معاني القراءات للأزهري

الأزهري

ـ[معاني القراءات للأزهري]ـ المؤلف: محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور (المتوفى: 370هـ) الناشر: مركز البحوث في كلية الآداب - جامعة الملك سعود المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، 1412 هـ - 1991 م عدد الأجزاء: 3 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] أعده للشاملة: أبو إبراهيم حسانين * * * * * * * * * تنبيه: يؤخذ على المؤلف - رحمه الله - تخطئته لبعض القراءات المتواترة ونسبة الوَهْمِ إلى بعض القُرَّاءِ في بعض المواضع وهذا أمر لا نقرُّهُ عليه، ومن خطَّأَ قراءةً متواترةً فهو المخطئ كما قال السَّمينُ الحلبي - رحمه الله - أما محاسن الكتاب فقد فاقت الحصر أتركها للقارئ يتنزه في روضاتها. * * * * * * * * * يوجد سقط في أصل المخطوط. من قوله تعالى في سورة يونس - عليه السلام - (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) . إلى قوله تعالى في سورة يوسف - عليه السلام - (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) . ومن الممكن الرجوع إلى كتب تغطي هذا الجانب مثل معاني القرآن وإعرابه للزجاج، والحجة لأبي علي الفارسي، وحجة القراءات لابن زنجلة، والحجة في القراءات السبع لابن خالويه والدر المصون للسَّمين الحلبي. وتميمًا للفائدة فقد جَبَرْتُ هذا النقص بإكماله من كتاب حجة القراءات للإمام ابْنِ زَنْجَلَةَ - رحمه الله - فهو أنسبها لموضوع الكتاب من عدَّة وجوه من أهمها أنه يعزو القراءات إلى أصحابها ويذكر حجتها مع (الإيجاز) ومن ثَمَّ يتم المحافظة على موافقة ترقيم الكتاب للنسخة المطبوعة. اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية) .

مقدمة المصنف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة المصنف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه نستعين روى أبو سعيد محمد بن علي - أسعده الله - قال: قرأت على الشيخ الفاضل أبي منصور بن أحمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح بن أزهر بن نوح بن حاتم بن سعيد بن عبد الرحمن بن المرزبان الهروي بهراة: الحمد لله الذي يسَّر القرآن للتلاوة والذكر، كما هدى به من الضلالة والكفر، وحسم بمعجز آياتِهِ وعجائب حكمَته أطماعَ الملحِدين، كما نَوَّر بمُحكم تَنزيله قُلوبَ المؤمنين، وجعل نبيه المصطفى، وأمِينَهُ المجتبَى ْلإيضاح ما احتاج إليه الأمة من بيانه، الذي نفى به تحريف المبْطِلين، وتأوِيلات المفتَرِين، وأسألُ اللهَ ذا المنِّ والطولِ أن يُصلَي على محمد عبده ورسوله، وعلى آله الطيبين أطيب الصلوات وأزكاها، كما صَلى على خَلِيله إبراهيم إنه حميد مجيد. قال الله جلَّ وعزَّ: {وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ومعنى يسرنا: سَهَّلنا. وجاء في التفسير أنَ كُتُبَ أهْلِ الأديان مثل

التوراة والإنجيل والزبور إنما يتلوها أهْلها نَظراً، ولايحفظونه منهم كَأن يَسرُدُهَا عن ظهر قلبه سَرْداً، ولأنهم لا يكادون يحفظونها من أولها إلى آخرها كما أنزل اللهَ حفظا، كما يحفظ هذه الأمة القرآن، ومن عجيب تيسير الله القرآن إجراؤه بحفظه من لم ينزل بلسانه، ومن لا يفهم معانيه، كما يحفظ من نزل بلسانه ويفهم تأويله، ويحفظ الأمي الذي لا يكتب ولا يتلو الكتب، والقارئ الرَّيِّضُ، والصغير والكبير، والعرب والفصيح والألكَنُ.

(أسانيد القراء)

(أسانيد القراء) أسانيد قراءة ابن كثير إنه قرأ على وهب بن واضح، قال: وأخبرني وهب أنه قرأ على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين، وأخبره إسماعيل أنه

قرأ على شعبل بن عباد، ومعروف بن مسكان، وأخبره أنهما قرآ على عبد الله بن كثير. قال أبو بكر: وأخبرني مضر بن محمد الأسدي، قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزّة قال: قرأت على عكرمة بن سليمان الحجبي، قال: أخبرني أنه قرأ على شبل بن عباد، وعلى إسماعيل بن عبد الله القط، وأخبراه أنهما قرآ على عبد الله بن كثير.

قال أبو بكر: وأخبرني أحمد بن زهير بن حرب وإدريس بن عبد الكريم قالا: حدثنا عييد بن عقيل قال: سألت شبل بن عبد فحدثني بقراءة أهل مكة وهي قراءة ابن كثير. قال: وحدثتي مضر بن محمد قال: حدثتا حامد بن يحيى البلخي قال: حدثنا حسن بن محمد بن عبيد الله أن هذه قراءة

أسانيد قراءة عاصم:

أخذها عن شبل بن عباد، وقرأ شبل علي محمد بن عبد الله بن محيصن، وعلى عبد الله بن كثير المكي، وذكر أنهما عرضا على درباس، قال أبو بكر: هكذا قال محمد بن عبد الله بن محيصن والناس يقولون: محمد بن عبد الرحمن ابن محيصن. أسانيد قراءة عاصم: قال أبو بكر: وأما قراءة عاصم بن بهدلة فإن عبد الله بن محمد بن شاكر أخبرني عن يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن عاصم من أول القرآن إلى خاتمة الكهف.

وأخبرني إبراهيم بن أحمد الوكيعي عن أبيه عن يحيى بن آدم عَن أبي بكر عن عاصم بذلك من أول القرآن إلى آخره. قال: وحدثني محمد بن الجهم عن أبي توبة عن الكسائي عن أبي بكر عن عاصم. قال: وحدثني الكسائي محمد بن يحيى عن أبي الحارث عن أبي عمارة عن حفص عن عاصم.

قال: وحدثني أبو بكر وهيب بن عبد الله المروزي، قال: حدثنا الحسن بن المبارك الأنماطي، ويعرف بابن اليتيم، قال: حدثنا أبو حفص عمرو بن الصباح بن صبيح، قال: رويت هذه القراءة عن أبي عمر البزار، وهو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي، قال: قرأت على عاصم بن أبي النجود. وذكر حفص أنه لم يخالف عاصما في حرف من كتاب الله إلا في قوله: "من ضُعف) . قال: وحدثني أحمد بن علي الخزاز، ومحمد بن حيَّان عن

محمد بن يحيى القطعي عن أبي زيد النحوي عن المفضل عن عاصم، قال: حدثني محمد بن حيان من أول القرآن إلى آخر سورة آل عمران. وحدَثني الخزاز من أول النساء إلى آخر القرآن. قال أبو بكر: وذكرت ما روى غير هؤلاء، عن عاصم في المواضع التي رَوَيتُ عن الذي رواه وأوصَلهُ إليَّ كَحَمَاد بن سلمة، وضحاك بن ميمون، وشيبان النحوي، وغيرهم ممن روى عنه الحرف

أسانيد قراءة حمزة

والحرفين وأكثر في مواضعها إذا خالفوا غيرهم. * * * أسانيد قراءة حمزة قال أبو بكر: وأما قراءة حمزة بن حبيب فإني قرأت بها على عبد الرحمن بن عبدوس، وأخبرني أنه قرأ على أبي عمر، وأخبرني أبو عمر أنه قرأ على سليم، وأخبره سليم أنه قرأ على حمزة. قال: وما أتى من رواية غير سليم عن حمزة مما يخالف رواية سليم فقد ذكرته في مواضعه. * * * أسانيد قراءة الكسائي: قال: وما كان من قراءة الكسائي فإني قرأت بها غير مرة القرآن على ابن عبدوس، وأخبرني أنه قرأ بها على أبي عمر، وقرأ أبو عمر

أسانيد قراءة أبي عمرو:

على الكسائي. قال: وأخبرني أحمد بن يحيى النحوي عن سلمة عن أبي الحارث عن الكسائي. * * * أسانيد قراءة أبي عمرو: قال أبو بكر: وأما قراءة أبي عمرو بن العلاء فإني قرأت بها على جماعة ممن قرأ على أبي أيوب سليمان الخياط، وقرأ أبو أيوب على يحيى بن المبارك اليزيدي. قال: وقرأت بها على ابن عبدوس القرآن مرات. وأخبرني أنه قرأ

على أبي عُمره وقرأ أبو عمر على اليزيدي، وقرأ اليزيدي على أبي عمرو. قال: وأخبرني عبيد الله بن علي الهاشمي عن نصر بن علي عن أبيه عن أبي عمرو. قال: وأخبرني أبو حاتم الرازي في كتابه إليَّ عن أبي زيد عن أبي عمرو. قال: وأخبرني ابن أبي خيثمة عن أبيه عن يونس المؤدّب

عن هارون عن أبي عمرو. قال: وحدثني أحمد بن يوسف عن أبي عبيد عن شجاع عن أبي عمرو. قال: وأخبرني علي بن موسى بن حمزة عن أبي شعيب السوسي عن اليزيدي عن أبي عمرو. قال: وأخبرني أبو جعفر حموية بن يونس الإمام الغزويني،

أسانيد قراءة ابن عامر:

قال: حدثنا أحمد بن عيسى المعروف بزنجة: قال: أخبرنا محمد بن هارون أبو عبد الرحمن النيسابوري، قال: حدثنا أبو معاذ الفضل بن خالد عن خارجة ابن مصعب عن أبي عمرو بالقراءة. * * * أسانيد قراءة ابن عامر: قال أبو بكر: وَمَا كَان من قراءة عبد الله بن عامر فإن أحمد بن يوسف التغلبي أخبرنا بقراءته عن عبد الله بن ذكوان الدمشقي، قال: قرأت على أيوب بن أبي تميم القارئ التميمي، وأخبرني أيوب

أنه قرأ على يحيى بن الحارث الذماري، وأن يحيى قرأ على عبد الله بن عامر. قال أبو بكر: وأخبرني أحمد بن محمد بن بكر، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا سويد بن عبد العزيز، قال: سألت يحيى ابن الحارث. قال أبو بكر: وأخبرني أحمد بن محمد بن بكر قال: حدثنا هشام بن

عمار عن عراك بن خالد بن يزيد بن صالح، قال: سمعت يحيى بن الحارث قال: قرأت على ابن عامر هذه الحروف، وقال: هي قراءة أهل الشام.

فاتحة الكتاب

القراءة في سورة فاتحة الكتاب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قول الله جلَّ وعزَّ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) . اتفق القراءُ على ضم الدال من قوله: (الحمدُ لله) ، وكسر اللام من (لله) ، وكَسر الباء من (رَبِّ الْعَالَمِينَ) . فـ (الحَمدُ) رفع على الابتداء، وخبر الابتداء اللام من (لِلهِ) ، وهذه القراءة هي المأثورة. وقد قرأ بعضهم: (الحَمدَ لِلهِ) ، وليس بمختار؛ لأن المصادر تُنصَب إذا كانت غير مضافة، وليس فيها ألف ولام، كقولك: حَمداً، وشُكراً، أي: أحمدُ وأشكُر. وهذا قول أبي العباس أحمد بن يحيى فيما أخبرني عنه أبو الفضل محمد بن أبي جعفر المنذري العدلُ.

قوله جلَّ وعزَّ: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) . قرأ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة بن حبيب. وقرأ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) عاصم، والكسائي، ويعقوب الحضرمي، قال الأزهري: مَن قرأ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) فمعناه: أنه ذو المِلْكَةِ في يوم الدين. وقيل: معناه أنه مالِك الملك يوم الدين. وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: اختار أبو عبيد - (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، قال: والفراء ذهب إليه. قال: واختار الكسائي (مَالِكِ) ثم قال: (ناخِرةً) و (نَخرةً) يجوز هذا وهذا. قال: واعتل أبو عبيد بأن الإسناد فيها أقَوى، وَمَنْ قَرَأَ بها من أهل العِلم أكثر، وهي في المعنى أصح. . ويقوي هذه القراءة قوله جلَّ وعزَّ: (فَتَعَالى اللهُ المَلكُ الحَق) ، وقوله: (قُل أعُوذُ برَب الناس، مَلك الناس) ، قالَ: وفيه وجه ثالث يقويه، وهو قوله تبارك وتعالى: (لِمَن المُلكُ اليَومَ) . وإنما اسم المصدر من الملِك: المِلك، يقال: مَلِك عظيمُ المِلك.

(اهدنا الصراط المستقيم (6)

قال: والاسم من المالك: المُلْك. قال: ومما يزيده قوة أن الملِكَ لا يكون إلا مالكًا، وقد يكون مالكا وليس بِمَلك وهو أتمُّ الوجهين. قال أبو العباس: والذي أختارُ (مالك) لأَن كل من يملك فهو مالك، لأنه بتأويل الفعل (مالك الدراهم) و (مالك الثوب) و (مالك يوم الدين " الذي يملك إقامة يوم الدين. ومنه قوله: (مالِكُ الملك) . قال: وأمَّا "مَلِك الناسِ" و (سيد الناس) و (رَب النَاسِ) ، فإنه أراد: أفضل من هؤلاء، ولم يرد: يملك هؤلاء. وقد قالوا: (مالك الملك) . ألا ترى أنه جعله مالكًا لكل شيء، فهذا يدل على الفعل. قال أبو العباس: فكلا الوجهين حَسَن، له مذهب صحيح. قال أبو منصور: القراءتان كلتاهما ثابت بالسنة، غير أن (مالك) أحَبُّ إليَّ؛ لأنه أتم. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) . قرأ بالصاد ابن كثير، واتفق معَه نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وعاصم،، والكسائي. وقرأ حمزة بين الصاد والزاي،

ولا يحتمله الكتاب، وقرأ يعقوب الحضرمي (السِّراط) بالسين، وروى السين عن ابن عباس، وابن الزيير. وقال أبو حاتم فيما أخبرنا عنه أبو بكر بن عثمان: قراءة العامة بالصاد، وعليها المصاحف. قال الأزهري: مَنْ قَرَأَ بالسين فهو الأصل؛ لأن العرب تقول: سرطتُ اللقمة سرطا، و: زَرَدتهَا - زَرداً، أي: بلعتُها بلعًا. وَمَنْ قَرَأَ بالصاد فلأن مخرج السين والصاد من طرف اللسان فيما بينه وبين الثنايا، والسين والصاد يتعاقبان في كل حرف فيه غين، أو قاف، أو طاء، أو خاء. فالطاء مثل: (بَسطة" و (بَصطة) ، ومثل: (مُسَيطر" و"مُصَيْطر) ، والخاء مثل: سلخ الجلد، وصلخه. والغين مثل: مصدغة، ومسدغة. والقاف مثل: الصقر، والسقر، و: صقع الديك، وسقع. رَوى ذلك الثقات عن العرب. والسين حرف مهموس، والصاد حرف مجهور، وذلك اختير مع هذه الحروف. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، معناه ثبِّتنا على المنهاج الواضح. وقيل معناه: زدنا هُدى.

(صراط الذين أنعمت عليهم)

وقوله جلَّ وعزَّ: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) . قرأ حمزة ويعقوب: عليهُم، ولَدَيهُم، وإليهُم وزاد يعقوب على حمزة: فيهُم، وفيهُما. وذلك أن عليَّ ولديَّ وإليَّ إذا أفردنَ ولم يضَفنَ فلفظهنَّ بالفتح، فاستحسَنَ حمزة فيهن ضمَّ الهاء لما كن منفتحاتٍ في الإفراد، وذلك أن الهاء لا يجوز كسرها إلا أن يسبقها كسرة أو ياء، وأما (أيديهم) و (يزكيهم) ونحوها مما كان قبل الهاء ياء فإن يعقوب يضمها، وكذلك مكَني المؤنث، مثل: عليهنَّ، وفيهنَّ. وكذلك إذا سقطت الياء التي قبل الهاء للجزم كقوله: (أولم تَأتِهم " و (إنِ يأتِهم عَرَضٌ) ، "فَاستَفتِهم) بضم الهاء -

في هذه الحروف كلها إلا قوله: (وَمَن يولهِم " فإنه يكسر الهاء في مثله. والباقون من القراء يكسرون الهاء ويسكنون الميمَ إلا ابن كثير فإنه يصل الميم بواو في اللفظ ويكسر الهاء، كقولك (عليهمو) و (إليهمو) ، وكذلك إذا انضمت الهاء وَصَل الميم بواو مثل: (لهمُو) و (عندَهُمُو) و (وراءهمُو) في كل القرآن. وكان نافع في رواية قالون وإسماعيل بن جعفر يُخير في هذا، فمن أحب ضم الميم، ومن أحب أسكنها. وكان ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم يكسرون الهاء ويضمون الميم عند السواكن، مثل قوله: (عَليهمُو الغَمَامَ " و: (إِليهمو اثنَينِ، و (مِن دُونِهم امرأتَينِ) ، وكان أبو عمرو يكسر الميم والهاء عند السواكنِ، وكان حمزة والكسائي يضمان الميم والهاء عند

السوكن حيث لقي الميمَ سكنَ. وكان يعقوب يضم الهاء والميم عند السواكن إذا سبقت الهاءَ ياء فإذا تقدم الهاء حرف غير الياء كسر الهاء والميم. مثل قوله: (بِهِم الأسباب) و (مِن دونهِم امرَأتَينِ) . وقرأ الكسائي في رواية نصير عنه أنه يضم الميم إذا تطرفت فكانت آخر كلمة مضمرة تلي رأس آية نحو قولهم: (هم يوقِنونَ) (إِن كنتم صَادقِينَ) (وأنتم تَعلمون) ، ونحو هنا في كل القرآن. وكذلك قراءته بَضم الميم عند الألفَات المهموزات (أنا) (أنت) في موضع الاستفهام، فكانت أصلية أو قطعا. كقوله، (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا) وكذلك إذا لقيت الميمَ ميمٌ نحو قوله: (جَاكم موسَى) ، (فمنهم مَن يقول) (جَاءهم مِن ربهم) ، وإذا طالت الكلمة لم يضم الميم عند ماذكرنا من هنا الباب، (أتانى زيد ومررت بزيد) ولأنهما واو وصل

فلا يثبت لئلا يلتبس الوصل بالأصل، قال: فإذا قلت - (عليه مال) فلك فيه أربعة أوجه: إن شئت قلت (عليهِ مالٌ) وإن شئت قلت (عليهي مالٌ) وإن شئت قلت (عليهُ مالٌ) وإن شئت قلت (عليهو مالٌ) . وأما قوله جلَّ وعزَّ: (إن تحمل عليه يلهث) ، وقوله، (إلا ما دمت عليه قائما) فالقراءة بالكسر بغير ياء، وهي أجود هذه الوجوه. ولاينبغي أن يُقرأ بما يجوز في اللغات إلا أن تثبت رواية صحيحة، أو يَقرأ به كبير من القراء. قال: وَمَنْ قَرَأَ (عليهمُ) فأصل الجمع أن يكون بواو. ولكن الميم استغني بها عن الواو، والواو أيضًا تثقل على ألسنتهم حتى إنه ليس في أسمائهم اسم آخره واو قبلها حركة، فكذلك اخترنا حذف الواو. * * * وقوله جلَّ وعزَّ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) قرأ أبو عمرو. ونافع. وابن عامر. وعاصم، وحمزة والكسائي، ويعقوب، (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) ، بالكسر واختلف عن ابن كثير، فقال أبو حاتم: قال بكَّار: حدثتي الخليل بن أحمد عن ابن لعبد الله بن كثير المكي أنه قرأ، (غيرَ المَغضوبِ عَليهِم) نصبا قال بكار وحدثني الغمر بن بشير عن عباد الخواص قال: قراءة أهل مكة غَيرَ المَغضوبِ، بالنصب، قال أبو حاتم: ررى هارون الأعور عق أهل مكة النصب في

(غيرَ) . قال أبو منصور: وروى غير هؤلاء عن ابن كثير أنه قرأ (غيرِ) بالكسر كما قرأ سائر القراء. قال أبو منصور: والقراءة الصحيحة المختارة "غَيرِ المَغضُوبِ " بكسر الراء، ونصب الراء شاذ. وأخبرني المنذري عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء أنه قال في قول الله جلَّ ثناؤه: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) بخفض غير، لأنها نعت للذين، لا للهاء والميم من (عليهم) ، قال: وإنما جاز أن يكون (غير) نعتا لمعرفة لأنها قد أضيفت إلى اسم فيه ألف ولام وليس بمصمود له ولا الأول أيضًا بمصمود له، وهو في الكلام بمنزلة قولك: (لا أمرُّ إلا بالصادقِ غيرِ الكاذبِ) ، كأنك تريد: بمن يصدق ولا يكذب. ولا يجوز أن تقول: (مررت بعبدِ اللهِ غيرِ الظريفِ) إلا على التكرير، لأن (عبد الله) مُوَقَتَ، و (غير) في مذهبٍ نكرة غير موقتة، فلا يكون نعتا إلا لمعرفة غير موقتة. قال: الفراء: وأما النصب في (غير) فجائز، يجعله قطعا من (عليهم) . قال: وقد يجوز أن يجعل (الذين) قبلها في موضع توقيت، وتخفض (غير) بمعنى التكرير، صراط غيرِ المغضوبِ

عليهم. وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: جعل الفراء الألف واللام بمنزلة النكرة. قال: وقال الأخفش: هو بَدل. قال أبو العباس: وليس يمتنع ما قال، وهو قريب من قول الفراء. وقال الزجاج في (غيرِ) - بالجر - قريبا مما قال الفراء. قال: ويجوز نصب (غير المغضوب) على ضريين: على الحال، وعلى الاستثناء. فأما الاستثناء فكأنك قلت: إلا المغضوبَ عليهم، وحق (غير) من الإعراب في الاستثناء النصب إذا كان ما بعد (إلا) منصوبًا، وأما الحال فكأنك قلت فيها: صراط الذين أنعمت عليهم لا مَغضُوبًا عليهم. وأخبرني المنذري عن ابنٍ لليزيدي عن أبي زيد في نصب (غير) إنه على القطع كما قال الفراء. وأما قول القائل بعد الفراغ من قراءة سورة فاتحة الكتاب:

(آمين) ففيه لغتان: إحداهما: قصر الألف والأخرى: آمِين بوزن (عَامِين) . وهما لغتان معروفتان، والميم خفيفة، والنون ساكنة. ومعنى (آمين) : الاستجابة. وحقه السكون، ومن العرب من ينصب النون إذا مَر عليه، ومنه قول الشاعر: تَبَاعَد مني فَطْحَلٌ إِذْ رأَيتُه أَمينَ ... فزاد الله ما بيننا بُعْدَا وقال الآخر فيمن طو" الألف: يا رَبِّ لا تَسْلُبَنِّي حُبَّها أبداً ... ويَرْحمُ اللهُ عبداً قال آمينا

وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال في قوله (وَلَا الضَّالِّينَ) القراء كلهم عليها إلا ما روي عن أيوب السختياني أنه همز (وَلَا الضَّألينَ) لالتقاء الساكنين. قال أبو العباس: وقال بعضهم: نَمُد المدغم إذا كان قبله واو، أو ياء، أو ألف سواكن، نحو قوله: (وَلَا الضَّالِّينَ) و (لَا رَادَّ لِفَضْلِهِ) و (يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ، وما أشبهه. قال: أرادوا: أن يكون المدغم عوضا عن الحركة التي كانت قبل أن يدغم الحرف الأول؛ لأنه لا يجتمع ساكنان. قال أبو العباس: وهذا غلط، إنما مد لأن الساكن الثاني يخفَى فَيُمد ما قبله لحركة الثاني، ولأن المدة إذا كانت مع الأول، فكأنهُ متحرك. * * *

سورة البقرة

القراءة في: سورة البقرة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ القول في (الم) . إنها حرف التهجي، وهي الألف، والباء، والتاء، وسائر ما في القرآن منها. وإجماع النحويين على أن هذه الحروف مبنية على الوقف، وأنها لا تعرب، كقولك: ألِف، لام، مِيم. بسكون الفاء من (ألف) ، والميم من (لام) ، ومن (ميم) ، والنطق بها أن تسكت على كل حرف. والدليل على أن حروف الهجاء مبنية على السكتِ كما بُنِي العدد على السكت أنك تقول فيها بالوقف مع الجمع بين الساكنين، كما تقول إذا عددت: واحِدْ، اثنان، أربعة. فتقطع ألف (إثنان) وهي ألف وصل، ويُذكر الهاء في ثلاثة وأربعة لولا أنك تقدر السكت لقلت: ثلاثة. فإذا عطفت الحروف فإنك حينئذ تُعربها، فتقول: ألف ولام وميم. وكذلك ألف وباء وتاء إلى آخر الحروف. وكذلك في العدد إذا عطفت أعربت، فتقول: واحدٌ واثنانِ وثلاثة وأربعة.

وكذلك اختير الوقف في "الم " و (الر، و (كَهَيَعَصَ" وما أشبه هذه الحروف. وروي عن أبي جعفر الرؤاسي أنه قرأ: (الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) بقطع الألف من (الله) . وأما القراء فإنهم اتفقوا على طرح همزة ألف (الله) ، والعلة في فتحة هذه الميم من قولك: (المَ الله) لأن الميم إنما جُزمت لِنِيَّة الوقف عليها، إلا أنها كانت مجزومة جزما أصليًا، وإذا كان الحرف ينوَى به الوقوف نوِيَ بَما بعده الاستئناف، فالقراءة (الم الله) بجزم الميم، فتركت العرب همز الألف من (الله) فصارت فتحها في الميم بسكونها، فقرئَ (المَ الله) لهذه العلة، ولو كانت الميم مجزومة جزما مستحقة الجزم لكسِرت حين استقبالها ألف ولام، كما قال الله جلَّ وعزَّ: (قيل ادخلِ الجنة) بجزم اللام. وقال أبو إسحاق في قول الله جلَّ ذكره: (الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) : إنما حركت الميم في (المَ الله) لأنه لا يسوغ في اللفظ أن يُنطقَ بثلاثة أحرف سواكن، فلابد من فتحة الميم في (المَ اللهُ) لالتفاء

(لا ريب)

الساكنين، أعني الميم واللام التي بعدها، وهذا القول صحيح لا يمكن في اللفظ غيره. قال: ولا أعلم أحدا قرأ (المْ اللهُ) بسكون الميم إلا أبو جعفر الرؤاسي قال: وأما ما روي عن عاصم فلا يصح عنه، واجتماع القراء على حركة الميم. وقال الفراء: بلغني عن عاصم أنه قرأ بقطع الألف. * * * * * * وقوله عزَّ وجلَّ: (لا رَيْبَ) اتفق القراء على نصب (لَا رَيْبَ) . وجائز في العربية أن تقول: لَا رَيْبٌ فيه، ولكن لا يجوز القراءة بها، لأن القراءة سنة مُتبَعة. و (لا) حرف نفى، نصب العرب الحرف بها إذا لم يكرروها بلا تنوين، فإذا كرروها فمنهم من ينصب بلا تنوين، ومن يرفع وينون.

(والذين يؤمنون بما أنزل إليك)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) كان ابن كثير يهمز كل حرف مهموز همزته، نحو قوله: (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) و (وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ) و (كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) . وإنما يَضم الميم إذا كانت في كلمة مضمرة، مثل: (أنْتُم) و (هم) و (كُنتم) إذا انضم ما قبل الميم، أو كان مفتوحا، فإذا كان انكسر ما قبلها سكنها، نحو: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) و (فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) . وقال ورش عن نافع الهاء مكسورة، والميم موقوفة، إلا أن يلقى الميم ألفَ أصلية، كقولك: (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) .

وقرأ حمزة ويعقوب بضم الهاءات في تلك المواضع المذكورة على الأصل؛ لأن أصل الهاء الضم، ألا ترى أنك تقول: (هُم يُوقنُونَ) و (هُم يُوقِنُونَ) فتجد الهاء مضمومة لا غير. وروى إسحاق الأزرق عن حمزة (عَليهِم) بكسرالهاء وجزم الميم. وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه ذكر قول أبي عبيد في (عليهم) ، و (لديهم) و (إليهم) قال: قال أبو عبيد: اختيارنا كسر الهاء، ووقف الميم في كله ما لم يلقها ألف ولام، فإذا لقيتها ألف ولام كان الخفض أحب إليَّ؛ لأنه أقيس في العربية أن يكون كل حرف منجزم بعده حرف ساكن أن يكون حركته إلى الخفض. قال أبو العباس: وهذا غلط؛ لأن للميم حركة، وهو الضم، فإذا ْحُركَت كان أولى بها أن يرد إلى حركتها التي هي لها فتُضم. قال: وقال الأخفش ومن قال بقوله: أضم الهاء وأسكن الميم؛ لأن الهاء هو الأصل، وهي القراءة القديمة، قراءة أهل الحجاز ولغتهم.

ويسكن الميم فيها، وكذلك كل هاءٍ ضُم وميم قبلها ياء ساكنة وما قبل الياء مفتوح، مثل: (عَليهُم) و (لدَيهُم) . قال أبو العباس: أما ما ادعي من أنها أصل فهي الأصل، ولكن العرب تقرب الحرف من الحرف إذا قاربه، مثل الإدغام. قال: والكسر في (عَليهِم) أولى، لأن الهاء من جنس الياء، لأنها يقع في القوافي مكانها، وأن الهاء ينقطع إلى مخرج الياء، فلذلك أتبعت الهاءُ الياءَ، وكذلك إذا كانت الهاء منفردة من الميم فقد اجتمعوا على كسر الهاء، مثل (بِهِ) و (عَليهِ) . وزعم الفراء أنها لغة. . . النبي صلى الله عليه، فإذا جاءوا بالألف واللام ضموا الهاء والميم. قال أبو العباس: وهذا هو القياس؛ لأن الهاء إذا انفردت تبعت الكسر والياء لمؤاخاتها لهما، وإذا كانت معهما الميم، والأصل (هُمُ) ، ثم أتبعت الهاء والياء والكسرة كما ذكرنا، فإذا حركَت الميم ردت الهاء والميم إلى أصلهما، فإذا لم تأت بالميم تركت الهاء على ما تبعت، مثل (بِهِ القول) و (عَليه العَذاب) .

فهنا هو الاختيار، والضم لغة والإشباع في الضم والكسر لغة، مثل: (بِهِ يا هذا) و (عليه ياهذا) و (بهو) و (عليهو) و (بهِي) و (عليهي) - فإذا كان ما قبلها ساكنا حذفوا الواو، وهو الاختيار، وعليه القراءة وإذا انفتح ما قبل الهاء أو انضم فلا فرق بينهم أنه الإشباع، مثل (ضربهو) و (لن يضربهو) وإذا كان قبله ساكن مثل (عَنه) و (إِليهِم) و (مَحيَاهم) فالاختيار الحذف عند أبي العباس، والذين يقولون: (عَليهُم) هم الذين أتبعوا الهاء شكلها، وردوا الميم إلى أصلها. وقال أبو إسحاق الزجاج: الأصل في هذه الهاء التي في قولك: ضربتهو يا فتى) و (مررت بهو يا فتى) أن يتكلم به في الوصل بواو، فإذا وقفت قلت: (ضربته) و (مررت به) قال. رزعم سيبويه أن الواو زيدت على الهاء في الذكر كما زيدت الألف في المؤنث في قولك: (ضربتهَا) و (مررت بها) ليستوي المؤنث والمذكر في باب الزيادة قال أبو إسحاق: والقول "في هذا الواو عند أصحابنا أنها إنما زيدت لخفاء الهاء، وذلك أن الهاء تخرج من أقصى الحلق، والواو حرف مدٍّ ولينٍ تخرج من طرف الشفتين، فإذا زيدت الواو بعد الهاء أخرجتها من الخفاء إلى الإبانة، فلهذا زيدت - وتسقط في الوقف - كما

تسقط الضمة والكسرة في قولك - سَاكنة أو متحركة في جميع القرآن. إلا (القرآن) فإنه لايهمزه ويمهمز (قرأت) وكلهم يهمزون "يُؤْمِنُونَ " و"نؤمن " و، يَأكلون، و، تأكل، و، يُؤتون، و، يَأتون " ونحو هنا من الحروف إلا أبا عمرو فإنه يطرح الهمزة من هنا ونحوه مما يكون فيه الهمز ساكنة، وذلك أنها لما سكنت ضعفت، واستحسن طرحها لسكونها في الحدر والدرج إلا أن يكون همزها أخف من طرحها. وروى اليزيدي عن أبي عمرو أنه كان إذا قرأ في الصلاة أو أدرج القراءة لم يهمز. وإذا حقق همزَ. وكذلك قرأت بِحرف عاصم الذي رواه أبو بكر عنه من رواية الأعشى عن أبي بكر بِطرح الهمز من هذه الحروف، ومن حروف أخَر الهمزة فيهن متحركة، نحو قوله؛، مِائةَ

حَبةٍ، و: (لِيَطمَئن قَلبِي) ، و: (تَطمَئِن قُلوبُنَا) ، و (كمَ من فِئَةٍ قَليلةٍ) ، و (رِئاءَ الناسِ) ، و (كتَابًا مؤَجلا) ، و (فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا) ، و (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ) ، و (الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) . ونحو هذا في قراءة الأعشى عن أبي بكر، وأحسب أن الذي حكاه الإشناني عن ابن الصباح عن ْحفص عن عاصم عن أبي عبد الرحمن عن علي أنه كان يدع الهمز من الخوف إذا تخوف النقصان هو هذا الذي رواه الأعشى عن أبي بكر عن عاصم من طرح الهمز فيما قدمت ذكره. وكان حمزة يهمز هذه الحروف كلها إذا وصل القراءة، فإذا سكت وقف بغير همز، وكذلك يفعل بقوله: (يَسْتَهْزِئُونَ) وقوله: (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) ، ونحو هذا. فأما: (خَائفِينَ) و (الخَائِنِينَ)

و (يَكلؤكم) و (تَفتَأ) يشير بصدرِه إلى الهمز ولا يَهمِز. وما الهمزة فيه عين الفعل فإنه يصله ويقف عليه بالهمز، نحو (مَوئلا) و (تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ) ، وقال الأدمي: قف على (مُؤَجَّلًا) بالهمز أَيضا. قال أبو منصور: وللعرب مذاهب في الهمز: فمنهم من يحقق الهمز، ويسمونه (النبر) . ومنهم من يخفف الهمز ويلينه. ومنهم من يحذف الهمز. ومنهم من يحول الهمز. وهي لغات معروفة، والقرآن نزل بلغات العرب، فمن همز ما قرئ به فهو الأتَم المختار، ومن لم يهمز مما تَرك همزه كثير من القراء فهو مصيب. وأما قول الله جلَّ وعزَّ: (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) فالأصل فيه همزتان: إحداهما: الألف، والأخرى ألف الاستفهام. واختلف القراء فيه، فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب "آنذرتهم " بهمزة مطولة، وكذلك جميع ما أشبه هذا، نحو قوله:

(آنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) ، (آلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) . وقرأ الباقون بهمزتين في كل هذا. وكل ذلك عربي فصيح، فمن همز همزة مطولة فر من الجمع بين الهمزتين، ومن جمع بينهما فهو الأصل. وكان أبو عمرو يخفف الهمزة الأولى، ويُحَققُ الثانية. وكان الخليل يحقق الأولى ويخفف الثانية، ونحويو أهل البصرة مالوا إلى قول الخليل، وكلهم أجاز ما اختاره أبو عمرو. قال أبو منصور: ومن القراء القدماء من أدخل بين الهمزتين ألفا ساكنة فراراً من الجمع بينهما، فقرأ: (ءاأنذَرتهُم) ، و: (ءاألد) ، قال أبو حاتم: أخبرني الأصمعي أنه سمع نافعا يقرأ: (ءانَّئكُم لتشهَدُونَ) ، أدخل بين الهمزتين ألفا. قال الأصمعي: أنشدني أبو عمرو لمزرد: تطَالَلْتُ فاسْتَشْرَفْتُه فَعَرَفْتُهُ ... فقلت له آأنتَ زيدُ الأرانبِ

(وعلى أبصارهم غشاوة)

ومثله قول، ذي الرّمة: أيا ظبيةَ الوَعْساء بين جُلاجِلٍ ... وبين النقا آأنتِ أَمْ أمُّ سالمِ قال أبو حاتم: ويجوز تخفيف الهمزة الثانية التي بعد الألف الزائدة، وكان أبو عمرو ربما فعَل ذلك. قال أبو حاتم: ونحن نَكْرهُ الجمع بين همزتين، قال: ومما يدلك على كراهية العرب اجتماع الهمزتين قول الله تبارك وتعالى: (هَا أنتم) . قال أبو حاتم: قال الأخفش: إنما هو (ءاأتتُنم) ، أدخلوا بين الهمزتين ألفا استثقالا لهما، وأبدلوا من الهمزة الأولى هاء كما قالوا: (هرقت الماء) و (أرقت) ، وقالوا: (هِياك) بمعنى: إياك. * * * وقول الله جلَّ وعزَّ: (وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) اتفق القراء على "غِشَاوَة" بالرفع، إلا ما روى الفضل عن عاصم (غِشَاوَةً" نصبا. قال أبو منصور: الرفع هي القراءة المختارة، ومن نصب فعلى إضمار فعل، كأنه قال: وجعل على أبصارهم غشاوةً، كما قال الشاعر:

يا ليتَ زَوجَكَ قد غَدَا ... متقلِّداً سيفاً ورُمْحا أراد: متقلدا سيفا وحاملا رمحا. وأنشد الفراء: عَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً ... حتى شَتَتْ هَمَّالةً عَيْناها أراد: وسقيتها ماء باردا، يعني: فرسه. وأما قول الله جلَّ وعزَّ في سورة الجاثية: (وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً) فإن حمزة والكسائي قرآ (غَشَوَةً) بغير ألف مع فتح الغين، وقرأَ الباقون: (غِشَاوَةً) بألف مع كسر الغين، وكل ذلك جائز، والمعنى واحد، وهو: ما يَغشى البصر من الظلمة.

(يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم)

وقوله تعالى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لم يختلف القراء في الأولى إنه بألف. واختلفوا في الثانية فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (ما يُخَادعُون) بألف. وقرأ الباقون: (وَمَا يَخْدَعُونَ) بغير ألف، مع فتح الياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ: (وَمَا يُخَادعُون إلا أنْفُسَهُمْ) جعل الخداع من واحد وإن كان على (مُفَاعَلة) ، ومثله قولهم: (عاقَبْتُ اللص) و (عافاه الله) و (طارقتُ النغل) و (قاتَلهُ اللهُ) ، في حروف كثيرة جاءت للواحد. وَمَنْ قَرَأَ: (وَمَا يُخَادعُون) فلا سؤال فيه. وقال شمر في قول الشاعر: وخالَفَ المجدَ أَقوامٌ لهم وَرَقٌ ... راحَ العِضاةُ به والعِرْقُ مَدْخولُ قال: معنى خادع المجد: تركه. * * * * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا) كسر حمزة الزاي من "فَزادَهُم) . وكذلك قرأ ابن عامر. وفتح الباقون الزاي وما أشبهها. غير أن نافعا يلفظ بها بين الفتح والكسر، وهو إلى الفتح أقرب.

وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه احتج لحمزة وكسرة الزاي لقولك: (زِدت) فتكسر الزاي، وقوله: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) . اتفقوا كلهم على فتح الراء من (مَرَض) . ورَوَى ابن دُرَيد عن أبي حاتم عن الأصمعي عن أبي عمرو أنه قرأ: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ساكنة الراء. قال أبو منصور: ولا يُعرجُ على رواية ابن دريد، فإنه غير ثقة والقراءة (مَرَضَ) لا غير. * * * * * * قوله جلَّ وعزَّ: (بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) . قرأ عاصم وحمزة والكسائي (يكذِبُونَ) خفيفا وقرأ الباقون: (يكَذِّبُونَ) مشددا. فمن قرأ: (يَكْذِبُونَ) فمعناه: بكذبهم. وَمَنْ قَرَأَ: (يكَذِّبُونَ) فمعناه: بتكذيبهم الأنبياء، و (ما) في الفعلين (ما) المصدر، المعنى: بكذبهم، أو: بتكذيبهم.

(وإذا قيل لهم)

قوله جلَّ وعزَّ: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ) قرأ الكسائي ويعقوب: (قُيل) و (غُيضَ) و (سُيءَ) و (سُيئَت) و (جُيءَ) ، بضم أوائل هذه الحروف حيث وقعت. وعلتهما أن الأصل فيهن الضم، نحو: (قول) و (حُولَ) و (سُوق) و (غُيضَ) و (سُيئَت) . وكان نافع يضم (سُىءَ) و (سُيئَت) ، ويكسر الباقي. وكان ابن عامر يضم (سُىء) و (سُيئَت) و (حُيلَ) و (سُيئَ) ، هذه الأربعة، ويكسر الباقي. وروى هشام بن عمَّار فيها عنه مثل قراءة الكسائي. وروى شبل عن ابن كثير (سُىءَ) و (سُيئت) ، وكذلك فعل نافع، وقرأ الباقون بكسر أوائل هذه الحروف كلها. قال أبو منصور: من ضم فلأنها جاءت على وزن (فُعِل) ، ومن

(السفهاء ألا)

كسر فلاستثقال الضمة مع كسرة الواو. ومن ضم فإنه يشم ولايشبع الضم -، والعربي الناشئ في البادية يطوع لسانهُ لضمة خفية يجفو عنها لسان الحضري المتكلف. * * * وقوله تعالى: (السُّفَهَاءُ أَلَا) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (السُّفَهَاءُ أَلَا) بهمز الأولى

وطرح الثانية، وكذلك يفعلون بكل همزتين برزتا مختلفتين من كلمتين في جميع القرآن، فإذا وردتا متفقتين همزوا الثانية وتركوا الأولى، كقوله: (جَا أمرُنا) و (شَا أنْشَرَهُ) ونحوهما. وكان ابن كثير ونافع إذا أتت الهمزتان المتفقتان في موضع خفض حَوَّلا الأولى إلى الياء، فقرءا: (هَؤُلاي إن) و (على البغَايِ إن) ، فإذا أتيا مضمومتين حَوَّلا الهمزة الأولى إلى الواو، كقولك: (أؤلِيَاوُ أولئِكَ) ، وكان ابن كثير ونافع يهمزان الثانية في المكسورتين، ويعوضان من الأولى كسرة مختلسة، وفي المضمومتين يهمزان الثانية ويعوضان من الأولى ضمة مختلسة، وأما المفتوحتان فإن ابن كثير ونافعًا وأبا عمرو يهمزون الثانية ويطرحون الأولى، ولا يبدلون منها فتحة.

(في طغيانهم) .

وكان يعقوب يجمع بين الهمزتين المختلفتين في قوله: (السُّفَهَاءُ أَلَا) ومذهبه في المتفقتين همز الثانية وتعويض من الأولى في المضمومتين واوا، وفي المفتوحتين ألفا، وفي المكسورتين ياء. وقرأ الباقون كل هذا بهمزتين همزتين. قال أبو منصور: قد أعلمتك أن هذه القراءات في باب الهمز لغات مأخوذة عن العرب، فبأي لغة قرأت فقد أصبت، إذا قرأ به قارئ يقرأ بالسنة. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (فِي طُغْيَانِهِمْ) . كان الكساني يميل الألف فيها، وفي قوله: (وَفِي آذانِهِمْ) و (فَأَحْيَاكُمْ) و (خَطايَاكُم) و (مَرضاتِ اللهِ) و (حَق تُقَاتِهِ)

و (وقد هدان) و (يُسَارِعُونَ) و (سَارِعُوا) و (مَحْيَاي) و (رُؤيايَ) و (مَن عَصَانِي) و (أخسَنَ مَثوايَ) و (ما أنسانِيه) و (آتَانِي الكِتَاب) ، و (أوصَانِي) و (آتَانِي اللهُ) . و"كَمِشكَاةٍ) و (دَحَيها) و (تَليها) و (طحَيها) و (سَجَى) ، انفرد الكسائي بكَسْرِ هذه الحروف. وفتحهُن حمزة، وكان حمزة إذا تقدمت قبل (أحيا) واوٌ كسر الحرف، مثل قوله:

(أَمَاتَ وَأَحْيَا) . وقد كسر حروفا من نظائر هذه الحروف، مثل قولهم: (مِنهُم تُقَاةً) و (أكرِمِي مَثْوَاه) ولا يقاس على هذه الحروف التي ذكر عن الكسائي أنه كسرها وحده، ويفتح حمزة إياها. واتفق حمزة والكسائي على إمالة (كِلاهُما) وعلى إمالة (فَالِق الحَب والنوَى) ، وروى الدوري عن الكسائي أنه أمال (أولَ كافِرٍ بِهِ) ، ولم يقله أحد من القراء. وكان ابن كثير وابن عامر وعاصم ويعقوب يفتحون هذه الحروف كلها إلا ما روي عن ابن عامر في "التوراة" و (مَا أدراك) أنه كان يقرأهما بين الفتح والكسر. وكان حمزة والكسائي يميلان كل ذوات الياء. والإمالة لغة تميم، وعليها صيغة لسان مَنْ جاورهم من أهل العراق والبَدوِ. والعرب تقول: (هذا عِابِدٌ) و (عَابِدٌ) ، و (عِالِمٌ) و (عَالِمٌ)

(يكاد البرق يخطف أبصارهم) .

فيكسرون الألف لانكسار ما بعدها إلا أن تَدخل حروف الإطباق، وهي: الطاء والظاء والصاد والضاد، ولايجوز في ذلك (ظالم) ، ولا (طالِب) ، ولا (صَابِر) ، ولا (ضَابِط) . وكذلك حروف الاستعلاء، وهي: الخاء والغين والقاف، لا يجوز في (غَافِل) (غِافِل) ولا في (خَادم) خِادم، ولا في (قَاهِر) (قِاهِر) ، وباب الإمالة يطول شرحه إلا أَن هذا في هذا الموضع هو القصد، وقدر الحاجة. وأمَا إمالة مثل قوله: (سَجَى) و (قَلى) وما أشبههما فالقياس أن ما كان منها من ذوات الياء مثل (قَلى يَقلي) و (سرى يسري) أمِيل. وما كان في بنات الواو مثل (علا يعلو) و (سما يسمو) لم يُمَل، على أن الإمالة جائزة في جميعها إذا اتفقت رُؤُوس الآيات. والراء إذا دخلت في أسماء على مثال (فَاعِل) سهَلت الإمالة، وإن كان فيها حرف من حروف الإطباق مثل قولك: (هذا صِارِم) يميل الصاد، ولا تقول في (صالح) ، وكذلك تقول: (مررت بضِارِب) ، ولا تقول: (مررت بضِابِط) ، وهذا الباب انفرد به البصريون، وهو - باب الإمالة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) .

اتفق القراء على تخفيف "يَخطفُ) ، واختلفوا في سورة الحج، فقرأ نافع: (فَتَخَطفُهُ الطير) - بفتح الخاء وتشديد الطاء - وقرأ الباقون: (فتَخطفُهُ) - بالتخفيف وسكون الخاء -. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَخطفُ " و (فَتخطفُهُ) فهو من خَطِف يَخطفُ خَطفًا، وهي لغة العالية التي عليها أكثر القراء. وَمَنْ قَرَأَ (فتخَطَّفُهُ) - بفتح الخاء وتشديد الطاء - فأصل فيه (فَتَختَطِفُه) ، يقال: خَطِفْت الشْيء " واختَطفتُه، إذا اجْتَذَبته بسرعة. وعلة هذه القراءة إدغام التاء في الطاء، وإلقاء فتحة الطاء على الخاء، وإتباع فتحة الخاء فتحة في الطاء. وفيها لغة أخرى لم يقرأ بها هؤلاء القراء، وهي: (يَخِطِّفُ " "فتَخِطِّفُه الطير" رُوى ذلك عن الحسن أنه قرأ: (يَخِطِّف) - بكسر الخاء والطاء -.

ومن العرب من يقول: (يَخَطِّفُ) - بفتح الياء والخاء، وكسر الطاء - ومنهم من يقول: (يِخِطِّفُ) - بكسر الياء والخاء والطاء -. وأجودها: (يَخَطَّف) ، وبعده: (يَخِطِّف) ، فمن قال: (يَخَطَّفُ) فالأصل (يَختَطِفُ) ، فأدغمت التاء في الطاء، وألقيت على الخاء فتحة التاء. ومن قال: (يخِطِّف) كسر الخاء لسكونها وسكون الطاء. وهذا قول الخليل، وزَعَم الفراء أن الكسر لالتقاء الساكنين ها هنا خطأ، وأنه يلزم من قال هذا أن يقول في "يَعَضُّ ": "يَعِضُّ) ، وفي "يَمُدُّ " "يَمِدُّ) . وقال من احتج للخليل: هذا الذي قاله القراء غلط غير لازم، لأنه لو كسر "يَعَضُّ" و "يَمُدُّ" لالتَبَس ما أصله "يَفْعَلُ " و "يَفعُل" بما أصله (يفعِلُ) . وأما: (يَختطِفُ) فليس أصله غير هذا، ولايكون مرة على (يَفتَعِلُ) ومرة على غير (يَفْتَعَلُ) ، فكسر لالتقاء الساكنين في موضع غير ملتبس، وامتنع في الملتبس من الكسر لالتقاء الساكنين، وألزمَهُ حركة الحرف الذي أدغمه لتدل الحركة عليه.

(وهو بكل شيء عليم (29) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) . قرأ نافع وأبو عمرو والكساني بجزم الهاء "وهْو) ، وحركها الباقون في كل القرآن. قال أبو منصور: هما لغتان معروفتان، إذا اتصلت الهاء من (هو) و (هي) بواوٍ أو فاءٍ أو لام فإن كثيرا من العرب من يسكن الهاء لكثرة الحركات، ومنهم من يتركها على أصل حركتها، وكل جائز حَسَن. وقاس الكسائي على الباب قوله: (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، وحركها الباقون. * * * وقوله عزَّ وجلَّ: (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) و: (إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) .

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بفتح الياءين، وأرسَلهما الباقون. وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: إذا كان قبل ياء الإضافة متحرك يجوز أن تسكن الياء وتحرك، وإن كان ما قبلها ساكناً حركته لا غير. قال: فإذا استقبلها ألف ولام كقوله: (اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) حركت الياء لئلا تسقط. وقال الفراء في نصب الياء من (نِعْمَتِيَ) كل ياء كانت من المتكلم فمعها لغتان الإرسال والفتح، فإذا لقِيَتها ألف ولام اختارت العرب التحريك، وكرهت السكون؛ لأن اللام ساكنة فتسقط الياء عندها لسكونها، فاستقبحوا أن يقولوا: (نعمتِ التي) فتكون كأنها مخفوضة على غير إضافة، فأخذوا بأوثق الوجهين. قال: وقد يجوز إسكانها

(أنبئهم)

عند الألف واللام، قال الله جلَّ وعزَّ: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) فقرئت بإرسال الياء ونَصبِها، وكذلك ما في القرآن مما فيه ياء ثابتة ففيه الوجهان، وما لم يكن فيه الياء لم تُنصب. وأما قوله: (فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ) ، فإن هذا بغير ياء، فلا تُنصَبُ ياؤُها. على هذا يقاس كل ما في القرآن. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْبِئْهُمْ) اتفق القراء كلهم على ضم الهاء مع الهمزة. قال أبو منصور: وإنما اتفقوا على ذلك ولم يشبهُوهُ بـ (عليهم) و (إليهم) لأن الهمزة إذا سكنت فهي كالحرف الصحيح، والياء أخت الكسرة في (عليهم) ، فأتبعوا الكسرة الكسرة.

(فأزلهما الشيطان)

وقد روي عن ابن عامر أنه قرأ: (أنبِئهِم) بكسر الهاء. وهذا غير جائز عند أهل العربية، ولكن لو قرئ: (أئبيهِم) بحذف الهمزة كان جائزا في العربية، ولا يجوز في القراءة لأنه لم يَقرأ به أَحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ) قرأ حمزة وحده: (فَأزالهُما) بألف مع التخفيف. وسائر القراء قرأوا: (فَأَزَلَّهُمَا) بالتشديد بغير ألف. قال أبو منصور: مَن قرأ: (فأزالهما) فهو من زالَ يزُولُ، ومعناه: فنحَّاهما. وَمَنْ قَرَأَ: (فَأَزَلَّهُمَا) فهو من زللت أزلُّ، وأزلني غيري، ولِزللتُ وجهان: يصلح أن يكون الخطيئة، فأزلهما الشيطان، أي: كسبهما الزلة. ويصلح أن يكون (فَأَزَلَّهُمَا) أي: نحاهما. وكلتا القراءتين جيدة حسنة، قال ذلك أبو إسحاق الزجاج، والله أعلم بما أراد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ) . اتفق القراء على هذه القراءة، إلا ما رُوي عن ابن كثير أنه قرأ: (فَتَلَقَّى آدَمَ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ) .

(فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (38)

قال أبو منصور: والقراءة برفع (آدم) ونصبِ (كلمات) ؛ لأن آدم تعلم الكلمات من ربه،، فقيل: تلقى الكلمات. والعرب تقول: تلقيتُ هذا من فلان. معناه: أن فهمي قَبِلهُ من لفظه. والذي قرأ به ابن كثير جائز في العربية، لأن ما تلقيتَه فقد تلقاك. والقراءة الجيدة ما عليه العامة. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) فالقراءة بتنوين (فَلَا خَوْفٌ) . قال أبو منصور: وهو الجيد عند النحويين، المختار إذا تكرر حرْف النفي، وقرأ يعقوب وحده (فلا خوفَ) وهو جائز في العربية، وإن كان المختار ما عليه الجماعة.

(ولا يقبل منها شفاعة)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (ولا تُقْبل) - بالتاء -، وروي عن عاصم مثل ذلك. وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: مَن قرأ بالتاء فَلِتَأنيث الشفاعة، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فلأن الشفاعة كالمصدر وإن كان لفظها مؤنثا، وهو كقول الله جلَّ وعزَّ: (وأخذت الذين ظلموا الصيحة) ، وقال في موضع آخر: (وأخذ الذين ظلموا الصيحة) ، لأن الصيحة وإن كان لفظها مؤنثا فهي مصدر، وكل ذلك جائز في كلام العرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)

(فتوبوا إلى بارئكم)

قال أبو عمرو ويعقوب: (وإذ وَعدنا) ، وكذلك قوله: (وَوَعَدنا مُوسَى ثَلاثِينَ ليلة) و (وَعَدناكُم) بغير ألف. وقرأ سائر القراء: (وَواعَدناكُم) بألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وعدنا) بغير ألف فإنما اختار وعدنا لأن المواعدة إنما تكون بين الآدميين، واستدل بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ) ، وهذا يشبه بعضه بعضا. وَمَنْ قَرَأَ (واعدنا) و (واعدناكم) فحجتُه أنْ الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة، فهو من الله وعْدٌ، ومن موسى قبول واتباع، فجرى مجرى المواعدة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ) روى اليزيدي عن أبي عمرو (بَارِئْكُم) بجزم الهمزة. وروى عباس عن أبي عمرو أنه قال: قراءتي (بَارِئْكُم) مهمُوزة لا يثقِّلُها. وقال سيبويه: كان أبو عمرو يختلس الحركة من (بَارِئْكُم) ، وهو صحيح، وسيبويه أضبط لما

رُوِى عن أبي عمرو من غيره، لأن حذف الكسرِ في مثل هذا إنما يأتي في اضطرار الشعر، ولا يجوز ذلك في القرآن، وسائر القراء قرأوا بالإشباع، وكسر الهمزة، وهي القراءة المختارة، وليس كل لسان يطوعُ ما كان يطوع له لسانُ أبي عمرو، لأن صيغة لسانه صارت كصيغة ألسنة العرب الذين شاهدهم وألِفَ عادتهم.

(نغفر لكم خطاياكم)

قوله جلَّ وعزَّ: (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) قرأ نافع: (يُغْفَرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) - بالياء -. وقرأ ابن عامر (تُغفَر لكُم) بالتاء مضمومة -. وقرأ الباقون (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) بالنون -. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُغْفَرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) - بالياء - فلتقدم فعل الجماعة، وَمَنْ قَرَأَ (تُغْفَر) - بالتاء - فلتأنيث الخطايا، وهي جمع خطيئة وخطايا، وَمَنْ قَرَأَ (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ) فالفعل لِلهِ جلَّ وعزَّ، نغفر نحن، وخطاياكم على هذه القراءة في موضع النصب؛ لوقوع الفعل عليها. وَمَنْ قَرَأَ بالتاء والياء فخطاياكم في موضع الرفع، لأنه لم يُمسَم فاعلها، والإعراب لايَتَمَيزُ فيها؛ لأنها مقصورة. والخظايا هي: الآثام التي تعمدها كاسبها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا) اتفق القراء على تسكين الشين من "عَشْرَةَ" ها هنا، وهي لغة العالية الفصيحة،، وفيها لغة أخرى "عَشِرةَ) بكسر الشين، وقد قرأ بها

(النبيين) ، و (الأئبياء)

بعض القراء،: هي قليلة. وأما (عَشَرة) في مثل هذا الموضع فإن أهل اللغة لا يعرفونها، وقد قرأ بها الأعمش، والعرب لاتعرفها. والقراءة المختارة (عَشْرة) بسكون الشين. وانتصب قوله: (عَيناً) على التمييز، وجاء في التفسير: أن الله تبارك وتعالى فجَّر لهم من حجر واحد اثنتا عشرة عينا لاثني عشر فريقا، لكل فريق عين يشربون منها، تنفجر إذا نزلوا، وتغور إذا ارتحنوا. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (النَّبِيِّينَ) ، و (الأئبِيَاء) قرأ نافع وحده: (النَّبِيِّئين) و (اْلأنْبِئَاء) ، و: (النبيئُونَ) ، و (النبِيء) بالهمز في كل القرآن إلا في موضعين في سورة الأحزاب: (إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ) ، وقوله: (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) . وسائر القراء لم يهمزوا (النبي) .

قال أبو منصور: من همز (النبِيء) و (الأنبِئَاء) و (النبِيئينَ) فهو من النبأ، ومِن أنبأ عن الله، أي: أخبر، وكأنه على هذا (فَعِيل) بمعني (مُفْعِل) ، مثل (نَذِير) بمعنى (مُنذِر) ، ولها نظائر في القرآن. ومن لم يهمز (النبِي) ذهب به إلى: نَبَا الشيءُ يَنْبُو إذا ارتفع، ويقال للمكان المرتفع: نَبِى. وكذلك النبوة والنباوة، وأكثر العرب على ترك الهمز في (النبِي) ، وهو اختيار أهل اللغة؛ لأنه لو كان مهموزا لجمع على النبَئاء، وقد جمعه الله على (الأنبِيَاء) . مثل (تَقِي) و (أتقِيَاء) و (غَنِي) و (أغنِيَاء) . وحجة من همز وإن كان مجموعا على الأنبِيَاء، أنه مِثْلُ: نَصِيب وَأنْصِبَاء، وجمع ربيع: النهر على أربعاء. والقراءة المختارة ترك الهمز.

(الصابئين)

قوله جلَّ وعزَّ: (الصَّابِئِينَ) قرأ نافع وحده (الصابِين " و (الصابونَ) - بغير همز - في كل القرآن. وهمز الباقون (الصَّابِئِينَ) . والهمز فيها هي اللغة الجيدة، ومن قولك: صَبَأ فلان يَصبَأ: إذا خرج من دين إلى دين. وصَبَأ نَابُهُ، أي: خَرَجَتْ، وصَبَأت النجوم: إذا طلعَت كل ذلك مهموز. وَمَنْ قَرَأَ بغير الهمز ففيه قولان: أحدهما: أنه من صبا يَصبو؟ إذا مال إلى هواه. والقول الآخر: أنه على تخفيف الهمز على لغة من يخففها. والقراءة المختارة أن يهمز الباب لاتفاق أكثر القراء. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي (هُزُؤًا) ، و (كفُؤًا) بالهمز والتخفيف، واختلف عن نافع وعاصم، وأما

(من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون (74)

حمزة فإنه قرأ (كُفْؤا) " و (هُزْؤا) ، وهما لغتان جيدتان، فاقرأ كيف شئت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) قرأ ابن كثير ها هنا: (عَمَّا يَعْمَلُونَ) - بالياء -. وقوله: (إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (85)) - بالياء - وقوله: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)) - بالياء - في هذ" الثلاثة المواضع، وقرأ الباقي - بالتاء - وقرأ أبو عمرو في موضعين بالياء، قوله: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) ، وقوله: (لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (149) . والباقي بالتاء. وقرأ نافع وعاصم في رواية

أبي بكر ويعقَوب في موضعين بالياء، وهو قوله: (إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (85) ، و: (الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون) . وروى حفص عن عاصم موضعا بالياء، قوله: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) . هذه وحدها بالياء. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: (وما الله بغافل عما تعملون) بالتاء وهي ستة مواضع: خمسة في البقرة، وواحدة في آل عمران، رأس تسع وتسعين منها. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يعملون) فعلى الإخبار عنهم، وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فهو مخاطبة لهم.

(إلا أماني)

قوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا أَمَانِيَّ) روى هارون عن أبي عمرو (إِلَّا أَمَانِيَ) مخففة الياء، وسائر القراء قرأوا بتشديد الياء، لأن الواحدة منها أمنِية. قال أبو منصور: سمعت المنذري عن أبي العباس، أحمد بن يحيى أنه قال: من شدد الأماني فهو مثل قولهم: قُرقور وقَراقير، ومن خفف الأماني فهو مثل قولهم: قُرقور وقراقر، غير أن القراءة بالتشديد لاجتماع القراء عليه. ومعنى الأماني: الأكاذيِب، يقال: أنت تمنيت هذا القول، أي: اختَلقتَهُ.

(وأحاطت به خطيئته)

وقال غيره: تكون الأماني أيضًا جمع الأمنية، وهي التلاوة، ومنه قول الله جلَّ وعزَّ (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) أي: في تلاوته. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) قرأ نافع وحده: (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَاتُهُ) . وقرأ سائر القراء: (خَطِيئَتُهُ) . قال أبو منصور: والخَطِيثة تنوب عن الخَطِيئَات، وقد تجمع الخَطِيئَة خَطايَا وخَطِيئات. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (لَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) - بالياء - وقرأ الباقون (لَا تَعْبُدُونَ) بالتاء. من قرأ: (لَا يَعْبُدُونَ) فعلى أنهم غُيَّب، وعلامة الغائب الياء.

(وقولوا للناس حسنا) .

وكان في الأصل (أن لا يعبدوا) ، فلما حذف (أن) رفعه، مثل قول طرفة: ألا أيُّهذا اللائِمِي أحضرُ الوغى ... وأنْ أشهدَ اللذاتِ هل أنتَ مُخْلِدي أراد: أن أحضرَ، فلما حذف (أن) رفعه. وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فهو خطاب، ومثله في الكلام: تقدَمتُ إلى فلان لا تشرب الخمر ولا يشرب الخمر. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) . قرأ حمزة والكسائي ويعقوب (حَسَنًا) بفتح الحاء والسين. وقرأ الباقون: (حُسْنًا) .

قال أبو منصور: (حُسْنًا) فالمعنى: قولوا للناس قولاً ذا حُسن. والخطاب لعلماء اليهود، قيل لهم: اصدُقوا في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومَنْ قرأ (حَسَنًا) فالمعنى: قولوا لهم قولاً حَسَنًا. واتفق القراء على قوله في العنكبوت: (حُسْنًا) وافترقوا في الأحقاف. فقرأ حمزة وعاصم والكسائي (إِحسَانًا) بالألف، وقرأ الباقون (حُسْنًا) بغير ألف، مضمومة الحاء، ومعنى إحسانا، أي: أحسِنُوا بالوالدين إحسَانًا، فإحسَانًا بدل من اللفظ بـ (أحسِنُوا) .

(تظاهرون عليهم)

وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: قال بعض أصحابنا: اخترنا (حَسَنًا) لأنه يريد: قولا حَسَنًا. قال: وَمَنْ قَرَأَ (حُسْنًا) فهو مصدر حَسُن يَحْسُنُ حُسْنًا، قال: وهو جائز، ونحن نذهب إلى أن الحَسَن شيء من الحُسن، وبجوز هذا وهذا. * * * ْوقوله جلَّ وعزَّ: (تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب: (تَظَّاهَرُونَ) مشددة، وقرأ الكوفيون: (تَظاهَرُونَ) بتخفيف الظاء. من قرأ (تَظَّاهَرُونَ) بالتشديد فالأصل فيه تَتَظاهَرُونَ، فأدغمت التاء في الظاء لِقُرْب المخرجَين، وشددت الظاء، وَمَنْ قَرَأَ بالتخفيف فالأصل فيه (تَتَظاهَرُونَ) بتاءين أيضًا، فحذفت التاء الثانية لاجتماعهما. وتفسير تَظاهَرُونَ: تَتَعاونون، يقال: ظاهَرَ فلانَ فلانا: إذا عاونه. وقال الله تعالى: (وِإن تَظاهَرا عَليهِ) معناه: وإن تعاونا. والظهِيِر: المعِين، وقال الله تعالى: (وكَانَ الكَافِرُ عَلى ربهِ ظهِير) ، أي: مُعِينا.

(أسارى تفادوهم)

قوله جلَّ وعزَّ: (أُسَارَى تُفَادُوهُمْ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (أسَارَى) بألف "تفدُوهُم، بغير ألف. وقرأ نافع وعاصم والكسائي ويعقوب (أُسَارَى تُفَادُوهُمْ) ، بألفين فيهما. وقرأ حمزة "أسرَى تقدُوهُم" بغير ألف فيهما. ولم يقرأ أحد (أسَارَى) بفتح الألف. فمن قرأ (أسارى) جَمَعَ الأسير على أسَارَى، على (فُعَالى) . وَمَنْ قَرَأَ (أسرَى) جمعه على (فَعْلى) . وقال نصير الرازي: أسارَى جمع أسرَى، والأصل: أسَارَى، فضمت الألف، كما قالوا: سُكَارَى وسَكَارَى، وكُسَالى وكَسَالى. قال: ومثل أسِير وأسرَى: قَتيِل وقَتلى، وجَرِيح وجَرحى. وأما قوله: (تفدُوهُم) و (تُفادُوهُم) فمن قرأ (تُفَادُوهُم) فإن العرب تقول: فادَيتُ الأسير، وكان أخي أسيراً ففَادَيتُه بأسير وقال نصيب: ولكنِّني فادَيْت أمِّي بعدما ... عَلا الرأسَ كَبْرَةٌ ومَشِيبُ بِعَبْدَيْن مَرْضِيَّيْنِ لم يَكُ فيهما ... لَئِنْ عُرِضا للناظِرين مَعِيبُ وَمَنْ قَرَأَ (تفْدُوهُم) فهو على وجهين: أحدهما: تفدوهم بالمال، كقوله: (وَفدَيناهُ بِذِبحٍ عَظِيمٍ) . والوجه الثاني: أن يكون معنى فَدَيتُه: خَلصتُه مما

(بروح القدس)

كان فيه. وقال أبو معاذ النحوي: مَنْ قَرَأَ (تفدُوهُم) فمعناه: تَشتَرُونهمْ من العدو وتُنقِذونهم، وَمَنْ قَرَأَ (تُفَادُوهم) فمعناه تمَاكِسُون من هم في أيديهم بالثمن ويُمَاكِسُونَكم. * * * قوله جلَّ وعزَّ (بِرُوحِ الْقُدُسِ) قرأ ابن كثير وحده، (بِرُوحِ الْقُدْسِ) ساكنة الدال في جميع القرآن. وقرأ الباقون: (القُدُسِ) مثقلا حيث وقع. قال أبو منصور: والقُدسُ: الطهارة، وقيل: البَركة. وفيه لغتان: قُدْسِ وقُدُسِ، والتخفيف والتثقيل جائزان، وأنشدني أعرابي: لاَ نَومَ حَتى تَهبطِي أرضَ القُدس وَتَشرَبي مِن خَيْر ماءٍ بقُدس فثقَّل كما ترى.

(قلوبنا غلف)

وقوله جلَّ وعزَّ (قُلُوبُنَا غُلْفٌ) ْقرأ أبو عمرو في رواية اللؤلؤي عنه (غُلُفٌ) بضم اللام. وأسكنها الباقون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (غُلُفٌ) فهو جمع غِلاف، المعنى: قلوبنَا أوعية للعلم فما بالها لا تفهم عنك (قالها اليهود) . وَمَنْ قَرَأَ (غُلْفٌ) بسكون اللام فهو جمع أغلف وغَلفا، المعنى: قلوبنا في أوعية، كما قال آخرون: (قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ) ، وهذا أعجب إليَّ أن يقرأ به الشاهد الذي ذكرت من الكتاب، مع أن غلف إذا كان جمع غِلاف جاز تسكين اللام معه، كما يقال: مِثَالٌ ومُثُلٌ. * * * ْوقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) قرأ ابن كثير:، ينْزل، و (منزِلها) و، منْزلٌ مِن ربَِّكَ) و (منْزلين) و (نَزل بِهِ) ونحو هذا من الفعل الذي أوله ياء أو نون

أو ميم كالتخفيف في كل القرآن، إلا في ثلاثة مواضع فإنه يشددهن، قوله في الحجر: (وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) ، وقوله في بني إسرائيل: (ونُنَزل مِن القُرآنِ) وقوله: (حَتَّى يُنَزل عَليْنَا كِتَابًا نَقرَأهُ) . وقرأ أبو عمرو بالتخفيف أيضًا إلا حرفين قوله في الأنعام: (قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) وفي الحجر: (وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) . وقرأ نافع وعاصم بتشديد كل ما في أوله ياء وتاء أو نون، إلا قوله: (نَزلَ بِهِ الروحُ الأمين) و (وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) فإن نافعا وحفصا خففَاهما، وقد شددهما أبو بكر. وخفف نافع ما أوله ميم، إلا قول: (إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ) فإنهما شددا. وزاد حفصٌ على أبي بكر: (أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ) ، في الأنعام فشدد. وقرأ ابن عامر بتشديد ذلك كله.

(أن يعمر والله بصير بما يعملون (96) .

وقرأ حمزة والكساني بتشديد ما أوله تاء أو نون أو ياء في جميع القرآن إلا في حرفين: أحدهما في لقمان: (وَيُنْزِلُ الْغَيْثَ) ، والآخر في: عسق: (وَهُوَ الَّذِي يُنْزِلُ الْغَيْثَ) خففا هذين الحرفين، وخففا ما في أوله ميم حيث وقع في القرآن. قال أبو منصور: العرب تقول: نزَّلت القوم منازلهم، وأنزلتهم منازلهم بمعنى واحد. ومنهم من يستعمل التشديد فيما يُتكرر ويكثر العمل فيه، ويخفف فيما لا يكثر ولا يتكرر. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) . اتفق القراء على (بِمَا يَعْمَلُونَ) بالياء إلا الحضرمي فإنه قرأ بالتاء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ.. (97) . قرأ ابن كثير: (جَبرِيل) بفتح الجيم وكسر الراء بغير همز، و (مِيكائيلَ) مهموزا ممدودا. وروى شبل: (مِيكَائِل) مقصورا مهموزا.

مثل نافع، وقرأ نافع: (جِبْرِيلَ) بكسر الجيم والراء. وقرأ حمزة والكسائي (جَبْرئِيل) مثل (جَبْرعِيل) . وقرأ أبو بكر: (وجَبرَئِل، مثل (جبرعل) . وقرأ الباقون (جِبْرِيلَ) ، بغير همز، إلا أن ابن كثير فتح الجيم، وكسرها الباقون. قرأ أبو عمرو وحفص (مِيكَالَ) بغير ياء، وقرأ نافع بالهمز (مِيكَائِل) ، الباقون (مِيكَائيلَ) بياء بعد همزة.

(ولكن.. (102)

قوله - عزَّ وجلَّ -: (وَلَكِنَّ.. (102) بكسر النون وتخفيفها. (الشَّيَاطِينُ.. (102) بالرفع ابن عامر وحمزة والكسائي. * * * قوله - عزَّ وجلَّ -: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا. . . (106) . بضم النون وكسر السين ابن عامر. (أَوْ نُنْسِهَا. . . (106) . بالفتح والهمز ابن كثير وأبو عمرو. * * *

(قالوا اتخذ الله ولدا ... (116) .

(قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ... (116) . بغير واوٍ ابن عامر. والباقون بالواو. قال أبو منصور: المعنى واحد في إثبات الواو ها هنا. وحذفها، غير أن القراءة بالواو أعجب إليَّ لأنه زيادة حَرف يَستوجِبُ بِهِ القارئ عشر حَسَنَاتٍ. والواو تُعطَف بها جملة على جملة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) . حدثنا السعدي قال: حدثنا على بن خشرم عن عيسى عن يونس عن موسى عن عبيدة عن محمد بن كعب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ليت شعري: ما فعل أبواي. فأنزل الله: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) . قرأ نافع ويعقوب: (وَلَا تَسْأَلْ) بِفَتح التاء وجزم اللام. وقرأ الباقون: (وَلَا تُسْأَلُ) بضم التاء واللام.

(كما سئل موسى من قبل ... (108) .

قال أبو منصور: مَن قرأ: (وَلَا تَسْأَلْ) - بالجزم - جزمه بـ (لا) النهي، وله معنيان: أحدهما: أن الله أمره بترك المسألة عنهم. والآخر: أن في النهي تفخيما مما أعدَّ الله لهم من العقاب، كما يقول لك القائل الذي يعلم أنك تحب أن يكون من تسأله عنه في حالٍ جميلة أو قبيحة فيقول: لا تَسألْ عن فلان، أي: قد صار إلى أكثر مما تريد، والله أعلم بما أراد. وفيه وجهٌ آخر: أن يكون الله أمره بترك المسألة عنه. وَمَنْ قَرَأَ: (وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ) فإنه بمعني: ولست تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ ... (108) . اتفق القراء على التثقيل والهمز، إلا ما روي عن ابن عامر أنه قرأ: (سُئل) مهموزا بغير إشباعٍ.

(كن فيكون (117)

والقراءة بالهمز. ومن قرأ (سُئلَ) فإنه كان يجعلها بين بين، يكون بين الهمز والياء، فتلفظ (سئِئِل) ، وهنا إنما تُحكِمُه المشافهة -، لأن الكتاب فيه غير فاصل بين المحقق والمليَّن. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كُنْ فَيَكُونُ (117) اتفق القراء على رفع النون عن قوله: (فَيَكونُ) فىِ جميع القرآن، إلا ابن عامر فإنه قرأ: (فَيَكونَ) بالنصب في جميع القرآن إلا في ثلاتة مواضع: موضعين في آل عمران، قوله: (فَيَكُونُ طَيْرًا) بالرفع، وقوله: (فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ، والثالث في الأنعام، قوله: (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ) بالرفع.

وتابع الكسائي ابن عامر على نصب النون في موضعين؛ رأس أربعين من النحل (فَيَكُونَ) ، وآخِر يس: (يَكُونَ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ: (فَيَكُونُ) بالرفع فمعناه: فهو يكونُ، أو: فإنه يَكُونُ. وقال الزجاج: مَنْ قَرَأَ: (فَيَكون) فإن شئت عطفته على (يقول) ، وإن شئت فعلى الإِينافِ، المعنى: فهو يكون. قال: ومعنى قوله: (إنما يقول له كُن فَيَكُون) : إنما يريد فَيَحدُثُ كما أراد. وقيل معناه: إنما يقول له (كنْ فَيَكُونُ) يقول هل وإن لم يكن حاضرا: (كن) لأن ما هو معلوم عند الله كونه بمنزلة الحاضر. وقال بعض النحويين: (إِنَّمَا يَقُولُ لَهُ) : من أجله. فكأنه إنما يقول من أجلِ إرادته إياه: (كنْ) ، أي: احدُث فَيَحدُثُ. ْوَمَنْ قَرَأَ: (فَيكُونَ) بالنصب فهو على جواب الأمر بالفاء، كما تقول: زُرني فَأزُورَك. وهذا عند القراء ضعيف، والقراءة بالرفع هو المختار.

وقوله جل وعز: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ... (125) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ... (125) . قرأ نافع وابن عامر: (وَاتَّخَذُوا) على الخبر، بفتح الخاء. وقرأ الباقون بكسر الخاء على الأمر. وكل ذلك جائز. ورُوي عن عمر أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وقفا على مقام إبراهيم: أليس هذا مقام خليل الله؟ أفلا نتخذه مصلى؟ فأنزل الله: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) فكان الأمر على هذا الخبر أبيَنُ وأحسَنُ. وليس يمتنع قراءة مَنْ قَرَأَ: (وَاتَّخَذُوا) ؛ لأن الناس اتخذوه، وقال الله جَل وعزَّ: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ) ثم قال: (وَاتَّخَذُوا) فعطف بجملة على جملة. * * * وقوله - عزَّ وجلَّ -: (إِبْرَاهِيمَ ... (124)

قرأ ابن عامر وحده: (إِبْرَاهَامَ) بالألف في سورة البقرة، وفي سورة آل عمران بالياء، وفي سورة النساء بألف إلا قوله: (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ) ، وفي الأنعام بالياء، إلا قوله: (مِلَّةِ إِبْرَاهَامَ) وفي سورة التوبة بالألف إلا موضعا واحدا قوله: (وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ) ، وفي سورة هود بالياء، وفي سورة يوسف بالياء، وفي سورة إبراهيم بالياء إلا موضعا: (إذ قَالَ إِبْرَاهَامُ) ، وليس في كلام العرب (إفعَالال) . وقرأ الباقون بالياء في جميع القرآن.

(نعمتي التي (122) .

قال أبو منصور: القراءة بالياء لِتَتَابُع القراءة عليه، ومن قرأ: (إبراهَامُ) فهي لغة عِبْرانِية تركت على حالها ولم تعرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نِعْمَتِيَ الَّتِي (122) . اتفق القراء على تريك الياء من قوله (نِعْمَتِيَ الَّتِي) ، إلا ما روى المفضل عن عاصم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِونَ (124) . قرأ حمزة وحفص عن عاصم: (عَهْدِي الظَّالِمِينَ) بإرسال الياء. وقوله - عزَّ وجلَّ -: (بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ... (125) .

(فأمتعه قليلا ... (126) .

حرك الياء من (بَيْتِيَ) نافع وحفص، وأسكنها الباقون. وقال الزجاج: أجود اللغتين في قوله: (نِعْمتي التِي) فتح الياء؛ لأن الذي بعدها ساكن وهو لام المعرفةِ، واستعمالها كثير في الكلام، فاختير فتح الياء معهما لالتقاء الساكنين ولأن الياء لو لم يكن بعدها ساكن كان فتحها أصوب في اللغة. قال: ويجوز أن تُحدف الياء في اللفظ لالتقاء الساكنين فَيُقرأ: (نِعْمَتِ الَّتِي) بغير إثبات الياء. قال: والاختيار إثبات: الياء وفتحها لأنه أقوى في العربية، وأجزل في اللفظ، وأتم للثواب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ... (126) . قرأ ابن عامر وحده: (فَأُمْتِعُهُ) بالتخفيف، من (أمتَعْتُ) . وقرأ الباقون: (فَأُمَتِّعُهُ) مشددًا، من (مَتَّعْتُ) . وهما لغتان جيدتان: أمْتعْتُ، ومَتَّعْتُ بمعنى واحدٍ. ومعنى:

(وأرنا مناسكنا ... (128) .

فأمتعه قليلًا: أُملِي به المدة إملاءً قليلا. وعلة الرفع في قوله (فأمتعُة) أن الفاء جواب للمجازاة في قوله: (ومَن كَفَرَ) ، وإذا كانت الفاء هي الجواب رُفِع ما بعدها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ... (128) . قرأ ابن كثير ويعقوب: (وَأَرْنَا) و (رَبِّ أَرْنِي) و (أَرْنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا) ، ونحو ذلك، بتسكين الراء. وروى شبل عن ابن كثير: (وَأَرْنَا) بين الإسكان والكسر. وقرأ أبو عمرو في رواية اليزيدي، وعبد الوارث، وهارون، وعبيد، وعلي بن نصر: (وَأرَنَا) و (أرْنِي) بين الإسكان والكسر، وهو مذهب أبي عمرو في هذا الباب، لا يجزم ولا يثقل.

(ووصى بها إبراهيم ... (132) .

وقرأ ابن عامر وأبو بكر عَن عاصم مثل قراءة ابن كثير ويعقوب في (حم السَجدة) فقط. وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص بالتثقيل في جميع القرآن. قال أبو منصور: القراءة (أرِنَا) بالكسرة لأن الأصل فيه (أرِئِنَا) ، فالكسرة إنما هي كسرة الهمزة التي ألقيت وطرحت حركتها على الراء، وإذا كانت الكسرة دليل الهمزة قبُحَ حذفها. وقراءة أبي عمرو بالكسرة المختلسة جيدة، مأخوذة عن العرب الذين يكرهون التثقيل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ ... (132) . قرأ نافع وابن عامرٍ: (وأوصى بها) بالألف. وقرأ الباقون بغير ألف.

(أم يقولون إن إبراهيم ... (140) .

قال أبو منصور: هما لغتان: أوصَي،، وَوَصى، فاقرأ كيف شئْتَ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَمْ يَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ... (140) . قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو: (أم يقولون) بالياء، رواه عاصم لأبي بكر، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالتاء. قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهو مخاطِبة. ومن قرأ بالياء فهو إخبار عن غائب،. ومعنى أم: ألف الاستفهام، أيقولون؟ .

(لرءوف رحيم (143) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) . قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص: (لَرَءُوفٌ) بوزن رَعُوف في كل القرآن. وقرأ الباقون: (لَرَءُوفٌ) بوزن رَعُف قال أبو منصور: هما لغتان، وَرَءُوفٌ على (فَغول) أشبه بالصفات. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ ... (142) . قرأ حمزة والكسائي: (مَا وَلِّيهُمْ) مُمَالًا. ورواه أبو بكر عن عاصم بالإمالة أيضًا. وفَخَّمه الباقون. قال أبو منصور: هما لغتان، والتفخيم أفصحهما. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مُوَلِّيهَا ... (148) . قرأ ابن عامر وحده: (هُوَ مُوَلَّاهَا) . وقرأ الباقون: (هُوَ مُوَلِّيهَا) . من قرأ: (هُوَ مُوَلِّيهَا) فمعناه: مستقبلها، كأنه قال: هُوَ مُوليها وجهه. وقال أحمد بن يحيى: التولية ها هنا: إقبال. وقال الزجاج: قال قوم:

(لئلا يكون ... (150)

هُوَ مُوليها: إن الله يولي أهل كل ملة القبلة التي يريد. قال: وَمَنْ قَرَأَ: (هُوَ مُوَلَّاهَا) فالمعنى: لكل إنسان قِبلة ولَّاه الله إياها، وهي قراءة ابن عباس وأبي جعفر محمد بن علي، والقراءتان جيدتان، ومُوليَها أكثر وأفصح. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (لِئَلَّا يَكُونَ ... (150) اتفقوا على همز (لِئَلَّا) ، إلا ما رَوى ورش على نافع: (لِيَلَّا) غير مهموز، كذلك قال أحمد بن صالح ويونس عن ورش. قال أبو منصور: الاختيار (لِئَلَّا) بالهمز، لأن الأصل (لِأن لا) ، فأدغمت النون في اللام، والهمزة على حالها، لِئَلَّا يَحُل بالحرف حذف حرفين. وما روي عن نافع فهو جائز على تليين الهمزة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ... (158) . قرأ حمزة والكسائي: (وَمَنْ يَطَّوَّعْ) بالياء والجزم في الموضعين.

(فاذكروني أذكركم ... (152) .

وقرأ الحضرمي: (وَمَنْ يَطَّوَّعْ) في الأولى مثل قراءة حمزة، وقرأ الثاني: (وَمَنْ تَطَوَّعَ) مثل قراءة أبي عمرو. وقرأ الباقون مثل قراءة أبي عمرو بالتاء والنصب في الحرفين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَمَنْ يَطَّوَّعْ) بالياء والجزم جعل (مَن) مجازاة و (يَطَّوَّعْ) كان في الأصل (يَتَطوع) فأدغمت التاء في الطاء، وجُعلتَا طاء شدِيدةً. وَمَنْ قَرَأَ (تَطَوَّعَ) بالتاء والنصب فهو على لفظ الماضي، ومعناه المستقبل، وكل جائز حسن. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ... (152) . حرك الياء ابن كثير، وأبو قرَة عن نافع، وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ ... (164) . قرأ نافع: الرياح " في البقرة، و: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ) ، وفي الأعراف (يُرْسِلُ الرياحَ) ، وفي إبراهيم: (اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّياحُ) .

وفي الحجر: (الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ) ، وفي الكهف: (تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ) ، وفي الفرقان: (أَرْسَلَ الرِّيَاحَ) ، وفي النمل: (وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ) ، وفي الروم: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ) ، وفي فاطر: (أَرْسَلَ الرِّيَاحَ) وفي الجاثية: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ) وفي عسق: (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّياحَ) قرأهن كلهن نافع على الجمع. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم: (الريَاح) منها في تسعة مواضع في البقرة والأعراف، والحجر، والكهف،، والفرقان،

والنمل، والروم، وفي فاطر، والجاثية. وقرأوا في إبراهيم، وعسق على التوحيد. ووافقهم ابن كثير في أربعة مواضع في البقرة، والحجر، والكهف، والجاثية، والباقي على التوحيد - وقرأ حمزة واحدة منها على الجمع في الفرقان، والباقي على التوحيد. ولم يختلفوا في التي في سورة الروم: (الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) على الجمع. وقرأ الكسائي (الرياح) في موضععين في الحجر وفي الفرقان، والباقي على التوحيد. قال أبو منصور: قوله: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ) فاختلف القراء في هذا الحرف فقرئ مَرة (الرياحُ) ، ومرة (الريح) ، والريح يقوم مقام الرياح.

(ولو يرى الذين ظلموا ... (165) .

وكذلك قُرِئت، فمن قرأ الرياح فهو جمع الريح، وَمَنْ قَرَأَ الريح أراد بها: الرياح. ولذلك أنثت، لأن معناها الجماعة. وقال بعضهم ماكان من رياح رحمة فهي رياح، وما كان من ريح عذاب فهي واحدة. واتفق القراء على توحيد ما ليس فيه ألف ولام، كقوله: (وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا) وكذلك: (رِيحًا صَرْصَرًا) وما أشبهه، وما كان فيه الألف واللام فقد اختلف القراء فيها على ما بَينا، وكل ذلك جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ... (165) . قرأ نافع وابن عامر ويعقوب: (ولو ترى الذين ظلموا) بالتاء. وقرأ الباقون بالياء. * * * وقوله: (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ... (165) . قرأ ابن عامر وحده: (إِذْ يُرَوْنَ الْعَذَابَ) بضم الياء. وقرأ الباقون: (إِذْ يَرَوْنَ) بفتحها. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ: (ولو ترى الذين ظلموا) فالخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -

(أن القوة لله جميعا وأن الله ... (165) .

والمراد به الأمة، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو للظالمين. * * * ْوقوله جلَّ وعزَّ: (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ ... (165) . قرأ يعقوب وحده: (إِنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) بكسر الألف فيهما. قال أبو منصور: الاختيار: (أَنَّ الْقُوَّةَ) و (أَنَّ اللَّهَ) بفتح الألفين. وقرأ يعقوب بالكسر على إضمار جواب (لو) ، والتقدير: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لقلتَ: إن القوة لله جميعا وإن الله. وكذلك إذا قرئ بالياء؛ لأن المعنى: لعلموا أن القوة لله جميعا.

(ولا تتبعوا خطوات الشيطان ... (168) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ... (168) . قرأ ابن كثير في إحدى الروايتين، وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، وحمزة (خُطْوَاتِ) بسكون الطاء. وكذلك قرأ نافع، وروي عن ابن كثير في إحدى الروايتين: (خُطُوَاتِ) بضم الطاء، وهي قراءة ابن عامر والكسائي وحفص. قال أبو منصور: قال النحويون: يقال: خُطْوة واحدة ويجمع (خُطْوَاتِ) و (خُطُوَاتِ) وقد قرئ بهما، وفيها لغة ثالثة لم يُقرأ بها، وهي: (خُطَوَاتِ) . وفسِّرَ خُطو،: الشيطان: آثاره. وأصل الخطوة ما بين القدمين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَمَنِ اضْطُرَّ ... (173) . اختلف القراء في ضم النون وكسرها من قوله: (فَمَنِ اضْطُرَّ) ، وفي

التاء من قوله: (وَقَالَتُ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) ، وفي الدال من قوله: (وَلَقَدُ اسْتُهْزِئَ) وفي الواو من قوله: (أَوُ اخْرُجُوا) (أَوُ ادْعُوا) ، وفي اللام من قوله: (قُلُ انْظُرُوا) ، و (قُلُ ادْعُوا) ، ونحوهن. فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي: (فَمَنُ اضْطُرَّ) (أَنِ اقْتُلُوا) (أَوُ اخْرُجُوا) ، (وَلَقَدُ اسْتُهْزِئَ) ، (وَقَالَتُ اخْرُجْ) ، (أَوُ انْقُصْ) وما نَحَا نحو هذا بالضم.

قرأ أبو عمرو: (قُلُ ادعُوا اللهَ) ، (أوُ انقُص) ، (أوُ اخرجُوا) ، (أوُ ادعُوا) (قُلُ انظروا) بضم اللام والواو في هذه الخمسة الأحرف، وكَسر الباقي. ورَوى هارون عن أبي عمرو: (وقالتُ اخرج) بضم التاء، (فمنُ اضطر) بضم النون. وقرأ عاصم وحمزة بكسرها كلها في التنوين وغيره، لاجتماع الساكنين. وقرأ يعقوب: (أوُ اخرجُوا) ، (أوُ ادعوا) ، (أوُ انْقُص) بضم هذه الثلاثة الأحرف، وكسر الباقي. قال أبو منصور: هما لغتان، فمن كسر فلاجتماع الساكنين، ومن ضم فلأن ألف الوصل كان حقها الضم لو ابتدى بها، فلما سقطت في الوصل نقلت ضمتها إلى الحرف الذي قبلها.

(ليس البر أن تولوا وجوهكم ... (177) .

واتفق القراء على ضم الطاء من "اضطُّر" ومن فتحها فقد خالف الإعراب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ... (177) . قرأ حفص وحمزة: (لَيْسَ الْبِرَّ) بالنصب، وقرأ الباقون: (لَيْسَ الْبِرُّ) رفعا. قال أبو منصور: الاختيار الرفع؛ لأن (ليسَ) يرفع الاسم الذي يليه، ومن نصب فعلى أنه جعل اسم ليس (الْبِرُّ) (أَنْ تُوَلُّوا) ، و (الْبِرَّ) خبره، وهو جائز، والرفع أجود القراءتين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ... (177) . قرأ نافع وابن عامر: (وَلَكِنِ الْبِرُّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) ،

(فمن خاف من موص جنفا ... (182) .

(ولكِنِ البِرُّ مَن اتَّقَى) بتخفيف النون من (لكن) ورفع (البر) . وقرأ الباقون بتشديد النون والنصب. قال أبو منصور: هما لغتان فاقرأ كيف شئت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا ... (182) . قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي ويعقوب: (مِنْ مُوَصٍّ) بتشديد الصاد. وقرأ الباقون: (مِنْ مُوصٍ) . قال أبو منصور: هما لغتان: وصَّى وأوصى، فاقرأ كيف شئت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ... (184) . قرأ نافع وابن عامر: (فِدْيَةُ طَعَامِ مِسَاكِينَ) بالإضافة، وخفض الطعام، وجمع مساكين. وقرأ الباقون: (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) بالتنويق والرفع والتوحيد. قال أبو منصورة مَنْ قَرَأَ (فِدْيَةُ طَعَامِ مِسَاكِينَ) أضاف فدية إلى طعام مساكين، والعرب تضيف الشيء إلى نعته، كقول الله جلَّ وعزَّ:

(ولتكملوا العدة ... (185)

(وَحَبَّ الْحَصِيدِ) ، و (ذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) . وَمَنْ قَرَأَ: (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) رفع قوله (طَعَامُ مِسْكِينٍ) لأنه ترجمة عن فدية، ويكون بدلاً، كأنه قال: وعلى الذين يطيقونه طعام مسكين. * * * وقوله عزَّ وجلَّ: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ... (185) قرأ عاصم ويعقوب (وَلِتُكَمِّلُوا الْعِدَّةَ) مشددا، ورُوِى ذلك عن أبي عمرو أيضًا، وروى عنه التخفيف، وقرأ الباقون بالتخفيف. قال أبو منصور: العرب تقول: كمَّلت الشيء وأكملته بمعنى واحد، مثل: وصَّيت وأوصيت، ونجَّيتُ وأنجَيت.

(وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (186) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) . اتفق القراء على ضم الشين من (يَرشُدونَ) ، وهو من رشَد يرشُد، وفيه لغة أخرى لم يُقرأ بها، وهي: رَشِد يَرشَد. وحَرك الياء من قوله: (بِيَ) ورش عن نافع. وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ... (189) . قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: (البِيُوتَ) بكسر الباء في كل القرآن، وكذلك كسر العين من العِيون، والجيم من الجِيوب، والشِين من الشيوخ والغين من الغِيوب، وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم نحو ذلك، وقال يحيى عن أبي بكر عن عاصم: إنه ضم الجيم من

(ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام ... (191) .

الجُيوب، وكسر ما سوى ذلك من هذه الحروف، وكسر نافع في رواية قالون الباء من البِيوت، وضم سائر الحروف. وقرأ أبو عمرو ويعقوب كلها بالضم. . قال أبو منصور: من ضم أول هذه الحروف فلأنها مبنية على (فُعُول) بضم الفاء ومن كسر اعتل بالياء، فأتبع الكسرة الكسرة، كما قالوا: أبيضُ وبِيض، وقالوا في جمع أعين: عِين، والأصل: بُيِضٌ، وعُيِنٌ. كما قالوا: أصْفَر وصُفُر، وأحمَر وحُمُرَ. وروى سليم عن حمزة أنه كان يُشمَ الجيم من: (جيوبهن) الضم ثم يشمه كسرة خفيفة، ويرفع الياء. وروى غيره عن حمزة الكسرة في جميعها. * * * " وقوله عزَّ وجلَّ: (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ... (191) . قرأ حمزة والكسائي: (لا تَقتُلوهم. . . حَتى يَقتُلوكُم. . . فإن قَتَلوكم) بغير ألف. وقرأ الباقون فيهن بالألف. قال أبو منصور: من قرأ: (لا تَقتُلوهم) فالمعنى: لا تَبدَأُوهم بِقَتل حتى يَبدَأوكم به، وجاز ولا تَقتُلوهم وإن وَقع القَتْل بِبَعضٍ دون بعض، لأن العرب

_ (1) وروى حفص عن عاصم الضم في سائرها. (المبسوط في القراءات العشر 144) . وكذا ضمها أبو جعفر ويعقوب. (المبسوط في القراط: العشر 144) .

(فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ... (197) .

تقول: قَتَلنا القوم، وإنما قَتَلوا بعضَهُم، وَمَنْ قَرَأَ: (ولاَ تُقَاتِلوهم) فإنهم نُهُوا عن قصدِهم بالقتال حتى يكون الابتداء منهم، والقِتَال من اثنين، والقَتْل من الواحد. وأجازت العرب قَاتَلهُ اللهُ بمعنى: لعَنَهُ الله. وقيل في قوله: (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) ، أي: قَتَلهُم اللهُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ... (197) . قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو ويعقوب: (فَلَا رَفَثٌ وَلَا فُسُوقٌ) رفعًا بالتنوين. وقرأ الباقون نصبا غير منون، على التبرئة، واتفقوا كلهم على نصب اللام من قوله: (وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَلَا رَفَثٌ وَلَا فُسُوقٌ) فرفعهما بقوله في الحج، وإنما يحسنُ الرفع إذا نُسقَ عليه، وإن لم ينسق عليه بـ (لا) فالاختيار النصب بلا تنوين، كقوله جلَّ وعزَّ: (لا رَيبَ فِيهِ) على التبرئة، ومعنى (وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) ، أي: لا شك أن الحج في ذي الحجة.

(ادخلوا في السلم كافة ... (208) (وإن جنحوا للسلم) ، (وتدعوا إلى السلم) .

وقرأ الباقون: (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ) بالنصب في جميعها على التبرئة، ولو قرئ: (وَلَا جِدَالٌ) بالرفع والتنوين كان ذلك جائزا في كلام العرب، فأما في القرآن فلا يجوز؛ لأن القراءة سنة، ولم يقرأ بها أحد من القُراء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ... (208) (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ) ، (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) . قرأ ابن كثير ونافع والكسائي: (ادْخُلُوا فِي السَّلْمِ) فتحوا السين في ثلاثهن. وقرأ أبو عمرو، وابن عامرٍ وعاصم في رواية حفص، ويعقوب: (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ) بكسر السين، (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ) ، (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) بفتح السين. وقرأ أبو بكر عن عاصم ثلاثهن بالكسر، وقرأ حمزة: (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ) (وَتَدْعُوا إِلَى السِّلْمِ) بالكسر فيهما، وفتح قوله: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ) .

(مرضات الله ... (207)

قال أبو منصور: وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: كان أبو عمرو يكسر التي في البقرة، ويذهب بمعناها إلى الإسلام، ويفتح اللتين في الأنفال وسور محمد، ويتأول فيهما المُسالمة. قال أبو العباس: والقراءة التي اجتمع عليها أهل الحرمَين بالفتح في كله، لأنها أعَربُ اللغتين وأعلاهما. رأخبرني المنذري عن الحرلم ني عن ابن السكيت إنه قال: السَّلم: الصُّلحُ. ويقال: سَلم. وأخبرني ابن فَهْم عن محمد بن سلام عن يُونُس قال: السَّلم: الإسلام، وأما الصُّلح فيجوز فيه سَلم وسِلم. * * * قوله جلَّ رعز: (مَرْضَاتِ اللَّهِ ... (207) وقف حمزة على (مَرْضَاتِ) بالتاء. ووقف الباقون على "مَرضاةِ" بالهاء. وأمال الضَّادَ الكسائي، وفتحها حمزة، وفخمها الباقون. قال أبو منصور: أجاز أهل العربية الوقوف على مرضاة وأشباهها من الهاءات التي ليست بأصلية بالتاء. وكذلك: (هَيهَاتَ) و (يَا أبَتِ)

(وإلى الله ترجع الأمور (210) .

وإن وقف عليها بالهاء فهو جائز، والتفخيم في مرضات أحسن من الإمالة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) . قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب: (تَرْجِعُ) بفتح التاء في كل القرآن. وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الجيم (تُرْجَعُ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَرْجِعُ الْأُمُورُ) فالفعل للأمور، ويكون (تَرْجِعُ) لازمًا. وَمَنْ قَرَأَ (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فهو على ما لم يُسَم فاعله، وجعله متعديا. والعرب تقول: رجعتُه فَرَجَعَ، لفظ اللازم والمتعدي سواء: كقولك: نقصته فنقص، وهبطهُ فهبَط.

(حتى يقول الرسول ... (214) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ ... (214) . قال الفراء قرأها القراء بالنصب إلا مجاهد، ونافعا فإنهما رفعَا (حَتَّى يَقُولُ) . قال الفراء: وكان الكسائي يقرأها دهرًا: (حَتَّى يَقُولُ) ثم رجع إلى النصب. وقرأ سائر القراء: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) نصبا. وقال الفراء: من قرأ بالنصب فلأن الفعل الذي قبل (حتى) مما يتطاول، وإذا كان الفعل على هذا المعنى نُصِبَ بـ (حَتَّى) ، وإن كان في المعني ماضيا. قال: وإذا كان الفعل الذي قبل (حتى) لا يتطاول وهو ماض رُفع الفعل الذي بعد (حتى) إذا كان ماضيا. قال أبو منصور: العرب تنصب ب (حتى) الفعل المستقبل وهو أكثر كلام العرب. ومن العرب من يرفع الفعل المستقبل بعد (حتى) إذا تضمن معنيين: أحدهما: أن يَحسُن (فَعَل) في موضع (يَفْعُل) ، كقوله: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) معناه: حتى قال الرسولُ. والمعنى الثاني: تطاول الفعل الذي قبل (حتى) كقولك: سرتُ نَهَارِي أجمعَ حتَى أدخُلهَا، بمنزلة: سرتُ فدخلتُها، فصارت (حتى) غير عاملة في الفعل، وعلى هذا يؤيدُ قراءة مَنْ قَرَأَ (يقولُ) .

(قل فيهما إثم كبير ... (219) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ... (219) . قرأ حمزة والكسائي: (إِثْمٌ كَثِيرٌ) بالثاء. وقرأ الباقون: (إِثْمٌ كَبِيرٌ) . قال أبو منصور: ما أقرب معنى الكثير من الكبير فاقرأ كيف شئت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ... (219) . قرأ أبو عمرو وحده: (قُلِ الْعَفْوُ) بالرفع. وقرأ الباقون: (قُلِ الْعَفْوَ) نصبا. قال أبو منصور: من جعل (ماذا) اسما واحدًا ردَّ (العَقوَ) عليه فنصبه. ومن جعل (ما) اسمًا و (ذا) خبره وهي في المعنى (الذي) رد (العَفوَ) عليه فرفعهُ، المعنى: ما الذي ينفقون؟ فقال: العفوُ، أي: الذي ينفقون العفوُ. والعَفو: ما عَفَا وتيسَر ولم يَشُقَّ، وأصل العَفْو: الفَضل الذي لا يُعَنِّي صاحِبَهُ.

(حتى يطهرن ... (222) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (حَتَّى يَطْهُرْنَ ... (222) . قرأ عاصم وحمزة والكسائي: (حَتَّى يَطَّهَّرْنَ) بتشديد الطاء والهاء. وقرأ الباقون: (حَتَّى يَطْهُرْنَ) مخففا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (حَتَّى يَطَّهَّرْنَ) والأصل: يَتَطهَّرنَ والتطهرُ يكون بالماء، فأدغمت التاء في الطاء فشددت. وَمَنْ قَرَأَ (حَتَّى يَطْهُرْنَ) فالمعنى: يَطهُرنَ مِن دَم المحِيض إذا انقَطع الدم. وجانز أن يكون يَطهُرن الطهر التام بالماء بعد انقِطاع الدم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا أَنْ يَخَافَا ... (229) . قرأ حمزة ويعقوب: (يُخَافَا) بضم الياء. وقرأ الباقون: (يَخَافَا) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَخَافَا) بفتح الياء فإن الفراء قال: الخَوف

في هذا الموضع كالظن. قال: والاختيار (إِلَّا أَنْ يَخَافَا) . قال: وأما ما قرأ به حمزة (إِلَّا أَنْ يُخَافَا) فإنه اعتبر قراءة عبد الله التي رُوِيَت له "إلا أن تَخَافوا) . قال: ولم يُصِبْ حمزةُ، والله أعلم؛ لأن الخوف إنما وقع على (أن) وَحدها إذ قال: (إلِا أن تَخَافوا أن لا تُقِيمُوا"، وحمزة قد أوقع الخَوْف على الرجل والمرأة، وعلى (أن) ألا ترى أن اسمَها في الخوف مَرفوع بِما لم يُسَم فاعله، فلو أراد: إلِا أن يُخَافَا على هذا، ويُخافا بِذا، أو مِنْ ذا. فيكون على غير اعتبار قراءة عبد الله كان جائزًا.

(يبينها ... (230) .

قال أبو منصور: الاختيار (إِلَّا أَنْ يَخَافَا) بفتح الياء، وهو قراءة أكثر القراء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ... (220) . قرأ ابن كثيرٍ: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ) بغير همز، وهمز الباقون. ْقال أبو منصور: الاختيار الهمز، لأن ألف أعنتكم مقطوعة، وهي كالأصلية، فهمزها أكملُ وأعرب. وأما قراءة ابن كثير فهو عندي على اختياره تليين الهمزة، لا أنه حذف الهمزة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُبَيِّنُهَا ... (230) . اتفق القراء على الياء في (يُبَيِّنُهَا) إلا ما رَوى المفضل عن عاصم: (نُبَيِّنُهَا) بالنون. والمعنى فيمن قرأ بالنون والياء قريب من السواء، إلا أن القِراءة

(لا تضار والدة بولدها ... (233) .

بالياء أجود لاتفاق القراء عليها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ... (233) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (لَا تُضَارُّ وَالِدَةٌ) رفعًا. وروى أبانُ عن عاصم الرفع أيضًا، وقال أبو بكر بن مجاهد: أخبرني ابن أبي الرجال عن بشر بن هلال عن بَكار عن أبَان بن يزيد عن عاصم: (لَا تُضَارَرْ وَالِدَةٌ) . قال: كذا هو في كتابي راءين. وقرأ الباقون: (لَا تُضَارَّ) نصبًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ) بفتح الراء. والموضع موضع جزم على النهي، ولفظه لفظ الخبر، الأصل (لاتضارَرْ) فأدغمت الأولى في الثانية، وانفتحت لالتقاء الساكنين، وهو الاختيار في المضاعف، كقولك عضَّ زيدا، وضارَّ عمرًا يا رَجُل، يعني: لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بولدها، أي: لاتترك إرضاع ولدها ضِرارًا لأبيه فتُضِر بالولد؛ لأن الوالدة أشفَق على ولدها من الأجنبية، ولبنُها له أهَنأ وأمْرأ.

(ولا مولود له بولده ... (233) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ... (233) . أي: لا يضارُّ الوالد الأمَّ فيأخذه منها يَرُوم بذلك غَيظها فَيُضِر بولده. وَمَنْ قَرَأَ (لا تُضَارُّ) برفع الراء فإن المنذري أخبرني عن أحمد بن يحيى أنه قال: كان ابن كثير وأبو عمرو يقرآن (لاتُضَارُّ) ، قال: وأحسِبُهما آثرا الرفع عطفا على قوله: (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ) فأتبعا الرفع الرفع وجعلاه خبرا، والمعنى نهي. قال: والقراءة بالنهي، لأنه نهي صحيح. * * * قوده جلَّ وعزَّ: (إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ ... (233) قرأ ابن كثير وحده: (مَا أتَيْتُمْ) بقصر الألف. وقرأ الباقون: (ما آتَيتُنم) . قال أبو منصور: (مَا آتَيتُم) معناه: ما أعطيتم، من أتى يُؤتي، والمعنى: إذا سَلمتم الأجْرة إلى المرضعة، وقيل: إذا سَلمتم، أي: ما أعطاهُ بعضكم

(من قبل أن تمسوهن ... (237) .

لبعض من التراضي في ذلك. وَمَنْ قَرَأَ (ما أتَيتُم) بقصر الألف فإن ابن الأنباري قال: لا يحتمل أن يكون معناه غير ما جئتم بالمعروف، من المَجِيء. قال: وليست في هذا الموضع حسنة، والقراء (ما آتَيتُم) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ... (237) . قرأ حمزة والكسائي: (تُمَاسُّوهُنَّ) بضم التاء، وإثبات الألف. وقرأ الباقون: (تَمَسُّوهُنَّ) بغير ألف. وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: مَنْ قَرَأَ (تَمَسْوهُنً) فهو الاختيارة لأنا وجدنا هذا الحرف في غير موضع من الكتاب بغير ألف: (لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) ، وكل شىء في القرآن من هذا الباب فهو فِعْلُ الرجل في

(على الموسع قدره ... (236) .

باب الغِشيَان. قال: وهو أحَبُّ إليَّ مِنْ قرَاءة مَنْ قرأ: (مَا لَمْ تُمَاسُّوهُنَّ) قال: ومَن قرأ: (مَا لَمْ تُمَاسُّوهُنَّ) اعتدَ بأن الفعل لهما، وأنهما يَلتذَّانِ معًا بالجِمَاع، فهو منهما. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ... (236) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم والحضرمي: (قَدْرُه) و (قَدْره) خفيفتين. وقرأ الباقون: (قَدَرُهُ) بالتثقيل. وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: التثقيل أعلى اللغتَين (قَدَرُهُ) . قال: وقال الكسائي: يُقرأ بالتخفيف والتثقيل، وكل صواب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ ... (240) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر عن عاصم والكسائي ويعقوب: (وَصِيَّةٌ) رفعا. وقرأ الباقون: (وَصِيَّةً) نصبا.

(فيضاعفه له ... (245) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَصِيَّةً) أراد فليُوصوا وَصِيَّةً، ومن رفع فالمعنى فَعَليْهم وَصِيَّةٌ لأزواجهم، هكذا قال النحويون، والاختيار الرفع لقراءة أبيٍّ وابن مَسْعود: (الوَصِيةُ لأزواجِهِم متاعًا) . قال أبو منصور: وهذا منسوخ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ... (245) . قرأ ابن كثير: (فَيُضَعِّفُهُ لهُ) بتشديد العين مَرفوعًا بغير ألف، وكذلك قرأ في الحديد بالرفع، وكذلك شدد كُل ما كان من هذا، كقوله: (واللهُ يُضَعِّفُ) و: (يُضَعِّفُهُ) و (يُضَعَّفُ لَهَا الْعَذَابُ) ، ونحوهن، وتابعه

ابن عامرٍ ويعقوب في التشديد وحذف الألف في كل هذا، وخالفاه في الإعراب فَنَصَبا في البقرة والحديد. وقرأ أبو عمرو وحمزة ونافع والكسائي: (فَيُضَاعِفُهُ) بالرفع وإثبات ألف وكذلك قرَأوا في الحديد، وخَففُوا قوله: (واللهُ يُضَاعِفُ) بالألف، و (أَضعَافًا مُضَاعَفَة) وما أشبهه. هذا في كل القرآن إلا أبا عمرو فإنه يحذف الألف في الأحزاب، ويشدد العين من قوله: (يُضَعَّفُ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ) . وقرأ عاصم (فيضاعفه) هاهُنا وفي الحديد بالنصب والتخفيف، وكذلك يخفف جميع هذا ويثبت الألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُضَاعِفُ) أو (يُضَعِّفُ) فمعناهما واحد، أخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت أنه قال: تقول العرب: ضَاعَفتُ الشيء وضَغفْتُه. ومثله: صاعر خذهُ وصَعَّره، وامرأة مُنَاعَمة ومُنَعَّمة، وعَاليتُ الرجل فوق البعير وعَليَّتُهُ.

_ (1) قرأها ابن عامر (فيضعفَهُ) بالنصب، لا بالرفع كما قرأها ابن كثير. أما يعقوب فروح برواية ابن كثير، ورويس كابن عامر. وقراءة أبي جعفر كابن كثير. (المبسوط في القراءات العشر 147) .

(يقبض ويبسط ... (245) ، و: (وزاده بسطة) .

وَمَنْ قَرَأَ بالرفع (فَيُضَاعِفُه) فإن أبا العباس قال: من رفعه جعل (الذِي) جزاء، وجعل ا@فاء منسوقة على صِلة (الذِ@) ، قال: ومن فصب (فَيُضَاعِفَهُ) جعل جواب الاستفهام. قال: والقراءة عندنا بالرفع، لأن فيه تأويل الجزاء، وكذلك بعض أصحابنا. قال أبو إسحاق: من رفع (فَيُضَاعِفُهُ) عطفه على قوله: (يُقرِضُ الله) ، ومن نصب فَعَلى جواب الاستفهام بالفاء. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ... (245) ، و: (وَزَادَهُ بَسْطَةً) . قرأ ابن كثير كل شيء في القرآن (يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ) و (وَزَادَهُ بَسْطَةً) .

في البقرة، وفي الأعراف مثله، و (المُسَيطِرُونَ) بالسين، وقرأ (بِمُصَيطِرٍ) بالصاد هذه وحده. وقرأ نافع: (يَقْبضُ وَيَبْصُطُ) و (وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً) في الأعراف، و (المصَيطِرون) و (بِمُصَيطِرٍ) بالصاد في هذه الأربعة المواضع، وسائر القرآن بالسين. وقرأ أبو عمرو وحمزة (المصَيطِرُون) و (بِمُصيطِر) بالصاد فيهما، وأشَمهما حمزة الزاي، وسائر القراء بالسين. وروى حفص عن عاصم (يقبِضُ وَيَبسطُ) و (بَسطة) في البقرة، و (بَسْطة) . في الأعراف بالسين.

وقرأ ابن عامر والحضرمي (يَقْبِضُ وَيَبسُطُ) ، و (بَسْطةً) في البقرة بالسين، والباقي بالصاد. وقرأ الكسائي كل شيء في القرآن بالصاد، إلا قوله: (وزادَهُ بَسْطةً) في البقرة بالسين، وهذه رواية ابن عُمر ونصير. وقال الفراء عن الكسائي: إنه قرأ كل هذا بالسين. قال أبو منصور: العرب تُجيز السين والصاد في كل حرف فيه طاء. وأخبرني أبو بكر عن شمر لأبي عبيد أنه قال: إذا كان في الاسم طاء أو خاء أو قاف أو غين ولا يكون في غير هذه الأربعة، مثل: الصراط والزراط والسراط، والبُزاق والبُصَاق، وسَنَخ الوَدَكُ وزَنَغ، ومصدغة ومزدغة ومسدغة.

(هل عسيتم ... (246) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (هَلْ عَسَيْتُمْ ... (246) . قرأ نافع وحده: (عَسِيتُم) بكسر السين في الصورتين، وقرأ يعقوب ها هنا: (عَسَيتُمْ) بفتح السين، وفي سورة القتال: (عَسِيتُم) . وسائر، القراء قرأوا: (عَسَيْتُم) . وهي القراءة المختارة، واتفق أهل اللغة على أن كسر السين ليس بجيد، وأنا أحسِبُها لغة لبعض العرب وإن كرهها الفصحاء. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ... (249) . حرك الياء من قوله (مِنيَ) نافع وأبو عمرو، وأَرسلها الباقون. وقرأ ابن كثير، نافع وأبو عمرو: (غَرْفة) بفتح الغين. وقرأ الباقون: (غُرْفَةً) بضم الغين.

(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ... (251) .

وأخبرني المنذري عن ابن فَهمٍ عن محمد بن سَلَّام عن يُونُس أنه قال: غُرفة وغَرفة عرييتان، وقال: غَرفتُ غَرفا، وفي الإناء غُرْفة، ومثله: حَسَوت حَسوَة، وفي الإناء حُسوَة. وقال أبو العباس: الغَرْفَةُ: المرة من المصدر، والغُرفة: الماء الذي يُغرف بَعَينه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ... (251) . قرأ نافع ويعقوب: (وَلَوْلَا دِفَاعُ اللَّهِ) بالألف. وقرأ الباقون: (دَفْعُ اللَّهِ) بغير ألف. وكذلك قرأ نافع ويعقوب في الحج: (دفِاعُ اللَّهِ) بألف. وقرَأ الباقون بغير ألف. قال أبو منصور: المعنى في الدفاع والدفع واحد، يقال: دافع الله عنك السوءَ، ودفع عنك السوء.

(يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ... (254) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ... (254) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب ها هنا وفي إبراهيم: (لَا بَيْعَ فِيهِ وَلَا خِلَال) وفي الطور: (لَا لَغْوَ فِيهَا وَلَا تَأْثِيم) بالنصب. وقرأ الباقون بالرفع والتنوين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا بَيْعَ فِيهِ وَلَا خُلَّةَ وَلَا شَفَاعَةَ) بالنصب فهو على التبرئة، ومن رفع ونوَّن فهي لغة جيدة إذا تكررت (لا) ، وإذا لم تتكرر فالاختيار النصب. ومعنى الرفع: الابتداء وخبره. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ... (255) . وقف يعقوب: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَه) بالهاء. وكذلك: (نِعِمَّا هِيَه) ،

(ربي الذي يحيي ويميت ... (258) .

و (كَأنَّهُ هُوَه) ، و (فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَه) . ويقف على: (عَم يَتَساءلونَ) عَمَّه، ونحو ذلك في القرآن كله. يقول هذه هاء الاستراحة. ْوالباقون من القراء يقفون على هذه الحروف بغير هاء. قال أبو منصور: أما ما اختاره يعقوب من الوقف على هذه الحروف بالهاء فهو من كلام العرب الجيد، غير أني أختار المرور عليها، وأن لا يتعمد الوقوف عليها، لأن الهاءات لم تثبت في المصاحف فأخأف أن تكون زيادة في التنزيل، وإن اضطر الواقف إلى الوقوف عليها وَقَفَ بغير هاء اتباعا للقراء الذين قرأوا بالسنة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ... (258) . أسكن الياء حمزة. وحركها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ... (258) . قرأ نافع وحده بإثبات الألف من (أنا) إذا لقيتها الهمزة مفتوحة أو مضمومة في اثني عشر موضعا في البقرة، وموضع في الأنعام، وموضع في الأعراف، وموضعين في يوسف، وموضعين في الكهف،

وموضعين في النمل، وموضع في المؤمن، وموضع في الزخرف، وموضع في الممتحنة. فإذا لقيت ألف (أنا) همزة مكسورة حذفها كقوله في الأعراف: (إِنْ أنَا إِلا نَذِير وبَشِير) ، وفي الشعراء (إِن أنَا إلِا نَذِير مبِين) ، وفي الأحقاف: (ومَا أنَا إلا نَذِير مبِين) ، فإنه حذف الألف في هذه المواضع. والباقون من القراء يطرحون ألف (أنا) في القرآن كله. ولم يختلفوا في طرحها إذا لم يلقها همزة. قال أبو منصور: في (أنا) ثلاث لغات: (أنَا) بإثبات الألف، كقولك:

(لبثت ... (259) ، و: (لبثتم) .

(عنَا) ، وليست بالجيدة. و (أنَ فعلت) ممالة النون إلى الفتح، وهي اللغة الجيدة، و (إن) فخففة الحركة، وهي رديئة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَبِثْتَ ... (259) ، و: (لَبِثْتُمْ) . أظهر الثاء في (لبِثت) و (لبِثْتم) ابن كثير ونافع وعاصم حيث وقعت. وأدغمه الباقون، إلا أن يعقوب أظهرها في حرفين في سورة المؤمنين، عند قوله: (قَالَ كَم لبِثتُم) ، و (قَالَ إن لبِثتُم) . قال أبو منصور: من أدغم فقرأ (لبتُّم) فلقرب مخرجي التاء والثاء. ومن أظهر الثاء فلأنه أشبع وأتم، وأنا أختار الإظهار. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (لَمْ يَتَسَنَّهْ ... (259) . قرأ حمزة ويعقوب بحذف الهاء من (يَتَسَنَّهْ) في الوصل، وكذلك

(فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) ، و (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) و (مَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) . وزاد يعقوب على حمزة حذف الهاء من قوله: (كِتَابِيَهْ) و: (حِسَابِيَه) وأثبتها حمزة. وحذت الكسائي الهاء من (يَتَسَنَّهْ) ومن (اقْتَدِهْ) ، في الوصل، وأثبت الهاء في الوصل والوقف، أي في غيرهما، ولم يختلفُوا في أن الهاء ثابتة في الوقف، والباقون يصلون بالهاء ويقفون على الهاء. وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال في قوله: (لَمْ يَتَسَنَّهْ) : قرأها أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم بإثبات الهاء إنْ وَصلوا وإن قَطعوا، وكذلك قوله: (اقْتَدِهْ) وما أشبهه في القرآن. ووافقهم أبو عمرو إلا في الأنعام، فإنه كان يحذف الهاء منه في الوصل، ويثبتها في الوقف، وكان الكسائي يحذف الهاء من (يَتَسَنَّهْ) ، و (اقْتَدِهْ) ، في الوصل، ويثبتها في

الوقف ولا يفعل ذلك في سائر هاءات الوقف في القرآن، وكان عاصم يُثبتُها في الوقف في القرآن كله، ويحذفها في الوصل، مثل قوله: (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ) ، و (مَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ) . وكان الأعمش وحمزة يفعلان ذلك أيضًا في قوله: (لَمْ يَتَسَنَّهْ) ، وفي: (فَبِهُداهُمُ اقتَدِه) ، وفي حرفين من الحاقة: (مَالِيَه) و (سُلطانِيَه) وأما ما سواها فإنهما كانا يثبتان الهاء في الوصل والقطع. قال أبو العباس: ونحن نذهب إلى أن هذه الهاءات هاءات وقف، والوجه فيها كلها أن تحذف في الموصَل والممر، وتثبت في الموقف، فهذا الوجه

(كيف ننشزها ... (259) .

في العربية، وقد تصل العرب على مثال الوقف، فيكون الوصل كالقطع، وهذا من ذلك، فاعلم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَيْفَ نُنْشِزُهَا ... (259) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب: (نُنْشِرُهَا) بالراء، وقرأ الباقون: (نُنْشِزُهَا) بالزاي. وروى عبد الوهاب بن عطاء عن أبان عن عاصم: (كَيف نُنْشِرُهَا) بفتح النون وضم الشين، وهي قراءة الحسن. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نُنشِزُها) بالزاي فالمعنى: نجعلها بعد بِلاهَا وهُمودهِا نَاشِزَةً، تَنشُز بَعضَهَا إلى بَعض، أي: ترتفع، مأخوذ من نشَزَ، والنشْزُ هو: ما ارتفع من الأرض. وَمَنْ قَرَأَ: (نُنشِرها) بالراء فمعناهُ: نحييها، يقال: أنشَرَ الله الموتى، أي: أحياهم فنشروا، أي: حيوا، ومن

(قال أعلم أن الله على كل شيء قدير (259) .

قرأ (ننشرها) فهو مأخوذ من النشر بعد الطي. والقراءة (نُنْشِرُهَا) أو (نُنْشِزُهَا) بضم النون الأولى فيهما، وأما (نَنْشِرُهَا) فهي شاذة، لا أرى القراءة بها. وقوله عزَّ وجلَّ: (قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) . قرأ حمزة والكسائي: (قَالَ اعْلَمْ) بالأمر. وقرأ الباقون: (أَعْلَمُ) بقطع الألف وضم الميم. وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال في قراءة عبد الله: (قيلَ اعْلَمْ) على الأمر. وكذلك قرأ حمزة والكسائي، اعتبرا قراءة عبد الله، وَأما أبو جعفر وشيبة وعاصم ونافع وأبو عمرو فإنهم قرأوا: (قَالَ أعْلمُ) ، قال: واختارها أبو عمرو على أنه من مقالة الذي أحياه الله. وقال أحمد ابن يحيى: وأنا أختاره؛ لأنه مفسر في حديثه أنه لما رأى ما صُنعَ به وبحمَاره قال عند ذلك: (أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) قال أبو العباس: ونحن

(فصرهن إليك ... (260) .

نذهب به إلى الجزم؛ لأن مَنْ قَرَأَ به أكثر، على أنهُ قيل لإبراهيم: و (اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ... (260) . قرأ حمزة ويعقوب: (فَصِرْهُنَّ إِلَيْكَ) بكسر الصاد. وقرأ البا قون: (فَصُرْهُنَّ) بالضم. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَصُرْهُنَّ) فمعناه: أمِلهُن إليك، يقال: صُرتُ الشيء أصُوره، أي: أمَلته، ومنه قول لبيد.

مِن فُقد مولى تَصُور الحيِّ جفنته ... أوزرْء مالٍ وَرزء المال يجتَبَر وَمَنْ قَرَأَ (فَصِرْهُنَّ) بكسر الصاد فإن الفراء قال: معناه: قَطعهُن، قال: وهو مقلوب من صَرَى يَصري، إذا قَطعَ. وأنشد: تَعَرَّب آبابي فَهَلَّا صَراهُمُ ... عَنِ المَوتِ أن لم يَذهَبُوا وَجُدوديِ قال: ومثله عَثَيتُ وعِثتُ. قال أبو منصور: والذي عندي في معنى (صُرْهُنَّ) و (صِرْهُنَّ) أن معناهما واحد، يقال: صَارَه يَصُورُهُ، ويصيُرهُ بللواو والياء، إذا مَالهُ، لغتان معروفتان. وأنشد الكسائي: وفَرْع يُصِيرُ الجِيدَ وَخفٍ كَأنهُ ... عَلى الليتِ قِنوانُ الكُرُوم الدوالِحِ.

(كمثل جنة بربوة ... (265) .

قال: يُصِيرُ: يُمِيل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ... (265) . قرأ ابن عامر وعاصم: (بِرَبْوَةٍ) و (إِلى رَبْوَةٍ) في سورة المؤمنين بفتح الراء. وقرأ الباقون بضم الراء. وأخبرني المنذري عن أبي العباس فيها ثلاث لغات: رَبْوَة، ورُبوة، ورِبوَة. والاختيار رُبوَة؛ لأنها أكثر في اللغة. قال: والفتح لغة تميم. قال أبو منصور: رِبوة لغة، ولا تجوز القراءة بها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ ... (265) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فَآتَتْ أُكْلَهَا) خفيفة، وكذلك كل ما أضيف إلى مؤنث فهو خفيف. قال أبو بكر: وافْتَرَقُوا فيما أضيف إلى مذكر نحو: (أُكُلُهُ) ، وما أضيف إلى اسم ظاهر، كقوله: (أُكُلٍ خَمْطٍ) فقرأ أبو عمرو بتثقيلهاحيث وقع، وثقل أيضًا ما لم يُضف،

(ومن يؤت الحكمة ... (269) .

نحو: (الأُكُلٍ) . وقرأ نافع وابن كثير بتخفيف ذلك كله. وقرأ الباقون بتثقيل ذلك كله ما استثنوا شيئا. قال أبو منصور: هما لغتان جيدتان فاقرأ كيف شئت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ... (269) . قرأ يعقوب وحده: (وَمَنْ يُؤْتِ الْحِكْمَةَ) بكسر التاء، وتقديره: ومن يُؤتِهِ اللهُ الحكمة. وقرأ الباقون: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ) بفتح التاء. قال أَبو منصور: القراءة بفتح التاء، و (يؤتَ) جزم ب (منْ) ، والجواب الفاء في قوله: (فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَنِعِمَّا هِيَ ... (271) قرأ ابن كثير، وعاصم في رواية حَفْص عنه، والأعشى عن أبي بكر عنه، ويعقوب (فَنِعِمَّا هِيَ) بكسرة النون والعين، وكذلك روى ورش عن نافع

بكسر النون والعين. وقرأ أبو عمرو ونافع وعاصم في رواية يحيى عن أبي بكر عن عاصم والمفضل عنه: (فَنِعْمَّا هِيَ) بكسر النون وتسكين العين. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: (فَنَعِمَّا هِيَ) بفتح النون وكسر العين وتشديد الميم. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَنِعِمَّا هِيَ) بكسر النون والعين فهو جيد؛ لأن الأصل في نِعْمَ: نَعِمَ ونِعْمَ ثلاث لغات. وَمَنْ قَرَأَ (فنِفما) فهي على لغة من يقول: نِعْمَ. وأما مَنْ قَرَأَ (فَنِعْمَّا) بكسر النون وسكون العين وتشديد الميم فهي على لغة من يقول: نِعْم كإثم، أدغم الميم من (نِعْمَ) في (ما) وشددها، وترك العين على حالها ساكنة، وهذه القراءة عند نحويي أهل البصرة

(ونكفر عنكم (271) .

غير جائزة؛ لأن فيها الجمع بين ساكنين مع غير حرف مد ولا لين، وكان أبو عُبَيد يختار هذه القراءة، ولم يُجِرها أهلُ النحو، والقراءة فَنَعِمَّا أو فنِعِمَّا ومعناهما فَنِعْم الشيء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَنُكَفِّرُ عَنْكُمْ (271) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب: (وَنُكَفِّرْ عَنْكُمْ) بالنون والرفع، وكذلك أبو خُليد عن نافع. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: (وَنُكَفِّرْ عَنْكُمْ) بالنون والجزم. وكذلك قال الكسائي عن أبي بكر عن عاصم بالنون والجزم. وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ) بالياء والرفع.

(يحسبهم الجاهل أغنياء ... (273) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نُكَفرْ) جزما عطفه على موضع الجزم في قوله: (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) لأن معناه: يكن خيرا لكم. وَمَنْ قَرَأَ (ونكَفرُ عَنكُم) بالنون والرفع رفعهُ لأن ما بعد الفاءِ قد صار بمنزلته في غير الجزاء، وهو اختيار سيبويه، كأنه استئناف، وكذلك مَنْ قَرَأَ (وَيُكَفِّرُ) بالياء والرفع. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ ... (273) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي والحضرمي (يَحْسِبُهُمُ) و (يَحسِبُونَ " و (يَحسِب) بكسر السين في كل القرآن. وقرأ ابن عامر

(فأذنوا بحرب من الله ورسوله ... (279) .

وحمزة وعاصم بفتح السين في ذلك كله. قال أبو منصور: هما لغتان معروفتان عن العرب، على (فَعِلَ يفعِلُ) حَسِبَ يحْسِبُ، والكسر لغة أهل الحجاز، والفتح لغة تميم، وحَسِب يَحْسِبُ. جاء نادرا، ومثله من باب السالم: نَعِم يَنْعِم، وزاد بعضهم يَئِسَ يَيئِسُ ويَيأَسُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ... (279) . قرأ عاصم في رواية أبي بكر، وحمزة: (فَآذِنُوا) بالمد وكسر الذال. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: (فَأْذَنُوا) مقصورا، وفتحوا الذال: قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَآذِنُوا) بالمد، المعني: فأعلموا مَن وراءكم أن

(لا تظلمون ولا تظلمون (279) .

كل مَنْ لم يترك الربا فهو حَرب، يقال: آذَتتُهُ أوذنُه، إذا أعلنته. ومن قرأ (فَأْذَنوا) بالقصر فمعناه: فاعلمُوا وأيقنُوا بحرب من الله، يقال: أذنتُ آذَنُ إِذنًا، إذا علمت الشيءَ واستيقَتتَ بهِ، وأَذنِ يَأذَنُ إذِنًا، إذا سَمِعت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) . روى المفضل عن عاصم: (لَا تُظْلَمُونَ وَلَا تَظْلِمُونَ) . وقرأ الباقون بفتح الأولى وضم الثانية. قال أبو منصور: المعنى: (لكم رُءوس أموالكم لا تَظلِمون بأن تأخذوا أكثر منها، ولا تُظلمونَ بأن تُنقَصُوا من رُءوس أموالكم شيئا، والتأخير والتقديم لا يُغَيِّر المعنى، غير أن أجود القرائتين: (لَا تَظْلِمُونَ) على أنهم فاعلون، و (لَا تُظْلَمُونَ) على أنهم مفعولون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ... (280) . قرأ نافع وحده: (إلِى مَيْسُرَةٍ) بضم السين. وقرأ الباقون بفتح

(وأن تصدقوا (280) .

السين. قال أبو منصور: هما لغتان: مَيسَرَة ومَيْسُرة، ومثله: مَقبَرة ومَقبُرة، ومشرَبة ومَشرُبة: للغُرفة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنْ تَصَدَّقُوا (280) . قرأ عاصم: (وَأَنْ تَصَدَّقُوا) خفيفة الصاد. وقرأ الباقون: (تَصَّدَّقُوا) بتشديد الصاد والدال. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بتخفيف الصاد فالأصل: تَتَصَدقوا فحُذِفت إحدي التاءين، وبقي تصدَّقوا. وَمَنْ قَرَأَ بتشديد الصاد فالأصل أيضًا: تتصدَّقوا، فأدغمت التاء الثانية في الصاد، وشددت، والمعنى واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ... (281) .

: (أن تضل إحداهما ... (282) .

قرأ أبو عمرو ويعقوب: (تَرْجِعُونَ) بفتح التاء. وقرأ الباقون: (تُرْجَعُونَ) بضم التاء، قال أبو منصور: (تَرْجِعُونَ) فِعلهُ لازم غير واقع. و (تُرْجَعُونَ) مفعول من رَجعته، فالأول واقع، والثاني لازم. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا ... (282) . قرأ حمزة: (إِنْ تَضِلَّ) بكسر الألف على محض الشرط، (فَتُذَكِّرُ) بتشديد الكاف وضم الراء، والفاء جواب الشرط. وفتح الباقون الألف من (أَنْ تَضِلَّ) والراء من (فَتُذَكِّرَ) . وأسكن الذال من قوله: (فَتُذْكِرَ) ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب، وخفضوا الكاف. وقرأ الباقون: (فَتُذَكِّرَ) . وأذكرتُ وذكَّرت واحد. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَنْ تَضِلَّ) المعنى: أن تنسى إحداهما

(إلا أن تكون تجارة حاضرة ... (282) .

فتُذكرها الذاكرة. وقوله: (فَتُذَكِّرُ) رفع مع كسر (إنْ) لا غير، وهي قراءة حمزة. وَمَنْ قَرَأَ (إن تَضِلَ إِحْدَاهُمَا فَتُذْكِرَ) فالمعنى: لأن تُذكرَ إحداهما الأخرى، ومن أجل أنْ تُذْكِر إحداهما الأخرى. وقال سيبويه: لِمَ جازَ (أن تَضِلَ) وإنما أعِدَّ هذا للإذكار؟ فالجواب: أن الإذكار لما كان سببُه الإضلال جاز (أن تَضِلَّ) ؛ لأن الإضلال هو السبب الذي أوجَب الإذكار. قال: ومثله في الكلام: أعددت هذا أن يَمِيل الحائط فأدْعَمُهُ، وإنما أعددتُهُ للدَغم لا للميل، ولكن الميل ذكِر لأنه سبب الدعم، كما ذكِر الإضلال لأنه سببُ الإِذكار، وهذا بَيِّن إن شاء الله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً ... (282) . قرأ عاصم وحده: (تِجَارَةً حَاضِرَةً) نصبا. وقرأ الباقون: (تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ) رفعا. قال أبو منصور: من نصب (تجارةً حَاضرةً) فالمعنى: إلا أن تكون المداينة تجارةً حاضرةً. ومن رفع (تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ) جعل (كان) مُكتفية بالاسم دون

(فرهان مقبوضة ... (283) .

الخبر، وذلك كثير. و (حاضرة) من نَعْت (تجارة) ، وذلك جائز في كلام العرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ... (283) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (فَرُهْنٌ) بغير الألف. وقرأ الباقون: (فَرِهَانٌ) بالألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَرُهْنٌ) أراد أن يَفصِل بين الرهان في الخَيل وبين الرهُن: جمع الرَّهْن. وقال الفراء: رُهْن: جمع الرِّهان.

(فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ... (284) .

وقال غيره: رَهْن ورُهُن، مثل: سَقْف وسُقف. ومن قرأ: (فَرِهَانٌ) فهو جمع رُهْن. وأنشد أبو عمرو في الرهن: بانَتْ سعادُ وأمسى دونَها عدنُ ... وَغلَّقَتْ عندَها مِنْ قبلِك الرُّهُنُ وأخبرني المنذري عن الحسن بن فهم عن ابن سلام عن يونس قال: الرُّهُن والرِّهَان واحد، عربيتان. والرُّهُن في الرَّهْن أكثر، والرِّهَان في الخيل أكثر. وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى قال: الاختيار (رِهَان) مثل: كَبشٍ وكِبَاشٍ وحَبلٍ وحِبالٍ وما أشبههما. قال: (ورُهُن) قراءة ابن عباس. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ... (284) . قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب: (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) بالرفع. وقرأ الباقون بجزم الراء والباء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُعَذِّبْ مَّنْ يَشَاءُ) أدغم الباء من (يُعَذِّبْ) في الميم من (مَّنْ يَشَاءُ) .

(وكتبه ورسله ... (285) .

وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى وسئل عن قوله (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) قال: من جزم رده على الجزم في قوله: (يُحَاسِبْكُم) . قال: وهو الاختيار عندي. قال: ومن رفع فهو على الاستئناف. قال أبو العباس: إنما اختَرْت الجزم لأنه يدخل في تكفير الذنوب إذا كان جوابا لقوله: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ) ومن رفع لم يجعله جوابًا لهذا الشرط. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ... (285) . قرأ حمزة والكسائي: (وكِتَابِهِ) مُوَحَدًا. وقرأ الباقون: (وَكُتُبِهِ) جميعا. قال أبو منصور عن ابن عباس: إنه قرأ (كِتَابِه) ، وقيل له في قراءته فقال: (كِتَاب) أكثر من (كُتُب) . قال أبو منصور: ذهب به إلى الجنس، كما يقال: كثر الدرهم والدينَار في أيدي الناس. وَمَنْ قَرَأَ (وَكُتُبِهِ) فهو مثل:

(لا يفرق بين أحد من رسله ... (285)

حِمَارٍ وحمْر وغِلافٍ وغلْف. * * * وقوله: (وَرُسُلِهِ) قد اتفق القراء على تثقيله. * * * وقرأ الحضرمي: (لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ... (285) بالياء وكسر الراء. وقرأ الباقون: (لَا نُفَرِّقُ) بالنون. وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: النون هو الاختيار، وعليها قُراء الأمصَار، ومعناها: يقول: لا نفرق بين أحد، فيكون القول فيه مضمرا، وإضمار القول كثير في القرآن. قال: وَمَنْ قَرَأَ: (لَا يُفَرِّقُ) فإنه يريد: مَن آمَنَ بالله لَا يُفَرِّقُ، ردَّه على مَن آمن بالله، وكلٌّ آمن، وكلٌّ لَا يُفَرِّقُ بين أحد منهم. واحد في معنى الجميع ها هنا. * * * وقال أبو بكر: حذفت من البقرة ست ياءاتٍ اكتُفى بكسراتِ ما قبلهن، منها: حذف ياء (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) ، (فَاتَّقُونِ (41) ، (وَلَا تَكْفُرُونِ (152) ،

(دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) ، (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) . وقد أثبتهن يعقوب في الوصل والوقف. ووصل أبو عمرو منهن ثلاثا: (الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) . ووقف بغير ياء. وحذفهن الباقون في الوصل والوقف. * * *

سورة آل عمران

سورة آلِ عِمْرَانَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال أبو بكر: قراءة الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: (الم (1) اللَّهُ ... (2) الميم ساكنة ومن اسم الله مقطوعة. وقرأ الباقون: (الم (1) اللَّهُ) ألقَوا فَتْحة الألف على الميم وحذفوها في الوصل. وقال أبو إسحاق النحوي رُوي عن الرؤاسي: (الم اللهُ) بتسكين الميم. قال: وقد رُوِيَت هذه القراء عن عاصم. قال: والمضبوط عن عاصم في رواية أبي بكر بن عياش وابن عُمَر بفتح الميم. قال: ففتح الميم إجماع من النحويين. قال: واختلف النحويون في عِلة فتح الميم. فقال بعضهم: فتحت لالتقاء الساكنين،

(ستغلبون وتحشرون. . (12) و: (يرونهم مثليهم) .

وقال بعضهم: طرحت عليها فتحة الهمزة؛ لأن نية حروف الهجاء الوقف، وهذا قول الكوفيين. وقال الأخفش: إن الميم لو كسرت لالتقاء الساكنين فقيل (الم اللهُ) لجاز. قال أبو إسحاق: وهذا غلط من الأخفش؛ لأن قبل الميم ياء مكْسُور ما قبلها، فحقها الفتح لالتقاء الساكنين؛ ولثقل الكسر مع الياء. وقال مجاهد: إنما قرأ القراء (المَ اللهُ) لأنهم ألقوا فتحة الألف على الميم وحذفوها في الوصل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ. . (12) و: (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: (ستغلبون وتحشرون) بالتاء و (يرونهم) بالياء. وقرأ نافع ويعقوب: (سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ) و: (ترونهم) كله بالتاء. وقرأ حمزة والكسائي: (سَيُغلبون ويُحشَرُون) و (يَرَونهم مثليهم) بالياء ثلاثتهن. وروى أبان عن عاصم: (ترونهم) بالتاء، وقال الفراء: مَنْ قَرَأَ بالياء (سيغلبون ويحشرون) فإنه ذهب بها إلى

مخاطبة اليهود وإلى أن الغلبة تقع على المشركين بعد يوم أحُد، وذلك أن النبي صلى الله عليه لما هزم المشركين يوم بدر قال اليهود: هذا النبي الذي لا تُرَد لهُ راية، فلما نُكِب المسلمون يوم أحد كذبوا ورجعوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: يا محمد قل لليهود: سيغلب المشركون ويحشرون إلى جهنم. فليس في هذا المعنى إلا الياء. قال الفراء: وَمَنْ قَرَأَ بالتاء جعل اليهود والمشركين كأنهم شيء واحد داخلين في الخطاب، فيجوز على هذا المعنى ستغلبون بالياء والتاء. وهذا كما تقول في الكلام: قل لعبد الله إنه قائم وإنك قائم. وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: الاختيار عندنا بالياء لأنه جلَّ وعزَّ خاطب اليهود، وأخبر أن مشركي أهل مكة سيغلبون، والتفسير عليه.

(ورضوان من الله ... (15) .

وقال الزجاج: من قرأها بالتاء فللحكاية والمخاطبة، أي: قل لهم في خطابك ستغلبون. قال: وَمَنْ قَرَأَ (سيغلبون) فالمعنى بلغهم أنهم سيُغلبون. . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ... (15) . قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: (وَرُضْوَانٌ) بضم الراء في كل القرآن، إلا قوله في المائدة: (مَن اتبعَ رِضْوانَهُ) فإنه كسر الراء ها هنا، وهذه رواية يحيى عن أبي بكر. وقال الأعشى: (رُضْوانُه) بالضم مثل سائر القرآن. وكسر الباقون الراء في جميع القرآن، وكذلك روى حفص عن عاصم. قال أبو منصور: الرُّضوان والرِّضوان لغتان فصيحتان، من رضِي يَرضىَ، إلا أن الكسر أكثر في القراءة، وهو الاختيار. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ... (19) . قرأ الكسائي وحده: (أَنَّ الدِّينَ) . وقرأ الباقون: ((إِنَّ) بكسر الألف.

وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى في قول الله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) بكسر الألف، وعليه القراء من أهل الأمصار إلا الكسائي فإنه فتح (أَنَّ) اعتبارا لقراءة ابن مسعود وابن عباس من غير أن يكون عنده فيها حجة حكاية عن أحد من السلف، غير أنه قال في قراءة عبد الله (أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) : وهذا دليل على وقوع الشهادة على أن شهد الله بإنه لا إله إلا هو، وَبِأن الذين عند الله الإسلام. قال: وحكى الفراء قال: قرأ ابن عباس بكسر الأول وفتح أن الدين عند الله الإسلام، وهاتَان حجة للكسائي في الفتح لموافقة ابن مسعود وابن عباس، فقد كسر الأولى لأن الباء حَسُن فيها (شهد الله بإنه لا إله إلا هو. . . أنَّ الدين) جعلها مستأنفة معترضة؛ لأنها تعظيم لِلَّهِ، كما تقول: (اعتقكَ اللَّهُ وأعْتَقْتُك) ، فتبدأ بالله تعظيمًا.

(ويقتلون الذين يأمرون ... (21) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ ... (21) . قرأ حمزة وحده: (ويقاتلون) بالألف بعد القاف، وروى نُصَير عن الكسائي مثل ذلك. وسائر القراء قرأ: (وَيَقْتُلُونَ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَيَقْتُلُونَ) فمعناه: أنهم يَفتُلون الذين لا يقاتلونهم. وَمَنْ قَرَأَ (يقاتلون) فمعناه: أنه يقاتلون الذين يخالفونهم في كفرهم، والمقاتلة من اثنين، والقتل من واحد، والاختيار (يقاتلون) بالألف، لأن المعنى: أنهم يقتلون من غلبوه ممن لا يوافقهم على كفرهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ ... (15) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (أَنَبِّئُكُمْ) بهمزة واحدة مقصورة. وقرأ نافع: (ءانَبئكم) بهمزة مُطولة.

(وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي ... (27) .

وقرأ الباقون: (أَؤُنَبِّئُكُمْ) بهمزتين. وقال أبو منصور: وهي لغات صحيحة فاقرأ بأيها شئت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ... (27) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامِرٍ وأبو بكر عن عاصم: (الْمَيْت) مخففا في كل القرآن، وكذلك خففوا: (بَلْدَةً مَيْتًا) و (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) وقوله: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا) ، وقوله: (لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) .

وشدَّد يعقوب من هذا ما كان له روح، كقوله: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) و ((أَوَمَنْ كَانَ مَيِّتًا) ، وخفف ما لا رُوح فيه، نحو: (لِبَلَدٍ مَيْتٍ) و (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) . واتفقوا كلهم على تخفيف قوله: (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا) . وقرأ نافع بتشديد هذا كله، وقرأ حفص وحمزة والكسائي: (الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) و (بلدة ميتًا) ، وخففوا (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) و (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا) و (لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (الْمَيِّتَ) مشددًا فهو الأصل، ومن قرأ (الْمَيْتَ) مخففا فالأصل فيه التشديد، وخفف، ونظيره قولهم: هيِّن وهَين، وليِّنُ، ولينُ. والعرب تقول للحيَّة: أيم وأيْن وأيِّم وأيِّن، والمعنى واحد في جميعها. وأما من قال: (الْمَيِّت) : ما لم يَمُت ووجهه إلى الموت، و (الْمَيْتَ) : ما قد مات، فهو خطأ، يقال للذي مات: مَيِّت ومَيْت، ولما سَيَمُوت ولم يمت: مَيِّت ومَيْتُ، قال الله: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) . وبين الشاعر أن (الْمَيِّت) و (الْمَيْتَ) واحد فقال:

(إلا أن تتقوا منهم تقاة ... (28) .

ليسَ مَنْ ماتَ فاستراحَ بميْتٍ ... إنَّما المَيْتُ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ فجعل (الْمَيْتَ) مخففا مثل (الْمَيِّت) . وأمَّا ما اتفق القراء على تَخفيفه وتشديده فالقراءة سنة لا تُتَعَدَّى، وإذا اختلفوا فقراءة كل على ما قرأ، ولا يجوز مُمَاراته وتكذِيبُه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ... (28) . قرأ يعقوب وحدَهُ: (تَقِيَّةً) بفتح التاء وكسر القاف وتشديد الياء. وقرأ الباقون (تُقَاةً) بضم التاء وفتح القات، وأمَالها حمزة قليلاً، وفتح قوله: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) ، وأمَالهما الكسائي جميعًا، وفتحهما الباقون إلا أن نافعًا قرأهما بين الفتح والكسر. قال أبو منصور: من قرأها (تَقِيَّةً) فهي اسم من اتقى يتقِي اتقَاءً أو تَقِية، فالاتَقَاءُ مصدر حقيقي، والتقِيَّةُ: اسم يَقُوم مَقام المصدر. ومن قرأ

(تُقَاةً) فله وجهان: أحدهما: أن التقَاةَ: اسم يَقُوم مَقَام الاتقَاء أيضًا، مثل التقِيَّةِ. والوجه الثاني: أن قوله تُقَاةً: جمع تُقيٍّ. وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال في قوله: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) . قال: وقرأ حميد: (تَقِيَّةً) ، وهو وَجهَ، إلا أن (تَقَاةً) أشهر في العربية. قال: وسمعت ابن الأعرابي يَقُول: واحِدُ التقَي: تُقَاةَ، ومثله: طلاة وطلىً، وأنشد قول الأعشى: متى تُسْقَ من أَنْيابِها بعد هَجْعةٍ ... من الليلِ شِرْباً حين مالت طُلاتُها وقال أبو إسحاق النحوي في قوله: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً) و (تَقِيَّةً) : قُرِئَا جميعا، وقال: أباح الله إظهار الكفر مع التقيَّة، والتقِيَّة: خَوف القَتل. إلا أن هذه الإباحة لا تكون إلا مع خَوْف القتل، وسلامة النية. وقال الفراء: ذكر عن الحسن ومجاهد أنهما قرءم: (تَقِيَّةً) . وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت أنه قالَ: التُّقَى كتابه بالياء، قال: والطلى جمع طلية، وهي: صَفحةُ العُنُق. قال: وقال أبو عمرو والفراء: واحدتها: طلا. وقال ابن الأعرابي: الطلى: طلاة

(والله أعلم بما وضعت ... (36) .

وطليَهَ، وكذلك: تُقَاة أو تقي، لم يجئ إلا هذان الحرفان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ... (36) . قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب: (بِمَا وَضَعْتُ) بضم التاء، وقرأ الباقون: (بِمَا وَضَعَتْ) ، مثل: فَعَلَتْ قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بِمَا وَضَعْتُ) فهو قول أم مريم وفعلها. وَمَنْ قَرَأَ (بِمَا وَضَعَتْ) فهو إخبارُ الله - عزَّ وجلَّ - عن فِعلها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ... (37) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (وكَفَلهَا) خفيف (زَكَرِيَّاءُ) ممدود مرفوع، وقرأ أبو بكر عن عاصم: (وَكَفَّلَهَا) الفاء مُشَدد. و (زَكَرِيَّاءُ) ممدود مهموز أيضًا. وقرأ حمزة والكساني وحفص: (وَكَفَّلَهَا) مشددا (زَكَرِيَّاءُ) مقصورا في

كل القرآن. قال أبو منصور: من شدد (وَكَفَّلَهَا) جعل (زَكَرِيَّا) مفعولاً ثانيًا، والمفعول الأول مريم، ومن خفف الفاء جعل (زَكَرِيَّا) في موضع الرفع؛ لأنه فاعل. وفي (زكريا) ثلاث لغات: القصر حتى لا يَسْتَبِين في الألف نصب ولا رفع ولا خفض. واللغة الثانية: مد الألفط فَتُنصب وتُرفع ولا تخفض ولا تُنَوَنُ؛ لأنه اسم لا ينصرف، وبهاتين اللغتين نزل القرآن. وأما اللغة الثالثة فلا تجوز القراءة بها، وهو قولك: (هذا زكَرِيٌّ قد جاء) ، فيجوز لإشباهه المنسُوب من أسماء العرب. ومعنى قوله: (وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّاءُ) أي: ضمِنَ القيامَ بأمرها وتَربيتها. ومَن قَرأ (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) فالمعنى: (وَكَفَّلَهَا اللَّهُ زَكَرِيَّا) .

(فنادته الملائكة ... (39) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ... (39) . قرأ حمزة والكسائي: (فَنادِيهُ المَلائكَةُ) بالياء وإمالة الدال. وقرأ البا قون: (فَنَادَتْهُ) بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَنَادَتهُ) بالتاء فكأن الملائكة جماعة مؤنثة. وَمَنْ قَرَأَ (فَنَادِيهُ) نَوىَ جمع الملائكة فَوَحَّدَ الفعل، وكذلك كل فِعل جَماعةِ تَقَدم فَلكَ فيه الوجهان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ ... (39) قرأ ابن عامرٍ وحمزة بكسر الألف. وقرأ الباقون: (أَنَّ اللَّهَ) بفتح الألف، وأمال ابن عامرٍ الراء من (الْمِحْرَابِ) لم يملها غيره.

(يبشرك ... (39) .

قال أبو منصور: من فتح (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ) فالمعنى: فنادته الملائكة بِأَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ؛ أي: نادته بالبشَارة. ومَن كَسَر فقرأ (إِنَّ اللَّهَ) فالمعنى: قالت له: إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ؛ لأن النداء قَولٌ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُبَشِّرُكَ ... (39) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو (يُبَشِّرُكَ) بالتشديد في كل القرآن إلا موضعًا واحدًا في (عسق) ، فإنهما خففا قوله: (الذِي يَبْشُرُ اللَّهُ عِبَادَهُ) قرأ نافع وابن عامر وعاصم والحضرمي بتشديد ذلك كله. وقرأ الكسائي بتخفيف خمسة مواضع. موضعان ها هنا في هذه السورة، وفى بني إسرائيل: (ويَبْشُرُ المؤمنِينَ) ، وفى الكهف (ويَبْشُرَ المؤْمِنين) ، وفى (عسق) "يَبْشُرُ اللهُ عِبَادَهُ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُبَشِّرُكَ) فهو من البِشَارة لا غَير، يُقال بَشَّرْته بِشَارَةً بتشديد الشين. ومَن قرأ (يُبْشُرُكَ) فمعناه: يَسُركَ ويُفْرِحُكَ. يقال: بَشَرته أبشُرهُ، إذا فَرَّحْتَهُ. وذكِر عن حمزة أنه قرأ فى

: (ويعلمه ... (48)

الحجر (: (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) خصه بالتشديد لقوله: (قَالُوا بَشَّرْنَاكَ) . لقربه منه. وقرأ حميد وحده: (يُبْشِرك) . قال أبو منصور: من العرب من يجيز بشَّرته وأبشرتُه وبَشَرتُه بمعنى واحد، ويقال: بشَّرتُه فأبشر وبَشَر، أي: سُرَّ وفَرِح. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيُعَلِّمُهُ ... (48) قرأ نافع وعاصم ويعقوب: (ويُعَلمُهُ) بالياء. وقرأ الباقون بالنون. قال أبو منصور: المعنى واحد في (يُعَلمُهُ) و (نُعَلمُهُ) ، والتعليم لله جلَّ وعزَّ في الوجْهَين.

(إني أخلق لكم ... (49)

وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ ... (49) قرأ نافع وحده بكسر الألف، وفَتَحها الباقون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَنِّي) فالمعنى: بأَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ. ومن قرأ (إِنِّي أَخْلُقُ) بالكسر فهو على البدل من قوله: (بِآيَة) ، المعنى: جئتُكُم بآيةٍ إِنى أخلق لكم. وجائز أن يكون رَفعًا، المعنى: الآيةُ إِنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِن الطينِ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَجْهِيَ لِلَّهِ ... (20) فتح الياء نافع وابن عامر والأعشى وحفص، وأسكنها الباقون. * * * وقوله: (فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ ... (35) فتح الياء من (مِنِّيَ) نافع وأبو عمرو.

(فيكون طيرا ... (49)

قوله: (وَإِنِّي أُعِيذُهَا ... (36) فتح الياء من (إِنِّي أُعِيذُهَا) نافع وحده. * * * وقوله: (اجْعَلْ لِي آيَةً ... (41) . فتح الياء نافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون. * * * وقوله: (إِنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ ... (49) حركها ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون. * * * وقوله: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ... (52) . حركها نافع وحده، وأسكنهاَ الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَيَكُونُ طَيْرًا ... (49) قرأ نافع والحضرمي: (فَيَكُونُ طَائِرًا) موحدا، وكذلك فى المائدة. وقرأ الباقون: (فَيَكُونُ طَيْرًا) على الجمع في السورتين. وروى أبو عمرو عن أبي العباس أنه قال: الناس كلهم يقولون للواحد: (طائرا) وأبو عبيدة معهم، ثم انفرد فأجاز أن يقال: (طيرًا) للواحد، وجمعه على طيُور. قال: وأبو عبيدة ثقة.

(فيوفيهم أجورهم ... (57)

قال أبو منصور: وقد سمعت العرب تقول لواحد الطيور: طير وطائر. وأكثر النحويين يقولون للواحد: طائر، وللجمع طير، كما يقال: شارِب وشَرْب، وسافِر وسَفْر. وَمَنْ قَرَأَ (فَيَكُونُ طَيْرًا) احتمل معنيين: أحدهما: فيكون من جنس الطير، واحتمل أن يكون معنى (فَيَكُونُ طَيْرًا) ، أي: فيكون طائرًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ... (57) قرأ حفص ويعقوب: (فَيُوَفِّيهِمْ) بالياء. وقرأ الباقون (فَنُوَفِّيهِمْ) بالنون.

(ها أنتم هؤلاء ... (66)

قال أبو منصور: المعنى واحد في الياء والنون، الله هو الموَفِّي للأجُور، لا شريك له. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ ... (66) قرأ أبو عمرو ونافع: (هَا نْتُمْ) ممدودا مستفهما غير مهموز. وقرأ ابن كثيرا: (هَأَنْتُمْ) غير ممدود، وهمز (أنتم) وقال قنبل في روايته لابن كثير: (هَأَنْتُمْ) مهموز، بِوَزن (هَعَنتُم) يجعلها كلمة واحدة، وكذلك يعقوب الحضرمي. وقرأ الباقون: (هَا أَنْتُمْ) ممدودة مهموزة.

(أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ... (73)

قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو ونافع (هَا نْتُمْ) ممدودا غيرمهموز فهو جيد، لا استفهام فيه، ولكن هاء تنبيه، كقوله: هؤلاء، وهذاك. وكذلك قراءة من قرأها بالمد والهمز، لا فرق بينهما غير تليين الهمزة في قراءة أبي عمرو، وأما قراءة ابن كثير: (هَأَنْتُمْ) بوزن (هَعَنتُم) فكأنه ذهب إلى أن الأصل (أأنتُمْ) على الاستفهام، ثم قلبت الهمزة الأولى هاء، كما يقال: هَراقَ الماء وأراقَهُ. وروى عن ابن كثير (هانتم) بتليين الهمز، كأنَ معناه (أنتم) ، ثم قلبت الهمزة الأولى هاء، وكذلك من قرأ بالمد والهمز، يجوز أن يكون قلب الهمزة هاء، والله أعلم. قال أبو منصور: وهذا أحسن من قول من جعل (ها) تنبيها فى (هانتم) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ... (73) قرأ ابن كثير وحده (ءَانْ يُؤْتَى أَحَدٌ) ممدودا، وقرأ الباقون بغير مَدٍّ. قال أبو منصور: القراءة بغير المد، وَمَنْ قَرَأَ بالمدَ فهو استفهام معناه الإِنكار، وذلك أن أحبار اليهود قالوا لِذَوِيهم: أيُؤتى أحَدٌ مثلَ مَا أوتيتُم؟ أي: لا يُؤتى أحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ.

قال الفراء: ((أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ) : لا تصَدِّقوا (أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ. أوقَع (تُؤْمِنُوا) على (أَنْ يُؤْتَى) كأن قائلفم قال: لا تؤمنوا أن يُعطى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أعطيتم. وقد قيل إن المعنى: قل يا محمد: (إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ) ، أي: الهدَى هُداكم، لاَ يُؤتى أحَد مِثلَ مَاَ أوتيتم، قاله الفراء. قال: وصَلحت أحَد لأن معنى (أنْ) معنى (لا) ، كما قال الله جلَّ وعزَّ: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) معناه: لا تَضلوا. وقال: (كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ) أنْ تَصلح في موضع (لا) . وأخبرني المنذري عَن المبرد أنه قال: المعنى في قوله (أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ) (قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ) كَراهَة (أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ) أي ممن خالف دين الإسلام، لأن الله لا يَهدِي مَنْ هُوَ كَاذبٌ كَفَّار، فَهُدَى اللهِ بَعِيدٌ مِن غَيْر المؤمنين. قال أبو منصور، وقول الفراء عندي أصَح مِن قَول المبَرد.

(يؤده ... (75) ، و: (نصله) و (نؤته)

وقوله جلَّ وعزَّ: (يُؤَدِّهِ ... (75) ، و: (نُصْلِه) و (نُؤْتِهِ) ونحوهن من الهاءات التي تتصل بفعل مجزوم. قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: (يُؤَدِّهِي) بإظهار الياء فى اللفظ، وكذلك غيره في الوصل فإنه لم يَضبِطه، ألا ترى أن سيبويه روى عن غير الجزم، وقال: هو مختص بِلطافة اللفظِ، وترك الإشباع، ويروى عن العرب الجزم المحض في أمثال هذه الهاعات، فهُوَ وَهْمَ، لأن العربيَّ يختلس الحركات اختلاسا خَفِيًّا إذا سمعه الحضَرِيُّ ظنهُ جَزْمًا،

(إلا ما دمت عليه قائما ... (75) .

وذلك الظن منه وَهْمٌ. وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ... (75) . اتففق القراء على ضم الدال في جميع القرآن، إلا ما روي عن يحيى ابن وَثاب: (دِمتَ) . قال أبو منصور: واللغة العاليه دُمتُ أدُومُ. ومن العرب من يقول: دِمت أدَامُ، إلا أنَ القراءة بالضم، لاتفاق قراء الأمصار عليه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)

(ولا يأمركم ... (80)

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب: (تَعلَمُونَ) بفتح التاء خفيفا. وقرأ الباقون: (تُعَلِّمُونَ) بضم التاء وتشديد اللام، ومعناه: بتعليمكم الكتاب ودرسكم و (ما) معناها المصدر فى القراءتين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ ... (80) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: (وَلَا يَأْمُرُكُمْ) رفعًا، وكذلك روى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم. وقرأ الباقون: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ) نصبًا.

(لما آتيتكم من كتاب وحكمة ... (81)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَلَا يَأْمُرُكُمْ) بالرفع فهو استئناف. وَمَنْ قَرَأَ (وَلَا يَأْمُرَكُمْ) عطفه على قوله: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ. . . وَلاَ أن يَأْمُرَكُمْ) . فحذف (أن) وهو ينويها، والنصب اختيار أحمد بن يحيى. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ... (81) قرأ حمزة: (لِمَا) كَسر، وكذلك روى هبيرة عن حفص عن عاصم: (لِمَا) بكسر اللام. وقرأ الباقون: (لَمَا) بفتح اللام. وقرأ نافع وحده: (ءاتَيناكُم) . وقرأ الباقون: (آتَيْتُكُمْ) بلا نون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَمَا آتَيْتُكُمْ) بفتح اللام فإن (مَا) للشرط والجزاء. ودخلت اللام على (ما) كما تدخل في (إن) الجزاء إذا كان في جوابها القسم، كما قال الله جلَّ وعزَّ: (وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي)

وكقوله: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ) فاللام في (إن) دخلت مؤكدة للام القسم، كقولك: (لئن جِئتَني لأكرمَنَّك) . وكذلك قوله: (لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ) . وَمَنْ قَرَأَ (لِمَا آتَيْتُكُمْ) جعلها لام خفض، وجعل اليمين مستأنَفا. وأجود القراءتين فتح اللام. وأخبرني المنذري عن أبي طالب النحوي أنه قال: معنى (لِمَا آتَيْتُكُمْ) : لمَهمَا آتَيْتُكُمْ) ، أي أي كتاب آتَيْتُكُمْ لتُؤمنُنَّ به. وهذا يقرب من التفسير الأول.

(على ذلكم إصري ... (81)

وقوله جلَّ وعزَّ: (عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي ... (81) اتفق القراء على كسر ألف (إِصْرِي) ، إلا رواية شاذة رواها ابن واصل عن سعدان عن مُعلى عن أبي بكر عن عاصم: (أُصْرِى) بضم الألف. قال أبو منصور: ولا يُعَرج على هذه الرواية؛ لأن ضم (أُصْرِى) وَهْمٌ. والقراءة (إِصْرِي) بالكسر، وهو العهد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) . قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: (تَبْغُونَ) و (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بالتاء، وقرأهما حفص ويعقوب بالياء جميعا، إلا أن الحضرمي فتح الياء، وضمها حفص من قوله: (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) . وقرأ حمزة والكسائي بالتاء فيهما. وقرأ أبو عمرو: (يَبْغُونَ) بالياء، و: (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بالتاء.

(ولله على الناس حج البيت ... (97)

قال أبو منصور: كل ما قرئ به من هذه الوجوه فهو جائز فى العربية. وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: الاختيار في كله التاء؛ ليكون على الخطاب الأول، وكل جائز؛ لأن الحكاية تخرج على الخطاب كله، وعلى الغيبة كلها، وبعضها على الخطاب وبعضٌ على الغيبة، وهذا منها إن شاء الله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ... (97) قرأ حفص وحَمزة والكَسائي: (حِجُّ الْبَيْتِ) بكسر الحاء وَفتح الباقون الحاء.

: (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه ... (115)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (حَجُّ الْبَيْتِ) فهو مصدر حَجَجت حَجًّا. وقال بعضهم: (الحِج) بكسر الحاء: عَمَل السنَةِ، و (الحَج) : المصدر. وقال أحمد بن يحيى: هما لغتان: حَجَجتُ حَجا وحِجا. قال: ونحن نذهب إلى أن اللغتين إذا شُهرتا جُمع بينهما، وهذا من ذاك، وأيهما قرئ به فهو صواب. وأحب الكسائي أن لا يخرج من اللغتين جميعا. قال: والحِج مكسورة لغة أهل نجد، والفتح لغة أهل العالية. قال: واختار بعض أصحابنا الفتح في كل القرآن. وقال: ليس بين الحرف الذي في آل عمران وبين غيره في كل القرآن فرق، فإما أن يجعل كله على لغة هؤلاء أو على لغة أولئك. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ... (115) قرأ حفص وحمزة والكسائي: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) بالياء جميعا. وقرأ الباقون بالتاء. والياءُ والتاءُ عند أبي عمرو سيَّان فى هذا الموضع، وروى هارون عن أَبى عمرو بالياء، ولم يذكر التاء.

(لا يضركم كيدهم شيئا ... (120)

وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ... (120) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب: (لَا يَضِرْكُمْ) بكسر الضاد خفيفة. وقرأ الباقون بضم الضاد والراء مشددة. وروى الحجاج الأعور عن حمزة: (لَا يَضِرْكُمْ) مثل أبي عمرو. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا يَضُرُّكُمْ) بالتشديد وضم الضاد والراء فإن شئت جعلته مرفوعا وجعلت (لا) بمنزلة (ليس) فرفعت وأنت مضمر للفاء كما قال الشاعر:

فإنْ كان لا يُرضيك حتى تَردَّني ... إلى قطريٍّ لا إخالُك راضياً أراد: فإن كان ليس يرضيك فلا إخالُك راضياً. وقال أبو إسحاق: الضم في قوله (لاَيَضُرُّكُم) هو الاختيار لالتقاء الساكنين. قال: وكثير من العرب يُدغم في موضع الجزم، وأهل الحجاز يُظهرون. قال أبو منصور: والنصب في قوله: (لاَيَضُرَّكُم) جائز غير أن القراءة سنة، وقرئت بالضم. قال الزجاج: يجوز (لاَيَضُرَّكُم) ولا (يَضِرَّكُم) ، فمن فتح فلأن الفتح خفيف مستعمل في التقاء الساكنين في التضعيف، ومن كسر فعلى أصل التقاء الساكنين.

: (من الملائكة منزلين (124)

وَمَنْ قَرَأَ (لاَ يَضِرْكُم) فهو من الضَّيْر، يقال: ضارَه يضِيرُه ضيرًا، بمعنى: ضَرَّهُ يَضُرُّهُ ضَرًّا، والضيْر والضرُّ واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) قرأ ابن عامر: (مُنَزَّلِينَ) بتشديد الزاي، وخففها الباقون. قال أبو منصور: هما لغتان: أنزلَ ونَزَّل بمعنى واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مُسَوِّمِينَ (125) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب (مُسَوِّمِينَ) بكسر الواو، وفَتَحها الباقون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مُسَوِّمِينَ) بالكسر فالمعنى: مُعَلِّمين بالسَّوْمَة، وهى: العلامة في الحرب، وَمَنْ قَرَأَ (مُسَوَّمِينَ) فالمعنى:

(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ... (133)

مُعَلَّمِين، وجائز أن يكون معنى (مُسَوِّمِينَ) : قد سَوَّمُوا خيلهم، أرسلوها ترعى. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ... (133) قرأ نافع وابن عامرٍ: (سَارِعُوا إلِى مَغْفِرَةٍ) بغير واو، وكذلك هي في مصاحفهم. وقرأ الباقون: (وَسَارِعُوا) بالواو. قال أبو منصور: القراءة جائزة بالواو وغير الواو، غير أني أحب القراءة بالواو. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ ... (140)

(وكأين من نبي قاتل معه ... (146)

قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي: (قُرْحٌ) بضم القاف، وقرأ الباقون: (قَرْحٌ) بفتح القاف. وقال الفراء: القَرح: الجُرح، والقُرْح: ألمُ الجِرح. وقال الزجاج: القُرح والقَرح واحد، ومعناهما: الجرح، وألمُه، ويقال: قَرِحَهُ قَرح، وأصَابَهُ قرح. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ ... (146) قرأ ابن كثير: (وكائِن) الهمز بين الألف والنون، بوزن (كَاعِن) ، وقرأ الباقون: (وَكَأَيِّنْ) الهمزة بين الكاف والياء. وذكر عن يعقوب أنه كان يقف: (وكَأي) قال: ومعناه: وكم من نبيٍّ

(قتل ... (146)

قال أبو منصور: هما لغتان قرئ بهما (وَكَأَيِّنْ) بتشديد الياء بوزن (وكَعَيِّن) ، واللغة الثانية (وكائِن) بوزن (كاعِن) ، والمعنى واحد. وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال في تفسير (كَأَيِّنْ) : الكاف زائدة مُدخلة على أي، قال: والكاف معناه: التشبيه، كما تقول: كعمرو. قال: وَمَنْ قَرَأَ (كَأَيِّنْ) فهو من كيب عن الأمر، أى: حببت. قال: ومعناها: كم. وكم بمعنى الكثرة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قُتِلَ ... (146) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب على (فُعِلَ) . وقرأ الباقون (قَاتَلَ) على (فَاعَلَ) . قال أبو منصور: والقراءتان جيدتان، إلا أن (قُتِلَ) مفعول، و (قَاتَلَ) فاعِل.

(في قلوب الذين كفروا الرعب ... (151)

وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ... (151) قرأ ابن عامر والكسائي والحضرمي: (الرُّعُبَ) مثقلاً حيث كان، وخفف الباقون. وهما لغتان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ ... (154) قرأ حمزة والكسائي: (تَغْشَى طَائِفَةً) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فَلِلأمَنَة، ومن قرأ بالياء فَلِلنعَاس، وكل ذلك جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ... (154) . قرأ أبو عمرو ويعقوب: (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلُّهُ لِلَّهِ) بالرفع. وقرأ الباقون بالنصب.

(والله بما تعملون بصير (156)

قال أبو منصور: من نصب (كُلَّهَ) فعَلى التأكيد (للأمر) ، ومن رَفَعَ فَعَلى الابتداء، و (لِلَّهِ) الخبر، المعنى: الأمرُ كُلُّهُ لِلَّهِ، أى: النصر وما يُلقى في القلوب من الرعب (لِلَّهِ) ، أى: كل ذلك (لِلَّهِ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) قرأ ابن كثيرٍ وحمزة والكسائي: (وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء، وروى عن أبي عمرو الياء أيضًا. قال أبو منصور: التاء للمخاطبة، والياء إخبار عن الغيب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مُتُّمْ ... (157) و (مُتْنَا) .

(خير مما يجمعون (157)

قرأ نافع وحمزة والكسائي: (مُتُّمْ) و: (مِتنا) و: (مِتُّ) بكسر الميم في كل القرآن وكذلك قرأ حفص إلا في قوله ها هنا: (أَوْ مُتُّمْ) و (لَئِنْ مُتُّمْ) فإنه ضم الميم فيها. وكسر في سائر القرآن. وقرأ الباقون بضم الميم في جميع القرآن. قال أبو منصور: القراءة العالية واللغة الفصيحة (مُت) و (مُتنا) ومن العرب من يقول: مَاتَ يَمَاتُ. ومثله: دُمْتُ أدُومُ، ودِمتُ أدام. والقراءة بكسر الميم من (مِتُّ) فاشية، وإن كان الضم أفْشَى. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) قرأ حفص عن عاصم: (مِمَّا يَجْمَعُونَ) وقرأ الباقون بالتاء.

(وما كان لنبي أن يغل ... (161)

وعرفت مما قَد مَرَّ الجواب عن ذلك من الخطاب والغيبة. أ. . * * * وقوله عزَّ وجلَّ: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ... (161) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: (أَنْ يَغُلَّ) بفتح الياء وضم الغين. وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الغين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَغُلَّ) فالمعنى ماكان لنبى أن يَخُونَ أمَّتَهُ، وتفسير ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع الغنائم فى غَزاة، فجاءه جماعة فقالوا له: ألاَ تَقسِم بيننا غنائمنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لو أن لكم عندي مِثلَ أحُدٍ ذَهَبًا ما مَنَعتُكم دينارًا، أتَرُوني أغُلكم مَغنَمَكُنم".

(ولا تحسبن الذين قتلوا ... (169)

ومَن قرأ (أن يُغَلَّ) فهو على وجْهَين: أحدهما: ماكان لنبى أن يَغُلَّهُ أصحابُه، أى: يخُونُوه، وجاء عن النبي صلى الله عليه: "لا يخوننَ أحَدُكم خَيطا ولا خِيَاطا". والوجه الثاني: أن يكون (يُغَلَّ) بمعنى: يُخَوَّن، المعنى: ما كان لنبى أن يخوَّنَ، أى: يُنسَب إلى الخِيَانة؛ لأن نَبِي الله لا يَخُونُ إذ هو أمينُ الله في الأرض. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا ... (169) قرأ ابن عامر وحده: (قُتِّلُوا) مشددًا، وخفف الباقون. واتفقوا على التاء فى (تَحْسَبَنَّ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قُتِّلُوا) بالتشديد فهو للتكثير، ومن قرأ (قُتِلُوا) فعلى (فُعِل) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) . قرأ الكسائي وحده: (وَإِنَّ اللَّهَ) بكسر الأدف، وفتحها الباقون.

(ولا يحزنك الذين ... (176)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَأن اللهَ) بالفتح فالمعنى: يَستَبْشِرُونَ بأن لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَبِأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ. وَمَنْ قَرَأَ (وَإِنَّ اللَّهَ) فهو استئناف. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ ... (176) قرأ نافع: (وَلَا يُحْزِنْكَ الَّذِينَ) و (لَا يُحْزِنْكَ قَوْلهُم) ونحو هذا بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن، إلا قوله في سورة الأنبياء: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) فإنه وافق القراء فى هذه. وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الزاي في كل القرآن.

(ولا تحسبن الذين كفروا ... (178) و: (ولا يحسبن الذين يبخلون) و: (لا تحسبن الذين يفرحون) . . . (فلا تحسبنهم) .

قال أبو منصور: اللغة الجيدة (لَا يَحْزُنْكَ) بفتح الياء، وبها قرأ أكثر القراء. وأما قراءة نافع أحزَنَ يُحْزِنُ فهو لغة صحيحة، غير أن حَزَنَ يَحْزُنُ أفشَى وأكثَرُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ... (178) و: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) و: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) . . . (فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو أربعهن بالياء، وقرأ نافع وابن عامر ثلاثًا بالياء وواحدة بالتاء، وهو قوله: (فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ) ، وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) و (لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بالياء، والأخرَيَين بالتاء. وقرأ حمزةُ كلهن بالتاء، وكل من قرأ (فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ) بالتاء فتح الباء، وَمَنْ قَرَأَ بالياء ضم الباء (فَلَا يَحْسَبُنَّهُمْ) .

قال محمد بن يزيد: مَنْ قَرَأَ (يَحْسَبَنَّ) يفتح (أن) ، وكانت تنوب عن الاسم والخبر، يقول: (حَسِبتُ أنَّ زيدًا مُنطلِق) ، ويقبح الكسر مع الياء، وهو مع قبحه جائز. وَمَنْ قَرَأَ (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) لم يَجُز عند البصريين إلا كَسر ألِف (إن) ، المعنى: لا تحسبَن الذين كفروا إئملاؤُنا خَير لهم. ودخلت (إِن) مؤكدة، وإذا فتحت صار المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا إملاءَنا. قال أبو منصور: الفتح جائز مع الياء عند غيره من النحويين، وهو على البدل من (الذين) ، المعنى: لا يحسبن إملاءَنا الذين كفروا خيرًا لهم. وقد قرأ بهذه القراءة جماعة. وقراءتهم دليل على جوازها، ومثله قال الشاعر: فما كانَ قَيْسٌ هُلْكُه هلكَ واحدٍ ... ولكنه بنيانُ قومٍ تَهَدَّما

: (حتى يميز الخبيث من الطيب ... (179) و: (ليميز) .

يجوز هُلكَ واحد، وهُلكُ واحد، فمن رفع قوله (هُلكُه) ابتداءً جعل هُلكُ واحدا خبر الابتداء، وبَسُدَّانِ معًا مَسَدَّ الخبر. ومن جعل (هُلكُه) بدلا من قوله (قَيسٌ) نصب (هُلكَ واحِد) المعنى: ما كان هلكهُ هُلكَ واحِد. وقال الفراء: مَنْ قَرَأَ (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا) قال: هو على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبنَ أنمَا نملِي لهم. قال: وهو مثل قوله: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ) على التكرير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ... (179) و: (لِيَمِيزَ) . قرأ حمزة والكسائي والحضرمي: (حَتَّى يَمَيِّزَ) و: (لِيُمَيِّزَ) بضم الياء والتشديد، وقرأ الباقون: (حَتَّى يَمِيزَ) و: (لِيَمِيزَ) بالتخفيف وفتح الياء. قال أبو منصور: يقال: مَيَّزت الشيءَ مِن الشيءِ فَتَمَيَّز، إذا خلصته منه، والمعنى: أن المؤمنين هم الطيِّبُ، ميَّزَهم اللهُ من الخبيث، وهم المشركون، أي: خلصهم. وَمَنْ قَرَأَ (حَتى يَمِيزَ) فهو من مِزتهُ أمِيزُهُ

(والله بما تعملون خبير (180)

مَيزًا، فهو مَمِيز، بمعنى مَيَّزتُ. ويقال: مِزتُهُ فَامتَازَ وأمَازَ، ومَيْزتهُ فتَمَيَّز، قال الله جلَّ وعزَّ: (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) ، أي: تميزُوا من المؤمنين فإنكم وَقُودُ النار، والمؤمنون للجنة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (بِمَا يَعمَلونَ) بالياء -، وقرأ الباقون: بالتاء. التاء للخطاب، والياء للغيبة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ ... وَنَقُولُ ... (181) . قرأ حمزة وحده: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا) بياء مضمومة، و (قَتلهُم) و (يَقول ذوفوا) بالياء. وقرأ الباقون: (سَنَكْتُبُ) بالنون: و (قَتْلهُم) نصبا، و (نَقول) بالنون.

(بالبينات والزبر ... (184) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قَتلهُم) فعَلى أنه معطوف على (مَا قَالوا) وهى في موضع الرفع، أي: سَيُكتَب قَولهم وقتلهم الأنبياءَ. وَمَنْ قَرَأَ (وقَتلهُم) عطفه على (مَا قَالوا) لأنه مفعول بقوله (سَنَكتُب) ، و (قَتلهمْ) معطوف عليه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ... (184) . قرأ ابن عامر وحده: (بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ) ، وكذلك هى في مصاحفهم بالباء. وقرأ الباقون: (وَالزُّبُرِ) بغير باء.

(لتبيننه للناس ولا تكتمونه ... (187)

قال أبو منصور: إذا أظهرت اسما ثم عطفت عليه اسما فإن شئت عطفته بالباء وإن شئت نويت حذفها، وأما المضمر فلا يعطف عليه إلا بإظهار الخافض. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ... (187) قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم بالياء فيهما. وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: من قرأها بالياء فلأنهم غيب، وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فعلى الخطاب لهم وقد أخذ الميثاق عليهم، والمعنى: أن الله جلَّ وعزَّ أخذ عليهم الميثاق ليُبَيِّنُنَّ أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فنبذوه وراء ظهورهم ولعنهم.

: (وقاتلوا وقتلوا ... (195)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ... (195) قرأ حمزة والكسائي: (وَقُتِلُوا وَقَاتَلُوا) بدأ بالمفعول قبل الفاعل. وبذلك قرأ في التوبة: (فَيُقْتَلُونَ وَيَقْتُلُونَ) مفعول وفاعل. وقرأ الباقون: (وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا) المفعول بعد الفاعلين في السورتين، وشدد ابن كثير وابن عامر قوله: (وَقُتِّلوا) وخفف الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا يَغُرَّنَّكَ ... (196) . اتفق القراء على تشديد النون، إلا ما رُوى عن يعقوب وحده أنه قرأ: (لاَ يَغُرَّنْكَ) ساكنة النون. قال الأزهري: التشديد أجود القراءتين؛ لأنها أوكد وأفشى والتخفيف جائز.

سورة النساء

سورة النِّسَاءِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قول الله جلَّ وعزَّ: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ... (1) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب: (تَسَّاءَلُونَ بِهِ) . وقرأ الكوفيون: (تَسَاءَلُونَ) مخففة بفتح السين، وروى علي ابن نصر وهارون وعبيد وخارجة وعلي بن الفضل عن أبي عمرو: (تَسَاءَلُونَ) خفيفة، وروى عباس وأبو زيد عنه: إن شئت شددت، وإن شئت خففت. قال الأزهوي: من قرأ (تَسَّاءَلُونَ) بتشديد السين فالأصل: تتساءلون، فأدغمت التاء الثانية في السين، وشُددت،

ومن قرأ (تَسَاءَلُونَ) فالأصل أيضًا - تتساءلون، فحذفت إحدى التاءين استثقالاً للجمع بينهما، ومعناهما واحد: تطلبون به حقوقكم. واتفق القراء على نصب (والأرحامَ) إلا حمزة فإنه خفض الميم نَسقًا على الهاء في (بِه) . قال أبو منصور: الَقراءة الجيدة (والأرحامَ) بالنصب، المعنى: اتقوا الأرحامَ أن تقطعوها، وأمَّا خفض الأرحام على قراءة حمزة فهي ضعيفة عند جميع النحويين، غير جائزة إلا في اضطرار الشعر، لأن العرب لا تعطف على المكنِيِّ إلا بإعادة الخافض، وقد أنشد الفراء بيتا في جوازه: تُعَلَّقُ في مثلِ السَّوارِي سيوفُنا ... وما بينها والأرضِ غَوْطٌ نَفانِفٌ

(التي جعل الله لكم قياما ... (5) .

والكلام وَجهُهُ (وما بينها وبين الكعب) ، فاضطره الشعر إلى جوازه. وخفض (الأرحَامِ) خطأ أيضًا وأمر الدين عَظيم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحلفوا بآبائكم) . فلا يجوز أن تتساءلوا بالله وبالرحم على عادة كلام العرب، أي: نهى النبي عن الحلف بغير الله. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ... (5) . قرأ نافع وابن عامر: (لكم قِيَمًا) بغير ألف، وقرأ الباقون: (قِيَامًا) بالألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قِيَامًا) فهو من قول العرب: هذا قِوام الأمر، أي: مِلاكه. ومثله قوله جلَّ وعزَّ: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ) ، أي: قِوامًا. وقيل في قوله (جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) أيَ: جعل المال يقيم بني آدم فيقومون بها قِياما.

: (ضعافا خافوا عليهم ... (9) .

وَمَنْ قَرَأَ (قِيَمًا) فهو راجع إلى هذا المعنى: جعلها الله قيمة الأشياء، فيها تقوم أموركم. وقال: الفراء: المعني في قوله: جعل الله لكم قِيَامًا وقِوامًا وقِيَمًا واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ ... (9) . أمال حمزة وحده (ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ) ، وقرأها الباقون بالتفخيم. قال أبو منصور: الإمالة فيهما غير قويةٍ عند النحويين فلا يُقرآنِ إلا بالتفخيم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10) .

(وإن كانت واحدة فلها النصف ... (11) .

قرأ ابن عامر، وأبو بكر وأبان عن عاصم: (وَسَيُصْلَوْنَ سَعِيرًا) بضم الياء. والباقون: (وَسَيَصْلَوْنَ) بفتح الياء. قال أبو منصور: وَمَنْ قَرَأَ (وَسَيُصْلَوْنَ) فالمعنى: أن الله يُصليهم النار، أي: يددخلهم فيها كي يَصلوا حَرها، نعوذ بالله منها. ومن قرأ (وَسَيَصْلَوْنَ) جعل الفعل للكفار الذين يصلونها، أي: يقاسون حرها، من صَلِيتُ النار أصلاها، إذا قاسيت حَرها. * * * وقوله جلَّ وضزَ: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ... (11) . قرأ نافع وحده: (وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةٌ) رفعا، وقرأ الباقون: (وَاحِدَةً) نصبًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالرفع جعل كان مكتفية. ومن قرأ (وَاحِدَةً) بالنصب فهو على إضمار اسم لكانت، أي: وإن كانت المولودة واحدة. والنصب الاختيار، وعليه أكثر القراء.

(فلأمه السدس ... (11) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ... (11) . قرأ حمزة والكسائي (فَلِإِمِّهِ السُّدُسُ) بكسر الهمزة، وقرآ: (مِنْ بُطُونِ إِمِّهَاتِكُمْ) و (فِي إِمِّ الْكِتَابِ) و (فِي إِمِّهَا) في جميع القرآن إذا ولي ألف كسرةً أو ياءً ساكنة. وافترقا في الميم من قوله (إِمِّهَاتِكُمْ) فكسرها حمزة، وفتحها الكسائي. وقرأ الباقون بضم الألف في هذا كله. . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَلِإِمِّهِ) بكسر الألف فلإتباع الكسرة الكسرة. لأن لام الملك قبل همزة (أمها) مكسورة، وكذلك قوله (فِي إِمِّ الْكِتَابِ) ، و (فِي إِمِّهَا) ؛ لأن الياء أخت الكسرة، فأتبعت الكسرة كسرة، كما قرئ (عَليهِم) - فكسرت الهاء من أجل الياء، وإن كانت الهاء في الأصل مضمومة. وأما قوله: (مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ) فإن الكسائي

(يوصي بها ... (11) .

فتح الميم، لأنه كرِه توالي الكسرات، وأما حمزة فإنه كسر الميم أيضًا لمجاورتها المكسور. وقول الكسائي أجود القولين. وأما من ضم هذه الهمزات من (أُمِّ) و (أُمَّهات) فلأن الأصل في همزة الأم الضم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُوصِي بِهَا ... (11) . قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: (يُوصَى) و (يُوصَى) بفتح الصاد فيهما جميعا. وقرأ حفص بكسر الأولى وفتح الثانية. وقرأ الباقون بكسرهما جميعا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يوصَى بها) بفتح الصاد فهو من أُوصِيَ يُوصِّي. وَمَنْ قَرَأَ (يوصِي) فهو من أوصَى يُوصي. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ... (13) . و: (نُدْخِلْهُ نَارًا ... (14) .

(واللذان يأتيانها منكم ... (16) .

ْقرأ نافع وابن عامر: (نُدْخِلْهُ) و (نُدْخِلْهُ) بالنون فيهما جميعا. وقرأ الباقون بالياء. قال الأزهري: مَنْ قَرَأَ (يدخله) أو (ندخله) فالفعل لله جلَّ وعزَّ، وقد مَرَّ مثله فيما تقدم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ ... (16) . قرأ ابن كثير: (وَاللَّذَانِّ يَأْتِيَانِهَا) و (هَذَانِّ) و (هَاتَيْنِّ) و (فَذَانِّكَ) بتشديد النون فيهن. وقرأ أبو عمرو ويعقوب (فَذَانِّكَ) بتشديد النون، وخففا سائر الحروف. وخففهن الباقون كُلهن.

: (أن ترثوا النساء كرها ... (19) .

قال أبو منصور: من شدد النون في (فَذَانِّكَ) فهو على لغة من يقول في الواحد: (ذلك) في موضعا (ذاك) . قال أحمد بن يحيى: ومن شدد النون في سائر الحروف، وهي لغات جاءت عن العرب، فالأحسن الأكثر فيها التخفيف. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ... (19) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (كَرْهًا) هاهنا بفتح الكاف، وفي التوبة وفي الأحقاف في موضعين: (كَرْهًا) و (كَرْهًا) أربعهن بفتح الكاف. وقرأ ابن عامر وعاصم في النساء والتوبة، (كَرْهًا) بفتح الكاف وفي الأحقاف: (كُرْهًا) و (كُرْهًا) بضم الكاف فتابعهما الحضرمي، فقرأ مثلهما سواء. وقرأ حمزة والكسائي بضم الكاف فيهن أجمع وقد مر في سورة البقرة الجواب فيها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ (بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ... (19) . قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم: (بِفَاحِشَةٍ مُبَيَّنَةٍ) في كل

: (والمحصنات من النساء ... (24) .

القرآن بفتح الياء، وكذلك (آيَاتٍ مُبَيَّنَاتٍ) بالفتح أيضًا في جميع القرآن. وقرأ نافع وأبو عمرو ويعقوب: (بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) بكسر الياء، و (آيَاتٍ مُبَيَّنَاتٍ) بفتح الياء في جميع القرآن. وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم، والمفضل عن عاصم، وحمزة والكسائي: (بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) و (آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ) بالكسر فيها. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مُبَيِّنَاتٍ) بالكسر فالمعنى: مُتَبينات، يقال: بَيَّن الشيء وتَبَيَّن بمعنى واحد. وَمَنْ قَرَأَ (مُبَيَّنَاتٍ) فالمعنى: أن الله قد بينها، والعرب تقول: بَيتتُ الشيءَ فبيَن، أي: تَبَين. لازم ومتعدٍّ، ومثله: قدمتُهُ فقدَّم، أي: تقدم. ونوَّرْتُه فنَوَّر. وَمَنْ قَرَأَ (بِفَاحِشَةٍ مُبَيَّنَةٍ) فمعناها: ظاهرة. ومن قرأها (مُبَيِّنَةٍ) فالمعني: مكشوفة مُظهِرة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ... (24) .

فتح الكسائي الصاد من قوله: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ) في هذه وحدها، وكسر الصاد في قوله: (والمحصِنات) ، و (محصِنات) في سائر القرآن. وقرأ الباقون بفتح الصاد حيث كانت. وَرَوى قيس بن سعد عن ابن كثير مثل الكسائي بكسر الصاد. وأخبرني أبو بكر الإيادي عن شمر عن ابن الأعرابي، وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: كلام العرب كله على (أفعَل) فهو (مَفْعِل) ، إلا ثلاثة أحرف أحْصَن فهو محصَن، وألفَج فهو مُلفَج، إذا افتقر، وأسْهَب فهو مُسْهَب، إذا أكثر الكلام.

(وأحل لكم ما وراء ذلكم ... (24) .

وأجمع القراء على فتح الصاد من قوله جلَّ وعزَّ: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ) لأن معناهن أنهن أحصِن كالأزواج، ولو قُرِئت: (وَالْمُحْصِنَاتُ) فجازت في العربية أنهن يحصِن فروجهن، وإحصان الفرج: إعفافه. ويقال: امرأة حصان بيَنة الحُصُنِ إذا كَانَت عفيفة، وفَرَسَ حَصَان بيِّن التَحَصَن والتحصين، إذا كان فَحْلا مُنجِبا. وبناءٌ حَصِين: بيِّن الحَصانة. ويقال: امرأة حاصن بمعنى: الحَصان، ومنه قول الراجز: وحاصِنٍ من حاصناتٍ مُلْسِ ... مِن الأذى ومن قِراف الوَقْسِ * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ... (24) . ْقرأ ابن كثير ونافع وأَبوعمرو وابن عامر ويعقوب: (وَأَحَلَّ) بفتح الألف. وقرأ حمزة والكسائي وحفص: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ) بضم الألف

وقوله جل وعز: (فإذا أحصن ... (26) .

قال أبو منصور: من قرأ (وَأَحَلَّ لكم) فمعناه: وأحَلَ الله لكم. ومن (وَأُحِلَّ لَكُمْ) فهو على ما لم يسم فاعله، واللهُ المحل لعباده وحده، وهو المحرم الحرام. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَإِذَا أُحْصِنَّ ... (26) . فتح الألف أبو بكر عن عاصم، وضمها حفص عن عاصم. وقرأ حمزة والكسائي: (فَإِذَا أَحْصَنَّ) بفتح الألف أيضًا. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (فَإِذَا أُحْصِنَّ) قال أبو منصور: من قرأ (فَإِذَا أَحْصَنَّ) فالمعنى أن الإماءَ إذا أسلمن أحصَنَّ فروجهن بالإسلام، أي: أعففنها، ومن قرأ (فَإِذَا أُحْصِنَّ) فالمعنى: أنهن زُوِّجنَ إماء لم يُعتقن بعد فأحصَنَهُنَّ أزواجهن. وقيل في قوله (فَإِذَا أُحْصِنَّ) : إنه بمعنى أسلمن فأحصَنَّ أنفسهن بالإسلام. وقيل معنى (أُحْصِنَّ) ، أي: مُلكَنَ فأسلمنَ فمُنعن من الفساد.

وقال أبو عبيد: أجمع القراء على نصب الصاد في الحرف الأول من سورة النساء، فلمْ يختلفوا في فتحها لأن تأويلها ذَواتُ الأزواج يُسبينَ فَيُحِلهنَّ السَّبيُ، يوطأن بملك اليمين، وينتقض نكاحهن. وأما سوى الحرف الأول فالقراء مختلفون، فمنهم من يكسر الصادَ، ومنهم من يفتحها، فمن نصب ذهب إلى الأزواج، ومن كسر ذهب إلى أنهن أسلمن فأحَصَنَّ أنفسهن، فهن محصِناتَ. قال أبو منصور: وأما قوله: (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ) فإن ابن مسعود قرأ بفتح الأول، وقال: إحصَان الأمة إسلامُها. وكان ابن عباس يقرأهَا (فَإِذَا أُحْصِنَّ) ويُفَسره: فإذا أحصِنَ بزوج. وكان لا يرى

(إلا أن تكون تجارة ... (29) .

على الأمَةِ حدًّا ما لم تزوج. وكان ابن مسعود يرى عليها نصف حدٍّ الحُرة البِكر إذا أسلمت وإن لم تزوج، وإلى قوله ذهب الفقهاء. قال أبو منصور: والأمَة إذا زوجت جاز أن يقال: قد أحصَنَت؛ لأن تزويجها قد أحصنها، وكذلك إذا أعتقت فهي محصنة؛ لأن عتقها قد أعَفها، وكذلك إذا أسلمت؛ لأن إسلامها قد أحصنها. وقال ابن شميل: حَصَنَت المرأة نفسها بالتخفيف، وامرأة حصان وحَاصِن. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً ... (29) . قرأ الكوفيون: (تجارةً) نصبا. وقرأ الباقون بالرفع.

: (يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم مدخلا كريما (31) .

قال أبو منصور: من رفع جعل كان مكتفية، ومن نصب أضمر لـ (كان) اسما. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) . روى المفضل عن عاصم: (يُكفر عنكم. . . ويدخلكم) بالياء معًا. وقرأ الباقون بالنون. قال أبو منصور: المعنى، في النون والياء واحد، والفعل لله، هو المكفر للسيئات، لا شريك له. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) ، و (مَدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ) . قرأ نافع: (مَدْخَلًا كَرِيمًا) و (مَدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ) بفتح الميم.

(وسألوا الله من فضله ... (32)

وكذلك روى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم. وقرأ الباقرن بضم الميم فى السورتين. قال أبو منصور: من قرأهما (مُدْخَلًا) بضم الميم فهو مصدر أدخله مُدْخَلًا وإدخالا، ويجوز أن يكون المدخلُ اسما، كأنه وضع موضع الإدخال. وَمَنْ قَرَأَ (مَدْخَلًا) بفتح الميم فله معنيان: أحدهما: مصدر دخل (مَدْخَلًا) أى دخولا. والثانى: موضع الدخول. وأجاز القراء (مَدْخَلًا) من أدخلتـ، ومَصبَحًا من أصبحت، ومَمسًى من أمسيتُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَسَأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ... (32) ونظائره. قرأ ابق كثير والكسائي: (وَسَأَلُوا اللَّهَ) و (فَسَلِ الذين) و (سَل من أرسلنا) ونحوهن بغير همز في كل القرآن، وقرأ الباقون بالهمز، واتفقوا على همز (وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) واللام لام أمر

(والذين عاقدت أيمانكم ... (33)

الغائب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ... (33) قرأ الكوفيون: (عَقَدَتْ) بغير ألف. وقرأ الباقون: (عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) بألف. قال أبو منصور: هما لغتان: عقد يعقد. وعاقد يُعاقد، وقد قرأ بهما القراء، وفيها لغة ثالثة: أخبرني المنذري عن ابن اليزيدي عن أبي زيد أنه قال: قرئ والذين عَاقَدَت) و (عَقَدَت) بالتخفيف، قال أبو زيد وقرأ بعضهم: (عقَّدَت) بتشديد القاف، والمعنى في جميعها التوكيد لليمين. وأنشد قول الحطيئة: ْأولئك قومٌ إن بَنَوا أحسَنُوا البُنى ... وإن عَاهَدوا أوفَوا وإن عَقَدُوا شَدوا.

(والجار الجنب ... (36)

يجوز: عَقَدُوا، وعَقْدوا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْجَارِ الْجُنُبِ ... (36) روى المفضل عن عاصم: (وَالْجَارِ الْجَنْبِ) بفتح الجيم وسكون النون، ولم يذكر غيره هذه. وقرأ سائر القراء: (وَالْجَارِ الْجُنُبِ) . قال أبو منصور: والجار الجنب: الذي ليس بينك وبينه قرابة، يقال للقريب الذي تؤمنه وتجيره: جارَ جنب أيضًا. * * * وأما قوله: (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ... (36) فهو الرفيق فى السفر. وقَلَّ ما تقول العرب: (الْجَارِ الْجَنْبِ) . لا يكادون يجعلون (الْجَنْبِ) نعتًا للجار، فإن صحت القراءة (وَالْجَارِ الْجَنْبِ) فَمجازة، "والجار ذي الجنب " أي: ذي القرب منك، ومنه قول الله جلَّ وعزَّ: (عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) أي: في قرب الله، كذلك قال الفراء.

(ويأمرون الناس بالبخل ... (37)

وقوله. جلَّ وعزَّ: (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ... (37) قرأ حمزة والكسائي: (بالبَخَل) بفتح الباء والخاء، وكذلك في الحديد. وقرأ الباقون بضم الباء في السورتين وسكون الخاءا. قال أبو منصور: هما لغتان: الْبُخْلِ والبَخَل، فاقرأ كيف شئت. وقوله جلَّ.عر: (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ... (40) . قرأ ابن كثير ونافع: (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةٌ) رفعا. وقرأ الباقون: (حَسَنَةً) نصبًا. كال أبو منصور: من نصب (حَسَنَةً) أضمر في (تَكُ) مرفوعًا، كأنه قال: إن تك الفِعلة (حَسَنَةً) . ومن رفع جعل (تَكُ)

: (لو تسوى بهم الأرض ... (42) .

مكتفية، كأن معناها: إن تَقَع (حَسَنَةٌ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ ... (42) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب: (لَوْ تُسَوَّى) بضم التاء، وتخفيف السين. وقرأ نافع وابن عامر بفتح التاء وتشديد السين: (لَوْ تَسَّوَّى) . وقرأ حمزة والكسائي: (تَسَوَّى) بفتح التاء مخففة السين مُمَالة. قال أبو منصور: من قرأ (تَسَوَّى) فالأصل تتسوَّى، فحذفت إحدى التاءين. وَمَنْ قَرَأَ (تَسَّوَّى) فالأصل أيضًا تتسوَّى، فأدغمت التاء الثانية في السين، وشددت، يقال: اسَّوَّى - يسَّوَّى اسَّوَّاء فهو مسَّوِّ، وأصل (تَسَوَّى) تتسوَّى، كما يقال: أزَّمَّل، وادَّثَّر واصَّدَّى، والأصل تزمَّل وتدثَّر وتصَدَّى. ومن قرأ (تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ فهو من سُوِيت به الأرض تُسَوَّى، إذا دفن فيها.

(أو لامستم النساء ... (43)

والمعنى في جميع هذه الوجوه: أن أهل النار يَوَدون أن لو تُركوا ترابًا ولم يبعثوا من القبور أحياء. ويقال: تسوت به الأرض واستوت به الأرض، إذا دفن في بطنها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ... (43) قرأ حمزة والكسائي: (أَوْ لَمَسْتُمُ) في السورتين بغير ألف. وقرأ الباقون فيهما بالألف قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَوْ لَامَسْتُمُ) فهو على فاعلتم، لاشتراكهما في الفعل الذي يكون منه الولد، وَمَنْ قَرَأَ (أَوْ لَمَسْتُمُ) خص بالفعل الرجل، لأن الفعل في باب الجماع يضاف إلى الرجل، وقد يكنى عن الجماع باللمس واللماس، والعرب تقول: فلانة لاَ تَردُّ يدَ لاَمِسٍ، أي: لا تَرُد عن نفسها من أراد غِشيَانَها.

(ما فعلوه إلا قليل منهم ... (66) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ... (66) . قرأ ابن عامر وحده: (إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) نصبًا، ورفع الباقون. قال أبو منصور: من رفع فعَلى تكرير الفعل، كأنه قال: ما فعلوه مَا فعله إلا قليل منهم، ومن نصب فعَلى الاستثناء، كأنه قال: استثنى قليلا منهم. وقال أحمد بن يحيى فيما أخبرني عنه المنذري: الرفع في قوله (إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) لأن الأول منفى، والثاني مثبت. والاختيار الرفع في الاستثناء مع الجحد.

: (كأن لم يكن بينكم وبينه مودة ... (73) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ ... (73) . قرأ ابن كثير وحفص والمفضل عن عاصم ويعقوب: (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ) بالتاء. وقرأ الباقون: (لَمْ يَكُنْ) بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فلتأنيث المودة. وَمَنْ قَرَأَ بالياء كأنَ المودة أريد بها الودُ، فذكرَ فِعله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا) . قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ويعقوب وابن عامر: (وَلَا تُظْلَمُونَ) بالتاء.

(بيت طائفة ... (81)

وكذلك قُرِئ لابن عامر على ابن الأخرم. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء، وأما قوله: (وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) فاتفقوا فيه على الياء. قال أبو منصور: التاء للخطاب والياء للغيبة، وكلتا القراءتين جيدة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بَيَّتَ طَائِفَةٌ ... (81) قرأ أبو عمرو وحمزة: (بَيَّت طَّائِفَةٌ) مدغمًا، وقرأ الباقون: (بَيَّتَ طَائِفَةٌ) . بنصب التاء غير مدغمة. قال أبو منصور: من أدغم فلقرب مخرج التاء من الطاء، ومن أظهر فلأنهما من كلمتين، والإظهار أتم وأشيع.

(حصرت صدورهم ... (90) .

قال أبو عبيد: معنى بيَت: بدَّل وغيَّر، وأنشد: وبيَّت قوليَ عبدُ المليك ... قاتله الله عبدًا كفورا * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ... (90) . قرأ الحضرميَ وحده: (حَصِرَةً صُدُورُهُمْ) منَونة، وقرأ الباقون: (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) على (فَعِلت) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (حَصِرَةً صُدُورُهُمْ) نصبه على الحال من الأسماء التي في الواو من قوله: (أوجاءوكم) . ومَنْ قرأ (حَصِرت صُدُورُهُمْ) فله وجهان عند النحويين: أحدهما: إضمار (قد) كأنه قال: أو جاءوكم قد حَصِرت صدورهم. لأن (حَصِرت) ماضٍ، والماضي لا يكون حَالاً إلا بـ (قد) . والوجه الثاني في قوله (حَصِرَتْ صُدُورُهُم) : أنه خبر بعد خبر، كأنه قال: أو جاءوكم ثم أخبر فقال بعد (حصرت صدورهم) أن يقاتلوكم. ومعنى حَصرَت صدورهم، أي: ضاقت وجَبُنَت.

: (لمن ألقى إليكم السلام ... (94)

وقوله جلَّ وعزَّ: (فَتَثَبَّتُوا ... (94) . قرأ حمزة والكسائي بالثاء في السورتين. وقرأ الباقون (فَتَبَيَّنُوا) بالنون من البيان. قال أبو منصور: التثَبت والتبَين بمعنى واحد، قال الفراء: تقول العرب للرجل: لا تعجل بإقامة حتى تتبين، وحتى تثبت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ ... (94) قرأ نافع وابن عامر وحمزة: (السَّلَمَ) بغير ألف، وقرأ الباقون: (السَّلَامَ) بألف، وروى شيبان عن أبان عن عاصم: (إِلَيْكُمُ السِّلْمَ) بكسر السين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إِلَيْكُمُ السَّلَامَ) فقد جاء في التفسير أن رجلا سَلم على بعض سرايا المسلمين وَظنوا أنه عائذ بالإسلام

: (غير أولي الضرر ... (95)

وليس مسلمًا فقُتِل، وَمَنْ قَرَأَ (السَّلَمَ) فمعناه: الاستسلام، و (السِّلْمَ) يكون بمعنى الصلح، ويكون بمعنى الإسلام. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ... (95) قرأ نافع وابن عامر والكسائي: (غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ) نصبًا، وكذلك روَى شبل عن ابن كثيرٍ، وقرأ الباقون: (غَيْرُ) بالرفع. قال أبو منصور: من نصب (غَيْرَ) فعَلى الحال، ومن رفع فعلى أنه نعت للقاعدين، وقال أبو إسحاق: يجوز أن يكون (غيرَ) منصوبا على الاستثناء من (القاعدين) ، المعنى: لا يستوي القاعدون إلا أولي الضرر، قال وبجوز أن تكون (غَيْرَ) منصوية على الحال: لا يستوي القاعدون في حال صحتهم. وقال ابن الأنباري: يجوز النصب في (غَيْرَ) على القطع، وعلى الاستثناء.

: (فسوف نؤتيه أجرا عظيما (114)

وتوبه جلَّ وعزَّ: (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) قرأ أبو عمرو وحمزة (فَسَوْفَ يُؤْتِيهِ) بالياء، وقرأ الباقون بالنون. قال أبو منصور: النون والياء معناهما واحد، الله يؤتيه الأجر، لا شريك له. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124) قرأ ابن كثير ويعقوب: (يُدْخَلُونَ) بضم الياء ها هنا وفي مريم ورأس أربعين من المؤمن، وقرآ: (سَيُدْخَلُونَ جَهَنَّمَ) عند رأس ستين منها بضم الياء أيضًا. وقرأ أبو عمرو ها هنا وفي مريم وفاطر ورأس أربعين من المؤمن: (يُدخَلون) بضم الياء، وروى المطرف عن ابن مشكان عن ابن كثير: أنه ضم الياء في فاطر مثل أبي عمرو، وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: أنه ضم الياء ها هنا وفى مريم ورأس أربعين من المؤمن، وفتح رأس ستين منها (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ) ، وروي

: (أن يصلحا بينهما صلحا ... (128) .

يحيى عن أبي بكر ها هنا وفى مريم (سَيُدْخَلُونَ جَهَنَّمَ) بالضم، وفتح الياء رأس أربعين، وروى الكسائي وحسين عن أبي بكر عن عاصم بفتح الياء فيهن كلهن، وقرأ الباقون بالفتح في ذلك. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَدخُلون) فهم فاعلون، ومن قرأ (يُدخَلُون) فعلى ما لم يسم فاعله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ... (128) . قرأ الكوفيون (يُصْلِحَا) بالضم والتخفيف، وقرأ الباقون: (يَصَّالَحَا) قال أبو منصور: (يَصَّالَحَا) . أى: يتصالحا، فأدغمت التاء فى الصاد. وشددت. وَمَنْ قَرَأَ (يُصْلِحَا) فمعناه: إصلاحهما الأمر بينهما، كما يقال: أصلحت ما بين القوم، والمعنى فيهما: أن الزوجين يجتمعان على صلح يتقفان عليه، وذلك أن المرأة تكره الفراق، فتَدَع بعض حقها من الفراش للزوج فيؤثر به غيرها من نسائه، كما فعلت سَودَة في تركها ليلتها لِعَائشة.

: (وإن تلووا أو تعرضوا ... (135)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا ... (135) قرأ ابن عامر وحمزة (وَإِنْ تَلُوا) بواو واحدة، وضم اللام، وقرأ الباقون: (تَلْوُوا) بواوين وسكون اللام. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَلْوُوا) فهو من لوَى يَلوي. يقال: لويت فلانًا حقه ليَّا. إذا دافَعتَه ومَطلتَه، وهذه القراءة أشبه بما جاء في التفسير، لأنه جاء فيه: إن لوَى الحاكم في قضيته أو أعرض فإن الله خبير بذلك، ومَن قرأ (تَلُوا) بالتخفيف ففيه وجهان: أحدهما: أن يكون (تَلُوا) أصلها (تَلوُوا) ، فأبدل من الواو المضمومة همزة فصارت (تَلؤوا) بإسكان اللام، ثم طرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللام، فصارت (تَلوا) ، كما قُيل في (أدوُر) : (أدؤر) . ثم طرحت الهمز فصارت (أدر) . وقيل معنى: (تَلوُوا) تفعلوا من الولاية أو تعرضوا. المعنى: إن قمتم بالأمر أو أعرضتُنم فإن الله بما تعملون خبيرا، ويكونُ (تَلوا) على هذا المعنى من وَلِى يَلِي، إذا تولَّى أمرًا وقام به. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ... (136) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضم النون والألف من (نُزِّلَ) و (أُنْزِلَ) . وقرأ الباقون بفتحهما، وروى الكسائي عن أبي بكر: (نُزِّلَ) و (أُنْزِلَ) مضمومتين.

(وقد نزل عليكم في الكتاب ... (140)

وقوله عزَّ وجلَّ: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ ... (140) قرأ عاصم ويعقوب: (وَقَدْ نَزَّلَ) بفتح النون، وقرأ الباقون: (نُزِّلَ) بضم النون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نُزِّلَ) و (أُنْزِلَ) فهو على ما لم يسم فاعله، ومن قرأ (أَنْزَلَ) و (نَزَّلَ) فالمعنى: وقد نَزَّلَ الله في كتابه، وأنزله، والمعنى واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ... (145) قرأ ابن كثير ويعقوب ونافع وأبو عموو وابن عامر: ((فِي الدَّرَكِ) مُثَقَّلاً، وكذلك رَوَى الأعشى والكسائي وحسين عن أبي بكر عن عاصم بفتح الراء، وقرأ حمزة والكسائي: ((فِي الدَّرْكِ) خفيفا، وكذلك روىْ حفص عن عاصم ويحيى عن أبي بكر عن عاصم بإسكان الراء أيضًا.

: (أولئك سوف يؤتيهم أجورهم ... (152)

قال أبو منصور: هما لغتان: الدَّرْك والدَّرَك، ومثلهما: ليلة النفْر، والنفَر. ونشْز من الأرض ونَشَر. وشَطْر وشَطَر. وقال أبو عبيدة: جهنم دركات، أي: منازل وأطباق، وقيل: الدركات مراقٍ بعضها تحت بعض. وعن ابن مسعود أنه قال فى تفسير قوله: (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ) في توابيت من حديد مُبهَمة عليهم، المبهَمة: التي لا أقفال عليها. وأمرٌ مبهم، إذا كان مُلتَبسًا لا يعرف. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ ... (152) قرأ حفص عن عاصم (سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ) بالياء، وقرأ الباقون بالنون. قال أبو منصور: المعنى فيهما واحد: الله المؤتي الأجرَ، لا شريك له. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ ... (154) .

: (وآتينا داوود زبورا (163)

قرأ نافع وحده (لَا تَعْدُّوا فِي السَّبْتِ) بسكون العين، وتشديد الدال، وروى ورش عنه (لَا تَعَدُّوا فِي السَّبْتِ) بفتح العين وتشديد الدال، وقرأ الباقون (لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) ساكنة العين خفيفة الدال. قال أبو منصور: القراءة التي رويت عن نافع بسكون العين وتشديد الدال ضعيفة عند النحويين، لاجتماع الساكنين، وهى في الأصل: لا تعتدوا، فأدغمت التاء في الدال وشُددت، وعَدَا واعتدى، إذا جاوز الحدَّ وظلم، ولو قرئت (ولا تَعَدُّوا) بفتح العين وتشديد الدال فالأصل فيها: تَعتَدوا أيضًا، يقال: أعدَّى يُعدِي إعداء، الأصل فيها: اعتدى يعتدي اعتداء. وأجود القراءة (لَا تَعْدُوا) من عَدَا يَعُدو، إذا جاوز الحد وجار. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) قرأ حمزة وحده (زُبُورًا) بضم الزاي. وفتحها الباقون.

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (زَبُورًا) بفتح الزاي فمعناه: كتابًا مَزبورًا، والآثار كذا جاءت، زبور داود، وتوراة موسى، ومن قرأ (زُبُورًا) بالضم فمعناه: آتيناه كُتُبًا، جمع زَبْر مثل بَطْنٍ وبُطون. * * * وحذفت من هذه السورة ياء قوله: (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ ... (146) أثبتها يعقوب في الوقف، وحذفها الباقون في الوصل والوقف، ولا يُثبِت فى الوصل لسكونها وسكون اللام الأول من اسم (اللَّهِ) . * * *

سورة المائدة

سورة الْمَائِدَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قول الله جلَّ وعزَّ: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ ... (2) قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (شَنْئَانُ قَوْمٍ) خفيفة، وقرأ حفص بالتثقيل مثل حمزة، واختلف عن نافع فرَوَى عنه قالون وورش والأصمعي وابن جَماز مثل أبي عمرو، وقد روى عند إسماعيل

(أن صدوكم ... (2) .

والمسيبي والواقدي مثل قراءة ابن عامر. وقرأ الباقون (شَنَئَانُ) مثقلاً. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (شَنَئَانُ قَوْمٍ) مثقلا فمعناه: بُغْض قوم، وهو مصدر قولك: شَنَأته أشنَؤُه شَنئا وشَنَآئا، مثل الدَّرَجَان والهَملانِ. وَمَنْ قَرَأَ (شَنْئَانُ قَوْمٍ) فهو نعت كأنه قال: لا يَحمِلنَّكم بَغيض قوم، ولا يَكسِبنكم مُبْغضُ قوم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ صَدُّوكُمْ ... (2) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو (إِنْ صَدُّوكُمْ) بكسر الألف، وقرأ الباقون (أَنْ صَدُّوكُمْ) بفتح الألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَنْ صَدُّوكُمْ) بفتح الألف فالمعنى: لا يكسبنكم بغض قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، وموضعه النصب، أي: لا يكسبنكم بغض قوم الاعتداء.

(وأرجلكم إلى الكعبين ... (6)

وَمَنْ قَرَأَ (إِنْ صَدُّوكُمْ) بالكسر فهو جزاء، المعنى: إن يصدوكم. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ... (6) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي (وَأَرْجُلِكُمْ) خفضًا، وقرأ الأعشى عن أبي بكر بالنصب مثل حفص، وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب (وَأَرْجُلَكُمْ) نصبًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَأَرْجُلَكُمْ) نصبًا عطفه على قوله (اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) ، أخرَ ومعناه التقديم، وقد رُويت هذه القراءة عن ابن عباس، وبها قرأ الشافعي، ورويت عن ابن مسعود، وهى أجود القراءتين؛ لموافقتها الأخبار الصحيحة عن النبي عليه السلام في غسل الرجلين. ومن قرأ (وَأَرْجُلِكُمْ) عطفها على قوله (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) وبَينت السُّنة أن المرادَ بمسح الأرجل غَسلها، وذلك أن المسح في كلام العرب يكون غُسلا، ويكون مَسحًا باليد، والأخبار جاءت بغسل الأرجل ومسح الرؤوس، ومن جعل مسح الأرجل كمسح الرؤوس خطوطًا بالأصابع فقد خالف ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (وَيلٌ لِلعَراقِيب من النار".

(وجعلنا قلوبهم قاسية ... (13)

و "ويلٌ للأعقاب من النار". وأخبرني أبو بكر بن عثمان عن أبى حاتم عن أبي زيد الأنصاري أنه قال: المسح عند العرب يكون غُسلاً، فلابد من غُسل الرجلين إلى الكعبين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ... (13) قرأ حمزة والكسائي (قَسِيَّةً) بغير ألف، وقرأ الباقون (قَاسِيَةً) بالألف. قال أبو منصور: القاسِية والقَسِيَّة بمعنى واحد، وهي: القلوب التي قَسَت وغلظت واستَمرت على المعاصي، وكل شيء يبس وذهب رقتُه فقد قَسَا، ومنه قيل للدراهم التي قد مَرَنَتْ وطال عليها الدهر: (قَسِيَّةً)

(أكالون للسحت ... (42)

قال الشماخ يصف المساحي: لها صَواهِلُ في صُمِّ السِّلام كما ... صاحَ القَسِيَّات في أَيْدي الصياريفِ * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ... (42) قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي والحضرمي (لِلسُّحُتِ) مثقلاً حيث كان، وقرأ الباقون (لِلسُّحْتِ) خفيفا، وروى عباس عن

(أن النفس بالنفس ... (45) .

خارجة عن نافع (لِلسَّحْتِ) بفتح السين خفيفًا. قالط أبو منصور: السُّحُتُ والسُّحْت لغتان، معناهما: الحرام، سُمي سُحْتًا لأنه يَسحَتُ البركة، أى: يمحقها ويستأصلها. ومن قرأ (السَّحْت) فهو مصدر سحته سَحْتًا، إذا استأصله، وكذلك أسحَتَه إسحاتًا بمعناه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ... (45) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) بالنصب في هذه الأسماء كلها (وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) بالرفع خاصة،

وقرأ الكسائي (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ) بالرفع في هذه الأسماء كلها، ونصبها كلها الباقون. قال أبو منصور: أما ما قرأه الكسائي من رفع الأسماء كلها بعد (النَفس) ونصبه فإنه جعل قوله (وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ) ابتداء، وعطف عليه ما بعدها من الأسماء، وجعل قوله (قصاصٌ) خبر الابتداء، وقد رُويت هذه القراءة عن النبي صلى الله عليه فيما أخبرني المنذري عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أبان عن أنس أن رسول الله قرأ (وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ) ، قال - الفراء: فإذا رفع (الْعَيْنُ) تبعها ما بعدها. وَمَنْ قَرَأَ (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) بالنصب وأتبعها الأسماء بعدها بالنصب حتى انتهى إلى قوله (وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ) فرفعها فالجروح ابتداء، و (قصاص) خبره، قال الفراء: الرفع والنصب في عطوف (أنَّ) إنما يسهلان إذا كان مع الأسماء أفاعيل، مثل قوله (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا) فسَهُل لأن بعد الساعة خبرها، ومثله: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) .

(والأذن بالأذن ... (45)

وكذلك قوله (وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ) رفعت (الجروح) بالقصاص، ومن نصب الجميع أتبع بعضه بعضًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ ... (45) قرأ نافع (وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ) ، وكذلك قوله: (وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) وقوله: (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا) بإسكان الذال في كل القرآن، وقرأ الباقون (الأذُن) بضمتين في جميع القرآن. قال أبو منصور: هما لغتان، وأفصحهما التثقيل.

(وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ... (47)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ... (47) قرأ حمزة وحده (وَلِيَحْكُمَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ) بكسر اللام وفتح الميم، وقرأ الباقون (وَلْيَحْكُمْ) بجزم اللام والميم. قال أبو منصور: أما قراءة حمزة (وَلِيَحْكُمَ) فإن الزجاج قال قُرِئت بكسر اللام وفتح الميم على معنى: ولأن يحكمَ. قال: ويجوز كسر اللام مع الجزم في الميم، ولكنه لم يقرأ به، والأصل كان كسر اللام فخفف. قال الأزهري اللام إذا اتصلت بالفاء والواو استثقل كسرها، وكثرت الحركات فسكنها، وهما لغتان جيدتان، ومن جزم الميم فلأن اللام لام الأمر، إلا أنه لم يقرأ به. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ... (50) قرأ ابن عامر وحده (تَبْغُونَ) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فهي المخاطبة، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة.

(ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا ... (53) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا ... (53) . قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: (يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) بغير واو في أوله وبرفع اللام، وقرأ أبو عمرو: (وَيَقُولَ) نصبًا. وقرأ الكوفيون: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) رفعًا، ورَوَى علي بن نصر عن أبى عمرو الرفع والنصب جيمعًا. قال أبو منصور: أما حذف الواو وإثباتها فعَلى ما كُتبَ في المصاحف القديمة، وثبوت الواو، وسقوطها لا يغير المعنى، ومن نصب (ويقولَ) عطفه على قوله (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ. . وأن يقولَ. ومن رفع (ويقولُ) فهو استئناف، وكل ذلك جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ... (54) قرأ نافع وابن عامر ((مَنْ يَرْتَدِدْ) بدالين، وقرأ الباقون (مَنْ يَرْتَدَّ)

(لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء (57)

بتشديد الدال وفتحها. قال أبو منصور: من أظهر الدالين فَلِسُكون الدال الثانية في موضع الجزم، ومن قرأ (يَرْتَدَّ) بالنصب فلان المضاعف إذا أدغم في موضع الجزم أعطِيَ أخَف الحركات وهو النصب، كقولك: حُل واحَلل، وعُضَ واعضُض. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ (57) قرأ أبو عمرو ويعقوب والكسائي (وَالْكُفَّارِ أَوْلِيَاءَ) خفضًا، وقرأ الباقون بالنصب، وروى حسين عن أبي عمرو (والكفارَ) نصبًا. قال أبو منصور: من قرأ (وَالْكُفَّارِ) خفضًا عطفه على قوله (من الذين أوتو الكتاب من قبلكم) ومن الكفار، وَمَنْ قَرَأَ (وَالْكُفَّارَ) عطفه على قوله: (لا تتخذوا الذين) ولا تتخذوا الكفارَ.

(وعبد الطاغوت ... (60)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ... (60) قرأ حمزة وحده (وعَبُدَ الطَّاغُوتِ) بضم الباء وكسر التاء، وقرأ الباقون بفتحها. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) عطفه على قوله (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ) ومن عَبَدَ الطاغوتَ، وأما قراءة حمزة (وعَبُدَ الطَّاغُوتِ)) فإن أهل العربية ينكرونه، وقال نصير النحوى: هُوَ وَهْمٌ ممن قرأ به، فَليتق الله من قرأ به، وليَسأل عنه العلماء حتى يوقف على أنه غير جائز. وقال الفراء مَنْ قَرَأَ (وعَبُدَ الطاغوتِ) فإن تكن فيه لغة مثل: حذِر وحَذُرَ، وعَجِل وعَجُل فهو وجه، وإلا فلا يجوز في القراءة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ... (67) قرأ ابن كثير (بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) و (حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) و (عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِي) ثلاثتهن على التوحيد، وقرأ ابن عامر

وأبو بكر عن عاصم والحضرمي ثلاثتهن على الجمع، وقرأ نافع ها هنا وفى الأنعام على الجمع وفى الأعراف (بِرِسَالَتِي) واحدة، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (فما بلغت رسالته " مُوَحدةً، والأخريان على الجمع، وقرأ حفص عن عاصم ها هنا وفى الأنعام على التوحيد، وفى الأعراف (بِرِسَالَاتِي) جماعة. قال أبو منصور: الرسالة بمنزلة المصدر على (فِعَالة) فهو ينوب عن الجماعة، والقرآن كله رسالة الله إلى الخلق وهو مشتمل على رسالات كثيرة، والرسائل أكثر من الرسالات.

(وحسبوا ألا تكون فتنة ... (71)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ ... (71) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب (أَلَّا تَكُونُ فِتْنَةٌ) رفعًا، وقرأ الباقون (أَلَّا تَكُونَ) نصبًا. قال أبو منصور: من رفع فله وجهان: أحدهما: أن يجعل (لا) بمعنى (ليس) ، المعنى: أن ليس تكُونُ فتنة، وكذلك قوله (أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا) بمعنى: أن ليس يرجعُ. والوجه الثاني بإضمار الهاء، المعني: أنه لا تكونُ فتنة، وأما من نصب فهو وجه الكلام؛ لأن (أن) و (أن لا) تنصبان المستقبل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ... (89) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص ويعقوب (عَقَّدْتُمُ) مشددة، وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (عَقَدْتُمُ) خفيفة، وقرأ ابن عامر (عَاقَدْتُمُ) بالألف.

: (فجزاء مثل ما قتل من النعم ... (95)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (عَقَّدْتُمُ) بالتشديد فمعناه: وكَدتم، قاله أبو عبيد، وقيل لنافع: ما التوكيد؟ قال: أن يحلِف على الشئ مِرارًا. والتشديد في الفعل يستعمل إذا تكرر، كقولك: قُتِّل القومُ. ومن قرأ (عاقدتم) فهو مؤاخٍ لـ (عَقَّدْتُمُ) ، كقولك: صاعَرَ خَده وصَعَّرَه، وعَلى الرجل على البعير وعالى عليه، وله نظائر كثيرة، وَمَنْ قَرَأَ (عَقَدْتُمُ) فإن أبا عبَيد قال: كان الكسائي يقرأ بالتخفيف (عَقَدتم) ، وتفسيره: أوجبتم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ... (95) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (فَجَزَاءُ مِثْلِ مَا) مُضَافا، وقرأ الباقون (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا) منونًا. قال أبو منصور: أما مَنْ قَرَأَ (فجزاءُ مثلِ) فعَلى الإضافة والمضاف إليه مَكسور، ومَنْ قَرَأَ (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا) جعل (مثل) نعتًا للجزاء، والمعنى: فعليه جَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ.

(أو كفارة طعام مساكين ... (95)

وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ... (95) قرأ نافع وابن عامر (أَوْ كَفَّارَةُ طَعَامِ مَسَاكِينَ) بالإضافة. وقرأ الباقون (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ) بالتنوين ورفع الطعام. قال أبو منصور: من لم ينون (كفارة) فلإضافتها إلى طعام، ومن نَون (كَفَّارَةٌ) وقرأ (طَعَامُ مَسَاكِينَ) فطعام تَرجمَة عن قوله (كَفَّارَةٌ) وتأويله: أن المحرِمَ إذا أصاب صيدا فإنه يسأل فقيهين عددين عن جراء ما أصاب، أي: قتل من الصيد، فإن كان كالإبل حَكَمَا عليه بها هديًا بالغ الكعبة، وإن كان كالشاء حكما عليه بمثل ذلك، وإن كانت القيمة لا تبلغ، نَظرًا، فقدرا قيمة ذلك وأطعم بثمن ذلك المساكين لكل مسكين مُدَّان، أو صام بعدل ذلك على ما توجبه السُّنة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ... (97) قرأ ابن عامر وحده (قِيَمًا لِلنَّاسِ) بغير ألف، وقرأ الباقون (لِلنَّاسِ) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قِيَمًا) فهو مصدر على (فِعَل) ، من قام يقومُ، وجعلها بالياء لأن الواو لما فَسَدَت في قام بالألف فَسَدَت مع كسرة القاف، وَمَنْ قَرَأَ (قِيَامًا) بناه على (فِعَال) ، وكان في الأصل قِوامًا، فجعلت الواو ياء لكَسرة ما قبلها، وهما لغتان: يقال فلان قِوام قومه، وقيام قومه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ... (95) . قرأ ابن عامر فيما ذكر النقاش (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ) بكسر العين، وقرأ الباقون (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ) . قال الفراء: العَدل بالفتح: ماعَادل الشَيء من غير جنسه، وأما العِدل فهو المثل: يقال: عندي عِدل غلامك، وعِدل شاتك، إذا كانت شاة تعدل شاة، أو غلاما يعدل غلاما، فإذا أردت قيمته من غير جنسه نصبت العَدلَ، وكذلك اتفق أكثر القراء على فتح العين.

(من الذين استحق عليهم الأوليان ... (107)

قال الزجاج: العَدل والعِدل واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ ... (107) ْقرأ أبو بكر وحَمزة ويعقوب:، (استُحِقَ) بضم التاء، (عَلَيْهِمُ الْأَوَّلِينِ) على الجميع، وقرأ الأعشى عن أبي بكر وحفص عن عاصم: (اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ) بفتح التاء (الْأَوْلَيَانِ) على التثنيةِ. وقرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ) . قال أبو منصور: أما مَنْ قَرَأَ (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ) بالرفع والتثنية فَلِمَعْنى الاسم الذي في (يقومان) ، كأنه قال: فآخران يقومان من الذين استُحِق عليهم يقومُ الْأَوْلَيَانِ، وهو التثنية الأولى، أي: الأحَق، وهذا قول الزجاج.

(إلا سحر مبين (110)

وأما مَنْ قَرَأَ (الْأَوَّلِينِ) فإنه يرده على الأسماء المضمرة في الهاء والميم من قوله: (عليهم) ، وإن شئت رَدَدته على (الذِينَ) . وَمَنْ قَرَأَ (من الذين استُحِقَّ عليهم الأوْليَان) فعليهم بمعنى منهم، واستُحِقَّ فِعْل للأوْلِينَ، وقد أشبَعتُ هذه الآية في كتاب على حدة، وأقصرت على هذا المقدار في هذا الكتاب، اعتمادًا على الكتاب المؤلف فيه، والله الموفق. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) هنا وفى يونس وهود والصف. قرأ ابن كثير وعاصم في يونس: (لَسَاحِرٌ مُبِينٌ) بألف، والباقي بغير ألف، وقرأهن نافع وأبو عمرو وابن عامر والحضرمي أربعهن (سِحْرٌ) على (فِعْل) ، وقرأهن حمزة والكسائي (سَاحِر) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سِحْرٌ) فهو مصدر سَحَر يسْحَر سِحْرًا، ومثله خَدَع يخدَع خِدْعًا، و (مبين) نعت له. ومن قرأ (لَسَاحِرٌ) فهو نعت على (فاعل) ، و (مبين) ، أى: ظاهر السحر. * * *

(هل يستطيع ربك ... (112)

وقوله جلَّ وعزَّ: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ... (112) قرأ الكسائي والأعشى عن أبي بكر (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) بالتاء ونصب الباء من (رَبَّكَ) ، وقرأ الباقون (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) بالياء ورفع الباء من (رَبُّكَ) . وأخبرني المنذري عن أبي اليزيدي عن أبي زيد أنه قال في قول الله جلَّ وعزَّ: (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) معناه عندنا: هل تدعو ربَّك؟ هل تستطيع بدعائك أن يُنَزِّلَ؟ قال أبو منصور: وَمَنْ قَرَأَ بالياء فمعناه: هل يفعل ربُّك؟ لأن القوم لم ينكروا ولم يَشُكُّوا أنه يستطيع. وقال نصير النحوي: الاختيار: (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) ، على معنى: هل يستجيب لك ربُّك؟ هل تسأله ذلك؟ . قال: وكانت عائشة تنكر القراءة الأخرى وتقول: كان

(قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ... (119)

القوم أعلم بالله من أن يقولوا: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) ؟ . وقال الفراء: من قرأها (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) هذا كقولك: هل يستطيع فلانٌ القيام معنا؟ وأنت تعلم أنه يستطيع ذلك، فهذا وجه هذه القراءة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ... (119) قرأ نافع وحده (يَوْمَ يَنْفَعُ) بنصب الميم، وقرأ الباقون (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ) بالرفع. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَوْمُ يَنْفَعُ) بالرفع رفعه بـ (هذا) ، ورفع (هذا) به، وهى القراءة الجيدة. وَمَنْ قَرَأَ (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ) بالنصب ففيه قولان: قال إلفراء: (يَوْمَ يَنْفَعُ) في موضع الرفع، وإنما نُصبَ لأنه أضيف إلى الفعل، فكذا إذا أضيف إلى اسم غير متمكن، كقوله: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ) فيه ما في هذا. وقال الزجاج: مَنْ قَرَأَ (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ) فهو منصوب على الظرف، قال: ومن زعم أن (يومَ) منصوب لأنه مضاف إلى (يَنْفَعُ) وهو فى موضع الرفع بمنزلة يومئذٍ فهو عند البصريين خطأ، لا يجيزون: (هذا يومَ آتيك) ؛ لأن (آتيك) فعل مضارع، والإضافة إليه لا تُزيل الإعراب عن جهته. * * *

سورة الأنعام

سورة الْأَنْعَامِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قرأ ابن عامر فيما روى ابن مجاهد له: (وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) بفتح الباء، ولا يعرف ذلك أهل الشام. وقرأ الباقون (يلبِسُون) بكسر الباء. قال أبو منصور: القراء (يلبِسون) بكسر الباء؛ لأنه من لبَس الأمر يلبسُ، إذا لبِس الأمر حتى يشتبه الصوابُ، فلا يتيبَين، وأما (يلبَس) فإنه لا يَكون إلا من لبِسَ الثوبَ يلبَسه لُبْسًا، ونيس هذا موضعه، ولا يجوز القراءة إلا بكسر الباء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ ... (10) روى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (اسْتُهْزِي) بغير همز، وقرأ الباقون بالهمز. قال أبو منصور: القراءة بالهمز لتتابع القراء عليه، وأنه أفصح وأتم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ ... (16)

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ) بضم الياء، وفتح الراء. وفَتحها الباقون مع كسر الراء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُصْرَفْ عَنْهُ) فهو على أنه مفعول لم يسم فاعله، وَمَنْ قَرَأَ (مَن يَصرِف عنه) فالفعل لِله، فالمعنى: من يَصرِف اللَّهُ عنه الهلاك والعذاب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ ... (14) حرك الياء نافع وحده، وأرسلها الباقون. * * * وقوله: (إِنِّي أَخَافُ ... (15) فتحها ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون.

(ثم لم تكن فتنتهم ... (23)

وقوله جلَّ وعزَّ: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ ... (23) قرأ ابن كثير وابن عامر وحفص (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ) بالتاء (فِتْنَتُهُمْ) رفعًا، وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ) نصبًا، وكذلك روى شبل عن ابن كثير، وقرأ حمزة والكسائي والحضرمي (ثُمَّ لَمْ يَكُنْ فِتْنَتَهُمْ) نصبًا. قال أبو منصور: من نصب (فِتْنَتَهُمْ) فهو على أنه خبر (تكُنْ) ، ويكون (أن قالوا) الاسم، وأنثت (تكن) وهو لـ (أن قالوا) لأنَّ (أن قالوا) ها هنا هى الفتنة، وَمَنْ قَرَأَ (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) بالرفع فعَلى أن الفتنة هى الاسم لـ (تَكُن) ، ويكون (أن قالوا) الخبر. وقال بعضهم: من قرأَ (لم يَكن) بالياء وجعله لِـ (أن قَالوا) فمعناه: (القول) ، وهو مذكَّر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّهِ رَبِّنَا ... (23) قرأ حمزة والكسائي (وَاللَّهِ رَبَّنَا) نُصِب على الدعاء، وقرأ الباقون (وَاللَّهِ رَبِّنَا) خَفْضَا.

(نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين (27)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (رَبِّنَا) فعلى البدل، كأنه قال: ورَبِّنَا. وقال الزجاج: مَنْ قَرَأَ (رَبِّنَا) فعلى النعت والثناء لقوله: (واللهِ) . ومَن نصب فعَلى وجهين: أحدهما: على الدعاء، كأنهم قالوا: والله يا رَبَّنَا ما كُنَّا مشركين. ويجوز أن يكون نصبه على المدح، كأنه قالَ: والله أعْنِي (رَبَّنَا) وأذكرُ (رَبَّنَا) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر والكسائي (نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ. . . ونكونُ) بالرفع، وقرأ ابن عامر (وَلَا نُكَذِّبُ) رفعًا، و (نَكُونَ) نصبًا. وقد روى هشام بن عمَار بإسناده عن ابن عامر النصب

فيهما، وقرأ الباقون (وَلَا نُكَذِّبَ. . . وَنَكُونَ) بالنصب جميعًا. قال أبو منصور: وَمَنْ قَرَأَ بالرفع في (وَلَا نُكَذِّبُ. . . ونكونُ) فالمعنى: يا ليتنا نُرَد ونحن لا نكذب بآيات ربنا أبدًا، رددنا أو لم نُرَدَ، ونكونُ من المؤمنين قد عَيَّنَّا وشاهَدْنا ما لا نكذبُ معه أبدًا. ويجوز الرفع على وجه آخر: على معنى: يا ليتنا نُرَد ويا لتنا لا نكذبُ بآيات ربِّنا، كأنما تمنوا الرد والتوفيق للتصديق، (ونكونُ) معطوف عليه. وَمَنْ قَرَأَ (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ. . . وَنَكُونَ) فهو على الجواب بالواو فى التمني، كما تقول: ليتك تصيرُ إلينا ونكرمَك، وهذا قول أبى إسحاق. وقال أحمد بن يحيى: جواب التمني إنما يكون بالفاء نصبًا، فأما الواو، فإنما يَنصِبُ على الصرف.

(للذين يتقون أفلا تعقلون (32)

وقوله جلَّ وعزَّ: (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) ونظائره فى الأعراف، ويوسف والقصص ويس. قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي في القصص بالتاء، والباقى بالياء. وقرأ أبو عمرو خمسهن بالياء، وهما سِيَّان، وقد خيَّرَ أبو عمرو فى القصص فقال: إن شئت بالتاء، وإن شئت بالياء، وقال: وهما سِيَّان. وقرأهن نافع وابن عامر كلهن بالتاء، وتابعهما حفص إلا في يس

(ولدار الآخرة خير (32)

فإنه قرأ (يعقلون) بالياء، وقرأ أبو بكر في رواية الأعشى عنه فى القصص بالتاء، والباقى بالياء مثل حمزة، وفى رواية يحيى عنه فى يوسف وفى القصص بالتاء، والباقى بالياء. وقرأ الأصم فى الأنعام والقصص ويس (أفلا تعقلون) بالتاء، والباقى بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فللمخاطب، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ (32) قرأ ابن عامر وحده: (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) بلام واحد، وخفض الآخرةِ، وقرأ الباقون: (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ) بلامين، (الآخرةُ) رفع. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) فالآخرةُ نعت للدار، وهي أجود القراءتين، وَمَنْ قَرَأَ (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ) فإنه أضاف الدار إلى الآخرة. والعرب تُضِيف الشيء إلى نعته، كقول الله: (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) ،

(فإنهم لا يكذبونك ... (33)

وكقوله: (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) ، وكل ذلك فصيحٌ جيد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ ... (33) قرأ نافع، والأعشى عن أبي بكر، والكسائي (فَإِنَّهُمْ لَا يَكْذِبُونَكَ) خفيفَا. وشدد الباقون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا يَكْذِبُونَكَ) مخففا فمعناه: لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبأتَ بِه مما في كتبهم: كَذَبت؛ لأن معنى: أكذبتُ الرجُلَ: أريتُ أن ما أتَى بِه كذب. ومن قرأ (لَا يُكَذِّبُونَكَ) بالتشديد، فمعناه: لايقولون لك: كَذَبت، يقالَ: كَذَبتُ الرجل، إذا نسبته إلى الكذب، وأكذَبتُه، أي: وجدته كذابًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ ... (40) ، و: (أَرَأَيْتَ) و (أَرَأَيْتُمْ) .

قرأ نافع كل هذا في القرآن بألف في تقدير الهمز، ولايهمز، وقرأ الكسائي بغير ألف وبغير همز (أرَيتُكم) وقرأ الباقون بالهمز فى هذا كله. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أرأيتكم) و (أرأيتم) بالهمز فعلى أن أصل الحرف مهموز، وَمَنْ قَرَأَ (أرايتم) فعَلى تخفيف الهمز، ومن قرأ (أريتُكُنم) و (أرَيْتُم) فعَلى حذف الهمز، وكلها لغات صحيحة. والعِلة في قوله (أرأيتكُم) هو خطاب للجماعة، ولم يقل: (أرأيتموكم) ؛ لأن العرب إزا أرادَت بمعنى (أرأيتَ) الاستخبار تركوا التاء مفتوحة في الواحد والجمع والمؤنث، وإذا أرادوا رُؤية العَين ثَنوا وجمعوا وأنَّثوا، فقالوا للرجلين: (أرأيتماكما) ، وللجماعة: (أرأيتموكم) ، وللنساء: (أرأيتُنَّكُن) ، وللمرأة: (أرأيتِكِ) بكسر التاء. فاعرف الفرق بين المعنيين. ومعنى قول الله عزَّ وجلَّ: (قل أرأيتَكم) استفهام معناه التقرير، يستخبرهم ليقرِّرَهم.

(يأتيكم به انظر ... (46)

وقوله جلَّ وعزَّ: (يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ ... (46) روى ابن المسيبي عن أبيه عن نافع وأبو قرَة عنه (بِهُ انْظُرْ) بضم الهاء، وكَسَرها الباقون. قال أبو منصور: هما لغتان، وقد مر تفسيرهما في أول الكتاب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ... (44) .

(أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم (54)

قرأ ابن عامر فيما روى ابن مجاهد (فَتَّحْنَا) بتشديد التاء، وقرئ على أبي الحسن - الدمشقي لابن عامر بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتخفيف. قال: من شدد التاء من (فَتَّحْنَا) فلتكثير الأبواب، ومن خفف فلأن الفعل واحد، وكل ذلك جائز، والتخفيف أكثر في القراءة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) قرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو والكسائي (إنَّهُ مَنْ عَمِلَ) و (فَإِنَّهُ) بكسر الألف فيهما، وقرأ نافع (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ) نصبًا، (فَإِنَّهُ غَفُورٌ) بالكسر، وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب

((أَنَّهُ. . . فَأَنَّهُ) منصوبين. وقال أبو إسحاق: يجوز (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا. . . فَأَنَّهُ) يجوز بالفتح فيهما جميعًا، ويجوز كسرها جميعًا، ويجوز فتح الأولى وكسر الثانية، ويجوز كسر الأولى وفتح الثانية. فأما من فتح الأولى والثانية فعلى أنَ موضع الأولى نصب، المعنى: كتب ربكم على نفسه المغفرة، وهي بدل من الرحمة، كأنه قال: كتب ربكم على نفسه الرحمة، وهي المغفرة للمؤمنين التائبين، لأن معنى (أنه غفورً رحيم) المغفرة منه. ويجوزأن تكون (أنَّ) الثانية وقعت مؤكدة للأولى؛ لأن المعنى: كتب ربكم أنه غفور رحيم، فلما طال الكلام أُعيد ذكر (أنَّ) . وأما من كسرهما جميعًا فعلى مذهب الحكاية، كأنه لما قال: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) قال: (إِنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بالكسر. ودخلت الفاء جوابا للجزاء فكسرت (إنَّ) لأنها دخلت على ابتداء وخبر، كأنك قلت: فهو غفور رحيم، إلا أنَّ الكلام بـ إنَّ أوكَدُ.

(ولتستبين سبيل المجرمين (55)

ومن كسر الأولى فعلى ما ذكرنا من الحكاية، وإذا فتح الثانية مع كسر الأولى كان معناها المصدر، والخبر محذوف، المعنى: إنه من عمل منكم كذا وكذا فمغفرة الله له. ومن فتح الأولى وكسر الثانية فالمعنى راجع إلى المصدر، كأنك لم تذكر (إنَّ) الثانية، المعنى: كتب ربكم على نفسه أنَه غفور رحيم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص ويعقوب (وَلِتَسْتَبِينَ) بالتاء (سَبِيلُ) بالرفع، وقرأ نافع (وَلِتَسْتَبِينَ) بالتاء (سَبِيلَ) بالنصب، وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (وَلِيَسْتَبِينَ) بالياء (سَبِيلُ) بالرفع. قال أبو منصور: الاستبانة: أن تبينَ وَيتَبَين. مَنْ قَرَأَ (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ) فمعناه: ولِتَبِين والفعل للسبيل، وهي مؤنثة،

(بالغداة والعشي ... (52)

كقوله: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي) . وَمَنْ قَرَأَ (وَلِيَسْتَبِينَ سَبِيلُ) بالياء فإنه ذكرَ السبيل، قال الله تعالى: (وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) ، والسبِيل والطريق يذكران ويؤنثان. وأما قراءة نافع (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلَ) بالنصب فالمعنى: وَلِتَسْتَبِينَ أنت يا محمد سبيلَ المجرمين يقال: تَبَينْتُ الأمر والسبيل، واستَبَنْتُهُ بمعنى واحد. فإن قال قائل: أفلم يكن النبي مستبينا سبيل المجرمين؟ فالجواب في هذا: أن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - فكأنه قيل: لتستبينوا سبيلَ المجرمين، أى: لتزدادُوا استبانة، ولم يُحتَج إلى أن يقول: وَلِتَسْتَبِينَ سبيل المؤمنين، مع ذكر سبيل المجرمين، لأن سبيل المجرمين إذا بانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ... (52) قرأ ابن عامر وحده (بالغُدْوَةِ) بواو في السورتين، ها هنا وفى الكهف، وقرأ الباقون (بِالْغَدَاةِ) بألف في الحرفين.

(يقص الحق وهو خير الفاصلين (57)

وأخبرني المنذري عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء أنه قال: (غُدوَة) لا يدخلها الألف واللام؛ لأنها معرفة بغير ألف ولام، قال الفراء: وسمعت أبا الجراح يقول: ما رأيت كغُدوةَ قط، يريد: كغَداة يَومه، والعرب لا تضيفها، وكذلك لا يدخلون فيها الألف واللام، إنما يقولون: أتَيناهُ غَداةَ الخميس، ولا يقولون: غُدوَةَ الخميس، فهذا دليل على أنها معرفة. قال أبو منصور: وإذا لم يُرِدُوا بغدوَة غَداةَ يَومٍ بعينه وأرادوا غُدوَةً من الغُدُوات جاز دخول الألف واللام، وعلى هذاَ المعنَى تُوجَّهُ قراءة ابن عامر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قرأ ابن كثير ونافع وعاصم (يَقُصُّ الْحَقَّ) بالصاد، وقرأ الباقون (يَقْضِ الْحَقَّ) بالضاد. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَقُصُّ الْحَقَّ) فمعناه: يتْبع الحق، وَرُويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب، وَمَنْ قَرَأَ (يَقْضِ الْحَقَّ) فله وجهان: أحدهما: أنه يقضى القضاء الحق، والثاني: أن معنى يقضي: يصنع ويُحكِمُ، ومنه قول أبي ذؤيب:

وَعَليهِمَا مَسْرودَتَانِ قَضَاهمَا. . . داود. . . . . . . . . . . . . . . أي: صنعهما داود فأحكمهما. وقيل في تفسير قوله (يَقُصُّ الْحَقَّ) أن معناه: أن جميع ما أنبأ به وأمر به فهو من أقاصيص الحق. وكتِبَت (يقض الحق) بطرح الياء لاستقبالها الألف واللام، كما كتِبَ (سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ) بغير واو فى موضع الرفع.

(توفته رسلنا وهم لا يفرطون (61) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) . قرأ حمزة وحده (تَوَفاهُ) بألف ممالة، وقرأها الباقون (تَوَفَّتْهُ) بالتاء. قال أبو منصور: إذا تقدم فِعل الجماعة فأنت مُخير في تذكير الفعل أو تأنيثه، وله نظائر في القرآن. )) ) وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ) . . . لَئِنْ أَنْجَيتَنَا) . . . قُلِ اللَّهُ يُنْجِيكُمْ) خفيفة، وقرأ الكوفيون (قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ) (مَنْ يُنَجِّيكُمْ) (لَئِنْ أَنْجَانَا) بألف وأمالها حمزة والكسائي، وفخمها عاصم، وقرأ يعقوب (قُلْ مَن يُنْجِيكُمْ) (قُلِ اللَّهُ يُنْجِيكُمْ) مخففتين

(تضرعا وخفية ... (63) .

(لَئِنْ أَنْجَيتَنَا) بالتاء. قال أبو منصور: يقال أنجَيتُه ونجَّيته بمعنى واحد، وقوله (لئن أنجيتنا) مخاطبة لله جلَّ وعزَّ. وَمَنْ قَرَأَ (لئن أنجانا) بمعناه: لئن أنجانا الله، إخبار عن فعله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ... (63) . قرأ عاصم في رواية أبي بكر (تَضَرُّعًا وَخِفيَةً) بكسر الخاء فى السورتين، وقرأ الباقون (وَخُفْيَةً) بضم الخاء. قال أبو منصور: هما لغتان (خِفْيَة وخُفْيَة) ، والضم أجودهما، ومعناهما: ضد الجهر. وانتصاب (تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) على وجهين: أحدهما: أنهما جعلا مصدرين لقوله: (تَدْعُونَهُ) ؛ لأن معنى تدعون وتتضرعون واحد، وإن شئت جعلتهما مصدرين أقيما مقام الحال، كأنه قال: تدعونه متضرعين مُخفين الدعاء.

(وإما ينسينك الشيطان ... (68) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ ... (68) . قرأ ابن عامر وحده (يُنَسِّيَنَّكَ) بتشديد السين، وخفف الباقون. قال: يقال: أنسَى ونَسَّى بمعنى واحد، مثل: أنجى ونَجَّى، والقراءة بالتخفيف أكثر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ ... (71) . قرأ حمزة (كَالَّذِي اسْتَهْوِيه) بألف ممالة، وقرأَ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: التاء والياء قريبان من السواء إذا تقدم فعل الجماعة، وقد مر مثله في (توفته وتوفيه) . ومعنى استهوته الشياطين: استتَخَفتْهُ حتى هوى، أي: أسرع إلى ما دعت إليه، وهذا من هَوِيَ يَهوَى، لا مِن هوَى يهوَى. * * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ... (74) . قرأ الحضرمي وحده (لأبيه آزَرُ) رفعًا، وقرأ الباقون (آزرَ) نصبًا.

(رأى كوكبا ... (76) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (آزرُ) فعلى النداء (يا آزرُ) ، ومن قرأ (آزرَ) فهو في موضع الخفضِ؛ لأنه بدل لأِبيهِ، المعنى: لآزر. ونُصب لأنه لا ينصرف. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (رَأَى كَوْكَبًا ... (76) . ونظائره. قرأ ابن كثير وحفص، عن عاصم والأعشى عن أبي بكر عن عاصم ويعقوب (رَأَى كَوْكَبًا) و (رَأى قَمِيصَهُ) و (رَأى أيْدِيَهُمْ) ونحو هذا بفتح الراء والهمز حيث كان، وقرأ نافع هذا كله بين الفتح والكسر، وقرأ أبو عمرو (رأى) بفتح الراء وكسر الهمزة في جميع القرآن، وقرأ ابن عامر (ريى كوكَبا) بكسر الراء والهمزة في هذه الحروف كلها ونَحوِهَا مما اسم الرؤيَة فيه مظهرة، مثل (رَأى قَميصهُ) و (رَأى أيْديَهُم) . وفتح الراء والهمز في جميع القرآن مع الكنايات، وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (رِئِى) بكسر الراء والهمزة، وكذلك رَوى عبيد عن أبي عمرو

(رَأِى كَوْكَبًا) ، وقال أبو جعفر البزار عن يحيى عن أبي عَاصم بكسر الراء والهمزة عند الاسم الظاهر، وبفتح الراء والهمزة عند الكنى نحو (رَآهَا تَهْتَزُّ) و (رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) و (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) . وقال ابن مجاهد كسر الراء عند الظاهر والمكنى في كل القرآن. ورَوى نُصيرا عن الكسائي (رَأَى كَوْكَبًا) ، و (رَأَى قَمِيصَهُ) ونحو هذا بالفتح مثل ابن كثير، و (رِأَى الشَّمْسَ) و (رِأَى الْقَمَرَ) ونحوه بكسر الراء وفتح الهمزة مثل حمزة، وهذا ضد رواية أبي عمرو وأبى الحارث وغيرهما، هذه رواية أبي جعفر النحوي عن نصير عنه وأظنه وَهْمًا. والله أعلم.

وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة (رِأى القَمَر) و (رِأى الشمسَ) و (رِأى المؤمِنُونَ) و (رأى المجرِمُونَ) ونحو هذا إذا لِقَيَ الهمزة ساكن بكسر الراء وفتح الهمزَة، وقال خلف عن يحيى عن أبي بكر بكسر الراء والهمزة جميعًا، والأعشى عن أبي بكر بفتح الراء والهمزة، وقرأ الباقون هذا الجنس بفتح الراء والهمزة. قال أبو منصور: والذي نختاره من هذه الوجوه (رَئِى) بفتح الراء وكسر الهمزة، وهو اختيار أبي عمرو، وإن قرئ بفتح الراء والهمز فهو صحيح جيد، وَمَنْ قَرَأَ (رِئِى) و (رِأى) فلا ينبغى له أن يشبع كسر الراء، وإنما يُشمُّها كسرةً للفظ الراء، ومَن أشبع الراء كسرة في هذا الباب فليس من كلام العرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ ... (74) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (إِنِّي أَرَاكَ) محرك الياء، وأرسلها الباقون. * * * وقوله: (وَجْهِيَ لِلَّذِي ... (79) .

(قال أتحاجوني في الله ... (80) .

فتح الياء نافع وابن عامِرٍ وحفص والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ ... (80) . قرأ نافع وابن عامر (قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ) مخَففة النون، وشددها الباقون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَتُحَاجُّونِّي) بتشديد النون فالأصل: أتحاجوننَي بنونين، أدغمت إحداهما في الأخرى وشُددت، ومن خفف النون فإنه يحذف إحدى النونين استثقالاً للجمع بينهما، وكذلك قوله: (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) ، وهما لغتان، وأجودهما تَشديد النون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ... (83) وفي يوسف مثلها.

(واليسع ... (86)

قرأ أهل الكوفة (دَرَجَاتٍ) منَونة بالتنوين، قرأ يعقوب هنا "دَرَجَاتٍ) منونًا، وفي يوسف مُضَافًا، وقرأ الباقون (دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ) بالإضافة في السورتين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (دَرَجَاتِ مَنْ نشاء) أوقع الفعل على (دَرَجَات) وحدها، وهي في موضع النصب، وجعل (مَن) في موضع الخفض إضافة (درجاتٍ) إليها، وَمَنْ قَرَأَ (دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ) جعل (نرفع) متعديًا إلى مفعولين: أحدهما: (دَرَجَاتٍ) والثاني: (مَنْ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْيَسَعَ ... (86) قرأ حمزة والكسائي (والليسَعَ) بلامين في السورتين، وقرأ الباقون بلام واحدة في الموضعين.

: (فبهداهم اقتده ... (90) .

قال الفراء: من شدد اللام فهو أشببه بأسماء العجم من قراءة مَن قرأ (اليَسعَ) ؛ لأن العرب لا تكاد تدخل الألف واللام فيما لا يُجْرى، مثل: يزيد ويَعمُر إلا في ضرررة الشعر، وأنشد بعضهم: وَجَدنا الوليدَ بنَ اليزيد مبارَكاً ... شديداً بأعباءِ الخلافةِ كاهِلُهْ أحناء الأَمور: مشكلاتها، وأصلها من أحْناء الوادي، ومحانيه، وهي: مَعَاطِفُه رمراقيعُهُ. وقال النابغة؟ يُقَسِّمُ أحناءَ الأمُورِ فَهَارِب.. وشَاصٍ عَنِ الحَرْبِ العَوان وَدائِنُ قال الفراء: وإنما دَخَل في (يزيد) الألف واللام لما أَدخلهما في (الوليد) ، والعرب إذا فعلت ذلك فقد أمْسَت الاسم مَدْحًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ... (90) .

(تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا ... (91) .

قرأ ابن عامر وحده (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِي) مجرورةً بياء في اللفظ، جعلها اسمًا ولم يجعلها هاء السكت. لأنها لو كانت عنده هاء السكت ما جرَّها، والمعنى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِ اقتداء، وهو مذهب حسن في اللغة. وقال أبو إسحاق: هذه الهاء التي في (اقتده) تثبت في الوقف يُبَين بها كسرة الدال، فإن وصلت قلت: (اقتدِ قل لا أسألكم) قال: والذي أختارُهُ ويختارُهُ مَن أثق بعلمه أن يوقف عند هذه الهاءات نحو (كِتَابِيَهْ) و (حِسَابِيَهْ) ، وكذلك (يَتَسَنَّهْ) وكذلك (مَا هِيَهْ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ... (91) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو ثلاثهن بالياء، وقرأهن الباقون بالتاء.

(ولتنذر أم القرى ... (92) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فعَلى الخبر عن الغائب، وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فعَلى المخاطبة، وهى أجود القراءتين، وقوله: (وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا) ولم يقل: وعُلمُوا مَا لم يَعلمُوا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى ... (92) . قرأ أبو بكر عن. عاصم (لِيُنْذِرَ) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء. * * * وقولَ جلَّ وعزَّ: (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ... (94) . قرأ نافع وحفص والكسائي (بَيْنَكُمْ) نصبًا، وقرأ الباقون (بَيْنُكُمْ) رفعًا. قال أبو منصور: ورَوى أبو حاتم لأبي عمرو بن العلاء قال: من قرأ (بينَكم) لم يُجْزِ إلا بموصول كقولك: لقد تقطع ما بينَكم. ولا يجوز حذف الموصول وبقاء الصلة، لا تجيز العرب (إن قام زيد) بمعنى: أن الذي قام زيد. وروى أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي أنه قال: من قرأ (بَيْنَكُمْ) فمعناه: لقد تقطع الذي كان بينَكم. قال أبو إسحاق: المعنى لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بَيْنَكُمْ.

(وجاعل الليل سكنا ... (96) .

وَمَنْ قَرَأَ (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنُكُمْ) بالرفع فمعناه: لقد تقطع وصلكم، والبَيْن فى كلام العرب يكون وصلاً، ويكون فِراقًا. وأجود القراءتين الرفع. وقال الفراء: فى قراءة عبد الله (لَقَدْ تَقَطَّعَ مَا بَيْنَكُمْ) قال: وهو وجه الكلام إذا جعل الفعل لـ (بَيْنَ) تُرِك نَصبا، كما قالوا: أتانِي دُونَك من الرجال. فتُرِك نَصبًا، وهو فى موضع رفع؛ لأنه صفة، فإذا قالوا: هذا دونٌ من الرجال، رفعوه، وهو في موضع الرفع، وكذلك يقول: بينَ الرجلين بينَ بعيد، وبونَ بعيد، إذا أفردته أجريته بالعربية. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا ... (96) . قرأ الكوفيون: (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا) نصبا، وقرأ الباقون: (وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا) بالخفض. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَجَعَلَ اللَّيْلَ) نصبه بالفعل؛ لأنه مفعول به، ونصب (سَكَنًا) لأنه مفعول ثان. ومن قرأ (وَجَاعِلُ اللَّيْلِ) خفض الليل للإضافة إليه.

(فمستقر ومستودع ... (98) .

وأما انتصاب قوله: (والشمسَ والقمرَ حُسبانًا) على قراءة من قرأ (وجاعلُ الليلِ) فإنه عطف الشمسَ والقمرَ على موضع النصب في قوله (وجاعلُ الليلِ) لأن معناهُ: وجاعلَ الليلَ، وكذلك نصب (سكَنًا) . وقال الفراء: (الليل) في موضع فصبٍ في المعنى، فرَد الشمس والقمر على معناه لما فرق بينهما بقوله: (سَكَنًا) قال: وإذا لم يُفرق بينهما بشيء آثروا الخفض، وقد يجوز النصب وإن لم يُحلْ بينهما بشيء أنشدونا: وبَينَا نَحْنُ نَئظرُهُ أتَانَا ... معلق شَكوَةً وزِنادَ راعٍ فعطف (زناد) على (شكوة) ؛ لأن معناها النصب، كأنه قال: معلقًا شكوةً. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ... (98) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو (فَمُسْتَقِرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) بكسر القاف وقرأ الباقون بفتحها.

(وجنات من أعناب ... (99) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَمُسْتَقَرٌّ) بفتح القاف عنى به: الرَحم، وهو موضع استقرار الولد، فيه ما يولد، وقوله (ومستودعَ) : صلب الرجل، مستودع للمني الذي خُلِقَ الولدُ منه. وَمَنْ قَرَأَ (فَمُسْتَقِرٌّ) بكسر القاف عنى به: الولد القار فى الرحم إلى وقت الولد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ ... (99) . رَوى الأعشى عن أبي بكر (وَجَنَّاتٌ) رفعًا، وقرأ الباقون (وَجَنَّاتٍ) كسرًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَجَنَّاتٌ) عطفها على قوله: (ومن النخل من طلعها قنوانٌ دانية وجناتٌ) ، وَمَنْ قَرَأَ (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ فهو فى موضع النصب، معطوف على قوله (فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا. . . وَجَناتٍ مِنْ أَعْنَابٍ) ، والقراءة عليه.

(انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه ... (99)

والجنة: البُستان. وكل نبتٍ يتكاثف ويستر بعضه بعضًا فهو جنَّة، من جنَنتُ الشيءَ، إذا سترتَه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ... (99) قرأ حمزة والكسائي (إِلَى ثُمُرِهِ) و (لِيَأكُلوا مِن ثُمُرِهِ) و (كُلوا من ثُمُره) بضم الثاء والميم. وقرأ الباقون بفتحهما. وافترقوا في الكهف: فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي (وكان له ثُمُرٌ) و (أحيط بثُمُرِه) بضمتين، وقرأ أبو عمرو في الكهف (وكان له ثُمْر) و (أحيط بثمْرِه) بضم الثاء وسكون الميم، وقرأ عاصم: (وكان له ثَمَرٌ) و (أُحِيطَ بِثَمَرِهِ) بفتحتين. وقرأ الحضرمي (وكَانَ لهُ ثَمَرٌ) بفتحتين، و (أحيط بثُمُرِهِ) بضمتين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ ثَمَرًا وثُمُرًا فمعناهما واحد، هما جمع ثَمَرة وَمَنْ قَرَأَ (إلى ثَمَرهِ) فهو جمع الثمَرة، وتجمع ثمار. والثمرَ: اسم للجنس، وأثمار الشجر: عَقده أول ما يعقد، فهو مُثمِر، قبل النضج، فإذا

(وخرقوا له بنين وبنات بغير علم ... (100) .

قيل: ثامِر، فمعناه: النضج. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ... (100) . قرأ نافع (وَخَرَّقُوا لَهُ) مشددًا، وقرأ الباقون (وَخَرَقُوا) خفيفًا. قال أبو منصور: التخفيف هو الوجه، يقال: خرق فلان الكذبَ، واخترقه. وخَلقَه، واختلقه. وخَرَصه، واخترصه، إذا افتراه، ومن شدد فقرأ (وَخَرَّقُوا) فالمعنى: أنهم أبدَأوا في ذلك وأعادوا، لأن التشديد للكثرة. والله أعلم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو (دَرَاسْتَ) بألف. وقرأ ابن عامر ويعقوب (دَرَسَتْ) بسكون التاء، وقرأ الباقون، (دَرَسْتَ) بغير ألف مع فتح التاء.

(فيسبوا الله عدوا بغير علم ... (108) .

قال أبو منصور: من قرأ (دَارَسْتَ) بألف فتأويله: جادلت اليهود وجادلوك. كذلك قالَ ابن عباس، وبه قرأ مجاهد، وفَسره: قرأت على اليهود وقرأوا عليك. وَمَنْ قَرَأَ (دَرَسَتْ) بسكون التاء فالمعنى: تقادَمَت، أي: هذا الذي تتلوه علينا قد تطاول ومَر بِنَا وامتُحِيَ أثره من قلوبنا، كما تَدرُس الآثار. وَمَنْ قَرَأَ (دَرَسْتَ) بفتح التاء بغَير ألف فالمعنى: أنك تَعَلمت من يَهُود، على الخطاب للنبي صلى الله عليه، أرادوا: أنك قرأت كُتُبَ أهل الكتاب. وكله جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ... (108) . قرأ يعقوب (عُدُوًا) بضم العين والدال وتشديد الواو، وقرأ الباقون (عَدْوًا) بفتح العين وسكون الدال. قال أبومنصور: مَنْ قَرَأَ (عَدْوًا) و (عُدُوًا) فمعناهما واحد، يقال: عَدا فلان عَدْوًا وعُدُوًا وعِدًا، إذا جاوَزَ الحَدَّ في الظلم.

: (وما يشعركم أنها ... (109) .

انتصب قوله (عَدْوًا) و (عُدُوًا) على المصدر. وإن شئت على إرادة اللام، ويكون نصبه على الحال. المعنى: فَيَسُبُّوا اللَّهَ عاديِنَ. فأقامَ المصدر مقام الفاعلين. وقرئ (فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدُوًا) بفتح العين وتشديد الواو، وهي شاذة، ومعناه: فيسبوا الله أعداء. وانتصابه على الحال لا غير، يقال: هُمْ عَدُو لِي، أي: أعداءَ. قال الله تبارك وتعالى: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا ... (109) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب والأعشى عن أبي بكر عن عاصم (إِنَّهَا) بكسر الألف، ورَوى نُصير عن الكسائي (إِنَّهَا) بكسر الألف، وكذلك روى الجعفي عن أبي بكر عن عاصم، ولم يحفظ يحيى عن أبي بكر في هذا كَسرًا ولا فتحًا، وقال ابن مجاهد: قرأت على

(إذا جاءت لا يؤمنون (109) .

أصحاب البزار عن يحيى عن أبي بكر بالفتح والكسر جميعا، وقرأ حفص عن عاصم (أَنَّهَا) بالفتح، وقرأ الباقون (أَنَّهَا) بفتح الألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إنَّهَا) بالكسر فهو استئناف، المعنى: قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم، أي: مايدريكم. ثم استأنف فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون، يعني الآيات. وَمَنْ قَرَأَ (أنها) بالفتح فإن الخليل قال: معناها، لعَلَّ المعنى لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، قال الخليل: وهذا كقولك: أئتِ السوق، أنك تشتري لنا شيئا. أي: لعلك. وقال بعضهم: إنما هي (أنَّ) التي على أصل الباب، وجعل (لا) لغوًا، والمعنى: ويشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون. والقول هو الأول والله أعلم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) . قرأ ابن عامر وحمزة (إِذَا جَاءَتْ لَا تُؤْمِنُونَ) وقرأ الباقون (إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ) بالياء.

(وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ... (111)

قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهي تاء المخاطبة، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ... (111) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا) بالضم، وفي الكهف (الْعَذَابُ قِبَلًا) بكسر القاف، قرأ نافع وابن عامر (قِبَلًا) و (قِبِلًا) مكسورتين، وقرأهما الكوفيون مضموتين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قُبُلًا) بالضم فله معنيان: أحدهما: أن (قُبُلًا) جمع قَبيل، وهم الجماعة ليسوا بَنِي أبٍ واحد، المعنى: وحَشَرْنا عليهم كل شيء (قُبُلًا) قبيلا، والقبيلة - بالهاء -: بنو أبٍ واحد، وجمعها: القبائل. والوجه الثاني: قُبُلا جمع قبيل، وهو الكفيل، فيكون المعنى: لو حُشِر عليهم كل شيء فكَفَل لهم بصحة ما تقول ماكانوا ليؤمنوا. وَمَنْ قَرَأَ (قِبَلا) بكسر القاف فمعناه: عيانا ومعاينةً، يقال: كلمته قِبلا ومقابلة، أى عيانا. قال الفراء: وقد يكون قِبَلا: من قِبَل وجوههم، كما تقول: أتيتك قُبُلاً، ولم آتك دُبُرًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ... (115) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو - هنا (كَلِمَاتُ رَبِّكَ) جماعة، وفي يونس (كَلِمَتُ رَبِّكَ) في موضعين، وفى المؤمن: (حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ)

(إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله ... (117)

وقرأ نافع وابن عامر هذه الأربعة المواضع على الجمع، وقرأهن الباقون على التوحيد،، لم يختلفوا في غير هذه الأربعة. قال أبو منصور: الكلمة تنوب عن الكلمات:، تقول العرب: قال فلان في كلمته أي: في قصيدته، والقرآن كلهُ كلمة الله، وكَلِم الله، وكلام الله، وكلمات الله، وكله صحيح من كلام العرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ ... (117) روى نصير عن الكسائي (مَنْ يُضَلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) بضمَ الياء وفتح الضاد، وقرأ الباقون، (مَنْ يَضِلُّ) بفتح الياء وكسر الضاد. قال أبو منصور: من قرأَ (مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) فموضع (مَن) رفع بالابتداء، ولفظها لفظ الاستفهام، المعنى: إن ربك هو أعلم أي الناس يَضِل عن سبيله. وهو مثل قوله: (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى) . وَمَنْ قَرَأَ (مَنْ يُضَلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) فهو بهذا المعنى أيضًا، إلا أن الفعل خرج مخرج ما لم يُسَم فاعله، يقال: ضل فلان يضل ضلالاً، وأضله الله، أي: لم يَهْده.

(وقد فصل لكم ما حرم عليكم ... (119) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ... (119) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (وَقَدْ فُصِّلَ لَكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) مضمومتين، وقرأ نافع وحفص عن عاصم ويعقوب (فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) مفتوحتين، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزةُ والكسائي (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ) بفتح الفاء (مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) بضم الحاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) فمعناه بالفتح: قد فَصل لكم الحرام من الحلال، أي: ميَّز وبيَّن. وموضع (ما) نصبَ. ومن قرأ (وَقَدْ فُصِّلَ لَكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) فهو على ما لم يُسم فاعله، والمعنى واحد؛ لأن الله هو المفصل المحَرِّمُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ ... (119) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو: َ (لَيَضِلُّونَ) ، وفي يونس (لَيَضِلُّونَ عَن سَبِيْلِكَ) ، وفى إبراهيم (أَنْدَادًا لِيَضِلُّوا) ، وفى الحج (ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيَضِلَّ) فتح الياء. وفي لقمان (لِيَضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ، وفى الزمر (لِيَضِلَّ) بفتح الياء في الستة المواضع، وقرأ نافع

(أومن كان ميتا فأحييناه ... (122) .

وابن عامر ها هنا، وفى يونس بفتح الياء، وفي الباقي بضم الياء، وقرأ الحضرمي في لقمان بضم الياء، وفتح الباقي. وضَمَّهن الكوفيون كُلهن. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بفتح الياء فمعناه: الذي يَضِل بنفسه. ومن قرأ (يُضِل) فمعناه الذي يضله الله، والذي يُضِل الناسَ عن القُرى، ويقال: ضللتُ الطريق أضِله، وضَللتُه أضَله، وضَلَ فلان الشيءَ يَضِله إذا جعله في مكان ثم لم يهتد له، وأضلَّ الشيءَ إذا ضيَعه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ... (122) . قرأ نافع والحضرمي (أَوَمَنْ كَانَ مَيِّتًا) مشددًا، وخفف الباقون. قال أبو منصور: المعنى في الميت والميِّت واحد، وأراد بالميِّت والميْت: الكافر الضَّال، وقوله: (فَأَحْيَيْنَاهُ) معناه: فهديناه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ ... (125) .

قرأ ابن كثير وحده (ضَيْقًا) خفيفا، وفى الفرقان مثله، وكذلك روى عقبة بن سنان عن أبي عمرو. وشددهما الباقون. قأل أبو منصور: الضَّيْق والضَّيِّق واحد، والأصل التشديد، ويكون الضَّيْق في غير هذا الموضع بمعنى: الشك، قال الله تعالى: (وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) ، وروى أبو عبيدة عن أبي عمرو: الضَّيَق: الشك، بفتح الياء، وقوله (حَرَجًا) قرأ نافع وأبو بكر (حَرِجًا) بكسر الراء، وقرأ الباقون (حَرَجًا) . وقال يونس: الحَرِج والحرَج لغتان معناهما: الضَّيِّق. قال أبو إسحاق: من قال (حَرِج) فهو بمنزلة قولك: رجل دنِف بكسر النون، ومن قال (حَرَج) فهو بمنزلة: رَجُل دَنف. أي: ذو دَنَفٍ، وكذلك قَلِيبٌ حَرَج، أي: ذو حَرَج وضِيق. ويقال للشجر المشجَر الذى لا تصل إليه الراعية لتضايتة وتكاثُفِهِ: حَرَج وحرجة، شَبَّهَ اللهُ صدر الكافر بها، المعنى: أنه لا تصل إليه الحكمة.

(كأنما يصعد في السماء ... (125) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ... (125) . قرأ ابن كثير (كَأَنَّمَا يَصْعَدُ) خفيفة، وقرأ أبو بكر عن عاصِم (يَصَّاعَدُ) مشددا بألف، وقرأ الباقون (يَصَّعَّدُ) بالتشديد بلا ألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَصْعَدُ) فهو من صَعَد يَصعَد. ومن قرأ (يَصَّاعَدُ) أو (يَصَّعَّدُ) فالأصل يتَصَاعَد ويتَصَعَّد، إلا أن التاء أدغمت منهما في الصاد فشددت. المعنى: أن قلب الكافر كأنه (يَصَّعَّدُ) في السماء نُتُوءًا عن الإسلام والحكمة، لا يَعْلق به شيء منهما، وقيل معناهُ: أنه كأنه كُلِّف أنْ يصعد إلى السماء إذا دُعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ ... (128) . قرأ عاصم في رواية حفص عنه (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) ها هنا وفي كل القرآن إلا في موضعين: عند العشرين من الأنعام، وقبل الثلاثين

(اعملوا على مكانتكم ... (135)

من يونس، فإنه قرأهما بالنون. وقرأ الحضرمي ثلاثة مواضع بالياء: عند العشرين من الأنعام (ويوم يحشرهم جميعًا ثم يقول) وفي الفرقان (ويوم يحشرهم فيقول) بالياء، وفي سبأ (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة (. وسائر القرآن بالنون. وقرأ الباقون بالنون في كل القرآن إلا ابن كثير فإنه قرأ في الفرقان (ويوم يحشرهم) بالياء. قال أبو منصور: المعنى واحد في (نحشرهم ويحشرهم) ، الله الحاشر لا شريك له. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ... (135) قرأ عاصم في رواية أبي بكر (مَكَانَاتِكُمْ) جماعا في كل القرآن. وقرأ الباقون (عَلَى مَكَانَتِكُمْ) . قال أبو منصور: المَكانة والمكان يكونان موضعا لكينونة الشيء فيه. وأخبرني المنذري عن أبي جعفر الغساني عن سلمة عن أبي عبيدة

(من تكون له عاقبة الدار ... (135) .

في قوله (اعملوا على مكانتكم) ، أي: حيَالكُم وناحِيَتكم. قال: وأخبرني أبو العباس عن سلمة عن الفراء قالَ: يقال له في قلبي منزلة، مثل قولك له في قلبي مَحِلة وموضعَة ومَوقعَة ومَكَانَة ومَجلسَة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ... (135) . قرأ حمزة والكسائي (مَن يَكُونُ لهُ) بالياء ها هنا وفي القصص. وقرأهما الباقون بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فلتأنيث العاقبة، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فلأن العاقبة معناها: العَقِبُ، وهو مذكر، وكذلك ما كان من المصادر المؤنثة، يجوز تذكير فعلها، مثل: الرحمة، والعافية، وما أشبههما. وقوله جلَّ وعزَّ: (هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ ... (136) . قرأ الكسائي وحده (بِزُعْمِهِمْ) بضم الزاي في الحرفين.

: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم. . . (137) .

وقرأ الباقون (بِزَعْمِهِمْ) . قال أبو منصور: وهما لغتان: زَعَمَ وزَعُمَ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ . . . (137) . قرأ ابن عامر وحده ((وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلَادَهِمْ شُرَكَائِهُمْ بضم الزأي، ورفع اللام من (قَتْلُ) ، ونصب الدال (أولادَهم) ، (شركائِهم) خفضا بالياء. وقرأ الباقون (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ) بفتح الزاي، واللام من (قتلَ) ، ورفع الشركاء، وكسر الدال. قال أبو منصور: أما قراءة ابن عامر فهي متروكة؛ لأنها لا تجوز إلا على التقديم والتأخير الذي قاله الشاعر، كان غير جَيد ولا حَسَن.

والمعنى على قراءته: زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ شركائهم أولادَهم. وأنشد الفراء في مثله (: فزجَجتُها مُتَمكنًا ... زجَّ القَلوصَ أبي مزادَهْ أراد: أبي مزادة القلوص. قال أبو منصور: وهذا عند الفصحاء رديٌّ جِدًّا، ولا يجوز عندي القراءة بها. وأما قراءة العامة التي اجتمع عليها القراء فهي الجيدة البالغة بفتح الزاي، واللام من قتلَ، والرفع في (شركاؤهم) ، فزَينَ: فعل ماضٍ و (شركاؤهم) فاعلون، و (قتلَ) منصوب بالفعل. والرفع في قوله (شركاؤهم) على تكرير الفعل، والمعنى: زَينه شركاؤهم، فأضمره. * * *

(وإن يكن ميتة ... (139) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) . في ثلاثة مواضع قرأهن ابن عامر بالتاء، وقرأ حفص والحضرمي ونافع هنا بالياء، وآخِرَ هود وآخِر النمل بالتاء، وقرأهن الباقون ثلاثتهن بالياء. * * * وقوله جْل وعزَّ: (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً ... (139) . قرأ ابن كثير (وَإِنْ تَكُنْ مَيْتَةٌ) بالياء والرفع في (مَيْتَةٌ) . وقرأ ابن عامر (وإن تكن) بالتاء (مَيْتَةٌ) رفعًا أيضًا، وروى الأعشى عن أبي بكر (وإن يكن) بالياء (مَيْتَةً) نصبا مثل رواية حفص. وفي رواية يحيى بن آدم (وَإِنْ تَكُنْ مَيْتَةً) بالتاء والفتح في (مَيْتَةً) . وقرأ الباقون (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) نصبا.

(قد خسر الذين قتلوا أولادهم ... (140) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وإن يكن) بالياء، والرفع في (مَيْتَةٌ) فالتذكير على المعنى، كأنه أريد بالميتة شيء من الميتات. وقد قيل: إن التذكير لأن (كان) مكتفية ها هنا. وَمَنْ قَرَأَ (وإن تكن ميتة) بالتاء فهو جيد بالغ؛ لأن الميتة مؤنثة. وَمَنْ قَرَأَ (وإن يكن ميتة) جعل (يكن) للفظ (ما) ، ونصب (ميتةً) ؛ لأنه خبر كان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ ... (140) . قرأ ابن كثير وابن عامر (قَتَّلُوا أَوْلَادَهُمْ) مشددا، وخففه الباقون. قال أبو منصور: التشديد في (قَتَّلُوا) للتكثير، والتخفيف فصيح جيد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ... (141) . قرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب (يوم حَصاده) بفتح الحاء، وقرأ الباقون (حِصَاده) بالكسر.

(ومن المعز اثنين ... (143) .

قال أبو منصور: هما لغتان: الحَصَاد والحِصَاد، والجَدادُ والجِدادُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ... (143) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (وَمِنَ الْمَعَزِ) بفتح العين. وقرأ الباقون بسكونها. قال أبو منصور: هما لغتان، وكذلك الشَّعْرُ والشَّعَرُ، والنهْرُ والنهَرُ، وكذلك الضأَن والضأُن، غير أن القراءة "الضان " بتخفيف الهمزة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً ... (145) . قرأ ابن كثير وحمزة (إِلَّا أَنْ تَكُونَ) بالتاء (مَيْتَةً) نصبا، وقرأ ابن عامر (إلا أن تكون) بالتاء (مَيْتَةٌ) رفعا، وقرأ الباقون (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) نصبا. قال الأزهري: مَنْ قَرَأَ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَيْتَةٌ) بالتاء والرفع جعل (تكون) فعلا للميتة، واكتفى بـ (تكون) بلا فعل هكذا.

: (لعلكم تذكرون (152)

قال الفراء: وكذلك (يكون) في كل الاستثناء، لا يحتاج إلى فعل، ألا ترى أنك تقول: ذهب الناس إلا أن يكون أخاك وأخوك. قال: وإنما استَغنَت (كان) و (يكون) عن الفعل كما استغنى ما بعد إلا عن فعلٍ يكون للاسم، وهذه تُسمَّى (كان) المكتفية. ومن نصب (ميتةً) فالمعنى: إلا أن يكون المحرَّمُ ميتة. وَمَنْ قَرَأَ (إلا أن تكون ميتة) فللتأنيث للميتة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) ونظائره. قرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (تَذَّكَّرُونَ)

(أفلا تَذَّكَّرُونَ) ، و (لِيَذَّكَّرُوا) ، مشددات حيث كُنَ. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في مريم (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ) خفيفا، وشدد سائرهن، إلا أن حفصا خالف أبا بكر في التاء فقرأ ماكان بالتاء مخففا في كل القرآن، وشددَ أبو بكر. وقرأ حمزة والكسائي (تَذكُرون) ماكان بالتاء مخففا، مثل حفص في كل القرآن، وخففا (ليذكروا) في السورتين، وشددا سائر ما في القرآن، وانفرد حمزة وحده بتخفيف (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ) ما تابعه أحد على التخفيف، وروى أبان عن عاصم (يذكُرُون) تخفيفا مثل رواية حفص. واتفقوا على تخفيف قوله (وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) وافترقوا في التاء والياء، فقرأ نافع وحده (وما تذكرون) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: من شدَّد الذال والكاف في (تَذَّكَّرون) أو (يذَّكَّرُون) فالأصل تتذكرون، ويتذكرون، فأدغمت التاء في الذال، وشددت. وَمَنْ قَرَأَ (تَذَكَّرون) بتخفيف الذال وتشديد الكاف فالأصل أيضًا تتذكرون، فحذفَت إحدى التاءين استخفافا. وَمَنْ قَرَأَ (يَذْكُر) فهو من ذكَرَ يَذكُر.

(وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ... (153) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ... (153) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعابم (وَأَنَّ هَذَا) بتشديد النون وفتح الألف، وقرأ ابن عامر ويعقوب (وَأَنْ هَذَا) بفتح الألف وسكون النون، وقرأ حمزة والكسائي (وِإنَّ) بكسر الألف وتشديد النون. وقرأ ابن عامر والأعشى عن أبي بكر عن عاصم (صِرَاطِيَ) بفتح الياء، وأرسلها الباقون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَأَنَّ هَذَا) بفتح الألف فَلأنه عطف على قوله (أن لا تشركوا به شيئا.. وأنَّ هذا) وهذا في موضع النصب؛ لأنه اسم (أنَّ) ، و (صِراطي) خبره، ونصب (مستقيما) على الحال. وَمَنْ قَرَأَ (وأنْ هذا) بفتح الألف والتخفيف فهذا في موضع الرفع لأن (أنْ) إذا خففت مُنِعت عملها، و (أن) رَفع (هذا) بالابتداء، ومُرافعه (صراطي) . وَمَنْ قَرَأَ (وإنَّ هذا) فَكَسَرَ الألف وشدد فعَلى الاستئناف.

(هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ... (158) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ... (158) . قرأ حمزة والكسائي (إلا أن يأتيهم الملائكة) بالياء، والباقون يالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فلتقديم فعل الجماعة، ومن قرأ بالتاء فلتأنيث الملائكة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ ... (159) . قرأ حمزة والكسائي (فَارَقُوا) بألف، وفي الروم بألف أيضًا. وقرأ الأعشى عن أبي بكر هنا (فَارَقُوا) بالألف، وفي الروم بغير ألف، وقرأ الباقون (فَرَّقُوا) بغير ألف في السورتين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَارَقُوا دِينَهُمْ) ففيه قولان: أحدهما: أنهم تركوا دينهم وفارقوه فلم يَدُوموا عليه. والقول الثاني: أن (فَارَقُوا) و (فَرَّقُوا) بمعنى واحد، كما يقال: ضَعَّفَ وضاعف، وعالى وعَلَّى، وصَاعَر وصعَّر، ومعناهما: اختلافهم في دينهم وتفرقهم فيه، ويقوى هذا القول قوله (وَكَانُوا شِيَعًا) ، أي: فِرَقا شَتى.

(فله عشر أمثالها ... (160) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ... (160) . ْقرأ الحضرمي وحده (عَشْرٌ أَمْثَالِهَا) منونا بالرفع، وقرأ الباقون (عَشْرُ أَمْثَالِهَا) مضافا. قال أَبو منصور: مَنْ قَرَأَ (عَشْرٌ) أراد: فله حسنات عَشْرٌ أمثال الحسنة التي جاء بها، وَمَنْ قَرَأَ (عَشْرُ أَمْثَالِهَا) أراد: فله عَشْرُ أَمْثَالِ تلك الحسنة، والمعنى واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ... (161) فتح الياء نافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون. * * * وقوله. جلَّ وعزَّ: (دِينًا قِيَمًا ... (161) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والحضرمي (دِينًا قَيِّمًا) مفتوحة القاف مشددة الياء، وقرأ الباقون (قِيَمًا) بكسر القاف خفيفة الياء.

(ومحياي ... (162) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قَيِّمًا) فالمعنى: دينا مستقيما، ومن قرأ (قِيَمًا) فهو مصدر كالصغَرِ والكِبَرِ، وإنما قال (قِيَمًا) ولم يقل: قِوَما كما قالَ الله جلَّ وعزَّ (لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) لأن (قِيَم) بُنِيَ على قَامَ قِيَما، فلما اعتَل (قَامَ) وكان في الأَصل قَوَمَ أو قَوُمَ قَرَّ لهُ قِيمَا. وأما (حِول) فإنه لم يكن على (فِعُل) ، قد اعتل فترك على أصله ونصب قوله (دِينًا قِيَمًا) على المعنى؛ لأنه لما قال جلَّ وعزَّ (هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) دل على عَرفني (دِينًا قِيَمًا) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَحْيَايَ ... (162) . أرسل الياء في (مَحْيَايَ) نافع، وفتحها الباقون، وروى ورشٌ عن نافع أنه فتح الياء من (مَحْيَايَ) بعدما أسكنها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَمَاتِي لِلَّهِ ... (162) . فتح نافع وحده، وأرسلها الباقون.

قال أبو منصور: أما مَا رُوِيَ عن نافع أنَه أرسل الياء من (مَحْيايَ) فهو غير سائغ في اللغة، ولا جائز عند النحويين؛ لأن هذه الياء يسكن إذا تحرك ما قبلها، فإذا سكن ما قبلها لم يجز إسكانها، والقراءة هي التي اجتمع القراء عليها، ورجع نافع إليها (مَحْيَايَ) ، ولا يجوز عندي غيرها. وأما قوله (ومماتي) بسكون الياء فهو جائز؛ لأن التاء قبل الياء متحرك، وإن فتحت الياء جاز، وهما لغتان. * * *

سورة الأعراف

سورة الْأَعْرَافِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله عزَّ وجلَّ: (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب (مَا تَذَّكَّرُونَ) مشددا، وقرأ حفص وحمزة والكسائي (مَا تَذَكَّرُونَ) مخففة الذال. وقرأ ابن عامر (مَا يَتَذَّكَّرُونَ) بياء وتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مَا تَذَّكَّرُونَ) بتشديد الذال والكاف فالأصل تتذكرونَ وَأدغمت التاء الثانية في الذال وشددت، وَمَنْ قَرَأَ (تَذَكَّرُونَ) بتخفيف الذال فالأصل أيضًا تَتَذكرون، فحذفت إحدى التاءين، وتركت الثانية على حالها، والذال خفيفة في الأصل والتاء المحذوفة هي الثانية؛ لأنهُمَا زائدتان، إلا أن الأولى تَاء على معنى الاستقبال، فلا يجوز حذفها، والثانية إنما دخلت على معنى فعل الشيء على مهل، نحو قولك: تففهَّمتُ وتعلَّمتُ، أي: أخذت الشيء على مَهملٍ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَعَايِشَ ... (10) . روى خارجة عن نافع (معائش) بالهمز.

(ومنها تخرجون (25) .

قال ابن مجاهد: هذا غلط. وقرأ الباقون (مَعَايِشَ) غير مهموز. قال أبو منصور: الهمز في (مَعَايِشَ) لحْن، لأنَّ الياء فيها أصلية، الواحدة: مَعيشَة، الهمز يكون في الياء الزائدة؛ لأنه لاحَظَّ لها في الحركة، وقد قَربتْ من آخِر الكلمة، ولزمتها الحركة، فأوجبوا فيها الهمزة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) . قرأ حمزة والكسائي (وَمِنْهَا تَخْرُجُونَ) ، وفي الروم (وَكَذَلِكَ تَخْرُجُونَ) ، وفي الزحْرف (وَكَذَلِكَ تَخْرُجُونَ) بفتح التاءْ وضم الراء، وقرأ في آخر الجاثية (فَالْيَوْمَ لَا يَخْرُجُونَ) بفتح اليَاء وضم الراء. وقرأ ابن عامر هاهنا وفي الزخرف بفتح التاء وضم الراء، وفي الباقي بضم التاء والياء وفتح الراء.

(وريشا ولباس التقوى ... (26) .

وقرأ يعقوب (ومنها تَخْرُجون) بفتح التاء في هذه وحدها، وضم التاء في الباقي. وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الراء في جميع هذه الحروف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَخْرُجُون) أو (يَخْرُجون) فهو من خَرَجَ يَخرُج خُرُوجا، وَمَنْ قَرَأَ (تُخْرَجُون) فهو من أُخْرِج يُخْرَجُ، أي: يُخرِجكم الله، وَتَخْرُجون أنتم بأمر الله خُرُوجا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ... (26) . أجمع القراء على قراءة (وَرِيشًا) ولم يقرأ أحدٌ (وَرِياشًا) غير الحسن. أخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد بن سلام قال: سمعت سلاما أبا المنذري القارئ يقول: الريْشُ: الزينَة. والريَاشُ: كاللباس. قال: فسألت يونس فقال: لم يقل شيئا، هما سواء.

(ولباس التقوى ... (26) .

وقال الفراء: إن شئت جعلت الرياش جمع الريش، وإن شئته مصدرا في معنى الريش، كما قالوا: لِبْسَ ولِبَاس. قال أبو منصور: القراءة (وَرِيشًا) لا غير. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ... (26) . قرأ نافع وابن عامر والكسائي (وَلِبَاسَ التَّقْوَى) نصبا، وقرأ الباقون (وَلِبَاسُ التَّقْوَى) رفعا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَلِبَاسُ التَّقْوَى) فرَفعُه على ضربيْنِ: أحدهما: أن يكون مبتدأ، ويكون (ذلك) من صفته. والوجه الثاني: أن يكون (خَيرٌ) خبر الابتداء، المعنى: ولباسُ التقوى المشارُ إليه خير. وفيه وجه ثالث: يجوز أن يكون (وَلِبَاسُ التَّقْوَى) مرفوعا بإضمار (هو) ، المعنى: هو لباسُ التقوى، أي: ويستر العورة لباسُ المتقين، ثم قال: (ذلك خيْرٌ) .

(خالصة يوم القيامة ... (32) .

ومن قرأ (وَلِبَاسَ التَّقْوَى) فنصب. عطفَه على قوله (وَرِيشًا) . والمعنى: أنزلنا عليكم وَلِبَاسَ التَّقْوَى، وهذا كله قول أبي اسحاق النحوي. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... (32) . قرأ نافع وحده (خَالِصَةٌ) رفعا، وقرأ البَاقون (خَالِصَةً) نصبا. قال أبو منصور: من رفع فقال (خَالِصَةٌ) فهي على أنه خبر بعد خبر، كما تقول: زيد عاقل لبيب، المعنى: قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة. أراد جلَّ وعزَّ أنها حلالٌ للمؤمنين، يعني: الطيبات من الرزق ويشركهم فيها الكافر، وأَعْلمَ أنها تخلص للمؤمنين في الآخرة لا يشركهم فيها كافِر. وَمَنْ قَرَأَ (خَالِصَةً) بالنصب نصبها على الحال، على أن العامل في قوله (في الحياة الدنيا) في تأويل الحال، كأنك قلت: هي ثابتة للمؤمنين مستقرة في الحياة الدنيا (خَالِصَةً) يوم القيامة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) . قرأ عاصم في رواية أبي بكر (وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.

(لا تفتح لهم أبواب السماء ... (40) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فهو خطاب لِأخراهم وأولاَهُم المضِلِّين والمضَلِّين من الكفار. وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة. ومعنى قوله (لِكُلٍّ ضِعْفٌ) ، أي: لكل من التابع والمتبوع عذاب مضاعف؛ لأنهم دخلوا في الكفر جميعا. وقيل في تفسير قوله (وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) أيها المخاطبون ما لِكُل فريق منكم من العذاب. وقيل في قوله (وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ) : ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ... (40) . قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم. ويعقوب (لَا تُفَتَّحُ) بالتاء والتشديد، وقرأ أبو عمرو (لَا تُفَتَحُ) بالتاء مع التخفيف، وقرأ حمزة والكسائي (لا يُفتَحُ) بالياء مع التخفيف. ْقال أبو منصور: من شدد فلتكثير الفتح، وكثرة الأبواب. ومن خفف فَلِتَقْلِيلهِ، ويجوز هذا وهذا فيما يكثرُ ويقلُّ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ... (33) .

(أورثتموها بما كنتم تعملون (43) .

أسكن الياء حمزة وحده، وحركها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعَزَ: (أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) . قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب (أُورِثتُّمُوهَا) مدغما، ومثله في الزخرف، وقرأ الباقون بإظهار الثاء في السورتين قال أبو منصور: من أدغم فَلِقُرب مخرجي الحرفين، أعنى: التاء والثاء. ومَن لم يدغم فلأنه أتم وأشبع. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالُوا نَعَمْ ... (44) . قرأ الكسائي وحده (قَالُوا نَعِمْ) بكسر العين في كل القرآن، وفتحها الباقون. قال أبو منصور: هما لغتان: نَعَم، ونَعِمْ. موقوفة الميم في اللغتين؛ لأنه حَرفٌ جاء لمعنىً. ونعم: جواب كلام فيه استفهام لا جحد فيه، فإذا كان فيما قبله من الاستفهام جحد فجوابه (بَلى) ، كقولك: ألم يأتك رسول؟ فتقول: بَلى.

(وما كنا لنهتدي ... (43) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ ... (43) . قرأ ابن عامر: (مَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) بغير واو، وكذلك هي في مصاحفهم، وقرأ الباقون بالواو. قال أبو منصور: إخراج الواو وإدخالها لا يغير المعنى فِي مثل هذا الموضع، المعنى: أنهم قالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا من غير أن كنا نهتدي لما هدانا له، ومن حذف الواو أراد: يا رب ما كنا لنهتدي لهذا لولا هدَى الله إيانا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) . قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ويعقوب (أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) بسكون النون. من (أن) و (لعنةُ) مرفوعة وكذلك روى قُنبل لابن كثير، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي (أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ) بتشديد النون، ونصب (لَعْنَةَ) . قال أبو منصور: من خفف (أَنْ) مَنَعَها عملها، ورفع ما بعدها، ومن شدد النون نصب بها الاسم، والمعنى واحد.

: (يغشي الليل النهار ... (54) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ... (54) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ) خفيفا، وكذلك في الرعد، وقرأ الباقون بالتشديد. قال أبو منصور: مَعنى يُغْشِي ويُغَشِّي، وكلاهما يتعدى إلى مفعرلين، ومعناهما يجلل. وقد تَغَشَّاهُ، إذا تجلله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ... (54) . قرأ ابن عامر وحده (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ) رفعا كله، وقرأ الباقون بالنصب. قال أبو منصور: من نصبها عطفها على ما قبلها، ونصب (مسخراتٍ) على الحال، وجائز أن نَصْبَها على إضمار فعل، كأنه قال: وتُجرِي الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ فِي حال تسخيرها، أي: تذليلها. ومن رفع فعلى الابتداء، وخبره (مُسَخَّرَاتٌ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا ... (57) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والحضرمي (نُشُرًا) بضم النون والشين في كل القرآن،

(ما لكم من إله غيره ... (59) .

وقرأ ابن عامر (نُشْرًا) بضم النون وسكون الشين، وقرأ عاصم (بُشْرًا) بالباء وسكون الشين حيث وقع، وقرأ حمزة والكسائي (نَشْرًا) بفتح النون وسكون الشين حيث وقع. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نُشْرًا) و (نُشُرًا) فهو جمع نُشُور ريحٌ نُشُورٌ: تنشرُ السحاب، أي: تبسطها في السماء. وَمَنْ قَرَأَ (بُشْرًا) بالباء فهو جمع بشيرة، كما قال: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) . وَمَنْ قَرَأَ (نُشْرًا) فالمعنى: هو الذي يرسل الرياح ذات نَشْر تَنْشُر السحاب (نُشْرًا) . وقيل: (بُشْرًا) أي: مبشرة. وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: مَنْ قَرَأَ (نُشْرًا) فمعناه: لينة طيبة. * * * وقوله جلَّ رعز: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ... (59) .

(إني أخاف عليكم ... (59) .

قرأ الكسائي وحده (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِهِ) خفضا فِي كل القرآن، وقرأ الباقون (غَيْرُهُ) رفعا، واتفق حمزة والكسائي على خفض قوله: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرِ اللَّهِ) . وقرأ الباقون بالرفع. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (غيرِه) بالخفض جعله نعتا للإله، ومن قرأ (غيرُه) جعله تابعا، لتأويل (مِنْ إِلَهٍ) ؛ لأن فعناه: مالكم إلهٌ غيره. و (مِن) زائدة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ ... (59) . فتح (الياء) ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي ... (62) . قرأ أبو عمرو وحده (أُبْلِغُكُمْ) بسكون الباء خفيفة، وقرأ الباقون بفتح الباء وتشديد اللام. قال أبو منصور: هما لغتان: أبلغت وبَلَّغت، مثل: أنجيتُ ونَجَّيت.

(قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن ... (75) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ ... (75) . قرأ ابن عامر وحده: (وَقَالَ الْمَلَأُ) بواو، وكذلك هي في مصاحفهم. قال أبو منصور: الواو وحذفها لا يُغيرُ المعنى. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ ... (80) أَئِنَّكُمْ ... (81) ونظائره. قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة بالجمع بين الاستفهامين في كل القرآن، إلا أن ابن كثير يترك الاستفهام الأول في العنكبوت فقط، وخالف حفص أبا بكر في موضعين: فقرأ ها هنا (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) بغير استفهام، ومثله في العنكبوت (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) في الأول على لفظ الخبر، واتفقا في سائر الاستفهام. وكذلك كان نافع والكسائي ويعقوب يَكتَفُون بالاستفهام الأول من الثاني، فيقرأون (أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) على لفظ الخبر في كل القرآن في مثل هذا أو نَحوه إذا أتى استفهامان يتصلان، إلا مواضع

فإنهم افترقوا فِيها. فجمع الكسائي بين الاستفهامين في قصة لوط هنا، وفي العنكَبوت، وقرأ في النمل (أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا) مستفهمًا (إِنَّنَا لَمُخْرَجُونَ) بنونين، ومضى في سائر القرآن على ترك الثاني. واستمر نافع على أصله في كل القرآن، إلا في النمل والعنكبوت فقرأ في النمل (إِذَا كُنَّا تُرَابًا) على الخبره (أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ) ، وكذلك في العنكبوت، قرأ (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) على لفظ الخبر، (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) فاستفهم بالثاني وترك الأول في هذين الموضعين. وقرأ يعقوب بالجمع بين الاستفهامين في قصة لوط هنا، وفي النمل في قوله: (أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ) . وقرأ في العنكبوت بترك الاستفهام الأول (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ) ، واستفهم قوله (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) . وكان ابن عامر يكتفي بالاستفهام الثاني من الأول في كل القرآن إلا في ثلاثة مواضع خلاف أصله فيها: فقرأ في النمل مثل الكسائي سواء، وقرأ في الواقعة بالجمع بين الاستفهامين جميعا قوله (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) ، لم يجبع بينْ الاستفهامين إلا هنا، وقرأ في النازعات مثل نافع، استفهم الأول وترك الثاني.

(أوأمن أهل القرى ... (98) ، (أوآباؤنا) .

وكل القراء متفقون على الاستفهام في قوله في النمل (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) ، وذلك أنها مكتوبة في المصحف (أَيِنَّكُمْ) بياء ونون قبل الكاف، واختلفت مذاهبهم في الهمز، فكان ابن كثير والحضرمي يقرآن (أيْذا) (أَيِنَّكُمْ) ، (أَينَّا لَمَرْدُودُونَ) (أين ذُكِّرْتُمْ) بهمزة مقصورة بعدها ياء ساكنة في كل القرآن من هذا الجنس. وكان نافع وأبو عمرو يقرآن (ءايذا) (ءايْنكُم) بهمزة مطولة بعدها ياء ساكنة. والباقون يحققون الهمزتين (أئِذا) (أَئِنَّكُمْ (أئِنا) في كل هذا الباب، وهم ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ْ. قال أبو منصور: وقد ذكرنا اختلاف القراء في هذه الحروف من الجمع بين الاستفهامين، ومن ترك أحدهما، وما افترقوا فيه من تطويل الهمزة وتخفيفها، وهي لغات كلها جائزة، وكل ما قُرِيء به فهو معروف، ومعانيها متفقة، ولا اختلاف في جوازها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى ... (98) ، (أَوَآبَاؤُنَا) . قرأ ابن كثير (أَوْ أَمِنَ، (أَوْ آبَاؤُنَا) بسكون الواو هنا. وقرأ نافع وابن عامر (أَوْ أَمِنَ، (أَوْ آبَاؤُنَا) في الصافات (أَوْ آبَاؤُنَا) في الواقعة.

(حقيق على أن لا أقول ... (105)

وقرأ محمد بن الحسن عن أبي ربيعة عن البزي عن ابن كثير الثلاثة المواضع مثل نافع، والباقون يفتحون الواو فيهن. قال أبو منصور: من فتح الواو في هذه الحروفْفهي واو عطف، ادخلت عليها ألف الاستفهام كما تدْخل على الفاء من قوله (أفَعجبتم) (أوَعجبتم) ، ومن سكن الواو فهي (أوْ) ، وكذلك سكنه، و (أو) من حروف العطف للشك، تقول: ضربت زيدًا أو عمرًا، ومَرَّ بي زيد أو عمرو، وقد يكون (أو) بمعنى (بل) ، ويكون (أو) بمعنى الواو، ويجيء بمعنى (بل) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ ... (105) قرأ نافع وحده (عَلَيَّ) أضاف (عَلَى) إلى نفسه، وأرسلها الباقون (عَلَى) مفخمة. قال أبو منصور: من شدد ياء (عَلَيَّ) فلإضافته إلى نفسه، ومن سكن ألف (عَلَى) جعله بمعنى الباء، كقولك: رميت على القوس، وبالقوس. و (عَلَى) مفخم، وكذلك (إلى) و (حتى) .

(فأرسل معي بني إسرائيل (105) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) . حرك الياء من (مَعِيَ) حفص عن عاصم، وكذلك ياء (مَعِيَ) حيث وقعت، وأسكنها الباقون، وهما لغتان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَرْجِهْ وَأَخَاهُ ... (111) . قرأ ابن كثيرٍ (أزجِئهُو وَأخَاهُ) يهمز وضم الهاء ضما مشبعًا بلفظ واو، وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر ويعقوب (أرجئهُ وَأخَاهُ) بالهمز وضم الهاء ضمة غير مشبعة، وقرأ نافع (أرْجِهِ) بلا همز ويكسر الهاء كسرةً مختلسة، وروى ورش عنه أنه جَرَّ الهاء ووصلها بياء ولا يهمز، وكذلك روى خلف وابن سعدان عن أبي المسَيبي عنه. وقرأ ابن عامر (أرجِئهِ وَأَخَاهُ) بالهمز وكسر الهاء خفيفة. وقرأ حمزة وحفص والأعشى عن أبي بكر (أَرْجِهْ) ساكنة الهاء غير مهموزة، وكذلك قال خلف وأبو هشام عن يحيى عن أبي بكر. وقرأ الكسائي (أرْجِهِي) غير مهموز، ويجر الهاء بياء في اللفظ، وكذلك قولهم في الشعراء مثل قولهم في الأعراف، إلا أن هُبَيرَة روى عن حفص بجزم الهاء هنا، وجرَّها في الشعراء. قال أبو منصور: هذه الوجوه كلها وإن اختلفت فهي لغات

(بكل ساحر عليم (112) .

محفوظة عن العرب، وأبعدها عند النحويين تسكين الهاء بلا همزة لأنها ليست بموضع الجزم، وهي ضعيفة عند جميعهم. وقراءة ابن عامر بالهمز وكسر الهاء ليست بجيدة؛ لأن أصل الهاء الضم في (أرجئْهُ) ، وإنما يجر مع الياءات والكسرات، والهمزة تكون ساكنة فالكسرة لا تتبعها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) . قرأ حمزة والكسائي (بِكُلِّ سَحَّارٍ) ها هنا وفي يونُس والشعراء، وقرأ الباقون ها هنا وفي يونُس (سَاحِرٍ عَلِيمٍ) فاعل، وفي الشعراء (سَحَّارٍ) . ْقال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سَحَّارٍ) فهو أبلغ من (سَاحِرٍ) والقراءتان كلتاهما جيدتان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) .

(تلقف ما يأفكون (117) .

قرأ ابن كثير ونافع وحفص (إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا) بكسر الألف على الإخبار ها هنا، وفي الشعراء على الاستفهام، وقرأ الباقون بالاستفهام في السورتين. ْقال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا) فهو إيجاب، ومن قرأ (أيِنَ لَنَا) ، أو (أإنَّ لَنَا لَأَجْرًا) فعَلى الاستفهام، وهما ألفان: إحداهما ألف الاستفهام، والأخرى ألِفُ (إنَّ) ، وهي أجود القراءتين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) . قرأ حفص عن عاصم (تَلْقَفُ) حيث كانت، وقرأ الباقون (تَلَقَّفُ) مشددة.

(قال فرعون آمنتم به ... (123) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَلْقَفُ) فهو من لقَفتُ الشيء ألقَفُه لقْفا، وهو: أخذ الشيء بحذق في الهواء. ورجلٌ ثَقْفٌ لقْفٌ، إذا كان حاذقًا، وبعضهم يقول: ثَقِفٌ لقِفٌ. وَمَنْ قَرَأَ (تَلَقَّفُ) فمعناه: تلتَهِمُ العِصي والحِبال التي تُخُيِّلتَْ بِسِحر السحرة أنها حيات، ولم تكن بحيات، وتَلقَفْتَ الشيء تلقفا وتزقفته تزقفًا، إذا أخذته في الهواء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ ... (123) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (ءامنتم) بهمزة مطولة على الاستفهام، ومثله في سورة طه والشعراء ورَوَى قُنْبل عن ابن كثير (قَالَ فِرْعَونُ وامَنتُمْ) بواو بعد النون وألف مقصورة بعد الواو، وفي طه (آمَنْتُمْ) على لفظ الخبر، وفي الشعراء "ءامنتم " مثل أبي عمرو، قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي "أآمنتم" بهمزتين، الثانية ممدودة، هذه رواية الأعشى عن أبي بكر عن عاصم، ولايذكرها يحيى ولا غيره عن أبي بكر إلا الأعشى. وقرأ عاصم (آمَنْتُمْ) على لفظ الخبر في الثلاثة المواضع، وكذلك روى ورش عن نافع مثل حفص، وروى هُبَيرَة عن حفص في الشعراء بهمزتين.

(ويذرك وآلهتك ... (127) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (آمَنتُم) بوزن (عَامَنتُم) فلفظه لفظ الخبر، ومعناه للاستفهام، إلا أنه حذف إحدى الهمزتين. وَمَنْ قَرَأَ (أآمنتم) بوزن (أعامنتم) بهمزة مطولة فهو استفهام، جعل إحدى الهمزتين ألفا مطولة فرارًا من الجمع بين الهمزتين. وَمَنْ قَرَأَ (أآمنتم) بهمزتين، الثانية ممدودة فإنه جعل الهمزة الثانية ألفا ممدودة كراهية الجمع بين الهمزتين أيضًا. وكل ذلك جائز. أما ما روى لابن كثير (قال فرعون وامنتم به) فإني لا أعرفها، ولا أحِبُّ القراءة بها؛ لأن الواو زيادة في المصحف، ولعل بعض العرب يتكلم بها، ويجعل الواو بدلاً من الهمز. * * * واجتمع القراء على نصب قوله: (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ... (127) . واختلف النحويون في علة نصبه، فقال الفراء: هو منصوب على الصرف ومعناه الحال.

(سنقتل أبناءهم ... (127) و (يقتلون أبناءكم) .

وقال ابن الأنباري: كأنه قال: أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض في حال تركه إياك. وقال الزجاج: نصبه ردٌّ على جواب الاستفهام بالواو. وقال ابن اليزيدي: نصبه على العطف على قوله: (ليفسدوا في الأرض) . وروي عن ابن عباس أنه قرأ (وَيَذَرُكَ) رفعًا (وَإلِاهَتِكَ) ، أي وعبادتك. وقال الفراء: الرفع معطوف على قوله (أتذرُ) ، أتبع آخر الكلام أوله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ ... (127) و (يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ) . قرأ ابن كثير (سَنَقتُل أبناءَهُم) خفيفة، و (يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ) مشددة، وخففهما معًا نافع. وشددهما الباقون. * * * وأجمعوا على كسر الراء من: (الرِّجْزَ ... (134) واختلفوا في الرِّجْز والرُّجْز في الدثر. وقد بُئنَ في موضعه اختلافهم. والرِّجْز: العذاب المقَلقِلُ.

(وما كانوا يعرشون (137) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ ... (128) روى هبيرة عن حَفْص (يُوَرِّثُهَا مَنْ يَشَاءُ) بفتح الواو، وتشديد الراء. والباقون على (يُورِثُهَا) . قال أبو منصور: هما لغتان: ورَّثتُ وأورَثتُ، والأجود يُورِثُها، كما قال: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) . قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (يَعْرُشُونَ) بضم الراء، وفي النحل مثله. وكسر الباقون في السورتين. قال أبو منصور: هما لغتان معروفتان. ومثله (يَعْكِفُونَ) و (يَعْكُفُونَ) ، قرأ حمزة والكساني (يَعْكِفُونَ) بكسر الكاف، وكذلك روى عبد الوارث عن أبي عمرو، وقرأ الباقون (يَعْكُفُونَ) . يقال: عَكَفَ على الشيء، إذا أقام عليه.

(وإذ أنجيناكم من آل فرعون ... (141) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ... (141) . قرأ ابن عامر وحده (أنجاكُمْ) ليس بين الجيم والألف ياء ونون. ومعنى أنحيناكم وأنجاكم واحد؛ لأن الإنجاء لله جلَّ وعزَّ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ... (143) قرأ حمزة والكسائي (دكاء) ممدودة، وفى الكهف مثله. وقرأ عاصم هنا (دَكًّا) منونة، وفي الكهف بغير تنوين، وقرأ الباقون (دَكًّا) منونة في الموضعين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (دَكًّا) منونة أراد: أنها دكت دكا، على المصدر، وَمَنْ قَرَأَ (دكاء) فالمعنى جعلها أرضًا دكاء، على (فَعلاء) ، وهي المستَوِية، وجمعها دكاوات. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ ... (146) . قرأ حمزة والكسائي (الرَّشَدِ) بفتح الراء والشين، وقرأ البأقون (الرُّشْدِ) بضم الراء خفيفًا. وقرأ أبو عمرو ويعقوب في الكهف (مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا (66) . بفتح الراء والشين.

(من حليهم عجلا جسدا ... (148) .

وروى أحمد بن يوسف التغلبي عن ابن ذكوان بإسناده عن ابن عامر (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) بضم الراء والشين. قال: وقرأت على ابن أخرم (رُشْدًا)) ساكنة الشين مثل الباقين. قال أبو منصور: هى لغات معروفة، والرُّشْد والرَّشَد والرُّشُد معناها واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا ... (148) . قرأ حمزة والكسائي (من حِلِيِّهِمْ) بكسر الحاء والتشديد، وقرأ الحضرمي (مِنْ حَلْيِهِمْ) بفتح الحاء وسكون اللام خفيفة، وقرأ الباقون (مِنْ حُلِيِّهِمْ) بضم الحاء، مشددًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مِن حَليِهم) فهو واحد، ويجمع: حُلِيًّا وحِلِيَّا، والأصل فيهما الضم، لأنه جُمِع على (فُعُول) . ومن كسر الحاء فلإتباعه الكسرةَ التي في اللام والياء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا ... (149) . قرأ حمزة والكسائي (لَئِنْ لَمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا وَتَغْفِرْ لَنَا) بالتاء فيهما جميعًا، و (رَبَّنَا) نصبًا، وقرأ الباقون بالياء، و (رَبُّنَا) رفعًا. قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللمخاطبة، ونصبه (رَبَّنَا)

على الدعاء، يا رَبَّنَا، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو على الخبر، و (رَبُّنَا) فاعل، على أن يقع بفعلها يرحمنا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ ... (144) . فتَح الياء ابن كثير وأبو عمرو، وأسكنها نافع وغيره. ولم يسكن نافع ياء إضافة يليها ألف وَصلٍ إلا في ثلاثة مواضع: (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ) ، وفي طه (أخِي اشدُد) ، وفي الفرقان "يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ ... (146) . أسكنها ابن عامر وحمزة، وحركها الباقون. * * * وقوله: (مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ ... (150) . فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو. وقال أبو منصور: قد مَر الجواب فِي جواز هذه الياءات محركة ومسكنة بما يغني عن إعادة القول فيه. * * *

: (قال ابن أم ... (150)

وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ ابْنَ أُمَّ ... (150) ها هنا وفي طه. قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص ويعقوب (قَالَ ابْنَ أُمَّ) نصبا، وقرأ الباقون (ابْنَ أُمِّ) خفضًا. قال أبو منصور: من فتح (ابْنَ أُمَّ) فلأنها اسمان، جعلا اسمًا واحدًا، مثل: لفيته كفة كفة، وخمسة عشر. ومن قال: (ابْنَ أُمِّ) أضاف (ابْنَ) إلى (أُمِّ) ، وحذف ياء الإضافة؛ لأن كسرة الميم دلت على حذفها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ ... (157) . قرأ ابن عامر وحده (وَيَضَعُ عَنْهُمْ آصَارَهُم) ممدودة الألف، وقرأ الباقون (إِصْرَهُمْ) واحدًا. قال أبو منصور: الإصْرُ: واحد، وجمعه آصارٌ. ومَعني الإصر: ما شدد عليهم من العقوبات، وأصل الإصر: العهد والميثاق.

(نغفر لكم خطيئاتكم ... (161) .

ويقال للعقوية التي عوقب بها ناكِثُ الميثاقِ: إصر؛ لأنه عوقب بها لِنكثِهِ العهدَ، مثل إصِر وآصَار: إرْبَ وآرابَ للأعضاء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ... (161) . قرأ أبو عمرو (نَغْفِر لكُم) بالنون، (خطاياكم) بوزن (قَضَاياكُم) ، وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي (نَغْفِرْ لكُم) بالنون، (خَطِيئاتِكُم) بالهمز والجمع، وقرأ نافع ويعقوب (تُغفَرْ لَكُمْ) بالتاء (خَطِيئاتُكُم) بالهمز وضم التاء على الجمع، وكذلك روى محبوب عن أبي عمرو (تُغفَرْ لكُم) برفع التاء من (تُغفَ) ومن (خَطِيئاتُكُم) على الجمع، على ما لم يُسَم فاعله. وقرأ ابن عامر (تُغْفَر لكُم) بالتاء (خطيئتُكم) موحدة مرفوعة التاء مهموزة. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نَغْفِر لكم خطاياكم) فالله يقول (نغفر) كما يقوله الملك، ويقول: فعلنا. و (خطاياكم) في موضع النصب على هذه القراءة، ولا يبين فيها الإعراب. وَمَنْ قَرَأَ (تُغفَر لكم خطيئاتُكم) فخطيئاتُكم مرفوعة؛ لأنها لم يُسم فاعلها. وكذلك مَنْ قَرَأَ (خطيئتُكم) واحدة.

(قالوا معذرة إلى ربكم ... (164) .

والخطيئة والخطا: الذئبُ والإثم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ... (164) . قرأ عاصم في رواية حفص (مَعْذِرَةً) نصبًا، وكذلك روى حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم. وقرأ الباقون (مَعْذِرَةٌ) رفعًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مَعْذِرَةً) نصبًا فعَلى المصدر، المعنى: نعتذر معذرةً، وَمَنْ قَرَأَ (مَعْذِرَةٌ) فعلى إضمار (هي مَعْذِرَةٌ) ، أو على معنى: موعظتنا إياهم (مَعْذِرَةٌ) . * * * ْوقوله جلَّ وعزَّ: (بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) قرأ نافع (بِعَذَابٍ بِيسٍ) بكسر الباء بغير همز، وروى خارجه عن نافع (بَيْسٍ) بفتح الباء وسكون الياء بغير همز، وروى أبو قرة عن نافع (بَئِيسٍ) مفتوحة الباء مكسورة الهمزة، وقرأ ابن عامر (بَئْسٍ) بكسر الباء وهمزة ساكنة، وقرأ عاصم في رواية الأعشى عن أبي بكر (بَيْأَسٍ) بفتح الباء وسكون الياء وهمزة مفتوحة، بوزن (فَيعَل) ، وليس عند يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم في هذا شيء.

(والذين يمسكون بالكتاب ... (170) .

ورُوِيت عن الأعمَش هكذا، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم (بَئِيسٍ) على (فَعيل) بفتح البا ءوكسر الهمزة. قالَ أبو منصور: من قرأ (بَيْسٍ) على (فَعْلٍ) فالأصل (بئس) فخففت همزتها، وَمَنْ قَرَأَ (بَئِسٍ) على (فَعِل) فهو من بَئِسَ يَبأسُ فهو بَئِس، ومن قرأ (بَيْأَسٍ) فهو من (فَيعَل) من بَئِسَ يَبأُسُ، كما يقال: عطل، من عَطِل يَعْطَل، وَمَنْ قَرَأَ (بَئِيسٍ) فهو على (فَعِيل) ومعناه: الشديد، يقال: بَؤُسَ يَبؤُسُ فهو بَئِيس، إذا اشتد وشَجُعَ. وبَئِس يَبأُس، إذا افتقر، فهو بَئِيسٍ وبَيَسٍ أيضًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ ... (170) . قرأ عاصم فِي رواية أبي بكر (يُمْسِكُونَ) ساكنة الميم خفيفة، وقرأ الباقون (يُمَسِّكُونَ) مشددة. وقرأ أبو عمرو ويعقوب في الممتحمة (وَلَا تُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) مشددة، وخففها الباقون.

(من ظهورهم ذريتهم ... (172) .

قال أبو منصور: يقال: أمسكت بالشيء، ومَسَّكتُ به، وتمسكت به، وامتَسَكت واستمسكت بمعنى واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ... (172) . قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ) جماعة. وقرأ الباقون (ذُرِّيَّتَهُمْ) واحدة. قال أبو منصور: المعنى واحد في الذرية والذُريات، وقد بَينتُ تفسيره واشتقاقهُ في التفسير. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ... (172) قرأ أبو عمرو وحده (أن يَقُولوا) و (أَو يَقُولوا (173) بالياء معًا، وقرأ الباقون بالتاء معًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فهو مخاطبة، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فعلى الغيبة، وقيل في تفسير (أن تقولوا) قولان: أحدهما: لِأن لا تقولوا. والثاني: كراهة أن تقولوا، وكذلك مَنْ قَرَأَ بالياء.

: (الذين يلحدون ... (180)

وقوله جلَّ وعزَّ: (الَّذِينَ يُلْحِدُونَ ... (180) في الأعراف والنحل والسجدة (فصلت) . قرأها حمزة (يَلْحَدُونَ) بفتح الياء ثلاثتهن، وقرأ الكسائي في النحل (الذين يَلْحَدُونَ) بفتح الياء، وقرأ هُنا وفي السجدة (يُلْحِدُونَ) بضم الياء، وقرأ الباقون بضم الياء في كلهن (يُلْحِدُونَ) . وقال الفراء: مَنْ قَرَأَ (يَلحَدُونَ) أراد: يميلون، ومَنْ قَرَأَ (يُلْحِدُونَ) فمعناه: يعترضون، ومنه قوله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ) أي: باعتراضٍ. وروى أبو عبيد عن الأحمر: لحَدْتُ: جُرْت ومِلتُ. وألحَدْت: مارَيتُ وجادَلتُ. قال أبو منصور: وأصل اللحد والإلحاد: الجَوْر عن القصد. وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت قال: الملحدُ: العادل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه، يقال: ألحد في الدين، ولحَدَ عن الحق، إذا مال وعَدَل، واللحد: الشق في جانب القبر، مأخوذ منه، وقد ألحدت للميت لَحْدًا ولحدت بمعناه.

(ويذرهم في طغيانهم يعمهون (186)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) قرأ أبن كثير ونافع وابن عامر (ونَذَرُهُمْ) بالنون والرفع، وقرأ حمزة والكسائي (وَيَذَرْهُمْ) بالياء والجزم، وكذلك روى هُبَيرة عن حفص عن عاصم، وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب (وَيَذَرُهُمْ) بالياء والرفع. قال أبو منصور: من قرأ (وَيَذَرْهُمْ) بالياء والجزم عطفه على محل الفاء في قوله (فَلَا هَادِيَ لَهُ) والفاء فيه جواب الجزاء، المعنى: من يضللَ الله يَذَرول في طغيانه عَامِهًا، أي: متحيرا. وَمَنْ قَرَأَ (وَيَذَرْهُمْ) بالرفع فهو استئناف. وأما مَنْ قَرَأَ (ونَذَرُهُمْ) بالنون فالنون لا يجوز فيه غير الرفع، يقول الله جلَّ وعزَّ: ونَذَرُهم نحن، مستأنفًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ ... (190) . قرأ نافع وأبوكر عن عاصم (شِرْكًا) بكسر الشين على المصدر، وقرأ الباقون (شُرَكَاءَ) . قال أبو منصور: ويكون الشرك بمعنى الشريك، والشركاء جمع شريك، مثل: خَلِيط وخُلطاء، وجمع الشرك أشراك، قال لبيد:

(لا يتبعوكم ... (193)

تطير عَدائِدُ الأشراكِ شَفْعاً ... ووِتْراً والزَّعامةُ للغلام يريد: عدائد الشركاء، والعدائد: ما عُدَّ من أنصباء الشركاء في الميراث. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا يَتَّبِعُوكُمْ ... (193) قرأ نافع وحده (لَا يَتَبَعُوكُمْ) بجزم التاء والتخفيف، وقرأ الباقون بفتح التاء والتشديد. قال أبو منصور: هما لغتان: تَبِعتُه وأتْبَعْتُه وأُتْبِعُهُ بمعنى واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ ... (196) روى عباس عن أبي عمرو (إِنَّ وَلِيِّ اللَّهُ) غير مثقل. (1) وقال زيد عن أبي عمرو (إِنَّ وَلِيَّ اللَّهُ) مدغمة. وقرأ الباقون (وَلِيِّيَ) بإظهار الياءين مع التشديد، وهي ثلاث ياءات: الأولى: ياء (فَعيل) ، والثانية: لام الفعل، والثالثة ياء الاسم المضمر المضاف إليه.

_ (1) قال السمين: قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ الله} : العامة على تشديد «وليي» مضافاً لياء المتكلم المفتوحة وهي قراءة واضحة. أضاف الوليّ إلى نفسه. وقرأ أبو عمرو في بعض طرقه: «إن وليَّ» بياء واحدة مشددة مفتوحة، وفيها تخريجان أحدهما: قال أبو علي: «إن ياء فعيل مدغمةٌ في ياء المتكلم، وإن الياء التي هي لام الكلمة محذوفةٌ، ومنع من العكس. والثاني: أن يكون» وليَّ «اسمها وهو اسمٌ نكرةٌ غيرُ مضاف لياء المتكلم والأصل: إن ولياً الله، فولياً اسمُها واللهُ خبرها، ثم حذف التنوين لالتقاء الساكنين كقوله: 2363 فالفيته غيرَ مُسْتَعْتِبٍ ... ولا ذاكرَ اللهَ إلا قليلا وكقراءة من قرأ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدُ الله الصمد} [الصمد: 1-2] . ولم يبق إلا الإِخبارُ عن نكرةٍ بمعرفة وهو واردٌ، قال الشاعر: 2364 وإنَّ حراماً أن أَسُبَّ مجاشعاً ... بآبائي الشمِّ الكرام الخضارم وقرأ الجحدري في رواية:» إن وليِّ الله «بكسر الياء مشددة، وأصلُها أنه سَكَّن ياء المتكلم فالتقت مع لام التعريف، فحذفت لالتقاء الساكنين وبقيت الكسرة تدلُّ عليها نحو: إنَّ غلامِ الرجلُ. وقرأه في رواية أخرى:» إن وليَّ الله «بياء مشددة والجلالة بالجر، نقلها عنه أبو عمرو الداني، أضاف الوليّ إلى الجلالة. وذكر الأخفش وأبو حاتم هذه القراءة عنه، ولم يذكرا نصب الياء. وخرَّجها الناس على ثلاثة أوجه، الأول قولُ الأخفش وهو أن يكون وليّ الله اسمها، والذي نزَّل الكتاب خبرها، والمراد بالذي نزَّل الكتاب جبريل، يدلُّ عليه قولُه تعالى {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} [الشعراء: 193] {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس} [النحل: 102] إلا أن الأخفش قال في قوله» وهو يتولى الصالحين «هو مِنْ صفة الله قطعاً لا من صفة جبريل، وفي تَحَتُّم ذلك نظرٌ. والثاني: أن يكون الموصوف بتنزيل الكتاب هو الله تعالى، والمراد بالموصول النبي صلى الله عليه وسلم ويكون ثَمَّ عائدٌ محذوف لفهم المعنى، والتقدير: إنَّ وليَّ الله النبيُّ الذي نَزَّل الله الكتاب عليه، فحذف» عليه «وإن لم يكن مشتملاً على شروط الحذف لكنه قد جاء قليلاً كقوله: / 2365 وإن لساني شُهْدةٌ يُشْتفى بها ... وهُوَّ على مَنْ صَبَّه الله عَلْقَمُ أي: صَبَّه الله عليه. وقال آخر: 2366 فأصبح من أسماء قيسٍ كقابضٍ ... على الماء لا يدري بما هو قابضُ أي: بما هو قابض عليه. وقال آخر: 2367 لعلَّ الذي أَصْعَدْتِني أن يَرُدَّني ... إلى الأرض إن لم يَقْدِرِ الخيرَ قادرُهْ أي: أَصْعَدْتني به. وقال آخر: 2368 ومِنْ حَسَدٍ يجورُ عليَّ قومي ... وأيُّ الدهر ذو لم يحسُدوني وقال آخر: 2369 فقلت لها لا والذي حَجَّ حاتمٌ ... أخونُكِ عهداً إنني غيرُ خَوَّانِ أي: حجَّ إليه. وقال آخر: 2370 فَأَبْلِغَنَّ خالدَ بنَ عَضْلَةٍ ... والمَرْءُ مَعْنِيٌّ بلومِ مَنْ يثقْ أي: يثق به، وإذا ثَبَتَ أن الضميرَ يُحْذف في مثل هذه الأماكن وإن لم يكمل شرطُ الحذف فلهذه القراءة في التخريج المذكور أسوة بها. والثالث: أن يكون الخبر محذوفاً تقديره: إن وليَّ الله الصالحُ أو مَنْ هو صالح، وحُذف لدلالة قوله» وهو يتولَّى الصالحين «وكقوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر} [أي: معذَّبون، وكقوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ} [الحج: 25] . اهـ (الدر المصون)

: (إذا مسهم طيف ... (201) .

وأما ما روي من الإدغام لأبى عمرو فلا موضع للإدغام ها هنا؛ لأن الإدغام فيه يجمع بين ساكنين، لكن أبا عمرو لما رأى توالي الياءات اختلس لفظ بعضها اختلاسًا خفيًا بِلطافته على ما هو معهود عنده من لطافة ألسِنة العرب. فلا يطوع لسان الحضري لما يطوع له لسان البدوي. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِذَا مَسَّهُمْ طَيْفٌ ... (201) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي (طئفَ " بغير ألف، وقرأ الباقون (طَائِفٌ) بالألف. قال أبو منصور: المعنى فِي الطيف والطائف واحد. والطيف في كلام العرب له معنيان: أحدهما: الجنون، ومنه قول للهذلي: . . . . . . . . . . . . . فَإذا بِهَا وَأبِيْكَ طَيفُ جُنُونِ. وقد جعله بعض المفسرين في هذا الموضع جنونا؛ لأن الغضب الشديد يعتريه شيء من الجنون، المعني: إذا مَسهم غضب يُخَيَّلُ إلى مَنْ

: (وإخوانهم يمدونهم في الغي ... (202) .

رآه فِي تلك الحالة بعد ما كان رآه ساكنا أنه مجنون. والطيف في غير هذا: الخيال الذي تراه في منامك، يقال: طاف الخيال يَطِيفُ طيفًا، وطاف الرجل بالبيت يطوت طوافًا. ومن قرأ (إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ) أراد به: تغيرُ حالة الغضبان إذا ثارَ ثائرُهُ، فكأنما طاف به شيطان استَخَفهُ حتى تهافت فيما يتهافت فيه المجنون، من سفك الدم الحرام، والتقَحُّم على الأمور العظام. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ... (202) . قرأ نافع وحده (يُمُدُّونَهُمْ) بضم الياء، مِن أمدَدتُ أُمِدُّ، وقرأ الباقون (يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ) مِن مَدَّ يَمُدُّ. وقال أبو منصور: القراءة الجيدة (يَمُدُّونَهُمْ) بفتح الياء كما قال الله جلَّ وعزَّ: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) . وأما الإمداد فأكثر ما يستعمل في الإمداد بالمال، كما قال الله (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ) ، والإمداد يكون بحرف الصلة، كقوله جلَّ وعزَّ: (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ) قصد مَدَ ماء هذا

(وإذا قرئ القرآن ... (204) .

النهَرِ نَهر آخر يُمِدَه. وقال: سَيلَ آت مَد أتيٌّ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ ... (204) . قرأ ابن كثير وحده (وَإِذَا قُرِئَ) بالهمز، (الْقُرَانُ) غير مهموز، ويهمز قرأت. قال أبو منصور: وروي عن أبي عمرو أنه كان لا يهمز (القُرَان) . ولا يجعله من (قرأت) ، وأهله مكة لا يهمزون (القُرآن) وأثبِتَ لنا عن الشافعي أنه كان لا يهمز (القُرَان) ، ويرويه عن ابن كثير. وسائر القراء يهمزون (القرآن) يقال: قرأت القرآن قرآنًا. * * *

سورة الأنفال

سورة الْأَنْفَالِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) . قرأ نافع ويعقوب (مُرْدَفِينَ) بفتح الدال، وكذلك روى المعلى ابن منصور عن أبي بكر عن عاصم، وقرأ الباقون بكسر الدال. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مُرْدِفِينَ) بكسر الدال فهو بمعنى: رادفِين، يقال: ردفتُ فلانًا أرْدفُه، وأرْدَفتُه أرْدِفُه بمعنى واحد، ومنه قول الشاعر: إذا الجوزاءُ أَرْدَفَتِ الثُّرَيَّا ... ظنَنْتُ بآل فاطمةَ الظُّنونا وقال بعضهم: أرْدَفت فلانا: جئت بعده. فمعنى (مُرْدِفِينَ) على هذا القول: يأتون فرقة بعد فِرقة. ومن قرأَ (مُرْدَفِينَ) فمعناه: مُتبَعين، ويقال: رَدَفتُ الراكبَ، إذا ركبتَ خلفه. وأرْدَفتُه، إذا جعلتَهُ خلفك رَديِفًا.

(إذ يغشيكم النعاس ... (11) .

وقال الفراء: معنى (مُرْدِفِينَ) : مسَوِّمِين. ومعنى (مُرْدَفِينَ) : فُعِلَ بهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ ... (11) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو (إِذْ يُغْشَاكُمُ النُّعَاسُ) بفتح الياء والشين (النُّعَاسُ) رفعًا. وقرأ نافع (يُغْشِيكُمُ) بضم الياء وكسر الشين خفيفة، (النُّعَاسَ) نصبًا. وقرأ الباقون: (يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ) مشددًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَغشَاكم النعاسُ) فهو من غَشِيَ يَغشَى، و (النعاسُ) رفعًا، لأن الفعل له، وَمَنْ قَرَأَ (يُغْشِيكُمُ) أو (يُغَشِّيكُمُ) فألمعنى واحد، والفعل لله هو الذي أغشاهم النعاسَ، ونصب (النعاسَ) لأنه مفعول ثانٍ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) .

(وإن الله مع المؤمنين (19) .

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (مُوَهِّنٌ) بفتح الواو والتنوين والتشديد، (كَيْدَ) نصبًا. وقرأ حفص (مُوهِنُ كَيْدِ) ساكنة الواو بغير تنوين، (كَيْدَ) مضاف إليه. وقرأ الباقون (مُوهِنٌ) منونة، (كَيْدَ) نصبًا. قال أبو منصور: (مُوهِنُ) و (مُوَهِّنٌ) بمعنى واحد، ومن نصب (كَيْدَ) فلأنه مفعول به، ومن خفضه فلأنه مضاف إليه، ويقال: وَهَّنتُ الشيء وأوهَنْتُه، إذا فَعَلتَه واهنًا ضعيفًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) . قرأ نافع وابن عامر وحفص (وَأَنَّ اللَّهَ) ، وقرأ الباقون (وَإِنَّ اللَّهَ) بكسر الألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَأَنَّ اللَّهَ) بالفتح فالمعنى: ولن تُغنِي عنكم فِئَتُكُم شيئًا لكثرتها، ولأن الله مع المؤمنين. ومن قرأ (وَإِنَّ اللَّهَ) فهو استئناف.

(وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ... (35) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ... (35) . حكى سفيان الثوري عن عاصم، وهاون عن حسين عن أبي بكر عن عاصم (وَمَا كَانَ صَلَاتَهُمْ) نصبًا، (إِلَّا مُكَاءٌ وَتَصْدِيَةٌ) بالرفع. وقرأ الباقون (صَلَاتُهُمْ) رفعًا، (إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً) نصبًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَمَا كَانَ صَلَاتَهُمْ) نصبًا. (إِلَّا مُكَاءٌ وَتَصْدِيَةٌ) رفعًا لأنهم نصبوه على أنه خبر (كان) ، والاسم مؤخرَ، وهو قوله (إِلَّا مُكَاءً) . وَمَنْ قَرَأَ (وَمَا كَانَ صَلَاتَهُمْ) رفعًا، (إِلَّا مُكَاءً) نصبًا جعل (صلاتُهم) اسمًا لـ (كان) ، و (مكاءً) الخبر، وهذا هو وجه الكلام، وعليه أكثر القراء. قال الثوري: قال لي الأعمش لما أعلمتُه قراءة عاصم: إِنْ لحَنَ عاصم تَلحَنُ أنت؟ . قال أبو منصور: وليس بِلحنٍ، وكان عاصم فصيحًا، وكان كثيرًا يقرأ الحرف على وجهين، ولا يقرأ إلا بما سمع، ووجهه في العربية صحيح. * * *

(إذ أنتم بالعدوة الدنيا ... (42) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا ... (42) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (بِالْعِدْوَةِ) بكسر العين، وقرأ الباقون بضم العين. قال أبو منصور: هما لغتان: عُدْوَةِ الوادي وعِدْوَته: جانبُهُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ... (42) . قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم ونافع والكسائي رواية نصير ويعقوب (وَيَحْيَى مَنْ حَيِيَ) بياءين، الأولى مكسورة والثانية مفتوحة. وقرأ الباقون بياء مدغمة. قال أبو منصور: من قرأ (حَيَّ) بالإدغام فالأصل (حَيِيَ) فأدغم إحدى الياءين في الأخرى. ومن أظهرهما فهو أتم وأفصح. وكان الخليل

(إذ يتوفى الذين كفروا ... (50) .

وسيبويه يجيزان الإدغام والإظهار إذا كانت الحركة في الثاني لازمة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ... (50) . قرأ ابن عامر وحده (إذ تَتَوفى) بتاءين، وقرأ الباقون (يَتَوَفى) بياء وتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تتوفى) فلتأنيث الجماعة، ومن قرأ (يتوفى) فلتقديم فِعْل الجمع، وكل ذلك جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ... (59) . قرأ ابن عامر وحفص وحمزة (وَلَا يَحْسَبَنَّ) بالياء ها هنا، وكذلك في النور، إلا حفصًا فإنه قرأ في النور بالتاء مثل أبي بكر. وقرأ الباقون (وَلَا تَحْسَبَنَّ) بالتاء.

(إنهم لا يعجزون (59) .

قال أبو منصور: من قرأ (وَلَا تَحْسَبَنَّ) بالتاء فهو خطاب للنبي صلى الله عليه، ويكون (تَحْسَبَنَّ) عاملا في (الذين) وفي (سبقوا) ، المعنى: ولا تحسبن من أفلت من هذه الواقعة قد سبق، ومعنى سبق: فاتَ الموتَ، كأنه قال: لا تحسبن الذين كفروا سابقين الموتَ، أي: فائتِين. وأما مَنْ قَرَأَ: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) بالياء فوجهه ضعيف عند أهل العربية، وهو مع ضعفه جائز على أن يكون المعنى ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، وقد روي لابن مسعود أنه قرأ (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالياء، وهذه القراءة تؤيد هذه القراءة، والله أعلم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) . قرأ ابن عامر وحده (أَنَّهُمْ) بفتح الألف، وكسرها الباقون. قال أبو منصور: القراءة بالكسر على الاستئناف، ومن فتح (أَنَّهُمْ) فالمعنى: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا؛ لأنهم لا يعجزون. والنون مفتوحة من (يُعْجِزُونَ) .

(ترهبون به عدو الله وعدوكم ... (60) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ... (60) . قرأ يعقوب (تُرَهِّبُونَ) بفتح الراء وتشديد الهاء، وقرأ الباقون (تُرْهِبُونَ) بسكون الراء. قال أبو منصور: المعنى واحد في (تُرَهِّبُونَ) و (تُرْهِبُونَ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ ... (48) . اتفق القراء على (تَرَاءَتِ) ، أيَ: التَقتا، يقال:تَرَاءَتِ القوم تَرائيًا، إذا تلاقوا في الحرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ ... (65) . (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ ... (66) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر (وإن تكن منكم. . . فإن تكن منكم) بالتاء فيهما. وقرأ أبو عمرو ويعقوب (فإن تَكن منكم) بالتاء، والأولى بالياء. وقرأ الباقون بالياء فيهما جميعًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فلتأنيث المائة، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فلتقديم فعل جمع المائة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَرِئَاءَ النَّاسِ ... (47) .

(وعلم أن فيكم ضعفا ... (66) (الله الذي خلقكم من ضعف)

روى الأعشى عن أبي بكر (وَرِيَاءَ النَّاسِ) غير مهموز، وسائر القراء همزوا ومَدُّوا. قال أبو منصور: القراءة بالهمزة؛ لأنه مصدر (رائَى) بوزن (راعَى) يُرائِي بوزن يُراعِي، (رئاء) بوزن (رعاء) ، ومن لم يهمز قلب الهمزة ياء. * * * ْوقوله جلَّ وعزَّ: (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ... (66) (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) . قرأ حمزة وعاصم (ضَغفًا) ، (مِن ضَعْفِ) بفتح الضاد. وقرأ حفص بفتح الضاد في قوله (ضَعْفًا) ، واختار ضم الضاد في قوله (من ضُعْفٍ) ، وكذلك في قوله: (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضُعْفًا) . وقرأ الباقون بضم الضاد في هذا كله. قال أبو منصور: الضَّعْف والضُّعْف لغتان، ورُويَ عن النبي صلى الله عليه أنه قرأ (من ضُعْفٍ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى ... (67) .

(لمن في أيديكم من الأسارى ... (70)

أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) قرأ أبو عمرو والحضرمي (أن تكون) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء. * * * وقرأ أبو عمرو وحده: (لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأُسَارَى ... (70) بالألف، وقرأ الباقون (مِنَ الْأَسْرَى) بغير ألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَسْرَى) فهو جمع أسِير، كما يقال: جَرِيح وجَرحَى، وضَعِيف وضَعْفَى، وَمَنْ قَرَأَ (أُسَارَى) فهِي جمع الجمع، يقال: أُسِير وأسْرى ثم أسَارَى جمع الجمع. وروى الأصمعي عن أبي عمرو أنه قال يقال لهم (أسَارَى) إذا شُدُّوا بالقِدِّ، وأما الأسْرى فهم الذين أخِذُوا ولم يُشَدُّوا بِقِدٍّ، والله أعلم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ... (72) . قرأ حمزة وحده (مِنْ وِلَايَتِهِمْ) بكسر الواو، وقرأ الباقون بفتح الواو.

ووافق الكسائي حمزة على كسر الواو من قوله: (هُنَالِكَ الْوِلَايَةُ لِلَّهِ) . قال أبو منصور: من فتح الواو فقال (الْوَلَايَةُ) فهو من وَلاية النصرة، مصدر الولي. ومن كسر الواو فهي مصدر الوالي؛ لأن ولاَية الوالي كالصناعة، كما يقال: الإمَارة، والعِرافة، والنكاية والنقَابة له، ومِن العرب من يجيز الوِلاية بالكسر في التناصر؛ لأن في تولى القوم بعضُهم بعضا ضَربًا من الصناعة. والله أعلم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ... (48) حَرَّك ياء (إِنِّيَ) ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون، وكذلك قرأوا (إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ) . * * *

سورة براءة

سورة بَرَاءَة قول الله جلَّ وعزَّ: (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ... (12) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (أيْمَة) بهمزة واحدة مقصورة، بعدها ياء ساكنة. وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي (أَئِمَّةَ) بهمزتين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أيمَة) بهمزة واحدة وياء بعدها فإنه كَرِه الجمع بين همزتيِن، فجعل الأخيرة ياء، و (أيمَة) كان في الأصل (أُأْمِمَة) مثل: أُعْمِمَة، فاستثقلوا الجمع بين الميمين متحركتين، فأسكنوا الميم الأولى، وَأدغموها في الأخرى، فصارت ميمًا شديدة، وعَوض الذين همزوا همزتين من الميم المدغمة همزة، فصارت ياء شديدة، وعَوض الآخرون إحدى الهمزتين ياء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا أَيْمَانَ لَهُمْ ... (12) .

(ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله ... (17) .

قرأ ابن عامر وحده (لَا إِيْمَانَ لَهُمْ) بكسر الألف، وقرأ الباقون (لَا أَيْمَانَ لَهُمْ) بفتح. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا إِيْمَانَ لَهُمْ) بالكسر فمعناه: لا تصديق لهم. وقيل: معناه: لا إجِارَة لهم، من آمَنَه إيمانًا، إذ أجارَهُ، وَمَنْ قَرَأَ (لَا أَيْمَانَ لَهُمْ) فهي جمع يمين، المعنى: لا عهد لهم إذا أقسموا وحلفوا؛ لأنهم لا يدينون دين الحق. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ ... (17) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (أَنْ يَعْمُرُوا مَسْجِدَ اللَّهِ) على واحِد. و (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ) " جماعة، وقرأ الباقون (مَسَاجِدَ اللَّهِ) جميعًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أن يعمرُوا مَسْجِدَ الله) فهو المسجد الحرام، وَمَنْ قَرَأَ (مَسَاجِدَ اللَّهِ) فهو كل موضع يتخذ مسجدًا يُصلى فيه لله، وجائز في اللغة، أن يكون المعنى في قوله: (مسجد الله) يعني به الجمع، ويقال فلان يعمر مسجدَ الله، أي: يصلي فيه ويعبد الله.

(وعشيرتكم ... (24) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَعَشِيرَتُكُمْ ... (24) . روى أبو بكر عن عاصم (وَعَشِيرَاتُكُمْ) وفي المجادلة (أو عَشِيراتُهُمْ) على الجميع فيهما، هذه رواية الأعشى عن أبي بكر. وفي رواية يحيى (وَعَشِيرَاتُكُمْ) بالألف على الجميع في هذه وحدها. وقرأ الباقون (وَعَشِيرَتُكُمْ) ، (أو عشيرتهُمْ) موحدتين. قال أبو منصور: العشيرة: اسم جامع لأهل البيت من قَرُب أو بعُد. وقال أبو العباس: عشيرة الرجل: أهل بيته الأدنون، سُمُّوا عشيرة لمعاشرة بعضهم بعضًا، والقراءة بالتوحيد. قال أبو منصور: ولما نزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) . أنذر النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم الأدنى والأبعَد، - فيما حدثنا السعدي قال: حدثنا ابن عفان قال حدثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن عمرو بن مُرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أنزل الله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) . أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفَا فصعد عليه، ثم نادى:

(وقالت اليهود عزير ابن الله ... (30) .

يا صباحاه، فاجتمع إليه الناس بين رجل يجيء وبين رجل يَبعثُ رسوله، فقال رسول الله: يا بني عبد المطلب، يا بني فِهر، يا بني لؤي، لو أخبرتكم أن خَيلاً بِسَفْح هذا الجبل تُرِيد أن تُغِير عليكم صدقتموني؟ قالوا: نعم. قال: فإني نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. فقال أبو لهب: تبًّا لكم سائر اليوم، أما جمعتنا إلا لهذا. فأنزل الله تبارك وتعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) ، وقَد تَبَّ. قال أبو منصور: فأنذر بني فهر وبني لؤي كما أنذر الأقربين، ومن قرأ (أو عَشِيراتكم) فهو جائز في العربية، ويجمع العشيرة: عشائر أيضًا، والجمع بالتاء قليل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ... (30) . قرأ عاصم والكسائي والحضرمي (عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ) منونًا، وكذلك روى عبد الوارث عن أبي عمرو، وقرأ الباقون بغير تنوين. وقال الفراء: الوجه التنوين؛ لأن الكلام ناقص، و (ابن) موضع خبر لِـ (عُزَيز) ، فوجه العمل في ذلك أن تُنَون ما رأيت من الكلام مُحتاجًا إلى (ابن) ، فإذا اكتفى دون (ابن) فوجه الكلام أن لا تُنَوِّن، وذلك

(يضاهئون ... (30) .

مع ظهور اسم أب الرجل أو كنيته، فإذا جاوزتَ ذلك فأضفت (ابن) إلى المكنى عنه مثل ابنك أو ابنه، أو قلت: ابن الرجل، أو ابن الصالح، أدخلت النون في التام منه والناقص وذلك أن الحذف في النون إنما كان في الموضع الذي يُجرى في الكلام كثيرًا فيستخف طرحها في الموضع المستعمل، وقد ترى الرجل يذكر بالنسب إلى أبيه كثيرًا، فيقال مِنْ فلان بن فلان إلى فلان فلا يجرى كثيرًا بغير ذلك، وربما حُذفت النون وإن لم يتم الكلام لسُكون الباء من (ابن) فيستثقل النون إذا كانت ساكنة لقيت ساكنًا فحذفت استثقالاً لتحريكها، من ذلك قراءة القراء (عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ) بغير تنوين، وأنشدني بعضهم:. لَتَجِدَنِّي بالأَمِيرِ بَرّا ... وبالقَناةِ مِدْعَساً مِكَرّا إِذا غُطَيْفُ السُّلَميُّ فَرَّا فحذف النون الساكن الذي استقبلها. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (يُضَاهِئُونَ ... (30) . قرأ عاصم وحده (يُضَاهِئُونَ) مهموزًا، وقرأ الباقون (يُضَاهُون) بغير همز.

: (إنما النسيء زيادة في الكفر ... (37) .

قال أبو منصور: من العرب من يهمز ضاهأت، أقرأني الإيادي لِشمر عن أبي عبيد عن أصحابه قال: ضاهأت الرجل، إذا دفعت به - وأكثر العرب يقولون: ضاهيته، وقال أبو إسحاق: أصل المضَاهَاتِ - في اللغة -: المشابهة. قال: والأكثر ترك الهمز فيه. قال: واشتقاقه من قولهم: امرأة ضهياء: وهي التي لا يظهر لها ثَدي. وقيل: هي التي لا تحيض، ومعناها: أنها أشبهت الرجال؛ لأنها لا ثَدي لها يظهر وضهياء (فَعْلاء) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ... (37) . روي عن ابن كثير أنه قرأ (إِنَّمَا النَّسِيُّ) مشددا بغير همز، ورُوى عنه وجه آخر (إِنَّمَا النَّسَأ) بوزن (النسَع) . وقرأ الباقون (إِنَّمَا النَّسِيءُ) بكسر السين بالمد والهمز. قال الأزهري: مَنْ قَرَأَ (إِنَّمَا النَّسِيُّ) بتشديد الياء غير مهموز فالأصل فيه: النسِيء، بالمد والهمز، ولكن القارئ به آثر ترك الهمز على لغة من يخفف الهمز ويحذفه، والنسِيءُ اسم على (فَعِيل) ، من قولك: أنسَاتُ الشيء، إذا أخَّرته، أنسَأ نَسِيئا. قال أبو عبيد: قال أبو عبيدة: أنْسَأ الله فُلانًا: أجَّلهُ. ونَسَأ الله في أجله - بغير ألف - والنسِيئة: التأخير، ومنه قوله: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ)

(يضل به الذين كفروا ... (37) .

إنما هو تأخيرهم تحريم المحرَّم إلى صفرَ وَمَنْ قَرَأَ (النسيءُ) فهو مصدر نَسَاتُ نَسْأً، على فَعَلتُ فَعلا. القراءة الجيدة (النسيءُ) بالهمز والمد، وبها قرأ أكثر القراء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ... (37) . قرأ حفص عن عاصم وحمزة والكساني (يُضَلُّ) بضم الياء وفتح الضاد. وقرأ الحضرمي (يُضِلُّ) بضم الياء وكسر الضاد، وقرأ الباقون (يَضِلُّ) بفتح الياء وكسر الضاد. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُضَلُّ) فهو على ما لم يُسَم فاعله، و (الذين) في موضع الرفع، لأنه مفعول لم يسم فاعله. وَمَنْ قَرَأَ (يُضِلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) فمعناه أن الكفَارَ يُضِلون بالنسيء أتبَاعهم في إِحْلالِهم المحَرَّم مرة، وتحريمِهم إياه أخرى. وَمَنْ قَرَأَ (يَضِلُّ) فالفعل للكفار الضالين، و (الذين) في موضع الرفع على قراءة مَن قَرَأ (يَضِلُّ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) قرأ يعقوب وحده (وَكَلِمَةَ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) نصبًا.

(ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا ... (49) .

وقرأ الباقون (وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) رفعًا. قال أَبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَكَلِمَةَ اللَّهِ) نصبا فالمعنى: وجعل اللهُ كلمتهُ العليا. وقال الفراء: لا أشتَهِي هذه القراءة؛ لظهور (الله) ، لأنه إذا نصبها - والفعلُ فعله - كان أجود الكلام أن يقال: وكلمتَهُ هي العليا. قال أَبو منصور: القراءة بالرفع لأن القراء عليه، وهُو في الكلام أوجه، و (كَلِمَةُ اللَّهِ) مرفوعة بالابتداء، وخبر الابتدا (هِيَ الْعُلْيَا) سَدَّا معًا مسَدَ الخبر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ... (49) . اتفقوا علىْ تَسكين الياء من (تَفْتِنِّي) ، ونافع وأبو عمرو لا يكادان يحركان ياء الإضافة تلي فعلاً مجزومًا، كقوله: (وَلَا تَفْتِنِّي) و (فاذكُرونِي أذكُركُم) ، ونحوها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ ... (54) . قرأ حمزة والكسائي (أَنْ يُقْبَلَ) بالياء. وقرأ الباقون بالتاء.

(أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون (57) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فلتقدم فعل الجماعة، ومن قرأ بالتاء فلأنَّ النفَقَات مؤنثة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) . قرأ الحضرمي وحده (أَوْ مَدْخَلًا) بفتح الميم، وقرأ الباقون (مُدَّخَلًا) بضم الميم وتشديد الدال. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مَدْخَلًا) فهو موضع الدخول. ومَنْ قرأ (مُدَّخَلًا) فإنه كان في الأصل (مُدْتخَلًا) فأدغمت التاء في الدال، وجُعِلتا دالاً مشددة، وهو (مُفتَعَلا) من الدخول. يقال: ادَّخَلَ يدَّخِل ادِّخالا ومُدَّخَلًا، وهذا مُدَّخل القوم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ... (58) . قرأ يعقوب (يَلْمِزُكَ) ، و (الذين يَلمُزون) و (لا تَلمُزوا) كله بضم الميم. وقرأ الآخرون "بكسر الميم في كل - هذا، إلا ما رَوَى محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير (يَلمُزمكَ) ، و (يَلمُزون) بضم الميم، وأما قوله (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) فلم يُختلف فيه عنه أنه بالكسر.

: (والمؤلفة قلوبهم ... (60) .

قال أبو منصور: هما لغتان: لمَزَهُ يَلمزُه ويَلمُزه، إذا عَابهُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ... (60) . روى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (وَالْمُوَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) بغير همز، وتبين الواو، وكذلك (مَوطِيا) ، و (مُوَجَّلا) و (مِاية) و (مِايَتَين) و (فِيَة) و (فيتَين) و (ليِن أتَيتنا) ، و (ليِن أخرْتنِ) و (ليِنْ سألتَهم) ، (لِيُواطِيُوا) ، (ليُبطيَن) غير مهموز في كل القرآن، ولا يهمز (اطمَانَئتُم) و (يطمَيِن قَلبِي) و (تَطمَيِن قُلوبُنا) و (كَدَابِ آلِ فِرْعَوْنَ)

(قل أذن خير لكم ... (61)

و (يَابى) و (يَاتي) و (ياكلونَ) و (ياخُذُونَ) و (يامرُونَ) و (يُوَخركُم) ونظائر هذه الحروف كلها. قال أبو منصور: هذه الحروف كلها عند أكثر العرب مهموزة، ومنهم من يخفف همزها، والهمز أفصح اللغتين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ... (61) قرأ عاصم في رواية الأعشى عن أبي بكر عنه (قُلْ أُذُنٌ خَيْرٌ لَكُمْ) منونة رفعًا، وقرأ الباقون بالإضافة. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قُلْ أُذُنٌ خَيْرٌ لَكُمْ) فمعناه: قل يا محمد: هو يستمع منكم، ويكون قريبًا منكم، قابلاً بعذركم (خَيْرٌ لَكُمْ) . وذلك أن المنافقين قالوا: إن محمد أذُن، ومتى بلغه عنَّا أمرٌ حلفنا له

(ورحمة للذين آمنوا منكم ... (61) .

يقبله منَّا؛ لأنه أذُن، أي: يسمع ما يقال فيصدق به. فكان الجواب لهم على ما قالوا: قل يا محمد: إن كان أذُنًا كما تقولون فهو خيرٌ لكم، ولكنه يصدق المؤمنين. ويكذبكم. وَمَنْ قَرَأَ (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) فهو نَفي لما قالوا، والمعنى: أنه مستمع خَيْر لكم، وهو يصدِّق الله جلَّ وعزَّ، ويصدِّق المؤمنين فيما يخبرونه به، ولا يصدق الكافرين، ولا يستمع إلى كذب المنافقين استماع المصدِّق لهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ... (61) . قرأ حمزة وحده (وَرَحْمَةٍ) خفضًا، وكذلك روى أبو عمارة عن يعقوب عن نافع (وَرَحْمَةٍ) خفضًا، مثل حمزة، وقرأ الباقون (وَرَحْمَةٌ) رفعًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَرَحْمَةٍ) عطفه علي أذُنُ خير وأذُنُ رحمة للمؤمنين. وَمَنْ قَرَأَ (وَرَحْمَةٌ) رفعًا فالمعنى: وهو رحمة للذين آمنوا؛ لأنه كان سبب إيمان المؤمنين.

(إن يعف عن طائفة منكم تعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين (66)

وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنْ يُعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ تُعَذَّبْ طَائِفَةٌ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) قرأ عاصم وحده (إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ. . . نُعَذِّبْ طَائِفَةً) بالنون فيهما، ونصب (طَائِفَةً) . وقرأ الباقون بالياء الأولى (إِنْ يُعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ تُعَذَّبْ طَائِفَةٌ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالنون فالله يقول: إن نعف نحن عن طائفة نُعذب طائفة. وَمَنْ قَرَأَ (إِنْ يُعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ) فهو على ما لم يسم فاعله، و (إِنْ) شرط، وجوابه (تُعَذَّبْ طَائِفَةٌ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ... (63) . اجتمع القراء على فتح الألف من قوله (فَأَنَّ لَهُ) عطفًا على قوله (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ) ، ولو قرأ قاريء بالكسر (فَإِنَّ لَهُ) ، فهو في العربية جائز على الاستئناف بعد الفاء، كما يقول: له نار جهنم، ودخلت (إنَّ) مؤكدة، كقوله في سورة الجن: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ) .

(وجاء المعذرون من الأعراب ... (90) .

بالكسر، لم يختلف القراء فيه. وقد قرأ بعض في سورة براءة (فَإِنَّ لَهُ) بالكسر، غير أن قُراء الأمصار لما اجتمعوا على الفتح كان المختار. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ ... (90) . قرأ يعقوب وحده (وَجَاءَ الْمُعْذِرُونَ) ساكنة العين خفيفة. وقرأ الباقون (وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ) بتشديد الذال. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (الْمُعْذِرُونَ) بالتخفيف فهم الذين أعذَروا، أي: جاءوا بعذر، يقال: أعذَرَ الرجلُ، إذا جاء بعُذر ولم يُقَصر. وَمَنْ قَرَأَ (الْمُعَذِّرُونَ) بتشديد الذال فله وجهان: أحدهما: المتعذرون، أدغمت التاء في الذال، كأنهم يَعتَذرون، كأنَّ لهم عذر ولم يكن. وشبيهٌ أن يكون المعنى أن يكون لهم عذر، كما قال لبيد: إِلى الحولِ ثم اسمُ السلامِ عليكما ... ومَنْ يَبْكِ حَوْلاً كامِلاً فقد اعْتَذَرْ المعنى فقد أُعذر، أي: جاء بعذر. وجائز أن يكون (الْمُعَذِّرُونَ) الذين تَوَهَّمُوا أن لهم عُذرًا ولا عُذر لهم. والعرب تقول للمقَصِّر: مُعَذِّر. والله أعلم بما أراد.

(عليهم دائرة السوء والله سميع عليم (98) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو (دَائِرَةُ السُّوْءِ) بضم السين والمد، وكذلك في سورة الفتح. وقرأ الباقون بفتح السين في السورتين. قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (دَائِرَةُ السَّوْءِ) بفتح السين فإنه أراد المصدر، من سُؤتُه سَوءًا ومَسَاءة. ومن رفع السين جعله اسمًا كقولهم: عليهم دائرة البلاء والعذاب. قال: ولا يجوز ضم السين في قوله: (مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) ، ولا في قوله: (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) ؛ لأنه ضدٌّ لقولك: هذا رجلٌ صدقٌ، وثوبُ صدقٍ. فليس للسوءِ ها هنا معنى في البلاء ولا عذاب فيُضَمَ. والقراء كلهم قرأوا (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) بفتح السين، وكذلك (مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ ... (99) . روى إسماعيل ويعقوب ابنا جعفر وورش والأصمعي عن نافع (قُرُبَةٌ) مُثقلةً. وروى قالون والمسيبي وأبو بكر بن أبي أويس (قُرْبَةٌ) ساكنة الراء مثل سائر القراء، واتفقوا على تثقيل (قُرُبَاتٍ) .

: (معي أبدا ... (83) ،. . معي عدوا ... (83) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قُربة) فهو على بناء (فُعلة) ، وجمعها: قُرُبات وقُرَبات. وَمَنْ قَرَأَ (قُرُبَةٌ) مثقلة فهو على مثل الجُمُعة والجُمْعَة، والتخفيف أجود الوجهين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَعِيَ أَبَدًا ... (83) ،. . مَعِيَ عَدُوًّا ... (83) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (مَعِيَ أَبَدًا) محركة الياء. وقرأ حفص عن عاصم (مَعِيَ أَبَدًا) و (مَعِيَ عَدُوًّا) متحركتين، وأرسلهما الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ... (100) . قرأ يعقوب وحده (مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارُ) بالرفع، وقرأ الباقون بالخفض. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَالْأَنْصَارُ) عطفه على قوله: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) . وَمَنْ قَرَأَ بالخفض عطفه على (الْمُهَاجِرِينَ) . وهو أجود الوجهين، والأولى صحيحة في العربية، والله أعلم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ ... (100) .

(إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم (103)

قرأ ابن كثير وحده (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) بزيادة (مِن) ، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة خاصة. وقرأ الباقون (تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ) بغير (مِن) . قال أبو منصور: (مِن) تزاد في الكلام توكيدًا، وتُخذَفُ اختصارًا، والمعنى واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) قرأ حمزة والكسائي (إِنَّ صَلَاتَكَ) ، وفي هود (أصلاتُكَ) ، وفي المؤمنين (على صَلاتِهم) على التوحيد. وقرأ حفص (إِنَّ صَلَاتَكَ) و (أصَلاتُكَ) على التوحيد، و (على صَلواتِهِم) جماعة. وقرأ الباقون كلهن على الجمع. قال الأزهري: الصلاة في قولك (إن صلاتَك) دعاء، أما قوله (أصلاتُك تأمركَ) فمعناها: أعبادتك، وكله جائز، صلاتك وصلواتك. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ. . . (106) و (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) .

(والذين اتخذوا مسجدا ضرارا ... (107)

قرأ نافع وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي (مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ) و (تُرْجِي) بغير همز، وقرأ الباقون بالهمز في الموضعين. قال أبو منصور: هما لغتان: أرجأت الأمر، وأرجيته، إذا أخرته، ورجل مُرجئ ومُرجٍ، وهم المرجئة والمرجية، فإذا نسبت إليهم قلت: رَجلٌ مُرجَاءٍ. بفتح الجيم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ... (107) قرأ نافع وابن عامر (الَّذِينَ اتَّخَذُوا) بغير واوه وكذلك هي في ْمصاحف أهل المدينة، وأهل الشام. وقرأ الباقون (وَالَّذِينَ) بواو. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالواو عطفَ جملة على جملة، وَمَنْ قَرَأَ بغير الواو فهو تابع لما قبله، نعتٌ له. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ ... (109) .

(على شفا جرف هار ... (109) .

قرأ نافع وابن عامر (أَفَمَنْ أُسَّسَ بُنْيَانُهُ. . . خَيْرٌ أَمْ مَنْ أُسَّسَ بُنْيَانُهُ) بضم الألف في الحرفين، ورفع البنيان. وقَرأ الباقون بفتح الألف فيهما، ونصب البنيان. قال أبو منصور: المعنى واحد في القراءتين، إلا أن الضم يَدل على أنه لم يُسَم فاعله، والنصب يدل على الفاعل والمفعول، وكل ذلك جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ... (109) . قرأ ابن عامر وحمزة ويحيى عن أبي بكر عن عاصم (عَلَى شَفَا جُرْفٍ) بسكون الراء، وقرأ حفص والأعشى عن أبي بكر عن عاصم (جُرُفٍ) مثقل، وكذلك قرأ الباقون (جُرُفٍ) بضمتين. قال أبو منصور: هما لغتان: جُرُفٍ وجُرْفٍ. والعرب تقول للرجل لا حَزْمَ له ولا عَقل: فُلانٌ جُرفَ مُنْهارَ. ومن أمثالهم أيضًا: لا أحْفُر لك"جُرفًا، معناه: لا أغُشُّك. والجُرفُ في كلام العرب: أن

: (هار فانهار به ... (109) .

يَجنِح مَاءُ السيل عُدْوَة الوادي فيأكل أصلها، فإذا وَطِئت دابة أو إنسان الموضع الذي أكل السيل ما تحته انقطع فانهار به. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ ... (109) . قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم وحمزة ويعقوب (هَارٍ) مُفَخمًا، وقرأ نافع وابن عامر ويحيى عن أبي بكر عن عاصم والكسائي مُمَالاً. قال الأزهري: هما لغتان، والتفخيم أفصح اللغتين، وفيه لغتان أخريان لم يُقرأ بهما، يقال: جُرف "هَائِر، وهَارٌ. كما يقال: كبش صائِفٌ، وصَافٌ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ... (110) . قرأ ابن عامر وحمزة وحفص ويعقوب (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ) بفتح التاء، وقرأ الباقون (إِلَّا أَنْ تُقَطَّعَ) بضم التاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ) فالأصل: إلا أن تتَقطع، بالتاءين، فحذفت التاء الأولى استثقالاً للجمع بينهما.

(من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ... (117)

وَمَنْ قَرَأَ (إِلَّا أَنْ تُقَطَّعَ) فهو من: قُطِّعَت تُقَطَّع، والمعنى فيهما: إلا أن يموتوا. وتَقَطع فعل لازم، وتُقَطَّعُ متعدٍّ، يقال: قطَّعته فَتقطَّع. * * * وقوله جلْ وعزَّ: (مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ... (117) قرأ حفص عن عاصم وحمزة (كَادَ يَزِيغُ) بالياء، وقرأ الباقون (تَزِيغُ) بالتاء. قال أبو منصور: قد مَرَّ الجواب في مثل هذا في غير موضع. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ ... (126) . قرأ حمزة ويعقوب (أَوَلَا تَرَوْنَ) بالتاء، وقرأ الباقون (أَوَلَا يَرَوْنَ) بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فالخطاب للنبي صلى الله عليه وأصحابه، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فالفعل للمنافقين الذين جرى ذكرهم، والمعنيان متقارلان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ (127)

و (بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) و (مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) و (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ) و (بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) و (تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ) ونظائر هذه الحروف، كقوله: (لاَ أعْبُدُ) و (ما أعْبُدُ) و (مَا أرَى) و (لاَ أقُولُ لكُم) . فابن كثير ويعقوب لايَمُدان منها شيئًا، بل يَقصُرانها في جميع القرآن، وكان نافع وأبو عمرو أيضًا لايَمُدان حَرفًا لِحَرفٍ إلا أنهما يقرآنِها مشبعةً قليلاً لتظهر الهمزة التي تلي الحرف الذي لو سُكِتَ عليه كان قَصرًا، مثل: (هَؤلاَ) و (يا بني إسرايل) ونحوهن، فإذا وصلا هذه الحروف بما بعدها مَكَناها فقرآ (بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ) و (لاَ أقُولُ) ، و (لا أعبد) ، و (ولا أنتم عابدون) ، و (يا بني إسرائيل) ، و (إني أراكُم) ، و (اتبِعُوني أهدِكُم) ، وما كان من نحوهن قراءة متمكنة غير ممدودة. .

وأما ابن عامر والكسائي فَمَذْهبهما في هذه الحروف التوسط والتمكين، قريبان من مذهب أبي عمرو. وكان عاصم وحمزة يَمُدان حَرفًا لحرف مَدٍّ تامًا حَسَنًا غير خارج من حقه إلى الإفراط، وكل مَنْ قَرَأَ لحمزة فأفرط في المد حتى يزول بإفراطه من وجه الصواب فقد خرج من قراءة حمزة، وخالف مذهبه ومنهاجه، فافهمه. وقرأ يحيى عن أبي بكر عن عاصم في مَدِّ حرف لحرف ما يشبه قراءة الذين مكنوا الحروف ولم يَمُدْوا المدَّ التام. قال أبو منصور: الاختيار في هذه الحروف مذهب نافع وأبي عمرو من التمكن دون المد، وَمَنْ قَرَأَ بحرف ابن كثير فهو مصيب، وأما من قرأ بحرف حمزة فأفرط في المدِّ فليس من كلام العرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ... (123) روى المفضل عن عاصم (غَلْظَةً) بفتح الغين، وقرأ الباقون (غِلْظَةً) بكسر الغين. قال أبو منصور: هما لغتان: (غِلْظَةً) ، و (غَلْظَةً) . وأجودهما الكسر. وفيه لغة ثالثة لم يُقرَأ بها (غُلْظَةً) بالضم. فلا تقرأ بها. * * * انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني ويبدأ بسورة يونس.

سورة يونس

سورة يُونُسَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (الر) قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم (الرَ) مفتوحة، وقرأ نافع بين الفتح والكسر. وقال المسيبي عنه بالفتح، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي (الرَ) مكسورة على الهجاء، وكذلك روى خلف عن يَحيَى عن أبي بكر عن عاصم بالكسر. واتفقوا على قصر الراء فُتِحَتْ أو كُسِرَت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُفَصِّلُ الْآيَاتِ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب (يُفَصِّلُ الْآيَاتِ) بالياء، وقرأ الباقون (نُفَصِّلُ الْآيَاتِ) بالنون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُفَصِّلُ الْآيَاتِ) بالياء فهو إخبار عن فعل اللَّهِ، وَمَنْ قَرَأَ بالنون فهو فعله تبارك وتعالى. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَقُضيَ إلَيْهِمْ أَجَلُهُم)

(ولا أدراكم به)

قرأ ابن عامر والحضرمي (لَقَضَى) بفتح القاف، و (أجَلَهم) نصبًا، وقرأ الباقون (لَقُضيَ) بضم القاف، (أجَلُهم) رفعًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَقَضى) فمعناه: لَقَضَى اللَّه أجَلَهم، أي: أمضاه. وَمَنْ قَرَأَ (لَقُضيَ) فهو على ما لم يسم فاعله، ولذلك رفع (أجَلُهم) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ) قرأ نافع وحفص والحضرمي (أدْرَاكُمْ بِهِ) ، و (أدراك) بالفتح في كل القرآن، وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم بين الفتح والكسر، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (أدْرِيكُمْ بِهِ " كسرًا حيث وقع، وقرأ ابن كثير فيما أقرأني (ولأدْرَاكُمْ به) كلمة واحدة بمعنى: ولأعلَمَكُمْ. قال أبو منصور؛ أما اللغات التي رُوِيت في قوله (ولا أدْرَاكُمْ) من الإمالة والتفخيم فهي كلها معروفة، بأيّها قرأت فأنت مُصِيب. وأمَّا ما رَوي

(ما يكون لي أن أبدله من) .

لابن كثير (ولأدْرَاكُمْ به) فاللام لام التأكيد، وليست القراءة بها فاشية، والقراءة ما عليه القراء، و (لا) حرف نفى، و (أدراكم) كلمة أخرى. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ) . فتح الياء من (لِيَ) ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (عَمَّا يُشْرِكُونَ) ها هنا، وفي النحل في موضعين، وفي النمل، وفى الروم. قرأهُنَّ أبو عمرو وعاصم ويعقوب بالياء كلهن، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر (خَيْرٌ أَمَّا تُشْرِكُونَ) بالتاء، والباقى بالياء. وقرأهن حمزة والكسائي خمستهن بالتاء، واتفقوا فيما سوى هذه الخمسة الأحرف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فهو مخاطبة، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو خَبَر. * * * وقوله جلَّ وعزََّ: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) . قرأ ابن عامر وحده (يَنْشُرُكُمْ) بالشين، من النَّشْر، وقرأ الباقون (يُسَيِّرُكُمْ) بالسين من التسيير.

(متاع الحياة الدنيا (23)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَنشُرُكم) فمعناه: يَبثكم، وَمَنْ قَرَأَ (يُسَيِّرُكُمْ) فهو (تفعيل) من سارَ، وسيَّره غيرُه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (23) قرأ حفص عن عاصم (مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) نصبًا وكذلك روى هارون عن ابن كثيرٍ، وقرأ الباقون بالرفع. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فعلى المصدر، المعنى: تُمَتعون (مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) . ومن: قرأ (مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) بالرفع فمن جهتين: إحداهما: أن يكون (مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) خبرًا لقوله (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعُ) ويجوز أن يكون: خبر الابتداء قوله (عَلَى أَنْفُسِكُمْ) : ويكون (مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) على إضمار (هو) ، والمعنى: إن مَا تنالونه بهذا الفساد والبغى، إنما تتمتعون به في الدنيا ثم إلينا مرجعكم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ (27)

(هنالك تبلو كل نفس (30)

قرأ ابن كثير والكسائي والحضرمي (قِطْعًا) ساكنة الطاء، وقرأ الباقون (قِطَعًا) مثقلاً. قال أبو منصور - من مقرأ (قِطْعًا مِنَ اللَّيْلِ) أراد: طائفة من الليل. وَمَنْ قَرَأَ (قِطَعًا) فهو جمع قطعة - فمن قرأ (قِطَعًا) جعل (مُظْلِمًا) نعت القطع، وَمَنْ قَرَأَ (قِطْعًا) جعل (مُظْلِمًا) حالاً من الليل، المعنى: أغْشيت وجوههم (قِطْعًا) من الليل في حاله إظلامه. * * * وقوله عزَّ وجلَّ: (هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ (30) قرأ حمزة والكسائي (تَتْلُواْ) بالتاء، وقرأ الباقون (تَبْلُوْا) بالباء.

(أمن لا يهدي إلا أن يهدى (35)

قال أبو منصور: أما قوله (هنالك) فهو ظرف، والمعنى في ذلك الوقت، وهو منصرف ب (تَبْلُوا) ، إلا أنه غير متمكن، واللام زائدة، والأصل: (هناك) فكسرت اللام لسكونها وسكون الألف، والكاف للمخاطبة. فمن قرأ (تَبْلُوا) فمعناه: تَخْبُرُ، أي: تَعْلَم كل نفس ما قدَّمت. وَمَنْ قَرَأَ (تَتْلُواْ) بتاءين فهو من التلاوة، أي: تقرأ كل نفس، ودليل ذلك قوله: (اقرأ كتابك) . وقال بعض المفسرين في قوله: (تَتْلُو) : تَتَبع كل نفس ما أسلفت، أى: قدمت من خير أو شر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى (35) قرأ ابن كثير وابن عامر (أَمَّنْ لَا يَهَدِّي) بفتح الياء والهاء وتشديد الدال - وكان أبو عمرو يُشِم الهاء الفتحة. وقرأ نافع (يَهْدِّى -) بفتح الياء وسكون الهاء، وتشديد الدال، وقرأ أبو بكر عن عاصم في رواية يَحيَى " يِهِدِّي) بكسر الياء والهاء وتشديد الدال. وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (يَهِدِّي) بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال. وكذلك قرأ الحضرمي. وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وتخفيف الدال. قال أبو منصور: أما مَنْ قَرَأَ (أَمَّنْ يَهْدِّى) بفتح الياء وسكون الهاء وتشديد الدال فإن القراءة وإن رويت فاللفظ بها ممتنع عند النحويين غير سائغة؛ لاجتماع

الساكنين، والعرب لا تكاد تجمع بينهما، وقد حكى سيبويه أنها لغة، وأن مثلها قد يُتكلم به. وَمَنْ قَرَأَ (أَمَّنْ لَا يَهَدِّي) بفتح الياء والهاء وتشديد الدال فهو جيد، والأصل فيها (يهتدي) ، فأدغمت التاء في الدال، فطرحت فتحتها على الهاء. والذين جمعوا بين ساكنين الأصل عندهم أيضًا (يَهْتدي) ، فأدغمت التاء في الدال، وتركت الهاء ساكنة كما كانت في الأصل، فاجتمع ساكنان. وَمَنْ قَرَأَ (أَمَّنْ لَا يَهِدِّي) بكسر الهاء فهذه القراءة في الجودة كفتح الهاء، وإنما كُسِر الهاء [ ... ] (1) لالتقاء الساكنين.

_ (1) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوطة. إلى قوله تعالى في سورة يوسف - عليه السلام - (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) . ومن الممكن الرجوع إلى كتب تغطي هذا الجانب مثل معاني القرآن وإعرابه للزجاج، والحجة لأبي علي الفارسي، وحجة القراءات لابْنِ زَنْجَلَةَ، والحجة في القراءات السبع لابن خالويه، والدر المصون للسَّمين الحلبي. وتميمًا للفائدة فقد جَبَرْتُ هذا النقص بإكماله من كتاب حجة القراءات للإمام ابْنِ زَنْجَلَةَ - رحمه الله - فهو أنسبها لموضوع الكتاب من عدَّة وجوه من أهمها أنه يعزو القراءات إلى أصحابها ويذكر حجتها مع (الإيجاز) ومن ثَمَّ يتم المحافظة على موافقة ترقيم الكتاب للنسخة المطبوعة. اهـ (مصحح النسخة الإلكترونية) .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ (1) قَالَ ابْنُ زَنْجَلَةَ: أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى 35 قرأ نافع أمن لا يهدي بإسكان الهاء وتشديد الدال الأصل يهتدي فأدغمت التاء في الدال وتركت الهاء ساكنة كما كانت وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وورش أمن لا يهدي بفتح التاء والهاء وتشديد الدال والأصل يهتدي فأدغموا التاء في الدال وطرحوا فتحتها على الهاء واحتجوا بقراءة عبد الله أمن لا يهتدي وكان ابن عباس يقول إن محمد صلى الله عليه دعا قومه إلى دين الله وأرشدهم إلى طاعته فعصوه وهو أحق أن يتبع أم من لا يهتدي إلا أن يهدى أي يرشده غيره قرأ حمزة والكسائي أمن لا يهدي ساكنة الهاء خفيفة الدال وحجتهما في ذلك أن يهدي في معنى يهتدي تقول هديت غيري وهديت أنا على معنى اهتديت قال الفراء العرب تقول هدى واهتدى بمعنى واحد وهما جميعا في أهل الحجاز وسمع أعرابي فصيح يقول إن السهم لا يهدي إلا بثلاث قذذ أي لا يهتدي قرأ عاصم في رواية أبي بكر أمن لا يهدي بكسر الياء والهاء أراد يهتدي فأدغم التاء في الدال فالتقى ساكنان فكسر الهاء لالتقاء الساكنين وكسر الياء لمجاورة الهاء وأتبع الكسرة الكسرة وقرأ حفص أمن لا يهدي يفتح الياء وكسر الهاء في الجودة كفتح الهاء في الجودة والهاء مكسورة لالتقاء الساكنين ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار 45 قرأ حفص ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا بالياء إخبار عن الله وقرأ الباقون بالنون الله يخبر عن نفسه آلآن وقد كنتم به تستعجلون 51 قرأ نافع آلان بفتح اللام وإسقاط الهمزة نقل فتح الهمزة إلى اللام كما قرأ ورش الأرض ألاخرة وقرأ إسماعيل عن نافع آلان بإسكان اللام وبه قرأ الباقون على أصل الكلمة فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون 58 قرأ يعقوب في رواية رويس فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون بالتاء فيهما اعلم أن كل أمر للغائب والحاضر لابد من لام تجزم الفعل كقولك ليقم زيد لينفق ذو سعة وكذلك إذا قلت قم واذهب فالأصل لتقم ولتذهب بإجماع النحويين فتبين أن المواجهة كثر استعمالهم لها فحذفت اللام اختصارا وإيجازا واستغنوا ب افرحوا عن لتفرحوا وب قم عن لتقم فمن قرأ بالتاء فإنما قرأ على الأصل وجته أنها عن النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بن كعب قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقرأ عليك قال قلت وقد سماني ربك قال نعم قال فقرأ علي يعني النبي صلى الله عليه قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون بالتاء وقد روي عن النبي صلى الله عليه أنه قال لتأخذوا مصافكم أي خذوا مصافكم فهذا أمر المواجهة وقرأ ابن عامر خير مما تجمعون بالتاء أي تجمعون أنتم من أعراض الدنيا وقرأ الباقون فليفرحوا ويجمعون بالياء فيهما على أمر الغائب أي ليفرح المؤمنون بفضل الله أي الإسلام وبرحمته أي القرآن خير مما يجمعه الكافرون في الدنيا وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين 61 قرأ الكسائي وما يعزب بكسر الزاي وقرأ الباقون بالرفع وهما لغتان تقول عزب يعزب ويعزب مثل عكف يعكف ويعكف قرأ حمزة ولا أصغر من ذلك ولا أكبر بالرفع فيهما رد على قوله من مثقال ذرة لأن موضع مثقال رفع قبل دخول من لأنها زائدة التقدير ما يعزب عن ربك مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين قال الزجاج ويجوز رفعه من جهة أخرى على الابتداء ويكون المعنى ولا ما هو أصغر من ذلك ولا ما هو أكبر إلا في كتاب مبين وقرأ الباقون ولاأصغر ولا أكبر بالفتح على معنى ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة ولا مثقال أصغر من ذلك ولا أكبر والموضوع موضع خفض إلا أنه فتح لأنه لا ينصرف وقال فرعون ائتنوني بكل سحر عليم 79 قرأ حمزة والكسائي بكل سحار عليم وقرأ الباقون ساحر الألف قبل الحاء وقد ذكرنا الحجة في سورة الأعراف قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله 81 قرأ أبو عمرو ما جئتم به آلسحر بالمد جعل ما بمعنى أي والتقدير أي شيء جئتم آلسحر هو استفهام على جهة التوبيخ لأنهم قد علموا أنه سحر فقد دخل استفهام على استفهام فلهذا يقف على قوله ما جئتم به ثم يبتدئ آلسحر بالرفع وخبره محذوف المعنى الحسر هو وقرأ الباقون ما جئتم به السحر وما على هذه القراءة في معنى الذي جئتم به السحر والذي ابتداء والسحر خبر الابتداء كما تقول الذي مررت به زيد ربنا ليضلوا عن سبيلك 88 قرأ أهل الكوفة ليضلوا بضم الياء أي ليضلوا غيرهم وحجتهم في ذلك أن ما تقدم من وصف فرعون بما وصف أنه بذلك ضال غير مهتد فكان وصفه بعد ذلك بأنه مع ذلك مضل لغيره ويزيد الكلام فائدة ومعرفة ما لم يكن مذكورا فيما تقدم من وصفه وقرأ الباقون ليضلوا بفتح الياء أي ليضلوا هم وحجتهم قوله إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وقد ضلوا قال قد أجيبت دعوتكم فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون 89 قرأ ابن عامر ولا تتبعان بتخفيف النون المعنى فاستقيما وأنتما لا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون وهو الذي يسميه بعض أهل العربية الحال والمعنى فاستقيما غير متبعين سبيل الذين لا يعلمون وقرأ الباقون بالتشديد ولا تتبعان بالتشديد موضع تتبعان جزم إلا أن النون الشديدة دخلت للنهي مؤكدة وكسرت لسكونها وسكون النون التي قبلها واختير له الكسر لأنها بعد الألف وهي تشبه نون الاثنين قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل 90 قرأ حمزة والكسائي قال آمنت إنه بكسر الألف وحجتهما أن كلام متناه عند قوله آمنت وأن الإيمان وقع على كلام محذوف نظير قوله ربنا إننا آمنا فاكتبنا ولم يذكر ما وقع الإيمان عليه وتقديره آمنت بما كنت به قبل اليوم مكذبا ثم استأنف إنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وقرأ الباقون آمنت أنه بالفتح على تقدير آمنت بأنه فلما سقط الخافص عمل الفعل فنصب ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين 103 قرأ الكسائي وحفص كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين خفيفة وقرأ الباقون بالتشديد وهما لغتان تقول أنجى ينجي ونجى ينجي مثل كرم وأكرم وعظم وأعظم وحجة من شدد هي أن أكثرهم أجمعوا على تشديد قوله ثم ننجي رسلنا فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه وحجة من خفف قوله ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين وقول فمهل الكافرين ثم قال أمهلهم رويدا فجمع بينهما لمعنى واحد 11 - سورة هود ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله 25 و26 قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي أني لكم نذير بفتح الألف المعنى ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه بالإنذار أن لا تعبدوا إلا الله أي أرسلنا بهذا الأمر وقرأ الباقون بالكسر المعنى قال لهم إني لكم نذير وحجتهم قوله قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله لما أظهر القول ها هنا كان إضماره هناك أولى لأن القصة واحدة ومانراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي 27 قرأ أبو عمرو بادئ الرأي بالهمز أي ابتداء الرأي أي اتبعوك ابتداء الرأي ولم يتدبروا ما قلت ولم يفكروا فيه ولو تفكروا وتدبروا لم يتبعوك وقرأ الباقون بادي بغير همز من بدا يبدو إذا ظهر ويكون التفسير على نوعين في هذه القراءة أحدهما أن يكون اتبعوك في الظاهر وباطنهم على خلاف ذلك أي أنهم أظهروا الإسلام وابطنوا الكفر ويجوز أن يكون اتبعوك في ظاهر الراي ولم يتدبروا ما قلت ولم يفكروا فيه قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم 28 قرأ حمزة والكسائي وحفص فعميت عليكم بضم العين وتشديد الميم أي أخفيت كما يقال عميت عليه الأمر حتى لا يبصره وحجتهم في حرف عبد الله فعماها عليكم وقيل إن في مصحف أبي فعماها عليكم فبان بما في حرف مصحف أبي أن الفعل مسند إلى الله وأنه هو الذي عماها فردت في قراءتنا إلى ما لم يسم فاعله والمعنى واحد والعرب تقول عمي على الخبر وهي مع ذلك ليس الفعل لها في الحقيقة وإنا استجازوها على مجاز كلام العرب فإذا ضممت العين كانت مفعولا بها غير مسمى فاعلها فاستوى حينئذ الكلام فلم يحتج إلى مجاز كلام العرب وترك المجاز إذا أمكن تركه أحسن وأولى وأخرى وهي أن ذلك أتى عقيب قوله وآتاني رحمة من عنده وذلك خبر من نوح أن الله تعالى خصه بالرحمة التي آتاها إياه فكذلك قوله فعميت خبر عن الله أنه هو الذي خذل من كفر به قرأ أهل الحجاز والشام والبصرة وأبو بكر فعميت بفتح العين وتخفيف الميم أي فعميت البينة عليكم وحجتهم أن التي في القصص لم يختلف فيها مفتوحة العين قال الله تعالى فعميت عليهم الأنباء فهذه مثلها فكما يقال خفي علينا الخبر يقال عمي علي الأمر وهذا مما حولت العرب الفعل إليه وهو لغيره كقولهم دخل الخاتم في إصبعي والخف في رجلي ولا شك أن الرجل هي التي تدخل في الخف والإصبع في الخاتم قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين 40 قرأ حفص عن عاصم من كل زوجين منونا أراد من كل شيء فحذف كما حذف من قوله ولكل وجهة أي ولكل صاحب ملة قبلة هو موليها لأن كلا وبعضا يقتضيان مضافا إليهما قوله زوجين على هذه القراءة مفعول به واثنين وصف له وتقدير الكلام قلنا احمل فيها زوجين اثنين من كل شيء أي من كل جنس ومن كل الحيوان وقرأ الباقون من كل زوجين مضافا واثنين نصب على أنه مفعول به المعنى فاحمل اثنين من كل زوج بسم الله مجرها ومرسها 41 قرأ حمزة والكسائي وحفص باسم الله مجرها بفتح الميم وكسر الراء من جرت السفينة جريا ومجرى وقالوا إن معنى ذلك بسم الله حين تجري وحجتهم قوله بعدها وهي تجري بهم في موج كالجبال 42 ولم يقل وهي تجري فهذا أول دليل على صحة معنى مجراها بفتح الميم وإسناد إلى السفينة في اللفظ والمعنى وقرأ الباقون مجراها ومرساها بضم الميمين أي بالله إجراؤها وبالله إرساؤها يقال أجريته مجرى وإجراء في معنى واحد وهما مصدران وحجتهم إجماع الجميع على ضم الميم في مرساها فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه يا بني اركب معنا 42 قرأ عاصم يا بني اركب بفتح الياء وقرأ الباقون بالكسر قال الزجاج كسرها من وجهين أحدهما أن الأصل يا بنيي والياء تحذف في النداء أعني ياء الإضافة وتبقى الكسرة تدل عليها ويجوز أن تحذف الياء لسكونها وسكون الراء من قوله اركب وتقر في الكتاب على ما هي في اللفظ والفتح من جهتين الأصل يا بنيا بالألف فتبدل الألف من ياء الإضافة العرب تقول يا غلاما أقبل ثم تحذف الألف لسكونها وسكون الراء وتقر في الكتاب على ما هي في اللفظ ويجوز أن أن تحذف الألف للنداء كا تحذف ياء الإضافة وإنما حذفت ياء الإضافة وألف الإضافة في النداء كما تحذف التنوين لأن ياء الإضافة زيادة في الاسم كما أن التنوين زيادة إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم 46 قرأ الكسائي إنه عمل غير صالح بنصب اللام والراء وحجته حديث أم سلمة قالت قلت يا رسول الله كيف أقرأ عمل غير صالح أو عمل غير صالح فقال عمل غير صالح بالنصب فالهاء في هذه القراءة عائدة على ابن نوح لأنه جرى ذكره قبل ذلك فكني عنه وكان بعض أهل البصرة ينكر هذه القراءة فاحتج لذلك بأن العرب لا تقول عمل غير حسن حتى تقول عمل عملا غير حسن وقد ذهب عنه وجه الصواب فيما حكاه لأن القرآن نزل بخلاف قوله قال الله تعالى ومن تاب وعمل صالحا معناه ومن تاب وعمل عملا صالحا وقال واعملوا صالحا ولم يقل عملا وقال في موضع آخر إلا

سورة يوسف

سورة يُوسُفَ للميرة، وبِيع منا، وإلا فقد مُنِعنا الكيل، ونرجع بلا طعام. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ (62) قرأ حفص عن عاصم وحمزة والكسائي بألف ونون (لِفِتْيَانِهِ) . وقرأ الباقون (لِفِتيَتهِ) بالتاء. قال أبو منصور: الفِتْيَان والفِتْيَة جمع الفتى، أراد: مَمَالِيكَهُ وخَدَمَه، كما يقال - صِبيَان وصِبْية، وإخْوَان وإخوَة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ (53) فتح الياء نافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون. * * * قوله: (أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ (59) حَرَّك الياء نافع وحده، وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (خَيْرٌ حافِظًا. . (64) قرأ حفص وحمزة والكسائي (خَيْرٌ حافِظًا) ، وقرأ الباقون (حِفْظًا)

(فلما استيئسوا منه (80)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (حِفْظًا) و (حَافِظا) فانتصابه على التمييز، و (حِفْظًا) مصدر، والحافظ على فاعل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) أراد بكيل بعير: كيله يُحمل على بعير، أضاف (كَيْلَ) إلى (بَعِيرٍ) وقوله: (ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) ، أي: يسهل على الذي يُمْضَي إليه، وإنما قال: (كَيْلَ بَعِيرٍ) لأنه كان لكل رجل منهم وِقْرُ بَعِيرٍ - ولاَ اختلاف بين القراء في إضافة الأول وتنوين الثاني. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَأْذَنَ لِي أَبِي) فتح الياءين نافع وأبو عمرو، وفتح ابن كثير ياء (أبيَ) ، وأرسل ياء (لِي) ، وسائر القراء أرسلوا الياءين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَمَّا اسْتَيْئَسُواْ مِنْهُ (80) قرأ ابن كثير فيما قرئ على أبي بكر" فلما اسْتَايَسُوا " " ولا تايسُوا مِن رَوْحِ اللْه " و (حتى إذا استَايَسَ الرُسُل) بغير همز - وكذلك روى عُبيد ومحمد بن صالح عن شبل إنه غير مهموز.

(وحزني إلى الله (86)

وقرأ الباقون (فلما استيْأسوا) بالهمز، وكذلك (ولا تَيْأسُوا) و (حتى إذَا اسْتَيْأسَ الرُّسُلُ) . قال أبو منصور: القراءة المختارة (استيأسوا) و (استيأس) و (لا تيأسوا) ، وهو من يئس يَيْأسُ يَأسًا، وهو يائِس، ويئسٌ لغة، ولم يُقرأ بها. وأما: آيَسَ يَأيَسُ فهي لغة ضعيفة. قال القراء عن الكسائي: سَمعْتُ غير قبيلة يقول: أيِسَ يَايَسُ بغير همز. قال: وسمعتُ رجلا من بنى المنتفق يقول: لاَ تَيْسَ مِنهُ. بغير همز. وروى أبو عبيد عن الأصمعي: يئس يَيْأس، ويئس مثل حَسِب يَحْسَبُ ويَحْسِب. قال: وقال أبو زيد: علياء مضر تقول: يَحسِبُ ويَئِسُ، وسفلاها بالفتح. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ (86) فتح الياء أبو عمرو ونافع وابن عامر، وأسكنها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ (76) قرأ يعقوب وحده، (يرفع درجاتِ مَن يشاء) بالياء فيهما، وإضافة (درجات) ، وسائر القراء قرأوا بالنون فيهما، واتفقوا على التي في الأنعام أنها بالنون في الحرفين.

(إنك لأنت يوسف (95) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نرفع) و (يرفع) فالمعنى يرجع إلى شىء واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ (95) . قرأ ابن كثير وحده (قَالُوا إنَّكَ لأنْتَ يُوسُفُ) وقرأ الباقون (أءنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ) على الاستفهام. وفي (أءنَّكَ) أربع لغات: (أئِنَّكَ) بعد ألف مقصورة، و (أإنك) بهمزتين و (ءاَينَّك) مُطَوَّله بهمزة، و (ءائنَّك) بوزن (عَاعِنَكَ) الألف بين الهمزتين ساكنة. قال الأزهري: مَنْ قَرَأَ (إنَّكَ) بألف واحدة فهو إيجاب؛ لأنه يوسف، عرفوه فحققوا أنه أخوهم، وَمَنْ قَرَأَ (أئنَّك) فهو استفهام، وذلك أنهم ظنوا ذلك ظنا فاستفهموه، أهو هو؟ ، والله أعلم - * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إنَّهُ مَن يَتَقِ ويَصْبِرْ (90) قرأ ابن كثير وحده (إنَّهُ مَن يَتَقِي) بياء في الوصل والوقف، وقرأ محمد بن الحسن " من يتَقِ " بغير ياء في وصل ولا وقف، وقال: كذا أقرأني أبو ربيعة. وقال ابن مجاهد: كان أبو ربيعة يُقْرِئ أصحابه بحذف الياء، وقال المعروف عن ابن كثير (يتقى " بياء، ولعل أبا ربيعة اختار حذفها، وقرأ الباقون (مَن يَتقِ) بغير ياء.

(إني أعلم من الله ما لا تعلمون (96)

قال الأزهري: القراءة بغير ياء أجود؛ لأنه مجزوم بالشرط، ولذلك اختار أبو ربيعة حذف الياء، وترك قراءة صاحبه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (إنيَ أعْلَمُ) ، بفتح الياء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ (98) فتح ياءها نافع وأبو عمرو. وقوله جلَّ وعزَّ: (بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي (100) روى أحمد بن صالح عن قالون أنه حرك الياء من (إخوتيَ) ، وقرأ ابن جماز (إِخْوَتِي) ، مرسلة. وروى أبو قرة عن نافع (يدْعُونَنىَ إليه) بفتح الياء، ما رَوَى فتحها عن نافع غيرُه. ورَوَى المسيبى وإسماعيل عن نافع أنه أرسل الياء في (أني أوفِ الكَيْلَ) ، وفتحها قالون عنه.

(قل هذه سبيلي أدعو (108)

وقوله: (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو (108) فتح ياءَهَا نافع وحده. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إلَّا رِجَالاً يُوحَى إلَيْهِمْ (109) قرأ عاصم في رواية حفص وحده (نُوحِي إليهم " بالنون وكسر الحاء في جميع القرآن إلا موضعًا واحدًا في (عسق) في قوله - عزَّ وجلَّ - (كَذلكَ يُوحِي إلَيْكَ) فإنه قرأه بالياء وكسر الحاء. وقرأ الباقون بالياء وفتح الحاء في كل القرآن. قال أبو منصور: القراءَةُ بالياء وفتح الحاء إلا ما جاء في (عسق) : (كذلك يوحِي إليك) . وقد قُرِئ هذا كذلك (يُوحَى إليْكَ) ، فمن قرأ بكسر الحاء فالمعنى: كذلك يوحِي الله إليك. وَمَنْ قَرَأَ (يُوحَى) فمعناه التكرير، كأنه قال: كذلك يوحَى إليك، وأضمر: يوحيه اللَّه إليك. وكل جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا (115) قرأ عاصم وحمزة والكسائي (كُذِبوا) خفيفةً، وقرأ الباقون (كُذِّبوا) مشددة. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (كُذِبُوا) بالتخفيف فالمعنى: حتى إذا استيأس الرسلُ من إيمان قومهم وتصديقهم إياهم وظن قومهم أنهم قد كُذِبُوا فيما وعُدوا؛ لأن الرسلَ لا يظنون ذلك، وهو يُرْوى عن عائشة.

(فننجي من نشاء (110)

وَمَنْ قَرَأَ (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا) بالتشديد فالظن ها هنا يقين، المعنى: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وعلموا أن القوم قد كَذَّبوهم فلا يُصدِّقونهم ولا يؤمنون بهم جاءهم النصْر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَنُنْجِي مَنْ نَشَاءُ (110) قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب (فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ) بنون واحدة، وتشديد الجيم، وفتح الياء، وقرأ الباقون (فَنُنْجِي) بنونين، الأولى مضمومة، والثانية ساكنة، والجيم خفيفة، والياء مرسلة. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَنُنْجِي مَنْ نَشَاء) بنونين فمعناه، نُنْجِي نحن من نشاء، وهو فعل الله عزَّ وجلَّ. وَمَنْ قَرَأَ (فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ) فمعناه: نُجِّىَ من نشاء من عذاب الله، أي: من يشاء الله تَنْجِيَتَهُ، و (مَنْ) على هذه القراءة في موضع الرفع على أنه مفعول لَمْ يُسَم فاعله. و (مَنْ) في القراءة الأولى في موضع النصب على أنه مفعول به. وحُذف من ياءات هذه السورة أربع ياءات: قوله: (فأرسلون (45) و (لا تقربون (60) ، (حتى تؤتونِ موثقًا (66) ، (لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) وقرأهُنَّ الحضرمي بياء في الوصل والوقف، وقرأ أبو عمرو (تؤتونِي) بياء في الوصل، ورُوِى عن نافع. وقرأ ابن كثير (حتى تؤتونِي موثقًا) بياء في الوصل والوقف. * * *

سورة الرعد

سورة الرَّعْد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم برفع ذلك كله. وقرأ الباقون بخفض ذلك كله، ورَوَى القوَّاس عن حفص عن عاصم (صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ) مما ذكره غيرُه. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (زَرْعٌ وَنَخِيلٌ) بالرفع رَدهُ على قوله: (وفى الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجَنٌاتٌ. . . وزَرْعٌ وَنَخِيلٌ) ، وَمَنْ قَرَأَ (وزرعٍ ونخيلٍ) بالكسر رَده على قوله: (مِنْ أعْنَابٍ ... وزرع ونخيل) . والصنْوانُ: جمع صِنْوٍ، وهو أن يكون الأصل واحدًا وفيه النَخْلَتان والثلاثُ والأربعُ - ونون صنوان مُجْراة، يقول: هذا صنوان كثيرة، وتثنية صِنْوٍ: صِنوَانِ، بكسر النون. وَمَنْ قَرَأَ (صُنْوان) بضم الصاد فهو مثل: قنو وقُنوان، وهى: العذرة التى فيها الشماريخ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ)

(ونفضل بعضها على بعض في الأكل)

قرأ ابن عامر وعاصم بالياء، وقرأ الباقون (تُسْقَى) بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء رده على جماعة ما ذكر الله، وَمَنْ قَرَأَ بالياء رده على جميع ما ذكر. * * * وقوله جلَّ وعزََّ: (وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) قرأ حمزة والكسائي (وَيُفَضِّلُ بَعْضَهَا) بالياء وكسر الضاد، وقرأ الباقون (نُفَضّل) بالنون. قال أبو منصور: المعنى واحد في (نُفَضِّلُ) و (يُفَضِّلُ) ، الله هو المفَضل. * * * وقوله جلَّ وعزََّ: (مِن وَّالٍ) رَوَى خارجة عن نافع (مِن والي) بإمالة الواو، والباقون لا يُميلون. قال أبو منصور: الإمالة في واو (والٍ) ليست بجيدة، وفَتْحُ الواو جيد عربي فصيح. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَمْ هَلْ يَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)

(مما توقدون عليه في النار)

قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (يستوي) بالياء، وقرأ الباقون (تستوي) بالتاء. قال أبو منصور: إذا تقدم فِعْل الجماعة جاز تأنيثه وتذكيره، وقد مَر مثله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِمَّا تُوقِدُونَ عَلَيه فِي النَّارِ) قرأ حفص وحمزة والكسائي بالياء، وكذلك روى علي بن نَصرٍ عن أبي عمرو بالياء، وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قرأ (يُوقدون) فللغيبة، وَمَنْ قَرَأَ بالتاء (توقدون) فللمخاطبة، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه، ولأمتِه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وصُدُّوا عَن السَّبِيلِ (33) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (وَصَدُّوا) بفتح الصاد، وفي المؤمن مثله، وقرأ الكوفيون ويعقوب (وَصُدُّوا) بضم الصاد في الموضعين.

(ويثبت وعنده أم الكتاب (39)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وصَدُّوا عَن السَّبِيلِ) فله وجهان: صَدُّوا بأنفسهم، أي: أعرضوا، ومضارعه يَصدون، بالكسر، والوجه الثاني: أنهم صَدُّوا غيرهم عن السبيل فأضلوهم، ومستقبلُهُ يَصُدُّون، وهذا متعدُّ، والأول لازم - وَمَنْ قَرَأَ (وصُدُّوا) فمعناه: أُضِلُّوا، لا يكون إلا مفعولا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب (ويُثْبِتُ) خفيفًا، وقرأ الباقون (وَيُثَبِّتُ) مُشَددًا. قال أبو منصور: (ثبَّت) و (أثبَتَ) بمعنى واحد، وجاء في التفسير أن المعنى: يمحو اللَّهُ ما يشاء مما يكتبهُ الحفظةُ على (ويثبِّتُ) العباد، ويُثبتُ ما يشاء إبقاءَهُ في الكتاب. وقيل: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) ، أي: مَنْ قَدرَ لَهُ رِزقًا وأجَلاً محا ما شاء منه، وأثبت ما شاء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وسَيَعلَمُ الكُفَّارُ (42) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (الكافرُ) واحدًا، وقرأ الباقون (الكُفَّارُ) جماعة.

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (الكافر) وهو أكثر من (الكفار) أراد به: الجنس، ومثله كثر الدينارُ والدرهمُ، يراد به الكثرةُ - وقد حُذف من هذه السورة أربع ياءات: قوله: (المتعالِ) و (متابِ (30) و (مآبِ (29) ، و (عقابِ (32) . وصَلَهُن يعقوب بياء، ووقف بياء - وقرأ ابن كثير (المتعالي) بياء في الوصل والوقف، وكذلك روى عبد الوارث، ورَوَى أبو زيد عن أبي عمرو (المتعالي) بياء إذا أدرِجَت، فإذا وُقِفتْ فبِغَيْر ياء، ووقف ابن كثيرٍ وحده على (هادٍ) (7، 33) و (واقٍ) (34، 37) بياء، وقرأ الباقون بغير ياء. * * *

سورة إبراهيم

سورة إبراهيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (اللَّهُ الَّذِي (2) قرأ نافع وابن عامر (اللَّهُ الَّذِي) ، رفعًا، وقرأ الباقون (اللَّهِ الَّذِي) خَفضَا. قال الأزهري: من رفع فقال (اللَّهُ الَّذِي) فهو على الاستئناف، ويجوز أن يكون مرفوعًا بإضمار (هُوَ اللَّهُ الذي) ، وَمَنْ قَرَأَ (اللَّهِ الَّذِي) خفضا رده على (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي) ، وكان يعقوب إذا استأنف رفع، وإذا وصَلَ القراءة خفض. الأصمعي عن نافع (اللَّهِ الذي) خفضا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) قرأ حمزة والكسائي (خَالِقُ السَّمَاوَاتِ) ، وفي النور بألف أيضًا. وقرأ الباقون في السورتين (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ) على " فَعَل) ، (والأرضَ) نصبًا.

(وما أنتم بمصرخي)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (خَالِقُ السَّمَاوَاتِ) فالسَّمَاوَات في موضع الخفض لإضافة خالق إليه، و (الأرض) معطوف عليها بالكسر. وَمَنْ قَرَأَ (خَلَق السَّمَاوَاتِ) نصبها، وعطف (الأرضَ) عليها، غير أن تاء الجماعة تخفض في موضع النصب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) قرأ حمزة (بِمُصْرِخِيِّ) بكسر الياء، وقرأ الباقون (بِمُصْرِخِيَّ) بفتح الياء. قال أبو منصور: قراءة حمزة غير جيّدة عندَ جميع النحويين، قال أهل البصرة: قراءته غير جيدة، وقال الفراء: لا وجه لقراءته إلا وجه ضعيف، وأنشد قول الأغلب: قالَ لَهَا هَلْ لَكِ يَا تَافيِّ يعني: فيَّ، يعني: يا هذه قالَتْ لَهُ مَا أنتَ بالمرضيِّ وقال الزجاج: مثل هذا الشعر لا يُحْتَجُّ به، وعملُ مثله سهل فلا يحتج به كتاب الله. قال: وجميع النحويين يقولون إن ياء الإضَافة إذا لم يكن قبلها ساكن حُركت إلى الفتح، تقول: هذا غُلاَمىَ قَدْ جَاءَ. قال: ويجوز إسكان الياء لثقل الياء التي قبلها كسرة، فإذا كان قبل الياء ساكن حُركت إلى الفتح لا غير، لأن أصلها أن تُحَركَ ولا ساكنَ قبلها، وإذا كان قبلها ساكن صارت حركتها لازمة لالتقاء

(وما كان لي عليكم)

الساكنين - فالياء الأولى من (مُصْرِخِيِّ) ومن (فِيِّ) ساكنة، فأدغم، والقُراء يجتمعون على فتح الياء غير حمزة والأعمش، ولا يجوز عندي غير ما اجتمع عليه القراء، ولا أرَى أن يُقْرأ هذا الحرف بقراءة حمزة. وقد رَوَى إسحاق بن منصور عن حمزة فتح الياء في (مُصْرِخِيَّ) كما قرأ سائر القُراء، فكأنه وقف على أن الكسر لَحْن فرجع عنه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ) قرأ حفص وحده (لِيَ عَلَيْكُمْ) بفتح الياء، وأرسلها الباقون. * * * وقوله: (قُلْ لِعبَاديَ الَّذين (31) أرسل الياء ابن عامر وحمزة والكسائي والأعشى عن أبي بكر، وحركها الباقون. * * * قوله: (إنِّي أسْكَنْتُ (37) فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ (34)

(إنما يؤخرهم ليوم (42)

أى: آتاكم من كل الأشياء الذي سألتمُوهُ. واتفق القراء على هذه القراءة، وعليها العمل. وقوله جلَّ وعزَّ: (إنَّما يُؤخِّرهُم لِيَوْم (42) رَوى عباس عن أبي عمرو (إنَّما نُؤخرُهُم) بالنون، وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: المعنى واحد في النون والياء، اللَّهُ مؤخر لهُم، والقراءة المختارة بالياء. من قرأ بالنون فاللَّه يقول: إنما نؤخرهم نحن ليوم، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو إخبار عن فعله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِتَزُولَ منه الجبالُ (46) قرأ الكسائي وحده (لَتَزُوُلُ منه الجبالُ) بفتح اللام الأولى وضم الثانية، وقرأ الباقون (لِتَزُولَ) بكسر الأولى وفتح الثانية. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لِتزولَ) فمعناه؛ ما كان مكرهم لأن تَزولَ، وأن بمعنى (مَا) الجَحْد، والتأويل: مَا مَكْرُهم لِيزول به أمر نبوة محمد صلى الله عليه وهى ثابتة كثبوت الجبال الرواسي؛ لأن الله تبارك وتعالى وعده أن يظهر دينه على الأديان كلها، ودليل هذ قوله: (فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) . أى: لا يخلفهم ما وعدهم من نَصْره.

وَمَنْ قَرَأَ (وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ) فمعناه: وقد كان مكرهم يبلغ في المكيدة إلى إزالة الجبال، غير أن الله ناصِرُ دِينهِ، ومُزيل مكر الكفار وماحِقُهُ. وما رَوَى أبو بكر عن عاصم، وورش عن نافع (يُوَخرُكم) و (نُوَخرُهم) و (يُوَاخِذُهم) و (لا تُواخِذنا) بغير همز، وسائر القراء يهمزون. قال أبو منصور: الأصل في هذه ظهور الهمزة، لأنها من ياءات الهمز من التأخير والأخذ، فمن اختار تخفيف الهمز فهو مصيب من جهة اللغة، ومن همز فهو أتمُّ وأفصح، ومن أبدل من الهمز واوًا فهي لغة معروفة. وفى هذه ثلاث يَاءات حذفت: قوله (وَخَافَ وَعِيد) ، و (بِمَا أشْرَكتمُونِ) ، و (تَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) . وَصَلَهن يعقوب بياء، ووقف بياء. وروى ورش عن نافع أنه وصل " وَعِيدِي " بياء. ووصل أبو عمرو (أشركتموني) بياء، وكذلك روى إسماعيل وابن جمّاز عن نافع بياء.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة " وَتَقَبَّلْ دُعَائِي " بياء في الوصل، وَوَقف ابن كثير بياء فيما رَوَى البزِّي، وروى الأصمعي عن نافع بياء، ورَوى هبيرة عن حفص عن عاصم (دعائي " بياء في الوصل. قال أبو منصور: من حذف الياء فَلِاكْتفَائه بالكسرات قبلها، ومن أثبت الياء فلأنه الأصل. * * *

سورة الحجر

سورة الْحِجْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزََّ: (رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) قرأ نافع وعاصم (رُبَمَا) مخففة مفتوحة الباء، وقال الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (رُبَمَا) بضم الباء مخففة، وقرأ الباقون (رُبَّمَا) مفتوحة الباء مشددة، وقال علي بن نصير سمعت أبا عمرو يقرؤهَا على الوجهين جميعا: خفيفا وثقيلا. قال أبو منصور: العرب تقول: رُبَّ رجل جاءني. ويخففون فيقولون: رُربَ رَجُل. فقال الحُوَيدِرةُ: أُسَمَّيُّ ما يدْرِيكِ أنْ رُبَ فِتيَةٍ ... بَاكَرْتُ لَذتهم بادكَنَ مُتْرَعِ ويقولون: (رُبَمَا) و (رُبَّمَا) . مخففًا ومثقلاً، ولغة أخرى لا تجوز القراءة بها (ربَّتَمَا) . وأنشد الأعرابي:

(ما ننزل الملائكة إلا بالحق)

ماوِيّ يا رُبَّتَما غارةٍ ... شَعْواءَ كاللَّذْعَةِ بالمِيسَمِ و (رُبَّمَا) و (رُبَمَا) يوصلان بالفعل، و (رُبَّ، و (رُبَ) يوصلان بالأسماء، تقول: ربَّ رجل أصبتُ، ورُبَّمَا جاءنى زيد، وإنما زِيدت (ما) مع (رُبَّ) ليليها الفعل، وكل ذلك من كلام العرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا نُنَزِّلُ المَلائِكَةَ إِلَّا بالْحَقِّ) قرأ حفص وحمزة والكسائي (مَا نُنَزِّلُ المَلائِكَةَ) بالنون، و (الملائكةَ) نصبًا. وقرأ الباقون (ما تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ) بفتح التاء، و (الملائكةُ) رفع؛ لأن الفعل لها. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مَا نُنَزِّلُ المَلائِكَةَ) فالفعل لله - عزَّ وجلَّ -، والملائكة مفعول بها، وَمَنْ قَرَأَ (ما تَنزلُ الملائكةُ) فالفعل للملائكة، و (تَنَزلُ) كان في الأصل (تتنزل) فحذفت إحدى التاءين استثقالاً للجمع بينهما. وروى أبو بكر عن عاصم (ما تُنَزَّلُ الملائكةُ) على ما لم يُسَم فاعله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَقَالُوا إنَّمَا سُكِّرَتْ) قرأ ابن كثير وحده (سُكِرَتْ) خفيفة، وقرأ الباقون (سُكِّرَتْ) مشددة. قال أبو منصور: معنى (سُكِرت) بالتخفيف، أي: سُدَّت وأُغشيتْ.

(هذا صراط علي مستقيم (41)

وإذا ثَقل فهو أوكدَ في معناه. وقوله جلَّ وعزَّ: (هذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) قرأ يعقوب وحده (هذا صِرَاطٌ عَلِيٌّ مُسْتَقِيمٌ) ، بكسر اللام، وضم الياء، والتنوين. وقرأ الباقون (عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) ، بالإضافة. قال: مَنْ قَرَأَ (صِرَاطٌ عَلِيٌّ مُسْتَقِيمٌ) أراد: هذا طريق رفيع شريف فى الدين والحق. وَمَنْ قَرَأَ (هذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ) فالمعنى: هذا صِرَاط مستقيم عليَّ، أى: على إرادتي وأمْرِي. وقيل: هو كقولك: طريقك عَلَيَّ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ (جَنَّاتٍ وعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا (46) قرأ الحضرمي وحده (وعُيُونٍ ادْخِلُوها) بضم التنوين، وكسر الخاء، وقرأ الباقون (وعُيونٍ اُدخُلوها) ، قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أدخِلوها) بضم الألف وكسر الخاء فهو على ما لم يُسَم فاعله، والألف مقطوعة على (أُفْعِل) . وكان يعقوب يضم التنوين ويلقى ضمة الألف على النون، ويُليِّن الهمزة، وما قرأ بهذا غيره. وَمَنْ قَرَأَ (وعُيونٍ ادخُلوها) فالألف ألف وصل أسقطت في الإدراج.

(فبم تبشرون (54)

وضم ابن كثير ونافع والكسائي التنوين لانضمام الألف الساقطة. وكسر الباقون لسكونه وسكون الدال. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَبِمَ تُبَشِّرُون (54) قرأ ابن كثير ونافع (فبم تبشرونِ) بكسر النون، وشددها ابن كثير، وقال: هما نونان: نون الجمع. ونون المتكلم. فَسُكِّنَت الأولى وأدغمت في الثانية، وخففها نافع، اقتصارا على إحدى النونين. وقرأ الباقون (فَبِمَ تبشرونَ) نصبا؛ لأن نون الجمع مفتوحة أبدًا، فرقًا بينها وبين نون الاثنين. قالِ أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فبم تبشرونِّ) بكسر النون مشددة فالأصْل (تبشرُوننِي) ، وأدغمت إحداهما في الأخرى وشددت، وكُسِرَت لِتَدُلّ على ياء الإضافة. ومن خفف النون فإنه يحذف إحدى النونين لثقلهما كما قال عمرو بن معديكرب: تَراه كالثَّغام يُعَلُّ مِسْكاً ... يَسُوءُ الفالياتِ إذا فَلَيْني أراد: فَلَيْنَنِي، فحذف إحدى النونين. والقراءة المختارة بفتح النون على أنها نون الجمع.

(نبئ عبادي أني أنا (49)

وقوله جلَّ وعزَّ: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا (49) فتح الياءين من " عِباديَ " و (أنيَ) ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قالَ ومَن يَقْنِطُ (56) قرأ أبو عمرو والكسائي والحضرمي (قَالَ ومَنْ يَقْنِط) بكسر النون في جميع القرآن، وقرأ الباقون (يقنَط) ، بفتح النون - واتفقوا على فتح النون من قوله: (مِنْ بَعْدِ مَا قَنطُوا) . قال أبو منصور: هما لغتان: قَنَطَ يَقْنِطُ، وقَنِطَ يقنَطُ. وأجود اللغتين قَنَطَ يقنِط، وهو اختيار أبي عمرو والكسائي. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إنَّا لمنَجُّوهم أجْمَعِينَ (59) قرأ حمزة والكسائي والحضرمي (إنا لَمُنْجُوهم أجمعينَ) . وقرأ الباقون (إنَّا لمنَجُّوهم أجْمَعِينَ) مشددة.

(إلا امرأته قدرنا إنها (60)

قال أبو منصور: هما لغتان: نَجَّيتُه وأنجيته. * * * وقوله عزَّ وجلَّ: (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا (60) قرأ أبو بكر عن عاصم (قدَرْنَا إِنَّهَا) ، خفيفة، و (قَدَرْنَاها) ، مخففين وقرأ الباقون (قَدَّرْنَا) مشددة. وقرأ ابن عامر في (والفجر) : (فقَدَّرَ عليه رزقَه) مشددا، وقرأ الباقون (فَقَدَرَ) مخففًا. وقرأ الكسائي وحده في سورة الأعلى (والَّذِى قَدَرَ فَهَدى) خفيفًا، وشددها الباقون. وقرأ نافع والكسائي في (والمراسلات) " فقَدَّرْنا " مشددة، وقرأ الباقون (فَقَدَرنا) خفيفة. قال أبو منصور: هما لغتان: قدَّرت وقَدَرْت بمعنى واحد. قوله: (فَنِعْمَ القَادِرونَ) ، يدل على التخفيف، وهذا كله من التقدير لا من القُدْرة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71)

(إني أنا النذير المبين (89)

فتح الياء نافع وحده، وأرسلها الباقون. * * * وقوله: (إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون. وحُذِفَ منها ياء الإضافة في قوله: (فَلاَ تَفْضَحُونِ) و (تُخْزُون) أثبتهُمَا الحضرمي وحده في الوصل والوقف. * * *

سورة النحل

سورة النَّحْلِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (يُنَزِّلُ المَلاَئِكَةَ) روى الكسائي عن أبي بكر (تُنَزَّلُ) بتاء مضمومة، و (الملائكةُ) رفع ما رواه غيره. وقرأ الباقون (يُنَزِّلُ المَلاَئِكَةَ) بالياء، و (الملائكةَ) نصب، ولم يقرأ أحدٌ ما (تَنزلُ الملائكةُ) على (تَفَعَّلُ) بمعنى: تَتَفَعَّل. قال أبوِ منصور: مَنْ قَرَأَ (تُنَزَّلُ الملائكةُ) فهو على ما لم يسم فاعله، والقراءة المختارة (يُنزل الملائكةَ) أى: ينزلهم الله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُنْبتُ لَكُمْ بِه الزَّرْعَ) رَوى يَحيَى عن أبي بكر عن عاصم (نُنْبِتُ لكم) بالنون. وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: المعنى في النون والياء قريبان من السوَاء، والياء أجودهما. * * * وقوله جلَّ وعزَّ (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ)

(يعلم ما يسرون وما يعلنون) (والذين يدعون)

قرأ ابن عامر (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ) بالرفع في كلهن، وقرأ حفص (وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ) ، رفْعًا، ونصب ما قبلها. وقرأ الباقون بالنصب فيهن أجمع - قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (والشمسَ والقمرَ والنجومَ مسخراتٍ) عطفها على قوله: (وسخر لكمُ الليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ والنجومَ) فأوقع التسخير على جميعها، وقوله (مسخرات) التاء مكسورة، وهى في موضع النصب، وانتصابها على الحال. وَمَنْ قَرَأَ (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ) أوقع التسخير على الليل والنهار خاصةَ، ثم استأنف فقال: (والشمسُ والقمرُ والنجومُ) فرفعها بالابتداء، و (مسخرات) خبر الابتداء. وَمَنْ قَرَأَ (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) بالنصب أوفع التسخِير عليها، ثم استأنف فقال: (والنجومُ مسخراتٌ) ، والوجوه كلها جائزة جيدة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) (والذين يَدْعُون) قرأ عاصم ويعقوب (ما تُسِرّون وما تُعْلِنُون) بالتاء، و (الذينَ يَدْعُون) بالياء. وقرأ الأعشى عن أبي بكر ثلاثَهن بالتاء مثل أبي عمرو، وقرأ الكسائي عن أبي بكر ثلاثهن بالياء، وكذلك قال هبيرة عن حفص عن عاصم ثلاثَهن بالياء. وقرأ الباقون ثلاثَهن بالتاء.

(لا يخلقون شيئا)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) ثم قرأ (والَّذين يَدْعُون) بالياء، فالتاء للمخاطبة: أي إن اللَّه يعلم ما تسرون أنتم وما تعلنونه، وقوله: (والَّذين يَدْعُون) أراد بالذين: معبوداتهم من الأصنام، و (يدعون) فعل لعابديها، ولو قال: (والتي يَدْعُونَ) كان وجه الكلام، وإنما قال (الذين) ؛ لأنه وصفها بصفة المميزين. ومن قرأها كلها بالياء فهو خبر عن الغيب، كأنه قال: الله يَعلمُ سِرهم وعَلانِيتهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لاَ يَخلقُونَ شَيْئًا) يعنى: الآلهة التي عبدوها، إنها لا تخلق شيئا؛ لأنها مخلوقة، فعبادتها محَال، ولا يُعبد إله لا يخلُق ولا يرزُق من يعبده. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تُشَاقُّونَ فِيهِمْ (27) قرأ نافع وحده (تُشَاقُّونِ فِيهِمْ) بكسر النون وتخفيفها. وقرأ الباقون بفتح النون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تُشَاقُّونِ فِيهِمْ) فإنه تبكيت من الله تعالى لِعبَدَةِ الأوثان، يقول لهم يوم القيامة: أين شركائي بزعمكم الذين كنتم تشاقونني فيهم، أي: تعادوننى - فحذفت إحدى النونين استثقالا للجمع بينهما، وكسر النون الباقية لتدُل على ياء الإضافة.

(شركائي (27)

والقراءة المختارة (تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) بفتح النون؛ لأنها نون الجميع، والمعنى واحد في القراءتين - * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (شُرَكَائي (27) رَوَى البزي عن ابن كثيرٍ (شُرَكَايَ) بغير همز، مثلْ عَصايَ، وهُدَايَ وسائر القراء قرأوا (شُرَكَائي) بالمد وفتح الياء - وقد رَوَى غير البزي لابن كثيرٍ المَد مثل سائر القراء. قال أبو منصور: القراءة بالمد، وماروى البزي من القصر فهو وَهْم؛ لأن الشركاء ممدود، والعصا والهُدى مقصوران، وليست سواء - * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ (28) قرأ حمزة (الَّذِينَ يَتَوَفَّاهُمُ) بياء وتاء في الموضعين مع الإمالة، وكذلك رَوى أبو عمارة عن حفص عن عاصم فيها مثل حمزة، وقرا الباقون (تَتَوَفَّاهُمُ) بتاءين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ (33) قرأ حمزة والكسائي (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.

(فإن الله لا يهدي من يضل (37)

قال الأزهري: هما لغتان جيدتان، فمن قرأ بالتاء فلتأنيث جماعة الملائكة، وَمَنْ قَرَأَ بالياء ذهب إلى الجمع. وقوله جلَّ وعزَّ: (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ (37) قرأ الكوفيون (لا يَهْدي) بفتح الياء وكسر الدال، وقرأ الباقون (لا يُهْدَى) بضم الياء وفتح الدال. واتفقوا جميعًا على ضم الياء وكسر الضاد من (يُضِل) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) فمعناه: إن الله لا يَهْدَي مَنْ أضله في سابق علمه لاستجابة الإضلال باختياره الضلالة على الهدى. وَمَنْ قَرَأَ (لا يُهْدَى من يُضِل) فالمعنى: لا يُهْدَى أحد يُضِله اللَّهُ، وهذا نظير قوله - عزَّ وجلَّ -: (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ (48) قرأ حمزة والكسائِي (أَوَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) بالتاء، ومثله في العنكبوت (أَوَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ) بالتاء - وقرأ الباقون ((أَوَلَمْ يَرَوْا) بالياء في السورتين.

(يتفيأ ظلاله (48)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فلإخباره عن غائب، وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فهو للخطاب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ (48) قرأ أبو عمرو ويعقوب (تَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ) ، بتاءين، وقرأ الباقون (يَتَفَيَّأُ) بالياء قبل التاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فعلى تقديم فعل الجَمْع، وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فَعَلَى أن الجماعة مؤنثة، وفعلها مؤنث. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) قرأ نافع وحده (وَأَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ) بكسر الراء مخففة، من أفْرطتُ - وقرأ الباقون (مُفْرَطُونَ) بفتح الراء خفيفة قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مُفْرِطون) فهو من أفرط، فهم مفرِطون، إذا تعَدوا مَا حُدَّ لهم. وَمَنْ قَرَأَ (مفرَطون) ففيه قولان: أحدهما عن ابن عباس: أنهم متروكون.

(نسقيكم مما في بطونه (66)

وقال غيره: مفْرَطون: مُعَجَّلُون. فمن قال: متروكون. فالمعنى: أنهم تُركوا في النار. وكذلك من قال: مفرَطون، أى: مُنْسَوْن. ومعنى مُعَجَّلون، أي: مقدمون إلى النار. وقيل: مَنْ قَرَأَ (مُفرِطون) بكسر الراء فمعناه: أنهم أفرطوا في المعاصي، وأسرفوا على أنفسهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نُسْقِيكُم مِمَّا في بُطُونِهِ (66) قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب (نَسْقيكم) بفتح النون، وفي المؤمنين مثله. والباقون ضموا النون في السورتين. قال أبو منصور: هما لغتان: سقيْتُه، وأسقيته بمعنى واحد. وقال لبيد فجمع بين اللغتين: سَقَى قومي بني مَجْدٍ وأسْقَى ... نُمَيْراً والقبائلَ من هلالِ وقال بعضهم في سقيته الماء، إذا ناولته إياه فشربه. وأسقيته: جعلته له سُقيا

(أفبنعمة الله يجحدون (71)

وقوله جلَّ وعزَّ: (أفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُون (71) قرأ عاصم في رواية أبي بكر ويعقوب (تَجْحدون) بالتاء. وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: التاء للخطاب، والياء للغيبة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَوْمَ ظَعْنِكُم (80) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (يوم ظَعَنِكُم) مئقلًا، وقرأ الباقون بإسكان العين. قال أبو منصور: الظعْن والظعَن لغتان، مثل: النَّهْر والنَّهَر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَيَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ (96) قرأ ابن كثير وعاصم (وَلَنَجْزِيَنَّ) بالنون، وقرأ الباقون (وَلَيَجْزِيَنَّ) بالياء. واتفقوا على النون في قوله: (ولَنَجْزِيَنَّهُمْ (97) . قال أبو منصور: المعنى في النون والياء واحد، اللَّه الجازي.

(من بعد ما فتنوا (110)

وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا (110) قرأ ابن عامر وحده (فَتَنُوا) بفتح التاء والفاء، وقرأ الباقون (فُتِنُوا) بضم الفاء وكسر التاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَتَنُوا) فمعناه: افْتَتَنُوا. رَوَى أبو عبيد عن أبى زيد: فَتِنَ الرجلُ يَفْتَنَ فُتُونًا، إذا وقع في الفتنةِ، أو تَحوَّل من حالٍ حسنةٍ إلى حالٍ سيئة، وفَتَنَ إلى النساء فتونًا، إذا أراد الفجور، وهذا يؤيد قراءة ابن عامر. وَمَنْ قَرَأَ (فُتِنُوا) وهو الأجود، فمعناه: امْتُحِنُوا، كما فُتن عَمار بن ياسر وغيره ممن عُذِّب وأكره على الكفر فغفر الله لهم ذلك إذ قلوبهم مطمئنة بالإيمان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ (112) روى علي بن نصر وعباس بن الفضل وداود الأودِي عن أبي عمرو (لِبَاسَ الجُوعِ والخوْفَ) بنصب الخوف، وخَفضه الباقون. قال أبو منصور: من نصب (الخوفَ) عطفه على قوله (لباسَ) ، ومن خفضه - وهو الوجه - عطفه على (الجوع) - ويجوز النصب بإضمار: أذَاقَها

(ولا تك في ضيق (127)

الله لباسَ الجوع أو لباسَ الخوف، فلما حذف (لباس) نصب (الخوف) كقول الأعشى: لا يَسْمعُ المرءُ فيها ما يُؤَنِّسُهُ ... بالليل إلا نئيمَ البُوْمِ والضُّوَعا أراد: ونَئِيم الضوَع، فلما حذفت أقام الضُّوَع مقامه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلاَ تَكُ في ضَيْقٍ (127) قرأ ابن كثير وحده (وَلاَ تَكُ في ضِيْقٍ) بكسر الضاد، ومثله في النمل، وكذلك روى أبو عبيد عن إسماعيل عن نافع، وخَلَف عن المسيبي عن نافع، وقرأ الباقون (في ضَيْق) بفتح الضاد في السورتين. قال الفراء: الضَّيْقُ: ما ضاق عنه صدرك. والضَّيِّقُ: يكون في الذى يتسع ويضيق، مثل: الدار، والثوب. قال الفراء: وإذا رأيت الضَّيْقُ قد وقع في موضع الضِّيق كان على أمرين: أحدهما: أن يكون جمعا للضيقَة؟ قال الأعشى: كَشَفَ الضَّيْقَةَ عَنا وفَسَحْ

والآخر: أن ورادَ بِهِ: (ضَيِّق) فيخفف، قال: ضَيِّق، كما يقال: هيِّن وهَيْن. قال أبو منصور: وعلى تفسير الفراء لا يجوز القراءة بالكسر. وقد قال غير الفراء: يقال في صدر فلان ضَيْق وضِيق، وروى أبو عبيدة عن أبي عمرو: والضَّيْق: الشيء الضَّيِّق، والضِّيق: المصدر، والضَّيقُ: الشك، والضيقَةُ، مثل الضيق، وأنشد: بِضَيْقَةِ بَيْنَ النَجْمِ والدبرانِ قال الزجاج: من قال: ضَيْق، فهو بمعنى: ضَيِّق، فخففَ وقيل: ضَيْق. وجائز أن يكون الضَّيق بمعنى: ضَيِّق. * * *

سورة بني إسرائيل

سورة بَنِي إِسْرَائِيلَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) قرأ أبو عمرو وحده (أَلَّا يَتَّخذوا) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء. قال: المعنى فيهما متقارب، فمن قرأ بالتاء فعلَى الخطاب، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة، وكله جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ) قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وحمزة (لِيَسُوءَ) بالياء وفتح الهمزة على واحدٍ، وقرأ الكسائي (لِنسُوءَ) بالنون وفتح الهمزة، وقرأ الباقون (لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ) بالياء وضم الهمزة ممدودةً على جميع. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لِيَسُوءَ وُجُوهَكُمْ) فالمعنى: فإذا جاء وَعْدُ المرة الآخرة لِيَسُوءَ الوَعْدُ وجوهَكم. وَمَنْ قَرَأَ (لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ) بالجمع فالمعني: لِيَسُوءُوا الرجال وأولو البأس الشديد وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّلَ مَرةٍ. وَمَنْ قَرَأَ (لِنسُوءَ وجوهَكم) فهو من فعل الله، أى: لِنَسُوءَ نحن وجوهَكم

(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) .

مجازاة لسوء فعلكم. وكل ذلك جائز، والاختيار عندي (لِيَسُوءوُا) بالجمع؛ لأنه عطفَ عليه (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ) ، والله أعلم. * * * حدثنا الحسين بن إدريس عن عثمان بن أبي شيبة عن سعيد بن صلة عن الحسن بن عمرو عن الحكم عن مجاهد في قوله جلَّ وعزَّ: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) . قال: صحيفَة في عنقهِ مكتوب فيها شقي وسعيد. حدثنا الحسين قال حدثنا عئمان قال حدثنا وكيع عن أبي جعفر الرازيّ عن اِلربيع بن أنس عن أبي عالية فى قوله جلَّ وعزَّ (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) . أكثرنا مستكبريها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيَامَةِ) قرأ يعقوب (ويَخرُجُ لَهُ يَومَ القِيَامَةِ) بالياء وضم الراء، " كتابا) ، وقرأ الباقون (ونُخرِج له) بالنون وكسر الراء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (ويَخْرُج له يومَ القيامة كتابًا) أى: ما طَارَ لَهُ من عمله يخرج كتابًا مكتوبًا، ونَصَب (كتابًا) على الحال، والقراءة الجيدة (ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيَامَةِ كتابًا) .

(يلقاه منشورا)

وعلى هذه القراءة نصب قوله (كتابًا) بِـ (نُخْرِج) لأنه مفعول به. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَلْقَاهُ مَنْشُورًا) قرأ ابن عامر (يُلَقَّاهُ، بضم الياء وتشديد القاف، وقرأ الباقون (يَلْقَاه) بفتح الياء والتخفيف، وأمال القاف حمزة والكسائي. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُلَقَّاه) فالمعنى: يُلَقَّى كلُّ إنسان كتابه منشورًا، ْأي: يُسْتقبلُ به - وَمَنْ قَرَأَ (يَلْقَاه) فالمعنى: يَلْقَى كل إنسان كتابه منشورًا، ونصب (منشورًا) على الحال. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) قرأ يعقوب وخارجة عن نافع (ءَامَرْنَا) بألِفَيْنَ، مثل: (ءَامَنا) ، وكذلك حماد بن سلمة عن ابن كثير. وقرأ الباقون: (أمَرْنَا) مقصورًا مخففا. وقال أبو العباس ختن ليث: سمعت أبا عمرو يقرأ "أمَّرْنا) بتشديد الميم. وَرَوَى هُدبَةُ عن حماد بن سلمة عن ابن كثير أنه قرأه كذلك. وقرأ الباقون (أمَرْنا) بتخفيف الميم وقصر الألف.

(فلا تقل لهما أف (33)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أمَرْنَا) مقصورًا فله وجهان: أحدهما: أمرناهم بالطاعة ففسقوا فحق عليهم العذاب، وهو كقولك - أمرتُك فعَصيْتنى، فقد عُلِم أن المعصية مخالفةُ الأمرِ، وكذلك الفسق: الخروج عن أمْرِ الله، والوجه الثاني في (أمَرْنا) أنهُ بمعنى: كثرنا مترفيها، يقال آمَرهم الله، وأمَرَهم، أي: كثرهم، ورُوِى عن النبي صلى الله عليه أنه قال: "خَيْرُ المِال سِكة مأبورة، أو مهرة مأمورة" وهى كثيرة النتاج - ويقال: أمِرَ بنو فلانٍ يأمُرُون، إذا كثروا - ومنه قول لبيد: إن يُغْبَطُوا يُهبطُوا وإنْ أمِرُوا ... يوْمًا يَصيرُوا للهُلكِ والنكَدِ ومن قَرأ (آمَرْنَا) بالمد فلا مَعْنَى له إلا أكثرنا، آمَرَ الله ماله فأمَر يأمُرُ - وكان أبو عبيدة يقول: أمَرَ اللهُ ماله، وأمره بمعنى واحد. وقوله (آمَرْنا مترفيها) يصلح أن يكون في شيئين: أحدهما: كثرة عدد المترفين، والآخر: كثير حُرُوثُهم وأموالهم. وَمَنْ قَرَأَ (أمَّرْنا مترفيها) فمعناه: سلطنا مترفيها، أي: جعلنا لهم إمارة وسلطانًا. وأجود هذه الوجوه (أمَرْنَا) بقصر الألف على التفسير الأول، واللَّهُ أعلم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ (33)

(إما يبلغان عندك الكبر (23)

قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفَّ) - بفتح الفاء، مثل: مُدَّ - وقرأ نافع وحفص (أُفٍّ) منونا، وكذلك قرَآ في الأنبياء والأحقاف. وقرأ الباقون (أُفِّ) خفضا غير منون. قال أبو منصور: هذه الوجوه التي قُرئ بها كلها جائزة فصيحة، ولا اختلاف بين النحويين في جوازها وصحتها. وأخبر المنذري بإسناده عن الفراء: في (أف) ست لغات: أفًّا، وأفٍّ، وأفٌّ، وأفَّ وَأفِّ، وأفُّ. فمن قرأ (أفَّ) فهو مثل: مُدَّ. وَمَنْ قَرَأَ (أفٍّ) فهو مثل: صَدٍّ ورمْحٍ. وَمَنْ قَرَأَ (أفُّ) فهو مثل: مُدَّ وغُضَّ في الأمر. وقال أبو طالب: قال الأصمعي: الأفُ: وسخِ الأذن - والتَّفُ: وسخ الأظفار، فكان ذلك يقال عند الشيء الذي يُسْتَقذرُ، ثم كثر حتى صاروا يستعملونه عند كل ما يُتأذى بِهِ. قال: وقال غيره: (أفُّ) معناه - قِلة لك و (تُفّ) - إتباع، مأخوذ من الأتف، وهو: الشيء القليل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِمَّا يَبْلُغَانِّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ (23)

(إن قتلهم كان خطئا كبيرا (31)

قرأ حمزة والكسائي (إِمَّا يَبْلُغَانِّ عِنْدَكَ) على اثنين، وقرأ الباقون (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) على واحد، فالنون مشددة في القراءتين) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إِمَّا يَبْلُغَانِّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) فإنه تثنية يبْلُغَنَّ؛ لأن الأبوين قد ذكرا قبله، فصار الفعل على عددهما، ثم قال أحدهما أوكلاهما على إستئناف. وَمَنْ قَرَأَ (إما يَبلُغَنَّ) جعله فعلاً لأحدهما فكرر عليه (كِلاَهُمَا) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) قرأ ابن كثير (خِطَاءً) مكسورة الخاء، ممدودةً، مفتوحة الطاء: وقَرَأ ابن عامر (خَطَأً) مقصورًا، مهموزًا، وكذلك رَوَى شبل عن ابن كثير، فيما روى عبيد عن شبل. وقرأ الباقون (خِطْئًا) بكسر الخاء، وسكون الطاء، والقَصْر، على (فِعْلاً) قال أبو منصور: أما قراءة ابن كثير (خِطَاءً) بكسر الخاء والمد فهو مصدر خَاطأَ يُخَاطئُ خِطَاء، على (فِعَالاً) ، وجائز أن يكون بمعنى؟ خَطِئَ، أى: أثِمَ. وأا قراءة ابن عامر (خَطَأً) بالهمز والقصر وفتح الخاء، فالخَطأ اسم من أخطأ يُخطئ إخطَاء، والاسم يقوم مقام المصدر الحقيقي. وقال الزجاج: قد يكون (خَطأ) من خَطئ يخَطأ خَطأ إذا لم يصب.

(فلا يسرف في القتل (33)

قال: وقد روى لابن كثير (خَطَأ) . وأما مَنْ قَرَأَ (خِطْئًا) بكسر الخاء وسكون الطاء على (فِعْلاً) فهي القراءة الجيدة. يقال: خَطئ الرجلُ يَخْطأ خَطأ، أى: أثِمَ يأثَمُ إثما. والفرق بين الخطأ والخطْئ أن: الخطأ ما لم يُتَعَمد من الذنب. والخطْئ: ما تُعُمِّدَ. وأنشد غير واحد: عِبَادُكَ يُخطُونَ وأنْتَ رَب ... كَرِيم لاَ تَلِيقُ بِكَ الذمومُ وقال أبو إسحاق: مَنْ قَرَأَ (خَطأ كبِيرَا) فله تأويلان: أحدهما: معناه أن قَتلهم كان غير صواب، يقال: أخطأ يخطئ إخطاء وخَطأ. والخَطأ: الاسم من هذا لا المصدر. وقد يكون (الخطأ) من خَطى، يَخْطأ خَطَأ مثل لَججَ يَلْجَجُ لَجَجا، إذا لم يُصِب، وأنشد: والناسُ يَلْحَوْن الأميرَ إذا هُمُ ... خَطِئوا الصوابَ ولا يُلام المُرْشِدُ * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ (33)

(وزنوا بالقسطاس (35)

قرأ حمزة والكسائي أوابن عامر (فَلَا تُسْرِفْ) بالتاء. وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَلَا تُسْرِفْ) فهو مخاطبة، وَمَنْ قَرَأَ (فَلَا يُسْرِفْ) فهو نهي للغائب، والفاء مجزومة على كل حال. والإسراف: أن تقتل غير قاتل صاحبه. * * * وقوله جلَّ وعزََّ: (وَزِنُوا بالقُسْطاسِ (35) قرأ حمزة وحفص والكسائي (بالقِسْطَاس) بكسر القاف، ومثله في الشعراء. وقرأ الباقون بضم القاف في السورتين. قال أبو منصور: هما لغتان معروفتان، وقيل: القِسطَاس: هو القَرْسَطُون وقيل: هو القفَّانُ، وقيل: القِسْطَاسُ: هو ميزان العدل، أيُّ ميزانٍ كان من موازين الدراهم أو غيرها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ (38)

(لو كان معه آلهة كما تقولون)

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (سَيِّئَةً) مؤنثةً منونةً، وقرأ الباقون (سَيِّئُهُ) مضافًا مذكرًا غير منون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سَيِّئَةً) فمعناه: كل ذلك كان سَيِّئَةً، فهو بمعنى: كل ذلك خطيَّة، وَمَنْ قَرَأَ (سَيِّئُهُ) ذهب إلى أن في هذه الأقاصيص سَيِّئًا وغير سَيئ، وذلك أن فيها (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) ، وفيها (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) الآية. وفيها (وأوْفُوا بالعَهْدِ) ، فَفِيمَا جَرَى من الأقاصيص سَيئٌ وحسن، (فَسَيِّئُهُ) أحسن من (سَيِّئَةً) ها هنا. وَمَنْ قَرَأَ (سَيِّئَةً) جعل (كُلًّا) إحاطة بالمَنْهِيَ عنه فقط، والمعنى: كل ما نَهَى الله عنه كان (سَيِّئَةً) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَو كَانَ مَعَهُ آلهِةٌ كَمَا تَقُولُونَ) (42) وقوله: (عَمَّا يقولون (43) ، وقوله: (يُسَبِّحُ (44) قرأ ابن كثير (كما يَقُولُونَ) و (عما يقولون) و (يُسَبِّح) ثلاثَهن بالياء. وقرأ أبو عمرو والحضرمي (كما تقولون) بالتاء، و (عما يقولون) بالياء، و (يُسَبِّحُ) بالتاء. وقرأ حمزة والكسائي كلهن بالتاء. وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (كمَا تَقُولُون) بالتاء، والباقى بالياء.

(بخيلك ورجلك (64)

وقرأ حفص عن عاصم (تسبح) بالتاء، والباقى بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء في (تقولون) فهو مخاطبة، ومن قرأهما بالياء فهي للغيبة، وكل ذلك جائز. والعرب تخاطب ثم تخبِر، وتخبر ثم تخاطب. وأما قوله (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ) فلتأنيث الجماعة. وَمَنْ قَرَأَ بالياء فلتقديم الفعل الجمع. * * * وقوله جلَّ وعزََّ: (بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ (64) قرأ حفص وحده (ورَجلِكَ) بكسر الجيم، ما رواه عن عاصم غير أبى عمر وقرأ الباقون (ورَجْلِكَ) بسكون الجيم. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (ورَجِلِكَ) فمعناه: ورَاجِلِكَ، يقال: رَاجِل ورَجِل، كما يقال: حَاذِرٌ وحَذِر. والقراءة المختارة: ورَجْلِكَ، وهو جمع رَاجِل، كما يقال: شارب وشَرْب، وصَاحِب وصَحْب، وراكِب ورَكب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ) . . . أوْ يُرْسِلَ. . . (68) و: (يُعيدَكم. . . فيرسِلَ عليكم. . . فَيُغرِقَكُمْ (69)

(ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى (72)

قرأهن ابن كثير وأبو عمرو بالنون كلهن. وقرأ الحضرمي (فتُغْرقكم) بالتاء، والفعل للريح، والأربعة الأحرفَ قبلها بالياء. وقرأ الباقون الخمسة الأحرف بالياء. قال أبو منصور: من قرأهن بالنون فالفعل للَّه جلَّ وعزَّ: أفأمِنتم أن نخْسِفَ بكم نَحْنُ أو نرسَل، وكذلك سائر الأفعال، آخرها (فتغرقكم) ، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو إخبار عن اللَّه، وَمَنْ قَرَأَ (فتغرقكم) بالتاء فالفعل للريح. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ومَنْ كَانَ في هذِهِ أعْمى فَهُوَ في الآخِرَةِ أعْمَى (72) قرأ أبو عمرو ويعقوب (فِي هذِهِ أعْمِى) بكسر الميم (فَهُوَ في الآخِرَةِ أعْمَى) بفتح الميم، وكذلك روى نُصَير عن الكسائي الكسر. وأما أبو بكر عن عاصم فإنه قرأهما بين الفتح والكسر ها هنا وفي طه. وكَسَرَ الميم فيهما حمزة والكسائي، وفتحهما الباقون. قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (مَنْ كَانَ في هذِهِ أعْمى) بكسر الميم، (فهو في الآخرة أعْمى) بفتح الميم، فإنه جعلِ الأول اسما، من " أعمَى القلبِ " وجعل الثاني تعجبا على (أفْعَل) من كذا، وفرَّق بين المعنيين باختلاف الحركتين، وهكذا روى نُصَير عن الكسائي، ومن كسر الميم منهما معًا أو فتحهما معًا

(وإذا لا يلبثون خلفك (76)

جعلهما على معنى واحد، وهو الاسم، كأنه قال: من كان في الدنيا أعمَى القلبِ عن قبول الحق فهو يحشر أعمى العينين لا يُبصر، كما قال: (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) ، والعرب تقول: هو أعمَى قلبًا. وقرأ غيره " هو أعمَى القلب، ويقولون: هو أعمى العين، وهو أشد عمىً من غيره. وفَتحُ الميمين على لغة من يفخم، وكَسْرُهما على لغة من يميل، وكلاهما لغة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وإذًا لاَ يَلْبَثُونَ خَلْفَكَ (76) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم (خَلْفَكَ) بفتح الخاء وسكون اللام، وقرأ الحضرمي (خَلْفَكَ) و (خِلاَفَكَ) جميعا، وقرأ الباقون (خِلاَفَكَ) بكسر الخاء، والألف. قال أبو منصور: المعنى في خَلْفَك وخِلاَفَك واحد، أي: لا يلبثون بعدك إلا قليلا. وقال الفراء: أراد جلَّ وعزَّ: أنك لو خرجْتَ ولم يؤمنوا لنزل بهم العذاب بعد خروجك. قال: وقَدِمَ رسول الله صلى اللَّه عليه المدينه فَحَسَدَتْهُ اليهود، وثَقُل عليهم مكانُه، فقالوا: إنك لتعلم أن هذه البلاد ليست بلادَ الأنبياء، فإن كنت نبيًّا فاخرج إلى الشام، فإنها بلاد الأنبياء، قال: فعسكر النبي - صلى الله عليه وسلم - علىِ أميال من المدينة، فأنزل الله جلَّ وعزَّ (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) أى: من المدينة، الآية.

(ناء بجانبه (83)

وقوله جلَّ وعزَّ: (نَاءَ بِجَانِبِهِ (83) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص والأعشى عن أبي بكر ويعقوب (ونأى) ، مثل: (نَعَى) ، بفتح النون والهمزة في السورتين، فقرأ ابن عامر (وَنَاء) بوزن (نَاعَ) في الموضعين مَفتُوحةً ممدودهَ مهموزةً، ورَوَى يحيى عن أبي بكر (ونَائي) بفتح النون، وكسر الهمزة، بوزن (ناعِي) ، كذلك رواه الأدمي في السورتين على مَن قرأ عليه، وكذلك روى خلف عن سليم عن حمزة وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم (ونِئى) بكسر النون والهمزة، وكذلك قراءة الكسائي في السورتين بكسرهما جميعًا. قال أبو منصور: أما مَن كسر النون والهمزة فإنه لما أمال الهمزة كسر النون والهمزة ليُتْبعَ الكسرة، وَمَنْ قَرَأَ بفتحهما آثر التفخيم لأنه أفصح اللغتين، ومن فتح النون وكسر الهمزة جعل النون فاء الفعل وهى مفتوحة في الأصل، وكسر الهمزة، وأمالها لقربها من الياء. وأما مَنْ قَرَأَ (ونأى بجانبه) فإنه أراد (نَاءَ) فقلبَه، كما يقال: (رَأى) ، بوزن (رَعَى) ، و (رَاءَ) بوزن (راعَ) . ومعنى قوله: (ناء بجانبه) ، أي: أناء جانبهُ تكبّرًا وإعراضًا عن ربِّه. ويجوز أن يكون (ناء بجانبه) بمعنى أنَّ جانبه، أي أماله، كما يصعِّر المتكبِّر خَدَّهُ، إذا أماله. وكل ذلك جائز. * * * وقوله جلَّ وعزََّ: (حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ (95)

(أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا (92)

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (حتى تُفَجِّر لنا من الأرض) بضم التاء وفتح الفاء وتشديد الجيم وكسرها، وقرأ الباقون (حتى تَفجُرَ) بفتح التاء وسكون الفاء خفيفة. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تُفَجِّر) فهو من تفجير الماء، وهو فَتْحُهُ، وشَق سِكْرةِ الأرضَ عنه حتى ينفجر ماء الينبوع انْفِجَارًا. وَمَنْ قَرَأَ (تَفْجُرَ) فهو من فجَرتُ السكْر أفجُره، إذا بثقتُهُ وفتحتُهُ، والفجر: الشق، وبه سمِّيَ الصبّح فجرا لاشتقاق ظلمة الليل عن نور الفجر إما ساطعا وإما مستطيرا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا (92) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي والحضرمي (كِسْفًا) في جميع القرآن بسكون السين، إلا في الروم فإنهم قرأوا (كِسَفًا) متحركة السين. وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم ها هنا (كِسَفًا) مثقلة) ، وكذلك في الروم، وسائر القرآن مخففا.

(قل سبحان ربي (93)

وقرأ حفص (كِسَفًا) بالتثقيل في كل القرآن، إلا في (والطور) (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا) خفف هذا وحده. وقرأ ابن عامر ههنا " كِسَفًا " مثقلا، وخفف الباقي في جميع القرآن. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (كِسَفًا) جعلها جمع كِسْفَة، وهي: القطعة. وَمَنْ قَرَأَ (كِسْفًا) فإنه يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون جمع كِسْفَة، كما يقال: عُشبة وعُثسْب، وتَمْرة وتَمْر. والوجه الثاني: أن يكون الكِسْفُ واحدًا، ويجمع على (كِسَفًا) . وقال الزجاج: مَنْ قَرَأَ (كِسْفًا) بسكون السين فكأنه قال: أو تسقطها طبَقًا علينا. قال: واشتقاقه من كسَفتُ الشىء، إذا غطيته، ويقال: كسفت الشمس النجوم، إذا غطت نورها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي (93) قرأ ابن كثير وابن عامر (قَالَ سُبْحانَ رَبِّي) بالألف، وكذلك هى في مصاحف أهل مكة وأهل الشام. وقرأ الباقون (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي) بغير ألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قَالَ) بلفظ الماضى، فهو خَبَر عن من قاله. وَمَنْ قَرَأَ (قُلْ) فهو أمر للنبي صلى الله عليه، كأنه قال: قل يا محمد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أنْزَلَ (102)

(قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن (110)

قرأ الكسائي والأعشى عن أبي بكر (لقد علمتُ مَا أنْزَلَ هَؤلاَء) بضم التاء، وقرأ الباقون (لقد علمتَ) بفتح التاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لقد علمتُ) فهو قول موسى صلى الله عليه، أخبر أنه قد علم علما يقينا. وَمَنْ قَرَأَ (لَقَد عَلِمْتَ) فهو مخاطبة من موسى صلى الله عليه لِفِرْعون، وتقريرٌ له. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ (110) رَوَى عباس عن أبي عمرو (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ) بكسر اللام، (أوُ ادْعُوا) مضمومة الواو. وقرأ ابن كثير وابن عامر ونافع وأبو عمرو - في غير رواية العباس - والكسائيُّ (قلُ ادعوا الله أوْ ادعوا) بضم اللام، والواو. وقرأ الباقون بكسر اللام والواو (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا) . قال أبو منصور: من ضم الواو من (أو) واللام من (قل) فإنه أوقع ضمة الهمزة من (ادعوا) عليهما، فضمهُمَا، ومن كسرهما فلاجتماع الساكنين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا (100) فتح الياء نافع وأبو عمرو.

وقد حُذِفَ من هذه السورة ياءان: قوله: (لَئِنْ أخرْتَن (62) وقوله: (فهو المهتد (97) . وقرأ ابن كثير (أخرتني) بياء في الوقف والوصل، وقرأ نافع وأبو عمرو (أخرتني) " و (المهتدي) بالياء في الوصل، وَوَقَفَا عليهما بغير ياء، ووصلهما يعقوب بياء، ووقف عليهما بياء. قال أبو منصور: من حذف الياء اكتفى بالكسرة الدالة على الياء، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو الأصل. * * *

سورة الكهف

سورة الْكَهْفِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (مِن لَّدُنْهُ وَيبشِّرَ المُؤمِنيِن) قرأ عاصم في رواية يَحيَى عن أبي بكر عنه (من لَدُنِهِي) بفتح اللام، وإشمام الدال الضم، وكسر النون والهاء، ما رَوَى هذا غير يَحيَى عن أبي بكر عن عاصم وقرأ الباقون (مِن لَّدُنْهُ) بفتح اللام، وضم الدال، وتسكين النون، وضم الهاء. قال أبو منصور: الذى رُوي عن عاصم - رواية يَحيَى - لُغَة، وروى أبو زيد وعن الكلابيين أجمعين هذا (من لَدُنِهِ) ضموا الدال، وفتحوا اللام، وكسروا النون. قال أبو منصور: والقراءة المختارة (مِنْ لَدُنْهُ) ، وعليها القراءة.

(من أمركم مرفقا)

وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ أمْرِكُمْ مِّرفَقًا) قرأ نافع وان عامر والأعشى عن أبي بكر (مَرْفَقًا) بفتح الميم، وكسر الفاء - وقرأ الباقون بكسر الميم وفتح الفاء (مِرْفَقًا) . وروى الكسائي عن أبي بكر مثل ما قال الأعشى. قال أبو منصور: أكثر كلام العرب أن يقولوا: (مِرْفَق) لِمِرْفَق اليد، بكسر الميم. ويقال لما يُرْتفقُ به: مَرْفِق. ويجوز هذا في ذَاكَ، وذَاكَ في هذا، قاله أحمد بن يَحيَى. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَزَاوَرُ عَن كَهْفُهم) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (تَزَّاوَر) بتشديد الزاي، وقرأ الكوفيون (تَزَاوَرُ) خفيفة الزاي. وقرأ ابن عامر ويعقوب (تَزْوَرُّ) ساكنة الزاي، مثل: تَحْمَرُّ. قال أبو منصور: ويجوز (تزْوَارُّ) ، ولا أدرى أقرِئ به أم لا؟ والمعنى في: تَزَّاوَرُ، وتَزَاوَرُ، وتَزوَرُّ، وتَزوَارُّ واحد، أى: تَميل فمن قرأ (تزَاوَرُ) بالتخفيف فالأصل: تَتَزَاوَرُ، فحذفت إحدى التاءين استثقالاً للجمع بينهما.

(ولملئت منهم رعبا)

وَمَنْ قَرَأَ (تزَاوَرُ) فالأصل فيه أيضًا: تَتَزَاوَرُ، فأدغمت التاء في الزاي وشُددت. وَمَنْ قَرَأَ (تَزْوَرُّ) فهو من: ازْوَرَّ تَزْوَرُّ. وكذلك ازْوَارَّ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ولَمُلِئْتَ مِنْهُم رُعْبًا) قرأ ابن كثير ونافع (ولَمُلِّئْتَ) بتشديد اللام، وقرأ الباقون خفيفة. وكذلك روى إسماعيل بن مسلم عن ابن كثيرٍ بالتخفيف. قال أبو منصور: أكثر الكلام (ولَمُلِئتَ) بالتخفيف، وإذا شددت اللام ففيه تأكيد للمبالغة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بِوَرْقِكُم) قرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة (بِوَرْقِكُمْ) ساكنة الراء خفيفة. وقرأ الباقون (بِوَرِقِكُم) بكسر الراء والقاف. قال أبو منصور: اللغتان اللتان قُرِئ بهما: وَرْق، ووَرِق. وفيه لغتان أخريان: (بوِرْقكم) بكسر الواو، وسكون الراء. و (بوَرِقكم) بفتح الواو، وكسر الراء، وإدغام القاف في الكاف. حتى يصير كأنهما كافًا خالصة.

(ثلاث مائة سنين (25)

الدراهم المضروبة: الوَرِق وهي الرقَّة، وقال أبو عبيَدة للفضة وإن كانت غير مضروبة: رِقَّة ووَرِق. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ (25) قرأ حمزة والكسائي (ثَلَاثَ مِائَةِ) مضافةً، وقرأ الباقون (ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) منونة. قال أبو منصور: من قرأها بالإضافة فإن الفَرّاء قال: العرب تجعل السنين على وجهين: يقولون هذه سنينٌ فاعلم، و: سنينَ فاعلم، و: سنون فاعلم. فمن جمعها بالواو والنون كان جمعًا لا غير، ومن جمعها بالنون والياء فى جميع الوجوه قال: شَبَّهْتُه بالواحد، وكذلك من أجرى فهو كالواحد، كأنه قال: ثلاث مائةِ سنة، فهذا وجه الإضافة. ومن قرأه فقال: (ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) ففيه وجهان: أحدهما: أن يجعل (سنين) في موضع النصْب، ينصبها بالفعل، كأنه قال: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائة. والوجه الثاني: أن يجعل (سنين) في موضع الخفض بدلاً من قوله (ثلثمائة) ، وكل حَسن جيد. وأخبرني المنذري عن اليزيدي قال: سمعت أبا حاتم يقول في قوله: (ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) كِأنه قال: لَيْست مشهورة.

(ربي أعلم)

قال أبو منصور. وهذا يكون بَدَلاً، كما قال الفراء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (رَبِّي أعْلَمُ) فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بِرَبِّيَ أحدا (38) ، (فَعَسَى رَبِّيَ أنْ (40) فتحها ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلاَ يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أحَدًا (26) قرأ ابن عامر (ولا تُشركْ في حكمه أحدا) بالتاء وجزم الكاف، وقرأ الباقون، (وَلاَ يُشْرِكُ) بالياء والرفع. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء وجزم الكاف فَعَلَى النهي، والنهي مجزوم. وَمَنْ قَرَأَ (ولا يُشركُ في حكمه) فالمعنى أنه جرى ذكر علمه وقدرته فأعلم منه عن أنه لا يشركُ في حكمه ما تفرد به من عِلْم الغيب أحدا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر خَيْرًا مِنْهُمَا مُنْقَلَبًا) على التثنية، وكذلك هي في مصاحقهم. وقرأ الباقون (خيرًا منها) بغير الميم بعد الهاء.

(لكنا هو الله ربي)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (خَيْرًا مِنْهَا) رده على قوله: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) . وَمَنْ قَرَأَ (منهما) ردهما على قوله: (لأحَدهما جَنَّتَين) ، ثم قال: (وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ) و (وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا) وكل ذلك جيد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي) قرأ يعقوب وابن عامر والمسيبي عن نافع (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي) يثبتون الألف، فِى الوصل والوقف. وقرأ الباقون ونافع في رواية قالون وورش وإسماعيل وابن جمازٍ (لَكِنَّا) بألف في الوقف، وحذفها في الوصل، واتفقوا على إثبات الألف في الوقف من أجل أن الأصل فيه (لكن أنا) ، فحذفوا الألف التي بين النونين، وأدغموا النون الأولى في الثانية، فصار (لَكِنَّا) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَكِنَّا) فأثبت الألف في الوطل كما كان يثبتها في الوقف فهو على لغة من يقول - (أنا قمتُ) فأثبت الألف كما قال الشاعر: أنا سيفُ العشيرةِ فاعْرِفوني ... حُمَيْداً قد تَذَّرَّيْتُ السَّناما وفى (أنا) في الوصل ثلاث لغات، أجودها (أن قلتُ ذاكَ) بغير ألف، كقوله:

(ولم تكن له فئة (43)

(أنا ربكم) بغير ألف في اللفظ. ويجوز (أنا قلت) بإبات الألف في اللفظ، كما قال الشاعر، وهو ضعيف عند النحويين وفيه لغة ثالثة: (أنْ قلتُ) بإسكان النون، وهو أضعف من إثبات الألف. فأما قوله: (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي) فالأجود في القراءة إثبات الألف. ، لأن الهمزة قد حذفت من (أنا) فصارت إثبات الألف عوضَا من الهمزة، وكل ما قرئ به فهو جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ (43) قرأ حمزة والكسائي (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فذكَّر ذهب به إلى الجمع مع تقدم الفعل؛ لأن الفئة يقع عليها اسم الجمع، ولفظ الجمع مذكر - وَمَنْ قَرَأَ بالتاء ذهب به إلى لفظ الفئة، وهى: (الفرْقة) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ (44) قرأ حمزة والكسائي (الوِلاَية) بكسر الواو، وفتحها الباقون. وقرأ أبو عمرو والكسائي (الْحَقُّ) ، وقرأ الباقون خفضًا.

(وخير عقبا (44)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (الوِلاية) بكسر الواو فهو مصدر الوالي، يقال: والٍ بَيِّنُ الوِلاَية - ومن فتح فقرأ (الوَلايةُ) فهو مصدر الوَلِي، يقال: وليٌّ بَيِّنُ الوَلاَية. ومن النحويين من زعم أن الوِلاية والوَلاَية لغتان يمعنى واحد. وَمَنْ قَرَأَ (الحقِّ) خفضًا جعله نعْتا (للهِ الحق) ، وَمَنْ قَرَأَ (الحقُّ) جعله نعتًا للولاية، كأنه قال: هنالِكَ الولايةُ الحقُّ لِلَّهِ * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَخَيْرٌ عُقْبًا (44) قرأ عاصم وحمزة (عُقْبًا) ساكنة القاف، وقرأ الباقون (عُقُبًا) بضمتيْن قال أبو منصور: العُقْبُ والعقُبُ واحد، معناهما: العاقبة - وانتصاب (عقبا) على التمييز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ تُسَيَّرُ الجبالُ (47) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (وَيَوْمَ تُسَيَّرُ الجبالُ) بالتاء رفعًا، وقرأ الباقون (ويوم نُسَيِّرُ الجبالَ) بالنون منصوبة.

(ويوم نقول نادوا شركائي (52)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تُسَيَّرُ الجبالُ) فهو على ما لم يسم فاعله، وَمَنْ قَرَأَ (نُسَيِّرُ) فالفعل للَّهِ، ونصب (الجبال) لوقوع الفعل عليها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ويَومَ نَقُولُ نَادُوا شُرَكائي (52) قرأ حمزة (وَيَوْمَ نَقُولُ (بالنون، وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فالمعنى: يوم يقول الله للمشركين نادوا شركائي بزعمكم، يعنى: الآلهة التي عبدوها وجعلوها للَّه شركاء. وَمَنْ قَرَأَ بالنون فهو للَّه، يقول: نقول نحن للمشركين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ (63) قرأ حفص (وما أنسانيهُ) بضم الهاء، ومثله في سورة الفتح (بِمَا عَاهَدَ عَليهُ اللَّهَ) . وأمال الكسائي السين، وفتحها حمزة، وقرأ ابن كثيرٍ (وما أنسانيهِى) بالياء في اللفظ. وقرأ الباقون (وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا) بكسرة مختلسة.

(وجعلنا لمهلكهم موعدا (59)

وقد مَرَّ الجواب في أمثالها، وكل ماقرئ به فهو جائز، وأجوده الكسرة المختلسة في الإدراج. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَجَعَلنا لِمَهْلكهِمْ مَوْعِدًا (59) وفي النمل (مَهْلكَ أهْلِهِ) . قرأ أبو بكر عن عاصم في رواية يَحيَى (لِمَهْلكهم) و (مَهْلَك أهله) بفتح الميم واللام جميعًا. وقرأ حفص عن عاصم (لِمَهْلِكهم) و (مَهْلِكَ أهله) بكسر اللام فيهما. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لِمَهلِكهم) فالمعنى: لإهْلاَكِنَا إياهم، يقال: أهْلكهُ إهْلاَكًا ومَهْلِكًا، وَمَنْ قَرَأَ (لِمَهْلكهم) فمعناه: لهلاكِهم، مصدر هلك يَهْلِكُ هَلاَكًا ومَهلكا، وَمَنْ قَرَأَ (لِمَهلِكِهم) أراد: أسماء، أي: لوقت إهلاكهم وكذلك القول في (مَهلِكَ أهله) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلاَ تَسألْني عَنْ شيءٍ (70) قرأ نافع وابن عامر (فَلاَ تسألَنِّي) مثقلة، وروى ابن أخرم لابن عامر (فلا تَسْألنِّ) بغير ياء. وقرأ الباقون (فَلاَ تَسألْني عَنْ شيءٍ) ساكنة اللام، بياء في الوصل والوقف، والياء ثابتة في الكهف في جميع المصاحف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فلا تسألَنِّي) فالتشديد للتأكيد، والياء في موضع النصب، ومن كسر النون اكتفى بكسرتها من الياء.

(ليغرق أهلها (71)

وَمَنْ قَرَأَ (فلا تسألْني) بنون خفيفة فهي النون التي تَدُل على المفعول المضمر مع الياء، كقولك: (لا تَقتلْنِي) * * * وقوله جلَّ وعزََّ: (لِيَغْرَقَ أهلُهَا (71) قرأ حمزة والكسائي (لِيَغْرَقَ) بالياء (أهْلُها) رفعًا، وقرأ الباقون (لتُغْرِقَ) بالتاء مرفوعة، والراء مكسورة، (أهْلَها) نصبًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لِيَغْرَقَ أهْلُها) فالفعل للأهل، وَمَنْ قَرَأَ (لِتُغْرَق أهْلَها) فإن موسى صلى الله عليه خاطب الخضر عليه السلام وقال له: أخرقت السفينة لكي تُغْرِقَ أهلَهاْ. وقوله جلَّ وعزََّ: (أقتلْتَ نَفْسًا زكيَّةً (74) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (زاكِيَةً) بألف، وقرأ الباقون (زكية) . قال أبو منصور: الزاكِيَةُ والزكية واحدة، وهى: النَّفس التي لم تَجْن ذنْبًا، ومثله: القاسِية والقسيَّة، ومعنى الزاكيَة: الطَاهرة النامية. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)

(قد بلغت من لدني عذرا (76)

قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب (نُكُرا) مثقلا في كل القرآن، وقرأ الباقون (نُكْرا) خفيفا حيث وقع. وقرأ ابن كثير (إلى شىْء نُكْر) ساكنة الكاف وقرأ الباقون (إلى شىء نُكُر) مثقلا. قال أبو منصور: النكْرُ والنكُر لغتان جيدتان؛ إلى الشىء المنْكر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قد بَلَغْتَ مِن لَّدُني عُذْرًا (76) قرأ أبو بكر عن عاصم (من لَدْنِي) بفتح اللام، وإشمام الدال ضمة مختلسة، وتخفيف النون. وروى الأعشى عن أبي بكر (من لُدْني) بضم اللام، وسكون الدال، وتخفيف النون، وكذلك روى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم. وقرأ نافع (من لَدُنِى) مفتوحة اللام، مضمومة الدال، خفيفة النون. وقرأ الباقون (من لَدُني) مضمومة الدال، مشددة النون، مفتوحة اللام. قال أبو منصور: هى لغات معروفة، وأجودها في القراءة فتح اللام، وضم الدال، وتشديد النون؛ لأن (لَدُن) نونها في الأصل ساكنة، فإذا أضَفْتها إلى نفسك قلْتَ: لدنى، كما تقول: (عن زيد) بسكون النون، فإذا أضفتها إليك قلت (عنى) فثقلت النون، وإنما زادوا النون في الإضافة ليَسْلَم سكون النون الأول.

(لاتخذت عليه أجرا (77)

وَمَنْ قَرَأَ (من لَدُنِي) جعل الاسم على ثلاثة أحرف، فاكتفى بنون واحدة، ولَمْ يَقِسْها على (عَنْ) ؛ لأن (عَنْ) ناقصة، لأنها حرفان. وأما من قال: (من لُدْنِي) فهي لغة لبعض العرب، كَان الضمة في الدال، فنقلت إلى اللام، كما قالوا: حَسُنَ الوجْهُ وجْهُك، فإذا ثقلوا قالوا: حَسُنَ الوجهُ وجهًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قرأ ابن كثير وأبو عمرو والحضِرمي (لَتَخِذْتَ) بفتح التاء وكسر الخاء خفيفة. وقرأ الباقون (لَاتَّخَذْتَ) بتشديد التاء وفتح الخاء، وكلهم أدغموا الذال في التاء غير ابن كثير وحفص والأعشى عن أبي بكر. وقرأ يعقوب (لَتَخِذْتَ) إنما أظهر الذال ههنا فقط. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَاتَّخَذْتَ) فهو افتعَالٌ من: اتخذ يتَّخذ اِّتخاذَا، والأصل: أئتخذَ يَتَخِذُ، فأدغمت الهمزة في التاء، وشددت. وأصل الحرف مأخوذ من أخَذَ يأخُذُ. يقول: لو أخذت بِأخْذِنا، أيْ: لو فَعَلْت بِفِعلِنَا. وَمَنْ قَرَأَ (لَتَخِذْت) فإنه يحذف الهمزة، ويجعله مبنيا على فَعِلَ يَفْعَل، كما قالوا في (اتقَى يتَّقي) : تَقِيَ يَتْقَي. وأنشد أبو عمرو أو غيره:

(ستجدني إن شاء الله (69)

وقد تَخِذَتْ رِجْلِي إلى جَنْبِ غَرْزِهَا ... نَسيفاً كأُفْحوصِ القَطاةِ المُطَرِّقِ وقال الزَّجَّاج: مَنْ قَرَأَ (لَتَخِذْتَ) فهو بمعنى: اتخذتَ، وأصل تَخِذْت: أخَذْتُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَتَجِدُنِي إنْ شَاء اللَّه (69) فتح الياء نافع وحده. * * * وقوله جلَّ وعزََّ: (معيَ صَبْرا (67) فى ثلاثة مواضع. فتحهن حفص وحده. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أن يُبدِلَهما رَبُّهما (81) ونظائرها. قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بالتخفيف في الأربعة الأحرف، وهي قوله في الكهف: (أن يُبدِلَهما) ، وفي النور: (ولَيُبْدِلنَّهمُ) .

وفي التحريم: (أن يُيْدِلَهُ) ، وفي (ن) : (أنْ يُبْدِلَنَا خيرًا) . وقرأ نافع وأبو عمرو أربعهن بفتح الباء وتشديد الدال. وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي التي في النور: (ولَيُبَدِّلنَّهمُ) مشددة والباقى بالتخفيف. وروى أبو عمرو عن أبي العباس أنه قال: التبْدِيل: تَغْييرُ الصورة إلى صورة غيرها، والجوهرةُ بعيْنها، والإبدال: تنحِيَة الجوهرة واستئناف جوهرة أخرى، واحتج بقول أبي النجم: عَزْلُ الأميرِ للأمير المُبدَل ألا تراه نَحى جِسْمًا وجعل مكانه جسمًا آخر. وقال المبردُ: هذا حسن، غير أن العربَ تَجْعَلُ بَدَّلْتُ بمعنى: أبدَلْتُ، واحتج بقوله جلَّ وعزَّ: (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) . ألا تراهُ قد أزال السيئات وجعل مكانها حسنات! قال: وأمَّا ما شرط أحمد بن يَحيَى فهو معنى قولُهُ: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) ، قال: فهذه هى الجوهرة، وتبدِيلُهَا: تغيير صورتها إلى غيرها؛ لأنها كانت ناعمة فاسْوَدت بالعذاب، فَرُدت إلى صورة جلودهم الأول لما نَضِجَتْ تلك الصورة، فالجوهرة واحدة، والصورة مختلفة.

(وأقرب رحما (81)

وعلى كلام المبرد بَدَّلْتُ بمعنى واحد، ويفترقان في حالةٍ أخْرَي، واللَهُ أعلم. * * * وقوله جلَّ وعزََّ: (وأَقْرَبَ رُحْمًا (81) قرأ ابن عامر والحضرمي (رُحُمَا) بضم الحاء، وقرأ الباقون (رُحْمَا) بسكون الحاء، وروى على بن نصر وعباس عن أبي عمرو الوجْهَيْن: التخفيف، والتثقيل. وأنشد أبو عمرو: ومن ضَرِيبتِه التَّقْوى ويَعْصِمُهُ ... مِنْ سَيِّئِ العَثَرَاتِ اللَّهُ والرُّحُمُ * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فأتْبَعَ سَبَبًا (85) . . . ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو ويعقوب (فاتَّبَع. . . ثُمَّ اتَّبَع) بتشديد التاء، موصولة، وقرأ الباقون (فأتْبَعَ. . . ثُمَّ أَتْبَعَ) مقطوعةً ساكنةً، التاء خفيفة.

(في عين حمئة (86)

قال أبو منصور - مَنْ قَرَأَ (فاتَّبَع) بتشديد التاء فمعناه: تَبعَ. وَمَنْ قَرَأَ (فأتْبَعَ) مقطوعة الألف فمعناه: لَحِقَ، روى ذلك أبو عبيد عن الكسائي. وقال الفراء: (أْتبَع) أحْسَنُ من (أتبع) ؛ لأن معنى اتَّبَعْتُ الرجل: إذا كان يسير وأنت تسير وراءه - وإذا قلت: أتبَعْته فكأنك قَفَوْتَهُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (في عَيْنٍ حَمِئَةٍ (86) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص ويعقوب ((في عَيْنٍ حَمِئَةٍ) مهموزة بغير ألف، وقرأ الباقون (حَامِيَةٍ) بألف غير مهموزة - وقرأها ابن مسعود (حامية) قال الأزهري: مَنْ قَرَأَ (حَمِئَة) أراد: في عَيْن ذاتِ حَمْأة، قد حَمِئت فهي حَمِئَة. وَمَنْ قَرَأَ (حامية) أراد: حارَّة، وقد تكون " حارَّة ذات حمأة، فيكون فيها المعنيان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنى (88) قرأ ابن كثير ونافع وأيو عمرو وابن عامر وأبو بكر عَن عاصم (جَزَاءَ الحُسْنى) مضافًا، وقرأ الباقون (جَزَاءً الحُسْنى) منونًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (جَزَاءً الحُسْنى) فالمعنى: فله الحسنى جزاء، و (جزاء) منصوبًا لأنه مصدر وُضِعَ موضع الحال، المعنى: فله الحسنى مَجْزيًّا بها جزاء.

(بين السدين) ، و (بينهم سدا)

وَمَنْ قَرَأَ (جَزَاءَ الحُسْنى) أضاف (جَزَاء) إلى (الحُسْنى) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بَيْنَ السَّدَّيْنِ) ، وَ (بَيْنَهُمْ سَدًّا) قرأ ابن كثير وأبو عمرو، (بَيْنَ السَّدَّيْنِ) ، وَ (بَيْنَهُمْ سَدًّا) ، بفتح السين - وقرآ في يس (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) بضم السين. وقرأ نافع وعاصم من رواية في أبي بكر وابن عامر بضم السين في كل ذلك. ويعقوب في أربعة المواضع. وكذلك روى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله. وقرأ حمزة والكسائي (بَيْنَ السُّدَّيْنِ) ، بضم السين في هذه وحدها، ويفتحان (بَيْنَهُمْ سَدًّا) و (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) . وأخبرني المنذرب عن أبي جعقر الغسَّاني عن سلمة أنه سمع أبا عبيدة قال: (السُّدَّيْنِ) مضموم إذا جعلوه مخلوقا من فعل اللَّه، وإن كان من فعل الآدميين فهو (سَدَّة) مفتوح.

(لا يكادون يفقهون قولا (93)

قال: وقال الكسائي: (السُّدَّيْنِ) ضم السين ونصبها سواء السَّد والسُّد، و (جَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) و (سُدًّا) * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قرأ حمزة والكسائي (يُفْقِهُونَ) بضم الياء وكسر القاف، وقرأ الباقون (يَفْقَهُونَ) ، بفح الياء والقاف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا) فمعناه: لا يكادون يَفْقَهُونَ عنك. وَمَنْ قَرَأَ (يُفْقِهُونَ) فمعناه: لا يكادون يُفْهِمون غيرهم إذا نطقوا، والفقيه معناه - العالم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ (94) قرأ عاصم وحده، (يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) مَهمُوزين، وفى الأنبياء مثله، والأعشى عن أبي بكر بغير همز في السورتين، وكذلك الباقون لا يهمزون. قال أبو منصور: هما اسمان أعجميان لا ينصرفان لأنهما معرفه - وقال هذا أهل اللغة - من همز قكأنه من أجَّةِ الحر، ومن قوله (مِلْحٌ أُجَاجٌ) للماء الشديد المُلوُحة - وأجة الحر تَوقده، ومنه: أججْتُ النار. فكأن التقدير في (يأجوج) - يفعول وفي (مأجوج) : مفعول وجائز أن يكون ترك الهمز على هذا المعنى، ويجوز أن يكون مأجوج فاعولاً، وكذا يأجوج.

(فهل نجعل لك خراجا (94)

وهذا لو كان الاسمان عربيين لكان هذا اشتقاقُهما، فأما الأعجمية فلا تشتق من العربية. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا (94) (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرَاجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) قرأ حمزة والكسائي ثلاثَهُن بالألف، وقرأهن ابن عامر كلهن بغير ألف، وقرأ الباقون (خَرْجًا) بغير ألف، (فَخَرَاجُ رَبِّكَ) بألفٍ. قال أبو إسحاق النحوي: مَنْ قَرَأَ (خَرْجًا) فالخَرج: الفْيء - والخَرَاج: الضريبة. والخَرَاج عند النحويين: الاسم لِمَا يُخْرَج من الفرائض في الأموال. والخَرْج: المصدر. وقال الفراء: الخَرَاج: الاسم الأول - والخَرْج كالمصدر (إن خرج رأسك) كأنه الجُعل. كأنهُ خاص، والخراج العام. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا مَكَّنِّي فِيهِ (95)

(ردما (95) آتوني)

قرأ ابن كثير وحده (ما مَكَنَني) بنونين، وقرأ الباقون (مَا مَكَّنِّي) بنون واحدة مشددة. قال الفراء: (مَا مَكَّنِّي) أدغمت نونه في النون التي بعدها، وقد قرئ بإظهارها، وهو الأصل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (رَدْمًا (95) آتُونِي) قرأ أبو بكر عن عاصم (رَدْمًا ائتُونِي) بكسر التنوين، ووصل الألف، على جِيئُوني، هذه رواية يَحيَى وحسين عن أبي بكر. وروى الأعشى عن أبي بكر (رَدْمًا آتُونِي) وكذلك قرأ الباقون بالمد. ومثله (قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ) بقطع الألف. وقال الفراء: قرأ حمزة والأعمش: (قَالَ ائتُونِي) مقصورة، ونصَبَا (قِطْرًا) بها، وجعلاها من جيئوني. قال: آتوني، أي: أعطوني. إذا طُولَتِ الألف، "ومثله: (آتِنَا غَدَاءَنَا) . قال: وإذا لم تُطَول الألف أدخلت الياء في المنصوب، وهو جائز. قال: وقول حمزة والأعمش صواب ليس بخطأٍ من وجهين: يكون مثل قوله: أخَذتُ بالخِطامِ، وأخَذتُ الخِطامَ. قال: ويكون على ترك الهمزة الأول في قوله: (آتُونِي) ، فإذا سقطت الأولى هُمزت الثانية. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (بَيْنَ الصُّدُفَيْن (96)

(قال آتوني)

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحضرمي (بَيْنَ الصُّدُفَيْنِ) بضم الصاد والدال، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي (الصَّدَفَيْنِ) بفتح الصاد والدال، وقرأ أبو بكر عن عاصم (الصُّدْفَيْنِ) بضم الصاد وسكون الدال. قال أبو منصور: من سكَّن الدال خَفف الضمتين، كما يقول: الصُّحْفُ والصُّحُفُ والرُسْلُ والرسُل. والصُّدْفان والصُّدُفان: ناحِيَتَا جَبَلَيْن بينهما طريق. فناحيتاهما يتقابلان. وصادفْتُ فلانًا، إذا قابلته. والصّدف والصَّدْفة: الجانب والناحِية. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قال آتُوني) قرأ حمزة (قال ائتُوني) قصرًا. وقد روي عن يحيى عن أبي بكر مثل قراءة حمزة. وقرأ الباقون (قال آتُوني) . وكذلك قُرِئت على أصْحاب عاصم بالمدِّ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فما اسْطَاعوا أنْ يظْهرُوه (97) قرأ حمزة وحده (فما اسْطَّاعُوا) مشددة على معنى: استطاعوا، وفيه جمع بين ساكنى، وهما: السين والتاء المدغمة في الطاء. قال أبو إسحاق: (فَما اسْطاعوا) بغير تاء، أصلها: استطاعوا بالتاء، ولكن التاء والطاء من مخرج واحد، فحذفت التاء لاجتماعهما، وليَخِفَّ اللفظ.

(أفحسب الذين كفروا (102)

قال: ومن العرب من يقول: اسْتَاعُوا. ولا يجوز القراءة بها - ومنهم من يقول: فما اسْطاعوا، بقطع الألف، المعنى: فما أَطَاعُوا، فزادوا السين. قاله الخليل وسيبويه عِوَضًا من ذهاب حركة الواو؛ لأن الأصل في أطَاع: أطْوَعَ. قال: فأمَّا مَنْ قَرَأَ (فما اسْطَّاعوا) بإدغام التاء في الطاء فهو لاحِن مخطئ، قاله الخليل ويونس وسيبويه وجميع من قال بقولهم، وحُجتهم في ذلك أن السين ساكنة فإذا أدغمت التاء صارت طاء ساكنة، ولا يجمع بين ساكنين قال: ومن قال: أطْرَحُ حركة التاء على السين فأقول: (فما اسَطاعوا) فَخَطأ أيضًا؛ لأن سين (اسْتَفْعل) لم تُحرّك قط. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أفَحَسِبَ الَّذينَ كَفَرُوا (102) قرأ الأعشى عن أبي بكر (أفَحَسْبُ الذين) ساكنة السين، مضمومة الباء، وهى قراءة علي بن أبي طالب. وقرأ الباقون (أفَحَسِبَ الذين كفروا) بكسر السين، وفتح الباء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أفَحَسِبَ الذين) فمعناه: أفَظَن الذين كفروا، من حَسِبَ يَحْسَبُ ويحْسِبُ. وَمَنْ قَرَأَ (أفَحَسْبُ الذين كفروا) فتأويله: أفَيَكْفِيهم أن يتخذوا العبادَ أولياءَ من دون الله، ثم بَيَّن جزاءهم فقال: (إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا) . وتأويل مَنْ قَرَأَ (أفَحَسِبَ) : أفَحَسِبُوا أن ينفعهم اتخَاذُهم عبادِى أولياء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي (109) قرأ حمزة والكسائي (يَنْفَدَ) بالياء. وقرأ الباقون (تَنْفَدَ) بالتاء.

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَنْفَدَ) فلأن الكلمات جماعة مؤنثة. وَمَنْ قَرَأَ (يَنْفَدَ) ذهب إلى معنى الكَلِم، وتقدُّم الفعل. * * * وحذف من الكهف ست ياءات (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) ، (أَنْ يَهْدِيَنِ) (24) ، (إِنْ تَرَنِ) (39) " (أَنْ يُؤْتِيَنِ (40)) ، (أَنْ تُعَلِّمَنِ (66) (مَا كُنَّا نَبْغِ (64)) ، قال: فوصَلَهن ابن كثير ونافع وأبو عمرو بياء، ووقفوا بغير ياء، إلا ابن كثير حذف الياء من " المهتد " ولم يَصلها بياء، ووقف على الخمس آيات بياء ووصل الكسائي (مَا كُنَّا نَبْغِي) ، بياء، ووصلهن كلهن يعقوب بياء، ووقف عليهن بياء. * * *

سورة مريم

سورة مَرْيَمَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم والأعشى عن أبي بكر ويعقوب (كَهَيعص) مفتوحة الياء والهاء. وقرأ نافع بين الفتح والكسر في الهاء والياء. وقرأ أبو عمرو (كهِيَعص) بكسر الهاء وفتح الياء. وقرأ ابن عامر وحمزة، (كهَيِعص) بفتح الهاء وكسر الياء، وقرأ الكسائي وأبو بكر في رواية يَحْيَى عنه عن عاصم (كهِيِعص) بكسر الهاء والياء، وأظهر الدال التي في صاد عند الذال ابن كثيرٍ ونافع وعاصم والحضرمي، وأدغمهما الباقون - واتفقوا على إدغام نون عين. قال أبو منصور: هذه لغات، اتفق أهل اللغة على جواز جميعها مع اختلافها فَبأيها قرأت فأنت مصيب، فاقرأ كيف شئت، والتفخيم فيها لغة أهل الحجاز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ وَرَائي وَكَانَت) قرأ ابن كثير، (مِنْ وَرَائيَ) مفتوحة الياء ممدودة مهموزة، وروى عبيد عن شبل عنه (وَرَايَ) بغير مَدٍّ، مثل: عَصَايَ. وقرأ الباقون (وَرَائي) ممدودة ساكنة الياء.

(يرثني ويرث)

قال أبو منصور: الذي رواه عبيد عن شبل عن ابن كثير (وَرَايَ) بغير مَد مثل: عَصايَ، ليس بجيد؛ لأن وراء ممدود في كلام العرب كأنه بمعنى خَلْفًا وأمَامًا، وأما (الوَرَى) بمعنى الخَلْق فهو مقصور، يكتب بالياء، يقال: لا أدْرِى أيُّ الوَرَى هو - أي: مَا أدْرِى أي الخَلْق هو. والقراءة الجيدَة ما اتفق عليه القُراء (مِن ورَائي) بالمد، وأما الياء فإنْ شئتَ حَركْها وإن شئت أسْكَنْتَها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ) قرأ أبو عمرو والكسائي (يرثْني ويرثْ) بالجزم فيهما معًا، وقرأ الباقون (يَرِثُنِي وَيَرِثُ) بالرفع فيهما. قال أبو منصور: من قرأهما بالجزم فإنهما جواب الأمر، ومن رفعهما فلأنه صفة للولي، كأنه في الكلام: هبْ لي من لدنك ولِيا وَارثًا. أقِيمَ المضارع مقام الاسم وجُعِلَ حَالا. ومثله قول اللَّه جلَّ وعزَّ: (ولا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) بالرفع، أي: لا تَمْنُنْ مُستكثِرًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكِبَرِ عُتِيًّا) وقوله (بُكِيًّا (58) و (صُلِيًّا (75) و (جُثِيًّا (72) . قرأ حفص وحمزة والكسائي بكسر أوائل هذه الحروف، إلا (بكِيًّا) فإن حَفْصًا خالفهما فضم الباء من (بُكِيًّا) وقرأ الباقون أوائلهُنٌ بالضم.

(وقد خلقتك من قبل)

قال أبو منصور: أما (عُتيًّا) فهو مصدر عَتَا يَعْتُو عُتِيًّا، وكان في الأصل عُتُوًّا فأدغمت الواو في الياء وشُددَت. وَمَنْ قَرَأَ (عِتِيًّا) بكسر العين فإنه كَسَرَ العين لكسرة التاء. وكذلك سائر الحروف. وبكيًّا: جمع بَاكِ، وكَانَ في الأصل: بُكُوًّا، وكذلك صلِيًّا: جمع صَالٍ - وجِثيًّا: جمع جَاثٍ، وكل مصدر يجيء على (فُعُول) فإنه يجوز أن يجْعَل جمعًا لِفَاعِل كقولك: حَضَرْتُ حُضُورًا، وقَوْمٌ حُضُورٌ، وَشهِدت شُهُودًا، وقَوْمٌ شُهُودٌ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ) قرأ حمزة والكسائي (وقد خَلَقناك) بالنون والألف. وقرأ الباقون (وَقَدْ خَلَقْتُكَ) بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء وبالنون فالفعل دثه لا شريك له، والقرآن عربى والمَلِكُ من العرب يقول: فعلنا كذا وكذا. فخوطبوا بما يعرفونه، إذ اللَّه جلَّ وعزَّ مَلِك الملوك ومالِكُهم، وهذا كما أخْبَر الله عن الكافر الذي دعا ربه حين عايَنَ العذاب فقال: (رَبِّ ارْجِعُونِ) . وَمَنْ قَرَأَ (وقد خلقتُك) فهو على ما يتعارفه الناس، وكل صحيح. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (اجْعَلْ لِي آيَةً) فتح الياء نافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون.

(إني أعوذ بالرحمن منك)

وقوله: (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ) فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون. قال أبو منصور: هما لغتان جيدتان فاقرأ كيف شئت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قرأ أبو عمرو ويعقوب (لِيهَبَ لك) بالياء، وكذلك روى ورش عن نافع، وقرأ الباقون (لِأَهَبَ لَكِ) بألف. قال أبو منصور: المعنى واحد في (لِيَهَبَ) و (لأهَبَ) ، أراد: أرسلني اللة ليهَبَ لَكِ، ومن قال (لأهبَ لك) فهو على الحكاية المحمولة على المعنى، كأنه قال: أرْسِلتُ إليك (لأهبَ لَكِ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) قرأ حمزة وحفص (نَسْيًا) بفتح النون، وقرأ الباقون (نِسْيًا) بكسر النون) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نِسْيًا) بكسر النون فإن النسْيَ في كلام العرب: الشىء الذي يُلْقى ولا يؤبه له كالحيضة الملقاة، والخرق البالية، والرمم التي لا قيمة لها.

(فناداها من تحتها)

وَمَنْ قَرَأَ (نَسْيًا) فإنه كان في الأصل (نَسْيًّا) فخفف فقيل: نَسْي، معناه: المَنْسي، كما يقال، للهُدَى هَدْي، وجاز تكرير لفظينِ مختلفين بمعنى واحد للتأكيد. والنِّسْيُ أكثر فِى الكلام من النَّسْيِ. * * * وقوله جلَّ وعزََّ: (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا) قرأ ابن كثير فالمعنى وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب (مَن تَحْتَها) مفتوحة الميم والتاء، وقرأ الباقون (مِن تحتِها) بكسر الميم والتاء قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مَن تحتها) عنى به عيسي عليه السلام، والمعنى في مناداة عيسى لها أن الله - عزَّ وجلَّ - بيَّن لمريم الآية فيه، وأعلَمَها أن الله سيَجْعل لها في النخلة آية. وَمَنْ قَرَأَ (مِن تحتِها) أراد الذي استقر تحتها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) قرأ حمزة (تَسَاقطْ) بفتح التاء مخففة، وقرأ حفص (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ) بضم التاء، وكسر القاف خفيفتين، وقرأ الحضرمي (يَسَّاقَطْ عليك) بياء مفتوحة وتشديد السين، وقرأ الباقون (تَسَّاقِطْ) بفتح التاء وتشديد السين، وقرأ عاصم في رواية حَمَّاد والكسائي في رواية نصير (يَسَّاقَطْ) بالياء مفتوحة وبتشديد السين وفتح القاف.

(آتاني الكتاب (35)

قال أبو منصور: قَوَّى قراءة يعقوب ما حَدثنا محمد بن إسحاق عن الصَّغاني عن أبي عبيد عن يزيد بن هارون عن جرير بن حازم عن أبي إسحاق قال: سمعت البرَاء بن عازب يقرأ (يَسَّاقط) . ورُوي عن مَسْروق مثله. قال أبو منصور: وقوله (يَسَّاقط) الأصل فيه: يتَساقط، المعنى: يَساقط الرطب جَنِيًّا. وَمَنْ قَرَأَ (تَسَاقط) بفتح التاء مخففة ذهب به إلى النخلة، وكان في الأصل: تتساقط. قال الفراء: انتصاب قوله (رُطبا) على التمييز المُحَوَّل، كأن الفعل كان للرطب، فلما حُوِّل إلى الجذع أو النخلة خرج قوله رُطبَا مُفَسّرًا. وَمَنْ قَرَأَ (تَسَّاقط) بتشديد السين فإنه أدْغم إحدى التاءين في السين، ومعناه معنى تَسَاقط. وَمَنْ قَرَأَ (تُسَاقِط) ذهب به إلى النخلة، وَمَنْ قَرَأَ (يُساقط) ذهب به إلى الجذع، ومعناهما يُسْقِط، ولم يقرأ به هؤلاء القراء. وذكر أبو إسحاق عن محمد بن يزيد المبردِ أنه قال: نُصب (رُطبًا) لأنه مفعول به، المعنى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ رطبا تَسَّاقَط عليكِ. قال، وهذا وجه حَسَن، والله أعلم. * * * وقوله جلَّ وعزََّ: (آتَانِيَ الْكِتَابَ (35)

(وأن الله ربي (36)

أسكن الياء حمزة، وحركها الباقون. * * * وقوله عزَّ وجلَّ: (وَأَنَّ اللَّهَ رَبِّي (36) قرأ ابن كثير ونافع فالمعنى ويعقوب (وأَن الله) بالفتح، وقرأ الباقون (وَإِنَّ اللَّهَ) بكسر الألف. قال أبو منصور: من فتح الألف فالمعنى: بأنَّ الله، أوْ: وَلأنَّ الله. وَمَنْ قَرَأَ (وَإِنَّ اللَّهَ) بالكسر فهو استئناف. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ (34) قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب (قَوْلَ الْحَقِّ) نصبًا. وقرأ الباقون (قَوْلُ الْحَقِّ) رفعًا. قال الفراء: من نصبَ (قَوْلَ الْحَقِّ) نصبه على اجتماع المعرفة والنكرة، كقولك: هذا عبد الله الأسدَ عاديًا. كما يقولون: أسَدًا عادِيًا. كأنه قال قولا حقا. وقال غيره من نصب فالمعنى: أقول قولَ الحق الذى فيه تمترون. ومن رفع فالمعنى: هو قولُ الْحَقِّ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَخَافُ (45)

(سأستغفر لك ربي (47)

فتح الياء ابن كثير ونافع فالمعنى، وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي (47) * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا (63) قرأ الحضرمي وحده (نُوَرِّثُ) مفتوحة الواو مشددة الراء، وقرأ الباقون (نُورِثُ) ياكنة الواو، خفيفة الراء. قال أبو منصور: المعنى في (نُورِثُ) و (نُوَرِّثُ) واحد، يقول: تلك الجنة التي نورثها من عبادنا التقي، وهما يتعديان إلى مفعولين، تقول: ورَّثَ الحاكم فلانًا مالَ فلانٍ الميت، وأورثه ماله في معناه، ومات فلانً، فأورثَ فلانا ماله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ (66) قرأ ابن عامر وحده (إِذَا مَا مِتُّ) بكسر الألف على الخبر لا استفهام فيه، وقرأ الباقون بالاستفهام. قال أبو منصور: الإنسان ها هنا عنى به الكافر الذى لا يؤمن بالبعث خاصة وَمَنْ قَرَأَ (أَإِذَا مَا مِتُّ) فهو استفهام معناه الإنكار، كأنه أنكر أن يُخْرَج حَيًّا يعد موته. والدليل عليه قوله (أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ. .) الآية.

(خير مقاما (73) و: (لا مقام لكم) و (في مقام أمين) .

وَمَنْ قَرَأَ (إِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ) بكسر الألف لا استفهام فيه كأنه خبر، معناه التهكم والاستهزاء، لا أعرف له وجْهًا غَيْره. والقراءة بالاستفهام، وعليه أكثر القراء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (خَيْرٌ مَّقَامًا (73) و: (لا مَقَامَ لكم) و (في مَقَامٍ أمِينٍ) . قرأ ابن كثير وحده (خَيْرٌ مُقَامًا) بضم الميم، وفتح الباقي، وقرأ حفص وحده (لا مُقَامَ لكم) بضم الميم في الأحزاب، وفتح الباقي. وقرأ نافع وابن عامر في الدخان (في مُقَام أمين) بضم الميم، وفَتَحَا الباقي. وقرأ الباقون بفتح الميم فيهن أجمع. قال أبو منصور: (المُقَام) بضم الميم معناه: الإقامة، يقال: أقمت مُقامًا وإقامة. والمَقَام: المكان الذي يُقَام فيه - وأنشد أبو عبيد للطرِمَّاح: شَت شَعب الحي بَعْدَ التِئامِ ... وشَجَاكَ الربعُ رَبعُ المُقَام ويروَى: رَبْعُ المَقَامِ - فمن رواه (رَبعُ المَقَام) أراد: رَبعُ المكان الذى يقام. ومن رَوَى (رَبعُ المُقَامَ) أراد: دار الإقامة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ (أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)

(لأوتين مالا وولدا (77)

قرأ نافع وابن عامر (رِيَّا) بغير همزة. وَرَوى ورش وابن جماز وأبو بكر بن أبى أوَيْس عن نافع (ورِءيًا) بهمزة بين الراء والياء. وقرأ الباقون (ورِءْيًا) مهموزًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (ورِءيًا) بالهمز فالمعنى: هم أحسن أثاثًا، أي: متاعًا، وأحسن رِءيًا، أي: منظرًا، من رأيت، هكذا. قال الفراء. وقال الأخفش: الرئي: ما ظهر عليه مما رأيت. وَمَنْ قَرَأَ (رِيَّا) بغير همز ففيه قولان: أحدهما: أنه أريد به الرئي، فحذف الهمزة. والقول الثاني: أن منظرهم مرتو من النعمة، كأنَّ النعيمَ بيِّن فيهم. وأفادنى المنذري عن ابن اليزيدي النحوي عن أبي زيد أنه قال: الرئْيُ: الزينة، من رَأيت. وقال غيره: الرِّي: بغير همز: النعمة، وهذا حَسَنٌ. وقوله جلَّ وعزَّ: (لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)

قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (وَلَدًا) بفتح اللام والواو في كل القرآن. إلا في سورة نوح فإنهم قرأوا (مَالُهُ وَوُلْدُهُ إِلَّا خَسَارًا) بضم الواو، وسكون اللام. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر (لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا) و (وَلَدهُ) بفتح اللام والواو في كل القرآن. وقرأ حمزة والكسائي (لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوُلْدًا) بضم الواو وسكون اللام. (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وُلْدًا (88) . (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وُلْدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وُلْدًا (92) . وكذلك قوله في سورة الزخرف (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وُلْدٌ) ، وقوله: (مالُهُ ووُلْدُه) . وقال الفراء: الوَلَد - والوُلْد لغتان، مثل العَدَم والعُدْم. قال: ومِن أمثال العرب: "وُلْدُكِ مَنْ دَمَّى عَقبَيْك) ، المعنى ولدك من وَلدته، قال بعض الشعراء: فليتَ فُلانا مَات في بطن أمهِ ... وليست فلانًا كَانَ وُلْدَ حِمَارِ أراد: وَلَدَ حِمار. فهذا واحد. وقال الفراء: قيس عَيلان تَجْعل الوُلد - جميعًا، والوَلَد واحِد.

(تكاد السماوات يتفطرن منه (90)

قال الزَّجَّاج: هذا مثل أسَدٍ وأسْد. قال: وجائز أن يكون الولْدُ في معنى الوَلد، والوَلَدُ يصلح للواحد والجمع، والوَلد والوُلْد مثل العَرَب والعُرب، والعَجَم والعُجم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ (90) قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ويعقوب (تكاد) ، بالتاء، (يتفطرْنَ) بالياء والتاء في السورتين. وكذلك قال هبيرة عن حفص. وقرأ نافع والكسائي (يكاد) بالياء (يتفطرن) بالياء والتاء مشددة الطاء في السورتين. وقرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر وابن عامر في هذه السورة (يَنفَطِرْن) بنون ساكنة، وكسر الطاء مخففة. والباقون (يَتَفَطرْنَ) بتاء مفتوحة، وطاء مفتوحة مشددة. وقرأ نُصيْر عن الكسائي في مريم مثل أبي عمرو (تَكَادُ) بالتاء، وفي (عسق) بالياء، وقرأ ابن عامر وحمزة في مريم مثل أبي عمرو وفي (عَسق) مثل ابن كثير. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تكاد السماوات) بالتاء فلتأنيث السَّمَاوَات، وَمَنْ قَرَأَ (يكاد) بالياء فلتقديم فعل الجمع. وَمَنْ قَرَأَ (ينْفَطِرْنَ) فهو بمعنى: ينْشَقِقن، كقوله: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ) أى: انشقتْ. وَمَنْ قَرَأَ (يَتَفَطَّرنَ) فمعناه: يتشققن، يقال: تفطَّر وانفطر بمعنى واحد. * * *

سورة طه

سورة طه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (طه) قرأ ابن كثيرٍ وابن عامر وحفص والأعشى عن أبي بكر عن عاصم ويعقوب (طَهَ) مفتوحة الطاء والهاء، وقرأها نافع بين الفتح والكسر، وروى الأصمعي عن نافع (طه) بقطعها، وروى يعقوب عن نافع (طَهِ) كسرا، وقرأ أبو عمرو (طهِ) مفتوحة الطاء مكسورة الهاء، وقرأ حمزة والكسائي ويحى عن أبي بكر (طِهِ) بكسر الطاء والهاء - قال أبو منصور: هذه الوجوه كلها أريد بها حروف الهجاء، وهى لغات كلها صحيح. وأحسنها قراءةُ نافِع بن الكسر والفتح. وأخبرني المنذري عن أبي طالب عن سلمة عن الفراء قال: حدثنى قيس عن عاصم عن زِرٍّ قال: قرأ رجل على ابن مسعود (طَهَ) ، فقال له عبد الله (طِهِ) قال له الرجل: يا أبا عبد الرحمن، أليس إنما أمرَ أن يَطأ قَدَمُهُ؟ قال فقال عبد اللَّه (طِهِ) هكذا أقرأنيها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -

(فقال لأهله امكثوا)

قال أبو منصور: هذا الحديث يدل على أنه أريد بالحرفين الهجاء. وقال المنذريّ: أخبرني أبو العباس قال: قال الأخفش في قول الله " طه ": منهم من زعم أنهما حرفان مثل: (حم) . ومنهم من يقول: له معنَى (يا رَجُل) في بعض اللغات. قال أبو العباس: لا يجوز (طَه) لأن ابن مسعود رَوَى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (طِهِ) ، وهذا يَدُلّ على حروف التَّهَحى. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا) قرأ حمزة (لِأَهْلِهُ امْكُثُوا) بضم الهاء، ومثله في القصص، وكذلك روى ابن سعدان عن المسيبي عن نافع، وكسر الباقون الهاء في السورتين. قال أبو منصور: من ضم الهاء فلضمة الألف من (اُمْكُثوا) غير موصولة، نُقلَتْ ضمتُها إلى الهاء، كقراءة مَنْ قَرَأَ (أَوُ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا) . وَمَنْ قَرَأَ (لأهْلهِ امْكُثُوا) بكسر الهاء فلأن الأصل عنده: (لأهْلهِ) ، ولما اتصل الهاء بالميم بَطَل حكم الألف الوصلية من (امْكُثُوا) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ) فتح الياء ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو، وفتح ابن عامر (لَعَلِّيَ آتِيكُمْ) .

(إني أنا ربك)

وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (أَنِّيَ أَنَا رَبُّكَ) مفتوحة الألف والياء، وقرأ الباقون (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) بكسر الألف. أوقع النداء على (أَنِّيَ) وعلى موسى، ومن كسر الألف فعلى أن النداء واقع على موسى عليه السلام وحده. قال أبو منصور: المعنى: نادَى بأني أنَا ربُّك. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (طُوًى) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (طوَى. اذْهبْ) غير مُجْرَاتين. وقرأ الباقون (طُوًى) منونًا في السورتين. قال أبو إسحاق: مَن نوَّن (طوًى) فهو اسم الوادي، وهو مذكَر سمي بمذكر، اسم على (فُعَل) ، نحو: نُغَرٍ، وصُرَد، ومَن لم ينون ترك صرفه من جهتين: إحداهما: أن يكون معدولاً عن (طاوٍ) إلى (طُوًى) فيصير مثل: عُمَر المعدول عن عامر، ولا ينصرف كما لا ينصرف عُمَر. والجهة الأخرى: أن يكون اسما للبقعَةِ، وهي مؤنثة، كما قال: (فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) . وقال أبو إسحاق: مَنْ قَرَأَ (أَنِّي أَنَا رَبُّكَ) فالمعنى: نُودِيَ بأني أنا ربك، وموضع (أنَّي) نصا. وَمَنْ قَرَأَ (إنِّي) بالكسر فالمعنى: نُودِي يا موسى فقال الله جلَّ ثناؤه: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) .

(وأنا اخترتك)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) قرأ حمزة وحده (وَأَنَّا اخْتَرْنَاكَ) بتشديد النون بالألف. وقرأ الباقون (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) مخففًا بالتاء. قال أبو منصور: وَمَنْ قَرَأَ (وَأَنَّا اخْتَرْنَاكَ) فالمعنى: ناداه الله بأنا اخترناك، على جمع (أَنَّا) كما أن الملك من ملوك العرب يقول: إنَا فَعَلْنا كذا وكذا بأ نصاره. وَمَنْ قَرَأَ (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) فالاختيار لله وحده، لم يُشْرِك في اختياره أحدًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) قرأ ابن عامر (أشْدُدْ) (وَأُشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) بالألف فيهما، ألف المخبر عن نَفسه، على جواب المجازاة. وقرأ الباقون (أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) . وهذا على الدعاء، كأنه قال: يا اللَّه: اشدد بِأخي أزري، وأشركه في أمري. وَمَنْ قَرَأَ (أشْدُد به أزري - واشركهُ في أمرى) فالمعنى أن تجعل لي أخي وزيرًا أشْدُد به أزري، وأُشركه في أمري. على جواب الجزاء.

واختلف أهل العربية في (الأزر) فقال بعضهم: الأزْرُ: الظهْر، كأنه قال: اشدد به ظهري - وقيل: الأزْرُ: القُوة - المعنى: اشدد به قوتي. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ) حَرَّك الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ) فتح الياء نافع وأبو عمرو. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وليَ فيها مَئارِب أخرى) فتح الياء حفص والأعشى عن أبي بكر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ويَسِّرْ لي أمْرِي (26) فتحها نافع وأبو عمرو. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَخِي (30) اشْدُدْ ... (31) حَرَّك ابن كثير وأبو عمرو. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ (45) حَرَّك الياء نافع وأبو عمرو. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِنَفْسيَ (41) اذْهَبْ (42)

(الأرض مهدا (53)

فتحها ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو. وسائر القراء أرسلوهن، أعنى الياءات. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (الْأَرْضَ مَهْدًا (53) .. ها هنا، وفي الزخرف قرأ الكوفيون " مَهْدًا " بغير ألف في السورتين. وقرأ الباقون (مِهَادًا) . قال أبو منصور: المَهْدُ والمِهَاد واحد، وهو: الفِرَاش، كقوله جلَّ وعزَّ: (جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) قرأ يعقوب وحده (وَلِتُصْنَعْ عَّلَى عَيْنِي) مُدغمة، ولم يُدْغِم العين في العين إلا في هذا وحده، وحو قول أبي عمرو إذا قرأ بالإدغام. قال أبو منصور: القراءة المختارة (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) بإظهار العين. ومعناه ولتُرَبَّى بِمَرْأى منِّي. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَكَانًا سُوًى (58)

(فيسحتكم بعذاب (61)

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي (سِوًى) بكسر السين. وقرأ الباقون بضم السين. قال أبو منصور: المعنى في (سِوًى) و (سُوًى) واحد، أي: مكانًا مَنْصَفًا يكون بيننا وبينك، كأنه قال: مكانا مَنْصَفًا متوسطا بين الموضعين. وقال الأخفش في (سِوًى) و ((سُوًى) هو المكان النصف بين الفريقين. وقال الفراء: الضم والكسر عربيان، ولا يكونان إلا مقصورين. و (سَواء) بالفتح والمد، بمعناهما، ومثله قوله تعالى: (تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) . إلا أنه لم يُقْرأ هَا هنَا إلا بالقصر. قال أبو منصور: واختار أبو حاتم (سُوًى) بالضم مُنَونًا، وغيره (سِوى) بالكسر؛ لأنه أكثر في الكلام، وبه قال أبو عمرو والكسائي وابن كثير. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَيُسْحِتكمْ بِعَذابٍ (61)

(إن هذان لساحران (63)

قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (فَيُسْحِتكمْ) بفتح الباء من (سَحَتَهُ) . وقرأ الباقون (فَيَسْحَتكمْ) من (أسْحَتَ) . قال أبو منصور: هما لغتان: سَحَتَه وأسْحَتَه، إذا استأصله. وقال الفرزدق: وَعَضُّ زمانٍ يا بنَ مروانَ لم يَدَعْ ... من المالِ إلا مُسْحَتاً أو مُجَلَّفُ. هكذا. وأنشد الفراء، وقال: رُفِعَ (مُجَلَّف) بإضمار (كَذَلكَ) ، كأنه قال: أو مُجَلَّف كذلك. ورَوَى غيره (إلا مُسْحَتٌ أو مُجَلَّفُ) ، وجعل معنى لم يَدَع: لم يَتَقَار ولم يَبقَ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ هذَانِ لَسَاحِرَانِ (63)

قرأ ابن كثيرٍ (إِنْ) خفيفة، (هَذاَن) بالرفع وتشديد النون. وقرأ حفص (إنْ هَذَانِ) بالرفع وتخفيف النون: وقرأ أبو عمرو (إنَّ) مشددة، (هَذَين) نصبًا باللغة العالية. وقرأ الباقون (إنَّ) بالتشدِيد، (هَذَانِ) بالرفع وتخفيف النون. قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (إنَّ هَذَين) وهي اللغة العالية التي يتكلم بها جَماهِير العرب إلا أنها مخالَفة لِلْمصحف، وكان أبو عمرو يذهب في مُخَالفته المصحَفَ إلى قول عائشة وعثمان: إنه من غلط الكاتب فيه، وفي حروف أخر. وأما مَنْ قَرَأَ (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) بتخفيف (إِنْ) ، و (هَذَانِ) بالرفع فإنه ذهب إلى أن (إنَّ) إذا خُفَفت رُفع ما بعدها، ولم يُنصَب بها، وتشديد النون من (هذانِّ) لغة معروفة، وقُرِئ (فَذَانِّكَ بُرهَانَانِ) على هذه اللغة. والمعنى في قراءة (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) : ما هذان إلا سَاحِرَان، بمعنى النفي، واللام في (لَسَاحِرَان) بمعنى: إلا وهذا صحيح في المعنى، وفي كلام العرب.

وأما قراءة العامّة (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ففى صحته في العربية وجوه كُلهَا حجة، منها: أن الأخفش الكبير وغيره من قدماء النحويين قالوا: هى لغة لِكِنَانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والخفض على لفظ واحد، كقولك: أتاني الزيدانِ، ورأيت الزيدان، وَمررت بالزيدانِ، وقد أنشد الفراء بيتًا للمتلمِّس حجة لهذه اللغة: فأَطْرَق إطْراقَ الشُّجاعِ ولو يرى ... مَسَاغاً لِناباه الشُّجاعُ لصَمَّما وقال أبو عبيد: ويروي للكسائي يقول: هي لغة لِبَلْحارِث بن كعب، وأنشد تَزوَّدَ منَّا بَيْنَ أذناهُ ضَربةً ... دَعَتْهُ إلى هَابِي الترابِ عَقيم وقال بعض النحويين في قوله (إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ها هنا هاء مضمرة، المعنى: إنَّهُ هذَانِ لَسَاحِرَانِ.

(فأجمعوا كيدكم (64)

وقال آخرون: (إنَّ) بمعنى: نَعَمْ هذان لسَاحِرَان، وقال ابن قيس الرقَيَّات: ويَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلا ... كَ وقد كَبِرْتَ فقلتُ إنَّهْ. وقال أبو إسحاق الزجاج: أجود ما سمعت في هذا: أن (إن) وقعت موقع (نَعْم) ، وأن اللام وقعت موقعها، والمعنى: نعم هذانِ لهُما سَاحِران. قال: والذي سلى هذا في الجودة مذهب بني كِنَانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحد. قال: وأما قراءة أبي عمرو فإني لا أجيزُهَا لمخالفتها المصحف، قال: ولما وجدت سَبيلاً إلى موافقة المصحف لم أَجِز مخالفتَه؛ لأن اتباعه سُنَّة، سِيمَا وأكثر القراء على اتباعه، ولكني أَسْتَحْسِنُ (إنْ هَذانِ لَسَاحِرَان) وفيه إمَامَانِ: عاصم، والخليل. وموافقة أُبيٍّ - رضي الله عنه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فأجمعُوا كيدَكُم (64) قرأ أبو عمرو وحده (فاجْمَعوا كيدكم) بالوصل وفتح الميم، من (جمعت) . وقرأ الباقون (فأَجمِعُوا) بألف القطع، من (أجْمَعْتُ) .

(ثم ائتوا صفا (64)

قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (فأجمعُوا كيدَكُم) فإن الإجماع: الإحكام والعزيمة على الشيء، تقول: أجْمَعْتُ الخروج، وأجمَعْتُ على الخروج - وأنشد: يا ليت شعري والمُنَى لا تَنْفَعُ ... هل أَغْدُوَنْ يوماً وأَمْري مُجْمَعُ أي: أحكِم وعُزِم عليه. قال: وَمَنْ قَرَأَ (فاجمَعُوا كيدكم) فمعناه: لا تَدَعُوا من كَيدكم شيئًا إلا جئتم به. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا (64) روى خلف عن عبيد عن شبل (ثُمِّ) بكسر الميم (إيتُو) بقطع الألف. وروى عبيد عن شبل عن ابن كثير (ثُمَّ ايتوا) بفتح الميم، ثم يأتى بعدها يياء ساكنة. قال ابن مجاهد: وهذا أشبه بالصواب؛ لأن ابن كثير أراد بلفظه هذا اتبَاع الكتاب؛ لأن الأصل في (ايتوا) : إأْتوا، بهمزتين: الأولى مكسورة، والثانية ساكنة، فصارت الهمزة الساكنة ياء لانكسار ألف الوصل التي قبلها: لأن ألف الوصل داخلة على ألف الأصل - ألا ترى أنك تقول: أتى زيد، يأتي فتجد الألف لا تبقى [..] (1) وهى إحدى علامتي ألف الوصل، فإذا وصلت القراءة قلت:

_ (1) كلمة لم نتبينها.

(يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى (66)

(ثُمَّ أتُوا) أسقطت ألف الوصل الموجودة في الابتداء مكسورة، ورجعت همزة التي توجد ياء في [..] (1) ورُويَ عن ابن كثير أيضًا أنه قرأ ((ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) مثل سائر القراء. قال أبو منصور: أما ما روى خلف عن عبيد، عَن شبل (ثُمِّ إيتوا) بكسر الميم وقطع الألف فهو وَهْم؛ لأن معنى (آتوا) : أعطوا، ولا معنى له ها هنا. وأما ما رُويَ لشبل عن ابن كثير (ثم ايتو) بياء ساكنة فقد احتج له ابن مجاهد بما احتج به، إلا أن ما احتج به مخالف اللفظ المروي عنه - والقراءة المختارة ما اتفق عليه القراء واختاره أهل اللغة (ثُمَّ ائْتُوا) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) قرأ عبد اللَّه بن عامر (تُخَيَّلُ إِلَيْهِ) بالتاء وفتح الخاء، وقرأ الباقون (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) بالياء مضمومة وفتح الخاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تُخَيَّلُ) بالتاء فالمعنى تُخيل الحِبال والعصيّ إلى موسى أنها تسعي، وَمَنْ قَرَأَ (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) فلا إضمار فيه؛ لأن اسم ما لم يُسَم فاعله (أنَّ) من قوله (أَنَّهَا تَسْعَى) ، وهى بمنزلة المصدر، وموضعها رفع، ولا علامة للرفع فيها؛ لأنها إذا حولت إلى الأسماء فمعنى (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) يُخَيَّلُ إِلَيْهِ من سحرهم سَعيُها.

_ (1) كلمة مطموسة لم أتبينها.

(تلقف ما صنعوا (69)

قال أبو منصور: ومعناه أنه يراها تسعى، ولا تسعى، ولكنه تَخِييل من السحرة وكيدهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَلَقَّفُ مَا صَنَعُوا (69) قرأ ابن عامر (تَلَقَّفُ مَا) بِرَفْع الفاء، وقرأ الباقون (تَلَقَّفْ) بسكون الفاء. وخفف القاف حفص وحده، وسكن اللام (تَلْقَفْ) قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَلَقَّفُ) بضم الفاء جعلها حالاً، المعنى جعلها مُتَلَقفَة على حال متوقعة، ومثله قوله: (ولا تَمْنُنْ تستكثرُ) أى: لا تَمْنُنْ مستكثرًا. وَمَنْ قَرَأَ (تَلَقَّفْ) جزمَا، أو (تَلْقَفْ) فعلى جواب الأمر. واللقْفُ والتلَقف: الأخذ في الهواء. يقال: لقِفته وتلَقَّفتهُ وتَزَقَّفته، إذا أخذتَه في الهواء بحذق وخِفة يدٍ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إنَّما صَنَعُوا كَيْدُ سِحْرٍ (69) قرأ حمزة والكسائي بغير ألف، وقرأ الباقون (ساحِرٍ)) على (فاعل) . قال أبو منصور: أكثر القراء على رفع (كَيْدُ سحرٍ) ، وله وجهان: أحدهما: أن يجعل (إنَّما) حرفين، المعنى: إِنَّ الذي صَنَعُوا كَيْدُ سِحْرٍ، والسحر: مصدر أضيف إليه (كيد) . والثاني: أن يكون (ما) بتأويل المصدر،

(لا تخاف دركا (77)

المعنى: إن صَنِيعَهم كَيْدُ سِحْرٍ. وَمَنْ قَرَأَ (كيدُ سَاحِرٍ) فهو على (فاعِل) ، وكل ذلك جائز، أراد: كيد ساحِرٍ من السحرة. * * * وقوله جلُّ وعزَّ: (لاَ تَخَافُ دَرَكًا (77) قرأ حمزة وحده (لا تَخَفْ) جزمًا. وقرأ الباقون (لاَ تَخَافُ دَرَكًا) بألف، على الخبر. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لا تَخَفْ دَرَكًا) فهو نهي من الله لموسى عن الخوف، كأنه قال: لا تَخَف أن يُدرِكَكَ فرعونُ وجنوده ولا تخشى الغرقَ. وَمَنْ قَرَأَ (لاَ تَخَافُ) فإن المعنى: لَسْتَ تَخَاف دَرَكًا؛ لأن فرعون يغرق قبل خروجه من البحر. والدَّرَك: اسم يوضع موضع الإدراك. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ (80) وَ (رَزَقناكمْ (81)

(فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه. (81)

قرأ حمزة والكسائي (أنجيتكُمُ) (ووعَدْتُكُم) و: (رزقتكم) ثلاثتهن بالتاء، وقرأ الباقون بالنون والألف. قال أبو منصور: هذه الأفعال كلها للَّه، يجوز فيها التوحيد والجمع، فما كان منه (فَعَلنا) فهو بأعْوَانِهِ، وما كان منه (فَعَلْتُ) فهو ماتفرد به. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ. (81) قرأ الكسائي وحده (فَيَحُلَّ. . . ومن يَحْلُلْ) بضم الحاء واللام الأول من (يَحلُلْ) وقرأ الباقون بكسر الحاء واللام. قال أبو منُصور: مَنْ قَرَأَ (فَيَحُل) و (يَحْلُل) فهو من الحُلُول، وهو: النزول، وَمَنْ قَرَأَ (فَيَحِل و (يَحْلِل) فهو بمعنى: يَجبُ. وقال الفراء: جاء التفسير بالوجوب لا بالوقوع، قال: وكُلٌّ صَوَاب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا أخلفَنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا (87) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (بِمِلْكِنَا) بكسر الميم، وقرأ نافع وعاصم (بِمَلْكِنَا) بفتح الميم. وقرأ حمزة والكسائي (بِمُلكِنَا) بضم الميم.

(حملنا أوزارا (87)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بمُلكِنا) فإن الفراء قال: هو في التفسير: أنَّا لم نملك الصوَابَ، إنَّما أخطأنا. قال: وَمَنْ قَرَأَ (بِمَلْكِنا) فهو مَلْكُ الرجل، تقول لكل شىء ملكته: هذا مِلْكُ يميني. وقال: المِلْك: ما ملكته مَلْكا ومَلكةً، مثل: غلبتُه غَلْبا وغَلَبَة، على المصدر. قال أبو مَعَاذ النحوي: مَنْ قَرَأَ (بمِلْكِنَا) فمعناه: بقُدْرتنا. وَمَنْ قَرَأَ (بمُلْكِنا) فمعناه: بِسُلْطاننا. وقال الزجاج نحْوًا منه. وقال: يجوز الضم والكسر والفتح في الميم، فأصل المُلك: السلطان والقدرة. والمِلك: ما حَوَتْهُ اليدُ، والمَلكُ: مصدر قولك: ملَكت الشيء أمْلِكه مَلْكا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (حَمَلْنَا أوزَارًا (87) قرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي مفتوحة الحاء والميم خفيفة. وقرأ الباقون (حُمِّلْنَا) بضم الحاء وتشديد الميم. وَروَى أبو حَاتم الرازي عن أبي زيد عن أبي عمرو (حَمَلنا) و (حُمِّلْنَا) بالوجهين، وقال: هما سواء. قال أبو منصُور: هما كما قال أبو عمرو سواء في مرجع المعنى إليه، غير أن (حَمَلنا) فَعَلنا، و (حُمِّلْنَا) على لفظ فُعِّلنا، و (حُمِّلْنَا) بتشديد الميم على ما لم يسم فاعله، وفي التفسير: إنهم كانوا أخذوا من قوم فرعون مَنْ قذفهم البحر من الذهب

(قال بصرت بما لم تبصروا به (96)

والفضة فألقوه في النَّار، فلما خلصت الفضةُ والذهب صوَّرهُ السامريُّ عجلاً - وكان أخذ قبضة من أثر فرس كان تحت جبريل - عليه السلام - قال السامري: قذِفَ في نفسي أني إن ألقَيْت تلك القبضة في أنف الثور حَيِي وخَارَ، كذلك قوله (وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ تَبْصُرُوا بِهِ (96) قرأ حمزة والكسائي (بما لم تبصُرُوا به) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء أرادْ بَصُرْتُ بالذي لم تَبْصُروا به أنتم، خاطب أصحابه. وَمَنْ قَرَأَ بالياء أراد: بَصرت بالذي لم ييْصِروا به. ويقال: بَصُرَ الرجُل ييْصُرُ إذا صار عليمَا بالشيء، وأبصر يُبْصِر، إذا نظر, والتأويل: علمتُ بما لم تعلموا به. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَوْعِدًا لَنْ تُخلفَهُ (97) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (لَن تُخلِفَهُ) بكسر اللام، وقرأ الباقون بفتح اللام. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لن تُخلَفَهُ) بفتح اللام فالمعنى: يُكافئكَ اللَهُ على ما فَعَلْت يوم القيامة، واللَّهُ لا يُخلف الميعاد. وَمَنْ قَرَأَ (لنْ تُخلِفَهُ) فالمعنى: أنك تُبعثُ وتوافي يوم القيامة لا تقدر على غير ذلك ولا تُخلِفُه. وكل ذلك جائز.

(يوم ينفخ في الصور (102)

وقوله جلَّ وعزَّ: (يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ (102) قرأ أبو عمرو وحده (يَوْمَ نَنْفُخُ) بالنون، وقرأ الباقون (يُنْفَخُ) بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالنون فالفعل للَّهِ، إما بأمره النافخ، وإما بانفراده به. وَمَنْ قَرَأَ (يُنْفَخُ) فهو على ما لم يسم فاعله، والمعنى واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا ولاَ هَضْمًا (112) قرأ ابن كثير وحده (فَلاَ يَخفْ ظُلْمًا) ، وقرأ الباقون (فَلاَ يَخَافُ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَلاَ يَخَفْ) جزمَا فهو على النهي للغائب، ومن قرأ (فَلاَ يَخَافُ) فهو على الخبر، المعنى: فإنه لا يَخاف. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ قَبْل أنْ يُقْضَى إلَيْكَ وَحْيُه (114) قرأ الحضرمي وحده (من قبل أن نَقْضي إلَيْكَ) بالنون، (وَحيَهُ) نصبًا. وقرأ الباقون (يُقْضَى إلَيْكَ وَحْيُه) رفعًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالنون نصبَ (وَحيَهُ) بالفعل، وَمَنْ قَرَأَ (مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَيْكَ وَحْيُه) فهو على ما لم يسم فاعله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)

(لعلك ترضى (130)

قرأ نافع وأبو بكر عن عاصم (وإِنَّكَ) بكسر الألف، وقرأ الباقون (وَأَنَّكَ) بالفتح. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ) عطفه على قوله: (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ) . وَمَنْ قَرَأَ (وَإِنَّكَ لَا تَظْمَأُ) عطفهُ على قوله: (إِنَّ لَكَ) . * * * وأما قوله جلَّ وعزَّ: (لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) قرأ أبو بكر عن عاصم والكسائي (تُرْضَى) بضم التاء، وفَخَمَها أبو بكر، وأمالها الكسائي. وقرأ الباقون (لَعَلَّكَ تَرْضَى) بفتح التاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بفتح التاء فالخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - أى: تَرضى أنت يا محمد. وَمَنْ قَرَأَ (تُرْضَى) فهو على ما لم يسم فاعله، والمعنى واحد. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (لِمَ حَشَرتَنِي أعْمَى (125) حَرَّك الياء ابن كثيرٍ ونافع، وأرسلها الباقون.

(زهرة الحياة الدنيا (131)

وقوله جلَّ وعزَّ: (زَهْرَةَ الحَياةِ الدُّنيا (131) قرأ يعقوب (زَهَرَة الحَياةِ الدُّنيا) بفتح الهاء، وقرأ الباقون (زَهرة) بسكون الهاء. قال أبو منصور: الزَّهْرَة والزَّهَرَة واحد. وأخبرني المنذري عن الحرَّاني عن ابن السكيت قال: الزَّهَرَة: زَهْرَة النبت والزَّهْرَة - بسكون الهاء - زَهْرَة الحياة الدنيا، وهى: غَضارَتُها وحُسْنُها. قال أبو منصور: نُصبَ (زَهرةَ) بمعنى: متَّعنا، لأن معناه: تجعل لهم الحياة زهرة. * * * (لِنَفْتِنَهُمْ فيْهِ) أى: لنجعل ذلك فتنة لهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَلَمْ يَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ (133) قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص والحضرمي (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ) بالتاء، وقرأ الباقون (أَوَلَمْ يَأْتِهِمْ) بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فللفظ البينة. وَمَنْ قَرَأَ بالياء فلأن معنى البينة: البيان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَلَّا تَتَّبِعَنِي (93)

وصلها الحضرمي وابن كثيرٍ ووقفا عليها بالياء، ووصلها نافع وأبو عمرو، بياء، ووقفا بغير ياء. ورَوى إسماعيل بن جعفر وابن جَمَّاز عن نافع (أَلَّا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ) بحركة الياء. قال أبو منصور: وهي لغات جائزة. * * * وأما قوله: (بالوادِ المقَدَّسِ) فقد اتفقوا كلُّهم على أنه بغير ياء في وصل ولا وقف، إلا الكسائي فإنه وقف بياء، وكذلك الحضرمي. وكله جائز. * * *

سورة الأنبياء

سورة الْأَنْبِيَاء بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ القَولَ) قرأ حفص عن عاصم، وحمزة الزيات، والكسائي (قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ) بالألف. وقرأ الباقون (قُلْ رَبِّي) قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ) فهو فعل ماض وَمَنْ قَرَأَ (قُلْ ربِّي) فهو أمر للنبي صلى الله عليه، واللام مدغمة في الراء عند جميع القراء على قراءة مَنْ قَرَأَ (قُل ربِّي) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا يُوحَى إِلَيْهِ.. (25) قرأ حفص وحمزة والكسائي (إِلَّا نُوحِي إلَيْهِ) بالنونِ " وقَرَأ البَاقُون (إلاَّ يُوحَى إلَيْهِ) بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إِلَّا نُوحِي إلَيْهِ) بالنون، فالفعل للَّهِ عزَّ وجلَّ، أي: نحن نوحي إليه. وَمَنْ قَرَأَ (إِلَّا يُوحَى إِلَيْهِ) فالمعنى واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (هذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ (24)

(إني إله من دونه. . (29)

حرك الياء حفص وحده. * * * وقوله: (إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ. . (29) فتح الياء نافع وأبو عمرو. * * * وقوله عزَّ وجلَّ: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا (30) قرأ ابن كثير وحده (أَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بغير واو بين الألف واللام، وكذلك هى في مصاحف أهل مكة. وقرأ الباقون (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالواو. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) فالواو واو نسق أدخل عليها ألف الاستفهام، فتركت مفتوحة كما كانت. وَمَنْ قَرَأَ (ألَمْ يَرَ الَّذين) فهو استفهام بالواو. * * * وقوله عزَّ وجلَّ: (وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) روى عباس عن أبي عمرو (وَإلَيْنَا يُرجَعُون) بالياء وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فهو خطاب، أي: ترجِعون إلَيْنا وترَدون. وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ (42)

(ولا يسمع الصم الدعاء (45)

وقف حمزة على قوله (يَكْلَوكُمْ) أشار إلى الهمزة ولم يهمز. وقرأ الباقون (يَكْلَؤُكُمْ) بالهمزة. قال أبو منصور: أما قراءة حمزة فإنه رام ضمة الواو، وقد قال الفراء: الهمزة المضمومة لا يبدل منها واو. قال: ومن أبدل منها واوا مضمومة فقد لحن. قال أبو منصور: وقال الفراء: ولو تركت همز قوله (يَكْلَؤُكُمْ) في غير القرآن. قلت: (يكْلُوكُمْ) بواو ساكنة، أو (يكْلاَكُمْ) بألف ساكنة، مثل: يخشاكم. ومن جعلها واوا ساكنة قال (كَلاَتُ) بألف، يُتْرك النَّبرَ منها، ومن قال (يكْلاَكُم) قال (كَلَيتُ) مثل قَضَيتُ. قال أبو منصور: والقراءة المختارة (يَكْلَؤكُم) بهمزة مشبعة، والمعنى: قل من يحفظكم من أمر الرحمن ومن بأسه، ومعنى الاستفهام ها هنا تقرير، ويكون نفيًا، أي: لاَ يَكْلَؤكُم مِنْ بأسه شىء. * * * وقوله جَلَّ ذِكْرُهُ: (وَلاَ يَسمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ (45)

(وإن كان مثقال حبة من خردل (47)

قرأ ابن عامر وحده (ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) نصبًا. وقرأ الباقون: (وَلاَ يَسمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ) وقال الفراء: قرأ أبو عبد الرحمن السلمي (ولا يُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) ضم الياء من (يُسمع) ، ونصب (الصُّمَّ) بوقوع الفعل عليهم، وضمّ (الدعاءُ) ؛ لأن الفعل له. قال أبو منصور: القراءة المختارة (وَلاَ يَسمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ) بفتح الياء من (يَسمع) و (الصمُّ) رفع و (الدعاءَ) نصبٌ. وأما قراءة ابن عامر (ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) فالخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - المعنى: تُسْمِعُ أنت يا محمد. الصمَّ، أي: المعرضين عما تتلوا عليهم، فهم بمنزلة من لا يسمعِ، و (الدعاءَ) نصبٌ؛ لأنه مفعول ثان. أى: لا تُسْمِعُهم دعاءك؛ لأنهم لا يَعُونه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ (47) قرأ نافع وحده (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ) بالرفع وقرأ الباقون (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ) بالنصب.

(ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين (48)

قال أبو منصور: من نصب (مِثْقَالَ حَبَّةٍ) فالمعنى: وإن كان العمل أو الإيمان زنةَ حبةٍ من خردل. ومن رفع فالمعنى: وإن حصل للعبد زنةُ حَبَّةٍ من خردل، وهذه تسمى (كان) المكتفية. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) روى قُنْبل عن ابن كثير (وَضِئَاء) بهمزتين. قال أبو منصور: القراء كلّهم على (ضِيَاء) بغير همز في الياء. ومن همز الياء فقد لحن؛ لأن الهمزة في الياء من (ضياء) تقع موقع عين الفعل، وهذه الياء كانت في الأصل واوًا، فجعلت ياء لكسرة ما قبلها، والفعل منه ضَاءَ الشىء يَضُوءُ ضيئًا. ألا ترى أنه لا همز في واو الضوء، وإنما الهمز بعد الواو في الذى هو لام الفعل؟!. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا (58) قرأ الكسائي وحده (جِذاذًا) بكسر الجيم. وقرأ الباقون بضمها. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (جُذاذًا) بالضم فهو بمعنى مجذوذ، وبِنْيَةُ كل ما كسر أو قطع أو حطم على (فُعَال) نحو: الجُذَاذ، والحُطام، والرُّفات،

(ليحصنكم من بأسكم (80)

والكُسَار، وما أشبهها. وَمَنْ قَرَأَ (جِذاذً) فهو جمع جذيذ، كما يقال: خفيفٌ وخِفَاف، وصغير وصِغَار، وثَقِيلٌ وثِقَالٌ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِيُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأسِكُمْ (80) قرأ ابن عامر وحفص (لتُحْصِنكم) بالتاء، وقرأ أبو بكر والحضرمي (لِنُحْصِنَكُمْ) بالنون. وقرأ الباقون (ليُحْصِنَكم) بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لتحصنكم) بالتاء أراد الصنعة، علمناه صَنْعَةَ لبوس لكُم لتُحصنكم. ويجوز أن يكون اللبوس معناه: الدُّروع، وهي مؤنثة. وَمَنْ قَرَأَ (ليُحصنكم) فله وجهان: أحدهمما: ليُحصنكم الله. والوجه الثاني: ليُحصنكم اللبوس، ذَكَّرَه للفظه. وَمَنْ قَرَأَ (لنُحصنكم) فالله يقول: نحن، أي: لنقيكم به بأس السلاح. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ (87) قرأ يعقوب وحده (فَظَنَّ أَنْ لَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ) بياء مضمومة، وقرأ الباقون (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) بالنون قال أبو منصور: القراءة بالنون والتخفيف، وله معنيان: أحدهما: فظن يونس أن لن نقدر عليه ما قدَّرنا من التقام الحوت إياه، وحبسه في بطنه، يقال: قدَرَ، وقدَّر بمعنى واحد ومنه قول أبي صخر الهذلي:

(وكذلك ننجي المؤمنين (88)

فَلَيْسَتْ عَشيات اللّوى بِرَوَاجِع ... لنا أبدًا مَا أوْرَقَ السَّلَمُ النَّضرُ وَلاَ عَائِدًا ذَاكَ الزَّمَانُ الذي مَضَى ... تَبَارَكْتَ مَا تَقْدِّرُ يَقَعْ ولَكَ الشُكرُ معناه: مَا تُقدِر يَقَعُ. وهو كلام فصيح. ومنه قول الله جلَّ وعزَّ (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ القَادِرُونَ) أى: فنعم المقدرون. والمعنى الثاني في قوله: (فظن أن لَن نَقْدِرَ عَلَيْهِ) فظن أن لن نُضيِّق عليه، ومنه قوله: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) ، أي: يُضَيِّق على من يَشَاءُ، ويُوسغ على من يشاء. فهذان وجهان عربيان، ولا يجوز أن يكون معنى قوله: (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) من القدرة؛ لأنه لا يجوز في صفة نبي من الأنبياء أن يظن هذا الظن. وَمَنْ قَرَأَ (فَظَنَّ أَنْ لَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ) فإنه جائز أن يفسر بالمعنيين اللَذين ذكرتهما، إلا أن القراءة المختارة ما اجتمع عليه قراء الأمصار. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ (88)

(وحرام على قرية)

قرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: (وكذلك نُجي المُؤمِنِين) بنون واحدة، مشددة الجيم، ساكنة الياء. وقرأ الباقون (نُنجِي المؤمنين) بنونين الثانية ساكنة والجيم خفيفه. وقال الفراء: القراءة بنونين، وإن كانت كتابتها بنون واحدة، وذلك أن النون الأولى متحركة، والثانية ساكنة، فلا تظهر الساكنة على اللسان، فلما خفيت حذفت في الكتابة. قال أبو منصور: وأما قراءة عاصم وابن عامر بنون واحدة فلا يعرف لها وجهة؛ لأن ما لم يسم فاعله إذا خَلاَ باسمه رفعه. وقال أبو إسحاق النحوي: من قال معناه: نُجِّيَ النجَاء المؤمنين، فهو خطأ بإجماع من النحويين كلهم، لا يجوز (ضُربَ زيدًا) تريد: ضُرِبَ الضربَ زَيدًا؛ لإنك إذا قلت: (ضُرِبَ زَيدٌ) فقد علم أن الذي ضَرَبهُ ضَرْبٌ فلا فائدة في إضماره وإقامته مقام الفاعل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ) قرأ عاصم في رواية أبي بكر، وحمزة، والكسائي: (وَحِرْمٌ عَلَى قَرْيَةٍ) بغير ألف، والحاء مكسورة. وقال الأعشى: اختار أبو بكر (وحَرَام) بألف، وأدخلها في قراءة عاصم، وقال: وهى في مصحف عليٍّ بألف. وقرأ الباقون بألف.

قال أبو منصور: هما لغتان. حِرْم وحَرَام. بمعنىً واحد، كما يقال: حِلُّ وحَلاَل، ونحو ذلك. قال الفراء: ورُوي عن ابن عباس أنه قرأ (وحِرْمٌ على قرية أهلكناها) وفسره: وجب عليها أن لا يرجع إلى دنياها. ورُوي عن سعيد ابن جبير أنه قرأ (وحِرْمٌ على قرية) ، فسئل عنها فقال: عَزمٌ عليها. وقال أبو إسحاق في قوله: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أهلكناها) الآية، هذا يحتاج إلى أن يبيَّن، ولم يبيَّن، وهو واللَّه أعلم: أنه لما قال: (فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) أعلمنا أن اللَّه قد حرم قبول أعمال الكفار، فالمعنى: حَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أهلكناها أن يُتقبل منها عمل لأنهم لا يرجعون، أي: لا يتوبون. قال أبو منصور: وقد جَوَّد أبو إسحاق فيما بيَّن، وتصديقه ما حدثَنَاه المنذري عن أبي جعفر بن أبي الدميل، قال: حدثنا حُمْيد بن مسعود، قال: حدثنا يزيد ابن زُريع، قال: حدثنا داود عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: (وَحِرْمٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) قال: وجب على قريةٍ أهلكناها أنه لا يرجع منهم راجع، ولا يتوب منهم تائب. حدثنا الحسين قال: حدثنا عثمان، قال: حدثنا صفيان بن عييْنة عن عمرو بن دينار، قرأ ابن عباس: (وَحِرْمٌ) قال عثمان: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن داود عن عكرمة

(حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج (96)

عن ابن عباس: (وَحِرْمٌ عَلَى قَرْيَةٍ) قال: [ ... ] ووكيع عن همام عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قرأها: و (وَحِرْمٌ) . قال: وحدثنا ابن فضيل عن داود عن عكرمة عن ابن عباس أنه قرأها: (وَحِرْمٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) . قال: لا يتوبون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (حَتَّى إذَا فُتِحَتْ يَأجُوجُ ومَأجُوجُ (96) قرأ ابن عامر ويعقوب (فُتِّحَتْ) بالتشديد. وخَففَها الباقون. قال أبو منصور: التشديد في تاء (فُتِّحَتْ) للتكثير، ومن خَفف فهو فتح واحد للسدِّ الذي سده ذو القرنين، وكان التخفيف أجود لوجهين؛ لأنه سَدٌّ لا يُفتح إلا مرة واحدة ثم لا يُسَدُّ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ (104) قرأ حفص وحمزة والكسائي (للكتب) جميعًا. وقرأ الباقون (لِلْكِتَابِ) موحدًا. واجتمعوا كلهم على تثقيل (السِّجِلِّ) .

(قل رب احكم بالحق (112)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (الكتاب) واحدًا أجاز أن يكون بمعنى: الكتابة. ويجوز أن يكون (الكتاب) بمعنى: الكُتُب. والقراءة بالكتاب موحدًا أكثر، ومعناها واحد. حدثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثنا ابن داود قال: حدثنا الأسود شاذان قال: حدثنا نوح بن قيس عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ) قال: السِّجِل: رَجَلٌ وقيل: كاتب للنبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال السُّدِّي: السِّجِلّ: مَلَكٌ. وقيل: السِّجِلّ: الصحيفة التي فيها الكتابة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ رَّبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ (112) قرأ حفص عن عاصم (قَال رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) بألفٍ. وقرأ الباقون (قُلْ رَّبِّ احْكُمْ) بغير ألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قَالَ ربِّ احكمْ) فالمعنى: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) ، مسألة سألها ربَّه. وَمَنْ قَرَأَ (قُلْ رَّبِّ) فهو تعليم من الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يسأله الحكم بالحقِّ. وجاء في التفسير: أنه كان من مضى من الرسل يقولون: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ) . ومعناه: احكم، فأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) .

(على ما تصفون (112)

وقوله جلَّ وعزَّ: (مَسَّنيَ الضُّرُّ (83) و: (عباديَ الصَّالِحونَ (105) أرسل الياء فيهما حمزة، وفتحها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (عَلى مَا تَصِفُونَ (112) روى هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر (يصفون) بالياء وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فهو خطاب للكفار، أراد: على وصفكم أنتم. وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو خبر عن الغائب. وروي في التفسير في قوله (على ما تصفون) أي: على ما تكذبون. * * *

سورة الحج

سورة الْحَجِّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى) قرأ حمزة والكسائي (وترى الناس سَكْرَى وما هم بسَكْرَى) بغير ألِفٍ. وقرأ الباقون (سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى) . قال أبو منصور: قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (وترى الناس سَكْرَى وما هم بسَكْرَى) بغير ألف فله وَجْهٌ جَيِّد في العربية لأنه بمنزلة الهَلكَى والجَرْحى وليس هو بمنزلة النَّشْوَان والنشَاوَى. قال: والعرب تذهب ب (فَاعِل) و (فَعِيل) إذا كان صاحبه (مُخَالَطا) كالمريض والصريع والجريح فيجمعونه على (فَعْلَى) ، فجعلوا (فَعْلَى) علامةً لجمع كل ذى زمانةٍ وضرَرٍ وهلاك ولا يبالون أكان واحده (فَاعلاَ) أو (فَعِيلاً) أو (فَعْلان) فاختير (سَكْرَى) بطرح الألف من هَوْل ذلك اليوم وفَزَعِه. كما قيل: مَوْتَى - ولو قيل: (سَكْرَى) على أن الجمع يَقَعُ عليه التأنيث، فيكون كالواحدة، كان وجهًا. كما قال اللَّه جلَّ وعزَّ: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) و (القُرونَ الأولى) .

(ثم ليقطع. . (15) (ثم ليقضوا تفثهم (29)

ومن قال: (سُكَارى وما هم بُسكَارى) فهو الشرط ما كان جمعًا لـ (فَعْلاَن) ، كما يقال: رَجُل أشْرار، وقوم أشَارى، وغضبان وقَوقٌ غِضَاب" وعطشان وقوم عطاشى. قال: ويجوز (فَعَالى) في موضع (فُعَالى) ، إلا أن القراءة سُنَة لا تُتَعدى) ، وإن جاز في الكلام والتفسير: أنك ترى الناس سُكارى من العذاب والخوف يوم القيامة، وما هم بسكَارى من الشراب، ويدل على ذلك قوله (وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ثمَّ لْيَقْطعْ. . (15) (ثم لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ (29) قرأ أبو عمرو ويعقوب (ثم لِيقْطَعْ) (ثم لِيَقْضوا) بكسر اللام فيهما. وقرأ ابن عامر (ثم لِيقْطع) (ثم لِيقْضُوا) . . . وليُوفُوا. . . ولِيَطوٌفوا) بكسر اللام في الأربعة أحرف. وروى ورشٌ وأبو بكر بن أبي أويس عن نافع مثل أبي عمرو. وقال قُنبل عن ابن كثير (ثم لِيقْضُوا) بكسر اللام في هذه وحدها. وقرأ الباقون بالجزم فيهن كلهن. وقرأ أبو بكر عن عاصم (وليُوَفوا نذورهم) بتشديد الفاء، وخففها الباقون. قال أبو منصور: هذه اللامات في هذه المواضع مكسورة في الأصل، وإنما سكنها من سكنها إذا وصلت بحروف العطف؛ لأن التسكين أخف كما قال "وهْو على ذلك قدير" "وَهْى قالت ذلك" تُسكَّن الهاء إذا وصلت بحروف العطف، أعنى: الواو والفاء.

(ولؤلؤا (23) هنا وفي فاطر.

وأما من اختار كسر اللام في (ثُم لِيَقْضوا) فلأن الوقوف على (ثم) يَحْسُن، ولا يحسن على الفاء والواو، وعلى أن أكثر القراءة على تَسْكين اللام. وأفادني المنذري عن ابن اليزيدي عن أبي زيد أنه قال في قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) . * * * قوله: (ولْيُوفوا. . . ولْيَطوفُوا) مجزومتان مع الواو والفاء (1) . فأما قوله: (ثم لِيَقْطَع) (ثُمَّ لِيَقْضُوا) فمكسورتان حين لم يكن لهما عماد: واو ولا فاء. والعماد: ما يُلزق باللام، و (ثُمَّ) لا يُلزق باللام. وأنشد لـ لبيد: فإنْ لم تَجدْ مِنْ دُونِ عَدْنانَ بَاقِيا ... ودُونَ مَعَا فَالْتَزَعْكَ العَوَاذِلُ جزمت اللام بالعماد للأمر. وقال: (وَلْيَكتبْ بَيْنَكُمْ) . (فلْيملِلْ وليُّهُ) ، (فَلتقُمْ طَائِفَة. . . ولتأتِ طائفة) مجزومات للواو والفاء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلُؤْلُؤًا (23) . . هُنا وفي فاطر.

_ (1) ليس في هذين الموضعين فاء للعطف كما توهَّم.

قرأ نافع وعاصم (وَلُؤْلُؤًا) نصبًا في السورتين، وهمز أبو بكر عن عاصم الثانية وطرح الأولى من (لُولُؤًا) حيث وقع. وروى عنه مُعَلَّى بن منصور في همز الأولى وطرح الثانية في جميع القرآن. وقرأ الحضرمي في الحج (ولُولؤا) نصبًا وفي فاطر (ولُولُؤ) خفضًا وقرأ الباقون بالخفض في السورتين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لولؤا) بالنصب فعلى معنى: ويحلَّون لولؤا. وَمَنْ قَرَأَ (ولُولُؤ) فعلى العطف على قوله: (من ذهبٍ ومن لؤلؤ) . فأما من همز إحدى الهمزتين وحذف الأخرى فإنه كره الجمع بينهما في كلمة واحدة. وأما من نصب التي في الحج وجر التي في الملائكة فلأنَّ مصاحف أهل البصرة وأهل الكوفة اجتمعت على الألف (ولولؤا) في الحج، وعلى حذف الألف من التي في سورة الملائكة فاتبعوا المصحف. وأما من رأى جر (ولولؤ) في السورتين فإنهم اعتلوا بأن الهمزات قد كتبت بالألف على كل حال في مصحف ابن مسعود سواء كان ما قبلها واوًا مكسورة أو مفتوحة.

(سواء العاكف فيه والباد (25)

قال أبو منصور: وكل ما قرئ به من هذه الوجوه فهوَ جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ والبَادِ (25) قرأ حفص وحده (سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ) بالنصب. وقرأ الباقون (سواءٌ) رفعًا. قال أبو منصور: من نصب (سَوَاءً) فعلى إضمار (جعلناه سَوَاء) . ويرتفع (العاكف فيه والباد) بمعنى: سَوَاء، كما تقول: رأيت زيدًا قائمًا أبوه فأتبعت (قائما) (زيدًا) ، فهو في المعنى مرافع لقولك (أبوه) . وهذا يسمى (التضمين) عند بعض أهل النحو. وَمَنْ قَرَأَ (سواء) هو وقف التمام (الذى جعلناه للناس) ، ومعنى (سواء العاكفُ) . ف (سواء) مرفوع بالابتداء ومرافعه (العاكفُ) ، وإنما اختير الرفع في (سواء العاكف فيه والباد) أي: سواء في تفصيله وإقامة المناسك العاكف فيه، أي: المقيم بالحرم، والنازع إليه من الآفاق. وأخبرني المنذري عن اليزيدي عن أبي زيد في قوله (سَوَاءً العَاكِفُ) قال: من أوقع عليه (جَعَلنا) نَصبَهُ، ويجوز رفعه، ومن ابتدأ لم يكن إلا رفعًا.

(فتخطفه الطير (31)

قال والعرب تقول: مررت برجُل سواءٍ عليه الخيرُ والشرُّ، وسواءٌ عليه الخيرُ والشرُّ. كلٌّ تقوله العرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَتَخَطَّفُهُ الطَّيْرُ (31) قرأ نافع وحده (فَتَخَطَّفُهُ الطَّيْرُ) ، بفتح الخاء وتشديد الطاء. وقرأ الباقون (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) . قال أبو منصور: من قرأه (فَتَخَطَّفُهُ) فالأصل (فَتَختطهُ) فأدغم التاء في الطاء، وألقيت حركة التاء على الخاء ففُتِحت. وَمَنْ قَرَأَ (فَتَخْطَفُهُ) فهو من خَطِفَ يَخطِفُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَنْسَكًا (34) قرأ حمزة والكسائي (مَنْسِكًا) بكسر السين في الحرفين، وقرأ الباقون (مَنْسَكًا) بفتح السين فيهما.

لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم (37)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مَنْسِكًا) جعله اسمًا، فمن جعله من نَسَكَ يَنْسِكُ فلا سؤال فيه، ومن جعله من نَسَكَ يَنْسُكُ عدَّه في الحروف التي جاءت على (مَفْعِل) من باب (فَعَلَ يَفْعُلُ) نحو: المْطلِع، والمشرِق، والمغرِب، والمفرِق. وَمَنْ قَرَأَ (مَنْسَكًا) فهو القياس في هذا الباب مصدرًا كان أو اسمًا؛ لأن أكثر الكلام في (المفعَل) الذي يكون من باب (فَعَلَ يَفْعُلُ) يجيء بفتح العين مثل: المَحْضَر، المَقْعَد، المَخْرَج، إلا ما شَذَّ عنه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ (37) قرأ يعقوب وحده (لَنْ تَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ تَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) بالتاء في الحرفين. وقرأ الباقون بالياء فيهما. قال أبو منصور: إذا تقدم فعل الجماعة فأنت بالخيار إن شئت أنَّثْتَ وإن شئت ذكَّرْت. فمن ذكَّره ذهب به إلى الجمع وهو مذكر، ومن أنَّثَ ذهب به إلى الجماعة وهى مؤنثة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا (38) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (إن الله يَدْفَعُ) بغير ألف. وقرأ الباقون (يُدافِعُ) بألف.

(أذن للذين يقاتلون (39)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يدافع) فهو من دافع يُدافع، بمعنى: دفع. وقد جاءت حروفٌ على (فاعل) للواحد، منها: قاتله اللَّه، وعافاه اللَّه، وعاهدت الله. وَمَنْ قَرَأَ (يدفع) فهو من دفع يدفع. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ (39) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (أَذِنَ لِلَّذِينَ) بفتح الألف (يُقاتِلُونَ) بكسر التاء. وقرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم، ويعقوب (أُذِنَ لِلَّذِينَ) بضم الألف (يُقَاتَلُونَ) بكسر التاء. وقرأ ابن عامر (أَذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ) بفتح الألف والتاء جميعًا. وقرأ نافع وحفص: (أُذِنَ) - بضم الألف -، (يُقَاتَل) - بفتح التاء -. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَذِنَ) بفتح الألف فالمعنى: أذِنَ اللَّهُ للذين يُقاِتلون أو: يقاتَلون، و (أنهم ظُلِمُوا) ، أي: أذِنَ لهم بسبب ما ظلِموا أن يُقاِتلوا، وكذلك المعنى فيمن قرأ (أذِن) ، وإذا قرئ (يُقاتِلُونَ) فهم فاعلون، وإذا قرئ (يقاتَلون) فهم مفعولون.

(لهدمت صوامع (40)

وقوله جلَّ وعزَّ: (لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ (40) قرأ ابن كثير ونافع (لَهُدِمَتْ) خفيفة الدال. وقرأ الباقون (لهدمَتْ) مشددة. قال أبو منصور: (لَهُدِّمَتْ) للتكثير، ومن خفف فهو جائز، كقولك: قُتِل الرجالُ، وقُتِّلوا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكتُهَا (45) قرأ أبو عمرو ويعقوب (أهْلَكتُهَا) بالتاء. وقرأ الباقون (أَهْلَكْنَاهَا) بالنون. قال أحمد بن يَحيَى: ما كان من هذا للَّه وحده دون أعوانه فهو على التوحيد، وما كان على لفظ الجمع فهو ما فعله بأعدائه، وجائز أن يكون اللفظ لفظ الجميع، وقد تفرد به أبو عمرو. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ (45) أخبرني المنذري عن ابن السكيت قال: البئر أنثى، تصغيرها بؤيرة، وتجمع ثلاث أبؤر، وتجمع أبئارا، ويقلب فيقال آبار، وتجمع أيضًا بيار وروي لورش عن نافع، وابن جماز، ويعقوب، وخارجة (وَبِيرٍ مُعَطَّلَةٍ) بلا همزة.

(وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون (47)

قال الأصمعي: سألت نافعًا عن (البير) و (الذيب) أتهمز؟ فقال: إن كان العرب تهمزها فاهْمِزها. والباقون يهمزون. وكذلك قُرئ لنافع بالهمز. قال أبو منصور: كلام العرب الجيد في (البئر) و (الذئب) الهمز. ويقال للحفرة البؤرة وبأرت بئرَا، أي: احتفرت بئرًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء، وفي (السجدة) بالتاء. وقرأ الباقون بالتاء في السورتين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فهو مخاطب، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة. والمعنى: إن يومَا عند ربك من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة مما تعدون فى الدنيا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (في آيَاتِنَا مُعَاجِزينَ (51) قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (مُعَجِّزِينَ) بغير ألف، وكذلك في سورة سبأ. وقرأ الباقون (مُعَاجِزينَ) حيث وقع.

(ثم قتلوا أو ماتوا (58)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مُعَجِّزِينَ) فمعناه: مثبِّطين. وَمَنْ قَرَأَ (مُعَاجِزينَ) فإن الفراء قال: معناه معاندين. وقال غيره: معنى (مُعَاجِزينَ) أي: ظانين أنهم يعجزوننا، أي: يفوتوننا؛ لأنهم ظنوا أنهم لا يبعَثون، وكانوا يقولون: لا بعثٌ ولا جنةٌ ولا نارٌ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا (58) قرأ ابن عامر وحده (ثُمَّ قُتِّلُوا) بتشديد التاء. وخفف الباقون. قال أبو منصور: وقد مرَّ الجواب عنهما آنفًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ. . (62) وأشباهه. قرأ ابن كثير وابن عامر في رواية ابن الأخرم (وَأَنَّ مَا تَدْعُونَ) وفي العنكبوت (إن الله يَعْلَمُ مَا تَدْعُونَ) وفي لقمان (وأنَّ مَا تَدْعُونَ) بالتاء في هذه المواضع الثلاثة، وفي المؤمن (والذين يَدْعُونَ مِنْ دُونهِ) عند رأس العشرين آية منها. وكذلك روى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم، وقرأهن نافع كلهن بالتاء. وقرأهن أبو عمرو وحفص ويعقوب بالياء. وقرأ أبو بكر عن عاصم في رواية يَحيَى عنه هنا وفي لقمان بالتاء، وفى العنكبوت والمؤمن بالياء. وقرأ حمزة والكسائي بالتاء في العنكبوت، والباقي بالياء.

(بيتي للطائفين (26)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فللمخاطب، وَمَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة، وكل ذلك جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ (26) حرك الياء نافع وحفص عن عاصم. وأسكنها الباقون. * * * وقد حذف من هذه السورة ثلاث ياءات: قوله: (وَالبَادِ (25) ، (وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ (54) ، (فكَيْفَ كَانَ نَكِير (44) . وقرأ ابن كثيرٍ (والبادي) بالياء في الوصل والوقف. ووصلها أبو عمرو بياء. وكذلك روى ورش والأصمعي وإسماعيل ويعقوب وابن جماز عن نافع مثل أبي عمرو، وروى قالون والمسيبى وابنا أبي أويس عن نافع بغير ياء في وصل ولا وقف، ووقف يعقوب على الثلاث بياء، وحذفها من قوله (لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا) في الوصل لاجتماع الساكنين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بغير ياء، فللاكتفاء بالكسرة الدالة على الياء. وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو الأصل. * * *

سورة المؤمنين

سورة الْمُؤْمِنِينَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (لِأَمَانَاتِهِمْ) قرأ ابن كثير (لأمَانَتِهِمْ) واحدة، وكذلك في سورة واقع. وقرأ الباقون (لأمَانَاِتهمْ) جماعة في السورتين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لأمَانَتِهمْ) فهي واحدة تنوب عن الجماعة. وَمَنْ قَرَأَ (لأمَانَاِتهِمْ) فهي جمع الأمانة، وكل ذلك جائز. * * * قرأ حمزة والكسائي (صَلاَتِهمْ) الباقون (صَلَوَاتِهِمْ) * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (عَظْمًا فَكَسَوْنَا الْعَظْمَ لَحْمًا) بغير ألف. وقرأ الباقون (عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) على الجمع.

(من طور سيناء (25)

قال أبو منصور: العظم واحد، والعظام جماعة، وقد ينوب العظم عن العظام - وكل ما قرئ به فهو جائز، والمعنى واحد، وقد يجوز من التوحيد إذا كان في الكلام دليل على الجمع ما هو أشد من هذا، قال الراجز: في حَلْقِكمْ عَظم وقد شَجِينَا يريد: في حُلوقكم عظام. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ طُورِ سِيْنَاءَ (25) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (سِيناء) بكسر السين. وقرأ الباقون (سَيْنَاء) بفتح السين. * * * وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (تُنْبِتُ) بضم التاء وكسر الباء. وقرأ الباقون (تَنْبُتُ) بفتح التاء وضم الباء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سَيْنَاء) فهو اسم للمكان على وزن (صَحْرَاء) لا يجرى. وَمَنْ قَرَأَ بكسر السين فليس في الكلام على وزن (فِعْلاء) بناء على أن الألف للتأنيث؛ لأنه ليس في الكلام ما فيه ألف التأنيث على وزن

(منزلا مباركا. . (29)

(فِعْلاَء) ، وما كان في الكلام نحو: حِرباء، وعِلْبَاء، وخْرِشاء. فهو منصرف مذكر، فكأنَّ من قرأها (سِينَاء) جعلها اسمًا للبقعة، ولم يصرفها. وقيل: (سَيْناء) : حجارة. والله أعلم بما أراد. وأما مَنْ قَرَأَ (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) فإن الفراء قال: نبت وأنبتَ بمعنًى واحد، وأنشد قول زهير: رأيتَ ذوي الحاجاتِ حولَ بيوتِهمْ ... قَطِيناً لهم حتى إذا أَنْبَتَ البَقْلُ ويروى: "حَتى إذَا نَبَتَ". ومعنى (تَنْبُت بالدهن) : تَنْبُتُ وفيها دهن. كقولك: جاءني زيدٌ بالسيف، أي: جاءني ومعه السيف. وأخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد بن سلام قال: سمعت حاد بن سلمة يقرأ (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) فسألته فقال: (تُنبِتُ الدهْنَ) ، و (تَنبُتُ بالدُّهن) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مُنْزَلًا مباركًا. . (29) قرأ عاصم في رواية أبي بكر (مَنْزِلًا) بفتح الميم، وبكسر الزاي. وقرأ الباقون (مُنْزَلًا) بضم الميم وفتح الزاي.

(رسلنا تترا. . (44)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مَنْزِلاً) فهو موضع النزول، من نَزَل يَنْزِلُ. وَمَنْ قَرَأَ (مُنزَلاً) فله وجهان: أحدهما: مصدر أنزله إنزالاً ومُنْزَلاً. والوجه الثاني: الموضع الذي ينزلون فيه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (رُسُلَنَا تَتْرَا. . (44) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (تَتْرًا) منونة، ووقفا بألف. وقرأ الباقون (تَتْرَا) غير منونة. ووقف حمزة والكسائي بياء. قال أبو منصور: قال أبو العباس: مَنْ قَرَأَ (تَتْرًا) فهو مثل شكوت شكوى، و (تَتْرًا) كان في الأصل: وتْرَا: فقلبت الواو تاء، فقيل: تَتَرتُ تَتْرًا. قال وهكذا قال أبو عمرو، وهو من (تَتِرْتُ) . قال أبو العباس: وَمَنْ قَرَأَ (تَتْرَا) فهو على (فَعْلى) ، كقولك شكوتُ شكوَى، غير منونة؛ لأن فَعْلى لا تنون، ونحو ذلك. قال أبو إسحاق مَنْ قَرَأَ بالتنوين فمعناه: وَترًا، فأبدل التاء من الواو، كما أبدلت في: تَوْلَجُ وتُرَاث، أصلهما: وَوْلَج ووُرَاث. وَمَنْ قَرَأَ (تَتْرَا) فهو ألف التأنيث. . وأخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد بن سلام قال: سألت يونس عن قوله: (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا) ؟ قال: منقطعة متفاوتة، وجاءت الخيل تترا، إذا جاءت متقطة، وكذلك الأنبياء بين كل نبيين دهر طويل. وقال أبو هريرة:

(وأن هذه أمتكم (52)

لا بأس بقضاء رمضان (تترى) ، أن تصوم يومًا وتفطر يومًا، ولا يُسْردُ القُوم سَردًا. قال أبو منصور: القراءة بـ (تَتْرًا) جائزة بمعنى: وترًا. * * * وقوله جلَّ وعزََّ: (وَأَنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ (52) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (وَأَنَّ هَذِهِ) بفتح الألف وتشديد النون. وقرأ الكسائي وعاصم وحمزة (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ) بكسر الألف وتشديد النون. وقرأ ابن عامر (وَأَنْ هَذِهِ) بفتح الألف ساكنة النون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَإِنَّ هَذِهِ) بكسر الألف جعله مستأنفًا. وَمَنْ قَرَأَ بفتح الألف فالمعنى: ولأن هذه أمتكم، أي: لأن دينكم دين واحد، وهو الإسلام، أعْلَمَ الله أن قومًا جعلوا دينهم أديانًا فقال (فَتَقَطَّعُوا أمْرهُمْ بينَهُمْ) . وأما قراءة ابن عامر (وأنْ هذه) بفتح الألف ساكنة النون فإنه خفف النون وأعملها، فجعل (هذه) في موضع النصب، وجائر أن يجعل (هذه) في موضع الرفع إذا خفف (أنْ) .

(سامرا تهجرون (67)

وقال الزجاج: مَنْ قَرَأَ (وأن هذه أمتكم أمة واحدة) (أمتكم) رفع خبر هذه. المعنى: وأنَّ هذه أمتكم في حال اجتماعها على الحق، فإذا افترقت لم تكن على الحق. قال: وقرئت (أمةٌ واحدةٌ) على أنه خبرٌ بعد خبرٍ، ومعناه: وأن هذه أمة واحدة ليست أممًا. قال: ويجوز (أُمَّتكم) على معنى التوكيد، كأنه قال: "إنَّ أمتكم كلَّها أمة واحدة" وقال الفراء: من نَصب (أمة) فعلى القطع. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) قرأ نافع وحده (تُهْجِرون) وقرأ الباقون (تَهْجُرون) بفتح التاء وضم الجيم. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَهْجُرون) فالمعنى: إنكم إذا سَمَرْتُم هجرتم النبي - صلى الله عليه وسلم - والقرآن، من الهِجْراَن. وجائز أن يكون معنى (تَهْجُرون) : تهْذِرون، من قولك: هجر الرجل في منامه إذا هذى، والمعنى: أنكم تقولون فيه ماليس فيه، وما لا يضره، فهو كالهذيان. وَمَنْ قَرَأَ (تُهْجِرُون) فمعناه: تُفْحِشُون، من أهجرت. والاسم: الهُجْرُ، وكانوا يسبّون النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خَلَوْا حول البيت ليلاً، حدثنا الحسين عن عثمان عن

(هيهات هيهات لما توعدون (36)

عفان قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا حميد الأعرج عن مجاهد عن ابن عباس قال: كان يقرأ (سَامِرًا تَهْجُرُونَ) يقول: الهجرُ في القول. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لما تُوعَدُون (36) اتفقوا على فتح التاء في الإدارج، ووقف الكسائي وحده على (هَيْهَاه) . ووقف الباقون على الأولى بالتاء وعلى الثانية بالهاء. قال أبو منصور: أما ما قاله الكسائي من الوقوف عليهما معًا بالهاء فلأن تاءهما في الأصل هاء، فإذا تحركت صارت تاء، وإذا وقفت عليها كانت هاء كهاء المؤنثات، مثل هاء الرحمة، والصلاة، والحسنة، وأمَّا من وقف على الأولى بالتاء وعلى الثانية بالهاء فلأن الأولى الإدراج فيها أكثر؛ لأنها وكدَت بالثانية فصارتا شيئا واحدا، وجعلوا الثانية هاء في الوقف على الأصل. وقال أحمد بن يحيى: من جعلهما كالحرف الواحد ولا يُفْردُ لم يقف على الأولى ووقف على الثانية بالهاء؛ كما يقف على اثنتي عشرة بالهاء، ومن نوى الإفراد وقف عليهما بالهاء، لأن الأصل الهاء، فقف كيف شئت. قال: وكأني أستحب الوقوف على التاء؛ لأن من العرب من يخفضُ التاء على كل حال. قال أبو منصور: والقراء كلهم على فتح التاءين في المُضي.

(سيقولون لله (85) ، 87، 89)

ودخول اللام في قوله (لِمَا تُوعَدُون) كإدخالهم اللام في (هَلُمَّ لَكَ) ، والعرب تقول: هَيْهَاتَ أنتَ مِنا، وَهَيْهَاتَ لَكَ، وهَيْهَات لأرضِكَ، وهَيْهَاتَ لأهلِكَ. جعلوا (هَيْهَاتَ) أداة ليست مأخوذة من فعل، ولذلك جاز إدخال اللام في (لِمَا) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ (85) ، 87، 89) قرأ أبو عمرو ويعقوب الأول (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) ، والثاني والثالث (سَيَقُولُونَ اللَّهُ) (اللَّهُ) . وقرأ الباقون (لِلَّهِ) (لِلَّهِ) (لِلَّهِ) . قال أبو منصور: أما الأولى فلم يختلف القراء فيها؛ لأن جواب الاستفهام في (لِمَن الأرْض؟) (لِلَّهِ) فرجعت في خبر المستفهم باللام أيضًا. وأما الأخريان فإنَّ أبا عمرو جعل خبر المستَفهم (اللَّهُ) (اللَّهُ) ، لأنه لا لام في قوله (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ) ، وهذا الذي اختاره أبو عمرو في العربية أبين: لأنه مردود مرفوع، فجرى جوابه على مبتدأ به، وأما مَنْ قَرَأَ الثانية والثالثة باللام فعلَّته أن الجواب خرج على المعنى لا على اللفظ. ألا ترى أنك لو قلت لرجل: من مَولاَكَ؟ . فقال: أنا لِفُلان. كفاك من أن يقول: مولاي فلان " فلما كان المعنيان واحد جرى ذلك في كلامهم، وقد جاء في الشعر مثله، أنشد الفراء لبعض العامريين: وأعْلمُ أنني سَأكُونُ رَمْسًا ... إذَا سَارَ النواجِعُ لاَ أسيرُ فَقَال السائِلُونَ لِمَنْ حَفَرْتُم ... فَقَال المُخبِرونَ لَهُمْ وَزِيرُ

(عالم الغيب والشهادة (92)

كان وجه الكلام أن يقول فَقَالَ المُخْبِرُونَ لَهُمْ: لِوَزِير. فَرَفَعَه، وأراد: الميت وزيرٌ. النواجعُ: الذين يخرجون إلى البادية من المرتع. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ (92) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص (عَالِمِ الْغَيْبِ) خفضَا. وقرأ الباقون (عَالِمُ الْغَيْبِ) رفعًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (عالمِ الغيبِ) بالكسر ردة على قوله: (سُبحَانَ اللهِ. . عَالِمِ الْغَيْبِ) . وَمَنْ قَرَأَ (عالمُ الغيب) فهو استئناف. والدليل على ذلك دخول الفاء في قوله: (فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) كأنه أراد: هو عالم الغيب والشهادة فتعالى. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَعَلِّي أعْمَلُ صَالِحًا (100) فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأرسلها الباقون.

(شقاوتنا (106)

وقوله جلَّ وعزَّ: (شَقَاوَتُنَا (106) قرأ حمزة والكسائي (شَقَاوَتُنَا) بفتح الشين، والألف. وقرأ الباقون (شِقْوَتُنَا) بكسر الشين. وروى بكار عن أبان قال: سألت عاصمًا عن هذا الحرف فقال: إن شئت فاقرأ (شَقَاوَتُنَا) وإن شئت (شِقْوَتُنَا) قال أبو منصور: أما (شَقْوَتُنَا) بفتح الشين فهي قليلة في القراءة، وأما (شِقْوَتُنَا) و (شَقَاوَتُنَا) فلغتان قرى بهما. وأنشد الفراء: كُلِّفَ مِنْ عَنائِهِ وشِقْوَتِهْ ... بنتَ ثمانِيَْ عَشْرةٍ مِنْ حِجَّتِهْ * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا (110) قرأ نافع وحمزة والكسائي (سُخْرِيًّا) بضم السين ها هنا وفي (ص) وكذلك قال هبيرة عن حفص عن عاصم. وقرأ الباقون (سِخْرِيًّا) بكسر السين في السورتين. واتفقوا على ضم السين في الزخرف، في قوله: (سُخْرِيًّا) . وأخبرني المنذري عن ابن فهم عن ابن معاذ عن يونس قال: مَنْ قَرَأَ (سُخْرِيًّا) فهو من السُّخْرة. وَمَنْ قَرَأَ (سِخْرِيًّا) فهو من الهُزُؤ.

(قال كم لبثتم.. (112) ، (قال إن لبثتم (114)

قال أبو منصور: وروي عن الكسائي والخليل وسيبويه أنهما بمعنىً واحد كقول العرب: بحر لُجِي، ولِجِي - وكَوْكَب دُريّ، ودِريّ. منسوب إلى الدُّرّ - والعُصي والعِصي، جع العَصا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) قرأ حمزة والكسائي (إِنَّهُمْ) بكسر الألف، وكذلك روى خارجة عن نافع. وقرأ الباقون (أَنَّهُمْ) بفتح الألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إِنَّهُمْ) فهو استئناف كأنه قال: (إني جَزَيتُهم اليوْم بما صبَرُوا) فقال: (إِنَّهُمْ هم الفائزون) . وَمَنْ قَرَأَ (أَنَّهُمْ) فالمعنى: أني جزيتهم اليوم بصبرهم الفَوْزَ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ.. (112) ، (قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ (114) قرأ ابن كثيرا (قُلْ كَمْ لَبِثْتُمْ) على الأمر، (قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ) على الخبر. وقرأ حمزة والكسائي (قُلْ كَمْ لَبِثْتُمْ) ، (قُلْ إِنْ لَبِثْتُمْ) على الأمر جميعًا وقرأ الباقون (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ) ، (قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ) بالألف فيها جميعًا.

(وأنكم إلينا لا ترجعون (115)

قال أبو منصور: (قَالَ) : فعل ماض، وهو خبر. و (قُلْ) أمر لمن يأمره الله بسؤالهم إذا بُعِثُوا. وقوله: (إنْ لَبثتمْ) معناه: ما لَبِثتم إلَّا قَلِيلاً. وقوله: (كمْ لَبِثتئم) في موضع النصب بقوله (لَبِثتم) و (عَدَدَ سنينَ) منصوب بـ (كَمْ) . واتفق القراء على إدغام اللام في الراء من قوله: (وقُل رَّب أعُوذُ بكَ. . . (97) ، وتَرْكِ الإظهار. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) قرأ حمزة والكسائي (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تَرْجِعُونَ) بفتح التاء وكسر الجيم. وقرأ الباقون (لَا تُرْجَعُونَ) بضم التاء وفتح الجيم. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لا تَرْجِعُون) فالفعل لهم. وَمَنْ قَرَأَ (لا تُرْجَعُون) فهم مفعولون. يقال رجعته فرجع، ومثله نَقَصْتُه فنقص. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ (101) قرأ يعقوب وحده (فَلَا أَنْسَابْ بَّيْنَهُمْ) مدغمة. وكذلك أدغم الباء من قوله (لَذَهَبْ بِّسَمْعِهِمْ) و (العَذَابْ بِّالمغْفِرَة) ، و (الصاحبْ بِّالجنب) في هذه الأربعة المواضع، ويظهرها في غيرها.

قال أبو منصور: اتفق القراء على إظهار الباءين في هذه الحروف؛ لأنهما من كلمتين. * * * وقد حذف من هذه السورة ست ياءات: (بِمَا كَذَّبُونِ (26) ، (39) (فاتقُون (52) ، (أَنْ يَحْضُرُونِ (98) ، (ارْجِعُونِ (99) ، (وَلَا تُكَلِّمُونِ (158) ، وقد أثبتهن يعقوب في الوصل والوقف. قال أبو منصور: هذه الياءات في الأصل ثابتة، ومن حذفها اجتزى بالكَسَراتِ. * * *

_ (1) هذا الكلام فيه نظر فقد أدغم السوسي عن أبي عمرو المثلين من كلمتين في كل القرآن بشروط قال الإمام الشاطبي - رحمه الله - بَابُ الإدْغَامِ الْكَبِيرِ (42) 116 - وَدُونَكَ الاِدْغَامَ الْكَبِيرَ وَقُطْبُهُ. . . أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ فِيهِ تَحَفَّلَا 117 - فَفِي كِلْمَةٍ عَنْهُ مَنَاسِككُّمْ وَمَا. . . سَلَككُّمْ وَبَاقِي الْبَابِ لَيْسَ مُعَوَّلَا 118 - وَمَا كَانَ مِنْ مِثْلَيْنِ فِي كِلْمَتَيْهِمَا. . . فَلاَ بُدَّ مِنْ إدْغَامِ مَا كانَ أَوَّلَا 119 - كَيَعْلَمُ مَا فِيهِ هُدًى وَطُبِعْ عَلَى. . . قُلُوبِهِمُ وَالْعَفْوَ وَأْمُرْ تَمَثَّلَا 120 - إِذَا لَمْ يَكُنْ تَا مُخْبِرٍ أَوْ مُخَاطَبٍ. . . أوِ الْمُكْتَسِي تنْوِينَهُ أَوْ مُثَقَّلَا 121 - كَكُنْتُ تُرَاباً أَنْتَ تُكْرِهُ وَاسِعٌ. . . عَلِيمٌ وَأَيْضاً تَمَّ مِيقاَتُ مُثِّلَا 122 - وَقَدْ أَظْهَرُوا فِي الْكَافِ يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ. . . إِذِ النُّونُ تُخْفَى قَبْلَهَا لِتُجَمَّلَا 123 - وَعِنْدَهُمُ الْوَجْهَانِ في كُلِّ مَوْضِعٍ. . . تَسَمَّى لِأَجْلِ الْحَذْفِ فِيهِ مُعَلَّلَا 124 - كَيَبْتَغِ مَجْزُوماً وَإِنْ يَكُ كاذِبا. . . وَيَخْلُ لَكُمْ عَنْ عَالِمٍ طَيِّبِ الْخَلَا 125 - وَيَا قَوْمِ مَالِي ثُمَّ يَا قَوْمِ مَنْ بِلاَ. . . خِلاَفٍ عَلَى الْإِدْغَامِ لاَ شَكَّ أُرْسِلَا 126 - وَإِظْهَارُ قَوْمٍ آلَ لُوطٍ لِكَوْنِهِ. . . قَلِيلَ حُرُوفٍ رَدَّه مَنُْ تَنَبَّلَا 127 - بِإِدْغاَمِ لَكَ كَيْدًا وَلَوْ حَجَّ مُظْهِرٌ. . . بِإِعْلاَلِ ثَانِيهِ إِذَا صَحَّ لاَعْتَلَا 128 - فَإِبْدَالُهُ مِنْ هَمْزَةٍ هَاءٌ اَصْلُهَا. . . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ وَاوٍ ابْدِلَا 129 - وَوَاوَ هُوَ الْمَضْمومُ هَاءً َكَهُو وَمَنْ. . . فَأَدْغِمْ وَمَنْ يُظْهِرْ فَبِالْمَدِّ عَلَّلَا 130 - وَيَأْتِيَ يَوْمٌ أَدْغَمُوهُ وَنَحْوَهُ. . . وَلاَ فَرْقَ يُنْجِي مَنْ عَلَى الْمَدِّ عَوَّلَا 131 - وَقَبْلَ يَئِسْنَ الْيَاءُ في الَّلاءِ عَارِضٌ. . . سُكُونًا أَوَ اصْلاً فَهُوَ يُظْهِرُ مُسْهِلَا

سورة النور

سورة النُّورِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَفَرَضْنَاهَا) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (وَفَرَّضْنَاهَا) بتشديد الراء. وقرأ سائر القراء (وَفَرَضْنَاهَا) بتخفيف الراء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَفَرَّضْنَاهَا) بالتشديد فالمعنى: أنزلنا منها فرضا بعد فرض، فلما كثرت شُدد الفعل. ومعنى فرَّضنا: بيَّنَّا وفصلنا ما فيها من أمر ونهي وتوقيف وحدٍّ. ومن خففَ فمعناه: ألزمناكُمْ العمل بما بُيِّن فيها من الواجبات والحقوق. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) قرأ ابن كثير وحده (رَأَفَةٌ) مفتوحة الهمزة، وفي الحديد (رَأْفَةٌ) ساكنة وقرأ الباقون رَأْفَةٌ ساكنة الهمزة في السورتين، إلا أن أبا عمرو يطرحها وأمثالَها إذا أدرج القراءة في الصلاة على ما روي عنه. قال أبو منصور: هما لغتان (الرَّأْفَةٌ) و (الرَّآفَةٌ) بوزن الرَّعْفَة والرَّعَافَة، ومثله: الكأبةُ والكآبة، والسأمة والسآمة - وكأنَّ الرأفة مرة واحدة، والرآفة مصدر كقولك ضَؤلَ ضآلة.

_ (1) قال السَّمين الحلبي: قوله: {رَأْفَةٌ} قرأ العامَّةُ هنا، وفي الحديد، بسكون الهمزة، وابنُ كثير بفتحها. وقرأ ابن جُرَيْج وتُروى أيضًاً عن ابن كثير وعاصم» رَآفة «بألفٍ بعد الهمزة بزنةِ سَحابة، وكلُها مصادِرُ ل رَأَفَ به يَرْؤُف. وقد تقدَّم معناه. وأشهرُ المصادرِ الأولُ. ونقل أبو البقاء فيها لغةً رابعةً: وهي إبدالُ الهمزةِ ألفاً. ومثلُ هذا ظاهرٌ غيرُ محتاجٍ للتنبيهِ عليه فإنها لغةٌ مستقلةٌ وقراءةٌ متواترة. اهـ (الدر المصون) .

(أن تشهد أربع شهادات) ، (فشهادة أحدهم أربع شهادات)

وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) ، (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ) قرأ حفص وحمزة والكسائي (أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ) رفعَا. وقرأ الباقون (أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) نصبًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أربعُ) بالرفع على خبر الابتداء، المعنى: فشهادة أحدهم التي تدرأ حدَّ القاذف أربع. ومن نصب (أَرْبَعَ) فالمعنى: فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات بالله - والشهادة ها هنا: الأيمان، لا كشهادة شاهد. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ. . .) ، (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ) قرأ نافع ويعقوب (أنْ) ساكنة النون خفيفة، و (لعنةُ الله) رفع، (أنْ غضِبَ الله) فعل ماض. قرأه نافع وحده. وقرأ يعقوب (أَنَّ غَضَبُ اللَّهِ) بفتح الغين والضاد وضم الباء. وقرأ الباقون (أَنَّ لَعْنَتَ) و (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ) بتشديد النون، والنصب فيهما. قال أبو منصور: العرب إذا شددت (أنَّ) نصبت الاسم، وإذا خففت ووليها فهو اسم مرفوع، وَمَنْ قَرَأَ (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ) بفتح الغين والضاد فهو مصدر. وَمَنْ قَرَأَ (أنْ غَضِبَ اللهُ) فَغَضِبَ فعل ماضٍ.

(والخامسة أن)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ) قرأ حفص وحده (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ) نصبًا. وقرأ الباقون (وَالْخَامِسَةُ) بالرفع. قال أبو منصور: من نَصبَ (الخامسةَ) فالمعنى: وليشهد الخامسةَ. وَمَنْ قَرَأَ (والخامسةُ) فهي معطوفة على قوله: (فشَهادَةُ أحدِهم أربعُ) ، بالرفع. وقال الفراء: الخامسة في الآيتين مرفوعتان بما بعدهما من (أنَّ) و (أنَّ) ، ولو نصبتهما على وقوع الفعل كان صوابًا، كأنك قلت: وليشهد الخامسةَ بأنَّ لعنة الله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) قرأ يعقوب الحضرمي وحده (وَالَّذِي تَوَلَّى كُبْرَهُ) بضم الكاف. وكَسَرها الباقون. قال أبو منصور: قرأ حميد الأعرج (كُبْرَهُ) بضم الكاف أيضًا. وقال الفراء: الضم في الكاف وجه جيد في النحو، لأن العرب تقول: فلان تولى عُظْمَ أمر كذا وكذا، أى أكثره. وأخبرني المنذري عن اليزيدي عن أبي زيد قال: قرأ بعضهم (كُبْرَه) بضم الكاف، وأظنها لغة، فأما الذى سمعناه

(يوم تشهد عليهم ألسنتهم (24)

فبكسر الكاف. وقال الزجاج: مَنْ قَرَأَ (كِبْرَهُ) فمعناه: من تولَّى الإثمَ في ذلك. وَمَنْ قَرَأَ (كُبْرَهُ) أراد: مُعظمهُ. وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت قال: كُبْرُ الشيء معظمُهُ، قال: ويقال: كِبْرُ سِياسَةِ الناس في المال (والكِبْرُ من التكبر بالكسر. قال: ويقال: الولاء للكُبَرِ، وهو أكبرُ ولد الرَجل. وأنشد: تتامُ عَنْ كِبْرِ شَأنِهَا فَإذَا ... قَامت رُوَيدًا تَكَادُ تَنْغَرِفُ قال أبو بنصور: وهذا هو الصحيح، والقراءة بكسر الكاف لا غير. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ (24) قرأ حمزة والكسائي ((يَوْمَ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ) بالياء. وقرأ الباقون بالتاء (تَشْهَدُ) .

(غير أولي الإربة من الرجال (31)

قال أبو منصور: قال الفراء: مَنْ قَرَأَ بالتاء فلتأنيث الألسنة. وَمَنْ قَرَأَ بالياء فلتذكير اللسان، ولأن الفعل إذا تقدم كأنه للجمع. وأخبرني المنذري عن الحرافي عن ابن السكيت قال: سمعت أبا عمرو يقول: اللسان نَفْسُه يذكر ويؤنث. فمن أنث اللسان جمعهُ ألْسُنًا، ومن ذكَره جمعه ألْسِنةً. قال: وأكثر العرب على تذكير اللسان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ (31) قرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم (غَيْرَ أُولِي الْإِرْبَةِ) نصبًا. وقرأ الباقون (غَيْرِ أُولِي) خفضًا. قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) بالخفض فلأنه نعت للتابعين، وليس التابعون بِمُوَقَّتين، فكذلك صلحتأ (غَيْرِ) نعتا لهم وإن كانوا معرفة.

(وليضربن بخمرهن (31)

وَمَنْ قَرَأَ (غَيْرَ) بالنصب فلأن (غَيْرَ) نكرة، فنصبت على القطع. وإن شئت نَصْبته على الاستثناء، فتضع (إلا) في مرضع (غَيْرَ) فيصلُح، والوجه الأول أجود هما. وأبو العباس ذهب إلى الاستثناء في هذا الموضع. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ (31) روى عباس عن أبي عمرو (وَلِيَضْرِبْنَ) بكسر اللام. وقوله (وَلِيَضْرِبْنَ) يجعلها لام كي. وجزم الباقون اللام. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالكسر فلأن هذه اللام في الأصل مكسورة قبل دخول الواو عليها. ومن جزم اللام فلاستثقال الكسرة بين حركتين. والقراء على تسكين اللام. * * * وقوله جلْ وعزَّ: (أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ (31) و (يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ) (أَيُّهَ الثَّقَلَانِ) قرأ ابن عامر وحده (أَيُّهُ) بضم الهَاء لها فيهن. وقرأ الباقون بفتح الهاء فيهن. ووقف أبو عمرو والكسائي: (أَيُّهَا) في الثلاثة الأحرف. ووقف الباقون (أَيُّهَ) بغير ألف.

(كمشكاة (35)

قال أبو منصور: أما قراءة ابن عامر (أَيُّهُ) بضم الهاء فهُو ضعيف في العربية والقراءة أيُّها الناس: أيُّ اسم مبهم مبني على الضم؛ لأنه منادى مفرد -، وهاء لازمة لأي للتنبيه، وهى عوض من الإضافة في (أي) ؛ لأن أصل (أي) أن تكون مضافة إلى الاستفهام والخبر، وإذا أنثت قلت أيتها المرأة، واجتمع القراء على فتح الهاء في قوله: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ) فدل ذلك على أن القراءة (يا أيُّها) ، كذلك لا أدري لأحد أن يقرأ (أَيُّهُ) بضم الهاء، وقد قال أبو بكر بن الأنباري إنَّ (أَيُّهُ)) لغة، وأجاز قراءة ابن عامر على تلك اللغة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَمِشْكَاةٍ (35) أمال الكسائي وحده الكاف الثانية (كمشكاة) في رواية أبي عمر. وسائر القراء فخموا الكاف. وهي اللغة العالية. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ تُوقَدُ (35) قرأ ابن كثير ويعقوب (دُرِّيٌّ) بضم الدال غير مهموز (تَوَقَّدَ) بفتح التاء والواو والقاف والدال. وقرأ أبو عمرو (دِرِّيءٌ) بكسر الدال والهمز، (تَوَقَّدَ) مفتوحة الحروف. وقرأ نافع وابن عامر وحفص (دُرِّيٌّ) مثل ابن كثير، (يُوقَدُ) بالياء وسكون الواو وضم الدال. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر،

وحمزة (دُرِّيٌ) بضم الدال ممدودة مهموزة، (تُوقَدُ) بضم التاء وتسكين الواو وضم الدال. وقرأ الكسائي (دِرِّيءٌ) مثل أبي عمرو (تُوْقَدُ) مثل حمزة. وروى هارون عن أبي عمرو (تَوَقَّدُ) رفعٌ مثقل. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (دُرِّيٌّ) بلا همز، (تَوَقَّد) فهو منسوب إلى الدُّرِّ لصفائه، ونصب (تَوَقَّدَ) لأنه فعل ماض. على (تَفَعَّلَ) . وَمَنْ قَرَأَ (دِرِّيءٌ) بكسر الدال والراء والهمز فإن الدِّرِّيء في كلام العرب كل كوكب براق يدرأُ عليك إذا طلع من الأفق بزُهْرَتِهِ، وهى (فِعِّيل) من درأ يدرأُ، وقال الفراء: سمي دُرِّيئًا كأنه رُجم به الشيطان فدفعه. وقال غيره: إنما سمي دِرِّيئًا لأنه يطلع عليك من مطلعه فُجَاءة، وهو من قولك: درأ علينا فلان وَطَرأ، إذا طلع فجأة، وهو من الدَّراري. أخبرني المنذري عن أبي الهيثم بذلك قال: وقال نصير: دُروءهُ: طلوعه، تقول: دَرَأ علينا. قال أبو منصور: وهذا القول أحسن من قول الفراء. وأما قراءة مَنْ قَرَأَ (دُرِّيءٌ) بضم الدال مع الهمز فإن أهل اللغة لا يعرفونه، وأنكروا القراءة به، وقالوا: ليس في كلام العرب اسم على (فُعِّيل) . واختلف عن عاصم فيه، وروى عن الكسائي عن المفضل الضبىّ عن عاصم أنه قرأ (دِرِّيء) بكسر الدال

_ (1) قال السمين الحلبي: قوله: {دُرِّيٌّ} ، قرأ أبو عمرو والكسائي بكسر الدال وياءٍ بعدها همزةٌ. وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بضم الدال وياءٍ بعدها همزةٌ. والباقون بضمِّ الدال وتشديد الياءِ من غيرِ همزةٍ، وهذه الثلاثةُ في السبع، وقرأ زيد بن علي والضحاكُ وقتادةُ بفتح الدال وتشديد الياء. وقرأ الزهريُّ بكسرِها وتشديد الياء. وقرأ أبان بن عثمان وابن المسيَّب وأبو رجاء وقتادة أيضًاً «دَرِّيْء» بفتح الدال وتشديدِ الراء وياءٍ بعدها همزةٌ. فأما الأولى فقراءةٌ واضحةٌ لأنه بناءٌ كثيرٌ يوجد في الأسماء نحو «سِكِّين» وفي الصفاتِ نحوِ «سِكِّير» . وأمَّا القراءةُ الثانية فهي مِنْ الدِّرْءِ بمعنى الدَّفْع أي: يدفع بعضُها بعضاً أو يَدْفعُ ضوءُها خَفاءَها، قيل: ولم يوجد شيءٌ وزنُه فُعِّيل إلاَّ مُرِّيْقاً للعُصْفُر وسُرِّيَّة على قولنا: إنها من السرور، وإنه أُبْدل مِن إحدى المضعَّفاتِ ياءٌ، وأُدْغِمَتْ فيها ياءُ فُعِّيل، ومُرِّيخاً للذي في داخلِ القَرْنِ اليابس، ويقال بكسرِ الميمِ أيضًاً، وعُلِّيَّة ودُرِّيْء في هذه القراءة، وذُرِّيَّة أيضًاً في قولٍ. وقال بعضهم: «وزن دُرِّيْء في هذه القراءةِ فُعُّول كسُبُّوح قُدُّوْس، فاستُثْقِل توالي الضمِّ فنُقِل إلى الكسرِ، وهذا منقولٌ أيضًاً في سُرِّية وذُرِّيَّة. وأمَّا القراءة الثالثة فتحتمل وجهين، أحدُهما: أَنْ يكونَ أصلُها الهمزَ كقراءةِ حمزةَ، إلاَّ أنه أَبْدَلَ مِنَ الهمزةِ ياءً، وأَدْغم، فَيَتَّحدُ معنى القراءتين، ويُحتمل أَنْ يكونَ نسبةً إلى الدُّر لصفائها وظهورِ إشراقِها. وأمَّا قراءةُ تشديدِ الياءِ مع فتحِ الدالِ وكسرِها، فالذي يظهرُ أنه منسوبٌ إلى الدُّر. والفتحُ والكسرُ في الدالِ من بابِ تغييراتِ النَّسَبِ. وأمَّا فتحُ الدالِ مع المدِّ والهمز ففيها إشكالٌ. قال أبو الفتح:» وهو بناءٌ عزيزٌ لم يُحْفَظْ منه إلاَّ السَّكِّينة بفتح الفاء وتشديد العين «. قلت: وقد حكى الأخفشُ:» فَعَلَيْه السَّكِّينة والوَقار «و» كوكَبٌ دَرِّيْءٌ «مِنْ» دَرَاْتُه «. قولِه: {يُوقَدُ} قرأ ابنُ كثير وأبو عمرٍو» تَوَقَّدَ «بزنة تَفَعَّلَ فعلاً ماضياً فيه ضميرُ فاعِله يعودُ على المصباح، ولا يعودُ على» كوكب «لفسادِ المعنى. والأخوان وأبو بكر» تُوْقَدُ «بضم التاءِ مِنْ فوقُ وفتح القافِ، مضارعَ أَوْقَدَ. وهو مبنيٌّ للمفعولِ. والقائمُ مَقامَ الفاعلِ ضميرٌ يعودُ على» زجاجة «فاسْتَتَرَ في الفعل. وباقي السبعةِ كذلك إلاَّ أنَّه بالياءِ من تحتُ. والضميرُ المستترُ يعودُ على المصباح. وقرأ الحسن والسلمي وابن محيصن، ورُوِيَتْ عن عاصم من طريقِ المفضِّلِ كذلك، إلاَّ أنَّه ضَمَّ الدال، جعله مضارع «تَوَقَّدَ» ، والأصلُ: تَتَوَقَّد بتاءَيْن، فحُذِفَ إحداهما ك «تَذَكَّرُ» . والضميرُ أيضًاً للزُّجاجة. وقرأ عبد الله «وَقَّدَ» فعلاً ماضياً بزنةِ قَتَّلَ مشدداً، أي: المصباح. وقرأ الحسنُ وسَلاَّم أيضًاً «يَوَقَّدُ» بالياء مِنْ تحتُ، وضَمِّ الدال، مضارعَ تَوَقَّدَ. والأصلُ يَتَوَقَّدُ بياءٍ من تحتُ، وتاءٍ مِنْ فوقُ، فَحُذِفَتْ التاءُ مِنْ فوقُ. هذا شاذٌ إذ لم يتوالَ مِثْلان، ولم يَبْقَ في اللفظِ ما يَدُلُّ على المحذوف، بخلافِ «تَنَزَّلُ» و «تَذَكَّرُ» وبابِه؛ فإنَّ فيه تاءَيْن، والباقي يَدُلُّ على ما فُقِد. وقد يُتَمَحَّلُ لصحتِه وجهٌ من القياس وهو: أنهم قد حَمَلوا أَعِدُ وتَعِدُ ونَعِدُ على يَعِدُ في حَذْفٍ الواوِ لوقوعِها بين ياءٍ وكسرةٍ فكذلك حَمَلوا يَتَوَقَّد بالياء والتاء على تَتَوَقَّد بتاءين، وإنْ لم يكنْ الاستثقالُ موجوداً في الياء والتاء. اهـ (الدر المصون) .

(يسبح له فيها (36)

مثل قراءة أبي عمرو، وروى حفص عنه (دُرِّيٌّ) بلا همز. وقال نصير: سألت الكسائي: أكان الأعمش يقرأ بهذا؟ فقال: أخبرني زائدة: عن الأعمش أنه قرأ (دُرِّيٌّ) بغير همز مثل قراءة ابن كثير. وَمَنْ قَرَأَ (يُوقَدُ) بالياء فهو للمصباح. وَمَنْ قَرَأَ (تُوقَدُ) بالتاء فهو للزجاجة وَمَنْ قَرَأَ (تَوَقَّدُ) فهو بمعنى: تتوقد، فحذف إحدى التاءين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُسَبِّحُ لَهُ فيها (36) قرأ عبد اللَّه بن عامر وأبو بكر عن عاصم (يُسَبِّحُ لَهُ فيها) بفتح الباء. وكسرها الباقون. قال أبو منصور: قال الفراء: من فتح الباء من (يُسَبَّحُ) رفع قوله (رِجَالٌ) بنية فعل مجدّد، أي: يُسَبَّحُ له فيها رجالٌ لا تلْهِيهم تجارة. وقال ابن الأنباري: إذا جعلت (في) متعلقة ب (يُسَبحُ) ، أو رافعة للرجال حسن الوقف على قوله (فيها) . وقال الفراء: مَنْ قَرَأَ (يُسَبِّحُ) بكسر الباء رفع الرجال بفعلهم في (يسبح) . وقال أبو إسحاق مَنْ قَرَأَ (يُسَبَّحُ لَهُ فيها) بفتح الباء يكون رفع قوله (رجالٌ) على تفسير ما لم يُسَم فاعله، فكأن المعنى على أنه لما قال: (يُسَبَّح له فيها) كأنه قيل: من يسبِّح اللَّه؟ .

(ثم يؤلف بينه (43)

فقيل: يُسَبِّح رجال كما قال الشاعر. لِيُبْكَ يََزِيْدُ ضارعٌ لخُصُومَةٍ ... ومُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطيحُ الطَّوائحُ * * * وقوله جلَّ وعَر: (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ (43) روى ورش عن نافع، والأعشى عن أبي بكر (ثُمَّ يُوَلِّفُ بَيْنَهُ) بغير همز والباقون يهمزون. قال الأزهري: (يؤلف) في الأصل مهموز، فمن خفف جعله واوًا - وقال الأصمعي: يقال للبرق إذا تتابع لمعانه: وليف،، ووِلاَف، وقد وَلَفَ يَلفُ وَليفَا، وهو مُخِيل للمطر. وقال غيره: الوَليفُ: أن يلمع لمعَتين لمعَتين. وقال صخر الغي:) . بِشَمَّاء بعد شَتات النَّوَى ... وقد بِتُّ أَخْيَلْتُ بَرْقاً وَلِيفا وأنشد ابن الأعرابي لرؤبة: وَيَومَ رَكْضَ الغَارَةِ الوِلاَفِ قال ابن الأغراى: أراد بالوِلاَف: الاعْتزاء والاتصال.

(كما استخلف الذين (55)

قال أبو منصور: قال العجاج. وَرَبِّ هذا البَلدِ الْمُحرمِ ... والقَاطِنَاتِ البَيْتَ غيْرِ الدُّيَّم أوَالِفًا مكةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِ. أراد بالحَمِ: الحَمَام، فرخم، فقال: الحَمَمَ، ثم حذف إحدى الميمين فقال: الحَمِ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ (55) قرأ أبو بكر عن عاصم (كَمَا اسْتُخْلِفَ الَّذِينَ) بضم التاء وكسر اللام. وقرأ الباقون (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ) بفتح التاء واللام. قال أبو منصور: معنى (كَمَا اسْتَخْلَفَ) : كَمَا اسْتَخْلَفَ اللَّه الَّذِينَ من قبلهم. وَمَنْ قَرَأَ (كَمَا اسْتُخْلِفَ الَّذِينَ من قبلهم) الذين، في موضع الرفع لأنه مفعول لم يُسم فاعله ومعنى استخلفهم، أي: جعلهم يَخْلُفُون مَنْ قبلهم، أي: يكونون بدل مَنْ كان قبلهم في الأرض. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لكَمْ (58)

(ويوم يرجعون إليه (64)

قرأ أبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي (ثَلَاثَ عَوْرَاتٍ) نصبًا. وقرأ الباقون (ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ) بالرفع. قال أبو منصور: من نصب (ثلاثَ عورات) فهو يتبعُ الصفة. المعنى: ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم وكذا وكذا في أوقات ثلاثَ عورات. وَمَنْ قَرَأَ (ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ) ، أراد: هذه الخصال وقت العورات. هكذا قال الفراء. وتلك الخصال قوله: (مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ) أي: هذه الأوقات ثلاث عورات واختار الفراء الرفع لهذه العلة، أراد خَلْوَةَ الرجل مع أهله في هذه الأوقات، وتكشُّف عوراتهما فيها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ (64) روى اليزيدي، وعبد الوارث عن أبي عمرو: (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) بضم الياء، وروى علي بن نصر وعبيد، وهارون عنه: (وَيَوْمَ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ) بفتح الياء، وكذلك قرأ يعقوب الحضرمي، وقرأ الباقون (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) بضم الياء وفتح الجيم. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) فهو علي أنه مفعول لم يسم فاعله والفعل متعدٍّ، يقال: رَجَعْتُه فَرَجَعَ. وَمَنْ قَرَأَ (يَرجِعون) جعلهم فاعلين، والفعل حِينئذ لازمٌ * * *

سورة الفرقان

سورة الْفُرْقَان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (يَأكُلُ مِنْها) قرأ حمزة والكسائي (نَأْكُلُ مِنْهَا) بالنون وقرأ الباقون (يَأْكُلُ مِنْهَا) بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَأْكُلُ مِنْهَا) فمعناه: يَأْكُلُ الرسول منها، فيبين فضله. وَمَنْ قَرَأَ (نَأْكُلُ مِنْهَا) أراد: أو تكونُ له جنة يطعمنا منها، فنَأْكُل معه منها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مكانًا ضَيِّقًا) قرأ ابن كثير (مكانًا ضَيْقًا) مخففًا. وروى بعضهم عن أبي عمرو أيضًا كذلك. وشدد الباقون (ضَيِّقًا) . قال أبو منصور: الأصل (ضَيِّق) ، بالتشديد، ثم يُخفف فيقال: (ضَيْق) ، مثل: هيِّن وهيْن، وليِّن وليْن. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10)

(ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول (17)

قرأ ابن كثير، وعاصم في رواية أبي بكر عنه، وابن عامر (ويجعلُ لَكَ) رفعًا. وقرأ الباقون (ويجعل لَّكَ) وكذلك روى الكسائي عن أبي بكر بالجزم مثل حفص. وقال الفراء: من جزم (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا) ردَّه على قوله: (إنْ شَاء جَعَلَ) و (جَعَل) في معنى جزم، لأن المعنى: إن شاء يجعل. قال الفراء: وقد يكون قوله: (ويجْعَلُ لَكَ) رفعًا وهى في ذلك مجزومة؛ لأنها لام لقيت لامًا فسكنت. قال: وإن رفعتها رفعًا بيِّنًا فهو جائز. قال أبو إسحاق: من رفع (ويجعلُ لك) فعلى الاستئناف، المعنى: وسيجعلُ لك قصورًا، أى: سيعطك الله في الآخرة أكثر مما قالوا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ (17) قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب (ويوم يَحْشُرُهُمْ. . فَيقُولُ) بالياء معًا، وكذلك روى عبيد وهارون عن أبي عمرو ومثل ابن كثير، وكذلك روى أبو زيد عن أبي عمرو، (ويومَ يَحشرهم وما يعبدون. . فيقولُ) كله بالياء. وقرأ ابن عامر (ويوم نَحْشُرُهُمْ. . . فَنقُولُ) بالنون. وقرأ نافع وأبو عمرو في رواية اليزيدي وعبد الوارث، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي (ويوم نَحْشُرُهُمْ) بالنون، (فَيَقُولُ) بالياء.

(فقد كذبوكم بما يقولون فما يستطيعون)

قال الأزهري: المعنى واحد في: (نحشرهم) و (يحشرهم) الله حاشرهم، وهو القائل لهم، لا شريك له، وكله جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا يَقُولُونَ فَمَا يَسْتَطِيعُونَ) قرأ حفص وحده (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ) بالتاء فيهما. وقرأ الباقون (بما تقولون) بالتاء، (فما يستطعون) بالياء. قال أدو منصور: أما قراءة حفص (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ) فمعناه: فقد كذبكُمُ المعبودات من دونه. (بما تَقُولُونَ) أى بقولكم إنها شركاء الله، أقيمت (ما) مقام المصدر مع الفعل. وَمَنْ قَرَأَ (بما يقولون) فالمعنى: فقد كذبكم معبوداتكم (بما يقولون) أي: بقولهم: (سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ) . وَمَنْ قَرَأَ (فما تستطيعون) ، أى: فما تستطيعون يا عبدةَ الأوثان صرفًا، أي صرفًا لعذاب الله. وَمَنْ قَرَأَ بالياء فالمعنى أن الآلهة لا يسْتطعون صرفًا لعذاب الله عنكم ولا نصرًا لكم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ (25) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والحضرمي (تَشَّقَّقُ) بتشديد الشين، وفي (ق) مثلها مشدد. وخففها الباقون.

(ونزل الملائكة تنزيلا (25)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تَشَّقَّقُ) أراد تتشقَّق، فأدغم التاء في الشين، وشددت. وَمَنْ قَرَأَ (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ) بتخفيف الشين، فإنه كان في الأصل (تتشقق) أيضًا، فحذفت إحدى التاءين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) قرأ ابن كثير وحده (ونُنْزِلُ الملائكةَ) بنونين الثانية ساكنة، (الملائكةَ) نصبًا. وقرأ الباقون (وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ) فهو على ما لم يسم فاعله. وَمَنْ قَرَأَ (ونُنزِلُ الملائكةَ) فهو من قول الله، و (الملائكةَ) نصبٌ لأنه مفعول به. قال: والقراءة المختارة: (وَنُزِّلَ) بالتشديد؛ لأنه قيَّده بقوله (تَنْزِيلًا) ومن أجاز (ونُنْزِلُ) قال: الإنزال، والتَنزيل واحدٌ، وهو كقوله جلَّ وعزَّ: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) حرك الياء أبو عمرو، وأبو خليد عن نافع. * * * وقوله: (إنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا (30) حرك الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب. وأسكنها الباقون، وأسكنها قنبل عن ابن كثير.

(يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا (28)

وقوله: (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) أمال حمزة والكسائي التاء من (يَا وَيْلَتى) . وَفَخَّمها الباقون. قال أبو منصور: الإمالة في (يا ويلتى) والتفخيم لغتان جيدتان، والمعنى في (يا وَيْلَتى) : شيئان: أحدهما أنه أراد (يَا وَيْلَتى) فلما سكنت الياء قلبت ألفًا. ومثله: يا بَابي، ويَا بَابا. والوجه الآخر في (يا وَيْلَتى) أنه بمعنى: يا ويلتاه، فحذفت هاء الندبة، ومثله: يا لَهْفى، ويَا لَهْفَتَاه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا (65) قرأ حمزة والكسائي (لمَا يَأمُرُنَا) بالياء. وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَنَسْجُدُ لِمَا يأمُرُنَا) بالياء فمعناه: أن الكفار قالوا: أنسجد لما يأمرنا محمد؟ ومعنى استفهامهم الإنكار، أي: لا نسجد للَّهِ وحده دون الشركاء. ويجوز أن يكون (ما) بمعنى (مَنْ) . وَمَنْ قَرَأَ (أَنَسْجُدُ لِمَا تأمرنا) فهو خطاب من الكفار للنبي - صلى الله عليه وسلم - أي: لا نسجد لما تأمرنا أن نسجد له وحده. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا (67)

(يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا (69)

قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو والحضرمي (لمْ يَقْتِروا) بفتح الياء وكسر التاء. وقرأ نافع وابن عامر (لم يُقْتِرُوا) وكذلك روى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم. وقرأ الكوفيون (لَمْ يَقْتُرُوا) بفتح الياء وضم التاء. قال أبو منصور: وهي كلها لغات جائزة، قَتَر يَقْتِر، ويَقْتُر، وأقترَ، يُقْتِرُ إذا قتَّرَ النفقة ولم يوسعها، وقتَر وقتَّر وأقتر إذا ضيَّق النفقة، والمعنى: أن الله - عزَّ وجلَّ - وصفهم بأنهم ينفقون نفقة قصدًا لا إسراف فيه حتى يُضطروا إلى تكفف الناس، ولا يضيقونها تضييقًا يضرُّ بهم وبمن يعُولون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) قرأ ابن عامر (يُضعفُ. . . ويخْلُدُ) بالرفع فيهما أيضًا. وقرأ الباقون: (يُضَاعَفْ. . . ويخْلُدْ) بالجزم فيهما. قال أبو منصور: يقال: ضعَّفْتُ له الشيء، وضاعفته، بمعنى واحد، كقولك: باعدته وبعدَّته، وصعَّرَ خذه وصاعره. من جزم قوله (يُضَاعَفْ. . . ويَخلدْ) فعلى أنه جواب للشرط. وَمَنْ قَرَأَ (يضاعفُ. . . ويَخْلُدُ) رفعًا فعلى أنهما تفسير لقوله: (يَلْقَ أثَامًا) ، كأن قائلاً قال: ما يُلَق أثامَا؟ فقيل: يُضَاعفُ

للإثم العذابُ. وهذا قول أبي إسحاق النحوي. وقال سيبويه: من جزم (يُضَاعفْ) فلأنَّ مُضاعفة العذاب لُقيُّ الأثام وكذلك جزمت. وقال الفراء: كل مجزوم فسرته ولم يكن فعلاً لما قبله فالوجه فيه الجزم، وما كان فعلاً لما قبله فالوجه فيه الرفع. قال: والمفسِّر للمجزوم ها هنا (ومَن يَفْعَلْ ذلك يلق أثَامًا) ثم فسر الأثام فقال: (يُضَاعَفْ لَهُ العذَابُ) بالجزم. قال: ومثله في الكلام: إن تُكَلمْنى تُوصِني بالخير والبِرّ أقبِلْ منكَ، بالجزم، ألا ترى أنك فسرت الكلام بالبرِّ ولم يكن فعلاَ له فلذلك جَزمت؟ . ولوكان الثاني فعلاً للأول لرفعته كقولك: إن تأتنا تطلبُ الخير تجدْه. ألا ترى أن (تطلب) فعل للإئيان، كقولك وإن تأتنا طالبًا للخير تَجدْهُ - وأنشد قول الحطيئة: متى تَأْتِه تَعْشُوا إلى ضَوْءِ نارِه ... تَجِدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ مُوْقِدِ فرفع (تَعْشُوا) ؛ لأنه أراد: متى تأته عاشيًا. قال الفراء: ورفع عاصم (يُضَاعَفُ له العذابُ) على الاستئناف، كما تقول: إن تأتنا نُكرِمْكَ نُعطيك كلَّ ما تريد، لا على الجزاء. ولكن على الاستئناف.

(فيه مهانا (69)

واتفق القراء على (يَخْلُدْ) بفتح الياء وضم اللام. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فِيهِ مُهَانًا (69) قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم: (فِيهِ مَهَانًا) بياء في اللفظ. وقرأ الباقون (فِيهِ مُهانًا) مختلسًا. قال الأزهري: هما لغتان، وقد مرَّ تفسيرهما. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ (74) قرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة والكسائي (وَذُرِّيَّتِنَا) واحدة. وقرأ الباقون (وَذُرِّيَّاتِنَا) جماعة. قال أبو منصور: المعنى واحد في القراءتين؛ لأن الذريّة تنوب عن الذريات، فاقرأ كيف شئت. * * * ْوقوله جلَّ وعزَّ: (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)

قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (وَيَلْقَوْنَ فيها) مفتوحة الياء وساكنة اللام خفيفة، وكذلك قرأ ابن عامر فيما روى محمد بن الحسن، ورواه ابن ذكوان عن أيوب عنه، وقد رُوى عنه التشديد مثل أبي عمرو. وقرأ الباقون (وَيُلَقَّوْنَ) بضم الياء، وفتح اللام، وتشديد القاف. وقال الفراء (يَلْقَوْن) أعجب إليَّ في القراءة؛ لأن القراءة لو كانت على (يُلقَّوْنَ) كانت بالباء في العربية؛ لأنك تقول: نحن نُتَلَقَّى بالسلام، وفُلان يُتَلَقَّى بالسلام وبالخير. قال أبو منصور: وقال غيره: فلان يَلْقَى الخير، ويَلْقَى به. كما تقول: أخذت الزمام، وأخذت بالزمام. والمعنى في (يُلَقَّونَ) : أن اللَّه يُلَقِّي أهلَ الجنة إذا دخلوها مَلائِكَتَهُ بالتحية والسلام. وَمَنْ قَرَأَ (يَلْقَوْن) فالفعل لأهل الجنة إنهم يلْقَوْن فيها التحية والسلام من ربهم جلَّ وعزَّ. * * *

سورة الشعراء

سورة الشُّعَرَاءُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (طَسم) قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب (طَسم) مفخمةً مدغمة النون. وقرأ نافع بين الفتح والكسر، وأدغم النون في الميم، وقرأ حمزة والكسائي (طِسم) بكسر الطاء، ونحو ذلك قال يحيى عن أبي بكر عن عاصم، وروى خارجة عن نافع بكسر الطاء أيضًا. وقال يعقوب عن نافع (ط س م) بقطع كل حرف على حدة، وأظهر حمزة النون من (طَسم) ما بيَّنَها غيره، إلا ما روى الكسائي عن إسماعيل عن نافع أنه بيّن النون عند الميم مثل حمزة. وقول يعقوب: بيِّنٌ، وأبو جعفر يوجب تبيين النون لما ذكر عن نافع: أنه يقطع كل حرف على حدته، وكذلك قولهم فِى القصص. قال الأزهري: هما لغتان جيدتان: الإمالة، والتفخيم. فاقرأ كيف شئت. وإدغام النون في الميم حسن لقرب مخرجيهما، ومن اختار التبيين حسن. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12)

(ويضيق صدري ولا ينطلق لساني (13)

فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو. وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي (13) قرأ يعقوب (وَيَضِيقَ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقَ لِسَانِي) بالنصب. وقرأ سائر القراء بالرفع. قال الفراء: من رفع ردَّه على (أخَافُ. . . . وَيَضِيقُ) ، ومن فتح الحرفين عطفهما على قوله: (أنْ يُكذبون. . . وأنْ يَضِيقَ. . . وأنْ لاَ يَنْطِلقَ لِسَانِي. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) روى عبيد وهارون والخفاف (من عُمْرِكَ) خفيفًا. وقرأ سائر القراء (مِنْ عُمُرك) مثقَلاً. قال أبو منصور: هما لغتان، وقد مر ذكر اختلافهم في (لَبِثْتَ) ، واختيار من اختار الإدغام والإظهار. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أنْ أسْرِ بِعِبَادِي إنَّكُمْ. . . (52) فتح الياء نافع وحده، وأرسلها الباقون.

(وإنا لجميع حاذرون (56)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (حَذِرون) بغير ألف. وقرأ الباقون (حَاذِرُونَ) بألف. قال الفراء: الحَاذِرُ: الذي بحذرك الآن، وكأن الحَذِر: الذي لا تلقاه إلا حَذِرًا. والعرب تقول للرجل الذى جُبِلَ حَذَرًا: فلان حَذِر، وحُذُر. وأما الحاذر، فهو: الذي يَحْذر عند حادث يحدث. وروي عن ابن مسعود أنه قرأ (حَاذِرُون) وفسره: إنا ذوو أداة من السلاح، كأن المعنى: إنا أخذنا حذرنا من عدونا بسلاحنا. فالحاذر: المستعد. والحذِر: المتيقظ. وروي عن ابن أبي عمَّار أنه قرأ: (حَادِرُونَ) بالدال، ومعناه: إنا مجتمعون، ومنه قول الشاعر: وكُلَ رُدَيْنيٍّ إذَا هُزَّ أرْقَلَت ... أنَابِيبُه بَيْن الكُعُوبِ الحَوَادِرِ قال أبو منصور: وهذه قراءة شاذة، لا يقرأ بها، أعنى الدال.

(فلما تراءى الجمعان (61)

وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمْعَانِ (61) قرأ حمزة وحده (تَرِائى الجَمْعَانِ) بكسر الراء، ثم يأتى بألف ممدودة بعد الراء ولا يهمز في الوقف. وكان الكسائي يقف (تَرِائِي) على همزة مكسورة بعد الألف، ويحمل بالفتح. وقرأ الباقون (تَرَاءى الجَمْعَانِ) مفتوحة الراء، ووقفوا (تَرَاءَى) مفتوحة بعد مدة، وألف بعد الهمزة. قال أبو منصور: أما قراءة حمزة (تَرِائى) بكسر الراء ومدة الألف، فإنه ذهب بها إلى لغة من يقول (راء) في موضع (رأى) ، وكسر الراء لأنها في اللفظ مكسورة. وأما قوله: لا يهمز في الوقف. فهو ضعيف جدًّا، وكأنه جعل الهمزة ألفاً. ومعنى (تراءى الجَمْعَانِ) : تقابلا، ورأى بعضهم بعضا. وكلام العرب الجيد ما اجتمع عليه أكثر القراء (تَراءَى الجَمْعَانِ) بوزن (تَرَاعى) ، على أن كسر الراء لغة لبعض العرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فتع الياء حفص، وورش عن نافع، ما حركها غير ورش عن نافع. * * * وقوله: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) فتح الياء نافع وأبو عمرو أيضًا.

(واغفر لأبي (86)

وقوله: (وَاغْفِرْ لِأَبِي (86) فتح الياءَ نافع وأبو عمرو أيضًا. * * * وقوله: (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) في خمسة مواضع. فتح ياءهن نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قرأ الحضرمي وحده (وَأتْبَاعُكَ الأرْذَلُونَ) . وقرأ الباقون (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) بتشديد التاء وفتح العين. قال الأزهري مَنْ قَرَأَ (وَأتْبَاعُكَ) فهو جمع تابع، كما يقال: صاحب وأصحاب، وشاهد وأشهاد - ومعناه: وأشياعك الأرذلون. وَمَنْ قَرَأَ (وَاتَّبَعَكَ) فهو بمعنى: وتَبعِك الأرذلون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (137) قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي والحضرمي (إِنْ هَذَا إِلَّا خَلْقُ الْأَوَّلِينَ) بفتح الخاء وسكون اللام. وقرأ الباقون (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) بضم الخاء واللام.

(بيوتا فارهين (149)

قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (خَلْقُ الأولين) فمعناه: اختلاقهم الكذبَ. قال: والعرب تقول: حدثَنا فلان بأحاديث الخَلْق، وهى الخرافات المفتعلة. ويقال: خَلقَ فلان الكذبَ، واختلقه، وخَرَقَه، واخترقه، وخرصه، واخترصه، بمعنى واحد، إذا افتعله. وَمَنْ قَرَأَ (خُلُقُ الأولين) فمعناه: عادة الأولين. وقيل في قوله (إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) : أى: خُلِقنا كما خُلِق مَن قبلنا نحيا كما حَيُوا ونموت كما ماتوا، ولا نبعث؛ لأنهم كانوا منكرين للبعث. واتفق القراء على ترك إجراء (ثَمُود) في قوله: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) (141) فالقراءة بضم الدال غير منونة، وإن كان الإجراء جائزًا في (ثمود) ؛ لأن الاتباع أولى بنا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بُيُوتًا فَارِهِينَ (149) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (فَرِهِين) بغير ألف. وقرأ الباقون (فَارِهِينَ) بألف. قال الفراء: معنى (فَارِهين) : حاذقين. وَمَنْ قَرَأَ (فَرِهِينَ) فمعناه: أشِرين بَطرِين. وهو منصوب على الحال قرأته بألف أو بغير ألف، والعرب تقول

(كذب أصحاب الأيكة المرسلين (176)

لكل من حَذَق صناعته: فارِهٌ، ويجمع فُرْهَة، مثل صاجا وصُحْبة، وغلام رائق وجمعه رُوقَة، وحمعت غير واحد من العرب يقول: جَارية فَارٍ بغير هاء، إذا كانت صبيحة الوجه ذات ملاحة، وهو كقولهم: امراة عاشق، ولحية نَاصِل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: (أصحابُ لَيْكَةَ المرسَلين) ها هنا وفي (ص) . بغير ألف وفتحوا التاء. وقرأ الباقون (أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ) بالخفض والهمز. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَيْكَةَ) جعلها اسم بقعة، ولم يُجْرِها؛ لأن في آخرها هاء التأنيث. وَمَنْ قَرَأَ (أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ) أجراها؛ لدخول الألف واللام عليها، وكان أبو عبيد يختار (لَيكَةَ) غير مصروفة؛ لموافقته المصحف مع ما جاء في التفسير، فأما (الغَيْضَةُ) التي تضم الشجر فهي: الأيْكَةُ، والجمع: الأيْكُ. والفصل بين جمعه وواحده الهاء. وجاء في التفسير أن أصحاب الأيكة هؤلاء كانوأ أصحاب شجر ملتف، يقال له: الذوم، وهو شجر المُقْل.

(نزل به الروح الأمين (193)

وقوله جلَّ وعزَّ: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص (نَزَلَ به) خفيفًا (الروحُ الأمينُ) رفعًا. وقرأ الباقون (نَزَّلَ بِهِ الرُّوحَ الْأَمِينَ) مشدد الزاي، (الرُّوحَ) نصبًا. ْقال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) فمعناه: أنزله الروح الأمين، هو جبريل، على محمد عليهما السلام. وَمَنْ قَرَأَ (نَزَّلَ بِهِ الرُّوحَ الْأَمِينَ) فمعناه: نَزلَ اللَّهُ الرُّوحَ الْأَمِينَ، وهو جبريل، بالقرآن على قلبك يا محمد، وكل جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَلَمْ يَكُن لّهُمْ آيةً (197) قرأ ابن عامر وحده (أَوَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ آيَةٌ) رفعًا. وقرأ الباقون (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ) بالياء والنصب. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ) جعل (أن يَعْلَمه) اسم (كان) ، وجعل (آيةً) خبرها، المعنى: أولم يكن لهم علم علماء بنى إسرائيل أن النبي الأميَّ مبعوث آية، أي: علامة دالة على نبوته؛ لأن علماءهم قرءوا ذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - في التوراة كما قال الله جلَّ وعزَّ. وَمَنْ قَرَأَ (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيةٌ) بالتاء جعل آية هى الاسم، وأن يعلمه خبر تكن. والمعنيان متقاربان.

(وتوكل على العزيز الرحيم (217)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) قرأ نافع وابن عامر (فتوكَّلْ) بالفاء. وقرأ الباقون بالواو، وكتبَ في مصحف أهل المدينة والشام بالفاء، وجُعِل متصلاً بالكلام الذى تقدمه كجزاء. وَمَنْ قَرَأَ (وَتَوَكَّلْ) فلأنه وجد في مصحف أهل العراق ومصحف أهل مكة بالواو، والواو يعطف بها جملة على جملة، والمعنيان متقاربان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) قرأ نافع وحده (يَتْبَعُهمْ) خفيفة. وقرأ الباقون (يَتَّبِعُهُمُ) بالتشديد. والمعنى واحدٌ. * * * حذف من سورة الشعراء ستة عشر ياء: قوله (أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) (أَنْ يَقْتُلُونِ (14) ، (سَيَهْدين (62) ، (فهُوَ يَهْدَينِ (78) ، (ويَسْقِينِ (79) ، (يَشْفِينِ (80) ، (ثُمَّ يُحْيِين (81) ، (كَذَّبُونِ (117) ، (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) في ثمانية مواضع. فأما يعقوب فإنه أثبتها كلها في الوصل والوقف. ومن لم يثبتها اكتفى بالكسرات الدالة على الياءات. وكلها جيد فصيح، والاختيار أن يقرأ كما كتبت في المصاحف. * * *

سورة النمل

سورة النَّمْلِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (بِشِهَابٍ قَبَسٍ) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (بِشِهَابِ قَبَسٍ) مضافا. وقرأ الكوفيون (بِشِهَابٍ قَبَسٍ) مُنَونًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بِشِهَابٍ قَبَسٍ) جعل قبسًا نعتًا للشهاب، أو بدلاً منه. وَمَنْ قَرَأَ (بِشِهَابِ قَبَسٍ) أضاف الشهاب إلى القبس والشهاب والقبس قريبان من السواء. وكل عود أشعل في طرفه نار فهو شهاب وقبس وجذوة. وقال الأخفش: (قبس) بدل من (شهاب) . وقال الفراء: (قَبَس) نعت للشهاب. إذا قُرئتْ (بشهاب) . قال ولا يضاف الشىء إلى نعته إلا في قليل من الكلام، وقد جاء: (وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) قال الفراء: لما اختلف اللفظان تُوُهم الأول غير الثاني، وكذلك (حبَّةُ الخضراء) و (ليلةُ القَمْراء) و (يومُ الجمعةِ) وما أشبهها. * * *

(هدى وبشرى)

وقوله جلَّ وعزَّ: (هُدًى وَبُشْرَى) أمال الراء أبو عمرو وحمزة واْلكسائي، وكذلك روى هُبيرة عن حفص عن عاصم. وقرأ الباقون وَبُشْرَى) يفتح الراء. قال أبو منصور: (بُشْرَى) على (فُعلى) ، والإمالة فيها أحسن، والتفخيم حسن. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ (18) قرأ الحضرمي: (لَا يَحْطِمَنْكُمْ) بسكون النون، وكذلك روى عُبيد عن أبي عمرو - وقرأ الباقون (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) بفتح النون مشددة. قال أبو منصور: هذه النون تدخل مؤكدة وتخفف، وإذا شددت صارت أوكد. * * * وقوله (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ) لفظه لفظ النهي وفيه جواب الجزاء، المعنى: إن لم تدخلوا مَسَاكنكم حُطِّمتم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَادِ النَّمْلِ ... (18) روى عباس عن أبي عمرو (وَادِ النَّمْلِ) بكسر الواو. وفتحها الباقون. قال أبو منصور: إمالة الواو من (واد) لغة، والتفخيم أفصح وأشيع.

(ما لي لا أرى الهدهد.. (20)

وقوله جلَّ وعزََّ: (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ.. (20) فتح الياء ابن كثير وعاصم والكسائي. وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي.. (21) قرأ ابن كثير وحده (لَيَأْتِيَنَّنِي) بنونين، وكذلك هي في مصاحفهم. وقرأ سائر القراء (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي) بنون واحدة مشددة. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ ((أَوْ لَيَأْتِيَنَّنِي) بنونين، ثَقَّل النون للتأكيد، وجاء بنون أخرى للإضافة. وَمَنْ قَرَأَ (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي) فرَّ من الجمع بين ثلاث نونات فحذف إحداها. وبهذه القراءة قرأ الأكثرون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) قرأ عاصم (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) بفتح الكاف، وروى الجعفي عن أبي عمرو (فمَكَثَ) أيضًا بفتح الكاف. وقرأ سائر القراء (فَمَكَثَ) بضم الكاف. قال الأزهري: هما لغتانْ مكَثَ، ومكُثَ. وضمُّ الكاف أكثر في كلام العرب وكان أبو حاتم يختار النصب، لأنه قياس العربية، ألا ترى أنه يقال: مكث فهو مَاكِثٌ، ولا يقال: مَكِيث.

(وجئتك من سبإ بنبإ يقين (22) وقوله: (لسبإ في مساكنهم) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) وقوله: (لِسَبَإٍ فِي مَسَاكَنِهِمْ) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو (لسبأَ) غير مُجرى، بفتح الهمزة في الموضعين. وقرأ الباقون (لِسَبَإٍ) و: (مِنْ سَبَإٍ) بالتنوين. قال أبو منصور: وروي عن أبي عمرو أنه سُئل: لِمَ لم تُجْرِ سَبَأ؟ فقال لا أجرِ لأني لا أدري ما هو، والعرب إذا سمت بالاسم المجهول لم تُجره. ومن أجرى (سبأ) جعله اسم رجل. وقال أبو إسحاق النحوي: من لم يصرف (سبأ) جعله اسم مدينة، ومن صرفه جعله اسم رجل. قال: والأسماء حقها الصرف، وإذا لم يُعلم الاسم أللمذكر أم للمؤنث فحقه الصرف حتى يُعلم أينصرف أم لا ينصرف؛ لأن أصل الأسماء الصرف، وكل ما لا يصرف فهو يصرف في الشعر. قال: وأما الذين قالوا: إن (سَبَأ) اسم رجل فغلط لأن سبأ اسم مدينة، تعرف بمأربَ من اليمن، بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام، وأنشد بيت الجعدي.

مِنْ سَبَأَ الحاضرينَ مَأْرِبَ إذ ... يَبْنُون مِنْ دونِ سَيْلِها العَرِما قال: ومن صرفه فلأنه مذكر سُمِّيَ به مذكر، كأنه اسم للبلد. قال أبو منصور: وقدر روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا ذكر فيه أن سبأ اسم رجل، حدثناهُ محمد بن إسحاق السعدي قال: حدثنا إبراهيم بن مالك، قال: حدثنا أبو أسامة عن الحسن بن الحكم النخَعي، قال: حدثنا أبو سَبرةَ النخعي عن فروة بن مُسَيْكٍ (الغطيفي) . قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؟ قال: بلى، فأمَّرني وأردت أن أقاتلهم، ثم بدا لي فقلت: يا رسول الله، لا بل أهل سبأ، فإنهم أشدُّ مكيدة، وأعَم في أنفسهم، فلما خرجتُ من عنده أنزل الله في سبأ ما أنزل، فقال: ما فعل الغطيفي؟ فوجدني قد سِرْتُ فأرسل في أثري، فرُدِدْتُ، قال: فأتيته وعنده ناسٌ من أصحابه، فقال: ادع القوم فمن أجابك فاقبل منه، ومن أبي فلا تعجل حتى يأتيك أمري. فقال رجل من القوم: يا رسول الله، أخبرنا عن سبأ ما هو؟ أرضٌ؟ قال: ليس بأرض، ولا امرأة، ولكنه رَجُل، وله عشيرة من العرب، فَتَيَامَنَ سِتةٌ وتَشاءَمَ أربعَة، فأما الذين تَشاءَمُوا فَلخْم وجُذام وغَسسَّانٌ وعَامِلةٌ. وأما الذين تيامنوا فَكِنْدة والأشعرون والأزدِ ومَذْحَج وحِمْيَر وأنْمارٌ. قال الرجل: وما أنمار؟ قال: الذين خَثْعَم وبَجِيلَةُ منهم.

(ألا يسجدوا لله (25)

وقال أبو منصور: وهذا الحديث يدل عك أن إجْرَاء سبأ أصوبُ القراءتين، وإسناد الحديث حسن. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ (25) قرأ الكسائي وحده ويعقوب الحضرمي (أَلَا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) خفيفة اللام ليس فيها (أنْ) ، وإذا وقفا يقفان " ألاَ يا " ويبتدآن (اسجدوا) . وقرأ الباقون (أَلَّا يَسْجُدُوا) مشددًا. والمعنى: (فصدَّهم عن السبيل. . أَلَّا يَسْجُدُوا) ، أي: لأن لاَ يَسْجدُوا وليست بموضع سجدة على هذه القراءة. وَمَنْ قَرَأَ (ألاَ يَسْجُدوا) بالتخفيف فهو موضع سَجْدَة. قال أحمد بن يحيى: قال الأخفش: في قوله (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) بالتشديد، يقول: زَيَّنَ لهم الشيطانُ أعمالهم لأن لاَ يسجدوا. قال: وقرأ بعضهم (ألاَ يَسْجُدوا) فجعله أمرًا، كأنه قال: (ألاَ اسْجُدوا) . وزاد بينهما (يا) التي تكون للتنبيه، ثم أذهب ألف الوصل التي في (اسجدوا) ، وأذهبت الألف التي في (يا) لأنها ساكنة لقيت السين فصارت (ألاَ يَسْجُدوا) وأنشد:

(ويعلم ما يخفون وما يعلنون (25)

ألا يا اسْلَمِي يا دارَ مَيَّ على البِلى ... ولا زالَ مُنْهَلاًّ بجَرْعائِكِ القَطْرُ قال أبو العباس: (يا) التي تدخل للنداء يكتفى بها من الاسم، ويكتفى بالاسم منها، لا ينادى بها. أراد: ألا يا هؤلاء اسجدوا. وفي البيت: ألا يا هذه اسلمي. وكذلك قول الشاعر: يا دارَ هندٍ يا اسْلَمي ثُمَّ اسْلَمي ... بِسَمْسَِمٍ أو عَنْ يمين سَمْسَِمِ أراد: يا هذه سلمى. وكذلك قال الفراء. قال: وسُمع بعض العرب يقول: (ألا يا تَصدَّقْ علينا) ، معناه ألا يا هذا تصدَّق علينا وروى عن عيسى الهمَداني أنه قال: ما كنت أحمع المشيخةَ يقرءُونها إلا بالتخفيف على نيَّة الأمر، قال: وَمَنْ قَرَأَ (أَلَّا يَسْجُدُوا) فشدد (أَلَّا) فينبغي أن لا تكون سجدة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ويَعْلَمُ مَا يُخْفُون وَمَا يُعْلِنُون (25) قرأ الكسائى وحفص (ما تخفون وما تُعلِنون) بالتاء. وقرأ الباقون بالياء فيهما. قال الأزهري: من قرأهما بالياء فعلى الغَيْبة. ومن قرأهما بالتاء فللمخاطبة. وكلٌّ جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ (28)

(أتمدونني بمال (36)

روى عبد الوارث وشجاع عن أبي عمرو (فألْقِهي (بياء في اللفظ. وقال عباس: سألت أبا عمرو فقرأ (فألقِهْ) أجزئا، وقال، وإن شئتَ (فألْقهى) ، واختار (فألقِهي) ، وقال اليزيدي عنه (فألقهْ) جزمًا ووافق حفصٌ أبا بكر في قوله (فَأَلْقِهْ) جزمًا، وقد أمضينا تفسير هذا الجنس فيما تقدم من الكتاب. ووجه القراءة فيها كما اجتمع عليه النحويون (فَأَلْقِهِي إِلَيْهِمْ) بالياء، وإن قرئ (فألقِهِ) بكسر الهاء كان حسنًا، وأما جزم الهاء فليس بجيد عندهم. ولا أنكر أن يكون لغة، فإن بعض القراء قرأوا بها، ولم يقرأوا بها إلا وقد حفظوها عن العرب، والاختيار ما أعلمتك. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ (36) قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو (أَتُمِدُّونَنِي) بنونين، وإثباتَ الياء في الوصل. وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائي (أَتُمِدُّونَنِ) بغير ياء في وقف ولا وصل.

(فما آتاني الله خير (36)

وقرأ حمزة أَتُمِدُّونِّ) بنون واحدة مشددة، وبياء في الوصل والوقف، وروى خارجة عن نافع (أَتُمِدُّونِّي) بنون واحدة مشددة، وياء في الوصل، فإن وقف واقف وقف بغير ياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَتُمِدُّونِّي) بنون واحدة مشددة فإنه أراد: أتمدونني، وأدغم إحدى النونين في الأخرى وشددها. وَمَنْ قَرَأَ النونين فلأنه وجد النونين متحركتين فاختار الإظهار. وأمَّا من أظهر الياء فلأنها ياء الإضافة. ومن كسر النون الأخيرة بلا ياء جعل الكسرة دالة على الياء فاكتفى بها عن إظهارها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ (36) قرأ نافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم، ويعقوب (فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ) بياء مفتوحة ووقفوا بياء. وقرأ الباقون (آتَانِ اللَّهُ) بحذف الياء في الوصل والوقف. وأمال الكسائي وحده التاء (آتانِي) ، وفتحها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا (44) روى قُنْبُل عن ابن كثير (سَأقَيْها) بالهمز. وقرأ سائر القُراء (سَاقَيْها) غير مهموز. قال أبو منصور: لا وجه لما روى قنبل عن ابن كثير في همز (ساقيها) ، وهو وَهْمٌ، فإيَّاك وهَمْزِه، فإنه ليس من باب الهمز (1) .

_ (1) قال السَّمين: قوله: {سَاقَيْهَا} العامَّةُ على ألفٍ صريحةٍ. وقنبل روى همزَها عن ابنِ كثير. وضَعَّفَها أبو عليّ. وكذلك فعل قنبل في جمع «ساق» في ص، وفي الفتح هَمَزَ واوَه. فقرأ «بالسُّؤْقِ والأَعْناق» «فاستوى على سُؤْقِه» بهمزةٍ مكانَ الواوِ. وعنه وجهٌ آخرٌ: «السُّؤُوْق» و «سُؤُوْقة» بزيادة واوٍ بعد الهمزةِ. ورُوِي عنه أنه كان يَهْمِزُه مفرداً في قوله: {يُكْشَفُ عَن سَأْقٍ} [القلم: 42] . فأمَّا هَمْزُ الواوِ ففيها أوجهٌ، أحدُها: أنَّ الواوَ الساكنةَ المضمومَ ما قبلَها يَقْلِبُها بعضُ العربِ همزةَ. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في أولِ البقرةِ عند «يُوْقنون» وأنشَدْتُ عليه: 3574 أَحَبُّ المُؤْقِدِين إليَّ موسى ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وكان أبو حَيَّةَ النميري يَهْمِزُ كلَّ واوٍ في القرآن، هذا وَصْفُها. الثاني: أنَّ ساقاً على فَعَلَ كأَسَدٍ، فجُمِعَ على فُعُل بضمِّ العين كأُسُدٍ. والواوُ المضمومةُ تُقْلب همزةً نحو: وُجوه، ووُقِّتَتْ، ثم بعد الهمزِ سَكَنَتْ. الثالث: أنَّ المفردَ سُمِعَ هَمْزُه، كما سيأتي تقريرُه، فجاء جَمْعُه عليه. وأمَّا «سُؤُوْق» بالواوِ بعد الهمزةِ فإنَّ ساقاً جُمِع على «سُوُوق» بواوِ، فهُمِزَتْ الأولى لانضمامِها. وهذه الروايةُ غريبةٌ عن قنبلٍ، وقد قَرَأْنا بها ولله الحمدُ. وأمَّا «سَأْقَيْها» فوجهُ الهمزِ أحدُ أوجهٍ: إمَّا لغةُ مَنْ يَقْلِبُ الألفَ همزةَ، وعليه لغةُ العَجَّاج في العَأْلَمِ والخَأْتَمِ. وأنشد: 3575 وخِنْدِفٌ هامَةُ هذا العَأْلَمِ ... وسيأتي تقريرُه أيضًاً في «مِنْسَأَته» في سبأ إنْ شاء اللهُ تعالى، وتقدَّم طَرَفٌ منه في الفاتحة، وإمَّا على التشبيهِ برِأْس وكَأْس، كما قالوا: «حَلأْت السَّويق» حَمْلاً على حَلأُتُه عن الماء أي طَرَدْتُه، وإمَّا حَمْلاً للمفرد والمثنى على جَمْعِهما. وقد تَقَرَّر في جمعِهما الهمزُ. اهـ (الدر المصون) .

(لنبيتنه وأهله ثم لنقولن (49)

وقوله جلَّ وعزَّ: (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ (49) قرأ حمزة والكسائي (لتُبيِّتُنَّهُ. . ثُمَّ لتَقُولُنَّ) بالتاء جميعًا. وقرأ الباقون (لَنُبَيِّتَنَّهُ. . . ثُمَّ لَنَقُولَنَّ) بالنون فيهما. قال أبو منصور: قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (لَنُبَيِّتَنَّهُ) بالنون (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ) أراد: أنهم قالوا: (تقاسموا) فجعل (تقاسموا) خبرًا، فكأنهم قالوا مُتقاسمين (لتُبيِّتُنَّهُ. . . ثُمَّ لَنَقُولَنَّ) . قال: وَمَنْ قَرَأَ (لتُبيِّتُنَّهُ. . ثُمَّ لتَقُولُنَّ) جعل (تقاسموا) أمرًا في موضع جزم، كأنهم قالوا: تحالفوا وأقْسِمُوا لتُبيتنه. قال: النون تجوز من هذا الوجه؛ لأن الذي قال لهم تقاسموا معهم في الفعل داخل، وإن كان قد أمرهم. ألا ترى أنك تقول: قوموا نذهبْ إلى فلان؛ لأنه أمرهم وهو معهم في الفعل. قال والنون أعجب الوجوه إليَّ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ (51) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بكسر الألف (إِنَّا) . وقرأ الباقون: (أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ) بفتح الألف. قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ) بالكسر فعلى الاستئناف، وهو يفسر ما قبله، كقوله: (فَلْيَنظر الإنسانُ إلى طَعَامِه، إنَّا صَبَبْنَا الماء) يستأنف وهو يفسر ما قبله. وَمَنْ قَرَأَ (أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ) بالفتح فيكون (أَنَّا) في موضع الرفع، يجعلها تابعة لقوله: (عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) قال: وإن شئت جعلت (أَنَّا) نصبًا

(قليلا ما تذكرون (62)

من جهتين: إحداهما أن تردها على موضع (كيف) ، لأنها في موضع نصب. والأخرى: أن تَكُرَّ (كان) عليها، كأنك دلت كيف كان عاقبة مكرِهم تدميرُنا إيَّاهم فـ (أنَّا) في موضع نصب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) قرأ أبو عمرو وحده (قَلِيلًا مَا يَذَكَّرُونَ) بالياء. وقرأ الباقون (مَا تَذَكَّرُونَ) بالتاء. وروى عبيد عن أبي عمرو بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة. وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فللمخاطبة، وكل جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ (66) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (بَلْ أدْرَكَ) خفيفة بغير ألف. وقرأ الباقون (بَلِ ادَّارَكَ) مثقلاً بألف، وروى المفضل عن عاصم (بَلْ أدْرَكَ) مثل أبي عمرو. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بَلْ أدْرَكَ) خفيفة فهو من أدْرَكَ يُدْرِكُ، كأنه قال هَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُم عِلْمَ الآخرة؟ وروي عن السُّدِّي في تفسيره قال:

اجتمع علمهم يوم القيامة فلم يَشُكوا ولم يختلفوا. قال أبو معاذ النحوي: من قرأ (بَلِ أدْرَكَ) ، و (بَلِ ادَّارَكَ) فمعناهما واحد، يقوِل: هم علماء في الآخرة كقول اللَّه: (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) . وقال أبو سعيد الضرير: أما أنا فأقرأ (بَلْ أدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) ومعناها عنده أي: علموا في الآخرة أن الذي كانوا يُوعَدُون حق، وأنشد قول الأخطل: وأدْرَكَ عِلْمى في سُوَاءَةَ أنها ... تُقيمُ على الأوْتَارِ والمَشربِ الكَدْرِ أى: أحاط علمى بها أنها هكذا. وقال الفراء: مَنْ قَرَأَ (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) معناه: لعله تَدَارَكَ، يقول تتابع علمهم في الآخرة، يريد: بعلم الآخرة تكونُ أولا تكونُ؟ قال - عزَّ وجلَّ - (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا) . قال أبو منصور: والصحيح في تفسيره ما قال السدي وأبو معاذ وأبو سعيد، والمعنى: بل يدرك علمهم في الآخرة، ويدَارك بمعناه، حين لا يَنْفَعُهم علمُهم؛ لأن الخلق كلهم يوم القيامة مؤمنون إيمانًا لاينفعُهم إذا لم يكونوا في الدنيا مؤمنين. وقال شمر: أدْرَكَ، وادَّارَك، وتَدَارَكَ تكون لازمة وواقعة:

(ولا يسمع الصم الدعاء (80)

يقال: أدركت الأمر، وتداركته، وادَّاركته، وادَّركته، بمعنى واحد وقد أدْرَكَ، وادَّرَاكَ، وادَّرَكَ، وتَدَارَكَ بمعنى واحد، أى: تَلاَحَقَ. وروى الأعشى عن أبي بكر أنه قرأ (بَلِ ادَّرَكَ عِلمُهم) وأصله: تَدَرَّكَ، وادَّارَكَ أصله: تَدَارَكَ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي آنَسْتُ (7) حرك الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو. * * * وقوله: (إِنِّيَ أُلْقِيَ إِلَيَّ (29) (لِيَبْلُوَنِيَ أَأَشْكُرُ (40) فتح الياءَيْن نافع وحده. * * * وقوله: (أَوْزِعْنِي أَنْ (19) فتح الياء ابن كثير، وكذلك روى أحمد بن صالح عن ورش، وقالون عن نافع. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ (80) قرأ ابن كثير وحده (ولا يَسْمَعُ) بالياء، (الصُّمُّ) رفعًا، و (الدُّعَاءَ) نصبًا. ها هنا وفي الروم. وقرأ الباقون (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) . وروى عباس عن أبي عمرو مثل ابن كثير. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ) فالفعل للصُّمِّ، و (الدعاءَ) مفعول به. وَمَنْ قَرَأَ (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) فالخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -

(وما أنت بهادي العمي (81)

والصُّم مفعول به، والدعاء مفعول ثان وأراد بالصُّم: الكفار الذين لا يعون ما يسمعون، لا أنَّهم صُمُّ الآذان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ (81) قرأ حمزة وحده (وَمَا أَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ) بالتاء و (الْعُمْيَ) نصبًا، وكذلك قرأ في الروم فوقف عليها بالياء، يعنى على قوله (تهدي) . وقرأ الباقون (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ) بالياء مع الإضافة، ووقفوا على التي في النمل (بِهَادِي) بالياء، وهى ثابتة في المصحف، ووقفوا في الروم على قوله (بِهَادِ) بغير ياء، وليس في الكتاب ياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَمَا أنتَ تَهْدِي العُمْيَ) فالمعنى: مَا أنت يا محمد تهدي الذين عميت بصائرهم عن آياننا، ولكن عليك الدُّعاء، ويهدى الله من يشاء. و (العُمْيَ) في هذه القراءة منصوب بالفعل، وَمَنْ قَرَأَ (وَمَا أنت بِهَادِي العُمْيِ) فإن الباء دخلت لحرف النفي، كقولك: ما أنْتَ بِعَالِم. وخفض (العُمْيِ) لأنه مضاف إليه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ (82) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمر وابن عامر: (إنَّ النَّاسَ) بكسر الألف. وقرأ الباقون (أَنَّ النَّاسَ) بفتح الألف. قال أبو منصور: من فتح الألف (أن النَّاسَ) أوقع عليها الكلام، تكَلمُهم بأن النَّاس وموضعها نصب. وَمَنْ قَرَأَ (تُكَلِّمُهُمْ إِنَّ النَّاسَ) كانت (إِنَّ) خبرًا

(وكل آتوه داخرين (87)

مستأنفًا وفيه معنى وقوع الكلام، ومثله: (فَلْيَنْظُرِ الإنسانُ إلى طَعَامِهِ) (أَنَّا) و (إِنَّا) . وأخبرني المنذري عن ابن اليزيدي قال سمعت أبا حاتم قال: مَنْ قَرَأَ (تكلَمُهم أنَّ الناس) بفتح (أن) فالوقف على (لا يوقنون) ، ومن كسر (إن) فالوقف على (تكلِّمُهم) . وهو من الكلام. قال أبو منصور: وقرأ بعضهم (تُكْلمُهُمْ) ، من الكَلْمِ. وهو شاذ لا يعرج عليه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكُلٌّ آتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) قرأ حمزة وحفص) (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) مقصورًا. وقرأ الباقون (آتَوْهُ) ممدودًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالمدِّ (آتَوْهُ) فمعناه: كل جاءوه. وقيل: فاعلوه. وَمَنْ قَرَأَ (أتَوْهُ) ردَّه على قوله: (فَفَزِعَ مَنْ في السَماوات. . . وَكُلٌّ أَتَوْهُ) فرد فَعَلَ على مثلها، ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود. وهى حسنة، والأولى جيدة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إنَّهُ خَبِيرٌ بمَا يَفْعَلُونَ (88)

قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (إنه خبير بما يفعلون) بالياء. وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة، وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فللخطاب. وقد حذف منِ هذه السورة أربع ياءات، قوله (وَادِ النَّملِ) و (أتمدونن. . . فما آتانِ (36) ، و (حتى تشهدون (32) وكان يعقوب يقف على (وَادِ) وعلى (تشهدوني) بياء، ووصل (وَادِ) بغير ياء. ووقف الكسائي (وادي) بياء. * * *

سورة القصص

سورة الْقَصَص بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جَّل وعزَّ: (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا) قرأ حمزة والكسائي (وَيَرى فرعَونُ وهامانُ وجنودُهُما) بالياء، ورفع الأسماء بعدها. وقرأ الباقون (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا) بالنون ونصب الأسماء بعدها. قال أبو منصور: من نصب (فرعونَ وهَامَانَ) فبإيقاع الفعل من (نُرِي) ، على هذه الأسماء، (ونُرِىَ) معطوف على قوله: (أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ. . . وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً. . . ونُرِيَ) . ومن رفع (فرعونُ وهامان) فهما فاعلان بفعلهما وهو (يَرَي) . * * * قوله جَّل وعزَّ: (عَدُوًّا وَحَزَنًا) قرأ الكسائي وحمزة (وحُزنًا) . وقرأ الباقون (وَحَزَنًا) قال أبو منصور: هما لغتان: حُزْنًا، وحَزَنًا، فاقرأ كيف شئت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (حَتَّى يَصْدُرَ الرِّعَاءُ (23)

(عسى ربي أن يهديني سواء السبيل)

قرأ أبو عمرو وابن عامر (حَتَّى يَصْدُرَ الرِّعَاءُ) بفتح الياء وضم الدال. وقرأ الباقون (حَتَّى يُصْدِرَ) بضم الياء وكسر الدال. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَصْدُرَ) فهو من صَدَرَ عن الماء، يَصدُر إذا رجعَ عنه بعد الورود. وَمَنْ قَرَأَ (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) فمعناه: حتى يُصدِرُوا واردتهم من الماشية. يقال: صدرَ بنفسه، وأصدر وِرْدَه أي: إبلَهُ أو غنمه. والرعاء: جمع الراعي. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (عَسى رَبِّي أنْ يَهدِيني سَوَاءَ السَّبِيلِ) فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو * * * وقوله: (إنِّي أرِيدُ (27) و (سَتَجِدُني إنْ شَاءَ اللَّهُ (27) فتح الياءين نافع وحده. * * * وقوله: (إِنِّي آنَسْتُ. . . لَعَلِّي آتِيكُمْ (29) فتحهما ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وفتح ابن عامر (لَعَلِّيَ آتِيكُمْ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ (29) قرأ عاصم (أَوْ جَذْوَةٍ) بفتح الجيم. وقرأ حمزة (جُذْوَةٍ) بضم الجيم وقرأ الباقون (جِذوَةٍ) بكسر الجيم.

(جناحك من الرهب (32)

قال أبو منصور: هي لغات معروفة، ومثله: أوطأته عَشوَة، وعُشوَة، وعِشوة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ (32) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (مِنَ الرَّهَبِ) بفتح الراء والهاء. وقرأ حفص عن عاصم (مِنَ الرَّهْبِ) بفتح الراء وسكون الهاء. وقرأ الباقون (مِنَ الرُّهْبِ) بضم الراء وسكون الهاء. قال أبو منصور: يقال: رَهَبٌ، ورَهْبٌ، ورُهْبٌ، ورُهُبٌ - بمعنى واحد، وهو: الفَرَقُ والخَوفُ. وروى أبو عمرو لأبيِ عمرو الشيياني وابن الأعرابي أنهما قالا: الرَّهَب: الكُم - وأما أهل التفسير فالرَّهَب عندهم: الفَزَعُ، ويقويه قراءة من قرأ (الرُّهبُ) - والجنَاحُ: العَضُد، ويقال: اليد كلها جناح - واللَّهُ أعلم بما أراد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ (32) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (فَذَانِّكَ) بتشديد النون. وروى علي بن نصر عن شبل عن ابن كثير (فَذَانِيكَ برهانان) بنون خفيفة بعدها ياء. وقرأ الباقون (فَذَانِكَ) خفيفة. قال النحويون: (فَذَانِكَ) تثنية ذاك. و (ذَانِّكَ) مشدد تثنية ذلك.

(ردءا يصدقني (34)

وأما (ذَانِيكَ) فشاذ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (رِدْءًا يُصَدِّقُنِي (34) قرأ نافع وحده (رِدًا) مفتوحة الدال، غير مهموزة. وقرأ الباقون (رِدْءًا) بوزن (رِدْعًا) ساكن الدال، مهموزًا. قال أبو منصور: أما قراءة نافع (رِدًا) بالتخفيف فإنه ألقى فتحة الهمزة على الدال وليَّن الهمزة. وَمَنْ قَرَأَ (رِدْءًا) بالهمزة فهو الأصل. ومعناهما: العون، يُقال: أردأت الرجل، إذا أعنته. وقال ابن شميل: ردأت الحائط أردؤه، إذا دعمته بخشبة أو كَنس يَدفعُه. أن يسقط. وقال يونس: أرْدَاتُ الحائط بهذا المعنى. قال: والأرْدَاء: الأعدال الثقيلة، كل عِدْل منها رِدْء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُصَدِّقُنِي (34) قرأ عاصم وحمزة (يُصَدِّقُنِي) بالرفع. وقرأ الباقون (يُصَدِّقْني) بجزم القاف.

(وقال موسى ربي أعلم (37)

قال أبو منصور: من ضَم القاف أراد: (مُصدقا) على الحال. ومن جزم فلأنه جواب الأمر، ومعناه الجزاء، كأنه قال: إن أرسلته رِدءا يصدقْني. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أعْلَمُ (37) قرأ ابن كثير وحده (قَالَ مُوسَى) بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة. وقرأ الباقون (وَقَالَ مُوسَى) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالواو عطفه على كلام تقدمه. وَمَنْ قَرَأَ (قَالَ) فهو استثناف كلام. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) قرأ نافع وحمزة والكسائي والحضرمي (لَا يَرْجِعُونَ) بفتح الياء وكسر الجيم. وقرأ الباقون (لَا يُرْجَعُونَ) بضم الياء وفتح الجيم. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا يَرْجِعُونَ) فهو فعلِ لازم، وَمَنْ قَرَأَ (لَا يُرْجَعُونَ) فمعناه: ظنوا أنهم لا يُرَدُّون إلينا، من رَجَعْتُهُ فرَجَعَ، لازم ومتعدٍّ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَاحِرَانِ تَظاهَرَا (48)

(يجبى إليه ثمرات كل شيء (57)

قرأ عاصم وحمزة والكسائي (سِحْرَانِ) بغير ألف - وقرأ الباقون (ساحران) بألف. قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (سِحْرانِ تَظَاهَرَا) عَنَوْا: التوراة والقرآن. ومن قرأ (ساحران تظاهرا) عَنَوا: محمدًا وموسى عليهما السلام. وقيل في قوله (ساحران) إنهما موسى وهارون. وقيل: موسى وعيسى. ودليل من قرأ (سِحْرَان) قوله جلَّ وعزَّ: (فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ (57) قرأ نافع ويعقوب وحده (تُجْبى إليه) بالتاء. وقرأ الباقون (يُجْبَى إِلَيْهِ) بالياء. قال أبو منصور: من قرأ (تجبى) بالتاء فلتأنيث الثمرات. وَمَنْ قَرَأَ (يُجْبى) فللتفريق بين الفعل والأسماء بقوله (إليه) قال الشاعر:

(لخسف بنا (82)

لقد وَلَدَ الأخيطِلَ أمُّ سوءٍ ... عَلى قِمْعِ اسْتِهَا صُلبٌ وشَامُ * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لخُسِفَ بِنَا (82) قرأ حفص ويعقوب (لخَسَفَ بِنَا) بفتح الخاء والسين، وروي ذلك عن عاصم. وقرأ الباقون (لخُسِفَ بِنَا) بضم الخاء وكسر السين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لخَسَفَ بِنَا) فالمعنى: لخسف الله بنا. ومن قرأ (لخُسِفَ بِنَا) فلأنه جاء على ما لم يسم فاعله. وروى أبو عبيد عن أبي زيد والأصمعي: خَسَفَ المكانُ يَخْسِفُ، وقد خسفه الله. وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي: الخَسْفُ: إلحاق الأرض الأولى بالثانية. وخَسَفَت الشَّمس، وكسفَت: بمعنىً واحد. وخسف بفلان، إذا أخذته الأرض فدخل فيها. * * * حذف من هذه السورة ياءان. قوله: (أنْ يَقتلُون (33) ، و (أنْ يُكذِّبون (34) وكان يعقوب يصلهما بياء ويقف عليهما بياء. * * *

سورة العنكبوت

سورة الْعَنْكَبُوتِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * * * قوله جلَّ وعزَّ: (ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ (20) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (النَّشآءةَ) ممدودة حيث وقعت. وقرأ الباقون (النَّشْأَةَ) بوزن (الئشْعَة) حيث وقعت. قال أبو منصور: هما مثل: الرَّأفة والرَّآفَة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ (25) قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي (مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ) رفعًا مضافًا. وكذلك روى المفضل عن عاصم. وقرأ نافع وابن عامر ويحيى عن أبى بكر عن عاصم (مَوَدَّةً) منونًا (بَيْنَكُمْ) نصبًا. . وقرأ حفص وحمزة (مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) بالنصب والإضافة. وروى الأعشى عن أبي بكر (مَوَدَّةٌ) رفعًا منونًا (بَيْنَكُمْ) بالنصب.

(ولوطا إذ قال لقومه أئنكم لتأتون الفاحشة (28)

قال الفراء: من رفع فإنما يرفع بالصفة لقوله: (فى الحياة الدنيا) ، وينقطع الكلام عند قوله: (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا) ، ثم قال: ليس مودتكم تلك الأوثان بشىء، إنما مودة ما بينَكم في الحياة الدنيا، ثم ينقطع. قال: ومن نصب أوقع عليها الاتخاذ، إنما اتخذتموها مودة بينكم في الدنيا. قال: وقد يكون رفعًا على أن تجعلها خبرًا لـ (مَا) ، وتجعل (مَا) على جهة (الذين) ، كأنك قلت: إنَ الذين اتخذتموهم أوثانا مودةُ بينكم، فيكون (المودة) كالخبر، ويكون رفعها على ضمير [هى] كقوله جلَّ وعزَّ: (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) ثم قال (بَلَاغٌ) أي: هذا بلاغ، وذلك بلاغ. وقال أبو إسحاق: مَنْ قَرَأَ (مودةَ بينِكُمْ) بالفتح والإضافة أو قرأ (مودةً بينكم) بالنصب في (مودة) من جهة أنها مفعول بها، أي: لتخذتم هذا بمودة. وقال في الرفع كما قال الفراء. . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ (28) قرأ ابن كثير ونافع ويعقوب وابن عامر وحفص (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ) بغير استفهام. وقرأ أبو عمرو (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ) مستفهمًا. وقرأ الباقون (أَئِنَّكُمْ) يستفهمون بهما جميعًا.

(لننجينه (32) و (إنا منجوك (33)

قال الأزهري: من قرأ (إنَّكم) بغير استفهام فهو تحقيق لسوء فعلهم. ومن قرأ (أيِنَّكم) بألف وياء فاللفظ لفظ استفهام، ومعناه التقريع والتوييخ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَنُنَجِّيَنَّهُ (32) و (إِنَّا مُنَجُّوكَ (33) قرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر (لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ) مشددًا، و (إِنَّا مُنْجُوك) خفيفًا. وقرأ حمزة والكسائي والحضرمي (لنُنْجِيَنَّه) و، (إِنَّا مُنْجُوك) . مخففين. وقرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر وحفص بالتشديد: (لَنُنَجِّيَنَّهُ) و: (إِنَّا مُنَجُّوكَ) . قال أبو منصور: هما لغتان: أنجيته، ونَجَّيتُهُ، فاقرأ كيف شئت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ (50) قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص ويعقوب (آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ) جماعة. وقرأ البافون (آيَةٌ) واحدة. وكذلك قال علي بن نَصْرٍ عن أبي عمر. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (آيَاتٌ) فهو جماعة (آية) ، ومن قرأ (آية) فهي واحدة، وقد تنوب الآية عن الآيات. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَنَقُولُ ذُوقُوا (55)

(يا عبادي الذين آمنوا (56)

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (ونَقولُ) بالنون. وقرأ الباقون: (ويَقُولُ) بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ: (ونقول) فاللَّه يَقُوله. وَمَنْ قَرَأَ بالياء فالمعنى: ويقول الله لهم ذوقوا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي (26) فتح الياء نافع وأبو عمرو من (رَبِّي) . * * * وقوله: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا (56) أرسل الياء حمزة والكسائي والحضرمي، وفتحها الباقون. والوقف عليهما بالياء؛ لأنها ثابتة في المصحف. * * * وقوله: (إنَّ أرْضي واسِعَة (56) فتح الياء ابن عامر وحده. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) روى يحيى عن أبي بكر عن عاصم (يُرْجَعونَ) بالياء. وقرأ الباقون بالتاء.

(لنبوئنهم (58)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة، وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فللمخاطبة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ (58) قرأ حمزة والكسائي (لنُثْوِيَنَّهُمْ) بالثاء. وقرأ الباقون (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) . قال الفراء: يقال بوْأته مَنْزِلاً وأثويته منزلاً، بمعنى: أنزلته منزلاً. وقال غيره: ثوى الرجُل بالمكان، إذا أقام. وأثويته أنا، إذا أنزلته منزلاً يقيم به. وبوأته منزلا، أي: أسكنتُه. وبَوَّأ فلان امراته منزلا إذا أسكنها إياه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ولِيَتَمَتعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) قرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، والكسائي، والأعشى عن أبي بكر (ولْيَتَمَتَعُوا) بجزم اللام، وكذلك قال أبو زيد عن أبي عمرو فيما ذكر أبو حاتم. وقرأ الباقون (ولِيَتَمَتَعوا) بكسر اللام. قال أبو منصور: هذه اللام هى لام الوعيد، بلفظ الأمر، والأجود فيها الإسكان إذا اتصلت بالواو، وقد تكسر على الأصل، فيكون فيها الكسر على جهة: (كي يَتَمَتَّعُوا) . * * *

سورة الروم

سورة الرُّوم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ (10) قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو ويعقوب: (عَاقِبَةُ الَّذِينَ) بالرفع. وقرأ الباقون بالنصب. قال أبو منصور: من نصب (عَاقِبَةَ الَّذِينَ) جعل (السُّوأى) اسم (كَانَ) ، وجعل (عاقبةَ) الخبر. ومن رفع (عاقبةُ) جعل (السُّوأى) الخبر، و (عاقبةُ) الاسم. المعنى: ثم كان عاقبةُ الكافرين النَّار. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (11) قرأ أبو عمرو، ويحيى عن أبي بكر عن عاصم (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بالياء. وقرأ الباقون بالتاء. وروي عن عيَّاش عن أبي عمرو بالتاء، وروى الأَعشى عن أبي بكرٍ بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فللغيبة، وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فللخطاب.

(نفصل الآيات (28)

وقوله جلَّ وعزَّ: (نُفَصِّلُ الْآيَاتِ (28) روى عياش عن أبي عمرو (كذلك يُفَصَّلُ الآياتُ) بالياء وضم التاء وقرأ الباقون (نُفَصِّلُ الْآيَاتِ) بالنون وكسر التاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُفَصَّلُ الآياتُ) فهو على ما لم يُسم فاعله. ومن قرأ بالنون نصب (الآيات) بالفعل، والتاء مخفوضة في موضع النصب، لأنها تاء الجميع. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) قرأ حفص وحده: (لِلْعَالِمين) بكسر اللام، وقال: هذه الآيات لأهل العلم خاصة. وفتح الباقون اللام. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (للعَالَمينَ) فهم الإنس والجن، جمع عَالَم. ومن قرأ (لِلْعَالِمِينَ) فهو جمع العالمِ خص أهل العلم بها. والقراءة بفتح اللام لتتابع القراء عليه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا (39) قرأ ابن كثيرٍ وحده (وَمَا أَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا) بقصر الألف. وقرأ الباقون (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا) ممدودة، على (أفْعَلتم)

(ليربو في أموال الناس (39)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَتَيْتُمْ) بقصر الألف فهو من: أتى يأتي. ومن قرأ (آتَيْتُمْ) بمد الألف فمعناه: أعطتم. وهي القراءة المختارة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ (39) قرأ نافع ويعقوب (لِتُرْبُوَا) بتاء مضمومة، وسكون الواو. وقرأ الباقون (لِيَرْبُوَ) بياء، وفتح الواو. فَمَنْ قَرَأَ (لِتُرْبُوَا) فمعناه: لتزدادوا أنتم زيادة من مالِ مَن تَربونَهُ، كأنه قال: لتُربُوا مالكم فتكثِرُوهُ بالزيادة التي تأخذونها. وَمَنْ قَرَأَ (لِيَرْبُوَ) فمعناه: الشيء الذى تعطونه بالزيادة التي يردّها آخذها إذا ردها بعد الأجل المؤقت. وقد قيل معناه: أن يهب الرجل الشيء لإنسان بغير شرط ولا وقت، فيردّ الموهوب له عوضًا يكون أكبر قيمة من هبته وليس هذا من الربا الحرام، وكل شيء زاد فقد رَبا يربو، وأرَبْيتُ أنا، إذا أكثرْتُه، واللام في (لِيَرْبُوَ) وفي (لِتُرْبُوَا) لام كي. ومن قرأ (لِيَرْبُوَ) لم يثبت فيه الألف. ومن قرأ (لِتُرْبُوَا) كتبه بألف، وإنما انفتحت الواو في (لِيَرْبُوَ) لأنه للواحد. وسُكنت في (لِتُرْبُوَا) لأنها واو الجمع، وكانت في الأصل (تُفعِلُونَ) ، فسقطت النون علامة النصب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ (50) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، ويعقوب (إِلَى أثَرِ رَحْمَتِ اللَّهِ) موحدَا. وقرأ الباقون (آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ) .

(ليذيقهم بعض الذي (41)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (آثَارِ) فهو جمع الأثر. وَمَنْ قَرَأَ (أَثَرِ) فهو من واحد، معناه: الآثار. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي (41) قرأ ابن كثير وحده (لِنُذِيقَهُم) بالنون. وقرأ الباقون (لِيُذِيقَهُمْ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (ليُذيقَهم) فالمعنى: ليذيقهم الله. وَمَنْ قَرَأَ (لِنُذِيقَهُم) فالمعنى: لنذيقهم نحن جزاء أعمالهم، والفعل للَّهِ أيضًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ (57) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحضرمي (لا تَنْفَعُ) بالتاء ها هنا وفي المؤمن. وقرأ نافع في الروم بالتاء، وفى المؤمن بالياء - وروى النقاش عن ابن عامر مثل ذلك، وخالفه ابن الأخرم فقال: جميعًا بالياء. وقرأ الكوفيون بالتاء في السورتين. قال أبو منصور: بن قرأ بالتاء فللفظ (المعذرة) ؛ لأنها مؤنثة. ومن قرأ بالياء فلأنه مصدر (كالعُذر) ، فذهب إلى المعنى لا إلى اللفظ، ومثله كثير في القرآن.

(الله الذي خلقكم من ضعف)

وقوله جلَّ وعزَّ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضُعْفٍ) و (مِنْ بَعْدِ ضُعْفٍ) و (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضُعْفًا (54) (54) قرأ عاصم وحمزة بفتح الضاد. وقرأ حفص من قِبَل نفسه (مِنْ ضُعْفٍ) بضم الضاد، خالف عاصمًا في هذه الحرف وحده. وقرأ الباقون بضم الضاد. قال أبو منصور: هما لغتان: ضُعفت، وضَعْت. والضم أحب إلى أهل الآثار لما روي فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. * * * وقوله جلَّ وعكز: (وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ (53) وقف عليها الكسائي ويعقوب بياء. وقرأها حمزة وحده (تَهْدِي العُمْيَ) بالتاء، وإظهار الياء في الوقف على (تَهْدِي) . قال الأزهري: من قرأها (وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ) فمعناه: ما أنت بصارف الذين ضلوا عن ضلالتهم ولذلك قال (عن) . وقيل معناه ما أنت بمرشدٍ الكفار بعد ضلالتهم في سابق علم الله. فـ (عن) بمعنى: بعد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ (60)

ْقرأ يعقوب وحده (وَلَا يَسْتَخِفَّنْكَ) بسكون النون. وقرأ الباقون بتشديد النون. قال أبو منصور: هي نون التأكيد، يجوز فيهِا التخفيف والتشديد. ومعنى (وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ) لا يستجهلنك الذين لا يوقنون فيستزِلُّوك حتى تتبعهم.

سورة لقمان

سورة لُقْمَان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * * * قوله جلَّ وعزَّ: (هُدًى ورحمةً (3) قرأ حمزة وحده (هُدًى ورحمةٌ) رفعًا. وقرأ الباقون نصبًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (هُدًى ورحمةٌ) فعلى إضمار: هُو هدًى ورحمة. ويجوز: تلك هُدًى ورحمة. ومن نصب (هُدًى ورحمةً) فهو على الحال، المعنى: تلك آيات الكتاب في حال الهداية والرحمة للخلق. وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا (6) قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو وإبن عامر (ويتخِذُهَا هُزُؤا) بضم الذال. وقرأ حمزة والكسائي والحضرمي (ويتخذَها) بفتح الذال. واختلف عن عاصم فروى عنه أبو بكر مثل أبي عمرو، وروى حفص عنه مثل قراءة حمزة. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (ويتخذُها) رفعًا ردها على قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي. . . ويتخذها) . ومن نصبها ردها على قوله: (ليضلَّ. . ويتخذَها) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ (18) قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم ويعقوب (تُصَعِّرْ) بغير ألف. وقرأ الباقون (ولا تُصَاعِر) بألف.

(إنها إن تك مثقال حبة من خردل)

قال الفراء: يقال: صعر خده، صَاعَره، ومعناما: الإعراض تكبرًا، ومثله ضعف الشيء وضاعفه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) قرأ نافع وحده (مِثْقَالُ حَبَّةٍ) رفعًا. وقرأ الباقون (مِثْقَالَ حَبَّةٍ) نصبًا. قال أبو منصور: من رفع (مثقالُ) رفعه بـ (تَكُ) - وقال الفراء: والنكرة يحتمل أن لا يكون لها فعل في (كان) و (ليس) وأخواتها وقال الزجاج: الرفع علي معنى القصة، كما تقول - إنها هندٌ قائمة، وإنهُ زيدٌ قائم. والتأنيث في قوله: (إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ) جازَ؛ لأن المثقال أضيف إلى الحبة، فكان المعنى للحبة، فذهب التأنيث إليها. كما قال الأعشى: وتَشْرَق بالقول الذي قد أَذَعْتَهُ ... كما شَرِقَتْ صدرُ القَناةِ من الدم

(في صخرة)

كأنه قال: كما شَرِقَتْ القناةُ - ومن نصب فقال. (إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ) فلها معنيان. أحدهما: أن التي سألتني عنها (إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) . والمعنى الثاني: أن فِعْلَةَ الإنسان إن تكُ صغيرة قدْر مثقال حبة - وهذا مَثَل لأعمال العباد، إنِ الله يأتي بها يوم القيامة. (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي صَخْرَةٍ) يقال: إن الصخرة هاهتا هي التي تحت الأرض. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) قرأ نافع وأبو عمرو وحفص، (نِعَمَهُ) جماعةً - وقرأ الباقون (نِعْمَةً) منونةً. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نِعْمَةً) فهو واحد، ومعنى النعمة: إنعامُه على عبده بتوفيقه لتوحيده وإخلاصه - وَمَنْ قَرَأَ (نِعَمَهُ) فمعناها: جميع ما أنعم الله على عباده - قال الفراء: هذا وجه جيد؛ لأن الله قال: (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ) ، فهذا جمع النَّعَم، وهو دليل على أن (نِعَمَهُ) جائز - وأخبرني المنذري عن محمد بن يونس، قال - حدثنا عون بن عُمارة عن سليمان ين عمران الكوفي عن أبي حازم عن ابن عباس في قوله: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) قال: الظاهرة: الإسلام. والباطنة: ستر الذنوب.

(والبحر يمده (27)

وقال غيره: الظاهرة: شهادة أن لاَ إلهَ إلا الله. والباطنة: طمأنينة القلب بشهادة أن لا إله إلا الله على ما عَبَّرهُ اللسان - * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْبحْرُ يَمُدُّهُ (27) قرأ أبو عمرو ويعقوب (وَالْبحْرَ يَمُدُّهُ) نصبًا. وقرأ الباقون: (وَالْبحْرُ يَمُدُّهُ) رفعًا. قال أبو خليفة: قال محمد بن سلام: قال لي معاوية بن أبي عمرو وكان يقرأ (وَالْبحْرَ يَمُدُّهُ) . قال أبو منصور: من نصب (البحرَ) عطفه على (مَا) المعنى: ولو أن ما في الأرض. . . ولو أن البحرَ - ومن رفع - فقرأ (وَالْبحْرُ) جعل الواوَ وَاو الحال، كأنه قال: والبحرُ هذه حاله، فيكون ابتداء، وخبره: (يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) وهذا وجه حسن. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) روى عباس عن أبي عمرو (بما يعملون) بالياء، لم يَرْوِه غيره. قال أبو منصور: والقراءة بالتاء؛ لاجتماع القراء عليها. * * *

سورة السجدة

سورة السَّجْدة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحضرمي. (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) بسكون اللام وقرأ الباقون (خَلَقَه) بفتح اللام. قال أبو إسحاق: من أسكن اللام فعلى وجهين: أحدهما: المصدر الذى دل عليه (أحْسَنَ) ، فالمعنى: الذي خلق كل شىء خلقه. الوجه الثاني: البدل، معناه: أحْسَن خَلْقَ كلَ شىء. ومثله قول الراجز: فَوَردَتْ تَقتدَ بَرْدَ مَائِهَا أراد: وَرَدَتْ بَرْد مَاء تَقتدَ. وَمَنْ قَرَأَ (خَلَقَهُ) فعلى الفعل الماضي، وتأويل الإحسان ها هنا أنه خلقه على إرادته، فخلق الإنسان في أحسن تقويم، وخلق القرد على ما أحب جلَّ وعزَّ. وقال الفراء: مَنْ قَرَأَ (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) مخففًا

(فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين)

كأنه قال: ألْهمَ خلقه كل ما يحتاجون إليه فالخَلْقُ ها هنا منصوب بالفعل الذي وقع على (كُل) ، كأنه قال: أعلمهم كل شىء، وأحْسَنَهم. وأخبرني المنذري عن عبيد بن غنام عن إبراهيم بن أحمد بن زهير المروذي عن على بن الحسن بن الحسين بن واقد عن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: (أحْسَنَ كل شَىْء خَلَقَهُ) قال: الإنسان في خلقه حسن، والحمار في خلقه حسن، والخنزير في خلقه حسن، وكل شىء في خلقه حسن. قال أبو منصور: قول ابن عباس هذا هو القول، جعل (أحْسَنَ) بمعنى (حَسَّن) ، وهو يقارب ما فسَّره أبو إسحاق الزجاج. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) قرأ حمزة ويعقوب (مَا أُخْفِي لَهُمْ) بسكون الياء. وقرأ الباقون (مَا أُخْفِيَ لَهُمْ) بفتح الياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بسكون الياء فالألِفُ ألِفُ المخبر عن نفسه، كأنه: لا تعلم نفس الجزاء الذي أخْفِي لهم أنا. وَمَنْ قَرَأَ (أُخْفِيَ لَهُمْ) بفتح الياء فهو ماض على ما لم يُسم فاعله على (أفعِلَ) . والإخفاء: ضد الإظهار، وكلتا القراءتين جيدة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَمَّا صَبَرُوا (24)

قرأ حمزة والكسائي والحضرمي (لِمَا صَبَروا) بكسر اللام والتخفيف. وقرأ الباقون (لَمَّا صَبَرُوا) بفتح اللام، وتثسديد الميم. قال أبو منصور: من خَفف فقال: (لِمَا صَبَرُوا) فالمعنى: جعلناهم أئمة لصبرهم، وهي تسمى (ما) المصدر. وَمَنْ قَرَأَ (لَمَّا صَبَرُوا) فالمعنى: (لَمَّا صَبَرُوا) جعلناهم أئمة، وهذا كالمجازاة. وأصل الجزاء في هذا: إنْ صَبَرْتُمْ جعلناكمْ أئمة، فلما صبروا صاروا أئمة. * * * واتفق القراء على: (أوَلَمْ يَهْدِ لهُم (26) بالياء. واتفقوا على فتح قوله: (قُلْ يَوْمَ الفتْحِ لا يَنْفَعُ (29) كأنه قال: لا ينفع يومَ الفتح الذين كَفَرُوا إيمانهم. * * *

سورة الأحزاب

سورة الْأَحْزَابِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) قرأ أبو عمرو وحده (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرًا) بالياء. وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بما يعملون) فللغيبة وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فللمخاطبة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ (اللَّائِي تُظَاهِرُونَ (4) قرأ ابن كثير ونافع ويعقوب: (اللَّاءِ تَظَّهَّرُونَ) بهمزة مَخَتَلَسة الكسرة. وَقرأ أبو عمرو (اللاي) بكسرة مختلسة ولا يهمز، وكذلك روى ابن فُلَيْح عن أصحابه عن ابن كثير مثل أبي عمرو. وقرأ الباقون (اللائي) بياء بعد الهمزة، في وزن (اللاعى) ، وكذلك قرءوا في المجادلة والطلاق. قال الأزهري: هى لغات محفوظة عن العرب وأجودها وأتمها (اللائي) بياء بعد الهمزة. ومن حذف الياء اكتفى بالكسرة، ومن همز فلأن مَدتَها همزة، ومن خفف الهمزة فلإيثاره التخفيف. وكل جائز.

(وكان الله بما تعملون بصيرا (9)

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (تَظَّهَّرُونَ) بالتاء وتشديد الظاء والهاء بغير ألف - وقرأ ابن عامر (تَظَّاهرُون) بتشديد الظاء وألف بعدها مع فتح التاء. وقرأ عاصم (تُظاهِرُون) بضم التاء وتخفيف الظاء. وقرأ حمزة والكسائي (تَظاهَرون) خفيفة مفتوحة التاء بألف. قال أبو منصور: هذه لغات صحيحة، ومعناها واحد. يقال: تَظاهَر فلان من امرأته، وتَظَهَّرَ منها، واظَّاهر، واظَّهَّر، وظاهر بمعنى واحد. وهو أن يقول لها: أنتِ عليَّ كظَهْر أمي. فمن قرأ (تَظَّهَّرُون) فالأصل (تتظهرون) ، فأدغمت التاء الثانية في الظاء وشددت. وكذلك مَنْ قَرَأَ (تَظَّاهَرون) فالأصل (تَتَظاهَرُون) ، فأدغمت التاء في الظاء. وَمَنْ قَرَأَ: (تظَاهرون) مخففا فالأصل فيه أيضًا (تتظاهرون ( فحذفت إحدى التاءين استثقالا للجمع بينهما. قال البصريون: التاء المحذوفة تاء المخاطبة. وقال غيرهم: بل المحذوفة تاء التفاعل ولكل حجة على ما قال. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) قرأ أبو عمرو ويعقوب (وكان الله بما يعملون) بالياء وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فللمخاطبة. وَمَنْ قَرَأَ بالياء فهو على الإخبار. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) .. و (الرَّسُولَا (66) ، و (السَّبِيلَا (67)

قرأ ابن كثير والكسائي وحفص بحذف الألف في الوصل وإثباتها في الوقف. وقرأ نافع وابن عامر، وعاصم في رواية أبي بكر بإئبات الألف فيهن في الوصل والوقف. وقرأ أبو عمرو وحمزة ويعقوب بغير ألف في الوصل والوقف. وروى أبو زيد عن أبي عمرو (الظُّنُونَا) و (الرسولا) و (السبيلا) يقف بألف. وروى أحمد بن موسى عن أبي عمرو بإثبات الألف فيهن في الوصل والوقف. وكذلك روى هبيرة عن حفص عن عاصم بألفٍ وَصَلَ أوْ قَطَعَ، وروى علي بن نصر، وهارون عن أبى عمرو أنه كان يقف عند (السبيلا) بألف. قال أبو منصور: من قرأهن بألف في الوصل والوقف فَلِاتباع المصحف لأنهما مع رءوس آى كثيرة بالألف. ومن حذف الألف فيهن فلأن الألف لا أصل لها، وإنما يستعمل مثل هذه الألفات الشوام، ولأنها في موضع فاصلة كالقافية وحذاق النحويين اختاروا أن يقرءوا (الظنونا) و (السبِيلاَ) و (الرسُولاَ) ، ويقفوا، فإذا وصلوا وأدرجوا حذفوا الألفات، وعلى هذا كلام العرب، والاختيار عندي الوقوف على هذه الألفات ليكون القارئ متبعا للمصحف محققا لما كتب فيه، مع موافقة كلام العرب، والقرآن عربي، نزل بلغتهم. وقال أبو حاتم: أقف (الظنونا) و (الرسولا) و (السبيلا) و (كانت قواريرا) . فأثبت الألف في الوقف، فإذا وصلت طَرحْتهُن جُمَع، وأما رأس أربع آيات من الأحزاب (وهو يهدى السبيل) فقد اجتمعوا على الوقوف عليها بغير الف؛ لأنها ليست مثبتة في المصحف، ونحن نَتَّبع المصحف.

(ثم سئلوا الفتنة لآتوها)

وقوله جلَّ وعزَّ: (ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر (لأتَوْها) مقصورة. وقرأ الباقون: (لَآتَوْهَا) بالمدِّ. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لأتوها) بالقصر فَمَعْنَاه: لَجَاءوها. ومن قرأ (لَآتَوْهَا) بالمد فمعناه: لأعطوها من أنفسهم، وأجابوا إليها. * * * وقوله عزَّ وجلَّ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) قرأ عاصم وحده (أُسْوَةٌ) بضم الألف حيث كانت. وقرأ الباقون (إِسْوَةٌ) بكسر الألف. قال أبو منصور: هما لغتان جيدتان: (أُسْوَةٌ) ، (إِسْوَةٌ) ، مثل: العِدْوَة، العُدْوَة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ (25) قرأ يعقوِب وحده (يَسَّاءَلُونَ) بتشديد السين. وقرأ الباقون (يَسْأَلُونَ) عَلى (يَفْعَلُون) .

(يضاعف لها العذاب ضعفين (30)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَسَّاءَلُونَ)) فالأصل: يَتَساءلُونَ، فأدغمت التاء في السين وشدُدت، والاختيار (يَسْألونَ) ؛ لأنهم كانوا يسألون عن الأخبار مَن قدِمَ عليهم، ولا يسأل بعضهم بعضًا. * * * وقوله جلَّ وعزَْ (يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ (30) قرأ ابن كثير وابن عامر (نُضَعِّفْ لَهَا) ، بالنون وكسر العين وتشديدها، (العذابَ) نصبا. وقرأ أبو عمرو ويعقوب: (يُضَعَّفْ لها) بالياء وتشديد العين بغير ألف، (العذابُ) رفعا. وقرأ الباقون (يُضَاعَفْ) بألف، (الْعَذَابُ) رفعًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نُضَعِّفْ) فالفعل للَّهِ، أى: نُضَعِّف نحن لها العذابَ، نصب (العذابَ) لأنه مفعول به - وَمَنْ قَرَأَ (يُضَعَّفْ) أو ((يُضَاعَفْ) فهو على ما لم يسم فاعله. والمعنى فيهما واحد، وهما مجزومان على جواب الجزاء. وروى الأصمعي عن أبي عمرو أنه كان يقرأ كل شيء في القرآِن (يضاعف) إلا التي في الأحزاب قرأها (يُضَعَّف) من أجل أنه قال جلَّ وعزَّ (ضِعْفيْن) . قال أبو عمرو: ومضاعفة أكثر من مُضَعَّفة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ومَنْ يَقنتْ مِنكُنَّ. . . وَتَعْمَل صَالحًا نُؤتِهَا (31) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب (ومن يقنت) بالياء، و (وتعمل) بالتاء، (نُؤتها) بالنون. وقرأ حمزة والكسائي (ومن

(وقرن في بيوتكن (33)

يقنت ... ويعمل ... يؤتها) ثلاثهن بالياء، واتفقوا كلهم على الياء في قوله (من يأت منكن) ، (ومن يقنت) إنهما بالياء. قال أبو منصور: من قرأهن بالياء فللفظ (مَنْ) لأن لفظه لفظ واحد مذكر - وَمَنْ قَرَأَ (وتعمل) بالتاء فلأن (مَنْ) وإن كان لفظه لفظ المذكر فإنه للتأنيث، أو للجمع، فذهب به إلى المعنى، ومما يقوى التاء في (وتعمل) الفاصل بين الفعلين وهو قوله (منكن للَّهِ ورسوله) وهذه حجة ابن كثير ونافع وَمَنْ قَرَأَ بقراءتهما - وحجة من اختار الياء في (ويعمل) أنه أتبَعَ بعض الفعل بعضًا بالياء إذ لم يختلفوا في الياء من (يقنت) - وقوله: (يؤتها) أى: يؤتها الله، وَمَنْ قَرَأَ (نؤتها) فالفعل لله أيضًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ (33) قرأ نافع وعاصم": (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) بفتح القات - وقرأ الباقون (وقِرْنَ) بكسر القاف. قال الأزهري: من قرأ (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) بفتح القاف فهو من - قَرَرْت بالمكان أقَرُّ (وقِرْنَ) كان في الأصل (واقْرَرْنَ) بإظهار الراءين، فلما خُفف الحرف حذفت الراء الأولى؛ لثقل التضعيف، وألقيت حركتها على القاف فقيل (وقَرْنَ) ونظير هذا من كلامهم قولهم: حَسْتُ لفلان، أى: رقَقت له والأصل: حَسسَت له، ومما جاء في القرآن من هذا قوله تعالى: (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) . وكان في الأصل: فَظللتمْ.

(وخاتم النبيئين. . (40)

وَمَنْ قَرَأَ (وقِرْن في بيوتكن) ففيه وجهان: أحدهما: أنه من الوَقَار، يقال: وقَر يقرُ، والأمر: قِر، وللنساء قِرْنَ، كما يقال منْ وَصَل: يَحمِلُ صِلنَ. والوجه الثاني. أن يكون قوله (وَقِرْنَ) بكسر القاف من قولك: قَرَرتُ بالمكان أقِر - وهى لغة جيده - حذف إحدى الراءين على أنه في الأصل (واقرِرْن) بكسر الراء الأولى، فالكسر من وجهين: من الوَقَار، أو من القَرَار. والقتح من القرار لا غير - وهذا قول الحذاق من النَحويين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (36) قرأ عاصم وحمزة والكساني (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ) بالياء - وقرأ الباقون (أَنْ تَكُونَ) بالتاء - قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالياء فلأن معنى الخيرة: الاختيار مع تقديم الفعل - وَمَنْ قَرَأَ بالتاء فلأن لفظ (الْخِيَرَةُ) مؤنث. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وخَاِتم النَّبِيئينَ. . (40) قرأ عاصم وحده (وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) بفتح التاء - وقرأ الباقون (وَخَاتِمَ النَّبِيِّينَ) بكسر التاء.

(من عدة تعتدونها (49)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَخَاتِمَ النَّبِيِّينَ) بالكسر فمعناه: أنه ختم النبيين بنفسه. وَمَنْ قَرَأَ (وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) فمعناه: آخر النبيين، لا نبي بعده. واجتمع القراء على نصب: (رَسَولَ اللَّه وخَاَتمَ (40) لأن المعنى: ولكن كان رسول اللَّه - * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا (49) روى أبو حبيب البزي عن ابن أبي بزَّة بإسناده عن ابن كثير (تَعْتَدُونها) خفيفة، وروى غيره عن ابن كثير مثل قراءة جميع القراء (تَعْتَدُّونَهَا) بتشديد الدال. قال أبو منصور: القراءة بالتشديد لا غير، من: اعتّدت المرأة، فهي معتدَّة. والتخفيف: وهْمٌ، واللَّه أعلم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ (52) قرأ أبو عمرو ويعقوب (لا تَحِلُّ) بالتاء. وقرأ الباقون (لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ) بالياء. قال الفراء: مَنْ قَرَأَ (لاَ يَحِلُّ) فالمعنى: لا يحل لك شىء من النساء،

(غير ناظرين إناه (53)

ولذلك اختير تذكير الفعل، قال: ولوكان المعنى للنساء جميعًا لكان التأنيث أجود في العربية. قال: والتاء جائزة لظهور النساء. وقال الزجاج:: مَنْ قَرَأَ بالياء فلأن المعنى جَمْع النساء. وَمَنْ قَرَأَ بالتاء أراد: جماعة النساءِ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ (53) قرأ حمزة والكسائي (إنَاهُ) بإمالة النون، وفتحها الباقون. معنى إناه: بلوغه ونضجه. يقال: أنى يأنى إنًى، إذا انتهى نضجه. ومن اختار إمالة النون فلكسرة ما قبلها، والتفخيم جيد. ونُصبَ (غيرَ) على الحال. ناظرين: بمعنى: منتظرك * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا (67) قرأ ابن عامر والحضرمي (إِنَّا أَطَعْنَا سَادَاتِنَا) بألف بعد الدال، وكسر التاء. وقرأ الباقون (سَادَتَنَا) بلا ألف مع فتح التاء. قال أبو منصور: يقال: سيد، وسادة، للجمع، ثم سادات جمع الجمع. والتاء مكسورة في (سَادَاتِنَا) ؛ لأنها تاء الجميع في موضع النصب،

(لعنا كثيرا (68)

وأما تاء (سادة) فهي في الأصل هاء، كهاء (فَعْلَة) ولذلك لم يُكْسَر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَعْنًا كَثِيرًا (68) قرأ عاصم وحده (لعنًا كبيرًا) بالباء. وقرأ الباقون (كَثِيرًا) بالثاء. قال أبو منصور: معنى الكبير والكثير متقارب، والثاء أكثر - واللَّهُ أعلم. * * *

سورة سبأ

سورة سَبَأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله عزَّ وجلَّ: (عَالِمِ الْغَيْبِ (3) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم (عَالِمِ الْغَيْبِ) خفضًا. وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب (عَالِمُ الْغَيْبِ) . وقرأ حمزة والكسائي (عَلَّامِ الْغَيْبِ) خفضًا بلام مشددة بعدها ألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (عَالِمِ الْغَيْبِ) : أو (عَلَّامِ الْغَيْبِ) بالخفض جعله صفة للَّه في قوله: (الحمد لله) . وَمَنْ قَرَأَ (عَالِمُ الْغَيْبِ) فهو استئناف، ويكون المعني: عالم الغيب لا يعزُب عنه مثقال ذرة، ويكون (لاَ يَعْزُبُ) خبر الابتداء، وجائز الرفع على المدح للَّه، المعنى: هو عالم الغيب. ومن قرأ (عَلَّامِ الْغَيْبِ) بالتشديد فعلى المبالغة في صفة الله يعلم الغيب، ومن صفات الله العالم، والعليم، والعلَّام. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)

(إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم)

قرأ ابن كثيرٍ، وحفص عن عاصم، ويعقوب (مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) بالرفع، ومثله في الجائية. وقرأ الباقون (أَلِيمٍ) خفضًا في السورتين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَلِيمٌ) بالرفع فهو صفة لقوله (عذابٌ) . ومن كسر جعله صفة (رِجْزٍ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ) قرأ حمزة والكسائي (إنْ يَشَا يخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أوْ يُسْقِطْ عَلَيْهِم) بالياء. وقرأ الباقون بالنون ثلاثهن. قال أبو منصور: الياء والنون في المعني سيَّان؛ لأن المشيئة لله عزَّ وجلَّ في القراءتين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ (12) قرأ عاصم في رواية أبي بكر والمفضّل عنه (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحُ) - وقرأ حفص عنه (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ) وكذلك قراءة سائر القرَّاء.

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالنصب فالمعنى: وسخرنا لسليمان الريحَ، وهى منصوبة في الأنبياء: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً) بإضمار التسخير. وَمَنْ قَرَأَ (الرِّيحُ) فالمعنى: ولسليمان الرِّيحُ مسخرةً. وإنما سَمُجَ الرفعُ لا تَضَمن فيه من التسخير. واتفق القراء على نصب قوله: (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) . واختلف أهل اللغة في علة نصب الطير، فقال بعضهم: معناه: ولقد آتينا داود منا فضلاً. . . وسخرنا له الطير. حكى ذلك أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء. وقال غيره: نصب قوله: (والطَيرَ) على النداء، المعنى: يا جبال أوبي معه والطير. كأنه قال: أنادى الجبال والطير، فالطيرُ معطوف على موضع الجبال في الأصل، وكل منَادًى عند الخليل وأصحابه في موضع النصب، ولو كان مرفوعا. وقال بعضهم: يجوز أن يكون قوله: (والطيرَ) منصوبًا بمعنى (مع) ، كما تقول قمت وزيدًا، أى: قمتُ مع زيد. فالمعنى: أوبي معه ومع الطير.

(وقليل من عبادي الشكور (13)

وروى عن يعقوب: أنه قرأ " والطيرُ " وجوازه على معنى: يا جبال أوبي معه ويا أيها الطير. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) أرسل الياء حمزة وحده. وفتحها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) قرأ نافع وأبو عمرو (مِنْساتَه) بغير همز. وقرأ ابن عامر (مِنْسَأْتَهُ) بهمزة ساكنة. وقرأ الباقون: (مِنْسَأَتَهُ) بهمزة مفتوحة. قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (مِنْساتَه) بغير همزه فالأصل: منْسَأته، على (مِفعَلة) ، إلا أنه ليّنَ الهمزة، فقال: منساته، وهو يريدها. وأما قراءة ابن عامر (مِنْسَأْتَهُ) بهمزة ساكنة فليست بجيدة، وأجود القراءات في هذه الحروف (مِنْسَأَتَهُ) ، أى: عصاه. من: نَسَأتُ البعير، إذا سقته بالعصا. وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: المِنْسأة: المِخْصَرةُ التي تكون بيد الرجل يضرب بها. يقال: نسأته، ونصأته، إذا ضربتَه بها. وذكِرَ، أنَّ سليمان عليه السلام تُوفي وهو مُتَوَكئ، على عصاه، فلبث حولاً، ولم يعلم الجن بموته، وهم دائبون في عملهم، حتى أكلت الأرَضَة العصا. فخرّ فتبينت الجنُّ

(لقد كان لسبإ في مساكنهم)

بسقوطه أنهم لو كانوا يعلمون الغيب كما كانوا يدّعون ما عملوا مُسَخرين وهو ميت حولاً، وهم يظنون أنه حيٌّ عالم بعملهم. وروى عن يعقوب وحده أنه قرأ (تُبُيَّنَتِ الْجِنُّ) بضمِ التاء والباء على ما لم يسم فاعله. وقرأ سائر القراء (تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ) بفتح التاء والياء. وممما القراءة الجيدة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسَاكِنِهِمْ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (لسبأَ) غير مجرى، وقد مرت في سورة النمل القول في (سبأ) بما أغنى عن إعادته. وقرأ حفص وحمزة (فى مَسْكَنِهِمْ) موحدًا، بفتح الكاف. وقرأ الكسائي (فى مَسكِنِهِمْ) موحدًا، بكسر الكاف. وقرأ الباقون: (فى مسَاكِنِهِمْ) جماعةً. قال أبو منصور: هما لغتان: مَسكَن، ومَسْكِن. وكسر الكاف فصيح جيد، للموضع الذى يسكن. وَمَنْ قَرَأَ (مَسَاكِنِهِمْ) فهو جمع مسكن، ويقال للمساكن الكثيرة: مسكَن، ومسكِن.

(ذواتي أكل خمط)

وقوله جلَّ وعزَّ: (ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) قرأ ابن كثير ونافع (أُكْلٍ خَمْطٍ) خفيفًا منونًا. وقرأ الباقون (أُكُلٍ خَمْطٍ) مثقلاً منونا. وروى عباس عن أبي عمرو (أُكْلِ خَمْطٍ) مخففًا مضافًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (ذَوَاتَيْ أُكُلٍ) أراد: (ذَوَاتَيْ) ثمر يؤكل، ثم قال: خمطٍ. وجعله بدلاً من (أكُل) ، المعنى: ذَوَاتَيْ خَمْطٍ. والخمط: شجر الأراك و (أُكُلٍ) : ثمره. ويجوز في (الأُكُلٍ) التخفيف والتثقيل، والمعنى واحد. وَمَنْ قَرَأَ (أُكْلِ خَمْطٍ) أضاف (أُكْلِ) إلى (الخَمْطٍ) . وقال بعضهم: كل نبت أخذ طعمًا من مرارة حتى لا يمكن أكله فهو خمط. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُورُ (17) قرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم (يُجَازَى) بالياء، و (الكفورُ) رفعًا. وقرأ الباقو" (وَهَلْ نُجازِي) بالنون، (إلا الكفورَ) نصبًا.

(ربنا باعد بين أسفارنا)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وهل نُجازِي) بالنون، (إلا الكفورَ) فالله يقول: هل نجازي، أى: ما نُجازِي. إلا الكفورَ منصوب بالفعل. وَمَنْ قَرَأَ (هل يجازَى) فهو على ما لم يسم فاعله، أى لا يُجازَى إلا الكفورُ لنعمة ربِّه. ويسأل السائل فيقول: لم خصَّ الكفور بالمجازاة دون غيره؟ والجواب فيه أن المؤمن تكَفرُ حسناتُه سيئاتِه، فأما الكافر فإنه يحبط عمله كله، ويُجازَى بكل سوء عَمِلهُ، كما قال اللَّه: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) ، أى: أبطلها وأحبطها فلم تَنْفَعْهم. وأما المؤمن فإنَّ الله أعلمنا أن حسناته تكفر سيئاته، فلا يجازى بسيئاته؛ لأن إيمانه يُعَفَّى عليها، فالمجازاة بالسيئات لِلكافر دون المؤمن، وهذا معنى قوله: (وَهَلْ يُجَازى إِلَّا الكَفُورُ) والمؤمن يُجْزَى ولا يُجَازى؛ لأنه يُزادُ في الثوابِ، ولا يناقش في الحساب، ويُطَهَّرُ من الذنوب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (بَعِّدْ) بغير ألف، وكذلك روى هشام بن عمار لابن عامر، وروى غيره عنه (بَاعِدْ) . وقرأ يعقوب الحضرمي (رَبُّنَا بَاعَدَ) بالنصب. وقرأ الباقون (رَبَّنَا بَاعِدْ) بألفٍ.

(ولقد صدق عليهم إبليس ظنه)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بَاعِدْ) و (بَعِّدْ) فالمعنى واحد، والتقدير يا ربَّنَا بَاعِد، على الدعاء. وهو مثل: نَاعَمَ، ونَعِّمَ، وجاريةُ مُنَعَّمة، ومناعَمَة. وَمَنْ قَرَأَ (ربُّنا بَاعَدَ) فهو فعل ماض، وليس بدعاء، وقد يكون (فَاعَلَ) من واحد، كما يقال: عاقَبَه الله، وعافاه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) قرأ الكوفيون (صَدَّقَ) مشددًا وقرأ الباقون (صَدَقَ) مخففًا. (ظَنَّهُ) نَصْبٌ باتفاقٍ من القرَّاء ومن شدد (صَدَّقَ) فإن الفراء قال: معناه: إن إبليس - لعنه الله - كان قال: (لأضِلنَّهُمْ) ، و (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) . فقال اللَّه عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) لأن قوله كان ظنا لا علمًا، فلما تَابعه أهل الزيغ صدق عليهم ظنهُ. وَمَنْ قَرَأَ (وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) فإن الفراء قال: أراد: وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ في ظَنِّهُ. فحذف (في) وأفضى، الفعل إلى (ظنه) فنصبه. وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ (23)

(حتى إذا فزع (23)

قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (إِلَّا لِمَنْ أُذِنَ لَهُ) بضم الألف، وكذلك قال الأعشى والكسائي عن أبي بكر عن عاصم. وقرأ الباقون وحفص ويحيى عن أبي بكر عن عاصم (أَذِنَ) بِفتح الألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إِلَّا لِمَنْ أُذِنَ لَهُ) أو قرأ (لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) فالمعنى واحد، اللَّه يأذن فيما شاء، والمعنى: لا تنفع شفاعة مَلَكٍ مُقَرَّب، ولا نبي حتى يؤذن له في الشفاعة لمن يشفع له، فيكون (مَنْ) التي فيها اللام للمشفوع له. وهذه الآيات نزلت في قوم من العرب عَبَدُوا الملائكة، وزعموا أنهم يشْفَعون لهم، فأعلم اللَّه أنَّ شفاعتَهم لا تَنْفع إلاَ لِمَنْ يأذَنُ اللَّه لهم بأنْ يشْفَعُوا له، ثم أخْبرَ بفزع الملائكة عند نزول الوحى من عند اللَّه، فقال: (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ. . . الآية. * * * قوله: (حَتَّى إِذَا فَزَّعَ (23) قرأ ابن عامر وحده والحضرمي (حَتَّى إِذَا فَزَّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) بفتح الفاء والزاي. وقرأ الباقون (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ) بضم الفاء وكسر الزاي. قال أبو منصور: والمعنى في (فَزَّع) و (فُزِّع) واحد، الله المفزع عن قلوبهم، أى: يكشف الفزع عنها. والمُفَزَّع في كلام العرب على وجهين: يكون جبانًا، ويكون شجاعًا. فمن جعله شجاعًا فهو بمعنى أن الإفزاع تنزل بمثله، جَمْعُ الفِزَع الذى هو استغاثة. ومن جعله جبانا. فالمعنى: أنه يفزع من كل شيء يُفزعه، أى: يخوفه. وقال أبو الهيثم: المَفزَّع الذى أمن قلبه.

(فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا. . . (37)

وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا. . . (37) قرأ الحضرمي وحده (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءٌ الضِّعْفُ) بالتنوين والرفع. وقرأ الباقون (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ) مضافًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءٌ) بالتنوين والرفع (الضعْفُ) مرفوعا فكأنَّ المعنى: فأولئك لهم الضعف، على أن (الضعف) بدلْ من قوله (جزاء) ، كأن قائلاً قال: ما هو؟ . فقال: الضعْفُ. وَمَنْ قَرَأَ (فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ) مضافا فمعْنَى جزاء الضعْفِ ها هنا: الحسنة بعشر أمثالها، يضَاعَفُ لهم الحسنات، وكذلك معنى الضعْف في القول الأول. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37) قرأ حمزة وحده (وَهُمْ فِي الْغُرْفَةِ آمِنُونَ) على الوَحدَة. وقرأ الباقون (فِي الْغُرُفَاتِ) . قال أبو منصور: الغرفة كل بناء عَالٍ، ويجمع: غُرَفًا، وغُرُفَات، وغُرَفَات. والقراءة بضم الراء ها هنا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ (40) قرأ حفص ويعقوب (وَيَوْمَ يَحْشرُهُمْ) و (يقول) بالياء فيهما معًا. وقرأ الباقون بالنون جميعًا.

(وأنى لهم التناوش (52)

قال أبو منصور: المعنى يرجع إلى شيء واحد في (نَحْشُرهم) و (يَحْشُرهم) ، الله يحشرهم ثم يقول. * * * وقوله جلَّ وعزَّ 2) : (وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ (52) قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم (التَّنَاؤُشُ) مهموزًا. وقرأ الباقون (التَّنَاوُشُ) بغير همز. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالهمز فإن الفراء قال: هو من ناشنتُ، أى: أبطأت، وجاء فلان نَئِيشًا، أى: بَطيئًا. وأنشد: تَمَنَّى نَئِيْشاً أَنْ يكونُ مُطاعِناً ... وقد حَدَثَتْ بعد الأمورِ أمورُ وقال الزجاج: النئيش: الحركة في إبطاء، قال: والمعنى: من أين لهم أن يتحركوا فيما لا حيلة لهم فيه. قال: ويجوز أن يكون (التناؤش) مهموزا؛ لأن واو (التناوش) مضمومة، وكل واو مضمومة ضمتها لازمة إن شئت أبدلت منها همزة، وإن شئت لم تبدل، نحو: أدؤر، جمع: الدار. ويجوز: أدوُر. ومَنْ لم يهمز (التناوش) فهو التناول، من نُشْتُ أَنُوشُ

(فبما يوحي إلي ربي (50)

نَوْشًا، أى: تناولت. فالمعنى: كيف لهم أن يتناولوا ما فاتهم ونأى عنهم، وقد كان قريبًا فلم يتناولوه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي (50) فتح الياء من (رَبِّيَ) نافع وأبو عمرو - وأرسلها الباقون - * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا (46) قرأ الحضرمي وحده (تَّفكروا) مشددة التاء، على (تتفكروا) مدغمة - وقرأ سائر القراء بتاءين. فمن أظهر التاءين فإحداهما تاء المخاطبة، والثانية تا الفعل - ومن أدغم إحدى التاءين في الأخرى شددها. * * * وقد حُذِفَ من هذه السورة ياءان. قوله: (كَالْجَوابِ) و (فكَيْفَ كَانَ نَكِير (45) أثبتهما يعقوب في الوصل والوقف. وأثبت ابن كثير الياء من (الجوابي) في الوصل والوقف أيضًا. ووصل أبو عمرو (الجوابي) بالياء ووقف بغير ياء. وكذلك روى ورش وأبو قرة عن نافع يصلها بالياء مثل أبي عمرو. قال أبو منصور: من وصل أو وقف بالياء فهو الأصل؛ لأنه جمع جايية، وهو: الحوض العظيم الذى يُسْقَى فيه الإبل. ومن حذف الياء فلاكتفائه بكسرة الياء، الدالة على حذف الياء. * * *

سورة الملائكة

سورة الْمَلَائِكَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَلاَ يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) روى عبيد عن أبي عمرو (وَلاَ يُنْقَصُ مِنْ عُمْرِهِ) بالجزم. وقرأ الباقون (مِنْ عُمُرِهِ) بالرفع. وقال أبو منصور: هما لغتان: العُمْر، والعُمُر. ومثلها: العذْر، والعذُر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) قرأ أبو عمر وحده (كَذَلِكَ يُجْزِي كُلُّ كَفُورٍ) برفع اللام، على ما لم يسم فاعله. وقرأ الباقون بالنون والنصب. قال أبو منصور: والمعنى فيهما يرجع إلى شىء واحد؛ لأن الله جلَّ وعزَّ هو الجازي. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ (40) قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو وحمزة وحفص (على بينة) واحدة. وقرأ الباقون (عَلَى بَيِّنَاتٍ) جماعة. ورى المفضل عن عاصم (عَلَى بَيِّنَاتٍ) مثل أبي بكر.

(ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله (43)

(بينة) واحدة، وجمعها (بينات) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ (43) قرأ حمزة وحده (وَمَكْرَ السَّيِّئْ) ساكنة الهمزة. وقرأ الباقون (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) بكسر الهمزة. واتفقوا على ضم الهمزة في قوله: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) قال أبو منصور: تسكين الهمزة في قوله: (وَمَكْرَ السَّيِّئْ) عند أهل العربية غير جائزة. وقد قال الفراء: جزم الأعمش وحمزة (وَمَكْرَ السَّيِّئْ) لكثرة الحركات، كما قرئ (لا يحْزنْهُم)) بالجزم. وكما قال: إذَا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صَاحِبْ قَومِ

والأصل: صاحبُ أو صاحبَ، على النداء المفرد أو المضاف، فَجَزَم لكثرة الحركات - قال أبو منصور: ومثل هذا يسوغ للشاعر الذى يضطر إلى تسكين مُتحرك ليستقيم له وزن الشعر - فأماكتاب الله فقد أمر الله جلَّ وعزَّ بترتيله وتبيينه، وقارئ القرآن غير مضطر إلى تسكين متحرك، أو تحريك ساكن. وأنشد المبرد البيت: إذا اعوَجَجن قلت صاحِ قَوِّم * * * وحذف من هذه السورة ياء واحدة (فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26) أثبتها الحضرميُّ في الوصل والوقف. * * *

سورة يس

سورة يس بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب (يس) مفتوحة الياء - وقرأها حمزة ويحيى عن أبي بكر بين الفتح والكسر. وكسرها الكسائي - وقرأ ابن عامر والكسائي والحضرمي (يس (1) وَالْقُرْآنِ) و (ن والقلم) مدغمتى النون - وروى الكسائي عن أبي بكر، وروى يحيى عن أبى بكر، (يس) مدغمة، و (ن) مظهرة - وقرأ الباقون بإظهار النونين جميعًا - قال أبو منصور: ما لغتان: إدغام النون، لإظهارها - فاقرأ كيف شئت) . والإمالة في ياء (يس) والتفخيم جائزان - ورُوي عن الحسن أنه

(تنزيل العزيز الرحيم (5)

قال: (يس) معناه: يا رجل - وجاء في التفسير أن معى يش. يا إنسان - وجاء: يا محمد. والذى هو أصبح عند أهل اللغة والعربية أنه افتتاحٌ لسورة. وجاء أن معناه: القسم - وقرأ بعضهم (يس وَالقرآن الحكيم) كأن المعنى فيه: اتلُ يس. والقراءة بالتسكين؛ لأنه حرف هجاء وعليه القراء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) قرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي (تَنْزِيلَ) بالنصب. وقرأ الباقون (تَنْزِيلُ) بالرفع - قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالنصب فعلى المصدر، على معنى: نَزَّل اللَّهُ ذلك تنزيلاً - وَمَنْ قَرَأَ بالرفع فعلى معنى: الذى أُنزل إليك (تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) قرأ عاصم في رواية في بكر (فَعَزَزنا) بتخفيف الزاي - وشَددها الباقون وروى المفضل عن عاصم (فَعَزَزْنا) خفيفة.

(وما لي لا أعبد الذي فطرني)

قال أبو منصوِرِ: مَنْ قَرَأَ (فَعَزَّزْنَا) بالتشديد فمعناه: قوَّينا وِشددنا الرسالة برسول ثالث. وقوله (فَعَزَزْنَا) بتخفيف فمعناه: فَغَلَبْنا، يقال: عزه يعزَه، إذا غلبه، قال الله: (وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) . قال أبو منصور: القراءة بالتشديد، ومعناه قوَّينا وشددنا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) أسكن الياء حمزة ويعقوب. وفتحها الباقون. * * * قوله: (إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ.. (25) فتح الياءين نافع وأبو عمرو. وفتح ابن كثير (إِنِّيَ آمَنْتُ) ، وأرسل (إِنِّي إِذًا) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة (لَمَّا) مشددة. وقرأ الباقون (لَمَا) خفيفة. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَمَّا) مشددة فالمعنى: مَا كُلٌّ إلا جميعٌ. (لَمَّا) بمعنى: (إلا) ، وهى لغة هذيل. وَمَنْ قَرَأَ (لَمَا) بتخفيفٍ فـ (مَا) صِلَة والتقدير: وإنَّ كلًّا للجميع لدينا محضرون. فلمَّا خففَ (إنْ) رَفَع (كُلَّ) .

(وما عملته أيديهم (35)

وقال الفراء والمعنى: وإنْ كلٌّ لجميع لدينا محضرون. قال أبو إسحاق: معناه: مَا كُلٌّ إلا جميع لدينا - قاله في تخفيف (لَمَا) وَمَنْ قَرَأَ به. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ (35) قرأ أبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي (وَمَا عَمِلَتْ أيْدِيهِمْ) بغير هاء وقرأ الباقون بالهاء (وَمَا عَمِلَتْهُ) . وقال الفرَّاء: (ما) فما موضع خافض ها هنا، أراد: لِيَأكُلوا من ثمرٍ هو ممَا عَمِلَتْهُ أيْديهما. قال: وإن شئت جعلت (ما) ها هنا جَحْدًا فلم تجعا لها موضعا، ويكون المعنى: ولم تعمله أيديهم نحن جعلنا لهم الجنات والنخيل والأعناب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ) روى المفضل عن عاصم (أَينْ ذُكِّرْتُمْ) بهمزة بعدها ياء مقصورة ساكنة. وقرأ الباقون (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ) على الاستفهام.

(والقمر قدرناه منازل (39)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَينْ ذُكِّرْتُمْ) فالمعنى: أي موضع ذكرتم. وهذه قراءة شاذة. والقراءة بالاستفهام، المعنى: (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ) : تَطيرتم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ (39) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (وَالْقَمَرُ قَدَّرْنَاهُ) بالرفع. وقرأ الباقون (والقمرَ) . نصبًا. قال أبو منصور: من نصب فالمعنى: وقَدَّرْنَاهُ القمرَ منازل. ومن رفع فعلى معنى: وَآية لهم القمرُ قَدَّرْنَاهُ. ويجوز أن يكون مرفوعًا على الابتداء، و (قَدَّرْنَاهُ) خبرًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ (41) قرأ ابن عامر ونافع (أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّاتِهُمْ) جماعة. وقرأ الباقون (ذُرِّيَّتَهُمْ) واحدة. قال أبو إسحاق: خُوطِبَ بهذا أهل مكة. وقيل: (حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ) لأن من حُمِلَ مع نوح في الفلك فهم آباؤهم، وهم ذرياتهم.

(وهم يخصمون (49)

والذرية في كلام العرب تقع على الآباء والأبناء والنساء. وقول عمر: حجوا بالذرية، أراد بها: النساء - ها هنا -. ورأى النبي - صلى الله عليه - امرأة مقتولة في بعض مفازاته، فنهى عن قتل الذرية. وقول الله - عزَّ وجلَّ - (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) ، أى: أولادهم. وقيل الذرّيةُ مأخوذ من قولك: ذرأ اللَّهُ الخلقَ يذرؤهم، أي: خلقهم. قال اللَّه: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا) ، وهذا على قول من جعل أصل الذريَّة مهمورا فيترك فيه الهمز. وفُهم من جعلنا أصله من ذررت، من باب المضاعف. وقد مرَّ تفسيره فيما تقدم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) قرأ ابن كثير وأبو عمرو والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، (يَخَصِّمُونَ) بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد، وأبو عمرو يختلس فتحة الخاء. وقرا نافع (يَخْصِّمُونَ) ساكنة الخاء مشددة الصاد مفتوحة الياء. وقرأ حمزة (يَخْصِمُونَ) بفتح الياء، ساكنة الخاء، خفيفة الصاد. وقرأ يَحيَى عن أبي بكر عن عاصم (يِخِصِّمُونَ) بكسر الياء والخاء.

(في شغل فاكهون (55)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَخَصِّمونَ) بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد فالأصل: يَختصِمُونَ، فطرحت فتحة التاء على الخاء، وأدغمت في الصاد. ومن كسر الخاء فلسكونها وسكون الصاد. وَمَنْ قَرَأَ (يَخْصِمُونَ) فالمعنى: تأخذهم، بعضُهم يَخْصِم بعضا. وجائز أن يكون المعنى: تأخذهم وهم عند أنفسهم (يَخْصِمُونَ) في الحُجَج مخالفتهم في أنهم لا يبعثَونَ، فتأخذهم الصيحَةُ على هذه الحالة. وأما من قرأ (يَخْصِّمون) بسكون الخاء وتشديد الصاد فهو شاذ؛ لأن فيه جمعًا بين ساكنين، وهو مع شُذُوذِه لُغَة لا تُنْكِرهَا، والأصل فيه: يختصِمُونَ، أيضًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (في شُغْلٍ) ساكنة الغين. وقرأ الباقون (فِي شُغُلٍ) بضمتين. قال أبو منصور: همما لغتان، مثل: عُمْر، وعُمُر. وعذْر، وعذُر. واجتمع القراء على (فاكهون) بالألف ها هنا: وقال المفسرون: فاكهون: ناعمون. وقال الفراء: الفاكهة من التفكه. وقيل: فاكهون ذوو فاكهة. وقرأ بعضهم (فكهون) وهو شاذ. والفكه: الطيِّبُ النفس الضحوك. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ (56)

(جبلا كثيرا. . (62)

قرأ حمزة والكسائي (فِي ظُلَلٍ) . وقرأ الباقون (فِي ظِلَالٍ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (في ظُلَلٍ) فهو جبع ظُلَّة مثل: حُلَّة، وحُلَل. وقُلَّة، وقُلَل. وَمَنْ قَرَأَ (ظِلَالٍ) فهو جمع الظِّلِّ. وكلٌّ حسن. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (جُبُلًّا كَثِيرًا. . (62) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي الحضرمي (جُبُلًّا) بضمتين - وقرأ أبو عمرو وابن عامر (جُبْلًّا) بضم الجيم وتسكين الباء. وقرأ نافع وعاصم بكسر الجيم والباء وتشديد اللام (جِبِلًّا) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (جُبُلًّا) أو (جُبْلًّا) فالمعنى واحد. روى أبو عبيد عن أصحابه: الجُبُلُ: الناس الكثيرة، والجِبِلَ قريب في المعنى من الجُبُل. وأخبر المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: الجُبُل، والجِبِلُّ، والجِبَلَة، والجَبِيل: الناس الأكثر. ولم يقرأ أحدٌ (جُبُلًّا) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَمَسَخناهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ (67) قرأ عاصم في رواية أبي بكر (عَلَى مَكَانَاتِهِمْ) . ووحَّدَ الباقون.

(ننكسه فى الخلق (68)

قال الأزهري: القراءة الفاشية (عَلَى مَكَانَتِهِمْ) ، والمكانة والمكان بمعنى واحد، والمكانات: جمع المكانة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ (68) قرأ عاصم وحمزة (نُنَكِّسْهُ) بضم النون الأولى، وفتح الثانية، وتشديد الكاف وكسرها. وقرأ الباقون (نَنْكُسْهُ) بفتح النون الأولى، وتسكين الثانية، وضم الكاف خفيفة. وقد روى التخفيف عن عاصم أيضًا، مثل قراءة أبي عمرو. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نُنَكِّسْهُ) فهو من نكسْتُ أنكِّسه، يقال: نكَسْتُهُ، وَنكَّسْته، وأنْكَسْته بمعنى واحد. والمعنى: أن من أطلنا عمره نَكسْنا خَلْقَهُ فصار بدلَ القوةِ الضعْفُ، وبدل الشباب الهَرَمُ - وأصله من: نكس السهمُ، إذا أنكسَ نَصْله، فجعل أسفله أعلاه، وهو حينئذ من أضعف السهام وأحرضها. ويقال له: سَهْمُ نِكْ@ن، وكل ضعيف نِكْس وجمعه: أنكاس. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَفلاَ يَعْقِلُونَ (68)

(لينذر من كان حيا (70)

قرأ نافع وابن عامر ويعقوب (أفلا تعقلون) بالتاء. وقرأ الباقون بالياء. وقرأ عباس عن أبي عمرو بالتاء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا (70) قرأ نافع وابن عامر ويعقوب (لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا) . وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالتاء فالخطاب للنبي صلى الله عليه. ومن قرأ بالياء ففيه وجهان: أحدهما: لينذر - النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان حيا، أي: من كان يعقل ما يخاطب به. وجائز أن يكون الإنذار للقرآن. والله أعلم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ (81) قرأ الحضرمي وحده (يَقْدِرُ عَلَى أنْ يَخْلُق) بالياء والرفع على (يَفْعِل) ، وكذلك قرأ في الأحقاف: (يَقدِرُ عَلَى أَنْ يُحْيىَ المَوْتَى) . وقرأ سائر القراء (بِقَادِرٍ) بالباء والخفض والتنوين في السورتين.

قال أبو منصور: الذى قرأ به الحضرمي جيد في باب النحو والعربية صحيح، والذى قرأ به القراء جيد عند حُذَاق النحويين. وكان أبو حاتم السجستاني يُوهِّن هذه القراءة التي اجتمع عليها القراء، ويضغفها - وغَلِطَ فيما ذهب وهمه إليه. وأخبرني المنذري عن أبي العباس أحمد بن يَحيَى أنه قال في قوله: (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ) هذه الباء التي تدخل للجَحد؛ لأنَّ المجحودُ في المعنى، وإن كان قد حال بينهما بأن المعنى: أولم يروْا أن الله قادر على أن يحيى الموتى - فإن اسم (يروْا) ، ومابعدها في صلتها لا تدخل فيه الباء، ولكن معناه جحدٌ فَدخَلَت للمعنى - قال: وقال الفراء والكسائي. يقال: ما ظننتُ إن زيدًا إلا قائم، وما ظننت إن زيدًا قائم - فهذا مذهب الكسائي والفراء. قال أبو منصور: وأجاز سييويه، وأبو العباس المبرد، وأبو إسحاق الزجاج، وأحمد ين يَحيَى ما أنكره السجستاني، وهُم أعلم بهذا الباب منه، والقراء أكثرهم على هذه القراءة - أنشد الفرَّاء في مثل هذه الباء: فما رَجَعَتْ بخَائِبَةٍ رِكابٌ ... حكيمُ بنُ المُسَيَّب مُنْتَهاها فأدخل الباء في (فَعَل) لو ألقيت نُصبَ بالفعل لا بالباء. قال: ويقاس على هذا ما أشيهه. قال: وتقول: ما أظنك بقائم، وما أظن أنك بقائم. فإذا خَلَغت الباء نَصَبْتَ الذى كانت له بما تعمل فيه من الفعل. * * *

سورة الصافات

سورة الصَّافَّاتِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قو 4 جلَّ وعزْ: (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) قرأ أبو عمرو إذا أدغم وحمزة (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) مدغمة، وأدغم أبو عمرو وحده (فَالْمُلْقِيَات ذِّكْرًا) ، (وَالسَابِحَات سَّبحًا) و (فَالسَّابِقَات سَّبْقًا) - وَالْعَادِيَات ضَّبْحًا) - (فَالْمُغِيرَات صُّبْحًا (3) . وقال عباس: لا يدغم أبو عمرو في شيء من هذا - وسائر القراء لم يدغموا هذه الحروف. قال أبو منصور: القراءة المختارة ترك الإدغام، والتبيين للتاءات. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ (6) قرأ حفص وحمزة (بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) خفضًا. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، (بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبَ) نصبًا - وقرَأ الباقون (بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ) مضافًا.

: (لا يسمعون إلى الملإ الأعلى.. (8)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) جعل الكواكب بدلاً من الزينة، المعنى: إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب - وَمَنْ قَرَأَ (بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبَ) أقام الزينة مقام التزيين فنصبت (الكواكبَ) بها، المعنى: بتَزييِننَا الكَوَاكب - ومن قرأ (بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ) فهو على إضافة الزينة إلى الكواكب، وعلى هذه القراءة أكثر القراء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى.. (8) قرأ حفص وحمزة والكسائي (لَا يَسَّمَّعُونَ) مشدة - وقرأ الباقون (لَا يَسْمَعُونَ) خفيفة - قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا يَسَّمَّعُونَ) بتشديد السين والميم فالأصل: يَتَسمَّعون، أدغمت التاء في السين فشددت ومن قرأ (لَا يَسْمَعُونَ) خفيفة فهو بمعنى: لا يستمعون. ْيقال: سمع إلى الشيء، واسَّمَّع إليه، وسَمِعْتُ الصوت، إذا وَصَل حِسُّهُ إلى سَمعِك. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)

قرأ حمزة والكسائي (بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ) بضم التاء - وقرأ الباقون (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) بفتح التاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بل عجبتَ) بفتح التاء فالمعنى بل عجبت يا محمد من نزول الوحي عليك، والكافرون يسخرون مكذبين لك. وَمَنْ قَرَأَ (بل عجبتُ) بضم التاء فالفعل لله جلَّ وعزَّ، والمراد به مجازاته الكفار على عجبهم من إنذار الرسول إياهم، كما قال جلَّ وعزَّ: (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) أى: عجبوا مكذبين. وقد رويت هذه القراءات عن على وابن عباس. ولعل بعض الملحدين ينكر هذه القراءة لإضافة العجب إلى الله، وليس العَجب وإن أسند إلى الله معناه كمعنى عجب الآدميين؛ لأن معناه: بل عَظُم حلمي عنهم لهزئهم وتكذيبهم لما أنزلته عليك، وأصل العجب في كلام العرب: أن الإنسان إذ أحسَّ ما يقل عرفُه قال قد عجبت من كذا وكذا، وإذا فعل الآدميون ما ينكره الله جاز أن يقال فيه: عجب الله، والله قد علم الشىء قبل كونه، ولكن العلم الذى يلزم به الحجة يقع عند وقوع الشيء، وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - عَجَبَ الربِّ فقال:

وقوله جل وعز: (لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون (47)

"عجب ربكم من ألِّكُم وقُنُوطِكُم وسرعة إجابته إياكم" وهذه القراءة صحيحة بحمد الله لا لُبْسَ فيها ولا دَخَلَ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) قرأ حمزة والكسائي (يُنْزِفُونَ) بكسر الزاي، ومثله في الواقعة. وقرأ عاصم ها هنا (يُنْزَفُونَ) بفتح الزاي، وفى الواقعة (يُنزِفُونَ) بكسر الزاي - وقرأ الباقون (يُنزفون) بفتح الزاي في السورتين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُنْزَفُونَ) بفتح الزاي فالمعنى: لا تذهب عقولهم لشربها، يقال للسكران: نزيفٌ ومنزوفٌ، إذا زال عقله - ومن قرأ (لا يُنْزِفُونَ) أى لا يسكرون، قال الشاعر: لَعَمْري لَئِنْ أَنْزَفْتُمُ أو صَحَوْتُمُ ... لبِئْسَ النَّدامى أنتمُ آلَ أَبْجرا * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ)

روى حسين الجعفي عن أبي عمرو (هل أنتم مُطْلِعُونِ) ساكنة الطاء مكسورة النون، (فَأُطْلِعَ) بضم الألف وكسر اللام على فـ (أُفْعِلَ) . وقرأ سائر القراء (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ) بفتح الطاء والعين واللام. قال أبو منصور: القراءة (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ) يقال: طلعتُ عليهم، واطَّلعت، وأطلعت بمعنًى واحد، وأما ما رواه الجُعْفي عن أبي عمرو (هل أنتم مُطْلِعُونِ فَأُطْلِعَ) فلو كانت النون مفتوحة كانت صحيحة في العربية، وأما كسر النون في (مطلعونِ) فهو شاذ ورديء عند النحويين، لأن وجه الكلام هل أنتم مطلعيَّ؟ . وقد جاء مثله في الشعر قال الشاعر: هم الفاعلونَ الخيرَ والآمِرُوْنَه ... إذَا مَا خَشُوا مِنْ مُحْدَثِ الأمرِ مُعظَمَا وكان وجه الكلام: والآمرون به. ومثله قول الآخر، وهو رديء: فما أَدْري وظني كلَّ ظَنِّ ... أَمُسْلِمُني إلى قومي شُراحي ووجه الكلام: أمسلمي إلى قومي. وكل أسماء الفاعلين إذا ذُكِرَ بعدها المُضمَر لم يُذكر النون فيه ولا التنوين، تقول: زيد ضَاربي، وهما ضَارِبَاكَ،

(فأقبلوا إليه يزفون (94)

وهم ضَارِبُوكَ، ولا يجوز: هَو ضَارِبُني، وَهُمْ ضاربُونَك، إلا في شاذ الشعر كما أعلمتك. والقراءة في هذا الحرف على ما اجتمع عليه القراء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قرأ حمزة، والمفضل عن عاصم (يُزِفُّونَ) بضم الياء. وقرأ الباقون (يَزِفُّونَ) بفتح الياء، وتشديد الفاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَزِفُّونَ) بفتح الياء فأصله من زَفِيف النَّعَام، وهو ابتداء عَدْوِهِ. يقال: زَف النعام يَزف" زَفِيفًا. وَمَنْ قَرَأَ (يُزِفُّونَ) بضم الياء فالمعنى: يصيرون إلى الزفِيف. والقراءة المختارة (يَزِفُّونَ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى (102) قرأ حمزة والكسائي (مَاذا تُرِى) بضم التاء، وكسر الراء. وقرأ الباقون (مَاذَا تَرَى) بفتح التاء. وأمال أبو عمرو الراء من (ترى) . وفتحها الباقون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (مَاذَا تَرَى) فهو من الرأي، المعنى: ماذا ترى فيما أمر الله به؟

(إني أرى في المنام أني أذبحك (102)

وَمَنْ قَرَأَ (مَاذَا تُرِى) فله وجهان: أحدهما: ماذا تشير؟ وقال الفراء معناه: ماذا تُرِى من صَبْرِكَ؟ والقراءة الأولى أجْوَد القراءتين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ (102) فتح الياء فيهما ابن كثير ونافع وأبو عمرو. وأسكنها فيهما سائر القراء. وكل ذلك جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم (اللَّهُ رَبُّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ) رفعا كله. وقرأ الباقون ((اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ) بالنصب. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالرفع فهو على الاستئناف، كأنه قال: هو اللَّهُ ربُّكم. ومن نصب ردَّه على قوله: (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ) على صفة (أحْسَنَ) .

(سلام على آل ياسين (130)

وقوله جلَّ وعزَّ: (سَلَامٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ (130) قرأ نافع وابن عامر (سَلَامٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ) بهمزة مفتوحة ممدودة، واللام مكسورة. وقرأ الباقون (سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) مكسورة الهمزة، ساكنة اللام. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سَلاَئم عَلَى آلِ يَاسِينَ) جعل (آلِ) اسمًا، و (ياسين) مضافا إليه. وآل الرجل: أتباعه. وقيل: آلهُ: أهله. وَمَنْ قَرَأَ (سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) فهو جمع إلياسٍ، ومعناه: إلياس وأمته المؤمنون. وهذا كقولك: رأيت المحمدين، تريد: محمدًا وأمته. وكان في الأصل: المحمديين. فخففت يَاء النسبة، كما يقال: رأيت الأشعرين، تريد: الأشعريين. قال أبو منصور: فيه وجه آخر، يجوز أن يكون اسم إلياس بلغتين: إلياس، وإلياسين. كما قالوا: ميكال، وميكائيل، وقد قيل: إلياس هو: إدريس. وقد قرأ بعض القراء (سَلاَم عَلَى إدْرَاسينَ) ، كأنها لغة في إدريس.

(لكاذبون (152) أصطفى البنات (153)

وروى عن ابن مسعود أنه قرأ: (وَإن إدْرِيسَ لِمَنْ المْرْسَلِينَ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ (153) روى عن نافع (لَكَاذِبُونَ اصْطَفَى) بإسقاط الألف في الوصل، كسرها فى الابتداء. وروى ذلك إسماعيل بن جعفر وابن جماز عن نافع. وقرأ سائر القراء ونافع معهم (لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى) بقَطْع الألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (اصْطَفَى) بإسقاط الألف وكسرها فالابتداء، فهى ألف وصل، وليس فيها استفهام. ومعناها: أن الله جلَّ وعزَّ حكى عن كفار قريش أنهم زعموا أن الملائكة بناتُ الله، وأنهم من إفكهم ليقولون: اصطفى الله البنات على البنين. وهم كاذبون. فهذا وجه هذه القراءة وليست بالجيدة، والقراءة التي اتفق عليها القراء (أَصْطَفَى) بقطع الألف على الاستفهام. والدليل على ذلك قوله: (أَمْ لَكُمْ سُلْطانُ مُبِينٌ) .

وكان في الأصل: أَأْصْطَفى. ثم تحذف ألف الوصل، وعلى هذا كلام العرب إذا اجتمعت هاتان الألفان، أن يحذفوا ألف الوصل، ويَدَعُوا ألف الاستفهام مفتوحة. * * * قال أبو منصور: حذف من هذه السورة ثلاث ياءات: (إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) ، (إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) ، (إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163) . وكان يعقوب يثبتهن في الوقف، وكان يحذف الياء من (صَالِ الْجَحِيمِ) في الوصل ويثبت الياءَين في الوصل والوقف. والقراءة في قوله (صَالِ الْجَحِيمِ) بكسر اللام، على معنى: صَالي، فالوقف عليها ينبغي أن يكون، ولكنها محذوفة في الكتاب، وكان في الأصل: إلا مَنْ هو صَالي. فسقط الإعراب بالضم؛ لاجتماع الساكنين، وأضيف إلى (الجحيم) بكسر اللام. * * *

سورة (ص)

سورة (ص) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (ص وَالْقُرْآنِ) اجتمع القراء على سكون الدال من (صاد) ؛ لأن صاد من حروف الهجاء، وتقدير الدال الوقف عليها، ولا يجوز عندي غير هذه القراءة، وقد رويت (صَادِ) : أمر " من المصاداة. وليست بجيدة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) قرأ حمزة والكسائي (مَا لَهَا مِنْ فُوَاقٍ) بضم الفاء. وقرأ الباقون (مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ) بفتح الفاء. قال أبو منصور: الفُواق - بضم الفاء - ما بين حلبتي الناقة. وهما لغتان: فَواق، وفُواق. ومعنى قوله: (مَا لَهَا مِنْ فُوَاقٍ) ، أى: مالها من رُجوع. وسمي ما بين الحلبتين فُوَاقا؛ لأن اللبن يعود إلى الضرع بعد الحلبة الأولى فيرجع إليه. وكذلك يقال: أفاق المريض من مرضه، أى: رجع إلى الصحة. وأفاقت الناقة، اإذا رجع إليها لبنها بعد ما حُلبَتْ. وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "العِيَادَةُ قَدْرُ فُوَاقِ نَاقَةٍ". أى قَدْرُ العيادة كقدر ما بين الحلبتين.

(ليدبروا آياته (29)

وقوله عزَّ وجلَّ: (لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ (29) روى الأعشى والكسائي والجعفي عن أبي بكر عن عاصم (لِتَدَبَّرُوا آيَاتِهِ) بالتاء، وتخفيف الدال، وتشديد الباء. وقرأ سائر القرَّاء وحفص عن عاصم (لِيَدَّبَّرُوا) بالياء وتشديد الباء والدال. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لِتَدَبَّرُوا) فهو في الأصل: لتتدبروا. فحذفت إحدى التاءين، وتركت الدال خفيفة. ومَنْ قَرَأَ (لِيَدَّبَّرُوا) فالأصل فيه ليتدبروا. فأدغمت التاء في الدال، وشددت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ (23) حرك الياء حفص، والأعشى عن أبي بكرعن عاصم. وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّيَ أَحْبَبْتُ (32) فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو. وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) روى البزّي بإسناده عن ابن كثير (بِالسُّؤقِ) مهموزًا. ومثله: (وَكَشَفَتْ عَنْ سَأْقَيْهَا) .

(وظن داوود أنما فتناه (24)

وروى شبل وإسماعيل بن عبد اللَّه عنْ ابن كثير (بِالسُّوقِ) بغير همز. وروى بعضهم عن أبي عمرو وعن ابن كثير " بِالسُّؤوقِ " بهمزة مضمومة بعدها واو، على (فُعُول) . قال أبو منصور: أما ما روى البزِّي عن ابن كثير (بِالسُّؤقِ) مهموزًا، فهو عندي وهْمٌ. ولا همز فيه، ولا في (الساق) . والقراء كلهم على أن لا همز فيه. وأما ما روي لأبى عمرو عن ابن كثيرٍ (بالسُّؤوقِ) فللهمزة فيها وجه؛ لأن من العرب من يهمز مثل هذه الواو إذا انضمت. والقراءة التي اتفق عليها قراء الأمصار (السُّوقِ) بغير همز. ولا يجوز عندي غيرها. وقيل: سوقٌ، وسَاقٌ. كما يُقَال: لوبٌ، ولابٌ. وقال بعضهم: السُّوقُ: جمع السَّاقِ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ (24) روى علي بن نصر عن أبي عمرو (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَاهُ) - خفيفة - وقرأ سائر القراء وأبو عمرو معهم (أَنَّمَا فَتَنَّاهُ) بتشديد النون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَتَنَاه) بالتخفيف فالفعل للملكَيْن اللذين اختصما إلى داوود. ومعنى فَتَنَاهُ: امتحناه في الحكم. وَمَنْ قَرَأَ (أَنَّمَا فَتَنَّاهُ) بتشديد النون، فالمعنى: عَلِمَ داوودُ أنَّا فَتَنَّاهُ، أى: امتحنَّاه بالملكين الذين احتكما إليه بأمرنا، والفعل للَّه في (فَتَنَّاهُ) .

(بنصب وعذاب (41)

وقوله جلَّ وعزَّ: (بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) قرأ يعقوب وحده (بنَصَبٍ وَعَذَابٍ) بفتح النون والصاد. وروى هبيرة عن حفص (بنَصْبٍ) بفتح النون وسكون الصاد. وقرأ الباقون وحفص (بنُصْبٍ) بضم النون وسكون الصاد. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (بنُصْبٍ) أو قرأ (بنَصَبٍ) فمعناهما واحد، وهو: التعب. مثل: الرُّشْدِ، والرَّشَدِ. والبُخْل، والبَخَل. والعُدْم، والعَدَم. وَمَنْ قَرَأَ (بنَصْب) فإني أحْسَبُه وهمًا، ولا أعرفه. إنما يقال: نَصِبَ الرجلُ ينْصِبُ نَصبًا فهو نَصِب، والنَصَبُ: الاسم، ومعنى قوله بنُصبٍ وَعَذَابٍ، أى: بضُرٍّ في بدني، وعذاب في أهلي ومالي ويجوز أن يَكون بضُرٍّ في بدني، وعذاب فيه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) قرأ نافع وحده (بِخَالِصَةِ ذِكْرَى الدَّارِ) مضافة. وقرأ الباقون (بِخَالِصَةٍ) منونة.

(واذكر عبادنا إبراهيم (45)

قال أبو منصور: من نوَّن (بخَالِصَةٍ) جعل قوله (ذِكْرَى الدَّارِ) بدلاً من خالصة، ويكون المعنى: إنا أخلصناهم بِذَكْرَى الدارِ. ومعنى الدار ها هنا: الدار الآخرة. وتأويل قوله: إنا أخلصناهم، أى: جعلناهم لنا خالصين، بأن جعلناهم يُكْثِرُون ذِكْرَ الآخرة والرجوع إلى الله. وقوله: (بخَالِصَة) اسم على (فاعلة) ، وضع موضع المصدر الحقيقى من أخلصنا. وَمَنْ قَرَأَ (بِخَالِصَةِ ذِكْرَى الدَّارِ) على الإضافة أضاف خالصة إلى ذِكْرَى، وروي عن مالِك بن دِينَار أنه قال في قوله: (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) ، قال: نزع اللَّه ما في قلوبهم من حُبِّ الدنيا، وذِكْرها، وأخلصهم بحب الآخرة وذِكْرِه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ (45) قرأ ابن كثير وحده (وَاذْكُرْ عِبْدَنَا إِبْرَاهِيمَ) على واحد. وقرأ الباقون (عِبَادَنَا) على الجمع. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (عَبْدَنَا) جعل (إبراهيم) بدلاً منه. ومن قرأ (عِبَادَنًا) جعل (إبراهيم) ومَن بعده من الأنبياء بدلاً من قوله (عِبَادَنَا) .

(هذا ما توعدون (53)

وقوله جلَّ وعزَّ: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ (53) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (يُوعَدُونَ) بالياء، وافترقَا في (ق) فقرأ ابن كثير بالياء، وقرأ أبو عمرو بالتاء. وقرأ الباقون بالتاء في السورتين. قال أبو منصور: التاء للمخاطبة، والياء للغيبة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) قرأ حفص وحمزة والكسائي (وَغَسَّاقٌ) مشددة. ومثله في (يَتَسَاءَلُونَ) وقرأ الباقون (وَغَسَاقٌ) خفيفا في السورتين. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَغَسَّاقٌ) مشددًا فهو بمعنى: ما يَغْسِقُ من صديد أهل النار، أى: يسيل من القيح والمِدَّة. ويقالْ غَسَقَتْ عَيْنه تَغْسِق ُ، إذا سالت. ومن خفف جعله مصدرًا لغَسَقَ يَغْسِقُ غَسَاقًا، أى: سال. كأن المعنى حَمِيمٌ، وذُو غَساق، أى: وصَديد ذو غَساق، أى: ذو سَيَلان. وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قرآ (غَسَّاقٌ) بالتشديد،

(وآخر من شكله أزواج (58)

فَسَّرَاهُ: - الزمهَرير: قال بَعض أهل العربية في تفسير (الغَسَّاق) : إنه الشديد البردِ، الذى يُحْرق من بَرْدِهِ. وقيل: غسَّاق: مِنْتِن، وأصله فارسية تكلمت به العرب فأعربته. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58) قرأ أبو عمرو (وأُخرُ) جماعة، وكذلك روى حمّاد بن سلمة عن ابن كثير (وأُخرُ) . وقرأ الباقون (وَآخَرُ) على واحد. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَآخَرُ) عطفه على قوله (حَمِيمٌ وغَسّاقُ) وَآخر، أى: وعَذَاب آخَرُ (مِنْ شَكْلِه) أى: من مثل العذاب الأول. وَمَنْ قَرَأَ: (وأُخرُ) فالمعنى: وأنواع أُخرُ مِنْ شَكْلِهِ، لأن قوله (أزْوَاجٌ) معناه: أنواع، ولا يُجْرَى (أُخرُ) لأن واحدَهُ لا يُجْرَى. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنَ الْأَشْرَارِ (62) أَتَّخَذْنَاهُمْ (63) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم من الأشرار (أَتَّخَذْنَاهُمْ) على الاستفهام. وقرأ الباقون (مِنَ الْأَشْرَارِ (62) اتَّخَذْنَاهُمْ) موصولة.

(بيدي استكبرت. . (75)

قال أبو منصورْ مَنْ قَرَأَ (أتخذناهم سُخريا) بقطع الألف فهو استفهام، ويقويه قوله (أمْ زَاغَتْ) ؛ لأن (أم) يدل على استفهام. ومن وصل كان على معنى: إنا اتخذناهم سِخريا، وجعل (أم) بمعنى: (بَلْ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بِيَدَيَّ اسْتَكْبَرْتَ. . (75) روى شبل عن ابن كثير أنه قرأ (بِيَدَيَّ اسْتَكْبَرْتَ) موصولة الألف على الوجوب. وقرأ سائر القراء بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ) بألف مقطوعة. قال أبو منصور: من قطع الألف فهو استفهام. ومن وصل فهو على الوجوب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) قرأ نافع (آونْزِلَ عليه) بهمزة مطولة، وكذلك روى ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو في غير رواية ابن اليزيدي ويعقوب (أونْزِلَ) بهمزة مقصورة بعدها واو ساكنة. وقرأ الباقون (أَأُنْزِلَ) بهمزتين. وكذلك في قوله (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ) . كقوله: (أَأُنْزِلَ) .

(ما كان لي من علم (69)

وقد مر الاحتجاج لهذه اللغات فيما تقدم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ (69) فتح الياء حفص وحده. * * * وقوله: (لَعْنَتِي إِلَى يَوْمَ الدِّين (78) فتح الياء نافع وحده. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أقُولُ (84) قرأ عاصم وحمزة (فَالْحَقُّ) رفعًا (وَالْحَقَّ أقُولُ) نصبًا. وقرأ الباقون والمفضل عن عاصم (فَالْحَقَّ وَالْحَقَّ) نصبًا معًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَالْحَقُّ) رفعًا فهو على ضربين: على معنى: فأنا الحق. ويجوز أن يكون على معنى: فالْحَقّ مني. ونصب الثاني بقوله: أقول الحقَّ. ومن نصبهما معًا فهو على وجهين: أحدهما: (فالْحَقَّ أقُولُ، والحقَّ لأملأن جهنم حقًّا. والوجه الثاني: أن (الحقَّ) الأول منصوب على الإغراء، أى: الْزَمُوا الحق، واتَبِعُوا الحق. والثاني نصب بـ (أقُولُ) . * * *

سورة الزمر

ذكر اختلافهم في سورة الغُرَف، يعني: زمر. سورة الزُّمَر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائي (يَرْضَهُو لَكُمْ) بواو في اللفظ - وقرأ الباقون (يَرْضَهُ لَكُمْ) ، بضمة مخْتلسة - وووى أبو شعيب السوسي عن اليزيدي عن أبي عمرو (يَرْضَهْ لَكُمْ) جَزمًا - وروى سجاع عن أبي عمرو (يَرْضَهُ لَكُمْ) يشمها الضم ولا يشبع - وووى الكسائي عن أبي بكر (يَرْضَهْ لَكُمْ) جَزمًا وكذلك روى هشام عن يحيى عن أبي بكر بالجزم - وقد مر الجواب فيها فيما تقدم من الكتاب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ) قرأ ابن كثير ونافع وحمزة، (أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ) ، بتخفيف الميم - وقرأ الباقون (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ) بتشديد الميم. قال أبو منصور: من قرأ (أَمَنْ) بتخفيف الميم فله وجهان: أحدهما: أمَنْ قَانِتٌ، كهذا الذي ذكرنا مِمَّن جَعَل لله أندادًا، ويجوز فيه معنىً آخر، وهو: بل أمَن هو قانتٌ كغيره، أي: أمَن هو مطيع كَمَن هوَ عاصٍ. وهذا كله قول أبي إسحاق النحوي.

(فبشر عبادي)

وقال الفرَّاء: مَنْ قَرَأَ (أمَنْ هُوَ قَانِت) مخففًا فمعناه: يا من هو قانت. قال: والعرب تدعو بألف كما يدعو بياء، فيقولون: يا زيدُ أقبِلْ، أزيدُ أقْبِل. وأنشد: أبَني لُبَيْنَى لَسْتُما بِيَدٍ ... إلاَّ يَداً ليسَتْ لها عَضُدُ أراد: يا بَني لُبيْنَى. قال: وهو كثير في الشعر. قال الفرَّاء: فيكون المعنى مردودًا بالدعاء كالمنسوق؛ لأنه ذكر الناسي الكافر ثم قَصَّ قِصة الصالح بالنداء، كما تقول في كلام: فلان لا يصوم ولايصلي، فَيَا مَن يَصوم ويصلي أبشر. فهذا هو معناهُ والله أعلم. قال: وقد يكون الألف استفهامًا بتأويل (أمْ) ؛ لأن العرب قد تضع (أم) في موضع الألف إذا سبقها كلام. قال: ومن قرأها بالتشديد فإنه يريد معنى الألف. وهو الوجه. فإن قال قائل: فأين جواب (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ) فقد تبين في سِياق الكلام أنه مُضْمر قد جرى معناه في أول الكلمة إذْ ذكر الضال ثم المهتدي بالاستفهام، فهو دليل على أنه يريد: أهذا مثل هذا؟ ، أو: هذا أفضل أم هذا؟ . ومثل هذا كثير في القرآن، وفي كلام العرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَبَشِّرْ عِبَادِي)

(وأنزل لكم ... (6)

روى عُبيد عن شبل عن ابن كثير (عِبَادِيَ الذِين) ، نصبًا، وكذلك روى ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو، وعبّاس عن أبي عمرو بنصب الياء وروى عبيد عن أبي عمرو: وإن كانت رأس آية وقفت " عباد) ، وإن لم تكن رأس آية قلت: (عباديَ الذين) . قال: وقِرَاءَتُه القطع، وهى آية في عدد أهل الكوفة، وأهل البصرة، وأهل المدينة الأخير. وقرأ الباقون (عبادِ الذين) محذوفة الياء. وقَدْ مرَّ القول في أمثال هذه الياء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ ... (6) قرأ يعقوب وحده (وَأنْزَل لَّكُمْ) مدغمًا. وأظهر سائر القراء اللامين. قال أبو منصور: القراءة بإظهار اللامين، لأنهما من كلمتين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَرَجُلاً سَالِمًا لِرَجُلٍ (29)

(أليس الله بكاف عبده (36)

قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (سَالِمًا) بألف مكسورةَ اللام. وقرأ الباقون (سَلَمًا لِرَجُل) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سَالِمًا) فمعناه: الخالص، وقد سَلِمَ يَسْلَمُ فهو سَالِمٌ - وَمَنْ قَرَأَ (سَلَمًا) فهو مصدر، كأنه قال: ورَجُلاً ذَا سَلَم لرجل، والمصدر يقوم مقام الفاعل. وتفسير الآية مشبع في كتاب (تقريب التفسير) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ (36) قرأ حمزة والكسائي (بِكَافٍ عِبَادَهُ) بألف قبل الدال. وقرأ سائر القراء (بِكَافٍ عَبْدَهُ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (عبادَه) فهو جمع: عبْدٍ، وَمَنْ قَرَأَ (بكَافٍ عَبْدَهُ) فكأنه أراد: النبي - صلى الله عليه وسلم -. والدليل عليه قوله: (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) وذلك أن قريشًا قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - أمَا تخاف أن تخبّلك آلهَتُنَا بِسَبِّك إياها؟ . فأنزل الله: أليس الله بكاف عبده محمدًا صلى اللَّه عليه؟ ومن قرأ (عبادَه) دخل فيهم كل من عَبَدَ اللَّهَ.

(هل هن كاشفات ضره (38)

وقال الفراء: مَنْ قَرَأَ (عباده) قالوا قد همت أمَمُ الأنبياء بهم وأوعَدوهم مثل هذا، فقالوا لشُعَيْب النبي صلى الله عليه: (إنْ نَقُولُ إلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوء) فقال الله: (أليْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عِبَادَهُ) أي: محمد والأنبياء قبله. وكلٌّ صواب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ (38) قرأ يعقوب وأبو عمرو والكسائي عن أبي بكر عن عاصم (كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ) و (مُمْسِكَاتٌ رِحْمَتَهُ) بالتنوين والنصب - وقرأ الباقون (كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ) بالخفض. قال أبو منصور: المعنى واحد في القراءتين، فمن نصب (ضُرَّهُ) نَصَبَهَ بالكشف، ومن كَسَرَهُ فللاضافة إليه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ (42) قرأ حمزة والكسائي (قُضِيَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ) بضم القاف، والياء مفتوحة، و (الموتُ) مرفوع - وقرأ الباقون (قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) .

(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم (53)

قال أبو منصور: من رفع (الموتُ) فلأنه مفعول ما لم يسم فاعله. ومن نصب أوقع عليه (قضى) . ومعنى (قضى) : أمضى. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ (53) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) بفتح الياء، وكذلك روى حاتم الرَّازي عن أبي زيد عن أبي عمرو بفتح الياء. وقرأ الباقون (يَا عِبَادِ الَّذِينَ) مرسلة الياء. وكلهم إذا وقفوا وقفوا على الياء. قال أبو منصور: أختار (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ) ؛ لأنه أتم، ومن أدرج فللالتقاء الساكنين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بِمَفَازَتِهِمْ (61) قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (بِمَفَازَاتِهِمْ) جماعة. وقرأ الباقون (بِمَفَازَتِهِمْ) . قال أبو منصور: مفازات: جمع مفازة، وهي (مفْعَلة) من الفوز، وهو كقولك تَبَيَّن أمْرَ القوم، وأمور القوم. وارْتفعَ الصوتُ، والأصْوَاتُ. والمعنى واحد.

(قل أفغير الله تأمروني أعبد (64)

وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ (64) قرأ ابن كثير وحده (تَأْمُرُونِّيَ) بنون مشددة، والياء مفتوحة. وقرأ نافع وابن عامر (تَأْمُرُونِيَ أَعْبُدُ) بتخفيف النون وفتح الياء. وقرأ الباقون (تَأْمُرُونِّي) بالتشديد وسكون الياء. وقال هشام بن عمار (تامُرُوننِي) بنونين. قال أبو منصور: من شدد النون فلأنهما نونان، إحداهما: نون الجمع، والثانية: نون الإضافة. ومن خفف فإنه يحذف إحدى النونين استثقالاً للجمع بينهما. ومن جَمع بين النونين فعلى حق الكلام. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (71) و (73) قرأ الكوفيون " فُتِحَتْ) ، " وفُتِحَتْ " مخففتين. وقرأ الباقون (فُتِّحَتْ) و (فُتِّحَتْ) مشددتين. قال أبو منصور: من شدّد فهو أبلغ، وأكثر في باب الفتح من التخفيف. * * *

سورة المؤمن

سورة الْمُؤْمِن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (حَم) في السور السبع. قرأ ابن كثيرٍ، وحفص عن عاصم، والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، ويعقوب (حم) بفتح الحاء. وقرأ نافع وأبو عمرو بين الفتح والكسر. وروي المسيبي عن نافع (حم) بفتح الحاء. وقرأ الباقون (حم) بكسر الحاء. قال أبو منصور: هما لغتان والتفخيم أحبهما إليَّ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِتُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) قرأ الحضرمي "وحده (لِتُنْذرَ يومَ التَّلاقِ) بالتاء. وقرأ الباقون بالياء. وأثبت ابن كثيرٍ الياء " التلاقي " في الوصل والوقف. وكذلك كان يقف على قوله (مَنْ رَاقِي) ، و (مِنْ هَادِي) بياء. وروى أحمد بن صالح عن ورش، وقالون عن نافع (يوم التلاقي) و (يوم التنادي) بالياء في الوصل.

(كانوا هم أشد منهم قوة (21)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لِتُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاَقِ) فالخطاب للنبي صلى اللَّه عليه، أي: لتنذرهم عذاب يوم البعث حين يتلاقى الخلق أجمعين إذا بُعِثوا. ومن قرأ (لِيُنْذِرَ) فهو على وجهين: أحدهما: لينذر الله عباده يوم البعث للحساب، ويكون: لينذرَ من يلقى الله إليه الوحي. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً (21) قرأ ابن عامر وحده (كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً) بالكاف. وقرأ الباقون (مِنْهُمْ) بالهاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (منكم) فهو خطاب لهذه الأمة. وَمَنْ قَرَأَ (منهم) فهو إخبار عنهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26) قرأ ابن كثير وابن عامر (وَأَنْ يَظْهَرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادُ) بألف قبل الواو، (يَظْهَرَ) مفتوحة الياء، (الْفَسَادُ) رفعًا. وقرأ نافع وأبو عمرو (وَأَنْ) بغير ألف قبل الواو، (يُظْهِرَ) بضم الياء، (الْفَسَادَ) نصبًا. وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائي (أَوْ أَنْ) بألف قبل الواو، (يَظهَرَ) بفتح الياء، (الْفَسادُ) رفعًا. وقرأ حفص ويعقوب (أَوْ أَنْ) بألف قبل الواو، (يُظْهِرَ) بضم الياء، و (الْفَسَادَ) نصبًا.

(وقال رجل مؤمن (28)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أوْ أنْ) بألف قبل الواو فإن (أوْ) يجيء لأحد شيئين: في كل حال، وكونها للإباحة راجع إلى هذا، كقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين. فإن جالس أحدَهما فهو مؤتمرٌ، و (أوْ) ابتداء تجيء لأحد الأمرين، عند شك المتكلم، أو قَصْده أحدَهما. وأما الواو فمعناها: اشتراك الثاني فيما دخل فيه الأول ليس فيها دليل على أيهما كان أولاً. ومن قرأ (أوْ أنْ يُظهِرَ في الأرْضِ الْفَسَادَ) فالفعل لموسى صلى اللَّه عليه، و (الْفَسَادَ) منصوب بالفعل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَالُ رَجُلٌ مُؤمِنٌ (28) روى عبيد عن أبي عمرو (وَقَالَ رَجْلٌ) بسكون الجيم، وقال: هذا من اختلاس أبي عمرو الحركة. وقرأ سائر القراء (وَقَالُ رَجُلٌ) بضم الجيم. قال أبو منصور: القراءة بضم الجيم وأما ما روي عن أبي عمرو فإن مِن العرب مَن يسكِّن الحركة في الاسم والفعل، كقولهم: عَظْمَ البطنُ بَطنُك، يريدون: عَظُمَ. قال امرؤ القيس: فيا كوم ما حاز أو يا كوم ما محل

(كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار (35)

وقوله جلَّ وعزَّ: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35) قرأ أبو عمرو وحده (عَلَى كُلِّ قَلْبٍ مُتَكَبِّرٍ) منونًا - وقراً الباقون بالإضافة - قال أبو منصور - من نون (قَلْبٍ) جعل قوله (مُتَكَبِّرٍ) نعْنًا له، ومعناه: أن صاحبه متكبر. ومن قرأ (عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ) أضاف (قَلْبِ) إلى (مُتَكَبِّرٍ) - وهو وجه القراءة؛ لأن المتكبر هو الإنسان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) فنح الياء ابن كثر ونافع وأبو عمرو وابن عامر - وأسكتها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى) قرأ حفص وحده (فَأَطَّلِعَ) نصبًا - وقرأ الباقون (فَأَطَّلِعُ) رفعًا.

ما لي أدعوكم (41)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَأَطَّلِعُ) بالرقع عطفه على قوله: (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ فَأَطَّلِعُ) ءوهو وجه القراءة. ومن نصب (فَأَطَّلِعَ) جعله جوابًا لـ (لَعَلِّي) وأنشد الفراء لبعض العرب: علَّ صُروفِ الدَّهْرِ أَو دُولاتِها ... تُدِيلُنا اللَّمَّةَ من لَمّاتِها فتَسْتَرِيحَ النَّفْسُ من زَفْراتِها فنصب على الجواب لـ (علَّ) ، وعَلَّ، ولَعَلَّ معناهما واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مَا لِيَ أَدْعُوكُمْ (41) فتح الياء ابن كثير وناعع وأبو عمرو وابن عامر في روايه التغلبي عن ابن ذكوان. وأسكنها الباقون.

(ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون (46)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ادخُلُوا آل فِرْعَوْنَ (46) قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم (الساعةُ ادخُلُوا) بضم الألف. وقرأ الباقون (السَّاعَةُ أَدْخِلُوا) مقطوعة الألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ) فالمعنى: يقول الله يوم القيامة: أدْخِلُوا آل فرعون النار. وَمَنْ قَرَأَ (ادْخُلوا) ففيه ضمير القول أيضًا، المعنى: ويوم تقوم الساعة يقول الله: ادخلوا يا آلَ فرعون. نصب (آل) لأنه نداء مضاف. وفى القراءة الأولى نصب (آلَ فرعون) لأنه مفعول به، ونَصَب (النَّارَ) لأنه مفعول ثانٍ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَلِيلاً مَا يَتَذَكَّرُونَ (58) قرأ الكوفيون (قَليلاً مَا تَتَذَكرُونَ) بتاءين وقرأ سائر القراء (قَلِيلاً ما يتذكرونَ) بياء وتاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (تتذكرون) فهو على الخطاب. ومن قرأ (يتذكرون) فللغيبة و (ما) في القراءتين صلة مؤكدة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ (65)

قرأ ابن كثير، ويَحْيَى عن أبي بكر عن عاصم، والحضرمَي (سَيُدْخَلُونَ جَهَنَّمَ) بضم الياء وفتح الخاء، وكذلك روى عبيد عن أبي عمرو. وقرأ الباقون وحفص والأعشى عن أبي بكر عن عاصم (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ) بفتح الياء وضم الخاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سَيُدْخَلُونَ جَهَنَّمَ) فهو على ما لم يسم فاعله، و (جَهَنَّمَ) مفعوله الثاني. وَمَنْ قَرَأَ (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ) فالفعل لهم، على معنى: سوف يدخلون جهنم. * * * وحُذِف من هذه السورة أربع ياءات: (عقابِ (5) و (التلاق (15) و (التنادِ (32) و (ياقوم اتبعونِ (38) وأثبتهن يعقوب في الوصل والوقف. وكان ابن كثير يصل قوله: (أتبعوني) ويقف عليها بياء. وكان نافع وأبو عمرو يصلانها بياء، ويقفان بغير ياء. * * *

سورة حم السجدة

سورة حَمَ السَّجْدَة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (سَوَاءً لِلسَّائِلِين) قرأ يعقوب الحضرمي وحده (سَوَاءٍ) خفضا. ونصبَ الباقون (سَوَاءً) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سَوَاءٍ) جعله صفة لقوله: (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) (سَوَاءٍ) ، أي: في أربعة أيام مستويات تامات. ومن نصب (سَوَاءً) فعلى المصدر، على معنى: استوت سواء أي: استواء. فـ (سواء) أقيم مقام المصدر الحقيقي. وقرأ أبو جعفر المدني (سَوَاءٌ) على معنى: هي سواء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (نَحْسَاتٍ) ساكنة الحاء. وقرأ الباقون (نَحِسَاتٍ) بكسر الحاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (نَحْسَاتٍ) بسكون الحاء فالواحد: نَحْس، يقال: يَوْم نَحْسٍ، وأيْام نَحْسَة ثم نَحْسَات جمع الجمع. وَمَنْ قَرَأَ (نَحِسَاتٍ)

(ويوم يحشر أعداء الله)

فالواحد نَحِسن وأيام نَحِسَة، ثم نَحِسَات جمع الجمع. ومعنى النحِسات، والنحْسات: المشئومات. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ) قرأ نافع ويعقوب (وَيَوْمَ نَحْشُرُ أعْدَاءَ اللَّهِ) بالنون، ونصب (أعْدَاءَ) . وقرأ الباقون (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ) بالياء مضمومة، و (أَعْدَاءُ اللَّهِ) رفعًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالنون نَصبَ (أعْدَاءَ اللَّهِ) بالفعل. ومن قرأ (يُحْشَرُ أعْدَاءُ اللَّهِ) رفع أعداء؛ لأنه مفعول لم يسم فاعله. والمعنى واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّْ: (أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ (44) قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (أَأَعْجَمِيٌّ) بهمزتين. وقرأ الباقون (آعْجَمِيٌّ) بهمزة مطولة. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بهمزتين فالهمزة الأولى ألف الاستفهام، والثانية ألف (أعجم) . وَمَنْ قَرَأَ بهمزة مطولة فإنه كره الجمع بين همزتين، فجعلهما همزة مطولة، كأنه همَز الأولى وخفف التي بعدها تخفيفا يشبه الألف الساكنة.

(ربنا أرنا اللذين (29)

ولا يجوز أن تكون ألفا خالصة؛ لأن بعدها العين، وهي ساكنة، وهذا قول الخليل وسيبويه. وقال الفرَّاء: جاء في التفسير: أيكون هذا الرسول عربيًا والكتاب أعجمى؟ ونحو ذلك قال الزجاج. قال: جاء في التفسير أن المعنى: لو جعلناه قرانا أعجميًا لقالوا هلاَّ بَينْتَ آياِئه، أقرآن أعجمي ونبي عربي. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ (29) قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب، وعبد الوارث عن أبي عمرو، وأبو بكر عن عاصم (أَرْنَا) ساكنة الراء. وروى اليزيدي عن أبي عمرو (وَأرْنَا) بين الكسر والإسكان. وقرأ الباقون (أرِنَا) مكسورة مثقلة. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَرْنَا) بسكون الراء فلأن الأصل كان (أرْئنَا) ، فلما حذفت الهمزة تركت الراء على حالها. ومن كسر الراء أجراه على أرَى يُرِى، فحرك الراء من (أرِنا) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ ثَمَرةٍ مِنْ أكْمَامِها (47) قرأ نافع وابن عامر وحفص (مِنْ ثَمَرَاتٍ) جماعة. وقرأ الباقون (مِنْ ثَمَرةٍ) واحدة.

(إلى ربي (50) .

قال أبو منصور: (ثمرات) جمع (ثمرة) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إلى رَبِّيَ (50) . فتح الياء نافع وأبو عمرو. وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (شُرَكَائِي قَالُوا (47) قرأ ابن كثير وحده (شُرَكَائِيَ) بفتح الياء. وأرسلها الباقون. * * *

سورة عسق

سورة عَسق بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ) قرأ ابن كثير وحده (كَذَلِكَ يُوحَي إِلَيْكَ) بفتح الحاء. وقرأ الباقون بكسر الحاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُوحِي) فالمعنى: كذلك يوحيي الله إليك. ومن قرأ (يُوحَي إِلَيْكَ) فعلى إضمار فعل مكرر، وبه رُفع (الله) ، كأنه لما قال: (يُوحَى إليك) قيل: من يوحي؟ . فأجيبَ: يوحِي الله. ومثله قوله: ليُبْكَ يزيدُ ضارعٌ لخصومةٍ ... ومُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطِيح الطَّوائِحُ كأنه قيل: من يبكيه؟ . فقيل: يبكيه ضارع ومختبط، وهو الذى يأتيك طالب خير بلا وسيلة. وأصله الرجل يجيء إلى الشجرة فيَخْبِط ورقها لمواشيه.

(ويعلم ما يفعلون (25)

وقوله: (مما تطيح الطوائح) ، (مما) بمعنى: ممن. تطيح، أى: تلقى الأمورَ المُطوَّحَة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَعْلَمُ مَا يَفْعَلُونَ (25) قرأ حفص وحمزة والكسائي (مَا تَفْعَلُونَ) بالتاء. وقرأ الباقون (يَفْعَلُونَ) بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَفْعَلُونَ) بالياء فعلى الخبرعن الغائب. ومن قرأ (تفعلون) فعلى المخاطبة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ مُصِيبَةٍ فبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30) قرأ نافع وابن عامر (بمَا كَسَبَتْ) بغير فاء، وكذلك هي في مصاحفهم. وقرأ الباقون (فبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) بفاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (فَبِمَا) بالفاء جعل الفاء جواب الشرط. المعنى: ما تُصِيبُكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم. وهذا في العربية أجود وأتم عند النحويين. وحذف الفاء جائز عندهم أيضًا.

(ويعلم الذين يجادلون في آياتنا. . . (35)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا. . . (35) قرأ نافع وابن عامر (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) برفع الميم. وقرأ الباقون (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) بفتح الميم. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَيَعْلَمُ الَّذِينَ) عطفه على قوله (وَيَعْفُ عن كَثِيرٍ) ، وهو في موضع الرفع. كُتبَ (وَيَعْفُ) والأصل: يعفوا. فاكتفى بضمة الفاء، وحذفت الواو. وَمَنْ قَرَأَ (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) بالنصب فهو عند الكوفيين منصوب على الصرْفِ، وعند البصريين) على إضمار (أنْ) ؛ لأن قبلها جزاء. تقول: ما تَصْنَعُ أصْنَعُ مِثْلَهُ وَأكرِمَكَ. على معنى: وأنْ أكرِمَكَ، وإذا قلتَ (وأكْرِمُكَ) فهو بمعنى: وَأنا أكرِمُكَ. وأما قوله (بماكسبت أيديكم) بحذف الفاء على قراءة من قرأه فـ (ما) في قوله: (ما أصابكم) ليست بجزاءٍ، ولكنها بمعنى (الذي) . والمعنى: الذي

(كبائر الإثم والفواحش (37)

أصابكم وقع بماكسبت أيديكم. ويعف عن كثير، أي: لا يجازي على كثير مما كسبت أيديكم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ (37) قرأ حمزة والكسائي (كَبِيرَ الْإِثْمِ) بغير ألف وفي (والنجم) مثله. وقرأ الباقون (كَبَائِرَ الْإِثْمِ) بألف في السورتين. قال أبو منصور: (كَبَائِرَ الْإِثْمِ) /جمع كبير. وَمَنْ قَرَأَ (كبير الإثم) فهو واحد يدل على الجمع - واختلفوا في الكبائر، فقال بعضهم: كُل ما وعد اللهُ عليه النار فهو كبيرة. وقيل الكبائر: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وقذف المحصنات، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزَحْف، واستحلال الحرام. وقيل الكبائر: من أول سورة النساء، من قوله: (وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) إلى قوله (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ (51)

قرأ نافع (أَوْ يُرْسِلُ رَسُولًا) برفع اللام، (فَيُوحِي) ساكنة الياء، فى موضع الرفع. وقرأ الباقون بالنصب فيهما. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ) بالنصب فهو محمول على المعنى الذي في قوله: (إلا وَحْيًا) ، لأن المعنى: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا بأن يوحيَ. . . أو أن يرسلَ رسولا. وهذا من أجود ما قاله النحويون في هذا الحرف. وقال سيبويه: سألت الخليل في قوله (أوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) بالنصب فقال: (يُرْسِلَ) محمول على أن تنوى (أنْ) هذه التي في قوله: (أن يُكَلِّمه اللَّهُ) قال أبو إسحاق النحوي: وليس ذلك وجه الكلام؛ لأنه يصيّر المعنى: ما كان لبشر أن يرسل اللَّه رسولاً. وذلك غير جائز. والقول المعتمد ما أعلمتك أنَّ (أَوْ يُرْسِلَ) محمول على معنى (وَحْيًا) ، فافْهمه. ومن رفع فقرأ (أَوْ يُرْسِلُ رَسُولًا) فالرفع في (يرسلُ) على معنى الحال، ويكون المعنى: ما كان لبشر أن يكلمه اللَّه إلا موحيا، أو مرسلاً رسولاً. وذلك كلامه إياهم. ومثل قوله: (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) بالنصب قول الشاعر:

ولولا رجالٌ من رِزامٍ أعزَّةٍ ... وآلُ سبيعٍ أو أسُوْءَك عَلْقما المعنى: أو أنْ أسُواك. وقد يجوز أن يكون رفع قوله: (أو يرسلُ) على معنى: أو هو يرسل. وهو قول الخليل وسيبويه. * * *

سورة الزخرف

سورة الزُّخْرُف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5) قرأ نافع - وحمزة والكسائي (إِنْ كُنْتُمْ) بكسر الألف، وقرأ الباقون بالنصب (أَنْ كُنْتُمْ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالنصب فمعناه: أفنضرب عنكم ذكر العذاب، والعذابَ بأن أسرفتم. أو: لأن أسرفتم. وَمَنْ قَرَأَ (إنْ) فعلى معنى الاستقبال، على معنى: إن تكونوا مسرفين أي: نضرب عنكم العذاب وذكْرَهُ، جعل (إن) مجازاة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ (18) قرأ حفص وحمزة والكسائي (يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ) بضم الياء، وفتح النون، والتشديد. وقرأ الباقون (أَوَمَنْ يَنْشَأُ فِي الْحِلْيَةِ) بفتح الياء وسكون النون والتخفيف.

(الذين هم عباد الرحمن)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ) فمعناه: يربَّى ويرشَّح في الحليِّ والزينة وَمَنْ قَرَأَ (يَنْشَأُ) فمعناه: يَشُبُّ ويترشح. والمعنى: أن الكفارَ كانوا يقولون: الملائكة بنات الله، تَعَالَى الله عما افتروْا فقَرَعهم اللَّه ووبَّخَهم بهذا الكلام، وقال: أجعلتم البنات اللائي يربين في الزينة والحلية لِيَنْفَقَن عند خُطابِهِن بَنَات اللَّه، وأنتم تستأثرون بالبنين، ويَسْوَدُّ وجهكم إذا وُلدَ لكم الإناث. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب (الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ) بالنون. وقرأ الباقون (عِبَادُ الرَّحْمَنِ) بالباء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (عِبَادُ الرَّحْمَنِ) فهو جمع عَبْدٍ ومن قرأ (عِنْدَ الرَّحْمَنِ) فمعناه: الذين هم أقرب إلى الله منكم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ)

(قال أولو جئتكم بأهدى (24)

قرأ نافع وحده (آوُ اشْهِدُوا خَلْقَهُمْ) بهمزة ممدودة، بعدها ضمة. وقرأ الباقون (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) بغير مَدٍّ. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (آوُ اشْهِدُوا) فمعناهْ أأحْضِرُوا خَلْقَ الملائكة حين خلقهن الله، فَعَلِمُوا أنهم ذكور أو إناث؟ . وهذا استفهام معناه النفي، أي: لم يَحْضرُوا خلقهم. وفيه تقريع لهم. وَمَنْ قَرَأَ (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) : احضَروا خلقهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى (24) قرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ) بألف. وقرأ الباقون (قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ) بضم القاف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قال أوَلَو) فهو فعْل ماض، كأن نبيهم قال لهم: أولوْ جئتكم. وَمَنْ قَرَأَ (قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ) فهو أمر من الله للنبي: قُلْ لهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ (33) قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو (لِبُيُوتِهِمْ سَقْفًا مِنْ فِضَّةٍ) موحدًا. وقرأ الباقون (سُقُفًا) بضم السين والقاف.

(لما متاع الحياة الدنيا (35)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ) فهو جمع سَقْفٍ. وسُقْف، كما يقول: رَهْن ورُهْن. ومن قال (سَقفًا) فهو واحد دل على الجمع. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (35) قرأ عاصم وحمزة (لَمَّا) مشددًا. وقرأ الباقون (لَمَا) مخففًا. ولم يخفف ابن عامر الميم من (لَمَا) إلا هذه التي في الزخرف، وروى هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر (لَمَّا مَتَاعُ) مشددة. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَمَا) بتخفيف الميم فـ (ما) ها هنا صلة مؤكدة، المعنى: إنْ كل ذلك لَمَتَاع الحياةِ الدُّنْيا. وَمَنْ قَرَأَ (لَمَّا) بالتشديد فهو بمعنى (إلاَّ) ، المعنى: ما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا (36) قرأ الحضرمي وحده (يُقَيِّضْ) بالياء. وقرأ الباقون (نُقَيِّضْ) بالنون. قال أبو منصور: التقيّض من فِعْل الله، قرأته بالياء أو بالنون. والمعنى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ، أي: يُعْرِض عن ذِكْرِه، فلا يذكرُ رَبَّه، نجازيه

(حتى إذا جاءنا (38)

بأن نُسَبِّب له شيطانًا يُضِلهُ فيستوجب العذاب. وقيل: نقيض: نُمثل، يقال: هما قَيْضان، أي: مثلان، ومنه المُقَايَضَة في البيع، وهي المبادلة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا (38) قرأ ابن كثير ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم (حَتَّى إِذَا جَاءَانَا) على فعل اثنين. وقرا الباقون (جَاءَنَا) على فعل الواحد. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (جَاءَانَا) بالتثنية فمعناه: حتى إذا جاءنا الكافر وشيطانه الذى هو له قرين. وَمَنْ قَرَأَ (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا) فهو للكافر وحده. واتفق القراء على فتح الألف من قوله: (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ (39) . . . ومعناه: أنهم مُنِعُوا فرجة التأسي باشتراكهم في النار، فلا يخفف ذلك عنهم شيئًا. وذلك أن البشر في الدنيا إذا تأسوْا في نازلة تنْزِل بهم فتعمهم أنها تخف عليهم فتكون أهونَ من أن يُخَصَّ بها بعضٌ دون بعضٍ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ.. (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ (42)

(تجري من تحتي أفلا تبصرون)

قرأ يعقوب (فَإِمَّا نَذْهَبَنْ بِكَ. . . . أَوْ نُرِيَنْكَ) بسكون النون وتخفيفها ما قرأه غيره. قال أبو منصور: وسائر القراء على التشديد. وهما لغتان، والتشديد أوكدهما. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) فتح الياء من " تَحْتِيَ " ابن كثير ونافع وأبو عمرو. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ.. (53) قرأ عاصم في رواية حفص، ويعقوب (أَسْوِرَةٌ) بغير ألف. وقرأ البافون (أَسَاوِرَةٌ) بألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أسْوِرَة) فهو جمع سِوَار. وَمَنْ قَرَأَ (أسَاوِرَة) ففيه وجهان: أحدهما: أن يكون جمع (أسْوِرَة) ، فيكون جمع الجمع. ويجوز أن يكون (أسَاوِرَة) جمع إسْوَارَة وأسَاوِرَة. يقال للسوار: أسوار. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56) قرأ حمزة والكسائي (سُلُفًا) بضمتين. وقرأ الباقون (سَلَفًا) بفتحتين.

(إذا قومك منه يصدون (57)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (سَلَفَا) فهو جمع سَالِف وسَلَف. ومعناه: جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم مَن بعدهم. وَمَنْ قَرَأَ (سُلُفَا) فهو جمع سَلِيف. بالمعنى الأول، يقال: سَلَفْت القوم أسْلفُهم، إذا تقدمتهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) قرأ نافِع، وابن عامر، والكسائي، والأعشى عن أبي بكر عن عاصم (يَصُدُّونَ) بضم الصاد. وقرأ الباقون (يَصِدُّونَ) بكسر الصاد. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَصُدُّونَ) فمعناه: يُعرضون. وَمَنْ قَرَأَ (يَصِدُّونَ) . فمعناه: يضجُّون. وقال الفراء: يقال: صَدَدْتُه أصدُّه فَصَدَّ يَصِدُّ ويَصُدُّ، لغتان، إذا أعرض. * * * وقوله جلَّ وعزَّا: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ (68)

(وفيها ما تشتهي الأنفس (71)

قرأ نافع، وابن عامر، وأبو عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر (يَا عِبَادِي لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ) بالياء في الوقف@ والوصل، فتحها عاصم في رواية أبي بكر. وحذفها ابن كثير وحفص وحمزة والكسائي، في الوصل والوقف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (يَا عِبَاد) اكتفى بالكسرة الدالة على الياء. ومن قرأ (يَا عِبَادِي) فعَلَى التمام. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ (71) قرأ نافع وابن عامر وحفص (مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) . وقرأ الباقون (مَا تَشْتَهِي) بغير هاء. قال: القراءتان صحيحتان نزلتا في غرضين، والمعنى متقارب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ (58) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (آلِهَتُنَا) الهمزة مطولة. وقرأ الباقون (أَآلِهَتُنَا) بهمزتين بعدهما مدة.

(وعنده علم الساعة وإليه ترجعون (85)

قال أبو منصور: هما لغتان جيدتان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم (وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ) . وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي والحضرمي (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) بالياء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقِيلَهُ يَا رَبِّ (88) قرأ عاصم وحمزة (وَقِيلِهُ يَا رَبِّ) خفضا. وقرأ الباقرن والمفضل عن عاصم (وَقِيلَهُ يَا رَبِّ) نصبًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَقِيلِهُ يَا رَبِّ) بالخفض فهو على معنى: وعنده علم الساعة وعلم قيلِهِ. ومن نصب (وقِيلَهُ) فإن الأخفش زعم أنه معطوف على قوله: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ. . . وقيلَه) ، أى: ولا نسمع قِيلَه. ويجوز أن يكون على معنى الفعل: وقال قِيلَه.

(فسوف يعلمون (89)

وقال أبو إسحاق الزجاج: الذي أختاره أن يكون نصبًا على معنى: وعنده علم الساعة ويعلم قيلَه، فيكون المعنى: إنَّه يعلم الساعة ويعلم قيلَه. ومعنى الساعة: الوقت الذي تقوم فيه القيامة. وقال أبو العباس فيما روى عنه ابن الأنباري وسأله عنه فقال: أنْصِبُ (وقيلَهُ) على (عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ. . . وَيَعْلَمُ قيلَهُ) . قال أبو منصور: وهذا هو القول الصحيح. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) قرأ نافع وابن عامر (فَسَوْف تَعْلَمُونَ) بالتاء. وقرأ الباقون بالياء. وروى الخفَّاف عن أبي عمرو الياء والتاء، وقال: هما سيَّان. * * *

سورة الدخان

سورة الدُّخَان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) قرأ عاصم وحمزة والكسائي (ربِّ السَّمَاوَاتِ) خفضا. وقرأ الباقون (رَبُّ السَّمَاوَاتِ) رفعًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (رَبُّ السَّمَاوَاتِ) ردَّه على قوله: (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ. . ربِّ السَّمَاوَاتِ) على البدل. ومن رَفعه رده على قوله (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبُّ السَّمَاوَاتِ) وإن شئت رفعته على المدح، بمعنى: هو رَبُّ السَّمَاوَاتِ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) بالياء. وقرأ الباقون (تَغْلِي) بالتاء.

(خذوه فاعتلوه (47)

قال أبو منصور: من قرأه (تَغْلِي) ردة على الشجرة. وَمَنْ قَرَأَ (يَغْلِي) رده على المُهل. وكل ذلك جائز. و (المهل) : درديُّ الزيت، وما أذيب من الفِضة والنحاس فهو مُهْل أيضًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (خُذُوهُ فَاعْتُلوُهُ (47) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب (فاعتُلوه) بضم التاء. وقرأ الباقون (فاعتِلوه) بكسر التاء. قال أبو منصور: هما لغتان: عتله يعتِله ويعتُلهُ، إذا دفعه بعنف واستذلال المعنى: يا أيها الملائكة: خذوا الكافر فاعتلوه، أى: امْضُوا به إلى النار، فألقوه في سوائها، أى: في وسطها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) قرأ الكسائي وحده (ذُقْ أَنَّكَ أَنْتَ) بفتح الألف. وقرأ سائر القراء (ذُقْ إِنَّكَ) بكسر الألف. من نَصبَ (أَنَّكَ) فمعناه: ذُقْ يا أبا جَهْلٍ العذاب؛ لأنك أنت العزيز الكريم بِقيلِكَ في الدُّنْيا، وكان يقول: أنا أعَز أهْل الوادي وأمْنَعُهم. فقال له الله حين ألقى في النار: ذُقْ لأنك كنت تَزْعُم أنك أنت العزيز الكريم بِقِيلكَ، يقوله على جهة التهكم. وَمَنْ قَرَأَ (إِنَّكَ) فهو استئناف، كأن الملَك يقول له: ذُقْ إِنَّكَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ.

(إني آتيكم)

وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي آتِيكُمْ) فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو. وأرسلها الباقون. * * *

سورة الشريعة

سورة الشَّرِيعَة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ. . . (4) قرأ حمزة والكسائي والحضرمي (وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٍ) خفضًا. وقرأ الباقون (آيَاتٌ) رفعًا. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (آيَاتٌ) فهي في موضع النصب، وتاء الجماعة تخفض في موضع النصب؛ لأنه مَنسُوق على قوله: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ) ... وإن في خلقكم ... (آيَاتٌ) ، وكذلك الثانية فهما أشبه لـ (إنَّ) المضمرة. وَمَنْ قَرَأَ (آيَاتٌ) بالرفع فهو على وجهين: أحدهما: استئناف على معنى: (وفى خلقكم آياتٌ) . ويجوز أن يكون مرفوعًا على أنه خبر (إن) ، كقولك: إن زيدًا قائم وعمرًا. فتعطف بعمرو على زيدٍ إذا نصبته. ويجوز: وعمرو، فإذا رفعت فعلى معنى: وعمرو قائم؛ لأن معنى: إن زيدًا قائم: زيدٌ قائم.

(فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون (6)

وقوله جلَّ وعزَّ: (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي، ويعقوب (وَآيَاتِهِ تُؤْمِنُونَ) بالتاء. وقرأ الباقون (يُؤمِنون) بالياء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِيَجْزِيَ قَوْمًا) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي (لِنَجْزِيَ قَوْمًا) بالنون. وقرأ الباقون (لِيَجْزِيَ قَوْمًا) بالياء. قال أبو منصور: الفعل لله في القراءتين، فاقرأ كيف شئت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ) قرأ حفص وحمزة والكسائي (سَوَاءً مَحْيَاهُمْ) نصبًا. وقرأ الباقون (سَوَاءٌ) بالرفع. قال أبو منصور: من قرأ (سَوَاءً) بالنصب جعله في موضع مستويًا محياهم ومماتهم - المعنى: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا

(كل أمة تدعى إلى كتابها (28)

وعملوا الصالحات سواء) ، أى مُسْتويًا. وعلى هذه القراءة يُجْعل قوله (أن نجعلهم) متعديًا إلى مفعولين. وَمَنْ قَرَأَ (سَوَاءٌ) بالرفع جعل قوله (أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) كلامًا تامَّا، ثم ابتدأ فقال: (سَوَاءٌ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ) . فـ (سَوَاءٌ) ابتداء. و (مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ) خبر الابتداء وهو كقولك: ظننت زيدًا سواءٌ أبوه وأمه، أي: ذُو سَواء، وذُو اسْتِوَاء أبوه وأمه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا (28) قرأ يعقوب وحدهُ (كُلَّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) . وقرأ الباقون (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) بالرفع. قال أبو منصور: من نصبَ (كُلَّ أُمَّةٍ) جعله بدلاً من قوله: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً) ، ثم قال: وترى كُلَّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا. وَمَنْ قَرَأَ بالرفع فرفع (كُلُّ أُمَّةٍ) بالابتداء، والخبر: تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا (32) قرأ حمزة وحده: (وَالسَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا) نصبًا. وسائر القرَّاء قرءُوا (وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا) . قال أبو منصور: من نصبَ (السَّاعَةَ) عطفه على قوله: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وإنَّ السَّاعةَ. ومن رفع فعلى معنى: وقيل: الساعةُ حَقٌّ لا ريب فيها. * * *

سورة الأحقاف

سورة الْأَحْقَافِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (لِتُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) قرأ نافع وابن عامر ويعقوب (لِتُنْذِرَ) بالتاء. وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَتُنْذِرَ الَّذينَ) بالتاء فعلى المخاطبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لتنذر أنت يا محمد. ومن قرأ بالياء فللغيبة * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) قرأ الكوفيون) (إحْسَانًا) . وقرأ الباقون (حُسْنًا) .

(وحمله وفصاله) .

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (إحْسَانًا) فعلى المصدر؛ لأن معناه: ووصينا بوالديه، أمَرْنَاه بأن يُحْسِنَ إليهما إحْسَانا. وَمَنْ قَرَأَ (حُسْنًا) جعله اسمًا، أقامه مقام الإحسان. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ) . قرأ يعقوب وحده (وَحَمْلُهُ وفَصْلُهُ) ساكنة الصاد، مفتوحة الفاء، بغير ألف. وقرأ الباقون (وفِصَالُهُ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَفِصَالُهُ) فهو بمعنى: فِطامُه. ومن قرأ (وفَصْلُه) فهو من: فَصَلَت الأم الصبي تفصله فَصْلاً، إذا فَطَمَتْه. والفِصَال مثل الفطام. وفى الحديث: "لاَ رِضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ " معناه: رَضَاع يُحَرِّم بعد فصال الولد، وانقضاء السنتين من ولادة المولود. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (الَّذِينَ يُتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنُ مَا عَمِلُوا وَيُتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ) قرأ حفص عن عاصم (نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ) بالنون، (أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) بالنصب، (وَنَتَجَاوَزُ) بالنون، وكذلك قرأ حمزة والكسائي بالنون. وقرأ الباقون (يُتَجَاوَزُ) ، و (يُتَقَبَّلُ) بالياء، (أَحْسَنُ) رفعًا.

(وليوفيهم أعمالهم)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ نصب (أحْسَنَ) لوقوع الفعل عليه. ومن قرأ (يتُقبلُ عَنْهُمْ. . . وَيُتَجَاوَنُا) رفع (أحْسَنُ) ؛ لأنه مفعول لم يسم فاعله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب (وَلِيُوَفِّيَهُمْ) بالياء. وقرأ الباقون (وَلِنُوَفِّيَهُمْ) بالنون. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ بالنون فالله يقول: ولنوفيهم نحن أعمالهم. ومن قرأ بالياء فالمعنى: وليوفيهم الله أعمالهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ) قرأ ابن كثير وابن عامر (آذْهَبْتُمْ) بهمزة مطولة على الاستفهام. وقرأ الباقون (أذْهَبْتُمْ) بألف مقصورة.

(فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم. . . (25)

قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أذْهَبْتُمْ) بوزن (أفْعَلتمْ) فهو تحقيق. ومن قرأ (آذهبْتُمْ) فهو استفهام معناه التقريعُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ. . . (25) قرأ عاصم وحمزة ويعقوب (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى) بياء مضمومة، (إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ) رفعًا. وقرأ الباقون (لَا تَرَى إِلَّا مَسَاكِنَهُمْ) بالتاء والنصب. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ) فتأويله: لَا يُرَى شيءٌ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ، قد أبيدُوا. وَمَنْ قَرَأَ بالنصب والتاء فمعناه: لا ترى أيها المُخَاطَب شيئًا إِلَّا مَسَاكِنَهُمْ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ (33) قرأ يعقوب وحده (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) بالياء، بغير ألف. وقرأ الباقون (بِقَادِرٍ) بالباء والألف.

قال أبو منصورْ مَنْ قَرَأَ (بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) فالباء دخلت في خبر (أنَّ) بالدخول (أوَلمْ) في أول الكلام، ولو قلت: ظننت أن زيدًا بقائم، لم يجز. ولو قلت: ما ظننت أن زيدًا بقائم، جاز؛ لدخول حرف النفي في أوله ودخول (أن) إنما هو توكيد الكلام، فكأنه في تقدير: أليس الله بقادر على أن يحيي الموتى. وقد مرَّ هذا الحرف في آخر سورة (يس) مشبعًا، وذكرت فيه إنكار أبي حاتم القراءة التي اتفق عليها القراء ورد أهل العربية عليه قَوْلَهُ. * * *

سورة محمد (عليه السلام)

سورة مُحمَّدٍ (عليه السلام) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قرأ أبو عمرو، وحفص عن عاصم (قُتلِوا) بغير ألف. وقرأ الباقون (قَاتَلُوا) بألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (قُتلُوا) فهم مفعولون. وَمَنْ قَرَأَ (قَاتَلوا) فالمعنى " أنهم جاهدوا الكفَار وحاربوهم، والمقَاَتلةَ تكون بين اثنين وبين الجماعة، فأعلم الله أن الذى يُقتل في سبيل الله لا يُحبَطُ عمله، وكذلك الذى يُقَاِتل الكفّار في سبيل الله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) قرأ ابن كثير وحده (غَيْرِ أَسِنٍ) بألف مقصورة. وقرأ الباقون (مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) على (فَاعِل)

(وأملى لهم (25)

قال أبو منصور: أسِنَ الماء يَأسِنُ فهو آسِن، إذا تَغيرَ ريحه هذا الأكثر. ومن العرب من يقول: أسِنَ الماءَ يأسَنُ أسَنًا فهو آسِن. حكاه أبو زيد عن العرب. أما الذى ينزل في البئر التي طال عهد المستقين بها فَدِيرَ برأسه. فلا يقال فيه إلا: أسِنَ يَأسَنُ فهو أسِن. لا غير، بقصر الألف. قال زهير: يَمِيدُ في الرُّمْحِ مَيْدَ الْمَائِحِ الأسِنِ * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَمْلَى لَهُمْ (25) قرأ أبو عمرو (وَأُمْلَيَ لَهُمْ) بضم الألف، وفتح الياء. وقرأ يعقوب الحضرمي (وَأُمْلَي لَهُمْ) بضم الألف، وسكون الياء. وقرأ الباقون (وَأمَلَى لَهُمْ) بفتح الألف واللام، وسكون الياء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وَأُمْلَيَ لَهُمْ) بفتح الياء، وضم الألف فهو على ما لم يسم فاعله، وهو فعل ماض مجهول؛ ولذلك فُتِحَت الياء. وَمَنْ قَرَأَ (وَأُمْلَي لَهُمْ) بسكون الياء وضم الألف، فالألف ألف المُخْبر على (أُفعِل) أي: طَوِّل لهم المدة، كما قال الله: (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا) .

(والله يعلم إسرارهم (26)

والإملاء: إطالة المدة. وَمَنْ قَرَأَ (وَأمْلَى لَهُمْ) فالفعل لِلشيطان سوَّل لهم الشيطان، أى: زَيَّن لهم رِدَّتَهُمْ، وأمْلَى، أى: مَنَّاهُمْ طُول البقاء فى الدنيا. والأصل فيه من قولك: أقمت عنده مِلاَوَةً من الدهر، ومَلاَوَة، ومُلْوَة، أى: مدة طويلة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) قرأ ابن كثيرٍ، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَسْرَارَهُمْ) بفتح الألف. وقرأ الحضرميُّ بالفتح والكسر. وقرأ حفص وحمزة والكسائي (إِسْرَارَهُمْ) بكسر الألف. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (أسْرارهم) فهو جمع: السر. وَمَنْ قَرَأَ (إسْرارَهم) فهو مصدر: أسَر يُسِرُّ إسرارًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) قرأ نافع ويعقوب (عَسِيتم) بكسر السين. وقرأ يعقوب (إن تُوُلِّيتُم) - بضم التاء، وكسر اللام -. وقرأ سائر القراء (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) بفتح السين، (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) . بفتح التاء.

(وتقطعوا أرحامكم)

قال أبو منصور: أما قراءة نافع (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) بكسر السين فهي لغة، وليست بالكثيرة الشائعة. وأهل اللغة اتفقوا على (عسَيْتُم) بفتح السين. والدليل على صحتها اجتماع القراء على قوله: (عَسَى رَبُّكُمْ) لم يقرأه أحد (عَسِىَ رَبُّكُمْ) . وأما من قرأ (إنْ تُوُلِّيتُمْ) فهو على ما لم يُسَم فاعله. والمعنى: إنْ وُلِّيَ عليكم ولاة جور تحركتم معهم في الفتنة وعاونتموهم علي ظلمهم. وَمَنْ قَرَأَ (فَهَلْ عَسَيتُم إن تَوَلَّيْتُمْ) فمعناه: إن توليتم أمور الناس، وَوَلَيتُمْ أعمالهم. وقيل: معنى إن توليتم، أى: أعرضتم عن الحق. والله أعلم بما أراد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وتُقَطَّعُوا أَرْحَامَكُمْ) قرأ يعقوب وحده (وتَقْطَعُوا أرْحَامِكُمْ) بفتح التاء، وسكون القاف، وفتح الطاء خفيفة. وقرأ الباقون (وتُقَطَّعُوا أَرْحَامَكُمْ) بضم التاء، وتشديد الطاء. قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (وتَقْطَعُوا) فهو من قولك قَطع رحِمَهُ يقطها. ومن قرأ (وتُقَطِّعُوا) فهو من قَطَّعَ رَحِمَهُ يُقَطِّهَا، وهو أبلَغ في باب قطيعة الرحم من قَطَع يَقْطَعُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ (31) قرأ أبو بكر عن عاصم (وَلَيَبْلُوَنَّكُمْ) بالياء، (حَتَّى يَعْلَمَ. . . وَيَبْلُوَ) ثلاثهن بالياء. وقرأ الباقون ثلاثهنَّ بالنون. وقرأ يعقوب ثلاثهن بالنون، غير أنه أسكن الواو من قوله: (وَنَبْلُوَ أخْبَارَكُمْ) .

(ها أنتم (38)

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (لَنَبْلُوَنَّكُمْ) بالنون، (حَتَّى نَعْلَمَ. . . وَنَبْلُوَ) فالمعنى: لنختبرنكم بالحرب حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين لأمر الله. والله - عزَّ وجلَّ - قد علم قبل أن خَلَقَهُم المجاهد والصابر منهم، ولكنه أراد العلم الذى يقع به الجزاء؛ لأنه إنما يجزيهم على أعمالهم، لا على ما عَلِمَ منهم. فتأوِيل قوله: حتى نَعْلَم عِلْمَ الشهادة لا عِلم الغيب. وَمَنْ قَرَأَ (لَيَبْلُوَنَّكُم) فالمعنى: ليبلونكم الله، أي ليختبرنَّكم. وأما قراءة يعقوب (ونَبْلُوا) بإسكان الواو فهو استئناف، والمعنى: سَنَبْلُوا أخبَارَكُمْ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (هَا أَنْتُمْ (38) روى عليٌّ بن نصر عن أبي عمرو: (هَا أَنْتُمْ) ممدودة مهموزة، مثل حمزة وعاصم والكسائي وابن عامر. وقرأ نافع وأبو عمرو - في سائر الروايات عنه (هآنْتُم) بمدة مطولة غير مهموزة. وقرأ ابن كثير (هَأَنْتُمْ) بوزن (هَعَنتمْ) . قال أبو منصور: مَنْ قَرَأَ (ها أنْتُمْ) فـ (ها) تنبيه، و (أنتم) كلمة علىِ حدة، وإنما مدَّ من ما ليفصل ألف (ها) من ألف (أنتم) . وجائز أنْ يَكون (ها أنْتم) بمعنى: أأنتم. بهمزة مطولة قلبت الهمزة الأولى هاء. وَمَنْ قَرَأَ (هَأَنْتُمْ) بوزن (هَعَنْتُم) فالمعنى: أأنتم. قلبت الهمزة الأولى هاء. والله أعلم. والقراءة هي الأُولى. * * *

انتهى الجزء الثاني ويليه إن شاء اللَّهُ تعالى الجزء الثالث ويبدأ من أول سورة الْفَتْحِ.

سورة الفتح

سورة الفتح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو (ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزروه ويوقروه ويسبحوه) بالياء. وقرأهن الباقون بالتاء. قال أبو منصور: من قرأهنَّ بالتاء فهو مخاطبة ومن قرأ بالياء فعلى معنى: لكى يؤمنوا باللَّه ورسوله ويعزِّروا النبى صلى الله عليه ويوقروه - * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَسَنُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر "فَسَنُؤْتِيهِ" بالنون. وقرأ الباقون "فَسَيُؤْتِيهِ" بالياء. قال أبو منصور: من قرأ بالنون أو الياء فالفعل للَّه عزَّ وجلَّ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا) قرأ حمزة والكسائي (ضُرًّا) بضم الضاد وقرأ الباقون (ضَرًّا) بفتح الضاد.

(أن يبدلوا كلام الله)

قال أبو منصور: (الضَّرُّ) بالفتح: ضد النفع. و (الضُّرُّ) بالضم: سُوءُ الحال. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ) قرأ حمزة والكسائي (كَلِمَ الله) بكسر اللام، بغير ألف. وقرأ الباقون (كَلامَ الله) بفتح اللام مع ألف. قال أبو منصور: من قرأ (كَلِمَ الله) فهى جمع كلمة، ومن قرأ (كَلام اللَّهِ) فهو اسم مِنْ كَلَّم يكَلِّم تكْليما وكَلامًا. وقد يوضع الاسم موضع المصدر فالكلام اسم ولا يجمع، لأنه بمنزلة المصدر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ. . . وَمَنْ يَتَوَل يُعَذبْهُ) قرأ نافع وابن عامر (نُدْخِلْهُ. . . وَنُعَذبْهُ) بالنون فيها. وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: من قرأ بالنون وبالياء فهو كله فعل الله عزَّ وجلَّ.

(وكان الله بما تعملون بصيرا (24)

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) . قرأ أبو عمرو وحده (بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرًا) بالياء. وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: التاء للخطاب، والياء للغيبة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ) . قرأ ابن كثير وابن عامر (شَطَأه) بفتح الطاء. وقرأ الباقون (شَطْأَهُ) بسكون الطاء. وروى أبو حماتم لنافع أنه قرأ (أخرج شَطهُ) بغير ألف. قال أبو منصور: القراءة الجيدة (أخرج شَطْأهُ) بسكون الطاء، والهمز. ومعنى الشَّطْء، فراخ الزرع إذا فَرَخَ. ومن قرأ (شَطَأه) فحرك الشين والطاء والهمزة فهى لغة مثل: (شَطْأَهُ) . وأما ما روى أبو حاتم لنافع (شطهُ) بحذف الهمزة فهى لغة كما قالوا للمرأة: الْمَرَة. ويقال: المَرة.

(على سوقه (29) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (فآزرَهُ (29) . قرأ ابن عامر (فأزَرَهُ) بوزن (عَزَرَهُ) . وقرأ الباقون (فآزَرَه) ، بوزن (عازَرَهُ) . قال أبو منصور: من قرأ (أزَرَهُ) بقَصْر الهمزة فالهمزة فاء الفعل. ومعنى (أزرَه) : قَواهُ. قال الفرّاء: أزرَهُ يأزِرُه أزْزا، أى: قَوَّاه. ومنه قول الله: (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) ، أى قُوتي. ومن قرأ (فآزَرَهُ) فهى فى الأصل: أَأْزَرَهُ. بهمزتين، على وزن (أفْعَلَهُ) . فخففت الهمزة الثانية، فصارت بوزن (عَازرَهُ) بهمزة مُطَولة. ومعنى: آزره، أى: أزَرَ الصغار الكبار حتى استوى بعضه مع بعض. وقال: بِمَحْنِيَة قدْ آزَرَ الضَّالَ نَبْتُهَا ... مَجَرَّ جُيُوش غَانِمِينَ وَخيّبِ المحنية: ما انْعَطَف من الوادى. قال الأصمعى: معنى قوله: قد آزَرَ الضالَ نبتُها، أى: ساوَى نباتُ العشبِ الضالَ، وهو: السِّدْرُ البرّى حتى استوى مع الضالِ لِطُوله واعتِمَامِه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (عَلَى سُوقِهِ (29) . قرأ ابن كثير وحده "على سُؤقه " بالهمز، ورواه بعضهم عنه "عَلىَ سُوْقِهِ " بغير همز

وقرأ سائر القراء " عَلَى سُوقِهِ " غير مهموز. قال أبو منصور: القراءة: (عَلَى سُوقِهِ) غير مهموز، جمع ساق. كما يقال: دَار ودُورٌ. والهمزُ فيه وَهْمٌ عندى.

سورة الحجرات

سورة الحجرات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ) . قرأ الحضرمي " لاَ تَقَدَّمُوا " بفتح التاء والدال. وقرأ الباقون (لَا تُقَدِّمُوا) بضم التاء وكسر الدال. قال أبو منصور: (لاَ تَقَدَّمُوا) فالأصل فيه: لا تَتَقَدَّمُوا، فحذفت التاء الأولى استثقالاً للجمع بين تاءنى. ومن قرأ (لاَ تُقَدِّمُوا) فهو من قدم يُقَدمُ، إذا تَقَدم. وفيه لُغَات: يقال: قَدَّم، وتَقَدَّمَ، واسْتَقْدم، وأقْدَم، وقَدِمَ. بمعنى واحد. والقراءة المختارة (لا تُقَدِّمُوا) بضم التاء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ) . قرأ يعقوب وحده (بين إخْوَتِكُمْ) . وقرأ الباقون (بَيْنَ أخَوَيْكُمْ) . قال أبو منصور: من قرأ (بَيْنَ إخْوَتِكُمْ) فهو جمع الأخ. ومن قرأ (يين أخَويْكُمْ) فهو تثنية الأخ. والإخْوة والإخْوَان: جمع الأخ من النسب، والأخ فى الدين، وإخْوَان الصفَا يجوز هذا فى ذاك، وذاك فى هذا.

(ولا تلمزوا أنفسكم) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (ولا تَلْمِزُوا أنْفُسكُمْ) . قرأ يعقوب (وَلاَ تَلْمُزُوا أنْفُسَكُمْ) . وكَسَر الميم الباقون. قال أبو منصور: هما لغتان، لَمَزَه يلْمِزُه، ويَلْمُزُه: إذا عابه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) . قرأ نافع وحده (لَحْمَ أَخِيهِ مَيِّتًا) بتشديد الياء. وخفف الباقون. قال أبو منصور: الميِّت، والميْت: واحد. وهما مثل: هيِّن وهَيْن، وليِّن ولَيْن. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لاَ يَلتْكُمْ) . قرأ أبو عمرو ويعقوب (لاَ يَألِتْكُمْ) مهموزة. وقرأ الباقون (لاَ يَلتْكُمْ) بألف بغير ألف. قال أبو منصور: من قرأ (لاَ يَلِتْكُمْ) فهو مِن (لاَتَ يَليتُ) يقال: لاَتَه يَلِيتُهُ لَيْتًا إذا نَقَصه. ويكون بمعنى: صَرَفَهُ عن وَجْهه. ومن قرأ (لاَيألتكم) فهو من: ألتَهُ يَألِتُهُ ألتًا، إذا نقصه. ودليل هذه القراءة قول الله فى سورة الطور:

(وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أى ما نقصناهم. واجتمع القرّاء على كسر الألف من قوله (إن أكْرَمَكُمْ عنْدَ الله) وقال أبو بكر بن الأنبارى فى قوله (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) هذا وقفٌ تام ثم تستأنف: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) . * * *

(يوم نقول لجهنم (30) .

سورة ق بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ (30) . قرأ نافع، وعاصم فى رواية أبي بكر " يَوْمَ يَقُولُ لِجَهَنَّمَ " بالياء. وقرأ الباقون " يوم نَقُولُ " بالنون. قال أبو منصور: معناهما واحد. وانتحماب قوله (يَوْمَ) بقوله: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ. . . يوم نقول) أى: فى ذلك اليوم، ويجوز أن يكون نَصبهُ بمعنى: أنذرهم يوم نقول. قال: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (هَلِ امْتَلَأْتِ (30) . روى أبو بكر عن عاصم " هل امتلاَتِ " بغير همز. وهَمَزَها الباقون. قال أبو منصور: والهمز أجودهما. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) . قرأ ابن كثير ونافع وحمزة (وَإِدْبَارَ السُّجُودِ) بكسر الألف. وقرأ الباقون (وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) بفتح الألف.

(فنقبوا في البلاد (36) .

قال أبو منصور: من قرأ (أَدْبَارَ) فهو جمعُ، دُبُر وأدبار. ومن قرأ بالكسر فهو مصدر أدبرَ إدبارًا وروى فى التفسير أن أدبار السجود: ركعتا السُّنَّة بعد صلاة المغرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ (36) . روى عبيد عن أبي عمرو (فَنَقَبُوا فِي الْبِلَادِ) خفيفة. وقرأ الباقون " فَنَقَّبوا" مشددًا. قال أبو منصور: من قرأ (فَنَقَّبُوا) فمعناه: فَطوَّفوا فى البلاد. ومنه قول الشاعر: وقد نَقَّبْتُ في الآفاقِ حتى ... رَضِيْتُ مِن الغنيمة بالإِياب ومن قرأ (فَنَقَبوا) خفيفة فمعناه: فَتَّشُوا ونَظرُوا. ومنه قيل للعرّيف: نقيبٌ؛ لأنه يتعرّف أمر القوم الذين جعِل نقيبًا عليهم،يتعرف أمرهم ويستحفزهم وقت الحاجة إليهم. روى عن يَحيَى بن يعمر أنه قرأ: (فَنَقِّبُوا فِي الْبِلَادِ) ومعناه: طَوِّفُوا فى البلاد فلا مَحِيصَ لكم، أى لا مَنْجَى لكم من الموت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَحَقَّ وَعِيدِ) و (يُنَادِ الْمُنَادِ) @، و (من يَخَاف وَعِيدِ (45) .

وقف عليهن يعقوب بالياء، ووصل (يناد) بغير ياء، ووصل الباقى بياء. وقرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو (المنادي) بياء فى الوصل، ووقف ابن كثيرٍ بياء.

سورة الذاريات

سورة الذاريات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) . قرأ أبو بكر عن عاصم، وحمزة والكسائي " مثلُ ما " بالرفع. وقرأ الباقون "مِثْلَ مَا" نصبًا. قال أبو منصور: من قرأ (مثلُ ما) فعلى أنه نعتُ للحق، صفة له قاله الفرّاء وغيره. ومن قرأ (مثلَ ما) فهو على وجهين: أحدهما: أن يكون فى موضع رفع، إلا أنه لما أضيف إلى (ما) وهو حرف غير متمكن فُتح. قال أبو إسحاق: وجائزٌ أن يكون منصوبا على التوكيد، المعنى: إنه لحق حقا مِثْلَ نطقكم، يعنى أرزاق العباد، ونزولها من السماء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ (44) .

(وقوم نوح من قبل إنهم (46) .

قرأ الكسائي وحده (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّعْقَةُ) بغير ألف. وقرأ الباقون (الصَّاعِقَةُ) بألف. قال أبو منصور: من قرأ (الصَّعِقَةُ) فهى (فَعْلَة) ، من قولهم: صَعَقَتْهم الصاعقة صَعْقة، أى أهْلكَتْهم. ومن قرأ (الصَّاعِقَةُ) عنى بها: الصيحة التى أهلكتهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ (46) . قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (وَقَوْمِ نُوح) خفضًا. وقرأ الباقون (وَقَوْمَ نُوحٍ) قال أبو منصور: من نصب فهو معطوف على معنى قوله: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) ، ومعناه: فأهلكناهم وأهلكنا قوم نوح من قبلُ. ويجوز أن يكون محمولاً على قوله: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ) أى: فأغرقناهُ وجنوده وأغرقنا قوم نوح من قبل. ومن خفض " وقوْمِ نوح " فالمعنى: وفى قوم نوح آية.

(ليعبدون (56) ، (أن يطعمون (57) ، (فلا يستعجلون (59) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (لِيَعْبُدُونِ (56) ، (أنْ يُطْعمون (57) ، (فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) . وصلهن يعقوب بياء، ووقف عليهن بياء. وسائر القراء لم يقفوا بياء. * * *

سورة الطور

سورة الطور بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (وأتْبَعْنَاهم ذريَّاتِهم) . قرأ ابن كثير وعاصم وحمزِة والكسائي " وَاتَّبَعَتْهُمْ " بالتاء، "ذُريتَهُمْ " على واحدة، " ألْحَقنا بِهِمْ ذُريتهُمْ " واحدة أيضا. وقرأ. نافع " وَاتَّبَعَتْهُمْ" بالتاء (ذُرِّيَّتُهُمْ) واحدة، (ألْحَقنا بِهِمْ ذُرياتهِمْ) جماعة، وقال خارجة عن نافع (ذُريَتُهُمْ)) على التوحيد معا. وقرأ أبو عمرو (وَأْتبَعْنَاهُمْ) (ذُرِياتِهِمْ) جماعة، (ألحَقنا بِهِمْ ذُرياتِهِم،) جماعة. وقرأ ابن عامر والحضرمي (وَاتَّبَعَتْهُمْ) بالتاء (ذُرياتُهُمْ) جماعة " ألْحَقنا بِهِمْ ذُرياتِهِمْ " جماعة. قال أبو منصور: من قرأ (وَاتَّبَعَتْهُمْ) فهو فعل ماض، اتَّبَعَ يَتَبعُ بمعنى: تَبَع يَتْبَعُ. والذرية: تقع على الواحد والجماعة. ومن قرأ (وأتبعناهم ذرياتهم) فمعناه: ألحقناهم أولِادهم، ويكون أتبع بمعنى: لَحِقَ. قال الله: (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا) أي: لحِق، فالأول متعدٍّ إلى مفعولين، الثاني متعدٍّ

(من قبل ندعوه إنه (28) .

إلى مفعول واحد. ومن قرأ (ذرياتهم) فهو جمع الذرّية، والتاء تاء الجماعة، تكسر في موضع النصب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) . قرأ ابن كثير وحده " وَمَا ألِتناهُمْ " بكسر اللام. وقرأ الباقون (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) . قال أبو منصور: ما روي عن ابن كثير (وَمَا ألِتناهُمْ) بكسر اللام فهو وَهْمٌ. قال ابن مجاهد وغيره: وأخبرنى أبو بكر بن عثمان عن أبي حاتم أنه قال: الهمز مع كسر اللام غلط. قال أبو حاتم: وروى عن ابن كثير الهمز مع فتح اللام كما قرأ القراء، وهو الصحيح. قال أبو منصور: هذا حرف فيه ثلاث لغات، يقال: ألتَ يَألِتُ. وَلاَتَ يلِيتُ. وألاَت يُلِيتُ. وكلها صحيحة مسموعة، معناها: النَقْصُ. وأمَّا ألِتَ يَألِتُ فهو خطأ، ولا يجوز القراءة بها، ولكن لو قرئ (مَا لِتناهُم) بغير ألف كان جيدًا في كلام العرب. ويكون من: لاَت يَليتُ. غير أنه لا تجوز القراءة إلا بما قُرِئ به. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ قَبْلُ نْدْعُوهُ إِنَّهُ (28) . قرأ نافع والكسائي (نَدْعُوهُ أنَّهُ هُوَ البَرُّ الرحِيمُ) بفتح الألف. وقرأ الباقون " نَدْعُوهُ إِنَّهُ " بكسر الألف.

(يصعقون (45) .

قال أبو منصور: من قرأ (نَدْعُوهُ أنهُ) بفتح الألف فمعناه: لأنه، أو بأنه ومن قرأ (إِنَّهُ) فهو استئنافٌ. وقرأ ابن جَمَّاز عن نافع " نَدْعُوهُ إِنَّهُ " بكسر الألف. وقرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو (لاَ لَغْوَ فِيهَا وَلاَ تأثيِمَ (23) نصبًا. وقرأ الباقون بالرفع والتنوين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَصْعَقُونَ (45) . قرأ ابن عامر وعاصم (يُصْعَقونَ) بضم الياء وقرأ الباقون "يَصْعَقونَ " بفتحها. قال أبو منصور: هما لغتان، صَعِقَ يَصْعَقُ، وضعِقَ ئححْعَق، إذا مات، أو غشى عليه. مِن قال: صعِقَ، فهو من صَعَقَتْهُم الصاعقة، وهم مُصْعَقُون. ومن قال: صَعِق، فهو فعل لازم. * * *

سورة النجم

سورة النجم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) . قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر هذه السورة كلَّها بفتح أواخر آياتها. وقرأ نافع وأبو عمرو بين الفتح والكسر. وقرأ حمزة والكسائي بالكسر، وكان يُميل " رآهُ " و (رأى) . وفتح عاصم في رواية حفص ذلك. والقطعي عن عبيد عن أبي عمرو (بالأفق الأعلى) مُمَالةً، " ثم دنا فَتَدَلَّى" مُمَالَةً، " ولَعَلاَ بعضهم "، مفتوحة، هكذا يقْرَأها. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (مَا كَذَبَ الْفُؤادُ مَا رَأىَ) . روى هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر " مَا كَذَّب " بتشديد الذال. وخفَّف الباقون.

(أفتمارونه على ما يرى (12)

قال أبو منصور: من قرأ (مَا كَذَبَ) مخففا فمعناه: ماكذب فؤاد محمد - صلى الله عليه وسلم - في ما رأى بعينه. ومن قرأ (مَا كَذَب الفؤادُ ما رأى) فمعناه: لم يجعل الفؤادُ رؤية عينه كذبًا. والقراءة بالتخفيف، وهو المختار. وفي الحديث: أنه رأى جبريل عليه السلام على صورته وله ستمائة جناح قد ملأ الأفق تَهَاوِيلُها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) قرأ حمزة والكسائي والحضرمي " أَفَتُمْرُونَهُ " بفتح التاء، بغير ألف. وقرأ الباقون "أفتمارونه " بالألف وضم التاء. قال أبو منصور: من قرأ (أَفَتُمْرُونَهُ) أفتَجْحَدُونه. ومن قرأ (أَفَتُمَارُونَهُ) فمعناه: أفتُجادلونه في أنه رأى من آيات رَبِّه ما رأى. يقال: ما رَيْت فلانًا، أي: جادلته. ومَريْتُه أَمْرِيه، أي: جَحَدْته. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) قرأ ابن كثير، والأعشى عن أبي بكر عن عاصم (ومَنَاءَة الثالثة) . وقرأ الباقون (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ) مقصورة. قال أبو منصور: المدُّ والقصر فى (مَنَاةَ) - وهو: صَنَم - جائز، وكان لثقيف. وقال بعضهم: (مناة) : صخرة كانت لهذيل وخُزَاعة يَعْبدونها من دون الله. وأنشد الكسائي بيتًا في (مَنَاءَةَ) ممدودة

(قسمة ضيزى (22) .

ألا هل أَتَى تَيْمَ بنَ عبدِ مَناءة ... علَى الشَّنْءِ فيما بيننا ابنُ تميمِ * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) . قرأ ابن كثير وحده (ضِئْزَى) بالهمز. وقرأ الباقون بغير همزٍ. قال أبو منصور: المعنى في: ضِيزَى وضِئزَى واحد، يقال: ضَازَهُ يَضِيزُه، إذا نقصه حقه. ويقال أيْضًا: ضَأزه يَضْأزه - بالهمز -: بمعنى واحد و (ضِيزَى) بغير همزٍ، في الأصل: ضُيْزى بضم الضاد على (فُعْلَى) فثقلت الضمة مع الياء، فكسرت الضاد؛ لأن الياء أخْت الكسرة، كما قالوا: أبْيَض وبِيض. وأصله: بُيْض. على (فُعْلى) ، كما يقال: حُمْر وسُودٌ. وإنما قلنا هذا لأنه ليس في كلامِ العرب صفة على (فِعْلَى) ، إنما الصفات تجيء على (فَعْلَى) نحو: سَكْري، وغضبى. وعلى (فُعْلَى) نحو: حُبْلَي، وفُضْلى. وقيل في تفسير (ضِيزَى) : إنها بمعنى: جائرة. * * * وقرأ يعقوب: (وَأَنَّه هُّوَ رَبُّ الشعْرَى (49) يدغم الهاء في الهاء. وكذلك قوله: (وَأنَّهُ هُوَ أغنى وَأقنى (48) وسائر القراء لم يدغموا. قال أبو منصور: إظهار الهاءين أكثر وأجود؛ لأنهما من حرفين، والإدغام فيهما جائز، وإن لم تكثر القراءة بها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50)

قرأ نافع وأبو عمرو والحضرمي "عادًا لُّولى" مدغمة التنوين، موصولة الألف. وروى عن نافع " لُؤلَى " بالهمز. وأما أبو عمرو فإنه لم يهمز. وقرأ الباقون (عَادًا الْأُولَى) منونًا. قال أبو منصور: أما قراءة نافع وأبو عمرو (عادًا لُّولَى) فإنهما حذفا همزة (الأولى) ، وأدغما التنوين في اللام وهذا كقول كثير من العرب، هذا الاحْمَرُ جاء، ثم يحذفُون الهمزة فيقولون: هذا لَحْمَر قَدْ جاء. وأما همز نافع (لُؤلى) فإني أظنه نقل همزة (الأولَى) من أولها إلى الواو، وليست بجيدة، ولا أرى أن يُقْرأ بها؛ لأنها شاذة. وقال الزجاج: (الأولى) فيها ثلاث لغات، يقال: الأولى بسكون اللام، وإثبات الهمزة، وهى أجود اللغات. والتى تليها في الجودة (الاوْلَى) بضم اللام، وطرح الهمزة. وكان يجب في القياس إذا تحركت اللام أن يسقط ألف الوصل؛ لأن الف الوصل اجْتُلبت لسكون اللام، ولكنه جاز ثبوتها لأن ألف لام المعرفة لا يسقط مع ألف الاستفهام فخالفت ألفات الوصل. قال: ومن العرب من

(وثمودا فما أبقى (51) .

يقول: لُولَى. يريد: الأولى، فيطرح الهمزة لتحرك اللام. وقد قرئ (عادًا لُّولَى) على هذه اللغة، وأدغم التنوين في اللام. والأكثر (عادًا الأولى) بكسر التنوين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَثَمُودًا فَمَا أَبْقَى (51) . قرأ حمزة، وحفص، ويحيى عن أبي بكر، والحضرمي (وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى) غير مُجرى، ونونه الباقون. قال أبو منصور: من لم ينون (ثَمُود) ذهب بها إلى القبيلة فترك الإجراء. ومن نون ذهب إلى اسم الجد الأكبر، وهو عربي سُميَ به مذكَر، فأجْرِىَ، وقد جاء في القرآن مجرى وغير مجرى. والمواضع التى اتفق القراء على ترك إجرائه ينبغى أن تقرأ كما قرأوا. وما اختلفوا فيه فَإِلَيْك الاختيار. * * * وقوله جلَّ وعزَّ (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) . قرأ يعقوب (تمَارَى) . وقرأ الباقون " تَتَمارَى " بتاءين. قال أبو منصور: من قرأ (تَتَمَارى) بتاءين، فإحدى التاءيْن تاء الخطاب، والثانية تاء التفاعل، على معنى: أيها الإنسان، بأي نعَم ربك التى تدُلكَ على أنه واحد تتشكَّك؟! وهذا من المِرْيَة، وهو الشك. ومن قرأ (تَمَارَى) فهو على حذف إحدى التاءين، ويجوز تشديد التاء الباقية. * * *

سورة القمر

سورة القمر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي) و (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِي) . قرأ ابن كثيرٍ ونافع "يَوْمَ يَدْعُ الداعِ " بغير ياء، " مُهطِعِينَ إلى الداعي " بياء في الوصل، ووقف ابن كثير بياء. وقرأ أبو عمرو (الداعي) ، و (إلى الداعي) فيْ الوصل جميعًا ونحو ذلك روى إسماعيل بن جعفر وورش عن نافع فيهما. وقرأها الباقون بغير ياء لا في وصل ولا وقْف. قال أبو منصور: من قرأ (الدَّاعِ) اكتفى بالكسرة الدالة على الياء عنها. ومن قرأ (الدَّاعِي) فَعَلى الأصل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إلَى شَيْءٍ نُكُر) . قرأ ابن كثير وحده " إلَى شَىْءٍ نُكْرٍ " خفيفا. وقرأ الباقون "إلَى شَيْءٍ نُكُر" ثقيلا.

(خاشعا أبصارهم) .

قال أبو منصور: هما لغتان، نَكْر ونكُر. والتثقيل أجود الوجهين لتتفق الفواصل بحركتين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (خَاشعًا أبْصَارُهم) . قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم "خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ" بضم الخاء، وتشديد الشين. وقرأ الباقون "خاشعًا" بفتح الخاء، والألف. قال أبو منصور: من قرأ (خُشَّعًا) و (خاشِعًا) فالنصب على احال، المعنى: يخرجون من الأجداث خُشعًا أبْصارهم. فمن جَمَع فلأنه نعت للجماعة، كقولك: مررت بشباب حِسَان وجوههم. ومن وحَّد فلتقدم النعت على الجماعة، كقولك: مررت بشباب حَسَنٍ أوْجُهُهُمْ. قال: وَشَبابٍ حَسَنٌ أوْجُهُهُمْ ... مِنْ إِيَادِ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَد * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ) . قرأ ابن عامر ويعقوب "ففتَّحنا" مشددة التاء. وقرأ الباقون (فَفَتَحْنا) خفيفة.

(سيعلمون غدا (26) .

قال أبو منصور: من شَدد فلتكثير الفعل. ومن خفف فلأنه فتح مرة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَيَعْلَمُونَ غَدًا (26) . قرأ ابن عامر وحمزة " ستعلمون " بالتاء، وكذلك قرأ يعقوب. وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللمخاطبة. ومن قرأ بالياء فللغيبة. حذفت من هذه السورة تسع ياءات، قوله: (فَمَا تُغْن النذُرُ) ، (يَوْمَ يَدْعُ الداعِ) ، (إلَى الدَّاعِ) وستة مواضع (نُذُر) . وصَلَهُن يعقوب بياء، ووقف بياء إلاّ قوله (فَمَا تُغْنِ النَّذُرُ) ، فإنه وصل بغير ياء، ووقف بغير ياء. وروى ورشٌ عن نافع " ونُذرِى " في جميع السورة بياء.

سورة الرحمن

سورة الرحمن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) . قرأ ابن عامر " والحبٌ ذا العصفِ والريحانَ " نصبا كله. وقرأ حمزة والكسائي (والحبُّ ذو العصف) بالرفع (والريحانِ) خفضًا. وقرأ الباقون (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ) رفعًا كله. قال أبو منصور: من قرأ (وَالْحَبَّ ذُا الْعَصْفِ) فإنه عطفه على قوله (والأرضَ وضعها للأنام) ، كأنه قال: وخلق الحبَّ ذا العصف. والعصفُ. ورق الزرع، ويقال له: التبن. وأمَّا الريحان، فهو: الحب ومنه قيل للرزق: ريحان. وحدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن سنان، قال: حدثنا الحسين بن الحسن عن أبي كُدَيْنَة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله (والحبُّ ذو العصف والريحانُ) ، قال: العصف: الزرع. والريحان: الرزق. ومن قرأ (والريحانِ) بالكسر عطفه على (العصفِ) . ومن قرأ (والريحانُ) عطفه على قوله: (والحبُّ) .

(يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (22) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) . قرأ نافع وأبو عمرو ويعقوب (يُخْرَجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)) بضم الياء، وفتح الراء. وروى حسين بن الجعفى عن أبي عمرو (نُخْرِجُ " بالنون، وكسر الراء، وأيضا "يُخْرِجُ " بياء مضمومة، وكسر الراء، (اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) وقرأ الباقون " يَخْرُجُ مِنْهُمَا " بفتح الياء، وضم الراء (اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) رفعًا. قال أبو منصور: من قرأ (يُخْرَجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ) فعلى ما لم يسم فاعله، وكذلك رفع (اللُّؤْلُؤُ) . ومن قرأ (نُخْرِجُ) أو (يُخْرِجُ) فالفعل للَّه. و (اللؤلؤ والمرجانَ) مفعول بهما. ومن قرأ (يَخْرُجُ) فالفعل لِلولؤ وما بعده؛ لأنهما فاعلان. واللؤلؤ. اسم جامع للحب الذي يخرج من الصدَفةِ صغيرا كان أو كبيرا. وإنما قال: (يَخرجُ منهما) واللؤلؤ يخرج من الملح دون العذْب، لأنه قد ذكرهما جميعًا، وإذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَئَاتُ (24) .

(سنفرغ لكم أيه الثقلان (31) .

قرأ حمزة، ويَحْيَى عن أبي بكر عن عاصم. " المُنْشِئَاتُ " بكسر الشين ومد الألف. وقرأ الباقون " المنُشَئات " بفتح الشين. قال أبو منصور: من قرأ (الْمُنْشِئَاتُ) بكسر الشين فمعناها: المبتدآت في السير، يعنى: السفُنَ. ومن قرأ (المنشَئات) فله معنيان: أحدهما: المرفوعات الشُّرُع. والمعنى الثاني: التى أنْشئ بهن في السير، أي: ابتدئ بهن في السير. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31) . قرأ حمزة والكسائي " سَيَفْرُغُ " بالياء وضم الراء. وقرأ الباقون (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) بالنون وضم الراء. قال أبو منصور: من قرأ (سَيَفْرُغُ) أو (سَنَفْرُغُ) فالفعل لله. ومعنى سيفرغ: سيقصد، ليس أنه كان مشغولاً ففرغ، ولكنه كما شاء الله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ (35) . قرأ ابن كثير وحده " شِوَاظٌ " بكسر الشين، وقرأ الباقون (شُوَاظٌ) وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (وَنُحَاسٍ) خافضًا. وقرأ الباقون (ونحاسٌ) رفعًا.

(من إستبرق (54) .

قال أبو منصور: الشُّوَاظ، والشِّوَاظ لغتان في اللهب الذي له دخان. ونحاس - هَهُنَا - معناه الدخان. ومن خفضه عطفه على قوله: (من نارٍ) ومن رفعه عطفه على قوله: (شُوَاظٌ) . وقال الجعدي: يُضىْءُ سِرَاجا كَضوْء السَّلِيـ ... طِ لم يجعل الله فيه نحاسًا * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ إِسْتَبْرَقٍ (54) . قرأ أبو بكر في رواية الأعشى عنه، ويعقوب "من استبرق " موصول الألف، بغير همز. وقرأ الباقون " من إستبرق " بقطع الألف، مكسورة في الوصل والابتداء. وقرأ الحضرمي بكسر الألف إلى النون، فكسر النون بكسر الألف. قال أبو منصور: من قرأ (مِن استبرق) بغير همز جعل الألف وصلاَّ، ولم يجعلها ألفًا مقطوعة، ولا أصلية. ومن قرأ (إِسْتَبْرق) بقطع الألف اعْتَل بأنه بياء في اسم عجميّ، فكما أنه أجْريَ لأنه أعجمي فكذلك قطعت ألفه. والعرب أخذته عن العجم فتكلمت به وأجْرْتهُ حين أَعْرَبته. والإسْتَبْرق: غلاظ الديباج، أصله إستبره. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ (56، 74) . قرأ الكسائي وحده (لَمْ يَطْمُثْهُنَّ) بضم الميم في الأولى، وبكسرها في الثانية.

(تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام (78)

وروى أبو الحارث عنه: أنه كان لا يبالي كيف قرأهما جميعا بالضم أو بالكسر. وقرأ الباقون " لَمْ يَطْمِثْهُنٌ " بكسر الميم فيهما. قال أبو منصور: هما لغتان طَمَثَ الرجلُ الجاريةَ البكرَ يطمِثُها ويَطْمُثها إذا دماهَا حين جَامَعَها، أراد: أنهن أبكار، لم يجامعهن أحد قبله. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) قرأ ابن عامر وحده " ذُو الْجَلاَلِ " بالواو. وقرأ الباقون " ذِي الْجَلاَلِ " بالياء. قال أبو منصور: من قرأ (ذي الْجَلاَل) ردَّه إلى (ربِّك) . ومن قرأ (ذو الجلال) رده على قوله: (اسمُ رَبِّكَ ذُو الجلال) . * * *

سورة الواقعة

سورة الواقعة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَحُورٌ عِينٌ (22) . قرأ حمزة والكسائي (وَحُورٍ عِينٍ) خافضًا. وقرأ رفعا الباقون (وَحُورٌ عِينٌ) قال أبو منصور: من قرأ بالرفع فالمعنى: يَطوفُ عَلَيْهم وِلْدان مخلدون بهذه الأشياء بماقد ثبت لهم، فكأنه قال: وَلَهم (حُورٌ عِينٌ) . ومن قرأ (وَحُورٍ عينٍ) عطفه على قوله (بِأكْوَاب وَأباريق. . . . . . وَحُورٍ عين) . فإن قيل: إن الحور ليس مما يُطاف به، قيل له: هو مخفوض على غير ما ذهبت إليه، وإنما المعنى: يطوف عليهم وِلْدان. . . . . بأكوابٍ ينعمون، وكذلك ينعمون بلَحْم طير، وكذلك ينعمون بحوُرٍ عين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (عُرُبًا أَتْرَابًا (37) . قرأ حمزة " (عُرْبًا) ساكنة الراء. وكذلك روى يَحيَى عن أبي بكر عن عاصم (عُرْبًا) خفيفة.

(فشاربون شرب الهيم (55) .

وقرأ إسماعيل بن جعفر عن نافع " عُرْبا " خفيفة، وكذلك أبو زيد عن أبي عمرو (عُرْبا) بالتخفيف أيضا. وقرأ الباقون (عُرُبًا) بضمتين. قال أبو منصور: العُرْب، والعُرُبُ: جماعة العَروب من النساء، وهى: المُتَحببّةَ إلى زَوْجها. العَرُوب؟ الغَنِجَةُ. وقيل: هى المُغتَلِمَةُ. وقال الراجز: وَالعُرْبُ فى عَفَافَةٍ وَإعْرَاب أراد: أنهنَّ جمَعْن عَفَافًا عند غير الأزواج. وَإعْرَابًا، أي: إفْحَاشًا عند الأزْواجَ. ومثل عَرُوب وعُرْب وعُرُب: رَسُول ورُسْل ورُسُل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) . قرأ نافع وحمزة وعاصم " شُرْبَ " بضم الشين. وقرأ الباقون " شَرْبَ الْهِيمِ " بالفتح على المصدر. وقال الكسائي: شَرِبْتُ شُربا وشَربا. وقيل: الشُّرْب: الإناء، والشرْبُ: المصدر، والشَرْب - أيضا -: جمع الشارِب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ (65)

(إنا لمغرمون (66) .

قرأ ابن كثير وحده "نَحْنُ قدَرْنَا بيْنَكُمُ " مخففة. وقرأ الباقون " قَدَّرْنا " مثقلا. قال أبو منصور: العرب تقول: قدَرْت أقدِر، وأقْدُر، أي: قدَّرْتُ. قال الله: (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) وقرئ " فَقَدَّرنا) . و (القادرون) : من قَدَرَ مخفف. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (إنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) . قرأ أبو بكر عن عاصم " أئنَّا لَمُغْرمون " يهمز بهمزتين. وقرأ الباقون (إنَّا لَمُغْرمون) بألف مكسورة. قال أبو منصور: من قرأ (أئِنا) فهو استفهام. والمغرمون: الذين قد غَرِموا وذهبت غَلاَّتُهم وزُرُوعهم. والغُرْم: النَّقْص والخُسْر. ومن قرأ (إنَّا) فهو استئناف، و (إِنَّا) : جمع أنَا. * * * وقول الله جلَّ وعزَّ (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) . (أوْ) مجزوم ها هنا، كذلك قرأ نافع وابن عامر ها هنا، والباقون فتحوا الواو. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) . قرأ حمزة والكسائي "بِمَوقِعِ النُّجُومِ " موحدا. وقرأ الباقون " بِمَوَاقِعِ " جماعة.

(هذا نزلهم يوم الدين (56) .

قال أبو منصور: من قرأ (بموْقع) فاللفظ مُوَحد، ومعناه الجمع. ومن قرأ " بمواقع، فإن لكل نجم مَوْقِعًا على حدة. واختلف المفسرون في مواقع النجوم، فقال بعضهم: هى مساقطها في أنْوَائها. وقيل: عنى بها: نجومُ القرآن؛ لأنه أنزل إلى السماء الدنيا ثم كان ينزل منه الشىء بعد الشيء نجومًا في أوقات الحاجة إليها، الدليل على ذلك: قوله (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) . روى عبَّاس عن أبي عمرو) " هَذَا نُزْلهُمْ يَوْمَ الدِّين " مخففًا. وقرأ الباقون "نُزُلُهُمْ" مثقلا. قال أبو منصور: هما لغتان، قال الله: (خَيْرٌ نُزُلاً) . ومعنى قوله: (هذا نُزُلهم) أي هذا غذاؤهم وطعامهم - * * * قوله جلَّ وعزَّ: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) روى المفضّل عن عاصم " أنكم تَكْذبون " بفتح التاء خفيفة. وقرأ سائر القراء " أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ " بالتشديد. قال أبو منصور: من قرأ بالتشديد فالمعنى: أتجعلون شكر ما رُزقتم من الماء الذي هو قِوام عيشكم التكذيبَ، فتقولون مُطرِنا بنوء كذا، ولا تشكرون الله

(فروح وريحان (89) .

على إنعامه عليكم به، ورزقه إياكم. ومن قرأ (تَكْذِبُونَ) فمعناه: تجعلون شكر رزقكم الكذب حين تقولون: مُطرنا بالنوْء. وأنتم كاذبون في ذلكم. و (أنَّ) دخلت مع الفعل بمعنى المصدر في قوله: (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ (89) . قرأ يعقوب وحده (فرُوحٌ وريحان) . وقرأ الباقون " فَرَوْحٌ " بفتح الراء. قال أبو منصور: من قرأ (فَرُوحٌ وَرَيْحَانْ) فمعناه: فحياةٌ دائمةٌ لا موت فيها. (وَرَيحانْ) ، أي: رِزْق دارٌّ عليكم. ومن قرأ (فَرَوْح وَرَيحْانْ) فالرَّوْحُ: الْفَرَجُ، كأنه قال: فأما إن كان من المقربين فله رَوْح وريحان. وقد يكون الرَّوح، بمعنى؛ الاستراحة والبَرْد. حدثنا عبد الملك عن إبراهيم بن مرزوق عن مسلم عن هارون النحوي عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن عائشة أنَّ رسول الله صلى الله عليه قرأ: (فَرُوحٌ وَرَيْحَان) .

سورة الحديد

سورة الحديد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَقَدْ أخَذَ مِيثَاقَكُمْ) . قرأ أبو عمرو وحده " وَقَدْ أُخِذَ مِيثَاقُكُمْ " بضم الألف والقاف. وقرأ الباقون (وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ) . بفتح الألف والقاف. قال أبو منصور: من قرأ بضم الألف أو فتحها فالفعل لله، هو الذي أخذ ميثاقهم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) . قرأ ابن عامر (وَكُلٌّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) . وقرأ الباقون (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) . قال أبو منصور: أما قراءة ابن عامر فـ (كُلٌّ) ترفعه بما عاد من الهاء المضمر، التقدير: وكلٌّ وعَدَهُ الله الحسنى. ومن نصب فقرأ (وَكُلًّا) نصبه بـ (وعد) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا) .

(وما نزل من الحق) .

قرأ حمزة وحده " أَنظِرُونَا " بقطع الألفى، وكسر الظاء. وقرأ الباقون " انْظُرُونَا " موصولة الألف، مضمومة الظاء. قال أبو منصور: أما وجه قراءة حمزة (أنْظِرُونَا) بالقطع فمعناه: أمْهِلُونا. وقد قيل: يكون (أنْظِرُونَا) بمعنى: انتظرونا. ومنه قول عمرو بن كلثوم: أُبا هِنْدٍ فَلاَ تَعْجَلْ عَلينَا ... وَأنْظِرْنَا نُخبًرْكَ الْيقِينَا أي: أمهلنا. ومن قرأ (انْظُرُونَا) فمعناه: انتظرونا لا اختلاف فيه عند اللغويين. يقال: أنظرت فلانًا أنظره، إذا انتظرته. وكان أبو حاتم ينكر (أَنْظِرُونَا) أشد الإنكار وقال: لا معنى للتأخير هَهُنا. وهو كما قال إن شاء الله. والقراءة المختارة (انْظُرُونَا) بضمة موصولة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) . قرأ نافعِ، وحفص، والمفضل عن عاصم (وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) خفيفة. وقرأ الباقون " نزَّلَ " مشددة، وروى عباس عن أبي عمرو (وَمَا نُزِّلَ مِنَ الْحَقِّ) بضم النون. قال أبوِ منصور: بن قرأ (مَانَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) فهو من: نَزَلَ يَنْزِل نُزُولاً. ومن قرأ (ومَا نزَّل مِنَ الْحَقِّ) فالفعل لله، أي: وما نَزَّل الله من الحق. ومن قرأ (وَمَا نُزِّلَ) فهو على ما لم يسم فاعله، ونُزِّل بأمر اللَّه.

(إن المصدقين والمصدقات) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ) . قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم (إِنَّ الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُصَدِّقَاتِ) بتخفيف الصاد. وسائر القراء شددّوا الصاد والدال. قال أبو منصور: مَنْ شدد الصاد فالمعنى: إنَّ المتصدقين والمتصدقات. فأدغمت التاء في الصاد وشددت. ومن قرأ (الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُصَدِّقَاتِ) بتخفيف الصاد، فمعناه من التَّصدِيق، كأنه قال: إن المؤمنين والمؤمنات، أي: الذين صدَّقُوا الله ورسوله، والإيمان والتصديق واحد، ويقال للذي يقبض الصدقات: مُصدق. بتخفيف الصاد. فأما الذي يعطي الصدقة المسكين فهو مُتَصدِّق، ومُصَّدِّق. قال اللَّه: (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) . ولم يقل: صَدِّقْ علينا. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) . قرأ ابن عامر ويعقوب " لاَ تُؤخَذُ مِنْكُمْ " بالتاء. وقرأ الباقون " لاَ يُؤخَذُ مِنْكُمْ "بالياء. قال أبو منصور: من قرأ (لاَ تُؤخَذ منكم) بالتاء فلتأنيث الفدية. ومن قرأ بالياء. ذهب به إلى الفداء. وكلٌّ جائز، فاقرأ كيف شئت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتاكُمْ (23) .

وقوله جل وعز: (فإن الله هو الغني الحميد (24) .

قرأ أبو عمرو وحده " بِمَا أَتاكُمْ " بقصر الألف. وقرأ الباقون " بِمَاَ آتاكُمْ " بألف مقطوعة. قال أبو منصور: من قرأ (بِمَا أتاكُمْ) بقصر الألف فالمعنى: لا تفرحوا بما أتاكم فتبْطروا، أي: جاءم من حُطام الدُّنيا، فإنه فانٍ لا بقاء له. ومن قرأ (بما آتاكم) فمعناه: لاتأشَرُوا بِمَا أعْطاكم الله من غضارة الدنيا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) . قرأ نافع وابن عامر " فإن الله الغنّى الحميد " بغير (هُوَ) ، وكذلك هو في مصحف أهل الشام وأهل المدينة مكتوبٌ. وقرأ الباقون (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) . وكذلك كُتبَ في مصاحف أهل العراق ومكة. من قرأ (فإنَّ الله هو) (فهو) عماد، ويسميه البصريون فَصْلا. ومعناه: إن الله هو الغنى دون الخلائق؛ لأنّ كُلّ غَنىّ إنما يُغْنِيه اللهُ، وكل غَنِى مِن الخلق فقير إلى رحمة الله. ومن قرأ (إن الله الغني الحميد) فمعناه: إن الله الغني الذي لا يفتقر إلى أحد. و (الحميد) : المحمود على كل حال. * * *

سورة المجادلة

سورة المجادلة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ) . روى المفضل عن عاصم: (مَا هُنَّ أُمَّهَاتُهِمْ) بالرفع. وقرأ سائر القراء: (مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ) . قال أبو منصور: من قرأ (مَا هُنَّ أُمَّهَاتُهِمْ) بالرفع فهى لغة تميم، يرفعون خبر (ما) إذا كانت نافية، يقولون: ما زيد عالم. ومن قرأ (مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ) فالتاء مخفوضة فى موضع النصب؛ لأنها تاء الجماعة، وهى اللغة العالية، لغة أهل الحجاز، ينصبون خبر (ما) ، فيقولون: ما فلانٌ عالمًا. والقرآن نزل بلغة أهل الحجاز، قال الله: (مَا هَذَا بَشَرًا) . والمعنى فى قوله: ماهُن أمّهاتِهم. أى: بِاللوَاتِى يُجعَلْنَ مِن الزوجات كالأمهات فى الطهَار أُمهَات، ثم قال: (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) أى: ما أُمَّهَاتُهُمْ إلا والِدَاتهم، فأما نِسَاؤهم فَلَسْنَ لهم بأمهات. وقوله جلَّ وعزَّ: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب: (وَالَّذِينَ يظَّهَّرونَ) مشددة بغير ألف.

(ويتناجون بالإثم والعدوان) .

وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: (الذِينَ يَظَّاهَرونَ) بفتح الياء، وتشديد الظاء، والألف. وقرأ عاصم وحده: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ) بضم الياء، والألف، والتخفيف. قال أبو منصور: من قرأ (يَظَّهَّروُنَ) بتشديد الظاء والهاء، فالأصل: يتظهرون. فأدغمت التاء فى الظاء وشددت. ومن قرأ: (يَظَّاهَرُونَ) فهو فى الأصل: وشددت أيضا. يتظاهرون. فأدغمت التاء فى الظاء وأما قراءة عاصم (يُظاهِرُونَ) فهو من ظَاهَر يُظَاهِر ظِهَارًا. والمعنى واحد وإن اختلفت الألفاظ. يقال: ظاهر الرجل من امرأته، واظَّاهَر وتظاهَر، واظَّهَّرَ، ويظَّهرُ منها، وهو يقول لها: أنت عليَّ كظهر أمِّي. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . قرأ حمزة (يَنْتَجُوْنَ) بغير ألف. وقرأ يعقوب الحضرمي (إِذَا تَنَاجَيْتُمُ) بالألف، (فَلاَ تَنْتَجُوا) بغير ألف. (ويَنْتَجُوْنَ) بغير ألف أيضا. وقرأ سائر القراء بالألف فى كل هذا.

(ولا أدنى من ذلك ولا أكثر) .

قال أبو منصور: هما لغتان: تنَاجَى الْقَوْمُ، وانتجَوْا، إذ نَاجَى بَعضُهم بعضًا، يتناجَوْن. فالتناجِى (تَفَاعُل) ، والانْتِجَاءُ (افْتِعَال) والمعنى واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ) . قرأ الحضرمي وحده " وَلاَ أكثرُ " رفعًا. قال أبو منصور: من قرأ (ولاَ أكثرُ) بالرفع عطفه على موضع الرفع فى قوله: (مَا يَكُون مِن نَجْوَى ثَلاَثةٍ) ؛ لأن المعنى: ما يكون نجوى ثلاثة. و (مِنْ) زائدة. كما قال: (مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ) ، أى: ما لكم إلهٌ غَيْرُه. ومن قرأ (ولا أكثرَ) بفتح الراء فهو فى موضع خفض، منسوقة على (ثَلاَثَةٍ) ، وهى القراءة الجيدة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَفَسَّحُوا فِي الْمَجْلِسِ) . قرأ عاصم (تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ) . وقرأ الباقون (فِي الْمَجْلِسِ) . قال أبو منصور: (فِي الْمَجَالِسِ) فهو جمع: (المَجْلِس) . ومن قرأ (فى المجلس) فهو: موضع جلوس القوم فيه. ويقال للقوم إذا اجتمعوا فى مكان: مَجْلِس. ومنه قوله:

(وإذا قيل انشزوا فانشزوا) .

وَاسْتَبَّ بَعْدَكَ يَا كُلَيْبُ الْمَجْلِسُ أراد: أهل المجلس. * * * قوله عزَّ وجلَّ: (وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) . قرأ نافع وابن عامر وعاصم (وإذا قيل انشُزوا فانشُزوا) بضم الشين. وقرأ الباقون بكسر الشين. قال أبو منصور: هما لغتان، يقال نشز ينشِز وينشُز، إذا نهض. ومعناه: إذا قيل انهضوا إلى الصلاة أو إلى قضاء حقٍّ، أو شهادة فانهضوا فقوموا ولا تَتَثَاقَلُوا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ (أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ) . روى المفضل عن عاصم (أُولَئِكَ كُتِبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانُ) رفعًا. وقرأ سائرهم ((أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ) . قال أبو منصور: المعنى واحد فى القراءتين، أي: كتب الله فى قُلوبهم الإيمان فلا يَكْفُرون.

(لأغلبن أنا ورسلي) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) . قرأ نافع وابن عامر " وَرُسُلىَ " بفتح الياء. وأرسلها الباقون. * * *

سورة الحشر

سورة الحشر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ) . قرأ أبو عمرو وحده (يُخَرِّبون) بتشديد الراء. وقرأ الباقون (يُخْرِبُونَ) بسكون الخاء. قال الفراء: من قرأ (يُخرِّبون) فمعناه: يهدمون. ومن قرأ (يُخْرِبون) معناه: يعطلون. وقال الزجاج: (يُخرِّبون) أى: يعرضونها لأن تخرب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (أوْ مِن وَرَاء جِدَارٍ) . وقرأ الباقون (أوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ) . قال أبو منصور: جُدُر جمع جِدَار. ومن قرأ (جِدَارٍ) أراد به الجنس.

واتفق القراء إلا من شذ عنهم " كَيْلا يَكُونَ دُوْلَةً " بالضم. والدُّولة: اسم المال الذي يُتَدَاوَل فيكون مَرةً لهؤلاء ومرةً لهؤلاء. وأما الدّوْلَة فإنها تَكونُ في الحروب، وانتقال من حال إلى حال. وقرأ ابن كنير ونافع وأبو عمرو: (إنِّيَ أخَافُ اللَّهَ) وأسكنها الباقون.

سورة الامتحان

سورة الامتحان بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (يَفْصِلُ بَينَكُمْ) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (يُفْصَلُ) بضم الياء، وفتح الصاد خفيفة. وقرأ عاصم ويعقوب (يَفْصِلُ) بفتح الياء، وكسر الصاد. وقرأ ابن عامر (يُفَصَّلُ) بضم الياء وفتح الصاد مشددة. وقرأ حمزة والكسائي (يُفَصِّلُ بَيْنَكُمْ) بضم الياء وكسر الصاد مشددة. قال أبو منصور: المعنى راجع إلى شىء واحد في هذه القراءة: الله يفصل بين الخلق يوم القيامة. وقد جاء الفاصل في صفات الله، ويُفصل للتكثير، وكذلك (يُفَصِّلُ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّْ: (وَلاَ تُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ) . قرأ أبو عمرو ويعقوب (وَلاَ تُمَسِّكُوا) بتشديد السين. وقرأ الباقون " وَلاَ تُمْسِكُوا) بسكون الميم.

قال أبو منصور: يُقَال: مَسكْتُ بالحَبْل تَمْسيكا، وأمْسَكْتُ به إمْسَاكا، إذا تَمسكت به، ولم تحلَّهُ من يدك. والمعنى في قوله: (ولا تُمسكوا بِعِصَم الكوافر) : أنّ المرأة إذا ارتدت عن الإسلام فزالت عصمة النكاح بينها وبين زوجها المؤمن فَلا يَتبعها الزوج بعد انْبِتَاتِهَا عنه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَعَاقَبتُمْ) . اتفق القُراء عِلى " فَعَاقَبْتُمْ " بالألف. وقرأ إبراهيم النخعي " فَعَقَبْتُمْ " مخففة. وقرأ الأعرج " فعقَّبتُم " بتشديد القاف. وروى عن مجاهد " فأعْقَبْتُم " بألف مقطوعة. قال أبو منصور: من قرأ (فعاقبتم) أو (عَقَّبْتم) فالمعنى: إذا غَزَوْتُم فصارت العقبة لكم، أي: الدوْلَة حتى تغلبوهم، وتغنَمُوا أموالهم، فأعطوا أزواج المرتدات مهور نسائهم اللاحقات بالكُفار. ومن قرأ (فَعَقَبْتُمْ) أو (أعْقَبْتُمْ) فمعناه: غَنمْتم قال الشاعر: فَعَقَبْتُمْ بذَنُوب غَيْر مُرّ

واتفق القراء على قراءة " بُرَءَاءُ " على (فُعَلاء) بوزن (بُرَعَاء) ، جمع: بَرِئ. وقرأ: بعضهم (بُرَاءٌ) . قال الزجاج: الأصل: بِرَاء. مثل طَرِيف وطِراف، ثم ضمُّوه، كما قالوا: رِخال ورُخال ورِباب ورُباب. واتفقوا على (بَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ) أي ظهر. لا هَمْزَ فيه. وقرأ عاصم وحده (أُسْوَةٌ) . وقرأ الباقون (إِسْوَةٌ) . وفي هذه السورة ثلاث ياءات إضافة، لم يُخْتلف فيهن، وهو قوله: (عَدُوي) و (في سبيلى) ، و (ابتغاء مرضاتي) . * * *

سورة الصف

سورة الصف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم ويعقوب: (مِنْ بَعْدِيَ اسْمُهُ أَحْمَدُ) بفتح الياء وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّهُ مُتِمٌّ نُورَهُ) . قرأ ابن كثير وحفص وحمزة والكَسائى (مُتِمُّ نُورِهِ) بكسر الراء. وقرأ الباقون (مُتِمٌّ نُورَهُ) بفتح الراء، والتنوين. قال أبو منصور: من قرأ (مُتِمُّ نُورِهِ) فهو على الإضافة. ومن قرأ (مُتِمٌّ نُورَهُ) نصب النور بإيقاع الإتمام عليه. والمعنى واحد في القراءتين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ) . قرأ ابن عامر وحده (تُنَجِّيكُمْ) بالتشديد. وقرأ الباقون (تُنْجِيكُمْ) مخفَّفًا. قال أبو منصور: هما لغتان، نجَّيتُه وأَنْجَيْتُهُ بمعنى واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كُونُوا أنْصَارَ اللَّهِ) .

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (أنْصارًا لِلَّهِ) منونًا وقرأ الباقون، (أنصارَ اللَّهِ) مضافًا. قال أبو منصور: المعنى واحد في القراءتيْن. وقيل في قوله: (مَنْ أنْصَارِي إِلى اللَّهِ) مَنْ أنْصَارِي مع اللَّهِ وقيل معناه: مَنْ أنْصارِى إلى نَصر اللَّهِ.

سورة الجمعة

سورة الجمعة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اتفق القراء على (الجُمُعَة) بضمتين. وقال الفراء: لو قرئ (الجمَعَة) بفتح الميم كان جائزا. ولكن لا تجوز القراءة بها؛ لأنه لم يقرأ بها. * * *

سورة المنافقين

ذكر اختلافهم فى سورة المنافقين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) . قرأ أبو عمرو والكسائي (خُشْبٌ) بسكون الشين، وكذلك روى قنبل عن ابن كثير. وقرأ الباقون (خُشُبٌ) بضمتين. قال أبو منصور: هما لغتان خُشْبٌ، وخُشُبٌ. مثل ثُمْر، وثُمُر، وبُدْن، وبُدُن. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ) . قرأ نافع وحده " لَوَوْا رءوسهم " خفيفًا. وقرأ الباقون (لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ) . قال أبو منصور: (لَوَّوْا) بالتشديد للتكثير والمبالغة، و (لوَوا) جائز. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) . قرأ أبو عمرو وحده (وَأكُونَ) نصبًا، وقرأ الباقون "وَأكُنْ " جزما، بحذف الواو.

(والله خبير بما تعملون (11) .

قال أبو منصور: من قرأ (وَأكُونَ) عطفه على قوله (فأصَّدَّقَ وَأكُونَ) . ومن قرأ (وَأكُنْ) عطفه على موضع (أصدَّقَ) ولو لم يكن فيه الفاء. ومثله قول الشاعر: فَأَبْلوني بَلِيَّتَكمْ لعلِّي ... أُصالِحُكم وأسْتدرِجْ نَوَيَّا قال أبو منصور: قوله (نَوَيَّا) ، أي: نَوَايَ. وهذه لغة طييء، مثل (قَفَيَّ) ، أي: قَفَايَ و، (هُدَىّ) ، أي: هُدَايَ و (بُشْرى) مثل بشراى. قال الله (يا بشراي) . فجزم قوله (وأستدرج) ؛ لأنه عطفه على موضع الجزم لو لم يكن فيه (لعلي) ، كأنه قال: فأبلوني بليتكم أصالحكم. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) . قرأ أبو بكر عن عاصم في رواية يَحيَى "بِمَا يَعْمَلُونَ " بالياء. وقرأ سائر القراء بالتاء. قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللمخاطبة. ومن قرأ بالياء فللغيبة. * * *

سورة التغابن

سورة التغابن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ ليَوْمِ الْجَمْعِ) . قرأ الحضرمي وحده " يوم نجمعكم " بالنون. وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: المعنى واحد في النون والياء، الله يجمعنا يوم الجمع. وروى عن أبي عمرو أنه قرأ " يَجْمَعْكُمْ " بسكون العين. والصحيح عنه الاختلاس عند كثرة الحركات. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَنُدْخِلْهُ) . قرأ نافع، وابن عامر، والمفضل عن عاصم (نُكَفرْ. . . . وَنُدْخِلْهُ) بالنون جميعًا. وقرأ الباقون بالياء قال أبو منصور: المعنى واحد في النون والياء، الفعل للَّه في القراءتين. قرأ ابن كثير وابن عامر: (يُضَعِّفْهُ لَكُمْ) مشَددَّةً.

وقرأ الباقون " يُضَاعِفْهُ لَكُمْ " بألف. قال أبو منصور: المعنى واحد، ضَاعَفْتُ الشىءَ، وَضَعَّفْتُه.

سورة الطلاق

سورة الطلاق بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (إنَّ اللَّهَ بَالِغٌ أمْرَهُ) . قرأ حفص والمفضل عن عاصم (بَالِغُ أمْرِهِ) . وقرأ الباقون " بَالِغٌ أمْرَهُ) . قال أبو منصور: من قرأ (بَالِغُ أمْرِهِ) بالكسر فللإضافة. ومن نَوَّن نصب (أمْرَه) بالفعل. وهذا كقولك: فُلاَن ضَارِبُ زَيْدٍ، وضَارِبٌ زيْدًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ) . قرأ نافع، وابن عامر، والمفضل عن عاصم " نُدْخِلْه جناتٍ " بالنون. وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: المعنى واحد. * * *

سورة التحريم

سورة التحريم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (عَرَّفَ بَعْضَهُ) . قرأ الكسائي، والأعشى عن أبي بكر عن عاصم: (عَرَفَ بَعْضَهُ) مخففًا. وقرأ الباقون (عَرَّفَ بَعْضَهُ) مشددًا. قال أبو منصور: من قرأ (عَرَفَ بَعْضَهُ) فالمعنى: أن النبى صلى الله عليه قد عرف كل ما كان أسره إلى حفصة، والإعراض لا يكون إلا عن ما عرفه. وقال الفراء: معنى قوله (عَرَفَ بَعْضَهُ) جازَى ببعضه، أي: ببعض الذنب. والعرب تقول للرجل إذا أساء إليه رجل: لأعرفن لك غبّ هذا، أي: لأجازينَّك عليه، يقول هذا لمنْ يتَوعدُه قد علمت ما عملت، وعرفتُ ما صنعتَ: ومعناه: سأجازيك عليه، لا أنلث تقصد إلى أن تُعرفه أنك قد علمت فقط. ومثله قول اللَّه: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) ، وتأويله: يعلمه فيجازى عليه. ومن قرأ (عَرَّفَ بَعْضَهُ) بالتشديد فَمعْناه: خَبرَ بعضه، أي: عَرَّفَ بَعْضَهُ حفصة، وأعْرَض عن بعض أي: عرفها بعض ما أفْشت من الخبر فيْ أمر مارية. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَوْبَةً نَصُوحًا) .

(إن طلقكن)

قرأ نافع في رواية خارجة عنه، ويَحْيَى عن أبي بكر عن عاصم " نُصُوحًا " بضم النون. وقرأ حفص عن عاصم، والأعشي عن أبي بكر، ونافع - من غير رواية خارجة - وجميع القراء، (نَصُوحًا) بالفتح. قال أبو منصور: من قرأ (نَصُوحًا) فهى صفة للتوبة، ومعناه: توبة بالغة في النصح لصاحبها؛ لأن (فَعُولاً) يجيء للمبالغة كما يقال: رجل صَبُور، وشَكُور. ومن قرأ (نُصُوحًا) فمعناه: ينصحون فيها نُصُوحًا. ويقال: نَصح الشيءُ نُصوحًا، إذا خلص. قال ساعدة يصف مُشْتَارًا: فَأَزَالَ نَاصِحَهَا بِأبيضَ مُفْرِطٍ ... مِنْ مَاءِ أَنْهَابٍ عَلَيْهِ التَّألَبُ وروى عباس عن أبي عمرو (إِنْ طَلَّقَكُنَّ) مدغما (أَنْ يُبْدِلَهُ) مخففا. وروى اليزيدي عن أبي عمرو (إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ مشددًا والباقون يظهرون ويخففون.

(وصدقت بكلمات ربها وكتبه) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ) . قرأ أبو عمرو، وحفص عن عاصم، ويعقوب (بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ) ، وقرأ الباقون (وَكِتَابِهِ) . قال أبو منصور من قرأ (وَكُتُبِهِ) فهو جمع الكتاب. ومن قرأ (وَكتابهِ) فهو واحدٌ ينوب عن الكتب. * * *

سورة الملك

سورة الملك بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ تَفَاوُتٍ) . قرأ حمزة والكسائي "من تَفَوُّت " بغير ألف. وقرأ الباقون (مِن تَفَاوُتٍ) . قال أبو منصور: تَفَاوَت تَفَاوُتًا، وتَفوَّتَ تَفَوُّتًا؛ بمعنى واحد، إذا اختلف وفات بعضه بعضا. يقول: ما ترى في خلق الله عزَّ وجلَّ السماءَ اختلافًا ولا اضطرابًا لاستوائه واعتدال بنائه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) . قرأ الكسائي وحده (فَسُحُقًا) مثقلاً. وقرأ الباقون (فَسُحْقًا) خفيفًا. قال أبو منصور: هما لغتان جيدتان. ونصب (فَسُحْقًا) على المصدر، المعنى: أسْحَقَهم اللًهُ سُحْقًا، أي: أبعدهم من رحمته إبعادًا.

(النشور (15) أأمنتم) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ) . قرأ ابن كثير " النشورُ وَأمنتم " بترك همزة ألف الاستفهام، فيصير في لفظ واو بضمة وبِضَم الراء. وقرأ أبو عمرو (ءامنتم) بهمزة بعدها ألف، وكذلث نافع. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر (أَأَمِنْتُمْ) بهمزتين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ (28) أرسل الياء حمزة وحده وحركها الباقون. * * * وقوله: (وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا (28) . فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) . قرأ يعقوب وحده (الَّذِي كُنتمْ بِهِ تَدْعُونَ) خفيفة ساكنة الدال. وقرأ الباقون (تَدَّعُونَ) بتشديد الدال.

(فستعلمون من هو في ضلال مبين (29) .

قال أبو منصور: من قرأ (تَدْعون) فالمعنى: هذا الذي كنتم تستعجلونه وتَدْعون الله به. تقولون: (إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) . ومن قرأ (تَدَّعُونَ) ، فقد جاء في التفسير: (تَكْذِبون) . وتأويله في اللغة: هذا الذي كنتم من أجله تَدَّعُونَ الأباطيل والأكاذيب، أي: تَدَّعُونَ أنكم إذا متم وكُنتمْ تُرَابًا أنكم لا تَخرجُون. وقيل: معنى (تَدَّعُونَ) أي: تَمنَون. يقال ادَّعِ عليَّ ما شئت، أي: تَمَن ما شئت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29) . قرأ الكسائي وحده " فَسَيَعْلَمُونَ " بالياء. وقرأ الباقون بالتاء. وأخبرني أبو بكر عن أبي حاتم أنه قرأ بالتاء " فَسَتَعْلَمُون " عاصم والأعشى وأبو عمرو، وزعم أن الياء قرِئتْ، وزعم الكسائي أن عليًّا قرأ بالياء. قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهو مخاطبة. ومن قرأ بالياء فللغيبة. وحذف من هذه السورة ياءَان (فَكَيْفَ كانَ نَكِير) ، و (كَيْفَ نَذِير) . وأثبتهما يعقوب في الوصل والوقف.

وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم (إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ) محركة الياء - (وَمَنْ مَعِيَ) محركة أيضا. وقرأ خلف عن المسيبى عن نافع (إِنْ أَهْلَكَنِي اللَّهُ) ساكنة الياء. وقرأ حمزة بإسكان الياءين. * * *

سورة ن والقلم

سورة ن والقلم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (نُ وَالْقَلَمِ) . قرأ ابن عامر والكسائي ويعقوب " نُ والْقَلَمِ " مدغمة في الواو، وكذلك روى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم. وروى يعقوب عن جعفر عن نافع أنه أخفاها، وأما ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وحفص عن عاصم فإنهم أظهروا النون. قال أبو منصور: هما لغتان، فاقرأ كيف شئت. والنون الأولى متحركة، لا غُنَّة فيها. والنون الثانية لها غُنَّة، وهذا على قراءة من أظهرها. وقال الفراء: لك إدغام النون الآخرة، ولك إظهارها. قال: وإظهارها أعجب إليَّ؛ لأنها هجاء، والهجاء كالمَوْقُوفِ عليه، وإن اتصل. ومن أخفاها بناها على الاتصال. وقال الزَّجَّاج: من أسكن (نون) وبيَّنها فإنما يجعلهاحرفَ هجاء، والذي يدغمها يجوز له إدغامها وهى مَفْتوحة. قال: وجاء في التفسير: أن (نون) : الحوت التى دُحِيَتْ عليها الأرض. وجاء أن نون: الدوَاة.

(أن كان ذا مال وبنين) .

ولم يجئ فِى التفسير، كما فُسِّرَتْ حروف الهجاء، فالإدغام - كانت حروف الهجاء، أو لم تكن - جِائز. والإسكان والتَبين لا يجوز أن يكون فيه إلا حرف هجاء. وقوله جلَّ وعزَّ: (أنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ) . قرأ عاصم وحمزة (أأنْ كَانَ ذَا مَالٍ) بهمزتين. وقرأ ابن عامر والحضرمي " آنْ كَانَ " بهمزة مطولة ممدودة. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير والكسائي وحفص (أنْ كَانَ ذَا مَالٍ) . قال أبو منصور: من قرأ بهمزتين فالأولى ألف الاستفهام، والثانية ألف (أن) . ومن طَوَّل الهمزة فَرَّ من الجمع بين الهمزتين. ومن قرأ (أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ) فالمعنى: ألأنْ كان ذا مال تطعه، أي: لا تُطعه من أجل مالِهِ وبَنِيه. ويجوز أن يكون المعنى: ألأنْ كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا ينكرها ويقول: هي أساطير الأولين. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ) قرأ نافع وحده (لَيَزْلِقُونَكَ) " بفتح الياء من زَلَقَ يَزْلِقُ. وقرأ الباقون (لَيُزْلِقُونَكَ) من: أزلق.

قال الفراء: يقال للذي يحلق الرأس: قَدْ زَلَقَهُ، وأزلقه. والمعنى: أن الكفار لشدةِ إبْغَاضهم النبى صلى اللَّه عليه نظروا إليه نظر عَدُوّ شَانئ، يكاد يَصرَعُ مَشْنُوءَهُ. يقال: نظر فلان إليَّ كاد يَصرَعنِى. وفي ذللث قول الشاعر: يتَقارَضُون إِذا التَقَوْا في مَوْطِنٍ ... نَظَراً يُزِيلُ مَواطِئَ الأَقْدامِ * * *

سورة الحاقة

سورة الحاقة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) . قرأ أبو عمرو) والكسائي، والحضرمي، وأبان عن عاصم " وَمَنْ قِبَلَه " بكسر القاف وفتح الباء. وقرأ الباقون " ومَنْ قَبْله " بفتح القاف وسكون الباء. قال أبو منصور: من قرأ (ومَنْ قِبَلهُ) فمعناه: وأتْبَاعه، وأشْيَاعه. ومن قرأ (ومَنْ قَبْلَهُ) فالمعنى ومَنْ تَقَدَّمه من عُتاة الكفرةِ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لاَ تَخْفَى مِنْكُم خَافِيَةٌ) . قرأ حمزة والكسائي " لاَ يَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَة " بالياء. وقرأ الباقون (لا تَخْفَى) . قال أبو منصور: من قرأ (لا تَخْفى) بالتاء فللفظ (خافية) ، وهى مؤنثة. ومن قرأ (لا يَخْفَى) أراد: لا يخفى منكم خافٍ، والهاء دخلت للمبالغة.

(قليلا ما تؤمنون (41) ، و (قليلا ما تذكرون (42) .

وقوله - عزَّ وجلَّ -: (قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) ، و (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) . قرأ ابن كثير ويعقوب وابن عامر (يُومِنُونَ) و (يَذَّكَّرُونَ) بالياء فيهما. وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: التاء للمخاطبة، و (ما) مُوكدَةٌ مُلْغَاة في الإعراب، المعنى: قليلا يذكَّرون، وقليلا يؤمنون، ونصب (قَلِيلاً) بالفعل، و (يَذكرُون) في الأصل يتذكرون، أدغمت التاء في الذال وشددت. * * *

سورة سأل سائل

سورة سَأَلَ سَائِلٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) . قرأ نافع وابن عامر " سَالَ " غير مهموز " سَائل " مهموز. وقرأ الباقون " سَألَ سائل " بالهمز فيهما. قال أبو منصور: من قرأ (سَالَ) بغير همز فالمعنى: جَرَى وادٍ بعذاب من الله، من سَالَ يَسيلُ، كأنه قال: سَال وادٍ بعذاب واقع. ومن قرأ (سأل سائل) فإن الفَراء قال: تأويله: دعا داعٍ بعذاب واقع. وقيل: الباء في قوله (بعذاب) بمعنى (عن) ، أراد: سأل سائل عن عذاب واقع. وقيل: إن النضر بن الحارث بن كَلْدَةَ قال: اللهم إن كان مايقول محمد حقا فأمْطرِ عَلَيْنا حجارةً من السماء أوائتنا بعذاب أليم. فأُسرَ يَوْم بَدْرٍ وقتل صبرًا. قال أبو منصور: وجائز أن يكون (سَالَ) غير مهموز ويكون بمعنى (سأل) فَخُففَ همزهُ. وهو أحب إليَّ من قول من ذهب به إلى سَيْل الوادي. لتتفق القراءتان.

(تعرج الملائكة) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ) . قرأ الكسائي وحده " يَعْرُجُ " بالياء. وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: من قرأ بالياء فلتقدُّم فِعْل الجمع. ومَنْ قرأ بالتاء فلتأنيث جماعة الملائكة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلاَ يَسْألُ حَمِيمٌ حَميمًا) . رُوي لابن كثير (ولا يُسْألُ حَمِيم) بضم الياء. وقرأ الباقون " ولا يَسْأل حميم حميما) . قال أبو منصور: من قرأ بفتح الياء فالمعنى: أنهم يَعْرف بعضهم بعضا. يدل عليه قوله: (يُبَصَّرُونَهُمْ) . ومن قرأ (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ) بضم الياء فالمعنى: لا يُسْال قريب عن ذي قرابتِه. ويكون (يُبَصَّرُونَهُمْ) - والله أعلم - للملاَئكة. قال أبو منصور: والقراءة (ولا يَسْأَلُ) . قال ابنٍ مجاهد قرأت على قنبل عن النَّبَّال عن ابن كثير، (ولا يَسْألُ) بفتح الياء مهموزة. قال ابن مجاهد: وروى أبو عبيد عن إسماعيل بن جعفر عن أبي جعفر وشيبة " ولا يُسْأَل " برفع الياء وهو غَلَطٌ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نَزَّاعَةٌ لِلشَّوَى (16) .

قرأ حفص عن عاصم (نَزَّاعَةً) . وقرأ الباقون (نَزَّاعَةٌ) . بالرفع، وكذلك روى أبو بكر عن عاصم. قال أبو منصور: من قرأ (نزاعة) بالنصب فهو على الحال، كا قالط: (هو الحق مصدقا@، فيكون (نَزَّاعَةً) منصوبةً مؤكدة لأمر النار. ويجوز نصبها على أنها تَتَلظى نزاعة. ويجوز نصبها على الذمِّ. ومن قرأ (نزاعةٌ) بالرفع فلها ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون (لَظى نزاعةٌ) خبًرا عن الهاء والألف في قوله: (إنها) ، كما تقول إنه حلو حامض. تريد: إنه قد جمع الطَّعْمين. والوجه الثاني: أن يكون الهاء والألف إضمارًا للقصة، وهو الذي يسميه الكوفيون (المجهول) المعنى: أن القصة والخبر لظى نزاعةٌ للشوى. والوجه الثالث: التكرير كأنه قال: كلا إنها لظى، إنها نزاعةٌ للشوى.

(والذين هم بشهاداتهم قائمون (33) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) . قرأ عاصم في رواية حفص، ويعقوب (بِشَهَادَاتِهِمْ) . وقرأ الباقون (بِشَهَادَتِهِمْ) . وروى عبد الوارث عن أبي عمرو (بشهاداتهم) مثل حفص. الشهادات: جمع الشهادة. والشهادة تَنُوب عن الشهادات؛ لأنه مصدر. وقرأ ابن كثير وحده (وَالَّذِين هُمْ لأمَانَتِهِمْ (32) واحدة. وقرأ الباقون " لأماناتهم " جماعة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) روى المفضل عن عاصم (أَنْ يَدْخَلَ) بفتح الياء. وقرأ الباقون (أَنْ يَدْخَلَ) بضم الياء. قال أبو منصور: من قرأ (يُدْخَلَ) فهو من أخل يُدْخُلَ ومن قرأ: (يَدْخَلَ) فهو من دَخَلَ يَدْخُلُ. والقراءة: يُدْخَلُ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) .

قرأ ابن عامر وحفص (إِلَى نُصُبٍ) بضم النون والصاد. وقرأ الباقون (إلَى نَصْبٍ) بفتح النّون وسكون الصاد. قال أبو منصور: من قرأ (إلَى نَصْبٍ) فمعناه: إلى عَلَم منْصوب لهم. ومن قرأ (إِلَى نُصُبٍ) فَمعناه: إلى أصنام لهم. كما قال: (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) .

سورة نوح

سورة نوح بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (أنِ اعبدُوا اللَّهَ) . روى على بن نصر عن أبي عمرو (أنُ اعبدُوا الله) بضم النون، مثل قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي - وروى اليزيدي وعبد الوارث عن أبي عمرو "أنِ اعبدوا اللَّهَ " بكسر النون مثل قراءة عاصم وحمزة ويعقوب. قال أبو منصور: من كسر النون فلاجتماع الساكنين. ومن رفع النون فلأن الألف من (اُعْبُدُوا) مضمومة، فنقلت ضمتها إلى النون. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (دُعَائيَ إلاَّ فِرَارًا) . فتح الياء ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب. وأرسلها الكوفيون. قال ابن مجاهد: وحدثني محمد بن الجهم عن خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثير (دُعَايَ إلاَّ) لا يهمز، وينصب الياء، مثل: هُدَايَ، وعَصَايَ. قال أبو منصور: الدعاء ممدود ولا يجوز قصره، والهُدَى مقصور.

(إني أعلنت لهم) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ) . فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو. وأرسلها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا (23) . قرأ نافع وحده (وُدًّا) بضم الواو، وكذلك روى يزيد عن أبي بكر عن عاصم (وُدًّا) بضم الواو مثل نافع، ما رواه عن عاصم غيره. وقرأ الباقون (وَدًّا) بالفتح. قال أبو منصور: (وُد) : اسم صنم) ، وفيه لغتان: (وَد) و (وُد) والوَدُّ: الوتِدُ. والوُدُّ: الموَدة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ (25) . قرأ أبو عمرو وحده (خَطَايَاهُمْ) . وقرأ الباقون (خَطِيئَاتِهِمْ) بالهمز والتاء. قال أبو منصور: الخطايا والخطيئات: جمع الخَطيئَة.

(ماله وولده)

وقوله جلَّ وعزَّ: (مَالُهُ وَوَلَدُهُ) قرأ أبو عمرو، وابن كثيرٍ، وحمزة، وخارجة عن نافع، والكسائي (وَوُلْدُهُ) بضم الواو الثانية. وقرأ الباقون " وَوَلَدُهُ " بفتح الواو واللام. قال أبو منصور: الوُلْدُ، والوَلَد: مثل العُرْب والعَرَب. والوُلْد يصلح للواحد والجمع. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا (28) . قرأ حفص عن عاصم، وأبو قرة عن نافع (بَيْتِيَ) بفتح الياء - وأسكنها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أطَيعُونِي) . أثبت الياء في " أطِيعُوني " يعقوب في الوصل والوقف. وحذفها الباقون. * * *

سورة الجن

سورة الجن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا) ، (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) ، (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) . (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ) . بفتح الألف نسقًا على قوله: (أَنَّهُ اسْتَمَعَ) وكسروا قوله: (وَإنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) . وما بعدها من الألفات نسقًا على قوله (إنَّاسَمِعْنَا) . وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم مثل قراءة أبي عمرو إلا قوله: (وَإِنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ) فإنهما كسرا الألف، وكذلك روى المفضل عن عاصم مثل قراءة أبي بكر عنه. وأما الكسائي، وحمزة، وابن عامر، وحفص عن عاصم فإنهم فتحوا الألف في جميع ذلك نسقًا على قوله: (أوحىَ إلَى) . قال أبو منصور: أما قوله: (أنَّهُ اسْتَمَعَ نُفَرٌ) فالألف مفتوحة لا غير؛ لأنه بمعنى: قل أوحى إليَّ بِأنَّه. ولا يجوز فيه غير الفتح. وأما قوله: (إِنَّا سَمِعْنا) فهى مكسورة لا غير؛ لأن (إنَّا) ها هنا جاءت بعد (قالوا) فهى كالابتداء، وإنما الاختلاف فيما بعد، فمّن كسر (إنَّا) ، (وإنَّا) نسَقَهُ على قوله: (إِنَّا سَمِعْنا) . ومن فتح نسقه على قوله: (أَنَّهُ اسْتَمَعَ) . وقد قال بعضهم: حمل ما كان محمولاً على الْوَحيِ فهو (أَنَّهُ) بالفتح، وما كان من قول الجِنِّ فهو مكسور عطفًا على قوله: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) وعلى هذا

(وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن) .

القول يكون المعنى: وقالوا إنه تعالى جَدُّ رَبِّنا، وقالوا إنه كان يقول سفينها. وهذه قراءة جيدة. قرأ بها نافع وعاصم وأبو عمرو. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ) . قرأ يعقوب وحده (أَنْ لَنْ تَقَوَّلَ الإِنْسُ) . وقرأ الباقون "أَنْ لَنْ تَقُولَ " ساكنة الواو. قال أبو منصور: من قرأ (أن لَّنْ تَقَوَّلَ) فهو من قولك: تَقَوَّل فلان على فلان الكذب، إذا تخَرصَه، واختلق عليه ما لم يَقُله. وروى أبو عبيد عن الكسائي: تقول العرب: قَوَّلتني ما لم أقل. وأقْوَلْتني ما لم أقل. ونظير قوله: (أن لَّنْ تَقَوَّلَ) قوله جلَّ وعزَّ: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) ، أي: لو تخرص علينا ما لم نَقُلْه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر " نَسْلُكْهُ " بالنون. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي " يَسْلُكهُ " بالياء. قال أبو منصور: المعنى في (يَسْلكْه) ، و (نَسْلكْه) واحد، الله - يسلكه، أو أعوانه بأمره.

(قل إنما أدعو ربي) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي) . قرأ عاصم وحمزة (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي) بضم القاف، على الأمر. وقرأ نافع وابن كثيرٍ ابن عامر وأبو عمرو والكسائي (قَالَ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي) . بفتح، القاف. قال أبو منصور: من قرأ (قُلْ) فهو أمر من الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -. ومن قرأ (قال) فهو إخبار من الله عن الرسول أنه قال ذلك. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) روى هشام بن عمار عن سويد، وأيوب عن يَحيَى بن الحارث عن ابن عامر (لُبدًا) بضم اللام. وقرأ سائر القراء (لِبَدًا) بكسر اللام. قال أبو منصور: من قرأ (لِبَدًا) فهو جمع لِبْدَة ولِبَدٍ. ومن قرأ (لُبدًا) فهو جمع لُبدَة. وهما بمعنىَ واحد: يركب بعضهم بعضًا لحرصهم على استماع الوحي، حتى كادوا أنْ يسقطوا عليه صلى الله عليه. وكل شيء ألصقته بشيء إلصاقًا شديدًا فقد لبَّدته وألبدته. * * *

سورة المزمل

سورة الْمُزَّمِّلُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * * * قوله جلَّ وعزَّ: (أَشَدُّ وَطْئًا) . قرأ أبو عمرو وابن عامر (أَشَدُّ وِطَاءً) بكسر الواو، وفتح الطاء، والمد وقرأ الباقون (أَشَدُّ وَطْئًا) بفتح الواو، وسكون الطاء، والهمزة. قال أبو منصور: من قرأ (أَشَدُّ وِطَاءً) فمعناه: أشد مُواطئة أي: موافقة لقلة السمع، أراد: أن القراءة بالليل يتواطؤ فيها قلب المصلي ولسانه وسمعه تفهما وأداء ما لا يتواطؤ عليه بالنهار. وكان أبو الهيثم يختار (وِطَاء) يقال: واطأني فلان على الأمر، إذا وافقنى. أراد: أن القلب لا يشتغل بغير ما اشتغل به السمع هدا واطأ ذاك، وذلك واطأ هذا. وإذا اشتغل القلب بالفكر وجرى اللسان بالقراءة حذف الخطأ والإرتاج. ومن قرأ (أَشَدُّ وَطْئًا) فمعناه أبلغ في القيام، وأبين في القول وجائز أن يكون المراد في (أَشَدُّ وَطْئًا) : أغلظ على الإنسان من القيام بالنهار؛ لأن

(رب المشرق) .

الله جَعَل الليل سكنًا. وقيل: (أَشَدُّ وَطْئًا) أى: أبلغ في الثواب؛ لأنه أجهَد، وكل مجتهد فثوابه على قدر اجتهاده. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (رَبُّ الْمَشْرِقِ) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص " رَبُّ الْمَشْرقِ " بالرفع. وقرأ الباقون "رَبِّ الْمَشْرِقِ " خفضًا. قال أبو منصور: من قرأ (رَبُّ) رفعه بـ (هو رَبُّ الْمَشْرِقِ) ومن قرأ (رَبِّ الْمَشْرِقِ) ، أتبعه قوله: واذكر اسم ربِّك. . . . رَبِّ الْمَشْرِقِ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ (20) . قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب. (وَنِصْفِهُ وَثُلُثِهُ) خفضا. وقرأ الباقون (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) وروى عن ابن كثير (وَثُلْثَهُ) بسكون اللام، رواه شبل. قال أبو منصور: من قرأ (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) فهو بَيِّن حَسَن، وهو تفسير مقدار قيامه؛ لأنه لما قال (أدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) كان قوله (ونِصْفَهُ) مبيِّنًا

لذلك الأدنى، كأنه يقول: تقوم أدنى من الثلثين فتقوم النصْفَ والثلث. ومن قرأ (وَنِصْفِهِ وَثُلُثِهِ) فالمعنى: وتقوم أدنى من نصْفِه وثلثِه. والوجهان بَيِّنان. * * *

سورة المدثر

سورة الْمُدَّثِّر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) . قرأ حفص والمفضل عن عاصم، ويعقوب - (والرُّجْزَ) بضم الراء. وقرأ الباقون (وَالرِّجْزَ) بكسر الراء. قال أبو منصور: من قرأ (الرُّجز) فإن مجاهدًا قال: الرُّجزُ: الأوثان. وقال أبو إسحاق: الرِّجز والرُّجز واحد، وتأويلهما: اهجر عبادة الأوثان. والرِّجز في اللغة أيضا: العذاب. قال اللَّه: (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ) أي: العذاب. فالتأويل: اهجر ما يُؤدِّيك إلى عذاب الله. وكذلك قال الفرَاء: الرِّجز والرُّجز لغتان معناهما واحد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّيلِ إذْ أدْبرَ (33) .

(إنها لإحدى الكبر (35) .

قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، والكسائي (إذَا دَبرَ) بفتح الدال. وقرأ الباقون (إذْ أدْبرَ) بقطع الألف، وسكون الدال. وقال الفراء والزجاج. هما لغتان: دبر النهارُ، وأدبر. ودبر الصيف وأدبرَ. وكذلك قَبِلَ وأقْبَل، فإذا قالوا: أقبل الركب، وأدبر. لم يقولوا إلا بالألف. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) . اتفقوا كلهم على (إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ) بالألف إلا مَا رُوِى لابن كثير، قال ابن مجاهد: حدثنى ابن أبي خيثمة، وإدريس عن خلف عن وهب بن جرير عن أبيه قال: سمعت عبد الله بن كثير يقول، (لَحْدَى الكُبَر) لا يهمز ولا يكسر، وروى قنبل عن النبَّال عن أصحابه عن ابن كثير (لَإِحْدَى الْكُبَرِ) مهموزة مثل قراءة حمزة. قال أبو منصور: (لَحْدَى) ليس بشيء، ومعنى (لَإِحْدَى الْكُبَرِ) : لَدَاهية عظيمة تفُوق الدواهى، كما يقال: فلان أحَد الأحَدِين. معناه: أنه لا نظير له. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) .

(وما يذكرون إلا أن يشاء الله (56) .

قرأِ نافع وابن عامر " مُسْتَنْفَرَةٌ " بفتح الفاء. وقرأ الباقون مستنْفِرة" بكسر الفاء. قال أبو منصور: من قرأ (مُسْتَنْفَرَة) فمعناه: مُنَفَّرَةٌ، كأن الصيادَ نَفَرَها. ومن قرأ (مُسْتَنْفِرَةٌ) فمعناها: نَافِرَةٌ - يقال: نَفَر، واستنفرَ، ونفْرتُه، واستنفرْتُه. وأنشد ابن الأعرابي: ارْبطْ حِمَارَكَ إنهُ مُسْتتْفِرٌ ... فى إثْرِ أحْمِرَةٍ عَمَدْنَ لغُرّب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (56) . قرأ نافع وحده (وَمَا تَذكُرُونَ) بالتاء. وقرأ الباقون بالياء. قال أبو منصور: المعنى فيهما متقارب. وقد مَرَّ أمثاله. * * *

سورة القيامة

سورة الْقِيَامَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) . قرأ ابن كثير (لَأُقْسِمُ) ليس بين (لا) وبَيْنَ القاف ألف. وقرأ الباقون (لَا أُقْسِمُ) بألف المقسم عن نفسه. وقال ابن مجاهد قرأت على قنبل لابن كثير "قْسِمُ " بغير ألف و (لَا أُقْسِمُ) بألف ولام. وقرأ الباقون (لَا أُقْسِمُ) ، (ولاَ أقْسِمُ) بألف جميعًا. قال أبو منصور: من قرأ (لَا أُقْسِمُ) فهى لام التوكيد للقسَم، كقولك: لأحلف بالله. ومن قرأ (لَا أُقْسِمُ) ففى (لا) اختلاف، قال بعضهم: (لا) لغو، وإن كانت في أول السورة؛ لأن القرآن كلَّه كالسورة الواحدة؛ لاتصال بعضه ببعضٍ، فجعلت (لا) ها هنا بمنزلة (لا) في قوله: (لِئَلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتَابِ) المعنى: لأن يعلم. وهو قول الكسائي. وقال الفرَّاء في قوله: (لَا أُقْسِمُ) (لا) ردَّ كلام تقدمه، كأن القوم أنكروا البعث فقيل: لا ليس الأمر على ما ذكرتم، ثم أقسم بيوم القيامة تعظيمًا لشأنه،

(فإذا برق البصر)

كأنه قال: أقسم بيوم القيامة إنكم مبعوثون. ودل على هذا قوله: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ) المعنى: بلى لنجمعنها قادرين على تَسْوِية بنانه. ونصب (قادرين) على الحال. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَإذَا بَرِقَ الْبصَرُ) قرأ نافع " بَرَقَ " بفتح الراء. وكذلك روى أبان عن عاصم (بَرَق) كقراءة نافع - وقرأ الباقون " بَرِق) بكسر الراء. قال أبو منصور: من قرأ (بَرَق الْبصَرُ) فهو من بَرَق يبرُقُ بريقا، ومعناه: شَخَص فلا يطْرِف من شدة الفزع الأكبر - ومن قرأ (بَرِق البصرِ) بكسر الراء فمعناه: تحيَّر، يقال: بَرِق الرجل يبرَق بَرَقًا، إذا رأى البرْق فتحير كما يقال: أسِدَ الرجلُ، إذا رأى الأسدَ فتحير وبَقِرَ، إذا رأى بَقَرا كثيرًا فتحير. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَلَّا بَلْ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَيَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21) قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب " كَلا بَلْ يُحِبونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُون الآخِرَة " بالياء فيهما. وقرأ الباقون بالتاء فيهما. قال أبو منصور: التاء للخطاب "، والياء للغيبة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) . قرأ حفص عن عاصم (وَقِيلَ مَنْ) ويقف، ثم يبتَدِئ (رَاقٍ) ، ما قطعها غيره.

(من مني يمنى (37) .

وقرأ الباقون (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) بلا وَقْف بينهما. قال أبو منصور: من وقف أراد إبانة النون مِنْ (مَنْ) . وقيل في تفسير (مَنْ راقٍ) ، أي: مَن يرقَى بِرُوحِهِ، أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ . وقيل: معنى (مَنْ راقٍ) : من يَشْفى من هذه الحال. وفيه قوله ثالث: إن هذا يقال عند اليأس، أي: من يقدر على أن يَرْقى من الموت، على جهة الجَحْد. والمعنى: أنه لا يقدر أحد على أن يرقي من الموت. والعرب تقول من الرُّقِية: رَقَى يرقى. ومن الرُّقي، وهو الصعود رَقىَ يرقَى رُقِيًّا فهو راقٍ فيهما واللَه أعلم بما أراد. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) . قرأ حفص والمفضل عن عاصم، ويعقوب (مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى) بالياء. وقرأ الباقون (مِنْ مَنِيٍّ تُمْنَى) بالتاء. قال أبو منصور: من قرأ (يُمْنَى) بالياء ذهب به إلى المَني، وهو مذكر. ومن قرأ (تُمْنَى) بالتاء رده إلى النطْفَة، وأصل النطفة في كلام العرب: المُوَيْهَةُ القليلة. وكذلك قيل لمَني الرجُل: نُطفة. وأصله من نطف الماء ينْطُفُ، إذا قَطَرَ، نَطفانًا. * * *

سورة هل أتى

سورة هَلْ أَتَى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال جلَّ وعزَّ: (سَلاَسِلًا) و (قَوَارِيرًا (15 - 16) . قرأ ابن كثير " سلاسلَ " بغير تنوين، ووقف بغير ألف "كانَتْ قَوَارِيرًا " منونة، ووقف بغير ألف " قَوَارِيرَ مِنْ فِضة " غير منونة. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم " سلاسلَ " بغير تنوين، ووقفوا بألف " كانت قوارير " يقفون بألف، ويختارون الوقف عليها، فإذا وصلوا وصلوا بغير تنوين " قوارير من فضة " بغير تنوين، وبغير ألف. وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم، والكسائي " سلاسلاً "، و (كانت قواريرًا قواريرًا) منونة (من فضة) . ويقفون عليها بألف. وقرأ حمزة ويعقوب " سلاسلَ " و " قواريرَ " بغير تنوين، وبغير ألف. قال أبو منصور: من قرأ (سلاسِلَ) و (قواريرَ) بغير تنوين، وغير ألف؛ فلأنها لا تنصرف. ومن قرأ (سلاسلاً) و (قوارورًا) فنوَّن فلأنَّ

(عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق) .

أصلها الصرف - ووافقتا رُءوس آى بألف فأجريتا مجراها. وأما من لم يجر (تَوارِيرَ مِنْ فِضة) وأجرى الثانية فلأن الأولى ليست برأس آية والثانية رأس آية. قال أبو منصور: كل ما قرئ به فهو جائز حسن. فاقرأ كيف شئت. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) . قرأ حمزة ونافع (عَالِيْهِمْ) بِسُكون الياء، وكذلك رَوَى أبان والمفضل عن عاصم. وقرأ الباقون " عَالِيَهُمْ " بفتح الياء - قال أبو منصور: من قرأ (عَالِيْهِمْ) بسكون الياء فهو في موضع الرفع، المعنى: الذي يَعْلُوهم ثياب سندس. وهو اسم على (فَاعِل) من عَلاَ يَعْلو. ومن فتح الياء فقرأ (عَالِيَهُمْ) فإن الفرّاء قال: نصبه على الظرف، تقول: فَوْقَهم ثياب.

(خضر وإستبرق) .

وقال الزَّجَّاج: نصبه على الحال من شيئين: أحدهما: من الهاء والميم، المعنى: يَطُوف على الأبرار وِلْدَان مُخَلَّدون عاليًا الأبرارَ ثيابُ سنْدس؛ لأنه وصَفَ أحْوَالهم في الجَنة، فيكون المعنى: يَطوف عليهم في هذه الحال هؤلاء. قال: ويجوز أن يكون حالاً من الوِلْدان، المعنى: إذا رأيتهم حَسِبْتَهم لُولؤا مَنثورًا في حال عُلو الثياب إياهم. قال: فالنصب على هذا بَيِّن. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) . قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم " خضرٍ "، خفضًا، (وَإِسْتَبْرَقٌ) رفعا. وقرأ أبو عمرو وابن عامر ويعقوب (خُضْرٌ) ، رفعَا، و (إستبرقٍ) خفضًا. وقرأ نافع، وحفص عن عاصم (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) ، رفعًا جميعًا. وقرأ حمزة والكسائي (خُضْرٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) ، خفضَا جميعًا. قال أبو منصور: من قرأ (خضرٌ) فهو جيد؛ لأنه نعتٌ لقوله (ثيابُ) ، والثياب جمع، و (خضرٌ) نعت للجمع. ومن قرأ (خُضْرٍ) فهو من نعت السندس، والسندس في المعنى راجع إلى الثياب. ومن رفع (وَإِسْتَبْرَقٌ) فهو معطوف على الثياب، المعنى: وعليهم إستبرقٌ. ومن خفض نسق على (سندُسِ) ، ويكون المعنى: عليهم ثيابٌ من هذين النوعين: ثياب سندسٍ، وإستبرقٍ.

(إنما نطعمكم لوجه الله) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ) . روى عباس عن أبي عمرو (نُطْعِمْكُمْ) جَزْما. وقرأ سائر القراء (نُطْعِمُكُمْ) . قال أبو منصور: القراءة (نُطْعِمُكُمْ) بضم الميم، وما رُوِى عن أبي عمرو فهو من اختياره الاختلاس عند تتابع الحركات. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (30) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (وَمَا يَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: من قرأ بالياء فللغيبة، ومن قرأ بالتاء فللخطاب. ومعنى (ما تشاءون إلا أن يشاء الله) أي: لستم تشاءون شيثًا فيكون دون مشيئة الله. * * *

سورة والمرسلات

سورة وَالْمُرْسَلَاتِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، ويعقوب (عُذْرًا) ساكنة الذال (أَوْ نُذْرًا) مثقلة. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم (عُذْرًا أَوْ نُذْرًا) مخففين. قال أبو منصور: من قرأ (عُذْرًا أوْ نْذْرًا) مثقلاً أو مخففًا فالمعنى واحد، أى: إعْذَارًا وإنْذارًا. أراد: فالملقيات ذِكْرًا للإعْذار والإنْذار. ويجوز أن يكون نَصبهما على البدل من قوله: (ذكْرًا) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) . قرأ أبو عمرو وحده (وَإِذَا الرُّسُلُ وُقِّتَتْ) بالواو. وقرأ سائر القراء (أُقِّتَتْ) بالهمز.

(كأنه جمالات صفر (33) .

قال أبو منصور: من قرأ بالواو فهو الأصل؛ لأنه مأخوذ من الوقت ومن قرأ بالهمز فلأن الواو إذا انضمت قلبت همزة. والعرب تقول صلى القوم أُحدانًا. وأنشد الفرّاء: يَحُلُّ أحُيْدَةً ويقالُ بَعْلٌ ... وَمثلُ تَمَوُّلٍ منهُ افتقارُ الأصل: يحل وُحَيْدَة. ومعنى (وَقتَتْ) و (أقتَتْ) : جُعِلَ لها وتْت واحد للفصل فى القضاء بين الخلق. وقيل: أقتت: جُمِعتِ لوَقْتها يوم القيامة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَأنَّهُ جِمَالاتٌ صُفْرٌ (33) . قرأ ابن كثيرٍ، ونافع، وابن عامر، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم " جمَالاَتٌ " بكسر الجيم. وقرأ الحضرميّ " جُمَالاَتٌ " بضم الجيمِ، والجمع. وقرأَ حفص وحمزة والكسائي " جِمَالَةٌ " بكسر الجيم. قال أبو منصور: من قرأ (جِمَالاَتٌ) فهى جميع جِمَالَة. يقال: جَمَل وجِمَالٌ وجِمالَةَ، كما يقال ذَكرٌ وذِكَار وذِكَارَة، ثم يجمع الجِمالَهُ جِمَالاَت.

(انطلقوا إلى ظل (30) .

ومن قرأ (جِمالَة) فهو جمع جَمِل. وأما من قرأ (جُمَالاَت) بضم الجيم فهى جمع: جُمَالَة وهو القَلْس من قُلوس سُفُن البحْر. وقال الفراء: يجوز أن يكون جَمْعُ جَمَل جِمَالاً، وجُمَالاَت. كما قيل رُخَال لجمع. رَخِل. وذكر الزجاج ما يقارب معناه. وروى عن ابن عباس أنه قال: الجُمَالاَت: حبال السفن يجمع بعضه إلى بعض حتى يكون كأوساط الرجال. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ (30) . قرأ يعقوب وحده (انْطَلَقُوا) - بفتح اللام - وقرأ سائر القراء (انْطَلِقُوا) - بكسر اللام - على الأمر. ومن قرأ (انْطَلَقُوا) فهو فِعْل ماض. * * *

سورة عم يتساءلون

سورة عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) . كان يعقوب إذا وقف يقف على (عَمهْ) على هاء السكت. والباقون إن وقفوا وقفوا على ميم. قال أبو منصور: ليس قوله (عَم) موضع وقف، وإن اضطرَ إلى الوقف قارئ لم يَجُزْ أنْ يقِف على (عَمه) بالهاء، لأن هذا ليس موضع وقْف. وكان فى الأصل: عَنْ مَا يَتَساءَلُون، وأدغمت النون فى الميم، لأن الميم تشرك الغنة التى فى الألف. المعنى: عن أى شىء يتساءلون. فاللفظ لفظ استفهام، والمعنى تفخيم القصة كا تقول: أى شيء زَيْد. وإنما حُذِفَت الألف ليكون فَرْقًا بينها إذا كانت خَبَرًا وبينها إذا كانت استفهامًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) . روى هشام بن عمار عن ابن عامر بالتاء " ستعلمون " لا يعرف ذلك أصحاب الأخفش.

(وفتحت السماء)

قال أبوِ منصور: القراءة بالياء، لأن قبلها (يتساءلون) ، وهو بالياء، فكذلك (سَيَعْلَمُون) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ) قرأ الكوفيون " وَفُتِحَت " خفيفة. إلا ما رَوَى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم وفُتِّحت " مشددة، وكذلك قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر ويعقوب. قال أبو منصور: من خفف فللفظ (السمَاء) إنه واحد، ومن شدّد ذهب بها إلى الأبواب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) . قرأ حمزة وحده " لَبِثِينَ " بغير ألف. وقرأ الباقون " لاَبِثيِنَ " بألف.

(لغوا ولا كذابا (35) .

قال أبو منصور: يقال لَبِثَ الرّجُلُ يَلْبَثُ لُبْثًا ولَبْثًا فهو لاَبِث. ويقال: هو لَبِثٌ بمكانِ كذا وكذا، إذا صار اللَبْثُ شأنه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) . قرأ الكسائي وحدهُ: (ولا كِذَابًا) خفيفا. وسائر القراء قرأوا: (وَلَا كِذَّابًا) . ولم يختلفوا فى قوله: (وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) . قال أبو منصور: من قرأ (وَلَا كِذَابًا) خفيفة فمعناه: لا يُكذِّبُ بعضُهم بعْضًا، مِِن كَاذبتُه كذَابا. ومن قرأ (وَلَا كِذَّابًا) فهو مصدر: كَذبْتُه تَكْذِيبا وكِذابا والعرب تقول: خَرقْت القميص خِراقًا، وقَضيت حاجاتى قِضاء. وإنما فرق الكسائي بين الأول والثانى لأن الأول مقيد ب (كَذَّبوا) فقرأه (كِذَّابا) ؛ لأنه مصدر (كَذَّبوا) . وخفف الثانى لأنه غير مقيد بما قبله. فالمعنى: لا يسمعون فيها لغوًا، أى: باطِلاً. (وَلاَكِذَّانا) ، أى: كَذِبًا - وقال الأعشى: فَصَدَقْتُها وكَذَبْتُها ... والمَرْءُ يَنْفَعُه كِذابُه

(رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن (37) .

أى: كَذِبُه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ (37) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنُ) رفعا. وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ) خفضًا معًا. وقرأ حمزة والكسائي (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) خفضًا، (الرَّحْمَنِ) ، رفعًا. قال أبو منصور: من قرأ (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) بالرفع فعَلَى إضمار: هو رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. و (الرحْمنُ) خبره. ومن قرأ (رَبِّ) فهو على التكرير لقوله (مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا) . رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) . وأما قراءة الكسائي (رَبِّ السَّمَاوَاتِ) خفضًا، (الرحْمَنُ) رفعا فإنه جعل الربَّ بَدَلاً من قوله (رَبِّكَ) ، ورفَع (الرحْمَنُ) على إضمار: هو الرحْمَنُ. على المدح. * * *

سورة النازعات

سورة النَّازِعَاتِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (عِظَامًا نَخِرةً) . قرأ عاصم في رواية أبي بكرٍ، وحمزة، ويعقوب " نَاخِرَةً " بألف. وقيل: إن الكسائي كان يقرأ (نَخِرَة) ، ثم رجع إلى (نَاخِرَةً) . وقرأ الباقون (نَخِرَةً) . قال أبو منصور: من قرأ (نَخِرَةً) فهو من نَخِرَ العَظْمُ يَنْخَرُ فهو نَخِر: إذا رَمَّ وبَليَ، مثل: عَفِنَ فهو عَفِن. ومن قرأ (نَاخِرَةً) فمعناها: العظام الفارغة، تقع فيها الرياح إذا هبتْ، فتَسمع لِهُبوب الريح فيها كالنخِير. وقد يجوز أن يكون (نَاخِرَةً) و (نَخِرةً) بمعنى واحدٍ. كما يقال: بَلِيَت العِظامُ فهى بالية. وأختار (نَاخِرَة) ؛ لأنها تضَاهي (حَافِرَةِ) ، (سَاهِرَةِ) فى رءوس الآي. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إلَى أنْ تَزَكَّى) .

(إنما أنت منذر من يخشاها (45) .

قرأ ابن كثير ونافع والحضرمي " إلى أن تَزَّكَّى " بتشديد الزاى. وكذلك عباس عن أبي عمرو. وقرأ الباقون (إلَى أنْ تَزَكَى) خفيفة الزاى. قال أبو منصور: من قرأ (تَزَّكَّى) بتشديد الزاى أراد: (تَتَزَكَّى) ، وأدغم الثانية فى الزاى وشدّدها. ومن قرأ (تَزَكَّى) فإنه حذف التاء الثانية، وبقيت الزاي خفيفة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) . روى عباس عن أبي عمرو، (مُنْذرٌ مَن يَخْشَاهَا) منونًا. وقرأ الباقون (مُنْذِرُ مَنْ) مضافًا. قال أبو منصور: من قرأ (مُنْذرٌ مَن) جعل (مَنْ) منصوبًا بِالفعل. ومن قرأ (مُنْذِرُ مَنْ) بغير تنوين، جعل (مَنْ) فى موضع الخفض؛ لأنه مضاف إليه. و (مُفْعِل) و (فَاعِل) إذا كان فى معنى الاستقبال أو الحال نَونتهما؛ لأن التنوين يكون بدلاً من الفعل، والفعل لا يكون إلا نكرة. وقد يجوز حذف التنوين على الاستخفاف، والمعنى ثبوته، ويكون (مَنْ) فى موضع النصب على ما بَيَّنته.

سورة عبس

سورة عَبَسَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) قرأ عاصِم وحده (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) ، نصبًا. وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (فَتَنْفَعُهُ) ، بالرفع. وقرأ سائر القراء بالرفع. قال أبو منصور: من قرأ (فَتَنْفَعَهُ) بالنصب فَعَلىَ جواب (لعلَّ) - وأنشد الفراء: عَلِّ صُروفِ الدَّهْرِ أَو دَوْلاتِها يُدِلْنَنا اللَّمَّة من لَمَّاتِها فتسْتَرِيحُ النفْسُ مِنْ زَفْرَاتِهَاْ هكذ أنشده الفراء بالنصب، ومن قرأ (تنفَعُه) بالضم لم يجعله جوابًا منصوبا لـ (لعلَّ) . والقراءة المختارة الرفع؛ لاتفاق أكثر القراء عليه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) قرأ ابن كثير ونافع (فَأَنْتَ لَهُ تَصَّدَّى) ، بتشديد الصاد، وقرأ الباقون (تَصَّدَّى) خفيفة.

(إنا صببنا الماء صبا (25) .

قال أبو منصور: من شدد الصاد فلإدغام التاء فيها، كما قلت فى (تَزَكى) . ومن خفف الصاد فبحذف التاء الثانية. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (إِنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) . قرأ عاصم وحمزة والكسائي (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ) بفتح الألف. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (إِنَّا) بكسر الألف. قال أبو منصور: من قرأ (إنَّا) فهو استئناف. ومن قرأ (أَنَّا) فعلى البدل من الطعام. ويكون (أَنَّا) فى موضع خفض؛ لأنه بدل من الطعام ولَما اتصل به فى وسط الكلام صار مفتوحًا، كأنه قال: فَلْينظر الإنسان إلى أَنَّا صَبَبْنَا الماءَ صبًّا. ومعناه: فلينظر الإنسان إلى صَبِّنا الماءَ صَبًّا، فأقام (أَنَّا) والفعل فى موضع المصدر. * * *

سورة كورت

سورة كُوِّرَتْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ (سُجِّرَتْ) و (نُشِرَتْ) و (سُعِّرَتْ) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو" سُجِرَتْ " و (سُعِرَتْ) مخففتين. و (نُشِّرَتْ) مشددة. وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم (سُجِّرَتْ) و (سُعِّرَتْ) مشددتين. و (نُشِرَتْ) خفيفة. وروى يَحيَى عن أبي بكر عن عاصم (سُجِّرَتْ) مشددة و (سُعِرَتْ) و (نُشِرَتْ) خفيفتين. وقرأ حمزة والكسائي (سُجِّرَتْ) و (نُشِّرَتْ) مشددتين، و (سُعِرَتْ) مخففة. وقرأ يعقوب (سُجِرَتْ) ، و (نُشِرَتْ) مخففتين و (سُعِّرَتْ) مشددة. قال أبو منصور: من شدَّد فللتكثير والتكرير. ومن خفف فعلى الفعل الذي لا يتكثر.

(وإذا الجحيم سعرت (12)

ومعنى قوله: (سُجِّرَتْ) في قول بعضهم: مُلِئَتْ، ومثلها بحر مسجور. وَقيل: سُجِّرَتْ وفُجِّرت واحد، المعنى: البحار فُجِّرَت بعضها في بعض. وقيل (سُجِّرَتْ) أي: جُعِلتْ مِياهُها نيرانًا، يُعذب بها أهل النار. وروى ذلك عن على وابن مسعود وغيرهما. * * * وقوله جلَّ وعزَّ. (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) . و (نُشِّرَتْ) أي: أعْطى كل إنسان كتابه منشورًا بيمينه أوْ بشِماله على قَدْر عمله وجزائه. * * * وقوله - عزَّ وجلَّ -: (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) و (سُعرَت) . أي: أوقدت فالتهبت نيرانها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ (24) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي والحضرمّى (بِظَنِينٍ) بالظاء. وقرأ عاصم ونافع وحمزة وابن عامر " بِضَنِينٍ " بالضاد. قال أبو منصور: من قرأ (وَمَاهُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) فمعناه: ما هو متهم، هو الثقة فيما أداه عن اللَّه. والظَّنَّةُ: التهَمَة، ومن قرأ (بضنِين) فمعناه: ما هو ببخيل على الغيب الذي يؤديه عن الله، وعلى تعليمه كتاب الله. مأخوذ من: الضن، وهو: البخلُ.

وقال الفراء: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بَظنين) ، أى: بضعيف. يقول: هو محتمل له. قال: والعرب تقول للرجل الضعيف: هو ظَنُون. قال وحمعت بعض قُضاعة يقول: ربما دَلكَ على الرأي الظنونُ. يريد: الضعيف من الرجَال. وهو كما يقال: مَاء شَرُوب، وشَريب. وقُرُون الرجُل، وقَرِينه نفسه، وكذلك قرينته، وقَرُونَتُه. * * *

سورة انفطرت

سورة انْفَطَرَتْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (فَعَدَلَكَ) . قرأ عاصم وحمزة والكسائي " فَعَدَلَكَ " مخففة. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب " فَعَدَّلَكَ " مشددة. قال أبو منصور: من قرأ (فَعَدَلَكَ) بالتخفيف جعل فيِ بمعنى (إلَى) كأنه قال: (عَدَلَكَ) إلى أي صُورَةٍ شاءَ أن يُرَكبك فيها فرَكَبك. وهذا قول الفرّاء. وقال غيره: (فَعَدَلَكَ) ، أي: سَواك. يقال: عَدَلْتُ القِدْح فاعْتدَل، إذا قومْتَه فاستقام. ومنه قول الشاعرْ وعَدَلْنا مَيْلَ بَدْرٍ فاعْتَدَل ومن قرأ (فَعَدَّلَكَ) معناه: قَوَّمَكَ تقْويما حَسَنًا. وتكون (ما) صلة، كأنه قال: سوَّاك فعدَّلَك. ثم ابتدأ فقال: في أي صورة شاء أن يُرَكبَك رَكبَكَ،

(ركبك (8) كلا) .

إما طويلاً، وإما قصيرًا، وإما مُسْتَحْسَنًا، وإما غير ذلك. ويجوز أن يكون (ما) بمعنى الشرط والجزاء. فيكون المعنى: في أي صورة ما يشاء أن يركبَكَ فيها رَكَّبَك. ويكون (شاء) بمعنى: يشاء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (رَكَّبَكَ (8) كَلَّا) . قرأ يعقوب الحضرمي " رَكَّبَك كَّلَّا " مدغمًا. وكذلك أدغم الكاف في الكاف في (طه) : (نُسَبِّحَك كثيرًا. وَنَذْكُرَك كَثِيرًا) . وموضعٍا في (الروم) : (كَذَلِك كَّانُوا) في هذه الخمسة المواضع. ويظهرها في غيرهن. وروى خارجة عن نافع مثل ذلك. . " رَكَّبَك كَّلَّا " مدغمًا. قال أبو منصور: القراءة بإظهار الكافَيْن؛ لأنهما من كلمتين، وهى أبْيَنُ القراءتَيْن وأتَمُّهما وأعربُهما. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن أبي إسحاق والحضرميّ " يَوْمُ لاَ تَمْلِكُ " رفعًا. وقرأ الباقون (يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ) نصبًا. قال أبو منصور: من قرأ بالرفع (يَوْمُ) فعلى أن اليوم صفة لقوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ) ويجوز أن يكون الرفع بإضمار (هو) ،

المعنى: هو يومُ لا تملك. وأما من قرأ (يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ) فله وجهان: أحدهما: أنه بُنيَ على الفتح، وهو في موضع الرفع؛ لأنه أضيف إلى غير متمكن. ولو كان مضافًا إلى اسم متمكن كان مرفوعًا، كقوله: (يَوْمُ الدِّين) فأما قوله: (لاَ تَمْلِكُ) . فغير متمكن. ومثله قول الشاعر: لم يمنعِ الشُّربَ منها غيرَ أَنْ نطقَتْ ... حمامةٌ في غصونٍ ذاتِ أوقال ثمار المقل، الواحد (وَقَل) . فبنى (غير) على الفتح لما أضافها إلى (أنْ) ، وموضعها رفع. قال ابن الأنباري: أئشدني أبو العباس: مِنْ أيِّ يَوْمٍ مِنَ الْمَوْتِ أفِرّ ... يوْمَ لَمْ يقْدَرَ أمْ يَوْمَ قُدِرْ فاليومان الثانيان مخفوضان على الترجمة عن اليومَيْن الأولَيْن، إلا أنهما نصبا في اللفظ؛ لأنهما أضيفا إلى غير مَحْض.

قال: وجائز أن ينصب (يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ) بمعنى: هذه الأشياء المذكورة تكون يوم لاتملك ننفس لنفس شيئًا. فنصب (يَوْمَ) ها هنا بنزع الخافض. أراد: تكون في يَوْمِ لا تملك نفس لنفس شيئا. وقال ابن الأنباري: هو منصوب على المحل؛ كأنه قال: في يوم لا تملك. * * *

سورة المطففين

سورة الْمُطَفِّفِينَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) . قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (كَلاَّ بَلْ رَانَ) مدغمًا مفخمًا. وقرأ حمزة والكسائي (كَلاَّ بَلْ رِانَ) بكسر الراء، وكذلك روى الأصمعي عن أبي عمرو. واختلفَ عن عاصم فروى حفص عنه " بَلْ " وقف على اللام، ثم يبتدئ " رَانَ " بفتح الراء، وروى الأعشى عن أبي بكر " بَل رِّانَ " مدغما بكسر الراء، مثل أبي عمرو، وروى يحيي عن أبي بكر عن عاصم " بَل رِّانَ " بكسر الراء مثل حمزة. قال أبو منصور: من قرأ بإظهار اللام فلأن اللام من كلمة والراء من أخرى. ومن قرأ بالإدغام فلقرب مخرج اللام من مخرج الراء، مع غَلَبة الراء على اللام.

(تعرف في وجوههم نضرة النعيم (24) .

ومن قرأ بالإمالة في الراء فلأن الراء مكسورة ومن آثر التفحيم فلأنها لغة أهل الحجاز. و (رَانَ) بمعنى غَطى على قلوبهم يقال: ران الذنبُ على قلبه يرنى رينًا، إذا غَشيَ على قلبه والرنى الطبع يركب القلب. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) . قرأ الحضرمي وحده " تُعْرَفُ فِي وُجُوهِهم نَضْرَةُ النَّعِيمِ " رفعًا. وقرأ الباقون " تَعْرِفُ " بفتح التاء (نَضْرةَ النَّعِيمِ) نصبًا. قال أبو منصور: من قرأ (تُعْرَفُ) بضم التاء فـ (نَضْرَةُ) مرفوعة؛ لأنه مفعول لم يسم فاعله. ومن قرأ (تَعْرِفُ) بفتح التاء نصب (نَضْرةَ) بـ (تَعرفُ) . * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (خِتَامُهُ مِسْكٌ (26) . القراء اتفقوا على " خِتَامُهُ " بالألف بعد التاء، إلا الكسائي فإنه قرأ (خَاتَمُه مِسْكٌ) . وقد رُوِيَتْ هذه القراءة عن عليٍّ. قال أبو منصور "المعنى في الخِتَام والخَاتَم واحد، معناهما: آخره، أي: يجد شارِبُهُ منه ريح المِسْك حين يَنْزع الإناء من فِيهِ. المعنى: أنهم إذا شربوا الرحِيق فَفنىَ ما فى الكأس وانقطع الشرَابُ انْخَتَم ذلك بطعم المِسْك ورائحته، وليس بين الخاتم والختام فَرْقٌ، غير أن الخاتم اسم، والخِتَام مصدر.

(انقلبوا فاكهين (31) .

وقوله جلَّ وعزَّ: (انْقَلَبُوا فَاكِهِينَ (31) . قرأ ابن عامر وحفص (انْقَكبوا فَكِهِينَ) بغير ألف. وقرأ الباقون بألف (فَاكِهِينَ) . وقد روى هشام بن عمّار بإسناده عن ابن عامر " فَاكِهِينَ " بألف. قال الفراء: من قرأ (فَكِهِينَ) أو (فَاكِهِينَ) فمعناهماواحد، بمنزلة حَذِرِينَ، وحَاذِرِين. وقال في كتاب المصادر: الفَكِهُ: الأشِرُ. والفَاكِهُ: من التفكه. وقيل: فَكِهين: فَرِحِين. وفَاكِهِينَ: نَاعِمينَ. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (هَلْ ثُوِّبَ (36) . روى عن بن نصر عن أبي عمرو (هَلْ ثُّوِّبَ) مدغمًا مثل حمزة والكسائي، وكذلك روى يونس بن حبيب عن أبي عمرو (هل ثوب) . وقرأ الباقون (هَلْ ثُوِّبَ) بإظهار اللام. قال أبو منصور: من أدغم فلقرب مخرجى الحرفين. ومن أظهر فلأنهما من كلمتين. ومعنى: هل ثوب الكفار: هل جُوزُوا بِسُخْرِيتهِمْ من المؤمنين في الدنيا جزاءهم.

وقال أبو إسحاق: من قرأ (فاكهين) فمعناه: مُعْجَبِينَ بما هم فيه. ومن قرأ (فكهين) فمعناه: أشرين بطرين. * * *

سورة انشقت

سورة انْشَقَّتْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) . قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي (وَيُصَلَّى سَعِيرًا (12) بفتح الصاد، وتشديد اللام، وضم الياء. وقرأ الباقون (وَيَصْلَى سَعِيرًا) ساكنة الصاد، خفيفة اللام. قال أبو منصور: من قرأ (وَيَصْلَى سَعِيرًا) فمعناه: أنه يقاسى حَرَّهَا. مِنْ: صَلِيتُ النارَ، إذا قاسيت شدة حرها. ومن قرأ (ويُصَلَّى سعيرَا) فمعناه: أنه يُلْزَم عَذَابها بِشِدّة حَرِّها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) . قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (لَتَرْكَبَنَّ) بفتح الباء. وقرأ الباقون (لَتَرْكَبُنَّ) بضم الباء.

قال أبو منصور: من قرأ (لَتَرْكَبَنَّ) بفتح الباء فمعناه: لَتَركبَنَّ يا محمد (طبقًا عن طبق) أى طبقا من أطباق السماء. ومن قرأ ((لَتَرْكَبُنَّ) بضم الباء فالخطاب للأمة يقول: (لَتَرْكَبُنَّ حالاً بعد حال حتى تصيروا إلى الله من إحياء وبعثٍ وإماتةٍ. * * *

سورة البروج

سورة الْبُرُوجِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّا: (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) . قرأ حمزة والكسائي " الْمَجِيدِ " خفضًا. وقرأ الباقون (الْمَجِيدُ) رفعا. قال أبو منصور: من قرأ بالخفض، جعله نعتًا للعرش. و (الْمَجِيدِ) الكريم الشريف. ومن قرأ بالرفع جعله نعتا للَّهِ ذي العرش. واتفق القراء على قراءة (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ) بفتح الواو. وقيل أراد به: المصدر، أي ذات الاتقَاد، و (فَعُول) قُلمَا يجيء مصدرًا، وجاء قَبول مصدرًا، والوَلُوعُ، والوَزُوغ. * * * قوله جلَّ وعزَّ: (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) . قرأ نافع وحده (مَحْفُوظٌ) رفعًا. وقرأ الباقون (مَحْفُوظٍ) خفضًا.

قال أبو منصور: من رفعه جعله من صفة القرآن، بل هو قرَان محفوط في اللوح. ومن قرأه (مَحْفُوظٍ) جعله نعْتًا لِلوْح. * * *

سورة الطارق

سورة الطَّارِقِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) . قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم (لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) بالتشديد. وقرأ الباقون: (لَمَا عَلَيْهَا) خفيفة. قال أبو منصور: من قرأ (لَمَّا) مشددا فمعناه: (إلاَّ) بلغة هُذَيل. و (إنْ) بمعنى: (مَا) الجَحْد. المعنى: ما مِنْ نَفْس إلا علَيْها حافط. والعرب تجعل (لَمَّا) مشذدة بمعنى (إِلا) في موضعين: أحدهما: مع (إنْ) التى بمعنى (مَا) النَّفْى. والآخر: في قولهم: سألتك لَمَّا فعَلْتَ كذا. بمعنى: إلا فعلت. ومن قرأ (لَمَا) خفيفة جعل (مَا) مؤكدة. المعنى: إن كُل نَفْس لَعَلَيْهَا حافظ. * * *

سورة الأعلى

سورة الْأَعْلَى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) . قرأ الكسائي وحده (وَالَّذِي قَدَرَ) خفيفة. وقرأ الباقون بالتشديد. قال أبو منصور: هما لغتان، يقال: قدَّر، وقَدَر. ومنه قول الله جلَّ وعزَّ: (فَقَدَرْنَا فَنِعْم القَادِرُونَ) المعنى: فقدَّرنا فنعم المقدِّرون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) . قرأ أبو عمرو وحده " بَلْ يُوثِرُونَ " بالياء. وقرأ الباقون بالتاء. قال أبو منصور: الياء لِمَا غاب، والتاء للخطاب. * * *

سورة الغاشية

سورة الْغَاشِيَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) . قرأ أبو عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر، ويعقوب (تُصْلَى) بضم التاء. وقرأ الباقون (تَصْلَى) بفتح التاء. قال أبو منصور: من قرأ ((تَصْلَى) فمعناه: تلزم حر نارٍ حامية. ومن قرأ (تُصْلَى) فمعناه -: تُلقَى في نارِ حامية - حتى يصلى حرّها، أي: يقاسي عذابها. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (لَا يُسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً) وقرأ نافع (لا تُسْمَعُ) بالتاء. وقرأ الباقون (لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً) . قال أبو منصور: من قرأ (لاَ يُسْمَعُ) أو (لاَ تُسْمَعُ فِيهَا لاَغِية) رفعًا. فعلى ما لم يسم فاعله. وذكّرَ من قرأ بالياء؛ لأنه أراد باللاغية: اللغو.

(لست عليهم بمصيطر (22) .

ومن قرأ (لا تَسْمع فيها) بتاء مفتوحة، المعنى: لاتسمع أيها الناعم في الجنة لغوا، وهو: الباطل؛ لأن أهل الجنة أفضوا إلى دار الحق، فلا ينطق أهلها إلا بالحق. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) . روى الفراء عن الكسائي بالسين. وقرأ الباقون بالصاد. وأشمها حمزة الزاي. قال أبو منصور: وهي كلُّها لغات. * * *

سورة والفجر

سورة وَالْفَجْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) . قرأ حمزة والكسائي " والوِتْرِ " بكسر الواو. وقرأ الباقون " الوَتْرِ " بفتح الواو. قال أبو منصور: هما لغتان، يقال للفرد: وِتر، ووَتْر. وكذلك الذُّحْل وِتر، ووَتر. وقيل في التفسير: الشفع والوتر: إن الشفع يوم النَحْر، والوتْر يوم عرفة. وقيل: الوَتر من أسماء الله، معناه: الواحد. والشفع: الخَلْق خلقوا أزواجًا وقيل: الأعداد كلها شفع ووِتْر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) . قرأ ابن كثير ويعقوب (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي) بياء في الوصل والوقف. و"بالوادى " بياء في الوصل والوقف. وقرأ الباقون " يَسْرِ " بغير ياء

(أكرمن) ، و (أهانن) .

في الوصل والوقف. وقرأ نافع وأبو عمرو (يسرى) بياء في الوصل، والوقْفُ بغير ياء. و (بالواد) بغير ياء في الوصل والوقف. قال أبو منصور: من قرأ (يَسْر) بغير ياء فلأنه رأس آية وافَقتْ رُءوس آيات بغير ياء، ودلت كسرة الراء على الياء. ومن قرأ (يَسري) فلأنه الأصل. واختير حَذْف الياء لأنها لم تثبت في المصحف. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (أَكْرَمَنِ) ، و (أَهَانَنِ) . قرأ ابن كثير في رواية البرى (أكْرَمَني) و (أهَانَني) بياء في الوصل والوقف. وقرأ نافع (أكْرَمَني) و (أهَانَني) في الوصل بياء، وبغير ياء في الوقف. وأما أبو عمرو فروى عنه اليزيدي وعبد الوارث أنه قال: ما أبالي قرأته بياء أو بغير ياء في الوصل. وأما في الوقف فعلىِ ما في الكتاب. وقال أبو زيد وعباس: إنه كان يقف على (أكرَمَن) و (أهَانن) على النون. وقرأ يعقوب " أكْرمني) و (أهَانَني) بياء في الوصل والوقف. وقرأ الباقون بغير ياء في الوصل والوقف.

(بل لا تكرمون اليتيم (17) ولا تحاضون) (وتأكلون) .

وفتح الياء من (ربيَ أكرمني) و (ربىَ أهانني) ابن كثير ونافع وأبو عمرو. وأرسلها الباقون - قال أبو منصور: من قرأ - (أكْرَمَني) و (أهَانَني) بالياء فهي ياء الإضافة. ومن كسر النون مكتفيًا بكسرتهاعن الياء فهى لغة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ) (وَتَأْكُلُونَ) . قرأ أبو عمرو ويغقوب (يُكْرِمُونَ) و (يَحُضُّونَ) و (يَأكُلُونَ) و (يُحِبونَ) بالياء فيهن كلهن - وقرأ الباقون بالتاء فيهن كُلهن، إلا أن ابن كثيرٍ ونافعًا وابن عامر قرَءُوا (تَحضون) - بفتح التاء، وضم الضاد -، بغير ألف. وقرأ الكوفيون (تحَاضونَ) بفتح التاء، وألف بعد الحاء وقبل الضاد. قال أبو منصور: من قرأها بالياء فللغيبة، ومن قرأها بالتاء فللمخاطبة. ومن قرأ (لا تحاضون) فمعناه: لا يحضُّ بعضكم بعضًا على إطعام المسكين، وكانوا يأكلون أموال اليتامى ظلمًا، فقال الله: (وَيَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا) . أي: ميراث اليتامى يلفَونه لفًّا.

(فقدر عليه رزقه) .

وقوله جلَّ وعزَّء: (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) . قرأ ابن عامر وحده (فَقَدَّرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) بتشديد الدال. وقرأ الباقون (فَقَدر) خفيفة. قال أبو منصور: معنى (قَدَر) و (قَدَّر) ضيَّق وقتَّر. قال الله: (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) أي: ضُيِّق وقُتر. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) . قرأ الكسائي والحضرمي (لَا يُعَذَّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثَقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) . وكذلك روى المفضل عن عاصم. وقرأ الباقون " لَا يُعَذِّبُ. . . . وَلَا يُوثِقُ " بالكسر. قال أبو منصور: من قرأ بالفتح فالمعنى: لاَ يُعَذبُ عَذَاب هذا الكافر وعذاب هذا الصنف من الكفار أحد، وكذلك لا يوثق وثاقه أحد. ومن قرأ (لاَ يُعَذِّب. . . وَلاَ يُوثِقُ) فالمعنى لا يتولى يوم القيامة عذاب الله أحد، الملك يومئذ للَّه. وقيل: لا يعذب أحد في الدنيا كعذابه في الآخرة. وحدثنا السعدي، قال: حدثنا القيراطي، قال: حدثنا على بن الحسين عن أبيه عن يزيد النحوي، قال: كنت أعلم ولد الجنيد بن عبد الرحمن، وهو والٍ

على خراسان، فدخل عليه ابنه فقرأ عليه: (لاَ يُعَذِّب عذابه أحَدٌ) . فقال: لَحَنْتَ يا غلام؟ فقال: هكذا علمنى مُعَلمي قال: فدعاني فقلت: هكذا حدثني عكرمة عن ابن عباس. قال علي بن الحسين بن واقد: من قرأ (لاَ يُعَذِّب) فمعناه: لا يعذب بعذاب الله أحد. ومن قرأ (لاَ يُعذَّب) فمعناه ما جاء في الحديث: "أشَد الناس عذابًا من قتل نَبيًّا أو قتله نبِيٌّ". قال: فيومئذ لا يعذب بعذاب هذا أحد في الدنيا * * *

سورة البلد

سورة الْبَلَدِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) . قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي (فَكَّ رَقَبَةً أَوْ أطعَمَ) بالنصب. وقرأ الباقون (فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ) . قال أبو منصور: من قرأ (فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ) فالمعنى: اقتحام العقبة: (فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ) . فَك رقبة: الإعانة في فكاكها، كالمكاتَب، والمُعْتَقِ على مال، يُعَان على فكاكها. ومن قرأ (فَكَّ رقبةً) فهو محمول على المعنى، كأنه لما قال: فلا اقتحم العقبة قال: فلا فَكَّ رقبة، ولا أطْعَمَ في يوم ذِى مَسْغَبة وهذه القراءة مروية عن على رضي الله عنه. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20) . قرأ أبو عمرو، وحفص عن عاصم، وحمزة ويعقوب " مُؤصَدَة " بالهمز، وكذلك؟ " مُؤصَدَة " في الهُمَزة. وقرأ الباقون " مُوصَدَة " بغير همز في السورتين.

قال أبو منصور: هما لغتان: أوْصَدْتُ البابَ، وَآصَدْتُه، إذا أطْبَقته والحظيرة يقال لها: الوَصيَدة والأصيدَة. * * *

سورة والشمس

سورة وَالشَّمْسِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) . قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم ويعقوب ياءاتها كلَّها بالتفخيم. وقرأها نافعِ وأبو عمرو بين الفتح والكسر. وكسرها الكسائي كلَّها. وقرأ حمزة (تلاَهَا) و (طحاها) بالفتح. وكذلك قرأ في النازعات (دحاها) بالفتح وكَسرِها الباقي. وقال عباس: سألت أبا عمرو فكسرها كلَّها. قال أبو منصور: من فخَّم هذه الألفات كلها فلأن التفخيم هى لغة أهل الحجاز القديمة. ومن قرأها بين الفتح والكسر فلأن ذوات الياء كثرت فيها، فأتبعها ذوات الواو؛ لتتواطأ الفواصل كلها على نسقٍ واحد، وذوات الياء الإمالة أولى بها؛ لأن الياءات أخوات الكسرة. ومن فَخم (تَلاَهَا) و (طَحَاهَا) و (دَحَاهَا) فلأنها من ذوات الواو، وكسر باقي السورة؛ لأنها من ذوات الياء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا) .

قرأ نافع وابن عامر (فلا يَخَافُ) ، وكذلك هي في مصاحفهم. وقرأ الباقون بالواو (وَلاَ يَخَافُ) . قال أبو بكر بن الأنباري: من قرأ (فَلاَ يَخَافُ) بالفاء فلأن الفاء فيها تَصِل الذي بعدها بالذي قبلها، وهو قوله (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَواهَا) . أي: فسوى الأرض عليهم، فلا يخاف عقبى هَلَكتِهِمْ، ولا يُقَدِّرُ أنْ يرجعوا إلى السلامة بعد أن أزالها عنهم. قال أبو بكر؛ وقراءة العراقيين بالواوِ (وَلاَ يَخَافُ) ؛ لأن الواو جمعت الذي اتصل بها مع العَقر إذا انبعث أشقاها فعَقَرَها وهو لا يخاف عُقْبى عَقْرِها، أى لا يُقَدِّرُ أنَ الهَلَكة تَنزِل به من جهة عَقْره إياها. قال: وقوله: فدمدم عليهم ربهم، أي: غَضِب. وقال أبو طالب النحوي: الدمدَمَةُ: كلام مع غَضَب. وقال غيرهما في قوله (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِم) أي: أطبق الله عليهم العذاب. والله أعلم بما أراد. * * *

سورة والليل

سورة وَاللَّيْلِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قرأ نافع وابن عامر ياءاتها كلها بين الكسر والفتح. وأما حمزة والكسائي فإنهما كسراها. وفتحها الباقون. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (نَارًا تَلَظَّى (14) شدّد التاء يعقوب. وفتحها الباقون. قال أبو منصور: من خفّف التاء فلحذفه إحدى التاءين، ومن شددها فلإدغام إحداهما في الأخرى. والأصل: تَتَلَظَّى. * * *

سورة الضحى

سورة الضُّحَى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وكان ابن كثير إذا انتهى إلى سورة الضحى كبر عند رأس كل سورة إلى أن يختم القرآن، وروى ذلك عن مجاهد عن ابن عباس عن أبيٍّ. وقرأ نافع ياءاتها بين الفتح والكسر. وفتح حمزة (سَجَى) وَحْده. وكسرها الباقون كلها. وقال عباس بن عبد العظيم سألت أبا عمرو عن (وَالضُّحَى) و (سَجَى) ، و (قَلَى) فقرأهن بالكسر) . وقرأ الباقون بالتفخيم.

سورة والتين

سورة وَالتِّينِ بسم اللَّه الرحمن الرحيم اتفقوا كلهم على كسر السين من قوله: (وَطُورِ سِينِينَ (2) . وقد روى عن عمر (وَطُورِ سَيْنَاء) . وقيل " سِينِينَ " نعتهُ بالحسنى. ويقال: هو جبل بين حُلْوان وهَمَذَان. قال أبو منصور: ما روي عن عمر فهو شاذ، وهو خلاف المصحف. وسَيْنا معناه: الحَسَن. وقد جاء عن النبى - صلى الله عليه - أنه تكلم به.

سورة العلق

سورة الْعَلَقِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) . روى قنبل عن ابن كثير " أن رأه استغنى " بوزن (رَعَهُ) . وروى أصحاب ابن كثير " أن رآه " بفتح الراء والهمزة. قال أبو منصور: وهذا هو الصحيح، وما رواه قنبل فإنه خارج عن اللغة. وقال ابن مجاهد: (رَأهُ) بوزن (رَعَهُ) غَلَط، والصواب (رآه) بوزن (رَعَاه) . وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب (أن رآهُ) بوزن (رَعَاه) . وقرأ نافع بين الكسر والفتح. وقرأ أبو عمرو (رآه) بفتح الراء وكسر الهمزة. وقرأ حمزة والكسائي " رآه " بكسر الراء والهمزة. وقال ابن مجاهد: كان حمزة؛ والكسائي يقرَآن (أن رآهُ) بكسر الراء وفتح الهمزة بوزن (رِعَاهُ) . * * *

سورة القدر

سورة الْقَدْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) . قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة (هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) بفتح اللام. وقرأ الكسائي (مَطْلِعِ الْفَجْرِ) بكسر اللام، وكذلك روى عبيد عن أبي عمرو بكسر اللام. قال أبو منصور: من قرأ (مَطْلَعِ الْفَجْرِ) فهو مصدر بمعنى الطلُوع. يقال: طلعت الشمس مَطْلَعًا وطُلُوعًا. ومن قرأ (مَطْلِعِ) بكسر اللام فمعناه: وقت طُلُوع الشمس. والعرب تضع الاسم مَوْضع المصدر. * * *

سورة لم يكن

سورة لَمْ يَكُنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (أولَئكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة) . قرأ نافع وابن عامر " خَيْرُ الَبْرِيَئَةِ "، و (شَر البَرِيئَةِ) مهموزتين. وقرأ سائر القراء بغير همز. قال أبو منصور: من همز (البرِيئَة) جعلها منْ بَرِئ الله الخلق يبرَؤهم، والله البارئ الخالق. وقال الفراء: جائز أن يكون (البرِية) مأخوذة من البرْي، وهو: التراب. * * *

سورة إذا زلزلت

سورة إِذَا زُلْزِلَتِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (خَيْرًا يَرَهُ) و (شَرًّا يَرَهُ) . روى هشام بن عمّار بإسناده عن ابن عامر " خَيْرًا يَرهْ " و (شَرًّا يَرَهْ) جزمًا. وروى أبان عن عاصم " خَيْرًا يُرهُ " و (شَرًّا يُرَهُ) بضم الياء. وقرأ ابن كثير، وابنَ عامر، وحفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي ونافع في رواية الحُلْوَاني عن قالون، ورواية ورش (يَرَهُو) و (يَرَهُو) . والكسائي عن أبي بكر عن عاصم " خَيْرا يَرَهْ " و (شرًا يَرَهْ) ساكنين. وقرأ أبو عمرو في رواية اليزيدي وعباس (يَرَهو) بواو مشبعة فيهما. * * *

سورة العاديات

سورة الْعَادِيَاتِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (وَالْعَادِيَاتِْ ضَبْحًا. . . . . فَالْمِغُيرَاتِ صُبْحًا) . قرأ أبو عمرو وحده بإدغام التاء في الضاد والصاد. وأظهر الباقون التاء. * * *

سورة القارعة

سورة الْقَارِعَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذكر أبو حاتم عن أبي عمرو أنه كان يميل (الْقِارِعَةُ) . وأصحاب أبي عمرو لا يعرفون ذلك؛ لأن القارعة في موضع الرفع. والقراءة بفتح القاف. وقرأ حمزة ويعقوب (مَا هيَ) في الوصل بغير هاء. قال أبو منصور: الاختيار الوقف على (مَا هِيَهْ) ؛ لأن الهاء مثبتة في المصاحف فلا يجوز إسقاطها وأنت تجد إلى إثباتها سبيلا. * * *

سورة التكاثر

سورة التَّكَاثُر * * * قوله جلَّ وعزَّ: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) . قرأ ابن عامر والكسائي (لَتُرَوُنَّ الْجَحِيمَ) بضم التاء. وقرأ الباقون (لَتَرَوُنَّ) . وروى إسماعل عن ابن كثير أنه قرأ (ثُم لَتُرَوُنَّهَا) بضم التاء. وفتحها الباقون. * * *

سورة والعصر

سورة وَالْعَصْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رُوى عن أبي عمرو أنه كان يضم الباء من (الصَّبْرِ) جرَّةً خفيفة ولا يشبع. روى ابن مجاهد عن سلمان البصري عن أبي حاتم عن أبي زيد عن أبي عمرو (بِالصَّبْرِ) مثله، أى: يُشم الباء جرَّة. قال أبو منصور: كان هذا من اختلاس أبي عمرو لم يروَ هذا لأبي عمرو. والقُراء يسكنون الباء. * * *

سورة الهمزة

سورة الْهُمَزَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي (جَمَّعَ مَالًا) بالتشديد. وقرأ الباقون " جَمَعَ " خفيفة. قال أبو منصور -: جمعتُ الشيءَ، إذا كان متفرقا فَجمَعْته. وجَمعْتُه، كثرته وجعلته مجموعًا. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) . قرأ أبو بكر على عاصم، وحمزة والكسائي (فِى عُمُدٍ) بضم العَيْن والميم. وقرأ الباقون (فِى عَمَدٍ) بفتحتين. قال أبو منصور: هما لغتان، عَمُود، وعُمُد. مثل: أَدِيم، وأدَم

وفَصيم، وفَصَم، وأما (عُمُد) فإنها تكون جمع: عَمُود - وجائز أن يكون جَمْع: عِمَادٍ. وأما (عُمُد) فلا يكون إلا جمع عَمُود. * * *

سورة الفيل

سورة الْفِيلِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قرأ الحضرمي وحده (تَرْمِيهُمْ) بضم الهاء. وقرأ الباقون (تَرمِيهِمْ) بكسر الهاء. * * *

سورة لإيلاف

سورة لِإِيلَافِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قرأ ابن عامر (لِإِلَافِ قُرَيْشٍ) بهمزةٍ مختلسة الكسرة، ليس بعدها ياء. وقرأ الباقون (لِإِيلَافِ) قبلها همزة. وروى زمعة بن صالح عن ابن كثير " إلْفِهمِ " بغير ياء قبل اللام. وقرأ الباقون " إيلاَفِهِمْ " بوزن (عِيلاَفِهِم) قال أبو منصور: من قرأ (لإيلاَفِ) فإنه كان فى الأصل (لإئْلاَفِ قُرَيْشٍ) بهمزتين، كقولك: لإعْلافِ قُرَيْشٍ. فأبدلت الهمزة الثانية ياء، كما قالوا: أئمة. وهى فى الأصل (أَأْمِمَة) فكرهوا الجمع بين الهمزتين. وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم " إأْلاَفِهِمْ " بهمزتين، الأولى مكسورَة والثانية ساكنة. كذا قُرِئَ على أبي بكر، ثم رَجَعَ عنهُ، وقرأ

مثل حمزة بهمزة بعدها ياء. ومن قرأ (لإلْفِهِمْ) فهو من ألفَ يألفُ إلْفًا. يقال: آلفته آلفُهُ إلْفا. * * *

سورة أرأيت

سورة أَرَأَيْتَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قوله جلَّ وعزَّ: (أَرَأَيْتَ الَّذِي) قرأ نافع (أَرَايْتَ) بألف فى تقدير الهمزة ولا يهمز. وقرأ الكسائي (أريْتَ) بغير ألف وبغير همز. وقرأ الباقون (أَرَأَيْتَ) بالهمز. قال أبو منصور: من قرأ (أرايت) فإنه خففّ الهمزة، وجعلها ألفًا ساكنة. ومن قرأ (أريت) بغير ألف فإنه قرأ بحذف الهمزة. ومن قرأ (أَرَأَيْتَ) فعلى تحقيق الهمزة. * * *

سورة الكوثر

سورة الْكَوْثَرِ بسم الله الرحن الرحيم قرأ عاصم فى رواية أبي بكر من طريق الأعشى (إِنَّ شَانِيَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) بغير همز. وقرأ الباقون " إن شَانِئَك " بالهمز. قال أبو منصور: هما لغتان، والأصل الهمز. يقال: شَنِئته أشْنَوهُ إذا أبغَضْتهُ. * * *

سورة الكافرون

سورة الْكَافِرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قرأ ابن كثير ويعقوب (لاَ أعبدُ) بغير مد، وكذلك قوله (وَلاَ أنتمْ عَابِدُونَ مَا أعبدُ) وكذلك نظائرها من القرآن. وقرأ عاصم وحمزة بالمد التام فى هذه الحروف. وأما الكسائي فقراءته لهذه الحروف متوسطة. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَلِيَ دِينِ (6) . قرأ نافع، وحفص عن عاصَم (وَلِيَ دِينِ) مفتوحة الياء، وكذلك روى شبل عن ابن كثير. وروى إسماعيل بن جعفر، وأخوه يعقوب عن نافع (وَلِي دِينِ) ساكنة. وكذلك قرأ الباقون بسكون الياء. وقرأ يعقوب وحده (وَلِي دِينِي) بياء فى الوصل.

سورة النصر (الفتح)

سورة النَّصْر (الفتح) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (أَفْوَاجًا) اجتمع القراء على تفخيم قوله (أَفْوَاجًا) . فلا يجوز فيه الإمالة. ومعناه. أنه كان يُسْلم الحَيُّ بأسره، وكان قبل ذلك يُسْلم الرجل والرجلان والثلاثة، فلما نزلت هذه السورة قال النبى - صلى الله عليه -: "نُعِيْتْ إليَّ نفسي". * * *

سورة تبت

سورة تَبَّتْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قرأ ابن كثير (يَدَا أَبِي لَهْبٍ) . بسكون الهاء. وقرأ الباقون (أَبِي لَهَبٍ) بفتح الهاء. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (وَامْرَأتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ) . قرأ عاصم وحده (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) . وقرأ الباقون (حَمَّالَةُ الْحَطَبِ) بالرفع. قال أبو منصور: من قرأ (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) بالنصب فهو على الذم. المعنى: اذكر حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. ومن قرأ (حَمَّالَةُ الْحَطَبِ) فهو مرفوع بقوله (وامرأته) ؛ لأنه ابتداء، و (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) مُرَافِعه. وقيل: (حَمَّالَةُ) نعتٌ، والخبر (فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) . وقيل لها: (حَمَّالَةُ الْحَطَبِ) لأنها كانت تمشي بالنمِيمة. والعرب تضرب الحطب مثلاً للنميمة. وقال بعضهم: كانت تحمل الشوك فتطرحه فى طريق رسول الله - صلى الله عليه -. وقيل معنى (حَمَّالَةُ الْحَطَبِ) : أنها حَمَّالَةُ الخَطايا والذنوب والفواحش. كما يقال: فلان يَحْطِبُ على نفسه. * * *

سورة الإخلاص

سورة الإخلاص بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال أبو عمرو وحده (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) . يقف على (أحَد) ولا يصل. والعرب لا تصل مثل هذا. قال أبو عمرو: أدْرَكتُ القُراء يقفون على (أَحَد) . وغيره ينُوَنُ (أَحَدٌ) فيصل (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) . قرأ به ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي (أَحَدٌ اللَّهُ) منَونًا. وقد قرئ برفع الدال بغير تنوين (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) . وهو شاذ. قال أبو منصور: من حذف التنوين فلالتقاء الساكنين، ومن أسكن الدال أراد الوقف، ثم ابتدأ فقال (الله الصمَدُ) . ومن نَون فهو وَجْه الكلام. وهي القراءة الجيدة. وروى هارون عن أبي عمرو (أحدُ اللَّه) لا ينون إن وصل. * * * وقوله جلَّ وعزَّ: (كُفُوًا أَحَدٌ (4) . قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم، والكسائي (كُفُؤًا) مثقلاً مهموزًا. وقرأ حفص عن عاصم " كُفُوًا " مثقلاً بغير همز. وقرأ حمزة ويعقوب " كُفْؤا " مهموزًا مخففًا. وروى عن نافع أنه كان يقرأ " كُفُؤًا " مثقلاً مهموزًا. وروى إسماعيل عن نافع " كُفْؤا " خفيفًا مهموزًا. وحمزة يقف (كُفْوَا) بغير همز. قال أبو منصور: هذه لُغات، وأجودها، كُفُؤًا، ثم كُفْؤًا مهموزًا. وأما (كُفُوًا) بترك الهمزة وضم الفاء فليس بكثير. * * *

سورة الفلق

سورة الْفَلَقِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقوله جلَّ وعزَّ: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) . روى رُوحٌ عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو (حِاسِدٍ) بكسر الحاء. وقرأ بن كثير ونافع، وأبو عمرو وعاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر (حَاسِدٍ) بفتح الحاء. * * *

سورة الناس

سورة النَّاسِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اتفق القراء على (مَلِكِ النَّاسِ (2) . بغير ألف. وروى أبو عمر الدوري عن الكسائي أنه كان يُمِيل النون من (النَّاسِ) فى موضع الخفض، ولا يُميلها فى مرضع الرفع والنصب. وسائر القرَّاء فخَموا الناس فى جميع الوجوه. والمعنى عند القرَّاء فى قوله: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) الذين هم جن و (يُوَسْوِسُ فى صُدورِ النَّاسِ) يعنى الإنس. وقال الزجاج: المعنى فيه: قل يا محمد أعوذ برَب الناس، من شر الوسواس، الذى يوسوس فى صدور الناس، مِنَ الْجِنَّةِ: أى: من الذين هم من الجنِّ. قال: وقوله (والناس) معطوف على الوسواس. المعنى: من شر الوسواس، ومن شر الناس. كما يستعيذ الرجل باللَّه من شر الجن والإنس. ودليل ذلك قوله: (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) . * * *

تم الكتاب بحمد الله ومنه، والحمد لله

تم الكتاب بحمد الله ومنه، والحمد لله، وصلى الله على محمد النبي وآله، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلَّم دائما كثيرًا كثيرًا. كتبه العبد الضعيف المذنب الراجي إلى رحمة ربِّه الغفور. غفر الله له ولوالديه، ولجميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات. ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين، برحمك يا أرحم الراحمين. فرغ من تحريره فى أواخر شهر اللَّهِ صفر ختم اللَّهُ بالخير والظفر فى تاريخ سنة أربع وسبعين وسبعمائة.

§1/1