجوبها شكراً لما جُعِلَ الملائكةُ ساجدين لنا. (7) الصلاة رجوعٌ إلى الرب، فهي ذكرٌ للمعاد وصورةٌ له، وكذلك للمبدأ، فإنّه كمالُ الطاعة والتعبد قال تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (¬3). ولذلك هي عسير على المنكر بالمعاد. قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (¬4). وقال تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} (¬5). ¬

_ (¬1) انظر ما سبق في "الصبر والشكر" ص 205. (*) هذا الرقم ساقط من المطبوعة. (¬2) سورة ص، الآية: 75. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 29. (¬4) سورة البقرة، الآيتان: 45 - 46. (¬5) سورة المؤمنون، الآية: 74.

فكما أن الصلاةَ تهدي إلى الصِّراط، فكذلك الإيمان بالآخرة. (8) الصلاةُ تقرّبٌ وحضور. قال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (¬1). فهي طريق إلى الرب، وفيها الدعاء للهداية إلى الصراط المستقيم. (9) الصلاةُ قربانٌ لبهيمةِ النفسِ عقلاً، ولهذا جُمِعَتْ بالنحر والنُّسُك. قال تعالى: {فَصَلِّ لِربِّكَ وَاْنحَرْ} (¬2). وقال عن إبراهيم عليه السلام: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (¬3). (10) فالصلاةُ حياةٌ، كما أن "مماتي لله تعالى نُسُكي". والنسُكُ علامة لقربانٍ نفسيٍّ لله تعالى (¬4). (11) الصلاةُ صِنْوٌ للصبر، وتحقيقٌ له. ولهذا تُستعمل بدلاً منه. قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (¬5). وقال تعالى: ¬

_ (¬1) سورة العلق، الآية: 19. (¬2) سورة الكوثر، الآية: 2. (¬3) سورة الأنعام، الآية: 162. (¬4) وقد ذكر المؤلف في تفسير سورة الكوثر، الفصل العاشر: 16 - 30 اثني عشر وجهاً من وجوه المناسبة بين الصلاة والنحر. والوجهان التاسع والعاشر هنا هما الثاك والثاني هناك. (¬5) سورة البقرة، الآيتان 45 - 46.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} (¬1). فَذَكرَ الصبرَ هاهنا، كما ذَكَرَ الصلاةَ هناك، واكتفَى بواحدٍ منهما عن الآخر. ثم ذكَرَ قصةَ قُربانِ إسماعيل، فأشار إلى ثلاث جِهَاتٍ منها: 1 - الصبر. 2 - والقربان. 3 - والحياة، للصابرين المتقرِّبين (¬2) أنْفُسَهم. ومِن كونِ الصبرِ والصلاةِ صِنوَين ترتّب نتيجة الصلاة مِن اللهِ على الصبر، فإنّ الجزاءَ مثل العمل (¬3). (12) الصلاةُ استعانةٌ بالله تعالى، لقوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (¬4). ولِما جاء في سورة الصلاة: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (¬5). وهذه استعانة جامعة. والاستعانة التامة هي التوكل. وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} إلى قوله {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} ... {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} (¬6) الآية. ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآيتان 153 - 154. (¬2) في الأصل والمطبوعة: المتقربين. ولعل صوابه ما أثبتنا. (¬3) يشير المؤلف إلى قولى تعالى في سورة البقرة بعد الآيتين المذكورتين: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. (¬4) سورة البقرة، الآية: 45. (¬5) سورة الفاتحة، الآيتان: 4 - 5. (¬6) سورة المزمل، الآيات: 1 - 11، وانظر في مناسبة الصلاة بالحج والصوم والزكاة: =

(30) الضريع

(30) الضريع يابس العِشرِق (¬1). قال قَيس بن عَيزارةَ الهُذَلي (¬2): وَحُبِسْنَ في هَزَمِ الضريعِ فكلُّها ... حَدْبَاءُ باديةُ الضُّلُوعِ حَرُودُ (¬3) (هَزمُه: ما تكسَّر منه. وروي: جَدود، أي لا لبن لها) فبيَّنَ معنى الضريع بما بيّن أثرَه. وهكذا قوله تعالى: {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} (¬4). ¬

_ = المقدمة السادسة في الترتيب والمناسبة في فاتحة نظام القرآن: 19. وانظر تفسير سورة الكوثر، الفصل العاشر في وجوه المناسبة بين الصلاة والنحر: 16 - 29 تجد تفصيلاً لبعض الوجوه المذكورة هنا. (¬1) كذا في الأصل والمطبوع. ولعل المؤلف رحمه الله اعتمد على شرح أشعار الهذليين: 598 وفيه: " الضريع: يابس العشرق، وقالوا: الشبرق" والذي قالوه هو الصواب. انظر اللسان (ضرع وشبرق) أمّا كونه يابس العشرق، فلم أجد ما يؤيده، وأراه وهماً محضاً. وقال الزمخشري في الكشاف (742:4): "الضريع: يبيس الشبوق، وهو جنس من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطباً، فإذا يبس تحامته الإبل وهو سم قاتل". وأنشد قول أبي ذؤيب الهذلي: رعى الشبرقَ الريّانَ حتى إذا ذوَى ... وعاد ضريعاً بان عنه النحائصُ وقول قيس الآتي. والنحائص: جمع نحوص، وهي الأتان الحائل. (¬2) العيزارة: أمّه، وهو قيس بن خويلد، أخو بني صاهلة، من شعراء هذيل في الجاهلية. من نسب إلى أمه: 9، المرزباني: 202 - 203، التكملة 3: 111 (عزر). (¬3) البيت وما يليه من الأبيات في شرح أشعار الهذليين: 538 - 599. والبيت وحده في مشكل القرآن: 49، والمقاييس 3: 296 واللسان (ضرع، هزم) وانظر تخريجه في الشرح. الحرود: التي لا تكاد تدِرُّ، وضبط (هزمَ) في الشرح بفتح الزاي وفي غيره بسكونها. (¬4) سورة الغاشية، الآية: 7.

(31) الطوفان

(قال قيس ذلك يرثي الحارث بن خُوَيلد (¬1). وقبله: وَأبيك إنَّ الحارثَ بنَ خُوَيلِدٍ ... لأخو مُدَافَعةٍ له مَجلودُ أي: له جَلَد. إذ رُوِّحَتْ بُزْل اللِّقاحِ عشيّة ... حُدبَ الظُّهورِ ودَرُّهُنَّ زَهيدُ وبعدَه: وَإذا جبانُ القوم صَدّقَ نَفْرَهُ ... حَبْضُ القِسِيّ وضَربةٌ أُخدودُ (¬2) الحبض: صوت الوَتر. ألْفَيتَه يَحمِي المُضافَ كأنَّه ... صَبحاءُ تَحمِي شِبلها وَتَحِيدُ (¬3) (¬4) (31) الطوفان إعصار مستدير يَصحبه المطرُ وفورانُ الماء. ويسمى في الرومية "سايكلون" (¬5) أي الريح الدوّارة. [وفي الفارسية: "كِرْدبَاد" (الريح المدوّرة). وفي الهندية: "بَكَولا" (¬6) (دائرة الريح). وكان المصويون يزعمون بإله للريح ¬

_ (¬1) هو أخو الشاعر. قد أصابه حبَن بمكة، فمات، والحَبَن إذا استسقى البطن. (¬2) أخدود: تخُدّ في الجلد أي: تشقّ فيه شقّاً واسعاً عميقاً. في الشرح: المعنى أن جبانَ القوم نَفَر ففزِع حين رأى القتال، فصدّق روعَه الحبْضُ، ويروى: "صدَّق رَوعَه". (¬3) المضاف: المنهزم الذي أحيط به. صبحاءُ: أي لبؤة لونها "أصبَحُ"، أغبرُ إلى الحمرة. تحيدُ: ترُوغ، كما يحيد الرجل يقاتِل، فيروغ أحياناً. (¬4) سقط من المطبوعة القوسان وما بينهما. (¬5) SYCLONE وهي كلمة محدثة بالإنجليزية. انظر معجم أكسفورد الكبير 2: 1300. (¬6) [. . .]

الشديدة، يسمونه: "طائفون" (¬1)] (¬2). وهكذا كان طوفان نوح عليه السلام، كما وصف في القرآن والصحف ¬

_ (¬1) TYPHOON. وهو اسم يوناني للإله المسمى عند المصريين "ست" وكان المصري يستعين بصورته للتدليل على كلمة عاصفة. انظر ديانة مصر القديمة: 45. (¬2) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من تفسير سورة الذاريات للمؤلف. وأرى من المناسب أن أنقل النص بكامله (ص 33 - 34): "ولا شك أن الطوفان مصدر بمعنى الدوران، ويستعمله العرب لما يطوف من الريح الشديدة". ثم أنشد قول الراعي الآتي، ثم قال: "وهكذا تجد أسماءها في ألسنة أخر" وبعد تعديد هذه الأسماء كما هنا قال: "ومن خاصة هذه الريح شدة المطر وفوران الماء من البحر. وقد شاهدنا ذلك من طوفانٍ جاء من مشرق بحرِ الهند إلى مغربه. وحينئذٍ كنت في مدينة "كراجي" [كراتشي] فأنزل مطراً شديداً، وقذف السفن على الجبال وفعل ما فعل. ويطابق بذلك ما جاء في تصوير طوفان نوح عليه السلام في القرآن والتوراة. قال تعالى فيِ سورة القمر: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}. وفي سفر التكوين ص 7 ف 11: "في ذلك اليوم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء" وفي سورة هود: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}. ومن ركب البحر علم أن الأمواج كالجبال لا تنشأ إلا بريح شديدة. وفي ذكر الأثر دلالة على المؤثر. وقد صرح القرآن في غير ما آية بما بين نشأة الأمواج والريح من الملازمة" الخ. وقال المؤلف في تعليقاته على حاشية نسخته من لسان العرب (طوف): "الظاهر أن الطوفان اسم مأخوذ من الصفة، وليس من أسماء الريح، وإلا كان مؤنثاً. بل هو من أسماء المطر الذي فيه ريح وسيل أو رعد وبرد، والقرآن نطق به في المعنيين، فإن في طوفان نوح كان شدة الريح والسيل، وفي طوفان موسى كان الرعد والبرق والبرَد، كما صرح به في التوراة". ويبدو من دراسة تعليقاته على اللسان أن هذا النص أقدم النصوص الثلاثة التي كتبها في كلمة "الطوفان"، كما أن نص تفسير سُورة الذاريات آخرها، فإنها أتمّ وأكثر تفصيلاً وتأييداً بالشواهد. وانظر ما سلف في ص 53 و 55.

(32) العرش

الأولى (¬1). قال الراعي (¬2) يصف الناقة: تُمْسِي إذَا الْعِيسُ أَدْركْنَا نكائِثَها ... خَرْقَاءَ يَعْتَادُهَا الطُّوفانُ وَالزُّؤُدُ (¬3) (32) العَرْش {خاويةٌ على عروشها} (¬4) أي سقوفها. العرش: السرير المُظِلّ، سرير الملك. قائم على العرش: أي ملك. مستوٍ على العرش: حاكم على الملك بالاستقلال (¬5). قال تعالى: ¬

_ (¬1) انظر التعليق السابق. (¬2) هو عُبيد بن حصين أبو جندل، من بني نمير، من أهل بادية البصرة، كان من وجوه قومه. وهو من فحول الشعراء في العصر الأموي. لقب "الراعي" لكثرة وصفه الإبل وجودة نعته إياها توفي سنة 90 هـ. ابن سلام: 502 - 521، ابن قتيبة: 415 - 418، الأغاني 348 - 363، الآمدي: 177، الخزانة: 3: 150 - 151. (¬3) البيت من قصيدة له في ديوانه: 61، والبيت وحده في الطبري 32:9، واللسان (نكث، زأد) وانظر تخريجه في الديوان. نكائثها: في الأصل والمطبوعة: نكاثتها. وفي اللسان (زأد): نكايتها. وكلاهما تحريف. والصواب ما أثبتنا من اللسان (نكث) والديوان. وهو جمع النكيثة. يقال: بلغ فلان نكيثة بعيره: أي أقصى مجهوده في السير. يعتادها: ينتابها. الزؤد: الفزع. وقال حُسَين -وكان اسمه حسيلاً فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - حسيناً- ابن عُرفُطة الفقعسي (الإصابة: 1722، نوادر أبي زيد: 296): غيّر الجدّةَ مِن عرفانه ... خِرَقُ الريح وطوفانُ المطرْ وقال الأعشى من قصيدة في ديوانه (ط 159:7): يجيش طوفانه إذ عبّ محتفلاً ... يكاد يعلو رُبى الجُرْفَين مُطّلِعا يعني طوفان دجلة. (¬4) سورة البقرة، الآية: 259، سورة الكهف، الآية: 42؛ سورة الحج، الآية: 45. (¬5) يعني لوازم هذه الصفة وبعض دلالاتها في السياق من غير تأويل للصفة.

(33) العشي

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ} أي: بترتيب خاص، وإفاضة الخلق حسب استعداد. {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (¬1). أي: بيده التدبير التامّ لثبوت تمام القدرة بالخلق، وتمام التدبير لرعاية الآجال والاستعداد. فلا قدرة لأحد إلا بإذنه. فلا عبودية لغيره، لكون الجميع تحت قدرته وتدبيره. فمن تذكر أول الأمور وجعلها أساس النظر أبطل الشركاءَ. (33) العشي هو قبل غروب الشمس من حين يضعف نور الشمس ويصفرّ في بلاد جوها غير صافٍ. وهو وقت صلاة العصر (¬2). وكانوا يصلون فيه من القديم، ¬

_ (¬1) سورة يونس، الآية: 3. (¬2) وقال رحمه الله في تعليقاته: 317 (الروم: 18): "نعلم من كلام العرب أن العشي هو آخر النهار، والمساء أول الليل". وبه قال صاحب العين (2: 188) وابن دريد في الجمهرة (3: 63) وابن سيده في المحكم (2: 206) وأبو حيان في البحر (2: 434). ويدل عليه قوله تعالى في سورة الروم: 17 - 18 {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ}. ولا خلاف بينهم أن صلاة العشي هنا صلاة العصر. ويؤيد ذلك تفسيرهم "العصر" بالعشي (الأزمنة: 58 والزاهر 2: 179) وكذلك تفسير "الأصيل" به. قال ابن سيده: " .. الأصيل والعشي سواء لا فائدة في آحدهما إلا ما في الآخر .. والأصيل: الوقت بعد العصر إلى المغرب" (اللسان). وقيل: العشي من حين تزول الشمس إلى أن تغيب. وهو قول الأزهري (3: 58) وبه قال الطبري (6: 391) والزمخشري (1: 361) في تفسير سورة آل عمران. واحتج الطبري بقول حميد بن ثور: فلا الظلَّ مِن بَردِ الضحى تستطيعه ... ولا الفيءَ من برد العشيِّ تذوقُ قال: "فالفيء إنما تبتدئ أوبته عند زوال الشمس ويتناهى بمغيبها". ولا يصح هذا الاحتجاج كما لا يصح بقول أبي ذؤيب الهذلي: =

(34) العصر

كما نجد في كتب الأنبياء (¬1). في القرآن: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} (¬2). وأيضاً: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} أي صلاة العصر {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} (¬3). (34) العصر (1) الزمان الماضي (¬4). ¬

_ = لَعمري لأنتَ البيتُ أكرِمُ أهلَه ... وأقعدُ في أفيائه بالأصائل على أن الأصيل من زوال الشمس إلى غروبها. ولا قائل بذلك. ثم نقض الطبري ما قاله هنا لمّا فسّر "الغدوّ والآصال" في سورة الأعراف: 205 (13:354 - 355) "بالبكر والعشيات" وقال: "وأما الآصال فهي فيما يقال في كلام العرب: ما بين العصر إلى المغرب". وأما الأزهري فنقل ذلك عن أبي الهيثم، واستدل بما رواه في الحديث: "صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشى، وأكبر ظني أنها الظهر". ولعلّ ذلك من باب التغليب، من جهة اتصال آخر وقت الظهر بأول وقت العصر. وأغرب الجوهري إذ قال في صحاحه: العشي والعشية: من صلاة المغرب إلى العتمة. وقال الراغب: من زوال الشمس إلى الصباح. فاختار قولاً يشمل كلّ ما قيل! (¬1) انظر مثلاً: عزرا 9:65، مزامير 55: 16 - 17، دانيال 6: 10 - 13، أعمال الرسل 3: 1 و10: 3. (¬2) سورة ص، الآيتان: 17 - 18. (¬3) سورة ص، الآيات: 30 - 33. (¬4) وقال المؤلف يفسر كلمة "العصر" في تفسير سورة العصر تحت عنوان (فصل في دلالة كلمة العصر): "اعلم أن كلمة "العصر" اسم للزمان من جهة ذهابه ومروره، كما أن "الدهر" اسمه من حيث مجموعه. ولذلك يستعمل "العصر" كثيراً للأيام الخالية" وساق بعدَ ذلك خمسة أبيات من الشواهد المذكورة هنا، ثم قال: "ومن هاهنا "الإعصار" للريح =

(2) آخر النهار، كما قال الحارث بن حِلِّزَةَ اليَشْكُري في معلقته: آنَسَت نَبْأةً وَأَفْزَعَهَا الْقَـ ... ـنَّاصُ عَصْراً وَقَدْ دنَا الإمْسَاءُ (¬1) والسَّنَد على المعنى الأول كثير: قال عَبِيد بن الأبرص (¬2): فَذَاكَ عَصْرٌ وَقَدْ أرَانِي ... تَحْمِلُني نَهْدَةٌ سُرْحُوبُ (¬3) وقال امرؤ القيس: ألاَ عِمْ صَباحاً أيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالي ... وَهَلْ يَنْعِمَنْ مَنْ كانَ في الْعُصُرِ الْخَالي (¬4) ¬

_ = السريعة من جهة المرور والذهاب، و "عصر المائع": إمراره، و "العصر" لآخر النهار من جهة ذهاب النهار، و "العصارة"، ومنه: "عنصر" الشيء. فكلمة "العصر" تذكرهم الأيام الخالية، وتوجههم من صفة الزمان إلى زواله وسرعة ذهابه. والأولى عبرة لهم بما جلب على الإنسان من حكم الله فيهم حسب أعمالهم، والثانية تحرضهم على التشمير لكسب ما ينفعه من زمان أجلى صفته سرعة الزوال" (ص 3 - 4)، وقد ردّ ابن فارس (المقاييس 4: 340) مشتقات مادة (عصر) إلى ثلاثة أصول: دهر وحين، وضغط شيء حتى يتحلّب، وتعلّق شيء وامتساك به. وجعل العنصر من الأصل الثالث. (¬1) انظر شرح ابن الأنباري: 442 وفسر العصر بالعشي. وأنشده في اللسان (نبأ، قصر) برواية "قصراً" يصف الشاعر في البيت نعامة شبه بها ناقته. آنست نبأة: أحسّت صوتاً خفياً. (¬2) هو عَبيد بن الأبرص الأسدي. شاعر جاهلي فحل قديم من المعمرين، شهد مقتل والد امرئ القيس. ابن سلام: 137 - 139، المعمرون: 75 - 76، ابن قتيبة: 267 - 269، الأغاني 404:23 - 422، الآمدي: 227، الخزانة 2: 215 - 219. (¬3) من قصيدته التي عدَّها القرشي من المجمهرات، وقال ابن قتيبة: هذه القصيدة أجود شعره، وهي إحدى السبع. انظر ديوانه: 17 وجمهرة الأشعار: 476. قد أراني: قال الفراهي: أي حينما كنت أراني كما يظهر مما سبقه (تفسير سورة العصر: 3). في الأصل والمطبوعة: "يحملني بازل شبوب" وكذا في تفسير سورة العصر، وهو سهو بلا شك، فإنّ الأبيات التي تليه في وصف الفرس. والتصحيح من المصادر. نَهْدَةٌ: فرس مشرفة. سُرحوب: سريعة السير، وقيل: طويلة الظهر. (¬4) البيت مطلع قصيدته المشهورة في ديوانه: 27. والبيت وحده في المقاييس، واللسان =

وقال رُبَيعْ بن ضبُع بن وَهْب بن بَغيض بن مالك (¬1): أَصْبَحَ مِنِّي الشَّبَابُ قَدْ حَسَرَا ... إنْ يَنْأَ عَنِّي فَقَدْ ثَوَى عُصُرَا (¬2) وقال المُتَلَمِّس (¬3): عَرَفْتُ لأَصْحَابِ النَّجَائِبِ جِدَّةً ... إذَا عَرَفُوا لي فِي الْعُصُورِ الأوائلِ (¬4) وقال دُرَيد بن الصِّمَّة (¬5): ¬

_ = (عصر، صرع) والبيت من شواهد سيبويه 39:4. "العصر" بتثليث الفاء، والعُصُر بضمتين بمعنى. يَنْعِمَنْ: وعند الأعلم والبطليوسي: "يَعمِنَ". (¬1) هو رُبَيعْ -بالتصغير، وقيل: كأمير -بن ضَبُع- وقيل: بالتصغير- الفزاري الذبياني. ذكره ابن هشام في التيجان، فقال: كان أحكم العرب في زمانه وأشعرهم، وأخطبهم. وقال: إنه كبر وخرِف وأدرك الإسلام، فقال قوم: أسلم، وقال قوم: لم يسلم. ويقال: إنه عاش ثلاثمائة منها ستون في الإسلام. وقال السجستاني: كان من أطول من كان قبل الإسلام عمراً. التيجان: 118 - 122، المعمرون: 8 - 10، الآمدي: 182، المرتضى 1: 253 - 256، الإصابة: رقم 2723، توضيح المشتبه 138:4، الخزانة 7: 383 - 387. (¬2) من أبيات في نوادر أبي زيد: 446، والتيجان:121، والمعمرين: 9، وتاريخ الطبري و 2: 391، والقالي 2: 185، والمرتضى 1: 255، والخزانة 384:7، وشرح الأبيات 8: 91 نقلاً عن ابن السيد في شرح الجمل، والبيت وحده في حماسة البحتري: 201. (¬3) هو جرير بن عبد المسيح من بني ضُبَيعة، خال طرفة بن العبد، شاعر جاهلي مفلق، وأحد الثلاثة الذين اتفق العلماء بالشعر على أنهم أشعر المقلين في الجاهلية، والآخران: المسيَّب بن عَلَس وحُصَين بن الحُمَام، مات في الجاهلية ببُصرى. ابن سلام: 155 - 156، ابن قتيبة: 179 - 184، الآمدي: 95، الأغاني 23: 524 - 573، الخزانة 6:345 - 346. (¬4) ديوانه (ليبزيك): 63 و (الصيرفي): 308، ورواية الديوان: "حدة" بالحاء المهملة، وصححه المؤلف بالمعجمة، وذلك يقتضيه قوله في الشطر الثاني "العصور الأوائل". وانظر تفسير سورة العصر: 3. عَرَف لَهُ: أقرّ بفضله. (¬5) من فحول الشعراء والشجعان المشهورين وذوي الرأي في الجاهلية. كان سيد بني جُشَم وفارسهم وقائدهم. أدرك الإسلام، فلم يسلم. وأخرجه قومه يوم حنين معهم تيمناً =

فإن لاَ تترُكِي عَذْلِي سَفَاهاً ... تَلُمْكِ عَلَيه نَفْسُكِ غَيْرَ عَصْرِ (¬1) أي من غير أن يمرّ بك كثير زمان (¬2). وقال شُرَيح بن هانئ بن يزيد بن نَهيك بن دُريد (¬3): قد عشتُ بين المشركين أعصُرا ... ثمّت أدركتُ النبيَّ المنذرا (¬4) وقال مسعود بن مَصاد بن حِصن بن كعب بن عُلَيم (¬5): قد كنتُ في عُصُرٍ لا شيء يَعدِلُه ... فبانَ منّي وهذا بعدَه عُصُرُ (¬6) أي هذا الزمان بعد ذلك أيضاً ماضٍ ومارٌّ. وقال أبو حُزابة الوليد بن حنيفة: ¬

_ = به، فقتل يومئذٍ على شركه. سيرة ابن هشام 65:4 - 67، 84 - 86، أسماء المغتالين: 223 - 226، المعمرون: 27 - 28، ابن قتيبة: 749 - 752، الأغاني 10: 3 - 40، الآمدي: 163. (¬1) من قصيدة يرثي بها معاويةَ أخا الخنساء. انظر الأغاني 10:28، والخزانة 11: 114، والنصرانية: 770. "عليه"، "غير عصر": كذا في الأغاني والنصرانية. وفي الخزانة: "عليَّ، أيَّ عَصْر". (¬2) وانظر تفسير سورة العصر، الآية: 3. (¬3) صحابي من المخضرمين المعمرين. مِن أجلّة أصحاب علي رضي الله عنه. روى له مسلم. قتل غازياً بسجستان سنة 78 هـ. ابن سعد 256:4، المعمرون: 49. الاستيعاب 702:2، أسد الغابة: 2427، الإصابة: 3976. (¬4) من أبيات قالها وهو يرتجز قبل أن يُقتل. وهي في المعمرين، وتاريخ الطبري 233:6، والكامل 4: 491، وأسد الغابة، والبداية والنهاية 9: 29، والإصابة. (¬5) رئيس جاهلي من بني كلب، من المعمرين. قتلته عَبْس يوم عُراعِر. ترجمته في المعمرين: 70 - 71. وانظر النقائض: 98. (¬6) من أبيات له في المعمرين. ومثله قول البريق الهذلي من قصيدة (أشعار الهذليين: 750 ورواها الأصمعي لعامر بن سدوس كما مرّ): لنا الغور والأعراض في كلّ صَيفة ... فذلك عَصْرٌ قد خلاها وذا عَصرُ

وَكُنَّا حَسِبْنَاهُمْ فَوَارِسَ كَهْمَسٍ ... حَيُوا بَعلَما ماتُوا مِنَ الدَّهْرِ أَعْصُرَا (¬1) أي بعد أن كانوا ميتين حِقَباً. وقال ابن هَرْمة (¬2): أذَكَرْتَ عصرَكَ أمْ شَجَتْكَ رُبُوعُ ... أمْ أنتَ مُتَّبِلُ الْفُؤَادِ مَضُوعُ (¬3) أي ذكرتَ زمانك الماضي (¬4). ¬

_ (¬1) من أبيات له في الأغاني 282:22، والبيت من شواهد الكتاب 396:4 وغيره من كتب النحو. انظر تخريجه في معجم الشواهد: 139. وقال في اللسان (كهمس): أنشد سيبويه لمودود العنبري، وقيل: هو لأبي حزابة الوليد بن حنيفة. ونسب في (حيا) إلى الوليد، وفي (عيا) بدون نسبة. كَهْمَس: قال في اللسان: هو كهمَس بن طَلْق الصَريمي. وكان من جملة الخوارج مع بلال بن مرداس. وكانت الخوارج وقعت بأسلم بن زرعة الكلابي وهم في أربعين رجلاً وهو في ألفي رجل، فقاتلت قطعة من أصحابه، وانهزم إلى البصرة. فقال مودود هذا الشعر في قوم من بني تميم فيهم شدة، وكانت لهم وقعة بسجستان، فشبههم في شدتهم بالخوارج كان فيهم كهمس بن طَلْق. و"حيوا" يعني الخوارج أصحاب كهمس. وانظر قصة الأبيات في الأغاني. (¬2) هو إبراهيم بن علي بن سَلَمة بن هَرْمة بسكون الراء. شاعر مفلق مجيد، من مخضرمي الدولتين. وهو آخر الشعراء الذين يحتج بشعرهم. ابن قتيبة: 753، ابن المعتز: 20 - 21، الأغاني 369:4 - 397، 5: 234 - 239، تاريخ بغداد 6:127 - 131، الخزانة 1:424 - 426. (¬3) مطلع قصيدة أنشده في اللسان والتاج (ضوع) وفؤاد متَّبِل ومتبول: إذا غليه الحب وهيّمه. مضوع: ضاعه ضَوعاً: أفزعه وهيّجه. وانظر شعر ابن هرمة: 142. (¬4) وأنشد المؤلف في تفسير سورة العصر قول القُطامي من قصيدته التي جعلها القرشي من المشوبات: أنَّى اهْتدَيتَ لِتسليمٍ عَلَى دِمَنٍ ... بالغَمْرِ، غَيَّرَهُنَّ الأَعْصُرُ الأوَلُ انظر ديوانه: 1، وجمهرة الأشعار: 804. من شواهد "العصر": في الشواهد التي أوردها المؤلف كفاية، وأسوق هنا أبياتاً أخرى وقفت عليها من غير استقصاء فإنها أكثر من أن تُحصى. وهي تؤكد ما لاحظه المؤلف رحمه الله، خلافاً لما =

............................ ¬

_ = ذهب إليه عامة أهل اللغة والتفسير من أنّ العصر والدهر سواء. 1 - قال عدي بن زيد العبادي: دَعَا بالبَقَّةِ الأمَرَاءَ يَوماً ... جَذِيمةُ عَصْرَ يَنْجُوهم ثُبِينَا ديوانه: 181، ينجوهم: كان يناجيهم. ثبينا: جماعاتٍ. 2 - وقال طرفة بن العبد من قصيدة في ديوانه 61: ذَاكَ عَصْرٌ، وعَدانِي أنَّني ... نَابَنِي اليومَ خُطوبٌ غيرُ سِرّْ قال الأعلم: يقول: سيرى في تلك البلاد على هذه الناقة في عصر قد سلف. عَدَاني: أي منعني اليوم عن مثل ذلك أمور عظيمة ظاهرة ليست مما يُكتمُ. 3 - وقال الأعشى من قصيدة في ديوانه 51: وَلَقَدْ أُخَالِسُهنَّ مَا يَمْنَعْنَنِي ... عُصُراً يَمِلْنَ عَلَيَّ بالأجيادِ أي كنت أخالسهن. 4 - وقال قَعْنَب بن أمِّ صاحب من قصيدة في مختارات ابن الشجري 1: 6. عُلِّقْتُ سَلْمَى على عَصْرِ الشَّبابِ فَقَدْ ... أَوْدَى الشَّبابُ وسلمى الْهَمُّ وَالْحَزَنُ 5 - وقال عبد الله بن سَلِمة الغامدي من قصيدة له في المفضليات 103: فَإنْ أكْبَرْ فَإنِّي فِي لِدَاتي ... وَعَصْرُ جَنُوبَ مُقتَبَلٌ قَشِيبُ جَنُوب: اسم امرأة. 6 - وقال أيضاً في هذه القصيدة 104: فإنَ تَشِبِ الْقُرونُ فَذَاك عَصْرٌ ... وَعَاقِبَةُ الأصَاغِر أن يَشيْبُوا علق الفراهي في حاشية نسخته من المفضليات 1: 40: "فذاك عصر" أَي فذاك الدهر شأنه أن يمرّ". 7 - وقال الأخنس بن شهاب من قصيدة له في الاختيارين 141: وَقَدْ كنت عَصْراً وَالغُوَاةُ صَحَابَتِي ... أولئك أخْدَاني الَّذِينَ أُصَاحِبُ وانظر المفضليات: 204، فيها رواية أخرى للبيت. 8 - وقالت بَرّة بنت الحارث ترثي ابناً لها: ربَّيْتُهُ عُصُراً أفَنِّقُه ... في اليُسْرِ أَغْذُوه وَفِى الْعُسْرِ الاختيارين: 288. أفَنِّقُه: أُنَعِّمُه. 9 - وقال الأعلَم بن جَرادة السَّعدي: ألَمْ ترَ مَا لاَقَيتُ وَالدَّهْرُ أعصُرٌ ... وَمَنْ يَتَمَلَّ العَيْشَ يَرْأَ وَيَسْمَعِ أمالي الزجَّاجي: 47. تَمَلَّى الْعَيشَ: طال تمتعه به. =

............................ ¬

_ = 10 - وقال أُمَيَّة بن أبي الصَّلت مِن قصيدة في ديوانه 504: وَسَافَرتِ الرِّياحُ بِهِنَّ عَصْراً ... بأذْيَالٍ يَرُحْنَ وَيَغْتَدِينَا 11 - قال بَيهَس بن عبد الحارث الغطفاني (قال المرزباني: أظنه جاهلياً) من قصيدة في منتهى الطلب (قصائد نادرة: 74): دارٌ لعزّة أو جميلة إذ هما ... تِربان في عصر من الأعصار 12 - ومن أوضح الشواهد قول لبيد بن النِّمْس -وقيل عنبسة- الغسّاني (الأنوار ومحاسن الأشعار 1: 198): نحن كنا الملوكَ في عُصُر الدَّهْـ ... ـرِ وكنتم -فيم الأناة- عبيدا 13 - وقال حميد بن ثور الهلالي من ميميته (الديوان: 8): وصوتٍ على فوت سمعتُ ونظرةٍ ... تلافيتُها والليل قد صار أبهما بجدّة عصرٍ من شباب كأنه ... إذا قمت يكسوني رداءً مسهَّما 14 - وقال أيضاً من قصيدة يخاطب نفسه (الديوان: 49): أتنسى عدواً سار نحوك لم يزل ... ثمانين عاماً قبضَ نفسِك يطلبُ وتذكر سِرداحاً من الوصل باقياً ... طويل القَرا أنضيتَه وهو أحدبُ تقعّدتُه عصراً طويلاً أروضه ... يلين وينبو تارةً حين أركبُ السرداح: الطويل من الإبل، ضربه مثلاً للعيش الذي قضاه. القرا: الظهر، أنضيته: أهزلته. تقعدته: قمت بأمره. وفيه التفات. 15 - وقال عَقيل بن الْعَرَنْدَس الكِلاَبيّ (الكامل 1: 78): يَا دَارُ بَينَ كُلَيَّاتٍ وَأَظْفَارِ ... وَالْحَمَّتَيْنِ، سقاكِ اللهُ مِنْ دَارِ عَلَى تَقَادُمِ مَا قَدْ مَرَّ مِنْ عُصُرٍ ... معَ الَّذي مَرَّ مِن رِيحٍ وَأمطارِ عَنَّا غنِيْتِ بذاتِ الرَّمثِ من أَجَلَى ... والعهدُ منكِ قَدِيمٌ منذ أعصَارِ 16 - وقالَ أبو صخر الهذلي من قصيدة في شرح أشعار الهذليين 2: 956. كَأنَّهما مِلآنَ لَمْ يتغيَّرا ... وَقدْ مرَّ بالدارَينِ مِن بَعدِنا عَصْرُ مِلَان: أي مِنَ الآنَ. 17 - وقال جَمِيل من قصيدة في ديوانه 32: وَذكَرتُ عَصْراً يا بُثيَنَةُ شَاقَنِي ... إذْ فاتَني، وَذكرتُ شَرْخَ شَبَابِي 18 - وقال عروة بن أذينة من قصيدة في شعره 42: وَلَقَدْ بَلَوْتُ وَما تَرى مِنْ لَذَّةٍ ... فِي الْعَيشِ تَعدِل قُربها ووِصالها عصرَ الشبابِ وَما تُجِدّ مودة ... للغانياتِ وَلا هَوَى إلاَّ لهَا =

(35) غثاء

(35) غثاء ما هاج من الزبَد والنبات. وإذا استعمل للنبات فهو لِما كثر من شدة الخِصب (¬1)، قال القُطَامِيّ (¬2) يصف وادياً: حَلُّوا بِأخْضَرَ قَدْ مَالَتْ سَرارتُهُ ... مِنْ ذِي غُثَاءٍ عَلَى الأعْرَاضِ أَنْضَادِ (¬3) ¬

_ = 19 - وقال مجنون بني عامر من قصيدة في ديوانه 121: سَقَى اللهُ أيَّاماً لنا لَسْنَ رُجَّعاً ... وَسَقْياً لِعَصْرِ الْعَامِرِيَّةِ مِنْ عَصْرِ 20 - وقال الْعَجَّاجُ من أرجوزة في ديوانه 2: 42: فإنْ يَكُنْ ثوبُ الصِّبَا تَضَرَّجَا ... فَقَدْ لَبسْنَا وَشْيَهُ الْمُبَزَّجَا عَصْراً وَخُضْنَا عَيْشَه الْمُعَذْلَجَا تضرَّج: تشقق، المُبزَّج: المُزَيَّن، المُعَذلَج: الحسن الغذاء. 21 - وقال الأخطل من قصيدة في ديوانه (155): لقد لبستُ لهذا الدهر أعصرَه ... حتى تجلل رأسى الشيبُ واشتعلا (¬1) ومنه: غثيت الأرض بالنبات: كثر فيها (القاموس) وقالوا: الغُثاَءُ بالضمّ والمدّ: ما يحمله السيل من القَمَش، وكذلك الغُثَّاءُ، بالتشديد. وهو أيضاً: الزبَد والقذَر. قال الزجاج: الغُثاء: الهالك البالي من ورق الشجر الذي إذا خرج السيل رأيته مخالطاً زبَده. والجمع أغثاء. وقال ابن الأثير: "ما يجيء فوق السيل مما يحمله من الزَبَد والوسخ وغيره". أما في الآية الكريمة {فجعله غثاء أحوى} فأجمعوا على أنه بمعنى الهشيم اليابس كالغثاء الذي تراه فوق السيل. انظر كتب الغريب والتشمير واللسان (غثا) والكامل 1: 84. ويبدو لي -والله أعلم- أن الأصل في الغثاء ما هَاج من الزبد، واستعير للنبات الذي تشتد خضرته والتفافه تشبيهاً له بالزبد الهائج المتكاثف، ثم أطلق مجازاً على القمش لأن زبد السيل يحمله. (¬2) بضم القاف وفتحها. اسمه عُمَير بن شُيَيْم التغلبي. كان نصرانياً فأسلم. شاعر إسلامي مقل فحل. عده ابن سلام من شعراء الطبقة الثانية للإسلاميين مع ذي الرمة وغيره. ابن سلام: 535 - 540، ابن قتيبة: 723 - 726، الأغاني 23: 175 - 217، الآمدي: 251، المرزباني: 47، الخزانة 2: 370 - 371. (¬3) من قصيدة له يمدَح بها زفر بن الحارث وقد أسَرَه في حرب بينهم وبين تغلب فمَنَّ عليه، =

سَرارَة الوادي: وسطه. والأعراض: هي الجوانب. والأنضاد: مُلْقّى بعضه على بعض. أي حَلُّوا بوادٍ مُعْشِبٍ قد صار ما هَاجَ (¬1) مِنَ النبات في وسطه أنضاداً على جوانب وسطه (¬2). وقال أيضاً يصف زبد الماء: ¬

_ = وأعطاه مائة من الإبل، وردَّ عليه ماله. ديوانه: 7 - 13 (برث) والرواية في طبعة السامرائي (78 - 91): من ماء مزن. ولا تصح. فإن الشاعر وصفه بأنه "أنضاد". (¬1) من هيجان النموّ والاخضرار لا من هيجان الجفاف. (¬2) وقال أبو خِراش الهذلي من قصيدة له في أشعار الهذليين 1202: وشَوطٍ فِضَاحٍ قَدْ شَهِدْتُ مُشَايحاً ... لأُدْرِكَ ذَحْلاً أَو أُشِيفَ عَلَى غُنْمِ إذَا ابتَلّتِ اْلأَقْدَامُ وَالْتَفَّ تَحتْهَا ... غُثَاءٌ كَأجْوَازِ الْمُقَرَّنَةِ الدُّهْمِ شَوطٌ فِضاح: إن سُبِق فيه رجلٌ افتضَح. والمشايح: الجاد الحذِر. الذحل: الثأر، أشيف على غنم: أشرف على غنيمة. إذا ابتلت الأقدام: أي من ندى الليل، وتهامة كثيرة الندى، يعني أنهم كانوا يعدون على أرجلهم، فيكسرون الشجر فيتعلّق بأرجلهم. كأجواز: أي كأوساط الدُّهم من الإبل. انظر شرح السكري والمعاني الكبير: 903. والدهم: السود. أنشد ابن الأعرابي في صفة نخل: دهْماً كأنَّ اللَّيلَ في زُهَائِها ... لاَ تَرْهَبُ الذِّئْبَ عَلَى أطْلاَئِها يعني أنها خُضْر إلى السواد من الريّ، وأن اجتماعها يُري شخوصها سُوداً، وزهاؤها: شخوصها، وأطلاؤها: يعني فُسْلاَنَها. انظر اللسان (دهم). وقال عَدِيّ بن الرِّقاع العَاملي من قصيدة في الطرائف الأدبية 96: بسَرارةٍ حَفَشَ الرَّبِيعُ غُثَاءَها ... حَوَّاءَ يَزْدَرعُ الغميرَ ثَرَاها حتَّى اصْطَلَى وَهَجَ المقيظ وخَانَهُ ... أبقى مَشَارِبه وشَابَ عُثَاها وهما في اللسان (عثا). وفي الطرائف بينهما ثالث. حفَشَ الشيءَ: أخرجَه. والمطرُ الأرضَ: أخرج نَبَاتَها. قال الكميت يصف غيثاً. بكُلِّ مُلِثٍّ يَحْفِشُ اْلأُكْمَ وَدْقُهُ ... كَأنَّ التِّجَارَ اسْتَبْضَعَتهُ الطَّيالِسَا حوَّاء: مخضرة ملتفة النبات. الغَمير: قيل: هو نبات أخضر قد غمر ما قبله من اليبيس. في حديث عمرو بن حُريث: "أصابنا مطر ظهر منه الغمير". شاب عُثاها: يبس عشبها. وأصل العُثا: الشعر، ثم يستعار فيما تشعث من النبات. انظر اللسان (عثا) اصطلى: يعني حماراً وحشياً.

(36) القربان

وَجَاشَ الماءُ مُنْهَمِراً إلَيْهِم ... كَأَنَّ غُثَاءَهُ خِرَقٌ نِشَارُ (¬1) أي: كأن زبَده مُلاءة مبسوطة منشورة. وقال امرؤ القيس: كَأنَّ ذُرَى رَأسِ الْمُجَيْمِرِ غُدْوةً ... مِنَ السَّيْلِ واْلغُثّاءِ فَلْكَةُ مِغْزَلِ (¬2) أي: ذرى رأس المجيمر محاطة بالزبد. فبياض الغثاء حولها جعلها شبيهاً بفلكة مغزل. ولا معنى هاهنا لقمش السيل حول الذرى، فإن المقصود هو التشبيه في الابيضاض. (36) القُرْبان ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى بالتسليم له مما أعطاه تضرعاً وشكراً. فالإسلام هو القربان، وهو قربان النفس لله تعالى. والله تعالى كريم شكور، أعطى أولاً مجَّاناً، فكيف لا يزيد بعد تقديم الشكر والضراعة بين يديه. فقال: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (¬3). وقدر المزيد بقدر الشكر. فلذلك صار القربان باب البركات. وقربان النفس أكبر القرابين. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (¬4). ¬

_ (¬1) من قصيدة له يمدح بها عبد الملك بن مروان. وهى في ديوانه: 80 - 89. يصف الشاعر في البيت وما يليه طوفان نوح. إليهم: أي إلى قوم نوح. (¬2) البيت من معلقته في الديوان: 25 وشرح ابن الأنباري: 108 والبيت وحده في المقاييس (غثى) واللسان (طمو). المجيمر: جبل في أعلى وادي مُبهِل، في بلاد غطفان. (¬3) سورة إبراهيم، الآية: 7. (¬4) سورة التوبة، الآية: 111.

ولا بد للقربان أن يكون أحبّ الأشياء. ولذلك وجب القربان بأبكار الثمرات في التوراة، سفر التكوين، ص 4:4 (¬1): "أنّ قايين قدّم من ثمار الأرض قرباناً للرب، وقدّم هابيل أيضاً من أبكار غنمه، ومن سِمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر". وهكذا في شريعة موسى عليه السلام يجب قربان الأبكار (¬2). وهكذا في شريعة إبراهيم عليه السلام أنه أمر بقربان بِكره وأحبّ أولاده، وهو إسماعيل عليه السلام. وفي التوراة تصريح بذلك (¬3)، ولكن اليهود أدخلوا اسم إسحاق عليه السلام على سبيل التفسير. وهذا تفسير باطل، فإن إسحاق عليه السلام لم يكن بكراً ولا أحبَّ إلى أبيه من إسماعيل عليه السلام. وتفصيل هذا في قصة إسماعيل وإسحاق عليهما السلام (¬4). وإذ كان القربان إظهاراً للشكر والتضرع، فلا بدَّ أن يكون من قلب تقي. قال تعالى في قصة قربان هابيل وقابيل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (¬5). وهكذا في قربان الحج، وهو الأضحية، قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} (¬6). ولهذا وجب الخضوع في كل صدقة وزكاة وإنفاق في سبيل الله (¬7). ¬

_ (¬1) الصواب 4: 3 - 4. (¬2) انظر سفر العدد 17:8 - 18، وسفر الخروج 13: 201. (¬3) انظر سفر التكوين 16:16، 21: 5، 22: 2. (¬4) انظر كتاب "الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح" للمؤلف: 51 - 53. (¬5) سورة المائدة، الآية: 27. (¬6) سورة الحج، الآية: 37. (¬7) وانظر ما سبق في كلمة (الزكاة) ص 191.

(37) الكتاب

(37) الكِتاب له معانٍ (¬1): (1) كتاب الله: كلام الله المتلوّ المنزل على رسله. (2) قضاء الله الذي قضى به لينفّذه نفسه، كما قال تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} (¬2). أي: أجل قضاه الربّ. (3) ما كتب علينا من الشرائع، كما في قوله: {ويُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ} (¬3). (4) كتاب مشتمل على قضائه بالمعنى الثاني، كما في قوله تعالى: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (¬4). (راجع عنوان الحكمة) (¬5). ¬

_ (¬1) وانظر تفسير سورة البقرة: ق 19. (¬2) سورة الحجر، الآية: 4. وقالت الخِرنق أخت طرفة (ديوانها: 33): ألاَ لاَ تَفخرنْ أسَدٌ علينا ... بِيومٍ كان حِيناً في الكتاب علق الفراهي في حاشية النصرانية 1: 325: "الكتاب عَنَتْ به القدر"، وقال أسامة بن الحارث الهذلي من قصيدة في أشعار الهذليين 1291: أبَى جِذمُ قومك إلا ذَهابا ... أنابوا وكان عليهم كِتابا الجذمَ: الأصل. (¬3) سورة البقرة، الآية: 129، وسورة آل عمران، الآية: 164، وسورة الجمعة، الآية: 2. وانظر ما سبق في كلمة (الحكمة) ص 175. (¬4) سورة الأنعام، الآية: 59. (¬5) سقط من المطبوعة القوسان وما بينهما. ومكانه الصحيح بعد الرقم الثالث. وانظر ص 172.

(38) كشف عن ساقه

[(5) الرسالة وما يكتبون، كما قال تعالى (¬1): {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} (¬2). (38) كشَفَ عَنْ سَاقِه (¬3) شمَّر وَأسْرَعَ * قال ذو الرمة (¬4): قَطَعْتُ بِنَهَّاضٍ إلَى صُعَدَائِه ... إذَا شمَّرَتْ عَنْ سَاقِ خِمْسٍ ذَلاَذِلُهْ (¬5) ......................... * {يَومَ يُكشَفُ عَن سَاقٍ} (سورة ن) (¬6) له تأويلان: 1 - الأول: يوم يسرعون إلى الموقف، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} (¬7). ¬

_ (¬1) سورة النمل، الآية: 29. (¬2) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من تفسير سورة البقرة للمؤلف. (¬3) هذه الكلمة في المطبوعة قبل "سبح" والصواب وضعها هنا كما في الأصل. (¬4) اسمه غَيلان بن عقبة أحد فحول الشعراء وعشاق العرب. مات بأصبهان سنة 117 هـ. ابن سلام: 53، 549 - 570، ابن قتيبة: 524 - 536، الأغاني 17:306 - 347، اللآلي: 81 - 82، ابن خلكان 4:11 - 17، الخزانة 1:106 - 110. (¬5) من قصيدة له في ديوانه: 1250، والبيت وحده في الأساس (صعد، ذلل) نهاضٍ إلى صُعَدائه، يعني فرساً طويل العنق. في الأساس: فلان يتبع صعداءه: يرفع رأسه ولا يطاطئه كبراً. ذلاذل القميص: ما يلي الأرض من أسافله، جمع الذُلذُل. في الأصل والمطبوعة: "شمر ... ذلاله" والتصحيح من الديوان. وقال أبو جُندبَ الهذلي من قصيدة في أشعار الهذليين: 358 وهو جاهلي: وَكُنْتُ إذَا جَارٌ دَعَا لِمَضُوفَةٍ ... أُشَمِّرُ حَتَى يَنْصُفَ الساقَ مِئزَرِي مَضُوفة: أي أمر ضافه: أي نزل به وشقّ عليه. (¬6) سورة القلم، الآية: 42، وانظر تعليقاته، تفسير سورة القلم: 474 - 475. وانظر (التفّت الساق بالساق) في ص 281. (¬7) سورة المعارج، الآية: 43.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وأيضاً: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} (¬1). وأيضاً: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} (¬2). وأيضاً: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ} (¬3). 2 - والثاني: أن لفح السعير تأكل (¬4) لحم سوقهم، فيكشف عن عظمها، كما قال تعالى: {إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} (¬5). فهذا ذكرهم قبل أن يدخلوا النار، فإنها تدعوهم. والشوى لحم الساق على الصحيح (¬6). والتأويل الأول يؤيده كثرة نظائره وظهور معنى كشف الساق، والتأويل الثاني يؤيده ما في السياق: وهو قوله تعالى: {فَلَا يَسْتَطِيعونَ} (¬7). وبعده قوله تعالى: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} (¬8) [حاشية المؤلف]. ¬

_ (¬1) سورة يس، الآية: 51. (¬2) سورة القمر، الآيات: 6 - 8. (¬3) سورة إبراهيم، الآيتان: 42 - 43. (¬4) كذا في الأصل والمطبوعة، والضمير يرجع إلى السعير. (¬5) سورة المعارج، الآيات: 15 - 17. (¬6) انظر كلمة "الشورى": برقم 25. (¬7) سورة القلم، الآية: 42. (¬8) سورة القلم، الآية: 43.

(39) لا

(39) لا ربما تأتي قبل الفعل لإثبات ضده كقوله: {لا يُحِبُّ اَلظَلِمِينَ} (¬1). أي يبغضهم (¬2): ومنه قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} (¬3). أي يبطل ما علموه (¬4)، ويعلموا خلافه: وهو أن يعلموا أنهم لا يقدرون (¬5). ¬

_ (¬1) سورة آل عمران، الآيتان: 57 - 140، سورة الشورى، الآية: 40. (¬2) وقال في كتابه أساليب القرآن: 44 في أسلوب النفي: "لاستعمال النفي وجوه: فمنها إرادة الإثبات لمخالف النفي، مثل {لا يُحِبُّ} بمعنى: يبغض، وهذا كثير". (¬3) سورة الحديد، الآية: 29. (¬4) هذا يختلف عما قبله، فإنّ ضد (لا يعلم) لا يكون "يبطل ما علموه". (ن). (¬5) نرى المؤلف قد عالج تفسير الآية الكريمة عدة مرات في كتاباته. فنجد ثلاثة نصوص في تعليقاته التفسيرية أحدها يوافق ما قال هنا وهو قوله (ص 445): 1 - "قال الزمخشري: لا زائدة، والمعنى: ليعلم أهل الكتاب عجزهم. وقيل: لئلا يعلم أهل الكتاب عجز المؤمنين. الأول هو القول المشهور والثاني قول أبي مسلم لاجتنابه كل ما يفتح باب الفتنة. فإنك إن قدرت أو حذفت مثل كلمة "لا" لم تأمن على حدود الشريعة، إلا أن يجعلوا لهذه الزيادة قاعدة، ولم يجعلوها. وعندي المعنى ما يفهم من القول المشهور، ولكن لا أجعل "لا" زائدة. وبيانه أن المنفي ربما ينوب [عن] =

والدليل على معنى الإثبات ما جاء من قوله: {وأنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} (¬1). ¬

_ = المثبت كقوله: {لا يحبُّ الظالمين} أي يبغضهم. {لئلاَّ يَعْلَمَ} معناه: يبطل علمهم الأول. ثم بين ما ينتج من بطلان هذا العلم الذي لهم من قبل، فيحصل لهم علم آخر. فإن العلم يبطل بالعلم. وهذا التأويل يقرب إلى الفهم بعدما فهمت استعمال "أنْ" فإنها حرف جمّ المعاني، وقد بينتها في المفردات. ومثال هذه "أن" في قوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا} [الأنعام: 151] وقوله: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ} [طه: 93]. 2 - وقال في موضع آخر من تعليقاته: 449. "قد أشكل هذا النص على الناس، فذهبوا إلى أن "لا" هاهنا زائدة، وهذا لاضطرارهم. وأرى أن أهل الكتاب لو علموا أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله لما حسدوا ولما سخطوا على ما فضل الله به هذه الأمة، فالله تعالى يؤتيهم كفلين. وينتج من ذلك زيادة سخطهم وزيادة جهلهم بأن الفضل بيد الله، وهكذا جاء في الحديث والإنجيل". وفي الصفحة نفسها تعليق آخر مثله. 3 - ذكر المؤلف رحمه الله في كتابه أساليب القرآن: 29 أنواع الحذف فقال: "ومنها حذف جملة، كقوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95]، أي حرام أن يرجعوا". وبذلك فسّر الطبري 12: 325 قوله تعالى في سورة الأعراف: 12 {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إذ أَمَرْتُكَ} فقال: "والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن في الكلام محذوفاً قد كفى دليل الظاهر منه، وهو أن معناه: ما منعك من السجود، فأحوجك أن لا تسجد ... ". وكذلك نجد في كتاب الأساليب: 9 إفادة من إفاداته المثبتة في الحاشية. قال فيها: "إنّ لا" في قوله تعالى: {لئلاَّ يَعْلَمَ} -وأورد الآية الكريمة- ليست بزائدة إنما السرّ في "أن". إنها بيان لما لم يذكر وعوض عنه، كأنه قيل: لئلا يعلم أهل الكتاب أن فضل الله بأيديهم كلا إنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله" إلى آخره. وانظر "أن" في هذا الكتاب برقم 9 - (ج). الأمثلة المذكورة لا تحتاج إلى تقدير محذوف إذا قلنا إن (أنْ) أو (أنَّ) للبيان - (ن). (¬1) العبارة "أي يبطل - بيد الله" ساقطة من المطبوعة ومكانها: "أي ليظهر جهلهم في ذلك الوقت ... " ولعله مأخوذ من النص الثاني.

(40) لعل

(40) لَعَلّ تأتي للعلّة كثيراً (¬1). ¬

_ (¬1) وقال المؤلف رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {لعلكم تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]: "اعلم أن (لعلّ) تستعمل في وجوه. ومنها أنها تأتي لبيان النتيجة الممكنة. أي لكي تتقوا" تفسير سورة البقرة: 75. وأثبت معنى التعليل للعَلَّ جماعة منهم الكسائي والفرّاء والأخفش وثعلب والطبري. يقول الطبري في تفسير الآية المذكورة: "قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فكيف قال جل ثناؤه: {لعلكم تَتَّقُونَ}. أو لم يكن عالماً بما يصير إليه أمرهم إذا هم عبدوه وأطاعوه، حتى قال لهم: لعلكم إذا فعلتم ذلك أن تتقوا، فأخرج الخبر عن عاقبة عبادتهم إياه مخرج الشك؟ قيل له: ذلك على غير المعنى الذي توهمت. وإنما معنى ذلك: اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لتتقوه بطاعته وتوحيده وإفراده بالربوبية والعبادة. كما قال الشاعر: وقلتم لنا كُفّوا الحروب لعلنا ... نكفّ ووثّقتم لنا كل موثق فلما كففنا الحربَ كانت عهودُكم ... كلَمْع سرابٍ في الفَلا متألِّق يريد بذلك: قلتم لنا: كفّوا، لنكف، وذلك أن (لعلّ) في هذا الموضع لو كان شكّاً، لم يكونوا وثقوا لهم كل موثق". الطبري 1:364 - 365. وانظر معاني الأخفش: 407، والأزهية: 227، والأمالي الشجرية 1: 50، والمغني: 379، والبرهان 4: 394، والإتقان 2: 233. وقال آخرون إن لعلَّ في كلام الله للترجي بالنسجة إلى المخاطب. ومنهم سيبويه وِالمبرد والزمخشري وأبو حيان. قال سيبويه في قوله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]: " ... اذهبا أنتما في رجائكما وطمعكما ومبلغكما من العلم، وليس لهما أكثر من ذا ما لم يعلما". الكتاب 1:331. وانظر المقتضب 183:4، والكشاف 1: 92، 3: 65 والبحر 6: 245. وقال أبو حيان في قوله تعالى: {لعلكم تَتَّقُونَ}: "لسيت لعل هنا بمعنى كي لأنه قول مرغوب عنه. ولكنها للترجي والإطماع. وهو بالنسبة إلى المخاطبين، لأن الترجي لا يقع من الله تعالى إذ هو عالم الغيب والشهادة ... فكأنه قال: إن عبدتم ربكم رجوتم التقوى" البحر 1: 95. ثم قال أبو حيان في تفسير [سورة يوسف: 46] {لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} الآية: "وقوله {لعلهم يعلمون} كالتعليل لرجوعه إليهم بتأويله الرؤيا ... " البحر 5: 315. ومنه قوله تعالى في =

(41) اللعنة

(41) اللعنة خلاف النصر. قال تعالى: {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} (¬1) وهي في اللغة: الطرد (¬2). (42) مَن ليس معناه: كل من. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (¬3). ¬

_ = سورة المؤمنون (99 - 100) {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} الآية. وقال في موضع آخر: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12] منه قوله تعالى في قصة موسى {إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [النمل: 7] وانظر [القصص: 29]. وانظر عضيمة 1/ 2/ 598. وما قاله المؤلف رحمه الله في تفسير سورة البقرة إن لعل في قوله تعالى: {لعلكم تَتَّقُونَ} وأمثاله لبيان النتيجة الممكنة راجع إلى أصل معنى (لعل) وهو التوقع. وتبقى لعلّ على بابها. وهو بيان جيد ودقيق لهذا الوجه من وجوه استعمال لعل. (¬1) سورة النساء، الآية: 52. (¬2) انظر المجاز 1:46 وغريب القتبي: 26 والطبري 2: 328 واللسان. (¬3) سورة الحج، الآية: 18.

(43) وريد

أي كثير من الناس لا يسجد، فحقّ عليه العذاب. ولهم عذاب الهون لما أنهم استكبروا عن الخشوع لله. فليس من يدفع عنه الهون (¬1). (43) وَرِيد عِرق عند التَّرَاقِي. قال مُعَيَّة بن الحُمَام (¬2) يرثي أخاه الحُصَين بن الحُمَام المُرِّي: صَفِيِّي وَابْنُ أُمِّي وَالْمُوَاسِي ... إذَا مَا النَّفْسُ شَارَفَتِ الْوَرِيدَا (¬3) [قال أبو زُبَيد الطائي (¬4): مَنْ يُرِدْني بِسَيِّئٍ كُنْتَ مِنْه ... كَالشَّجَا بَيْنَ حَلْقِهِ وَالْوَرِيدِ] (¬5) ¬

_ (¬1) قد يلحظ القارئ هنا اضطراباً في الضمائر. ولكن المؤلف رحمه الله التزم في شرح النص إفراد الضمير كما هو في النص (حق عليه). أما ما أضافه لبيان المناسبة (ولهم عذاب ... لله) فأتى فيه بالجمع اعتباراً للمعنى وتمييزاً بين الأصل والزيادة (ن). (¬2) مُعَيَّة -بصيغة التصغير أو بفتح أوله وكسر ثانيه- بن الحُمام -بضم المهملة وتخفيف الميم- المُرِّي. شاعر جاهلي كأخيه الحُصين الذي رثاه. الأغاني 14: 17، المرزباني: 442 - 443، الإصابة: رقم 8459. وانظر في ترجمة الحصين: ابن قتيبة: 648، الآمدي: 91، الإصابة: رقم 1735. (¬3) من أبيات له في الأغاني 14: 17، وأنشده الأصمعي في "خلق الإنسان" (الكنز اللغوي: 199) لسويد بن خذاَّق، وفيه: "صُغِيٌّ" وهو تحريف. (¬4) اسمه حَرْمَلَة بن المنذر، جاهلي من المعمرين أدرك الإسلام، مات نصرانياً، استعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه على صدقات قومه. ولم يستعمل نصرانياً غيره، وكان عثمان رضي الله عنه يقربه. ابن سلام: 505 - 517، المعمرون: 78، ابن قتيبة: 301 - 304، الأغاني 12:118 - 131، ابن عساكر 108:4 - 111، معجم الأدباء 1: 191 - 209، الإصابة: رقم 1973، الخزانة 4: 192 - 195. (¬5) ما بين المعقوفين زيادة في المطبوعة من شواهد المؤلف التي أشار إليها في حاشية =

(44) يثرب

(44) يثرب سَلاَمة بن جَنْدَل (توفي سنة 608 بعد المسيح عليه السلام) (¬1): ألاَ هَلْ أتَى أَفْنَاءَ خِنْدِفَ كُلَّها ... وَعَيْلاَنَ إذ ضَمَّ الْخَمِيسَيْنِ يَتْرَبُ (¬2) بالمثناة، وهي قرية باليمامة. لعلها بالمثلثة، وفيه اختلاف. عَبِيد بن الأبرص (سنة 555) (¬3): يَا عَيْنِ بَكِّي مَا بَنِي ... أَسَدٍ فَهُم أَهْلُ النَّدَامَهْ أهْلَ الْقِبَاب الْحُمْرِ وَالـ ... ـنَّعَمِ الْمُؤَبَّلِ وَالمُدَامَهْ وَذَوِي الْجِيَادِ اَلْجُرْدِ والْـ ... ـأَسَلِ الْمُثَقَّفَةِ الْمُقَامَه ¬

_ = نسخته من جمهرة الأشعار. والبيت من قصيدته التي يرثى بها اللَّجلاج ابن أخته. انظر جمهرة الأشعار: 739، وأمالي اليزيدي: 11، والاختيارين: 530، والبيت وحده في نوادر أبي زيد: 280. والشَّجَا: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه. (¬1) هو سَلاَمَةُ بن جَنْدَل السَّعدي. شاعر جاهلي قديم. من فرسان تميم المعدودين وأحد نُعَّاتِ الخيل. ابن سلام: 155، ابن قتيبة: 272 - 273، الخزانة 4: 29 - 30. وانظر النصرانية 1:486 - 491. ومنه أخذ المؤلف تاريخ وفاة سلامة. (¬2) في الأصل والمطبوعة: وَعَيلانَ إذ ضَمَّ الحنين بيثربِ وكذا في النصرانية: 491، وفي البلدان 5: 430: "أنْ صَمَّ". وهو تحريف، والصواب ما أثبتنا من الديوان. والبيت من قصيدة له في يوم جَدود، انظر ديوانه: 214، والنقائض: 147، أولها: وَمَنْ كانَ لاَ تُعْتَدُّ أيَّامُه لَهُ ... فَأيَّامُنَا عَنَّا تُجَلِّي وَتُعْرِبُ الأفناء: الفروع. خِنْدِف: امرأة الياس بن مضر، وأراد قبائل إلياس بن مضر. وعَيلان: أبو قيس بن عيلان، يريد قبائل قيس عيلان. (¬3) تاريخ الوفاة من شعراء النصرانية: 596.

فِي كَلِّ وَادٍ بَيْنَ يَثْرِبَ ... فالقَصورِ إلى اليَمَامَهْ (¬1) يثرب: لأن أول مَن سكنها يثرِب بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوض بن إرم بن سام بن نوح. قيل: إن "يثرب" أرض منها مدينة الرسول (معجم البلدان) (¬2). قال الفراهي: إن "يثرب" كان اسم بلد وسيع حسب سعة سكانها، ولما قلّ بنو يثرب ضاق نطاق هذا الاسم، فبقي لمدينة الرسول (¬3). ¬

_ (¬1) الأبيات من قصيدته التي يستعطف بها حُجْراً أبا امرئ القيس على بني أسد، ويعتذِر إليه والقصيدة في ديوانه (ليال): 87 و (نصار): 125، والأغاني: 9: 81. وصلة البيت الأخير بعده: تَطرِيبُ عانٍ أو صِيا ... حُ مُحَرَّقٍ أو صَوتٌ هَامه والبيت الرابع في البلدان 5: 429. وانظر التخريج في ديوانه (نصار): 124. ورواية البلدان: يَتْرَبَ. أهل القباب الحمر: أي السادة، النعم المؤبل: الإبل الكثيرة المقتناة، المدامة: الخمر. الأسَل المثقفة: الرماح المقومة. (¬2) انظر البلدان 5: 430. (¬3) وذلك -كما ترى- استنباط المؤلف من النصوص التي نقلها.

الملحق الأول زيادات المطبوعة

الملحق الأول زيادات المطبوعة

(45) الأب

(45) الأبّ (¬1) الأبُّ: العُشب والمرعى، من: أبَّ يؤبُّ أبّاً وأَبَاباً وأبابَةً: نشأ وطلع (¬2). وهي مادة قديمة جرى فيها تصرّفُ اللسان، فتجدها في صور متشابهة، مثلاً: أمَّ، و (¬3) هَمَّ، و (3) هَبَّ، و (3) تَأهَّبَ (¬4). فأَبَّ صورة أخرى لهَبّ. ولذلك نظائر، مثلاً: هَزَّ و (3) أزَّ، وأرَاقَ و (3) هَرَاقَ (¬5)، قال الأعشى: أخٌ قَدْ طَوَى كَشْحاً وَأبَّ لِيَذْهَبَا (¬6) ¬

_ (¬1) تفسير سورة عبس: 18، الفصل العاشر. والمطبوعة: 15. (¬2) وجعل ابن فارس المادة أصلَين: أحدهما المرعى، والآخر القصد والتهيؤ، انظر المقاييس 1:6. (¬3) سقطت الواو في هذه المواضع من المطبوعة. (¬4) (تأهّب) أصله: أهب. وكأن المؤلف يرى أنه منحوت من المادتين: أبّ وهبَّ. ويلاحظ أن مادة أهب لم تستعمل في الثلاثي المجرد، وإنما استعملت من بابَي فعّل وتفعّل بمعنى الاستعداد للأمر، والاسم: الأهبة. أما "الإهاب" بمعنى الجلد فهو أصل مستقلّ. (¬5) ونحو أرمَد وأربد، بَكّة ومَكّة، تظاءَبَ وتظاءَمَ، لازب ولازم. انظر الإبدال لابن السكيت: 74، 88. (¬6) صدر البيت: صَرَمْتُ وَلَمْ أَصْرِمْكُمُ وَكصارِمٍ وصلة البيت قبله: فأبْلِغْ بَنِي سَعْدِ بنِ قَيْسٍ بِأنَّنِي ... عَتَبْتُ فَلَمّا لَمْ أَجِدْ لِيَ مَعْتَبا والبيت من قصيدة في ديوانه: 151 والبيت وحده بتمامه في الجمهرة 1:13، والمقاييس 1: 7، واللسان (أبب) والعجز وحده في المقاييس 5: 183 واللسان (كشح) يقول: صرمتكم في تهيئي لمفارقتكم، ومن تهيأ للمفارقة فهو كمن صَرَم. طوى كشحا: أعرض.

أي هَبَّ وهَمَّ. وإنما سُمّي المرعى "أبّاً" لنشئه أولاً بعد المطر. ومنه: إبَّان النبات. لأول خروجه. ثم توسّع، فقيل: إبّان الشباب، لمناسبة ظاهرة؛ ثم إبّان كل شيء: أوّل وقته. يقال: كُلِ الفواكهَ فِي إبَّانِها (¬1). وتوهّم الجوهري وغيره، فجعل الإبّان فِعَّالاً من مادة "أبن" (¬2)، ولا مناسبة بينهما، فإن أبَنَه بشيء: اتهمه به، من الأُبنَةِ: وهي العقدة في العود. وإنما هو فِعْلاَن من "أبَّ" (¬3) لما يدلّ عليه المناسبة بينهما، ولما تجد هذه المادة بهذا المعنى في العبرانية (¬4) -وهي أخت العربية-[. . .] (أب ب) [. . .] (أب): الخضرة والثمرة. [. . .] (أبيب): السنبلة الخضراء، وأول شهورهم -وهو الربيع- لظهور النبات فيه أولاً (¬5). ومما ذكرنا تبيّن أن هذه المادّة مما عرفته العرب، وإنَّما قَلّ استعمالها في أشعارهم لخفّة مرادفاتها (¬6). ولكن إذا أريدَ استعمالُ كلمة جامعة وحسن موقعها ¬

_ (¬1) انظر اللسان (أبن). (¬2) انظر الصحاح واللسان (أبن) والمعجم الكبير (أبن). (¬3) وإليه ذهب الراغب في مفرداته، والزمخشري في الأساس (أبب). (¬4) والأشورية وآرامية العهد القديم والسريانية. انظر جزينيوس: 1، 1078 وإسمث: 2 وصرّح الأخير بأن أصل المعنى: نشأ. وانظر المعجم الكبير 1: 19. (¬5) ويرى الدكتور إبراهيم أنيس أنهم وهموا في ترجمة "أبيب" فزعموه علمَ شهر في سفر الخروج 13:4 و23: 15 وسفر التثنية 16: 1، وإنما هو بمعنى شهر الإخضرار. وترجم في السبعينية بما معناه: شهر ظهور المحصول الجديد من القمح. انظر مقاله "أبيب" في مجلة المجمع المصري. الجزء 26 ص 7 - 10. (¬6) ومن شواهد الأبّ في كلام العرب قول أبي دواد الإيادي: 1 - يَرْعَى برَوْضِ الحَزْنِ مِنْ أبِّهِ ... قُرْيانَه فِي عانَةٍ تُصْحَبُ أنشده شُبَيلَ بن عَزْرة. انظر المقاييس 1: 6 ومنه في دراسات: 296 رقم 10، وفي اللسان (صحب): "قال أبو عثمان المازني: أَصْحَبْتُ الرجلَ: أي منعتُه، وأنشد قول الهذلي" والبيت فيه مصحف، القُريان، جمع قَريّ: مدفع الماء من الربو إلى الروضة. =

(46) الأبتر

لم تترك، بل تكون أحسن من غيرها (¬1). (46) الأبتر (¬2) صفة (¬3) من البتر: وهو القطع. وللكلمة استعمالات شتّى. والنظرُ فيها يُعينك على استنباط المعنى المراد هاهنا (¬4). فنذكر استعمال هذه المادة حسب ترتيب معانيها: ¬

_ = 2 - وأنشد ابن دريد لشاعر: جِذْمُنَا قَيسٌ وَنَجْدٌ دَارُنا ... وَلَنَا الأَبُّ بهِ والمَكْرَعُ انظر المقاييس 1: 6 والكشاف 4: 220 والقرطبي 19: 222 واللسان (أبب) الجذم: الأصل. المكرع: الماء. 3 - وقال آخر: تَرَى به الأبَّ وَاليَقْطِينَ مُخْتَلِطاً ... عَلَى الشَّرِيعَةِ يَجْرِي تَحْتَها الغَرْبُ انظر مسائل نافع بن الأزرق في الإتقان 2: 100 والإعجاز البياني: 470. الشريعة: الموضع الذي يُنحدر منه إلى الماء. الغَرْب: الماء. 4 - وأنشد القرطبي (19: 222) لشاعر في مدح النبى - صلى الله عليه وسلم -: لَهُ دَعْوَةٌ مَيمُونَةٌ رِيحُها الصَّبَا ... بِهَا يُنْبْتُ اللهُ الحَصِيدَةَ وَالأبَّا 5 - وأنشد أيضاً لآخر (19: 223): فَمَا لَهُمُ مَرْتَعٌ لِلسَوَا ... مِ، وَالأَبُّ عنِدَهُمُ يُقْدَرُ ولعل هذه الشواهد الأربعة الأخيرة لم يذكرها المؤلف -مع وجود بعضها في المصادر التي طالعها وعلق عليها- لأنها مجهولة النسبة. (¬1) انظر في بلاغة استعمال الأب في الآية الكريمة من سورة عبس. تفسير سورة عبس للمؤلف، الفصل الحادي عشر: 19 - 21. وانظر ما قال في الروايات التي تذكر أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ما كانا يعرفان معنى الأب، في المقدمة الثالثة من هذا الكتاب، والفصل العاشر من تفسير سورة عبس. (¬2) تفسير سورة الكوثر، الفصل الثاني عشر: 34. والمطبوعة: 16. (¬3) في المطبوعة قبل "صفة": "هو"، زيادة لتأليف الكلام. (¬4) يعني "في سورة الكوثر" كما في المطبوعة مكان "هاهنا".

يقال: سيف بَاتِر، أي قاطع، وبَتّار: قطاع. بَتَرَ فلان رَحِمَه (¬1): قطعها، الأُبَاتِر: قاطع الرحم. أبْتَرَ الرجلُ: إذا أعطى ثم منع. الحجة البَتْراء: القاطعة. في حديث الضحايا: أنه نهى عن المبتورة، وهي ما قطع ذنبها (¬2). الأبْتَر من الحيّات: نوع منها قصير الذنَب. الأبتَر: مَنْ لا عَقِبَ له. في الحديث: "كل أمر ذي بال لم يبدأ ببسم الله فهو أبتر" (¬3). الخطبة التي لم تبدأ بذكر الله والصلاة على رسوله سميت: بَتْرَاء (¬4). الأبتر: ما لا عروة له من المزاد والدِّلاء. الأبتَران: العَير والعَبْد. البُتَيراءُ: الشمس إذا بُهِرَتْ وذَهَبتْ قُرونُها ونَبلُها (¬5). فالنظرُ في هذه الأنحاء يدلّنا على أن "الأبتر" هو المقطوع عما يُفخّمه ويمدّه، حتى إن الشمس إذا بُهرت، وذهبت عنها نَبلُها، وانجردَتْ قرصاً صغيراً سميت: بُتَيْرَاءَ. وكذلك مَن بَتَر رَحِمَه، وانقطع عن عصبته وأنصاره سُمِّي: أَبْتَرَ، ولذلك سمَّوا العَير والعبد: الأبترَينِ لقلّة ناصِريهما. وعلى هذا الأصل قال قتادة (¬6) في تفسير هذه الآية (¬7): ¬

_ (¬1) في المطبوعة: رحمها، والصواب ما أثبتنا. (¬2) انظر النهاية 1: 93. (¬3) وفي النهاية 1: 93 "لا يبدأ فيه بحمد الله" وكذا في اللسان (بتر) وانظر كلاماً وافياً في طرق هذا الحديث وألفاظه، في أول طبقات السبكي. (¬4) كخطبة زيادة بن أبيه المعروفة. انظر البيان 2: 61. (¬5) يعني أشعّتها القوية. وفي الفائق (1: 72): هي اسم للشمس في أول النهار قبل أن يقوى ضوءها ويغلب. كأنها سميت بالبتيراء مصغرةً لتقاصر شعاعها عن بلوغ تمام الإضاءة والإشراق وقلّته. (¬6) هو أبو الخطاب قتَادَة بن دِعَامة السَّدُوسي البصري (61 - 118 هـ) تابعي مفسر ضرير يضرب به المثل في الحفظ. كان مع حفظه وعلمه بالحديث رأساً بالعربية واللغة وأيام العرب والأنساب. انظر ترجمته في ابن خلكان 85:4 والنبلاء 5: 269 والأعلام 5: 189. (¬7) انظر الطبري (الحلبي ط 3) 30: 329. ويعني بالآية قوله تعالى في سورة الكوثر: {إنَّ شَانِئَكَ هو الأبْتَرُ}.=

(47) ابن الله والرب والأب

"الأبتر: الحقير الدقيق الذليل". فتبيَّن أن معنى هذه الكلمة تدرَّج من المقطوع إلى الصغير القصير وإلى المخذول الحقير (¬1). (47) ابن الله والربّ والأب (¬2) كلمة الابن في العبرانية تستعمل لمعنيين: 1 - للنسبة، كابن السبيل، وابن الليل (¬3)، أو كابن صبح (¬4)، وابن حَول وسنة. 2 - للعبد، كالرجل، والفتى، والغلام. ولفظ "الابن" ليس كلفظ "الولد"، فإنّ "الولد" صريح في الابنيّة ولذلك ترى في القرآن لم يشنّع إلاّ على لفظ "الولد"، وبيّن أنّ في استعمال لفظ "الابن" مضاهاةً بالكفر، فينبغي أن يُجتنَب. كما أنّ لفظ "الربّ" يشابه المعبود، فبيّن في القرآن أنهم أفرطوا في هذين اللفظين. وبيان ذلك تحت آية ... (¬5). وهاهنا نورد أمثلةً من كتب اليهود والنصارى، لكي يتبيّن لك ما ذكرنا. ونورد ترجمتهم الباطلة بإزاء ترجمة صحيحة: ¬

_ = وفي المطبوعة: "في تفسير سورة الكوثر". (¬1) وانظر تأويل الآية في تفسير السورة للمؤلف، الفصل الثالث عشر. (¬2) الدفتر الأول: ق 35 - 36 "معنى ابن الله والرب والأب". والمطبوعة: 16. (¬3) وهو الذي يلازم السير في الليل ويصبر على أهواله، انظر المرصع: 263. (¬4) فسّره صاحب المرصع: 193 بمعنى خفي النسب واللقيط، وأنشد قول عمرو بن معد يكرب: وابنُ صبحٍ سادراً يوعدني ... ما له في الناس ما عشتُ مجيرُ والصواب أنّ الشاعر عنى به أبيّ بن معاوية بن صبح. انظر الاشتقاق: 401. (¬5) بياض في الأصل، ولعله يعني قوله تعالي في سورة التوبة: 30 {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.

المزمور 82

المزمور 82 (¬1) ترجمتهم الباطلة الله قائم في مجمع الله (¬2). في وسط الآلهة (2) يقضي. حتى متى تقضون جوراً وترفعون وجوه الأشرار. اقضوا للذليل ولليتيم. أنصفوا المسكين والبائس. نجّوا المسكين والفقير. من يد الأشرار أنقذوا. لا يعلمون ولا يفهمون. في الظلمة يتمشّون. تتزعزع كل أسس الأرض. أنا قلت إنكم آلهة (¬4) وبنوا العليّ كلكم. لكن (¬5) مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون. قم يا الله دِنِ الأرض، لأنك أنت تمتلك كلّ الأمم. الترجمة الصحيحة الله قائم في مجمع الحكّام. يقضي بين الأمراء. حتى متى تقضون جوراً وتراعون جانب الشرّير. احموا (¬3) المسكين واليتيم. أقسطوا للفقير والمعترّ. نجّوا المسكين وأنقذوا الفقير من يد الشرّير. لا يعلمون ولا يفقهون. وفي الظلمة يذهبون قد فسدت الأرض إلى بنيانها. أنا صيّرتكم حكاماً وخلفاء الله ولكنكم مثل العامة تغوُون وكرؤسائهم تعثرون. قم يا ربّ دِنِ الأرض. فإنّك ترث الأمم كلها. هل ترى كيف خلطوا بين الحاكم والله، والقضاء والحماية، والوصل والفصل، والموت والغواية، والابن والخليفة الخادم؟. ¬

_ (¬1) "المزمور 82" وضع في المطبوعة في آخر الترجمة الباطلة. (¬2) في الترجمة الإنكليزية اليهودية: مجمع القوى -بين الحكام. وقد نقل المؤلف في تفسير البسملة فقرتين من أول هذا المزمور يبيّن أن اليهود والنصارى ليس عندهم اسم خاص لله تعالى، وأنهم يستعملون اسم الله لغيره، وهو عندهم بمنزلة السيّد، فقال: " .. فقوله (في مجمع الله) أصله: في مجمع الآلهة، كما تبيّنه الفقرة التالية. ومجيء الفقرة التالية المشابهة كثير جدّاً في العبرانية. فالمعنى أنّ الله تعالى قائم شهيد في مجمع الحكّام، ويقضي هو في وسط القضاة، فكيف وإلى متى "تقضون بالجور وتراعون جانب الأشرار الظالمين. والقرآن جاء بالبيان الواضح لهذا المعنى ... فانظر كيف أنهم لم يفرّقوا بين الله والحكّام فجعلوا لهما اسماً واحداً ... " ثم ذكر أمثلة من التوراة جاءت فيها كلمة الإله بمعنى الأمير والسيد والجبّار. انظر فاتحة نظام القرآن: 39 - 40. (¬3) ومثله في الترجمة الإنكليزية اليهودية. (¬4) في المرجع السابق: إنكم أفراد أقوياء. (¬5) في الأصل: لكنكم.

(2) (¬1) كلّ ما نجد في الإنجيل من "ابن الله" فهو "عبد الله" في المعنى وكلّ ما فيه من "أبونا" أو "أبونا وأبوكم"، فهو: ربّنا وربكم، كما ترجمه القرآن. وقد منع المسيح عليه السلام عن استعمال كلمة الربّ لنفسه، وقال: "ربّنا واحد -وهو الله- وأنا وأنتم إخوة". وقد بدّلت النصارى هذا التعليم الواضح. وكذبُهم بادٍ مكشوف. في متى باب 23 (6 - 11): "ويحبّون المتكأ الأول في الولائم، والمجالس الأولى في المجامع، والتحيات في الأسواق، وأن يدعوهم الناس: ربي ربي (*). وأما أنتم فلا تُدعَوا: ربّي، لأنّ ربكم واحد. المسيح وأنتم جميعاً إخوة. ولا تدعوا لكم ربّاً (**) على الأرض لأن ربكم واحد. الذي في السموات. ولا تُدعَوا معلّمين، لأنّ معلمكم واحد: المسيح. وأكبركم يكون خادماً لكم". ............................... (*) في الترجمة البيروتية: سيدي سيدي. وأما أنتم فلا تدعوا سيدي لأنّ معلمكم" وهذا لا يليق بقوله: "لأنَّ". وفي الترجمة الإنكليزية: "ربي ربي. لكن لا تدعوا ربي لأنّ واحداً معلمكم، المسيح؛ وأنتم كلكم إخوة" (¬2). فالمترجم فصَلَ بين (¬3) قوله "المسيح" وقوله "أنتم" بعلامة، لكن الجملة التي نقلت بعد ذلك من باب 19 تكشف الأمر. فإنّك ترى أنهم خبطوا كلمات "ربي" و "معلم" و "سيد" و "أب". وكيف يقول المسيح: لا تدعوني صالحاً؟ فالمعلم الصالح ترجمة "ربي". ونهاهم أن يدعوه بهذا الاسم كما دعت اليهود أحبارهم بهذا الاسم. وهكذا جاء ذكر اليهود والنصارى في القرآن، حيث قال: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}. فقد علمت أن النصارى سمّوا علماءهم بالرب والإله كما شهدت به كتب التاريخ. [حاشية المؤلف]. (**) في التراجم: "أباً" وهذا باطل ظاهراً. [حاشية المؤلف]. ¬

_ (¬1) كذا بالإصل، ولم يسبقه رقم (1). (¬2) نصّ الترجمة الإنجليزية (متى 23: 7 - 8). And greeting in the markets. and to be called of men Rabbi. Rabbi, But be not ye called Rabbi: for one is your Master. even christ: and all ye are brethren. (¬3) في المطبوعة "في" خطأ.

ثم جاء في باب 19 (16 - 17) (¬1): "وإذا واحد تقدم وقال له: أيها المعلّم الصالح أيّ صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟ فقال له: لماذا تدعوني صالحاً. ليس أحد صالحاً إلا واحد -وهو الله - ولكن إن أردت (¬2) الحياة فاحفظ الوصايا" (أي الشرائع). وفي تكوين (45: 8): "فالآن ليس أنتم أرسلتموني إلى هاهنا بل الله وهو قد جعلني أباً لفرعون وسيّداً لكل بيته ومتسلطاً (¬3) على كل أرض مصر". في إشعياء (53: 11): "مِن تَعَبِ نفسِه يرَى ويشبَع. وعبدي البارّ بمعرفته يبرّر كثيرين وآثامهم هو يحملها". المراد من "عبدي البارّ" هو عيسى باتفاق النصارى، ولكنك تراهم حرّفوا هذه الكلمة. فتجد في مَرقُس (15: 39): "ولما رأى قائد المئة الواقف مقابلَه أنه صرخ هكذا، وأسلم الروحَ، قال: حقاً كان هذا الإنسان ابن الله". وهكذا في مَتّى (¬4). وأما في لُوقا فتجد فيه (47:23): "فلما رأى قائد المئة ما كان مَجَّد اللهَ قائلاً: بالحقيقة كان هذا الإنسان بارّاً". فهل ترى كيف حرّفوا ومزّقوا كلمة الوَحي!. ¬

_ (¬1) في الأصل: (19 آية 16). (¬2) في الترجمة البيروتية: أردت أن تدخل. (¬3) في المطبوعة: "مسلّطاً". والصواب ما أثبتنا. (¬4) انظر مَتَّى 54:27.

(48) الاتقاء

(48) الاتِّقَاء (¬1) الاتّقاء: افتعال من: وقَى يقِي، فالمجرّد يتعدّى إلى مفعولين، كما قال تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} (¬2). أي حفظهم عنه. وأما الافتعال منه فيتعدى إلى مفعول واحد، اتقيت الشر: تحفّظت منه، اتقيت السيف بالتُّرس: جعلتَه حاجزاً بينك وبين السيف. قال تعالى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬3). قال النابغة: سَقَطَ النَّصِيفُ وَلَمْ تُرِدْ إسْقَاطَهُ ... فَتَنَاوَلَتْهُ واتَقَتْنَا بِالْيَدِ (¬4) وفي الحديث: "اتَقُوا (¬5) النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ" (¬6). أي التمِسوا وقايةً من النار، ولو بشِقّ تمرةٍ تُعطوها (¬7) الفقراءَ. ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 20 - 22، والمطبوعة: 19. (¬2) سورة الإنسان، الآية: 11. (¬3) سورة الزمر، الآية: 24. (¬4) البيت من قصيدته في وصف المتجردة، في ديوانه: 93. والنصيف: الخِمار. (¬5) في المطبوعة: واتقوا. (¬6) أخرجه البخاري عن عدي بن حاتم في كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة، وكتاب الأدب، باب طيب الكلام. ومسلم عنه في كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة. انظر الفتح 3: 283 و10:449، والنووي 7: 107 وانظر النهاية 2: 491. (¬7) الأصل: تُعطونَها. قال ابن مالك: "حذفُ نون الرفع في موضع الرفع لمجرد التخفيف، ثابتٌ في الكلام الفصيح، نثرِه ونظمِه". شواهد التوضيح: 171.

وربّما يُراد به -على التجريد- محضُ جعل الشيء من القدّام كالحاجز كما قال امرؤ القيس: تَصدُّ وتُبْدِي عَن أَسِيلٍ وتَتَّقِي ... بِنَاظِرَةٍ مِنْ وَحشِ وَجْرَةَ مُطْفِلِ (¬1) فجرّد عن مفهوم الخوف، وهو قليل. فإنّ الاتقاء في أصل معناه يكون من خوف ضرر. وعلى هذا يأتي على أربعة أوجه: (1) الأول هو التحفظ عما يخاف الضرر منه، كما في قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} (¬2). أيضاً: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} (¬3). (2) والثاني هو الخوف من شرّ، كما في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (¬4). أيضاً: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (¬5). أيضاً: ¬

_ (¬1) البيت من معلقته في الديوان: 16 وشرح ابن الأنباري: 59. والبيت وحده في اللسان (وجر) وَجْرة: نقل ياقوت عن الحازمي أنها على جادّة البصرة إلى مكة، منها يحرم أكثر الحجاج. وهي سرّة نجد ستون ميلاً كثيرة الوحش (362:5). وانظر معجم السيرة: 205. مُطفل: ذات طفل. أسيل: خد أسيل. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 28. (¬3) سورة المزمل، الآية: 17. (¬4) سورة الأنفال، الآية: 25. (¬5) سورة آل عمران، الآية: 131.

{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} (¬1). (3) والثالث هو التخشّع بين يدي المنعم القدّوس الذي يرحم على الشاكر البارِّ، ولا يرضى بالكفر والإثم، وهو العالم بكل شيء. وبهذا الوجه يشبه "الرهبة"، كما في قوله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (¬2). أيضا: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬3). أيضا: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} (¬4). وهذا كثير. (4) والرابع هو الوجه الجامع للوجوه الثلاثة، ويدل على التحفّظ عن الإثم من خوف نتائجه السيئة ومن خوف سخط الرب. وهذا المعنى الجامع يراد منه كثيراً إذا جاء مجرداً عن المفعول. ويعبّر عنه بالتقوى، كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (¬5). أيضاً: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} (¬6). أيضاً: ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 281. (¬2) سورة الأنفال، الآية: 29. (¬3) سورة التغابن، الآية: 16. (¬4) سورة الزمر، الآية: 73. (¬5) سورة النحل، الآية: 128. (¬6) سورة آل عمران، الآية: 172.

{وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (¬1). أيضاَ: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (¬2). أيضاً: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (¬3). فالمتقي بهذا المعنى: من أُشِربَ قلبهُ تعظيمَ الرب وخوفَ سخطه ونتائج الإثم. ولذلك كثر في القرآن مدح المتقين ومقابلتهم بالمجرمين الطاغين. والقرآن تارةً يكتفي بهذه الكلمة الجامعة، وتارةً يفصّل معناه، وتارةً يريد الوجوه الثلاثة على سواء، وتارةً يريد وجهاً خاصاً أوّلاً وبالذات. وباقي الوجوه ثانياً حسبمَا يناسب المقام، كما هو الأصل في فهم الكلمات الجامعة. فأمّا الاكتفاء بهذا الاسم مع إرادة المعنى الجامع فكثير. وذلك حيث مدح الله المتّقين، ولم ينبّه على بعض أوصافهم الخاصة. وأما الإلماع إلى بعض وجوهه حسب محله فأيضاً كثير. ومنه قوله تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (¬4). أي الذين يجتنبون الإثم مع الخشية، فإن "الفجور" هو ارتكاب الإثم مع الجسارة. أيضاً: ¬

_ (¬1) سورة آل عمران، الآية: 179. (¬2) سورة آل عمران، الآية: 186. (¬3) سورة الأنعام، الآية: 153. (¬4) سورة ص، الآية: 28.

{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (¬1). الآيتان متقابلتان، كما هو ظاهر. وجاءت كلمة {اتَّقَى} في مقابلة {استغنى} فالمراد به: مَن تخشّع للرب تعالى خاشياً راجياً، فلم يستغن عنه. وأما تفصيل المعنى الجامع، فكما ترى في قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} إلى قوله تعالى: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (¬2). وذكر قبله أبواب الإيمان والأعمال الصالحة، فدلَّ على أن المتقين هم الذين جمعوا هذه الصفات. واعلم أن جهة الحال والكيفية أظهرُ في معناها من جهة العمل، وجهة الكفِّ أغلبُ من جهة الفعل. ولذلك تارةً (¬3) تقترن بالفعل على سبيل التقابل، كما في (¬4) قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا} (¬5). وتارةً تقترن بالكفّ على سبيل البيان، كما في قوله تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا} (¬6). ومع ذلك لكونها حالة هي مَنبع الأعمال، فتقترن بالإيمان على سبيل التقابل والتفصيل، كما ترى (¬7) في قوله تعالى. ¬

_ (¬1) سورة الليل، الآيات: 5 - 10. (¬2) سورة البقرة، الآية: 177. (¬3) "تارة" ساقطة من المطبوعة. (¬4) في المطبوعة: "كما ترى". (¬5) سورة آل عمران، الآية: 172. (¬6) سورة آل عمران، الآية: 186. (¬7) "ترى" ساقط من المطبوعة.

(49) إن الله معنا

{وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا} (¬1). وهذا كثير، ثم هي منبع العلم أيضاً لكونها حالةً تصلح القلب (¬2) (49) إنَّ اللهَ مَعَنَا (¬3) قد كثر في التوراة هذا الكلام (¬4). فمن تتبّع مواقعَه فيها فهِمَ مبلغَه. وهكذا جاء في القرآن كثيراً (¬5)، وموقعه المدح والرضا. ولم يستعمل (¬6) هذه الكلمة في مواضع السخط والنقمة إلا بقرينة واضحة: 108:4 (¬7) {وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}. فإذا لم يكن معه قرينة صارفة كان نصّاً في الرضا، ولذلك ترى في قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} (¬8). ¬

_ (¬1) سورة آل عمران، الآية: 179. (¬2) وانظر زيادة البيان لصفة التقوى في تفسير سورة البقرة للمؤلف (ط): 107 - 114، 124. (¬3) الدفتر الأول: ق 32 (معنى "إن الله معنا") والمطبوعة: 27. (¬4) انظر مثلاً: التكوين 28: 15، 48: 21 والخروج 3: 12، 18: 19 والعدد 14: 9 والتثنية 31: 8، 23. ويشوع 1: 9، 5، 17؛ 3: 7؛ 6: 27 وعزرا 3: 3. (¬5) لا يعني لفظ "إن اللهَ معنا" فإنه لم يَرِد إلا في موضع واحد وهو التوبة: 40، وإنما يريد ذكر معيّة الله. انظر مثلاً: البقرة: 153، 194، 249، والمائدة: 12، والأنفال: 66. والتوبة: 36، 123. وطه: 46، والشعراء: 62. (¬6) كذا في الأصل. وفي المطبوعة: تستعمل. (¬7) يعني سورة النساء، الآية: 108، وسقط الرقمان من المطبوعة. (¬8) سورة الفتح، الآية: 29.

(50) أهل البيت

اكتفى بهذا اللفظ في بيان أعوانه وأنصاره ومُحِبِّيه (¬1). (50) أهل البَيْت (¬2) أهل البيت عبارة عن النساء، الواحد والجمع فيه سواء. ولكن الضمير الذي يرجع إليه يكون جمعاً ومذكّراً اجتناباً عن التصريح، لأجل حرمة النساء. وعلى ذلك آتيك بشهاداتٍ من القرآن وكلام العرب: (سورة القصص: 29) (¬3): {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}. وهكذا في سورة طه (¬4). (سورة القصص: 12 - 13): {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا}. (خروج 2: 7 - 9): "فقالت أخته لبنت فرعون: هل أذهب وأدعو لك مرضعة من نساء ¬

_ (¬1) وقال المؤلف في تعليقاته: 30 يفسر قوله تعالى في سورة البقرة: 153 {إن الله مع الصابرين}: "المعية معناها النصر والعون"، وانظر ما سلف في ص 107 (الحاشية) وانظر مجاز القرآن 1:260 والطبري 3: 214. (¬2) الدفتر الأول: ق 25 "معنى أهل البيت"، والمطبوعة: 27. (¬3) الرقم من المطبوعة. (¬4) وهو قوله تعالى: {إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} الآية: 10.

العِبرانيين لترضع الوليد لك. وقالت بنت فرعون لها: اذهبي، وذهبت الجارية ودعت أم الوليد، وقالت بنت فرعون لها: خذي هذا الوليد وأرضعيه لي أعطك أجرك. وأخذت المرأة الوليد وأرضعته" (¬1). (سورة هود: 73): {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}. فترى في هذه الأمثلة أن المراد من كلمة "الأهل" امرأة واحدة ولكن استعمل لها صيغة الجمع المذكر. ومع ذلك ترى أن ضمير الجمع المذكر استعمل للمرأة الواحدة في {هَلْ أَدُلُكمُ}، {يَكْفُلُوَنَهُ لَكُمْ} (¬2) فإذا علمت أن هذا استعمال عامّ في كلام العرب تبيّن لك معنى هذا اللفظ في القرآن حيث استعمل في ذكر أزواج (¬3) النبي عليهم الصلوات (¬4). ¬

_ (¬1) الحق أن التي اتخذته ابناً هي امرأة فرعون لابنته، كما في القرآن الكريم. انظر ما قاله المؤلف في كلمة "الآل" ص 124. (¬2) وهكذا جاء في الحديث الذي أورده ابن حبان في الخاص والتسعين من الأول عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رأى أحدكم المرأة التي تعجبه، فليرجع إلى أهله حتى يقع بهم، فإنَّ ذلك مَعَهم". انظر الإحسان 7: 438. (¬3) وهو قوله تعالى في سورة الأحزاب: 33 {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. (¬4) لم يذكر المؤلف هنا الشواهد من كلام العرب، وأجَّل ذلك، ولم يمهله الأجل، ولكن أورد بعضها في تعليقاته، فيقول (ص 191) تحت الآية الكريمة: 73 من سورة هود: "الضمير في {أَتعجبينَ} و {عليكم} لامرأة إبراهيم. وضمير الجمع المذكر يستعمل للنساء كثيراً، وخاصة إذا عبر عنها "بأهل"، كما ترى في سورة الأحزاب ... ومن ينظر في أشعار العرب يجد كثيراً من الأمثلة. قال امرؤ القيس: فَلَو أنَّ أهلَ الدَّارِ فِيهَا كَعَهْدِنَا ... وَجَدتُ مَقِيلاً عِندَهُم وَمُعَرَّسَا [ديوانه: 105، وفي الأصل: فلو كان، والتصحيح من الديوان]. وقال عُمَر بن أبي ربيعة القرشي، وقد جمع بين الخطابين كما في الآية: 1 - فَوَالله ما لِلْعَيْشِ ما لَم أُلاَقِكُمْ ... وَما لِلْهَوَى إذْ ما تُزَارِينَ مِنْ طَعمِ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 2 - ألَمْ تَعلمي ما كنتُ آلَيْتُ فِيكُمُ ... وَأَقْسَمْتِ لاَ تَخْلِينَ ذاكِرَةً بِاسْمِي [شرح ديوانه: 243. لا تخلين: أي لا تكونين في خلوة. وفي نسخة: لا تحكين]. ولولا كراهة الأشعار [لأنّ هذه التعليقات كانت في حواشي نسخته من المصحف] لسردت كثيراً في هذا الباب. وهكذا في موسى عليه السلام في سورة القصص. [يعني الآيتين:12 - 13]. وتساءل الإمام الرازي إذا حمل أحدٌ {أُوْلئكَ} في قوله تعالى في سورة النور: 26 {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} على عائشة وصفوان رضي الله عنهما، فقال في تفسيره: "ومتى حملته على عائشة وصفوان -وهما اثنان- فكيف يعبّر عنهما بلفظ الجمع؟ ". ثم أجاب عن ذلك بوجهين: "الأول أن ذلك الرمي قد تعلق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبعائشة وصفوان ... الثاني أن المراد به كل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ... " فعلّق على قوله الفراهي رحمه الله في حاشية نسخته من التفسير الكبير 6: 369، فقال: "لا يليق بالمفسر أن يكون قليل البضاعة في علم لسان العرب، وقد خفي على الرازي مواضع لا تكاد تخفى على من سرح النظر في كلام العرب القح. فاعلم أن الضمير كثيراً ما يجمع للمرأة ويذكر، ليكون كناية عنها. وكثرت الأمثلة، فدونك بعضها: قال: فإن شِئْتِ حَرَّمْتُ النسَاءَ سِواكُمُ ... [وَإنْ شِئْتِ لَمْ أَطْعَم نُقاخاً ولا بَرْدَا] [البيت للعرجي في اللسان (نقخ) والنُقاخ: الماء البارد العذب الصافي]. ثم أورد بيتي عمر بن أبي ربيعة، وقال: "وفي هذه الأبيات ترى للمرأة ضمير الجمع والوحدة معاً. وهذا القدر مقنع ولو شئنا لكثّرنا الأمثلة". وأحبّ أن أورد هنا جملة من الشواهد وهي غيض من فيض. فأسوق أولاً أبياتاً خاطب فيها الشاعر امرأة واحدة بصيغة الجمع. أولاً: - قال الأعشى من قصيدة في الديوان (ط 7) 179: أجُبيرُ هل لأِسيرِكُمْ مِن فادِي ... أم هل لطالبِ شِقّةٍ مِن زادِ - وقال دُرَيد بن الصِّمَّة يُخاطب الخَنْسَاء الشاعرة: أخُنَاسُ قَدْ هَامَ الْفُؤادُ بِكُمْ ... وَاعْتادَهُ داءٌ مِنَ الْحُبِّ الإصابة: ترجمة الخنساء رقم 11106، وانظر ديوانه: 34. - وقال زياد بن حَمَل من حماسية في شرح المرزوقي 578: =

............................ ¬

_ = رُوَيْقَ، إنّي- وما حَجَّ الحَجيجُ لَهُ ... وما أَهَلَّ بِجَنبَي نَخْلَةَ الحُرُمُ لَمْ يُنْسِنِي ذِكْرَكُم مُذْ لَمْ أُلاَقِكُمُ ... عَيشٌ سَلَوتُ بِه عَنْكُم ولا قِدَمُ رُوَيْق: ترخيم رُوَيقة: اسم امرأة. - وقال وَرْد الجَعدي من حماسية في شرح المرزوقي 539: خَلِيلَيَّ عُوجَا بَارَكَ اللهُ فِيكُما ... وَإنْ لَمْ تَكُنْ هِندٌ لأرضِكُما قَصْدَا وقُولاَ لهَا لَيسَ الضَّلالُ أجارنا ... ولكنّنا جُزنا لِنَلْقَاكُمُ عَمْدا - وقال الحماسي (المرزوقي: 468) وهو العَرْجي في شرح التبريزي 3: 124: وَلَمّا رأيتُ الكاشِحِينَ تتَبَّعُوا ... هَوَانَا وَأبْدَوا دُوننَا نَظَراً شَزْرَا جَعَلْتُ وما بِي مِنْ جَفَاءٍ وَلاَ قِلًى ... أزُورُكُمُ يَوماً وأهْجُرُكُمْ شَهْرا - وقال أبو صَخْر الهذلي (شرح المرزوقي: 462): بيَدِ الَّذِي شَعَفَ الْفُؤادَ بكُمْ ... تَفْرِيجُ مَا أَلْقَى مِنَ الْهَمِّ وانظر أشعار الهذليين: 975 شَعَفَ الفؤادَ: أصاب شَعَفَتَه، وهي أعلاه. - قال يزيد بن ربيعة بن مُفَرِّغ الحميري من قصيدة في ديوانه 54: وقالَت تَجَنَّبْنَا ولا تَقْرَبَنَّنَا ... فكيف وَأنتم حاجَتي أتَجَنَّبُ - وقال خالد بن زهير -وكان ابن أخت أبي ذؤيب الهذلي- من قصيدة في أشعار الهذليين 215: وقاسَمَها بِالله جَهْداً لأَنْتُمُ ... ألَذُّ مِنَ السَّلْوَى إذا ما نَشُورُها الشَور: استخراج العَسَل. وقال الحارث بن خالد المخزومي من قصيدة في شعره 95: يا بُسْرُ إنّكمُ شَطَّ البعادُ بكم ... فما تُنيلوننا وَصْلاً ولا نِعَما ثانياً: ومن الأبيات التي جمع فيها الشاعر بين الخطابين للمرأة الواحدة: - قول امرئ القيس من قصيدة في ديوانه 101: أماويَّ هَل لي عندكم مِن مُعرَّسِ ... أم الصرمَ تختارين بالوصل نَيئسِ - وقول عَنْتَرة في معلقته: إنْ كُنْتِ أزْمَعْتِ الفِراقَ فإنَّما ... زُمَّتْ رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظْلِمِ شرح ابن الأنباري: 303 زُمَّتْ: أي شُدَّت بالأزِمَّةِ. - وقال الأعشى من قصيدة في ديوانه 41: فَاذْهَبي ما إليكِ أدْركَنِي الحِلْـ ... ـمُ عَدَانِي عَن ذِكرِكُم أَشغالِي =

............................ ¬

_ = - وقال حسّان بن ثابت من قصيدة في ديوانه 1: 62. لَعمرُ أبيكِ الخَيرِ مَا ضَاعَ سِرُّكُم ... لَدَيَّ فَتَجْزِيني بِعَاداً وَتَصْرَمِي - وقال أبو ذؤيب الهذلي من قصيدة في أشعار الهذليين: 205 - 206. وَأُصانِعُ الْوَاشِينَ فِيكِ تجملاً ... وَهُمُ عَلَيَّ ذَوُو ضَغَائنَ دُؤَّبُ وَتَهِيجُ سَارِيةُ الرِّياحِ مِنَ ارضكم ... فَأرى الجنَابَ لها يُحَلِّ وَيُجْنَبُ وَأرَى الْعَدُوَّ يُحِبّكم فَأُحِبُّه ... إنْ كانَ يُنْسَبُ مِنْكِ أو لا يُنسبُ يُجنَب: أي تصيبه الجَنوبُ. الجناب: ما حول القوم. يُنسب: أي يقال: هو من: أهلها. - وقال أيضاً من قصيدة أخرى 1: 36. فَإنْ تزعميني كنتُ أجْهَلُ فِيكُمُ ... فَإنِّي شَرَيتُ الحِلْمَ بعدَكِ بِالجهلِ - وقال المتوكل اللّيثي من قصيدة في شعره 110: قِفِي قَبْلَ التفرق يا أُمَامَا ... وَرُدِّي قبلَ بَينكِمُ السَّلامَا - وقال نُصَيب من قصيدة في شعره 60: وَقُل إنْ ننَلْ بِالوُدِّ مِنْكِ محبةً ... فَلاَ مثلَ ما لاَقيتُ مِن حُبِّكُم حُبُّ - وقال جرير من قصيدة في ديوانه: 91: إنْ كانَ طِبُّكم الدَّلاَلَ فَإنَّهُ ... حَسَنٌ دَلالُكِ يَا أُمَامَ جَمِيلُ - وقال أبو صخر الهذلي (شرح المرزوقي: 462): فَتَعَلَّمِي أن قَدْ كَلِفْتُ بكم ... ثُمَّ افْعَلِي مَا شِئتِ عَنْ عِلْمِ - وقال العَرْجي من أبيات في الأغاني 1: 384. عُوجي عَلَيَّ فَسَلِّمِي جَبْرُ ... فِيمَ الصّدودُ وأنتم السَّفرُ - قالَ جعفر بن عُلبة الحارثي من مخضرمي الدولتين من حماسية (شرح المرزوقي: 54). فلا تَحْسَبي أنِّي تخشَّعْتُ بَعدَكُم ... لِشَيءٍ ولا أنِّي مِنَ الموتِ أَفْرَقُ - وقال أَبو حَيَّة النُمَيري من مخضرمي الدولتين (الكامل 1: 72). وَخَبَّرَكِ الواشون أَنْ لَن أُحِبَّكُمْ ... بَلَى وسُتُورِ الله ذاتِ المَحارِمِ أصُدُّ وَمَا الصَدُّ الَّذِي تَعْلَمِينَهُ .. شفاءً لَنا إلاَّ اجتراعُ العَلاقِمِ حَياءً وَبُقْيَا أَنْ تَشِيعَ نَمِيمَةٌ ... بِنَادِيكُمُ، أفٍّ لأِهلِ النَّمَائمِ - وقال مُليح بن الحَكَم الهذلي من قصيدة في أشعار الهذليين 1052: فَقلتُ لَها يا لَيَلَ كيف أزورُكُمْ ... وقد جَعَلَت فِي جَنبكِ الحَرْبُ تَحدَبُ - تحدَبُ: تحرّك وتَجِدّ. =

(51) البر

(51) البِرّ (¬1) أصله: إيفاء الحق، فتفرَّعَ منه ما يكون إيفاءً للحقوق الأصلية من الطاعة للرب والأبوين والمواساة بالناس. ومن هذه الجهة صار بمعنى الإحسان، واشتمل الخيرات، وصار وصفاً للربّ تعالى، كما قال تعالى: ¬

_ = ثالثاً: ولتعرف مدى كثرة الشواهد في الشعر العربي أورِد من ديوان جميل بثينة وحده الأبيات الآتية: ص 21 فلو أنَّ نَفْسِي يا بُثيَنَ تُطِيعُني ... لقد طَالَ عنكم صبرُها وعَزاؤها ص 21 فأحْيِي هَداكِ الله نفساً مَريضةً ... طَويلاً بِكم تَهيامُها وعَناؤها ص 38 حلَفْتُ لَها بالبُدْنِ تَدمَى نُحورُها ... لقد شَقِيَتْ نفسي بكمْ وعَنِيتُ ص 67 ألَم تعلَمي يا أمّ فِي الوَدْعِ أنَّني ... أضاحِكُ ذِكراكُم وَأنتِ صَلُودُ ص 92 سأمنَحُ طَرْفِي حِينَ ألقاكِ غيرَكم ... لِكيما يَرَوا أنّ الهوَى حيثُ أنظُرُ ص 92 وَأكنِي بأسماءٍ سواكِ وَأَتَّقِي ... زيارتَكم وَالحُبُّ لاَ يَتَغيَّرُ ص 103 لقَد شُغِفَتْ نفسي بُثينَ بِذكرِكم ... كما شُغِفَ المخمورُ يا بَثنَ بِالخَمْرِ ص 106 لَيَالِيَ أنتم لَنا جِيرَةٌ ... ألاَ تذكُرِين، بلى فَاذكُرِي ص 108 إني لأحفظ غَيبَكم ويَسُرُّني ... إذ تُذكَرِين بصَالحٍ أن تُذكَرِي ص 117 ألاَ تتقين الله في مَن قتلتِه ... فأمْسَى إليكَم خاشِعاً يتضرَّعُ ص 118 فإن يكُ جُثماني بأرضٍ سِوَاكم ... فإنَّ فُؤَادِي عندكِ الدهرَ أجمَعُ ص 133 ليتَ لِي الْيومَ يا بُثيَنةُ مِنكم ... مجلساً للوداع قبلَ الفِراقِ ص 153 حيث ما كنتم وكنتُ فإني ... غيرُ ناسٍ لِلعَهدِ والميثاقِ ص 166 وإنَّ صَباباتي بكم لَكثيرةٌ ... بُثيَنُ ونِسْيَانِيكُمُ لَقَلِيلُ ص 172 فلا تقتليني يا بثين ولم أصِبْ ... من الأمر ما فيه يَحِلُّ لكم قَتْلي ص 179 صادَت فؤادي يا بُثين حِبَالُكم ... يومَ الْحَجونِ وأخْطَاَتْكِ حَبَائِلي ص 205 أبيِني لَنا قبلَ الفراقِ أبيني ... بُثينة حقاً صرمكم بيقينِ ص 224 أغَرّكِ أنِّي لا بَخيلٌ عَلَيكُمُ ... ولاَ مُفحِشٌ فيما لديك التقَاضِيَا (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 102، والمطبوعة: 29.

{إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} (¬1). ثم هو إيفاء للحقوق الناشئة بالاختيار من العهود والأيمان، ومنه: بَرَّ باليمين. ومن هذه الجهة صار مضاهئاً للعدل. فالبِرّ خلاف الإثم، والعقوق، والغَدر، والظلم. وبَرَّةُ: عَلَم له. وَالبَرُّ والبَارُّ: وصفٌ منه. هو بَرٌّ لوالده: مطيع له. وبرَّ بالقسم: أوفاه. قال زُهَير: ومَنْ يُوفِ لا يُذمَمْ ومَنْ يُهْدَ قَلْبُه ... إلَى مُطْمَئِنِّ الْبِرِّ لا يَتَجَمْجَمِ (¬2) وقال نابغة بني ذبيان: إنَّا اْقتَسَمْنَا خُطَّتَينَا بَيْنَنَا ... فَحَمَلْتُ بَرَّةَ وَاحْتَمَلْتَ فَجَارِ (¬3) وقال أيضاً في قصة (¬4) غدر امرئ بحيّة لدغَتْ أخاه (¬5): ¬

_ (¬1) سورة الطور، الآية: 28. (¬2) من معلقته. وهي في ديوانه (الأعلم): 27، وجمهرة الأشعار: 298 وشرح ابن الأنباري: 282 وفيها جميعاً: يُفضِ قلبه. وفي شرح الزوزني: 70 "يهُدَ" كما هنا. لا يتجمجم: لا يرّدد. (¬3) من قصيدته التي يهجو بها زُرعة بن عمرو الكِلابي. انظر ديوانه: 55 والبيت وحده في إصلاح المنطق: 366، واللسان (برر، فجر) والبيت من شواهد سيبويه 3: 274 وانظر التخريج هناك. فَجارِ: علم للفجور، يعني الغَدْر. (¬4) والقصة كما ذكرها ابن قتيبة في الشعراء: 161 عن المنفضل الضبي أنه امتنعت بلدة على أهلها بسبب حية غلبت عليها، فخرج أخَوانِ يُريدانها، فوثبت على أحدهما، فقتلته، فتمكن لها أخوه في السلاح، فقالت، هل لك أن تؤمنني، فأعطيك كل يوم ديناراً؟ فأجابها إلى ذلك، حتى أثرى، ثم ذكر أخاه، فقال: كيف يَهنِئُني العيش بعد أخي! فأخذ فأساً، وصار إلى جحرها، فتمكن لها، فلما خرجت ضربها على رأسها، فأثّر فيه، ولم يُمعن، ثم طلب الدينار حين فاته قتلها، فقالت: إنه ما دام هذا القبر بفنائي، وهذه الضربة برأسي، فلست آمنك على نفسي. وانظر مروج الذهب 2: 129 والميداني 3: 27 - 29 والخزانة 8: 418 - 419. (¬5) في الأصل والمطبوعة: ابنه، والتصحيح من المصادر.

فَلَمَّا وَقَاهَا الله ضَرْبَةَ فَأسِه ... وَلِلبِرِّ عَينٌ لاَ تُعمِّضُ نَاظِرَهْ (¬1) أي للعَدل عَين. وجاء في القرآن في وصف يحيى عليه السلام: {وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} (¬2). وقال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (¬3). وأيضاً في وصف الرب تعالى: {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} (¬4). وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (¬5). وقال الأعشى: عِنْدَهُ الْبِرُّ وَالتُّقَى وَأسَا الشَّـ ... م ـقِّ وَحَمْلٌ لِلْمُعْضِلاَتِ الثِّقَالِ (¬6) ¬

_ (¬1) من قصيدة له في ديوانه: 156، ووهم الدميري (1: 254) في نسبة الشعر إلى النابغة الجعدي. وصلة البيت بعده: فَقَالَ: تَعَالَيْ نَجْعَلِ اللهَ بَيْنَنَا ... عَلَى مَا لَنا أو تُنْجزِي لِيَ آخِرَهْ فَقَالَتْ: يَمِينَ اللهِ أَفْعَلُ إنَّنِي ... رأيتُكَ مَسْحُوراً يمينُكَ فاجِرَهْ أبَى لِيَ قبْرٌ لاَ يَزَالُ مُقابلي ... وضَرْبةُ رأسٍ فوقَ رأسِيَ فَاقِرَهْ (¬2) سورة مريم، الآيتان: 13 - 14. (¬3) سورة آل عمران، الآية: 92. (¬4) سورة الطور، الآية: 28، وقد سبق في أوّل هذا الحرف. (¬5) سورة المائدة، الآية: 2. (¬6) من لاميته التي عدّها القرشي من السموط، يمدح بها الأسود بن المنذر اللخمي من إخوة النعمان بن المنذر ملك الحيرة. انظر ديوانه: 45 وجمهرة الأشعار: 333 والبيت وحده في المقاييس 1: 105 واللسان (أسو، ضلع) ورواية الديوان وجمهرة الأشعار تختلف عن الرواية الواردة في النص وباقي المصادر. =

(52) التكذيب

فظهر مما مَرَّ أن للبِرّ وجهين: عاماً يشتمل جميع الخيرات، وخاصاً وهو الإيفاء بالحقوق والواجبات. وأجمع وجوه معناه: الإيفاء بحق الكبير والإحسان إلى الصغير (¬1). (52) التكذيب (¬2) كذَّبَ بالشيء: ضد صَدَّق به، وقد جاء في القرآن كثيراً. مثلاً: ¬

_ = أسا الشق: أي رأب الصدع وإصلاحه. المعضلات: عظائم الأمور. (¬1) العبارة "وأجمع ... الصغير" لم ترد في المطبوعة. من شواهد "البر": 1 - قول امرئ القيس من قصيدة في الديوان: 65 يصف ناقة: عَلَيها فتًى لم تَحْمِلِ الأرضُ مثلَه ... أبَرَّ بميثاقٍ وَأوفَى وَأصْبَرا 2 - وقال أيضاً من قصيدة في الديوان: 84 يمَدح عُوَيْر بن شِجْنَة بن عُطارد وبني عوف رهطه: فقد أصبحوا، وَاللهُ أصفَاهُمُ بهِ ... أبرَّ بميثاقٍ وأوفى بِجِيرَانِ أصفاهم به: أي اختارهم وفضّلهم بعُوير، وكان سيدهم. 3 - وقال أيضاً يمدح سَعْد بن الضَّبَاب الإيادي من قصيدة في الديوان 113: وَتَعْرِفُ فِيه مِنْ أبيهِ شَمائِلاً ... وَمِن خَالِه وَمِن يزيدَ وَمِنْ حُجُرْ سَماحَةَ ذَا، وَبِرَّذا، ووفاءَ ذا ... ونائلَ ذا إذا صحا وإذَا سَكِرْ 4 - وقال قيس بن الخطيم من قصيدة في ديوانه 206: تالله نكفرهم ما أورقت عِضةٌ ... وكان بالأرض من أعلامها عَلَمُ ساقوا الرهون وآسَونا بأنفسهم ... عند الشدائدِ قد برّوا وقد كرموا 5 - وقال سَاعِدة بن جُؤَيَّة الهذلي من قصيدة في أشعار الهذليين 1102: حَلِفَ امْرِئٍ بَرِّ سَرِفْتِ يمينَه ... وَلِكُلِّ مَا تُبْدِي النُّفوسُ مُجَرَّبُ سرِفتِ يمينه: أي لم تعرفي قدرها وجهلتها. المجرّب: يعني التجربة. (¬2) تفسير سورة التين: 4 - 5، والمطبوعة: 30. وسياق النص فيها هكذا: "كذَّبَ بالشيء ... فيما تقولون. ويكون التكذيب بمعنى إلقاء الأماني ... عذاب عليه. وأما أن يكون التكذيب بمعنى الحمل على ... فلم أجد ... العرب". ولم أجد النص على هذا الوجه فيما اطلعت عليه من مسودات المؤلف رحمه الله، فأثبتّ هنا كما ورد في التفسير.

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} (¬1). {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} (¬2). و {وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ} (¬3). وأما كذَّبَه به، فجاء أيضاً. قال تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} (¬4). أي فيما تقولون. وفي كلّ ذلك نسب التكذيب إلى الرجال. وأما هاهنا (¬5) فنسب إلى غير ذوي العقول. فإما أن يكون من قبيل نسبة الشهادة والنطق إلى الأشياء، كما قال تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} (¬6). وعلى هذا كان المعنى: فأيُّ شيء بعد هذه الشهادات يشهد بأنك كاذب في قولك بوقوع الدِّين؟. وإمّا أن يكون التكذيب بمعنى الحمل على التكذيب، كما ذهب إليه الزمخشري (¬7) ولم أجِدْ لهذا المعنى شاهداً في القرآن ولا في كلام العرب. ولو ¬

_ (¬1) سورة الماعون، الآية: 1. (¬2) سورة الانفطار، الآية: 9. (¬3) سورة المؤمنون، الآية: 33. (¬4) سورة الفرقان، الآية: 19. (¬5) يعني قوله تعالى في سورة التين: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ}. (¬6) سورة الجاثية، الآية: 29. (¬7) هذا سهو من المؤلف رحمه الله. وإنما ذهب إلى هذا المعنى وصرّح به أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن 3: 736، فقال: "أي فما يحملك أيها المكذب: أي فأي شيء يحملك على التكذيب بعد ظهور البراهين والدلائل بالدين الذي جاء بخبره من أظهر البراهين؟ "، وأبو حيّان الأندلسي، فقال في البحر 8: 490: "الخطاب في {فَمَا يُكَذِّبُكَ} للإنسان الكافر، قاله الجمهور، أي ما الذي يكذبك: أي يجعلك مُكَذِّباً بالدين، تجعل =

ثبت لكان تأويلاً واضحاً. وإمّا أن يكون بمعنى إلقاء الأماني والظنون، كما قال أفْنُون، وهو جاهلي (¬1): ولا خَيْرَ فيما كذَّب المرءُ نَفْسَهُ ... وتَقْوَالِه لِلشيءِ يا لَيْتَ ذالِيَا (¬2) أي لا خير فيما يحدِّث المرء نفسه من الأماني والآمال الكاذبة. وقال عَبيد بن الأبرص: والمرءُ ما عَاشَ فِي تكذِيبٍ ... طُولُ الحياةِ لَهُ تَعْذِيبُ (¬3) ¬

_ = لله أنداداً وتزعم أن لا بعث، بعد هذه الدلائل" وانظر القرطبي 20: 116. أما الزمخشري فلم يخالفهم في معنى الآية، ولكنه سلك مسلكاً آخر للوصول إليه، لا يقلّ غرابة عن الأول، فقال في الكشاف (774:4): "فإن قلتَ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ} مَن المخاطب به؟ قلتُ: هو خطاب للإنسان على طريقة الالتفات: أي فما يجعلك كاذباً بسبب الدين وإنكاره بعد هذا الدليل: يعني أنك تكذِب إذا كذَّبت بالجزاء، لأن كل مكذّب بالحق فهو كاذب، فأي شيء يضطرك إلى أن تكون كاذباً بسبب تكذيب الجزاء؟ ". ولخص هذا القول النيسابوري في غرائب القرآن 30: 129 فقال: "يعني فأي شيء يلجئك بعد هذه البيانات إلى أن تكون كاذباً بسبب تكذيب الجزاء، لأنّ كل مكذب بالحق فهو كاذب". فالتكذيب عند الزمخشري بمعنى الحمل على الكذب، والباء للسببية. والحق أنّ كلا القولين من الغرابة بمكان وأشبه بالغلط والوهم، فالتكذيب في اللغة لا يعرف بمعنى الحمل على التكذيب ولا الحمل على الكذب. (¬1) اسمه صُرَيْم بن مَعْشَرٍ، ولقبه "أُفنُون" يروىَ بضم الهمزة وفتحها. من شعراء بني تغلب المشهورين في الجاهلية. النقائض: 886، ابن قتيبة: 419، شرح الأنباري: 522 - 523، الآمدي 225، اللآلي: 684 - 685، شرح الأبيات 1:253 - 254. (¬2) من أبيات له، أنشدها قبل موته، في المفضليات: 261، وشرح الأنباري: 523، والتبريزي: 1157، وفي حماسة البحتري: 864، ورواية المفضليات: "فلا خير فيما يكذب". (¬3) البيت من مجمهرته في الديوان: 15 وجمهرة الأشعار: 474، ومثله قول لبيد بن ربيعة في ديوانه 3: =

(53) التين

أي ما عاش في محض الأماني غيرَ فائز بما يتمنّاه، فطول الحياة عذاب عليه. فهذه ثلاثة معانٍ للتكذيب إذا كان متعدّياً (¬1). (53) التّين (¬2) المراد به: موضع خاص، عرفته العرب بهذا الاسم، لكونه مَنبِت التّين. والعرب يسمُّون المَوضع باسم ما ينبت فيه كالغَضى (¬3) والشجرة (¬4) والنخلة (¬5). وليس ذلك خروجاً عن أصل معنى الكلمة، وإنما هو استعمالها في بعض وجوهها، بطريق تسمية الظرف بالمظروف. قال النابغة الذبياني من بني غطفان: وَهَبَّتِ الرِّيحُ مِنْ تِلْقَاءِ ذِي أُرُلٍ ... تُزْجِي مَعَ اللَّيلِ مِنْ صُرَّادِها صِرَمَا صُهْبَ الظِّلالِ أتَيْنَ التِّينَ عَن عُرُضٍ ... يُزْجِينَ غَيْماً قَلِيلاً مَاؤُهُ شَبِمَا (¬6) ¬

_ = أرَى النفسَ لَجَّت في رَجَاءٍ مُكَذِّبِ ... وقد جَرَّبَتْ لَو تَقْتَدِي بِالمُجَرَّب (¬1) وانظر في تأويل الآية عند المؤلف تفسير سورة التين، الفصل الثاني عشر: 24 - 25. (¬2) تفسير سورة التين، الفصل الثالث: 6 - 7، المطبوعة: 31 - 32. (¬3) قال ياقوت (4: 205): الغضى: أرض في ديار بني كلاب كانت بها وقعة لهم، والغضى: وادٍ بنجد. قال مالك بن الرَّيْب: ألا لَيتَ شِعْري هَل أَبيتَنَّ ليلةً ... بجَنْبِ الغضَى أُزْجِي القِلاَصَ النَّواجيَا لقد كان في أَهلِ الغضَى لو دنا الغضَى ... مزارٌ ولكِنَّ الغضَى ليس دانِيًا (¬4) انظر صفة جزيرة العرب: 282 والبلدان 3: 325، وفيه أن الشجرة اسم قرية بفلسطين أيضاً. (¬5) النَّخْل والنخِيل، والنخلة، والنُخَيلة: أسماء لعدة مواضع، ومنها "نخلة القُصْوَى" و"نَخْلة الشآمية" و "نَخْلَة اليمانية" انظر كتب البلدان. و "يوم نخلة" أحد أيام الفِجار كان في أحد هذه المواضع. يقول النابغة من قصيدة في ديوانه 66: لَيستْ مِنَ السُّودِ أعْقاباً إذَا انصَرَفَتْ ... ولا تَبيعُ بحَنْبَي نَخْلَةَ الْبُرَمَا البُرَم: جمع بُرْمة: وهي قِدْرٌ من حِجارة. (¬6) البيتان من قصيدته السابقة، انظر ديوانه: 63 وهما في معجم البكري: 332، والبيت =

أراد بالتين جبلاً في الشمال، قال الأولون: هو بين حُلْوان وهَمَدْان (¬1). وأما خلافهم مِن أبي حنيفة الدِينَوَريّ (¬2) مستدلاًّ بأنّ ذلك الموضع بعيد من بلاد غطَفان (¬3)، فلا يلتفت إليه. فإنَّ الشعراء ربما يذكرون ما بَعُدَ عن بلادهم جدّاً. ¬

_ = الأول وحده في المقاييس 3: 345، ومعجم البكري: 140، والبلدان 1: 154 واللسان (أرل، صرم) والبيت الثاني وحده في المقاييس 1: 361. واللسان (تين). ذو أرُلٍ: في البلدان 1: 154 عن أبي عبيدة: جبل بأرض غطفان، بينها وبين عُذْرة. وأنشد للنابغة: وهبت الريح .. البيت، ولكن الأستاذ حمد الجاسر يرجح قول نَصْر الذي نقله ياقوت إن أرُلاً من بلاد فزارة بين الغُوطة وجبل صُبح على مهبّ الشمال من حرّة ليلى، واستبعد قول أبي عبيدة، لأن بلاد عذرة بعيدة عن الغوطة يفصل بينهما النفود وأرض واسعة خلفه. انظر معجم الشمال 1: 74 - 75. الصُرّاد: سحاب بارد لا ماء فيه. الصِرَم: القِطع من السحاب. واحدتها صِرْمَة. صُهب الظلال: قال الأعلم: يعني أن قطع السحاب صهب، فظلالها صهب، ولا تكاد تكون كذلك إلا عند هبوب الشمال. وأشدّ ما يكون البرد عند ذلك. الشَبِم: البارد. (¬1) انظر معاني الفراء 3: 276 والبلدان 2: 69 واللسان (تين). وحلوان من مدن العراق بقرب الجبل. قال أبو زيد: "وربما يسقط بها الثلج. وأما أعلى جبلها فإن الثلج يسقط بها دائماً". وقال أيضاً: "أكثر ثمارها التين .. في غاية من الجودة، ويسمونه لجودته (شاه إنجير) أي ملك التين". (البلدان 2: 291). وهَمَذان بالذال المعجمة. مشهورة بكثرة ثلوجها وإفراط بردها في الشتاء. وهي الآن في إيران جنوب غربي طهران وتنطق بالدال المهملة. (البلدان 5: 410 - 417). (¬2) أحمد بن داود (ت 282 هـ) كان مفتنّاً في علوم كثيرة منها النحو واللغة والهندسة والحساب أخذ عن البصريين والكوفيين، وأكثر عن ابن السكيت. وكان من نواد الرجال. الإنباه 1: 76، الأعلام 1: 123، معجم المؤلفين 1: 218. (¬3) في معجم البكري 331: "قال أبو حنيفة: قال أبو دواد الأعرابي: هما تينان، جبلان طويلان في مهبّ الشمال من دار غطفان، في أصولها مويهة يقال لها: التينة. قال: وليس قول من قال: "هو جبل بالشام" بشيءٍ. وأين الشام من بلاد غطفان! " وانظر اللسان (تين). وممن قال بكونه بالشام ابن قتيبة عصريّ أبي حنيفة وبلديّه فأنشد بيت النابغة في كتاب الأنواء: 176 وقال: "والتين جبل بالشام، وهو الذي أقسم الله عز وجل [به]. وهو جبل مستطيل إذا ساقت الشمال السحب أتته من عرض". وانظر غريب القرآن له: 532، وصفة جزيرة العرب: 232. ولا شك أن استدلال أبي حنيفة ليس بصحيح، إلاّ أن الأستاذ حمد الجاسر يقول إن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = "جبل التين الواقع في بلاد غطفان لا يزال معروفاً. هو أحد جبال العَلَم، يتصل به من الشرق، وفي سفحه الغربي الجنوبي تقع بئر حُويمضة، وسيوله تنحدر في وادي الرقَب (الرقم). وشماله جبل يدعى "مُصَينِعَة" فيه آثار تعدين. وهو من جبال العَلَم أيضاً ... ويقع التين هذا جنوب الحليفة التي في أعلى وادي الرُّمَة، ويبعد عن مدينة حائل بنحو 200 كيل جنوباً". وإياه عني شُيَيم بن خويلد الفزاري في قوله (النقائض: 106): حلّت أمامةُ بطنَ التينِ فالرقَما ... واحتَلَّ أهُلكَ أرضاً تُنبِتُ الرَّتمَا والباهلي بقوله (البكري: 331): إذاً لَجعلتُ التينَ بيني وبينكم ... وهَضبةَ زيدِ الخيل فيها المصانعُ انظر معجم الشمال 1:273 - 275. أما التينان اللذان أشار إليهما أبو دواد الأعرابي فيقول فيهما الأستاذ العَبّودي: "جبل يقع إلى الشمال من جبل قطن المشهور، في الشمال الغربي من القصيم. وهو في ديار بني أسد عند ظهور الإسلام ... وتسميته قديمة لم يتغيّر منها شيء، إلا أنهما عند المتقدمين تينان اثنان وعند المتأخرين تين واحد. أما الجبل الآخر فقد أصبح يسمّى عند العامة من المتأخرين "مصودعة" وهو الشمالي من التينين". وقال ابن بليهد: "هو معروف عند عامة أهل نجد بهذا الاسم في الجاهلية وفي الإسلام. وهذا الجبل قد رأيته. أصله واحد، وأعلاه كأنه جبلان". وذكر الزمخشري أنهما لبني فقعس، وهم من بني أسد. وبينهما وادٍ يقال له: خَوّ. وهذا الجبل مشهور، وقد كثر ذكره في شعر الأسديين، فقال العوّام بن عبد الرحمن (الفرحة: 104): أحقّاً ذرى التينين أن لستُ رائياً ... قلا لكما إلاّ لعينيّ ساكبُ وأنشد السكوني: ألا ليت شِعري هل أبيتنّ ليلةً ... بأسفل ذات الطلح ممنونةً رَهْبَى وهل قائلٌ ها ذاكم التينُ قد بدا ... كأن ذرى أعلامه عُمِّمت عُصْبا ولا شاربٌ من ماء زُلفةَ شربةً ... على العلّ مني أو مجيرٌ بها رَكْبا وأنشد أيضاً: أحِبّ مغاربَ التينين إنّي ... رأيت الغوثَ يألفها الغريبُ كأنّ الجار في شَمَجَى بن جَرم ... له نَعماءُ أو نسَب قريبُ وأنشد أبو النَّدَى لرامة بنت حصين الأسدية وكانت جاهلية (الفرحة: 139): لَعمرك لَلغَمرانِ غَمرا مقلَّدٍ ... فذو نَجَب غُلاّنُه فدوافعُهْ وخوٌّ إذا خوٌّ سَقتْه ذِهابُه ... وأمرَعَ منه تينُه وربائعُهْ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وصوتُ مكاكيٍّ تجاوبَ مَوهناً ... من الليل، مَن يأرقْ له فهو سامعُهْ أحبُّ إلينا من فراريج قرية ... تَزَاقَى ومِن حيّ تنِقُّ ضفادعُهْ قال العبودي: والربائع الذي قرن ذكره بذكر التين هو الجبل الذي يسمى الآن "الخدار". وأنشد الغندجاني (الفرحة: 139): أرّقني الليلةَ برق لامعُ ... مِن دونه التينانِ والربائعُ وأنشد لُغدةُ لراجز (بلاد العرب: 46): لكن بِخَوَّين زُقاقٌ واسعْ زقاقُ بين التين والربائعْ وإلى هذا الجبل تنسب بِراق التين. قال أبو محمد الفقعسي: تَرعَى إلى جُدٍّ لها مكينِ ... أكنافَ خوّ فبِراقَ التينِ وأنشد لُغْدَة لمحمد بن عبد الملك الأسدي قوله حين استعمل على فَيد، ويذكر صُحيراً منزلَ أخواله من بني عبس (بلاد العرب: 48): تبدّلتُ بَوصاً مِن صُحَيرٍ وأهلِه ... ومِن بُرَقِ التينيَن نَوطَ الأجاول انظر معجم القصيم 2: 668 - 675. وصحيح الأخبار 2: 49 ومعجم البلدان 68:2 - 69 و 24:3 و 4: 211. وهناك جبل آخر يسمى جبل تين، وصفه ابن جُنَيدِل، فقال: "جبل أسود كبير، يقع في أسفل وادي الخُرمة، جنوباً من ذريرات، وغرباً شمالّاً من الغراميل، يلي مطلع الشمس من بلدة الخرمة، في بلاد قبيلة سُبيع، وكان قديماً في بلاد بني عامر .. وهو تابع لإمارة الخرمة". انظر معجم عالية نجد 1: 253، وقد ذكره ابن بليهد أيضاً. انظر صحيح الأخبار 1: 49. ظهر من هذا التفصيل أن عدداً من الجبال تسمى "التين". وإن ثبت أن النابغة أراد التين الذي في بلاد غطفان فليس سبب ذلك أنه إنما يذكر المواضع الواقعة في بلاده. أما التين المذكور في سورة التين فلا يشكّ من نظر في سياق الآيات أن المراد جبل التين الذي هو الجودي أو قريب منه. وانظر وجه الاستشهاد على الجزاء بجبل التين في تفسير السورة للمؤلف، الفصل الخامس: 8 - 9، والمطابقة بين "التين" و "سعير" المذكور في التوراة، في الفصل التاسع: 17 - 19. وإنْ تعجَبْ بعد ذلك فعجبٌ قول الإمام أبي جعفر الطبري رحمه الله (240:30): "لا يُعرف جبلٌ يسمّى تيناً"!.

وهذا النابغة نفسه ذكر كابُلَ (¬1)، وسدّ ياجوج وماجوج (¬2)، وتَدْمُرَ (¬3). فهل هذه في بلاد غطفان؟. وجبل التين -على قول الأولين- ليس بهذا البعد، فإنما هو على جانب من العراق. وهم يذكرون الفُراتَ (¬4)، ودِجْلَةَ (¬5)، ¬

_ (¬1) وهو قوله من قصيدة في ديوانه 122: قعوداً له غسّانُ يرجون أوبَه ... وتُركٌ ورهطُ الأعجمين وكابُلُ يعني أن العرب والعجم كانوا يؤملون النعمان بن الحارث ويرجون خيره. والمراد أهل كابل. (¬2) سهو من المؤلف رحمه الله. فإن الذي ذكر يأجوج ومأجوج هو امرؤ القيس في قوله في ديوانه 450 وقد أعلم المؤلف عليه في نسخته من شعراء النصرانية 61: وسَدَّ بحيث تَرْقَى الشَّمْسُ سَدّاً ... لِيأجوج ومَأجوجَ الجِبَالاَ (¬3) وهو قوله من قصيدة يمدح بها النعمان بن المنذر في ديوانه 21: ولاَ أرَى فَاعلاً فِي النَّاسِ يُشْبِهُهُ ... وَلاَ أُحَاشِي مِنَ الأقوامِ مِنْ أحَدِ إلاّ سُلَيمَانَ إذْ قَالَ الإله لَهُ ... قُمْ فِي البَرِيَّةِ فَاحْدُدْهَا عَنِ الْفَنَدِ وخَيِّسِ الجِنَّ إنِّي قد أذِنْتُ لَهُم ... يَبْنُونَ تَدْمُرَ بِالصُّفَاحِ وَالعَمَدِ خيِّس: أي ذَلِّلْ، والصُّفَّاح: حجارة كالصفائح عِراض. وتدمُر: مدينة بالشام. والعمد أساطين الرخام. (¬4) نحو قول النابغة في القصيدة السابقة (الديوان: 26): فما الْفُراتُ إذا هَبَّ الرّياحُ لَهُ ... تَرْمِي غَواربُه العِبْرَينِ بِالزَّبَدِ يمُدُّهُ كُلُّ وادٍ مُتْرَعٍ لَجِبٍ ... فيه رُكامٌ مِنَ اليَنْبوتِ والخَضَدِ يظَلُّ مِنْ جَوفِه الملاّحُ مُعْتَصِماً ... بالخيزُرانةِ بعدَ الأَيْنِ والنَّجَدِ يوماً بأجوَدَ مِنْه سَيْبَ نَافِلَةٍ ... ولاَ يَحولُ عطاءُ اليومِ دُونَ غَدِ الغوارب: الأمواج. الينبوت: نبت، والخَضَد: نبت، وقيل: ما تكسر من الشجر وغيره. الأينُ: الإعياء، النَّجدُ: العرق. (¬5) نحو قول طرَفة بن العبد في معلقته وهو يصف عنق الناقة: وأتْلَعُ نَهَّاضٌ إذا صَعَّدتْ به ... كسُكَّانِ بُوصِيٍّ بِدجْلَةَ مُصْعِدِ أتلَع: مشرف، بوصي: سفينة. انظر شرح ابن الأنباري: 171.

وخَابُور (¬1)، والخَوَرْنَقَ، والسَّدِيرَ (¬2). ولعل أبا حنيفة أخطأ معنى قوله: "أتين التين" وظنَّ أن النابغة أراد به الإتيانَ إلى بلاده. وإنما هو أراد المرور، فإنّه يصف الرجى الباردة الشمالية التي تُزجي السحبَ الصُّهبَ القليلة الماء التي مرّت بجانب جبل التين، فازدادت به برودةً. والعرب تذكر كثيراً هبوب الريح الباردة من جانب الشمال. وهكذا يذكرون "الجُودِيَّ" بالبرودة. قال أبو صَعْتَرَةَ الْبَولاَنِيُّ، وهو جاهلي (¬3): فما نُطْفَةٌ مِنْ حَبِّ مُزْنٍ تَقَاذَفَتْ ... بِهِ جَنْبَتا الجُودِيِّ واللَّيلُ دامِسُ فلمّا أَقرَّتْهُ اللِّصابُ تنَفَّسَتْ ... شَمالٌ لأَعْلَى مائِه فَهْوَ قارِسُ (¬4) ¬

_ (¬1) الخابور: اسم لنهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة: وغلب اسمه على منطقة واسعة هناك - وفيه تقول أخت الوليد بن طريف ترثي أخاها: أيا شَجَرَ الْخابُورِ مالَكَ مُورِقاً ... كَأنَّكَ لَمْ تَجْزَعْ على ابْنِ طَرِيفِ وقال الرَّبيع بن أبي الحُقَيق اليهودي من بني قُرَيظةَ: دُورٌ عَفَتْ بِقُرَى الْخَابُورِ غَيَّرَها ... بَعْدَ الأَنِيس سَوافِي الرِّيح وَالْمَطَرُ انظر البلدان 2: 334. (¬2) أما "الخَوَرنَق" فهو قصر كان بظهر الحيرة، و "السَّدير" قصر قريب من الخورنق، وقيل: نهر. قال الأسود بن يَعْفُر النهشلي من قصيدة له في المفضليات 217: مَاذَا أُؤمِّلُ بَعدَ آلِ مُحَرِّقٍ ... تَرَكُوا منازِلَهُم وبعدَ إيَادِ أهل الخَوَرْنَقِ والسَّدِيرِ وَبارقٍ ... والقَصْر ذي الشُرُفاتِ والسِّنْدَاد نَزَلُوا بأنْقِرَةٍ يَسيلُ عَلَيْهِمُ ... ماءُ الفُراتِ يَجيءُ مِن أطْوادِ (¬3) من شعراء الحماسة، وبَولان: فرع من طيئ. ولم أجد لهَ ترجمة ولا نصّاً على كونه جاهلياً. (¬4) البيتان من حماسية له في شرح المرزوقي: 1281، وثالثهما: بِأطْيَبَ مِنْ فِيهَا وَمَا ذُقْتُ طَعْمَه ... ولكنَّنِي فِيمَا تَرَى الْعَينُ فَارِسُ والأبيات في اللآلي: 522، والبلدان 2: 180 والبيت الأول وحده في البلدان 2: 260 والثاني في اللسان (حسن) والأول والثالث في اللسان (جنب). النُطفة: الماء الصافي، حب المزن: البرَد، اللِّصابُ: شقوق الجبل، واحدها: لِصْبٌ.

فلا شكّ أن النابغة أراد بالتّين جبلاً في الشمال، ولعله هو الجودي أو قريب منه. وكما أخطأ الدينوري في بيت النابغة، فكذلك أخطأ صاحب معجم البلدان في بيت أبي صَعْتَرَةَ، فقال: إنه أراد بالجودي موضعاً في اليمن (¬1)، فظنّ أن الشاعر لا يذكر إلاّ بلاده. وقد مرّ آنفاً أنّ ذلك ظنّ باطل (¬2). ولم يُثبت أحد أن الجوديّ جبل في اليمن (¬3). وإنما الجودي هو الذي ذكرنا. ويؤيد ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل هذه الآية (¬4)، فقال: إنّ المراد به مسجد نوح عليه السلام الذي بني على الجودي (¬5). وعن عكرمة (¬6): التين والزيتون جبلان (¬7). وعلى هذا يتبيّن أن التين هو الجودي أو قريب منه (¬8). وفي التوراة أن بني آدم تفرقوا بعد نوح عليه السلام (¬9). والقرآن يدلّ على ¬

_ (¬1) قوله: "في اليمن" سهو، وإنما قال ياقوت 2: 180 "والجودي أيضاً: جبل بأجأ أحد جبلي طيئ وإياه أراد أبو صعترة" وانظر المشترك: 111. والشاعر طائي فلا بد أن يكون "الجودي" عند ياقوت في بلاد طيئ. (¬2) وقد نبّه على ذلك ابن بليهد فقال وهو يذكر مؤلفي كتب البلدان: " ... يرون اسم المكان في شعر شاعر أسدي فيتوهمون أنه من أماكن قومه، فيقولون: هو موضع في بلاد بني أسد". ثم ذكر مثالاً من كتاب البكري وآخر من كتاب ياقوت. صحيح الأخبار 3: 2 - 3. (¬3) انظر ما سلف. والجودي المشهور كما قال ياقوت: جبل مطلّ على جزيرة ابن عمر في الجانب الشرقي من دجلة، من أعمال الموصل. (¬4) يعني قوله تعالى: {والتين والزيتون}. (¬5) انظر تفسير الطبري 30: 239، ومعجم البكري: 898 والبلدان. (¬6) عكرمة بن عبد الله البربري المدني. أبو عبد الله (25 - 105 هـ) مولى ابن عباس، تابعي. كان من أعلم الناس بالتفسير والمغازي. توفي بالمدينة المنورة. ابن خلكان 3: 265، الأعلام 4: 244. (¬7) تفسير الطبري 30: 239. (¬8) النص في المطبوعة ينتهي هنا. (¬9) سفر التكوين 9: 7، 19.

(54) الجنة

كونه قريباً من الجودي. فيستدل بذلك على أن التين كان مسكن آدم وذريته. ويؤيده ما جاء في التوراة من أنّ آدم عليه السلام كان يخصف عليه من ورق التين (¬1). (54) الجَنَّة (¬2) إنما سمّيت "جَنّة" لما تستر الأرض، من جَنَّ الشيءَ، وجَنَّ عليه، وأجنَّه: سَتَره. قال تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} (¬3). قال امرؤ القيس: فلمّا أجَنّ الشمسَ عنّي غيارُها (¬4) ومنه المِجَنّ للتُّرس، والجُنَّة لما تَسَتَّرُ به من السلاح، والجنُّ والجنيّ لأنها لا تُرى، والجنين للولد ما دام في البطن. والعرب كانت تسمي الَنخيل جَنَّة (¬5). قال زهير: كأنَّ عينَيّ في غَربَي مقتَّلةٍ ... مِنَ النّواضحِ تَسقِي جَنّة سُحُقَا (¬6) ¬

_ (¬1) سفر التكوين 7:3. (¬2) تفسير سورة البقرة: ق 77، والمطبوعة: 32. (¬3) سورة الأنعام، الآية: 76 وتمام الآية: {رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}. (¬4) عجز البيت: نزلتُ إليه قائماً بالحضيض والبيت من قصيدة له في ديوانه: 74. قال الأعلم: ويقال إنها لأبي دواد الإيادي. غِيارُها: غيابها. قائماً: حال من المجرور. الأعلم: يقول: فلما غابت الشمس وسترها عني غيوبها نزلت إلى فرسي وهو قائم بالحضيض، فركبته، ورجعت إلى أهلي. (¬5) انظر المقاييس (جنن). وفي اللسان (جنن) عن أبي علي قال في التذكرة: "لا تكون الجنة في كلام العرب إلاّ وفيها نخل وعنب. فإن لم يكن فيها ذلك وكانت ذات شجر فهي حديقة وليست بجنة". (¬6) البيت من قصيدته التي يمدح بها هرِم بن سِنان وأباه وإخوته. انظر ديوانه: 66 =

(55) الحكم والحكمة والصالح

أي نخيلاً طويلة (¬1). ولذلك جاء {مِن تحتِهَا} (¬2). قال عَبِيد بن الأبرص: أو جدولٌ في ظلالِ نخلٍ ... لِلماء مِن تحته سُكوبُ (¬3) (55) الحُكم والحِكمة والصالح (¬4) {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (¬5). التصوير الصحيح البيّن للمفردات من أوائل التأويل، وذلك يُستنْبَطُ من مواقع الكلمات. ¬

_ = ومختارات ابن الشجري: 215 (نعمان طه). والبيت وحده في المقاييس (جنن) واللسان (سحق، قتل، جنن). الأعلم: يقول: كأن عينيّ من كثرة دموعها في غربي ناقة مقتَّلة - وهي التي ذُلِّلت بكثرة العمل- ينضح عليها، أي يُسقى. وخص النخل لأنه أحوج إلى كثرة الماء من الخضر وما أشبهها. والسحق: جمع سَحوق، وهي طويلة. (¬1) وقال زياد بن حَمَل -وقيل زياد بن منقذ- من قصيدة في الحماسة (المرزوقي: 578): وجَنّةٍ ما يذُمّ الدهرَ حاضرُها ... جَبّارُها بالنَّدَى وَالحَملِ محتزِمُ الجبّار: النخلة الطويلة. الحمل: الطلع. (¬2) يعني في وصف الجنة، وهو يتكلم على الآية الكريمة 25 من سورة البقرة، وفي المطبوعة: جاء في الآيات: من تحتها الأنهار. (¬3) البيت من مجمهرته. انظر الديوان: 12 وجمهرة الأشعار: 471 وشرح القصائد العشر: 471. والبيت وحده في المقاييس واللسان (قسب). وصلة البيت قبله بيتين: عيناك دمعُهما سَروبُ ... كأنّ شأنَيهما شَعيبُ سَروب: كثير الجريان. الشأن: مجرى الدم. الشعيب: القِربة الخَلَق. ومثله قول امرئ القيس من لاميّة في رواية المفضل (الديوان: 189): عيناك دمعُهما سِجالُ ... كأنَّ شأنيهما أوشالُ أو جدولٌ في ظلالِ نخل ... للماء من تحته مَجالُ (¬4) المطبوعة: 37 - 38. وانظر "الحكم والحكمة" في ص 172. وانظر في صفة "الصلاح" تفسير سورة الفاتحة للمؤلف: 56. (¬5) سورة الشعراء، الآية: 83.

"الحُكم": مبدأ الحكمة، وهو: الفهم الصحيح، ثم القضاء والحكم به. فإذا كمل ذلك، وصار ملكة راسخة سمي "الحكمة". وأما "الصلاح" فهو عبارة عن أثر الحكمة والعلم، فيشير إلى العمل الصالح. كما جاء كثيراً: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وأشباهه. والأحسن في الدعاء الاقتصار والقنوع، فيطلب المبادئ الجوامع. فمن طلب الحُكم طمح إلى الحكمة، والحكمة خير كثير. وكما أن الحكم هو بدء الحكمة، فكذلك الصلاح هو الأصل الكلّي للكمال. فطلبُ الصلاح أيضاً طموحٌ إلى كمال النفس والتقرب والرضوان. وهكذا الدعاء للهداية (¬1): {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. فهذه كلُّها طلبُ المبادئ الجوامع، ووقوفٌ على حاشية البساط حتى يكون الربّ تعالى هو الحاكم بما يرضى من تقريب عبده إلى حيث يشاء، ففيه التفويض وإحسان الرجاء. ومنه قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (¬2). تفويضاً إلى الكريم الرحيم. وهكذا فسّره النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

_ (¬1) في المطبوعة: للهداية إلى {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ... } ولعل الصواب كما أثبتنا. وانظر تفسير سورة الفاتحة للمؤلف: 53 - 54. (¬2) سورة الفاتحة، الآية: 4. (¬3) وذلك في الحديث القدسي المشهور الذي أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ... " الحديث. وفيه: "وإذا قال (يعني العبد) {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال (يعني الله تعالى): مجَّدَنِي عَبْدِي، وقال مرة: فَوَّضَ إليّ عبدي". انظر النووي 4: 345.

(56) الذكر

ومنه قوله تعالى حكاية عن قِيل المسيح عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (¬1). فخلَّى العبدَ وربَّه، وأخرَج نفسه من البين. وفيه تفويض واسترحام. وفي الجزء الثاني باب آخر من حسن الطلب في الدعاء مع التفويض. وذلك بأن العزيز لا يستطيع أحد أن يمنعه عما يشاء، وكذلك الحكيم لا يُعجِزه إيجادُ سبب وحيلة لما يريد. فكان فحوى الكلام أنّ الشيطان ومكره وكيده بعبادك كيف يُقاوم قوّتك وحكمتك حتى يُعجزك عن إنقاذ رحمتك. فأشار إلى حسن الظنّ بالربّ تعالى وصفته الجمالية، والتفويض إليه، وأشار إلى أن الكريم إذا قدر سمح، لقول العرب: "إذا مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ" (¬2). وكذلك من لوازم الحكمة: الحلم والعفو. ثم توجّه إلى غيرة الرب لعباده، وبذلك صرف النقمة إلى العدو، فقرع باب الرحمة من وجه آخر. (56) الذِكر (¬3) كلُّ ما يُذكّرك شيئاً فهو الذكر. فربما يكون بمعنى التاريخ. قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (¬4) فجاءت هذه الآية بعد صحف التاريخ من صحف اليهود (¬5). ¬

_ (¬1) سورة المائدة، الآية: 118. (¬2) أي: إذا ملكتَ الأمر عَلَيَّ فأحسن العفوَ عني. انظر الميداني 3: 278. (¬3) الدفتر الثاني: ق 41 "معنى لفظ الذكر والحكمة". والمطبوعة: 39. (¬4) سورة الأنبياء، الآية: 105. (¬5) لعل المؤلف يشير إلى المرموز 37 الذي تكرر فيه هذا المعنى نحو قوله في الفقرة 29: "الصديقون يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد". وأقرب مما قال المؤلف أن يقال إن =

(57) التفت الساق بالساق

قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (¬1). أي الذين عندهم تاريخ الأمم، وهم اليهود، والمراد كتبهم (¬2) (57) (¬3) التفَّتِ الساقُ بالسَّاقِ معنى {والتفَّتِ السَّاقُ بالسَّاقِ} (¬4) أن لا يقدر المرء على المشي. ويكون هذا من شدة الضعف. فإنه إذا مات (¬5) تبيّن أن قد التفّت ساقاه بعد أن كان جوَّالاً، كما قال دُرَيد بن الصِّمَّة: فَإنْ يَكُ عبدُ اللهِ خَلّى مَكَانَهُ ... فما كان وَقّافاً ولا طائِشَ اليَدِ كَمِيشُ الإِزَارِ خارجٌ نِصْفُ سَاقِه ... صَبُورٌ عَلَى الضَّرَّاءِ طَلاَّع أنجُدِ (¬6) ¬

_ = المقصود بالذكر في الآية الكريمة الكلام المشتملُ على التذكير والموعظة الواردُ في المزمور نفسه قبل الفقرة المتكررة في وراثة الأرض. وبه قال تلميذ المؤلف الأستاذ أمين أحسن الإصلاحي في تفسيره "تدبر القرآن" 5: 197. (¬1) سورة النحل، الآية: 43. (¬2) أما ذكر الله سبحانه، فقد فسّره المؤلف في كتابه الطارق والبارق في تذكرة بعنوان (ذكر الرب) صرّح بأنها (من كتاب المفردات) ونصّها: "1 - نذكر بكونه موجوداً حاضراً قريباً. 2 - ونحِنّ إلى قربه بأن يرضى ويحبَّنا، ولا يجدنا مخالفين لرضاه فاعلين ما يكرهه. 3 - ونذكره بأن لا نغفل عنه. 4 - ونذكره بصفات الكمال من الجلال والجمال". (¬3) تفسير سورة القيامة: 19، الفصل التاسع عشر. والمطبوعة: 42. (¬4) سورة القيامة، الآية: 29. وفي المطبوعة: "المعنى أن" الخ. (¬5) في المطبوعة: مات الإنسان. (¬6) البيتان من قصيدة له يرثي بها أخاه عبد الله في الأصمعيات: 108، وجمهرة الأشعار: 601 - 602، والاختيارين: 411 - 412، واليزيدي: 35 - 38، ومقطوعة منها في الحماسة. انظر شرح المرزوقي: 818 والتبريزي 2: 158، والبيت الأول وحده في =

(58) سبح

وتصوير الضعف بالتفاف الساق أمر ظاهر. وجاء في كتب الأنبياء. فمعنى الكلام (¬1) أنه بعد ما يئس منه الطبيب، وودّعه القريب، وخانَه أطوعُ أعضائه، فكيف يكون مآلُه، وهو مَسوق إلى ربّه قليلَ الأَزْرِ كثير الوِزر!. والساق (¬2) بمعنى شدّة الأمر (¬3) قول من لا يعرف من علم اللسان غير اسمه، فلا يميّز بين دلالة المجموع ودلالة الأجزاء. الكشف عن الساق إنما يدل بمجموعه على الجدّ والتشمير، والكشف هو الكشف، والساق هي الساق. ووَهِمَ الرواة فيما روَوا عن ابن عبّاس أنه آخر يوم [من] (¬4) الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة. فإنه لو صَحَّ فهو بيان الواقعة، وليس بتفسير للساق (¬5). (58) سَبَّحَ (¬6) الأصل: التمدُّد على الوجه، ومنه: السِّباحة للعَوم، ومنه: سَبَحَ الفرس في جَرْيه، ومنه السعي والتقلّب، كما في قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} (¬7). ¬

_ = اللسان (وقف) والثاني وحده في تأويل المشكل: 104 واللسان (جلل). الوقاف: الجبان الذي يقف فيما يعرض له من أمور. طائش اليد: الذي لا يصيب إذا رمى، كميش الإزار: مشمره. (¬1) في المطبوعة: "الآية" بدل "الكلام". (¬2) في المطبوعة: وأما الساق ... فقول .. الخ. (¬3) انظر غريب ابن قتيبة: 481، 501 واللسان. وانظر (كشف عن ساقه) في هذا الكتاب ص 234. (¬4) انظر الطبري 29: 196 وما بين المعقوفين تكملة منه. (¬5) العبارة "ووهم الرواة ... ليس بتفسير للساق" ليست في المطبوعة. (¬6) تفسير سورة البقرة: ق 92، المطبوعة: 43. (¬7) سورة المزمل، الآية: 7.

(59) سبحانك

وإنما سمّيت الصلاة سُبحةً وتسبيحاً لِما يمتدّ المصلّي على وجهه في السجدة. ومنه قوله تعالى حكاية عن قول الملائكة: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} (¬1). أي قائمون وساجدون (¬2). (59) سُبْحَانَكَ (¬3) (1) ما أعظمَكَ، كما جاء في القرآن كثيراً، مثلاً: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} (¬4). {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (¬5). فهذا قريب من الإخبار. (2) وربما يجيء للدعاء، كما قال تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} (¬6). ومنه قوله تعالى: ¬

_ (¬1) سورة الصافات، الآيتان: 165 - 166. (¬2) وقال الراغب (ص 392): السبح: المرّ السريع في الماء وفي الهواء ... والتسبيح تنزيه الله تعالى، وأصله المرّ السريع في عبادة الله تعالى ... ". أما ابن فارس فجعلها أصلين مستقلين، قال: "السين والباء والحاء أصلان: أحدهما جنس من العبادة، والآخر جنس من السعي". انظر المقاييس 3: 125. هذا، وقد وردت المادة في أخوات العربية من العبرانية والآرامية والسريانية، واختصت فيها بمعنى الحمد والثناء والتمجيد. انظر جزينيوس: 986، 1114 وإسمث: 555. (¬3) تفسير سورة البقرة: ق 93، والمطبوعة: 43 - 44. (¬4) سورة الصافات، الآية: 180. (¬5) سورة القصص، الآية: 68. (¬6) سورة يونس، الآية: 10.

{فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} (¬1). وبهذا المعنى يقدّم قبل التوبة. (3) وأيضاً لإنشاء الأمر، كما هو الشائع في المصادر إذ يقدَّر الأمر قبله، كما قال (¬2): فَصَبْراً فِي مَجالِ الْمَوتِ صَبْراً ... فَمَا نَيْلُ الْخُلودِ بِمُسْتَطَاعِ (¬3) وكما في القرآن: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (¬4). فريما يجيء "سبحانكَ" بهذا المعنى، ومنه قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (¬5). (4) وأيضاً يأتي للإنكار مع الاستعجاب. ومنه قوله تعالى: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} (¬6). أيضاً: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} (¬7). ¬

_ (¬1) سورة الأعراف، الآية: 143. (¬2) القائل قَطَرِيّ بن الفُجَاءَةِ المازِني رئيس الأزارقة، من مشاهير شجعان العرب وخطبائهم، قتل سنة 77 هـ. المعارف:411، الكامل لابن الأثير 4: 441، ابن خلكان 3: 255 - 257، شرح الأبيات 3: 312. (¬3) من حماسية له في شرح التبريزي 1: 50 وهي في أمالي المرتضى 1:636 - 637، وشعر الخوارج: 42 - 43 وانظر تخريجها فيه:162. (¬4) سورة البقرة، الآية: 285. (¬5) سورة الروم، الآية: 17. (¬6) سورة النور، الآية: 16. (¬7) سورة النحل، الآية: 57.

(60) سفرة

واختص بالإضافة إلى الله تعالى، وإضافته مُطَّرِد إلا نادراً كما قال [أُميَّةُ بن أبي الصَّلْت] (¬1): سُبْحَانَهُ ثُمَّ سُبْحَاناً يَعُودُ لَهُ ... وَقَبْلَنَا سَبَّحَ الجُودِيُّ وَالْجُمُدُ (¬2) وهو أراد الإضافة. وهكذا الأعشَى حذف المضاف إليه ولكنه أراد حيث قال: .................... ... سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفَاخِرِ (¬3) (60) سَفَرَة (¬4) هي جمع سافر: للكاتب والقارئ، من السَّفْر للكتابة والقراءة. وهذه الكلمة باقية في العبرانية (¬5). وأصل معناها: الخَمْشُ (¬6). ومنه: الكتابة، فإن ¬

_ (¬1) زيادة في المطبوعة، وأمَيَّةُ من شعراء الطائف وقال ابن سلاّم: إنه أشعَرهم. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً في حديث: "وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم". انظر الفتح 10: 537. ابن سلام: 259 - 267، ابن قتيبة: 459 - 462، الأغاني: 4: 123 - 136، الإصابة: 552، الخزانة 1: 247 - 253. (¬2) البيت من شواهد سيبويه 1: 326، واختلفوا في عزوه، ورجح البغدادي في الخزانة 3: 393، نسبته إلى وَرَقة بن نَوفَل. وانظر تخريج البيت واختلافهم في نسبته في ديوان أميّة: 376، 569، والسيرافي 1: 194. الجوديّ والجمد جبلان. (¬3) صدر البيت كما زاد في المطبوعة: أقول لما جاءني فخرُه. والبيت من قصيدة له يهجو بها عَلْقَمَة بن عُلاَثةَ ويمدح عامر بن الطفيل في المنافرة التي جرت بينهما. انظر ديوانه: 179، والبيت من شواهد سيبويه 1: 324 ومن الشواهد النحوية المشهورة. وانظر السيرافي 1: 157 - 158، ومعجم الشواهد: 191، وانظر كلاماً مفصلاً على (سبحان) في الخزانة 234:7 - 247. (¬4) تفسير سورة عبس: 13 - 14، والمطبوعة: 45. (¬5) والأشورية والآرامية والسريانية. انظر جزينيوس: 706. (¬6) انظر إسمث: 387. وعند صاحب المقاييس 3: 82: الانكشاف والجلاء.

الكتابة كانت أولاً بالخمش بقلم الحديد. ثم توسع للبيان والقراءة. في العبرانية: [. . .] (سفر): الخمش، والكتابة، والقراءة [. . .] (سافر): كاتب، فقيه، إمام، قائد. فصحَّ ما قال قتادة: "السَّفَرَة هم: القُراء" (¬1) وروى ابن جُرَيج عن ابن عباس: "السَفَرة بالنبطية: القرَّاء" (¬2). ويوجد في العربية أيضاً بمعنى الخمش، كما قال رُؤْبَةُ (¬3): تسفيرُ موسَى الصَّلَعِ الجُلاَمِ (¬4) ¬

_ (¬1) النحاس 3: 628، الطبري 30: 53 وفي رواية أخرى عنه أنه قال: سَفرَة: كَتَبَة. (¬2) العبارة "وروى ... القراء" ساقطة من المطبوعة. وانظر الرواية في الدر المنثور 6: 315. والنبطية إحدى لهجات الآرامية الغربية غير أن المقصود بها عند اللغويين العرب الآرامية مطلقاً أو السريانية التي هي من لهجات الآرامية الشرقية. انظر المعرب: 60 (مقدمة المحقق) وقد وردت الكلمة في آرامية العهد القديم والسريانية بالمعاني المذكورة. انظر جزينيوس 1104 وإسمث: 387 وكوستا: 234 - 235. وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج الرومي (80 - 150 هـ) الفقيه المفسر. إمام أهل الحجاز في عصره، الأعلام 4: 160. (¬3) هو رُؤْبَة بن العَجَّاج التميمي (ت 145 هـ) هو وأبوه من أشهر الرّجاز، وهو أكثر شعراً من أبيه، وأفصح منه. روى عنه يحيى القطان وغيره. ابن سلام: 761 - 767، ابن قتيبة: 594 - 601، الأغانى 20: 312 - 324، الآمدي: 175، معجم الأدباء 11: 149 - 151، ابن خلكان 2: 303 - 305، تهذيب التهذيب 3: 290. (¬4) البيت من أرجوزته التي يمدح بها مَسْلَمَةَ بن عَبْدِ الملك. انظر ديوانه: 144 وصلة البيت قبله وبعده: عَرَّت مطاياك عن الإرسامِ بعد الصِبا والغزَلِ التيَّامِ تسفيرُ موسى الصلع الجُلامِ وبريُها عن هامةٍ صُتَامَ في جانبيها الشيبُ كالثَّغامِ عرّى الناقة: ألقى عنها الرحلَ فلا يحمل عليها. الإرسام من الرسيم: سيرٌ للإبل. تامه وتيمه: ذلّله وأذهب عقله. الجُلام: المستأصل، عن ابن حبيب (خولة 2: 124) صُتام: ضخمة. الثغام: نبت أبيض الثمر والزهر، ويشتد بياضه إذا يبس.

(61) الشيطان

(61) الشَّيْطَانُ (¬1) فعْلاَنُ من شَاطَ يَشِيط: هلك، قال الأعشى: وَقَدْ يَشِيطُ عَلَى أرْماحِنَا الْبَطَلُ (¬2) شاط فلان: ذهب دمه هَدَراً، أيضاً: عجِل وأسرع. وشاط الزيت: احترق. وغضب فلان فاستشاط: أي التهب. والشيطان من أسماء الحية. قال الشاعر (¬3): تُلاَعِبُ مَثنى حَضْرَمِيٍّ كَأنَّهُ ... تَمَعُّجُ شَيْطَانٍ بِذِي خِرْوَعٍ قَفْرِ (¬4) والشرير من الجن. وبين الحية والجن (¬5) مناسبة، لكونهما ناريين طبعاً. ومن هنا كل متمرد يسمى شيطاناً. قال تعالى: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} (¬6). وعند الجوهري هو فَيْعَالٌ من شَطَنَ: بمعنى بَعُدَ (¬7). وسيبويه مرة جعله ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 63، والمطبوعة: 47 - 48. (¬2) صدر البيت: قَدْ نَخْضِبُ الْعَيْرَ فِي مَكنونِ فَائلِه والبيت من لاميته في ديوانه: 99 وشرح القصائد العشر: 445. والبيت وحده في اللسان (شيط، فيل) الفائل: عرف يجري من الجوف إلى الفخذ، مكنونه: دمه، وقال أبو عمرو: المكنون: خُربة في الفخذ. يقول: نحن بُصَراء بمواضع الطعن. (¬3) هو طرَفة بن العبد، انظر الحيوان 133:4. (¬4) البيت غير معزوّ في الحيوان 1:153، 300 و6: 192، وتأويل المشكل: 302 والمقاييس 2: 28، 3: 184، 6: 137، واللسان (حبب، عجم، خرع، شطن، ثنى) وانظر ديوان طرفة: 158. يصف الشاعر في البيت زمام الناقة ويشبهه بالحية في تلويه. المثنى: زمام الناقة. حَضْرمي: نسبة إلى حضرموت. تَمَعُّجُ: كذا في المقاييس (حبب 28:2) وفي سائر المصادر: تعمج، بتقدم العين، وهما بمعنى. (¬5) في المطبوعة: "الجن والحية" وهو قلب. (¬6) سورة الأنعام، الآية: 112. (¬7) انظر الصحاح (شطن) قال الأزهري: (التهذيب 11:312): والدليل على أنه من شَطَنَ =

(62) الصبر

فَعْلاَنَ من شَاط، وأخرى فيعالا من شَطنَ (¬1). والأول هو الصواب. ويؤيده أنه إذا جُعِل علماً لا ينصرف كما قال ... (¬2). (62) الصبر (¬3) "الصبر" عند العرب ليس من التذلل في شيء، كما يصبر المضطهد العاجز، بل هو أصل القوة والعزم. وكثر في كلام العرب استعماله بهذا المعنى. قال حاتم الطائي: ¬

_ = قول أمَيَّة بن أبي الصلت يصف سليمان بن داود عليه السلام: أيُّمَا شَاطِنٌ عَصَاه عَكَاه ... ثم يُلْقَى في السِّجْنِ والأغْلاَلِ وقال المعري في رسالة الملائكة: 247 - 248: "هذا البيت ينشد على وجهين: بالسين والشين. فإذا قيل: "شاطن" فهو في معنى الشيطان. وإذا قيل: "ساطن" فهو الذي أعيا خبثا، والمعنى متقارب". عكاه: شدَّه بالوثاق وقيّده. (¬1) انظر الكتاب 3: 217 - 218 و321:4 وقال في الموضع الأول: "وسألته عن رجل يسمى: دِهْقَان، فقال: إن سميته من التدهقن فهو مصروف. وكذلك: شيطان إن أخذته من التشيطن، فالنون عندنا في مثل هذا من نفس الحرف إذا كان له فعل يثبت فيه النون، وإن جعلت دِهْقان من الدهق، وشيطان من شيَّط لم تصرفه". قلت: إن العرب قد تشتق من الكلمة وتبقي زوائدها كقولهم: تَمَسْكَنَ وتَمدْرع وتَمَنْدَلَ. (¬2) بياض في الأصل. ويعني المؤلف قول الطفيل الغَنَوي -وهو جاهلي من الفحول- من قصيدة في ديوانه 49: وَقَدْ مَنَّتِ الْخَنْوَاءُ مَنّاً عَلَيْهِمُ ... وشيطانُ إذ يَدْعوهُمُ وَيُثَوِّبُ الخذواء: فرسه. وشيطان هذا: شيطانُ بن الحكَم بن جَاهِمَة الغنوي. وجاء غير منصرف. قال ابن برِّي: "وهذا يدل على أن شيطانَ فَعلانُ، ونونه زائدةٌ" انظر اللسان (شطن). (¬3) تفسير سورة العصر: 8 - 9، المطبوعة: 48. وقال الغزالي في كتابه جواهر القرآن (48): "وأما الصبر على قضاء الله فيصدر عن الخوف والرهبة ... " فعلّق الفراهي عليه في نسخته: "أخطأ معنى الصبر، إذ جعل منشأه الخوف. والحق أن الصبر: هو الاستقامة مع الضرّ وذلك يكون من الحب، كما يكون من الخوف". وقد تكلم الفراهي كثيراً في كتبه على حقيقة الصبر ومكانته في الدين وصلته بالشكر والصلاة والصوم والتقوى. انظر مثلاً (الصبر والشكر) في هذا الكتاب ص 205.

وَغَمْرَةِ مَوْتٍ لَيْسَ فيها هَوَادَةٌ ... يكونُ صدورَ الْمَشْرَفِيِّ جُسُورُهَا صَبَرْنَا لَهُ فِي نَهْكِهَا وَمَصَابِها ... بَأسْيَافِنَا حَتَّى يَبُوخَ سَعِيرُهَا (¬1) وقال الأصبَغ (¬2): يا ابن الجَحَاجِحَةِ الْمَدَارِهْ ... وَالصَّابِرِينَ عَلَى الْمَكَارِهْ (¬3) وقال زُهَير بن أبي سُلْمَى: قَودُ الجِيادِ وإصهارُ الملوكِ وَصَبْـ ... ـرٌ في مَوَاطِنَ لَو كانوا بِهَا سَئِمُوا (¬4) وهذا كثير. وفي القرآن بيّن معنى الصبر، حيث قال تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} (¬5). فذكر من مواطن الصبر: الفقر، والمرض، والحرب وذلك أصول الشدائد. وكذلك الصبر عند نزَغات النفس على أذى الناس كما مَرّ بك (¬6) في قوله تعالى: ¬

_ (¬1) من قصيدة له في ديوانه: 248 ونوادر أبي زيد: 351 - 352 وفيهما: "صبرنا لها" نَهْكها: جَهدها. مَصاب الشيء: حيث يصوب أي يقصد. المشرفي: السيف. (¬2) لعله الأصبغ بن ذؤالة الكلبي، من رؤساء بني كلب في العهد الأموي. وانظر شعراً له في قتل الوليد بن يزيد في الأغاني 7: 79. (¬3) البيت له في الصحاح ومنه في اللسان (دره) الجحاجحة: جمع الجحجاح. وهو السيد الكريم: والمدَاره: جمع المِدَره. وهو زعيم القوم المتكلّم عنهم. المكاره: في الأصل والمطبوعة: مكاره، والتصحيح من الصحاح. (¬4) من قصيدة يمدح بها هَرِم بن سِنان المُرِّي. وصلة البيت قبله: فَضَّلَهُ فوقَ أقْوَام وَمَجَّدَهُ ... مَا لَم يَنَالُوا وإنْ جَادُوا وَإنْ كَرُمُوا انظر ديوانه (الأعلم): 111، والبيت وحده في المقاييس 3: 315، واللسان (صهر). (¬5) سورة البقرة، الآية: 177. (¬6) يشير إلى ما قال قبل ذلك في هذا الفصل من التفسير. وحذف (مر بك) في المطبوعة.

{وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ} (¬1). ¬

_ (¬1) سورة الشورى، الآية: 43 وتمام الآية: {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}. من شواهد "الصبر" 1 - قول الحُصَين بن الحُمام المُرِّيّ من قصيدة له في المفضليات 65: وَلَمَّا رَأيتُ الْوُدَّ لَيْسَ بنَافِعِي ... وَإنْ كَانَ يَوْماً ذَا كَواكِبَ مُظْلِمَا صَبَرْنا، وَكانَ الصبرُ فينَا سَجيَّةً ... بِأَسْيَافِنا يَقْطَعْنَ كفّاً وَمِعْصَمَا 2 - وقال سَعْد بن مالك جدّ طَرَفة بن العبد من حماسية في شرح المرزوقي 167: وَالْحَرْبُ لاَ يَبْقَى لِجَا ... حِمِهَا التَخَيُّلُ وَالْمِرَاحُ إلاَّ الْفَتَى الصَبَّارُ في الـ ... ـنَّجَدَاتِ والفرَسُ الوَقاحُ النجَدَات: الشدائد. الوَقَاح: الشديد الحافر. 3 - وقال فيها أيضاً: صَبْراً بَنِي قَيْسٍ لَهَا ... حَتى تُرِيحُوا أو تُرَاحُوا 4 - وقالت الخِرْنِقُ أخت طرَفة من كلمة لها في ديوانها 32: سَمِعَتْ بَنُو أسَدِ الصِّيَاحَ فَزَادها ... عِنْدَ الِّلقَاءِ مَعَ النِّفَار نِفَارا ورأت فوَارِسَ من صَلِيبة وائلٍ ... صُبُراً إذا نَقْعُ السَّنَابكِ ثارَا 5 - وقال المفضَّل النُّكْرِي، وهو جاهلي، من قصيدة له في الأصمعيات 200: هُمُ صَبَرُوا وَصَبْرُهُمُ تَلِيدٌ ... عَلَى الْعَزَّاء ِإذْ بَلَغَ الْمَضِيقُ 6 - وقال فيها أيضاً (203): فلمّا استيقنوا بالصبرِ منّا ... تُذُكِّرتِ العشائرُ والحَزيقُ الحزيق: الجماعة. 7 - وقال أبو خراش الهذلي من قصيدة في أشعار الهذليين 1195: فَقَدتُ بني لُبنَى فلمّا فقدتُهم ... صبرتُ ولم أقطَع عليهم أباجِلي الأبجَلُ: عِرق في باطن الذراع، وقيل: في الرجل. 8 - وقال أبو ذؤيب الهذلي من قصيدة (64): حتَّى إذا أمكنَتْه كان حِينَئذٍ ... حُرّاً صَبوراً فنِعمَ الصابرُ النَّجِدُ يعني: إذا أمكنت الكلابُ الثورَ. 9 - وقال زُفَر بن الحارث مِن حماسية (المرزوقي: 28): سَقَيناهمُ كأساً سَقَونا بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا 15 - وقال الحماسي (المرزوقي: 71) وهو الأحوص (شعره: 154 برواية مختلفة): وكم دهَمتني مِن خطوبٍ مُلِمّةٍ ... صبرتُ عليها ثمّ لَمْ أتخشّعِ =

(63) الصحف

(63) الصُّحُف (¬1) الصحف: جمع صحيفة. وهي الورقة المكتوبة، كما سميت "صحيفة المتلَمِّس" (¬2) و "صحيفة الجَور" (¬3). ولعل الكلمة مقلوبة من الصفيحة (¬4): لكل ¬

_ (¬1) تفسير سورة عبس: 13، والمطبوعة: 50. (¬2) وقصته أن طرفة بن العبد وخاله المتلمس كانا ينادمان عمرو بن هند ملك الحيرة، فبلغه أنهما هجواه، فكتب لهما إلى عامله بالبحرين كتابين أوهمهما أنه أمر لهما فيهما بجوائز، وقد كان أمره بقتلهما، فدفع المتلمس رسالته في الطريق إلى غلام ليقرأها، فإذا فيها أمر بقتله. فقذفها المتلمس في نهر الحيرة. وأشار على طرفة أيضاً بذلك، ولكن لم يرض به، فنجا المتلمس، وتوجه طرفة إلى البحرين، فقتله عاملها المكَعبِر. فقال المتلمس مِن قصيدة في ديوانه (177 - 178): مَن مبلغ الشعراء عن أخويهمُ ... خبراً فتصدقَهم بذاك الأنفسُ أودَى الذي علِقَ الصحيفةَ منهما ... ونجا حِذارَ حِبائه المتلمّسُ ألقى صحيفته ونجّتْ كورَه ... عَنْسٌ مُداخِلةُ الفقارة عِرمِسُ ومنها (186): ألقِ الصحيفةَ لا أبالك إنّه ... يُخشى عليك من الحِباء النِقرِسُ عِرمِس: شبهها بالصخرة. النقرس: الداهية، الهلاك. وقال الفرزدق فيها: ألقِ الصحيفةَ يا فرزدقُ لا تكن ... نكداءَ مثل صحيفة المتلمّس انظر في صحيفة المتلمس: الفاخر: 73 - 76، ثمار القلوب:216 - 218، المرتضى 1: 183 - 185، الميداني 2: 224 - 228. والمصادر المذكورة في ترجمة المتلمس. وقال طرفة: أبا منذرٍ كانت غروراً صحيفتي ... فلم أعطكم في الطَّوع مالي ولا عِرضي (¬3) هي الصحيفة الظالمة التي كتبها قريش لمقاطعة بني هاشم. انظر تفسير سورة اللهب للمؤلف: 4 وكتب السيرة، نحو سيرة ابن هشام 1: 350، 374. (¬4) والمادتان كلتاهما تدل على عرض وانبساط. انظر المقاييس 3: 293، 334. والجدير بالذكر أن الفعل (صحف) شائع الاستعمال في الحبشية -وهي من أخوات العربية- بمعنى الكتابة. انظر جيفري: 193، والمعجم الحبشي- العربي في كتاب "في قواعد الساميات": 332.

(64) صرة

عريض، كصفيحة الحجر والسيف (¬1) والعنق. وبصيغة الجمع ربما يراد بها الكتاب لاشتماله على الأوراق، كما في قوله تعالى: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} (¬2). (64) صرَّة (¬3) الصَرّ: الجَمْع ثم الشَّدّ والعَزم، ونَصْب الأذن. ومن الجمع: تقطيب ¬

_ (¬1) في التفسير والمطبوعة: السلف، والتصحيح من اللسان. (¬2) سورة البينة، الآية: 2. ومن شواهد "الصحيفة" من كلام العرب -غير ما سبق- قول المتلمس يهجو عمرو بن هند من قصيدة (ديوانه: 45): وَرهنتَني هنداً وعِرضَك في ... صُحُفٍ تلوح كأنها خِلَلُ الخِلل: جمع خِلّة، وهو نقش يكون في بطانة السيف. وقال عنترة من قصيدة (ديوانه: 268) يشبه ما بقي من آثار الدار بكتاب في صحائف: كوحي صحائفٍ مِن عهدِ كسرى ... فاهداها لأعجمَ طِمطِميِّ وقال ثعلبة بن عمرو العبدي من قصيدة في المفضليات: 281. لمن دِمَنٌ كأنهنّ صحائفُ ... قِفارٌ خلا منها الكثيبُ فواحفُ وقال لقيط بن يعمر الإيادي من قصيدة (ديوانه: 35): سلامٌ في الصحيفة من لقيط ... إلى مَن بالجزيرة من إيادِ وقال عِلباء بن أرقم، جاهلي، من أصمعية (159): أخذتُ لدَين مطمئنٍ صحيفةً ... وخالفتُ فيها كلَّ مَن جار أو ظلَمْ وقال الممزَّق العبدي من أصمعية (166): فلا أنا مولاهم ولا في صحيفةٍ ... كفلتُ عليهم، والكفالة تعتقي تعتقي: تحتبس. وقال قيس بن الخطيم من أصمعية (198): لمّا بدت غُدوةٌ وجوهُهمُ ... حَنَّتْ إلينا الأرحامُ والصحفُ (¬3) النص الأول مأخوذ من تعليقات المؤلف على نسخته من اللسان (صرر)، والثاني من تفسيره لسورة الذاريات: 23. وانظر المطبوعة: 50.

(65) الصغو

وتقبّض استنكاراً واستحياءً. ومن نصب الأذن: إسراع واستنكار. ... {في صَرَّةٍ} (¬1) معناه: في تقبّض واستنكار (¬2). (65) الصَّغْو (¬3) في جميع الألسنة، ولا سيما في لغة العرب، ألفاظ خاصّة لأفراد خاصّة، تحت معنى كلّي. والذهولُ عن هذه الخصوصيات مُبعِد عن مهم اللسان، مثلاً "المَيْل" معنى كلّي. ثم تحته: الزَّيغ، والجَور، والارعواءُ، والحِيَادة، والتنحي، والانحراف: كلّها للميل عن الشيء. والفَيء، والتوبة، والالتفات، والصَّغو: كلّها للميل إلى الشيء. فمن خبط بينهما ضَلّ وأضَلّ. فلا يخفى على العالم بلسان العرب أن قوله تعالى: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (¬4). معناه: أنابت قلوبكما، ومالت إلى الله ورسوله، فإن (¬5) "الصَّغْو" هو الميل إلى الشيء، لا عن الشيء. ومنه صَاغِيَة الرجل: لأتباعه، وصِغْوه معك: أي ميله. وأصغيتَ إلى فلان: أي مِلت بسمعك نحوه. ومنه الحديث: ¬

_ (¬1) سورة الذاريات، الآية: 29. وتمام الآية: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ}. وفي المطبوعة قبل الآية: "فقوله تعالى". (¬2) وقال غيره: معناه الضجة والصيحة. انظر المجاز 2: 227، وغريب القتبي: 421، والطبري 26: 209، والكشاف 4: 402، واللسان. وأصل المعنى عند الراغب: الشدّ. أما ابن فارس فجعل المادة أربعة أصول. انظر المقاييس 3: 282. (¬3) تفسير سورة التحريم: 17 - 19، الفصل الحادي عشر. المطبوعة: 50 - 51. (¬4) سورة التحريم، الآية: 4 {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}. (¬5) العبارة "قوله تعالى .... فإن" لم ترد من المطبوعة.

"يُنْفَخُ في الصور فلا يسمَعُه أحد إلاَّ أصغَى لِيتاً" (¬1). أي أمال صفحة عنقه إليه (¬2). وقالوا: الصبيُّ أعلَمُ بمُصغَى خدِّه: أي هو أعلم إلى من يلجأ أو حيث ينفعه. ومنه صَغَت الشمس والنجوم: أي مالت إلى الأرض. وفي حديث الهِرَّة: "كان يُصْغِي لَها الإِنَاءَ" (¬3). أي يُميله ليسهلَ عليها الشرب. ومن ذلك [الصِّغْوُ] (¬4) لجوف الإناء لما يجتمع فيه المشروب. أنشد ابن برِّي (¬5) شاهداً على الإصغاء بالسمع لشاعر: تَرَى السَّفِيهَ به عن كُلِّ مَكرُمَةٍ ... زَيْغٌ، وفيه إلَى التَسْفيهِ إصْغَاءُ (¬6) وقال ذُو الرُّمَّةِ يصف الناقة: ¬

_ (¬1) من حديث طويل أخرجه مسلم عن عبد الله بن عمرو، في كتاب الفتن، باب في خروج الدجال، (النووي 18:288)، وانظر المسند 2: 166. (¬2) النهاية 3: 33 ومنه في اللسان (صغو). (¬3) الحديث بهذا اللفظ وشرحه في النهاية 3: 33 (عن الغريبين) ومنه في اللسان (صغو). وأخرجه مالك (الزرقاني 1: 82) وأبو داود (عون 1:98) والترمذي (تحفة 1:260) والنسائي (1:58) وابن ماجه (1: 131) كلهم في كتاب الطهارة. واللفظ عندهم "فأصغى لها الإناءَ". والمصغي هو أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه، وقد تكرّر في الحديث لفظ الصغو والإصغاء والصاغية. (¬4) تكملة من اللسان وهي ساقطة من التفسير والمطبوعة. (¬5) هو عبد الله بن برّي المقدسي الأصل، المصري المولد والوفاة (499 - 582 هـ) النحوي اللغوي الأديب. صاحب الحواشي المشهورة على كتاب الصحاح. وفيات الأعيان 108:3، الأعلام 108:3 كحالة 37:6. (¬6) البيت كذا غير معزوّ في الطبري 7:8 والقرطبي 69:7، واللسان (صغو) وفي الطبري: "محكمة" بدل "مكرمة" وفيه وفي اللسان: "التشبيه" بدل "التسفيه"، وفي اللسان: "فيَّ" بدل "فيه". والمؤلف نقله من اللسان مصححاً. والبيت شاهد على أن الإصغاء ضد الزيغ. وشواهد الصغو والإصغاء كثيرة لا تحصى.

تُصْغِي إذا شَدَّهَا بِالكُورِ جَانِحَةً ... حَتَى إذا ما اسْتَوَى فِي غَرْزِها تَثِبُ (¬1) وقال الأعشَى في صغو العين يصف ناقة: تَرَى عَيْنَها صَغواءَ في جَنْبِ مُؤقِها ... تُرَاقِبُ كفِّي وَالقطيعَ المحَرَّمَا (¬2) وقال النَّمِر بن تَوْلَب (¬3) في إصغاء الإناء بمعنى الإفراغ: وإنَّ ابْنَ أخْتِ القومِ مُضغًى إناؤه ... إذا لَمْ يُزَاحِمْ خَالَهُ بِأبٍ جَلْدِ (¬4) ¬

_ (¬1) البيت من بائيته المشهورة في ديوانه: 48 وجمهرة الأشعار: 956. والبيت من شواهد سيبويه 3: 60 وهو في المجاز 1:205 واللسان (صغا)، وانظر تخريجه في الديوان. معنى البيت أنها تميل رأسها إلى الرحل كأنها تستمع شيئاً حين يشدّ عليها الرحل. جانحة: مائلة. الغرز: ركاب الناقة. (¬2) من قصيدة له في ديوانه: 331، والبيت وحده في المقاييس 2: 45 واللسان (قطع، حرم، صغو) والعجز وحده في المقاييس 5: 151 والصحاح (حرم). وفي الأصل: "يصف كلباً". وهو سهو. (¬3) ويقال: النَّمْر، من قبيلة عُكْل. شاعر جاهلي مقلّ أدرك الإسلام وهو كبير، وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكتب له النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاباً، ونزل البصرة بعد ذلك. يسمى "الكيِّس" لجودة شعره. ابن سعد 39:7، ابن سلام: 159 - 164، المعمرون: 79 - 80، ابن قتيبة: 309 - 311، الأغاني 22: 287 - 302، الإصابة: رقم 8808، الخزانة 1: 321 - 322. (¬4) البيت للنمر في الحيوان 3: 137 وابن قتيبة. وإليه نسبه ابن دريد (اللسان - كيس)، وفي اللسان (الصغو). وأنشده ابن الأعرابي في نوادره لضَمْرة بن ضمرة (اللسان - كيس) وقبل البيت: إذَا كنتَ من سَعْد وأمُّكَ مِنهمُ ... غريباً فلا يغرُرْكَ خالُك مِن سَعْدِ وأوردهما أبو تمام في الحماسة لغسَّان بن وَعْلَة عند ابن جني والتبريزي 2: 40 - 41، وهو عند المرزوقي: 520 - 521 حَسَّان بن عُلْبة وهما مع ثالث في البصرية 287:2 - 288 للنمر. ولعلّ الصواب أن البيت من قصيدة النمر التى مطلعها: أشَاقتْكَ أطلالٌ دَوَارِسُ مِنْ دَعْدِ ... خلاءٌ مغانيها كحاشيةِ البُرْدِ ومن حديثه أنه كان في أخواله بني سعد بن زيد مناة بن تميم فأغاروا على أبله، فقال ... وانظر تخريج البيت في شعراء إسلاميون: 398 مصغى إناؤه: منقوص حظّه ضعيف جانبه.

(66) الظن

نقلتُ كلَّ ذلك عن "لسان العرب" مع بعض التصريح لرفع شبهة أو توهم. وفي هذا كفاية لمن حُبِّبَ إليه الحق، فلا يُصغي إلى ما دسّه الوضاعون في الآثار وحرّفوا المعنى بعدما أعجزهم الله عن تحريف كلماته. وقد هَمّوا به، فقد ذكر أبو السعود رحمه الله (¬1) في تفسيره أنه قرئ: "زاغت" (¬2)، أي قرأه من لا يعبأ به (¬3). فهل ترى كيف سعيهم في أن يبددوا معنى "صغا" إلى "زاغ". ولكن الله تعالى يمكث بالحقّ ويذهب بالباطل (¬4). (66) الظنّ (¬5) الظَنّ: ما يرى المرء من غير مشاهدة. ولكون غير المشهود ربما لا يوقن به، تضمن الظن معنى الشك، وبهذا المعنى كثر في كلام العرب والقرآن، كما قال طرفة: وأعْلَمُ عِلْماً لَيْسَ بِالظَّن أنَّه ... إذا ذَلَّ مَولَى الْمرءِ فهو ذليلُ (¬6) وفي القرآن: ¬

_ (¬1) هو محمد بن محمد بن مصطفى العمادي (898 - 982 هـ) مفسر فقيه أصولي شاعر، من أجلة علماء الترك. البدر الطالع 1: 261، والأعلام 7: 59 وكحالة 11: 301. (¬2) تفسير أبي السعود 5: 351. (¬3) بل نسبوها إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه!! فرووا عن مجاهد قال: كنا نرى أن قوله {فَقَدْ صَغَت قُلُوبُكُمَا} شيء هين حتى سمعت قراءة ابن مسعود "إن تتوبا إلى الله فقد زاغت قلوبكما". انظر الطبري 28: 104 والكشاف 127:4. (¬4) العبارة "نقلت- بالباطل" لا توجد في المطبوعة. وانظر التكميل: 53. (¬5) تفسير سورة البقرة: ق 102، المطبوعة: 55. (¬6) من قصيدة له في ديوانه: 84، ومقطوعة منها في حماسة أبي تمام بشرح المرزوقي: 1441 والبيت وحده في حماسة البحتري: 566، وانظر تخريجه في الديوان: 224.

(67) الغيب

{إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} (¬1). ولكن الرأي في غير المشهود ربما يكون يقيناً، ويطلق الظن عليه بالمعنى الأعم، من غير تضمنه الشك، كما قال أوس بن حجر: الألْمَعِيُّ الَّذِي يَظُنُّ بِكَ الـ ... ـظَّنَّ كَأنْ قَدْ رَأَى وقَدْ سَمِعَا (¬2) وقال دُرَيد بن الصِّمَّةِ: فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنّوا بألْفَي مُدَجَّجٍ ... سَرَاتُهمُ فِي الفَارِسيِّ الْمُسَرَّدِ (¬3) وقال تعالى حكاية عن قول المؤمنين في القيامة: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} (¬4). (67) الغيب (¬5) (1) الغيب اسم الحِدثان من غابَ غَيباً وغَيْبَةً وغِياباً وغُيوباً ومَغيباَّ. ¬

_ (¬1) سورة الجاثية، الآية: 32. (¬2) البيت من قصيدته الرائعة التي يرثي بها فَضَالة بن كَلَدة الثقَفي. انظر ديوانه: 53. والبيت وحده في اللسان (لمع) وانظر تخريجه في الديوان: 157. الألمعي: الذكي المتوقد الحديد القلب. وقال أيضاً من قصيدة في ديوانه 122: فقومي وأعدائي يظنّون أنّني ... متى يُحدِثوا أمثالَها أتكلّمِ قال ابن قتيبة في الشعراء: 204 "يظنون: يوقنون، وليس من ظن الشك. قال الله جلّ وعزّ: {وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ} التوبة: 118، أي أيقنوا". (¬3) البيت من قصيدته المذكورة في ص 281 انظر الأصمعيات 107 وهو من الشواهد المشهورة. انظر مثلاً مجاز القرآن 1: 40 وتأويل المشكل: 144، وغريب القرآن: 406، والطبري 1: 262؛ 13: 87؛ 25: 138. واللسان (ظنن). مُذَجَّج: تام السلاح. سراتهم: ساداتهم وأشرافهم. الفارسي: الدرع المصنوع بفارس. المسرّد: المحكم النسيج. (¬4) سورة الحاقة، الآية: 20. (¬5) تفسير سورة البقرة: ق 22، المطبوعة: 58.

(2) وأيضاً يطلق على ما غاب عنك. وضده الشهادة. قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} (¬1). أي ما هو غائب عنا، وما هو مشهود لنا. (3) وعلى ما لا سبيل إلى علمه، كما حكى الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} (¬2). وكما قال حاتم الطائي: أما وَالَّذِي لا يَعلمُ الغيبَ غيرُه ... وَيُحْيِي العِظَام الْبِيضَ وَهْيَ رَمِيمُ (¬3) (4) وعلى المكان الذي ليس بمشهد منك، والجانب الذي لا يتعين، كما قال عبد الشارقِ الجُهَني (¬4): سَمِعْنَا دَعْوةً عَن ظَهرِ غَيبٍ ... فَجُلْنا جَولَةً ثم ارْعَوَيْنَا (¬5) ¬

_ (¬1) (عَالِمُ): الأنعام: 73، الرعد: 9، المؤمنون: 92، السجدة: 6، الحشر: 22، التغابن:18، (عَالِمَ) الزمر: 46. (عَالِمِ): التوبة: 94، 105، الجمعة: 8. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 188. (¬3) مطلع قصيدة له في ديوانه:184، وانظر تخريجه: 348. وصلته بعده: لقد كنتُ أطوِي البطنَ والزادُ يُشتَهَى ... مَخافةَ -يوماً- أن يُقَالَ: لئيمُ (¬4) اسم أبيه عبد العزّى، ويظهر من اسمه أنه جاهلي. قال ابن جني في المبهج (93): الشارق اسم صنم لهم. ويجوز أن يكون مثل عبد شمس، لأن الشارق قرن الشمس. وانظر شرح الحماسة للتبريزي 1: 229، المنصفات: 31 - 32. (¬5) البيت من قصيدة له تُعدّ من المنصِفات. وهي القصائد التي أنصف قائلوها فيها أعداءهم وصدقوا عنهم وعن أنفسهم فيما اصطلوه من حَرّ اللقاء. انظر الخزانة 327:8. والقصيدة له في الحماسة بشرح المرزوقي: 446 والتبريزي 1: 231، والحماسة البصرية: 25، والخالديين: 102 - 103، وهي في حماسة البحتري لسلمة بن حَجاج الجهني: 218. وانظر المنصفات: 2. يذكر فيها الشاعر يوماً من أيام قومه من جُهَينة مع آل بهيثة بن سلَيم. ارعَوينا: رجعنا بعد الجولة.

وقال تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ} (¬1) فبيّن معنى الغيب: أي لم تكن بمشهد منهم. (5) وعلى السِرِّ عموماً، كما قال تعالى: {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} (¬2). وأيضاً: {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} (¬3). فهذه خمسة وجوه معلومة (¬4). ¬

_ (¬1) سورة يوسف، الآية: 102. (¬2) سورة النساء، الآية: 34. (¬3) سورة الجن، الآية: 26. (¬4) من شواهد "الغيب": 1 - قال المسيَّب بن عَلَس -وينسب إلى الأعشى أيضاً- يصف غائصاً في البحر على درة: نَصَف النهَارُ الماءُ غامِرُه ... وَشَريكُه بالغَيب مَا يَدْرِي انظر الخزانة 3: 233. نَصَف: انتصف النهار ولم يخرج من الماء. حذف واو الحال. 2 - وقال المثقب العبْدي من نونيته المشهورة في المفضليات 289: عَلَونَ رَباوَةً وَهَبَطْنَ غَيْباً ... فَلَمْ يَرْجعْنَ قَائِلةً لِحِينِ الرباوة: ما ارتفع من الأرض، مثلثة الراء. أي لم يكدن ينزلن للقيلولة. 3 - وقال لَبِيد بن ربيعة من قصيدة له في ديوانه 13: إذا مَا نأَى مِنِّي بَرَاحٌ نَفَضْتُه ... وإنْ يَدْنُ مِنَي الْغَيبُ ألْجِمْ فَأركَبِ البَراح: المستوي من الأرض. نفضته: طلبت فيه. 4 - وقال البُرَيق الهُذَلي يرثي أخاه أبا زيد من قصيدة في أشعار الهذليين 743: أودِّعُ صاحِبي بالغيب إنِّي ... أُرانِي لا أُحِسُّ له حَوَارا حواراً: أي رجوعاً. 5 - وقال أبو ذُؤيب الهذلي، من قصيدة له في أشعار الهذليين: 27 يصف ثوراً: يَرْمِي بِعَينيه الغُيوبَ، وَطَرْفُه ... مُغْضٍ، يُصدِّقُ طرفه مَا يَسْمَعُ =

............................ ¬

_ = علّق الفراهي في نسخته من جمهرة الأشعار 245: "الغيب: ما يُسمع ولا يُرى صاحبُه" 6 - وقال المداخل بن حرام الهذلي من قصيدة في أشعار الهذليين: 612 يصف بقرة: وَهَادِيَةٍ تَوجَّسُ كُلَّ غَيْبٍ ... إذا سامَتْ لها نفَسٌ نَشيجُ سامت: سرحت، ولها نشيج من الفَزَع. 7 - وقال المعطَّل الهذلي يرثي عمرو بن خويلد، ويشبهه بالأسد من قصيدة في أشعارهم 633: لَهُ أيكةٌ لا يأمَنُ النّاسُ غَيْبَها ... حَمَى رَفْرَفاً مِنها سِبَاطاً وخِروَعَا أيكة: غيضة. الرفرف: شجر مسترسل. سِبَاطاً: طوالا. الخِروَع: كل نبت لين. 8 - وقال أبو دواد الإيادي: رُبَّ هَمٍّ فَرَّجْتُه بِعَزِيمٍ ... وَغُيوبٍ كشَّفتُها بِظُنوني انظر دراسات: 346 رقم 65. 9 - وقال من أصمعية له: 388 يصف إبله: وإذا ما فجِئتَها بطنَ غيبٍ ... قلت نخلٌ قد حان منها صِرامُ 10 - وقال عروة بن الورد (حماسة البحتري: 255): وقلبٍ جَلاَ عَنه الشكوكَ فَإِن تَشَأْ ... يخَبِّرْك ظَهرَ الغيبِ ما أنت فاعِلُ 11 - وقال يزيد بن عمرو يردّ على النابغة الذبياني: تَجدْني كنتُ خيراً منكَ غَيباً ... وأمْضى باللسانِ وَبالسِّنَانِ النصرانية: 717 علق الفراهي في نسخته: "الغيب: الباطن". 12 - وقال المرقِّش الأكبر من مفضلية له: 230 يصف ثوراً: باتَ بغَيبٍ مُعْشِبٍ نبتُه ... مختلطٍ حُرْبُثُه بِالْيَنَمْ الحُربث واليَنَم: بقلتان تنبتان بالسهل. 13 - وقال زهير بن أبي سلمى يصف بقرة، من قصيدة: وتنَفُضُ عنها غيبَ كلِّ خميلةٍ ... وتَخْشَى رُمَاةَ الْغَوثِ من كُلِّ مَرْصَدِ قال ثعلب: تنفض: تنظر هل ترى فيه ما تكره أم لا. الخميلة: رملة فيها شجر. والغوث: قبيلة من طيئ. انظر صنعة ثعلب: 165. 14 - وقال سويد بن كراع العكلي من قصيدة في الأغاني 12: 352 يمدح بغيض بن عامر: =

(68) الفتنة

(68) الفتنة (¬1) فتَنَه: امتحنه. قال تعالى: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} (¬2). ومنه: "الفتنة": لكل ما يختبر به عقل الإنسان وعزمه من لذة وألم (¬3). ومنه: فتنَتْهُ المرأةُ: دَلَّهته، والشيطانُ: أغواه. وفَتَنْتَ الذهَبَ. أدخلتَه في النار لتنظر ما جودتُه، ومنه. دينار مفتون. ورِق فتين: أي فِضّة مُحرَقة. ويقال للحَرَّة: فَتِينٌ، كأنّ حجارتها محرقة (¬4). وكلّ ذلك (¬5) وجوه لمعنى واحد. فقوله تعالى: {يُفْتَنُونَ} (¬6) يلمح أولاً إلى معنى الإحراق، وثانياً إلى أن هذه النار مما فتنتم به في الدنيا من شهواتها وزخارفها التي أنْسَتْكم يومَ الدين، فصِرتم في غمرتها ساهين (¬7). ¬

_ = إنّي لَرافِدُه ودّي ومَنْصَرتي ... وحافظٌ غيبَه إن غابَ أو شهدا غيبه: سرّه. (¬1) تفسير سورة الذاريات: 7، المطبوعة: 59. (¬2) سورة طه، الآية: 40. (¬3) قارن النص المثبت هنا من التفسير بالمطبوعة. (¬4) انظر اللسان (فتن). (¬5) في المطبوعة: فكل. (¬6) يعني قوله تعالى في سورة الذاريات: 13 {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}. (¬7) وقال في تعليقاته (35) يفسر قوله تعالى في سورة البقرة: 191 {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}: الفتنة: التعذيب إكراهاً في الدين: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} الآية [البروج: 10]. {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} الآية [العنكبوت: 10].

(69) الفكر والذكر والآية

(69) الفكر والذكر والآية (¬1) "الفكر": هو النظر فيما وراء الشيء، وربما يسمى "اعتباراً". فهو سُلَّمٌ إلى فوق. فإذا انتهى إلى ما هو المنتهى رجع القهقرَى، أو وقف. ولكن التوقف ليس من شأن الفكر، فلا بدّ من رجعة بعد المنتهى. ولذلك منع عن الفكر في ذات الله إلى الفكر في آلائه. وهذا يشبه انعكاس كل قوة إلى نفسها إذا صادف ما لا تستطيع أن تجاوزه: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} (¬2). وأما "الذكر" فهو: القيام على الشيء، وحفظه، والتجرد له. فهو سكون، كما أن "الفكر" حرَكة. والذكر بعد النِّسيان أو الغفلة مثل ردّ السكون إلى الشيء بعد الذهاب أو الالتفات عنه. وأما "الآية" فتتعلق بكليهما. فبالآية تذكر ما نسيت، وكذلك تحثّك على الفكر، فهي محرّكة لكلتا القوتين. والآية لا تكون آية إلا لمن هو أهل النظر والبصيرة. والآية -لكونها مطيّة النظر والفكر والذكر- تسمى "بصيرة". ومن لا يتنبه للآية فهو كالأعمى، كما قال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (¬3). والآية تنبّه على الذكر، والفكر، والنظر. وعلى التأثر من هذه الثلاث من عواطف النفس مثل الشكر والخشية والإنابة والتضرع والعزم والثبات وغيرها. فتأمل في قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ ......................... المِيعَادَ} (¬4). ¬

_ (¬1) المطبوعة: 59 - 60. وانظر ما سلف في ص 34. (¬2) سورة الملك، الآية: 4. (¬3) سورة الحج، الآية: 46. (¬4) سورة آل عمران، الآيات: 190 - 194. وتمام قوله تعالى: =

(70) قاتل واقتتل

(70) قَاتَلَ واقتَتَلَ (¬1) الأوّل بين المخالفين، والثاني بين رجال قوم واحد (¬2). فإنّ الافتعال فعل يتعلق بفاعله. قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} (¬3). وكذلك في سورة الحجرات: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (¬4). ¬

_ = { ... الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ}. (¬1) الدفتر الثاني: ق 56، المطبوعة: 60. (¬2) (قاتل) متعدّ، و (اقتتل) لازم ومثله تقاتل. ولا وجه لتخصيص (اقتتل) برجال قوم واحد. وقد جاء كثيراً للقتال بين المسلمين والكفار. ومنه حديث المقداد بن عمرو الكندي أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار، فاقتتلنا فضرب إحدى يديّ بالسيف، فقطعها ثم لاذ منّي بشجرة، فقال: أسلمت لله، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تقتله ... الحديث أخرجه البخاري في كتاب المغازي. (الفتح 7: 321). وفي صحيح مسلم في كتاب الفتن من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: تقتتلون أنتم ويهود حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي، تعال فاقتله" (النووي 9: 259) وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التقى هو والمشركون فاقتتلوا ... الحديث. (النووي: 1: 484). (¬3) سورة البقرة، الآية: 253. (¬4) سورة الحجرات، الآية: 9.

(71) كفر

فانظر كيف أتى أولاً (¬1) بكلمة "اقتتلوا" فإذا لم يقبل (¬2) الإصلاح وتمادى بغيه جاء بكلمة "قاتلوا". (71) كفر (¬3) كفَرَ، كنَصرَ (¬4): سَتَرَ. قال لَبِيد (¬5): فِي لَيلةٍ كفَرَ النجومَ غَمامُهَا (¬6) ومنه الكافر: للبحر (¬7). قال ثَعَلَبَةُ بن صُعَير المازِني (¬8): ¬

_ (¬1) سقط "أولاً" من المطبوعة. (¬2) يعني الفريق الباغي. (¬3) تفسير سورة البقرة: 55، المطبوعة: 62. (¬4) في الأصل: كضرب. وهو من سبق القلم. والصواب من المطبوعة. (¬5) هو لَبيد بن ربيعة العامري. صحابي مخضرم من أشراف الشعراء المجيدين وأصحاب المعلقات. سكن كوفة ومات بها سنة 41 هـ. ابن سعد 33:6، ابن سلام: 135 - 136، ابن قتيبة: 274 - 285، الأغاني 15: 291 - 306، الآمدي: 264، الإصابة: 7547، الخزانة 2: 246 - 251. (¬6) في الأصل والمطبوعة: ظلامُها، وهو سهو، صدر البيت: يَعلُو طَرِيقةَ مَتْنِها مُتَوَاتِرٌ والبيت من معلقة لبيد في ديوانه: 309، وجمهرة الأشعار: 365، وشرح ابن الأنباري: 560. وهو في وصف بقرة وحشية شبّه بها ناقته. طريقة المتن: ما بين الحارك إلى الكفل. متواتر: مطر متتابع. (¬7) وقد فُسّر "الكافر" في بيت ثعلبة وبيت لبيد الآتي بالليل وبالبحر، انظر المقاييس 5: 191. أما المؤلف فقد فسره بالبحر في موضع آخر أيضاً، فقال وهو يتكلم على مثل الظلمات الوارد في سورة النور: "قد شبه الكفر بالبحر اللجّي، فانظر حسن موقع هاتين اللفظتين عند أفهام العرب، فإنهم كانوا يسمّون البحر كافراً لأنّ الكفر هو الستر". ثم أنشد قول لبيد "حتى إذا ألقت يداً في كافر" وفسّره: "أي إذا غربت الشمس في البحر". (¬8) في المطبوعة: صُعَيرة، وكذا في اللسان (كفر) والصواب صُعَيْر، بدون تاء، كما في =

فتَذَكَّرَا ثَقَلاً رَثِيداً بعدَما ... ألْقَتْ ذُكاءُ يَمينَها في كافرِ (¬1) ومنه: كَفَرَه: جحد بنعمته، فسَتَرَها، ضد شكره، كما قال تعالى: {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (¬2). ¬

_ = الأصل. وهو شاعر جاهلي قديم. قال الأصمعي: ثعلبةُ أكبر من جدّ لَبِيد. انظر شرح المفضليات للأنباري: 254، واللآلي: 769 واللسان (صعر). (¬1) البيت من قصيدة له في المفضليات: 130، والأنباري: 257 والتبريزي: 619. وهو من الشواهد المشهورة. انظر مثلاً: إصلاح المنطق: 49، 339، والمعاني الكبير: 358، والمقاييس 2: 487، 5: 191، واللسان (رثد، كفر، ثقل، يدي، ذكا). يصف الشاعر في البيت ظليما ونعامة تذكرا بيضهما فأسرعا إليه عند غروب الشمس. ثَقَلاً رَثِيداً: بيضاً منضوداً بعضه فوق بعض. ذُكاءُ: اسم للشمس. ألقت يمينها في كافر: قال الأنباري: "أي تهيأت للمغيب، كما تقول: وضع فلان يده في الدنيا، ووضع يده في إنفاق ماله: إذا ابتدأ. فسرق هذا المعنى لبيد من ثعلبة بن صُعَير -وثعلبة أكبر من جد لبيد- فقال يذكر الشمس: حتّى إذا ألْقَتْ يداَ في كافرٍ ... وأجَنَّ عَوراتِ الثغورِ ظلامُها وسرق هذا المعنى ذو الرّمة من لبيد، فقال: ألا طَرَقَتْ مَيٌّ هَيوماً بذكرِها ... وأيدي الثريَّا جُنَّحٌ فِي المغارِبِ وقوله: "يمينها في كافر" يعني "الليل". وقد كشف المؤلف رحمه الله عن بلاغة هذه الاستعارة في تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: 195 {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فقال في تعليقاته: 36 "شبه الهلاك بالماء الغمر، والذي يلقي نفسه فيه كمن يرمي نفسه في الماء، فيلقي بيديه فيه مُكِبًّا كما قال لبيد: حتى إذا أَلْقَتْ يداً في كافرٍ وكانوا يشبهون النجوم عند غروبها كمن يساقط نفسه في الماء، كما قال أعرابي: "خرجتُ حيث انحدرتْ أيدي النجوم وشالَتْ أرجلُها" وليس هناك يد ولا رجل، ولكنه أراد سقوط النجوم في المغرب. وقد فهم من فسَّره: لا تلقوا بأنفسكم. ولكن لم يفهم من ظنّ أن اليد بمعنى النفس". ومنه قول لبيد أيضاً (ديوانه: 14): فلمّا تَغَشَّى كُل ثَغْرٍ ظلاَمُهْ ... وأَلْقَتْ يَداً في كافرٍ مُسْيَ مَغرِبِ تجافيتُ عنه، واتّقاني عِنانُه ... بشدٍّ مِن التقريبِ عَجْلانَ مُلْهَبِ (¬2) سورة الإنسان، الآية: 3.

وقال تعالى: {أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ} (¬1). وفي دعاء القنوت: "ونشكرك ولا نكفركَ" (¬2). وبالباء: أنكره (¬3)، ضد آمن به، كما قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} (¬4). وعند الإطلاق يراد به إنكار ما ينبغي الإيمان به، كما قال تعالى: {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} (¬5). وهذا كثير. وربما يراد به كفران النعمة، كما مرّ. (ف) (¬6) اعلم أن هذه المادة قديمة جداً. فتوجد في غير اللغة السامية، مثلاً: كَوَرْ" [ cover] (¬7) في الإنكليسية: بمعنى ستر وغطّى (¬8). وفي العربية "كوّر": لفَّ. ومنها "غَفَرَ": سَتَر -ومنه المِغْفَر- و "غَمَرَ". وأيضاً من كَفَرَ: "اكفَهَرَّ": اغبرَّ وكَلَحَ (¬9). ¬

_ (¬1) سورة هود، الآية: 68. (¬2) انظر الأذكار: 58. (¬3) في الأصل: أنكر به، والتصحيح من المطبوعة. (¬4) سورة البقرة، الآية: 256. (¬5) سورة التغابن، الآية: 2. (¬6) أي "فائدة" وهي ساقطة من المطبوعة. (¬7) المعقوفان وما بينهما زيادة من المطبوعة. (¬8) أصلها اللاتيني مركب co-oprire و co ليس جزءاً من الكلمة وإنما هو سابقة. انظر معجم أكسفورد الكبير 2: 1102. وقد نبّه على ذلك أستاذنا الدكتور ف، عبد الرحيم حفظه الله. (¬9) الناظر في الحروف التي يقع فيها الإبدال في العربية أو بين العربية وأخواتها لا يستبعد الصلة بين المواد التي ذكرها المؤلف.

(72) الكوثر

(72) الكوثر (¬1) الكَوْثَر: مبالغة الكثير، فهو: ذو كثرة عظيمة وبركة وثروة. فإن الكُثرْ هو: الثروة. وقد سمّوا به الرجال، كما سَمّوهم بكَثِير وكُثَيِّر. وترى استعماله على طريق الصفة في قول لبيد: وصاحِبُ مَلْحوبٍ فُجِعنا بموته ... وعند الرِّداعِ بيتُ آخرَ كوثَرِ (¬2) وفي قول أميّة بن أبي عائذ الهذلي (¬3): يُحَامِي الحقيقَ إذا مَا احْتَدَمْـ ... ـنَ حَمْحَمَ في كوثَرٍ كَالجِلاَلِ (¬4) ¬

_ (¬1) تفسير سورة الكوثر: 2 - 3، الفصل الثاني. المطبوعة: 62 - 63. (¬2) من قصيدة له في ديوانه: 52، والبيت وحده في السيرة 1: 421 والبلدان (رداع 3: 39، ملحوب 5: 191) واللسان (ردع) والعجز وحده في اللسان (كثر) صاحب ملحوب: في شرح الطوسي أنه عمرو بن خالد بن جعفر، وملحوب: فرَس، والرداع: موضع وصاحبه عوف بن الأحوص. وقال أبو عمرو وابن هشام وياقوت إن ملحوباً: أرض، وصاحبه عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب، أي مات ثَمَّ. أما الذي عند الرداع فهو شريح بن الأحوص. ومثله قول المخبَّل السَّعدي يصف اجتماع أحياء سعد من بني منقر وغيرهم إلى قيس بن عاصم وتعويلهم عليه في أمورهم. انظر سيبويه 3: 600 واللسان (أهل): وهُمْ أهَلاَتٌ حول قيسِ بن عَاصمٍ ... إذا أدْلَجوا باللَّيلِ يَدْعُون كوثَرا وقال الكُمَيت بن زيد يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان (السيرة 1: 422): وأنتَ كَثيرٌ يا ابنَ مَروانَ طَيِّبٌ ... وكان أبوك ابنَ العقائل كَوثرَا (¬3) شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية وأحد مدّاحي بني مروان. وهو مخضرم على ما في الإصابة عن المرزباني. ابن قتيبة: 667، الأغاني: 23: 163 - 166، الإصابة: 488. الخزانة: 435 - 436. (¬4) من قصيدة له في أشعار الهذليين: 504. والبيت وحده في السيرة 1: 422، وغريب القرآن: 541، واللسان (كثر). والعجز في المقاييس 5: 161 بدون نسبة. حَمْحَمَ: في المطبوعة من اللسان: "وحمحمن". ورواية الديوان وسائر المصادر كما في الأصل. يصف الشاعر في البيت حماراً وعانتَه. الحقيق: ما يحق عليه أن يحميه. =

فاستعمل الصفة بتقدير الموصوف: أي في غبار كوثَرٍ. وقد جعلوا منه فعلاً، كما قال حَسَّان بن نُشْبَةَ (¬1): أبَوا أنْ يُبِيحُوا جارَهُم لِعَدُوِّهِم ... وقَد ثارَ نَقْعُ الْمَوتِ حتَّى تكوثَرَا (¬2) فالكوثر هاهنا (¬3) من جهة اللسان محتمل لثلاثة وجوه من التأويل: (1) الأول أنه منقول إلى الاسمية، فصار مختصاً بشيء وسماه الله تعالى بالكوثر. (2) والثاني أنه صفة قدِّر موصوفها، فصار له بعض التخصيص، كقولهم: "مُرْدٌ على جُرْدٍ" (¬4) أي رجالٌ مُرْدٌ على خيلٍ جُرْدٍ. وكقوله تعالى: ¬

_ = احتدمن: اشتد عَدْوُهن. الجِلال: جمع جُلّ، وهو شراع السفينة. وذكر السكري أنه شبه الغبار بجِلال الدوابِّ. (¬1) من شعراء الحماسة. قال أبو الندى: هذا الاسم مصحف، والصواب: جِسَاس بن نُشْبَة واياه عنى جرير في قوله يهجو جَخدَب بن جَرعَب النسّابة: لَقَدْ شَهِدَتْ تَيْمٌ على أم جَخْدَب ... وكانَ سَرَاةَ التَّيمِ رَهْطُ جسَاسِ (إصلاح ما غلط فيه النمري: 68). وهو جساس بن نُشْبة بن رُبيَع بن عمرو بن عبد الله بن لؤي، من بني تيم بن عبد مناة. من ولده مزاحم بن زفر بن علاج بن مالك بن الحارث بن عامر بن جساس، كان شريفاً بالكوفة، روى عن شعبة. انظر جمهرة الكلبي: 281 - 282، وابن حزم: 199، والتأج. وقال الكلبي: لم أسمع بجِساس مخففاً في العرب غير هذا. (¬2) من حماسية له في المرزوقي: 338 والتبريزي 1: 177، والبيت وحده في اللسان (كثر) والعجز وحده في الصحاح (كثر). أَبوا: الفعل لبني تيم. وقال القعقاع بن عمرو التميمي وهو من فرسان القادسيّة يذكر يوم بُزاخة من أبيات في معجم البلدان 1: 408. وأفلتهنَّ المُسحَلانِ وقد رأى ... بعينيه نقعاً ساطعاً قد تكوثرا (¬3) يعني "في سورة الكوثر" كما في المطبوعة بدل "هاهنا". (¬4) قال عَمْرو بن معد يكرب الزُّبَيدي من أصمعية له: 129 في الديوان: 52. ومُرْدٍ عَلَى جُرْدٍ شَهِدتُ طِرادَها ... قُبيلَ طلوع الشمسِ أو حِينَ ذرَّتِ وقال أُمَيَّة بن أبي الصلت (السيرة 3: 33 والديوان: 351): =

{والذاريات} (¬1). أي الرياح الذاريات. {ذَاتِ ألواحٍ ودُسُرٍ} (¬2). أي فُلْك ذات ألواح ودسر (¬3). وهذا كثير في القرآن وكلام العرب. ولكنه لا يوجد إلا إذا كانت الصفة خاصة بالموصوف، فيفهم من ذكر مجرد الصفة، أو دَلَّتْ على الموصوف قرينة أخرى. (3) والثالث أنه وصف باقٍ على عموم معناه كأسماء الصنف التي تقع على القليل والكثير، ولا تختص، وحينئذٍ يكون من جوامع الكلم. ويحتمل كلّ ما كان فيه خير كثير، ويُحمل -حسب القرائن- على بعض الأفراد (¬4). ¬

_ = مُرْداً على جُرْدٍ إلَى ... أُسْدٍ مكالِبَةٍ كوَالِحْ يصف حدّة المسلمين في الحرب. الكوالح: عوابس. وقال القتَّال الكلابي من شعراء الدولة المروانية من قصيدة في ديوانه 74: ومُرْدٍ عَلى جُرْدِ يَسارٍ لمجلسٍ ... كرامٍ بأيديهم مَوَارِنُ ذُبَّلُ موارن ذبَّل: يعني الرماح اللينة. وقال القطامي من قصيدة، يمدح بها هَمَّام بن المطرف بن معقل (ديوانه 130): تذكرت همَّاماً وذكَّرني به ... زمانٌ كأحناءِ الرحالة آزِمُ بأبيض ما يَنفكُّ عاقِدَ رَايه ... لمُرْدٍ على جُردٍ لهنّ هَمَاهِمُ اَزم: شديد العضّ يعني شديد القحط. الهمهمة: ترديد الصوت في الصدر. (¬1) سورة الذاريات، الآية: 1. (¬2) سورة القمر، الآية: 13. (¬3) الدُسُر: المسامير،. واحدها: دِسَارٌ. (¬4) تعليق المطبوعة: انظر في تفسير سورة الكوثر للمصنف رحمه الله تجد هناك بعض التفصيل والقول الراجح.

(73) متاع

(73) (¬1) مَتاع المتاع: مصدر، ثم اسم لما يتمتع به. ومنه للسلعة. والمتاع يتضمن قلّة المدة. فربما يؤكّد بالتصريح بها (¬2)، وربما يكتفى بما يفهم منه، كما قال تعالى: {مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} (¬3). أي تمتع لمدة قليلة (¬4). والشواهد على ما ذكرنا كثيرة (¬5). ¬

_ (¬1) تفسير سورة عبس: 19، المطبوعة: 64. وقال في تفسير سورة البقرة (ق 92): "هو النفع والانتفاع، ومنه لكل ما ينتفع به. ومنه للسلعة. وعلى كل هذه الوجوه جاء في القرآن مثلاً ... ". (¬2) نحو قوله تعالى في سورة آل عمران: 197 {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} وانظر النحل: 117، والنساء: 77، والتوبة: 38. وقال عز وجل في سورة البقرة: 36 والأعراف 24: {مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} وانظر الأنبياء: 111. (¬3) سورة يونس، الآية: 70. (¬4) ونحو قوله تعالى في سورة غافر: 39 {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} وقوله تعالىِ في الرعد 26: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ}. (¬5) ومن الشواهد الشعرية قول تأبط شراً من مفضلية له (30): 1 - عاذلتي إنّ بعضَ اللَّوم مَعْنَفةٌ ... وهَل متاعٌ وإن أبقيتُه باقِ وقال الحادرة وهو مطلع مفضليته (43): بَكرَتْ سُمَيَّة بُكرةً فَتَمتَّع ... وغَدَتْ غُدُوَّ مفارقٍ لم يربَعِ 3 - وقال مُتَمِّم بن نُويرة من مفضلية له (49): ولَقد حرصتُ على قليل متاعها ... يوم الرحيل فدمعُها المستَنفَعُ 4 - وقال مُشَعَّث العامري من أصمعية له (48): تَمتَّع يا مشعثُ إن شيئاً ... سبقتَ به الوَفاةَ هو المتاعُ 5 - وقال الصِمَّة بن عبد الله القشيري من حماسية في المرزوقي 1240: تَمتَّعْ مِن شميم عَرَارِ نَجدٍ ... فما بعدَ العشِيَّة مِن عَرارِ =

(74) مصدقا لما بين يديه

(74) مُصدِّقاً لِما بَيْن يَدَيْهِ (¬1) كلمتان، لم يفهمهما أكثر الناس، فظنّوا أن القُرآن يشهد بالكتب المحرفة المبدَّلَة: أما "مصدِّقاً" فقد كان مظنّة للشبهة، لاشتراكِ كلمة "التصديق". وأما "بين يديه" (¬2) فلجهل الناس بالعربية، لا سيّما في هذا الزمان. فاعلم أن "صَدَّقَه" له معنيان: (1) شهد بِصدق رجل أو كلام (¬3). (2) والمعنى الثاني أنْ جعله صادقاً فيما توقَّع. قال الحماسي (¬4): فَدَتْ نَفْسِي وَمَا مَلكَتْ يَمِيني ... فَوارِسَ صَدَّقَتْ فِيهم ظُنوني (¬5) ¬

_ = 6 - وقال ابن ميّادة من حماسية في المرزوقي: 1355 وانظر شعره: 206: وما أنسَ مِ الأشياء لا أنسَ قولَها ... وأدمعُها يُذرينَ حَشوَ المَكاحِلِ تمتَعْ بذا اليومِ القصير فإنَّه ... رهينٌ بأيام الشهورِ الأطاولِ (¬1) الدفتر الأول: ق 27، المطبوعة: 64 - 67، وانظر مقال الأستاذ بدر الدين الإصلاحي في مجلة الإصلاح 1: 11، 2: 6؛ 7. وقد بسط فيه رأي المؤلف. (¬2) "بين يديه" من الكلمات التي كان المؤلف ينوي شرحها في هذا الكتاب ولكن لم يتيسر له، إلا أنه فسرها في تعليقاته على سورة المائدة: 46، 48 (106) والأنعام: 92 (128) بما "نُزل قبلَه". (¬3) في الوجه الأول يتعدى الفعل بنفسه، تقول: صدّقتُ الرجلَ. أما الوجه الثاني فقد جاء فيه في القرآن الكريم متعدياً بالباء، كقوله تعالى: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} التحريم: 12 وقوله {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} آل عمران: 39 - (ن). (¬4) هو أبو الغُول الطُهَوِي. وهو من قوم من بني طُهَيّةَ يقال لهم: بنو عبد شمس، ويكنى "أبا البلاد" من شياطين الأعراب وشعراء الدولة الأموية. انظر الحيوان 235:6 والآمدي: 245 والخزانة 440:6 والسمط: 580 وانظر الشعر في الخزانة 552:9 عن الأغاني 82:6. وانظر شرح الحماسة للتبريزي 1: 14. (¬5) من حماسية له في المرزوقي: 39 والتبريزي 1: 15، والحيوان 3: 106، والقالي =

في القرآن: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ} (¬1). ثم إذا تأملت في مواقع هذا القول، عَلِمت أن المراد هو المعنى الثاني. فإنّ النبي -والقرآنَ- جاء كما أخبرت به التوراة، فجعلها صادقة. فإن كذَّبوا القرآن والنبي يكن ذلك تكذيباً لكتبهم. وهذا أيضاً يظهر إذا تأملت أن محمداً وعيسى عليهما الصلوات يأتيان (¬2) بهذا القول مُسْتدلَّينِ بصحة نبوتهما. فأيّ استدلال في أنهما يشهدان بصدق ما عند اليهود؟ أرأيت (¬3) إن تنبأ أحد في هذا اليوم، وقال: إني آمنت بالأنبياء، وأنا نبيّ مثلهم، فهل يكون هذا حجةً على دعواه؟. أما موقع الآية، فقال تعالى: (1) (¬4) {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (¬5). ¬

_ = 1: 260، واللآلي: 580 ومن الحيوان واللآلي في الخزانة 6: 434. وأورد ابن قتيبة أبياتاً منها في الشعراء: 429 معزوة إلى أبي الغول النهشلي. في الأصل: (صدّق) سهو، وما أثبتناه من المطبوعة. ووواية المرزوقي والقالي: صدّقوا. ومن شواهد معنى التصديق هذا قول ساعدة بن جُوَيّة الهذلي من قصيدة في أشعار الهذلين 1118: فَحَبَتْ كَتيبَتُهم وصَدَّقَ رَوْعَهُم ... مِنْ كُلِّ فَجٍّ غَارَةٌ لا تَكذِبُ حَبَتْ: أي تهيأت للقتال وعطفت. وقد مضى قول قَيس بن عَيزارة الهذلي في ص 218 (الضريع): وإذا جَبانُ القومِ صدَّق نفرَه ... حَبضُ القِسِيِّ وَضَرْبةٌ أخدودُ سبأ، الآية:20. (¬1) سورة سبأ، الآية: 20. (¬2) في الأصل والمطبوعة: يأتون، مستدلاً، أنهم يشهدون. (¬3) "أرأيت" سقط من المطبوعة. (¬4) هذا الرقم في الأصل فوق "الآية" في السطر السابق. (¬5) سورة البقرة، الآية: 101.

أي لما جاءهم محمد - صلى الله عليه وسلم - حسب ما وجدوا في كتبهم، أعرضوا عن كتبهم، وأنكروه، كأنهم لا يعلمون. وقبل هذه الآية: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (¬1). فاستدلّ بأنّ فريقاً منكم عاهدوا بالإيمان بهذا النبي، فكيف تنبذون ذلك العهد؟ ولكنكم غير مؤمنين (¬2) وقد ذكر في سورة آل عمران عهدهم بإيمان نبي يأتيهم بصفات محمد عليه الصلوات (¬3). (2) (¬4) ومثل ذلك ما قال: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (¬5). أي جاء هذا الكتاب حسب ما وُعدوا في كتبهم مع وعد النصر بالإيمان بصاحب هذا الكتاب، فكانوا يستفتحون على الكفار. ولكن لما جاء الكتاب، وعرفوا أنه حسب ما وعدوا، جحدوا به، فلعنة الله على الكافرين. وهذه اللعنة أيضاً موعودة في كتبهم بتفصيل طويل. (3) في سورة يوسف: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (¬6). ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 100. (¬2) مقتضى لفظ الآية أن يقال: فاستدلّ بأنكم عاهدتم جميعاً بالإيمان بهذا النبى، فكيف ينبذ فريق منكم ذلك العهد، ولكن أكثركم غير مؤمنين (ن). (¬3) وهو قوله تعالى في سورة آل عمران: 81 {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}. (¬4) سقط الرقم 4 من المطبوعة. (¬5) سورة البقرة، الآية: 89. (¬6) سورة يوسف، الآية: 111.

فهاهنا (¬1) ذكر التصديق، لا من جهة إثبات القرآن، بل لإظهار فوائد القرآن، لأنه يثبت ما سبقه، ويفصّل، ويهدي، وهو الرحمة، فما أبعده عن الحديث المفترى!. (4) في الأحقاف: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} (¬2). أي لأنه يهدي إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، فهو على نمط كتاب موسى. فكما أنه حق، هذا حق، ويثبت ما سبق، ولا يبطله في أمر الهداية. (5) في سورة الصف: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (¬3). فاستدلّ عيسى عليه الصلوات على نبوّته من جهتين: بإخبار خاص عن نبيّ بعده، وبأن قد أُخبر عنه في كتبهم، ثم الآية التالية: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (¬4). تؤيد هذا المعنى، فإنهم إذا لم يؤمنوا بما أخبرت عنه التوراة، فقد افتروا على الله كذباً لإنكارهم ما أنزِل في التوراة من الله. وقوله: {وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ} يضيّق عليهم بابَ الفرار، فإنّ النبي الموعود جاء، ويدعوهم إلى دين الحق، فهم كذبوا على الله ومرقوا من الإسلام. في سورة القصص (53): {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ}. ¬

_ (¬1) سقط (فهاهنا) من المطبوعة. (¬2) سورة الأحقاف، الآية: 30. (¬3) سورة الصف، الآية: 6. (¬4) سورة الصف، الآيتان: 7 - 8.

أي وُعِدوا بالنبي وصفته الخاصّة، فوجدوا في القرآن تلك الصفة، وقالوا: إنّا كنا مسلمين بهذه الآيات (¬1) إجمالاً: وهو إكمالُه الدينَ، ووضْعُ الإصر والأغلالِ. (6) في سورة النساء (47): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ}. فهذا الوعيد الشديد ينبغي أن يكون على عصيانِ أمرٍ كتِب عليهم. ثمّ نرى أن قبل هذه الآية حكماً (¬2) يهدي إلى أن النبي الموعود هذا النبي: وهو تحريم الخمر قبل الصلاة. انظروا المقدمة على البشارات (¬3). وقد ذكر الرازي (¬4) رحمه الله وغيره (¬5) المعنيين من غير تخصيصه بالمعنى الثاني، فتركوا الأمر مشتبهاً. ولم يتبين لهم وجه الاستدلال من مواقع الكلام. قال الرازي رحمه الله (¬6): "اعلم أن معنى كون الرسول مصدقاً لما معهم هو أنه كان معترفاً بنبوة موسى عليه السلام وبصحة التوراة، أو مصدقاً لما معهم من حيث إنّ التوراة ¬

_ (¬1) لا يقال: أسلم به، ولكنه ضمّن معنى الإيمان. (¬2) في المطبوعة: حكم. (¬3) العبارة "انظروا ... البشارات" سقطت في المطبوعة. والمؤلف يعني كتاب البشارات له. وقد ذكره أيضاً في مسودة كتابه (الرسوخ في معرفة الناسخ والمنسوخ، وسماه هنا مقدمة، لأن كثيراً من كتبه في علوم القرآن -في الأصل- من مقدمات تفسيره، أفردها لتوسع مباحثها. ولم نجد هذا الكتاب في ذخيرة مسوداته، فلعله لم يتمكن من تأليفه. (¬4) هو أبو عبد الله محمد بن عمر التيمي البكري، فخر الدين الرازي (544 - 606 هـ) العلاّمة المتفنن، وحيد عصره في المعقولات، صاحب التفسير الكبير. ابن خلكان 248:4، الأعلام 313:6، معجم المؤلفين 11: 79. (¬5) في الأصل: غيرهم، والصواب من المطبوعة. والعبارة "وقد ذكر الرازي" إلى آخرها وردت في الأصل في الحاشية، ووضعت في المطبوعة في غير مكانها. (¬6) في تفسير الآية الأولى التي استدل بها المؤلف رحمه الله، وهي الآية الكريمة 101 من سورة البقرة.

بشرت بمقدم محمد - صلى الله عليه وسلم -. فإذا أتى محمد - صلى الله عليه وسلم - كان مجرد مجيئه مصدّقاً للتوراة. أما قوله {نبذ فريق} فهو مثل لتركهم وإعراضهم عنه بمثل ما يرمى وراء الظهر استغناء عنه وقلة التفات إليه (¬1) أما قوله تعالى {مِنَ الذِينَ أُوتواْ الكتاب} ... " (¬2). وقال الرازي رحمه الله في تفسير الآية الثانية (¬3): "المسألة الأولى: لا شبهة في أن القرآن مصدّق لما معهم في أمر يتعلق بتكليفهم بتصديق محمد - صلى الله عليه وسلم - في النبوة. واللائق بذلك هو كونه موافقاً لما معهم في دلالة نبوته، إذ قد عرفوا أنه ليس بموافق لما معهم في سائر الشرائع (لم يفهم معنى الموافقة) (¬4) وعرفنا أنه لم يرد الموافقة في باب أدلّة القرآن، لأنّ (¬5) جميع كتب الله كذلك. ولما بطل الكل ثبت أن المراد موافقته لكتبهم فيما يختص بالنبوة وما يدلّ عليها من العلامات والنعوت والصفات" (¬6). ألا ترى أنّ الرازي رحمه الله يجتهد في (¬7) إثبات النبوة من هذه الآية، فهو مصيب فيما تحرّى، وموقع الكلام يهدي إليه. أما دليله فكما ترى!. ثم قال تحت قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} قولاً ضعيفاً يدلّ على قلّة معرفته بالتوراة والقرآن معاً، لما قال: "لم يعرفوا [نبوته] بمجرد تلك الأوصاف بل بظهور المعجزات صارت تلك الأوصاف كالمؤكدة" (¬8). ¬

_ (¬1) (إليه) زيادة من المطبوعة. وقد سقط في الأصل. (¬2) التفسير الكبير 3: 301. (¬3) التي استدلّ بها المؤلف رحمه الله. وهي الآية الكريمة 89 من سورة البقرة. (¬4) من تعليق المؤلف على كلام الرازي. (¬5) في المطبوعة: لأنّه، خطأ مطبعي. (¬6) التفسير الكبير 3: 180. (¬7) في المطبوعة: إلى. (¬8) التفسير الكبير 3: 301، وما بين المعقوفين تكملة منه.

(75) مكة

(75) مكّة (¬1) اختلفوا في اشتقاق مكة (¬2). ولا شك أنها مبدّلة من "بكّة" لمجيئها في القرآن (¬3). وهكذا كان اسمها عند حلول إسماعيل عليه السلام وذرية إبراهيم عليه السلام في واديها. وهذه الكلمة معناه: المستعمرة (¬4)، كما ترى في لفظ ¬

_ (¬1) الدفتر الثاني: ق 18 "معنى كلمة مكة". المطبوعة: 67. وفي الدفتر نفسه: ق 7 تحت عنوان "اسم مكة" ما يلي: "حكى مصعب بن عبد الله الزبيري قال: كانت مكة في الجاهلية تسمى صلاحاً لأمنها. وأنشد قول [أبي] سفيان بن حرب بن أمية: أبا مطَرٍ هلمّ إلى صلاح ... فيكفيك الندامى من قريش وتنزلُ بلدةً عزّت قديماً ... وتأمنُ أن يزورك رَبُّ جيش" والبيتان لأبي سفيان في البلدان (صلاح) ولكنهما في معجم البكري: 269 (بكة) لأبيه حرب بن أمية يدعو أبا مطر الحضرمي إلى حلفه ونزول مكة. ومثله في اللسان (صلح) وزاد: "وقيل هو للحارث بن أمية". وأنشد البكري قول الشاعر في رثاء هشام بن المغيرة: تبكي عليه صلاحٌ كلما طلعت ... شمسُ النهار وتبكي شجوَه المُدنُ والشاهد في الشعرين صرف صلاح. قال ابن برّي: والأصل أن تكون مبنية كقطام. وأنشد قول الشاعر" منّا الذي بصلاحِ قام مؤذّناً ... لم يَستكِنْ لِتهدُّدٍ وتنمُّرِ يعني خبيب بن عدي. انظر اللسان (صلح). (¬2) انظر أقوالهم في اشتقاق مكة وبكة في معجم البكري: 269 والبلدان واللسان وكتب التفسير. (¬3) وهو قوله تعالى في سورة آل عمران: 96 {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}. (¬4) وقال المؤلف في كتابه الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح: 97 (الفصل 32 في الاستدلال الثالث عشر بما جاء في القرآن على سبيل إبطال ما افترت اليهود في أمر إسماعيل عليه السلام) وهو يفسر قوله تعالى في سورة آل عمران: 96 - 99 {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} إلى قوله {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ويكشف عما تتضمنه =

"بعلبك" (¬1). وهذه الكلمة هي التي تبدلت في العربية: "بُقعة" (¬2). وأصلها من الفارسية. وهي: "بغ"، كما ترى في "بغداد" (¬3). ومنها كلمة "باغ" للبستان. ¬

_ = من احتجاج وردّ على أهل الكتاب الذين أبهموا مكان البيت الذي بناه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بمكة: "ثم ذكر البلد باسم (بكة) بمعنى البلدة، كما سماه إبراهيم عليه السلام، ودلّ به على تحريفهم في مزمور 84 حيث جعلوه (وادي البكاء) ". وجاء في المزمور المشار إليه (5 - 7): "طوبى لأناس عزّهم بدُ، طرق بيتك في قلوبهم. عابرين في وادي البكاء يصيّرونه ينبوعاً. أيضاً ببركات يغطّون مورة. يذهبون من قوة إلى قوة. يُرَون قدّام الله في صِهيون". وقد أثبت المؤلف رحمه الله في كتابه المذكور أن (مورة) تحريف (المروة) وهو موضع قربان إسماعيل عليه السلام، وأن "قدام الله" أو "أمام الرب" تعبير شائع في كتبهم عن النذر وخدمة بيت الله. فعبارة المزمور تشير إلى حجج بيت الله وطوافهم وسعيهم. أما "في صهيون" فزيادة مختلقة. (¬1) معناه: مدينة بعل. واسمها في اليونانية: "هليو بوليس" أي مدينة الشمس. وهي مدينة قديمة على بعد 85 كِيلاً من بيروت في سهل البقاع عند سفح جبل لبنان الشرقي. كانت من أهم المدن في العصر الروماني. فتحت صلحاً على يد أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه سنة 16 هـ. انظر المعجم الكبير 2: 427. (¬2) كلمة "بقعة" موجودة في العبرانية وآرامية العهد القديم [. . .] (بِقْعَة) والسريانية [. . .] (فِقَعْتَا) بمعنى الوادي والسهل. وقد أطلقت على (بعلبك) في سفر عاموس 1: 5 [. . .] (بقعة الوثنية) مما يشير إلى أن كلمة "بقعة" في اللغات العربية والعبرانية والآرامية نظيرها "بكّة" في البابلية. (¬3) هي مدينة إسلامية بناها أبو جعفر المنصور وانتقل إليها مركز الخلافة عام 146 هـ. ولكن اسمها "بغداد" جاهلي قديم وقد تضاربت الآراء في تفسير هذا الاسم مع الاتفاق على أنه فارسي. فقال M.streck في مقاله في دائرة المعارف الإسلامية 7:369: "فارسي من غير شك ومعناه: عطيّة الله أو هبته". وقد مال الكتاب المحدثون بوجه عام إلى هذا التفسير. انظر برهان قاطع 1:288 حاشية المحقق. والمعجم الكبير 2: 434. ولكن عبد الرزاق الحسني علّق على الرأي المذكور فقال: "قد تحقق اليوم أن اللفظة ليست بفارسية، بل هي آرامية تفيد معنى باب الإله أو باب الضأن أو دار الغزل .. " وقد ورد ذكر مدينة "بغدادو" في وثيقة بابلية ترجع إلى عصر حمورابي (1792 - 1750 ق. م) سادس ملوك سلالة بابل الأولى، وتكرر اسمها في العصر الكشّي (1500 =

(76) المن

ولما جاء إبراهيم عليه السلام من ملك بابك جعل لمكة اسماً من لسانه (¬1). (76) المَنّ (¬2) هذه كلمة مأخوذة من أهل الكتاب، وعرفتها العرب، قال أعشى ميمون: لو أُطْعِمُوا الْمَنَّ والسَّلْوَى مكانَهُمُ ... ما أبْصَرَ النّاسُ طُعْماً فيهِمُ نَجَعَا (¬3) وأهل الكتاب لم يهتدوا لاشتقاقها. ففي سفر الخروج (16:13 - 15، 21): "فكان في المساء أن السلوى صعد وغطَّت المحلّة، وفي الصباح كان سقيط الندى حَوالي المحلّة. ولما ارتفع سقيط الندى إذا على وجه البرّيّة شيء دقيق مثل قشور، دقيق كالجليد على الأرض. فلما رأى بنو إسرائيل قال بعضهم لبعض: مَنْ هو؟ لأنهم لم يعرفوا ما هو. فقال لهم موسى: هو الخبز الذي أعطاكم الربّ لتأكلوا ... وكانوا يلتقطونه صباحاً فصباحاً كلّ واحد حسب أكله، وإذا حميت الشمس كان يذوب". وهذا الاشتقاق كما ترى. والأشبه أنه سُمِّي "مَنّاً"، لما كان منّاً من ربهم. ¬

_ = - 1117 ق. م) وفي النصوص المسمارية في العهود التالية، مما يقطع بأن الاسم كان يستعمل قبل أن يتعرض لتأثير فارسي. انظر مقال الدوري في دائرة المعارف 386:7، وطه باقر: 172 - 175. و "دادو" في البابلية: محبوب، وكان يطلق كذلك على "عداد" إله العاصفة والرعد والمطر عندهم. ولا يبعد أن تكون لكلمة "بغ" صلة بكلمة "بك" في "بعلبك" فيكون المعنى "مدينة دادو". (¬1) ويجوز أن يكون اسمها "بكة" قبل أن يأتيها إبراهيم عليه السلام. (¬2) تفسير سورة البقرة: ق116 - 117، المطبوعة: 67 - 69. (¬3) البيت من قصيدة له في ديوانه: 145 والبيت وحده في السيرة 2: 159، والطبري 2: 94، واللسان (سلو). يذكر الأعشى ما كان من فعل هَوذة بن علي الحنفي في بني تميم، ووَصَف بني تميم بالكفر لنعمته. الطُّعم: ما أكل من الطعام، نجع: نَقَعَ واستُمرِئ.

ويؤيده ما جاء في هذا الإصحاح ف 31 (¬1): "ودعا بيت إسرائيل اسمه منّاً، وهو كبَزْر الكُزْبُرة [أبيض]، وطعمه كرُقاق العسل" (¬2) ويؤيده ما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الكَمأَةُ مِنَ المَنِّ" (¬3). أي كلمة "المنّ" يشتمل كل ما منَّ الله به مما تخرجه الأرض القفر للناس. ويؤيده تسمية الطير التي أتتهم "السلوى". ولسان العبرانية أقرب من العربية. والروايات التي عندنا مأخوذة مما قدّمنا من سفر الخروج. فعن مجاهد (¬4): "المنّ: صبغة" (¬5). وعن السُّدِّي (¬6): "المنّ كان يسقط على شجر الزنجبيل" (¬7). ¬

_ (¬1) في المطبوعة: 41، خطأ. (¬2) في الترجمة البيروتية: "بعسل". والتكملة منها. (¬3) قال الطبري 94:2 تظاهرت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الكمأة من المنِّ، وماؤها شفاء للعين". وقد أخرجه البخاري في كتاب التفسير باب {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} الآية وكتاب الطب، باب المنّ شفاء للعين. ومسلم في كتاب الأشربة باب فضل الكمأة من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه. انظر الفتح 8: 163 و10: 163 والنووي 13:246 وانظر تعليق المحقق على الطبري. (¬4) هو مجاهد بن جَبر أبو الحجاج المكي الأسود (21 - 104 هـ) التابعي المفسر الفقيه. روى عن ابن عباس، فأكثر، النبلاء 449:4، الأعلام 5: 278. (¬5) الطبري 2: 91 رقم 966. (¬6) هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير، أحد موالي قريش. تابعي مفسر ثقة. توفي سنة 128 هـ. النبلاء 5: 264، الأعلام 1: 317. وانظر تعليق المحقق على الطبري 1: 157. (¬7) الطبري 2: 93 رقم 973. في الأصل: "الترنجبين". وكذا في الطبعة القديمة من =

وعن وَهْب (¬1): "خبز الرُّقاق مثل الذُّرة ومثل النَّقِيّ" (¬2). وهذا لما سبق من قول موسى عليه السلام: "هو الخبز الذي أعطاكم". وقد كثر في الصحف إطلاق الخبز على الطعام، ولعله أيضاً مأخوذ من قول أهل الكتاب، مما فسّروا به المنّ. ففي سفر العدد (11: 7 - 8): "وأما المنّ فكان كبِزر الكُزبَرة، ومنظرُه كمنظر المُقل. كان الشعب يطوفون ليلتقطوه، ثم يطحنونه بالرحى، أو يدُقّونه في الهاوَن، ويطبخونه في القُدور، ويعملونه ملاّتٍ، وكان طَعمه كطعم قطائِفَ بزيت". والظاهر أن هذا التفسير مما أدخله المتأخرون منهم إذ لم يفهموا معنى الخبز. وعن قتادة: "كان المن ينزل عليهم مثل الثلج" (¬3). وهذا لما سبق. "دقيق كالجليد على الأرض". وعن ابن زيد (¬4): "المن عَسَل كان ينزل [لهم] (¬5) من السماء" (¬6) فهذه الأقوال كلها مأخوذة من أهل الكتاب. ¬

_ = الطبري، والتصحيح من طبعة شاكر، وابن كثير 1: 95. (¬1) هو وَهب بن منبّه الصنعاني (34 - 114) العلامة الأخباري، من التابعين. ولد ومات بصنعاء. النبلاء 544:4، الأعلام 8: 125. (¬2) الطبري 2: 92، 100 رقم 972، 995 والنَقِيّ: الخبز الحُوَّارَى. (¬3) الطبري 2: 92 رقم 968. (¬4) هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العمري المدني المفسّر (ت 182 هـ) من أتباع التابعين انظر ترجمته في النبلاء 8: 349 وتعليق المحقق على الطبري 1: 176. (¬5) تكملة من الطبري. (¬6) الطبري 2: 92 رقم 970.

(77) النصارى

(77) النصارى (¬1) جمع نَصْران، مثل نَدامَى جمع نَدْمان (¬2). وهذا الاسم كان لهم في الأول. وقدماؤهم لم ينكروه. ولكن المتأخرين منهم ظنّوه شتماً، وأنكروا هذا الاسم عناداً بأوائلهم. وبيان ذلك أن أتباع المسيح صاروا فرقتين: فرقة اتبعوا الخليفة بالحق شمعون (¬3)، وتسمّوا باسم النصارى. وكلهم آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -. وهم الذين مدحهم القرآن حيث قال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} (¬4) فصرّح بأن المراد هم الذين تسمّوا بهذا الاسم. وفرقة اتبعوا بولوس المبتدع (¬5)، وهم الباقون الآن. وهؤلاء قد زعموا أنّ "النصارى" كلمة التحقير، لأنها نسبة إلى "ناصرة" وهي قرية حقيرة عندهم كما جاء في يوحنا (1: 45 - 46): ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق121 - 122، المطبوعة: 69 - 70. (¬2) انظر سيبويه 3: 255، 411 واللسان (نصر). (¬3) في الترجمة العربية للعهد الجديد: سِمعان بن يونا. لقّبه المسيح [. . .] (كِيفا) وهي كلمة آرامية يقابلها في العربية "صفا" وفي اليونانية "بطرس" أي الصخرة. انظر يوحنا 1: 42 والمعجم السرياني لإسمث: 585 وقاموس الكنائس: 174 (بطرس). (¬4) سورة المائدة، الآية: 82. (¬5) كان اسمه شاول، ولد في طرسوس. كان يهودياً وعدوّاً لدوداً للمسيح وأتباعه، ثم انخرط في سلك النصرانية وأفسدها. صلب في روما سنة 67 أو 68. وانظر ترجمته في قاموس الكنائس: 195 (بولس).

"فِيلُبُّس وجد نَثَنائيل، وقال له: وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء: يسوع بن يوسف الذي من الناصرة. فقال له نثنائيل: أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح! ". وهذا من تكبّر هذه الفرقة. فإن "الناصرة" إن كان مولد عيسى عليه السلام فأيّ حَقارة في النسبة إليها؟ وقد زعموا أن "الناصرة" كانت مولده، كما جاء في أناجيلهم (¬1). بل إنه يُدعى "ناصريّاً"، كما جاء في متّى (23:2) (¬2): "وأتى وسكن في مدينة يقال لها: ناصرة، لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيُدعى ناصريّاً". وزعم الطاعنون أن القرآن لم يعرف هذه التسمية، وجعلها من النصرة، لما جاء فيه: {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} (¬3). وهذا الطعن منشؤُه الجهلُ بمعنى الآية. فإنّها إنما ذكرت أمراً حقاً، ولم تذكر وجه التسمية. نعم فيها إشارة إلى أن المسمّين بالنصارى يجب عليهم نصرُ الحق، لما في اسمهم تذكار لذلك. وأمثال هذه الإشارات توجد في كلام الأنبياء. قال عيسى عليه السلام لشمعون -وكان يدعى "صفا"- (متى 18:16): "وأنا أقول لك أيضاً: أنت صفا. وعلى هذا الصفا أبني كنيستي" (¬4). ¬

_ (¬1) انظر لوقا 26:1 و 16:4. (¬2) في الأصل والمطبوعة: 24 وهو سهو. (¬3) سورة الصف، الآية: 14. (¬4) في الترجمة البيروتية: " ... أنت بُطرُس وعلى هذه الصخرة ... " فخفيت بلاغة الكلام على من لا يعرف أن "بطرس" معناه: الصخرة.

(78) هادوا

(78) هَادُوا (¬1) هَادَ يهُودُ هَوداً: تاب ورجع. قال تعالى حكاية عن دعاء موسى عليه السلام: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} (¬2). وأيضاً هاد: صار يهودياً. قال تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} (¬3). وهكذا تهوَّدَ. وذلك على طريق العربية، كما يقال: تنصَّرَ، من النصرانية. وزعم الطاعنون في القرآن أنّ هذه الكلمة خطأ (¬4)، فإنّ اسم اليهود ليس مأخوذاً من مادة "هود"، بل هو للنسبة إلى "يهوذا". فنبيّن اشتقاق هذا الاسم، لِتعلم أنّ طعنَهم مِن سوء فهمهم القرآن وصحفَهم. أمّا القرآن فاستعماله هذه الكلمةَ ليس إيجادَ لفظٍ مِن قِبَلِه هو، بل هو حسب لسان العرب، فإنهم جعلوا فعل "هاد يهود" لمن كان يهوديّاً. وقوله {هُدْنَا} ليس لبيان اشتقاق اسم اليهود، بل جاء في معناه الأصلى. ومع ذلك أشار إلى أصل ذهلت اليهود عنه كما سيأتيك ذكره. وأمّا سوء فهمهم لصحفهم فستطّلع عليه مما نذكره: فاعلم أن يهوذا كان ابناً رابعاً ليعقوب عليه السلام من اثني عشر ابناً الذين خرج منهم الأسباط ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 121 - 122، المطبوعة: 70 - 72. (¬2) سورة الأعراف، الآية: 156. (¬3) سورة البقرة، الآية: 135. وانظر "الهود" أيضاً لليهود في البقرة: 111 و140. وتكرر "الذين هادوا" لليهود في البقرة والنساء والمائدة وغيرها. (¬4) انظر جيفري: 293 - 294.

الاثنا عشر. وأعطِي كلهم نصيباً من الأرض في عهد يشوع (¬1). فوقع في نصيب بني يهوذا من أرشليم إلى أقصى الجنوب. وكان داود عليه السلام من هذا السبط. وانحازت مملكة بني إسرائيل كلّها إليه، فعظم أمرُ سبط يهوذا. ثم ورث الملك بعده ابنه سليمان عليه السلام، وبنى الهيكل في دار ملكه، فزاد ذلك عظمة أخرى لسبط يهوذا وملكهم. ثم بعد ذلك وقع بينهم اختلاف، فصارت هذه الأمة فرقتين: يهوذا على جانب، وبقية بني إسرائيل على آخر، وخمل ذكر باقي الأسباط فكثر في صحف اليهود ذكر يهوذا وإسرائيل. ثم بعدما سباهم الكلدانيون صار "اليهود" اسماً عامّاً لبني إسرائيل. وذلك يدل على عدم فرقهم بين "يهوذا" بالذال المعجمة و "يهود" بالدال المهملة. وقد التبس اشتقاق هذا الاسم على اليهود، فإنّهم ظنوا أنه من "يهو" أي الربّ تعالى، و "ذا" أي هذا. وسبب هذا الظن أنهم وجدوا أسماء مركّبة من "يهو" وكلمة أخرى موصولة به مثل "يهوياقيم" (¬2). ولم يفهموا العبارة التي وجدوها في سفر التكوين في سبب التسمية وهي (29: 35): "وحبلت أيضاً (أي ليئة زوجة يعقوب عليه السلام) وولدت ابناً، وقالت: هذه المرة أحمد الرب. لذلك دعت اسمه يهوذا". فظنّوا أنّ "يهوذا" يشير إلى "هذه المرّة لا و "يهو"، وهذا خطأ. فإن الاسم يشير إلى "أحمد الرب". والعبارة محتملة لهذا التأويل أيضاً. والدليل على صحته أمور: (1) الأول أنّ الإشارة إلى معاني أسماء أبناء يعقوب عليه السلام كما جاءت في ذكر ولادتهم، فهكذا جاءت في دعاء يعقوب عليه السلام حين باركهم. مثلاً جاء عند ذكر الولادة في سفر التكوين (30: 19 - 20): ¬

_ (¬1) خادم موسى عليه السلام وخليفته. انظر سفر يشوع: ص 13 - 22. (¬2) ملك يهوذا بعد أخيه "يهوآحاذ" الثاني، وبدأ ملكه سنة 608 ق. م، وخلفه ابنه "يهوياكين" سنة 597 ق. م. انظر قاموس الكنائس: 1098.

"وحبلت أيضاً ليئة، وولدت ابناً سادساً ليعقوب، فقالت ليئة: قد وهبني الله هبة حسنة. الآن يساكنني رجلي لأني ولدت له ستة بنين. فدعت اسمه زبولون". وجاء في هذا السفر عند ذكر البركة (49: 13) (¬1): "زبولون عند ساحل البحر يسكن". فأشار في كلا الموضعين إلى معنى السكونة (¬2). فهكذا جاء في دعائه ليهوذا في هذا السفر (8:49): "يهوذا إياك يحمد إخوتك. يدك على قفا أعدائك. يسجد لك بنو أبيك" فتبيّن أنّ وجه التسمية هو الحمد والطاعة (¬3)، وأن اسم يهوذا ليس مركباً من ¬

_ (¬1) في المطبوعة رقم الإصحاح 39، خطأ. (¬2) كذا في الأصل والمطبوعة. وهو مصدر يستعمله أهل الفارسية والأردية بمعنى السكنى والإقامة. أما "السكون" فيستعملونه بمعنى الهدوء وعدم الحركة. (¬3) هذا التعليل المبني على عبارة التكوين هو الشائع في كتبهم. فورد في قاموس الكنائس (1085): "يهوذا: اسم عبري معناه: "حمد" رابع أبناء يعقوب من ليئة ... وأعطي هذا الاسم لسبب شكر أمه عند ولادته" وقال في (يهود): اسم عبري معناه "مدح" وهي مدينة في أرض دان الأصلية، وتدعى الآن "يهودية" (1084). وفسّرت الصيغة الواردة في التكوين بأنها من باب هُفعل من مادة [. . .] م (يده) يقابلها في الآرامية [. . .] (يدا) انظر جزينيوس: 397. لكن كثيراً من الباحثين يعتقدون أن الكلمة مركبة من "يهوه"، ثم اضطربت آراؤهم. فمنهم من قال إنها مركبة من "يهوه" وفعل الأمر من المادة المذكورة من باب هُفعل (هوذا) ويكون المعنى "لِيُحمَد الربُّ". ومنها أن الكلمة تطورت من "يهوذا - إيل" أي "الله عظيم". وهي مأخوذة من مادة [. . .] (هود) بمعنى الجلالة. انظر المعجم اللاهوتي للعهد القديم 5: 482 - 484. والرأي الأخير يلتقي مع رأي المؤلف في أن أصل "يهوذا" و "يهود" من مادة "هود" إلاّ أنه يرى "يهودا" كلمة غير مركبة. وإن صح هذا فإن استعمال العرب "هاد وتهوّد" بمعنى صار يهوديّاً واقع في حاقّ الصواب من ناحية التسمية أيضاً. أما العبرانية فالفعل الذي يستعمل فيها بهذا المعنى هو من "يهد" من باب هِتفعل. =

"يهو" و "ذا"، بل هو كلمة واحدة من مادة "هود". (2) والثاني أن بعد السبي نجد اسم اليهود يطلق عليهم واسم اليهودي على لسانهم، كما جاء في سفر عزرا، ونحميا، وأستير، وإشعيا، وإرميا، ودانيال، والإنجيل (¬1)، حتى اشتهر هذا الاسم. فلو كان الأصل "يهوذا" لسُمُّوا باليهوذي بالذال المعجمة (¬2). (3) والثالث أن الأسماء المركبة من "يهو" لا بد أن تتضمن كلمة أخرى تدل على وصف يليق وصله بـ "يهو". وكلمة "ذا" ليست مما يليق بأن يُضمَّ بـ "يهو" في تسمية مخلوق، فإن المعنى يكون: هذا الله. وشناعة هذه التسمية ظاهرة. والقرآن ربما ينبه على خطئهم، كما هو مبسوط في موضعه. فنبّه على أن اسم "يهوذا" الذي انتسبوا إليه أصله من مادة "هود". ومِن حسن إشارة القرآن أنّه نبّه اليهود على معنى اسمهم، ليعلموا أنّهم يلزمهم أن يتوبوا إلى ربهم. ¬

_ = أما القول الذي نقله المؤلف من أن "يهوذا" مركب من "يهو" أي الرب و "ذا" أي هذا، فلا يستقيم إلاّ إذا زعم قائله أنه اسم آرامي. فإن اسم الإشارة في العبرانية [. . .]، (زِه) بالزاي لا بالذال. وأما استدلال هذا القائل بما ورد في الترجمة العربية من عبارة التكوين "هذه المرة أحمد الربّ" بأن "يهوذا" يشير إلى "هذه المرة" و "يهو"، فأوهن من بيت العنكبوت. فإن الكلمة التي وردت في النص العبراني وترجمت "هذه المرة" هي [. . .] (هَبَّعَم) فلا وجود فيه لاسم الإشارة (زِهْ أو ذا) كما ترى. أما معنى الإشارة فهو مستفاد من هاء التعريف في أول الكلمة كما في "اليوم" و "الآن". هذا، وقد ذكر المعجم اللاهوتي أكثر من خمسة أقوال في اشتقاق يهوذا ولكن لم يشر إلى هذا القول الذي نقله المؤلف رحمه الله. (¬1) في الأصل والمطبوعة: إنجيل. (¬2) في هذا الكلام نظر. فإن الصوتين الدال والذال لهما رمز كتابي واحد في العبرانية [. . .] (والآرامية والسريانية) وينطق دالاً أو ذالاً حسب قواعد (بجدكفت) المعروفة فلا فرق بين يهوذا ويهودي في العبرانية، لا في الكتابة ولا في النطق. وتوجب قواعد "بجدكفت" أن نقرأ [. . .] (يهوذي) مثل [. . .] (يهوذا) بالذال المعجمة. ولا يضرّ ذلك رأيَ المؤلف في أصل الكلمتين.

(79) هدى

(79) هدى (¬1) هو اسم الحِدْثان من: هَدَى يَهْدِي. ويأتي (¬2) -حسب أصل معلوم في إطلاق أسماء الحِدثان- على وجوه: (1) فالأول أنه النور والبصيرة في الفؤاد، كما قال قُسّ بن ساعِدَة (¬3): والَّذي قد ذكرتُ دلَّ على اللهِ ... م نفوساً لها هُدىً وَاعتبارُ (¬4) وكما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (¬5). وأيضاً: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} (¬6). (2) والثاني هو الدليل والبينة وما تهتدي به، كما في قوله تعالى: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} (¬7). أيضاً: {وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (¬8). ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 20، المطبوعة: 72 - 73. (¬2) قارن بالأصل. (¬3) الإيادي، خطيب العرب وشاعرها وحكَمها وحكيمها، أدركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة ورآه بعكاظ. صرح ابن السكَن أنه مات قبل البعثة. المعمرون: 75 - 76، الأغاني 15: 192 - 193، المرزباني: 222 - 223، البداية والنهاية: 2: 230 - 237، الإصابة: 7342، الخزانة 2: 89 - 91. (¬4) من قصيدة في شعراء النصرانية: 212. (¬5) سورة محمد، الآية: 17. (¬6) سورة السجدة، الآية: 13. (¬7) سورة طه، الآية: 10. (¬8) سورة البقرة، الآية: 185.

أيضاً: {بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} (¬1). (3) والثالث: الطريق الواضح الموصل، كما قال امرؤ القيس: وَمِنَ الطريقةِ جائرٌ وهُدىً ... قصدُ السبيلِ ومنه دْو دَخلِ (¬2) وفي القرآن: {إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ} (¬3). ومنه: للسنّة والشريعة، كما قال تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (¬4). و {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} (¬5). (4) والرابع: اسم لفعل الهداية، كما قال تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} (¬6). ¬

_ (¬1) سورة الحج، الآية: 8. (¬2) البيت من قصيدة منسوبة إليه في ديوانه: 238. والراجح أنها لامرئ القيس بن عَابِس الكندي، وهو شاعر صحابي مخضرم من أهل حضرموت - انظر الإصابة: 250، وروى أبو الفرَج في الأغاني أبياتاً من هذه القصيدة ونسبها إليه وقال: "هكذا روى أبو عمرو الشيباني وقال: إن من يرويها لامرئ القيس بن حجر يغلط" انظر الديوان: 441. الدخل: الفساد. ومنه قول حميد بن ثور الهلالي من قصيدة في ديوانه: 48 يصف قطاة: فلم أرَ راويةً مثلَها ... ولا مثلَ ما فعلَتْ في الهُدَى وقال الشماخ يصف أتاناً من قصيدة في ديوانه 281: قد وَكّلتْ بالهُدَى إنسانَ صادقةٍ ... كأنه مِن تمام الظِّمْءِ مسمولُ صادقة: عين صادقة. يعني أن عينها قد غارت من شدة العطش. والمسمول: المفقوء. (¬3) سورة الحج، الآية: 67. (¬4) سورة الأنعام، الآية: 90. (¬5) سورة آل عمران، الآية: 73 (¬6) سورة النحل، الآية: 37.

أيضاً: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (¬1). أيضاً: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} (¬2). وهذه الوجوه كلّها من جهة العربية. (5) ثم العرب تسمي الأشياء ببعض وصفها الظاهر. فعلى هذا الأسلوب سمى الله تعالى كتابه "هدى" من جهة هذه الوجوه كلّها، لكونه جامعاً لها. والشيء الواحد يسمى بأسماء عديدة، فالهدى من أسماء كتاب الله، كما قال تعالى ذكراً لقيل مؤمني الجن: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ} (¬3). وأيضاً: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} (¬4). وأيضاً: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (¬5). أي يأتينكم وَحْيٌ مني. فهذا هو المعنى الخامس للهدى. وهو جامع للوجوه السابقة (¬6). ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 272. (¬2) سورة الليل، الآية: 12. (¬3) سورة الجن، الآية: 13. (¬4) سورة الإسراء، الآية: 94. (¬5) سورة البقرة، الآية: 38. (¬6) العبارة "وأيضاً {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ ... } الآية ... للوجوه السابقة" غير واردة في المطبوعة.

الملحق الثاني زيادات هذه الطبعة

الملحق الثاني زيادات هذه الطبعة

(80) آدم

(80) (¬1) آدم من الأُدْمَة، وهي السُّمْرَة في الإنسان، والبياضُ الشديدُ في الإبل. يقال: بعير آدم وناقة أدماء. وإنما سُمّي أبو البشر آدمَ للونه (¬2)، كما سميت الحوّاء (¬3) عليها السلام من الحُوّة، وهي لون أميل إلى السواد. وهذان الاسمان يوجدان في العبرانية بتغير يسير (¬4). والعربية أحفظ وأقرب إلى الأصل، إن لم تكن هي الأصل (¬5). (81) (¬6) إبليس إفعيل من أبلَسَ: انكسر، وحزن، ويئس (¬7). قال الراجز (¬8): ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 92، الآية 31 {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}. (¬2) وقال الزجاج: يقول أهل اللغة في آدم إن اشتقاقه من أديم الأرض لأنه خلق من تراب (معاني القرآن 1:112 واللسان - أدم) وانظر الأقوال الأخرى في الزاهر 1: 489 والراغب: 70 ومنها قول المؤلف. (¬3) كذا بلام التعريف، والمعروف بدونها. (¬4) آدم في العبرانية [. . .] وحواء فيها [. . .]. (¬5) وانظر فاتحة نظام القرآن: 39. (¬6) (81) تفسير سورة البقرة: ق 93، الآية 34 {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ}. (¬7) انظر الصحاح، وبه قال الطبري (شاكر 1: 509) وغيره. وقال آخرون إنه أعجمي. منهم أبو عبيدة في المجاز 1: 38 والزجاج في معاني القرآن 1: 114، والجواليقي في المعرب: 122. وانظر غريب القتبي: 23. والجمهرة 1: 288 واللسان. ويرى معظم المستشرقين أن أصله كلمة [. . .] (ديابولوس) اليونانية التي تعني النمام والعدو والشيطان. وقد وردت في الترجمة السبعينية مقابل [. . .] (ساطان) العبرية في زكريا: 3، ويقال: إن الكلمة دخلت في العربية عن طريق السريانية التي حذفت فيها الدال ظنّاً أنها أداة الإضافة. انظر جيفري 47 - 48 والمعرب. ويقول الأستاذ عبد الأحد داود في كتابه (محمد في الكتاب المقدس: 234) إن إبليس: الصيغة العربية للكلمة الآرامية "بليسا" وتعني المرضوض أو المكدوم. (¬8) هو العجاج عبد الله بن رؤبة السعدي التميمي، والد رؤبة الراجز المشهور. أدرك أبا هريرة =

(82) أحصنت فرجها

يا صاحِ هل تعرِفُ رسماً مُكْرَسا ... قال نعم أعرفه وأبلسا (¬1) وفي القرآن: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} (¬2). (82) أحْصَنَتْ فرْجَها (¬3) أحصَنَ فَرْجَه: تحصَّنَ من السوء، كما يقال: سَدَّ الثُّلْمَةَ، ورَتَقَ الفَتْقَ، وجَبَرَ الكَسْرَ، وحَمَى البَيضَةَ. فما يراد منه حقيقة أفراد الألفاظ. والفَرْج هاهنا بعينه لا يدل إلا على مظِنّة السوء مثل الخَلَل. وقد استعمل للرجال والنساء ولفُرْجَة رجلَي الفَرس (¬4). ... ¬

_ = رضي الله عنه، وروى عنه. توفي سنة 90 هـ. ابن قتيبة: 591، ابن عساكر 7: 394 - 396، العيني: 1:26 - 27 شرح شواهد المغني: 49. (¬1) مطلع أرجوزة له في ديوانه 1: 185 - 211، وهما في المجاز 1: 192 و 2: 120 والطبري (شاكر) 1: 509 والمقاييس (كرس) واللسان (بلس، كرس) وانظر تخريج الأرجوزة في الديوان: 382 - 386. المكرس: الذي قد تلبد من آثار البول والأبعار حتى صار طرائق بعضه على بعض. (¬2) سورة الأنعام، الآية: 44. (¬3) النص الأول من التعليقات: ق 258، سورة الأنبياء: 91 {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} والثاني من تفسير سورة التحريم: 23 الآية 12 {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}. (¬4) والبعير والبقر وغيرها، كما قال زُهيَر بن أبي سلمى من قصيدة في شرح الأعلم 292: وَكُلِّ غُرَيريِّ كأنَّ فروجه ... إذا رَفَّعَتْ مِنه فروجُ حِصانِ الغرَيري: البعير المنسوب إلى غُرَير، وكان فحلاً كريماً. رَفعتْ: يريد إذا حملته المرأة على السرعة. وقال أيضاً من قصيدة في شرح الأعلم 258: =

أحْصَنَتْ فرْجَها: سدَّت مواقع المخافةِ عليها، فإنّ ذلك معنى الفرج، كما قال لبيد في معلقته: فغدَتْ كِلاَ الفرْجَينِ تحسَب أنها ... مَولَى المخافةِ خلفُها وأمامُها (¬1) وهذا كثير (¬2). ¬

_ = ويومَ تلافيتُ الصِبا أن يفوتَني .. بِرَحْبِ الفُروجِ ذِي مَحال مُوّثَّق رحب الفروج: يعني بعيراً، وإذا اتسعت فروجه كان أشدّ لعدْوه. المحال: فَقار الظهر. الموثق: الشديد الوثيق. وقال عبدة بن الطبيب من مفضلية (140) يصف ثوراً: له جنابان من نَقْعٍ يُثَوِّرُه ... ففرْجُه من حَصَى المَعْزَاءِ مَكلولُ الجَنابان: الناحيتان: المَعزاء: الأرض ذات الحصى. مكلول: يريد أنه لشدة عدْوه يرد الحصى على فرجه، فكأنه إكليل له، وهذا غاية شدة العدو. وقال امرؤ القيس من قصيدة في ديوانه: 64 يصف ناقته: لها ذَنَبٌ مثل ذيلِ العروس ... تسدُّ به فَرْجَها من دُبُرْ قال ابن قتيبة في أدب الكاتب (115): "لم يرد بالفرج هنا الرحم، وإنما أراد ما بين رجليها، تسدّه بذنَبها". وقال الحطيئة من قصيدة في ديوانه (الشنقيطي): 23 يصف ناقة أيضاً: كأنّ هُوًى الرِّيحِ بينَ فروجِها ... تجاوبُ أظآر عسل رُبَع رَدي علّق الفراهي في حاشية نسخته من الديوان: "فروجها أي ما بين قوائمها". الظئر: المرضعة لغير ولدها. الربَع: الفصيل ينتج في الربيع. الردي: الهالك. (¬1) انظر ديوانه: 311 وشرح ابن الأنباري: 566، والبيت في وصف بقرة. (¬2) وكما يقال: أحصن فرجَه، وحفِظ فرجَه، كذلك يقال: حَمَى فرجَه. قال عمرو بن قَمِيئة -وهو جاهلي- من قصيدة في ديوانه 30: وَلَمْ يَحْمِ فرجَ الحيِّ إلا محافظٌ ... كريمُ المحيّا ماجدٌ غيرُ أحردَا الأحرَد: البخيل اللئيم. وقال عَدِيّ بن وَدَاع الأزدي -وهو من المعمّرين وقد أدرك الإسلام- من قصيدة في قصائد جاهلية 54: سيفُ ابنِ نَشوانَ بكفّي وقد ... سقاه شهراً مِدوَسُ الصَّيقلِ أحمِي به فرجَ سَلُوقِيَّةٍ ... كالشمسِ تَغشَى طَرَفَ الأنمُلِ المِدوس: المِصقلة. وأراد بالسلوقية دِرعاً. =

(83) إسرائيل

(83) إسرائيل (¬1) اسم يعقوب عليه السلام. وكثر مخاطبة اليهود في صحفهم بإسرائيل، أي نسل إسرائيل. والكلمة عبرانية مركبة من "إسر" وهو العبد، و "إيل" وهو الإله، كما في أسماء أخر. فإسرائيل معناه: عبد الله (¬2). والعبرانيون يقولون: هو ¬

_ = وقال مُتَمِّم بن نُويرَة من مفضلية (50) يصف الحمار الوحشي وقد أخطأ أتانَه سهم الصائد: أهوَى ليحمِيَ فرجَها إذا أدبرتْ ... زَجِلاً كما يَحمي النجيدُ المُشرِعُ زَجِل: ذو زجَل وهو الصوت المرتفع. النجَيد: الشجاع. المشرع: الذي أشرع نفسه في الحرب. ومثله حفِظ عورتَه، كما قال عمرو بن امرئ القيس -جاهلي- من قصيدة في جمهرة الأشعار (673): الحافظو عورةِ العشيرةِ لا ... يأتيهم من ورائنا وَكَفُ الوَكَف: الجور والظلم. وقال عنترة من قصيدة في ديوانه 340: ونحفظ عوراتِ النساء ونتقي ... عليهنّ أن يلقَين يوماً مخازِيا وقال فَضالة بن هند الأسدي -جاهلي- (معجم المرزباني - القدسي 308): يا ويحَ أمِّ نُميرٍ بعدَ فارسِها ... إذا الفوارسُ تحمي عورةَ الظُّعُنِ وقال لبيد بن ربيعة (ديوانه 145) يصف ثوراً هاجمته الكلاب: فحمَى مقاتلَه وذاد برَوقِه ... حَميَ المحارب عورةَ الصُّحبانِ علّق الفراهي في حاشية نسخته من الديوان (الخالدي 68): "مقاتله: أي المواضع التي يخاف عليها". ومثله حمى سوءته أي مظنة السوء وموضع المخافة. قال أبو الطمحان القيني من قصيدة (قصائد جاهلية: 213) يصف أيضاً ثوراً فاجأته كلاب: فكرَّ وقد أهقنَه بسلاحه ... ولله حامي سَوءة لم يقاتل (¬1) (78) تفسير سورة البقرة: ق 101، الآية 40 {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}. (¬2) وانظر فاتحة نظام القرآن: 39. وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما. وبه أخذ الطبري (1: 553). والكلمة العبرانية التي وردت في العهد القديم هي [. . .] (يِسْرا إيل) والجزء الأول من الكلمة حسب ضبطهم لها في النسخ الموجودة "يِسْرَا" فعل=

بطل الله، من الأسْر، بمعنى القوة (¬1). ومن حماقاتهم التي أدخلوها في صحفهم أنه صارع، فصرع اللهَ، فسمّي "إسرائيل" (¬2). ¬

_ = مضارع وأصله [. . .] من [. . .] الذي يعني المثابرة، والإلحاح، والنضال. والقصة التي أوردها اليهود -قاتلهم الله- في سفر التكوين وأشار إليها المؤلف، تقول إن يعقوب سمي بذلك لأنّه بارز اللهَ والناس وغلَب {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} ولكن تركيب الكلمة يأبى هذا التفسير، فإنّ (إيل) في موقع الفاعل، وليس مفعولاً به. وقد ذكر هذا الإشكال (فون ألمِن) في كتابه Vocabulary of the Bible: 186. ثم نقل القراءات والتفسيرات المتباينة التي اقترحها المفسرون اليهود والنصارى لهذه الكلمة عبر القرون بصرف النظر عن القصة المذكورة. ومنها أن يقرأ الجزء الأول [. . .] (يَشار) ومعناه: المستقيم، الصالح، العادل، التقي. فيكون المعنى: عبد الله الصالح. ويبدو أن هذا التفسير هو الذي كان شائعاً في صدر الإسلام، وإليه أشار الطبري لما فسره بمعنى "عبد الله وصفوته من خلقه"، وهو الذي رجّحه المؤلف، غير أنه أثبت الكلمة بالألف، وهي بالياء. أما التفسيرات الأخرى فهي كما يلي: 1 - يحارب اللهُ. وهو التفسير المشهور الموافق للضبط الموجود مع مناقضته للتفسير الوارد في القصة. 2 - الرجل الذي رأى الله (إيش رأى إيل). 3 - الله يُنير (من مادة نادرة بمعنى الإنارة). 4 - زوج راحيل (إيش راحيل). 5 - خليفة الله من [. . .] (سار): الأمير، الحاكم، الوزير. 6 - أما الذي يراه (فون ألمِن) أقرب إلى رسم الكلمة في العهد القديم واستعمالاتها فهو أن تكون بمعنى غلبة الله من مادة (سرى) نفسها أو حكم الله، من مادة [. . .] (سارَر) فمعنى إسرائيل: يغلب الله أو يحكم الله. (¬1) تفسيرهم المشهور السائد هو "يحارب الله" كما رأينا، وبناؤه على أن الفعل من (سرى)، أما الأسْر [. . .] في العبرانية فهو بمعنى الأسْر والربط والتقييد مثل العربية. فإن قال أحد إن الجزء الأول من هذه المادة، والمعنى: قَيَّد إيل، فله وجه من القصة أيضاً، فقد جاء فيها: "وقال (يعني يعقوب لإيل): أطلِقْني لأنه قد طلع الفجر. فقال: لا أطلقك إن لم تباركني". (¬2) التكوين 32: 28 وهوشع 12:3 - 4. وذكر المؤلف رحمه الله هذه القصة في تفسير البسملة وقال (40): هذه قصة عجيبة معضلة، لا مخرج لهم عن حماقاتها. وذلك من استعمالهم كلمة الله وإيل حيث ينبغي لهم "جبار" أو "عفريت".

(84) أغنى وأقنى

وكذلك قالوا: إنه ولد آخذاً بعقب أخيه عيسو، فسمي "يعقوب" (¬1). والقرآن يشير إلى كونه مبشّراً به بعد إسحاق، فسمّي "يعقوب" (¬2). (84) أغْنَى وأَقْنَى (¬3) الغِنى: عدم الحاجة، والقِنوة: ظهور الثروة، من قنو المخلة (¬4). قال امرؤ القيس: أثيثٍ كقِنْوِ النخلةِ المتَعَثكِلِ (¬5) وقال أيضاً في معنى الثروة: ألا إن بعدَ العُدْم لِلمرء قِنوةً ... وبعدَ المشيبِ طولَ عُمْرٍ وَمَلبَسا (¬6) ¬

_ (¬1) انظر التكوين 25: 26 وهوشع: 12: 3. (¬2) وهو قوله تعالى في سورة هود: 71 {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}. (¬3) التعليقات: ق 433، الآية 48 من سورة النجم {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}. (¬4) وقال الطبري (الحلبي) 27: 75: وأن ربك هو أغنى، من أغنى من خلقه بالمال. وأقناه، فجعل له قنيةً أصول أموال: وانظر هناك أقوالاً أخرى. (¬5) صدره: وَفرعٍ يُغَشّي المتنَ أسودَ فاحمٍ وهو في اللسان (أثث، عثكل) والبيت من معلقته في الديوان: 16 وشرح ابن الأنباري: 62. الأثيث: الكثير الملتف. القِنو: العذق. المتعثكل: المتداخل لكثرته. (¬6) من قصيدة له في الديوان: 108. والملبَس: المنتفَع والمستمتعَ.

(85) أفلح

(85) أفلح (¬1) أفلَحَ: فاز، ضد خَسِرَ وخاب، كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (¬2). أيضاً: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬3). أيضاً: {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} (¬4). أيضاً: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} (¬5). وفي كلام العرب جاء أيضاً بمعنى عاشَ بالنَّعمة. وذلك قريب من الفوز (¬6). ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 24 - 25، الآية 5 {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. (¬2) سورة الشمس، الآيتان: 9 - 10. (¬3) سورة المجادلة، الآية: 22. (¬4) سورة طه، الآية: 64. (¬5) سورة المؤمنون، الآيتان: 102 - 103. (¬6) منه قول عبيد بن الأبرص من مجمهرته في ديوانه 14: أفْلِحْ بما شِئتَ فقد يُدرَكُ بِالضْـ ... ـعْفِ وقد يُخدَعُ الأريبُ وقول عدي بن زيد من قصيدة في ديوانه 89: ثمّ بعد الفَلاحِ والملك والإمْـ .. ـامةِ وَارتهمُ هناك القبورُ وقول النابغة الذبياني من قصيدة في ديوانه 214: وَكلُّ فتى ستَشعبُه شَعوبُ ... وإنْ أثرَى وإنْ لَقِي الفلاحَا وقال سَعْيَة بن غَرِيض أخو السموءل: لا تبعدَنَّ فكلُّ حيٍّ هالكٌ ... لا بدَّ من تَلَفٍ فَبنْ بفلاحِ قال الأستاذ محمود شاكر معلقاً عليه في فحول الشعراء 1:287: "الفلاح: الفوز والنجاة والبقاء في النعيم والخير". =

واعلم أن مفهوم أصل هذه المادة: الانشراح (¬1). فاشتق منها الفلج والفرْج والفَرْق والفَلْق والفَلْغ (¬2). وهي موجودة في العبرانية (¬3). ومن ههنا الفلاّح للحارث، لما هو يفرق التراب عند الحرث. وقيل في اسم "فالج" الذي هو في سلسلة النسب بين نوح وإبراهيم عليهما السلام: إنه سمى بفالج لأنه كان يحرث الأرض (¬4). وأيضاً جاء في كلام العرب بمعنى: بَقِي (¬5). فهذه ثلاثة وجوه. و "المفلحون" جامع لها. فإن المتقين (¬6) هم الفائزون، وهم المتنعمون الباقون ¬

_ (¬1) وجعلها ابن فارس أصلين: الشقّ، والفوز والبقاء. انظر المقاييس (فلح). (¬2) ومنه الفَلْع والثلْغ كما نصّ عليه ابن السكيت 125، ومنه بلج. (¬3) يعني "فلح" [. . .] ومعناه بالعبرانية: حَرَثَ وشَقَّ. و "فلغ" و "فرق" أيضاً بالعبرانية: الأول بالعبرانية بمعنى: شقّ وقَسَمَ، وبالآرامية: قَسَمَ، والحبشية: مسيل ونهر، وبالأشورية Palgu: قناة. (جزينيوس 811، 812). والثاني بالعبراني: مَزَّقَ وفرَّقَ، والسريانية والمندائية: نزع وخلص، ومنه "فاروقا" بمعنى المخلِص و "فرقانا": الخلاص، والحبشية: أطلق. (جزينيوس 83، مفاهيم 254) و "فَلَقَ" في الأكدية Pilaqqu: الفأس الصغير، وهي في السومرية Balag والسريانية "فلقا". و "فلق" في المندائية: فلق وشق (جيفري 229) و "فرج" في السريانية: خلو البال والابتهاج والإشراق (إسمث 757). (¬4) انظر ( PELEG) في NEW BIBLE DICTIONARY. أما التعليل الذي ورد في سفر التكوين 10: 25 فهو أنه سمي بفالج "لأنّ في أيامه قسمت الأرض". (¬5) ومنه قول الأضبط بن قُريع من أبيات سيأتي تخريجها في ص 357: لكلِّ همٍّ من الهموم سَعَهْ ... والمسيُ والصبحُ لا فلاحَ معه وقال أعشى قيس من قصيدة في ديوانه (ط 7) 287: أو لَئِن كنّا كقومٍ هلكوا ... ما لِحيٍّ يا لَقَومي مِن فَلَحْ وقال لبيد بن ربيعة من قصيدة في ديوانه (الخالدي) 2: 81. نحُلّ بلاداً كلّها حُلَّ قبلنا ... ونرجو الفلاحَ بعد عادٍ وحميرِ علّق الفراهي في حاشية نسخته من الديوان: "الفلاح هو البقاء". وقال المخبّل الثُمالي من أبيات في المؤتلف والمختلف 270: أفبعدَ أملاكٍ مضَوا مِن حمِيرٍ ... أرجو الفلاح ولات حينَ فلاحِ (¬6) في الأصل: المتقون، وهو سبق قلم.

(86) الإنجيل

في نعيم مقيم. وكثر في أوائل الوحي هذه الأوصاف للمتقين. ويدل على هذا المعنى الجامع قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬1). فانظر كيف بدء بـ {أَفلَحَ} وتمّم بأنهم المنعمون الوارثون الباقون. (86) الإنجيل (¬2) (1) الإنجيل ليس معناه: كتاب نزل على عيسى عليه السلام. وإنما أُطلق لفظ الإنجيل عليه لأكبر مقاصده، كما أُطلق لفظ القرآن على كتاب نزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، والتوراة على كتاب نزل على موسى عليه السلام، لحاظاً لأكبر المقاصد. فإن القرآن ما يُقرأ كثيراً، والتوراة هي الشرائع (¬3). واسم الإنجيل يونانية (¬4) ومعناه البشارة. ولما كان عيسى عليه السلام مبشراً بملكوت الله المنتظر سُمِّي كتابُه إنجيلاً. وكان كتابٌ نزل عليه مشتملاً على هدى ونور، وجُلُّه البشاراتُ، فحين نسوا منه حظّاً، ولم يبق في أيديهم إلا كلام مخلوط مع حفظِ الله تعالى منه البشاراتِ لتكون حجةً عليهم -ولكن يهتدي به الصالحون- أطلق اسم الإنجيل على هذا الباقي، كما يليق هذا الاسم بكتابه الكامل الصحيح. وإطلاق اسم الكامل على البقية جائز، لا سيما إذا بقيت فيها جهة التسمية. فإنّ الكتاب الذي نزل عليه -عليه السلام- كان إنجيلاً لاشتماله على البشارات. فهذا اسم مشترك ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون، الآيات: 1 - 11. (¬2) الإكليل: ق 2 "معنى كلمة الإنجيل". (¬3) وهي كلمة عبرية [. . .] (¬4) أي كلمة يونانية. وهي EuaddElion ( يُوأَنْجِلْيُون).

(87) الإنفاق

بين معنيين، فلا ينبغي الخلط بينهما. والمشترك يختص عند الاستعمال حسب موقع الكلام. ألا ترى اسم الفرقان يطلق على التوراة والقرآن، ولا خفى المعنى عند الاستعمال. وهكذا اسم التوراة يطلق على الكتاب الصحيح الذي نزل على موسى عليه السلام وعلى الكتاب المبدَّل الذي بقي في أيدي أهل الكتاب، وبقي فيه أكثر الشرائع. (2) لما كان المسيح عليه السلام خاتم أنبياء بني إسرائيل، وداعياً إلى خاتم الأنبياء مطلقاً، ومبشِّراً به وببعثته التي هي بين يدي الساعة ودينونة الله صار مبشّراً بملكوت الله من جهتين: من جهة أن بعثة نبينا هي ملكوت الله، ومن جهة أن القيامة هي ملكوت الله. ولذلك ضرب أمثالاً بعضها لبعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبعضها للقيامة، كما سيتبيّن من شرح أمثال الإنجيل (¬1). وهكذا صرّح الإنجيل والقرآن. فجاء في الإنجيل: "كانت النبوة إلى يحيى، وبعده فليس إلا بشارة ملكوت الله" (¬2). وجاء في القرآن: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (¬3). (87) الإنفاق (¬4) نفق، ونفد، ونفذ من أصل واحد (¬5). والمعنى: ذهب وجرى. يقال: ¬

_ (¬1) يعني في كتابه "الإكليل". (¬2) انظر لوقا 16:16. وفي الترجمة البيروتية 126: "كان الناموس والأنبياء إلى يوحنا ومن ذلك الوقت يبشر بملكوت الله". وانظر متى 11:12 - 13. (¬3) سورة الزخرف، الآية: 61. (¬4) تفسير سورة البقرة: ق 23، الآية 3 {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}. (¬5) وقال صاحب الكشاف 1:41: "عن يعقوب: نَفَقَ الشيء ونفِدَ واحد. وكل ما جاء مما=

(88) البارئ

نَفقَ البيعُ: راجَ. ونَفِقَ الزادُ: نفد. وأنفقَ القومُ: نفقت سوقهم. وأنفقَ الرجل: ذهب ماله. ومنه قوله تعالى: {إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} (¬1). والنفَق: سَرَبٌ في الأرض. ومنه النافِقاء، لإحدى جِحَرَة اليربوع النافذة التي يكتمها. والأخرى القاصِعاءُ، وهي التي يظهرها وليست بنافذة إلى مكانه. ومنه سمي "المنافق". وأنفق المال: أجراه، وأخرجه، ولم يمسكه، ولم يحبسه. (88) البارئ (¬2) البَرْءُ يشبه الخَلْقَ من بَرَأَ يبرَؤه، ومنه البريّة، وترك همزها. واعلم أن البَرْءَ ليس مرادف الخلق إلا على التجوز، فإنّ الخلق أصله التقدير، والبَرء إصلاحه، والتصوير إتمامه. ولذلك قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} (¬3). كماقال: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} (¬4). وزعموا أن "البَرَا" بغير الهمز كلمة أخرى، ومعناها التراب. قال الجوهري: ¬

_ = فاؤه نون وعينه فاء فدالّ على معنى الخروج والذهاب ونحو ذلك إذا تأملت" نقله السمين في الدر المصون 1:96 وصوّبه بقوله: "وهو كما قال". (¬1) سورة الإسراء، الآية: 100. (¬2) تفسير سورة البقرة: ق 116، الآية 54 {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ}. (¬3) سورة الحشر، الآية: 24. (¬4) سورة الأعلى، الآية: 2.

"البَرَا: التراب. قال الراجز: بفيكِ من سارٍ إلى القوم البرا (¬1) والبريَّة: الخلق، وأصله الهمز، والجمع: البَرَايا والبَرِيّات. قال الفرّاء: إن أخذت البريّة من البرا -وهو التراب- فأصلها غير الهمز (¬2)، تقول منه: براه الله يبروه بَرواً، أي خلقه" (¬3). وهذا قول مضطرب، فإن البَرء حينئذٍ يكون فعلاً من التراب، وجعله بمعنى الخلق تكلف ظاهر مبني على أن الخلق إنما يكون من التراب. وهذا كما ترى. ثم الفعل من التراب يكون بمعنى: جعله تراباً، لا خلقه من التراب. ثم لا دليل في قول الراجز على أن البرا هو التراب (¬4). والأولى بالصواب أن المادة الواحدة اتخذت صورتين: بَرَأَ مهموزاً وبَرَى ناقصاً يائياً، فإنا نجد معناهما في غاية التشابه. تقول: بَرَيت القلم، وبَرَيت السهم بَرْياً لِنَحتِهما. والمِبْرَاة: الحديدة التي يُبرى بها السهام. فهذا هو أشبه بمعنى الخلق. ¬

_ (¬1) نسب في المستقصى 2: 12 واللسان (برى) إلى مُدرِك بن حِصن الأسدي، مع شطرين قبله، وهما على رواية الأول: ماذا ابتغت حُبَّى إلى حلِّ العُرَى أحَسِبَتْني جئتُ من وادي القُرَى والشطر وحده في إصلاح المنطق: 159 والأمالي: 2: 58 وانظر ذيل اللآلي: 29 والميداني 1: 166. (¬2) انظر معاني القرآن 3: 282. (¬3) الصحاح (برا). (¬4) لم يظهر لي معنى آخر لكلمة "البرا" في قول الراجز. وقد فسرت في مصادر تخريجه بالتراب، وقال الزمخشري: يضرب في الدعاء على المخبر بالسوء. وقال الفراء في المعاني 3: 282: "سمعت العرب تقول: بفيه البرا، وحمى خَيبرى، وشرّ ما يرى، فإنه خَيسرَى". وانظر اللسان (برى).

(89) بدل

وهذه المادة موجودة في العبرانية (¬1) ففي أول التوراة: "بارا إلُوهِيم هَاشَّمَيِم" (¬2)، أي خلق الله السموات. (89) بَدَّلَ (¬3) 1 - بدّل الشيءَ شيئاً: جعل الثاني عوضاً للأول، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} (¬4). أي جعلوا الكفر بدلاً لنعمة الله. ومنه قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (¬5). 2 - وأيضاً: غَيَّرَه، كما حكى الله تعالى عن قول المنكرين: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} (¬6). 3 - وأيضاً: أتى بشيء آخر في مكانه، كما قال تعالى. {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (¬7). وربما يُبيّن هذا المعنى، كما قال تعالى: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} (¬8). ¬

_ (¬1) [. . .] بمعنى خلق وصوّر، وكذلك في الآرامية. وهي في العربية الجنوبية القديمة بمعنى بَنَى وشيَّد. انظر جزينيوس: 135. (¬2) سفر التكوين 1: 1 [. . .] (¬3) تفسير سورة البقرة: ق 117، الآية 59 {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}. (¬4) سورة إبراهيم، الآية: 28. (¬5) سورة الفرقان، الآية: 70. (¬6) سورة يونس، الآية: 15. (¬7) سورة النور، الآية: 55. (¬8) سورة سبأ، الآية: 16.

(90) جهرة

وأيضاً: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} (¬1) وربما يحذف المبدل منه، كما قال تعالى: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} (¬2). أي بجلودهم جلوداً غيرَها. (90) جَهْرَةً (¬3) جَهرةً: علانيةً وعِياناً، من جَهَرَ الركيَّةَ: نَقَّاها، وكذلك الصوتَ. وأصله التحريك بالشدة، كالنفض للثوب (¬4). وأظنها من الألفاظ العتيقة. فإننا نجد في لغة غير السامية ما يشبهها لفظاً ومعنى (¬5). (91) الجِيد (¬6) الجِيد يستعمل في مواقع الحُسنِ والتِّيهِ (¬7)، كقولِ امرئ القيس: ¬

_ (¬1) سورة الأعراف، الآية: 95. (¬2) سورة النساء، الآية: 56. (¬3) تفسير سورة البقرة: ق 116، الآية 55 {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}. (¬4) وقال ابن فارس في المقاييس (1: 487): "الجيم والهاء والراء أصل واحد وهو إعلان الشيء وكشفه وعلوه". وقال الراغب 208: "يقال لظهور الشيء بإفراط حاسة البصر أو حاسة السمع". (¬5) لعله يعني كلمة [. . .] (جهارنا - بالجيم المنفسة والراء الهندية) في اللغة الهندية، وهي مصدر بمعنى تنقية الركية ونفض الثوب. (¬6) تفسير سورة اللهب: 23 الآية 5 {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}. (¬7) أما موقع الحسن فقد ذكره السهيلي أيضاً في الروض (1: 223) فقال: "يُذكر الجِيد إذا =

وجِيدٍ كجِيد الرئمِ لَيس بفاحشٍ ... إذا هي نَصَّتْه ولا بمعطَّلِ (¬1) أو كقوله: بجِيد مُعِمٍّ في العشيرةِ مُخْوَلِ (¬2) ¬

_ = ذكِرَ الحُلِيّ أو الحُسن. ألا ترى إلى قول الأعشى: يومَ تُبدي لنا قُتيلة عن جيـ ... ـدِ [تليعٍ تزينه الأطواقُ] ولم يقل: عن عنق، وقول الآخر: وأحسنُ من عقد المليحة جيدُها ولم يقل: عنقها، ولو قاله لكان غثّاً من الكلامِ". وأَما موقع التِّيه فلم أر أحداً فطِن له غير المؤلف رحمه الله. (¬1) من معلقته. انظر الديوان: 16 وشرح ابن الأنباري: 61 نَصَّتْ: مدّت وأبرزت. والشواهد على موقع الحسن كثيرة منها قول المرقش الأكبر من قصيدة في المفضليات 224: ورُبَّ أسيلةِ الخديَّن بِكرٍ ... منعّمةٍ لها فرعٌ وجِيدُ علّق الفراهي في حاشية نسخته (2: 11): "أي فرع طويل وجيد حسن". وقول المثقِّب العبدي من مفضلية (289): أرَين محاسناً وكنَنَّ أخرَى ... من الأجياد والبشَر المَصُونِ وقال قيس بن الخطيم من قصيدة في ديوانه 125: تبدَّتْ لي لتقتلني فأبدَتْ ... معاصِمَ فخمةً منها وجيدَا (¬2) صدره، وهو أيضاً من المعلقة (الديوان: 22 وشرح ابن الأنباري: 94): فأدبَرْنَ كالجَزْعِ المفصَّل بينَه يشبّه بقر الوحش في بريقهن وما فيهن من البياض والسواد بالجَزع وهو الخرَز. ومن الشواهد على موقع التيه والفخر قول الأسود بن يعفُر النهشلي من مفضلية (218): فلقد أروح على التِّجارِ مُرَجَّلاً ... مَذِلاً بمالي لَيِّناً أجيادي أي كنت أروح. التجار: يعني بائعي الخمر. مذِلاً: قلقاً بمالي حتى أنفقَ. وقال الشماخ من قصيدة في ديوانه 115: نُبِّئتُ أنّ رَبيعاً أن رعَى إبِلاً ... يُهدِي إليّ خَناه ثانيَ الجِيدِ

(92) الحجارة

(92) الحِجَارة (¬1) قالوا: إنّها جمع حَجَر (¬2). وعندي أنها اسم للصِنف. قال تعالى حكايةً عن قول المشركين: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} (¬3). أيضاً: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} (¬4). وقال الأعشى (¬5): وحوادثُ الأيامِ لا ... يَبقَى لها إلاّ الحجارَهْ ¬

_ (¬1) تفسير سورة الفيل: 3، الآية 4 {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ}. (¬2) قال الجوهري في الصحاح (حجر): "الحجر جمعه في القلة: أحجار، وفي الكثرة: حِجارٌ وحِجارة، كقولك: جَمَل وجِمالة، وذكر وذِكارة، وهو نادر". وانظر سيبويه 3: 571 واللسان (حجر). (¬3) سورة الأنفال، الآية: 32. (¬4) سورة الإسراء، الآيتان: 50 - 51. (¬5) البيت من خمسة أبيات لعمرو بن مِلقَط الطائي، وكان رئيساً فارساً، بعثه عمرو بن هند على مقدمته، فأخذ من أخذ من بني تميم يوم أُوارة، وأحرقهم بالنار. وفي ذلك قال هذا الشعر يخاطب عمرو بن هند. انظر الاشتقاق: 385، واللسان (صبر). وقد وهم بعضهم (اللسان، البلدان - أوارة) فنسب الشعر إلى الأعشى الذي له قصيدة في الروي نفسه. وجاء فيها قوله: لَسْنا نقاتل بالعِصِيِّ ... ولا نُرامِي بالحِجارَهْ

(93) ختم

(93) ختَمَ (¬1) خَتَمَ: طَبَعَ، أي أثّر في الشمع أو الطين أو نحوِه للسدّ أو العلامة أو لكليهما. فخَتَمَ على الكتاب: طَبَعَ عليه بالخاتم، وعلى فم الوِعاء: طبع عليه بعد ما سدّه لكيلا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء. وبالتجريد خَتَمَ على الشىء: أحكم سدّه. فالختم على القلب والسمع يراد به أن لا يدخل فيهما ما كان ليدخل فيهما لولا هذا الختم. والختم على فم الإنسان يراد به أن لا يخرج منه كلام، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} (¬2). وجاء الطبع على البصر أيضاً، كما في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} (¬3). وهذا من التجريد أو التغليب. (94) الخَلْق (¬4) الخلق أصله التقدير (¬5)، كما قال زهير: ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 56، الآية 7 {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}. (¬2) سورة يس، الآية: 65. (¬3) سورة النحل، الآية: 108. (¬4) تفسير سورة البقرة: ق 72، الآية 29 {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}. (¬5) انظر (البارئ) في ص 343 وبه قال ابن قتيبة في المشكل: 507 وابن فارس في المقاييس (خلق) وانظر الصحاح (خلق) والراغب: 296.

(95) ذلك الكتاب

فَلأَنتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وبَعْـ ... ـضُ القوم يخْلُقُ ثُمَّ لا يَفرِي (¬1) ثم توسّع إلى إعطاء الوجود. (95) ذلك الكتاب (¬2) روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من السلف أن معناه: هذا الكتاب (¬3)، وعَنَوا بذلك أن المراد هو هذا الكتاب لا غيره، وهو قول صحيح. وليس معناه أن كلمة "ذلك" بمعنى "هذا"، فإنّ بينهما فرقاً عظيماً. وتفصيله في كتاب المفردات (¬4)، ونذكر هنا بقدر الكفاية. فاعلم أن "هذا" تشير إلى ما كان بين يديك وتُرِيه المخاطب، ولذلك تصدره بحرف "ها"، فتُريه ما بين يدي المخاطب، كما تقول: هأنذا، قال تعالى: ¬

_ (¬1) من قصيدة له في ديوانه بشرح ثعلب 76 - 82 والأعلم 114 - 121، والبيت وحده في سيبويه 4: 185 ومعاني الأخفش 417 والمشكل 507، والطبري (الحلبي) 18: 11 واللسان (خلق - فرى). الفري: القطع. يقول: أنت إذا قدّرتَ أمراً قطعته وأمضيته، وغيرك يقدّر ما لا يقطعه، لأنه ليس بماضي العزم. وأنشد في اللسان (خلق) قول الكميت: أرادوا أن تُزَايلَ خالقاتٌ ... أَدِيمَهمُ، يقِسْن ويفترينا وقال: يصف ابني نزار بن معد، وهما ربيعة ومضر. أراد أن نسبهم وأديمهم واحد، فإذا أرادت خالقات الأديم التفريق بين نسبهم تبين لهن أنه أديم واحد لا يجوز خلقه للقطع، وضرب النساء الخالقات مثلاً للنسابين الذين أرادوا التفريق بين ابني نزار. وأنشد ابن فارس في المقاييس (خلق) وعزاه إلى الكميت في المجمل (خلق): لم يَحشِمِ الخالقاتِ فَريتُها ... وِلم يَغضْ مِن نطافها السَّرَبُ (¬2) تفسير سورة البقرة: ق 17 - 19، الآية 2 {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}. (¬3) رواه الطبري عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والسدّي (شاكر 1: 255). (¬4) لم نجده في مسودته.

{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} (¬1). فلو قال: "ربَّ ذلك البيتِ" دلَّ على أن البيت قد مرّ ذكره، فأشير إليه. فإذا سبق ذكر شيء، وأشير إليه بهذا، كان المقصود إحضار ذلك الشيء بين يدي المخاطب. ونذكر على سبيل التمثيل لا الاستناد من قصيدة الفرزدق (¬2) أمثلة (¬3)، قال: هذا الذي تعرِفُ البطحاءُ وَطأتَه ... والبيتُ يَعرِفه والحِلُّ والحَرَمُ وقال في هذه القصيدة: هذا التَقيُّ النَقيُّ الطاهرُ العَلَمُ (¬4) وقال أيضاً: إلى مَكارمِ هذا ينتهي الكَرَمُ (¬5) ¬

_ (¬1) سورة قريش، الآية: 3. (¬2) هو همّام بن غالب بن صعصعة بن ناجية التميمي، من مجاشع بن دارم. أحد الشعراء الثلاثة المقدمين في العصر الأموي. توفي سنة 110 هـ. ابن سلام: 298 - 374، الشعراء: 471 - 482، الأغاني 21: 299 - 427، الآمدي: 250، المرزباني (القدسي): 486 - 487، اللآلي: 44، الأدباء 19: 297 - 303، ابن خلكان: 86:6 - 100، الخزانة 1: 217 - 223. (¬3) هذه الأبيات من قصيدة له في الأغاني (دار الكتب) 15: 327، والحماسة البصرية 1: 411 - 413، والمرتضى 1:67 - 69، وقد وقع بين أبياتها وأبيات قصائد أخرى متفقة معها في الوزن والقافية تداخل قديم أدى إلى اختلاف شديد في نسبتها. وقد حاول بعضهم التمييز بينها كصاحب الأغاني، وصاحب الحماسة البصرية الذي أثبت قصيدة الفرزدق وقصيدة الحَزِين الكِناني مستقلتين متواليتين (1: 411 - 415) وانظر في الخلاف الحيوان 3: 133 (الحاشية) وتخريج القصيدة في البصرية. (¬4) صدره: هذا ابنُ خيرِ عِبادِ اللهِ كُلِّهِمُ (¬5) صدره: إذا رأته قريشٌ قال قائلُها

فإن الإمام زين العابدين (¬1) رضي الله عنه كان موجوداً، وكان الشاعر يُرِيه المخاطب إرغاماً له (¬2). وجاء في القرآن. {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (¬3). وجاء أيضاً: {قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا} (¬4). أيضاً: {وإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (¬5). وضرب مثلاً لعيسى عليه السلام، ثم قال بعده: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} (¬6). فبالإشارة بكلمة "هذا" مثّل بين أيديهم ما سبق ذكره. وقال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} (¬7). ¬

_ (¬1) هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي (38 - 94 هـ) مولده ووفاته بالمدينة. انظر ترجمته في ابن خلكان 266:3 والنبلاء 386:4 والأعلام 4: 277. (¬2) وقصة الأبيات كما رواه صاحب الأغاني أن هشام بن عبد الملك حج في خلافة الوليد أخيه، ومعه رؤساء أهل الشام، فجهد أن يستلم الحجر، فلم يقدر من الزحام، فنُصِبَ له مِنبر، فجلس عليه ينظر إلى الناس، وأقبل علي بن الحسين ... فطاف بالبيت، فلما بلغ الحجر الأسود تنَحّى الناس كلهم، فغاظ ذلك هشاماً وبلغ منه، فقال رجل لهشام: من هذا أصلح الله الأمير؟ قال: لا أعرفه، وكان به عارفاً ... ففال الفرزدق، وكان لذلك كله حاضراً: أنا أعرِفه، فَسَلْني يا شامي. قال: ومن هو؟ قال: هذا الذي تعرف البطحاء ... (326:15). (¬3) سورة البقرة، الآية: 79. (¬4) سورة آل عمران، الآية: 37. (¬5) سورة مريم، الآية: 36. (¬6) سورة آل عمران، الآية: 62. (¬7) سورة آل عمران، الآية: 68.

فأشار إلى النبي بـ "هذا"، وهو بينهم. أما كلمة "ذلك، وتلك، وأولئك" فتشير بها إلى ما علمه المخاطب وسبق ذكره. أو يكبر من أن تمثله بين يديه. تقول بعد تمام الكلام: "ذلك" أي خذ ما ذكرنا. قال تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} (¬1). وقال تعالى بعد ذكر داود عليه السلام: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (¬2). وهكذا بعد ذكر أحكام المواريث قال تعالى: {تلك حدود الله} (¬3). وقال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْتِ (¬4): تركتُ اللاتَ والعُزَّى جميعاً ... كذلك يفعلُ الرجلُ البصير (¬5) وهذا كثير في القرآن وكلام العرب. وهم يفرّقون بين استعمالها لفوائد خاصة. ومن فوائد استعمال كلمة (ذلك) هاهنا دلالتها على أن اسم السورة المذكور قبها من القرآن، فإنها تشير إليه. ونظير هذا قوله تعالى: {حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ}. فأشار بكلمة {كَذَلِكَ} إلى المذكور آنفاً. ¬

_ (¬1) سورة محمد، الآية: 4. (¬2) سورة البقرة، الآيتان: 252، 253. (¬3) سورة النساء، الآية: 13. (¬4) لم أجد البيت منسوباً إلى أمية، وإنما هو من قصيدة لزيد بن عمرو بن نفيل في كتاب الأصنام: 22 وسيرة ابن هشام 1: 226 - 227 والأغاني 3: 118 - 119، والنصرانية: 621 وفيها جميعاً: الجلد الصبور، مكان "الرجل البصير". فلا أدري أوجد المؤلف هذه الرواية في بعض المصادر، أم حينما قرأ البيت في كتاب شعراء النصرانية أو غيره رأى أن (الجلد الصبور) تحريف، والصواب الذي هو أشبه بمعنى البيت: الرجل البصير. وفي رواية الصدر خلاف. (¬5) سورة الشورى، الآيتان: 1، 2.

وأما قول النحويين إن "هذا" للقريب، و "ذلك" للبعيد، فتقريب، وليس بيان حقيقة الأمر. ومما ذكرنا يتبين أن ما زعم ابن جرير رحمه الله، وتبعه المفسرون، أن {ذلك} هاهنا بمعنى هذا، واستشهد بقول خُفاف بن نَدْبة (¬1): أقول له والرمحُ يأطِرُ متنَه ... تأمَّلْ خُفافاً إنني أنا ذلكا (¬2) فلا يصح، لا في البيت، ولا في الآية: أما الآية فقد بينا أن {ذلك} هاهنا يدل على أمر لا يدل عليه "هذا". وفي القرآن نظائر كلها تؤيد ما ذكرنا، كما سيأتيك (¬3). وأما البيت فيقبح فيه لفظ "هذا"، فإن الشاعر بعد ما ذكر اسمه لعدوه، قال له: إنني عدوك الذي سمعته وعلمته من قبل. فلو قال: إنني أنا هذا، لم يدل على ذلك المعنى؛ وأيضاً سقط، لما أن في "ذلك" دلالة على عظمته، ولا فائدة في "أنا هذا" (¬4). ¬

_ (¬1) هو خُفاف بن عُمير السُّلَمى، وندبة (بفتح النون وضمها) أمه. شاعر فارس صحابي، من أغربة العرب وأشعر الفرسان. عاش في الجاهلية دهراً، ثم أدرك الإسلام، فأسلم وشهد فتح مكة وحنيناً والطائف، وبقي إلى أيام عمر. وهو ابن عم خنساء بنت عمرو الشاعرة. ألقاب الشعراء 2: 311. الشعراء: 341 - 342 الآمدي: 153 - 154. الأغاني 18: 22 - 38. تحفة الأبيه 1: 104 الإصابة: الرقم 2273، الخزانة 5: 443 - 445. (¬2) من أبيات له في شعره (شعراء إسلاميون) 482 - 485، وهي في الأغاني 18: 22 - 23 والحماسة البصرية 1: 321 والخزانة 5: 439 - 440. والبيت وحده في معاني الأخفش: 131 والاشتقاق: 309، وانظر تخريج البيت والقصيدة في شعره: 542. "لَهُ": أي لمالك بن حمار الفزاري و "يأطر متنه": يعطفه ويثنيه. (¬3) يعني في تفسيره. (¬4) قال المبرد في الكامل (1: 226 - 227): "ومما سأله (يعني نافع بن الأزرق) عنه {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ} فقال ابن عباس: "تأويله: هذا القرآن". هكذا جاء، ولا أحفظ عليه شاهداً عن ابن عباس، وأنا أحسبه أنه لم يقبله إلا بشاهد. وتقديره عند النحويين إذا قال {ذَلِكَ الْكِتَابُ} أنهم قد كانوا وعدوا كتاباً. هكذا التفسير، كما قال جل ثناؤه: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} ويعني بذاك اليهود، وقال: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} فمعناه: هذا الكتاب الذي كنتم =

(96) الرجز

(96) الرجز (¬1) لغةٌ في الرجس، وأصل المعنى: الاضطراب والحركة العنيفة والارتعاش (¬2). ولذلك يطلقان على القذر لما تشمئز منه النفس وتضطرب، وعلى العذاب لإزعاجه الناس. قال الجوهري: "الرَّجسُ بالفتح: الصوت (¬3) الشديد من الرعد، ومن هدير البعير. ¬

_ = تتوقعونه. وبيت خفاف بن ندبة على ذلك يصح معناه ... يريد: أنا ذلك الذي سمعتَ به. هذا تأويل هذا". وعلق على ذلك الفراهي في حاشية نسخته من الكامل (143) فقال: "عجبت من موافقة رأيه لرأي في تأويل الآية ومعنى قول خفاف بن ندبة، وكان ابن جرير رحمه الله خالف ذلك، واحتج ببيت خُفاف على غير وجه الصواب". وبما قال المبرد فسّره ابن الأنباري (انظر زاد المسير 6: 23) والمرزباني (انظر الإصابة 1: 452) وانظر تعليق الأستاذ محمود شاكر على الطبري 1: 227. ونحوه قول امرئ القيس من قصيدة في ديوانه 105: فلا تُنكِروني إنّني أنا ذاكمُ ... لياليَ حَلَّ الحيُّ غَولاً فَألْعَسَا غول وألعس: موضعان. وقول طَرِيف بن تميم العنبري -وهو جاهلي- من أصمعية له 127: أوَ كلما وردت عكاظَ قبيلةٌ ... بَعَثُوا إليّ رسولَهم يتوسَّمُ فتوسموني إنني أنا ذاكمُ ... شاكٍ سلاحي في الحوادث مُعْلِمُ شاكي السلاح: تامّه أو حادّه، المعلم: الذي شهر نفسه في الحرب بعلامة يُعرف بها. (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 119، الآية 59 {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}. (¬2) وإليه ذهب السمين في عمدة الحفاظ: 196 (رجس) فقال: "الرجس والرجز بمعنى وذلك لأن الرجز كما تقدم يدل على الحركة والاضطراب". أما ابن فارس ففرّق بينهما، فقال: إن الرجز يدل على الاضطراب، والرجس على الاختلاط (المقاييس 2: 489، 490). والجدير بالذكر أن مادتي الرجز والرجس كلتيهما واردتان في العبرية والآرامية بهذه المعاني التي وردتا فيها بالعربية. انظر جزينيوس: 919، 921. (¬3) في الأصل: للصوت، وأثبتنا ما في الصحاح.

ورَجَسَت السماءُ ترجُس، إذا رعدت وتمخضت. وارتجَسَتْ مثله. وسحاب رجّاس وبعير رجّاس. قال ابن الأعرابي (¬1): يقال: هذا راجس حسن، أي راعد حسن. ويقال: هم في مرجوسة من أمرهم، أي في اختلاط. والمِرجاس: حجر يُشَدّ في طرف الحبل، ثم يُدلَى في البئر، فيمخَض الحَمأةَ حتى تثور، ثم يُستقَى ذلك الماء، فتَنقَى البئرُ" (¬2). قال تعالى: {وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} (¬3). أي قذره وأذاه (¬4). وأيضاً: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (¬5). وأيضاً: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (¬6). وهكذا جاء الرجز والرجس للعذاب. ومنه قوله تعالى: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} (¬7). وقوله تعالى: ¬

_ (¬1) هو محمد بن زياد أبو عبد الله مولى بني هاشم وكان أبوه عبداً سنديّاً (150 - 231 هـ) لغوي، نحوي، راوية للشعر، نسابة من أهل الكوفة، كثير السماع من المفضل الضبي زوج أمه. انظر ترجمته في معجم الأدباء 6: 2530 وابن خلكان 306:4 والأعلام 6: 131. (¬2) الصحاح 3: 933 (رجس). (¬3) سورة الأنفال، الآية: 11. (¬4) فلا يصح ما رواه الطبري 2: 117 - 118 عن ابن عباس وابن زيد: "كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب"!. (¬5) سورة الأحزاب، الآية: 33. (¬6) سورة المائدة، الآية: 90. (¬7) سورة الأعراف، الآية: 71.

(97) الركوع

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} (¬1). (97) الركوع (¬2) الركوع هو الانحناء إلى القدام (¬3)، ومنه ركع الشيخ: احدَوْدَبَ. وأيضاً: تَواضَعَ، وأيضاً: سَفَل فقراً وبؤساً، كما قال: ... (¬4). ويكنى به عن الصلاة، كما في العبرانية تطلق "الصلاة" على الانحناء والصلاة (¬5). ¬

_ (¬1) سورة الأعراف، الآيات: 133 - 135. (¬2) تفسير سورة البقرة: ق 102، الآية 43 {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}. (¬3) قال ابن الأنباري في الزاهر 1: 140: "قد ركَعَ الرجلُ، معناه في اللغة: قد انحنى". وانظر المقاييس، والصحاح، والراغب (ركع). (¬4) لعله يعني الأضبَط بن قُريع السعدي - وهو شاعر جاهلي قديم من المعمرين. انظر ترجمته في المعمرين 11 - 12 وابن قتيبة 1: 389 - 390 - وبيته: لاَ تَحقِرَنَّ الفقيرَ عَلَّك أنْ ... تَركَعَ يوماً والدهرُ قد رَفَعَهْ وهو من أبيات له في البيان 3: 341 - 342، وابن قتيبة 390، والقالي 1: 107 - 108، وحماسة ابن الشجري: 137. والبيت وحده في اللسان (ركع) وانظر تخريجه في معجم الشواهد: 216. ومن شواهد "ركع" قول لبيد من قصيدة في ديوانه 171: أخبِّر أخبارَ القرونِ التي مضت ... أدِبُّ كأنِّي كلَّما قمتُ راكِعُ (¬5) انظر تعليقنا في كلمة (الصلاة) ص 210.

(98) الريب

(98) الريب (¬1) هو الشك (¬2)، كما قال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا} (¬3). وارتاب: شكّ، قال تعالى: {إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} (¬4). ورَيب الدهر: حوادثه، ومنه رَيب المنون، كما قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} (¬5). رابني فلان، إذا رأيتَ منه ما تكرهه وما هو مظنة السوء، ومنه الريبة للتهمة، وهي ظن السوء، فهي قسم من الشك. قال تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} (¬6). وأراب الرجل: صار ذا ريبة، وأيضاً: أورث الريبَ، كما قال تعالى: {في شَكٍّ مُريبٍ} (¬7). ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 19، الآية 2 {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ}. (¬2) قال ابن فارس في المقاييس (ريب): "أصل يدل على شك، أو شك وخوف". وقال السمين في الدر 85:2: "الريب: الشك مع تهمة ... وحقيقته على ما قال الزمخشري (الكشاف 1: 34) قلق النفس واضطرابها". وانظر الراغب (ريب). (¬3) سورة غافر، الآية: 59. (¬4) سورة العنكبوت، الآية: 48. (¬5) سورة الطور، الآية: 30. (¬6) سورة التوبة، الآية: 110. (¬7) سورة سبأ، الآية: 54. وانظر: سورة هود، الآيتين 62، 110 وسورة إبراهيم، الآية: 9 وسورة فصلت، الآية: 45 وسورة الشورى الآية: 14.

(99) الزيتون

ومنه الحديث: "دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك" (¬1) (99) الزيتون (¬2) أما الزيتون فأيضاً أطلق اسمه على منبته حسب سنّة العربية، كما مرّ آنفاً (¬3). ولا يخفى أن المراد جبل الزيتون الذي كثر ذكر تضرعات المسيح عليه السلام عليه. لوقا (37:21): "وكان في النهار يعلّم في الهيكل وفي الليل يخرج ويبيت في الجبل الذي يُدعَى جبلَ الزيتون". وسيأتيك تفصيل ذلك في الفصل السادس (¬4). ويوافق ذلك أقوال السلف منا، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن كعب (¬5) أن الزيتون بيت المقدس، وعن قتادة أنه الجبل الذي عليه بيت المقدس. (ابن جرير) (¬6). ¬

_ (¬1) قال ابن حجر في الفتح 4: 291 "ورد مرفوعاً أخرجه الترمذي والنسائي وأحمد وابن حبان والحاكم من حديث الحسن بن علي ... " انظر الترمذي في كتاب صفة القيامة 7: 187، والنسائي في الأشربة باب الحث على ترك الشبهات 8: 732 وأحمد 1: 200. وفي النهاية (ريب): "يروى بفتح الياء وضمها". (¬2) تفسير سورة التين، الآية: 7. (¬3) يعني في التفسير: 6 في الكلام على {التين} وانظره في هذا الكتاب. (¬4) التفسير: 9، فصل "وجه الاستشهاد على الدينونة بالزيتون". (¬5) هو كعب بن ماتع الحميري المعروف بكعب الأحبار، تابعي. كان في الجاهلية من علماء اليهود في اليمن وأسلم في زمن عمر رضي الله عنه وتوفي بحمص سنة 32 هـ وقيل غيره. النبلاء 3: 489، الإصابة 3: 315، الأعلام 5: 228. (¬6) التفسير (الحلبي) 30: 239، وانظر معاني الفراء 3: 276 وغريب القتبي: 532 ومعجم البلدان 3: 163.

(100) السلوى

(100) السَّلوى (¬1) اسم طائر يشبه السُّمانَى، الواحد والجمع سواء. عن ابن عباس وابن مسعود وعن ناس من الصحابة: "السلوى طير يشبه السمانى" (ابن جرير) (¬2). وهذا الاسم أيضاً مأخوذ من أهل الكتاب، وعرفته العرب، كما مرّ شاهده في تفسير "المنّ" (¬3). وهو اسم للطير التي أرسلها الله لبني إسرائيل في البرّية حين تذمّروا. ففي سفر الخروج: 16: 1 "ثم ارتحلوا من إيلِيم، وأتى كلُّ جماعة بني إسرائيل إلى برّيّة سِين التي بين إيليم وسيناء في اليوم الخامس عشر من الشهر الثاني بعد خروجهم من أرض مصر. 2: فتذمَّر كلُّ جماعةِ بني إسرائيل على موسى وهارون في البرّية. 3: وقال لهما بنو إسرائيل لَيتنا متنا بيد الربّ في أرض مصر إذ كنّا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزاً للشبع فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تُمِيتا كلَّ هذا الجمهور بالجوع ... 11: فكلّم الربُّ موسى قائلاً. 12: سمعتُ تذمُّرَ بني إسرائيل، كَلِّمْهم قائلاً: في العشية تأكلون لحماً وفي الصباح تشبعون خبزاً وتعلمون أني أنا الربُّ إلهكم. 13: فكان في المساء أن السلوى صعِدت وغطّت المحَلَّة ... " (¬4). ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 118، الآية 57 {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى}. (¬2) انظر تفسيره (شاكر) 2: 96. (¬3) انظر ص 319. (¬4) في حاشية الأصل: "تذكرة: نذكر الكلمة من العبرانية". ولكن لم يُمهله الأجل، رحمه الله. وكلمة السلوى في العبرانية [. . .] (سْلاَو) والسريانية [. . .] و (سلوى) ولعلها دخلت في العربية من السريانية، ويرجح معجم جزينيوس 969 أنها كلمة أجنبية في العبرانية.

(101) الصابئون

(101) الصابئون (¬1) ذكر ابن جرير رحمه الله فيه أقوالاً: فعن مجاهد والحسَن (¬2): أنهم قوم لا دينَ لهم، وهم بين المجوس واليهود، ولا تؤكل ذبيحتهم. وعن ابن زيد: أنهم على دين من الأديان كانوا بجزيرة المَوصِل، يقولون: لا إله إلا الله، وليس لهم عمل ولا كتاب ولا نبي. وعن قتادة: أنهم قوم يعبدون الملائكة ويصلّون إلى القبلة، ويقرأون الزبور. وعن أبي العالية (¬3) وسفيان (¬4): أنهم قوم من أهل الكتاب (¬5). أقول: لا مناقضة بين هذه الأقوال (¬6)، فإنهم أوّلاً كانوا على دين الحق، ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 123 - 124، الآية 62 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. (¬2) هو أبو سعيد الحسن بن يسار البصري (21 - 110 هـ) من كبار التابعين وسيّد أهل زمانه علماً وعملاً. أبوه مولى زيد بن ثابت وأمه مولاة أم سلمة أم المؤمنين. ابن خلكان 2: 69، النبلاء 4: 563، الأعلام 2: 226. (¬3) هو رُفيَع بن مِهران الرِياحي مولاهم البصري الإمام المقرئ المفسّر، من كبار التابعين، أدرك الجاهلية، أسلم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين، ودخل على أبي بكر، وصلى خلف عمر وقرأ القرآن عليه وعلى أبي بن كعب. توفي سنة 93، وقيل غيره. النبلاء 4: 207. (¬4) هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي (97 - 161 هـ) أمير المؤمنين في الحديث وأحد الأئمة المجتهدين، ولد ونشأ بالكوفة، وسكن مكة والمدينة، ثم انتقل إلى البصرة ومات بها. ابن خلكان 386:2، النبلاء 228:7، الأعلام 3: 104. (¬5) انظر تفسيره 2: 145 - 147. وانظر في مذهبهم وفرقهم الفرست 383 - 391 والملل والنحل للشهرستاني: 259. (¬6) كيف لا؟ وقد ذهب مجاهد والحسن إلى أنهم لا دين لهم، وعن أبي العالية وسفيان أنهم قوم من أهل الكتاب، ويقول ابن زيد إنهم يقولون لا إله إلا الله. والقول الأول يردّه السياق القرآني حيث جاء اسمهم بين اليهود والنصارى في سورة المائدة: 69 وسورة الحج: 17 وبعدهم في سورة البقرة: 62. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ولعل منشأ هذا التناقض أنّ الأقوال المذكورة لم تصدر عن مخالطة للصابئة واطلاع على ديانتهم ولا نظر في كتبهم التي هي في اللغة الآرامية، ثم كثرةُ فرقهم، واختلافُ مذاهبهم، وإخفاؤهم لتعاليمهم. وفي العصر الحاضر أجريت دراسات كثيرة في هذه الديانة حتى إنه قد ظهر في أوروبا بين عامي 1930 و1960 مائة واثنان وأربعون كتاباً. ثم ترجمت عدة من الكتب المندائية إلى اللغات الأوروبية. وأهمها ما يسمّى بالكتاب الكبير أو كتاب آدم (سيدرا آدم أو كنزا ربا) وتعاليم يحيى بن زكريا (دراشا أديهيا). ونلخص هنا عقيدتهم مما كتبته مؤلفة صابئة في كتابها (مفاهيم صابئية مندائية) في ضوء كتبهم والدراسات الحديثة: 1 - فهم يعتقدون بوحدانية الله الحي الخالق الأزلي الأبدي. ويتنزهون عن عبادة الأوثان والأصنام وعن السجود للشمس والقمر والكواكب وأمثالها. 2 - وبأن نفس الإنسان خالدة لأنها نفحة من نفحات الخالق، وهي عائدة إليه ومتحدة به في حياة باقية خالدة. ويشير رودولف في كتابه المندائية إلى أنهم يعتقدون بيوم الدينونة حيث تكون الجنة من نصيب الصالحين وتكون النار من نصيب الأشرار. 3 - وأنه بإمكان هذه النفحة السماوية أي نفس الإنسان أن تتحرر من مادية الجسد عن طريق المعرفة أو الكلام الرباني الذي يأتيها وحياً أو إلهاماً أو فيضاً سماوياً. 4 - وبأن أولئك المختارين الذين يؤتون العلم يكونون معلمين وهادين وأنبياء وأن آدم هو أول من أتاه العلم والكتاب، ودينه أول دين عرفته البشرية ودان به الصابئة المندائيون، وتلاه الأنبياء الآخرون. منهم شيث بن آدم "الغرس الطيب الذي يمثل الكمال الإنساني" ومنهم نوح وابنه سام، وإبراهيم. أما رسالة يحيى بن زكريا فهي عندهم "أعظم رسالة جاءت بعد آدم وأولاده". وأن التعاليم التي ما زالت لديهم إنما هي بعض الذي جاء به هؤلاء المصطفون القدامى من اّدم وشيث ويحيى! (ص 90 - 106). وأهم شعائرهم التعميد والصلاة التي تشمل الوضوء أو الرسم بالماء والتبريكات. والصابئي يتوضأ ثلاث مرات يومياً ويجوز اختصارها إلى مرتين بكرة وعشيا ويتلو أثناء الوضوء أدعية، ثم يقف المصلي متجهاً إلى الشمال لأنها باعتقادهم مقترنة بالأعالي أو السموات العلية حيث المكان المقدس الذي تزجى إليه نفوس الصالحين، وينحني كلّما ذكر كلمة السجود، والصلاة تعني ذكر الله مع التسبيح والتبريك والحمد والدعاء والاستغفار. ومن شعائرهم الصدقة والصوم الذي يعني الامتناع من أكل اللحوم فقط في أيام معينة من السنة يبلغ مجموعها ثلاثة وثلاثين يوماً. ولهم طرق خاصة في الزواج والذبح والجنائز (ص 107 - 144).

(102) الصوم

ثم نسوه، فعبدوا الملائكة، وعظموا النجوم (¬1)، كما أن أولاد إسماعيل عليه السلام كانوا على ملّة إبراهيم، ثم وقعوا في الشرك. وهذه الآية تدل على ذلك، كما هو ظاهر. وكانوا مولعين بالصلاة، ولذلك كان المشركون يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه: "هؤلاء الصابئون"، يشبهونهم بهم (¬2). وأما وجه التسمية فلعله من صبأ على القوم: طلع عليهم، وصبأ ناب البعير: طلع حلّه، وأصبأ النجم أي طلع الثريّا. وكان الصابئون أصحابَ الرصد والنظر في النجوم، فسُمُّوا بذلك (¬3)، والله أعلم. (102) الصوم (¬4) (1) للصوم أثران: جسماني وروحاني. فأمّا الجسياني فكانت العرب تعرفه كلَّ المعرفة، فلذلك نبّههم الله على طرفه الروحاني من التقوى والشغل ¬

_ (¬1) مع أنّ كتبهم تنهى عن ذلك، فجاء في فاتحة "كتاب آدم": "لا تسبحوا للكواكب والأبراج ولا تسجدوا للشمس والقمر المنوّرين لهذا العالم فإنه هو الذي وهبها النور" (ص 22) وجاء في صفات الله سبحانه: "لا يُرى ولا يُحدّ، لا كفء له بعظمته ولا شريك بسلطانه" (ص 11). (¬2) ويقوّي هذا الرأي ما ذكرنا من شعائرهم، والقول المشهور أن العرب كانت تسمي النبي - صلى الله عليه وسلم - الصابي لخروجه من دين قريش إلى الإسلام (انظر اللسان- صبأ). (¬3) ويبدو لي -والله أعلم- أن مادة "صبأ" المهموز في العربية بمعنى: صار صابئاً مأخوذ من اسمهم، واسمهم من مادة "صبا" المعتل اللام في اللهجة المندائية الآرامية التي هي لغة الصابئين، ويعني صَبَغَ، وغمس في الماء للتطهر والدخول في دين الصابئة، وتعمّد. ويقول الصابئي عندما يتطهر بالماء: "صبيت بمصبوتا بهرام ربا" أي اصطبغت بصبغة إبراهيم الرباني. وبهذا المعنى أي الصبغة في اللغة الأكدية "صبو، صبتوم" ولعل المادتين أصلهما واحد. وانظر مفاهيم 52 - 54، 255. (¬4) كتاب الرائع في أصول الشرائع: ق 14.

بطهارة النفس والمواساة بالفقراء (¬1). واستعمل لفظ التقوى (¬2) لأنّه كان أقرب شيء من حقيقة الصوم ومن علمهم به، فإنهم كانوا يُعوِّدون أفراسهم وآبالهم بالصبر (¬3) عن الماء والكلأ، لكي يَقوَوْا على احتمال الصبر عند الشدائد، كما كانوا يُعوِّدون أفراسهم باستقبال الريح، فإنّ التعوّد به من أكبر حاجات عند السير أو الحرب إذ كانت الريح تسفي التراب في وجوههم. ألم تَرَ كيف نصر الله نبيّه بالريح (¬4). وهذا الأمر قد وقع في زماننا هذا عند هجوم الكفار. وقد ذكر جرير هذين الأمرين في بيت له: ظَلِلنا بِمُسْتَنِّ الحَرُورِ كأنّنا ... لَدَى فَرَسٍ مُسْتَقْبِلِ الريحِ صَائمِ (¬5) إنه وصف حال أصحابه برجل قام مع فرس يروض باستقبال الريح والصوم. والعرب لا تشبّه بأمر غير معتاد. وأراد بقوله "لدى" أنه قائم مع الفرس، وليست العادة أن يقوم الرجل مع الفرس، ووجهُه على غير جهةِ فرسه. والأشعارُ في بيان صوم الفرس كثير (¬6). ¬

_ (¬1) في سورة البقرة، الآيات: 183 - 187. (¬2) في قوله تعالى في سورة البقرة: 183 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. (¬3) يقال: عَوَّده الشيءَ وتعوَّده، وأجراه المؤلف مجرى قولهم أخذ بالشيء وأخذ نفسَه به. (¬4) في غزوة الأحزاب. قال تعالى في سورة الأحزاب 9 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} وانظر السيرة 2: 231. (¬5) من قصيدة يجيب بها الفرزدق، وهي في ديوانه 993 - 1007 والنقائض 753 - 767 والبيت وحده في اللسان (سنن) مستنّ الحرور: مجرى الريح الحارة. (¬6) منها قول بشر بن أبي خازم الأسدي من قصيدة في ديوانه 209 والمفضليات 336: 1 - وماَ يَسعى رِجالُهمُ ولكنْ ... فُضولُ الخيلِ مُلْجَمَةٌ صِيَامُ يصف قومه فيقول: لا يمشون على أرجلهم ولكن لهم فضول خيل يركبونها. والصائم: القائم الساكت الذي لا يطعم شيئاً (شرح الأنباري 656). 2 - وقال أيضاً من أبيات في الحماسة البصرية 1: 85. متى ما أدعُ في أسدٍ تُجِبْني ... مُسوَّمةٌ على خيلٍ صِيامِ =

(103) ضربت عليهم الذلة

فكانت العرب تعلم فائدة الصوم للفرس، وتستعمل هذا اللفظ، فسمى الله الصوم بهذا الاسم. وكانت العرب من قبل تسمي الصوم صوماً، فإنهم رأوا اليهود والنصارى، فلم يُلْبِسْ عليهم حكمةُ الصوم من الجهة الجسمانية (¬1)، وأما أنه أمر ديني فنبّه الله على أنه ليس تعذيب النفس، كما ظنت اليهود والنصارى، بل هو طهارة، وأنه لا يريد بكم العسر. (2) ثم لما فرض الله لهم الصوم عندما كتب لهم الحرب تبيّنوا حكمةَ الصوم من حيث الرياضة لاحتمال الشدائد، والمناسبةَ بين الصوم والقتال لما كان بهم العلم بهذه الضرورة. ولكنّا لعدم العلم بهذه الأمور لا نعرف مناسبة بين الصوم والجهاد (¬2). فهذا ينبهك على أن الصحابة لم يخفَ عليهم نظم القرآن ومناسبة آياته. (103) ضُرِبَتْ عَليهم الذِّلَّةُ (¬3) أي ألصقت بهم، من ضرب الطين اللازب على الجدار (¬4). قال نابغة ذُبيان: ¬

_ = 3 - وقال لبيد بن ربيعة في معلقته يصف العير والأتان: حتّى إذا سَلَخَا جُمادَى سِتَّةٍ ... جَزَءَا فطالَ صيامُه وصيامُها رَجَعا بأمرِهما إلى ذِي مِرَّةٍ ... حَصِدٍ ونُجحُ صريمةٍ إبرامُها جزءا: اكتفيا بالرطب عن الماء. المِرة: القوة، حصِد: محكم. أي عزما على ورود الماء. انظر الديوان: 305، وشرح الأنباري: 544، والتبريزي: 220. 4 - وقال مُزرِّد أخو الشماخ من مفضلية 95 يصف جواده: تقول إذا أبصرتَه وهو صائم ... خِباءٌ على نَشْزٍ أو السِّيدُ مَاثِلُ نشز: مكان مرتفع. السيد: الذئب. (¬1) في الأصل: جهة جسماني، سبق قلم. (¬2) حيث جاءت آيات الصوم (183 - 187) قبل آيات الحج والجهاد (189 - 203) في سورة البقرة. (¬3) تفسير سورة البقرة: ق 120، الآية 61 {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} وانظر سورة آل عمران، الآية: 112. (¬4) قال الزمخشري في الكشاف 1: 145: "جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم فهم فيها =

(104) طور سنين

ولا يَحسَبون الخيرَ لا شرّ بعدَه ... ولا يحسَبون الشرَّ ضربةَ لازبِ (¬1) (104) طور سنين (¬2) معروف، ولكن صورة الكلمة تستدعي بياناً، فاعلم أن القرآن ذكره في موضع آخر باسم "طور سَيناء" (¬3). فمرةً أتى بها على التأنيث، ومرّةً على جمع السلامة، فدلّ على أن التأنيث إنما (¬4) هو لكونه وصفاً للجمع، كما تقول: جمعاء وأجمعون. وفي التوراة جاء "سِينَا" (¬5) و "سِينِيم" (¬6). وفي العبرانية "يم" علامة الجمع. وقال بعض علماء أهل الكتاب إن "سينيم" اسم أرض الصين بدليل أنه اسم أرض بعيدة عن فلسطين (¬7). وهذا الدليل كما ترى. ¬

_ = كما يكون في القبة من ضربت عليه، أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه". وانظر الأقوال الأخرى في تفسير الطبري 2: 136 والبحر 1:235. (¬1) من قصيدة له في ديوانه 40 - 48 يمدح بها عمرو بن الحارث الغساني. والبيت وحده في المجاز 2: 167 والطبري 23: 42 والمقاييس واللسان (لزب). (¬2) تفسير سورة التين: 7، الآية 2 {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ}. (¬3) وهو قوله تعالى في سورة المؤمنون: 20 {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ}. (¬4) في المطبوعة: إما، والصواب ما أثبتنا. (¬5) انظر مثلاً سفر الخروج 20:19 - 23 والكلمة العبرانية [. . .] (سِيْنَي). (¬6) انظر سفر إشعيا 12:49. (¬7) انظر قاموس الكنائس: 499 وجزينيوس 696.

(105) الطير

(105) الطير (¬1) عند الأكثرين اسم جمع مثل ركْب وصَحْب. وعندي اسم للصنف، فإنه يطلق على الواحد أيضاً (¬2). قال تعالى حكاية عن قول عيسى عليه السلام: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ} (¬3). فإذا أريد به الجماعة أريدت غير معدودة، وحيئنذٍ هو أدلّ على الكثرة من صيغة الجمع. قال تعالى: {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً} (¬4). أيضاً: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ} (¬5). ¬

_ (¬1) تفسير سورة الفيل: 2، الآية 3 {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ}. (¬2) في اللسان (طير): زعم قطرب أن الطير يقع للواحد، قال ابن سيده: ولا أدري كيف ذلك إلا أن يعنى به المصدر. وقال ثعلب: الناس كلهم يقولون للواحد "طائر" وأبو عبيدة معهم، ثم انفرد، فأجاز أن يقال "طير" للواحد. وجمع على طيور. قال الأزهري: وهو ثقة. ونص قول أبي عبيدة في المجاز 2: 249 في تفسير قوله تعالى {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} الواقعة 21: "جماعة طائر، وقد يجوز أن يكون واحداً" وعلّق المؤلف رحمه الله في حاشية نسخته من اللسان (طير) فقال: "الطير يقع للواحد كما جاء في القرآن وهو قوله تعالى {فيكون طيراً بإذن الله} ... ". (¬3) سورة آل عمران، الآية: 49. ومما يرجح أن الطير اسم صنف قوله تعالى في سورة النمل (17): {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ}. (¬4) سورة ص، الآية: 19. (¬5) سورة الملك، الآية: 19.

(106) الفرقان

(106) الفرقان (¬1) مصدر استعمل اسماً مثل القرآن. والتوراة (¬2) والقرآن (¬3) كلاهما يسمى بالفرقان لاشتمالهما على تفاصيل الأحكام، ولفرقه (¬4) بين الحق والباطل والحلال والحرام، ولكونهما واضحين بيّنين (¬5). وسمي يوم بدر فرقاناً لما ظهر فيه الحق (¬6). (107) الفِسْق (¬7) فَسَقَتْ الرُّطَبَةُ، إذا خرجت من قشرها (¬8). وفَسَقَ الرجلُ: خرج عن المعروف إلى المنكر. قال تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (¬9). ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 116، الآية 53 {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. (¬2) كما في الآية السابقة من البقرة. وانظر سورة الأنبياء، الآية: 48. (¬3) كما في قوله تعالى في سورة الفرقان: 1 {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} وانظر سورة البقرة، الآية: 185 وسورة آل عمران، الآية: 40. (¬4) الضمير يرجع إلى لفظ كِلا، إن لم يكن فيه سهو، أو إلى الفرقان. (¬5) في الأصل: واضحاً بيناً. وهو سبق قلم. (¬6) في قوله تعالى في سورة الأنفال: 41 {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. (¬7) (107) تفسير سورة البقرة: ق 78، الآية 59 {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} وانظر سورة آل عمران، الآية: 112. (¬8) انظر معاني الفراء 2: 147، والطبري (شاكر) 1: 409، والزاهر 1: 217. (¬9) سورة الكهف، الآية: 50.

(108) الفوم

فهو ارتكاب المنكر بجسارَة، وقريب من الفجور. قال تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (¬1). وقال تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (¬2). وقال تعالى: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} (¬3). (108) الفُوم (¬4) الفوم هو الثوم (¬5). والعرب تبدل الثاء فاء، وبالعكس، فيقولون: وقعوا في عَاثُور شرٍّ وعافور شرٍّ. ويقولون للأثافي: أثاثي (¬6). وهكذا فسره عبد الله بن ¬

_ (¬1) سورة الحجرات، الآية: 7. (¬2) سورة البقرة، الآية: 197. (¬3) سورة الإسراء، الآية: 16. (¬4) (108) تفسير سورة البقرة: ق 119، الآية 61 {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا}. (¬5) كذا وضع المؤلف رحمه الله هذه العلامة فوق كلمة الثوم، ولم يشر إليها في الحاشية إلا أنه نقل فقرتين من التوراة جاءت في الثانية منهما كلمة الثوم وهما: "سفر العدد 11:4 واللفيف الذي في وسطهم اشتهَى شهوةً فعاد بنو إسرائيل أيضاً وبكَوا وقالوا مَن يُطعمنا لحماً. 5 قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجّاناً والقثاء أو البطيخ والكراث والبصل والثوم" الخ. (¬6) انظر معاني الفراء 1: 41، وإبدال ابن السكيت 126 - 127، والطبري 2: 130 واللسان (عثر) العاثور: حفرة تحفر للأسد ليقع فيها للصيد وغيره.

(109) القضب

مسعود رضي الله عنه (¬1). وهكذا جاء في التوراة (¬2)، كما سنذكره في عنوان التأويل (¬3). وهذا ظاهر جداً. فلا ثقة بما روي من أقوال كثيرة فيه من الخبز والحنطة والسنبلة والحب الذي يختبز الناس منه (¬4). (109) القضْب (¬5) القَضْب: نبات يؤكل ناعماً خَضِراً. ولذلك تسمى الرَّطْبَةُ قَضْباً. وهو بالفارسية: اِسْبسْت (¬6). من قَضَبَه: قَطَعه بصوت مشابه بتلفظ حروف "قضب"، ويشبهه لفظ المَضغ. والقَضْب جامع لكل ما يؤكل رَطْباً (¬7). ¬

_ (¬1) يعني أن ما روي من قراءته "وثومها" تفسير منه للفوم. وقال الفراء بعد ما ذكر هذه القراءة: "فكأنه أشبه المعنيين بالصواب لأنه مع ما يشاكله من العدس والبصل وشبهِه". وقال ابن قتيبة في الغريب 151: "وهذا أعجب الأقاويل إليّ ... " وقال الزمخشري في الكشاف 1:145: "وهو للعدس والبصل أوفق". أما المعنى الثاني الذي ذكره الفراء فهو الحنطة والخبز. (¬2) انظر التعليق الأول. والجدير بالذكر أن المصريين القدامى كانوا يطحنون العدس ويخبزون منه. انظر "نباتات قرآني": 105. (¬3) يعني بعد شرح كلمات هذه المجموعة من الآيات، ولكن تنتهي المخطوطة بشرحها ولم يقدر له إكمال تفسير السورة. (¬4) انظر الطبري (شاكر) 2: 127 - 129. (¬5) تفسير سورة عبس: 17، الآية 28 {وَعِنَبًا وَقَضْبًا}. (¬6) انظر الصحاح واللسان (قضب). (¬7) نقله الفيّومي في المصباح المنير عن البارع. وانظر اللسان. ولحسن الترتيب في الأشياء المذكورة في الآيات 27 - 31 من سورة عبس، انظر تفسيرها للمؤلف 19 الفصل الحادي عشر "نظرة في نظم ما ذكر من أسباب الطعام والمتاع".

(110) القول

(110) القول (¬1) القول يستعمل على خمسة أوجه: 1 - قول مسموع. 2 - وقول بالسر. قال تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} (¬2). 3 - وإيماء من غير تكلم. قال تعالى: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} (¬3). 4 - وحديث في النفس من غير كلام مرتب بالحروف. وذلك بإحضار المعنى الذي يحضر قبل الكلام (¬4). قال امرؤ القيس: إذا قلتُ هذا صاحبي قد رَضِيتُه ... وقرَّتْ به العينانِ بُدِّلتُ آخرَا (¬5) أي إذا تصوّرتُ هذا الأمر في نفسي (¬6). ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 77، الآية 59 {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} وانظر التعليقات 455 وقال في كتابه (الطارق والبارق): "القول هو المعنى في كثير من الاستعمال مجازاً، فإنّ السامع لا يلتفت إلى الألفاظ وكذا القائل. فاختلاف الألفاظ في قصة آدم وإبليس لا يجعل الأقوال مختلفة، فإن المعنى متحد". (¬2) سورة الرعد، الآية: 10. (¬3) سورة مريم، الآية: 26. (¬4) ومن ذلك قوله تعالى {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ}، وقوله {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} آل عمران: 154. (¬5) من قصيدة في ديوانه: 69. ورواية الديوان: صاحبٌ. (¬6) ومنه قول النابغة من قصيدة في ديوانه: 20. لما رأى واشِقٌ إقعاصَ صاحبِه ... ولا سبيلَ إلى عَقل ولا قَوَدِ =

5 - وإشارة عامة سواء كانت بفعل أو بلسان الحال، كما جاء في الحديث: "وقال بيده كذا" (¬1). وكما قيل: اِمتَلأَ الحَوضُ وقال قَطْنِي (¬2) ¬

_ = قالت له النفسُ إني لا أرى طمعا ... وإنّ مولاك لم يسلَمْ ولم يصِدِ واشِق: اسم كلب، وصاحبه كلب آخر اسمه ضمران بضمّ أوله وفتحه. الإقعاص: القتل الوَحِيّ أي السريع. ومنه قول زهير من قصيدة في ديوانه: 264 (الأعلم): فلما بَدَتْ ساقُ الجِواءِ وصارةٌ ... وفَرْشٌ وحَمّاواتُهنّ القوابِلُ طربتَ وقال القلبُ هل دونَ أهلِها ... لمن جاورتْ إلا ليالٍ قلائلُ الحماوات: الأكم السوداء، وأضافها إلى المواضع المذكورة. القوابل: الأوائل أو التي يقابل بعضها بعضاً. (¬1) وهو كثير. ومنه ما رواه البخاري في كتاب العلم، باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يُقبض العلم، ويَظهر الجهلُ والفِتَنُ، ويكثر الهَرْجُ". قيل: يا رسول الله، وما الهرْجُ؟ فقال هكذا بيده، فحرَّفَها، كأنه يريد القتل. انظر فتح الباري 1:182. (¬2) الرجز لأبي النجم في الزاهر 2: 335 وهو بلا عزو في مجالس ثعلب 1:158 والمقاييس واللسان (قط). وانظر معجم الشواهد: 552. قطني: كفاني. ومن شواهد القول بهذا المعنى قول الحطيئة من قصيدة في ديوانه (الشنقيطي): 23 يصف ناقة: وإنْ نَظَرَتْ يَوماً بمُؤخَرِ عَينِها ... إلَى عَلَمٍ في الغَور قالَت له ابعَدِ علق الفراهي في حاشية نسخته من الديوان: "القول بلسان الحال". وقال المثقب العبدي من مفضلية له (292) يصف ناقته: إذا ما قمتُ أرحَلُها بِلَيلٍ ... تأوَّهُ آهةَ الرجلِ الحزينِ تقول إذا دَرَأتُ لها وَضيني ... أهذا دِينُه أبداً ودِيني أكُلَّ الدهرِ حَلٌّ وَارْتحالٌ ... أمّا يُبقي عَلَيَّ ولا يَقيني الوَضِين: بمنزلة الحِزام. درأتُه: مددته وشددت به رحلها.

(111) كفات

(111) كفات (¬1) من كَفتَه: ضَمَّه وجمعَه (¬2). وفي الحديث: "اِكفِتوا صِبيانكم بالليل" (¬3). ومنه كفَتَه عن وجهه: صرَفَه. ومنه الكِفْت بالكسر للقدر الصغيرة. والفِعال بمعنى ما يفعل به كالزمام. ولذلك صار في قوة الفاعل، فصحّ وقوع المفعول بعده (¬4). ¬

_ (¬1) تفسير سورة المرسلات: 9، الآيتان 25 - 26 {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}. (¬2) انظر المقاييس (كفت). (¬3) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولفظه: "واكفِتوا صبيانكم عند المساء، فإنّ للجنّ انتشاراً وخَطْفةً". انظر فتح الباري 355:6. وهو بلفظ الكتاب في صحاح الجوهري والراغب (كفت). (¬4) وبه قال الزمخشري (الكشاف 679:4) "هو اسم ما يكفت، كقولهم: الضمام والجماع لما يضم ويجمع. يقال: هذا الباب جماع الأبواب، وبه انتصب (أحياءً وأمواتاً) كأنه قيل: كافتة أحياء وأمواتا. أو بفعل مضمر يدلّ عليه وهو: تكفت". وقال ابن سيده (المحكم 6: 481): "الموضع الذي يضمّ فيه الشيء ويقبض ففي التنزيل ... هذا قول أهل اللغة، وعندي أن الكفات هنا مصدر من كفت .... " ونقل القرطبي (10: 105 العلمية) عن الأخفش أنه جمع كافتة. وقال العكبري (التبيان 1264): "كفات جمع كافت مثل صائم وصيام، وقيل هو مصدر مثل كتاب وحساب والتقدير: ذات كفت".

(112) الكيد

(112) الكَيد (¬1) هو التدبير الخفي لضرر العدو (¬2). قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا} (¬3). أيضاً في قصة فرعون: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى} (¬4). وأيضاً فيها: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} (¬5). وأيضاً في كفار العرب: {لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (¬6). وقال النابغة: يقودهم النعمانُ منه بمُحْصَفٍ ... وكَيدٍ يَعُمّ الخارجيَّ مُنَاجِدِ (¬7) ¬

_ (¬1) تفسير سورة الفيل: 1، الآية 2 {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ}. (¬2) قد يكون خفيّاً وقد لا يكون (ن). (¬3) سورة الطارق، الآيتان: 15 - 16. (¬4) سورة طه، الآية: 60. (¬5) سورة طه، الآية: 64. (¬6) سورة آل عمران، الآية: 120. (¬7) من قصيدة في ديوانه: 138 يمدح بها النعمان بن وائل بن الجُلاح الكلبي الذي أغار على بني ذبيان، فأخذ منهم، وسبى سَبْياً من غطفان، ثم أطلقهم له. وقبله: لَعَمرِي لَنِعم الحيُّ صَبَّحَ سِرْبَنا ... وأبياتَنا يَوماً بذاتِ المراوِدِ بمحصف: برأي محكم. يَعُمّ: في التفسير "يغم" بالغين المعجمة وكذا في النصرانية: 669 وأثبتنا رواية الديوان. الخارجيّ: الذي خرج بنفسه ومروءته وشجاعته. مُناجِد: شديد من النجدة. وَقال مُعوِّدُ الحكماء -وهو فارس وشاعر جاهلي مشهور- من مفضلية (355): =

وقال زهير بن أبي سلمى يصف الملك سِناناً (¬1): له لَقَبٌ لباغي الخير سَهْلٌ ... وكيدٌ حِينَ تَبْلوه مَتِينُ (¬2) أي تدبير محكم. وقال تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (¬3). وكذلك ينسب إليه الوهن والضعف. قال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} (¬4). وأيضاً: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (¬5). وكذلك ينسب إليه الضلال (¬6) والتباب (¬7) وعدم الهداية (¬8). ¬

_ = وإذا نوافق جرأةً أو نجدةً ... كنا سُمَيَّ بها العدوَّ نكيد (¬1) هو سِنان بن أبي حارثة المرّي، أحد أجواد العرب وحكمائهم. كان رأس غطفان وبني مرة. انظر مجمع الأمثال 2: 425. (¬2) من قصيدة له في ديوانه (الأعلم): 158. (¬3) سورة الأعراف، الآية: 183 وسورة القلم، الآية: 45. ووردت نسبة الكيد إلى الله تعالى في قول ذي الإصبع العدواني من قصيدة في الأغاني 3: 103. فَلَقَبْلَ ما رامَ الإلهُ بكيدهِ ... إرَماً وهذا الحَيَّ مِن عَدوانِ (¬4) سورة الأنفال، الآية: 18. (¬5) سورة النساء، الآية: 76. (¬6) قال تعالى في سورة غافر: 25 {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}. (¬7) قال تعالى في سورة غافر: 37 {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ}. (¬8) قال تعالى في سورة يوسف: 52 {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ}.

(113) المرض

(113) المرض (¬1) كانت العرب تكني بداء القلب عن الحقد (¬2) والهوى (¬3). وفي القرآن جاء أيضاً بمعنى الشك. وعلى هذا سمي اليقين شفاء (¬4). ... كان التحاسد والتباغض والارتياب من أظهر خلال اليهود. ثم لما أنشأ الله نبيّه في بني إسماعيل، وأنزل كتابه على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وارتفع أمره، شقّ عليهم، وهَيَّجَ بغضاءَهم. فذلك ما زادهم مرضاً حسب سنّته. وإن سنن الله تعالى تنسب ¬

_ (¬1) النصان من تفسير سورة البقرة: ق 63، 65، الآية 10 {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا}. (¬2) نحو قول امرئ القيس من قصيدة في ديوانه 186: فإن تدفنوا الداءَ لا نُخفِه ... وإن تبعثوا الحربَ لا نقعُدِ وقال حاتم الطائي من قصيدة في ديوانه 237: متى تَرقَ أضغان العشيرة بالأنا ... وكفِّ الأذى يُحْسَمْ لك الداءُ مَحْسَما وقال عمرو بن الأهتمّ من مفضلية (410): وإنّ مِن الصديق عليك ضغناً ... بدا لي إنني رجل بصيرُ بأدواء الرجال إذا التقينا ... وما تخفي من الحسَك الصدورُ وقال سويد بن أبى كاهل اليشكري من مفضليته (198): زَرعَ الداءَ ولَم يُدرِك به ... تِرَةً فاتت ولا وَهْياً رَقَعْ (¬3) نحو قول النمِر بن تولَب العُكلي من قصيدة في شعره 100: وأقصَرَ عنها وآياتُها ... يُذكِّرنَه داءَه الأقدما أقصر: أي القلب، وقد مرّ الشاهد في لفظ "الآية" ص 135. وقال رُقيع الوالبي -إسلامي- من قصيدة في قصائد نادرة 33: وقد كان أيامُ الغواني ضَمانةً ... من الداءِ يعَيا بالشفاء طبيبُها وقال زُهير بن أبي سلمي من قصيدة في ديوانه 201: فصحوتُ عنها بعد حبٍّ داخلٍ ... والحبّ تُشرِبُه فؤادَك داءُ (¬4) كما سيأتي.

إليه. وكثيراً ما ينبّه القرآن على ذلك. وهكذا (¬1) هاهنا قدّم أعمالهم الناشئة من مرض قلوبهم. ولما كان نفاقهم نتيجة الحقد والارتياب عبّر القرآن عنه بالمرض. وقد مرَّ أن العرب كانت تسمي الضغن مرضاً (¬2) والانتقام شفاء (¬3). وأما ¬

_ (¬1) يعني في أول سورة البقرة. (¬2) ومنه قول ثابت قطنة الأزدي في حماسة البحتري 80: وما أخي بالذي يرضى بمنقصتي ... ولا الذي يظهر البغضاءَ والمرَضا علق الفراهي في حاشية نسخته: "المرض أي البغض والشنآن". وقال مسلم بن معبَد الأسدي من أبيات في الخزانة 2: 310: جوِينَ مِنَ العَداوةِ قد وَرَاهم ... نَشِيشُ الغيظ والمرضُ الضَّناءُ وقال الشماخ من قصيدة في ديوانه 215: أجاملُ أقواماً حياءً وقد أرى ... صدورَهمُ تغلي عليّ مِراضُها (¬3) وهو كثير جداً، ومنه قول قيس بن الخَطيم من قصيدة في ديوانه 44: ضربتُ بذِي الخِرصَين رِبقةَ مالكٍ ... فأُبْتُ بنفسٍ قد أصبتُ شِفاءَها ذو الخرصين: سيفه. وقال الأخنس بن شهاب التغلبي من أبيات في حماسة البحتري 19: ولما رأيتُ الثأرَ قد حِيلَ دونَه ... مشيتُ لَهم قَطْواً وكنتُ لهم حِلسا ولاحظتُ ثأري فيهم لأنالَه ... متى ما أنَلْه أشفِ من عامرٍ نفسَا مشَى قَطْواً: قارب في مشيه. حِلْساً: مُلازِماً. وقال يزيد بن المخرِّم من بني الحارث بن كعب -جاهلي- من قصيدة في قصائد نادرة 50: وإنَّ القَود بعد القَود يشفي ... ذوي الأضغان من لَهَب الأُحَاحِ الأحاح: شدة الغيظ والحقد. قال حاجز بن عوف الأزدي -جاهلي- من أبيات في قصائد جاهلية 82: ولقد شفاني أن رأيتُ نساءَكم ... يَبكِينَ مُرْدِفَةً عَلَى الأكفالِ وقال عوف بن الأحوص أو خداش بن زهير من قصيدة في المفضليات: 365 والأصمعيات 217: وكانت قريشٌ لو ظهرنا عليهم ... شِفاءً لِما في الصدر والبغضُ ظاهرُ

(114) المسد

الريب فقد كثر في القرآن أن اليقين شفاء، فجعل الشك مرضاً. وهذا من أحسن التعبيرات. ومنه قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} (¬1). وأما تسمية الضغن مرضاً فمما كثر في كلامهم، وقد جاء في القرآن، وفسّره حيث قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} (¬2). (114) المسد (¬3) اللفظ معلوم مستعمل في كلام العرب اسماً وفعلاً. فالمسَد في اللغة: لِيف أو خُوص أو لِحاء يُفتل منه الحبالُ الخشنةُ. ولذلك يُستعمل لكل حبل خشن سواء كان من ليف أو مثله أو جلد. وكثرة استعمال المسد لحبل البَكرة تدل على أن المسد هو الحبل الغليظ (¬4). يقال: مَسَدَ الحبلَ: أي فتله محكماً غليظاً. ¬

_ (¬1) سورة المدثر، الآية: 31. (¬2) سورة محمد، الآيتان: 29 - 30. (¬3) تفسير سورة اللهب: 22، الآية 5 {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}. (¬4) من شواهد المسد قول النابغة من قصيدة في ديوانه: 16، يصف ناقة: مقذوفةٍ بدَخِيسِ النَّحضِ بَاذِلُها ... له صَرِيفٌ صَرِيفَ القَعوِ بالمسَدِ علق الفراهي في حاشية النصرانية (659): "منصوب على الحذف والتأويل. أي يصرف صريفَ القعو بالمسد". مقذوفة: قال الأعلم: أي لعظم خلقها وتراكبُ لِحمها كأنها قد رميت باللحم رَمياً. الدخيس: الكثير المتداخل. النحض: اللحم. القعو: الذي فيه البكرة إذا كان من خشب وقيل: البكرة بعينها. بازلها: نابها. =

(115) المسكنة

(115) المسكنة (¬1) مَفْعَلَةٌ من السكون، وتستعمل للعجز وسقوط الهمة وبؤس العيش. ومنها المسكين، أي الذي سُدّ عنه طرق الكسب. ودلّ على هذا المعنى ما جاء في الحديث: "ليس المسكين من تردّه اللقمة واللقمتان، وإنما المسكين الذي لا يَسأل، ولا يُفطَن له فَيُعطَى" (¬2). فالمسكنة شدة العجز وسوء العيش. ¬

_ = وقال الأعشى من قصيدة في ديوانه (ط 7) 179: تُمسِي فيَصرِفُ بابُها مِن دُونِنا ... غَلَقاً صريف َمَحَالةِ الأمسادِ المحالة: البكرة. الأمساد: جمع المسد. وقال بِشر بن أبي خازم من قصيدة في ديوانه: 77 يصف فرساً: كأنّ سرَاتَه والخيلُ شُعْثٌ ... غداةَ وجيفها مَسَدٌ مُغَارُ سَراته: أعلاه. الوجيف: المرّ السريع. المغار: الشديد الفتل. وقال زهير بن أبي سلمى من قصيدة في ديوانه: 238 يصف ناقة: حَرَجٍ ترى أثرَ النُّسوع لوَاحِباً ... في دَفّها كمفاقرِ الأمسَادِ حَرَج: ضخمة الألواح. لواحب: بينة. المفاقر: آثار الحبال في البئر. (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 120 - 121، الآية 61 {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}. (¬2) بهذا اللفظ في اللسان (سكن) وفيه "الذي" بدل "من". والحديث أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} وكم الغنى، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس، تردّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنًى يُغنيه، ولا يُفطن به فيُتصدَّق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس". انظر الفتح 8: 341. وعنه في كتاب التفسير. انظر الفتح 202:8.

(116) مكين

(116) مَكين (¬1) مَكين: مطمئن. ويوصف به الموضع، فيدل على أنه خالٍ عن القلق والتزعزع، كما هو هنا (¬2). وربما يوصف به ذوو العقول، فيدلّ على كونهم ذوي الثقة والاعتماد وذوي الرسوخ في المرتبة، كما قال تعالى: {عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} (¬3). وكما أخبر عن قول ملك مصر ليوسف عليه السلام: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} (¬4). (117) الملائكة (¬5) جمع ملَك. أصله: مَلأَك (¬6)، ومعناه: الرسول، وخص بالروحانيين من ¬

_ (¬1) تفسير سورة المرسلات: 9، الآيتان 20 - 21 {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}. (¬2) يعني في سورة المرسلات. وانظر سورة المؤمنون، الآية: 13. (¬3) سورة التكوير، الآيتان: 20 - 21. (¬4) سورة يوسف، الآية: 54. (¬5) تفسير سورة البقرة: ق 92، الآية 30 {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}. (¬6) خلافاً لمن قال: أصله "مألك"، بتقديم الهمزة، من "ألك"، ثم قلبت، وقدمت اللام، فقيل: ملأك، ثم حذفت الهمزة تخفيفاً. انظر اللسان (ملك). وهو الصواب لوجود "ملأك" في اللغات السامية الأخرى من العبرية والفينيقية والآرامية والسريانية والحبشية. وفي الحبشية يستعمل الفعل أيضاً من "لأك" بمعنى إرسال الرسول. فهي المادة الأصلية القديمة. أما "ألك" فهو مقلوب من "لأك". انظر جزينيوس: 521 ومقال الدكتور إبراهيم أنيس في مجلة المجمع المصري 31: 7 - 15.

رسل الله تعالى. وجمع الملك: ملائك وملائكة، مثل أشاعث وأشاعثة (¬1). وإنما سمّوا "ملائكة" لكونهم رسلاً من الله تعالى، كما قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ} (¬2) الآية. أيضاً: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (¬3). وهكذا سمّوا في الفارسية "فِرِشْتَه"، وفي اليونانية "أنجلوس" (¬4) أي الرسول. قال رجل من عبد القيس جاهلي يمدح بعض الملوك (¬5): فلستَ بإنسيٍّ ولكنّ مَلأَكاً ... تحدَّرَ مِن جَوِّ السماء يَصوبُ (¬6) وقال عديّ بن زيد: ¬

_ (¬1) انظر تفسير الطبري 1:443. (¬2) سورة فاطر، الآية: 1. (¬3) سورة الأنعام، الآية: 61. (¬4) [. . .]. (¬5) كذا في المجاز 1:33. وقال ابن برّي في التنبيه 1:104: "البيت لرجل من عبد القيس يمدح النعمان، وقيل: هو لأبي وجزة يمدح عبد الله بن الزبير". والقول الثاني لابن السيرافي. وانظر اللسان (ملك) والعيني 4: 524. ونسبه ابن الأنباري في الزاهر 2: 267 والأعلم في شرحه لشواهد الكتاب 2: 379 إلى علقمة بن عبَدة. (¬6) البيت من الشواهد المشهورة، وهو من قصيدة لعلقمة الفحل في شعره 1:148 والمفضليات: 394 وهو من شواهد سيبويه 380:4. وهو في المجاز: 33، 35 والطبري 1: 333، 445 واللسان (صوب، ألك، لأك، ملك) وانظر معجم الشواهد 39. والرواية الشائعة للشطر الأول: فلستَ لإِنسي ولكنْ لِملأكٍ ................... وأقرب رواية للفظ الكتاب رواية مخطوطة الطبري 1: 333: "لإنسي ولكنَّ ملاكاً" وفي 1: 445: "لجنّي". ورواية المرزوقي والنصرانية 508 "بجني ... ملأكاً"، فلعل المؤلف صحح روايةً الطبري: "لإنسي" بـ "بإنسيٍّ". والمخاطب في البيت الحارث بن جَبَلة الغسّاني. يَصوب: ينزل.

أبلِغ النعمانَ عنّي مَلأَكاً ... إنّه قد طَالَ حَبْسِي وَانتظاري (¬1) والألوك: الرسالة، أصلها: أَلْؤُوك، على أَفْعُول (¬2). قال لَبيد بن أبي ربيعة: وَغلامٍ أرسَلتْه أمُّه ... بألُوكٍ فبذَلنا ما سَأَلْ (¬3) وألأَكَ: بلّغ الرسالة. قال النابغة الذبياني: ألِكْني يا عُيين إليكَ قَولاً ... سأُهديه إليكَ إليكَ عنّي (¬4) ¬

_ (¬1) من قصيدة له في ديوانه: 93. والبيت في ابن قتيبة: 229 والطبري 1:446، والاشتقاق: 26 والمقاييس (ألك) واللسان (قصر، ألك) وانظر تخريجه في الديوان: 220 "مَلأكاً": كذا في الطبري، وقال: وقد يُنشد: مألَكاً. وفي الديوان: "مألُكأ" (بضم اللام) وكذا في اللسان (ألك). قال كُراع: المألُك: الرسالة، ولا نظير لها، أي لم يجي على "مفعُل" إلا هي. قال ابن برّي: ومثله مَكرُم ومعُون. انظر اللسان (ألك). (¬2) كذا في الأصل ولكن لم يرد (أَفعول) بفتح الهمزة في اللغة العربية. والصواب أن الألوك فَعولٌ من "ألك" المقلوب من "لأك". (¬3) من قصيدة له في ديوانه: 178. والبيت في الطبري 1: 446 واللسان (ألك). (¬4) البيت من قصيدة في ديوانه: 126، وهو في الطبري 1: 446 والمقاييس واللسان (ألك) عُيينَ: أراد عيينة بن حصن الفزاري، وكان قد أعان بني عبس على بني أسد حلفاء بني ذبيان، فتوعّده النابغة بالهجاء والحرب. إليكَ عنّي: أي خذ منّي والكلمة المنصوبة بقوله "إليك" في البيت التالي: قوافيَ كالسِّلام إذا استمرّت ... فليس يَرُدّ مذهبَها التظنّي ويرى الأستاذ محمود شاكر أن "سأَهديه" بفتح الهمزة من هديته الطريق إذا عرّفته الطريق وبينته له. وقوله "إليك إليك" أي خذها. انظر تعليقه على البيت في الطبري 1: 446. وقال النابغة أيضاً من قصيدة في الديوان 71: ألِكْنى إلى النعمانِ حيثُ لقيتَه ... فأهدَى له اللهُ السحابَ البَواكِرَا

(118) المهيمن

(118) المهيمن (¬1) قال الخليل (¬2) وأبو عبيد (¬3): هَيمنَ، إذا كان رقيباً على الشيء (¬4). أنشد ابن الأنباري (¬5): ألا إنّ خيرَ الناسِ بعد نبيِّه ... مهيمِنُه التاليه في العُرف والنكرِ (¬6) قال: معناه: القائم على الناس بعده (¬7). عندي هو: المعتمد والوكيل (¬8). وأما القائم بعده على الناس فالمجاز من تلك الحقيقة. ¬

_ (¬1) التعليقات: ق 455 تحت قوله تعالى في سورة الحشر: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}. (¬2) الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (100 - 170 هـ) إمام العربية. أوّل من استخرج العروض وضبط اللغة، من أذكى الناس وأعفّهم وأورعهم. معجم الأدباء 3: 1260، ابن خلكان 244:2، الأعلام 314:2. (¬3) هو القاسم بن سلاّم الهروي الأزدي بالولاء (157 - 224 هـ) الإمام الحافظ المجتهد، صاحب التصانيف الحسنة في كل فن، ابن خلكان 60:4، النبلاء 10: 490، الأعلام 5: 176. (¬4) انظر قول الخليل في زاد المسير 2: 371 والبحر 3: 501 وقول أبي عبيد في الزاهر 1: 181. وانظر الطبري 10: 377. (¬5) هو محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري، أبو بكر (271 - 328 هـ) النحوي اللغوي الأديب. من أعلم الناس بنحو الكوفيين وأحفظهم للغة والشعر مع الزهد والتواضع. معجم الأدباء 6: 2614، ابن خلكان 4: 341، الأعلام 6: 336. (¬6) أنشده ابن الأنباري في الزاهر 1: 181 بدون عزو. وانظر غريب الخطابي 2: 191 واللسان (همن). (¬7) فسّر ابن الأنباري (المهيمن) في سورة الحشر بالقائم على خلقه، ثم أنشد البيت وفسّره. انظر الزاهر واللسان (همن). (¬8) وكذلك في الآرامية والسريانية (مهيمنا) بمعنى المؤتمن والمعتمد. انظر إسمث: 255.

(119) موسى

(119) موسى (¬1) في سفر الخروج (2: 10): "ولما كبر الولد جاءت به (أي أم موسى) إلى ابنة فرعون (¬2)، فصار لها ابناً، ودعت اسمه موسى، وقالت: إني انتشلته من الماء". فأشار إلى وجه التسمية (¬3). وفي الكلدانية "مُو": الماء. وأما "سى" ... (¬4). (120) النهر (¬5) النهر: ما يجري فيه الماء. وهو فوق الجدول ودون البحر. وأصله: ¬

_ (¬1) تفسير سورة البقرة: ق 116، الآية 51 {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}. (¬2) الصحيح امرأة فرعون كما جاء في سورة القصص 9 {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} وانظر ص 124 تحت كلمة "الآل". (¬3) يعني أن [. . .] مشتق من الفعل [. . .] بمعنى: أخرج، جذب. ويرجح بعضهم أنه من الكلمة القبطية mes أو mesu بمعنى الطفل والابن. انظر جزينيوس 603. (¬4) بياض بالأصل. ولم أجد كلمة "سى" في المعاجم. أما "مو" فصحيح أنه بمعنى الماء في الكلدانية وكذلك في القبطية. وقيل: إن "موسى" في القبطية مركب من mo ( الماء) و use ( المنقَذ). انظر جيفري 275. (¬5) تفسير سورة البقرة: ق 77 أالآية 25 {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.

(121) يطيقون

الشق والفتق، كالبحر (¬1). ومنه أنهَرَ: وَسَّعَ. قال قيس بن الخطيم (¬2): مَلَكتُ بها كفِّي فَأنْهَرْتُ فتقَها ... يرى قائمٌ مِن دُونها ما وراءَها (¬3) (121) يطيقون (¬4) {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ}: يطيقون الصومَ أو طعامَ مسكين، على اختلاف القول (¬5). وأما قول البعض بأن المراد من (يطيقون): لا يطيقون (¬6) فلا أرى له ¬

_ (¬1) قال ابن فارس (نهر): أصل صحيح يدل على تفتح شيء أو فتحه. أما البحر فجعل أصله الاتساع والانبساط، ونقل قول الخليل إن البحر سمي بحراً لاستبحاره وهو انبساطه وسعته (بحر) وأورد في اللسان (بحر) كلام الخليل، ثم قال: ويقال: إنما سمي البحر بحراً لأنه شق في الأرض شقاً وجعل ذلك الشق لمائه قراراً، والبحر في كلام العرب: الشق. وفي حديث عبد المطلب: وحفر زمزم، ثم بَحرَها بحراً أي شقّها ووسَّعها حتى لا تُنزف، ومنه قيل للناقة التي كانوا يشقون في أذنها شقّاً "بَحِيرة". (¬2) شاعر مخضرم من الأوس من شعراء المدينة. لم يُسلِم، وقتل قبل الهجرة. ابن سلام: 228، الأغاني 3: 3 - 26، الآمدي: 159 المرزباني (القدسي): 321 - 322، الخزانة 7: 34 - 37. (¬3) من قصيدة في ديوانه: 46. والبيت وحده في تأويل المشكل: 132 واللسان (نهر، ملك) وفي رواية العجز خلاف، ورواية المفردات هي الأشهر. وانظر تخريج البيت في الديوان: 54. وصلة البيت قبله: طعنتُ ابنَ عبدِ القيس طعنةَ ثائرٍ ... لها نَفَذٌ لولا الشَّعاعُ أضاءَها (¬4) التعليقات: ق 33، الآية 184 من البقرة {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. وانظر كتاب التكميل: 30. (¬5) انظر معاني القرآن للفراء 1: 112، ونقل القولين عن الفرّاء القرطبي 2: 288. ونسب الطبري (3: 438) القول الثاني إلى "بعض أهل العربية من أهل البصرة". (¬6) نقله أبو حيان في البحر 2: 36، ولم يسمّ قائله. وردّ عليه قائله: "تقدير (لا) خطأ، لأنه مكان إلباس ... ولا يجوز حذف لا وإرادتها إلاّ في القسم، والأبيات التي استدلّ بها هي من باب القسم، وعلّة ذلك مذكورة في النحو". ومثله في البطلان زعم بعضهم أن الهمزة في (أطاق) لسلب المأخذ، نقله الآلوسي =

وجهاً صحيحاً (¬1). ¬

_ = في روح المعاني 2: 51. وفسّر الراغب (يطيقونه) في الآية بالمعنى المعروف، ولكن فسّر لفظ (الطاقة) في قوله تعالى {ربنا ولَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} بأنها "اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة" لتوهمه أن الآية يلزم منها -إذا لم تتضمن كلمة الطاقة معنى المشقة- جواز التكليف بما لا يطاق. وتابعه بلديّه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في كتابه المجموع المغيث إلى (2: 372) الذي أحد مصادر ابن الأثير في النهاية. وعن طريق النهاية دخل هذا المعنى في لسان العرب. وفرّق الرازي في تفسيره (5: 85) بين الوسع والطاقة بأن "الوسع اسم لمن كان قادراً على الشيء على وجه السهولة، أما الطاقة فهو اسم لمن كان قادراً على الشيء مع الشدة والمشقة، وقال أيضاً في تقرير أحد الأقوال في تفسير الآية: "لا يقال في العرف للقادر القوي إنه يطيق هذا الفعل لأن هذا اللفظ لا يستعمل إلا في حق من يقدر عليه مع ضرب من المشقة" (5: 86). قلت: جائز أن يكون هذا العرف في زمن الرازي، أما العرب الذين نزل القرآن في لغتهم، فإنّ عرفهم مضادّ لعرف الرازي. ولعله استند إلى ما قاله الراغب في تفسير لفظ "الطاقة" وما ذكره الزمخشري على وجه الاحتمال. فإنه بعدما فسّر (يطيقون) في الآية بمعنى القدرة، أشار إلى قراءة (يطوّقون) الشاذّة، وفسّرها بمعنيين: بمعنى يطيقون وبمعنى "يكلّفونه أو يتكلفونه على جهد منهم وعسر". ثم قال: "ويجوز أن يكون هذا معنى (يطيقونه) أي يصومونه جهدهم وطاقتهم ومبلغ وسعهم" (الكشاف 1:226). وكل ذلك تخبط لا غير، لجأوا إليه فراراً من إشكال أو توجيهاً لبعض الأقوال وسعياً لتحميل الآية إياه، من غير حجة لهم في القرآن أو الحديث أو الشعر أو كلام المتقدمين من أهل التأويل أو أهل اللغة. والشواهد كلها تثبت أن الإطاقة والطاقة بمعنى الاستطاعة التي هي شرط التكليف في الشرع، فإن قيل: فلان مطيق للصوم أو له طاقة بالصوم، فمعناه أنه قادر على الصوم قدرةً توجب تكليفه إياه، ولا يعني قطعاً أن الصوم يشقّ عليه مشقة ترخص له في الإفطار. (¬1) كثر استعمال مشتقات الإطاقة في الأحاديث، ونقتصر هنا على بضعة أحاديث من الصحيحين والموطأ لمنزلتهما من الصحة، ولأن سياقها وسياق الآية واحد، وهو بيان الأحكام الشرعية: 1 - حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وعندها امرأة. قال: من هذه؟ قالت: فلانة -تذكر من صلاتها- قال: "مه عليكم بما تطيقون، فوالله لا يملّ الله حتى تملّوا". هذا لفظ البخاري في كتاب الإيمان، باب أحبّ الدين إلى الله أدومه. انظر الفتح 1: 101. وفي كتاب التهجد، باب ما يكره من التشدد في العبادة: =

........................... ¬

_ = "مه عليكم ما تطيقون من الأعمال ... " (الفتح 3: 36) وفي رواية مسلم في كتاب صلاة المسافرين: "خذوا من العمل ما تطيقون ... " (النووي 320:6 - 321). ولفظ الموطأ في هذه القصة: "اكلفوا من العمل ما لكم به طاقة" (الزرقاني 1:348). 2 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إياكم والوصال" مرتين، قيل: إنك تواصل، قال: "إني أبيت يطعمني ربي ويسقين، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون" هذا لفظ البخاري في كتاب الصوم، باب التنكيل لمن أكثر الوصال (الفتح 206:4). ولفظ مسلم: "فاكلفوا ما لكم به طاقة" (النووي 7: 220). 3 - أخرج البخاري في كتاب الإيمان، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أعلمكم بالله" عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمرهم أمرهم من الأعمال بما يطيقون ... ". (الفتح 1: 70). 4 - في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بركوا على الرُّكَب فقالوا: أي رسولَ الله كُلّفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها ... " الحديث (النووي، كتاب الإيمان، باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق 504:2). 5 - حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصير وكان يحجزه من الليل، فيصلي فيه، فجعل الناس يصلّون بصلاته. ويبسطه بالنهار، فثابوا ذات ليلة فقال: "يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يملّ حتى تملّوا". أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين. قال النووي: "وهو ما يمكنكم الدوام عليه بلا مشقة ولا ضرر" (317:6). 6 - حديث أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلّف من العمل إلا ما يطيق". أخرجه الإمام مسلم في كتاب الأيمان (11: 145). الحديث في الإحسان إلى المملوك والرفق به. فهل يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يكلَّف المملوك إلا ما يقدر عليه بمشقة، أو يقتضي السياق أن يكون المراد: ما يقدر عليه بيسر؟ 7 - روى البخاري من حديث عمرو بن ميمون أنه قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يصاب بأيام بالمدينة ووقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حُنَيف، قال: كيف فعلتما؟ أتخافان أن تكونا قد حمّلتما الأرض ما لا تطيق؟ قالا: حمّلناها أمراً =

........................... ¬

_ = هي له مطيقة، ما فيها كبير فضل. قال: انظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق. قال: قالا: لا ... الحديث. (كتاب فضائل الصحابة، باب قصة البيعة ... انظر الفتح 59:7) وقد بعث عمر رضي الله عنه حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف رضي الله عنهما إلى أرض السواد ليضربا عليها الخراج وعلى أهلها الجزية. والإطاقة هنا أيضاً تتضمن السعة والسهولة، يدلّ على ذلك قولهما "ما فيها كبير فضل"، ويبين مقدار اليسر قول حذيفة في رواية ابن أبي شيبة "لو شئت لأضعفتُ أرضي" أي جعلتُ خراجها ضعفين، وقول عمر رضي الله عنه -في رواية أخرى له- لعثمان بن حنيف: "لئن زدت على كل رأس درهمين وعلى كل جريب درهماً وقفيزاً من طعام لأطاقوا ذلك؟ " قال: نعم. انظر الفتح 7: 62. 8 - في الحديث السابق نفسه جاء في وصية عمر رضي الله عنه للخليفة من بعده: "وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يُوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتَل من ورائهم، ولا يكلّفوا إلاّ طاقتهم". في هذه الشواهد كفاية، ولكن لا بأس بإيراد شواهد من الشعر أيضاً: يقول الأعشى من قصيدة في ديوانه: (ط 7) 159 يمدح هَوذة بن علي الحنفي. قد حمّلوه فتيَّ السنِّ ما حملت ... ساداتُهم فأطاقَ الحِملَ واضطلعا وقال أيضاً يمدح إياسَ بن قَبيصة الطائي من قصيدة في ديوانه (ط 7) 289: وإذا حُمِّل عبئاً بعضُهم ... فاشتكى الأوصالَ منها وأنحّْ كان ذا الطاقة بالثقل إذا ... ضنَّ مولى المرء عنه وصَفَحْ وقال المغيرة بن حَبناء يمدح يزيد بن المهلّب من قصيدة في الأغاني (13: 98): شديدُ القوى من أهل بيتٍ إذا وهَى ... من الدِّين فتقٌ حُمِّلُوا فأطاقوا الأبيات الثلاثة في المدح، فالإطاقة والطاقة كلتاهما هنا أبعد ما تكون من معنى المشقة والعسر.

ثبت المصادر والمراجع

ثبت المصادر والمراجع

أولا: العربية

أولاً: العربية (¬1) - الآمدي= المؤتلف والمختلف. - الإبانة لأبي الحسن الأشعري. حيدرآباد الدكن، 1321 هـ. (نسخة الفراهي). - الإبدال، لابن السكيت، تحقيق حسين محمد محمد شرف، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1389 هـ. - الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي، (1) المطبعة الكستلية، مصر، 1279 هـ (نسخة الفراهي). (2) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974 م. - الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، للفاسي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، 1991 م. - الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم، مطبعة العاصمة، القاهرة. - أخبار المراقسة، للسندوبي في ذيل شرح ديوان امرئ القيس له، المكتبة الثقافية، بيروت، 1402 هـ. - الاختيارين للأخفش، تحقيق فخر الدين قباوة، مجمع اللغة العربية بدمشق 1974 م. - أدب الكاتب، لابن قتيبة، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر 1382 هـ. - الأذكار، للنووي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1399 هـ. - الأزمنة والأمكنة للمرزوقي، مصورة عن طبعة حيدرآباد الدكن، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة. ¬

_ (¬1) هذا الفهرس لا يتضمن كتب المؤلف التي رجعنا إليها، وهي مذكورة في المقدمة.

- الأزمنة وتلبية الجاهلية، لقطرب، تحقيق حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت 1405 هـ. - الأزهية في علم الحروف، لعلي بن محمد النحوي الهروي، تحقيق عبد المعين الملوحي، مجمع اللغة العربية بدمشق 1391 هـ. - أساس البلاغة، للزمخشري، تحقيق عبد الرحيم محمود، دار المعرفة، بيروت. - أساس التقديس، للرازي، القاهرة، 1328 هـ. (نسخة الفراهي). - الاستيعاب في أسماء الأصحاب، لابن عبد البر، تحقيق علي محمد البجاوي، مكتبة نهضة مصر. - أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير، المكتبة الإسلامية، طهران، 1342 هـ. - أسماء المغتالين، لابن حبيب = نوادر المخطوطات. - أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها، لأبي محمد الأعرابي الغندجاني، تحقيق محمد علي سلطاني، مؤسسة الرسالة، بيروت. - الأشباه والنظائر، للخالديين، تحقيق السيد محمد يوسف، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1958 - 1962م. - الاشتقاق، لابن دريد، تحقيق عبد السلام هارون، مطبعة السنة، القاهرة، 1378هـ. - أشعار الهذليين = شرح أشعار الهذليين. - الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، تحقيق علي محمد البجاوي، دار نهضة مصر، القاهرة 1972 م. - إصلاح ما غلط فيه أبو عبد الله النمري، للغندجاني، تحقيق محمد علي سلطاني، معهد المخطوطات العربية بالكويت، 1405 هـ. - إصلاح المنطق، لابن السكيت، تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف 1375 هـ.

- الأصمعيات، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، الطبعة الأولى 1955 م، والطبعة الخامسة 1979 م. - الأصنام، لابن الكلبي، تحقيق أحمد زكي باشا، دار الكتب المصرية، 1924 م. - الأضداد، لابن الأنباري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الكويت، 1960 م. - الأضداد في اللغة، لابن الدهان البغدادي، تحقيق محمد حسن آل ياسين، مكتبة النهضة - بغداد، الطبعة الثانية 1383 هـ. - الإعجاز البياني للقرآن، لبنت الشاطئ، دار المعارف، القاهرة. - إعراب القرآن، لأبي جعفر النحاس، تحقيق زهير غازي زاهد، وزارة الأوقاف، بغداد، 1978 - 1980 م. - الأعلام، للزركلي، الطبعة الخامسة، دار العلم للملايين، بيروت، 1980 م. - الأغاني، لأبي الفرج الأصبهاني، دار الثقافة بيروت، الطبعة الخامسة، 1401 هـ. - الإكليل، لابن الحائك الهمداني، الكتاب العاشر، تحقيق محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، 1368 هـ. الإكمال، لابن ماكولا، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، دائرة - المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن 1381 - 1386 هـ. - ألقاب الشعراء، لابن حبيب = ضمن نوادر المخطوطات. - الأمالي، لأبي علي القالي، تصوير طبعة دار الكتب، دار الكتاب العربي، بيروت. - أمالي السيد المرتضى (غرر الفوائد ودرر القلائد) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الحلبي، القاهرة، 1373 هـ. - الأمالي الشجرية، لابن الشجري، حيدرآباد، الهند 1349 هـ. - إنباه الرواة على أنباه النحاة، للقفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1369 هـ.

- الأنواء، لابن قتيبة، دائر المعارف العثمانية، حيدرآباد، 1375 هـ. - الأنوار ومحاسن الأشعار للشمشاطي، تحقيق السيد محمد يوسف، وزارة الإعلام، الكويت 1397 هـ. - الأوائل لأبي هلال العسكري، تحقيق وليد قصاب ومحمد مصري، دار العلوم، الرياض، 1400 هـ. - أنيس الجلساء في شرح ديوان الخنساء، تعليق لويس شيخو، بيروت، 1896 م. - إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل، لابن الأنباري، تحقيق محيي الدين رمضان، مجمع اللغة العربية بدمشق، 1971 م. - البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي، (1) دار الفكر، بيروت، 1358 هـ. (2) دار الفكر، بيروت، 1412 هـ (11 مجلداً). - البخلاء، للجاحظ، تحقيق طه الحاجري، دار المعارف، الطبعة السادسة. - البدء والتاريخ، للمقدسي، نشر كليمان هوار، باريس، 1903 م. - البداية والنهاية، لابن كثير، مطبعة السعادة، 1351 هـ. - البدر الطالع، للشوكاني، مكتبة ابن تيمية، القاهرة. - البرهان في علوم القرآن، للزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الحلبي، 1376 هـ. - بروكلمان= فقه اللغات السامية. - بعلبكي= الكتابة العربية والسامية. - بلاد العرب للأصفهاني، تحقيق حمد الجاسر وصالح العلي، دار اليمامة، الرياض، 1388 هـ. - البلدان= معجم البلدان. - البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة، للفيروزآبادي، تحقيق محمد المصري، الكويت، 1407 هـ. - البيان والتبيين، للجاحظ، (1) المطبعة العلمية، القاهرة، الطبعة الأولى،

1313 هـ. (نسخة الفراهي). (2) تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، 1395 هـ. - تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، تحقيق سيد أحمد صقر، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1958 م. - تاج العروس، للزبيدي، المطبعة الخيرية، القاهرة، 1306 - 1307 هـ. - تاريخ بغداد، للخطيب (1) الطبعة الأولى، القاهرة، 1349 هـ. (2) دار الكتب العلمية، بيروت. - تاريخ التراث العربي، لفؤاد سزكين (الترجمة العربية)، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، المجلد الأول 1403 هـ المجلد الثامن 1408 هـ. - تاريخ الرسل والملوك، للطبري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، 1964 م. - تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، لابن حجر، تحقيق علي محمد البجاوي ومحمد علي النجار، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة. - التبيان، للطوسي، تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي، دار الأندلس، بيروت. - التبيان في إعراب القرآن، للعكبري، تحقيق علي البجاوي، الحلبي، القاهرة، 1976 م. - تحفة الأبيه فيمن نسب إلى غير أبيه، للفيروزآبادي = نوادر المخطوطات. - تحفة الأحوذي، للمباركفوي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407 هـ. - التذكرة السعدية للعبيدي، تحقيق عبد الله الجبوري، بغداد، 1972 م. - التصاريف، ليحيى بن سلام، تحقيق هند شلبي، الشركة التونسية، 1979 م. - التعازي والمراثي، للمبرد، تحقيق محمد الديباجي، مجمع اللغة العربية بدمشق 1396 هـ. - تفسير أبي السعود، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، مكتبة الرياض الحديثة. - التفسير الكبير = مفاتيح الغيب.

- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة، تحقيق السيد أحمد صقر، دار الكتب العلمية، بيروت. - تفسير الطبري= جامع البيان. - تفسير ابن كثير (1) تحقيق محمد إبراهيم البنا وغيره، دار الشعب، القاهرة. (2) دار الحديث، القاهرة، 1413 هـ. - التكملة والذيل والصلة، للصغاني، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ومهدي علام، دار الكتب المصرية، 1973 م. - التمام في تفسير أشعار هذيل، لابن جني، تحقيق أحمد ناجي القيسي وغيره، مطبعة العاني، بغداد، 1381 هـ. - التنبيهات على أغاليط الرواة، لعلي بن حمزة البصري، تحقيق عبد العزيز الميمني، دار المعارف، القاهرة، 1968 م. - تهذيب التهذيب، لابن حجر، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، الهند، 1325 هـ. - تهذيب اللغة، للأزهري، الدار المصرية. للتأليف والترجمة، القاهرة، 1964 - 1967 م. - تهذيب تاريخ ابن عساكر، لابن بدران، مطبعة روضة الشام، 1329 هـ - 1332 م. - توضيح المشتبه، لابن ناصر الدين الدمشقي، تحقيق محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1414 هـ. - التيجان في ملوك حمير، لابن هشام، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد، 1347 هـ. - ثلاثة كتب في الأضداد، للأصمعي والسجستاني وابن السكيت مع ذيل في الأضداد للصغاني نشرها أوغست هفنر، دار المشرق، بيروت، 1912 م. - ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، للثعالبي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، 1985 م.

- جامع البيان عن تأويل القرآن، للطبري، (1) المطبعة الميمنية، القاهرة، 1321 هـ (نسخة الفراهي). (2) تحقيق محمود محمد شاكر (16 مجلداً)، دار المعارف، القاهرة. (3) مطبعة الحلبي، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1388 هـ. - الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، (1) طبعة دار الكتب المصرية، القاهرة. (2) دار الكتب العلمية بيروت 1408 هـ. - جمهرة أشعار العرب، لأبي زيد القرشي، تحقيق محمد علي الهاشمي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1401 هـ. - جمهرة أنساب العرب، لابن حزم، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة. - جمهرة اللغة، لابن دريد، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن. - جمهرة النسب، لابن الكلبي، تحقيق ناجي حسن، عالم الكتب، بيروت، 1407 هـ. - جواهر القرآن، للغزالي، مطبعة كردستان العلمية، القاهرة، 1329 هـ (نسخة الفراهي). - الحماسة، لابن الشجري، تصحيح كرنكو، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد، 1345 هـ. - الحماسة لأبي تمام، تحقيق عبد الله عسيلان، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1401 هـ. - حماسة البحتري، نشر لويس شيخو، الطبعة الأولى، بيروت. - الحماسة البصرية، لصدر الدين البصري، تحقيق مختار الدين أحمد، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد، 1964 م. - حياة الحيوان للدميري، دار القاموس الحديث. - الحيوان، للجاحظ، (1) مطبعة التقدم، القاهرة، 1325 هـ (نسخة الفراهي). (2) تحقيق عبد السلام هارون، الحلبي، 1356 - 1364 هـ.

- الخازن = لباب التأويل. - خزانة الأدب، للبغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1979 - 1983 م. - ابن خلكان = وفيات الأعيان. - خولة = دراسة لغوية في أراجيز رؤبة والعجاج. - الخيل لأبي عبيدة، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، 1358 هـ. - دائرة المعارف الإسلامية، الترجمة العربية، كتاب الشعب، القاهرة. - الدامغاني = قاموس القرآن. - الدر المصون، للسمين الحلبي، تحقيق أحمد الخراط، دار القلم بدمشق 1406 هـ. - الدر المنثور، للسيوطي، المطبعة الميمنية، القاهرة، 1314 هـ (نسخة الفراهي). - دراسات لأسلوب القرآن الكريم، لعبد الخالق عضيمة، دار الحديث، القاهرة، 1972 م. - دراسة لغوية في أراجيز رؤبة والعجاج، للدكتورة خولة تقي الدين الهلالي، دار الرشيد للنشر، بغداد، 1982 م. - ديانة مصر القديمة، تأليف أدولف أرمان، ترجمة عبد المنعم أبي بكر ومحمد أنور شكري، الحلبي، القاهرة، دون تاريخ. - ديوان الأخطل = شعر الأخطل. - ديوان الأعشى (جاير) = الصبح المنير. - ديوان الأعشى الكبير، شرح محمد محمد حسين، المكتب الشرقي، بيروت، (1) الطبعة الثانية 1388 هـ. (2) الطبعة السابعة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1403 هـ. - ديوان أعشى همدان، تحقيق حسن عيسى أبو ياسين، دار العلوم، الرياض 1403 هـ.

- ديوان امرئ القيس، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، 1969 م. - ديوان أمية بن أبي الصلت، صنعة عبد الحفيظ السطلي، دمشق، 1977 م. - ديوان أوس بن حجر، تحقيق محمد يوسف نجم، دار صادر، بيروت، 1399 م. - ديوان بشر بن أبي خازم الأسدي، تحقيق عزة حسن، دار الشرق العربي، بيروت، 1416 هـ. - ديوان جرير بشرح ابن حبيب، تحقيق نعمان محمد أمين طه، دار المعارف. - ديوان جميل بثينة، جمع وتحقيق حسين نصار، مكتبة مصر، القاهرة، 1967 م. - ديوان حسان بن ثابت، (1) تصحيح محمد أفندي شكري، القاهرة، 1321 هـ (نسخة الفراهي). (2) تحقيق وليد عرفات، سلسلة جب التذكارية، لندن، 1971 م. - ديوان الحطيئة، (1) نشرة الشنقيطي، مطبعة التقدم، القاهرة، 1323 هـ. (نسخة الفراهي). (2) ديوان الحطيئة، تحقيق نعمان محمد أمين طه، الحلبي، القاهرة، 1378 هـ. - ديوان حميد بن ثور الهلالي، صنعة عبد العزيز الميمني، دار الكتب المصرية 1371 هـ. - ديوان الخرنق، تحقيق حسين نصار، دار الكتب، 1969 م. - ديوان دريد بن الصمة، جمع وتحقيق محمد خير البقاعي، دار قتيبة، دمشق، 1401 هـ. - ديوان ذي الرمة، تحقيق عبد القدوس أبو صالح، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1392 - 1394 هـ. - ديوان الراعي النميري، تحقيق راينهرت فايبرت، المعهد الألماني، بيروت، 1401 هـ.

- ديوان رؤبة بن العجاج، ضمن الجزء الثالث من مجموع أشعار العرب، تصحيح وليم بن الورد، برلين، 1903 م. - ديوان سلامة بن جندل، رواية الأصمعي والشيباني، تحقيق فخر الدين قباوة، المكتبة العربية بحلب، 1387 هـ. - ديوان شعر حاتم الطائي، صنعة يحيى بن مدرك الطائي، تحقيق عادل سليمان جمال، مطبعة المدني، القاهرة، الطبعة الثانية. - ديوان الشماخ بن ضرار، تحقيق صلاح الدين الهادي، دار المعارف، القاهرة، 1977 م. - ديوان طرفة بن العبد، تحقيق درية الخطيب ولطفي الصقال، مجمع اللغة العربية بدمشق، 1395 هـ. - ديوان الطرماح الطائي، تحقيق عزة حسن، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1968 م. - ديوان طفيل الغنوي، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1968 م. - ديوان عامر بن الطفيل، نشره تشارلس ليال، ليدن، 1913 م (نسخة الفراهي). - ديوان عبيد بن الأبرص، تحقيق حسين نصار، مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، 1377 هـ. - ديوان العجاج، تحقيق عبد الحفيظ السطلي، مكتبة أطلس، دمشق. - ديوان عدي بن زيد العبادي، تحقيق محمد جبار المعيبد، بغداد، 1965 م. - ديوان عمرو بن قميئة، تحقيق خليل إبراهيم العطية، بغداد، 1392 هـ. - ديوان عنترة، تحقيق محمد سعيد مولوي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1403 هـ. - ديوان القتال الكلابي، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1381 هـ. - ديوان قيس بن الخطيم، تحقيق ناصر الدين الأسد، دار صادر، بيروت، 1387 هـ.

- ديوان لبيد بن ربيعة، رواية الطوسي، الجزء الثاني، نشره يوسف ضياء الدين الخالدي، فينا 1297 هـ (نسخة الفراهي). - ديوان لقيط بن يعمر الإيادي، تحقيق خليل إبراهيم العطية، بغداد 1970 م. - ديوان المتلمس (1) ليبزيك، 1903 م. (2) تحقيق حسن كامل الصيرفي، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، 1390 هـ. - ديوان مجنون ليلى، جمع وتحقيق عبد الستار فراج، مكتبة مصر، القاهرة، 1979م. - ديوان ابن مقبل، تحقيق عزة حسن، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1381 هـ. - ديوان النابغة الذبياني، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف. - رسالة الإمام الشافعي، (1) طبعة بولاق، 1321 هـ (نسخة الفراهي). (2) تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت. - رسالة الملائكة للمعري، تحقيق محمد سليم الجندي، المجمع العلمي العربي، دمشق، 1363 هـ. - رصف المباني للمالقي، تحقيق أحمد محمد الخراط، مجمع اللغة العربية بدمشق، 1395 هـ. - الرقة والبكاء، لابن قدامة المقدسي، تحقيق محمد خير رمضان يوسف، دار القلم بدمشق، 1415 هـ. - روح المعاني، للألوسي، إدارة الطباعة الخيرية، القاهرة، 1345 هـ. - رياض الأدب في مراثي شواعر العرب، تأليف لويس شيخو، الجزء الأول في شواعر الجاهلية، بيروت 1897 م (نسخة الفراهي). - رياض الفيض للشيخ فيض الحسن السهارنفوري، (مخطوط بقلم المؤلف) محفوظ في مكتبة مدرسة الإصلاح (نسخة الفراهي). - زاد المسير، لابن الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت. - الزاهر لابن الأنباري، تحقيق حاتم صالح الضامن، وزارة الإعلام، بغداد، 1399 هـ.

- الزركشي= البرهان في علوم القرآن. - سر صناعة الأعراب، لابن جني، تحقيق حسن هنداوي، دار القلم بدمشق، 1405 هـ. - ابن سلام= طبقات فحول الشعراء. - سمط اللآلي للبكري، تحقيق عبد العزيز الميمني، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1936 م. - سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت. - سنن النسائي، دار المعرفة، بيروت 1413 هـ. - سؤالات نافع بن الأزرق إلى عبد الله بن عباس، تحقيق محمد عبد الرحيم وأحمد نصر الله، مؤسسة الكتب الثقافية، القاهرة، 1413 هـ. - سير أعلام النبلاء، للذهبي، تحقيق شعيب الأرنؤوط وجماعة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1410 هـ. - السيرافي = شرح أبيات سيبويه. - السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق مصطفى السقا وزميليه، (تراث الإسلام) تصوير مؤسسة علوم القرآن، بيروت. - شاعرات العرب، لعبد البديع صقر، المكتب الإسلامي، 1387 هـ. - شرح أبيات سيبويه، للسيرافي، تحقيق محمد علي سلطاني، مجمع اللغة العربية، دمشق 1976 - 1977 م. - شرح أبيات مغني اللبيب، للبغدادي، تحقيق عبد العزيز رباح وأحمد يوسف الدقاق، دار المأمون للتراث، دمشق، 1393 - 1401 هـ. - شرح اختيارات المفضل، للتبريزي، تحقيق فخر الدين قباوة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1407 هـ. - شرح أدب الكاتب، للجواليقي، مكتبة القدسي، القاهرة، 1384 هـ. - شرح أشعار الهذليين، للسكري، تحقيق عبد الستار فراج، دار العروبة، القاهرة، 1384 هـ.

- شرح ديوان امرئ القيس بن حجر الكندي، للبطليوسي، تصحيح محمد بن إبراهيم بن جغيمان، بمبي، الهند، 1308 هـ (نسخة الفراهي). - شرح ديوان الحماسة المعروف بالفيضي، للشيخ فيض الحسن السهارنفوري، مطبعة نولكشور، لكناؤ، 1294 هـ (نسخة الفراهي). - شرح ديوان الحماسة، للتبريزي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة حجازي، القاهرة، 1357 هـ. - شرح ديوان الحماسة، للمرزوقي، تحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1372 هـ. - شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الأندلس، بيروت، 1403 هـ. - شرح ديوان كعب بن زهير، للسكري، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1385 هـ. - شرح ديوان لبيد بن ربيعة، تحقيق إحسان عباس، وزارة الإرشاد والإنباء، الكويت، 1962 م. - شرح ديوان المتنبي (التبيان في شرح الديوان) المنسوب غلطاً إلى العكبري، تحقيق مصطفى السقا وزميليه، دار المعرفة، بيروت. - شرح الزرقاني على الموطأ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411 هـ. - شرح شعر زهير بن أبي سلمى، صنعة أبي العباس ثعلب، تحقيق فخر الدين قباوة، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1402 هـ. - شرح الشواهد الكبرى، للعيني، على حاشية خزانة الأدب البغدادي، بولاق، 1299 هـ. - شرح شواهد الكتاب المسمى (تحصيل عين الذهب من معدن جواهر الأدب في علم مجازات العرب) على حاشية كتاب سيبويه، للأعلم الشنتمري، بولاق، 1318 هـ. - شرح صحيح مسلم للنووي، دار القلم، بيروت، 1407 هـ.

- شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، لابن الأنباري، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف. - شرح القصائد العشر، للتبريزي، تحقيق فخر الدين قباوة، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1399 هـ. - شرح المعلقات السبع، للزوزني، دار الكتب العلمية، بيروت. - شرح المفضليات، للأنباري، تحقيق كارنوس يعقوب لايل، بيروت، 1918 - 1921م. - شعر إبراهيم بن هرمة، تحقيق محمد نفاع وحسين عطوان، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1969 م. - شعر الأحوص الأنصاري، جمع وتحقيق عادل سليمان جمال، وزارة الثقافة، القاهرة، 1390 هـ. - شعر الأخطل، صنعة السكري، تحقيق فخر الدين قباوة، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية، 1399 هـ. - شعر الأشهب بن رميلة، جمع نوري حمودي القيسي = مجلة معهد المخطوطات، 26: 1. - شعر الحارث بن خالد المخزومي، تحقيق يحيى الجبوري، النجف، 1392 هـ. - شعر الخوارج، إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1974 م. - شعر أبي دواد الإيادي ضمن دراسات في الأدب العربي، تأليف غوستاف فون غرنباوم، ترجمة إحسان عباس وغيره، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1959م. - شعر زهير بن أبي سلمى، صنعة الأعلم، تحقيق فخر الدين قباوة، دار الآفاق الجديدة، الطبعة الثالثة، 1400 هـ. - شعر عروة بن أذينة، جمع وتحقيق عبد العلي الأعظمي، الجامعة السلفية، الهند. - شعر المتوكل الليثي، تحقيق يحيى الجبوري، بيروت، 1971 م.

- شعر المثقب العبدي، تحقيق محمد حسن آل ياسين، مطبعة المعارف، بغداد، 1375 هـ. - شعر ابن ميادة، جمع وتحقيق حنا جميل حداد، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1402 هـ. - شعر نافع بن الأسود التميمي = شعراء إسلاميون. - شعر نصيب بن رباح، تحقيق داود سلوم، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1967 م. - شعر النعمان بن بشير الأنصاري، تحقيق يحيى الجبوري، دار المعارف، بغداد، 1968 م. - شعر النمر بن تولب، جمع وتحقيق نوري حمودي القيسي، المعارف، بغداد، 1388 هـ. - الشعر والشعراء، لابن قتيبة، شرح وتحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1977 م. - شعراء إسلاميون، نوري حمودي القيسي، عالم الكتب، بيروت، 1405 هـ. - شعراء مقلون، صنعة حاتم صالح الضامن، عالم الكتب، بيروت، 1407 هـ. - شعراء النصرانية، تأليف لويس شيخو، بيروت، 1890 م. - شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح لابن مالك، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية، بيروت. - الصاحبي في فقه اللغة، لابن فارس، تحقيق السيد أحمد صقر، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1977 م. - الصبح المنير في شعر أبي بصير، تحقيق رودولف جاير، فينا، 1928 م. - الصحاح، للجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثانية، 1402 هـ. - صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار لابن بليهد، الطبعة الثانية، دون تاريخ النشر ومكانه. - صحيح البخاري = فتح الباري.

- صفة جزيرة العرب للهمداني، تحقيق محمد بن علي الأكوع الحوالي، دار اليمامة، الرياض، 1397 م. - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، تحقيق محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو، القاهرة، 1413 هـ. - طبقات الشعراء، لابن المعتز، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، دار المعارف، القاهرة. - طبقات فحول الشعراء، لابن سلام، تحقيق وشرح محمود محمد شاكر، دار المعارف، 1394 هـ. - الطبقات الكبرى، لابن سعد، دار صادر، 1377 - 1380 هـ. - الطرائف الأدبية، للميمني، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1937 م. - طه باقر = من تراثنا اللغوي. - ابن عساكر = تهذيب تاريخ ابن عساكر. - عضمية = دراسات لأسلوب القرآن. - العقد الفريد، لابن عبد ربه، تحقيق أحمد أمين وغيره، مكتبة المثنى، بغداد، 1967 م. - العكبري = التبيان في إعراب القرآن. - عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، لابن السمين الحلبي، دار السيد للنشر، إستنبول، 1407 هـ. - عون المعبود شرح سنن أبي داود، لشمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية، بيروت 1410 هـ. - عيون الأخبار، لابن قتيبة، طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية. - غاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري، تحقيق برجستراسر، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت، 1400 هـ. - غرائب القرآن ورغائب الفرقان، للنيسابوري، تحقيق إبراهيم عطوه عوض، الحلبي، القاهرة، 1390 هـ.

- غريب القتبي = تفسير غريب القرآن. - الفائق، للزمخشري، تحقيق علي البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، بيروت، 1399 هـ. - الفاخر، للمفضل بن سلمة، تحقيق عبد العليم الطحاوي، وزارة الثقافة، القاهرة، 1380 هـ. - فتح الباري، لابن حجر، المطبعة السلفية، القاهرة. - فرحة الأديب، للغندجاني، تحقيق محمد علي سلطاني، دار قتيبة، دمشق، 1401 هـ. - فقه اللغات السامية، كارل بروكلمان، ترجمة رمضان عبد التواب، جامعة الرياض، 1397 هـ. - فهرست ابن خير، مصورة دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1399 هـ. - الفهرست لمحمد بن إسحاق النديم، تحقيق رضا تجدد، مكتبة الأسدي، طهران، 1971 م. - الفيضي = شرح الحماسة. - في قواعد الساميات، رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1981 م. - القالي = الأمالي. - قاموس القرآن = إصلاح الوجوه والنظائر في القرآن، للدامغاني، تحقيق عبد العزيز سيد الأهل، دار العلم للملايين، بيروت، 1977 م. - قاموس الكنائس = قاموس الكتاب المقدس، مجمع الكنائس، بيروت. - القاموس المحيط، للفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406 هـ. - ابن قتيبة = الشعر والشعراء. - القرط على الكامل، لابن سعد الخير، تحقيق ظهور أحمد أظهر، جامعة بنجاب، لاهور، 1401 هـ. - القرطبي = الجامع لأحكام القرآن.

- قصائد جاهلية نادرة، تحقيق يحيى الجبوري، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1402 هـ. - قصائد نادرة من كتاب منتهى الطلب، حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة، بيروت 1403 هـ. - الكامل للمبرد، (1) المطبعة الخيرية، الطبعة الأولى، 1308 هـ (نسخة الفراهي). (2) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم والسيد شحاته، دار نهضة مصر. (3) تحقيق محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406 هـ. - الكامل في التاريخ، لابن الأثير، دار صادر، بيروت، 1385 هـ. - كتاب سيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة. - الكتاب المقدس، دار الكتب المقدس في العالم العربي، بيروت، 1980 م. - الكتابة العربية والسامية، لرمزي بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، 1981 م. - الكشاف، للزمخشري، دار الريان للتراث، القاهرة، 1407 هـ. - كشف الظنون، لحاجي خليفة، مكتبة المثنى، بيروت. - الكنز اللغوي، نشر وتعليق أوغست هفنر، بيروت، 1903 م. - كنى الشعراء لابن حبيب = نوادر المخطوطات. - اللآلي = سمط اللآلي. - لباب التأويل في معاني التنزيل، للخازن، دار المعرفة، بيروت. - لحن العوام، للزبيدي، تحقيق رمضان عبد التواب، الطبعة الأولى، مكتبة دار العروبة، القاهرة، 1964 م. - لسان العرب، لابن منظور، (1) طبعة بولاق (نسخة الفراهي). (2) دار صادر، ودار بيروت، دون تاريخ. - اللغات في القرآن، لابن عباس، تحقيق صلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1398 م. - المبهج في تفسير أسماء شعراء الحماسة لابن جني، تحقيق حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، 1407 هـ.

- مجاز القرآن، لأبي عبيدة، تحقيق محمد فؤاد سزكين، الطبعة الأولى، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1374 هـ. - مجالس ثعلب، تحقيق عبد السلام هارون، دار المعارف، مصر، 1285 هـ. - مجمع الأمثال، للميداني، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الحلبي، القاهرة، 1977 م. - المجمل، لابن فارس، تحقيق زهير سلطان، مؤسسة الرسالة، بيروت. - المحرر الوجيز، لابن عطية الأندلسي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413 هـ. - المحكم والمحيط الأعظم في اللغة، لابن سيده، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، 1958 - 1972م. - محمد في الكتاب المقدس، تأليف عبد الأحد داود، ترجمة فهمي شمّا، قطر، 1405 هـ. - مختارات ابن الشجري، (1) شرح محمود حسن زناتي، دار الكتب العربية، بيروت، 1980م. (2) تحقيق نعمان محمد أمين طه، القاهرة، 1399 هـ. - مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي، المكتبة الأموية، بيروت. - المرتضى = أمالي السيد المرتضى. - المرزباني = معجم الشعراء. - مروج الذهب، للمسعودي، المطبعة البهية، 1346 هـ. - مسائل الإمام الطستي عن أسئلة نافع بن الأزرق وأجوبة عبد الله بن عباس، إعداد عبد الرحمن عميرة، دار الاعتصام، القاهرة، 1994 م. - المستدرك، للحاكم، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، 1334 هـ. - المستقصى للزمخشري، حيدرآباد الدكن، 1381 هـ. - المسند، لابن حنبل، المكتب الإسلامي، بيروت. - المشتبه في الرجال للذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، الحلبي، القاهرة، 1962 م.

- المشترك وضعا والمفترق صقعاً، لياقوت الحموي، جوتنجن، 1846 م. - المصباح المنير، للفيومي، المكتبة العلمية، بيروت. - المعارف، لابن قتيبة، تحقيق ثروت عكاشة، دار المعارف، القاهرة، 1981 م. - معاني القرآن، للأخفش، تحقيق فائز فارس، الطبعة الثانية، الكويت، 1401 هـ. - معاني القرآن، للفراء، تحقيق أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار، تصوير عالم الكتب، بيروت. - معاني القرآن وإعرابه، للزجاج، تحقيق عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب، بيروت، 1408 هـ. - المعاني الكبير، لابن قتيبة، حيدرآباد، 1368 هـ. - ابن المعتز = طبقات الشعراء. - معجم الأدباء، لياقوت الحموي، تحقيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1993 م. - معجم البلدان، لياقوت الحموي، دار إحياء التراث العربي، بيروت (5 أجزاء). - معجم الشعراء للمرزباني، (1) تحقيق عبد الستار فراج، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1379 هـ. (2) نشرة كرنكو، مكتبة القدسي، القاهرة، تصوير دار الكتب العلمية، بيروت، 1492 هـ. - المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية في شمال المملكة، حمد الجاسر، دار اليمامة، الرياض، 1397 هـ. - المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية - بلاد القصيم، محمد بن ناصر العبودي، دار اليمامة، الرياض 1399 هـ. - المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية - عالية نجد، سعد بن عبد الله بن جنيدل، دار اليمامة، الرياض، 1398 هـ.

- معجم شواهد العربية، لعبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى. - المعجم العربي، حسين نصار، دار مصر للطباعة، 1988م. - معجم غريب القرآن مستخرجاً من صحيح البخاري، محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، 1950 م. - المعجم الكبير للطبراني، تحقيق حمدي السلفي، الموصل، 1404 هـ. - المعجم الكبير، مجمع اللغة العربية، القاهرة، الجزء الأول (حرف الهمزة)، 1970 م، والجزء الثاني (حرف الباء) 1982 م. - معجم ما استعجم، للبكري، تحقيق مصطفى السقا، عالم الكتب، بيروت. - معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية، عاتق بن غيث البلادي، دار مكة، مكة المكرمة، 1402 هـ. - معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - المعرب من الكلام الأعجمي للجواليقي، تحقيق ف. عبد الرحيم، دار القلم بدمشق 1410 هـ. - المعمرون، لأبي حاتم السجستاني، تحقيق عبد المنعم عامر، القاهرة، 1961 م. - مغني اللبيب، لابن هشام، تحقيق مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، دار الفكر، بيروت، 1979 م. - مفاتيح الغيب، للرازي، (1) إستانبول، 1308 هـ (نسخة الفراهي)، (2) البهية، القاهرة، 1357 هـ. - مفاهيم صابئية مندائية، ناجية مراني، بغداد، 1981 م. - مفردات ألفاظ القرآن، للراغب، تحقيق صفوان داوودي، دار القلم، بدمشق، 1418 هـ. - المفضليات، (1) تصحيح أبي بكر بن عمر داغستاني، مطبعة التقدم، القاهرة، 1324 هـ (نسخة الفراهي). (2) تحقيق أحمد شاكر وعبد السلام هارون، الطبعة الثانية، دار المعارف 1371 هـ.

- مقاييس اللغة، لابن فارس، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، قم، إيران. - المقتضب، للمبرد، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1399 هـ. - الملل والنحل للشهرستاني، دار الفكر، بيروت. - من تراثنا اللغوي القديم ما يسمى في العربية بالدخيل، طه باقر، المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1400 هـ. - من نسب إلى أمه من الشعراء، لابن حبيب = نوادر المخطوطات. - المنجد في اللغة، لكراع النمل، تحقيق أحمد مختار عمر وضاحي عبد الباقي، عالم الكتب، القاهرة، 1988 م. - المنصفات، لعبد المعين الملوحي، دمشق، 1967 م. - المهذب في اختصار السنن الكبير، للذهبي، تحقيق حامد إبراهيم أحمد، القاهرة. - المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب، للسيوطي، تحقيق التهامي الراجي الهاشمي، مطبعة فضالة المحمدية، المغرب. - المؤتلف والمختلف للآمدي، تحقيق عبد الستار فراج، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1381 هـ. - المؤتلف والمختلف للدارقطني، تحقيق موفق عبد القادر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1406 هـ. - الموطأ، للإمام مالك، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت. - الميداني = مجمع الأمثال. - النبلاء = سير أعلام النبلاء. - النحاس = إعراب القرآن. - نزهة الأعين النواظر، لابن الجوزي، (1) تحقيق السيدة مهر النساء، دائرة

المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، 1974م. (2) تحقيق محمد عبد الكريم كاظم الراضي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1404 هـ. - نزهة الألباء، لأبي البركات ابن الأنباري، تحقيق إبراهيم السامرائي، مكتبة المنار، الأردن، 1405 هـ. - نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر (الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام) لعبد الحي الحسني، دار عرفات، الهند، 1412 هـ. - النسفي = مدارك التنزيل وحقائق التأويل. - النصرانية = شعراء النصرانية. - نقائض جرير والأخطل، المنسوب إلى أبي تمام، بيروت، 1922 م. - نقائض جرير والفرزدق، لأبي عبيدة، تحقيق بيفان، ليدن، 1905م-1912 م. - نمط صعب ونمط مخيف، لمحمود شاكر، مطبعة المدني، القاهرة، 1416 هـ. - النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، تحقيق الزاوي والطناحي، الحلبي، 1383 هـ. - النوادر في اللغة، لأبي زيد الأنصاري، تحقيق محمد عبد القادر أحمد، دار الشروق، بيروت، 1401 هـ. - نوادر المخطوطات، تحقيق عبد السلام هارون: 1 - المجموعة الأولى، الطبعة الأولى، 1370 هـ. 2 - والمجموعة الثانية، الطبعة الأولى، 1374 هـ، مكتبة الخانجي، القاهرة. - النووي = شرح صحيح مسلم. - هدية العارفين، للبغدادي، مكتبة المثنى، بيروت. - الوسائل في مسامرة الأوائل، للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406 هـ. - وفيات الأعيان، لابن خلكان، تحقيق إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت.

المجلات

- اليزيدي = أمالي اليزيدي. المجلات: - مجلة دار الحديث الحسينية بالمغرب. - مجلة الضياء، لكناؤ، الهند. - مجلة المجلة، القاهرة. - مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق. - مجلة مجمع اللغة العربية، القاهرة. - مجلة معهد المخطوطات، القاهرة. ثانياً: الأجنبية: - برهان قاطع، تأليف محمد حسين بن خلف تبريزي، باهتمام محمد معين، طهران 1342 شمسي. - بياض محمد مهدي (نسخه خطي) مملوكه بدر الدين إصلاحي. - تدبر قرآن، أمين أحسن إصلاحي، لاهور، 1403 هـ. - ترجمه قرآن، شاه عبد القادر دهلوي، تاج كمبني، لاهور. - بنده روزه داعي، بمبئي. - حيات شبلي، تأليف سيد سليمان ندوي، دار المصنفين، أعظم كره، 1983 م. - سخندام فارس، تأليف محمد حسين آزاد، لكهنو، 1979 م. - علامه حميد الدين فراهي - حيات وأفكار (مقالات فراهي سيمينار) أنجمن طلبه قديم مدرسة الإصلاح، أعظم كره، 1992 م. - لباب الألباب، تأليف محمد عوفي، تصحيح وتعليقات سعيد نفيسي، طهران، 1355 شمسي. - ماهنامه الإصلاح، دائره حميديه، مدرسة الإصلاح، أعظم كره. - ماهنامه معارف، دار المصنفين، أعظم كره.

- ماهنامه الندوه، لكهنؤ. - مثنوي معنوي، (نسخه خطي ذخيره فراهي) كتب خانه مدرسة الإصلاح. - مختصر حيات حميد، مرتبه عبد الرحمن ناصر إصلاحي، دائره حميديه، أعظم كره، 1973 م. - مقالات قرآني، تأليف عبد الله العمادي، نفيس اكيدمي، لاهور 1952 م. - مكاتيب شبلي، مرتبه سيد سليمان ندوي، دار المصنفين، أعظم كره، 1966 - 1971 م. - مكاتيب فراهي، مرتبه شرف الدين إصلاحي، دار الإشراق، لاهور 1992 م. - نباتات قرآني، تأليف اقتدار حسين فاروقي، لكهنؤ. - هفت روزه صدق، لكهنؤ. - A compendious Syriac Dictionary, edited by J.Payne Smith, 1979. - A Jewish Bible according to the Masoretic Text, TEI A viv, 1979. - A Hebrew and English Lexicon of the old Testament, Based on the Lexicon of W. Gesenius translated by Edward Robinson, Oxford. - New Bible Dictionary, by Douglas, J.D. Leicester, u:k. 1982. - Dictionarie Syriaque - Francais, English, Arabic, by Louis Costaz S.J. Beyrouth. - The Foreign Vocabulary of the Quran, by Arthur Jeffery, Baroda, India, 1938. - The New Encyclopedia of Britannica, 15 th Edition. - The New Testament, English. Banglore, 1979. - Theological Dictionary of the Old Testament, grand Rapids, Mich. 1980-90. - The Oxford English Dictionary, 1970. - Vocabulary of the Bible, Edited by J.J. Von Allmen, London, 1958.

الفهارس العامة

الفهارس العامة

دار الغرب الإسلامي بيروت - لبنان لصاحبها: الحبيب اللمسي شارع الصوراتي (المعامري) - الحمرا، بناية الأسود تلفون: 009611 - 350331 Tel: / خليوي: 009613 - 638535 Cellularie: فاكس: 009611 - 742587 Fax: / ص. ب. 113 - 5787 بيروت: لبنان DAR AL-GHARM AL-ISLAMI B.P.: 113-5787 Beyrouth, libnan ¬

_ الرقم: 2002/ 7 /2000/ 405 التنضيد: كمبيوتايب - بيروت الطباعة: دار صادر، ص. ب. 10 - بيروت

MUFRADAT AL-QUR'AN by ABDULHAMID FARAHI (1863 - 1930) Edit by MOHAMMED AJMAL ISLAHI DAR AL-GHARB AL-ISLAMI

§1/1