مع الامام أبي إسحاق الشاطبي في مباحث من علوم القرآن الكريم وتفسيره

شايع الأسمري

مقدمة

مُقَدّمَة ... مَعَ الإِمَام أبي اسحاق الشاطبي فِي مبَاحث من عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره إعداد: د. شايع بن عَبده بن شايع الأسمري الْأُسْتَاذ المساعد فِي كُلية الْقُرْآن الْكَرِيم فِي الجامعة خطْبَة الْبَحْث إنّ الْحَمد لله نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونعوذُ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يُضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أنَّ مُحَمَّدًا عَبده ورسولُه. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} 3. أما بعد: فَإِن عُلَمَاء الأندلس لَهُم مكانةٌ عالية فِي تَارِيخ حضارة الْمُسلمين؛ لما قدموه من بحوث قيِّمة فِي جَمِيع المجالات - دينية ودنيوية - إِلَّا أَن هَذِه المكانة الْعَالِيَة أَتَت عَلَيْهَا أقدارُ الله تَعَالَى الَّتِي لَا رادّ لَهَا، فَكَانَ مصير هَذِه الحضارة الْعَالِيَة، والأبحاث الْقيمَة على ثَلَاثَة أَقسَام:

_ 1 - سُورَة آل عمرَان، الْآيَة: 102. 2 - سُورَة النِّسَاء، الْآيَة: 1. 3 - سُورَة الْأَحْزَاب، الْآيَة: 70، 71. وَهَذِه خطْبَة الْحَاجة، الَّتِي علمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه، وأخرجها طَائِفَة من الْأَئِمَّة: مِنْهُم أَبُو دَاوُد فِي سنَنه (2/238، 239) كتاب النِّكَاح، بَاب خطْبَة النِّكَاح، ح (2118) ، وَابْن ماجة فِي سنَنه (1/609) كتاب النِّكَاح، بَاب خطْبَة النِّكَاح، ح (1892) وصححها الشَّيْخ الألباني. انْظُر صَحِيح سنَن ابْن ماجة (1/319) .

الْقسم الأول - وَهُوَ الْأَكْثَر الْأَعْظَم - قضى عَلَيْهِ الإفرنج عَبدة الصَّلِيب وأبادوه، عِنْد استيلائهم على بِلَاد الأندلس، وَإِخْرَاج الْمُسلمين مِنْهَا. وَالْقسم الثَّانِي: ادّعاه أُولَئِكَ الأوغاد - النَّصَارَى - ونسبوه لأَنْفُسِهِمْ، وَزَعَمُوا أَنهم أهل السَّبق فِيهِ. وَالْقسم الثَّالِث: بعضه لَا زَالَ مَدْفُونا مخطوطا فِي مكتبات الْعَالم - وَلَعَلَّه الْأَكْثَر من هَذَا الْقسم - وَبَعضه أُخرج لكنه لَا زَالَ بحاجة إِلَى دراسة لاستخراج درره ولآلئه، وتنبيه الدارسين عَلَيْهَا؛ علّهم يفيدون مِنْهَا فِي حياتهم العملية. ومؤلفات الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي الغرناطي من غرر ذَلِك التراث الْقيم، وَمَا خرج مِنْهَا فَهُوَ لَا يزَال بحاجة إِلَى بَيَان الْعُلُوم الَّتِي احتوى عَلَيْهَا، وتوجيه الدارسين إِلَى الإفادة مِنْهَا، خُصُوصا الأبحاث الْمُتَعَلّقَة بعلوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره، فَإِن مؤلفات هَذَا الإِمَام قد حوت على جملَة مباركة طيبَة، لَكِن لَا يعرفهَا إِلَّا الْقَلِيل من الباحثين والدارسين، فجَاء هَذَا الْبَحْث ليُعرّف بِبَعْض أَنْوَاع عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره الَّتِي اشْتَمَلت عَلَيْهَا مؤلفات الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي رَحمَه الله تَعَالَى، وَالَّتِي هِيَ فِي حَقِيقَتهَا قَوَاعِد وأصول عَامَّة، تهدي الدارسين وترشدهم إِلَى الإفادة من أعظم كتاب أُنزل من عِنْد الله تَعَالَى. وليوجه أنظار الباحثين والدارسين - من أهل الْقُرْآن وعلومه - إِلَى الاستفادة من مؤلفات الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي، رَحمَه الله تَعَالَى. وَهُوَ فِي الْوَقْت نَفسه إشادة واعتراف بِفضل الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي على أهل الْقُرْآن الْكَرِيم وعلومه.

هَذَا وَقد سميت هَذَا الْبَحْث "مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي مبَاحث من عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره"1. وَالله تَعَالَى أسأَل أَن يَجعله خَالِصا لوجهه الْكَرِيم، وَأَن ينفع بِهِ الباحثين والدارسين، وَأَن يزِيد بِهِ الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشاطبي رفْعَة ومكانة. وَصلى الله على نَبينَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ

_ 1 - معنى هَذَا العنوان: أننا سنصحب الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشاطبي - من خلال مؤلفاته - لنطلع على شَيْء ممّا دونه فِي جَانب التَّفْسِير وعلوم الْقُرْآن الْكَرِيم.

1 - أهمية الْمَوْضُوع، وَسبب اخْتِيَاره: إِن هَذَا الْمَوْضُوع - "مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي مبَاحث من عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره" - لَهُ أهمية وَيسْتَحق الدراسة؛ لأسباب أَشرت إِلَى بَعْضهَا - إِجْمَالا - فِي خطْبَة الْكتاب، وأُفصّل أهمها فِيمَا يَلِي: 1 - هَذَا الْمَوْضُوع يتعلّق بِإِمَام، مَعْدُود من المجدّدين فِي الْإِسْلَام بِمَا قدم من أبحاث قيمَة فِي موضوعها ومضمونها. 2 - هَذِه الدراسة هِيَ الأولى من نوعها، إِذْ لَا أعلم أَنه كُتب حول الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِيمَا يتَّصل بعلوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره1. 3 - هَذِه الدراسة سَتَكُون - بِإِذن الله تَعَالَى - توجيها للباحثين والدارسين فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم وعلومه إِلَى الإفادة من كتب الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي؛ لأنّ كثيرا من الباحثين والدارسين يعدونه من أهل الْفِقْه وأصوله فَحسب. 4 - هَذِه الدراسة جمعت طَائِفَة من أصُول التَّفْسِير وقواعده، وجَعَلَتْها فِي متناول الباحثين، مَعَ الْإِشَارَة إِلَى مواطنها من كتب الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي لمن أَرَادَ الدراسة والتوسع فِي تِلْكَ الْقَوَاعِد وَالْأُصُول. 5 - تطرق أَبُو إِسْحَاق الشاطبي إِلَى مبَاحث قيّمة لم يُسبق إِلَيْهَا سَوَاء فِي أصُول التَّفْسِير، أَو فِي التَّفْسِير، فجَاء هَذَا الْبَحْث ليوجه أنظار الدارسين إِلَيْهَا، ويعطيهم صُورَة صَادِقَة عَنْهَا.

_ 1 - انْظُر الخاتمة من هَذَا الْبَحْث.

2 - خطة الْبَحْث: يتكون هَذَا الْبَحْث من مُقَدّمَة، وَثَلَاثَة فُصُول، وخاتمة. الْمُقدمَة: وتشمل: 1 - أهمية الْمَوْضُوع، وَسبب اخْتِيَاره. 2 - خطة الْبَحْث. 3 - الْمنْهَج المتبع فِي إِخْرَاج الْبَحْث. الْفَصْل الأول: عَن حَيَاة الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي؛ ويشمل - بإيجاز - مَا يَلِي: 1 - اسْم الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي وَنسبه. 2 - مولد الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي ونشأته. 3 - بعض شُيُوخ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي. 4 - بعض تلاميذ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي. 5 - مَذْهَب الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي. 6 - مقاومة الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي للبدع والمبتدعة. 7 - ثَنَاء الْعلمَاء على الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي. 8 - آثَار الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي العلمية. 9 - مكانة الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره. 10 - شعر الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي. 11 - وَفَاة الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي، رَحمَه الله تَعَالَى. الْفَصْل الثَّانِي: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي مبَاحث من عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم (وَفِيه اثْنَا عشر مبحثا) :

المبحث الأول: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي1فِي أَسبَاب النُّزُول. المبحث الثَّانِي: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي الْأَقْوَال المحكية فِي الْقُرْآن الْكَرِيم. المبحث الثَّالِث: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي مَنْهَج الْقُرْآن الْكَرِيم فِي التَّرْغِيب والترهيب. المبحث الرَّابِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَقسَام الْعُلُوم المضافة إِلَى الْقُرْآن الْكَرِيم. المبحث الْخَامِس: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي التَّفْسِير الإشاري لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم. المبحث السَّادِس: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي قَوْله: إِن الْمدنِي من السُّور يَنْبَغِي أَن يكون منزلا على الْمَكِّيّ فِي الْفَهم وَكَذَلِكَ الْمَكِّيّ بعضه مَعَ بعض وَالْمَدَنِي بعضه مَعَ بعض. المبحث السَّابِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَن تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم يتبع فِيهِ الْمُفَسّر التَّوَسُّط والاعتدال ويجتنب فِيهِ الإفراط والتفريط المبحث الثَّامِن: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي بَيَان الْمَقْصُود بِالرَّأْيِ المذموم والرأي الممدوح فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم. المبحث التَّاسِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي حكم تَرْجَمَة الْقُرْآن الْكَرِيم المبحث الْعَاشِر: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي التَّفْسِير العلمي لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم المبحث الْحَادِي عشر: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَسبَاب الِاخْتِلَاف غير المؤثرة فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم.

_ 1 - أعتذرُ للقارئ الْكَرِيم عَن تكْرَار عبارَة (مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي) وَذَلِكَ يذهب عِنْد وضع كل مبحثٍ فِي صفحة مستقلّة.

المبحث الثَّانِي عشر: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي وجود المعرَّب فِي الْقُرْآن الْكَرِيم. الْفَصْل الثَّالِث: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي مبَاحث من تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم (وَفِيه عشرَة مبَاحث) : المبحث الأول: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ. المبحث الثَّانِي: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ. المبحث الثَّالِث: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم. المبحث الرَّابِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال التَّابِعين وأتباعهم. المبحث الْخَامِس: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي شَيْء من تعقيباته وآرائه فِي التَّفْسِير. المبحث السَّادِس: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي نَحْو الْقُرْآن وبلاغته. المبحث السَّابِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي ذكر الْقرَاءَات وتوجيهها. المبحث الثَّامِن: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي تَفْسِير آيَات العقيدة. المبحث التَّاسِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَحْكَام الْقُرْآن الْكَرِيم. المبحث الْعَاشِر: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي الإفادة من أصُول الْفِقْه فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم. الخاتمة: أهم النتائج الَّتِي ظَهرت لي من خلال هَذَا الْبَحْث، والتوصيات.

3 - الْمنْهَج المتبع فِي إِخْرَاج الْبَحْث: 1 - تأمّلت فِي كتب الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي، ودونت كثيرا من المباحث الَّتِي رَأَيْت أَن لَهَا صلَة بعلوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره. 2 - رتبت هَذِه المباحث على حسب الخطّة الْمَذْكُورَة فِي الْفَصْلَيْنِ: الثَّانِي، وَالثَّالِث. 3 - قابلت النُّصُوص المنقولة على أُصُولهَا المطبوعة للتأكد من سَلامَة النَّقْل. 4 - أَشرت إِلَى الْكَلَام الْمَحْذُوف - أثْنَاء النَّقْل من النُّصُوص - بِوَضْع ثَلَاث نقاط، وَفِي هَذِه الْحَالة أطلب من الْقَارئ مُرَاجعَة الْكتاب الْمَنْقُول مِنْهُ بِقَوْلِي: انْظُر، وَأما إِذا كَانَ الْكَلَام لم يُحذف مِنْهُ شَيْء أَشرت إِلَى الْمرجع بِقَوْلِي: الموافقات - مثلا - ثمَّ أذكر الْجُزْء والصفحة، وَهَذَا فِي الْغَالِب. 5 - نقلت من كتب الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي مَا يوضِّح عنوان المبحث، وَأحلت الْقَارئ على بَاقِي الْكَلَام فِي الْكتاب الْمَنْقُول مِنْهُ، وحرصت أَن يكون الْكَلَام الْمَنْقُول هُوَ الزبدة وَالْخُلَاصَة الَّتِي يَسْتَفِيد مِنْهُمَا أهل التَّفْسِير وعلوم الْقُرْآن. 6 - كَانَ لي بعض المداخلات والتعليقات على كثير من المباحث تجدها أَحْيَانًا فِي آخر المبحث - تَحت عنوان بارز - وَقد تكون فِي أَثْنَائِهِ، وَقد تكون فِي أَوله، وَقد تكون فِي الْحَاشِيَة. 7 - أَشرت إِلَى اسْم السُّورَة، ورقم الْآيَة، فِي كل الْآيَات المنقولة - فِي الأَصْل - وَذَلِكَ فِي الْحَاشِيَة. 8 - خرجت الْأَحَادِيث والْآثَار من مظانها، وحرصت أَن أذكر كَلَام أهل الْعلم على الحَدِيث (تَصْحِيحا، وتحسينا، وتضعيفا) مَا لم يكن فِي الصَّحِيحَيْنِ، أَو أَحدهمَا. وَأما الْآثَار عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَقُمْت

بتخريجها، وَإِذا وجدت لأهل الْعلم عَلَيْهَا كلَاما نقلته، وَإِن لم أجد حاولت إِعْطَاء الْقَارئ شَيْئا عَن حَال رجال إسنادها. 9 - شرحت الْكَلِمَات الغريبة، وَلم أتوسع فِي ذَلِك. 10 - ترجمت لبَعض الْأَعْلَام الَّذين رَأَيْت أَنهم يَحْتَاجُونَ لترجمة، وَلم أتوسع فِي هَذَا الْجَانِب خشيَة إثقال الْحَوَاشِي. 11 - أَشرت إِلَى أَمَاكِن بعض النقولات الَّتِي نقلهَا الإِمَام الشاطبي عَن بعض الْعلمَاء، وَقد أترك الْبَعْض، إِذْ لَيْسَ الْمقَام مقَام تَحْقِيق فليزم تَوْثِيق كل نَص من مرجعه، أضف إِلَى ذَلِك أَنه قد ينْقل عَن عُلَمَاء مشافهة، وَقد ينْقل من مؤلفات هِيَ فِي عداد الْمَفْقُود الْآن. 12 - أَشرت إِلَى المباحث الَّتِي استفادها بعض الْمُفَسّرين الْمُتَأَخِّرين من كتب الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي، وَذَلِكَ فِي الْحَاشِيَة. 13 - وثقت الْقرَاءَات الَّتِي ذُكرت فِي أثْنَاء المباحث من كتب الْقرَاءَات الْمُعْتَمدَة، وبينت الْمُتَوَاتر مِنْهَا والشاذ. 14 - لم أجيء بِكُل المباحث الَّتِي حوتها كتب الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي - مِمَّا يتَعَلَّق بعلوم الْقُرْآن وَتَفْسِيره - وَإِنَّمَا جِئْت بِمَا يُعْطي الْقَارئ صُورَة جَيِّدَة عَن الْقيمَة العلمية، الَّتِي حوتها مؤلفات الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي، من عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره. 15 - ذكرت بَين يَدي الْفَصْلَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِث تمهيدًا قَصِيرا. 16 - ذكرت تَرْجَمَة موجزة للْإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي، حرصت أَن آتِي فِيهَا بِبَعْض الْجَدِيد، مثل إِظْهَار مكانة الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره، وَغير ذَلِك مِمَّا لَا تَجدهُ فِي الدراسات الَّتِي سبقتني.

17 - اعتمدت فِي نقل كَلَام الإِمَام أبي إِسْحَاق من كِتَابه الموافقات على النُّسْخَة الَّتِي حققها الشَّيْخ مَشْهُور بن حسن، وَقد أرجع إِلَى النُّسْخَة الَّتِي حققها العلاّمة عبد الله دراز عِنْد الْحَاجة. 18 - وضعت خَاتِمَة لهَذَا الْبَحْث بيّنت فِيهَا أهم النتائج الَّتِي ظَهرت لي خلال الْمدَّة الَّتِي عشتها مَعَ هَذَا الْبَحْث، مَعَ إبداء بعض التوصيات الَّتِي أَرْجُو أَن يُؤْخَذ بهَا. 19 - وضعت الفهارس اللاَّزمة للإفادة من هَذَا الْبَحْث، وَهِي على النَّحْو التَّالِي: 1 - فهرس آيَات الْقُرْآن الْكَرِيم. 2 - فهرس الْأَحَادِيث الشَّرِيفَة. 3 - فهرس الْآثَار. 4 - فهرس المصادر والمراجع. 5 - فهرس مَوَاضِع الْبَحْث. هَذِه أهم الركائز الَّتِي اتبعتها فِي إِخْرَاج هَذَا الْبَحْث، وَأَرْجُو أَن أكون قد وُفقت فِي ذَلِك. هَذَا وَقد اجتهدت فِي السَّلامَة من الزلل، لكنني لَا أَشك فِي وُقُوعه، فأستغفر الله تَعَالَى من ذَلِك. وَأَرْجُو أَن أكون قد أدّيت شَيْئا من حق الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي على أهل الْقُرْآن الْكَرِيم بِهَذَا الْبَحْث المتواضع، كَمَا أَرْجُو أَن أكون قد أسديت شَيْئا لمكتبة التَّفْسِير وعلوم الْقُرْآن الْكَرِيم. وَكتبه: شايع بن عَبده بن شايع الأسمري

الفصل الأول: عن حياة الامام أبي إسحاق الشاطبي (وفيه مايلي)

الْفَصْل الأول: عَن حَيَاة الامام أبي إِسْحَاق الشاطبي (وَفِيه مايلي) اسْم الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي وَنسبه ... الْفَصْل الأول عَن حَيَاة الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي ويشمل - بإيجاز1 - مَا يَلِي: 1 - اسْم الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي وَنسبه: هُوَ الإِمَام إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن مُحَمَّد اللَّخْمِيّ2الغرناطي، أَبُو إِسْحَاق، الشهير بالشاطبي3.

_ 1 - لِأَن هُنَاكَ دراسات موسعة عَن هَذَا الإِمَام. ذكرهَا الشَّيْخ مَشْهُور بن حسن فِي تَحْقِيقه لكتاب الموافقات (6/7، 8) حَاشِيَته. 2 - لخم قَبيلَة عَرَبِيَّة، أَصْلهَا من القحطانية من الْيمن، وَمِنْهُم كَانَت مُلُوك الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة، وَمِنْهُم من دخل بِلَاد الأندلس، ثمَّ كَانَ لبقاياهم ملك بإشبيلية من الأندلس، وَهِي دولة ابْن عباد. انْظُر: صفة جَزِيرَة الْعَرَب ص (271) ، ولسان الْعَرَب (12/261/لخم) ، ومعجم قبائل الْعَرَب (3/1011، 1012) (5/365) . قلت: وعَلى هَذَا فالإمام الشاطبي عَرَبِيّ الأَصْل. 3 - انْظُر نيل الابتهاج ص (46) ، وشجرة النُّور الزكية ص (231) ، وإيضاح الْمكنون (2/127) ، والأعلام (1/75) ، ومعجم المؤلفين (1/118) ، ودرة الحجال (1/182) ، وفهرس الفهارس (1/191) ، وبرنامج المجاري (1/116) ، وأعلام الْمغرب

مولد الإمام أبي إسحاق الشاطبي ونشأته

2 - مولد الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي ونشأته: لم تُسلط - كتب التراجم الْمُعْتَمدَة - الأضواء على مَكَان وِلَادَته، وَلَا عَن تاريخها، وَلَا عَن كيفيّة نشأته. إِلَّا أَن الَّذِي يَبْدُو - وَالله أعلم - أَن أَصله كَانَ من مَدِينَة شَاطِبَة1، وَأَنه ولد فِي مَدِينَة غرناطة2، قبيل سنة 720هـ3. أما عَن نشأته: فقد نَشأ على حبّ الْعلم، ومتابعة الدَّرْس مُنْذُ نعومة أَظْفَاره، حَدثنَا هُوَ بذلك فِي مُقَدّمَة كِتَابه الِاعْتِصَام، نقتطف من ذَلِك قَوْله: "لم أزل مُنْذُ فُتق للفهم عَقْلِي، وَوجه شطر الْعلم طلبي، أنظر فِي عقلياته، وشرعياته، وأصوله، وفروعه، لم أقتصر مِنْهُ على علم دون علم، وَلَا أفردت عَن أَنْوَاعه نوعا دون آخر حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ الزَّمَان والإمكان ... "4.

_ 1 - مَدِينَة فِي شَرْقي الأندلس، وشرقي قرطبة، خرج مِنْهَا خلق من الْفُضَلَاء. انْظُر: مُعْجم الْبلدَانِ (3/351) . 2 - غَرْنَاطة: بِفَتْح الأول وَسُكُون الثَّانِي، وَمعنى غرناطة رمَّانة بِلِسَان عجم الأندلس، وَهِي أقدم مدن كورة البيرة من أَعمال الأندلس، وَأَعْظَمهَا وأحسنها وأحصنها. انْظُر مُعْجم الْبلدَانِ (4/221) . 3 - انْظُر: فَتَاوَى الإِمَام الشاطبي، ص (32) . 4 - الِاعْتِصَام (1/31) .

بعض شيوخ الإمام أبي إسحاق الشاطبي

3 - بعض شُيُوخ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي: تتلمذ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي على جمَاعَة من الْعلمَاء، ذكر مِنْهُم بعض المعاصرين أَرْبَعَة وَعشْرين شَيخا1، أكتفي بِذكر من ذكرهم الْعَلامَة أَحْمد بَابا التنبكتي، حَيْثُ قَالَ: "أَخذ الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا عَن أَئِمَّة مِنْهُم الإِمَام المفتوح عَلَيْهِ فِي فنها ابْن الفخار البيري2.وَالْإِمَام الشريف رَئِيس الْعُلُوم اللسانية أَبُو الْقَاسِم السبتي3 وَالْإِمَام الْمُحَقق أعلم أهل وقته الشريف أَبُو عبد الله التلمساني4 ... وَالْإِمَام

_ 1 - انْظُر دارسة الدكتور أبي الأجفان لكتاب الإفادات والإنشادات، ص (20 - 26) . 2 - انْظُر تَرْجَمته فِي نفح الطّيب (5/355) ، وبغية الوعاة (1/174) . 3 - انْظُر تَرْجَمته فِي نيل الابتهاج، ص (47) ، وبغية الوعاة (1/39) ، ونفح الطّيب (5/189) . 4 - انْظُر: نيل الابتهاج ص (255) .

علاّمة وقته بِإِجْمَاع أَبُو عبد الله الْمقري1 ... وقطب الدائرة ... الإِمَام الشهير أَبُو سعيد ابْن لب2، وَالْإِمَام الْجَلِيل ... ابْن مَرْزُوق الْجد3، والعلاّمة المحقّق الْمدرس الأصولي أَبُو عَليّ مَنْصُور بن مُحَمَّد الزاوي4، والعالم الْمُفَسّر الْمُؤلف أَبُو عبد الله البلنسي5 ... والعلامة الرحلة الْخَطِيب أَبُو جَعْفَر الشقوري6 ... والعالم الْحَافِظ الْفَقِيه أَبُو الْعَبَّاس القباب7، والمفتي المحدّث أَبُو عبد الله الحفّار8، وَغَيرهم"9.

_ 1 - انْظُر تَرْجَمته فِي برنامج المجاري، ص (119 - 121) ، والإحاطة (2/191) ، ونفح الطّيب (5/203) . 2 - انْظُر تَرْجَمته فِي بغية الوعاة (2/243) ، ونفح الطّيب (5/509) . 3 - انْظُر تَرْجَمته فِي الْإِحَاطَة (3/103) . 4 - انْظُر تَرْجَمته فِي برنامج المجاري، ص (119) . 5 - انْظُر تَرْجَمته فِي الْإِحَاطَة (3/38) ، وبغية الوعاة (1/191) . 6 - انْظُر تَرْجَمته فِي برنامج المجاري ص (125) . 7 - انْظُر تَرْجَمته فِي نيل الابتهاج، ص (72) . 8 - انْظُر تَرْجَمته فِي برنامج المجاري، ص (104) ، ونفح الطّيب (2/694 - 5/513، 429) . 9 - نيل الابتهاج، ص (47، 48) .

بعض تلاميذ الإمام أبي إسحاق الشاطبي

4 - بعض تلاميذ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي: قَالَ أَحْمد بَابا التنبكتي: "أَخذ عَنهُ جمَاعَة من الْأَئِمَّة كالإمامين العلامتين أبي يحيى بن عَاصِم الشهير1، وأخيه القَاضِي الْمُؤلف أبي بكر بن عَاصِم2، وَالشَّيْخ أبي عبد الله

_ 1 - انْظُر تَرْجَمته فِي نفح الطّيب (6/148) . 2 - انْظُر تَرْجَمته فِي نفح الطّيب (5/19) .

الْبَيَانِي1، وَغَيرهم"2. قلت: وَمن هَؤُلَاءِ الْغَيْر أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد المجاري الأندلسي3، وَأَبُو جَعْفَر أَحْمد الْقصار الأندلسي الغرناطي4، وَأَبُو الْحسن عَليّ بن سَمِعت، الَّذِي أجَازه الإِمَام الشاطبي إجَازَة عَامَّة5.

_ 1 - انْظُر تَرْجَمته فِي نيل الابتهاج، ص (308) . 2 - نيل الابتهاج ص (49) . 3 - انْظُر تَرْجَمته فِي مُقَدّمَة أبي الأجفان لبرنامج المجاري ص (32) ، وَانْظُر برنامج المجاري، ص (116) . 4 - انْظُر تَرْجَمته فِي الْمرجع السَّابِق، ص (76) . 5 - انْظُر الإفادات والإنشادات، ص (27) .

مذهب الإمام أبي إسحاق الشاطبي

5 - مَذْهَب الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي: هُوَ مالكي الْمَذْهَب، يدل على ذَلِك أَن عُلَمَاء الْمَالِكِيَّة أدخلوه فِي عداد طبقاتهم1، وَلم ينازعهم فِي ذَلِك أحد من أهل الْمذَاهب الْفِقْهِيَّة الْأُخْرَى، وَوَصفه المعتنين بالتراجم عُمُوما بِأَنَّهُ مالكي الْمَذْهَب2. وَمن الْأَدِلَّة على هَذِه الْمَسْأَلَة أَن الإِمَام الشاطبي - نَفسه - قد اعتنى بِذكر أَقْوَال الإِمَام مَالك، وَغَيره من أَئِمَّة الْمَذْهَب، يظْهر ذَلِك جليا من خلال كتبه3. وَهَذَا لَا يَعْنِي أَن الإِمَام الشاطبي مقلد أعمى متعصب، بل هُوَ يعْتَمد فِي

_ 1 - انْظُر نيل الابتهاج، ص (46) ، وشجرة النُّور، ص (231) . 2 - انْظُر الْأَعْلَام (1/75) ، ومعجم المؤلفين (1/118) . 3 - انْظُر من الموافقات - مثلا - (3/16، 50، 59، 77، 126، 158، 195، 201، 204، 260، 265، 269) .

فَتَاوَاهُ على الْمَأْثُور من نُصُوص الْوَحْي، وأقوال أَعْلَام الْمَذْهَب الْمَالِكِي، وَإِذا لم يظفر بِشَيْء من ذَلِك فِي الْمَسْأَلَة، يجْتَهد بانيا على مُرَاعَاة مَقَاصِد الشَّرِيعَة الإسلامية1. وَأما مَذْهَب الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي العقيدة: فَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، الْمَبْنِيّ على الْكتاب وَالسّنة، وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَة؛ إِذْ أَنه لم يسلم من الْميل إِلَى رَأْي الأشاعرة فِي بعض الصِّفَات - وَفِي غير الصِّفَات -، فَمن ذَلِك قَوْله: "وَالْحب والبغض من الله تَعَالَى، إِمَّا أَن يُرَاد بهما نفس الإنعام أَو الانتقام، فيرجعان إِلَى صِفَات الْأَفْعَال على رَأْي من قَالَ بذلك، وَإِمَّا أَن يُرَاد بهما إِرَادَة الإنعام والانتقام فيرجعان إِلَى صِفَات الذَّات؛ لِأَن نفس الْحبّ والبغض المفهومين فِي كَلَام الْعَرَب حَقِيقَة محالان على الله تَعَالَى ... "2. وَقَالَ: " ... قَوْله تَعَالَى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم} 3، {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} 4وَأَشْبَاه ذَلِك إِنَّمَا جرى على معتادهم فِي اتِّخَاذ الْآلهَة فِي الأَرْض، وَإِن كَانُوا مقرين بإلهيّة الْوَاحِد الحقّ، فَجَاءَت الْآيَات بِتَعْيِين الفوق وتخصيصه تَنْبِيها على نفي مَا ادَّعوه فِي الأَرْض فَلَا يكون فِيهِ دَلِيل على إِثْبَات الْجِهَة الْبَتَّةَ"5. وَقَالَ: " (فصل) وَهل لِلْقُرْآنِ مَأْخَذ فِي النّظر على أَن جَمِيع سوره كَلَام

_ 1 - انْظُر مُقَدّمَة أبي الأجفان لكتاب الإفادات والإنشادات، ص (46) . 2 - الموافقات (2/194) . 3 - سُورَة النَّحْل، الْآيَة: 50. 4 - سُورَة الْملك، الْآيَة: 16. 5 - الموافقات (4/155) .

وَاحِد بِحَسب خطاب الْعباد، لَا بِحَسبِهِ فِي نَفسه؟. فَإِن كَلَام الله فِي نَفسه كَلَام وَاحِد لَا تعدّد فِيهِ بِوَجْه وَلَا بِاعْتِبَار، حَسْبَمَا يتَبَيَّن فِي علم الْكَلَام"1. فَأَنت ترى فِي الْمِثَال الأول أَن الإِمَام الشاطبي أوّل الْحبّ والبغض بِإِرَادَة الإنعام والانتقام، أَو أَنَّهُمَا نفس الإنعام والانتقام. وَفِي الْمِثَال الثَّانِي يؤوّل صفة الْفَوْقِيَّة الثَّابِتَة فِي النُّصُوص لله تَعَالَى على مَا يَلِيق بجلاله وعظمته. وَفِي الْمِثَال الثَّالِث يَجْعَل كَلَام الله تَعَالَى معنى قَائِما بِالنَّفسِ، مُجَردا عَن الْأَلْفَاظ والحروف. وَلَا شكّ أَن أَبَا إِسْحَاق - غفر الله لَهُ - قد فَاتَهُ الصَّوَاب فِي هَذِه الْأَمْثِلَة الثَّلَاثَة.

_ 1 - الْمصدر نَفسه (4/274) .

مقاومة الإمام أبي إسحاق الشاطبي للبدع والمبتدعة

6 - مقاومة الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي للبدع والمبتدعة: أُصِيب الْعَالم الإسلامي بعد الْقُرُون المفضّلة بِبَعْض الانحراف عمّا كَانَ عَلَيْهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه، وَكلما ابتعد آخر هَذِه الْأمة عَن أَولهَا ازْدَادَ ظُهُور الْبدع، حَتَّى كَانَ عصر الإِمَام الشاطبي - رَحمَه الله تَعَالَى - فزادت هَذِه الْحَال سَوَاء فِي شَرق الْعَالم الإسلامي، أم فِي غربه. وَكَانَت غرناطة - فِي عصر الإِمَام الشاطبي - مجمع فلول الهزائم، وملتقى آفَات اجتماعية نَشأ عَنْهَا انتشار بعض الْبدع الَّتِي أدَّت إِلَى ضعف الْمُسلمين1. وَكَانَت هَذِه الْحَال لَا ترضي الإِمَام الشاطبي، وَهُوَ يعلم أَنه مَأْمُور بإنكار الْمُنكر2.

_ 1 - انْظُر مُقَدّمَة الدكتور أبي الأجفان لكتاب الإفادات والإنشادات، ص (34) . 2 - كَمَا ثَبت ذَلِك فِي الحَدِيث: "من رأى مِنْكُم مُنْكرا فليغيّره بِيَدِهِ، فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه، فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه".

فَقَامَ فِي هَذَا الْجَانِب خير قيام، وَألف فِي ذَلِك كتابا حافلاً نصر بِهِ سنة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقمع بِهِ بدع المبتدعين1. وَقد تحدث هُوَ بِنَفسِهِ عَن بعض مِمَّا قَامَ بِهِ فِي هَذَا الشَّأْن فَقَالَ: " ... لم أزل أتتبع الْبدع الَّتِي نبّه عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحذر مِنْهَا، وبيَّن أَنَّهَا ضَلَالَة، وَخُرُوج عَن الجادة، وَأَشَارَ الْعلمَاء إِلَى تمييزها والتعريف بجملة مِنْهَا؛ لعَلي أجتنبها فِيمَا اسْتَطَعْت، وأبحث عَن السّنَن الَّتِي كَادَت تُطْفِئ نورها تِلْكَ المحدثات؛ لعَلي أجلو بِالْعَمَلِ سناها، وأُعد يَوْم الْقِيَامَة فِيمَن أَحْيَاهَا ... "2. وَأثْنى عَلَيْهِ الْعلمَاء بذلك، فَمن ذَلِك قَول أَحْمد بَابا التنبكتي: " ... حَرِيصًا على اتِّبَاع السّنة، مجانبًا للبدع والشبهة، ساعيًا فِي ذَلِك، مَعَ تثبت تَامّ، منحرف عَن كلّ مَا ينحو للبدع وَأَهْلهَا، وَقع لَهُ فِي ذَلِك أُمُور مَعَ جمَاعَة من شُيُوخه وَغَيرهم فِي مسَائِل"3. هَذَا وَلم يسلم الإِمَام الشاطبي من أَلْسِنَة المبتدعة أَعدَاء السّنة فنسبوا إِلَيْهِ مَا لم يقل، واتهموه بأَشْيَاء هُوَ برِئ مِنْهَا بَرَاءَة ذِئْب يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام. وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك بعض من ترْجم لَهُ، كَمَا تقدم قَرِيبا فِي كَلَام التنبكتي. كَمَا أَشَارَ هُوَ إِلَى شَيْء من الِابْتِلَاء الَّذِي أُصيب بِهِ فِي سَبِيل قَول الْحق ورد الْبَاطِل4.

_ 1 - سمّاه ((الِاعْتِصَام)) وَسَيَأْتِي الحَدِيث عَنهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي مؤلفات الإِمَام الشاطبي. 2 - الِاعْتِصَام (1/39) . 3 - نيل الابتهاج ص (47) . 4 - انْظُر الِاعْتِصَام (1/35 - 39) .

ثناء العلماء على الإمام أبي إسحاق الشاطبي

7 - ثَنَاء الْعلمَاء على الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي: لم تسلط

الأضواء على حَيَاة الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي وفضائله - بِمَا يسْتَحق - وَمَا ذَلِك - فِي نَظَرِي - إلاّ لِأَنَّهُ خَالف مألوف المبتدعة فأحيا السّنة وأمات الْبِدْعَة، وإلاّ فَمَا معنى أَن يكْتب المقَّري صَاحب نفح الطّيب صفحات وصفحات كلهَا إطراء وثناء عَن الزنديق الحلولي ابْن عَرَبِيّ1، فَإِذا جَاءَ إِلَى الإِمَام الشاطبي يَكْتَفِي بِبَعْض النقولات من كتبه2، وَلَا يجود علينا بِشَيْء من حَيَاته وإمامته. ويكتفي آخر - عَن الإِمَام الشاطبي - بقوله: "إِبْرَاهِيم الشاطبي الغرناطي أَبُو إِسْحَاق"3. وَمَعَ ذَلِك فَلَا تَخْلُو هَذِه الْأمة مِمَّن يَقُول الْحق فَمن ذَلِك: قَول تِلْمِيذه أبي عبد الله المجاري: "الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الشهير، نَسِيج وَحده، وفريد عصره، أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُوسَى اللَّخْمِيّ الشاطبي"4. وَقَالَ عَنهُ أَحْمد بَابا التنبكتي: "الإِمَام الْعَلامَة، الْمُحَقق الْقدْوَة، الْحَافِظ الْجَلِيل الْمُجْتَهد، كَانَ أصوليا مُفَسرًا، فَقِيها مُحدثا، لغويا بيانيا، نظارًا ثبتا، ورعا صَالحا زاهدًا، سنيا5 إِمَامًا مُطلقًا، بحاثا مدققا جدليا، بارعا فِي الْعُلُوم، من أَفْرَاد الْعلمَاء الْمُحَقِّقين الْأَثْبَات، وأكابر الْأَئِمَّة المتقنين الثِّقَات ... "6. وحسبك بِشَهَادَة هذَيْن الْإِمَامَيْنِ الفاضلين، وَإِنَّمَا يعرف الْفضل لأَهله أهلُه.

_ 1 - انْظُر نفح الطّيب (2/161) . ثمَّ انْظُر سير أَعْلَام النبلاء (23/48، 49) . 2 - انْظُر نفح الطّيب (7/279) . 3 - درة الحجال (1/182) . 4 - برنامج المجاري، ص (116) . 5 - سَني - ا: مَعْنَاهُ رفيع الْقدر والمنزلة. انْظُر لِسَان الْعَرَب (6/405) ((سنا)) 6 - نيل الابتهاج، ص (46، 47) .

وَقد تابعهما فِي الثَّنَاء على الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي مُحَمَّد مخلوف1وَغَيره من الْمُتَأَخِّرين2.

_ 1 - انْظُر شَجَرَة النُّور الزكية، ص (231) . 2 - انْظُر الْأَعْلَام (1/75) ، ومعجم المؤلفين (1/118) ، وفهرس الفهارس (1/191) .

آثار الإمام أبي إسحاق الشاطبي العلمية

8 - آثَار الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي العلمية: ألف الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي تآليف نفيسة فِي موضوعها ومضمونها "اشْتَمَلت على تَحْرِير للقواعد، وتحقيقات لمهمات الْفَوَائِد"1نشِير إِلَيْهَا فِيمَا يَلِي: 1 - الموافقات: وَهُوَ كتاب مَعْدُود فِي أصُول الْفِقْه، وَكَانَ قد سَمَّاهُ "عنوان التَّعْرِيف بأسرار التَّكْلِيف"؛ لأجل مَا أُودع فِيهِ من الْأَسْرَار التكليفية الْمُتَعَلّقَة بِهَذِهِ الشَّرِيعَة الحنيفيّة2. لَكِن بعض شُيُوخ الشاطبي أخبرهُ برؤيا جعلت الإِمَام الشاطبي يُسَمِّي هَذَا الْكتاب باسم "الموافقات"3. وَهُوَ كتاب عَظِيم الْقدر جليل النَّفْع، أثنى عَلَيْهِ المتقدمون من الْعلمَاء4، والمتأخرون5، وكُتبت حوله الدراسات العلمية6، وَاخْتَصَرَهُ بعض الْعلمَاء7

_ 1 - انْظُر نيل الابتهاج، ص (48) . 2 - انْظُر الموافقات (1/10) . 3 - انْظُر الْمصدر نَفسه (1/10، 11) . 4 - انْظُر بعض مَا قيل فِيهِ - نظم - ا - فِي مُقَدّمَة كتاب الإفادات والإنشادات، ص (31) وَانْظُر ثَنَاء أَحْمد بَابا عَلَيْهِ فِي نيل الابتهاج، ص (48) . 5 - انْظُر مناظرات فِي أصُول الشَّرِيعَة، ص (513) . 6 - انْظُر الموافقات (1/36) مُقَدّمَة مَشْهُور حسن. 7 - انْظُر الْمرجع السَّابِق (1/33) مُقَدّمَة مَشْهُور حسن.

ونظمه بعض تلاميذ الْمُؤلف1، وطبع أَكثر من طبعة2، وَلَا تكَاد تَخْلُو مِنْهُ مكتبة طَالب علم. 2 - الِاعْتِصَام: وَهُوَ كتاب فِي غَايَة الإجادة3، تنَاول فِيهِ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي مَوْضُوع الْبدع، وبحثها بحثا علميا، وسبرها بمعيار الْأُصُول الشَّرْعِيَّة، بِحَيْثُ أَن من جَاءَ بعد الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فألف فِي رد الْبدع فَهُوَ عِيَال على كتاب الِاعْتِصَام4، وَالْكتاب لم يتمه مُؤَلفه، وَقد طبع عدّة طبعات5. 3 - الإفادات والإنشادات: وَهُوَ كتاب لطيف الحجم يبدؤه الْمُؤلف بإفادة يتبعهَا بإنشادة، وَقد جمع فِيهِ الْمُؤلف طرفا وتحفا وملحا أدبية، وَهُوَ مطبوع بتحقيق أبي الأجفان6 4 - الْمَقَاصِد الشافية فِي شرح الْخُلَاصَة الكافية 7: نسبه إِلَيْهِ تِلْمِيذه المجاري باسم "شرح رجز ابْن مَالك"، وَكَذَلِكَ نسب إِلَيْهِ كتاب الموافقات، والاعتصام8، وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَحْمد بَابا التنبكتي بقوله: "شَرحه الْجَلِيل على الْخُلَاصَة فِي النَّحْو فِي أسفار أَرْبَعَة كبار لم يؤلف عَلَيْهَا مثله بحثا وتحقيقًا فِيمَا

_ 1 - انْظُر مُقَدّمَة الإفادات والإنشادات، ص (31) . 2 - انْظُر الموافقات (1/57) مُقَدّمَة مَشْهُور حسن. 3 - انْظُر نيل الابتهاج، ص (48) . 4 - وأمامي الْآن مَجْمُوعَة كتب فِي هَذَا الشَّأْن أعظمها ((حَقِيقَة الْبِدْعَة وأحكامها)) لسَعِيد بن نَاصِر الغامدي، وأصغرها ((الْبِدْعَة وأثرها السيء فِي الْأمة)) لسليم الْهِلَالِي. 5 - انْظُر الموافقات (1/29، 30) مُقَدّمَة مَشْهُور حسن. 6 - يَقع مَعَ مُقَدّمَة الْمُحَقق فِي (238 صفحة) ، ونشرته مؤسسة الرسَالَة عَام 1403هـ -. 7 - انْظُر مُقَدّمَة الدكتور عياد الثبيتي لتحقيق الْكتاب (1/ط، ي) . 8 - انْظُر برنامج المُجاري، ص (118) .

أعلم"1. وَذكر الدكتور أَبُو الأجفان وجود نُسْخَة من الْكتاب بالخزانة الملكية بالرباط برقم (276) ، وَقَالَ: وَيقوم مَرْكَز البحوث بجامعة أم الْقرى بتحقيق هَذَا الشَّرْح ونشره2. قلت: وقفت على مجلدين مِنْهُ مطبوعين، حققهما الدكتور عيَّاد الثبيتي، ونشرتهما مكتبة دَار التراث بِمَكَّة المكرّمة عَام 1417هـ. تضمنا من النَّائِب عَن الْفَاعِل إِلَى نِهَايَة حُرُوف الْجَرّ، وَهُوَ شرح حافل يدل على إِمَامَة مُؤَلفه رَحمَه الله تَعَالَى فِي فنّ الْعَرَبيَّة. وَقد بَلغنِي أَن الْكتاب سيخرج كَامِلا فِي وَقت قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَيقوم بالإشراف على إِخْرَاجه معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم الْقرى3. 5 - كتاب الْمجَالِس: شرح فِيهِ كتاب الْبيُوع من صَحِيح الإِمَام البُخَارِيّ، ذكر ذَلِك أَحْمد بَابا، وَقَالَ: "فِيهِ من الْفَوَائِد والتحقيقات مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله"4. 6 - عنوان الِاتِّفَاق فِي علم الِاشْتِقَاق: نسبه إِلَيْهِ أَحْمد بَابا، وَإِسْمَاعِيل باشا5.

_ 1 - نيل الابتهاج، ص (48) . 2 - انْظُر مُقَدّمَة الدكتور أبي الأجفان لكتاب الإفادات والإنشادات، ص (28) . 3 - هاتفت مكتبة إحْيَاء التراث بجامعة أم الْقرى للحصول على نُسْخَة مخطوطة من الْكتاب فَأَخْبرنِي بعض القائمين عَلَيْهَا بِمَا ذكرت، وَاعْتذر بِأَن جَمِيع النّسخ أَخذهَا الْمُحَقِّقُونَ للْكتاب. 4 - نيل الابتهاج، ص (48) . 5 - انْظُر الْمرجع السَّابِق، ص (48) ، وإيضاح الْمكنون (2/127) .

7 - أصُول النَّحْو: نسبه إِلَيْهِ - أَيْضا - أَحْمد بَابا1، وَقَالَ عَن الْكِتَابَيْنِ: "وَقد ذكرهمَا مَعًا فِي شرح الألفية، وَرَأَيْت فِي مَوضِع آخر أَنه أتلف الأول فِي حَيَاته، وَأَن الثَّانِي أُتلف أَيْضا"2. 8 - وَله فَتَاوَى كَثِيرَة: ذكر ذَلِك أَحْمد بَابا3، وَأورد طَائِفَة مِنْهَا الدكتور أَبُو الأجفان فِي مُقَدّمَة كتاب الإفادات والإنشادات، وَكَذَلِكَ فِي آخِره4، وَقد أوردهَا غَيره من الْمُتَقَدِّمين5، وَجَمعهَا أَبُو الأجفان باسم "فَتَاوَى الإِمَام الشاطبي"6. وَقد زَاد الدكتور أَبُو الأجفان كتابا آخر بعنوان "شرح جليل على الْخُلَاصَة فِي النَّحْو" عدّه كتابا، وعدّ "شرح رجز ابْن مَالك فِي النَّحْو" كتابا آخر7، وَتَابعه على ذَلِك الشَّيْخ مَشْهُور بن حسن8. وَالَّذِي يظْهر لي - وَالله أعلم - أَنه كتاب وَاحِد، ذكره تلميذ أبي إِسْحَاق الشاطبي بعنوان: "شرح رجز ابْن مَالك"9، وَذكره أَحْمد بَابا فَلم يحدد اسْمه بل

_ 1 - انْظُر نيل الابتهاج، ص (48، 49) . 2 - انْظُر الْمرجع السَّابِق، ص (49) . 3 - انْظُر الْمرجع السَّابِق (49) . 4 - انْظُر ص (46 - 52) (176 - 178) . 5 - انْظُر المعيار (1/26، 29، 278، 327) (2/292، 468، 511، 512) (4/140، 205) . 6 - وَالْكتاب يَقع فِي (256) صفحة وطبع بمطبعة الْكَوَاكِب بتونس. 7 - انْظُر مُقَدّمَة كتاب الإفادات والإنشادات ص (27، 28) . 8 - انْظُر الموافقات (6/26) . 9 - انْظُر برنامج المجاري، ص (118) .

قَالَ: "شرح جليل علىالخلاصة فِي النَّحْو"1، فظنهما الدكتور أَبُو الأجفان كتابين، وَإِنَّمَا هما كتاب وَاحِد. وَيدل على هَذَا أَن أحدا من الْمُتَقَدِّمين لم يذكر الْكِتَابَيْنِ مَعًا2. ثمَّ اطَّلَعت بعد كِتَابَة هَذِه الأسطر على مُقَدّمَة الدكتور عياد للمقاصد الشافية فَوَجَدته قد سبقني إِلَى هَذَا التَّنْبِيه3.

_ 1 - انْظُر نيل الابتهاج، ص (48) . 2 - وَذكر الزركلي فِي الْأَعْلَام (1/75) أَن فِي خزانَة الرِّبَاط مخطوطة منسوبة إِلَيْهِ بعنوان ((الجمان فِي مُخْتَصر أَخْبَار الزَّمَان)) وَلم أوردهَا فِي الأَصْل؛ لِأَن الزركلي لم يقطع بنسبتها إِلَيْهِ، وَلم يذكرهَا أحد من الْمُتَقَدِّمين. وَذكر عبد الْوَهَّاب بن مَنْصُور أَن لَهُ رِسَالَة فِي الْأَدَب. انْظُر أَعْلَام الْمغرب الْعَرَبِيّ (1/133) وَلم يذكر عنوانها وَلم ينْسب مرجعه فِي ذَلِك فَأَعْرَضت عَن ذكرهَا فِي الأَصْل. 3 - انْظُر: الْمَقَاصِد الشافية (1/و، ي) .

مكانة الإمام أبي إسحاق الشاطبي في علوم القرآن الكريم وتفسيره

9 - مكانة الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره: الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي برزت مواهبه فِي أَكثر من جَانب من جَوَانِب الْبَحْث العلمي، فَهُوَ فَقِيه، وأصولي، وعالم بمقالات الإسلاميين، ونحوي بارع، وَمَا من فنّ من هَذِه الْفُنُون، إِلَّا وَله فِيهِ مؤلف يشْهد بإمامته، عَلَيْهِ رَحْمَة الله تَعَالَى. وَالْإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي لَيْسَ باحثا تقليديا يُعِيد مَا سبق إِلَيْهِ الْأَوَائِل، بل هُوَ باحث مُجَدد ابتكر وأضاف1. إِلَّا أَن كتابات هَذَا الإِمَام لم يكن شَيْء مِنْهَا فِي عُلُوم الْقُرْآن، أَو فِي تَفْسِيره، فِي حدّ علمي، وأعني أَنه لم يخص ذَلِك بمؤلف خَاص. وَإِنَّمَا تعرض لجَانب التَّفْسِير وعلوم الْقُرْآن من خلال مؤلفاته فجَاء فِي هَذَا

_ 1 - انْظُر (المجددون) فِي الْإِسْلَام للصعيدي، ص (307 - 312) .

الْجَانِب بفوائد قد لَا تُوجد عِنْد المتخصصين، الَّذين وهبوا حياتهم لكتاب الله بحثا فِي علومه وَتَفْسِيره. وَلأَجل هَذِه المباحث الْقيمَة - فِي عُلُوم الْقُرْآن وَتَفْسِيره - وَصفه عُلَمَاء التراجم بِالْإِمَامَةِ فِي ذَلِك، فَقَالَ أَحْمد بَابا التنبكتي: "لَهُ الْقدَم الراسخ والإمامة الْعُظْمَى فِي الْفُنُون فقه - اوأصولاً وتفسيرًا وحديثا، وعربية وَغَيرهَا"1. وَوَصفه مُحَمَّد مخلوف بالفقيه الأصولي، الْمُفَسّر الْمُحدث2. وَكَذَا قَالَ عَنهُ عمر رضَا كحالة3. واستفاد من أبي إِسْحَاق طائفةٌ من الباحثين الْمُتَأَخِّرين4 فِي تَفْسِير الْقُرْآن وعلومه، وَهَذِه شَهَادَة لأبي إِسْحَاق بمعرفته بِهَذَا الْعلم الْجَلِيل. وَمن هَؤُلَاءِ الباحثين: الدكتور فَهد بن عبد الرَّحْمَن الرُّومِي، فِي كِتَابه "بحوث فِي أصُول التَّفْسِير ومناهجه"5. والدكتور عبد الْعَزِيز بن عبد الفتاح الْقَارئ، فِي كِتَابه "تَفْسِير سُورَة الْعَصْر"6. والدكتور خَالِد بن عُثْمَان السبت، فِي كِتَابه "قَوَاعِد التَّفْسِير

_ 1 - نيل الابتهاج، ص (47) . 2 - انْظُر شَجَرَة النُّور الزكية، ص (231) . 3 - انْظُر مُعْجم المؤلفين (1/118) . 4 - وَلَا يبعد أَن من الْمُتَقَدِّمين من اسْتَفَادَ مِنْهُ، إِلَّا أنني لم أَقف حَتَّى الْآن على أحد. وَقد ذكر الشَّيْخ عبد الله مُحَمَّد دراز السَّبَب فِي عدم تداول الْعلمَاء أعظم كتاب للْإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي، وَهُوَ كتاب الموافقات. انْظُر الموافقات (1/ 11) طبع دَار الْمعرفَة. 5 - انْظُر مِنْهُ، ص (19، 20) الأَصْل والحاشية. 6 - انْظُر مِنْهُ، ص (6) .

جمعا ودراسة"1. والأستاذ مصطفى إِبْرَاهِيم المشني، فِي كِتَابه "مدرسة التَّفْسِير فِي الأندلس"2. والدكتور عبد الْوَهَّاب فَايِد، فِي كِتَابه "مَنْهَج ابْن عَطِيَّة فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم"3. والدكتور مُحَمَّد حُسَيْن الذَّهَبِيّ، فِي كِتَابه "التَّفْسِير والمفسرون"4. والدكتور مُحَمَّد أشرف الملباري، فِي تَحْقِيق "نواسخ الْقُرْآن" لِابْنِ الْجَوْزِيّ5. والدكتور سُلَيْمَان اللاحم، فِي تَحْقِيق "النَّاسِخ والمنسوخ" لأبي جَعْفَر النّحاس6. والدكتور مُحَمَّد بن صَالح المديفر، فِي تَحْقِيق "النَّاسِخ والمنسوخ فِي الْقُرْآن الْعَزِيز" لأبي عبيد الْقَاسِم بن سلاَّم7. والدكتور شايع بن عَبده الأسمري، فِي تَحْقِيق "نكت الْقُرْآن الدَّالَّة على الْبَيَان فِي أَنْوَاع الْعُلُوم وَالْأَحْكَام" للْإِمَام القصاب8.

_ 1 - انْظُر مِنْهُ، ص (1/40، 41) الأَصْل والحاشية. 2 - انْظُر مِنْهُ، ص (144، 145) . 3 - انْظُر مِنْهُ، ص (186) . 4 - انْظُر مِنْهُ (1/34، 60، 74) الأَصْل والحاشية. 5 - انْظُر مِنْهُ، ص (92) الأَصْل والحاشية. 6 - انْظُر مِنْهُ (1/103، 104، 109) . 7 - انْظُر مِنْهُ، ص (54) . 8 - انْظُر مِنْهُ (268، 269) الْحَاشِيَة.

والدكتور رمزي نعناعة، فِي كِتَابه "بدع التفاسير فِي الْمَاضِي والحاضر"1. والدكتور عبد الْمجِيد عبد السَّلَام الْمُحْتَسب، فِي كِتَابه "اتجاهات التَّفْسِير فِي الْعَصْر الرَّاهِن"2. والدكتور مُحَمَّد الصَّادِق عرجون، فِي كِتَابه "الْقُرْآن الْعَظِيم هدايته وإعجازه فِي أَقْوَال الْمُفَسّرين"3. والعلامة ابْن عاشور فِي كِتَابه "التَّحْرِير والتنوير"4. وعلاّمة الشَّام فِي زَمَانه القاسمي، فِي كِتَابه "محَاسِن التَّأْوِيل"5. والدكتور سعود بن عبد الله الفنيسان، فِي كِتَابه "اخْتِلَاف الْمُفَسّرين أَسبَابه وآثاره"6. والعلامة الشَّيْخ عبد الْعَظِيم الزّرْقَانِيّ، فِي كِتَابه "مناهل الْعرْفَان"7. والعلامة الشَّيْخ مناع الْقطَّان، فِي كِتَابه "مبَاحث فِي عُلُوم الْقُرْآن"8. وَالْخُلَاصَة مِمَّا تقدم أَن الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشاطبي لَهُ مكانته فِي التَّفْسِير وعلوم الْقُرْآن؛ لما يَلِي: 1 - لما دونه فِي مؤلفاته من دَقِيق المباحث فِي هَذَا الْجَانِب. 2 - لشهادة عُلَمَاء التراجم لَهُ بِالْإِمَامَةِ فِي جَانب التَّفْسِير.

_ 1 - انْظُر مِنْهُ، ص (79، 80) . 2 - انْظُر مِنْهُ، ص (297) . 3 - انْظُر مِنْهُ، ص (260) . 4 - فِي أَكثر من موطن مِنْهَا فِي (1/40، 44) . 5 - انْظُر مِنْهُ (1/71، 73، 107) . 6 - انْظُر مِنْهُ، ص (134) . 7 - انْظُر مِنْهُ (2/61) . 8 - انْظُر مِنْهُ، ص (315) .

3 - لاعتماد طَائِفَة من الباحثين فِي التَّفْسِير وعلوم الْقُرْآن على مؤلفات الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي.

شعر الإمام أبي إسحاق الشاطبي

10 - شعر الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي: بِلَاد الأندلس من الْبِلَاد الَّتِي اختصّها الله بالجمال فِي طبيعتها، فأثر ذَلِك فِي أبنائها الَّذين عاشوا على ترابها، وَكَذَلِكَ فِيمَن قدم إِلَيْهَا من بِلَاد أُخْرَى، فَقَالُوا الشّعْر من أعماق نُفُوسهم دونما تكلّف. وَالْإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي كَانَ مِمَّن ينظم الشّعْر، وَلَكِن لم تمدنا المصادر بالكثير من نظمه1، الَّذِي قَالَ عَنهُ عبد الْوَهَّاب بن مَنْصُور: "وَله أشعار متوسطة مثل أشعار الْفُقَهَاء الَّتِي هِيَ أنظام فِي الْحَقِيقَة"2. قلت: نقل أَحْمد بَابا طَائِفَة مِنْهَا فِي كِتَابه نيل الابتهاج3. وَمِنْهَا مَا أوردهُ أَبُو إِسْحَاق الشاطبي فِي كِتَابه الإفادات والإنشادات فِي مدح الشفا لَمَّا طلب مِنْهُ الْوَزير ابْن زمرك ذَلِك فَقَالَ: يَا من سَمَا لمراقي الْمجد مَقْصَدُه ... فَنَفْسُهُ بِنَفِيسِ العِلْمِ قد كَلفت هَذِي ريَاضٌ يروق العقلَ مخبَرُها ... هِيَ الشِّفا لنفوسِ الْخلق إِن دَنفت4 وَكَانَ مِمَّن نظم فِي هَذَا الْغَرَض جمَاعَة من الأدباء، مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم بن رضوَان، وَغَيره 5.

_ 1 - انْظُر مُقَدّمَة الإفادات والإنشادات، ص (33) . 2 - انْظُر أَعْلَام الْمغرب الْعَرَبِيّ (1/133) . 3 - انْظُر، ص (49) . 4 - انْظُر: الإفادات والإنشادات، ص (150 - 152) . 5 - انْظُر أزهار الرياض (4/296 - 302) .

إِلَّا أَن الإِمَام مُحَمَّد بن الْعَبَّاس التلمساني1قد شهد لأبيات أبي إِسْحَاق بِأَنَّهَا أحسن مَا قيل فِي مدح الشفا2.

_ 1 - مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن عِيسَى الْعَبَّادِيّ التلمساني، فَقِيه نحوي، كَانَ شيخ شُيُوخ وقته فِي تلمسان. ت: 871هـ -. انْظُر الضَّوْء اللامع (7/278) ، وشجرة النُّور، ص (264) ، والأعلام (6/183) . 2 - انْظُر: نيل الابتهاج، ص (49) .

وفاة الإمام أبي إسحاق الشاطبي رحمة الله تعالى

11 - وَفَاة الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي رَحمَه الله تَعَالَى: قَالَ تِلْمِيذه أَبُو عبد الله المجاري: وَتُوفِّي رَحمَه الله فِي شعْبَان عَام تسعين وَسَبْعمائة3. وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمد بَابا، إِلَّا أَنه زَاد يَوْم الثُّلَاثَاء4. وتبعهما على ذكر سنة وَفَاته كل من جَاءَ بعدهمَا مِمَّن رَأَيْت5. رحم الله تَعَالَى أَبَا إِسْحَاق الشاطبي وجمعنا بِهِ فِي مُسْتَقر رَحمته وَدَار كرامته.

_ 1 - برنامج المجاري، ص (122) . 2 - انْظُر نيل الابتهاج، ص (49) . 3 - انْظُر شَجَرَة النُّور الزكية، ص (231) ، والأعلام (1/75) ، ومعجم المؤلفين (1/118) ، وأعلام الْمغرب الْعَرَبِيّ (1/134) .

الفصل الثاني: مع الامام أبي إسحاق الشاطبي في مباحث من علوم القرآن الكريم (وفيه اثنا عشر مبحثا)

الْفَصْل الثَّانِي: مَعَ الامام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي مبَاحث من عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم (وَفِيه اثْنَا عشر مبحثاً) المبحث الأول: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَسبَاب الترول ... تَابع مَعَ الإِمَام أبي اسحاق الشاطبي فِي مبَاحث من عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره الْفَصْل الثَّانِي مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي مبَاحث من عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم (وَفِيه اثْنَا عشر مبحثا) سنصحب - بِإِذن الله تَعَالَى - الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشاطبي فِي مبَاحث من عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم، وسيتبيّن لنا من خلال هَذِه المباحث أنّ الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشاطبي مُفَسّر مؤصل لعلم التَّفْسِير، يضع الْقَوَاعِد والأسس الَّتِي يُعتمد عَلَيْهَا فِي فهم كتاب الله تَعَالَى. وَكنت أود أَن يكون عنوان هَذَا الْفَصْل "مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أصُول التَّفْسِير"، لكنّ هَذَا العنوان يُخرج بعض المباحث النفيسة الْمُتَعَلّقَة بعلوم الْقُرْآن الْكَرِيم، ففضلت أَن يكون العنوان شَامِلًا لأصول التَّفْسِير وَغَيره؛ إذْ لَا ريبَ أنّ أصُول التَّفْسِير يدْخل ضمن عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم. فَإلَى هَذِه المباحث نَتْرُكك، ونسأل الله أَن ينفعنا وإيّاك بِمَا نَقْرَأ وندرس. المبحث الأول: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَسبَاب النُّزُول1 قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: "معرفَة أَسبَاب التَّنْزِيل لَازِمَة لمن أَرَادَ علم الْقُرْآن، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَمْرَانِ: أَحدهمَا: أَن علم الْمعَانِي وَالْبَيَان الَّذِي يعرف بِهِ إعجاز نظم الْقُرْآن

_ 1 - انْظُر مُقَدّمَة فِي أصُول التَّفْسِير لشيخ الْإِسْلَام، ص (72) ، والبرهان فِي عُلُوم الْقُرْآن (1/22) ، والإتقان (1/83) .

- فضلا عَن معرفَة مَقَاصِد كَلَام الْعَرَب - إِنَّمَا مَدَاره على معرفَة مقتضيات الْأَحْوَال، حَال الْخطاب من جِهَة نفس الْخطاب، أَو المخاطِب، أَو المخاطَب، أَو الْجَمِيع؛ إِذْ الْكَلَام الْوَاحِد يخْتَلف فهمه بِحَسب حَالين، وبحسب مخاطبين، وبحسب غير ذَلِك كالاستفهام لَفظه وَاحِد، ويدخله معَان أُخر من تَقْرِير وتوبيخ وَغير ذَلِك. وكالأمر يدْخلهُ معنى الْإِبَاحَة والتهديد والتعجيز وأشباهها، وَلَا يدل على مَعْنَاهَا المُرَاد إِلَّا الْأُمُور الْخَارِجَة، وعمدتها مقتضيات الْأَحْوَال ... وَمَعْرِفَة الْأَسْبَاب رافعةٌ لكل مُشكل فِي هَذَا النمط، فَهِيَ من الْمُهِمَّات فِي فهم الْكتاب.... الْوَجْه الثَّانِي: وَهُوَ أَن الْجَهْل بِأَسْبَاب التَّنْزِيل موقع فِي الشّبَه والإشكالات، ومورد للنصوص الظَّاهِرَة مورد الْإِجْمَال حَتَّى يَقع الِاخْتِلَاف، وَذَلِكَ مَظَنَّة وُقُوع النزاع"1. ثمَّ ضرب أَبُو إِسْحَاق الشاطبي أَمْثِلَة توضّح مَا ذكره ثَانِيًا، نذْكر بَعْضهَا فِيمَا يَلِي: أ - "روى ابْن وهب عَن بكير، أَنه سَأَلَ نَافِعًا كَيفَ كَانَ رَأْي ابْن عمر فِي الحروريّة؟ 2، قَالَ: "يراهم شرار خلق الله إِنَّهُم انْطَلقُوا إِلَى آيَات أنزلت فِي الْكفَّار فجعلوها على الْمُؤمنِينَ"3.

_ 1 - انْظُر الموافقات (4/146) . 2 - الحرورية هم الْخَوَارِج. انْظُر الْفرق بَين الْفرق ص (75) . وَسموا بالحروريّة لأَنهم نزلُوا مَكَان - ايسمّى بذلك. انْظُر فتح الْبَارِي (12/284) . 3 - الموافقات (4/149) . والأثر أخرجه الإِمَام البُخَارِيّ فِي صَحِيحه (12/282) كتاب اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين..بَاب قتل الْخَوَارِج والملحدين بعد إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم، عَن ابْن عمر تَعْلِيق - ا. وَقَالَ ابْن حجر: وَصله الطَّبَرِيّ فِي مُسْند عَليّ من تَهْذِيب الْآثَار ... وَسَنَده صَحِيح. انْظُر الْفَتْح (12/286) .

ب - "ورُوي أَن مَرْوَان1أرسل بوابه إِلَى ابْن عَبَّاس، وَقَالَ: قل لَهُ: لَئِن كَانَ كل امْرِئ فَرح بِمَا أُوتِيَ، وَأحب أَن يحمد بِمَا لم يفعل معذبا، لنُعذبن أَجْمَعُونَ. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: مالكم ولهذه الْآيَة؟ إِنَّمَا دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهود فَسَأَلَهُمْ عَن شَيْء فَكَتَمُوهُ إيَّاه، وَأَخْبرُوهُ بِغَيْرِهِ، فأروه أَن قد استحمدوا إِلَيْهِ، بِمَا أَخْبرُوهُ عَنهُ فِيمَا سَأَلَهُمْ، وفرحوا بِمَا أُوتُوا من كتمانهم، ثمَّ قَرَأَ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب ... } إِلَى قَوْله: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} 2فَهَذَا السَّبَب بيَّن أَن الْمَقْصُود من الْآيَة غير مَا ظهر لمروان"3. ج - "ورُوي أَن عمر اسْتعْمل قدامَة بن مَظْعُون على الْبَحْرين، فَقدم الْجَارُود4 على عمر فَقَالَ: إِن قدامَة شرب فَسَكِرَ. فَقَالَ عمر: من يشْهد على مَا تَقول؟. قَالَ الْجَارُود: أَبُو هُرَيْرَة يشْهد على مَا أَقُول. وَذكر الحَدِيث، فَقَالَ عمر: يَا قدامَة إِنِّي جالدُك. قَالَ: وَالله لَو شربت كَمَا يَقُولُونَ مَا كَانَ لَك أَن تجلدني. قَالَ عمر: وَلم؟. قَالَ: لِأَن الله يَقُول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

_ 1 - مَرْوَان بن الحكم بن أبي الْعَاصِ الْأمَوِي الْقرشِي، كَانَ ذَا شهامة وشجاعة ومكر ودهاء (ت: 65هـ -) . انْظُر السّير (3/476) . 2 - سُورَة آل عمرَان، الْآيَة: 187 - 188. والْحَدِيث أخرجه الإِمَام البُخَارِيّ فِي صَحِيحه (8/233) كتاب التَّفْسِير، بَاب {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} ح (4568) . 3 - الموافقات (4/149، 150) ، وَانْظُر الْبُرْهَان (1/27، 28) ترى الْإِجَابَة عَمَّا يفِيدهُ كَلَام ابْن عَبَّاس من تَخْصِيص الْعُمُوم. 4 - الْجَارُود بن المُعَلَّى الْعَبْدي، سيد عبد الْقَيْس، صَحَابِيّ، كَانَ صهر أبي هُرَيْرَة (ت: 21هـ -) وَقيل غير ذَلِك. انْظُر: الْإِصَابَة (2/50) .

الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} 1الخ. فَقَالَ عمر: إِنَّك أَخْطَأت التَّأْوِيل يَا قدامَة، إِذا اتَّقَيْت الله اجْتنبت مَا حرم الله"2. ثمَّ قَالَ أَبُو إِسْحَاق الشاطبي: "فَفِي الْحَدِيثين بَيَان أَن الْغَفْلَة عَن أَسبَاب التن - زيل تؤدِّي إِلَى الْخُرُوج عَن الْمَقْصُود بِالْآيَاتِ"3. ثمَّ سَاق أَبُو إِسْحَاق الشاطبي الْأَثر الَّذِي فِيهِ إِنْكَار ابْن مَسْعُود على من قَالَ: إِن الْمَقْصُود بالدخان فِي قَوْله تَعَالَى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} 4 يَوْم الْقِيَامَة، ثمَّ ذكر قَول ابْن مَسْعُود فِي الْآيَة، وَأَن الدُّخان إِنَّمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا استجابة لدَعْوَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم5. ثمَّ قَالَ أَبُو إِسْحَاق: "وَهَكَذَا شأنُ أَسبَاب النُّزُول فِي التَّعْرِيف بمعاني المنزَّل، بِحَيْثُ لَو فقد ذكر السَّبَب، لم يعرف من الْمنزل مَعْنَاهُ على الْخُصُوص، دون تطرق من الِاحْتِمَالَات، وَتوجه الإشكالات ... "6.

_ 1 - سُورَة الْمَائِدَة، الْآيَة: 93. 2 - الموافقات (4/150) ، والأثر أخرجه عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف (9/240 - 242) - بِسَنَد رِجَاله ثِقَات - وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن (8/315، 316) وَقَالَ الْحَافِظ: لم يخرج البُخَارِيّ هَذِه الْقِصَّة لكَونهَا مَوْقُوفَة لَيست على شَرطه. انْظُر الْفَتْح (7/320) . وَسبب نزُول الْآيَة أَن الصَّحَابَة، أَو بَعضهم عِنْدَمَا نزل تَحْرِيم الْخمر سَأَلُوا عَن مصير من مَاتَ وَهُوَ يشرب الْخمر، فَنزلت الْآيَة عذرا لمن مَاتَ قبل نزُول تَحْرِيمهَا. انْظُر: أَسبَاب النُّزُول، ص (209) ، وَالصَّحِيح الْمسند من أَسبَاب النُّزُول، ص (61، 62) . 3 - الموافقات (4/151) . 4 - سُورَة الدُّخان، الْآيَة: 10. 5 - انْظُر الموافقات (4/152) ، وَانْظُر الحَدِيث فِي صَحِيح البُخَارِيّ - مَعَ الْفَتْح - (8/511) ، كتاب التَّفْسِير، سُورَة الرّوم، ح (4774) . 6 - انْظُر الموافقات (4/152) .

ثمَّ سَاق أَبُو إِسْحَاق الشاطبي عَن بعض الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ آثارًا تحرض طَالب الْعلم على تعلم علم الْأَسْبَاب، وتشير إِلَى أَن علم الْأَسْبَاب من الْعُلُوم الَّتِي يكون الْعَالم بهَا عَالما بِالْقُرْآنِ1. التَّعْلِيق على مَبْحَث: أَسبَاب النُّزُول: هَذَا المبحث من المباحث المهمة فِي عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم، ولأهميّته فقد أفرده طَائِفَة من الْعلمَاء بالتأليف، مِنْهُم الإِمَام عَليّ بن الْمَدِينِيّ2، وَالْإِمَام الواحدي، وَكتابه مَشْهُور مَعْرُوف3، وَالْإِمَام ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي فِي كِتَابه "العجاب فِي بَيَان الْأَسْبَاب" قَالَ عَنهُ تِلْمِيذه السُّيُوطِيّ: "مَاتَ عَنهُ مسوَّدة فَلم نقف عَلَيْهِ كَامِلا"4. ثمَّ ألف فِيهِ الإِمَام السُّيُوطِيّ كتابا حافلاً موجزًا محررًا، سمّاه "لباب النقول فِي أَسبَاب النُّزُول"5. ثمَّ أفرد الشَّيْخ مقبل بن هادي الوادعي الصَّحِيح من أَسبَاب النُّزُول بمؤلف سَمَّاهُ "الصَّحِيح الْمسند من أَسبَاب النُّزُول"6. وَأما من تكلّم على هَذَا المبحث ضمن مؤلّف فهم كَثِيرُونَ جدًّا، فَإِنَّهُ لَا

_ 1 - انْظُر الْمرجع نَفسه (4/152، 153) . 2 - انْظُر الْبُرْهَان (1/22) . 3 - وَقد طُبع عدَّة طبعات، بَعْضهَا مُحَقّق، وَبَعضهَا غير مُحَقّق. 4 - انْظُر الإتقان (1/83) وَقد خرج الْكتاب محققا، لكنه غير كَامِل. 5 - طبع عدَّة طبعات، وَقَامَ الدكتور عبد الْعَزِيز الجربوع بتحقيقه ونال بِهَذَا الْعَمَل دَرَجَة الدكتوراه، وَلَعَلَّه أَن يخرج هَذَا التَّحْقِيق قَرِيبا. 6 - يَقع فِي (188) صفحة، وَقَامَت بنشره مكتبة المعارف بالرياض.

يكَاد يَخْلُو مؤلف فِي التَّفْسِير من هَذَا المبحث1، وَكَذَلِكَ لَا يَخْلُو كتاب بحث فِي عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم من هَذَا المبحث2. هَذَا، وَلَا يخفى على من قَرَأَ كَلَام أبي إِسْحَاق الشاطبي أَنه قد اختصر فِي حَدِيثه على هَذَا المبحث على بعض أهمية أَسبَاب النُّزُول، وَهُوَ مَعْذُور فِي ذَلِك؛ إِذْ إِن كِتَابه الموافقات إِنَّمَا هُوَ فِي أصُول الْفِقْه، وَلَيْسَ فِي عُلُوم الْقُرْآن. وَإِلَيْك بعض مَا قَالَه الْعلمَاء فِي فَوَائِد معرفَة أَسبَاب النُّزُول3. 1 - معرفَة حِكْمَة الله تَعَالَى، الَّتِي دعت إِلَى تشريع حكم من الْأَحْكَام، فَيَزْدَاد الْمُؤمن إِيمَانًا، وتسوق الْكَافِر إِلَى الْإِيمَان والتصديق4. 2 - معرفَة السَّبَب يُعين على فهم الْآيَة، وَيدْفَع الْإِشْكَال عَنْهَا، ويكشف الغموض الَّذِي يكتنف تَفْسِيرهَا، وَهَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاق الشاطبي، وَنَصّ عَلَيْهِ الواحدي، وَابْن دَقِيق الْعِيد، وَابْن تَيْمِية5. 3 - دفع توهم الْحصْر عَمَّا يُفِيد بِظَاهِرِهِ الْحصْر6.

_ 1 - رَاجع مُقَدّمَة كتب التَّفْسِير. 2 - مثل الْبُرْهَان، والإتقان، ومقدمة فِي أصُول التَّفْسِير لشيخ الْإِسْلَام. 3 - انْظُر الْبُرْهَان (1/22) ، والإتقان (1/83) ، ومناهل الْعرْفَان (1/102) ، ومباحث فِي عُلُوم الْقُرْآن/ ص 79. 4 - مثل التدرج فِي تَحْرِيم الْخمر. 5 - انْظُر أَسبَاب النُّزُول، ص (8) ، ومقدمة فِي أصُول التَّفْسِير، ص (72) ، والإتقان (1/84) . 6 - مثل قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} فَذهب الإِمَام الشَّافِعِي إِلَى أَن هَذَا الْحصْر غير مَقْصُود، وعلّل ذَلِك بِأَن الْآيَة نزلت بِسَبَب أُولَئِكَ الكفّار الَّذين أَبَوا إِلَّا أَن يحرموا مَا أحل الله، ويحلوا مَا حرم الله. انْظُر مناهل الْعرْفَان (1/105) .

4 - تَخْصِيص حكم مَا نزل - إِن كَانَ بِصِيغَة الْعُمُوم - بِالسَّبَبِ عِنْد من يرى أَن الْعبْرَة بِخُصُوص السَّبَب لَا بِعُمُوم اللَّفْظ1، وَهِي مَسْأَلَة خلافية. 5 - معرفَة أَن سَبَب النُّزُول غير خَارج عَن حكم الْآيَة إِذا ورد مُخَصص لَهَا2. 6 - معرفَة من نزلت فِيهِ الْآيَة على التَّعْيِين حَتَّى لَا يشْتَبه بِغَيْرِهِ، فيتهم البريء، وَيبرأ الْمُرِيب3. 7 - تيسير الْحِفْظ، وتسهيل الْفَهم، وتثبيت الْوَحْي فِي ذهن كل من يسمع الْآيَة إِذا عرف سَببهَا؛ وَذَلِكَ أَن ربط الْأَسْبَاب بالمسببات، وَالْأَحْكَام بالحوادث، والحوادث بالأشخاص والأزمنة والأمكنة، كل ذَلِك من دواعي تقرر

_ 1 - مِثَاله مَا أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاق الشاطبي فِيمَا تقدم من قَوْله تَعَالَى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ... } الْآيَة. 2 - مثل قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ، فَهَذِهِ الْآيَة نزلت فِي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، أَو فِيهَا وَفِي سَائِر أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ نزل قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ... } إِلَى قَوْله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فعائشة لَا تدخل فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاء، وَكَذَلِكَ سَائِر أَزوَاج النَّبِي على قَول. رَاجع الْمَسْأَلَة فِي مبَاحث فِي عُلُوم الْقُرْآن ص (79، 80) . 3 - مِثَاله: مَا أخرجه الإِمَام البُخَارِيّ عَن يُوسُف بن مَاهك قَالَ: كَانَ مَرْوَان على الْحجاز اسْتَعْملهُ مُعَاوِيَة، فَخَطب فَجعل يذكر يزِيد بن مُعَاوِيَة لكَي يُبَايع لَهُ بعد أَبِيه، فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر شَيْئا، فَقَالَ: خذوه، فَدخل بَيت عَائِشَة فَلم يقدروا عَلَيْهِ، فَقَالَ مَرْوَان: إِن هَذَا الَّذِي أنزل الله فِيهِ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} فَقَالَت عَائِشَة من وَرَاء الْحجاب: "مَا أنزل الله فِينَا شَيْئا من الْقُرْآن، إلاَّ أَن الله أنزل عُذري" صَحِيح البخار ي (8/576) ، كتاب التَّفْسِير، بَاب {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا ... } ح (4827) . وَانْظُر مناهل الْعرْفَان (1/106) .

الْأَشْيَاء وانتقاشها فِي الذِّهْن1.

_ 1 - انْظُر مناهل الْعرْفَان (1/106، 107) .

المبحث الثاني: مع الإمام أبي الشاطبي في الأقوال المحكية في القرآن الكريم

المبحث الثَّانِي: مَعَ الإِمَام أبي الشاطبي فِي الْأَقْوَال المحكية فِي الْقُرْآن الْكَرِيم ... المبحث الثَّانِي: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي الْأَقْوَال المحكية فِي الْقُرْآن الْكَرِيم1 قَالَ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله تَعَالَى: "كل حِكَايَة وَقعت فِي الْقُرْآن فَلَا يَخْلُو أَن يَقع قبلهَا أَو بعْدهَا - وَهُوَ الْأَكْثَر - رد لَهَا، أَو لَا، فَإِن وَقع رد فَلَا إِشْكَال فِي بطلَان ذَلِك المحكي وَكذبه، وَإِن لم يَقع مَعهَا رد فَذَلِك دَلِيل على صِحَة المحكى وَصدقه. أما الأول فَظَاهر، وَلَا يحْتَاج إِلَى برهَان، وَمن أَمْثِلَة ذَلِك قَوْله تَعَالَى: {إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} 2 فأعقب بقوله: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} 3.... وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُون} 4 فَرد عَلَيْهِم بقوله: {فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً} 5. وَقَالَ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً} 6 ثمَّ رد عَلَيْهِم بأوجه كَثِيرَة ثبتَتْ فِي

_ 1 - اسْتَفَادَ بعض الْمُتَأَخِّرين مِمَّا قَالَه أَبُو إِسْحَاق فِي هَذَا المبحث. انْظُر محَاسِن التَّأْوِيل (1/71) ، وقواعد التَّفْسِير جمعا ودراسة (2/758) . 2 - سُورَة الْأَنْعَام، الْآيَة: 91. 3 - سُورَة الْأَنْعَام، الْآيَة: 91. 4 - سُورَة الْفرْقَان، الْآيَة: 4. 5 - سُورَة الْفرْقَان، الْآيَة: 4. 6 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 116.

أثْنَاء الْقُرْآن كَقَوْلِه: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} 1، وَقَوله: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَاأَرْض} 2، وَقَوله: {سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ} 3 الْآيَة، وَقَوله: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ} 4 إِلَى آخِره، وَأَشْبَاه ذَلِك"5. وَقد ذكر أَبُو إِسْحَاق أَمْثِلَة كَثِيرَة أكتفي مِنْهَا بِمَا أوردت، وَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهَا فَلْينْظر كِتَابه الموافقات6.ثمَّ قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: "وَأما الثَّانِي فَظَاهر أَيْضا، وَلَكِن الدَّلِيل على صِحَّته من نفس الْحِكَايَة وإقرارها، فَإِن الْقُرْآن سُمي فرقانا، وَهدى، وبرهانا، وبيانا، وتبيانا لكل شَيْء، وَهُوَ حجَّة على الْخلق على الْجُمْلَة وَالتَّفْصِيل وَالْإِطْلَاق والعموم، وَهَذَا الْمَعْنى يَأْبَى أَن يحْكى فِيهِ مَا لَيْسَ بِحَق ثمَّ لَا يُنَبه عَلَيْهِ. وَأَيْضًا فَإِن جَمِيع مَا يحْكى فِيهِ من شرائع الأوّلين وأحكامهم، وَلم يُنَبه على إفسادهم وافترائهم فِيهِ فَهُوَ حق، يَجْعَل عُمْدَة عِنْد طَائِفَة فِي شريعتنا ويمنعه قوم، لَا من جِهَة قدح فِيهِ، وَلَكِن من جِهَة أَمر خَارج عَن ذَلِك، فقد اتَّفقُوا على أَنه حق وَصدق كشريعتنا، وَلَا يفْتَرق مَا بَينهمَا إلاّ بِحكم النّسخ فَقَط"7. "وَمن أَمْثِلَة هَذَا الْقسم: جَمِيع مَا حُكي عَن الْمُتَقَدِّمين من الْأُمَم السالفة

_ 1 - سُورَة الْأَنْبِيَاء، الْآيَة: 26. 2 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 116. 3 - سُورَة يُونُس، الْآيَة: 68. 4 - سُورَة مَرْيَم، الْآيَة: 90. 5 - انْظُر الموافقات (4/158 - 160) . 6 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/158 - 160) . 7 - الْمصدر نَفسه (4/160) .

مِمَّا كَانَ حَقًا، كحكايته عَن الْأَنْبِيَاء والأولياء، وَمِنْه قصَّة ذِي القرنين، وقصة الْخضر مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وقصة أَصْحَاب الْكَهْف، وَأَشْبَاه ذَلِك"1.

_ 1 - الْمصدر نَفسه (4/161) .

المبحث الثالث: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في منهج القرآن الكريم في الترغيب والترهيب

المبحث الثَّالِث: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي مَنْهَج الْقُرْآن الْكَرِيم فِي التَّرْغِيب والترهيب1 قَالَ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي: "إِذا ورد فِي الْقُرْآن التَّرْغِيب قارنه التَّرْهِيب، فِي لواحقه أَو سوابقه أَو قرائنه وَبِالْعَكْسِ، وَكَذَلِكَ الترجية مَعَ التخويف، وَمَا يرجع إِلَى هَذَا الْمَعْنى مثله، وَمِنْه ذكر أهل الْجنَّة يقارنه ذكر أهل النَّار، وَبِالْعَكْسِ؛ لِأَن فِي ذكر أهل الْجنَّة بأعمالهم ترجية، وَفِي ذكر أهل النَّار بأعمالهم تخويفا، فَهُوَ رَاجع إِلَى الترجية والتخويف. وَيدل على هَذِه الْجُمْلَة عرض الْآيَات على النّظر فَأَنت ترى أَن الله جعل الْحَمد فَاتِحَة كِتَابه، وَقد وَقع فِيهِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} 2إِلَى آخرهَا. فجيء بِذكر الْفَرِيقَيْنِ. ثمَّ بدئت سُورَة الْبَقَرَة بذكرهما أَيْضا، فَقيل: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} 3 ثمَّ قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} 4، ثمَّ ذُكِرَ بإثرهم المُنَافِقُونَ وهم صنف من الْكفَّار، فَلَمَّا تمّ ذَلِك أعقب الْأَمر بالتقوى، ثمَّ بالتخويف بالنَّار، وَبعده بالترجية فَقَالَ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ}

_ 1 - اسْتَفَادَ القاسمي من هَذَا المبحث فِي مُقَدّمَة تَفْسِيره. انْظُر مِنْهُ (1/76) . 2 - سُورَة الْفَاتِحَة، الْآيَة: 6، 7. 3 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 2. 4 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 6.

إِلَى قَوْله: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} 1 الْآيَة"2. وَقد أَطَالَ أَبُو إِسْحَاق الشاطبي فِي تتبع آيَات سُورَة الْبَقَرَة، وتنزيلها على الْقَاعِدَة الْمَذْكُورَة3، ثمَّ أورد بعض آيَات سُورَة الْأَنْعَام، وبيّن كَيفَ تنطبق على الْقَاعِدَة4. ثمَّ قَالَ: "وَقد يغلب أحد الطَّرفَيْنِ بِحَسب المواطن ومقتضيات الْأَحْوَال، فَيرد التخويف ويتسع مجاله، لكنه لَا يَخْلُو من الترجية كَمَا فِي سُورَة الْأَنْعَام، فَإِنَّهَا جَاءَت مقررة للحق، ومنكرة على من كفر بِاللَّه، واخترع من تِلْقَاء نَفسه مَا لَا سُلْطَان لَهُ عَلَيْهِ، وَصد عَن سَبيله، وَأنكر مَا لَا يُنكر، ولدَّ فِيهِ وَخَاصم، وَهَذَا الْمَعْنى يَقْتَضِي تَأْكِيد التخويف، وإطالة التأنيب والتعنيف، فكثرت مقدماته ولواحقه، وَلم يخل مَعَ ذَلِك من طرف الترجية؛ لأَنهم بذلك مدعوون إِلَى الْحق، وَقد تقدم الدُّعَاء وَإِنَّمَا هُوَ مزِيد تكْرَار، إعذارًا وإنذارًا، ومواطن الاغترار يطْلب فِيهَا التخويف أَكثر من طلب الترجية؛ لِأَن دَرْء الْمَفَاسِد آكِد. وَترد الترجية أَيْضا ويتسع مجالها، وَذَلِكَ فِي مَوَاطِن الْقنُوط ومظنته، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} 5 الْآيَة فَإِن نَاسا من أهل الشّرك كَانُوا قد قتلوا وَأَكْثرُوا، وزنوا وَأَكْثرُوا فَأتوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِن الَّذِي

_ 1 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 24، 25. 2 - الموافقات (4/167) . 3 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/167، 168) . 4 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/169) . 5 - سُورَة الزمر، الْآيَة: 53.

تَقول وَتَدْعُو إِلَيْهِ لحسن لَو تخبرنا ألنا لما عَملنَا كَفَّارَة، فَنزلت1. فَهَذَا موطن خوف يخَاف مِنْهُ الْقنُوط، فجيء فِيهِ بالترجية غالبة، وَمثل ذَلِك الْآيَة الْأُخْرَى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} 2 وَانْظُر فِي سَببهَا فِي التِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَغَيرهمَا. وَلما كَانَ جَانب الْإِخْلَال من الْعباد أغلب كَانَ جَانب التخويف أغلب، وَذَلِكَ فِي مظانه الْخَاصَّة، لَا على الْإِطْلَاق؛ فَإِنَّهُ إِذا لم يكن هُنَالك مظنَّة هَذَا، وَلَا هَذَا أَتَى الْأَمر معتدلاً"3. ثمَّ أورد أَبُو إِسْحَاق اعتراضا على مَا قَرَّرَهُ سَابِقًا فَقَالَ: "فَإِن قيل: هَذَا لَا يطرد فقد ينْفَرد أحد الْأَمريْنِ فَلَا يُؤْتى مَعَه بِالْآخرِ، فَيَأْتِي التخويف من غير ترجية، وَبِالْعَكْسِ، أَلا ترى قَوْله تَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} 4 إِلَى آخرهَا فَإِنَّهَا كلهَا تخويف، وَقَوله: {كَلا إِنَّ الأِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} 5إِلَى آخر السُّورَة، وَقَوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} 6إِلَى آخر السُّورَة ... وَفِي الطّرف الآخر قَوْله تَعَالَى: {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} 7 إِلَى آخرهَا،

_ 1 - أخرجه الإِمَام البُخَارِيّ فِي صَحِيحه - مَعَ الْفَتْح - (8/549) ، كتاب التَّفْسِير، بَاب {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله ... } ح (4810) . 2 - سُورَة هود، الْآيَة: 114. 3 - الموافقات (4/170 - 172) . 4 - سُورَة الْهمزَة، الْآيَة: 1. 5 - سُورَة العلق، الْآيَة: 6، 7. 6 - سُورَة الْفِيل، الْآيَة: 1. 7 - سُورَة الضُّحَى، الْآيَة: 1، 2.

وَقَوله تَعَالَى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} 1 إِلَى آخرهَا"2. وَأورد الإِمَام الشاطبي من الْآيَات أَيْضا مَا يؤيّد هَذَا الِاعْتِرَاض3. ثمَّ قَالَ: "فَالْجَوَاب إِن مَا اعْترض بِهِ غير صَاد عَن سَبِيل مَا تقدم، وَعنهُ جوابان: إجمالي وتفصيلي: فالإجمالي أَن يُقَال: إِن الْأَمر الْعَام والقانون الشَّائِع هُوَ مَا تقدّم، فَلَا تنقضه الْأَفْرَاد الْجُزْئِيَّة الأقلية؛ لِأَن الْكُلية إِذا كَانَت أكثرية فِي الوضعيات انْعَقَدت كُلية، واعتمدت فِي الحكم بهَا وَعَلَيْهَا، شَأْن الْأُمُور العادية الْجَارِيَة فِي الْوُجُود، وَلَا شكّ أَن مَا اعْترض بِهِ من ذَلِك قَلِيل، يدل عَلَيْهِ الاستقراء، فَلَيْسَ بقادح فِيمَا تأصل. وَأما التفصيلي: فَإِن قَوْله: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} 4 قَضِيَّة عين فِي رجل معِين من الْكفَّار، بِسَبَب أَمر معِين، من همزه النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وعيبه إيَّاه، فَهُوَ إِخْبَار عَن جَزَائِهِ على ذَلِك الْعَمَل الْقَبِيح، لَا أَنه أُجري مجْرى التخويف، فَلَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ. وَهَذَا الْوَجْه جَار فِي قَوْله: {كَلا إِنَّ الأِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} 5 ... وَكَذَلِكَ سُورَة وَالضُّحَى، وَقَوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} 6 غير مَا نَحن فِيهِ، بل هُوَ أَمر من الله للنَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالشكر لأجل مَا أعطَاهُ من الْمنح"

_ 1 - سُورَة الشَّرْح، الْآيَة: 1. 2 - انْظُر الموافقات (4/172) . 3 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/172 - 175) . 4 - سُورَة الْهمزَة، الْآيَة: 1. 5 - سُورَة العلق، الْآيَة: 6، 7. 6 - سُورَة الشَّرْح، الْآيَة: 1.

المبحث الرابع: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في أقسام العلوم المضافة إلى القرآن الكريم

المبحث الرَّابِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَقسَام الْعُلُوم المضافة إِلَى الْقُرْآن الْكَرِيم2 قسم أَبُو إِسْحَاق الْعُلُوم المضافة إِلَى الْقُرْآن إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام، فَقَالَ: "قسم: هُوَ كالأداة لفهمه واستخراج مَا فِيهِ من الْفَوَائِد، والمعين على معرفَة مُرَاد الله تَعَالَى مِنْهُ، كعلوم اللُّغَة الْعَرَبيَّة - الَّتِي لَا بُد مِنْهَا - وَعلم الْقرَاءَات، والناسخ والمنسوخ، وقواعد أصُول الْفِقْه، وَمَا أشبه ذَلِك"3. ثمَّ ذكر أَبُو إِسْحَاق أَن هَذَا الْجَانِب قد يُدخل فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، كَقَوْل من قَالَ: إِن علم الْهَيْئَة وَسِيلَة إِلَى فهم قَوْله تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} 4، وَقَول من قَالَ: إِن عُلُوم الفلسفة مَطْلُوبَة إِذْ لَا يُفهم الْمَقْصُود من الشَّرِيعَة إِلَّا بهَا5. ثمَّ رد أَبُو إِسْحَاق على قَائِل ذَلِك بقوله: "وَلَو قَالَ قَائِل إِن الْأَمر بالضد مِمَّا قَالَ لما بَعُد فِي الْمُعَارضَة. وَشَاهد مَا بَين الْخَصْمَيْنِ شَأْن السّلف الصَّالح فِي تِلْكَ الْعُلُوم، هَل كَانُوا آخذين فِيهَا، أم كَانُوا تاركين لَهَا، أَو غافلين عَنْهَا؟ مَعَ الْقطع بتحققهم بفهم الْقُرْآن، يشْهد لَهُم بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والجم الْغَفِير، فَلْينْظر امْرُؤ أَيْن يضع قدمه"6. ثمَّ ذكر أَبُو إِسْحَاق الْقسم الثَّانِي بقوله: "وَقسم هُوَ مأخوذٌ من جملَته

_ 1 - انْظُر الموافقات (4/175، 176) . 2 - نقل هَذَا المبحث القاسمي فِي مُقَدّمَة تَفْسِيره. انْظُر مِنْهُ (1/88) وَمَا بعْدهَا. 3 - الموافقات (4/198) . 4 - سُورَة ق، الْآيَة: 6. 5 - انْظُر الموافقات (4/198) . وَقد ذكر أَن القَوْل الأول صدر عَن الرَّازِيّ، وَالثَّانِي عَن ابْن رشد. 6 - الْمصدر نَفسه (4/198) .

من حَيْثُ هُوَ كَلَام لَا من حَيْثُ هُوَ خطاب بِأَمْر أَو نهي أَو غَيرهمَا، بل من جِهَة مَا هُوَ هُوَ، وَذَلِكَ مَا فِيهِ من دلَالَة النُّبُوَّة، وَهُوَ كَونه معْجزَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن هَذَا الْمَعْنى لَيْسَ مأخوذًا من تفاصيل الْقُرْآن كَمَا تُؤْخَذ مِنْهُ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، إِذْ لم تنص آيَاته وسوره على ذَلِك مثل نَصهَا على الْأَحْكَام بِالْأَمر وَالنَّهْي وَغَيرهمَا، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّنْبِيه على التَّعْجِيز أَن يَأْتُوا بِسُورَة مثله، وَذَلِكَ لَا يخْتَص بِهِ شَيْء من الْقُرْآن دون شَيْء، وَلَا سُورَة دون سُورَة، وَلَا نمط مِنْهُ دون آخر ... "1. ثمَّ ذكر الْقسم الثَّالِث بقوله: "وَقسم هُوَ مَأْخُوذ من عَادَة الله تَعَالَى فِي إنزاله، وخطاب الْخلق بِهِ ... ويشتمل على أَنْوَاع من الْقَوَاعِد الْأَصْلِيَّة والفوائد الفرعية، والمحاسن الأدبية"2. ثمَّ ذكر على هَذَا الْقسم تِسْعَة أَمْثِلَة3، جدير بِأَهْل الْقُرْآن أَن يراجعوها فَفِيهَا من الْفَوَائِد الشَّيْء الْكثير. ثمَّ ذكر الْقسم الرَّابِع بقوله: "وَقسم هُوَ الْمَقْصُود الأول ... وَذَلِكَ أَنه محتوٍ من الْعُلُوم على ثَلَاثَة أَجنَاس ... أَحدهَا: معرفَة المتوجَّه إِلَيْهِ، وَهُوَ الله المعبود سُبْحَانَهُ. وَالثَّانِي: معرفَة كَيْفيَّة التَّوَجُّه إِلَيْهِ. وَالثَّالِث: معرفَة مآل العَبْد ليخاف الله بِهِ ويرجوه"4. ثمَّ شرح هَذِه الْأَجْنَاس الثَّلَاثَة بِكَلَام نَفِيس، نحيل الْقَارئ على مُرَاجعَته5.

_ 1 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/199) . 2 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/200) . 3 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/200 - 203) . 4 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/204) . 5 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/204 - 207) .

المبحث الخامس: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير الإشاري للقرآن الكريم

المبحث الْخَامِس: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي التَّفْسِير الإشاري لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم1 قَالَ - رَحمَه الله تَعَالَى -: "من النَّاس من زعم أَن لِلْقُرْآنِ ظَاهرا وَبَاطنا ... "2. ثمَّ ذكر أَبُو إِسْحَاق الْأَدِلَّة على ذَلِك، وَأَطْنَبَ3، وَسَيَأْتِي بَعْضهَا - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فِي التَّعْلِيق على هَذَا المبحث. ثمَّ ذكر أَبُو إِسْحَاق أَمْثِلَة على التَّفْسِير الإشاري الْبَاطِل4. ثمَّ خلص أَبُو إِسْحَاق إِلَى ذكر شُرُوط التَّفْسِير الإشاري المقبول فَقَالَ: "فصل: وَكَون الْبَاطِن هُوَ المُرَاد من الْخطاب قد ظهر أَيْضا مِمَّا تقدم فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا، وَلَكِن يشْتَرط فِيهِ شَرْطَانِ: أَحدهمَا: أَن يَصح على مُقْتَضى الظَّاهِر الْمُقَرّر فِي لِسَان الْعَرَب، وَيجْرِي على الْمَقَاصِد الْعَرَبيَّة. وَالثَّانِي: أَن يكون لَهُ شَاهد نصا أَو ظَاهرا فِي مَحل آخر يشْهد لصِحَّته من غير معَارض. فَأَما الأوّل: فَظَاهر من قَاعِدَة كَون الْقُرْآن عَرَبيا، فَإِنَّهُ لَو كَانَ لَهُ فهم لَا يَقْتَضِيهِ كَلَام الْعَرَب، لم يُوصف بِكَوْنِهِ عَرَبيا بِإِطْلَاق؛ وَلِأَنَّهُ مَفْهُوم يُلصق بِالْقُرْآنِ لَيْسَ فِي أَلْفَاظه، وَلَا فِي مَعَانِيه مَا يدل عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِك فَلَا يَصح أَن ينْسب إِلَيْهِ أصلا ... وَأما الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ إِن لم يكن لَهُ شَاهد فِي مَحل آخر، أَو

_ 1 - اسْتَفَادَ القاسمي من هَذَا المبحث فِي مُقَدّمَة تَفْسِيره. انْظُر مِنْهُ (1/41) . 2 - انْظُر الموافقات (4/208) . 3 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/208 - 211) . 4 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/225 - 227) .

كَانَ لَهُ معَارض صَار من جملَة الدَّعَاوَى الَّتِي تدّعى على الْقُرْآن، وَالدَّعْوَى الْمُجَرَّدَة غير مَقْبُولَة بِاتِّفَاق الْعلمَاء. وبهذين الشَّرْطَيْنِ يتبيّن صِحَة مَا تقدّم أَنه الْبَاطِن؛ لأنّهما مُوَفّران فِيهِ، بِخِلَاف مَا فسّر بِهِ الباطنية1، فَإِنَّهُ لَيْسَ من علم الْبَاطِن كَمَا أَنه لَيْسَ من علم الظَّاهِر"2. ثمَّ ذكر أَمْثِلَة من تفاسير الباطنية تخَالف هذَيْن الشَّرْطَيْنِ3. ثمَّ قَالَ: "وَقد وَقعت فِي الْقُرْآن تفاسير مشكلة يُمكن أَن تكون من هَذَا الْقَبِيل، أَو من قبيل الْبَاطِن الصَّحِيح، وَهِي منسوبة لِأُنَاس من أهل الْعلم، وَرُبمَا نسب مِنْهَا إِلَى السّلف الصَّالح"4 ثمَّ ذكر أَمْثِلَة على هَذِه التفاسير المشكلة5. التَّعْلِيق على مَبْحَث: التَّفْسِير الإشاري لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم التَّعْلِيق على هَذَا المبحث من ثَلَاثَة أوجه: الأوّل: أَن الْمُعْتَمد لمن ذهب إِلَى هَذَا التَّفْسِير - التَّفْسِير الإشاري - هُوَ مَا أخرجه الإِمَام البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: "كَانَ عمر يدخلني مَعَ أَشْيَاخ بدر، فكأنَّ بَعضهم وجد فِي نَفسه فَقَالَ: لم تدخل هَذَا مَعنا، وَلنَا أَبنَاء مثله؟. فَقَالَ عمر: إِنَّه من حَيْثُ علمْتُم. فَدَعَا ذَات يَوْم6

_ 1 - هَذِه فرقة خَارِجَة عَن جَمِيع فرق الْإِسْلَام. انْظُر فِي شَأْنهَا كتاب الْفرق بَين الْفرق، ص (281) وَمَا بعدَها. 2 - انْظُر الموافقات (4/231، 232) . 3 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/232، 233) . 4 - الْمصدر نَفسه (4/235) . 5 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/235) وَمَا بعْدهَا. 6 - هَكَذَا فِي النُّسْخَة الَّتِي بَين يَدي من صَحِيح البُخَارِيّ: ((فَدَعَا ذَات يَوْم)) .

فَأدْخلهُ مَعَهم فَمَا رُئيت أَنه دَعَاني يَوْمئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ. قَالَ مَا تَقولُونَ فِي قَول الله تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} 1 فَقَالَ بَعضهم: أُمرنا نحمد الله وَنَسْتَغْفِرهُ إِذا نصرنَا وَفتح علينا، وَسكت بَعضهم فَلم يقل شَيْئا. فَقَالَ لي: أكذاك تَقول يَا ابْن عَبَّاس؟ فَقلت: لَا. قَالَ: فَمَا تَقول؟ قلت: هُوَ أجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلمهُ لَهُ، قَالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} 2 وَذَلِكَ عَلامَة أَجلك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} 3 فَقَالَ عمر: مَا أعلم مِنْهَا إلاَّ مَا تَقول"4. وَقد ذكر أَبُو إِسْحَاق هَذَا الدَّلِيل5. وَالثَّانِي أَن أَبَا إِسْحَاق لم يرد التَّفْسِير الإشاري جملَة، وَلم يقبله جملَة، بل فصّل فِي ذَلِك وَهَذَا هُوَ الْحق. وَالثَّالِث: قد أَتَى أَبُو إِسْحَاق الشاطبي على أهم الشُّرُوط الَّتِي تشْتَرط لصِحَّة هَذَا التَّفْسِير، وَقد أضَاف بعض الْعلمَاء مَا يَلِي6: 1 - ألاَّ يُدَّعى أَنه المُرَاد وَحده دون الظَّاهِر. 2 - أَن يُبيَّن الْمَعْنى الْمَوْضُوع لَهُ اللَّفْظ الْكَرِيم أَولا. 3 - ألاَّ يكون من وَرَاء هَذَا التَّفْسِير الإشاري تشويش على المفسَّر لَهُ.

_ 1 - سُورَة النَّصْر، الْآيَة: 1. 2 - سُورَة النَّصْر، الْآيَة: 1. 3 - سُورَة النَّصْر، الْآيَة: 3. 4 - صَحِيح البُخَارِيّ - مَعَ الْفَتْح - (8/734، 735) ، كتاب التَّفْسِير، بَاب قَوْله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} ح (4970) . 5 - انْظُر الموافقات (4/210، 211) . 6 - انْظُر: مناهل الْعرْفَان (1/549) ، وَقد ذكر الشَّيْخ الزّرْقَانِيّ غير هَذِه الشُّرُوط، وَكَذَلِكَ الشَّيْخ مناع الْقطَّان، غير أَنه بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا ذكرا فَإِنَّهَا لَا تخرج عَن الشَّرْطَيْنِ اللَّذين ذكرهمَا الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي.

المبحث السادس: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في قوله: إن المدني من السور ينبغي أن يكون منزلا على المكي في الفهم

المبحث السَّادِس: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي قَوْله: إِن الْمدنِي من السُّور يَنْبَغِي أَن يكون منزلا على الْمَكِّيّ فِي الْفَهم، وَكَذَلِكَ الْمَكِّيّ بعضه مَعَ بعض، وَالْمَدَنِي بعضه مَعَ بعض1 قَالَ أَبُو إِسْحَاق الشاطبي: "الْمدنِي من السُّور يَنْبَغِي أَن يكون منزلا فِي الْفَهم على الْمَكِّيّ، وَكَذَلِكَ الْمَكِّيّ بعضه مَعَ بعض، وَالْمَدَنِي بعضه مَعَ بعض على حسب ترتيبه فِي التَّنْزِيل، وإلاَّ لم يَصح، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن معنى الْخطاب الْمدنِي - فِي الْغَالِب - مَبْنِيّ على الْمَكِّيّ، كَمَا أَن الْمُتَأَخر من كل وَاحِد مِنْهُمَا مَبْنِيّ على متقدمه، دلّ على ذَلِك الاستقراء، وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بِبَيَان مُجمل، أَو تَخْصِيص عُمُوم، أَو تَقْيِيد مُطلق، أَو تَفْصِيل مَا لم يفصل، أَو تَكْمِيل مَا لم يظْهر تكميله. وأوّل شَاهد على هَذَا أصل الشَّرِيعَة؛ فَإِنَّهَا جَاءَت متممة لمكارم الْأَخْلَاق، ومصلحة لما أُفسد قبل من مِلَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام. ويليه تَنْزِيل سُورَة الْأَنْعَام فَإِنَّهَا نزلت مبينَة لقواعد العقائد، وأُصول الدّين، وَقد خرَّج الْعلمَاء مِنْهَا قَوَاعِد التَّوْحِيد الَّتِي صنف فِيهَا المتكلّمون، من أول إِثْبَات وَاجِب الْوُجُود إِلَى إِثْبَات الْإِمَامَة ... ثمَّ لما هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة كَانَ من أول مَا نزل عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة، وَهِي الَّتِي قررت قَوَاعِد التَّقْوَى المبنية على قَوَاعِد سُورَة الْأَنْعَام؛ فَإِنَّهَا بيّنت من أَقسَام أَفعَال الْمُكَلّفين جُمْلَتهَا، وَإِن تبيّن فِي غَيرهَا تفاصيل لَهَا كالعبادات الَّتِي هِيَ قَوَاعِد الْإِسْلَام، والعادات من أصل الْمَأْكُول والمشروب وَغَيرهمَا، والمعاملات من الْبيُوع

_ 1 - اسْتَفَادَ القاسمي من هَذَا المبحث فِي مُقَدّمَة تَفْسِيره. انْظُر مِنْهُ (1/93) وَمَا بعْدهَا.

والأنكحة وَمَا دَار بهَا، والجنايات من أَحْكَام الدِّمَاء وَمَا يَليهَا. وَأَيْضًا فَإِن حفظ الدّين فِيهَا، وَحفظ النَّفس وَالْعقل والنسل وَالْمَال مضمن فِيهَا، وَمَا خرج عَن الْمُقَرّر فِيهَا فبحكم التَّكْمِيل، فغيرها من السُّور المدنية الْمُتَأَخِّرَة عَنْهَا مَبْنِيّ عَلَيْهَا، كَمَا كَانَ غير الْأَنْعَام من الْمَكِّيّ الْمُتَأَخر عَنْهَا مَبْنِيا عَلَيْهَا، وَإِذا تنزلت إِلَى سَائِر السُّور بَعْضهَا مَعَ بعض فِي التَّرْتِيب وَجدتهَا كَذَلِك، حَذْو القذة بالقذة، فَلَا يغيبن عَن النَّاظر فِي الْكتاب هَذَا الْمَعْنى؛ فَإِنَّهُ من أسرار عُلُوم التَّفْسِير، وعَلى حسب الْمعرفَة بِهِ تحصل لَهُ الْمعرفَة بِكَلَام ربه سُبْحَانَهُ"1. التَّعْلِيق على مَبْحَث: الْمدنِي من السُّور يَنْبَغِي أَن يكون منزلا على الْمَكِّيّ فِي الْفَهم التَّعْلِيق على هَذَا المبحث من وَجْهَيْن: الأوّل: أَن الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشاطبي قد سبق من كتب فِي عُلُوم الْقُرْآن - وَتعرض للمكي وَالْمَدَنِي - إِلَى دراسة هَذِه الْمَسْأَلَة2. وَمن كتب فِي هَذَا المبحث فَهُوَ تبع للْإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي، على أَن أهمّ كتابين متداولين فِي عُلُوم الْقُرْآن لم يتَعَرَّض مؤلّفاهما لهَذَا المبحث بِهَذِهِ الطَّرِيقَة الَّتِي سلكها أَبُو إِسْحَاق3. الثَّانِي: أَن هَذَا المبحث بِهَذَا النَّحْو الَّذِي طرقه الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي فِيهِ أحسن رد على أُولَئِكَ الْمَلَاحِدَة الَّذين زَعَمُوا أَن لَا صلَة بَين الْمَكِّيّ

_ 1 - انْظُر الموافقات (4/256 - 258) . 2 - وَهَذَا حسب مَا اطَّلَعت عَلَيْهِ. 3 - أَعنِي الْبُرْهَان فِي عُلُوم الْقُرْآن للزركشي، والإتقان فِي عُلُوم الْقُرْآن للسيوطي.

وَالْمَدَنِي فِي الْقُرْآن الْكَرِيم1. وَفِي ظَنِّي أَن الَّذِي رد على هَذِه الشُّبْهَة وفندها2لَو تنبه لكَلَام الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي لنقله؛ لِأَن فِيهِ الْبُرْهَان الدامغ المزهق لشُبْهَة أُولَئِكَ الْمَلَاحِدَة.

_ 1 - انْظُر مناهل الْعرْفَان (1/209) . 2 - وَهُوَ الشَّيْخ عبد الْعَظِيم الزّرْقَانِيّ. انْظُر كِتَابه مناهل الْعرْفَان (1/209) .

المبحث السابع: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في أن تفسير القرآن الكريم يتبع فيه المفسر التوسط والاعتدال ويتجنب فيه الإفراط والتفريط

المبحث السَّابِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَن تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم يتبع فِيهِ الْمُفَسّر التَّوَسُّط والاعتدال ويتجنب فِيهِ الإفراط والتفريط ... المبحث السَّابِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَن تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم يتبع فِيهِ الْمُفَسّر التَّوَسُّط والاعتدال، ويجتنب فِيهِ الإفراط والتفريط1 قَالَ أَبُو إِسْحَاق عِنْد هَذِه الْمَسْأَلَة: "رُبمَا أَخذ تَفْسِير الْقُرْآن على التَّوَسُّط والاعتدال، وَعَلِيهِ أَكثر السّلف الْمُتَقَدِّمين، بل ذَلِك شَأْنهمْ، وَبِه كَانُوا أفقه النَّاس فِيهِ، وَأعلم الْعلمَاء بمقاصده وبواطنه. وَرُبمَا أَخذ على أحد الطَّرفَيْنِ الخارجين عَن الِاعْتِدَال: إِمَّا على الإفراط وَإِمَّا على التَّفْرِيط، وكلا طرفِي قصد الْأُمُور ذميم"2. ثمَّ بيّن رَحمَه الله تَعَالَى أَن الَّذين فسروه على التَّفْرِيط هم الَّذين قصروا فِي فهم اللِّسَان الَّذِي جَاءَ بِهِ، وَهُوَ الْعَرَبيَّة، وَمن هَؤُلَاءِ الباطنية وَغَيرهم3. ثمَّ قَالَ: "وَلَا إِشْكَال فِي اطِّراح التعويل على هَؤُلَاءِ"4.

_ 1 - اسْتَفَادَ القاسمي من هَذَا المبحث فِي مُقَدّمَة تَفْسِيره. انْظُر مِنْهُ (1/95) . 2 - الموافقات (4/261) . 3 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/261) . 4 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/261) .

ثمَّ وضَّح رَحمَه الله تَعَالَى أَن الَّذين اتبعُوا الإفراط فِي تَفْسِير الْقُرْآن هم الَّذين دققوا فِي الْأَلْفَاظ المفردة والمعاني البلاغية، وَلم ينْظرُوا إِلَى الْمَعْنى الَّذِي سيق الْكَلَام من أَجله؛ لأنّ هَذِه الْأَشْيَاء إِنَّمَا تبحث بِقدر مَا تُؤدِّي بِهِ الْمعَانِي الْأَصْلِيَّة، الْمَقْصُودَة من سِيَاق الْكَلَام1. ثمَّ شرح أَبُو إِسْحَاق الوسطية الَّتِي يَنْبَغِي أَن يسير عَلَيْهَا الْمُفَسّر فَقَالَ: "وَالْقَوْل فِي ذَلِك - وَالله الْمُسْتَعَان - أَن المساقات تخْتَلف باخْتلَاف الْأَحْوَال والأوقات والنوازل، وَهَذَا مَعْلُوم فِي علم الْمعَانِي وَالْبَيَان، فَالَّذِي يكون على بَال من المستمع والمتفهم ... الِالْتِفَات إِلَى أول الْكَلَام وَآخره بِحَسب القضيّة، وَمَا اقْتَضَاهُ الْحَال فِيهَا، لَا ينظر فِي أَولهَا دون آخرهَا، وَلَا فِي آخرهَا دون أَولهَا؛ فَإِن الْقَضِيَّة وَإِن اشْتَمَلت على جمل فبعضها مُتَعَلق بِالْبَعْضِ؛ لأنّها قَضِيَّة وَاحِدَة نازلة فِي شَيْء وَاحِد، فَلَا محيص للمتفهم عَن ردّ آخر الْكَلَام على أَوله، وأوله على آخِره، وَإِذ ذَاك يحصل مَقْصُود الشَّارِع فِي فهم المكلَّف، فَإِن فرق النّظر فِي أَجْزَائِهِ، فَلَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى مُرَاده؛ فَلَا يَصح الِاقْتِصَار فِي النّظر على بعض أَجزَاء الْكَلَام دون بعض، إلاَّ فِي موطن وَاحِد وَهُوَ النّظر فِي فهم الظَّاهِر بِحَسب اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَمَا يَقْتَضِيهِ، لَا بِحَسب مَقْصُود الْمُتَكَلّم، فَإِذا صَحَّ لَهُ الظَّاهِر على الْعَرَبيَّة، رَجَعَ إِلَى نفس الْكَلَام، فعمّا قريب يَبْدُو لَهُ مِنْهُ الْمَعْنى المُرَاد، فَعَلَيهِ بالتعبد بِهِ وَقد يُعينهُ على هَذَا الْمَقْصد النّظر فِي أَسبَاب التَّنْزِيل؛ فَإِنَّهَا تبين كثيرا من الْمَوَاضِع الَّتِي يخْتَلف مغزاها على النَّاظر ... "2. ثمَّ سَاقه الْكَلَام على الْقَاعِدَة الْمُتَقَدّمَة إِلَى التَّعَرُّض إِلَى مَقَاصِد بعض سور

_ 1 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/261 - 263) . 2 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/266) .

الْقُرْآن الْكَرِيم، فجَاء فِيهِ بالفوائد الممتعة1. فمما قَالَ فِي ذَلِك قَوْله رَحمَه الله تَعَالَى: "وَقَوله تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} 2 نازلة فِي قَضِيَّة وَاحِدَة. وَسورَة "اقْرَأ" نازلة فِي قضيتين الأولى إِلَى قَوْله: {عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} 3، وَالْأُخْرَى مَا بَقِي إِلَى آخر السُّورَة. وَسورَة الْمُؤمنِينَ نازلة فِي قَضِيَّة وَاحِدَة، وَإِن اشْتَمَلت على معَان كَثِيرَة فَإِنَّهَا من الْمَكِّيَّاتِ، وغالب الْمَكِّيّ أَنه مُقَرر لثَلَاثَة معَان - أَصْلهَا معنى وَاحِد وَهُوَ الدُّعَاء إِلَى عبَادَة الله تَعَالَى - أَحدهَا: تَقْرِير الوحدانية لله الْوَاحِد الْحق ... وَالثَّانِي: تَقْرِير النُّبُوَّة للنَّبِي مُحَمَّد، وَأَنه رَسُول الله إِلَيْهِم جَمِيعًا، صَادِق فِيمَا جَاءَ بِهِ من عِنْد الله ... وَالثَّالِث: إِثْبَات أَمر الْبَعْث وَالدَّار الْآخِرَة، وَأَنه حق لَا ريب فِيهِ بالأدلة الْوَاضِحَة، وَالرَّدّ على من أنكر ذَلِك، بِكُل وَجه يُمكن الْكَافِر إِنْكَاره بِهِ.... فَهَذِهِ الْمعَانِي الثَّلَاثَة هِيَ الَّتِي اشْتَمَل عَلَيْهَا الْمنزل من الْقُرْآن بِمَكَّة فِي عامّة الْأَمر، وَمَا ظهر ببادئ الرَّأْي خُرُوجه عَنْهَا فراجع إِلَيْهَا فِي محصول الْأَمر، وَيتبع ذَلِك التَّرْغِيب والترهيب، والأمثال والقصص، وَذكر الْجنَّة وَالنَّار، وَوصف يَوْم الْقِيَامَة، وَأَشْبَاه ذَلِك"4. ثمَّ رَجَعَ أَبُو إِسْحَاق إِلَى تطبيق الْمعَانِي الثَّلَاثَة على سُورَة الْمُؤمنِينَ، يقف على ذَلِك من أحب فِي موطنه من كتاب الموافقات5.

_ 1 - مِمَّن أحسن كِتَابَة فِي هَذَا الْمَوْضُوع - مَقَاصِد سور الْقُرْآن الْكَرِيم - الفيروزابادي فِي كِتَابه بصائر ذَوي التَّمْيِيز. 2 - سُورَة الْكَوْثَر، الْآيَة: 1. 3 - سُورَة العلق، الْآيَة: 5. 4 - انْظُر الموافقات (4/269، 270) . 5 - انْظُر (4/270 - 273) .

التَّعْلِيق على مَبْحَث: تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم يتبع فِيهِ الْمُفَسّر التَّوَسُّط والاعتدال قَضِيَّة التَّوَسُّط والاعتدال الَّتِي ألمح إِلَيْهَا أَبُو إِسْحَاق الشاطبي قضيّة مهمّة جدًّا سَوَاء فِي فهم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره، أَو فِي غير ذَلِك من حَيَاة الْمُسلم. وَلَو اتُّبع كل من فسر الْقُرْآن الْكَرِيم التَّوَسُّط والاعتدال فِي تَفْسِيره لما وجدنَا الأبحاث المطولة الَّتِي لَا علاقَة لَهَا بتفسير الْآيَة. وَلَو اتُّبع التَّوَسُّط والاعتدال لما جُعل تَفْسِير الْقُرْآن كتاب نَحْو تذكر فِيهِ الْقَوَاعِد النحوية ودقائق عُلُوم النَّحْو، والاعتراضات والردود، ورد الردود. وَلَو اتُّبع التَّوَسُّط والاعتدال لما وجدنَا بَين كتب التَّفْسِير مَا يشبه كتاب عُلُوم مدرسي فِيهِ صور الْحَيَوَانَات والنباتات، ثمَّ يَدعِي صَاحبه أَن هَذَا هُوَ مَقْصُود الله من إِنْزَال كِتَابه، وَأَن جَمِيع عُلَمَاء التَّفْسِير الْمُتَقَدِّمين أخطأوا عِنْدَمَا لم يظهروا هَذِه الْعُلُوم النباتية الحيوانية؟. وَلَو اتُّبع التَّوَسُّط والاعتدال لما وجدنَا بَين الْمُفَسّرين لهَذَا الْكتاب الْكَرِيم من يَقع فِي بِدعَة الاعتزال، والإرجاء، والتشبيه، والتكفير، وَغَيرهَا من الْبدع، ثمَّ يُفَسر الْقُرْآن على مَا يُوَافق بدعته، وَيَزْعُم أَن هَذَا هُوَ مَقْصُود الله من كَلَامه. وَلَو اتُّبع التَّوَسُّط والاعتدال فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم لسلم تراثنا التفسيري من خزعبلات بني إِسْرَائِيل الَّتِي قُصد بهَا إِفْسَاد فهمنا لكتاب الله تَعَالَى. وَلَو اتُّبع التَّوَسُّط والاعتدال فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم وتطبيقه لما وصلنا إِلَى هَذِه الْحَال - الَّتِي نَحن عَلَيْهَا الْيَوْم - من الانحطاط والتبعية لأمم الْكفْر من يهود ونصارى وَغَيرهم.

المبحث الثامن: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في بيان المقصود بالرأي المذموم والرأي الممدوح في تفسير القرآن الكريم

المبحث الثَّامِن: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي بَيَان الْمَقْصُود بِالرَّأْيِ المذموم والرأي الممدوح فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم ... المبحث الثَّامِن1: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي بَيَان الْمَقْصُود بِالرَّأْيِ المذموم والرأي الممدوح فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم2 قَالَ أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله تَعَالَى: "إِعْمَال الرَّأْي فِي الْقُرْآن جَاءَ ذمه، وَجَاء أيض - اما يَقْتَضِي إعماله، وحسبك من ذَلِك مَا نقل عَن الصدِّيق، فَإِنَّهُ نقل عَنهُ أَنه قَالَ - وَقد سُئل فِي شَيْء من الْقُرْآن -: "أَي سَمَاء تُظِلنِي وَأي أَرض تُقِلني إِن أَنا قلت فِي كتاب الله مَا لَا أعلم ... " 3. ثمَّ سُئل عَن الْكَلَالَة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن فَقَالَ: "أَقُول فِيهَا برأيي، فَإِن كَانَ صَوَابا فَمن الله، وَإِن كَانَ خطأ فمني وَمن الشَّيْطَان، الْكَلَالَة كَذَا وَكَذَا" 4. فهذان قَولَانِ اقتضيا إِعْمَال الرَّأْي وَتَركه فِي الْقُرْآن، وهما لايجتمعان"5. ثمَّ أجَاب أَبُو إِسْحَاق عَمَّا رُوي عَن أبي بكر - رَضِي الله عَنهُ - مِمَّا يَقْتَضِي إِعْمَال الرَّأْي وَتَركه فَقَالَ: "وَالْقَوْل فِيهِ أَن الرَّأْي ضَرْبَان: أَحدهمَا:

_ 1 - تعرض السُّيُوطِيّ وَغَيره لهَذَا المبحث. انْظُر الإتقان (2/507، 509) ، ومناهل الْعرْفَان (1/501) ، وبحوث فِي أصُول التَّفْسِير ومناهجه، ص (79) وَمَا بعْدهَا. 2 - اسْتَفَادَ القاسمي من هَذَا المبحث فِي مُقَدّمَة تَفْسِيره. انْظُر مِنْهُ (1/101) . 3 - أخرجه الإِمَام الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره (1/78) . وَذكره الْحَافِظ فِي الْفَتْح (13/271) من طَرِيقين قَالَ: فيهمَا انْقِطَاع، لَكِن أَحدهمَا يُقَوي الآخر. 4 - أخرجه الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره (8/53) ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن الْكُبْرَى (6/223) عَن الشّعبِيّ قَالَ سُئل أَبُو بكر فَذكره. وَالشعْبِيّ لم يدْرك أَبَا بكر، وَلَا يكَاد يُرْسل إِلَّا صَحِيحا. انْظُر السّير (4/301) . 5 - انْظُر الموافقات (4/276) .

جَار على مُوَافقَة كَلَام الْعَرَب، وموافقة الْكتاب وَالسّنة، فَهَذَا لَا يُمكن إهمال مثله لعالم بهما لأمور: أَحدهَا: إِن الْكتاب لَا بُد من القَوْل فِيهِ بِبَيَان معنى، واستنباط حكم وَتَفْسِير لفظ، وَفهم مُرَاد، وَلم يَأْتِ جَمِيع ذَلِك عَمَّن تقدم، فإمَّا أَن يتَوَقَّف دون ذَلِك فتتعطل الْأَحْكَام كلهَا أَو أَكْثَرهَا، وَذَلِكَ غير مُمكن، فَلَا بُد من القَوْل فِيهِ بِمَا يَلِيق. وَالثَّانِي: أَنه لَو كَانَ كَذَلِك؛ للَزِمَ أَن يكون الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُبينًا ذَلِك كُله بالتوقيف؛ فَلَا يكون لأحد فِيهِ نظر وَلَا قَول، والمعلوم أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يفعل ذَلِك1، فَدلَّ على أَنه لم يُكَلف بِهِ على ذَلِك الْوَجْه، بل بيَّن مِنْهُ مَا لَا يُوصل إِلَى علمه إلاَّ بِهِ، وَترك كثيرا مِمَّا يُدْرِكهُ أَرْبَاب الِاجْتِهَاد باجتهادهم، فَلم يلْزم فِي جَمِيع تَفْسِير الْقُرْآن التَّوْقِيف. وَالثَّالِث: أَن الصَّحَابَة كَانُوا أولى بِهَذَا الِاحْتِيَاط من غَيرهم، وَقد علم أَنهم فسروا الْقُرْآن على مَا فَهموا، وَمن جهتهم بلغنَا تَفْسِير مَعْنَاهُ، والتوقيف يُنَافِي هَذَا؛ فإطلاق القَوْل بالتوقيف وَالْمَنْع من الرَّأْي لَا يصحّ. وَالرَّابِع: أَن هَذَا الْفَرْض لَا يُمكن؛ لأنّ النّظر فِي الْقُرْآن من جِهَتَيْنِ: من جِهَة الْأُمُور الشَّرْعِيَّة، فقد يسلم القَوْل بالتوقيف فِيهِ وَترك الرَّأْي وَالنَّظَر جدلاً. وَمن جِهَة المآخذ الْعَرَبيَّة؛ وَهَذَا لَا يُمكن فِيهِ التَّوْقِيف، وَإِلَّا لزم ذَلِك فِي السّلف الأوّلين، وَهُوَ بَاطِل، فاللازم عَنهُ مثله، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أوضح من إطناب

_ 1 - هَذِه الْمَسْأَلَة مَحل خلاف بَين الْعلمَاء، وَالرَّاجِح فِيهَا مَا قَالَه أَبُو إِسْحَاق. وَإِن أردْت الِاطِّلَاع على أَدِلَّة الْفَرِيقَيْنِ، وَالتَّرْجِيح بَينهمَا فَانْظُر كتاب اخْتِلَاف الْمُفَسّرين أَسبَابه وآثاره، ص (16 - 24) .

فِيهِ"1. ثمَّ وضَّح أَبُو إِسْحَاق الْمَقْصُود بِالرَّأْيِ المذموم فَقَالَ: "وَأما الرَّأْي غير الْجَارِي على مُوَافقَة الْعَرَبيَّة، أَو الْجَارِي على الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة2 فَهَذَا هُوَ الرَّأْي المذموم من غير إِشْكَال كَمَا كَانَ مذموما فِي الْقيَاس أَيْضا حَسْبَمَا هُوَ مذكورٌ فِي كتاب الْقيَاس؛ لِأَنَّهُ تَقول على الله بِغَيْر برهَان، فَيرجع إِلَى الْكَذِب على الله تَعَالَى، وَفِي هَذَا الْقسم جَاءَ من التَّشْدِيد فِي القَوْل بِالرَّأْيِ فِي الْقُرْآن مَا جَاءَ"3. ثمَّ أورد أَبُو إِسْحَاق الشاطبي عَن جملَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ ذمّ هَذَا النَّوْع من الرَّأْي4. ثمَّ ختم هَذِه الْمَسْأَلَة بقوله: "فَالَّذِي يُسْتَفَاد من هَذَا الْموضع أَشْيَاء: مِنْهَا: التحفظ من القَوْل فِي كتاب الله تَعَالَى إلاَّ على بَيِّنَة، فَإِن النَّاس فِي الْعلم بالأدوات الْمُحْتَاج إِلَيْهَا فِي التَّفْسِير على ثَلَاث طَبَقَات: إِحْدَاهَا: من بلغ فِي ذَلِك مبلغ الراسخين كالصحابة وَالتَّابِعِينَ، وَمن يليهم، وَهَؤُلَاء قَالُوا مَعَ التوقي والتحفظ والهيبة وَالْخَوْف من الهجوم، فَنحْن أولى بذلك مِنْهُم، إِن ظننا بِأَنْفُسِنَا أَنا فِي الْعلم والفهم مثلهم، وهيهات. وَالثَّانيَِة: من علم من نَفسه أَنه لم يبلغ مبالغهم وَلَا داناهم، فَهَذَا طرف لَا إِشْكَال فِي تَحْرِيم ذَلِك عَلَيْهِ.

_ 1 - الموافقات (4/276 - 279) . 2 - هَكَذَا فِي النّسخ المطبوعة الَّتِي اطَّلَعت عَلَيْهَا، وَقد نبه بعض الْمُحَقِّقين للموافقات بقوله: ((لَعَلَّ الصَّوَاب غير الْجَارِي)) . 3 - الموافقات (4/279، 280) . 4 - انْظُر الْمصدر نَفسه (4/280 - 282) .

وَالثَّالِثَة: من شكّ فِي بُلُوغه مبلغ أهل الِاجْتِهَاد، أَو ظن ذَلِك فِي بعض علومه دون بعض فَهَذَا أَيْضا دَاخل تَحت حكم الْمَنْع من القَوْل فِيهِ؛ لِأَن الأَصْل عدم الْعلم، فعندما يبْقى لَهُ شكّ أَو تردد فِي الدُّخُول مدْخل الْعلمَاء الراسخين فانسحاب الحكم الأول عَلَيْهِ بَاقٍ بِلَا إِشْكَال، وكل أحد فَقِيه نَفسه فِي هَذَا المجال، وَرُبمَا تعدى بعض أَصْحَاب هَذِه الطَّبَقَة طوره، فَحسن ظَنّه بِنَفسِهِ، وَدخل فِي الْكَلَام فِيهِ مَعَ الراسخين، وَمن هُنَا افْتَرَقت الْفرق، وتباينت النَّحْل، وَظهر فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْخلَل. وَمِنْهَا: أَن من ترك النّظر فِي الْقُرْآن، وَاعْتمد فِي ذَلِك على من تقدّمه، ووكل إِلَيْهِ النّظر فِيهِ غير ملوم، وَله فِي ذَلِك سَعَة، إلاَّ فِيمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ، وعَلى حكم الضَّرُورَة، فَإِن النّظر فِيهِ يشبه النّظر فِي الْقيَاس، كَمَا هُوَ مَذْكُور فِي بَابه، وَمَا زَالَ السّلف الصَّالح يتحرجون من الْقيَاس فِيمَا لَا نَص فِيهِ، وَكَذَلِكَ وجدناهم فِي القَوْل فِي الْقُرْآن، فَإِن الْمَحْظُور فيهمَا وَاحِد، وَهُوَ خوف التقول على الله، بل القَوْل فِي الْقُرْآن أَشد، فَإِن الْقيَاس يرجع إِلَى نظر النَّاظر، وَالْقَوْل فِي الْقُرْآن يرجع إِلَى أَن الله أَرَادَ كَذَا أَو عَنى كَذَا بِكَلَامِهِ الْمنزل، وَهَذَا عَظِيم الْخطر. وَمِنْهَا: أَن يكون على بالٍ من النَّاظر والمفسر، والمتكلِّم عَلَيْهِ أَن مَا يَقُوله تقصيد مِنْهُ للمتكلم، وَالْقُرْآن كَلَام الله، فَهُوَ يَقُول بِلِسَان بَيَانه: هَذَا مُرَاد الله من هَذَا الْكَلَام، فليتثبت أَن يسْأَله الله تَعَالَى: من أَيْن قلت عني هَذَا؟ فَلَا يَصح لَهُ ذَلِك إِلَّا بِبَيَان الشواهد، وَإِلَّا فمجرّد الِاحْتِمَال يَكْفِي بِأَن يَقُول: يحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى كَذَا وَكَذَا، بِنَاء أَيْضا على صِحَة تِلْكَ الِاحْتِمَالَات فِي صلب الْعلم، وإلاَّ فالاحتمالات الَّتِي لَا ترجع إِلَى أصل غير مُعْتَبرَة، فعلى كل تَقْدِير لَا بُد فِي كل قَول يجْزم بِهِ أَو يحمّل من شَاهد يشْهد لأصله، وإلاَّ كَانَ

بَاطِلا وَدخل صَاحبه تَحت أهل الرَّأْي المذموم، وَالله أعلم"1. قلت: لَيْت شعري أَيْن يضع نَفسه من يسْتَقلّ بتفسير الْقُرْآن فِي زَمَاننَا هَذَا؟!. إِنَّه لَا يُمكن أَن يضع نَفسه مَعَ الطَّبَقَة الأولى فِي الْعلم بأدوات التَّفْسِير، فَلم يبْق إِلَّا الطَّبَقَة الثَّانِيَة، وَالثَّالِثَة، وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعَة من القَوْل فِي الْقُرْآن وَتَفْسِيره، كَمَا وضَّح ذَلِك أَبُو إِسْحَاق، رَحمَه الله تَعَالَى.

_ 1 - الموافقات (4/283 - 285) .

المبحث التاسع: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في حكم ترجمة القرآن الكريم

المبحث التَّاسِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي حكم تَرْجَمَة الْقُرْآن الْكَرِيم1 قدم أَبُو إِسْحَاق الشاطبي لهَذِهِ الْمَسْأَلَة بمقدمة بنى عَلَيْهَا حكم تَرْجَمَة الْقُرْآن، فَقَالَ فِي هَذِه الْمُقدمَة: "للغة الْعَرَبيَّة من حَيْثُ هِيَ أَلْفَاظ دَالَّة على معَان نظران: أَحدهمَا: من جِهَة كَونهَا ألفاظا وعبارات مُطلقَة ... وَهِي الدّلَالَة الأصليّة. وَالثَّانِي: من جِهَة كَونهَا ألفاظا وعبارات مقيّدة دَالَّة على معَان خادمة، وَهِي الدّلَالَة التابعة. فالجهة الأولى: هِيَ الَّتِي يشْتَرك فِيهَا جَمِيع الْأَلْسِنَة، وإليها تَنْتَهِي مَقَاصِد الْمُتَكَلِّمين، وَلَا تخْتَص بِأمة دون أُخْرَى؛ فَإِنَّهُ إِذا حصل فِي الْوُجُود فعل لزيد مثلا كالقيام، ثمَّ أَرَادَ كل صَاحب لِسَان الْإِخْبَار عَن زيد بِالْقيامِ، تأتىله مَا أَرَادَ من غير كلفة، وَمن هَذِه الْجِهَة يُمكن فِي لِسَان الْعَرَب الْإِخْبَار عَن أَقْوَال الأوّلين - مِمَّن لَيْسُوا من أهل اللُّغَة الْعَرَبيَّة - وحكاية كَلَامهم، ويتأتى فِي لِسَان الْعَجم

_ 1 - انْظُر فِي هَذَا المبحث المهم مناهل الْعرْفَان (1/3) ، ومباحث فِي عُلُوم الْقُرْآن، ص (313) وَمَا بعْدهَا.

حِكَايَة أَقْوَال الْعَرَب والإخبار عَنْهَا، وَهَذَا لَا إِشْكَال فِيهِ. وَأما الْجِهَة الثَّانِيَة: فَهِيَ الَّتِي يخْتَص بهَا لِسَان الْعَرَب فِي تِلْكَ الْحِكَايَة وَذَلِكَ الْإِخْبَار، فَإِن كل خبر يَقْتَضِي فِي هَذِه الْجِهَة أمورًا خادمة لذَلِك الْإِخْبَار بِحَسب الخَبر والمُخبِر والمخبَر عَنهُ والمُخبَر بِهِ، وَنَفس الْإِخْبَار فِي الْحَال والمساق، وَنَوع الأسلوب، من الْإِيضَاح، والإخفاء، والإيجاز، والإطناب، وَغير ذَلِك"1. ثمَّ ضرب أَبُو إِسْحَاق أَمْثِلَة لبَيَان الْجِهَة الثَّانِيَة وتوضيحها2. ثمَّ قَالَ: "وَإِذا ثَبت هَذَا، فَلَا يُمكن من اعْتبر هَذَا الْوَجْه الْأَخير أَن يترجم كلَاما من الْكَلَام الْعَرَبِيّ بِكَلَام الْعَجم على حَال، فضلا عَن أَن يترجم الْقُرْآن، ويُنقل إِلَى لِسَان غير عَرَبِيّ إلاَّ مَعَ فرض اسْتِوَاء اللسانين فِي اعْتِبَاره عينا، كَمَا إِذا اسْتَوَى اللسانان فِي اسْتِعْمَال مَا تقدّم تمثيله وَنَحْوه، فَإِذا ثَبت ذَلِك فِي اللِّسَان الْمَنْقُول إِلَيْهِ مَعَ لِسَان الْعَرَب، أمكن أَن يترجم أَحدهمَا إِلَى الآخر وَإِثْبَات مثل هَذَا بِوَجْه بَين عسير جدًّا ... وَقد نفى ابْن قُتَيْبَة إِمْكَان التَّرْجَمَة فِي الْقُرْآن - يَعْنِي على هَذَا الْوَجْه الثَّانِي - فَأَما على الْوَجْه الأوَّل فَهُوَ مُمكن، وَمن جِهَته صَحَّ تَفْسِير الْقُرْآن وَبَيَان مَعْنَاهُ للعامّة، وَمن لَيْسَ لَهُ فهم يقوى على تَحْصِيل مَعَانِيه، وَكَانَ ذَلِك جَائِزا بِاتِّفَاق أهل الْإِسْلَام، فَصَارَ هَذَا الِاتِّفَاق حجّة فِي صِحَة التَّرْجَمَة على الْمَعْنى الْأَصْلِيّ"3. التَّعْلِيق على مَبْحَث: حكم تَرْجَمَة الْقُرْآن الْكَرِيم الْكَلَام على مَسْأَلَة تَرْجَمَة الْقُرْآن يطول جدًّا، وَقد بحثها الْعلمَاء بحثا

_ 1 - انْظُر الموافقات (2/105) . 2 - انْظُر الْمصدر نَفسه (2/105، 106) . 3 - الْمصدر نَفسه (2/106، 107) .

مستفيضا1؛ وَلذَلِك سَوف أقتصر فِي هَذَا المبحث على التَّعْلِيق على كَلَام أبي إِسْحَاق الشاطبي بِذكر كَلَام بعض الْعلمَاء، ثمَّ أذكر أَنْوَاع التَّرْجَمَة، وَبَيَان الْجَائِز مِنْهَا والممنوع. 1 - قَالَ الشَّيْخ مناع الْقطَّان رَحمَه الله تَعَالَى2 - بعد أَن نقل بعض كَلَام الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي -: "وَمَعَ هَذَا فَإِن تَرْجَمَة الْمعَانِي الْأَصْلِيَّة لَا تَخْلُو من فَسَاد، فَإِن اللَّفْظ الْوَاحِد فِي الْقُرْآن قد يكون لَهُ مَعْنيانِ، أَو معانٍ تحتملها الْآيَة، فَيَضَع المترجم لفظا يدل على معنى وَاحِد، حَيْثُ لَا يجد لفظا يشاكل اللَّفْظ الْعَرَبِيّ فِي احْتِمَال تِلْكَ الْمعَانِي المتعددة. وَقد يسْتَعْمل الْقُرْآن اللَّفْظ فِي معنى مجازي فَيَأْتِي المترجم بِلَفْظ يرادف اللَّفْظ الْعَرَبِيّ فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ؛ وَلِهَذَا وَنَحْوه وَقعت أخطاء كَثِيرَة فِيمَا ترْجم لمعاني الْقُرْآن. وَمَا ذهب إِلَيْهِ الشاطبي واعتبره حجّة فِي صِحَة التَّرْجَمَة على الْمَعْنى الْأَصْلِيّ لَيْسَ على إطلاقِه؛ فَإِن بعض الْعلمَاء يخص هَذَا بِمِقْدَار الضَّرُورَة فِي إبلاغ الدعْوَة بِالتَّوْحِيدِ وأركان الْعِبَادَات، وَلَا يتَعَرَّض لما سوى ذَلِك، وَيُؤمر من أَرَادَ الزِّيَادَة بتَعَلُّم

_ 1 - مِنْهُم مصطفى صبري فِي كِتَابه مَسْأَلَة تَرْجَمَة الْقُرْآن، وَمُحَمّد رشيد رضَا فِي رِسَالَة لَهُ باسم تَرْجَمَة الْقُرْآن وَمَا فِيهَا من الْمَفَاسِد ومنافاة الْإِسْلَام، وَمُحَمّد الشاطر فِي كِتَابه القَوْل السديد فِي حكم تَرْجَمَة الْقُرْآن الْمجِيد، والزرقاني فِي مناهل الْعرْفَان (2/3 - 69) ، ومناع الْقطَّان فِي كِتَابه مبَاحث فِي عُلُوم الْقُرْآن، ص (312 - 322) ، وَذكر الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد شَاكر أَن لوالده كتاب - افي هَذَا الْمَوْضُوع اسْمه ((القَوْل الْفَصْل فِي تَرْجَمَة الْقُرْآن الْكَرِيم إِلَى اللُّغَات الأعجمية)) . انْظُر الرسَالَة للْإِمَام الشَّافِعِي، ص (49) الْحَاشِيَة. وَانْظُر كتاب حدث الْأَحْدَاث فِي الْإِسْلَام فقد ذكر صَاحبه أحد عشر كتاب - افي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَذَلِكَ فِي سنة 1355هـ -. 2 - مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى فِي شهر ربيع الثَّانِي من سنة 1420هـ - بعد عمر حافل بالعطاء لأمته، رَحمَه الله تَعَالَى، وكتبَه فِي الْعلمَاء العاملين.

اللِّسَان الْعَرَبِيّ"1. قلت: فَتبين لَك بِهَذَا أَن تَرْجَمَة الْمعَانِي الْأَصْلِيَّة غير مُمكن إِلَّا مَعَ وجود الْفساد والأخطاء الْكَثِيرَة، وَلَو كَانَ هَذَا الْفساد والأخطاء الْكَثِيرَة فِي غير الْقُرْآن لمُنع من يفعل ذَلِك، فَكيف بِالْقُرْآنِ الْكَرِيم؟!. 2 - أَنْوَاع التَّرْجَمَة، وَبَيَان الجائر مِنْهَا والممنوع. هِيَ ثَلَاثَة أَنْوَاع2، بيانُها فِيمَا يَلِي: أ - التَّرْجَمَة اللفظية المثلية: وَهِي إِبْدَال لفظ بِلَفْظ آخر يرادفه فِي الْمَعْنى، مَعَ الاحتفاظ بِمَا للمبدل مِنْهُ من التراكيب والنسق والأسلوب، والدلائل الْأَصْلِيَّة والتبعية، وَبِمَا لَهُ من خفَّة على الأسماع وتأثير على الْقُلُوب، وَبِمَا لَهُ من إحكام وتشابه وإعجاز3. وَحكم هَذَا النَّوْع أَنه محَال عقلا وَشرعا. أما عقلا؛ فَلِأَن التجارب العلمية برهنت على أَن نقل كَلَام من لُغَة إِلَى أُخْرَى بِكُل مَا فِي الأَصْل مِمَّا ذكر فِي التَّعْرِيف مُسْتَحِيل فِي كَلَام الْبشر، فَكيف بِهِ فِي كَلَام الله المعجز4. وَأما شرعا فَإِنَّهُ مُسْتَحِيل أَيْضا؛ لِأَن مَعْنَاهُ الْإِتْيَان بقرآن مثل هَذَا الْقُرْآن بلغَة أُخرى، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا

_ 1 - مبَاحث فِي عُلُوم الْقُرْآن، ص (315، 316) . 2 - وَترجع هَذِه الثَّلَاثَة كلهَا إِلَى الْمَعْنى الاصطلاحي الْعرفِيّ، وَهُوَ نقل الْكَلَام من لُغَة إِلَى لُغَة ثَانِيَة. 3 - انْظُر القَوْل السديد فِي حكم تَرْجَمَة الْقُرْآن الْمجِيد، ص (11) ، وترجمات مَعَاني الْقُرْآن الْكَرِيم ص (14) . 4 - انْظُر ترجمات مَعَاني الْقُرْآن الْكَرِيم، ص (14، 15) ، وَالْقَوْل السديد، ص (12) .

بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} 1. ب - التَّرْجَمَة المعنوية: وَهِي إِبْدَال لفظ بِلَفْظ آخر يرادفه فِي الْمَعْنى الإجمالي، أَو فِي الْمَعْنى الْقَرِيب بِصَرْف النّظر عَن الْمعَانِي التّبعِيَّة والبعيدة، وبصرف النّظر عَن الخصائص والمزايا، وَهَذِه مُمكنَة على وَجه الْإِجْمَال بِالْقدرِ المستطاع فِي بعض الْأَلْفَاظ دون بعض، وَفِي بعض اللُّغَات دون بعض، وَلَا تسلم من الْخَطَأ والبعد عَن المُرَاد2. وَهَذَا النَّوْع من التَّرْجَمَة، وَإِن جَازَ فِي كَلَام النَّاس، فَإِنَّهُ يَحرُم فِي كَلَام الله الْقُرْآن الْكَرِيم؛ لأمورٍ كَثِيرَة يطول شرحُها، مِنْهَا: أَنَّهَا لن تسلم من الْخَطَأ والبعد عَن المُرَاد. وَمِنْهَا: أَن هَذِه التَّرْجَمَة تُؤدِّي إِلَى ضيَاع الأَصْل، كَمَا ضَاعَت أصُول الْكتب الْمُتَقَدّمَة. وَمِنْهَا: أَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى انصراف النَّاس عَن كتاب رَبهم مكتفين بِمَا يزعمونه تَرْجَمَة لِلْقُرْآنِ. وَمِنْهَا: ضعف لُغَة الْقُرْآن وَالْقَضَاء عَلَيْهَا فِي النِّهَايَة. وَمِنْهَا: وجود الِاخْتِلَاف بَين الْمُسلمين، فكلُّ دولة تضع تَرْجَمَة لِلْقُرْآنِ وتزعمها أفضل الْمَوْجُود، وَهَكَذَا الدولة الْأُخْرَى، فَيحصل الِاخْتِلَاف بَين أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ونكونُ بِهَذَا قد خَالَفنَا مَا أمرنَا الله بِهِ ونهانا، حَيْثُ قَالَ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} 3، وَقَالَ: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 4. وَمِنْهَا: أَن نُصُوص عُلَمَاء الْمذَاهب تدلُّ على تَحْرِيم هَذَا النَّوْع من

_ 1 - سُورَة الْإِسْرَاء، الْآيَة (88) وَانْظُر مناهل الْعرْفَان (2/40) ترى مَسْأَلَة الاستحالة الشَّرْعِيَّة. 2 - انْظُر القَوْل السديد، ص (12) . 3 - سُورَة آل عمرَان، الْآيَة: 103. 4 - سُورَة آل عمرَان، الْآيَة: 105. وَانْظُر القَوْل السديد، ص (14 - 37) ، ومناهل الْعرْفَان (2/43 - 48) ترى مَا ذُكر من هَذِه الْأُمُور وَأكْثر.

التَّرْجَمَة. قَالَ الإِمَام الألوسي: "وَفِي مِعْرَاج الدِّرَايَة: مَن تعمّد قِرَاءَة الْقُرْآن أَو كِتَابَته بِالْفَارِسِيَّةِ فَهُوَ مَجْنُون، أَو زنديق. والمجنونُ يُداوى، والزنديق يُقتل"1. وَقَالَ الإِمَام النَّوَوِيّ: "مَذْهَبنَا أَنه لَا يجوز قِرَاءَة الْقُرْآن بِغَيْر لِسَان الْعَرَب، سَوَاء أمكنه الْعَرَبيَّة أَو عجز عَنْهَا، وَسَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أوغيرها"2. وَقَالَ الإِمَام ابْن قدامَة: "وَلَا تُجزئه الْقِرَاءَة بِغَيْر الْعَرَبيَّة، وَلَا إِبْدَال لَفظهَا بِلَفْظ عَرَبِيّ، سَوَاء أحسنَ قرَاءَتهَا بِالْعَرَبِيَّةِ أَو لم يحسن"3. وَنَحْو هَذَا قَالَ الْمَالِكِيَّة4، وَأهل الظَّاهِر5. وَقَالَ الْعَلامَة مُحَمَّد رشيد رضَا: "المعوّل عَلَيْهِ عِنْد الْأَئِمَّة وَسَائِر الْعلمَاء أَنه لَا يجوز كِتَابَة الْقُرْآن وقراءته وَلَا تَرْجَمته بِغَيْر الْعَرَبيَّة مُطلقًا، إِلَّا فِيمَا نقل عَن أبي حنيفَة وصاحبيه من جَوَاز قِرَاءَة الْقُرْآن بِالْفَارِسِيَّةِ فِي خُصُوص الصَّلَاة"6. وَمن الْأُمُور الَّتِي تمنع جَوَاز تَرْجَمَة الْقُرْآن: أَن الْمُلْحِدِينَ الَّذين يُرِيدُونَ هدم الْإِسْلَام يضللون النَّاس بِهَذِهِ التَّرْجَمَة، ويزعمون أَنَّهَا قُرْآن، وَقد وَقع ذَلِك فِي بعض الْبِلَاد الإسلامية الَّتِي كَانَت يَوْمًا تقودُ الْعَالم الإسلامي أجمع7. ومَن أجَاز هَذَا النَّوْع من التَّرْجَمَة فَإِنَّمَا اعْتمد على شُبه سرعَان مَا

_ 1 - روح الْمعَانِي (12/173) . 2 - الْمَجْمُوع شرح الْمُهَذّب (3/379) . 3 - الْمُغنِي (1/486) . 4 - انْظُر الْجَامِع لأحكام الْقُرْآن (1/126) فقد ذكر ذَلِك عَن الْجُمْهُور. 5 - انْظُر الْمحلى (3/254) . 6 - انْظُر تَرْجَمَة الْقُرْآن وَمَا فِيهَا من الْمَفَاسِد ومنافاة الْإِسْلَام، ص (19) . 7 - انْظُر مَسْأَلَة تَرْجَمَة الْقُرْآن، ص (3) .

انهارت أَمَام نقد الْعلمَاء، فَلَا نطيلُ بذكرها والردِّ عَلَيْهَا1. ج - التَّرْجَمَة التفسيرية: وَهِي تَرْجَمَة تَفْسِير من التفاسير الَّتِي ألّفها الْعلمَاء باللغة الْعَرَبيَّة إِلَى لُغَة أُخرى2. وَهَذِه التَّرْجَمَة عارضها بعض الْعلمَاء، وأجازها آخَرُونَ، وكأنّ الَّذين عارضوها لم يرَوا فرقا وَاضحا بَين هَذَا النَّوْع وَالَّذِي قبلَه - أَي: بَين التَّرْجَمَة المعنوية والترجمة التفسيرية - 3، أَو رَأَوْا أَنَّهَا غطاء يُرِيد بعض من يَقُول بهَا الْوُصُول إِلَى التَّرْجَمَة المعنوية4. وعَلى رَأس المجيزين لهَذَا النَّوْع من التَّرْجَمَة مشيخة الْأَزْهَر5، ثمَّ فَتْوَى صدرت عَن دَار الْإِفْتَاء بالرياض مضمونُها جَوَاز هَذَا النَّوْع من التَّرْجَمَة بِشَرْط أَن يُفهم الْمَعْنى فهما صَحِيحا، وَأَن يعبّر عَنهُ من عالمٍ بِمَا يُحيل الْمعَانِي باللغات الْأُخْرَى تعبيرًا دَقِيقًا، يُفِيد الْمَعْنى الْمَقْصُود من نُصُوص الْقُرْآن، ونقلوا عَن شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن تَيْمِية مَا يُفيد جَوَاز هَذَا النَّوْع6. وَقد وضعت اللجنة المنبثقة عَن فَتْوَى عُلَمَاء الْأَزْهَر قَوَاعِد خَاصَّة بالطريقة الَّتِي تتبعها فِي تَفْسِيرهَا مَعَاني الْقُرْآن الْكَرِيم - الَّذِي سيترجم - نوردُها فِيمَا يَلِي:

_ 1 - انظرها وَالرَّدّ عَلَيْهَا فِي كتاب مَسْأَلَة تَرْجَمَة الْقُرْآن، ص (5) وَمَا بعدَها، وَحدث الْأَحْدَاث فِي الْإِسْلَام، ص (26) وَمَا بعدَها، وَالْقَوْل السديد، ص (74) وَمَا بعدَها. 2 - انْظُر القَوْل السديد، ص (12) . 3 - انْظُر الْفرق بَين النَّوْعَيْنِ فِي مناهل الْعرْفَان (2/10 - 12) . 4 - انْظُر حدث الْأَحْدَاث فِي الْإِسْلَام، ص (54) وَمَا بعْدهَا، وَالْقَوْل السديد، ص (97) . 5 - انْظُر مناهل الْعرْفَان (2/65) . 6 - انْظُر مجلة البحوث الإسلامية (الْعدَد السَّادِس - ص274، 275) .

1 - تبحث أَسبَاب النُّزُول وَالتَّفْسِير بالمأثور، فتفحص مروياتها وتنقد ويدوّن الصحيحُ مِنْهَا بالتفسير، مَعَ بَيَان وَجه قُوَّة الْقوي، وَضعف الضَّعِيف من ذَلِك. 2 - تبحث مُفْرَدَات الْقُرْآن الْكَرِيم بحثا لغويا، وخصائص التراكيب القرآنية بحثا بلاغيا وتدوّن. 3 - تبحث آراء الْمُفَسّرين بِالرَّأْيِ وَالتَّفْسِير بالمأثور، ويختار مَا تفسر الْآيَة بِهِ، مَعَ بَيَان وَجه ردّ الْمَرْدُود وَقبُول المقبول. 4 - وَبعد ذَلِك كُله يصاغ التَّفْسِير - مُسْتَوْفيا مَا نُص على اسْتِيفَائه فِي الْفَقْرَة الثَّانِيَة من الْقَوَاعِد السَّابِقَة1 - وَتَكون هَذِه الصياغة بأسلوب مُنَاسِب لإفهام جمهرة المتعلمين خَال من الإغراب والصنعة2. قلت: ولعلّ هَذَا القَوْل أقرب من قَول المانعين - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - لِأَن ذَلِك وَسِيلَة من وَسَائِل أَدَاء وَاجِب الْبَلَاغ، لمن لَا يعرف اللُّغَة الْعَرَبيَّة، بِشَرْط الِالْتِزَام التَّام بِمَا جَاءَ فِي الْقَوَاعِد السَّابِقَة، وبغيرها من الْقَوَاعِد الَّتِي لَا يتسعُ الْمقَام لذكرها3.

_ 1 - انْظُر هَذِه الْقَوَاعِد فِي مناهل الْعرْفَان (2/66، 67) . 2 - مناهل الْعرْفَان (2/67، 68) . 3 - انْظُر تَرْجَمَة الْقُرْآن وَكَيف نَدْعُو غير الْعَرَب إِلَى الْإِسْلَام، ص (136، 137) فقد ذكر صَاحبه قَوَاعِد جَيِّدَة.

المبحث العاشر: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في التفسير العلمي للقرآن الكريم

المبحث الْعَاشِر: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي التَّفْسِير العلمي لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم1 ذكر الإِمَام الشاطبي رَحمَه الله أَن الشَّرِيعَة الإسلاميّة أُمية وَأَنَّهَا جَارِيَة على مَذَاهِب أَهلهَا2، ثمَّ بنى على هَذِه الْمَسْأَلَة أَشْيَاء: "مِنْهَا: أَن كثيرا من النَّاس تجاوزوا فِي الدَّعْوَى على الْقُرْآن الحدَّ فأضافوا إِلَيْهِ كل علم يُذكر للْمُتَقَدِّمين أَو الْمُتَأَخِّرين من عُلُوم الطبيعيات، والتعاليم3، والمنطق، وَعلم الْحُرُوف، وَجَمِيع مَا نظر فِيهِ الناظرون من هَذِه الْفُنُون وأشباهها؛ وَهَذَا إِذا عرضناه على مَا تقدم لم يَصح. وَإِلَى هَذَا فَإِن السّلف الصَّالح من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن يليهم كَانُوا أعرف بِالْقُرْآنِ وبعلومه وَمَا أودع فِيهِ، وَلم يبلغنَا أَنه تكلم أحد مِنْهُم فِي شَيْء من هَذَا الْمُدعى ... وَلَو كَانَ لَهُم فِي ذَلِك خوض وَنظر لبلغنا مِنْهُ مَا يدلنا على أصل الْمَسْأَلَة، إلاَّ أَن ذَلِك لم يكن؛ فَدلَّ على أَنه غير مَوْجُود عِنْدهم، وَذَلِكَ دَلِيل على أَن الْقُرْآن لم يقْصد فِيهِ تَقْرِير لشَيْء مِمَّا زَعَمُوا، نعم تضمن علوما هِيَ من جنس عُلُوم الْعَرَب، أَو مَا يَنْبَنِي على معهودها مِمَّا يتعجب مِنْهُ أولو الْأَلْبَاب، وَلَا تبلغه إدراكات الْعُقُول الراجحة دون الاهتداء بأعلامه والاستنارة بنوره، أما أَن فِيهِ مَا لَيْسَ من ذَلِك فَلَا. وَرُبمَا استدلوا على دَعوَاهُم بقوله تَعَالَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ

_ 1 - انْظُر فِي هَذَا المبحث الإتقان (2/348) ، ومناهل الْعرْفَان (1/565) ، ومباحث فِي عُلُوم الْقُرْآن، ص (270) ، واتجاهات التَّفْسِير فِي الْعَصْر الرَّاهِن، ص (297) ، وبحوث فِي أصُول التَّفْسِير ومناهجه، ص (97) وَمَا بعْدهَا. 2 - انْظُر الموافقات (2/109) وَمَا بعْدهَا. 3 - قَالَ عبد الله دراز: ((التعاليم)) الرياضيات من الهندسة وَغَيرهَا. انْظُر الطبعة الَّتِي حققها من الموافقات (2/79) حَاشِيَته.

شَيْءٍ} 1، وَقَوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} 2، وَنَحْو ذَلِك، وبفواتح السُّور وَهِي مِمَّا لم يعْهَد عِنْد الْعَرَب، وَبِمَا نقل عَن النَّاس فِيهَا، وَرُبمَا حُكي من ذَلِك عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ وَغَيره أَشْيَاء. فَأَما الْآيَات فَالْمُرَاد بهَا عِنْد الْمُفَسّرين مَا يتَعَلَّق بِحَال التَّكْلِيف والتعبد3، أَو المُرَاد بِالْكتاب فِي قَوْله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} 4 اللَّوْح الْمَحْفُوظ5، وَلم يذكرُوا فِيهَا مَا يَقْتَضِي تضمنه لجَمِيع الْعُلُوم النقلية والعقلية. وَأما فواتح السُّور، فقد تكلم النَّاس فِيهَا بِمَا يَقْتَضِي أَن للْعَرَب بهَا عهدا كعدد الْجمل الَّذِي تعرَّفوه من أهل الْكتاب، حَسْبَمَا ذكره أَصْحَاب السّير، أَو هِيَ من المتشابهات الَّتِي لَا يعلم تَأْوِيلهَا إلاَّ الله تَعَالَى، وَغير ذَلِك، وَأما تَفْسِيرهَا بِمَا لَا عهد بِهِ فَلَا يكون، وَلم يَدعه أحد مِمَّن تقدّم، فَلَا دَلِيل فِيهَا على مَا ادعوا،

_ 1 - سُورَة النَّحْل، الْآيَة: 89. 2 - سُورَة الْأَنْعَام، الْآيَة: 38. 3 - انْظُر النكت والعيون للماوردي (2/112) ، وَالْمُحَرر الْوَجِيز لِابْنِ عَطِيَّة (6/48) ، وَزَاد الْمسير لِابْنِ الْجَوْزِيّ (3/35) ، وَالتَّفْسِير الْكَبِير للرازي (12/178) ، ومدارك التَّنْزِيل للنسفي (2/11) ، وَالْبَحْر الْمُحِيط لأبي حَيَّان (4/126) ، فقد خرّجوا قَول من قَالَ: إِن المُرَاد بِالْكتاب هُنَا الْقُرْآن بِنَحْوِ مَا ذكر أَبُو إِسْحَاق هُنَا. وَذَلِكَ عِنْد آيَة الْأَنْعَام. وَانْظُر جَامع الْبَيَان (17/278) عِنْد آيَة النَّحْل تَجِد أَن الإِمَام الطَّبَرِيّ قد أخرج عَن مُجَاهِد وَابْن جريج نَحْو مَا ذكر أَبُو إِسْحَاق هُنَا. وَقد تتبعت بعض الطّرق إِلَى مُجَاهِد فَوجدت رجال إسنادها ثِقَات. وَبِنَحْوِ مَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق هُنَا فسّر الْآيَة أَبُو اللَّيْث فِي بَحر الْعُلُوم (2/246) ، وَكَذَلِكَ الْبَغَوِيّ فِي معالم التَّنْزِيل (3/81) . 4 - سُورَة الْأَنْعَام، الْآيَة: 38. 5 - روى الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره (11/345) بِسَنَدِهِ الثَّابِت من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن معنى الْآيَة: مَا تركنَا شَيْئا إلاّ قد كتبناه فِي أم الْكتاب. وَثَبت عَن قَتَادَة نَحْو هَذَا التَّفْسِير. انْظُر تَفْسِير الْقُرْآن لعبد الرَّزَّاق الصَّنْعَانِيّ (2/206، 207) .

وَمَا ينْقل عَن عليّ أَو غَيره فِي هَذَا لَا يثبت1. فَلَيْسَ بجائز أَن يُضَاف إِلَى الْقُرْآن مَا لَا يَقْتَضِيهِ، كَمَا أَنه لَا يَصح أَن يُنكر مِنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ، وَيجب الِاقْتِصَار فِي الِاسْتِعَانَة على فهمه على كل مَا يُضَاف علمه إِلَى الْعَرَب خاصّة فبه يُوصل إِلَى علم مَا أودع من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، فَمن طلبه بِغَيْر مَا هُوَ أَدَاة لَهُ ضل عَن فهمه، وَتقول على الله وَرَسُوله فِيهِ ... "2. التَّعْلِيق على مَبْحَث: التَّفْسِير العلمي لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم اخْتلف الْعلمَاء فِي التَّفْسِير العلمي لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم، فَنقل السُّيُوطِيّ عَن ابْن أبي الْفضل المرسي3 أَنه قَالَ: "جمع الْقُرْآن عُلُوم الْأَوَّلين والآخرين"4، ثمَّ عدد أنواعا من الْعُلُوم حَتَّى ذكر الْخياطَة، والحدادة، والنجارة، والغزل، والنسج، والفلاحة، والملاحة، وَالْخبْز، والطبخ، وَالْغسْل5. وَتَابعه على هَذَا الاتجاه بعض المعاصرين، وعَلى رَأْسهمْ الشَّيْخ طنطاوي جوهري فِي كِتَابه "الْجَوَاهِر الحسان" الَّذِي هُوَ أشبه بِكِتَاب عُلُوم مدرسي، فِيهِ صور الْحَيَوَانَات والنباتات وَغير ذَلِك مِمَّا زعم أَن الْقُرْآن دلّ عَلَيْهِ وطالبنا بالبحث فِيهِ6.

_ 1 - قد أخرج الإِمَام الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره (1/207) من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه قَالَ: ((هُوَ قسمٌ أقسم الله بِهِ)) ، وَثَبت ذَلِك عَن عِكْرِمَة أَيْضا كَمَا فِي تَفْسِير الطَّبَرِيّ (1/207) . 2 - انْظُر الموافقات (2/127 - 131) . 3 - مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْفضل المرسي، عَلامَة نحوي أديب زاهد مُفَسّر مُحدث فَقِيه أصولي (ت: 655هـ -) انْظُر بغية الوعاة (1/144) . 4 - الإتقان (2/350) . 5 - انْظُر الْمرجع نَفسه (2/350 - 355) ، وَقد سبقه إِلَى هَذَا الاتجاه الْغَزالِيّ والرازي وَغَيرهمَا. انْظُر اتجاهات التَّفْسِير فِي الْعَصْر الرَّاهِن، ص (247، 251) . 6 - انْظُر كِتَابه الْمَذْكُور، وَهُوَ فِي قَاعِدَة كتب الاطّلاع الْمَحْدُود، فِي المكتبة المركزيّة، فِي الجامعة الإسلامية.

وَذهب أَبُو إِسْحَاق الشاطبي إِلَى خلاف هَذِه الفكرة، كَمَا رَأَيْت فِي كَلَامه، وَذهب إِلَى فكرته طَائِفَة من الْعلمَاء المعاصرين1. وَلكُل من الْفَرِيقَيْنِ أدلّة، أَشَارَ أَبُو إِسْحَاق الشاطبي إِلَى بَعْضهَا، وأتى على أَكْثَرهَا الْأُسْتَاذ الدكتور فَهد بن عبد الرَّحْمَن الرُّومِي2. وَهُنَاكَ رَأْي يَقُول: بِقبُول التَّفْسِير العلمي لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم بِالشُّرُوطِ التالية3: 1 - ألاَّ تطغى تِلْكَ المباحث عَن الْمَقْصُود الأول من الْقُرْآن الْكَرِيم، وَهُوَ الْهِدَايَة والإعجاز. 2 - أَن تذكر تِلْكَ الأبحاث على وَجه يدْفع الْمُسلمين إِلَى النهضة، ويلفتهم إِلَى جلال الْقُرْآن الْكَرِيم، ويحركهم إِلَى الِانْتِفَاع بقوى هَذَا الْكَوْن الْعَظِيم - الَّذِي سَخَّرَهُ الله لنا - انتفاعا يُعِيد لأمة الْإِسْلَام مجدَها. 3 - أَن تذكر تِلْكَ الْعُلُوم لأجل تعميق الشُّعُور الديني لَدَى الْمُسلم، والدفاع عَن العقيدة ضد أعدائها. 4 - أَن لَا تذكر هَذِه الأبحاث على أَنَّهَا هِيَ التَّفْسِير الَّذِي لَا يدل النَّص القرآني على سواهُ، بل تذكر لتوسيع الْمَدْلُول، وللاستشهاد بهَا على وَجه لَا يُؤثر بُطْلَانهَا فِيمَا بعد على قداسة النَّص القرآني، ذَلِك أَن تَفْسِير النَّص القرآني بنظرية قَابِلَة للتغيير والإبطال يثير الشكوك حول الْحَقَائِق القرآنية فِي أذهان النَّاس، كلما تعرضت نظرية للرَّدّ أَو الْبطلَان. وَهَذَا الرَّأْي الْأَخير هُوَ وسط بَين الْقَوْلَيْنِ، وَيُؤَيِّدهُ أَن فِي الْقُرْآن الْكَرِيم إشارات علمية سيقت مساق الْهِدَايَة، فالتلقيح فِي النَّبَات ذاتي وخلطي، والذاتي

_ 1 - انْظُر مبَاحث فِي عُلُوم الْقُرْآن ص (270) ، واتجاهات التَّفْسِير فِي الْعَصْر الرَّاهِن، ص (297) وَمَا بعْدهَا. 2 - انْظُر بحوث فِي أصُول التَّفْسِير ومناهجه، ص (97، 98) . 3 - انْظُر مناهل الْعرْفَان (1/569، 570) ، وبحوث فِي أصُول التَّفْسِير ومناهجه ص (99) .

مَا اشْتَمَلت زهرته على عضوي التَّذْكِير والتأنيث. والخلطي: هُوَ مَا كَانَ عُضْو التَّذْكِير فِيهِ مُنْفَصِلا عَن عُضْو التَّأْنِيث كالنخيل، فَيكون التلقيح بِالنَّقْلِ، وَمن وَسَائِل ذَلِك الرِّيَاح، وَجَاء فِي هَذَا قَول الله تَعَالَى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} 1". و"الأوكسجين" ضَرُورِيّ لتنفس الْإِنْسَان، ويقل فِي طَبَقَات الجو الْعليا، فَكلما ارْتَفع الْإِنْسَان فِي أجواء السَّمَاء أحس بِضيق الصَّدْر وصعوبة التنفس، وَالله تَعَالَى يَقُول: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} " 2.

_ 1 - سُورَة الْحجر، الْآيَة: 22. 2 - سُورَة الْأَنْعَام، الْآيَة: 125. وَانْظُر مبَاحث فِي عُلُوم الْقُرْآن، ص (272، 273) . .

المبحث الحادي عشر: مع الأمام أبي إسحاق الشاطبي في أسباب الاختلاف غير المؤثر في تفسير القرآن الكريم

المبحث الْحَادِي عشر: مَعَ الْأَمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَسبَاب الِاخْتِلَاف غير الْمُؤثر فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم ... المبحث الْحَادِي عشر: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَسبَاب الِاخْتِلَاف غير المؤثرة فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم ذكر الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي أَن من الْخلاف خلافًا لَا يعْتد بِهِ، وَهُوَ الْخلاف الَّذِي وَقع مُخَالفا لمقطوع بِهِ فِي الشَّرِيعَة1. ثمَّ قَالَ: "وَالثَّانِي مَا كَانَ ظَاهره الْخلاف وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَة كَذَلِك، وَأكْثر مَا يَقع ذَلِك فِي تَفْسِير الْكتاب وَالسّنة، فتجد الْمُفَسّرين ينقلون عَن السّلف فِي مَعَاني أَلْفَاظ الْكتاب أقوالاً مُخْتَلفَة فِي الظَّاهِر، فَإِذا اعتبرتها وَجدتهَا تتلاقى على الْعبارَة كالمعنى الْوَاحِد، والأقوال إِذا أمكن اجتماعها وَالْقَوْل بجميعها من غير إخلال بمقصد الْقَائِل فَلَا يَصح نقل الْخلاف فِيهَا عَنهُ ... وَهَذَا الْموضع مِمَّا يجب تَحْقِيقه فَإِن نقل الْخلاف فِي مَسْأَلَة لَا خلاف فِيهَا فِي الْحَقِيقَة خطأ، كَمَا أَن نقل

_ 1 - انْظُر الموافقات (5/210)

الْوِفَاق فِي مَوضِع الْخلاف لَا يَصح"1. بعد هَذِه الْمُقدمَة الممتعة عدد لنا أَبُو إِسْحَاق أَسبَاب الِاخْتِلَاف غير المؤثرة - نورد مِنْهَا فِي هَذَا المبحث مَا نرى أَنه يخصّ التَّفْسِير - فَقَالَ: "أَحدهَا: أَن يُذكر فِي التَّفْسِير عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك شَيْء، أَو عَن أحد من أَصْحَابه أَو غَيرهم، وَيكون ذَلِك الْمَنْقُول بعض مَا يَشْمَلهُ اللَّفْظ، ثمَّ يذكر غير ذَلِك الْقَائِل أَشْيَاء أخر مِمَّا يَشْمَلهُ اللَّفْظ أَيْضا، فينصهما الْمُفَسِّرُونَ على نصهما، فيظن أَنه خلاف، كَمَا نقلوا فِي "الْمَنّ" أَنه خبز رقاق، وَقيل: زنجبيل، وَقيل: الترنجبين2، وَقيل: شراب مزجوه بِالْمَاءِ، فَهَذَا كُله يَشْمَلهُ اللَّفْظ؛ لِأَن الله مَنَّ بِهِ عَلَيْهِم؛ وَلذَلِك جَاءَ فِي الحَدِيث: "الكمأة من المنِّ الَّذِي أنزل الله على بني إِسْرَائِيل"3. فَيكون الْمَنّ جملَة نعم، ذكر النَّاس مِنْهَا آحادًا. وَالثَّانِي: أَن يذكر فِي النَّقْل أَشْيَاء تتفق فِي الْمَعْنى بِحَيْثُ ترجع إِلَى معنى وَاحِد، فَيكون التَّفْسِير فِيهَا على قَول وَاحِد، ويوهم نقلهَا على اخْتِلَاف اللَّفْظ أَنه خلاف مُحَقّق، كَمَا قَالُوا فِي "السلوى" إِنَّه طير يشبه السماني، وَقيل: طير أَحْمَر صفته كَذَا، وَقيل: طير بِالْهِنْدِ أكبر من العصفور، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي "الْمَنّ": شَيْء يسْقط على الشّجر فيؤكل، وَقيل: صمغة حلوة، وَقيل: الترنجبين، وَقيل: مثل رب غليظ، وَقيل: عسل جامد، فَمثل هَذَا يصحّ حمله على الْمُوَافقَة وَهُوَ الظَّاهِر فِيهَا.

_ 1 - انْظُر الْمصدر نَفسه (5/210) . 2 - الترنجبين: معرَّب ((ترنكبين)) فَارسي، أَي: عسل النَّدى. انْظُر قصد السَّبِيل فِيمَا فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة من الدخيل (1/334) . 3 - أخرجه مُسلم فِي صَحِيحه، كتاب الْأَشْرِبَة (3/1620) رقم (2049) .

وَالثَّالِث: أَن يذكر أحد الْأَقْوَال على تَفْسِير اللُّغَة، وَيذكر الآخر على التَّفْسِير الْمَعْنَوِيّ، وَفرق بَين تَقْرِير الْإِعْرَاب، وَتَفْسِير الْمَعْنى، وهما مَعًا يرجعان إِلَى حكم وَاحِد؛ لِأَن النّظر اللّغَوِيّ رَاجع إِلَى تَقْرِير أصل الْوَضع، وَالْآخر رَاجع إِلَى تَقْرِير الْمَعْنى فِي الِاسْتِعْمَال، كَمَا قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ} 1 أَي للمسافرين، وَقيل: النازلين بِالْأَرْضِ القَوَاءَ وَهِي القفر. وَكَذَلِكَ قَوْله: {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} 2 أَي داهية تفجؤهم، وَقيل: سَرِيَّة من سَرَايَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَشْبَاه ذَلِك. وَالرَّابِع: يخْتَص بالآحاد فِي خَاصَّة أنفسهم، كاختلاف الْأَقْوَال بِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِمَام الْوَاحِد، بِنَاء على تَغْيِير الِاجْتِهَاد وَالرُّجُوع عَمَّا أفتى بِهِ إِلَى خِلَافه، فَمثل هَذَا لَا يَصح أَن يعْتد بِهِ خلافًا فِي الْمَسْأَلَة؛ لِأَن رُجُوع الإِمَام عَن القَوْل الأوّل إِلَى القَوْل الثَّانِي اطّراح مِنْهُ للْأولِ وَنسخ لَهُ بِالثَّانِي، وَفِي هَذَا من بعض الْمُتَأَخِّرين تنَازع، وَالْحق فِيهِ مَا ذكر أَولا.... وَالْخَامِس: أَن يَقع تَفْسِير الْآيَة أَو الحَدِيث من الْمُفَسّر الْوَاحِد على أوجه من الِاحْتِمَالَات، وَيَبْنِي على كل احْتِمَال مَا يَلِيق بِهِ من غير أَن يذكر خلافًا فِي التَّرْجِيح، بل على توسيع الْمعَانِي خَاصَّة، فَهَذَا لَيْسَ بمستقر خلافًا؛ إِذْ الْخلاف مَبْنِيّ على الْتِزَام كل قَائِل احْتِمَالا يعضده بِدَلِيل يرجحه على غَيره من الِاحْتِمَالَات حَتَّى يبْنى عَلَيْهِ دون غَيره، وَلَيْسَ الْكَلَام فِي مثل هَذَا. وَالسَّادِس: أَن يَقع الْخلاف فِي تَنْزِيل الْمَعْنى الْوَاحِد فيحمله قوم على الْمجَاز مثلا، وَقوم على الْحَقِيقَة، وَالْمَطْلُوب أَمر وَاحِد، كَمَا يَقع لأرباب التَّفْسِير

_ 1 - سُورَة الْوَاقِعَة، الْآيَة: 73. 2 - سُورَة الرَّعْد، الْآيَة: 31.

كثيرا فِي نَحْو قَوْله: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيّ} 1، فَمنهمْ من يحمل الْحَيَاة وَالْمَوْت على حقائقهما، وَمِنْهُم من يحملهما على الْمجَاز، وَلَا فرق فِي تَحْصِيل الْمَعْنى بَينهمَا ... وَمثل ذَلِك قَوْله: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} 2فَقيل: كالنهار بَيْضَاء لَا شَيْء فِيهَا، وَقيل: كالليل سَوْدَاء لَا شَيْء فِيهَا، فالمقصود شَيْء وَاحِد، وَإِن شبه بالمتضادين اللَّذين لَا يتلاقيان3. التَّعْلِيق على مَبْحَث: أَسبَاب الِاخْتِلَاف غير المؤثرة فِي التَّفْسِير هَذَا المبحث مُهِمّ جدًّا؛ لِأَن كتب التَّفْسِير قد ملئت بتعديد الْأَقْوَال الَّتِي تُذكر على سَبِيل الِاخْتِلَاف، أَو تذكر على أَنَّهَا مِمَّا جَاءَ عَن الْعلمَاء، وَعند النّظر فِيهَا وَالتَّحْقِيق على ضوء مَا ذكره الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي وَغَيره نجد كثيرا مِنْهَا مؤتلف، غير مُخْتَلف. وَمِمَّنْ نبه على هَذِه الْمَسْأَلَة شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن عبد السَّلَام بن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى4. وَكم هُوَ جدير بالمتأخرين المعاصرين من عُلَمَاء التَّفْسِير أَن يولوا هَذِه الْمَسْأَلَة اهتماما بِالْكِتَابَةِ فِي ذَلِك وتوجيه الباحثين إِلَيْهَا، فهم بذلك يقربون تراث الْمُتَقَدِّمين إِلَى الْمُتَأَخِّرين، ويحببونهم فِيهِ، وينقونه مِمَّا شابه من الشوائب الْكَثِيرَة.

_ 1 - سُورَة الرّوم، الْآيَة: 19. 2 - سُورَة الْقَلَم، الْآيَة: 20. 3 - انْظُر الموافقات (5/211 - 216) . وَقد تصرفت فِي ترقيم هَذِه الْأَسْبَاب نظرا لحذف الْأَسْبَاب الَّتِي لَا تخصّ التَّفْسِير. 4 - انْظُر مُقَدّمَة فِي أصُول التَّفْسِير، ص (67) .

وَأما أَسبَاب الِاخْتِلَاف الْحَقِيقِيَّة فَلم يذكرهَا أَبُو إِسْحَاق الشاطبي هُنَا؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفَة، طرقها الباحثون ضمن مؤلفاتهم1، وأفردها بَعضهم بالتأليف2.

_ 1 - انْظُر التسهيل لعلوم التن - زيل (1/15) ، وبحوث فِي أصُول التَّفْسِير ومناهجه، ص (44) . 2 - مثل الْأُسْتَاذ الدكتور سعود الفنيسان فِي أطروحته للدكتوراه فقد كَانَت بعنوان ((اخْتِلَاف الْمُفَسّرين أَسبَابه وآثاره)) .

المبحث الثاني عشر: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في وجود المعرب في القرآن الكريم

المبحث الثَّانِي عشر: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي وجود المعرَّب فِي الْقُرْآن الْكَرِيم أَشَارَ أَبُو إِسْحَاق إِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة إِشَارَة تَبَعِيَّة1تَحت عنوان وَضعه بقوله: "النَّوْع الثَّانِي فِي بَيَان قصد الشَّارِع فِي وضع الشَّرِيعَة للإفهام ويتضمن مسَائِل"2. فَقَالَ: "وَأما كَونه جَاءَت فِيهِ أَلْفَاظ من أَلْفَاظ الْعَجم، أَو لم يَجِيء فِيهِ شَيْء من ذَلِك فَلَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِذا كَانَت الْعَرَب قد تَكَلَّمت بِهِ، وَجرى فِي خطابها، وفهمت مَعْنَاهُ، فَإِن الْعَرَب إِذا تَكَلَّمت بِهِ صَار من كَلَامهَا، أَلا ترى أَنَّهَا لَا تَدعه على لَفظه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ عِنْد الْعَجم، إِلَّا إِذا كَانَت حُرُوفه فِي المخارج وَالصِّفَات كحروف الْعَرَب، وَهَذَا يقل وجوده، وَعند ذَلِك يكون مَنْسُوبا إِلَى الْعَرَب، فَأَما إِذا لم تكن حُرُوفه كحروف الْعَرَب، أَو كَانَ بَعْضهَا كَذَلِك دون بعض، فَلَا بُد لَهَا من أَن تردها إِلَى حروفها، وَلَا تقبلهَا على مُطَابقَة حُرُوف الْعَجم أصلا، وَمن أوزان الْكَلم مَا تتركه على حَاله فِي كَلَام الْعَجم، وَمِنْهَا مَا

_ 1 - إِذْ إِن مَقْصُوده من الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة أَن يبين أَن الْقُرْآن نزل بِلِسَان الْعَرَب على الْجُمْلَة فَطلب فهمه إِنَّمَا يكون من هَذَا الطَّرِيق خاصّة. انْظُر الموافقات (2/102) . 2 - الموافقات (2/101) .

تتصرف فِيهِ بالتغيير كَمَا تتصرف فِي كَلَامهَا، وَإِذا فعلت ذَلِك صَارَت تِلْكَ الْكَلم مَضْمُومَة إِلَى كَلَامهَا كالألفاظ المرتجلة والأوزان المبتدأة لَهَا، هَذَا مَعْلُوم عِنْد أهل الْعَرَبيَّة لَا نزاع فِيهِ وَلَا إِشْكَال. وَمَعَ ذَلِك فَالْخِلَاف الَّذِي يذكرهُ الْمُتَأَخّرُونَ فِي خُصُوص الْمَسْأَلَة لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ حكم شَرْعِي، وَلَا يُسْتَفَاد مِنْهُ مَسْأَلَة فقهية، وَإِنَّمَا يُمكن فِيهَا أَن تُوضَع مَسْأَلَة كلامية يبْنى عَلَيْهَا اعْتِقَاد، وَقد كفى الله مُؤنَة الْبَحْث فِيهَا بِمَا اسْتَقر عَلَيْهِ كَلَام أهل الْعَرَبيَّة فِي الْأَسْمَاء الأعجميّة"1. التَّعْلِيق على مَبْحَث: وجود المعرَّب فِي الْقُرْآن الْكَرِيم يُفهم من كَلَام أبي إِسْحَاق فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه لَا يستبعد وجود بعض الْكَلِمَات فِي الْقُرْآن أَصْلهَا لَيْسَ عَرَبيا، إلاَّ أَنه يرى أَن الْعَرَب بعد أَن تَكَلَّمت بهَا، وغيَّرت فِيهَا حَتَّى تتناسب مَعَ الْعَرَبيَّة أَصبَحت فِي هَذِه الْحَالة عَرَبِيَّة وَبهَا نزل الْقُرْآن الْكَرِيم. وَهَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاق هُوَ مَذْهَب من أَرَادَ الْجمع بَين قَوْلَيْنِ، أَحدهمَا: يَنْفِي وجود المعرَّب فِي الْقُرْآن الْكَرِيم، وَالْآخر: يثبت وجود المعرَّب. وَإِن أردْت الْإِحَاطَة بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة من جَمِيع جوانبها فَانْظُر فِيهَا آراء الْأَئِمَّة: الشَّافِعِي2، وَابْن جرير الطَّبَرِيّ3، وَأبي عُبَيْدَة4، وَابْن فَارس5،

_ 1 - الْمصدر نَفسه (2/102، 103) . 2 - انْظُر الرسَالَة، ص (41 - 47) . 3 - انْظُر تَفْسِيره، (1/13 - 19) . 4 - انْظُر مجَاز الْقُرْآن (1/17، 18) . 5 - انْظُر الصاحبي، ص (46) .

وَابْن عَطِيَّة1، والجواليقي2، والسيوطي3، وَغَيرهم4.

_ 1 - انْظُر الْمُحَرر الْوَجِيز (1/36 - 37) . 2 - انْظُر المعرَّب، ص (53) . 3 - انْظُر الْمُهَذّب، ص (61، 62) . 4 - انْظُر لُغَة الْقُرْآن الْكَرِيم، ص (202 - 222) ، واستدراكات القَاضِي ابْن عَطِيَّة على الإِمَام ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم، ص (56 - 64) .

الفصل الثالث: مع الامام أبي إسحاق الشاطبيفي مباحث من تفسير القرآن الكريم (وفيه عشرة مباحث)

الْفَصْل الثَّالِث: مَعَ الامام أبي إِسْحَاق الشاطبيفي مبَاحث من تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم (وَفِيه عشرَة مبَاحث) المبحث الأول: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ ... تَابع مَعَ الإِمَام أبي اسحاق الشاطبي فِي مبَاحث من عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره الْفَصْل الثَّالِث مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي مبَاحث من تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم (وَفِيه عشرَة مبَاحث) فِي الْفَصْل الثَّانِي صَحِبنَا الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشاطبي فِي مبَاحث من عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم، وَفِي هَذَا الْفَصْل سنصحبه - بِإِذن الله تَعَالَى - فِي أهم المباحث التفسيريّة، الَّتِي يعْتَمد عَلَيْهَا فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم، ضاربين على هَذَا أَمْثِلَة مِمَّا قَالَه فِي ثنايا مؤلّفاته، فَإلَى هَذِه المباحث نَتْرُكك، غير شاكين فِي إفادتك مِنْهَا بِإِذن الله تَعَالَى. المبحث الأول: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ قرر أَبُو إِسْحَاق الشاطبي أَن الْقُرْآن يتَوَقَّف فهمُ بعضه على بعض، فَقَالَ: "يتَوَقَّف - يَعْنِي الْقُرْآن الْكَرِيم - فهم بعضه على بعض بِوَجْه مَا، وَذَلِكَ أَنه يبين بعضه بَعْضًا، حَتَّى إِن كثيرا مِنْهُ لَا يُفهم مَعْنَاهُ حقّ الْفَهم إِلاَّ بتفسير مَوضِع آخر، أَو سُورَة أُخرى"1. وَإِلَيْك بعض الْأَمْثِلَة مِمَّا قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ: (1) يرى أَبُو إِسْحَاق أنّ قَوْله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَه} 2بَيَان لقَوْله: {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} 3خلافًا لمن قَالَ: إِنَّهَا نسختها4.

_ 1 - الموافقات (4/275) . 2 - سُورَة الْأَنْفَال، الْآيَة: 41. 3 - سُورَة الْأَنْفَال، الْآيَة: 1. 4 - انْظُر الموافقات (3/348) .

(2) يرى أَبُو إِسْحَاق أَن قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} 1بيّنه قَوْله تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا} 2خلافًا لمن قَالَ: بالنسخ بَين الْآيَتَيْنِ3. (3) يرى أَبُو إِسْحَاق أَن قَوْله تَعَالَى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} 4بَيَان لقَوْله تَعَالَى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} 5، وَيُوجه قَول من قَالَ بالنسخ بَين الْآيَتَيْنِ إِلَى أَن مَقْصُوده الْبَيَان، إِذْ أَن آيَة الشورى خبر مَحْض، وَالْأَخْبَار لَا نسخ فِيهَا6. (4) يرى أَبُو إِسْحَاق أَن قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} 7تَقْيِيد - وَالتَّقْيِيد نوع من الْبَيَان - لقَوْله تَعَالَى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} 8، وَهُوَ مُرَاد من قَالَ بالنسخ بَين الْآيَتَيْنِ9. وَفِي معرض الرَّد على الْفرق الْمُخَالفَة لأهل السّنة ذكر أَبُو إِسْحَاق الشاطبي طَائِفَة من الْآيَات الَّتِي يُفسر بَعْضهَا بَعْضًا فَقَالَ: "… عُدّت الْمُعْتَزلَة من أهل الزيغ؛ حَيْثُ اتبعُوا نَحْو قَوْله تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} 10، وَقَوله:

_ 1 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 284. 2 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 286. 3 - انْظُر الموافقات (3/351) . 4 - سُورَة غَافِر، الْآيَة: 7. 5 - سُورَة الشورى، الْآيَة: 5. 6 - انْظُر الموافقات (3/356) . 7 - سُورَة التغابن، الْآيَة: 16. 8 - سُورَة آل عمرَان، الْآيَة: 102. 9 - انْظُر: الموافقات (3/358) . 10 - سُورَة فصلت، الْآيَة: 40.

{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} 1وَتركُوا مبينه وَهُوَ قَوْله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} 2. وَاتبع الْخَوَارِج نَحْو قَوْله تَعَالَى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ} 3، وَتركُوا مبينه وَهُوَ قَوْله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} 4، وَقَوله: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} 5. وَاتبع الجبرية نَحْو قَوْله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} 6وَتركُوا بَيَانه وَهُوَ قَوْله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 7وَمَا أشبهه"8.

_ 1 - سُورَة الْكَهْف، الْآيَة: 29. 2 - سُورَة التكوير، الْآيَة: 29. 3 - سُورَة يُوسُف، الْآيَة: 40. 4 - سُورَة الْمَائِدَة، الْآيَة: 95. 5 - سُورَة النِّسَاء، الْآيَة: 35. 6 - سُورَة الصافات، الْآيَة: 96. 7 - سُورَة التَّوْبَة، الْآيَة: 82، 95. 8 - الموافقات (3/313) .

المبحث الثاني: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في تفسير القرآن بالسنة

المبحث الثَّانِي: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ يعرف أَبُو إِسْحَاق مَا لهَذَا النَّوْع من تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم من أهمية، وَلِهَذَا حرص أَن يشْرَح بِهِ الْآيَات الَّتِي احْتَاجَ إِلَى تَفْسِيرهَا فِي مؤلفاته، وَقد احتوت مؤلفاته على الشَّيْء الْكثير من هَذَا، خُصُوصا فِي كِتَابه الموافقات، وَلَكِن بِمَا أَن الْفَصْل الثَّانِي كَانَ الِاعْتِمَاد فِيهِ على كتاب الموافقات، فَسَوف نحرص فِي هَذَا الْفَصْل أَن يكون أَكثر الِاعْتِمَاد فِيهِ على غَيره من كتب أبي إِسْحَاق الشاطبي؛ ليتبين للقارئ أَن كتب هَذَا الإِمَام مشحونة بالتفسير وعلوم الْقُرْآن. (1) قَالَ رَحمَه الله عِنْد قَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ …} 1الْآيَة -: "وَصَحَّ عَنْهَا (يَعْنِي عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا) أَنَّهَا قَالَت: سُئل رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن هَذِه الْآيَة: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ... } إِلَى آخر الْآيَة فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: "إِذا رَأَيْتُمْ الَّذين يتبعُون مَا تشابه مِنْهُ، فَأُولَئِك الَّذين سمى الله فاحذروهم2" 3. ثمَّ أَطَالَ - رَحمَه الله - بِذكر الرِّوَايَات الَّتِي جَاءَت عَن الرَّسُول - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي بَيَان معنى الْآيَة4.

_ 1 - سُورَة آل عمرَان، الْآيَة: 7. 2 - أخرجه الإِمَام البُخَارِيّ فِي صَحِيحه - مَعَ الْفَتْح - (8/209) ، كتاب تَفْسِير الْقُرْآن، بَاب (مِنْهُ آيَات محكمات) ح (4547) وَفِيه: "تَلا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَذِه الْآيَة" بدل "سُئل رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن هَذِه الْآيَة". 3 - الِاعْتِصَام (1/70، 71) . 4 - انْظُر الْمصدر نَفسه (1/70 - 74) .

(2) وَقَالَ - رَحمَه الله تَعَالَى، عِنْد قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} 1 -: "وَفِي التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: "إِن رجلا أَتَى النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي إِذا أصبت اللَّحْم انتشرت للنِّسَاء وأخذتني شهوتي فَحرمت عليَّ اللَّحْم فَأنْزل الله الْآيَة" 23. وَقد أَطَالَ رَحمَه الله تَعَالَى بِذكر الرِّوَايَات الأُخر الَّتِي قيل: إِنَّهَا سَبَب نزُول الْآيَة4. (3) وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى - عِنْد قَوْله تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 5 -: "فخرَّج التِّرْمِذِيّ عَن عَدي بن حَاتِم قَالَ: أتيت النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَفِي عُنُقي صَلِيب من ذهب فَقَالَ: "يَا عَدي اطرَح عَنْك هَذَا الوثن"، وسمعته يقْرَأ فِي سُورَة بَرَاءَة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 6قَالَ: "أما إِنَّهُم لم يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكِن

_ 1 - سُورَة الْمَائِدَة، الْآيَة: 87. 2 - أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي سنَنه (5/255) ، كتاب التَّفْسِير، بَاب وَمن سُورَة الْمَائِدَة، ح (3054) ، وَابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره (10/520) ، وَالطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير (11/350) ، والواحدي فِي أَسبَاب الن - زول، ص (204، 205) كلهم من طَرِيق عُثْمَان بن سعد، وَهُوَ ضَعِيف كَمَا فِي تقريب التَّهْذِيب، ص (383) . 3 - الِاعْتِصَام (1/418) . 4 - انْظُر الْمصدر نَفسه (1/417 - 423) . 5 - سُورَة التَّوْبَة، الْآيَة: 31. 6 - سُورَة التَّوْبَة، الْآيَة: 31.

إِذا أحلُّوا لَهُم شَيْئا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذا حرمُوا عَلَيْهِم شَيْئا حرَّموه" 1حَدِيث غَرِيب"2.

_ 1 - أخرجه الترمدي فِي سنَنه (5/278) ، كتاب تَفْسِير الْقُرْآن، بَاب وَمن سُورَة التَّوْبَة، ح (3095) وَقَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث عبد السَّلَام بن حَرْب، وغطيف بن أعين لَيْسَ بِمَعْرُوف فِي الحَدِيث. وَأخرجه الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره (14/209) ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن الْكُبْرَى (10/116) ، وَقَالَ سليم الْهِلَالِي: هُوَ حسن لغيره. انْظُر الِاعْتِصَام (2/871) حَاشِيَته. 2 - الِاعْتِصَام (2/871) .

المبحث الثالث: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم

المبحث الثَّالِث: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم اهتم أَبُو إِسْحَاق الشاطبي بِنَقْل تَفْسِير الصَّحَابَة فِي الْآيَات الَّتِي احْتَاجَ إِلَى تَفْسِيرهَا فِي مؤلفاته، وَمَا ذَلِك إلاَّ دراية مِنْهُ بأهمية ذَلِك، فالصحابة هم الَّذين حَضَرُوا التن - زيل، وتلقوا علومهم من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وهم الْعَرَب الَّذين يحْتَج بكلامهم فِي فهم مَعَاني الْقُرْآن الْكَرِيم. وَإِلَيْك بعض الْأَمْثِلَة مِمَّا نَقله أَبُو إِسْحَاق رَحمَه الله تَعَالَى: (1) قَالَ رَحمَه الله - عِنْد قَوْله تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 1 -: "وَفِي رِوَايَة يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن مَا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم؟ قَالَ: تركنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أدناه، وطرفه فِي الْجنَّة، وَعَن يَمِينه جوادٌّ، وَعَن يسَاره جوادٌّ، وَعَلَيْهَا رجال يدعونَ من مر بهم: هَلُمَّ لَك، هَلُمَّ لَك، فَمن أَخذ مِنْهُم فِي تِلْكَ الطّرق انْتَهَت بِهِ إِلَى

_ 1 - سُورَة الْأَنْعَام، الْآيَة: 153.

النَّار، وَمن استقام إِلَى الطَّرِيق الْأَعْظَم انْتهى بِهِ إِلَى الْجنَّة، ثمَّ تَلا ابْن مَسْعُود: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ …} 1الْآيَة كلهَا"2. (2) وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق - رَحمَه الله تَعَالَى -: "وخرَّج هُوَ3وَغَيره عَن عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَول الله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} 4قَالَ: "مَا قدمت من عمل خير أَو شَرّ، وَمَا أخرت من سنة يَعمل بهَا من بعده""5. (3) وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق - نقلا عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ -: "كنت لَا أَدْرِي مَا {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} 6حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يختصمان فِي بِئْر فَقَالَ أَحدهمَا: أَنا فطرتها، أَي ابْتَدَأتهَا"7.

_ 1 - سُورَة الْأَنْعَام، الْآيَة: 153. 2 - الِاعْتِصَام (1/77) . والأثر أخرجه عبد الرَّزَّاق الصَّنْعَانِيّ فِي تَفْسِير الْقُرْآن (2/223) عَن أبان بن أبي عَيَّاش أَن رجلا سَأَلَ ابْن مَسْعُود، والطبري فِي تَفْسِيره (12/230) من طَرِيق عبد الرَّزَّاق. فَهَذَا السندُ لَا يَصح عَن ابْن مَسْعُود؛ لِأَن فِيهِ رجلا مُبْهما؛ وَلِأَن أبان بن أبي عَيَّاش مَتْرُوك. انْظُر التَّقْرِيب رقم (142) . 3 - يَعْنِي عبد بن حميد. 4 - سُورَة الانفطار، الْآيَة: 5. 5 - الِاعْتِصَام (1/90) . والأثر أوردهُ السُّيُوطِيّ فِي الدّرّ المنثور (6/322) وَنسب إِخْرَاجه إِلَى عبد بن حميد. وَلم أَقف على إِسْنَاده فِيمَا بَين يَدي من المراجع. وَأخرج قَرِيبا مِنْهُ عبد الله بن الْمُبَارك فِي الزّهْد (2/850، 851) عَن عبد الله ابْن مَسْعُود. قَالَ مُحَقّق كتاب الزّهْد: مَوْقُوف بِسَنَد صَحِيح. 6 - سُورَة يُوسُف، الْآيَة: 101. 7 - الِاعْتِصَام (2/810) . والأثر أخرجه ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم (10/3170) ، وَأوردهُ السُّيُوطِيّ فِي الدّرّ المنثور (5/244) ، وَنسب إِخْرَاجه إِلَى أبي عبيد، وَعبد بن حميد، وَابْن الْمُنْذر، وَابْن أبي حَاتِم، وَالْبَيْهَقِيّ. قَالَ ابْن حجر: رَوَاهُ أَبُو عبيد فِي غَرِيب الحَدِيث، وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن بِإِسْنَاد حسن لَيْسَ فِيهِ إلاّ إِبْرَاهِيم ابْن مهَاجر. انْظُر الْكَاف الشاف، ص (61) فِي أول سُورَة الْأَنْعَام.

(4) "وَفِيمَا يرْوى عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ وَهُوَ على الْمِنْبَر عَن معنى قَوْله تَعَالَى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} 1فَأخْبرهُ رجل من هُذَيْل أَن التخوف عِنْدهم هُوَ التنقص"2.

_ 1 - سُورَة النَّحْل، الْآيَة: 47. 2 - الِاعْتِصَام (2/810، 811) . والأثر لم أَقف على من أخرجه بِهَذَا اللَّفْظ. وَأخرج الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره (17/214) نَحوه. وَقَالَ ابْن حجر فِي الْفَتْح (8/386) : ورَوى بِإِسْنَاد فِيهِ مَجْهُول عَن عمر أَنه سَأَلَ عَن ذَلِك فَلم يجب.

المبحث الرابع: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في تفسير القرآن بأقوال التابعين وأتباعهم

المبحث الرَّابِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال التَّابِعين وأتباعهم اعتنى أَبُو إِسْحَاق الشاطبي - رَحمَه الله تَعَالَى - بِنَقْل أَقْوَال التَّابِعين وأتباعهم فِي الْآيَات الَّتِي فَسرهَا فِي كتبه، وَمَا ذَلِك إلاَّ معرفَة مِنْهُ بأهميّة أَقْوَالهم؛ لأَنهم - التَّابِعين رَحِمهم الله - أخذُوا غَالب علمهمْ عَن الصَّحَابَة، فحري بهم إِصَابَة الْحق فِي تَفْسِير كَلَام الله تَعَالَى. وهاك بعض الْأَمْثِلَة نسوقها تقريرًا لهَذَا المبحث: (1) قَالَ أَبُو إِسْحَاق: "وَعَن مُجَاهِد: {قَصْدُ السَّبِيلِ} 1أَي: المقتصد مِنْهَا بَين الغلو وَالتَّقْصِير"2، وَذَلِكَ يُفِيد أَن الجائر هُوَ الغالي أَو المقصر، وَكِلَاهُمَا من أَوْصَاف الْبدع"3. (2) وَقَالَ أَيْضا: "وَعَن عِكْرِمَة: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} 4يَعْنِي فِي الْأَهْوَاء {إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّك} 5هم أهل السّنة"6.

_ 1 - سُورَة النَّحْل، الْآيَة: 9. 2 - أخرج مَعْنَاهُ الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره (17/175) عَن مُجَاهِد وَابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره (7/2278) وَكَذَلِكَ أورد هَذَا الْمَعْنى النّحاس فِي مَعَاني الْقُرْآن الْكَرِيم (4/57) . ويبدو أَن هَذَا الْمَعْنى ثَابت عَن مُجَاهِد؛ فَإِن ابْن جرير أخرجه من عدَّة طرق، عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَأخرجه أَيْضا من طَرِيق ابْن جريج عَن مُجَاهِد. وَأما تَفْسِير ابْن أبي حَاتِم المطبوع فَلم أَجِدهُ فِيهِ مُسْندًا. 3 - الِاعْتِصَام (1/78، 79) . 4 - سُورَة هود، الْآيَة: 118. 5 - سُورَة هود، الْآيَة: 119. 6 - الِاعْتِصَام (1/83) . والأثر أخرج بعضه الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره (15/533) من طَرِيق سماك عَن عِكْرِمَة. وَأخرج بَعْضًا بِالْمَعْنَى عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. انْظُر تَفْسِير الطبرى الْموضع الْمُتَقَدّم. وَكَذَلِكَ أخرج هَذَا الْبَعْض ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره (6/2093) من طَرِيق سماك عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: "لَا يزالون مُخْتَلفين فِي الْهوى". وَسماك الْمَذْكُور، قَالَ فِيهِ ابْن حجر: صَدُوق وَرِوَايَته عَن عِكْرِمَة خَاصَّة مضطربة، وَقد تغير بأخَرَة فَكَانَ رُبمَا تلقّن. التَّقْرِيب رقم (2624) .

(3) وَقَالَ أَيْضا: "وَعنهُ1 أَيْضا فِي قَول الله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 2قَالَ: "كتب الله صِيَام رَمَضَان على أهل الْإِسْلَام كَمَا كتبه على من كَانَ قبلهم، فَأَما الْيَهُود فرفضوه، وَأما النَّصَارَى فشق عَلَيْهِم الصَّوْم فزادوا فِيهِ عشرا، وأخروه إِلَى أخف مَا يكون عَلَيْهِم فِيهِ الصَّوْم من الْأَزْمِنَة""3. (4) وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: "وَخرج ابْن وهب عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله تَعَالَى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} 4فَهَذَا يَوْم أَخذ ميثاقهم، لم يَكُونُوا أمة وَاحِدَة غير ذَلِك الْيَوْم"5. (5) وَقَالَ أَيْضا: "وَخرج ابْن وهب عَن عمر بن عبد الْعَزِيز أَنه قَالَ فِي قَوْله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} 6خلق أهل الرَّحْمَة ألاَّ يَخْتَلِفُوا"7.

_ 1 - عَن الْحسن الْبَصْرِيّ. 2 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 183. 3 - الِاعْتِصَام (1/112) . والأثر لم أَقف عَلَيْهِ بهذ النَّص مُسْندًا، وَلَكِن أخرج بعضه - بِالْمَعْنَى - ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره (1/305) ، وَأورد بعضه ابْن كثير فِي تَفْسِيره (1/214) ، وَكَذَلِكَ السُّيُوطِيّ فِي الدّرّ المنثور (1/177) كِلَاهُمَا عَن الْحسن. وَأورد الرَّازِيّ مَعْنَاهُ فِي تَفْسِيره (5/60) عَن الْحسن أَيْضا. وَسَنَد ابْن أبي حَاتِم فِيهِ عبّاد بن مَنْصُور، تكلم فِيهِ الْعلمَاء بِمَا يُفِيد أَنه لَا يحْتَج بِهِ. انْظُر تَهْذِيب التَّهْذِيب (5/103 - 105) . 4 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 213. 5 - الِاعْتِصَام (2/673) . والأثر أخرجه الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره (4/278) من طَرِيق ابْن وهب قَالَ: قَالَ ابْن زيد، فَذكره. وَإسْنَاد رجال هَذَا الْأَثر إِلَى زيد بن أسلم ثِقَات. 6 - سُورَة هود، الْآيَة: 119. 7 - الِاعْتِصَام (2/672) . والأثر أخرجه ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره (6/2095) من طَرِيق ابْن وهب عَن عمر بن عبد الْعَزِيز بِإِسْنَاد لم يتبيّن لي حَاله، وَأخرج مَعْنَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي تَفْسِير الْقُرْآن (2/316) عَن ابْن عَبَّاس. وَذكر هَذَا الْمَعْنى ابْن كثير فِي تَفْسِيره (2/466) عَن طَاوس فِيمَا قَالَ ابْن وهب.

6 - وَذكر الإِمَام أَبُو إِسْحَاق عَن الإِمَام مَالك أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: " {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} 1إِلَى آخر الْآيَات ... قَالَ: فهم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين هَاجرُوا مَعَه، وأنصاره {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ} 2فَمن عدا هَؤُلَاءِ فَلَا حق لَهُم فِيهِ"3.

_ 1 - سُورَة الْحَشْر، الْآيَة: 8. 2 - سُورَة الْحَشْر، الْآيَة: 10. 3 - انْظُر الِاعْتِصَام (2/592) . والأثر بِمَعْنَاهُ فِي كثير من كتب التَّفْسِير، انْظُر مِنْهَا معالم التَّنْزِيل (4/331) ، وَزَاد الْمسير (8/216) ، وَالْجَامِع لأحكام الْقُرْآن (18/32) ، وَتَفْسِير ابْن كثير (4/340) . فقد اشْتهر عَن الإِمَام مَالك أَنه قَالَ: من يبغض أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا حَظّ لَهُ فِي فَيْء الْمُسلمين.

البحث الخامس: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في شيئ من تعقيباته وآرائه في التفسير

الْبَحْث الْخَامِس: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي شيئ من تعقيباته وآرائه فِي التَّفْسِير ... المبحث الْخَامِس: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي شَيْء من تعقيباته وآرائه فِي التَّفْسِير (1) قَالَ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي - فِي قَوْله تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} 4 -: "فالمغضوب عَلَيْهِم هم الْيَهُود؛ لأَنهم كفرُوا بعد معرفتهم نبوّة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَلا ترى إِلَى قَول الله فيهم: {الَّذِينَ

_ 4 - سُورَة الْفَاتِحَة، الْآيَة: 7.

آتَيْنَاهُم الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} 1يَعْنِي الْيَهُود. والضالون هم النَّصَارَى؛ لأَنهم ضلوا فِي الْحجَّة فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وعَلى هَذَا التَّفْسِير أَكثر الْمُفَسّرين2، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم3وَيلْحق بهم فِي الضلال الْمُشْركُونَ الَّذين أشركوا مَعَ الله إِلَهًا غَيره؛ لأنّه قد جَاءَ فِي أثْنَاء الْقُرْآن مَا يدل على ذَلِك؛ ولأنّ لفظ الْقُرْآن فِي قَوْله: {وَلا الضَّالِّينَ} يعمهم وَغَيرهم، فَكل من ضل عَن سَوَاء السَّبِيل دَاخل فِيهِ. وَلَا يبعد أَن يُقَال: إِن {الضَّالِّينَ} يدْخل فِيهِ كل من ضل عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، كَانَ من هَذِه الْأمة أَو لَا، إِذْ قد تقدم فِي الْآيَات الْمَذْكُورَة قبل هَذَا مثله، فَقَوله تَعَالَى: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 4عَام فِي كل ضال كَانَ ضلاله كضلال الشّرك أَو النِّفَاق، أَو كضلال الْفرق المعدودة فِي الْملَّة الإسلامية، وَهُوَ أبلغ وَأَعْلَى فِي قصد حصر أهل الضلال، وَهُوَ اللَّائِق بكليّة فَاتِحَة الْكتاب والسبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم، الَّذِي أُوتيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم"5.

_ 1 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 146. 2 - انْظُر تَفْسِير ابْن أبي حَاتِم (1/23) فقد قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم: "وَلَا أعلم بَين الْمُفَسّرين فِي هَذَا الْحَرْف اخْتِلَافا" يَعْنِي تَفْسِير "المغضوب عَلَيْهِم" باليهود، و "الضَّالّين" بالنصارى. 3 - أخرجه التِّرْمِذِيّ (5/202، 203) كتاب تَفْسِير الْقُرْآن، بَاب وَمن سُورَة فَاتِحَة الْكتاب، تَحت رقم (2953) ، وَالْإِمَام أَحْمد فِي الْمسند (4/378، 379) ، وَابْن جرير فِي تَفْسِيره (1/185) وَمَا بعْدهَا، وَابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره (1/23) ، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه - مَعَ الْإِحْسَان - (16/183، 184) . والْحَدِيث صحّح أَحْمد شَاكر إِسْنَاده. انْظُر تَفْسِير ابْن جرير الْموضع الْمُتَقَدّم. 4 - سُورَة الْأَنْعَام، الْآيَة: 153. 5 - الِاعْتِصَام (1/184، 185) .

(2) وَقَالَ - رَحمَه الله تَعَالَى، فِي قَوْله تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 1الْآيَة -: "فوصفهم الله تَعَالَى بأوصاف، مِنْهَا: أَنهم أحْصرُوا فِي سَبِيل الله، أَي: منعُوا وحبسوا حِين قصدُوا الْجِهَاد مَعَ نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَأَن الْعذر أحصرهم، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ضربا فِي الأَرْض؛ لاتخاذ الْمسكن، وَلَا للمعاش؛ لِأَن الْعَدو قد كَانَ أحَاط بِالْمَدِينَةِ، فَلَا هم يقدرُونَ على الْجِهَاد حَتَّى يكسبوا من غنائمه، وَلَا هم يتفرغون للتِّجَارَة أَو غَيرهَا لخوفهم من الْكفَّار؛ ولضعفهم فِي أوّل الْأَمر، فَلم يَجدوا سَبِيلا للكسب أصلا. وَقد قيل: إِن قَوْله تَعَالَى: {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ} 2أَنهم قوم أَصَابَتْهُم جراحات مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصاروا زمنى3. وَفِيهِمْ أَيْضا نزل قَوْله تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ [الْمُهَاجِرِينَ] 4 الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} 5أَلا ترى كَيفَ قَالَ: "أُخرجوا" وَلم يقل: (خَرجُوا من دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ) ؟! فَإِنَّهُ قد كَانَ يُحتمل أَن يخرجُوا اخْتِيَارا، فَبَان أَنهم إِنَّمَا خَرجُوا اضطرارًا، وَلَو وجدوا سَبِيلا أَن لَا يخرجُوا لفعلوا، فَفِيهِ مَا يدل على أَن

_ 1 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 273. 2 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 273. 3 - أخرجه ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره (2/540) ، عَن سعيد بن جُبَير بِإِسْنَاد رِجَاله مِنْهُم الثِّقَة، وَمِنْهُم الصدوق، وَأوردهُ السُّيُوطِيّ فِي الدّرّ المنثور (1/358) وَنسب إِخْرَاجه إِلَى ابْن أبي حَاتِم وَغَيره. 4 - مَا بَين المعكوفين سقط من النُّسْخَة المطبوعة الَّتِي بَين يَدي. وسقوطه سَهْو. 5 - سُورَة الْحَشْر، الْآيَة: 8. وَلم أَقف على من يَقُول: إِن هَذِه الْآيَة نزلت فيهم، إلاَّ عِنْد أبي إِسْحَاق.

الْخُرُوج من المَال اخْتِيَارا لَيْسَ بمقصود للشارع، وَهُوَ الَّذِي تدل عَلَيْهِ أَدِلَّة الشَّرِيعَة"1. (3) وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق أَيْضا - بعد أَن أورد قَوْله تَعَالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} 2، وَبَعض الْآثَار فِي مَعْنَاهَا -: "وَيحْتَمل أَن يكون الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} 3مُتَّصِلا، ومنفصلاً. فَإِذا بنينَا على الِاتِّصَال، فَكَأَنَّهُ يَقُول: مَا كتبناها عَلَيْهِم إلاَّ على هَذَا الْوَجْه الَّذِي هُوَ الْعَمَل بهَا ابْتِغَاء رضوَان الله، فَالْمَعْنى أَنَّهَا مِمَّا كتبت عَلَيْهِم - أَي مِمَّا شرعت لَهُم - لَكِن بِشَرْط قصد الرضْوَان. {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} 4يُرِيد أَنهم تركُوا رعايتها حِين لم يُؤمنُوا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ قَول طَائِفَة من الْمُفَسّرين؛ لِأَن قصد الرضْوَان إِذا كَانَ شرطا فِي الْعَمَل بِمَا شُرع لَهُم، فَمن حَقهم أَن يتبعوا ذَلِك الْقَصْد، فَإلَى أَيْن سَار بهم سَارُوا، وَإِنَّمَا شرع لَهُم على شَرط أَنه إِذا نسخ بِغَيْرِهِ، رجعُوا إِلَى مَا أُحكم، وَتركُوا مَا نُسخ، وَهُوَ معنى ابْتِغَاء الرضْوَان على الْحَقِيقَة، فَإِذا لم يَفْعَلُوا وأصروا على الأول، كَانَ ذَلِك اتبَاعا للهوى، لَا اتبَاعا للمشروع، وَاتِّبَاع الْمَشْرُوع هُوَ الَّذِي يحصل بِهِ الرضْوَان، وَقصد الرضْوَان بذلك.

_ 1 - الِاعْتِصَام (1/261) . 2 - سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة: 27. 3 - سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة: 27. 4 - سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة: 27.

قَالَ تَعَالَى: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} 1فَالَّذِينَ آمنُوا هم الَّذين اتبعُوا الرهبانية ابْتِغَاء رضوَان الله، والفاسقون هم الخارجون عَن الدُّخُول فِيهَا بشرطها، إِذْ لم يُؤمنُوا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. إِلَّا أَن هَذَا التَّقْرِير يَقْتَضِي أَن الْمَشْرُوع لَهُم يُسمى ابتداعا، وَهُوَ خلاف مَا دلّ عَلَيْهِ حدّ الْبِدْعَة. وَالْجَوَاب أَنه يُسمى بِدعَة من حَيْثُ أخلُّوا بِشَرْط الْمَشْرُوع، إِذْ شَرط عَلَيْهِم فَلم يقومُوا بِهِ، وَإِذا كَانَت الْعِبَادَة مَشْرُوطَة بِشَرْط، فَيعْمل بهَا دون شَرطهَا، لم تكن عبَادَة على وَجههَا، وَصَارَت بِدعَة، كالمخل قصدا بِشَرْط من شُرُوط الصَّلَاة، مثل اسْتِقْبَال الْقبْلَة، أَو الطَّهَارَة، أَو غَيرهَا، فَحَيْثُ عرف بذلك وَعلمه، فَلم يلتزمه، ودأب على الصَّلَاة دون شَرطهَا، فَذَلِك الْعَمَل من قبيل الْبدع، فَيكون ترهب النَّصَارَى صَحِيحا قبل بعث مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا بُعِث وَجب الرُّجُوع عَن ذَلِك كُله إِلَى مِلَّته، فالبقاء عَلَيْهِ مَعَ نسخه بقاءٌ على مَا هُوَ بَاطِل بِالشَّرْعِ، وَهُوَ عين الْبِدْعَة. وَإِذا بنينَا على أَن الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع، وَهُوَ قَول فريق من الْمُفَسّرين، فَالْمَعْنى: مَا كتبناها عَلَيْهِم أصلا، وَلَكنهُمْ ابتدعوها ابْتِغَاء رضوَان الله، فَلم يعملوا بهَا بشرطها، وَهُوَ الْإِيمَان برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ بعث إِلَى النَّاس كَافَّة. وَإِنَّمَا سميت بِدعَة على هَذَا الْوَجْه لأمرين: أَحدهمَا: يرجع إِلَى أَنَّهَا بِدعَة حَقِيقِيَّة2 - كَمَا تقدم - لِأَنَّهَا دَاخِلَة تَحت حد الْبِدْعَة.

_ 1 - سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة: 27. 2 - الْبِدْعَة الْحَقِيقِيَّة هِيَ الَّتِي لم يدل عَلَيْهَا دَلِيل شَرْعِي، لَا من كتاب وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع. انْظُر الْبِدْعَة ضوابطها وأثرها السيء فِي الْأمة. ص (14) .

وَالثَّانِي: يرجع إِلَى أَنَّهَا بِدعَة إضافية1؛ لأنّ ظَاهر الْقُرْآن دلّ على أَنَّهَا لم تكن مذمومة فِي حَقهم بِإِطْلَاق، بل لأَنهم أخلوا بشرطها، فَمن لم يخل مِنْهُم بشرطها، وَعمل بهَا قبل بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حصل لَهُ فِيهَا أجر، حَسْبَمَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} 2أَي أَن من عمل بهَا فِي وَقتهَا، ثمَّ آمن بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد بَعثه وفيناه أجره. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهَا فِي هَذَا الْوَجْه إضافية؛ لأنّها لَو كَانَت حقيقيّة لخالفوا بهَا شرعهم الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ؛ لِأَن هَذَا حَقِيقَة الْبِدْعَة، فَلم يكن لَهُم بهَا أجر، بل كَانُوا يسْتَحقُّونَ الْعقَاب؛ لمخالفتهم لأوامر الله ونواهيه، فَدلَّ على أَنهم رُبمَا فعلوا مَا كَانَ جَائِزا لَهُم فعله، وَعند ذَلِك تكون بدعتهم جَائِزا لَهُم فعلهَا، فَلَا تكون بدعتهم حَقِيقِيَّة، لكنه ينظر على أَي معنى أطلق عَلَيْهَا لفظ الْبِدْعَة، وَسَيَأْتِي بعد بحول الله. وعَلى كل تَقْدِير: فَهَذَا القَوْل لَا يتَعَلَّق بِهَذِهِ الْأمة مِنْهُ حكم؛ لِأَنَّهُ نُسخ فِي شريعتنا، فَلَا رَهْبَانِيَّة فِي الْإِسْلَام، وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "من رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني"3. على أَن ابْن الْعَرَبِيّ نقل فِي الْآيَة أَرْبَعَة أَقْوَال:

_ 1 - الْبِدْعَة الإضافية: هِيَ مَا كَانَ أصل الْعَمَل مَشْرُوعا كَالصَّلَاةِ - مثلا - فَيدْخل المبتدع عَلَيْهَا أمرا من عِنْد نَفسه فيخرجها عَن أصل مشروعيتها. انْظُر الْمرجع السَّابِق، ص (15) . 2 - سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة: 27. 3 - أخرجه الإِمَام البُخَارِيّ فِي صَحِيحه - مَعَ الْفَتْح - (9/104) ، كتاب النِّكَاح، بَاب التَّرْغِيب فِي النِّكَاح، ح (5063) ، وَمُسلم فِي صَحِيحه (2/1020) ، كتاب النِّكَاح، ح (5) .

الأول: مَا تقدم. وَالثَّانِي: أَن الرهبانية رفض النِّسَاء، وَهُوَ الْمَنْسُوخ فِي شرعنا. وَالثَّالِث: أَنَّهَا اتِّخَاذ الصوامع للعزلة. وَالرَّابِع: السياحة. قَالَ: وَهُوَ مَنْدُوب إِلَيْهِ فِي ديننَا عِنْد فَسَاد الزَّمَان1. وَظَاهره يَقْتَضِي أَنَّهَا بِدعَة؛ لِأَن الَّذين ترهبوا قبل الْإِسْلَام إِنَّمَا فعلوا ذَلِك فِرَارًا مِنْهُم بدينهم، ثمَّ سميت بِدعَة، وَالنَّدْب إِلَيْهَا يَقْتَضِي أَن لَا ابتداع فِيهَا، فَكيف يَجْتَمِعَانِ؟!. وَلَكِن للمسألة فقه يذكر بحول الله. وَقيل: إِن معنى قَوْله تَعَالَى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} 2أَنهم تركُوا الْحق، وأكلوا لُحُوم الْخَنَازِير، وَشَرِبُوا الْخمر، وَلم يغتسلوا من جَنَابَة، وَتركُوا الْخِتَان {فَمَا رَعَوْهَا} 3يَعْنِي: الطَّاعَة وَالْملَّة، {حَقَّ رِعَايَتِهَا} 4فالهاء رَاجِعَة إِلَى غير مَذْكُور وَهُوَ الْملَّة، الْمَفْهُوم مَعْنَاهَا من قَوْله: {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} 5؛ لِأَنَّهُ يفهم مِنْهُ أَن ثَم مِلَّة متبعة كَمَا دلّ قَوْله: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ} 6على الشَّمْس حَتَّى عَاد عَلَيْهَا الضَّمِير فِي قَوْله تَعَالَى: {تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} 7وَكَانَ الْمَعْنى على هَذَا القَوْل: مَا كتبناها عَلَيْهِم على هَذَا الْوَجْه الَّذِي فَعَلُوهُ، وَإِنَّمَا أمرناهم بِالْحَقِّ، فالبدعة فِيهِ إِذا حَقِيقِيَّة لَا إضافية.

_ 1 - انْظُر أَحْكَام الْقُرْآن (4/1744) . 2 - سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة: 27. 3 - سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة: 27. 4 - سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة: 27. 5 - سُورَة الْحَدِيد، الْآيَة: 27. 6 - سُورَة ص، الْآيَة: 31. 7 - سُورَة ص، الْآيَة: 32.

وعَلى كل تَقْدِير فَهَذَا الْوَجْه هُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ أَكثر الْعلمَاء، فَلَا نظر فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِه الْأمة"1. تبين لنا من هَذَا المبحث أَن الإِمَام أَبَا إِسْحَاق لَهُ آراء فِي التَّفْسِير، ومناقشات، وَأَنه لَيْسَ مُجَرّد ناقل، يَأْخُذ كل مَا قيل مُسلما، بل يناقش، ويشرح، وَيَأْتِي بالجديد، وَمَا ذكرته أَمْثِلَة من كتاب وَاحِد لَهُ، هُوَ "الِاعْتِصَام" وَمَا ذكره من الآراء والمناقشات فِي كِتَابه "الموافقات" أَضْعَاف أَضْعَاف مَا جَاءَ بِهِ فِي "الِاعْتِصَام".

_ 1 - الِاعْتِصَام (1/370 - 374) .

المبحث السادس: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في نحو القرآن وبلاغته

المبحث السَّادِس: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي نَحْو الْقُرْآن وبلاغته الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي من أَئِمَّة النَّحْو، وَقد ألَّف شرحا على ألفية ابْن مَالك قَالَ عَنهُ أَحْمد بَابا التنبكتي: "شَرحه الْجَلِيل على الْخُلَاصَة فِي النَّحْو فِي أسفار أَرْبَعَة كبار لم يؤلَّف عَلَيْهَا مثله بحثا وتحقيقا فِيمَا أعلم"1. وإمامته فِي النَّحْو ظَاهِرَة فِي أثْنَاء مؤلفاته، ولكنني سأقتصر على ذكر بعض الْأَمْثِلَة - من بعض مؤلفاته - الَّتِي تتَعَلَّق بِنَحْوِ الْقُرْآن وبلاغته مِمَّا نَقله عَن الْأَئِمَّة والشيوخ، أَو قَالَه هُوَ: (1) قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: "ذكر لي الْفَقِيه الْأُسْتَاذ الْفَاضِل أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن البكا عَن بَعضهم، وَحَكَاهُ ابْن مَالك فِي شرح التسهيل2أَنه أعرب

_ 1 - نيل الابتهاج ص (48) . 2 - انْظُر مِنْهُ (4/110) تَجِد بعض معنى مَا ذكر هَاهُنَا.

"نَفسه"من قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} 1:"نَفسه" توكيدًا لـ"من" و"مَنْ" مَنْصُوبَة على الِاسْتِثْنَاء وَاسْتَحْسنهُ؛ لِأَن النَّاس اخْتلفُوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا. فَقلت لَهُ: إِن الْمَعْنى على الرّفْع والتفريغ. فَقَالَ لي: أتسلم أَن فِي "يرغب" ضميرًا هُوَ فَاعله؟. فَقلت: نعم، لَوْلَا أَن الْمَعْنى: مَا يرغب عَن مِلَّة الْإِسْلَام إِلَّا من سفه نَفسه. فَوقف الْكَلَام هَا هُنَا، ثمَّ دلَّنِي الْأُسْتَاذ الْكَبِير أَبُو سعيد بن لب على مَا يُؤَيّد مَا ذكرته، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ} 2وَجهه الزَّمَخْشَرِيّ على التفريغ من جِهَة الْمَعْنى، أَي: مَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا الله ... 3"4. (2) وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: "حكى لنا الْأُسْتَاذ الشهير أَبُو سعيد بن لب - أبقاه الله - أَن الْفَارِسِي قَالَ: وجدت فِي الْقُرْآن من وضع الْجُمْلَة الاسمية مَوضِع الفعلية قَوْله تَعَالَى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} 5، فَقَوله: {فَهُوَ يَرَى} جملَة اسميّة فِي مَوضِع فعلية. وَقَالَ ابْن جني: وجدت أَنا موضعا آخر، قَوْله تَعَالَى: {أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} 6. وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَبْهَرِيّ: وجدت أَنا موضعا آخر:

_ 1 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 130. 2 - سُورَة آل عمرَان، الْآيَة: 135. 3 - نَص كَلَام الزَّمَخْشَرِيّ فِي النُّسْخَة الَّتِي بَين يَدي هَكَذَا "وَالْمعْنَى أَنه وَحده مَعَه مصححات الْمَغْفِرَة" الْكَشَّاف (1/464) . 4 - انْظُر الإفادات والإنشادات، ص (108، 109) . 5 - سُورَة النَّجْم، الْآيَة: 35. 6 - سُورَة الطّور، الْآيَة: 41، وَسورَة الْقَلَم، الْآيَة 47.

قَوْله تَعَالَى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} 1. وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو سعيد: وجدت أَنا موضعا آخر، قَوْله تَعَالَى: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} 2. قلت: وَوجدت أَنا موضعا آخر، قَوْله تَعَالَى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} 3على أَنِّي وجدت بعد هَذَا لأبي عَليّ الْفَارِسِي فِي "التَّذْكِرَة" موضعا آخر، قَوْله تَعَالَى: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} 4"5. (3) وَقَالَ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي - فِي قَوْله تَعَالَى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} 6 -: "فحُذف الْمَجْرُور الثَّانِي لدلَالَة الأول عَلَيْهِ …"7. (4) وَقَالَ أَيْضا - فِي بَاب الْمَفْعُول الْمُطلق -: "وَفِي التَّنْزِيل: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} 8وَهُوَ مصدر عِنْد سِيبَوَيْهٍ جَار على غير الْفِعْل، فَكَانهُ نَائِب عَن قَوْله: (إنباتا) 9، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} 10 فـ"تبتيلاً" لَيْسَ بمصدر لِتبتَّلَ، وَإِنَّمَا هُوَ مصدر (بَتَّلَ) ، وَفِي

_ 1 - سُورَة الْأَعْرَاف، الْآيَة: 193. 2 - سُورَة الرّوم، الْآيَة: 35. 3 - سُورَة الطّور، الْآيَة: 40. 4 - سُورَة الرّوم، الْآيَة: 28. 5 - الإفادات والإنشادات، ص (119، 120) . 6 - سُورَة مَرْيَم، الْآيَة: 38. 7 - انْظُر الْمَقَاصِد الشافية (1/168) . 8 - سُورَة نوح، الْآيَة: 17. 9 - انْظُر الْكتاب (4/81) . 10 - سُورَة المزمل، الْآيَة: 8.

قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: {وأُنْزِلَ الملائكةُ تَنْزِيلا} 1ومصدر (أُنزل، إنزالاً، وتنزيلاً مصدر نَزَّلَ كَقِرَاءَة الْجَمَاعَة ... "2. (5) وَقَالَ - فِي قَوْله تَعَالَى: {إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 3 -: "تَقْدِيره: فإمَّا تمنون منا وَإِمَّا تفادون فدَاء، إلاَّ أَنهم حذفوا الْفِعْل وعوضوا الْمصدر مِنْهُ؛ فَلَا يَجْتَمِعَانِ مَعًا ... "4. (6) وَقَالَ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي - فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} 5 -: "التَّقْدِير: وَلِأَن هَذِه أمتكُم، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} 6على قِرَاءَة الْفَتْح7، أَي: بِأَنِّي لكم نَذِير مُبين، وَمثله قَوْله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 8

_ 1 - سُورَة الْفرْقَان، الْآيَة: 25. وَهِي قِرَاءَة شاذّة؛ لِأَن ابْن الْجَزرِي لم يذكرهَا عَن أحد من الْعشْرَة. انْظُر النشر (2/334) ، ونسبها ابْن عَطِيَّة إِلَى ابْن مَسْعُود وَالْأَعْمَش. انْظُر: الْمُحَرر الْوَجِيز (12/20) . 2 - انْظُر الْمَقَاصِد الشافية (1/226) . 3 - سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْآيَة: 4. 4 - انْظُر الْمَقَاصِد الشافية (1/243) . 5 - سُورَة الْمُؤْمِنُونَ، الْآيَة: 52. وَفتح الْهمزَة من قَوْله: "وَأَن هَذِه" قِرَاءَة متواترة. انْظُر النشر (2/328) . 6 - سُورَة هود، الْآيَة: 25. 7 - وَبهَا قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَأَبُو عَمْرو وَابْن كثير وَالْكسَائِيّ وَيَعْقُوب وَخلف. انْظُر: الْمَبْسُوط فِي الْقرَاءَات الْعشْر، ص (238) ، وَانْظُر النشر (2/288) . 8 - سُورَة الْجِنّ، الْآيَة: 18.

حمله سِيبَوَيْهٍ على تَقْدِير اللَّام1. وَقَالَ تَعَالَى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} 2 ... "3. والحقيقة أَن الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشاطبي قد أَكثر من المباحث النحوية الْمُتَعَلّقَة بِالْقُرْآنِ الْكَرِيم، وَلَا أُبالغ إِن قلت: إِن هَذِه المباحث لَو جُرّدت لبلغت مجلدَين.

_ 1 - انْظُر الْكتاب لسيبويه (3/127) فقد ذكر هَذِه الْآيَات كلهَا وَغَيرهَا وأعربها بِمَا قَالَه أَبُو إِسْحَاق هُنَا. 2 - سُورَة الْقَمَر، الْآيَة: 10. وَيُرِيد الشاطبي أَن يَقُول: التَّقْدِير: لِأَنِّي مغلوب. 3 - انْظُر الْمَقَاصِد الشافية فِي شرح الْخُلَاصَة الكافية (1/147) .

المبحث السابع: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في ذكر القراءات وتوجيهها

المبحث السَّابِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي ذكر الْقرَاءَات وتوجيهها اشْتهر أهل الْمغرب والأندلس بملازمة علمين عظيمين، والتبحر فيهمَا، هما علم الْعَرَبيَّة والقراءات. وَالْإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي قد أثَّر فِيهِ هَذَا الاتجاه، فَهُوَ أحد عُلَمَاء الْعَرَبيَّة الَّذين يشار إِلَيْهِم بالبنان، وَكتابه "الْمَقَاصِد الشافية فِي شرح الْخُلَاصَة الكافية" شَاهد بإمامته فِي فن الْعَرَبيَّة. أما الْقرَاءَات فَهُوَ عَالم بهَا مُتَمَكن فِيهَا، خُصُوصا الْقرَاءَات السَّبع، فقد ذكر تِلْمِيذه المجاري أَن الإِمَام الشاطبي قَرَأَ الْقرَاءَات السَّبع على شَيْخه مُحَمَّد بن الفخار البيري - الَّذِي كَانَ من أحسن قراء الأندلس تِلَاوَة وَأَدَاء - فِي سبع ختمات1.

_ 1 - انْظُر برنامج المجاري، ص (119) .

وَقد تعرض أَبُو إِسْحَاق الشاطبي - فِي أثْنَاء مؤلفاته - لذكر الْقرَاءَات السَّبع وتوجيهها، وهاك بعض الْأَمْثِلَة فِي ذَلِك: (1) قَالَ أَبُو إِسْحَاق الشاطبي - فِي أثْنَاء الْكَلَام على أَن النكرَة قد يتخصص بِالْإِضَافَة -: "وَفِي الْقُرْآن الْكَرِيم ... {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً} 1على قِرَاءَة غير نَافِع وَابْن عَامر2، هُوَ جمع قبيل، أَي: قبيلاً قبيلاً، وصِنْفا صِنْفا، وَإِنَّمَا سَاغَ هُنَا الْحَال من النكرَة المُخصَّصة كَمَا سَاغَ الِابْتِدَاء بالنكرة إِذا خُصِّصت؛ لِأَنَّهَا بذلك تقرب من الْمعرفَة، فعوملت مُعَاملَة الْمعرفَة فِي صِحَة نصب الْحَال عَنْهَا"3. (2) وَقَالَ - أَيْضا -: " ... إِلَّا أَنه قد حكى فِي التسهيل4أَن الْوَاو قد تدخل على الْمُضَارع الْمَنْفِيّ بـ (لَا) ، وَاسْتشْهدَ عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} 5فِي قِرَاءَة غير نَافِع6، فَقَوله: "وَلَا تُسْألُ" جملَة حَالية دخلت عَلَيْهَا الْوَاو.

_ 1 - سُورَة الْأَنْعَام، الْآيَة: 111. 2 - إِذْ قراءتهما بِكَسْر الْقَاف، وَفتح الْبَاء. انْظُر إرشاد الْمُبْتَدِي وَتَذْكِرَة المنتهي، ص (316) . 3 - انْظُر الْمَقَاصِد الشافية (2/35) . 4 - يَعْنِي ابْن مَالك. انْظُر تسهيل الْفَوَائِد (ص/113) . 5 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 119. وَلم أر الْآيَة - فِي النُّسْخَة الَّتِي اطَّلَعت عَلَيْهَا من التسهيل - فِي الْموضع الْمشَار إِلَيْهِ. 6 - يَعْنِي من السَّبْعَة، وَإِلَّا فَإِن يَعْقُوب أَيْضا من الْعشْرَة يقْرَأ بِالْجَزْمِ. انْظُر إرشاد الْمُبْتَدِي، ص (232) .

وَهَذَا الشَّاهِد لَا شَاهد فِيهِ؛ لعطفه على "بشيرًا" و "نذيرًا " فالواو عاطفة، وَإِنَّمَا الشَّاهِد فِي قِرَاءَة ابْن ذكْوَان: "وَلَا تتبعَانِ"1بتَخْفِيف النُّون2، فالنون فِيهِ نون الرّفْع، وَهُوَ خبر لَا نهي، وَالْجُمْلَة فِي مَوضِع الْحَال، أَي: فاستقيما غير متبعين ... "3. (3) وَقَالَ - فِي قَوْله تَعَالَى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} 4 -: "على قِرَاءَة من قَرَأَ بذلك5 أَي: اقتدِ اقْتِدَاء ... فتضمر الْمصدر ثمَّ تبنيه لما لم يُسمَّ فَاعله، مضمرًا فِيهِ اسْم الْمَفْعُول كَمَا أضمرته فِي بِنَاء الْفَاعِل6". (4) وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} 7 -: "فنصب "السَّمَاء" بِاعْتِبَار "يسجدان" وَلَو اعْتبر أوَّل الْجُمْلَة لجاء: (والسماءُ رَفعهَا) وَفِي الْقُرْآن أَيْضا: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} 8قَرَأَ الحرميان9وَأَبُو عَمْرو بِالرَّفْع فِي

_ 1 - سُورَة يُونُس، الْآيَة: 89. 2 - هِيَ قِرَاءَة ابْن ذكْوَان عَن ابْن عَامر الشَّامي. انْظُر إتحاف فضلاء الْبشر، ص (253) . 3 - انْظُر الْمَقَاصِد الشافية (2/103) . 4 - سُورَة الْأَنْعَام، الْآيَة: 90. 5 - وَهِي قِرَاءَة ابْن عَامر. انْظُر علل الْقرَاءَات (1/190) ، والمبسوط فِي الْقرَاءَات الْعشْر، ص (198) . ونسبها أَبُو حَيَّان أَيْضا إِلَى أحد رُوَاة ابْن عَامر وَهُوَ ابْن ذكْوَان. انْظُر الْبَحْر (4/176) . 6 - انْظُر الْمَقَاصِد الشافية فِي شرح الْخُلَاصَة الكافية (1/34) . 7 - سُورَة الرَّحْمَن، الْآيَة: 6، 7. 8 - سُورَة يس، الْآيَة: 38، 39. 9 - هما ابْن كثير الْمَكِّيّ، وَنَافِع الْمدنِي.

"الْقَمَر" وَبَاقِي السَّبْعَة بِالنّصب1، فالرفع على اعْتِبَار "والشمسُ تجْرِي" وَالنّصب على اعبتار "تجْرِي" 2.

_ 1 - انْظُر الْكَشْف عَن وُجُوه الْقرَاءَات السَّبع (2/216) . 2 - انْظُر الْمَقَاصِد الشافية فِي شرح الْخُلَاصَة الكافية (1/104) . وَمن أشكل عَلَيْهِ شيءٌ من كَلَام أبي إِسْحَاق فَلْينْظر الدّرّ المصون (9/270) و (10/154) .

المبحث الثامن: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في تفسير آيات العقيدة

المبحث الثَّامِن: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي تَفْسِير آيَات العقيدة العقيدة السليمة المستقيمة على منهاج الْكتاب وَالسّنة وَسلف الْأمة هِيَ أهم شَرط يَنْبَغِي أَن يُوجد فِيمَن أَرَادَ تَفْسِير كتاب الله تَعَالَى1. والمفسرون الْمُحَقِّقُونَ لهَذَا الشَّرْط هم كثير فِي السّلف، قَلِيل فِي الْخلف. والمصنفات التفسيرية الَّتِي نهج أَصْحَابهَا الْمنْهَج القويم تخْتَلف فِي الاهتمام بالناحية العقدية، فَمِنْهَا المكثر، وَمِنْهَا الْمقل، مَعَ عدم خلوها - جمعا وإفرادًا - من هَذَا الْمَقْصد الْأَعْظَم عِنْد تَفْسِير كتاب الله تَعَالَى. وَالْإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي قد اهتم بالناحية العقدية من خلال الْآيَات الَّتِي رَأَيْته فَسرهَا، فَهُوَ يبين - رَحمَه الله تَعَالَى - مَقْصُود الْآيَة على الْمنْهَج الصَّحِيح2، وَيرد على من خَالف ذَلِك من الْفرق الضَّالة، ويستدل بالأحاديث والْآثَار وأقوال السّلف كثيرا فِي هَذِه النَّاحِيَة. وتلمح اهتمامه بِهَذَا الْمَوْضُوع من خلال أَكثر مؤلفاته؛ إِلَّا أَن كِتَابه الْعَظِيم "الِاعْتِصَام" قد تميز فِي هَذِه النَّاحِيَة. وَإِلَيْك بعض الْأَمْثِلَة على هَذَا المبحث:

_ 3 - انْظُر الإتقان (2/498) . 4 - إِلَّا مَوَاطِن مِمَّا يتَعَلَّق بِالصِّفَاتِ، وَانْظُر مَا تقدم فِي تَرْجَمته (مذْهبه) .

(1) قَالَ أَبُو إِسْحَاق الشاطبي - رَحمَه الله تَعَالَى -: "وَمثله مَا خرجه مُسلم عَن سُفْيَان، قَالَ: "سَمِعت رجلا يسْأَل جَابر بن يزِيد الْجعْفِيّ1عَن قَوْله: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} 2فَقَالَ جَابر: لم يَجِيء تَأْوِيل هَذِه الْآيَة. قَالَ سُفْيَان: وَكذب. قَالَ الْحميدِي: فَقُلْنَا لِسُفْيَان: مَا أَرَادَ بِهَذَا؟. فَقَالَ: إِن الرافضة تَقول: إِن عليا فِي السَّحَاب، فَلَا يخرج - يَعْنِي مَعَ من خرج من وَلَده - حَتَّى يُنَادي منادٍ من السَّمَاء - يُرِيد عليا أَنه يُنَادي -: اخْرُجُوا مَعَ فلَان. يَقُول جَابر: فَذا تَأْوِيل هَذِه الْآيَة، وَكذب كَانَت فِي إخْوَة يُوسُف"3. فَهَذِهِ الْآيَة أمرهَا وَاضح، وَمَعْنَاهَا ظَاهر يدل عَلَيْهِ مَا قبل الْآيَة وَمَا بعْدهَا، كَمَا دلّ الْخَاص على معنى الْعَام، وَدلّ الْمُقَيد على معنى الْمُطلق، فَلَمَّا قطع جَابر الْآيَة عَمَّا قبلهَا وَمَا بعْدهَا4 ... صَار الْموضع بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ من الْمُتَشَابه، فَكَانَ من حَقه التَّوَقُّف، لكنه اتبع فِيهِ هَوَاهُ، فزاغ عَن معنى الْآيَة"5. (2) وَقَالَ - فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} 6 -: "وتأملوا هَذِه الْآيَة، فَإِنَّهَا صَرِيحَة فِي أَن من لم يتبع هدى الله فِي هوى نَفسه

_ 1 - جَابر بن يزِيد الْجعْفِيّ، من أكبر عُلَمَاء الشِّيعَة، وَثَّقَهُ شُعْبَة، فشذ، وَتَركه الْحفاظ (ت: 128هـ -) . انْظُر الكاشف (1/122) . 2 - سُورَة يُوسُف، الْآيَة: 80. 3 - أخرجه الإِمَام مُسلم فِي مُقَدّمَة صَحِيحه (1/20، 20) . 4 - فِي النُّسْخَة الْمَنْقُول مِنْهَا: "عَمَّا قبلهَا مَا بعْدهَا"، والتصحيح من النُّسْخَة الَّتِي حققها دراز (3/93) . 5 - الموافقات (3/317، 318) . 6 - سُورَة الْقَصَص، الْآيَة: 50.

لَا أحد أضلّ مِنْهُ، وَهَذَا شَأْن المبتدع؛ فَإِنَّهُ اتبع هَوَاهُ بِغَيْر هدى من الله، وَهدى الله هُوَ الْقُرْآن ... "1. (3) وَقَالَ - رَحمَه الله تَعَالَى -: "وَعَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ} 2قَالَ: تبيض وُجُوه أهل السّنة، وَتسود وُجُوه أهل الْبِدْعَة"3. (4) وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى - فِي معرض الرَّد على المبتدعة -: "أَلا ترى إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} 4فَأثْبت لَهُم الزيغ أَولا - وَهُوَ الْميل عَن الصَّوَاب - ثمَّ اتِّبَاع الْمُتَشَابه، وَهُوَ خلاف الْمُحكم الْوَاضِح5الْمَعْنى، الَّذِي هُوَ أمّ الْكتاب ومعظمه، ومتشابهه على هَذَا قَلِيل، فتركوا اتِّبَاع الْمُعظم إِلَى اتِّبَاع الْأَقَل الْمُتَشَابه الَّذِي لَا يُعْطي مفهوما وَاضحا؛ ابْتِغَاء تَأْوِيله، وطلبا لمعناه الَّذِي لَا يُعلمهُ إِلَّا الله، أَو يُعلمهُ الله والراسخون فِي الْعلم، وَلَيْسَ إلاَّ برده إِلَى الْمُحكم، وَلم يفعل المبتدعة ذَلِك ... "6.

_ 1 - انْظُر الِاعْتِصَام (1/67) . 2 - سُورَة آل عمرَان، الْآيَة: 106. وَلَو أكمل نَص الْآيَة لَكَانَ أوضح وَأحسن. 3 - الِاعْتِصَام (1/75) . والأثر أخرجه ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره (3/729) ، واللالكائي فِي شرح أصُول اعْتِقَاد أهل السّنة (1/72) ، كِلَاهُمَا من طَرِيق فِيهِ مجاشع بن عَمْرو. قَالَ فِيهِ الإِمَام البُخَارِيّ: مُنكر مَجْهُول. انْظُر ميزَان الِاعْتِدَال (3/436) ، وَأوردهُ السُّيُوطِيّ فِي الدّرّ المنثور (2/63) وَنسب إِخْرَاجه إِلَى هذَيْن وَإِلَى غَيرهمَا. 4 - سُورَة آل عمرَان، الْآيَة: 7. 5 - فِي النُّسْخَة الَّتِي نقلت عَنْهَا ((الْوَاضِع" بِالْعينِ بدل الْحَاء. 6 - انْظُر الِاعْتِصَام (1/190) .

(5) وَقدم أَبُو إِسْحَاق الشاطبي بعض الْأَوْجه الإعرابية لكَونهَا مُوَافقَة لقَوْل أهل السّنة فِي الْقدر، فَقَالَ - نقلا عَن ابْن مَالك مستدركا بِهِ عَلَيْهِ حَيْثُ لم يذكرهُ فِي الألفية -: "وَمن مرجحات النصب أَن يكون مخلِّصا من إِيهَام غير الصَّوَاب، وَالرَّفْع بِخِلَاف ذَلِك، كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} 1 فَنَصْبُ "كل شَيْء" رفعٌ لتوهم كَون "خلقناه" صفة؛ إِذْ لَو كَانَ صفة لم يفسِّر ناصبا لما قبله. وَإِذا لم يكن صفة كَانَ خَبرا فَيلْزم عُمُوم خلق الْأَشْيَاء بِقدر خيرا كَانَت أَو شرًّا. وَهَذَا قَول أهل السّنة. قَالَ: وَلَو قُرئ (كلُّ شَيْء) بِالرَّفْع لاحتمل أَن يكون "خلقناه" صفة مَحْضَة، وَأَن يكون خَبرا، فَكَانَ النصب لرفعه احْتِمَال غير الصَّوَاب أولى. فَهَذِهِ ثَلَاثَة مَوَاضِع كَانَ من حَقه التَّنْبِيه عَلَيْهَا هُنَا"2. والأمثلة على هَذَا الاتجاه فِي تَفْسِيره كَثِيرَة جدًّا، أكتفي بِمَا ذكرت، وَمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهَا فَليُرَاجع مؤلفات أبي إِسْحَاق الشاطبي، رَحمَه الله تَعَالَى، خُصُوصا الِاعْتِصَام3، والموافقات4.

_ 1 - سُورَة الْقَمَر، الْآيَة: 49. 2 - انْظُر: الْمَقَاصِد الشافية (1/99، 100) . 3 - لَا يكَاد يمر خمس صفحات مِنْهُ إِلَّا وَيَأْتِي بِشَيْء من هَذَا. 4 - انْظُر مِنْهَا (3/313، 333) (4/225، 226، 227، 229، 232، 233) .

المبحث التاسع: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في احكام القرآن الكريم

المبحث التَّاسِع: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي أَحْكَام الْقُرْآن الْكَرِيم لم يُغفل الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي أَحْكَام الْقُرْآن فِي آيَات الْأَحْكَام الَّتِي تعرض إِلَى تَفْسِيرهَا، وَكَيف يغفلها وَهُوَ الْفَقِيه الأصولي الَّذِي سَارَتْ بفتاواه الركْبَان؟. وَالْإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي - على عَادَته - قد جَاءَ بالفوائد، والاستنباطات البديعة، الَّتِي قد لَا تُوجد عِنْد كبار الْمُفَسّرين المعتنين بِأَحْكَام الْقُرْآن، وَلَا عِنْد من خصّه بمؤلف. وَإِلَى جَانب مَا تقدم فقد نقل عَن أَئِمَّة من الْمَالِكِيَّة وَغَيرهم، كتبهمْ فِي عداد الْمَفْقُود، وَمَا وُجد مِنْهَا لم يطبع حَتَّى الْآن، مثل أَحْكَام الْقُرْآن للْقَاضِي إِسْمَاعِيل الْمَالِكِي الْبَغْدَادِيّ1. إلاّ أَن الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشاطبي لم يكن مكثرًا فِي تَفْسِير أَحْكَام الْقُرْآن إِذا قورن هَذَا المبحث بالمباحث الأُخر الَّتِي ذكرتها فِي هَذَا الْفَصْل. وَقد اسْتَفَادَ فِي هَذَا الْجَانِب من الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن عبد الله ابْن الْعَرَبِيّ، فَإِنَّهُ قد رَجَعَ إِلَى كِتَابه أَحْكَام الْقُرْآن2. وَإِلَيْك بعض الْأَمْثِلَة على هَذَا المبحث:

_ 1 - أَبُو إِسْحَاق إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق الْأَزْدِيّ - مَوْلَاهُم - الْفَقِيه الْمَالِكِي القَاضِي الْعَلامَة، من مؤلفاته "الْقرَاءَات" و "مَعَاني الْقُرْآن وَإِعْرَابه" و "أَحْكَام الْقُرْآن" وتوجد مِنْهُ قِطْعَة فِي تونس (ت: 282هـ -) انْظُر العبر (1/405) ، وطبقات الْمُفَسّرين للداودي (1/106) ، وتاريخ التراث الْعَرَبِيّ (1/3/163) . 2 - انْظُر الموافقات (4/195) ، وَأَحْكَام الْقُرْآن لِابْنِ الْعَرَبِيّ (4/1955) .

(1) قَالَ - رَحمَه الله تَعَالَى -: " ... وكاستدلالهم على تَقْدِير أقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر أخذا من قَوْله تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} 1مَعَ قَوْله: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} 2فالمقصد فِي الْآيَة الأولى بَيَان مُدَّة الْأَمريْنِ جَمِيعًا من غير تَفْصِيل، ثمَّ بيَّن فِي الثَّانِيَة مُدَّة الفصال قصدا، وَسكت عَن بَيَان مُدَّة الْحمل وَحدهَا قصدا، فَلم يذكر لَهُ مدّة؛ فَلَزِمَ من ذَلِك أَن أقلهَا سِتَّة أشهر"3. (2) وَقَالَ - رَحمَه الله تَعَالَى -: " ... قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً ... } إِلَى قَوْله: {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً} 4 ... فُسّرت بِأَن الله حرم على الرجل أَن يرتجع الْمَرْأَة يقْصد بذلك مضارتها، بِأَن يطلقهَا، ثمَّ يُمْهِلهَا حَتَّى تشارف انْقِضَاء الْعدة ثمَّ يرتجعها، ثمَّ يطلقهَا حَتَّى تشارف انْقِضَاء الْعدة، وَهَكَذَا لَا يرتجعها لغَرَض لَهُ فِيهَا سوى الْإِضْرَار بهَا"5. (3) وَقَالَ - أَيْضا -: "فصل، قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} 6رُوي فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة أخبارٌ جُمْلَتهَا تَدور على معنى وَاحِد، وَهُوَ تَحْرِيم مَا أحل الله من الطَّيِّبَات تدينا أَو شبه التدين، وَالله نهى عَن ذَلِك، وَجعله اعتداء، وَالله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ، ثمَّ قرر

_ 1 - سُورَة الْأَحْقَاف، الْآيَة: 15. 2 - سُورَة لُقْمَان، الْآيَة: 14. 3 - انْظُر الموافقات (2/154) . 4 - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: 231. 5 - انْظُر الموافقات (3/110، 111) . 6 - سُورَة الْمَائِدَة، الْآيَة: 87، 88.

الْإِبَاحَة تقريرًا زَائِدا1على مَا تقرر بقوله: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً} 2ثمَّ أَمرهم بالتقوى؛ وَذَلِكَ مشْعر بِأَن تَحْرِيم مَا أحل الله خَارج عَن دَرَجَة التَّقْوَى. فخرَّج إِسْمَاعِيل القَاضِي من حَدِيث أبي قلَابَة، قَالَ: أَرَادَ نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرفضوا الدُّنْيَا، وَتركُوا النِّسَاء، وترهبوا، فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فغلظ عَلَيْهِم الْمقَالة، فَقَالَ: "إِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بِالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُوا على أنفسهم فَشدد الله عَلَيْهِم، فَأُولَئِك بقاياهم فِي الديار والصوامع، اعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا، وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم بكم"3قَالَ: وَنزلت فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} 4 ... "5.

_ 1 - فِي النُّسْخَة الَّتِي نقلتُ مِنْهَا النَّص "زَائِدَة". 2 - سُورَة الْمَائِدَة، الْآيَة: 88. 3 - هَذِه الرِّوَايَة أخرجهَا عبد الرَّزَّاق فِي تَفْسِير الْقُرْآن (1/192) ، وَمن طَرِيق عبد الرَّزَّاق أخرجهَا الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره (10/515) . وَأَبُو قلَابَة لم يدْرك الْقِصَّة، فَالْحَدِيث مُرْسل. لَكِن أصل الحَدِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ، من رِوَايَة أنس. 4 - سورةن الْمَائِدَة، الْآيَة: 87. 5 - الِاعْتِصَام (1/417، 418) .

المبحث العاشر: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في الإفادة من أصول الفقه في تفسير القرآن الكريم

المبحث الْعَاشِر: مَعَ الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي الإفادة من أصُول الْفِقْه فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم علم أصُول الْفِقْه من الْعُلُوم المهمة، وَلَو لم يكن كَذَلِك لما شُغل بِهِ عُلَمَاء الْمُسلمين تعلما وتعليما وتأليفا، ومجاله فِي علم الْفِقْه وَاضح لَا غُبَار عَلَيْهِ. وأمَّا أهميته فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم فَهِيَ لَا تقل عَن أهميته فِي الْفِقْه؛ إِذْ بِهِ يُعرف وَجه الِاسْتِدْلَال على الْأَحْكَام والاستنباط. ولأهمية هَذَا الْعلم للمفسر عدّه الإِمَام السُّيُوطِيّ مِمَّا يجب على الْمُفَسّر أَن يتقنه قبل أَن يبْدَأ فِي تَفْسِير كَلَام الله تَعَالَى1. وَالْإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي فِي هَذَا الْفَنّ - أصُول الْفِقْه - نَسِيج وَحده، وَإِمَام عصره، وَكتابه "الموافقات" لَا نظيرله فِي هَذَا الْفَنّ2. فَهُوَ الْمرجع لتصوير مَا يَقْتَضِيهِ الدّين من استجلاب الْمصَالح، وتفصيل طرق الملاءمة بَين حَقِيقَة الدّين الخالدة، وصور الْحَيَاة الْمُخْتَلفَة المتعاقبة3. وعندما تعرض الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي لتفسير الْقُرْآن الْكَرِيم أَفَادَ من علم أصُول الْفِقْه لإِظْهَار مَعَاني الْقُرْآن الْكَرِيم، فَهُوَ تَارَة يطبق قَوَاعِده فتظهر الْمعَانِي وتزول الإشكالات4. وَتارَة يَجْعَل مَا يفهمهُ من الْقُرْآن الْكَرِيم مُسْتَندا لَهُ فِي بِنَاء بعض الْقَوَاعِد الأصوليّة وتوضيحها. وَإِلَيْك بعض الْأَمْثِلَة فِي هَذَا المبحث:

_ 1 - انْظُر الإتقان (2/510، 512) . 2 - انْظُر نيل الابتهاج، ص (48) 3 - انْظُر أَعْلَام الْفِكر الإسلامي ص (76) . 4 - من أَمْثِلَة زَوَال الْإِشْكَال بتطبيق الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة مَا ذكره فِي بَاب النّسخ وَأَن للْمُتَقَدِّمين فِيهِ اصْطِلَاحا غير مَا عرف عِنْد الْأُصُولِيِّينَ. انْظُر: الموافقات (3/344) وَمَا بعْدهَا.

(1) قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى - فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} 1 -: "وَقَوله: "فِي شَيْء" نكرَة فِي سِيَاق الشَّرْط، فَهِيَ صِيغَة من صِيغ الْعُمُوم، فتنتظم كل تنَازع على الْعُمُوم، فالرد فِيهَا لَا يكون إِلَّا أَمر وَاحِد، فَلَا يسع أَن يكون أهل الْحق فرقا"2. (2) وَقَالَ - رَحمَه الله تَعَالَى - فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} 3: "وَمَفْهُوم الشَّرْط أَن من لَا يَتَّقِي الله لَا يَجْعَل لَهُ مخرجا"4. (3) وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: "وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} 5وَمَفْهُومه من لم يطع الرَّسُول لم يطع الله"6. (4) وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: " ... فَقَوْل الله تَعَالَى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 7لما نزلت أَولا كَانَت مقررة لحكم أُصَلِّي منزل على منَاط أُصَلِّي من الْقُدْرَة وَإِمْكَان الِامْتِثَال - وَهُوَ السَّابِق - فَلم يتنزل حكم أولي الضَّرَر، وَلما اشْتبهَ ذُو الضَّرَر ظن أَن عُمُوم نفي الاسْتوَاء يَسْتَوِي فِيهِ ذُو الضَّرَر وَغَيره فخاف من ذَلِك وَسَأَلَ الرُّخْصَة، فَنزل {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} 8 ... "9.

_ 1 - سُورَة النِّسَاء، الْآيَة: 59. 2 - الِاعْتِصَام (2/755) . 3 - سُورَة الطَّلَاق، الْآيَة: 2. 4 - انْظُر الموافقات (1/532) . 5 - سُورَة النِّسَاء، الْآيَة: 80. 6 - الموافقات (2/430) . 7 - سُورَة النِّسَاء، الْآيَة: 95. 8 - سُورَة النِّسَاء، الْآيَة: 95. 9 - الموافقات (3/293) وَهَذَا الْمِثَال يصلح لما قلته سَابِقًا من أَن أَبَا إِسْحَاق يَجْعَل مَا يفهمهُ من الْقُرْآن مُسْتَندا لَهُ فِي بِنَاء بعض الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة. انْظُر الْمَسْأَلَة من أَولهَا فِي الموافقات (3/292 - 295) .

الخاتمة

الخاتمة أهم النتائج الي ظَهرت للْإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي من خلال هَذَا الْبَحْث ... تَابع مَعَ الإِمَام أبي اسحاق الشاطبي فِي مبَاحث من عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم وَتَفْسِيره الخاتمة أهم النتائج - الَّتِي ظَهرت لي من خلال هَذَا الْبَحْث - والتوصيات 1 - أَن الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشاطبي عَالم بعلوم الْقُرْآن وَتَفْسِيره، وَهُوَ لَا يقل فِي هَذَا الْعلم عَن مَعْرفَته بالفقه وأصوله. 2 - أَن مؤلفات الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي قد حوت دررًا نفيسة، لَا غنى لأهل الْقُرْآن من الرُّجُوع إِلَيْهَا. 3 - أَن الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشاطبي قد دوّن فِي عُلُوم الْقُرْآن مبَاحث قيمَة، بَعْضهَا لَا يُوجد عِنْد الزَّرْكَشِيّ، وَلَا عِنْد السُّيُوطِيّ، وَلَا عِنْد غَيرهمَا مِمَّن اطَّلَعت على مؤلفاته. 4 - أَن كتب الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي لم تُدرس وَينْتَفع بِمَا فِيهَا فِي مجَال عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم، فَهِيَ لَا زَالَت بكرا فِي هَذِه النَّاحِيَة، وَكَذَلِكَ فِي نَاحيَة اللُّغَة الْعَرَبيَّة. 5 - ظهر لي أَن الإِمَام أَبَا إِسْحَاق الشاطبي يستشهد أَحْيَانًا بالروايات الضعيفة من الْأَحَادِيث والْآثَار. 6 - أُوصي بِأَن ينبري ثَلَاثَة باحثين - من أهل الْقُرْآن الْكَرِيم وعلومه - إِلَى العكوف على مؤلفات الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي، وَيكون مهمة أحدهم جمع مَا سطّره الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم ومقارنته بأقوال الْمُفَسّرين وَالتَّعْلِيق عَلَيْهِ.

7 - أُوصي جَمِيع الباحثين فِي عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم وأصول التَّفْسِير وقواعده بِالرُّجُوعِ إِلَى مؤلفات الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي والاستفادة مِنْهَا وخصوصا كِتَابه الْعَظِيم ((الموافقات)) . 8 - أشكر الباحثين - من أهل الْقُرْآن الْكَرِيم وعلومه - الَّذين رجعُوا فِي أبحاثهم الْمُتَعَلّقَة بِالْقُرْآنِ الْكَرِيم إِلَى مؤلفات الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي، وأعتب عَلَيْهِم أَنهم لم يشيدوا بِالْإِمَامِ أبي إِسْحَاق الشاطبي فِي هَذَا المجال، حَتَّى وَلَو فِي مقَالَة علمية. 9 - أحث إخْوَانِي الباحثين فِي كليات اللُّغَة الْعَرَبيَّة إِلَى دراسة كتب الإِمَام أبي إِسْحَاق الشاطبي، وَإِظْهَار آرائه النحوية وتعقيباته على الإِمَام ابْن مَالك، خُصُوصا فِي كِتَابه الممتاز ((الْمَقَاصِد الشافية فِي شرح الْخُلَاصَة الكافية)) .

مصادر ومراجع

مصَادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع - الْقُرْآن الْكَرِيم. - اتجاهات التَّفْسِير فِي الْعَصْر الرَّاهِن، لعبد الْمجِيد عبد السَّلَام. منشورات مكتبة النهضة الإسلامية، عمان، الْأُرْدُن، الطبعة الثَّانِيَة، 1400هـ. - إتحاف فضلاء الْبشر فِي الْقرَاءَات الْأَرْبَع عشر، للبنا، تَعْلِيق: الضبَّاع. دَار الندوة الجديدة. - الإتقان فِي عُلُوم الْقُرْآن، للسيوطي، تَحْقِيق: مُحَمَّد شرِيف سكر، ومصطفى الْقصاص. دَار إحْيَاء الْعُلُوم، بيروت، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1407هـ. - الْإِحَاطَة فِي أَخْبَار غرناطة، للسان الدّين بن الْخَطِيب، تَحْقِيق: مُحَمَّد عبد الله عنان. الناشر مكتبة الخانجي بِالْقَاهِرَةِ، الطبعة الثَّانِيَة، 1393هـ. - أَحْكَام الْقُرْآن، لِابْنِ الْعَرَبِيّ، تَحْقِيق: عَليّ مُحَمَّد البجاوي. دَار الْفِكر. - اخْتِلَاف الْمُفَسّرين أَسبَابه وآثاره، لسعود بن عبد الله الفنيسان. مَرْكَز الدراسات والإعلام، دَار إشبيليا، الطبعة الأولى، 1418هـ. - إرشاد الْمُبْتَدِي وَتَذْكِرَة المنتهي فِي الْقرَاءَات الْعشْر، للقلانسي، تَحْقِيق: عمر حمدَان الكبيسي. المكتبة الفيصليّة، الطبعة الأولى، 1404هـ. - أزهار الرياض فِي أَخْبَار عِيَاض، لِأَحْمَد بن مُحَمَّد الْمقري التلمساني، تَحْقِيق: أَحْمد أَعْرَاب، وَمُحَمّد بن تاويت. صندوق إحْيَاء التراث الإسلامي الْمُشْتَرك بَين المملكة المغربية والإمارات الْعَرَبيَّة المتحدة. - أَسبَاب النُّزُول، لِلْوَاحِدِيِّ، تَحْقِيق: عِصَام بن عبد المحسن. دَار الْإِصْلَاح، الطبعة الأولى، 1411هـ.

- استدراكات القَاضِي ابْن عَطِيَّة على الإِمَام ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم، لشايع بن عَبده الأسمري. مطبوع على الكمبيوتر، 1417هـ، وَمِنْه نُسْخَة فِي المكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية. - الْإِصَابَة فِي تَمْيِيز الصَّحَابَة، لِابْنِ حجر الْعَسْقَلَانِي، تَحْقِيق: طه مُحَمَّد الزيني. الناشر: مكتبة ابْن تَيْمِية، الْقَاهِرَة، 1411هـ. - الِاعْتِصَام، لأبي إِسْحَاق الشاطبي، تَحْقِيق: سليم بن عيد الْهِلَالِي. نشر دَار ابْن عَفَّان، الطبعة الأولى، 1412هـ. - أَعْلَام الْفِكر الإسلامي فِي تَارِيخ الْمغرب الْعَرَبِيّ، لِابْنِ عَاصِم مُحَمَّد الأندلسي. مكتبة النجاح تونس. - الْأَعْلَام، لخير الدّين الزركلي. دَار الْعلم للملايين بيروت، الطبعة السَّابِعَة، 1986م. - أَعْلَام الْمغرب الْعَرَبِيّ، لعبد الْوَهَّاب بن مَنْصُور. المطبعة الملكية بالرباط، 1398هـ. - الإفادات والإنشادات، لأبي إِسْحَاق الشاطبي، تَحْقِيق أبي الأجفان. مؤسسة الرسَالَة، الطبعة الأولى، 1403هـ. - إِيضَاح الْمكنون فِي الذيل على كشف الظنون عَن أسامي الْكتب والفنون، لإسماعيل باشا. طبع بعناية وكَالَة المعارف الجليلة فِي مطبعتها البهيّة، 1366هـ. - بَحر الْعُلُوم، لأبي اللَّيْث السَّمرقَنْدِي، تَحْقِيق: عَليّ مُحَمَّد وعادل أَحْمد وزَكَرِيا عبد الْمجِيد. دَار الْكتب العلمية، الطبعة الأولى 1413هـ. - الْبَحْر الْمُحِيط، لأبي حَيَّان. تَصْوِير دَار الْفِكر بيروت، الطبعة الثَّانِيَة، 1403هـ. - بحوث فِي التَّفْسِير ومناهجه، لفهد بن عبد الرَّحْمَن الرُّومِي. نشر مكتبة التَّوْبَة، 1416هـ. - بدعُ التفاسير فِي الْمَاضِي والحاضر. مؤسسة الْأَنْوَار للنشر والتوزيع، الرياض،

1390 - هـ. - الْبِدْعَة ضوابطها وأثرها السيءُ فِي الأمّة، لعَلي نَاصِر فقيهي. مطابع الجامعة الإسلامية بِالْمَدِينَةِ المنوّرة. - برنامج المجاري، لمُحَمد المجاري الأندلسي، تَحْقِيق: أبي الأجفان. دَار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1982م. - الْبُرْهَان فِي عُلُوم الْقُرْآن، للزركشي، تَحْقِيق: مُحَمَّد أبي الْفضل إِبْرَاهِيم. دَار الْفِكر، الطبعة الثَّانِيَة، 1400هـ. - بغية الوعاة فِي طَبَقَات اللغويين والنحاة، للسيوطي، تَحْقِيق: مُحَمَّد أبي الْفضل. المكتبة العصرية للطباعة والنشر، بيروت. - تَارِيخ التراث الْعَرَبِيّ، لفؤاد سزكين، تَرْجَمَة فَهِيَ أبي الْفضل. طبع جَامِعَة الإِمَام مُحَمَّد ابْن سعود الإسلامية. - التَّحْرِير والتنوير، لِابْنِ عاشور. لم يذكر مَعْلُومَات عَن الطَّبْع. - ترجمات مَعَاني الْقُرْآن الْكَرِيم وتطور فهمه عِنْد الغرب، لعبد الله عَبَّاس الندوي. دَار الْفَتْح، الطبعة الأولى، 1392هـ. - تَرْجَمَة الْقُرْآن وَكَيف نَدْعُو غير الْعَرَب إِلَى الْإِسْلَام، لعبد الْوَكِيل الدروبي. مكتبة دَار الْإِرْشَاد، حمص. - تَرْجَمَة الْقُرْآن وَمَا فِيهَا من الْمَفَاسِد ومنافاة الْإِسْلَام، لمُحَمد رشي رضَا. مطبعة الْمنَار بِمصْر، الطبعة الأولى 1344هـ. - تسهيل الْفَوَائِد وتكميل الْمَقَاصِد، لِابْنِ مَالك، تَحْقِيق: مُحَمَّد كَامِل بَرَكَات. دَار الْكَاتِب الْعَرَبِيّ بِمصْر، 1387هـ. - التسهيل لعلوم التَّنْزِيل، لِابْنِ جزي الْكَلْبِيّ، تَحْقِيق: مُحَمَّد عبد الْمُنعم وَإِبْرَاهِيم عطوة. الناشر: أم الْقرى للطباعة والنشر، الْقَاهِرَة. - تَفْسِير سُورَة الْعَصْر، لعبد الْعَزِيز عبد الفتاح قَارِئ. مكتبة الدَّار، الطبعة الأولى،

414 - هـ. - تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم، لِابْنِ كثير. دَار الْفِكر، الطبعة الأولى، 1400هـ. - تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم مُسْندًا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، لعبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم، تَحْقِيق: أسعد مُحَمَّد الطّيب. نشر مكتبة نزار مصطفى الباز، مَكَّة المكرمة، الطبعة الأولى، 1417هـ. - تَفْسِير الْقُرْآن، لعبد الرَّزَّاق الصَّنْعَانِيّ، تَحْقِيق: مصطفى مُسلم. مكتبة الرشد الرياض، الطبعة الأولى، 1410هـ. - التَّفْسِير الْكَبِير، للرازي. دَار الْكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1411هـ. - التَّفْسِير والمفسرون، لمُحَمد حُسَيْن الذَّهَبِيّ. دَار الْكتب الحديثة، الطبعة الثَّانِيَة، 139هـ. - تقريب التَّهْذِيب، لِابْنِ حجر الْعَسْقَلَانِي، تَحْقِيق: مُحَمَّد عوَّامة. دَار البشائر الإسلامية، وَدَار الرشد، الطبعة الأولى، 1406هـ. - تَهْذِيب التَّهْذِيب، لِابْنِ حجر الْعَسْقَلَانِي. تَصْوِير دَار الْكتاب الإسلامي، لإحياء وَنشر التراث الإسلامي - الْجَامِع لأحكام الْقُرْآن، للقرطبي، تَحْقِيق: إِبْرَاهِيم اطفيش. دَار الْكتب المصرية. - جَامع الْبَيَان عَن تَأْوِيل آي الْقُرْآن، لِابْنِ جرير الطَّبَرِيّ، تَحْقِيق: أَحْمد ومحمود شَاكر. دَار المعارف بِمصْر، الطبعة الثَّانِيَة. - حدث الْأَحْدَاث فِي الْإِسْلَام الْإِقْدَام على تَرْجَمَة الْقُرْآن، لمُحَمد بن سُلَيْمَان، مطبعة جَرِيدَة مصر الْحرَّة، الطبعة الثَّانِيَة 1355هـ. - درة الحجال فِي أَسمَاء الرِّجَال، للمقري، تَحْقِيق: أبي النُّور مُحَمَّد الأحمدي. نشر دَار التراث الْقَاهِرَة، والمكتبة العتيقة بتونس. - الدّرّ المصون فِي عُلُوم الْكتاب الْمكنون، للسمين الْحلَبِي، تَحْقِيق: أَحْمد مُحَمَّد الْخَرَّاط. دَار الْقَلَم دمشق، الطبعة الأولى، 1414هـ. - الدّرّ المنثور فِي التَّفْسِير بالمأثور، للسيوطي. تَصْوِير دَار الْمعرفَة. - الرسَالَة، للْإِمَام الشَّافِعِي، تَحْقِيق: أحمدبن مُحَمَّد شَاكر. دارالكتب العلمية، بيروت.

- روح الْمعَانِي فِي تَفْسِير الْقُرْآن والسبع المثاني، للألوسي. دَار الْفِكر، 1408هـ. - زَاد الْمسير فِي علم التَّفْسِير، لِابْنِ الْجَوْزِيّ، الْمكتب الإسلامي، الطبعة الثَّالِثَة، 1404هـ. - الزّهْد وَالرَّقَائِق، لعبد الله بن الْمُبَارك، تَحْقِيق: أَحْمد فريد. دَار الْمِعْرَاج الدولية للنشر، الطبعة الأولى1415هـ. - سنَن ابْن ماجة، لِابْنِ مَاجَه، تَحْقِيق: مُحَمَّد فؤاد عبد الْبَاقِي. دَار الْفِكر. - سنَن أبي دَاوُد، لأبي دَاوُد، تَحْقِيق: مُحَمَّد مُحي الدّين. دَار الْفِكر. - سنَن التِّرْمِذِيّ، لِلتِّرْمِذِي، تَحْقِيق: إِبْرَاهِيم عطوة عوض. دَار إحْيَاء التراث الْعَرَبِيّ، بيروت لبنان. - السّنَن الْكُبْرَى، للبيهقي. دَار الْمعرفَة، بيروت. - سير أَعْلَام النبلاء، للذهبي، تَحْقِيق: جمَاعَة بإشراف شُعَيْب الأرنؤوط. مؤسسة الرسَالَة، الطبعة الأولى، 1403هـ. - شَجَرَة النُّور الزكية فِي طَبَقَات الْمَالِكِيَّة، لمُحَمد مخلوف. الناشر دَار الْكتاب الْعَرَبِيّ بيروت. - شرح أصُول اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، لللالكائي، تَحْقِيق: أَحْمد سعد حمدَان، الناشر: دَار طيبَة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثَّانِيَة، 1411هـ. - شرح التسهيل، لِابْنِ مَالك، تَحْقِيق: عبد الرَّحْمَن السَّيِّد، وَمُحَمّد بدوي المختون. هجر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1410هـ. - الصاحبي، لِابْنِ فَارس، تَحْقِيق: أَحْمد صقر. مكتبة ومطبعة دَار إحْيَاء الْكتب الْعَرَبيَّة، الطبعة الأولى، 1974م. - صَحِيح ابْن حبَان - مَعَ الْإِحْسَان - لِابْنِ حبَان، تَحْقِيق: شُعَيْب الأرنؤوط. مؤسسة الرسَالَة بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ. - صَحِيح البُخَارِيّ – مَعَ فتح الْبَارِي - للْإِمَام البُخَارِيّ. الناشر دَار الْمعرفَة. - صَحِيح سنَن ابْن ماجة، لناصر الدّين الألباني. الْمكتب الإسلامي، الطبعة الثَّالِثَة،

1408 - هـ. - صَحِيح مُسلم، للْإِمَام مُسلم، تَحْقِيق: مُحَمَّد فؤاد عبد الْبَاقِي. دَار إحْيَاء التراث الْعَرَبِيّ. - الصَّحِيح الْمسند من أَسبَاب النُّزُول، لمقبل بن هادي الوادعي. نشر مكتبة المعارف الرياض، 1400هـ. - الضَّوْء اللامع لأهل الْقرن التَّاسِع، للسخاوي. منشورات دَار مكتبة الْحَيَاة، بيروت لبنان. - طَبَقَات الْمُفَسّرين للداوودي. دَار الْكتب العلمية، بيروت. - العبر فِي خبر من غبر، للذهبي، تَحْقِيق: مُحَمَّد السعيد بسيوني. دَار الْكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ. - علل الْقرَاءَات، لأبي مَنْصُور الْأَزْهَرِي، تَحْقِيق: نوال بنت إِبْرَاهِيم الحلوة، الطبعة الأولى، 1412هـ - فَتَاوَى الإِمَام الشاطبي، حققها وَقدم لَهَا مُحَمَّد أَبُو الأجفان. مطبعة الْكَوَاكِب، تونس، الطبعة الثَّانِيَة، 1406هـ. - فتح الْبَارِي شرح صَحِيح البُخَارِيّ، لِابْنِ حجر. دَار الْمعرفَة للطباعة والنشر. - الْفرق بَين الْفرق، لعبد القاهر الْبَغْدَادِيّ، تَحْقِيق: مُحَمَّد محيي الدّين. الناشر دَار الْمعرفَة بيروت. - فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، للكتاني، باعتناء إِحْسَان عَبَّاس. دَار الغرب الإسلامي، بيروت. - الْقُرْآن الْعَظِيم، هدايته وإعجازه فِي أَقْوَال الْمُفَسّرين، لمُحَمد الصَّادِق عرجون. الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، 1386هـ. - قصد السَّبِيل فِيمَا فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة من الدخيل، لمُحَمد الْأمين المحبي، تَحْقِيق: عُثْمَان مَحْمُود الصيني، مكتبة التَّوْبَة الرياض، الطبعة الأولى، 1415هـ. - قَوَاعِد التَّفْسِير جمع - اودراسة، لخَالِد بن عُثْمَان السبت. دَار ابْن عَفَّان للنشر

والتوزيع، الطبعة الأولى، 1417هـ. - القَوْل السديد فِي حكم تَرْجَمَة الْقُرْآن الْمجِيد، لمُحَمد مصطفى الشاطر. مطبعة حجازي بِالْقَاهِرَةِ، 1355هـ. - الكاشف فِي معرفَة من لَهُ رِوَايَة فِي الْكتب السِّتَّة، للذهبي، تَحْقِيق: لجنة من الْعلمَاء. دَار الْكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1403هـ. - الْكَاف الشاف فِي تَخْرِيج أَحَادِيث الكشّاف - مُلْحق بآخر الكشّاف - لِابْنِ حجر. دَار الْمعرفَة. - كتاب سِيبَوَيْهٍ، لسيبويه، تَحْقِيق: عبد السَّلَام هَارُون، مكتبة الخانجي بِالْقَاهِرَةِ. - الْكَشَّاف عَن حقائق التَّنْزِيل وعيون الْأَقَاوِيل فِي وُجُوه التَّأْوِيل، للزمخشري. دَار الْفِكر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، - كشف الظنون عَن أسامي الْكتب والفنون، لحاجي خَليفَة. منشورات مكتبة المتنبي بِبَغْدَاد. - الْكَشْف عَن وُجُوه الْقرَاءَات السَّبع وعللها 1397هـ. وحججها، لمكي بن أبي طَالب، تَحْقِيق: مُحي الدّين رَمَضَان. مؤسسة الرسَالَة، الطبعة الرَّابِعَة، 1407هـ. - لِسَان الْعَرَب، لِابْنِ مَنْظُور، تَعْلِيق: عَليّ شيري. دَار إحْيَاء التراث الْعَرَبِيّ، الطبعة الأولى، 1408هـ. - لُغَة الْقُرْآن الْكَرِيم، لعبد الْجَلِيل عبد الرَّحِيم. مكتبة الرسَالَة، الطبعة الأولى، 1401هـ. - مبَاحث فِي عُلُوم الْقُرْآن، لمناع الْقطَّان. مؤسسة الرسَالَة، الطبعة الثَّامِنَة، 1401هـ -. - الْمَبْسُوط فِي الْقرَاءَات الْعشْر، لِأَحْمَد بن الْحُسَيْن الْأَصْبَهَانِيّ، تَحْقِيق: سبيع حَمْزَة. مطبوعات مجمع اللُّغَة الْعَرَبيَّة بِدِمَشْق. - مجَاز الْقُرْآن، لأبي عُبَيْدَة، تَحْقِيق: مُحَمَّد فؤاد سزكين. الناشر مكتبة الخانجي بِالْقَاهِرَةِ. - المجددون فِي الْإِسْلَام من الْقرن الأول إِلَى الرَّابِع عشر، لعبد المتعال الصعيدي، نشر: مكتبة الْآدَاب ومطبعتها بالجماميز.

- مجلة البحوث الإسلامية، الرِّئَاسَة الْعَامَّة لإدارة البحوث العلمية، الْعدَد (6) 1402هـ. - الْمَجْمُوع شرح الْمُهَذّب، للنووي. دَار الْفِكر. - محَاسِن التَّأْوِيل، للقاسمي، تَحْقِيق: مُحَمَّد فؤاد عبد الْبَاقِي. مؤسسة التَّارِيخ الْعَرَبِيّ، الطبعة الأولى، 1415هـ. - الْمُحَرر الْوَجِيز فِي تَفْسِير الْكتاب الْعَزِيز، لِابْنِ عَطِيَّة، تَحْقِيق: الْمجْلس العلمي بفاس، 1413هـ. - مدارك التَّنْزِيل وحقائق التَّأْوِيل، للنسفي. الناشر: دَار الْكتاب الْعَرَبِيّ. - مدرسة التَّفْسِير فِي الأندلس، لمصطفى إِبْرَاهِيم المشني. مؤسسة الرسَالَة، الطبعة الأولى، 1406هـ. - الْمحلى لِابْنِ حزم، تَحْقِيق لجنة إحْيَاء التراث الْعَرَبِيّ. دَار الْآفَاق الجديدة، بيروت. - مَسْأَلَة تَرْجَمَة الْقُرْآن، لمصطفى صبري. المطبعة السلفية ومكتبتها، الْقَاهِرَة، 1351هـ. - الْمسند، للْإِمَام أَحْمد. الْمكتب الإسلامي، الطبعة الْخَامِسَة، 1405هـ. - المُصَنّف، لعبد الرَّزَّاق الصَّنْعَانِيّ، تَحْقِيق: حبيب الرَّحْمَن الأعظمي، الطبعة الأولى 1392هـ. - معالم التَّنْزِيل، لِلْبَغوِيِّ، تَحْقِيق: خَالِد عبد الرَّحْمَن العك ومروان سوار. دَار الْمعرفَة، الطبعة الأولى، 1406هـ. - مَعَاني الْقُرْآن الْكَرِيم، لأبي جَعْفَر النّحاس، تَحْقِيق: مُحَمَّد عَليّ الصَّابُونِي. نشر معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم الْقرى. - مُعْجم الْبلدَانِ، لياقوت الْحَمَوِيّ، تَحْقِيق: ريد عبد الْعَزِيز الجندي، دَار الْكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ. - المعجم الْكَبِير، للطبراني، تَحْقِيق: حمدي عبد الْمجِيد السلَفِي. مطبعة الزهراء الحديثة، الطبعة الثَّانِيَة. - مُعْجم المؤلفين، لعمر رضَا كحالة. الناشر مكتبة الْمثنى بيروت، وَدَار إحْيَاء التراث الْعَرَبِيّ بيروت.

- المُعرَّب من الْكَلَام الأعجمي على حُرُوف المعجم، للجواليقي، تَحْقِيق: أَحْمد بن مُحَمَّد شَاكر. مطبعة دَار الْكتب، الطبعة الثَّانِيَة، 1389هـ. - المعيار المعرب وَالْجَامِع الْمغرب عَن فَتَاوَى عُلَمَاء إفريقية والأندلس وَالْمغْرب، لِأَحْمَد ابْن يحيى النوشريسي، خرجه جمَاعَة من الْفُقَهَاء، بإشراف مُحَمَّد حجي. - الْمُغنِي، لِابْنِ قدامَة. مكتبة الرياض الحديثة. - الْمَقَاصِد الشافية فِي شرح الْخُلَاصَة الكافية، لأبي إِسْحَاق الشاطبي، تَحْقِيق: عياد الثبيتي، نشر: مكتبة دَار التراث، الطبعة الأولى، 1417هـ. - مُقَدّمَة فِي أصُول التَّفْسِير، لِابْنِ تَيْمِية. دَار الصَّحَابَة للتراث، الطبعة الأولى، 1409هـ. - مناظرات فِي أُصول الشَّرِيعَة الإسلامية بَين ابْن حزم والباجي، لعبد الْمجِيد تركي، تَرْجَمَة عبد الصبور شاهين. دَار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1406هـ. - مناهل الْعرْفَان فِي عُلُوم الْقُرْآن، لمُحَمد عبد الْعَظِيم الزّرْقَانِيّ. دَار إحْيَاء الْكتب الْعَرَبيَّة. - مَنْهَج ابْن عَطِيَّة فِي تَفْسِير الْقُرْآن الْكَرِيم. لعبد الْوَهَّاب فَايِد. الْهَيْئَة العامّة لشئون المطابع الأميرية، 1393هـ. - الْمُهَذّب فِيمَا وَقع فِي الْقُرْآن من المعَرَّب، للسيوطي، تَحْقِيق: التهامي الراجي الْهَاشِمِي. مطبعة المحمدية الْمغرب. - الموافقات، للشاطبي، تَحْقِيق: مَشْهُور بن حسن. نشر دَار ابْن عَفَّان، الطبعة الأولى، 1417هـ. - الموافقات فِي أصُول الشَّرِيعَة، للشاطبي، تَحْقِيق: عبد الله دراز. دَار الْمعرفَة بيروت. - ميزَان الِاعْتِدَال فِي نقد الرِّجَال، للذهبي، تَحْقِيق: عَليّ البجاوي. دَار المرفعة، بيروت. - النَّاسِخ والمنسوخ فِي الْقُرْآن الْعَزِيز وَمَا فِيهِ من الْفَرَائِض وَالسّنَن، للقاسم بن سلاَّم، تَحْقِيق: مُحَمَّد بن صَالح المديفر. مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1411هـ. - النَّاسِخ والمنسوخ فِي كتاب الله عز وَجل وَاخْتِلَاف الْعلمَاء فِي ذَلِك، لأبي جَعْفَر النّحاس، تَحْقِيق: سُلَيْمَان بن إِبْرَاهِيم اللاحم. مؤسسة الرسَالَة، الطبعة الأولى

، 1412هـ. - النشر فِي الْقرَاءَات الْعشْر، لِابْنِ الْجَزرِي، تَحْقِيق: الضباع. دَار الْكتب العلمية. - نفح الطّيب من غُصْن الأندلس الرطيب، للمقّري التلمساني، تَحْقِيق: إِحْسَان عَبَّاس. دَار صادر بيروت. - نكت الْقُرْآن الدالّة على الْبَيَان فِي أَنْوَاع الْعُلُوم وَالْأَحْكَام، لمُحَمد بن عَليّ القصاب، تَحْقِيق: شايع بن عَبده الأسمري. يُوجد من الْكتاب نسخ فِي المكتبة المركزية، قسم المخطوطات. - النكت والعيون، للماوردي، تَحْقِيق: السَّيِّد بن عبد الْمَقْصُود. دَار الْكتب العلمية، الطبعة الأولى 1412هـ. - النِّهَايَة فِي غَرِيب الحَدِيث والأثر، لِابْنِ الْأَثِير، تَحْقِيق: طَاهِر الزاوي، ومحمود الطناحي. المكتبة العلمية بيروت. - نواسخ الْقُرْآن، لِابْنِ الْجَوْزِيّ، تَحْقِيق: مُحَمَّد أشرف. نشر الْمجْلس العلمي بالجامعة الإسلامية، الطبعة الأولى، 1404هـ. - نيل الابتهاج بتطريز الديباج، لِأَحْمَد بَابا التنبكتي. مُلْتَزم طبعه عَبَّاس بن عبد السَّلَام ابْن شقرون، بالفحامين بِمصْر، الطبعة الأولى 1351هـ.

§1/1