معيار الاختيار فى ذكر المعاهد والديار

لسان الدين بن الخطيب

مقدمة أن كتاب «معيار الاختيار فى ذكر المعاهد والديار» لابن الخطيب من اطرف كتب المؤلف الشهيرة، فقد صاغه على هيئة مقامة ادبية ذات منهاج وأسلوب فنى انفرد به لسان الدين روعة وابداعا، مستهدفا وصف اهم المدن الاندلسية والمغربية جغرافيا واجتماعيا كما رآها وعاصرها فى منتصف القرن الثامن الهجرى (منتصف الرابع عشر الميلادى) . فلم تكن المقامة التقليدية لديه هدفا لذاتها من شعوذة واستجداء كما هى عند الحريرى والهمذانى وغيرهما، أو وعظ وتذكير بالدار الآخرة وما فيها من ثواب وعقاب كما هى عند الزمخشرى والدمياطى وامثالهما، بل ان المؤلف كانت غايته علمية بحتة ابرزها فى صورة ادبية ثقافية ممتعة، وبالرغم من قيود السجع والمحسنات البديعية الا أن وصفه للبلدان فى مناحى شتى قد جاء فى صورة مشوقة تنبض حياة، وتتألق براعة. ويصف المقرى هذا الكتاب فيقول: «وللسان الدين مقامة عظيمة بديعة، وصف بها بلاد الاندلس والعدوة، وأتى فيها من دلائل براعته بالعجب العجاب «1» » . ولقد أورد ابن الخطيب «معيار الاختيار» ضمن مؤلفه الادبى الضخم «ريحانة الكتاب، ونجعة المنتاب» الذي ما يزال مخطوطا، وان كان بعض الباحثين قد قام بتحقيق اجزاء منه، فمن اشهر نسخ «الريحانة» التى ورد بها «المعيار» واقتضت طبيعة التحقيق والدراسة الرجوع اليها فى كل من المغرب (الرباط- فاس) وتونس والجزائر والقاهرة واسبانيا وروما: 1- نسختان بدار الكتب بالقاهرة. الاولى: يوجد منها الجزء الاول وبعض الجزء الاخير فى مجلدين، وبخط مغربى، فى ثناياها ثقوب ونقص واضطراب، وهذان الجزآن مصوران بالفوتوستات عن النسخة الخطية المحفوظة بمكتبة تونس، ويقعان فى 309 لوحة، مسجلين برقم 19875 ز.

الثانية: بها نقص يسير من الخطبة، اولها بعد الديباجة: «.. وسميته لتنوع بساتينه المنسوقة، وتعدد افانينه المعشوقة، بريحانة الكتاب، ونجعة المنتاب» .. الخ، وتقع هذه النسخة فى مجلدين كتبا بخط النسخ، وقد نقلا عن الجزاين المخطوطين المقيدين بدار الكتب المصرية برقم 524 أدب س، ويقعان فى 460- 650 صفحة، مسطرتها 21 سطرا، وقد سجلا تحت رقم 3459 ز، وقد اتخذنا لهذه النسخة فى التحقيق الرمز «د» . 2- نسخة الاسكوريال بمدريد. وهى مسجلة برقم 554 من فهرس الغزيرى، وهى نسخة جيدة للغاية قد كتبت بخط اندلسى باهت، وتقع فى 281 لوحة كبيرة، أعنى 562 صفحة، بكل صفحة 27 سطرا، وفى كل سطر 12 كلمة فى المعدل العام، وقد ذكر فى نهاية هذه النسخة أنها كتبت سنة 888 هـ، وقد رمزنا اليها خلال البحث بالرمز «أ» . 3- جزء مخطوط بمكتبة الفاتيكان الرسولية بروما، مكتوبة بخط مغربى وهى عبارة عن السفر الثالث من «الريحانة» ، وعدد لوحاتها 119 لوحة كبيرة، مسجلة برقم 252. وقد احتوى هذا السفر على «معيار الاختيار» ، ورمزنا لهذا المخطوط اثناء التحقيق بالرمز «ف» . 4- قطعة مخطوطة أخرى فى مكتبة الجزائر الوطنية من «الريحانة» ، تشتمل على 181 لوحة مزدوجة من القطع الكبير، مكتوبة بأكثر من خط معظمه قديم، والبعض منها- ولا سيما الوسط- قد أكمل مؤخرا، أو بتاريخ أحدث، وهذه النسخة تشتمل على النصف الثانى والاخير من «الريحانة» ، حيث تبدا بالفصل الذي يحمل عنوان «جمهور الاغراض السلطانيات» ، ويغلب على الظن أن هذه النسخة هى أقدم جزء من المخطوط رقم 2010، وقد احتوى هذا الجزء- ضمن ما احتوى- كتاب «معيار الاختيار» موضوع الحديث، وقد رمزنا اليها بالرمز «ج» . 5- وفى خزانة القرويين بفاس قطعتان من «ريحانة الكتاب» : الاولى: تضم السفرين الرابع والخامس، وتقع فى 99 لوحة مزدوجة من القطع الكبير، فى كل صفحة منها 27 سطرا، قد كتبت بخط مغربى، وفى نهايتها تاريخ الفراغ من نسخها، وهو يوم الاحد قبل الزوال عام تسعة عشر

ومائة وألف (لم يذكر تاريخ اليوم أو الشهر) وهى برقم 40- 565، ورمزها «س» فى تحقيقتا. أما القطة الثانية: فهى برقم 3011، وتنطبق عليها نفس أوصاف الاولى ولا سيما الخط. 6- أما فى الخزانة العامة بالرباط (قسم المخطوطات والمحفوظات) فتوجد عدة نسخ من «الريحانة» ، اظهرها واشهرها النسخة الكتانية المسجلة برقم 331 ك، وهى عبارة عن مجلد ضخم يتألف من 609 صفحة من القطع الكبير، وفى كل صفحة 25 سطرا، قد كتبت بخط مغربى واضح، وبها زيادات حديثة، أغلب الظن أنها ليست من انشاء ابن الخطيب، ولا سيما الجزء الخاص بذكر ملوك بنى امية والخلفاء من بنى العباس، وهو غفل من تاريخ كتابته، أما النسخة الاساسية للريحانة فتقع فى 599 صفحة، وقد رمزنا اليها بالرمز «ك» وتوجد بنفس هذه الخزانة غير التى ذكرنا- سبع نسخ من «الريحانة» قد اشتمل معظمها على «معيار الاختيار» وفيما يلى ما تضمن منها «المعيار» : فأولها: نسخة كاملة عبارة عن مجلدين من الحجم المتوسط، ويشتمل أولها على 222 لوحة، مكتوبة بخط مغربى واضح. والمجلد الآخر عبارة عن 215 لوحة من نفس الحجم، وقد كتب بنفس الخط المغربى الواضح. وهذه النسخة بمجلديها مسجلة برقم 2195 بالمكتبة الملكية، وقد رمزنا اليها بالرمز «ل» اثناء التحقيق. وثانيتها: تشتمل على السفرين الرابع والخامس من «الريحانة» وعدد لوحاتها 145 لوحة من الحجم الصغير، ورقم التسجيل 600 وثالثها: عبارة عن النصف الثانى من «الريحانة» ، وهى نسخة تحتوى على الاسفار الرابع والخامس والسادس، وتقع جميعها فى 186 لوحة. ورابعها: نسخة ذات اوراق بالية وقديمة تشمل 40 لوحة كبيرة، قد كتب على الصفحة الاولى منها «السفر الثالث من ريحانة الكتاب» ، وفى نهاية اللوحة الاخيرة عبارة «كمل السفر الخامس» ورقم تسجيلها 6400.

هذا، ولا يغيب عن الفكر أن هناك نسخا أخرى من مؤلف ابن الخطيب «ريحانة الكتاب» فى حوزة المكتبات الخاصة، جلها فى المغرب الاقصى، ومعظمها قد انتظم «معيار الاختيار» ، بيد أنه لا يتسنى للباحث أن يستدل ويطلع عليها فى سهولة ويسر لسبب أو لآخر، فمن ذلك على سبيل المثال النسخة الجيدة التى بمكتبه صديقى الاستاذ عبد الكبير الفهرى الفاسى بالرباط، وقد تصفحت سفرا خاصا ب «معيار الاختيار» فوجدتها نسخة قريبة الشبه خطا ونسخا من النسخة الاولى الخاصة بالمكتبة الكتانية التى أشرنا اليها فى ثنايا الحديث عن نسخ الخزانة العامة بالرباط. ونرى- بهذه المناسبة- أن نذكر أن مؤرخ المملكة المغربية الاستاذ عبد الوهاب بن منصور قد أخبرنا فى صدد «معيار الاختيار» بأنه سبق أن رأى نسخة تكاد تكون فريدة منه لدى أحد شيوخ مدينة «تلمسان» منذ مدة طويلة، وترجع أهميتها لكون هذه النسخة قد اشتملت على وصف تلك المدينة وهو ما تنفرد به من دون النسخ الاخرى الخالية منها تماما، ويعزز رواية الاستاذ عبد الوهاب وجود وصف مدينة تلمسان فى كتاب «نفح الطيب» (ج 9 ص 340- 341) وهو لابن الخطيب كما اثبته المقرى، والاسلوب فى الوصف على نمط الاسلوب الذي انتهجه المؤلف فى «معيار الاختيار» من بداية بالاستفسار: «قلت فمدينة تلمسان؟ فاجابة من الراوى: قال: «تلمسان مدينة جمعت بين الصحراء والريف، ووضعت فى موضع شريف.. الخ» ، ثم يعقب وصفه للمدينة بما عودنا من ايراد أبرز المثالب كمثيلاتها، فقال: «.. ألا أنها بسبب حب الملوك، مطعمة للملوك. ومن أجل جمعها الصيد فى جوف الفرا، مغلوبة للامراء،.. الخ» . حقا لقد كانت «تلمسان» يومئذ ضمن مملكة بنى مرين حينما امتد ملكهم الى الجزائر عام 796 هـ (1393 م) ، واضحى ملك بنى زيان تابعا لبنى مرين، وبقى الامر كذلك حتى دب الضعف فى الدولة المرينية، واستبد بنو وطاس ووزراؤهم بالامر، فهيأ ذلك لبنى زيان أن يستقلوا مرة أخرى بأمر تلمسان، كما هيا مثل هذا الاستقلال للاشراف أن يظهروا فى مراكش بجنوب المغرب «1» . وقد وفد ابن الخطيب فى ذلك الابان على مدينة تلمسان سفيرا ثم زائرا، وأخيرا عندما لجا فارا من الاندلس، حيث احتمى بظلال بنى مرين على ما

سنفصله فى الترجمة للمؤلف من بعد، الامر الذي يقطع بأن المؤلف أورد وصف تلمسان ضمن «المجلس الثانى» الخاص بأهم المدن المغربية، كما لا نستبعد من ناحية أخرى أن تأليف لسان الدين للمعيار كان زمن امتلاك المرينيين لتلمسان، وربما كان ذلك أواخر أيامه، حيث أتيحت له أكثر من فرصة لدراسة المدينة وسواها من مدن المغرب، ورسم صورة واقعية لها، كعهدنا به نحو المدن الاخرى التى تناولها بالوصف فى مؤلفه هذا. لقد كنت تواقا الى رؤية تلك النسخة، عسى أن أتمكن من ازالة علامة الاستفهام التى ترتسم حيال بقية النسخ من «الريحانة» المشتملة على «معيار الاختيار» والتى خلت- للاسف- من وصف مدينة «تلمسان» ، ومن يدرى فربما كانت نسخة الجزائر اقرب من غيرها الى عصر المؤلف أن لم تكن قد نسخت على أيامه، ولكن ما الحيلة وقد طوى الزمن صاحب النسخة، ولا ندرى بالتالى الى من آلت، هذا أن لم تكن قد انقرضت هى بدورها حيث لم نسمع عنها حتى يومنا هذا من قريب أو بعيد، ولم تتناولها من قبل فهارس المستشرقين، كما لم تشر اليها أقلام الباحثين من المهتمين بالتراث الاندلسى خاصة. وعلى اى حال فلا مناص من الحاق وصف مدينة «تلمسان» فى نهاية «المجلس الثانى» للمدن المغربية، وذلك نقلا عن «نفح الطيب» بنصه، مقدرا للاستاذ عبد الوهاب بن منصور لفتته العلمية. هذا، وقد نوهت اثناء عرض الكتاب ب «الفصل الثالث» أن النسخة التى رأيت أنها أوفى واحق بالاعتماد فى التحقيق- مع اعتبار بقية النسخ- هى نسخة الاسكوريال (554) . وقد رأيت استكمالا للفائدة، والماما بما قد يحتاجه الباحث أن اختط فى هذا التحقيق النحو التالى فى أربعة فصول: الفصل الاول: وقد أوردت فيه ترجمة تكاد تكون وافية بالغرض لحياة المؤلف «لسان الدين ابن الخطيب» . الفصل الثانى: وبه بيان لوجهة نظر بعض المستشرقين والباحثين تجاه ابن الخطيب.

الفصل الثالث: وقد أوردت فيه دراسة خاصة ب «معيار الاختيار» فى عرض تحليلى من الناحيتين الادبية والتاريخية، واهمية الكتاب كعمل أدبى، ثم كوثيقة تاريخية هامة. الفصل الرابع: وقد أوردت فيه «المجلس الاول» من النص، وهو الخاص بوصف «المدن الاندلسية» . الفصل الخامس: وقد أوردت فيه «المجلس الثانى» من النص، وهو الخاص بوصف «المدن المغربية» . وفى ذيلا كلا «المجلسين» اثبت فى التعليق ما اقتضاه التحقيق، واستوجبته الدراسة. ولا يسعنى- اذ أقدم هذا العمل كتحقيق جديد فى مجال التراث الاندلسى- الا أن أعترف بالفضل لكل سابق فى هذا الميدان، ولا سيما حيال من أسهموا بدراسة أو تحقيق لابن الخطيب ومؤلفاته فقد كانت بحوثهم عونا جديرا بالتقدير، كما اذكر لاستاذنا العلامة عبد الله كنون فضله فى هذا العمل، جزاه الله خير الجزاء، وانوه بسبق الزميل الدكتور أحمد مختار العبادى، معترفا بالاستفادة الحقة من دراسته فى هذا الموضوع. أخيرا، آمل بهذا التحقيق- على هذه الصورة- لكتاب «معيار الاختيار» أن أكون قد أسهمت بلبنة فى صرح الذخائر الاندلسية. والله أسأل أن يجد فيه رواد الفكر وعشاق التراث ما ينشدون أو يؤملون، أنه سميع قريب، وبالاجابة جدير. وهو- سبحانه- ولى التوفيق المحقق دكتور محمد كمال شبانه أستاذ التاريخ والحضارة الاسلامية بجامعات المغرب القاهرة/ 2- 3- 2002

الفصل الأوّل حياة ابن الخطيب وآراء بعض المستشرقين حوله

مقدمة

ابن الخطيب 713- 776 هـ (1313- 1374 م) ثانى اثنين أرّخا لعصر بنى الأحمر، فكشفا عن السلالة النصرية، حتى عصرهما الذي عاشاه جنبآ الى جنب، ولم ينل من علاقتهما الطيبة سوى التنازع على المزيد من السلطة، فى دولة طالما استبد فيها الحجاب والوزراء، وانتقصوا من سلطة السلطان، فكانت نهايتهم على يدى من نازعوهم أمور المملكة، بايعاز من صاحب سلطة قضائية أو ادارية، وهذا ما حدث بين ابن الخطيب، وبين قاضى الجماعة أبى الحسن على النباهى الجذامى، على نحو ما سنرى من خلال سيرة الأول. هو لسان الدين أبو عبد الله محمد، بن عبد الله، بن عبد الله، بن سعيد، بن على، بن أحمد، السلمانى، نسبة الى سلمان، بقعة باليمن نزلت بها بعض القبائل القحطانية، وكانت أسرة ابن الخطيب احدى هذه القبائل، ومن اليمن وفدت الأسرة الى الأندلس، حيث اتخذت قرطبة مقرا لها. ثم هاجرت الأسرة الى طليطلة- كما أخبر بذلك ابن الخطيب نفسه فى مقدمة «الاحاطة» - عام 202 هـ 817 م، وهو العام الذي حدثت فيه ثورة أهل الربض بقرطبة، ضد أمير الأندلس الحكم بن هشام، حيث حرض الفقهاء أهل الربض ضد الأمير، ولكن الحكم قضى على الثورة فى الموقعة المشهورة

ب (موقعة الربض) وشنتت شمل القائمين بها، فنفى من نفى، وشرد من شرد، وغادر قرطبة جمهور من المعارضين وعديد من العلماء، ومن هؤلاء أسرة ابن الخطيب، حيث قصدت طليطلة، فبقيت بها قرابة قرن ونصف، ولما أحست أسرة المترجم له بالخطر المحدق بالمدينة- حيث أصبحت هدفا للأسبان فى أواسط القرن الخامس الهجرى (أوائل القرن الثانى عشر الميلادى) - بادرت بالنزوح عنها الى مدينة لوشة «1» مسقط رأس ابن الخطيب فى 25 رجب 713 هـ (16 نوفمبر 1313 م) . تربى ابن الخطيب فى أسرة عرفت بالاصالة والعلم والجاه، فقد كان أبوه عبد الله من أكابر العلماء والخاصة، كما أخبر بذلك ابن الخطيب نفسه، حيث ترجم لأبيه فى كتابه (الاحاطة فى أخبار غرناطة) فروى لنا أنه ولد فى (672 هـ 1273 م) واستقر حينا فى غرناطة، ثم عاد الى لوشة مقر الأسرة، ثم رجع الى غرناطة أخيرا، حيث التحق بخدمة السلطان أبى الوليد اسماعيل ملك غرناطة (713- 725 هـ- 1314- 1324 م) . وقد كانت أسرته تحمل اسم «الوزير» الى أن جاء جده سعيد فعرفت باسم «الخطيب» . ولما توفى هذا السلطان، وخلفه ابنه السلطان أبو عبد الله محمد، التحق والد ابن الخطيب بديوان كتابته أيضا، ثم بأخيه السلطان أبى الحجاج يوسف (733- 755 هـ- 1333- 1354 م) ، حيث عاصر الكاتب الكبير، والرئيس العظيم أبا الحسن على بن الجيّاب، والذي منح من قبله لقب الوزارة، وأخيرا سقط عبد الله مع ولده الأكبر- أخى لسان الدين- قتيلا فى موقعة طريف الشهيرة، التى تمخضت عن فوز الأسبان على المسلمين من الأندلس والمغرب، وسقوط كل من طريف ثم الجزيرة الخضراء وقلعة بنى سعيد، وذلك فى جمادى الأولى 741. هـ (1340 م) .

لقد نشأ ابن الخطيب فى العاصمة غرناطة، وتلقى بها دراسته «2» ، فقد كانت وقتئذ ميدانا احتشد فيه الأكابر من العلماء والأدباء، فدرس اللغة والشريعة والأدب على جماعة من أقطاب العصر، مثل «أبى عبد الله بن الفخار الألبيرى» شيخ النحاة فى عصره، «وأبى عبد الله بن مرزوق» فقيه المغرب الكبير، «والقاضى أبى البركات بن الحاج البلفيقى» ، ودرس الأدب والشعر على الوزير «أبى عبد الله ابن الحكيم اللخمى» وعلى الرئيس «أبى الحسن على بن الجياب» ، وغير هؤلاء، كما درس الطب والفلسفة على حكيم العصر وفيلسوفه الشيخ «يحيى بن هذيل» . فلا نبالغ اذن اذا قلنا: ان غرناطة- فى ذلك الوقت- كانت أعظم مركز للدراسات الأدبية والعلمية والاسلامية، فى هذا القطر الغربى من العالم الاسلامى، وكان هذا من حظ ابن الخطيب الى حد بعيد. هذا، وقد تأثر مستقبل ابن الخطيب السياسى بحكم منصب والده، فمنذ شب عن الطوق ونفسه تطمح للوصول الى مركز أبيه، فلما توفى الوالد دعى ابنه للخدمة مكانه، وكان حينئذ فى الثامنة والعشرين من عمره، حيث تولى أمانة السر لأستاذه الرئيس «أبى الحسن بن الجياب» وزير السلطان ابى الحجاج يوسف الأول النصرى وكاتبه «3» ، ثم خلف أستاذه فى الوزارة، وتقلد ديوان الانشاء لهذا السلطان، وكان ابن الخطيب يومئذ قد ملك زمام أرفع الأساليب شعرا ونثرا، بفضل أستاذه الراحل، وظهر أثر هذه التلمذة على رسائله السلطانية، التى حررها بقلمه على لسان ملوك الأندلس والمغرب، والتى نعتها المؤرخ ابن خلدون بالغرائب، وقد جمع ابن الخطيب نفسه منها الكثير فى كتابه «ريحانة الكتاب، ونجعة المنتاب» ، كما أورد المقرى عددا منها فى مؤلفه «نفح الطيب» » ، ويعتبر كتاب ابن الخطيب «كناسة الدكان بعد انتقال السكان» مجموعة من الرسائل السلطانية التى تمثل العلاقات السياسية بين غرناطة والمغرب، فى منتصف القرن الرابع عشر الميلادى، على لسان سلطانه يوسف الأول ابن الأحمر، الى معاصره فى فاس أبى عنان فارس المرينى.

ولقد كسب ابن الخطيب ثقة هذا السلطان الغرناطى، حيث قربه من مجلسه، وخلع عليه الجم من النعم، كما أنه أصبح أثيرا لديه، مودعا اياه أمانة سره وكتابته، وذلك لروعة هذه المكاتبات السلطانية التى دبجها له من جهة، ولنجاح سفاراته مع ملوك النصارى والمغرب من جهة أخرى، فقد بعثه عاهل غرناطة سفيرا الى أبى الحسن المرينى ملك المغرب عام 749 هـ (1348 م) . ولما توفى السلطان أبو الحجاج يوسف قتيلا- فى يوم عيد الفطر 755 هـ (19 أكتوبر 1354 م) - خلفه فى الملك ولده السلطان محمد الخامس الغنى بالله، واستمر ابن الخطيب فى معاونة الوزير أبى النعيم رضوان على خدمة السلطان الجديد، كما تولى الوصاية على الأبناء القصر للسلطان المتوفى، ثم قام بسفارة الى السلطان «أبى عنان فارس المرينى» عام 755 هـ 1354 م، ولقد نجح ابن الخطيب فى مهمته هذه نجاحا عظيما، ذلك أن ملك المغرب استجاب للمطالب التى حملها ابن الخطيب لصالح ملك غرناطة، وفى مقدمتها العون الحربى لمقاومة أطماع ملك قشتالة. ولقد ظفر ابن الخطيب بمكانة ممتازة لدى الغنى بالله، اذ منحه ثقته كأبيه من قبل، وخلع عليه لقب (ذو الوزارتين) ، لجمعه بين وزارة القلم ووزارة السيف. ولكن حدث أن اندلعت الثورة بغرناطة، فى رمضان 760 هـ 1359 م، ونتج عنها فقدان السلطان الغنى بالله لملكه، واستيلاء أخيه الأمير اسماعيل على العرش، كما تمخضت هذه الثورة عن مقتل الحاجب أبى النعيم رضوان، ثم فرار الغنى بالله الى وادى آش «5» ، وعليه فأصبح ابن الخطيب لا يملك من الأمر شيئا، غير أنه حاول أن يستميل السلطان الجديد، فقبله فى منصب الوزارة مؤقتا، ثم تشكك بعد قليل فى نواياه، وذلك بتحريض منافسيه وحساده، فقبض عليه، وصادر أملاكه، وبذلك فقد ابن الخطيب جاهه ونفوذه، بل ومتاعه بين عشية وضحاها.

لم تطل هذه النكبة بابن الخطيب، فقد بعث ملك المغرب السلطان أبو سالم سفيره (الشريف أبا القاسم التلمسانى) الى ملك غرناطة الجديد، يطلب اليه أن يسمح للملك المخلوع (الغنى بالله) ووزيره ابن الخطيب بمغادرة الأندلس الى المغرب ضيفين عزيزين، فرضخ سلطان غرناطة لهذا الطلب، سياسة منه فى الابقاء على أواصر الوداد مع بنى مرين، واحتفاظا بهم سندا لمستقبل الدولة الاسلامية بالأندلس. ولهذا أطلق سراح ابن الخطيب، ولحق بسلطانه، حيث لجأ إلى وادى آش، ومن ثم الى المغرب، ومعهما نفر كبير من الحاشية، فوصل الركب فاس فى محرم 760 هـ (ديسمبر 1358 م) حيث استقبلهما السلطان أبو سالم استقبالا حارا، واحتفل بقدومهم احتفالا عظيما، وألقى ابن الخطيب فى هذه المناسبة- بين يدى المضيف- قصيدته الشهيرة «6» ، يستنصره ويستصرخه؛ ليعين سلطانه على أمره. ويشهد ابن خلدون المؤرخ ذلك الحفل- بصفته من كبار رجال البلاط المرينى- فيصفه لنا ويقول: «إن ابن الخطيب استولى على سامعيه، فأبكاهم تأثرا» . هذا وقد طاب العيش لابن الخطيب بالمغرب فى رعاية السلطان «أبى سالم» ، الذي أقطعه الأراضى، ورتب له الرواتب، حيث استقر فى مدينة «سلا» «7» حوالى ثلاثة أعوام منفيا 760- 763 هـ (1358- 1361 م) ، اقتنى خلالها الضياع والأموال، ولكن لم ينس- فى الوقت نفسه- نزعته الثقافية والتأليفية، فجاس خلال مدن المغرب دارسا باحثا، ملتقيا بالعلماء فى تجواله، وفى نهاية المطاف يرجع الى سلا، حيث يرابط بضاحية «شالة» ، قرب أضرحة ملوك بنى مرين.

ولقد أصيب ابن الخطيب- ابان هذه الفترة- فى زوجته أم أولاده، وبالرغم من كل ما أصابه من نكبات متوالية فانه لم يقعد عن التأليف، ولم يخلد الى الراحة والسكينة، ويكفى دليلا على هذا تلك المؤلفات التى حررها وقتئذ، ومن أهمها: 1) معيار الاختيار، فى ذكر المعاهد والديار (هذا الكتاب) . 2) نفاضة الجراب، وعلالة الاغتراب. 3) اللمحة البدرية، فى تاريخ الدولة النصرية. 4) الحلل المرقوقة، فى اللمع المنظومة «8» . 5) رقم الحلل، فى نظم الدول. 6) كناسة الدكان، بعد انتقال السكان. 7) رسائل فى فنون مختلفة، معظمها نظمه شعرا. وفى هذه الأثناء تم انقلاب فى فاس، ترتب عليه مصرع السلطان أبى سالم، فى ذى القعدة 762 هـ (1360 م) ، وتقلد السلطان صاحب الانقلاب الوزير عمر بن عبد الله، الذي أعان ابن الأحمر المخلوع على أمره، ووقف الى جانبه فى استرجاع عرشه، حتى سنحت الفرصة، وواتت الظروف، باندلاع ثورة جديدة فى غرناطة، صرع فيها السلطان اسماعيل بن الأحمر على يد الرئيس أبى سعيد، الذي فر الى (قشتالة) عقب عودة الغنى بالله الى الأندلس، واستيلائه على ولاية مالقة، ثم دخوله غرناطة، وتربعه على العرش من جديد عام 763 هـ- 1361 م. لقد استدعى سلطان غرناطة الجديد، محمد الخامس الغنى بالله، وزيره المنفى ابن الخطيب، ليقدم الى دار ملكه، برسالة مؤرخة: 14 جمادى الآخرة 763 هـ (15 أبريل 1361 م) وليتقلد منصبه السابق، فاستجاب ابن

الخطيب، وجاز البحر صحبة أسرة السلطان وأسرته، ثم وصل العاصمة، وهناك وجد من يزاحمه منصبه، وينافسه السلطة، وهو شيخ الغزاة (عثمان بن أبى يحيى) ، صاحب اليد على السلطان فى استرجاع العرش، فنشب خلاف بين الرجلين، وحقد كلاهما على الآخر، ولكن ابن الخطيب كان أشد مراسا بأساليب الكيد والدس، فتغلب على خصمه؛ اذ زين للسلطان خطورة نفوذ عثمان هذا، وبدأ يخيفه من غدره وغدر أشياعه، فاستجاب ابن الأحمر لنصح ابن الخطيب، وقضى على عثمان وآله فى شهر رمضان 764 هـ- 1363 م، وبذلك استرد ابن الخطيب كامل سلطته، دون مناوئ أو منافس، ولكن الى حين، فقد شعر مرة أخرى بما يحاك حوله من دسائس ومكائد، ورأى سلطانه يتأثر بسعاية الخصوم، وقد تزعم هذه الحملة الجديدة ضد ابن الخطيب رجلان وثيقا الصلة بالسلطان بحكم وضعيتهما فى الخدمة السلطانية، ولمكانتهما السياسية فى الدولة، وهما: 1) الشاعر محمد بن يوسف المعروف ب «ابن زمرك» تلميذ ابن الخطيب، ومعاونه فى الوزارة. 2) قاضى الجماعة أبو الحسن على بن عبد الله النباهى، ولى نعمة ابن الخطيب. وحينئذ شعر ابن الخطيب بخطورة موقفه عند السلطان، بين هذين الرجلين الداهيتين، فدبر أمره على مغادرة الأندلس نهائيا، دون أن يشعر السلطان مطلقا بذلك، وفعلا طلب منه أن يأذن له فى تفقد بعض الثغور والموانئ الأندلسية، فأجابه السلطان، وكان وزيرنا- من جانبه- قد أعد العدة للابحار الى المغرب، حيث يحل ضيفا لاجئا على السلطان أبى عنان فارس بن أبى الحسن المرينى، وقد تم له ذلك بوصوله الى جبل طارق، الذي كان يومئذ ضمن أملاك المرينيين، ونجحت الخطة، اذ استقبله قائد الميناء بحفاوة، وسهل له مهمته، بأمر من سلطان المغرب، وأجازه الى سبتة هو ومن معه من ولده، وقبل أن يودع هذه البقاع بعث برسالة مؤثرة الى السلطان الغنى بالله

يعلل فيها مسلكه هذا، ويبرر تصرفه الاضطرارى، وأخيرا يطلب غفرانه، راجيا عونه لأسرته التى خلفها وراءه فى غرناطة. وصل ابن الخطيب الى سبتة ومنها التحق بتلمسان، مقر السلطان عبد العزيز الذي احتفى به وأكرمه، ثم بعث بسفرائه الى غرناطة، يلتمس من سلطانها ان يجيز أسرة ابن الخطيب، فأجابه ابن الأحمر الى طلبه، وكان ذلك عام 773 هـ- 1371 م. وكان من المتوقع أن يهنأ ابن الخطيب بهذا المقام بالمغرب، فالسلطان قد أحله مكانته اللائقة به، وأبدله مما فقد الشيء الكثير، ولكن- للأسف- اتخذ منافسوه بغرناطة من هربه- على هذه الصورة- مادة دسمة للكيد، وأكدوا للسلطان محمد الخامس ابن الأحمر ادانته، وعدم وفائه لولى نعمته، وزاد الاتهام تأكيدا أن ابن الخطيب كان حريصا على أن يحمل معه أمواله وذخائره الى المغرب، وفى هذا يخاطب القاضى النباهى غريمه- فى الرسالة المعروفة التى بعث بها اليه: «فهمزتم ولمزتم، وجمعتم من المال ما جمعتم، ... ، ثم هربتم بأثقالكم» «9» . كان القاضى النباهى فيما سبق من أنصار الوزير ابن الخطيب، بل إن تعيينه قاضيا للجماعة واستصدار ظهير هذا المنصب قد تم على يدى ابن الخطيب نفسه، كما نجد فى كتاب الاحاطة ترجمة للنباهى تنبئ عن تقدير ابن الخطيب لهذا الرجل؛ اذ ينعته بأنه «قريع بيت مجادة وجلالة، وبقية تعين وأصالة، عف النشأة، طاهر الثوب، مؤثر للوقار والحشمة، بعيد الغور، مرهف الجوانب، ناظم، ناثر، نثره يشف عن نظمه، ذاكر للكثير، بعيد المدى فى باب النزاهة، ماضي غير هيوب ... الخ» ، ولكن ذلك «النباهى» تنكر تماما لابن الخطيب، ولم يحفظ له هذا الجميل؛ فقد آزر الوزير «ابن زمرك» ضده، وسعى سعيا حثيثا فى سبيل القضاء عليه، وتتجلى هذه الروح الشريرة، وما يمليه الحقد الشخصى، والضغائن الدفينة، فى تلك

الرسالة التى بعث بها القاضى النباهى الى ابن الخطيب بالمغرب، وفيها يعيب عليه الانصراف الى اقتناء الضياع والديار، كما أنه نسب اليه- فى بعض مؤلفاته- بعض محدثات فى الدين، مما يمس الشريعة الاسلامية، كما تناول فى بعض هذه المؤلفات الأموات من الناس، وذلك بالطعن أو العيب فيهم، الأمر الذي يستنكره الدين....، الى آخر ما جاء فى تلك الرسالة من هذه المثالب، وحتى مغادرة ابن الخطيب للأندلس مؤخرا- على تلك الصورة- رأى فيها النباهى غدرا بالسلطان ولى نعمته، كما كذبه فى ادعائه الانقطاع للعبادة فى المغرب، وأنه لو أرادها حقيقة لقصد الديار المقدسة، أو أبقى على نفسه بغرناطة بجوار الكفاح والجهاد، لنصرة المملكة الاسلامية التى يتهددها خطر الأسبان كل حين. وفى الأخير ينهى النباهى رسالته بالنيل من أسرة ابن الخطيب، بأنها حديثة النعمة، وأن ثروتها هذه لم تأت الا عن طريق المنصب والسلطة.. وقد كان لهذه الرسالة أثر كبير فيما بعد؛ حيث كانت صك الاتهام، وأدين ابن الخطيب على أساس ما ورد فيها، وذلك عندما حلت نكبته، ودنت ساعة نحسه «10» . هذا، ويرجع تاريخ الرسالة هذه الى أواخر جمادى الأولى 773 هـ- 1371 م، وقد تسلمها ابن الخطيب بتلمسان، وأجاب على ما جاء بها مفصلا، فى كتابه «الكتيبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة» ، وشدد النكير على القاضى النباهى، عندما وصقه بأنه «الجعسوس» أى: القزم الدميم، وزاد ابن الخطيب فوضع رسالة خاصة للنيل من خصمه اللدود، وسماها «خلع الرسن، فى وصف القاضى أبى الحسن» . ظل القاضى النباهى وابن زمرك على عزمهما بسحق غريمهما ابن الخطيب، فبعد احراق كتبه العقائدية، عهد النباهى الى قضاة غرناطة باستصدار حكم الشرع فى جريمة الالحاد، وهو الاعدام، وحصل من السلطان على مصادقة بهذا

الحكم، وبعث القاضى أبو الحسن بنوابه الى السلطان عبد العزيز وبأيديهم هذا الحكم، فقابل السلطان رسل غرناطة بالاستنكار، وخاطبهم قائلا: «هلا أنفذتم فيه حكم الشرع وهو عندكم، وأنتم عالمون بما كان عليه!!!» وبالغ فى اكرام ابن الخطيب، وأضفى عليه مزيدا من عنايته. وتجدر الاشارة هنا الى أن ابن الخطيب قد لاحظ وقتئذ قوة المغرب فى عهد صديقه السلطان عبد العزيز، ومبلغ العداء بين فاس وغرناطة وقد بلغ أوجه، فحرض السلطان على ضم غرناطة لمملكته، وقد رمى من وراء ذلك الى سحق أعدائه هناك، وتأمين مقامه بالمغرب، وما يتبع ذلك من حماية مصالحه. ويظهر أن هذه السياسة قد لاقت قبولا عند السلطان عبد العزيز، فصمم على تنفيذها، وفى ذلك يقول ابن خلدون: «ثم تأكدت العداوة بينه (ابن الخطيب) وبين ابن الأحمر، فرغب السلطان عبد العزيز فى ملك الأندلس وحمله عليه، وتواعدوا لذلك عند رجوعه من تلمسان الى المغرب «11» » ، وبلغت ابن الأحمر رغبة ملك المغرب هذه، فتخوف لذلك كثيرا، وأسرع الى ايفاد رسله بالهدايا والتحف الثمينة الى بلاط فاس، آملا فى نيل رضا السلطان عبد العزيز، واتقاء شره. ثم تفاجئ الظروف الموقف، فيموت السلطان عبد العزيز بعدئذ بقليل، ويجلس على عرش المغرب ابنه «أبو زيان محمد السعيد» طفلا فى الرابعة من عمره، فى ربيع الآخر 774- 1372 م، وقبض على زمام السلطة الفعلية وزيره «أبو بكر بن غازى» ، فتغيرت الأوضاع السياسية بالمغرب تماما، واضطر ابن الخطيب حينئذ أن يتزلف الى الملك الطفل ووزيره، فألف كتابه المعروف باسم «أعمال الأعلام، فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام» ، وفيه يبرر هذا الوضع الجديد شرعا، وعرفا وتاريخا، وأورد لذلك الأشباه والنظائر، ردا على المناهضين بالمغرب، وخاصة بنى الأحمر وعملائهم.

وفى هذه الأثناء قام السلطان ابن الأحمر بمحاولة أخرى للايقاع بابن الخطيب، وذلك بأن أوعز الى الوزير «ابن غازى» أن يبعث اليه بابن الخطيب، فامتنع ابن غازى، وتوترت العلاقات مرة أخرى، بين غرناطة وفاس، الأمر الذي جعل ابن الأحمر يوغر صدور هؤلاء الأمراء المرينيين ضد النظام القائم فى فاس، وبذل فى سبيل القضاء على هذا النظام مساعدات ضخمة، كما أقنع من اتصل بهم من حكام الأقاليم- وخاصة حاكم سبتة أبا محمد بن عثمان- بأن من الأفضل للمغرب أن يكون الملك رجلا راشدا، لا طفلا صغيرا، لا يدرك شيئا، واتفق معه على تنصيب الأمير المرينى أبى العباس أحمد بن أبى سالم ملكا على المغرب، وأنه- أى محمد بن عثمان- سيكون الوزير مستقبلا، وأعطاه المزيد من المساعدات الهائلة لتنفيذ هذا الاتفاق، على أن يحقق هذا الوزير لابن الأحمر ثلاثة مطالب، بعد نجاح الخطة، وهى: 1) تسليم ابن الخطيب. 2) تسليم الأمراء المناهضين لابن الأحمر. 3) تسليم جبل طارق. ووقعت بعض الحوادث بالمغرب، وتمخضت عنها ثورة قاضية، أدت الى حدوث الانقلاب المنشود لابن الأحمر، ونودى حينئذ بالأمير أحمد بن السلطان أبى سالم واليا على المغرب (776 هـ- 1374 م) . وهنا أسرع السلطان الجديد بالقبض على ابن الخطيب، وسجنه، وبذلك تهيأت الفرصة لوضع نهاية الوزير المنكود؛ فقد كان الوزير الجديد ببلاط فاس سليمان بن داود من ألد خصوم ابن الخطيب، ومن جهة أخرى فقد أرسل سلطان غرناطة سفيره ووزيره عبد الله بن زمرك الى فاس ليشهد آخر فصل فى هذه الرواية، وليدق آخر مسمار فى نعش ابن الخطيب، وبوصول ابن زمرك عقد السلطان أحمد مجلسا من مستشاريه وكبار رجال الدولة، ونوقش ابن الخطيب أمام هذا المجلس، حول كافة الادعاءات المقامة ضده، وبالأخص دعوى الالحاد، تلك الدعوى التى صاغها القاضى النباهى من قبل، وكان مجلسا

صوريا بطبيعة الحال؛ فان نتيجة المحاكمة كانت مقررة، ومتفقا عليها من قبل، فى كل من غرناطة وفاس. لقد أوذى ابن الخطيب أمام شهود هذه المؤامرة، وأفتى الفقهاء المتعصبون باعدامه شرعا، فأعيد الى سجنه حيث دبر الوزير سليمان بن داود أمر قتله فى السجن، وفعلا بعث اليه ببعض الأشرار الذين قتلوه خنقا أواخر عام 776 هـ- 1375 م، وفى الصباح سحبت جثته الى الفضاء، حيث تم حرقها، ودفن بضاحية فاس «12» . ويروى المقرى أنه تمكن مؤخرا من معرفة قبر ابن الخطيب، وذلك خلال اقامته بفاس، أوائل القرن الحادى عشر الهجرى (القرن السابع عشر الميلادى) ، فزاره مرارا حيث يرقد، وفى هذا يقول: «وقد زرته مرارا- رحمه الله تعالى- بفاس المحروسة، فوق باب المدينة الذي يقال له: باب الشريعة، وهو يسمى الآن «باب المحروق» ، وشاهدت موضع دفنه غير مستو مع الأرض، بل ينزل اليه بانحدار كثير «13» » . رحم الله ابن الخطيب كفاء ما زود التاريخ من ذخائر، وأهدى العلوم والمعارف من نفائس.

ابن الخطيب في نظر بعض المؤرخين والمستشرقين

ابن الخطيب في نظر بعض المؤرخين والمستشرقين قضى الوزير الفذ، والمفكر العظيم، والمؤرخ الكبير، والموسوعة العلمية، على هذا النحو، ضحية الأحقاد والأضغان، وبالرغم مما أثير حول الرجل إبان محنته من موجة عارمة بالسخط، فان هذه الموجة لم يطل أمدها، إذ كانت مغرضة عارية من ثوب الحقيقة، يدل على هذا ما رأيناه من المؤرخين القدامى، الذين انبرت أقلامهم لانصافه، واحلاله المكانة اللائقة به بين رجال التاريخ، ونخص من المؤرخين أولئك الذين قربوا من عهده؛ فابن خلدون صديقه القديم يسجل أولا أنه «هو الهالك لهذا العهد، شهيدا بسعاية أعدائه «14» ،» ثم يورد- فى مقام آخر- أنه «شاعر الأندلس والمغرب فى عصره» ، كما يشهد له فى ميدان الشعر والنثر بقوله: «وامتلأ حوض السلطان من نظمه ونثره، مع انتقاء الجيد منه، وبلغ فى الشعر والترسل، حيث لا يجارى فيهما، وامتدح السلطان أبا الحجاج من ملوك بنى الأحمر، وملأ الدولة بمدايحه، وانتشرت فى الآفاق قدماه» ، ويتحدث ابن خلدون كذلك عن رسائل ابن الخطيب السلطانية بقوله: «وصدرت عنه غرائب من الترسل فى مكاتبة جيرانهم (ملوك بنى الأحمر) من ملوك العدوة» . وحقا لقد خلف ابن الخطيب من هذه الرسائل روائع، تعد نموذجا رفيعا، لما بلغه قلم الرجل من شأو فى فن النثر الوزارى السياسى خاصة،

سواء- من هذه الرسائل- ما بعث به على لسان سلطانه الى ملوك المغرب أو ملوك النصارى، أو سلاطين مصر؛ فبين أيدينا الكثير الجمّ، ويعتبر كتابه «ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب» مجلدا ضخما لألوان نثر ابن الخطيب المختلفة، ما بين أغراض سلطانية، الى رسائل اخوانية، الى أوصاف حربية لمعارك دارت رحاها على أيامه. أما المقرى فقد جمع فى مؤلفه «نفح الطيب» معظم آثار ابن الخطيب. وما كان له من أخبار فى الفترة التى عاشها بالأندلس والمغرب، ويكاد يكون معظم هذا السفر الضخم وقفا على ابن الخطيب، حتى أنه قرن اسم الكتاب به. وقد أشاد المقرى فى أكثر من موضع- من كتابه هذا- بوزيرنا، فيقول عنه مثلا: «اذ هو فارس النظم والنثر فى ذلك العصر، والمنفرد بالسبق فى تلك الميادين بأداة الحصر «15» » . وفى مجال العلوم والآداب بألوانها هو «امام هذه الفنون، المحقق لذوى الآمال والظنون، المستخرج من بحار البلاغة درها المكنون، وله اليد الطولى فى العلوم على اختلاف أجناسها، والألفاظ الرائعة التى تزيح وحشة الأنفس بايناسها «16» » . وبالجملة، فالمقرى يرى أن ابن الخطيب «قد قصرت ألسن البلغاء عن علاه، وزانت صدور الدواوين حلاه، وجمع خلالا حسانا، وكان للدين لسانا «17» » . أما الأمير «أبو الوليد اسماعيل ابن الأحمر» ، معاصر ابن الخطيب، فيسجل فى كتابه «نثير فرائد الجمان، فيمن ضمنى واياهم الزمان» مواهب

هذا الوزير وعبقرياته، فيقول: «هو شاعر الدنيا، وعلم الفرد والثنيا، وكاتب العرض الى يوم العرض، لا يدافع مدحه فى الكتب، ولا يجنح فيه الى العتب، آخر من تقدم فى الماضى، وسيف مقولة ليس بالكهام؛ اذ هو الماضى، والا فانظر كلام الكتاب الأول من العصبة، كيف كان فيهم بالافادة صاحب القصبة، للبراعة، باليراعة، وبه أسكت صائلهم، وما حمدت بكرهم وأصائلهم، المشربة بالحلاوة، الممكنة من مفاصل الطلاوة، وهو نفيس العدوتين، ورئيس الدولتين، بالاطلاع على العلوم العقلية، والامتاع بالفهوم العقلية «18» » . كذلك يبدى النقاد الأجانب اعجابهم وتقديرهم لابن الخطيب، وينوّهون فى كثير من المناسبات بمنزلة الرجل العلمية والأدبية، وما زالت آثاره محل دراستهم المستفيضة، معينا لا يغيض، ومنهلا بالمعارف يفيض. وفى طليعة هؤلاء النقاد الأجانب المستشرق الأسبانى (سيمونيت (Simonet حيث يقول: «ان ابن الخطيب قد خلّف لنا آثارا كثيرة، فى النثر والشعر، والتاريخ، والجغرافيا، والرحلات، والبلاغة، والشريعة، والعلوم، والأخلاق، والدين، والنبات، والطب والبيطرة، والموسيقى، والفن الحربى، والسياسة، وكلها غنية فى الابتكار والتعمق والرشاقة «19» » . وبهذه المناسبة نذكر أن المستشرق «سيمونيت» تناول بالتحقيق والترجمة المدن الأندلسية التى وصفها ابن الخطيب فى كتابه «معيار الاختيار، فى ذكر المعاهد والديار» موضوع هذا الكتاب- كما أسلفنا فى المقدمة- على نحو ما سنفصل القول عنه فى الباب الثالث، عند حديثنا عن قيمة مؤلفه هذا من الناحيتين التاريخية والأدبية.

هذا، ويكفينا فى هذا العرض الموجز للتعريف بابن الخطيب أن نقتصر على آراء هؤلاء المؤرخين وبعض المستشرقين كشهادة صادقة للرجل الذي دخل دخل التاريخ من أوسع أبوابه، وإن هذه الشهادة من أمثال هؤلاء لفى غنى منا عن التعليق، فقد استقاها أصحابها من واقع مؤلفاته العديدة، أبلغ حجة، وأوضح بيان، وأقوى برهان، على مدى ما بلغه ابن الخطيب من شهرة سمت الى الأوج، لما تمتع به من عقلية فذة ذات آراء نافذة.

الفصل الثاني تراثه الفكري

الفصل الثاني تراثه الفكري

آثار ابن الخطيب مؤلفات الوزير العبقرى الغرناطى ابن الخطيب متعددة الفنون، ما بين شعر ونثر، وتاريخ، وطب، وموسيقى، وسياسة، وغيرها، وهى- على وجه التقريب- تربو على الخمسين مؤلفا، ففى الترجمة التى عقدها ابن الخطيب لنفسه فى آخر كتابه «الاحاطة فى أخبار غرناطة» أورد أسماء مؤلفاته، بيد أن قدرا هاما من هذه المؤلفات قد أعدم قبله، على يد الوزير ابن زمرك والقاضى النباهي بغرناطة، عام 773 هـ (1371 م) ، ومعظم هذه الكتب تتعلق بعلوم الأخلاق والعقائد، أما مؤلفاته التى بين أيدينا الآن فهي القسم الأدبى والتاريخى فى الغالب، وقد حاول كثير من المؤرخين والمستشرقين حصر هذه المؤلفات فى فهارسهم، ولكن حياة ابن الخطيب السياسية، والتقلبات التى تعرض لها جعلت هؤلاء المستشرقين أو المؤرخين لا يفرقون بين ما ألّفه الرجل فى المغرب، وبين ما ألفه فى الأندلس. ويرى «ليفي بروفنسال» أن مؤلفات لسان الدين قد بلغت حوالي ستين كتابا، ولكن لم يبق منها الا الثلث تقريبا. هذا، وإن كتب ابن الخطيب- سواء منها ما هو مخطوط لم يحقق بعد، أم ما حقق ونشر- لتحتل مركزا ممتازا بين المصادر التاريخية المعتمدة، لا سيما منها ما يتناول هذا الجزء من الغرب الاسلامى فى المغرب والأندلس، فقد أنارت السبيل أمام المؤرخين والعلماء، ويسرت لهم بحوثهم عن هذه البقاع، لقلة المصادر الأخرى المعاصرة، ولأن ابن الخطيب قد عاش هذه الحقبة من القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى) .

1 - «الاحاطة فى أخبار غرناطة» .

ونزيد فنقول: إن هذه المؤلفات العديدة- بصفة عامة- ما تزال تحظى بالتقدير والبحث منذ عصر وزيرنا حتى الآن، لا عند العرب فقط، بل وعند غيرهم أيضا، فذخائر ابن الخطيب تراث مشاع، يدرسه المستشرقون على اختلاف أجناسهم، ويجلون كنوزه، ويبرزونها الى الفكر الانسانى فى العالم، ليشهد طلاب الأدب والمعرفة ما تمخضت عنه عقلية الرجل الواسعة، مما تحتويه المكتبات العربية والأجنبية منها. ويجدر بنا أن نعرض هنا موجزا لأهم آثار ابن الخطيب مما ينسب إليه تأليفه، سواء أكان موجودا أم مفقودا، وسواء أكان مخطوطا أم تم تحقيقه ونشره، والذي لا أعتقد أنه بيان شامل لكل مؤلفاته، فقد يتسنى لباحث آخر أن يعثر على مؤلفات أخرى له زيادة عما أعرض منها مما فاتنى تحصيله (1) : 1- «الاحاطة فى أخبار غرناطة» . (تاريخ وتراجم) من أشهر مؤلفات ابن الخطيب، توجد له نسخ فى كل من القاهرة «20» (الأزهر ودار الكتب) وتونس، والرباط، ومدريد، والاسكوريال، وعنوان الكتاب ينبئ عن موضوعه، فقد تناول فيه أخبار هذه المدينة الشهيرة، تاريخيا وجغرافيا وسياسيا واجتماعيا وأدبيا، منذ الفتح العربى لاسبانيا حتى عصر المؤلف (دولة بنى الأحمر) ، منتهيا منه إلى عهد السلطان الغني بالله محمد

2 - «الاماطة عن وجه الاحاطة، فيما أمكن من تاريخ غرناطة» .

الخامس ثامن ملوك بنى نصر، حيث وزر له مرتين، ويتألف هذا الكتاب من خمسة عشر سفرا، وهي فى مجموعها قسمان، كما جاء بنهاية المقدمة: 1) «القسم الأول فى حلي المعاهد والأماكن والمنازل والمساكن» ، وهو الخاص بالعاصمة «غرناطة» ، ويشغل هذا القسم عشرين لوحة (أربعين صفحة) . 2) «القسم الثانى فى حلي الزائر والقاطن، والمتحرك والساكن» ، وهو لب الكتاب، ففيه تراجم الملوك والوزراء والقواد والعلماء والأدباء، ومن إلى هؤلاء، ملتزما فى هذا الترتيب الأبجدى لا التاريخى. ويرجع تأليف ابن الخطيب للاحاطة إلى ما قبيل عام 760 هـ، ولكنه لم يفرغ منه إلا فى أواسط عام 765 هـ، ففى نهاية ترجمته لنفسه يحدثنا عن فراغه من «الاحاطة» بقوله: «والحال إلى هذا العهد، وهو منتصف عام خمسة وستين وسبعمائة، على ما ذكرته» . هذا، وتوجد من الاحاطة نسخة مطبوعة فى جزأين (القاهرة 1319 هـ) ، ثم حقق الأستاذ عبد الله عنان الجزء الأول منها، بتحقيق جديد، ضمن مجموعة (ذخائر العرب 17) نشر دار المعارف بالقاهرة عام 1955 م. 2- «الاماطة عن وجه الاحاطة، فيما أمكن من تاريخ غرناطة» . (تاريخ) ورد ذكر هذا المؤلف فى كتاب ابن الخطيب (اللمحة البدرية) ، فربما كان مختصرا لكتابة (الاحاطة) ، على أنه لم يرد اسمه ضمن كتبه التى ذكرها فى هذه الاحاطة. 3- «مركز الاحاطة، فى أدباء غرناطة» . مؤلف أورده المستشرقون فى فهارسهم، ويعتقد أنه تكملة لتراجم الاحاطة. 4- «ريحانة الكتّاب، ونجعة المنتاب» . (ألوان أدبية وسياسية) عبارة عن مقتبسات من مؤلفاته الأخرى، مثل بستان الدول، ورقم

5 - «أعمال الأعلام، فى من بويع قبل الاحتلام، من ملوك الاسلام، وما يجر ذلك من الكلام» .

الحلل، وغيرهما، وتوجد لهذا المؤلف الضخم أكثر من مخطوطة، فى كل من الرباط والقاهرة ومدريد والفاتيكان، بيد أن نسخا كاملة منه موجودة فى الخزانة العامة بالرباط، بالاضافة الى أخرى بمكتبة مدريد الوطنية. 5- «أعمال الأعلام، فى من بويع قبل الاحتلام، من ملوك الاسلام، وما يجر ذلك من الكلام» . (تاريخ) وهو مؤلف فى التاريخ الاسلامى، يقع فى جزأين، أولهما خاص بالشرق الاسلامى، وثانيهما خاص بتاريخ الأندلس، ولاسيما ملوك الطوائف، وبنى نصر، وملوك النصارى، وذلك على سبيل الايجاز ... ، وقد أشار المؤلف فى مقدمته الى أن هذا الكتاب هو آخر مؤلّف له، فقد وضعه فى الفترة الأخيرة من حياته وقبيل مقتله بالمغرب، استجابة للظروف التى كان يجتازها حينئذ، ثم انقلب الوضع بعدها، وكانت نهايته على نحو ما سبق تبيانه. توجد للكتاب نسخة فى مدريد، نقلا عن نسخة الجزائر، وقد حقق الجزء الأول منه والخاص بتاريخ الأندلس- الأستاذ ليفى؟؟؟ برو؟؟؟ فنسال سنة 1934 م وحقق الجزء الثانى منه الدكتور العبادى والأستاذ محمد ابراهيم الكتانى- وهو الخاص بتاريخ المغرب، العصر الوسيط- (دار الكتاب بالمغرب عام 1967 م) . 6- «الكتيبة الكامنة، فى من لقيناه بالأندلس من شعراء المئة الثامنة» . (تراجم) هذا الكتاب عبارة عن تراجم لطائفة من الأدباء والعلماء والكتاب المعاصرين للمؤلف، متضمنا نماذج من آثارهم شعرا ونثرا، ويقع المؤلف فى ست وثمانين لوحة بمكتبة مدريد الوطنية، وهى نسخة من مخطوطة الجزائر، وقد حقق هذا الكتاب الدكتور إحسان عباس سنة 1963 م، (دار الثقافة ببيروت- المكتبة الأندلسية 8) ، وأثبت لنا أن ابن الخطيب كان يحرر الكتيبة فى جمادى الآخرة 774 هـ، معتمدا فى ذلك على قول المؤلف نفسه فى (الورقة 85 ب) : «.. وكل من ذكر الى هذا الحد من المشايخ والأتراب، فقد تسابقوا تسابق الغراب الى التراب..، ومن يجرى ذكره بعد هذا فهم بقيد الحياة لتمام جمادى الآخرة عام أربعة وسبعين وسبعمئة» ، كذلك استنتج المحقق

7 - «اللمحة البدرية، فى الدولة النصرية»

من دراسته الدقيقة لمقدمة هذا الكتاب أن ابن الخطيب ألفه فى سن عالية بعد أن نفض عن كاهله غبار السياسة، مستدلا بقول ابن الخطيب فى المقدمة « ... واستوعبت من صحبة المغرب حصتى، وختمت بالدعاء قصتى، ونزلت عن منصتى، وابتلعت غصتى «21» » . 7- «اللمحة البدرية، فى الدولة النصرية» . (تاريخ) مؤلف تاريخى موجز، يدور حول أخبار ملوك بنى الأحمر، منذ قيام دولتهم حتى عام 765 هـ..، والكتاب مطبوع فى القاهرة عام 1947 م. 8- «رقم الحلل، فى نظم الدول» . (شعر) نظم شعرى فى ألف بيت، يتناول فيه المؤلف تاريخ الدولة الاسلامية بالمشرق والأندلس، مذيلا كل قصيدة بشرح لها، ويقع المؤلف فى مجلد واحد، طبع بتونس عام 1316 هـ. وتجدر الاشارة الى أن هذا الكتاب هو نفسه «الحلل المرقومة» ، تبعا لما جاء فى نسخة مكتبة مدريد الوطنية، والتى نسخت عن مخطوطة الاسكوريال (رقم 1776) . 9- «مفاخرة بين مالقة وسلا» (اجتماعيات) 10- «خطرة الطيف، فى رحلة الشتاء والصيف» (تاريخ لرحلة ملكية)

11 - «نفاضة الجراب، فى علالة الاغتراب»

11- «نفاضة الجراب، فى علالة الاغتراب» (تاريخ مغربى) يقع هذا الكتاب فى ثلاثة أجزاء، أولها ما زال مفقودا، وقد نشر الدكتور العبادى الجزء الثانى منه بمعرفة دار الكاتب العربى بالقاهرة 1968 م. أما الجزء الثالث فقد عثر عليه الأستاذ عبد الوهاب ابن منصور مؤخرا. 12- «معيار الاختيار، فى ذكر المعاهد والديار» . (الذي هو بين أيدينا الآن) . 13- «مقنعة السائل، عن المرض الهائل» . (طب) عبارة عن رسالة وصف فيها ابن الخطيب الوباء الكبير، الذي اجتاح الأندلس وحوض البحر الأبيض المتوسط، عام 749 هـ (1348 م) ، وسقط فيه جمهرة من أعيان الأندلس والمغرب وعلمائهما، وقد نشرت هذه الرسالة مع ترجمتها للألمانية بمعرفة مجلة أكاديمية العلوم الباقارية (1863 م) . 14- «الاشارة الى أدب الوزارة» (سياسة) مؤلف تحدث فيه لسان الدين عن واجبات الوزير، وما ينبغي توافره من الشروط فيمن يتقلد هذا المنصب، وبالكتاب مقامة «السياسة» ، والكل ما زال مخطوطا بالإسكوريال، وذلك ضمن المخطوطة (554) ، وقد فرغت من تحقيقه، مردفا به «مقامة السياسة» لنفس المؤلف. وسيظهر ذلك قريبا. 15- «عمل من طب لمن حب» . (طب) مؤلف طبي كبير، تكلم فيه المؤلف عن الأمراض المختلفة، وشخّص الاصابات، كما شرح وسائل الوقاية، وسبل العلاج، والكتاب مهدى من ابن

16 - «المسائل الطبية»

الخطيب الى السلطان أبى سالم المرينى، فقد ألّفه من أجله عام 761 هـ، وهو مخطوط توجد منه نسخة بمدريد، ويقع فى 151 لوحة من الحجم الكبير. 16- «المسائل الطبية» . 17- «اليوسفى فى الطب» . 18- «رجز الأغذية» . 19- «رسالة تكوين الجنين» . 20- «الرجز فى عمل الترياق» . 21- «الوصول لحفظ الصحة فى الفصول» . 22- «رجز فى الطب» . 23- «البيطرة والبيزرة» . وكلها رسائل طبية (16- 23) ، ألفها ابن الخطيب فى مناسبات شتى، وأورد ذكرها فى كتابه الاحاطة، كما أشار الى معظمها المقرى فى مؤلفيه نفح الطيب، وأزهار الرياض. 24- «عائد الصلة» . (تراجم) يحتوى على تراجم لطائفة من الأعلام، ممن لم يرد لهم ذكر فى كتاب «الصلة» لابن الزبير. 25- «خلع الرسن، فى وصف القاضي أبي الحسن» . (رسالة شخصية) فى وصف القاضى أبى الحسن، هذه رسالة كتبها ابن الخطيب، جوابا عن الرسالة التى وجهها إليه هذا القاضى النباهى، إثر مغادرة الأول للأندلس نهائيا، والتجائه الى المغرب دون علم سلطان غرناطة يومئذ (الغني بالله محمد الخامس) .

26 - «التاج المحلى فى مساجلة القدح المعلى»

26- «التاج المحلى فى مساجلة القدح المعلى» . (تراجم وتاريخ) وهو عبارة عن تراجم لأعيان الأندلس فى القرن الهجرى، وتنويه بمملكة بنى الأحمر منذ نشأتها حتى عصر المؤلف، وقد اعتمد المقرى على هذا الكتاب فى كثير من التراجم التى أوردها فى كتابه «نفح الطيب» ، ويوجد للتاج المحلى نسخة مخطوطة ضمن مخطوط كبير بالاسكوريال (554 الغزيرى) . 27- «بستان الدول» . (تاريخ سياسى) كتاب سياسى شامل، تحدث فيه المؤلف عن القضاء، والحرب، والصناعة وأهلها، وطبقات الشعب، وأفرد لكل شجرة، بحيث ألف من المجموع هذا «البستان» ، ويبدو أن الظروف لم توات ابن الخطيب حتى يكمله. 28- «السحر والشعر» . (أدب) مجموعة مختارة من شعر المشارقة والمغاربة، فيما يتعلق منها بالوصايا والمواعظ، اختارها ابن الخطيب لولده عبد الله حيث أهداه اليه يافعا، والكتاب ما زال مخطوطا فى كل من مدريد والرباط (المكتبة الكتانية) ، وهو لدىّ الآن تحت التحقيق والدراسة. 29- «كناسة الدكان، بعد انتقال السكان» . (وثائق تاريخية) مؤلف تاريخى، يضم مجموعة من الرسائل السياسية، بعث بها ابن الخطيب على لسان السلطان أبى الحجاج يوسف الأول، الى معاصره السلطان أبى عنان فارس المرينى، فيما عدا وثيقة عقد زواج نصرى، صدّر بها كتابه هذا تلو المقدمة، وقد قمت بتحقيق هذا المؤلف، من نسخة يتيمة بالاسكوريال برقم (1712 الغزيرى) وتقع فى ستين لوحة، ونشرته دار الكتاب العربى بالقاهرة سنة 1968 م.

30 - «اوصاف الناس فى التواريخ والصلات»

30- «اوصاف الناس فى التواريخ والصلات» . (تراجم) كتاب يشتمل على تراجم أدبية تاريخية، توجد له مخطوطة جيدة للغاية بمكتبة الاسكوريال بمدريد، قمت بتصويرها، وقد فرغت الآن من تحقيقه، وسيظهر قريبا. 31- «تافه من جمّ، ونقطة من يمّ» . (شعر) مصنف من أشعار أستاذ ابن الخطيب الرئيس أبى الحسن علي ابن الجيّاب. 32- «الدرر الفاخرة، واللجج الزاخرة» . (شعر) مختارات من شعر صديقه وأستاذه أبى جعفر بن صفوان. 33- «جيش التوشيح» . (موشحات) مجموعة من الموشحات الأندلسية، جمعها ابن الخطيب فى كتاب أسماه بهذا الاسم، ونسبها لأصحابها من أئمة التوشيح فى الأندلس، وقد نشر فى تونس 1967 م. 34- «روضة التعريف بالحب الشريف» . (تصوف) مؤلف فى التصوف، يعزو المؤرخون الى هذا الكتاب أنه كان وثيقة الاتهام بالالحاد والزندقة ضد ابن الخطيب، حسبما أملت الأهواء على من صاغوا صك الاتهام للرجل، حتى سيق الى الموت من أجله، وتوجد من الكتاب نسخة مخطوطة بالرباط، بيد أنها ناقصة ومشوهة «22» .

35 - «استنزال اللطف الموجود، فى سير الوجود»

35- «استنزال اللطف الموجود، فى سير الوجود» . (تصوف) . 36- «فتات الخوان وسقط الصوان» . (رسالة شعرية) . 37- «المختصر فى الطريقة الفقهية» . (دين) . 38- «مثلى الطريقة، فى ذم الوثيقة» . (رسالة شخصية) 39- «الألفية فى أصول الفقه» . (رسالة دينية شعرية فى ألف بيت) . 40- «النفاية بعد الكفاية» . (رسالة أدبية) . 41- «كتاب المحبة» . (اجتماع) . 42- «المنح الغريب، فى الفتح القريب» . (أدب) . 43- «تلخيص الذهب، فى اختيار عيون الكتب» . (أدب) . 44- «مساجلة البيان» . (تراجم أدبية) . 45- «المباخر الطيبية، فى المفاخر الخطيبية» . (أدب) . هذه المؤلفات (35- 45) وردت فى فهارس المستشرقين، كما أشار إليها بعض المؤرخين القدامى. 46- «رسائل فى الموسيقى» .

47 - «رسائل فى الفلسفة»

47- «رسائل فى الفلسفة» . 48- «رسائل فى الفقه» . وهذه رسائل أخرى متفرقة، ذكرتها الفهارس أيضا، ولم يصل إلينا منها شىء. 49- «الصّيّب والجهام، والماضى والكهام» . (شعر) وهو عبارة عن «الديوان» الذي نسبه إليه حاجى خليفة، فى كتابه «كشف الظنون» ، وتوجد للكتاب- بهذا العنوان- نسخة مخطوطة فى مكتبة القرويين بفاس. وقد حقق أخيرا بالجزائر، وتم طبعه. 50- «طلّ الغمام، المقتضب من الصيّب والجهام» . (شعر) وهو مختصر لديوانه السابق، لم يعثر عليه بعد، ولكن ورد ذكره ضمن مؤلفاته فى الاحاطة. 51- «طرفة العصر، فى أخبار دولة بنى نصر» (تاريخ)

الفصل الثالث عرض وتحليل لمعيار الاختيار

الفصل الثالث عرض وتحليل لمعيار الاختيار

موضوع الكتاب ذكر الوزير ابن الخطيب فى آخر كتابه «الاحاطة» أسماء مؤلفاته اجمالا، وأورد من بينها مؤلفه «معيار الاختيار، فى ذكر المعاهد والديار» على أنه مؤلف قائم بنفسه، ثم أورده فى باب «المقامات» من مؤلفه الضخم «ريحانة الكتاب، وتحفة المنتاب» والذي يشتمل على أكثر من غرض ولون أدبى تاريخى. والمعيار الذي نتعرض لدراسته عبارة عن وصف شامل لأهم مدن مملكة غرناطة، وأهم مدن المغرب، تناول فيه ابن الخطيب النواحى الجغرافية والتاريخية والاجتماعية لمعظم المدن التى أوردها. لقد بدأ أول ما بدأ بجبل الفتح (جبل طارق) ، وهو يومئذ ضمن مملكة بنى مرين المغربية، وكان طبيعيا أن يبدأ الوصف بالجبل، فهو كما يقول المؤلف: «فاتحة الكتاب من مصحف ذلك الاقليم، ولطيفة السميع العليم، وقصص المهارق، وأفق البارق، ومتحف هذا الوطن المباين للارض المفارق» ، والجبل بالنسبة للبلاد الاندلسية «محط طارقها بالفتح طارق» وله دوره الهام فى حماية البلاد الاندلسية حيث أنه «مسلحة من وراءه من العباد، وشقة القلوب والاكباد» . أما المدن الاندلسية التى أعقبها الجبل فى الوصف، فهى- حسب الترتيب الذي أوردها به- كما يلى:

1- اسطبونة -2 Estepona مربلة -3 Marabilla سهيل -4 Fuenjerola مالقة -5 Malaga بليش مالقة -6 Velez Malaga قمارش -7 Comares المنكب -8 Almuncar شلوبانية -9 Salobrana برجة -10 Berja دلاية -11 Dalias المرية -12 Almaria طبرنش -13 Tabernas بيرة -14 Vera مجاقر -15 Mujacar قنتورية -16 Cantoria برشانة -17 Purchena أورية -18 Oria بليش الشقراء -19 Velez Robia بسطة -20 Baza أشكر -21 Huescar أندرش -22 Andarax شبالش -23 Jubles وادى آش -24 Juadix فنيانة -25 Finana غرناطة -26 Granada الحمة -27 Alhama صالحة Zalia

28- أليرة ومنتفريد -29 IlIora e Mouteferio لوشة -30 Loja أرجذونة -31 Archidona أنتقيرة -32 Antequera ذكوان -33 Coin قرطمة -34 Cartama رندةRonda وأما المدن المغربية فهى حسب ترتيب المؤلف أيضا: 1- بادس، 2- سبتة، 3- طنجة، 4- قصر كتامة، 5- أصيلا، 6- سلا، 7- أنفا، 8- أزمور، 9- تيط، 10- رباط أسفى، 11- مراكش، 12- أغمات، 13- مكناسة، 14- فاس، 15- مدينة الملك، 16- آقرسلوين، 17- سجلماسة، 18- تازة، 19- غساسة. وعلى هذا فقد تناول ابن الخطيب أول ما تناول من مدن الاندلس مدينة «اسطبونة» ، وانتهى بمدينة «رندة» ، وهو فى تناوله هذا للمدن لم يراع ترتيبا جغرافيا ولا تاريخيا، بل ولا أولويا، فقد كانت مدينة غرناطة مثلا فى المرتبة السادسة بعد العشرين من وصفه، رغم أنها حاضرة المملكة، ولها من المبررات ما يجعلها أهلا للمرتبة الاولى من وصفه، ولكن المؤلف حرر نفسه من كل قيد لتقديم مدينة على أخرى، أيا كانت دواعى التفضيل، وكيفما بلغت أهميته. لقد كان المؤلف يتعرض للمدينة فى وصفه، فيتناولها من معظم ما يتعلق بها، اذ يتحدث عن موقعها الجغرافى ومكانتها التاريخية، وحالة سكانها الاجتماعية، فيعطينا صورة واضحة- الى حد بعيد- عن كل مدينة تناولها قلمه. ففى وصفه لموقع مدينة «قمارش» مثلا، وما للموقع من أهمية، يقول: انها «مودع الوفر، ومحط السفر، ومزاحم الفرقد والغفر،

حيث الماء المعين، والقوت المعين» . وأما منتجات البلد من محاصيله، فقد أشار الى أن «به الاعناب التى راق بها الجناب، والزياتين واللوز والتين، والحرث الذي له التمكين» . وفى معرض الوصف الاجتماعى يستدرك ابن الخطيب، ذاما أهل البلد حين يقول: «الا أنه عدم سهله، وعظم جهله، فلا يصلح فيه الا أهله» . أما اذا ارتأى مدينة حقيقة بمدح أحوالها الاجتماعية فهو لا يقصر فى حقها، فمثلا مدينة «المرية» - على حد قوله «محط التجار، وكرم النجار، ورعى الجار. ما شئت من أخلاق معسولة، وسيوف من الجفون السود مسلولة، وتكك محلولة، وحضارة تعبق طيبا، ووجوه لا تعرف تقطيبا» وهى- الى جانب تلك الرفاهية وذلك النعيم، واللذة والسرور المقيم- «لم تزل- مع الظرف- دار نساك، وخلوة اعتكاف وامساك» ، فهو حريص فى الوصف، دقيق فى الاحاطة، شأن الخبير بالاماكن والبقاع. نأخذ أيضا مثالا لنهج المؤلف فى الاشادة بالاجتماعيات عند الناس، وطريقته فى العرض للحقائق، وتقصيه لها، حين يذكر عن مدينة برشانة أن «أهلها أولو عداوة لاخلاق البداوة، وعلى جوههم نضرة وفى أيديهم نداوة. يداوون بالسلافة علل الجلافة، ويؤثرون علل التخلف على لذة الخلافة، فأصبح ربعهم ظرفا قد ملئ ظرفا، فللمجون به سوق، وللمجون ألف سوق، تشمر به الاذيال عن سوق، وهى تبين بعض بيان عن عن أعيان» ، هذا من جانب، ومن جانب آخر لهذه المثالب، يذكر أن «وغدها (المدينة) يتكلم بملء فيه، وحليمها يشقى بالسفيه، ومحياها تكمن حية الجور فيه» . هذا، وقد ظفرت بعض المدن الاندلسية بعناية خاصة من قلم ابن الخطيب، كغرناطة ومالقة، ولا عجب فلكل منهما مركزها الادارى والسياسى، فالاولى حاضرة ملك بنى الاحمر، وزهرة المدن الاندلسية،

ولها على ابن الخطيب أياد لا تنسى، فكان عليه أن يوفيها حقها، وأن يعطيها مستحقها، فيحلها- من وصفه- مكانتها اللائقة، ولكن هذا لا يمنعه- كمؤرخ صادق- من أن يبرز لنا بعض عيوبها، سواء فى طقسها الشتوى، وبردها الذي «يمنع الشفاه من رد التحيات» ، أو الاسعار التى «معيارها يشعر بالترهات» ، وجفاف طباع بعض أهلها، الذي يصل الى درجة «سوء الجوار، وجفاء الزوار، ونذالة الديار» ، فهذا المسلك من ابن الخطيب نحو المدن فى وصفها يعطينا فكرة عن صدق قلمه، وتحرره من أى قيد، فغرناطة- وان كانت مقامه بجوار مخدوميه بنى الاحمر، ومحل سلطانه وجاهه- الا أن ذلك كله لا يمنعه من اعطاء كل ذى حق حقه، وأنه فى هذا لا تأخذه لومة لائم. لنستمع اليه فى شأن العاصمة النصرية، حين يستهل وصف حمرائها: «كرسيها ظاهر الاشراف، مطل على الاطراف، وديوانها مكتوب بآيات الانفال والاعراف» ، وفى معرض موقع المدينة، يذكر لنا أن «هواءها صاف، وللانفاس مصاف. حجبت- الجنوب عنها- الجبال، فأمن الوبا والوبال، وأصبح ساكنها غير مبال، وفى جنة من النبال، وانفسحت للشمال، واستوفت الشروط على الكمال» ، كما يتحدث مشيدا بنهر شنيل، وفضله على جنات غرناطة ومروجها، فيقول «وانحدر منها (جبل سييرا نيفادا) مجاج الجليد على الرمال، وانبسط- بين يديها- المرج (فحص غرناطة) الذي نضرة النعيم لا تفارقه، ومدارى النسيم تفلى بها مفارقه. ريع من وادية بثعبان مبين، ان لدغ تلول شطه تلها للجبين، وولدت حيات المذانب عن الشمال واليمين، وقلد منها اللبات سلوكا تأتى من الحصباء بكل در ثمين، وترك الارض مخضرة، تغير من خضراء السماء ضرة، والازهار مفترة، والحياة الدنيا بزخرفها مغترة» ، ان هذه الروعة البيانية، ودقة التعابير البلاغية، جعلت الصورة تتجسم أمامنا، حتى لنكاد نلمس منها كل جانب.

ثم يعود المؤلف بنا من مطافه الى الحمراء مرة أخرى، فيكشف لنا عن منشآتها الرائعة، وجناتها الساحرة، وكيف أنها مدرج سلالة بنى نصر، فيقول: «وتبرجت بحمرائها القصور مبتسمة عن بيض الشرفات، سافرة عن صفحات القباب المزخرفات، تقذف بالانهار- من بعد المرتقى- فيوض بحورها الزرق، وتناغى أذكار المآذن بأسمارها نغمات الورق. وكم أطلعت من أقمار وأهله، وربت من ملوك جلة..» أما مالقة- عاصمة الحموديين الادراسة- فيتحدث المؤلف- بادئ ذى بدء- عن تاريخها كعاصمة لهؤلاء فيقول: «كرسى ملك عتيق، ومدرج مسك فتيق، وايوان أكاسرة، ومرقب عقاب كاسرة، ومجلى فاتنة حاسرة، وصفقة غير خاسرة» ، ثم يشيد بشهرتها الصناعية فى الفخار والحرير «.. ومذهب فخارها له على الاماكن تبريز، الى مدينة تبريز، وحلل ديباجها بالبدائع ذات تطريز» . وبعد أن يصور محاصيلها وفواكهها، وما اشتهر به قومها من الاسهام بالبر بأوفر نصيب، فى تخليص أسرى المسلمين من أيدى النصارى، ووفرة أعيانها وعلمائها- يتناول بعدئذ مساوئ المدينة، فيقول: «وعلى ذلك، فطينها يشقى به قطينها، وأزبالها تحيى بها سبالها، وسروبها يستمد منها مشروبها، فسحنها متغيرة، وكواكب أذهانها النيرة متحيرة.. وطعاما لا يقبل الاختزان، ولا يحفظ الوزان، وفقيرها لا يفارق الاحزان..» الى آخر هذه المساوئ التى أوردها عن مدينة مالقة. وهكذا نرى أن موضوع الكتاب فى وصفه للبلاد الاندلسية أو المغربية قد اختط فيه ابن الخطيب موضوعية لا تبارى، وشمولا فى الوصف لمختلف النواحى، التاريخية، والجغرافية، والاجتماعية، والاقتصادية، فى صورة ناطقة نابضة.

منهج ابن الخطيب فى الكتاب

منهج ابن الخطيب فى الكتاب عندما كتب ابن الخطيب مؤلفه «معيار الاختيار» اختط فى التحرير طريقة خاصة، تختلف عن معظم كتاباته فى مؤلفاته الاخرى، ذلك أنه بدأ بمقدمة معتادة أعقبها بمحاورة، ثم انتهى الى صميم الموضوع، فقسمه الى مجموعتين مستقلتين، وأدرج كل مجموعة تحت مجلس خاص، وقصر المجلس الاول على المدن الاندلسية، ثم أعقبه بالمجلس الثانى فقصره على المدن المغربية. وهكذا بدأ المؤلف كتابه فى المجلس الاول، بما جرت به عادة المؤرخين والمؤلفين المسلمين، وذلك بحمد الله تعالى، والثناء عليه بما هو أهله، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، كل هذا فى قالب يتناسب والموضوع الذي يتعرض له، وهو وصف البلدان. ثم ثنى بأن الانسان مدنى اجتماعى بطبيعته، لا يستقيم حاله بدون مجتمع، وبالتالى لا يقوم المجتمع بدونه، وأنه- أى الانسان- أحيانا يتخذ سكناه حسبما اتفق، وأحيانا يكون له ظرف الاختيار، مرجحا من الامكنة ما غلبت حسناته على سيئاته، وهذه الامكنة «كثيرا ما تنافر الى حكمها النفر، وأعمل السفر» ، وأيا كان، فانه لا توجد مدينة قد كملت من كافة النواحى كما يقول. وبعدئذ يتحدث المؤلف عن خبر فى قالب قصة، فهناك راو استهواه مكان ما، فنزل به حتى حل المساء، وحينئذ أبصر شيخا معه تلميذه وحماره، وما استقر المقام بذلك الشيخ حتى حن الى صباه، وضاق بمرارة المشيب، وقسوة الغربة، وشعوره بأن نفسه لم تتب بعد، وأخيرا يسأل الله العفو والغفران، والقربى من رحمته يوم الحساب، معتمدا فى اجابة سؤله على شفاعة شيبه، ثم تدور مناقشة بين الشيخ وفتاه، وعندها ينبرى الشيخ، فيحدثنا عن مدى خبراته فى أمور شتى

نتيجة علمه وبحثه، وجوبه بلاد العالم، ووقوفه بأقطار كثيرة للدرس والبحث. وتكون النتيجة أن يتقرب الراوى الى الشيخ، مطمئنا اياه الى حسن طويته، وما عليه من خلق يؤهله لان يتشرف بالاستماع الى فيض علمه، ويسأل الراوى الشيخ ان يصف له بلاد الاندلس ثم بلاد المغرب، فى دقة وأمانة واخلاص، فأجابه الشيخ الى طلبه، وبدأ الراوى بالسؤال عن جبل الفتح (جبل طارق) وهكذا.. حتى انتهى من المدن الاندلسية بمدينة «رندة» . ثم أخبر الشيخ سائله بأن الصبح قد قارب الوجود، وأنه قد وفاه- فى الوصف- حسابه، ولم يبق الا أن يكافئه على هذه الذخائر حتى يكون له أليفا ورفيقا، فينثر الراوى المال بين يدى محدثه فيأخذ منه شاكرا، وأخيرا يتفقد الراوى الشيخ على ضوء مصباح، فلا يجد له أثرا، «فكأن الفلك لفه فى مداره، أو خسفت الارض به وبداره» ، فيتأسى الراوى عن هذا الفراق بأن «لكل اجتماع من خليلين فرقة» . هكذا ينتهى نهج المؤلف فى «المجلس الاول» من كتابه. أما فى «المجلس الثانى» فان الراوى يلج أحد الاسواق، وفى السوق «أمم تنسل من كل حدب، وتنتدب من كل منتدى ومنتدب» ، فى بيع وشراء، وتحايل للتعايش والكسب، بمختلف الوسائل والاعمال، فهناك «رقاة جنون، بضروب من القول وفنون، وفيهم كهل قد استظل بقيطون» ، قد ادعى العلم بالمغيبات، والتفسير للمشكلات والاحاطة بأسرار الطبيعة، وشفاء العضال من الامراض، وفى مجال العلوم قد برع، ما بين طب ورياضة وتاريخ وجغرافية، وحديث وتفسير، ومنثور ومنظور، ومنطق وبرهان، فهو قد جاب الاقطار فى الدرس والبحث والمعرفة. وهنا يجد الراوى بغيته، فقد ذكره ذلك الرجل بالشيخ الاول، فأراد أن يستكمل

معلوماته عن البلدان، فاخترق اليه جموعا بشرية من قصاده، وخاطبه بقوله: «بى الى تعرف البلدان جنوح وجنون، والجنون فنون» فأجابه الشيخ موافقا، متحفظا بأنه «لا تجود يد الا بما تجد، والله المرشد» . وهنا يسأله الراوى عن البلاد المغربية، بادئا منها ب «بادس» ، والشيخ يجيبه بمعلوماته عنها، واحدة تلو الاخرى، حتى ينتهى منها بمدينة «غساسة» ، وعندئذ «وجب اعتناء بالرحيل واهتمام، وكل شىء الى تمام» كما قال الشيخ، فقد انفض عن السوق أهله، ولم يبق الا أن ينثر الراوى دنانيره، مكافأة طيبة لمحدثه، فيتناول منها ما تستغنى به النفس، وقبل أن يتهيأ للسير لم ينس- وهو الحكيم المجرب- أن يزود الراوى بنصح منظوم، فيه مزايا التحلى بالقناعة، والايمان بالقضاء والقدر، والتحفظ على السر وكتمانه، وتحاشى التعثر بالناس، وتقوى الله تعالى، فالقرب منه رهن بها، وليست هناك خسارة أفدح من معصية الخالق. وأخيرا نرى الشيخ قد «ضرب جنب الحمار، واختلط فى الغمار» وبقى الراوى يتتبع أثر الشيخ، ولكنه تعزى عن فراقه بأن «كل نظم الى انتثار» بهذا ينهى ابن الخطيب «المجلس الثانى» ، وبانتهاء «المجلس الثانى» ينتهى الكتاب نفسه. هذا هو المنهج الذي سلكه ابن الخطيب المؤلف فى كتابه «معيار الاختيار» ، وهو منهج- كما رأينا- قصصى، دار فى فلك نوع خاص من القصة، وهذا النوع هو الذي عرف من بين فنون النثر العربى باسم «المقامة» ، متخذا من المحاورة وسيلة لتشويق القارئ والمستمع، وبخاصة فى صلب الموضوع، عند وصفه للبلاد.

قيمة الكتاب الادبية ومدى صلته بفن المقامات فى الأدب العربى

قيمة الكتاب الادبية ومدى صلته بفن المقامات فى الأدب العربى ذكرنا أن «معيار الاختيار» قد جاء فى صورة قصة محدودة، والقصة من أدق الفنون الادبية وأصعبها تركيبا، وهى تتمتع من بين سائر فنون الادب بالذيوع والانتشار، لما تشتمل عليه من استمالة القلوب، وامتناع النفوس، فالآداب العالمية قد زخرت بهذا اللون الغنى منذ أقدم العصور، ولقد ورثنا عن العرب منذ جاهليتهم ذخيرة نفيسة من القصص، تناولها المشتغلون بالبحث والنقد درسا وتحليلا، وانقسموا حيالها الى فريقين متباينين، ولكل وجهة، فبعض المستشرقين فى دراستهم للقصة العربية يرون مع «كارادى فو» أنه «لم يسبق الادب العربى أى أدب آخر فى نوع الاقاصيص، بينما البعض الآخر يرى أن العرب- ابان حضارتهم- زودوا لغتهم بفلسفة الشعوب وعلومهم، وتجاهلوا أدب القصة تجاهلا يكاد يكون مطلقا، ومن ثم جهلوا أصول الفن القصصى، فكانت قصصهم تفقد قيمتها الفنية تبعا لذلك. وانصافا للحق نقول: ان القصص العربى ذو ألوان مختلفة، وقد حظيت بعض هذه الالوان بعناية العرب، فراعوا فى صوغها مقومات القصة، وأسس بنائها، فجاء هذا اللون منها تحفة فنية، لها قيمتها وروعتها، والبعض الآخر من ألوان القصة العربية فقد معظم هذه الاسس، فكان مثارا للنقد، ومحلا للملاحظة. والقصص العربى أنواع: أشهرها القصص الدينى، ومصادره التوراة والانجيل والقرآن، ثم ما جاء على ألسنة الرواة والمحدثين من أخبار الاولين وقصصهم، مزج فيها القصاص الحقيقة بالخيال، والتاريخ بالاسطورة. وكان الهدف من هذا النوع من القصص الوعظ والارشاد فى معظمه، ترغيبا فى الجنة وترهيبا من النار.

ومن أنواع القصص أيضا عند العرب القصص التاريخى البطولى، كقصة عنترة بن شداد فى حروبه، وسيف بنى يزن فى كفاحه، وحرب البسوس فى طولها وشناعتها، ومنها القصص العاطفى، كقصة «قيس المجنون بليلاه» ، وعنترة العاشق لعبلة، وكثير الواله بعزة، الى آخر هذه الالوان القصصية، التى تزخر بها كتب الادب العربى، وبعض التراجم الاجنبية. على أنه من الملحوظ أن القصة العربية تطورت مع الزمن، واتخذت فى كل عصر طابعا خاصا، رقيا عما قبل، مع متانة فى البناء، منذ الجاهلية حتى عصرنا الحاضر، وقد تولد عن التصرف فى تركيبها نوع خاص منها، وهو ما سمى- بين فنون النثر العربى- باسم «المقامة» ، والتى ترتكز على العناية بالاسلوب، وتغليب الشكل على الجوهر، فمن مقوماتها البلاغية السجع والجناس والكناية والتلاعب بالالفاظ، ومن مقوماتها اللغوية طائفة ضخمة من شوارد اللغة، وشواذ القواعد النحوية، ومن مقومات أسلوبها- كذلك- تضمينها بعض آيات القرآن الكريم، أو الحديث النبوى، أو الحكم والامثال، أو المنثور أو المنظوم، كما تشتمل المقامة على المعلومات الفقهية والطبية والعروضية والتاريخية، الى غير ذلك مما عرف فى عصر المولعين بصناعتها. فالمقامة- اذن- نوع من الترف الادبى، وميدان للتدليل على مبلغ معرفة المؤلف بالعلوم والفنون على اختلاف أنواعها، وقد ابتدعها «بديع الزمان الهمذانى» من أشهر أدباء العصر العباسى، ويقال: انه أنشأ حوالى أربعمائة مقامة، ولكن لم يظفر الناس منها اليوم بأكثر من نيف وخمسين مقامة، ومن مقاماته الشهيرة المقامة القريضية، نسبة الى القريض، وهو الشعر، لانه موضوعها، والمقامة الخمرية، والمقامة الجاحظية، والمقامة الدينارية، والمقامة البصرية، والمقامة الكوفية، ثم قلده فى نفس العصر كثيرون، ولكن الحريرى كان بارعا فيها أيضا، ومن مقاماته المعروفة مثلا «المقامة الصنعائية» نسبة الى صنعاء، احدى مدن اليمن المشهورة.

أما ماذا يقصد بالمقامة عموما فهو تصوير بؤس الادباء، واحتيالهم أحيانا لكسب عيشهم، ولها راوية ينقل الخبر، وبطل تدور حوله حوادثها. على أن هذه المقامة قد اختفت من الادب العربى بعد ناصف اليازجى اللبنانى فى كتابه: «مجمع البحرين» ، ومحمد المويلحى المصرى فى كتابه ذى الشبه الكبير بالمقامة «حديث عيسى بن هشام» ، اذ لم يعد أحد بعدئذ يلتفت الى هذا اللون الادبى من أدباء عصرنا الحاضر. هذا، وقد كان من الطبيعى أن ينتقل فن المقامة من المشرق- منذ ظهوره- الى الاندلس، وذلك عن طريق الرحلات التى قام بها كثير من الاندلسيين الى الشرق يطلبون العلم، والذين عادوا الى موطنهم بعد أن درسوا- ضمن ما درسوا- هذا الفن، فنشروه بين مواطنيهم، وقد لوحظ أن مقامات بديع الزمان الهمذانى ورسائله- التى أشرنا اليها- قد ذاعت خصوصا فى عهد ملوك الطوائف بالاندلس، فقد قام بعض الادباء الاندلسيين يومئذ بمعارضة هذه الرسائل والسير على نمطها، ومن هؤلاء الاديب عبد الله محمد بن شرف القيروانى، الذي عارض مقامات البديع، حسبما يروى ابن بسام عن هذا الاديب المعاصر للمعتضد بن عباد بأشبيلية 434- 461 هـ (1042- 1068 م) . كذلك روى ابن بسام عن الشاعر أبى المغيرة عبد الوهاب بن حزم المتوفى حوالى سنة 420 هـ (1029 م) أن هذا الاخير عارض رسالة للهمذانى فى وصف غلام، وفى موضع آخر من كتاب الذخيرة يورد ابن بسام أجزاء من مقامتين، إحداهما لابى حفص عمر الشهيد، والاخرى لابى محمد بن مالك القرطبى، وهذان الأديبان عاشا فى عهد المعتصم بن صمادح بمدينة المرية الاندلسية 443- 484 هـ (1051- 1091 م) . ونزيد تعريفا بصلة المغرب بالمشرق حول فن المقامة، فنذكر أيضا أنه فى أوائل عهد المرابطين بالاندلس انتشرت مقامات الحريرى بالمغرب على مدى واسع، فى الوقت الذي انتشرت فيه بالشرق، واهتم علماء

الاندلس بحياة مؤلف هذه المقامات، فقد روى ابن الابار «أن كثيرا من الاندلسيين سمعوا من الحريرى مقاماته الخمسين ببستانه ببغداد، ثم عادوا الى بلادهم، حيث حدثوا بها عنه» ، ومن هؤلاء الحسن بن على البطليوسى المتوفى عام 566 هـ (1169 م) وأبو الحجاج يوسف القضاعى البلنسى المتوفى عام 542 هـ (1147 م) . وقد تابع الاندلسيون الاشتغال بفن المقامة حتى نهاية عهدهم الاندلسى، أيام بنى الاحمر فى غرناطة، ومن أشهر أدباء هذا العصر الذين زاولوا هذا الفن الادبى الوزير لسان الدين بن الخطيب، بمقاماته العديدة التى أنشأها، والتى منها: الكتاب الذي نتعرض لدراسته هنا، وهو «معيار الاختيار» ، ومقامته «خطرة الطيف، فى رحلة الشتاء والصيف» و «مقامة السياسة» وغيرها. -*- وعلى ضوء ما أوجزنا بيانه عن «المقامة» ومقوماتها، ومدى صلتها بفن القصة العربية، وعن دور الاندلسيين فيها بالنسبة للمشارقة، نستطيع أن نزن كتاب «معيار الاختيار» فى هذا الميدان، فنقول: انه عبارة عن وصف قصصى، جاء فى صورة مقامة تقليدية، حاول بها ابن الخطيب- كما حاول فى غيرها- أن يجارى بها من سبقوه فى هذا الميدان، وفى سبيل ذلك حشد لها المزيد من فنون القول والبيان، وبخاصة مقدمة كل من المجلسين، ونهايتهما، حيث انصرف فيهما الى حد ما عن المعنى الى اللفظ مما أفقد المقدمة- خاصة- قيمتها الادبية، من أديب مثل ابن الخطيب. ولكن عندما تناول صلب الموضوع، فانه- وان كان قد عنى بالاسلوب أيضا- الا أن الوصف للمدن عموما قد جاء تحفة فنية رائعة،

قيمة الكتاب كوثيقة تاريخية

فقد تناولها تاريخيا واجتماعيا وثقافيا، وتمكن- رغم قيود السجع والجناس والكناية وغيرها- من ابراز هذه المعالم فى صورة مشوقة. ومع ذلك، نرى أن ابن الخطيب لو أطلق لنفسه العنان فى هذا المؤلف التاريخى، وحرر نفسه من هذه القيود اللفظية التى كبل بها قلمه- لجاء وصفه للبلدان أبدع فنا، وأشمل موضوعا، فلا شك أنه حصر نفسه فى نطاق ضيق، كانت نتيجته الحتمية أن فوت علينا المؤلف انطلاقاته المعروفة عنه، فى تقصى المعانى، والاحاطة بشتات الموضوع الذي يتعرض له. قيمة الكتاب كوثيقة تاريخية توجد لكتاب «معيار الاختيار، فى ذكر المعاهد والديار» أكثر من مخطوطة، فى الاسكوريال والرباط، وفاس، وقد ورد هذا الكتاب ضمن مؤلف آخر من مؤلفات ابن الخطيب، وهو «التاج المحلى فى مساجلة القدح المعلى» (554 الاسكوريال) ، كما ورد ضمن مؤلفه «ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب» حيث أورده المؤلف فى باب «المقامات» . وقد ألف ابن الخطيب «معيار الاختيار» هذا عندما نفى الى المغرب مع سلطانه الغنى بالله ابن الاحمر المعروف بمحمد الخامس، حيث حلا ضيفين على السلطان أبى سالم ملك المغرب (محرم 761 هـ- 1359 م) ولكن ابن الخطيب لم يذكر فى الكتاب تاريخ تأليفه بالضبط، وانما عرفنا الفترة التى ألفه خلالها من مؤلف آخر له، حيث ذكر به أنه دون بعض كتبه خلال سنوات المنفى الثلاث التى قضاها بمدينة سلا بالمغرب «1» . (760- 763 هـ) - (1358- 1361 م) ، ومن بين تلك الكتب «معيار الاختيار» ، وقد أدرج الغزيرى هذا المؤلف تحت رقم 1777 بفهرس المخطوطات العربية بمكتبة الاسكوريال بأسبانيا.

ولما كنت قد قارنت- أثناء البحث والدراسة- بين نسخ مخطوطة هذا الكتاب، والتى وجدتها فى كل من مدريد والرباط وفاس والقاهرة والفاتيكان، فقد بان لى أن أكملها وأوفاها- كما ذكرت- مخطوطة الأسكوريال بأسبانيا (رقم 554) ، وقد ذكر ناسخ هذه المخطوطة أنه كتبها عام 173 هـ (1468 م) ، أى بعد تدوين ابن الخطيب للكتاب نفسه بحوالى 112 عاما تقريبا، وبعد وفاة المؤلف بنحو 97 عاما. وقد نشر المستشرق الاسبانى «سيمونيت» القسم الاول من «معيار الاختيار» ، بعد أن فصل عنه المقدمة التى أشرنا الى مضمونها، وهذا القسم هو الخاص بمدن مملكة غرناطة، وعددها أربع وثمانون مدينة، تحت عنوان «وصف مملكة غرناطة، فى عهد بنى نصر» «1» . ثم نشر باقى الكتاب- وهو الجزء الخاص بمدن المغرب- المستشرق الالمانى «موللر» ، متضمنا وصفا لجبل الفتح، وسبتة، ومراكش، وأغمات، فى مجموعة خاصة «2» . ولم يفت هذا المستشرق أن ينوه ببعض الاخطاء التى وقع فيها زميله الاسبانى «سيمونيت» عند تحقيقه للجزء الخاص بمدن الاندلس، وان كان هو بدوره قد وقع فى عدة أخطاء أثناء التحقيق، وذلك نتيجة عدم التمرس بالاساليب العربية، ولا سيما عبارة ابن الخطيب كطابع عام لما كانت عليه اللغة فى العصور الاسلامية الوسطى. وتجدر الاشارة الى أن قيمة «المعيار» تمكن فى التعريف بالوضعية التى كانت عليها كل من مملكتى بنى نصر وبنى مرين فى منتصف القرن الرابع عشر الميلادى، وأن ابن الخطيب قد حدثنا- بحق أيضا

1 - زيارته للمدن التى تناولها قلمه:

خصوصا- عن عاصمتى كل من الاندلس والمغرب فى عصره (غرناطة وفاس) ، سالكا نفس الموضوعية تجاه كليهما، دون أن يخفى لوما فيما لاحظه من مثالب بالنسبة لهاتين العاصمتين. ونحن نعتقد من جانبنا أن المؤلف- عند تدوينه لهذا الكتاب- قد اعتمد على مصادر ثلاثة: 1- زيارته للمدن التى تناولها قلمه: فمن المعلوم أن ابن الخطيب كان قد وزر للسلطان يوسف الاول النصرى 733- 755 هـ (1333- 1354 م) ثم لابنه من بعده الغنى بالله محمد الخامس 755- 760 هـ (1304- 1359 م) ثم- للمرة الثانية- عام 762- 793 هـ (1361- 1392 م) ، وطبيعة المنصب تقتضى تفقد الوزير هناك للبلاد والثغور الاندلسية، للوقوف على أحوالها، وحركة دولاب العمل فيها، ثم توجيه العمال وارشادهم، ومن ثم تحرير التقارير عن زياراته. كما أنه رافق سلطانه أبا الحجاج يوسف الاول فى زيارته التاريخية، والتى بدأها من غرناطة فى 17 محرم 748 هـ- 1347 م، صحبة الحاشية، وقد أفرد ابن الخطيب رسالة خاصة بهذه الرحلة، سماها: «خطرة الطيف، فى رحلة الشتاء والصيف» جاء فيها أن الركب الملكى- بعد أن غادر العاصمة- وصل الى مدينة وادى آش، وهناك استقبلهم الاهالى استقبالا رائعا، ثم اتجهت القافلة شرقا مارة ببعض المدن والحصون الهامة، مثل: بسطة، وبرشانة، وهنا صور ابن الخطيب الحالة التى كان يعانيها سكان هذه المدن، نتيجة كل من الغارات النصرانية والسيول الموسمية، ثم زار الركب مدينة «بيرة» ، أقصى الثغور على الحدود الشرقية، وقد ذكر لنا ابن الخطيب ما كان يشعر به سكان هذا الثغر من القلق والخوف، من جراء هجوم الاسبان المفاجئ بين حين وآخر، كما صور لنا وعورة موقع المدينة،

وصعوبة مسالكها، حيث اضطروا للاسترشاد بدليل ماهر، يكشف لهم طريقهم فى الجبال بين الروابى والوهاد. وأخيرا يعود الموكب الى قاعدته «غرناطة» ، راجعا من طريق آخر، مارا بثغر المرية، حيث استعرض السلطان قطع الاسطول الحربى، واستقبل رجاله فى زيهم الرائع الانيق. كما زار الموكب بعد المرية بعض المدن العامة، مثل: بجانة، وبرشلونة وفنيانة، وينتهى المطاف بمدينة وادى آش مرة أخرى، ومنها الى العاصمة «غرناطة» «1» . وبذلك أتيحت فرصة رسمية هامة للوزير ابن الخطيب، حيث وقف على أحوال هذه المدن الاندلسية خلال هذه الرحلة، وكون لنفسه ودون فى مذكراته فكرة عميقة موضوعية عن كل مدينة زارها الركب السلطانى التاريخى. أما بالنسبة للمدن المغربية فقد زار ابن الخطيب المغرب أكثر من مرة، وفى كل مرة كان يتجول فى البلاد ويتعرف عليها، ويختلط بأهلها، ولا سيما رجال الادارة والعلماء والخاصة، ولابد أنه شافه الكثير منهم برغبته فى الوقوف على معالم مدنهم وآثارهم واجتماعياتهم، وكانت المعاينة لديه وسيلة هامة فى وزن الحقائق، وكشف الظنون، وجلاء الشكوك. لقد زار ابن الخطيب المغرب لاول مرة سفيرا من لدن السلطان الغنى بالله ابن الأحمر، الى سلطان المغرب عام 755 هـ- 1354 م.

ثم رجع الى المغرب مرة أخرى، ولكن منفيا مع سلطانه المخلوع المغنى بالله ابن الاحمر، وذلك فى محرم 761- 1359 م، وفى هذه المرة مكث بالمغرب ثلاث سنوات تقريبا، كما أشرنا الى ذلك فى موضعه، وفى تلك الاثناء زار بعض المدن المغربية، ودون بعض رحلاته يومئذ فى كتابه المعروف باسم «نفاضة الجراب وعلالة الاغتراب» ، الذي وضعه بالمغرب مع بعض الكتب الاخرى، التى منها كتابنا «معيار الاختيار» . وأخيرا استقر ابن الخطيب بالمغرب حينما فر من الاندلس، حيث شعر بما يدسه له خصومه عند السلطان الغنى بالله، على نحو ما هو معروف من تاريخ مأساة هذا الوزير، فوصل المغرب عام 773 هـ- 1371 م، وبقى به حتى نكب وقتل عام 776 هـ- 1375 م. فهذه ثلاث زيارات قام بها المؤلف للمغرب، سفيرا، فمنفيا، ففارا ناجيا بحياته أخيرا، وتعتبر فترة النفى- من بين هذه الزيارات الثلاث- فترة البحث والدرس والتأليف عند ابن الخطيب، فقد منح الرواتب وأقطع الاراضى، واستقرت نفسيته الى حد سمح له بمواصلة تآليفه. أما المرة الاولى فكان وقتها أضيق من أن يتسع للتجوال عبر المدن المغربية، فهو حينئذ سفير منوط به أمر رسمى، وذو قيود وحدود مرسومة. وأما فى المرة الاخيرة حيث استقر نهائيا بالمغرب، فنرجح أن ابن الخطيب لم يتجه كثيرا للبحث والتدوين، فقد كانت الهزات السياسية بالمغرب تتناوشه ذات اليمين وذات الشمال، بفضل مواصلة خصومه- بغرناطة- السعى فى القضاء عليه، وعلى رأسهم سلطانه القديم «الغنى بالله» والذي تأثر الى أبعد حد بسعاية هؤلاء الخصوم، ومع هذا فقد ألف ابن الخطيب ابان هذه الفترة كتابه «أعمال الاعلام، فيمن بويع قبل الاحتلام، من ملوك الاسلام» ، استجابة للظروف الجديدة التى أملت عليه اصدار هذا المؤلف.

2 - الاطلاع والسماع:

2- الاطلاع والسماع: وهو المصدر الثانى من المصادر التى اعتمد عليها ابن الخطيب فى تدوين كتابه «معيار الاختيار» ونعنى به قراءته لكتب من سبقوه من المؤرخين والكتاب فى أوصاف المدن الاندلسية والمغربية على الخصوص، وفى تاريخها الحافل بالاحداث، وكذلك سماعه من شيوخه الذين تتلمذ عليهم، فى أحوال المغرب منذ القدم، وأحداث المملكة الاسلامية بالأندلس، لا سيما وأنه تربى فى أحضانها، ودرج بين ربوعها، وجاس خلال ديارها، فحديثه عنها حديث الخبير العالم، ووصفه لها وصف المحيط بأسرارها. هذا بالاضافة الى مجالس ابن الخطيب العلمية، وندواته الثقافية، والتى كانت كثيرا ما تجمع رواة الاخبار، وحفظة التاريخ. 3- التقارير الادارية الرسمية: وابن الخطيب كوزير، وأمين سر السلطان، لابد وأن يطلع على كافة التقارير الرسمية، والرسائل الادارية، التى كانت ترد عادة الى الديوان من عمال وحكام الاقاليم، فهذه التقارير وتلك الرسائل وثائق تاريخية لها أهميتها البالغة، اذ على أساسها- فى العادة- تدار سياسة الدولة، وتوجه الامور الوجهة الصالحة، لذلك نرى أن ابن الخطيب قد استفاد الى حد كبير من هذه الوثائق، بالاضافة الى المصدرين السابقين، وبذلك أمكنه أن يعطينا هذه الاوصاف لتلك المدن فى مؤلفه «معيار الاختيار» . هذا، وينبغى أن نشير اخيرا الى أن شخصية المؤلف وعلاقاتها بالآخرين لابد وأن تنعكس على كتاباته، وهذا ما وضح من خلال أوصاف ابن الخطيب لبعض البلاد وأهلها، فانه وان كان قد تعمق فى البحث على نحو دقيق، وحلل الاسباب والمسببات حتى جاء الموضوع

وثيقة تاريخية يعتمد عليها الى حد بعيد- وبخاصة اذا اعتبرنا قلة المراجع التاريخية التى تناولت العصر الذي عاشه ابن الخطيب، وذلك فى أخبار كل من الاندلس والمغرب- الا أنه لا ينبغى أن نغفل الدوافع الشخصية، والنزعات النفسية للمؤلف أيا كان، فهذه وتلك لابد وأن يحسب حسابهما، ويقام وزنهما، فى تقييم مثل هذه الوثيقة التاريخية، لرجل وزير كابن الخطيب، قضى حياته بين تيارات السياسة، تتنازعه الاهواء والدوافع، يعطف على مسلكة البعض، وينقم على خطته البعض الآخر، وبالتالى يكون اتجاهه متباينا نحو كليهما، وما يصدق على الافراد يصدق على مجموعة منها تؤلف بلدا أو مدينة. وللتدليل على هذا التأثر النفسى عند الكاتب، وانعكاسه على ما يحرره، نذكر أن ابن الخطيب نفسه قد صب جام غضبه على مدينة سلا المغربية، فى رسالته المسماة «مفاخرات بين مالقة وسلا» ، رغم أنه أقام بها طيلة فترة النفى الاولى، قرابة ثلاث سنوات، واحتوته عزيزا مكرما، ولكن كان قد حدث احتكاك بينه وبين بعض الفقهاء من أهل هذه المدينة، الامر الذي ساقه الى تأليف رسالة خاصة، فى النيل من هؤلاء الفقهاء، وهى المسماة «مثلى الطريقة، فى ذم الوثيقة» ، فى أسلوب يفيض اقذاعا ونيلا غير كريم من الخصوم، وعليه- بالتالى- فلم يكن من المنتظر أن يرتفع ابن الخطيب بمدينة سلا فى المفاخرات مع مالقة. فنخلص من هذا الى أن ابن الخطيب لم يسلم- الى حد ما- من تحامل فى وصفه لبعض المدن الاندلسية والمغربية فى كتابه «معيار الاختيار» ، وبخاصة عندما كان يتناول أحوال سكانها الاجتماعية. بيد أن هذا التحامل الضئيل المفترض لن يطغى بحال على ما للكتاب من قيمة تاريخية كبرى، ولا يمنع الدارسين لتاريخ المغرب والاندلس- فى الفترة التى عاصرها ابن الخطيب- من الاستفادة من «معياره»

هذا الى حد بعيد..، اذا ما عن لهم الكشف عن الحالة الاجتماعية بهذين القطرين فى ذلك العصر، وعن الاقتصاد، والمحصولات الزراعية، وأهمية الاسواق، والصناعة الاندلسية ودورها، وما الى ذلك مما تناوله المؤلف، تجاه البلاد الاندلسية والمغربية، فى منتصف القرن الرابع عشر الميلادى.

الفصل الرابع كتاب معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار المجلس الأول

اللوحة الاولى من مخطوط «معيار الاختيار» بالاسكوريال (الفزيرى 777. 1)

اللوحة الاولى من «المجلس الثانى»

اللوحة الاخيرة من «المجلس الاول»

اللوحة الاخيرة من «المجلس الثانى» نهاية المخطوط

الفصل الرابع كتاب معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار

معيار الاختيار، فى ذكر المعاهد والديار المجلس الاول: (97: أ) بسم الله الرحمن الرحيم. صلى الله على سيدنا محمد. الحمد لله الذي انفردت صفاته بالاشتمال على أشتات الكمال، والاستقلال بأعباء الجلال، المنزه عن احتلال الحلال، المتصفة الخلال بالاختلال، المعتمد بالسؤال لصلة النوال، جاعل الارض كسكانها متغايرة الاحوال، باختلاف العروض والاطوال، متصفة بالمحاسن والمقابح عند اعتبار الهيئات والاوضاع والصنائع والاعمال، على التفصيل والاجمال. فمن قام خيره بشره دخل تحت خطة الاعتدال، ومن قصر خيره عن شره، كان أهلا للاستعاضة والاستبدال، ومن أربى خيره على شره وجب اليه شد الرحال، والتمس بقصده صلاح الحال. وكثيرا ما اغتبط الناس بأوطانهم فحصلوا فى الجبال على دعة البال، وفازوا فى الرمال بالآمال، (97: ب) حكمة (منه) فى اعتمار ربع الشمال، وتفيىء أكنافه عن اليمين والشمال، الى أن يدعو أهل الارض لموقف العرض والسؤال، ويذهل- عن الاهل- عظيم الاهوال. والصلاة على سيدنا (ومولانا) «1» محمد المصطفى الذي أنقذ بدعوته الوارفة الظلال من ظلمات الضلال، وجاء برفع الاغلال، وتمييز الحرام من الحلال. والرضا عمن له من الصحب والآل، (موارد الصدق عند كذب الآل) «2» .

أما بعد، ساعدك السعد، ولان لك الجعد «3» ، فان الانسان- وان انصف بالاحسان، وابانة اللسان، لما كان بعضه لبعض فقيرا، نبيها كان أو حقيرا. اذ مؤنه «4» التى تصلح بها حاله. لا يسعها انتحاله- لزم اجتماعه وائتلافه على سياسة يؤمن معها اختلافه، واتخاذ مدينة يقر بها قراره، ويتوجه اليها ركونه وفراره، اذا رابه أضراره، ويختزن بها أقواته التى بها حياته، ويحاول منها معاشه الذي به انتعاشه، فان كان اتخاذها جزافا واتفاقا، واجتزاء ببعض المآرب وارتفاقا، تجاول «5» شرها وخيرها، وتعارض نفعها وضيرها، وفضلها- (98: أ) فى الغالب- غيرها، وان كان عن اختيار، وتحكيم معيار، وتأسيس حكيم، وتفويض للعقل وتحكيم، تنافر الى حكمها النفر، وأعمل السفر، وكانت مساوئها- بالنسبة الى محاسنها- تغتفر، اذ وجود الكمال فاضح للآمال، ولله در القائل: ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها ... كفى المرء فخرا أن تعد معايبه وبحسب ذلك: حدث من يعنى بالاخبار ينقلها، والحكم يصقلها، والاسمار ينتقيها، والآثار يخلدها ويبقيها، والمجالس يأخذ صدورها والآفاق يشيم» شموسها وبدورها، والحلل يعرف دورها، ويأكل قدورها، والطرف يهديها، والخفيات يبديها. وقد جرى ذكر تفضيل البلدان، وذكر القاصى والدان، ومزايا الاماكن، وخصائص المنازل والمساكن، والمقابح والمحاسن، والطيب والآسن «7» .

قال: ضمنى الليل وقد سدل المسح راهبه، وانتهب قرص الشمس من يد الامس ناهبه، ودلفت جيوشه الحبشية (98: ب) وكتائبه، وفتحت الازهار بشط المجرة كواكبه، وجنحت الطيور الى وكونها، وانتشرت الطوافات بعد سكونها، وعوت الذئاب فوق هضابها، ولوحت البروق ببيض عضابها، وباهت الكف الخضيب بخضابها، وتسللت اللصوص لانتهاز فرصها، وخرجت الليوث الى قسمها وحصصها، فى مناخ رحب المنطق، وثيق الغلق، سامى السور، كفيل بحفظ الميسور، يأمن- به الذعر- خائفه، وتدفع- معرة السماء- سقائفه، يشتمل على مأوى الطريد، ومحراب المريد، ومرابط خيل البريد «8» ، ومكاسع الشيطان المريد. ذى قيم كثير البشاشة، لطيف الحشاشة، قانع بالمشاشة. يروح ويشى، ويقف على ريب الاعيان وأعيان الريب فلا يشى. بر فأكثر، ومهد ووثر، وأدفأ ودثر، (ورقى بسور استنزاله فأثر) «9» . فلما أزحت الكلفة، وأقضمت جوادى العلفة، وأعجبتنى- من رفقاء الرفق- الالفة، رمقت فى بعض السقائف آمنا فى زى خائف، وشيخا طاف منه بالارض طائف، وسكن حتى اليمامة والطائف. جنيب (99: أ) عكاز، ومثير شيب أثيث الوفرة، وقسى ضلوع توتر بالزفرة، حكم له بياض الشيب بالهيبة، وقد دار بذراعه للسبحة الرقطاء حنش، كما اختلط روم وحبش. والى يمينه دلو فاهق «10» ، وعن يساره تلميذ مراهق، وأمامه حمار ناهق، وهو يقول: هم أسكنونا فى ظلال بيوتهم ... ظلال بيوت أدفأت وأكنت أبوا أن يملونا، ولو أن أمنا ... تلاقى الذي يلقون منا لملت

حتى اذا اطمأن حلوله، وأصحب ذلوله «11» ، وتردد الى قيم الخان- زغلوله «12» ، واستكبر لما جاءه- بما يهواه- رسوله، استجمع قوته واحتشد، ورفع عقيرته وأنشد: أشكو الى الله ذهاب الشباب ... كم حسرة أورثنى واكتئاب سد عن اللذات باب الصبا ... فزارت الاشجان من كل باب وغربة طالت فما تنتهى ... موصولة اليوم بيوم الحساب وشر نفس كلما هملجت «13» ... فى الغى لم تقبل خطام المتاب يا رب شفع فى شيبى ولا ... تحرمنى الزلفى وحسن المآب ثم أن، والليل قد جن، فلم يبق- فى القوم- الا من أشفق وحن، وقال- وقد هزته أريحية- (99: ب) : على الدنيا سلام وتحية، فقد نلنا الاوطار، وركبنا الاخطار، وأبعدنا المطار، واخترقنا الاقطار «14» ، وحلبنا الاشطار «15» . فقال فتاه- وقد افترت عن الدر شفتاه، مستثيرا لشجونه، ومطلعا لنجوم همه من دجونه، ومدلا عليه بمجونه-:وماذا بلغ الشيخ من أمدها، ورفع من عمدها، حتى يقضى منه عجب، أو يجلى منه محتجب؟ فأخذته حمية الحفاظ لهذه الالفاظ، وقال: أى بنى، مثلى من الاقطاب، يخاطب بهذا الخطاب!! وأيم الله لقد عقدت الحلق (ولبست من الدهر الجديد والخلق) «16» ، وفككت الغلق، وأبعدت فى الصبوة الطلق، وخضت المنون، وصدت الضب والنون، وحذقت الفنون،

وقهرت- بعد سليمان- الجنون، وقضيت الديون، ومرضت لمرض العيون. وركبت الهمالج «17» ، وتوسدت الوذائل «18» والدمالج، وركضت الفاره، واقتحمت المهالك والمكاره، وجبت البلاد، وحضرت الجلاد، وأقمت الفصح والميلاد. فعدت من بلاد الهند والصين، بالعقل الرصين، وحذقت بدار قسطنطين «19» كتاب اللطين «20» ، ودست مدارس أصحاب الرواق «21» ، ورأيت غار الارواح وشجر الوقواق،

وشريت حلل اليمن (100: أ) ببخس الثمن «22» ، وحللت من عدن «23» حلول الروح من البدن، ونظرت الى قرن الغزالة لما شدن «24» ، وأزمعت عن العراقين «25» ، سرى القين، وشربت من ماء الرافدين باليدين، وصليت بمحراب الدمنى ركعتين، وتركت الاثر للعين، ووقفت حيث وقف الحكمان «26» ، وتقابل التركمان «27» وأخذت بالقدس، عن الحبر الندس، وركبت الولايا، الى بلاد العلايا «28» ، بعد أن طفت بالبيت الشريف، وحصلت بطيبة على الخصب والريف، فى فصل الخريف، وقرأت بأخميم «29» علم التصريف، وأسرعت فى الانحطاط الى الفسطاط «30» ،

والمصر الرحب الاختطاط، وسكنت مدينة الاسكندرية «31» ثغر الرباط، وعجلت بالمرور الى التكرور «32» ، فبعث الظل بالحرور ووقفت بأشبانية الى الهيكل المزور، وحصلت بافريقية على الرفد غير المنزور، وانحدرت الى المغرب، انحدار الشمس الى المغرب، وصممت تصميم الحسام الماضى المضرب، ورابطت بالاندلس ثغر الاسلام، وأعلمت بها تحت ظل «33» الاعلام. فآها- والله- على عمر مضى، وخلف مضضا (100: ب) وزمن انقضى، وشمل قضى الله من تفرقه ما قضى، ثم أجهش ببكائه، وأعلن باشتكائه، وأنشد: لبسنا فلم نبل الزمان وأبلانا ... يتابع أخرانا- على الغى- أولانا ونغتر بالآمال، والعمر ينقضى ... فما كان- بالرجعى الى الله- أولانا وماذا عسى أن ينظر الدهر ما عسى ... فما انقاد للزجر الحثيث ولا لانا جزينا صنيع الله شر جزائه ... فلم نرع ما- من سابق الفضل- أولانا فيا رب عاملنا بما أنت أهله ... من العفو، واجبر صدعنا، أنت مولانا ثم قال: لقد مات اخوانى الصالحون ... فمالى صديق ولا لى عماد اذا أقبل الصبح ولى السرور ... وان أقبل الليل ولى الرقاد

فتملكتنى له رقة، وهزة للتماسك مسترقة، فهجمت على مضجعه هجوما أنكره، وراع شاءه وعكره «34» ، وغطى بفضل ردنه سكره، فقلت له: على رسلك أيها الشيخ، ناب «35» حنت الى حوار «36» ، وغريب أنس بجوار، وحائر اهتدى بمنار، ومقرور قصد الى ضوء نار، وطارق لا يفضح عيبا، (ولا يثلم غيبا) ولا يهمل «37» شيبا، ولا يمنع (101: أ) سيبا، ومنتاب يكسو الحلة، ويحسن الخلة، ويفرغ الغلة، ويملأ القلة. أجارتنا: انا غريبان ها هنا ... وكل غريب- للغريب- نسيب فلما وقم الهواجس وكبتها، وتأمل المخيلة واستثبتها، تبسم لما توسم، وسمح بعد ما جمح، فهاج عقيما فتر، ووصل ما بتر، وأظهر ما خبأ تحت ثوبه وستر، وماج منه البحر الزاخر، وأتى بما لا تستطيعه الاوائل ولا الاواخر. وقال- وقد ركض الفنون وأجالها، وعدد الحكم ورجالها، وفجر للاحاديث أنهارها، وذكر البلدان وأخبارها-: ولقد سئمت مآربى ... فكأن أطيبها «38» خبيث الا الحديث فانه ... مثل اسمه- ابدا- حديث فلما ذهب الخجل والوجل، وطال المروى والمرتجل، وتوسط الواقع، وتشوفت للنجوم المواقع، وتوردت الخدود الفواقع، قلت: أيها الحبر، واللج الذي لا يناله السبر، لا حجبك- قبل عمر النهاية- القبر،- وأعقب كسر أعداد عمرك- المقابلة بالقبول والجبر، كأنا بالليل قد أظهر- لوشك الرحيل- (101: ب) الهلع، والغرب الجشع لنجومه

قد ابتلع، ومفرق الاحباب- وهو الصبح- قد طلع، فأولنى عارفة من معارفك أقتنيها، وأهززلى أفنان حكمك أجتنيها، فقال: أمل ميسر، ومجمل يحتاج أن يفسر، فأوضح الملغز، وابن لى الطلا «39» من البرغز «40» . وسل عما بدا لك، فهو أجدى لك، فأقسم لا تسألنى عن غامض، وحلو وحامض، الا أوسعته علما وبيانا، وأريتك الحق عيانا. قلت: صف لى البلاد وصفا لا يظلم مثقالا، ولا يعمل- فى غير الصدق- وخدا ولا ارقالا «41» ، واذا قلتم فاعدلوا «42» ، ومن أصدق من الله مقالا «43» فقال: سل، ولا تسل، ولو راعك الاسل. قلت: انفض لى البلاد الاندلسية من أطرافها، وميز- بميزان الحق- بين اعتدالها وانحرافها، ثم اتلها بالبلاد المرينية «44» نسقا، واجل- بنور بيانك- غسقا:

خريطة مملكة غرناطة، يقابلها الجزء الشمالى من مملكة بنى مرين المغربية، وذلك فى منتصف القرن الرابع عشر الميلادى

جبل طارق «منظر جبل طارق من البحر» «منظر رأس الصخرة»

1 - «جبل الفتح»

وهات ما تقول فى «جبل الفتح» «46» : 1- «جبل الفتح» قال: فاتحة الكتاب من مصحف ذلك الاقليم، ولطيفة السميع العليم، وقصص المهارق «47» ، وأفق البارق، ومتحف هذا الوطن المباين للارض المفارق، مأهل العقيق «48» وبارق «49» ، ومحط طارقها، (102: أ) بالفتح طارق. ارم البلاد «50» التى لم يخلق مثله فيها، وذو المناقب التى لا تحصرها الالسنة ولا توفيها. حجزه البحر، حتى لم يبق الا خصر، فلا يناله- من غير تلك الفرصة- ضيق ولا حصر، وأطل بأعلاه قصر، وأظله فتح- من الله- ونصر. ساوق «51» سوره البحر فأعياه، قد تهلل بالكلس محياه، واستقبل الثغر الغريب فحياه. اطرد صنع الله فيه، من عدو يكفيه، ولطف يخفيه، وداء عضال يشفيه. فهو خلوة العباد، ومقام العاكف والباد، ومسلحة من وراءه من العباد، وشقة القلوب المسلمة والاكباد. هواؤه صحيح، وثراه- بالخزين- شحيح، وتجر الرباط فيه ربيح، وحماه- للمال

2 - «أسطبونة»

والحريم- غير مبيح، ووصفه الحسن لا يشان بتقبيح. الا أنه- والله يقيه مما يتقيه- بعيد الاقطار، ممار بالقطار «52» ، كثير الرياح والامطار. مكتنف بالرمل المخلف، والجوار المتلف. قليل المرافق، «53» معدوم المشاكل والمرافق. هزل الكراع (لعدم الازدراع، حاسر الذراع، للقراع) «54» ، مرتزق من ظل الشراع. كورة دبر، «55» ومعتكف أزل وصبر، وساكنه حى فى قبر (102: ب) . هو الباب ان كان التزاور واللقيا ... وغوث وغيث للصريخ وللسقيا فان تطرق الايام فيه بحادث ... وأعزز به- قلنا: السلام على الدنيا 2- «أسطبونة» «56» قلت: فاسطبونة؟ قال: ذهب رسمها، وبقى اسمها، وكانت مظنة النعم الغزيرة، قبل حادث الجزيرة «57» .

مربلة (غرناطة) صورة من الجو المدينة الساحلية

3 - «مربلة»

3- «مربلة» «58» قلت: فمربلة؟ قال: بلد التأذين على السردين، ومحل الدعاء والتأمين، لمطعم الحوت السمين، وحدقاتها مغرس العنب العديم القرين، الى قبة أرين «59» . الا أن مرساها غير أمين، وعقارها غير ثمين، ومعقلها تركبه الارض عن شمال ويمين «60» . 4- «سهيل» «61» قلت: فسهيل؟ قال: حصن حصين، يضيق عن مثله هند وصين، ويقضى- بفضله- كل ذى عقل رصين، سبب عزه متين، ومادة قوته شعير وتين. قد علم أهله مشربهم، وأمنوا مهربهم. وأسهلت بين يديه قراه، وجاد بالسمك واديه وبالحب ثراه، وعرف شأنه بأرض النوب «62» ، ومنه يظهر سهيل من كواكب الجنوب. الا أن سواحله فل «63» الغارة البحرية، ومهبط

منظر عام للمدينة ومينائها منظر داخلى للقصبة

5 - مالقة

السرية غير السرية، الخليقة بالحذر الحرية، مسرح السائمة الاميرية، وخدامها (103: أ) - كما علمت- أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ «64» . 5- مالقة «65» قلت: فمدينة مالقة؟ قال: وما القول «66» فى الدرة الوسيطة، وفردوس هذه البسيطة؟ أشهد لو كانت سورة لقرنت بها حذقة الاطعام «67» ، أو يوما لكانت عيدا فى العام «68» ، تبعث لها بالسلام مدينة السلام «69» ، وتلقى لها يد الاستسلام محاسن بلاد الاسلام. أى دار، وقطب مدار، وهالة ابدار، وكنز تحت جدار. قصبتها مضاعفة الاسوار، مصاحبة للسنين مخالفة للادوار «70» ، قد برزت فى أكمل الاوضاع وأجمل الاطوار. كرسى ملك عتيق، ومدرج مسك فتيق، وايوان أكاسرة، ومرقب عقاب كاسرة، ومجلى فاتنة حاسرة، وصفقة غير خاسرة. فحماها منيع حريز،

مالقة- القصبة أحد الافنية فى القصبة

اضطبنت دار الاسطول، وساوقت البحر بالطول، وأسندت الى جبل الرحمة ظهرها، واستقبلت ملعبها ونهرها، ونشقت وردها الارج (103: ب) وزهرها، وعرفت قدرها، فأغلت مهرها. وفتحت جفنها على الجفن غير الغضيض «72» ، والعالم الثانى ما بين الاوج الى الحضيض. دار العجائب المصنوعة، والفواكه غير المقطوعة ولا الممنوعة، حيث الاوانى تلقى لها يد الغلب صنائع حلب، والحلل التى تلح صنعاء فيها بالطلب، وتدعو الى الجلب، الى الدست الرهيف، ذى الورق الهيف. وكفى برمانها حقاق ياقوت، وأمير قوت، وزائر غير ممقوت. الى المواساة، وتعدد الاساة، واطعام الجائع والمساهمة فى الفجائع، وأى خلق أسرى من استخلاص الاسرى، تبرز منهم المخدرة حسرى، سامحة بسواريها ولو كانا سوارى كسرى. الى المقبرة التى تسرح بها العين، وتستهان- فى ترويض روضاتها- العين، الى غللها المحكمة البنيان، الماثلة كنجوم السماء للعيان، وافتراض سكناها- أوان العصير- على الاعيان، ووفور أولى المعارف والاديان. (104: أ) وأحسن «73» الشعر فيما أنت قائله ... بيت يقال- اذا أنشدته- صدقا وعلى ذلك، فطينها يشقى به قطينها، وأزبالها تحيى بها سبالها، وسروبها يستمد «74» منها مشروبها، فسحنها «75» متغيرة، وكواكب

قصبة مالقة (منظر جانبي)

أذهانها النيرة متحيرة، وأقطارها جد شاسعة، وأزقتها لزجة «76» غير واسعة، وآبارها تفسدها أزفارها، وطعامها لا يقبل الاختزان، ولا يحفظ الوزان، وفقيرها لا يفارق الاحزان، وجوعها ينفى به هجوعها، تحث «77» على الامواج أقواتها، وتعلو على الموازين غير القسط أصواتها، وأرحيتها تطرقها النوائب، وتصيب أهدافها السهام الصوائب، وتعد بها الجنائب، وتستخدم فيها الصبا والجنائب، وديارها الآهلة بالسكان قد صم بالنزائل صداها، وأضحت بلاقع بما كسبت يداها، وعين أعيانها أثر، ورسم مجادتها قد دثر، والدهر لا يقول لعا لمن عثر «78» ، ولا ينظم شملا اذا انتثر. وكيف لا يتعلق الذام، ببلد يكثر به الجذام! محلة بلواه آهلة، والنفوس- بمعرة عدواه- جاهلة. ثم تبسم عند انشراح صدر، وتذكر «79» قصة (104: ب) الزبرقان بن بدر «80» . تقول هذا مجاج النحل تمدحه ... وان ذممت تقل «81» قىء الزنابير مدح وذم، وعين الشيء واحدة ... ان البيان يرى الظلماء كالنور «82»

6 - «بليش مالقة»

6- «بليش مالقة» «83» قلت: فبليش؟ قال: جادها المطر الصيب، فنعم البلد الطيب، حلى ونحر، (وبر) ولوز وتين، وسبب من الامن متين، وبلد أمين، وعقار ثمين، وفواكه عن شمال ويمين، وفلاحة مدعى انجابها لا يمين. الا أن التشاجر بها أنمى من الشجر، والقلوب أقسى من الحجر، ونفوس أهلها بينة الحسد والضجر، وشأنها غيبة ونميمة، وخبث «84» مائها- على ما سوغ الله من آلائها- تميمة «85» . 7- «قمارش» «86» قلت فقمارش؟ قال: مودع الوفر، ومحط السفر، ومزاحم الفرقد «87» والغفر «88» ، حيث الماء المعين، والقوت المعين. لا يخامر قلب

المنكب مرفأ نزول عبد الرحمن الداخل مؤسس دولة بني أمية بالاندلس صورة من البحر

8 - «المنكب»

الثائر به خطرة وجله، الا من أجله. طالما فزعت اليه نفوس الملوك الاخائر بالذخائر، وشقت عليه أكياس المرائر فى الضرائر. وبه الاعناب التى راق بها الجناب، والزياتين، واللوز والتين، والحرث الذي له التمكين، والمكان المكين. الا أنه عدم سهله «89» ، وعظم جهله، فلا يصلح فيه الا أهله. 8- «المنكب» «90» قلت: (105: أ) فالمنكب؟ قال: مرفأ السفن ومحطها، ومنزل عباد المسيح ومختطها. بلدة معقلها منيع، وبردها صنيع، ومحاسنها غير ذات تقنيع. والقصر المفتح الطيقان، المحكم الاتقان، والمسجد المشرف المكان، والاثر المنبئ عن كان وكان، كأنه مبرد واقف، أو عمود فى يد مثاقف. قد أخذ من الدهر الامان، وتشبه بصرح هامان «91» ، وأرهفت جوانبه بالصخر المنحوت، وكاد أن يصل (ما) بين الحوت والحوت «92» . غصت

حصن المنكب (اول محط لعبد الرحمن الداخل)

- بقصب السكر- أرضها، واستوعب بها «93» طولها وعرضها، زبيبها فائق، وجنابها رائق. وقد مت- اليها- جبل الشوار «94» بنسب الجوار. منشأ الاسطول، بعدته «95» غير ممطول، وأمده لا يحتاج الى الطول. الا أن اسمها مظنة طيرة تشتنف «96» ، فالتنكيب- عنها- يؤتنف «97» . وطرقها «98» يمنع شر سلوكها من تردد ملوكها، وهواؤها فاسد، ووباؤها مستأسد، وجارها حاسد. فاذا التهبت السماء، وتغيرت بالسمائم «99» المسميات والاسماء، فأهلها- من أجداث بيوتهم- يخرجون «100» ، والى جبالها يعرجون. والودك اليها مجلوب، والقمح بين أهلها مقلوب، (105: ب) والصبر- ان لم يبعثه البحر- مطلوب «101» ، والحرباء- بعرائها- مصلوب «102» ، والحر- بدم الغريب- مطلوب «103» .

9 - «شلوبانية»

9- «شلوبانية» «104» قلت: فشلوبانية؟ قال: أختها الصغرى، ولدتها التى يشغل بها المسافر ويغرى، حصانة معقل، ومرقب متوقل، وغاية طائر، وممتنع ثائر، ومتنزه زائر، تركب- بدنها- الجداول المرفوعة، وتخترق- جهاتها- المذانب المفردة والمشفوعة، ففى المصيف تلعب بالعقل الحصيف، وفى الخريف تسفر عن الخصب والريف. وحوت هذه السواحل أغزر من رمله، تغرى «105» القوافل الى البلاد بحمله «106» ، الى الخضر الباكرة، والنعم الحامدة للرب الشاكرة. وكفى بمترايل «107» من بسيطها محلة مشهورة، وعقيلة ممهورة، ووداعة فى السهل غير مبهورة «108» . جامعها حافل، وفى حلة الحسن رافل. الا أن أرضها مستخلص السلطان بين الاوطان، ورعيتها عديمة الاعيان، مروعة على الاحيان. وتختص

10 - «برجة»

شلوبانية بمزية البنيان، ولكنها غاب الحميات، غير أمينة على الاقتيات، ولا وسيمة الفتيان ولا الفتيات «109» . 10- «برجة» «110» قلت: فبرجة؟ قال: تصحيف وتحريف، وتغيير فى تعريف «111» . ما هى الا بهجة ناظر، وشرك خاطر، ونسيجة (106: أ) عارض ماطر، ودارين «112» نفس عاطر. عقارها ثمين، وحرمها أمين، وحسنها باد وكمين، عقود أعنابها قد قرطت آذان الميس «113» والحور «114» ، وعقائل أدواحها مبتسمة عن ثغور النور. وسيطها متواضع عن النجد، مرتفع عن الغور، وعينها سلسالة، وسبائك «115» المذانب منها مسالة، تحمل الى كل جهة رسالة، ودورها فى العراء مبثوثة (وركائب النواسم بينها محثوثة) ، لا تشكو بضيق الجوار، واستكشاف العوار، وتزاحم الزوار. مياه وظلال، وسحر حلال، وخلق دمث كثراها، ومحاسن متعددة كقراها، ولطافة كنواسمها عند مسراها، وأعيان ووجوه، نجل العيون،

11 - «دلاية»

بيض الوجوه، غلتهم الحرير، ومجادتهم غنية عن التقرير. الا أن متبوأها بسيط مطروق، وقاعدتها فروق «116» ، ووتدها مفروق «117» ، ومعقلها خرب، كأنه أحدب جرب، ان لم ينقل اليه الماء، برح به الظماء، ولله در صاحبنا اذ يقول: يا بسيطا بمعانى برجه ... أصبح الحسن به مشتهرا لا تحرك بفخار مقولا ... فلقد ألقمت منها حجرا والبر بها نزر الوجود، واللحم تلوه وهما طيبتا الوجود، والحرف (106: ب) بها ذاوية العود، والمسلك اليها بعيد الصعود. 11- «دلاية» «118» قلت: فدلاية؟ قال خير رعاية وولاية، حرير ترفع عن الثمن، وملح يستفد على الزمن، ومسرح معروف، وأرض ينبت بها جبن وخروف. الا أنها لسرايا العدو البحرى مجر العوالى، ومحل الفتكات على التوالى، فطريقها صوى «119» ومشاهد، والعارف- فى مثلها- زاهد.

12 - «المرية»

12- «المرية» «120» قلت: فمدينة المرية؟ قال: المرية هنية مرية، بحرية برية، أصيلة سرية، معقل الشموخ والاباية، ومعدن المال وعنصر الجباية، وحبوة الاسطول «121» ، غير المعلل بالنصر ولا الممطول، ومحط التجار، وكرم النجار، ورعى الجار. ما شئت من أخلاق معسولة، وسيوف من الجفون السود مسلولة، وتكك محلولة، وحضارة تعبق طيبا، ووجوه لا تعرف تقطيبا، ولم تزل- مع الظرف- دار نساك؛ وخلوة اعتكاف وامساك. أرغم أهلها أنف الصليب، لما عجم منها بالعود الصليب، وألف «122»

المرية صورة للقصبة العربية من الجو

لامها وألفها حكم التغليب، فانقلب منها آيسا «123» عند التغليب: يسأل عن أهل المرية سائل ... وكيف ثبات القوم والروع باسر (107: أ) قطا دارج فى الرمل فى يوم لذة ... ولهو، ويوم الروع فتخ كواسر «124» بحرها مرفأ السفن الكبار، وكرسيها هو العزيز عند الاعتبار، وقصبتها سلوة الحزين، ومودع الخزين، وفلك المنتزين. وهى محل الغلل «125» المجدية، والاندية «126» المشفوعة الاردية، ولواديها المزية على الاودية. حجة الناظر المفتون، المكسو الغصون «127» والمتون، بالاعناب والزيتون.

13 - «طبرنش»

بلد الخام «128» ، والرخام، والذمم الضخام، وحمتها «129» بديعة الوصف، محكمة الوصف، مقصودة للعلاج والقصف. حرها شديد، ودكرها طويل مديد، وأثرها على البلى «130» جديد. الا أن مغارمها ثقيلة، وصفحة جوها- فى المحول- صقيلة، وسماؤها بخيلة، وبروقها لا تصدق منها مخيلة، وبلالة النطية منزورة العطية، وسعرها من الاسعار غير الوطية. ومعشوق البر بها قليل الوصال، وحمل البحر صعب الفصال «131» ، وهى متوقعة الا أن يقى الله طلوع النضال، وعادة المصال «132» . 13- «طبرنش» «133» قلت: فطبرنش، من شرقيها؟ قال: حاضرة البلاد الشرقية «134» ، وثنية البارقة الافقية. ما شئت من تنجيد بيت، وعصير زيت «135» ، (107: ب) واحياء أنس

14 - «بيرة»

ميت، وحمام طيب، وشعب تنثر فيه دنانير أبى الطيب «136» . الا أنها محيلة الغيوث، عادية الليوث، متحزبة الاحزاب «137» شرهة الاعزاب. ولو شكر- الغيث- شعيرها، أخصبت- البلاد- عيرها. 14- «بيرة» «138» قلت: فبيرة؟ قال: بلدة صافية الجو، رحيبة الدو «139» ، يسرح بها البعير، ويجم بها الشعير، ويقصدها- من مرسية وأحوازها- العير، فساكنها بين تجر وابتغاء أجر، وواديها نيلى الفيوض والمدود، مصرى التخوم والحدود، ان بلغ الى الحد المحدود، فليس رزقه بالمحصور ولا بالمعدود. الا أنها قليلة المطر، مقيمة على الخطر، مثلومة الاعراض والاسوار، مهطعة لداعى البوار، حليفة حسن مغلوب، معللة بالماء المجلوب، آخذة بأكظام القلوب، خاملة الدور، قليلة الوجوه والصدور، كثيرة المشاجرة والشرور، برها أنذر من برها فى المعتمر والبور، وزهد أهلها فى الصلاة

15 - «مجاقر»

شائع فى الجمهور، وسوء ملكة الاسرى من الذائع (بها) «140» والمشهور. (ما قام خيرك يا زمان بشره ... أولى لنا ما قل منك وما كفى) «141» 15- «مجاقر» «142» قلت: فمجاقر؟ قال: حصن جديد، وخير مديد، وبحر ما على افادته مزيد، (وخصب ثابت ويزيد) «143» . ساكنه قد قضى- الحج- أكثره، وظهر (108: أ) عين الخير فيه وأثره، الا أنه لا تلفى- به للماء- بلالة، ولا تستشف للجود علالة. 16- «قنتورية» «144» قلت: فقنتورية؟ قال يسار يمينها، وغبار كمينها، ومعمول يمينها، يجود بها الجبن والعسل، ومن دونها الاسل «145» ، وأما عن الخبز فلا تسل. وان كانت أحسن شكلا، فأقل شربا وأكلا، وأجفا أهلا، وأشد جهلا، وأعدم علا

17 - «برشانة»

ونهلا، وأهلها شرار، أضلعهم بالظماء «146» حرار. لا تلفى بها نغبة «147» ماء، ولا تعدم «148» مشقة ظماء، ولا تتوج أفقها الا فى الندرة قزعة سماء. 17- «برشانة» «149» قلت: فبرشانة؟ قال: حصن مانع، وجناب يانع، أهلها أولو عداوة لاخلاق البداوة، وعلى وجوههم نضرة وفى أيديهم نداوة، يداوون بالسلافة «150» علل الجلافة، (ويؤثرون علل التخلف على لذة الخلافة) «151» ، فأصبح ربعهم ظرفا، قد ملئ ظرفا، فللمجون به بسوق، وللفسوق ألف سوق، تشمر به الاذيال عن سوق. وهى تبين بعض بيان عن أعيان، وعلى وجوه نسوانها طلاقة، وفى ألسنتهم ذلاقة، ولهن بالسفارة «152» فى الفقراء علاقة. «153» الا أن جفنها ليس بذى سور يقيه مما يتقيه، ووغدها يتكلم بملئ فيه، وحليمها يشقى بالسفيه، ومحياها تكمن حية الجور فيه.

18 - «أورية»

18- «أورية» «153» قلت: فأورية؟ (108: ب) . قال: بلد الجبن والعسل «154» ، والهواء الذي يذهب بالكسل، وأما عن الماء البرود فلا تسل. ادامه الصيد الذي لا يتعذر، وقوته الشعير الذي يبذر. الا أنه بادى الوحشة والانقطاع، والاجابة لداعى المخالفة «155» والاهطاع «156» . وحش الجناب «157» ، عرى من ثمرات النخيل والاعناب، حقيق لمعرة العدو والاجتناب. 19- «بليش الشقراء» «158» قلت: فبليش؟ قال: ثغر قصى، وقياد «159» - على الامن- عصى، ويتيم ليس عليه- غير العدو- وصى. ماؤه معين، وحوره عين، وخلوته- على النسك وسواه- تعين. وبه الحمام، والنطف الجمام «160» ، ولاهله بالصيادة اهتمام، وعسله- اذا اصطفت العسول- امام. الا أنها

بسطة غرناطة منظر عام للمدينة

20 - «بسطة»

بلدة منقطعة بائنة، وبأحواز العدو كائنة، ولحدود لورقة «161» - فتحها الله- مشاهدة معاينة. وبرها الزهيد القليل يتحف به العليل، وسبيل الامن اليها غير سبيل، ومرعاها- لسوء الجوار- وبيل. 20- «بسطة» «162» قلت: فمدينة بسطة؟ قال: وما بسطة! بلد خصيب، ومدينة لها من اسمها نصيب، دوحها متهدل، «163» وطيب هوائها غير متبدل، وناهيك من بلد اختص أهله فى معالجة الزعفران، وامتازوا به عن غيرهم من الجيران. عمت- أرضها- السقيا فلا تخلف، وشملتها البركة يختص الله «164» 109: أ) من يشاء ويزلف، يتخلل- مدينتها- الجدول المتدافع، والناقع للغلل «165» النافع. ثياب أهلها بالعبير تتأرج، وحورها تتجلى وتتبرج وولدانها- فى شط انهارها المتعددة- تتفرج. ولها الفحص الذي يسافر فيه الطرف سعيا، ولا تعدم السائمة به ريا ولا رعيا، ولله در القائل: ألجأنى الدهر الى عالم ... يؤخذ منه العلم والدين «166» فى بلدة عوذت نفسى بها ... اذ فى اسمها طه وياسين

21 - «أشكر»

الا أن ترتبها تفضح البناء، وان صحبة الاعتناء، فأسوارها تسجد عند الاقامة، وخندقها- لاكسارها- تلقامة، فهى- لذلك- غير دار «167» مقامة، ورياحها عاصفة، ورعودها قاصفة، وحاميتها تنظر الى الهياج، من خلف سياج، فالعدو فيها شديد الفتكات، معمل الحركات، وساكنها دائم الشكات، وحدها فليل، وأعيانها قليل «168» ، وعزيزها- لتوقع المكروه- ذليل. 21- «أشكر» «169» قلت: فأشكر؟ قال: نعم البسيط المديد، والرزق الجديد، والتقى «170» العديد، والصيد والقديد «171» ، تركب الجداول فحصها، ويأبى الكمال نقصها، ويلازم ظل الخصب شخصها. مسرح البهائم، ومعدن الرعى الدائم. الا أن معقلها لا يمنع، ومكانها يحوم عليه (109: ب) الحادث الاشنع ونفوس أهلها مستسلمة لما الله يصنع.

22 - «أندرش»

22- «أندرش» «172» قلت: فأندرش؟ قال: عنصر جباية، ووطن بهم «173» أولو اباية، حريرها ذهب، وتربها تبر منتهب «174» ، وماؤها سلسل، وهواؤها لا يلفى معه كسل. الا أنها ضيقة الاحواز والجهات، كثيرة المعابر والفوهات. أعرابها أولو استطالة، وابناء مترفيها كثير والبطالة، فلا يعدم ذو الزرع عدوانا، ولا يفقد عير الشر نزوانا، وطريقها غير سوى، وساكنها ضعيف يشكو من قوى. 23- «شبالش» «175» قلت: فشبالش؟ قال: معدن حرير خلصت سبائكه، وأثرى بزازه وحائكه، وتهدلت حجاله وتمهدت آرائكه، وجباية سهل اقتضاؤها، وجمت بيضاؤها. الا

24 - «وادى آش»

أنه وطن عدم ادامه، وبيت ظهر اهتدامه، وفقدت به حيل التعيش وأسبابه، ومحل لا يقيم به الا أربابه. 24- «وادى آش» «176» قلت: فمدينة وادى آش؟ قال: مدينة الوطن، ومناخ من عبر أو قطن، للناس ما بدا «177» ولله ما بطن. وضع سديد، وبأس شديد، ومعدن حديد، ومحل عدة وعديد، وبلد لا يعتل فيه الا النسيم، ومرأى يخجل منه الصباح الوسيم. كثيرة الجداول والمذانب، مخضرة الجوانب. الى (110: أ) الفواكه الكثيرة، والكروم الاثيرة، والسقى الذي يسد الخلة، ويضاعف الغلة. وسندها معدن الحديد والحرير، ومعقلها أهل للتاج والسرير. وهى دار أحساب، وارث واكتساب، وأدب وحساب. وماؤها مجاج الجليد، وهواؤها يذكى طبع البليد. الا أن ضعيفها يضيق عليه المعاش، وناقهها يتعذر عليه الانتعاش، وشيخها يسطو على عصبة الارتعاش «178» . فهى ذات برد، وعكس وطرد، ما شئت من لحى راعد، ومقرور على الجمر قاعد، ونفس صاعد، وفتنة يعد بها واعد، وشرور تسل الخناجر، وفاجر يسطو بفاجر، وكلف بهاجر «179» ، واغتمام تبلغ به القلوب الحناجر، وزمهرير تجمد له المياه فى ناجر شهر «180» . وعلى ذلك فدرتها

25 - «فنيانة»

أسمح «181» للحالب، ونشيدتها أقرب للطالب، ومحاسنها أغلب والحكم للغالب. 25- «فنيانة» «182» قلت: ففنيانة؟ قال: مدينة، وللخير خدينة، ما شئت من ظبى غرير، وعضب طرير «183» ، وغلة وحرير، وماء نمير، ودوام للخزين «184» وتعمير. الا أن بردها كثير، وودقها نثير، ووشرارها لهم فى الخيار تأثير. 26- «مدينة غرناطة» «185» قلت: فمدينة غرناطة؟ قال: حضرة سنية، والشمس (بها) عن مدح المادح غنية،

غرناطة الحمراء وقلعتها

كبرت عن قيل وقال، وجلت عن (110: ب) وامق «186» وقال «187» ، وقيدت العقل بعقال، وأمنت حال حسنها من انتقال. لو خيرت فى حسن الوضع لما زادت وصفا، ولا أحكمت رصفا، ولا أخرجت

فناء الاسود (قصر الحمراء)

أرضها ريحانا ولا عصفا «188» ، ولا أخذت بأشتات المذاهب، وأصناف المواهب جدا و (لا) قصفا. كرسيها ظاهر الاشراف، مطل على الاطراف، وديوانها مكتوب بآيات الانفال والاعراف، وهواؤها صاف، وللانفاس مصاف. حجبت- الجنوب عنها- الجبال، فأمن «189» الوباء والوبال، وأصبح ساكنها عير مبال، وفى جنه من النبال، وانفسحت للشمال «190» ، واستوفت الشروط على الكمال، وانحدر منها مجاج الجليد على الرمال. وانبسط- بين يديها- المرج الذي نضرة النعيم لا تفارقه، ومدارى النسيم تفلى بها مفارقه. ريع من واديه بثعبان مبين، ان لدغ تلول شطه تلها للجبين، وولدت حيات المذانب عن الشمال واليمين «191» ، وقلد منها اللبات سلوكا تأتى «192» من الحصباء بكل در ثمين، وترك الارض مخضرة، تغير من خضراء السماء ضرة، والازهار مفترة، والحياة الدنيا- بزخرفها- مغترة. أى واد أفاض من عرفات ... فوق حمرائها أتم أفاضة (111: أ) ثم لما استقر بالسهل يجرى ... شق منها بحلة فضفاضة كلما انساب كان عضبا صقلا ... واذا ما استدار كان مفاضة «193»

قصر جنة العريف من الخارج (الحمراء)

فتعددت القرى والجنات، وحفت- بالامهات منها- البنات، ورف النبات، وتدبجت الجنبات، وتقلدت اللبات، وطابت بالنواسم المهبات، ودارت بالاسوار دور السوار المنى والمستخلصات، ونصبت- لعرائس الروض- المنصات، وقعد سلطان الربيع لعرض القصات، وخطب بلبل الدوح فوجب الانصات، وتموجت الاعناب، واستبحر- بكل عذب الجنا- منها الجناب، وزينت السماء الدنيا من الابراج العديدة بأبراج، ذات دقائق وأدراج، وتنفست الرياح عن أراج، أذكرت الجنة كل امل ما عند الله وراج. وتبرجت بحمرائها القصور مبتسمة عن بيض الشرفات، سافرة عن صفحات القبات المزخرفات. تقذف- بالانهار من بعد المرتقى- فيوض بحورها الزرق، وتناغى- أذكار المآذن بأسمارها- نغمات الورق. وكم أطلعت من أقمار وأهلة، وربت من ملوك جلة، الى بحر التمدن «194» المحيط الاستدارة، الصادر عن الاحكام والادارة، ذى المحاسن غير المعارة، المعجزة لسان (111: ب) الكناية والاستعارة، حيث المساجد العتيقة القديمة، والميازب الحافظة للرى المديمة، والجسور العريضة، والعوائد المقدرة (تقدير الفريضة، والاسواق المرقومة الاطواق) «195» بنفائس الاذواق، والوجوه الزهر، والبشرات الرقاق، والزى الذي فاق زى الآفاق، وملأ قلوب المؤمنين بالاشفاق: بلد جللها الله حسنا وسنى ... وأجر السعد من حل لديها رسنا

بركة البرطل (الحمراء)

قد أجنت سكرا جما ورزقا حسنا ... أعجزت عن «196» منتهى الفخر البعيد السنا «197» يروقك فى أطرافها حسن الصور وجمالها، وظرف «198» الصنائع وكمالها، والفعلة وأعمالها، حتى الاطلال وانهما لها، والسؤال واسمالها «199» : كل عليه من المحاسن لمحة ... فى كل طور للوجود تطورا كالروض يعجب فى ابتداء نباته ... واذا استجم به النبات ونورا واذا الجمال المطلق استشهدته ... ألغيت ما انتحل الخيال وزورا (112: أ) ثم قال: أى أمن «200» عرى من مخافة، وأى حصافة لا تقابلها سخافة، ولكل شىء آفة. لكنها- والله- بردها يطفئ حر الحياة، ويمنع الشفاه عن رد التحيات، وأسعارها يشعر معيارها بالترهات «201» ، وعدوها يعاطى كئوس الحرب فهاك «202» وهات. الى السكك التى بان خمولها، ولم يقبل الموضوع محمولها، والكرب الذي يجده الانسان فيها، صادف اضافة أو ترفيها، والمكوس التى تطرد البركة وتنفيها. الى سوء الجوار، وجفاء الزوار، ونزالة الديار، وغلاء الخشب والجيار، وكساد المعايش عند الاضطرار، واهانة المقابر وهى دار

جنة؟؟؟ العريف (الحمراء)

القرار، وقصر الاعمار، واستحلال الغيبة فى الاسمار، واحتقار أولى الفضل والوقار، والتنافس فى العقار، والشح فى الدرهم والدينار، باليم والنار «203» . ثم قال: اللهم غفرا، وان لم نقل كفرا، «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ «204» » . ولله در أبى العتاهية «205» حين يقول: أصبحت الدنيا- لنا فتنة ... والحمد لله على ذالكا اجتمع الناس على ذمها ... وما نرى- منهم لها- تاركا

27 - «الحمة»

27- «الحمة» «206» قلت: فالحمة؟ قال: أجل، الصيد «207» والحجل، والصحة «208» وان كان المعتبر (112: ب) الاجل، وتورد الخدود وان لم يطرقها الخجل. والحصانة عند الهرب من الرهب، والبر كأنه قطع الذهب. والحمة التى حوضها يفهق «209» بالنعيم، مبذولة للخامل والزعيم، تمت ثنيتها بالنسب الى ثنية النعيم. قد ملأها الله اعتدالا، فلا تجد الخلق اعتياضا عنها ولا استبدالا، وأنبط صخرتها الصماء عذبا زلالا، قد اعتزل الكدر اعتزالا. لكن مزارعها لا ترويها الجداول، ولا ينجدها الا الجود المزاول «210» ، فان أخصب العام أعيا «211» الطعام، وان أخلف الانعام، هلكت الناس بها والانعام. والفواكه يطرف بها الجلب، وتزر عليها العلب، وعصيرها لا يليق بالأكل ولا يصلح للحلب، وبردها شديد وان لم يقض به المنقلب.

28 - «صالحة»

28- «صالحة» «212» قلت: فصالحة؟ قال: لولا أنها مناخ لم تذكر، فليس مما يذم ولا مما يشكر، وان كان ماؤها فضيا، ووجه جوها وضيا، وعصيرها مرضيا، ورزقها أرضيا، وفضلها ذاتيا لا عرضيا. فهى مهب نسف، ودار خسف، وأهلها بهم، ليس- لأحد منهم- فهم. 29- «اليرة ومنتفريد» «213» قلت: فأليرة ومنتفريد؟ قال: بلد ارتفاق «214» ، باجماع واتفاق، معدن البر الذكى، والصيد الزكى، وهد شاهق، ومصرخ ناهق، ومعدن بر فائق، ان لم يعق- من عدو القلعة- (113: أ) عائق. 30- «لوشة» «215» قلت: فلوشة؟ قال مرأى بهيج، ومنظر يروق ويهيج، ونهر سيال، وغصن مياد، وجنات وعيون، ولذات لا تمطل بها ديون، وجداول تنضح بها الجوانح،

31 - «أرجذونة»

ومحاسن يشغل بها عن وكره السائح، ونعم يذكر- بها- المانع المانح. ما شئت من رحا يدور، ونطف تشفى- بها- الصدور، وصيد ووقود، وأعناب كما زانت اللبات عقود، وأرانب تحسبهم أيقاظا وهم رقود «216» . الى معدن الملح، ومعصر «217» الزيت، والخضر المتكفلة بخصب البيت، والمرافق التى لا تحصر الا بعد الكيت. والخارج الذي عضد مسحة الملاحة، بجدوى الفلاحة. الا أن داخلها حرج الازقة، وأحوال أهلها مائلة الى الرقة، وأزقتها قذرة، وأسباب التطوف «218» بها متعذرة، ومنازلها- لنزائل الجند- نازلة، وعيون العدو- لثغرها الشنيب «219» - مغازلة. 31- «أرجذونة» «220» قلت: فأرجذونة؟ قال: شر دار وطلل لم يبق منه غير جدار، ومصام يرجع البصر عنه وهو حاسر «221» ، وعورة ساكنها- لعدم الماء- مستأثرة «222» . وقومها ذو بطر وأشر، وشيوخها- تيوس فى مسالخ بشر، طعام من

32 - «أنتقيرة»

يقوت منهم أو يعول، التيوس والوعول، وحرثها مغل، (113: ب) وخلقها حسد وغل. 32- «أنتقيرة» «223» قلت: فأنتقيرة؟ قال: محل الحرث والانعام، ومبذر الطعام، والمرآة التى يتجلى بها وجه العام، الرحب والسهل، والنبات والطفل، والهشيم والكهل، والوطن والاهل. ساحت الجداول فى فحصها الافيح وسالت، وانسابت حيات المذانب «224» فى سقيها الرحب الجوانب وانسالت. لا تشكو من نبو ساحة، ولا تسفر الا عن ملاحة، ولا تضاهى فى جدوى فلاحة، وعظم ملاحة. الا أنها جرداء الخارج، بل مارد ومارج «225» . وشدة فرجها فارج. لا تضبطها المسلحة للاتساع، والدرع الوساع، قليلة الفواكه، عديمة الملاطف والمفاكه. أهلها أولو شرور وغرور، وسلاح مشهور، وقاهر ومقهور، لا تقبل غريبا، ولا تعدم «226» من العدو تثريبا.

33 - «ذكوان»

33- «ذكوان» «227» قلت: فذكوان؟ قال: روض وغدير، وفواكه جلت عن التقدير، وخورنق وسدير22» ، ومائدة لا تفوتها فائدة. دارت على الطحن أحجارها، والتفت أشجارها، وطاب هواؤها، وخفق بالمحاسن لواؤها. الا أنها ضالة ساقطة، وحبة ترتقب لاقطة، لا تدفع عن قرطها وسوارها بأسوارها، ولا تمنع نزع صدارها بجدارها، وقضت بغلة (114: أ) أعيانها حداثة بنيانها. 34- «قرطمة» «229» قلت: فقرطمة؟ قال: الكرك «230» ، الذي يؤمن عليه الدرك «231» ، وان عظم المعترك. جوها صاف، فى مشتى ومصطاف، وتربها للبر مصاف، وعصيرها

رندة القنطرة العربية

35 - «رندة»

بالكثرة ذو اتصاف. الا أن الماء بمعقلها مخزون، وعتاد موزون، وأهلها فى الشدائد لا يجزون، أيديهم- بالبخل- مغلولة، وسيوف تشاجرهم مسلولة. 35- «رندة» «232» قلت: فرندة؟ قال: أم جهات وحصون، وشجرة ذات غصون، وجناب خصيب، وحمى مصون. بلد زرع وضرع، وأصل وفرع، مخازنها بالبر مالية،

رندة باب المقابر

وأقواتها جديدة وبالية، ونعمها- بجوار الجبل- متوالية. وهى بلد أعيان وصدور «233» ، وشموس وبدور، ودور أى ودور، وماء واديها يتوصل اليه فى جدور، محكم مقدور. وفى أهلها فضاضة «234» وغضاضة «235» ، ما فى الكلف بها غضاضة «236» ، يلبس نساؤها الموق «237» ، على الاملد المرموق، ويسفرن عن الخد المعشوق، وينعشن قلب المشوق، بالطيب المنشوق. الا أن العدو طوى ذيل بردها، وغصب بنيانها، وكيف السبيل الى ردها، وأضاق خارجها، وخفض معارجها، وأعلى طائرها ودارجها «238» . فلما بلغ هذا الحد قال: هل اكتفيت؟ فقد شرحت صدرك (114: ب) وشفيت، وبما طلبت منى قد وفيت. يا بنى كأنى بالصباح السافر، وأدهم الظلام النافر، قد أجفل أمام مقنبه «239» الوافر، وترك من الهلال نعل الحافر. ونفسى مطيتى، وقد بلغت الليلة طيتى «240» ، وأجزلت عطيتى، فلنجم بالمحض «241» ، ونلم بالغمض، وأنا بعد

نزيلك، ان سرنى جزيلك، وعديلك ان ضحك الى منديلك، وسميرك ان روانى نميرك. فبادرت البدرة ففضضتها، والصرة فافتضضتها، والعيبة «242» فنفضتها، والمعادن فأفضتها. فقال: بوركت من مواس، وأنشد قول أبى نواس «243» : ما من يد فى الناس واحدة ... كيد أبو العباس «244» أولاها نام الثقات على مضاجعهم ... وسرى الى نفسى فأحياها ثم قال: نم فى أمان، من خطوب الزمان، وقم فى ضمان، من وقاية الرحمن. فلعمرى وما عمرى على بهين، ولا الحلف على بمتعين، لو كان الجود ثمرا لكنت لبابه، أو عمرا لكنت شبابه، أو منزلا لكنت بابه. فما هو الا أن كحلت جفنى بميل الرقاد، وقدت طرفه سلس المقاد، وقام قيم الخان الى عادة الافتقاد، وبادر سراجه بالايقاد، ونظرت

(115: أ) الى مضجع الشيخ ليس فيه الا زئبر أطماره «245» ، وروث حماره، فخرجت لايثاره، مقتفيا لآثاره، فكأن الفلك لفه فى مداره، أو خسفت الارض به وبداره «246» ، وسرت وفى قلبى- لبينه وذهاب أثره وعينه- حرقة، وقلت متأسيا: لكل اجتماع من خليلين فرقة.

الفصل الخامس

الفصل الخامس المجلس الثاني

(116: أ) المجلس الثانى (116: أ) المجلس الثانى قال المخبر: فلما اندمل جرح الفراق بعد طول، وزمان مطول «1» ومحا- رسم التذكر- تكرار فصول، ونصول خضاب «2» ، وخضاب نصول «3» ، بينا أنا ذات يوم فى بعض أسواق الغبار، أسرح طرف الاعتبار، فى أمم تنسل من كل حدب، وتنتدب من كل منتدى ومنتدب، ما بين مشتمل للصماء يلويها، ولائث للعمامة لا يسويها، ومتلفظ بالشهادة وهو لا ينويها، وصاعد من غور، ومتظلم من جور، وممسك بذنب عير أو روق «4» ثور، يموجون، ومن الاجداث يخرجون، كأنهم النمل نشرها وقد برزت للشمس، من مطر الامس، يشيرون (116: ب) بأجنحة الاكسية، ويتساقطون على ثماد القلب «5» وأسئار الاحسية «6» ، وقد اصطف ذابحو الجزور، وبائعو اللبوب «7» والبذور «8» ولصق بالاملياء «9» حللة العقد وشهدة الزور، ونظرت فى ذلك المجتمع الهائل المرأى والمسمع. الى درسة غى، وطهاة كى، ورقاة جنون، بضروب من القول وفنون، وفيهم كهل قد استظل بقيطون «10» ، وسل سيف

لاطون «11» ، وتحدى برقية لديغ ومداواة مبطون، قد اشتمل بسمل غفاره وبين يديه غبار فى جلد فاره، وطحن من اطعام كفارة «12» . وأمامه تلميذ قد شمر الاكمام، والتفت الخلف والامام، وصرف لوحى لحظه- الاهتمام. وهو يأسو ويجرح، ويتكلم بلسان القوم ثم يشرح، ويقيد من حضره بقيد العزيمة فلا يبرح. ويقول: أيها البهم السارح، والحزب المسرور بما لديه الفارح، والسرب الذي تقتاته لولاة البغى الجوارح «13» . صرفتم غروب اعتنائكم، لمآرب نسائكم وأبنائكم، وذهلتم عمن حل بفنائكم، وجعلتم تطعمون وتجمعون، «إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ» «14» . من وقعت على منكم عينه، فقد رأى فاتح أقفال الاسرار، ومثبت (117: أ) الفرار، ومصمت أولئك الصرار، ومغور مياه الآبار بيسير الغبار، ومخرج الاضمار فى المضمار، ومذهب المس وطارد العمار «15» . أنا قاطع الدماء اذا نزفت، وكاشف الغماء اذا ما انكشفت، أهنا «16» الابل فلا تجرب، وأخط حول الحمى فلا تدنو السباع ولا تقرب، وأدخن بها فلا تتسلل الحية ولا تدب العقرب، ان نعيت الشمس- لوقت محدود- طمس فيها نورها «17» ، وان وعدت الارض برى

محمود فار تنورها «18» ، وان كتبت لعقد النكاح انحلت، وان عقلت خطى الضالة وقفت حيث حلت، وان زجرت الجنون تركت وخلت، وان استثرت الدفائن ألقت الارض ما فيها وتخلت «19» . أنا جردت البيضة الشقراء، وزوجت الفتى الشرقى من الجارية العذراء. أنا صافحت الملك، ورصدت الفلك، ومزجت- بسر الحكمة- الضياء والحلك، فاحتقرت الملك وما ملك. دعوت علم الطباع فأطاع، وقطعت شكوك الهيئة بالشكل القطاع، وقلت بالقدر وبالاستطاع، وسبقت فى صناعة البرهان «20» يوم الرهان. ورضت صعاب الرياضيات حتى ذل قيادها، وسهل انقيادها، وعدلت الكواكب (117: ب) واختبرت القلوب اليابانية والمناكب، وبشرت عند رجوع خنسها «21» بالغيوث السواكب، ووقفت بالامتحان، على صناعة الالحان، وقرأت ما بعد علم الطبيعة، وناظرت قسيس البيعة «22» ، وأعملت فى الاصول مرهفة النصول، وأحكمت أمزجة الطباع وطبائع الفصول. وامتزت بالبروع فى علم الفروع، وقمت فى العهد الحديث بالحديث، وحزت فى علم اللسان درجة الاحسان. وحققت قسمة الفروض،

وعدلت الشعر بميزان العروض، ونظمت ونثرت، وأكثرت فما عثرت. وعبرت حلم النوم، ولبست الخرقة بشرط القوم «23» ، ولزمت خلوة الذكر ومعتكف الصوم. وأما معرفتى بالاخبار، وزرع الارض بالاشبار، ما بين جليقية «24» الى الانبار «25» ، وأوصاف المدن الكبار- فقد ثبت بالاختبار. قال: فأثار قديمى، وأذكرنى بنديمى، فقلت: الله أكبر، أوضح- الخبر- المخبر. فخضت اليه ومن بينى وبينه وهم بحر زاخر، وأول ليس له آخر، وبهم يسخر منه الساخر، ما بين كبش مجتر وعجل ناخر «26» . وقلت: أيها الحبر، ضالتى قريب أمدها، معروف معتمدها. وعلى ذلك فالشكر (118: أ) ممنوح، والرفد طوفان نوح. فألان «27» العريكة، وسلم النطع والاريكة، وقال: أجل واعرض،

وأنزل السؤال وافرض. فقلت: بى الى تعرف البلدان جنوح وجنون، والجنون فنون، وقد ظفرت قبلك بنقاب «28» ، وعود احتقاب، وسارب أنقاب «29» ، حصل به من طلبى الشطر «30» ، وبك يتم الشكر «31» ، ويعظم الخطر. فقال: الناس متهم «32» ومنجد «33» ، (وخانل وممجد) ، ولا تجود يد الا بما تجد. والله المرشد. وجعل ينشد: اذا المشكلات تصدين لى ... كشفت غوامضها بالنظر ولست بامعة فى الرجال ... أسائل هذا وذا: ما الخبر «34» ولكننى مذرب الاصغرين ... أبين- مع ما مضى- ما غبر «35» ثم قال: هات، أمن عقدك الشبهات.

المملكة المغربيّة في حدودها الطبيعيّة والتاريخية.

1 - «بادس»

1- «بادس» «36» قلت: ما تقول فى بادس؟ قال: بدأت بحمدلة الرقعة، وبركة البقعة، ومدفن الولى «37» ، والنحر غير العاطل ولا الخلى من الحلى. بلد السراوة والشجاعة، والايثار على فرض المجاعة، والنفوس الاوابة (الى الله) الرجاعة، حيث البر والحوت، والخشب الذي ينشأ منه كل منحوت، والبأس والاقدام، والفاكهة الطيبة والادام، (118: ب) ورب الجبال، وفضل للمدافعة لصهب السبال. الا أنها موحشة الخارج، وعرة المعارج، مجاورة غمارة «38» بالمارد والمارج، فهم ذوو دبيب، فى مدارج تلك الغرابيب «39» ، وكيدهم- ببركة الشيخ- فى تتبيب «40» .

2 - «سبتة»

2- «سبتة» «41» قلت: فمدينة سبتة؟ قال: عروس المجلى، وثنية الصباح الاجلى. تبرجت تبرج العقيلة، ونظرت وجهها من البحر فى المرآة الصقيلة، واختص ميزان حسناتها بالاعمال الثقيلة. واذا قامت بيض أسوارها مقام سوارها، وكان جبل بنيونش «42» شمامة أزهارها، والمنارة منازه شوارها «43» ، كيف لا ترغب النفوس فى جوارها، وتخيم الخواطر بين أنجادها وأغوارها!! الى المينا الفلكية، والمراسى «44» الفلكية، والركية الزكية «45» ، غير المنزورة ولا البكية «46» ذات الوقود الجزل، المعد للازل، والقصور المقصورة على الجد والهزل، والوجوه الزهر السحن،

سبتة ساحل المدينة وجبل بنيونش

المضنون بها عن المحن. دار الناشبة، والحامية المضرمة للحرب المناشبة، والاسطول المرهوب، المحذور الالهوب، والسلاح المكتوب المحسوب، والاثر المعروف المنسوب. كرسى الامراء والاشراف، والوسيطة لخامس أقاليم البسيطة، فلا (119: أ) حظ لها فى الانحراف. بصرة علوم اللسان، وصنعاء الحلل الحسان، وثمرة امتثال قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ» «47» ، الامينة على الاختزان، القويمة المكيال والميزان، محشر أنواع الحيتان، ومحط قوافل العصير والحرير والكتان، وكفاها السكنى ببنيونش «48» فى فصول الزمان، ووجود المساكن النبيهة بأرخص الاثمان. والمدفن المرحوم غير المزحوم، وخزانة كتب العلوم، والآثار المنبئة عن أصالة الحلوم «49» الا أنها فاغرة أفواه الجيوب «50» للغيث المصبوب، عرضة للرياح ذات الهبوب، عديمة الحرث فقيرة من الحبوب، ثغر تنبو «51» فيه المضاجع بالجنوب. وناهيك (59) بحسنة تعد من الذنوب، فأحوال أهلها رقيقة «52» ، وتكلفهم ظاهر مهما عرضت وليمة أو عقيقة، واقتصادهم لا تلتبس منه طريقة، وأنساب نفقاتهم- فى تقدير الارزاق- عريقة، فهم يمصون البلالة مص المحاجم، ويجعلون الخبز فى الولائم بعدد الجماجم، وفتنتهم ببلدهم فتنة الواجم، بالبشير الهاجم «53» ،

3 - «طنجة»

وراعى الجديب بالمطر الساجم «54» ، فلا يفضلون على مدينتهم مدينة، (119: ب) الشك- عندى- فى مكة والمدينة. 3- «طنجة» «55» قلت: فطنجة؟ قال: المدينة العادية، والبقعة التى ليست بالخبيثة ولا بالردية، اليها بالاندلس كانت نسبة المغاربة، والكتائب المحاربة، والرفق «56» السائحة فى الارض الضاربة. سورها ليس بمثلوم، وساكنها غير ملوم، وفضلها معلوم، ودارها ليست بدار لوم. ميدان أفراس كبير، ومعدن هند «57» وذكير «58» . مثلت بين المنار والقالة «59» ، وحكماها فى التفضيل، فأشكل الحكم وتعذرت المقالة، ولم يصح البيع ولا وجبت الاقالة. هذى سماء بروج، وهذى أزهار مروج، وكلاهما مركب سرور

طنجة المدينة العربية

4 - «قصر كتامة»

وسروج، ومتمتع فروج، ومطعم قديد ومروج. ديارها نبيهة، وأحوالها- بأحوال جارتها (الاندلس) شبيهة. لكن رملها يحشو العين بالذرور عند المرور، (ويدخل الدور، ويفسد القدور) ورياحها لا تسكن الا فى الندور، وظلمة جوها متسببة عما وراءها من مغرب الشموس والبدور. وعين برقانها- أعذب عيونها- مشهور بتوليد الهوج، قران عند الناس غير ذى عوج، ويذكر أن سليمان اختصها بسجن مردة الجن، فيعثر بها على (120: أ) أو ان ملئت ريحا، تثير تبريحا «60» ، ويسندون- لذلك- افكا صريحا. 4- «قصر كتامة» «61» قلت: فقصر كتامة؟ قال: مغرد عندليب «62» ، وعنصر بر وحليب، ومرعى سائمة، ومسرح بهيمة فى الجميم هائمة، ومسقط مزنة عادية وديمة دائمة. وبه التفاح النفاح، ترتاح الى شميمه الارواح، والفوائد قد ثقلت بها الادواح، يقذف به السماء والصباح، ويتفنن فيه الحرام والمباح، والسمك كما جردت الصفاح اذا استبحر الكفاح. وطريقه مسلك- القافلة، وببابه السوق الحافلة، ينسل اليها من غمارة قرود وفهود «63»

5 - «أصيلا»

وأمة صالح وهود، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود «64» . الا أنه قور «65» قد تهدم، ودار الندوة لام ملدم «66» ، ومنتزى لهائج المرار وثائر الدم. جثم الهواء الخبيث فى بطيحته وربض، وانبسط وما انقبض، وجهز ليله عسكر البعوض الهاجم، دربة بمص المحاجم. وأما وحله فلا يعبر ولا يسبر، وان اسهبت العبارة فالامر أكبر. 5- «أصيلا» «67» قلت: فأصيلا؟ قال: كثيرة المرافق، رافعة فى الخصب اللواء الخافق، (120: ب) العصير الاثير، والحوت الكثير، والادام الذي يرمى به من حكم عليه بالتعزيز «68» ، والسفن المترددة فيها الملف «69» والابازير. الا أن حصنها من المنعة برى، وساكنها بربرى، وجارها- من غمارة- جرى.

سلا الاسوار القديمة الاثرية (مدخل المدينة الشمالي)

6 - «سلا»

6- «سلا» «70» قلت: فمدينة سلا؟ قال العقيلة المفضلة، والبطيحة المخضلة، والقاعدة المؤصلة، والسدرة المفصلة. ذات الوسامة والنضارة، والجامعة بين البداوة والحضارة. معدن القطن والكتان، والمدرسة والمارستان، والزاوية كأنها البستان، والوادى المتعدد الاجفان، والقطر الآمن عند الرجفان، والعصير العظيم الشأن، والاسوق الممتازة حتى برقيق الحبشان. اكتنفها المسرح، والخصب الذي لا يبرح، والبحر الذي يأسو ويجرح، وشقها الوادى يتمم محاسنها ويشرح. وقابلها الرباط «71» ، الذي ظهر به- من المنصور- الاغتباط، حيث القصبة والساباط «72» ، ووقع منه بنظرة الاعتباط، فاتسع الخرق

الرباط المدينة كما تبدو من وادى أبى الرقراق وحيث تطل عليه قصبة الاوداية

مسجد حسان «الصومعة وبعض الاعمدة» - الرباط- قصبة الاوداية

وعظم الاشتطاط، وبعد الكمال يكون الانحطاط «73» . الى شامة «74» مرعى الذمم، ونتيجة (121: أ) الهم، (ومشمخ الانوف ذوات الشمم) «75» وعنوان بر الديم، حيث الحسنات المكتتبة، والاوقاف المرتبة، والقباب كالازهار، مجودة بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، وطلل حسان المثل فى الاشتهار. وهى- على الجملة من غيرها- أوفق، ومغارمها- لاحترام الملوك الكرام- أرفق، ومقبرتها المنضدة عجب فى الانتظام، معدودة فى المدافن العظام، وتتأتى بها- للعبادة- الخلوة، وتوجد عندها- للهموم- السلوة، كما قال ابن الخطيب: وصلت حثيث السير فيمن فلا الفلا ... فلا خاطرى لما نأى وانجلى انجلى ولا نسخت- كربى بقلبى- سلوة ... فلما سرى فيه نسيم سلا سلا وكفى بالشابل رزقا طريا، وسمكا بالتفضيل حريا، يبرز عدد قطر الديم، ويباع ببخس القيم، ويعم حتى المجاشر «76» النائية والخيم الا أن ماءها لا يروى به بارد «77» ، لا كريم ولا بارد، وأليفها شارد، والخزين بها فاسد، وبعوضها مستأسد، راضع غير مفطوم، واسم للخد والخرطوم، بذيالك الخرطوم، خالع للعذار غير مخطوم، تصغى

7 - «أنفا»

- لرنته- الآذان، ويفتك بوكز السنان، كالقوس تصمى (121: ب) الرمايا وهى مرنان «78» ، وديارها- فى الماء- دار عثمان «79» ، وطواحنها غالية الاثمان، وكثبانها العفر تلوث بيض الثياب، طى العياب، وعابر واديها- الى مأرب أكيد- فى تنكيد. الى غلبة الامساك، وخوض النساك «80» ، وكثرة أرباب الخطط، «81» والاغياء فى الشطط، تذود- عن جناته للاسد- جنان، «82» فلا يلتذ- بقطف العنقود منها- بنان، وفى أهلها خفة، وميزانها لا تعتدل منه كفة. 7- «أنفا» «83» قلت: فأنفا؟ قال: جون «84» الحط والاقلاع، ومجلب السلاع، تهدى اليها السفن شارعة، وتبتدرها مسارعة. تصارف برها الذهبى بالذهب الابريز، وتراوح برها وتغاديه بالتبريز.

الدار البيضاء «منظر حديث للمدينة»

8 - «أزمور»

يكثر الطير حيث ينتشر الحب وتغشى منازل الكرماء وخارجها يفضل كل خارج، وقانصها يجمع بين طائر ودارج، وفواكهها طيبة، وأمطار عصيرها صيبة، وكيلها وافر، وسعرها- عن وجه الرخاء- سافر، وميرتها لا ينقطع لها خف ولا حافر. لكن ماءها وهواءها عديما الصحة، والعرب عليها فى الفتن ملحة، والامراض بها تعيث وتعبث، والخزين بها لا يلبث. 8- «أزمور» «85» قلت: فأزمور؟ قال: جار واد وريف «86» ، وعروس ربيع وخريف، وذو وضع شريف. أطلت على واديه المنازه (122: أ) والمراقب، كأنها النجوم الثواقب، وجلت من خصبه المناقب «87» ، وضمن المرافق نهره المجاور وبحره المصاقب «88» . بلد يخزن الاقوات، ويملأ اللهوات. باطنه الخير، وادامه اللحم والطير. وساكنه رفيه، ولباسه يتحد فيه، ومسكنه نبيه، وحوته الشابل ليس له شبيه. لكن أهله- أنما حرثهم وحصادهم- اقتصادهم، فلا يعرفون ارضاخا «89» ، ولا وردا نضاخا،

9 - «تيط»

يترامون على حبة الخردل «90» بالجندل «91» ، ويتضاربون على الاثمان الزيوف «92» بالسيوف. بربرى لسانهم، كثير حسانهم، قليل احسانهم، يكثر بينهم- بالعرض- «93» الافتخار، ويعدم- ببلدهم- الماء والملح والفخار. 9- «تيط» «94» قلت: فتيط؟ قال: معدن تقصير، وبلد بين بحرى ماء وعصير، ورباط للاولياء به (سرور) «95» ، واغتباط، ومسجدها تضيق عنه المدائن منارا عاليا، وبقلادة الاحكام حاليا. الا أن خارجها لا يروق عين المقيم والمسافر، ولا يشوق بحسن سافر، ومؤمنه يشقى بصداع كافر،

10 - «آسفى»

وحماه عدو كل خف وحافر، فلولا ساكنه لم ينبس يوم فخر، ولم ينم الا الى صخر «96» . 10- «آسفى» «97» قلت: فرباط آسفى؟ قال: لطف خفى، وجناب حفى، ووعد وفى، ودين ظاهره مالكى، وباطنه حنفى. الدماثة والجمال، والصبر (122: ب) والاحتمال، والزهد والمال، والسذاجة والجمال «98» . قليلة الاحزان، صابرة على الاختزان، وافية المكيال والميزان، رافعة اللواء، بصحة الهواء. بلد

11 - «مراكش»

موصوف، برفيع ثياب الصوف، وبه تربة الشيخ أبى محمد صالح «99» . وهو خاتمة المراحل، لمسورات ذلك الساحل. لكن ماءه قليل، وعزيزه- لعادية من يواليه من الاعراب- ذليل 10» . 11- «مراكش» «101» قلت: فمدينة مراكش؟ قال: فتنفس الصعداء، وأسمع البعداء، وقال: درج الحلى، وبرج النير الجلى، وتربة الولى، وحضرة الملك الاولى، وصرح الناصر الولى. ذات المقاصير «102» والقصور، وغابة الاسد الهصور،

مراكش صومعة مسجد الكتبية- واحدة من ثلاث ذات هندسة واحدة: الخير الدا بأشبيلية، والكتبية بمراكش، وحسان بالرباط.

وسدة «103» الناصر والمنصور. بعدت عن المركز دارتها، وجرت- على قطب السياسة- ادارتها، وسحرت- العيون- شارتها، وتعبد الاباءة اشارتها، وخاضت- البحر الخضم- نذارتها وبشارتها. اقتعدت البسيط المديد، واستظهرت بتشييد الاسوار وأبراج الحديد. وبكى الجبل من خشيتها بعيون العيون، فسألت المذانب كصفاح القيون، وقيدت طرف الناظر المفتون، أدواح الشجر بها وغابات الزيتون. (123: أ) فما شئت من انفساح السكك، وسبوع الشكك «104» ، وانحلال التكك، وامتداد الباع فى ميدان الانطباع، وتجديد فنون المجون بالمد والاشباع. زيتها الزمن يعصر، وخيرها يمد ولا يقصر، وفواكهها (لا تحصى) ولا تحصر. فاذا تناصف الحر والبرد، وتبسم الزهر وخجل الورد، وكسا- غدرانها الحائرة- الحلق السرد «105» ، قلت: أنجز- للمتقين من الجنة- الوعد، وساعد السعد، وما قلت الا بالذى علمت سعد «106» . ومنارها العلم فى الفلاة، ومنزلته- فى المآذن- منزلة والى الولاة. الا أن هواءها محكم فى الجباه والجنوب (يحمى عليها بكير الجنوب) «107» وحمياها كلفة بالجسوم، طالبة ديونها بالرسوم، وعقاربها كثيرة الدبيب، منغصة مضاجعة الحبيب، وخرابها موحش هائل، وبعد الاقطار- عن كثير من الأوطار- بها- حائل، وعدوها ينتهب- فى الفتن- أقواتها، وجرذان

12 - «أغمات»

المقابر تأكل أمواتها. وكانت أولى المنازل بالاغياء، لو أنها- اليوم- معدودة فى الاحياء «108» . 12- «أغمات» «109» قلت: فأغمات؟ قال: بلدة- لحسنها- الاشتهار، وجنة تجرى من تحتها الانهار، وشمامة تتضوع منها الازهار، متعددة البساتين، (123: ب) طامية بحار الزياتين، كثيرة الفواكه والعنب والتين. خارجها فسيح، والمذانب فيه تسيح، وهواؤها صحيح، وقبولها للغريب شحيح، وماؤها نمير، وماء وردها ممد للبلاد وممير. الا أن أهلها يوصفون بنوك «110» . وذهول، بين شبان وكهول، وخرابها يهول، وعدوها تضيق- لكثرته-

13 - «مكناسة»

السهول، وأموالها- لعدم المنعة- فى غير ضمان، ونفوسها لا تعرف طعم أمان. 13- «مكناسة» «111» قلت: فمدينة مكناسة؟ قال: مدينة أصيلة، وشعب المحاسن وفصيلة، فضلها الله ورعاها، وأخرج منها ماءها ومرعاها «112» ، فجانبها مريع «113» وخيرها سريع، ووضعها له- فى فقه الفضائل- تفريع، عدل فيها الزمان، وانسدل الامان، وفاقت- الفواكه- فواكهها، ولاسيما الرمان، وحفظ- أقواتها- الاختزان، ولطفت فيها الاوانى والكيزان، واعتدل- للجسوم- الوزان. ودنا- من الحضرة «114» - جوارها، فكثر قصادها من الفضلاء وزوارها، وبها المدارس والفقهاء، ولقصبتها الابهة

مكناس منظر عام لمدينة مكناس

مكناس مدخل ضريح مولاى اسماعيل

مكناس باب الريح أحد المداخل الرئيسية لمدينة مكناس

مكناس باب منصور المدخل الرئيسى للمنشئات الملكية بالعاصمة الاسماعيلية

مكناس باب مسجد الانوار

فاس «.. حيث البنى التي نظر اليها عطارد فاستجفاها، وخاف عليها الوجود أن يصيبها بعينه الحسود، فسترها بالغور واخفاها ... »

14 - «فاس»

والبهاء، والمقاصير والابهاء «115» . الا أن طينها ضحضاح «116» ، لذى الظرف فيه افتضاح، وأزقتها لا يفارقها القذر، وأسواقها يكثر بها الهذر، (وعقاربها لا تبقى ولا تذر) «117» ، ومقبرتها لا يحتج (124: أ) عن اهمالها ولا يعتذر. 14- «فاس» «118» قلت: فمدينة فاس؟ فقال: رعى الله قطرا ينبت الغنى ... وآفاقه ظل على الدين ممدود نعم العرين، لاسود بنى مرين، ودار العبادة التى يشهد بها

ناعورة فى جنان السبيل (فاس)

مطرح الجنة ومسجد الصابرين. «119» أم القرى، ومأم السسرى، وموقد نار الوغى ونار القرى. ومقر العز الذي لا يهضم، وكرسى الخلافة الاعظم. والجرية «120» التى شقها ثعبان الوادى فما ارتاعت والابية التى ما أذعنت اذعانها للايالة المرينية ولا أطاعت. أى كلف وكلف! ومتفق ومختلف! ومحاباة وزلف! وقضيم وعلف! وخلف عن سلف! انما الدنيا أبو دلف «121» !.

سألت عن العالم الثانى «122» ، ومحراب السبع المثانى، ومعنى المغانى، ومرقص النادب والغانى، وارم المبانى «123» ، ومصلى القاصى والدانى. هى الحشر الاول، والقطب الذي عليه المعول، والكتاب الذي لا يتأول. بلد المدارك والمدارس، والمشايخ والفهارس، وديوان الراجل والفارس. والباب الجامع من موطأ المرافق، ولواء الملك الخافق، وتنور الماء الدافق، ومحشر المؤمن والمنافق، وسوق الكاسد والنافق، حيث البنى النى نظر اليها عطارد «124» فاستجفاها «125» وخاف عليها الوجود أن يصيبها بعينه (124: ب) الحسود فسترها بالغور وأخفاها «126» . والاسواق التى- ثمرات كل شىء اليها- قد جبيت، والموارد التى اختصت بالخضر وحبيت، والمنازه المخطوبة، وصفاح الخلج المشطوبة، والغدر التى منها أبو طوبة «127» . بلد أعارته الحمامة طوقها ... وكساه رويش جناحه- الطاووس فكأنما الانهار فيه مدامة ... وكأن ساحات الديار كؤوس اجتمع بها ما أولده سام وحام، وعظم الالتئام والالتحام، فلا يعدم فى مسالكها زحام. فأحجارها طاحنة، ومخابزها شاحنة، وألسنتها- باللغات المختلفة- لاحنة، ومكاتبها مائجة، ورحابها متمائجة، وأوقافها جارية، والهمم فيها- الى الحسنات وأضدادها- متبارية.

بلد نكاح وأكل، وضرب وركل، وامتياز من النساء بحسن زى وشكل، ينتبه بها الباه، وتتل الجباه، وتوجد للازواج الاشباه. الى وفور النشب «128» ، وكثرة الخشب ووجود الرقيق، وطيب الدقيق، وامكان الادام، وتعدد الخدام، وعمران المساجد والجوامع، وادامة ذكر الله فى المآذن والصوامع. وأما مدينة الملك «129» ، فبيضاء كالصباح، أفق للغرر الصباح، يحتقر- لايوانها- ايوان كسرى، وترجع العين حسرى، ومقاعد الحرس، وملاعب (125: أ) الليث المفترس «130» ، ومنابت الدوح المغترس، ومدرس من درس أو درس، ومجالس الحكم الفصل، وسقائف الترس والنصل، وأهداف الناشبة أولى الخصل «131» . وأواوين الكتاب، وخزائن محمولات الاقتاب، وكراسى الحجاب، وعنصر الامر العجاب. الى الناعورة التى مثلث من الفلك الدوار مثالا، وأوحى الماء الى كل سماء منها أمرها فأبدت امتثالا، ومجت العذب البرود سلسالا، وألفت أكوابها الترفه والترف، فاذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى «132» .

فاس (المدرسة البوعنانية)

وقوراء «133» من قوس الغمام ابتغوا لها ... مثالا أداروها عليه بلا شك فبين الثريا والثرى سد جرمها ... وللفلك الدوار قد أصبحت تحكى تصوغ لجين النهر فى الروض دائما ... دراهم نور قد خلصن من السبك وترسل من شهبانها ذا ذؤابة ... فتنفى استراق السمع عن حوزة الملك «134» تذكرت العهد الذي اخترعت به ... وحنت فما تنفك ساجعة تبكى ثم قال: الا أن حر هذه المدينة مذيب، وساكنها ذيب، ومسالكها وعرة، وظهائرها مستعرة، وطينها هائل، وزحامها حرب وائل «135» . أن نشد الجفاء ناشد، فهى ضالته المنشودة، أو حشد أصنافه حاشد

15 - آقر سلوين

(125: ب) فهى كتيبته المحشودة. الى بعد الاقطار، وعياث الميازب أوقات الامطار، والاشتراك فى المساكن والديار، على الموافقة والاختيار، وتجهم الوجوه للغريب، ذى الطرف المريب، وغفلة الاملس عن الجريب «136» ، ودبيب العقارب، أرسالا كالقطا القارب «137» . وأهلها يرون لانفسهم مزية الفضل، ويدينون فى مكافأة الصنائع البالغة بالعضل «138» . يلقى الرجل أبا مثواه فلا يدعوه الى بينه، ولا يسمح «139» له ببقله ولا زيته «140» ، فلا يطرق الضيف حماهم، ولا يعرف اسمهم ولا مسماهم، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، وقليل ما هم «141» . ومقبرتهم غير نابهة، وأجداثها غير متشابهة، مشربة حيوان، ومشبعة جرذان، غير وان «142» . 15- آقر سلوين «143» قلت: فما تقول فى آقر سلوين؟ قال: واد عجيب، وبلد لداعى الايناع مجيب، مخضر الوهاد، كثير شجر الجوز والزيتون، كنفته الجبال الشم، وحنا عليه الطود كما تحنو

16 - «سجلماسة»

على ولدها الام، فهواؤها ملائم، والعنب على الفصول دائم. الا أن الشمس لا تطرقه بنوال، ولا ترمقه الا وقت زوال. قد باء بالحظ الموكوس وانكمش تحت ابط الظل المنكوس، فجوه عديم الطلاوة (126: أ) ، وعنبه- للبرد- قليل الحلاوة. 16- «سجلماسة» «144» قلت: فسجلماسة؟ قال: تلك كورة «145» ، وقاعدة مذكورة، ومدينة محمودة مشكورة، كانت ذات تقديم، ودار ملك قديم «146» ، وبلد تبر وأديم، ومنمى تجر ومكسب عديم «147» . معدن التمر، بحكمة صاحب الخلق والامر، تتعدد أنواعه، فتعيى الحساب. وتجم بها فوائده فتحسب الاقتناء والاكتساب. قد استدار بها- لحلق السور- الامر العجاب، والقطر الذي تحار فى ساحته النجاب، فضرب منه على عذارها الحجاب «148» ، باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب «149» ، يحيط بها مرحلة راكب،

ويصيرها سماء مخضرة ذات كواكب. فمنازلها لا تنال بهوان، وفدنها ودمنها تحت صوان، ونخلها تطل من خلف الجدار، وتتبوأ الايمان والدار، وحللها مبثوثة بين الدمن، وضياعها تتملك على مر الزمن، وسوائمها آلفة للسمن، موجودة بنزر الثمن، وفواكهها جميمة، ونعمها عميمة، وسورها حصين مشيد، وجسرها يعجز عن مثله معتصم ورشيد «150» . وسقيها يخص دار الملك بحظ معلوم، ويرجع الى وال يكف كل (126: ب) ظلوم. وهى أم البلدان، المجاورة لحدود السودان، فتقصدها- بالتبر- القوافل، وتهدى الى محرابها النوافل، والرفاهية بها فاشية، والنشافى «151» الحلية ناشية «152» . لكنها معركة غبار، وقتيل عقربها جبار «153» ، ولباسها خامل، والجفاء بها شامل، والجو يسفر عن الوجه القطوب، والمطر معدود من الخطوب، لبناء جدرانها بالطوب، والقرع برءوس أهلها عابث، والعمش «154» فى جفونهم لابث، والحصا يصيبهم، ويتوفر «155» منه نصيبهم.

17 - «تازة»

17- «تازة» 15» قلت: فتازا؟ قال: بلد امتناع، وكشف قناع، ومحل ريع وايناع، ووطن طاب ماؤه، (وصح) هواؤه، وبان شرافه واعتلاؤه، وجلت فيه مواهب الله وآلاؤه. عصير مثل، وأمر الخصب به ممتثل، وفواكه لا تحصى، يماربها «157» البلد الاقصى، وحبوبه تدوم على الخزن، وفخاره آية فى لطافة الجرم وخفة الوزن. الا أن ريحه عاصف، وبرده لا يصفه واصف، وأهله فى وبال، من معرة أهل الجبال، وليوثه مفترسة، وأخلاق أهله شرسة. 18- غساسة «158» قلت: فغساسة؟

19 - تلمسان

قال: فريسة وأكيلة، وحشف وسوء كيلة «159» . الا أنها مرسى مرسى مطروق، بكل ما يروق، ومرفأ جارية (127: أ) بحرية، ومحط جباية تجرية. 19- تلمسان «160» قلت: فمدينة تلمسان؟ قال: تلمسان مدينة جمعت بين الصحراء والريف، ووضعت فى موضع

شريف. كأنها ملك على رأسه تاجه، وحواليه من الدوحات حشمه وأعلاجه عبادها يدها، وكهفها كفها، وزينتها زيانها، وعينها أعيانها. هواء المقصور بها فريد، وهواؤها الممدود صحيح عتيد، وماؤها برود صريد. حجبتها أيدى القدرة عن الجنوب، فلا نحول فيها ولا شحوب. خزانة زرع، ومسرح ضرع. فواكهها عديدة الانواع، ومتاجرها فريدة الانتفاع، وبرانسها رقاق رفاع. الا أنها بسبب حب الملوك «161» ، مطمعة للملوك، ومن أجل، مغلوبة للامرا. أهلها ليس عندهم «162» جمعها الصيد فى جوف الفرا الراحة، الا فيما قبضت عليه الراحة، ولا فلاحة، الا امن أقام رسم الفلاحة. ليس بها لسع العقارب، الا فيما بين الاقارب، ولا شطارة «163» الا فيمن ارتكب الخطارة «164» ثم لما وصل الى هذا الحد، نظر الى حاج السوق «165» قد أفاض، ومزاده قد أعمل فيه الانفاض، وعلو الاصوات به قد صار الى الانخفاض، فقال: وجب اعتناء بالرحيل واهتمام، وكل شىء الى تمام. ومددت يدى الى الوعاء فخرقته، والى العين فأرقته، وقلت له: لاحكمنك من كرام بنى الاصفر، فى العدد الاوفر، ماثلة فى اللباس المزعفر، فلما خضب كفيه بحنائها، وحصلت النفس على استغنائها، استدنانى، وشبك بنانه ببنانى، وقال: لاحبط عملك، ولا خاب أملك، ولا عدم- المرعى الخصيب-

هملك، فنعم مغلى البضائع، وحافظ الفضل الضائع، ومقتنى الفوائد، ومعود العوائد. واستثبت مخيلته، فاذا الشيخ وتلميذه، وحماره ونبيذه، قد تنكر بالخضاب المموه، والزى المنوه، وعاث بخد الغلام الشعر المشوه. فقلت: هيه «166» ، أبت المعارف أن تتنكر، والصباح أن يجحد أو ينكر، كيف الحال بعدى؟ وما اعتذارك عن اخلاف وعدى؟ فقال: خذ من زمانك ما تيسر ... واترك بجهدك ما تعسر ولرب مجمل حالة ... ترضى به ما لم يفسر والدهر ليس بدائم ... لابد أن سيسوء ان سر (127: ب) واكتم حديثك جاهدا ... شمت المحدث أو تحسر والناس آنية الزجاج ... اذا عثرت به تكسر لا تعدم التقوى، فمن ... عدم التقى فى الناس أعسر واذا امرؤ خسر الاله ... فليس خلق- منه- أخسر ثم ضرب جنب الحمار، واختلط فى الغمار «167» ، وتركنى أتقرى الآثار، وكل نظيم «168» فالى انتثار. تمت والحمد لله «169»

مصادر التحقيق والدراسة

أ- المصادر العربية 1) ابن الاحمر: (الامير أبو الوليد اسماعيل بن يوسف النصرى) (ت. 810 هـ- 1325 م) 2) نثير فرائد الجمان فى نظم فحول الزمان دراسة وتحقيق: محمد رضوان الداية (بيروت 1967 م) 1) نثر الجمان فى شعر من نظمنى واياه الزمان- مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم 1863- أدب 2) ابن بطوطة: (أبو عبد الله محمد عبد الله الطنجى) . (ت. 779 هـ- 1377 م) تحفة النظار فى غرائب الامصار وعجائب الاسفار ج 2 (القاهرة 1938) 3) ابن الخطيب: (لسان الدين أبو عبد الله محمد) (ت. 776 هـ- 1374 م) (1) الاحاطة فى أخبار غرناطة نسخة خطية بالاسكوريال رقم 1673 ونسختان خطيتان بالاكاديمية الملكية التاريخية بمدريد تحت رقمى 34، 142 وتوجد النسخة مطبوعة فى جزأين (القاهرة 1319 هـ) كما توجد نسخة خطية أخرى برواق المغاربة بالازهر. وقد نشر الاستاذ عبد الله عنان الجزء الاول من كتاب الاحاطة فى مجموعة ذخائر العرب. (ب) نفاضة الجراب فى علالة الاغتراب، تحقيق الدكتور أحمد مختار العبادى القاهرة- 1948 م) (ج) ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب، مخطوط بالاسكوريال رقم 1825 وقد نشر جزءا كبيرا منه العالم الاسبانى جاسبار ريميرو تحت عنوان: Gaspar Remiro. Correspondencia diplomatica entre granada Y Fez en el siglo XLV . (د) أعمال الاعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام نشره ليفى بروفنسال فى طبعتين (رباط 1934) ، بيروت 1956. نشر محمد بن تاويت الطنجى، القاهرة 1951. (هـ) كناسة الدكان بعد انتقال السكان نشر وتحقيق د. محمد كمال شبانه- دار الكتاب العربى بالقاهرة 1347 هـ) (س) رقم الحلل فى نظم الدول (تونس 1317)

4) ابن خلدون: (عبد الرحمن بن محمد) (ت. 808 هـ- 1405 م) أ- المقدمة (نشر مصطفى محمد بالقاهرة) ب- كتاب العبر وديوان المبدأ والخبر (7 أجزاء بما فى ذلك المقدمة) ، القاهرة 1284. ج- التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا نشر محمد بن تاويت الطنجى، القاهرة 1951 5) الادريسى: (صفة المغرب وأرض السودان ومصر والاندلس) عن (نزهة المشتاق) نشر دوزى ودى خويه (ليدن 1866 م) 6) ابن غازى: (محمد بن أحمد العثمانى المكناسى) (841- 919 هـ) (الروض الهتون فى أخبار مكناسة الزيتون) تحقيق عبد الوهاب بن منصور (الرباط 1964) 7) ابن القاضى (أحمد بن محمد بن أحمد) عاش فى القرن السابع عشر الميلادى. أ- جذوة الاقتباس فيمن حل من العلماء مدينة فاس (فاس 1309) . ب- درة الحجال فى غرة أسماء الرجال 2 ج (نشر علوش، رباط 1934 م) 8) أبو نواس: (أبو الحسن بن هانئ) (ت. 813 م- 198 هـ) ديوان أبى نواس بتحقيق «ايفالد فاغر» - (طبعة القاهرة 1958) 9) الجاحظ: (أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى) (ت. 255 هـ- 868 م) «البيان والتبيين» تحقيق عبد السلام هارون طبعة (القاهرة 1948 م) . 10) الجواليقى (منصور بن أحمد الخضر) «المغرب من الكلام الاعجمى على حروف المعجم» . تحقيق أحمد محمد شاكر (دار الكتب المصرية بالقاهرة 1361 هـ)

11) (جمال: الدين محمد بن سالم بن نصر الله) (ت. 697 هـ- 1394 م) تجريدة الاغانى للاصبهانى 12) الحميرى: (ابن عبد المنعم) عاش فى القرن الثامن الهجرى. الروض المعطار فى خبر الاقطار. نشره ليفى بروفنسال. (ليدن 1938) 13) السباعى: (بيومى) «تاريخ القصة والنقد فى الادب العربى» (القاهرة 1956) . 14) السلاوى: (شهاب الدين محمد بن خالد الناصرى) ت. 1319 هـ- 1901 م الاستقصاء لاخبار دول المغرب الاقصى (4 أجزاء فى مجلدين) القاهرة 1894 م.. 15) شبانه: (دكتور محمد كمال أحمد) يوسف الاول ابن الاحمر، سلطان غرناطة (القاهرة 1969 م) 16) الطبرى: (أبو جعفر محمد بن جرير) (ت 922 م- 310 هـ) «تاريخ الامم والملوك» (12 جزءا طبعة القاهرة 1908) 17) عنان: (محمد عبد الله) معاصر (لسان الدين ابن الخطيب) . (القاهرة 1968 م) 18) القلقشندى: (أبو العباس أحمد بن على) ت 821 هـ- 1418 م صبح الاعشى فى صناعة الانشا 14 جزءا (القاهرة 1212- 1219 هـ)

الفهارس الموجودة بالكتاب *** الصفحة 1) فهرس عام 194 2) فهرس المدن الاندلسية 195- 196 3) فهرس المدن المغربية 197 4) فهرس الخرائط والصور والوثائق 198- 199

مصادر التحقيق والدراسة

فهرس عام لمحتويات الكتاب الصفحة المقدمة 3- الفصل الاول: ترجمة للمؤلف 9 ابن الخطيب فى نظر بعض المؤرخين 23- الفصل الثانى: تراث ابن الخطيب الفكرى وآثاره 27 الفصل الثالث: عرض وتحليل للكتاب: 41 موضوع الكتاب 43 منهج ابن الخطيب فى الكتاب 49 قيمة الكتاب الادبية، ومدى صلته بفن المقامات فى الادب العربى 52 الفصل الرابع: «معيار الاختيار فى ذكر المعاهد والديار» - المجلس الاول- وصف المدن الاندلسية 65- 134 الفصل الخامس: - المجلس الثانى- وصف المدن المغربية 135- 186 فهرس المدن الاندلسية 194 فهرس المدن المغربية 195 فهرس الخرائط والصور والوثائق 196

فهرست المدن التى ورد وصفها فى المعيار

فهرست المدن التى ورد وصفها فى المعيار 1- المدن الاندلسية: 1- جبل طارق 82 2- اسطبونة 83 3- مربلة 85 4- سهيل 85 5- مالقة 87 6- بليش مالقة 92 7- قمارش 92 8- المنكب 94 9- شلوبانية 97 10- برجة 98 11- دلاية 99 12- المرية 100 13- طبرنش 103 14- بيرة 104 15- مجاقر 105 16- قنتورية 105 17- برشانة 106 18- أوربة 107 19- بليش الشقراء 107 20- بسطة 109 21- أشكر 110 22- أندرش 111 23- شبالش 111 24- وادى آش 112

25- فنيانة 113 26- غرناطة 113 27- الحمة 124 28- صالحة 125 29- أليرة ومنتفريد 125 30- لوشة 125 31- أرجذونة 126 32- أنتقيرة 126 33- ذكوان 127 34- قرطمة 128 35- رندة 130 ب- المدن المغربية: 1- بادس 143 2- سبتة 144 3- طنجة 147 4- قصر كتامة 149 5- أصيلا 150 6- سلا 152 7- أنفا 156 8- أزمور 158 9- تبط 159 10- رباط أسفى 160 11- مراكش 161 12- أغمات 164 13- مكناسة 165 14- فاس 172 15- آقرسلوين 179 16- سجلماسة 180 17- تازة 182 18- غساسة 182 19- تلمسان 183

فهرست الخرائط والصور والوثائق

فهرست الخرائط والصور والوثائق 1) الخرائط 1- خريطة الاندلس 80 2- خريطة المغرب 142 2) الصور 1- الاندلس: 1- منظر جبل طارق 81 2- منظر مربلة 84 3- منظر مالقة (المدينة والساحل) 86 4- منظر قصبة مالقة (الابهاء والقلعة) 86 5- منظر المنكب (المدينة) 93 6- منظر (الحصن) بالمنكب 95 8- منظر (القصبة) بالمرية 101 9- منظر بسطة 108 11- منظر قصر الحمراء 114 12- منظر فناء الاسود بالحمراء 116 13- منظر جنة العريف (الحمراء) 118 14- منظر بركة البرطل (الحمراء) 120 15- منظر قصر جنة العريف (من الخارج المواجه لحى البيازين) 122 16- منظر رندة (القنطرة العربية) 129 17- منظر باب المقابر (رندة) 131

ب- المغرب 1- منظر سبتة 145 2- منظر طنجة 148 3- منظر سلا (الاسوار الاثرية) 151 4- منظر الرباط (المدينة) 153 5- منظر الرباط (مسجد حسان) 154 6- منظر الرباط (قصبة الاوداية) 154 7- منظر الدار البيضاء 157 9- منظر صومعة مسجد (مراكش) 162 10- منظر عام لمدينة مكناس 166 11- مدخل ضريح مولاى اسماعيل 167 12- باب الريح بمكناس 168 13- باب منصور 169 14- باب مسجد الانوار 170 15- منظر مدينة فاس 171 16- الناعورة 173 17- منظر جانبى من المدرسة البوعنانية بالداخل (فاس) 177 3) الوثائق 1- صورة اللوحة الاولى من مخطوط «المعيار» عن الاصل المحفوظ بالاسكوريال (1777) 67 2- اللوحة الاخيرة من «المجلس الاول» 68 3- اللوحة الاولى «من المجلس الثانى» 69

§1/1