معاني القرآن للنحاس

أبو جعفر النَّحَّاس

المملكة العربية السعودية جامعة أم القرى معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الاسلامي * من التراث الاسلامي مركز إحياء التراث الاسلامي مكة المكرمة معاني القرآن الكريم للامام أبي جعفر النحاس المتوفى سنة 338 هـ تحقيق الشيخ محمد علي الصابوني الاستاذ بجامعة أم القرى الجزء الاول

الطبعة الاولى 1408 هـ - 1988 م حقوق الطبع محفوظة لجامعة أم القرى

أبو جعفر النحاس (أبو جعفر النحاس إمام العربية، صاحب التصانيف كان ينظر في زمانه بابن الانباري وبنفطويه للمصريين) (الذهبي) (أبو جعفر المصري النحوي اللغوي المفسر الاديب له مصنفات كثيرة مفيدة في التفسير وغيره لقي أصحاب المبرد وسمع الحديث عن النسائي وانتفع الناس به) (الحافظ ابن كثير) (أبو جعفر النحوي رحل إلى بغداد وقرأ كتاب سيبويه على الزجاج واشتغل بالتصنيف في علوم القرآن والادب ولم تكن له مشاهدة وإذا خلا بقلمه جود وأحسن وتصانيفه تزيد على خمسين مصنفا) (الصفدي)

(إني لاعجب ممن يقرأ القرآن كيف يلتذ بتلاوته ولم يفهم معناه) (الامام الطبري)

تقديم

تقديم الحمد لله الدي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبد الله الذي قال له رب العالمين: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه) . وبعد: فهذا كتاب جديد من كتب التفسير المبارك الذي نهض به علماء صالحون وأئمة متقون، أفنوا أعمارهم في فهم آيات الكتاب الكريم وتمحيص الرواية في التفسير وجمع شواهد اللغة التي يحتج بها في بيان معاني مفردات القرآن. والمؤلف إمام من أئمة اللغة في القرن الرابع الهجري انتفع بمعارفه اللغوية الواسعة في مجال التفسير فوجه أقوال المفسرين بما يتفق مع ما نقل عن العرب ونظر إلى الروايات الشاذة بهذا المنظار فرد منها ما لا تعرفه العرب. والعجب أن هذا الكتاب النفيس لم يحظ بالعناية قديما مما يدل عليه ندرة نسخه إذ لم يصل إلينا غير نسخة واحدة منه فيها سقط ومحو في بعض المواضع مما اضطر المحقق إلى ترك فراغ مكانها أو محاولة ملئها بنقول من كتب التفسير. وقد كلف مركز إحياء التراث الاسلامي فضيلة الشيخ (محمد علي الصابوني) بتحقيق هذا الكتاب الجدير بالنشر فقام بما عهد إليه ثم راجعه أساتذة فضلاء من جامعة أم القرى هم الاساتذة الدكاترة: محمد المختار المهدي وعبد المجيد محمود وعبد الوهاب فايد وعبد الباسط بلبول. فكان لهم ملاحظات واستدراك واقتراحات انتفع بها الكتاب. فجزاهم الله خير الجزاء. وهذا الجزء من مراجعة الدكتور محمد المختار المهدي.

هذا والمحقق الفاضل يميل إلى كثرة النقول من كتب التفسير توضيحا للنص وشرحا له وقد حاولنا التخفيف من هذه النقول حتى لا تزاحم النص ورغبنا إليه أن يختصر فيها فاستجاب مشكورا في كثير من المواضع وأبقى ما يراه ضرورة لتوضيح المقصود. وها هو (الجزء الاول) من هذا الكتاب المبارك بين أيدي الباحثين والدارسين ونرجوهم ألا يضنوا بتصويب أو استدراك يرونه ليمكن التنويه به في ختام الكتاب. وليس هناك جهد بشري يخلو من نقص أو قصور والفاضل من تعد هفواته وتحصى أخطاؤه. فشكرا للمحقق وشكرا للمراجعين وشكرا للقارئين المعقبين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ا. د مصطفى عبد الواحد مدير مركز إحياء التراث الاسلامي

مقدمة المحقق

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المحقق * الحمد لله منزل الكتاب تبصرة وذكرى لاولى الالباب والصلاة والسلام على السراج المنير من أعطاه الله الحكمة وفصل الخطاب سيدنا محمد النبي الامي الهاشمي العربي صاحب المعجزات وعلى آله وذريته وسائر الاصحاب والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الحساب وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: * فلقد ترك أسلافنا - رحمهم الله - كنوزا ثمينة وثروة علمية عظيمة في شتى أنواع العلوم والمعارف ولم تقتصر جهودهم الجبارة على علوم الشريعة والدين بل تعدها إلى سائر العلوم والفنون (العلوم الانسانية والاجتماعية والعربية والدينية) فما من علم من العلوم ولا فن من الفنون إلا خاضوا عبابه واستخرجوا منه الدرر والجواهر وألفوا فيه الموسوعات وما وصل إلينا من علومهم ومؤلفاتهم إنما هو قطرة من البحر الزاخر الذي تركوه تروة للابناء والاحفاد فعبثت به يد الفساد وعدت عليه عاديات الزمان في عصور الظلم والطغيان (1) فبددته

_ (1) في عصر المغول والتتار المجلل بالسواد والشنار حوصرت بغداد عاصمة الخلافة الاسلامية من قبل هولاكو الجبار وجنوده سنة 656 هـ وبعد أن فتحوها نهبوا وسبوا وسلبوا وعاثوا في الارض فسادا واستمر القتل والنهب والسبي في بغداد أربعين يوما وألقوا الكتب في نهر دجلة حتى = (*)

وجعلته أيدي سبأ ومع كل ما ذهب واندرس فقد بقيت بقية من تراث سلفنا تحتاج إلى سواعد الرجال لترى النور وتخرج إلى حيز الوجود بعد طول ركود ورقود (1) .

_ = صار لون الماء الاسود من المداد وأحرقت كتب أخرى كثيرة حتى صار ليل بغداد نهارا من شدة اللهب وقد قتل من العلماء والفضلاء وأهل السنة جمع غفير لا يحصون عددا يزيدون على (800) ثمانمائة ألف واستولى هولاكو الطاغية على بغداد وقتل الخليفة المعتصم بالله وانظر النجوم الزاهرة 7 / 50. (1) نوجد مخطوطات نفيسة وعديدة متنوعة في التفسير وعلوم القرآن تحتاج إلى من يزيل عنها الغشاوة ويخرجها إلى عالم النور بعد أن عفا عليها الزمان منها مخطوطات مصورة في بعض مكتبات البلاد العربية والبلاد الاوربية والاجنبية وقد قرأت لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 6 / 394 أنه قرأ وطالع ما يزيد على مائة تفسير وشيخ الاسلام - كما هو معلوم - عاش في منتصف القرن السادس ومطلع القرن السابع الهجري فهو يعتبر إذا من المتقدمين فأين هذه التفاسير التي ذكر أنه قرأها وطالعها؟ ! إنه لا يوجد الآن بين أيدينا من المطبوع من تفاسير القرآن العظيم ربع هذا المقدار وقد ألف بعده علماء كثيرون في علم التفسير بلغت أضعاف ما ذكره ابن تيمية رحمه الله فأين هذه الكتب والموسوعات؟ إن منها من قد مات ومنها من قد بات حبيس الظلمة بين أطباق الجدران أو طيات الكتب والمخطوطات ولابد لها من سواعد قوية وفتية حتى تظهر إلى حيز الوجود ويستفيد منها المسلمون وفي مركز البحث العلمي وإحياء التراث الاسلامي بجامعة أن القرى بمكة المكرمة بعض لهذه المخطوطات النفيسة تريد من يمسح غبرتها ويكفكف دمعتها ويطلق أسرها من سجن الضياع والتشتت لترى بصيص النور وها هي الدوحة الوارفة الظلال في قطر تزيح الستار عن كتاب نفيس من أبدع كتب التفسير هو كتاب (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) للشيخ عبد الحق بن عطية في خمسة عشر مجلدا وهو جهد مشكور نسأل الله أن يأجر العاملين على إخراجه ويثيبهم عليه خير الجزاء وها هو تفسير (معاني القرآن الكريم) للامام أبي جعفر النحاس يخرجه مركز إحياء التراث الاسلامي بجامعة أم القرى. وبذلك تكون الجامعة قد خطت خطوات جليلة في خدمة الكتاب العزيز.. (وأول الغيث قطر ثم ينهمر) . (*)

* وقد حظي القرآن الكريم بنصيب وافر من هذه المعارف فكانت هناك كتب ومؤلفات ورسائل ومعاجم وموسوعات في شتى علوم القرآن منها المسهب والموجز ومنها ما يعز مناله ويصعب حمله على العصبة أولي القوة من الرجال فقد بلغ بعض الكتب مائة جزء أو تزيد. * وكتب في علم التفسير رجال عظام من أساطين العلماء وفحول النبغاء كل أدلى بدلوه في خدمة الكتاب العزيز فمنهم من ألف في غريبه ومنهم من ألف في ناسخه ومنسوخه ومنهم من كانت همته في جمع الاخبار وتنقيح الآثار وآخرون بذلوا جهودا جبارة في إيقاد قرائحهم لاستنباط الاحكام من آيات القرآن واستخراج ما فيها من دقائق المعرفة وأصول الاحكام. * ومن هؤلاء الائمة الاجلاء والجهابذة الاعلام الذين لهم باع طويل في خدمة التنزيل العلم الاجل - شيخ العربية - الامام أبو جعفر (1) النحاس صاحب كتاب (معاني القرآن الكريم) الذي نحن بصدد الحديث عنه في هذه المقدمة. * ومع كل ما صنف العلماء وألفوا وتبحروا فيه خدمة للكتاب العزيز فإن علم التفسير لا يزال بحرا لجيا زاخرا بالدرر والنفائس يحتاج إلى من يغوص في أعماقه ليستخرج منه الدرر واللالئ الثمينة وكل علم شاط واحترق إلا علم التفسير فإنه لا يزال غضا طريا يحتاج إلى بحث وتنقيب ودراسة وتمحيص لاستخراج كنوزه الدفينة والاستفادة من

_ (1) انظر مراجع ترجمة الامام النحاس في الصفحة الآتية رقم (37) . (*)

نسبه ولقبه

أحكامه الثمينة وها نحن نتناول هذا السفر القيم بالتحقيق والتدقيق لامام من أئمة اللغة وعالم من مشاهير علماء الاسلام ذلكم هو الامام الهمام الشيخ (أبو جعفر النحاس) من علماء القرن الرابع الهجري المتوفى سنة 338 هـ ثمان وثلاثين وثلاثمائة من الهجرة النبوية تغمده الله بالرحمة والرضوان وأسكنه فسيح الجنان. نسبه ولقبه * هو الامام أبو جعفر (أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس المرادي) المفسر المصري النحوي المعروف بالنحاس أو بابن النحاس ويعرف أيضا بالصفار ولكن لقب (النحاس) هو الاشهر الذي عرف به وهو الذي طار في الآفاق حتى صار علما له. و (النحاس) نسبة إلى من يصنع الاواني النحاسية كالقدور والاواني وغير ذلك ويظهر أن أجداده كانوا يشتغلون بهذه الصنعة وأما أبو جعفر فقد طلب العلم منذ حداثة سنه ولم ينقل عنه أنه اشتغل بهذه الحرفة صنعة أو بيعا وسمي بالصفار أيضا نسبة إلى (الصفر) وهو النحاس أيضا. * قال في المصباح: (الصفر مثل قفل: النحاس وكسر الصاد لغة فيقال: صفر وصفر. وهو النحاس ويقال: بيت صفر أي خال من المتاع وهو صفر اليدين أي ليس فيهما شئ) (1) * وقال السمعاني في الانساب: (النحاس بفتح النون وتشديد الحاء نسبة إلى عمل النحاس. وأهل مصر يقولون لمن يعمل الاواني الصفرية ويبيعها

_ (1) انظر المصباح المنير مادة صفر والصحاح للجوهري 2 / 714. (*)

الحياة العلمية في عصر النحاس

النحاس وقد اشتهر بهذا الاسم جماعة منهم: أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس) (1) . مولده ووفاته * ولد الامام أبو جعفر النحاس في مصر وعاش فيها ردحا من الزمن ولا يعرف على وجه الضبط سنة ميلاده فالمراجع التي بين أيدينا كلها لا تذكر سنة مولده ولا أطوار نشأته الاولى ولكنها متفقة على أنه ولد في مصر وتوفي فيها وإن كان يغلب على الظن أن ولادته كانت سنة 260 هـ كما ذكر بعض العلماء. * وأما وفاته فالمراجع متفقة على أنها كانت سنة 338 هـ ثمان وثلاثين وثلاثمائة من الهجرة النبوية. الحياة العلمية في عصر النحاس * في الفترة التي عاش فيها (أبو جعفر النحاس) كانت قد دبت في مصر روح النشاط العلمي وأخذت تتنافس مع بغداد عاصمة الخلافة الاسلامية وقبلة العلم والعلماء آنذاك..لا سيما بعد أن وفد إليها نخبة من العلماء الافذاذ كأحمد بن جعفر الدينوري وعلي بن سليمان الاخفش ومحمد بن يحيى اليزيدي وغيرهم من أكابر العلماء ممن حط عصا التسيار في ربوع الكنانة وطاب له المقام في دار من ديار الاسلام وبذلك دبت روح التنافس والتسابق العلمي في عواصم البلدان

_ (1) انظر كتاب الانساب للسمعاني 13 / 44 واللباب في تهذيب الانساب لابن الاثير الجزري 3 / 300. (*)

نشأته العلمية

الاسلامية وأصبحت مصر في (النصف الثاني من القرن الثالث الهجري) موئل أهل العلم وكهف أهل الفضل والعرفان وأضحت متهيئة لتعطي ثمارها المباركة بعد أن ظهر فيها العلماء ونبغ فيها المحدثون والفقهاء من أمثال الامام أحمد بن محمد الطحاوي الذي قال عنه الذهبي في سير أعام النبلاء 15 / 27: (الطحاوي هو الامام العلامة الحافظ الكبير محدث الديار المصرية وفقيهها أبو جعفر أحمد بن محمد ابن سلامة المصري الطحاوي الحنفي صاحب التصانيف الشهيرة..) وأمثاله من أهل الفضل والعلم كثيرون ممن لا يتسع المجال إلى ذكرهم وأمها طلاب العلم من شتى الديار والاقطار وبذلك أضحى التنافس والتسابق بين (بغداد) و (القاهرة) يشتد ويمتد ويسير بخطي حثيثة نحو أوج الارتقاء والكمال. نشأته العلمية * نشأ الامام أبو جعفر النحاس في عصر مواكبة النهضة العلمية شغوفا دؤوبا على طلب العلم محبا للعلماء ومجالستهم والاستفادة منهم لم يمنعه فقره وإعساره عن مواصلة الطلب لانه شعر أن هذا هو طريق المجد والسؤدد فأخذ يجد ويجتهد ويواصل الليل بالنهار في طلب العلم ولم تقتصر همته أن ينهل من معين شيوخه في مصر فحسب بل دفعه حبه وشغفه بالعلم أن يرحل إلى بغداد لينال من جهابذتها وعلمائها ما يشفي طموحه لا سيما وقد تألق في سماء بغداد كواكب مضيئة من أمثال المبرد والاخفش الصغير ونفطويه والزجاج في علوم العربية وأمثال (أحمد بن محمد الحجاج المروزي) و (أبي حاتم

شيوخ النحاس

الرازي) و (إبراهيم بن إسحاق الحربي) و (أبي داود السجستاني) في الحديث الشريف وأمثال الامام (أيي جعفر محمد الطبري) و (بقي ابن مخلد) في التفسير وعلوم القرآن فأخذ عن علمائها فنون المعرفة وأنواع العلوم ثم رجع إلى مصر ولم ينقطع عن مواصلة العلم على شيوخ أجلاء حتى صار إماما يشار إليه بالبنان في علوم العربية والتفسير والحديث وقد سمع الامام المحدث الحافظ البارع (أحمد بن شعيب بن علي بن سنان) أبا عبد الرحمن النسائي صاحب السنن أخذ عنه النحاس الحديث الشريف وروى عنه في كتابه (إعراب القرآن) و (الناسخ والمنسوخ) . شيوخ النحاس * ونذكر هنا بإيجاز الشيوخ الذين تلقى عنهم الامام النحاس علومه وتلامذته الذين استفادوا من علمه وكان له تأثير عظيم في سلوكهم وحياتهم. * فمن شيوخه الذين تتلمذ عليهم وأثروا في بناء شخصيته: 1 - الامام الزجاج وهو (أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل) الامام اللغوي الشهير صاحب كتاب (معاني القرآن) المتوفى سنة 311 هـ أحد تلامذة الامام المبرد أخذ عنه النحاس وقرأ عليه كتاب سيبويه كما ذكر النحاس ذلك صراحة في كتابه (إعراب القرآن) حيث قال: هكذا قرأت على أبي إسحاق الزجاج في كتاب سيبويه أن يكون (دفاع) مصدر دفع كما

تقول: حسبت الشئ حسابا ولقيته لقاء فيكون دفاع ودفع مصدرين. 2 - ومن شيوخ النحاس (أبو بكر بن الانباري) المتوفى سنة 328 هـ صاحب كتاب (المشكل في معاني القرآن) وهو من أصحاب ثعلب ذكره الزبيدي في طبقات النحويين ص 153. 3 - ومن شيوخه أيضا ابن كيسان (أبو الحسن محمد بن أحمد الكيساني) المتوفى سنة 299 هـ أخذ عن ثعلب والمبرد وكان نحويا بارعا يحفظ أقوال الكوفيين والبصريين قال النحاس عنه في كتابه إعراب القرآن 1 / 136: (قال ابن كيسان وهو النحوي فكلما قلنا قال ابن كيسان فإياه نعني يجوز غشوة وغشوة فإن جمعت غشاوة تحذف الهاء فتقول غشاو) . 4 - ومن شيوخه كذلك (نفطويه) وهو (إبراهيم بن محمد بن عرفة الازدي) المتوفى سنة 323 هـ قال عنه الزبيدي في الطبقات ص 154: (كان أديبا متفننا في الادب يحفظ لجرير والفرزدق وشعر ذي الرمة وغيرهم من الشعراء وكان يروي الحديث) وهو من النحويين الكوفيين ومن أصحاب ثعلب. 5 - ومن شيوخ النحاس (الاخفش الصغير) وهو (أبو الحسن علي بن سليمان بن الفضل) المتوفى سنة 315 هـ الذي تلقى عن ثعلب والمبرد وانظر ترجمته في طبقات الزبيدي ص 115. 6 - ومن شيوخه أيضا (محمد بن الوليد بن ولاد) المصري التميمي

تلامذة النحاس

النحوي المتوفى سنة 298 هـ وأبو بكر (أحمد بن شقير) البغدادي المتوفى سنة 315 هـ وابن رستم (أحمد بن محمد الطبري) المتوفى سنة 304 هـ. 7 - ومن شيوخه في الحديث الشريف الامام (أبو عبد الرحمن) (أحمد بن شعيب بن علي بن سنان) النسائي صاحب السنن المشهور ب (سنن النسائي) المتوفى سنة 303 هـ وهو أحد أعلام الدين وقد ترجم له الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية 11 / 123 بأنه الامام في عصره والمقدم على أشكاله وفضلاء دهره رحل إلى الآفاق واجتمع بالائمة الحذاق. تلامذة النحاس * أما تلامذة النحاس فلا يكادون يحصون عددا نذكر منهم خشية الاطالة: 1 - منذر بن سعيد بن عبد الله البلوطي المتوفى سنة 335 هـ. 2 - محمد بن مفرج بن عبد الله المعافري المتوفى سنة 371 هـ. 3 - عمر بن محمد بن عراك الحضرمي المصري المتوفى سنة 388 هـ. 4 - سليمان بن محمد الزهراوي ذكره في بغية الوعاة 1 / 602. 5 - محمد بن يحيى الازدي القرطبي النحوي المتوفى سنة 358 هـ. 6 - محمد بن علي الادفوي المصري المتوفي سنة 388 هـ. 7 - عبد السلام بن السمح بن نابل المتوفى سنة 387 هـ. 8 - فضل بن سعيد الكزني من أهل قرطبة المتوفى سنة 335 هـ.

9 - أبو بكر بن إسحاق بن منذر المتوفي سنة 367 هـ. 10 - أبو عبد الله محمد بن خراسان النحوي المتوفي سنة 386 هـ. * وآخرون يضيق عن ذكرهم المقام وكلهم من البارزين الاعلام. النحاس بحاثة ونقاد * مما سبق يتضح لنا أن الامام النحاس جهبذ من جهلابذة علماء اللغة ورائد من أكابر رواد العربية ألف كتابه (معاني القرآن الكريم) وعرض فيه أقوال العلماء والمفسرين عرضا دقيقا شاملا على منهج اللغة العربية فنراه يحكي في تفسيره أقوال بعض أئمة التفسير ويوجه منها السديد الصائب ويفند الضعيف الذي لا تعضده لغة العرب وحجته في ذلك أن القرآن نزل بأفصح لسان وأوضح بيان على أسلوب العرب في تخاطبهم وكلامهم فيجب فهمه على منهاج اللسان العربي الفصيح. * ونجده يؤكد على هذا أشد التأكيد في مؤلفاته وكتبه فيقول في إعراب القرآن 1 / 258: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه) قال أبو عبيدة: هو مخفوض على الجوار. قال أبو جعفر - يعني النحاس - (لا يجوز أن يعرب شئ على الجوار في كتاب الله عزوجل وإنما الجوار غلط وإنما وقع في شئ شاذ وهو قولهم: (هذا جحر ضب خرب) والدليل أنه غلط قول العرب في التثنية: هذان جحرا ضب خربان ولا يحمل شئ من كتاب الله عز وجل على هذا ولا يكون إلا بأفصح اللغات وأصحها) . * ويحكي النحاس أقوال الفراء أحيانا ويرد منها ما لا يتفق مع اللغة فقد

النحاس إمام محقق

قال - عند قوله تعالى في سورة الصافات -: (فاقبلوا إليه يزفون) وقرئ (يزفون) بالتخفيف وأكثر أهل اللغة لا يعرفه وقرئ (يزفون) بضم الياء وأكثر أهل اللغة لا يعرفه أيضا. * كما يوجه آراء المفسرين بما يتفق مع اللغة فيقول عند قوله تعالى (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) بعد نقله آراء المفسرين: (وهذا الذي قاله مجاهد هو الذي تعرفه العرب يقع على القرع والبطيخ والحنظل وأنشد سيبويه: ورب هذا البلد المحرم * قواطنا مكة من ورق الحمي * كما ينقل آراء السلف فيؤيدها أو يفندها ويردها لانها تتوافق أو تتعارض مع اللغة العربية التي أنزل بها القرآن. النحاس إمام محقق * وباختصار فالامام النحاس إمام محقق يأتي بالحجج الناصعة والدلائل الواضحة على صحة ما يذهب إليه وأحيانا يخطئه الحظ فيرجح القول الضعيف من أقوال المفسرين وهذا دليل ضعف البشر إذ لا كمال إلا لله جل وعلا ولا عصمة إلا لانبيائه ورسله الكرام وقد ألف كتابه معاني القرآن الكريم قبل تأليف (إعراب القرآن) لذا وردت إحالات كثيرة في الاعراب عليه وقد يذكر ذلك صراحة فيقول: وقد ذكرناه أولا في كتابنا الاول (المعاني) وهذا أوضح دليل على أن كتابه (معاني القرآن) قد ألفه قبل كتابه الآخر (إعراب القرآن) .

شواهد من كلام النحاس في كتابيه الاعراب والمعاني * ومما يؤيد ما قلناه أن أبا جعفر النحاس بحاثة ونقاد وأنه متمكن في اللغة العربية ما ذكره في كتابه إعراب القرآن 1 / 296: * قال أبو جعفر: (ميسرة) أفصح اللغات وهي لغة أهل نجد. * و (ميسرة) وإن كانت لغة أهل الحجاز فهي من الشواذ لا يوجد في كلام العرب مفعلة إلا حروف معدودة شاذة ليس منها شئ إلا يقال فيه مفعلة وإيضا فإن الهاء زائدة وليس في كلام العرب (مفعل) البتة وقراءة من قرأ (إلى ميسرة) لحن لا يجوز. اه. إعراب القرآن للنحاس 1 / 255. * ويقول في الرد على الفراء في معانيه عند قوله تعالى (يرونهم مثليهم رأي العين) يحتمل (مثليهم) ثلاثة أمثالهم..إلخ. يقول: وهذا باب الغلط فيه غلط بين في جميع المقاييس إنا إنما نعقل مثل الشئ مساويا له ونعقل مثليه ما يساويه مرتين واللغة على خلاف ما قال الفراء. * ويقول عند قوله تعالى في سورة البقرة آية رقم 214 ما نصه: (وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) ؟ هذه قراءة أهل الحرمين وقرأ أهل الكوفة والحسن وأبو عمرو: (حتى يقول الرسول) (2) بالنصب وهو اختيار أبي عبيدة وله في ذلك حجتان:

_ (1) الآية في سورة البقرة 288 وهي قوله تعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) (2) قرأ نافع وحده (حتى يقول) بالرفع وقرأ الباقون (حتى يقول) نصبا وقد كان الكسائي يقرأها دهرا رفعا ثم رجع إلى النصب. عن كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد ص 181. (*)

* إحدهما: عن أبي عمرو قال: (زلزلوا) فعل ماض و (يقول) فعل مستقبل فلما اختلفا كان الوجه النصب. * والحجة الاخرى: حكاها عن الكسائي قال: إذا تطاول الفعل الماضي صار بمنزلة المستقبل. * قال أبو جعفر: أما الحجة الاولى بأن (زلزلوا) ماضي و (يقول) مستقبل فشئ ليس فيه علة الرفع ولا النصب لان (حتى) ليست من حروف العطف في الافعال ولا هي البتة من عوامل الافعال وكأن هذه الحجة غلط. * وحجة الكسائي بأن الفعل إذا تطاول صار بمنزلة المستقبل..كلا حجة لانه لم يذكر العلة في النصب ولو كان الاول مستقبلا لكان السؤال بحاله ومذهب سيبويه في (حتى) أن النصب فيما بعدها من جهتين والرفع من جهتين تقول: (سرت حتى أدخلها) على أن السير والدخول جميعا قد مضيا أي سرت إلى أن أدخلها وهذا غاية وعليه قراءة من قرأ بالنصب. * والوجه الآخر في النصب - في غير الآية - سرت حتى أدخلها أي كي أدخلها. * والوجهان في الرفع (سرت حتى أدخلها) أي سرت فأدخلها وقد مضيا جميعا أي كنت سرت فدخلت ولا تعمل هاهنا بإضمار (أن) لان بعدها جملة كما قال الفرزدق: فيا عجبا حتى كليب تسبني * كأن أباها نهشل أو مجاشع

* فعلى هذه القراءة بالرفع وهي أبين وأصح معنى أي وزلزلوا حتى الرسول يقول أي هذه حاله والنصب على الغاية ليس فيه هذا المعنى. اه. إعراب القرآن 1 / 256. آراؤه العلمية وانتقاداته الجريئة * مما يشير إلى إمامته وجلالة قدره وسعة باعه في علوم العربية أنه ينقد آراء علماء اللغة في بعض الاحيان فيصوب الصحيح ويخطئ الخطأ حتى ولو كان الذين ينتقدهم أساطين علماء اللغة كالفراء والاخفش وابن قتيبة والكسائي وغيرهم من العلماء الافذاذ. (أ) انظر إليه وهو يخطئ الفراء في قوله تعالى في سورة السجدة: (وقالوا أئذا ضللنا في الارض (1)) قال: (وروي عن أبي رجاء وطلحة أنهما قرءا (أئذا ضللنا) وهي لغة شاذة وروى الفراء عن الحسن (أئذا صللنا) بالصاد وزعم أنها تروى عن علي بن أبي طالب ولا يعرف في اللغة (صللنا) ولكن يعرف (صللنا) يقال: صل اللحم وأصل وخم وأخم إذا أنتن) (2) إعراب القرآن 3 / 293. (ب) وكذلك يخطئه في قوله تعالى في سورة المؤمن (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) (3) قال الفراء: ليس في القيامة غدو ولا عشي ولكن مقدار ذلك ... فيقول النحاس: قال أبو جعفر: التفسير على خلاف ما قال الفراء وذلك أن التفسير على أن

_ (1) الآية رقم 10 من سورة السجدة. (2) إعراب القرآن 3 / 293. قال في الصحاح: خم اللحم يخم بالكسر: إذا أنتن. (3 2) وتسمى سورة غافر الآية: 46. (*)

هذا العرض إنما هو في أيام الدنيا والمعنى أيضا بين أنه على ذلك لانه قال جل وعز: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) ثم دل على أن هذا قبل يوم القيامة بقوله: (ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب (1)) فدل على أن الاول بمنزلة عذاب القبر (2) . (معاني النحاس) . (ج) وفي قوله سبحانه في سورة فصلت: (قالتا أتينا طائعين (3)) لم يرتض قول الفراء: أتينا بمن فينا طائعين قال: والاحسن في هذا - وهو مذهب جلة النحويين - أنه جل وعز لما أخبر عنها بأفعال ما يعقل جاء فيها بما يكون من يعقل كما قال تعالى: (إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (4)) فأما الكسائي فأجاز في كل شئ أن يجمع بالواو والنون وبالياء والنون قال: وهذا لا يعرج عليه (5) . (معاني النحاس) . (د) كما نراه يرجح بين أقوال السلف بما يتفق مع قواعد اللغة العربية..انظر إليه وهو ينقل آراء السلف في قوله سبحانه (ريحا صرصرا في أيام نحسات (6)) فيقول: قال مجاهد: (صرصرا) شديدة السموم وقال قتادة: باردة. وقول قتادة أبين وكذا قال عطاء لان (صرصرا) مأخوذ من صبر والصبر في كلام العرب: البرد كما قال الشاعر:

_ (1) سورة غافر الآية: 46. (2) معاني القرآن الكريم للنحاس سورة غافر وتسمى أيضا سورة المؤمن. (3) الآية رقم 10 من سورة فصلت. (6) سورة فصلت الآية: 16. (4) سورة يوسف الآية: 4. (5) معاني القرآن الكريم سورة فصلت. (*)

لها غدر كقرون النسا * ء ركبن في يوم ريح وصبر قال: وليس القولان بمتناقضين لانه يروي أنها كانت ريحا باردة تحرق كما تحرق النار. وقال أبو عبيدة: (صرصر) : شديدة الصوت عاصف (1) . (معاني النحاس) . (هـ) كذلك يخطئ أبو جعفر ابن قتيبة - وهو من كبار علماء اللغة - في تفسير آية في سورة الشورى وهي قوله عزوجل: (يدرؤكم فيه) (2) حيث قال ابن قتيبة: يذرؤكم فيه أي في الزوج..قال أبو جعفر: كأن المعنى عنده يخلقكم في بطون الاناث ويكون قوله (فيه) أي في الرحم قال: وهذا خطأ لان الرحم مؤنثة ولم يجر لها ذكر. والمعنى: أي يخلقكم ويكثركم في الجعل - أي بسبب التوالد - لانه لما قال: (جعل لكم من أنفسكم أزواجا) دل على الجعل كما يقال: من كذب كان شرا يعني الكذب (3) ..إلخ (معاني النحاس) . (و) كما نراه ينتقد الفراء في قوله سبحانه في سورة الشورى: (ومن آياته خلق السموات والارض وما بث فيهما) (4) حيث يقول: قال الفراء: أراد بث في الارض دون السماء كما قال سبحانه (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) (5) وإنما يخرج من الملح دون

_ (1) نفس المرجع السابق سورة فصلت. (2) الآية رقم 11 من سورة الشورى. (3) نفس المرجع السابق سورة الشورى. (4) الآية رقم 29 من سورة الشورى. (5) سورة الرحمن الآية: 22. (*)

مؤلفات النحاس

العذب..ولا يكتفي بانتقاده بل يقول: هذا غلط ويروي أبو جعفر عن مجاهد ما يدل على خطأ قول الفراء فيقول: روي عن مجاهد (وما بث فيهما من دابة) (1) يريد الناس والملائكة يعني وما نشر وفرق في الارض من الناس وفي السماء من الملائكة ويعقب على ذلك بقوله: وهذا قول حسن لانه يقال لكل حي دابة من دب فهو داب والهاء للمبالغة كما يقال: راوية وعلامة (2) . * ولو أردنا أن نستقصي ما انتقده النحاس وخطأ به آراء من سبقه من علماء اللغة وأهل التفسير لطال بنا الحديث ولكن ضربنا بعض الامثلة كنموذج على إمامته في اللغة ومعرفته بالغث والسمين من أقوال المفسرين فهو يصوب ويخطئ ويدلل ويعلل لما يراه الارجح من الاقوال وهذا يدل على أن أبا جعفر النحاس ذو باع طويل في علوم العربية وعلى أنه ناقد متمكن وبحاثة قدير جمع بين علوم اللغة وعلوم الدين وعلى أنه إمام من أئمة الادب وأئمة التفسير كما قال عنه الحافظ ابن كثير. وقد اعتمد على كتابه (معاني القرآن الكريم) الامام القرطبي في تفسيره (الجامع لاحكام القرآن) كما يراه القارئ الكريم مما ساعدنا في تحقيق المخطوطة الوحيدة. مؤلفات النحاس * وللامام أبي جعفر النحاس مؤلفات كثيرة ومصنفات شهيرة في مختلف

_ (1) سورة الشورى الآية: 29. (2) معاني القرآن الكريم سورة الشورى. (*)

أنواع المعرفة تزيد على خمسين مصنفا كما ذكره ياقوت في معجم الادباء 4 / 228 حيث قال: (وأبو جعفر النحاس صاحب الفضل الشائع والعلم المتعارف الذائع يستغني بشهرته عن الاطناب في صفته قال الزبيدي عنه: (ولم تكن له مشاهدة فإذا خلا بقلمه جود وأحسن وكان لا يتكبر أن يسأل أهل النظر والفقه ويفاتشهم عما أشكل عليه في تصانيفه) (1) . * ثم قال ياقوت: (وصنف كتبا حسانا مفيدة - وسمعت من يحكي أن تصانيفه تزيد على الخمسين مصنفا - منها: 1 - كتاب الانوار. 2 - كتاب الاشتقاق لاسماء الله عز وجل. 3 - كتاب معاني القرآن الكريم وهو هذا التفسير الذي نقوم بتحقيقه 4 - كتاب اختلاف الكوفيين والبصريين سماه (المقنع) . 5 - كتاب أخبار الشعراء. 6 - كتاب أدب الكتاب 7 - كتاب الناسخ والمنسوخ. 8 - كتاب الكافي في النحو. 9 - كتاب صناعة الكتاب. 10 - كتاب إعراب القرآن.

_ (1) انظر كتاب (طبقات النحويين واللغويين) لابي بكر الزبيدي الاندلسي صفحة (220) ومراده بقوله: (ولم يكن له مشاهدة فإذا خلا بقلمه جود وأحسن) أن قلمه أحسن من لسانه. (*)

وفاة الامام النحاس

11 - كتاب شرح السبع الطوال. 12 - كتاب شرح أبيات سيبويه. 13 - كتاب الاشتقاق. 14 - كتاب معاني الشعر. 15 - كتاب التفاحة في النحو. 16 - كتاب أدب الملوك. * - وأبو جعفر من أهل مصر رحل إلى بغداد فأخذ عن المبرد والاخفش علي بن سليمان ونفطويه والزجاج وغيرهم ثم عاد إلى مصر فأقام بها إلى أن مات) (1) . وفاة الامام النحاس * توفي أبو جعفر النحاس بحادثة عجيبة غريبة لا تكاد تصدق ذكرها المترجمون لحياته الذين تحدثوا عنه في كتبهم ومؤلفاتهم وهي (أن أبا جعفر النحاس خرج ذات يوم من بيته وقصد نهر النيل ليستنشق الهواء العليل ويروح عن نفسه وجلس على درج المقياس على شاطئ النيل - وهو في أيام زيادته - وأخذ يقطع بالعروض شيئا من الشعر (مستفعلن فاعلن فاعلاتن) يريد وزن الشعر ومعرفة بحوره فمر به بدوي أحمق فسمعه يقول كلاما غير مفهوم فقال: هذا الرجل ساحر يسحر النيل حتى لا يزيد ماؤه فتغلوا الاسعار فجاءه من خلفه ورفسه برجله فسقط في النهر فغرق ولم يعثر له على خبر) .

_ (1) انظر معجم الادباء 4 / 224 - 228. (*)

* وتكاد تجمع الروايات أن هذه القصة هي سبب وفاته. * رحم الله الامام النحاس رحمة واسعة فقد ذهب شهيد علم العروض. وقاتل الله الجهل فهو سبب نكبة وبلاء العلماء (1) . * وكانت وفاته رحمه الله سنة 338 هـ ثمان وثاثين وثلاثمائة من هجرة سيد المرسلين. ثناء العلماء عليه * أثنى على الامام النحاس علماء فطاحل عرفوا قدره وفضله وأشادوا بمآثره ومناقبه فقد قال عنه الامام الذهبي: العلامة أبو جعفر إمام العربية كان ينظر في زمانه بابن الانباري وبنفطويه للمصريين. * - وقال عنه الحافظ ابن كثير: هو الامام اللغوي المفسر الاديب له مصنفات كثيرة ومفيدة في التفسير وغيره لقي أصحاب المبرد سمع الحديث عن النسائي وانتفع الناس به وبعلومه. * وقال عنه الزبيدي: كان واسع العلم غزير الرواية كثير التأليف وإذا خلا بقلمه جود وأحسن وله كتب في القرآن مفيدة وكان لا يتكبر أن يسأل الفقهاء وأهل النظر عما أشكل عليه في تأليفاته. * رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

_ (1) ذكر هذه الحادثة ابن خلكان في وفيات الاعيان 1 / 100 والذهبي في سير أعلام النبلاء 15 / 402 وابن كثير في البداية والنهاية 11 / 222 وأحمد زاده في مفتاح السعادة 2 / 83 والصفدي في كتابه الوافي بالوفيات 7 / 362. (*)

المخطوطة وحيدة

المخطوطة وحيدة * والمخطوطة التي بين أيدينا هي المخطوطة الوحيدة التي أمكن العثور عليها في معاني القرآن للامام النحاس في التفسير إذ لا يوجد - حسب علمنا واطلاعنا - نسخة أخرى لهذه المخطوطة فهي من نوادر المخطوطات وهي نسخة ملفقة أيضا قسم منها قد صور من دار الكتب المصرية بالقاهرة برقم 385 وهي النصف الاول من تفسير القرآن الكريم إلى نهاية سورة مريم وفيها نقص لبعض الآيات من سورة البقرة كما في بعض اللوحات طمس وخروم ولكنها - بحمد الله - قليلة وخطها قديم مقروء وعدد أوراقها 238 مزدوجة ومتوسط عدد السطور فيها (23) سطرا وعدد كلمات كل سطر في حدود خمس عشرة كلمة. * إما النصف الثاني من التفسير فقد صور من مخطوطة وحيدة أيضا بمكتبة كوبريلي بتركيا وهي تبدأ من أول سورة الحج إلى نهاية سورة الاحقاف وقد كتبت بخط نفيس ممتاز في غاية الوضوح والجمال تدل على عناية فائقة بكتاب الله العزيز في عهد السلاطين والخلفاء العثمانيين وقد لاقينا كثيرا من المتاعب والمصاعب في القسم الاول من المخطوطة بشكل خاص وفي الكتاب بشكل عام بسبب أنها المخطوطة الوحيدة التي بين أيدينا ولكن الله عزوجل أعاننا - بفض منه وإنعام - على تذليل الصعاب ومعرفة أماكن الخطأ بكثرة المراجع التي بين أيدينا والاهتداء إلى أماكن الصواب فيها رحم الله الامام أبا جعفر النحاس رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته بما قدم من خدمة جليلة لكتاب الله العزيز وبما أسدى للامة الاسلامية من معارف وعلوم وجمعنا وإياه في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

عملنا في هذه المخطوطة

عملنا في هذه المخطوطة * سلكنا في تحقيق هذه المخطوطة الفريدة الطرق الآتية: * أولا: التثبت من أقوال السلف بالرجوع إلى أمهات كتب التفسير كالطبري والقرطبي وابن كثير والدر المنثور وغيرها من كتب التفسير التي تزيد على ستة عشر مرجعا. * - ثانيا: تخريج الاحاديث الشريفة التي أوردها المصنف فقد عملنا على تخريجها من مصادرها في الكتب الستة وغيرها وبينا وجه التوافق والتطابق بين لفظ المصنف وبين الروايات الثابتة التي ذكرها المحدثون فقد يورد الشيخ الحديث باللفظ، وقد يورده بالمعنى فنذكر ذلك مع بيان درجة الحديث الشريف. * ثالثا: الاشعار التي استشهد بها المصنف رجعنا إلى دوادين الشعر وذكرنا قائلها والمحال التي ذكرت فيها والكتب التي ذكرت فيها هذه الاشعار كشواهد. * رابعا: بالنسبة لاقوال أئمة اللغة كالزجاج والفراء والاخفش في تفسير الآيات الكريمة فقد رجعنا إلى كتبهم التي نقل الامام النحاس عنها وأشرنا إلى الاجزاء ورقم الصفحات فيها وبالنبسة للمعاني اللغوية رجعنا إلى قواميس اللغة كاللسان والصحاح وتهذيب اللغة والقاموس المحيط وتاج العروس..وغيرها. * خامسا: وضعنا بعض التعليقات الضرورية على بعض الاقوال التي ذكرها المصنف تأييدا أو تفنيدا فقد يذكر المصنف رأيا ضعيفا لابد من

مناقشته فيه وتبيين الوجه الصحيح كما أورد عن مجاهد أن (القردة والخنازير) مسخ من بني إسرائيل وهذا قول غير صحيح ويعارض ما ورد في الاحاديث الصحيحة. * سادسا: وضعنا على الهامش الجانبي أرقاما للآيات الكريمة التي تناولها المصنف بالدراسة تسهيلا على القارئ كما قمنا بترقيم الآيات حسب المصحف الشريف. * وهناك وجوه أخرى يراها القارئ الالمعي بثاقب بصره مما في هذا التحقيق من جهد لا يكتشفه إلا من مارس عمل التحقيق بعلم وأمانة والله ولي التوفيق. شكر ... وثناء * ولا يفوتني وأنا أقدم هذا المخطوط النفيس أن أنوه بالجهد المشكور الذي توليه الجامعة لهذا المعهد الفتي (معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الاسلامي) من عناية فائقة ورعاية خاصة وقد تولى عمادته الاخ الشاب الطموح الدكتور حمزة الفعر الذي يولي المعهد كل اهتمام وتشجيع للوصول به إلى الغاية المنشودة. * - كما نشكر الاخ الكريم الدكتور مصطفى عبد الواحد الذي تولى رئاسة مركز إحياء التراث الاسلامي على جهوده في خدمة المركز ورفع مستواه وحرصه على إخراج تلك الكنوز الدفينة إلى عالم الوجود من آثار سلفنا الصالح رضوان الله عليهم فإن العناية بالتراث الاسلامي من أوجب الواجبات في هذا الزمان.

* ولا أنسى أن أخص أخي الدكتور (عبد الرحمن العثيمين) مدير المركز السابق الذي دلني على هذا المخطوط وشجعني على تحقيقه وكان له الفضل في ظهور هذا الكتاب حيث خصني بالمخطوطة النادرة التي كان يمتلكها لنفسه وهي مخطوطة تركيا التي أكملت القسم الاخير من الكتاب الموجود في المركز وهي المخطوطة المصورة من دار الكتب المصرية بالقاهرة فله جزيل الشكر والثناء. * وفي الختام نتقدم لجميع العاملين في الجامعة بالشكر الجزيل والثناء العاطر لرعايتهم لهذا المعهد الفني الذي يسعى لاحياء تراثنا الاسلامي وعلى رأس العاملين معالي مدير الجامعة الاخ الدكتور راشد الراجح الذي سعى لتوحيد المراكز العلمية بالجامعة في هذا المعهد الكبير. * والله نسأل أن يبارك في جهود العاملين المخلصين وأن يوفقنا جميعا لما فيه خدمة العلم والدين ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم إنه هو البر الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين. وكتبه خادم الكتاب والسنة الشيخ محمد علي الصابوني مكة المكرمة - جامعة أم القرى

مراجع ترجمة النحاس

مراجع ترجمة النحاس 1 - وفيات الاعيان لابن خلكان 1 / 99 2 - شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي 2 / 346 3 - سير أعلام النبلاء للذهبي 15 / 401 4 - الوافي بالوفيات للصفدي 7 / 362 5 - إنباه الرواة للقفطي 1 / 102 6 - معجم الادباء لياقوت 4 / 224 7 - النجوم الزاهرة للاتابكي 3 / 300 8 - حسن المحاضرة للسيوطي 1 / 306 9 - نزهة الالباء للانباري 218 10 - البداية والنهاية لابن كثير 11 / 222 11 - بغية الوعاة للسيوطي 1 / 362 12 - طبقات النحويين للاندلسي 220 13 - مفتاح السعادة كبري زادة 2 / 83 14 - اللباب في تهذيب الانساب للجزري 3 / 300 15 - الاعلام للزركلي 1 / 199 16 - إعراب القرآن تحقيق زهير زاهر 1 / 11 17 - الانساب للسمعاني 13 / 44

صورة عن لوحة غلاف نسخة دار الكتب المصرية برقم 385 تفسير

صورة عن اللوحة الاولى لنسخة دار الكتب المصرية رقم 385 تفسير وفيها طمس لبعض الكلمات

صورة عن اللوحة الثانية لنسخة دار الكتب المصرية رقم 385 تفسير

صورة عن اللوحة الاخيرة لنسخة دار الكتب المصرية رقم 385 تفسير

صورة عن اللوحة الثانية لنسخة مكتبة أورخان غازي رقم 350 بمدينة بورسه بتركيا وهي بخط نفيس

صورة عن اللوحة الاولى لنسخة مكتبة أورخان غازي رقم 350 بمدينة بورسه بتركيا وهي بخط نفيس

صورة عن لوحة رقم 266 لنسخة أورخان غازي بمدينة بورسه بتركيا وهي بخط نفيس وهي نسخة وحيدة

صورة من اللوحة الاخيرة نسخة أورخان غازي برقم 350 بمدينة بورسه بتركيا وهي بخط نفيس وقد كتب على هامش الصفحة الاخيرة: جعل وقفا لمكتبة أورخان غازي

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين مقدمة اخبرنا أبو جعفر احمد بن محمد بن اسماعيل النحوي المعروف بالنحاس قال الحمدلله الذي من علينا بهدايته واستنقذنا حديث من الضلاله بشريعته وأرشدنا الى سبيل النجاه بنبيه صلى الله عليه وسلم ووفقنا لنتهاج عند سبيله المرتضى وعلمنا ما لم نكن نعلم من كتابه الذي جعله فرقا بين الحق والباطل أذل به الجاحدين عند عجزهم عن الآتيان بسورة مثله وجعله الشفاء والحجة على خلقه بما بين فيه فقال جل وعز بلسان عربي مبين وقال قرآن عربيا غير ذي عوج وقال هذا كتاب مصدق لسانا عربيا

فدل على ان معانيه إنما وردت من اللغة العربية لأنه وقال صلى الله عليه وسلم أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الذي يقراء القرآن ولأ يحسن أخبرنا تفسيره كالاعرابي يهذ الشعر هذا فقصدت في هذا الكتاب تفسير المعاني والغريب واحكام القرآن والناسخ والمنسوخ عن المتقدمين من الأئمة واذكر من قول الجله من العلماء باللغه واهل النظر ما حضرني وابين من تصريف الكلمه واشتقاقها ان علمت ذلك واتي من القراءات بما يحتاج الى تفسير معناه وما احتاج

إليه المعنى من يا الاعراب وبما احتج به العلماء في مسائل سأل عنها المجادلون وابين ما فيه حذف أو اختصار أو اطاله لافهامه لو وما كان فيه تقديما أو تأخير واشرح ذلك حتى يتبينه المتعلم وينتفع به كما ينتفع العالم بتوفيق الله وتسديده فاول ذلك

تفسير سورة الفاتحة

تفسير سورة الفاتحة مكية وآياتها سبع باتفاق

سورة الحمد وهي مكية على قول ابن عباس وقال مجاهد هي مدنية اعلم ان لها اربعة اسماء هي سورة الحمد وفاتحة الكتاب وام القرآن وهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر وعلي وابن عباس وروى ابن ابي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

فاتحة الكتاب هي السبع المثاني والاسم الرابع انه يقال لها السبع من المثاني روى ذلك سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي رضي الله عنه وروى اسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن ابيه عن ابي هريره ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه ابي بن كعب فاتحة الكتاب فقال والذي نفسي بيده ما انزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها انها السبع من المثاني والقرآن العظيم الذي اعطيته وقيل لها فاتحة الكتاب لانه يفتتح بها المصحف ويفتتح بها القرآن وتقرأ في كل ركعه وقيل لها ام القران لان ام الشئ ابتداؤه واصله فسميت

بذلك لابتدائهم لها في اول القرآن فكأنها اصل وابتداء ومكة ام القرى لان الارض دحيت من تحتها وقال الحجاج ما فيهم من الكتاب ام أي اصل من الكتاب وروى اسماعيل ابن جعفر عن العلاء عن ابيه عن ابي هريره عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قرأ عليه ابي فاتحة الكتاب فقال والذي نفسي بيده ما انزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ولافي الفرقان مثلها انها السبع من المثاني والقرآن العظيم الذي اعطيته وقيل لها السبع المثاني لانها سبع ايات تثنى في كل ركعه من ثنيته إذ رددته وفي هذا قول اخر غريب وله اسناد حسن قوي عن جعفر بن محمد الفاريابي يكون عن مزاحم بن سعيد قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا

ابن جريح قال اخبرني ابي ان سعيد بن جبير اخبره قال لابن عباس ما المثاني قال هي ام القرآن استثناها الله تعالى لامة محمد صلى الله عليه وسلم في ام الكتاب فادخرها لامة محمد صلى الله عليه وسلم حتى اخرجها لهم ولم يعطيها احدا قبل امة محمد صلى الله عليه وسلم وقيل ان من قال السبع المثاني ذهب الى من زائده للتوكيد واجود من هذا القول ان يكون المعنى انها السبع من القرأن الذي هو مثان تفسير البسمله ومما قصدنا له قوله عز وجل بسم الله الرحمن الرحيم قال اكثر البصرين المعنى اول ما افتتح ب بسم الله واول كلامي بسم الله

قال سيبويه معنى الباء الالصاق قال الفراء موضع الباء نصب والمعنى بدأت باسم الله وابدأ باسم الله وفي اشتقاق اسم قولان احدهما من السمو وهو العلو والارتفاع فقيل اسم لان صاحبه بمنزلة المرتفع به وقيل وهو من وسمت فقيل اسم لانه لصاحبه بمنزلة السمه مع أي يعرف به والقول الثاني خطأ لان الساقط منه لامه فصح انه من سما يسمو

قال احمد ابن يحى يقال سم وسم ويقال اسم بكسر الالف ويقال بضمها فمن ضم الالف اخذه من سموت اسمو ومن كسر اخذه من سميت اسمي قال الكسائي والفراء معنى بسم الله باسم الاله وتركوا الهمزه وادغموا اللام الاولى في الثانيه فصارت لاما مشدده كما قال جل عز وجل لكنا هو الله ربي ومعناه لكن انا هو الله ربي كذلك قرأها الحسن ولسيبويه في هذا قولان احدهما ان الاصل اله ثم جئ بالالف واللام عوضا من الهمزه وكذلك الناس عنده الاصل فيه اناس

والقول الاخر هو ايضا قول اصحابه ان الاصل لاه ثم دخلت عليه الالف واللام وانشدو * لاه ابن عمك لا فضلت في حسب * عني ولا انت دياني فتخزوني * ويسأل عن التكرير في قواه عز وجل الرحمن الرحيم فروي عن ابن عباس انه قال الرحمن الرحيم اسمان رقيقان احدهما ارق من الاخر فالرحمن الرقيق والرحيم العاطف على خلقه بالرزق قال محمد بن كعب القرظي الرحمن بخلقه الرحيم بعباده فيما ابتداهم به من كرامته وحجته

وقال عطاء الخرساني كان الرحمن فلما اختزل الرحمن من اسمائه صار الرحمن الرحيم وقال العرزمي الرحمن بجميع الخلق الرحيم بالمؤمنين وقال أبو عبيده هما من الرحمه كقولهم ندمان ونديم وقال قطرب يجوز ان يكون جمع بينهما للتوكيد وهذا قول حسن وفي التوكيد اعظم الفائدة وهو كثير في كلام العرب يستغني عن الاستشهاد

والفائدة سعيد في ذلك ما قاله محمد بن يزيد انه تفضل بعد تفضل وانعام بعد انعام وتقوية لمطامع الداعين ووعد لا يخيب آمله وقول العرزمي ايضا حسن لان فعلان فيه معنى المبالغة فكأنه والله اعلم الرحمن بجميع خلقه ولهذا لم يقع الا لله تعالى لان معناه الذي وسعت رحمته كل شئ ولهذا قدم قبل الرحيم وصار الرحيم اولى من الراحم لان الرحيم الزام في المدح لانه يدل على ان الرحمه لازمه له غير مفارقة والراحم يقع لمن رحم مرة واحده

وقال احمد ابن يحيى الرحيم عربي والرحمن عبراني فلهذا جمع بينهما وهذا القول مرغوب عنه وروى مطرعن بكر قتاده في قوله بسم الله الرحمن الرحيم قال مدح نفسه وهذا قول حسن قال أبو العباس النعت قد يقع للمدح كما تقول قال جرير الشاعر

تفسير سورة الفاتحة 1 - وقوله تعالى الحمد لله الفرق بين الحمد والشكر ان الحمد اعمم لانه يقع على الثناء وعلى التحميد وعلى الشكر والجزاء والشكر مخصوص بما يكون مكافأه قد لمن اولاك معروفا خصار الحمد اثبت في الايه لانه يزيد على الشكر ويقال الحمد خبر وسبيل الخبر ان يفيد فما الفائدة في هذا والجواب عن هذا ان سيبويه قال إذا قال الرجل الحمد لله بالرفع ففيه من المعنى مثل ما في قوله حمدت الله حمدا الا ان الذي يرفع الحمد يخبر ان الحمد منه ومن جميع الخلق لله تعالى والذي ينصب الحمد يخبر ان الحمد منه وحده لله تعالى

قال ابن كيسان وهذا كلام حسن جدا لان قولك الحمد لله مخرجه في الاعراب مخرج قولك المال لزيد ومعناه انك أخبرت به وأنت تعتمد ان تكون حامدا لا مخبرا بشئ ففي أخبار المخبر بهذا إقرار منه بان الله تعالى مستجوبه وفي على خلقه فهو احمد من يحمده إذا اقر بان الحمد له فقد آل المعنى المرفوع الى مثل المعنى المنصوب وزاد عليها بان جعل الحمد الذي يكون عن فعله وفعل غيره لله تعالى وقال غير سيبويه إنما يتكلم بهذا تعرضا لعفو الله تعالى ومغفرته وتعظيما له وتمجيدا فهو خلاف معنى الخبر وفيه معنى السؤال وفي الحديث من شغل بذكري عن مسألتي اعطيته افضل

ما أعطى السائلين وقيل ان مدحة نفسه جل وعز وثناءه عليه ليعلم ذلك عباده فالمعنى على هذا قولوا الحمد لله وإنما عيب مدح الآدمي نفسه لانه ناقص وان قال انا جواد فثم بخل وان قال انا شجاع فثم جبن والله تعالى منزه من ذلك فان الآدمي إنما يدح كل نفسه ليجتلب منفعة ويدفع مضره والله تعالى غني عن هذا 2 - وقوله جل وعز رب العالمين قال أهل اللغة الرب المالك وانشدو * وهو الرب والشهيد على يو * م الحيارين والبلاء بلاء *

واصل هذا انه يقال ربه يربه ربا وهو راب ورب إذا قام بصلاحه ويقال على التكثير رباه ورببه وربته وروى الربع عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رب العالمين قال الجن والأنس وروى الربيع ابن انس عن ابي العاليه قال الجن عالم والانسان عالم وسوى ذلك للارض أربع زوايا في كل زاوية ألف وخمس مائة عالم خلقهم الله لعبادته وقال أبو عبيدة رب العالمين أي المخلوقين وانشد العجاج فخندق هامة هذا العالم

والقول الأول اجل هذه الأقوال واعرفها في اللغة لان هذا الجمع إنما هو جمع ما يعقل خاصة وعالم مشتق من العلامة وقال الخليل العلم والعلامة والمعلم ما دل على شئ فالعالم دال على ان له خالقا مدبرا 3 - وقوله تعالى ملك يوم الدين ويقرأ مالك يوم الدين واختار أبو حاتم مالك قال وهو اجمع من ملك لأنك تقول ان الله مالك الناس ومالك الطير ومالك الريح ومالك كل شئ من الأشياء ونوع من الأنواع ولا يقال الله ملك الطير ولاملك الريح ونحو ذلك وإنما يحسن ملك الناس وحدهم

وخالفه في ذلك جلة أهل اللغة منهم أبو عبيد وأبو العباس محمد بن يزيد واحتجوا بقوله تعالى لمن الملك اليوم والملك مصدر الملك ومصدر المالك ملك بالكسر وهذا احتجاج حسن وأيضا فان حجة ابي حاتم لا تلزم لانه إنما لم يستعمل ملك الطير والرياح لانه ليس فيه معنى مدح وحدثنا محمد بن جعفر بن محمد عن ابي داود بن الانباري قال حدثنا محمد ابن اسماعيل قال حدثنا عمرو بن أسباط عند السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن ابي مالك عن أبي مالك وعن أبي صالح عن بن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن اناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مالك يوم الدين يوم الدين هو يوم الحساب

وقال مجاهد الدين الجزاء والمعنيان واحد لان يوم القيامة يوم الحساب ويوم الجزاء والدين في غير هذه الطاعة والدين ايضا العادة كما قال أهذا دينه أبدا وديني والمعاني متقاربة لانه إذا أطاع فقد دان والعادة تجري مجرى الدين وفلان في دين فلان أي في سلطانه وطاعته فان قيل لم خصت القيامة بهذا فالجواب ان يوم القيامة يوم يضطر فيه الخلائق الى ان يعرفوا ان الأمر كله لله تعالى وقيل خصه لان في الدنيا ملوكا وجبارين ويوم القيامة يرجع الأمر كله الى الله تعالى

4 - وقوله تعالى إياك نعبد ولم يقل نعبدك لان هذا أوكد قال سيبويه كأنهم إنما يقدمون الذي بيانه أهم إليهم وهم ببيانه أعنى وان كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم والعبادة في اللغة الطاعة مع تذلل وخضوع يقال طريق معبد إذا كان قد ذلل بالوطء وبعير معبد إذا طلي بالقطران أي امتهن كما يمتهن العبد قال طرفه * الى ان تحامتني العشيرة كلها * أفردت إفراد البعير المعبد * يقال عبد من كذا أي انف منه كما قال الشاعر * واعبد ان تهجى تميم بد ارم

5 - ثم قال تعالى وإياك نستعين أعاد إياك توكيدا ولم يقل ونستعين كما يقال المال بين زيد وبين عمرو فتعاد بين توكيدا وقال إياك ولم يقل إياه لان المعنى قل يا محمد إياك نعبد على ان العرب ترجع من الغيبة الى الخطاب كما قال الأعشى * عنده الحزم والتقى واسى الصر * ع وحمل لمضلع * الأثقال * ثم قال ورجع من الغيبة الى الخطاب * ووفاء إذا أجرت فما غر * ت حبال وصلتها بحبال * وقال تعالى وسقاهم ربهم شرابا طهورا ثم قال ان هذا كان لكم جزاء وعكس هذا ان العرب ترجع من الخطاب الى الغبيه فلا كما قال تعالى حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبه

وفي الكلام حذف والمعنى وإياك نستعين على ذلك 6 - ثم قال تعالى اهدنا الصراط المستقيم وهم على الهدى أي ثبتنا كما تقول للقائم قم حتى أعود إليك أي اثبت قائما ومعنى اهدنا أرشدنا واصل هدى ارشد ومنه واهدنا الى سواء الصراط ويكون هدى بمعنى بين كما قال تعالى وأما ثمود فهديناهم ويكون هدى بمعنى الهم كما قال تعالى الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى أي ألهمه مصلحته وقيل إتيان الأنثى ويكون هدى بمعنى دعا كما قال تعالى ولكل قوم هاد أي نبي يدعوهم واصل هذا كله ارشد والمعنى ارشدنا الى الصراط المستقيم

حدثنا محمد بن جعفر الانباري قال حدثنا هاشم بن القاسم الحراني قال حدثنا أبو اسحق النحوي عن حمزه بن حبيب عن حمران بن أعين عن ابي منصور بن أخي الحارث عن الحارث عن على قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الصراط المستقيم كتاب الله وروى مسعر عن منصور عن ابي وائل عن عبد الله في قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم قال كتاب الله وروى عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال هو الإسلام والصراط في اللغة الطريق الواضح وكتاب الله بمنزلة الطريق الواضح وكذلك الإسلام وقال جرير

* أمير المؤمنين على صراط * إذا اعوج الموارد مستقيم * أمير المؤمنين جمعت دينا * وحلما فاضلا لذوي الحلوم * 7 - ثم قال تعالى صراط الذين أنعمت عليهم روى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن انس الذين انعم عليهم النبيون وقال غيره يعني الأنبياء والمؤمنين وقيل هم جميع الناس ثم قال تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين وروي عن عمر انه قرأ صراط من أنعمت عليهم غير

المغضوب عليهم وغير الضالين وحدثنا محمد بن جعفر بن محمد الانباري قال حدثنا محمد ابن إدريس المكي قال اخبرنا محمد بن سعيد قال اخبرنا عمرو عن سماك عن عباد عن عدي بن حاتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون قال قلت فإني حنيف مسلم قال فرأيت وجهه تبسم فرحا صلى الله عليه وسلم وروى بديل العقيلي عن عبد الله بن شقيق وبعضهم يقول عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يقول ان النبي صلى الله عليه وسلم قال هو بوادي القرى وهو على فرسه وسأله رجل من بني القين فقال يا رسول الله من هؤلاء المغضوب عليهم فأشار الى اليهود قال فمن هم الضالون قال هؤلاء الضالون يعني النصارى فعلى هذا يكون عاما براد به الخاص وذلك كثير في كلام العرب مستغن عن الشواهد لشهرته

تفسير سورة البقرة

سورة البقرة سورة البقرة وهي مدنية من ذلك 1 - قوله تعالى آلم اختلف أهل التفسير واهل اللغة في معنى آلم وما أشبها قال فحدثنا عبد الله بن ابراهيم البغدادي بالرملة قال حدثنا حفص بن عمر بن الصباح الرقي أبو عمرو قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا شريك عن عطاء عن ابي الضحى عن ابن عباس في قوله تعالى آلم قال انا الله اعلم آلم انا الله أرى المص انا الله افضل وروى أبو اليقظان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير مثله منه

وشرح هذا القول ان الالف تؤدي عن معنى اعلم أنا واللام تؤدي عن أسم الله جل وعز والميم تؤدي عن معنى اعلم ورأيت ورأيت أبا اسحق يميل الى هذا القول ويقول أذهب إلى ان كل حرف منها يؤدي عن معنى وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحه عن ابن عباس المص وطه وطس وطسم ويس وص وحم عسق وق ون والقلم وأشباه هذا هو قسم أقسم الله به من وهن من أسماء الله تعالى وروى ابن عليه عن خالد الحذاء عن عكرمة قال

آلم قسم وحدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمه قال حدثنا عبد الرزاق قال اخبرنا معمر عن قتاده في قوله تعالى آلم قال اسم من اسماء القرآن وروي عن مجاهد قولان قال أبو عبيد حدثنا أبو مهدي عن سفيان عن خصيف أو غيره هكذا قال عن مجاهد قال في كله هي فواتح السور والقول الاخر حدثنا به محمد بن جعفر الانباري قال حدثني محمد بن بحر قال حدثنا موسى عن شبل عن ابن ابي نجيح عن مجاهد قال آلم اسم من اسماء القرآن

قال أبو العباس وهو اختياره روي عن بعض أهل السلف انه قال هي تنبيه وقال أبو عبيده والأخفش هي افتتاح كلام وقطرب يذهب الى انها جئ بها لانهم كانوا ينفرون عند استماع القرآن فلما سمعوا آلم والمص استنكروا هذا اللفظ فلما أنصتوا له صلى الله عليه وسلم اقبل عليهم بالقرآن المؤلف ليثبت في أسماعهم وآ ذانهم ويقيم الحجة عليهم وقال الفراء المعنى هذه الحروف يا محمد ذلك الكتاب وقال أبو إسحاق ولو كان كما قال لوجب ان يكون بعده أبدا ذلك الكتاب أو ما أشبهه وهذه الأقوال يقرب بعضها من بعض لانه يجوز ان تكون اسماء للسورة وفيها معنى التنبيه

فأما القسم فلا يجوز لعلة اوجبت ذلك من العربية وابين هذه الأقوال قول مجاهد الأول انها فواتح السور وكذلك قول من قال هي تنبيه وقول من قال هي افتتاح كلام ولم يشرحوا: ذلك بأكثر من هذا لانه ليس من مذهب الأوائل وإنما باقي الكلام عنهم مجملا ثم تأوله أهل النظر على ما يوجبه المعنى ومعنى افتتاح كلام وتنبيه انها بمنزلة ها في التنبيه ويا في النداء والله تعالى اعلم بما أراد وقد توقف بعض العلماء عن الكلام فيها وأشكالها حتى قال الشعبي لله تعالى في كل كتاب سر وسره في القرآن فواتح السور

وقال أبو حاتم لم نجد الحروف المقطعة في القرآن الا في أوائل السور ولا ندري ما أراد الله تعالى بها 2 - ثم قال جل وعز ذلك الكتاب لا ريب فيه روى خالد الحذاء عن عكرمة قال ذلك الكتاب هذا الكتاب وكذا قول ابي عبيدة وأنكره أبو العباس قال لان ذلك لما بعد وذا لما قرب فأن دخل واحد منهما على الاخر انقلب المعنى قال ولكن المعنى هذا القرآن ذلك الكتاب الذي كنتم تستفتحون به على الذين كفروا وقال الكسائي كان الاشاره الى القرآن الذي في

السماء والقول من السماء والكتاب والرسول في الارض فقال ذلك الكتاب يا محمد قال ابن كيسان وهذا حسن قال الفراء يكون كقولك للرجل وهو يحدثك ذلك والله الحق فهو في اللفظ بمنزلة الغائب وليس بغائب والمعنى عنده ذلك الكتاب الذي سمعت به وقيل كتاب لما جمع فيه يقال كتبت الشئ أي جمعته والكتب الخرز وكتبت البغله منه ايضا والكتيبة الفرقة المجتمع بعضها الى بعض 3 - ثم قال تعالى لا ريب فيه قال قتاده لاشك فيه وكذا هو عند أهل اللغة قال أبو العباس يقال رابني الشئ إذا تبينت فيه الريبة

وأرابني إذا لم أتبينها منه وقال غيره أراب في نفسه وراب غيره كما قال الشاعر * وقد رابني قولها يا هنا * هـ ويحك ألحقت شرا بشر * ومنه دع ما يريبك الى ما لا يريبك ومنه ريب المنون أي حوادث الدهر وما يستراب به وأ خبر تعالى انه لاريب فيه ثم قال بعد وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فالقول في هذا المعنى وان كنتم في قولكم في ريب وعلى

زعمكم وان كنا قد أتيناكم بما لاريب فيه لانهم قالوا كما قال الذين من قبلهم وانأ غير لفي شك مما تدعونا إليه مريب 4 - ثم قال تعالى هدى للمتقين والهدى البيان والبصيرة ثم قال تعالى للمتقين أي الذين يتقون ما نهوا عنه والتقوى أصلها من التوقي وهو التستر من ان يصيبه ما يهلك به 5 - ثم قال تعالى الذين يؤمنون بالغيب اصل الإيمان التصديق ومنه قوله تعالى وما انت بمؤمن لنا

يقال آمنت بكذا أي صدقت به فإذا قلت مؤمن فمعناه مصدق بالله تعالى لا غير ويجوز ان يكون مأخوذا من الأمان أي يؤمن نفسه بتصديقه وعمله والله المؤمن أي يؤمن مطيعه من عذابه وروى شيبان عن قتاده الذين يؤمنون بالغيب آي آمنوا بالبعث والحساب والجنة والنار فصدقوا بموعد اله تعالى قال أبو رزين في قوله تعالى وما هو على الغيب بضنين يعني القرآن

قال ابن كيسان وقيل يؤمنون بالغيب أي القدر والغيب في اللغة ما اطمأن من الارض ونزل عما حوله يستتر فيه من دخله وقيل كل شئ مستتر غيب وكذلك المصدر 6 - ثم قال تعالى ويقيمون الصلاة أي يؤدون الصلاة المفروضة تقول العرب قامت السوق وأقمتها أي أدمتها ولم أعطلها أحمد وفلان يقوم بعمله منه ومعنى إقامة الصلاة إدامتها في أوقاتها وترك التفريط في أداء ما فيها من الركوع والسجود وقيل الصلاة مشتقة من الصلوين وهما عرقان في الردف ينحيان في الصلاة وقيل الصلاة الدعاء فيها معروف قال الأعشى

* تقول بنتي وقد قربت مرتحلا * يا رب جنب ابي ألا وصاب والوجعا * عليك مثل الذي صليت فا اغتمضي بعد * نوما فان لجنب المرء مضطجعا * والصلاة من الله تعالى الرحمه ومن الملائكة الدعاء ومن الناس تكون الدعاء والصلاة المعروفة 7 - ثم قال تعالى ومما رزقناهم ينفقون أي يتصدقون ويزكون كما قال تعالى وأنفقوا مما رزقناكم من قبل ان يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني الى اجل قريب فأصدق واكن من الصالحين قال الضحاك كانت النفقة قربانا يتقربون بها الى الله تعالى على قدر جدتهم حتى نزلت فرائض الصدقات والناسخات في

براءه 8 - ثم قال تعالى والذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك أي لا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض كما فعله اليهود والنصارى 9 - ثم قال تعالى وبالآخرة هم يوقنون سميت آخره لانها بعد اولى وقيل لتأخرها من الناس وجمعها أواخر 10 - ثم قال تعالى أؤلئك على هدى من ربهم روى إبراهيم بن سعيد عن محمد بن إسحاق قال على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم من عند الله

11 - ثم قال تعالى وأؤلئك هم المفلحون قال ابن إسحاق أي الذين أدركوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا واصل الفلاح في اللغة البقاء وقيل للمؤمن مفلح لبقائه في الجنة وقال عبيد افلح بما شئت فقد يدرك بالضعف وقد يخدع الأريب أي ابق بما شئت من كيس وحمق ثم اتسع في ذلك حتى قيل لكل من نال شيئا من الخير مفلح 12 - ثم قال تعالى ان الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون

هم الكفار الذين ثبت في علم الله تعالى انهم كفار وهو لفظ عام يراد به الخاص كما قال تعالى قل يا أيها الكافرون لا اعبد ما تعبدون ثم قال جل وعز ولا انا عابد ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد وقال تعالى انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء 13 - ثم قال تعالى ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم أي طبع الله على قلوبهم وعلى أسماعهم وغطى عليها على جهة الجزاء بكفرهم وصدهم الناس عن دين الله وهؤلاء الكفار هم الذين سبق في علمه من انهم لا يؤمنون ويكون مثل قولهم أهلكه المال وهب المال بعقله أي هلك فيه وبسبه يقول فهو كقوله فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها ألا

الاشقى فان ذلك من الله عن فعلهم في أمره 14 - ثم قال تعالى وعلى أبصار هم غشاوة ولهم عذاب عظيم قال سيبويه غشاوة أي غطاء 15 - ثم قال تعالى ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الاخر روى اسماعيل السدي عن ابن عباس قال هم المنافقون قال آهل اللغة النفاق مأخوذ من نافقأء الذي اليربوع وهو حجر يخرج منه اليربوع إذا اخذ عليه الجحر الذي يدخل فيه فقيل منافق لانه يدخل الإسلام باللفظ ويخرج منه بالعقد

16 - ثم قال تعالى وما هم بمؤمنين فنفى عنهم الأيمان لانهم لا اعتقاد لهم ولا عمل 17 - ثم قال تعالى يخادعون الله والذين آمنوا المخادعة في اللغة إظهار خلاف الاعتقاد وتسمى التقية خداعا وهو يكون من واحد قال ابن كيسان لان فيه معنى راوغت لأن كأنه قابل شيئا بشئ 18 - ثم قال تعالى وما يخدعون الا أنفسهم أي ان عقوبة ذلك ترجع عليهم

وفرق أهل اللغة بين خادع وخدع فقالوا خادع أي قصد الخدع وان لم يكن خدع وخدع معناه بلغ مراده والاختيار عندهم يخادعون في الاولى لانه غير واقع والاختيار في الثاني يخدعون لانه اخبر تعالى انه واقع بهم لما يطلع عليه من أخبارهم فعاد ما ستروه وأظهروا غيره وبالا عليهم وقال محمد بن يزيد يجوز في الثاني وما يخادعون أي بتلك المخادعة بعينيها إنما يخادعون أنفسهم بها لان وبالها يرجع عليهم 19 - ثم قال تعالى وما يشعرون أي وما يشعرون بذلك والمعنى ما تحل عاقبة الخدع إلا بهم 20 - ثم قال تعالى في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا روى السدي عن ابي مالك وأبي صالح عن ابن عباس قال

يقول في قلوبهم شك وقال غيره المرض النفاق والرياء والمرض في الجسد كما ان العمى في القلب ويقال مرض فلان أصابته عله في بدنه فان قيل بم أصابهم المرض قيل فعل هذا بهم عقوبة وقيل بإنزال القرآن أصابهم المرض كما قال تعالى وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول آيكم وقد زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم أيمانا وهم يستبشرون واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون 21 - ثم قال تعالى ولهم عذاب اليم يقال آلم إذا أوجع وهو مؤلم وأليم والألم الوجع وجمع اليم آلام كأشراف والأليم الشديد الوجع 22 - ثم قال تعالى بما كانوا يكذبون قال أبو حاتم أي بتكذيبهم الرسل وردهم على الله

وتكذيبهم بآياته قال ومن خفف فالمعنى عنده بكذبهم وقولهم آمنا ولم يؤمنوا فذلك كذب 23 - ثم قال تعالى وأذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا إنما نحن مصلحون فيه قولان أحدهما انهم قالوا نحن مصلحون فليس من عادتنا الإفساد والآخر انهم قالوا هذا الذي تسمونه فسادا هو عندنا صلاح 24 - وقوله تعالى الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون معنى ذلك الا التنبيه كما قال الشاعر

* الا ان الدهر يوم وليلة * وليس على شئ قويم بمستمر * 25 - وقوله تعالى ولكن لا يشعرون قال ابن كيسان يقال ما على من لم يعلم انه مفسد من ألزم إنما يذم إذا علم انه مفسد ثم افسد على علم قال ففيه جوابان أحدهما انهم كانوا يعلمون الفساد ويظهرون الصلاح وهم لا يشعرون ان أمرهم يظهر عند النبي صلى الله عليه وسلم والوجه الثاني ان يكون فسادهم عندهم صلاحا وهم لا يشعرون ان ذلك فساد وقد عصوا الله ورسوله في تركهم تبيين الحق واتباعه 26 - ثم قال تعالى وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤ من كما آمن السفهاء

قال ابن عباس الناس ههنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا أنؤ من كما آمن السفهاء قال أبو إسحاق اصل السفه في اللغة رقة الحلم يقال ثوب سفيه أي بال رقيق 27 - ثم قال تعالى الا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون أي لا يعلمون ان وبال ذلك يرجع عليهم ويقال إذا وصفوا بالسفه فلم لا يكون ذلك عذرا لهم فالجواب انه إنما لحقهم ذلك إذ عابوا الحق فأنزلوا أنفسهم تلك المنزلة كما قال تعالى ان هم الا كالأنعام لصدهم وإعراضهم إذ بعده بل هم أضل سبيلا لان الأنعام قد

يصرفها راعيها كيف شاء وهؤلاء لا يهتدون بالانذار والعظة وايضا فإذا سفهوا المؤمنين فهم في تلك الحال مستحقون لهذا الاسم 28 - وقوله تعالى ولكن لا يعلمون الجواب عنه كالجواب عن ولكن لا يشعرون 29 - ثم قال جل وعز وإذا خلو الى شياطينهم قالوا انا معكم روى اسباط عن السدي اما شياطينهم فهم رؤساؤهم في الكفر

ويبين ما قال قوله جل وعز شياطين الانس والجن وشيطان مشتق من الشطن وهو الحبل أي هو ممدود في الشر ومنه بئر شطون 30 - ثم قال جل وعز قالوا انا معكم انما نحن مستهزءون فاخبر سبحانه بما يكتمون 31 - ثم قال جل وعز الله يستهزئ بهم فيه اجوبه أصحها ان معناه يجازيهم على استهزائهم فسمى جزاء الذنب بأسمه لازدواج الكلام وليعلم انه عقاب عليه وجزاء به

كما قال عز وجل وجزاء سيئة سيئة مثلها وقيل هو ما روى في الحديث أن المؤمنين يعطون نورا فيحال بينهم وبينه وقيل هو أن الله أظهر لهم من أحكامه خلاف مالهم في الآخرة كما أظهروا للمسلمين خلاف ما أسروا واستشهد صاحب هذا القول بأن بعده ويمدهم في طغيانهم يعمهون وقيل هو مثل سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وهذه الأقوال ترجع الى الاول لانها مجازة ايضا ومن احسن ما قيل فيه أن معنى يستهزئ بهم يصيبهم كما قال تعالى وقد نزل عليكم الكتاب أن إذا سمعتم ايات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم

32 - ثم قال جل وعز ويمدهم في طغيانهم يعمهون أي يمدهم في تجاوزهم متحيرين قال تعالى انا لما طغى الماء حملناكم في الجارية وقال مجاهد يعمهون يترددون والمعنى على قوله يترددون في ضلالتهم وحكى أهل اللغة عمه يعمه عموها وعمها وعمهانا فهو عمه وعامه إذا حار 33 - ثم قال جل وعز أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى قال مجاهد آمنوا ثم كفروا ويقال كيف قال اشتروا وإنما يقال اشتريت كذا

بكذا إذا دفعت شيئا أخذت غيره والجواب عن قول مجاهد انهم كفروا بعد الأيمان فصار الكفر لهم بدلا من الأيمان وصاروا بمنزلة من باع شيئا بشئ وقيل لما أعطوا بألسنتهم الأيمان وأبوه بقلوبهم فباعوا هذا الذي ظهر بألسنتهم بالذي في قلوبهم والذي في قلوبهم هو الحاصل لهم فهو بمنزلة العوض أخرج من أيديهم وقيل لما سمعوا التذكرة والهدى ردوها واختاروا الضلالة فكانوا بمنزلة من دفع إليه شئ فاشترى به غيره قال ابن كيسان قيل هو مثل قوله تعالى وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون فلما كان خلقهم للعبادة صار

ما خلفها مبدلا عنها بصدهم عما خلقوا له واصل الضلاله الحيرة وسمي النسيان ضلاله لما فيه من الحيرة كما ذقال جل وعز قال فعلتها إذا وأنا من الضالين أي الناسين ويسمى الهلاك ضلاله كما قال عز وجل وقالوا أئذا ضللنا في الارض أئنا لفي خلق جديد 34 - ثم قال جل وعز فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين فأنزلوا منزلة من اتجر لان الربح والخسران إنما يكونان في التجاره والمعنى فما ربحوا في تجارتهم ومثله قول العرب خسر

بيعه لأنه قد عرف المعنى 35 - ثم قال جل وعز وما كانوا مهتدين أي بفعلهم الذي فعلوه من إيثار الضلالة على الهدى ويجوز وما كانوا مهتدين في علم الله عز وجل 36 - ثم قال جل وعز مثلهم كمثل الذي استوقد نارا قال ابن كيسان استوقد بمعنى أوقد ويجوز أن يكون استوقدها حتى من غيره أي طلبها من غيره قال الأخفش هو سعيد الذي في معنى جمع

قال ابن كيسان لو كان كذلك لأعاد عليه ضمير الجمع كما قال الشاعر * وان الذي حانت يفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا ام خالد * قال ولكنه واحد شبه به جماعة لان القصد كان الى الفعل ولم يكن الى تشبيه العين بالعين فصار مثل قوله تعالى ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحده فالمعنى الا كبعث نفس واحده وكإيقاد تعالى الذي استوقد نارا 37 - ثم قال جل وعز فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم ويجوز ان يكون ما بمعنى الذي وان تكون زائدة وان تكون نكره

والمعنى أضاءت له فابصر الذي حوله 38 - وقوله جل وعز يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج سبب نزول هذه الآبه ان بعض المسلمين يسال النبي صلى الله عليه وسلم لم خلقت هذه الأهلة فانزل الله عز وجل قل هي مواقيت للناس والحج فجعلها الله عز وجل مواقيت لحج المسلمين وإفطارهم وصومهم ومناسكهم ولعدة نسائهم ومحل دينهم والله اعلم بما يصلح خلقه

قال أبو إسحاق هلال مشتق من استهل الصبي إذا بكى وأهل القوم بحجة وعمرة أي رفعوا أصواتهم بالتلبية فقيل له هلال لانه حين يرى يهل الناس بذكره وأهل واستهل ولا يقال أهللنا أي رأينا الهلال وأهللنا شهر كذا وكذا إذا دخلنا فيه وسمي شهر لشهرته وبيانه قال الأصمعي ولا يسمى هلالا حتى يحجر وتحجيره أن يستدير بخطة دقيقه وقيل ليلتين وثلاث وقيل حتى يغلب ضوءه وهذا في السابعة قال أبو إسحاق والاجود عندي ان يسمى هلالا لليلتين لانه في الثالثة يتبين ضوءه

39 - وقوله جل وعز وليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها روى شعبة عن ابي إسحاق قال سمعت البراء بن عازب يقول نزلت فينا هذه الآبه كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لم يدخلوا البيوت من أبوابها ولكن من ظهورها فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه فنزلت هذه الآبه وليس البر بان تأتوا البيوت نت ظهورها 40 - وقوله عز وجل وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا قبل أي ولا تقاتلوا من عاهدتم وعاقدتم وقيل لا تقاتلوا فإن من لم يقاتلكم

قال ابن زيد ثم نسخ ذلك فقال جل وعز واقتلوهم حيث ثقفتموهم أي وجدتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم يعني مكة 41 - ثم قال جل وعز والفتنة اشد من القتل قال مجاهد ارتداد المؤمن اشد عليه من القتل والفتنة في الاصل الاختبار فتأويل الكلام الاختبار الخبيث الذي يؤدي الى الكفر اشد من القتل وفتنته فلانة أي صارت له كا لمختبره عمر أي اختبر بجمالها وفتنت الذهب في النار أي اختبرته لأعلم خالص هو ام مشوب وقيل لهذا السبب لكل ما أحميته في النار فتنته لانه بذلك كالمختبر

وقيل في قوله عز وجل يوم هم على النار يفتتنون هو من هذا أي يشوون قال أبو العباس والقول عندي والله اعلم إنما هو يحرقون بفتنتهم أي يعذبون بكفرهم من فتن الكافر وقيل يختبرون فيقال ما سلككم في سقر وأفتنه العذاب أي جزاه بفتنته كقولك كرب وأكربته وإن والعلم لله تعالى يقال فتن الرجال وفتن وأفتنته أي جعلت فيه فيه فتنتة كقولك دهشته وكحلته كما هذا قول الخليل وأفتنته جعلته فاتنا وهذا خضر فتن وقال الأخفش في قوله عز وجل بأبكم هو المفتنون وسلم قال يعني الفتنه كقولك خذ ميسوره ودع معسوره عنه

وكان سيبويه يأبى أن يكون المصدر على مفعول ويقول المعتمد خذ ما يسر لك منه 42 - وقوله عز وجل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه قال قتاده ثم نسخ ذلك بعد فقال وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال ابن عباس أي شرك قال ويكون الدين لله ويخلص التوحيد لله ثم قال فان انتهوا فلا عدوان الا على الظالمين قال قتاده والظالم الذي آبى ان يقول لا اله الا الله 43 - ثم قال عز وجل الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص

أي قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام قال مجاهد صدت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة فأقضه الله منهم من قابل فدخل البيت الحرام في الشهر الحرام ذي القعدة وقضى عمرة وقال غيره قال الله عز وجل والحرمات قصاص فجمع لانه جل ثناؤه أراد الشهر الحرام والبلد الحرام وحرمة الإحرام 44 - ثم قال عز وجل فمن اعتدى عليم قال مجاهد أي من قاتلكم فيه فاعتدوا عليه فاقتلوه فيه

سمي الثاني اعتداء لانه جزاء الأول 45 - وقوله عز وجل وانتفقوا إن في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة اصح ما قيل في هذا أن سعيد بن جبير روى عن ابن عباس لا تمسكوا النفقة في سبيل الله فتهلكوا وحدثنا محمد بن جعفر الانباري قال حدثنا عبد الله بن يحي قال حدثنا عاصم قال حدثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن شقيق قال حذيفه التهلكة ترك النفقة وقال البراء والنعمان بن بشير هو الرجل يذنب الذنب فيلقي بيده ثم يقول لا يغفر لي

وقال عبيدة هو الرجل يعمل الذنوب والكبائر ثم يقول ليس لي توبة فيلقي بيديه الى التهلكة وقال أبو قلابة هو الرجل يصيب الذنب فيقول ليس لي توبة فينهمك في الذنوب قال أبو جعفر والقول الأول اولى لان أبا أيوب الأنصاري يروي قال نزلت فينا معاشر الأنصار لما اعز الله دينه قلنا سرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أموالنا قد ضاعت فلو أقمنا فيها وأصلحنا منها ضاع فأنزل الله في كتابه يرد علينا ماهمننا إلا به أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة فكانت التهلكة في الإقامة التي أردنا أن نقيم في أموالنا ونصلحها فأمرنا بالغزو قال أبو جعفر فدل على وجوب الجهاد على المسلمين وقيل أيضا معنى وأحسنوا وأنفقوا

قال أبو إسحاق واحسنوا في أداء الفرائض وقال عكرمة أي احسنوا الظن بالله وقال ابن زيد عودوا على من ليس في يده شئ والمعنى في قوله ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة على ما تقدم أي أن امتنعتم من النفقة في سبيل الله عصيتم الله فهلكتم ويجوز أن يكون المعنى قوتم فيه عدوكم فهلكتم 46 - وقوله جل وعز وأتموا الحج والعمرة لله يروى عن عمر أن إتمامهما ترك الفسخ لان الفسخ كان جائزا في اول الإسلام وقال عبد الله بن سلمة سالت عليا عن قوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله ما إتمامهما قال ان تحرم بهما من دويرة أهلك

قال أبو جعفر وذهب الى هذا جماعه من الكوفيين وقال وجعل الميقات حتى لا يتجاوز فأما الأفضل فما قال علي وروى علقمة عن عبد الله قال لا يجاور بهما البيت وقال مجاهد وإبراهيم إتمامهما أن يفعل ما أمر به فيهما وهذا كأنه إجماع لان عليه أن يأتي المشاعر وما أمر به وبذلك يتم حجه فأما الإحرام من بلده فلو كان من الإتمام لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الحسن أحرم عمران بن الحصين من البلد الذي كان فيه فأنكر ذلك عمر عليه وقال أيحرم رجل من أصحاب

رسول الله من داره وقبل وقيل إتمامهما أن تكون النفقة حلالا وقال سفيان إتمامهما ان يحرم لهما قاصدا لا لتجارة وقرأ الشعبي والعمرة لله بالرفع وقال العمرة تطوع والناس جميعا يقرءونها بالنصب وفي المعنى قولان قال ابن عمر والحسن وسعيد بن جبير وطاووس وعطاء وابن سيرين هي فريضة وقال جابر بن عبد الله والشعبي هي تطوع وليس يجب في قراءة من قرأ بالنصب انها فرض لانه ينبغي لمن دخل في عمل هو لله أن يتمه

قيل معنى الحج مأخوذ من قولهم حججت كذا أي تعرفت كذا فالحاج يأتي مواضع بتعرفها صلى قال الشاعر * يحج مأمومة في قعرها لجف * فاست الطبيب قذاها كالمغاريد * 47 - وقوله جل وعز فان احصر تم يعني منعتم عن إتمامهما وفي الأحصار قولان أحدهما قاله ابن عمر وهو مذهب أهل المدينة قال لا يكون الا من عدو

قال أبو جعفر والقول الاخر قاله ابن مسعود وهو قول أهل الكوفة انه من العدو ومن المرض وأن من أصابه من ذينك شئ بعث بهدي فإذا نحر حل وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله وروى طاووس عن ابن عباس مثل الأول وتلا فإذا آمنتم قال نهل الا من الا من خوف فقد صار في الآية أشكال لان الاحصار عند جميع أهل اللغة إنما هو من المرض الذي يحبس عن الشئ فأما من العدو فلا يقال فيه الا حصر

يقال حصر حصرا وفي الأول احصر إحصارا والقول في الآبه على مذهب ابن عمر انه يقال أقتلت الرجل عرضته للقتل واقبره جعل له قبرا واحصرته وقال على هذا عرضته للحصر كما يقال أحبسته أي عرضته للحبس وأحصر أي أصيب بما كان مسببا للحصر وهو فوت الحج وقد روي عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من عرج أو كسر فقد حل وعليه حجة أخرى قال فحدثت بذا ابن عباس وأبا هريرة فقالا صدق وإنما روى هذا عن عكرمة حجاج الصواف وروى الجلة خلاف هذا روى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس لا حصر الا من عدو

وروى أبو نجيح أنه عن عكرمة ان المحصر يبعث بالهدي فإذا بلغ الهدي محله حل وعليه الحج من قابل 48 - ثم قال تعالى فما استيسر من الهدي قال ابن عمر وابن الزبير وعائشة من الإبل والبقر خاصة شئ دون شئ وروى جعفر عن ابيه عن علي رضوان الله عنه فما استيسر من الهدي شاه وقال ابن عباس يكون من الغنم ويكون شركا في دم وهو مذهب سعد

49 - ثم قال تعالى ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله قال قال مجاهد يعني يوم النحر وقال خالد بن ابي عمران عن القاسم بن محمد حتى ينحر وقال اكثر الكوفيين ينحر عنه الهدي في أي يوم شاء في الحرم وقال الكسائي في قوله محله إنما كسرت الحاء لانه من حل يحل حيث يحل أمره ولو أراد حيث يحل لكان محله وإنما هو على الحلال

50 - ثم قال تعالى فمن كان منكم مريضا أوبه أذى من رأسه روى مجاهد عن عبد الرحمن بن ابي ليلى عن كعب بن عجره انه لما كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم فآذاه القمل في رأسه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه وقال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان أو انسك بشاه قال أبو جعفر أي ذلك فعلت أجزأ عنك وقال عطاء هذا لمن كان به قمل أو صداع أو ما أشبهما قال أبو جعفر وفي الكلام حذف والمعنى فحلق أو اكتحل أو تداوى بشئ فيه طيب فعليه فدية

51 - ثم قال تعالى فإذا آمنتم فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي قال الربيع بن انس إذا أمن من خوفه وبرأ من مرضه أي من خوف العدو والمرض وقال علقمة إذا برأ من مرضه 52 - ثم قال تعالى فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي التمتع عند الفقهاء المدنيين والكوفيين أن يعتمر الذي ليس أهله حاضري المسجد الحرام في اشهر الحج ويحل من عمرته ثم يحج في تلك السنة ولم يرجع الى أهله بين العمرة والحج فقد تمتع من العمرة الى الحج أي انتفع بما ينتفع به الحلال والمتعة والمتاع في اللغة الانتفاع ومنه قوله تعالى

ومتعوهن وقال أهل المدينة وكذلك إذا اعتمر قبل اشهر الحج ثم دخلت عليه اشهر الحج ولم يحل فحل في أشهر الحج ثم حج وقال الكوفيون ان كان طاف أكثر طواف العمرة قبل دخول أشهر الحج فليس بتمتع وان كان قد بقي عليه الأكثر فهو متمتع وقال طاووس من اعتمر في السنة كلها في المحرم فما سواه من الشهور فأقام حتى يحج فهو متمتع

وروى ابن ابي طلحة عن ابن عباس فمن تمتع بالعمرة الى الحج يقول من أحرم بالعمرة في اشهر الحج وروى عنه عطاء العمرة لمن احصر ولمن خليت سبيله أصابتهما هذه الآبه وروى عنه سعيد بن جبير على من احصر الحج في العام القابل فان حج فاعتمر في أشهر الحج فان عليه الفدية فهذه الأقوال عن ابن عباس متفقة وأصحها ما رواه سعيد بن جبير لان اتساق الكلام على مخاطبة من احصر وان كان ممن لم يحصر فتمتع فحكمه هذا الحكم فعلى هذا يصح ما رواه عطاء عنه وكذلك ما رواه علي بن ابي طلحة غير أن نص التأويل على المخاطبة لمن أحصر

وقال عبد الله ابن الزبير ليس التمتع الذي يصنعه الناس اليوم يتمتع أحدهم بالعمرة قبل الحج ولكن الحاج إذا فاته الحج أو ضلت راحلته أو كسر حتى يفوته الحج فانه يجعله عمرة وعليه الحج من قابل وعليه ما استيسر من الهدي فتأويل ابن الزبير انه لا يكون الا لمن فاته الحج لانه تعالى قال فإذا آمنتم فمن تمتع بالعمرة الى الحج فوقع الخطاب لمن فاته الحج بالحصر وخالفه في هذا الأئمة منهم عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب وسعد فقالوا هذا للمحصرين وغيرهم ويدلك على ان حكم غير المحصر غي هذا كحكم المحصر قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فهذا للمحصر وغيره سواء وكذلك التمتع 53 - وقوله جل وعز فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم قالت عائشة وابن عمر الصيام لمن تمتع بالعمرة الى

الحج ممن لم يجد هديا ما بين ان يهل بالحج الى يوم عرفه ومن لم يصم صام أيام منى وكان ابن عمر يستحب ان يصوم قبل يوم التروية ويوم عرفة وقال الشعبي وعطاء وطاووس وإبراهيم فصيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم التروية يوما ويوم التروية ويوم عرفه 54 - ثم قال جل وعز وسبعة إذا رجعتم روى شعبة عن محمد ابن ابي النور عن حيان السلمي قال سألت ابن عمر عن قوله تعالى وسبعة إذا رجعتم قال إذا رجعتم اهليكم

وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال ان شاء صامها في الطريق إنما هي رخصة وكذا قال عكرمة والحسن والتقدير عند بعض أهل اللغة إذا رجعتم من الحج أي إذا رجعتم الى ما كنتم عليه قبل الإحرام من الحل وقال عطاء إذا رجعتم الى اهليكم وهذا كأنه إجماع 55 - ثم قال عز وجل تلك عشرة كامله وقد علم انها عشرة واحسن ما قيل في هذا انه لو لم يقل تلك عشرة كأملة وهو جاز ان يتوهم السامع انه إنما عليه ان يصوم ثلاثة في الحج أو سبعة إذا رجع لانه لم يقل وسبعة أخرى

كما يقول أنا اخذ منك في سفرك درهما وإذا قدمت الا اثنين أي لا آخذ إذا قدمت إلا أثنين وقال محمد بن يزيد لو لم يقل تلك عشرة جاز ان يتوهم السامع ان بعدها سيئا آخر فقوله تلك عشرة بمنزلة قولك في العدد فذلك كذا وكذا وأما معنى كاملة فروى هشيم فيه عن عباد بن راشد عن الحسن قال كاملة من الهدي أي قد كملت في المعنى الذي جعلت له فلم يجعل معها غيرها وهي كاملة الأجر ككمال الهدي 56 - ثم قال تعالى ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام قال مجاهد أهل الحرم وقال الحسن وإبراهيم والأعرج ونافع هم أهل مكة

خاصة وقال عطاء مكحول هم أهل المواقيت ومن بعدهم الى مكة قال أبو جعفر وقول الحسن ومن معه اولى لان الحاضر للشئ هو الذي معه وليس كذا أهل المواقيت وأهل منى وكلام العرب لأهل مكة ان يقولوا هم أهل المسجد الحرام قال أبو جعفر فتبين أن معنى حاضري المسجد لأهل مكة ومن يليهم ممن بينه وبين مكة مالا تقصر فيه الصلاة لان الحاضر للشئ هو الشاهد له ولنفسه وإنما يكون المسافر مسافرا لشخوصه صلى الله عليه وسلم الى ما يقصر فيه وان لم يكن كذلك لم يستحق اسم غائب

57 - وقوله تعالى الحج اشهر معلومات حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا عبد الله بن يحيى قال اخبرنا حجاج بن محمد قال ابن جريج قلت لنافع مولى ابن عمر أسمعت ابن عمر سمى أشهر الحج قال نعم سمى شوالا وذا القعدة وذا الحجة وقال ابن عباس شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وقال أبو جعفر والقولان يرجعان الى شئ واحد لان ابن عمر إنما سمى ذا الحجة لان فيه الحج وهو شهر حج 58 - ثم قال تعالى فمن فرض فيهن الحج قال ابن مسعود وابن عمر فرض لبى

وعن ابن عباس أحرم وقيل معنى أحرم أوجب على نفسه الأحرام بالعزم وان لم يلب قال أبو جعفر وحقيقته في اللغة ان فرض أوجب والمعنى أوجب فيهن الحج بالتلبية أو بالنية واحتمل ان يكون معناه أوجب على نفسه الحج بالتلبية فيهن فتكون التلبية والحج جميعا فيهن واحتمل أن يكون المعنى من وأوجب عل نفسه الحج فيهن بالتلبية في غيرهن الا ان محمد بن جعفر ألا نباري حدثنا قال حدثنا عبد الله بن يحي قال اخبرنا حجاج بن محمد قال جريج أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال لا ينبغي لأحد ان يحرم بالحج ألا في أشهر الحج من اجل قوله تعالى الحج أشهر

معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا ينبغي لأحد أن يلبي بالحج ثم يقيم بأرض 59 - ثم قال تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج روى سفيان بن حصيف عن مقسم عن ابن عباس قال الرفث الجماع والفسوق السباب والجدال ان تماري صاحبك حتى تغضبه وكذا قال ابن عمر وروى طاووس عن ابن عباس وابن الزبير الرفث التعريض أي يقول لو كنا حلالين لكان كذا وكذا وقال عطاء وقتاده الرفث الجماع والفسوق المعاصي والجدال ان يماري بعضهم بعضا حتى يغضبه

وروى أبو يحي عن مجاهد في الجدال كما قال عطاء وروى عنه أبن أبي نجيج لا جدال ولاشك فيه وهو مذهب أبي عمرو بن العلاء وعلى ذلك قرأ برفع رفث وفسوق وفتح جدال وهذه الأقوال متقاربة لان التعريض بالنكاح من سببه والرفث أصله الإفحاش ثم يكنى به الجماع ويبين لك انه يقع للجماع قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسا ئكم والفسوق في اللغة الخروج عن الشئ فسباب إذا المسلم خروج عن طاعة الله وقد روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم سباب المسلم فسق وقتاله كفر

وقيل قول عطاء وقتاده الفسوق المعاصي حسن جدا على انه قد روى عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر قال الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم أي من صيد وغيره فهذا قول جامع لان سباب المسلم داخل في المعاصي وكذلك الأشياء التي منع منها المحرم وحده التي منع المحرم والحلال ومعنى قول مجاهد لاشك فيه أنه في ذي الحجة النسأة أن النساة كانوا ربما جعلوا الحج في غير ذي الحجة ويقف بعضهم بجمع وبعضهم بعرفة ويتمارون في الصواب من ذلك وقال

النبي صلى الله عليه وسلم ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وان الحج في ذي الحجة وقال أبو زيد قال أبو عمرو أراد فلا يكونن رفث ولا فسوق في شئ يخرج من الحج ثم ابتدأ النفي فقال ولا جدال في الحج فاخبر أن الأول نهى 60 - ثم قال تعالى وتزودوا فان خير الزاد التقوى روى سفيان عن عمرو عن عكرمة قال كان اناس يقدمون مكة في الحج بغير زاد فأمروا بالزاد وقال مجاهد كان أهل اليمن يقولون لا تتزودوا فتتوصلون فقال من الناس فأمروا أن يتزودوا

وقال قتاده نحو منه 61 - ثم قال تعالى فان خير الزاد التقوى أي فمن التقوى أن لا يتعرض الرجل لما يحرم عليه من المسألة 62 - ثم قال تعالى واتقون يا أولي الألباب أي العقول ولب كل شئ خالصه 63 - ثم قال تعالى ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا الرمادي قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا سفيان ابن عمر بن دينار قال قال ابن عباس كان ذو المجاز وعكاظ متجرا للناس في الجاهلية فلما كان الإسلام كرهوا ذلك حتى نزلت ليس عليكم جناح أن

تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج 64 - ثم قال تعالى فإذا أفضتم من عرفات أي اندفعتم ويقال فاض الإناء إذا امتلأ ينصب من نواحيه ورجل فياض أي يتدفق بالعطاء قال زهير * وأبيض فياض يداه غمامة * على معتفيه ما تغب نوافله * وحديث مستعيض أي متتابع

وروى أبو الطفيل عن ابن عباس قال إنما سميت عرفات لان جبريل كان يقول لإبراهيم عليهما السلام هذا موضع كذا فيقول عرفت وقد عرفت فلذلك سميت عرفات وقال الحسن وسعيد بن جبير وعطاء ونعيم بن ابي هند نحوا منه وقال ابن المسيب قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه بعث الله جبريل الى إبراهيم صلى الله عليهما حتى إذا أتى عرفات قال عرفت وكان قد أتاها من قبل ذلك ولذلك سميت عرفة 65 - ثم قال تعالى فاذكروا الله عند المشعر الحرام قال ابن عباس وسعيد بن جبير ما بيت الجبلين مشعر

قال قتاده هي جمع قال وإنما سميت جمعا لانه يجمع فيها بيت صلاة المغرب والعشاء قال أبو اسحق المعنى واذكروا بتوحيده والمعنى الثناء عليه وان كنتم من قبله أي من قبل هدايته 66 - وقوله تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس قالت عائشة وابن عباس كانت العرب تقف بعرفات فتتعظم أي قريش أن تقف معها فتقف قريش بالمزدلفة فأمرهم الله أن يفيضوا من عرفات مع الناس وقال الضحاك الناس إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال أبو جعفر والأول أولى

روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن جبير بن مطعم عن ابيه قال خرجت في طلب بعير لي بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما بعرفة مع الناس قبل أن يبعث فقلت والله أن هذا من الحمس فما شأنه واقفا ها هنا قال أبو جعفر الحمس الذين شددوا في دينهم والحماسة الشدة ويقال ثم في اللغة تدل على الثاني بعد الأول وبنيهما مهلة وقد قال الله تعالى بعد فاذكروا الله عند المعشر الحرام ثم أفيضوا من حيث افاض الناس وإنما الإفاضه من عرفات قبل المجئ الى المعشر الحرام

وفي هذا جوابان احدهما ان ثم بمعنى الواو والجواب الثاني وهو المختار أن ثم على بابها والمعنى ثم أمرتم بالإضافة من عرفات من حيث افاض الناس وفي هذا معنى التوكيد لأنهم أمروا بالذكر عند المعشر الحرام وأفاضوا من عرفات ثم وكدت عليهم الإفاضة من حيث افاض الناس لا من حيث كانت قريش تفيض وقال تعالى ثم آتينا موسى الكتاب ويقال فلان كريم ثم انه يتفقدنا ثنا وفلان يقاتل الناس ثم انه ردئ في نفسه أي ثم أزيدك في خبره وفي الآية قول آخر حسن على قول الضحاك الناس إبراهيم عليه السلام فيكون المعنى من حيث أفاض إبراهيم الخليل وهو المشعر الحرام

ويكون هذا مثل الذين قال لهم الناس وذلك نعيم بن مسعود ألا شجعي به وقد روي عنه انه قال ثم أفيضوا من حيث افاض الناسي يعني آدم وهذه قراءة شاذة 67 - ثم قال تعالى فإذا قضيتم مناسككم قال مجاهد إراقة الدماء 68 - ثم قال تعالى فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا روى أبو مالك وأبو صالح عن ابن عباس كانت العرب

إذا قضت مناسكها وأقاموا بمنى فيقوم الرجال فيسأل الله فيقول اللهم ان ابي كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال فاعطني مثل ما اعطيته أي ليس يذكر الله تعالى إنما يذكر أباه ثم يسأل أن يعطى في الدنيا 69 - وقوله جل وعز فمن الناي من يقول ربنا آتتا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق قال ابن عباس الخلاق النصيب والمؤمنون يقولون ربنا أتنا في الدنيا حسنه قال المال وفي الآخرة حسنه فال الجنة

وقال هشام عن الحسن آتتا في الدنيا حسنه قال العلم والعبادة وفي الآخرة حسنه قال الجنة وروى معمر عن قتاده قال في الدنيا عافية وفي الآخرة عافية قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع الى شئ واحد الى ان الحسنة والنعمة من الله ثم قال تعالى وقنا أي اصرف عنا يقال منه وقيته كذا أقيه وقاية ووقاية ووفاء وقد يقال وقاك الله وقيا

70 - ثم قال تعالى والله سريع الحساب أي اعلم ما للمحاسب وما عليه قبل توقيفه على حسابه وهو يحاسبه بغير تذكر ولا روية وليس الآدمي كذلك 71 - ثم قال تعالى واذكروا الله في أيام معدودات أي بالتوحيد والتعظيم في أيام معدودات أي محصيات أمروا بالتكبير أدبار الصلوات وعند الرمي مع كل حصاة من حصى الجمار وروى سفيان عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن الديلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام منى ثلاثة أيام أيام التشريق فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه وروى نافع عن ابن عمر الأيام المعلومات والمعدودات

جمعيهن هذا أربعة أيام فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده والمعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا أثم على ومن تأخر فلا آثم عليه وروي عن عبدا لله بن مسعود وابن عمر وابن عباس فلا إثم عليه مغفور له وقال عطاء وإبراهيم ومجاهد وقتاده فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه في تعجيله ومن تأخر فلا إثم عليه في تأخيره

72 - ثم قال تعالى لمن اتقى قال عبد الله بن عمر أبيح ذا لتعجيل من اتقى فالتقدير على هذا الإباحة لمن أتقى وقال ابن مسعود انها مغفرة للذنوب لمن اتقى في حجة قال أبو جعفر وهذا القول مثل قوله الأول وأما قول إبراهيم ومن تأخر فلا إثم عليه في تأخيره فتأويل بعيد لان المتأخر قد بلغ الغاية ولا يقال لا حرج عليه وقد قيل يجوز ان يقال لا حرج عليه لان رخص الله يحسن الأخذ بها فأعلم الله تبارك وتعالى أنه لا أثم عليه في تركه الأخذ بالرخص

ويدل على صحة قول ابن مسعود حديث شعبة عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه والمعنى على هذا من حج فاتقى في حجه ما ينقصه فلا إثم عليه من الذنوب الخالية أي قد كفر الحج عنه والتقدير تكفير الإثم لمن اتقى حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا حاجب بن سليمان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان الثوري عن سمي عن ابي صالح عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج المبرور ليس له جزاء ألا الجنة قال أبو جعفر وقول ابي العالية لا أثم عليه ذهب إثمه كله ان اتقى الله فيما بقي أي من عمره

73 - وقوله تعالى ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا قال ابن عباس علانيته ويشهد الله في الخصومة أن ما يريد الحق ولا يطلب الظلم وهو ألد الخصام ظالم وقال محمد بن كعب هم المنافقون

وقرأ ابن محيصن ويشهد الله بفتح الياء الهاء والرفع ومعناه يعلم الله 74 - ثم قال تعالى وهو ألد الخصام قال مجاهد أي ظالم لا يستقيم وقال قتاده شديد جدل بالباطل والألد في اللغة الشديد الخصومة مشتق من اللديدين وهما صفحتا العنق أي في أي جانب أخذ من الخصومة غلب كما قال الشاعر * أن تحت الأحجار حزما وجودا * وخصيما ألد ذا مغلاق * ويروى معلاق ويقال هو من لديدي الوادي أي جانبيه

فصاحب هذه الصفه يأخذ من جانب ويدع الاستقامة واللدود في أحد الشقين وقال أبو اسحق الخصام جمع خصم 75 - ثم قال تعالى وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل أي إذا فارقك أسرع في فساد الحرث والنسل وروى أبو مالك عن ابن عباس نزلت في ألا خنس بن شريق خرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر وروى أبو اسحق عن التميمي عن ابن عباس قال الحرث حرث الناس والنسل نسل كل دابة

قال قتاده الحرث الزرع والنسل نسل كل شئ وحدثنا محمد بن شعيب قال أخبرني أحمد بن سعيد قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا ابي عن علي بن الحكم عن الضحاك أما قوله ويهلك الحرث والنسل فالناس وكل دابة وأما الحرث فهي الجنان والأصل النابت قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة المعاني والمعنى يحرق ويخرب ويقتل 76 - ثم قال تعالى وإذا قيل له اتق الله آخذته العزة بالآثم حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن ابي اسحق عن سعيد بن وهب قال قال عبد الله كفى بالرجل أثما أن يقول له أخوه لتق ثم الله فيقول عليك نفسك أأنت تأمرني

77 - وقوله تعالى ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله أي يبيع ومعنى يبيع نفسه يبذلها في سبيل الله قال سعيد بن المسيب أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش من المشركين فنزل عن راحلته فانتثر ما في كنانته واخذ قوسه ثم قال يا معشر قريش لقد علمتم أنى من ارماكم رجلا وايم الله لا تصلون آلي حتى ارمي بما في كنانتي ثم اضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شئ ثم افعلوا ما شئتم فقالوا دلنا على بيتك ومالك بمكة ونخلي عنك وعاهدوه ففعل فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال أبا يحي ربح البيع فانزل الله ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله

وقال قتاده هم المهاجرون والأنصار 78 - وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة قال مجاهد يعني الإسلام وروى أبو مالك عن ابن عباس قال يقول في الإسلام جميعا قال أبو جعفر وأصل السلم الصلح والمسالمة فيجوز أن يكون المعنى اثبتوا على الإسلام ويجوز أن يكون المعنى لمن آمن ب لسانه

وقد روي ان قوما من اليهود أسلموا وأقاموا على تحريم السبت فأمرهم الله أن يدخلوا في جميع شرائع الإسلام 79 - ثم قال تعالى ولا تبتغوا خطوات الشيطان قال الضحاك هي الخطايا التي يأمر بها قال أبو إسحاق أي لاتقفوا رسول آثاره لان ترككم شيئا من شرائع الإسلام اتباع الشيطان 80 - ثم قال تعالى فان زللتم من بعد ما جاءتكم البينات أي تنحيتم عن القصد فاعلموا ان الله عزيز لا تعجزونه ولا يعجزه شئ حكيم فيما فطركم عليه وشرع لكم من دينه

81 - ثم قال تعالى هل ينظرون الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام قال مجاهد ان الله يأتي يوم القيامة في ظلل من الغمام وقيل هل ينظرون الا ان يأتيهم اله بما وعد هم من الحسنات والعذاب فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا أي بخذلانه إياهم وهذا قول ابي اسحق وقال الأخفش سعيد ان يأتيهم الله يعني آمره لان الله تعالى لا يزول كما تقول خشينا ان تأتينا بنو أمية وإنما تعني حكمهم

وقضي الأمر أي فرغ لهم ما كانوا يوعدون 82 - ثم قال تعالى والى الله ترجع الأمور وهي راجعة إليه في كل وقت قال قطرب المعنى ان المسالة عن الأعمال والثواب فيها والعقاب يرجع إليه يوم القيامة لأنهم اليوم غير مسؤولين عنها وقال غيره وقد كانت في الدنيا أمور الى قوم يجورون فيها فيأخذون ما ليس لهم فيرجع ذلك كله الى الله يحكم فيه بالحق وبعده وقضي بالحق أي فصل القضاء بالعدل بين الخلق

83 - ثم قال تعالى سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة أي في تصحيح أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد ما ذكر منها في القرآن وما لم يذكر قال وهم يهود 84 - ثم قال تعالى ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته قال مجاهد أي يفكر بها وقيل لهم هذا لأنهم بدلوا ما في كتبهم 85 - ثم قال تعالى زين للذين كفروا الحياة الدنيا قال أبو اسحق أي زينها لهم إبليس لان الله قد زهد فيها واعلم انها متاع الغرور وقيل معناه أن الله خلق الأشياء المعجبة ولا فنظر إليها الذين

كفروا بأكثر من مقدورها 86 - ثم قال عز وجل ويسخرون من الذين آمنوا قال أي في ذات اليد قال ابن جريح سخر ون منهم في طلب الآخرة قال قتاده فوقهم أي الجنة 87 - ثم قال تعالى والله يرزق من يشاء بغير حساب ليس يرزق المؤمن على قدر أيمانه ولا يرزق الكافر على قدر كفره

أي ليس يحاسب في الرزق في الدنيا على قدر العمل وقال قطرب المعنى والله اعلم انه يعطي العباد من الشئ المقسوم لا من عدد اكثر منه اخذه منه كالمعطي من الآدميين الالف من الألفين قال ووجه آخر أن من انفق سيئا لا يؤاخذ به كان ذلك بغير حساب 88 - وقوله تعالى كان الناس امة واحدة قال مجاهد آدم امة واحدة وروى سعيد بن جبير عن قتادة قال يقول كانوا على شريعة من الحق كلهم

ذكر لنا انه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم يعمل بطاعة الله على الهدى وعلى شريعة الحق ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله نوحا قال أبو جعفر أمة من قولهم أممت كذا أي قصدته فمعنى امة أن مقصدهم واحد ويقال للمنفرد أمة أي مقصده غير مقصد الناس اللأمة القامة كأنها مقصد سائر البدن اللأمة بالكسر النعمة لان الناس يقصدون قصدها وقيل إمام لان الناس يقصدون قصد ما يفعل 89 - ثم قال تعالى وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه أي يفصل الكتاب بالحكم

وقرأ الجحدري ليحكم بضم الياء وفتح الكاف وقال الفرزدق * ضربت عليك العنكبوت بنسجها * وقضى عليك به الكتاب المنزل * 90 - ثم قال تعالى وما اختلف فيه الا الذين أو توه أي وما اختلف في الكتاب الا الذين أعطوه قال أبو اسحق أي وما اختلف في حقيقة أمر النبي صلى الله عليه وسلم الا الذين أعطوا علم حقيقته عليه الصلاة والسلام

بغيا بينهم أي للبغي أي لم يوقعوا الاختلاف الا للبغي 91 - وقوله جل وعز فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بأذنه وروى أبو مالك عن ابن عباس اختلف الكفار فيه فهدى الله الذين آمنوا للحق من ذلك وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن اول الناس دخول الجنة بيد انهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتينا من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع فغدا لليهود وبعد غد للنصارى وفي بعض الحديث هدانا الله ليوم الجمعة

وقال زيد بن أسلم اختلفوا فاتخذت اليهود السبت والنصارى الأحد فهدى الله أمة محمد للجمعة واختلفوا في القبلة واختلفوا في الصلاة والصيام فمنهم من يصوم عن بعض الطعام ومنهم من يصوم بعض النهار واختلفوا في إبراهيم فهدى الله امة محمد للحق من ذلك قال أبو زيد واختلفوا في عيسى فجعلته اليهود لفرية وجعلته النصارى ربا فهدى الله المؤمنين قال أبو اسحق بأذنه أي بعلمه 92 - ثم قال تعالى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة أم ههنا للخروج من حديث الى حديث

93 - ثم قال تعالى ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم حكى النضر بن شميل ان مثل يكون بمعنى صفه ويجوز ان يكون المعنى ولما يصبكم مثل الذي أصاب الذين من قبلكم وخلوا أي مضوا مستهم البأساء والضراء أي الفقر والمرض وزلزلوا خوفوا وحركوا بما يؤذي قال أبو اسحق اصل الزلزلة من زل الشئ عن مكانه فإذا قلت زلزلته فمعناه كررت زلزلته من مكانه 94 - ثم قال تعالى حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله أبي بلع يبلغ الجهد بهم حتى استبطاوا لم النصر

وقال تعالى الا أن نصر الله فريب أي هو ناصر أوليائه لا محالة 95 - ثم قال تعالى يسألونك ماذا ينفقون أي يتصدقون ويعطون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والاقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل قيل كانوا سألوا على من ينبغي أن يفضلوا فقيل أولى من أفضل عليه هؤلاء

96 - ثم قال تعالى وما تفعلوا من خير فان الله به عليم أبي يحصيه وإذا أحصاه جازى عليه 97 - ثم قال تعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم أكثر أهل التفسير على ان الجهاد فرض وان المعنى فرض عليكم القتال الا ان بعضهم يكفي من بعض قال تعالى وقاتلوا في سبيل الله قال أبو طلحة في قوله تعالى انفروا خفافا وثقالا ما سمعت الله عذر أحدا الا ان سفيان الثوري قال الجهاد تطوع ومعنى كتب

عليكم القتال على تفضيله ثم قال وهو كره لكم قال أبو اسحق التأويل وهو ذو كره لكم وكرهت الشئ كرها وكرها وكراهة وكراهية وقال الكسائي كأن الكره من نفسك والكره بالفتح ما أكرهت عليه وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم أي ان قتل كان شهيد وان قتل أثيب وغنم وهدم أمر الكفر واستدعى بالقتال دخول من يقاتله في الاسلام وعسى ان تحبوا شيئا القعود عن القتال

98 - ثم قال تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير روى سعيد عن قتاده قال فكان القتال فيه كبيرا كما قال تعالى ثم نسخ في براءة وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة روى أبو السيار عن حندب بن عبدا لله أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الحارث أو عبيدة بن الحارث فلما ذهب لينطلق بكى صبابة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عب الله بن جحش وكتب له كتابا وأمره لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال لا تكرهن أصحابك على المسير فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع وقال سمعا وطاعة لله ورسوله قال فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا ان ذلك اليوم من

رجب فقال المشركون قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام الآية وقيل ان لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله تعالى أن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله الى آخر الآية قال مجاهد قل قتال فيه كبير أي عظيم وتم الكلام ثم ابتداء فقال وصد عن سبيل الله وكفر به أي باله والمسجد الحرام أي وصد عن المسجد الحرام

واخرج أهله منه يعني المسجد الحرام أكبر عند الله من القتل في الشهر الحرام والفتنة أكبر من القتل قال الشعبي أي الكفر والمعنى أفعالكم هذه كفر والكفر أكبر من القتل في الشهر الحرام 99 - ثم قال تعالى ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا قال مجاهد يعني كفار قريش وقوله تعالى أولئك يرجون رحمة الله ومعنى يرجون رحمة الله وقد مدحهم أنهم لا يدرون ما يختم لهم به 100 - وقوله تعالى يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس

روى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس ثم انزل لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فكانوا يدعونها فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون حتى يذهب عنهم السكر فإذا صلوا الغداة شربوها فما يأتي الظهر حتى يذهب عنهم السكر ثم ان ناسا شربوها فقاتل بعضهم بعضا وتكلموا بما لا يرضي الله فأنزل الله تعالى إنما الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه فحرم الله الخمر ونهى عنها وأمر باجتنابها كما أمر باجتناب الأوثان وروى أبو توبة عن ابن عمر أنزلت إنما الخمر إلى قوله فهل انتم منتهون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت

وقال عمرو بن شرحبيل فقال عمر انتهينا فأنها تذهب المال والعقل وأهل التفسير يذهبون الى ان المحرم لها هذا وقال بعض الفقهاء المحرم لها آيتان احداهما قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم قال أبو اسحق الخمر هذه المجمع عليها وقياس كل ما تحمل عملها ان يقال له خمر وان يكون بمنزلتها في التحريم لان

إجماع العلماء ان القمار كله حرام وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر والميسر إنما يكون قمارا في الجزر خاصة وكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها وتأويل الخمر في اللغة انه ما ستر على العقل يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر وما ستر من شجر خاصة الضرا مقصور ودخل في خمار الناس أي الكثير الذي يستتر فيه وخمار المرأة قناعها لانه يغطي الرأس والخمرة التي سجد عليها لانها تستر الوجه عن الارض وكل مسكر خمر لانه يخالط العقل ويغطيه وفلان مخمور من كل مسكر

قال سعيد بن جبير ومجاهد الميسر القمار كله فأما الإثم الذي في الخمر فالعداوة والبغضاء وتحول بين الإنسان وبين عقله الذي يميز به ويعرف به ما يجب لخالقه والقمار يورث العداوة لان مال الإنسان يصير الى غيره بغير جزاء يأخذه عليه والمنافع لذة الخمر والربح فيها ومصير الشئ الى الإنسان في القمار بغير كد وقال الضحاك منافعهما قبل التحريم وأثمهما حدثنا بعد التحريم 101 - وقوله تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو

قال طاووس اليسير من كل شئ وقال خالد بن ابي عمران سالت القاسم وسالما فقالا فضل المال ما يصدق به عن ظهر غنى وقال قتادة هو الفضل قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع الى شئ واحد لان العفو في اللغة ما سهل يقال خذ ما عفا لك صلى الله عليه وسلم أي ما سهل لك وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم افضل الصدقة ما تصدق به عن ظهر غنى فعلى هذا تأويل قول القاسم وسالم وفي المعنى قول آخر قال مجاهد هي الصدقة المفروضة والظاهر يدل على

القول الأول 102 - ثم قال تعالى كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة قال أبو جعفر حدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قول الله تعالى لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة قال يقول لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا قال أبو جعفر والتقدير على قول قتادة لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا والآخرة وقيل هو على التقديم أي كذلك يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون

103 - ثم قال تعالى ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الى آخرها قالوا هذه موجبة فاعتزلوهم وتركوا خلطتهم فشق ذلك عليهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ان الغنم قد بقيت ليس لها راع والطعام ليس له من يصنعه فنزلت ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير الى آخرها 104 - وقوله تعالى والله يعلم المفسد من المصلح أي يعلم من يخالطهم للخيانة ومن لا يريد الخيانة 105 - ثم قال تعالى ولو شاء الله لاعنتكم

قال مجاهد أي لو شاء لم يطلق لكم مخالطتهم في ألا دم والمرعى وروى الحكم عن مقسم عن ابن عباس ولو شاء الله لاعنتكم قال لو شاء لجعل ما أحببتم من أموال اليتامى موبقا وقال أبو عبيدة لاعنتكم لأهلككم وقال أبو اسحق حقيقته لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون ابن قال وأصل العنت في اللغة من قولهم عنت البعير عنتا إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها

ان الله عزيز أي يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه أحد حكيم ذو الحكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره 106 - وقوله تعالى ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن أكثر أهل العلم على هذه الآية منسوخة نسخها اليوم احل لكم الطيبات الى قوله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم هذا قول ابن عباس ومكحول وهو مذهب الفقهاء مالك وسفيان والاوزاعي وروى سفيان عن حماد قال سألت سعيد بن جبير عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال لا بأس به قال قلت فان الله يقول ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن فقال أهل الأوثان

والمجوس وروى معمر عن قتادة ولا تنكحوا المشركات قال المشركات ممن ليس من أهل الكتاب وقد تزوج حذيفه يهودية أو نصرانية فأما المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فقيل هن العفائف والإماء 107 - ثم قال تعالى ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا أي لا تزوجوهم بمسلمات ولو أعجبكم أي وان أعجبكم أمره في الدنيا فمصيره الى النار

أولئك يدعون الى النار أي يعلمون بأعمال أهلها فيكون نسلكم قوله يتربى مع من هذه حاله والله يدعو الى الجنة والمغفرة بأذنه أي يدعوكم الى أعمال أهل الجنة والمغفرة بأذنه أي بعلمه قيل أي يعلمه أي ما دعاكم إليه وصلة إليهما وقيل بما أمركم به ويبين آياته أي علاماته لعلهم يتذكرون ليكونوا على رجاء التذكر 108 - ثم قال تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى

قال قتاده أي قذر وروى ثابت عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت فلم يؤكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في بيت فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فانزل الله عز وجل يسلونك له عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شئ الا النكاح فتبين بهذا الحديث معنى فاعتزلوا النساء في المحيض أن معناه فاعتزلوهن في الجماع فقط 110 - ثم قال تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن

أي حتى ينقطع الدم عنهن وقرأ أهل الكوفة يطهرن أي يغتسلن وكذا معنى يتطهرن قرأبه بن مسعود وأبي وقد عاب قوم يطهرن بالتخفيف قالوا لانه لا يحل المسيس حتى يغتسلن قال أبو جعفر وهذا لا يلزم فيجوز ان يكون معناه كمعنى يطهرن ويجوز ان يكون معناه حتى يحل لهن ان يتطهرن كما يقال للمطلقة إذا انقضت عدتها قد حلت للرجال وقد بين ذلك بقوله فإذا تطهرن 111 - ثم قال تعالى فآتوهن من حيث أمركم الله قال مجاهد من حيث نهوا عنه في محيضهن

وقال إبراهيم في الفرج وقال ابن الحنيفة من قبل التزويج من قبل الحلال وقال أبو رزين من قبل الطهر وقال أبو العالية ويحب المتطهرين من الذنوب وقال عطاء بالماء قال أبو جعفر وقول عطاء أولى للحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مسجد قباء ان الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني قالوا يا رسول الله نجده مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء وهذا لما نزل فيه رجال يحبون ان يتطهروا

112 - وقوله تعالى نساؤكم حرث لكم أي موضع حرث لكم كما تقول هذه الدار منفعة لك أي مكان نفع لك فالمعنى أنكم تحرثون منهن الولد 113 - ثم قال تعالى فآتوا حرثكم ان شئتم أصح ما روي في هذا ان مالك بن انس وسفيان وشعبة رووا عن محمد بن المنكدر عن جابر ان اليهود قالوا من أتى امرأة في فرجها من دبرها خرج ولدها احول فانزل الله نساوكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وكذلك قال مجاهد قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في الفرج

وروى أبو إسحاق عن زايدة عن عميرة قال سالت ابن عباس عن العزل فقال نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ان شئت فاعزل وان شئت فلا تعزل قال أبو جعفر وقال الضحاك أنى شئتم متى شئتم ومعناه من أين شئتم أبي من أبي الجهان شئتم قال أبو جعفر وأصل الحرث ما يخرج مما يزرع والله تعالى يخلق من النطفة الولد وقوله تعالى واتقوا الله فدل على العظة في ان لا يجاوزوا هذا 114 - ثم قال تعالى وقدموا لأنفسكم أي الطاعة وقيل في طلب الولد

115 - وقوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس قال سعيد بن جبير ومجاهد وهذا لفظ سعيد وهو الرجل يحلف ان لا يبر ولا يصلي ولا يصلح فيقال له بر فيقول قد حلفت والتقدير في العربية كراهة ان تبروا 115 - وقوله تعالى لا يؤاخذكم الله بالعفو في أيمانكم فيه أقوال قال أبو هريرة وابن عباس وهذا لفظ ابي هريرة لغو اليمين حلف الإنسان على الشئ يظن انه كما حلف عليه

فإذا هو غير ذلك وقال الحسن بهذا القول ومجاهد ومنصور ومالك وروى مالك وشعبة عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة انها قالت لغو اليمين قول الإنسان لا والله وبلى والله وقال بهذا الشعبي وقال سعيد بن جبير هو الرجل يحلف في الأمر الحلال يحرمه وقال زيد بن أسلم قولا رابعا قال وهو قول الرجل أعمى الله بصري ان لم افعل كذا اخر جني الله من مالي ان لم آتك غدا فلو اخذه بهذا لم يترك له شيئا

ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال نحو الرجل هو كافر هو مشرك لا يؤاخذه حتى يكون ذلك من قبله قال أبو جعفر وأولى هذه الأقوال قول عائشة لان يحيى القطان قال حدثنا هشام بن عروة قال اخبرني ابي عن عائشة في قوله لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قالت نزلت في قول الرجل لا والله وبلى والله فهذا أخبار منها عن عملها بحقيقة ما نزلت فيه هذه الآية واللغو في اللغة ما يلغى فيقول الرجل عند الغضب والعجلة لا والله وبلى والله مما يعقده عليه قلبه وقول ابي هريرة وابن عباس غير خارج من ذا ايضا لان

الحالف إذا حلف على الشئ يظن انه الذي حلف عليه فلم يقصده الى غير ما حلف عليه فيحلف على ضده واليمينان لغو والله اعلم فأما قول سعيد بن جبير فبعيد لان ترك ما حلف عليه من حلال يحرمه إذا كفر فليس مذنبا معفوا عنه بل مثابا قابلا أمر ذلك الله وقول زيد بن اسلم محال لان قول الرجل أعمى الله بصري دعاء وليس بيمين وقيل ألغو قد الغي أثمه

116 - ثم قال تعالى والله غفور حليم أي غفر لكم يمين اللغو فلم يأمركم فيها بكفارة ولا إلزامكم عقوبة حليم في تركه المعاجلة بالعقوبة لمن حلف كاذبا والله اعلم 117 - وقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال ابن جريج قلت لعطاء قلت لشئ اعمده محمد والله لا افعله ولم أعقده قال وذلك أيضا مما كسبت قلوبكم وتلا ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم قال عطاء والتعقيد والله الذي لا اله الا هو ففسر عطاء ان قوله والله لا افعل مما اكتسبه القلب

وفيه الكفارة وان اليمين والله لا اله الا هو وروى ابن نجيح عن مجاهد بما كسبت قلوبكم قال بما عقدتم عليه 118 - وقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة اشهر قال أبو جعفر والتقدير في العربية للذين يؤلون من اعتزال نسائهم أبي ان يعدلوا نسائهم روى عطاء عن ابن عباس قال كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنين واكثر من ذلك فوقت الله لهم اربعة اشهر فمن كان إيلاءه منهم اقل من اربعة اشهر فليس بإيلاء

وفي حديث ابن عباس انهم كانوا ابن عباس انهم كانوا يفعلون ذلك إذا لم يريدوا المرأة وكرهوا ان يتزوجها غيرهم ألوا أي حلفوا ان لا يقربوها فجعل الله الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة اربعة اشهر وإذا تمت ولم يفئ أي لم يرجع الى وطء امرأسه إلى فقد طلقت في قول ابن مسعود وابن عباس وقرأ ابي بن كعب فان فاءوا فيهن وقال قوم لا يكون موليا حتى يحلف على اكثر من اربعة اشهر فإذا تمت له اربعة ولم يجامع فيحنث في يمينه اخذ بالجماع أو الطلاق

وروي هذا عن عمر وعلي وأبي ألد رداء رواه مالك عن نافع ابن عمر وقال مسروق والشعبي الفئ الجماع قال أبو جعفر والفئ في اللغة الرجوع فهو على هذا الرجوع الى مجامعتها والطلاق مأخوذ من قولهم أطلقت الناقة فطلقت إذا أرسلتها من عقال أو قيد وكان ذات الزوج موثقة عند زوجها فإذا فارقها أطلقها من وثاق ويدل على هذا ان أمللك كان فلان معناه صير يملك المرأة الا ان المستعمل أطلقت الناقة فطلقت وطلقت المرأة فطلقت وطلقت

119 - وقوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وقال عمر وعلي ومعاذ وأبو الدرداء أبو وأبو موسى ثلاث حيض وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر ثلاثة أطهار ويحتج للقول الأول بان عدة الأمة حيضتان وإنما عليها نصف ما على الحرة وقد قال عمر لو قدرت ان اجعلها حيضة ونصف حيضة لفعلت

والقرء عند أهل اللغة الوقت فهو يقع لهما جميعا قال الأصمعي ويقال أقرأت الريح إذا هبت لوقتها وحدثني احمد بن محمد بن سلمة قال حدثنا محمود بن حسان النحوي قال حدثنا عبد الملك بن هشام عن ابي يزيد النحوي عن ابي عمرو بن العلاء قال من العرب من يسمي الحيض قرءا ومنهم من يسمي الطهر قرءا ومنهم من يجمعهما جميعا فيسمى الحيض مع الطهر قرءا 120 - وقوله تعالى ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في أرحامهن وقال ابن عمر وابن عباس يعني الحبل والحيض وقال قتادة علم ان منهن كواتم يكتمن ويذهبن بالولد الى غيره فنها هن الله عن ذلك 121 - ثم قال تعالى ان كن يؤمن بالله واليوم الاخر

فليس هذا على انه أبيح لمن لا يؤمن ان يكتم وإنما هذا كقولك ان كنت مؤمنا فاجتنب الإثم أي فينبغي ان يحجزك الأيمان عنه لانه ليس من فعل أهل الأيمان 122 - ثم قال تعالى وبعولتهن أحق بردهن في ذلك وقال إبراهيم وقتادة في الإقراء الثلاثة والتقدير في العربية الأجل 123 - ثم قال تعالى ان أرادوا إصلاحا أي ان أراد الأزواج بردهن الإصلاح الاضرار وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس ان أرادوا إصلاحا وذلك ان الرجل كان إذا طاق امرأته فهو أحق برجعتها وان طلقها ثلاثا فنسخ ذلك فقال الطلاق مرتان

فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان 124 - وقوله تعالى ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف روى عكرمة عن ابن عباس في قوله عز وجل ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف قال أني لأحب ان أتزين للمرأة كما احب ان تتزين لي وقال ابن زيد يتقون الله فيهن كما عليهن ان يتقين الله فيهم

125 - ثم قال تعالى وللرجال عليهن درجة قال مجاهد هو ما فضل الله به عليها من الجهاد وفضل ميراثه على ميراثها وكل ما فضل به عليها وقال أبو مالك له ان يطلقها وليس لها من الأمر شئ 126 - وقوله تعالى الطلاق مرتان روى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس الطلاق مرتان قال إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة فإما يمسكها بمعروف فيحسن صحبتها وإما يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا وقال عروة بن الزبير كان الرجل يطلق امرأته ويرتجعها قبل ان تنقضي عدتها وكان ذلك له ولو فعله ألف مرة ففعل ذلك

رجل مرارا فانزل الله تعالى الطلاق مرتان فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق أو لم يطلق والتقدير في العربية الطلاق الذي لا يملك مع اكثر منه الرجعة مرتان ويروى ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم فأين الثالثة فقال التسريح بإحسان 127 - ثم قال تعالى فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أي فالواجب عليكم إمساك بما يعرف انه الحق

أو تسريح بإحسان أي يستهل أمرها بان يطلقها الثالثة والسرح في كلام العرب السهل 128 - وقوله تعالى ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا ان يخافا الا يقيما حدود الله هذا في الخلع الذي بين الزوجين قال أبو عبيدة الخوف هاهنا بمعنى اليقين قال أبو اسحق حقيقته عندي ان يكون الغالب عليهما الخوف من المعاندة قال ابن جريج كان طاووس يقول يحل الفداء قال الله

تعالى الا ان يخافا الا يقيما حدود الله ولم يكن يقول قول السفهاء لا تحل حتى تقول لا اغتسل من جانبة أو ولكنه كان يقول الا ان يخافا الا يقيما حدود الله فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة والمعنى على هذه القراءة الا ان يخاف الزوج والمرأة وقرأ الأعمش وأبو جعفر وابن وثاب والأعرج وحمزة إلا أن بخافا) بضم الياء وفي قراءة عبد الله الا ان تخافوا بالتاء

وقيل المعنى على هاتين القراءتين الا ان يخاف السلطان ويكون الخلع الى السلطان وقد قال بهذا الحسن قال شعبة قلت لقتادة عن من اخذ الحسن قوله لا يكون الخلع دون السلطان فقال اخذه عن زياد وكان وليا لعمر وعلي رضي الله عنهما قال أبو جعفر واكثر العلماء على ان ذلك الى الزوجين 129 - ثم قال تعالى ولا جناح عليهما فيما افتدت به وقد قال في موضع اخر فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وآثما مبينا وروى معمر عن الزهري قال لا يحل لرجل ان تختلع امرأته الا ان يؤتى ذلك منها فأما ان يكون يؤتى ذلك منه

يضارها حتى تختلع منه فان ذلك لا يصلح وقال أهل الكوفة حظر عليه ما كان ساقه الى المرأة من الصداق في قوله تعالى ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ثم اطلقه الا ان يخافا الا يقيما حدود الله فلا يحل له ان يأخذ اكثر مما ساقه إليها وليس في الآية ما يدل على انه لا يحل له اكتر مما أعطاها

وقول الزهري بين ويكون قوله الا ان يخافا الا يقيما حدود الله يبين قوله ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا أي لا تأخذوا منهن شيئا غصبا ومعنى حدود الله ما منع منه والحد مانع من الاجتراء على الفواحش واحدة المرأة امتنعت من الزينة ورجل محدود ممنوع من الخير والبواب حداد أي مانع ومعنى فلا تعتدوها فلا تتجاوزها 130 - ثم قال تعالى فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره المعنى فان طلقها الثالثة

وأهل العلم على ان النكاح هاهنا الجماع لانه قال زوجا غيره فقد تقدمت الزوجية فصار النكاح الجماع الا سعيد بن جبير فانه قال النكاح هاهنا التزويج الصحيح إذا لم يرد إحلالها قال أبو جعفر ويقوي القول الأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل له حتى تذوق العسيلة

وعن علي حتى يهزها به 131 - ثم قال تعالى فان طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا روى منذر الثوري عن محمد بن علي عن علي رضوان الله عليه قال ما أشكل علي شئ ما أشكلت هذه الآية في كتاب الله فان طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا فمازلت ادرس كتاب الله حتى فهمت فعرفت ان الرجل الآخر إذا طلقها رجعت الى زوجها الأول ان شاء 132 - ثم قال تعالى ان ظنا ان يقيما حدود الله قال طاووس ان ظنا ان كل واحد منهما يحسن عشرة

صاحبه وقال مجاهد ان علما ان نكاحهما على غير دلسة 133 - ثم قال تعالى وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون أي يعلمون ان أمر الله حق لا ينبغي ان يتجاوز 134 - ثم قال تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجاهن عبد فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف أجلهن وقت انقضاء العدة ومعنى فبلغن أجلهن على قرب البلوغ كما تقول إذا بلغت مكة فاغتسل قبل ان تدخلها

135 - ثم قال تعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا روى أبو الضحاك عن مسروق ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا قال يطلقها حتى إذا كادت تنقضي عدتها راجعها ايضا ولا يريد إمساكها ويحبسها فذلك الذي يضار ويتخد آيات الله هزوا وقال مجاهد وقتادة نحوه

136 - ثم قال تعالى ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه أي عرضها لعذاب الله 137 - ثم قال تعالى ولا تتخذوا آيات الله هزوا يروى عن الحسن ان الرجل كان يطلق ثم يقول إنما كنت لاعبا فنزل هذا وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والعتاق والرجعة وقيل من طلق امرأته فوق ثلاثة فقد اتخذ

آيات الله هزوا وروي عن عائشة ان الرجل كان يطلق امرأته ثم يقول والله لا أورثك ولا ادعك وكيف ذاك وقال إذا كدت تقضين عدتك راجعتك فنزلت ولا تتخذوا آيات الله هزوا قال أبو جعفر وهذا من أجود هذه الأقوال لمجيئها بالعلة التي أنزلت من اجلها الآية والأقوال كلها داخلة في معنى الآية لانه يقال لمن سخر من آيات الله اتخذوها هزوا ويقال ذلك لمن كفر بها ويقال ذلك لمن اطرحها ولم يأخذ بها وعمل بغيرها فعلى هذا تدخل هذه الأقوال في الآية

وآيات الله دلائله وأمره ونهيه 138 - وقوله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن ان ينكحن أزواجهن روى سماك بن حرب عن ابن أخي معقل عن معقل بن سنان أو يسار وقال لي الطحاوي وهو معقل بن سنان ان

أخته كانت عند رجل فطلقها ثم أراد ان يرجعها فأبى عليه معقل فنزلت هذه الآية فلا تعضلوهن ان ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف قال أبو جعفر ومعنى لا تعصلاهن عليه في اللغة لا تحسبوهن أبي وحكى الخليل دجاجة معضل أي قد احتبس بيضها وقد قيل في معنى هذه الآية أن انهي للأزواج لان المخاطبة لهم مثل قوله ولا تمسكوهن ضرارا وقد يجوز ان يكون للاولياء وخوطبوا بهذا لانهم ممن يقع لهم هذا وقد تقدم أيضا نهي الازواج والاجود ان يكون لهما جميعا ويكون الخطاب عاما أي يا ايها الناس إذا طلقتم النساء فلا تعضلوهن

قال أبو جعفر وحقيقة فلا تعضلوهن فلا تضيقوا عليهن بمنعكم اياهن أيها الاولياء في مراجعة ازواجهن وتقول عضل يعضل وعضل يعضل ومنه الداء العضال الذي لا يطاق علاجه لضيقه عن العلاج ومعنى والله يعلم أي ما لكم فيه الصلاح 139 - وقوله تعالى والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الامر لما فيه من الالزام وروى ابن أبي ذئب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن

بعجة الجهني قال تزوج رجل امرأة فولدت لستة اشهر فأتى عثمان بن عفان فذكر ذلك له فأمر برجمها فأتاه علي رضي الله عنه وقال ان الله يقول وحملة وفصالة (ثلاثون شهرا وقال وفصاله في عامين وقال ابن عباس فإذا ذهبت رضاعته فانما الحمل في ستة أشهر

والفائدة في كاملين ان المعنى كاملين للرضاعة كما قال تعالى تلك عشرة كاملة أي من الهدي وقال تعالى فتم ميقات ربه أربعين ليلة لانه قد كان يجوز ان ياتي بعد هذا شئ اخر أو تكون العشرة ساعات 140 - ثم قال تعالى لمن اراد ان يتم الرضاعة أي ذلك وقت لتمام الرضاعه وليس بعد تمام الرضاعة رضاع

141 - ثم قال تعالى وعلى المولود له أي على الاب الذي ولد له رزقهن وكسوتهن أي رزق الامهات وكسوتهن بالمعروف أي لا تقصير في النفقة والكسوة ولاشطط 142 - ثم قال تعالى لا تضار والدة بوالدها على النهي وقرا ابان عن عاصم لا تضارر والدة بكسر الراء الاولى وقيل المعنى لا تدع رضاع ولدها لتضربه ما غيظا على ابيه وقرأ أبو عمرو وابن كثير لا تضار والدة بالرفع على الخبر الذي فيه معنى الالزام

وروى يونس عن الحسن قال يقول لا تضار زوجها فتقول لاارضعه لا ولا يضارها فينزعه منها وهي تقول انا ارضعه 143 - ثم قال تعالى وعلى الوارث مثل ذلك روى مجاهد عن ابن عباس قال وعلى الوارث ان لا يضار وكذلك روي عن الشعبي والضحاك وروي عن عمر والحسين بن صالح وابن شبرمة وعلى الوارث مثل ذلك أي الكسوة والرضاع وروي عن الضحاك الوارث الصبي فان لم يكن له

مال فعلى عصبته والا أجبرت المرأة على رضاعه قال أبو جعفر وزعم محمد بن جرير الطبري ان اولى الأقوال بالصواب قول قبيصة بن ذؤيب ومن قال بقوله انه يراد بالوارث المولود وان يكون مثل ذلك معنى مثل الذي كان على والده من رزق والدته وكسوتها بالمعروف وان كانت من أهل الحاجة وهي ذات زمانة ولا احتراف لها ولا زوج وان كانت من اهل الغنى والصحة فمثل الذي كان على ولده لها من اجر الرضاعه ولا يكون غير هذا الا بحجة واضحة لان الظاهر كذا قال أبو جعفر والقول الأول ابين لان الاب هو المذكور بالنفقة في المواضع كما قال وان كن اولات حمل فأنفقوا عليهن وكذا تجب عليه النفقة على ولده ما دام صغيرا كما

تجب عليه ما دام رضيعا ثم قال أبو حنيفة وأصحابه وعلى الوارث مثل ذلك أي الرضاع والكسوة والرزق إذا كان ذا رحم محرمة وليس ذلك في القرآن 144 - ثم قال تعالى فان اراد فصالا عن تراض منهما وتشاور قال مجاهد وقتادة أي فطاما دون الحولين قال أبو جعفر وأصل الفصال في اللغة التفريق والمعنى عن تراض من الابوين ومشاورة ليكون ذلك عن غير اضرار

منهما بالولد ثم قال فلا جناح عليهما أي فلا اثم 145 - ثم قال تعالى وان اردتم ان تسترضعوا اولادكم أي تسترضعوهم قوما قال أبو اسحاق أي لاولادكم أن غير الوالدة فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم أي سلمتم ما أعطيتم من ترك الاضرار

وقال مجاهد إذا سلمتم حساب ما ارضع به الصبي 146 - ثم قال تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا روي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه انه قرأ والذين يتوفون منكم بفتح الياء فيهما جميعا ومعناه يتوفون اعمارهم أي يستوفونها والله اعلم 147 - ثم قال تعالى يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا العشر عدد الليالي الا انه قد علم ان مع كل ليلة يومها قال محمد بن يزيد المعنى وعشر مدد وتلك المدة يوم وليلة

وقيل إنما جعلت العدة للمتوفى عنها زوجها اربعة اشهر وعشرا لانه يتبين حملها ان كانت حاملا قال الاصمعي ويقال ان ولد كل حامل يرتكض في نصف حملها فهي مركض وقال غيره اركضت على فهي مركض وانشد * ومركضة صريحي أبوها * تهان له الغلامة والغلام * 148 - ثم قال تعالى فإذا بلغن اجلهن قال الضحاك اجلهن انقضاء العدة

وروى ابن انجيح عن مجاهد فيما فعلن في انفسهن بالمعروف قال النكاح الحلال الطيب 149 - وقوله تعالى ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء روى مجاهد عن ابن عباس قال هو ان يقول أريد ان اتزوج وكره ان يقول لا تبسقيني بنفسك في العدة وقال القاسم بن محمد هو ان يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها انك علي لكريمة واني فيك لراغب وان الله لسائق اليك خيرا ورزقا ونحو هذا من القول

وقالت سكينة بنت حنظلة وكانت تحت ابن عم لها فتوفي فدخل علي أبو جعفر محمد بن علي وانا في عدتي فسلم ثم قال كيف اصبحت فقلت بخير جعلك الله بخير فقال انا من قد علمت قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته من علي وحقي في الاسلام وشرفي في العرب قالت فقلت له غفر الله لك يا ابا جعفر انت رجل يؤخذ منك ويروى عنك تخطبني في عدتي قال ما فعلت انما اخبرتك بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ام سلمة بنت ابي امية بن المغيرة

المخزومية وتأيمت من ابي سلمة بن عبد الاسد وهو ابن عمها فلم يزل يذكر منزلته من الله حتى اثر الحصير في يده من شدة ما يعتمد عليه بيده فما كانت تلك خطبة 150 - ثم قال تعالى أو أكننتم في انفسكم قيل من أمر النكاح 151 - ثم قال تعالى علم الله انكم ستذكرونهن قال الحسن أي في الخطبة وقال مجاهد أي في نفسه 152 - ثم قال تعالى ولكن لا تواعدوهن سرا قال سعيد بن جبير السر ان يعاقدها الله على ان لا تتزوج

غيره وقال مجاهد هو ان يقول لا تفوتيني بنفسك وقال أبو مجلز وابراهيم والحسن هو الزنا وقال أبو عبيدة هو الافصاح في النكاح قال محمد بن يزيد قوم يجعلون السر زنا وقوم يجعلونه الغشيان وكلا القولين خطا انما هو الغشيان من غير وجهه قال الله تعالى ولكن لا تواعدوهن سرا فليس هذا موضع الزنا قال أبو جعفر الذي قال محمد بن يزيد من ان السر الغشيان من غير وجهه عند أهل اللغة كما قال الا ان الاشبه في الآية ما قال سعيد بن جبير ان المعنى لا تواعدوهن نكاحا

فسمي النكاح سرا لان الغشيان يكون فيه وزعم محمد بن جرير ان اولى الاقوال باصواب ان السر الزنا ولا يصح قول من قال السر ان يقول لها ل تسبقيني بنفسك لانه قول علانية فان اراد ان يقال سرا قيل له فهو إذا مطلق علانية وهذا لا يقوله احد ولا يكون السر النكاح الصحيح لانه لا يكون الا بولي وشاهدين وهذا علانية ومعنى ستذكرونهن ستذكرون خطبتهن ولكن لا تواعدوهن سرا يقال لها قد ذكرتك في نفسي وقد صرت زوجتي فبغرها قال بذلك حتى يصل الى جماعها زنا

153 - ثم قال تعالى الا ان تقولوا قولا معروفا قال مجاهد هو التعريض وقال سعيد بن جبير ان يقول لها أنى لأرجو ان نجتمع أني إليك لمائل وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أحله حتى تنقضي العدة والتقدير في اللغة حتى يبلغ فرض الكتاب ويجوز ان يكون الكتاب بمعنى الفرض تمثيلا

154 - ثم قال تعالى واعلموا ان الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه أي يعلم ما تحتالون به 155 - وقوله عز وجل لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن قال ابن عباس الجماع أو تفرضوا لهن فريضة الفريضة ههنا المهر قال أبو جعفر واصل الفرض الواجب كما قال كانت فريضة ما تقول قطيعتي

ومنه فرض السلطان لفلان 156 - ثم قال تعالى ومتعوهن على الموسع قدره وهو الغني وعلى المقتر قدره وهو الفقير قال سعيد ابن جبير ومجاهد والضحاك وهذا معنى قولهم في المطلقة قبل الدخول بها ولم يفرض لها صداق لها المتعة واجبة وقال شريح لا يقضى عليه لانه قال حقا على المحسنين 157 - ثم قال تعالى وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم فقال قوم لها المتعة مع ذلك كما روي عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه والحسن وسعيد ابن جبير

لكل مطلقة متعه وقال آخرون لا متعة لها روي ذلك عن عبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب وعطاء والشعبي 158 - ثم قال تعالى إلا أن يعفون قال الزهري والضحاك المرأة إذا طلقت تدع النصف الذي جعل لها

159 - ثم قال تعالى أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح حدثنا محمد ابن إدريس بن اسود قال حدثنا ابر أهيم بن مرزوق قال حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد قال حدثنا جرير وهو ابن حازم قال حدثنا عيسى ابن عاصم عن شريح قال سألني علي بن أبي طالب عن الذي بيده عقدة النكاح قال قلت هو الولي قال لا بل الزوج وكذلك قال جبير بن مطعم وسعيد بن جبير ورواه قتادة عن سعيد بن المسيب وقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم هو الولي يعنون الأب خاصة

قال أبو جعفر حديث علي إنما رواه عن شريح عيسى بن عاصم ورواه الجلة عن شريح من قوله منهم الشعبي وابن سيرين والنخعي واصح ما روي فيه عن صحابي قول ابن عباس قرئ على عبد الله بن احمد بن عبد السلام عن ابي الأزهر احمد بن الأزهر قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا ابن جريج قال اخبرني عمرو ابن دينار قال سمعت عكرمة يقول قال ابن عباس ان الله رضي العفو وأمر به فان عفت فذلك وان عفا وليها الذي بيده عقدة النكاح وضنت جاز وان أبت

قال أبو جعفر والذي يدل عليه سياق الكلام واللغة انه الولي وهو الذي يجوز ان يعقد النكاح على المرأة بغير أمرها كما قال ولا تعزموا عقدة النكاح وإنما بيد الزوج ان يطلق فان قيل بيده عقدة نكاح نفسه فذا لا يناسب الكلام الأول وقد جرى ذكر الزوج في قوله وقد فرضتم لهن فريضة فلو كان للزوج لقيل أو تعفوا وهذا أشبه بسياق الكلام

وان كان يجوز تحويل المخاطبة الى الأخبار عن غائب فأما اللغة فتوجب إذا أعطي الصداق كاملا ان لا يقال له عاف ولكن يقال له واهب لان العفو إنما هو ترك الشئ وإذهابه ومنه عفت الديار والعافية دروس البلاء وذهابه ومنه عفا الله عنك 160 - ثم قال جل وعز وان تعفوا اقرب للتقوى قيل يعنى به الأزواج وقيل يعنى به الذي بيده عقدة النكاح والنساء جميعا هذا قول ابن عباس وهو حسن لانه يقل وان

تعفون فيكون للنساء وان يعفو فيكون للذي بيده عقدة النكاح 161 - وقوله عز وجل حافظوا على الصلوات قال مسروق على وقتها والصلاة الوسطى روى جابر بن زيد ومجاهد وأبو رجاء عن ابن عباس قال هي صلاة الصبح وكذا روى عنه عكرمة الا انه زاد عنه يصلي بين سواد الليل وبياض النهار

وقيل لانها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار وروى قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن بن زيد بن ثابت قال هي الظهر وفيها قول ثالث هو أولاها حدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا حاجب بن

سليمان قال حدثنا محمد بن مصعب قال حدثنا أبو جزء عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله جل وعز حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى هي صلاة العصر وروى عبدة ويحيى بن الجزار وزر عن علي ابن ابي طالب رضوان الله عليه قال قاتلنا الأحزاب فشغلونا عن العصر حتى كربت الشمس ان تغيب فقال رسول الله صلى الله عليه اللهم ابلاء قلوب الذين شغلونا عن الصلاة الوسطى نارا وإملاء بيوتهم نارا وإملاء قبورهم نارا قال زر قال علي كنا نرى انها صلاة الفجر

وقيل لها الوسطى لانها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار 162 - ثم قال تعالى وقوموا لله قانتين قال ابن عباس والشعبي القنوت الطاعة وقال مجاهد القنوت السكوت قال أبو جعفر وهذان القولان يرجعان الى شئ واحد لان السكوت في الصلاة طاعة وحدثنا محمد بن جعفر ألا نباري قال حدثنا عبد الله بن

يحيى قال حدثنا يحيى اخبرنا يعلى هو ابن عتبة قال حدتنا اسماعيل بن ابي خالد عن الحارث بن شبيل عن ابي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم قال كنا نتكلم في الصلاة فيكلم أحدنا صاحبه فيما بينه وبينه حتى نزلت هذه الآية حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت وقيل هو القنوت في الصبح وهو طول القيام وروى الجعفي عن بن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج عن ابي الهيثم عن ابي سعيد يعني الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل حرف في القرآن من القنوت فهو

الطاعة 163 - ثم قال تعالى فان خفتم فرجالا أو ركبانا روى أبو مالك عن ابن عباس أما رجالا فعلى ارجلكم إذا قاتلتم يصلي الرجل يومي براسه اينما توجه وقال مجاهد وكيف قدر 164 - وقوله جل وعز والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم متاعا الى الحول غير اخراج روى حبيب بن الشهيد عن ابن ابي ملكية عن ابن الزبير قال قلت لعثمان الآية التي في البقرة والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم لم اثبتها وقد نسختها الآية الآخرى قال يا ابن اخي لا أغير شيئا عن مكانه وروى حميد عن نافع عن زينب بنت ام سلمة كانت

المرأة إذا توفي زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا حتى تمر سنة ثم تعطى بعرة فترمي بها فانزل الله عز وجل والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم متاعا الى الحول يعني لنسائهم وكان للمرأة أن تسكن في بيت زوجها سنة وإن شائت خرجت فاعتدة من في بيت أهلها أو سكنت في وصيتها الى الحول ثم نسخ بأربعة أشهر وعشر وروى يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض الله من الربع والثمن ونسخ اجل الحول بان جعل اجلها اربعة اشهر وعشر

وفي حديث الفريعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم امكثي في منزلك حتى يبلغ الكتاب اجله 165 - ثم قال تعالى كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون أي لعلكم تتجنبون في ما ليس بمستقيم كان العاقل الذي يعقل نفسه عما ليس بمستقيم 166 - ثم قال تعالى الم تر الى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت

قال ابن عباس كانوا اربعة الاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا ناتي ارضا ليس بها موت فأماتهم الله فمر بهم نبي ودعا الله فاحياهم بن وقيل انهم ماتوا ثمانية ايام قال الحسن اماتهم الله قبل آجالهم عقوبة ثم بعثهم الى بقية آجالهم وقال الضحاك خرجوا فرارا من الجهاد فأماتهم الله ثم أحياهم ثم أمرهم أن يرجعوا الى الجهاد

وذلك قوله تعالى وقاتلوا في سبيل الله واعلموا ان الله سميع عليم قال أبو جعفر وفي رواية ابن جريج وهم الوف انهم اربعون الفا وهذا اشبه لان الوفا للكثير وآلافا للقليل وان كان يجوز في كل واحد منهما ما جاز في الاخر واما قول ابن زيد الوف مؤتلفة قلوبهم فليس

بمعروف والقياس في جمع الف أألف كأفلس الا انهم يشبهون فعلا بفعل فيما كان في اوله الف أو واو نحو وقت واوقات وكذلك الياء نحو يوم وايام وقد قيل أألف 167 - ثم قال جل وعز من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا أصل القرض ما يفعل ليجازى عليه كما قال * وإذا اجزيت هذه قرضا فاجزه * انما يجزي الفتى غير الجمل *

168 - ثم قال تعالى والله يقبض ويبسط أي يقتر ويوسع وقيل يسلب قوما ما انعم به عليهم ويوسع على اخرين وقيل يقبض الصدقات ويخلفها بالثواب أو في الدنيا 169 - وقوله جل وعز الم ترا الى الملاء من بني اسرائيل من بعد موسى قال مجاهد هم الذين قال الله فيهم الم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم

قال الضحالك سنة واما قوله ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله فذلك حين رفعت التوراة واستخرج الايمان وسلط على بني اسرائيل عدوهم فبعث طالوت ملكا فقالوا انى يكون له الملك علينا لان الملك كان في سبط بعينه لا يكون في غيره ولم يكن طالوت منه فلذلك وقع الانكار 170 - وقوله عز وجل ان ياتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم حدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا عبد الرزاق قال اخبرنا الثوري عن سلمة بن كهيل عن ابي الاحوص عن علي قال السكينة لها وجه كوجه الانسان وهي بعد ريح هفافة وروى خالد ابن عرعرة عن علي قال ارسل الله السكينة الى ابراهيم وهي ريح خجوج لها راس

وروى الضحاك عن ابن عباس قال السكينة دابة قدر الهر لها عينان لهما شعاع فإذا التقى الجمعان اخرجت يدها ونظرت إليهم فينهزم الجيش من ذلك الرعب وقال الضحاك السكينة الرحمة والبقية القتال وروي عن ابن عباس السكينة طست من ذهب الجنة كانت تغسل فيها قلوب الانبياء وروى اسماعيل بن ابي خالد عن ابي صالح وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون قال عصا موسى وثياب هارون ولوحان من التوراة

وقال أبو مالك السكينة طست من ذهب القى فيها موسى الالواح والتوراة وعصاه والبقية رضاضة الالواح التي كتب فيها التوراة وقرئ على عبد الله بن أحمد بن عبد السلام عن ابي الازهر عن روح بن عبادة قال حدثنا محمد بن عبد الملك عن ابيه قال قال مجاهد اما السكينة فما تعرفون من الايات التي تسكنون إليها قال والبقية العلم والتوراة وقال أبو جعفر وهذا القول من احسنها وأجمعها لان السكينة في اللغة فعيلة من السكون أي آية يسكون إليها

وبين معنى تحمله الملائكه أنه روي ان جالوت وأصحابه كان التابوت عندهم فا بتلاهم عمرو الله بالناسور قبل فعلموا انه من اجل التابوت فحملوه على ثور فساقته الملائكة فهذا مثل قولهم حملت متاعي الى موضع كذا 171 - ثم قال تعالى ان في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين أي ان في رد التابوت بعد ان اخذه عدوكم لآية لكم ان كنتم مصدقين 172 - وقوله جل وعز ان الله مبتليكم بنهر معناه مختبركم والفائدة في ذلك أن يعلم من يقاتل ممن لا يقاتل قال عكرمة وقتادة هو نهر بين الاردن وفلسطين

وقال قتادة كان الكفار يشربون فلا يرون وكان المسلمون يغترفون غرفة فيجزئهم ذلك قال أبو جعفر الغرفة في اللغة ملء الكف أو المغرفة والغرفة الفعلة الواحدة ومعنى فانه مني فانه من اصحابي وحكى سيبويه انت مني فرسخين 173 - ثم قال تعالى فشربوا منه الا قليلا منهم روى أبو اسحاق عن البراء كنا نتحدث ان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر كانوا ثلاث مائة وبضعة عشر

على عدة اصحاب طالوت ممن جاز معه النهر يوم جالوت وما جاز معه الا مؤمن فلما جازوه يعني النهر وراوا كثرة أصحاب جالوت وقلتهم قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله أي يوقنون وقيل يتوهمون أنهم يقتلون في هذه الواقعة لقلتهم والفئة الفرقة من فأوت رأسه وفاأيته يحيى فهزموهم أي كسروهم وردوهم يقال سقاء مهزوم إذا كان منثنيا الرحمن جافا

174 - وقوله جل وعز ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض روى ابن أبي نجيج عن مجاهد قال يقول لولا دفع الله بالمؤمنين الفجار ودفعه بتقية أخلاق الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض بهلاك اهلها قال أبو جعفر وهذا الذي عليه أكثر أهل التفسير أي لولا ان الله يدفع بمن يصلي عن من لا يصلي وبمن يتقي عن من لا يتقي لاهلك الناس بذنوبهم وقيل لولا أن الله أمر بحرب الكفار لعم الكفر

فأهلك جميع الناس وذا راجع الى الاول وقيل لولا أن الله أمر بحرب الكفار لكان افسادهم على المسلمين اكثر ويقرأ ولولا دفاع الله حكى أبو حاتم أن العرب تقول أحسن الله عنك الدفاع والمدافعة مثل ناولتك الشئ 175 - ثم قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله

قال مجاهد يقول كلم موسى 176 - ثم قال جل وعز ورفع بعضهم درجات قال مجاهد أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم الى الناس كافة 177 - ثم قال تعالى وآتينا عيسى ابن مريم اليبنات

أي الحجج الواضحة وأيدناه أي قويناه بروح القدس قال الضحاك جبريل صلى الله عليه وسلم 178 - ثم قال تعالى ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات فيه قولان أحدهما ان المعنى لو شاء الله ما أمرنا بالقتال بعد وضوح الحجة واظهار البراهين

وقيل لو شاء الله أن يضطرهم الى الايمان لفعل كما قال ولو شاء الله لجمعهم على الهدى 179 - وقوله جل وعز يا آيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم من قبل ان ياتي يوم لا بيع فيه ولا خلة قوله انفقوا تصدقوا والخلة الصداقة 180 - وقوله جل وعز الله لا اله الا هو أي لا اله للخلق الا هو الحي القيوم أي القائم بخلقه المدبر لهم وروي عن ابن عباس القيوم الذي لا يزول

وقرأ عمر بن الخطاب رحمة الله عليه القيام وقرأ علقمة الحي القيم قال ابن كيسان القيوم فيعول من القيام وليس بفعول لانه ليس في الكلام فعول من ذوات الواو ولو كان ذلك لقيل قووم والقيام فيعال اصله القيوام وأصل القيوم القيووم واصل القيم في قول البصرين

القيوم وقال الكوفيون الاصل القويم قال ابن كيسان ولو كان كذا في الاصل لم يجز فيه التغير كما لا يجوز في طويل وسويق 181 - وقوله جل وعز لا تأخذه سنة ولا نوم قال الحسن وقتادة نعسة وأنشد أهل اللغة * وسنان اقصده النعاس فرنقت * في عينه سنة وليس بنائم * والمعنى لا يفصل عن تدبير أمر الخلق

قال تعالى من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه لما قالوا الاصنام شفعاؤنا عند الله فأعلم الله أن المؤمنين انما يصلون على الانبياء ويدعون للمؤمنين كما أمروا وأذن لهم 182 - ثم قال تعالى يعلم ما بين ايديهم أي ما تقدمهم من الغيب وما خلفهم ما يكون بعدهم ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء لا يعلمون من ذلك شيئا الا ما اراد أن يطلعهم عليه أو يبلغه أنبياؤه تثبيتا لنبوتهم

183 - ثم قال تعالى وسع كرسيه السموات والارض وحكى يعقوب الحضرمي وسع كرسيه السموات والارض ابتداء وخبر وروى سفيان وهشيم عن مطرف عن جعفر عن ابي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله وسع كرسيه السموات والارض قال علمه الا ترى الى قوله ولا يؤوده حفظهما وقد استشهد لهذا القول ببيت لايعرف وهو ولا يكرسئ روى علم الله مخلوق

أي لا يعلم علم الله مخلوق وهو ايضا لحن لان الكرسي غير مهمور ولم وقيل كرسيه قدرته التي يمسك بها السموات والارض كما تقول اجعل لهذا الحائط كرسيا أي ما يعمده وهذا قريب من قول ابن عباس وقال أبو هريرة الكرسي بين يدي العرش وفي الحديث ما السموات والارض في جوف الكرسي الا كحلقة في ارض فلاة والله جل وعز أعلم بما اراد غير ان الكرسي في اللغة الشئ

الذي يعتمد عليه وقد ثبت ولزم بعضه بعضا ومنه الكراسة والكرسي ما تلبد بعضه على بعض وقال الحسن الكرسي هو العرش ومال محمد ابن جرير الى قول ابن عباس وزعم انه يدل على صحته ظاهر القرآن وذلك قوله عزوجل ولا يؤوده حفظهما وقال جل وعز اخبارا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فأخبر أن علمه وسع كل شئ وكذا وسع كرسيه السموات

والارض والضمير الذي في حفظهما للسموات والارض 184 - ثم قال تعالى ولا يؤوده حفظهما قال الحسن وقتادة لا يثقل عليه قال أبو اسحاق فجائز ان تكون الهاء لله عز وجل وجائز ان تكون للكرسي وإذا كانت للكرسي هو من أمر الله 185 - وقوله تعالى لا اكراه في الدين حدثنا احمد بن محمد بن سلمة يعنى الطحاوي قال حدثنا ابراهيم بن مرزوق قال حدثنا وهب بن جرير عن شعبة عن ابي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله لا اكراه في الدين قال كانت المرأة من الانصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش ولد لتهودنه فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من ابناء الانصار فقالت الانصار يا رسول الله أبناؤنا

فأنزل الله لا اكراه في الدين قال سعيد ابن جبير فمن شاء لحق بهم ومن شاء دخل الاسلام قال ايو جعفر أي وأقام

وقال الشعبي هي في أهل الكتاب خاصة لا يكرهون إذا أدوا الجزية وقال سليمان بن موسى نسخها جاهد الكفار والمنافقين وتأولها عمر على انه لا يكره المملوك على الاسلام وقيل لا يقال لمن اسلم من أهل الحرب أسلمت مكرها لانه إذا ثبت على الاسلام فليس بمكره 186 - وقوله جل وعز فمن يكفر بالطاغوت روي عن عمر بن الخطاب انه قال الطاغوت الشيطان والجبت السحر وقال الشعبي وعكرمة والضحاك الطاغوت الشيطان وقال الحسن الطاغوت الشياطين

وحدثنا سعيد بن موسى بقرقيسيا قال حدثنا محمد بن مالك عن يزيد عن يزيد عن محمد بن سلمة عن خصيف قال الجبت الكاهن والطاغوت الشيطان وقال الشعبي وعكرمة والضحاك الطاغوت الشيطان وقال مجاهد في قوله تعالى يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت هو كعب بن الاشرف قال أبو حعفر وهذه الاقوال متقاربة وأصل الطاغوت في اللغة مأخوذ من الطغيان يؤدي عن معناه من غير اشتقاق كما قيل اللآل من اللؤلؤ قال سيبويه وأما الطاغوت فهو اسم واحد مؤنث يقع

على الجمع فعلى قول سيبويه إذا جمع فعله ذهب به الى الشياطين وإذا وحده ذهب به الى الشيطان قال أبو جعفر ومن حسن ما قيل في الطاغوت انه من طغى على الله وأصله طغووت مثل جبروت من طغى إذا تجاوز حده ثم تقلب اللام فتجعل عينا وتقلب العين فتجعل لاما كجبذ وجذب ثم تقلب الواو الفا لتحركها وتحرك ما قبلها فتقول طاغوت والمعنى فمن يجد ربوبية كل معبود من دون الله ويصدق بالله

وأصل الجبت في اللغة الذي لا خير فيه وقال قطرب أصله الجبس وهو الثقيل الذي لاخير فيه وقال أبو عبيدة الجبت والطاغوت كل ما عبد من دون الله قال أبو جعفر وهذا غير خارج مما قلنا وخالف محمد بن يزيد سيبويه في قوله هو اسم واحد فقال الصواب عندي انه جماعة

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد فقد استمسك بالعروة الوثقى أي الايمان قال سعيد بن جبير عن ابن عباس بالعروة الوثقى لا اله الا الله 187 - ثم قال تعالى لا انفصام لها قال مجاهد أي لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أي لا يزيل عنهم اسم الايمان حتى يكفروا يقال فصمت الشئ أي قطعته

188 - ثم قال تعالى الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور قال الضحاك الظلمات الكفر والنور الايمان ومثل الكفر بالظلمات والايمان بالنور قرئ على احمد بن شعيب عن محمد بن عبد الاعلى قال حدثنا المعتمر قال سمعت منصورا يحدث رجل عن عبدة ابن ابي لبابه في هذه الآية الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور الى قوله هم فيها خالدون قال هم اناس كانوا آمنوا بعيسى فلما جاء محمد كفروا به قال وكان ناس قد كفروا بعيسى فلما جاء محمد آمنوا به فنزلت هذه الآية فيهم

قال أبو عبد الرحمن رواه جرير عن منصور عن مجاهد فان قيل ما معنى يخرجونهم من النور الى الظلمات ولم يكونوا في نور قط فالجواب انه يقال رأيت فلانا خارج الدار وان لم يكن خرج منها وأخرجته من الدار جعلته في خارجها وكذا أخرجه من النور جعله خارجا منه وان لم يكن كان فيه وقيل هذا تمثيل لما صرفوا عنه كانوا بمنزلة من اخرج منه كما يقال لم اخرجتني من ملتك وقيل لما ولدوا على الفطرة وهي اخذ الميثاق وما فطروا عليه من معرفة الله جل وعز ثم كفروا كانوا قد أخرجوا من

النور قال الاخفش الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور يحكم بأنهم كذلك تقول قد أخرجكم الله من هذا الامر ولم تكونوا فيه قط قال أبو اسحاق ليس هذا بشئ انما هو يزيدهم بايمانهم هدى وهو وليهم في حجاجهم وهدايتهم وفي نصرهم على عدوهم ويتولى ثوابهم 189 - قوله جل وغز ألم تر الى الذي حاج ابراهيم في ربه وهذه ألف التوقيف وفي الكلام معنى التعجب أي

اعجبوا له قال ابن عباس ومجاهد هو نمروذ بن كنعان قال سفيان فدعا برجلين فقتل أحدهما واستحيا الاخر قال سفيان فبهت الذي كفر فسكت فلم يجبه بشئ وقرئ فبهت الذي كفر أي فبهت ابراهيم الذي كفر

190 - وقوله عز وجل أو كالذي مر على قرية خاوية على عروشها روى علي بن الحكم عن الضحاك قال يقال هو عزير والقرية بيت المقدس فأماته الله مائة عام فكان أول شئ حيي منه رأسه فجعل ينظر الى كل ما يخلق منه والى حماره قال سعيد عن قتادة وذكر لنا انه عزير أتى على بيت المقدس بعدما خربه بختنصر قال فقال أنى تعمر هذه بعد خربها ثم قال تعالى فأماته الله مائة عام ذكر لنا انه مات ضحى وبعث قبل غيبوبة الشمس بعد مائة عام فقال لبثت يوما أو بعض يوم

وقال كعب هو عزير قال مجاهد هو رجل من بني اسرائيل قال عن الله بن عبيد بن عمير هو أرميا وكان نبيا والخاوية الخالية وقال الكسائي يقال خوت خويا وخواء وخواية والعروش السقوف أي ساقطة على سقوفها قال أبو عبيدة ويقال خوت عروشها بيوتها والعروش الخيام وهي بيوت الاعراب

قال الكسائي والفراء الكاف في قوله أو كالذي عطف على معنى الكلام أي هل رأيت كالذي حاج ابراهيم أو كالذي مر على قرية وقيل هي زائدة كما قال ليس كمثله شئ 191 - وقوله تعالى لم يتسنه قال عكرمة وقتادة لم يتغير وقال مجاهد لم ينتن قال بعض أهل اللغة لم يتسن من قولهم آسن الماء إذا انتن

وقال أبو عمر الشيباني لم يتسنه لم يتغير من قوله تعالى من حمأ مسنون ثم أبدل من احدى النونين ياء كما قيل تقصيت وتظنيت وقصيت اظافري بين قال أبو جعفر والقولان خطأ لو كان من قولهم أسن الماء إذا انتن لكان يتأسن قال أبو اسحاق وليس مسنون لان مسنونا مصبوب على سنة الارض قال أبو جعفر والصحيح انه من السنة أي لم تغيره السنون

192 - ثم قال تعالى ولنجعلك آية للناس قال سفيان عن الاعمش قال رجع الى بنيه شيوخا وهو شاب قال الكسائي لا يكون الملام الا باضمار فعل والمعنى عنده فعلنا هذا لنجعلك دليلا للناس وعلما على قدرتنا ومثله وحفظا 193 - ثم قال جل وعز وانظر الى العظام كيف ننشرها أي نحييها وننشرها بالزاي معجمة أي نركب بعض

العضام على بعض ونرفع بعضها الى بعض والنشز والنشز ما ارتفع عن الارض ومن قرأ قال أعلم ان الله على كل شئ قدير فقال قتادة في قراءته أنه جعل ينظر كيف يوصل بعض عظامه الى بعض لان أول ما خلق منه راسه وقيل له انظر فقال عن ذلك هذا وروى طاووس عن ابن عباس قال اعلم على الامر

وانما قيل له ذلك قال هارون في قراءة عبد الله قيل اعلم على وجه الامر وقد يجوز ان يكون خاطب نفسه بهذا 194 - وقوله عز وجل واذ قال ابراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي فيه قولان أحدهما ان المعنى ليطمأن أهل قلبي للمشاهدة كأن نفسه طالبته برؤية ذلك فإذا رآه اطمان والانسان قد يعلم الشئ من جهة ثم يطلب أن يعلمه من غيرها وهذا القول مذهب الجلة من العلماء وهو مذهب ابن عباس والحسن

قال الحسن ولا يكون الخبر عند ابن آدم كالعيان والقول الاخر ان المعنى ولكن ليطمئن قلبي بأني إذا سألتك أجبتني كما روى عن سفيان عن قيس بن مسلم عن سعيد بن جبير قال أولم تؤمن بالخلة قال توقن بالخلة وروى أبو الهيثم عن سعيد بن جبير ولكن ليطمئن قلبي ليزداد

195 - ثم قال تعالى قال فخذ اربعة من الطير حدثنا عبد الباقي بن احمد بن محمد بن عبد العزيز الاموي قال حدثنا ابي قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن هبيرة السبيني حديث عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس في قول الله جل وعز فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك قال هو الحمام والطاووس والكركي والديك وروى الحكم بن ابان عن عكرمة عن ابن عباس قال اخذ الديك والطاووس والغراب والحمامة قال مجاهد فصرهن انتفهن بريشهن ولحومهن قال أبو عبيدة صرت قطعت وصرت جمعت

وحكى أبو عبيدة صرت عنقه أصورها عند وصرتها لأنه أصيرها أملتها وقد صور يقرأ بالضم والكسر واكثر القراء على الضم قال الكسائي من ضمها جعلها من صرت الشئ املته وضممته الي قال وصر وجهك الي أبي أقبل به والمعنى على هذه القراءة فضمهن اليك وقطعهن ثم حذف وقطعهن لانه قد دل عليه ثم اجعل على كل جبل منهن جزاءا ومن قرأ فصرهن بالكسر ففيه قولان أحدهما انه بمعنى الاول

والآخر أن أبا مالك والضحاك قالا فقطعهن قال أبو حاتم هو من صار إذا قطع قال ويكون حينئذ على التقديم والتأخير كأنه قال فخذ اربعة من الطير اليك فصرهن قال غيره ومنه قيل للقطيع من بقر الوحش صوار وصوار أي انقطعت فانفردت ولذلك قيل لقطع المسك أصورة كما قال إذا تقوم يضوغ أخبرنا المسك أصورة قال أبو جعفر وأولى ما قيل في معنى فصرهن وصرهن يا أنهما بمعنى القطع على التقديم

والتأخير أي فخذ اليك اربعة من الطير فصرهن ولم يوجد التفريق صحيحا عن احد من المتقدمين ادعهن قال ابن عباس تعالين باذن الله فطار لحم ذا الى لحم ذا سعيا أي عدوا على ارجاهن لو ولا يقال للطائر إذا طار سعى واعلم ان الله عزيز أي لا يمتنع عليه ما يريد

حكيم فيما يدبر فلما قص ما فيه البراهين حث على الجهاد وأعلم أن من جاهد بعد هذا البرهان الذي لا ياتي به الا نبي فله في جهاده الثواب العظيم 196 - فقال تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله الى قوله واسع عليم أي جواد لا ينقصه ما يتفضل به من السعة عليهم اين يضعه 197 - ثم قال تعالى يا ايها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى أي لاتمتنوا يكون بما أعطيتم وتعتدوا به وكأنكم تقصدون ذلك

والاذى أن يوبخ المعطى فاعلم أن هذين يبطلان الصدقة كما تبطل صدقة المنافق الذي يعطي رياء ليوهم انه مؤمن 198 - ثم قال تعالى فمثله أي فمثل نفقته كمثل صفوان وهو الحجر الاملس مع والوابل المطر العظيم القطر فتركه صلدا قال قتادة ليس عليه شئ والمعنى لم يقدروا على كسبهم وقت حاجتهم ومحق فأذهب كما أذهب المطر التراب على الصفا ولم يوافق في الصفا

مثبتا 199 - ثم قال ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من انفسهم أي وينفقونها مقرين ثابتين أنها مما يثيب الله عليه قال الحسن إذا اراد أن ينفق تثبت فان كان الله أمضى والا أمسك وقال قتادة تثبيتا أي احتسابا وقال مجاهد يتثبتون أين يضعون أموالهم أي زكواتهم وقال الشعبي تصديقا ويقينا

قال أبو جعفر ولو سعيد كان كما قال مجاهد لكان وتثبيتا من تثبت كتكرمت تكرما وقول قتادة واحتسابا لا يعرف الا أن يراد به أن أنفسهم تثببتهم بكر محتسبة وهذا بعيد وقول الشعبي حسن أي تثبيتا من أنفسهم لهم على أنفاق ذلك في طاعة الله جل وعز يقال ثبت فلانا في هذا الامر أي صححت عزمة وقويت فيه رأيه اثبته تثبيتا أي انفسهم قوقنة قد مصدقة بوعد الله على تثبيتهم في ذلك 200 - ثم قال تعالى كمثل جنة بربوة قال مجاهد هي الارض المرتفعة المستوية أضعفت في

ثمرها قال قتادة بربوة يقول نبشز وفي من الارض قال وهذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن يقول ليس لخيره خلف كما انه ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان ان أصابها وأبل وهو المطر الشديد وان اصابها طل قال مجاهد هو الندى وقيل مطر صغير في القدر يدوم قال محمد بن يزيد أي فالطل يكفيها

201 - ثم قال جل وعز أيود احدكم أن تكون له جنة الى قوله فاحترقت قال ابن ملكية عن عبيد بن عمير سألهم عمر عن هذه الآية وذكرها فقالوا الله أعلم فغضب عمر وقال قولوا نعلم أو لا نعلم قال فقال ابن عباس ان في نفسي منها شيئا فقال قل ولا تحقر نفسك قال ضرب مثلا للعمل قال أي العمل قال فقال عمر هذا رجل كان يعمل بطاعة الله فبعث إليه الشيطان فعمل بالمعاصي فأحرق الاعمال وروي عن ابن عباس بغير هذا الاسناد هذا مثل ضربه الله للمرائين بالاعمال يبطلها الله يوم القيامة أحوج ما كانوا إليها كمثل رجل كانت له جنة وكبر وله أطفال لا ينفعونه فأصاب الجنة اعصار ريح عاصف فيها سموم شديدة فاحترقت ففقدها

أحوج ما كان إليها وروي عن ابن عباس انه قال الاعصار الريح الشديدة قال أبو جعفر والاعصار هي التي يسميها الناس الزوبعة 202 - ثم قال تعالى ي ايها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم أي تصدقوا بالجيد

وحدثنا احمد بن محمد بن سلامة قال حدثنا بكار قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن السدي عن ابي مالك عن البراء قال كانوا يجيئون في الصدقان كل بأرد اتمرهم وأراد طعامهم فنزلت يا ايها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم الى قوله الا ان تغمضوا فيه قال لو كان لكم فأعطاكم لم تأخذوه الا وانتم ترون أنه قد نقصكم من حقكم قال أبو اسحاق في قوله تعالى واعلموا ان الله غني حميد أي لم يأمركم أن تصدقوا من عوز ولكنه بلا أخباركم

فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه 203 - ثم قال تعالى الشيطان يعدكم الفقر أي بالفقر يخوفكم حتى تخرجوا الردئ في الزكاة ويأمركم بالفحشاء بأن لا تتصدقوا فتعصوا وتتقاطعوا والله يعدكم مغفرة منه وفضلا أي بأن يجازيكم على صدقاتكم بالمغفرة والخلف والله واسع عليم يعطي من سعة ويعلم حيث يضع ذلك ويعلم الغيب والشهادة 204 - ثم قال تعالى يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثير

روى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا قال المعرفة بالقرآن ناسخة ومنسوخة ومحكمة ومتشابهة ومقدمة ومؤخرة وحلاله وحرامه وأمثاله قال مجاهد العقل والعفة والاصابة في القول وقال زيد بن أسلم الحكمة العقل في دين الله وقال الضحاك الحكمة القرآن وقال قتادة الفهم قلت وهذه الاقوال متفقة وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه فقيل للعلم حكمة لانه به يمتنع وبه يعلم الامتناع من السفه وهو كل فعل قبيح وكذا القرآن والعقل والفهم وقال ابراهيم النخعي الفهم في القرآن

205 - ثم قال تعالى وما يذكر الا أولو الالباب أي ومل يفكر فكرا يذكر به ما قص من الآيات الا ذوو العقول ومن فهم الله عز وجل أمره ونهيه 206 - ثم قال عز وجل وما انفقتم من نفقة قال أبو اسحاق أي في فرض لانه ذكر صدقة الزكاة أو نذرتم من نذر

كل ما نوى الانسان أن يتطوع به فهو نذر وقيل المعنى ما انفقتم من نفقة من غير نذر أو انذرتم ثم عقدتم على أنفسكم أنفاقه فإن الله يعلمه أي لا يخفى عليه فهو يجازي به قال مجاهد يعلمه أي يحصيه 207 - ثم قال تعالى أن تبدوا الصدقات أي تظهروها وفي الحديث صدقة السر تطفئ غضب الرب وقيل كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاما اليوم فالناس يسيئون الظن

قال الحسن اظهار الزكاة أحسن واخفاء التطوع أفضل لانه أدل على انه يراد الله عز وجل به وحده وقال الضحاك كان هذا يعمل به الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سرا وعلانية فلما نزلت برأءة * بفريضة الصدقة وتفصيلها انتهت الصدقة إليه

208 - وقوله جل وعز ليس عليك هداهم روى سعيد بن جبير عن ابن عباس كانوا يكرهون أن يتصدقوا على اقربائهم من المشركين فرخص لهم في ذلك فنزلت ليس عليك هداهم الى آخر الآي 209 - وقوله عز وجل للفقراء الذين احصروا في سبيل الله قال مجاهد يعني مهاجري قريش الذين كانوا بالمدينة وقال غيره معنى أحصروا في سبيل الله منعهم فرض الجهاد من التصرف وقيل شغلهم عدوهم بالقتال عن التصرف قال أبو جعفر واللغة توجب ان أحصروا من المرض الا انه يجوز ان يكون المعنى صودفوا فلا على هذه الحال

210 - ثم قال تعالى لا يستطعون ضربا في الارض قيل قد الزموا انفسهم الجهاد كما يقال لا أستطيع أن أعصيك أي قد ألزمت نفسي طاعتك 211 - ثم قال تعالى يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ليس الجهل ها هنا ضد العقل وانما هو ضد الخبرة 212 - ثم قال تعالى تعرفهم بسيماهم لا يسالون الناس الحافا يقال الحف في المسألة أخفى والح بمعنى واحد

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من سال وله أربعون درهما خقد منه ألحف قال أبو اسحاق معناه فقد شمل بالمسالة ومنه اشتق الحاف قال ومعنى لا يسالون الناس الحافا لا يكون منهم سؤال فيكون الحاف كما قالي الشاعر * على لا حب لا يهتدى بمنارة * إذا سافه العود النباطي جرجرا * أي ليس به منار فيهتدى به 213 - وقوله عز وجل الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار

حدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا عبد الوهاب بن مجاهد عن ابيه عن ابن عباس في قوله الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية قال نزلت في علي بن ابي طالب رضوان الله عليه كانت معه أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما وسرا درهما وعلانية درهما 214 - وقوله عز وجل الذين ياكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس المعنى الذين ياكلون الربا في الدنيا لا يقومون في الاخرة الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس

قال قتادة أي الجنون وقال غيره هذا علامة لهم يوم القيامة يخرج الناس من قبورهم مسرعين كما قال تعالى يخرجون من الاجداث سراعا الا اكلة الربا فانهم يقومون ويسقطون أربى الله الربا في بطونهم يوم القيامة حتى ثقلهم منهم ينهضون ويسقطون ويريدون الاسراع فلا يقدرون

215 - ثم قال تعالى فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى قال سفيان يعني القرآن ومعنى فله ما سلف مغفور له 216 - ثم قال تعالى وامره الى الله قال أبو اسحاق أي الله جل وعز وليه قال غيره وامره الى الله في عصمته وتوفيقه ان شاء عصمه عن اكله وان شاء خذله عن ذلك وقال بعض أهل التفسير وأمره الى الله في المستقبل

وهذا قول حسن بين أي وأمره الى الله في المستقبل ان شاء ثبته على التحريم وان شاء اباحه 217 - ثم قال تعالى ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون قال سفيان من عاد فعمل بالربا حتى يموت وقال غيره من عاد فقال انما البيع مثل الربا فقد كفر 218 - وقوله جل وعز يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا قال مجاهد كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه ويزيده

219 - وقوله جل وعز فان لم تفعلوا فادنوا بحرب من الله ورسوله أي فا يقنوا يقال أذنت بالشئ فانا اذين به كما قال فاني اذين ان رجعت مملكا ومعنى فآذنوا فأعملوا غيركم انكم على حربهم 220 - ثم قال تعالى وان تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون

ثم قال الضحاك كانوا في الجاهلية يتبايعون بالربا فجاء الاسلام وقد بقيت لهم اموال فامروا ان يأخذوا رءوس أموالهم ولا يأخذوا الربا الذي كانوا أربوا به وأمروا أن يتصدقوا على من كان معسرا 221 - ثم قال جل وعز وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة قال ابراهيم نزلت في الربا قال الربيع بن خيثم هي لكل معسر ينظر قال أبو جعفر وهذا القول الحسن لان القراءة بالرفع بمعنى وان وقع ذو عسرة من الناس أجمعين أم كان فيمن تطالبون أو تبايعون ذو عسر ة

ولو كان في الربا خاصة لكان النصب الوجه بمعنى وان كان الذي عليه الربا ذا عسر ة على ان المعتمر قد روى عن حجاج الوراق قال في مصحف عثمان وان كان ذا عسر ة والمعنى فعليكم النظرة أي التأخير الى أن يوسر وروى عن عطاء أنه قرأ فناظرة الى ميسرة على جهة الامر 222 - ثم قال تعالى وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون قال ابرهيم أي برأس المال قال الضحاك وأن تصدقوا من رأس المال خير من النظرة

وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال زعم ابن عباس ان اخر آية نزلت من القرآن واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله قرئ على احمد بن شعيب عن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين قال حدثني أبي عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله الآية انها آخر آية انزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم 223 - وقوله جل وعز يا ايها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين الى أجل مسمى فاكتبوه في معناها أقوال منها ان هذا على الندب وليس بحتم

ومنها ان أبا نضرة روى عن أبي سعيد الخدري أنه تلا هذه الآية يا ايها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين حتى بلغ فان أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن امانته قال نخست هذه الآية ما قبلها وقيل ان هذا واجب في الاجل والاشهاد في العاجل وانما الرخصة في الرهن ويقال داينت الرجل إذا اقرضته واستقرضت منه وكذلك تداين القوم وأدنت الرجل بعته بدين ودنت وادنت أي أخذت بدين وأنا دائن ومدان والمدين الملك إذا دان الناس له أي سمعوا واطاعوا

ومما يسأل عنه ان يقال ما وجه بدين وقد دل تداينهم على الدين فهل تكون مداينة بغير دين فالجواب ان العرب تقول تداينا أي تجارينا وتعاطينا الاخذ والاعطاء فجاء بدين مبينا للمعنى المقصود 224 - وقوله جل وعز وليكتب بينكم كاتب بالعدل قال السدي بالحق أي لا يكتب لصاحب الحق اكثر مما له ولا اقل 225 - ثم قال تعالى ولا يأب كاتب ان يكتب كما علمه الله قيل كما علمه الله من الكتابة بالعدل

وقيل كما فضله الله بعلم الكتابة 226 - ثم قال تعالى فان كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع ان يمل هو قال ابن وهب أخبرني يونس انه سال ربيعة ما صفة السفيه فقال الذي لا يثمر ماله في يدعه ولا أبتياعه ولا يمنع نفسه لذة يسقط في المال سقوط من لا يعد المال شيئا الذي لا يرى له عقل في مال وروي عن ابن عباس انه قال السفيه الجاهل با لاملاء والضعيف الاخرق وقال أبو اسحاق السفيه الخفيف العقل ومن هذا تسفهت الريح إذا حركته واستخفته: ومنه

* مشين كما اهنزت غير رماح تسفهت * أعاليها مر الرياح النوسم أحمد * وحكى غيره ان السفه كل ما يقبح فعله أي هو فعل ليس بمحكم من قولهم ثوب سفيه إذا كان متخلخلا بعد فأما الضعيف فهو والله اعلم الذي فيه ضعف من خرس أو هرم أو جنون 227 - ثم قال تعالى فليملل ولية بالعدل في معنى هذا قولان روى سفيان عن يونس عن الحسن فليملل ولية بالعدل قال الضحاك ولى السفيه الذي يجوز عليه أمره فهو ولية

أي يقوم بأمره بالعدل هو الذي يملي الحق والقول الاخر عن ابن عباس ان المعنى فليملل ولي الذي هو عليه واحتج بهذا القول من ذهب الى نفي الحجر عن الاحرار البالغين العقلاء وهو مذهب محمد بن سيرين وابراهيم النخعي 228 - ثم قال عز وجل واستشهدوا شهيدين من رجالكم قيل من أهل ملتكم

229 - ثم قال تعالى ممن ترضون من الشهداء أي ممن ترضون مذهبه قال ابراهيم ممن لم تظهر له ريبة 230 - ثم قال تعالى ان تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى أي أن تنسى احدهما فتذكرها الاخرى وروي عن الجحدري ان تضل أي تنسى كما يقال أنسيت كذا فأما ما روي عن ابن عيينة من انه قال تصير شهادتهما بمنزلة شهادة الذكر فلا يعرفه أهل اللغة وهو ايضا خطأ لانه لو كان انما معناه نجعلها بمنزلة الذكر لم يحتج الى ان تضل لانها

كانت تجعلها بمنزلة الذكر ضلت أو لم تضل ولا يجوز ان تصيرها بمنزلة الذكر وقد نسيت شهادتها واما فتح ان فنذكره في الاعراب ان شاء الله 231 - ثم قال عز وجل ولاياب يقول الشهداء إذا مادغوا روى ابن نجيح عن مجاهد قال إذا دعي ليشهد وقد كان أشهد وقال الحسن وإذا ما دعوا ابتداء للشهادة ولا يأبوا إذا دعوا لاقامتها لأن

قال أبو جعفر قيل قول الحسن أشبه لانه لو كان ذلك لهم لتويت وقد الحقوق ولان بعده ولا تساموا ان تكتبوه صغيرا أو كبيرا الى أجله أي لا تملوا ان تكتبوا الحق كان كثيرا أو قليلا كما يقال لاعطينك حقك صغر أو كبر وقال الاخفش ان تكتبوه فاضمر الشاهد قال وقال الى أجله أي الى الاجل الذي تجوز فيه شهادته والله اعلم هذا في كلام الاخفش نصا قال أبو جعفر واختار محمد بن جرير قول مجاهد ان المعنى ولا ياب الشهداء إذا ما دعوا ان ذلك إذا كانت عندك شهادة فدعيت وهو قول سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة والشعبي والنخعي

قال محمد ابن جرير لان الله قد الزمهم اسم الشهداء وانما يلزمهم اسم الشهداء إذا شهدوا على شئ قبل ذلك وغير جائز ان يقال لهم شهداء ولم يشهدوا ولو كان ذلك لكان الناس كلهم شهداء بمعنى انهم يشهدون فصار المعنى إذا ما دعوا ليؤدوا الشهادة وايضا فدخول الالف واللام يدل على ان المعني بالنهي شخص معلوم 232 ثم قال تعالى ذلكم اقسط عند الله وأقوم للشهادة قال سفيان معناه أعدل ثم قال وأقوم الشهادة أي أثبت لان الكتاب يذكر الشاهد ما شهد عليه 233 - ثم قال تعالى وأدنى الا ترتابوا

أي لا تشكوا ثم رخص في ترك الكتابة فيما يجري بين الناس كثيرا فقال تعالى الا ان تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم 234 - وقوله جل وعز ولا يضار كاتب ولا شهيد فيه أقوال منها أن المعنى على قول عطاء لا يمتنعا علي إذا دعيا كما روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال كان عمر يقرأ ولا يضارر كاتب ولا شهيد وقال طاووس لا يضارر كاتب فيكتب ما لم يملل

عليه وقال الحسن ولا يضارر الشهيد أن يزيد في شهادته وروي عن ابن عباس ومجاهد ولا يضار كاتب ولا شهيد قالا نهي ان يجاء الى الشاهد والكاتب فيدعيا حتى الى الكتابة والشهادة وهما مشغولان فيضارا تعالى فيقال قد أمركما الله الا تمتنعا فإن وهو مستغن عنهما

والتقدير على هذا القول ولا يضارر وكذا قرأ ابن مسعود فنهى الله جل وعز عن هذا لانه لو أطلقه لكان فيه شغل عن أمر دينهما ومعاشهما 235 - ثم قال جل وعز وان تفعلوا فانه فسوق بكم قال سفيان فانه فسوق بكم قال معصية 236 - ثم قال تعالى وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة وقرأ ابن عباس كتابا وقال قد يوجد الكاتب ولا توجد الصحيفة وكذا قرأ أبو العالية وعكرمة والضحاك ومجاهد

وقيل ان كتابا جمع كاتب كما يقال قايم وقيام وقيل هما بمنزلة اثنين 237 - ثم قال تعالى فرهان مقبوضة قرئ فرهن مقبوضة رهن جميع رهان ويجوز ان يكون جمع رهن مثل سقف وسقف 238 - وقوله عز وجل وان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيها أقوال روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها الا ان علي بن ابي طلحة روى عن ابن عباس انه قال لم تنسخ ولكن إذا جمع الله الخلائق يقول اني أخبركم بما كنتم في

أنفسكم فاما المؤمنون فيخبرهم ثم يغفر لهم وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب فذلك قوله عز وجل يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وهو قول جل وعز ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم من الشك والنفاق وحدثنا احمد بن شعيب قال أخبرنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن آدم بن سليمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله دخل قلوبهم منها شئ لم يدخلها من قبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا فألقى الله الايمان في قلوبهم فأنزل الله عز وجل آمن الرسول بما انزل إليه من ربه الآية وأنزل لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو اخطأنا قال قد فعلت ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا

قال قد فعلت ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين قال قد فعلت وروى اسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي قال نسختها الآية التي بعدها لا يكلف الله نفسا الا وسعها وروى مقسم عن ابن عباس نزلت في الشهادة أي في

اظهارها وكتمانها وقال مجاهد هذا في الشك واليقين وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أمية انها سالت عائشة عن هذه الآية وان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله وسألتها عن هذه الآية من يعمل سوءا يجز به فقالت عائشة ما سألني عنهما أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عائشة هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها في ضبنه حتى ان المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الاحمر من الكير

وقال الضاحك يعلمه الله يوم القيامة بما كان يسره ليعلم أنه لم يخف عليه وقيل لا يكون في هذا نسخ لانه خبر ولكن يبينه ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فالمعنى والله اعلم وان تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه من الكبائر والذي رواه علي بن ابي طلحة عن ابن عباس حسن والله اعلم بما اراد فأما ما روي عن ابن عباس من النسخ فمما يجب ان يوقف على تأويله إذ كانت الاخبار لا يقع فيها ناسخ ولا منسوخ

فان صح فتاويله ان الثاني مثل الاول كما تقول نسخت هذا من هذا وقيل فيه قول أخر يكون معناه فأزيل ما خالط قلوبهم من ذلك وبين 239 - وقوله جل وعز كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله أي كلهم آمن بالله وقرأ ابن عباس وكتابه وقال كتاب أكثر من كتب يذهب الى انه اسم للجنس 240 - وقوله جل وعز لا نفرق بين احد من رسله روي عن ابن مسعود وابن عباس ويحيى بن يعمر أنهم

قرءوا لا يفرق بمعنى كل لا يفرق أي لا يفرق الرسول والمؤمنون بين احد من رسله ومن قرأ بالنون فالمعنى عنده قالوا لا نفرق بين احد من رسله أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويدل على النون ربنا 241 - ثم قال تعالى وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير ومعنى غفرانك اغفر لنا غفرانا 242 - وقوله جل وعز لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما إلنسبت عمر

وسعها أي طاقتها أي لا يكلفها فرضا من الفروض لا تطيقه لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت قال محمد بن كعب لها ما كسبت من الخير وعليها ما اكتسبت من الشر وقال غيره معناه لا يؤاخذ احد بذنب احد 243 - وقوله جل وعز ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا قال قطرب النسيان ههنا الترك كقول الرجل للرجل لا تنسني من عطيتك أي تتركني منها

قال أو أخطانا أي خطئنا واذنبنا النبي ليس على الخطأ قال أبو جعفر الذي قال قطرب في نسينا معروف في اللغة قال عز وجل نسو الله فنسيهم وقد يجوز ان يكون من النسيان لان النسيان قد يكون سببه الاقبال على ما لا يحل حتى يقع النسيان والذي قال في أخطأنا لا يعرفه أهل اللغة لانه انما يقال خطينا أي تعمدنا الذنب وأخطأنا إذا لم نتعمده فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر ولا يكون معنى أخطأنا دخلنا في الخطيئة كما يقال أظلمنا وأصبحنا وأنجدنا 244 - وقوله جل وعز ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا

قال مجاهد الاصر العهد قال سعيد بن حبير الاصر شدة العمل وما غلظ على بني اسرائيل من البول ونحوه وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله تجاوز لامتي عما حدثت به انفسها ما لم تعمل به أو تكلم به قال الضحاك كانوا يحملون أمور اشدادا قال مالك الاصر الامر الغليظ قال أبو عبيدة الاصر الثقل

قال أبو جعفر وهذه الاقوال ترجع الى معنى واحد أي لا تأخذ عهدنا بما لا نقوم به الا بثقل أي لا تحمل علينا اثم العهد كما قال تعالى وأخذتم على ذلكم اصري وما امروا به فهو بمنزلة ما اخذ عهدهم به ومعنى ما تأصرني وإن على فلان آصرة أي ما يعطفني عليه عهد ولا قرابة 245 - وقوله جل وعز ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به معنى ما لا طاقة لنا به ما يثقل نحو لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة كما يقال لا اطيق مجالسة فلان أي ذلك يثقل علي والاصر ثقل العهد والفرض وما لا طاقة لنا به ما يقل بالاضافة وقد يجوز ان يخف على غيرنا

246 - ثم قال جل وعز واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين واعف عنا أمي إمح عنا نوبنا كما والعافي الدارس الممحي هو والعافية دروس البلاء واغفر لنا أي غط على عقوبتنا واسترها وسلم وقيل أي امح عنا ذنوبنا انت مولانا أي ولينا وناصرنا وقال لبيد * فغدت كلا الفرجين تحسب انه * مولى المخافة خلفها وأمامها * تمت سورة البقرة

تفسير سورة آل عمران

تفسير سورة آل عمران مدنية وآياتها مائتا آية

سورة آل عمران قال ابن عباس نزلت بالمدينة 1 - من ذلك قوله عز وجل الم الله لا اله الا هو الحي القيوم روي عن ابن عباس الحي الذي لا يموت والقيوم الذي لا يزول قال مجاهد القيوم القائم على كل شئ أي القائم على تدبير كل شئ من رزق وحياة وموت وقد شرحناه باكثر من هذا ومعنى الم في سورة البقرة

حدثنا احمد بن شعيب قال أخبرني عمران بن بكار قال حدثنا ابراهيم بن العلاء قال حدثنا شعيب بن اسحاق قال حدثنا هارون عن محمد بن عمرو بن علقمة عن يحيى بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمر بن الخطاب أنه صلى صلاة العشاء فاستفتح آل عمران فقرأ الم الله لا اله الا هو الحي القيوم فقرأ في ركعة بمائة آية وفي الثانية بالمائة الباقية وسنذكر الاصل في الاعراب ان شاء الله 2 - ثم قال تعالى نزل عليك الكتاب بالحق قال ابن كيسان فيه وجهان أي الزمك ذلك باستحقاقه اياه عليك وعلى خلقه قال ويكون بالحق أي بما حق في كتبه من انزاله عليك

وكان هذا أوضح لقوله مصدقا أي في حال تصديقه لما قبله من الكتب وما عبد الله به خلقه من طاعته قال مجاهد لما بين يديه لما قبله من كتاب أو رسول 3 - ثم قال تعالى وأنزل التوراة والانجيل منقبل هدى للناس أي من قبل القرآن والتوراة من ورى ووريت فقيل توراة أي ضياء ونور قال البصريون توراة أصلها فوعلة مثل حوقلة

ومصدر فوعلت فوعلة والاصل عندهم وورية فقلبت الواو الاولى تاء كما قلبت في تولج وهو فوعل من ولجت وفي قولهم تالله وقلبت الياء اخيرة الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وقال الكوفيون توراة يصلح ان تكون تفعلة وتفعلة قلبت الى تفعلة ولا يجوز عند البصرين في توقيه توقوة عنه ولا يكاد يوجد في الكلام تفعلة الا شاذا وانجيل من نجلت الشئ أي أخرجته فانجيل إن خرج به دارس من الحق ومنه قيل لواحد الرجل نجله كما قال

* الى معشر لم يورث اللؤم جدهم * اصاغرهم وكل فحل له نجل * قال ابن كيسان انجيل افعيل من النجل ويقال نجلة أبوه أي جاء به ويقال نجلت الكلاء بالمنجل وعين نجلاء واسعة وكذا طعنة نجلاء وجمع الانجيل أناجيل وجمع التوراة توار 4 - ثم قال تعالى وانزل الفرقان أي الفارق بين الحق والباطل كما قال بعض المفسرين كل كتاب له فرقان والله عزيز أي ذل له كل شئ بأثر صنعته فيه ذو انتقام أي ممن كفر به

5 - ثم قال تعالى هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء أي من احسن وقبح وتمام ونقصان وله في كل ذلك حكمة 6 - وقوله جل وعز هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات روي عن ابن عباس المحكمات الثلاث الآيات قل تعالوا أتل ما حرم ربكم الى ثلاث آيات والتي في بني اسرائيل وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه قال والمتشابه ما تشابه عليهم نحو الم والمر وقال يحيى بن يعمر المحكمات الفرائض والامر والنهي وهن عماد الدين وعماد كل شئ أمة

وقال مجاهد وعكرمة نحوا من هذا قالا ما فيه من الحلال والحرام وما سوى ذلك فهو متشابه يصدق بعضه بعضا وقال قتادة نحوه قال المحكم ما يعمل به وقال الضحاك المحكمات الناسخات والمتشابهات المنسوخات وقال ابن عباس كل من عند ربنا يعني ما نسخ وما لم ينسخ قال ابن كيسان احكامها بيانها وايضاحها وقد يكون ايجابها والزامها وقد يكون انها لا تحتمل الا معاني الفاظها ولا يضل أحد في تأويلها ويجمع ذلك ان كل محكم تام الصنعة وقد يكون الاحكام ها هنا المنع من احتمال التأويلات ومنه سميت حكمة الدابة

لمنعها اياها قال متشابهات يحتمل ان يشبه اللفظ اللفظ ويختلف المعنى أو يشتبه المعنيان ويختلف اللفظ أو يشتيه الفعل من الامر والنهي فيكون هذا نحو الناسخ والمنسوخ وقيل المتشابهات ما كان نحو قوله تعالى ثلاثة قروء وأجمع هذه الاقوال ان المحكم ما كان قائما بنفسه لا يحتاج الى استدلال والمتشابه ما لم يقم بنفسه واحتاج الى استدلال 7 - وقال الله عز وجل منه ايات محكمات وقد قال كتاب أحكمت آياته وقال واخر متشابهات وقد قال كتابا متشابها فالجواب ان معنى احكمت آياته جعلت كاها إلا محكمة ثم فصلت فكان بعضها أم

الكتاب وليس قوله منه آيات محكمات بمزيل الحكمة عن المتشابهات وكذا كتابا متشابها وليس قوله واخر متشابهات بمزيل عن المحكمات ان تكون متشابهات في باب الحكمة بل جملته إذا كان محكما لاحقة لجميع ما فصل منه وكتابا متشابها أي متشابها في الحكمة لا يختلف بعضه مع بعض كما قال تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقد بينا معنى ومنه آيات محكمات بأقاويل العلماء فيه وهذا معنى قول ابن عباس انها ما أوجب الله على عباده من أحكامه اللازمة التي لم يلحقها تغير ولا تبديل وقد يكون المحكم ما كان خبرا لانه لا يلحقه نسخ والمتشابه الناسخ والمنسوخ لانهم لا يعلمون منتهى ما يصيرون إليه

منه وفي كل ذلك حكمة وبعضه يشبه بعصا في الحكمة وقال تعالى هن ام الكتاب ولم يقل امهات قال الاخفش هذا حكاية قال الفراء هن ام الكتاب لان معناهن شئ واحد قال ابن كيسان وأحسب الاخفش اراد هذا أي هن الشئ الذي يقال هو ام الكتاب أي كل واحدة منهن يقال لها أم الكتاب كما تقول أصحابك علي اسد ضار أي واحد كاسد ضار لانهم جروا مجرى شئ واحد في الفعل ومنه وجعلنا ابن مريم وامه آية لان شانهما واحد

في انها جاءت به من غير ذكر وانه لااب فيه له فلم تكن الآية ة لها صلى الا به ولا له الا بها ولم يرد ان يفصله منها فيقول آيتين وكذلك هن ام الكتاب انما جعاهن وقال شيئا واحدا في الحكمة والبيان فذلك الشئ هو ام الكتاب 8 - ثم قال تعالى فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه روى أيوب عن ابن ابي مليكة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم فأما الذين في قلوبهم زيغ فيبتبعون أنه ما تشابه منه قال فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم اؤلئك فاحذروهم قال ابن عباس هم الخوارج وقال أبو غالب قال أبو أمامة الباهلي ورأى رؤوسا

من رؤوس الخوارج فقرأ فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ثم قال هم هؤلاء فقلت يا ابا أمامة أشيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيئا قلته من رأيك فقال أني إذا لجرئ يقولها ثلاثا بل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث قال مجاهد الزيغ الشك وابتغاء الفتنة الشبهات وقيل افساد ذات البين وقد ذكرنا تصرف الفتنة والتأويل من قولهم آل الامر الى كذا

الى صار إليه وأولته تأويلا صيرته إليه قيل الفرق بين التأويل والتفسير ان التفسير نحو قول العلماء الريب الشك والتاويل نحو قول ابن عباس الجد أب وتامل قول الله يا بني آدم 9 - ثم قال تعالى وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به في هذه الآية اختلاف كثير منه ان التمام عند قوله لا الله وهذا قول الكسائي والاخفش والفراء وابي عبيدة وابي حاتم ويحتج في ذلك بما روى طاووس عن ابن عباس انه قرأ وما يعلم تأويله الا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به

وقال عمر بن عبد العزيز انتهى علم الراسخين في العلم الى ان قالوا آمنا به قال ابن كيسان التأويل في كلام العرب ما يؤول إليه معنى الكلام فتاويله ما يرجع إليه معناه وما يستقر عليه الامر في ذلك المشتيه هل ينجح ام لا فالكلام عندي منقطع على هذا والمعنى والثابتون وهو في العم المنتهون الى ما يحاط به منه مما اباح الله خلقه بلوغة يقولون آمنا به على التسليم والتصديق به وان لم ينتهوا الى علم ما يوؤل صلى الله عليه وسلم إليه أمره ودل على هذا كل من عند ربنا أي المحكم والمتشابه فلو كان كله عندهم سواء لكان كله محكما ولم ينسب شئ منه ألى المتشابه

قال أبو جعفر وهذا قول حسن واكنه على قول من قال المحكم الذي لا ينسخ نحو الاخبار ودعاء العباد الى التوحيد والمتشابه ما يحتمل النسخ من الفرائض لم يكن الى العباد علم تأويله وما يثبت عليه ومن جعل تأويله بمعنى تفسيره لانه ما يؤول إليه معنى الكلام فالراسخون في العلم عنده يعلمون تأويله كما روى ابن نجيج عن مجاهد الراسخون في العلم يعلمون تأويله يقولون آمنا به قال مجاهد قال ابن عباس أنا ممن يعلم تأويله

قال أبو جعفر والقول الاول وان كان حسنا فهذا أبين منه لان واو العطف الاولى بها ان تدخل الثاني فيما دخل فيه الاول حتى يقع دليل بخلافة وقد مدح الله عز وجل الراسخين بثباتهم في العلم فدل على انهم يعلمون تأويله وقد قال جل وعز أفلا يتدبرون القرآن وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه دعا لابن عباس فقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل

وقال أبو اسحاق معنى ابتغائهم تأويله انهم طلبوا تأويل بعثهم واحيائهم إذا فاعلم الله عز وجل ان تأويل ذلك ووقته لا يعلمه الا الله قال والدليل على ذلك قوله هل ينظرون الا تأويله يوم ياتي تأويله أي يوم يرون ما وعدوا به من البعث والنشور والعذاب يقول الذين نسوه أي تركوه قد جاءت رسل ربنا بالحق أي قد رأينا تأويل ما انبأتنا به الرسل قال والوقف التام وما يعلم تأويله الا الله أي يعلم احد متى البعث غير الله 10 - وقوله جل وعز ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا أي لا تبتلينا بما نزيغ به أي يقولون هذا ويجوز ان يكون المعنى قل يا محمد

ويقال أزاغة القلب فساد وميل عن الدين أو كانوا يخافون وقد هدوا ان ينقلهم الله الى الفساد فالجواب ان يكونوا سألوا إذ هداهم الله ان لا يبتليهم فقال بما يثقل عليهم من الاعمال فيعجزوا عنه نحو ولو أنا كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم قال ابن كيسان سألوا ان لا يزيغوا فيزيغ الله قلوبهم نحو فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم أي ثبتنا على هدايتك إذ هديتنا وان لا نزيغ فنستحق ان تزيغ قلوبنا قال وفيها جواب اخر انه جل وعز الذي من عليهم بالهداية وعرفهم ذلك فسألوه ان يدوموا على ما هم عليه وان يمدهم منه بالمعونة وان لا يلجئهم الى انفسهم وقد ابتداهم

بفضله فتزيغ قلوبهم وذلك مضاف إليه جل وعز لانه إذا تركهم ولم يتول هدايتهم ضلوا فكان سبب ذلك تخليته اياهم قال وقول جامع القلوب لله جل وعز يصرفها كبف يشاء وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك 11 - وقوله عز وجل ربنا انك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ان الله لا يخلف الميعاد قال ابن كيسان لا ريب فيه أي دليله قائم في أنفس

العباد وان جحدوا به لاقرارهم بالحياة الاولى ولم يكونوا قبلها شيئا فإذا عرفوا الاعادة فهي لهم لازمة بان يقروا بها وان لا يشكوا فيها لان انشاء ما لم يكن مبين بان المنشء على الاعادة قادر ومن حسن ما قيل فيه ان يوم القيامة لا ريب فيه لانهم إذا شاهدوه وعاينوا ما وعدوا فيه لم يجز ان يداخلهم ريب فيه 12 - ثم قال جل وعز ان الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا اولادهم من الله شيئا وذلك ان قوما قالوا شغلتنا أموالنا واهلونا 13 - ثم قال تعالى وأولئك هم وقود النار أي هم بمنزلة الحطب في النار

14 - ثم قال تعالى كداب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فاخذهم الله بذنوبهم قال الضحاك كفعل آل فرعون قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة ويقال دأب يدأب إذا اجتهد في فعله فيجوز ان تكون الكاف معلقة بقوله وقود النار أي عذبوا تعذيبا كما عذب آل فرعون وتجوز ان تكون معلقة بقوله لن تغني عنهم ويجوز ان تكون معلقة بقوله فأخذهم الله بذنوبهم قال ابن كيسان ويحتمل على بعد ان تكون معلقة بكذبوا ويكون في كذبوا ضمير الكافرين لا ضمير آل فرعون

قال أبو اسحاق المعنى اجتهادهم في كفرهم هو كاجتهاد آل فرعون والكاف في موضع رفع أي دابهم مثل دأب آل فرعون 15 - ثم قال جل وعز قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم وبئس المهاد قال ابن كيسان ستغلبون أي قل لهم هذا وبالياء لانهم في وقت الخطاب غيب ويحتمل ان يكون الذين أمره ان يبلغهم غير المغلوبين وقد قيل انه امر ان يقول لليهود سيغلب المشركون

16 - ثم قال عز وجل قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله واخرى كافرة يرونهم مثليهم راي العين والمعنى قد كان لكم علامة من اعلام النبي صلى الله عليه وسلم لانه أنباهم بما لم يكن والفئة الفرقة من قولهم فأوت رأسه بالسيف وفأيته أي فلقته قرأ أبو عبد الرحمن ترونهم مثليهم بضم التاء وروى علي ابن ابي طلحة يرونهم بضم الياء وروى ابن نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز قد كان

لكم أية في فئتين التقتا قال محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه ومشركوا بدر وأنكر أبو عمرو ان يقرأ ترونهم بالتاء قال ولو كان كذلك لكان مثليكم قال أبو جعفر وذا لا يلزم ولكن يجوز ان يكون مثلي أصحابكم قال ابن كيسان الهاء والميم في ترونهم عائدة الى وأخرى كافرة والهاء والميم في مثليهم عائدة الى فئة تقاتل في سبيل الله وهذا من الاضمار الذي يدل عليه سياق الكلام وهو قوله والله يؤيد بنصره من يشاء فدل عل ان الكافرين كانوا مثلي المسلمين في رأي العين وكانوا ثلاثة أمثالهم في العدد قال والرؤية ها هنا لليهود

قال ومن قال يرونهم بالياء جعل الرؤية للمسلمين يرون المشركين مثلهم وكان المسلمون يوم بدر ثلثمائة واربعة عشر والمشركون تسع مائة وخمسين فاري المسلمون المشركين ضعفهم وقد وعدوهم ان الرجل منهم يغلب الرجلين من المشركين فكانت تلك آية ان يرة اأي الشئ على خلاف صورته كما قال تعالى وإذا يريكموهم إذ التقيم في اعينكم قليلا ويقللكم في اعينهم ليقضي الله امرا كان مفعولا قال أبو اسحاق ليؤلف بينهم على الحرب للنقمة ممن

اراد الانتقام منه والانعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته قال الفراء يحتمل مثليهم ثلاثة امثالهم قال أبو اسحاق وهذا باب الغلط فيه غلط بين في جميع المقايس لانا أنما نعقل مثل الشئ مساويا له ونعقل مثليه ما يساوي مرتين قال ابن كيسان الازدي كيف يقع المثلان موقع ثلاثة امثال الا اني أحسبه جعل ترونهم راجعة الى الكل ثم جعل المثلين مضافا الى نصفهم على معادلة الكافرين المؤمنين أي يرون الكل مثليهم لو كان الفريقان معتدلين

قال والراءون ثنا هاهنا اليهود وقد بين الفراء قوله بان قول كما تقول وعندك عبد أحتاج الى مثليه فأنت محتاج الى ثلاثة وكذلك عنده إذا قلت معي درهم واحتاج الى مثليه فأنت تحتاج الى ثلاثة مثليه والدرهم لانك لا تريد ان يذهب الدرهم والمعنى يدل على خلاف ما قال وكذلك اللغة فانهم إذا رأوهم على هيأتهم فليس في هذه آية واللغة على خلاف هذا لانه قد عرف بالتميز معنى المثل والذي اوقع الفرأ في هذا ان المشركين كانوا ثلاثة امثال المؤمنين يوم بدر فتوهم ان لا يجوز ان يكونوا يرونهم الا على عادتهم فتأول انك إذا قلت عندي درهم واحتاج الى مثله والدرهم بحاله فقد صرت تحتاج الى درهمين وهذا بين وليس المعنى عليه وانها اراهم الله اياهم على غير عدتهم لجهتين

احدهما انه راى الصلاح في ذلك لان المؤمنين تقوى قلوبهم بذلك والاخرى انه آيه للنبي صلى الله عليه وسلم 17 - وقوله جل وعز زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة قيل لما كانت معجبة كانت كأنها قد زينت وقيل زينها الشيطان

والقناطير المقنطرة القنطار في كلام العرب الشئ الكثير مأخوذ من عقد الشئ واحكامه والقنطرة من ذلك ومقنطرة به أي مكملة كما تقول الاف مؤلفة 18 - ثم قال جل وعز والخيل المسمومة والانعام والحرث الخيل المسمومة قال مجاهد الحسنة وقال سعيد بن جبير الراعية وقال أبو عبيدة والكسائي قد تكون مسموة المعلمة قال أبو جعفر قول مجاهد حسن من قولهم رجل وسيم وقول سعيد بن جبير لا يمتنع من قولهم سامت تسوم وأسمتها وسومتها أي رعيتها وقد تكون راعية حسانا معلمة لتعرف من غيرها وقال أبو زيد أصل ذلك أن تجعل عليها صوفة

أو علامة تخالف سائر جسدها لتبين من غيرها في المرعى والانعام الابل والبقر والغنم والحرث الزرع وقوله تعالى والله عنده حسن المآب أي المرجع 19 - ثم قال عز وجل للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وازواج مطهرة وازواج مطهرة أي من الادناس والحيض 20 - ثم قال تعالى الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار قيل الصابرون الصائمون ويقال في شهر رمضان شهر الصبر والصحيح ان الصابر هو الذي يصبر عن المعاصي

والقانتون لله المصلون والنفقون هذا المتصدقون 21 - ثم قال جل وعز شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة وأولو العلم قال أبو عبيدة شهد معناه قضى أي أعلم قال أبو جعفر قال أبو اسحاق وحقيقة هذا ان الشاهد هو الذي يعلم الشئ ويبنيه فقد دلنا الله عز وجل بما خلق وبين على وحدانيته وقرأ الكسائي بفتح أن في قوله انه لا اله الا هو وفي قوله سبحانه ان الدين عند الله الاسلام

قال أبو العباس محمد بن يزيد التقدير على هذه القراءة ان الدين عند الله الاسلام بانه لا اله الا هو ثم حذفت الباء وانشد سيبويه * أمرتك الخير فافعل ما أمرت به * فقد تركتك ذا مال وذا نشب * المعنى أي امرتك بالخير قال الكسائي انصبهما جميعا بمعنى شهد الله انه كذا وان الدين عند الله الاسلام ويكون ايضا بمعنى شهد الله انه لا اله الا هو ان الدين عند الله الاسلام قال ابن كيسان ان الثانية بدل من الاولى لان الاسلام تفسيره المعنى الذي هو التوحيد وقرأ ابن عباس فيما حكى الكسائي شهد الله انه لا اله

الا هو وقرأ ان الدين عند الله الاسلام والتقدير على هذه القرأة شهد الله ان الدين الاسلام ثم ابتدأ فقال انه لا اله الا هو وروي عن محارب ابن دثار عن عمه ابي المهلب انه قرأ وكان قارئا شهداء لله وقوله تعالى قائما بالقسط يعني بالعدل 22 - ثم قال جل وعز ان الدين عند الله الاسلام الاسلام في اللغة الخضوع والانقياد ومنه استسلم الرجل فمعنى اسلم خضع وقبل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم

وروى ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال بني الاسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم شهر رمضان 23 - وقوله عز وجل ومن يكفر بآيات الله فأن الله سريع الحساب في الآية قولان أحدهما ان المعنى ان الحساب قريب كما قال تعالى وما امر الساعة الا كلمح البصر أو هو أقرب والقول الاخر ان محاسبته سريعة لانه عالم بما عمل عباده لا يحتاج ان يفكر في شئ منه

24 - وقوله عز وجل فان حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن أمره الله ان يحتج عليهم بأنه متبع أمر من هم مقرون به لانهم مقرون بان اله عز وجل خالقهم فأمروا أن يعبدوا من خلقهم وحده ومعنى أسلمت وجهي لله أسلمت نفسي لله كما قال تعالى ويبقى وجه ربك أي ويبقى ربك. 25 - وقوله عز وجل وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين

الذين اوتوا الكتاب اليهود والانصاري ثم والاميون مشركو العرب كأنهم نسبوا الى الام لانهم بمنزلة المولود في انهم لا يكتبون وقيل هم منسبون الى ام القرى وهي مكة 26 - وقوله عز وجل أأسلمتم قيل معناه أسلموا وحقيقته أنه على التهديد كما تقول للرجل أأفلت رسول مني 27 - ثم قال تعالى فان اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فانما عليك البلاغ ونسخ هذا بالامر بالقتال

ثم قال تعالى والله بصير بالعباد أي بصير بما يقطع عذرهم 28 - وقوله عز وجل ان الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب اليم قال معقل بن ابي مسكين كانت الانبياء صلوات الله عليهم تجئ الى بني اسرائيل بغير كتاب فيقتلونهم فيقوم قوم ممن اتبعهم فيأمرون بالقسط أي بالعدل فيقتلون فان قال قائل الذين وعظوا بهذا لم يقتلوا نبيا فالجواب عن هذا انهم رضوا فعل من قتل فكانوا بمنزلته وأيضا فإنهم قاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهموا بقتلهم كما

قال عز وجل وإذا يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك 29 - ثم قال الله عز وجل الم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب أي حظا وافرا يدعون الى كتاب الله ليحكم بينهم وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع ليحكم بينهم والقراءة الاولى أحسن كقوله هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق

30 - وقوله عز وجل ذلك بانهم قالوا لن تمسنا النار الا أياما معدودات روي أنهم قالوا انما نعذب اربعين يوما وهي الايام التي عبد فيها آباونا العجل فأخبر الله عز وجل ان هذا افتراء منهم وكذب فقال تعالى وغرهم قي دينهم ما كانوا يفترون أي يختلفون من الكذب كأنهم يسوون ما لم يكن من فريت الشئ قال زهير * ولانت تفري ما خلقت * وبعض القوم يخلق ثم لا يفري * 31 - وقوله عزوجل فكيف إذا جمعنا هم ليوم لا ريب فيه

في الكلام حذف والمعنى فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه أبي لاشك فيه انه كائن 32 - وقوله عز وجل قل اللهم مالك الملك توتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء قيل الملك ها هنا النبوة وقيل هو المال والعبيد وقيل هو الغلبة وقال قتادة بلغني ان النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله عز وجل ان يعطي أمته ملك فارس فأنزل الله عز وجل هذه الآية

ومعنى تؤتى الملك من تشاء أي من تشاء ان توتيه ولا وتنزع الملك ممن تشاء أي ممن تشاء ان تزعه منه ثم حذف هذا وأنشد سيبويه * الأهل لهذا الدهر من متعلعل لم * على الناس مهما شاء بالناس يفعل * قال أبو اسحاق المعنى مهما شاء ان يفعل بالناس يفعل 33 - وقوله عز وجل وتعز من تشاء وتذل من تشاء يقال عز إذا غلب وذل يذل ذلا إذا غلب وقهر قال طرفة * بطئ على الجلى سريع الى الخنا * ذليل بأجماع الرجال ملهد *

34 - وقوله عز وجل تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل قال عبد الله ابن مسعود هو قصره في الشتاء والصيف فالمعنى على هذا تنقص من الليل وتدخل النقصان في النهار وتنقص من النهار وتدخل النقصان في الليل يقال ولج يلج ولوجا حدثنا ولجة إذا دخل قال الراجز متخذا في ضعوات ابن تولجا

35 - وقوله عز وجل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي قال سلمان أي تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن قال عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك وهذا معنى قولهم تخرج النطفة وهي ميتة من الرجل وهو حي وتخرج الرجل وهو حي من النطفة وهي ميتة

36 - ثم قال تعالى وترزق من تشاء بغير حساب أي يغير تضيق ولا تقتير كما تقول فلان يعطي بغير حساب كانه لا يحسب ما يعطي 37 - وقوله عز وجل لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أي لا يتولوهم في الدنيا لان المنافقين اظهروا الايمان وعاضدوا قوله الكفار فقال الله عز وجل ومن يتولهم منكم فانه منهم وقال ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ الا ان تتقوا منهم تقاة

قال ابن عباس هو ان يتكلم بلسانه ولا يقتل ولا ياتي إنما ويكون قلبه مطمئنا بالايمان وقرأ جابر بن زيد ومجاهد وحميد والضحاك الا ان تتقوا منهم تقية وقال الضحاك التقية باللسان والمعنى عند اكثر أهل اللغة واحد وروى عوف عن الحسن قال التقية جائزة للمسلم الى يوم القيامة غير انه لا يجعل في القتل تقية ومعنى فليس من الله شئ فليس من حزب الله وحكى سيبويه هو منى فرسخين أي من أصحابي ومعنى من دون المؤمنين من مكان دون مكان

المؤمنين وهو مكان الكافرين 38 - ويحذركم الله نفسه والله رؤوف له بالعباد أي يحذركم أياه 39 - وقوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله والمحبة في كلام العرب على ضروب منها الحبة في الذات والمحبة من الله لعباده المغفرة والرحمة والثناء عليها والمحبة من عباده له القصد لطاعته والرضا لشرائعه 40 - وقوله تعالى قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فان الله لا يحب الكافرين المعنى لا يحبهم ثم أعاد الذكر وكذلك فان الله ولم يقل فانه والعرب إذا عظمت الشئ أعادت ذكره وانشد سيبويه

* لا أرى الموت يسبق الموت شئ * نغص الموت ذا الغنى والفقيرا * 41 - وقوله عز وجل ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين قال أهل التفسير المعنى على عالم أهل زمانهم ومعنى اصطفى اختار وهذا تمثيل لان الشئ الصافي هو النقي من الكدر فصفوة الله عز وجل هم الانقياء ذلك من الدنس ذوو الخير والفضل 42 - وقوله عز وجل إذ قالت امرأة عمران رب اني نذرت لك ما في بطني محررا روى حفيص عن مجاهد وعكرمة ات المحرر الخالص لله

عز وجل لا يشوبه شئ من امر الدنيا وهذا معروف في اللغة ان يقال لكل ما خلص حر ومحرر بمعناه قال ذو الرمة * والقرط في حرة الذفرى معلقة * تباعد الحبل منه فهو يضطرب * 43 - وقوله عز وجل فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى قال ابن عباس انما قالت هذا لانه لم يكن يقبل في النذر الا الذكور فقبل الله مريم

44 - ثم قال تعالى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالانثى في الكلام تقديم وتأخير والمعنى قالت ربي اني وضعتها انثى ولبس الذكر كالانثى فقال الله عز وجل والله اعلم بما وضعت وقرأ أبو الرجاء وابراهيم النخعي وعاصم والله اعلم بما وضعت فعلى هذه القراءة ليس في الكلام تقديم ولا تأخير 45 - وقوله تعالى وكفلها زكريا قال قتادة كانت مريم بنت عمران امامهم وسيدهم

فقارعوا عليها سهامهم فخرج سهم زكريا فكفلها أي ضمها إليه وفي الحديث كافل اليتيم له كذا وقال الحسن قبلها وتحملها وقال أبو عبيدة معنى كفلها ضمها أو ضمن القيام بها 46 - وقوله تعالى كاما دخل عليها زكريا الحراب وجد عندها رزقا المحراب في اللغة المكان العالي ويستعمل لاشرف المواضع وان لم يكن عاليا الا انه روي ان زكريا كان يصعد إليها بسلم

ومعنى وجد عندها رزقا على قول مجاهد وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء 47 - وقوله تعالى قال يا مريم انى لك هذا قال أبو عبيدة المعنى من اين لك وهذا القول فيه تساهل لان أين سؤال عن المواضع وأنى سؤال عن المذاهب والجهات والمعنى من أي المذاهب ومن أي الجهات لك هذا وقد فرق الكميت بينهما فقال * أنى ومن أين آبك الطرب * من حيث لاصبوة ولا ريب *

قالت هو من عند الله من قبل الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب أي بغير تقتير 48 - وقوله تعالى فنادته الملائكة روي أن جبريل صلى الله عليه وسلم هو الذي ناده وحده وهذا لا يمتنع في اللغة كما تقول ركب فلان السفن وانما ركب سفينة واحدة أي ركب هذا الجنس 49 - وقوله تعالى مصدقا بكلمة من الله قال ابن عباس صدق بعيسى وقال الضحاك بشر بعيسى ومعنى بشرته أظهرت في بشرته السرور

فان قيل فما تسميه عيسى بالكلمة ففي هذا اقوال أحدهما انه لما قال الله عز وجل كن فكان سماه بالكلمة فالمعنى على هذا ذو كلمة الله كما قال تعالى واسأل القرية وقيل سمي بهذا كما يقال عبد الله وألقاها على اللفظ وقيل لما كانت الانبياء قد بشرت به وأعلمت انه يكون من غير فحل وبشر الله مريم به كما قال انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا فلما ولدته على الصفة التي وصف بها

قال الله عز وجل هذه كلمتي كما تخبر الرجل بالشئ أو تعده به فإذا كان قلت هذا مولي وهذا كلامي والعرب تسمي الكلام الكثير والكلمة الواحدة كلمة كما روي ان الحويدرة ذكر لحسان فقال لعن الله كلمته تلك يعني قصيدته وقيل سمي كلمة لان الناس يهتدون به كما يهتدون بالكلمة 50 - وقوله تعالى وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين قال سعيد بن جبير والضحاك السيد الحليم

وقيل الرئيس وروى يحيى بن سعيد الانصاري عن سعيد بن المسيب انه قرأ وسيدا وحصورا فأخذ من الارض شيئا ثم قال الحصور الذي لا يأتي النساء

يقال حصر إذا منع ف حصور بمعنى محصور وكانه منع مما يكون في الرجال وفعول بمعنى مفعول كثير في كلام العرب من ذلك حلوب بمعنى محلوبة قال الشاعر * فيها اثنثان محمد واربعون حلوبة * سواد كخافيه إلى الغراب الاسحم * ويقال حصرت الرجل إذا حسبته واحصر كان المرض إذا منعه من السير والحصير من هذا سمي لان بعضة حبس على بعض وقيل هو الحابس نفسه عن معاصي الله عز وجل

وقال ابن عباس الذي لا ينزل 51 - وقوله تعالى قال رب انى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامراتي عاقرا يقال كيف استنكر هذا وهو نبي يعلم ان الله يفعل ما يريد ففي هذا جوابان احدهما ان المعنى بأي منزلة استوجبت هذا على التواضع لله وكذلك قيل في قول مريم أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر والجواب الاخر ان زكريا أراد ان يعلم هل يرد شابا وهل ترد امراته وهل يرزقهما الله ولدا من غير رد أو من غيرها فأعلم الله عز وجل انه يرزقهما ولدا من غير رد فقال

عز وجل كذلك يفعل الله ما يشاء ويقال عقرت المرأة إذا لم تحمل وعقر الرجل إذا لم يولد له والذكر والانثى عاقر 52 - وقوله تعالى قال رب اجعل لي آية أي علامة قال آيتك ان تكلم الناس ثلاثة ايام الا رمزا قال قتادة انما عوقب بهذا لانه طلب الآية بعد مشافهة الملائكة اياه بالبشارة وقال مجاهد الرمز تحرك الشفتين وقال الضحاك الرمز تحريك اليدين والرأس

والرمز في اللغة الاشارة كانت بيد أو راس أو حاجب أو فم يقال رمز أي اشار ومنه سميت الفاجرة رامزة أبو ورمازة أو لانها تومئ ولا تعلن 53 - ثم قال تعالى واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار وقرئ الابكار وهو جمع بكر ويقال بكر وبكر وابتكار) وأبكر إذا جاء في اول الوقت ومنه سميت الباكورة ويقال ابكر إذا خرج من بين مطلع الفجر الى وقت الضحى والعشي من حين نزول الشمس الى ان تغيب وهو

معنى قول مجاهد 54 - وقوله تعالى واذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك أي اختارك وطهرك من الادناس وقيل من الحيض واصطفاك على نساء العالمين فيه قولان أحدهما ان المعنى على أهل زمانها والقول الاخر على جميع النساء بعيسى فليس مولود ولد من غير ذكر الا عيسى عليه السلام 55 - وقوله تعالى يا مريم اقنتي لربك قيل القنوت ها هنا القيام وروي ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل ما أفضل الصلاة فقال طول القنوت أي طول القيام وسمي الدعاء

قنوتا لانه يدعى به في القيام وروى عمرو بن الحارث عن دراج عن ابي اللهيثم عن ابي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم كل حرف ذكره الله في القرآن من القنوت فهو الطاعة 56 - ثم قال تعالى واسجدي واركعي مع الراكعين وفي هذا جوابان فبداء عبد بالسجود قبل الركوع أحدهما أن في شريعتهم السجود قبل الركوع والقول الاخر ان الواو تدل على الاجتماع فإذا قلت قام زيد وعمر جاز ان يكون عمر قبل زيد فعلى هذا يكون المعنى واركعي واسجدي ولهذا أجاز النحويون قام وزيد عمرو

وأنشدوا * الا يا نخلة من ذات عرق * عليك ورحمة الله السلام * 57 - وقوله تعالى ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك أي من اخبار ما غاب عنك ثم قال تعالى وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم لديهم معناه عندهم قيل الاقلام السهام يتقارعون بها وسمي السهم قلما لانه يقلم أي يبرى 58 - ثم قال تعالى ايهم يكفل مريم أي لينظرو اأيهم تجب له كفالة مريم وفي الكلام حذف أي إذ يختصمون فيها أيهم أحق بها

59 - وقوله تعالى وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين الوجية الذي له القدر والمنزلة الرفيعة يقال لفلان جاه وجاهة وقد وجه يوجه وجاهة 60 - وقوله تعالى ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين يقال اكتهل النبت إذا تم والكهل ابن الاربعين أو ما قاربها وقال يزيد بن ابي حبيب الكهل منتهى الحلم والفائدة في قوله تعالى وكهلا انه خبرها انه يعيش الى ان يصير كهلا

61 - وقوله تعالى ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل قيل يعني الهاما 62 - وقوله تعالى وأبرئ الاكمة والابرص واحي الموتى باذن الله الاكمة قال مجاهد هو الذي يبصر في النهار ولا يبصر في الليل فهو يتكمه قال الكسائي يقال كمه يكمه كمها وقال الضحاك هو الاعمى قال أبو عبيدة هو الذي يولد اعمى وأنشد لرؤبة

هرجت فارتد ارتداد الاكمة قال أبو عبيدة في قوله تعالى ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم يجوز ان يكون معنى الكل وانشد للبيد * تراك أمكنه إذا لم أرضها * أو يرتبط بعض النفوس حمامها * وهذا القول غلط عند أهل النظر من أهل اللغة لان البعض والجزء لا يكونان بمعنى الكل وقال أبو العباس معنى أو يرتبط بعض النفوس

أو يرتبط نفسي كما يقول بعضنا يعرفه أي انا اعرفه ومعنى الاية على بعضها لان عيسى صلى الله عليه وسلم انما احل لهم أشياء مما حرمها عليهم موسى من أكل الشحوم وغيرها ولم يحل لهم القتال ولا السرقه ولا الفاحشه منها والدليل على هذا انه روي عن قتادة انه قال جاءهم عيسى بألين مما جاء به موسى صلى الله عليهما لان موسى جاءهم بتحريم الابل وأشياء من الشحوم فجاءهم عيسى بتحليل بعضها 63 - وقوله تعالى فاعبدوه هذا صراط مستقيم أي هذا طريق واضح 64 - وقوله تعالى فلما أحس عيسى منهم الكفر

قال أبو عبيدة أحس بمعنى عرف قال من أنصاري الى الله قال سفيان أي مع الله وقد قال هذا بعض أهل اللغة وذهبوا ألى أن حروف الخفض يبدل بعضها من بعض واحتجوا بقوله تعالى ولا صلبنكم في جذوع النخل قالوا معنى في معنى على وهذا القول عند أهل النظر لا يصح لان لكل حرف معناه وانما يتفق الحرفان لتقارب المعنى فقوله تعالى ولا صلبنكم في جذوع النخل كان الجذع مشتملا على من صلب ولهذا دخلت في لانه قد صار بمنزلة الظرف ومعنى من أنصاري الى الله من يضم نصرته اياي الى نصرة الله عز وجل

65 - ثم قال تعالى قال الحواريون نحن أنصار الله روى سعيد بن جبير عن ابن عباس انه انما سموا حواريين لبياض ثيابهم وكانوا صيادين وقال ابن أرطاة انما كانوا غسالين يحورون الثياب أي يغسلونها وقال أهل اللغة الحواريون صفوة الانبياء وهم المخلصون وروى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي أي صفوتي ومنه قيل عن حوراء إذا

اشتد بياضها وسوادها وامرأة حوراء إذا خلص بياضها مع حور العين ومنه قيل لنساء الانصار حواريات لنظافتهن عليه وقال أبو جلدة اليشكري * فقل للحوريات أبي يبكين غيرنا * ولا تبكنا الا الكلاب النوابح * ومنه الحوري 66 - وقوله تعالى فاكتبنا مع الشاهدين أي مع الشاهدين لرسولك بالتصديق وروى اسرائيل عن سماك بن عكرمة عن ابن عباس فاكتبنا مع الشاهدين

قال محمد صلى الله عليه وسلم وأمته شهدوا له انه قد بلغ وشهدوا للرسل انهم قد بلغوا 67 - وقوله عز وجل ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين هذا راجع الى قوله تعالى فلما أحس عيسى منهم الكفر والمكر من الخلائق خب ومن الله مجازة كما قال تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها 68 - وقوله عز وجل إذ قال الله يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا في الآية قولان احدهما ان المعنى أني رافعك ألي ومطهرك من الذين

كفروا ومتوفيك وهذا جائز في الواو لانه قد عرف المعنى وانه لم يمت بعد والقول الاخر ان يكون معنى متوفيك قابضك من غير موت مثل توفيت مالي من فلان أي قبضته كما قال جل وعز الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها وقال الربيع بن أنس يعني وفاة المنام رفعه الله عز وجل في منامه

وقال مطر الوراق متوفيك ورافعك واحدة ولم يمت بعد وروى ابن ابي طلحة عن ابن عباس متوفيك أي مميتك ثم قال وهب توفاه الله ثلاث ساعات من النهار ومحمد بن جرير يميل الى قول من قال أني قابضك من الارض بغير موت ورافعك الي لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ليهبطن عيسى بن مريم الى الارض 69 - ثم قال تعالى وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة

قال قتادة يعني المسلمين لانهم اتبعوه فلا يزالون ظاهرين الى يوم القيامة وقال غيره الذين اتبعوه محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمون لان دينهم التوحيد كما كان التوحيد دين عيسى صلى الله عليه وسلم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال أنا أولى الناس بابن مريم وروى يونس بن ميسرة بن حلبس عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لن تبرح طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ونزع بهذه الآية يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا

وجاعل الذين اتبعوك يا محمد فوق الذين كفروا الى يوم القيامة 70 - ثم قال تعالى الي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون أي فافصل بينكم وتقع المجازاة عليه لأنه قد بين لهم في الدنيا 71 - ثم قال تعالى فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والاخرة عذابهم في الدنيا القتل والاسر واخذ الجزية وفي الآخرة النار وما لهم من ناصرين لان المسلمين عالون عليهم ظاهرون

72 - وقوله تعالى ذلك نتلوه عليك من الايات والذكر الحكيم أي من العلامات التي لا تعرف الا بوحي أو بقراءة كتاب ومعنى الحكيم ذو الحكمة 73 - وقوله تعالى الحق من ربك فلا تكن من الممترين الممترون الشاكون فان قيل كيف خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا فعلى هذا جوابان أحدهما ان المعنى يا محمد قل للشاك هذا الحق من ربك فلا تكن من الممترين

والقول الآخر ان الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لجميع الناس فالمعنى على هذا فلا تكونوا من الممترين ويقوي هذا قوله عز وجل يا ايها النبي إذا طلقتم النساء 74 - وقوله تعالى فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا ونساءنا ونساءكم وانفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين قيل يعني بالأنفس هاهنا أهل دينهم كما قال تعالى فسلموا على أنفسكم

وقال تعالى فاقتلوا أنفسكم وأصل الابتهال في اللغة الاجتهاد ومنه قول البيد * في كهول سادة من قومه * نظر الدهر إليهم فابتهل * أي اجتهد في هلاكهم فمعنى الاية ثم نجتهد في الدعاء بالعنة وروي ان قوما من النصارى من أهل نجرن (أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فدعاهم الى الاسلام فقالوا قد كنا مسلمين مثلك فقال كذبتم يمنعكم من الاسلام ثلاث قولكم اتخذ ولدا وأكلكم لحم الخنزير وسجودكم للصليب فقالوا من أبو عيسى فأنزل الله عز وجل ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب

الى قوله تعالى فنجعل لعنة الله على الكاذبين فدعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الالتعان فقال بعضهم بعض ان فعلتم اضطرم الوادي عليكم نارا فقالوا أما تعرض علينا سوى هذا فقال الاسلام أو الجزية أو الحرب فأقروا بالجزية وروى عكرمة عن ابن عباس انه قال لو خرجوا للابتهال لرجعوا لا يرون أهلا ولا ولدا 75 - وقوله تعالى ان هذا لهو القصص الحق أي ان هذا الذي أوحينا اليك لهو القصص الحق وما من اله الا الله من زائدة للتوكيد والمعنى وما اله الا الله العزيز

الحكيم ومعنى العزيز الذي لا يغلب والحكيم ذو الحكمة 76 - ثم قال تعالى فان تولوا فان الله عليم بالمفسدين أي عليم بمن يفسد عباده وإذا علم ذلك جازى عليه 77 - وقوله تعالى قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم معنى كلمة قصة فيها شرح ثم بين الكلمة بقوله الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله السواء النصفة قال زهير

* أروني خطة لا ضيم فيها * يسوى بيننا فيها السواء * 78 - وقوله تعالى يا أهل الكتاب لم تحاجون في ابراهيم وما انزلت التوراة والانجيل الا من بعده لان اليهود قالوا كان ابراهيم منا وقالت النصارى كان منا فأعلم الله ان اليهودية والنصرانية كانتا بعد ابراهيم عليه السلام وان دين ابراهيم الاسلام لان الاسلام هو التوحيد فهو دين جميع الانبياء 79 - ثم قال تعالى ولكن كان حنيفا مسلما

والحنف في اللغة اقبال صدر القدم على الاخرى إذا كان ذلك خلقه فمعنى الحنيف المائل الى الاسلام على حقيقته 80 - وقوله عز وجل ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين امنوا والله ولي المؤمنين والمعنى والنبي والذين آمنوا أولى بابراهيم ويعني بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ومعنى والله ولي المؤمنين ناصرهم 81 - ثم قال تعالى ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وكلهم كذا وانما من هاهنا لبيان الجنس وقد

قيل ان طائفة بعضهم 82 - وقوله تعالى قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون أي وانتم تشهدون بانها حق لانكم كنتم تبشرون بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل ان يبعث 83 - ثم قال تعالى يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل أي لم تغطون 84 - وقوله تعالى وقالت من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون الطائفة الفرقة ووجه النهار أوله قال الشاعر * وتضئ في وجه النهار منيرة * كجمانة البحري سل نظامها *

قال قتادة قال بعض اليهود أظهروا لمحمد الرضا ما بما جاء به أول انهار ثم انكروا ذاك في آخره فانه أجدر ان يتوهم انكم انما فعلتم ذلك لشئ ظهرت لكم تنكرونه وأجدر أن يرجع أصحابه 85 - وقوله تعالى ولا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم قل ان الهدى هدى الله ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل ان الفضل بيد الله يؤته من يشاء قال محمد بن يزيد في الكلام تقديم وتأخير والمعنى ولا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل ان الهدى هدى الله

وقيل المعنى ولا تؤمنوا ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم الا من تبع دينكم واللام زائده والمعنى ولا تصدقوا ان يؤتى أحد من علم رسالة النبي مثل ما أوتيتم وقيل المعنى قل ان الهدى هدى الله ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أي ان الهدى هدى الله وهو بعيد من الكفار وقرأ ابن عباس ومجاهد وعيسى أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم والمعنى ألاأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وقرأ الاعمش إن يوأتى لا أحد مثل ما أتيتم ومعنى ان معنى ما كما قال تعالى ان الكافرون الا في غرور وقد زعم بعض النحويين ان هذا لحن لان قوله تعالى

يحاجوكم بغير نون وكان يجب ان يكون يحاجونكم ولا عامل لها وهذا القول ليس بشئ لان أو تضمر بعدها ان إذا كانت في معنى حتى والاان كم قال الشاعر * فقلت له لا تبك عيناك انما * نحاول ملكا أو نموت فنعذرا * وقيل ان معنى أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم لا تصدقوا ان النبوة تكون الا منكم واستشهد صاحب هذا القول بأن مجاهدا قال في قوله عز وجل بعد هذا يختص برحمته من يشاء انه يعني النبوة 86 - وقوله تعالى ومن أهل الكتاب من ان تأمنه بقنطار يؤده اليك اختلف في معنى القنطار فروي عن ابن عباس والحسن أنهما قالا القنطار ألف مثقال وقال أبو صالح وقتادة القنطار مائة رطل

وروى ابن ابي نجيح وليث عن مجاهد قال القنطار سبعون ألف دينار وروى طلحة ابن عمرو عن عطاء بن ابي رباح المكي قال القنطار سبعة الاف دينار والله اعلم بما أراد ومعنى المقنطرة في اللغة المكملة كما تقول ألف مؤلفة 87 - وقوله تعالى ومنهم من ان تأمنه بدينار لا يؤده اليك الا ما دمت عليه قائما أي مواظبا غير مقصر كما تقول فلان قائم بعمله

قال سيبويه دام بمعنى ثبت قال أبو جعفر وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن البول في الماء الدائم أي الساكن الثابت ذلك انهم قالوا ليس علينا في الاميين سبيل قيل أناليهود أن كانوا إذا بايعوا المسلمين يقولون ليس علينا في ظلمهم حرج لانهم مخالفوت على لنا ويعنون بالاميين العرب نسبوا الى ما عليه الامة من قبل أن يتعلموا الكتابة وقيل نسبوا الى الام ومنه النبي الامي وقيل هو

منسوب الى ام القرى وهي مكة 88 - وقوله تعالى بلى من اوفى بعهده واتقى فان الله يحب المتقين بلى رد لقولهم ليس علينا في الاميين سبيل 89 - ثم قال تعالى ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أؤلئك لا خلاق لهم في الاخرة الخلاق النصيب وروى عبد الله بن مسعود والاشعث بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الذين يشترون بهعد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أؤلئك لاخلاق لهم في الاخرة ولا يكلمهم الله

الى أخر الآية وفي قوله ولا يكلمهم الله قولان أحدهما انه روي ان الله يسمع أولياء كلامه والقول الاخر انه يغضب عليهم كما تقول فلان لا يكلم فلانا ومعنى ولا يزكيهم ولا يثنى عليهم ولا يطهرهم ولهم عذاب اليم أي مؤلم يقال أألم الله إذا أوجع فهو مؤلم واليم على التكثير 90 - وقوله تعالى وان منهم لفريقا يلوون السنتهم بالكتاب

قال الشعبي يلون يحرفون وقال أهل اللغة لويت الشئ إذا عدلته عن قصده وحملته على غير تأويله 91 - وقوله جل وعز ولكن كونوا ربانيين قال سعيد بن جبير والضحاك الرباني الفقيه العالم وقال أبو رزين هو العالم الحليم والالف وانون قال يأتي بهما العرب للمبالغة نحو قولهم جماني للعظيم الجمة وكذلك سكران أي ممتلئ سكرا فمعنى الرباني العالم بدين الرب الذي يعمل بعلمه لانه إذا لم يعمل بعلمه فليس بعالم

وروي عن ابن الحنيفة انه قال لما مات ابن عباس مات رباني هذه الامة ومعنى ولكن كونوا ربانيين ولكن يقول كونوا ربانيين ثم حذف لعلم السامع وقال ابن زيد الربانيون اولاة عن والاحبار العلماء وقال مجاهد الربانيون فوق الاحبار قال أبو جعفر وهذا القول حسن لان الاحبار هم العلماء والرباني الذي الذي يجمع الى العلم البصر للسياسة ماخوذ من قول العرب رب أمر الناس يربه إذا أصلحه وقام به فهو راب ورباني على التكثير

ثم قال تعالى ولا يأمركم ان تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ومن قرا ولا يأمركم بالنصب فمعناه عنده ولا يأمركم البشر لانه معطوف على ما قبله ومن قرأ ولا يأمركم بالرفع فمعناه عنده ولا يأمركم من الله كذا قال سيبويه 92 - وقوله تعالى واذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة قال طاووس أخذ الله ميثاق الاول من الانبياء ان يؤمن بما جاء الاخر 93 - ثم قال جل وعز: ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال فهذه الآية لاهل الكتاب أخذ الله ميثاقهم بان يؤمنوا

بمحمد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وقرا ابن مسعود واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب وقال ابن عباس انما اخذ ميثاق النبيين على قومهم وقال الكسائي يجوز ان تكون واذ اخذ الله ميثاق النبيين بمعنى واذ اخذ الله ميثاق الذين مع النبيين وقال البصريون إذا اخذ الله ميثاق النبيين فقد اخذ ميثاق الذين معهم لانهم قد اتبعوهم وصدقوهم وما بمعنى الذي ويجوز ان تكون للشرط ويقرأ لما بكسر اللام فتكون ما ايضا بمعنى الذي وتكون متعلقة بأخذ

وقرا سعيد بن جبير لما بالتشديد 94 - وقوله تعالى واخذتم على ذلكم اصري قال مجاهد أي عهدي والاصر في اللغة الثقل فسمي العهد اصرارا لانه منع وتشديد 95 - ثم قال تعال ى فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين أي فبينوا لان الشاهد هو الذي يبين حقيقة الشئ 96 - وقوله تعالى أفغير دين الله تبغون أي تطلبون فالمعنى قل لهم يا محمد افغير دين الله تبغون ومن قرا يبغون بالياء فالكلام عنده متناسق في لان قبله فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون

فالمعنى افغير دين الله يبغي هؤلاء 97 - وقوله تعالى وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها معنى وله أسلم خضع ثم قال طوعا وكرها قيل لما كانت السنة فيمن خالف ان يقاتل سمي أسلامه كرها وان كان طوعا لان سببه القتال 98 - وقوله تعالى كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم روى داود بن ابي هند عن عكرمة عن ابن عباس ان رجل من الانصار ارتد قال مجاهد هو الحارث بن سويد بن الصامت الانصاري فلحق أهل الشرك ثم ندم فأرسل الى قومه ان سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة فأنزل الله عز وجل كيف يهدي الله قوما كغزو بعد ايمانهم الى قوله

من بعد ذلك وأصلحوا فأن الله غفور رحيم قال ابن عباس وقال الحسن نزلت في اليهود لانهم كانوا يبشرون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستفتحون على الذين كفروا فلما بعث عاندوا وكفروا قال الله عز وجل أؤلئك جزاؤهم ان عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فأن قيل فهل يلعنهم أهل دينهم ففي هذا أجوبة أحدهما أن بعضهم يلعن بعضا يوم القيامة

وجواب اخر وهو انه يعني بالناس المسلمين وقيل وهو احسنها ان الناس جميعا يلعنونهم لانهم يقولون لعن الله الظالمين كما قال تعالى الا لعنة الله على الظالمين 99 - ثم قال تعالى خالدين فيها أي في اللعنة والمعنى في عذاب اللعنة 100 - وقوله عز وجل ام الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم قال أبو العالية هؤلاء قوم أظهروا التوبة ولم يحققوا وقال غيره نزلت قي قوم ارتدوا ولحقوا بالمشركين ثم قالوا سنرجع ونسلم

فالمعنى انهم اظهروا التوبة ايضا وأضمروا خلاف ذلك والدليل على ذلك قوله عز وجل وأولئك هم الضالون ولو حققوا التوبة لما قيل لهم ضالون ويجوز في اللغة ان يكون المعنى لن تقبل توبتهم فيما تابوا منه من الذنوب وهم مقيمون على الكفر هذا يروي عن ابي العالية ويجوز ان يكون المعنى لن تقبل توبتهم إذا تابوا الى الكفر آخر وانما تقبل توبتهم إذا تابوا الى الاسلام 101 - ثم قال تعالى ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من حدهم ملء الارض ذهبا ولو أفتدى به أؤلئك لهم عذاب اليم وما لهم من ناصرين روى انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له أرأيت لو كان لك ملء الارض ذهبا أكنت مفتديا به

فيقول نعم فيقال له كذبت قد سئلت أقل من هذا ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا الى اخر الاية وقال بعض أهل اللغة الواو مقحمة والمعنى فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا لو افتدى به وقال أهل النظر من النحويين لا يجوز ان تكون الواو مقحمة لانها تدل على معنى ومعنى الآية فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا تبرعا ولو أفتدى به

والملء مقدار ما يملا السئ والملا بالفتح المصدر 102 - وقوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال ابن مسعود وعمرو بن ميمون البر الجنة يكون التقدير على ذا لن تنالوا ثواب البر وقال غيرهما البر العمل الصالح وفي الحديث عليكم بالصدق فانه يدعوا الى البر والبر يدعوا الى الجنة واياكم والكذب فانه يدعو الى الفجور والفجور يدعو الى النار وروى أنس بن مالك انه لما نزلت هذه الاية قال أبو

طلحة انا اتصدق بارضي فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ان يتصدق بها على اقربائه فقسمها بين أبي وحسان وروي ان عمر كتب الى ابي موسى الاشعري ان يشتري له جارية حين فتحت مدائن كسرى فاشتراها ووجه بها إليه فلما رآها اعجب بها ثم أعتقها وقرأ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وقال مجاهد وهو مثل قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه ومعنى حتى تنفقوا حتى تتصدقوا

103 - ثم قال تعالى وما تنفقوا من شئ فان الله به عليم أي إذا علمه جازى عليه 104 - وقوله عز وجل كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل الا ما حرم اسرائيل على نفسه من قبل ان تنزل التوراة قال ابن عباس كان اشتكى عرق النسا كذا روي عنه فكان له زقاء يعني صياح فآلى ل ءن برأ من ذلك لاأكل عرقا وقال مجاهد الذي حرم على نفسه الانعام

قال عطاء حرم لحوم الابل وألبانها وهذا كله صحيح مما كان حرمه واليهود تحرمه الى هذا الوقت كما كان عليه أوائلها وفيه حديث مسند وقال الضحاك قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم حرم علينا هذا في التوراة فأكذبهم الله واخبر ان اسرائيل حرمه على نفسه من قبل ان تنزل التوراة ودعاهم الى احضارها فقال قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين 105 - وقوله عز وجل ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا قال أبو ذر سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي مسجد وضع في الارض أول فقال المسجد الحرام قلت ثم

أي قال ثم بيت المقدس قلت كم كان بينهما قال اربعون سنة ثم حيثما ادركتك الصلاة فصل فانه مسجد وروى اسرائيل عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة قال سأل رجل عليا عن اول بيت وضع للناس للذي ببكة أهو اول بيت في الارض قال لا ولكنه اول بيت وضعت فيه البركة والهدى ومقام ابراهيم ومن دخله كان آمنا وان الله أوحى الى ابراهيم صلوات الله عليه ان ابن لي بيتا وضاق به ذرعا فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج لها راس فنظرت موضع البيت قال أبو الحسن قال أبو بكر الخجوج التي تخج في هبوبها أي تلتوي يقال خجت هذه تخج ولو ضوعفت لقيل

خجخجت سنة والخجخجة عمرو توصف بها السرعه ق بل وقال عطية بكة موضع البيت ومكة ما حوليه وقال عكرمة بكة ما ولي البيت ومكة ما وراء ذلك والذي عليه اكثر أهل اللغة بكة ومكة واحد وانه يجوز ان تكون الميم مبدلة من الباء يقال لازب ولازم وسبد شعره وسمده إذا استاصله وقال سعيد بن جبير سميت بكة لان الناس يتباكون فيها أي يتزاحمون فيها وقال غيره سميت بكة لانها تبكي الجبابرة والميم على هذا بدل من الباء ويجوز ان يكون من قولهم امتك الفصيل الناقة إذا اشتد مصه اياها

والاول أحسن 106 - وقوله عز وجل فيه آيات بينات مقام ابراهيم وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وأهل مكة فيه آية بينة وفسر ذلك مجاهد فقال مقام ابراهيم الحرم كله فذهب الى ان من آياته الصفا والمروة والركن والمقام ومن قرأ آيات بينات فقرأته ابين لان الصفا والمروة من الآيات ومنها ان الطائر لا يعلو البيت صحيحا ومنها ان الجارح يتبع الصيد فإذا دخل الحرم تركه ومنها ان الغيث إذا كان ناحية الركن اليماني كان الخصب باليمين وإذا كان

ناحية الشامي كان الخصب بالشام وإذا عم البيت كان الخصب في جميع البلدان ومنها ان الجمار على ما يزاد عليها ترى على قدر واحد والمقام من قولهم قمت مقام فأما قول زهير * وفيهم مقامات حسان وجوهها * وأندية ينتابها القول والفعل * فمعناه فيهم أهل مقامات 107 - وقوله عز وجل ومن دخله كان آمنا قال قتادة ذلك من آيات الحرم أيضا

وذا قول حسن لان الناس كانوا يتخطفون من حواليه ولا يصل إليه جبار وقد وصل الى بيت المقدس وخرب ولم يصل الى الحرم قال الله عز وجل الم ترا كيف فعل ربك بأصحاب الفيل وروى الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس قال من أصاب حدا في الحرم اقيم عليه وان أصاب خارج الحرم ثم دخل الحرم لم يكلم ولم يجالس ولم يبايع حتى يخرج من الحرم فيقام الحد عليه وقال أكثر الكوفيين ذلك في كل حد يأتي على النفس

وقال قوم الامان ههنا الصيد وأولاها القول الاول ويكون على العموم ولو كان للصيد لكان وما دخله ولم يكن ومن دخله قال فتادة وانما هو ومن دخله في الجاهلية كان آمنا 108 - وقوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال الزبير من وجد قوة وما يتحمل به وقال سعيد بن حبير الزاد والراحلة وروى حماد بن سلمة عن حميد وقتادة عن الحسن ان رجلا قال يا رسول الله ما السبيل إليه قال الزاد والراحلة

السبيل اصله الوصول ومنه قيل للطريق سبيل فالمعنى عند أهل اللغة من استطاع الى البيت وصولا كما قال اخبارا يقولون هل الى مرد من السبيل 109 - ثم قال تعالى ومن كفر فان الله غني عن العالمين أكثر أهل التفسير على ان المعنى من قال ان الحج ليس بواجب فقد كفر وروى وكيع عن فطر عن نفيع أبي داود ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الاية ومن كفر فان الله غني عن العالمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج لا يرجو ثوابه وجلس لا يخاف عقابه فقد كفر به

وقال الشعبي السبيل ما يسره الله عز وجل وهذا من حسن ما قيل فيه أي على قدر الطاقة والسبيل في كلام العرب الطريق فمن كان واجدا الطريق الى الحج بغير مانع من زمانه أو عجز أو عدو أو تعذر ماء في طريقة فعليه الحج ومن منع بشئ من هذه المعاني فلم يجد طريقا لان الاستطاعة القدرة على الشئ فمن عجز بسبب فهو غير مطيق عليه ولا مستطيع إليه السبيل وأولى الاقوال في معنى ومن كفر ومن جحد فرض الله لانه عقيب فرض الحج 110 - وقوله تعالى يا ايها الذين آمنوا ان تطيعوا فريقا من الذين اوتوا الكتاب يردوكم بعد ايمانكم كافرين قال قتادة حذركموهم يحيى الله لانهم غيروا كتابهم

وفي الحديث لا تصدقوا أهل الكتاب فيما لا تعرفون ولا تكذبوهم فانهم لن يهدوكم وقد اضلوا انفسهم 111 - وقوله تعالى وكيف تكفرون وانتم تتلى عليكم آيات لله وفيكم رسوله قال الاخفش سعيد بن مسعدة معنى كيف على ابي حال وقال غيره معنى وفيكم رسوله أي يبين لكم ويجوز ان تكون هذه المخاطبة يدخل فيها من لم ير النبي

صلى الله عليه وسلم لان آثاره وسنته بمنزلة مشاهدته 112 - ثم قال جل وعز ومن يعتبهم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم معنى يعتصم يمتنع 113 - وقوله جل وعز يا ايها الذين ى منوا اتقوا الله حق تقاته قال ابن مسعود حق تقاته أن يشكر فلا يكفر وان يطاع فلا يعصى وان يذكر فلا ينسى وروي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال قتادة نسخ هذه الآية قوله تعالى فأتقوا الله ما

أستطعتم قال أبو جعفر يجوز ان يقع في هذا ناسخ ولا منسوخ لان الله تعالى لا يكلف الناس الا ما يستطيعون وقوله فاتقوا الله ما استطعتم مبين لقوله اتقوا الله حق تقاته وهو على ما فسره ابن مسعود ان يذكر الله عند ما يجب عليه فلا ينساه 114 - وقوله عز وجل ولا تموتن والا وانتم مسلمون المعنى كونوا على الاسلام حتى يأتيكم الموت وانتم مسلمون لانه قد علم لا ينهاهم عما لا يملكون

وحكى سيبويه لاأرنيل الرحمن ههنا فهو لم ينه نفسه وانما المعنى لا تكن ههنا فانه من يكن ههنا اره 115 - وقوله عز وجل واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا قال عبد الله ابن مسعود حبل الله القرآن وقال ابن عباس الحبل العهد وقال الاعشى * وإذا تجوزها حبال قبيلة * اخذت من الاخرى اليك حبالها * وأصل الحبل في اللغة السبب ومنه سمي حبل البئر لانه السبب الذي يوصل به الى ما بها ومنه قيل فلان يحطب في حبل فلان أي يميل إليه والى

أسبابه واصل هذا ان الحاطب يقطع اغصان الشجر فيجعلها في حبله فإذا قطع غيره وجعله في حبله قيل هو يحطب في حبله ومنه قولهم حبلك على غاربك أي قد خليتك من سبي وأمري ونهي وأصل هذا ان الابل إذا اهملت للرعي القيت حبالها على غواربها لئلا تتعلق بشوك أو غيره فيشغلها عن الرعي ومعنى ولا تفرقوا ولا تتفرقوا ثم حذفت احدى التاءين وقيل لهم هذا لان اليهود والنصارى تفرقوا وكفر بعضهم بعضا 116 - ثم قال عز وجل واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمتة وكان اخوانا قال عكرمة هذا في الانصار كانت بينهم شرور فألف الله بينهم بالاسلام

وقيل هو عام لقريش لان بعضهم كان يغير على بعض فلما دخلوا في الاسلام حرمت عليهم الدماء فأصبحوا اخوانا أي يقصد بعضهم مقصد بعض 117 - ثم قال تعالى وكنم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها وهذا تمثيل والشفا الحرف ومنه اشفى فلان على كذا إذا اشرف عليه 118 - وقوله عز وجل ولتكن منكم امة يدعون الى الخير

قال أبو عبيدة الامة الجماعة ومن ههنا ليست للتبعيض وانما هي لبيان الجنس كما قال تعالى فأجتنبوا روى الرجس من الاوثان ولم يأمرهم باجتناب بعض الاوثان وانما المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو الاوثان 119 - وقوله عز وجل يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ابيضاضها اشراقها كما قال تعالى وجوه يوم يومئذ مسفرة

120 - ثم قال تعالى فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد ايمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون في الكلام محذوف والمعنى فاما الذين اسودت وجمههم ولم فبقال لهم أكفرتم بعد أيمانكم وأجمع أهل العربية على انه لابد من الفاء في جواب اما لان المعنى في قولك اما زيد فمنطلق مهما يكن من شئ فزيد منطلق قال مجاهد في قوله تعالى أكفرتم بعد أيمانكم بعد اخذ الميثاق ويدل على هذا قوله جل وعلا واذ اخذ ربك من بني آدم الآية وقيل هم اليهود بشروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم كفروا به من بعد

مبعثه فقيل لهم أكفرتم بعد ايمانكم وقيل هو عام أي كفرتم بعد ان كنتم صغارا تجري عليكم احكام المؤمنين 121 - وقوله جل وعز واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون معنى ففي رحمة الله هم فيها خالدون ففي ثواب رحمة الله 122 - وقوله جل وعز كنتم خير امة اخرجت للناس روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال نحن نكمل سبعين أمة نحن آخرها وأكرمها على الله

وقال أبو هريرة نحن خير الناس للناس نسوقهم بالسلاسل الى الاسلام وقال ابن عباس نزلت فيمن هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة وقيل معنى كنتم خير أمة أخرجت للناس كنتم في اللوح المحفوظ وقيل كنتم منذ آمنتم وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد كنتم خير أمة اخرجت للناس قال على هذا الشرط على ان تأمروا بين بالمعروف وتنهوا عن المنكر ثم بينه

وقال عطية شهدتم للنبين أهل صلى الله عليهم أجمعين بالبلاغ الذين كفر بهم قومهم 123 - ثم بين الخيرية التي هي فيهم فقال تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ثم بين ان الايمان بالله لا يقبل الا بالايمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به فقال عز وجل ولو آمن اهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون والفاسق الخارج عن الحق 124 - وقوله عز وجل لن يضروكم الا اذى وان يقاتلوكم يولوكم الادبار اخبر الله تعالى اليهود لن يضروا المسلمين الا بتحريف أو بهت فأما الغلبة فلا تكون لهم

125 - ثم اخبر تعالى أنهم أذلا فقال ضربت عليهم الذلة اينما ثقفوا الا بحبل من الله وحبل من الناس قال ابن عباس الحبل العهد قال أبو جعفر هذا اسثناء ليس من الاول والمعنى ضربت عليهم الذلة اينما ثقفوا الا انهم يعتصمون بحبل من الله وحبل من الناس يعني الذمة التي لهم 126 - ثم قال تعالى وباءوا بغضب من الله أي رجعوا وقيل احتملوا وحقيقته في اللغة انه لزمهم ذلك وتبوأ فلان الدار من هذا أي لزمها

127 - ثم خبر تعالى لم فعل بهم ذلك فقال ذلك بانهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الانبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون والاعتداء التجاوز 128 - ثم خبر عز وجل أنهم ليسوا مستوين وان منهم من قد آمن فقال سبحانه ليسوا سواء أي ليس يستوي منهم من آمن ومن كفر 129 - ثم قال عز وجل من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل قائمة قال مجاهد أي عادلة

يتلون آيات الله آناء الليل قال الحسن والضحاك ساعاته والواحد اني ويقال انو ويقال انى 130 - وقوله عز وجل ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر الامر بالمعروف ههنا الامر بتباع حديث النبي صلى الله عليه وسلم وينهون عن المنكر أي ينهون عن مخالفته صلى الله عليه وسلم 131 - ثم قال جل وعز وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين من قرأ وما يفعلوا من خير فلن يكفروه فهو عنده لهؤلاء المذكورين ويكون من فعل الخير بمنزلتهم

ومن قرأ وما تفعلوا من خير فلن تكفروه بالتاء فهو عام 132 - وقوله عز وجل مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر قال ابن عباس الصر البرد ومعنى صر في اللغة ان الصر شدة البرد وفي الحديث انه نهى عن الجراد الذي قتله الصر ومعنى الآية شبه ما ينفقونه على قتال النبي صلى الله عليه وسلم

واصحابه في بطلانه بريح أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته أي زرع قوم عاقبهم الله بذلك فهلك زرعهم فكذلك أعمال هؤلاء لا يرجعون منها الى شئ 133 - وقوله عز وجل يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانه من دونكم لا يألونكم خبالا البطانة خاصة الرجل الذين يطلعهم على الباطن من أمره والمعنى لا تتخوا عند بطانة من دون أهل دينكم ونظير هذا فاقتلوا انفسكم وكذلك فسلموا على انفسكم أي على أهل دينكم ومن يقوم مقامكم

ومعنى قوله تعالى لا يألونكم خبالا أي لا يقصرون في السوء واصل الخبال في اللغة من الخبل والخبل ذهاب الشئ وأفساده لأنه 134 - وقوله تعالى ودوا ما عنتم أي ما شق عليكم واشتد وأصل هذا انه يقال عنت العظم يعنت عنتا إذا انكسر بعد جبر ومن هذا قوله تعالى ذلك لمن خشي العنت منكم أي المشقة 135 - وقوله عز وجل ها انتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله أي تحبون المنافقين ولا يحبونكم والدليل على انه يعني المنافقين قوله عز وجل وإذا

لقولكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ قال ابن مسعود يعضون اطراف الانامل من الغيظ 136 - وقوله عز وجل ان تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها أي ان غنمتم أو ظفرتم ساءهم ذلك وان أصابكم ضد ذلك فرحوا به ثم خبر أنهم ان صبروا على ذلك لم يضرهم شيئا فقال وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ان الله بما يعملون محيط 137 - وقوله عز وجل واذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال

تبوئ تلزم وباء بكذا إذا لزمه وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى انه في درع حصينة فأول ذلك المدينة فأمر أصحابه ان يقيموا بها الى ان يوافي المشركون فيقاتلهم 138 - وقوله عز وجل إذ همت طائفتان منكم ان تفشلا والله وليهما قال جابر بن عبد الله نحن هم بني سلمة وبني حارثة من الاوس وما يسرنا أنها لم تكن نزلت لقوله تعالى والله وليهما

والفشل في اللغة الجبن والولي الناصر بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الاوس 139 - وقوله عز وجل ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة قيل يعني بأذلة أنهم كانوا قليلي العدد وقال البراء بن عازب كنا نتحدث ان عدة أصحاب بدر كعدة أصحاب طالوت وهم ثلاثمائة وبضعة عشر من قرأ بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين 140 - وقوله عز وجل بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا قال الضحاك وعكرمة من وجههم هذا 141 - وقوله تعالى يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين

لا نعلم اختلافا ان معنى مسومين من السومة الا عن الاخفش فانه قال مسومين مرسلين قال أبو زيد السومة ان يعلم الفارس نفسه في الحرب ليظهر شجاعته قال عروة ابن الزبير كانت الملائكة يوم بدر على خيل بلق وعليها عمائم صفر قال أبو اسحاق كانت سيماهم عمائم بيضا وقال الحسن علموا على أذناب خيلهم ونواصيها بصوف ابيض وقال عكرمة عليهم سيماء القتال

وقال مجاهد الصوف في أذناب الخيل وقرئ مسومين واحتج صاحب هذه القراءة بأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم يوم بدر سوموا فاني رايت الملائكة قد سومت أي قد سومت خيلها أو نفسها 142 - وقوله عز وجل وما جعله الله الا بشرى لكم يعني المدد أو الوعد 143 - وقوله عز وجل ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين

قال قتادة يكتبهم يحزنهم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء الى ابي طلحة وفرأى ابنه مكبوتا فقال ما شانه فقيل مات نغيره فالكبوت أخبرنا ههنا المحزون وقال أبو عبيدة يقال كبته لوجهه أي صرعة لوجهه ومعروف في اللغة ان يقال كبته إذا أذله وأقماه يا قال بعض أهل اللغة كبته بمعنى كبده ثم أبدلت من الدا تاء لان مخرجهما من موضع واحد والخائب في اللغة الذي لم ينل ما أمل وهو ضد المفلح

144 - وقوله عز وجل ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فانهم ظالمون روى الزهري عن سالم عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الثانية من الفجر يدعو على قوم من المنافقين فأنزل الله عز وجل ليس لك من الامر شئ الى اخر الآية وقال انس بن مالك كسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فأخذ الدم بيده وجعل يقول كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم فانزل الله عز وجل ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فأنهم ظالمون وقيل استأذن في ان يدعو باستئصالهم فنزل هذا لانه علم أن منهم من سيسلم وأكد ذلك الآية بعدها

فمن قال انه معطوف ب أو على قوله تعالى ليقطع طرفا فالمعنى عنده ليقتل طائفة منهم أو يخزيهم بالهزيمة أو يتوب عليهم أو يعذبهم وقد تكون أو ههنا بمعنى حتى والا ان والاول اولى لا نه لا أمر الى أحد من الخلق قال أمرؤ القيس * فقلت له لا تبك عينك انما * نحاول ملكا أو نموت معذرا * 145 - وقوله عز وجل يا ايه الذين ى منوا لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة قال مجاهد كانوا يبيعون البيع الى أجل فإذا حل الاجل زادو في الثمن على ان يؤخرو لو فأنزل الله عز وجل ولا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة

146 - ثم قال تعالى واتقوا الله لعلكم تفلحون أي لتكونوا على رجاء من الفلاح وقال سيبويه في قوله تعالى اذهبا الى فرعون أنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى اذهبا على رجائكما وطمعكما ومبلغكما يكون والعلم من وراء ذلك وليسس لهما أكثر من ذلك والفلاح في اللغة ان يظفر الانسان بما يؤمل 147 - وقوله عز وجل وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والارض اعدت للمتقين

روي عن انس بن مالك انه قال يعني التكبيرة الاولى 148 - ثم قال تعالى وجنة عرضها السموات والارض في هذا قولان أحدهما انه العرض بعينه وروى طارق بن شهاب ان اليهود قالت لعمر بن الخطاب تقولون جنة عرضها السموات والارض فأين تكون النار فقال لهم عمر أرايتم إذا جاء النهار فاين يكون الليل وإذا جاء الليل فأين يكون النهار فقالوا لقد نزعت ما في التوراة

والقول الاخر ان العرض ههنا السعة وذلك معروف في اللغة وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمنهزمين يوم أحد لقد ذهبتم فيها عريضة يعني واسعة وأنشد أهل اللغة * كأن بلاد الله وهي عريضة * على الخائف المطلوب كفة حابل * 149 - وقوله عز وجل والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين الكظم في اللغة ان يحبس الغيظ ويقال كظم البعير على جرته إذا ردها في حلقه

ويقال للممتلئ حزنا وغما كظيم ومكظوم كما قال تعالى إذ نادى وهو مكظوم 150 - وقوله عز وجل والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم روي عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه انه قال كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله منه بما شاء ان ينفعني فأذا حدثني رجل من أصحابه أستحلفته فإذا حلف لي صدقته وحدثني أبو بكر رضي الله عنه وصدق أبو بكر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل يذنب ذنبا وينام ثم يقوم فيتطهر فيحسن الطهور ثم يستغفر الله الا غفر له ثم تلا الاية والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون

وقال مجاهد معنى ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ولم يمضوا والاصرار في اللغة اعتقاد الشئ ومنه قيل صرة ومنه قيل للبرد صر كأنه البرد الذي يصل الى القلب ومنه قيل للذي لم يحج صرورة وصارورة مع كأنه يحبس ما يجب ان ينفقه وقال معبد بن صبيحة صليت خلف عثمان وعلي الى جنبي فأقبل علينا فقال صليت على غير وضوء ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ثم ذهب فتوضأ وصلى وروي عن ابي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أصر من استغفر الله ولو عاد في اليوم سبعين مرة

وقال عبد الله بن عبيد بن عمير وهم يعلمون أي وهم يعلمون انهم ان تابوا تاب الله عليهم 151 - وقوله عز وجل قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين قال أبو عبيدة السنن الاعلام والمعنى على هذا انكم إذا سافرتم رأيتم آثار قوم هلكوا فلعلكم تتعظون 152 - وقوله عز وجل هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين قال الشعبي هذا بيان من العمى وهدى من الضلال وموعظة من الجهل

153 - وقوله عز وجل ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الاعلون ان كنتم مؤمنين قال أبو عبيدة معناه لا تضعفوا قال أبو جعفر من الوهن 154 - وقوله عز وجل ان يمستكم سعيد قرح فقد مس القوم قرح مثله يقرأ قرح ويقرأ قرح وبفتح القاف والراء فالقرح بكر مصدر قرح يقرح قال الكسائي القرح والقرح واحد وقال الفراء كان القرح الجراحات وكأن القرح الألم قد

155 - ثم قال عز وجل وتلك الايام نداولها بين الناس أي تكون مرة للمؤمنين ليعزم الله عز وجل وتكون مرة للكافرين إذا عصى المؤمنون فأما إذا لم يعصوا فأن حزب الله هم الغالبون 156 - ثم قال عز وجل وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين أي ليعلم الله صبر المؤمنين إذا كانت الغلبة عليهم وكيف صبرهم وقد كان سبحانه علم هذا غيبا الا ان علم الغيب لا تقع عليه مجازاة فالمعنى ليعلمه واقعا علم الشهادة

وقال الضحاك قال المسلمون الذين لم يحضروا بدرا ليتنا لقينا العدو حتى نبلي فيهم ونقاتلهم فلقي المسلمون يوم أحد فاتخذ الله منهم الشهداء وهم الذين ذكرهم الله عز وجل فقال ويتخذ منكم الشهداء والظالمون هنا الكافرون أي لم يتخذوا وهذه المحبة لهم 157 - وقوله عز وجل وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين قال مجاهد يمحص يبتلي قال أبو جعفر قال أبو اسحاق قرات على ابي العباس محمد بن يزيد عن الخليل ات التمحيص التخليص يقال محصه يمحصه محصا إذا خلصه

فالمعنى على هذا ليبتلي المؤمنون ليثيبهم ويخلصهم من ذنوبهم ويستأصل الكافرين 158 - وقوله عز وجل ام حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين لما بمعنى لم الا ان لما عند سيبويه جواب لمن قال قد فعل ولم جواب لمن قال فعل ومعنى الاية ولما يعلم الله ذلك واقعا منهم لانه قد علمه غيبا وقيل المعنى لم يكن جهاد فيعلمه الله 159 - وقوله عز وجل ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تاقوه وفي فقد رأيتموه وانتم تنظرون

قال ابن نجيح عن مجاهد كان قوم من المسلمين قالوا بعد بدر ليت انه يكون قتال حتى نبلي ونقاتل فلما كان يوم احد انهزم بعضهم فعاتبهم الله على ذلك فقال ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه فقد رأيتموه والتقدير في العربية ولقد كنتم تمنون سبب الموت ثم حذف وسبب الموت القتال 160 - ثم قال تعالى فقد رأيتموه وانتم تنظرون وقال بعض اهل اللغة وانتم تنظرون محمدا وقال سعيد الاخفش وانتم تنظرون توكيد قال أبو جعفر وحقيقة هذا القول فقد رأيتموه حقيقة وانتم بصراء متيقنون

161 - وقوله عز وجل وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل معنى خلت مضت 162 - ثم قال تعالى أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم قال قتادة أفان مات نبيكم أو قتل رجعتم كفارا وهذا القول حسن في اللغة وشبهه بمن كان يمشي الى خلفه بعدما كان يمشي الى امامه وسيجزي الله الشاكرين أي على هداهم وأنعم عليهم

ويقال انقلب على عاقبيه كل إذا رجع عما كان عليه وأصل هذا من العاقبة والعقبى وهما ما يتلوا الشئ ويجب ان يتبعه وقال تعالى والعاقبة للمتقين ومنه عقب الرجل ومنه يقال جئت في عقب الشهر إذا جئت بعد مضى وجئت في عقبه وعقبه إذا جئت وقد بقيت منه بقية ومنه قوله تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه 163 - وقوله عز وجل ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الاخرة نؤته منها المعنى ومن يرد ثواب الاخرة بالعمل الصالح وهذا كلام مفهوم معناه كما يقال فلان يريد الجنة إذا كان يعمل عمل أهلها ولا يقال ذلك فاسق

164 - وقوله عز وجل وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير ويقرأ قاتل فمن قرا قتل معه ففيه عنده قولان أحدهما روي عن عكرمة وهو ان المعنى وكاين من نبي قتل على انه قد تم الكلام ثم قال معه ربيون كثير بمعنى معه ربيون كثير وهذا قول حسن على مذهب النحويين لانهم اجازوا رايت زيدا السماء تمطر عليه بمعنى والسماء تمطر عليه والقول الاخر ان يكون المعنى قتل معه بعض الربيين وهذا معروف في اللغة ان يقال جاءني بني فلان وانما جاءك

بعضهم فيكون المعنى على هذا قتل معه بعض الربين 165 - وقوله تعالى فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا أي فما ضعف من بقي منهم كما قرئ ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلونكم فيه فان قتلوكم فاقتلوهم بمعنى فان قتلوا بعضكم والقول الاول على ان يكون التمام عند قوله قتل وهو أحسن والحديث يدل عليه قال الزهري صاح الشيطان يوم أحد قتل محمد فانهزم

جماعة من المسلمين قال كعب بن مالك كنت اول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم رايت عينيه من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوما ألي ان اسكت فأنزل الله عز وجل وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير وقال عبد الله ابن مسعود الربيون الالوف الكثيرة وقال مجاهد وعكرمة والضحاك الربيون الجماعات وقال ابن زيد الربيون الاتباع ومعروف ان الربة الجماعة فهم منسبون الى الربة ويقال

للخرقة التي يجمع فيها القدح ربة وربة والرباب قبائل تجمعت وقال ابان بن تغلب الربي عشرة آلاف وقال الحسن رحمة الله عليه هم العلماء الصبر كانه أخذ من النسبة الى الرب تبارك وتعالى 166 - ثم قال تعالى فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله أي فما ضعفوا والوهن في اللغة اشد الضعف وما استكانوا أي وما ذلوا فعاتب الله عز وجل المسلمين بهذا لانهم كانوا يتمنون القتال

وقرا مجاهد فيما روي عنه ولقد كنتم تمنون الموت من قبل ان تلقوه وهي قراءة حسنة والمعنى ولقد كنتم تمنون الموت ان تلقوه من قبل أي من قبل ان تلقوه 167 - وقوله عز وجل وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرفنا * في امرنا قال مجاهد يعني الخطايا الكبار 168 - ثم قال تعالى وثبت اقدامنا اي ثبتنا على دينك وإذا ثبتهم على دينه ثبتوا في الحرب كما قال فتزل قدم بعد ثبوتها 169 - وقال تعالى فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الاخرة قال قتادة اعطوا النصر في الدنيا والنعيم في الاخرة

170 - ثم قال عز وجل بل اله مولاكم وهو خير الناصرين المولى الناصر فإذا كان ناصرهم لم يغلبوا 171 - وقوله عز وجل سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما اشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا قال النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب والسلطان الحجة ومنه هلك عني سلطانيه أي حجتيه 172 - وقوله تعالى ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم باذنه قال قتادة تحسونهم تقتلونهم

173 - ثم قال تعالى حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما اراكم ما تحبوت فلا أي من هزيمة القوم وفشلتم جبنتم قال عبد الله ابن مسعود امر النبي صلى الله عليه وسلم الرماة لن يثبتوا مكانهم فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم في أول شئ فقال بعضهم نلحق الغنائم وقال بعضهم نثبت فعاقبهم الله بان قتل بعضهم قال وما علمنا ان احدا منا يريد الحياة الدنيا حتى نزلت منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم

قال معنى ليبتليكم ليختبركم وقيل معناه ليبتليكم بالبلاء 174 - وقوله عز وجل إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ويقرأ تصعدون بفتح التاء فمن ضمها فهو عنده من أصعد إذا ابتدا السير ومن فتحها فهو عنده من صعد الحبل وما اشبهه ومعنى تلوون تعرجون 175 - ثم قال عز وجل والرسول يدعوكم في أخراكم

قال أبو عبيدة معناه في اخركم 176 - وقوله عز وجل فأثابكم غما بغم في هذا قولان أحدهما ان مجاهد قال الغم الاول القتل والجراح والغم الثاني انه صاح صائح قتل محمد فانساهم الغم الآخر الغم الاول والقول الآخر انهم غموا النبي صلى الله عليه وسلم في مخالفتهم أياه لانه أمرهم ان يثبتوا فخالفوا أمره فأثابهم الله بذلك الغم غمهم بالنبي صلى الله عليه وسلم

ومعنى فأثابهم أي فأنزل بهم ما يقوم مقام الثواب كما قال تعالى فبشرهم بعذاب اليم أي الذي يقوم لهم مقام البشارة عذاب اليم وانشد سيبويه * تراد على دمن الحياض فا تعف * فان المندى رحلة فركوب * أي الذي يقوم مقام التندية منه الرحلة والركوب 177 - وقوله تعالى لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما اصابكم والمعنى لكيلا تحزنوا على ما فاتكم انهم طلبوا الغنيمة ولا اصابكم في انفسكم من القتل والجراحات

178 - وقوله عز وجل ثم انزل عليكم من بعد الغم امنة نعاسا الامنة والامن واحد وهو اسم المصدر وروي عن ابي طلحة انه قال نظرت يوم احد فلم ار الا ناعسا تحت ترسه 179 - ثم قال تعالى يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يغشى طائفة منكم يعني بهذه الطائفة المؤمنين وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يعني بهذه الطائفة المنافقين

180 - وقوله تعالى يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية أي يظنون ان امر النبي صلى الله عليه وسلم قد أضمحل ثم قال تعالى ظن الجاهلية أي هم في ظنهم بمنزلة الجاهلية يقولون هل لنا من الامر شئ قل ان الامر كله لله أي ينصر من يشاء ويخذل من يشاء 181 - وقوله عز وجل قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم أي لصاروا الى براز من الارض 182 - وقوله عز وجل ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم

معنى استزلهم استدعى ان يزلوا كما يقال اتعجله أي استدعيت ان يعجل ومعنى استهزلهم: الشيطان ببعض ما كسبوا انه روي ان الشيطان ذكرهم خطاياهم فكرهوا القتل قبل التوبة ولم يكرهوا القتل معاندة ولا نفاقا فعفا الله عنهم 183 - وقوله عز وجل وقالوا لاخوانهم إذا ضربوا في الارض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ماتوا وما قتلوا روى عيسى عن ابن ابي نجيح عن مجاهد قال هذا قول المنافق عبد الله بن أبي 184 - وقوله عز وجل فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك

الفظ في اللغة الغليظ الجانب السئ الخلق يقال فظظت تفظ فظاظة ومعنى لا نفضوا من حولك لتفرقوا هذا قول ابي عبيدة وكانه التفرق من غير جهة واحدة ويقال فلان يفض الغطاء أي يفرقه وفضضت غير الكتاب من هذا 185 - وقوله عز وجل فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر أحمد في اللغة ان تظهر ما عندك وما عند صاحبك من الرأي والشوار متاع البيت المرئي وفي معنى الآية قولان أحدهما ان الله امر النبي صلى الله عليه وسلم ان يشاورهم فيما لم يات فيه وحي لانه قد يكون عند بعضهم فيما يشاور فيه علم وقد يعرف

الناس من امور الدنيا ما لا يعرفه الانبياء فاذا كان بعد وحي لم يشاورهم والقول الاخر ان الله عز وجل امره بهذا ليستميل به قلوبهم وليكون ذلك سنة لمن بعده حدثني احمد ابن عاصم قال حدثنا عبد الله بن سعيد بن ابي مريم قال حدثنا ابي قال حدثنا ابن عيينة عن عمروا بن دينار عن ابن عباس وشاورهم في الامر قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقال الحسن أمر بذلك صلى الله عليه وسلم لتستن به امته 186 - وقوله عز وجل ان ينصركم الله فلا غالب لكم وان يخذلكم ذا الذي ينصركم من بعده

الخذلان في اللغة الترك ومنه يقال تخاذل القوم إذا انماز بعضهم من بعض ويقال ظبية خاذلة إذا انفردت عن القطيع قال زهير * بجيد مغزلة يقول أدماء خاذلة * من الظباء تراعي شادنا خرقا * 187 - وقوله عز وجل وما كان لنبي ان يغل وتقرأ يغل ومعنى يغل يخون وروى أبو صخر عن محمد بن كعب في معنى وما كان لنبي ان يغل قال يقول ما كان لنبي ان يكتم شيئا من كتاب الله عز وجل ويغل يحتمل معنيين

أحدهما ان يلفي غالا أي خائنا كما تقول أحمدت الرجل إذا اصبته محمودا وأحمقته إذا اصبته أحمق قالوا ويقوي هذا القول انه روي عن الضحاك انه قال يغل يبادر الغنائم لئلا تؤخذ والمعنى الآخر ان يكون يغل بمعنى يغل منه أي يخان منه وروى عن قتادة ان معنى يغل يخان وقد قيل فيه قول ثالث لا يصح وهو ان معنى يغل يخون ولو كان كذلك لكان يغلل 188 - ثم قال عز وجل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا أعرفن أحدكم يأتي يوم

القيامة ومعه شاة لها ثغاء فيقول يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا والغلول في اللغة ان يأخذ من المغنم شيئا يستره عن أصحابه ومنه يقال للماء الذي يجري بين الشجر غلل كما قال الشاعر * لعب السيول به فاصبح ماؤه * غللا يقطع في اصول الخروع * ومنه الغلالة ومنه يقال تغلغل فلان في الامر والاصل تغلل ومنه في صدره علي غل أي حقد ومنه غللت لحيتي وغليتها 189 - وقوله عز وجل تعالى أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله

قال الضحاك افمن اتبع رضوان الله من لم يغل كمن باء بسخط من الله كمن غل ومعنى باء احتمل 190 - ثم قال عز وجل هم درجات عند الله والله بيصير وقد بما يعملون قال مجاهد المعنى لهم درجات عند الله والتقدير في اللغة العربية هم ذوو درجات ثم حذف والمعنى بعضهم أرفع درجة من بعض وقيل هم لمن اتبع رضوان الله ولمن باء بسخطه أي لكل واحد مهم جزاء عمله بقدر

191 - وقوله عز وجل لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم أي ممن يعرفونه بالصدق والامانة وجاءهم بالبراهين ولم يعرفوا منه كذبا قط 192 - وقوله عز وجل أو لما أصابكم مصيبة قد أصبتم مثليها قال الضحاك قتل من المسلمين يوم أحد سبعون رجلا وقتل من المشركين يوم بدر سبعون واسر سبعون فذلك قوله تعالى قد اصبتم مثليها يوم بدر ويوم أحد ومعنى قل هو من عند أنفسكم بذنبكم وبما كسبت أيديكم لان الرماة خالفوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبتوا كما

أمرهم ومعنى أو إدفعوا أي كثروا وان لم تقاتلوا ومعنى فادراءوا علي فادفعوا 193 - وقوله عز وجل ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون روي ان ارواح الشهداء تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي الى قناديل معلقة عند العرش 194 - وقوله عز وجل فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهمم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون

والمعنى لم يلحقوا بهم في الفضل وان كان لهم فضل 195 - قوله عز وجل يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع أجر المؤمنين والمعنى ويسبشرون حتى بأن الله لا يضيع أجر المؤمنين ويقرأ وان الله بكسر الالف لا يضيع اجر المؤمنين على انه مقطوع من الاول والمعنى وهو سبحانه لا يضيع أجر المؤمين ثم جئ بإن توكيدا 196 - وقوله عز وجل الذين استجابوا لله ورسوله من بعد ما اصابهم القرح روى عكرمة عن ابن عباس ان المشركين يوم أحد لما انصرفوا فبلغوا الى الروحاء حرض بعضهم بعضا على الرجوع

لمقاتلة المسلمين فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فندب أصحابه للخروج فانتدبوا حتى وفوا يعني حمراء الاسد وهي على ثمانية اميال من المدينة فأنزل الله عز وجل الذين استجابوا لله ورسوله من بعد ما اصابهم القرح 197 - وقوله عز وجل الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم قيل انه يعني بالناس نعيم بن مسعود وجهه أبو سفيان يثبط أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومجازة في اللغة ان يراد به نعيم وأصحابه وقال ابن اسحاق الذين قال لهم الناس هم نفر من عبد القيس

قالوا أبا سفيان ومن معه راجعون اليكم ثم قال تعالى فزادهم ايمانا أي فزادهم التخويف أيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل أي كافينا الله يقال أحسبه إذا كفاه 198 - وقوله عز وجل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء قال عكرمة عن ابن عباس لما وافدوا بدرا وكان أبو سفيان قد قال لهم موعدكم بدرا موضع قتلتم أصحابنا فوافى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدرا واشترى المسلمون بها أشياء ربحوا فيها

فالمعنى على هذا فانقلبوا بنعمة من الله وفضل من انصراف عدوهم وفضل في تجارتهم 199 - وقوله عز وجل انما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه يقال كيف يخوف من تولاه فروي عن ابراهيم النخعي يخوفكم اولياءه قيل هذا حسن في العربية كما تقول فلان يعطي الدنانير أي يعطي الناس الدنانير والتقدير على هذا يخوف المؤمنون بأوليائه ثم حذفت الباء وأحد المفعولين ونظيره قوله عز وجل لينزر تعالى باسا شديدا وأنشد سيبويه فيما حذفت منه الباء * امرتك الخير فافعل ما أمرت به * فقد ركتك فإن ذا مال وذا نشب * وأولياؤه هاهنا الشياطين وقد قيل ان معنى يخوف

اولياءه يخوف المنافقين الفقر حتى لا ينفقوا لانهم اشد خوفا 200 - وقوله عز وجل ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثما في معناه قولان أحدهما ما رواه الاسود عن عبد الله بن مسعود انه قال الموت خير للمؤمن والكافر ثم تلا وما عند الله خير للابرار وانما نملي لهم ليزدادوا اثما والقول الاخر ان هذه الاية مخصومة أريد بها قوم بأعيانهم لا يسلمون كما قال جل وعز ولا انتم عابدون ما أعبد

201 - وقوله عز وجل وكان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب قال قتادة حتى يميز الكافر من المؤمن وقال إن ابي نجيح عن مجاهد حتى يميز المؤمن من المنافق وكان هذا يوم أحد بين فيه المؤمن من المنافق حتى قتل من المسلمين من قتل ثم قال تعالى وما كان الله ليطلعكم على الغيب أي ليس يخبركم من يسلم ومن يموت على الكفر ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء قال مجاهد أي يخلصهم لنفسه 202 - وقوله عز وجل ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من

فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة في الآية قولان أحدهما انه يراد به اليهود لانهم بخلوا ان يخبروا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم فهي على هذا للتمثيل أي سيد طوقون عمر الاثم والقول الاخر هو الذي عليه اهل الحديث أنه روى أبو وائل عن عبد الله ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من رجل له مال ثم بخل بالحق في ماله الا طوق الله يوم القيامة شجاعا أقرع ثم تلا مصداق ذلك ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الى قومه سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة

203 - ثم قال عز وجل ولله ميراث السماوات والارض والله بما تعملون خبير العرب تسمي كل ما صار الى الانسان مما قد كان في يد غيره ميراثا فخوطبوا على ما يعرفون لان الله يغني الخلق وهو خير الوارثين 204 - وقوله عز وجل لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقير ونحن اغنياء قال الحسن لما نزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة قالت اليهود أو هو فقير يستقرض يموهون بذلك على ضعفائهم فأنزل الله عز وجل لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقبر ونحن اغنياء

المعنى إنه على قول محمد فقير لانه اقترض منا فكفروا بهذا القول لانهم أرادوا تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم به وتشكيكا النبي للمؤمنين في الاسلام 205 - ثم قال تعالى سنكتب ما قالوا وقتلهم الانبياء بغير حق سنحصيه وإن ويجوز سيكتب ما قالوا أي سيكتب الله ما قالوا 206 - ثم قال تعالى ونقول ذوقوا عذاب الحريق أي عذاب النار لان من العذاب ما لا يحرق 207 - وقوله عز وجل فان كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير

الزبر جمع البور وهو الكتاب يقال زبرت إذا كتبت 208 - ثم قال تعالى كل نفس ذائقة الموت وانما توفون أجوركم يوم القيامة وهذا تمثيل والمعنى كل نفس كل نفس ميتة وأنشد أهل اللغة * من لم يمت عبطه كما يمتهر ما هو * للموت كاس فالمرء ذائقها * 209 - ثم قال جل وعز فمن زحزج وسلم عن النار وأدخل الجنة فقد فاز زحرج عنه نحي وفاز إذا نجا واغتبط بما هو فيه فأما

قولهم مفازة فانما هو على التفاؤل كما يقال للاعمى بصير وقد قيل ان مفازة من قوله فوز الرجل إذا مات وهذا القول ليس بشئ لان قولهم فوز الرجل انما هو على التفاؤل ايضا 210 - وقوله عز وجل لتبلون في أموالكم وأنفسكم قيل معناه لتختبران إن وقيل معناه لتصابن إلا والمعنيان يرجعان الى شئ واحد 211 - ثم قال تعالى ولتسمعن من الذين اتوا الكتاب من قبلهم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا روي ان ابا بكر رحمة الله عليه سمع رجلا من اليهود يقول أو هو فقير يستقرض فلطمه فشكاه اليهودي الى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل واتسمعن فيه من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا أذى

وأذى مصور أذي يأذي صلى إذا تأوى 212 - وقوله عز وجل واذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه قال سعيد بن جبير يعني النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى على هذا لتبين أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تكتمونه وقال قتادة هذا ميثاق اخذه الله عز وجل على اهل العلم فمن علم سيئا فليعلمه واياكم وكتمان العلم

213 - ثم قال تعالى فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فنبذوه وراء ظهورهم أي تركوه ثم بين لم فعلوا ذلك فقال واشتروا به ثمنا قليلا أي أخذ الرشا وكرهوا ان يتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فتبطل رياستهم 214 - وقوله عز وجل لا يحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا روي عن مروان انه وجه الى ابن عباس يقول أكل من فرح بما أتى واحب ان يحمد بما لم يفعل يعذب فقال ابن عباس هذا في اليهود لان النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن شئ فلم يخبروه به واخبروه بغيره واحبوا أن يحمدوا بذلك وفرحوا بما اتوا من كتمانهم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا ة يحبون وقال ان يحمدوا بما لم يفعلوا الايه

وروى سعيد بن جبير انه قرأ لا تحسبن الذين يفرحون بما اتوا قال اليهود فرحوا بما أوتي ال ابراهيم من الكتاب والحكم والنبوة ثم قال سعيد بن جبير ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا قولهم نحن على دين ابراهيم

215 - ثم قال عز وجل فلا تحسبنهم بمازة من العذاب أي بمنجاة ولهم عذاب اليم أي مؤلم 216 - ثم قال عز وجل ولله ملك السموات والارض والله على كل شئ قدير هو خالقهما وخالق ما فيهما وهذا تكذيب للذين قالوا ان الله فقير ونحن اغنياء 217 - ثم قال عز وجل ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب أي لعلامات دالة عليه والالباب العقول 218 - وقوله عز وجل الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم في معنى الآية قولان أحدهما روي عن عبد الله بن مسعود انه قال من لم

يستطيع ان يصلي قائما صلى قاعدا والا وضجعا أنه والقول الاخر انهم الذين يوحدن والله عز وجل على كل حال ويذكونه وهو والقول الاول ليس بصحيح الاسناد وايضا فان الله تعالى انما وصف أولي الالباب بالذكر له على كل الاحوال التي يكون الناس عليها ويبين لك هذا حديث ابن عباس حين بات عند النبي صلى الله عليه وسلم قال فاستوى على فراشه قاعدا ثم رفع رأسه الى السماء ثم قال سبحان الملك القدوس ثلاث مرات وقرأ ان في خلق السموات والارض حتى ختم السورة

219 - ثم قال عزوجل ويتفكرون في خلق السموات والارض أي ليكون ذلك أزيد في بصيرتهم 220 - ثم قال عز وجل ربنا ما خلقت هذا باطلا أي يقولون ربنا ما خلقت هذا باطلا فحذف يقولون 221 - ثم قال عز وجل سبحانك فقنا عذاب النار روي عن طلحة بن عبيد الله انه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن سبحان فقال تنزيه الله عن السوء

وأصل التنزيه في ياللغة صلى الله عليه وسلم البعد أي التنزيه الله عز وجل عن الانداد والاولاد 222 - وقوله عز وجل ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته حدثنا عبد الله بن احمد بن عبد السلام قال حدثنا أبو الازهر إملأ قال حدثنا مؤمل بن أسماعيل قال حدثنا أبو هلال عن قتادة عن أنس في قوله عز وجل انك تدخل انار فقد اخريته إذا قال من خلد في النار فقد اخزيته قال أبو الازهر وحدثنا روح حدثنا حماد بن زيد عن جويبر عن الضحاك انه تلا حديث الشفاعة فقال له رجل انك من تدخل النار فقد اخزيته قال ذلك لهم خزي فمن ادخل النار فقد خزي وان أخرج منها لان الخزي

انما هو هتك ستر المخزى وفضيحته يقال خزي يخزى إذا ذل وأخزيته فقال إذا أذللته اذلالا يبين عليه 223 - وقوله عز وجل ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان قال محمد ابن كعب هو القرآن وليس كلهم سمع النبي صلى الله عليه وسلم 224 - وقوله عز وجل ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك لانه وعد من وحده وآمن الجنة 225 - وقوله عز وجل فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى

ويقرا اني لا اضيع عمل عامل منكم على معنى فقال اني والفتح بمعنى باني لا اضيع عمل عامل منك من ذكر أو انثى وروي ان سلمة قالت يارسول الله ما سمعت الله ذكر النساء في الهجرة فنزل الله عز وجل فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عما عامل منكم من ذكر أولا انثى بعضكم من بعض 226 - وقوله عز وجل ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب أي جزاء وأصله من ثاب يثوب إذا رجع والتثويب في النداء ترجيع الصوت 227 - وقوله عز وجل لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد

أي يغرنك تصرفهم وسلامتهم فان اخر مصيرهم الى النار فمن كان آخر مصير الى النار لم يغبط 228 - وقوله عز وجل وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل إليهم روي عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي وترحم عليه فقال قوم من المنافقين أي صلى عليه وليس من أهل دينه فانزل الله عز وجل وان من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل إليهم خاشعين لله أي متواضعين ومنه قال الشاعر وإذا افتقرت لا تكن متخشعا وتجمل 229 - ثم قال عز وجل لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا لانه قد اخبر ان منهم من يثبت على دينه لاخذ الرشا ولئلا تبطل رياسته

230 - قوله عز وجل يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا تبطل رياسته

230 - قوله عز وجل يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا أي اصبروا على دينكم وصابروا قال قتادة أي صابروا المشركين ورابطوا قال قتادة أي جاهدوا وأصل الرباط والمرابطة عند اهل اللغة ان العدو يربطون خيولهم ويربط المسلمون تحزرا ثم كثر استعمالهم لها حتى قيل لكل من اقام بالثغر مرابط حدثنا عبد الله بن احمد بن عبد السلام قال حدثنا الدرامي قال حدثنا يحيى ابن ابي بكير قال حدثنا جسر عن الحسن يا ايها الذين امنوا اصبروا قال عن المصائب وصابروا

قال الصلوات الخمس ورابطوا اعداء الله في سبيل الله 231 - ثم قال عز وجل واتقوا الله أي لم تؤمروا بالجهاد فقط فاتقوا الله عز وجل فيما امركم به ونهاكم عنه 232 - ثم قال عز وجل لعلكم تفلحون أي لتكونوا على رجاء من الفلاح واصل الفلاح البقاء والخلود وقد بيناه فيما تقدم تمت سورة ال عمران

المملكة العربية السعودية جامعة أم القرى معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الاسلامي مركز إحياء التراث الاسلامي مكة المكرمة من التراث الاسلامي معاني القرآن الكريم للامام أبي جعفر النحاس المتوفى سنة 338 هـ تحقيق الشيخ محمد على الصابوني الاستاذ محمد على الصابوني الاستاذ بجامعة أم القرى الجزء الثاني

الطبعة الاولى 1409 هـ - 1988 م حقوق الطبع محفوظة جامعة أم القرى

بسم الله الرحمن الرحيم

إن لاعجب ممن يقرأ القرآن، كيف يلتذ بتلاوة ولم يفهم معناه " الامام الطبري "

تفسير سورة النساء

تفسير سورة النساء مدنية وآياتها 176 آية

سورة النساء وهي مكية 1 من ذلك قوله عز وجل (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) قال مجاهد خلقت حواء من قصيرى آدم وفي الحديث (خلقت المرأة من ضلع عوجاء (

وقيل (منها) من جنسها 2 ثم قال تعالى (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) يقال بثثت الشئ وأبثثته ثنا إذا نشرته ومنه (كالفراش المبثوث) 3 وقوله عز وجل (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) قال عكرمة المعنى واتقوا الارحام أن تقطعوها وقال إبراهيم هو من قولهم (أسألك بالله) والرحم قال أبو جعفر وهذا على قراءة من قرأ بالخفض

4 وقوله عز وجل (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) قال الضحاك لا تعطوهم زيوفا بجياد وقال غيره لا تتبدلوا الحرام بالحلال 5 ثم قال تعالى (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) قيل المعنى (مع أموالكم) والاجود أن تكون (الى) في موضعها ويكون المعنى ولا تضموا أموالهم الى أموالكم

6 ثم قال عز وجل (انه كان حوبا كبيرا) قال قتادة الحوب الاثم وروي أن أبا أيوب طلق امرأته أو عزم على أن يطلقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ان طلاق أم أيوب لحوب (7 وقوله عز وجل (وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) يقال أقسط الرجل إذا عدل وقسط إذا جار فكأن أقسط أزال القسوط فأما معنى (وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء) ففيه قولان أحدهما أن ابن عباس قال فيما روي عنه قصر الرجل على أربع من أجل اليتامى

وروي عن جماعة من التابعين شرح هذا القول وروي عن مجاهد والضحاك وقتادة وهذا معنى قولهم (ان المسلمين كانوا يسألون عن أمر اليتامى لما شدد في ذلك فقال جل وعز (وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) أي فكما تخافون في أمر اليتامى فخافوا في أمر النساء إذا اجتمعن أن تعجزوا عن العدل بينهن والقول الآخر رواه الزهري عن عروة عن عائشة قال سألت عائشة عن قول الله جل وعز (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) فقالت يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيعجبه مالها وجمالها فيريد تزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعيطها به مثل ما يعطيها غيره

فنهوا أن ينكحوا اليتامى إذا خافوا هذا وأبيح لهم من النساء أربع قالت عائشة (ثم) ان الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله عز وجل (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) الى قوله (وترغبون أن تنكحوهن) قالت والذي ذكر الله أنه يتلى عليكم في الكتاب الآية الاولى التي فيها (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) قالت وقوله (وترغبون أن تنكحوهن) رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء الا بالقسط من أجل رغبتهن وأهل النظر على (هذا) القول

قال أبو العباس محمد بن يزيد التقدير وان خفتم ألا تقسطوا في نكاح اليتامى ثم حذف هذا ودل عليه (فانكحوا) وقد قال بالقول الاول جماعة من أهل اللغة منهم الفراء وابن قتيبة والقول الثاني أعلى اسنادا وأجود عند أهل النظر وأما من قال معنى (مثنى وثلاث ورباع) تسع فلا

يلتفت الى قوله ولا يصح في اللغة لان معنى (مثنى) عند أهل العربية اثنتين اثنتين وليس معناه اثنتين فقط وأيضا فان من كلام العرب الاختصار ولا يجوز أن يكون معناه تسعا لانه لو كان معناه تسعا لم يكن اختصارا أن يقال انكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا لان تسعا أخصر من هذا وأيضا فلو كان على هذا القول لما حل لاحد أن يتزوج الا تسعا أو واحدة فقد تبين بطلان هذا 8 وقوله عز وجل (ذلك أدنى ألا تعولوا) (أدنى) بمعنى أقرب وروى عمر بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل (ذلك أدنى ألا تعولوا) قال (أن لا تجوروا (

وقال ابن عباس والحسن وأبو مالك ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك معنى (أن لا تعولوا) أن لا تميلوا وقال أبو العباس في قول من قال (أن لا تعولوا) من العيال هذا باطل وخطأ لانه قد أحل له مما ملكت اليمين ما كان من العدد وهن مما يعال

وأيضا فانه انما ذكر النساء وما يحل منهن والعدل بينهن والجور فليس ل (أن لا تعولوا) من العيال ههنا معنى وهو على قول أهل التفسير أن لا تميلوا ولا تجوروا ومنه عالت الفريضة إذا زادت السهام فنقص من له الفرض ومنه معولتي هذا على فلان أي أنا أميل إليه وأتجاور ثم في ذلك ومنه (عالني الشئ) إذا تجاوز المقدار ومنه فلان يعول والعويل انما هو المجاوزة وأيضا فانه انما يقال أعال الرجل يعيل إذا كثر عياله 9 وقوله عز وجل (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) قيل يعنى به الازواج ويروى أن الولي كان يأخذ الصدقة لنفسه فأمر الله عز وجل أن يدفع الى النساء هذا قول أبي صالح

وقال أبو العباس معنى (نخلة) أنه كان يجوز أن لا يعطين من ذلك شيئا فنحلهن رسول الله عز وجل اياه وقيل معنى (نحلة) دينا من قولهم فلان ينتحل كذا أي تعبدا من الله جل وعز وقيل فرضا والمعنى واحد لان الفرض متعبد به وقيل لا يكون (نحلة) الا ما طابت به النفس فأما ما أكره عليه فلا يكون (نحلة) 10 وقوله عز وجل (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا)

يعني الصداق أي لا كدر فيه يقال أمرأني الشئ بالالف فإذا قلت هنأني ومرأني هذا مذهب (أكثر) أهل اللغة قالوا للاتباع وأما أبو العباس فقال لا يقال في الخير الا أمرأني ليفرق بينه وبين الدعاء والمروءة من هذا لان صاحبها يتجشم أمورا يستمرئ عاقبتها 11 وقوله عز وجل (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) قال عبد الله بن عمر وجماعة من التابعين السفهاء النساء والصبيان

وانما قالوا هذا لان السفه في هؤلاء أكثر والسفه الجهل وأصله الخفة يقال ثوب سفيه إذا كان خفيفا وقيل للفاسق سفيه لانه لا قدر له عند المؤمنين وهو خفيف في أعينهم هين عليهم والمعنى ولا تؤتوا السفهاء فوق ما يحتاجون إليه فيفسدوه والدليل على هذا قوله بعد (وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا) أي علموهم أمر دينهم 12 وقوله عز وجل (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح) قال الحسن أي اختبروهم

13 وقوله تعالى (فان آنستم منهم رشدا) (آنستم) بمعنى علمتم وأحسستم لم ومنه قول الشاعر آنست نبأة وأفزعها القنا ص عصرا وقد دنا الامساء والرشد الطريقة المستقيمة قال مجاهد العقل وقال سفيان العقل والحفظ للمال قال أبو جعفر وهذا من أحسن ما قيل فيه لانه أجمع أهل العلم على أنه إذا كان عاقلا مصلحا لم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله

14 ثم قال تعالى (فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) أي مبادرة أن يكبروا فيأخذوها حدثنا منكم 15 وقوله عز وجل (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) في هذه الآية أقوال أجودها أن لولي اليتيم ما للولي أن يأخذ منه ان كان فقيرا بمقدار ما يقوم به وكذلك روي عن عمر أنه قال أنا في هذا المال بمنزلة ولي اليتيم يأخذ منه ما يصلحه إذا احتاج

وروى القاسم بن محمد أن أعرابيا سأل ابن عباس ما يحل لي من مال يتيمي فرخص له أن يأخذ منه إذا كان يخدمه ما لم يسرف وقال عبيدة والشعبي وأبو العالية ليس له أن يأخذ شيئا الا قرضا وحدثنا عمر بن اسماعيل بن أبي غيلان قال حدثنا داود الضبي قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن عاصم عن أبي العالية (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) قال قرضا ثم تلا هذه الآية (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم) وقال أبو يحيى عن مجاهد ليس له أن يأخذ قرضا ولا غير ذلك

وقال بهذا القول من الفقهاء أبو يوسف وذهب الى أن الآية منسوخة نسخها قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل الا أن تكون تجارة) وليس بتجارة 16 وقوله عز وجل (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون) يروى أنهم كانوا لا يورثون النساء وقالوا لا يرث الا من طاعن بالرمح وقاتل بالسيف فأنزل الله (وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) 17 وقوله عز وجل (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين)

في هذه الآية أقوال أحدهما أنها منسوخة قال سعيد بن المسيب نسختها الميراث والوصية والاجماع من أكثر العلماء في هذا الوقت أنه لا يجب اعطاؤهم وانما هذا على جهة الندبة الى الخير أي إذا حضروا فأعطوهم كما كان المتوفى يؤمر باعطائهم وقال عبيدة والشعبي والزهري والحسن هي محكمة قال ابن أبي نجيح يجب أن يعطوا ما طابت به الانفس

قال أبو جعفر وأن يكون ذلك شكرا على ما رزقهم الله دونه 18 ثم قال تعالى (وقولوا لهم قولا معروفا) قال سعيد بن جبير يقال لهم خذوا بورك لكم 19 وقوله عز وجل (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم) قال سعيد بن جبير ومجاهد في الرجل يحضر عند المريض فيقول له قدم خيرا أو تصدق على أقربائك فأمروا أن يشفقوا على ورثة المريض كما يشفقون على ورثتهم وقال مقسم يقول له من حضره اتق الله وأمسك عليك مالك فليس أحد أحق بمالك من ولدك ولو كانوا ذوي

قرابة من الذي أوصى لاحبوا ابن أن يوصي لاولادهم وقول سعيد بن جبير أشبه بمعنى الآية والله أعلم لان المعنى خافوا عليهم الفقر فالخوف واقع على ذرية الموتى 20 وقوله عز وجل (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) اليتيم في اللغة المنفرد فقيل لمن مات أبوه من بني آدم يتيم وهو في البهائم الذي ماتت أمه

21 وقوله تعالى (إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) هذا مجاز في اللفظ وحقيقته في اللغة أنه لما كان ما يأكلون يؤديهم الى النار كانوا بمنزلة من يأكل النار وان كانوا يأكلون الطيبات 22 وقوله عز وجل (يوصيكم الله في أولادكم) أي يفرض عليكم كما قال (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به) 23 ثم قال تعالى (للذكر مثل حظ الانثيين)

خلافا على أهل الجاهلية لانهم كانوا لا يورثون الاناث 24 وقوله عز وجل (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) ولم يسم للاثنتين شيئا ففي هذا أقوال أمنها أنه قيل ان فوقا ههنا زائدة وأن المعنى فان كن نساء اثنتين كما قال (فاضربوا فوق الأعناق) ب وقيل أعطي الاثنتان الثلثين بدليل لا بنص

لان الله عز وجل جعل هذه الاشياء يدل بعضها على بعض ليتفقه لها المسلمون والدليل أنه جعل فرض الاخوات والاخوة للام إذا كن اثنتين أو أكثر واحدا فقال عز وجل (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث) ج ودليل آخر أنه جعل فرض الاخت كفرض البنت فلذلك يجب أن يكون فرض البنتين كفرض الاختين

قال الله عز وجل (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) وقال أبو العباس محمد بن يزيد في الآية نفسها دليل على أن للبنتين الثلثين لانه قال (للذكر مثل حظ الانثيين) وأقل العدد ذكر وأنثى فإذا كان للواحدة الثلث دل ذلك على أن للانثيين الثلثين فهذه أقاويل أهل اللغة وقد قيل ليس للبنات الا النصف والثلثان فلما وجب أن لا يكون للابنتين وجب أن يكون لهما الثلثان على أن ابن عباس قال لهما النصف وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى البنتين الثلثين وروى جابر بن عبد الله أن امرأة (سعد بن الربيع) أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله ان زوجي قتل معك وانما

يتزوج النساء للمال وقد خلفني وخلف ابنتين وأخا وأخذ الاخ المال فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ادفع إليها الثمن والى البنتين الثلثين ولك ما بقي) 25 وقوله عز وجل (فان كان له أخوة فلامه السدس) أجمعت الفقهاء أن الاخوة اثنان فصاعدا الا ابن عباس فانه قال لا يكون الاخوة أقل من ثلاثة والدليل على أن الاثنين يقال لهما اخوة قوله (وان كانوا اخوة رجالا ونساء) فلا اختلاف بين أهل العلم أن هذا يكون للاثنين فصاعدا والاثنان جماعة لانه واحد جمعته الى آخر

وقال (وأطراف النهار) يعني طرفيه والله أعلم وصلاة الاثنين جماعة 26 وقوله عز وجل (من بعد وصية يوصي بها أو دين) روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال انكم تقرؤون (من بعد وصية يوصي بها أو دين) وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية قال أبو جعفر كأن هذا على التقديم والتأخير وليست (أو) ههنا بمعنى الواو وانما هي للاباحة والفرق بينها وبين الواو أنه لو قال (من بعد وصية يوصي بها ودين) جاز أن يتوهم السامع بأن هذا إذا اجتمعا فلما جاء

بأو جاز أن يجتمعا وأن يكون واحد منهما 27 وقوله عز وجل (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا) قال ابن عباس في الدنيا وقال غيره إذا كان الابن أرفع درجة من الاب سأل الله أن يلحقه به وكذلك الاب إذا كان أرفع درجة منه 28 ثم قال تعالى (فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما) أي عليم بما فرض حكيم به ومعنى (كان) ههنا فيه أقوال أحدهما أن معناه لم يزل كأن القوم عاينوا حكمة

وعلما فأعلمهم الله عز وجل أنه لم يزل كذلك وقيل الاخبار من الله في الماضي والمستقبل واحد لانه عنده معلوم 29 وقوله تعالى (وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة) في الكلالة أقوال قال البصريون الكلالة الميت الذي لا ولد له ولا والد واحتجوا بأنه روي عن أبي بكر باختلاف وعن علي وزيد بن ثابت وابن مسعود وابن عباس وجابر بن زيد أنهم قالوا

الكلالة من لا ولد له ولا والد وقال البصريون هذا مثل قولك رجل عقيم إذا لم يولد له وهو مشتق من الاكليل فكأن الورثة قد أحاطوا به وليس له ولد ولا والد فيجوز المال وقال أهل المدينة وأهل الكوفة الكلالة الورثة الذين لا والد فيهم ولا ولد وروي عن عمر قولان أحدهما أن الكلالة من لا ولد له ولا والد والآخر أنها من لا ولد له

قال أبو جعفر روي عن عطاء قول شاذ قال الكلالة المال وقال ابن زيد الكلالة الميت الذي لا والد له ولا ولد والحي كلهم كلالة هذا يرث بالكلالة وهذا يورث بالكلالة وقال محمد بن جرير الصواب أن الكلالة الذي يرثون الميت من عدا ولده ووالده لصحة خبر جابر يعني ابن عبد الله أنه قال قلت يا رسول الله انما يرثني كلالة فكيف بالميراث فنزلت 30 ثم قال تعالى (وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس)

وانما يعني ههنا الاخوة والاخوات للام وكذلك روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قرأ (وله أخ أو أخت) من أمه فلكل واحد منهما السدس وقرأ الحسن وأبو رجاء (يورث كلالة) وقال هارون القارئ قرأ بعض أهل الكوفة (يورث كلالة) فعلى هاتين القراءتين لا تكون الكلالة الا الورثة أو المال 31 وقوله عز وجل (من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار) وروي عن الحسن أنه قرأ (غير مضار وصية من الله) مضاف وقد زعم بعض أهل اللغة أن هذا لحن لان اسم الفاعل لا يضاف الى المصدر

والقراءة حسنة على حذف والمعنى غير مضار ذي وصية أي غير مضار بها ورثته في ميراثهم 32 وقوله عز وجل (تلك حدود الله) أي ما منع أن يجاوز وحددت منعت 33 ثم قال تعالى (ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار) أي من يطعه فيما فرض وحد 34 ثم قال تعالى (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا) معنى يتعدى يتجاوز أي يتجاوز ما حد له

35 وقوله عز وجل (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فأمسكوهن في البيوت) هذه الآية منسوخة قال ابن عباس كان الامر كذا حتى نزلت الآية (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) فأما معنى الآية المنسوخة فان سفيان والسدي فالا كان الثيب إذا زنا حبس حتى يموت وكان البكر إذا زنا سب بالقول الا أن الفائدة في الآية كان لا يقبل في الزنا الا اربعة

وزعم مجاهد أن قوله (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) أنها كانت خاصة على النساء دون الرجال والتي بعدها على الرجال خاصة وهي (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) بالسب ثم نسختا بالحد المفروض هذا معنى قوله قال أبو جعفر وهذا الصحيح في اللغة الذي هو حقيقة فلا يغلب المذكر على المؤنث الا بدليل فأما معنى (أو يجعل الله لهن سبيلا) فان عبادة بن الصامت روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خذوا عني قد جعل الله لهن

سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم قيل هذا الحديث منسوخ وهو أن الثيب لا جلد عليه وانما عليه الرجم (ونسخ هذا الحديث حديث الزهري عن عبيد الله (بن عبد الله) عن أبي هريرة وزيد بن خالد أرجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان ابني كان عسيفا لهذا وانه فسق بامرأته فافتديت منه ثم خبرت أعلى ابني جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأته الرجم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليه ما أخذ منه وأن يجلد ابنه مائة ويغرب عاما وترجم المرأة ولم يأمر بجلدها

ويقال ان حديث عبادة كان في الابتداء وان التغريب لا يجب الا أن يراه السلطان لانه يجوز أن يكون التغريب منه صلى الله عليه وسلم لشئ علمه من المجلود وقول (علي) بن أبي طالب رضي الله عنه ان على الثيب الجلد والرجم هو قول أهل النظر لانه لم يتبين نسخ الجلد مع الرجم فالجلد ثابت وعليه غير دليل 36 وقوله عز وجل (انما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة) قال قتادة اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا أن كل من عصى الله عز وجل فهو جاهل

37 وقوله عز وجل (ثم يتوبون من قريب) روي عن الضحاك أنه قال كل ما كان دون الموت فهو قريب 38 وقوله عز وجل (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال اني تبت الآن) روي عن عبد الله بن عمر أنه قال ما حضور الموت الا السوق يعني أنه إذا عاين تبين له الحق ولا تنفعه التوبة عند ذلك كما قال عز وجل عن فرعون (آمنت) 39 وقوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها)

قال الزهري وأبو مجلز كان هذا في حي من الانصار كان الرجل إذا توفي وخلف امرأة ألقى عليها وليه رداء فلا تقدر أن تتزوج هذا معنى كلامهما وزاد غيرهما ويتزوجها بغير مهر وربما ضارها ولا تقدر أن تتزوج حتى تفتدي منه فأنزل الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) الآية فيكون المعنى لا يحل لكم أن ترثوهن من أزواجهن فتكونوا أزواجا لهن ويجوز أن يكون المعنى لا تتزوجوهن لترثوهن قوله كرها فيكون الميراث وقع منهن بالكراهة منهن للعقد الموجب للميراث

ويقرأ (كرها) والفراء يذهب الى أن معنى (كرها) أن تكره على الشئ والكره من قبله يذهب الى أنه بمعنى المشقة قال الكسائي الكره والكره واحد وهو عند البصريين كما قال الكسائي وهما لغتان 40 وقوله عز وجل (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) قال مجاهد هو مثل الذي في البقرة يذهب الى أن معناه ولا تحبسوهن

ويروى أن الرجل كان يتزوج المرأة فلا تعجبه فيحبسها ويضارها حتى تفتدي منه 41 ثم قال عز وجل (الا أن يأتين بفاحشة مبينة) قال الحسن والشعبي يعني الزنا قال الشعبي فان فعلت ذلك صلح لخلع وكان له أن يطالبها به وقال مقسم هذا إذا عصتك وآذتك وقال عطاء الخراساني كان الرجل إذا تزوج المرأة فأتت بفاحشة كان له أن يأخذ منها كلما ساقه إليها فنسخ ذلك

بالحدود 42 وقوله عز وجل (وعاشروهن بالمعروف) أي في المبيت والنفقة والكلام 43 وقوله عز وجل (وان أردتم استبدال زوج مكان زوج) أي تطليقا وتزوجا

ثم قال (وآتيتم احداهن قنطارا) القنطار المال الكثير وقد ذكرناه في سورة آل عمران 44 وقوله عز وجل (أتأخذونه بهتانا واثما مبينا) والبهتان في اللغة الباطل الذي يتحير من بطلانه ومنه بهت الرجل إذا تحير 45 وقوله عز وجل (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم الى بعض) قال ابن عباس الافضاء الغشيان وأصل الافضاء في اللغة المخالطة ويقال للشئ المختلط فضا

قال الشاعر فقلت لها يا عمتا لك ناقتي وتمر فضا في عيبتي وزبيب ويقال القوم فوضى فضا أي مختلطون لا أمير عليهم 46 وقوله عز وجل وأخذن منكم ميثاقا غليظا) قال ابن عباس والحسن هو قوله (فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) وجعله بمنزلة الميثاق المغلظ أي اليمين مجازا وقال مجاهد وعكرمة استحلتموهن له بأمانة الله وملكتموهن ذلك بكلمة الله عز وجل

47 وقوله عز وجل (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف) يقال كيف استثنى (ما قد سلف) مما لم يكن بعد فالجواب أن هذا استثناء ليس من الاول والعرب تقول ما زاد الا ما نقص وسيبوبه محمد يجعل الا بمعنى لكن المعنى لكن ما قد سلف فانه مغفور أو فدعوه 48 ثم قال عز وجل (إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) يقال لم جئ ب (كان) وهو بكل حال فاحشة ففي هذا جوابان

قال أبو اسحاق قال أبو العباس محمد بن يزيد كان ههنا زائدة والمعنى انه فاحشة وأنشد فكيف إذا رأيت ديار قوم وجيران لنا كانوا كرام قال أبو جعفر قال أبو اسحاق وهذا عندي خطأ لان كان لو كانت زائدة وجب أن يكون (إنه كان فاحشة ومقت) والجواب أن هذا كان مستقبحا عندهم في الجاهلية يسمونه فاحشة ومقتا

والمقت أشد البغض ويسمون المولود منه المقتي فأعلم الله جل وعز أن هذا الذي حرمه كان قبيحا في الجاهلية ممقوتا 49 وقوله جل وعز (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم) هذه المحرمات تسمى المبهمات لانها لا تحل بوجه ولا سبب الا قوله (وأمهات نسائكم) فان أكثر الفقهاء يجعله من الاول

وقال بعضهم إذا تزوجها ولم يدخل بها لم تحرم عليه أمها وهذا القول على مذهب أهل اللغة بعيد لان الشرط لمن يقع عليه ولان قوله (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) متعلق بقوله (وربائبكم اللاتي في حجوركم) ولا يجوز أن يكون قوله (اللاتي) من نعتهما جميعا لان الخبرين مختلفان ولكنه يجوز على معنى أعني وأنشد الخليل وسيبويه ان بها أكتل اورزاما إلى خويربين ينفقان الهاما

خويربين بمعنى أعني والربيبة بنت امرأة الرجل وسميت ربيبة لان زوج أمها يربيها ويجوز أن تسمى ربيبة وان لم يربها لانها ممن يربيها كما يقال أضحية من قبل أن يضحى بها وكذلك حلوبة أي يحلب قال الشاعر فيها اثنتان وأربعون حلوبة سودا كخافية الغراب الاسحم 50 وقوله جل وعز (وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم) حليلة الرجل امرأته والرجل حليل لان كل واحد منهما يحل على صاحبه

وقيل حليلة بمعنى محلة من الحلال والحرام قال الشاعر وحليل غانية تركت مجدلا تمكو فريصته كشدق الاعلم فأما الفائدة في قوله (من أصلابكم) فهي على اخراج الحليلات كان بنات الادعياء المتبنين من هذا غير أن (في حجوركم) يدل على التربية 51 وقوله جل وعز (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف) فهذا استثناء ليس من الاول والمعنى لكن ما قد سلف فانه مغفور

52 وقوله جل وعز (والمحصنات من النساء) قال علي وابن عباس وأبو سعيد الخدري هن ذوات الازواج لا تحل واحدة منهن الا أن تسبى قال عبد الله بن عباس نكاح ذوات الازواج زنا الا أن تسبى وقد كان لها زوج فتحل بملك اليمين وقول آخر أنهن الاماء ذوات الازواج إذا استؤنف عليهن الملك كان فاسخا لنكاحهن روي هذا عن ابن مسعود وأبي بن كعب وجابر وأنس

وقول ثالث قال أبو عبيده (الا ما ملكت أيمانكم) الاربع وأحسنها الاول لحديث أبي سعيد الخدري (أصبنا سبيا يوم أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا رسول الله فنزلت هذه الآية فاستحللناهن) 53 وقوله جل وعز (كتاب الله عليكم) أي فرض الله عليكم وقرئ (كتب الله عليكم (أي فرض الله تحريم هؤلاء ولم يقل انه لا يحرم عليكم سواهن وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها)

وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب 54 وقوله جل وعز (أن تبتغوا بأموالكم محصنين) محصنين أي ناكحين غير مسافحين قال مجاهد أي غير زانين وأصله من سفح إذا صب كما قال الشاعر وان شفائي عبرة ان سفحتها فهل عند رسم دارس من معول

فسمي الزنا سفاحا لانه يمنزلة الماء المصبوب 55 وقوله جل وعز (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) في معنى هذه الآية قولان أحدهما أنها منسوخة وروي عن سعيد بن المسيب ذلك وروى عكرمة بن عمار عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله جل وعز حرم أو أهدر المتعة بالطلاق والنكاح والعدة والميراث (

وروى مالك عن الزهري أن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب رحمة الله عليهم والحسن بن محمد بن علي أخبراه أن أباهما أخبرهما أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لابن عباس انك رجل تائه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وقالت عائشة حرم الله المتعة بقوله (والذين هم لفروجهم حافظون الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) والدليل على أن المستمتع بها غير زوجة أنها لو كانت زوجة للحقها الطلاق وكان عليها عدة الوفاة ولحق ولدها بأبيه ولتوارثا

ومعنى (فآتوهن أجورهن) المهر والدليل على ذلك أن بعده (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن) فهذا باجماع المهر وروي عن أبي بن كعب وابن عباس أنهما قراء (فما استمتعم به منهن الى أجل مسمى) والقول الآخر أن هذا ليس من المتعة وقال الحسن ومجاهد هو من النكاح فالمعنى (فما استمتعتم به منهن) من النكاح

أي ان دخلتم بها فلها المهر ومن لم يدخل كان عليه نصف المهر والدليل على أن هذا هو القول الصحيح قوله (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة) أي ان وهب لها النصف الآخر فلا جناح وان وهبت له النصف فلا جناح 56 ثم قال عز وجل (إن الله كان عليما حكيما) أي هو عليم بما فرض عليكم في النكاح 57 وقوله عز وجل (ومن لم يستطع منكم طولا) أي قدرة على المهر والطول في اللغة الفضل ومنه تطول الله علينا والطول في القامة فضل والطول الحبل ويقال لا أكلمه طوال الدهر

58 وفي قوله عز وجل (أن ينكح المحصنات) قولان أحدهما أنهن العفائف والآخر أنهن الحرائر والاشبه أن يكن الحرائر لقوله (فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) يعني المملوكات والعرب تقول للمملوك فتى وللملوكة أبو فتاة 59 ثم قال عز وجل (بعضكم من بعض)

في معنى هذا قولان أحدهما بنو آدم والقول الآخر انكم مؤمنون فأنتم اخوة وانما قيل لهم هذا فيما روي لانهم في الجاهلية كانوا يعيرون بالهجنة أو ويسمون ابن الامة هجينا فقال عز وجل (بعضكم من بعض) 60 وقوله جل وعز (وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات) متزوجات (غير مسافحات) أي غير زانيات (ولا متخذات أخدان) الخدن الصديق أي غير زانيات بواحد ولا مبذولات

61 ثم قال جل وعز (فإذا أحصن) قال الشعبي معناه فإذا أسلمن وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال الاحصان الاسلام ويقرأ فإذا أحصن قال ابن عباس تزوجن إذا كانت غير متزوجة وقال الزهري معناه فإذا تزوجن قال الزهري تحد الامة إذا زنت وهي متزوجة بالكتاب وتحد إذا زنت ولم تتزوج بالسنة

والاختيار عند أهل النظر فإذا أحصن بالضم لانه قد تقدم ذكر اسلامهن في قوله عز وجل ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فدل ذلك على أن الاحصان الثاني غير الاسلام فالاختيار على هذا (أحصن) بالضم أي تزوجن وقيل (أحصن) تزوجن وذا أولى لانه قال (من فتياتكم المؤمنات) فيبعد أن يقول فإذا أسلمن 62 ثم قال جل وعز (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) يعني نصف الحد ويعني بالمحصنات ههنا الابكار الحراير

لان الثيب عليها الرجم ولا يتبعض قيل وانما قيل للبكر محصنة وان لم تكن متزوجة لان الاحصان يكون لها كما يقال أضحية قبل أن يضحى بها وكما يقال للبقرة مثيرة قبل أن تثير وقيل المحصنات المتزوجات لان عليهن الضرب والرجم في الحديث والرجم لا يتبعض فصار عليهن نصف الضرب 63 ثم قال جل وعز (ذلك لمن خشي العنت منكم) قال الشعبي الزنا والعنت في اللغة المشقة يقال أكمة عنوت إذا كانت شاقة

64 ثم قال جل وعز (وأن تصبروا خير لكم) أي وأن تصبروا عن نكاح الاماء خير لكم وانما شدد في الاماء لان ولد الرجل منها يكون مملوكا وهي تمتهن في الخدمة وهذا شاق على الزوج 65 وقوله عز وجل (ويهديكم سنن الذين من قبلكم) أي طرق الانبياء والصالحين قبلكم لتتبعوها)

66 وقوله جل وعز (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما) أي يريدون أن تعدلوا عن القصد والحق 67 وقوله جل وعز (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا) قال طاووس خلق ضعيفا في أمر النساء خاصة وروي عن ابن عباس أنه قرأ (وخلق الإنسان ضعيفا) أي خلق الله الانسان ضعيفا 68 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) أي لا يحل لكم الا على ما تقدم من هبة أو مهر

أو صدقة أو بيع أو شراء وما أشبه ذلك 69 وقوله جل وعز (ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما) قال عطاء أي لا يقتل بعضكم بعضا وذلك معروف في اللغة لان المؤمن من المؤمن بمنزلة نفسه

وقرأ الحسن (ولا تقتلوا أنفسكم) على التكثير 70 ثم قال جل وعز (ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا) العدوان في اللغة المجاوزة للحق والظلم وضع الشئ في غير موضعه 71 ثم قال جل وعز (وكان ذلك على الله يسيرا) أي سهلا يقال يسر الشئ فهو يسير إذا سهل 72 وقوله جل وعز (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الكبائر الشرك بالله والسحر وقذف المحصنة وأكل الربا وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وعقوق الوالدين

وقال عبد الله بن مسعود الكبائر الشرك بالله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله وأمن مكر الله وقال طاووس قيل لابن عباس الكبائر سبع قال هي الى السبعين أقرب وحقيقة الكبيرة في اللغة أنها ما كبر وعظم مما وعد الله جل وعز عليه النار أو أمر بعقوبة فيه فما كان على غير هذين جاز أن يكون كبيرة وأن يكون صغيرة

73 ثم قال تعالى (نكفر عنكم سيئاتكم) قال أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يصيبه هم أو نصب الا كفر عنه به 74 ثم قال جل وعز (وندخلكم مدخلا كريما) قيل يعني به الجنة والله أعلم 75 وقوله جل وعز (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) روي أن أم سلمة قالت يا رسول الله فضل الله الرجال على النساء بالغزو وفي الميراث فأنزل الله (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) وقيل انما نهي عن الحسد والحسد عند أهل اللغة أن يتمنى الانسان ما لغيره بأن يزول

عنه فان تمنى ما لغيره ولم يرد أن يزول عنه سمي ذلك غبطة المعنى ولا تتمنوا تلف ما ثم حذف وقال قتادة كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان فلما ورثوا وجعل للذكر مثل حظ الانثيين تمنى النساء أن لو جعل أنصباؤهن كأنصباء الرجال وقال الرجال انا لنرجوا أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فنزلت (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) أي المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزى الرجال وقال سعيد بن جبير (وأسألوا الله من فضله)

العبادة ليس من أمر الدنيا وقيل سلوه التوفيق للعمل لما يرضيه (إن الله كان بكل شئ عليما) أي بما يصلح عباده 76 وقوله جل وعز (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون) قال مجاهد هم بنو العم وقال قتادة هم الاقرباء منهم الاب والاخ وقال الضحاك يعني الاقرباء وهذا قول أكثر أهل اللغة

77 وقوله جل وعز (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) هذه الآية منسوخة قال ابن عباس كانوا في الجاهلية يجئ الرجل الى الرجل فيقول له أرثك وترثني فيكون ذلك بينهما حلفا فنسخ الله ذلك بقوله (وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وكذلك روي عن الحسن وعكرمة وقتادة أن الآية منسوخة وقال سعيد بن المسيب كان الرجل يتبنى الرجل فيتوارثان على ذلك فنسخه الله جل وعز

78 وقوله جل وعز (الرجال قوامون على النساء) قيل لان منهم الحكام والامراء ومن يغزو 79 ثم قال جل وعز (بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم) أي من المهور 80 ثم قال جل وعز (فالصالحات قانتات) قال قتادة أي مطيعات وقال غيره أي قيمات لازواجهن بما يجب من حقهن 81 ثم قال عز وجل (حافظات للغيب)

قال قتادة أي لغيب أزواجهن (بما حفظ الله) أي بما حفظهن الله به في مهورهن والانفاق عليهن وقرأ أبو جعفر المدني (بما حفظ الله) ومعناه بأن حفظن الله في الطاعة وتقديره بحفظ الله 82 وقوله جل وعز (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) قال أهل التفسير النشوز العداوة والنشوز في اللغة الارتفاع ويقال لما ارتفع من الارض نشز ونشز

والعداوة هي ارتفاع عما يجب وزوال عنه قال سفيان معنى فعظوهن أي فعظوهن بالله (واهجروهن في المضاجع) قال سفيان من غير ترك الجماع (واضربوهن) قال عطاء ضربا غير مبرح

83 ثم قال جل وعز (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) قال ابن جريج أي لا تطلبوا عليهن طريق عنت 84 ثم قال جل وعز (ان الله كان عليا كبيرا) أي هو متعال عن أن يكلف الا الحق ومقدار الطاقة

85 وقوله جل وعز (وان خفتم شقاق بينهما) قال أبو عبيدة معنى خفتم أيقنتم قال أبو جعفر قال اسحاق هذا عندي خطأ لانا لو أيقنا لم يحتج الى الحكمين وخفتم ههنا على بابها والشقاق العداوة وحقيقته أن كل واحد من المعاديين عبد في شق خلاف شق صاحبه 86 ثم قال جل وعز (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) قال مجاهد يعني الحكمين قال أبو جعفر وهذا قول حسن لانهما إذا اجتمعت كلمتهما قبل منهما على أن في ذلك اختلافا روي عن سعيد بن جبير أنه قال للحكمين أن يطلقا على الرجل إذا اجتمعا على ذلك وهذا قول مالك وفيه قول آخر وهو أنهما لا يطلقان عليه حتى يرضى بحكمهما

وروي هذا القول أيوب وهشام عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي رحمه الله أنه قال للحكمين لكما أن تحمعا عليه وأن تفرقا فقال الزوج أما التفرقة فلا قال علي والله لترضين بكتاب الله 87 ثم قال جل وعز (إن الله كان عليما خبيرا) أي هو عليم بما فيه الصلاح خبير بذلك 88 وقوله جل وعز (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) أي لا تعبدوا معه غيره فتبطل عبادتكم 89 ثم قال جل وعز (وبالوالدين احسانا)

أي وصاكم بهذا والتقدير وأحسنوا بالوالدين احسانا 90 وقوله جل وعز (والجار ذي القربى) هو الذي بينك وبينه قرابة ثم قال جل وعز (والجار الجنب) قال ابن عباس هو الغريب وكذلك هو في اللغة ومنه فلان أجنبي وكذلك الجنابة البعد وأنشد أهل اللغة فلا تحرمني نائلا عن جنابة فاني امرؤ وسط القباب غريب

92 ثم قال جل وعز (والصاحب بالجنب) روي عن علي وعبد الله بن مسعود وابن أبي ليلى أنهم قالوا الصاحب بالجنب المرأة وقال مجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك الصاحب بالجنب الرفيق في السفر 93 ثم قال جل وعز (وابن السبيل) قال قتادة ومجاهد والضحاك هو الضيف والسبيل في اللغة الطريق فنسب إليها لانه إليها يأوي

94 وقوله عز وجل (ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا) المختال في اللغة ذو الخيلاء فان قيل فكيف ذكر المختال ههنا وكيف يشبه هذا الكلام الاول فالجواب أن من الناس من تكبر على اقربائه إذا كانوا فقراء فأعلم الله عز وجل أنه لا يحب من كان كذا 95 وقوله عز وجل (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا)

قال ابراهيم ومجاهد وقتادة نزل هذا في اليهود وهو قل حسن عند أهل اللغة لأن اليهود بخلوا أن يخبروا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندهم في التوراة وكتموا ما آتاهم الله من فضله أي ما أعطاهم والدليل على هذا قوله (وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) 96 ثم قال عز وجل (والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس) قال ابراهيم يعني به اليهود أيضا

وقال غيره يعني به المنافقين 97 ثم قال جل وعز (ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) أي من يقبل ما سول له الشيطان فساء عملا عمله 98 وقوله جل وعز (ان الله لا يظلم مثقال ذرة) أي وزن ذرة يقال هذا مثقال هذا أي وزن هذا ومثقال مفعال من الثقل والذرة النملة الصغيرة

وروى عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من ايمان ثم قال أبو سعيد ان شككتم فاقرؤوا (ان الله لا يظلم مثقال ذرة) 99 ثم قال جل وعز (وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) قال سعيد بن جبير يعني الجنة ومعنى يضاعفها يجعلها أضعافا وقرأ أبو رجاء العطاردي يضعفها

ومعنى من لدنه من قبله 100 وقوله جل وعز (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) في الكلام حذف لعلم السامع والمعنى فكيف تكون حالهم إذا جئنا من كل أمة بشهيد وفي الكلام معنى التوبيخ قال عبد الله بن مسعود قال لي النبي صلى الله عليه وسلم اقرأ علي فقلت آقرأ عليك وعليك أنزل فقال نعم فقرأت عليه من أول النساء حتى بلغت الى قوله (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) فرأيت عينيه تذرفان

وقال شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم 101 وقوله جل وعز (يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض) وقرأ مجاهد وأبو عمرو لو تسوى بهم الارض فمن قرأ تسوى فمعناه على ما روي عن قتادة لو تخرقت بهم الارض فساخوا فيها وقيل وهو أبين ان المعنى أنهم تمنوا أن يكونوا ترابا كالارض فيستوون هم وهي ويدل على هذا (يا ليتني كنت ترابا)

وكذلك تسوى لو سواهم الله عز وجل فصاروا ترابا مثلها والقراءة الاولى موافقة لقولهم كنت ولم يقولوا كونت وروي عن الحسن في قوله تسوى بهم الارض قال تنشق فتسوى عليهم يذهب الى أن معنى (بهم) عليهم فتكون الباء بمعنى على كما تكون (في) بمعنى (على) في قوله عز وجل (ولأصلبنكم في جذوع النخل) 202 ثم قال عز وجل (ولا يكتمون الله حديثا)

فيقال أليس قد قالوا (والله ربنا ما كنا مشركين) ففي هذا أجوبة منها أن يكون داخلا في التمني فيكون المعنى أنهم يتمنون ألا يكتموا الله حديثا فيكون مثل قولك ليتني ألقى فلانا وأكلمه وقال قتادة هي مواطن في القيامة يقع هذا في بعضها وقال بعض أهل اللغة هم لا يقدرون على أن يكتموا لان الله عالم بما يسرون

وقيل قولهم (والله ربنا ما كنا مشركين) عندهم أنهم قد صدقوا في هذا فيكون على هذا (ولا يكتمون الله حديثا) مستأنفا 103 وقوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) قال الضحاك أي سكارى من النوم وقال عكرمة وقتادة هذا منسوخ وقال قتادة نسخه تحريم الخمر

يذهب الى أن معنى سكارى من الشراب والدليل على أن هذا القول هو الصحيح أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال أقيمت الصلاة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقربن الصلاة سكران) وروي أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بقوم فقرأ (قل يا أيها الكافرون) فخلط فيها فنزلت (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى) ثم نسخ هذا بتحريم الخمر

104 ثم قال جل وعز (ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا) قال عبد الله بن عباس وأنس الا أن تمر ولا تجلس وروي عن ابن عباس هو المسافر يمر بالمسجد مجتازا وروي عن عائشة رحمها الله أنها حاضت وهي محرمة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت 105 ثم قال جل وعز (وان كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط)

قال بعض الفقهاء المعنى وجاء أحد منكم من الغائط وهذا لا يجوز عند أهل النظر من النحويين لأن ل (أو) معناها وللواو معناها وهذا عندهم على الحذف والمعنى وان كنتم مرضى لا تقدرون فيه على مس الماء أو على سفر ولم تجدوا ماء واحتجتم الى الماء 106 ثم قال جل وعز (أو لامستم النساء) قال ابن عباس لامستم جامعتم

ويقرأ (أو لمستم) قال محمد بن يزيد من ذهب الى أنه الجماع فالاحسن أن يقول لمستم مثل غشيتم وهذا الفعل انما نسب الى الرجل ومن ذهب الى أنه دون الجماع فالاحسن أن يقول لامستم 107 ثم قال جل وعز (فتيمموا صعيدا طيبا) معنى تيمموا تعمدوا واقصدوا يقال تيممت كذا وتأممته إذا قصدته

والصعيد في اللغة وجه الارض كان عليه تراب أو لم يكن والدليل على هذا قوله عز وجل (فتصبح صعيدا زلقا) وانما سمي صعيدا لانه نهاية ما يصعد إليه من الارض والطيب النظيف ثم قال تعالى (ان الله كان عفوا غفورا) لانه قد عفا جل وعز وسهل في التيمم

108 وقوله جل وعز (ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) قال أهل التفسير يعني به اليهود لان عندهم صفة النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى (يشترون الضلالة) يلزمونها وقد صاروا بمنزلة المشتري لها والعرب تقول لكل من رغب في شئ قد اشتراه ومعنى (ويريدون أن تضلوا السبيل) أي يريدون أن تضلوا طريق الحق 109 ثم قال جل وعز (والله أعلم بأعدائكم)

أي فهو يكفيكموهم 110 ثم قال جل وعز (وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا) قال أبو اسحاق انما دخلت الباء في (وكفى بالله) لان في الكلام معنى الامر والمعنى اكتفوا بالله وليا واكتفوا بالله نصيرا 111 ثم قال جل وعز (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) يجوز أن يكون المعنى ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا وهو الاولى بالصواب لأن الخبرين

والمعنيين أبي من صفة نوع واحد من الناس وهم اليهود وبهذا جاء التفسير ويجوز أن يكون المعنى وكفى بالله نصيرا من الذين هادوا ويجوز أن يكون المعنى على مذهب سيبويه من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ثم حذف وأنشد النحويون لو قلت ما في قومها لم تيثم يفضلها في حسب ومبسم

قالوا المعنى لو قلت ما في قومها أحد يفضلها ثم حذف ومعنى يحرفون يغيرون ومنه تحرفت عن فلان أي عدلت عنه فمعنى (يحرفون) يعدلون عن الحق 112 وقوله جل وعز (ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع) روي عن ابن عباس أنه قال أي يقولون اسمع لا سمعت

وقال الحسن أي اسمع غير مسمع منك أي غير مقبول منك ولو كان كذا لكان غير مسموع وقوله عز وجل (وراعنا) نهي المسلمون أن يقولوها وأمروا أن يخاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم بالاجلال والاعظام وقرأ الحسن وراعنا منونا جعله من الرعونة وقد استقصينا شرحه في سورة البقرة

113 ثم قال جل وعز (ليا بألسنتهم وطعنا في الدين) أي يلوون ألسنتهم ويعدلون عن الحق 114 ثم قال جل وعز (ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم) ومعنى انظرنا انتظرنا ومعنى سمعنا قبلنا لكان خيرا لهم أي عند الله جل وعز وأقوم أي وأصوب في الرأي والاستقامة منه 115 ثم قال جل وعز (ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون الا قليلا) ويجوز أن يكون المعنى فلا يؤمنون الا ايمانا قليلا لا يستحقون اسم الايمان

ويجوز أن يكون المعنى فلا يؤمنون الا قليلا منهم 116 وقوله عز وجل (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها) روي عن أبي بن كعب أنه قال من قبل أن نضلكم اضلالا لا تهتدون بعده يذهب الى أنه تمثيل وأنه ان لم يؤمنوا فعل هذا بهم عقوبة وقال مجاهد في الضلالة وقال قتادة معناه من قبل أن نجعل الوجوه أقفاء

ومعنى (من قبل أن نطمس وجوها) عند أهل اللغة نذهب بالانف والشفاه والاعين والحواجب فنردها على أدبارها نجعلها أقفاء فان قيل فلم (لم) يفعل بهم هذا ففي هذا جوابان أحدهما أنه انما خوطب بهذا رؤساؤهم وهم ممن آمن روي هذا القول عن ابن عباس والقول الآخر أنهم حذروا أن يفعل هذا بهم في القيامة وقال محمد بن جرير ولم يكن هذا لانه قد آمن منهم جماعة 117 ثم قال جل وعز (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت)

قال قتادة أو نمسخهم قردة وخنازير 118 وقوله عز وجل (ان الله لا يغفر أن يشرك به) وقد قال (ان الله يغفر الذنوب جميعا) فهذا معروف والمعنى أن يقال أنا أغفر لك كل ذنب ولا يستثنى ما يعلم أنك لا تغفر وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا إن الله يغفر الذنوب

جمعيا فقال له رجل يا رسول الله والشرك فنزلت (ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) قال بعض أهل اللغة معناه الا الكبائر وقيل معناه بعد التوبة 119 وقوله عز وجل (ألم تر الى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء) أصل الزكاء النماء في الصلاح

قال قتادة يعني اليهود لانهم زكوا أنفسهم فقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه وكذلك قال الضحاك 120 ثم قال جل وعز (ولا يظلمون فتيلا) قال ابن عباس الفتيل ما فتلته بأصبعيك وقال غيره الفتيل ما في بطن النواة والنقير النقرة التي فيها والتي تنبت منها النخلة والقطمير القشرة الملفوفة عليها من خارج

والمعنى لا يظلمون مقدار هذا 121 ثم قال جل وعز (أنظر كيف يفترون على الله الكذب) معنى يفترون يختلقون ويكذبون 122 وقوله عز وجل (ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) روي عن عمر رحمه الله أنه قال الجبت السحر والطاغوت الشيطان وكذلك روي عن الشعبي وقال قتادة الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن

وروي عن ابن عباس أن الجبت والطاغوت رجلا من اليهود وهما كعب بن الاشرف وحيي بن أخطب والجبت والطاغوت عند أهل اللغة كل ما عبد من دون الله أو أطيع طاعة فيها معصية أو خضع له فهذه الاقوال متقاربة لانهم إذا أطاعوهما (في معصية الله والكفر بأنبيائه كانوا بمنزلة من عبدهما كما قال جل وعز (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) حدثني من أثق به عن بن يونس بن عبد الاعلى عن ابن وهب عن مالك قال الطاغوت ما عبد من دون الله

ومنه (واجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها) فقلت لمالك ما الجبت فقال سمعت من يقول هو الشيطان ويدل على هذا ما حدثناه أحمد بن محمد الازدي قال حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا الحماني قال حدثنا مروان بن معاوية وابن المبارك عن عوف عن حيان بن قطن عن قبيصة بن مخارق قال سمعت النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول العيافة والطيرة والطرق من الجبت 123 ثم قال جل وعز (ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) قال قتادة هم اليهود وقال غيره يبين بهذا أنهم عاندوا لانهم قالوا لمن عبد

الاصنام ولم يقر بكتاب هؤلاء أهدى من المؤمنين الذين صدقوا بالكتب 124 وقوله جل وعز (أولئك الذين لعنهم الله) اللعنة الابعاد أي باعدهم من توفيقه ورحمته 125 وقوله جل وعز (أم لهم نصيب من الملك) قيل انهم كانوا أصحاب بساتين ومال وكانوا مع ذلك بخلاء وقيل انهم لو ملكوا لبخلوا

126 وقوله جل وعز (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة) قال الضحاك قالت اليهود يزعم محمد أنه قد أحل له من النساء ما شاء فأنزل الله عز وجل (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) فالمعنى بل يحسدون النبي صلى الله عليه وسلم على ما أحل له من النساء قال السدي وقد كانت لداود صلى الله عليه وسلم مائة امرأة ولسليمان أكثر من ذلك وقال قتادة أولئك اليهود حسدوا هذا الحي من العرب حين بعث فيهم نبي فيكون الفضل ههنا النبوة

وقد شرف بالنبي صلى الله عليه وسلم العرب أي فكيف لا يحسدون ابراهيم صلى الله عليه وسلم وغيره من الانبياء وقد أوتي سليمان الملك 127 ثم قال جل وعز (وآتيناهم ملكا عظيما) قال مجاهد يعني النبوة وقال همام بن الحارث أيدوا بالملائكة والجنود 128 ثم قال جل وعز (فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه) قال مجاهد يعني القرآن وقيل بالنبي صلى الله عليه وسلم

ويجوز أن يكون المعنى (فمنهم من آمن) بهذا الخبر (ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا) والسعير شدة توقد النار 129 وقوله جل وعز (ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا) المعنى نلقيهم فيها يقال أصليته اصلاء ما إذا ألقيته في النار القاء كأنك تريد الاحراق وصليت اللحم إذا شويته أصليه صليا وصليت بالامر أصلى إذا قاسيت شدته

وفي الحديث أن يهودية أهدت الى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية أي مشوية 130 ثم قال جل وعز (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها) في هذا قولان أحدهما أن الالم انما يقع على النفوس والجلود وان بدلت فالالم لا يقع على الانسان والقول الآخر أن يكون الجلد الاول أعيد جديدا كما تقول صغت الخاتم

131 ثم قال جل وعز (ليذوقوا العذاب) أي لينالهم ألم العذاب ثم قال تعالى (ان الله كان عزيزا حكيما) أي هو حكيم فيما عاقب به من العذاب 132 وقوله جل وعز (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار) أي ماء الانهار 133 ثم قال جل وعز (خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة) أي من الادناس والحيض

ثم قال تعالى (وندخلهم ظلا ظليلا) أي يظل من الحر والبرد وليس كذا كل ظل 134 وقوله جل وعز (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها) قيل عن ابن عباس هذا عام وروي عن شريح أنه قال لاحد خصمين أعطه حقه فان الله عز وجل يقول (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها)

ثم قال شريح (وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة) فانما هذا في الربا خاصة وقيل انه نزلت (ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى أهلها) لما أخذت مفاتح البيت من (شيبة بن عثمان) وقال ابن زيد هم الولاة واستحسن هذا القول أن يكون خطابا لولاة أمور الناس أمروا بأداء الامانة الى من ولوا أمره فيهم وحقوقهم وما ائتمنوا عليه من أمورهم وبالعدل منهم فأوصوا بالرعية

ثم أوصى الرعية بالطاعة فقال جل وعز بعده (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) الا أن ابن عباس قال (وأولوا الأمر منكم) وأولوا الفقه والدين وقال مجاهد أصحاب محمد وقال أبو هريرة هم الامراء وهذا من أحسنها الا أنه في ما وافق الحق كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن أمر بمعصية فلا طاعة

135 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) قال جابر بن عبد الله أولو الامر أولوا الفقه والعلم وقال بهذا القول من التابعين الحسن ومجاهد وعطاء وقال أبو هريرة يعني به امراء السرايا وقال بهذا القول السدي ويقويه أن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني) وقال عكرمة أولوا الامر أبو بكر وعمر وهذه الاقوال كلها ترجع الى شئ واحد لان أمراء السرايا

من العلماء لانه كان لا يولى الا من يعلم وكذلك أبو بكر وعمر من العلماء 136 ثم قال جل وعز (فان تنارعتم أن في شئ فردوه الى الله والرسول) اشتقاق المنازعة أن كل واحد من الخصمين ينتزع الحجة لنفسه 137 وفي قوله جل وعز (فردوه إلى الله والرسول) قولان أحدهما قاله مجاهد وقتادة فردوه الى كتاب الله وسنة رسوله وكذلك قال عمرو بن ميمون فردوه الى كتاب الله ورسوله فإذا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فردوه الى سنته

والقول الآخر فقولوا الله ورسوله أعلم وهذا تغليظ في الاختلاف لقوله (ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) قال قتادة وأحسن تأويلا وأحسن عاقبة

وهذا أحسن في اللغة ويكون من آل الى كذا ويجوز أن يكون المعنى وأحسن من تأويلكم 138 وقوله جل وعز (ألم تر الى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت) قال الضحاك نزل هذا في رجلين اختصما أحدهما يهودي والآخر منافق فقال اليهودي بيني وبينك محمد وقال المنافق بيني وبينك كعب بن الأشرف 139 وقوله عز وجل (وإذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله والى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) أي يصدون عن حكمك 140 وقوله عز وجل (فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم)

المعنى (فكيف) حالهم (إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله ان أردنا الا احسانا وتوفيقا) يروى أن عمر قتل المنافق الذي قال لليهودي امض بنا الى كعب بن الاشرف يقض بيننا فجاء أصحابه الى النبي صلى الله عليه وسلم يحلفون بالله ان أردنا بطلب الدم الا احسانا وموافقة للحق وقيل المعنى إذا نزلت بهم عقوبة لم تردعهم وحلفوا كاذبين أنهم ما أرادوا باحتكامهم على إليه الا الاحسان من بعضهم الى

بعض والصواب فيه 141 ثم قال جل وعز (أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) وهو عالم بكل شئ والفائدة أنه قد علم أنهم منافقون فأعلموا ذلك 142 ثم قال جل وعز (فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) أي قل لهم من خالف حكم النبي صلى الله عليه وسلم وكفر به وجب عليه القتل

143 وقوله جل وعز (وما أرسلنا من رسول الا ليطاع بإذن الله) من زائدة للتوكيد ويدل على معنى الجنس ومعنى (الا باذن الله) الا بأنه أذن الله وقيل يجوز أن يكون معناه الا بعلم الله 144 وقوله عز وجل (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم 9

أي فيما اختلفوا فيه ومنه تشاجر القوم وأصل هذا من الشجر لاختلاف أغصانه ومنه شجره بالرمح أي جعله فيه بمنزلة الغصن في الشجرة ومنه اشتجر القوم قال زهير متى يشتجر قوم يقل سرواتهم هم بيننا فهم رضى وهم عدل 145 وقوله جل وعز (ثم لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضيت) أي شكا وضيقا وأصل الحرج الضيق 146 ثم قال جل وعز (ويسلموا تسليما) أي ويسلموا لامرك وقوله تسليما مؤكد

147 وقوله جل وعز (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم) يروى أن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله أنت معنا في الدنيا وترفع يوم القيامة لفضلك فأنزل الله عز وجل (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) فعرفهم أن الاعلين ينحدرون الى من هو أسفل منهم فيجتمعون ليذكروا ما أنعم الله عليهم به 148 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا)

قال قتادة الثبات الفرق وقال الضحاك الثبات العصب والجميع المجتمعون وقال أهل اللغة الثبات الجماعات في تفرقة والمعنى انفروا جماعة بعد جماعة أو انفروا بأجمعكم وواحد الثبات ثبة وهي مشتقة من قولهم ثبيت الرجل إذا أثنيت عليه في حياته لانك كأنك جمعت محاسنه 149 وقوله جل وعز (وان منكم لمن ليبطئن فان أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي) أي يبطئ عن القتال ويبطئ على التكثير يعنى به المنافقون (فان أصابتكم مصيبة) أي هزيمة

(ولئن أصابكم فضل من الله) أي غنيمة (ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة) لله وقرأ الحسن (ليقولن) بضم اللام وهو محمول على المعنى لان (من) لجماعة فهذا معترض والمعنى هو قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا (كأن لم يكن بينكم وبينه مودة) أي كأن لم يعاقدكم على الجهاد ويجوز أن يكون المعنى يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما كأن لم يكن بينكم وبينه مودة 150 وقوله جل وعز (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) معنى يشرون يبيعون يقال شريت الشئ إذا

بعته وإذا اشتريته 151 ثم قال جل وعز (ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما) وقرأ محمد بن اليماني فيقتل أو يغلب 152 وقوله جل وعز (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان) قال الزهري المعنى في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين قال أبو جعفر قال أبو العباس يجوز أن يكون المعنى وفي المستضعفين ويجوز أن يكون المعنى وفي سبيل المستضعفين وقال الضحاك هؤلاء قوم أسلموا ولم يقدروا على الهجرة وأقاموا بمكة فعذرهم الله جل وعز

153 ثم قال جل وعز (الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها) يعنى مكة 154 وقوله جل وعز (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) قال قتادة البروج القصور المحصنة ومعروف في اللغة أن البروج الحصون والمشيدة تحتمل معنيين 1 أن تكون مطولة 2 والآخر أن تكون مشيدة بالشيد وهو الجص وكذلك قال عكرمة وقال السدي هي قصور بيض في السماء الدنيا مبنية وقيل المشيدة المطولة والمشيدة مخففة المعمولة بالشيد وقيل المشيدة على التكثير يقع للجميع 155 وقوله جل وعز (وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله

وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك) الحسنة ههنا الخصب والسيئة الجدب 156 وقوله جل وعز (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) من حسنة أي خصب وقيل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم لان المخاطبة له بمنزلة المخاطبة لجميع الناس والمعنى ما أصابك من حسنة فمن الله أي من خصب ورخاء

وما أصابك من سيئة أي من جدب وشدة فمن نفسك أي فبذنبك عقوبة قاله قتادة ويروى أن اليهود قالوا لما قدم المسلمون الى المدينة أصابنا الجدب وقل الخصب فأعلم الله جل وعز أن ذلك بذنوبهم وروى عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس أنه قرأ (وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأنا كتبتها عليك) وقيل القول محذوف أي يقولون هذا

157 وقوله جل وعز (ويقولون طاعة) والمعنى ويقولون أمرنا طاعة ومنا طاعة وفي الكلام حذف والمعنى ويقولون إذا كانوا عندك طاعة ودل على هذا قوله تعالى (فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول) معنى بيت عند أهل اللغة أحكم الامر بليل وفكر فيه أي أظهر المعصية في بيته والعرب تقول أمر بيت بليل إذا أحكم وانما خص الليل بذلك لانه وقت يتفرغ فيه قال الشاعر أجمعوا أمرهم بليل فلما أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء

ومن هذا بيت الصيام وقال أبو رزين معنى بيت ألف وليس هذا بخارج عن قول أهل الغة لانه يجوز أن يكون التأليف بالليل وقيل معنى بيت بدل ولا يصح هذا 158 ثم قال جل وعز (والله يكتب ما يبيتون) يحتمل معنيين أحدهما أنه ينزله في كتابه ويخبر به

وفي ذلك أعظم الآيات للنبي صلى الله عليه وسلم لانه يخبر بما يسرونه ويحتمل أن يكون المعنى والله يعلم ويحصي ما يبيتون 159 ثم قال جل وعز (فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) قال الضحاك يعنى به المنافقون والمعنى لا تخبر بأسمائهم 160 وقوله جل وعز (أفلا يتدبرون القرآن) معنى تدبرت الشئ فكرت في عاقبته ويقال أدبر

القوم إذا تولى أمرهم الى آخره وفي الحديث لا تدابروا أي لا تعادوا أي لا يولي أحدكم صاحبه دبره من العداوة 161 ثم قال جل وعز (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) أي لو كان ما يخبرون به مما يسرونه من عند غير الله لاختلف ومذهب قتادة وابن زيد أن المعنى لو كان القرآن من عند غير الله لوجدوا فيه تفاوتا وتناقضا لان كلام الناس يختلف ويتناقض

162 وقوله عز وجل (وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به) قال الضحاك أفشوه وسعوا به وهم المنافقون وقال غيره هم ضعفة المسلمين كانوا إذا سمعوا المنافقين يفشون أخبار النبي صلى الله عليه وسلم توهموا انه ليس عليهم في ذلك شئ فأفشوه فعاتبهم الله على ذلك فقال (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم) أي اولوا العلم (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) أي يستخرجونه يقال نبطت البئر إذا اخرجت منها النبط وهو ما يخرج منها ومن هذا سمي النبط لانهم يخرجون ماء في الارض فالمعنى لعلموا ما ينبغي أن يفشى وما ينبغي أن يفشى يكتم

163 وقوله جل وعز (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) في هذه الاية ثلاثة اقوال احدها ان المعنى ولولا ما تفضل الله به مما بين وأمر لاتبعتم الشيطان الا قليلا والقول الاخر ان المعنى اذاعوا به الا قليلا وهذا القول للكسائي وهو صحيح عن ابن عباس والقول الاخر قول قتاده وابن جريج وهو الذي كان يختاره أبو اسحاق ان المعنى لعلمه الذين يستنبطونه منهم الا قليلا (ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان)

قيل هو استثناء من لاتبعتم الشيطان يعنى به قوم لم يكونوا هموا بما هم به الاخرون من اتباع الشيطان كما قال الضحاك هم اصحاب النبي عليه السلام الا قليلا الا طائفة منهم وقيل معنى الا قليلا كلكم قال أبو جعفر وهذا غير معروف في اللغة

ومن أحسن هذه الاقوال قول من قال أذاعوا به الا قليلا لانه يبعد أن يكون المعنى يعلمونه الذين يستنبطونه منهم الا قليلا لانه إذا بين استوى الكل في علمه فبعد استثناء بعض المستنبطين منه 164 ثم قال جل وعز (فقاتل في سبيل الله لا تكلف الا نفسك) وهذا متصل بقوله (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله) فأمره الله جل وعز بالقتال ولو كان وحده لانه قد وعده النصر 165 ثم قال جل وعز (عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا) والبأس الشدة

و (عسى) من الله واجبة لانها للترجي فإذا أمر أن يترجى شئ كان 166 وقوله جل وعز (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) قال الحسن من شفع أثيب وان لم يشفع لانه قال جل وعز (من يشفع) ولم يقل من يشفع وقال أبو موسى الاشعري رحمه الله كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء سائل فقال النبي صلى الله عليه وسلم اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء

146 ثم قال جل وعز (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها) روي عن أبي موسى أنه قال الكفل النصيب أو قل الحظ كذا في الحديث وقال قتادة الكفل الاثم والمعروف عند أهل اللغة أن الكفل النصيب ويقال اكتفلت البعير إذا جعلت على موضع منه كساء أو غيره لتركبه وهذا مأخوذ من ذاك لانك انما تجعله على نصيب مثله 147 وقوله جل وعز (وكان الله على كل شئ مقيتا) في معناه قولان روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مقيتا

يقول حفيظا وباسناده مقيتا يقول قديرا وحكى الكسائي أنه قال أقات يقيت إذا قدر وقال الشاعر وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على مساءته مقيتا والقول أن المقيت الحفيظ قال أبو اسحاق وهذا القول عندي أصح من ذاك لانه مأخوذ من القوت مقدار ما يحفظ الانسان

وقال الشاعر ألي الفضل أم علي إذا حو سبت اني على الحساب مقيت وفي الحديث كفى بالمرء اثما أن يضيع من يقيت أي يحفظ ويروى يقوت 148 وقوله جل وعز (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) قيل هذا في السلام إذا قال سلام عليكم رد عليه وعليك السلام ورحمة الله وإذا قال السلام عليك ورحمة الله

قيل وعليك السلام ورحمة الله وبركاته قال الشيخ أبو بكر وجدت في غير نسختي وإذا قال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته رد عليه وعليك يروى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن الحسن أنه قال السلام سنة ورده فريضة

149 ثم قال جل وعز (إن الله كان على كل شئ حسيبا) قال مجاهد أي حفيظا والحسيب عند بعض أهل اللغة البصريين الكافي يقال أحسبه إذا كفاه ومنه (عطاء حسابا) ومنه حسبك

وهذا عندي غلط لانه لا يقال في هذا أحسب على الشئ فهو حسيب عليه انما يقال بغير على والقول أنه من الحساب يقال حاسب فلانا على كذا وهو محاسبه عليه وحسيبه أي صاحب حسابه 150 وقوله جل وعز (الله لا إله الا هو ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه) قيل انما سميت القيامة لان الناس يقومون لرب العالمين أي يوم القيام ثم زيدت الهاء للمبالغة وقيل انما ذلك لان الناس يقومون من قبورهم كما قال جل وعز (يخرجون من الاجداث سراعا) والاجداث القبور

151 وقوله جل وعز (فمالكم في المنافقين فئتين) أي فرقتين مختلفتين قال زيد بن ثابت تخلف قوم عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فقال بعضهم اقتلهم وقال بعضهم اعف عنهم فأنزل الله عز وجل (فما لكم في المنافقين فئتين) قال مجاهد هم قوم أسلموا ثم أستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا الى مكة فيأخذوا بضائع لهم فصار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين قوم يقولون هم منافقون وقوم يقولون هم مؤمنون حتى نتبين أمرهم أنهم منافقون فأنزل الله عز وجل (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا)

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ ركسهم بغير ألف يقال أركسهم وركسهم إذا ردهم والمعنى ردهم الى حكم الكفار 152 ثم قال جل وعز (أتريدون أن تهدوا من أضل الله) أي انهم قد ضلوا (ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا)

أي طريقا مستقيما 153 وقوله عز وجل (الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق) قال مجاهد صاروا الى هلال بن عويمر وكان بينه وبين النبي حلف وقال غيره كان قوم يوادعون الله النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقاتلونه فأمر المسلمون أن لا يقاتلوا من صار إليهم واتصل بهم ووادع كما وادعوا وقال أبو عبيدة معنى يصلون ينتسبون

وهذا خطأ لان النبي صلى الله عليه وسلم قاتل قريشا وهم أنسباء المهاجرين الأولين 154 ثم قال جل وعز (أو جاءوكم حصرت صدورهم) أي أو يصلون الى قوم جاؤوكم حصرت صدروهم قال الكسائي معنى حصرت ضاقت قال مجاهد وهو هلال بن عويمر الذي حصر أن يقاتل المسلمين أو يقاتل قومه فدفع عنهم قال أبو العباس محمد بن يزيد المعنى على الدعاء أي أحصر الله صدورهم وقال أبو اسحق يجوز أن يكون خبرا بعد خبر فالمعنى

(أو جاؤوكم) ثم خبر بعد فقال (حصرت صدورهم) كما قال جل وعز (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب) وقيل المعنى أو جاؤوكم قد حصرت صدورهم ثم حذف قد وقد قرأ الحسن حصرة صدورهم وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ (الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق وحصرت صدورهم) فالمعنى على هذه القراءة (الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق وحصرت صدورهم)

أي قوم حصرة صدورهم أي ضيقة 155 وقوله جل وعز (فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم) أي كفوا عن قتالكم (وألقوا اليكم السلم) أي الانقياد (فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) قال قتادة هذه الآية منسوخة نسخها (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) في براءة 156 وقوله جل وعز (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا الى الفتنة أركسوا فيها) قال مجاهد هؤلاء قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون ثم يرجعون الى الكفار فيرتكسون في الاوثان

157 ثم قال جل وعز (فان لم يعتزلوكم ويلقوا اليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم) ومعنى ثقفتموهم وجدتموهم واحد (وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا) أي حجة بينة بأنهم غدرة لا يوفون بعهد ولا هدنة 158 وقوله جل وعز (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ) فهذا استثناء ليس من الاول قال أبو اسحق المعنى ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا

البتة ثم قال (الا خطأ) أي لكن ان قتله خطأ ومن قال ان الا بمعنى الواو فقوله خطأ من جهتين احداهما أنه لا يعرف أن تكون (الا) بمعنى حرف عاطف والجهة الاخرى أن الخطأ لا يحصر لانه ليس بشئ يقصد ولو كان يقصد لكان عمدا وذكر سيبويه أن (إلا) تأتي بمعنى (لكن) كثير وأنشد من كان أسرع في تفرق فالج فلبونه جربت معا وأغدت

الا كنا شرة الذي ضيعتم كالغصن في غلوائه المتنبت وكان سبب نزول هذه الآية فيما روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عياش بن أبي ربيعة أخا أبي جهل لامه قتل رجلا مؤمنا كان يعذبه مع أبي جهل في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فحسب أنه كافر كما هو فقتله

159 وقوله جل وعز (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة الى أهله الا أن يصدقوا) وانما غلظ في قتل الخطأ ليتحرز من القتل والمعنى الا أن يتصدقوا عليكم بالدية وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ (الا أن يتصدقوا) وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي (الا أن تصدقوا) والمعنى الا أن تتصدقوا ثم أدغم التاء في الصاد ويجوز على هذه القراءة الا أن تصدقوا بحذف احدى التاءين 160 وقوله جل وعز (فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) معنى عدو كمعنى أعداء وروى عكرمة عن ابن عباس أن المعنى وان كان مؤمنا

وقومه كفار فلا تدفعوا إليهم الدية وعليكم عتق رقبة فمعنى هذا إذا قتل مسلم خطأ وليس له قوم مسلمون فلا دية على قاتله كان قتله في دار المسلمين أو في دار الحرب وروى عطاء بن السائب عن أبي عياض قال كان الرجل يجئ يسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون فيقيم معهم فيفرون فيقتل فيمن يقتل فنزلت (وان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) قال وليس له دية فمعنى هذا أن يقتل في دار الحرب خاصة وقال قوم وان قتل في دار الاسلام فحكمه حكم المسلمين 161 ثم قال جل وعز (وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الى أهله وتحرير رقبة مؤمنة)

قال الزهري الميثاق العهد فالمعنى ان كان المقتول من قوم بينكم وبينهم عهد فادفعوا إليهم الدية لئلا توغروا قال صدورهم 162 ثم قال جل وعز (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين) أي فمن لم يجد الدية وعتق رقبة فعليه هذا (توبة من الله) أي فعل هذا ليتوبوا توبة 163 وقوله جل وعز (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) روى شعبة عن منصور عن سعيد بن جبير قال أمرني

ابن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هذه الآية (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) فسألته فقال ما نسخها شئ وروي عن زيد بن ثابت نزلت الشديدة بعد الهينة لستة أشهر (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) بعد التى في الفرقان (والذين لا يدعون مع الله الها آخر) الى قوله جل وعز (الا من تاب)

وذهب قوم الى أن هذا على المجازاة ان جازاه بذلك وأن العفو مرجو له مع التوبة

وهذا لا يحتاج أن يقال فيه ان جازاه ولكن القول فيه عند العلماء أهل النظر أنه محكم وأنه يجازيه إذا لم يتب فان تاب فقد بين أمره لقوله عز وجل (واني لغفار لمن تاب) فهذا لا يخرج عنه شئ 164 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا) وتقرأ فتثبتوا قال أبو عبيد واحداهما قريبة من الاخرى وقال غيره قد يتثبت ولا يتبين فالاختيار فتبينوا ومعنى ضربتم سافرتم 165 ثم قال جل وعز (ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلم لست مؤمنا)

وقرأ ابن عباس (لمن ألقى اليكم السلام) فمن قرأ السلم فمعناه عنده الانقياد والاستسلام ومن قرأ السلام فتحتمل قراءته معنيين أحدهما أن يكون بمعنى السلم والآخر أن يكون من التسليم وروى عطاء وعكرمة عن ابن عباس أن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا براع فقال السلام عليكم فقالوا انما تعوذ فقتلوه وأتوا بغنمه الى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا)

قال ابن عباس يعني الغنيمة وروي عن أبي جعفر أنه قرأ (مؤمنا) بفتح الميم الثانية من أمنته إذا أجرته فهو مؤمن 166 وقوله جل وعز (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم) قال سعيد بن جبير أي كذلك كنتم تخفون ايمانكم فمن الله عليكم أي فمن الله عليكم بالغزو واظهار الدين

واختار أبو عبيد القاسم بن سلام (ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام) وخالفه أهل النظر فقالوا السلم ههنا أشبه لانه بمعنى الانقياد والتسلم كما قال جل وعز (فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء) 167 وقوله تعالى (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) قال ابن عباس لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها

168 ثم قال جل وعز (غير أولي الضرر) الضرر الزمانة وتقرأ غير رفعا ونصبا قال أبو اسحق ويجوز الخفض فمن رفع فالمعنى لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر أي لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر والمعنى لا يستوي القاعدون الاصحاء ومن قرأ غير نصبا فهو يحتمل معنيين أحدهما الاستثناء ويكون المعنى الا أولي الضرر فانهم

يستوون مع المجاهدين والمعنى الآخر أن يكون غير في موضع الحال أي لا يستوي القاعدون أصحاء والمعنى على النصب لانه روى زيد بن ثابت والبراء بن عازب أنه لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) قام ابن أم مكتوم فقال يا رسول الله أنا ضرير فنزلت (غير أولي الضرر) فألحقت بها هذا معنى الحديث ومن قرأ بالخفض فالمعنى عنده من المؤمنين الذين هم غير أولي الضرر أي من المؤمنين الاصحاء 169 وقوله جل وعز (وكلا وعد الله الحسنى) المجاهدين وأولي الضرر وعد الله الحسنى

قال أهل التفسير يعني بالحسنى الجنة 170 ثم قال جل وعز (وفضل الله المجاهدين على القاعدين) الذين ليس لهم ضرر (أجرا عظيما درجات منه) وروي عن ابن محيريز أنه قال تلك سبعون درجة ما بين الدرجتين حضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة 171 وقوله جل وعز (ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) وقرأ عيسى وهو ابن عمر (ان الذين يتوفاهم الملائكة) هذا على تذكير الجمع

ومن قرأ (توفاهم) فهو يحتمل معنيين أحدهما أن يكون فعلا ماضيا ويكون على تذكير الجمع أيضا والآخر أن يكون مستقبلا ويكون على تأنيث الجماعة والمعنى تتوفاهم ثم حذف إحدى التاءين قال عكرمة والضحاك هؤلاء قوم أظهروا الاسلام ثم لم يهاجروا الى بدر مع المشركين فقتلوا فأنزل الله جل وعز فيهم (ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم) أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين هذا سؤال توبيخ 172 ثم قال جل وعز (الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان)

قال مجاهد هؤلاء قوم أسلموا وثبتوا على الاسلام ولم تكن لهم حيلة في الهجرة فعذرهم الله فقال (فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) وعسى ترج وإذا أمر الله جل وعز أن يترجى شئ فهو واجب كذلك الظن به 173 وقوله جل وعز (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة) المراغم عند أهل اللغة والمهاجر واحد يقال راغمت فلانا إذا هجرته وعاديته كأنك لا تباليه عن وان لصق أنفه بالرغام وهو التراب

وقيل انما سمي مهاجرا ومراغما لان الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم فسمي خروجه مراغما وسمي مصيره الى النبي صلى الله عليه وسلم هجرة وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مراغما) يقول متحولا من أرض الى ارض قال (وسعة) يقول في الرزق وقال قتادة من الضلالة الى الهدى أي سعة من تضييق ما كان فيه من انه لا يقدر على اظهار دينه

واللفظة تحتمل المعنيين لانه لا خصوص فيها 174 وقوله جل وعز (ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) قال سعيد بن جبير نزلت في رجل يقال له ضمرة من خزاعة كان مصابا ببصره فقال أخرجوني فلما صاروا به الى التنعيم مات فنزلت هذه الآية فيه 175 وقوله جل وعز (واذ ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة)

قال يعلى بن أمية سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت انما كان هذا وقت الخوف وقد زال اليوم فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته (ومعنى (ضربتم في الارض) سافرتم كما قال (وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله) وفي معنى قوله جل وعز (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) قولان أحدهما أنه اباحة لا حتم كما قال (فلا جناح عليهما أن يتراجعا) والقول الآخر أن هذا فرض المسافر كما روت عائشة

فرضت الصلاة ركعتين فأقرت في السفر وزيد في صلاة الحضر ويكون مثل قوله (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) والطواف حتم وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن يفتنكم الذين كفروا) وليس فيه ان خفتم فالمعنى على قراءته كراهة أن يفتنكم الذين كفروا ثم حذف مثل (واسأل القرية) يقال قصر الصلاة وقصرها وأقصرها

176 ثم قال جل وعز (ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) عدو ههنا بمعنى أعداء 177 وقوله عز وجل (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) روى سفيان عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بينه وبين القتال فيهم أو عليهم خالد بن الوليد فقال المشركون لقد كانوا في صلاة لو أصبنا منهم لكانت الغنيمة فقال المشركون انها ستجئ صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم قال ونزل جبريل بالآيات فيما بين الظهر والعصر وذكر الحديث وسنذكر حديث صالح بن خوات الذي يذهب أهل المدينة

إليه وكرهنا الاطالة في ذلك وحديث صالح فيه قضاء كل طائفة صلاتها قبل انصرافها من القبلة وليس كذا غيره والمعنى وإذا كنت فيهم وثم خوف 178 ثم قال جل وعز (فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم) والمعنى وليأخذ الباقون أسلحتهم 179 ثم قال جل وعز (فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم)

وأهل المدينة يذهبون في صلاة الخوف الى حديث يحيى بن سعيد الانصاري عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الانصاري أن سهل بن أبي حثمة حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الامام مستقبل القبلة ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو فيركع الامام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم فإذا استوى قائما ثبت وأتموا لانفسهم الركعة الثانية ثم سلموا وانصرفوا والامام قائم فيكونون وجاه العدو ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون مع الامام فيركع بهم ركعة ويسجد ثم يسلم فيقومون فيركعون لانفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون 180 وقوله جل وعز (وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم) يجوز أن يكون هذا للجميع لانه وان كان الذين في

الصلاة لا يحاربون فانهم إذا كان معهم السلاح كان ذلك أهيب للعدو ويجوز أن يكون الذين أمروا بأخذ السلاح الذين ليسوا في الصلاة لان المصلي لا يحارب 181 وقوله عز وجل (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) أي فاذكروه بالشكر والتسبيح وما يقرب منه 182 ثم قال جل وعز (فإذا اطمأننتم) قال مجاهد فإذ صرتم في الاهل والدور والمعروف في اللغة أنه يقال اطمأن إذا سكن فيكون

المعنى فإذا سكن عنكم الخوف وصرتم الى منازلكم (فأقيموا الصلاة) قال مجاهد أي فأتموها 183 ثم قال جل وعز (ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) وروى ليث عن مجاهد أن الموقوت المفروض وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال موقوتا واجبا وقال زيد بن أسلم موقوتا منجما أي تؤدونها في أنجمها والمعنى عند أهل اللغة مفروض لوقت بعينه يقال وقته فهو موقوت ووقته فهو موقت وهذا قول زيد بن أسلم بعينه

184 وقوله جل وعز (ولا تهنوا في ابتغاء القوم) أي لا تضعفوا يقال وهن يهن وهنا ووهونا 185 ثم قال جل وعز (ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون) قال الضحاك أي تشكون (وترجون من الله ما لا يرجون) قال الضحاك أي في جراحاتكم من يعني من الاجر وقال غيره ترجون من النصر والعافية ما لا يرجون وقيل ترجون تخافون

186 وقوله عز وجل (انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) قال مجاهد كان رجل من الانصار يقال له (ابن أبيرق واسمه طعمة) سرق درعا فلما فطن به استودعها عند رجل من اليهود وادعى أن اليهودي أخذها فجاء قومه يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذره فأنزل الله عز وجل (انا أنزلنا اليك الكتاب بالحق) الى قوله (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم)

والجدال في اللغة أشد الخصومة ويقال رجل أجدل إذا كان شديدا ويقال للصقر أجدل لانه من أقوى الطير 187 ثم قال جل وعز (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول) أي يحكمونه ليلا 188 وقوله جل وعز (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة) أي يوم تظهر الحقائق وانما يحكم في الدنيا بما يظهر قال أبو جعفر قال أبو اسحق المعنى ها أنتم الذين يذهب الى أن هؤلاء بمعنى الذين

189 ثم قال جل وعز (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) أي استغفار غير عائد لانه إذا عزم على العودة فليس بتائب 190 ثم قال جل وعز (ومن يكسب اثما فانما يكسبه على نفسه) أي عقابه يرجع عليه (ومن يكسب خطيئة أو اثما ثم يرم به برئيا) قال سعيد بن جبير نزلت في ابن أبيرق لما رمى اليهودي بالدرع التي سرقها

191 ثم قال جل وعز (فقد احتمل بهتانا واثما مبينا) البهتان الكذب الذي يتحير من عظمه 192 ثم قال جل وعز (ولولا فضل الله عليك ورحمته) أي بأنه أوحي اليك ما فعله ابن أبيرق (لهمت طائفة منهم أن يضلوك) أي يخطئوك في الحكم (وما يضلون الا أنفسهم وما يضرونك من شئ) أي لانك معصوم 193 ثم قال جل وعز (وأنزل الله عليك الكتاب

والحكمة) أي أنزل عليك الكتاب بالحكمة في أمر ابن أبيرق 194 وقوله جل وعز (لا خير في كثير من نجواهم) النحوي كل كلام ينفرد به جماعة سرا كان أو جهرا 195 ثم قال جل وعز (الا من أمر بصدقة) يجوز أن يكون المعنى الا نجوى من أمر بصدقة ثم حذف ويجوز أن يكون استثناء ليس من الاول ويكون المعنى لكن من أمر بصدقة في نجواه خيرا

196 وقوله جل وعز (ومن يشاقق الرسول) أي يخالف كأنه يصير في شق خلاف شقة أي في ناحية قال سعيد بن جبير لما أطلع الله النبي على أمر ابن أبيرق هرب الى المشركين فارتد فأنزل الله (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى) قال مجاهد أي نتركه وما يعبد وكذلك هو في اللغة يقال وليته ما تولى إذا تركته في اختياره قال سعيد بن جبير لما صار الى مكة نقب بيتا بمكة

فلحقه المشركون فقتلوه فأنزل الله (ان الله لا يغفر أن يشرك به) الى قوله (فقد ضل ضلالا بعيدا) 197 وقوله عز وجل (ان يدعون من دونه الا اناثا) قال مجاهد يعني الاوثان وعن أبي مع كل صنم جنية وقال أهل اللغة انما سميت اناثا لانهم سموها اللات والعزى ومناة وهذا عندهم اناث وقال الحسن أي ما يعبدون الا حجارة وخشبا

قال وكان لكل حي صنم يعبدونه فيقال أنثى بني فلان فأنزل الله هذا وهذا قول حسن في اللغة لان هذه الاشياء يخبر عنها بالتأنيث يقال الحجارة يعجبنه في ولا يقال يعجبونه بن وروي عن ابن عباس أنه قرأ (ان يدعون من دونه الا أثنا) وهذا جمع الجمع كأنه جمع وثنا على وثان كما تقول مثال ومثل ثم أبدل من الواو همزة لما انضمت كما قال جل وعز (وإذا الرسل أقتت) من الوقت وقرئ (ان يدعون من دونه الا أنثا) وهو جمع اناث

198 ثم قال جل وعز (وان يدعون الا شيطانا مريدا لعنه الله) فالمريد الخارج من الخير المتجرد منه وأمرد من هذا وقيل المريد الممتد في الشر من قولهم بيت ممرد أي مطول ومعنى لعنه باعده من رحمته 199 ثم قال جل وعز (وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) أي موقتا وهو من فرضت أي قطعت 200 ثم قال جل وعز (ولاضلنهم ولامنينهم هذه)

أي ولاوهمنهم سنة أن لهم حظا في المخالفة 201 ثم قال جل وعز (ولآمرنهم فليبتكن آذان الانعام) يقال بتك إذا قطع قال قتادة يعني البحيرة والبحيرة الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن وكان آخرها ذكرا شقوا آذانها ولم ينتفعوا بها

والتقدير في العربية ولآمرنهم بتبتيك عمرو آذان الانعام 202 ثم قال جل وعز (ولآمرنهم فليغيرن خلق الله) عن ابن عباس دين الله وعنه أيضا الخصاء وكذلك روي عن أنس وقال سعيد بن جبير ومجاهد وابراهيم والضحاك وقتادة يعني دين الله وزاد مجاهد يعني الفطرة أي أنهم ولدوا على الاسلام وأمرهم الشيطان بتغييره

وروي عن عكرمة قولان أحدهما أنه الخصاء والآخر أنه دين الله وهذه الاقوال ليست بمتناقضة لانها ترجع الى الافعال فأما قوله (لا تبديل لخلق الله) وقال ههنا (فليغيرن خلق الله) فان التبديل هو بطلان عين الشئ فهو ههنا مخالف للتغيير وقال محمد بن جرير أولاهما أنه دين الله وإذا كان ذلك معناه دخل فيه فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ووشم وغير ذلك من المعاصي لأن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصي أي

فليغيرن ما خلق الله من دينه 203 وقوله جل وعز (أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا) المحيص في اللغة المعدل والملجأ يقال حصت وجضت قبل وعدلت بمعنى واحد 204 وقوله جل وعز (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) المعنى ليس الثواب بأمانيكم ودل على أن هذا هو المعنى قوله جل وعز (والذين أمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الانهار)

205 وقوله جل وعز (من يعمل سوءا يجز به) روي عن أبي هريرة أنه قال لما نزلت (من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) بكينا وحزنا وقلنا يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شئ قال (أما والذي نفسي بيده انها لكما أنزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا فانه لا تصيب أحدا منكم مصيبة الا كفر الله عنه بها خطيئة حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه (وروى على بن أبي طلحة عن ابن عباس (من يعمل سوء يجز به) يقول من يشرك به وهو السوء الا أن يتوب قبل موته فيتوب الله عليه حدثنا عبد السلام بن سهل السكري قال حدثنا عبيد الله

قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا عاصم عن الحسن (من يعمل سوء يجز به) قال ذلك لمن أراد الله جل وعز هوانه فأما من أراد كرامته فلا قد ذكر الله قوما وقال (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه عام روى عنه أبو هريرة أنه قال لما نزلت هذه الآية كل ما يصاب به العبد كفارة

ولفظ الآية عام لكل من عمل سوءا من مؤمن وكافر كان الذنب صغيرا أو كبيرا وهذا موافق ل (نكفر) لان معنى نكفر نغطي عليها في القيامة فلا نفضحكم بها 206 وقوله جل وعز (ولا يظلمون نقيرا) المعنى لا يظلمون مقدار نقير والنقير النقطة التى تكون في النواة يقال ان النخلة تنبت منها 207 وقوله جل وعز (واتخذ الله ابراهيم خليلا) الخليل في اللغة يكون بمعان أحدها الفقير كأنه به الاختلال كما قال زهير وان أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم

والخليل المحب وقيل في قول الله جل وعز (واتخذ الله ابراهيم خليلا) أي محتاجا فقيرا إليه والقول الآخر هو الذي عليه أصحاب الحديث أنه المحب المنقطع الى الله الذي ليس في انقطاعه اختلال والقول الثالث أنه يقال فلان خليل فلان أي هو يختصه ومنه الحديث لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا

فدل بهذا على أنه صلى الله عليه وسلم لا يختص أحدا بشئ من العلم دون غيره 208 وقوله جل وعز (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب) و (ما) في موضع رفع والمعنى قل الله يفتيكم فيهن والقرآن يفتيكم فيهن والذي يفتيكم من القرآن في النساء قوله عز وجل (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) 209 ثم قال جل وعز (في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن) قالت عائشة رحمها الله هذا في اليتيمة تكون عند الرجل (وترغبون أن تنكحوهن) رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء الا بالقسط

وفي بعض الروايات عنها هذا في اليتيمة لعلها تكون شريكته في المال ولا يريد أن ينكحها ولا يحب أن تتزوج غيره لئلا يأخذ مالها قال الله جل اسمه (وترغبون أن تنكحوهن) قال سعيد بن جبير ومجاهد ويرغب في نكاحها إذا كانت كثيرة المال ولاهل اللغة في هذا تقديران أحدهما أن المعنى وترغبون عن أن تنكحوهن ثم حذفت عن

وحديث عائشة يقوي هذا القول والقول الآخر وترغبون في أن تنكحوهن ثم حذفت في وإذا تدبرت قول سعيد بن جبير تبينت أنه قد جاء بالمعنيين 210 ثم قال جل وعز (والمستضعفين من الولدان) قال سعيد بن جبير كانوا لا يورثون الصغير فنزلت (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) فعلى قول سعيد بن جبير أفتاهم في المستضعفين قوله (يوصيكم الله في أولادكم)

211 ثم قال جل وعز (وأن تقوموا لليتامى بالقسط) والقسط العدل وأفتاهم في اليتامى قوله جل وعز (ولا تأكلوا أموالهم الى أموالكم) 212 وقوله جل وعز (وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا) النشوز من الزوج أن يسئ عشرتها ويمنعها نفسه ونفقته 213 ثم قال جل وعز (فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا) وقرأ أكثر الكوفيين (أن يصلحا)

وقرأ الجحدري وعثمان البتي (أن يصلحا) والمعنى يصطلحا ثم أدغم فأما تفسير الآية فروى سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال هي المرأة تكون عند الرجل وهي دميمة أو عجوز تكره مفارقته فيصطلحا على أن يجيئها كل ثلاثة أيام أو أربعة وقالت عائشة هو الرجل تكون عنده المرأة لعله لا يكون له منها ولد ولا يحبها فيريد تخليتها فتصالحه فتقول لا تطلقني وأنت في حل من شأني وروى الزهري عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن هذه الآية نزلت في (رافع بن خديج) طلق امرأته تطليقة وتزوج شابة فلما قاربت انقضاء العدة قالت له أنا أصالحك على بعض الايام فراجعها ثم لم تصبره فطلقها أخرى ثم سألته

ذلك فراجعها فنزلت الآية وفي حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن سودة وهبت يومها لعائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة ابتغت سودة بذلك رضى رسول الله صلى الله عليه وسلم 214 ثم قال جل وعز (والصلح خير) والمعنى والصلح خير من الفرقة ثم حذف هذا لعلم السامع

وقيل في معنى (الله أكبر) الله أكبر من كل شئ 215 ثم قال جل وعز (وأحضرت الانفس الشح) قال عطاء يعني الشح في الايام والنفقة ومعنى هذا أن المرأة تشح بالنفقة على ضرايرها يحيى وايثارهن الرحمن وقال سعيد بن جبير هذا في المرأة تشح بالمال والنفس 216 وقوله جل وعز (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)

قال عبيدة في الحب والجماع 217 ثم قال جل وعز (فلا تميلوا كل الميل) قال عبيدة يعنى بالانفس وقال مجاهد لا تتعمدوا الاساءة والمعنى اقسموا بينهن بالسوية وروي عن عائشة رحمها الله أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه بالعدل ثم يقول اللهم هذا ما أملك فلا تؤاخذني بما تملكه ولا أملكه

218 ثم قال جل وعز (فتذروها كالمعلقة) قال الحسن هي التي ليس لها زوج ولا هي مطلقة وقال قتادة كالمحبوسة وكالمسجونة وكان 219 وقوله جل وعز (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة) روي أن أكثر المشركين كانوا لا يؤمنون بالقيامة وانما يتقربون الى الله ليوسع عليهم في الدنيا ويدفع عنهم مكروهها فأنزل الله (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة)

220 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط) القسط والاقساط العدل يقال أقسط يقسط اقساطا إذا عدل وقسط يقسط إذا جار 221 ثم قال جل وعز (شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين ان يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) المعنى ان يكن المشهود له غنيا فلا يمنعكم ذلك من أن تشهدوا وان يكن المشهود عليه فقيرا فلا يمنعكم ذلك من أن

تشهدوا عليه فان قيل كيف يقوم بالشهادة على نفسه وهل يشهد على نفسه قيل يكون عليه حق لغيره فيقر له به فذلك قيامه بالشهادة على نفسه أدب الله عز وجل بهذا المؤمنين كما قال ابن عباس رحمه الله أمروا أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم

222 ثم قال عز وجل (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا) المعنى فلا تتبعوا الهوى لان تعدلوا وأدوا ما عندكم من الشهادة فهذا قول أكثر أهل اللغة ويجوز أن يكون المعنى فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا لانه إذا خالف الحق فكأنه كره العدل 223 ثم قال تعالى (وان تلووا أو تعرضوا) روى قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال هو في الخصمين يتقدمان الى القاضي فيكون ليه لاحدهما واعراضه عن الآخر وقال مجاهد (وان تلووا) أي تبدلوا أو تعرضوا تتركوا

فمذهب ابن عباس أن اللي من الحاكم ومذهب مجاهد أنه من الشاهد وكذلك قال الضحاك هو أن يلوي لسانه عن الحق في الشهادة أو يعرض فيكتمها وأصل لوى في اللغة مطل وأنشد سيبويه قد كنت داينت بها حسانا مخافة الافلاس والليانا

وقرئ (وان تلوا أو تعرضوا) وفيه قولان أحدهما للكسائي قال والمعنى من الولاية وان تلوا شيئا أو تدعوه وقال أبو اسحاق من قرأ (وان تلوا) فالمعنى على قراءته وان تلووا ثم همز الواو الاولى فصارت تلؤوا كما قال يقال أدؤر في جمع دار ثم ألقى حركة الهمزة على اللام وحذف الهمزة فصارت تلوا كما يقال آدر في جمع دار 224 وقوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله) في معنى هذا قولان أحدهما اثبتوا على الايمان كما يقال للقائم قف حتى أجئ

أي أثبت قائما والقول الآخر أنه خطاب للمنافقين فالمعنى على هذا يا أيها الذين آمنوا في الظاهر أخلصوا لله 225 وقوله جل وعز (ان الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا) قال مجاهد يعنى به المنافقون قال ومعنى ثم (ازدادوا كفرا) ماتوا على ذلك

وهذا القول ليس يبعد في اللغة لانهم إذا ماتوا على الكفر فقد هلكوا فهم بمنزلة من ازداد وقال أبو العالية (ان الذين آمنوا ثم كفروا) اليهود والنصارى (ثم ازدادوا كفرا) بذنوب عملوها وقال قتادة (الذين آمنوا ثم كفروا) اليهود والنصارى آمنت اليهود بالتوراة ثم كفرت يعني بالانجيل ثم آمنوا بعزير ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وآمنت النصارى بالانجيل ثم كفرت وكفرهم به تركهم اياه ثم ازدادوا كفرا بالقرآن وبمحمد عليه السلام

226 وقوله جل وعز (بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما) المعنى اجعل ما يقوم مقام البشارة العذاب وأنشد سيبويه وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع أي الذي يقوم مقام التحية ضرب وجيع 227 وقوله جل وعز (أيبتغون عندهم العزة) أيبتغي المنافقون عند الكافرين العزة أي المنعة قال الاصمعي يقال أرض عزاز بالفتح والكسر إذا كانت صلبة شديدة وقولهم يعز علي أي يشتد علي

ومنه قوله تعالى (وعزني في الخطاب) أي قهرني لانه أعز مني ومنه قولهم (من عز بز) أي من غلب استلب ومنه قوله (فعزته يداه وكاهله) 228 وقوله جل وعز (قالوا ألم نستحوذ عليكم) يقال استحوذ عليه إذا استولى عليه فالمعنى قال المنافقون للكافرين ألم نغلب عليكم بموالاتنا اياكم ونمنعكم من المؤمنين أي أخبرناكم بأخبارهم لتحذروا ما يكون منهم

229 وقوله جل وعز (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) روي عن علي رضي الله عنه أنه قال ذلك في الآخرة وقال ابن عباس ذاك يوم القيامة وقال السدي السبيل الحجة

وقيل ان المعنى ان الله ناصر المؤمنين بالحجة والغلبة ليظهر دينهم على الدين كله 230 وقوله جل وعز (ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) قال أهل اللغة سمي الثاني خداعا لانه مجازاة للاول فسمي خداعا على الازدواج كما قال جل وعز (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وقال الحسن إذا كان يوم القيامة أعطي المؤمنون والمنافقون نورا فإذا انتهوا الى الصراط طفئ نور المنافقين فيشفق المؤمنون فيقولون (ربنا أتمم لنا نورنا) فيمضي المؤمنون بنورهم فينادونهم (أنظرونا نقتبس من نوركم) الآية قال الحسن فتلك خديعة الله اياهم وهذا القول ليس بخارج من قول أهل اللغة لانه قد سماه

خداعا لانه مجازاة لهم 231 ثم قال جل وعز (واذ قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا) قال الحسن انما قل لانه لغير الله وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال ما قل عمل مع تقى وكيف يقل ما يتقبل 232 ثم قال جل وعز (مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء) قال قتادة ولا يكونون مخلصين بالايمان ولا مصرحين بالكفر

وروى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين غنمين إذا جاءت الى هذه نطحتها وإذا جاءت الى هذه نطحتها فلا نتبع هذه ولا هذه وأصل التذبذب في اللغة التحرك والاضطراب كما قال ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب فالمعنى ان المنافقين متحيرون في دينهم لا يرجعون الى اعتقاد شئ على صحة ليسوا مع المؤمنين على بصيرة ولا مع المشركين على جهالة فهم حيارى بين ذلك

والنفاق مأخوذ من النافقاء وهو أحد جحور اليربوع إذا أخذت عليه المواضع خرج منه ولا يفطن إليه وكذلك المنافق يظهر الاسلام ويخرج منه سرا وفي الحديث (للمنافق ثلاث علامات إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان) 233 وقوله جل وعز (أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) قال قتادة السلطان الحجة وكذلك هو عند أهل اللغة 234 وقوله جل وعز (ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار)

قال عبد الله بن مسعود يجعلون في توابيت من حديد تغلق عليهم وفي بعض الحديث من نار ثم تطبق عليهم والادراك في اللغة المنازل والطبقات 235 وقوله جل وعز (ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم) وقرا زيد بن أسلم وابن أبي اسحاق (الا من ظلم) وعلى هذه القراءة فيه ثلاثة أقوال قال الضحاك المعنى ما يفعل الله بعذابكم الا من ظلم

وقيل المعنى لا يجهر أحد بالسوء الا من ظلم فانه يجهر به اعتداء وقال أبو اسحاق الزجاج يجوز أن يكون المعنى الا من ظلم فقال سوءا فانه ينبغي أن تأخذوا على يديه ويكون استثناء ليس من الاول وعلى الجوابين الاولين يكون استثناء ليس من الاول أيضا ومن قرأ (الا من ظلم) ففيه أقوال أحدها روي عن مجاهد أنه قال (نزلت هذه الآية في رجل من ضاف قوما فلم يحسنوا إليه فذكرهم بما فعلوا فعذبوه بذلك فنزلت (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)

فالمعنى على هذا لكن من ظلم فله أن يذكر ما فعل به قال الحسن هذا في الرجل يظلم فلا ينبغي أن يدعو على من ظلمه ولكن ليقل اللهم أعني عليه واستخرج لي حقي منه ونحو ذلك وقال قطرب الا من ظلم انما يريد المكره لانه مظلوم وذلك موضوع عنه وان كفر قال ويجوز أن يكون المعنى الا من ظلم على البدل كأنه لا يحب الله الا من ظلم أي لا يحب الظالم وكأنه يقول يحب من ظلم أي يأجر من ظلم والتقدير على هذا القول لا يحب الله ذا الجهر بالسوء الا من ظلم على البدل

236 وقوله جل وعز (ان الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض) قال قتادة هم اليهود والنصارى آمنت اليهود بموسى والتوراة والانجيل وكفرت بعيسى والانجيل وآمنت النصارى بعيسى والانجيل وكفرت بمحمد والقرآن 237 ثم قال جل وعز (ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا) قال قتادة اتخذوا اليهودية والنصرانية وابتدعوهما روى وتركوا دين الله الاسلام الذي لم يرسل نبي الا به 238 وقوله جل وعز (فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة) قال قتادة أي عيانا وقال أبو عبيدة هو من صفة القول والمعنى فقالوا

جهرة أرنا الله والقول عند أهل النظر قول قتادة والمعنى فقالوا أرنا الله رؤية منكشفة لان من عرف الله فقد رآه علما 239 وقوله جل وعز (ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم) الطور الجبل 240 ثم قال جل وعز (وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا)

قال قتاد كنا نحدث أنه باب من أبواب بيت المقدس 241 ثم قال جل وعز (وقلنا لهم لا تعدوا في السبت) قال قتادة نهوا عن صيد الحيتان في يوم السبت ويقال عدا يعدو عدوا وعدوانا وعداء وعدوا إذا جاوز الحق ويقرأ تعدوا بمعنى تعتدوا 242 وقوله جل وعز (فيما نقضهم ميثاقهم)

ما زايدة للتوكيد يؤدي عن معنى قولك حقا وفي معناه ثلاثة أقوال أحدها أن قتادة قال المعنى فبنقضهم ميثاقهم لعناهم فعلى قول قتادة حذف هذا لعلم السامع وقال الكسائي هو متعلق بما قبله والمعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم عطف على ذلك الى قوله فبما نقضهم ميثاقهم فزعم أنه فسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة من أجله بما بعده من نقضهم ميثاقهم وقتلهم الانبياء وسائر ما بين من أمورهم التي ظلموا فيها أنفسهم

وهذا خطأ وغلط لان الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى والذين قتلوا الانبياء ورموا مريم بالبهتان كانوا بعد موسى عليه السلام بدهر طويل فليس الذين أخذتهم الصاعقة أخذتهم برميهم مريم بالبهتان وقول قتادة أولاها بالصواب قال أبو جعفر قال أبو اسحاق المعنى فبما نقضهم ميثاقهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ونقضهم الميثاق أنه أخذ عليهم أن يبينوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم فنقضوا ذلك وكتموها 243 وقوله جل وعز (وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم)

قال قتادة غلف أي لا تفهم ومعنى (بل طبع الله عليها) ختمها مجازاة على كفرهم وهو تمثيل يقال طبع السيف يطبع طبعا إذا غطاه الصدأ 244 وقوله جل وعز (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) قال مجاهد قتلوا رجلا توهموا أنه عيسى ورفع الله عيسى حيا وقال قتادة قال عيسى أيكم يقذف عليه شبهي فيقتل ويدخل الجنة فقال رجل منهم أنا فقتل

وقال غيره يعذبون على أنهم قتلوا نبيا لان تلك نياتهم 245 ثم قال جل وعز (وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه) لان مقالتهم فيه مختلفة وهم في شك منه 246 وقوله جل وعز (وما قتلوه يقينا) المعنى عند أهل اللغة وما قتلوا العلم يقينا كما يقول قتلته علما وقتلته يقينا إذا علمته علما تاما قال أبو عبيد ولو كان المعنى وما قتلوا عيسى يقينا لقال وما قتلوه فقط

247 وقوله جل وعز (وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته) في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال أحدها أنه روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لينزلن ابن مريم حكما عدلا فليقتلن الدجال وليقتلن الخنزير وليكسرن الصليب وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين ثم قال أبو هريرة واقرؤوا ان شئتم (وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته) قال أبو هريرة قبل موت عيسى يعيدها ثلاث مرات وقال قتادة قبل موته قبل موت عيسى

ب وقال ابن عباس قبل موته قبل موت الذي من أهل الكتاب وقال بهذا القول الحسن وعكرمة وهذا القول رواه عن ابن عباس عكرمة وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن معنى قبل موته قبل موت عيسى صلى الله عليه وسلم ج وقال غير هؤلاء المعنى وان من أهل الكتاب أحد الا ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل موته

وهذه الاقوال غير متناقضة لانه يتبين عند موته الحق فيؤمن حين لا ينفعه الايمان قال محمد بن جرير أولى هذه الاقوال بالصواب والصحة قول من قال تأويل ذلك الا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وأن ذلك في خاص من أهل الكتاب ومعني به أهل زمان منهم دون أهل كل الازمنة التي كانت بعد عيسى وان ذلك عند نزوله ولم يجر لمحمد في الآيات التي قبل ذلك ذكر فيجوز صرف الهاء التي في ليؤمنن به الى أنها من ذكره وانما (ليؤمنن به) في سياق ذكر عيسى وأمه واليهود 248 وقوله جل وعز (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم)

يبين هذا قوله عز وجل (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) الى آخر الآية 249 وقوله جل وعز (لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل اليكم وما أنزل من قبلك) الراسخ الثابت ومنهم يعني أهل الكتاب 250 ثم قال جل وعز (والمقيمين الصلاة) وفيه معنى المدح أي واذكرو المقيمين الصلاة 251 وقوله جل وعز (انا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده)

هذا متصل بقوله (يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء) فأعلم الله أن أمره كأمر النبيين الذين قبله يوحى إليه كما يوحى إليهم 252 وقوله جل وعز (وآتينا داود زبورا) ويقرأ زبورا بضم الزاي قال الكسائي من قرأ زبورا فهو عنده واحد مثل التوراة والانجيل وقال غيره هو فعول بمعنى مفعول كما يقال حلوب بمعنى محلوب يقال زبرته فهو مزبور أي كتبته وزبور بمعنى مزبور ومن قرأ زبورا فهو عنده جمع زبر 253 وقوله جل وعز (وكلم الله موسى تكليما)

مؤكد يدل على معنى الكلام المعروف لانك إذا قلت كلمت فلانا جاز أن يكون أوصلت إليه كلامك وإذا قلت كلمته تكليما لم تكن الا من الكلام الذي يعرف فأخبره الله بخصيصاء ولم الانبياء ثم أخبر بما خص به موسى صلى الله عليه وسلم 254 وقوله جل وعز (لكن الله يشهد بما أنزل اليك أنزله بعلمه) قال القتبي ولكن لا تكون الا بعد نفي قال فهي محمولة على المعنى لانهم لما كذبوا فقد نفوا فقال جل وعز (لكن الله يشهد بما أنزل اليك) قال أبو جعفر وهذا غلط لان لكن عند النحويين إذا كانت بعدها جملة وقعت بعد النفي والايجاب وبعدها ههنا جملة وانما يقول النحويون لا تكون الا بعد نفي إذا كان بعدها مفرد

وقوله (أنزله بعلمه) أي أنزله وفيه علمه كما تقول جاء فلان بالسيف أي وهو معه وكما قال جل وعز (تنبت بالدهن) 255 وقوله جل وعز (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون) قال قتادة لن يستنكف لن يحتشم والاستنكاف عند أهل اللغة الانفة وهو من نكف ينكف إذا نحى الدمعة عن خده بيده

256 وقوله جل وعز (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم) قال مجاهد حجة وقال سفيان يعني بالبرهان النبي صلى الله عليه وسلم 257 ثم قال جل وعز (وأنزلنا اليكم نورا مبينا) قال قتادة هو القرآن وهو عند أهل اللغة تمثيل لان أصل النور هو الذي يبين الاشياء فمثل ما يعلم بالقلب بما يرى عيانا 258 وقوله جل وعز (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) الكلالة من لا والد له ولا ولد وقد شرحنا معناه في أول السورة

قال البراء بن عازب آخر آية نزلت (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) 259 وقوله جل وعز (يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم) قال الكسائي المعنى يبين الله لكم لئلا تضلوا قال أبو عبيد فحدثت الكسائي بحديث رواه ابن عمر عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه قال لا يدعون أحدكم على ولده أن يوافق من الله اجابة فاستحسنه

والمعنى عند أبي عبيد لئلا يوافق من الله اجابة وهذا القول عند البصريين خطأ لا يجيزون اضمار لا والمعنى عندهم يبين الله لكم كراهة أن تضلوا ثم حذف كما قال تعالى (واسأل القرية) وكذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم أي كراهة أن يوافق من الله اجابة وقول ثالث أن المعنى يبين لكم الضلالة لان معنى أن تفعلوا فعلكم كما تقول يعجبني أن تقوم أي قيامك انتهت سورة النساء

تفسير سورة المائدة

تفسير سورة المائدة مدنية وآياتها 120 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة المائدة وهي مدنية روي عن علقمة أنه قال كل ما كان في القرآن (يا أيها الذين أمنوا) فنزل بالمدينة وكل ما كان في القرآن (يا أيها الناس) فنزل بمكة 1 من ذلك قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) قال مجاهد العقود العهود وذلك معروف في اللغة يقال عهدت إليه إذا أمرته بأمر وعقدت عليه وعاقدته بين إذا أمرته واستوثقت منه

وقيل يراد بالعقود ها هنا الفرائض 2 ثم قال جل وعز (أحلت لكم بهيمة الانعام الا ما يتلى عليكم) قال الحسن الانعام الابل والبقر والغنم وروى عوف عن الحسن (بهيمة الانعام) الشاة والبعير والبقرة وروى زهير بن معاوية عن قابوس بن أبي ظبيان قال ذبحنا بقرة فأخذ الغلمان من بطنها ولدا ضخما قد أشعر فشووه ثم أتوا به أبا ظبيان فقال حدثنا عبد الله بن عباس أن هذا بهيمة

الانعام قال أبو جعفر الاول أولى لان بعده (الا ما يتلى عليكم) وليس في الاجنة ما يستثنى وقيل لها بهيمة الانعام لانها أبهمت عن التمييز 3 ثم قال جل وعز (غير محلي الصيد وأنتم حرم ان الله يحكم ما يريد) واحد الحرم حرام وحرام بمعنى محرم قيل له محرم وحرام لما حرم عليه من النكاح وغيره يقال أحرم إذا دخل في الحرم كما يقال أشتى إذا دخل

في الشتاء وأشهر إذا دخل في الشهر 4 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله) قال أبو عبيدة الشعائر الهدايا الواحدة شعيرة وقال غيره شعيرة بمعنى مشعرة وقال الاصمعي أشعرتها أهل أعلمتها وروى الاسود بن يزيد عن عائشة قالت انما أشعرت ليعلم أنها بدنة وقال مجاهد شعائر الله الصفا والمروة والحرم والمعنى على هذا القول لا تحلوا الصيد في الحرم والتقدير لا تحلوا لانفسكم شعائر الله

ومن قال بأنها البدن فالآية عنده منسوخة قال الشعبي ليس في المائدة آية منسوخة الا (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله) وكذلك قال قتادة وقال نسختها (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وكانوا قبل قد منعوا من قتالهم في الشهر إذا كانوا آمين البيت الحرام 5 ثم قال جل وعز (ولا الشهر الحرام) وهو رجب 6 ثم قال جل وعز (ولا الهدي) واحد الهدي هدية 7 ثم قال جل وعز (ولا القلائد) قال الضحاك وعطاء كانوا يأخذون من شجر الحرم فلا يقربون إذا رئي عليهم 8 ثم قال جل وعز (ولا آمين البيت الحرام) الام القصد

أي لا تستحلوا منع القاصدين البيت الحرام ويجوز أن يكون المعنى لا تحلوا قصد الآمين ثم حذف 9 ثم قال جل وعز (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا) قال ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يبتغون الاجر والتجارة 10 ثم قال جل وعز (وإذا حللتم فاصطادوا) وهذا اباحة بعد حظر وليس بحتم 11 ثم قال تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا)

قال أبو عبيدة (ولا يجرمنكم لا يكسبنكم وأنشد ولقد طعنت أبا عيينه طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا وقال الاخفش ولا يحقنكم وقال الفراء ولا يحملنكم وهذه المعاني متقاربة لان من حمل رجلا على ابغاض رجل فقد أكسبه ابغاضه حديث فإذا كان الامر كذلك فالذي هو أحسن أن يقال ما قاله ابن عباس وقتادة قالا أي لا يحملنكم شنآن قوم على العدوان

وقرأ الاعمش (ولا يجرمنكم) بضم الياء قال الكسائي جرم يجرم وأجرم يجرم بمعنى واحد الفتح في هذا أكثر والضم في الجناية أكثر والشنآن الابغاض عند ويقرأ شنئان باسكان النون وليس بالحسن لان المصادر لا تكاد تكون على فعلان وقرأ أبو عمرو ان صدوكم بكسر الهمزة بمعنى الشرط وروي عن الاعمش أنه قرأ ان يصدوكم وهو لحن عند النحويين لان ان إذا جزمت لم يتقدم

جوابها والمعنى على قراءة من فتح (ولا يجرمنكم شنآن قوم) لان صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ومن كسر فالمعنى عنده ان فعلوا هذا والمعنى على الغتح لانه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة قتل رجل من أصحابه رجلا من أهل مكة كان يقتل حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية 12 وقوله جل وعز (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) يقال ميتة وميتة بمعنى واحد هذا قول من يوثق به من أهل اللغة وقيل الميتة ما لم تمت بعد والميتة التي قد ماتت وروي أنهم كانوا يجعلون الدم في المباعر ثم يشوونها ويأكلونها فحرم الله جل وعز الدم المسفوح وهو المصبوب 13 ثم قال جل وعز (وما أهل لغير الله به)

أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسمه وأصل الاهلال الصوت ومنه سمي الاهلال بالحج وهو الصوت بالتلبية وايجاب الحج ومنه استهلال المولود ومنه أهل الهلال لان الناس إذا رأوه أومأوا إليه بأصواتهم 14 ثم قال جل وعز (المنخنقة) قال قتادة هي التي تموت في خناقها 15 ثم قال جل وعز (والموقوذة) قال الضحاك كانوا يأخذون الشاة أو غيرها من البهائم فيضربونها عند آلهتم حتى تموت ثم يأكلونها ويقال وقذه وأقذه لأنه فهو موقوذ وموقذ أخبرنا إذا ضربه حتى يشفى على الهلاك ومنه قيل فلان وقيذ 16 ثم قال جل وعز (والمتردية)

قال الضحاك المتردية أن تتردى في ركية أو من جبل ويقال تردى إذا سقط ومنه (وما يغني عنه ماله إذا تردى) والنطيحة المنطوحة 17 ثم قال جل وعز (وما أكل السبع) أي ما افترسه فأكل بعضه وقرأ الحسن السبع وهو مسكن استثقالا للضمة 18 ثم قال جل وعز (الا ما ذكيتم) والتذكية أن تشخب الاوداج دما ويضطرب اضطراب المذبوح وأصل التذكية في اللغة التمام وقال زهير

يفضله إذا اجتهدا عليه تمام السن منه والذكاء ومنه لفلان ذكاء أي هو تام الفهم وذكيت النار أي أتممت ايقادها وذكيت الذبيحة أتممت ذبحها على ما يجب 19 ثم قال جل وعز (وما ذبح على النصب) وقرأ طلحة (على النصب) قال مجاهد هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها وربما استبدلوا منها ويجوز أن يكون جمع نصاب 20 ثم قال جل وعز (وأن تستقسموا بالازلام) قال قتادة كان أحدهم إذا أراد أن يخرج كتب على قدح يعني السهم تأمرني بالخروج وعلى الآخر لا تأمرني بالخروج وجعل بينهما سهما منيحا لم يكتب عليه شيئا فيجيلها يا فان خرج

الذي عليه تأمرني بالخروج خرج وان خرج الذي عليه لا تأمرني بالخروج لم يخرج وان خرج المنيح رجع فأجالها وانما قيل لهذا الفعل استقسام لانهم كانوا يستقسمون به الرزق وما يريدون كما يقال الاستسقاء في الاستدعاء للسقي ونظير هذا الذي حرمه الله قول المنجم لا تخرج من أجل نجم كذا أو اخرج من أجل نجم كذا وقال جل وعز (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت) قال أبو جعفر وذكر محمد بن جرير أن ابن وكيع حدثهم عن أبيه عن شريك عن أبي حصين عن سعيد بن جبير أن الازلام

حصى بيض كانوا يضربون بها قال محمد بن جرير قال لنا سفيان بن وكيع هي الشطرنج 21 ثم قال جل وعز (ذلكم فسق) والفسق الخروج أي الخروج من الحلال الى الحرام وقوله جل وعز (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) قال ابن عباس (يئس الذين كفروا من دينكم) المعنى يئس الذين كفروا أن تعود الجاهلية وقال ورقاء المعنى لآن يئس الذين كفروا من دينكم وهذا معروف عند أهل اللغة كما تقول أنا اليوم قد كبرت عن هذا

22 وقوله جل وعز (اليوم أكملت لكم دينكم) روي أن أناسا من اليهود قالوا لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال عمر رضي لله عنه نزلت في يوم جمعة يوم عرفة وروي عن على رضي الله عنه أنه قال نزلت يوم عرفة أو عشية عرفة وفي معنى الآية قولان أحدهما الآن أكملت لكم دينكم بأن أهلكت عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله كما تقول قد تم لنا ما نريد إذا كفيت عدوك ويجوز أن يكون المعنى اليوم أكملت لكم دينكم فوق ما تحتاجون إليه من الحلال والحرام في أمر دينكم

وروى اسرائيل عن أبي اسحاق عن أبي ميسرة أنه قال في المائدة ثماني عشرة فريضة ليست في غيرها تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما ذبح على النصب والاستقسام بالازلام وتحليل طعام الذين أوتوا الكتاب والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب والجوارح مكلبين وتمام الطهور (إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) وقوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) وقوله تعالى (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) ويروى أنها آخر سورة أنزلت 23 وقوله جل وعز (فمن اضطر في مخمصة) المخمصة ضمور البطن من الجوع

24 ثم قال جل وعز (غير متجانف لاثم) قال قتادة الاثم ها هنا أن تأكل منها فوق الشبع 25 ثم قال جل وعز (فان الله غفور رحيم) أي رحمكم فأباح لكم هذه الاشياء عند الضرورة 26 وقوله عز وجل (يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين) وقرأ عبد الله بن مسعود والحسن وأبو رزين (مكلبين) ومعنى مكلبين أصحاب كلاب يقال كلب فهو مكلب وكلاب ويقال أكلب فهو مكلب إذا كثرت عنده الكلاب كما يقال أمشى فهو ممش لو إذا كثرت ماشيته وأنشد الاصمعي

وكل فتى وان أمشى فأثرى ستخلجه يكون عن الدنيا منون وروي عن أبي رافع أنه قال لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب سألوه ما يحل من هذه الامة التي أمرت بقتلها فنزلت (يسئلونك ماذا أحل لهم) وقرأ الى آخر الآية والجوارح في اللغة الكواسب يقال ما لفلانة جارح أي كاسب وقال مجاهد في قول الله عز وجل (ويعلم ما جرحتم بالنهار) قال ما كسبتم

وقال مجاهد في معنى الجوارح انها الكلاب والطير وقال طاووس يحل صيد الطير لقوله تعالى مكلبين وليس في الآية دليل على تحريم صيد سوى الكلاب لان معنى مكلبين محرشون مع والاجماع يقوي قول طاووس على تحليل صيد الطير 27 وقوله جل وعز (فكلوا مما أمسكن عليكم) قال سعد بن أبي وقاص وسلمان وعبد الله بن عمر وأبو هريرة إذا أمسك عليك فكل وان أكل وهذا قول أهل المدينة

وروي عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن أمسك عليك ولم يأكل فكل) وهذا قول أهل الكوفة 28 وقوله جل وعز (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) قال مجاهد وابراهيم يعني الذبائح 29 وقوله جل وعز (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أتوا الكتاب من قبلكم) روي عن ابن عباس أنه قال المحصنات العفيفات العاقلات وقال الشعبي هو أن تحصن فرجها فلا تزني وتغتسل من الجنابة

والقراءة على قول الشعبي والمحصنات بكسر الصاد وبه قرأ الكسائي والمحصنة تكون العفيفة والمتزوجة والحرة فالحرة ها هنا أولى ولو أريد العفيفة لما جاز أن تتزوج امرأة حتى يوقف على عفتها وقال مجاهد المحصنات الحرائر قال أبو عبيد نذهب الى أنه لا يحل نكاح اماء أهل الكتاب لقوله جل وعز (فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات)

وهذا القول الذي عليه جلة العلماء ويدل على أنهن الحرائر قوله جل ثناه (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) قال الحسن والزهري ويحيى بن سعيد وابراهيم ومكحول وقتادة لا يحل نكاح اماء أهل الكتاب لقوله تعالى (من فتياتكم المؤمنات) 30 وقوله جل وعز (ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله) قال مجاهد وعطاء أي ومن يكفر بالله 31 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصلاة) المعنى إذا أردتم القيام الى الصلاة وفي الكلام دليل على هذا

ومثله (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) المعنى وإذا أردت أن تقرأ وفي قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصلاة) أقوال أحدها إذا توضأ من حدث ثم دخل عليه وقت الصلاة وهو على طهارة فليس عليه التوضؤ وهذا الذي عليه أكثر الناس وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خمس صلوات بوضوء واحد وقال زيد بن أسلم أي إذا قمتم من المضاجع

والقول الثاني ان الوضوء قد كان واجبا بهذه الآية على كل مريد للقيام الى الصلاة ثم نسخ ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقول الثالث ان على كل قائم الى الصلاة مكتوبة الوضوء كما روى شعبة عن مسعود بن علي قال كان علي رضي الله عنه يتوضأ لكل صلاة ويتلو (إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) 32 ثم قال جل وعز (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق) قال بعض أهل اللغة المعنى مع المرافق كما قال من أنصاري الى الله

أي مع الله وهذا القول خطأ لان اليد عند العرب من الاصابع الى الكتف وانما فرض غسل بعضها فلو كانت الى بمعنى مع لوجب غسل اليد كلها ولم يحتج الى ذكر المرافق والمرفق ويقال مرفق ما بعد الايدي مما يرتفق عليه أي يتكأ ومعنى الى ههنا الغاية هي على بابها الا أن أبا العباس قال إذا كان الثاني من الاول فما بعد الى داخل فيما قبله نحو قوله تعالى (الى المرافق) فالمرافق داخلة في الغسل وإذا كان ما بعدها ليس من الاول فليس بداخل فيه نحو (ثم أتموا الصيام الى الليل) وقال غيره ما بعد الى ليس بداخل فيما قبلها الا

أن المرافق غسلت اتباعا 33 ثم قال جل وعز (وامسحوا برءوسكم وأرجلكم الى الكعبين) والمعنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم على التقديم والتأخير ومن قرأ وأرجلكم ففي قراءته أقوال أحدها ان المسح والغسل واحد قال ذلك أبو زيد

ومنه قولهم تمسحت للصلاة والتقدير وأرجلكم غسلا ودل على هذا قوله الى الكعبين فحددها كما قال في اليدين الى المرافق ودل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم (ويل للاعقاب من النار) فلو كان المسح كافيا لجاز المسح على البعض وروي عن الشعبي أنه قال نزل جبريل عليه السلام بالمسح والغسل سنة والقول الثالث روي عن علي رضي الله عنه أنه أجاز المسح قال أبو جعفر الا أن عاصم بن كليب روى عن ابن عبد الرحمن قال قرأ الحسن والحسين رحمة الله عليهما وعلى علي وأرجلكم فسمع علي ذلك وكان يقضي بين الناس فقال وارجلكم

هذا من المقدم والمؤخر من الكلام وروى أبو اسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال اغسلوا الاقدام أي الكعبين وكذا روي عن ابن مسعود وابن عباس رحمهما الله أنهما قرأ وأرجلكم بالنصب والكعب العظم الناتئ في آخر الساق عند القدم وكل مفصل عند العرب كعب الا أنه لم يحتج أن يقال الكعب الذي من قصته كذا لانه ظاهر بين 34 وقوله جل وعز (أو جاء أحد منكم من الغائط) كناية والغائط في الاصل ما انخفض من الارض

35 ثم قال جل ذكره (أو لامستم النساء) في معناه قولان أحدهما رواه عبيدة عن عبد الله بن مسعود أنه قال القبلة من المس وكل ما دون الجماع لمس وكذلك قال ابن عمر ومحمد بن يزيد يميل الى هذا القول قال لانه قد ذكر في أول هذه السورة ما يجب على من جامع في قوله (وان كنتم جنبا فاطهروا) وقال عبد الله بن عباس اللمس والمس والغشيان الجماع ولكنه جل وعز كنى وقال مجاهد في قول الله عز وجل (وإذا مروا باللغو مروا كراما) قال إذا ذكروا النكاح كنوا عنه

36 وقوله عز وجل (فتيمموا صعيدا طيبا) أي فاقصدوا والصعيد وجه الارض قال ابن عباس أطيب الصعيد الحرث 37 وقوله جل وعز (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) قال مجاهد أي من ضيق 38 ثم قال جل وعز (ولكن يريد ليطهركم) وقراء سعيد بن المسيب ليطهركم والمعنى واحد كما يقال نجاه وأنجاه 39 وقوله جل وعز (واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به)

مذهب ابن عباس أنه قال الميثاق الذي واثق به المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما أحبوا وكرهوا قال مجاهد الميثاق الذي أخذه على بني آدم يعني قوله (واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) 40 وقوله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط) القسط العدل 41 ثم قال جل وعز (ولا يجرمنكم شنآن قوم) أي لا يحملنكم وقد بيناه فيما تقدم وقرئ (ولا يجرمنكم) قال الكسائي هما لغتان قال أبو جعفر قال أبو اسحاق معنى لا يجرمنكم لا يدخلنكم في الجرم كما تقول آثمني أي أدخلني في الاثم

والشنآن البغض 42 وقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم) قال مجاهد هذا في اليهود جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية فهموا بقتله فوقاه الله جل وعز منهم وروي عن الحسن أنه قال نزل هذا في رجل من أعداء النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته فاستقبل القبلة ليصلي صلاة الخوف فجاء هذا ليقتله فمنعه الله منه

43 وقوله جل وعز (وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) النقيب في اللغة الامين الذي يعرف مداخل القوم كأنه يعرف ما ينقب عليه من أمرهم وروى سعيد عن قتادة قال (وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا) من كل سبط رجلا شاهدا على سبطه (وقال الله اني معكم لئن أقمتم الصلاة) الى آخر القصة 44 وقوله جل وعز (وآمنتم برسلي وعزرتموهم) قال أبو عبيد (عزرتموهم) عظمتموهم وقال يونس أثنيتم عليها وأحسن من هذين القولين قول ابن أبي نجيح عن مجاهد أن معنى (عزرتموهم) نصرتموهم والتعظيم داخل في النصرة

والدليل على هذا قوله تعالى (وتعزروه وتوقروه) وأصل التعزير في اللغة المنع ومنه عزرت فلانا أي أنزلت به ما يمتنع من أجله من المعاودة كما تقول نكلت به أي أنزلت به ما ينكل به عن العودة وروي عن سعد أنه قال لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام الا الحبلة والسمر ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الاسلام أي تؤدبني وهو يرجع الى ما تقدم أي يمنعونني سعيد عما أنا عليه 45 وقوله جل وعز (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية)

وتقرأ (قسية) والقاسية كما تقول علية وعالية وعلي وعال بمعنى واحد والقول الآخر معنى (قسية) ليست بخالصة الايمان أي فيها نفاق قال أبو جعفر وهذا قول حسن لأنه يقال درهم قسي إذا كان مغشوشا بنحاس أو غيره قال أبو جعفر وأولى ما فيه أن تكون (قسية) بمعنى قاسية مثل زكية وزاكية الا أن فعيلة أبلغ من فاعلة فالمعنى جعلنا قلوبهم غليظة نابية عن الايمان والتوفيق لطاعتي لان القوم لم يوصفوا بشئ من الايمان فتكون قلوبهم موصوفة فان ايمانها خالطه كفر كالدراهم القسية التي خالطها غش 47 ثم قال جل وعز (يحرفون الكلم عن مواضعه)

يجوز أن يكون معناه يبدلون حروفه ويجوز أن يكون معناه يتناولونه على غير معناه 48 وقوله جل وعز (ولا تزال تطلع على خائنة منهم) فيه قولان أحدهما قاله قتادة قال على خيانة وهذا جائز في اللغة ويكون مثل قولهم قائلة بمعنى قيلولة والقول الآخر قاله ابن أبي نجيح عن مجاهد وهو أن هذا يراد به اليهود الذين هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم فيكون التقدير على هذا القول على فرقة خائنة ثم أقام الصفة مقام الموصوف

49 وقوله جل وعز (فنسوا حظا مما ذكروا به) أي تركوا ومنه (نسوا الله فنسيهم) أي تركهم 50 ثم قال جل وعز (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة) ومعنى أغرينا في اللغة ألصقنا ومنه قيل الغراء للذي يغرى به قال ابن أبي نجيح يعني اليهود والنصارى وقال الربيع بن أنس يعني به النصارى خاصة أغريت بينهم العداوة والبغضاء أي مجازاة على كفرهم فافترقوا فرقا منهم النسطورية واليعقوبية والملكية وكل فرقة تعادي الاخرى

51 وقوله جل وعز (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب) روي عن ابن عباس أنه قال زنى رجل من اليهود فجاءوا يستفتون النبي صلى الله عليه وسلم ليدرؤا بكر عنه الرجم والرجم عندهم في التوراة فأطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك 52 ثم قال جل وعز (قد جاءكم من الله نور) قيل نور يعني به النبي صلى الله عليه وسلم وهو تمثيل لان النور هو الذي تتبين به الاشياء 53 ثم قال جل وعز (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)

السبل الطرق والسلام يحتمل معنيين أحدهما أن يكون السلام بمعنى السلامة كما يقال اللذاذ قد واللذاذة والمعنى الآخر أن السلام اسم من أسماء الله جل وعز فالمعنى على هذا يهدي به الله سبله أي من اتبعها نجاه 54 وقوله عز وجل (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل) قال قتادة يعني محمدا صلى الله عليه وسلم قال وبلغنا أن الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ست مائة عام والمعنى عند أهل اللغة على انقطاع من الرسل لان الرسل

كانوا متواترين بين موسى وعيسى صلى الله عليهما ثم انقطع ذلك الى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم 55 ثم قال جل وعز (أن تقولوا ما جاءنا من بشر ولا نذير) قال الكوفيون المعنى أن لا تقولوا ثم حذفت لا كما قال جل وعز (يبين الله لكم أن تضلوا) ولا يجوز حذف لا عند البصريين لانها تدل على النفي والمعنى عندهم كراهة أن تقولوا 56 وقوله جل وعز (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا) روي عن ابن عباس أنه قال يعني الخادم والمنزل

قال قتادة لم يملك أحد قبلهم خادما وقال الحكم بن عتيبة ومجاهد وعكرمة (وجعلكم ملوكا) المنزل والخادم والزوجة وكذلك قال زيد بن أسلم الا أنه قال فيما يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم (من كان له بيت أو قال منزل يأوي إليه وزوجة وخادم يخدمه فهو ملك (57 ثم قال جل وعز (وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) قال مجاهد يعني المن والسلوى وانفراق البحر وانفجار الحجر والتظليل بالغمام 58 ثم قال جل وعز (يا قوم ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم)

قال قتادة يعني الشام والمقدسة في اللغة المطهرة ومنه سمي بيت المقدس أي الموضع الذي يتطهر فيه من الذنوب 59 ثم قال جل وعز (قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين) الجبار عند أهل اللغة المتعظم الذي يمتنع من الذل والقهر 60 وقوله جل وعز (قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما) روي عن مجاهد أنه قال الرجلان من الاثني عشر نقيبا الذين بعثوا وهما يوشع بن نون وكلاب بن قاينا ويقال يوقنا وقال الضحاك هما رجلان مؤمنان كانا في مدينة الجبارين والدليل على هذا أنهما قالا (ادخلوا عليهم الباب فإذا

دخلتموه فانكم غالبون) وقد علمنا أنهم إذا دخلوا من ذلك الباب كان لهم الغلب وقرأ سعيد بن جبير (من الذين يخافون) بضم الياء يذهب الى أنهما كانا من الجبارين وأنعم الله عليهما بالاسلام 61 ثم قال جل وعز (قالوا يا موسى انا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها) أي ليس نقبل مشورة فأعلم الله النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الكتاب لم يزالوا يعصون الانبياء وأن له في ذلك أسوة

قال أبو عبيدة معنى (فاذهب انت وربك فقاتلا) أي اذهب فقاتل وليعنك ربك 62 ثم قال جل وعز (قال رب اني لا أملك الا نفسي وأخي) ويجوز أن يكون المعنى وأخي لا يملك إلا نفسه ويجوز أن يكون المعنى وأملك أخي لانه إذا كان يطيعه فهو مالك في الطاعة 63 ثم قال جل وعز (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) قال الضحاك المعنى فاقض بيننا وبين القوم الفاسقين 64 وقوله جل وعز (قال فانها محرمة عليهم) أي هم ممنوعون من دخولها ويروى أنه حرم عليهم دخولها أبدا

فالتمام على هذا عند قوله (عليهم) ثم قال تعالى (أربعين سنة يتيهون في الارض) وقد ذهب بعض أهل اللغة الى أن المعنى (فانها محرمة عليهم أربعين سنة) ثم ابتدأ فقال (يتيهون في الارض) 65 ثم قال جل وعز (فلا تأس على القوم الفاسقين) يجوز أن يكون هذا خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم أي فلا تأس على قوم هذه صفتهم ويجوز أن يكون الخطاب لموسى صلى الله عليه وسلم

يقال أسي يأسى أسى إذا حزن ويقال أسى الشئ يأسو أسوا إذا أصلحته والمعنى أنه أزال ما يقع الغم من أجله ولك في فلان اسوة وأسوة أي إذا رأيته مثلك نفض عنك الغم 66 وقوله جل وعز (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) قال مجاهد هما ابنا آدم لصلبه هابيل وقابيل وكان من علامة قربانهم إذا تقبل أن يسجد أحدهم ثم تنزل نار من السماء فتأكل القربان والقربان عند أهل اللغة فعلان مما يتقرب به الى الله جل وعز

قال الحسن هما من بني اسرائيل لان القربان كان فيهم 67 ثم قال عز وجل (قال لاقتلنك قال انما يتقبل الله من المتقين) المعنى قال الذي لم يتقبل منه للذي تقبل منه (لأقتلنك) ثم حذف هذا لعلم السامع ويروى أن القتل كان ممنوعا في ذلك الوقت كما كان ممنوعا حين كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ووقت عيسى عليه السلام فلذلك قال (ما أنا بباسط يدي اليك لاقتلك اني أخاف الله رب العالمين)

68 وقوله جل وعز (اني أريد أن تبوء باثمي واثمك فتكون من أصحاب النار) قال الكسائي يقال باء بالشئ يبوء به بوء وبواء إذا انصرف به قال البصريون يقال باء بالشئ إذا أقر به واحتمله ولزمه ومنه تبوأ فلان الدار أي لزمها وأقام بها يقال البواء التكافؤ والقتل بواء وأنشد فان تكن القتلى بواء فانكم فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر قال أبو العباس محمد بن يزيد في قوله تعالى (اني أريد أن تبوء باثمي واثمك) وهو مؤمن لما كان المؤمن يريد الثواب ولا يبسط يده إليه بالقتل كان بمنزلة من يريد هذا

وسئل أبو الحسن بن كيسان كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار فقال انما وقعت الارادة بعدما بسط يده بالقتل فالمعنى لئن بسطت الي يدك لتقتلني لامتنعن وفي من ذلك مريدا الثواب فقيل له فكيف قال بإثمي وإثمك وأي اثم له إذا قتل فقال فيه ثلاثة أوجه أحدها أن تبوء باثم قتلي واثم ذنبك الذي من أجله لم يتقبل من أجله قربانك ويروى هذا الوجه عن مجاهد والوجه الآخر أن تبوء باثم قتلي وإثم اعتدائك علي لانه قد يأثم في الاعتداء وان لم يقتل والوجه الثالث أنه لو بسط يده إليه أثم فرأى أنه إذا

أمسك عن ذلك فانه يرجع على صاحبه وصار هذا مثل قولك المال بينه وبين زيد أي المال بينهما فالمعنى أن تبوء باثمنا كل قال أبو جعفر ومن أجل ما روي فيه عن ابن مسعود وابن عباس أن المعنى باثم قتلي واثمك فيما تقدم من معاصيك فان قيل أفليس القتل معصية وكيف يريده قيل لم يقل أن تبوء بقتلي فانما المعنى باثم قتلي ان قتلتني فانما أراد الحق 69 ثم قال جل وعز (وذلك جزاء الظالمين) يجوز أن يكون هذا إخبارا من الله عن ابن آدم أنه قال هذا

ويجوز أن يكون منقطعا مما قبله 70 وقول جل وعز (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله) قال قتادة أي زينت وقال مجاهد أي شجعته يريد أنها ساعدته على ذلك وقال أبو العباس طوعت فعلت من الطوع والطواعية وهي الاجابة الى الشئ 71 ثم قال جل وعز (فأصبح من الخاسرين) أي ممن خسر حسناته والخسران النقصان 72 - ثم قال جل وعز (فبعث الله غرابا يبحث في الارض ليريه كيف يواري سوأة أخيه)

قال مجاهد بعث الله جل وعز غرابين فاقتتلا حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر فدفنه وكان ابن آدم هذا أول من قتل ويروى أنه لا يقتل مؤمن الى يوم القيامة الا كان عليه كفل من ذنب من قتله 73 وقوله جل وعز (من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا) وقرأ الحسن (أو فسادا في الارض فكأنما قتل الناس جميعا) والمعنى على قراءته أو عمل فسادا

وقال ابن عباس في قوله جل وعز (فكأنما قتل الناس جميعا) أوبق نفسه فصار بمنزلة من قتل الناس جميعا أي في استحقاقه العذاب ويستحق المقتول النصر وطلب الثأر من القاتل على المؤمنين جميعا قال ابن عباس إحياؤها ألا يقتل نفسا حرمها الله عز وجل وقال قتادة عظم الله أمره فألحقه من الاثم هذا وقيل هو تمثيل أي الناس جميعا له خصماء ومعنى (أو فساد في الارض) وفساده الحرب واخافة السبيل

وفي حديث حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال سمعت عثمان بن عفان رحمه الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث زنى بعد احصان أو كفر بعد ايمان أو قتل نفس بغير حق) ومعنى (فكأنما أحيا الناس جميعا) على قول قتادة أنه يعطى من الثواب على قدر ذلك وقيل وجب شكره على الناس جميعا فكأنما من عليهم جميعا يروى هذا عن مكحول وقول ابن عباس أولاها وأصحها 74 وقوله جل وعز (انما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) قال الحسن السلطان مخير أي هذه الاشياء شاء فعل وكذلك روى ابن نجيح عن عطاء وهو قول مجاهد وابراهيم والضحاك وهو حسن في اللغة لان أو تقع للتخيير كثيرا

وقال أبو مجلز الآية على الترتيب فمن حارب فقتل وأخذ المال صلب ومن قتل قتل ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ومن لم يقتل ولم يأخذ المال نفي وروى هذا القول حجاج بن أرطاة عن عطية عن ابن عباس مثله غير أنه قال في أوله فمن حارب وقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف ثم صلب وليس في قول أبي مجلز قبل الصلب ذكر شئ واحتج أصحاب هذا القول بحديث رواه عثمان وعائشة وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث وذكر الحديث قالوا فقد امتنع قتله الا أن يقتل فوجب أن تكون الآية على المراتب

وقال الزهري في قوله تعالى (أو ينفوا من الارض) كلما علم أنه في موضع قوتل حتى يخرج منه وقال أهل الكوفة النفي ها هنا الحبس وروى هذا عن ابن عباس باسناد ضعيف وقال سعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز ينفى من بلدته الى بلدة أخرى غيرها 75 وقوله جل وعز (ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) يقال خزي يخزى خزيا إذا افتضح وتحير وخزي يخزى خزاية إذا استحيا كأنه تحير كراهة أن يفعل القبيح

76 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) قال ابن عباس يعني القربة وكذلك قال الحسن وروى موسى بن وردان عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الوسيلة درجة عند الله جل وعز وليس فوقها درجة) 77 وقوله جل وعز (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها) قال يزيد الفقير قيل لجابر بن عبد الله أنتم يا أصحاب محمد تقولون ان قوما يخرجون من النار والله يقول (وما هم

بخارجين منها) فقال جابر انكم تجعلون العام خاصا والخاص عاما انما هذا في الكفار خاصة فقرأت الآية من أولها الى آخرها فإذا هي في الكفار خاصة 78 وقوله جل وعز (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) قال سيبويه المعنى وفيما فرض عليكم السارق والسارقة 79 ثم قال جل وعز (جزاء بما كسبا نكالا من الله) يقال نكلت به إذا فعلت به ما يجب أن ينكل به عن ذلك الفعل 80 وقوله جل وعز (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فان الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم)

المعنى غفور له وجعل الله توبة الكافرين تدرأ عنهم الحدود لان ذلك أدعى الى الاسلام وجعل توبة المسلمين عن السرقة والزنا لا تدرأ عنهم الحدود لان ذلك أعظم لاجورهم في الآخرة وأمنع لمن هم أن يفعل مثل فعلهم وقال مجاهد والشعبي قرأ عبد الله بن مسعود (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) 81 وقوله جل وعز (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) أي لا يحزنك مسارعتهم الى الكفر لان الله جل وعز قد وعدك النصر

82 ثم قال جل وعز (من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) قال مجاهد يعني المنافقين 83 ثم قال جل وعز (ومن الذين هادوا سماعون للكذب) قال مجاهد يعني اليهود فأما معنى سماعون للكذب والانسان يسمع الخير والشر ففيه قولان أحدهما أن المعنى قابلون للكذب وهذا معروف في اللغة أن يقال لا تسمع من فلان أي لا تقبل منه ومنه سمع الله لمن حمده معناه قبل لان الله جل وعز سامع لكل شئ

والقول الآخر أنهم سماعون من أجل الكذب كما تقول أنا أكرم فلانا لك أي من أجلك 84 ثم قال جل وعز (سماعون لقوم آخرين لم يأتوك) أي هم عيون لقوم آخرين لم يأتوك 85 ثم قال جل وعز (يحرفون الكلم من بعد مواضعه) أي من بعد أن وضعه الله مواضعه فأحل حلاله وحرم حرامه 86 ثم قال جل وعز (يقولون ان أوتيتم هذا فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا) أي تقول اليهود ان أوتيتم هذا الحكم المحرف فخذوه وان لم تؤتوه فاحذروا أن تعملوا به ومعنى هذا أن رجلا منهم زنى وهو محصن وقد كتب الرجم على من زنى وهو محصن في التوراة فقال بعضهم أئتوا محمدا لعله

يفتيكم بخلاف الرجم فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالرجم بعد أن أحضرت التوراة ووجد فيها فرض الرجم وكانوا قد أنكروا ذلك 87 ثم قال جل وعز (ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا) قيل معنى الفتنة ها هنا الاختبار وقيل معناها العذاب 88 ثم قال جل وعز (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي) أي فضيحة وذل حين أحضرت التوراة فتبين كذبهم وقيل خزيهم في الدنيا أخذ الجزية والذل

89 ثم قال جل وعز (سماعون للكذب أكالون للسحت) روى زر عن عبد الله بن مسعود أنه قال السحت الرشوة وقال مسروق سألت عبد الله عن الجور في الحكم قال ذلك الكفر قلت فما السحت قال أن يقضي الرجل لاخيه حاجة فيهدي إليه هدية فيقبلها والسحت في كلام العرب على ضروب يجمعها أنه ما يسحت دين الانسان يقال سحته وأسحته إذا استأصله ومنه وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال الا مسحتا أو مجلف

90 وقوله جل وعز (فان جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) في هذا قولان أحدهما روي عن ابن عباس أنه قال هي منسوخة نسخها (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) وكذا قال مجاهد وعكرمة قال الشعبي ان شاء حكم وان شاء لم يحكم وكذلك قال ابراهيم وقال الحسن ليس في المائدة شئ منسوخ والاختيار عند أهل النظر القول الاول لانه قول ابن عباس ولا يخلو قوله عز وجل (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) من أن يكون ناسخا لهذه الآية أو يكون معناه وأن احكم بينهم بما أنزل الله ان حكمت فقد صار مصيبا أن حكم بينهم باجماع وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقويه

روي عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب (أن يهوديا مر به على النبي صلى الله عليه وسلم وقد حمم وجهه فسأل عن شأنه فقيل زنى وهو محصن) وذكر الحديث وقال في آخره فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا أول من أحيا ما أماتوا من أمر الله فأمر به فرجم) ويبين لك أن القول هذا قوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط) 91 وقوله جل وعز (فاحكم بينهم بالقسط) أي بالعدل

92 وقوله جل وعز (انا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور) أي فيها بيان أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما جاءوا يستفتون فيه 93 ثم قال جل وعز (يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا) يجوز أن يكون المعنى فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون ويجوز أن يكون المعنى يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا وعليهم ثم حذف وقد قيل ان لهم بمعنى عليهم وتأول حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أمر بريرة حين قال (اشترطي لهم

الولاء) أن معناه (عليهم) لانه صلى الله عليه وسلم لا يأمرها بشئ لا يجب وقال الله جل ذكره (وان أسألتم فلها) و (الذين أسلموا) ههنا نعت فيه معنى المدح مثل بسم الله الرحمن الرحيم 94 ثم قال جل وعز (والربانيون والاحبار) قال أبو رزين الربانيون العلماء الحكماء والرباني عند أهل اللغة معناه رب العلم أي صاحب العلم وجئ بالالف والنون للمبالغة ويقوي هذا أنه يروى أن ابن الحنفية رحمة الله عليه قال لما مات ابن عباس مات رباني العلم

وقال مجاهد الربانيون فوق الاحبار والاحبار العلماء لانهم يحبرون لشئ وهو في صدورهم محبر وقال ابن عباس سمي الحبر الذي يكتب به حبرا لانه يحبر به أي يحقق به وقال الثوري سألت الفراء لم سمي الحبر حبرا فقال يقال للعالم حبر وحبر والمعنى مداد حبر ثم حذف كما قال تعالى (واسأل القرية) فسألت الاصمعي فقال ليس هذا بشئ انما سمي حبرا لتأثيره يقال على أسنانه حبرة أي صفرة أو سواد 95 ثم قال جل وعز (بما استحفظوا من كتاب الله) أي استودعوا

96 وقوله جل وعز (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال ابن عباس هو به كافر لا كفرا بالله وملائكته وكتبه وقال الشعبي الاولى في المسلمين والثانية في اليهود والثالثة في النصارى وقال غيره من رد حكما من أحكام الله فقد كفر قلت وقد أجمعت الفقهاء على أنه من قال لا يجب الرجم على من زنى وهو محصن أنه كافر لانه رد حكما من أحكام الله جل وعز ويروى أن حذيفة سئل عن هذه الآيات أهي في بني اسرائيل فقال نعم هي فيهم ولتسلكن سبيلهم حذو النعل بالنعل

وقال الحسن أخذ الله جل وعز على الحكام ثلاثة أشياء أن لا يتبعوا الهوى وأن لا يخشوا الناس ويخشوه وأن لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا وأحسن ما قيل في هذا ما رواه الاعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء قال هي في الكفار كلها يعني (فأولئك هم الكافرون) فأولئك هم الظالمون) فأولئك هم الفاسقون) والتقدير على هذا القول والذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون

97 وقوله جل وعز (فمن تصدق به فهو كفارة له) قال ابن عباس فهو كفارة للجارح وكذلك قال عكرمة والمعنى فمن تصدق بحقه وقال عبد الله بن عمرو فهو كفارة للمجروح أي يكفر عنه من ذنوبه مثل ذلك وكذلك قال ابن مسعود وجابر بن زيد رحمهما الله 98 وقوله جل وعز (ومهيمنا عليه) قال ابن عباس أي مؤتمنا عليه وقال سعيد بن جبير القرآن مؤتمن على ما قبله من الكتب وقال قتادة أي شاهد

وقال أبو العباس محمد بن يزيد الاصل مؤيمن عليه أي أمين فأبدل من الهمزة هاء كما يقال هرمت الماء وأرمت الماء وقال أبو عبيد يقال هيمن على الشئ يهيمن إذا كان له حافظا وهذه الاقوال كلها متقاربه المعاني لانه إذا كان حافظا للشئ فهو مؤتمن عليه وشاهد وقرأ مجاهد وابن محيص (ومهيمنا عليه) بفتح الميم وقال مجاهد أي محمد صلى الله عليه وسلم مؤتمن على القرآن 99 وقوله جل وعز (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) قال ابن عباس سبيلا وسنة

وقال قتادة الدين كله واحد والشرائع مختلفة وشرعة وشريعة عند أهل اللغة بمعنى واحد وهو ما بان ووضح ومنه طريق للشارع أي ظاهر بين ومنه (هما في الامر شرع) أي ظهورهما فيه واحد والمنهاج في اللغة الطريق البين وقال أبو العباس محمد بن يزيد الشريعة ابتداء الطريق والمنهاج الطريق المستمر

100 وقوله جل وعز (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) قال ابن عباس على دين واحد 101 ثم قال جل وعز (ولكن ليبلوكم فيما آتاكم) أي ليختبركم 102 وقوله جل وعز (أفحكم الجاهية يبغون) روي عن الحسن وقتادة والاعرج والاعمش أنهم قرءوا (أفحكم الجاهلية يبغون) الحكم والحاكم في اللغة واحد وكأنهم يريدون الكاهن وما أشبهه من حكام الجاهلية وصذا * في قرأة من قرأ (أفحكم (ومعنى يبغون يطلبون وقال مجاهد يراد بهذا اليهود يعني في أمر الزانيين حين جاءوا الى النبي صلى الله عليه وسلم يتوهمون أنه يحكم عليهما بخلاف الرجم

103 ثم قال جل وعز (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) أي من أيقن تبين أن حكم الله جل وعز هو الحق 104 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) هذا في المنافقين لانهم كانوا يمالئون المشركين ويخبرونهم بأسرار المؤمنين 105 وقوله جل وعز (فترى الذين في قلوبهم مرض) أي نفاق (يسارعون فيهم) المعنى يسارعون في معاونتهم ثم حذف كما قال جل وعز (واسأل القرية) 106 ثم قال جل وعز (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) في معناه قولان

أحدهما روي عن ابن عباس قال يقولون نخشى أن لا يدوم الامر لمحمد والقول الآخر نخشى أن يصيبنا قحط فلا يفضلوا علينا والقول الاول أشبه بالمعنى كأنه من دارت تدور أي نخشى أن يدور أمر ويدل عليه قوله جل وعز (فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده) لان الفتح النصر قال ابن عباس فأتى الله بالفتح فقتلت مقاتلة بني قريظة وسبيت ذراريهم وأجلي بنو النضير وقيل معنى (أو أمر من عنده) أي بأمر النبي صلى الله عليه السلام أن يخبر بأسماء المنافقين (فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم

نادمين) 107 ثم قال جل وعز (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم) أي أهؤلاء الذين اجتهدوا في الأيمان أنهم لا يوالون المشركين ثم قال تعالى (حبطت أعمالهم) وهذا مثل قوله تعالى (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم) 108 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) في معنى هذا قولان قال الحسن هو والله أبو بكر رضي الله عنه وأصحابه

حدثنا أبو جعفر قال نا الحسن بن عمر بن أبي الاحوص الكوفي قال نا أحمد بن يونس السري يعني ابن يحيى قال قرأ الحسن هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) حتى قرأ الآية فقال الحسن فولاها الله والله أبا بكر وأصحابه وروى شعبة عن سماك بن حرب عن عياض الاشعري قال لما نزلت (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) أوما النبي صلى الله عليه وسلم الى أبي موسى الاشعري رحمه الله فقال هم قوم هذا 109 ثم قال جل وعز (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) قال أبو جعفر سمعت أبا اسحاق وسئل عن معنى هذا فقال ليس يريد أذلة من الهوان وانما يريد أن جانبهم لين للمؤمنين وخشن على الكافرين 110 ثم قال جل وعز (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) أي ذلك اللين للمؤمنين والتشديد على الكافرين تفضل

من الله جل وعز منحهم اياه 111 وقوله تبارك اسمه (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) قال أبو عبيد أخبرنا هشيم ويزيد عن عبد الملك بن سليمان عن أبي جعفر محمد بن علي في قوله جل وعز (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) قال يعني المؤمنين فقلت له بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال علي من المؤمنين قال أبو عبيد وهذا يبين لك قول النبي صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه فالمولى والولي واحد والدليل على هذا قوله جل وعز (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور)

ثم قال في موضع آخر (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) فمعنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ولاية الدين وهي أجل الولايات وقال غير أبي عبيد من كنت ناصره فعلي ناصره 112 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء) وقرأ الكسائي (والكفار أولياء) والمعنى من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفار قال الكسائي في حرف أبي رحمه الله ومن الكفار وروي عن ابن عباس رحمه الله أن قوما من اليهود والمشركين ضحكوا من المسلمين وقت سجودهم فأنزل الله تعالى

(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا) الى آخر الآيات 113 وقوله جل وعز (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله) وفي هذا قولان روي عن ابن عباس أنه قال قالت اليهود في أمة محمد صلى الله عليه وسلم هم أقل الناس حظا في الدنيا والآخرة فأنزل الله جل وعز (قل هل أنبئكم بشر من ذلك)

والقول الآخر وهو المعروف الصحيح أن المعنى قل هل أنبئكم بشر من نقومكم فلا علينا ثوابا لان قبله (هل تنقمون منا الا أن آمنا بالله) قال الكسائي يقال نقمت على الرجل أنقم نقوما منه ونقمة وقد حكي نقمت أنقم إذا كرهت الشئ أشد الكراهية 114 ثم قال جل وعز (من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير) قال مجاهد يعني اليهود مسخ منهم

115 ثم قال جل وعز (وعبد الطاغوت) وهذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو والكسائي وقرأ أبو جعفر (وعبد) مثل ضرب ولا وجه لهذا وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ (وعبدوا الطاغوت) وروي عن أبي بن كعب وعن ابن مسعود من طريق آخر أنهما قرءا (وعبدت الطاغوت) وقرأ ابن عباس (وعبد الطاغوت) وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنه يجوز (وعابد الطاغوت) وروي عن الاعمش ويحيى بن وثاب (وعبد الطاغوت) وقرأ أبو واقد الاعرابي (وعباد الطاغوت) وقرأ حمزة (وعبد الطاغوت)

فمن قرا (وعبد الطاغوت) فالمعنى عنده من لعنه الله ومن عبد الطاغوت وحمل الفعل على لفظ من ومن قرأ (وعبدوا الطاغوت) فهو عنده بذلك المعنى الا أنه حمله على معنى من كما قال جل وعز (ومنهم من يستمعون اليك) ومن قرأ (وعبدت الطاغوت) حمله على تأنيث الجماعة كما قال جل وعز (قالت الاعراب) ومن قرأ (وعبد الطاغوت) فهو عنده جمع عابد كما يقال شاهد وشهد وغائب وغيب ومن قرأ (وعابد) فهو عنده واحد يؤدي عن جماعة

ومن قرأ (وعبد) فهو عنده جمع عباد أو عبيد كما يقال مثال ومثل ورغيف ورغف وقال بعض النحويين هو جمع عبد كما يقال رهن ورهن وسقف وسقف ومن قرأ (وعباد) فهو جمع عابد كما يقال عامل وعمال ومن قرأ (وعبد الطاغوت) فأكثر أهل اللغة يذهب الى أنه لحن وهي تجوز على حيلة وذلك أن يجعل (عبدا) واحدا يدل على جماعة كما يقال رجل حذر وفطن وندس فيكون المعنى وخادم الطاغوت وعلى هذا تتأول هذه القراءة يقال عبده يعبده إذ ذل له أشد الذل ومنه بعير معبد أي مذلل بالقطران ومنه طريق معبد ومنه يقال عبدت أعبد إذا أنفت كما قال

(وأعبد أن تهجى تميم بدارم) والمعنى على هذا وخادم الطاغوت وقد قيل الفرد بمعنى الفرد وينشد النابغة من وحش وجرة موشي أكارعه طاوي المصير كسيف الصيقل الفرد ويروى الفرد وقيل الطاغوت ها هنا يعنى به الشيطان وكذا روي عن بريدة الاسلمي أنه قرأ (وعابد الشيطان) وأجاز بعض العلماء (وعبد الطاغوت) بالخفض على معنى عبدة مثل كاتب وكتبة والهاء تحذف من مثل هذا في الاضافة 116 وقوله عز وجل (وإذا جاؤكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به)

أي لم ينتفعوا بشئ مما سمعوا فخرجوا بكفرهم 117 وقوله جل وعز (لولا ينهاهم الربانيون والاحبار) وقرأ أبو الجراح (لولا ينهاهم الربيون) قال مجاهد (الربانيون والاحبار) العلماء والفقهاء والربانيون فوق الاحبار قال أبو جعفر والربيون الجماعات وهو مأخوذ من الربة والربة الجماعة فنسب إليها فقيل ربي ثم جمع فقيل ربيون قال أبو جعفر والمعنى بئس الصنع ما يصنع هؤلاء الربانيون والاحبار في تركهم نهي هؤلاء

قال الضحاك ما في القرآن آية أخوف عندي منها أننا لا ننهى وفي هذه الآية حكم في أمر العلماء في النهي عن المنكر 118 وقوله عز وجل (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم) في هذه الآية ثلاثة أقوال أحسنها ما روي عن ابن عباس أنه قال قالت اليهود ان الله عز وجل بخيل والمعنى عند أهل اللغة على التمثيل أي قالوا هو ممسك عنا لم يوسع علينا حين أجدبوا كما قال تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك) فهذا نظير ذاك والله أعلم

وقيل اليد ها هنا النعمة وقيل هذا القول غلط لقوله (بل يداه مبسوطتان) فنعم الله جل وعز أكثر من أن تحصى فكيف يكون بل نعمتاه مبسوطتان فقال من احتج لمن قال انهما نعمتان بأن المعنى النعمة الظاهرة والباطنة والقول الثالث أن المعنى أنه لا يعذبنا أي مغلولة عن عذابنا 119 وقوله عز وجل (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء الى يوم القيامة) أي جعل بأسهم بينهم فهم متباغضون غير متفقين فهم أبغض خلق الله الى الناس

وقال مجاهد هم اليهود والنصارى والذي قال حسن ويكون راجعا الى (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) 120 ثم قال جل وعز (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) هذا تمثيل أي كلما تجمعوا شتت الله أمرهم وقال قتادة أذلهم الله جل وعز بمعاصيهم فلقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وهم تحت أيدي المجوس 121 ثم قال جل وعز (ويسعون في الارض فسادا)

أي يسعون في إبطال الاسلام 122 وقوله جل وعز (ولو أنهم أقاموا التوراة والانجيل) أي لو أظهروا ما فيها من صفة النبي صلى الله عليه وسلم (وما أنزل إليهم من ربهم) يعني به القرآن والله أعلم 123 ثم قال جل وعز (لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم) فهذا يدل على أنهم كانوا في جدب (ومن فوقهم) على قول ابن عباس ومجاهد والسدي يعني المطر (ومن تحت أرجلهم) يعني النبات وقيل يجوز أن يكون تمثيلا أي لوسعنا عليهم كما يقال

فلان في خير من قرنه الى قدمه أي قد شمله الخير والاول قول أهل التأويل 124 وقوله عز وجل (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالاته) في معناه قولان أحدهما بلغ كل ما أنزل اليك ويقوي هذا أن مسروقا روى عن عائشة أنها قالت (من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب والله يقول (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته) والقول الآخر وعليه أكثر أهل اللغة ان المعنى أظهر ما أنزل اليك من ربك أي بلغه ظاهرا

ودل على هذا قوله تعالى (والله يعصمك من الناس) أي يمنعك منهم أن ينالوك بسوء مشتق من عصام القربة وهو ما تشد به وقوله جل وعز (وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل اليك طغيانا وكفرا) أي يكفرون به فيزدادون كفرا على كفرهم 125 ثم قال جل وعز (فلا تأس على القوم الكافرين) أي فلا تحزن عليهم 126 وقوله جل وعز (ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى) في هذا قولان أحدهما أنه يعني بالذين آمنوا ها هنا المنافقون

والتقدير ان الذين آمنوا بألسنتهم ودل على هذا قوله تعالى (ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) 127 ثم قال جل اسمه (من آمن بالله) فالمعنى على هذا القول من حقق الايمان بقلبه والقول الآخر ان معنى (من آمن بالله) من ثبت على ايمانه كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله) 128 وقوله جل وعز (كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون) قال اليهود والنصارى يشتركون في التكذيب واليهود تنفرد بالقتل خاصة وكانت الرسل منها من يأتي بالشرائع والكتب والاحكام نحو محمد صلى الله عليه وسلم وموسى وعيسى وهؤلاء

معصومون ومنهم من يأتي بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتمسك بالدين نحو يحيى وزكريا عليهما السلام 129 وقوله عز وجل (وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا) قال الحسن يعني بالفتنة البلاء وقال غيره معنى (فعموا وصموا) تمثيل أي لم يعملوا بما سمعوا ولا انتفعوا بما رأوا فهم بمنزلة العمي الصم 130 ثم قال جل وعز (ثم تاب الله عليهم) أي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم يخبرهم بأن الله عز وجل يتوب عليهم ان تركوا الكفر

(ثم عمو وصموا) أي بعد وضوح الحجة 131 وقوله عز وجل (لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح ابن مريم) قال ابراهيم النخعي المسيح الصديق قال أبو جعفر ووجدنا للعلماء في تفسير معناه ستة أقوال سوى هذا روي عن ابن عباس سمي مسيحا لانه كان أمسح الرجل لا أخمص له وروى غيره عنه انما سمي مسيحا لانه كان لا يمسح بيده ذا عاهة الا برأ ولا يضع يده على شئ الا أعطي فيه مراده وقال ثعلب لانه كان يمسح الارض أي يقطعها وقيل لسياحته في الارض وقيل لانه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن

وقال أبو عبيد أحسب أصله بالعبرانية مشيحا قال وأما قولهم المسيح الدجال فانما سمي مسيحا لانه ممسوح احدى العينين فهو مسيح بمعنى ممسوح كما يقال قتيل بمعنى مقتول 132 وقوله جل وعز (وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) من الصدق وفعيل في كلام العرب للتكثير كما يقال سكيت وقال جل وعز (وصدقت بكلمات ربها وكتبه) ومن هذا قيل لابي بكر رضي الله عنه صديق

ويروى أنه انما قيل له صديق لانه لما أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به الى بيت المقدس فقال ان كان قال فقد صدق 133 وقوله جل وعز (كانا يأكلان الطعام) في معناه قولان أحدهما كناية عن اتيان الحاجة كما يكنى عن الجماع بالغشيان وما أشبهه وقيل كانا يتغذيان كما يتغذى سائر الناس فكيف يكون الها من لا يعيش الا بأكل الطعام 134 ثم قال جل وعز ذكره (انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون) أي قد بينا لهم العلامات وأوضحنا الامر فمن أين يصرفون

يقال أفكه يأفكه إذا صرفه 135 وقوله جل وعز (يا اهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق) الغلو التجاوز قال أبو عبيد كما فعلت الخوارج أخرجهم الغلو الى أن كفروا أهل الذنوب قال ويبين لك هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) والمروق هو الغلو بعينه لان السهم يتجاوز الرمية 136 ثم قال جل وعز (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل)

قال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني اليهود وقال غيره لانهم اتبعوا شهواتهم وطلبوا دوام رياستهم وآثروا ذلك على الحق والهوى في القرآن مذموم والعرب لا تستعمله الا في الشر فأما في الخير فيستعملون الشهوة والنية والمحبة 137 ثم قال جل وعز (وأضلوا كثيرا) قال ابن أبي نجيح يعني المنافقين وقال غيره ضلوا باتباعهم اياهم 138 ثم قال جل وعز (وضلوا عن سواء السبيل) أي قصده 139 وقوله جل وعز (لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم) قال أبو مالك الذين لعنوا على لسان داود مسخوا قردة

والذين لعنوا على لسان عيسى صلى الله عليه وسلم مسخوا خنازير وروي عن ابن عباس أنه قال الذين لعنوا على لسان داود أصحاب السبت والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بعد نزول المائدة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أول ما وقع النقص في بني اسرائيل أن أحدهم كان يرى أخاه على المعصية فينهاه ثم لا يمنعه ذلك من الغد أن يكون أكيله وشريبه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض وأنزل فيهم القرآن (لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) ثم قال صلى الله عليه وسلم (كلا والذي نفسي بيده حتى

تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا 140 وقوله جل وعز (ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا) قال مجاهد يعني المنافقين 141 وقوله جل وعز (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى) قال سعيد بن جبير هم سبعون رجلا وجه بهم النجاشي وكانوا أجل من عنده فقها وسنا فقرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم (يس) فبكوا وقالوا ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين

وأنزل الله فيهم أيضا (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون) الى قوله (أولئك يؤتون أجرهم مرتين) الى آخر الآية وروي عن ابن عباس أنه قال هم من الحبشة جاءوا الى النبي صلى الله عليه وسلم وكان معهم رهبان من رهبان الشام فآمنوا ولم يرجعوا 142 وقوله جل وعز (فاكتبنا مع الشاهدين) روى اسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويبين لك صحة هذا القول قوله جل وعز (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) 143 وقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم)

قال الضحاك هؤلاء قوم من المسلمين قالوا نقطع مذاكيرنا ونلبس المسوح وقال قتادة نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون قالوا نخصي أنفسنا ونترهب: وقال مجاهد نزلت في عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهما قالوا نترهب غير ونلبس المسوح 144 وقوله جل وعز (ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) الاعتداء في اللغة تجاوز ما له الى ما ليس له قال الحسن معناه ألا تأتوا ما نهيتم عنه 145 وقوله جل وعز (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) فيه قولان

أحدهما أنه قول الرجل لا والله وبلى والله وروي هذا القول عن عائشة قال الشافعي وذلك عند اللجاج والغضب والعجلة والقول الآخر أن يحلف الرجل على الشئ هو عنده على ما حلف ثم يكون على خلاف ذلك يروى هذا القول عن ابن عباس وأبي هريرة واللغو في اللغة المطرح فقيل لما لا حقيقة له من الأيمان لغو قال الكسائي يقال لغا يلغو لغوا أو لغي يلغى لغا 146 وقوله جل وعز (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) قال الكسائي معنى عقدتم أوجبتم

قال ابن جريج قلت لعطاء ما معنى (عقدتم) قال والله الذي لا إليه الا هو وقرأ أبو عمرو (عقدتم) قال معناه وكدتم وروى نافع أن ابن عمر كان إذا حنث من غير أن يؤكد اليمين أطعم عشرة مساكين لكل مسكين مدا فإذا وكد اليمين أعتق رقبة قيل لنافع ما معنى وكد اليمين قال أن يحلف على الشئ مرارا 147 وقوله جل وعز (فكفارته اطعام عشرة مساكين) المعنى فكفارة اثمه أي الذي يغطي على اثمه قال أبو جعفر والهاء التي في فكفارته عائدة على ما التي في بما عقدتم الايمان

وهذا مذهب الحسن والشعبي لان المعنى عندهما فكفارة ما عقدتم منها وقيل الهاء عائدة على اللغو والاول أولى 148 ثم قال جل وعز (من أوسط ما تطعمون أهليكم) قال عبد الله بن عمر (من أوسط ما تطعمون أهليكم) الخبز والتمر والخبز والزيت وأفضل ما تطعمونهم الخبز واللحم وقال الاسود أوسط ما تطعمون أهليكم الخبز والتمر قال أبو اسحاق يحتمل هذا ثلاثة معان في اللغة يجوز أن يكون معنى (من أوسط ما تطعمون أهليكم) من أعدل ما تطعمونهم قال عز وجل (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) أي عدلا

ويحتمل أن يكون في القيمة ويحتمل أن يكون في الشبع وقرأ سعيد بن جبير (من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كإسوتهم) أي كإسوة أهليكم وروي أن رجلا قرأ على مجاهد (أو كإسوتهم) فقال له لا تقرأ الا (أو كسوتهم) وقال أرى ذلك ثوبا وفي قراءة عبد الله بن أبي بن كعب (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات) 149 ثم قال جل وعز (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) أي ذلك كفارة اثم أيمانكم إذا حلفتم وحنثتم ثم حذف قال أبو جعفر وكان (محمد بن جرير) يختار في (أوسط) أن تكون بمعنى أعدل في القلة والكثرة قال فأعدل أقوات الموسع مدان وذلك أعلاه وأعدل أقوات المقتر مد وذلك ربع صاع وما مصدر فأما الكسوة

فقال الحسن وطاووس وعطاء ثوب ثوب وقال سعيد بن المسيب عباءة وعمامة وقال مجاهد كل ما كسا فهو مجزئ وهذا أشبه باللغة أن يكون كل ما وقع اسم كسوة مما يكون ثوبا فصاعدا لان ما دون الثوب لا خلاف في أنه لا يجوز 150 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان) روى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال الميسر القمار وقال عبيد الله بن عمر سئل القاسم بن محمد عن الشطرنج أهي ميسر وعن النرد أهو ميسر فقال كل ما صد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر

قال أبو عبيد تأول قول الله عز وجل (ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة) وزعم الاصمعي أن الميسر كان في الجزور خاصة كانوا يقتسمونها على ثمانية وعشرين سهما وقال أبو عمرو الشيباني كانوا يقتسمونها على عشرة أسهم ثم يلقون القداح ويتقامرون أحمد على مقاديرهم وهذا القول ليس بناقض لما تقدم لان الميسر إذا كان في الجزور خاصة فهو قمار ثم قيل ما كان مثله من اقمار ميسر كما أن الخمر لشئ بعينه ثم قيل لكل مسكر خمر لانه بمنزلتها وقد ذكرنا في أول السورة الانصاب والازلام والرجس النتن 151 ثم قال جل وعز (فاجتنبوه لعلكم تفلحون) أي كونوا في جانب غير جانبه

ويروى أن عمر رضي الله عنه لم يزل يقول (اللهم بين لنا في الخمر) حتى نزلت (فهل أنتم منتهون) فقال قد انتهينا 152 وقوله جل وعز (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات) قال ابن عباس والبراء لما حرمت الخمر قال المسلون يا رسول الله فكيف باخواننا المؤمنين الذين ماتوا وهم يشربونها فأنزل الله جل وعز (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الى آخر الآية وروى الزهري عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر لما أراد حد (قدامة بن مظعون) قال قدامة ما كان لكم أن تجلدوني قال الله جل وعز (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الآية فقال عمر أخطأت التأويل انك إذا أيقنت اجتنبت ما حرم الله عليك ثم أمر به فجلد

قيل هذا أحسن من الاول لان فيها (إذا ما اتقوا وآمنوا) و (إذا) لا تكون للماضي فالمعنى على هذا والله أعلم للمؤمنين قبل وبعد على العموم وقد روي هذا أيضا عن ابن عباس قال أبو جعفر قيل (إذا ما اتقوا) الشرك (وآمنوا) وصدقوا (ثم اتقوا وآمنوا) ازدادوا ايمانا (ثم اتقوا) الصغائر حذرا (وأحسنوا) تنفلوا وقال محمد بن جرير الاتقاء الاول هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل والاتقاء الثاني الاتقاء بالثبات على التصديق والثالث الاتقاء بالاحسان والتقرب بالنوافل 153 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد) المعنى ليختبرن بعد طاعتكم من معصيتكم

154 ثم قال جل وعز (تناله أيديكم ورماحكم) قال مجاهد الذي تناله أيديكم البيض والفراخ والذي تناله الرماح ما كان كبيرا 155 وقوله جل وعز (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) روى شريك عن سالم (عن سعيد بن جبير) (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) قال قتله حرام في هذه الآية قال بعض العلماء أي أنه لما حرم قتل الصيد على المحرم كان قتله اياه غير تذكية 156 وقوله جل وعز (ومن قتله منكم متعمدا) أكثر الفقهاء على أن عليه الجزاء سواء كان متعمدا أو مخطئا

وذهبوا الى قوله تعالى (ومن قتله منكم متعمدا) مردود الى قوله جل وعز (ومن عاد فينتقم الله منه) واحتجوا في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن الضبع فقال هي صيد) وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا ولم يقل عمدا ولا خطأ قال الزهري هو في الخطأ سنة وقال بعض أهل العلم انما عليه الجزاء إذا قتله متعمدا واحتجوا بظاهر الآية حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام نا محمد بن يحيى نا أبو الوليد نا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله جل وعز (ومن قتله منكم متعمدا) قال ليس عليه في الخطأ شئ انما هو في العمد يعني الصيد

157 وقوله جل وعز (فجزاء مثل ما قتل من النعم) قيل النعم في اللغة الابل والبقر والغنم وان انفردت الابل قيل لها نعم وان انفردت البقر والغنم لم يقل لها نعم وقرأ الاعمش (فجزاؤه مثل ما) والمعنى فعليه جزاؤه ثم أبدل مثلا من جزائه 158 وقوله جل وعز (أو كفارة طعام مساكين) (أو) هنا للتخيير وفي معناه أقوال وقيل الحاكم مخير وقيل أنه يعمل بالاول فالاول والقول الاول أحسن لان قاتل الصيد هو المخاطب ولان

المعروف أن أو للتخيير وقرأ طلحة والجحدري (أو عدل ذلك صياما) وأنكره جماعة من أهل اللغة وقالوا العدل الحمل وقال الكسائي العدل والعدل لغتان بمعنى واحد وقال الفراء عدل الشئ مثله من غير جنسه وعدله مثله من جنسه وأنكر البصريون هذا التفريق وقالوا العدل والعدل المثل كان من الجنس أو من غير الجنس لا يختلف كما أن المثل لا يختلف وفي الحديث (لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا) فالصرف التوبة والعدل الفدية

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو حاتم ولا يعرف قول من قال انهما الفريضة والنافلة والذي أنكره أبو حاتم قال المازري 159 ثم قال جل وعز (ليذوق وبال أمره) أي شدته ومنه طعام وبيل إذا كان ثقيلا ومنه قوله (عقيلة شيخ كالوبيل يلندد) 160 ثم قال جل وعز (عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه) قال عطاء عفا الله عما سلف في الجاهلية وقال شريح وسعيد بن جبير يحكم عليه في أول مرة فإذا عاد لم يحكم عليه وقيل له اذهب ينتقم الله منك أي ذنبك أعظم من أن يكفر

كما أن اليمين الفاجرة لا كفارة لها عند أكثر أهل العلم لعظم اثمها قلت قول عطاء في هذا أشبه والمعنى ومن عاد بعد الذي سلف في الجاهلية فينتقم الله منه بأشياء تصيبه من العقوبة أو يكون مثل قوله (ليذوق وبال أمره) 161 وقوله جل وعز (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة) روى عمر بن أبي سلمة (عن أبيه) عن أبي هريرة عن عمر قال صيد البحر ما صيد منه وطعامه ما قذف وكذلك روى سعيد بن جبير عن ابن عباس

وقيل طعامه ما زرع لانه به ينبت وقال سعيد بن جبير طعامه المليح منه وصيده ما كان طريا البين أن صيده أن تصيدوا وطعامه أن تأكلوا الصيد قال مجاهد (لكم) لاهل القرى) (وللسيارة) لاهل الامصار وقيل السيارة المسافرون وهذا أولى 162 وقوله جل وعز (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس) فيه قولان أحدهما وهو أشبه بالمعنى أنهم يقومون بها ويأمنون قال سعيد بن جبير شدة للدين

والقول الآخر أنهم يقومون بشرائعها فأما قوله جل وعز بعد هذا (ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الارض) ومجانسة هذا الاول فقال أبو العباس محمد بن يزيد كانوا في الجاهلية يعظمون البيت الحرام والاشهر الحرم حتى انهم كانوا يسمون رجبا وهو من الاشهر الحرم الاصم لانه لا يسمع فيه وقع السلاح فعلم الله عز وجل ما يكون منهم من اغارة بعضهم فألهمهم أن لا يقاتلوا في الاشهر الحرم ولا عند البيت الحرام ولا من كان معه القلائد فالذي ألهمهم هذا يعلم ما في السموات وما في الارض وقال أبو اسحاق وقد أخبر الله جل وعز النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السورة بأشياء مما يسره المنافقون واليهود فقال جل وعز

(سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك) وما كان من أمر الزانيين وقوله جل وعز عن ذلك (لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الارض) متعلق بهذه الاشياء أي الذي أخبركم بها يعلم ما في السموات وما في الارض والدليل على صحة هذا القول قوله تعالى (ما على الرسول الا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) 163 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم) معنى (ان تبد لكم) ان تظهر قال شعبة أخبرني موسى بن أنس بن مالك أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله من أبي فقال أبوك فلان فأنزل الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن

أشياء ان تبد لكم تسؤكم) روى ابراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله أفرض الحج في كل سنة فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت فتركتموها يقول لكفرتم وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يسألني انسان في مجلسي هذا عن شئ الا أنبأته به فقال رجل يا رسول الله من أبي فأخبره ونزلت (لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم)

وأن لا يكلفهم طلب حقائق الاشياء من عنده جل وعز وقيل انما ينهى عن هذا لان الله جل وعز أحب الستر على عباده رحمة منه لهم وأحب أن لا يقترحوا المسائل وقال النبي صلى الله عليه وسلم (اتركوني ما تركتكم فانما هلك من كان قبلكم لكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وروى عبد الكريم عن سعيد بن جبير قال نزلت (لا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم) في الذين سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة ألا ترى أن بعده (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) قلت أحسن هذه الأقوال الثاني وأن الله جل وعز أحب الستر على عباده ورد أحكامهم الى الظاهر الذي يقدرون عليه

163 ودل على أن هذا الصحيح قوله جل وعز (قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين) قال مقسم فيما سألت الامم أنبياءهم صلى الله عليهم وسلم من الآيات أي فأروهم اياها ثم كفر فومهم الذي بها بعد واختلف أهل التفسير في (البحيرة والسائبة والوصيلة والحام) قال أبو جعفر ونذكر من قولهم ما وافقه قول أهل اللغة وهو معنى قول ابن عباس والضحاك البحيرة الناقة إذ نتجت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا شقوا أذنها وخلوها لا تمنع من مرعى ولا يركبها أحد وفي رواية ابن عباس وعمدوا الى الخامس فنحروه وكان لحمه للرجال دون النساء وان كانت أنثى استحيوها وتركوها ترعى مع أمها بعد شقهم أذن الام وتركهم الانتفاع بها وان كانت ميتة

اشترك فيها الرجال والنساء وفي اشتقاقه قولان أحدهما أن يقال بحره إذا شقه والقول الآخر انه من الاتساع في الشئ مشبه بالبحر والسائبة أن ينذر أحدهم ان برأ من مرضه ليسيبن ناقة أو ما أشبه ذلك وإذا أعتق عبدا فقال هو سائبة لم يكن عليه ولاء وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (رأيت عمرو بن لحيي يجر قصبه في النار وهو أول من سيب السوائب

والوصيلة في الغنم خاصة إذا ولدت الشاة سبعة أبطن فان كان السابع ذكرا ذبحوه وكان لحمه للرجال دون النساء وإذا ولدت أنثى لم يذبحوها وقالوا وصلت أخاها وفي الرواية عن ابن عباس قالوا وصلت أخاها ولم يشرب من لبنها الا الذكور خاصة وان كانت ميتة أكلها الرجال والنساء وتلا ابن عباس (وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا) الآية والحامي البعير إذا ولد له من صلبة عشرة أولاد قالوا قد حمى ظهره فلم يركب وخلي وكان بمنزلة البحيرة وفي الرواية عن ابن عباس (انه البعير إذا ركب أولاد أولاده قالوا قد حمى ظهره

فأعلم الله أن هذا افتراء منهم فقال (ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون) قال الشعبي (الذين لا يعقلون) الاتباع والذين افتروا فعقلوا أنهم افتروا 164 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) أي الزموا أنفسكم فأصلحوها وخلصوها من العقاب 165 ثم قال جل وعز (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) ليس في هذا دليل على الرخصة في ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والله عز وجل قد أمر بذلك وانما المعنى لا تؤاخذون بكفر من كفر وقد بين هذا في الحديث قال قيس بن أبي حازم سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه على المنبر يقول انكم تأولون (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) فاني سمعت رسول الله

صلى الله عليه وسلم يقول (ان الناس إذا عمل فيهم بالمعاصي ثم لم يغيروا أوشك الله جل وعز أن يعمهم بعقابه) وقال ابن مسعود في هذه الآية قولوها ما قبلت منكم فإذا ردت عليكم فعليكم أنفسكم وقال سعيد بن جبير هي في أهل الكتاب وقال مجاهد هي في اليهود والنصارى ومن كان مثلهم يذهبان الى أن المعنى لا يضركم كفر أهل الكتاب إذا أدوا الجزية وهذا تفسير حديث أبي بكر فأما حديث ابن مسعود فعلى أن تأويل الآية على وقتين ففي أوقات من آخر الزمان يعمل بها كما قال أبو أمية الشعباني قلت لابي ثعلبة الخشني كيف أصنع بهذه الآية (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم)

فقال سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهو متبعا ودنيا مؤثرة واعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت الامر لا يدي لك به أو لا يد لك به فعليك بنفسك ودع العوام 166 وقوله جل وعز (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت) وقرأ الاعرج (شهادة بينكم) وقرأ أبو عبد الرحمن (شهادة بينكم) فمن قرأ (شهادة بينكم) و (شهادة بينكم) فالمعنى عنده شهادة اثنين ثم حذف شهادة وأقام اثنين مقامها في الاعراب ويجوز أن يكون المعنى ليكن أن يشهد اثنان ومن قرأ (شهادة بينكم) فهو عنده بغير حذف والمعنى أن يشهد اثنان

167 فأما قوله تعالى (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) ففي هذا اختلاف كبير قال أبو موسى الاشعري وابن عباس (ذو عدل منكم) من أهل دينكم (أو آخران من غيركم) من أهل الكتاب وقال بهذا القول من التابعين عبيدة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وشريح وابن سيرين والشعبي

وقال الحسن والزهري (ذوا عدل منكم) من أقربائكم لانهم أعلم بأموركم من غيرهم (أو آخران من غيركم) من غير أقربائكم من المسلمين وقال من احتج لهذا القول قد أجمع المسلمون على أن شهادة أهل الكتاب لا تجوز على المسلمين في غير الوصية واجماعهم يقضي على اختلافهم وقال جل وعز (ممن ترضون من الشهداء) فدل هذا على أن أحدا منهم ممن لا يرضى فالكافر يجب أن لا يرضى به أيضا فانه قال جل وعز (تحبسونهما من بعد الصلاة) فكيف يعظم الكافر الصلاة وقال ابراهيم النخعي الآية منسوخة نسخها (وأشهدوا

ذوي عدل منكم) وقال زيد بن أسلم كان ذلك والارض حرب والناس يتوارثون بالوصية وتوفي رجل وليس عنده أحد من أهل الاسلام فنزلت هذه الآية ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض ومعنى (تحبسونهما من بعد الصلاة) من بعد صلاة العصر ومعنى (لا نشتري به ثمنا) بما شهدنا عليه 168 ثم قال جل وعز (ولو كان ذا قربى) معناه وان كان ذا قربى كما قال سبحانه (ولو افتدى به) 169 ثم قال جل وعز (ولا نكتم شهادة الله انا إذا لمن الآثمين)

وقرأ عبد الله بن مسلم (ولا نكتم شهادة الله) وهو يحتمل معنيين أحدهما أن المعنى ولا نكتم الله شهادة والمعنى الآخر ولا نكتم شهادة والله ثم حذف الواو ونصب وقرأ الشعبي (ولا نكتم شهادة الله) هذا عند أكثر أهل العربية لحن وان كان سيبوبه قد أجاز حذف القسم والخفض وقرأ أبو عبد الرحمن (ولا نكتم شهادة الله) على الاستفهام 170 وقوله جل وعز (فان عثر على انهما استحقا اثما) قال ابراهيم النخعي المعنى فان اطلع 171 ثم قال جل وعز (فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان)

ان اطلع عليهما بخيانة فأمر اثنان من أولياء الميت فحلفا واستحقا وقال أبو اسحاق وهذا موضع مشكل من الاعراب والمعنى وقد قيل فيه أقوال منها أن المعنى من الذين استحق فيهم الاوليان فقامت (على) مقام (في) كما قامت (في) مقام (على) في قوله تعالى (ولاصلبنكم في جذوع النخل) وقيل المعنى من الذين استحق منهم الاوليان وقامت (على) مقام من كما قال تعالى (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون) أي من الناس قال والقول المختار أن المعنى عندي ليقم الاولى بالميت فالاوليان لأن بدل من الالف في يقومان والمعنى من الذين استحق عليهم الايصاء

وأنكر ابن عباس هذه القراءة وقرأ (من الذين استحق عليهم الاولين) وقال أرأيت ان كان الاوليان صغيرين 172 وقوله جل وعز (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم) هذا السؤال على جهة التوبيخ لمن كذبهم وفي معنى الآية قولان أحدهما أنهم لما سئلوا فزعوا فزال وهمهم فقالوا لا علم لنا قال مجاهد لما قيل لهم ماذا أجبتم فزعوا فقالوا لا علم لنا فلما ثابت عقولهم خبروا بما علموا والقول الآخر أن المعنى لا علم لنا بما غاب عنا وقيل يدل على صحة هذا القول (انك أنت علام الغيوب

وهذا مذهب ابن جريج وروى حجاج عن ابن جريج في قوله عز وجل (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا) قال قيل لهم ما علمتم من الامم بعدكم قالوا لا علم لنا قال أبو عبيد ويشبه هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (يرد الحوض أقوام فيختلجون فأقول أمتي فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك) 173 وقوله عز وجل (إذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك) نعمته على مريم أنه جل وعز اصطفاها وطهرها

وقال جل وعز (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا) 174 وقوله جل وعز (إذ أيدتك بروح القدس) أيدتك قويتك وروح القدس جبريل صلى الله عليه وسلم قيل قواه به حين هموا بقتله وقواه به في الحجة 175 وقوله جل وعز (واذ أوحيت الى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي) قيل معنى أوحيت ههنا ألهمت كما قال تعالى (وأوحى ربك الى النحل) وقيل معناه أمرت كما قال الشاعر وحى لها القرار فاستقرت

وقيل معنى أوحيت ههنا بينت ودللت بالآيات والبراهين 176 وقوله جل وعز (إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء) روى شيبة بن نصاح المقري عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها قالت كان الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا (هل يستطيع ربك) ولكن قالوا (هل تستطيع ربك) وقرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ومعاذ وابن عباس (هل تستطيع ربك) وكذلك قرأ سعيد بن جبير

وقال سعيد انما هو هل تستطيع أن تسأل ربك والتقدير عند أهل العربية على هذه القراءة هل تستطيع سؤال ربك ثم حذف كما قال (واسأل القرية) و (هل يستطيع ربك) حسن بغير حذف معروف في كلام العرب أن يقال هل يستطيع أن يقوم بمعنى هل يستطيع أن يفعل ذلك بمسألتي وأنت تعرف أنه يستطيعه وفي سؤال الحواريين تنزيل المائدة قولان أحدهما أنهم سألوا ذلك ليتبينوا كما قال ابراهيم عليه السلام (رب أرني كيف تحيي الموتى) والقول الآخر أن يكون سؤالهم هذا من قبل أن يعلموا أن عيسى يبرئ الاكمه والابرص

فأما قول عيسى لهم (اتقوا الله إن كنتم مؤمنين) فيعني أن لا تقترحوا الآيات ولا تسألوا ما لم يسأل غيركم من الامم قال أبو عبيدة (مائدة) من الطعام وهي فاعلة بمعنى مفعولة كما قال جل وعز (في عيشة راضية) وقال أبو اسحق (مائدة) عندي من ماد يميد إذا تحرك وقرأ عاصم الجحدري (تكون لنا عيدا لاولانا وقد وأخرانا) وقرأ الاعمش (تكن لنا عيدا)

وقيل انها أنزلت وقيل انها لم تنزل والصواب أن يقال انها أنزلت لقوله جل وعز (قال الله اني منزلها عليكم) وروى قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر وبعضهم يرفعه قال (أنزلت المائدة خبزا ولحما وأمروا أن لا يخزنوا علي ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا فمسخوا خنازير حدثنا القاسم بن زكريا المطرز نا الحسين بن قرعة قال نا ابن حبيب عن سعيد بن قتادة عن خلاس بن عمرو عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنزلت المائدة خبزا ولحما فأمروا أن لا يدخروا ولا يرفعوا فادخروا ورفعوا فمسخوا قردة وخنازير)

ويروى أن هذه محنة أمر الله جل وعز امتحانهم بها قال عبد الله بن مسعود أشد الناس عذابا أصحاب المائدة وآل فرعون والمنافقون وقال الحسن لما أو عدوا بالعذاب ان هم عصوا قالوا لا حاجة لنا بها فلم تنزل وقال مجاهد لما قيل لهم (فمن يكفر بعد منكم فاني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين) امتنعوا من نزولها لم تنزل وقيل ان هذا العذاب في الآخرة 177 وقوله جل وعز (واذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت

للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله قال سبحانك) في معنى هذا قولان أحدهما أن هذا يقال له في الآخرة قال قتادة يقال له هذا يوم القيامة قال ألا ترى أنه قال (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) لا يكون الا يوم القيامة وقال السدي انه قال هذا حين رفعه لانه قال (ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم) فانما هذا على أنهم في الدنيا أي ان تغفر لهم بعد التوبة واحتج لصاحب هذا القول بأن (إذ) في كلام العرب لما مضى

والقول الاول عليه أكثر أهل التفسير فأما حجة صاحب هذا القول الثاني بأن (إذ) لما مضى فلا تجب لان اخبار الله جل وعز عما يكون بمنزلة ما كان فعلى هذا يصح أنه للمستقبل وسنذكر قولهم في (ان تعذبهم فانهم عبادك) 178 وقوله جل وعز (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) قال أبو اسحق النفس عند أهل اللغة على معنيين أحدهما أن يراد بها بعض الشئ والآخر أن يراد بها الشئ كله نحو قولك قتل فلان نفسه فقوله عز وجل (تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) معناه تعلم حقيقتي وما عندي

والدليل على هذا قوله (انك أنت علام الغيوب) وقال غيره تعلم غيبي ولا أعلم غيبك 179 وقوله جل وعز (فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) قال قتادة الرقيب الحافظ وكذلك هو عند أهل اللغة 180 وقوله جل وعز (ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم) في هذا أقوال فمن أحسنها أن هذا على التسليم لله جل وعز وقد علم أنه لا يغفر لكافر ولا يدرى أكفروا بعد أم آمنوا ومن الدليل على صحة هذا القول أن سعيد بن جبير روى عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة عزلا وقرأ صلى الله عليه وسلم (كما بدأكم تعودون) فيؤمر بأمتي ذات اليمين وذات الشمال فأقول أصحابي

فيقال انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم بعدك فأقول كما قال العبد الصالح (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) وقرأ الى قوله (وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم) وروى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلة يردد (ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك أنت العزيز الحكيم) وقيل انه معطوف على قوله (ما قلت لهم الا ما أمرتني به) والمعنى على هذا القول ما قلت في الدنيا الا هذا وقال أبو العباس محمد بن يزيد لا يراد بهذا مغفرة الكفر

وانما المعنى ولان تغفر لهم كذبهم علي وحكايتهم عني ما لم أقل وقال أبو اسحق قد علم عيسى صلى الله عليه وسلم أن منهم من آمن فالمعنى عندي والله أعلم ان تعذبهم على فريتهم وكفرهم فقد استحقوا ذلك وان تغفر لمن تاب منهم بعد الافتراء العظيم والكفر وقد كان لك أن لا تقبل توبته بعد اجترائه عليك فانك أنت العزيز الحكيم وأما قول من قال ان عيسى صلى الله عليه وسلم لم يعلم أن الكافر لا يغفر له فقول مجترء حتى على كتاب الله جل وعز لان الاخبار من الله جل وعز لا ينسخ وقيل كان عند عيسى صلى الله عليه وسلم أنهم أحدثوا معاصي وعملوا بعده بما لم يأمرهم به الا أنهم على عمود دينه فقال (وان تغفر لهم) ما أحدثوا بعدي من المعاصي

وقوله جل وعز (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) سئل بعض أهل النظر عن معنى هذا فقيل له لو صدق الكافر وقال أسأت لم ينفعه ذلك والجواب عن هذا أن يوم القيامة يوم مجازاة وليس بيوم عمل فانما المعنى هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم في الدنيا وتركهم الافتراء على الله جل اسمه وعلى رسله وقيل ينفعهم صدقهم في العمل والله أعلم بما أراد (انتهت سورة المائدة بعونه تعالى

تفسير سورة الأنعام

تفسير سورة الأنعام مكية وآياتها 165 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الانعام وهي مكية قال أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن اسماعيل النحاس قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا أبو حاتم روح بن الفرج مولى الحضارمة قال حدثنا أحمد بن محمد (أبو بكر العمري) قال حدثنا ابن أبي فديك قال حدثني عمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص عن نافع أبي سهيل بن مالك عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نزلت سورة الانعام معها موكب من الملائكة سد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والارض لهم ترتج ورسول الله يقول سبحان ربي العظيم ثلاث مرات

1 قوله جل وعز (الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور) قال قتادة خلق الله السماء قبل الارض والليل قبل النهار والجنة قبل النار فأما قوله (والارض بعد ذلك دحاها) فمعناه بسطها 2 وقوله جل وعز (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) قال مجاهد أي يشركون قال الكسائي يقال عدلت الشئ بالشئ عدولا إذا ساويته به وهذا القول يرجع الى قول مجاهد لانهم إذا عبدوا مع الله غيره فقد ساووه به وأشركوا

3 وقوله جل وعز (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده) قال الحسن ومجاهد وعكرمة وخصيف وقتادة وهذا لفظ الحسن قضى أجل الدنيا من يوم خلقك الى أن تموت (وأجل مسمى عنده) يعني الآخرة (ثم أنتم تمترون) أي تشكون وتعبدون معه غيره 4 وقوله جل وعز (وهو الله في السموات وفي الارض) والالف واللام في أحد قولي سيبويه مبدلة من همزة والاصل عنده اله

فالمعنى على هذا هو المعبود في السموات وفي الارض ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتأليه تعالى في السموات وفي الارض كما تقول هو في حاجات الناس وفي الصلاة ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويكون المعنى وهو الله في السموات وهو الله في الارض 5 وقوله جل وعز (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن) قيل القرن ستون عاما وقيل سبعون فيكون التقدير على هذا من أهل قرن وأصح من هذا القول القرن كل عالم في عصر لانه مأخوذ من الاقتران أي عالم مقترن بعضهم الى بعض وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير الناس القرن

الذي أنا فيه يعني أصحابه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (وأكثر أصحاب الحديث على أن القرن مائة سنة واحتجوا بأن النبي قال لعبد الله بن بسر (تعيش قرنا) فعاش مائة سنة 6 وقوله جل وعز (وأرسلنا السماء عليهم مدرارا) أي تدر عليهم ومدرار فإن على التكثير كما يقال امرأة مذكار إذا كثرت ولادتها للذكور ومئناث 7 وقوله جل وعز (ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا ان هذا الا سحر مبين)

أي قد جعلوا في أنفسهم الكفر والعناد فإذا رأوا آية قالوا سحر كما أنهم سألوا انشقاق القمر فلما انشق قالوا (هذا سحر مستمر) كذلك أيضا لو نزل الله عليهم كتابا من السماء لقالوا ان هذا الا سحر مبين 8 وقوله جل وعز (وقالوا لولا أنزل عيه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الامر) قال ابن أبي نجيح عن مجاهد أي لقامت القيامة والمعنى عند أهل اللغة لحتم بهلاكهم وهو يرجع الى ذلك القول 9 وقوله جل وعز (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا) قال قتادة أي في صورة بني آدم

10 ثم قال تعالى (وللبسنا عليهم ما يلبسون) قال الضحاك يعني أهل الكتاب لانهم غيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابهم وعصوا ما أمروا به قال الكسائي يقال لبست عليهم الامر ألبسه لبسا إذا خلطته أي أشكلته عمر 11 وقوله جل وعز (فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون) الحيق في اللغة ما يعود على الانسان من مكروه فعله ومنه (ولا يحيق المكر السئ الا بأهله)

12 وقوله جل وعز (قل لمن ما في السموات والارض قل لله) هذا احتجاج عليهم لانهم مقرون أن ما في السموات والارض لله فأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتج عليهم بأن الذي خلق ما في السموات والارض قادر على أن يحييهم بعد الموت 13 ثم قال جل وعز (كتب ربكم على نفسه الرحمة) لانه أمهلهم الى يوم القيامة ويجوز أن يكون هذا تمام الكلام ويجوز أن تكون (ما) هذه تبيينا لان قوله (ليجمعنكم الى يوم القيامة لا ريب فيه) معناه يمهلكم فهذا من رحمته جل وعز

14 وقوله جل وعلا (وله ما سكن في الليل والنهار) أي ثبت وهذا احتجاج عليهم أيضا 15 وقوله جل وعز (وهو يطعم ولا يطعم) كما تقول هو يرزق ولا يرزق ويعول ولا يعال وروي عن الاعمش أنه قرأ (وهو يطعم ولا يطعم) وهي قراءة حسنة أي ولا يأكل 16 وقوله جل وعز (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه) المعنى من يصرف عنه العذاب ثم حذف لعلم

السامع وكذلك معنى (من يصرف) 17 وقوله جل وعز (وأوحي إلي هذا القرآن لانذركم به ومن بلغ) المعنى ومن بلغه القرآن ثم حذف الهاء لطول الاسم وقال مجاهد ومن أسلم من فصيح وأعجم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (بلغوا القرآن عن الله جل وعز ومن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله) وقيل المعنى ومن بلغ الحلم كما يقال قد بلغ فلان

18 وقوله جل وعز (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) ويجوز أن يكون المعنى القرآن والحديث يدل أن المعنى يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم وروي أن عمر قال لعبد الله بن سلام (أتعرف محمدا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ابنك فقال نعم وأكثر بعث الله أمينه في سمائه الى أمينه في أرضه بنعته فعرفته وابني لا أدري ما كان من أمه 19 وقوله جل وعز (ثم لم تكن فتنتهم الا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) قال أبو سحاق تأويل هذه الآية لطيف جدا أخبر الله جل وعز بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم ثم أخبر أن فتنتهم

لم تكن حين رأوا الحقائق الا أن انتفوا من الشرك ونظير هذا في اللغة أن ترى انسانا يحب غاويا فإذا وقع في هلكة تبرأ منه فيقول له ما كانت محبتك اياه الا أن تبرأت منه فأما معنى قولهم (والله ربنا ما كنا مشركين) وقال في موضع آخر (ولا يكتمون الله حديثا) معطوف على ما قبله والمعنى وودوا أن لا يكتموا النبي الله حديثا والدليل على على صحة هذا القول أنه روي عن سعيد بن جبير في قوله (والله ربنا ما كنا مشركين) قال اعتذروا وحلفوا وكذلك قال ابن أبي نجيح وقتادة وروي عن مجاهد أنه قال لما رأوا الذنوب تغفر الا الشرك والناس يخرجون من النار الا المشركين قال (والله ربنا ما كنا مشركين)

وقول بعض أهل اللغة انما قالوا هذا على أنهم صادقون عند أنفسهم ولم يكونوا ليكذبوا وقد عاينوا ما عاينوا وقطرب يذهب الى هذا القول وهو قول مردود لانه قال لم يكونوا ليكذبوا وبعدها (انظر كيف كذبوا على أنفسهم) ويبين لك الغلط في هذا القول قوله جل وعز (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له) الآية قال مجاهد كذبهم الله وقيل معنى (ولا يكتمون الله حديثا) أنه ظاهر عنده 20 وقوله جل وعز (ومنهم من يستمع اليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا)

قيل فعل بهم هذا مجازاة على كفرهم وليس المعنى أنهم لا يسمعون ولا يفقهون ولكن لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون ولا ينقادون الى الحق كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم ثم خبر بعنادهم فقال (وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها) لانهم لما رأوا القمر منشقا قالوا سحر فأخبر الله عز وجل بردهم الآيات بغير حجة وقال (حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا ان هذا الا أساطير الاولين) فخبر أن هذا مقدار احتجاجهم 21 وقوله جل وعز (وهم ينهون عنه وينأون عنه) أكثر أهل التفسير يذهب الى أن المعنى للكفار أي ينهون

عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ويبعدون عنه قال مجاهد يعني به قريش وكذلك قال قتادة والضحاك يعني به الكفار وروى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت قال أخبرني من سمع ابن عباس يقول نزلت في (أبي طالب) كان ينهى عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم ويتباعد عنه والقول الاول أشبه لانه متصل بأخبار الكفار وقولهم

22 وقوله جل وعز (وان يهلكون الا أنفسهم) أي وبال ذلك يرجع عليهم لان الله جل وعز يبدد جموعهم وينصره عليهم 23 ثم قال جل وعز (وما يشعرون) أي وما يشعرون أن وبال ذلك يرجع عليهم 24 وقوله جل وعز (ولو ترى إذ وقفوا على النار) في معناه ثلاثة أقوال 1 منها أن معنى (وقفوا على النار) أدخلوها كما يقال وقفت على ما عند فلان أي عرفت حقيقته 2 وقيل معناه رأوها 3 وقيل جاوزا عليها وهي من تحتهم

25 ثم قال جل وعز (فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) المعنى ونحن لا نكذب بآيات ربنا رددنا أو لم نرد قال سيبوبه ومثله دعني ولا أعود أي ولا أعود تركتني أو لم تتركني ومن قرأ (ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) فمعناه عنده يا ليتنا وقع لنا الرد وأن لا نكذب قال أبو اسحاق وفيه معنى ان رددنا لم نكذب وقرأ ابن عامر (يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) بالنصب وقرأ عبد الله بن مسعود (ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين)

وقرأ أبي بن كعب (ولا نكذب بآيات ربنا أبدا) 26 وقال جل وعز (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) المعنى بل ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة لان بعده (وقالوا ان هي الا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين) وقال بعض أهل اللغة ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فيه شئ محذوف والمعنى ولو ردوا قبل أن يعاينوا العذاب لانهم لا يكفرون بعدما عاينوا وهذا القول مردود لان الله جل ثناؤه أخبر عنهم أنهم يقولون

هذا يوم القيامة وقد خبر جل وعز عن ابليس أنه كفر بعدما رأى وعنهم أنهم كفروا عنادا وايثارا للرئاسة 27 وقوله جل وعز (جاءتهم الساعة بغتة) البغتة الفجاءة يقال بغتهم الامر يبغتهم بغتا وبغتة 28 ثم قال جل وعز (قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها) الفائدة في نداء الحسرة وما كان مثلها مما لا يجيب أن العرب إذا أرادت تعظيم الشئ والتنبيه عليه نادته ومنه قولهم يا عجباه قال سيبويه إذا قلت يا عجباه فمعناه أحضر وتعال يا

عجب فان هذا من أزمانك وإن فهذا أبلغ من قولك تعجبت ومنه قول الشاعر فيا عجبا من رحلها المتحمل 29 وقوله جل وعز (وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم) واحد الاوزار وزر والفعل منه وزر يزر يراد به الاثم وهو تمثيل وأصله الوزر وهو الجبل ومنه الحديث في النساء اللواتي خرجن في جنازة فقال لهن (ارجعن موزورات غير مأجورات) قال أبو عبيد والعامة تقول (مأزورات) كأنه لا وجه له عنده لانه من الوزر ومنه قيل وزير كأنه يحمل الثقل عن صاحبه

30 وقوله جل وعز (فانهم لا يكذبونك) هكذا روي عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أنه قرأ وهو اختيار أبي عبيد واحتج بأنه روي أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم انا لا نكذبك ولكنا نكذب ما جئت به فأنزل الله عز وجل (فانهم لا يكذبونك) وقد خولف أبو عبيد في هذا وروي (لا نكذبك) فأنزل الله جل وعز (فانهم لا يكذبونك) ويقوي هذا أنه روي أن رجلا قرا على ابن عباس (فانهم لا يكذبونك) فقال له ابن عباس

(فانهم لا يكذبونك) لانهم كانوا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم الامين ومعنى (يكذبونك) عند أهل اللغة ينسبونك الى الكذب ويروون عليك ما قلت ومعنى (لا يكذبونك) لا يجدونك كاذبا كما تقول أحمدته إذا وجدته محمودا ويجوز أن يكون معنى المخففه لا يبينون عليك أنك كاذب لأنه يقال أكذبته إذا احتججت عليه وبينت أنه كاذب حدثنا محمد بن جعفر الانباري حدثنا شعيب بن أيوب الواسطي عن معاوية بن هشام عن سفيان الثوري عن أبي اسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم انا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به فأنزل الله عز وجل

(فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) والقول في هذا مذهب أبي عبيد واحتجاجه لازم لان عليا رحمة الله عليه هو الذي روى الحديث وقد صح عنه أنه قرأ بالتخفيف وحكى الكسائي عن العرب أكذبت الرجل أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه وكذبته أخبرت أنه كاذب 31 وقوله جل وعز (فان استطعت أن تبتغي نفقا في الارض أو سلما في السماء) قال قتادة النفق الشرب في الارض والسلم الدرج وكذلك هو في اللغة ومنه النافقاء أحد جحر اليربوع

قال أبو اسحاق والسلم مشتق من السلامة كأنه يسلمك الى الموضع الذي تريد والمعنى ان استطعت أن تبتغي نفقا في الارض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية فافعل ثم حذف هذا لعلم السامع أي ليس لك من الامر شئ 32 ثم قال جل وعز (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى) أي لاراهم كما آية تضطرهم الى الايمان ولكنه أراد جل وعز أن يثيب من آمن منهم ومن أحسن ويجوز أن يكون المعنى لطبعهم على الايمان 33 ثم قال جل وعز (انما يستجيب الذين يسمعون) قال الحسن ومجاهد يراد به المؤمنون والمعنى الذين

يسمعون سماع قبول 34 ثم قال جل وعز (والموتى يبعثهم الله) قال الحسن ومجاهد يراد به الكفار وقال غيرهما يراد به كل ميت 35 وقوله جل جلاله (وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم) وأكثر أهل التفسير يذهب الى أن المعنى أنهم يخلقون كما يخلقون ويبعثون كما يبعثون وكذلك قال أبو هريرة يحشر الله جل وعز يوم القيامة الطير والبهائم فيبلغ من عدله أن يأخذ من القرناء للجماء ثم

يقول كوني ترابا فعند ذلك يقول الكافر (يا ليتني كنت ترابا) وقال مجاهد في قوله جل وعز (الا أمم أمثالكم) قال أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون ومعنى (يطير بجناحيه) على التوكيد لانك قد تقول طرت في حاجتي 36 وقوله جل وعز (قل أرأيتكم ان أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة) والمعنى أو أتتكم الساعة التي تبعثون فيها 37 ثم قال جل وعز (أغير الله تدعون ان كنتم صادقين)

في هذا أعظم الاحتجاج عليهم لانهم كانوا يعبدون الاصنام فإذا وقعوا في شدة دعوا الله 38 وقال جل وعز (بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه ان شاء) هذا مجاز والمعنى فيكشف الضر الذي من أجله دعوتموه وهو مثل (واسأل القرية) في المجاز 39 وقوله جل وعز (ولقد أرسلنا الى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء) قيل البأساء الجوع والفقر والضراء نقص الاموال والانفس بالمرض والثمرات 40 ثم قال جل وعز (لعلهم يتضرعون)

أي ليكون العباد على رجاء من التضرع 41 ثم قال تعالى (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) أي فهلا وأعلم الله النبي أنه قد ارسل قبله رسولا الى قوم بلغ من قسوتهم هو أن أخذوا بالبأساء والضراء فلم يتضرعوا 42 وقوله جل وعز (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ) قال مجاهد من رخاء الدنيا ويسرها والتقدير عند أهل اللغة فتحنا عليهم أبواب كل شئ كان

مغلقا عنهم 43 وقوله جل وعز (فإذا هم مبلسون) قال أبو عبيدة المبلس الحزين النادم قال الفراء المبلس المنقطع الحجة 44 وقوله جل وعز (فقطع دابر القوم الذين ظلموا) الدابر في اللغة الآخر يقال دبرهم يدبرهم إذا جاء آخرهم وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود من الناس من لا يأتي الصلاة الا دبريا أي في آخر الوقت

45 وقوله جل وعز (قل أرأيتم ان أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من اله غير الله يأتيكم به) المعنى من اله غير الله يأتيكم بما أخذ منكم والهاء كناية عن المصدر فلذلك وحدت ويجوز أن يكون تعود على السمع مثل والله ورسوله أحق أن يرضوه 46 ثم قال تعالى (انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون) قال قتادة أي يصدفون عنها 47 وقوله جل وعز (قل أرأيتكم ان أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة) قال مجاهد البغتة أن يأتيهم فجاءة آمنين والجهرة أن يأتيهم وهم ينظرون

48 ثم قال جل وعز (هل يهلك الا القوم الظالمون) أي هل يهلك الا أنتم لانهم كفروا وعاندوا 49 وقوله جل ثناؤه (وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين) أي لم نرسلهم ليأتوا بالآيات المقترحات وانما يأتون من الآيات بما تظهر معه براهينهم وانما مذهبهم التبشير والانذار 50 وقوله جل وعز (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب) هذا متصل بقوله جل وعز (لولا نزل عليه آية من ربه) أي لا أقول لكم عندي خزائن الله التي يرزق منها ويعطي ولا أعلم الغيب فأخبركم بما غاب عنكم الا بوحي (ولا أقول لكم اني ملك) لان الملك يشاهد من أمر الله جل وعلا ما لا يشاهد البشر

51 وقوله جل وعز (قل هل يستوي الاعمى والبصير) قال مجاهد يعني المسلم والكافر 52 وقوله جل وعز (وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا الى ربهم) أي بالقرآن وخص من يخاف الحشر لان الحجة عليهم أوكد فان كان مسلما أنذر ليترك المعاصي وان كان من أهل الكتاب أنذر ليتبع الحق 53 ثم قال جل وعز (ليس لهم من دونه من ولي ولا شفيع) لان اليهود والنصارى قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه

54 وقوله جل وعز (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) قال سعد نزلت في ستة أنا وعبد الله بن مسعود وأربعة قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم (انا نستحيي أن نكون تبعا لهؤلاء) فأنزل الله عز وجل (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) الى قوله (أليس الله بأعلم بالشاكرين) قال مجاهد نزلت في بلال وعبد الله بن مسعود وقال غيره انما أراد المشركون بهذا أن يحتجوا على النبي صلى الله عليه وسلم لان أتباع الانبياء الفقراء فطلبوا أن يطردهم فيحتجوا

عليه بذلك فعصمه الله مما أرادوا منه 55 وقوله جل وعز (وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين) المعنى ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين وما من حسابك من شئ فتطردهم على التقديم والتأخير 56 ثم قال جل وعز (وكذلك فتنا بعضهم ببعض) أي اختبرنا وابتلينا لأن الفقراء صبروا على الجهد مع فقرهم فكان ذلك أوكد على الأغنياء في الحجة 57 ثم قال جل وعز (ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا) أي ليقول الاغنياء 58 وقوله جل وعز (فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة)

السلام والسلامة بمعنى واحد ومعنى سلام عليكم سلمكم الله في دينكم وأنفسكم والسلام أسم من أسماء الله جل وعز معناه ذو السلامة وقرأ الحسن وعاصم وعيسى (كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم) بفتحها جميعا فالاولى بدل من الرحمة والثانية مؤكدة مكررة لطول الكلام هذا مذهب سيبويه وقرأ أبو عمر والكسائي والاعمش وابن كثير وشبل بكسرهما جميعا والمعنى الاولى قال انه وكسر الثانية لانها مبتدأة بعد الفاء

وقرأ أهل المدينة بفتح الاولى لانها تبيين للرحمة وكسروا الثانية لما تقدم 59 وقوله جل وعز (وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين) المعنى على هذه القراءة ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين فان قيل فقد كان صلى الله عليه وسلم يستبينها فالجواب عند الزجاج أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لامته بالمعنى ولتستبينوا سبيل المجرمين فان قيل فلم لم تذكر سبيل المؤمنين ففي هذا جوابان

أحدهما أنه إذا استبينت سبيل المجرمين فقد استبينت سبيل المؤمنين والجواب الآخر أن يكون مثل قوله (سرابيل تقيكم الحر) فالمعنى وتقيكم البرد ثم حذف وكذلك هذا يكون المعنى ولتستبين سبيل المؤمنين ثم حذف 60 وقوله جل وعز (قل اني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به) أي ما تستعجلون من اقتراح الآيات ويجوز أن يكون المعنى ما تستعجلون به من العذاب

61 ثم قال جل وعز (ان الحكم الا لله يقضي الحق) كذلك قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو عبد الرحمن السلمي وسعيد بن المسيب واحتج بعض من قرأ هذه القراءة بأن بعده (وهو خير الفاصلين) والفصل لا يكون الا في القضاء والحكم وقرأ ابن عباس ومجاهد والاعرج (يقص الحق) قال ابن عباس كما قال جل وعز (نحن نقص عليك أحسن القصص) واحتج بعض من قرأ هذه القراءة بأنه في السواد بلا ياء قال ولو كانت يقضي لكانت بالحق وهذا الاحتجاج لا يلزم لان مثل هذه الياء تحذف

كثيرا وأما قوله لو كانت يقضي لكانت بالحق فلا يلزم أيضا لان معنى يقضي يأتي ويصنع فالمعنى يأتي الحق ويجوز أن يكون المعنى يقضي القضاء الحق 62 وقوله جل وعز (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو) (جمع مفتح مفاتح وجمع مفتاح مفاتيح أي الوصلة الى علم الغيب

حدثنا محمد بن الحسن يعرف بابن بدينا قال حدثنا أبو مصعب الزهري قال حدثنا صالح بن قدامة الجحمي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مفاتح الغيب خمسة لا يعلمها الا الله لا يعلم ما تغيض الارحام الا الله ولا يعلم ما في غد الا الله ولا يعلم متى يأتي المطر الا الله ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ولا يعلم متى تقوم الساعة الا الله جل وعز 63 وقوله تعالى (وما تسقط من ورقة الا يعلمها) المعنى أنه يعلمها سقطت أو لم تسقط كما تقول ما يجيئك أحد الا وأنا أعرفه فليس أنك لا تعرفه الا في حال مجيئه و (من) للتوكيد والدليل على أنها للتوكيد أن الحسن قرأ

(ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين) أي الا يعلمه علما يقينا ويجوز أن يكون المعنى الا قد كتبه قبل أن يخلقه والله أعلم بما أراد فان قيل ما الفائدة عل هذا الجواب في كتبه وهو يعلمه فالجواب عن هذا أنه لتعظيم الامر أي اعلموا أن هذا الذي ليس فيه ثواب ولا عقاب مكتوب فكيف بما فيه ثواب وعقاب 64 وقوله جل وعز (وهو الذي يتوفاكم بالليل) أي ينيمكم فيتوفى الانفس التي تميزون بها كما قال الله عز وجل (الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها)

65 ثم قال جل وعز (ويعلم ما جرحتم بالنهار) قال ابن أبي نجيح أي كسبتم ومعروف في اللغة أنه يقال جرح إذا كسب ومنه (وما علمتم من الجوارح مكلبين) 66 ثم قال جل وعز (ثم يبعثكم فيه) قال ابن أبي نجيح أي في النهار 67 ثم قال جل عز (ليقضى أجل مسمى) أي لتستوفوا أجلكم 68 وقوله جل وعز (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا) قال ابراهيم النخعي يعني أعوان ملك الموت يتوفون

الارواح ويدفعونها الى ملك الموت أو يرفعونها كذا في الحديث 69 ثم قال جل وعز (وهم لا يفرطون) قال أبو عبيدة لا يتوانون وقال غيره معنى فرطت قدمت العجز 70 وقوله جل وعز (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر) الظلمات ها هنا الشدائد والعرب تقول يوم مظلم إذا كان شديدا فإذا عظمت ذلك قالت يوم ذو كواكب وأنشد سيبوبه

بني أسد لو تعلمون بلاءنا إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا 71 ثم قال جل وعز (تدعونه تضرعا وخفية) أي تظهرون التضرع وهو أشد الفقر الى الشئ والحاجة إليه (وخفية) أي وتبطنون وسلم مثل ذلك فأمر الله النبي صلى الله عيه وسلم أن يوبخهم إذ كانوا يدعون الله تبارك وتعالى في الشدائد ثم يدعون معه في غير الشدائد الاصنام وهي لا تضر ولا تنفع 72 وقوله جل وعز (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم) قال عامر بن عبد الله كان ابن عباس يقول أما العذاب (من فوقكم) فأئمة السوء وأما العذاب (من تحت أرجلكم) فخدم السوء وقال الضحاك (من فوقكم) من كباركم (أو من تحت أرجلكم) من سفلتكم

قال أبو العباس (من فوقكم) يعني الرجم (أو من تحت أرجلكم) يعني الخسف 73 ثم قال جل وعز (أو يلبسكم شيعا) الشيع الفرق والمعنى شيعا متفرقة مختلفة لا متفقة ولبست خلطت ويبينه قوله جل وعز (ويذيق بعضكم بأس بعض) قال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني الفتن والاختلاف 74 وقوله عز وجل (وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل) هذا من قبل أن يؤمر بالحرب أي لست أحاربكم عنه حتى

تؤمنوا أي لست بمنزلة الموكل بكم حتى تؤمنوا 75 ثم قال جل وعز (لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) وهذا تهديد اما بعذاب يوم القيامة واما بالامر بالحرب 76 وقوله جل وعز (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) روى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هم الذين يستهزئون بكتاب الله نهاه الله أن يجلس معهم الا أن ينسى فإذا ذكر قام قال تعالى (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هم الذين يقولون في القرآن غير الحق

77 ثم قال جل وعز (وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ) قال مجاهد أي لو جلسوا ولكن لا يجلسوا أي لان الله قد نهاهم 79 وقوله عز وجل (وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا) قال قتادة هذا منسوخ نسخه قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) 80 ثم قال جل وعز (وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت) قال مجاهد تسلم وقال الكسائي والاخفش أي تجزى

وقال الفراء أي ترتهن وهذه المعاني متقاربة وقول مجاهد حسن أي تسلم بعملها لا تقدر على التخلص لانه يقال استبسل فلان للموت أي رأى ما لا يقدر على دفعه وينشد وابسالي إن بني بغير جرم بعوناه ولا بدم مراق قال أبو جعفر بعوناه أي جنيناه 80 وقوله جل وعز (وان تعدل كل عدل لا يؤخذ منها)

قال قتادة العدل الفدية وقد بيناه فيما تقدم 81 وقوله جل وعز (قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا) قال مجاهد يعني الاوثان 82 ثم قال جل وعز (ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله) أي الى الكفر قال أبو عبيدة يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها قد رد على عقبيه وقال أبو العباس محمد بن يزيد معناه يعقب بالشر بعد الخير وأصله من العاقبة والعقبى وهما ما كان تاليا للشئ راجيا أن يتبعه ومنه (والعاقبة للمتقين) ومنه عقب الرجل ومنه العقوبة لانها تالية للذنب وعنه تكون

83 وقوله جل وعز (كالذي استهوته الشياطين في الارض حيران) معنى استهوته زينت له هواه 84 ثم قال جل وعز (له أصحاب بدعونه إلا الى الهدى ائتنا) 85 وقوله جل وعز (وهو الذي خلق السموات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون) والمعنى اتقوا يوم يقول كن فيكون ويجوز أن يكون معطوفا على قوله تعالى (وهو الذي خلق السموات والارض بالحق) فان قيل ما معنى وخلق يوم يقول كن فيكون فالجواب أن ما أخبر الله جل وعز أنه كائن فهو بمنزلة ما قد كان ويجوز أن يكون المعنى واذكروا وهذا أحسن الاجوبة لان بعده (وإذ قال ابراهيم)

وقيل المعنى ويوم يقول كن فيكون للصور وقيل المعنى فيكون ما أراد من موت الخلائق وبعثهم والتمام على هذين الجوابين عند قوله (فيكون) وقيل المعنى فيكون قوله أي فيكون يأمر به ويكون التمام على هذا (فيكون قوله الحق) قال أبو عبيدة الصور جمع صورة وهذا القول مما رد عليه لان عبد الله بن مسعود قال الصور قرن وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لم يزل صاحب الصور ملتقمه فيه منذ خلقه الله ينتظر متى يؤمر بالنفخ فيه

وقال عمرو بن عبيد قرأ عياض (يوم ينفخ في الصور) وهذا يعني به الخلق والله أعلم 86 وقوله جل وعز (واذ قال ابراهيم لابيه آزر أتتخذ أصناما آلهة) فقرأ الحسن (آزر) بالرفع وفي حرف أبي يا آزر قال الحسن هو اسم أبيه وذهب الحسن الى أنه نداء وقال سليمان التيمي معنى آزر يا أعوج وقيل كان لابيه اسمان كان يقال له تارح وآزر وقيل آزر اسم صنم والمعنى على هذا القول أتتخذ آزر أي أتتخذ أصناما

87 وقوله جل وعز (وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض) ملكوت في اللغة بمعنى ملك الا أن فيه معنى المبالغة وروى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعني الآيات وروى ابن جريج عن القاسم عن ابراهيم النخعي قال فرجت له السموات السبع فنظر اليهن حتى انتهى الى العرش وفرجت له الأرضون فنظر اليهن 88 وقوله جل وعز (فلما جن عليه الليل) جن عليه وأجنة إذا ستره بظلمته 89 ثم قال جل وعز (رأى كوكبا)

قال قتادة كنا نحدث أنه الزهرة قال السدي هو المشتري 90 ثم قال جل وعز (هذا ربي) في هذا أجوبة قال قطرب يجوز أن يكون على الاستفهام وهذا خطأ لان الاستفهام لا يكون الا بحرف أو يكون في الكلام (أم) وقال بعض أهل النظر انما قال لهم هذا من قبل أن يوحى إليه واستشهد صاحب هذا القول بقوله تعالى (لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين) قال أبو اسحاق هذا الجواب عندي خطأ وغلط ممن قاله

وقد أخبر الله جل وعز عن ابراهيم أنه قال (واجنبني وبني أن نعبد الاصنام) وقال جل وعز (بقلب سليم) أي لم يشرك قط قال والجواب عندي أنه قال هذا ربي على قولكم لانهم كانوا يعبدون الاصنام والشمس والقمر ونظير هذا قول الله جل وعز (أين شركائي) وهو جل وعز لا شريك له والمعنى أين شركائي على قولكم ويجوز أن يكون المعنى فلما جن عليه الليل رأى كوكبا يقولون هذا ربي ثم حذف القول كما قال جل وعز (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم) فحذف القول

91 وقوله جل وعز (فلما أفل) قال قتادة أي ذهب قال الكسائي يقال أفل النجم أفولا إذا غاب 92 وقوله جل وعز (فلما رأى القمر بازغا) يقال بزغ القمر إذا ابتدأ في الطلوع 93 وقوله جل وعز (اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا) فطر خلق والحنيف المائل الى الاسلام كل الميل 94 وقوله جل وعز (وحاجه قومه) المعنى وحاجه قومه أي في توحيد الله 95 وقوله جل وعز (ولا أخاف ما تشركون به الا أن يشاء ربي شيئا)

المعنى الا أن يشاء ربي أن يلحقني شيئا بذنب عملته وهذا استثناء ليس من الاول 96 وقوله جل وعز (فأي الفريقين أحق بالامن) المعنى المؤمن أحق بالامن أم المشرك 97 ثم قال جل وعز (الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم) يجوز أن يكون هذا اخبار عن ابراهيم صلى الله عليه وسلم أنه قاله ويجوز أن يكون مستأنفا من قول الله جل وعز وفي بعض الروايات عن مجاهد ما يدل أنه اخبار عن ابراهيم وروي عن مجاهد أنه قال في قول الله جل وعز (وتلك

حجتنا آتيناها ابراهيم على قومه) قال هو قوله (فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) قال أبو بكر وعلي رضي الله عنهما وسلمان وحذيفة في قوله تعالى (ولم يلبسوا ايمانهم بظلم) أي بشرك وروى علقمة عن عبد الله بن مسعود لما نزلت (الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لا يظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كما تظنون انما هو كما قال لقمان (ان الشرك لظلم عظيم) 98 وقوله جل وعز (ومن ذريته داود وسليمان)

ويجوز أن يكون المعنى وهدينا داود وسليمان ويكون معطوفا على (كل) ويجوز أن يكون المعنى ووهبنا له داود وسليمان 100 وقوله جل وعز (واجتبيناهم) قال مجاهد أخلصناهم وهو عند أهل اللغة بمعنى اخترناهم 101 وقوله تعالى (فان يكفر بها هؤلاء) قال مجاهد يعني أهل مكة وقال قتادة يعني قوم محمد عليه السلام 102 (فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) قال مجاهد يعني أهل المدينة وقال قتادة يعني النبيين الذين قص الله عز وجل

وهذا القول أشبه بالمعنى لانه قال بعد (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) وحدثني محمد بن ادريس قال حدثنا ابراهيم حدثنا عثمان المؤذن عن عوف عن أبي رجاء في قول الله جل وعز (فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) قال هم الملائكة 103 وقوله جل وعز (وما قدروا الله حق قدره) قال أبو عبيدة أي ما عرفوا الله حق معرفته هذا قول حسن لان معنى قدرت الشئ وقدرنه صلى عرفت مقداره ويدل عليه قوله جل وعلا (إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ) أي لم يعرفوه حق معرفته إذ أنكروا أن يرسل رسولا وقال غير أبي عبيدة المعنى وما عظموا الله حق عظمته ومن هذا لفلان قدر

والمعنيان متقاربان ويروى أن هذا نزل في بعض اليهود ممن كان يظهر العبادة ويتنعم في السر فقيل له ان في الكتاب أن الله لا يحب الحبر السمين فقال (ما أنزل الله على بشر من شئ) 104 وقوله جل وعز (ولتنذر أم القرى ومن حولها) المعنى ولتنذر أهل أم القرى قال قتادة كنا نتحدث أنها مكة لان الارض منها دحيت

وقيل انما سميت أم القرى لانها تقصد من كل قرية 105 وقوله جل وعز (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي الي ولم يوح إليه شئ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) قال قتادة بلغنا أن هذا أنزل في مسيلمة قال أبو اسحاق وهذا جواب لقولهم (لو نشاء لقلنا مثل هذا) وروي عن ابن عباس الذي افترى على الله كذبا مسيلمة والذي قال (سأنزل مثل ما أنزل الله) (عبد الله بن سعد بن أبي سرح)

وروى حفص بن عمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث لانه عارض القرآن فقال (والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا فالخابزات خبزا فاللاقمات لقما) 106 ثم قال جل وعز (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت) أي شدائده (والملائكة باسطوا أيديهم) أي باسطوا أيديهم بالعذاب 107 وقوله جل وعز (لقد تقطع بينكم) قال مجاهد أي تواصلكم ومن قرأ (بينكم) فالمعنى لقد تقطع الامر بينكم

108 وقوله جل وعز (ان الله فالق الحب والنوى) قال مجاهد يعني الشق فيها وقال الضحاك فالق خالق 109 وقوله جل وعز (فالق الاصباح) ويقرأ (الاصباح) وقرأ به الحسن وعيسى وهو جمع صبح والاصباح كما تقول الامساء وقرأ النخعي (فلق الاصباح) 110 ثم قال جل وعز (وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا)

والحسبان والحساب واحد أي ذوي حساب يعني دورانهما وقال ابن عباس في قوله جل وعز (الشمس والقمر بحسبان) أي بحساب 111 وقوله جل وعز (وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع) قال عطاء ومجاهد وقتادة والضحاك وألفاظهم متقاربة فمستقر في الرحم ومستودع في الصلب وقرأ جماعة بالفتح وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال المستقر الرحم والمستودع الارض التي تموت بها

والفتح على معنى ولكم في الارحام مستقر وفي الاصلاب مستودع والكسر بمعنى فمنكم مستقر وقال سعيد بن جبير قال ابن عباس هل تزوجت فقلت لا فقال ان الله جل وعز يستخرج من ظهرك ما استودعه فيه وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما (فمستقر) بالكسر (ومستودع) وقال ابراهيم النخعي المعنى فمستقر في الرحم ومستودع في الصلب وقال الحسن فمستقر في القبر ومستودع في الدنيا يوشك أن يلحق بصاحبه حدثني محمد بن ادريس قال حدثنا ابراهيم بن مرزوق

قال حدثنا أبو داود عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله جل وعز (فمستقر ومستودع) قال المستقر ما كان في الرحم والمستودع الصلب 112 ثم قال جل وعز (قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون) قال قتادة فصلنا بمعنى بينا 113 وقوله عز وجل (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ فأخرجنا منه خضرا) (خضرا) بمعنى أخضر 114 وقوله عز وجل (ومن النخل من طلعها قنوان دانية) قال قتادة القنوان العذوق وكذلك هو عند أكثر أهل اللغة

يقال عذق وقنو بمعنى واحد فأما العذق فالنخلة وقيل القنوان الجمار وقال البراء بن عازب دانية قريبة والمعنى ومنها قنوان بعيدة كما قال تعالى (سرابيل تقيكم الحر) 115 وقوله جل وعز (والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه) أي مشتبها في المنظر وغير متشابه في الطعم 116 ثم قال جل وعز (انظروا الى ثمره إذا أثمر وينعه) أي ونضجه يقال ينع وينع وأينع وينع إذا نضج وأدرك

وقال الحجاج في خطبته (أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها) 117 وقوله جل وعز (وجعلوا لله شركاء الجن) قيل معناه انهم أطاعوهم كطاعة الله وقيل معناه نسبوا إليهم الافاعيل التي لا تكون الا لله جل وعز أي فكيف يكون الشريك لله المحدث الذي لم يكن ثم كان 118 وقوله جل وعز (وخلقهم) يحوز أن يكون المعنى وخلق الشركاء ويجوز أن يكون المعنى وخلق الذين جعلوا وقرأ يحيى بن يعمر (وخلقهم) باسكان اللام قال ومعناه وجعلوا خلقهم لله شركاء

وسئل الحسن عن معنى (وخرقوا له بنين وبنات) بالتشديد فقال انما هو (وخرقوا) بالتخفيف كلمة عربية كان الرجل إذا كذب في النادي قيل خرقها ورب الكعبة وقال أهل اللغة معنى خرقوا اختلفوا وافتعلوا خرقوا على التكثير 119 وقوله جل وعز (أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة) أي من أين يكون له ولد والولد لا يكون له الا من صاحبة (وخلق كل شئ) أي فليس شئ مثله فكيف يكون له ولد 120 وقوله جل وعز (لا تدركه الابصار) قيل معناه في الدنيا

وقال الزجاج أي لا يبلغ كنه حقيقته كما تقول أدركت كذا وكذا لانه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الاحاديث في الرؤية يوم القيامة 121 وقوله جل وعز (قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه) المعنى فلنفسه نفع ذلك (ومن عمي فعليها) أي فعليها ضرر ذلك 122 وقوله جل وعز (وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست) هذه قراءة أهل المدينة وأهل الكوفة وابن الزبير ومعناها تلوت وقرأت

وقرأ علي بن أبي طالب (دارست) وهو الصحيح من قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وأبي عمرو وأهل مكة قال ابن عباس معنى دارست تاليت قال سعيد بن جبير أي دارست أهل الكتاب وقرأ قتادة (درست) أي قرئت وقرأ الحسن (درست) أي امحت وقدمت وروى سفيان بن عيينه عن عمرو بن عبيد عن الحسن أنه قرأ (دارست) وكان أبو حاتم يذهب الى أن هذه القراءة لا تجوز قال لان الآيات لا تدارس

وقال غيره القراءة بهذا تجوز وليس المعنى على ما ذهب إليه أبو حاتم ولكن معناه دارست أمتك أي دارستك أمتك فان كان لم يتقدم لها ذكر فانه يكون مثل قوله تعالى (حتى توارت بالحجاب) وحكى الاخفش (وليقولوا درست) وهو بمعنى درست الا أنه أبلغ وحكى أبو العباس أنه يقرأ (وليقولوا درست) باسكان اللام على الامر وفيه معنى التهديد أي فليقولوا ما شاءوا فان الحق بين كما قال جل وعز (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا) فأما من كسر اللام فانها عنده لام كي قال أبو اسحاق وأهل اللغة يسمونها لام الصيرورة أي

صار الى هذا كما قال جل وعز (ربنا ليضلوا عن سبيلك) وكما تقول كتب فلان هذا الكتاب لحتفه أي فصار أمره الى ذلك وهذه القراءات كلها يرجع اشتقاقها الى شئ واحد الى التليين والتذليل ودرست قرأت وذللت ودرست الدار ذلت وأمحقت وقال ودرس الحنطة أي داسها 123 وقوله جل وعز (ولو شاء الله ما أشركوا) قيل معنا لو شاء الله لاستأصلهم والله أعلم بما أراد

124 ثم قال جل وعز (وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل) وهذا قبل أن يؤمر بالقتال 125 وقوجل وعز (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) قال قتادة كان المسلمون يسبون الاصنام فيسب المشركون الله عدوا بغير علم وروي أن في قراءة أهل مكة (عدوا بغير علم) والقراءة حسنة ومعنى (عدوا) بمعنى أعداء كما قال تعالى (ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا) وتقرأ (عدوا) يقال إذا تجاوز في الظلم عدا يعدو

عدوا وعدوا وعدوانا وعداء 126 ثم قال جل وعز (كذلك زينا لكل أمة عملهم) قيل معناه مجازاة على كفرهم وقيل أعمالهم يعني الاعمال التي يجب أن يعملوا بها وهي الايمان والطاعة والله أعلم بحقيقة ذلك 127 وقوله جل وعز (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) أي اجتهدوا في الحلف (لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) يعنون آية مما يقترحون 128 وقوله جل وعز (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون)

قال مجاهد معناه وما يدريكم قال ثم ابتدأ فقال (انها إذا جاءت لا يؤمنون) وقرأ أهل المدينة (أنها إذا جاءت) قال الكسائي (لا) ها هنا زائدة والمعنى وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون وشبهه بقوله جل وعز (قال ما منعك الا تسجد إذ أمرتك) وهذا عند البصريين غلط لان (لا) لا تكون زائدة في موضع تكون فيه نافيه قال الخليل المعنى لعلها وشبهه بقول العرب ايت السوق أنك تشتري لنا شيئا بمعنى لعلك

وروي أنها في قراءة أبي (وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون) وأنشد أهل اللغة في (أن) بمعنى (لعل) أريني جوادا مات هزلا لانني أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا وقيل في الكلام حذف والمعنى وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ثم حذف هذا لعلم السامع ويروى أن المشركين قالوا ادع الله أن ينزل علينا الآية التي قال فيها (ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين) ونحن والله نؤمن فقال المسلمون يا رسول الله

ادع الله أن ينزلها فأنزل الله عز وجل (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) 129 ثم قال جل وعز (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم) و (أفئدة) جمع فؤاد 130 وقوله جل وعز (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا أن يشاء الله) ويروى أنهم سألوا هذه الاشياء فنزل هذا قال مجاهد (قبلا) أفواجا أي قبيلا قبيلا يذهب الى أنه جمع قبيل وهو الفرقة وقيل هو جمع قبيل و (وقبيل) بمعنى كفيل أي لو

كفل لهم الملائكة وغيرهم بصحة هذا لم يؤمنوا كما قال تعالى (أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) ويجوز أن يكون معنى (قبلا) كمعنى مقابلة كما قال تعالى (ان كان قميصه قد من قبل) ومن قرأ (قبلا) فمعناه عنده معاينة 131 وقوله جل وعز (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا) أي كما جعلنا لك ولامتك أعداء وعدو بمعنى أعداء 132 ثم قال جل وعز (شياطين الانس والجن) وقرأ الاعمش (شياطين الجن والانس) والمعنى واحد

133 ثم قال تعالى (يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا) قال مجاهد أي يزينون لهم ذاك أي يزينون لهم العمل القبيح وكذلك الزخرف في اللغة هو التزيين ومنه قيل للذهب زخرف 134 ثم قال جل وعز (ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) أي لو شاء لمنعهم من وسوستهم الانس ولكنه يبتلي بما شاء ليجزل الثواب 135 وقوله جل وعز (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) يقال صغى يصغى وصغا أنه يصغو وأصغى يصغي إذا مال كما قال الشاعر

تصغي إذا شدها بالرحل جانحة حتى إذا ما استوى في غرزها تثب 136 ثم قال جل وعز (وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون) أي وليكتسبوا ويقال قرفت الجلد إذا قلعته ويقرأ (وليقترفوا) وفيه معنى التهديد قال قتادة صدقا فيما وعد وعدلا فيما حكم 137 وقوله جل وعز (ان يتبعون الا الظن) أعلم جل وعز أنهم ليسوا على بصائر ولا يقين وأنهم لا يتبعون الحق ويقرأ (ان ربك هو أعلم من يضل عن سبيله)

وهذا على حذف المفعول وفتح الياء أحسن لان بعده (وهو أعلم بالمهتدين) 138 وقوله جل وعز (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) أي مما أخلص لله وتحريم الميتة داخل في هذا 139 ثم قال جل وعز (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) وروى عكرمة عن ابن عباس أن المشركين قالوا للمسلمين لم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله لكم فأنزل الله جل وعز (وان الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم)

140 وقوله جل وعز (وقد فصل لكم ما حرم عليكم الا ما اضطررتم إليه) قال قتادة فصل بين وقرأ عطية العوفي (وقد فصل لكم) خفيفة ومعناه أبان وظهر كما قرئ (آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت) أي استبانت 141 وقوله جل وعز (وذروا ظاهر الاثم وباطنه) قال قتادة أي علانيته وسره وقال غيره ظاهر الاثم الزنا وباطنه اتخاذ الاخدان والاشبه باللغة قول قتادة 142 ثم قال جل وعز (ان الذين يكسبون الاثم سيجزون بما كانوا يقترفون)

أي يكسبون ويعملون ويقال قرفت الجلد أي قلعته قال أبو جعفر اختلف أهل العلم في معنى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) فكان مذهب ابن عباس أن هذا جواب للمشركين حين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم وتخاصموا فقالوا كيف لا نأكل مما قتل ربك ونأكل مما قتلنا فأنزل الله عز وجل (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) ورواه عنه سعيد بن جبير وعكرمة فالمعنى على هذا ولا تأكلوا من الميتة وقال الشعبي ومحمد بن سيرين لا يؤكل من الذبائح التي لم يسم الله جل وعز عليها كان ذلك عمدا أو نسيانا وقال سعيد بن جبير وعطاء إذا ترك التسمية عمدا لم يؤكل وإذا نسي أكل وهذا حسن لأنه لا يسمى فاسقا إذا كان ناسيا

143 ومعنى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) مما لم يخلص لله (وانه لفسق) أي خروج من الطاعة ويقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها 144 ثم قال جل وعز (وان الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم) أي يوسوسون إليهم وقد ذكرت معنى ليجادلوكم 145 ثم قال جل وعز (وان أطعتموهم انكم لمشركون) وقال أهل النظر في هذا دليل على أنه من أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله فقد أشرك

وقيل له مشرك لانه اتبع غير الله فأشرك به غيره جل وعز 146 وقوله جل وعز (أو من كان ميتا فأحييناه) قال مجاهد المعنى أو من كان ضالا فهديناه (وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) أي هدى (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها) قال مجاهد أي في الضلالة قال السدي هذا نزل في (عمر بن الخطاب رحمة الله عليه) وأبي جهل والذي يوجب المعنى أن يكون عاما الا أن تصح فيه رواية

147 وقوله جل وعز (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها) قال مجاهد أي عظماءهم وقال غيره وخص العظماء والرؤساء لانهم أقدر على الفساد 148 ثم قال تعالى (وما يمكرون الا بأنفسهم) أي ان وبال ذلك يرجع عليهم 149 وقوله جل وعز (سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله) وان كانوا أعزاء في الدنيا فستلحقهم وهو الذلة يوم القيامة وفي الآية ثلاثة أقوال أحدهما أن المعنى سيصيب الذين أجرموا عند الله صغار على التقديم والتأخير والقول الثاني أن المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار ثابت عند الله

وهذا أحسن الاقوال لان (عند) في موضعها والقول الثالث ذكره الفراء أنه يجوز أن يكون المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار من عند الله وهذا خطأ عند البصريين لان (من) لا تحذف في مثل هذا 150 وقوله جل وعز (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام) روي أن عبد الله بن مسعود قال يا رسول الله هل ينشرح الصدر فقال نعم يدخل القلب نور فقال وهل لذلك من علامة فقال صلى الله عليه وسلم (التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل الموت

151 ثم قال جل وعز (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا) أي شديد الضيق وقرأ عمر وابن عباس (ضيقا حرجا) وروي أن عمر أحضر أعرابيا من كنانة من بني مدلج فقال له ما الحرجة فقال شجرة لا تصل إليها وحشية ولا راعية فقال كذلك قلب الكافر لا يصل إليه شئ من الايمان والخير 152 ثم قال جل وعز (كأنما يصعد في السماء) وقرأ ابن محيص وابن كثير وشبل (كأنما يصعد في السماء) وقرأ ابن عبد الرحمن المقرئ وابراهيم النخعي (كأنما يصاعد)

وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ (كأنما يتصعد) ومعنى هذه القراءة وقراءة من قرأ يصعد ويصاعد واحد والمعنى فيها أن الكافر من ضيق صدره كأنه يريد أن يصعد الى السماء وهو لا يقدر على ذلك كأنه يستدعي ذلك ومن قرأ (يصعد) فمعناه أنه من ضيق صدره كأنه في حال صعود قد كلفه وقال أبو عبيد من هذا قول عمر (مات صعدتني صلى الله عليه وسلم خطبة ما تصعدتني خطبة النكاح) وقد أنكر هذا على أبي عبيد وقيل انما هذا من الصعود

وهي العقبة الشاقة قال الله جل وعز (سأرهقه صعودا) 153 ثم قال جل وعز (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) قال مجاهد الرجس ما لا خير فيه وكذلك الرجس عند أهل اللغة هو النتن فمعنى الآية والله أعلم ويجعل اللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة على الذين لا يؤمنون 154 وقوله جل وعز (قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون) أي بينا 155 ثم قال جل وعز (لهم دار السلام عند ربهم) ويجوز أن يكون المعنى دار السلامة أي التي يسلم فيها من الآفات ويجوز أن يكون المعنى دار الله جل وعز وهو السلام

156 وقوله جل وعز (ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس) المعنى فيما يقال لهم يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس أي كثر من أغويتم 157 ثم قال جل وعز (وقال أولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض) ففي هذا قولان أحدهما ان الجن أغوت إذا الانس وقبلت الانس منهم والقول الآخر أن الرجل كان إذا سافر في الجاهلية

فخاف قال أعوذ بصاحب هذا الوادي من شر ما أحذر فهذا استمتاع الانس بالجن واستمتاع الجن بالانس أنهم يعترفون أن الجن يقدرون أن يدفعوا عنهم ما يجدون والقول الاول أحسن ويدل عليه (يا معشر الجن قد استكثرتم من الانس) 158 وقوله جل وعز (قال النار مثواكم) المثوى المقام 159 ثم قال جل وعز (خالدين فيها الا ما شاء الله) في هذا قولان أحدهما أنه استثناء ليس من الاول والمعنى على هذا الا ما شاء الله من الزيادة في عذابهم

وسيبويه يمثل هذا بمعنى (لكن) والفراء يمثله بمعنى (سوى) كما تقول لاسكننك فقال هذه الدار حولا الا ما شئت أي سوى ما شئت من الزيادة ومثله (خالدين فيه ما دامت السموات والارض الا ما شاء ربك) أي سوى ما شاء ربك من الزيادة قال أبو جعفر وقال أبو اسحاق معنى الاستثناء عندي ها هنا والله أعلم انما هو من يوم القيامة أي الا ما شاء ربك من مقدار محشرهم ومحاسبتهم ويدل على هذا الجواب (ويوم يحشرهم جميعا) لان هذا يراد به يوم القيامة ويجوز أن يكون معنى ما شاء الله عز وجل أن يعذبهم من أصناف العذاب

160 وقوله جل وعز (يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم) والرسل من الانس ففي هذ جوابان أحدهما أنه روي عن ابن عباس أنه قال رسل الجن الذين لقوا قومهم فبلغوهم يعني ابن عباس الذين قالوا (انا سمعنا قرآنا عجبا) وهم بمنزلة الرسل الى قومهم لانهم قد بلغوهم وكذلك قال مجاهد الرسل في الانس والنذارة في الجن والقول الآخر أنه لما كانت الانس والجن ممن يخاطب ويعقل قيل ألم يأتكم رسل منكم وان كانت الرسل من الانس خاصة 161 وقوله جل وعز (كما أنشاكم أي من ذرية قوم آخرين) الانشاء ابتداء الخلق

162 وقوله جل عز (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم) فيه قولان أحدهما أن المعنى على تمكنكم والقول الآخر أنه كما تقول أثبت مكانك أي اثبت على ما أنت عليه فان قيل كيف يجوز أن يؤمروا بالثبات على ما هم عليه وهم كفار فالجواب أن هذا تهدد كما قال جل وعز (فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا) ودل عليه قوله (فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار) والمعنى على هذا اثبتوا على ما انتم عليه ان رضيتم بالنار 163 وقوله جل وعز (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا)

في الكلام حذف والمعنى وجعلوا لاصنامهم نصيبا ودل عليه (فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا) قال مجاهد كانوا يجعلون لله جزء ولشركائهم جزءا فإذا ذهب ما لشركائهم عوضوا منه مما لله وإذا ذهب ما لله لم يعوضوا منه شيئا قال الانعام البحيرة والسائبة وقال قتادة كانوا يجعلون لله نصيبا ولشركائهم نصيبا فإذا هلك بعير لشركائهم أخذوا مما لله فجعلوه لشركائهم وإذا هلك بعير مما لله جل وعز تركوه وقالوا الله مستغن عن هذا وإذا أصابهم سنة أخذوا ما لله جل وعز فنحروه وأكلوه

164 وقال الله عز وجل (ساء ما يحكمون) فذم الله ذلك من فعلهم ويقال ذرأ يذرأ ذرء أي خلق 165 وقوله جل وعز (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) يعني الموءودة قال مجاهد زين لهم الشياطين قتل البنات وخوفوهم العيلة قال غير مجاهد (شركاؤهم) ههنا الذين يخدمون الاصنام 166 وقوله عز وجل (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر) قال قتادة الحجر الحرام

وقيل هذه أشياء كانوا يجعلونها لاصنامهم لا يأكل منها الا من يشاؤهم خدم الاصنام والحرث هو الذي يجعلونه لنفقة أوثانهم ويحرمونها على الناس الا خدمها 167 ثم قال جل وعز (وأنعام حرمت ظهورها) قال قتادة يعني السائبة والوصيلة 168 وقوله جل وعز (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) أي يذبحونها لآلهتهم ولا يذكرون عليها اسم الله فأعلم الله جل وعز أنه لم يأمرهم بهذا ولا جاءهم به نبي فقال تعالى (افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون) وقيل معنى (وأنعام حرمت ظهورها) هو الحامي الذي ذكره الله جل وعز في قوله (ولا وصيلة ولا حام)

وقيل معنى (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) السائبة لانها لا تركب فيذكر اسم الله عليها وقيل يذبحونها لاصنامهم فلا يذكرون اسم الله عليها والمحرمة ظهورها (السائبة والحامي والبحيرة) وأصحها ما بدأنا به 170 وقوله جل وعز (وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا) قال مجاهد يعني البحيرة والسائبة قال غيره كانوا إذا جعلوا لاصنامهم شيئا مما في بطون الانعام فولدت مولودا حيا ذكرا كان للذكران دون الاناث وإذا ولدت ميتا ذكرا اشترك فين الذكران والاناث فذلك قوله تعالى (وان يكن ميتة فهم فيه شركاء)

وقال قطرب إذا أتأمت عشرا فما ولدت بعد ذلك فهو للذكور الا أن يموت فيشترك فيه أكله الذكر والانثى وقرأ الاعمش (وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالص لذكورنا) قال الكسائي معنى خالص وخالصة واحد الا أن (الهاء) للمبالغة كما يقال رجل داهية وعلامة وقال الفراء الخاء لتأنيث الانعام لان ما في بطون الانعام مثلها وقرئ (خالصه لذكورنا) والمعنى على هذه القراءة ما خلص منه حيا لذكورنا (ومحرم على أزواجنا) أي الاناث قال مجاهد معنى (سيجزيهم وصفهم) أي سيجزيهم كذبهم

والتقدير عند النحويين سيجزيهم جزاء وصفهم الذي هو كذب 170 وقوله جل وعز (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) يعني قتلهم البنات جهلا 171 ثم قال جل وعز (وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين) قال أبو رزين ولم يكونوا مهتدين قبل ذلك 172 وقوله جل وعز (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات) أنشأ خلق وابتدع والجنات البساتين

وقيل المعروشات الكروم (والنخل والزرع مختلفا أكله) أي ثمره لانه مما يؤكل (والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه) قيل مشتبه في المنظر ومختلف في المطعم فيه حلو وحامض وقيل يشبه بعضه بعضا في الطعم ومنه مالا يشبه بعضه بعضا في الطعم 173 ثم قال جل وعز (كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) في هذه الآية ثلاثة أقوال

فمذهب ابن عمر وأبي الدرداء وسعيد بن جبير وأبي العالية ومجاهد وعطاء أن عليه أن يصدق منه سوى الزكاة المفروضة والقول الثاني أن الآية منسوخة قال ابراهيم النخعي نسخها العشر ونصف العشر وروى عن الحسن قولان روى سفيان عن يونس عن الحسن قال نسختها الزكاة المفروضة والقول الآخر وهو القول الثالث في الآية رواه شعبة عن أبي الرجاء قال سألت الحسن عن قوله جل وعز (وآتوا حقه يوم حصاده) فقال الزكاة المفروضة

وكذلك قال ابن عباس وأنس بن مالك وابن الحنفية وجابر بن زيد وسعيد ابن المسيب وطاووس وقتادة والضحاك وراه ابن وهب عن مالك قال هي الصدقة المفروضة والقول الاول أولاها لانه يبعد أن يعني به الزكاة المفروضة لان الانعام مكية والزكاة انما فرضت بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة ويقوي القول الاول حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن جذاذ الليل قال سفيان كي يحضر المساكين قال سعيد بن المسيب ومعنى (ولا تسرفوا) ولا تمتنعوا

من الصدقة فتهلكوا وقال غيره معنى (ولا تسرفوا) لا تدفعوا كل ما لكم الى الغرباء وتتركوا عيالكم كما روي (ابدأ بمن تعول) السرف في اللغة المجاوزة الى ما لا يحل وهو اسم ذم أي لا تنفقوا في الوجوه المحرمة حتى لا يجد السائل شيئا وقيل معنى (ولا تسرفوا) لا تنفقوا أموالكم فيما لا يحل لانه قد أخبر عنهم أنهم قالوا (وهذا لشركائنا) 174 وقوله جل وعز (ومن الانعام حمولة وفرشا) وروى أبو الاحوص عن عبد الله بن مسعود أنه قال (الحمولة) ما أطاق الحمل من الابل والفرش ما لم يطق الحمل وكان صغيرا

قال أبو جعفر وهذا المعروف عند أكثر أهل اللغة وقال الضحاك الحمولة من الابل والبقر والفرش الغنم واستشهد لصاحب هذا القول بقوله (ثمانية أزواج) قال فثمانية بدل من قوله (حمولة وفرشا) قال الحسن الحمولة الابل والفرش الغنم 175 ثم قال جل وعز (كلوا مما رزقكم الله) وهو أمر على الاباحة 176 ثم قال جل وعز (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) يعني طرقه أي طريقه الذي يحسنه لكم

وقيل تخطيه الحلال الى الحرام وقيل يعني آثاره 177 وقوله جل وعز (ثمانية أزواج) كل فرد يحتاج الى آخر عند العرب زوج 178 ثم قال تعالى (من الضأن اثنين) وهو جمع ضائن كما يقال راكب وركب 179 ثم قال جل وعز (ومن المعز اثنين) وهذا احتجاج عليهم أي ان كان حرم الذكور فكل ذكر حرام وان كان حرم الاناث فكل أنثى حرام واحتج عليهم بهذا لانهم أحلوا ما ولد حيا ذكرا للذكور وحرموه على الاناث ان كان انثى قال قتادة أمره الله جل وعز أن يقول لهم (آلذكرين حرم أم الانثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الانثيين) ان كان ما اشتملت عليه أرحام الانثيين حراما فكل مولود منها حرام وكلها مولود فكلها إذا حرام وان كان التحريم من جهة الذكور من

الضأن والمعز فكل ذكر حرام عليكم وان كان من جهة الاناث فكل أنثى حرام عليكم وكانوا يحرمون الوصيلة وأخاها على الرجال والنساء 180 ثم قال جل وعز (نبئوني بعلم ان كنتم صادقين) أي ليس عندكم علم لانهم لا يؤمنون بكتاب 181 ثم قال جل وعز (أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا) أي لستم تؤمنون بكتاب فهل شهدتم الله عز وجل حرم هذا 182 ثم بين ظلمهم فقال (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا)

ثم بين أنه لا يحرم الله شيئا الا بوحي فقال (قل لا أجد فيما أوحي الي محرما على طاعم يطعمه) روي عن عائشة رحمة الله عليها (على طاعم طعمه) وعن أبي جعفر محمد بن علي (طاعم يطعمه) 184 ثم قال جل وعز (الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا) قال قتادة المسفوح المصبوب فحرم ما كان مصبوبا خاصة فأما ما كان مختلطا باللحم فهو حلال 184 ثم قال جل وعز (فانه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسم الله وسماه فسقا لانه خارج عن الدين

والمعنى أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا أهل لغير الله به فانه رجس والموقوذة والمتردية والنطيحة داخلة في هذه الآية عند قوم لانها أصناف الميتة فأما ما لم يدخل في هذه الآية عند قوم ففيه قولان أحدهما أنه روي عن عائشة وابن عباس أن الآية جامعة لجميع ما حرم من الحيوان خاصة وأنه ليس في الحيوان محرم الا ما ذكر فيها والقول الآخر أن هذه الآية محكمة جامعة للحيوان وغيره وثم أشياء قد حرمها الله سوى هذه وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (نهى عن لحوم الحمر الاهلية وعن

كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير فقيل هذا قول قوي في اللغة لان (ما) مبهمة فقوله جل وعز (قل لا أجد فيما أوحي الي محرما) يجب أن يكون عاما للحيوان وغيره والله أعلم بما أراد 185 ثم قال جل وعز (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) أحسن ما قيل في الباغي الذي يأكل مضطرا لا متلذذا والعادي الذي يجاوز ما يقيم رمقه

186 وقوله جل وعز (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) قال مجاهد وقتادة والضحاك (كل ذي ظفر) الابل والنعام قال قتادة وهو من الطير ما لم يكن مشقوق الظفر نحو البط وما أشبهه وهو عند أهل اللغة من الطير ما كان ذا مخلب ودخل في ذا ما يصطاد بظفره من الطير وجميع أنواع السباع والكلاب والسنانير 187 ثم قال جل وعز (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت ظهورهما) قال قتادة هي شحوم الثروب خاصة ومذهب ابن جريج أنه كل شحم لم يكن مختلطا بعظم ولا على عظم

وهذا أولى لعموم الآية وللحديث المسند (قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا أثمانها) (الا ما حملت ظهورهما) أي الا شحوم الجنب وما علق بالظهر فانها لم تحرم عليهم (أو الحوايا) قال مجاهد وقتادة الحوايا المباعر قال أبو عبيدة هي عندي ما تحوى من البطن أي استدار قال الكسائي واحدها حاوية وحوية

وحكى سيبويه حاوياء قيل المعنى حرمنا عليهم شحومها ثم استثنى فقال (الا ما حملت ظهورهما) ثم عطف على الاستثناء فقال (أو الحوايا أو ما اختلط بعظم) أي الا هذه الاشياء فانها حلال وقيل المعنى حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم الا ما حملت ظهورهما فيكون ما بعد (الا) استثناء على هذا القول داخلا في التحريم ويكون مثل قوله تعالى (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) و (أو) ها هنا بخلاف معنى الواو أي لا تطع هذا الضرب وقال الكسائي (الا ما حملت ظهورهما) (ما) في موضع نصب على الاستثناء والحوايا في موضع رفع بمعنى وما حملت الحوايا فعطف الحوايا على الظهور 188 ثم قال جل وعز (أو ما اختلط بعظم)

قال فعطفه على المستثنى وهذا أحد قولي الفراء وهذا أصح هذه الاقوال والله أعلم 189 ثم قال جل وعز (ذلك جزيناهم ببغيهم وانا لصادقون) قال قتادة حرمت عليهم هذه الاشياء عقوبة لهم على بغيهم 190 وقوله جل وعز (فان كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة) قال مجاهد يعني اليهود 191 وقوله جل وعز (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ) قال مجاهد يعني كفار قريش أي لو شاء الله ما حرمنا البحيرة ولا السائبة

وقال غيره فأنكر الله جل وعز عليهم هذا القول وقال (كذلك كذب الذين من قبلهم) لانه ليس لهم أن يحتجوا بأنه من كان على معصية قد شاء الله أن تكون فهو له عذر لانه لو كان هكذا لكان لمن خالفهم في دينهم عذر لأن الله لو شاء أن يهديه هداه 192 ثم قال جل وعز (قل فلله الحجة البالغة) أي بارساله الرسل واظهاره البينات 193 وقوله جل وعز (قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا) والاصل عند الخليل (ها) ضمت إليها (لم) ثم حذفت الالف لكثرة الاستعمال وقال غيره الاصل (هل) زيدت عليها (لم)

وقيل هي على لفظها تدل على معنى (هات) وأهل الحجاز يقولون للواحد والاثنين والجماعة هلم وأهل نجد يأتون بالعلامة كما تكون في سائر الافعال 194 وقوله حل وعز (وهم بربهم يعدلون) أي يجعلون له عدلا فيعبدون غيره جل وعز 195 وقوله عز وجل (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا) قيل الذي تلاه عليهم (قل لا أجد فيما أوحي الي محرما على طاعم يطعمه) الى آخر الآية ويكون معنى (أن تقولوا انما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) (كذا هذا) أن تقولوا

وبعض النحويين يقول المعنى لئلا تقولوا ولا يجوز عند البصريين حذف (لا) وقيل المعنى وصاكم أن لا تشركوا وقيل المعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أنه بين ما حرم فقال ألا تشركوا به شيئا 197 ثم قال جل وعز (وبالوالدين احسانا) أي وأحسنوا بالوالدين احسانا قال ابن عباس الآيات المحكمات (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) الى آخر ثلاث آيات 197 وقوله جل وعز (ولا تقتلوا أولادكم من املاق)

قال قتادة الاملاق الفاقة وقال الضحاك (كان أحدهم إذا ولدت له ابنة دفنها حية مخافة الفقر) 198 وقوله جل وعز (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) قال قتادة يعني سرها وعلانيتها قال وكانوا يسرون الزنا بالحرة ويظهرونه بالامة قال مجاهد (ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن) التجارة فيه ولا تشتر منه شيئا ولا تستقرض 199 وقوله جل وعز (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه)

وقرأ ابن أبي اسحاق ويعقوب (وأن هذا صراطي مستقيما) بتخفيف (أن) وتقرأ إن بكسر الهمزة فمن قرأ (وأن هذا) فهو عنده بمعنى واتل عليهم أن هذا ويجوز أن يكون المعنى ووصاكم بأن هذا ومن قرأ بتخفيف (أن) فيجوز أن يكون معناه على هذا ويجوز أن تكون (أن) زائدة للتوكيد كما قال جل وعز (فلما أن جاء البشير) ومن قرأ (وان هذا) قطعه مما قبله وروي عن عبد الله بن مسعود رحمه الله أنه خط خطا في الارض فقال هكذا الصراط المستقيم والسبل حواليه مع كل سبيل شيطان

قال مجاهد السبل البدع والشبهات 200 وقوله جل وعز (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن) قال مجاهد المعنى على المؤمن المحسن وقال الحسن كان فيهم محسن وغير محسن وأنزل الكتاب تماما على الذي أحسن والدليل على صحة هذا القول أن ابن مسعود قرأ (تماما على الذين أحسنوا) وقيل المعنى (تماما على الذي أحسن) موسى من طاعة الله واتباع أمره

وقرأ ابن يعمر وابن أبي اسحاق (على الذي أحسن) والمعنى على الذي هو أحسن الاشياء فأما معنى (ثم) وهي تدل على أن الثاني بعد الاول وقصة موسى صلى الله عليه وسلم وايتائه الكتاب قبل هذا فان القول أنه اخبار من الله جل وعز والمعنى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ثم اتل ما آتينا موسى 201 وقوله جل وعز (أن تقولوا انما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا)

أحسن ما قيل في هذا كراهة أن تقولوا قال أبو جعفر قد بينا ما قيل فيه قال قتادة يعني بالطائفتين اليهود والنصارى وقال يعني بالدراسة التلاوة 202 ثم قال جل وعز (أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم) (اهدى منهم) أفهم منهم لانهم يحفظون أشعارهم وأخبارهم وهم أميون 203 وقوله عز وجل (فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها)

قال قتادة في قوله (وصدف عنها) أي أعرض 204 وقوله جل وعز (هل ينظرون الا أن تأتيهم الملائكة) قال قتادة أي بالموت (أو يأت ربك) قال قتادة يعنى يوم القيامة وقال غيره المعنى اهلاك ربك إياهم 205 ثم قال جل وعز (أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا) روى وكيع عن ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل (يوم يأتي بعض آيات ربك) قال طلوع الشمس من مغربها

لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا وروى ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو قال (الآية التي لا ينفع نفسا ايمانها عندها إذا طلعت الشمس من مغربها مع القمر في وقت واحد) 206 وقوله عز وجل (ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ) الشيع الفرق ومعنى شايعت في اللغة تابعت ومعنى (وكانوا شيعا) وكانوا فرقا كل فرقة يتبع بعضها بعضا الا أن الشيع كلها متفقة 208 ثم قال جل وعز (لست منهم في شئ انما أمرهم الى الله)

قيل هذا قبل الامر بالقتال وروى أبو غالب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (فرقوا دينهم وكانوا شيعا) قال هم الخوارج وقيل إن الآية تدل على أن من ابتدع من خارجي وغيره فليس النبي صلى الله عليه وسلم منهم في شئ لانهم إذا ابتدعوا تخاصموا وتفرقوا وكانوا شيعا 208 وقوله جل وعز (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها) روى الاعمش عن أبي صالح قال الحسنة لا اله الا الله والسيئة الشرك

والمعنى ان ما كان عنده هو النهاية في المجازاة أعطى عشرة أمثاله 209 وقوله جل وعز (قل انني هداني ربي الى صراط مستقيم) الصراط الطريق والمعنى عرفني الدين الذي هو الحق 210 ثم قال جل وعز (دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا) والقيم المستقيم ومن قرأ (قيما) فهو مصدر مثل الصغر والكبر 211 وقوله جل وعز (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) النسك جمع النسيكة وهي الذبيحة وأصل هذا من التقرب لله جل وعز ومنه (قيل رجل) ناسك

وانما قيل هذا لانهم كانوا يذبحون لغير الله جل وعز 213 وقوله جل وعز (قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شئ) معنى أبغي أريد وأطلب 213 وقوله جل وعز (وهو الذي جعلكم خلائف الارض) يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقيل لانهم آخر الامم فقد خلفوا من كان قبلهم الارض) يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقيل لانهم آخر الامم فقد خلفوا من كان قبلهم وقيل لان بعضهم يخلف بعضا حتى تقوم الساعة عليهم والحديث يقوي هذا القول

214 ثم قال جل وعز (ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم) أي فضل بعضكم على بعض في الزرق (ليبلوكم فيما آتاكم) أي ليختبركم فيما أعطاكم فينظر كيف شكركم وقد علم ما يكون علم غيب وانما تقع المجازاة على الشهادة 215 قم قال جل وعز (ان ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم) فعقابه جل وعز وإن كان أكثره يوم القيامة فان كل آت قريب

وروي عن ابن عباس أنه قال نزلت سورة الانعام بمكة جملة واحدة الا ثلاث آيات منها فانهن انزلن بالمدينة وهو قوله جل وعز (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا) الى آخر الآيات (تم بعونه تعالى تفسير سورة الانعام)

المملكة العربية السعودية جامعة أم القرى معهد البحوث العلمية واحياء التراث الإسلامي مركز إحياء التراث الإسلامي مكة المكرمة من التراث الإسلامي 10334 معاني القرآن الكريم للإمام أبى جعفر النحاس المتوفى سنة 338 هـ تحقيق الشيخ محمد على الصابونى الأستاذ بجامعة أم القرى الجزء الثالث

الطبعة الأولى 1409 هـ - 1988 م حقوق الطبع محفوظة لجامعة أم القرى

إني لأعجب ممن يقرأ القرآن كيف يلتذ بتلاوته ولم يفهم معناه (الإمام الطبري)

تفسير سورة الأعراف

تفسير سورة الأعراف مكية وآياتها 206 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الأعراف وهي مكية 1 - قوله جل وعز المص (آية 1) قال أبو جعفر قد بينا معنى فواتح السور في أول سورة البقرة فمن قال معنى آلم أنا الله أعلم قال معنى المص أنا الله أفصل وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير 2 - وقوله جل وعز كتاب أنزل إليك المعنى هذا كتاب أنزل إليك 3 - ثم قال جل وعز فلا يكن في صدرك حرج منه قال مجاهد وقتادة الحرج الشك

والمعنى على هذا القول فلا تشكوا فيه لأن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته والحرج في اللغة الضيق فيجوز أن يكون سمي ضيق لأن الشاك لا يعرف حقيقة الشئ فصدره يضيق به ويجوز أن يكون المعنى فلا يكن في صدرك ضيق من أن تبلغه لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني أخاف أن يثلغوا رأسي وفي الكلام تقديم وتأخير المعنى كتاب أنزل إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين فلا يكن في صدرك حرج منه 4 - وقوله عز وجل اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم (آية 3) قيل هو القرآن والسنة لقوله جل وعز وما آتاكم

الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا 5 - ثم قال جل وعز ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون (آية 3) أي لا تتخذوا من عدل عن دين الحق وليا وكل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه وروي عن مالك بن دينار رحمه الله أنه قرأ ولا تبتغوا من دونه أولياء أي لا تطلبوا 6 - وقوله جل وعز وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون (آية 4) المعنى فجاءهم العذاب على غفلة بالليل وهم نائمون أو نصف النهار وهم قائلون ومعنى أو ههنا التصرف مرة كذا ومرة كذا وهي بمنزلة أو التي تكون للإباحة في الأمر

7 - وقوله جل وعز فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا (آية 5) الدعوى ههنا بمنزلة الدعاء والدعوى تكون بمنزلة الإدعاء وتكون بمنزلة الدعاء وأجاز النحويون اللهم أشركنا في صالح دعوى من دعاك والمعنى إنهم لم يحصلوا عند الهلاك إلا على الإقرار بأنهم كانوا ظالمين 8 - وقوله جل وعز فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين (آية 6) وهذا سؤال توبيخ وتقرير فأما قوله تعالى فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان فمعناه أنه لا يسأل سؤال استعلام والله أعلم

9 - وقوله جل وعز والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (آية 8) قال عبيد بن عمير يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة قال عمرو بن دينار إن الميزان له كفتان 10 - وقوله جل وعز ولقد مكناكم في الأرض (آية 10) أي ملكناكم وجعلنا لكم فيها معايش أي ما تعيشون به ويجوز أن يكون المعنى ما تتوصلون به إلى المعيشة

11 - وقوله جل وعز ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم (آية 11) في هذه الآية أقوال قال الأخفش وهو أحد قول قطرب ثم ههنا بمعنى الواو وهذا القول خطأ على مذهب أهل النظر من النحويين ولا يجوز أن تكون ثم بمعنى الواو لاختلاف معنييهما وقيل ثم للإخبار وقيل ولقد خلقناكم يعني في ظهر آدم صلى الله عليه وسلم ثم صورناكم أي في الأرحام هذا صحيح عن ابن عباس ولقد خلقناكم يعني ابن آدم وقد علم جل وعز أنه يخلق ذريته فهو بمنزلة ما خلق

وقال مجاهد رواه عنه ابن جريج وابن أبي نجيح معنى ولقد خلقناكم ثم صورناكم في ظهر آدم قال أبو جعفر وهذا أحسن الأقوال يذهب مجاهد إلى أنه خلقهم في ظهر آدم ثم صورهم حين أخذ عليهم الميثاق ثم كان السجود لآدم بعد ويقوي هذا وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم والحديث أنه أخرجهم أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق قال الزجاج المعنى خلقنا آدم من تراب ثم صورناه قال ويدل عليه خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون فالتقدير خلقنا أصلكم

وقيل المعنى خلقناكم نطفا ثم صورناكم 12 - ثم قال جل وعز فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين (آية 11) قيل استثنى إبليس من الملائكة وليس منهم لأنه أمر بالسجود معهم قال جل وعز ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك وقيل إنه كان منهم قال أبو جعفر وقد استقصينا هذا في سورة البقرة 13 - وقوله جل وعز قال ما منعك ألا تسجد إذا أمرتك (آية 12) هذا سؤال توبيخ وتقرير لأنه قد علم جل وعز ذلك ولا زائدة للتوكيد كما قال

* فما ألوم البيض أن لا تسخرا لما رأينا الشمط القفندرا فجاء بجواب لغير ما سئل عنه فقال أنا خير منه ولم يقل منعني كذا وإنما هو جواب من قيل له أيكما خير ولكنه محمول على المعنى كأنه قال منعني فضلي عليه 14 - وقوله جل وعز قال أنظرني إلى يوم يبعثون (آية 14) أي أخرني فلم يجب إلى هذا بعينه فأجيب إلى النظرة إلى يوم الوقت المعلوم 15 - وقوله جل وعز قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم (آية 16)

قيل معناه فبما أضللتني وقيل معناه خيبتن وقيل أي فبما دعوتني إلى شئ ضللت من أجله والله أعلم بالمراد قال مجاهد معنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم لأقعدن لهم على الحق والصراط في اللغة الطريق والمعنى على صراطك ثم حذف على فتعدى الفعل 16 - وقوله عز وجل ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم (آية 17) روى سفيان عن منصور عن الحكم بن عتيبة قال

من بين أيديهم من دنياهم ومن خلفهم من آخرتهم وعن أيمانهم يعني حسناتهم وعن شمائلهم يعني سيئاتهم وهذا قول حسن وشرطه أن معنى ولآتينهم من بين أيديهم من دنياهم حتى يكذبوا بما فيها من الآيات وأخبار الأمم السالفة ومن خلفهم من آخرتهم حتى يكذبوا بها وعن أيمانهم من حسناتهم وأمور دينهم ويدل على هذا قوله تعالى إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين وعن شمائلهم يعني سيئاتهم أي يتبعون الشهوات لأنه يزينها لهم وقيل ثم لأتينهم من بين أيديهم من آخرتهم روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم أما قوله تعالى من بين أيديهم فيقول أشككهم في

آخرتهم ومن خلفهم أرغبهم في دنياهم وعن أيمانهم أشبه عليهم أمر دينهم وعن شمائلهم أشهي لهم المعاصي ولا تجد أكثرهم شاكرين يقول موحدين وبهذا الإسناد من بين أيديهم يعني من الدنيا ومن خلفهم من الآخرة وعن أيمانهم قبل حسناتهم وعن شمائلهم من قبل سيئاتهم قال أبو جعفر وذلك القول لا يمتنع لأن الآخرة لم تأت بعد فهي بين أيدينا وهي تكون بعد موتنا فمن هذه الجهة يقال هي خلفنا وقيل معنى ومن خلفهم يخوفهم على تركاتهم ومن يخلفون بعدهم

وقيل معنى وعن أيمانهم وعن شمائلهم من كل جهة يعملون منها ويكون تمثيلا لأن أكثر التصرف باليدين قال الله عز وجل ذلك بما قدمت يداك وقال مجاهد من بين أيديهم وعن أيمانهم من الحسنات ومن خلفهم وعن شمائلهم من السيئات 17 - وقوله جل وعز قال اخرج منها مذءوما مدحورا (آية 18) يقال ذأمته وذمته وذممته بمعنى واحد وقرأ الأعمش منوما والمعنى واحد إلا أنه خفف الهمزة وقال مجاهد المذؤم ثنا المنفي والمعنيان متقاربان والمدحور المطرود المبعد يقال اللهم ادحر عنا الشيطان

18 - وقوله جل وعز ولا تقربا هذه الشجرة (آية 19) روي عن ابن عباس أنها السنبلة 19 - وقوله جل وعز ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما (آية 20) أي ليظهر لهما ما ستر عنهما من فروجهما ومن هذا تواريت من فلان وقرأ الضحاك ويحيى بن أبي كثير ما أوري عنهما 20 - وقوله جل وعز إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (آية 20) وأكثر الناس على فتح اللام وقال من احتج بكسر اللام قوله جل وعز وملك لا يبلى يدل على القراءة ملكين لأن ملكا من ملك وأنكر أبو عمرو بن العلاء كسر اللام وقال لم يكن قبل

آدم صلى الله عليه وسلم ملك فيصيرا ملكين 21 - ثم قال جل وعز وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين (آية 21) أقسم لهما مثل طارقت النعل وقيل حلفا أن لا يقبلا منه إلا أن يحلف فحلف لهما 22 - وقوله جل وعز فدلاهما بغرور (آية 22) المعنى فدلاهما في المعصية 23 - ثم قال جل وعز فلما ذاقا الشجرة (آية 22) وهذا يدل على أنهما لم يمعنا في الأكل

24 - وقوله جل وعز وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة (آية 22) أي أخذ يلزقان ومنه خصفت النعل أي رقعتها قال ابن عباس وهو ورق التين أخذاه فجعلاه على سوأتهما والفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس أن إبليس أقام على الذنب وتاب آدم ورجع قال الله جل وعز قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين 25 - وقوله جل وعز يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوأتكم (آية 26) قال مجاهد كان قوم من العرب يطوفون بالبيت عراة فأنزل الله عز وجل (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوأتكم وريشا

قال مجاهد الريش المال وقال الكسائي الريش اللباس وقال أبو عبيدة الريش والرياش ما ظهر من اللباس والشارة والريش عند أكثر أهل اللغة ما ستر من لباس أو معيشة وأنشد سيبوية فريشي منكم وهواي معكم وإن كانت زيارتكم لماما وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة وهبت له دابة بريشها أي بكسوتها وما عليها من اللباس قال الفراء يكون الرياش جمعا للريش وبمعناه أيضا مثل

لبس ولباس 26 - ثم قال جل وعز ولباس التقوى ذلك خير (آية 26) أي لباس التقوى خير من الثياب لأن الفاجر وإن لبس الثياب فهو دنس وروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهيني قال لباس التقوى الحياء وقرأ الأعمش ولباس التقوى خير ولم يقرأ ذلك 27 - وقوله جل وعز إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم (آية 27) قبيله جنوده قال مجاهد يعني الجن والشياطين

28 - وقوله جل وعز وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا (آية 28) قال مجاهد كانت النساء تطوف بالبيت عراة عليهن الرهاط وقال الرهاط جمع رهط خرقة من صوف أو سيور كذا قال الفراء فهذه الفاحشة الذي قالوا وجدنا عليها آباءنا وقال غيره كان الرجال يطوفون نهارا عراة والنساء بالليل ويقولون لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها 29 - وقوله جل وعز قل أمر ربي بالقسط (آية 29) أي بالعدل وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد

قال مجاهد أي استقبلوا القبلة أينما كنتم ولو كنتم في كنيسة وقال غيره معناه إذا أدركتكم الصلاة في مسجد فصلوا ولا يقل أحدكم لا أصلي إلا في مسجدي 30 - ثم قال جل وعز كما بدأكم تعودون (آية 29) قال مجاهد من بدئ سعيدا عاد سعيدا ومن بدئ شقيا عاد شقيا وقال محمد بن كعب يختم للمرء بما بدئ به ألا ترى أن السحرة كانوا كفارا ثم ختم لهم بالسعادة وأن إبليس كان مع الملائكة مؤمنا ثم عاد إلى ما بدئ به 31 - وقوله جل وعز يا بني آدم خذوا زينتكم عن كل مسجد (آية 31)

قال عطاء وطاووس والضحاك يعني اللباس لأن قوما من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة وهو مذهب مجاهد وروى شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت مسلم البطين يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة فنزلت خذوا زينتكم عند كل مسجد قال الزهري كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس قريشا وأحلافها فقال الله جل وعز خذوا زينتكم عند كل مسجد 32 - ثم قال جل وعز موبخا لهم قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق (آية 32) هو عام

وقيل أي من حرم لبس الثياب في الطواف ومن حرم ما حرموا من البحيرة وغيرها قال الفراء إن قبائل من العرب كانوا لا يأكلون اللحم أيام حجهم ويطوفون عراة فأنزل الله جل وعز هذا 33 - ثم قال جل وعز قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة (آية 32) قال الضحاك يشترك فيها المسلمون والمشركون في الدنيا وتخلص للمسلمين يوم القيامة وقيل في الحياة الدنيا في الصلة أي آمنوا في ذا الوقت خالصة من الغم والتنغيص 34 - وقوله جل وعز قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن (آية 33) روى روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ما ظهر منها نكاح الأمهات في

الجاهلية وما بطن الزنا وقال قتادة سرها وعلانيتها 35 - ثم قال جل وعز والإثم (آية 33) وقال في موضع آخر يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير فدل بهاتين الآيتين على أن الخمر والميسر حرام 36 - وقوله جل وعز ولكل أمة أجل (آية 34) أي وقت مؤقت

فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة المعنى لا يستأخرون ساعة ولا أقل من ساعة إلا أن الساعة خصت بالذكر لأنها أقل أسماء الأوقات 37 - وقوله عز وجل فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته (آية 37) المعنى أي ظلم أشنع من الافتراء على الله والتكذيب بآياته 38 - ثم قال جل وعز أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب (آية 37) روى جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال ما قدر لهم من خير وشر وروى شريك عن سالم عن سعيد بن جبير أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب قال من الشقوة والسعادة وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال ما وعدوا فيه من خير وشر ومعنى هذا القول أنهم ينالهم نصيبهم من العذاب على قدر

كفرهم نحو قوله إن الله لا يغفر أن يشرك به وإن المنافقين في الدرك الأسفل من النار وقال جل وعز يسلكه عذابا صعدا وكذلك قال الضحاك معناه ينالهم نصيبهم من العذاب 39 - ثم قال جل وعز حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم (آية 37) قيل أعوان ملك الموت لما جاءوهم أقروا أنهم كانوا كافرين وقيل ملائكة العذاب ومعنى يتوفونهم على هذا يتوفونهم عذابا كما تقول قتلته بالعذاب

ويجوز أن يكون من استيفاء العدد 40 - وقوله جل وعز قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم (آية 38) قيل معنى في معنى مع وهذا لا يمتنع لأن قولك زيد في القوم معناه مع القوم وتجوز أن تكون في على بابها وقال الأصمعي في قول امرئ القيس وهل ينعمن من كان آخر عهده ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال معنى في معنى مع 41 - وقوله جل وعز حتى إذا اداركوا فيها (آية 38)

أي تتابعوا واجتعوا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا المعنى قالت أخراهم يا ربنا هؤلاء أضلون به لأولاهم أي يعني أولاهم 42 - وقوله جل وعز قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون (آية 38) يجوز أن يكون المعنى ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ما هم فيه من العذاب ويجوز أن يكون المعنى لا تعلمون أيها المخاطبون ومن قرأ ولكن لا يعلمون فمعناه عنده ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر 43 - وقوله جل وعز وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل (آية 39) قال مجاهد أي من تخفيف العذاب

وقال السدي قد ضللتم كما ضللنا 44 - وقوله جل وعز لا تفتح لهم أبواب السماء (آية 40) قيل يعني ابواب الجنة لأن الجنة في السماء وأحسن ما قيل في هذا ما رواه سفيان عن منصور عن مجاهد قال لا تفتح أبواب السماء لكلامهم ولا لعملهم ويدل على صحة هذا القول قوله جل وعز إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه وفي هذا حديث مسند رواه المنهال عن زاذان عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم إن العبد الكافر أو المنافق إذا خرجت نفسه أخذتها الملائكة حتى تنتهي إلى سماء الدنيا يفوح منها كأنتن ريح جيفة كانت على وجه الأرض فيستفتح له فلا يفتح ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفتح لهم أبواب السماء فيقول الله اجعلوا كتابه في سجين

وأعيدوه إلى الأرض فتطرح طرحا ثم قرأ عليه السلام ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء 45 - ثم قال جل وعز ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط (آية 40) والمعنى لا يدخلون الجنة ألبتة والعرب تستعمل أمثال هذا كثيرا وسئل عبد الله بن مسعود عن الجمل فقال هو زوج الناقة كأنه استجهل من سأله عما يعرفه الناس جميعا ويروى عن ابن عباس أنه قرأ حتى يلج الجمل بضم الجيم وتشديد الميم وقال هو القلس من حبال السفن

وقال أحمد بن يحيى هي الحبال المجموعة جمع جملة وروى عن سعيد بن جبير أنه قرا حتى يلج الجمل بضم الجيم وتخفيف الميم قيل هو القلس أيضا والسم والسم ثقب الإبرة وقرا ابن سيرين بضم السين والخياط والمخيط الإبرة ونظيره قناع ومقنع 46 - ثم قال جل وعز وكذلك نجزي المجرمين (آية 40) يعني الكافرين لأنه قد تقدم ذكرهم 47 - ثم قال جل وعز لهم من جهنم مهاد (آية 41) أي فراش ومن فوقهم غواش أي غاشية فوق غاشية من العذاب

وكذلك نجزي الظالمين قيل يعني الكفار والله أعلم 48 - وقوله جل وعز ونزعنا ما في صدورهم من غل (آية 43) الغل في اللغة الحقد المعنى إن بعضهم لا يحقد على بعض بما كان بينه وبينه في الدنيا ويجوز أن يكون المعنى أنه لا يحسد بعضهم على علو المرتبة ويدل على أن القول هو الأول أنه روي عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال أرجو أن ألون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم ونزعنا ما في صدورهم من غل 49 - وقوله جل وعز وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا (آية 43) أي لما صيرنا إلى هذا 50 - وقوله جل وعز ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون (آية 43)

ويجوز أن يكون المعنى بأنه تلكم الجنة ويجوز أن تكون أن مفسرة للنداء والبصريون يعتبرونها بأي والكوفيون يعتبرونها بالقول والمعنى واحد كأنه ونودوا قيل لهم تلكم الجنة أي هذه تلكم الجنة التي وعدتموها هذا في الدنيا ويجوز ان يكون لما راوها قيل لهم قبل أن يدخلوها تلكم الجنة والقول في معنى أن قد وجدنا وأن لعنة الله على الظالمين على ما قلنا في أن تلكم الجنة 51 - وقوله جل وعز يعرفون كلا بسيماهم (آية 46) قال قتادة يعرف أهل الجنة ببياض وجوههم وأهل النار

بسواد وجوههم 52 - ثم قال جل وعز لم يدخلوها وهم يطعمون (آية 46) قال أكثر أهل التفسير يعني أصحاب الأعراف 53 - وقوله جل وعز ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم (آية 48) قال حذيفة أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فهم بين الجنة والنار ثم إن الله اطلع عليهم فرحمهم فقالوا ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون وروى عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس أنه قال الأعراف الشئ المشرف وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال الأعراف سور له عرف كعرف الديك

والأعراف في اللغة المكان المشرف جمع عرف وقال أبو مجلز هم من الملائكة قال والذين صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار أهل الجنة حدثنا أبو جعفر قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا داود الضبي قال حدثنا مسلم بن خالد قال عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في أصحاب الأعراف قال هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم وهم على سور بين الجنة والنار وهم على طمع في دخول الجنة وهم داخلون وقيل إن أصحاب الأعراف ملائكة بين الجنة والنار قال أبو جعفر والقول الأول أشهر وأعرف

قال ابن عباس فقال جل وعز لهم (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون قال عبد الله بن الحارث وهم يدعون مساكين أهل الجنة 54 - وقوله جل وعز فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا (آية) قال مجاهد أي نتركهم في النار كما تركوا لقاء يومهم هذا والمعنى فاليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون أي بجحودهم لآياتنا 54 - وقوله جل وعز هل ينظرون إلا تأويله (آية 53) قال مجاهد أي جزاءه

وقال قتادة أي عاقبتة وهذا قول حسن ومعناه ما وعدوا فيه أنه كائن 55 - ثم قال جل وعز يوم يأتي تأويله (آية 53) يعني يوم القيامة يقول الذين نسوه من قبل قال مجاهد أي أعرضوا عنه 56 - وقوله جل وعز إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار (آية 54) المعنى يغشي الليل النهار ويغشي النهار الليل ثم حذف لعلم السامع أي يدخل هذا في هذا وهذا في هذا 57 - وقوله جل وعز ألا له الخلق والأمر (آية 54) ففرق بين الشئ المخلوق وين والأمر وهو كلامه فدل على

أن كلامه غير مخلوق وهو قوله كن وقيل هو مثل قوله جل ثناؤه فيهما فاكهة ونخل ورمان وقيل المعنى وتصرف الأمر ثم حذف 58 - وقوله جل وعز ادعوا ربكم تضرعا (آية 55) أي مستكينين متعبدين وخفية أي وأخفوا العبادة لأن الدعاء عبادة 59 - ثم قال تعالى إنه لا يحب المعتدين (آية 55) قال قتادة فدل هذا على أن من الدعاء ما فيه اعتداء أي فلا تعتدوا في الدعاء

60 - وقوله جل وعز وادعوه خوفا وطمعا (آية 56) والمعنى خوفا منه ورجاء لما عنده 61 - وقوله تعالى وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته (آية 57) نشر جمع نشور يقال ريح نشور إذا أتت من ههنا وههنا وقيل نشر مصدر ومن قرأ نشرا بضم النون وإسكان الشين فإلى هذا المعنى يذهب عند البصريين وأما الفراء فزعم أنها لغة بمعنى النشر كما يقال خسف وخسف ومن قرا نشرا فإنه يذهب إلى أن المعنى تنشر نشرا ومن قرا بشرا فهو جمع بشير عنده مخففة وقد تكون جمع بشرة وقد يكون مصدرا مثل العمر وتقرا بشرا وبشرا

مصدر بشره يبشره بمعنى بشره ومعنى بين يدي رحمته بين يدي المطر الذي هو من رحمته تعالى 62 - ثم قال جل وعز حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء (آية 57) حتى إذا أقلت سحابا ثقالا أي حتى إذا حملت الريح سحابا ثقالا بالماء سقناه يعني السحاب لبلد ميت فأنزلنا به الماء يجوز ان يكون المعنى فأنزلنا بالبلد الماء ويجوز أن يكون المعنى فأنزلنا بالسحاب الماء فأخرجنا به من كل الثمرات أي بالماء ويجوز أن يكون المعنى بالبلد بالبلد 63 - وقوله تعالى كذلك نخرج الموتى (آية 57) قال مجاهد يبعث الله مطرا فيمطر فينبت الناس كما ينبت الزرع

64 - ثم قال جل وعز لعلكم تذكرون (آية 57) أي لتكونوا على رجاء من الاتعاظ بما تذكرون وتخبرون به 65 - وقوله جل وعز والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا (آية 58) النكد في اللغة النزر القليل وهذا تمثيل قال مجاهد يعني إن في بني آدم الطيب والخبيث 66 - وقوله جل وعز قال الملأ (آية 60) الرؤساء والأشراف أي المليئون ثم بما يفوض إليهم

67 - وقوله جل وعز إنهم كانوا قوما عمين (آية 64) قال قتادة أي عن الحق 68 - وقوله جل وعز قال المل الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة (آية 66) السفاهة رقة الحلم والطيش يقال ثوب سفيه إذا كان خفيفا 69 - ثم قال جل وعز جوابا لهم قال يا قوم ليس بي سفاهة (آية 67) وهذا أدب في الاحتمال 70 - وقوله جل وعز وإلى ثمود أخاهم صالحا (آية 73) قيل إنما قال جل وعز أخاهم لأنه بشرا مثلهم من بنى آدم يفهمون عنه فهو أوكد عليهم في الحجة

وقيل إنما قال (أخاهم) لأنه من عشيرتهم 71 - وقوله جل وعز قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية) (آية 73) يروى انها خرجت من صخرة صماء 72 - وقوله جل وعز وبوأكم في الأرض (آية 74) أي أنزلكم وقال الشاعر وبوئت في صميم معشرها فنم في قومها مبوؤها وقيل إنما كانوا ينحتون من الجبال بيوتا لطول أعمارهم لأن السقف والحيطان كانت تنهدم قبل فناء أعمارهم

73 - ثم قال جل وعز فاذكروا آلاء الله (آية 74) قال قتادة الآلاء النعم وحكى أبو عبيدة واحدها ألى وإلى وزاد غيره إلي 74 - وقوله جل وعز وعتوا عن أمر ربهم) (آية 77) أي تجاوزا في الكفر 75 - وقوله جل وعز فأخذتهم الرجفة (آية 78) الرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة 76 - ثم قال تعالى فأصبحوا في دارهم جاثمين (آية 78) أي ساقطين على ركبهم ووجوهم وأصل الجثوم للأرانب رسول وما أشبهها والموضع مجثم قال الشاعر

* بها العين والآرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم وروى معمر عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله انه قال لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال لا تسألوا الآيات فقد سالها قوم صالح فكانت ترد من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها فأخذتهم الصيحة فأهمد الله من تحت السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه 77 - وقوله جل وعز ولوطا إذ قال لقومه اتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين (آية 80) دل بهذا على انه لم يتقدمهم أحد في اللواط ومعنى إنهم

أناس يتطهرون أي يتطهرون عن الفاحشة 78 - وقوله جل وعز فانجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين (آية 83) قال قتادة الباقين والغابر عند أهل اللغة من الأضداد يقال لما بقي غابر ولما ذهب وغاب غابر وقد قيل في الآية إن معناها من الغابرين عن النجاة قيل من الباقين مع قوم لوط في الموضع الذي عذبوا فيه وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى من المعمرين أي أنها قد هرمت وقال حذيفه رفع جبريل صلى الله عليه وسلم مدينتهم ثم قلبها فسمعت

امرأته الوجبة فالتفتت فأهلكت معهم والأكثر في اللغة أن يكون الغابر الباقي قال الراجز فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر أي وما بقي 79 - وقوله جل وعز ولا تبخسوا الناس أشياءهم (آية 85) البخس النقصان 80 - ثم قال تعالى ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها (آية 85) أي بعد أن أصلحها الله بالأمر بالعدل وإرسال الرسل 81 - وقوله جل وعز ولا تقعدوا بكل صراط توعدون (آية 86)

قال قتادة أي توعدون من أتى شعيبا وغشية وأراد الإسلام بالأذى ويقال وعدته خيرا أو شرا فإذا قلت وعدته لم يكن إلا للخير وإذا قلت أوعدته لم يكن إلا للشر 82 - ثم قال جل وعز وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبعونها عوجا (آية 86) قال قتادة أي وتبغون السبيل عوجا عن الحق والسبيل الطريق والمذهب 83 - ثم قال جل وعز واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم (آية 86) يجوز أن يكونوا قليلي العدد 2 ويجوز أن يكونوا فقراء فكثرهم بالغنى 3 ويجوز أن يكونوا غير ذوي مقدرة

والله أعلم بما أراد إلا أنه ذكرهم نعمة من نعم الله جل وعز كما قال تعالى فاذكروا آلاء الله 84 - وقوله جل وعز قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا (آية 88) يقال كيف قالوا هذا لشعيب صلى الله عليه وسلم وهو نبي فعلى هذا جوابان أحدهما أن يكون معنى لتعودن لتصيرن كما تقول عاد علي من فلان مكروه والجواب الاخر أنهم لما خلطوا معه من آمن منهم جاز أن يقولوا أو لتعودن في ملتنا يعنون من آمن قال أولو كنا كارهين أي أنعود في ملتكم ولو كنا

كارهين وقوله وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا على التسليم لله كما قال تعالى وما توفيقي إلا بالله والدليل على هذا أن بعده وسع ربنا كل شئ علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق قال قتادة إي اقض بيننا وبين قومنا بالحق وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى افتح بيني وبينهم فتحا قال معناه النصر 85 - وقوله جل وعز كأن لم يغنوا فيها (آية 92) قال قتادة أي كأن لم يعيشوا ولم يتنعموا قال الأصمعي يقال غنينا بمكان كذا أي أقمنا فيه والمنازل يقال لها المغاني

ومعنى فكيف آسى فكيف أحزن والأسى اشد الحزن 86 - وقوله جل وعز وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء (آية 94) قال مرة عن ابن مسعود البأساء الفقر والضراء المرض وقيل البأساء المصائب في المال يقال بئس الرجل يبأس بأسا وبأساء لم إذا افتقر والضراء ما لحق من الأمراض والمصائب في البدن لعلهم يضرعون أي يخضعون ويستكينون 87 - وقوله تعالى ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة (آية 95) قال مجاهد السيئة الشر والحسنة الرخاء والولد 88 - ثم قال جل وعز حتى عفوا (آية 95) قال مجاهد أي كثرت أموالهم وأولادهم

وذلك معروف في اللغة ومنه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أعفوا اللحى أي كثروها 89 - ثم خبر جل وعز عنهم أنهم لم يعتبروا بما أصابهم وقالوا إن العادة في الزمان الخير والشر فقال تعالى وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة (آية 95) أي فجأة 90 - وقوله جل وعز ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا (آية 96) يقال للمدينة قرية لاجتماع الناس فيها من قريت الماء إذا جمعته والبركات التي تأتي من السماء المطر والتي تأتي من الأرض النبات

91 - وقوله جل وعز أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون (آية 97) أي أفأمن من كذب محمدا صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم باسنا بياتا أي ليلا 92 - وقوله جل وعز أو أمن ابن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون (آية 98) ومعنى وهم يلعبون أي وهم فيما لا يجدي عليهم يقال لكل من كان فيما يضره ولا يجدي عليه لاعب 93 - ثم قال جل وعز أفأمنوا مكر الله (آية 99) أي عذابه إذا وقع بهم ولم يعلموا أنه واقع بهم 94 - وقوله جل وعز أولم يهد للذين يرثون الأرض (آية 100) قال مجاهد أي أو لم يبين ومعنى يهد بالياء يتضح ويبين

95 - وقوله جل وعز فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل (آية 101) قال مجاهد هذا مثل قوله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وقال غيره هذا مخصوص به أقوام بأعيانهم خبر الله جل وعلا أنهم لا يؤمنون وأما قول من قال معنى فما كانوا ليؤمنوا ليحكم لهم بالإيمان فلا يصح في اللغة ويدل على بطلانه أن بعده كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين فدل بهذا على أنه قد طبع على قلوبهم هذا قول أبي إسحاق جزاء بما عملوا 96 - وقوله جل وعز وما وجدنا لأكثرهم من عهد (آية 102) من زائدة وهي تدل على معنى الجنس ولولا من

لجاز أن يتوهم أنه واحد في المعنى قال أبو عبيدة المعنى وما وجدنا لأكثرهم حفظا ولا وفاء 97 - وقوله جل وعز فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين (آية 103) اصل الظلم وضع الشئ في غير موضعه فلما كفروا بها جعلوا موضع ما يجب من الإيمان الكفر فقيل ظلموا بها بمعنى كفروا بها 98 - وقوله جل وعز حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق (آية 105) قال أبو عبيدة أي حريص قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله وهي قراءة عبد الله حقيق أن لا أقول وهذا يدل على التخفيف لأن حروف الجر

تحذف مع أن وقال الكسائي هي في قراءة عبد الله حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق قال الفراء معنى على أن لا وبأن لا واحد كما يقال جاء فلان على حال حسنة وبحال حسنة ومن قرأ حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق فإن معناه عنده واجب علي 99 - وقوله جل وعز فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين (آية 107) الثعبان الحية الذكر ومعنى ونزع يده أظهرها قال مجاهد أخرجها من جيبه بيضاء من غير برص ويروى أن موسى صلى الله عليه وسلم كان آدم اللون فلما أخرج يده بيضاء كان ذلك آية

100 - وقوله جل وعز قال الملأ من قوم فرعون (آية 109) الملأ عند أكثر أهل اللغة الأشراف وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قال يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى وقال بعض أهل اللغة الملأ الرهط والنفر الرجال الذين لا نساء معهم 101 - وقوله جل وعز قالوا أرجئه وأخاه (آية 111) قال قتادة أي احبسه والمعروف عند أهل اللغة أن يقال ارجأت الأمر إذا أخرته

ومن قرأ أرجه وأخاه ففي قراءته قولان أصحهما أنها لغة وإن كانت ليست مشهورة والقول الآخر حكي عن أبي العباس قال هو من رجا يرجو أي اتركه يرجو 102 - وقوله جل وعز واسترهبوهم (آية 116) أي استدعوا منهم الرهبة 103 - وقوله جل وعز فإذا هي تلقف ما يأفكون (آية 117) ومعنى تلقف تلتهم قال أبو حاتم وبلغني في بعض القراءات تلقم بالميم والتشديد وقال خارجة قرأ الحسن تلقم بفتح القاف

قال مجاهد معنى ما يأفكون ما يكذبون أي به وكذبهم أنهم يجعلون الحبال حيات ويجوز أن يكون فماذا تأمرون جوابا من فرعون للملأ حين قالوا إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من ارضكم فقال فرعون فماذا تأمرون ويجوز ان يكون الملأ قالواهذا لفرعون ومن يخصه قال مجاهد معنى فوقع الحق فظهر ومعنى أفرغ علينا صبرا أنزل علينا صبرا يشملنا 104 - وقوله جل وعز وذرك وآلهتك (آية 127) وقرأ ابن عباس إلاهتك وقال معناه وعبادتك

لأن فرعون كان يعبد ولا يعبد وقال من احتج لهذه القراءة الدليل على أنه كان يعبد ولا يعبد أنه قال ما علمت لكم من إله غيري ومن قرأ وآلهتك فإنه يذهب إلى جهتين إحداهما أنه يعني بالآلهة ههنا من كان يطيعه فرعون كما قيل في قول الله تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله أنهم ما عبدوهم ولكن أطاعوهم فصار تمثيلا والجهة الأخرى أن سليمان التيمي قال بلغني أن فرعون كان يعبد البقر قال التيمي فقلت للحسن هل كان فرعون يعبد شئيا فقال نعم إن كان ليعبد شيئا قد جعله الله في عنقه

وقال إسماعيل قول فرعون أنا ربكم الأعلى يدل على أنهم كانوا يعبدون شيئا غيره وقد يكون معنى وآلهتك أنها آلهة يأمرهم بعبادتها 105 - وقوله جل وعز قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا (آية 129) قال مجاهد أي من قبل أن ترسل إلينا وقال غيره الأذى الذي لحقهم من قبل أن يرسل إليهم قتل أبنائهم والأذى الذي لحقهم بعد أن فرعون قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم 106 - وقوله جل وعز ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين (آية 130) قال مجاهد أي بالجوائح

وهذا معروف في اللغة أن يقال أصابتهم سنة أي جدب وتقديره سنة جدب ثم حذف 107 - ثم قال جل وعز ونقص من الثمرات (آية 130) قال مجاهد أي دون ذلك 108 - ثم قال جل وعز لعلهم يذكرون (آية 130) أي يعتبرون بما أصابهم 109 - ثم قال جل وعز فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه (آية 131) قال مجاهد الحسنة ههنا العافية والرخاء لنا هذه أي بحق أصابتنا وقال غير مجاهد أي كذا العادة أن يصيبنا الخير

110 - ثم قال جل وعز وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه (آية 131) قال مجاهد السيئة ههنا البلاء ومعنى يطيروا يتشاءموا 111 - ثم قال جل وعز ألا إنما طائرهم عند الله (آية 131) قال مجاهد ألا إنما طائرهم عند الله أي إنما الشؤم فيما يلحقهم يوم القيامة مما وعدوا به من الشر 112 - ثم قال جل وعز ولكن أكثرهم لا يعلمون (آية 131) أي هم غافلون عن هذا 113 - وقوله جل وعز فأرسلنا عليهم الطوفان (آية 133)

قال عطاء الطوفان الموت وقال مجاهد هو الموت على كل حال وقال قتادة سال عليهم الماء حتى قاموا قياما فسألوا موسى أن يدعو الله أن يكشفه ففعل وقال الضحاك جاءهم من المطر شيئ كثير فسألوا موسى أن يدعو الله أن يكشفه عنهم ويرسلوا معه بني إسرائيل فدعا الله فكشفه عنهم وأمرعت البلاد وأخصبت فعادوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل فصب الله على زرعهم الجراد فأكله فسألوا موسى فدعا الله فكشف ذلك عنهم ثم عادوا قال أبو جعفر الطوفان في اللغة ما كان مهلكا من موت أو سيل أي ما يطيف بهم فيهلكهم قال مجاهد أرسل الله عليهم الجراد فأكل مساومير له

أرتجتهم ذلك وثيابهم وأرسل عليهم القمل وهو الدبى فكان يدخل في ثيابهم وفرشهم وقال عكرمة القمل الجنادب بنات الجراد وقال حبيب بن أبي ثابت القمل الجعلان والقمل عند أهل اللغة ضرب من القردان قال أبو الحسن الأعرابي العدوي القمل دواب صغار من جنس القردان إلا أنها أصغر منه واحدتها قملة وليس هذا بناقض لما قاله أهل التفسير لأنه يجوز ان تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم وهي كلها تجتمع في أنها تؤذيهم قال مجاهد كانوا يجدون الدم في ثيابهم وشرابهم وطعامهم

ومعنى آيات مفصلات بعضها منفصل عن بعض بين كل واحدة منهم مدة يروى أنه بين الآية والآية ثمانية أيام 114 - وقوله جل وعز ولما وقع عليهم الرجز (آية 134) وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد الرجز قال مجاهد وهو العذاب قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك قال أبو عبيدة بما أوصاك وأعلمك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل يروى أنهم كدوهم محمد في العمل

قال مجاهد إلى أجل هم بالغوه إلى عدة مسماة من أيامهم فأغرقناهم في اليم وهو البحر 115 - وقوله جل وعز وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها (آية 137) القوم ههنا بنو إسرائيل وكان فيهم داود وسليمان عليهما السلام قال قتادة التي بورك فيها الشام وقيل مصر 116 - ثم قال عز وجل وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا (آية 137) قيل يعني بالكلمة عسى ربكم أن يهلك عدوكم

ويستخلفكم في الأرض قال مجاهد في قوله جل وعز وما كانوا يعرشون (آية 137) قال يبنون البيوت والمساكن ومعنى يعكفون يواظبون ويلازمون إلى ومنه قيل اعتكف فلان ومعنى متبر مهلك ومدمر ويقال تبرت الشئ إذا كسرته واسم ما انكسر منه التبر 117 - وقوله جل وعز قال أغير الله أبغيكم إلها (آية 140) معنى أبغي أطلب ومعنى يسومونكم يولونكم 118 - وقوله جل وعز وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم (آية 141) يجوز أن يكون المعنى وفي إنجائه بني إسرائيل نعمة ويجوز أن يكون المعنى في سومكم كان بني إسرائيل سوء العذاب بلية عظيمة

119 - وقوله جل وعز وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر (آية 142) قال مجاهد الثلاثون ذو القعدة والعشر عشر من ذي الحجة والفائدة في قوله فتم ميقات ربه اربعين ليلة أنه قد دل على أن العشر ليال وأنها ليست بساعات وقيل هو توكيد وقيل هو بمنزلة فذلك أي فليس بعدها شئ يذكر 120 - وقوله جل وعز ولما جاء موسى لميقاتنا (آية 143) أي للميقات الذي وقتناه له وكلمة ربه أي خصه بذلك

121 - وقوله جل وعز فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا (آية 143) قال قتادة دك بعضه بعضا وقال عكرمة إنما هو جعله دكاء من الدكاوات والتقدير على هذه القراءة جعله أرضا دكاء وهي الناتئة لا تبلغ أن تكون جبلا قال عكرمة لما نظر الله جل وعز إلى الجبل صار صحراء ترابا 122 - ثم قال جل وعز وخر موسى صعقا (آية 143) قيل ميتا وقال سعيد بن عروبة عن قتادة مغشيا عليه فلما افاق قال سبحانك إني تبت إليك قال مجاهد أي تبت من أن أسألك الرؤيا وأنا أول المؤمنين أي أول من آمن أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات

لأن سؤاله كان في الدنيا قال قتادة لما أخذ الألواح فراى فيها وصف أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتقريظهم أبو فقال يا رب اجعلهم أمتي فقال تلك أمة أحمد فقال فاجعلني منهم قال إنك لن تدركهم وقال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فرضي موسى صلى الله عليه وسلم 123 - وقوله جل وعز وكتبنا له في الألواح من كل شئ (آية 145) قال سفيان أي من الحلال والحرام 124 - ثم قال تعالى موعظة وتفصيلا لكل شئ (آية 145) قال سعيد بن جبير أي تفصيلا لما أمروا به ونهوا عنه 125 - ثم قال جل وعز فخذها بقوة (آية 145)

أي بقوة في دينك وحجتك وقيل بجد وعزم 126 - ثم قال جل وعز وأمر قومك يأخذوا بأحسنها (آية 145) وكلها حسنة فقيل المعنى أنهم أمروا أن يأخذزا أو بما هو أحسن مما هو مطلق لهم وإن لن آتانا جعيعاء) مطلقين نحو قوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل فهذا مباح والعفو أحسن وقيل بأحسنها بالأحسن منها وقيل أمروا بشئ وخبروا بما لهم فيه ونهوا عن شئ وخبروا بما عليهم فيه فقيل لهم خذوا بأحسنها وقيل بالناسخ 127 - ثم قال تعالى سأريكم دار الفاسقين (آية 145) قال الحسن يعني جهنم

وقال مجاهد يعني مصيرهم في الآخرة وقرأ قسامة بن زهير سأورثكم دار الفاسقين 128 - وقوله جل وعز سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق (آية 146) قال سفيان بن عيينة أي أمنعهم من كتابي قال أبو إسحاق المعنى سأجعل جزاءهم على كفرهم الإضلال عن هداية آياتي

وقل سأصرفهم عن نفعها وقيل عن عزها ومعنى يتكبرون يحقرون الناس ويرون أن لهم فضلا عليهم ويتكبرون عن الإيمان واتباع النبي صلى الله عليه وسلم 129 - وقوله جل وعز وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا (آية 146) ويقرأ سبيل الرشد وقرأ عبد الرحمن المقرئ سبيل الرشاد قال أبو عمرو بن العلاء الرشد الصلاح والرشد

في الدين قال غيره الغي الضلال 130 - وقوله جل وعز ذلك بانهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (آية 146) ويجوز أن يكونوا في تركهم الإيمان وتدبر الحق بمنزلة الغافلين ويجوز أن يكون غافلين عما يجازون به كما يقال ما أغفل فلانا عما يراد به 131 - وقوله جل وعز واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار (آية 148) أي من بعد ما جاء للميقات من حليهم يقال لما حسن من الذهب والفضة حلي والجمع حلي وحلي عجلا جسدا أي عجلا

جثة أي لا يعقل ولا يميز وقيل لم يكن له رأس إنما كان جسدا فقط له خوار أي صوت قال مجاهد جمع الحلي فأخذ قبضة من أثر فرس جبريل صلى الله عليه وسلم فرماها عليه 132 - وقوله جل وعز ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا (آية 149) يقال للنادم المتحير سقط في يديه وأسقط ويقرأ ولما سقط في أيديهم أي ولما سقط الندم

في ايديهم 133 - وقوله جل وعز ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا (آية 150) الأسف الشديد الغضب المغيظ ويكون الحزين ومعنى أعجلتم أمر ربكم اسبقتم عبد ولم تنتظروا أمره ونهيه 134 - ثم قال جل وعز وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه (آية 150) قال مجاهد كانت من زمردة خضراء قال مجاهد في قوله ولا تجعلني مع القوم الظالمين

يعني الذين عبدوا العجل 135 - وقوله جل وعز قال رب اغفر لي ولأخي (آية 151) أي اغفر الغضب الذي القيت من أجله الألواح واغفر لأخي ما كان من مساهلته عليه في بني إسرائيل إذ كان ذلك من خشية غضب موسى حين قال إني خشيت ان تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي وقيل إنما استغفر لذنوب كانت قبل هذا الوقت لأن غضبه ايضا كان لله جل وعز وهارون عليه السلام إنما أخر بني إسرائيل لئلا يتفرقوا ويتحاربوا أبي وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لم يبق من الألواح إلا سدسها

136 - وقوله جل وعز إن الذين آتذوا (العجل سينالهم غضب من ربهم (آية 152) المعنى إن الذين اتخذوا العجل إلها حذف لعلم السامع وقيل معنى وذلة في الحياة الدنيا إنها الجزية وقيل هو ما أمروا به من أن يقتل بعضهم بعضا وما راوه من ضلالهم قال الله جل وعز ورأوا أنهم قد ضلوا قال أبو جعفر وهذا القول أصح من الأول لأن الجزية لم تؤخذ منهم وإنما أخذت من ذريتهم

137 - وقوله جل وعز ولما سكت عن موسى الغضب (آية 154) معناه سكن قال أبو إسحاق يقال سكت يسكت سكتا إذا سكن وسكت يسكت سكوتا وسكتا إذا قطع الكلام ومعنى وفي نسختها وفيما نسخ منها أي فيها هدى ورحمة قال ابن كيسان وفي نسختها فيه قولان أحدهما أنها جددت له في لوحين وقيل فيما انتسخ منها وكانت قد تكسرت فذهب أكثرها وانتسخ ما قدر عليه منها وفي تلك النسخة هدى أي بيان ورحمة أي ما يدل على ما يوجب الرحمة ولهذا قال هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون

يجوز أن يكون معنى اللام معنى من أجل كما تقول أنا أكرم فلانا لك ويجوز أن يكون المعنى رهبتهم لربهم 138 - وقوله جل وعز واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا (آية 155) أي ممن لم يعبدوا العجل والمعنى من قومه 139 - ثم قال جل وعز فلما أخذتهم الرجفة (آية 155) قال مجاهد أميتوا ثم أحيوا والرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة ويروى أنهم زلزلوا حتى ماتوا قال ابن عباس إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا من عبد

العجل ولم يرضوا عبادته قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أي أمتهم كما قال تعالى إن أمرؤ هلك قال ابن كيسان أي لو شئت أهلكتهم من قبل لأنهم أذنبوا بأنهم لم ينهوا من عبد العجل وإياي بذنبي حين قتلت القبطي فقد رحمتنا ولم تهلكنا بذنوبنا نحن أفتهلكنا بذنوب السفهاء الذين عبدوا العجل وأنت متفضل علينا بالعفو قبل هذا قال أبو جعفر حقيقة المعنى لست تهلكنا وألف الاستفهام تدل على هذا المعنى في كثير من المواضع كما تقول ما أنا أفعل مثل هذا أي لست أفعله

إن هي إلا فتنتك تضل بها أي بالفتنة من تشاء أن تبتليه ما فتجعله عاصيا 140 - وقوله عز وجل واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك (آية 156) قال مجاهد وأبو العالية وقتادة في قوله تعالى إنا هدنا إليك قالوا تبنا 141 - ثم قال جل وعز قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيئ (آية 156) قال الحسن وقتادة وسعت البر والفاجر في الدنيا وهي للتقي خاصة يوم القيامة 142 - وقوله جل وعز فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة (آية 156) روى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن

جبير عن ابن عباس قال كتبها الله جل وعز لهذه الأمة 143 - وقوله جل وعز الذين يتبعون الرسول النبي الأمي (آية 157) الأمي الذي لا يكتب وقيل نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم القرى وهي مكة الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فكان هذا من براهينه صلى الله عليه وسلم لأنه خبرهم بما في كتابهم فيجوز أن يكون يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر بما هو مكتوب عندهم ويجوز أن يكون مستأنفا ويحل لهم الطيبات يجوز أن يكون الحلال ويجوز أن يكون ما حرم عليهم من الطعام

ويحرم عليهم الخبائث العرب تقول لكل حرام خبيث ويضع عنهم إصرهم قال سعيد بن جبير الإصر شدة العبادة وروي عن مجاهد فيه قولان روى عنه ابن أبي نجيح أنه قال كانوا قد شدد عليهم فس أشياء فمن أسلم وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم خفف عنه وروى موسى بن قيس عنه أنه قال هي عهود كانت عليهم والقولان متقاربان أي ما يثقل عليهم

وكذلك الأغلال التي كانت عليهم إنما هو تمثيل أي أشياء قد كلفوعا لا وضمنوها أن فهي بمنزلة الأغلال ويروى أن أحدهم كان إذا أصاب جلده بول وجب عليه أن يقطعه وإذا قتل رجل رجلا لم يكن بد من قتله ولا تؤخذ منه دية 144 - ثم قال جل وعز فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه (آية 157) وقيل معنى وعزروه وعظموه وقيل ومنعوا منه أعداء والمعاني متقاربة واتبعوا النور الذي أنزل معه بمنزلة النور في البيان ثم قال فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته (آية 158) قال مجاهد معنى يؤمن بالله وكلمته يؤمن بالله

وبعيسى وقال غيره الكلمة والكلام ههنا على واحد 145 - وقوله جل وعز وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما (آية 160) الأسباط الفرق والواحد سبط والأسباط في ولد إسحاق صلى الله عليه وسلم بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل صلى الله عليه وسلم والأسباط مأخوذ من السبط وهو شجر تعلفه الإبل ومعنى فانبجست فانفجرت 146 - وقوله جل وعز واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر (آية 163) أمره أن يسألهم سؤال توبيخ ليقررهم بما يعرفونه من عصيان آبائهم ويخبرهم بما لا يعرف إلا من كتاب أو وحي حدثنا أبو جعفر قال نا محمد بن إدريس قال نا

يونس قال أخبرنا ابن وهب وكذا أخبرني حيوة عن عقيل عن ابن شهاب قال القرية التي كانت حاضرة البحر طبرية والقرية التي قال فيها واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إنطاكية وعن ابن عباس التي كانت حاضرة البحر أيلة ومعنى يعدون يعتدون ويجاوزون الحق والشرع الظاهرة وقرأ الحسن يسبتون أي يدخلون في السبت مثل أهللنا ومن فتح الباء قال معناه يعظمون السبت كما كانوا يعظمونه هذا قول الكلبي وأبي عبيدة

قال مجاهد كانت الحيتان تأتيهم يوم السبت من غير أن يطلبوها ابتلاء من الله جل وعز لهم أي اختبارا 147 - وقوله جل وعز وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا (آية 164) معنى أو هاهنا لأحد الأمرين أي قد ظهر منهم ما سيلحقهم من أجله أحد هذين قالوا معذرة إلى ربكم أي موعظتنا معذرة أي إنما يجب علينا أن نأمرهم بالمعروف ولعلهم يرجعون بموعظتنا فلما نسوا ما ذكروا به أي تركوا أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس قال ابن عباس ما أدري ما فعل بالفرقة التي لم تأمر ولم تنه

وقال غيره نجيت لأنها لم تشارك كالذين عصوا قال مجاهد بئيس أليم شديد وهذا معروف في اللغة يقال بؤس فهو يبأس إذا اشتد ومن قرأ بيس ففيه قولان قال الكسائي الأصل فيه بئس خففت الهمزة فالتقت ياءان فحذفت إحداهما وكسر أوله كما يقال رغيف وشهيد وقيل أراد بئس على فعل فكسر أوله وخففت الهمزة وحذفت الكسرة كما يقال رحم ورحم قال أبو إسحاق بئيس أي شديد وقد بئس إذا افتقر وبؤس إذا اشتد قال علي بن سليمان بيس ردئ وليس بجار على

الفعل أنما هو كما يقال ناقة نضو والعرب تقول جاء ببنات بيس أي ببنات شيئ ردئ قال أبو جعفر وفيه قراءات سوى هاتين سنذكرها في الإعراب إن شاء الله 148 وقوله جل وعز وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب (آية 167) قال أهل التفسير معناه أعلم ربك وهذا قول حسن لأنه يقال تعلم بمعنى أعلم وأنشد أبو إسحاق لزهير في مثل هذا فقلت تعلم إن للصيد غرة فإن لا تضيعها فإنك قاتله وروي عن ابن عباس أنه قال في قوله جل وعز ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب قال يعني أخذ

الجزية فإن قيل فهم قد مسخوا فكيف تؤخذ منهم الجزية فالجواب إنها تؤخذ من أبنائهم وقد مسخوا ولحق أولادهم الذل فهم أذل قوم وهم اليهود حدثنا أبو جعفر قال نا أحمد بن محمد بن سلامة قال نا عيسى بن إسحاق الأنصاري قال نا يحيى بن عبد الحميد الحماني عن يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد ابن جبير في قول الله تعالى وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة قال العرب من يسومهم سوء العذاب قال الخراج وقيل عليهم على اليهود بين أنه كان أخبر بذلك 149 - ثم قال جل وعز وقطعناهم في الأرض أمما (آية 168)

أي فرقناهم فرقا 150 - وقوله جل وعز وبلوناهم بالحسنات والسيئات (آية 168) أي واختبرناهم بالشدة والرخاء والخصب والجدب 151 - وقوله جل وعز فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتباب الله (آية 169) قال مجاهد يعني النصارى وقال غيره يعني أبنائهم قال أبو جعفر وهذا أولى القولين والله أعلم لأنه يقال لولد الرجل خلفه يقال للواحد وللاثنين والجمع والمؤنث على لفظ واحد والجمع خلوف

وقيل إنما يستعمل للردئ من الأبناء فأما الخلف بتحريك اللام فهو البدل من الشئ من ولد أو غيره 152 - ثم قال جل وعز يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا (آية 169) قال ابن عباس رحمه الله يستقبلون الدنيا فيأكلونها ويتأولون كتاب الله هذا معنى قوله تعالى وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه قال مجاهد يأخذون في يومهم ما كان من حلال أو حرام وإن وجدوا ذلك لغد أخذوه وقال غيره يأخذون الرشى في الحكم ويقولون سيغفر

لنا وهم لا يتوبون ودل على انهم لا يتوبون قوله تعالى وإن يأتهم عرض مثله يأخذو والعرض في اللغة متاع الدنيا أجمع والعرض بتسكين الراء ما كان من المال سوى الدنانير والدراهم وما كان من الدنانير والدراهم قيل له نقد وغيره ومعنى ودرسوا ما فيه أي قد قرأوه وهم قريبو عهد بقراءته 153 - ثم قال تعالى والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المحسنين (آية 170) معنى يمسكون بالكتاب يتبعون ما فيه ويحكمون به إنا لا نضيع أجر المحسنين أي من أصلح منهم وآمن ولم يعاند 154 - وقوله جل وعز وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة (آية 171)

يقال نتقت الشئ أنتقه قال نتقا ونتوقا عن إذا زعزعته ورميت به أو قطعته منه امرأة ناتق أي كثيرة الولد كأنها ترمي بالأولاد ويقال نتقت السقاء إذا نقضته لتخرج ما فيه من الزبد قال قتادة رفع الجبل على رؤوسهم وقال لهم موسى صلى الله عليه وسلم إن قبلتم ما في الكتاب وإلا سقط عليكم ومعنى بقوة بجد 155 - وقوله جل وعز وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم (آية 172) أحسن ما قيل في هذا ما تواترت به الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جل وعز مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريته أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق فكأن يفهمهم ما أراد جل وعز كما قال تعالى قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم

وفي الحديث كل مولود يولد على الفطرة أي على ابتداء أمره حين أخذ عليهم العهد حدثنا أبو جعفر قال نا عبد الله بن إبراهيم المقرئ البغدادي بالرملة قال نا عباس الدوري قال نا عبد الله بن موسى قال نا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبي بن كعب في هذه الآية وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم إلى قوله المبطلون قال جمعهم فجعلهم أزواجا ثم صورهم ثم استنطقهم فقال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا إنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك ولا إله لنا غيرك قال فارسل إليكم رسلي وأنزل عليكم كتبي فلا تكذبوا رسلي وصدقوا وعيدي وإني سأنتقم ممن اشرك بي ولم يؤمن بي فأخذ عهدهم وميثاقهم وذكر الحديث

قال أبو جعفر ونذكر حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في معنى هذه الاية في الإعراب وغيره إن شاء الله 156 - ثم قال جل وعز قالوا بلى (آية 172) وهذا التمام على قراءة من قرأ أن تقولوا بالتاء قال أبو حاتم وهي مذهبنا لقوله ألست بربكم يخاطبهم فقال على المخاطبة أن تقولوا أي لأن لا تقولوا وقرأ بن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما أن يقولوا بالياء والمعنى على هذه القراءة وأشهدهم على أنفسهم كراهة أن يقولوا 157 - وقوله جل وعز واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها (آية 175)

وروى شعبة عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال هو بلعام وروى ابن أبي جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد عن ابن عباس قال هو بلعام بن باعر من بني إسرائيل قال سعيد بن جبير كان معه اسم الله الأعظم فسألوه أن يدعوا الله على موسى عليه السلام واصحابه فقال أخروني وكان لا يدعو على أحد حتى يرى ذلك في نومه فبات فنهي في نومه فعادوا إليه وكان موسى صلى الله عليه وسلم قد جاءهم في ثمانين ألفا خلف الفرات فلما سألوه أن يدعو عليه بعدما نهي قال لهم أخرجوا إلى أصحابه النساء ليفتتنوا فتنتصروا عليهم فانسلخ مما كان فيه وكان قد أمر في نومه أن يدعو له قال عبد الله بن عمرو بن العاص رحمهما الله هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت

وقال عكرمة هو من كان من اليهود والنصارى لم يصح إسلامه يذهب إلى أنهم منافقوا أهل الكتاب وقال ابن عباس في قوله تعالى فانسلخ منها هو ما نزع منه من العلم 158 - ثم قال جل وعز فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين (آية 175) يقال اتبعه إذا أدركه وتبعه إذا سار في أثره هذا الجيد وقيل هما لغتان 159 - وقوله جل وعز ولو شئنا لرفعناه بها (آية 176)

قال مجاهد أي لرفعناه عنه ومعناه لعصمناه من مما فعل 160 - ثم قال جل وعز ولكنه أخلد إلى الأرض (آية 176) قال مجاهد أي سكن والتقدير إلى نعيم الأرض ولذاتها 161 - وقوله جل وعز فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث (آية 176) قال مجاهد أي إن تحمل عليه بدابتك أو رجلك يلهث أو تتركه يلهث وكذلك من يقرأ الكتاب ولا يعمل بما فيه وقال غير مجاهد هذا شر تمثيل في أنه قد غلب عليه هواه حتى صار لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بكلب لاهث أبدا حمل عليه أو لم يحمل عليه هو لا يملك ترك اللهثان

162 - وقوله جل وعز ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس (آية 179) أي خلقنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس يقال ذرا الله خلقه يذرؤهم ذرءا أي خلقهم وقوله تعالى أولئك كالنعام وصفهم بأنهم بمنزلة من لا يعقل 163 - ثم قال جل وعز بل هم أضل (آية 179) لأن الأنعام إذا أبصرت مضارها اجتنبتها أو أكثرها ولا تكفر معاندة 164 - وقوله جل وعز ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها (آية 180) روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من أحصاها دخل الجنة

وقال بعض أهل اللغة يجب على هذا أن لا يدعى الله عز وجل إلا بما وصف به نفسه فيقال يا جواد في ولا يقال يا سخي 165 - وقوله جل وعز وذروا الذين يلحدون في أسمائه (آية 180) قال ابن جريج اشتقوا العزى من العزيز واللات من الله قال أبو جعفر والإلحاد في اللغة الجور والميل ومته بن لحد القبر لأنه ليس في الوسط إنما هو مائل في ناحيته قال أبو جعفر وفرق الكسائي بين ألحد ولحد فقال ألحد عدل عن القصد ولحد ركن إلى الشئ

وعلى هذا قرأ في النحل يلحدون بفتح الياء بمعنى الركون 166 - وقوله جل وعز والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (آية 182) يقال استدرج فلان فلانا إذا اتى بأمر يريد ليلقيه في هلكة ولا يكون الاستدراج إلا حالا بعد حال ومنه فلان يدرج فلانا ومنه أدرجت الثوب 167 - وقوله جل وعز وأملي لهم إن كيدي متين (آية 183) ومعنى أملي أؤخر والملاوة القطعة من الدهر ويقال بالضم والكسر ومنه تمل حبيبك والمتين الشديد

168 - وقوله جل وعز أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض (آية 185) قال سفيان يعني خلق السموات والأرض 169 - وقوله جل وعز يسألونك عن الساعة أيان مرساها (آية 187) قال قتادة أي متى قيامها وقال غيره يقال رسى الشئ يرسو رسوا إذا ثبت وأرسيته هذه أثبته 170 - ثم قال جل وعز قل إنما علمها عند ربي (آية 187) أي لا يعلم متى قيامها غلا الله 171 - ثم قال جل وعز لا يجليها لوقتها إلا هو (آية 187) يقال جلى لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه

172 - ثم قال جل وعز ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة (آية 187) أي خفي علمها وإذا خفي الشئ ثقل وقيل أي ثقلت المسالة عنها أي عظمت 173 - ثم قال جل وعز لا تأتيكم إلا بغتة (آية 187) أي فجأة 174 - وقوله جل وعز يسألونك كأنك خفي عنها (آية 187) قال قتادة قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم نحن أقرباؤك فأسر إلينا متى الساعة فانزل الله جل وعز يسألونك كأنك حفي عنها أي حفي بهم والمعنى على هذا التقديم والتأخير أي يسألونك عنها

كأنك حفي لهم أي فرح لسؤالهم وهو معنى قول سعيد بن جبير أبي يسالونك كأنك حفي لهم 175 - وقوله جل وعز ولو كنت أعلم الغيب لا ستكثرت من الخير (آية 188) روي عن ابن عباس أنه قال لو أني أعلم سنة القحط والجدب لهيأت لها ما يكفيني وقيل لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العبادة فيكون الخير ها هاهنا هن العبادة وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسال عما في قلوب الناس وما يسرونه فقال لو كنت أعلم الغيب أي ما يسرونه وما يقع بكم حتى تحذروا مكروهه لكان أحرى أن تجيبوني إلى ما أدعوكم

لاستكثرت من الخير أي من إجابتكم إلى ما أدعوكم وما مسني السوء منكم بتكذيب أو عداوة إذ كنت عندكم كذلك ودل على هذا الجواب إن أنا إلا نذير أي لست أعلم من الغيب إلا ما علمني الله وقيل ولو كنت أعلم الغيب أي كتب الله وقال الحسن لاستكثرت من الخير من الوحي 176 - وقوله جل وعز هو الذي خلقكم من نفس واحدة (آية 189) يعني آدم صلى الله عليه وسلم وجعل منها زوجها يعني حواء فلما تغشاها كناية عن الجماع حملت حملا خفيفا فمرت به قال الحسن أي فاستمرت به والمعنى أنها مرت به وجاءت لم يثقلها

وقرأ ابن يعمر فمرت به خفيف أي شكت في الحمل روي عن ابن عباس رحمه الله فاستمرت به قال أبو حاتم أي استمر بها الحمل فقلب الكلام كما يقال أدخلت الخف في رجلي فلما أثقلت أي استبان حملها دعوا الله ربهما لئن آتينا صالحا قال الحسن أي غلاما وقال أبو البختري خافا ان يكون بهيمة 177 - ثم قال جل وعز فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما (آية 190)

روى خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال أتاهما إبليس فقال أنا أخرجتكما من الجنة فإن أطعتماني وإلا جعلت له قرنين فشق بطنك أو أخرجته ميتا فقضي أن يخرج ميتا ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقضي أن يخرج ميتا ثم حملت حملا آخر فقال لهما مثل ذلك فقالت له حواء فيم تريد ان أطيعك قال سميه عبد الحارث فسمته فقال الله جل وعز جعلا له شركاء فيما آتاهما قال غيره يعني في التسمية خاصة وكان اسم إبليس الحارث

178 - ثم قال تعالى فتعالى اله عما يشركون (آية 190) أي عما يشرك الكفار ويدل على هذا أيشركون ما لا يخلق شيئا يعني الأصنام وروي عن عكرمة أنه قال لم يخص بهذا آدم وحواء وحدهما والتقدير على هذا الجنس كله أي خلق كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل منها أي من جنسها زوجها فلما تغشاها على الجنس كله وكذا دعوا يراد به الجنسان الكافران ثم حمل فتعالى الله عما يشركون على معنى الجميع فهذا أولى والله أعلم من أن ينسب إلى الأنبياء عليهم السلام مثل هذا

وقال بعض أهل النظر يراد به غير آدم وحواء وإنما ذكرا لأنهما أصل الناس 179 - وقوله جل وعز إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم (آية 194) أي الله جل وعز يهلكهم كما يهلككم وروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم وإن ها هنا بمعنى ما والمعنى ما الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم أي هم الأصنام والقراءة الأولى أكثر وأعرف والسواد عليها 180 - وقوله جل وعز إن وليي الله الذي نزل الكتاب (آية 196) قال الأخفش وقرئ إن ولي الله الذي نزل الكتاب يعني جبريل صلى الله عليه وسلم

قال أبو جعفر هي قراءة عاصم الجحدري والقراءة الأولى أولى لقوله تعالى وهو يتولى الصالحين 181 - وقوله جل وعز وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون (آية 198) يعني الأصنام قال الكسائي يقال داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت قريبة منها 182 - وقوله جل وعز خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (آية 199) قال عطاء العفو الفضل

قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة ما كان فضلا ولم يكن بتكلف حدثنا أبو جعفر قال نا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال أنبأنا داود الضبي قال نا مسلم بن خالد عن ابن ابي نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز خذ العفو قال خذ من أخلاقهم وأعمالهم في غير تجسس قال الضحاك والسدي هذا قبل أن تفرض الصدقة وقد نسخته الزكاة وقال وهب بن كيسان سمعت ابن الزبير رحمه الله يقول خذ العفو والله ما أمر أن يؤخذ إلا من أخلاق الناس والله لآخذنه منهم ما صحبتهم 183 - ثم قال جل وعز وأمر بالعرف (آية 199)

والعرف المعروف 184 - وقوله جل وعز وإما ينزغنك من الشيطان نزغ (آية 200) النزغ أدنى حركة 185 - وقوله جل وعز إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا (آية 201) قال مجاهد الطيف سنة الغضب قال الكسائي الطيف اللمم والطائف كل ما طاف حول الإنسان وقال أبو عمرو الطيف الوسوسة وحقيقته في اللغة من طاف يطيف إذا تخيل في القلب أو رؤي في النوم وهو طائف وطيف بمعناه

186 - وقوله جل وعز وإخوانهم يمدونهم في الغي (آية 202) أي يزيدونهم 187 - وقوله جل وعز وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها (آية 203) قال قتادة أي جئت بها من عند نفسك وكذلك هو في اللغة يقال اجتبيت الشئ وارتجلته واخترعته واختلقته إذا جئت به من عند نفسك 188 - وقوله جل وعز ودون الجهر من القول بالغدو والآصال (آية 205) الآصال العشايا الواحد أصل وواحد أصل أصيل

189 - وقوله جل وعز وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا (آية 204) هذا عام يراد به الخاص وقال إبراهيم النخعي وابن شهاب والحسن هذا في الصلاة وقال عطاء هذا في الصلاة والخطبة قال أبو جعفر القول الأولى أول لأن الخطبة يجب السكوت فيها إذا قرئ القرآن وإذا لم يقرأ والدليل على صحة ما رواه إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة قال كانوا يتكلمون في الصلاة فأنزل الله جل وعز وإذا قرئ القرآن إلى آخرها

قال أبو جعفر ولم يختلف في معنى قوله تعالى واذكر ربك في نفسك أنه في الدعاء وقال بعضهم في قوله جل وعز فاستمعوا له وأنصتوا كان هذا لرسول الله خاصة ليعيه عنه صلى الله عليه وسلم أصحابه (تمت سورة الأعراف)

تفسير سورة الأنفال

تفسير سورة الأنفال مدنية وآياتها 75 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الأنفال وهي مدنية 1 - قوله جل وعز يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول (آية 1) قال ابن عباس نزلت في يوم بدر وروى إسرائيل عن سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن أبيه قال أصبت سيفا يوم بدر فاستحسنته فقلت يا رسول الله هبه لي فنزلت يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول قال أبو جعفر المعروف من قراءة سعد بن أبي وقاص

يسألونك الأنفال بغير عن هكذا رواه شعبة عن سماك عن مصعب عن أبيه قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم في يوم بدر من قتل قتيلا فله كذا ومن أسر أسيرا فله كذا فلما فتح لهم جاءوا يطلبون ذلك فقام سعد والأشياخ فقالوا يا رسول الله إنما قمنا هذا المقام ردءا لكم لا جبنا فنزلت يسألونك عن الأنفال فسلموا الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نزلت بعد واعلموا أنما غنمتم من شئ فان لله خمسه فبين الله جل وعز في هذا أن الأنفال صارت من الخمس لا من الجملة قال مجاهد وعكرمة هي منسوخة نسخها واعلموا أن ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه إلى آخر الآية

قال مجاهد والأنفال الغنائم قال أبو جعفر والأنفال في اللغة ما يتطوع به الإمام مما لا يجب عليه نحو قوله من جاء بأسير فله كذا ومنه النافلة من الصلوات ثم قيل للغنيمة نفل لأنه يروى أن الغنائم لم تحل لأحد إلا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فكأنهم أعطوها نافلة 2 - وقوله جل وعز فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم (آية 1) الذات الحقيقة والبين الوصل ومنه لقد تقطع بينكم 3 - وقوله جل وعز إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم (آية 2) قال ابن أبي نجيح أي فرقت وأنشد أهل اللغة لعمرك ما أدري وإني لأوجل على أينا تغدو المنية أول

وروى سفيان عن السدي في قوله جل وعز الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم قال إذا أراد أن يظلم مظلمة قيل له اتق الله كف ووجل قلبه 4 - ثم قال جل وعز وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا (آية 2) أي صدقوا بها فازدادوا إيمانا قال الحسن الذين يقيمون الصلاة الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وخشوعها وقال مقاتل بن حيان إقامتها أن تحافظ على مواقيتها وإسباغ الطهور فيها وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا إقامتها

5 - وقوله جل وعز كما أخرجك ربك من بيتك بالحق (آية 5) فيه أقوال (أ) قال الكسائي المعنى يجادلونك في الحق مجادلتهم كما أخرجك ربك من بيتك بالحق (ب) قال أبو عبيدة ما بمعنى الذي أي والذي أخرجك هذا معنى كلامه (ج) وقول ثالث وهو أن المعنى قل الأنفال لله والرسول كما أخرجك ربك من بيتك بالحق أي كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وهم كارهون قل الأنفال لله والرسول وإن كرهوا

وقيل كما أخرجك ربك من بيتك متعلق بقوله تعالى لهم درجات عند ربهم أي هذا الوعد لهم حق في الاخرة كما أخرجك ربك من بيتك بالحق فانجز وعدك بالظفر 6 - ثم قال جل وعز يجادلونك في الحق بعد ما تبين (آية 6) فكما كان هذا حقا فكذلك كل ما وعدكم به حق يجادلونك في الحق بعد ما تبين وتبيينه أنه لما خبرهم بخبر بعد خبر من الغيوب حقا وجب أن لا يشكوا في خبره وأحسنها قول مجاهد أن المعنى كما أخرجك ربك من بيتك أي من المدينة إلى بدر على كره كذلك يجادلونك في الحق لأن كلا الأمرين قد كان مع قرب احدهما من الآخر فذلك أولى مما بعد عنه

7 - وقوله جل وعز وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين انها لكم (آية 7) قال قتادة الطائفتان أبو سفيان معه العير وابو جهل معه نفير قريش وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبون أن يظفروا بالعير واراد الله عز وجل غير ذلك والشوكة السلاح 8 - ثم قال جل وعز ويريد الله أم يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين (آية 7) أي كان في ظهورهم على المشركين وإمدادهم بالملائكة ما أحق به الحق وقطع دابر الكافرين

9 - وقوله جل وعز فاستجاب لكم أني ممدكم بالف من الملائكة مردفين (آية 9) قال ابن عباس أي متتابعين وقال أبو جعفر قال أهل اللغة يقال ردفته وأردفته إذا تبعته قال مجاهد مردفين أي ممدين 10 - وقوله جل وعز وما جعله الله إلا بشرى (آية 10) يعني الإمداد ويجوز أن يكون يعني الإرداف 11 - وقوله جل وعز إذ يغشيكم النعاس أمنة منه (آية 11)

قال ابن أبي نجيح كان المطر قبل النعاس ويقال أمن يأمن أمنا وأمانا وأمنة وأمنة وروي عن ابن محيصن أنه قرأ أمنة بإسكان الميم وقال عبد الله بن مسعود النعاس في الصلاة من الشيطان وفي الحرب أمنة 12 - ثم قال جل وعز وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به (آية 11) قال الضحاك سبق المشركون المسلمين إلى الماء ببدر فبقي المسلمون عطاشا محدثين مجنبين لا يصلون إلى الماء فوسوس إليهم الشيطان فقال إنكم تزعمون أنكم على الحق وأن فيكم النبي وعدوكم معه الماء وأنتم لا تصلون إليه فأنزل الله جل وعز المطر فشربوا منه حتى رووا واغتسلوا وسقوا دوابهم

قال ابن أبي نجيح رووا من الماء وسكن الغبار وقال غيره كان ذلك من الآيات العظام لأنهم كانوا على سبخة لا تثبت فيها الأقدام فلما جاء المطر ثبتت أقدامهم 13 - ثم قال جل وعز ويذهب عنكم رجز الشيطان (آية 11) قال ابن ابي نجيح أي وساوسه قال الضحاك وأما قوله ويثبت به الأقدام فإنه كانت به رميلة لا يقدر احد أن يقف عليها فلما جاء المطر ثبتت الأقدام عليها 14 - وقوله عمرو جل وعز إذ يوحى ربك إلئ الملائكة قبل أني معكم فثبتوا الذين آمنوا (آية 12)

يجوز أن يكون المعنى ثبتوهم بشئ تلقونه في قلوبهم ويجوز ان يكون المعنى ثبتوهم بالنصر والقتال عنهم 15 - وقوله جل وعز فاضربوا فوق الأعناق (آية 12) قيل إن فوق ها هنا زائدة وإنما ابيحوا يحيى ان يضربوهم على كل حال ويدل عليه واضربوا منهم كل بنان لأن البنان أطراف الأصابع الواحدة بنانة مشتق من قولهم أبن بالمكان إذا أقام به 16 - ثم قال جل وعز ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله (آية 13) أي خالفوا كأنهم صاروا في شق آخر

17 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار (آية 15) أي إذا واقفتموهم يقال زحفت له إذا ثبت وقيل التزاحف التداني والتقارب أي متزاحف الرحمن بعضهم إلى بعض 18 - ثم قال جل وعز ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله (آية 16) قال الحسن كان هذا يوم بدر خاصة وليس الفرار من الزحف من الكبائر وروى شعبة عن داود بن ابي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال نزلت في يوم بدر حدثنا أبو جعفر قال نا ابن سماعه قال نا أبو نعيم قال نا موسى بن محمد عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد ومن يولهم يومئذ

دبره إلى قوله وبئس المصير قال ذلك يوم بدر وقال عطاء هي منسوخة إلى قوله فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين أهل بدر لم يكن لهم إمام ينحازون إليه إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم معهم فلم يكن لهم أن يرغبوا بانفسهم عن نفسه وفي حديث ابن عمر حصنا حيصة في جيش فخفنا فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون فقال أنا فئتكم

وكذا قال عمر يوم القادسية أنا فئة كل مسلم وقيل ذا عام لأن ذلك حكم من إلا أن يقع دليل فإن خاف رجل على نفسه وتيقن انه لا طاقة له بالمشركين فله الرجوع لئلا يلقي بيده إلى التهلكة 19 - ثم قال جل وعز فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم (آية 17) وقال ابن أبي نجيح لما قال هذا قتلت وهذا قتلت 20 - ثم قال سجل وعز وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى (آية 17) قال ابن أبي نجيح هذا لما حصبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو جعفر وحقيقة هذا في اللغة إنهم خوطبوا على ما يعرفون لن لأن عددهم كان قليلا وأبلغوا من المشركين ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حصبهم بكفه فلم يبق أحد من المشركين إلا وقع في

عينه أي فلو كان إلى ما في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل إلى ذلك الجيش العظيم ولكن الله فعل بهم ذلك والتقدير والله أعلم وما رميت بالرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء في وجوههم وقلت شاهت الوجوه ولكن الله رمى بالرعب في قلوبهم وقيل المعنى وما رميت الرمي الذي كانت به الإماتة ولكن الله رمى 21 - ثم قال جل وعز وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا (آية 17) والبلاء ها هنا النعمة

22 - وقوله جل وعز إن تستفتحو وكان فقد جاءكم الفتح (آية 19) قال مجاهد أي إن تستنصروا وقال الضحاك قال أبو جهل اللهم انصر أحب الفئتين إليك فقال الله عز وجل إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح والمعنى عند أهل اللغة إن تستدعوا روى الفتح وهو النصر 23 - وقوله جل وعز ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون (آية 21) لأنهم استمعوا استماع عداوة ويبينه قوله إن شر الدواب

عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون أي هم بمنزلة الصم في أنهم لا يسمعون سماع من يقبل الحق وبمنزلة البكم لأنهم لا يتكلمون بخير ولا يعقلونه 24 - ثم قال جل وعز ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم (آية 23) أي لأسمعهم جواب كل ما يسألون عنه 25 - ثم قال جل وعز ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون (آية 23) أي لو أخبرهم بكل ما يسألون عنه لأعرضوا وكفروا معاندة وحسدا 26 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول (آية 24) أبو عبيدة يذهب إلى أن معنى استجيبوا أجيبوا وأنشد

وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب 27 - ثم قال جل وعز إذا دعاكم لما يحييكم (آية 24) أي لما تصيرون به إلى الحياة الدائمة في الآخرة 28 - ثم قال جل وعز واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه (آية 24) قال سعيد بن جبير يحول بين المؤمن وبين الكفر وبين الكافر وبين الأيمان وقال الضحاك يحول بين المؤمن والمعصية وبين الكافر والطاعة قال أبو جعفر وأول هذا القول بعض أهل اللغة أن

معناه يحول بينهما وبين ذنبك بالموت وقيل هو تمثيل أي هو قريب كما قال جل وعز ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وقيل كانوا ربما خافوا من عدوهم فأعلمهم الله جل وعز أنه يحول بين المرء وقلبه فيبد ولم لهم من الخوف أمنا ويبدل عدوهم من الأمن خوفا 29 - وقوله جل ؤز بين واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة (آية 25) قيل إنها تعم الظالم وغيره وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة قال أمر الله المؤمنين ان لا يقروا المنكر

بين أظهرهم فيعمهم الله بالعذاب وقال الضحاك هي في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة وروي عن الزبير انه قال يوم الجمل لما لقي ما توهمت أن هذه الاية نزلت فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا اليوم واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وقول آخر وهو قول أبي العباس محمد بن يزيد انه نهي بعد أمر نهي الفتنة والمعنى في النهي للظالمين أي لا تقربن الظلم وحكى سيبويه لا أرينك ها هنا أي لا تكن ها هنا فإنه من كان ها هنا رايته وأبو إسحاق يذهب إلى أن معناه الخبر وجاز دخول التون في الخبر لأن فيه قوة الجزاء قال أبو جعفر ورأيت علي بن سليمان يذهب إلى أنه

دعاء 30 - وقوله جل وعز واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس (آية 26) قال وهب بن منبه يعني بالناس فارس وقال عكرمة كفار قريش قال السدي فآواكم إلى المدينة 31 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا (آية 29) قال مجاهد وعطاء والضحاك أي مخرجا قال مجاهد في قوله يوم الفرقان قال يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل قال أبو جعفر والفرقان في اللغة بمعنى الفرق يقال فرقت بين الشيئين فرقا وفرقانا

32 - وقوله جل وعز وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك (آية 30) يقال أثبته إذا حبسته قال مجاهد أراد الكفار أن يفعلوا هذا النبي صلى الله عليه وسلم قبل خروجه من مكة وقال غيره اجتموا فقالوا نحبسه في بيت ونطعمه ونسقيه فيه أو نقتله جميعا جميعا قتل رجل واحد أو نخرجه فتكون بليته على غيرنا فعصمه الله عز وجل منهم

وفي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس ليثبتوك هي ليوثقوك 33 - وقوله جل وعز وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم (آية 32) قال مجاهد الذي قال هذا النضر بن الحارث بن كلدة ويروى ان هذا قيل بمكة ويدل على هذا قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم قيل في هذه الاية أقوال روي عن ابن عباس ان النضر بن الحارث قال هذا يريد أهلكنا ومحمدا ومن معه عامة فأنزل الله وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم إلى وهم يستغفرون أي ومنهم قوم يستغفرون يعني المسلمين وما لهم ألا يعذبهم الله خاصة فعذبهم بالسيف بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم عنهم وفي ذلك نزلت سأل سائل بعذاب واقع

وروى الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ان المستفتح يوم بدر أبو جهل وانه قال اللهم اخز أقطعنا للرحم فهذا استفنتاحه أهل وقال عطية في قوله جل وعز وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم يعني المشركين حتى يخرجه عنهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون يعني المؤمنين قال ثم رجع إلى الكفار فقال وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام قال أبو جعفر وهذا قول حسن ومعناه وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله وأنت بين أظهرهم

وكذلك سنته في الأمم 34 - ثم قال جل وعز وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون (آية 33) وعاد الضمير على من آمن منهم 35 - ثم قال جل وعز وما لهم ألا يعذبهم الله (آية 34) أي إذا خرجت من بين أظهرهم ويجوز ان يكون معناه وما لهم ألا يعذبهم الله في القيامة وقيل معناه وما كان اله معذبهم لو استغفروه على غير ايجاب لهم كما تقول لا أغضب عليك أبدا وأنت تطيعني أي لو أطعتني لم أغضب عليك على غير ايجاب منك لطاعته وقال مجاهد معناه وما كان الله عذبهم وهم مسلمون قال أبو جعفر ومعنى هذا وما كان الله معذبهم ومنهم من يؤول أمره إلى الإسلام وروي عنه وفي أصلابهم من يستغفر

36 - ثم قال جل وعز وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية (آية 35) روى عطية عن ابن عمر أنه قال المكاء الصفير والتصدية التصفيق قال ابن شهاب يستهزؤن بالمؤمنين وروى ابن أبي جريج وابن ابي نجيح أنه قال المكاء إدخالهم أصابعهم في أفواهم والتصدية الصفير يريدون ان يشغلوا بذلك محمدا صلى الله عليه وسلم عن الصلاة قال أبو جعفر والمعروف في اللغة ما روي عن ابن عمر حكى أبو عبيدة وغيره انه يقال مكا يمكو ومكاء إذا صفر وصدى يصدي تصدية إذا صفق

قال أبو جعفر ويبعد قول ابن زيد التصدية صدهم عن دين الله لأن الفعل من هذا صددت إلا ان تقلب إحدى داليه ياء مثل تظنيت من ظننت وكذا ما روي عن سعيد بن جبير التصدية صدهم عن بيت الله 37 - وقوله جل وعز إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله (آية 36) قال مجاهد يعني أبا سفيان وما أنفق على أصحابه يوم أحد 38 - وقوله جل وعز ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا (آية 37) يقال ركمت الشئ إذا جعلت بعضه فوق بعض

39 - وقوله جل وعز فيجعله في جهنم (آية 37) أي الخبيث ليعذبوا به ويعني بالخبيث الكفار كذا قال ابن عباس ميز أهل السعادة من أهل الشقاء أي بأن اسكن هؤلاء الجنة وهؤلاء النار أي فيجعل الكفار بعضهم فوق بعض فيجعلهم ركاما أي يجمع بعضهم إلى بعض حتى يكثروا أولئك رده إلى الكافرين ورد فيجعله إلى الخبيث على لفظه ليعذبوا به كما قال تعالى (فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم) وقوله جل وعز وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين (آية 38) قال مجاهد يوم بدر للأمم قبل ذلك فقد فرق الله جل وعز بين الحق والباطل 40 - وقوله جل وعز وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة (آية 39)

المعنى حتى لا تكون فتنة كفر ودل على هذا الحذف قوله تعالى ويكون الدين كله لله 41 - ثم قال جل وعز وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير (آية 40) أي وإن عادوا إلى الكفر وعداوتكم فاعلموا أن الله مولاكم أي وليكم وناصركم فلا تضركم عداوتهم 42 - وقوله جل وعز واعلموا أنما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل (آية 41) اختلف في معنى هذه الآية فقال قوم يقسم الخمس على خمسة أجزاء فأربعة منها لمدة شهر الحرب وواحد منها مقسوم على خمسة فما كان منه للرسول

صير فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيرة حديث فيه ويروى أنه كان يصيره تقوية للمسلمين وأربعة لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وهذا مذهب الشافعي رحمه الله وقال بعضهم يقسم هذا السهم على قلته أجزاء للفقراء والمساكين وابن السبيل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة وهذا مذهب أبي حنيفة وقال بعضهم إذا رأى الإمام أن يعطي هؤلاء المذكورين أعطاهم وإن رأى أن غيرهم أحق منهم أعطاهم قال ولو كان ذكرهم بالسهمية عند يوجب أن لا يخرج عن جملتهم لما جاز إذا ذكر جماعة أن يعطى بعضهم دون بعض وقد قال الله عز وجل إنما الصدقات للفقراء والمساكين إلى آخر الآية ولو جعلت في بعضهم دون بعض لجاز ولكنهم ذكروا لأنهم من أهم من يعطى وقال جل وعز قل ما أنفقتم من خير فللوالدين

والأقربين وله أن يعطي غير من سمي وهذا مذهب مالك وأما معنى فأن لله فهو افتتاح كلام قال قيس بن مسلم الجدبي لأنه سألت الحسن بن محمد واعلموا أن ما غنمتم من شيئ فأن لله خمسه فقال هو افتتاح كلام ليس لله نصيب لله الدنيا والآخرة حدثنا أبو جعفر قال نا محمد بن الحسن بن سماعة قال نا أبو نعيم قال نا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية واعلموا أن ما غنمتم من شيئ فأن لله خمسه قال يجاء بالغنيمة فتوضع فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم فيعزل سهما منها ويقسم الأربعة بين الناس ثم يضرب

بيده في جميع السهم الذي عزله فما قبض عليه من شيئ جعله للكعبة فهو الذي سمي لله ويقول لا تجعلوا لله نصيبا فإن لله الدنيا والآخرة قال ثم يقسم السهم الذي عزله على خمسة أسهم سهم للنبي صلى الله عليه وسلم وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل وقيل معنى فأن لله خمسه فأن لسبيل الله مثل واسأل القرية 43 - وقوله جل وعز إن كنتم آمنتم بالله (آية 41) أي إن كنتم آمنتم بالله فاقبلوا ما أمركم به وقيل المعنى فاعلموا أن الله مولاكم وناصركم إن كنتم آمنتم به

44 - وقوله جل وعز وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان (آية 41) قال مجاهد هو يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل 45 - وقوله جل وعز إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى (آية 42) قال قتادة العدوة شفير الوادي وكذلك هو في اللغة ومعنى الدنيا التي تلي المدينة ومعنى القصوى التي تلي مكة ثم قال تعالى والركب أسفل منكم قال قتادة يعني العير التي كانت مع أبي سفيان 46 - وقوله جل وعز ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة (آية 42) قال أبو جعفر قال ابن أبي إسحاق جعل المعتدي بمنزلة

الحي وجعل الضال بمنزلة الهالك قال أي ليكفر من كفر بعد الحجة أخبرنا بما رأى من الآية والعبرة ويؤمن من آمن على مثل ذلك وقال غيره ليهلك ليموت من مات عن حجة لله جل وعز وعليه قد قطعت عذره وليعيش من عاش منهم على مثل ذلك وإن الله لسميع لقولكم حين تركتموهم عليم بما تضمره نفوسكم 47 - وقوله جل وعز إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر (آية 53) قال ابن أبي نجيح عن مجاهد رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في النوم قليلا فقص الرؤيا على أصحابه فثبتهم الله بذلك وروي عن الحسن أنه قال المعنى إذ يريكهم الله بعينك التي تنام بها

قال أبو جعفر والمعنى على هذا في موضوع منامك والقول الأول أحسن لجهتين إحداهما ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم في النوم والأخرى في قوله وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم فالرؤيا الأولى في النوم والثانية عند الالتقاء ويجوز ما قال الحسن على بعد على أن يكون قوله إذ يريكموهم خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمعنى ويقللكم في أعينهم أي لئلا يستعدوا لكم لما أراد الله جل وعز من ظفر المسلمين بهم 48 - وقوله جل وعز ولا تنازعوا فتفشلوا (آية 46) قال أبو إسحاق يقال يفشل فشلا إذا هاب أن يتقدم جبنا

49 - ثم قال جل وعز وتذهب ريحكم (آية 46) قال مجاهد أي نصركم وقال معمر عن قتادة أي ريح الحرب والمعروف في اللغة انه يقال ذهبت ريحهم أي دولتهم 50 - وقوله جل وعز ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس (آية 47) يعني أبا جهل وأصحابه يوم بدر 51 - وقوله جل وعز وزين لهم الشيطان أعمالهم (الآية 47) قال المعنى واذكر إذ زين لهم الشيطان أعمالهم قال الضحاك جاءهم يوم بدر برايته وجنوده فألقى في قلوبهم أنهم لن ينهزمزا يا وهم يقاتلون على دين آبائهم

52 - وقوله جل وعز فلما تراءت الفئتان (آية 48) أي التقتا حتى رأت كل واحدة منهما صاحبتها 53 - ثم قال جل وعز نكص على عقبيه (آية 48) أي رجع القهقري ويقال نكص على عقبيه إذا رجع من حيث جاء وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون قال الضحاك رأى الملائكة إني أخاف الله والله شديد العقاب قيل إنما خاف أن يكون الوقت الذي أجل إليه قد حضر وقيل بل كذب 54 - وقوله جل وعز كدأب آل فرعون والذين من قبلهم (آية 52) قال مجاهد أي كفعل والدأب عند أهل اللغة العادة وحقيقتة عندهم أنه من قولك فلان يدأب أي يداوم على الشئ

ويلزمه وهذا معنى العادة 55 - وقوله جل وعز الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون (آية 56) قال مجاهد يعني بني قريظه 56 - وقوله جل وعز فإنما تثقفنهم في الحرب (آية 57) أي تصادفهم وتظفر بهم فشرد بهم من خلفهم قال سعيد بن جبير أي أنذر بهم من خلفهم وقال أبو عبيد هي لغة قريش شرد بهم سمع بهم وقال الضحاك أي نكل بهم والتشريد في اللغة التبديد والتفريق

57 - وقوله جل وعز وإما تخافن من قوم خيانة (آية 58) أي غشا ونقضا للعهد فانبذ إليهم على سواء أي ألق إليهم نقض عهدهم لتكون أنت وهم على سواء في العلم يقال نبذت إليه على سواء أي أعلمته أني قد عرفت منه ما أخفاه وروى عمر بن عنبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان بينه وبين قوم عهد إلى مدة فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء 58 - وقوله جل وعز ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا (آية 59) قال أبو عبيدة أي فاتوا ثم قال جل وعز إنهم لا يعجزون روي عن ابن محيصن أنه قرأ لا يعجزون بالتشديد وكسر النون

قال أبو جعفر هذا خطأ من جهتين إحداهما أن معنى عجزه ضعفه وضعف أمره والأخرى أنه كان يجب أن يكون بنونين ومعنى أعجزه سبقه وفاته حتى لم يقدر عليه 59 - وقوله جل وعز وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم (آية 60) قال عكرمة القوة ذكور الخيل ورباط الخيل إناثها وقال غيره القوة السلاح وروى عقبة بن عامر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي 60 - ثم قال عز وجل وآخرين من دونهم لا تعلمونهم (آية 60) أي وترهبون آخرين أي تخيفونهم لو

قال مجاهد هم بنو قريظة وقال ابن زيد هم المنافقون وقيل هم الجن وقال السدي أهل فارس 61 - وقوله جل وعز وإن جنحوا للسلم فاجنح لها (آية 61) جنحوا مالوا وقال أبو عمرو والسلم الصلح والسلم الإسلام وأبو عبيدة يذهب إلى أن السلم والسلم والسلم الصلح 62 - وقوله جل وعز وإن يريدوا أن يخدعوك (آية 62) أي بإظهار الصلح فإن حسبك الله أي كافيك وهو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين أي قواك وألف بين قلوبهم وهذه من الآيات العظام لأن أحدهم كان يلطم اللطمة فيقاتل عنه حتى يستقيدها وكانوا أشد خلق الله حمية فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان أحدهم يقاتل أخاه على الإسلام حدثنا أبو جعفر قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد

بالأنبار قال نا نصر بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا شعبة قال أخبرنا بشير ابن ثابت من آل النعمان بن بشير في قوله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين حتى بلغ إنه عزيز حكيم قال نزلت في الأنصار 63 - وقوله جل وعز يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين (آية 64) أي الله يكفيك ويكفي من اتبعك وقيل المعنى ومن اتبعك ينصرك 64 - وقوله جل وعز يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال (آية 65) التحريض الحث الشديد وهو مأخوذ من الحرض وهو المقاربة

للهلاك أي حثهم حتى يعلم من يخالف أنه قد قارب الهلاك 65 - قال جل عز إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين (آية 65) ثم قال ابن عباس فرض على الرجل أن يقاتل عشرة ثم سهل عليهم فقال الآن خفف الله عنكم إلى قوله والله مع الصابرين وكتب عليهم أن لا يفر مائة من مائتين قال ابن شبرمة وأنا أرى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذا وروى الأعمش عن مرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال لما كان يوم بدر جئ بالأسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترون في هؤلاء الأسرى فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأصلك استبقهم فلعل الله يتوب عليهم فقال عمر

يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فاضرب أعناقهم وذكر الحديث وقال فيه فأنزل الله 66 - ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض (آية 67) قال مجاهد الإثخان القتل وقيل حتى يثخن في الأرض حتى يبالغ في قتل أعدائه وقيل حتى يتمكن في الأرض والإثخان في اللغة القوة والشدة 67 - وقوله جل وعز لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم (آية 68) فيه أقوال قال مجاهد سبق من الله أن أحل لهم الغنائم

وقال أبو جعفر ويقوي هذا أنه روى أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما أحلت الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلنا كانت تنزل نار من السماء فتأكلها فلما كان يوم بدر وقع الناس فيما وقعوا فيه فأنزل الله جل وعز لولا كتاب من الله سبق إلى قوله إن الله غفور رحيم وقيل سبق من الله جل وعز أنه يغفر لأهل بدر ما تقدم من ذنبهم وما تأخر قال ذلك الحسن رواه عنه أشعث وروى عنه سفيان بن حسين أنه قال سبق من الله جل وعز أن لا يعذب قوما إلا بعد تقدمة ولم يكن تقدم إليهم فيها وروى سالم عن سعيد بن جبير لولا كتاب من الله سبق قال لأهل بدر من السعادة لمسكم فيما أخذتم من الله عذاب عظيم وقيل سبق من الله أنه يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر

68 - وقوله جل وعز يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم (آية 70) قيل في الأخرة وقيل يعوضكم في الدنيا وروي عن العباس أنه قال أسرت يوم بدر ومعي عشرون أوقية فأخذت مني فعوضني الله عشرين عبدا ووعدني المغفرة 69 - وقوله جل وعز وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل (آية 71) خيانتك أي نقض العهد 70 - وقوله جل وعز إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله (آية 72)

قيل إنه يقال هاجر الرجل إذا خرج من أرض إلى أرض وقيل إنما قيل هجر وهاجر فلان لأن الرجل كان إذا أسلم هجره قومه وهجرهم فإذا خاف الفتنة على نفسه رحل عنهم فسمي مسيره هجرة وقيل هاجر لأنه كان على هجرته لقومه وهجرتهم له فهو مهاجر هجر دار قومه ووطنه وارتحل إلى دار الإسلام وهما هجرتان فالمهاجرون يكون الأولون الذين هاجروا إلى أرض الحبشة والآخرون الذين هاجروا إلى المدينة إلى وقت الفتح وانقطعت الهجرة لأن الدار كلها دار الإسلام فلا هجرة وهذا قول أهل الحديث ومن يوثق بعلمه 71 - وقوله جل وعز والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيئ (آية 72)

أي من نصرتهم ووراثتهم قال قتادة كان الرجل يؤاخي الرجل فيقول ترثني وأرثك ثم نسخ ذلك بقوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله 72 - ثم قال عز وجل والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه (آية 73) ومعنى إن لا تفعلوه إن لا تفعلوا النصر والموالاة وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس إلا تفعلوه قال يقول إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به وقال ابن زيد أي إلا تتركوهم يتوارثون على ما كانوا قال مجاهد هذا منسوخ نسخه وأولوا الأرحام بعضهم

أولى ببعض وروي عن عبد اله بن الزبير أنه قال هذا في العصبات كان الرجل يعاقد الرجل على أن يتوارثا فنسخ ذلك وقيل نسخته الفرائض وأكثر الرواة على أن الناسخ له وأولو االأرحام بعضهم الآية وروى سفيان عن السدي عن أبي مالك قال قال رجل نورث أرحامنا المشركين فنزلت والذين كفروا بعضهم أولياء بعض وروى يونس عن الحسن قال كان الأعرابي لا يرث مهاجرا حتى نزلت وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فقد تبين أن معنى الآية أن أهل الأرحام يتوارثون بأرحامهم دون الذين حالفوهم ونسخ ذلك ما كان قبله من التوارث بالمخالفة انتهت سورة الأنفال

تفسير سورة التوبة

تفسير سورة التوبة مدنية وآياتها 129 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة التوبة وهي مدنية قال سعيد بن جبير سالت ابن عباس عن سورة براءة فقال تلك الفاضحة ما زال ينزل ومنهم ومنهم حلى خفنا ألا تدع أحدا وقال يزيد الفارسي عن ابن عباس سألت عثمان بن عفان رحمة الله عليه لم عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فجمعتم بينهما ولم تفصلوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم وجعلتموها مع السبع الطول فقال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم زمانا تنزل عليه السورة ذات العدد وفي بعض الروايات ذات الآيات وربما سألته فيقول ألحقوها في موضع كذا وهي تشبه قصة كذا وكانت براءة من آخر ما نزل وذهب عني ان أساله عنها فوقع بقلبي أنا شبه سورة الأنفال فجعلتها تليها ولم

أفصل بينهما بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو جعفر قال أبو إسحاق حدثني بعض أصحابنا عن صاحبنا محمد بن يزيد أنه قال لم يكتب في أول براءة بسم الله الرحمن الرحيم لأن بسم الله افتتاح خير وبراءة أولها وعيد ونقض للعهود فلذلك لم يكتب في أولها بسم الله 1 - قال أبو جعفر ومعنى براءة تبرؤ من الله ورسوله إلى الذين عاهدتهم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر (آية 2) أي فيقال لهم سيحوا في الأرض أي اذهبوا وجيئوا آمنين أربعة أشهر ثم لا أمان لكم بعدها

قال مجاهد وقتادة الأربعة الأشهر عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من شهر ربيع الآخر وقال الزهري هن شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم 2 - ثم قال عز وجل واعلموا أنكم غير معجزي الله (آية 2) أي وإن أجلتم هذا الأجل سينصر المسلمون عليكم 3 - وقوله جل وعز وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر (آية 3) الأذان الإعلام روى شعبة عن الحكم عن يحيى بن الجزار قال خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى العيد راكبا على دابة فلقيه رجل فقال له وأخذ بلجامه ما يوم الحج الأكبر فقال

هو يومك الذي أنت فيه خل عنها وكذلك روي الحديث عن علي وروى شعبة عن سليمان بن عبد الله بن سنان قال سمعت المغيرة بن شعبة يخطب على المنبر وهو يقول يوم الحج الأكبر يوم النحر وروى سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن شداد قال الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة مع وقال عبد الملك بن عمير سألت عبد الله بن أبي أوفى عن يوم الحج الأكبر فقال يوم تهرق فيه الدماء ويحلق فيه الشعر وروى حماد بن يزيد عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم الحج الأكبر يوم النحر وكذلك قال ابن عمر

وروى غير سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال هو يوم عرفة وروى ابن جريج عن ابن طاووس عن أبيه قال هو يوم عرفة وكذا قال مجاهد وقال ابن سيرين الحج الأكبر العام الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم اتفق فيه حج الملل قال أبو جعفر وأولاها القول الأول لجلة من قاله ويدلل على صحته حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة بعثني أبو بكر رضي الله عنه فيمن

أذن يوم النحر بمنى ألا يحج بعد هذا العام مشرك وأيضا فإن عرفات قد يأتيها الناس ليلا وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أي يوم أحرم قالوا يوم الحج الأكبر قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام آحرمه سعيد يومكم هذا فدل على أنه يوم النحر لأن منى من الحرم وليست عرفات منه وقول يجوز ابن سيرين غلط لأن المسلمين والمشركين حجوا قبل ذلك بعام ونودي فيهم أن لا يحج بعد ذلك مشرك وقد يجوز أن يكون النداء كان بمنى وعرفات فيصح القولان

4 - وقوله جل وعز إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا (آية 4) وقرأ عطاء بن سنان ثم لم ينقضوكم شيئا يقال إن هذا مخصوص يراد به بنو ضمرة خاصة ثم قال فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم أي وإن كانت أكثر من أربعة أشهر وقوله جل وعز وخذوهم أي أسروهم ويقال للأسير أخيذ واحصروهم أي احبسوهم 5 - وقوله جل وعز وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله (آية 6) أي استجارك من القتل حتى يسمع كلام الله فأجره 6 - وقوله جل وعز فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم (آية 7) أي فما أقاموا على العهد ولم ينقضوه فأوفوا لهم

7 - وقوله جل وعز كيف وإن يظهروا عليكم (آية 8) معناه كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ألإل بكر الله جل وعز وروى ابن جريج عن مجاهد قال الإل العهد وقال أبو عبيدة الإل العهد والذمة التذمم وقال قتادة الحلف والذمه العهد وقال الضحاك الإل القرابة والذمة العهد

قال أبو جعفر وهذا أحسنها والأصل في هذا أنه يقال أذن موللة أي محددة الألة الحربة فإذا قيل للعهد إل فمعناه أنه قد حدد وإذا قيل للقرابة فمعناه إن أحدهما يحاد صاحبه ويقاربه وأنشد أهل اللغة لعمرك إن إلك من قريش كإل السقب من رأل النعام فأما ما روي عن أبي مجلز ومجاهد أن الإل الله جل وعز فغير معروف لأن أسماء الله جل وعز معروفة والذمة العهد

قول معروف ومنه أهل الذمة إنما هم أهل العهد وتذممت قد أن أفعل استحييت فصرت بمنزلة من عليه عهد 8 - وقوله جل وعز فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين (آية 11) أي فهم مثلكم قد غفر لهم نقضهم العهد وكفرهم 9 - ثم قال جل وعز وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم (آية 12) أي نقضوا وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر أي رؤساءه وقيل هذا يوجب القتل على من طعن في الإسلام وإن كان له عهد لأن ذلك ينقض عهده 10 - ثم قال جل وعز إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون (آية 12) روي عن عمار بن ياسر أنه قال أي لا عهد لهم وقرأ

الحسن (لا إيمان لهم) قال أبو جعفر وقراءته تحتمل معنيين أحدهما لا إسلام لهم على النفي كما تقول لا علم له والمعنى الآخر أي يكون مصدرا من قولك آمنته إيمانا أي لا تؤمنوهم ولكن اقتلوهم 11 - وقوله جل وعز وهم بدؤكم أول مرة (آية 13) قال مجاهد قاتلوا حلفاء رسول الله ثم قال أتخشونهم أي أتخشون عاقبتهم فالله أحق أن تخشوه أي تخشوا عاقبته ثم وعدهم النصر وذلك من علامات النبوة فقال قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين فدل بهذا على أن غيظهم كان قد اشتد

قال مجاهد يعني خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم 12 - ثم قال جل وعز ويتوب الله على من يشاء (آية 15) وهذا منقطع مما قبله 13 - وقوله جل وعز أم حسبتم أن تتركوا (آية 16) وذلك انهم لما أمروا بالقتال تبين نفاق المنافقين 14 - ثم قال جل وعز ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم (آية 16) وقد علم ذلك علم غيب وإنا تقع المجازاة على العلم المشاهد 15 - ثم قال جل وعز ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة (آية 16)

الوليجة البطانة من ولج يلج ولوجا إذا دخل فالمعنى دخيلة مودة من دون الله ورسوله 16 - وقوله جل وعز ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله (آية 17) هكذا قرأ ابن عباس وهو اختيار أبي عمرو واحتج بقوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ومن قرأ ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله فتحتمل قراءته معنيين أحدهما أن يكون لجميع المساجد والآخر أن يراد به المسجد الحرام خاصة وهذا جائز فيما كان من أسماء الجنس كما يقال قد صار فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرسا والقراءة مساجد أصوب لأنه يحتمل المعنيين وقد أجمعوا على قراءة قوله إنما يعمر مساجد الله على الجمع

17 - وقوله جل وعز أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر (آية 19) والمعنى أجعلتم أهل سقاية الحاج كما قال واسال القرية ومن قرأ أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام فهو عنده على غير حذف قال الشعبي نزلت في علي بن أبي طالب والعباس وقال الحسن نزلت في علي والعباس وعثمان بن طلحة الحجبي وشيبة وقال محمد بن سيرين خرج علي بن أبي طالب رحمة الله عليه من المدينة إلى مكة فقال للعباس يا عم الا تهاجر الا تمضي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنا أعمر البيت وأحجبه وفي فنزلت

أجعلتم سقاية الحاج إلى آخر الاية 18 - وقوله جل وعز أعظم درجة عند الله (آية 20) أي من غيرهم أي ارفع منزلة من سقاة الحاج وعمار المسجد الحرام والجهاد هم الفائزون بالجنة الناجون من النار والفايز كل الذي ظفر بامنيته 19 - ثم قال جل وعز يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان (آية 21) أي يعلمهم في الدنيا ولهم في الآخرة

20 - وقوله جل وعز لقد نصركم الله في مواطن كثيرة (آية 25) أي في أماكن ومنه استوطن فلان المكان أي أقام به 21 - ثم قال جل وعز ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم (آية 26) أي ونصركم يوم حنين قال قتادة حنين اسم ماء بين مكة والطائف قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا من المهاجرين والأنصار وألفين من الطلقاء فقال رجل لن تغلبوا اليوم فتفرق أكثرهم ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم فأجيب ونصر فأعلمهم الله جل وعز أنهم لم يغلبوا من كثرة وإنما يغلبون بأن ينصرهم الله

22 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس (آية 28) يقال لكل مستقذر نجس فإذا قلت رجس نجس كسرت الراء والنون وأسكنت الجيم 23 - وقوله جل وعز فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا (آية 28) روى ابن جريج عن عطاء قال يريد بالمسجد الحرام الحرم كله وروى ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام إلا ان يكون عبد أو أحد من أهل الجزية وهذا مذهب الكوفيين ان المشركين في الآية يراد بهم من ليس له عهد وأن ذلك في سائر المساجد ومذهب المدنيين أن الآية عامة لجميع الكفار وانه يحال بينهم وبين جميع المساجد

ومذهب الشافعي ان المشركين ها هنا عام أيضا كقول مالك إلا أنه قال إنما ذلك في المسجد الحرام خاصة ومذهب المدنين في هذا أحسن لقول الله جل وعز في بيوت أذن الله أن ترفع أي تصان فيجب على هذا ان ترفع عن دخولهم لأنهم لا يعظمونها في دخولهم 24 - وقوله جل وعز وإن خفتم عيلة (آية 28) والعيلة الفقر يقال عال يعيل عيلة ومنه ووجدك عائلا فأغنى وقال علقمة في مصحف عبد الله بن مسعود وإن خفتم عائلة ومعناه خصلة شاقة يقال عالني الأمر يعولني أي شق علي واشتد 25 - وقوله جل وعز قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر (آية 29)

المعنى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إيما الموحدين لأن أهل الكتاب يؤمنون بالله ويقولون له ولد تعالى عن ذلك ويؤمنون بالآخرة ويقولون لا أكل فيها ولا شراب فهذا خلاف على ما أمر الله له جل وعز 26 - ثم قال جل وعز ولا يدينون دين الحق (آية 29) قال أبو عبيدة مجازه ولا يطيعون طاعة الحق قال أبو جعفر أي طاعة أهل الإسلام وكل مطيع ملكا فهو دائن له يقال دان فلان لفلان قال زهير لئن حللت بجو في بني أسد في دين عمرو وحالت دوننا فدك

27 - ثم قال جل وعز من الذين أوتوا الكتاب (آية 29) وهم اليهود والنصارى وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجوس أن يجروا مجراهم 28 - ثم قال جل وعز حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (آية 29) روى أبو صالح عن ابن عباس في قوله جل وعز وهم صاغرون قال يمشون بها ملبين وروى عطاء عن أبي البختري عن سلمان قال مذمومين وروى محمد بن ثور عن معمر عن قتادة عن يد قال عن مهر وقيل معنى يد عن إنعام يد أي عن إنعام منكم

عليهم لأنهم إذا أخذت منهم الجزية فقد أنعم عليهم بذلك وقيل وهو أصحها يؤدونها بأيديهم ولا يوجهون بها كما يفعل الجبارون وقال سعيد بن جبير يدفعها وهو قائم والذي يأخذها منه جالس وأكثر أهل اللغة على أن المعنى عن قهر وذلة كما تقول اليد في هذا لفلان ومذهب الشافعي في هذا أن تؤخذ الجزية منهم وأحكام المسلمين جارية عليهم

ثم قال وهم صاغرون قال أبو عبيدة الصاغر الذليل الحقير وقال غيره الذي يتلتل ويعنف به 29 - ثم قال جل وعز ذلك قولهم بأفواههم (آية 30) يقال قد علم أن القول بالفم فما الفائدة في قوله بأفواههم والجواب عن هذا انه لا بيان عندهم ولا برهان لهم لأنهم يقولون اتخذ الله صاحبة ويقولون له ولد وقولهم بلا حجة 30 - ثم قال جل وعز يضاهون قول الذين كفروا من قبل (آية 30) أي يشابهون ويقتفون ما قالوا ويقرأ يضاهئون والمعنى واحد يقال امرأة ضهيا مقصورة وضهياء ممدود غير مصروف إذا كانت لا تحيض

ويقال هي التي لا ثدي لها والمعنى أنها قد أشبهت الرجال في هذه الخصلة فمن جعل الهمزة أصلا قال يضاهئون ومن جعلها زائدة وهو أجود قال يضاهون 31 - ثم قال تعالى قاتلهم الله أنى يؤفكون (آية 30) فخوطبوا بما يعرفون أي يجب أن يقال لهم هذا ثم قال أنى يؤفكون أي من أن يصرفون عن الحق بعد البيان 32 - ثم قال جل وعز اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله (آية 31) روى الأعمش وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال سئل حذيفة عن قول الله جل وعز اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله هل عبدوهم فقال لا

ولكنهم أحلوا لهم الحرام فاستحلوه وحرموا عليهم الحلال فحرموه حدثنا أبو جعفر قال نا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن بنت أحمد بن منيع قال نا الحماني قال نا عبد السلام بن حرب عن غضيف وهو ابن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال أبصر النبي صلى الله عليه وسلم في رقبتي صليبا من ذهب فقال اطرح هذا عنك قال وسئل عن قوله تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله قال أما إنهم ما كانوا يعبدونهم ولكن كانوا يحلون لهم ما حرم الله عليهم فيستحلونه ويحرمون عليهم ما احل الله لهم فيحرمونه 33 - وقوله جل وعز والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله (آية 34) يجوز أن يكون المعنى ولا ينفقون الكنوز لأن الكنوز تشتمل

على الذهب والفضة ها هنا ويجوز أن يكون لأحدهما كما قال والله ورسوله أحق أن يرضوه وفي هذه الآية أقوال روى عكرمة عن ابن عباس وعطية ونافع عن ابن عمر أنهما قالا ما أديت زكاته فليس بكنز ويقوي ذلك أن ابن جريج روى عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت شره عنك وقيل إن هذه الآية نزلت في المشركين وقال أبو هريرة من خلف عشرة آلاف جعلت صفائح وعذب بها حتى ينقضي الحساب

وقال أبو أمامة من خلف بيضاء أو صفراء كوي بها مغفورا له أو غير مغفور له وإن حله السيف من ذلك وروى موسى بن عبيدة عن عمران بن أبي أنس عن مالك ابن أوس بن الحدثان عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة لا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة وقال معاوية نزلت في أهل الكتاب فرد عليه أبو ذر وقال نزلت فينا وفيهم وحديث ابن عمر في هذا حسن على توقيه وهو جيد الإسناد رواه مالك وأيوب وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر وقد روي أيضا عن عمر أنه قال ليس كنزا ما أديت زكاته وكذلك قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز إلا أنه قال أراها منسوختا فلا لقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وليس في الخبر ناسخ ولا منسوخ

وروى أبو زبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا أتى له بماله فأحمي عليه في نار جهنم فتكوى به جنباه وجبهته وظهره حتى يحكم الله بين عباده وذكر الحديث 34 - وقوله جل وعز إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم (آية 36) الأربعة الحرم المحرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة ثم قال جل وعز ذلك الدين القيم

الدين ها هنا الحساب أي ذلك الحساب الصحيح والعدد المستوفى وعن ابن عباس ذلك الدين القيم قال القضاء القيم وقال أبو عبيدة أي القائم فلا تظلموا فيهن أنفسكم (آية 36) أكثر أهل التفسير على أن المعنى فلا تظلموا في الأربعة أنفسكم وخصها تعظيما كما قال فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران

عن ابن عباس فلا تظلموا فيهن أنفسكم في الاثني عشر وروى قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال فيهن كلهن 35 - وقوله جل وعز إنما السئ زيادة في الكفر (آية 37) النسئ التأخير ومنه نسأ الله في أجلك 36 - ثم قال جل وعز يضل به الذين كفروا (آية 37) قال الزهري وقتادة والضحاك وأبو وائل والشعبي كانوا ربما أخروا تحريم المحرم إلى صفر قال قتادة وكانوا يسمونها الصفرين وقال مجاهد كان لهم حساب يحسبون فربما قالوا لهم الحج في هذه السنة في المحرم فيقبلون منهم ودل على هذا قوله ولا جدال في الحج أي إنه في ذي الحجة قال أبو جعفر وابين ما في هذا ما حدثناه بكر بن سهل قال نا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إنما النسئ زيادة في الكفر قال كان جنادة بن

أمية يوافي الموسم كل عام وكان يكنى أبا ثمامة فينادي الا إن ابا ثمامة لا يخاب ولا يعاب الا وإن صفر العام الأول العام حلال فيحله للناس ويحرم صفرا عاما ويحرم المحرم عاما فذلك قول الله جل وعز إنما النسئ زيادة في الكفر الآية قال والنسئ تركهم المحرم عاما وعاما يحرمونه وقرأ الحسن يضل به الذين كفروا يعني بالذين كفروا الحساب الذين يقولون لهم هذا ويروى عن عبد الله بن مسعود يضل به الذين كفروا أي يضل به الذين يقبلون من الحساب

ويحتج لمن قال بالقول الأول بقوله جل وعز يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله أي ليوافقوا فيحرموا أربعة كما حرم الله جل وعز أربعة 37 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض (آية 38) قال مجاهد في غزوة تبوك أمروا بالخروج في شدة الحر وقد طابت الثمار وقالوا إلى الظلال 38 - ثم قال جل وعز أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة (آية 38) أي أرضيتم بنعيم الحياة الدنيا من نعيم الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل والمتاع المنفعة والنعيم 39 - وقوله جل وعز إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار (آية 40)

قال الزهري خرج هو وأبو بكر ودخلا غارا في جبل ثور فاقاما فيه ثلاثا والمعنى فقد نصره الله ثاني اثنين أي نصره الله منفردا إلا من أبي بكر رضي الله عنه 40 - وقوله جل وعز فأنزل الله سكينته عليه (آية 40) يجوز أن تكون تعود على أبي بكر والأشبه على قول أهل النظر ان تكون تعود على أبي بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت عليه السكينة وهي السكون والطمأنينة لأنه جل وعز أخبر عنه انه قال لا تحزن إن الله معنا وسأذكر هذا في الإعراب على غاية الشرح 41 - وقوله جل وعز انفروا خفافا وثقالا (آية 41)

في معنى هذا أقوال منها أن أنس بن مالك روى أن أبا طلحة تأولها شبابا وشيوخا وقال المقداد لا أجدني الا مخفا أو مثقلا وقال الحسن في العسر واليسر وروى سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي ملك الغفاري قال أول ما نزل من سورة براءة انفروا خفافا وثقالا وقال أبو الضحى كذلك أيضا ثم نزل أولها وآخرها وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد انفروا خفافا وثقالا قال فيه الثقيل وذو الحاجة والضيعة والشغل وانزل الله عز وجل انفروا خفافا وثقالا

وروى سفيان عن منصور في قوله انفروا خفافا وثقالا قال مشاغيل وغير مشاغيل وقال قتادة ومذهب الشافعي ركبانا ومشاة وقال قتادة نشاطا وغير نشاط وقال زيد بن أسلم المثقل الذي له عيال والمخف منه الذي لا عيال له وهذا حين كان أهل الإسلام قليلا ثم نزل وما كان المؤمنون لينفروا كافة قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة والمعنى انفروا على كل الأحوال ومن أجمع هذه الأقوال قول الحسن حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن محمد الكناني بالأنبار قال نا نصر بن علي قال أخبرني أبي قال نا شعبة عن منصور بن

زاذان عن الحسن انفروا خفافا وثقالا قال في العسر واليسر وقول أبي طلحة حسن لأن الشاب تخف عليه الحركة والشيخ تثقل عليه 42 - وقوله جل وعز لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك (آية 42) العرض ما يعرض من منافع الدنيا أي لو كانت غنيمة قريبة وسفرا قاصدا أي سهلا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة والشقة الغاية التي يقصد إليها 43 - وقوله جل وعز عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين (آية 43) أي حتى يتبين من نافق ومن لم ينافق قال مجاهد هؤلاء قوم قالوا نستأذن في الجلوس فإن أذن

لنا جلسنا وإن لم يؤذن لنا جلسنا وقال قتادة نسخ هذه الآية بقوله في سورة النور فإن استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم ثم بين أن أمارة الكفر الاستئذان في التخلف فقال تعالى لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم (آية 44) 44 - وقوله جل وعز ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم (آية 46) التثبيط رد الإنسان عما يريد أن يفعله 45 - وقوله جل وعز لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا (آية 47) الخبال الفساد وذهاب الشئ

46 - ثم قال جل وعز ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة (آية 47) الايضاع سرعة السير قال أبو إسحاق معنى خلالكم فيما يخل بكم وقال غيره بينكم وقيل الفتنة ها هنا الشرك 47 - ثم قال جل وعز وفيكم سماعون لهم (آية 47) فيه قولان أحدهما فيكم من يستمع ويخبرهم بما يريدون والقول الآخر فيكم من يقبل منهم مثل سمع الله لمن حمده

والقول الأول أولى لأنه الأغلب من معنييه أن معنى سماع يسمع الكلام ومثله سماعون للكذب والقول الثاني لا يكاد يقال فيه إلا سامع مثل قائل 48 - وقوله جل وعز ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني (آية 49) فيه قولان قال الضحاك ولا تكفرني وكذلك قال قتادة أي ولا تؤثمني ومعناه لا تؤثمني بالخروج وهو لا يتيسر لي فإذا تخلفت أثمت والقول الآخر وهو قول مجاهد أنه قيل لهم تغزون فتغنمون بنات الأصفر فقال بعضهم لا تفتني ببنات الأصفر

قال أبو إسحاق في الجد بن قيس أحد بني سلمة وهو الذي قال هذا 49 - وقوله جل وعز إن تصبك حسنة تسؤهم (آية 50) أي إن تظفر وتغنم يسؤوهم ذلك وإن تصبك مصيبة تهزم يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل أي قد أخذنا بالحزم إذ لم نخرج كذلك وقال مجاهد معناه حذرنا 50 - وقوله جل وعز قل لن يصيبنا إلا ما تحب كتب الله لنا (آية 51) في معناه قولان أحدهما إلا ما قدر الله علينا والآخر إلا ما أخبرنا به في كتابه من أنا نقتل فنكون شهداء أو نقتلكم وكذلك معنى قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين (آية 52)

51 - وقوله جل وعز فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا (آية 55) فيه تقديم وتأخير المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم في الآخرة وهذا قول أكثر أهل العربية ويجوز أن يكون المعنى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم في الدنيا لأنهم منافقون فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون ثم قال وتزهق أنفسهم أي تخرج 52 - وقوله جل وعز لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون (آية 57) قال قتادة الملجأ الحصون والمغارات الغيران

والمدخل الأسراب قال أبو جعفر وهذا قول حسن عند أهل اللغة لأنه يقال للحصن ملجأ ولجأ والمغارات من غار يغور إذا استتر وتقرأ أو مدخلا بتشديد الدال والخاء وتقرأ أو مدخلا وتقرأ أو مدخلا ومعانيها متقاربة إلا أن مدخلا من دخل يدخل ومدخلا من أدخل يدخل أي لو يجدون قوما يدخلونهم في جملتهم أو قوما يدخلون معهم أو مكانا يدخلون فيه لولوا إليه أي لو وجدوا أحد هذه الأشياء لولوا إليه وهم يجمحون أي يسرعون لا يرد وجوههم شئ ومنه فرس جموح 53 - وقوله جل وعز ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا (آية 58)

قال مجاهد أي يروزك ويسألك وقال قتادة أي يطعن عليك قال أبو جعفر والقول عند أهل اللغة قول قتادة يقال لمزه يلمزه إذا عابه ومنه فلان همزة لمزة أي عياب للناس ويقال اللمزة هو الذي يعيب في سر وإن الهمزة هو الذي يشير بعينيه وهذا كله يرجع إلى أنه يعيب 54 - وقوله جل وعز إنما الصدقات للفقراء والمساكين (آية 60) قال قتادة الفقير المحتاج الذي له زمانه والمسكين

الصحيح المحتاج وقال مجاهد والزهري الفقير الذي لا يسأل والمسكين الذي يسأل حدثنا محمد بن إدريس بن أسود قال نا يونس قال أنبأنا ابن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن علي بن الحكم عن الضحاك قال الفقراء من المهاجرين والمساكين من الأعراب قال وكان ابن عباس يقول الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الذمة قال أبو جعفر الذي قاله الزهري ومجاهد حسن لأن المسكين مأخوذ من السكون والخضوع فالذين يسألون يظهر عليهم السكون والخضوع وإن كان الذي يسأل والذي لا يسأل يجتمعان في اسم الفقر

فإن الطي يظهر عليه مع الفقر ما ذكرنا وفقير في اللغة إنما يعرف بأن يقال إلى كذا فالمعنى والفقراء إلى الصدقة ومسكين عليه ذلة لأنه قد يكون به فقر إليها ولا ذلة عليه فيها وقال اهل اللغة لا نعلم بينهم اختلافا الفقير الذي له بلغة والمسكين الذي لا شئ له وأنشدوا أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد وقال يونس قلت لأعرابي أفقير أنت فقال لا بل مسكين

وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يسأل ولا يفطن له فيعطى ولا يجد غنى يغنيه قال أبو جعفر قال علي بن سليمان الفقير مشتق من قولهم فقرت له فقرة من مالي أي أعطيته قطعة فالفقير على هذا الذي له قطعة من المال والمسكين مأخوذ من السكون كأنه بمنزلة من لا حركة له وقال بعض الفقهاء المسكين الذي له شئ واحتج بقول الله عز وجل أما السفينة فكانت لمساكين يعلمون في البحر قال أبو جعفر وهذا الاحتجاج لا يلزم لأنك تقول هذا التمر لهذه النخلة وهذا البيت لهذه الدار لا تريد الملك فيجوز أن يكون قيل لمساكين لأنهم كانوا يعلمون فيها

وقد قيل إنه إنما تمثيل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض النساء يا مسكينة عليك السكينة 55 - ثم قال عز وجل والعاملين عليها (آية 60) وهم السعاة ومن كان مثلهم 56 - ثم قال تعالى والمؤلفة قلوبهم (آية 60) قال الشعبي هؤلاء كانوا في وقت النبي صلى الله عليه وسلم يتألفون فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه زال هذا قال أبو جعفر حديث الشعبي إنما رواه عنه جابر الجعفي وقد قال يونس سألت الزهري قال لا أعلم أنه نسخ من ذلك شئ فعلى هذا الحكم فيهم ثابت فإن كان أحد يحتاج إلى تألفه ويخاف أن يلحق المسلمين منه آفة أو يرجى أن يحسن إسلامه بعد دفع إليه

57 - ثم قال جل وعز وفي الرقاب (آية 60) أي وفي فك الرقاب قيل هم المكاتبون وقيل تبتاع الرقاب فيكون الولاء للمسلمين 58 - ثم قال جل وعز والغارمين (آية 60) قال مجاهد هم الذين أحرقت النار بيوتهم وأذهب السيل مالهم فادانوا: لعيالهم وروي عن ابي جعفر ومجاهد وقتادة قالوا الغارم من استدان لغير معصية قال أبو جعفر وهذا لا يكون غيره لأنه إذا كان ذا دين في

معصية فقضي عنه فقد اعين على المعصية والغرم في اللغة الخسران فكأن المستدين لا يجد قضاء دينه قد خسر ماله ومنه إن عذابها كان غراما أي هلاكا وخسرانا ثم قال تعالى وفي سبيل الله أي في طاعة الله أي للمجاهدين والحجاج وابن السبيل روى جابر عن أبي جعفر أنه قال هو المجتاز من أرض إلى ارض قال أبو جعفر والسبيل في اللغة الطريق فابن السبيل هو الذي قطعت عليه الطريق أو جاء من أرض العدو وقد أخذ

ماله قالت الفقهاء ابناء السبيل الغائبون عن أموالهم الذين لا يصلون إليها لبعد المسافة بينهم وبينها حتى يحتاجوا إلى الصدقة فهي إذ ذاك لهم مباحة فقد صاروا إلى حكم من لا مال له روى المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة في قوله تعالى إنما الصدقات للفقراء والمساكين قال إنما ذكر الله هذه الصدقات لتعرف واي صنف أعطيت منها أجزاك وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس إنما الصدقات لفقراء والمساكين قال في ايها وضعت أجزأ عنك 59 - وقوله جل وعز ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن (آية 61) قال مجاهد هؤلاء قوم من المنافقين ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا نقول فيه فإن بلغه ذلك حلفن له فصدقنا

وكذلك الأذن في اللغة يقال هو أذن إذا كان يسمع ما يقال له ويقبله فالمعنى إن كان الأمر على ما يقولون أن يكون قريبا منكم يقبل اعتذاركم 60 - ثم قال جل وعز قل اذن خير لكم (آية 61) أي إن كان كما قلتم ثم أخبر انه يؤمن بالله ومن قرأ قل أذن خير لكم ذهب إلى ان معناه قل هو مستمع خير لكم 61 - وقوله جل وعز والله ورسوله أحق ان يرضوه (آية 62) المعنى عند سيبويه والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن

يرضوه ثم حذف كما قال الشاعر نحن بما عندنا وانت بما عندك راض والرأي مختلف وقال أبو العباس هو على غير حذف والمعنى والله أحق أن يرضوه ورسوله وقال غيرهما المعنى ورسول الله أحق اين يرضوه وقوله جل وعز والله افتتاح كلام كما تقول هذا لله ولك

62 - وقوله جل وعز الم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله (آية 63) معناه يعادي ويجانب يقال حاد فلان أي صار في حد غير حده 63 - وقوله جل وعز يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم (آية 649) قال مجاهد هؤلاء قوم من المنافقين ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وقالوا نرجو أن لا يفشي الله علينا 64 - وقوله جل وعز ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب (آية 65) فالمعنى ولئن سألتهم عما قالوا قال قتادة هؤلاء قوم من المنافقين قالوا في غزوة تبوك ايطمع محمد ان يدخل بلاد الروم ويخرب حصونهم فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما قالوا فدعا بهم فقال اقلتم كذا وكذا فقالوا إنما كنا نخوض ونلعب

وقال سعيد بن جبير قالوا إن كان ما يقول محمد حقا فنحن حمير فأطلعه الله جل وعز على ما قالوا فسألهم فقالوا إنما كنا نخوض ونلعب 65 - قال عز وجل قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم (آية 65) أي قد ظهر منكم الكفر بعد ظهور الإيمان 66 - وقوله جل وعز ويقبضون أيديهم (آية 67) قال مجاهد أي لا يبسطونها في حق ولا فيما يجب 67 - ثم قال جل وعز نسوا الله فنسيهم (آية 67) قال قتادة أي نسيهم من الخير فأما من الشر فلم ينسهم والمعنى عند أهل اللغة تركوا أمر الله فتركهم من رحمته وتوفيقه يقال نسي الشئ إذا تركه

68 - وقوله جل وعز خالدين فيها هي حسبهم (آية 68) أي هي كافيهم أي هي على قدر أعمالهم ويقال أحسبني الشئ أي كفاني 69 - وقوله جل وعز فاستمتعوا بخلاقهم (آية 69) قال قتادة أي بدينهم والمعنى عند أهل اللغة فاستمتعوا بنصيبهم من الدنيا 70 - وقوله جل وعز والمؤتفكات (آية 70) قال قتادة هي مدائن قوم لوط وقال أهل اللغة سميت مؤتفكات لأنها ائتفكت بهم أي انقلبت وهو من الإفك وهو الكذب لأنه مقلوب ومصروف عن الصدق 71 - وقوله جل وعز يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم (آية 73)

قال الحسن أي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين بإقامة الحدود عليهم وباللسان وقال قتادة أي جاهد الكفار بالقتال والمنافقين بالإغلاظ في القول 72 - وقوله جل وعز يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامعم غير (آية 74) قال مجاهد سمعهم رجل من المسلمين وهم يقولون إن كان ما جاء به محمد حقا فنحن حمير فقال لهم فنحن نقول ما جاء به حق فهل نحن حمير فهم المنافق بقتله فذلك قوله وهموا بما لم ينالوا (آية 74) وقال غير مجاهد هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله على ذلك 73 - ثم قال جل وعز وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله (آية 74) أي ليس ينقمون شيئا كما قال النابغة

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب 74 - وقوله جل وعز ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن (آية 75) قال قتادة هذا رجل من الأنصار قال لئن رزقني الله شيئا لأودين أحمد فيه حقه ولأتصدقن فلما آتاه الله ذلك فعل ما نص عليكم فاحذروا الكذب فإنه يؤدي إلى الفجور وروى علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا

رسول الله ادع الله ان يرزقني مالا فقال ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه قال ثم رجع إليه فقال يا رسول الله ادع الله ان يرزقني مالا قال ويحك يا ثعلبة اما ترضى ان تكون مثل رسول الله والله لو سألت الله أن يسيل علي الجبال ذهبا وفضة لسالت ثم رجع فقال يا رسول الله ادع الله ان يرزقني مالا فوالله لئن أتاني الله مالا لأوتين كل ذي حق حقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارزق ثعلبة مالا اللهم ارزق ثعلبة مالا فاتخذ غنما فنمت حتى ضاقت عليها أزقة المدينة فتنحى بها فكان يشهد الصلوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نمت حتى تعذرت عليها مراعي المدينة فتنحى بها مكانا يشهد الجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نمت فتباعد بها فترك الجمع والجماعات فأنزل الله على رسوله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها فخرج مصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعهم وقال حتى القى رسول الله فانزل الله جل وعز ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله إلى آخر الآية القصة فأخبر ثعلبة فأقبل واضعا على رأسه التراب حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبل منه ثم أتى أبا بكر فلم يقبل منه ثم اتى عمر فأبى

أن يقبل منه ثم أتى عثمان فلم يقبل منه ومات في خلافته 75 - ثم قال جل وعز فأعقبهم نفاقا في قلوبهم (آية 77) يجوز ان يكون المعنى فأعقبهم الله نفاقا ويجوز ان يكون المعنى فاعقبهم البخل لأن قوله بخلوا يدل على البخل 76 - وقوله جل وعز الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات (آية 79) قال قتادة أي يعيبون المؤمنين قال وذلك أن عبد الرحمن بن عوف تصدق بنصف ماله وكان ماله ثمانية آلاف دينار فتصدق منها بأربعة آلاف فقال قوم ما أعظم رياه

فأنزل الله جل وعز الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات وجاء رجل من الأنصار بنصف صبرة من تمر فقالوا ما أغنى الله عن هذا فأنزل الله والذين لا يجدون إلا جهدهم قرئ جهدهم وجهدهم بالضم والفتح قال أبو جعفر وهما لغتان بمعنى واحد عند البصريين وقال بعض الكوفيين الجهد المشقة والجهد الطاقة 77 - ثم قال جل وعز فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب اليم (آية 79) ومعنى سخر الله منهم جازاهم الله على سخريتهم فسمى

الثاني باسم الأول على الازدواج 78 - وقوله جل وعز استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم (آية 80) يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأستغفرن لهم أكثر من سبعين مرة فنزلت سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم فترك الاستغفار لهم 79 - وقوله جل وعز فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا ان يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله (آية 81) الخلاف المخالفة والمعنى من أجل مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقول جئتك ابتغاء العلم

ومن قرأ خلف رسول الله أراد التأخر عن الجهاد 80 - وقوله جل وعز قل نار جهنم أشد حرا (آية 81) فيه معنى الوعيد والتهديد 81 - ثم قال جل وعز فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون (آية 82) قال أبو رزين يقول الله أمر الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاءوا فإنهم سيبكون في النار بكاء لا ينقطع فذلك الكثير وقال الحسن فليضحكوا قليلا في الدنيا وليبكوا كثيرا في الآخرة في جهنم جزاء بما كانوا يكسبون 82 - وقوله جل وعز فاقعدوا مع الخالفين) (آية 83)

والخالف الذي يتخلف مع مال الرجل وفي بيته 83 - ثم قال جل وعز ولا تصل على أحد منهم مات أبدا (آية 84) روي عن أنس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم تقدم ليصلي على عبد الله بن ابي فاخذ جبريل بردائه فقال ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره ويروى ان النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على واحد منهم وقف على قبره فدعا له

84 - وقوله عز وجل رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون (آية 87) قال مجاهد وقتادة الخوالف النساء وقال غيرهما الخوالف أخساء بعد الناس وأردياؤهم يقول ويقال فلان خالفة اهله إذا كان دونهم قال أبو جعفر وأصله من خلف اللبن يخلف خلفة إذا حمض من طول مكثه وخلف فم الصائم إذا تغير ريحه ومنه فلان خلف سوء فأما قول قتادة فاقعدوا مع الخالفين أي مع النساء فليس بصواب لأن المؤنث لا يجمع كذا ولكن يكون المعنى مع الخالفين للفساد على ما تقدم

ويجوز أن يكون المعنى مع مرضى الرجال وأهل الزمانة 85 - وقوله جل وعز وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم (آية 90) وقرأ ابن عباس وجاء المعذرون قال أبو جعفر المعذرون يحتمل معنيين أحدهما أن يكون المعنى الأصل المعتذرون ثم أدغمت التاء في الذال ويكونون الذين لهم عذر قال لبيد إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

وقد يعتذر ولا عذر والقول الآخر ان يكون المعذرون الذين لا عذر لهم كما يقال عذر فلان وزعم أبو العباس أن المعذر هو الذي لا عذر له قال أبو جعفر ولا يجوز أن يكون بمعنى المعتذر لأنه إذا وقع الإشكال لم يجز الإدغام والمعذرون الذين قد بالغوا في العذر ومنه قد أعذر من أنذر أي قد بالغ في العذر من تقدم إليك فأنذرك والمعذرون المعتذرون للإتباع والكسر على الأصل 86 - وقوله جل وعز ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع (آية 92) قال الحسن وبكر بن عبد الله نزلت في عبد الله بن

المغفل من مزينة اتى النبي صلى الله عليه وسلم يستحمله 87 - وقوله جل وعز الأعراب أشد كفرا ونفاقا (آية 97) قال قتادة لأنهم ابعد عن معرفة السنن وقال غيره لأنهم أجفى وأقسى وأبعد عن سماع التنزيل 88 - ثم قال جل وعز وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله (آية 97) أي وأخلق بترك ما أنزل الله على رسوله

89 - وقوله جل وعز ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرما (آية 98) أي غرما وخسرانا 90 - ثم قال جل وعز ويتربص بكم الدوائر (آية 98) الدوائر أي ما يدور به الزمان من المكروه وأصل الدوائر صروف الزمان مرة بالخير ومرة بالشر 91 - ثم قال جل وعز عليهم دائرة السوء (آية 98) وتقرأ عليهم دائرة السوء والسوء البلاء والمكروه والسوء الرداءة ويقال رجل سوء والرجل السوء

92 - وقوله جل وعز ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول (آية 99) فالصلاة ها هنا الدعاء قال الضحاك وصلوات الرسول يقول واستغفار الرسول والصلاة تقع على ضروب فالصلاة من الله جل وعز الرحمة والخير والبركة قال الله جل وعز هو الذي يصلي عليكم وملائكته والصلاة من الملائكة الدعاء وكذلك هي من النبي صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم أي دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة كما قال الشاعر تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي نوما فإن لجنب المرء مضطجعا 93 - وقوله جل وعز والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان (آية 100) وروي عن عمر انه قرأ والأنصار فمن قرأ بالخفض ذهب إلى أن المعنى ومن الأنصار ومن قرأ بالرفع اراد الأنصار كلهم ولم يجعلهم من السابقين قال سعيد بن المسيب وابن سيرين وقتادة والسابقون الذين صلوا القبلتين جميعا وقال عطاء هم أهل بدر

وقال الشعبي هم الذين بايعوا بيعة الرضوان 94 - ثم قال جل وعز رضي الله عنهم ورضوا عنه (آية 100) أي رضي الله أعمالهم ورضوا مجازاته عليها 95 - وقوله جل وعز وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق (آية 101) في الكلام تقديم وتأخير المعنى وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا على النفاق ومن أهل المدينة أي من أهل المدينة مثلهم 96 - ثم قال جل وعز لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين (آية 101) قال الحسن وقتادة عذاب الدنيا وعذاب القبر

قال قتادة ثم يردون إلى عذاب عظيم أي عذاب جهنم وقيل سنعذبهم مرتين يعني السباء والقتل وقال الفراء بالقتل وعذاب القبر وقال مجاهد بالجوع والقتل 97 - وقوله جل وعز وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا (آية 102) قال الضحاك هؤلاء قوم تخلفوا عن غزوة تبوك منهم أبو لبابة فندموا وربطوا أنفسهم إلى سواري المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا اعذرهم الذي فانزل الله جل وعز وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم

وعسى من الله واجبة فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم بأموالهم فابى أي يقبلها فأنزل الله خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم قال أبي وصل عليهم واستغفر لهم وقيل هم الثلاثة الذين خلفوا والعمل الصالح الذي عملوه أنهم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وربطوا أنفسهم بسواري المسجد وقالو لا نقرب أهلا ولا ولدا حتى ينزل الله عذرنا وآخر سيئا هو تخلفهم عن غزوة تبوك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأول الصحيح 98 - وقوله جل وعز ألم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات (آية 104)

أي ويقبلها ومنه خذ العفو وأمر بالعرف ومنه الحديث الصدقة تقع في يد الله عز وجل أي يقبلها 99 - وقوله جل وعز وآخرون مرجون لأمر الله (آية 106) أي مؤخرون يقال ارجأت الأمر وقد حكي أرجيت 100 - ثم قال جل وعز إما يعذبهم وإما يتوب عليهم (آي 106) وإما لأحد أمرين ليكونوا كذا عندهم

ويقال إن المرجئين ههنا هم الثلاثة الذين خلفوا وذكرهم الله عز وجل في قوله وعلى الثلاثة الذين خلفوا وقرأ عكرمة الذين خلفوا بفتح الخاء مخففا وقال أي خلفوا بعقب النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى خلفوا تركوا فلم تقبل توبتهم كما قرء على بكر ابن سهل عن ابي صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن ابيه كعب بن مالك وذكر الحديث وقال فيه وليس الذي ذكر الله مما خلفنا عن الغزو وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن خلف له واعتذر إليه فقبل منه قال سهل بن سعد وكعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع العمري قال مجاهد هم من الأوس والخزرج 101 - وقوله جل وعز والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا (آية 107)

أي ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ضرارا أي مضارة 102 - ثم قال تعالى وتفريقا بين المؤمنين وإرصاد لمن حارب الله ورسوله من قبل (آية 107) قال مجاهد هو أبو عامر خرج إلى الشام يستنجد قيصر على قتال المسلمين وكانوا يرصدون له وقال أبو زيد يقال رصدته في الخير وارصدت لأن له في الشر وقال ابن الأعرابي لا يقال إلا أرصدت ومعناه ارتقيت 103 - وقوله جل وعز لا تقم فيه أبدا لمسجد اسس على التقوى من أول يوم أحق ان تقوم فيه (آية 108)

يروى انهم دعوا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فيه كما صلى في مسجد قباء قال سهل بن سعيد وأبو سعيد الخدري اختلف رجلان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما هو مسجد النبي وقال الآخر هو مسجد قباء فاتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسالاه فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو مسجدي هذا وفي حديث أبي سعيد وذلك خير كثير 104 - ثم قال جل وعز فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين (آية 108)

يروى ان النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن طهورهم فقالوا إنا نستنجي بالماء فقال أحسنتم والهاء في قوله أحق أن تقوم فيه يعود على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والهاء في قوله فيه رجال يحبون أن يتطهروا يعود على مسجد قباء ويجوز ان تكون تعود على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم 105 - وقوله جل وعز أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم (آية 109) والشفا الحرف والحد والجرف ما جرفه السيل والهاري وقد المتهدم الساقط

106 - وقوله جل وعز لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم (آية 110) قال قتادة أي شكا كأنهم عوقبوا بهذا وقال السدي أي حزازة 107 - ثم قال جل وعز إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم (آية 110) قال عطاء ومجاهد وقتادة إلا أن تقطع قلوبهم الا أن يموتوا وقال غيرهم أي إلا ان يتوبوا توبة يندمون فيها على ما فعلوا حتى يكونوا بمنزلة من قد قطع قلبه

وقرأ عكرمة إلى أن على الغاية 108 - وقوله جل وعز إن الله اشترى من المؤمنين انفسهم وأموالهم بان لهم الجنة (آية 111) هذا تمثيل كما قال جل وعز أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى 109 - وقوله جل وعز التائبون العابدون الحامدون السائحون (آية 112) قال الحسن أي التائبون من الشرك العابدون الله وحده السائحون روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال الصائمون وقد صح عن ابن مسعود

قال أبو جعفر وأصل السيح الذهاب على وجه الأرض ومنه قيل ماء سيح ومنه سمي سيحان وقيل للصائم سايح لأنه تارك للمطعم والمشرب والنكاح فهو بمنزلة السايح 110 - ثم قال جل وعز الراكعون الساجدون (آية 112) أي المؤدون الفرائض ثم قال جل وعز الآمرون بالمعروف أي بالإيمان بالله جل وعز ثم قال والناهون عن المنكر أي عن الكفر ويجوز ان يكون المعنى ألاحرون علي بكل معروف والناهون عن كل منكر

والحافظون لحدود الله أي العاملون بأمر الله جل وعز ونهيه 111 - وقوله جل وعز ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى (آية 113) وروى أبو الخليل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال مررت برجل من المسلمين يستغفر لأبيه وقد مات مشركا قال فنهيته فقال قد استغفر إبراهيم لأبيه فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأنزل الله ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم انهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعده إياه إلى آخر الآيتين وفي بعض الروايات فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقرأ ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآيتين

وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن ابيه أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ابا طالب حين حضرته الوفاة وكان أبو جهل وعبد الله بن أمية عند فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي عم قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية أترغب عن ملة عبد المطلب فابى ان يقول لا إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما والله لأستغفرن لك ما لم انه فانزل الله عز وجل ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين وأنزل إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء قال ابن مسعود ناجى النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه وبكى وقال إني استأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي ونزل ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين وقيل معنى إلا عن موعدة وعدها إياه إن أباه وعده

أن يسلم فاستغفر له فلما تبين له أنه عدو لله بإقامته الكفر تبرأ منه وقال عبد الله بن عباس لما تبين له أنه عدو لله بان مات وهو كافر تبرأ منه 112 - وقوله عز وجل إن إبراهيم لأواه حليم (آية 114) روى أبو ظبيان عن ابن عباس أنه قال الأواه الموقن وروي عن عبد الله بن مسعود قولان أصحهما إسنادا ما رواه حماد عن عاصم عن زر عن ابن مسعود أنه قال هو الدعاء والآخر انه الرحيم وروي عن مجاهد أنه الفقيه وقال كعب إذا ذكر النار تأوه

قال أبو جعفر وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأن هذه كلها من صفات إبراهيم صلى الله عليه وسلم إلا ان أحسنها في اللغة الدعاء لأن التأوه إنما هو صوت قال المثقب إذا ما قمت ارحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين وقول كعب أيضا حسن أي كان يتأوه إذا ذكر النار وقال سعيد بن جبير المسبح وقيل الذي يتأوه من الذنوب فلا يعجل إلى معصية فلم يستغفر لأبيه إلا لوعده لأن الاستغفار للكافر ترك الرضا لأفعل الله عز وجل واحكامه 113 - وقوله جل وعز وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون (آية 115) قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله أي يحتج عليهم بامره كما قال تعالى وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها

ففسقوا فيها وقال مجاهد يبين لهم أمر إبراهيم ألا يستغفروا للمشركين خاصة ويبين لهم الطاعة والمعصية عامة وروي أنه لما نزل تحريم الخمر وشدد فيها سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عمن مات وهو يشربها فأنزل الله عز وجل وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون 114 - وقوله جل وعز لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة (آية 179) قال عبد الله بن محمد بن عقيل بن ابي طالب خرجوا في غزوة تبوك في حر شديد وكان الرجلان والثلاثة على البعير الواحد فعطشوا يوما عطشا شديدا فأقبلوا ينحرون الإبل ويشقون أكراشها ويشربون ما فيها

115 - ثم قال جل وعز من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم (آية 117) تزيغ تميل وليس ميلا عن الإسلام وإنما هموا بالقفول فتاب الله عليهم وأمرهم به 116 - وقول عز وجل وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت (آية 118) كان أبو مالك يقول خلفوا عن التوبة وحكي عن محمد بن يزيد معنى خلفوا تركوا لأن معنى خلفت فلانا فارقته قاعدا عما نهضت فيه

وقرأ عكرمة بن خالد خلفوا أي أقاموا بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي عن جعفر بن محمد أنه قرأ خالفوا ومعنى رحبت وسعت ومعنى وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه وأيقنوا 117 - وقوله جل وعز ثم تاب عليم ليتوبوا (آية 118) فيه جوابان أحدهما أن المعنى ثم تاب عليهم ليثبتوا على التوبة كما

قال تعالى يا أيها الذين آمنوا آمنوا والآخر أنه فسح لهم ولم يعجل عقابهم كما فعل بغيرهم قال جل وعز فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم 118 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (آية 119) قيل مع الصادقين الذين يصدقون في قولهم وعملهم وقيل الذين يصدقون في إيمانهم ويوفون بما عاهدوا عليه كما قال تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه 119 - وقوله جل وعز ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب ان يتخلفوا عن رسول الله (آية 120) وقد قال بعد هذا وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين (آية 122) قال قتادة أمروا ألا يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج

بنفسه فإذا وجه سرية تخلف بعضهم ليسمعوا الوحي والأمر والنهي فيخبروا به من كان غائبا وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وما كان المؤمنون لينفروا كافة انها ليست في الجهاد ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم فكانت القبيلة تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد واجهدوهم حتى فأنزل الله عز وجل يخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا مؤمنين فردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم فذلك قوله سبحانه ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون وبهذا الإسناد قال يعني ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده والتأويلان متقاربان والمعنى إنهم لا ينفرون كلهم ويدعون حفظ أمصارهم وعمرانها ومنع الأعداء

منها وعليهم حفظ نبيهم صلى الله عليه وسلم كما خفف عليهم حفظ أمصارهم من الأعداء 120 - ثم قال جل وعز ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا محمصة في سبيل الله (آية 120) ظمأ أي عطش ولا نصب وهو أشد التعب قال قتادة والمخمصة المجاعة 121 - وقوله جل وعز وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه إيمانا (آية 124) أي فمن المنافقين من يقول أيكم زادته هذ إيمانا لأنه إذا آمن بها فقد ازداد إيمانه 122 - ثم قال جل وعز وأما الذين في قلوبهم مرض (آية 125) أي شك فزادتهم رجسا إلى رجسهم أي كفرا إلى كفرهم 123 - وقوله جل وعز أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين (آية 126)

قال الحسن أي يبتلون بالغزو في كل سنة مرة أو مرتين قال مجاهد أي يبتلون بالسنة والجدب 124 - وقوله جل وعز وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد (آية 127) لأنهم منافقون فكان بعضهم يومئ إلى بعض فيقول ايكم زادته هذه إيمانا ثم انصرفوا يجوز أن يكون المعنى ثم انصرفوا من موضعهم ويجوز أن يكون المعنى ثم انصرفوا عن الإيمان

125 - ثم قال جل وعز صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون (آية 127) قال الزجاج أي أضلهم مجازاة على فعلهم 126 - وقول جل وعز لقد جاءكم رسول من أنفسكم (آية 128) روى جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال لم يكن في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ يعاب قال صلى الله عليه وسلم انا من نكاح لا من سفاح قال أهل اللغة يجوز أن يكون المعنى لقد جاءكم رسول من أنفسكم أي بشر كما أنكم بشر فأنتم تفقهون عنه ويجوز أن يكون المعنى أنه من العرب فهو منكم فأنتم

تقفون على صدقه ومذهبه 127 - ثم قال جل وعز عزيز عليه ما عنتم (آية 128) أي شديد عليه عنتكم وأصل العنت الهلاك فقيل لما يؤدي إلى الهلاك عنت 128 ثم قال جل وعز حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم (آية 128) قال قتادة أي حريص على من لم يسلم أن يسلم 129 - ثم قال جل وعز فإن تولو فقل حسبي الله (آية 129) أي يكفيني الله يقال أحسبني الشئ إذا كفاني

130 - ثم قال جل وعز لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم (آية 129) وقرأ ابن محيصن وهو رب العرش العظيم وهي قراءة حسنة بينة وروي عن ابن عباس أن آخر آية نزلت لقد جاءكم رسول من انفسكم تمت سورة براءة والحمد لله

تفسير سورة يونس

تفسير سورة يونس مكية وآياتها 109 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة يونس وهي مكية 1 - قوله عز وجل آلر تلك آيات الكتاب الحكيم (آية 1) روى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى آلر قال أنا الله أرى قال أبو جعفر حدثنا علي بن الحسين قال نا الزعفراني قال نا علي بن الجعد قال نا شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس آلر قال أنا الله أرى وفي رواية عكرمة عن ابن عباس آلر وحم ون حروف الرحمن مقطعة قال أبو جعفر قد بينا هذا في أول سورة البقرة ومعنى الحكيم عند أهل اللغة المحكم كما قال

تعالى هذا ما لدي عتيد أي معد 2 - وقوله جل وعز أكان للناس عجبا ان أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس (آية 2) روي انه يراد بالناس ها هنا أهل مكة لأنهم قالوا العجب الم يجد الله رسولا إلا يتيم ابي طالب فانزل الله جل وعز أكان للناس عجبا ان أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس 3 - ثم قال جل وعز وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم (آية 2) قال ابن عباس أي منزل صدق وقيل القدم العمل الصالح وقيل السابقة ويروى عن الحسن أو قتادة قال القدم محمد صلى الله عليه وسلم يشفع لهم

وقال أبو زيد رجل قدم أي شجاع وقال قتادة أي سلف صدق وقال مجاهد أي خير وفي رواية علي بن أبي طلحة عنه قال سبقت لهم السعادة في الذكر الأول وهذه الأقوال متقاربة والمعنى منزلة رفيعة 4 - وقوله جل وعز ما من شفيع إلا من بعد إذنه (آية 3) ولم يجر للشفيع ذكر لأنه قد عرف المعنى إذ كانوا يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قال الله جل وعز ما من شفيع إلا من بعد إذنه أي لا يشفع شفيع إلا لمن ارتضى 5 - وقوله جل وعز وعد الله حقا إن يبدأ الخلق ثم يعيده (آية 4)

وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع أنه يبدأ الخلق ثم يعيده قال أبو جعفر وفتحها يحتمل معنيين أحدهما لأنه والآخر وعد الله انه والقسط العدل 6 - وقوله جل وعز هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل (آية 5) ولم يقل وقدرهما لأن المقدر لعدد السنين والحساب القمر وهو ثمان وعشرون منزلة قال أبو إسحاق ويحتمل أن يكون المعنى وقدرهما ثم حذف كما قال نحن بما عندنا وانت بما عندك راض والرأي مختلف

7 - وقوله جل وعز إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم (آية 9) قال مجاهد أي يجعل لهم نورا يمشون به ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقوي هذا أنه قال يتلقى المؤمن عمله في أحسن صورة فيؤنسه ويهديه ويتلقى الكافر عمله في اقبح صورة فيوحشه ويضله هذا معنى الحديث 8 - وقوله جل وعز دعواهم فيها سبحانك اللهم (آية 10) أي دعاؤهم تنزيه الله جل وعز وتحيتهم فيها سلام أي يحيي بعضهم بعضا بالسلامة ويجوز ان يكون الله جل وعز يحييهم بالسلام إكراما لهم

9 - ثم قال جل وعز وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين (آية 10) فخبر أن افتتاح دعائهم تنزيه الله وآخره شكره 10 - وقوله جل وعز ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم (آية 11) قال مجاهد وهو دعاء الرجل عند الغضب على أهله وولده فلو عجل لهم ذلك لماتوا وقيل إته قولهم اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فلو عجل لهم هذا لهلكوا 11 - وقوله جل وعز وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما (آية 12)

ويجوز أن يكون المعنى وإذا مس الإنسان الضر مضطجعا أو قاعدا أو قائما دعانا ويجوز ان يكون التقدير دعانا على أحدى هذه الأحوال 12 - ثم قال جل وعز فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه (آية 12) روى أبو عبيد عن أبي عبيدة أن مر من مذهب استمر وقال الفراء أي استمر على ما كان عليه من قبل ان يمسه الضر 13 - وقوله جل وعز ولقد اهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا (آية 13) قوله تعالى وما كانوا ليؤمنوا فيه قولان أحدهما الله جل وعز أخبر بما يعلم منهم لو بقاهم

والآخر انه جازاهم على كفرهم بأن طبع على قلوبهم ويدل على هذا أنه قال كذلك نجزي القوم المجرمين 14 - وقوله جل وعز وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله (آية 15) قال قتادة الذين قالوا هذا مشركو اهل مكة وقال غيره أي ائت تقرآن ليس فيه ذكر البعث والنشور ولا سب آلهتنا قال الله جل وعز قل ما يكون لي ان ابدله من تلقاء نفسي (آية 15) 15 - ثم قال تعالى قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به (آية 16) قال الضحاك أي ولا أشعركم به ولا أعلمكم به

16 - ثم قال جل وعز فقد لبثت فيكم عمرا من قبله (آية 16) قال قتادة لبث فيهم اربعين سنة واقام سنتين يرى رؤيا الأنبياء وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة 17 - وقوله جل وعز ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم (آية 18) أي ما لا يضرهم إن لم يعبدوه ولا ينفعهم إن عبدوه 18 - ثم قال جل وعز ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبؤن الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض (آية 18) أي اتعبدون ما لا يشفع ولا ينصر ولا يميز وتقولون هو يشفع لنا عند الله فتكذبون وهل يتهيأ لكم ان تنبؤه تعالى بما لا يعلم 19 - وقوله جل وعز وما كان الناس إلا مة واحدة فاختلفوا (آية 19)

فيه ثلاثة أقوال أبينها قول مجاهد وهو انهم كانوا في وقت آدم صلى الله عليه وسلم على دين واحد ثم اختلفوا والقول الثاني أن هذا عام يراد به الخاص وأنه يراد بالناس ها هنا العرب خاصة والقول الثالث أنه مثل قوله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة أي ثم يختلفون بعد ذلك 20 - وقوله جل وعز وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم (آية 21) يراد بالناس ها هنا الكفار كما قال تعالى إن الإنسان لربه لكنود

وقال الحسن ذلك المنافق والرحمة ها هنا الفرج ومن بعد ضراء أي من بعد كرب إذا لهم مكر في آياتنا أي يحتالون حتى يجعلوا سبب الرحمة في غير موضعه قال مجاهد إذا لهم مكر في آياتنا استهزاء وتكذيب 21 - وقوله جل وعز حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة (آية 22) قيل المعنى حتى إذا كنتم في الفلك ثم حولت المخاطبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصار المعنى وجرين بهم يا محمد وقيل العرب تقيم الغائب مقام الشاهد فتخاطبه مخاطبته ثم ترده إلى الغائب 22 - وقوله عز وجل وظنوا أنهم أحيط بهم (آية 22) يقال لمن وقع في بلية قد أحيط به كأن البلاء أحاط به واصل هذا أن العدو إذا أحاط بموضع فقد هلك أهله

23 - وقوله جل وعز إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق (آية 22) البغي الترامي إلى الفساد قال الأصمعي يقال بغى الجرح يبغي بغيا إذا ترامى إلى فساد 24 - ثم قال جل وعز يا أيها إنما الناس بغيكم على أنفسكم (آية 22) أي عملكم بالظلم يرجع عليكم 25 - ثم قال جل وعز متاع الحياة الدنيا (آية 23) أي ما تنالون بالبغي والفساد فإنما هو شئ تتلذذون به في الدنيا هذا قول أهل اللغة وروي عن سفيان بن عيينة أنه قال اراد أن البغي متاع الحياة الدنيا أي عقوبته تعجل لصاحبه في الدنيا

كما يقال البغي مصرعة وقال جل وعز ثم بغي عليه لينصرنه الله 26 - وقوله جل وعز إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام (آية 24) اختلط النبات مع المطر والمطر مع النبات 27 - وقوله جل وعز حتى إذا اخذت الأرض زخرفها (آية 24) الزخرف في اللغة كمال الحسن ومنه قيل للذهب زخرف 28 - ثم قال جل وعز كأن لم تغن بالأمس (آية 24) أي كأن لم تنعم

والمعنى عند أهل اللغة كأن لم تعمر والمعاني المنازل التي يعمرها الناس وغنيت بالمنزل أقمت به وعمرته 29 - وقوله جل وعز والله يدعو إلى دار السلام (آية 25) قال قتادة دار السلام الجنة والسلام الله عز وجل قال أبو جعفر المعنى على هذا والله يدعو إلى داره وإعادة الاسم إذا لم يكن مشكلا أفخم قال أبو إسحاق ويجوز ان يكون المعنى والله أعلم يدعو إلى الدار التي يسلم فيها من الآفات 30 - وقوله جل وعز للذين أحسنوا الحسنى وزيادة (آية 26) قال أبو جعفر الذي عليه أهل الحديث أن الحسنى

الجنة والزيادة النظر إلى الله جل اسمه حدثنا الحسين بن عمر قال نا هناد قال نا وكيع عن أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى في قول الله تعالى للذين أحسنوا الحسنى قال الجنة وزيادة قال النظر إلى الله جل وعز حدثنا الحسين قال نا هناد قال نا قبيصة قال نا حماد بن سلمة وقرئ على ابن بنت منيع عن هدبة بن خالد قال نا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة فقال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يثقل الله موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة وينجنا من النار فيكشف عن الحجاب ويتجلي فينظرون إليه جل وعز قال فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة قال أبو جعفر وفي حديث ابن بنت منيع ويجرنا وفي

حديثه فينظرون إلى الله جل وعز 31 - ثم قال جل وعز ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة (آية 26) قال ابن عباس القتر سواد الوجوه وقال غيره القتر جمع قترة وهي الغبرة ومعنى يرهق يغشى والذلة الهوان وفي حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة قال بعد نظرهم إلى ربهم والعاصم المانع 32 - وقوله جل وعز كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما (آية 27)

القطع جمع قطعة ومن قرأ قطعا فهو اسم ما قطع يقال قطعة قطعا واسم ما قطعت قطع 33 - وقوله جل وعز ثم نقول للذين أشركوا مكانكم (آية 28) أي انتظروا مكانكم توعد فزيلنا بينهم من قولك زلت الشئ من الشئ أي نحيته وزيلت فإن على التكثير 34 - ثم قال جل وعز فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم (آية 29) لأنهم قالوا من يشهد لك أنك رسول الله 35 - وقوله جل وعز هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت (آية 29) قال مجاهد أي تختبر ومعناه تجده وتقف عليه

وفي تتلو قولان قال الأخفش أي تقرأ كما قال وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك والقول الآخر أن معنى تتلو تتبع كما قال قد جعلت دلوي تستتليني 36 - وقوله جل وعز كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا (آية 33) ثم بين الكلمة فقال أنهم لا يؤمنون فالمعنى حق عليهم أنهم لا يؤمنون ويجوز ان يكون المعنى لأنهم لا يؤمنون وتكون الكلمة العقاب

37 - وقوله جل وعز وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله (آية 37) معناه لأن يفترى أي لأن يختلق ويجوز أن يكون المعنى وما كان هذا القرآن ان يفترى من دون الله كما تقول وما كان هذا القرآن كذبا 38 - ثم قال جل وعز ولكن تصديق الذي بين يديه (آية 37) يجوز ان يكون المعنى ولكن تصديق الشئ الذي القرآن بين يديه أي يصدق ما تقدمه من الكتب وأنباء الأمم ويجوز أن يكون المعنى أنه يصدق ما لم يأت من أمر الساعة 39 - وقوله جل وعز أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله (آية 38) المعنى بسورة مثل سوره مثل واسأل القرية والمراد الجنس

وقيل المعنى فأتوا بقرآن مثل هذا القرآن والسورة قرآن فكنى عنها بالتذكير على المعنى ولو كان على اللفظ لقيل مثلها 40 - ثم قال جل وعز وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (آية 38) أي ادعوا من يعينكم ممن يذهب إلى مذهبكم إن كنتم صادقين أنه مفترى 41 - ثم قال جل وعز بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه (آية 39) قيل يراد بهذا والله أعلم من كذب وهو شاك وقيل بما لم يحيطوا بعلمه أي بما فيه من الوعيد على كفرهم ولما ياتهم تأويله أي ما يؤول إليه ذلك الوعيد وقيل ولما يأتهم تأويله أي لم يعرفوه فهذا يدل على

انه يجب ان ينظر في التأويل ويجوز أن يكون المعنى ولما ياتهم ما يؤول إليه أمرهم من العقاب 42 - وقوله جل وعز ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين (آية 40) أي منهم من يعلم أنه حق ويظهر الكفر عنادا وإبقاء على رياسته ومنهم من لا يؤمن به في السر والعلانية 43 - وقوله جل وعز ومنهم من يستمعون إليك فأنت تسمع الصم (آية 42) أي ظاهرهم ظاهر من يستمعون وهم لشدة عداوتهم وانحرافهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة الصم

ثم قال جل وعز ولو كانوا لا يعقلون (آية 42) أي ولو كانوا مع هذا جهالا 44 - ثم قال جل وعز ومن هم من ينظر إليك افانت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون (آية 43) ومنهم من ينظر إليك أي يديم النظر إليك كما قال تعالى ينظرون إليك تدور اعينهم كالذي يغشى عليه من الموت 45 - وقوله جل وعز ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط (آية 47) قال مجاهد يعني يوم القيامة والمعنى على هذا فإذا جاء رسولهم يشهد عليهم بالإيمان والكفر كما قال تعالى فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد

وقال جل وعز وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا وقال غير مجاهد يجوز أن يكون إنه لا يعذب احدا حتى يجيئه الإعذار والإنذار وإنما يأتي بهذا الرسل 46 - وقوله جل وعز ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار (آية 45) أي قريب ما بين موتهم ومبعثهم عمر ثم قال يتعارفون بينهم أي يعرف بعضهم بعضا وهو اشد لتوبيخهم إذا عرف بعضهم بعضا بالإضلال والفساد 47 - وقوله جل وعز وإلما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك (آية 47) قال مجاهد أي وإما نرينك العذاب في حياتك أو

نتوفينك قبل ذلك فإلينا مرجعهم وقال غيره يريد بقوله جل وعز وإما نرينك بعض الذي لغدهم وقعة بدر والله أعلم 48 - وقوله جل وعز قل ارايتم إن اتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون (أية 50) يجوز أن يكون المعنى ماذا يستعجل من الله ويجوز ان يكون ماذا يستعجل من العذاب المجرمون قال أبو جعفر وهذا أشبه بالمعنى لقوله تعالى أثم إذا ما وقع آمنتم به 49 - ثم قال جل وعز الآن وقد كنتم به تستعجلون (آية 51) وفي الكلام حذف والمعنى الآن تؤمنون به

50 - وقوله جل وعز ويستنبئونك أحق هو (آية 53) المعنى ويستخبرونك فيقولون أحق هو قل إي وربي إنه لحق أي المعنى نعم 51 - وقوله جل وعز وما أنتم بمعجزين (آية 53) أي ما أنتم ممن يعجز عن ان يجازى بكفره 52 - وقوله جل وعز وأسروا الندامة لما رأوا العذاب (آية 54) في معناه قولان احدهما أن الرؤساء الدعاة إلى الكفر أسروا الندامة لما رأوا العذاب والآخر ان أسروا بمعنى أظهروا

وقال أبو العباس إن كان هذا صحيحا فمعناه بدت الندامة في أسرة وجوههم وواحدها سرار وهي الخطوط التي في الجبهة 53 - وقوله جل وعز يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم (آية 57) يعني القرآن 54 - وقوله جل وعز قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا (آية 58) قال الحسن فضله الإسلام ورحمته القرآن وقال أبو التياح بفضل الله يعني الإسلام وبرحمته يعني القرآن فبذلك فلتفرحوا يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم هو خير مما يجمعون قال يعني الكفار

وروى عكرمة عن ابن عباس بفضل الله القرآن وبرحمته أن جعلنا من أهله 55 - وقوله جل وعز قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا (آية 59) قال مجاهد يعني البحائر والسوائب وقال الضحاك يعني بقوله وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا 56 - وقوله جل وعز وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه (آية 61) معنى وما تكون في شأن أي وأي وقت تكون في شأن من عبادة أو غيرها وما تتلو منه من قرآن قال أبو إسحاق المعنى من الشأن 57 - وقوله جل وعز إذ تفيضون فيه (آية 61) أي تأخذون فيه ومنه أفاض في الحديث

58 - وقوله جل وعز وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة (آية 61) أي وما يبعد ولا يغيب ومثقال الشئ وزنه والذرة النملة الصغيرة 59 - وقوله جل وعز ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (آية 62) يروى أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم من أولياء الله فقال الذين إذا رؤوا ذكر الله حدثنا أبو جعفر قال نا الحسين بن عمر الكوفي ببغداد قال نا العلاء بن عمرو قال نا يحيى بن اليمان عن أشعث بن إسحاق القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قال يذكر الله جل وعز برؤيتهم

60 - وقوله جل وعز لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاخرة (آية 64) قال عبادة بن الصامت سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله جل وعز لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة فقال هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وفي الآخرة الجنة وفيها قول آخر رواه شعبة عن ابن عمران الجوني عن عبد الله ابن الصامت عن أبي ذر قلت للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل يعمل لنفسه خيرا ويحبه الناس فقال تلك عاجل بشرى المؤمنين في الدنيا 61 - وقوله جل وعز لا تبديل لكلمات الله (آية 64) أي لا خلف لوعده وقيل معنى لا تبديل لكلمات الله لا تبديل لأخباره أي لا ينسخها شئ ولا تكون إلا كما قال

62 - وقوله جل وعز ولا يحزنك قولهم (آية 65) أي لا يحزنك إيعادهم وتكذيبهم واستطالتهم عليك 63 - وقوله جل وعز إن العزة لله جميعا (آية 65) أي إن الغلبة لله 64 - وقوله جل وعز وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون (آية 66) أي يحدسون ويحزرون 65 - وقوله جل وعز هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا (آية 67) أي مبصرا فيه على النسب كما قال في عيشة راضية أي ذات رضى أي يرضى بها

66 - وقوله جل وعز إن عندكم من سلطان بهذا (آية 68) أي ما عندكم من حجة بهذا 67 - ثم قال جل وعز قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (آية 69) تم الكلام ثم قال متاع في الدنيا أي ذلك متاع في الدنيا 68 - وقوله جل وعز فأجمعوا أمركم وشركاءكم (آية 71) قال الفراء معناه وادعوا شركاءكم قال والإجماع الإعداد والعزيمة على الأمر وقال أبو العباس هو محمول على المعنى لأن معنى أجمعوا واجمعوا واحد وقال أبو إسحاق المعنى مع شركائكم قال وقول الفراء لا معنى له لأنه إن كان يذهب إلى أن المعنى وادعوا شركاءكم ليعينوكم فمعناه معنى مع وإن كان يذهب إلى الدعاء فقط فلا

معنى لدعائهم لغير شئ وقرأ الجحدري ويروى عن الأعرج فاجمعوا أمركم يوصل الألف وفتح الميم وقرأ الحسن فأجمعوا أمركم وشركاؤكم قال أبو جعفر وهذا يدل على انهما لغتان بمعنى واحد 69 - وقوله جل وعز ثم لا يكن امركم عليكم غمة (آية 71) فيه قولان أحدهما أن معنى غمة كمعنى غم والآخر وهو أصح في اللغة ان المعنى ليكن أمركم ظاهرا يقال القوم في غمة إذا عمي عليهم أمرهم والتبس ومن هذا غم الهلال على الناس أي غشية ما غطاه

والغم من هذا إنما هو ما غشي القلب من الكرب فضيقه واصل هذا مشتق من الغمامة 70 - وقوله جل وعز ثم اقضوا إلي ولا تنظرون (آية 71) أي ثم افعلوا ما بدا لكم قال الكسائي ويقرأ وأفضوا إلي بقطع الألف والفاء 71 - وقوله جل وعز قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا (آية 78) قال قتادة أي لتلوينا قال أبو جعفر وهذا معروف في اللغة يقال لفته يلفته إذا عدله ومن هذا التفت إنما هو عدل عن الجهة التي بين يديه 72 - ثم قال تعالى وتكون لكما الكبرياء في الأرض (آية 78)

قال مجاهد أي الملك وذلك معروف في اللغة وإنما قيل للملك كبرياء لأنه أكبر ما ينال في الدنيا 73 - وقوله جل وعز فلما القوا قال موسى ما جئتم به السحر (آية 81) من قرأ السحر فمعناه عنده التوبيخ أي أي شئ جئتم به السحر هو 74 - وقوله جل وعز فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه (آية 83) قال ابن عباس أي قليل وقال مجاهد يعني أنه لم يؤمن به منهم أحد وإنما آمن أولادهم وقال بعض أهل اللغة إنما قيل لهم ذرية لأن آباءهم قبط وأمهاتهم من بني إسرائيل كما قيل لمن سقط من فارس إلى اليمن

الأبناء يذهب إلى أنهم رجال مذكورون 75 - ثم قال جل وعز على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم (آية 83) فقال وملئهم لأنه قد علم أن معه من يأتمر له ويرجع إلى قوله وقيل المعنى على خوف من آل فرعون 76 - وقوله جل وعز ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين (آية 86) قال مجاهد أي لا تهلكنا بأيدي أعدائنا ولا تعذبنا بعذاب من عندك فيقول أعداؤنا لو كانوا على حق لما سلطنا عليهم ولما عذبوا أي فيفتتنوا بذلك وقال أبو مجلز لا يظهروا فيروا أنهم خير منا

77 - وقوله عز وجل واجعلوا بيوتكم قبلة (آية 87) قال ابن عباس أي مساجد وقال مجاهد أي نحو الكعبة وقال إبراهيم النخعي كانوا على خوف كما أخبر الله جل وعز فأمروا أن يصلوا في بيوتهم لئلا يلحقهم أذى 78 - وقوله جل وعز ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك (آية 88) وليضلوا النبي المعنى فأصارهم ذلك إلى الضلال كما قال جل وعز فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا أي فآل أمرهم إلى ذلك وكأنهم فعلوا ذلك لهذا

وبعض أهل اللغة يقول لام الصيرورة وهي لام كي على الحقيقة 79 - وقوله جل وعز ربنا اطمس على أموالهم (آية 88) قال قتادة بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة قال مجاهد أي أهلكها قال أبو جعفر ومعروف في اللغة أن يقال طمس الموضع إذا عفا ودرس 80 - ثم قال جل وعز واشدد على قلوبهم (آية 88) قال مجاهد أي بالضلالة وقال غيره أي قسها والمعنى واحد 81 - ثم قال عز وجل فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم (آية 88) قال مجاهد دعا عليهم قال أبو جعفر وهذا لأنهم إذا رأوا العذاب لم ينفعهم الإيمان فقد دعا عليهم

قال أبو إسحاق قال أبو العباس هو معطوف على قوله ربنا ليضلوا عن سبيلك 82 - وقوله جل وعز قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما (آية 89) قال قتادة دعا موسى وأمن هارون حدثنا محمد بن الحسين بن سماعة بالكوفة قال نا أبو نعيم قال نا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية قال قد أجيبت دعوتكما قال دعا موسى فأمن هارون صلى الله عليهما قال أبو جعفر وهو حسن عند أهل اللغة لأن التأمين دعاء ألا ترى أن معنى آمين استجب 83 - وقوله جل وعز وجاورنا لبني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا (آية 90)

وقرأ قتادة فاتبعهم فرعون وجنوده بوصل الألف قال الأصمعي يقال اتبعه بقطع الألف إذا لحقه وأدركه واتبعه بوصل الألف إذا اتبع أثره أدركه أو لم يدركه وكذلك قال أبو زيد وقيل اتبعه بوصل الآلف في الأمر اقتدى به واتبعه بقطع الآلف خيرا أو شرا هذا قول أبي عمرو وقيل هما واحد وقرأ قتادة بغيا وعدوا والعدو الظلم 84 - وقوله جل وعز حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل (آية 90) روى شعبة عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب قالا

سمعنا سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال شعبة رفعه أحدهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إن جبرائيل عليه السلام كان يدس الطين فيجعله في في فرعون قال مخافة أن يقول لا إله إلا أنت فيغفر له وقال عون بن عبد الله بلغني أن جبرائيل قال للنبي عليه السلام ما ولد إبليس ولدا قط أبغض إلي من فرعون وأنه لما أدركه الغرق قال آمنت الآية فخشيت أن يقولها فيرحم فأخذت تربة أو طينة فحشوتها في فيه وقيل إن جبرائيل إنما فعل هذا به عقوبة له على عظيم ما كان يأتي 85 - وقوله جل وعز فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية (آية 92) قال قتادة لم تصدق طائفة من الناس أنه غرق فأخرج لهم

ليكون عظة وآية وقال غيره الاية فيه أنه يدعي أنه رب وكان قومه يعبدونه فأراهم الله إياه بعدما غرقه ومن الآية فيه أنه غرق هو وقومه فأخرج دونهم قال أبو عبيدة معنى ننجيك نلقيك على نجوة من الأرض وقال غيره النجوة والنبوة ما ارتفع من الأرض وقرئ ننجيك والمعنى واحد وروري عن يزيد المكي أنه قرأ فاليوم ننحيك بالحاء ببدنك قيل أي وحدك وقيل بدرعك وقال مجاهد بحسدك وإن وهذا أحسن الأقوال

قيل معناه بجسدك فقط أي عريانا بغير روح 86 - وقوله جل وعز ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق (آية 93) أي أنزلناهم قال قتادة يعني الشام وبيت المقدس وقال الضحاك مصر والشام 87 - وقوله جل وعز فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسال الذين يقرؤون الكتاب من قبلك (آية 94) في معناه أقوال 1 - منها أن المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته فالمعنى على هذا فإن كنتم في شك كما قال تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء

2 وقيل هذا كما يقال إن كنت أبي فافعل كذا وهو أبوه 3 وقيل إن ها هنا بمعنى ما كما قال جل وعز إن الكافرون إلا في غرور والمعنى فما كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك سؤال ازدياد كما قال تعالى إخبارا عن إبراهيم قال بلى ولكن ليطمئن قلبي وقال أبو العباس محمد بن يزيد المعنى يا محمد قل للشاك إن كنت في شك فاسأل الذين يقرءون الكتاب أي سل من آمن من أهل الكتاب فيخبرك بصفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه

قال الحسن لم يسال ولم يشك وقال الضحاك الذين يقرءون الكتاب يعني بهم من آمن من أهل الكتاب وكان من أهل التقوى 88 - وقوله جل وعز إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون (آية 96) قال قتادة أي إن الذين حق عليهم غضب الله وسخطه بمعصيتهم لا يؤمنون 89 - وقوله جل وعز فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس (آية 98) قال قتادة لم يؤمن قوم حين رأوا العذاب إلا قوم يونس وقال غيره لم يروا العذاب وإنما رأوا دليله فقبلت توبتهم وذكر هذا على أثر قصة فرعون لأنه آمن حين رأى العذاب فلم ينفعه ذلك

قال قتادة خرج قوم يونس ففرقوا بين البهائم وأولادها واقاموا يدعون الله جل وعز فتاب عليهم 90 - وقوله جل وعز إلا قوم يونس (آية 98) هذا عند الخليل وسيبويه استثناء ليس من الأول وقال غيرهما هو استثناء منقطع لأنهم أمة غير الأمم الذين استثنوا منهم ومن غير جنسهم وشكلهم وإن كانوا من بني آدم ومعنى إلى حين إلى حين فناء آجالهم 91 - وقوله جل وعز ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا (آية 99) فيه قولان

أحدهما أنه قد سبق في علمه أنه لن يؤمن إلا من قد سبقت له السعادة في الكتاب الأول كما روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال خبره جل وعز أنه لن يؤمن إلا من قد سبق له من الله سعادة في الذكر الأول ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول والقول الآخر ولو شاء ربك لعاجل الكافر بالعقوبة فآمن الناس كلهم ولكن لو كان ذلك لم يكن لهم في الإيمان ثواب فوقعت المحنة بالحكمة وعن ابن عباس ويجعل الرجس قال السخط ثم قال على الذين لا يعقلون أي لا يعقلون عن الله حججه ومواعظه وبراهينه الدالة على النبوة 92 - ثم قال جل وعز قل انظروا ماذا في السموات والأرض (آية 101) أي من الدليل على قدرة الله جل ذكره

ثم قال وما تغني الآيات والنذر أي الأدلة والنذر جمع نذير وهو الرسول عن قوم لا يؤمنون أي لا يصدقون حتى يروا العذاب 93 - ثم قال جل وعز فهل ينتظرون إلا مثل ايام الذين خلوا من قبلهم (آية 102) يعني هؤلاء المكذبين من العقاب إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قال قتادة يقول وقائع الله جل وعز في الذين خلوا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود 94 - ثم قال جل وعز ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا (آية 103) أي من ذلك الهلاك كذلك أي كما فعلنا بالماضين 95 - ثم قال جل وعز يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني (آية 104)

أي الذي أدعوكم إليه فلم تعلموا أنه حق فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله من الأوثان وغيرها التي لا تنفع شيئا ولا تضر ولكن أعبد الله الذي لا ينبغي أن تشكو فيه الذي يتوفاكم أي يقبض الخلق فيميتهم وأمرت أن أكون من المؤمنين أي وهو أمرني أن أكون من المصدقين 96 - ثم قال جل وعز وأن أقم وجهك للدين حنيفا (آية 105) أن الثانية عطف على الأولى أي أقم نفسك على دين الإسلام حنيفا مائلا إلى الإسلام ولا تكونن من المشركين أي ممن أشرك في عبادته الأنداد 97 - وقوله جل وعز ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك (آية 106) أي في دين ولا دنيا فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين أي فإن فعلت ذلك فعبدتها فإنك إذا من الظالمين لأنفسهم

98 - ثم قال جل وعز وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو (آية 107) أي دون ما يعبده هؤلاء المشركون وإن يردك بخير أي برخاء ونعمة وعافية وسرور فلا راد لفضله أي فلا يقدر أحد أن يحول بينك وبين ذلك ولا يرده عنك لأنه الذي بيده ذلك لا إلى غيره 99 - وقوله جل وعز قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم (آية 108) أي القرآن الذي فيه بيان ما بالناس إليه حاجة فمن اهتدى سلك سبيل الحق فإنما يهتدي لنفسه أي فإنما يستقيم على الهدى لخير نفسه ومن ضل أي عدل عن الحق الذي أتاه فإنما يضل عليها أي فإنما يجني به على نفسه لا على غيرها 100 - وقوله جل وعز وما أنا عليكم بوكيل (آية 108) أي بمسلط على تقويمكم إنما أمركم إلى الله جل وعز هو الذي يقوم من شاء منكم وإنما أنا مبلغ 101 - وقوله جل وعز واتبع ما يوحى إليك (آية 109) أي اعمل به

ثم قال جل وعز واصبر أي على ما أصابك في الله من مشركي قومك حتى يحكم الله أي حتى يقضي فيهم وقيل أمره بفعل فاصل وهو خير الحاكمين أي خير القاضين وأعدل الفاصلين وقال ابن زيد هذا منسوخ حكم الله بجهادهم وأمر بالغلظة عليم وقال غيره حكم بينه وبينهم يوم بدر فقتلهم بالسيف وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم فيمن بقي منهم أن يسلك بهم سبيل من أهلك منهم أو يتوبوا تمت سورة يونس

تفسير سورة هود

تفسير سورة هود مكية وآياتها 123 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة هود وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت (آية 1) المعنى هو كتاب أحكمت آياته قال الحسن أحكمت بالأمر والنهي ثم فصلت بالثواب والعقاب وقال قتادة أحكمها والله من الباطل ثم فصلها بعلمه وبين حلالها وحرامها والطاعة والمعصية وقال مجاهد فصلت فسرت وقيل أحكمت فلا ينسخها شئ بعدها ثم فصلت أنزلت شيئا بعد شئ

ومن أحسنها قول قتادة أي احكمها من الخلل والباطل ثم قال جل وعز من لدن حكيم خبير قال قتادة أي من عند حكيم خبير 2 - ثم قال جل وعز ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير (آية 2) يجوز أن يكون المعنى بأن لا تعبدوا إلا الله ويجوز أن يكون المعنى لئلا تعبدوا ويجوز أن يكون المعنى أمرتم أن لا تعبدوا إلا الله 3 - وقوله جل وعز وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى (آية 3) يمتعكم يعمركم وقيل لا يهلككم وأصل الإمتاع الإطالة ومنه أمتع الله بك ومتع قال قتادة إلى أجل مسمى أي إلى الموت

4 - وقوله جل وعز ويؤت كل ذي فضل فضله (آية 3) أي من كان له عمل صالح أوتي ثوابه 5 - وقوله جل وعز ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه (آية 5) قال عبد الله بن شداد كان أحدهم يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم فيثني صدره ويتغشى ثوبه كراهة أن يراه النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو رزين كان الرجل يضطجع على شقه ويتغشى ثوبه ليستخفي وقال مجاهد يثنون صدورهم شكا وامتراء ليستخفوا منه أي من الله إن استطاعوا وقال الحسن يعني حديث النفس فأعلم الله جل وعز أنهم حين يستغشون ثيابهم في ظلمة الليل وفي أجواف بيوتهم يعلم تلك

الساعة ما يسرون وما يعلنون قال أبو جعفر وهذه المعاني متقاربة أي يسرون عداوة النبي صلى الله عليه وسلم ويطوون ومن صحيح ما فيه ما حدثناه علي بن الحسين قال قال الزعفراني حدثنا حجاج قال ابن جريج أخبرني محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع ابن عباس يقرأ ألا إنهم تثنوني صدورهم قال سألته عنه فقال كان ناس يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم ويروى أن بعضهم قال أغلقت بابي وارخيت كما ستري وتغشيت هو ثوبي وثنيت صدري فمن يعلم بي فأعلم الله جل وعز أنه يعلم ما يسرون وما يعلنون ونظيره ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ومن قرأ تثنوني صدورهم وهي قراءة ابن عباس ذهب إلى

معنى التكثير كما يقال احلولى الشئ وليست تثنوني حتى يثنوها فالمعنى يؤول إلى ذاك 6 - وقوله جل وعز وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها (آية 6) يقال لكل ما دب من الناس وغيرهم داب ودابة على المبالغة تأنيث على الصفة والخلقة 7 - وقوله جل وعز ويعلم مستقرها ومستودعها (آية 6) قال عبد الله بن مسعود مستقرها في الرحم ومستودعها في الأرض التي تموت فيها وقال مقسم عن عبد الله بن عباس مستقرها حيث تأوي إليه ومستودعها حيث تموت في الأرض

وقيل مستقرها ما يستقر عليه عملها ومستودعها ما تصير إليه وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس مستقرها في الرحم ومستودعها في الصلب 8 - وقوله جل وعز وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام (آية 7) فخبر جل وعز ان من قدر على هذا لا يعجزه شئ 9 - ثم قال جل وعز وكان عرشه على الماء (آية 7) قال سعيد بن جبير سألت ابن عباس على أي شئ كان الماء ولم يخلق سماء ولا أرضا فقال على متن الريح 10 - ثم قال جل وعز ليبلوكم ايكم أحسن عملا (ى ية 7) أي ليختبركم فيظهر منكم ما يجازيكم عليه لأنه إنما يجازي على الفعل وإن كان قد علمه قبل

11 - وقوله عز وجل ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين (آية 7) ويقرأ ساحر قال أبو جعفر قال أبو إسحاق والسحر عندهم باطل فكأنهم قالوا إن هذا إلا باطل 12 - وقوله جل وعز ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة (آية 8) قال ابن عباس أي إلى أجل معدود وقال مجاهد أي إلى حين 13 - وقوله جل وعز وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون (آية 8) أي جزاء استهزائهم والمعنى أحاط بهم العذاب

14 - وقوله جل وعز ولئن أذقنا الإنسان (آية 9) أي الكفار منا رحمة أي رزقا 15 - وقوله جل وعز إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات (آية 11) استثناء ليس من الأول بمعنى لكن ويجوز أن يكون استثناء من الهاء لأن تقديره إن الإنسان والانسان الجنس 16 - وقوله جل وعز أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك (آية 12) أي كراهة أن يقولوا ثم قال تعالى إنما أنت نذير أي إنما عليك أن تنذرهم وليس عليك أن تأتيهم من الآيات بما اقترحوا 17 - وقوله جل وعز قل فأتوا بعشر سور مثله (آية 13) المعنى كل سورة منها مثل سورة منه وادعوا من

استطعتم من دون الله أي ليعينكم 18 - وقوله جل وعز من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون (آية 15) قال الضحاك يعنى المشركين إذا عملوا عملا جوزوا عليه في الدنيا وقال سعيد بن جبير من عمل عملا يريد به غير الله جوزي به في الدنيا وقال مجاهد من عمل عملا ولم يتقبل منه أعطي ثوابه في الدنيا قال أبو جعفر وأحسنها قول الضحاك لقوله بعد ذلك أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار قال مجاهد لا يبخسون لا ينقصون

19 - وقوله جل وعز افمن كان على بينة من ربه (آية 17) قال عكرمة وإبراهيم ومنصور يعني النبي صلى الله عليه وسلم ويتلوه شاهد منه جبريل عليه السلام وقال ابن عباس ومجاهد وإبراهيم شاهد منه أي جبريل صلى الله عليه وسلم وقال الحسن شاهد منه يعني لسانه وقال الضحاك أفمن كان على بينة من ربه محمد صلى الله عليه وسلم ويتلوه شاهد منه أي من الله وهو جبريل عليه السلام وقال أبو جعفر حدثني سعيد بن موسى بقرقيسيا قال نا نخلد بن مالك عن محمد بن سلمة عن خصيف أفمن كان على بينة من ربه قال النبي صلى الله عليه وسلم ويتلوه شاهد منه قال

جبريل عليه السلام قال أبو جعفر تكون الهاء في ربه للنبي صلى الله عليه وسلم وفي يتلوه تعود على البينة لأن البينة والبيان واحد وفي منه تعود على اسم الله جل وعز وقول الحسن يحتمل المعنى أي ولسانه يعبر عنه ويميز ويجوز أن تكون الهاء في منه تعود على من وقيل الشاهد القرآن ويتلوه يكون بعده تاليا شاهدا ومن قبله أي ومن قبل الشاهد وقد قيل أفمن كان على بينة من ربه يعني به النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون واستشهد صاحب هذا القول بقوله أولئك يؤمنون به والمعنى على القول الأول أفمن كان على بينة من ربه كالذي يريد الحياة الدنيا وزينتها 20 - ثم قال جل وعز ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة (آية 17) أي يصدقه

وقيل هو معطوف على الشاهد أي ويتلوه كتاب موسى وقال مجاهد في قوله ومن قبله كتاب موسى التوراة 21 - ثم قال جل وعز ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده (آيه 17) قال قتادة الأحزاب أهل الملل كلهم وقال سعيد بن جبير كنت إذا وجدت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحا أصبت مصداقه في كتاب الله فأفكرت في قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس يسمع بي أحد فلا يؤمن بي ولا يهودي ولا نصراني إلا دخل النار فطلبت مصداقه في كتاب الله فإذا هو

ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده والأحزاب أهل الأديان كلها لأنهم يتحاربون 22 - وقوله جل وعز ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم (آية 18) قال الضحاك الأشهاد الأنبياء والمرسلون قال الله جل وعز فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا وقال مجاهد الأشهاد الملائكة وقال سفيان سألت الأعمش عن الأشهاد فقال هم الملائكة 23 - وقوله جل وعز يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون (آية 20)

قال قتادة ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خبرا فينتفعوا به ولا يبصرون خيرا فيأخذوا به وحكى الفراء عن بعض المفسرين أن المعنى يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يعقلون وذهب إلى أن هذا مثل قولهم جزيته فعله وبفعله ومن أحسن ما قيل فيه وهو معنى قول ابن عباس إن المعنى لا يستطيعون أن يسمعوا الحق سماع منتفع ولا يبصرونه بصر مهتد لاشتغالهم بالكفر الذي كانوا عليه مقيمين وقد روي عنه ما كانوا يستطيعون السمع يعني الآلهة 24 - وقوله جل وعز مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع (آية 24)

قال الضحاك الأصمى عنه والصم مثل للكافر والبصير والسميع مثل للمؤمن قال أبو جعفر وهذا قول حسن يدل عليه قوله تعالى هل يستويان مثلا فدل هذا على أن هذا لاثنين 25 - وقوله جل وعز فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا (آية 27) الملأ الرؤساء والأراذل الأشرار الذين ليسوا برؤوساء واحدهم أرذل 26 - وقوله جل وعز بادي الرأي (آية 27) ويقرأ بادئ الرأي بالهمز فمعنى المهموز ابتداء الرأي أي إنما اتبعوك ولم يفكروا ولم ينظروا ولو فكروا لم

يتبعوك ومعنى الذي ليس بمهموز اتبعوك في ظاهر الرأي وباطنهم على خلاف ذلك يقال بدا يبدو إذا ظهر ويحتمل أن يكون معناه اتبعوك في ظاهر الرأي ولم يفكروا في باطنه وعاقبته فيكون على هذا القول بمعنى المهموز 27 - وقوله جل وعز قال يا قوم ارأيتم إن كنت على بينة من ربي (آية 28) أي على يقين وبيان وهذا جواب لهم لأنهم عابوا من اتبعه فقال أرأيتم إن كنت على بينة من ربي أي فإذا كنت على بينة من ربي فمن اتبعني فهو بصير ومغفور له 28 - ثم قال جل وعز وآتاني رحمة من عنده (آية 28)

قال الفراء يعني الرسالة لأنها نعمة ورحمة 29 - ثم قال جل وعز فعميت عليكم (آية 28) أي لم تفهموها يقال عميت عن كذا وعمي علي كذا أي لم أفهمه والمعنى فعميت الرحمة ويقرأ فعميت فقيل هو مثل دخل الخف في رجلي مجاز إلا أن الرحمة هي التي تعمى وصاحبها يعمى وقال ابن جريج وآتاني رحمة من عنده الإسلام والهدى والحكم والنبوة 30 - ثم قال جل وعز أنلزمكموها وأنتم لها كارهون (آية 28) أي أنوجبها إن عليكم وأنتم كارهون لفهمها

31 - ثم قال الله جل وعز وما أنا بطارد الذين آمنوا (آية 29) فدل بهذا على أنهم سألوه أن يطردهم 32 - ثم قال جل وعز إنهم ملاقوا ربهم (آية 29) أي فيجازي من طردهم على ما فعل قال الفراء معنى من ينصرني من يمنعني 33 - ثم قال جل وعز ولا أقول للذين تزدري أعينكم (آية 31) معنى تزدري تستقل وتستخس يقال زريت على الرجل إذا عبته واستخسست إلا فعله وأزريت به إذا قصرت به والمعنى إنكم قلتم إن هؤلاء اتبعوني في ظاهر الرأي وإنما أدعو إلى توحيد الله جل وعز فمن اتبعني قبلته وليس علي ما غاب

34 - وقوله جل وعز قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (آية 32) وقرأ ابن عباس فأكثرت جدلنا والجدال والجدل المبالغة في الخصومة وقال مجاهد جادلتنا أي ماريتنا قال الزجاج ومعنى إن كان الله يريد أن يغويكم أي يضلكم ويهلككم وقيل يخيبكم وقال محمد بن جرير يغويكم يهلككم بعذابه حكى عن طي أصبح فلان غاويا أي مريضا واغويته فيه أهلكته ومنه فسوف يلقون غيا

35 - وقوله جل وعز أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي (آية 35) أي إن اختلقته فعلي إثم الاختلاق وأنا برئ مما تجرمون أي من تكذيبكم ومن قرأ أجرامي بفتح الهمزة ذهب إلى جمع جرم 36 - وقوله جل وعز وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن (آيه 36) قال الضحاك فدعا عليهم أي لما أخبر بهذا قال إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا 37 - ثم قال جل وعز فلا تبتئس بما كانوا يفعلون (آية 36) قال مجاهد وقتادة أي فلا تحزن

قال أبو جعفر وهو عند أهل اللغة حزن مع استكانة 38 - وقوله جل وعز ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه (آية 38) يروى أنهم كانوا يمرون به وهو يصنع الفلك فيقولون هذا الذي كان يزعم أنه نبي قد صار نجارا 39 - ثم قال جل وعز قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون (آية 38) أي إن تستجهلونا فنحن نستجهلكم كما استجهلتمونا صلى 40 - ثم قال جل وعز فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم (آية 39) أي من يؤول أمره إلى هذا فهو الجاهل 41 - وقوله جل وعز حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور (آية 40) روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال أي وطلع

الفجر كأنه يذهب إلى تنوير الصبح قال عبد الله بن عباس التنور وجه الأرض وكانت علامة بين نوح وربه جل وعز أي إذا رايت الماء قد فار على وجه الأرض فاركب أنت وأصحابك السفينة وقال قتادة التنور أعلى الأرض واشرفها وكان ذلك علامة له وكان مجاهد يذهب إلى أنه تنور الخابز وقال الشعبي جاء الماء من ناحية الكوفة قال أبو جعفر وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأن الله قد خبرنا ان الماء قد جاء من السماء والأرض فقال ففتحنا أبواب

السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فهذه الأقوال تجتمع في أن ذلك كان علامة 42 - وقوله جل وعز قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين (آية 40) قال مجاهد أي ذكرا وأنثى وقال قتادة أي من كل صنفين والزوج في اللغة واحد معه آخر لا يستغني عنه يقال عندي زوجان من الخفاف وما أشبه ذلك 43 - ثم قال جل وعز وأهلك إلا من سبق عليه القول (آية 40) أي إلا من سبق عليه القول بالهلاك

ثم قال جل وعز ومن آمن أي واحمل من آمن 44 - ثم قال جل وعز وما ى من معه إلا قليل (آية 40) يروى عن ابن عباس أنه قال حمل معه ثمانين وقال قتادة ما آمن معه إلا ثمانية خمسة بنين وثلاث نسوة 45 - وقوله جل وعز وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها (آية 41) أي بالله إجراؤها وارساؤها ومن قرأ مجداها وقال أنه ذهب إلى ان المعنى جريها ورسوها أي ثباتها وروي عن أبي رجاء العطاردي أنه قرأ باسم الله مجريها ومرسيها على النعت

46 - وقوله جل وعز ونادى نوح ابنه وكان في معزل (آية 42) قال عبد الله بن عباس ما بغت امرأة نبي قط وكان ابنه وقال سعيد بن جبير هو ابنه لأن الله عز وجل خبرنا بذلك وقال عكرمة إن شئتم حلفت لكم أنه ابنه وقال الضحاك هو ابنه قال الله جل وعز ونادى نوح ابنه وقال مجاهد ليس هو ابنه ويبين ذلك قول الله تبارك وتعالى فلا تسألني ما ليس لك به علم قال الحسن لم يكن ابنه وإنما ولد على فراشه فنسب إليه والقول الأول ابين وأصح لجلالة من قاله وأن قوله إنه ليس من أهلك ليس مما ينفي عنه انه ابنه وقد قال الضحاك معناه ليس من أهل دينك ولا من أهل ولايتك

وقال سفيان معناه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم قال أبو جعفر وهذان القولان حسنان في اللغة والأول أولى وروى أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قرأ ونادى نوح ابنه وكان في معزل يريد ابنها ثم حذف الألف ومثل هذا لا يجوز عند أهل العربية علمته ويجوز أن يكون معنى وكان في معزل أي في معزل عن دين أبيه ويكون في معزل عن السفينة وهذا أشبه ومعنى يعصمني يمنعني

47 - وقوله جل وعز قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم (آية 43) فيه قولان أحدهما أنه استثناء ليس من الأول والآخر أنه على النسبة فيكون المعنى لا معصوم كما قال من ماء دافق أي مدفوق وذكر محمد بن جرير قولا ثالثا وزعم أنه أولى ما قيل فيه فقال لا مانع اليوم من أمر الله الذي قد نزل بالخلق من الغرق والهلاك إلا من رحم أي إلا الله كما تقول لا منجي اليوم إلا الله فمن في موضع رفع ولا تجعل عاصم بمعنى معصوم ولا إلا بمعنى لكن 48 - ثم قال جل وعز وحال بينهما الموج فكان من المغرقين (آية 43)

قال الفراء أي حال بين ابن نوح وبين الجبل الماء فكان من المغرقين 49 وقوله جل وعز وقيل يا ارض ابلعي ماءك (آية 44) قال قتادة أي ابلعي كل ماء عليك ويا سماء أقلعي أي لا تمطري وهو ثم قال جل وعز وغيض الماء (آية 44) قال مجاهد أي نقص وقال قتادة أي ذهب ثم قال جل وعز وقضي الأمر أي قضي الأمر بهلاكهم ثم قال واستوت على الجودي (آية 44) قال الضحاك هو جبل الموصل 50 - وقوله جل وعز إنه عمل غير صالح (آية 46) في معناه أقوال

منها ان المعنى انه ذو عمل غير صالح وقيل إن عمله عمل غير صالح وقال قتادة معناه إن سؤالك إياي ما ليس لك به علم في قوله سآوي إلى جبل يعصمني من الماء عمل غير صالح وهذا عمل غير صالح قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل فيه لأن عبد الله بن مسعود قرأ إنه عمل غير صالح أن تسألني ما ليس لك به علم 51 - وقوله جل وعز قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك (آية 48) قال محمد بن كعب قد دخل في هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة ودخل في قوله وأمم سنمتعهم كل فاجر إلى يوم القيامة

وقال الضحاك نحوا من هذا إلا أنه بخلاف هذه الألفاظ وتقديره في العربية على مذهبه على ذرية أمم ممن معك وذرية أمم سنمتعهم ثم حذف كما قال واسأل القرية 52 - ثم قال جل وعز تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تلمها أنت ولا قومك من قبل هذا (آية 49) أي ما أوحيناه إليك من خبر نوح لم تكن تعلمه أنت ولا قومك لأنهم ليسوا أهل كتاب 53 - وقوله جل وعز يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني (آية 51) قال مجاهد أي خلقني 54 - وقوله جل وعز ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا (آية 52) يروى أنهم كانوا اصحاب زروع وعمارة وكانوا يسكنون

رمالا بين الشام واليمن فبعثت عليهم الريح فكانت تدخل في أنوفهم وتخرج من أدبارهم فتقطعهم ومدرارا على التكثير أي يتبع بعضها بعضا 55 - ثم قال جل وعز ويزدكم قوة إلى قوتكم (آية 52) قال مجاهد أي شدة إلى شدتكم وقال غيره كانوا قد أقاموا ثلاث سنين لا يولد لهم 56 - وقوله جل وعز إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء (آية 54) قال مجاهد اصابتك بسوء أي بجنون بسبك إياها ويقال عراه واعتراه واعتره إذا ألم به ومنه وأطعموا القانع والمعتر وقال الشاعر

أتيتك عاريا خلقا ثيابي على خوف تظن بي الظنون المعنى ما نقول إلا اصابك بعض آلهتنا بجنون لسبك إياها 57 - وقوله عز وجل قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون (آية 55) وهذا من علامات النبوة أن يكون الرسول وحده يقول لقومه فكيدوني جميعا وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لقريش وقال نوح صلى الله عليه وسلم فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة 58 - ثم قال جل وعز إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها (آية 56) أي هي في قبضته وتنالها قدرته

59 - ثم قال جل وعز إن ربي على صراط مستقيم (آية 56) قال مجاهد أي على الحق أي يجزي المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته لا يظلم أحدا ولا يقبل إلا الإيمان به قال أبو جعفر والصراط في اللغة المنهاج الواضح والمعنى إن الله جل ثناؤه وإن كان يقدر على كل شئ فإنه لا يأخذهم إلا بالحق 60 - وقوله جل وعز ولا تضرونه شيئا (آية 57) أي لا تقدرون له على ضرره إذا أراد إهلاككم وقيل لا يضره هلاككم إذا أهلككم أي لا تنقصونه شيئا لأنه سواء عنده أكنتم أم لم تكونوا 61 - ثم قال جل وعز إن ربي على كل شئ حفيظ (آية 57) أي يحفظني من أن ينالني بسوء 62 - وقوله جل وعز واتبعوا أمر كل جبار عنيد (آية 59)

العنيد والعنود والعاند المدافع بغير حق 63 - ثم قال جل وعز وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة (آية 60) أي والحقوا ومعنى فما تزيدونني غير تخسير غير تخسير لكم إذا ازددتم كفرا 64 - وقوله جل وعز ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية (آية 64) يروى أنها خرجت من صخرة 65 - وقوله جل وعز فيأخذكم عذاب قريب (آية 64) أي قريب ممن مسها 66 - وقوله جل وعز فاصبحوا في ديارهم جاثمين (آية 67)

قال قتادة أي ميتين 67 - وقوله جل وعز كأن لم يغنوا فيها (آية 68) قال قتادة أي كأن لم يعيشوا فيها قال الأصمعي المغاني المنازل قال غيره غنيت بالمكان إذا نزلت به والمعنى كأن لن يقيموا فيها في سرور وغبطة 68 - وقوله جل وعز ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى (آية 69) أي بالبشرى بالولد 69 - ثم قال جل وعز قالوا سلاما قال سلام (آية 69) ويقرأ قال سلم قال الفراء سلم وسلام واحد كما يقال حل وحلال 70 - ثم قال جل وعز فما لبثت أن جاء بعجل حنيذ (آية 69)

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال هو النضيج وكذلك قال قتادة وقال الضحاك هو الموقد عليه حتى ينضج وقول أبو عبيدة حينذ بمعنى محنوذ أي مشوي يقال حنذت فرسي أي عرقته والمعنى فما ابطأ إذ تضيفوه بأن جاءهم بعجل ثم حذف الباء من أن وقيل الرسل جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام بالبشرى البشارة بإسحاق وقيل البشارة بهلاك قوم لوط 71 - وقوله جل وعز فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم (آية 70)

يقال نكر وأنكر واستنكر بمعنى قال قتادة كان الضيف إذا نزل ولم يأكل رأوا أنه لم يأت بخير وأنه قد أتى بشر 72 - ثم قال جل وعز وأوجس منهم خيفة (آية 70) أي أضمر قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط أي أرسلنا بالعذاب وامرأته قائمة وهو قاعد 73 - وقوله تعالى فضحكت فبشرنا ها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب (آية 71) فيه أقوال أحسنها انهح صلى الله عليه وسلم لما لم يأكلوا نكرهم وخافهم فلما قالوا لا تخف وخبروه أنهم رسل فرح بذلك فضحكت امرأته سرورا بفرحه

وروى الفراء أن بعض المفسرين قال المعنى فبشرناهم بإسحاق فضحكت قال أبو جعفر وهذا القول لا يصح لأن التقديم والتأخير لا يكون في الفاء وقيل فضحكت فحاضت وهذا قول لا يعرف ولا يصح وقيل إنها كانت قالت له أحسب أن هؤلاء القوم سينزل بهم عذاب فضم لوطا إليك فلما جاء الرسل بما قالته سرت به فضحكت وهذا إن صح إسناد فهو حسن وقال قتادة ضحكت من غفلة القوم وقد أتاهم العذاب 74 - وقوله جل وعز ومن وراء إسحاق يعقوب (آية 71) قال الشعبي الوراء ولد الولد

وقال بعض أهل النظر في هذا دليل على أن إسماعيل هو الذبيح لأنها بشرت بانها تعيش حتى يولد إسحاق وحتى يولد لإسحاق يعقوب وكيف يؤمر بذبحه وقد بشرت بان يولد له 75 - وقوله جل وعز قالت يا ويلتي أالد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا (آية 72) قال الفراء يروى أنه كان لها حين بشرت ثمان وتسعون سنة وإبراهيم أكبر منها بسنة 76 - وقوله جل وعز فلما ذهب عن إبراهيم الروع (آية 74) قال قتادة أي الفزع وقوله جل وعز وجاءته البشرى (آية 74) قال قتادة بشروه بأنهم إنما أتوا بالعذاب إلى قوم لوط وأنه لا يخاف

قال معمر وقال غير قتادة بشروه بإسحاق وروى حميد بن هلال عن جندب عن حذيفة قال المجادلة ها هنا أنه قال لهم أرأيتم إن كان فيهم خمسون من المسلمين أتهلكونهم قالوا لا قال فإن كان فيهم أربعون قالوا لا قال فإن كان فيهم ثلاثون قالوا لا قال فإن كان فيهم عشرون قالوا لا قال فإن كان فيهم عشرة أو خمسة شك حميد قالوا لا قال قتادة نحوا منه قال فقال يعني إبراهيم قوم ليس فيهم عشر من المسلمين لا خير فيهم قال عبد الرحمن بن سمرة كانوا اربعمائة الف 77 - وقوله جل وعز ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم (آية 77) أي ساءه مجيئهم لما يعرف من قومه وروي أنهم أتوه واستضافوه إذا فقام معهم وكانوا قد أمروا أن لا

يهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط ثلاث شهادات فقال لهم إن قومي شر خلق الله ثلاث مرات 78 - ثم قال جل وعز وضاق بهم ذرعا (آية 77) قال أبو العباس يقال ضقت بالأمر ذرعا إذا لم تجد في قدرتك القيام به وهو مأخوذ من الذراع لأن فيها القوة 79 - ثم قال جل وعز وقال هذا يوم عصيب (آية 77) قال مجاهد أي شديد وذلك يعرف في اللغة يقال وذلك يعرف في اللغة يقال عصيب وعصبصب للشديد المنكر 80 - وقوله جل وعز وجاءه قومه يهرعون إليه (آية 78) قال ابن عباس أي يسرعون وقال مجاهد يهرولون في المشي وقال أهل اللغة يقال أهرع إذا جاء مسرعا وكان مع

ذلك يرعد 81 - وقوله جل وعز قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم (آية 78) فيه أقوال أحسنها قول مجاهد قال يريد نساء أمته ويقوة فقال قول الله جل وعز وأزواجه أمهاتهم ويروى أن أبي بن كعب وابن مسعود قرءا وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم وقيل المعنى هؤلاء بناتي إن اسلمتم وقيل كان في ملتهم جائز أن يتزوج الكافر المسلمة وقال عكرمة لم يعرض عليهم بناته ولا بنات أمته وإنما قال لهم هذا لينصرفوا

82 - وقوله جل وعز قال لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد (آية 80) قال مجاهد يعني العشيرة 83 - وقوله جل وعز فأسر بأهلك بقطع من الليل (آية 81) قال قتادة أي بطائفة من الليل يقال سرى واسري إذا سار بالليل فإن قيل السرى لا يكون إلا بالليل فما معنى بقطع من الليل فالجواب أنه لو لم يقل بقطع من الليل جاز أن يكون أوله 84 - وقوله جل وعز ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك (آية 81) المعنى فاسر بأهلك إلا امرأتك ويروى أنها في بعض القراءات كذا وقرأ أبو عمرو إلا امرأتك بالرفع

85 - وقوله جل وعز وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل (آية 82) فيه أقوال قال مجاهد هو بالفارسية أي أولها حجارة وآخرها طين وقال قتادة أي من طين وقال أبو جعفر وهذان القولان حسنان وإنما ذهب مجاهد إلى أن أصله بالفارسية ثم أعرب قال أبو جعفر وإنما استحسناه لأنه قال في موضع آخر حجارة من طين قال أبو عبيدة السجيل الشديد وأنشد ضربا تواصى بها لأبطال أي سجينا ورد عليه هذا القول عبد الله بن مسلم وقال هذا سجين وذاك سجيل وكيف يستشهد به قال أبو جعفر وهذا الرد لا يلزم لأن أبا عبيدة ذهب إلى

أن اللام بدل من النون لقرب إحداهما من الأخرى وقول أبي عبيدة يرد من جهة أخرى وهي أنه لو كان على قوله لكان حجارة سجيلا لأنه لا يقال حجارة من شديد لأن شديدا نعت وقوله جل وعز منضود أي بعضه يعلو بعضا يقال نضدت المتاع واللبن إذا جعلت بعضه على بعض فهو منضود ونضيد قال الشاعر خلت سبيل أتي كان يحبسه ورفعته إلى السجفين فالنضد ويقال سجيل من قولهم أسجلت إذا أعطيت ويقال هو من السجل كأنه مما كتب عليهم وقدر أن يصيبهم قال أبو جعفر وأبو إسحاق يستحسن هذا القول قال ويدل عليه قوله تعالى إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدراك ما

سجين كتاب مرقوم وسجين وسجيل واحد 86 - وقوله جل ذكره مسومة عند ربك (آية 83) قال مجاهد أي معلمة قال أبو جعفر ويقال سومت الشئ إذا علمته ويروى أنه كان عليها أمثال الخواتيم وقال الحسن معلمة وفيها دليل أنها ليست من حجارة الدنيا وانها مما عذب به ويقال سومت الشئ إذا أرسلته إرسالا إلا أنه لم يقل هذا في هذا الحرف 87 - ثم قال جل وعز وما هي من الظالمين ببعيد (آية 83) قال مجاهد يرهب بهذا قريشا وقال غيره المعنى من ظالمي هذه الأمة قال أبو جعفر والقولان يرجعان إلى معنى واحد وقيل وما هي ممن عمل قوم لوط ببعيد 88 - وقوله جل وعز وإلى مدين أخاهم شعيبا (آية 84)

المعنى وإلى أهل مدين وقوله تعالى ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير (آية 84) قال الحسن كان سعرهم رخيصا والذي توجه اللغة أن يكون عاما 89 - وقوله جل وعز بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين (آية 86) قال الحسن حظكم من الله جل وعز قال مجاهد أي طاعة الله قال أبو جعفر والمعنى ما يبقي له ثوابه 90 - وقوله جل وعز قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا (آية 87)

قال سفيان عن الأعمش أي قراءتك ودل بهذا على أنهم كانوا كفارا ثم قال أن أو نفعل في أموالنا ما نشاء روي عن زيد بن أسلم أنه قال كان مما نهاهم عنه حذف الدراهم وقيل معنى أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إذا تراضينا فيما بيننا بالبخس فلم تمنعنا منه قال أبو جعفر قال أبو إسحاق معنى إنك لأنت الحليم الرشيد على السخرية وقال غيره معناه إنك لأنت الحليم الرشيد عند نفسك 91 - وقوله جل وعز قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا (آية 88) قيل حلالا وقيل ما وفق له من الطاعة

92 - ثم قال جل وعز وما أريد ان أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه (آية 88) قال قتادة أي ليس أنهاكم عن شئ وأركبه ومعنى وإليه أنيب وإليه أرجع 93 - وقوله جل وعز ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي (آية 89) قال قتادة أي لا يحملنكم قال أبو جعفر والشقاق في اللغة العداوة كأنه يصير في شق غير شقه 94 - وقوله جل وعز وما قوم لوط منكم ببعيد (آية 89) يقال إن أقرب إلإهلاكات ثنا التي عرفوها إهلاك قوم لوط أي فالعظة به لكم فيها بينة بقربه منكم 59 - وقوله جل وعز قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا (آية 91) قال سفيان بلغنا أنه كان مصابا ببصره

قال أبو جعفر وحكى أهل اللغة ان حمير تقول للأعمى ضعيف أي قد ضعف بذهاب بصره كما يقال له ضرير أي قد ضر بذهاب بصره كما يقال مكفوف أي قد كف عن النظر بذهاب بصر 96 - وقوله جل وعز ولولا رهطك لرجمناك (آية 91) أي ولولا عشيرتك لقتلناك بالرجم قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله أي أنتم تزعمون أنكم تتركون قتلي من أجل عشيرتي ولا تخافون من الله جل وعز في ردكم أمره ويقال إن رهطه كانوا على ملتهم فلذلك أظهروا الميل إليهم 97 - وقوله جل وعز واتخذتموه وراءكم ظهريا (آية 92) قال مجاهد أي تركتم ما جئتكم به

قال أهل اللغة المعنى واتخذتم أمر الله وراءكم ظهريا يقال اتخذته ظهريا وجعلت حاجته بظهر أي إذا لم تعن بذلك 98 - وقوله جل وعز وأخذت الذين ظلموا الصيحة (آية 93) يروى ان جبرائيل صلى الله عليه وسلم صاح بهم صيحة فماتوا أجمعون وبين هذا قوله تعالى فأصبحوا في ديارهم جاثمين أي ميتين لا حراك لهم 99 - ثم قال جل وعز كأن لم يغنوا فيها (آية 94) قال قتادة أي كان لم يعيشوا فيها قال أبو جعفر وقد ذكرناه فيما تقدم وهو مأخوذ من الصوت لأنه إنما يقال مغنى للمنزل إذا كان أهله فيه 100 - ثم قال جل وعز ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود (آية 95)

يقال بعد يبعد إذا هلك ومن النأي بعد يبعد 101 - وقوله جل وعز ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين (آية 96) السلطان الحجة ومن هذا قيل للوالي سلطان لأنه حجة الله جل وعز في الأرض ويقال إنه مأخوذ من السليط وهو ما يضاء به 102 - وقوله جل وعز ويوم القيامة بئس الرفد المرفود (آية 99) قال مجاهد زيدوا لعنة يوم القيامة قال أبو جعفر والرفد في اللغة المعونة والأعطاء والمعنى الذي يقوم لهم مقام المعونة اللعن والتقدير بئس الرفد رفد المرفود

103 - وقوله جل وعز ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد (آية 100) قال قتادة القائم ما كان خاويا على عروشه والحصيد ما لا اثر له 104 - وقوله جل وعز وما زادوهم غير تتبيب (آية 101) قال مجاهد وقتادة غير تخسير قال أبو جعفر وكذلك هو عند أهل اللغة ومنه تبت يدا أبي لهب 105 - وقوله جل وعز يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذن (آية 105) وقد قال في موضع آخر واقبل بعضهم على بعض يتساءلون

ففي هذا جوابان أحدهما أنه مثل قوله هذا يوم لا ينطقون والمعنى لا ينطقون بحجة لهم كما يقال لمن تكلم كثيرا بغير حجة بينة لم يأت بشئ ولم يتكلم بشئ والجواب الآخر أن ذلك اليوم فيه أهوال وشدائد فمرة يمنعون من الكلام ومرة يؤذن لهم فعلى هذا لا تكلم نفس إلا بإذنه 106 - وقوله جل وعز فمنهم شقي وسعيد (آية 105) روى عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عن عمر قال لما نزلت فمنهم شقي وسعيد قلت يا رسول الله فعلام نعمل أعلى شئ قد فرغ منه أم على شئ لم يفرغ منه قال بلى على شئ قد فرغ منه يا عمر وجرت به الأقلام ولكن كل ميسر لما خلق له

107 - وقوله جل وعز فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك (آية 107) في هذا أجوبة منها أن العرب خوطبت على ما تعرف وتستعمل وهم يقولون لا أكلمك ما اختلف الليل والنهار وما دامت السماوات والأرض يريدون بذلك الأبد ويكون معنى إلا ما شاء ربك سوى ما شاء ربك من زيادة أهل النار في العذاب وأهل الجنة في النعيم وقد صح أنهم يزادون روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قال الله جل وعز أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر بله ما أطلعتم ثم قرأ أبو هريرة فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين

وقيل معنى إلا معنى سوى ايضا إلا أن المعنى سوى ما شاء ربك من الزيادة في الخلود وهذان قولان حسنان لأنه معروف في اللغة أن يقال لك عندي كذا وكذا إلا كذا وسوى كذا وغير كذا وحكى سيبويه لو كان معي رجل إلا زيد فهذا بمعنى سوى وغير وحكى الكوفيون لك عندي الف إلا ألفين ويعبر عن إلا في مثل هذا أنها بمعنى سوى وغير ولكن والمعاني متقاربة وقيل هذا استثناء لأنهم يقيمون في قبورهم فالمعنى على هذا إلا ما شاء ربك من مقامهم في قبورهم وقيل هذا استثناء لأن قوما من الموحدين يدخلون النار ثم تخرجون منها فالمعنى على هذا خالدين في النار ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من إخراج من شاء برحمته وشفاعة

النبي صلى الله عليه وسلم وقال جابر بن عبد الله في قوله عز وجل عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا إنه الشفاعة ويكون المعنى في أهل الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك من دخول قوم النار وخروجهم إلى الجنة حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال حدثنا أحمد بن داود بن موسى البصري المعروف بالمكي قال نا شيبان بن فروخ قال نا أبو هلال قال نا قتادة في هذه الآية وأما الذين شقوا ففي النار إلى قوله فعال لما يريد فقال عند هذا حدثنا أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يخرج قوم من النار قال قتادة لا نقول كما يقول أهل حروراء وقيل في هذا قول خامس وهو أن المعنى خالدين فيها

أبدا ثم قال إلا ما شاء ربك فخاطبهم على ما يعرفون من الاستثناء ورد الأمر إلى الله جل جلاله كما قال تعالى لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين وقد بين هذا بقوله عطاء غير مجذوذ قال مجاهد أي غير مقطوع قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة يقال جذذت الشئ أي قطعته وقد قيل في هذه الآية قول سادس يكون الاستثناء لمقامهم في عرصة القيامة وقال قتادة تبدل هذه السماء وهذه الأرض فالمعنى خالدين فيها ما دامت تلمك هذا السماء وتلك الأرض المبدلتان ثم من هاتين

108 - وقوله جل وعز وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص (آية 109) روى سفيان عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال ما كتب لهم من خير أو شر 109 - وقوله جل وعز ولولا كلمة سبقت من ربك (آية 110) أي بالتأخير إلى يوم القيامة لقضي بينهم يعني في الدنيا 110 - وقوله جل ذكره ولا تركنوا إلى الذين ظلمو فتمسكم النار (آية 113) قال عكرمة أي تودوهم وتطيعوهم 111 - وقوله جل وعز وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل (آية 114) قال الحسن طرفا النهار الصبح والعصر وزلفا من الليل المغرب والعشاء قال النبي صلى الله عليه وسلم هما زلفتا الليل

وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال طرفا النهار الصبح والظهر والعصر وزلفا من الليل العشاء والعتمة وروى حجاج عن ابن جريج عن مجاهد وزلفا من الليل قال ساعة من الليل إلى العتمة وقول مجاهد الأول احسن لأنه يجتمع به الصلوات الخمس ولأن ابن عباس قال في قوله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات يعني الصلوات الخمس وروى علقمة والأسود عن عبد الله أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني وجدت امرأة في بستان فقبلتها والتزمتها ونلت منها كل شئ إلا الجماع فافعل في ما شئت فانزل الله جل وعز وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات فقال معاذ بن جبل يا رسول الله أخاص له أم عام للناس فقال بل عام

والمعروف من قراءة مجاهد وزلفى بضم الزاي وبحرف التأنيث وقرأ ابن محيصن بهذه القراءة إلا أنه نون في الإدراج ويقرأ وزلفا من الليل وهو واحد مثل الحلم والقراءة المشهورة وزلفا وأنشد سيبويه طي الليالي زلفا فزلفا سماوة الهلال حتى احقوقفا وهو جمع زلفة وهو ساعة تقرب من أخرى ومنه الزلفة ومنه سميت مزدلفة لأنها منزلة تقرب من عرفة 112 - وقوله جل وعز فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية (آية 116) قيل أولوا طاعة

وقيل أولو تمييز وقيل أولو حظ من الله جل وعز 113 - وقوله جل وعز واتبع الذين ظلموا ما أترفو ولا فيه (آية 116) قال مجاهد من تملكهم وتجبرهم وتركهم الحق 114 - وقوله جل وعز ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة (آية 118) أي على دين واحد 115 - ثم قال جل وعز ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم (آية 119) قال أبو جعفر وهذه الآية من المشكل وقد قيل فيها أقوال روى عبد الكريم الجزري عن مجاهد انه قال وللرحمة خلقهم

وكذلك قال قتادة وروي عن الحسن فيها أقوال منها أنه قال وللاختلاف خلقهم ومنها أنه يقال وللرحمة خلقهم ومنها أنه قال خلقهم للجنة والنار والشقاء والسعادة وقيل هذا القول الذي عليه أهل السنة وهو أبينها وأجمعها والذي رواه عبد الكريم عن مجاهد ليس بناقض له لأنه قد بينه حجاج في روايته عن ابن جريج عن مجاهد انه قال في قول الله جل وعز ولا يزالون مختلفين قال أهل الباطل إلا من

رحم ربك قال أهل الحق ولذلك خلقهم قال للرحمة خلق أهل الجنة قال أبو جعفر فهذا قول بين مفسر ومن قال أيضا خلقهم للاختلاف فليس بناقض لهذا لأنه يذهب إلى ان المعنى وخلق أهل الباطل للاختلاف وأبينها قول الحسن الذي ذكرناه ويكون المعنى ولا يزال أهل الباطل مختلفين في دينهم إلا من رحم الله وأهل الإسلام لا يختلفون في دينهم ولذلك خلق أهل السعادة للسعادة وأهل الشقاء للشقاء وبين هذا قوله جل وعز وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين (آية 119) وقيل التقدير ينهون عن الفساد في الأرض ولذلك خلقهم 116 - وقوله جل وعز وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك (آية 120) أي تزيدك به تثبيتا كما قال جل ذكره قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي

117 - ثم قال جل وعز وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين (آية 120) قال أبو موسى وابن عباس والحسن ومجاهد في هذه الحق في هذه السورة وقال شعبة سمعت قتادة يقول في هذه الدنيا وهذا القول حسن إلا أنه يعارض بان ذلك يقال قد جاءه الحق في هذه السورة وغيرها وإن كان هذا لا يلزم لأنه لم ينف شيئا ألا ترى أنه يقال فلان في الحق إذا جاءه الموت ولا يراد به انه كان في باطل فتكون هذه السورة خصت بهذا توكيدا لما فيها من القصص والمواعظ

118 - وقوله جل وعز وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون (آية 121) أي عاملون ما أنتم عليه وهذا تهديد ووعيد ألا ترى ان بعده وانتظروا إنا منتظرون إلى قوله وما ربك بغافل عما تعملون تمت سورة هود

تفسير سورة يوسف

تفسير سورة يوسف مكية وآياتها 111 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة يوسف وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل جلاله وتقدست أسماؤه آلر (آية 1) قال سعيد بن جبير عن ابن عباس أنا الله أرى وقد تقدم شرح هذه الحروف 2 - وقوله جل وعز تلك آيات الكتاب المبين (آية 1) أي هذه تلك الآيات والتي كنتم توعدون بها في التوراة 3 - وقوله جل وعز إنا أنزلناه قرءانا عربيا (آية 2) يجوز أن يكون المعنى إنا أنزلنا القرآن عربيا

ويجوز أن يكون المعنى إنا أنزلنا خبر يوسف وهذا أشبه بالمعنى لأنه يروى أن اليهود قالوا سلوه لم انتقل آل يعقوب من الشام إلى مصر وعن خبر يوسف فأنزل الله جل وعز هذا بمكة موافقا لما في التوراة وفيه زيادة ليست عندهم فكأن هذا النبي صلى الله عليه وسلم إذ اخبرهم ولم يقرأ كتابا قط ولا هو في موضع كتاب بمنزلة إحياء عيسى عليه السلام الميت 4 - وقوله جل وعز نحن نقص عليك أحسن القصص (آية 3) أي نبين لك والقاص الذي يأتي بالقصة على حقيقتها 5 - ثم قال جل وعز بما أوحينا إليك هذا القرآن (آية 3) أي بوحينا ثم قال وإن كنت من قبله لمن الغافلين أي لمن الغافلين عن قصة يوسف لأنه لم يقرأ كتابا قبل

ذلك وإنما علمها بالوحي 6 - وقوله جل ذكره إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (آية 4) قال قتادة والضحاك وهذا لفظ قتادة الأحد عشر كوكبا إخوته والشمس والقمر أبوه وأمه قال معمر وقال غير قتادة أبوه وخالته وقال غيره أول لأحد عشر كوكبا أحد عشر رجلا يستضاء بهم كما يستضاء بالكواكب وأول القمر أباه وأول الشمس أمه أو خالته وقال عبد الله بن شداد بن الهاد كان تفسير رؤيا يوسف صلى الله عليه وسلم بعد اربعين سنة وذلك مستعمى لم الرؤيا

7 - وقوله جل وعز قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا (آية 5) أي فيحتالوا عليك 8 - وقوله جل وعز وكذلك يجتبيك ربك (آية 6) أي يختارك واصله من جبيت الشئ أي حصلته ومنه جبيت الماء في الحوض 9 - ثم قال جل وعز ويعلمك من تأويل الأحاديث (آية 6) قال مجاهد أي تأويل الرؤيا وقال غيره أي أخبار الأمم 10 - ثم قال جل ذكره ويتم نعمته عليك (آية 6) فأخبره أنه يكون نبيا لأنه قال كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق

11 - وقوله جل وعز لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين (آية 7) قيل بصيرة وقيل أي عبرة وروي انها في بعض المصاحف عبرة للسائلين 12 - ثم قال جل وعز إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى ابينا منا ونحن عصبة (آية 8) أي جماعة وقال بعض أهل اللغة العصبة العشرة إلى الأربعين 13 - ثم قال جل وعز إن أبانا لفي ضلال مبين (آية 8) أي ضل في محبة يوسف لا في دينه 14 - وقوله جل وعز اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا (آية 9) فيه حذف والمعنى أو اطرحوه أرضا يبعد فيها عن أبيكم

ودل على هذا الحذف يخل لكم وجه أبيكم أي يفرغ لكم وتكونوا من بعده أي تكونوا من بعد إهلاكه قوما صالحين أي تائبين 15 - ثم قال جل وعز قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب (آية 10) الغيابة عند أهل اللغة كل ما غيب عنك والجب البئر التي ليس بمطوية ويروى ان الجب ها هنا بئر بيت المقدس وهي من جبيت أي قطعت كأنها قطعت ولم يحدث فيها شئ بعد القطع قال الضحاك الذي قال لهم لا تقتلوا يوسف هو الذي قال فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي ابي وهو أكبرهم وقال غيره هو يهوذا وكان أشدهم

16 - وقوله جل وعز أرسله معنا غدا نرتع ونلعب (آية 12) روى حجاج عن ابن جريج عن مجاهد وورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أي نتحافظ حدثنا ونتكالأ ابن وزاد ابن أبي نجيح في روايته ونتحارس قوله قال هارون سألت أبا عمرو بن العلاء رحمه الله كيف قالوا ونلعب وهم أنبياء فقال لم يكونوا يومئذ انبياء ومن قرأ يرتع ويلعب بالياء فمعناه عندي يرعى الإبل يقال رعى وارتعى له بمعنى واحد وهذه قراءة أهل المدينة وروي عن مجاهد نرتع بالنون وكسر التاء يقال ذلك ارتع صاحبه وإبله فرتعت أي اقامت في المرتع والله أعلم بما اراد وقرأ أهل الكوفة يرتع ويلعب بإسكان العين ومعناه يتسع في الخصب ويأكل ويقال رتعت الإبل إذا رعت كيف شاءت وكذا غيرها وأرعيتها محمد تركتها ترعى ويقال فلان راتع أي مخصب ومنه

ترتع ما غفلت حتى إذ ادكرت فإنما هي إقبال وإدبار وكذا معنى نرتع بفتح النون وإسكان العين وهي قراءة ابي عمرو واهل مكة وروى سعيد عن قتادة قال نرتع ننشط ونلهو وهو كمعنى الأول وأما حجة أبي عمرو أنهم لم يكونوا يومئذ أنبياء فلا يحتاج إلى ذلك لأنه ليس باللعب الصاد عن ذكر الله جل وعز وقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا بكرا تلاعبها وتلاعبك 17 - وقوله جل وعز وأوحينا إليه لتنبئهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون (آية 15) يجوز أن يكون المعنى واوحينا إليه في الجب وهم لا يشعرون

بذلك الوحي هذا قول قتادة ويجوز ان يكون المعنى لتخبرنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون 18 - وقوله جل ذكره قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق (آية 17) أي ننتضل والمعنى نستبق في الرمي 19 - وقوله جل وعز وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين (آية 17) اي قد اتهمتنا ووقع بقلبك أنا لا نصدق فانت لا تصدقنا 20 - وقوله جل وعز وجاءوا على قميصه بدم كذب (آية 18) روى إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال كان دم سخلة وروى سفيان عن سمأل إلى عن عكرمة عن ابن عباس قال

لما نظر إليه قال كذبتم لو أكله الذئب لخرق القميص وقال الحسن لما نظر إلى الدم ولم ير في القميص شقا ولا خرقا قال ما عهد بالذئب حليما والمعنى بدم ذي كذب أي مكذوب فيه 21 - ثم قال جل وعز بل سولت لكم أنفسكم أمرا (آية 18) أي زينت 22 - ثم قال جل وعز فصبر جميل (آية 18) 3 ويروى ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصبر الجميل فقال هو الذي لا شكوى معه والمعنى عند أهل النظر الذي لا شكوى معه بغير رضى بقضاء الله فإذا كانت الشكوى إلى الله جل وعز كما قال إني مسني الضر وإنما أشكو بثي وحزني إلى الله أو

كانت برضى فصاحبها صابر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في علته بل أنا وارأساه 23 - وقوله جل وعز وجاءت سيارة (آية 19) أي قوم يسيرون فأرسلوا واردهم وهو الذي يرد لاستقاء الماء فأدلى دلوه قال الأصمعي يقال أدليت الدلو إذا أرسلتها ودلوتها إذا استقيت 24 - وقوله جل وعز قال يا بشراي هذا غلام (آية 19) قال السدي والأعمش كان اسمه بشرى وقال غيرهما المعنى يا ايتها البشرى قال أبو جعفر وهذا القول الصحيح لأن أكثر القراء يقرأ يا بشراي هذا غلام

والمعنى في نداء البشرى التنبيه لمن حضر وهو أوكد من قولك تبشرت كما تقول با عجباه أي يا عجب هذا من أيامك أو من آياتك فاحضر وهذا مذهب سيبويه 25 - وقوله جل وعز وأسروه بضاعة (آية 19) روى حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال أسروه المدلي ومن معه من التجار الباقين لئلا يستشركوهم فيه إذا عرفوا ثمنه وقالوا إنما استبضعناه وروى معمر عن قتادة قال أسروا بيعه والمعنى على هذا للأخوة كما روي انه لما وجد أظهر إخوته أنه بضاعة لأصحاب الماء 26 - وقوله جل ثناؤه وشروه بثمن بخس (آية 20) أي ذي بخس والبخس النقصان وقال الشعبي البخس القليل والمعدودة عشرون

درهما وقال قتادة بخس أي ظلم وقال الضحاك بخس أي حرام وروي عن ابن عباس وابن مسعود ونوف انهم قالوا اشتروه بعشرين درهما وقال مجاهد وشروه أي باعوه حين أخرجه المدلي وكانوا باعوه باثنين وعشرين درهما وهم أحد عشر 27 - ثم قال جل وعز دراهم معدودة (آية 20) قال الفراء إنما قال معدودة ليدل على قلتها لأنهم كانوا لا يزنون إلا أوقية والأوقية اربعون درهما 28 - ثم قال جل وعز وكانوا فيه من الزاهدين (آية 20) قال أبو عبيدة قال بعض المفسرين إنما زهدوا فيه لقلة علمهم بمنزلته من الله جل وعز 29 - وقوله جل وعز وقال الذي اشترا من مصر لامراته أكرمي مثواه (آية 21)

أي مقامه والمعنى أكرميه وقت مثواه ومنه ثويت في المكان إذا اقمت فيه كما قال الشاعر رب ثاو يمل منه الثواء 30 - ثم قال جل وعز عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا (آية 21) أي نتبناه وروى سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال أفرس الناس ثلاثة العزيز حين قال لامراته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا وابنة شعيب حين قالت لأبيها إن خير من استأجرت القوي الأمين وأبو بكر حين ولى عمر 31 - وقوله جل وعز ولما بلغ أشده (آية 22) قيل الأشد ثلاث وثلاثون سنة وقيل ثلاثون

والأكثر انه من تسع عشرة سنة إلى اربعين وقال ربيعة وزيد بن أسلم ومالك الأشد الحلم وسبيوبه كان يذهب إلى أنه جمع شدة مثل نعمة وانعم 32 - ثم قال جل وعز آتيناه حكما وعلما (آية 22) والفرق بين الحكيم والعالم أن الحكيم هو الذي يعمل بعلمه ويمتنع من الأشياء القبيحة ومنه قيل حكمة الدابة 33 - وقوله جل وعز وراودته التي هو في بيتها عن نفسه (آية 23) معنى راود فلان فلانة طالبها على الفاحشة وترك ذكر الفاحشة لعلم السامع 34 - وقوله جل وعز وقالت هيت لك (آية 23)

قال سعيد بن جبير أي تعالة وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال لا تنطعوا في القرآن فإنما هو مثل قول أحدكم هلم وتعال ثم قرأ عبد الله وقالت هيت لك بفتح الهاء والتاء وروي عن مجاهد وعكرمة أنهما قرءا وقالت هئت لك بالهمز قال قتادة قرأ ابن عباس هئت لك قال عكرمة أي تهيأت لك وأنكر الكسائي هذه القراءة وقال لا أعرف هئت لك بمعنى تهيأت وهي عند البصريين جيدة لأنه يقال هاء الرجل يهاء ويهيئ هيأة فهاء يهئ مثل جاء يجئ وهئت مثل جئت 35 - ثم قال جل وعز معاذ الله إنه ربي (آية 23) يجوز أن يكون المعنى إن الله ربي فلا أعصيه

ويجوز أن يكون المعنى إن الملك ربي أي مولاي 36 - وقوله جل وعز ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه (آية 24) قال أبو جعفر الذي عليه أهل الحديث والمتقدمون أنه هم بها حتى مثل له يعقوب صلى الله عليه وسلم حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال نا داود بن عمرو الضبي عن نافع وهو ابن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة قال سئل ابن عباس رحمه الله ما بلغ من هموم يوسف فقال جلس يحل هميانا له فنودي يا يوسف لا تك كالطائر يزني وعليه الريش

فيقعد بلا ريش فلم يتعظ على النداء فراى برهان ربه ففر وفرق وفي رواية ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال سألت ابن عباس عما بلغ من منة هموم أبو يوسف فذكر نحوه إلا انه قال جلس بين رجليها ورأى يعقوب صلى الله عليه وسلم وروى الأعمش عن مجاهد قال حل سراويله فتمثل له يعقوب فقال له يا يوسف فولى هاربا وروى سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال مثل له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله وروى إسماعيل بن إبراهيم عن يونس عن الحسن قال رأى صورة يعقوب يقول له يوسف يوسف قال أبو صالح رأى صورة يعقوب في سقف البيت يقول يا

يوسف يا يوسف وقال الضحاك نحوا من هذا قال أبو عبيد القاسم بن سلام وقد زعم بعض من يتكلم في القرآن برايه أن يوسف صلى الله عليه وسلم لم يهم بها يذهب إلى أن الكلام انقطع عند قوله ولقد همت به قال ثم استأنف فقال وهم بها لولا ان رأى برهان ربه بمعنى لولا ان رأى برهان ربه لهم بها واحتج بقوله ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وبقوله واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه وأشد تعظيما للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم قال أبو جعفر وكلام ابي عبيد هذا كلام حسن بين لمن لم يمل إلى الهوى والذي ذكر من احتجاجهم بقول ذلك ليعلم أني

لم أخنه بالغيب لا يلزم لأنه لم يواقع المعصية وأيضا فإنه قد صح في الحديث أن جبريل صلى الله عليه وسلم قال له حين قال ذلك ليعلم أني لم اخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ولا حين هممت فقال وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء وكذلك احتجاجهم بقوله واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر لا يلزم لأنه يجوز ان يكون هذا بعد الهموم وقال الحسن إن الله جل وعز لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها ولكنه ذكرها لئلا تيأسوا من التوبة وقيل معنى وهم أنه شئ يخطر على القلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من هم بسيئة ثم لم يعملها لم تكتب عليه فهذا مما يخطر بالقلب ولو هم بها على أنه يواقعها لكان ذلك عظيما وفي الحديث إني لأستغفر الله جل وعز في اليوم والليلة مائة

مرة قال أبو جعفر وقد بينا قول من يرجع إلى قوله من أهل الحديث والروايات وأهل اللغة المحققون على قولهم قال أبو إسحاق يبعد أن يقال ضربتك لولا زيد وهممت بك لولا زيد وإنما الكلام لولا زيد لهممت بك فلو كان ولقد همت به ولهم بها لولا أن رأى برهان ربه لجاز على بعد وإنما المعنى لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما هم به وقال بعض اهل اللغة المعنى وهم بدفها 37 - وقوله جل جلاله كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء (آية 24) السوء خيانة صاحبه والفحشاء ركوب الفاحشة حدثنا احمد بن محمد الأزدي قال نا محمد بن إبراهيم بن جناد قال نا الحسن بن عبد العزيز الجروي قال حدثني أبو مروان واثنى عليه خيرا قال حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن

جابر في قول الله جل وعز كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء قال السوء الثناء القبيح والفحشاء الزنا 38 - وقوله جل وعز واستبقا الباب (آية 25) قال قتادة يعني يوسف وامرأة العزيز 39 - وقوله جل وعز وألفيا سيدها لدى الباب (آية 25) أي صادفاه) فحضرها عند ذلك كيد فقالت ما جزاء من اراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم 40 - وقوله جل وعز وشهد شاهد من أهلها (آية 26) قال أبو هريرة تكلم ثلاثة في المهد صاحب يوسف وعيسى صلى الله عليه وسلم وصاحب جريج وروى شريك عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال كان صبيا في البيت أو قال في المهد شك شريك

وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو صبي في البيت وقال هلال بن إساف تكلم ثلاثة في المهد أحدهم صاحب يوسف وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال كان رجلا ذا لحية وقال سفيان عن جابر عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه قال كان من خاصة الملك وقال عكرمة لم يكن بصبي ولكن كان رجلا حكيما وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال كان رجلا وروى أبو عاصم عن المثنى عن القاسم وشهد شاهد من أهلها قال قميصه وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وشهد شاهد من أهلها قال قد القميص الشاهد

والقد في اللغة القطع 41 - وقوله جل وعز قال أنه من كيدكن (آية 28) المعنى إن قولك ما جزاء من أراد بأهلك سوءا من كيدكن ثم قال يوسف أعرض عن هذا أي لا تفشه 42 - ثم قال تعالى واستغفري لذنبك (آية 29) ويروى أنه كان قليل الغيرة 43 - وقوله جل وعز وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا (آية 30) وروى معاوية بن أبي صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال شغفها غلبها وروى عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال دخل تحت شغافها قال أبو جعفر والقولان يرجعان إلى شئ واحد لأن الشغاف

حجاب القلب فالمعنى وصل حبه إلى شغفاها عبد فغلب على قلبها قال الشاعر وقد حال هم دون ذلك داخل دخول الشغاف تبتغيه الأصابع وقد قيل إن الشغاف داء وأنشد الأصمعي للراجز يتبعها وهي له شغاف وروي عن ابي رجاء وقتادة أنهما قرءا قد شعفها حبا بالعين غير معجمة وبفتحها قال أبو جعفر معناه عند أكثر أهل اللغة قد ذهب بها كل مذهب لأن شعفات الجبال أعاليها وقد شعف بذلك شعفا

بإسكان العين أي أولع به إلا أن أبا عبيد أنشد بيت امرئ القيس أيقتلني وقد شعفت فؤادها كما شعف المهنؤة عليه الرجل الطالي قال فشبهت لوعة الحب وجواه بذلك وروي عن الشعبي انه قال الشغف حب والشعف جنون 44 - وقوله جل وعز فلما سمعت بمكرهن ارسلت إليهن (آية 31) يقال كيف سمى هذا مكرا فالجواب فيه أنها أطلعتهن واستكتمتهن فأفشين سرها فسمي ذلك مكرا 45 - وقوله جل وعز وأعتدت لهن متكأ (آية 31) روى سفيان عن منصور عن مجاهد قال المتكأ مثقلا

الطعام والمتك مخففة الأترج وروى إسماعيل بن إبراهيم عن أبي رجاء عن الحسن قال المتكأ الطعام وروى معمر عن قتادة قال المتكأ الطعام وقيل المتكأ كل ما اتكئ عليه عند الطعام أو شراب أو حديث وهذا هو المعروف عند أهل اللغة إلا أن الروايات قد صحت بذلك وحكى القتبي أنه يقال اتكأنا عن فلان أي أكلنا وقد قيل إن المتك الزماورد وقيل يقال بتكه إذا قطعه وشقه فكأن الميم بدل من الباء كما يقال لازم ولا زب في نظائر له كثيرة 46 - وقوله جل وعز فلما رأينه أكبرنه (آية 32)

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أعظمنه قال أبو جعفر وهذا هو الصحيح ومن قال حضن فقد جاء بما لايعرف وحضن لا يتعدى والمعنى هالهن فأعظمنه 47 - ثم قال جل وعز وقطعن أيديهن (آية 31) روى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال حزا بالسكين يريد مجاهد أنه ليس قطعا تبين منه اليد إنما هو خدش وحز وذلك معروف أن يقال إذا خدش الانسان يد صاحبه قد قطع يده 48 - ثم قال جل وعز وقلن حاش الله (آية 31) قال مجاهد أي معاذ الله والذي قال حسن واصله من قولك فلان في حشا فلان أي في ناحيتا فإذا قلت حاشا لزيد فمعناه تنحية لزيد

وحاش لله أي نحى الله هذا من هذا 49 - ثم قال جل وعز ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم (آية 31) وقرئ ما هذا بشرى أي بمشترى والأول أشبه لأن بعده إن هذا إلا ملك كريم ولأن مثل بشرى يكتب في الصحف بالياء 50 - وقول جل وعز ولقد راودته عن نفسه فاستعصم (آية 32) معنى فاستعصم فامتنع وقوله جل وعز قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه (آية 33) روي ان الزهري قرأ قال رب السجن أحب إلي

ومعناه أن أسجن أحب إلي ومن قرأ بالكسر السجن فمعناه عنده موضع السجن أحب إلي مما يدعونني إليه 51 - ثم قال جل وعز وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين (آية 33) يقال صبا إلى اللهو صبوا وروى الفراء صبأ إذا مال إليه ثم قال تعالى فاستجاب له ربه (آية 34) فحمله على المعنى لأن في كلامه معنى الدعاء وإن لم يذكر دعاء 52 - وقوله جل وعز ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات (آية 35)

قال مجاهد يعني قد القميص وقال قتادة يعني قد القميص وحز الأيدي ثم بين الذي بدا لهم فقال جل وعز ليسجننه حتى حين 53 - وقوله جل وعز ودخل معه السجن فتيان (آية 36) يجوز أن يكونا شابين وأن يكون شيخين والعرب تستعمل هذا 54 - ثم قال جل ذكره قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا (آية 36) في هذا أقوال منها أن الخمر ها هنا العنب ومنها أن المعنى عنب خمر ومنها أن يكون مثل قولك أن أعصر زيتا أي أعصر ما يؤول أمره إلى الزيت كما قال

الحمد لله العلي المنان صار الثريد في رؤوس العيدان وإنما يعني السنبل فسماه ثريدا لأن الثريد منه وهذا قول حسن والأول أبينها وأهل التفسير علي حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني أحمد بن سعيد قال وهب بن جرير عن أبيه عن علي بن الحكم عن الضحاك في وقوله إني أراني أعصر خمرا قال فالخمر العنب وإنما يسمي أهل عمان العنب الخمر 55 - ثم قال تبارك وتعالى وقال الآخر إني أحمل فوق راسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين (آية 36) في هذا قولان أحدهما إنا نراك تحسن تأويل الرؤيا والقول الآخر يروى عن الضحاك أنه كان يعين المظلوم ويعود المريض وينصر الضعيف ويوسع للرجال فحاد عن جوابهما إلى غير ما سألاه عنه فقال لا يأتيكما وفي هذا قولان

أحدهما أن ابن جريج قال لم يرد أن يعبر لهما الرؤيا فحاد عن مسلئتهما أبي فلم يتركاه حتى عبرها وقال غيره اراد ان يعلمهما انه نبي وأنه يعلمها بالغيب فقال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ويروى أن الملك كان إذا أراد قتل إنسان وجه إليه بطعام بعينه لا يتجاوزه 56 - ثم أعلمهما أن ذلك العلم من عند الله لا بكهانة ولا تنجيم فقال ذلكما مما علمني ربي ثم أعلمهما أنه مؤمن فقال إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله (آية 37) ثم قال بعد ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ذلك من فضل الله علنا أن جعلنا أنبياء وعلى الناس أن بعثنا إليهم رسلا

57 - ثم دعاهما إلى الإسلام بعد فقال يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الل الواحد القهار (آية 39) 58 - وقوله جل وعز يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا (آية 41) أي يكون على شراب الملك قال عبد الله بن مسعود لما عبر لهما الرؤيا قالا ما رأينا شيئا فقال قضي الأمر الذي فيه تستفتيان وقال أبو مجلز كان أحدهما صادقا والآخر كاذبا فقال قضي الأمر الذي فيه تستفتيان أي وقع على ما قلت حقا كان أو باطلا 59 - وقوله جل وعز وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك (آية 42) قال مجاهد عند الملك وذلك معروف في اللغة أن يقال للسيد رب قال الأعشى ربي كريم لا يكدر نعمة وإذا تنوشد بالمهارق أنشدا

60 - وقوله جل وعز فأنساه الشيطان ذكر ربه (آية 42) قال مجاهد فأنسى يوسف الشيطان ذكر ربه أن يساله ويتضرع إليه حتى قال لأحد الفتيين اذكرني عند ربك وروى إسماعيل بن إبراهيم عن يونس عن الحسن قال قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لولا كلمة يوسف يعني قوله اذكرني عند ربك ما لبث في السجن ما لبث قال ثم يبكي الحسن ويقول نحن ينزل بنا الأمر فنشكوا ما إلى الناس 61 - وقوله جل وعز فلبث في السجن بضع سنين (آية 42) روى معمر عن قتادة قال يعني أنه لبث في السجن سبع سنين وقال وهب اقام أيوب في البلاء سبع سنين وأقام يوسف في

السجن سبع سنين قال الفراء ذكروا أنه لبث سبعا بعد خمس سنين بعد قوله اذكرني عند ربك قال والبضع ما دون العشر قال الأخفش البضع من واحد إلى عشرة وقال قتادة البضع يكون بين الثلاث والتسع والعشر وهو قول الأصمعي قال العتبي قال أبو عبيدة ليس البضع العقد ولا نصف العقد نذهب إلى أنه من الواحد إلى الأربعة وقال قطرب البضع ما بن لثلاث إلى التسع قال أبو جعفر قيل اصحهما قول الأصمعي لأن داود بن هند روى عن الشعبي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رحمه الله حين خاطر قريشا في غلبة الروم فارس فمضى ست سنين وقال أبو

بكر سيغلبون في بضع سنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم كم البضع فقال ما بين الثلاث إلى التسع فخاطرهم أبو بكر وزاد فجاء الخبر بعد ذلك أن الروم قد غلبت فارس 62 - وقوله جل وعز وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف (آية 43) والعجاف التي قد بلغت النهاية في الهزال ومعنى عبرت الرؤيا أخرجتها من حال النوم إلى حال اليقظة مأخوذ من العبر وهو الشاطئ 63 - وقوله جل وعز قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين (آية 44) روى معمر عن قتادة أي أخلاط والضغث عند أهل اللغة كذلك يقال لكل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما ضغث أي هذه الرؤيا مختلطة ليست ببينة

64 - وقوله جل وعز وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمه (آية 45) روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وسفيان عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس بعد أمة بعد حين روى عفان عن همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أنه قرأ وادكر بعد أمه والمعروف من قراءة ابن عباس وعكرمة وادكر بعد أمة وفسراه بعد نسيان والمعنيان متقاربان لأنه ذكر بعد حين وبعد نسيان 65 - ثم قال تعالى أنا أنبئكم بتأويله (آية 45) أي أنا أخبركم وقرأ الحسن آتيكم بتأويله وقال كيف يبئهم لا العلج

قال أبو جعفر ومعنى أنبئكم صحيح حسن أي أنا أخبركم إذا سألت 66 - ثم قال جل وعز فأرسلون يوسف ايها الصديق (آية 46) وفي الكلام حذف والمعنى فذهب فقال يا يوسف 67 - وقوله جل وعز لعلي ارجع إلى الناس لعلهم يعلمون (آيه 46) يجوز أن يكون المعنى لعلهم تأويل رؤيا الملك ويجوز ان يكون لعلهم يعلمون بموضعك فتخرج من السجن 68 - قال تزرعون سبع سنين دأبا (آية 47) أي تباعا واعتيادا

قال أبو عبيدة معنى تحصنون تحرزون 69 - وقوله جل ذكر ثم ياتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون (آية 49) روى معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحة عن ابن عباس قال يعصرون العنب والزيت ويقرأ تعصرون ويعصرون ويعصرون وزعم أبو عبيدة أن معنى يعصرون ينجون من العصرة والعصر وهما المنجا وأنشد أحمد بن حعفر لأبي زبيد صاديا يستغيث غير مغاث ولقد كان عصره المنجود والمنجود الفزع قال أبو جعفر والأجود في هذا أن يكون المعنى فيه ما قال

ابن عباس وابن جريج في يعصرون وأما معنى تعصرون فمعناه تمطرون من قوله وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا وكذلك معنى تعصرون 70 - وقوله جل وعز وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك (آية 50) يروى ان النبي صلى الله عليه وسلم تعجب من صبره وقال لو كنت مكانه ثم جاء الرسول لبادرت ثم قال فاسأله ما بال النسوة الللاتي قطعن أيديهن (آية 50)

ولم يذكر امرأة العزيز فيهن حسن عشرة منه وأدبا 71 - وقول جل وعز قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه (آية 51) روى إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال جمع فرعون النسوة فقال لهن أنتن راودتن يوسف عن نفسه فقالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين فقال يوسف ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب إن الله لا يهدي كيد الخائنين فقال جبريل عليه السلام وغمزه ولا حين هممت فقال وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء

قال أبو جعفر وهذا كلام غامض عند أهل العربية لأن كلام يوسف مختلط بما قبله وغير منفصل منه ألا تراه خبر عن امرأة العزيز أنها قالت انا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ثم اتصل به قول يوسف ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ونظيره إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون قال أبو جعفر وفي الاية تأويل آخر روى حجاج ن ابن جريج قال قال يوسف ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة الللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وقال ابن جريج وهذا من تقديم القرآن وتأخيره قال أراد ان يبين عذره قبل ان يخرج من السجن فهذا على هذا التأويل قاله يوسف في السجن وعلى تأويل ابن عباس قاله يوسف بعد ما خرج من السجن حين جمعه الملك مع النسوة

قال أبو جعفر والتأويلان حسنان والله أعلم بحقيقة ذلك قال مجاهد وقتادة معنى حصحص الحق تبين قال أبو إسحاق هو مأخوذ من الحصة أي بانت حصة الحق من حصة الباطل 72 - وقوله جل وعز وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي (آية 54) أي أجعله خالصا لنفسي لا يشركني فيه غيره 73 - ثم قال جل ذكره فلما كلمة قال إنك اليوم لدينا مكين أمين (آية 54) أي قد تبينا أمانتك وبراءتك مما قرفت به قال اجعلني على خزائن الأرض (آية 55) أي على أموالها

إني حفيظ عليم أي حافظ للأموال وأعلم المواضع التي يجب أن أجعلها فيها 74 - وقوله جل وعز ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم (آية 59) قيل في الكلام حذف والمعنى سألهم عن أمورهم فلما خبروه وجرى الكلام إلى هذا قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني اوفى الكيل وأنا خير المنزلين قيل لأنه أحسن ضيافتهم 75 - وقوله جل وعز وقال لفتيته (آية 62) قيل يراد بالفتية والفتيان ها هنا المماليك ثم قال اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون (آية 62) قال أبو جعفر في هذا قولان أحدهما ان المعنى إذا رأوا البضاعة في رحالهم وهي ثمن الطعام رجعوا لأنهم أنبياء لا يأخذون شيئا بغير ثمن

وقيل إذا رأوا البضاعة في الرحال علموا أن هذا لا يكون من أمر يوسف فرجعوا 76 - وقوله جل وعز قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل (آية 64) لأنهم قالوا في أخيه ارسله معنا غدا نرتع ونلعب وإنا له لحافظون وقالوا في هذا فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون فضمنوا له حفظهما 77 - وقوله جل وعز قالوا يا أبانا نا نبغي (آية 65) يجوز ان يكون المعنى أي شئ نبغي وقد ردت إلينا بضاعتنا ويجوز أن يكون المعنى ما نبغي شيئا ويكون ما نافية ثم قال ونميز أهلنا ونحفظ أخانا (آية 65)

يقال مار أهله يميرهم ميرا وميرة إذا جاء بأقواتهم من بلد إلى بلد 78 - ثم قال جل وعز ونزداد كيل بعير (آية 65) قال ابن جريج لأنه كان يعطي كل رجل منهم كيل بعير قال مجاهد يعني وقر حمار وقال بعضهم يسمى الحمار بعيرا يعني أنها لغة فأما أهل اللغة فلا يعرفون انه يقال للحمار بعير والله أعلم بما أراد ثم قال ذلك كيل يسير (آية 65) أي سهل عليه 79 - وقوله جل وعز إلا أن يحاط بكم (آية 66) أي إلا أن تهلكوا وتغلبوا

80 - ثم قال جل وعز فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل (آية 66) أي كفيل 81 - قوله جل وعز وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة (آية 67) قال الضحاك خاف عليهم العين وقال غيره العين حق لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ الحسن والحسين رصي الله عنهما فيقول أعيذكما بكلمات الله التامة من كل لامة وقيل كره ان يلحقهم شئ فيتوهم أنه من العين فيؤثم في ذلك والدليل على صحة هذا القول حديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تقدموا عليه

وجواب آخر أن يكون كره ان يدخلوا فيستراب على بهم والله عز وجل أعلم 82 - وقوله جل وعز ولما دخلوا من حيث أمرهم ابوهم ما كان يعني عنهم من الله من شئ إلا حاجة (آية 68) قيل المعنى أنه لو قضي عليهم شئ لأصابهم دخلوا مجتمعين أو متفرقين وقيل المعنى لو قضي أن تصيبهم العين لأصابتهم متفرقين كما تصيبهم مجتمعين 83 - ثم قال جل وعز إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها (آية 68) قال مجاهد يعني خوفه عليهم العين 84 - وقوله جل وعز ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه (آية 69) يقال آويت فلانا بالمد إذا ضممته إليك وأويت إليه أي لجأت إليه

ومعنى فلا تبتئس فلا تحزن من البؤس 85 - وقوله جل وعز فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل اخيه (آية 70) قال قتادة هي مشربة الملك وقال الضحاك هو الإناء الذي يشرب فيه الملك وروى شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال صواع الملك شئ من فضة يشبه المكوك من ذهب وفضة مرصع بالجواهر يجعل على الرأس وكان للعباس واحد في الجاهلية 86 - وقوله جل وعز ثم أذن مؤذن ايتها العير إنكم لسارقون (آية 70) أي أعلم ونادى يقال آذنت أي أعلمت وأذنت أي أعلمت مرة بعد مرة

والمعنى يا أصحاب العير وقال إنكم لسارقون ولم يسرقوا الصواع قيل لأنهم أخذوا يوسف فباعوه فاستجاز ان يقول لهم إنكم لسارقون وقيل يجوز ان يكون الصواع جعل في رحالهم ولم يعلم الذي ناداهم بذلك فيكون كاذبا وقال أحمد بن يحيى أي حالكم حال السراق وهكذا كلام العرب وكان المنادي حسب ان القوم سرقوه ولم يعلم بصنيع يوسف وقيل يجوز ان يكون اذان المؤذن عن امر يوسف واستجاز ذلك بهم أنهم قد كانوا سرقوا سرقة في بعض الأحوال يعني بذلك تلك السرقة لا سرقتهم الصواع

وقال بعض أهل التأويل كان ذلك خطأ من فعل يوسف فعاقبه الله عز وجل إذ قالوا له إن يسرق فقد سرق اخ له من قبل 87 - وقول جل وعز وأنا به زعيم (آية 72) قال الضحاك أي كفيل وقال قتادة أي حميل قال الفراء زعيم القوم رئيسهم ومتكلمهم قال أبو جعفر وهذا قريب من الأول لأن حميلهم هو رئيسهم

وروى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال والزعيم غارم مختصر يعني صلى الله عليه وسلم بالزعيم الضامن 88 - وقوله جل وعز قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض (آية 73) يروى انهم كانوا لا ينزلون على أحد ظلما ولا يرهبون زرع أحد وانهم جعلوا على أفواه إبلهم الأكمه لئلا تعيث في زروع الناس 89 - ثم قال جل وعز وما كنا سارقين (آية 73) يروى انهم ردوا البضاعة التي جعلت في رحالهم أي فمن رد ما وجده كيف يكون سارقا

90 - ثم قال تعالى قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين (آية 74) يقال إن هذه هي الحيلة التي ذكرها الله في قوله كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك (آية 76) قال الضحاك أي في سلطان الملك وذلك أنه كان حكم الملك إذا سرق إنسان شيئا غرم مثله وكان حكم يعقوب صلى الله عليه وسلم إذا سرق إنسان استعبد فرد الحكم إليهم لهذا 91 - ثم قال جل وعز ما كان ليأخذ اخاه في دين الملك إلا ان يشاء الله (آية 76) أي إلا بمشيئته تعالى 92 - ثم قال تعالى نرفع درجات من نشاء (آية 76) ويقرأ درجات من نشاء بمعنى من نشاء درجات 93 - ثم قال تعالى وفوق كل ذي علم عليم (آية 76) قيل حتى ينتهي العلم إلى الله جل جلاله

وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يكون ذا أعلم من ذا والله فوق كل عالم وروى سفيان عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير قال كنا عند ابن عباس رحمه الله فتحدث بحديث فتعجب منه رجل فقال سبحان الله وفوق كل ذي علم عليم فقال ابن عباس بئس ما قلت الله العليم وهو فوق كل عالم 94 - وقوله جل وعز قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل (آية 77) قال مجاهد يعنون يوسف ويروى انه كان راى صورة تعبد فأخذها ورمى بها وإنما فعل ذلك إنكارا ان يعبد غير الله 95 - ثم قال جل وعز فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم (آية 77)

ثم بين الذي أسر بقوله قال أنتم شر مكانا أي أنتم سرقتم على الحقيقة إذ بعتم أخاكم 96 - ثم قال تعالى والله أعلم بما تصفون (آية 77) أي الله أعلم أسرق أخوه أم لا 97 - وقوله جل وعز فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا (آية 80) أي يئسوا تركوا أخاهم وانفردوا يتناجون كيف يرجعون إلى يعقوب وليس معهم أخوهم

98 - ثم قال تعالى قال كبيرهم ألم تعلموا ان أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله (آية 80) قيل كبيرهم يهوذا قال مجاهد هو شمعون وليس بكبيرهم في السن لأن روبيل أكبر منه يذهب مجاهد إلى أن المعنى قال كبيرهم في العقل ورئيسهم لا كبيرهم في السن وقال قتادة في قوله تعالى قال كبيرهم هو روبيل ذهب إلى أنه كبيرهم في السن والله أعلم بحقيقة ذلك 99 - وقوله تعالى فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي (آية 80) يعني أرض مصر لأن كل أحد على الأرض 100 - وقوله جل وعز ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا ابانا إن ابنك سرق (آية 81) وحكي أنه قرئ سرق

حدثني محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن عثمان بن شبيب قال نا أبو جعفر أحمد بن أبي سريج قالا نا علي بن عاصم عن داو وهود ابن ابي هند عن سعيد بن جبير قال نا ابن عباس يقرؤها يا أبانا إن ابنك سرق وحدثني محمد بن أحمد بن عمر قال نا ابن شاذان قال نا أحمد بن سريج البغدادي قال سمعت الكسائي يقرأ يا أبانا إن ابنك سرق مرفوعة بالسين وسرق تحتمل معنيين أحدهما اتهم بالسرقة والآخر علم منه السرق ومعنى بل سولت أي بل زينت 101 - وقوله جل وعز وتولى عنهم وقال يا أسفا على يوسف (آية 84) قال ابن عباس أي يا حزنا وقال مجاهد أي يا جزعا

102 - ثم قال تعالى وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم (آية 84) قال قتادة أي لم يقل باسا وكذلك هو في اللغة يقال فلان كظيم وكاظم أي حزين لا يشكو حزنه 103 - وقوله جل وعز قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف (آية 85) روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس تفتأ أي لا تزال وقال مجاهد تفتؤ أي تفتر والأول المعروف عند أهل اللغة يقال ما فتئ وما فتأ أي ما زال

104 - ثم قال تعالى حتى تكون حرضا (آية 85) قال ابن جريج عن مجاهد أي دون الموت وقال الضحاك أي باليا مبرا والقولان متقاربان يقال أحرضه المرض فحرض ويحرض إذا دام سقمه وبلي قال الفراء الحارض الفاسد الجسم والعقل وكذلك الحرض وقال أبو عبيدة الحرض الذي قد اذابه الحزن وقال غيره منه حرضت فلانا أي أفسدت قلبه 105 - ثم قال تعالى أو تكون من الهالكين (آية 85) وقال الضحاك أي من الميتين

106 - وقوله جل وعز قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله (آية 86) والبث أشد من الحزن قال قتادة ولا تيأسوا من روح الله أي من رحمته 107 - وقوله جل وعز قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة (آية 88) وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال أي ورق رديئة لا تجوز إلا بوضيعة وقال مجاهد أي قليلة وقال قتادة أي يسيرة وقال عبد الله بن الحارث كان معهم متاع الأعراب من سمن وصوف وما أشبههما وهذه الأقوال متقاربة واصله من التزجية وهي الدفع والسوق يقال فلان يزجي العيس أي يدفع والمعنى أنها

بضاعة تدفع ولا يقبلها كل أحد واحتج مالك بقوله تعالى فأوف لنا الكيل في ان أجرة الكيال والوزان على البايع 108 - وقوله جل وعز قال لا تثرتب الله عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين (آية 92) التثريب التعيير واللوم وإفساد الأمر ومنه ثربت أمره أي أفسدته ومنه الحديث إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب أي ولا يعيرها بالزنا 109 - وقوله جل وعز ولما فصلت العير قال ابوهم إني لأجد ريح يوسف (آية 94) قال ابن عباس هاجت ريح فشم ريح القميص من مسيرة ثمانية أيام ثم قال لولا أن تفندون (آية 94)

قال ابن عباس تسفهون وقال عطاء والضحاك أي تكذبون والقول الأول هو المعروف يقال فنده تفنيدا إذا عجزه كما قال أهلكتني باللوم والتفنيد ويقال افند إذا تكلم بالخطأ والفند الخطأ من الكلام والرأي كما قال الشاعر إلا سليمان إذ قال المليك له قم في البرية فاحددها عن الفند 110 - وقوله جل وعز وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين (آية 99) قال ابن جريج أي سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله

قال وهذا من تقديم القرآن وتأخيره يذهب ابن جريج إلى أنهم قد دخلوا مصر فكيف يقول ادخلوا مصر إن شاء الله 111 - ثم قال تعالى ورفع ابويه على العرش (آية 100) قال قتادة أي على السرير ثم قال تعالى وخروا له سجدا (آية 100) وقال قتادة وكان هذا من تحيتهم قال ابن جريج كانوا يفعلون هذا كما تفعل فارس والمعنى وخروا لله سجدا والقول الأول أشبه وهو سجود على غير عبادة وإن كان قد نهي المسلمون عن هذا فإنه على ماروي أنها تحية كانت لهم قال الحسن كان بين مفارقة يوسف اباه إلى ان اجتمع معه

ثمانون سنة لا يهدأ يعقوب فيها ساعة عن البكاء وليس أحد في ذلك الوقت أكرم على الله من يعقوب صلى الله عليه وسلم والقي في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة وعاش بعد لقائه يعقوب ثلاثا وعشرين سنة ومات وهو ابن عشرين ومائة 112 - وقوله جل وعز رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث (آية 101) ويجوز ان تكون من ها هنا للتبعيض أي قد آتيتني بعض الملك وعلمتني بعض التأويل ويجوز ان تكون لبيان الجنس أي أتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث ويدل على هذا الجواب تؤتي الملك من تشاء 113 - وقوله جل وعز وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين (آية 103)

أي لست تقدر على هداية من أردت 114 - وقوله جل وعز وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون (آية 105) أي فكم من آية في رفع السموات بغير عمد ومجاري الشمس والقمر والنجوم وفي الأرض من نخلها وزرعها أي يعلمونها 115 - ثم قال جل وعز وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون (آية 106) قال عكرمة هو قوله تعالى ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فإذا سئلوا عن صفته وصفوة بغيرها ونسبوه إلى أن له ولدا وقال أبو جعفر يذهب عكرمة إلى أن الإيمان ها هنا إقرارهم

116 - ثم قال تعالى أفأمنوا ان تأتيهم غاشية من عذاب الله (آية 107) قال مجاهد أي تغشاهم قال أبو جعفر ومعناه تجللهم عن ومنه هل أتاك حديث الغاشية 117 - ثم قال تعالى أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون (آية 107) أي فجأة من حيث لا يقدروا 118 - وقوله جل وعز قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة (آية 108) أي على يقين ومنه فلان مستبصر بهذا 119 - وقوله جل وعز حتى إذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا (آية 109) روى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها في قوله جل وعز حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قالت استياس من الرسل من إيمان من كذبهم من قومهم وظنوا أن من آمن

من قومهم قد كذبوهم لما لحقهم من البلاء والامتحان وروى ابن أبي مليكة عن عروة عن عائشة قالت لحق المؤمنين البلاء والضرر حتى ظن الرسل انهم قد كذبوهم لما لحقهم وقال قتادة حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وأيقنوا أن قومهم قد كذبوهم جاءهم نصرنا يذهب قتادة إلى ان الظن ها هنا يقين وذلك معروف في اللغة والمعنى أن الرسل كانوا يترجون أن يؤمن قومهم ثم استياسوا من ذلك فجاءهم النصر والقول الأول اشبه بالمعنى وهو أعلى إسنادا والله أعلم

بما أراد وقرأ عبد الله بن مسعود وابن عباس وظنوا أنهم قد كذبوا بالتخفيف وضم الكاف قال أبو جعفر في معناه عن ابن عباس روايتان (أ) روى ابن ابي مليكة عنه انهم ضعفوا قال إنهم بشر (ب) والقول الثاني أنه روي عن سفيان عن عطاء عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظن قومهم قد كذبوا جاءهم نصرنا قال أبو جعفر الضمير في كذبوا يعود على القوم على هذا

وقرأ مجاهد وظنوا انهم قد كذبوا بالتخفيف وفتح الكاف وفسره وظن قومهم انهم قد كذبوا وهو كالذي قبله في المعنى وروي عنه في قوله تعالى حتى إذا استيأس الرسل قولان أحدهما حتى إذا استيأس الرسل أن يأتي قومهم العذاب والقول الثاني أحسن وهو حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم 120 - وقوله جل وعز لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب (آية 111) قال مجاهد يعني يوسف وإخوته 121 - ثم قال جل وعز ماكان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه (آية 111) قال سفيان يعني التوراة والإنجيل والكتب وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون انتهت سورة يوسف

تفسير سورة الرعد

تفسير سورة الرعد مدنية وآياتها 43 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الرعد وهي مدنية 1 - من ذلك قوله جل وعز آلمر تلك آيات الكتاب (آية 1) هذا تمام الكلام ومن ذهب إلى ان كل حرف من هذه يؤدي عن معنى قال المعنى أنا االله أرى 2 - وقوله جل وعز الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها (آية 2) المعنى ترونها بغير عمد

ويجوز أن يكون الضمير يعود على العمد 3 - ثم قال جل وعز وسخر الشمس والقمر (آية 2) أي أنهما مقهوران مدبران فهذا معنى التسخير في اللغة 4 - ثم قال تعالى وهو الذي مد الأرض (آية 3) أي بسطها وجعل فيها رواسي أي جبالا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين أي صنفين وكل صنف زوج 5 - ثم قال تعالى وفي الأرض قطع متجاورات (آية 4) وفي هذا قولان قال ابن عباس يعني الطيب والخبيث والسباخ

والعذاب وكذلك قال مجاهد والقول الآخر أن في الكلام حذفا والمعنى وفي الأرض قطع متجاورات وغير متجاورات كما قال سرابيل تقيكم الحر والمعنى وتقيكم البرد ثم حذف ذلك لعلم السامع والمتجاورات المدن وما كان عامرا وغير متجاورات الصحارى وما كان غير عامر 6 - ثم قال تعالى وجنات من أعناب (آية 4) أي وفيها جنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان (آيه 4) وقرأ صنوان بضم الصاد أبو رجاء وأبو عبد الرحمن وطلحة

وروى أبو إسحاق عن البراء قال الصنوان المجتمع وغير صنوان المتفرق حدثنا زهير بن شريك قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا زهير بن معاوية قال أبو إسحاق عن البراء في قوله صنوان وغير صنوان قال الصنوان ما كان أصلحه واحدا وهو متفرق وغير صنوان التي تنبت وحدها وكذلك هو في اللغة يقال للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو أكثر صنوان فإذا تفرقت قيل غير صنوان 7 - ثم قال جل وعز يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل (آية 4) أي في الثمر أي هي تأتي مختلفة وإن كان الهواء واحدا فقد علم أن ذلك ليس من أجل الهواء ولا الطبع وأن لها مدبرا

وروى سفيان عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى ونفضل بعضها على بعض في الأكل قال الحلو والحامض والفارسي والدقل 8 - ثم قال تعالى وإن تعجب فعجب قولهم (آية 5) أي إن تعجب من إنكارهم البعث بعد هذه الدلائل فإن ذلك ينبغي ان يتعجب منه 9 وقوله تعالى ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة (آية 6)

روى معمر عن قتادة قال بالعقوبة قبل العافية قال غيره يعني قولهم اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء 10 - ثم قال تعالى وقد خلت من قبلهم المثلات (آية 6) قال مجاهد يعني الأمثال وقال قتادة يعني العقوبات قال أبو جعفر وهذا القول أولى لأنه معروف في اللغة أن يقال للعقوبة الشديدة مثلة ومثلة وروى عن الأعمش أنه قرأ المثلات بضم الميم والثاء وهذا جمع مثله وروي عنه أنه قرأ المثلات بضم الميم وإسكان الثاء

وهذا أيضا جمع مثلة ويجوز المثلات تبدل من الضمة فتحة لثقلها وقيل تأتي بالفتحة عوضا من الهاء وروي عن الأعمش أيضا أنه قرأ المثلات بفتح الميم وإسكان الثاء فهذا جمع مثلة ثم حذف الضمة لثقلها 11 - وقوله جل وعز وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم (آية 6) روى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال لما نزلت وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا عفو الله ورحمته وتجاوزه لما هنا أحدا عيش ولولا عقابه ووعيده وعذابه لاتكل كل واحد 12 - وقوله تعالى إنما أنت منذر ولكل قوم هاد (آية 7) قال مجاهد وقتادة وهذا معنى كلامهما إنما أنت منذر يعني النبي صلى الله عليه وسلم ولكل قوم هاد أي نبي

يدعوهم وروى سفيان عن أبي الضحى إنما أنت منذر قال النبي صلى الله عليه وسلم ولكل قوم هاد قال الله جل وعز وروى علي بن الحكم عن الضحاك ولكل قوم هاد قال الله عز وجل وقال أبو صالح المعنى لكل قوم داعي هدى أو داعي ضلالة والذي يذهب إليه جماعة من أهل اللغة أن المعنى أنهم لما اقترحوا الايات أعلم الله جل وعز أن لكل قوم نبيا يهديهم ويبين لهم وليس عليه أن يأتيهم من الآيات بما يقترحون وروى سفيان عن عطاء عن سعيد بن جبير في قوله تعالى إنما أنت منذر قال النبي صلى الله عليه وسلم ولكل قوم هاد قال الله جل ذكره

وروى سفيان عن السدي عن عكرمة في قوله جل وعز الله يعلم ما تحمل كل أنثى قال سفيان يعني من ذكر أو أنثى 13 ثم قال تعالى وما تغيض الأرحام وما تزداد (آية 8) قال الحسن والضحاك هو نقصان الولد عن تسعة أشهر وزيادته عليها وقال قتادة تغيض السقط وتزداد على التسعة أشهر وقال مجاهد الغيض النقصان فإذا اهراقت في المرأة الدم وهي حامل انتقص الولد وإذا لم تهرق الدم عظم الولد وتم وقال سعيد بن جبير إذا حملت المرأة ثم حاضت نقص ولدها ثم تزداد به الحمل مقدار ما جاءها الدم به وقال عكرمة الغيض أن ينقص الولد بمجئ الدم والزيادة أن يزيد مقدار ما جاءها الدم فيه حتى تستكمل تسعة أشهر

سوى الأيام التى جاءها الدم فيها 14 - وقوله جل وعز سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار (آية 10) قال ابن عباس السارب الظاهر قال قتادة السارب الظاهر الذاهب وقال مجاهد ومن هو مستخف بالليل أي مستتر بالمعاصي وسارب بالنهار ظاهر وقال بعض أهل اللغة ومن هو مستخف بالليل أي ظاهر من خفيته إذا أظهرته وسارب بالنهار أي مستتر من قولهم انسرب الوحش إذا دخل كناسه قال أبو جعفر القول الأول أولى لجلالة من قال به وأشبه بالمعنى لأن المعنى والله أعلم سواء منكم من أسر منطقه أو

أعلنه واستتر بالليل أو ظهر بالنهار وكل ذلك في علم الله سواء وهو في اللغة أشهر وأكثر قال الكسائي يقال سرب يسرب سربا وسروبا إذا ذهب وحكى الأصمعي خل له سربه أي طريقه 15 - ثم قال جل وعز له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله (آية 11) في الآية ثلاثة أقوال روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال ملائكة يحفظونه فإذا جاء القدر خلوا بينه وبينه وروى معاوية بن صالح عن علي بن ابي طلحة عن ابن

عباس له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله قال بإذن الله وهي من أمر الله وهي ملائكة قال الحسن عن أمر الله قال مجاهد وقتادة وهذا لفظ قتادة وهي ملائكة تتعاقب بالليل والنهار عن أمر الله أي بأمر الله فهذا قول والقول الثاني أنه روي عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال هم السلاطين الذين لهم قوم من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم من أمر الله فإذا جاء أمر الله لم ينفعوا شيئا وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو السلطان المتحرس بن من الله وذلك أهل الشرك وروى شعبة عن شرقي عن عكرمة قال هم الأمراء

فهذان قولان والقول الثالث أن ابن جريج قال هو مثل قوله عن اليمين وعن الشمال قعيد فالذي عن اليمين يكتب الحسنات والذي عن الشمال يكتب السيئات ويحفظونه أي يحفظون عليه كلامه وفعله وأولى هذه الأقوال الأول لعلو إسناده وصحته ويقويه أن مالك بن أنس روى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لله ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار وذكر الحديث وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى إن قرآن الفجر كان مشهودا قال تدور كالحرس ملائكة الليل وملائكة النهار

وروى ابن عيينة عن عمرو عن ابن عباس انه قرأ معقبات من بين يديه ورقباء من خلفه من أمر الله يحفظونه فهذا قد بين المعنى وقال الحسن في المعنى يحفظونه عن أمر الله وهذا قريب من الأول أي حفظهم إياه من عند الله لا من عند أنفسهم وروى عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء في قوله له معقبات من بين يديه ومن خلفه قال النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يريد الملائكة أيضا وعن بعضهم أنه قرأ معاقيب من بين يديه ومن خلفه ومعاقيب جمع معقب وتفسيره كتفسير الأول 16 - وقوله جل وعز وما لهم من دونه من وال (آية 11) أي ليس أحد يتولاهم من دون الله

ووال وولي واحد كما يقال قدير وقادر وحفيظ وحافظ 17 - وقوله جل وعز هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا (آية 12) قال الحسن ومجاهد وقتادة أي خوفا للمسافر وطمعا للحاضر والمعنى ان المسافر يخاف من المطر ويتأذى به قال الله تعالى أذى من مطر والحاضر المنتفع بالمطر يطمع فيه إذا رأى البرق 18 - ثم قال تعالى وينشئ السحاب الثقال (آية 12) قال مجاهد التي فيها المطر

19 - ثم قال تعالى ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته (آية 13) روى سفيان عن سالم عن أبي صالح قال الرعد ملك يسبح وروى عثمان بن الأسود عن مجاهد قال الرعد ملك يسمى الرعد ألا تسمع إلى قوله ويسبح الرعد بحمده وروى سفيان عن الحكم بن عتيبة عن مجاهد قال الرعد ملك يزجر السحاب بصوته وقال عكرمة الرعد ملك يصوت بالسحاب كالحادي هذه بالإبل

وروي أن ابن عباس كان إذا سمع صوت الرعد قال سبحان الذي سبحت له وروى مالك عن عامر بن عبد الله عن أبيه كان إذا سمع صوت الرعد لهي من حديثه وقال سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثم يقول إن هذا وعيد لأهل الأرض شديد 20 - ثم قال تعالى ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله (آية 13) يجوز أن تكون الواو واو حال أي يصيب بها من يشاء في حال مجادلته لأنه يروى أن أربد سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أخبرنا عن ربنا أهو من نحاس أو من حديد فأرسل الله صاعقة فقتلته

ويجوز ان يكون قوله وهم يجادلون في الله منقطعا من الأول 21 - ثم قال تعالى وهو شديد المحال (آية 13) قال ابن عباس أي الحول وقال قتادة أي الحيلة وقال الحسن المكر وروي عن الحسن أنه قال أي الهلاك وهذه أقوال متقاربة واشبهها بالمعنى والله أعلم أنه الإهلاك لأن المحل الشدة فكأن المعنى شديد العذاب والإهلاك وقد قال جماعة من أهل اللغة منهم أبو عبيدة وابو عبيد هو المكر من قولهم محل به وأنشد بيت الأعشى

فرع نبع يهتز في غصن المجد غزير الندى شديد المحال وقال أبو عبيد الشبه بقول ابن عباس ان يكون قرأ شديد المحال بفتح الميم فأما الأعرج فالمعروف من قراءته المحال بفتح الميم ومعناه كمعنى الحول من قولهم لا حول ولا قوة إلا بالله فأما معنى المكر من الله فهو إيصال المكروه إلى من يستحقه من حيث لا يشعر 22 - وقوله جل وعز له دعوة الحق (آية 14) روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لا إله إلا الله وكذلك قال قتادة والضحاك

23 - ثم قال تعالى والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه (آية 14) قال مجاهد أي يشير إلى الماء بيده ويدعوه بلسانه وقال غيره أي الذي يدعو الأصنام بمنزلة القابض على الماء لا يحصل له شئ 24 - وقوله جل وعز ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها (آية 15) قيل من أسلم طوعا ومن لم يسلم حتى فحص عن رأسه بالسيف فكان أول دخوله كرها وقيل إنما وقع هذا على العموم لأن كل من عبد غير الله فإنما يقصد إلى ما يعظم في قلبه والله العظيم الكبير

والسجود في اللغة الخضوع والانقياد وليس شئ إلا وهو يخضع لله وينقاد له 25 - ثم قال تعالى وظلالهم بالغدو والآصال (آية 15) يروى ان الكافر يسجد لغير الله وظله يسجد لله وهذا من الانقياد والخضوع وقيل الظلال ها هنا الأشخاص 26 - وقوله جل وعز أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم (آية 16) أي هل رأوا غير الله خلق مثل خلقه فتشابه الخلق عليهم

27 - وقوله تعالى أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها (آية 17) قال ابن جريج أخبرني ابن كثير قال سمعت مجاهدا يقول بقدر ملئها قال ابن جريج بقدر صغرها وكبرها وقرأ الأشهب العقيلي فسالت أودية بقدرها والمعنى واحد وقيل معناها بما قدر لها 28 ثم قال تعالى فاحتمل السيل زبدا رابيا (آية 17) أي طالعا عاليا قال مجاهد تم الكلام 29 - ثم قال تعالى ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله (آية 17)

قال مجاهد المتاع الحديد والنحاس والرصاص قال غيره الذي يوقد عليه ابتغاء حلية الذهب والفضة 30 - ثم قال تعالى فأما الزبد فيذهب جفاء (آية 17) قال مجاهد أي جمودا قال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله يقال أجفأت القدر إذا غلت حتى ينضب زبدها وإذا جمد في أسفلها قال أبو زيد وكان رؤبة يقرأ فيذهب جفالا يقال جفلت الريح السحاب إذا قطعته وأذهبته

31 - ثم قال تعالى وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض (آية 17) قال مجاهد وهو الماء وهذا مثل للحق والباطل أي إن الحق يبقى وينتفع به والباطل يذهب ويضمحل كما يذهب هذا الزبد وكذهاب خبث هذه الأشياء 32 - ثم قال تعالى كذلك يضرب الله الأمثال (آية 17) تم الكلام 33 - ثم قال جل وعز للذين استجابوا لربهم الحسنى (آية 18) قال قتادة هي الجنة 34 - وقوله تعالى اولئك لهم سوء الحساب (آية 18)

قال أبو الجوزاء عن ابن عباس يعني المناقشة بالأعمال ويدل على هذا الحديث من نوقش الحساب هلك قال فرقد قال لي إبراهيم يا فرقد أتدري ما سوء الحساب قلت لا قال أن يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر له منه شئ 35 - وقوله تعالى جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم (آية 23) أي من كان صالحا لا يدخلونها بالأنساب 36 - ثم قال تعالى والملائكة يدخلون عليهم من كل باب (آية 23) أي تكرمة من الله لهم 37 - ثم قال تعالى سلام عليكم بما صبرتم (آية 24)

أي يقولون سلام عليكم بما صبرتم 38 - ثم قال جل وعز فنعم عقبى الدار (آية 24) قال أبو عمران الجوني فنعم عقبى الدار الجنة من النار 39 - وقوله جل وعز وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع (آية 26) قال مجاهد أي تذهب 40 - قوله عز وجل قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من اناب (آية 27) أناب إذا رجع إلى الطاعة

41 - ثم قال تعالى الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله (آية 28) أي بتوحيده والثناء عليه 42 - ثم قال تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب (آية 28) أي التي هي قلوب المؤمنين قال مجاهد يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم 43 - ثم قال تعالى الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم (آية 29) قال ابن عباس وابو أمامة طوبى شجرة في الجنة وكذلك قال عبيد بن عمير وقال مجاهد هي الجنة وقال عكرمة أي نعم ما لهم وقال إبراهيم طوبى أي خير وكرامة

وهذه الأقوال متقاربة لأن طوبى فعلى من الطيب أي من العيش الطيب لهم وهذه الأشياء ترجع إلى الشئ الطيب 44 - ثم قال تعالى وحسن مآب (آية 29) قال مجاهد أي مرجع 45 - وقوله تعالى ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى (آية 31) قال ابن عباس قال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم سير لنا الجبال قطع لنا الأرض أحيي لنا الموتى وقال مجاهد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم بعد لنا هذه الجبال وادع لنا أن يكون لنا زرع وقرب منا الشام فإنا نتجر إليه وأحيي لنا الموتى قال قتادة قالت قريش للنبي أحيي لنا الموتى حتى نسألهم عن الذي جئت به أحق هو فأنزل الله ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى

قال لو فعل هذا بأهل الكتاب لفعل بكم وهذه الأقوال كلها توجب أن الجواب محذوف لعلم السامع لأنهم سألوا فكان سؤالهم دليلا على جواب لو ونظيره لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد وقال الشاعر فلو لأنها نفس تموت سوية ولكنها نفس تساقط أنفسا فحذف جواب لو أي لتسلت سنة

وفي الحذف من الاية قولان أكثر أهل اللغة يذهب إلى أن المعنى ولو أن قرآن سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى لكان هذا القرآن وقال بعضهم المعنى لو فعل بهم هذا لما آمنوا كما قال تعالى ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله قال أبو جعفر وقيل في الكلام تقديم وتأخير والمعنى وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أي وهم يكفرون ولو وقع هذا 46 - وقوله جل وعز أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا (آية 31) قال أبو جعفر في هذه الاية اختلاف كثير

روى جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم وعكرمة عن ابن عباس أنه قرأ أفلم يتبين الذين آمنوا مختصر وفي كتاب خارجة ان ابن عباس قرأ أفلم يتبين للذين آمنوا وروى المنهال بن عمير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس افلم ييأس الذين آمنوا أي افلم يعلم واكثر أهل اللغة على هذا القول وممن قال به أبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة قال سحيم بن وثيل اقول لهم بالشعب إذ ييسرونني الم تيأسوا أني ابن فارس زهدم

ويروى إذ ياسرونني عمرو فمعنى أفلم ييأس الذين آمنوا ألم يعلموا وروى معاوية بن صالح بن علي بن ابي طلحة عن ابن عباس في قوله أفلم ييأس الذين آمنوا قال افلم يعلم وفي الآية قول آخر قال الكسائي لا أعرف هذه اللغة ولا سمعت من يقول يئست بمعنى علمت ولكنه عندي من اليأس بعينه والمعنى إن الكفار لما سألوا تسيير الجبال بالقرآن وتقطيع الأرض وتكليم الموتى اشرأب لذلك المؤمنون وطمعوا في أن يعطى الكفار ذلك فيؤمنوا فقال الله أفلم ييأس الذين آمنوا أي افلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء لعلمهم أن الله لو أراد أن يهديهم لهداهم كما تقول قد يئست من فلان ان يفلح والمعنى لعلمي به

47 - وقوله تعالى ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة (آية 31) قال ابن عباس يعني السرايا وكذلك قال عكرمة وعطاء الخراساني إلا أن ابا عاصم روى عن شبيب عن عكرمة عن ابن عباس قال النكبة وقال مجاهد قارعة أي سرية ومصيبة تصيبهم والقارعة في اللغة المصيبة العظيمة 48 - ثم قال جل وعز أو تحل قريبا من دارهم (آية 31) قال مجاهد وعكرمة وقتادة أو تحل انت يا محمد قريبا من دارهم حدثنا سعيد بن موسى بقرقيسيا قال حدثنا مخلد بن مالك

عن محمد بن سلمة عن خصيف قال القارعة السرايا التي كان يبعث بها رسول الله أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم قال الحسن أو تحل القارعة قريبا من دارهم 49 - ثم قال تعالى حتى يأتي وعد الله (آية 31) قال مجاهد وقتادة أي فتح مكة 50 - وقوله تعالى افمن هو قائم على كل نفس بما كسبت (آية 33) قال قتادة هو الله جل جلاله وقال الضحاك يعني نفسه جل وعز وهو القائم على عباده من كان منهم برا ومن كان منهم فاجرا يرزقهم ويطعمهم وقد جعلوا لله شركاء

51 - قال الله قل سموهم ولو سموهم لكذبوا وأنبؤه قبل بما لا يعلمه وذلك قوله تعالى أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض (آية 33) 52 - وقوله تعالى مثل الجنة التي وعد المتقون (آية 35) روى النضر بن شميل عن الخليل قال مثل بمعنى صفة فالمعنى على هذا صفة الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار كما تقول صفة فلان أسمر لأن معناه فلان أسمر وقال أبو إسحاق مثل الله لنا ما غاب بما نراه وكذلك كلام العرب فالمعنى مثل الجنة التي وعد المتقون جنة تجري من تحتها الأنهار

53 - وقوله تعالى وإليه مآب (آية 36) قال قتادة أي إليه مصير كل عبد 54 - وقوله تعالى يمحو الله ما يشاء وثبت (آية 39) وقرأ ابن عباس ويثبت روي عنه يحكم الله جل وعز أمر السنة في شهر رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت إلا الحياة والموت والشقوة والسعادة وفي رواية أبي صالح يمحو الله مما كتب الحفظة ما ليس للإنسان وليس عليه ويثبت ما له وعليه وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يمحو الله ما

يشاء يقول يبدل الله من القرآن ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله وعنده أم الكتاب يقول جملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ وكذلك قال قتادة وقال ابن جريج يمحو الله ما يشاء أي ينسخ وكأن معنى ويثبت عنده لا ينسخه فيكون محكما ويثبت بالتشديد على التكثير قال أبو جعفر ويثبت بالتخفيف أجمع لهذه الأقوال من يثبت وكان أبو عبيد قد اختار ويثبت على أن أبا حاتم قد أوما إلى أن معناهما واحد وروى عوف عن الحسن قال يمحو من جاء أجله ويثبت من لم يجئ أجله بعد إلى أجله

54 - قوله عز وجل وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب (آية 40) أي إما نرينك بعض ما وعدناك من إظهار دين الإسلام على الدين كله أو نتوفينك قبل ذلك فإنما عليك أن تبلغهم وعلينا أن نحاسبهم فنجازيهم بأعمالهم ثم بين جل وعز أنه كان ما وعد 55 - فقال أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها (آية 41) يظهر الإسلام بإخراج ما في يد المشركين وإظهار المسلمين عليهم

وفي هذه الاية أقوال هذا أشبهها بالمعنى ومن الدليل على صحته قوله جل وعز افلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون وهذا القول مذهب الضحاك وروى سلمة بن نبيط عنه أنه قال في قول الله تعالى أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها قال هو ما تغلب عليه من بلادهم وروى عكرمة عن ابن عباس قال هو خراب الأرض حتى يكون في ناحية منها أي حتى يكون العمران في ناحية منها وروى سفيان عن منصور عن مجاهد ننقصها من أطرافها قال الموت موت الفقهاء والعلماء

56 - ثم قال تعالى والله يحكم لا معقب لحكمه (آية 41) قال الخليل لا راد لقضائه قال أبو جعفر والمعنى ليس أحد يتعقب حكمه بنقض ولا تغيير 57 - وقوله تعالى قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب (آية 43) قال ابن جريج عن مجاهد عبد الله بن سلام وقال شعبة عن الحكم عن مجاهد ومن عنده علم الكتاب هو الله تبارك وتعالى

وقال سليمان التيمي هو عبد الله بن سلام وقال قتادة منهم عبد الله بن سلام فإنه قال نزل في قرآن ثم تلا ومن عنده علم الكتاب وأذكر هذا القول الشعبي وعكرمة قال الشعبي نزلت هذه الآية قبل أن يسلم عبد الله بن سلام وقال سعيد بن جبير وعكرمة هذه الاية نزلت بمكة فكيف نزلت في عبد الله بن سلام

وقال الحسن أي كفى بالله شهيدا وبالله مرتين يذهب إلى ان من تعود على اسم الله قال أبو جعفر وهذا احسن ما قيل في هذه الاية من وجهات إحداها أنه يبعد ان يستشهد الله بأحد من خلقه ومنها ما أنكره الشعبي وعكرمة ومنها أنه قرئ ومن عنده علم الكتاب بكسر الميم والدال والعين روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان في الرواية ضعف روى ذلك سليمان بن الأرقم عن الزهري بن سالم عن ابيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ومن عنده علم وكذلك روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما قرآ ولا اختلاف بين المفسرين ان المعنى ومن عند الله فأن

يكون معنى القراءتين واحدا أحسن وروى محبوب عن إسماعيل بن محمد اليماني أنه قرأ ومن عنده علم الكتاب بضم العين ورفع الكتاب قال أبو جعفر وقول من قال هو عبد الله بن سلام وغيره يحتمل أيضا لأن البراهين إذا صحت وعرفها من قرأ الكتب التي أنزلت قبل القرآن كان أمرا مؤكدا والله أعلم بحقيقة ذلك انتهت سورة الرعد

تفسير سورة إبراهيم

تفسير سورة إبراهيم مكية وآياتها 52 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة إبراهيم وهي مكية وهي مكية إلا آيتين منها فإنهما نزلتا بالمدينة فيمن قتل من المشركين يوم بدر وهما الم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا إلى آخر الآيتين 1 - قوله تبارك وتعالى الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم (آية 1) الظلمات الكفر والنور الإسلام على التمثيل لأن الكفر بمنزلة الظلمة والإسلام بمنزلة النور

والباء في قوله بإذن ربهم متعلقة بقوله لتخرج الناس والمعنى في قوله بإذن ربهم أنه لا يهتدي أحد إلا بإذن الله ويجوز ان يكون المعنى بتعليمك إياهم ثم بين النور فقال إلى صراط العزيز الحميد 2 - ومعنى قوله تعالى ويبغونها عوجا (آية 3) ويطلبون غير القصد 3 - وقوله جل وعز وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه (آية 4)

أي بلغة قومه ليبين لهم أي ليفهمهم لتقوم عليهم الحجة 4 - وقوله جل وعز ولقد ارسلنا موسى بآياتنا (آية 5) قال مجاهد أي بالآيات البينات يعني قوله ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات 5 - وقوله تعالى ودكرهم يحيى بأيام الله (آية 5) قال أبي بن كعب أي بنعم الله وقال غيره بإهلاكه من قبلهم وبانتقامه الرحمن منهم بكفرهم

6 - وقوله تعالى وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ انجاكم وكان من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم (آية 7) وفي موضع آخر يذبحون بغير واو ومعنى الواو يوجب انه قد أصابهم من العذاب شئ سوى التذبيح وإذا كان بغير واو فإنما هو تبيين الأول 7 - وقوله جل وعز ويستحيون نساءكم (آية 7) أي لا يقتلونهن من الحياة أي يدعونهن يحيين وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم اقتلوا شيوخ المشركين

واستحيوا شرخهم 8 - ثم قال تعالى وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم (آية 6) قال المعنى في إنجائ روى غياكم منهم نعمة عظيمة ويكون البلاء ها هنا النعمة وقيل فيما جرى منهم عليكم بلاء أي بلية وقيل البلاء ها هنا الاختبار 9 - وقوله جل وعز وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم (آية 7) تأذن بمعنى أعلم من قولهم آذنه فأذن بالأمر وهذا كما يقال توعدته وأوعدته بمعنى واحد

10 - قوله تعالى والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله (آية 9) روى سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميون ورواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله في قوله والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله قال كذب النسابون وروي عن ابن عباس قال بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون وروي عن عروة بن الزبير أنه قال ما وجدنا أحدا يعرف ما بين عدنان وإسماعيل 11 - وقوله تعالى جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا ايديهم في أفواههم (آية 9) في معنى هذا أقوال (أ) قال مجاهد ردوا على الرسل قولهم وكذبوهم

(ب) قال قتادة ردوا على الرسل ما جاءوا به فهذا على التمثيل وهو مذهب أبي عبيدة أي تركوا ما جاءهم به الرسل فكانوا بمنزلة من رده إلى فيه وسكت فلم يقل وقيل فردوا أيديهم في أفواههم ردوا ما لو قبلوه كان نعما في أفواههم أي بأفواههم أي بألسنتهم (ج) وقيل ردوا نعم الرسل لأن إرسالهم نعم عليهم بالنطق وبالتكذيب (د) وفي الآية قول رابع وهو أولاها وأجلها إسنادا قال أبو عبيد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله في قوله

فردوا أيديهم في أفواههم قال عضوا عليها غيضا قال أبو جعفر والدليل على صحة هذا القول قوله عز وجل وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قال الشاعر لو ان سلمى أبصرت تخددي ودقة في عظم ساقي ويدي وبعد أهلي وجفاء عودي عضت من الوجد بأطراف اليد 12 - وقوله جل وعز ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد (آية 14) أي ذلك لمن خاف مقامه بين يديه والمصدر يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول لأنه متشبث بهما

13 - وقوله تعالى واستفتحوا (آية 15) قال مجاهد وقتادة واستنصروا وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح القتال بصعاليك المهاجرين 14 - ثم قال تعالى وخاب كل جبار عنيد (آية 15) قال أبو اسحاق الجبار عند أهل اللغة الذي لا يرى لأحد عليه حقا قال مجاهد العنيد المعاند المجانب للحق وقال قتادة العنيد الذي أبى ان يقول لا إله إلا الله 15 - ثم قال تعالى من ورائه جهنم (آية 16)

أي من أمامه وليس من الأضداد ولنه من توارى أي استتر 16 - ثم قال تعالى ويسقى من ماء صديد (آية 16) قال ابن عباس أي قد خالط لحمه ودمه قال الضحاك يعني القيح والصديد وقال مجاهد هو القيح والصديد وقال غيره يجوز أن يكون هذا تمثيلا أي يسقى ما هو بمنزلة القيح والصديد ويجوز أن يكون يسقى القيح والصديد

17 - ثم قال تعالى يتجرعه ولا يكاد يسيغه (آية 17) أي يبلعه 18 - ثم قال تعالى ويأتيه الموت من كل مكان (آية 17) أي من كل مكان من جسده 19 - ثم قال تعالى وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ (آية 17) أي من أمامه عذاب جهنم حدثني أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا أحمد بن الحسين قال قال فضيل بن عياض في قول الله تبارك وتعالى ومن ورائه عذاب غليظ قال حبس الأنفاس 20 - ثم قال تعالى مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به

الريح في يوم عاصف (آية 18) أي لم يقبل منهم وعاصف على النسق أي الريح فيه شديدة ويجوز أن يكون التقدير عاصف الريح 21 - وقوله جل وعز وقال الشيطان لما قضي الأمر (آية 22) أي فرغ منه فدخل أهل الجنه الجنه وأهل النار النار إن الله وعدكم وعد الحق أي وعد من أطاعه الجنة ومن عصاه النار ووعدتكم فأخلفتكم أي وعدتكم خلاف ذلك وما كان لي عليكم من سلطان أي من حجة أبينها إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي أي إلا أن أغويتكم فتابعتموني

22 - ثم قال تعالى ما أنا بمصرخكم (آية 22) قال مجاهد وقتادة أي بمغيثكم ويروى أنه يخاطب بهذا في النار ومعنى إني كفرت بما اشركتمون من قبل أي كفرت بشرككم إياي 23 - وقوله جل وعز ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة (آية 24) حدثنا محمد بن جعفر الفاريابي قال حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال حدثنا وهب بن خالد قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه أنبؤوني بشجرة تشبه المسلم لا يتحات ورقها تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها قال فوقع في قلبي أنها النخلة قال فسكت القوم فقال النبي هي النخلة فقلت لأبي لقد كان وقع في قلبي أنها النخلة

فقال فما منعك أن تكون قلته لرسول الله لأن تكون قلته أحب إلي من كذا وكذا فقلت كنت في القوم وأبو بكر فلم تقولا شيئا فكرهت أن أقول وروى الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال هي النخلة وكذلك وروى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله جل وعز وضرب الله مثلا كلمة طيبة قال لا إله إلا الله كشجرة طيبة قال المؤمن أصلها ثابت لا إله إلا الله ثابت في قلب المؤمن

24 - ومثل كلمة خبيثة قال الشرك كشجرة خبيثة قال المشرك اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار أي ليس للمشرك أصل يعمل عليه وروى شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك كشجرة طيبة قال النخلة قال والشجرة الخبيثة الحنظلة 25 - وقوله جل وعز تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها (آية 25) روى ابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد قال كل سنة وروى عطاء بن السائب وطارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كل ستة أشهر

وروى أبو بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس قال الحين حينان حين يعرف مقداره وحين لا يعرف مقداره فأما الذي يعرف مقداره فقوله تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها وقال عكرمة هو ستة أشهر وروى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال الحين يكون غدوة وعشية وقال الضحاك في قوله تؤتى أكلها كل حين قال في الليل والنهار وفي الشتاء والصيف وكذلك المؤمن ينتفع بعمله كل وقت قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة غير متناقضة لأن الحين

عند جميع أهل اللغة إلا من شذ منهم بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره وأنشد الأصمعي بيت النابغة تناذرها الراقون من سوء سمها تطلقه حينا وحينا تراجع فهذا يبين لك أن الحين بمعنى الوقت غير أن الأشبه في الآية أن يكون الحين السنة لأن إدراك الثمرة كل عام وكذا طلعها وقد روي عن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أنه قال أدنى الحين سنة وروى سفيان عن الحكم وحماد قالا الحين سنة ومعنى اجتثت قطعت جثتها بكمالها

26 - وقوله جل وعز يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة (آية 27) روى معمر عن طاووس عن أبيه في يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا قال لا إله إلا الله وفي الآخرة عند المسألة في القبر وقال البراء بن عازب وأبو هريرة هذا عند المسألة إذا صار في القبر وروى شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعيد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر إذا سئل وروى معمر عن قتادة قال بلغني أن هذه الأمة تبتلى في

قبورها فيثبت الله الذين آمنوا ويروى أنه يقال له من ربك وما دينك ومن نبيك فمن ثبته الله قال الله ربي والإسلام ديني ومحمد نبيي فهذا تثبيت في الآخرة والتثبيت في الدنيا أنه لم يوفق لها إلا وقد كان اعتقاده في الدنيا 27 - وقوله تعالى ألم تر إلى الذين بدلعوا ولم نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار (آية 28) قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه هم كفار قريش

وقال عبد الله بن عباس رحمه الله هم قادة المشركين يوم بدر أحلوا قومهم أي الذين اتبعوهم دار البوار وهي جهنم دارهم في الآخرة قال أبو جعفر البوار في اللغة الهلاك 28 - وقوله تعالى من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال (آية 31) قال أبو عبيدة البيع هاهنا الفدية قال أبو جعفر وأصل البيع في اللغة أن تدفع وتأخذ عوضا منه والذي قال أبو عبيدة حسن جدا وهو مثل قوله تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ومثل قوله تعالى ولا يقبل منها عدل أي قيمة

والخلال والمخالة والخلة بمعنى الصداقة قال الشاعر صرفت الهوى عنهن من خشية الردى ولست بمفلي بين الخلال ولا قالي 29 - وقوله جل وعز وآتاكم من كل ما سألتموه) (آية 34) قال مجاهد أي من كل ما رغبتم إليه فيه قال أبو جعفر وهذا قول حسن يذهب إلى أنهم قد أعطوا مما لم يسالوه وذلك معروف في اللغة أن يقال امض إلى فلان فإنه يعطيك كل ما سألت وإن كان يعطيه غير ما سأل

وفي الاية قول آخر وهو أنه لما قال جل وعز وآتاكم من كل ما سألتموه لم ينف غير هذا على ان الضحاك قد قرأ وآتاكم من كل ما سالتموه وقد رويت هذه القراءة عن الحسن ايضا وفسره الضحاك وقتادة على النفي وقال الحسن أي من كل الذي سالتموه بمعنى وآتاكم من كل الأشياء التي سألتم قال أبو جعفر وقول الحسن أولى والآخر يجوز على بعد وبعده أنه بالواو أحسن عطفا بمعنى وما سألتموه إلا أنه يجوز على بعد

30 - وقوله جل وعز وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام (آية 35) وقرأ الجحدري وعيسى واجنبني بقطع الآلف ومعناه اجعلني جانبا وكذلك معنى اجنبني وجنبني معناه ثبتني على توحيدك كما قال تعالى واجعلنا مسلمين لك وهما مسلمان 31 - ثم قال تعالى رب إنهن أضللن كثيرا من الناس (آية 36) وهن لا يعقلن فالمعنى إن كثيرا من الناس ضلوا بسببهن وهذا كثير في اللغة يقال فتنتني هذه الدار أي استحسنتها فافتتنت بسببها فكأنها فتنتني 32 - وقوله جل وعز فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم (آية 37)

وقرا مجاهد تهوى إليهم معنى تهوي تنزع وتهوى تحب حدثنا محمد بن الحسن بن سماعة قال نا أبو نعيم قال نا عيسى بن قرطاس قال أخبرني المسيب بن رافع قال قال ابن عباس إن إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين قال رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع إلى قوله فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم فلو أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال اجعل أفئدة الناس تهوي إليهم لغلبكم عليه الترك والديلم وقرئ على علي بن الحسين القاضي بمصر عن الحسن ابن محمد عن يحيى بن عباد قال حدثنا شعبة عن الحكم قال سألت عطاء وطاووسا وعكرمة عن قوله جل وعز

فاجعل أفئدة من الناس قالوا الحج 33 - وقوله جل وعز رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي (آية 40) المعنى واجعل من ذريتي من يقيم الصلاة 34 - ثم قال ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب (آية 41) قيل إنما دعا بهذا أولا فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه وقيل يعني بوالديه آدم وحواء وقرأ سعيد بن جبير اغفر لي الوالدي يعني أباه وقرأ النخعي ويحيى بن يعمر اغفر لي ولولدي يعني ابنيه

35 - وقول جل وعز مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم (آية 43) قوله مهطعين قال مجاهد وابو الضحى أي مديمي النظر وقال قتادة أي مسرعين والمعروف في اللغة أن يقال أهطع إذا أسرع قال أبو عبيدة وقد يكون الوجهان جميعا يعني الإسراع مع إدامة النظر 36 - ثم قال تعالى مقنعي رؤسهم (آية 43) قال مجاهد أي رافعيها وقال قتادة المقنع الرافع رأسه شاخصا ببصره لا يطرف

قال أبو جعفر وهذا قول أهل اللغة إلا أن أبا العباس قال يقال اقنع إذا رفع رأسه وأقنع إذا طأطأ رأسه ذلا وخضوعا قال وقد قيل في الآية القولان جميعا قال ويجوز أن يرفع راسه مديما لنظر ثم يطاطئه حديث خضوعا وذلا قال أبو جعفر والمشهور في اللغة ان يقال للرافع راسه مقنع وروي انهم لا يزالون يرفعون رؤسهم وينظرون ما يأتي من عند الله جل وعز وأنشد أهل اللغة يباكرن العضاه بمقنعات نواجذهن كالحدإ الوقيع يصف أبلا وأنهن رافعات رؤسهن كالفؤوس عند ومنه قيل مقنعة لارتفاعها

ومنه قنع الرجل إذا رضي وقنع إذا سال أي أتى ما يتقنع منه 37 - وقوله جل وعز لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء (آية 43) روى سفيان عن أبي إسحاق عن مرة وأفئدتهم هواء قال متخرقة لا تعي شيئا يعني من الخوف وروى حجاج عن ابن جريج قال هواء ليس فيها شئ من الخير كما يقال للبيت الذي ليس فيه شئ هواء وقيل وصفهم بالجبن والفزع أي قلوبهم منخوبة وأصل الهواء في اللغة المجوف الخالي ومنه قول زهير كان الرحل منها فوق صعل من الظلمان جؤجؤه هواء

أي ليس فيها مخ ولا شئ وقال حسان ألا ابلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء 38 - وقوله جل وعز وأنذر الناس يوم ياتيهم العذاب (آية 44) أي خوفهم 39 - وقوله جل وعز أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال (آية 44) قال مجاهد أي أقسمتم انكم لا تموتون لقريش 40 - وقوله جل وعز وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال (آية 46)

قرأ عمر بن الخطاب رحمه الله عليه وإن كاد بالدال وقرأ علي بن ابي طالب رضوان الله عليه وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال بفتح اللام ورفع الفعل وكاد بالدال هذا المعروف من قراءته والمشهور من قراءة عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وإن كاد بالدال وقرأ مجاهد وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال وهي قراءة الكسائي ومجاهد وإن معناها لو أي ولو كان مكرهم لتزول منه الجبال لم يبلغوا هذا ولن يقدروا على الإسلام وقد شاء الله تبارك وتعالى ان يظهره على الدين كله

قال أبو جعفر وهذا معروف في كلام العرب كما يقال لو بلغت أسباب السماء وهو لا يبلغها فمثله هذا وروي في قراءة أبي بن كعب رحمه الله ولولا كلمة الله لزال مكرهم الجبال وقال قتادة وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال قال حين دعوا لله ولد وقد قال سبحانه تكاد السموات يتفطرن منه ومن قرأ وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ذهب إلى ان المعنى ما كان مكرهم ليزول به القرآن على تضعيفه وقد ثبت ثبوت الجبال وقال الحسن مكرهم أوهى وأضعف من أن تزول منه الجبال وقرأ بهذه القراءة

وقد قيل في معنى الرفع قول آخر يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ان نمروذ لما جوع النسور وعلق لها اللحم في الرماح فاستعلى فيل فقيل له أين تريد أيها الفاسق فاهبط قال فهو قوله جل وعز وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال وقال عبد الله بن عباس مكرهم ههنا شركهم وهو مثل قوله تعالى تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا 41 - وقوله جل وعز يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار (آية 48) روى إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال تبدل أرضا بيضاء مثل الفضة لم يسفك عليها دم حرام ولا يفعل فيها خطيئة

وقال جابر سالت أبا جعفر محمد بن علي عن قول الله عز وجل يوم تبدل الأرض غير الأرض قال تبدل خبزة يأكل منها الخلق يوم القيامة ثم قرأ وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام حدثنا الحسن بن فرج بغزة قال نا يوسف بن عدي قال حدثنا علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت سالت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله جل وعز يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله قال على الصراط وقال الحسن تبدل تلأرض كما يقول القائل لقد تبدلت يدينا قال تذهب شمسها وقمرها ونجومها وأنهارها وجبالها فذلك هو التبديل

42 - وقوله جل وعز وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد (آية 49) قال قتادة في الأغلال والأقياد 43 - وقوله جل وعز سرابيلهم من قطران وتعشى وجوههم النار (آية 50) قال الحسن هو قطران الإبل وروي عن جماعة من التابعين أنهم قالوا هو النحاس والمعروف في اللغة انه يقال للنحاس قطر قال الله عز وجل وأسلنا له عين القطر وقرأ ابن عباس وعكرمة سرابيلهم من قطر آن وفسراه بالنحاس قال أبو جعفر وهذا هو الصحيح ومنه قوله تعالى وأسلنا له عين القطر والسرابيل القمص

وقال عكرمة وآن انتهى حره ويقال إن الهمزة بدل من الحاء فإن قيل فلعل الحاء بدل الهمزة قيل ذلك أولى لأنه مأخوذ من الحين تمت سورة إبراهيم (آية 49) قال قتادة في الأغلال والأقياد 43 - وقوله جل وعز سرابيلهم من قطران وتعشى وجوههم النار (آية 50) قال الحسن هو قطران الإبل وروي عن جماعة من التابعين أنهم قالوا هو النحاس والمعروف في اللغة انه يقال للنحاس قطر قال الله عز وجل وأسلنا له عين القطر وقرأ ابن عباس وعكرمة سرابيلهم من قطر آن وفسراه بالنحاس قال أبو جعفر وهذا هو الصحيح ومنه قوله تعالى وأسلنا له عين القطر والسرابيل القمص

وقال عكرمة وآن انتهى حره ويقال إن الهمزة بدل من الحاء فإن قيل فلعل الحاء بدل الهمزة قيل ذلك أولى لأنه مأخوذ من الحين تمت سورة إبراهيم تم الجزء الثالث من معاني القرآن الكريم بحمد الله وتوفيقه في البلد الحرام مكة المكرمة

المملكة العربية السعودية جامعة أم القرى معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الاسلامي مركز إحياء التراث الاسلامي مكة المكرمة من التراث الاسلامي معاني القرآن الكريم للامام أبي جعفر النحاس المتوفى سنة 338 هـ تحقيق الشيخ محمد على الصابوني الاستاذ محمد على الصابوني الاستاذ بجامعة أم القرى الجزء الرابع

الطبعة الاولى 1410 هـ - 1988 م حقوق الطبع محفوظة

إن لاعجب ممن يقرأ القرآن، كيف يلتذ بتلاوة ولم يفهم معناه " الامام الطبري "

تفسير سورة الحجر

تفسير سورة الحجر مكية وآياتها 99 آية

سورة الحجر وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين روى سفيان عن خصيف عن مجاهد عن حماد عن إبراهيم قال يدخل قوم من الموحدين النار فيقول لهم المشركون ما أغنى عنكم إسلامكم وإيمانكم وأنتم معنا في النار فيخرجهم الله جل وعز منها فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانو مسلمين وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ذلك يوم القيامة وروى عن ابن عباس قال يقول المشركون لمن أدخل النار من الموحدين ما نفعكم ما كنتم فيه وأنتم في النار فيغضب الله

جل وعز لهم فيخرجون الى نهر يقال له نهر الحياة فينبتون فيه ثم تبقى على وجوههم علامة يعرفون بها يقال هؤلاء الجهنميون فيسألون الله جل وعز أن يزيل ذلك عنهم فيزيله عنهم ويدخلهم الجنة فيتمنى المشركون أن لو كانوا مسلمين وقيل إذا عاين المشركون تمنوا الإسلام فاما معنى رب ها هنا فإنما هي في كلام العرب للتقليل وأن فيها معنى التهديد وهذا تستعمله العرب كثيرا لمن تتوعده وتتخدده أخبرنا يقول الرجل للآخر ربما ندمت على ما تفعل ويشكون في تندمه ولا يقصدون تقليله بل حقيقة المعنى أنه

يقول لو كان هذا مما يقل أو يكون مرة واحدة لكان ينبغي أن لا تفعله وأما قول من قال أن رب تقع للتكثير فلا يعرف في كلام العرب وقيل إن هذا إنما يكون يوم القيامة إذا أفاقوا من الأهوال التي هم فيها فإنما يكون في بعض المواطن والقول الأول أصحها والدليل على أنه وعيد وتهدد قوله بعد ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون 2 - ثم قال تعالى وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم أي لا يتقدمه ولا يتأخره 3 - وقوله جل وعز لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين

معنى لو ما ولولا وهلا واحد وأنشد أهل اللغة * تعدون عقر النيب أفضل مجدكم * بنى ضوطرى لولا الكمي المقنعا * أي هلا تعدون الكمي المقنعا وروى حجاج عن ابن جريج قال في هذا تقديم وتأخير يذهب ال أن جوابه قوله تعالى ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون يذهب الى أن هذا متصل بقوله تعالى لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين

4 - ثم قال تعالى ما ننزل الملائكة إلا بالحق قال مجاهد أي بالأرسال والعذاب 5 - ثم قال تعالى وما كانوا إذا منظرين أي لو نزلت الملائكة ما أمهلوا ولا قبلت توبتهم كما قال تعالى ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر 6 - وقوله جل وعز إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون قال ثابت وقتادة حفظه الله من أن تزيد الشياطين فيه باطلا أو تبطل منه حقا وقال مجاهد هو عندنا

7 - وقوله جل وعز ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين أي فرق الأولين 8 - وقوله جل وعز كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به روى سفيان عن حميد عن الحسين قال كذلك نسلك الشرك وقال أبو عبيد حدثنا حجاج عن أبن جريج عن مجاهد قال نسلك التكذيب قال أبو جعفر وهذا القول هو الذي عليه أهل التفسير وأهل اللغة إلا من شذ منهم فإن بعضهم قال المعنى كذلك نسلك القرآن واحتج بأن النبي (صلع) لما تلا القرآن عليهم وأسمعهم إياه ووصل الى قلوبهم وكان ذلك بأمر الله وقوته كان الله عز وجل هو الذي يسلكه في قلوبهم على هذا المعنى

وقيل لما خلقهم خلقة يفهمون بها ما يأتيهم من الوحي فإذا خلقهم خلقه يفهمون بها ما يسلك ذلك في قلوبهم فكأنه سلكه 9 - ثم قال جل وعز وقد خلت سنة الأولين أي قد تقدمت سنتهم في التكذيب بالآيات والبراهين وكفرهم فهؤلاء يقتفون آثارهم 10 - ثم قال جل وعز ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فطلوا فيه يعرجون قال عبد الله بن عباس أي فظلوا الملائكة فيه يعرجون أي يذهبون ويجيئون قال أهل اللغة عرج يعرج إذا صعد وارتفع ومنه قول العامة عرج بروح فلان

11 - ثم قال تعالى لقالوا إنما سكرت أبصارنا قال ابن عباس أخذت قال أبو جعفر والمعروف من قراءة مجاهد والحسن سكرت بالتخفيف قال الحسن أي سحرت وحكى أبو عبيد عن أبي عبيدة أنه يقال سكرت أبصارهم أذا عشيها سمادير حتى لا يبصروا وقال الفراء من قرأ سكرت أخذه من سكون الريح قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربه والأصل فيها ما قال أبو عمرو بن العلاء يرحمه الله قال هو من السكر في الشراب

وهذا قول حسن أي غشيهم ما غطى أبصارهم كما غشى السكران ما غطى عقله وسكور الريح سكونها وفتورها وهو يرجع الى معنى التخيير 12 - وقوله جل وعز ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين قال مجاهد يعني الكواكب قال أبو جعفر ومن قال أنها إثنا عشر برجا فقوله يرجع الى هذا لأنها كواكب عظام ومعروف في اللغة أن يقال برج يبرج إذا ظهر وارتفع فقيل لهذا الكواكب بروج لظهروها وثباتها وراتفاعها يا والبرج كبر العين

13 - ثم قال تعالى وحفظناها من كل شيطان رجيم أي لا يصل إليها ولا يسمع شيئا من الوحي إلا مسارقة وكان هذا من علامة نبوة محمد (صلع) ولا نعلم أحدا من الشعراء شبه شيئا بسرعة الكواكب إلا في الإسلام ولو كان هذا قبله لشبهوا به قال ابن جريج الرجيم الملعون قال الكسائي كل رجيم في القرآن فهو بمعنى الشتيم وقيل رجيم بمعنى مرجوم أي يرجم بالكواكب

14 - وقوله جل وعز وأنبتنا فيها من كل شئ موزون روى معاويه بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وأنبتنا فيها من كل شئ موزون قال أي معلوم وكذلك روى علي بن الحكم عن الضحاك وقال أبو صالح وعكرمة أي مقدور وقال مجاهد أي مقدر بقدر معناه مقدر لا يزيد على قدر الله ولا ينقص فكأنه موزون وقيل أراد بموزون ما يوزن من الذهب والفضة والحديد والرصاص وشبهه

والمعنى على هذا وأنبتنا في الجبال من كل شئ موزون 15 - ثم قال تعالى وجعلنا لكم فيها معايش أي في الأرض 16 - ثم قال تعالى ومن لستم له برازقين قال مجاهد يعني الدواب والأنعام وقال غيره يعني المماليك والدواب قال أبو جعفر وهذا أولى لأن من لا تكون لما لا يعقل إلا أن يختلط معه من يعقل والمعنى وجعلنا لكم المماليك والدواب والأنعام ويجوز أن يكون المعنى أعشناكم وأعشنا من لستم له برازقين

17 - وقوله تعالى وإن من شئ إلا عندنا خزائنه أخبر أن خزائن الأشياء بيده أي أنه جل وعز حافظها والمتولي تدبيرها 18 - وقوله جل وعز وأرسلنا الرياح لواقح قال عبد الله بن مسعود تحمل الرياح الماء فتلقح السحاب وتمريه لو فيدر كما تدر اللقحة ثم يمطر وقال ابن عباس تلقح الرياح الشجر والسحاب وتمرية يكون وقال أبو رجاء قلت للحسن وأرسلنا الرياح لواقح فقال تلقح الشجر قلت والسحاب قال والسحاب وقال أبو عبيدة لواقح أي ملاقح يذهب الى أنه جمع ملقحة وملقح ثم حذفت منه الزوائد

قال أبو جعفر وهذا بعيد وإنما يجوز حذف الزوائد من مثل هذا في الشعر ولكنه جمع لاقحة ولاقح على الحقيقة بلا حذف هو على أحد معنيين يجوز أن يقال لها لاقح على النسب أي ذات القاح كأنها تلقح السحاب والشجر كما جاء في التفسير وهو قول أبي عمرو ويجوز أن يقال لها لاقح أي حامل والعرب تقول للجنوب لاقح وحامل وللشمال حائل وعقيم وقال الله عز وجل حتى إذا أقلت سحابا ثقالا فأقلت وحملت واحد 19 - وقوله جل وعز ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال المستقدمون القرون

الأولى والمستأخرون أمه محمد (صلع) وروى سفيان عن أبيه عن عكرمة قال المستقدمون كل من خرج والمستأخرون كل من خرج المستأخرون كل من كان في أصلاب الرجال وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال المستقدمون مان مات والمستأخرون الأحياء وروى سفيان عن أبان بن أبي عياش عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ولقد علمنا المستقدمين منكم الصف الأول ولقد علمنا المستأخرين الصف الأخر حدثنا محمد بن إدريس قال نا إبراهيم بن مرزوق قال نا مسلم بن ابراهيم قال نا نوح بن قيس قال نا عمرو بن

مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس في قول الله تبارك وتعالى ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين قال كانت امرأة جميله تصلي مع النبي (صلع) فكان رجال يتقدمون حتى لا يروها وكان رجال يتأخرون فإذا ركع النبي (صلع) وضع أحدهم يده على ركبته ونظر إليها من تحت ضبعه فأنزل الله ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين 20 - وقوله تعالى عز وجل ولقد خلقنا الانسان من صلصال فيه قولان أحدهما رواه معاوية بن صالح عن على بن أبي طلحة

عن ابن عباس قال الصلصال الطين اليابس وروى معمر عن قتادة هو الطين ييبس فتصير له صلصلة وقال الضحاك هو الطين الصلب والقول الآخر رواه ابن نجيح وابن جريج عن مجاهد قال الصلصال المنتن وقال أبو جعفر والقولان يحتملان وإن كان الأول ابين القول الله جل وعز خلق الأنسان من صلصال كالفخار وحكى أبو عبيدة أنه يقال للطين اليابس صلصال ما لم تأخذه النار فإذا أخذته النار فهو فخار وأنشد أهل اللغة * كعدو المصلصل الجوال * والصلصلة الصوت

وقال الفراء هو طين حر يخلط برمل فيسمع له صلصلة وأما القول الثاني فالأصل فيه صلال ثم أبدل من إحدى اللامين صاد وحكى الكسائي أنه يقال صل اللحم وأصل إذا أنتن 21 - ثم قال جل وعز من حما مسنون فالحمأ مع والحمأة الطين الأسود المتغير وفي المسنون أربعة أقوال روى سفيان عن الأعمش عن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال المسنون المنتن وكذلك روى قيس بن الربيع عن الأعمش عن مسلم عن سعيد ابن جبير قال خلق الإنسان من صلصال من طين لازب وهو الجيد ومن حما مسنون وهو المنتن وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال هو المنتن

وذهب الى هذا القول من أهل اللغة الكسائي وأبو عمرو الشيباني وزعم أبو عمرو الشيباني أن قول الله لم يتسنه من هذا وأن الأصل فيه لم يتسنن فأبدل من إحدى النونين هاء فهذا قول والقول الأخر وهو مذهب أبي عبيدة أن المسنون المصبوب وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال المسنون الرطب فهذا بمعنى المصبوب لأنه لا يكون مصبوبا إلا وهو رطب وهذا قول حسن لأنه يقال سننت الشئ أي صببته وفي الحديث ان الحسن كان يسن الماء على وجهه سنا ولو كان هذا من

أسن الماء لكان مؤسنا سعيد والقول الثالث قول الفراء وهو المحكوك ولا يكون إلا متغيرا من سننت الحديد والقول الرابع أنه المصبوب على مثال وصورة من سنة الوجه 22 - وقوله جل وعز قال فإنك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم قال سفيان بلغني أن الوقت المعلوم النفخة الأولى 23 - وقوله جل وعز قال هذا صراط علي مستقيم أحدهما وهو مذهب مجاهد قال الحق طريقة علي وهو يرجع الى كما يقال في التوعد طريقك على فاعمل ما شئت

وكما قال تعالى إن ربك لبالمرصاد والقول الآخر إن هذا صراط على أمري وتحت إرادتي وقرأ قيس بن عبادة قال هذا صراط على مستقيم وقال أي رفيع ومعناه رفيع في الدين والحق 24 - وقوله جل وعز إلا من اتبعك من الغاوين أي الضالين 25 - وقوله جل وعز وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم أي لكل منزل منهم من العذاب على قدر منزلته في الذنب وروى مالك بن مغول عن حميد عن ابن عمر ان رسول الله (ص) قال لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل سيفه على أمتي أو قال على أمة محمد

26 - وقوله جل وعز ونزعنا ما في صدورهم من غل الغل عند أهل اللغة الشحناء والسخيمة والعداوة يقال منه غل يغل ويقال من الغلول وهو السرقة من المغنم غل يغل ويغال بكر من الخيانة أغل يغل كما قال الشاعر * جزى الله عنا جمرة ابنة نوفل * جزاء مغل بالأمانة كاذب * 27 - ثم قال جل وعز إخوانا على سرر متقابلين روى سفيان عن ابن ابي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى متقابلين قال لا ينظر أحدهم الى قفا صاحبه

28 - ثم قال جل وعز لا يمسهم فيها نصب أي تعب 29 - وقوله جل وعز نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم أي أخبر وروى ان النبي (ص) خرج على أصحابه وهم يضحكون فقال أتضحكون وبين أيديكم الجنة والنار فشق ذلك عليهم فأنزل الله نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم 30 - وقوله جل وعز قالوا لا توجل معناه لا تفزع والقانطون قد اليائسون وفي

31 - قوله جل وعز إلا إمرأته قدرنا إنها لمن الغابرين قيل قدرنا بمعنى علمنا وقدرنا على بابه أي هو في تقديرنا وفيما أخبرناه به هكذا والغابر الباقي وقد يستعمل للذاهب والمعنى إنها لمن الباقين في الهلاك وأنشد أهل اللغة * لا تكسع الشول بأغبارها * إنك لا تدري من الناتج * الأغبار بقايا اللبن 32 - وقوله جل وعز قال إنكم قوم منكرون قال مجاهد أنكرهم لوط (ص) وقيل أنكرهم إبراهيم (ص) لأنهم لم يأكلوا من

طعامه وكانوا ينكرون أمر الضيف إذا لم يأكل 33 - ثم قال جل وعز قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون قال مجاهد بالعذاب قال أبو جعفر المعنى بل جئناك بما كانوا يشكون من نزول العذاب بهم 34 - وقوله تعالى فأسر بأهلك بقطع من الليل السرى لا يكون إلا بالليل إلا ان قوله تعالى بقطع يدل على ذهاب كثير من الليل 35 - ثم قال تعالى ولا يلتفت منكم أحد

قيل نهى عن الإلتفات الى ما في المنازل لئلا يقع الشغل به عن المضي 36 - وقوله جل وعز وقضينا إليه ذلك الأمر أي أخبرناه به ثم بينه فقال تعالى أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين أي أن آخرهم مستأصل وقال الفراء الدابر الأصل 37 - وقوله تعالى قالوا أولم ننهك عن العالمين يروى أنهم كانوا نهوه أن يضيف أحد 38 - ثم قال جل وعز قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين

هذا الجواب محمول على المعنى والمعنى أنهم أرادوهم للفساد فقال لهم لوط (ص) هؤلاء بناتي فتزوجوا وأحسن ما قيل في هذا أن أزواج كل نبي بمنزلة أمهات أمته وأولاد أمته بمنزلة أولاده 39 - وقوله جل عز لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال لعمرك لعيشك وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس قال لحياتك وروى أن إبراهيم النخعي كره أن يقول الرجل لعمري قال لأن معناه وحياتي وكذلك هو عند أهل اللغة

قال سيبوية العمر والعمر واحد ولا يستعملون في القسم إلا الفتح لخفته وحكى لعمري وكله بمعنى العمر وهذه فضيلة للنبي (ص) أقسم الله جل وعز بحياته قال أبو الجوزاء ما سمعت الله جل وعز حلف بحياة أحد غيره (صلى) قال سفيان سألت الأعمش عن قوله تعالى لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فقال أقسم بالنبي إنهم لفي غفلتهم يترددون 40 - وقوله جل وعز فأخذتهم الصيحة مشرقين

أي فأخذتهم الصيحة بالعذاب وقت إشراق الشمس 41 - وقوله جل وعز إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال مجاهد أي للمتفرسين قال الضحاك أي للناظرين قال أبو جعفر وحقيقته توسمت الشئ نظرت نظر متثبت حتى تثتب حقيقة سمة الشئ 42 - وقوله عز وجل وإنها لبسبيل مقيم يجوز أن يكون المعنى وإن الآيات ويجوز أن يكون المعنى وإن مدينة قوم لوط

قال مجاهد لبسبيل مقيم لبطريق معلم أي واضح 43 - وقوله جل وعز وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين قال الضحاك الأيكة كل الغيضة ذات الشجر قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة يقال للشجرة أيكة وجمعها أيك ويروى أن شجرهم كان دوما وأما رواية من روى أن ليكة أسم القرية التي كانوا فيها والأيكة البلاد كلها فلا يعرف في اللغة ولا يصح 44 - وقوله جل وعز فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين

قال الضحاك أي لبطريق مستبين أي يمرون عليها في أسفارهم قال أبو جعفر ومعروف في اللغة أن يقال للطريق إمام لأنه يؤتم به ويتبع 45 - وقوله جل وعز ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وروى معمر عن قتادة قال الحجر الوادي يذهب الى انه اسم له 46 - وقوله عز وجل وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين أي آمنين أن تسقط 47 - وقوله جل وعز فاصفح الصفح الجميل قال مجاهد هذا قبل أن يؤمر بالقتال

48 - وقوله جل وعز ولقد آتيناك سبعا من المثاني روى عبد خير عن علي بن أبي طالب أنه قال في قوله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني يعني فاتحة الكتاب وكذلك قال أبو هريرة هي فاتحة الكتاب وليس فيها بسم الله الرحمن الرحيم وكذلك روى أبو يحيى عن مجاهد وكذلك روى معمر عن قتادة وروى سفيان بن منصور عن مجاهد عن أبن عباس قال آتيناك سبعا من المثاني قال السبع الطول وكذلك روى شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير ولقد آتيناك سبعا من المثاني قال السبع الطول البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس

كذلك في الحديث وكذلك قال الضحاك هي السبع الطول وكذلك روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال السبع المثاني والقرآن العظيم أم القرآن قال الضحاك القرآن العظيم سائره وقد صح عن علي بن ابي طالب انه قال السبع المثاني الحمد وقال به قتادة وفسر معناه قال لأن فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة فريضة أو نافلة والمعنى على هذا القول ولقد آتيناك سبع آيات مما يثنى في الصلاة ومن ها هنا لبيان الجنس على هذا القول كما قال

تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان ويجوز ان يكون المعنى مما يثنى به على الله لأن في الحمد ثناء على الله وذكر توحيده وملكه يوم الدين وتكون من على هذا القول لبيان الجنس أيضا ويجوز أن تكون للتبعيض ويكون المعنى ولقد آتيناك سبع آيات من المثاني أي من القرآن الذي يثنى فيه الآيات والقصص ويثنى فيه على الله وهذا أحسن وهو مذهب أبي مالك لأنه قال المثاني القرآن وأما من قال هي السبع الطول فقد فسر سعيد بن جبير مذهبه فقال لأنه تثنى فيها الحدود والفرائض فتكون من على هذا لبيان الجنس

ويجوز ان تكون للتبعيض على ما تقدم وروى أبو عبيد أن سفيان بن عيينة كان يتلو هذه الآية يتأولها على حديث النبي (ص) ليس منا من لم يتغن بالقرآن قال أي يستغني به قال فأمر الله جل وعز النبي (ص) أن يستغني بالقرآن عن المال فقال تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم 49 - ثم قال جل وعز لاتمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم وروى عن عبد الله بن عمر أنه قال من حفظ القرآن فرأى أن أحدا أعطى أفضل مما أعطى فلقد صغر عظيما وعظم صغيرا

قال مجاهد في قوله تعالى لا تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم قال الأغنياء الأشباه أي أمثال في النعم والأزواج في اللغة الأصناف 50 - وقوله جل وعز وقل إني أنا النذير المبين كما أنزلنا على المقتسمين في الكلام حذف والمعنى وقل إني أنا النذير المبين عقابا كما أنزلنا على المقتسمين وفي المقتسمين أقوال أحدها إنهم قوم تحالفوا على عضه النبي (صلع)

والقول الآخر أنه روى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس في قوله تعالى كما أنزلنا على المقتسمين فقال اليهود والنصارى الذين جعلوا القرآن عضين قال آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه وقال الضحاك المقتسمين أهل الكتاب مزقوا الكتب وفرحوا بما عندهم منها وقال مجاهد المقتسمين أهل الملل قال ابن جريج وقال عطاء هم المشركون من قريش مزقوا القول في القرآن فقال بعضهم هو شعر وقال بعضهم هو سحر وقال بعضهم هو أساطير الأولين فذلك العضون وقال عكرمة عضين سحر وكان أبو عبيدة يذهب الى ان عضين مأخوذ من الأعضاء قال أبو جعفر وهو قول حسن أي فرقوا القول وأنشد

* وليس دين الله بالمعضى * أي المفرق وكان الفراء يذهب الى أنه مأخوذ من العضاة وهي شجر وكان الكسائي يذهب الى أنه يجوز أن يكون مأخوذا منهما 51 - وقوله جل وعز فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين قال مجاهد أي اجهر بالقرآن في الصلاة قال ومنه تصدع القوم إذا افترقوا قال ومنه الصداع لأنه انفراق قبائل الرأس

قال أبو جعفر ومعروف عند أهل اللغة انه يقال صدع بالحق إذا أبانه وأظهره وكأنه أبن وأظهر وأنشد أبو عبيدة لأبي ذؤيب يصف عيرا وأتنا وأنه يحكم فيها * وكأنهن ربابه وكأنه * يسر يفيض على القداح ويصدع * ومن هذا قيل للصبح صديع كما قال كأن بياض لبته صديع * وأبو العباس يذهب إلى أن المعنى فاصدع الباطل بما تؤمر به أي افرق

52 - وقوله جل وعز إنا كفيناك المستهزئين حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن نافع قال نا سلمة بن شعيب بن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وعثمان الجزري عن مقسم عن ابن عباس في قوله تعالى إنا كفيناك المستهزئين قالا المستهزءون الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب مروا رجلا رجلا على النبي (ص) ومعه جبريل عليه السلام فإذا رجل منهم قال له جبريل كيف تجد هذا فيقول بئس عبد الله فيقول جبريل كفيناكه فاما الوليد ابن المغيرة فتردى فتعلق سهم بردائه فذهب يجلس فقطع أكحله فنزف فمات وأما الأسود بن عبد يغوث فأتى بغصن فيه شوك فضرب به وجهه فسالت حدقتاه على وجهه وكان يقول دعوت على محمد دعوة ودعى علي دعوة فاستجيب لي واستجيب له دعا علي أن أعمى فعميت ودعوت عليه أن يكون وحيدا طريدا في أهل يثرب فكان كذلك وأما العاص بن وائل فوطئ على شوكة فتساقط لحمه عن عظامه حتى هلك وأما الأسود بن المطلب وعدي بن قيس فإن أحدهما قام في

الليل وهو مطمئن ليشرب من جرة فلم يزل يشرب حتى انفتق بطنه فمات وأما الآخر فلدغته حبة فمات 53 - وقوله جل وعز فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين أي كن من المصلين 54 - وقوله جل وعز واعبد ربك حتى يأتيك اليقين قال سالم بن عبد الله ومجاهد أي الموت

قال أبو جعفر ونظير هذا وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا والفائدة في هذا أنه لو قال واعبد ربك مطلقا ثم عبده مرة واحدة كان مطيعا وإذ اقال ما دمت حيا أو أبدا أو حتى يأتيك اليقين كان معناه لا تفارق هذا تمت سورة الحجر

تفسير سورة النحل

تفسير سورة النحل مكية وآياتها 128 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة النحل وهي مكية قال عبد الله بن عباس إلا ثلاث آيات نزلن بين مكة والمدينة حين رجع النبي (ص) من أحد وقد قتل حمزة ومثل به فقال النبي لأمثلن بثلاثين منهم وقال المسلمون لنمثلن بهم فأنزل الله وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به الى آخر ثلاث آيات 1 - قوله جل وعز أتى أمر الله فلا تستعجلوه قال بعضهم أتى بمعنى يأتي لأنه قد عرف المعنى فصار مثل قولك إن أكرمتني أكرمتك وقيل أخبار الله بالماضي والمستقبل شئ واحد لأنه قد علم

أنه يكون فهو بمنزلة ما قد كان وقول ثالث وهو أحسنها وذلك أنهم استبعدوا ما وعدهم الله من العقاب فأخبر الله جل وعز أن ذلك قريب فقال أتى أمر الله أي هو القرب بمنزلة ما قد أتى كما قال تعالى إقتربت الساعة وكما يقال أتاك الخبر أي قرب منك وقال الضحاك أي جاء القرآن بالفرائض والحكام والحدود 2 - وقوله جل وعز ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده

روى هشيم عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عباس قال الروح خلق من خلق الله وأمر من أمره صورهم على صور بني آدم لا ينزل في السماء ملك إلا ومعه واحد منهم وروى ابن جريج عن مجاهد قال لا ينزل ملك إلا ومعه روح وقال إسماعيل بن أبي خالد سألت أبا صالح عن الروح فقال لهم صور كصور بني آدم وليسوا منهم وقال الحسن تنزل الملائكة بالروح أي بالنبوة وروى معمر عن قتادة تنزل الملائكة بالروح قال بالوحي والرحمة قال أبو جعفر وهذا قول حسن وقد رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي ينزلهم بما هو بمنزلة الروح والحياة كما قال تعالى فروح وريحان

وقيل معناه رحمة 3 - وقوله جل وعز والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون روى اسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال النسل وروى ابن جريج عن مجاهد قال الدفء لباس ينسج والمنافع الركوب والبن واللحم قال أبو جعفر وهذا قول حسن أي ما يدفئ من أوبارها وغير ذلك وأحسب مذهب ابن عباس أن المنافع النسل لا الدفء على أن الأموي قد روى أن الدفء عند العرب نتاج الابل والانتفاع بها فيكون هذا فيه

4 - وقوله جل وعز ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون روى معمر عن قتادة قال إذا راحت أعظم ما تكون أسنمة من السمن وضروعها محفلة قال أبو جعفر والمعنى عند أهل اللغة وتريحونها بالعشي * يقال أرحت الإبل إذا انصرفت بها من المرعى الذي تكون فيه بالليل ويقال للموضع المراح وفي الحديث إذا سرقها من المراح قطع ومعنى تسرحون تغدون بها الى المرعى سرحت الإبل أسرحها سرحا وسروحا إذا غدوت بها الى المرعى فخليتها فلا ترعى وسرحت هي في المعتدي واللازم واحد

5 - وقوله جل وعز وتحمل أثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس روى ابن جريج عن مجاهد قال إلا بمشقة وقال غيره المعنى لولا الإبل لم تبلغوا البلدان إلا بمشقة وقد قرئ إلا بشق الأنفس وهي بمعنى الأول إلا أنه مصدر 6 - وقوله جل وعز والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة تأول هذا جماعة منهم عبد الله بن عباس على أنه لا يحل أكل هذه لقوله في الإبل ومنها تأكلون ولم يقل هذا في الخيل والبغال والحمير

7 - وقوله جل وعز ويخلق مالا تعلمون وظاهره عام إلا أن عبد الرحمن بن معاوية القرشي حدثنا قال حدثنا موسى بن محمد عن ابن السدي عن أبيه في قوله تعالى ويخلق مالا تعلمون قال السوس في الثياب 8 - وقوله جل وعز وعلى الله قصد السبيل قال الضحاك أي تبيين الهدى والضلالة وقال مجاهد أي طريق الحق وهذه تشبه قال هذا صراط علي مستقيم أي على منهاجي وديني وكذا وعلى الله قصد السبيل أي القصد فيها ما كان على دين الله وقيل هو تبيين الحق والبراهين والحجج

وقيل إنه يراد بالسبيل ها هنا الإسلام 9 - ثم قال جل وعز ومنها جائر أي ومن السبل جائر أي عادل عن الحق وأنشدني أبو بكر ابن أبي الأزهر قال أنشدني بندار * لما خلطت دماءنا بدمائها * سار الثفال بها وجار العاذل * وروى عن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ ومنكم جائر وكذلك قرأ عبد الله بن مسعود ذا على التفسير 10 - ثم قال تعالى ولو شاء لهداكم أجمعين أي لو شاء لأنزل آية تضطركم منه الى الإيمان ولكنة أراد أن يثيب ويعاقب

11 - وقوله جل وعز هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون قال قتادة والضحاك فيه تسيمون فيه ترعون قال أبو جعفر وكذا هو في اللغة يقال أسمت الإبل أي رعيتها فأنا مسيم وهي مسامة وسائمة 12 - وقوله جل وعز وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه قال قتادة من الدواب والأشجار والثمار 13 - وقوله جل وعز وترى الفلك مواخر فيه قال الضحاك تذهب وتجئ والمخر في اللغة الشق يقال محرت السفينة تمخر ولمخر إذا شقت الماء وسمعت لها صوتا وذلك عند هبوب الرياح ومخر

الأرض إنما هو شق الماء إياها 14 - وقوله جل وعز وألقى في الأرض رواسي قال الحسن أي جبالا قال أبو جعفر يقال رسا يرسو إذا ثبت وأقام ثم قال تعالى أن تميد بكم قال ابراهيم أي تكفأ قال أبو جعفر يقال ماديميد إذا تحرك ومال وروى معمر عن قتادة قال سمعت الحسن يقول لما خلق الله الأرض كادت تميد فقالوا لا تقر هذه عليها أحدا فأصبحوا وقد خلق الله الجبال ولم تدر الملائكة مما خلقت الجبال 15 - ثم قال جل وعز وأنهارا وسبلا

أي وجعل فيها أنهارا وسبلا قال قتادة أي طرقا 16 - ثم قال جل وعز وعلامات وبالنجم هم يهتدون روى سفيان عن منصور عن ابراهيم قال من النجوم علامات ومنها ما يهتدي به وقال الفراء الجدي والفرقدان قال أبو جعفر والذي عليه أهل التفسير وأهل اللغة سواه أن النجم ها هنا بمعنى النجوم وخلق الله النجوم زينة للسماء ورجوما للشياطين وليعلم بها عدد السنين والحساب وليهتدي: بها 17 - وقوله جل وعز والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون يعني الأوثان

وقرأ محمد اليماني والذين يدعون من دون الله بضم الياء وفتح العين 18 - وقوله جل وعز أموات غير أحياء أي هم أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون يجوز أن يكون المعنى وما تشعر الأصنام ويجوز أن يكون المعنى وما يشعر المشركون متى يبعثون 19 - وقوله جل وعز ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة الوزر في اللغة الحمل الثقيل وقيل للإثم وزر على التمثيل 20 - ثم قال تعالى ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم

قال مجاهد يحملون إثم من أضلوه ولا ينقص من إثم المضل شئ 21 - وقوله جل وعز قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وقرأ الأعرج السقف قال مجاهد يعني بهذا نمرود بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه ويروي أنه بنى بنيانا عظيما فخر وقد قيل هذا تمثيل أي أهلكهم الله فكانوا بمنزلة من سقط عليه بينانه وهلك وقيل أحبط الله أعمالهم فكانوا بمنزلة من سقط عليه بنيانه والفائدة في قوله تعالى من فوقهم أنه قد يقال سقط

على منزل كذا إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه 22 - وقوله جل وعز ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم المعنى أين الذين كنتم تدعون أنهم شركائي أي أين شركائي على قولكم والله جل وعز لا شريك له 23 - وقوله جل وعز فألقوا السلم أي الإستسلام أي أذعنوا واستسلموا 24 - وقوله جل وعز هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أي لقبض أرواحهم أو يأتي أمر ربك أي بالعذاب والزلزلة والخسف 25 - وقوله جل وعز وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا

قال قوم ذم الله هؤلاء الذين جعلوا شركهم عن مشيئته وقال قوم من قال هذا فقد كفر قال أبو جعفر هذا غلط في التأويل ولا يقبل في التفسير على أنهم قالوا هذا على جهة الهزء كما قال قوم شعيب لنبيهم إنك لأنت الحليم الرشيد أي إنك أنت الحليم الرشيد على قولك وقد تبين هذا بقوله إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وفي قراءة أبي فإن الله لا هادي لمن أضل الله وهو شاهد لمن قرأ لا يهدي وهي القراءة البينة كما قال وما توفيقي إلا بالله وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ لا يهدي من يضل وأحسن ما قيل في هذا ما رواه أبو عبيد عن الفراء أنه يقال هدى يهدي بمعنى اهتدى يهتدي قال تعالى أمن لا يهدي إلا أن يهدي بمعنى يهتدي

قال أبو عبيد ولا نعلم أحدا روى هذا غير الفراء وليس بمتهم فيما يحكيه قال أبو جعفر حكى لي عن محمد بن يزيد كأن معنى لا يهدي من يضل من علم ذلك منه وسبق له ذلك عنده قال ولا يكون يهدي بمعنى يهتدي إلا أن تقول يهدي أو يهدي 26 - وقوله جل وعز ليبين لهم الذي يختلفون فيه يحتمل معنيين أحدهما أن يكون متعلقا بفعل محذوف دل عليه جملة الكلام وهو أن يكون المعنى بل يبعثهم ليبن لهم الذي يختلفون فيه والقول الآخر أن يكون متعلقا بقوله ولقد بعثنا في كل أمة رسولا فيكون المعنى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين 27 - وقوله جل وعز والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا

يقال إنه يراد به بلال وصهيب والذي يوجب جملة الكلام أن يكون عاما ويروي أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان إذا دفع الى المهاجرين أعطياتهم قال لهم هذا ما وعدكم الله في الدنيا وما ذخر لكم في الآخرة أكثر ثم يتلو والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر وروى هشيم عن داود ابن أبي هند عن الشعبي في قوله لنبوئنهم في الدنيا حسنة قال المدينة وكذا قال الحسن وقال الضحاك يعني بالحسنة النصر والفتح ولأجر الآخرة أكبر الجنة وروى ابن جريج عن مجاهد لنبوئنهم في الدنيا حسنة قال لسان صدق

28 - وقوله جل وعز وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم قيل لهم هذا لأنهم قالوا أبعث الله بشرا رسولا 29 - ثم قال تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون قيل يعني به أهل الكتاب لأنهم مقرون أن الرسل من بني آدم وقال وكيع سألت سفيان عن قوله فاسألوا أهل الذكر فقال سمعنا أنهم من أسلم من أهل التوراة والأنجيل ثم قال تعالى بالبينات والزبر أي بالبراهين والكتب

30 - وقوله جل وعز أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين روى معمر عن قتادة قال في أسفارهم وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال بالليل والنهار 31 - ثم قال تعالى أو يأخذهم على تخوف قال الضحاك آخذ طائفة وادع طائفة فتخاف الطائفة الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس أو يأخذهم على تخوف قال على تنقص وتفزع وروى ابن جريج عن ابن كثير عن مجاهد قال تنقصا قال أبو جعفر وهذا القول هوا لمعروف عند أهل اللغة يقال أخذهم على خوف وعلى تخوف إذا تنقصهم كما قال ابن عباس ومجاهد ومعنى التنقص أن ينقصهم في أموالهم وفي زروعهم وفي

خيرهم شيئا بعد شئ حتى يهلكهم وقال الليث على تخوف سمعت أنه على عجل وقول الضحاك على تخوف أي يأخذ هذه القرية ويدع هذه عندها أي فتخاف 32 - وقوله جل وعز يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله قال قتادة الفئ الظل وقال غيره التفيؤ رجوعه من موضع الى موضع خاضعا منقادا وكذلك معنى السجود وقال قتادة عن اليمين بالغداة وقوله والشمائل بالعشي 33 - ثم قال الله جل وعز وهم داخرون قال قتادة أي صاغرون

34 - وقوله جل وعز ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة قيل المعنى ولله يسجد ما في السموات من الملائكة وما في الأرض من دابة والملائكة أي والملائكة الذين في الأرض والله أعلم بما أراد وقال الضحاك كل شئ فيه روح دابة يسجد لله عز وجل 35 - وقوله جل وعز وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين أي لا تعبدوا من دون الله شيئا وإن كنتم تتقربون بعبادته الى الله وجاء باثنين توكيدا وقيل المعنى لا تتخذوا اثنين إلهين 36 - وقوله جل وعز وله ما في السموات والأرض وله الدين واصبا

روى عكرمة عن ابن عباس قال واجبا وقيل الطاعة على كل الأحوال وإن كان فيها الوصب وهو التعب وهذا معنى قول الحسن وروى معمر عن قتادة وله الدين واصبا قال دائما ألا تسمع الى قوله ولهم عذاب واصب أي دائم وكذا قال ميمون بن مهران وروى ابن جريج عن مجاهد وله الدين واصبا قال الإخلاص والواصب الدائم وهذا هو المعروف في اللغة يقال وصب يصب وصوبا إذا

دام والدين الطاعة والمعنى أن كل من يطاع تزول طاعته بهلاك أو زوال إلا الله جل وعز 37 - ثم قال تعالى وما بكم من نعمة فمن الله أي ما يكن بكم من سعة في رزق أو صحة في بدن فمن الله ثم إذا مسكم الضر وهو البلاء والمشقة فإليه تجأرون أي تدعون وتستغيثون يقال جأر يجأر جؤارا إذا رفع صوته مستغيثا من جوع أو غيره 38 - وقوله جل وعز ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم قيل المعنى ليجعلوا النعمة سببا الى الكفر كما قال تعالى ربنا ليضلوا عن سبيلك

وقيل ليجحدوا النعمة التي أنعم عليهم كما قال الشاعر * والكفر مخبثة لنفس المنعم * 39 - ثم قال تعالى فتمتعوا فسوف تعلمون وهذا على التهديد كما قال تعالى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فإنا قد أرسلنا الرسل وبينا وأنذرنا فمن شاء فليكفر بعد هذا فإن العقوبة حالة به 40 - ثم قال جل وعز ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم يعني ما كانوا يجعلونه لأصنامهم من زرعهم وأنعامهم كما قال تعالى فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا 41 - ثم قال جل وعز ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون

أي ولهم البنون 42 - ثم قال جل وعز وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا أي ظل كئيبا مغموما والعرب تقول هذا لكل مغموم قد تغير لونه من الغم أسود وجهه 43 - ثم قال جل وعز وهو كظيم الكظيم الحزين الذي يخفي غيظه ولا يشكو ما به 44 - ثم قال جل وعز يتوارى من القوم من سوء ما بشر به يروى أن أحدهم كان إذا ولد له يتوارى في ذلك الوقت أو قبله فإن ولد له ذكر سر به وإن ولدت له أنثى استتر وربما وأدها

45 - ثم بين ذلك بقوله تعالى أيمسكه على هون أم يدسه في التراب وقرأ الجحدري أم يدسها في التراب يردها على قوله بالأنثى ويلزمه أن يقرأ أيمسكها وقرأ عيسى بن عمر أيمسكه على هوان وقال هوان وهون واحد وقرأ الأعمش أيمسكه على سوء وحكى أبو عبيد عن الكسائي قال في لغة قريش الهون والهوان بمعنى واحد وقال لغة بني تميم يجعل الهون مصدر الشئ الهين 46 - ثم قال جل وعز ألا ساء ما يحكمون

لأنهم جعلوا لله البنات وهم يكرهونها هذه الكراهية 47 - ثم قال جل وعز للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وروى سعيد عن قتادة قال المثل الأعلى الإخلاص والتوحيد والمعنيان واحد أي لله جل وعز التوحيد ونفى كل معبود دونه 48 - وقوله جل وعز ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة أي على الأرض ولم يجر لها ذكر لأنه قد عرف المعنى

49 - وقوله جل وعز ويجعلون لله ما يكرهون يعني البنات ثم قال تعالى وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى قال مجاهد هو قولهم لنا البنون وقال غيره الحسنى الجنة 50 - ثم قال جل وعز لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون وقيل لا رد لكلامهم وجرم بمعنى وجب وحق قال أبو جعفر وقد استقصينا القول فيه 51 - ثم قال تعالى وأنهم مفرطون

كذا قرأ الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير بفتح الراء والتخفيف واختلفوا في تفسيره فقال الحسن مفرطون معجلون الى النار وقال هشيم أخبرنا أبو بشر وحصين عن سعيد ابن جبير وأنهم مفرطون قال متروكون منسيون وروى ابن جريح عن مجاهد قال مفرطون منسيون قال أبو جعفر وقول الحسن أشهر في اللغة وأعرف وحكى أهل اللغة هو فارط وفرط وفي حديث النبي (ص) أنا فرطكم على الحوض أي متقدمكم إليه حتى تردوا على وأفرطته غير إذا قدمته وأنشد جماعة من أهل اللغة

* فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا * كما تعجل فراط لوراد * وقال بقول سعيد بن جبير ومجاهد أبو عبيدة والكسائي والفراء قال أبو جعفر فعلى قول الحسن معجلون مقدمون الى النار وعلى قول سعيد بن جبير ومجاهد متروكون في النار وقرأ عبد الله بن مسعود وابن عباس وأنهم مفرطون مبالغون في الإساءة كما يقال فرط فلان على فلان إذا أربى عليه وقال له أكثر مما قال من الشر وقرأ أبو جعفر والسدي وأنهم مفرطون ومعناه

مضيعون أي كانوا مضيعين في الدنيا 52 - وقوله جل وعز وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا الفرث ما يكون في الكرش يقال أفرثت الكرش إذا أخرجت ما فيها والمعنى أن الطعام يكون فيه ما في الكرش ويكون منه الدم ثم يخلص اللبن من الدم 53 - ثم قال تعالى سائغا للشاربين أي سهلا لا يشجي به من شربه 54 - ثم قال جل وعز ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا روى عمرو بن سفيان عن ابن عباس قال السكر ما حرم من ثمرتها والزرق الحسن ما كان حلالا من ثمرتها وروى شعبة عن مغيره عن إبراهيم والشعبي قالا السكر ما حرم وقد نسخ

وروى معمر عن قتادة قال السكر نبيذ للأعاجم وقد نسخت وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال السكر قد حرم وقال مجاهد السكر ما حرم من الخمر والرزق الحسن ما أحل من التمر والعنب قال أبو جعفر الأولى أن تكون الآية منسوخة لأن تحريم الخمر كان بالمدينة والنحل مكية والرواية عن ابن عباس كأن معناها أن الآية على الإخبار بأنهم يفعلون ذلك لا أنه أذن لهم في ذلك وذلك معناه وهي رواية تضعف من جهة عمرو بن سفيان

قال أبو جعفر وفي معنى السكر قول آخر قال أبو عبيدة السكر الطعم وأنشد * جعلت عيب الأكرمين سكرا * أي جعلت ذمهم طعما قال أبو جعفر قال الزجاج وقول أبي عبيدة هذا لا يعرف وأهل التفسير على خلافة ولا حجة له في البيت الذي أنشده لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس 55 - وقوله جل عز وأوحى ربك الى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا روى عن الضحاك أنه قال ألهمها

وأصل الوحي في اللغة الإعلان بالشئ في ستره فيقع ذلك بالإلهام وبالإشارة وبالكتابة وبالكلام الخفي 56 - وقوله جل وعز فاسلكي سبل ربك ذللا روى معمر وسعيد عن قتادة قال مطيعة قال أبو جعفر ويحتمل في اللغة أن يكون قوله ذللا للسبل لأنه يقال سبيل ذلول وسبل ذلل أي سهلة السلوك ويحتمل أن يكون للنحل أي هي منقادة مسخرة 57 - وقوله جل وعز يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس فيه قولان أحداهما أن المعنى في القرآن شفاء للناس وهذا قول حسن أي فيما قصصنا عليكم من الآيات

والبراهين شفاء للناس وقيل في العسل شفاء للناس وهذا القول بين أيضا لأن أكثر الأشربة والمعجونات التي يتعالج بها أصلها من العسل 58 - وقوله جل وعز ومنكم من يرد الى أرذل العمر أي يهرم حتى ينقص عقله 59 - ثم قال جل وعز لكي لا يعلم بعد علم شيئا أي حتى يعود بعد العلم جاهلا أي لتعلموا أن الذي رده الى هذه الحال قادر على أن يميته ثم يحييه 60 - وقوله جل وعز والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء

روى سعيد عن قتادة قال هذا مثل ضربه الله أي إذا كان لأحدكم مملوك لم تسغ أحمد نفسه أن يعطيه مما يملك والله جل وعز أولى أن ينزه عن هذا ومعنى هذا القول أنهم عمدوا الى رزق الله فجعلوا للأصنام منه نصيبا وله نصيبا والمعنى إنكم كلكم بشر ويكون لأحدكم المملوك فلا يرد عليه مما يملك شيئا ولا يساويه فيه فكيف تعمدون الى رزق الله فتجعلون منه نصيبا وللأوثان نصيبا 61 - ثم قال جل وعز أفبنعمة الله يجحدون أي أفأن أنعم الله عليهم جحدوا بالنعمة وجعلوا ما رزقهم لغيره وقيل المعنى أفأن أنعم عليهم بالبيان والبراهين جحدوا نعمه

قال الضحاك هذا المثل لله جل وعز وعيسى أي أنتم لا تفعلون هذا بعبيدكم بعد فكيف ترضون لي باتخاذ بشر ولدا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا 62 - وقوله جل وعز والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا روى سعيد عن قتادة في قوله والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا قال خلق حواء من ضلع آدم وقال غيره جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم 63 - ثم قال جل وعز وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة روى سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله بن

مسعود قال الحفدة الأختان وروى سفيان بن عيينة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال الحفدة الأصهار وروى شعبة عن زر قال سألني ابن مسعود عن الحفدة فقلت هم الأعوان قال هم الأختان وقال علقمه وأبو الضحى الحفدة الأختان وقال إبراهيم الحفدة الأصهار قال أبو جعفر وقد اختلف في الأختان والأصهار فقال محمد بن الحسن الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه والصهر من كان من قبل المرأة نحو أبيها وعمتها وخالها

وقال ابن الأعرابي ضد هذا في الأختان والأصهار وقال الأصمعي الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبههما والأصهار منهما جميعا يقال أصهر فلان الى بنى فلان وصاهر وقول عبد الله بن مسعود هم الأختان يحتمل المعنيين جميعا يجوز أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبه من أقربائها ويجوز أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات تزوجونهم فيكون لكم بسببهن أختان وقد قيل في الآية غير هذا قال عكرمة الحفدة ولد الرجل من نفعة منهم وقال الحسن وطاووس ومجاهد الحفدة الخدم

قال أبو جعفر وأصل الحفدة في اللغة الخدمة والعمل يقال حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا إذا خدم وعمل ومنه وإليك نسعى ونحفد ومنه قول الشاعر * حفد الولائد حولهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الأجمال وقول من قال هم الخدم حسن على هذا إلا إنه يكون منقطعا مما قبله عند أبي عبيد وينوي به التقديم والتأخير كأنه قال وجعل لكم حفدة أي خدما وجعل لكم من أزواجكم بنين 64 - وقوله جل وعز ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا

أي لا يملكون أن يرزقوهم شيئا 65 - ثم قال جل وعز ولا يستطيعون فلا تضربوا لله الأمثال قال الضحاك لا تعبدوا من دونه ما لا ينفعكم ولا يضركم ولا يرزقكم 66 - وقوله جل وعز ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هذه الآية مشكلة وفيها أقوال قال مجاهد والضحاك هذا المثل لله جل ذكره ومن عبد من دونه وقال قتادة هذا المثل للمؤمن والكافر

يذهب قتادة الى أن العبد المملوك هو الكافر لأنه لا ينتفغ الذي في الآخرة بشئ من عبادته والى أن معنى ومن رزقناه منا رزقا حسنا المؤمن وقال بعض أهل اللغة القول الأول أحسن لأنه وقع بين كلامين لا نعلم بين أهل التفسير اختلافا إلا من شذ منهم انهما لله جل وعز وهما فلا تضربوا لله الأمثال وبعده وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ وهو كل على مولاه يعني الوثن لأنه كل على من عنده وثقل والمولى الولي 67 - ثم قال جل وعز هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم يعني نفسه جل وعز وكذا قال قتادة الله جل وعز يأمرنا بالعدل وهو على صراط مستقيم

والمعنى على هذا في قوله جل وعز ضرب الله مثلا عبدا مملوكا أنه يعني به ما عبد من دونه لأنه لا يملك ضرا ولا نفعا ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا وهذا لله جل وعز لأنه الجواد الرزاق للأنسان من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم وروى عن ابن عباس وهذا لفظه المروي عنه قال نزلت هذه الآية ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق منه سرا وجهرا ومولاه أبو الجواب الذي كان ينهاه وقيل نزلت في رجلين وضرب الله مثلا رجلين الأبكم منهما الكل على مولا أسيد بن أبي العاص والذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو عثمان بن عفان رحمة الله عليه كان عثمان يكفل مولاه فعثمان الذي ينفق

بالعدل وهو على صراط مستقيم والآخر الأبكم وقال الحسن عبدا مملوكا هو الصنم وأولى الأقوال في هذا قول ابن عباس رواه عنه حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن ابراهيم عن عكرمة عن ابن عباس فبين ابن عباس رحمه الله أن هذه الآية نزلت في عبد بعينه لم يكن له مال ولا يقال في كل عبد لا يقدر على شئ فنزلت فيه وفي سيد كان له مال ينفق منه وأن الآية الأخرى نزلت في رجل بعينه لم يكن له مال وكان كلا على مولاه أي ابن عمه أو قريبه وضرب الله هذه الأمثال ليعلم أنه إله واحد وأنه لا ينبغي أن يشبه به غيره ولا يصح قول من من قال إنه صنم لأن الصنم لا يقع عليه اسم عبد

68 - وقوله جل وعز ولله غيب السماوات والأرض أي علم ما غاب فيهما عن العباد ثم قال وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب قال قتادة هو أن يقول جل وعز كن فذلك كلمح البصر أو هو أقرب وقال غيره المعنى أو هو أقرب عندكم ولم يرد أنها على هذا القرب وانما أراد أن يعرفنا قدرته 69 - وقوله جل وعز ألم يروا الى الطير مسخرات في جو السماء الجو الهواء البعيد وأبعد منه السكاك الواحدة سكاكة 70 - وقوله جل وعز والله جعل لكم من بيوتكم سكنا

أي موضعا تسكنون فيه 71 - ثم قال جل وعز وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا يعني بيوت الأدم وما أشبهها والأنعام الإبل والبقر والغنم 72 - ثم قال تعالى تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم أي يخف عليكم حملها في سفركم وإقامتكم 73 - ثم قال تعالى ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا الى حين فالأصواف لأن للضأن والأوبار للإبل والأشعار للمعز قال قتادة الأثاث المال وقال الضحاك الأثاث المال والزينة والأثاث عند أهل اللغة متاع البيت نحو الفرش والأكسية

وقد أث يئث أثا إذ صار ذا أثاث قال أبو زيد واحد الأثاث أثاثه ثم قال تعالى ومتاعا الى حين روى معمر عن قتادة الى أجل وبلغة 74 - وقوله جل وعز والله جعل لكم مما خلق ظلالا يعني ظلالا الشجر والله أعلم 75 - ثم قال تعالى وجعل لكم من الجبال أكنانا أي ما يكنكم الواحد كن 76 - ثم قال تعالى وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر روى معمر عن قتادة قال يعني قمص الكتان 77 - ثم قال تعالى وسرابيل تقيكم بأسكم قال قتادة يعني الدروع

وروى عثمان بن عطاء عن أبيه قال إنما خوطبوا بما يعرفون قال جل وعز وجعل لكم من الجبال أكنانا وما جعل لهم من السهل أكثر وأعظم ولكنهم كانوا أصحاب جبال وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وما يقي البرد أكثر ولكنهم أصحاب حر وقال الفراء يحي بن زياد المعنى تقيكم الحر وتقيكم البرد ثم حذف كما قال الشاعر * فما أدري إذا يممت وجها * أريد الخير أيهما يليني *

والمعنى أي الخير والشر لأنه إذا أراد الخير أتقى الشر 78 - ثم قال تعالى كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون روى عن ابن عباس لعلكم تسلمون وقال أي من الجراحات وإسناده ضعيف رواه عباد بن العوام عن حنظلة عن شهر بن حوشب عن ابن عباس وظاهر القرآن يدل على الإسلام لأنه عدد النعم ثم قال لعلكم تسلمون 79 - ثم قال جل وعز فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها روى سفيان عن السدي قال يعني محمدا (ص) قال أبو جعفر وهذا القول حسن والمعنى يعرفون أن امر

النبي صلى الله عليه وسلم حق ثم ينكرونه وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعني المساكين والأنعام وما يرزقون منها والسرابيل من الحديد والثياب أنعم الله بذلك عليهم فلم يشكروا وقالوا إنما كان لآبائنا وورثناها عنهم 80 - وقوله جل وعز ويوم نبعث من كل أمة شهيدا يروى أن نبي كل أمة شاهد عليها 81 - وقوله جل وعز فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون أي جحدتم آلهتهم كما قال تعالى سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا 82 - ثم قال جل وعز وألقوا الى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون

روى سعيد عن قتادة قال استسلموا وذلوا وضل عنهم ما كانوا يفترون أي يشركون 83 - وقوله جل وعز الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب روى مسروق عن عبد الله قال زيدوا عقارب أنيابها كالنخل الطوال 84 - وقوله جل وعز ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ روى أبان بن ثعلب عن مجاهد قال تبيانا للحلال من الحرام 85 - وقوله تعالى ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها قال مجاهد يعني تغليظ اليمين

86 - وقوله جل وعز ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة هذه آية مشكلة تحتاج الى تدبر قال قتادة الدخل الخيانة وقال غيره المعنى لا تحلفوا أو تؤكدوا عليكم الأيمان ثم تحنثوا فتكونوا كامرأة غزلت غزلا فأبرمته وقد وأحكمته ثم نقضته والأنكاث علي ما نقض من الخز والوبر وغيرهما ليغزل ثانية ومنه قيل ناكث وروى في التفسير أن امرأة يقال لها ربطة ابنة سعد كانت تغزل بمغزل كبير فإذا أبرمته وأتقنته أمرت جارتها فنقضته حتى

قال الضحاك في قوله تعالى أن تكون أمة هي أربى من أمة أي أكثر قال فأمروا بوفاء العهد وإن كانوا كثيرا وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال كانوا يحلفون القوم ويعاهدونهم تعالى فإذا علموا أن غيرهم أكثر منهم وأقوى نقضوا عهدهم وحالفوا غيرهم فنهاهم الله جل ذكره عن ذلك والمعنى عند أهل اللغة لأن تكون أمة وبأن تكون أمة هي أربى من أمة أي هي أغنى وأكثر أي لا تعاهدوا قوما فإذا أمنوا نقضتم العهد ليكون أصحابكم أغنى وأقوى 87 - وقوله جل وعز من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون روى عن أبن عباس أنه قال الحياة الطيبة الرزق الحلال ثم

يصير الى الله فيجزية فإن أجره بأحسن ما كان يعمل وروى عن ابن عباس رواه الحكم عن عكرمة عنه أنه قال الحياة الطيبة القناعة وروى ابن كثير عن سعيد بن جبير في قوله تعالى فلنحيينه حياة طيبة قال في الآخرة يحييه حياه طيبة وروى عوف عن الحسن ليس لأحد حياة طيبة إلا في الجنة 88 - وقوله جل وعز فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم

المعنى إذا أردت أن تقرأ وهذا كما تقول إذا أكلت فقل بسم الله ومثله في كتاب الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم الى الصلاة 89 - وقوله جل وعز إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون روى ابن نجيح عن مجاهد قال سلطانه حجته قال والذين هم به مشركون يعدلونه برب العالمين وقال غير مجاهد لو كان المعنى على أنهم أشركوا بالشيطان لكانوا مؤمنين ولكن المعنى والذين والذين هم من أجله مشركون كما تقول صار فلان بك عالما أي من أجلك

90 - وقوله جل وعز وإذا بدلنا آية مكان آية روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال رفعناها وجعلنا موضعها غيرها وقال غيره أي نسخنا آية بأية هي أشد عليهم منها قالوا إنما أنت مفتر أي كاذب فقال جل وعز إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله أي الذي إذا رأوا آية لا يأتي بها إلا نبي كذبوا بها فهؤلاء أكذب الكاذبين 91 - وقوله جل وعز ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يحلدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين روى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن عكرمة قال هو غلام لبني عامر بن لؤي يقال أرى له يعيش وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو سلمان الفارسي رحمه الله وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد هو عبد الله بن الحضرمي وهو رومي كان يحسن الكتابة قال أبو عبيد وقال غير مجاهد أسمه جبر

قال أبو جعفر وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأنه يجوز أن يكونوا أومأوا الى هؤلاء جميعا وزعموا أنهم يعلمونه وأصل الألحاد في اللغة الميل 92 - وقوله جل وعز من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمان أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر رحمة الله لأنه قارب بعض ما ندبوه إليه 93 - ثم قال تعالى ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله

أي من فتح صدره لقبوله 94 - وقوله جل وعز ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا هذا كله في عمار والمعنى وصبروا على الجهاد 95 - وقوله جل وعز يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها يروى أن كعبا قال لعمر بن الخطاب رحمه الله تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول يا رب نفسي حتى إن إبراهيم خليل الرحمن ليجثو على ركبتيه ويقول لا أسألك إلا نفسي ثم قال كعب إن هذا لفي كتاب الله وتلا يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وقال غيره يدل على هذا يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه

96 - وقوله جل وعز وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة روى معمر عن قتادة قال هي مكة وقال غيره كان أهلها في أمن ودعة ثم ابتلاهم الله بالقتل والجوع سبع سنين قال تعالى فأذاقها الله لباس الجوع والخوف وأصل الذوق بالفم ثم استعمل للابتلاء وللاختبار عمر 97 - وقوله جل وعز فمن اضطر غير باغ ولا عاد قال أبو جعفر قد ذكرناه في سورة البقرة وروى عن ابن عباس أنه قال من أكل الميتة وهو غير مضطر

إليها فهو باغ عاد وروى عن سعيد بن جبير ومجاهد أنهما قالا إذا أخاف السبيل وقطع الطريق لم تحلل له الميتة هذا معنى قولهما 98 - وقوله جل وعز ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام قال مجاهد يعني البحائر والسيب 99 - وقوله جل وعز وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل قال قتادة هو قوله تعالى وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر 100 - وقوله جل وعز إن إبراهيم كان أمة قانتا لله روى الشعبي عن مسروق قال تلا عبد الله بن مسعود رحمه

الله إن إبراهيم كان أمة قانتا لله فقال إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله أتدرون ما الأمة هو الذي يعلم الناس الخير أتدرون ما القانت هو المطيع قال أبو جعفر لم يقل في هذه الآية أحسن من هذا لأنه إذا كان يعلم الناس الخير فهو يؤتم به وهذا مذهب أبي عبيدة والكسائي القنوت القيام فقيل للمطيع قانت لقيامه بطاعة الله وروى أبو يحيى عن مجاهد إن إبراهيم كان أمة قانتا لله قال كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار وقال بعض أهل اللغة يقوي هذا حديث النبي (صلع) أنه ذكر زيد بن عمرو بن نفيل فقال كان أمة وحده وقوله وآتيناه في الدنيا حسنة قال مجاهد لسان صدق 101 - وقوله جل وعز إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه

روى سعيد بن جبير عن قتادة قال أحله بعضهم وحرمة بعضهم وقال مجاهد تركوا الجمعة واختاروا السبت 102 - وقوله جل وعز أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وجادلهم بالتي هي أحسن هي منسوخة 103 - وقوله جل وعز وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به قال قتادة لما مثلوا بحمزة رضي الله عنه قال لنمثلن بهم فأنزل الله جل وعز هذه الآية وروى على بن الحكم عن الضحاك قال نزلت هذه الآية قبل القتال وقبل سورة براءة

قال أبو جعفر وهذا القول أولى وقد قال زيد بن أسلم نحوه قال لما قدم رسول الله (صلع) المدينة أذن له في جهاد المشركين والغلظة عليهم ويدلك على أن هذا نزل بمكة قوله تعالى ولاتك في ضيق مما يمكرون وأكثر مكرهم وحزنه (ص) عليهم كان بمكة فأما حديث أبي هريرة وابن عباس لما قتل حمزه رحمة الله عليه قال النبي (ص) لأمثلن بسبعين منهم فنزلت وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به فإسنادهما ضعيف

104 - وقوله جل أسمه إن الله مع الذين أتقوا والذين هم محسنون روى عن الحسن أنه قال اتقوا الله جل وعز فيما حرم عليكم وأحسنوا في أداء فرائضه أنتهت سورة النحل

تفسير سورة الإسراء

تفسير سورة الإسراء مكية وآياتها 111 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الإسراء وهي مكية 1 - من ذلك قوله تعالى جده سبحان الذي أسرى بعبده ليلا يروى أن النبي (ص) سئل عن معنى (سبحان) فقال إنزاه الله من السوء وفي بعض الحديث براءة الله من السوء قال سيبويه وغيره معناه براءة الله من السوء وأنشد

* أقول لما جائني فخره * سبحان من علقمة الفاخر * وروى معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي (ص) قال قمت في الحجر لما كذبني قومي ليلة أسري بي فأثنيت على ربي وسألته أن يمثل لي بيت المقدس فرفع لي فجعلت أنعت لهم آياته وروى سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول فقال المسجد الحرام قلت ثم أي قال ثم المسجد الأقصى قلت كم بينهما قال أربعون سنة ثم قال أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد

2 - وقوله جل وعز من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله من المسجد الحرام يعني مكة الى المسجد الأقصى يعني بيت المقدس الذي باركنا حوله قيل فجر حوله الأنهار وأنبت الثمار 3 - ثم قال جل وعز لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير لنريه من آياتنا ما رأى من الأنبياء وآثارهم 4 - وقوله جل وعز وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل أي دللناهم به على الهدى

5 - ثم قال جل وعز تتخذوا من دوني وكيلا ويقرأ أن لا يتخذوا على إضمار بمعنى وعهدنا إليهم وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح ألا تتخذوا من دوني وكيلا قال شريكا قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة أن يقال لكل من قام مقام آخر في أي شئ كان هو شريكه وقال الفراء ألا تتخذوا من دوني وكيلا أي كافيا 6 - وقوله جل وعز ذرية من حملنا مع نوح روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال على النداء أي ذرية من حملنا

قال أبو جعفر أي حرف نداء مثل يا وروى سفيان عن حميد عن مجاهد أنه قرأ ذرية بفتح الذال وتشديد الراء والياء وروى عن زيد بن ثابت ذرية بكسر الذال وتشديد الراء والياء فأما عامر بن عبد الواحد فحكي أن زيدا قرأ ذرية بفتح الذال وتشديد الراء والياء 7 - ثم قال جل وعز إنه كان عبدا شكورا روى معمر عن قتادة قال كان إذا لبس ثوبا قال بسم الله وإذا نزعه قال الحمد لله وروى معمر عن منصور عن إبراهيم قال شكره أنه إذا أكل قال بسم الله فإذا فرغ من الأكل قال الحمد لله

8 - وقوله جل وعز وقضينا الى بني إسرائيل في الكتاب قال سفيان أي على بني إسرائيل قال ابن عباس قضينا أعلمنا 9 - وقوله جل وعز فإذا جاء وعد أولاهما أي أولى المرتين بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لجاءوا من ناحية فارس أول مرة ومعهم بختنصر فهزمهم بنو إسرائيل ثم رجعوا في

الثانية فقتلوا بني إسرائيل ودمروهم النبي تدميرا قال قتادة بعث عليهم في أول مرة جالوت وفي الثانية بختنصر 10 - ثم قال جل وعز فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال جاسوا مشوا قال أبو جعفر المعروف عند أهل اللغة أنه يقال جسنا دور بني فلان وجسناها وإن إذا قهروهم وغلبوهم 11 - وقوله جل وعز ثم رددنا لكم الكرة عليهم أي الدولة وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا

يجوز أن يكون نفيرا بمعنى نافر مثل قدير وقادر ويجوز أن يكون جمع نفر مثل عبيد وكليب ومعيز وأصله من ينفر مع الرجل من عشيرته وأصحابه 12 - وقوله جل وعز فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم فإذا جاء وعد الآخرة أي من المرتين ليسوءوا وجوهكم روى زائد عن الأعمش قال الله ليسوء وجوهكم

وقال غيره ليسوء الوعد وجوهكم ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ لنسوء وجوهكم بالنون وهي قراءة الكسائي وفي الكلام حذف والمعنى فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم لنسوء وجوهكم وروى عن أبي بن كعب أنه قرأ فإذا جاء وعد الآخرة لنسوءن وجوهكم بالنون الخفيفة واللام المفتوحة والوقف عليه لنسوءا كما مثل لنسفعا وهو على غير حذف ومن قرأ ليسوءوا فالمعنى عنده للعباد وفيه حذف 13 - وقوله عز وجل وليتبروا ما علوا تتبيرا قال ابن جريج ليدمروا تدميرا كذا قال ابن عباس قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة يقال تبر الشئ إذا

كسرة ومنه التبر 14 - وقوله جل ذكره وإن عدتم عدنا روى مبارك عن الحسن قال إن عدتم الى المعصية عدنا الى العقوبة 15 - وقوله جل وعز وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا قال مجاهد أي يحصرون فيها وقال الحسن فراشا ومعادا وروى معمر عن قتادة قال محبسا قال أبو جعفر ومعروف في اللغة أن يقال حصرت الرجل أي حبسته ويقال للموضع الذي يحبس فيه حصير ويقال أحصره المرض والأصل فيه واحد

16 - وقوله جل وعز إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم المعنى يهدي للحال التي هي أقوم والحال التي هي أقوم توحيد الله واتباع رسله والعمل بطاعته 17 - وقوله جل وعز ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا روى معمر عن قتادة قال يدعو الإنسان على نفسه بما لو استجيب له لهلك ويدعو على ولده وماله ثم قال تعالى وكان الإنسان عجولا قيل يعجل بالدعاء على نفسه ولا يعجل الله بالإجابة وروى عن سلمان انه قال أول ما خلق الله من آدم

رأسه فاقبل ينظر الى سائره يخلق فلما دنا المساء قال رب عجل قبل الليل فقال الله تعالى وكان الإنسان عجولا 18 - وقوله جل وعز وجعلنا الليل والنهار آيتين الآية في اللغة الدلالة والعلامة أي جعلناهما دالين على أن خالقهما ليس كمثله شئ ودالين على عدد السنين والحساب 19 - ثم قال جل وعز فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة روى هشيم عن حصين عن عكرمة عن ابن عباس فمحونا آية الليل قال هو السواد الذي ترونه في القمر ويروي أن ابن الكواء سأل علي بن أبي طالب عن السواد الذي في القمر فقال لو سألت عما ينفعك في دنياك

وآخرتك ذاك أن الله يقول وجعلنا الليل والنهار آيتين الى آخر الآية فآية النهار الشمس وآية الليل القمر وصحوه هو السواد الذي فيه 20 - وقوله جل ثناؤه وجعلنا آية النهار مبصرة روى الحسن عن قتادة قال منيرة قال أبو جعفر وهذا مذهب الفراء فقد قال مبصرة بمعنى مضيئة وقال غيره هذا على التشبيه أي ذات إبصار أي يبصرون بها 21 - وقوله جل وعز وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه

روى منصور وابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد قال عمله وقال الضحاك رزقه وأجله وشقاءه وسعادته وروى ابن جريج عن عطاء الخرساني عن ابن عباس قال طائره ما قدر عليه يكون معه حيثما كان ويزول معه أينما زال وقيل طائره حظه قال أبو جعفر والمعاني متقاربة إنما هو ما يطير من خير أو شر على التمثيل كما تقول هذا في عنق فلان أي يلزمه كما تلزم القلادة

22 - ثم قال جل وعز ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا روى جرير بن حازم عن حميد عن مجاهد أنه قرأ ويخرج له يوم القيامة كتابا قال يريد يعني ويخرج له الطائر كتابا أي عمله كتابا وروى عن مجاهد ويخرج وكذلك قرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع وقرأ الحسن ويخرج له يوم القيامة كتابا بفتح الياء أيضا ورويت هذه القراءة عن ابن عباس فإنه قال سيحول عمله كتابا وقرأ الحسن يلقاه بضم الياء وتشديد القاف

23 - وقوله جل وعز وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا روى معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريره قال إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والأخرس والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام فأرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم يأتنا رسول قال ولو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما فيرسل الله عليهم رسولا فيطيعه من كان يريد أن يطيعه ثم قرأ أبو هريرة وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقال غيره يوم القيامة ليس بيوم تعبد ولا محنة فيرسل الى أحد رسول ولكن معنى الآية وما كنا معذبين أحدا في الدنيا بالإهلاك حتى نبعث رسولا

24 - وقوله جل وعز وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها يقرأ هذا الحرف على وجوه روى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ أمرنا بالقصر والتخفيف وكذلك يروي عن ابن عباس وروى عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أنه قرأ أمرنا مترفيها وكذلك قرأ أبو عثمان النهدي وأبو العالية وقرأ الحسن والأعرج وابن أبي اسحق آامرنا مترفيها وروى أمرنا مترفيها على فعلنا عن ابن عباس هذه القراءة أيضا قال أبو جعفر من قرأ أمرنا مترفيها ففي قراءته ثلاثة أقوال أحدها وأثبتها ما قاله ابن جريج وزعم أنه قول ابن

عباس وهو أن المعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا قال محمد بن يزيد قد علم أن الله عز وجل لا يأمر إلا بالعدل والإحسان كما قال تعالى إن الله يأمر بالعدل والإحسان فقد علم أن المعنى أمرنا مترفيها بالطاعة فعصوا قال مجاهد مترفوها فساقها وقال أبو العالية مستكبروها والمعنى أمرناهم بالطاعة والفاسق إذا أمر بالطاعة عصى فعصوا فحق عليهم القول بالعصيان أي وجب

والقول الثاني في معنى أمرنا قال معمر عن قتادة قال أمرنا أكثرنا قال الكسائي يجوز أن يكون أمرنا بمعنى أمرنا من الإمارة وأنكر أن يكون أمرنا بمعنى أكثرنا وقال لا يقال في هذا إلا أمرنا قال أبو جعفر وهذا القول الثالث أعني قول الكسائي ينكره أهل اللغة وقد حكى أبو زيد وأبو عبيدة أنه يقال أمرنا بمعنى أكثرنا ويقوي ذلك الحديث المرفوع خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة والسكة المأبورة النخل الملقح والمهرة المأمورة الكثيرة النتاج

فأما معنى أمرنا ففيه قولان أحدهما رواه معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أمرنا سلطنا وكذلك قال أبو عثمان النهدي وروى وكيع عن ابي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أنه قرأ أمرنا مثقلة أي سلطنا مستكبريها والقول الثاني رواه الكسائي عن ابي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أمرنا أي أكثرنا وليس بمبعد ما رواه الكسائي ويكون مثل سمن الدابة وسمنته وأسنمته قال أبو جعفر وهذا أولى قال جل وعز ففسقوا فيها فوصف أنهم جماعة والقرية الواحدة لا توصف إن فيها جماعة امراء

إن قيل يكون واحدا فقد قيل وهذا خصوص والهلاك بالكثرة فتكثر المعاصي فأما معنئ آمرنا إلا فأكثرنا كذلك قال الحسن ويحتمل معنى آمرنا أكثرنا عدهم وأكثرنا يسارهم وحقيقة أمر كثرت املاكه من مال أو غير ذلك من حالة ومن لقد جئت شيئا إمرا قال الكسائي عظيما وقال هارون في قراءة أبي وإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا فيا أكابر مجرميها فمكروا فيها فحق عليها القول

فاما معنى آمرنا فلا يكاد يعرف لأنه إنما يقال أمر القوم إذا كثروا وآمرهم الله أي أكثرهم ولا يعرف أمرهم الله 25 - وقوله جل وعز من كان يريد العاجله فيه عجلنا له فيها ما نشاء العاجلة أي الدنيا عجلنا له فيها ما نشاء وتقرأ ما يشاء قال أبو جعفر والمعنيان واحد أي ما شاء الله ويجوز أن يكون ل من 26 - وقوله جل وعز ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا أي مباعدا يقال دحره يدحره دحرا ودحورا إذا أبعده

ثم أخبر تعالى أنه يرزق المؤمن والكافر فقال كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك 27 - وقوله جل ذكره وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه روى مبارك عن الحسن قال قضى أمر ألا تعبدوا إلا إياه وروى سفيان عن الأعمش قال قرأ عبد الله بن مسعود ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه 28 - ثم قال تعالى وبالوالدين إحسانا أي وأمر أن تحسنوا بالوالدين إحسانا 29 - وقوله جل وعز فلا تقل لهما أف

روى عن مجاهد أنه قال لا تستقذرهما صلى كما كانا لا يستقذرانك والمعنى عن أهل اللغة لا تستثقلهما أنه ولا تغلظ عليهما في القول والناس يقولون لما يستثقلونه أف له وأصل هذا أن الإنسان إذا وقع عليه الغبار أو شئ يتأذى به نفخه فقال أف وقيل إن أف وسخ الأظفار وإن التف الشئ الحقير نحو وسخ الأذن والقول الأول أعرف 30 - ثم قال جل وعز ولا تنهرهما أي لا تكلمهما بصياح ولا بضجر يقال نهره وانتهره بمعنى واحد وبين هذا بقوله وقل لهما قولا كريما

31 - وقوله جل وعز واخفض لهما جناح الذل من الرحمة قرأ سعيد بن جبير ويحيى بن وثاب وعاصم الجحدري واخفض لهما جناح الذل من الرحمة بكسر الذال ومعنى الضم كن لهما بمنزلة الذليل المقهور إكراما وإعظاما وتبجيلا وروى هشام بن عروة عن أبيه وبعضهم يقول عن عائشة واخفض لهما جناح الذل من الرحمة هو أن يطيعهما ولا يمتنع من شئ أراداه وقال عطاء لا ترفع يدك عليهما وقال سعيد بن المسيب هو قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ

ويقال ذل يذل ذلا وذلة ومذلة فهو ذاك وذليل ومعنى الذل بالكسر السمح عنهما يقال رجل ذليل بين الذل إذا كان سمحا لينا مواتيا وكذلك يقال دابة ذلول بين الذل إذا كان مواتيا ومنه وذللت قطوفها تذليلا 32 - وقوله جل وعز ربكم أعلم بكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا روى شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال ألأوابون وهو الراجعون الى الخير كما في قول الله إنه أواب قال أبو جعفر قرئ على الفريابي عن قتيبة قال حدثنا ابن

لهيعة عن أبي هبيرة عن حنش بن عبد الله عن ابن عباس انه قال الأواب الحفيظ الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها وروى سفيان عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله تعالى إنه كان للأوابين غفورا قال هم الذين يذكرون ذنوبهم في الخلا ثم يستغفرون الله وروى يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب الأواب الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يتوب قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة والأصل في هذا أنه يقال آب يئوب إذا رجع فهو آيب وأواب على التكثير

33 - وقوله جل وعز وآت ذا القربى حقه قال عكرمة أي صلته التي تريد أن تصله بها 34 - ثم قال تعالى والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا روى حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال التبذير النفقة في غير طاعة الله وكذلك روى عن عبد الله بن مسعود إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين معنى إخوان الشياطين أي في المعصية لما عصوا وعصا أولئك جمعتهم المعصية فسموا إخوانا وكلما جمعت شيئا الى شئ فقد آخيت بينهما ومنه إخاء النبي له بين أصحابه 35 - وقوله جل وعز وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا

قال قتادة أي عدهم وقال عكرمة إن أعرضت عنهم لرزق تنتظره فعدهم وقل لهم سيكون فإذا جاءنا شئ أعطيناكم وقال الحسن قولا ميسورا أي لينا والمعنى عند أهل اللغة يسر فقرهم عليهم بدعائك لهم 36 - ثم قال جل وعز ولا تجعل يدك مغلوله الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا قال قتادة ولا تجعل يدك مغلوله الى عنقك أي لا تمتنع من النفقة في الطاعة ولا تبسطها كل البسط أي لا تنفق في معصية

فتقعد ملوما محسورا قال عكرمة وقتادة أي نادما وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد فتقعد ملوما قال مذنبا أو آثما محسورا قد انقطع بك قال أبو جعفر وكذلك المحسور في اللغة يقول حسره السفر إذا انقطع به وكذلك البعير حسير ومحسور إذا انقطع ووقف وهو أشد من الكلال 37 - وقوله جل وعز ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق الإملاق الفقر وكانوا يئدون بناتهم

38 - وقوله جل وعز إن قتلهم كان خطاء كبيرا بكسر الخاء والمد وروى عن الحسن كان خطاء بفتح الخاء والمد قال أبو جعفر وأعرف هذه القراءات عند أهل اللغة كان خطأ كبيرا قال أبن جريج وزعم أنه قوله ابن عباس وهو قول مجاهد الخطأ الخطيئة قال أبو جعفر وهذا المعروف في اللغة يقال خطئ يخطأ خطأ إذا اثم وتعمد الذنب وقد حكى في المصدر خطأ وأخطأ يخطئ إخطاء والأسم الخطأ إذا لم يتعمد الذنب

فأما قراءة من قرأ كان خطاء بالكسر والمد والفتح والمد فلا يعرف في اللغة ولا في كلام العرب 39 - وقوله جل وعز ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق بين هذا الحديث لا يحل دم أمرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث خلال شرك بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس 40 - ثم قال جل وعز ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا اختلف المتقدمون من العلماء في السلطان الذي جعل للولي

فروى خصيف عن مجاهد قال حجته التي جعلت له أن يقتل قاتله وذهب جماعة من العلماء الى أن هذا هو السلطان الذي جعل له وأنه ليس له أن يأخذ الدية إلا أن يشاء القاتل وقال الضحاك في السلطان الذي جعل له إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا والقول عند أهل المدينة وأهل الكوفة قول مجاهد إن السلطان ههنا القود خاصة لا ما سواه وذهب الشافعي رحمه الله الى قول الضحاك غير أنه قال كان يستحق إذا عفا أخذ الدية أشترط ذلك أو لم يشترطه والحجة له فمن عفي له من أخيه شئ

والحديث ولي المقتول بأحد النظرين 41 - ثم قال جل وعز فلا يسرف في القتل روى خصيف عن مجاهد قال لا يقتل غير قاتله وروى منصور عن طلق بن حبيب قال لا تقتل غير قاتلك ولا تمثل به وروى خصيف عن سعيد بن جبير قال لا يقتل اثنين بواحد وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال لا يقتل أبا القاتل ولا ابنه وقرأ حذيفة فلا تسرف في القتل بالتاء

وروى العلاء بن عبد الكريم عن مجاهد قال هو للقاتل الأول والمعنى عنده على هذا فلا تسرف أيها القاتل 42 - ثم قال جل وعز إنه كان منصورا روى ابن كثير عن مجاهد قال إن المقتول كان منصورا قال أبو جعفر الأبين بالياء وتكون للولي لأنه إنما يقال لا يسرف لمن كان له أن يقتل فهذا للولي

وقد يجوز بالتاء ويكون للولي أيضا إلا أنه يحتاج فيه الى تحويل المخاطبة 43 - وقوله جل وعز ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن قال محمد سألت عبيدة عن قوله تعالى ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فقال يستقرض فإذا استغنى رد ثم تلا فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وقال أبو العالية نحوا من هذا وقال عمر بن الخطاب رحمة الله عليه ما يقوي هذا حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد النحوي قال حدثنا الحسن بن غليب قال نا يوسف بن عدي قال نا أبو الأحوص عن أبي إسحق عن يرفا مولى عمر قال قال عمر بن

الخطاب رضوان الله عليه يا يرفا إني أنزلت مال الله مني بمنزلة مال اليتيم إذا احتجت أخذت منه فإذا أيسرت رددته وإني إن استغنيت استعففت عنه فإني قد وليت من أمر المسلمين أمرا عظيما وقال سعيد بن المسيب لا يشرب الماء من مال اليتم قال فقلت له إن الله يقول ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف قال فقال إنما ذلك لخدمتة صلى الله عليه وسلم وغسل ثوبه وروى أبو يحيى وليث عن مجاهد قال لا تقرب مال اليتيم إلا للتجارة ولا تستقرض قال فأما قوله تعالى ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإنما معناه فليأكل من ماله بالمعروف يعني من مال نفسه وقال بهذا جماعة من الفقهاء وأهل النظر حتى قال أبو

يوسف لعل قوله ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف منسوخ بقوله يا أيها الذين آمنو لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل 44 - ثم قال جل وعز حتى يبلغ أشده وبيان هذا في قوله حتى إذا بلغوا النكاح قال مجاهد أي الحلم 45 - وقوله جل وعز وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم روى ابن جريج عن مجاهد قال القسطاس العدل وقال الضحاك هو الميزان 46 - ثم قال تعالى ذلك خير وأحسن تأويلا

قال قتادة أي أحسن عاقبة أي ما يئول إليه الأمر في الدنيا والآخرة وقيل أحسن من النقصان 47 - وقوله جل وعز ولا تقف ما ليس لك به علم روى عن ابن عباس قال لا تقل ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا قال يسأل أكان ذاك أم لا وقال ابن الحنفية رحمة الله عليه هذا في شهادة الزور وروى حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال لا تقف لا ترم

قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع الى معنى واحد وهو من قفوت الشئ أي اتبعت أثره والمعنى لا تتبعن لسانك ما لم تعلمه فتتكلم بالحدس والظن وحكى الكسائي ولا تقف من القيافة وهو بمعنى الأول على القلب 48 - وقوله جل وعز ولا تمش في الأرض مرحا أي متكبرا متبذخا 49 - ثم قال جل وعز إنك لن تحرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا فيه لأهل اللغة قولان

أحدهما أن المعنى إنك لن تنقب الأرض والآخر لن تقطعها كلها قال أبو جعفر وهذا أبين كأنه مأخوذ من الخرق وهو الصحراء الواسعة ويقال فلان أخرق من فلان أي أكثر سفرا وغزوا منه 50 - وقوله جل ثناؤه كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها ويقرأ سيئة عند ربك مكروها

وقيل الأول أبين لأنه قد تقدم قوله وآت ذا القربى حقه وأشياء حسنة وسيئة فقال كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها وأيضا فإنه لم يقل مكروهة 51 - ثم قال جل وعز ذلك مما اوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا أي مقصى مباعدا ومنه اللهم ادحر عنا الشيطان 52 - ثم قال جل وعز أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا لأنهم قالوا الملائكة بنات الله تعالى الله

53 - وقوله جل وعز قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا الى ذي العرش سبيلا قال قتادة المعنى إذا لتقربوا الى الله وقال سعيد بن جبير إذا لطلبوا إليه طريقا للوصول ليزيلوا ملكه جل وعز 54 - وقوله جل وعز وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم قيل تسبيحه لدلالته على قدرة الله وأنه خالقه وأكثر أهل التفسير منهم عكرمة على أن المعنى وإن من شئ فيه الروح إلا يسبح بحمده

قال أبو جعفر وهذا القول أولى لأنه قال ولكن لا تفقهون تسبيحهم 55 - وقوله جل وعز وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا فيه قولان أحدهما أن الحجاب الطبع على قلوبهم ودل على هذا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه والقول الآخر أن الحجاب منع الله إياه منهم 56 - ثم قال جل وعز وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا قال أبو الجوزاء الذكر قول لا إله إلا الله

57 - ثم قال تعالى نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى أي ذوو نجوة أي سرار ثم بين ما يتناجون به فقال جل ثناءه إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا في معناه قولان قال مجاهد أي مخدوعا وقال أبو عبيدة أي له سحر والسحر والسحر الرئة والمعنى عنده إن تتبعون إلا بشرا أي ليس بملك قال أبو جعفر والقول الأول أنسب بالمعنى وأعرف في كلام العرب لأنه يقال ما فلان إلا مسحور أي مخدوع كما قال تعالى إني لأظنك يا موسى مسحورا

أي مخدوعا قال الشاعر * أرانا موضعين لحتم غيب * ونسحر بالطعام وبالشراب * أي نعلل بهما فكأنهما نخدع ويبينه قوله تعالى انظر كيف ضربوا لك الأمثال وقال في موضع أخر ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر 58 - وقوله جل وعز وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا قال مجاهد أي ترابا وهو قول الفراء وقال أبو عبيدة والكسائي يقال منه رفت رفتا أي حطم

59 - ثم قال جل وعز إئنا أي لمبعوثون خلقا جديدا أي مجددا 60 - ثم قال جل وعز قل كونوا حجارة أو حديدا قال مجاهد أي ما شئتم فستعادون قال أبو جعفر وهذا قول حسن لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم فلو كنتم حجارة أو حديدا لبعثتم كما خلقتم أول مرة 61 - ثم قال عز وجل أو خلقا مما يكبر في صدوركم أي يعظم قال ابن عمر ومجاهد وعكرمة وأبو صالح والضحاك في قوله

تعالى أو خلقا مما يكبر في صدوركم هو الموت وفي الحديث أنه يؤتى بالموت يوم القيامة في صورة كبش أملح فيذبح بين الجنة والنار 62 - وقوله جل وعز فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو أي يحركونها من فوق الى أسفل ومن أسفل الى فوق كما يفعل المتعجب المستبطئ للشئ يقال أنغض رأسه فنغض ينغض وينغض وينغض أي تحرك

63 - وقوله جل وعز يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده قال سفيان أي بأمره والمعنى عند أهل التفسير مقرين أنه خالقكم 64 - وقوله جل وعز وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم أي يفسد ويهيج 65 - وقوله جل وعز أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة وقرأ عبد الله بن مسعود أولئك الذين تدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة قال هؤلاء من العرب عبدوا أناسا من الجن فاسلم الجنيون ولم يعلم الذين عبدوهم

وروى شعبة عن السدي عن ابي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة قال عيسى وعزير وقيل الملائكة الذين عبدوهم قوم من العرب 66 - وقوله جل وعز وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا قال مجاهد مبيدوها أو معذبوها 67 - ثم قال جل وعز كان ذلك في الكتاب مسطورا أي مكتوبا يقال سطر إذا كتب روى عن عبد الله بن عباس أنه قال أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فكتب ما هو كائن 68 - وقوله جل وعز وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون هذه آية مشكلة وفي الكلام حذف

والمعنى ما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحتموها إلا أن تكذبوا بها فتهلكوا كما فعل بمن كان قبلكم وقد أخر الله أمر هذه الأمة الى يوم القيامة فقال سبحانه بل الساعة موعدهم 69 - ثم قال جل وعز وآتينا ثمود الناقة مبصرة قال مجاهد أي آية والمعنى ذات إبصار يبصر بها ويتبين بها صدق صالح عليه السلام

70 - ثم قال جل وعز فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا أي فظلموا بتكذيبهم بها 71 - وقوله جل وعز وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس روى شعبة عن أبي رجاء عن الحسن قال عصمك منهم وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هم في قبضته 72 - ثم قال جل وعز وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس قال سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك هي الرؤيا التي رآها ليلة أسرى به وزاد عكرمة هي رؤيا يقظة

قال سعيد بن المسيب إلا فتنة للناس أي إلا بلاء للناس 73 - ثم قال جل وعز والشجرة المعلونه ثنا في القرآن قال سعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك هي شجرة الزقوم وقال غيرهم إنما فتن الناس بالرؤيا وشجرة الزقوم أن جماعة ارتدوا وقالوا كيف يسرى به الى بيت المقدس في ليلة واحدة وقالوا لما أنزل الله إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كيف تكون في النار شجرة ولا تأكلها فكان ذلك فتنة لقوم واستبصارا لقوم منهم أبو بكر الصديق رضى الله عنه

ويقال إنما سمى الصديق ذلك الوقت فإن قال قائل لم يذكر في القرآن لعن هذه الشجرة قال أبو جعفر ففي ذلك جوابان أحدهما أنه لقد لعن آكلوها والجواب الآخر أن العرب تقول لك طعام ضار مكروه ملعون 74 - وقوله جل وعز قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي

أي فضلت وفي الكلام حذف والمعنى أرأيتك هذا الذي فضلت علي لم فضلته وقد خلقتني من نار وخلقته من طين ثم حذف هذا لعلم السامع 75 - ثم قال جل وعز لئن أخرتني الى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا قال أبو جعفر أكثر أهل اللغة على أن المعنى لأستولين عليهم ولأستأصلنهم من قولهم احتنك الجراد الزرع إذا ذهب به كله وقيل هو من قولهم حنك الدابة يحنكها به إذا ربط حبلا في حنكها الأسفل وساقها حكى ذلك ابن السكيت

وحكى أيضا احتنك دابته مثل حنك فيكون المعنى لأسوقنهم كيف شئت 76 - ثم قال جل وعز قال اذهب فمن تعك هذا منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا موفور وموفر ثم واحد يقال وفرته ووفرته كما قال الشاعر * ومن يجعل المعروف من دون عرضه * يفره ومن لا يتقي الشتم يشتم * 77 - ثم قال جل وعز واستفزز من استطعت منهم بصوتك أي استخف قال مجاهد بصوتك بالغناء والمزامير 78 - ثم قال جل وعز وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وركهم رسول في الأموال والأولاد

روى سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس قال كل خيل سارت في معصية الله وكل رجل مشت في معصية الله وكل مال أصيب من حرام وكل ولد غية فهو للشيطان وقال غيره مشاركته في الأموال هي السائبة والبحيرة وفي الأولاد قولهم عبد العزى وعبد الحارث وقرأ قتادة وأجلب عليهم بخيلك ورجالك 79 - ثم قال جل وعز وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا هذا أمر فيه معنى التهدد والوعيد كما قال تعالى فمن شاء

فليؤمن ومن شاء فليكفر 80 - وقوله جل وعز إن عبادي ليس لك عليهم سلطان قيل أي خلصائي كما قال تعالى فادخلي في عبادي 81 - ثم قال جل وعز وكفى بربك وكيلا أي منجيا لخلصائه ولا من الشيطان والفراء يذهب الى أن معنى وكيلا كاف وكذا قال في قوله جل وعز ألا تتخذوا من دوني وكيلا 82 - ثم قال جل وعز ربكم الذي يزجي لكم الفلك أي يسوق 83 - وقوله جل وعز أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل

عليكم حاصبا الحاصب الريح التي ترمي بالحصباء وهي الحصى الصغار 84 - وقوله جل وعز أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح قال ابن عباس هي التي تغرق قال أبو جعفر يقال قصفه لم إذا كسره كأنها من شدتها تكسر الشجر 85 - وقوله جل وعز فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا قال مجاهد ثائرا قال أبو جعفر وهو من الثأر وكذلك يقال لكل من طلب

بثأر أو غيره تبيع وتابع ومنه قوله تعالى فأتباع بالمعروف أي مطالبة 86 - وقوله جل وعز ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا قال عبد الله بن عباس فضلوا بأنهم يأكلون بأيديهم والبهاثم حدثنا تأكل بأفواهها وقال غيره فضلوا بالفهم والتمييز وبما سخر لهم 87 - ثم قال جل وعز يوم ندعو كل أناس بإمامهم

روى عن ابن عباس أي بنبيهم وقال الحسن والضحاك بكتابهم قال أبو جعفر ويدل على هذا قوله بعد فمن أوتى كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا الفتيل الذي يكون في شق النواة والنقير النقرة التي فيها والقطمير الفوقة التي تكون على النواة أي لا يظلمون مقدار هذا الحقير 88 - ثم قال جل وعز ومن كان في هذه أعمى وأضل سبيلا قال عكرمة قال رجل لعبد الله بن عباس كيف يكون في الآخرة أعمى فقال له أخطأت التأويل ألا ترى أنه جل وعز عدد النعم ثم قال ومن كان في هذه أعمى أي من عمي عن هذه النعم

التي يراها وتدله على قدرة الله فهو فيما لم يره من أمر الآخرة أعمى وكذلك قال قتادة وقال غيره ومن كان في الدنيا أعمى وقد فسح الله له في العمر ووعده قبول التوبة ودعاه الى الطاعة فلم يجب وعمى عن ذلك فهو في الآخرة إذا كان لا تقبل منه توبة ولا إنابة أعمى وأضل سبيلا 89 - ثم قال جل وعز وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك المعنى كادوا يفتنونك لأن إن واللام تدل على التوكيد

ويروي أنهم قالوا للنبي (صلع) اطرد عنا هؤلاء السقاط والموالي حتى نجلس معك ونستمع منك فهم النبي بذلك ميلا منه الى أن يؤمنوا فعصم (صلع) وأنزل الله تبارك وتعالى وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك الى قوله إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات قال مالك بن دينار سألت جابر بن زيد عن قوله إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات فقال إذا لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات قال أبو جعفر وكذلك معناه عند أهل اللغة وخوطب بهذا النبي (ص) لأن الثواب به جزل كما قال تعالى يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ولمشاهدة

الأنبياء والملائكة والآيات العظام كان في ذلك الخطاب من الفائدة أنه علم به أن هذا حكم الله فيمن عصاه من الأنبياء فكيف غيرهم 90 - ثم قال جل وعز وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجونك ابن منها قيل المعنى يستفزونك بالقتل قال عوف عن الحسن هموا بإخراج النبي (ص) من مكة وأراد الله بقاء أهل مكة فأمره ان يخرج منها مهاجرا الى المدينة فخرج بأمر الله ولو أخرجوه لهلكوا كما قال سبحانه وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا قال أهل التفسير خلافك أي بعدك

وحكى عن العرب جاء فلان خلف فلان وخلافة أي بعده وقد يجئ خلاف بمعنى مخالفة 91 - وقوله جل وعز أقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل روى سفيان عن ابي اسحاق عن الأسود عن عبد الله قال دلوكها غروبها وروى سفيان عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس لدلوك الشمس لغروبها وروى الشعبي عن ابن عباس دلوكها زوالها وروى الزهري عن سالم عن ابن عمر دلوك الشمس بعد نصف النهار وهو وقت الظهر وروى مالك والليث عن نافع عن ابن عمر قال دلوك الشمس زوالها

وكذلك روي عن جعفر بن محمد رحمة الله عليه قال أبو جعفر الدلوك في اللغة الميل فهي تميل عند الزوال وعند الغروب إلا أن الزوال في هذا أكثر على ألسن الناس ويدل عليه أن بعده الى غسق الليل فيدخل فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء وبعده وقرآن الفجر فلا يمتنع أن يكون غسق الليل أوله وذلك عند غروب الشمس قال ذلك أبو هريرة وهو يقوي قول من قال الدلوك ميلها للزوال قال أبن عباس غسق الليل اجتماع الليل وظلمته وقال قتادة أوله

92 - ثم قال جل وعز وقرآن الفجر فسمى الصلاة قرآنا لأنها لا تكون إلا بالقرآن 93 - ثم قال جل وعز إن قرآن الفجر كان مشهودا روى أبو هريرة عن النبي (ص) قال صلاة الفجر تحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار واقرءوا إن شئتم وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا 94 - وقوله عز وجل ومن الليل فتهجد به نافلة لك قال علقمة والأسود التهجد بعد النوم

قال أبو جعفر التهجد عند أهل اللغة التيقظ والسهر والهجود النوم يقال تهجد إذا سهر وهجد إذا نام يروى عن مجاهد أن هذا للنبي (ص) خصيصا وأن معنى نافلة لك للنبي خاص لأنه قد غفر له ذنوبه فهي ناقلة من أجل أنه لا يعملها في كفارة الذنوب والناس يعملون ما سوى المكتوبات لكفارات الذنوب وقال غيره نافلة لك أي ليست بفرض لأن النفل كل ما لا يجب فعله والنافلة في اللغة الزيادة 95 - ثم قال جل وعز عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا روى داود الأودي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي (ص) في قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال هو

المقام الذي أشفع فيه لأمتي وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال كل عسى واجبة قال أبو عبيدة يعني في القرآن 96 - وقوله جل وعز وقل رب ادخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق قال الحسن وقتادة هو دخول المدينة وخروجه من مكة وقال الضحاك هو خروجه من مكة ودخوله مكة يوم الفتح آمنا

وقال مجاهد هو دخوله في الرسالة وأمر الله جل وعز 97 - ثم قال جل وعز واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا قال الشعبي وعكرمة أي حجة ثابتة وقال مجاهد أي حجة وذهب الحسن الى أنه العز والنصر وإظهار دينه على الدين كله 98 - وقوله جل وعز وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا روى معمر عن قتادة قال الحق القرآن والباطل الشيطان قال وزهق هلك

99 - وقوله جل وعز وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ليست من ها هنا للتبعيض وإنما هي لبيان الجنس والمعنى وننزل ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ثم بين فقال من القرآن كما قال سبحانه فاجتنبوا الرجس من الأوثان 100 - وقوله جل وعز وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه قال مجاهد أي تباعد منا وقرأ يزيد بن القعقاع وناء بجانبه الهمزة مؤخرة واللغة الأولى أعرف وهذا على قلب الهمزة 101 - ثم قال جل وعز وإذا مسه الشر كان يؤوسا

روى سعيد عن قتادة قال يئس قنط 102 - وقوله جل وعز قل كل يعمل على شاكلته قال الحسن على نيته وقال مجاهد أي على حدته وعلى طبيعته وقال الضحاك على ناحيته وهذا يرجع الى قول الحسن ومجاهد وحقيقة المعنى والله أعلم كل يعمل على النحو الذي جرت به عادته وطبعة والمعنى وليس ينبغي أن يكون كذلك إنما ينبغي أن يتبع الحق حيث كان وقد ظهرت البراهين وتبين الحق قال أبو جعفر وهذا يرجع الى قول الحسن

103 - وقوله جل وعز ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي روي عن عبد الله بن مسعود قال كنت مع النبي (ص) فسألته اليهود عن الروح فسكت فحسبت أنه يوحى إليه فتنحيت فأنزل عليه ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا يعني اليهود فقالوا نجد مثله في التوراة قل الروح من أمر ربي قال أبو جعفر وقد تكلم العلماء في الروح فروى عطاء عن ابن عباس قال الروح ملك له أحد عشر ألف جناح وألف وجه يسبح الله الى يوم القيامة

وقال أبو صالح الروح خلق كخلق بني آدم وليسوا بني آدم لهم أيد وأرجل وقيل الروح جبريل عليه السلام واحتج صاحب هذا القول بقوله سبحانه نزل به الروح الأمين قال محمد بن إسحق وزعموا أنه ناداهم يعني النبي (ص) الروح جبريل وكذا روى عن ابن عباس والحسن قال ابن عباس وجبريل قائم بين يدي الله جل ثناؤه يوم القيامة وقيل هو عيسى صلى الله عليه وسلم أي هو من أمر الله وليس كما يقول النصارى وقيل الروح القرآن لقوله تعالى وكذلك أوحينا إليك

روحا من أمرنا والله أعلم بما أراد غير أنه قد أخبرنا أنه من أمر الله له جل وعز فإن قال قائل كيف قيل لليهود وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وقد أوتوا التوراة فالجواب أن قليلا وكثيرا إنما يعرفان بالإضافة الى غيرهما فإذا أضيفت التوارة الى علم الله جل وعز كانت قليلا من كثير ألا ترى الى قوله تعالى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا 104 - وقوله جل وعز ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك

أي لو شئنا لأذهبناه قوله من الصدور والكتب ثم لا تجد لك به علينا وكيلا أي من يتوكل في رده قال الحسن أي يمنعك منا إذا أردناك 105 - ثم قال جل وعز إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا وهذا استثناء ليس من الأول أي لكن الله ثبته رحمة منه وتفضلا 106 - وقوله جل وعز قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا قال الحسن أي معينا

107 - وقوله جل وعز ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل أي وجهنا القول بكل مثل وهو من قوله صرفت اليك كذا أي عدلت به اليك 108 - ثم أخبر الله أنهم لما عجزوا أن يأتوا بمثله وانقطعت حجتهم اقترحوا الآيات فقال جل وعز وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا وقد أراهم الله من الآيات ما هو أكثر من هذا من انشقاق القمر وغير ذلك وقال مجاهد ينبوع عيون قال أبو جعفر وهو عند أهل اللغة من نبع ينبع وينبع

ومنه سمى مال علي بن أبي طالب رضى الله عنه ينبع 109 - وقوله جل وعز أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا روى معمر عن قتادة قال كسفا قطعا وحكى الفراء أنه سمع أعرابيا يقول أعطني كسفه من هذا الثوب أي قطعة ويقرأ كسفا والمعنى على هذه القراءة للسماء كلها أي طبقا واشتقاقه من كسفت الشئ أي غطيته 110 - ثم قال جل وعز أو تأتي بالله والملائكة قبيلا روى معمر وسعيد عن قتادة قال قبيلا أي عيانا

قال أبو جعفر ذهب الى أنه من المقابلة وقال غيره قبيلا أي كفيلا يقال قبلت به أي كفلت وتقبل فلان بكذا أي تكفل به 111 - ثم قال جل وعز أو يكون لك بيت من زخرف روى مجاهد قال كنا لا ندري ما الزخرف فرأيناه في قراءة ابن مسعود أو يكون لك بيت من ذهب وقال أبو جعفر الزخرف في اللغة الزينة والذهب من الزينة 112 - وقوله جل وعز أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه أي كتابا بنبوتك

فأعلم الله أنه لو فعل بهم ذلك ما آمنوا فقال تعالى ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين 113 - وقوله جل وعز وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا فاعلم الله أن الأعدل الأبلغ أن يبعث الى كل خلق من كان من جنسه فقال قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا فقالوا من يشهد لك بهذا فقال جل وعز قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم 114 - وقوله جل وعز ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما

وفي الحديث عن النبي (ص) ان الذي امشاهم له على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم قال ابن عباس عميا لا يرون شيئا يسرهم وبكما لا ينطقون بحجة وصما لا يسمعون ما يسرون به 115 - ثم قال جل وعز مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا قال مجاهد كلما خبت أي كلما طفئت أوقدت وقال الضحاك كلما سكنت قال أبو جعفر يقال خبت النار إذا سكن لهبها وعاد الجمر رمادا قيل كبت فإن طفئ بعض الجمر وسكن اللهب قيل خمدت فإن ظفئت كلها قيل

همدت تهمد همودا ومعنى زدناهم سعيرا زدناهم نارا تسعر أي تلتهب 116 - وقوله جل وعز قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق روى حجاج عن ابن جريج قال الإنفاق الفقر عن ابن عباس وروى معمر عن قتادة قال الإنفاق الفقر وحكى أهل اللغة أنفق وأصرم وأعدم واقتر إذا قل ماله 117 - ثم قال جل وعز وكان الإنسان قتورا

روى حجاج عن ابن جريج قال قتورا بخيلا عن ابن عباس 118 - وقوله جل وعز ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات روى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان بن عسال أن يهوديا قال لصاحبه تعال حتى نسأل هذا النبي (ص) فقال له الآخر لا تقل له النبي فإنه إن سمعها صارت له أربعة أعين قال فأتاه فسأله عن هذه الآية ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فقال لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببرئ الى سلطان ليقتله ولا تسحروا ولا تفروا من الزحف وعليكم خاصة اليهود ألا تعدوا في السبت قال فقبلوا يده وقالوا نشهد انك رسول الله قال فما يمنعكم أن تتبعوني قالوا إن دواد (ص) دعا ألا يزال في ذريته نبي وإنا نخشى إذا اتبعناك ان تقتلنا اليهود

وقال الحسن والشعبي ومجاهد والضحاك في قوله تعالى ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنون ونقص من الثمرات واليد والعصا هذا معنى قولهم 119 - ثم قال جل وعز فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم روى عن أبن عباس أنه قرأ فسأل بني أسرائيل

والمعنى على هذه القراءة فسأل بني إسرائيل والمعنى فلم يرد فرعون ما جاء به موسى (ص) من الآيات والبراهين بأكثر من انه أخبر أنه ظان ان موسى عليه السلام ساحر فقال إني لأظنك يا موسى مسحورا 120 - وقوله جل وعز قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وروى عن علي بن أبي طالب رحمه الله عليه أنه قرأ لقد علمت بضم التاء وقال والله ما علم فرعون وإنما هو موسى الذي علم قال أبو جعفر والقراء كلهم على فتح التاء إلا الكسائي فإنه ضمها ولو صح الحديث عن علي رحمة الله لم يحتج في ذلك الى نظر وكانت القراءة به أولى ولكن إنما رواه أبو اسحق عن رجل من مراد عن علي رحمة الله عليه وعلم فرعون بذلك أوكد في الحجة عليه وقد احتج في ذلك عبد الله بن عباس بحجة قاطعة فقال إنما هو لقد

علمت كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم حدثنا إبراهيم بن شريك قال نا أحمد بن عبد الله بن يونس قال نا زهير قال حدثنا أبو أسحق قال سمعت أبا عبيدة يسأل سعد بن عياض عن قوله تعالى لقد علمت ما أنزل هؤلاء قال سعد هو كقول الرجل لصاحبه وهو يحاوره لقد علمت قال زهير قال أبو اسحاق وحدثني رجل من مراد أنه سمع عليا يقول والله ما علم عدو الله ولكن موسى الذي علم قال لقد علمت أنا ثم قال وإني لأظنك يا فرعون مثبورا

روى المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ملعونا وروى ابن جريج عن مجاهد قال هالكا وروى معمر عن قتادة قال مهلكا وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال ملعونا وروى عنه جويبر قال هالكا قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع الى شئ واحد لأنه حكى أهل اللغة ما ثبرك عن هذا أي ما منعك منه وصرفك عنه فالمعنى ممنوع من الخير 121 - ثم قال جل وعز فأراد أن يستفزهم من الأرض أي يزيلهم عنها إما بقتل أو بتنحيه ذلك

122 - وقوله جل وعز وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا قال مجاهد وقتادة أي جميعا وروى سفيان عن منصور عن أبي رزين قال من كل قوم قال أبو جعفر وهذا أولى عند أهل اللغة لأنه يقال لففت الشئ إذا خلطته وقال الأصمعي اللفيف جمع ليس له واحد وهو مثل الجميع 123 - وقوله جل وعز وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا أي تبشر المطيعين الجنة وتنذر العاصين بالنار

124 - وقوله جل وعز وقرآنا فرقناه قال أبو عمرو رحمه الله فرقناه بيناه 125 - ثم قال تعالى لتقرأه على الناس على مكث قال مجاهد أي على تؤدة 126 - وقوله جل وعز إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا قال الحسن أي للجباه محمد وقال قتادة أي للوجوه والذقن عند أهل اللغة مجتمع اللحيين وهو أقرب

الأشياء الى الأرض من الوجوه إذا ابتدئ السجود 127 - ثم قال جل وعز قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فيروى أنهم قالوا ندعو اثنين فأعلم اله جل جلاله أنه لا يدعى غيره بأسمائه فقال أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى 128 - ثم قال جل وعز ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا فيها وجهان أحدهما رواه الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله (صلع) يعلن إذا قرأ فيسب المشركون القرآن ومن أنزله ومن جاء به فصار يخفي

القراءة فأنزل الله جل وعز ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها والقول الآخر رواه هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لي عائشة يا ابن أختي أتدري فيم أنزل ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال قلت لا قالت أنزل في الدعاء قال أبو جعفر والإسنادان حسنان والدعاء يسمى صلاة ولا يكاد يقع ذلك للقراءة قال الأعمش * تقول بنتي وقد قربت مرتحلا * يا رب جنب أبي الأوصابا إلى والوجعا * عليك مثل الذي صليت فاغتمضي * نوما فإن لجنب المرء مضطجعا *

ويقال إنه إنما قيل صلاة أنها لا تكون إلا بدعاء والدعاء صلاة فسميت باسمه 129 - وقوله جل وعز ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل أي لم يحتج الى من ينتصر له 130 - ثم قال عز وجل وكبره تكبيرا أي عظمه تعظيما أنتهت سورة الإسراء ولله الحمد والمنة

تفسير سورة الكهف

تفسير سورة الكهف مكية وآياتها 110 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الكهف وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما في هذا قولان أحدهما أنها على التقديم والتأخير والمعنى الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا يروى هذا المعنى عن ابن عباس ومجاهد

قال أبو جعفر حدثنا بكر بن سهل قال نا عبد الله بن صالح قال نا معاوية بن صالح قال حدثني علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ولم يجعل له عوجا قيما يقول أنزل الكتاب عدلا قيما ولم يجعل له عوجا ملتبسا والقول الأخر رواه سعيد عن قتادة قال في بعض القراءات الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ولكن جعله قيما 2 - وفي قوله تعالى ولم يجعل له عوجا قولان أحدهما أنه لم يجعله مختلفا كما قال سبحانه ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا والقول الأخر أنه لم يجعله مخلوقا كما روى عن ابن عباس انه قال في قوله تعالى قرآنا عربيا غير ذي عوج قال غير مخلوق

3 - وفي قوله جل وعز قيما قولان أحدهما رواه جويبر عن الضحاك قال مستقيما والقول الآخر أنه قيما على الكتب أي يصدقها 4 - ثم قال جل وعز لينذر بأسا شديدا من لدنه المعنى لينذركم بأسا شديدا كما قال تعالى إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه 5 - ثم قال جل وعز كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا المعنى كبرت تلك الكلمة كلمة عند الله وهي قولهم إتخذ الله ولدا أي كبرت من كلمة

وقيل فيه معنى التعجب كما يقال لقاض قضى بالحق ما أقضاه فيكون المعنى ما أكبرها من كلمة وقرأ الحسن ومجاهد ويحيى بن يعمر كبرت كلمة تخرج من أفواههم ومعناه عظمت يقال كبر الشئ إذا عظم وكبر إذا أسن 6 - وقوله جل وعز فلعلك باخع نفسك على آثارهم روى سعيد عن قتادة قال قاتل نفسك ثم قال على آثارهم أي بعدهم

7 - ثم قال جل وعز إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا قال قتادة أي غضبا قال مجاهد أي جزعا وهذا أشبه أي حزنا عليهم 8 - وقوله جل وعز إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها قال قطرب أي ما على الأرض مما تزين به 9 - ثم قال جل وعز لنبلوهم أيهم أحسن عملا أي لنختبرهم

10 - وقوله جل وعز وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا روى سعيد عن قتادة قال أي لا شجر فيها ولا نبات ولا بناء وقال مجاهد أي بلقعا قال أبو جعفر والصعيد في اللغة وجه الأرض ومنه قيل للتراب صعيد والجرز في اللغة الأرض التي لا نبات فيها قال الكسائي يقال جرزت الأرض تجرز وجرزها القوم يجرزونها إذا أكلوا كل ما فيها من النبات والزرع فهي مجروزة وجرز 11 - وقوله جل وعز أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا

قال الضحاك الكهف الغار في الوادي والرقيم الوادي وقال يزيد بن درهم سئل أنس بن مالك عن الكهف والرقيم فقال الكهف الجبل والرقيم الكلب وروى سفيان بن سعيد عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنه سأل كعبا ما الرقيم فقال هو اسم القرية التي خرجوا منها وقال عكرمة الرقيم الدواة وقال مجاهد الرقيم الكتاب وقال السدي الصخرة وقال الفراء الرقيم لوح من رصاص كتبت فيه أسماؤهم وأنسابهم ودينهم وممن هربوا

وقال أبو عبيد الرقيم الوادي الذي فيه الكهف وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال كل القرآن أعلم إلا أربعا غسلينا وحنانا والأواه والرقيم وروى سفيان بن حسين عن يعلي بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه ذكر أصحاب الكهف فقال إن الفتية فقدوا فطلبهم أهلوهم فلم يجدوهم فرفع ذلك الى الملك فقال ليكونن لهم نبأ وأحضر لوحا من رصاص فكتب فيه أسماءهم وجعله في خزائنه فذلك اللوح هو الرقيم وروى وكيع عن ابي مكين عن سعيد بن جبير قال الرقيم لوح فيه أسماء فتية رقمت أسماؤهم في الصخرة فذلك الكتاب وفي بعض الروايات أنه كتب أسماؤهم وخبرهم في لوح وجعل على باب الكهف

قال أبو جعفر والروايات التي رويت عن ابن عباس ليست بمتناقضة لأن القول الأول إنما سمعه من كعب والقول الثاني يجوز أن يكون عرف الرقيم بعده وأحسن ما قيل فيه أنه الكتاب وذلك معروف في اللغة يقال رقمت الشئ أي كتبته قال الله عز وجل كتاب مرقوم ورقيم بمعنى مرقوم كما يقال قتيل بمعنى مقتول وروى ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى كانوا من آياتنا عجبا قال هم عجب قال أبو جعفر يذهب مجاهد الى أنه ليس بإنكار على النبي (ص) أن يكون عنده انهم عجب

وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يقول ليس هم بأعجب آياتنا 12 - وقوله جل وعز إذ أوى الفتية الى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشدا أي أرشدنا الى أحب الأشياء إليك 13 - وقوله جل وعز فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا أي منعناهم من أن يسمعوا والمعنى أنمناهم لأنهم إذا سمعوا انتبهوا ثم قال سنين عددا

وفي الفائدة في قوله عددا قولان أحدهما أنه توكيد وإفراد من الواحدة والآخر أنه توكيد معنى الكثرة لأن القليل لا يحتاج الى عدد لأنه قد عرف 14 - وقوله جل وعز ثم بعثناهم أي من نومهم يقال لمن أحيي أو أقيم من نومه مبعوث لأنه كان ممنوعا من الانبعاث والتصرف 15 - ثم قال جل وعز لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا

قال مجاهد أي عددا قال أبو جعفر والأمد في اللغة الغاية 16 - وقوله جل وعز وربطنا على قلوبهم قال قتادة أي بالإيمان والمعنى عند أهل اللغة صبرناهم كان وثبتناهم أبو 17 - ثم قال جل وعز إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها فأنكروا أن يعبد مع الله غيره 18 - ثم قال تعالى لقد قلنا إذا شططا قال قتادة أي كذبا قال أبو جعفر والشطط في اللغة التجاوز في الجور 19 - ثم قال جل وعز هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا

يأتون عليهم بسلطان بين روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس كل سلطان في القرآن فهو حجة 20 - وقوله جل وعز وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله والمعنى اعتزلتم ما يعبدون إلا الله فإنكم لم تتركوا عبادته رووى أو سعيد عن قتادة قال في قراءة ابن مسعود وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله

21 - ثم قال جل وعز فأووا الى الكهف أي صيروه مأواكم ثم قال جل وعز ينشر لكم ربكم من رحمته ويهئ لكم من أمركم مرفقا قرئ بفتح الميم وكسرها وهو ما يرتفق به وكذلك مرفق الإنسان ومرفقه ومنهم من يجعل المرفق بفتح الميم وكسر الفاء من الأمر والمرفق من الإنسان وقد قيل المرفق بفتح الميم الموضع كالمسجد وهما لغتان 22 - وقوله جل وعز ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله روى أن النبي (ص) سئل عن فتية مضوا في الزمن الأول

وعن رجل طواف وعن الروح فقال رسول الله (صلع) غدا أخبركم عن ذلك ولم يستثن فمكث عنه جبريل بضع عشرة ليلة ثم جاءه بسورة الكهف ونزل في قوله أخبركم به غدا ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله 23 - ثم قال جل وعز وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا اي عسى أن يعطيني من الآيات والدلائل ما هو أرشد وأبين من خبر أصحاب الكهف 24 - ثم قال جل وعز ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا في معناه ثلاثة أقوال

أقال مجاهد هذا عدد ما لبثوا ب وقال قتادة في قراءة ابن مسعود وقالوا لبثوا في كهفهم ج والقول الثالث أن الله خبر بما لبثوا الى أن بعثوا من الكهف ولا نعلم كم مذ بعثوا الى هذا الوقت فقال سبحانه قل الله أعلم بما لبثوا أي من أي وقت مبعثهم الى هذا الوقت قال أبو جعفر واحسن هذه الأقوال الأول وإنما يقع الإشكال فيه لقوله جل وعز قل الله أعلم بما لبثوا ففر قوم الى أن قالوا هو معطوف على قوله تعالى سيقولون قال أبو جعفر وإنما اخترنا القول الأول لأنه أبلغ وأن

ابن فضيل روى عن الأجلح عن الضحاك قال لما أنزلت ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة قالوا أسنين) أم شهروا أم أياما فأنزل الله جل وعز سنين قال أبو جعفر فأما ما أشكل من قوله تعالى قل الله أعلم بما لبثوا فنحن نبينه يجوز أن يكون لما اختلفوا في مقدار ما لبثوا ثم أخبر الله جل وعز به فقال قل الله أعلم بما لبثوا أي هو أعلم به من المختلفين فيه وقول آخر أحسن من هذا أن يكون اعلم بمعنى عالم وذلك كثير موجود في كلام العرب قال الله جل وعز وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه أجود الأقوال فيه أن معناه هو هين عليه وهو اختيار أبي العباس ومنه الله اكبر بمعنى كبير ومنه قول الفرزدق

* إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول * وقول الآخر * أصبحت أمنحك الصدود وإنني * قسما إليك مع الصدود لأميل * وقول الآخر * لعمرك ما أدري وإني لأوجل * على أينا تعدو المنية أول * 25 - وقوله جل وعز أبصر به وأسمع المعنى ما أبصره وأسمعه أي هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم

26 - ثم قال جل وعز ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا نظيره قوله تعالى فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ومن قرأ ولا تشرك في حكمه أحدا فمعناه عنده لا تنسب أحدا الى أنه يعلم الغيب 27 - وقوله جل وعز لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا قال مجاهد أي ملجأ أي يمنعك منه جل وعز قال أبو جعفر وهو حسن في اللغة وأصله في اللغة من اللحد وهو من الميل والملحد المائل عن الحق العادل عنه فإذا ألحدت عبد الى الشئ فقد ملت إليه

28 - قوله جل وعز واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه روى ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال الصلاة المكتوبة قال مجاهد وإبراهيم الصلوات الخمس 29 - ثم قال جل وعز ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا أي لا تتجاوزهم الى المترفين وروى عن الحسن أنه قرأ ولا تعد عينيك عنهم

بتشديد الدال والنصب 30 - ثم قال جل وعز ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا قال مجاهد أي ضياعا قال أبو جعفر وقيل إسرافا وقيل ندما وهذه الأقوال متقاربة وهو من الإفراط في الشئ والتجاوز فيه وبين هذا أن سفيان بن سعيد قال هو عيينه بن حصن وقال غيره قال أنا أشرف مضر وأجلها فهذا هو التجاوز بعينه

وقال الفراء فرطا متروكا قد تركت فيه الطاعة 31 - ثم قال جل وعز وقل الحق من ربكم المعنى وقل الذي جئتكم به الحق الحق من ربكم 32 - ثم قال جل وعز فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر هذا على التهديد 33 - ثم قال جل وعز إنا أعتدنا للظالمين نارا أي جعلناها لهم عتادا والعتاد الثابت اللازم وهو مثل العدة 34 - ثم قال جل وعز أحاط بهم سرادقها السرادق في اللغة كل شئ محيط بشئ

قيل أنه يراد به الدخان الذي يحيط بالكفار يوم القيامة وهو الذي ذكره الله في قوله سبحانه انطلقوا الى ظل ذي ثلاث شعب 35 - ثم قال جل وعز وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه روى هشيم عن عوف عن الحسن قال جاء قوم الى عبد الله بن مسعود يسألونه عن المهل فأخذ فضة فاذابها عليه حتى انماعت ثم أذن لهم بالدخول فقال لهم هذا أشبه بالمهل وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال

المهل دردي الزيت وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال المهل القيح والدم قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة وإنما هو ما تمهل وسكن وأكثر ما يستعمل لدردي أبي الزيت كما قال ابن عباس 36 - ثم قال جل وعز يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا المعنى وساءت النار مرتفقا قال مجاهد أي مجتمعا وقال غيره أي مجلسا

قال أبو جعفر والمعروف في اللغة أن المرتفق المتكأ وانشد أهل اللغة * إني أرقت فبت الليل مرتفقا * كأن عيني فيها الصاب مذبوح * قال أبو جعفر ولا يمتنع أن يكون المعنى موضع مرتفق 37 - وقوله جل ذكره إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا قال أبو جعفر حدثنا أبو عبد الله أحمد بن علي بن سهل قال حدثنا محمد بن حميد قال نا يحيى بن الضريس عن زهير بن معاوية عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب قال قدم أعرابي الى رسول الله (ص) في حجة الوداع والنبي واقف بعرفات على ناقته الصهباء فقال إني رجل متعلم فأخبرني عن قول الله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا قال النبي عليه السلام يا أعرابي ما أنت منهم ببعيد وما هم منك ببعيد هؤلاء الأربعة الذين هم وقوف معي

أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فاعلم قومك أن هذا الآية نزلت في هؤلاء الأربعة 38 وقوله جل وعز أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار العدن الإقامة ثم قال تجري من تحتهم الأنهار أي ماء الأنهار 39 - ثم قال جل وعز يحلون فيها من أساور من ذهب أساور جمع أسورة وأسورة جمع سوار ويقال سوار

وحكى قطرب أن أساور جمع أسوار ولا يعرف ذلك 40 - ثم قال جل وعز ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق السندس رقيق الديباج والإستبرق ثخينه 41 - ثم قال جل وعز متكئين فيها على الأرائك وهي السرر في الحجال 42 - ثم قال جل وعز نعم الثواب وحسنت مرتفقا أي حسنت الجنة مرتفقا 43 - وقوله جل وعز واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب

يروى أن اليهود قالوا سلوه عن أصحاب الكهف وعن الروح وعن رجلين فأنزل الله عز وجل هذا وجعله مثلا لجميع الناس 44 - ثم قال جل وعز وحففناهما بنخل أي حوطناهما (به وقد حف القوم بفلان إذا حدقوا 45 - ثم قال جل وعز وجعلنا بينهما زرعا فأخبر أنه ليس بينهما إلا عمران 46 - ثم أخبر أنهما في تأدية الحمل والثمر على النهاية فقال كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا أي ولم تنقص 47 - ثم قال جل وعز وفجرنا خلالهما نهرا

فأخبر أن شربهما كان من نهر وهو أغزر الشرب 48 - ثم قال جل وعز وكان له ثمر ويقرأ ثمر فالثمر معروف وفي الثمر قولان أقال مجاهد كل ما كان في القرآن من ثمر فهو المال وما كان من ثمر فهو من الثمار ب وقال أبو عمران الجوني الثمر أنواع المال والثمر الثمرات ج وقال أبو يزيد المدني الثمر الأصل والثمر الثمرة قال أبو جعفر وكأنه يريد بالأصل الشجر وما أشبهها وهذه الثلاثة الأقوال ترجع الى معنى واحد وهو ان الثمر المال

والقول الآخر حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني عمران بن بكار قال حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي قال حدثنا شعيب بن إسحق قال حدثنا هارون قال حدثني أبان بن تغلب عن الأعمش أن الحجاج قال لو سمعت أحدا يقول وكان له ثمر لقطعت لسانه فقلت للأعمش اتأخذ بذلك قال لا ولا نعمة عين فكان يقرأ ثمر ويأخذه من جمع الثمر قال أبو جعفر فالتقدير على هذا القول أنه جمع ثمرة على ثمار ثم جمع ثمارا على ثمر وهو حسن في العربية إلا أن القول الأول أشبه والله أعلم لأن قوله تعالى كلتا الجنتين آتت أكلها يدل على أن له ثمرا 49 - ثم قال جل وعز فقال لصاحبه وهو يحاوره أي يخاطبه أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا

النفر الرهط وهو ما دون العشرة وأراد ها هنا الأتباع والخدم والولد 50 - قال الله جل وعز ودخل جنته وهو ظالم لنفسه وكل من كفر فقد ظلم نفسه لأنه يولجها ما النار 51 - ثم قال تعالى قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة فكفر بالبعث وبأن الدنيا تفنى 52 - ثم قال جل وعز ولئن رددت الى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا وهذا مما يسأل عنه فيقال كيف ينكر البعث ويقول ولئن رددت الى ربي ويحكم أنه يعطي خيرا منهما فالجواب أن المعنى ولئن رددت الى ربي على قولك وقد أعطاني في الدنيا فكما أعطاني في الدنيا فهو يعطيني في الآخرة

ونظير هذا قوله جل وعز أين شركائي أي على قولكم ومن قرأ منها أراد الجنة 53 - ثم قال جل وعز قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة فألزمه الكفر بقوله 54 - ثم قال جل وعز ثم سواك رجلا أي كملك 55 - ثم قال جل وعز لكن هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا فدل هذا على أنه كان مشركا

والمعنى لكن أنا 56 - ثم قال جل وعز ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله المعنى هذه الجنة هي لا ما شاء الله ويجوز أن يكون المعنى ما شاء الله كان والمعنى لا يكون لأحد إلا ما شاء الله وليس لأحد في بدنه ولا ماله قوة إلا بالله وروى عمرو بن ميمون عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص) ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة من تحت العرش

قال قلت بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال لا قوة إلا بالله إذا قالها العبد قال الله أسلم عبدي واستسلم 57 - ثم قال جل وعز إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك يجوز أن يكون أراد في الدنيا وأن يكون أراد في الآخرة 58 - ثم قال جل وعز ويرسل عليها حسبانا من السماء قال قتادة والضحاك أي عذابا

وقال أبو عبيدة هي المرامي جمع مرماة وشئ فيه الحصب والمعروف في اللغة ان الحسبان والحساب واحد قال الله جل وعز الشمس والقمر بحسبان وقول قتادة والضحاك صحيح المعنى كأنه قال أو يرسل عليها عذاب حساب ما كسبت يداه وهو مثل قوله تعالى واسأل القرية 59 - ثم قال جل وعز فتصبح صعيدا زلقا الصعيد في اللغة وجه الأرض الذي لا نبات عليه والزلق ما نزل فيه الأقدام

60 - ثم قال جل وعز أو يصبح ماؤها غورا أي غائرا والتقدير ذا غور 61 - ثم قال جل وعز فلن تستطيع له طلبا أي لم يبق له أثر فيطلب من أجله 62 - ثم قال جل وعز وأحيط بثمره أي أحاط الله العذاب بثمره 63 - ثم قال تعالى فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهذا يوصف به النادم 64 - ثم قال جل وعز وهي خاوية على عروشها

الخاوية في اللغة الخالية والعروش السقوف والمعنى أن حيطانها قيام وقد سقطت سقوفها فكان الحيطان على السقوف 65 - وقوله جل وعز ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله قال مجاهد أي عشيرة 66 - وقوله جل وعز هنالك الولاية لله الحق أي يؤمنون بالله وحده ويتبرءون مما كانوا يعبدون ويقرأ الولاية بكسر الواو والمعنى على الفتح لأن الولاية المعروف أنها الإمارة 67 - ثم قال جل وعز هو خير ثوابا وخير عقبا

العقب عند أهل اللغة والعقبى والعاقبة واحد وهو ما يصير إليه الأمر 68 - ثم قال جل وعز واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فاصبح هشيما الهشيم ما جف من الثياب أو تفتت ويقال هشمته أي كسرته 69 - ثم قال جل وعز تذروه الرياح أي تنسفه ضرب الله هذا المثل للحياة الدنيا لأن ما مضى منها بمنزلة ما لم يكن 70 - وقوله جل وعز والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا

قال أبو جعفر حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا خالد هو ابن عبد الله عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس قال الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وحدثنا أبو بكر قال حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس عن عمارة بن صياد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول في الباقيات الصالحات إنها قول العبد سبحان الله والله أكبر والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله

قال أبو جعفر وروى عن ابن عباس أيضا أنه قال الباقيات الصالحات الصلاة والصوم والحج والغزو والتهليل والتسبيح ولا يمتنع شئ من هذا عند أهل اللغة لأنه كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا 71 - ثم قال جل وعز وخير أملا أي خير ما يؤمل 72 - ثم قال جل وعز ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة في قوله باروزة أن قولان أحدهما قد اجتثت ثمارها وقلعت جبالها وهدم بنيانها فهي بارزة أي ظاهرة وعلى هذا القول أهل التفسير وهو البين

والقول الآخر إن معنى بارزة قد أبرز من فيها من الموتى فيكون هذا على النسب كما قال كليني لهم يا أميمة ناصب 73 - ثم قال جل وعز وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا أي لم نبق 74 - ثم قال جل وعز وعرضوا على ربك صفا أي لا يسترهم شئ ولا يحجبهم

75 - ثم قال جل وعز لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة قيل معناه بعثناكم كما خلقناكم أول مرة وقيل هو كما روى أنهم يحشرون حفاة عراة غرلا 76 - ثم قال جل وعز بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا أي كنتم تنكرون البعث 77 - ثم قال جل وعز ووضع الكتاب في الكلام حذف والمعنى ووضع الكتاب في يد كل أمرئ إما في يمينة وإما في شماله

78 - ثم يبين هذا بقوله فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها أي تراهم خائفين وجلين مما فيه من أعمالهم السيئة ويقولون ما شأن هذا الكتاب لا يبقى صغيرة من ذنوبنا ولا كبيرة إلا حفظها وضبطها 79 - ثم قال جل وعز ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا أي إنما تقع العقوبة على المجازاة وأصل الظلم في اللغة وضع الشئ في غير موضعه 80 - وقوله جل وعز وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن في هذا قولان أحدهما أنه نسب الى الجن لأنه عمل عملهم والقول الآخر أنه منهم

81 - ثم قال جل وعز ففسق عن أمر ربه أي فخرج وحكى الفراء فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها وقال رؤبة يهوين في نجد وغورا غائرا فواسقا عن قصدها جوائرا وفي هذه الآية سؤال

يقال ما معنى ففسق عن أمر ربه ففي هذا قولان أحدهما وهو مذهب الخليل وسيبويه أن المعنى اتاه الفسق لما أمر فعصى فكان سبب الفسق أمر ربه كما تقول أطعمته عن جوع والقول الآخر وهو مذهب محمد بن قطرب أن المعنى ففسق عن رد أمر ربه 82 - ثم قال جل وعز أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم

على عدو أي عداء 83 - ثم قال جل وعز بئس للظالمين بدلا أي بئس ما اسبتدلوا من طاعة الله طاعة إبليس 84 - ثم قال جل وعز ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم أي لم يكونوا موجودين إذ ذاك 85 - ثم قال جل وعز وما كنت متخذ المضلين عضدا روى معمر عن قتادة قال أعوانا قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة يقال عضدني الله فلان وعاضدني قال أي أعانني وأعزني عن

86 - وقوله جل وعز ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا وفي معناه أقوال روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال مهلكا وكذلك قال الضحاك وروى معمر عن قتادة قال هلاكا وروى يزيد بن درهم عن أنس بن مالك في قوله تعالى وجعلنا بينهم موبقا قال واديا من قيح ودم في جهنم وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال واد في جهنم وكذلك قال نوف إلا أنه قال يحجر بينهم وبين المؤمنين وقال أبو عبيدة موبقا موعدا

وقال عوف موبقا أي جعلنا بينهم عداوة قال أبو جعفر واصح هذه الأقوال الأول لأنه معروف في اللغة أن يقال وبق يوبق ويابق وييبق من ووبق يبق إذا هلك وأوبقه الله أي أهلكه ومنه أو يوبقهن بما كسبوا ومنه أوبقت فلانا ذنوبه فالمعنى جعلنا تواصلهم في الدنيا مهلكا لهم في الآخرة إلا أنه يجوز أن يسمى الوادي موبقا لأنه يهلك 87 - ثم قال جل وعز ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها روى معمر عن قتادة قال أيقنوا

88 - ثم قال جل وعز ولم يجدوا عنها مصرفا قال أبو عبيدة أي معدلا 89 - وقوله جل وعز ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شئ جدلا قيل يراد بالإنسان ها هنا الكفار وهو في معنى جماعة كما قال تعالى إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقيل هو عام وفي الحديث ما يدل على أنه عام أن النبي (ص) لما لام على بن أبي طالب رضى الله عنه وفاطمة معه في ترك الصلاة بالليل قال علي أنفسنا بيد الله إذا شاء أطلقها فخرج النبي (ص) وهو يقول وكان الإنسان أكثر شئ جدلا

90 - وقوله جل وعز وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين في الكلام حذف والمعنى إلا طلب أن تأتيهم سنة الأولين وسنة الأولين معاينة العذاب لأنهم قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فطلبوا العذاب 91 - ثم قال جل وعز أو يأتيهم في العذاب قبلا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال فجأة

قال الكسائي أي عيانا والمعنيان متقاربان ويقرأ قبلا فأكثر أهل اللغة على أنه جمع قبيل أي أنواعا وضروبا وقال بعضهم معنا يقابلهم كما يقال جاءه من قبل ومعنى قبلا أي استئنافا كما يقال لا أكلمك الى عشر من ذي قبل 92 - وقوله جل وعز بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا

روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ملجأ وحكى أهل اللغة وأل يئل إذا نجا 93 - وقوله جل وعز وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا والمعنى أهل القرى 94 - ثم قال جل عز وجعلنا لمهلكهم موعدا يجوز أن يكون المعنى لإهلاكهم فيكون مصدرا ويجوز أن يكون المعنى لوقت إهلاكهم ومن قرأ لمهلكهم ذهب الى أن المعنى لهلاكهم كما يقال جلس مجلسا واسم الموضع المجلس

وهلك مهلكا واسم الموضع المهلك قال مجاهد موعدا أي أجلا 95 - ثم قال جل وعز وإذ قال موسى لفتاة لا أبرح قيل إنما قيل له فتاه لأنه كان يخدمه وهو يوشع ومعنى لا أبرح أي لا أزال وليس معناه لا أزول 96 - ثم قال جل وعز حتى أبلغ مجمع البحرين روى معمر عن قتادة قال بحر الروم بحر فارس

وقال غيره هو الموضع الذي وعده الله أن يلقى فيه الخضر 97 - ثم قال تعالى أو أمضى حقبا روى عمرو بن ميمون عن عبد الله بن عمرو قال الحقب ثمانون سنة وروى ابن نجيح قال الحقب سبعون خريفا وروى معمر عن قتادة قال الحقب زمان قال أبو جعفر الذي يعرفه أهل اللغة أن الحقب

والحقبة زمان من الدهر مبهم غير محدود كما أن قوما ورهطا مبهم غير محدود والحقب بضمتين جمعه أحقاب ويجوز أن يكون أحقاب جمع حقب وحقب جمع حقبة 98 - ثم قال جل وعز فلما بلغا مجمع بينهما قال مجاهد أي بين البحرين وقال أبي بن كعب رحمه الله افريقية 99 - ثم قال جل وعز نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا قيل كان النسيان من موسى (ص) أن يتقدم الى يوشع بشئ من أمر الحوت

وكان النسيان من يوشع عليه السلام يخبره بسربه بن وقيل أن يقدمه ثم قال فاتخذ سيله في البحر سربا السرب في اللغة المذهب والمسلك 100 - وقوله جل وعز قال ذلك ما كنا نبغ أي الذي كنا نبغي لأنه وعد أن يلقى الخضر في الموضع الذي ينسرب فيه 101 - ثم قال جل وعز فارتدا على آثارهم قصصا أي رجعا في الطريق الذي سلكاه يقصان الأثر قصصا والقصص أتباع الأثر

102 - وقوله جل وعز فوجدوا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما يعني به الخضر وقيل إنما سمى الخضر لأنه كان إذا صلى في مكان اخضر ما حوله وفيما فعله موسى وهو من جله الأنبياء وقد أوتى التوراة من طلبه العلم والرحلة في ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته وأحاط بأكثر ما يدركه أهل زمانه وأن يتواضع لمن هو أعلم منه 103 - وقوله جل وعز قال له موسى هل اتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا هذا سؤال الملاطف والمخاطب المبالغ في حسن الأدب والمعنى هل يتفق لك ويخف عليك أن تأذن لي في مرافقتك لأقتبس من علمك ما يرشدني وهذا كما في الحديث هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله (ص) يتوضأ والرشد والرشد بمعنى واحد وهو كثير في اللغة العربية نحو

البخل والبخل والعرب والعرب 104 - وقوله جل وعز قال إنك لن تستطيع معي صبرا هذا قول الخضر لموسى ثم أعلمه العلة في ترك الصبر فقال وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا أي وكيف تصبر على ما ظاهره خطأ ولم تخبر بوجه الحكمة فيه والأنبياء لا يقرون على منكر ولا يسعهم التقرير أي لا يسعك السكوت جريا على عادتك وحكمك 105 - وقوله جل وعز قال ستجدني إن شاء الله صابرا هذا قول موسى للخضر أي سأصبر بمشيئة الله ولا أعصي لك أمرا أي قد ألزمت نفسي طاعتك ولن أعصي أمرك إن شاء الله 106 - وقوله جل وعز قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا

أي إن إنكرته هذه فلا تعجل بالمسألة الى أن أبين لك الوجه فيه وحتى أكون أنا الذي أفسره لك شرط عليه قبل بدء الرحله ألا يسأله ولا يستفسر عن شئ من تصرفاته حتى يكشف له عن سرها فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم 107 - وقوله جل وعز فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها انطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر حتى مرت بهما سفينه فعرفوا الخضر فحملوهما بدون أجر فلما ركبا في السفينة عمد الخضر الى فأس فقلع لوحا من ألواح السفينة بعد أن أصبحت في لجة البحر فذلك قوله تعالى حتى إذا ركبا في السفينة خرقها أي خرقها الخضر 108 - وقوله جل وعز قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا أي قال له موسى منكرا عليه أخرقت السفينة لتغرق ركابها لقد فعلت شيئا عظيما هائلا

ومعنى إمرا أي شيئا عظيما من المنكر ويروي أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فجعله مكان الخرق ثم قال للخضر قوم حملونا بغير أجر عمدت الى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد فعلت أمرا هائلا عظيما قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا أي قال له الخضر ألم أخبرك من أول الأمر إنك لا تستطيع أن تصبر على ما ترى من صنيعي ذكره بلطف في مخالفته للشرط 109 - ثم قال جل وعز قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا معنى ترهقني تغشيني سنة أي عاملني باليسر لا بالعسر روى عن النبي (ص) أنه قال كانت الأولى من موسى نسيانا وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر

110 - وقوله جل وعز فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله أي فقبل عذره وانطلقا بعد نزولهما من عمرو السفينة يمشيان فمرا بغلمان قبل يلعبون وفيهم غلام وضئ الوجه جميل الصورة فأمسكه الخضر واقتلع رأسه بيده ثم رماه في الأرض قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا أي قال له موسى أقتلت نفسا طاهرة بريئة لم تذنب قط ولم تقتل نفسا حتى تقتل به لقد فعلت شيئا منكرا عظيما لا يمكن السكوت عنه قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا أي قال له الخضر ألم أخبرك أنك لن تستطيع الصبر على ما ترى مني وقره في الأول ثم واجهة بكاف الخطاب بقوله لك لعدم العذر هنا ومعنى زكية أي بريئة لم ير ما يوجب قتلها وقال هنا نكرا أي منكرا فظيعا أنكر من الأمر الأول وهو أبلغ من قوله إمرا في الآية السابقة وهو منصوب على ضربين احدهما معناه أتيت شيئا نكرا

والثاني معناه جئت بشئ نكر فلما حذف الباء أفضى الى الفعل فنصبه 111 - ثم قال جل وعز قال إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا أي إن انكرت عليك بعد هذه المرة واعترضت على ما يصدر منك فلا تصحبني معك فقد أعذرت الى ونبهتني يحيى على مخالفتي الشرط فأنت معذور عندي 112 - وقوله جل وعز فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها أي مشيا حتى وصلا الى قرية فطلبا طعاما فلم يعطوهما واستضافاهم فلم يضيفوهما قال ابن عباس هي انطاكية وقال ابن سيرين هي الأيلة 113 - ثم قال تعالى فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه

والمعنى وجدا في القرية حائطا مائلا يوشك أن يسقط ويقع فمسحه الخضر بيده فاستقام وقيل إنه هدمه ثم بناه وروى أن موسى قال للخضر قوم استطعمناهم فلم يطعمونا وضفناهم فل يضيفونا ثم قعدت تبني لهم الجدار لو شئت لتخذت عليه أجرا وقوله تعالى يريد ان ينقض أي يوشك ان يسقط وهذا مجاز وتوسع وهو في كلام العرب وأشعارها كثير فمن ذلك قول عنترة * وازور من وقع القنا بلبانه * وشكا الى بعبرة وتحمحم * وقول الآخر * يريد الرمح صدر أبي براء * ويرغب عن دماء بني عقيل *

114 - وقوله جل وعز قال هذا فراق بيني وبينك سيبويه يذهب الى أن إعادة بين في مثل هذا على التوكيد أي فراق بيننا كما يقال أخزى الله الكاذب مني ومنك أي منا 115 - وقوله جل وعز أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر أهل اللغة جميعا لا نعلم بينهم اختلافا يقولون المسكين الذي لا شئ له والفقير الذي له الشئ اليسير وأكثر الفقهاء على ضد هذا فيهما ويحتجون بهذه الآية قال أبو جعفر قيل وليس قوله كانت لمساكين

يعملون في البحر يدل على أنهم كانوا يملكونها ألا ترى أن النبي (ص) قال من باع عبدا له مال فماله للبائع فليس قوله له مال مما يوجب أنه يملكه وهذا كثير جدا منه قول الله جل وعز وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ومنه قولهم باب الدار وجل الدابة والأشياء تضاف الى الأشياء ولا يوجب ذلك ملكا فأضيفت إليهم لأنهم كانوا يعملون فيها كما أضيف المال الى العبد لأنه معه والاشتقاق يوجب ما قال أهل اللغة لأن مسكينا مأخوذ من السكون وهو عدم الحركة فكأنه بمنزلة الميت والفقير كأنه الذي كسر فقاره فقد بقيت له بقية

ويدل على هذا أيضا حديث النبي (ص) حدثنا أحمد بن منصور الحاسب قال حدثنا علي بن الجعد قال أنبأنا حماد ابن سلمة عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريره يقول سمعت أبا القاسم عليه السلام يقول إن المسكين ليس بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان والأكله والأكلتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ويسأل الناس إلحافا 116 - وقوله جل وعز وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ وكان أمامهم ملك قال أبو جعفر في وراء ها هنا قولان أحدهما أنه بمعنى أمام والآخر أنه بمعنى خلف على بابه كأنه قال على

طريقهم إذا رجعوا والقول الأول أحسن لقراءة ابن عباس رحمه الله به وأن اللغة تجيزه لأن ما توارى عنك فهو وراء فهذا يقع لما كان أماما ثم قال يأخذ كل سفينه غصبا وقرأ عثمان رحمه الله كل سفينه صالحة غصبا 117 - ثم قال جل وعز وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ وكان أبواه مؤمنين وكان كافرا

وروى أبي بن كعب عن النبي (ص) قال طبع على الكفر فألقى على أبويه محبته 118 - ثم قال جل وعز فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فخشينا أن يرهقهما فأردنا أن يبدلهما قال أبو حاتم هذا من كلام صاحب موسى يعني الخضر وقال غيره هو من قول الله جل وعز فان قال قائل كيف يجوز أن يكون فخشينا إخبارا عن الله فالجواب عنه أن الفراء قال فخشينا بمعنى فعلمنا كما يقال ظننا بمعنى علمنا

وقال البصريون يقال خشيت الشئ بمعنى كرهته وبمعنى فزعت منه كما يقال للرجل أخشى أن يكون كذا وكذا أي أكره وقال الأخفش وفي قراءة أبي فخاف ربك أن يرهقهما طغيانا وكفرا وقال غيره وكذلك هو في مصحف عبد الله والكلام في خفت وخشيت واحد حكى الأخفش خفت أن تقولا بمعنى كرهت أن تقولا ومعنى أن يرهقهما أن يلحقهما أي أن يحملهما على الرهق وهو الجهل

وقال أبو زيد أرهقته كلفته 119 - وقوله جل وعز فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما قال ابن جريج زكاة أي إسلاما وقال الفراء إصلاحا قال ابن جريج وحدثني عبد الله بن عثمان بن خشم عن سعيد بن جبير قال أبدلا منه جارية قال ابن جريج وهما بها أرحم قال ابن عباس أبدلا منه جارية فولدت نبيا وحكى الفراء رحمته رحمة ورحمة وحكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء رحمة الله رحما

ويجوز على مذهب الخليل رحما بالفتح 120 - وقوله جل وعز وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما قال سعيد بن جبير ومجاهد علم وقال قتادة وعكرمة مال وهذا القول أولى من جهة اللغة لأنه إذا قيل عند فلان كنز فإنما يراد به المال المدفون والمدخر فإن أراد غير ذلك بين فقال عنده كنز علم وكنز فهم ويحتمل أن يكون كما روى أنه لوح من ذهب مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله فهذا يجمع المال والعلم

121 - وقوله جل وعز وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا يدل على أن ذلك كان بوحي

122 - وقوله جل وعز ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا روى أبو الطفيل أن ابن الكوا سأل علي بن أبي طالب رضى الله عنه عن ذي القرنين أكان نبيا أو ملكا فقال لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه ونصح الله فنصحه الله ضرب على قرنه الأيمن فمات فبعثه الله ثم ضرب على قرنه الأيسر فمات ففيكم مثله قال أبو جعفر وهذا أجل اسناد روى في تسميه بذي القرنين

وقد قيل كانت له ضفيرتان وقيل لأنه بلغ قطري الأرض المشرق والمغرب قال محمد بن إسحاق حدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علمه إن ذا القرنين كان رجلا من أهل مصر اسمه مرزبان بن مردبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح قال ابن هشام واسمه الاسكندر وهو الذي بنى الاسكندرية فنسبت إليه قال محمد بن إسحق وقد حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان الكلاعي وكان رجلا قد أدرك الناس أن رسول الله (ص) سئل عن ذي القرنين فقال ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب وقال خالد سمع عمر بن الخطاب رحمه الله عليه

رجلا يقول يا ذا القرنين فقال عمر اللهم غفرا أما رضيتم أن تسموا بالنبيين حتى تسميتم بالملائكة 123 - وقوله جل وعز إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شئ سببا روى على بن أبي طلحة عن ابن عباس قال علما والمعنى على هذا التفسير علما يصل به الى المسير في أقطار الأرض 124 - ثم قال تعالى فاتبع سببا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال منزلا وطريقا بين المشرق والمغرب 125 - ثم قال جل وعز حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة

قرأ عبد الله بن مسعود وابن الزبير حامية وقرأ ابن عباس حمئة قال أبو جعفر حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا عمرو بن ميمون قال سمعت أبا حاضر يقول سمعت ابن عباس يقول كنت عند معاوية فقرأ تغرب في عين حامية فقلت ما نقرؤها إلا حمئة فقال لعبد الله بن عمرو كيف تقرؤها يا عبد الله بن عمرو قال كما قرأتها يا أمير المؤمنين فقلت في بيتي يا أمير المؤمنين أنزل القرآن فأرسل معاوية الى كعب فقال أين تجد الشمس تغرب في التوراة فقال أما في العربية فأنتم أعلم بها وأما أنا فأجد الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين وأشار بيده الى المغرب فقلت لابن عباس لو كنت عندك فرفدتك الرحمن بكلمة تزداد بها بصيرة في حمئة قال ابن عباس ما هي قلت فيما نأثر من قول تبع فيما ذكر به ذا القرنين من قوله

* بلغ المشارق والمغارب يبتغي * أسباب أمر من حكيم مرشد فرأى مغيب الشمس عند غروبها * في عين ذي خلب وثاط حرمد * فقال ابن عباس ما الخلب فقال الطين بكلامهم قال وما الثاط قلت الحمأة قال وما الحرمد قلت الأسود قال أبو جعفر فهذا تفسير الحمأة يقال حمئت البئر إذا صارت فيها الحمأة وأحمأتها ألقيت فيها الحمأة وحمأتها وكان أخرجت منها الحمأة فأما قراءة من قرأ حامية فيحتمل معنيين أحدهما أن يكون المعنى حمئة فكأنه قال حامئة أي ذات حمأة ثم خففت الهمزة والمعنى الآخر أن يكون بمعنى حارة

ويحوز أن تكون حارة وهي ذات حمأ والله أعلم بحقيقته قال القتبي يجوز أن تكون هذه العين من البحر ويجوز أن تكون الشمس تغيب وراءها أو معها أو عندها فيقام حرف الصفة مقام صاحبة والله اعلم بذلك 126 - وقوله جل وعز ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال إبراهيم بن السري خيره بين هذين كما خير محمدا (ص) فقال فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وقال علي بن سليمان المعنى قلنا يا محمد قالوا يا ذا القرنين

قال لأن بعده قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا فكيف يقول لربه ثم يرد الى ربه وكيف يقول فسوف تعذبه والعبد لا يخاطب بهذا ولم يصح أن ذا القرنين نبي فيقول الله قلنا يا ذا القرنين قال أبو جعفر وهذا موضع مشكل وليس بممتنع حذف القول والله أعلم بما أراد وروى معمر عن قتادة في قوله جل وعز فسوف نعذبه قال بالقتل 127 - وقوله جل وعز ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكرا

لأن عذاب الآخرة أنكر من القتل 128 - ثم قال جل وعز وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى قيل الحسنى ها هنا الجنة ويقرأ فله جزاء الحسنى أي الإحسان 129 - ثم قال جل وعز وسنقول له من أمرنا يسرا أي قولا جميلا 130 - وقوله جل وعز ثم اتبع سببا ويقرأ ثم أتبع بقطع الألف أي سببا من الأسباب التي تؤدية روى الى أقطار الأرض قال الأصمعي يقال أتبعت القوم بقطع الألف أي لحقتهم

واتبعتهم بوصل الألف إذا مررت في آثارهم وإن لم تلحقهم 131 - ثم قال جل وعز حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا أي ليس لهم بنيان ولا قمص قال الحسن إذا طلعت نزلوا الماء حتى تغرب فأما معنى كذلك فقيل فيه حكمهم كحكم الذين تغرب عليهم الشمس أي هم كأولئك 132 - وقوله جل وعز ثم اتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين ويقرأ السدين

وقد فرق بينهما أبو عمرو وجماعة من أهل اللغة فقال بعضهم السد ما كان من صنع الله والسد بالفتح ما كان من صنع الآدميين وقيل السد ما رأيته والسد ما ستر عينيك والصحيح في هذا ما قاله الكسائي أنهما لغتان بمعنى وإن زيد في هذا قيل السد المصدر والسد الأسم 133 - وقوله جل وعز قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا ويقرأ خراجا قال الفراء الخرج المصدر والخراج الاسم

وروى معمر عن قتادة خرجا قال عطية وكذلك هو في اللغة يقال لك عندي خرج أي عطية وجعل والخراج هو المتعارف وإن كان اصله من ذا 134 - وقوله جل وعز قال ما مكني فيه ربي خير أي خير مما بذلتم لي 135 - ثم قال جل وعز فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما والردم في اللغة أكثر من السد لأنه شئ متكاثف بعضه على بعض وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس بين السدين الجبلين أرمينية وأذربيجان

136 - ثم قال جل وعز آتوني زبر الحديد الزبر القطع الكبار من الحديد 137 - ثم قال تعالى حتى إذا ساوى بين الصدفين روى علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال الجبلين 138 - وقوله جل وعز قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قيل جعل قطع الحديد وجعل بينهما الحطب والفحم وأوقد عليها والحديد إذا أوقد عليه صار كالنار فذلك قوله حتى إذا جعله نارا ثم أذاب الصفر فأفرغه عليه فذلك قوله تعالى قال آتوني أفرغ عليه قطرا أي أعطوني قطرا أفرغ عليه

ومن قرأ ائتوني فالمعنى عنده تعالوا أفرغ عليه نحاسا 139 - قال جل اسمه فما اسطاعوا أن يظهروه أي أن يعلوا عليه لطوله واملاسه يقال ظهرت على السطح أي علوت عليه قال كعب فهم يعالجون فيه كل يوم فإذا أمسوا قالوا غدا ننقضه ولا يوفق لهم أن يقولوا إن شاء الله فإذا أذن الله في إخراجهم قالوا ان شاء الله فينقضونه ولم فيخرجون فيشرب أولهم دجله والفرات حتى يمر آخرهم فيقول قد كان هنا هنا مرة ماء ويتأذى بهم أهل الأرض ويدعو عليهم عيسى صلى الله عليه وسلم فيهلكون

140 - وقوله جل وعز قال هذا رحمة من ربي أي هذا التمكين رحمة من ربي ثم قال تعالى فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء أي لاصقا بالأرض يقال ناقة دكاء أي لا سنام لها 141 - وقوله جل وعز وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ويجوز أن يكون يعني ب يومئذ يوم يخرجون من السد وأن يعني به يوم القيامة لقوله تعالى ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا

142 - وقوله جل وعز وكانوا لا يستطيعون سمعا أي لعداوتهم النبي (ص) لا يستطيعون أن يسمعوا منه شيئا أي يثقل ذلك عليهم كما تقول أنا لا أستطيع أن أكلمك 143 - وقوله جل وعز أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء قال أبو إسحاق المعنى أفحسب الذين كفروا أن ينفعهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء وروى عباد بن الربيع أن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه قرأ أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء قال أبو عبيدة أي أرضوا بذلك أكفاهم ذلك 144 - ثم قال جل وعز إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا

النزل عند أهل اللغة ما هئ للضيف وما أشبهه والنزل بفتحتين الريع 145 - ثم قال جل وعز قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا روى أبو الطفيل أن عليا قال هم أهل حروراء وروى عبد الله بن قيس عن علي قال هم الرهبان قال الأسود رؤى من علي بن أبي طالب فرح ومزاح فقام ابن الكوا اليشكري فقال يا أمير المؤمنين من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا أهم الحرورية فقال لا هم أهل الكتاب كان أولهم على الحق ثم كفروا وأشركوا وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد قال قلت لسعد من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا أهم الخوارج فقال هم اليهود والنصارى أما اليهود فلم يؤمنوا

بمحمد وأما النصارى فلم يؤمنوا بالقيامة لأنهم قالوا ليس في الجنة أكل ولا شرب فضل سعيهم وبطل عملهم وهم يحسبون أنهم على هدى أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه وأما الخوارج فهم الذين قال الله فيهم الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل 146 - ثم قال جل وعز فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا روى أبو هريرة عن النبي (ص) قال يؤتى يوم القيامة بالعظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضه اقرءوا إن شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا

147 - وقوله جل وعز إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا سئل أبو أمامة عن الفردوس فقال هي سرة الجنة وقال كعب هي التي فيها الأعناب قال أبو اسحاق الفردوس البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين وكذلك هو عند أهل اللغة ولم نسمعه إلا في بيت حسان * وإن ثواب الله كل موحد * جنان من الفردوس فيها يخلد *

قرئ على جعفر بن محمد الفريابي عن قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم قال إن في الجنة مائة درجة بين كل درجتين ما بين السماء والأرض والفردوس أعلى الجنة وفوقها عرش الرحمن ومنها تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس 148 - وقوله جل وعز خالدين فيها لا يبغون عنها حولا روى ابن نجيح عن مجاهد قال متحولا وقال غيره هو من الحيلة أي لا يحتالون في غيرها 149 - وقوله جل ذكره قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي

قال مجاهد يعني العلم 150 - ثم قال تعالى ولو جئنا بمثله مددا قيل مددا يمعنى مدادا وقيل هو من قولهم نحن مدد له وقرأ ابن عباس ولو جئنا بمثله مدادا 151 - وقوله جل وعز فمن كان يرجو لقاء ربه قيل يرجو بمعنى يخاف كما قال الشاعر إذا لسعته النحل لم يرج لسعها * وحالفها في بيت نوب عوامل *

وقال سعيد بن جبير لقاء ربه أي ثواب ربه قال أبو جعفر وعلى هذا يكون يرجو على بابه وإذا رجا ثواب ربه خاف عقابه 152 - وقوله جل وعز ولا يشرك بعبادة ربه احدا قال مجاهد يعني الرياء وقال سعيد بن جبير أي لا يرائي وقال كثير بن زياد سألت الحسن عن قوله فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا فيمن نزلت فقال نزلت في المؤمن قلت أيكون مشركا فقال يشرك في العمل إذا عمل عملا أراد الله له والناس وذلك الذي يرد عليه إنتهت سورة الكهف

تفسير سورة مريم

بسم الله الرحمن الرحيم سورة مريم وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل اسمه كهيعص حدثنا أبو بكر بن نافع قال نا سلمة بن شبيب قال نا عبد الرزاق قال أنبأنا ابن عيينة عن عطاء بن السايب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى كهيعص قال كاف من كاف وهاء من هاد وياء من حكيم وعين من عليم وصاد من صادق قال عبد الرزاق وأخبرنا معمر عن قتادة في قوله كهيعص قال اسم من أسماء القرآن قال أبو جعفر وقد استقصينا ما في هذا في سورة البقرة 2 - وقوله جل وعز إذ نادى ربه نداء خفيا

قال يونس بن عبيد كان الحسن يرى ان يدعو الإمام في القنوت ويؤمن من خلفه من غير رفع الصوت وتلا يونس إذ نادى ربه نداء خفيا 3 - وقوله جل وعز قال رب إني وهن العظم مني قال أبو زيد يقال وهن يهن ووهن يوهن وقال غيره أي ضعف 4 - ثم قال تعالى واشتعل الرأس شيبا يقال لمن كثر الشيب في رأسه اشتعل رأسه شيبا 5 - ثم قال جل وعز ولم أكن بدعائك رب شقيا أي لم أكن أخيب إذا دعوتك 6 - ثم قال جل وعز وإني خفت الموالي من ورائي

روى هشام عن اسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال الكلالة وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال العصبة وقال أبو عبيدة يعني بني العم قال ومن ورائي أي من قدامي وقول مجاهد أولى يقال للعصبة موال أي من يليه في النسب كما أن الأقرباء من يقرب إليه في النسب وبنو العم داخلون في هذا كما قال الشاعر * مهلا بني عمنا مهلا موالينا * وقوله أيضا من ورائي من قدامي مخالف لقول أهل

التفسير لأن المعنى عندهم من بعد موتي وقال سعيد بن العاص أمل علي عثمان بن عفان رحمة الله عليه وإني خفت الموالي من ورائي يعني بتشديد الفاء وكسر التاء وإسكان الياء قال ومعناه قلت 7 - ثم قال جل وعز وكانت امرأتي عاقرا أي لا تلد كأن بها عقرا يمنعها من الولاد 8 - ثم قال جل وعز وقد بلغت من الكبر عتيا قال مجاهد أي نحول العظم ويروي أن عبد الله بن مسعود قرأ عسيا

يقال عتا يعتو وعسى يعسو إذا بلغ النهاية في الشدة والكبر قال قتادة كان ابن بضع وسبعين سنة 9 - وقوله جل وعز يرثني ويرث من آل يعقوب روى هشيم عن اسماعيل عن أبي خالد عن أبي صالح قال يكون نبيا كما كانوا أنبياء وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانت وراثته علما وكان زكريا من آل يعقوب وروى عن داود بن أبي هند عن الحسن يرثني اي يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة وأبو إسحاق يذهب الى القول الأول ويبعد أن يكون نبي

يشفق أن يورث ماله للحديث المأثور 10 - وقوله جل وعز يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى أي قلنا يا زكريا 11 - ثم قال جل وعز لم نجعل له من قبل سميا روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لم يسم أحد قبل يحيى بيحيي غيره وروى سفيان عن أبيه عن حسان بن أبي الأشرس لم نجعل له من قبل سميا قال عدلا وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال مثلا

قال أبو جعفر ويقوي هذا أن أهل التفسير منهم ابن جريج قالوا في قول الله هل تعلم له سميا أي مثلا أي شريكا 12 - وقوله جل وعز قال رب أني يكون لي غلام قال أبو اسحاق أراد أن يعلم من أي جهة يولد له وامرأته عاقر وقد كبر قال أبو جعفر وقد ذكرنا العاقر والعتي قبل هذا 13 - ثم قال جل وعز قال كذلك قال ربك هو علي هين أي الأمر كما قيل لك ثم قال تعالى وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا أي شيئا موجودا 14 - ثم قال جل وعز قال رب اجعل لي آية أي علامة تدل على وقوع ما بشرت به

قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليالي سويا قال عكرمة وقتادة والضحاك أي من غير خرس 15 - وقوله جل وعز فخرج على قومه من المحراب قال أهل التفسير كان موضعا مرتفعا وكذلك هو عند اهل اللغة كأنه على حربة لارتفاعه ومنه قيل محراب للموضع الذي يصلي فيه كأنه أرفع المجلس 16 - ثم قال جل وعز فأوحى إليهم قال قتادة أي فأومأ إليهم وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال كتب لهم فذلك الوحي 17 - ثم قال تعالى أن سبحوا بكرة وعشيا روى معمر عن قتادة قال صلوا وذلك معروف في اللغة

ومنه يقال للصلاة سبحة 18 - ثم قال جل وعز يا يحيى خذ الكتاب بقوة في الكلام حذف لعلم المخاطب المعنى فوهبنا له يحيى فقلنا يا يحيى خذ الكتاب بقوه قال مجاهد أي بجد وقال غيره أي بجد وعون من الله 19 - ثم قال تعالى وآتيناه الحكم صبيا قال عبد الرزاق أخبرنا معمر قال بلغنا أن الصبيان قالوا ليحيى وهو صبي تعال حتى نلعب فقال ما للعب خلقنا فقال جل ثناؤه وآتيناه الحكم صبيا

قال أبو جعفر هذا معنى كلامه قال عكرمة الحكم اللب قال قتادة كان ابن سنتين أو ثلاث 20 - ثم قال تعالى وحنانا من لدنا روى شعبة عن سماك عن عكرمة قال الحنان الرحمة وكذلك هو عند أهل اللغة وأصله من حنين الناقة على ولدها قال طرفة * أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا * حنانيك بعض الشر أهون من بعض *

21 - ثم قال جل وعز وزكاة وكان تقيا روى على بن الحكم عن الضحاك قال الزكاة العقل الزاكي الصالح وقال قتادة الزكاة الصدقة 22 - وقوله جل وعز وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا روى قتادة عن الحسن قال لما لقى يحيى عيسى عليهما السلام قال له يحيى أنت خير مني قال عيسى بل أنت خير مني سلم الله عليك وسلمت على نفسي 23 - وقوله جل وعز واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا أي تنحت وتباعدت

ونبذت الشئ رميت به وقيل إنها قصدت مطلع الشمس لتغتسل من الحيض وقيل لتخلو بالعبادة 24 - وقوله جل وعز فأرسلنا إليها روحنا روى علي بن الحكم عن الضحاك قال جبريل صلى الله عليه وسلم قال أبو جعفر وهذا قول حسن لأن غيره قال هو عيسى يدل على ذلك قوله تعالى فتمثل لها بشرا سويا وعيسى بشر

25 - وقوله جل وعز قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا قال أبو اسحاق أي فإن كنت تقيا فستتعظ بين بتعوذي بالله جل وعز منك وقال غيره إن بمعنى ما والأول أولى 26 - ثم قال جل وعز قال إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا ويقرأ لأهب لك فمعنى لأهب بالهمز محمول على المعنى أي قال أرسلته لأهب لك ويحتمل ليهب بلا همز أي يكون بمعنى المهموز ثم خففت الهمزة وقيل المعنى أرسلني الله ليهب لك

27 - وقوله جل وعز قال أني يكون لي غلام ولم يمسسني بشر أي لم يمسسني على جهة تزوج ولم أك بغيا أي لم يقربني على غير حد تزوج 28 - وقوله جل وعز قال كذلك قال ربك هو علي هين أي الأمر كما قيل لك قال الكسائي هو من جاء وجئت به وأجأته وهذا موافق لقول ابن عباس ومجاهد لأنه إذا ألجأها الى الذهاب الى جذع النخلة فقد جاء بها إليه قال زهير * وجار سار معتمدا إليكم * أجاءته المخافة والرجاء * والمخاص أهل الحمل

قال أبو عبيد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان قال مجاهد كان حمل النخلة عجوة وقال غيره كان جذعا بلا رأس وكان ذلك في الشتاء فأنبت الله له رأسا وخلق فيه رطبا وقال ابن عباس حملت ووضعت في ساعة واحدة وقال غيره أقامت ثمانية أشهر وتلك آية لأنه لا يولد مولود لثمانية اشهر فيعيش قال أبو اسحاق قوله تعالى فأجآءها المخاض الى جذع النخلة يدل على طول المكث والله أعلم 29 - وقوله جل وعز فحملته فانتبذت به مكانا قصيا قال مجاهد أي قاصيا

قال الكسائي يقال قصا يقصو أي بعد وأقصاه الله وأقصى الشئ أبعده 30 - وقوله جل وعز فأجآءها المخاض الى جذع النخلة قال ابن عباس ومجاهد أي فألجأها المخاض قال الكسائي هو من جاء وجئت به وأجأته وهذا موافق لقول ابن عباس ومجاهد لأنه إذا ألجأها الى الذهاب الى جذع النخلة فقد جاء بها إليه قال زهير وجار سار معتمدا اليكم أجاءته المخافة والرجاء * والمخاض الحمل

قال أبو عبيد حدثنا عبد الرحمن عن سفيان قال مجاهد كان حمل النخلة عجوة وقال غيره كان جذعا بلا رأس وكان ذلك في الالشتاء فأنبت الله له رأسا وخلق فيه رطبا وقال غيره أقامت ثمانية أشهر وتلك آية لأنه لا يولد مولود لثمانية أشهر فيعيش قال أبو اسحاق قوله تعالى فأجآءها المخاض الى جذع النخلة يدل على طول المكث والله أعلم 31 - ثم قال تعالى قالت يا ليتني مت قبل هذا أي لو خيرت بين الموت وهذا لاخترت الموت 32 - ثم قال جل وعز وكنت نسيا منسيا قال عكرمة أي حيضة ملقاة

والنسي عند أهل اللغة على ضربين أحدهما ما طال مكثه فنسى والآخر الشئ الحقير الذي لا يعبأ به وقرأ محمد بن كعب وكنت نسئا وقرأ نوف وكنت نسا وهو من نسأ الله في أجله أي أخره قال حماد بن سلمة قال لي عاصم كيف تقرأ فاجأها قلت أقرؤها فأجاءها فقا إنما هو فاجأ من المفاجأة 33 - وقوله جل وعز فناداها من تحتها

كذا روى عن أبي بن كعب والبراء بن عازب وإبراهيم النخعي أنهم قرءوا من بالفتح وتأولوه على أنه عيسى عليه السلام وقرأ ابن عباس وعمرو بن ميمون والضحاك فناداها من تحتها وفسروه أنه جبريل صلى الله عليه وسلم قال الضحاك كان جبريل أسفل منها فناداها من ذلك الموضع أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا روى سفيان عن أبي اسحاق عن البراء قال السري الجدول والنهر الصغير وكذلك هو في كلام العرب قال لبيد * فتوسطا عرض السرى وصدعا * مسجورة متجاوزا قلامها *

34 - وقوله جل وعز فقولي إني نذرت للرحمن صوما روى سلمان التيمي عن أنس قال صمتا وذلك معروف في اللغة يقال لكل ممسك عن كلام أو طعام صائم كما قال الشاعر * خيل صيام وخيل غير صائمة * تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما * صيام ممسكة عن الحركة ساكنة 35 - وقوله جل وعز قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا قال مجاهد أي عظيما وقال سعيد بن مسعدة أي مختلقا مفتعلا يقال فريت وأفريت بمعنى واحد

قال قطرب زعم أبو خيرة العدوى أن الفري الجديد من الأسقية قال قطرب فكأن معنى فري بديع وجديد لم يسبق إليه قال وكان معنى افترى على الله جاء بأمر بديع جديد لم يكن وقال أبو عبيدة فري عجيب 36 - وقوله جل وعز يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء روى معمر عن قتادة قال كان هارون صالحا من قومهما فقالوا يا شبيهه هارون قال أبو جعفر ويقوي هذا الحديث المرفوع كانوا يتسمون

بأسماء أنبيائهم والصالحين منهم 37 - ثم قال جل وعز وما كانت أمك بغيا أي فاجرة والبغاء الزنا 38 - وقوله جل وعز فاشارت إليه والمعنى فأشارت الى عيسى أن كلموه ودل على هذا قوله تعالى قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قيل كان ها هنا زائدة لأن الناس كلهم لا يخلون من أن يكونوا هكذا وقيل كان بمعنى وقع وخلق

وقيل فيه معنى الشرط أي من كان صبيا فكيف نكلمه 39 - وقوله جل وعز قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت روى سفيان عن سماك عن عكرمة في قوله تعالى آتاني الكتاب قال قضى أن يؤتينه وقيل معنى وأوصاني بالصلاة والزكاة أي أوصاني بالصلاة والطهارة 40 - وقوله تعالى ذلك عيسى بن مريم أي ذلك الذي قال هذا عيسى بن مريم عبد الله 41 - ثم قال جل وعز قول الحق الذي فيه يمترون

حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون قال اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر أخرج كل قوم عالمهم فامتروا في عيسى حين رفع فقال أحدهم هو الله هبط الى الأرض أحيا من أحيا وأمات من أمات ثم صعد الى السماء وهم اليعقوبية قال فقال الثلاثة كذبت ثم قال اثنان منهم للثالث قل فيه قال هو ابن الله وهم النسطورية قال فقال الاثنان كذبت ثم قال الاثنان للآخر قل فيه قال هو ثالث ثلاثة الله إله وهو إله وأمه إله وهم الإسرئيلية حديث ملوك النصارى قال الرابع كذبت بل هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته وهم المسلمون فكانت لكل رجل منهم اتباع على ما قال فاقتتلوا فظهروا على المسلمين فذلك قول الله جل وغز ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس

قال قتادة وهم الذين قال الله فاختلف الأحزاب من بينهم أختلفوا فيه فصاروا أحزابا 42 - وقوله جل وعز فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم روى مبارك عن الحسن قال يوم القيامة 43 - وقوله جل وعز أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا روى سعيد عن قتادة قال ذلك والله يوم القيامة سمعوا حين لا ينفعهم السمع وأبصروا حين لا ينفعهم البصر قال أبو جعفر والمعنى عند أهل اللغة ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة لأنهم عاينوا ما لا يحتاجون معه الى فكر ولا روية 44 - وقوله تبارك وتعالى وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون

روى سفيان عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال إذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار جيئ بالموت في صورة كبش أملح فينادي يا أهل الجنة فيشرئبون ينظرون ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون ينظرون فيقال أتعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وليس منهم إلا من يعرفه فيذبح بين الجنة والنار ثم يقال يا أهل الجنة خلود لا موت فيه ويا أهل النار خلود لا موت فيه فذلك قول الله جل وعز وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وروى أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي

سعيد الخدري عن النبي (ص) في قوله وهم في غفله وهم لا يؤمنون قال في الدنيا وحدثنا أسامة بن أحمد قال حدثنا هارون بن سعيد الأيلي قال حدثني أنيس بن عياض قال أخبرني محمد بن عمرو وعن أبي سلمة عن أي هريرة أن رسول الله (ص) قال يؤتى بالموت يوم القيامة فيوقف عل الصراط ثم يقال يا أهل الجنة فيطلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه ثم يقال يا أهل النار فيطلعون فرحين مستبشرين رجاء أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه فيقال هل تعرفون هذا فيقولون نعم يا ربنا هذا الموت فيؤمر به فيذبح على الصراط ثم يقال يا أهل الجنة خلودا فيما تجدون لا موت فيه أبدا 45 - وقوله جل وعز واذكر في الكتاب ابراهيم والمعنى واذكر في الكتاب الذي أنزل عليك وهو القرآن قصة إبراهيم وخبره

46 - ثم قال جل وعز إنه كان صديقا نبيا صديق مأخوذ من الصدق وفيه معنى المبالغة والتكثير يقال لمن صدق بالله وأنبيائه وفرائضه وعمل بها صديق ومنه قيل لأبي بكر صديق 47 - وقوله جل وعز يا أبت لا تعبد الشيطان والمعنى لا تطعه فيما يامرك به من الكفر والعصيان فتكون بمنزلة من عبده وروى علي بن الحكم عن الضحاك لئن لم تنته لأرجمنك بالقول قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة يقال رجمه ورماه إذا شتمه ومنه قوله تعالى والذين يرمون المحصنات 48 - ثم قال جل وعز واهجرني مليا

قال سعيد بن جبير ومجاهد أي حينا وقال الحسن أي زمانا طويلا وقال عكرمه أي دهرا وقال الضحاك أي سالما لا تصيبك مني معرة قال أبو جعفر القول عند أهل اللغة أنه بمعنى زمانا ودهرا قال الكسائي يقال هجرته مليا وملوة وملوة وملاوة وملاوة قال أبو جعفر ومنه تمل حبيبك أي عش معه دهرا ومنه أمليت له ومنه قيل لليل والنهار الملوان كما قال الشاعر أمل عليها بالبلى الملوان *

49 - ثم قال جل وعز سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا الحفي اللطيف البار يقال حفي به وتحفى إذا بره أي كان يجيبني إذا دعوته 50 - وقوله جل وعز ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا أي أبقينا عليهم ثناء حسنا قال أبو جعفر ومعروف في اللغة أن يجعل اللسان موضع القول لأن القول به يكون كما قال الشاعر * إني أتاني لسان لا أسر بها * من علو لا عجب منها ولا سخر *

51 - وقوله جل وعز واذكر في الكتاب موسى أنه كان مخلصا أي أخلصناه فجعلناه مختارا خالصا من الدنس ومعنى مخلصا بكسر اللام وحد الله عزوجل بطاعته وأخلص نفسه من الدنس 52 - وقوله جل وعز وقربناه نجيا حدثنا الحسن بن عمر الكوفي قال حدثنا هناد قال حدثنا وكيع وقبيصة عن سفيان عن عطاء ابن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قول الله وقربناه نجيا قال أدنى حتى سمع صريف القلم 53 - وقوله جل وعز واذكر في الكتاب ادريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا قيل إنه سأل ملك الموت أن يريه النار فأراه إياها ثم

سأله أن يدخله الجنة فأدخله إياها ثم قال له اخرج فقال كيف أخرج وقد قال الله وما هم منها بمخرجين قال أبو جعفر فيجوز أن يكون الله أعلم هذا إدريس ثم نزل القرآن به وقيل معناه في المنزلة والرتية وأصح من هذين القولين لعلو إسنادة وصحته ما رواه سعيد عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك بن صعصعة ان النبي (صلى) لما أسرى به قال رأيت إدريس في السماء الرابعة وروى سفيان عن هارون عن ابي سعيد الخدري ورفعناه مكانا عليا قال السماء الرابعة وروى الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن إساف قال كنا عند كعب الأحبار إذ أقبل عبد الله بن عباس فقال هذا

ابن عم نبيكم فوسعنا له فقال يا كعب ما معنى ورفعناه مكانا عليا فقال كعب إن إدريس صلى الله عليه وسلم كان له صديق من الملائكة وأوحى الله إليه إني أرفع لك كل يوم مثل عمل أهل الأرض فقال إدريس للملك كلم لي ملك الموت حتى يؤخر قبض روحي فحمله الملك تحت طرف جناحه فلما بلغ السماء الرابعة لقى ملك الموت فكلمه فقال اين هو فقال ها هو ذا فقال من العجب إني أمرت أن أقبض روحه في السماء الرابعة فقبضها هناك 54 - وقوله جل وعز فخلف من بعدهم خلف قال أبو عبيدة حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال ذلك عند قيام الساعة وذهاب صالحي هذه الأمة أمة محمد ينزو بعضهم على بعض في الأزقة زنا

قال أبو جعفر الخلف بتسكين اللام لا يستعمل إلا للردئ كما قال لبيد ذهب الذين يعاش في أكنافهم * وبقيت في خلف كجلد الأجرب فإذا قلت خلف بتحريك اللام فهو للجيد كم يقال جعل الله فيك خلفا من أبيك 56 - ثم قال جل وعز أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات قال القاسم بن مخيمرة أضاعوها أخروها عن وقتها ولو تركوها لكفروا وقيل أضاعوها تركوها البتة

وهذا أشبه لقوله بعد إلا من تاب وآمن وهذا يدل على أنهم كفروا 57 - ثم قال جل وعز فسوف يلقون غيا روى سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال هو واد في جهنم قال أبو جعفر والتقدير عند أهل اللغة فسوف يلقون جزاء الغي كما قال جل ذكره ومن يفعل ذلك يلق أثاما ويجوز أن يكون الوادي يسمى غيا لأن الغاوين يصيرون إليه

58 - وقوله جل وعز جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب جنات إقامة يقال عدن بالمكان إذا قام به ومنه قيل معدن لمقام أهله به شتاء وصيفا لا ينتجعون منه 59 - وقوله جل وعز إنه كان وعده مأتيا مأتي مفعول من الإتيان وكل ما وصل إليك فقد وصلت إليه كما تقول وصل إلي من فلان خير ووصلت منه إلى خير فالضعيف في العربية يقول مفعول بمعنى فاعل 60 - وقوله جل وعز لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما اللغو الباطل وما يؤثم فيه وما لا معنى له والسلام كل ما يسلم منه وهو اسم جامع للخير أي لا يسمعون إلا كل ما يحبون

61 - ثم قال جل وعز لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا روى الضحاك عن ابن عباس قال في مقادير الليل والنهار قال أبو جعفر ومعنى هذا أن الجنة ليست فيها غداة ولا عشية ولكن المعنى في مقادير هذه الأوقات وقال قتادة كانت العرب إذا وجد الرجل منهم ما يأكل بالغداة والعشي عجب به فأعلمهم الله أن ذلك في الجنة 62 - وقوله جل وعز وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك

وروى عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام لم لا تزورنا أكثر مما تزورنا فأنز الله وما نتنزل إلا بأمر ربك إلى آخر الآية وكان هذا الجواب له وروى أبو حصين عن سعيد بن جبير في قوله ما بين أيدينا قال من أمر الآخرة وما خلفنا من أمر الدنيا وما بين ذلك ما بين الدنيا والآخرة أي البرزخ 63 - وقوله عز وجل وما كان ربك نسيا قيل معناه لم ينسك وإن تأخر عنك الوحي وقيل هو عالم بما كان وبما يكون ولم يقع وما هو كائن لم ينقطع حافظ له لم ينس منه شيئا 64 - وقوله جل وعز هل تعلم له سميا

روى اسرائيل عن سماك عن عكرمة ابن عباس قال هل تعلم أحدا سمي الرحمن سواه قال أبو جعفر وهذا أجل إسناد علمته روي في هذا الحرف وهو قول صحيح لا يقال الرحمن إلا لله وقد يقال لغير الله رحيم وقد بينا لم لا يقال الرحمن إلا لله في سورة الحمد وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد هل تعلم له سميا قال مثلا وروى حجاج عن ابن يجريج لأنه هل تعلم له سميا قال لا شريك له لا مثل وقيل هل تعلم أحدا تقول له الله إلا هو قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة وإنما المعنى هل تعلم أحدا يقال له هذا على استحقاق إلا

الله لأنه الذي وسعت رحمته كل شئ وهو القادر والرازق وقيل المعنى إن اسمه المذكور في هذا الآية لا يسمى به غيره وهو رب السموات والأرض وما بينهما 65 - وقوله جل وعز ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا أو لا يذكر الإنسان أي لا يتفكر وينظر ويذكره بعلم ويتبينه أخبرنا 66 - وقوله جل وعز فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا قال مجاهد وقتادة أي على ركبهم

والمعنى أنهم لشدة ما هم فيه لا يقدرون على القيام 67 - وقوله جل وعز ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا روى سفيان عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص قال يبدأ بالأكابر جرما ومعنى هذا القول نبدأ بتعذيب أكبرهم جرما ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم الذي يليه قال مجاهد من كل شيعة من كل أمة عتيا أي كفرا 68 - وقوله جل وعز وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا في هذه الآية خمسة أقوال أقيل ورودها دخولها لأن بعده ونذر الظالمين فيها وإنما يقال نذر لما حصل فينجي الله الذين اتقوا ويصيرون إلى رحمته فيعرفون مقدار ما خلصوا منه لأنهم قد دخلوا النار وخلصوا منها وهذا قول ابن عباس وإسناده جيد

روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال تمارى ابن عباس ونافع الأزرق فقال نافع ليس الورود الدخول وقال ابن عباس هو الدخول أرأيت قول الله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله تعالى جهنم أنتم لها واردون أوردوا أم لا وقوله تعالى وبئس الورد المورود فأما أنا وأنت فسنردها وأرجو أن يخرجني الله منها ولا يخرجك منها لتكذيبك فقال له نافع ربنا انك يا من تدخل النار فقد أخزيته روى معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحلة القسم يعني الورود

ب وقيل يردها المؤمنون وهي جامدة وروى سفيان عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا يا رب ألم توعدنا أنا نرد النار فيقول قد وردتموها وهي جامدة ج وقيل يعني القيامة د وقيل وإن منكم إلا واردها يراد به المشركون واستدل صاحب هذا القول بأن عمر بن الوليد روى عن عكرمة أنه قرأ وإن منكم إلا واردها والقول الخامس أن ورودها بلاغها والممر بها روى معمر عن قتادة وإن منكم إلا واردها قال الممر بها وروى الحسن بن مسلم عن عبيد الله بن عمير وإن منكم إلا واردها قال حضورها

فهذه خمسة أقوال والله أعلم بما أراد إلا أنه معروف في كلام العرب أن يقال وردت كذا أي بلغته ولم أدخله قال زهير * فلما وردن الماء زرقا جمامة * وضعن عصي الحاضر المتخيم * وقرأ أبي بن كعب ثم ننجي الذين اتقوا أي في ذلك الموضع قال أبو جعفر وأبين ما في هذه الأقوال قول من قال وإن منكم إلا واردها إنها القيامة وقوله تعالى فوربك لنحشرنهم يدل على ذكر القيامة فكنى عنها بهذا وكذلك ذكر جهنم يدل على القيامة لأنها فيها والله جل وعز يقول لا خوف عليهم ولا هم يحزنزن فيبعد أن يكون مع

هذا دخول النار وقرأ ابن عباس ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا 69 - وقوله جل وعز وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا روى أبو ظبيان عن ابن عباس في قوله أي الفريقين خير مقاما قال منزلا وأحسن نديا قال مجلسا قال الكسائي الندي والنادي المجلس

قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة يقال ندوت القوم أندوهم أي جمعتهم ومنه قيل دار الندوة لأنهم كانوا يجتمعون فيها إذا حزبهم الأمر ومنه قوله تعالى وتأتون في ناديكم المنكر 70 - وقوله جل وعز وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا روى الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال الأثاث المتاع والرئى المنظر قال أبو جعفر والأثاث في اللغة المتاع وقال الأحمر واحدته أثاثة وقال الفراء لا واحد له وكذلك الرئى المنظر من رأيت أي ما ترى في صورة

الإنسان ولباسه ويقرأ وريا بلا همزة وهو جيد على تخفيف الهمز وهو حسن ها هنا لتتفق رؤوس الآيات ويجوز أن يكون من الري والنعمة وقال الأخفش يجوز أن يكون من ري المطر والزي بالزاي الهيئة والحسن يقال زيت المرأة أي زينتها وهيأتها 71 - وقوله جل وعز قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا يقال ما معنى الأمر ها هنا قال أبو جعفر الجواب أن هذا أبلغ فلو قلت إن تجئني فلأكرمك لو كان أبلغ من قولك إن تجئني فأكرمك وإنما صار أبلغ لأن فيه معنى الإلزام

72 - ثم قال جل وعز حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة العذاب ها هنا أن ينصر الله المسلمين عليهم فيعذبوهم يكون بالقتل والسبي والساعة القيامة أي وأما تقوم القيامة فيصيرون إلى النار فسيعلمون من هو شر مكانا إذا صاروا إلى النار وأضعف جندا إذا نصر الله المسلمين عليهم 73 - ثم قال جل وعز ويزيد الله الذين اهتدوا هدى قيل نزيدهم هدى بالناسخ والمنسوخ وقيل نزيدهم هدى مجازاة وقد ذكرنا معنى الباقيات الصالحات في سورة الكهف

74 - وقوله جل وعز أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا قال أبو جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام قال حدثنا أبو الأزهر قال حدثنا روح ابن عبادة قال شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن خباب قال كنت قينا في الجاهلية فعملت للعاص بن وائل حتى اجتمعت لي عليه دراهم فجئت أتقاضاه فقال لا أقضيك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فقلت لا أكفر بمحمد حتى تموت وتبعث قال وإني لمبعوث قلت نعم قال فإنه سيكون لي ثم مال وولد فأقضيك فأنزل الله عز وجل أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا إلى آخر القصة قال أبو جعفر وهذا معنى الحديث

75 - وفي قوله تعالى أم أتخذ عند الرحمن عهدا أقوال قال سفيان عملا صالحا وقيل العهد ها هنا توحيد الله والإيمان به وقيل العهد ها هنا الوعد بما قال وقال الأسود بن زيد قال عبد الله يقول الله عز وجل يوم القيامة من كان له عندي عهد فليقم فقالوا يا أبا عبد الرحمن فعلمنا قال قولوا اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك عهدا في هذه الحياة الدنيا إنك إن تكلني إلى عملي تقربني من الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعله لي عندك عهدا تؤديه إلى يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد

قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة والعهد في اللغة يكون الأمان ومنه أهل العهد ومنه قول الله تعالى قال لا ينال عهدي الظالمين قال أبو عبيد كأنه قال لا أؤمنهم من عذاب يوم القيامة وكذلك قول قتادة قال في الآخرة فأما في الدنيا فقد أكلوا وشربوا وعاشوا وأبصروا فإذا قيل للتوحيد عهد فلأنه يؤمن به وكذلك الوعد 76 - وقوله جل وعز ونرثه ما يقول ويأتينا فردا قال قتادة أي نرثه ما عنده أي قوله لأوتين مالا وولدا قال وفي قراءة ابن مسعود ونرثه ما عنده وقيل نبقي عليه الاثم فكأنه موروث قال أبو جعفر قيل هذا مفسر في حديث خباب قيل

والمعنى والله أعلم نسلبه ماله وولده يوم القيامة ألا ترى أن بعده ويأتينا فردا قال أبو جعفر وأصح ما قيل في هذا أن معنى ونرثه ما يقول نحفظ عليه ما يقول حتى نوفيه عقوبته عليه ومن هذا حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء ومنه وأورثكم أرضهم وديارهم 77 - وقوله جل وعز واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا أي أعوانا 78 - ثم قال سبحانه كلا سيكفرون بعبادتهم

كلا عند أهل العربية تنقسم قسمين أحدهما أن يكون ردعا وتنبيها وردا لكلام وهي ها هنا كذلك أي ارتدعوا عن هذا وتنبهوا على وجه الضلالة فيه فإذا كانت كذا فالوقوف عليها التمام وتكون ردعا وتنبيها ولا تكون ردا لكلام نحو قوله تعالى كلا إن الإنسان ليطغى 79 - وقوله جل وعز ويكونون عليهم ضدا أي أعوانا قال مجاهد أي تكون أوثانهم عليهم في النار تخاصمهم وتكذبهم

80 - وقوله جل وعز ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا في معناه قولان أحدهما لم تعصمهم من الشياطين والقول الآخر قيضنا لهم الشياطين مجازاة على كفرهم قال الله جل وعز ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا ومعنى أرسلنا في اللغة هاهنا سلطنا ثم قال سبحانه تؤزهم أزا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال تغريهم إغراء قال ابن جريج الشياطين تؤز الكافرين إلى الشر امضوا

امضوا حتى توقعهم في النار قال قتادة تؤزهم أي تزعجهم إلى المعاصي قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة المعاني وأصله من أزرت الشئ أوزة أزا وأزيزا أي حركته ومنه الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل أي من البكاء 81 - وقوله جل وعز فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا روى هشيم عن أبي يزيد عن أبي جعفر محمد بن علي في قوله تعالى إنما نعد لهم عدا قال كل شئ حتى

الأنفاس 82 - وقوله جل اسمه يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا قال أهل التفسير أي ركبانا قال النعمان بن سعد قرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا فقال أما والله لا يحشرون على أقدامهم ولكنهم يؤتون بنوق لم تر الخلائق مثلها عليه أرحلة الذهب وأزمتها الزبرجد ثم تنطلق بهم إلى الجنة حتى يقرعوا بابها 83 - وقوله جل وعز ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا قال أهل التفسير أي عطاشا قال أهل اللغة هو مصدر وردت فالتقدير عندهم ذوي ورد وقد حكوا أنه يقال للواردين الماء ورد فلما كانوا يردون على

النار كما يرد العطاش على الماء قيل لهم ورد فعلى هذا يوافق اللغة 84 - ثم قال جل وعز لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا أن جعلت من بدلا من الواو كان المعنى لا يملك الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا فإنه يشفع وإن جعلته استثناء ليس من الأول كان المعنى لكن من اتخذ عند الرحمن عهدا فإنه يشفع فيه 85 - وقوله جل وعز وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا قال مجاهد أي عظيما

وذلك معروف في اللغة يقال جاء شيئا إدا وجاء بشئ إد وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي إدا بفتح الهمزة والكسر أعرف قال أبو عبيد ومنه الحديث أن عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله لما هم بقتل علي رضوان الله عليه ذاكر فلانا قال أبو عبيد وقد سماه فقال ثكلتك أمك لقد جئت شيئا إدا أتقتل علي بن أبي طالب 86 - وقوله جل وعز تكاد السماوات يتفطرن منه قال مجاهد الإنفطار الانشقاق قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة يقال فطر ناب البعير إذا انشق اللحم وخرج 87 - وقوله جل وعز وتخر الجبال هدا أي سقوطا

88 - وقوله جل وعز أن دعوا للرحمن ولدا أي لأن دعوا للرحمن ولدا ومن أن دعوا 89 - وقوله جل وعز إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا روى مجاهد عن ابن عباس قال محبة قال مجاهد يحبهم الله ويحببهم إلى خلقه 90 - ثم قال جل وعز فإنما يسرناه بلسانك

أي سهلناه وأنزلناه بلغتك 91 - وقوله جل وعز وتنذر به قوما لدا روى سفيان عن اسماعيل عن أبي صالح قال عوجا عن الحق وقال مجاهد الألد الظالم الذي لا يستقيم وقال الحسن اللد الصم وقال أبو عبيدة هو الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل وأنشد * إن تحت الأحجار حدا ولينا * وخصيما ألد ذا مغلاق * ويروى معلاق بالعين

قال أبو جعفر أحسن هذه الأقوال الأول واللديدان مع صفحتا العنق فكأنه تمثيل 92 - وقوله جل وعز وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد يقال هل أحسست صاحبك أي هل أبصرته 93 - ثم قال جل وعز أو تسمع لهم ركزا روى علي بن الحكم عن الضحاك قال صوتا قال أبو جعفر الركز في اللغة الصوت الخفي الذي لا يكاد يتبين وصلى الله على خير خلقه محمد نبيه وعلى آله وسلم تمت سورة مريم ولله الحمد والمنة

تفسير سورة الحج

تفسير سورة الحج مدنية وآياتها 78 آية

بسم الله الرحمن الرحيم عونك يا رب سورة الحج وهي مدنية قال أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد سألت ابن عباس فقال سورة الحج نزلت بمكة سوى ثلاث آيات منها فإنهن نزلن بالمدينة في ستة نفر من قريش ثلاثة منهم مؤمنون وثلاثة كافرون فأما المؤمنون فهم حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم دعاهم للبراز عتبة وشيبه ابنا ربيعة والوليد بن عتبة فأنزل الله جل وعز ثلاث آيات مدنيات وهن قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم إلى تمام الآيات الثلاث من ذلك

1 - قوله جل وعز يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم روى سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال هذا قبل يوم القيامة 2 - ثم قال جل وعز يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت أي تسلو عنه وتتركه وتحير لصعوبة ما هي فيه وبين الله جل وعز ذلك على لسان نبيه صلى الله عيه وسلم في أي موطن يكون هذا يوم القيامة حدثنا احمد بن عبد الخالق قال حدثنا عمر بن محمد بن الحسن الأسدي قال حدثني أبي قال حدثنا عصام بن طليق عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن

عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجري فقطرت دموعي على خده فاستيقظ صلى الله عليه وسلم فقلت ذكرت القيامة وهولها فهل تذكرون أهاليكم يا رسول الله فقال يا عائشة ثلاثة لا يذكر فيها أحد إلا نفسه أعند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل ب وعند الصحف حتى يعلم ما في صحيفته ج وعند الصراط حتى يجاوزه 3 - وقوله جل وعز وترى الناس سكارى وما هم بسكارى أي وترى الناس سكارى من العذاب والخوف وما هم بسكارى من الشراب وقرأ أبو هريرة وأبو زرعة بن عمرو بن جرير وترى

الناس أي تظنهم لشدة ماهم فيه حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة وأبان عن أنس بن مالك قال نزلت يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شئ عظيم إلى قوله ولكن عذاب الله شديد قال نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ميسر له سعيد فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه فقال أتدرون أي يوم هذا هذا يوم يقول الله عز وجل لادم يا ادم قم فابعث بعث أهل النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحدا إلى الجنة فكبر ذلك على المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم سددوا وقاربوا وأبشروا فوالذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة وإن معكم لخليقتين ما كانتا مع شئ إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ومن هلك من كثرة الجن والإنس

4 - قال ابن جريج في قوله تعالى ومن الناس من يجادل في الله بغير علم هو النضر بن الحارث وقال غيره يجادل يخاصم في الله بزعمه أن الله تعالى جل وعز غير قادر على إحياء من قد بلي وعاد ترابا بغير علم 5 - وقوله جل وعز ويتبع كل شيطان مريد ايه أي ويتبع قوله ذلك وجداله كل شيطان مريد كتب عليه قال قتادة أي على الشيطان المريد الممتد في الشر المتجاوز فيه ومنه قوله تعالى قال إنه صرح ممرد من قوارير

قيل مطول وقيل مملس 6 - وقوله عز وجل كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ايه قال مجاهد وقتادة أنه من تولى الشيطان أي تبعه قال أبو جعفر والمعنى قضي على الشيطان أنه يضل من أتبعه 7 - وقوله عز وجل يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث ايه أي ان كنتم في شك من أنكم تبعثون فتدبروا في أول خلقكم وابتدائكم فإنكم لا تجدون فرقا بين الإبتداء والإعادة 8 - ثم قال عز وجل فإنا خلقناكم من تراب ايه يعني ادم صلى الله عليه وسلم ثم من نطفة ثم من علقة

قال الخليل العلق الدم قبل أن ييبس الواحدة علقة وهكذا تصير النطفة قال أبو عبيد العلق بكر من الدم ما اشتدت حمرته 9 - ثم من مضغة وهي لحمة صغيرة بقدر ما يمضغ مخلقة وغير مخلقة روى معمر عن قتادة قال تامة وغير تامة قال الشعبي النطفة والعلقة والمضغة فإذا نكست في الخلق الرابع كانت مخلقة وإذا قذفتها قبل ذلك فهي غير مخلقة قال أبو العالية غير مخلقة السقط قال أبو جعفر مخلقة مصورة ويبين ذلك هذا الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مروي من طرق شتى فمن طرقه ما رواه سلمة بن كهيل عن زيد بن وهب

قال سمعت ابن مسعود يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو الصادق المصدوق يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة أربعين يوما ثم يكون مضغة أربعين يوما ثم يبعث الله جل وعز إليه ملكا فيقول اكتب عمله وأجله ورزقه واكتبه شقيا أو سعيدا قال عبد الله والذي نفسي بيده إن الرجل ليعمل بعمل أهل السعادة فيعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع ثم يدركه الشقاء فيعمل بعمل أهل النار أو الشقاء فيدخل النار وروى عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قد وكل بالرحم ملكا فيقول أي رب أنطفة قد أي رب أعلقة وفي أي رب أمضغة كل فإذا أراد الله جل وعز أن يقضي خلقها قال يقول الملك أذكر أم أنثى

أشقي أم سعيد فما الأجل فما الرزق فيكتب ذلك في بطن أمه قال علقمة إذا وقعت النطفة في الرحم قال الملك مخلقة أو غير مخلقة فإن قال غير مخلقة مجت الرحم دما وإن قال مخلقة قال أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد فيقول اكتبها من اللوح المحفوظ فيجد صفتها فيستنسخه فلا يزال العبد يعمل عليه حتى يموت 10 - وقوله جل وعز لنبين لكم ايه أي ذكرنا أحوال الخلق لنبين لكم ويجوز أن يكون المعنى خلقنا هذا الخلق لنبين لكم 11 - ثم قال جل وعز ونقر في الأرحام ما نشاء ايه أي ونحن نقر في الأرحام ما نشاء ثم قال ومنكم من يتوفى ايه 5

وحكى أبو حاتم أن بعضهم قرأ ومنكم من يتوفى ومعناه يستوفي أجله 12 - وقوله عز وجل لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ايه 5 قال الفراء لكيلا يعقل من بعد ما عقل شيئا 13 - وقوله وجل عز وترى الأرض هامدة ايه 5 روى سعيد عن قتادة قال أي غبراء متهشمة قال أبو جعفر يقال همدت النار إذا طفئت وذهب لهبها وأرض هامدة أي جافة عليها تراب 14 - ثم قال جل وعز فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ايه 5

أي تحركت وربت أي زادت وقرأ يزيد بن القعقاع وخالد بن إلياس وربأت أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الربيئة وهو الذي يحفظ القوم على شئ مشرف فهو رابئ * وربئة فلا على المبالغة 15 - ثم قال عز وجل وأنبتت من كل زوج بهيج ايه 5 أي من كل صنف من النبات وروى سعيد عن قتادة قال بهيج حسن قال أبو جعفر يقال بهج فهو بهج إذا حسن وأبهجني أعجبني لحسنه 16 - ثم قال جل وعز ذلك بأن الله هو الحق ايه 6 أي الأمر ذلك والأمر ما وصف لكم وبين

ثم قال جل وعز وأنه يحيي الموتى أي كما أحيا الأرض بقدرته 17 - وقوله جل وعز ثاني عطفه ايه 9 قال مجاهد أي رقبته وقال قتادة أي عنقه قال أبو العباس العطف ما انثنى من العنق ويقال للأردية منه العطف لأنها تقع على ذلك الموقع وقال غيره يوصف بهذا المتكبر المعرض تجبرا 18 - قوله جل وعز ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ايه 10

والمعنى يقال له هذا العذاب بما قدمت يداك وبأن الله ليس بظلام للعبيد 19 - ثم قال جل وعز ومن الناس من يعبد الله على حرف ايه 11 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال على شك قال أبو جعفر وحقيقته في اللغة على حرف طريقة الدين أي ليس داخلا فيه بكليته وبين هذا بقوله جل وعز فإن أصابه خير اطمأن به قال استقر وإن أصابته فتنة قال عذاب أو مصيبة انقلب على وجهه قال ارتد كافرا 20 - ثم قال جل وعز خسر الدنيا والاخرة ايه 11 وقرأ مجاهد وحميد خاسر الدنيا والاخرة

21 - وقوله جل وعز يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ايه 12 ثم قال بعد يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى فيقال كيف يكون له ضر وقد قال ما لا يضره فالجواب أن المعنى يدعو لمن ضر عبادته فإن قيل كيف قال أقرب من نفعه ولا نفع له فالجواب أن العرب تقول لما لا يكون البتة هذا بعيد مثل قوله تعالى ذلك رجع بعيد وفي الاية أجوبة من أجل اللام فأكثر النحويين يذهب إلى أنها في غير موضعها وأن المعنى يدعو من لضرة أقرب من نفعه وقال أبو العباس في الكلام حذف أي يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إلها

وقيل يدعو ههنا بمعنى يقول كما قال عنترة * يدعون عنتر والرماح كأنها * أشطان بئر في لبان الأدهم * وقال أبو إسحق يجوز أن يكون يدعو في موضع الحال وفيه هاء محذوفة ويكون خبر من لبئس المولى ولبئس العشير قال الفراء يجوز أن يكون يدعو خبر من ويكون لبئس المولى ولبئس العشير مكررة على ما قبلها ولأبي إسحق قول اخر وزعم أن النحويين أجازوه قال يكون ذلك بمعنى الذي أي الذي هو الضلال البعيد يدعو لمن ضره كما قال تعالى وما تلك بيمينك موسى

وأنشد * عدس ما لعباد عليك إمارة * أمنت وهذا تحملين طليق * وحكى الفراء أنه يجوز في هذا شئ لم يتقدم به أثر وهو يدعو لمن ضره بكسر اللام بمعنى يدعو إلى من ضره كما قال سبحانه الحمد لله الذي هدانا لهذا أي إلى هذا قال أبو جعفر والاية مشكلة لدخول اللام وإن الحذاق من النحويين يمنعون أن ينوى بها تقديم أو تأخير لأنها لا تصرف وأن يكون يدعو بمعنى يقول حسن والخبر محذوف أي يقول لمن ضره أقرب من نفعه له 22 - ثم قال جل وعز لبئس المولى ايه 13 أي الولي كما قال الشاعر * فعدت كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها *

ولبئس العشير أي الصاحب والخليل قال مجاهد يعني الوثن 23 - وقوله جل وعز من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والاخرة ايه 15 قال أبو جعفر هذه الاية مشكلة وفيها قولان أروى سفيان عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال من كان يظن أن لن ينصره الله يعني محمدا صلى الله عليه وسلم فليمدد بسبب أي بحبل إلى السماء أي سقف بيته ثم ليقطع أي ليختنق قال أبو جعفر وهذا قول أكثر أهل التفسير منهم الضحاك ومعناه من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا عليه السلام

ويظهر دينه على الدين كله فليجهد جهده فلينظر هل ينفعه ذلك شيئا ب والقول الاخر أن طلحة بن عمرو قال سمعت عطاء يقول في قوله تعالى من كان يظن أن لن ينصره الله أن لن يرزقه الله فليمدد بسبب إلى السماء أي إلى سماء بيته فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق وروى ابن أبي نجيج عن مجاهد من كان يظن أن لن ينصره الله قال أي أن لن يرزقه الله قال أبو جعفر وهذا القول أيضا معروف في اللغة وهو قول أبي عبيدة وحكى أهل اللغة أنه يقال أرض منصورة أي ممطورة وروى عن ابن عباس من كان يظن أن لن ينصر الله

محمدا أي يرزقه في الدنيا وقال غيره الأولى أن تكون الهاء تعود على النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله جل وعز ذكر قوما يعبدونه على حرف ثم أتبع ذلك هذه الاية في قوم يظنون أن الله لا يوسع على محمد وأمته ولا يرزقهم في الاخرة من سني عطاياه فليمدد بحبل إلى سماء فوقه إما سقف بيته أو غيره إذا اغتاط لاستعجال ذلك 24 - قال أبو جعفر وقد ذكرنا القول في قوله عز وجل إن الذين امنوا والذين هادوا في سورة البقرة 25 - وقوله تعالى ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض ايه 17 قيل السجود ههنا الطاعة والانقياد ومعنى قوله تعالى وكثير حق عليه العذاب وكثير أبى 26 - ثم قال جل وعز ومن يهن الله فما له من مكرم ايه 18

قال الفراء وقد يقرأ فما له من مكرم أي إكرام 0 27 ثم قال جل وعز هذان خصمان اختصموا في ربهم ايه 19 قد ذكرنا فيمن نزلت هذه القصة في أول هذه السورة 28 - ثم قال جل وعز فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ايه 19 قيل هذا لأحد الخصمين وهي الفرقة الكافرة 29 - ثم قال جل وعز يصهر به ما في بطونهم ايه 20 قال مجاهد أي يذاب قال أبو جعفر وحكى أهل اللغة صهرت الشحم أي أذبته والصهارة ما أذيب من الألية

30 - وقوله جل وعز إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ايه 25 خبر إن محذوف والمعنى إن الذين كفروا هلكوا كما قال إن محلا وإن مرتحلا 31 - ثم قال جل وعز والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ايه 25 وحكى أبو حاتم أن بعضهم قرأ سواء بالنصب العاكف فيه والبادئ بالخفض والمعنى الذي جعلناه للناس العاكف والبادي

قال مجاهد العاكف النازل والبادي الجائي وقال الحسن وعطاء العاكف من كان من أهل مكة والبادي من كان من غير أهلها قال مجاهد أي هما في تعظمهما: وحرمتهما سواء وقال عطاء أي ليس أحد أحق به من أحد وتأول عمر بن عبد العزيز الاية على أنه لا يكرى بيوت مكة وروي عن عمر بن الخطاب أنه كان ينهي أن تغلق دور مكة في زمن الحج وأن الناس كانوا ينزلون منها حيث وجدوه فارغا

وظاهر القران يدل على أن المراد المسجد كما قال جل وعز وهم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام لأنهم كانوا يمنعون منه ويدعون أنهم أربابه إنما ذكر المسجد ولم يذكر دور الناس ومنازلهم وقيل هما في إقامة المناسك سواء وقيل ليس لأحدهما فضل على صاحبه 32 - ثم قال جل وعز ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ايه 25 روى مرة عن عبد الله بن مسعود قال لو أن رجلا هم بخطيئة لم تكتب عليه ولو هم بقتل رجل بمكة وهو ب عدن أبين لعذبه الله جل وعز ثم قرأ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم

غير نذقه من عذاب أليم وروى هشيم عن الحجاج عن عطاء ومن يرد فيه بإلحاد قال من عبد غير الله جل وعز وقال مجاهد من عمل بسيئة وقال حبيب بن أبي ثابت هم المحتكرو أحمد الطعام بمكة وأبين ما قيل فيه أن معنى بإلحاد بظلم لكل معصية لأن الاية عامة قال أبو جعفر أصل الإلحاد في اللغة الميل عن القصد ومنه سمي اللحد ولو كان مستويا لقيل ضريح ومنه قوله سبحانه وذروا الذين يلحدون في أسمائه يقال لحد وألحد بمعنى واحد هذا قول أهل اللغة إلا الأحمر فإنه حكى أنه يقال ألحد إذا جادل ولحد إذا عدل ومال

قال سعيد بن مسعدة الباء زائدة والمعنى ومن يرد فيه إلحاد بظلم وهذا عند أبي العباس خطأ لأنه لا يزاد شئ لغير معنى والقول عنده أن يريد ما يدل على الإرادة فالمعنى ومن إرادته بأن يلحد بظلم كما قال الشاعر * أريد لأنسى ذكرها فكأنما * تمثل لي ليلى بكل سبيل * وحكى الفراء عن بعض القراء ومن يرد فيه بإلحاد من الورود وهذا بعيد لأنه إنما يقال وردته ولا يكاد يقال وردت فيه 33 - وقوله جل وعز وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ايه 26

يقال لم جئ ههنا باللام وقد قال في موضع اخر ولقد بوأنا بني اسرائيل مبوأ صدق فالفرق بينهما أن أهل التفسير قالوا المعنى جعلنا لإبراهيم مكان البيت مبوأ أي منزلا قال أبو جعفر ويبين لك معناه حديث حدثناه أبو عبيد القاضي عن الزعفراني قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا سفيان عن بشر بن عاصم عن سعيد بن المسيب قال سمعت كعب الأحبار يقول كان البيت غثاءة على الماء قبل أن يخلق الله الأرض بأربعين سنة ومنه دحيت الأرض قال سعيد حدثنا علي بن أبي طالب أن إبراهيم نبي الله صلى الله عليه وسلم أقبل من أرمينية ومعه السكينة تدله على البيت حتى تبوأ البيت تبوأ كما تتبوأ العنكبوت بيتا فكان يحمل الحجر من الحجارة الحجر يطيقه أو لا يطيقه ثلاثون رجلا قال فقلت لسعيد يا أبا محمد إن الله جل وعز يقول وإذ يرفع إبراهيم

القواعد من البيت وإسماعيل قال إنما كان هذا بعد ذلك 34 - ثم قال جل وعز وطهر بيتي للطائفين والقائمين ايه 26 روى هشيم عن عبد الملك قال القائمون المصلون قال قتادة والركع السجود أهل الصلاة 35 - ثم قال عز وجل وأذن في الناس بالحج ايه 28 وقرأ الحسن واذن في الناس بالحج مخففة ممدودة يقال اذنته بعد بالصلاة وبكذا أي أعلمته وأذنت على التكثير وقرأ ابن أبي إسحق بالحج بكسر الحاء في جميع القران قال مجاهد فقال إبراهيم صلى الله عليه وسلم يا رب كيف أقول قال قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم وفوقرت يقول في قلب كل مؤمن فأجابوا

ب لبيك اللهم لبيك أي فأجاب من يحج 36 - ثم قال جل وعز يأتوك رجالا ايه 28 قال ابن عباس أي رجالة وقرأ مجاهد يأتوك رجالا وروى عن عكرمة يأتوك رجالا قال أبو جعفر يقال في جمع راجل خمسة أوجه راجل ورجال مثل راكب وركاب وهذا الذي روي عن عكرمة وراجل ورجال مثل قائم وقيام ويقال راجل ورجله ورجل ورجاله فهذه خمسة والذي روي عن مجاهد غير معروف والأشبه به أن يكون غير منون مثل كسالى وسكارى ولو نون لكان على فعال وفعال في الجميع قليل

37 ثم قال جل وعز وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق وقرأ أصحاب عبد الله يأتون من كل فج عميق قال عطاء ومجاهد والضحاك من كل طريق بعيد قال أبو جعفر العمق في اللغة البعد ومنه بئر عميقة أي بعيدة القعر ومنه وقاتم الأعماق خاوي المخترق 38 - ثم قال جل وعز ليشهدوا منافع لهم روى عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال الأسواق وروى سفيان عن جابر عن أبي جعفر ليشهدوا منافع لهم قال المغفرة وقال عطاء ما يرضى الله من أمر الدنيا والآخرة

قال أبو جعفر قول جابر في هذا أحسن أي وأذن في الناس بالحج ليأتوا لعمل الحج الذي دعوا له وهو سبب للمغفرة وليس يأتون من كل فج عميق ولا وأذن فيهم ليتجروا الذي هذا بعيد جدا 39 - ثم قال جل وعز ويذكروا اسم الله في أيام معلومات في الأيام المعلومات اختلاف ولا نعلم في المعدودات اختلافا روى ابن ليلى عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب قال الأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده إذبح في أيها شئت وأفضلها وأولها وهذا المعروف من قول ابن عمر وهو قول أهل المدينة وروى هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال

الأيام المعلومات العشر يوم النحر منها والأيام المعدودات أيام التشريق إلى آخر النفر وقال بهذا القول عطاء ومجاهد وإبراهيم والضحاك وهو قول أهل الكوفة 40 - وقوله جل وعز فكلو منها وأطعموا البائس الفقير قال عطاء ومجاهد إن شئت فكل وإن شئت فلا تأكل قال أبو جعفر وهذا عند أهل اللغة على الإباحة كما قال سبحانه وإذا حللتم فاصطادوا فإن قيل الإباحة لا تكون إلا بعد حظر فكيف يكون ههنا إباحة ولبس في الكلام حظر فالجواب أنهم كانوا في الجاهلية يحظرون أكل لحوم الضحايا

فأعلمهم الله جل وعز أن ذلك مباح لهم قال مجاهد البائس الذي إذا إذا سألك مد يده قال أبو جعفر البائس في اللغة الذي به البؤس وهو شدة الفقر 41 - وقوله جل وعز ثم ليقضوا تفثهم حدثنا أحمد بن محمد بن منصور الحاسب قال حدثنا الحكم بن موسى قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا عبد الملك بن سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال التفث الحلق والتقصير والرمي والذبح والأخذ من الشارب واللحية ونتف الإبط وقص الإظفار وكذلك هو عند جميع اهل التفسير أي الخروج من الإحرام إلى الحل لا يعرفه أهل اللغة إلا من التفسير 42 - وقوله جل وعز وليوفوا نذورهم قال مجاهد الحج والهدي وكل ما يلزم الإنسان من أمر الحج

قال أبو جعفر الذي قاله مجاهد معروف يقال لكل ما وجب على الإنسان نذر فالمعنى وليوفوا ما وجب عليهم من أمر الحج 43 - ثم قال سبحانه وليطوفوا بالبيت العتيق قال مجاهد والضحاك هو الطواف الواجب يوم النحر وروى روح بن عبادة عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما سمي البيت العتيق لأن الله جل وعز أعتقه من الجبابرة فلم يغلب عليه جبار قط ورواه أبو داود الطيالسي عن صالح عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة غير مرفوع وقال الحسن سمي العتيق لقدمه

وحجته قوله تعالى إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة 44 - وقوله جل وعز ذلك من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه قال مجاهد الحج والعمرة وقال عطاء المعاصي قال أبو جعفر القولان يرجعان إلى شئ واحد إلا أن حرمات الله جل وعز ما فرضه وأمر به ونهى عنه فلا ينبغي أن يتجاوز كأنه الذي يحرم تركه 45 - وقوله جل وعز وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم قيل الصيد للمحرم

وروى معمر عن قتادة قال الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه وقال غيره هو ما يتلى في سورة المائدة من قوله جل وعز حرمت عليكم الميتة الدم ولحم الخنزير إلى قوله وما أكل السبع إلا ما ذكيتم قال أبو جعفر وقول قتادة جامع لهذا لأن هذه المحرمات أصناف الميتة 46 - ثم قال تعالى فاجتنبوا الرجس من الأوثان الرجس النتن ومن ههنا لبيان الجنس أي الذي هو وثن 47 - ثم قال جل وعز واجتنبوا قول الزور قال عبد الله بن مسعود عدل الله عز وجل شهادة الزور بالشرك ثم تلا هذه الآية وقال مجاهد الزور الكذب وقيل الشرك

والمعاني متقاربة وكل كذب زور وأعظم ذلك الشرك والذي يوجب حقيقة المعنى لا تحرموا ما كان أهل الأوثان يحرمونه من قولهم ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ومن تحريم السائبة وما أشبه ذلك من الزور كما قال تعالى افتراء على الله 48 - ثم قال جل وعز حنفاء لله غير مشركين به قال مجاهد أي متبعين 49 - ثم قال جل وعز ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أي هو في البعد من الحق كذي

يقال خطفه يخطفه واختطفه لأن يختطفه إذا أخذه بسرعة 50 - ثم قال جل وعز أو تهوي به الريح في مكان سحيق قال مجاهد أي بعيد 51 - وقوله جل وعز ذلك من يعظم شعائر الله قال مجاهد عن ابن عباس هو تسمين البدن وتعظيمها وتحسينها وقال غيره شعائر الله رمي الجمار وما أشبه ذلك من مناسك الحج قال أبو جعفر وهذا لا يمتنع وهو مذهب مالك بن أنس أن المنفعة بعرفة إلى أن يطلع الفجر من يوم النحر وفي المشعر الحرام إلى أن تطلع الشمس وفي رمي الجمار إلى انقضاء أيام منى وهذه كلها شعائر والمنفعة فيها الى وقت معلوم ثم محلها كلها إلى البيت العتيق فإذا طاف الحاج بعد هذه المشاعر بالبيت العتيق فقد حل

وواحد الشعائر شعيرة لأنها أشعرت أي جعلت فيها علامة تدل على أنها هدي ثم قال تعالى فإنها من تقوى القلوب أي فإن الفعلة 52 - وقوله جل وعز لكم فيها منافع إلى أجل مسمى قال أبو جعفر في هذا قولان غير قول مالك أحدهما أن عروة قال في البدن المقلدة يركبها ويشرب من ألبانها والثاني قال مجاهد هي البدن من قبل أن تقلد ينتفع بركوبها وأوبارها وألبانها وإذا صارت هديا لم يكن له أن يركبها إلا من ضرورة قال أبو جعفر وقول مجاهد عند قوم أولى لأن الأجل

المسمى عنده أن تجعل هديا وتقلد والأجل المسمى ليس موجودا في قول عروة وقد احتج من قال بقول عروة بقول النبي صلى الله عليه وسلم اركبها ويلك واحتج عليه بأنه لم يقل له وهل يحرم ركوب البدن ولعل ذلك من ضرورة ويبين هذا حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا ظهرا 53 - وقوله جل وعز ولكل أمة جعلنا منسكا روى سفيان عن أبيه عن عكرمة قال مذبحا وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يقول عيدا قال أبو اسحق المنسك موضع الذبح والمنسك المصدر

54 - ثم قال تعالى وبشر المحبتين روى سفيان عن ابن ابي نجيح عن مجاهد قال المخبتون المطمئنون بأمر الله جل وعز وقال عمرو بن أوس المخبتون الذين لا يظلمون وإذا ظلموا وقد لم ينتصروا قال أبو جعفر وأصل هذا من الخبت وهو ما اطمأن من الأرض 55 - وقوله جل وعز والبدن جعلناها لكم من شعائر الله

وقرأ ابن أبي إسحق والبدن والمعنى واحد قال مجاهد قيل لها بدن للبدانة قال أبو جعفر البدانة السمن يقال بدن إذا سمن وبدن إذا أسن فقيل لها بدن لأنه تسمن 56 - وقوله جل وعز لكم فيا خير قال إبراهيم يركب إذا احتاج ويشرب من اللبن وقيل خير في الآخرة وذا أولى لأنه لو كان للدنيا كان ألا يجعلها بدنة خيرا له 57 - وقوله جل وعز فاذكروا اسم الله عليها صواف وقرأ عبد الله بن مسعود صوافن

وقرأ الحسن وزيد بن أسلم والأعرج صوافي روى نافع عن ابن عمر فاذكروا اسم الله عليها صواف قال قياما مصفوفة وروى أبو ظبيان عن ابن عباس فاذكروا اسم الله عليها قال بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك قال وصوافن قائمة على ثلاث قال قتادة معقولة اليد اليمنى قال الحسن وزيد بن أسلم صوافي أي خالصة لله من الشرك قال أبو جعفر صواف جمع صافة وصافة مصفوفة ومصطفة علي بمعنى واحد وصوافن جمع صافنة يقال للقائم صافن ويستعمل لما قام على ثلاث

وصوافي جمع صاف وهو الخالص أي لا تذكروا عليها غير اسم الله جل وعز حتى تكون التسمية خالصة الله جل وعز 58 - ثم قال جل وعز فإذا وجبت جنوبها قال مجاهد أي خرت الى الأرض 59 - ثم قال جل وعز فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر قال أبو جعفر أحسن ما قيل في هذا وهو الصحيح في اللغة أن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن قالوا القانع الذي يسأل والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل وقال مالك بن أنس أحسن ما سمعت أن القانع هو الفقير وأن المعتر هو الزائر

وقال أبو جعفر يقال قنع الرجل يقنع قنوعا فهو قانع إذا سأل وأنشد أهل اللغة * لمال المرء يصلحه فيغني * مفاقرة حتى أعف من القنوع * وروي عن أبي رجاء أنه قرأ وأطعموا القنع ومعنى هذا مخالف للأول يقال قنع الرجل إذا رضي فهو قنع وروى عن الحسن أنه قرأ والمعتري معناه كمعنى المعتر يقال اعتره واعتراه وعراه إذا تعرض لما عنده أو طلبه 60 - وقوله جل وعز لن ينال الله لحومها ولا دماؤها

يروى عن ابن عباس أنهم كانوا في الجاهلية ينضحون بدماء البدن ما حول البيت فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك فأنزل الله جل وعز هذه الآية قال إبراهيم في قوله ولكن يناله التقوى منكم قال التقوى ما أريد به وجه الله عز وجل 61 - وقوله جل وعز إن الله يدافع عن الذين آمنوا وعدهم جل وعز النصر ثم أخبرهم أنه لا يحب من ذكر غير اسمه على الذبيحة فقال إن الله لا يحب كل خوان كفور وخوان فعال من الخيانة

62 - ثم قال جل وعز أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا في الكلام حذف والمعنى أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا وروى الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير أنه قرأ أذن بفتح الهمزة يقاتلون بكسر التاء وقال هي أول آية نزلت في القتال لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة 63 - وقوله جل وعز الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق روى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو النبي صلى الله عليه وسلم ومن خرج معه من مكة

64 - ثم قال جل وعز إلا أن يقولوا ربنا الله هذا عند سيبويه استثناء ليس من الأول وقال غيره المعنى إلا بأن يقولوا ربنا الله على البدل 65 - ثم قال جل وعز ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا حدثنا سعيد بن موسى ب (قرقيسياء) قال حدثنا مخلد بن مالك عن محمد بن سلمة عن خصيف قال أما الصوامع فصوامع تعالى الرهبان وأما البيع فكنائس النصارى

وأما الصلوات فكنائس اليهود وأما المساجد فمساجد فإن المسلمين قال أبو جعفر والمعنى على هذا لولا أن الله جل وعز يدفع بعض الناس ببعض لهدم في وقت كل نبي المصليات التي يصلي فيها وقيل يذكر فيها اسم الله كثيرا راجع إلى المساجد خاصة هذا قول قتادة فأما قوله وصلوات والصلوات لا تهدم ففيه ثلاثة أقوال قال الحسن هدمها تركها قال الأخفش هو على إضمار أي وتركت صلوات

وقال أبو حاتم هو إن شاء الله بمعنى موضع صلوت وروي عن عاصم الجحدري أنه قرأ وصلوب بالباء المعجمة من تحت وروي عنه أنه قرأ وصلوت بضم الصاد والتاء معجمة بنقطتين وقال هي للنصارى وروي عن الضحاك أنه قرأ وصلوث بالثأء عمر معجمة ولا أدري أفتح الصاد أم ضمها إلا أن الحسن قال وصلوات هم كنائس اليهود وهي بالعبرانية صلوثا 66 - وقوله جل وعز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة آية 41 قال الحسن هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم

وقال ابن أبي نجيح هم الولاة قال أبو جعفر الذين بدل من من والمعنى ولينصرن الله الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة 67 - وقوله جل وعز فكأين قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها آية 45 قال أهل التفسير المعنى فكم وهي عند النحويين أي دخلت عليها كاف التشبيه فصار التقدير كالعدد الكثير والمعنى معنى كم 68 - وقوله جل وعز فهي خاوية على عروشها آية 45 وروي معمر عن قتادة قال خالية ليس فيها أحد قال أبو جعفر يقال خوت الدار تخوي خواء إذا خلت وخوى الرجل يخوي خوى إذا جاع والعروش السقوف 69 - ثم قال جل وعز وبئر معطلة

قال الضحاك أي لا أهل لها وقصر مشيد قال عكرمة أي مجصص قال ابن أبي نجيح أي بالقصة وهي الجص وروي علي بن الحكم عن الضحاك وقصر مشيد قال طويل والقول الأول أولى لأنه يقال شاده يشيده إذا بناه بالشيد وهو الجص كما قال عدي بن زيد * شاده مرمرا وجلله كلسا فللطين النبي في ذاره وإن وكور *

فأما إذا طوله ورفعه فإنما يقال فيه شيده وأشاده ومنه أشاد فلان بذكر فلان 70 - وقوله جل وعز فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وفي قراءة عبد الله فإنه لا تعمى والمعنى واحد قال أبو جعفر التذكير على الخبر والتأنيث على القصة قال قتادة البصر الناظر جعل بلغة ومنفعة والبصر النافع في القلب 71 - ثم قال جل وعز ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون

روي إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض كألف سنة مما تعدون وروى شعبة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال يوم من أيام الآخرة كألف سنة مما تعدون قال ويوم كان مقداره خمسين ألف سنة يوم القيامة قال أبو جعفر والقول الثاني حسن جدا لأنه عليه يتصل بالكلام الأول لأنهم استعجلوا بالعذاب فقال ولن يخلف الله وعده أي في عذابهم وإن يوما من أيام عذابهم في الآخرة كألف سنة مما تعدون في الدنيا

فصار المعنى إن الله لن يخلف وعده في عذابهم في الدنيا وعذابهم في الآخرة أشد قال أبو جعفر وفي معناه قول آخر بين وهو أنهم استعجلوا بالعذاب فأعلمهم الله جل وعز أنه لا يفوته شئ وإن يوما عنده وألف سنة واحد إذ كان ذلك غير فائته 72 - وقوله جل وعز والذين سعوا في آياتنا معاجزين آية 51 قال عبد الله بن الزبير إنما هي معجزين أي مثبطين عن الإيمان قال ابن عباس مععاجزين كما أي مشاقين قال الفراء معاندين وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى معاجزين قال كذبوا بآيات الله عزوجل وظنوا أنهم يعجزون الله ولن يعجزوه

قال أبو جعفر وهذا قول بين والمعنى عليه والذين سعوا في آياتنا ظانين أنهم يعجزوننا لأنهم لا يقرون ببعث ولا بجنة ولا نار أولئك أصحاب الجحيم 73 - وقوله جل عز وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته آية 52 قال بن أبي نجيح تمنى أي قال وقال أهل اللغة تمنى أي تلا والمعنى واحد 74 - ثم قال جل وعز فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته آية 52 روى الليث عن يونس عن الزهري قال أخبرني أبو بكر ابن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بمكة والنجم إذا هوى فلما بلغ إلى ى قوله تعالى أمرأيتم هو اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى سها فقال فإن شفاعتهم ترتجى فلقيه المشركون والذين في قلوبهم مرض فسلموا عليه

فقال إن ذلك من الشيطان فأنزل الله جل وعز وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته إلى آخر الآية قال قتادة قرأ النبي صلى الله عليه وسلم فاغفى ونعس فقال أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فإنها ترتجى وإنها الغرانيق العلى فوقرت في قلوب المشركين فسجدوا معه أجمعون وأنزل الله

جل وعز وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في امنيته إلى آخر الآية 75 - وقوله جل وعز ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض آية 53 فتنة أي اختبار وامتحانا والله جل وعز يمتحن بما يشاء 76 - وقوله جل وعز وإن الظالمين لفي شقاق بعيد الشقاق أشد العداوة 77 - ثم أخبر تعالى أن هؤلاء لا يتوبون ولا يزالون في شك فقال جل وعز ولا يزال الذين كفروا في مرية منه أي في شك حتى تأتيهم الساعة بغتة أي فجأة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم آية 55 قيل هو يوم القيامة وأهل التفسير على أنه يوم بدر قال ذلك سعيد بن جبير وقتادة وقال قتادة وبلغني عن أبي بن كعب أنه قال أربع آيات نزلت في يوم بدر عذاب يوم عقيم يوم بدر

واللزام القتال في يوم بدر ويوم نبطش البطشة الكبرى يوم بدر ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر يوم بدر قال أبو جعفر أصل العقم في اللغة الامتناع ومنه قولهم امرأة عقيم رجل عقيم إذا منعا الولد وريح عقيم لا يأتي بسحاب فيه مطر أي فيه العذاب ويوم عقيم لا خير فيه لقوم فيوم القيامة ويوم بدر قد عقم فيهما الخير والفرح عن الكفار

78 - وقوله جل وعز ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به آية 60 والأول ليس بعقوبة فسمي الأول باسم الثاني لأنهما من جنس واحد على الازدواج كما يسمى الثاني باسم الأول 79 - وقوله جل وعز ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة آية 63 قال سيبويه سألت الخليل عن قوله تعالى ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة فقال هذا واجب وهو تنبيه والمعنى انتبه أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا وقال الفراء هو خبر

ويقرأ فتصبح الأرض مخضرة أي ذات خضر كما يقول مبقلة ومسبعة أي ذات بقل وسباع 80 - وقوله جل وعز ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه آية 65 والمعنى كراهية أن تقع 81 - وقوله جل وعز فلا ينازعنك في الأمر آية 67 أي فلا يجادلنك ود على هذا وان جادلوك ويقال قد نازعوه فكيف قال فلا ينازعنك فالجواب أي المعنى فلا تنازعهم ولا يجوز هذا إلا فيما لا يكون إلا من اثنين نحو المنازعة

والمخاصمة وما أشبهها ولو قلت لا يضربنك تريد لا تضربهم لم يجز ويقرأ فلا ينزعنك في الأمر قرأ به أبو مجلز أي فلا يغلبنك وحكى أهل اللغة نازعني فنزعته 82 - وقوله جل وعز يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا آية 72 قال محمد بن كعب أي يقعون بهم وقال الضحاك أي يأخذونهم أخذا باليد وحكى أهل اللغة سطا به يسطو إذا بطش به كان ذلك بضرب أو بشتم 83 - وقوله جل وعز يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له آية 73

قال الأخفش إن قيل فأين المثل فالجواب أنه ليس ثم مثل والمعنى إن الله جل وعز قال ضربوا لي مثلا على قولهم وقال القتبي يا أيها الناس مثلكم مثل من عبد آلهة لم تستطع أن تخلق ذبابا وسلبها الذباب شيئا فلم تستطع أن تستنقذه منه فذهب إلى أن في الكلام ما دل على المثل من قوله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له إلى آخر الآية ومذهب الأخفش أن الكفار ضربوا لله جل وعز مثلا أي جعلوا لله مثلا بعبادتهم غيره كما يعبد هو جل وعز كما قال أين شركائي

والذباب عند أهل اللغة واحد وجمعه أذبة وذبان 84 - وقوله جل وعز ضعف الطالب والمطلوب آية 73 الطالب الآلهة والمطلوب الذباب 85 - ثم قال جل وعز ما قدروا الله حق قدره آية 74 أي ما عظموه حق عظمته ولما خبر بضعف ما يعبدون أخبر بقوته فقال جل وعز إن الله قوي عزيز 86 - وقوله جل وعز يا أيها الناس اركعوا واسجدوا آية 77 فلا يكون ركوع إلا بسجود ثم قال تعالى واعبدوا ربكم أي أخلصوا عبادتكم لله وحده

87 - ثم قال جل وعز وافعلوا الخير آية 77 أي كل ما أمر الله به ثم قال جل وعز لعلكم تفلحون أي لتكونوا على رجاء من الفلاح 88 - ثم قال جل وعز وجاهدوا في الله حق جهاده آية 78 قيل هذا منسوخ وهو مثل قوله اتقوا الله حق تقاته نسخه فاتقوا الله ما استطعتم 89 - ثم قال جل وعز هو اجتباكم أي اختاركم ثم قال وما جعل عليكم في الدين من حرج آية 78 قال أبو هريرة الاصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم روى يونس عن الزهري قال سأل عبد الملك بن مروان علي

ابن عبد الله ابن عباس عن قوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج فقال هو الضيق جعل لكفارات الأيمان مخرجا سمعت ابن عباس يقول ذلك قال أبو جعفر أصل الحرج في اللغة أشد الضيق وقد قيل إن المعنى أنه جعل للمسافر الإفطار وقصر الصلاة ولمن لم يقدر أن يصلي قائما الصلاة قاعدا وإن لم يقدر أوما فلم يضيق جل وعز وروى معمر عن قتادة قال أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم يعطها إلا نبي أكان يقال للنبي اذهب فلا حرج عليك وقيل لهذه الأمة وما جعل عليكم في الدين من حرج ب والنبي صلى الله عليه وسلم شهيد على أمته وقيل لهذه الأمة وتكونوا شهداء على الناس

ج ويقال للنبي سل تعطه وقيل لهذه الأمة وقال ربكم ادعوني استجب لكم وقال كعب الأحبار نحو هذا وقال عكرمة أحل النساء مثنى وثلاث ورباع وروى عن ابن عباس جعل التوبة مقبولة 90 - وقوله جل وعز ملة أبيكم إبراهيم آية 78 أي وسع عليكم كما وسع عليه صلى الله عليه وسلم وقيل افعلوا الخير فعل أبيكم إبراهيم 91 - ثم قال تعالى هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا آية 78 روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول الله جل وعز سماكم

قال مجاهد من قبل أي في الكتب والذكر قال أبو جعفر وفي هذا يعني القرآن 92 - ثم قال جل وعز ليكون الرسول شهيدا عليكم آية 78 قال سفيان أي بأعمالكم وتكونوا شهداء على الناس بأن الرسل قد بلغتهم 93 - وقوله جل وعز فنعم المولى أي الولي ونعم النصير أي الناصر كما يقول قدير وقادر ورحيم وراحم انتهت سورة الحج

تفسير سورة المؤمنون

تفسير سورة المؤمنون مكية وآياتها 118 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة المؤمنون وهي مكية 1 - من ذلك قول الله جل وعز قد أفلح المؤمنون آية 1 أي قد نالوا الفلاح وهو دوام البقاء في الجنة 2 - ثم قال جل وعز الذين هم في صلاتهم خاشعون آية 2 قال إبراهيم وقتادة الخشوع في القلب قال إبراهيم وهو السكون وقال قتادة وهو الخوف وغض البصر في الصلاة قال مجاهد هو السكون والخشوع عند بعض أهل اللغة في القلب والبصر كأنه تفريغ القلب للصلاة والتواضع باللسان والفعل

قال أبو جعفر وقول مجاهد وإبراهيم في هذا حسن وإذا سكن الإنسان تذلل ولم يطمح ببصره ولم يحرك يديه فأما وضع البصر موضع السجود فتحديد شديد وقد روى عن علي عليه السلام الخشوع ان لا يلتفت في الصلاة وحقيقته المنكسر قلبه إجلالا لله ورهبة منه ليؤدي ما يجب عليه 3 - ثم قال جل وعز والذين هم عن اللغو معرضون آية 3 قال الحسن عن المعاصي قال أبو جعفر واللغو عند أهل اللغة ما يجب أن يلغى

أي يطرح ويترك من اللعب والهزل والمعاصي أي شغلهم الجد عن هذا 4 - ثم قال جل وعز والذين هم للزكاة فاعلون آية 4 أي مؤدون ومدح الله جل وعز من أخرج من ماله الزكاة وإن لم يخرج منها غيرها 5 - ثم قال جل وعز والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين آية 6 5 قال الفراء أي إلا من اللاتي أحل الله جل وعز لهم الأربع لا تجاوزه أو ما ملكت أيمانهم في موضع خفض معطوفه على

أزواجهم وما مصدر أي ينكحون ما شاءوا من الأماء حفظوا فروجهم إلا من هذين 6 - ثم قال جل وعز فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون آية 7 أي فمن طلب سوى أربع نسوة وما ملكت يمينه فأولئك هم العادون أي الجائرون إلى ما لا يحل الذين قد تعدوا 7 - ثم قال جل وعز والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون آية 8 أي حافظون يقال رعيت الشئ اي قمت بصلاحه ومنه فلان يرعى ما بينه وبين فلان 8 - ثم قال تعالى والذين هم على صلواتهم يحافظون آية 9

قال مسروق اي يصلونها لوقتها وليس من جهة الترك لأن الترك كفر 9 - ثم قال جل وعز أولئك هم الوارثون آية 10 يقال إنما الوارث من ورث ما كان لغيره فكيف يقال لمن دخل الجنة وارث ففي هذا أجوبة يستغنى عن ذكرها بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى أولئك هم الوارثون قال ليس من أحد إلا له منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار فإن هو أدخل النار ورث أهل الجنة منزله فذلك قوله تعالى أولئك هم الوارثون

10 - ثم قال جل وعز الذين يرثون الفردوس هو فيها خالدون آية 11 في حديث سعيد عن قتادة عن أنس مرفوعا والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها ثم قال هم فيها خالدون فأنث على معنى الجنة 11 - ثم قال جل وعز ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين آية 12 قال قتادة استل آدم صلى الله عليه وسلم من طين وقال غيره إنما قيل لآدم سلالة لأنه سل من كل تربة ويقال للولد سلالة أبيه وهو فعالة من انسل وفعالة تاتي للقليل من الشئ

نحو القلامة والنخالة وقد قيل إن السلالة إنما هي نطفة آدم صلى الله عليه وسلم كذا قال مجاهد وهو أصح ما قيل فيه ولقد خلقنا ابن آدم من سلالة آدم وآدم هو الطين لأنه خلق منه 12 - ويدل على ذلك قوله عز وجل ثم جعلناه نطفة في قرار مكين آية 13 ولم يصر في قرار مكين إلا بعد خلقه في صلب الفحل وقوله تعالى ثم جعلنا نطفة في قرار مكين يراد ولده م خلقنا النطفة علقة وهي واحدة العلق وهو الدم قبل أن ييبس فخلقنا العلقة مضغة المضغة القطعة الصغيرة من اللحم مقدار ما يمضغ كما يقال غرفة لمقدار ما يغرف وحسوة لمقدار ما يحسى

13 - ثم قال جل وعز فخلقنا المضغة عظاما آية 14 ويقرأ عظما وهو واحد يدل على جمع لأنه قد علم أن للإنسان عظاما فكسونا العظام لحما ويجوز العظم على ذلك 14 - وقوله جل وعز ثم أنشأناه خلقا آخر آية 14 روى عطاء عن ابن عباس والربيع بن أنس عن أبي العالية وسعيد عن قتادة عن الحسن وعلي بن الحكم عن الضحاك في قوله ثم أنشأناه خلقا آخر قالوا نفخ فيه الروح وروى هشيم عن منصور عن الحسن ثم أنشاناه

خلقا آخر قال ذكرا وأنثى وروي عن الضحاك قال الأسنان وخروج الشعر قال أبو جعفر واولى ما قيل فيه أنه نفخ الروح فيه لأنه يتحول عن تلك المعاني إلى أن يصير إنسانا والهاء في أنشأناه تعود على الإنسان أو على ذكر العظام والمضغة والنطفة أي أنشأنا ذلك وقوله ثم إنكم بعد ذلك لميتون ونقول في هذا المعنى لمائتون 15 - وقوله جل وعز ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق آية 17 قال أبو عبيدة أي سبع سموات

وحكى غيره أنه يقال طارقت الشئ أي جعلت بعضه فوق بعض فقيل للسموات طرائق لأن بعضها فوق بعض 16 - وقوله جل وعز وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض آية 18 معنى فأسكناه في الأرض جعلناه فيها ثابتا كما روي أربعة أنهار من الجنة في الدنيا الفرات ودجلة وسيحان وجيحان قرئ على أبي يعقوب إسحق بن إبراهيم بن يونس عن جامع بن سوادة قال حدثنا سعيد بن سابق قال حدثنا مسلمة بن علي عن مقاتل بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل الله جل وعز من الجنة خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما

نهرا الفرات والنيل وهو نهر مصر أنزلهما الله جل وعز من غير واحدة من عيون الجنة في أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل صلى الله عليه وسلم فاستودعها الجبال واجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس من أصناف معايشهم وذلك قوله جل وعز وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جل وعز جبريل عليه السلام فرفع من الأرض القرآن والعلم وهذه الأنهار الخمسة فيرفع ذلك إلى السماء وذلك قوله تعالى وإنا على ذهاب به لقادرون فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض إلى السماء فقد أهلها خير الدين والدنيا والآخرة 17 - وقوله جل وعز وشجرة تخرج من طور سيناء آية 20 المعنى وأنشأنا شجرة قال أبو عبيدة الطور الجبل وسيناء اسم وقال الضحاك سيناء الحسن

قال أبو جعفر والمعروف أن سينا اسم الموضع 18 - ثم قال جل وعز تنبت بالدهن آية 20 ويقرأ تنبت بالدهن وفيه ثلاثة أقوال أحدها أن الباء زائدة وهذا مذهب أبي عبيدة كما قال الشاعر * هن الحرائر لا ربات أحمرة سوء المحاجر لا يقرأن بالسور *

وقيل الباء متعلقة بالمصدر الذي دل عليه الفعل فقيل نبت وأنبت بمعنى كما قال الشاعر رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل * وهذا القول مذهب الفراء وأبي إسحاق ومعنى تنبت بالدهن وتنبت بالدهن عندهما واحد والمعنى تنبت ومعها الدهن كما تقول جاء فلان بالسيف أي ومعه السيف 19 - ثم قال جل وعز وصبغ للآكلين آية 20 وصبغ وصباغ بمعنى واحد قال قتادة يعني الزيتون

20 - وقوله جل وعز إن هو إلا رجل به جنة آية 25 جنة أي جنون فتربصوا به حتى حين قال الفراء ليس يراد بالحين وقت بعينه انما هو كما تقول دعه إلى يوم ما 21 - وقوله جل وعز وقل رب أنزلني منزلا مباركا آية 29 منزل وإنزال واحد والمنزل موضع النزول والمنزل بمعنى النزول كما تقول جلس مجلسا والمجلس الموضع الذي يجلس فيه 22 - وقوله جل وعز وأترفناهم في الحياة الدنيا آية 33

معناه وسعنا عليهم حتى صاروا يؤتون بالترفه وهي مثل التحفة 23 - وقوله جل وعز أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون آية 35 قال سيبويه وهما جاء مبدلا من هذا الباب قوله تعالى أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون يذهب إلى أن أن الثانية مبدلة من الأولى وأن المعنى عنده أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم قال سيبويه وكذلك أريد بها وجئ ب أن الأولى لتدل على وقت الإخراج والفراء والجرمي وابو العباس يذهبون إلى أن الثانية مكررة للتوكيد لما طال الكلام كان تكريرها حسنا

وسلم والأخفش يذهب إلى أن الثانية في موضع رفع بفعل مضمر دل عليه إذا والمعنى أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما يحدث إخراجكم كما تقول اليوم القتال والمعنى عنده اليوم يحدث القتال ويقع القتال قال الفراء وفي قراءة ابن مسعود أيعدكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما عنه إنكم مخرجون قال أبو إسحاق ويجوز أيعدكم إنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما إنكم مخرجون لأن معنى أيعدكم أيقول لكم 24 - وقوله جل وعز هيهات هيهات لما توعدون آية 36 قال قتادة أي للبعث قال أبو جعفر العرب تقول هيهات هيهات لما قلت وهيهات ما قلت

فمن قال هيهات لما قلت فتقديره البعد لما قلت ومن قال هيهات ما قلت فتقديره البعيد ما قلت وفي هيهات لغات ليس هذا موضع ذكرها 25 - ثم قال جل وعز إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا آية 37 يقال كيف قالوا نموت ونحيا وهم لا يقرون بالبعث ففي هذا أجوبة أمنها في الآية تقديم وتاخير والمعنى ما هي إلا حياتنا الدنيا نحيا فيها ونموت كما قال تعالى واسجدي واركعي

ب ومنها أن المعنى نموت ويحيا أولادنا ج وجواب ثالث وهو ان يكون المعنى نكون مواتا أي نطفا ثم نحيا في الدنيا 26 - وقوله جل وعز قال عما قليل ليصبحن نادمين آية 40 والمعنى عن قليل وما زائدة للتوكيد 27 - وقوله جل وعز فجعلناهم غثاء آية 41 والمعنى فأهلكناهم وفرقناهم والغثاء ما علا الماء من ورق الشجر والقمش لأنه يتفرق ولا ينتفع به 28 - وقوله جل وعز ثم أرسلنا رسلنا تترى آية 44 قال أبو عبيدة أي بعضها في إثر بعض قال أبو جعفر وهذا قول أكثر أهل اللغة إلا الأصمعي فإنه قال تترى من واترت عليه الكتب أي بينها مهلة

وتترى الأصل فيه من الوتر وهو الفرد فمن قال تترى بالتنوين فالأصل عنده وترا ثم أبدل من الواو تاء كما يقال تالله بمعنى والله ومن قرأ تترى بلا تنوين فالمعنى عنده كهذا إلا أنه جعلها ألف تأنيث ويقال تتر كما يقال وتر والمعنى أرسلناهم فردا فردا إلا أنه قد روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ثم أرسلنا رسلنا تترى قال يقول يتبع بعضها بعضا 29 - وقوله جل وعز وجعلناهم أحاديث آية 44

قال أبو عبيدة أي مثلنا بهم ولا يقال في الخير جعلته حديثا 30 - وقوله جل وعز وجعلنا ابن مريم وأمه آية آية 50 قال قتادة ولدته من غير أب قال أبو جعفر ولم يقل آيتين لأن الآية فيهما واحدة ويجوز أن يكون مثل قوله تعالى والله ورسوله أحق أن يرضوه 31 - وقوله تعالى وأويناهما إلى ربوة آية 50

روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله جل وعز وآويناهما إلى ربوة قال نبئت أنها دمشق قال أبو جعفر وكذا المعروف من قراءة ابن عباس إلى ربوة ويقال ربوة بفتح الراء ويقال رباوة بفتح الراء والألف وقرأ بها الأشهب العقيلي ويقال رباوة بالألف وضم الراء ويقال رباوة بكسر الراء ومعناه المرتفع من كل شئ ومعنى الربوة ما ارتفع من الأرض يقال ربا إذا ارتفع وزاد ومنه الربا في البيع وقد اختلف في معنى هذا الحرف فقال ابن عباس ما ذكرناه وكذلك روى يحيي بن سعيد عن سعيد بن بن المسيب

وآويناهما إلى ربوة قال دمشق وروى معمر عن قتادة قال بيت المقدس وقال كعب الأحبار بيت المقدس أقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلا وقال وهب بن منبه مصر وروى سالم الأفطس عن سعيد بن جبير وآويناهما إلى ربوة قال النشز من الأرض وقال الضحاك ما ارتفع من الأرض وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الربوة ههنا الرملة فاما ابن زيد فقال إلى ربوة من ربى مصر قال وليس الربى إلا بمصر والماء حين يرسل تكون الربى عليها القرى ولولا

الربى غرقت تلك القرى قال أبو جعفر والصواب أن يقال إنها مكان مرتفع ذو استواء وماء ظاهر 32 - ثم قال تعالى ذات قرار ومعين آية 50 قال قتادة ذات ماء وثمار وروى سالم عن سعيد بن جبير ذات قرار مستوية معين ماء ظاهر وروى علي بن الحكم عن الضحاك ومعين قال الماء الجاري

قال أبو جعفر معنى ذات قرار في اللغة يستقر فيها والذي قال سعيد بن جبير حسن ومعين فيه ثلاث تقديرات إحداهن أن يكون مفعولا قال أبو إسحاق هو الماء الجاري في العيون فالميم على هذا زائدة كزيادتها في مبيع وكذلك الميم زائدة في قول من قال إنه الماء الذي يرى بالعين وقيل إنه فعيل بمعنى مفعول قال علي بن سليمان يقال معن الماء إذا جرى وكثر فهو معين وممعون قال وأنشدني محمد بن يزيد بيتا لم يحفظ منه إلا قوله وماء ممعون قال ويقول معين ومعن كما يقال رغيف ورغف

والقول الثالث حدثناه محمد بن الوليد عن أحمد بن يحيي عن ابن الأعرابي قال معن الماء يمعن معونا جرى وسهل وأمعن أيضا وأمعنته أنا ومياه معنان 33 - وقوله جل وعز يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا آية 51 قال أبو إسحق هذا مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم ودل الجمع على أن الرسل كلهم كذا أمروا أي كلوا من الحلال 34 - وقوله جل وعز وأن هذه أمتكم أمة واحدة آية 52 المعنى ولأن أي ولأن دينكم دين واحد وهو الإسلام فاتقون

35 - ثم خبر أن قوما فرقوا أديانهم فقال جل وعز فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا آية 53 قال قتادة أي كتبا قال الفراء أي صاروا يهود ونصارى وقرأ الأعمش فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا وهو جمع زبرة أي قطعا وفرقا 36 - ثم قال جل وعز كل حزب بما لديهم فرحون آية 53 أي معجبون 37 - ثم قال تعالى فذرهم في غمرتهم حتى حين آية 54

قال قتادة في غمرتهم أي في جهالتهم حتى حين قال مجاهد حتى الموت 38 - ثم قال تعالى أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات آية 56 55 الخبر محذوف والمعنى نسارع لهم به وهذا قول أبي إسحق ولهشام الضرير فيه قول وهو أن ما هي الخيرات فصار المعنى نسارع لهم فيه بغير حذف أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين مجازاة لهم وخير وقرأ عبد الرحمن بن أبي بكرة يسارع لهم في

الخيرات بالياء وكسر الراء 3 وهذا يجوز أن يكون على غير حذف أي يسارع لهم الأمداد ويجوز أن يكون فيه حذف ويكون المعنى يسارع الله لهم به في الخيرات 39 - وقوله جل وعز إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون إلى قوله جل وعز والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة آية 60 57 قال عبد الرحمن بن سعيد الهمذاني عن عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أهو الرجل يزني أو يسرق أو يشرب الخمر فقال لا يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصلي

ويصوم ويتصدق ويخاف ألا يتقبل منه وروى ابن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله جل وعز والذين يؤتون ما آتوا قال يعطون ما أعطوا قال أبو جعفر هكذا روي هذا وهكذا معنى يؤتون يعطون ولكن المعروف من قراءة ابن عباس والذين يأتون ما أتوا وهي القراءة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عائشة ومعناها يعملون ما عملوا كما روي في الحديث 40 - وقوله جل وعز أنهم إلى ربهم راجعون آية 60

قال الفراء المعنى من أنهم وقال أبو حاتم المعنى لأنهم إلى ربهم راجعون 41 - ثم قال تعالى أولئك يسارعون في الخيرات آية 61 قال أبو جعفر سارع وأسرع بمعنى واحد إلا 42 - ثم قال جل وعز وهم لها سابقون آية 61 فيه ثلاثة أقوال المعنى وهم إليها سابقون كما قال بأن ربك أوحى لها أي أوحى إليها وأنشد سيبويه تجانف عن جو اليمامة ناقتي * وما قصدت من أهلها لسوائكا * وقيل معنى وهم لها من أجلها أي من أجل

اكتسابها كما تقول أنا أكرم فلانا لك أي من أجلك وقيل لما قال وهم لها سابقون دل على السبق كأنه قال سبقهم لها 43 - وقوله جل وعز بل قلوبهم في غمرة من هذا آية 63 أي في غفلة وغطاء متحيرة ويقال غمره الماء إذا غطاه ونهر غمر يغطي من دخله ورجل غمر تغمره آراء الناس وقيل غمرة لأنها تغطي الوجه ومنه دخل في غمار الناس في قول من قاله معناه فيما يغطيه من الجمع وقوله من هذا فيه قولان

أحدهما أن مجاهد قال بل قلوبهم في عماية من القرآن فعلى قول مجاهد هذا إشارة إلى القرآن وقال قتادة وصف أهل البر فقال والذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين والذين ثم وصف أهل الكفر فقال بل قلوبهم في غمرة من هذا فالمعنى على قول قتادة من هذا البر 44 - ثم قال تعالى ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون آية 63 فيه قولان أحدهما أن الحسن قال ولهم أعمال ردية لم يعملوها وسيعملونها فيه

قال مجاهد أي لهم خطايا لا بد أن يعملوها ب وقال قتادة رجع إلى أهل البر فقال ولهم أعمال من دون ذلك قال أي سوى ما عدد 45 - وقوله جل وعز حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجارون آية 64 قال قتادة اي يجزعون وحكى أهل اللغة جأر يجأر إذا رفع صوته قال مجاهد والضحاك العذاب الذي أخذوا به السيف قال مجاهد يوم بدر

46 - وقوله جل وعز قد كانت آياتي تتلى عليكم آية 66 قال الضحاك قبل أن تعذبوا بالقتل 47 - ثم قال تعالى فكنتم على أعقابكم تنكصون آية 66 قال مجاهد تستأخرون 48 - ثم قال تعالى مستكبرين به آية 67 قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والحسن وأبو مالك مستكبرين بالحرم قال أبو مالك لأمنهم والناس يتخطفون حولهم قال أبو جعفر وقيل مستكبرين بالقرآن أي يحضرهم عند قراءته استكبار والقول الأول أولى والمعنى إنهم يفتخرون بالحرم فيقولون نحن أهل حرم الله عز وجل

49 - ثم قال تعالى سامرا تهجرون آية 67 قال أبو العباس يقال للجماعة يجتمعون للحديث سامر وسمار فسامر كما تقول باقر لجماعة البقر وجامل لجماعة الجمال أي يجتمعون للسمر وأكثر ما يستعمل سامر للذين يسمرون ليلا قال أبو العباس وأصل هذا من قولهم لا أكلمه السمر والقمر أي الليل والنهار وقال الثوري يقال لظل القمر السمر قال أبو إسحق ومنه السمرة في اللون ويقال له الفخت ومنه فاخته

قال أبو جعفر وفي قوله تهجرون قولان قال الحسن تهجرون نبي وكتابي وقال غيره تهجرون تهذون يقال هجر المريض يهجر هجر إذا هذى وقرأ ابن عباس تهجرون بضم التاء وكسر الجيم وقال يسمورن صلى برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون الهجر وقال عكرمة تهجرون تشركون وقال الحسن تسبون النبي صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد تقولون القول السيئ في القرآن

قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة يقال أهجر يهجر إذا نطق بالفحش وقال الخني وقال والإسم منه الهجر ومعناه أنه تجاوز ومنه قيل الهاجرة إنما هو تجاوز الشمس من المشرق إلى المغرب وقرأ أبو رجاء سمارا وهو جمع سامر كما قال الشاعر فقالت سباك الله إنك فاضحي ألست ترى السمار والناس أحوالي 50 - ثم قال جل وعز أفلم يدبروا القول آية 68 أي القرآن

51 - وقوله جل وعز ولو اتبع الحق أهواءهم آية 71 روى سفيان عن إسماعيل عن أبي صالح ولو اتبع الحق قال الله عز وجل وقيل المعنى بل جاءهم بالقرآن ولو اتبع القرآن أهواءهم أي لو نزل بما يحبون لفسدت السموات والأرض ومن فيهن 52 - ثم قال الله تعالى بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون آية 71 روى معمر عن قتادة بذكرهم قال بالقرآن قال أبو جعفر والمعنى على قوله بل آتيناهم بما لهم فيه ذكر ما يوجب الجنة لو اتبعوه

وقيل الذكر ههنا الشرف 53 - وقوله جل وعز أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير آية 72 قال الحسن خرجا أي أجزأ قال أبو حاتم الخراج الجعل والخراج العطاء إن شاء الله أو نحو ذلك 54 - وقوله جل وعز وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون آية 74 روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول عن الصراط لناكبون عن الحق لعادولون أنه قال أبو جعفر والصراط في اللغة الطريق المستقيم

ويقال نكب عن الحق إذا عدل عنه والمعنى إنهم عن القصد لعادلون 55 - وقوله جل وعز ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون آية 76 ولقد أخذناهم بالعذاب أي بالخوف ونقص الأموال والأنفس فما استكانوا لربهم أي فما خضعوا 56 - وقوله جل وعز حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد آية 77 قيل يعني الجوع وقيل السيف إذا هم فيه مبلسون أي متحيرون يائسون من الخير 57 - قوله تعالى وله اختلاف الليل والنهار آية 80

قال الفراء معنى وله اختلاف الليل والنهار هو خالقها كما تقول لك الأجر والصلة 58 - وقوله جل وعز قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله آية 84 هذه الآية لا اختلاف فيها واللتان بعدها يقرؤهما أبو عمرو سيقولون الله وأكثر القراء يقرءون سيقولون لله فمن قرأ سيقولون لله جاء بالجواب على اللفظ ومن قرأ سيقولون لله جاء به على المعنى كما يقال لمن هذه الدار فيقول لزيد على اللفظ وصاحبها زيد على المعنى

ومن صاحب هذه الدار فيقول زيد على اللفظ ولزيد فيجزئك عن ذلك ويجوز في الأولى سيقلون وهو الله في العربية 59 - وقوله جل وعز وهو يجير ولا يجار عليه آية 88 أي وهو يجير من عذابه ومن خلقه ولا يجير عليه أحد من خلقه 60 - وقوله جل وعز قل فأنى تسحرون آية 89 معنى فأنى تسحرون فأنى تصرفون عن الحق 61 - وقوله جل وعز ما أتخذ الله من ولد وما كان معه من أله إذا لذهب كل إله بما خلق آية 91 في الكلام حذف أي لو كانت معه آلهة لا نفرد كل إله بخلقه

ولعلا بعضهم على بعض اي لغالب بعضهم بعضا 62 - وقوله جل وعز قل ربي إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين آية 94 93 النداء معترض والمعنى إما تريني ما يوعدون فلا تجعلني في القوم الظالمين 63 - وقوله جل وعز ادفع بالتي هي أحسن السيئة آية 96 قال مجاهد وعطاء وقتادة يعني السلام إذا لقيته فسلم عليه

64 - وقوله جل وعز وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين آية 97 أصل الهمز النخس والدفع وقيل فلان همزة كأنه ينخس من عابه فهمز الشيطان مسه ووسوسته 65 - وقوله جل وعز حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون آية 99 يعني المذكورين الذين لا يؤمنون بالبعث قال رب ارجعون ولم يقل ارجعن فخاطب على ما يخبر الله جل وعز به عن نفسه كما قال إنا نحن نحي الموتى وفيه معنى التوكيد والتكرير 66 - وقوله جل وعز كلا إنها كلمة هو قائلها آية 100

كلا ردع وزجر وتنبيه 67 - ثم قال جل وعز ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون آية 100 قال أبو عبيدة أي من أمامهم قال مجاهد البرزخ حجاب بين الموت والرجوع إلى الدنيا قال الضحاك هو ما بين الدنيا والآخرة قال أبو جعفر والعرب تسمي كل حاجز بين شيئين برزخا كما قاله سبحانه بينهما برزخ لا يبغيان

68 - وقوله جل وعز فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون قال أبو عبيدة هو جمع صورة قال أبو جعفر يذهب إلى ان المعنى فإذا نفخ في صور الناس الأرواح وهذا غلط عند أهل التفسير واللغة روى أبو الزعراء عن عبد الله بن مسعود فإذا نفخ في الصور قال في القرن روى عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر متى يؤمر قال المسلمون يا رسول الله فما نقول قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل عليه توكلنا ولا يعرف أهل اللغة في جمع صورة إلا صورا ولو كان جمع صورة لكان ثم نفخ فيها إلا على بعد من الكلام

قال أبو جعفر وهذه الاية مشكلة لأنه قال جل وعز فلا أنساب بينهم ولا يتساءلون وقال في موضع آخر واقبل بعضهم على بعض يتساءلون والجواب عن هذا وهو معنى قول عبد الله بن عباس وان خالف بعض لفظه والمعنى واحد أنه إذا نفخ في الصور أول نفخة تقطعت الأرحام وصعق من في السموات ومن في الأرض وشغل بعض الناس عن بعض بأنفسهم فعند ذلك لا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون قال أبو جعفر ومعنى يومئذ 6 في قوله فلا انساب بينهم يومئذ كما تقول أنا اليوم كذا أي في هذا الوقت لا تريد وقتا بعينه 69 - وقوله جل وعز تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون آية 104

روى أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال الكالح صلى الله عليه وسلم الذي قد بدت أسنانه وتقلصت شفته كالرأس المشيط بالنار 70 - وقوله جل وعز قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا آية 106 قال مجاهد أي التي كتبت علينا 71 - وقوله جل وعز قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون آية 108 يقال خسأته إذا باعدته بانتهار 72 - وقوله جل وعز فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري آية 110 قال الحسن وقتادة وأبو عمرو بن العلاء وهذا معنى ما قالو السخري بالضم ما كان من جهة السخرة والسخري

بالكسر ما كان من الهزؤ 73 - وقوله جل وعز إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون آية 111 أي لأنهم ويجوز أن يكون المعنى إني جزيتهم الفوز 74 - وقوله جل وعز قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين آية 113 قال مجاهد فاسأل العادين الملائكة

وقال قتادة أي الحساب 75 - وقوله جل وعز ومن يدع مع الله الها آخر لا برهان له به آية 117 قال مجاهد أي لا بينة له به انتهت سورة المؤمنون

تفسير سورة النور

تفسير سورة النور مدنية وآياتها 64 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة النور وهي مدينة 1 - من ذلك قوله جل وعز سورة أنزلناها وفرضناها آية 1 أي هذه سورة وقرأ الأعرج ومجاهد وقتادة وأبو عمرو وفرضناها قال قتادة أي بيناها وقال أبو عمرو أي فصلناها ومعنى فرضناها فرضنا الحدود التي فيها أي أوجبناها بأن جعلناها فرضا

2 - وقوله جل وعز الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة قال أبو جعفر ليس بين أهل التفسير اختلاف أن هذا ناسخ لقوله تعالى واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى آخر الآية ولقوله واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فكان من زنى من النساء حبست حتى تموت ومن زنى من الرجال أوذي قال مجاهد بالسب ثم نسخ ذلك بقوله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة واختلفوا في المعنى فقال أكثر أهل التفسير هذا عام يراد به خاص والمعنى الزانية والزاني من الأبكار فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة

وقال بعضهم هو عام على كل من زنى من بكر ومحصن واحتج بحديث عبادة وبحديث علي رضي الله عنه أنه جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال جلدتها بكتاب الله عز وجل ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم 3 - وقوله جل وعز ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله قال مجاهد وعطاء والضحاك أي في تعطيل الحدود

والمعنى على قولهم لا ترحموهما إذا فتتركوا حدهما إذا زنيا 4 - وقوله جل وعز وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الطائفة الرجل فما فوقه وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الطائفة الرجل فما زاد وكذا قال الحسن والشعبي وروى ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال الطائفة الرجلان فصاعدا وقال مالك الطائفة أربعة

قال أبو إسحاق لا يجوز أن تكون الطائفة واحدا لأن معناها معنى الجماعة والجماعة لا تكون لأقل من اثنين لأن معنى طائفة قطعة يقال أكلت طائفة من الشاة أي قطعة منها وقد روى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله عز وجل وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا أنهما كانا رجلين قال أبو جعفر إلا أن الأشبه بمعنى الآية والله أعلم أن تكون الطائفة لأكثر من واحد في هذا الموضع لأنه إنما يراد به الشهرة وهذا بالجماعة أشبه 5 - وقوله جل وعز الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين قال مجاهد والزهري وقتادة كان في الجاهلية نساء معلوم منهن الزنى فأراد ناس من المسلمين نكاحهن فنزلت فنزلت الآية

الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة وهذا القول الأول وقال الحسن الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله قال حبيب المعلم فقال رجل لعمرو بن شعيب إن الحسن يقول كذا فقال ما عجبك من هذا حدثني سعيد بن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله وقال إبراهيم النخعي نحوه وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال النكاح ههنا الجماع وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الزاني من أهل القبلة لا يزني إلا بزانية من أهل القبلة أو مشركة والزانية من أهل القبلة لا تزني إلا بزان من أهل القبلة أو مشرك

قال أبو جعفر فهذه ثلاثة أقوال وفي الآية قول رابع كأنه أولاها حدثنا إسحاق بن إبراهيم المعروف بالقطان قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا الليث قال حدثنا يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري عن سعيد بن المسيب أنه قال يزعمون أن تلك الآية الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك نسخت بالآيات التي بعدها وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم فدخلت الزانية في أيامى المسلمين وإنما قلنا كأن هذا أولى لأن حديث القاسم عن عبد الله مضطرب الإسناد وحديث سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله قبل نزول الآية الناسخة

والقول الثالث أن يكون النكاح هو الجماع زعم أبو إسحاق أنه بعيد وأنه لا يعرف في القرآن النكاح بمعنى الجماع وقوله تعالى وحرم ذلك على المؤمنين فدل على أنه التزويج لأنه لا يقال في الزنى هو محرم على المؤمن خاصة وقول من قال إنهن نساء معلومات يدل على أن ذلك كان في شئ بعينه ثم زال فقد صار قول سعيد أولاها وأيضا فإن سعيدا قال يزعمون فدل على أنه أخه عن غيره وإنما يأخذه عن الصحابة 6 - ثم قال جل وعز وحرم ذلك على المؤمنين

قال ابن عباس يعني الزنى 7 - وقوله جل وعز والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك قال أبو جعفر في هذه الآية ثلاثة أحكام على القاذف منها جلده وترك قبول شهادته وتفسيقه وفيها ثلاثة أقوال أحدها قاله الحسن وشريح وإبراهيم أن الاستثناء من قوله وأولئك هم الفاسقون وقالوا لا تقبل شهادته وإن تاب وهذا قول الكوفيين

والقول الثاني أن يكون الاستثناء من قوله تعالى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا أي إلا من تاب فإنه تقبل شهادته وهذا قول مسروق وعطاء ومجاهد وطاووس ويروى عن عمر ابن الخطاب أنه قال لأبي بكرة إن تبت قبلت شهادتك وهذا قول أهل المدينة والقول الثالث يروى عن الشعبي أنه قال الاستثناء من الأحكام الثلاثة فإذا تاب وظهرت توبته لم يحد وقبلت شهادته وزال عنه التفسيق لأنه قد صار ممن يرضى من الشهداء وقد قال الله عز وجل وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى

قال أبو جعفر يجوز أن يكون الاستثناء من قوله وأولئك هم الفاسقون كما ذكرنا في القول الأول ويكون الذين في موضع نصب إلا أنه يجب أن يزول عنه اسم الفسوق فيجب قبول شهادته ويكون عدلا ويجوز أن يكون الاستثناء من قوله ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ويكون الذين في موضع خفض بمعنى إلا الذين تابوا ويكون قبول شهادته أوكد وهو أيضا متعارف عن عمر فهو أولى أيضا لهذا ويجوز أن يكون كما روي عن الشعبي إلا أن الفقهاء على خلافه وفي الكلام حذف المعنى والذين يرمون المحصنات بالزنى ثم حذف لأن قبله ذكر الزانية والزاني والفائدة في قوله جل وعز ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا أن أبدا مقدار مدة حياة الرجل ومقدار انقضاء قصته فإذا قلت الكافر لا تقبل له شهادة أبدا فمعناه ما دام كافرا

وإذا قلت القاذف لا تقبل له شهادة أبدا فمعناه ما دام قاذفا وهذا من جهة اللغة وكلام العرب يؤكد قبول شهادته وألا يكون أسوأ حالا من القاتل 8 - وقوله جل وعز والذين يرمون أزواجهم في هذا قولان أحدهما أن المعنى والذين يقولون لأزواجهم يا زواني أو يقول لها رأيتك تزنين وهذا قول أهل الكوفة والقول الآخر أنه يقول لها رأيتك تزنين لا غير وهذا قول أهل المدينة قال أبو جعفر والقول الأول أولى لأن الرمي في قوله والذين يرمون المحصنات هو أن يقول لها يا زانية أو رأيتك تزنين فيجب أن يكون هذا مثله

9 - ثم قال جل وعز ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم روى إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال كان رجل معنا جالسا ليلة جمعة فقال إن أحدنا وجد مع امرأته رجلا فإن قتله قتلتموه وإن تكلم حددتموه وإن سكت سكت عل غيظ اللهم احكم فأنزلت والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم إلى آخر الآية وقال سهل بن سعد جاء عويمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في وسط الناس فسأله وذكر الحديث وقال في آخره فطلقها ثلاثا وقال عبد الله بن عمر فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما 10 - وقوله جل وعز والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين

وتقرأ والخامسة بمعنى ويشهد الشهادة الخامسة والمعنى أنه لعنة الله عليه وأنشد سيبويه * في فتية كسيوف الهند قد علموا * أن هالك كل من يحفى وينتعل * 11 - وقوله جل وعز ويدرأ عنها العذاب معنى يدرأ يدفع وفي معنى العذاب ههنا قولان أحدهما أنه الحبس والآخر أنه الحد

12 - وقوله جل وعز ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله ثواب حكيم في الكلام حذف والمعنى ولولا فضل الله عليكم ورحمته لنال الكاذب منكم عذاب عظيم 13 - وقوله جل وعز إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم قال الضحاك هم الذين قالوا لعائشة ما قالوا قال أبو جعفر يقال للكذب إفك وأصله من قولهم أفكه يأفكه إذا صرفه عن الشئ فقيل للكذب إفك لأنه مصروف عن الصدق ومقلوب عنه ومنه المؤتفكات والذين جاءوا بالإفك فيما روي عبد الله بي أبي

ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت ثم قال تعالى لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم فالمخاطبة لعائشة وأهلها وصفوان أي تؤجرون فيه ونزل فيهم القرآن 14 - وقوله جل وعز والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم روى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول وروى الزهري عن عروة عن عائشة قالت هو عبد الله بن أبي

وقرأ حميد بن قيس ويعقوب والذي تولى كبره بضم الكاف قال يعقوب كما تقول الذي تولى عظمه قال الفراء هو وجه جيد في النحو قال أبو جعفر وخالفه في ذلك الرؤساء من النحويين قيل لأبي عمرو بن العلاء أتقرأ والذي تولى كبره فقال لا إنما الكبر في النسب قال أبو جعفر يريد أنه يقال الكبر من ولد فلان لفلان 15 - وقوله جل وعز لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا

أي هلا ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا أي بأهل دينهم ومن يقوم مقامهم ومعنى قوله أفضتم فيه خضتم فيه 16 - وقوله جل وعز إذ تلقونه بألسنتكم قال مجاهد أي يرويه بعضكم عن بعض وقرأت عائشة وابن يعمر إذ تلقونه بألسنتكم بكسر اللام وضم القاف يقال ولق يلق إذا أسرع في الكذب وغيره 17 - وقوله جل وعز يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا قال مجاهد أي ينهاكم

18 - وقوله جل وعز إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا روى سعيد عن قتادة قال أن يظهر الزنى 19 - وقوله جل وعز ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة قل أبو جعفر فيه قولان أحدهما رواه علي بن أبي طلحة عن أبن عباس قال لا يقسموا ألا ينفعوا أحدا والآخر أن المعنى لا يقصروا من قولهم ما ألوت أن أفعل قال هشام ومنه قول الشاعر ألا رب خصم فيك ألوى رددته نصيح على تعذاله غير مؤتلي *

قال أبو جعفر القول الأول أولى لأن الزهري روى عن سعيد بن المسيب وعروة وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت كان أبو بكر ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته وفقره فقال والله لا أنفق عليه بعدما قال في عائشة ما قال فأنزل الله عز وجل ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى قال أبو جعفر والتقدير في العربية ولا يحلف أولو الفضل كراهة أن يؤتوا وعلى قول الكوفيين لأن لا يؤتوا ومن قال معناه ولا يقصر فالتقدير عنده ولا يقصر أولو الفضل عن أن يؤتوا فإن قيل أولو لجماعة وفي الحديث أن المراد أبو بكر فالجواب أن علي بن الحكم روى عن الضحاك قال قال أبو بكر

وغيره من المسلمين لا نبر أحدا ممن ذكر عائشة فأنزل الله عز وجل ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة إلى آخر الآية 20 - وقوله جل وعز إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم روى سفيان عن خصيف قال سألت سعيد بن جبير من قذف محصنة لعن في الدنيا والآخرة فقال هذا خاص بعائشة وروى سلمة بن نبيط عن الضحاك قال هذا في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة قال أبو جعفر وقول ابن عباس والضحاك أولى من القول الأول لأن قوله المحصنات يدل على جمع

وقيل خص بهذا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لمن قذفهن ملعون في الدنيا والآخرة ومن قذف غيرهن قيل له فاسق ولم يقل له هذا 21 - وقوله جل وعز يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق الدين ههنا الحساب والجزاء كما قال تعالى ذلك الدين القيم وملك يوم الدين 22 - وقوله جل وعز الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيببون فقال للطيبات قال سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد أي الكلمات الخبيثات

للخبيثين من الناس والخبيثون من الناس للخبيثات من القول والخبيثات من الناس والطيبات من الكلام للطيبين من الناس والطيبون من الناس للطيبات من القول والطيبات من الناس قال أبو جعفر وهذا أحسن ما قيل في هذه الآية والمعنى الكلمات الخبيثات لا يقولهن إلا الخبيثون والخبيثات من الناس والكلمات الطيبات لا يقولهن إلا الطيبون والطيبات من الناس ودل على صحة هذا القول أولئك مبرءون مما

يقولون أي عائشة وصفوان مبرءون مما يقول الخبيثون والخبيثات وجمع وإن كانا اثنين كما قال تعالى فإن كان له إخوة هذا قول الفراء في الجمع وفي قوله تعالى الخبيثات للخبيثين قولان آخران أقيل المعنى الخبيثات من الكلام إنما تلصق بالخبيثين والخبيثات من الناس لا بالطيبين والطيبات ب وقيل المعنى الخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء والخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال 23 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها قال عبد الله بن عباس إنما هو حتى تستأذنوا

قال مجاهد هو التنحنح والتنخم قال أبو جعفر الاستئناس في اللغة الاستعلام يقال استأنست فلم أر أحدا كما قال النابغة كان رحلي وقد زال النهار بنا بذي الجليل على مستأنس وحد أي على ثور قد فزع فهو يستعلم ذلك ومنه قول الشاعر آنست نبأة وأفزعها القنا * ص عصرا وقد دنا الإمساء * ومنه قوله جل وعز فإن آنستم منهم رشدا أي علمتم ويبين لك هذا الحديث المرفوع

روى أبو بردة عن أبي موسى الأشعري قال جئت الى عمر بن الخطاب أستأذن عليه فقلت السلام عليكم أندخل ثلاث مرات فلم يؤذن لي فقال فهلا أقمت فقلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليستأذن المرء المسلم على أخيه ثلاث مرات فإن أذن وإلا رجع فقال لتأتيني على هذا بمن يشهد لك أو لتنالنك أي مني عقوبة فجئت إلى أبي بن كعب فجاء فشهد لي قال أبو جعفر فهذا يبين لك أن معنى حتى تستأنسوا حتى تستعلموا أيؤذن لكم أم لا 24 - وقوله جل وعز فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم

المعنى حتى يأذن لكم أصحابها بالدخول لأنه لا ينبغي له أن يدخل إلى منزل غيره وإن علم أنه ليس فيه حتى يأذن له صاحبه 25 - وقوله جل وعز ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم قال مجاهد كانت بيوت في طرق المدينة يجعل الناس فيها أمتعاتهم فأحل لهم أن يدخلوها بغير إذن وروى سالم المكي عن محمد بن الحنفية قال هي بيوت الخانات والسوق وقال الضحاك هي الخانات وقال جابر بن زيد ليس يعني بالمتاع الجهاز وإنما هو البيت ينظر إليه أو الخربة يدخلها لقضاء حاجة وكل متاع الدنيا منفعة وقال عطاء فيها متاع لكم للخلاء والبول

وهذه الأقوال متقاربة وأبينها قول مجاهد لأنه تعالى حظر عليهم بدءا أن يدخلوا غير بيوتهم ثم أذن لهم إذا كان لهم في بيوت غيرهم متاع على جهة اكتراء أو نظيره أن يدخلوا والذي قاله غير مجاهد جائز في اللغة لأن يقال لكل منفعة متاع ومنه فمتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره 26 - وقوله جل وعز قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم آية 30 قال قتادة أي عما لا يحل لهم من ههنا لبيان الجنس قال جرير بن عبد الله سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال اصرف بصرك

فأمره صلى الله عليه وسلم يصرف بصره لأنه إذا لم يصرف بصره كان تاركا ما أمره الله جل وعز به وكان ناظرا نظرة ثانية اختيارا كما قال أبو سلمة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا علي إن لك كنزا في الجنة وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة 27 - وقوله جل وعز ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها آية 31 روى أبو اسحق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال القرط والدملج والسوار 28 - ثم قال جل وعز إلا ما ظهر منها في هذا اختلاف روى أبو الأحوص عن عبد الله قال الثياب

وهذا مبدأ أبي عبيد وروى نافع عن ابن عمر قال الوجه والكفان وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الوجه والكف وبعضهم يقول عن ابن عباس الكحل والخضاب وكذلك قال مجاهد وعطاء ومعنى الكحل والخضاب ومعنى الوجه والكف سواء وروت أم شبيب عن عائشة قالت القلب والفتخة والفتخة الخاتم وجمعها فتخ وفتخات قال أبو جعفر وهذا قريب من قول ابن عمر وابن عباس وهو أشبه بمعنى الآية من الثيباب لأنه من جنس الزينة الأولى وأكثر الفقهاء عليه ألا ترى أن المرأة يجب عليها أن تستر في

الصلاة كل موضع منها يراه المرء وانه لا يظهر منها إلا وجهها وكفاها والقلب السوار قال ذلك يحيى بن سليمان الجعفي 29 - وقوله جل وعز أو نسائهن آية 31 يعني النساء المسلمات ولا يجوز أن يبدين ذلك للمشركات لقوله سبحانه أو نسائهن 30 - ثم قال جل وعز أو ما ملكت أيمانهن فيه أقوال الأول أن لهن أن يبدين ذلك لعبيدهن وأن يروا شعورهن وهذا القول معروف من قول عائشة وأم سلمة

جعلتا العبد بمنزلة المحرم في هذا لأنه لا يحل أن يتزوج بسيدته ما دام مملوكا لها كما لا يحل ذلك لذوي المحارم ويقوي هذا قوله سبحانه ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم والقول الثاني أنه ليس لعبيدهن أن يروا منهن إلا ما يرى الأجنبي كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال ولا ينظر عبدها إلى شعرها ولا نحرها وأما الخلخال فلا ينظر إليه إلا الزوج وهو مذهب عبد الله بن مسعود ومجاهد وعطاء والشعبي وروى أبو مالك عن ابن عباس خلاف هذا قال ينظر العبد إلى شعر مولاته ويكون التقدير على القول الثاني أو ما

ملكت أيمانهن غير أولي الإربة أو التابعين غير أولي الإربة ثم حذف كما قال الشاعر * نحن بما عندنا وأنت بم * عندك راض والرأي مختلف * على أن يزيد بن القعقاع وعاصما قرءا غير أولي الإربة بنصب غير فعلى هذا يجوز أن يكون الاستثناء منهما جميعا والقول الثالث أن يكون أو ما ملكت أيمانهن للإماء خاصة قال ذلك سعيد بن المسيب وقيل الصغار خاصة قال أبو جعفر هذا بعيد في اللغة لأن ما عامة 31 - وقوله جل وعز أو التابعين غير أولي الإربة قال عطاء هو الذي يتبعك وهمه بطنه روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال هو المغفل وقيل الطفل وقال الشعبي هو الذي لا أرب له في النساء وقال عكرمة هو العنين

وهذه الأقوال متقاربة وهو الذي لا حاجة له في النساء نحو الشيخ الهرم والخنثى والمعتوه والطفل والعنين والإربة والأرب الحاجة ومنه حديث وأيكم أملك لأربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن رواه لإربه فقد أخطأ لأنه يقال قطعته إربا إربا أي عضوا عضوا 32 - وقوله جل وعز أو الطفل الذي لم يظهروا على عورات النساء الطفل ههنا بمعنى الأطفال يدل على هذا قوله الذين لم يظهروا على عورات النساء أي لم يطيقوا ذلك كما تقول ظهر فلان على فلان أي غلبه وقوى عليه

33 - ثم قال جل وعز ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن قال أبو الجوزاء كن يضربن بأرجلهن لتبدو خلاخيلهن وقال أبو مالك كن يجعلن في أرجلهن خرزا ويحركنها ثنا حتى يسمع الصوت قال غيره فنهين عن ذلك لأنه يحرك من الشهوة 34 - وقوله جل وعز وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم آية 32 قال الضحاك هن اللواتي لا أزواج لهن يقال رجل أيم وامرأة أيم وقد آمت تئيم

وقرأ الحسن والصالحين من عبيدكم يقال عبد وعباد وعبيد 35 - وقوله تعالى إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله آية 32 وكذا قوله وإن يتفرقا يعن الله كلا من سعته أي بالنكاح لأنه لم يجعل كل زوج مقصورا على زوج أبدا والفقر الحاجة إلى الشئ المذكور بعقبه ومثله إنما الصدقات للفقراء أي للفقراء إلى الصدقات وقد يكون الرجل فقيرا إلى الشئ وليس بمسكين 36 - وقوله جل وعز والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا قيل هذا على الحض والندب لا على الحتم والوجوب ولولا الإذن لما علمنا أن ذلك يجوز

وكتاب ومكاتبة بمعنى واحد كما يقال قتال ومقاتلة 37 - ثم قال جل وعز إن علمتم فيهم خيرا قال أبو جعفر في هذا اختلاف قال الحسن أي دينا وأمانة وقال ابراهيم النخعي أي صدقا ووفاء وقال عبيدة إن أقاموا الصلاة وقال سعيد بن جبير إن علمتم أنهم يريدون بذلك الخير قال أبو جعفر وأجمعها قول سعيد بن جبير لأنه إذا أراد بذلك الخير استعمل الوفاء كما يستعمل أهل الدين والوفاء والصدق والأمانة ومن يقيم الصلاة ويرى لها حقا وفي الآية قول آخر قال مجاهد وعطاء الخير ههنا المال

وهذا بعيد جدا لأنه كان يجب على هذا أن يقول إن علمتم لهم خيرا وأيضا فإن العبد مال لمولاه فكيف يقال إن علمتم لهم مالا وقال أشهب سئل مالك عن قوله جل وعز إن علمتم فيهم خيرا فقال إنه ليقال الخير القوة والأداء قال أبو جعفر وهذا قول حسن أي قوة على الاحتراف والاكتساب ووفاء بما أوجب نفسه وصدق لهجة فأما المال وإن كان من الخير فليس هو في العبد وإنما يكون عنده أو له 38 - ثم قال جل وعز وآتوهم من مال الله الذي آتاكم آية 33 قال أبو جعفر في هذا ثلاثة أقوال أحدهما أن يكون على الحض والندب كما روى ابن بريدة عن أبيه قال حثهم على هذا ويروى هذا عن عمر وعثمان والزبير وعن ابراهيم النخعي

ويكون المعنى وأعطوهم ما يستعينون به على قضاء الكتابة بدفع إليهم أو بإسقاط عنهم والقول الثاني أن يسقط المكاتب عن مكاتبه شيئا محدودا روي عن علي بن أبي طلب قال الربع وكذا قال مجاهد وعن ابن مسعود قال الثلث والقول الثالث قال سعيد بن جبير قال يضع عنه شيئا من كتابته ولم يحدوه قال أبو جعفر قيل أولاها القول الأول لجلالة من قال به وأيضا فإن قوله تعالى وآتوهم من مال الله الذي آتاكم معطوف على قوله فكاتبوهم فيجب في العربية أن يكون مثله على الحض والندب

وأيضا فإن قول علي عليه السلام الربع وقول عبد الله الثلث لا يوجب أن يكون ذلك حتما واجبا ويحتمل أن يكون على الندب 39 - وقوله جل وعز ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء قال مجاهد نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول أمر أمته أن تزني فجاءته ببرد فأمرها أن تعود إلى الزنى فأبت فأنزل الله عز وجل ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء وروى أبو سفيان عن جابر وعكرمة عن ابن عباس قال نزلت في عبد الله بن أبي أكره أمته على الزنى فأنزل الله جل وعز ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء

ويسأل عن قوله جل وعز إن أردن تحصنا فالجواب أن المعنى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء البتة وقوله جل وعز إن أردن تحصنا متعلق بقوله سبحانه وانكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصنا ومعنى قوله لتبتغوا عرض الحياة الدنيا لتبتغوا أجورهن مما يكسبن 40 - وقوله تعالى ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم آية 33

قال مجاهد فإن الله للمكرهات من بعد إكراههن غفور رحيم 41 - ثم قال جل وعز ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات آية 34 قال قتادة يعني القرآن فيه بيان الحلال من الحرام ويقرأ مبينات بكسر الياء أي بينات هاديات 42 - وقوله جل وعز الله نور السموات والأرض آية 35 هو تمثيل أي بنوره يهتدي أهل السموات والأرض والتقدير الله ذو نور السموات والأرض والهدي يمثل بالنور 43 - ثم قال جل وعز مثل نوره كمشكاة فيها مصباح آية 35 روى علي بن طلحة عن ابن عباس الله نور

السموات والأرض قال هادي أهل أهل السموات والأرض كما هداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضئ قبل أن تمسه نار فإذا مسته ازداد ضوءا على ضوء كذا قلب المؤمن يعمل الهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا جاءه العلم ازداد هدى ونورا على نور كما قال ابراهيم صلى الله عليه وعلى آله قبل أن تجيئه المعرفة حين رأى الكوكب هذا ربي من غير أن يخبره أحد أن له ربا فلما أخبره الله جل وعز أنه ربه ازداد هدى على هداه قال ابن عباس هذا للمؤمن وقال سعيد بن جبير أي مثل نور المؤمن

وروى أبو العالية عن أبي بن كعب أنه قرأ مثل نور المؤمن وقال زيد بن أسلم مثل نوره يعني القرآن قال أبو جعفر ويجوز أن يكون المعنى مثل نوره للمؤمن ويكون معنى قول ابن عباس للمؤمن ويجوز أن يكون معناه مثل نور المؤمن كمشكاة قال ابن عباس وابن عمر المشكاة هي الكوة وروى أبي بن كعب في قوله تعالى لا شرقية ولا غربية أي تصيبها الشمس وقت الشروق فهي شرقية غربية

وقال عكرمة لا تخلو من الشمس وقت الشروق والغروب وذلك أصفى لدهنها ثم قال تعالى يكاد زيتها يضئ أي لصفائه ولو لم تمسسه نار تم الكلام 44 - ثم قال جل وعز نور على نور قال الضحاك أي الإيمان والعمل وقال غيره نور السراج على نور الزيت والقنديل وقال أبي بن كعب مثله كمثل شجرة التفت بها الشجر لا تصيبها الشمس عل حال فهي خضراء ناعمة فكذا المؤمن نور على نور كلامه نور وعلمه نور ومصيره إلى النور يوم القيامة وقال السدي نور النار ونور الزيت لا يغير واحدا تغير صاحبه وكذا نور القرآن ونور الإيمان

45 - وقوله جل وعز في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه والمعنى كمشكاة في بيوت وقيل المعنى المصباح في بيوت وقيل المعنى يسبح له رجال في بيوت قال الحسن في بيوت أي مساجد أذن الله أن ترفع أي تعظم وتصان وقال عكرمة هي البيوت كلها وقال مجاهد أن ترفع أي تبنى 46 - وقوله جل وعز يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله

قال عطاء أي لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن حضور الصلاة في جماعة وقال سالم جاز عبد الله بن عمر بالسوق وقد أغلقوا حوانيتهم وقاموا ليصلوا في جماعة فقال فيهم نزلت رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة 47 - وقوله جل وعز يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار أي تعرف القلوب الأمر عيانا فتنقلب عما كانت عليه من الشك والكفر ويزداد المؤمنون يقينا ويكشف عن الأبصار غطاؤها

فتنظر ومثله فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد 48 - ثم مثل جل وعز عمل الكافر بعد المؤمن فقال والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة قال الفراء قيعة جمع قاع كما يقال جيرة وجار وقال أبو عبيدة قيعة وقاع واحد والقاع والقيعة عند أهل اللغة ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبت

49 - ثم قال جل وعز يحسبه الظمآن ماء أي العطشان والسراب ما ارتفع نصف النهار فإذا رؤي من بعد ظن أنه ماء 50 - ثم قال جل وعز حتى إذا جاءه لم يجده شيئا أي حتى إذا جاء إلى الموضع الذي فيه السراب لم يجده شيئا مما قدره ووجد أرضا لا ماء فيها وفي الكلام حذف فكذلك مثل الكافر يتوهم أن عمله ينفعه حتى إذا جاءه أي مات لم يجد عمله شيئا لأن الله جل وعز قد محقه وأبطله بكفره ووجد الله عنده أي عند عمله فوفاه حسابه أي جزاءه فمثل جل وعز عمل الكافر بما يوجد ثم مثله بما يرى فقال

51 - قال جل وعز أو كظلمات ثم في بحر لجي وهو منسوب إلى اللج وهو وسط البحر قال أبي بن كعب الكافر كلامه ظلمة وعمله ظلمة ومصيره إلى ظلمة 52 - وقوله جل وعز إذا أخرج يده لم يكد يراها 6 قال أبو عبيدة أي لم يرها ولم يكد يراها 6 أي لا يراها إلا على بعد قال أبو أبو جعفر وأصح الأقوال في هذا أن المعنى لم يقارب رؤيتها وإذا لم يقارب رؤيتها فلم يرها رؤية بعيدة ولا قريبة 53 - وقوله جل وعز ألم تر أن الله يسبح له من في السموات

والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه حدثنا الفريابي قال أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة قال أخبرنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله كل قد علم صلاته وتسبيحه الصلاة للإنسان والتسبيح لما سوى ذلك من خلقه 54 - وقوله جل وعز ألم تر أن الله يزجي سحابا أي يسوقه ثم يؤلف بينه أي يجمع القطع المتفرقة حتى تتألف ثم يجعله ركاما أي بعضه فوق بعض فترى الودق يخرج من خلاله الودق المطر يقال ودقت سرته تدق ودقا ودقة وكل خارج وادق كما قال فلا مزنة ودقت ودقها * ولا أرض أبقل إبقالها *

وخلال جمع خلل يقال جبل وجبال 55 - ثم قال جل وعز وينزل من السماء من جبال فيها من برد قيل المعنى من جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدي من حديد أي هذا خاتم حديد في يدي كما يقال جبال من طين وجبال طين وقيل إن المعنى من مقدار جبال ثم حذف كما تقول عند فلان جبال مال والأخفش يذهب إلى أن من فيهما زائدة أي جبالا فيها برد قال وقال بعضهم الجبال من برد فيها في السماء وتجعل الإنزال منها

56 - وقوله جل وعز يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار أي ضوء برقه وروى ربيعة بن أبيض عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال البرق مخاريق الملائكة وقال عبد الله بن عمرو هو ما يكون من جبال البرد حدثني محمد بن أحمد الكاتب قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن طلحة بن مصرف أنه قرأ يكاد سنا برقه قال أحمد بن يحيى وهو جمع برقة قال أبو جعفر البرقة المقدار من البرق والبرقة المرة الواحدة مثل غرفة وغرفة

57 - وقوله جل وعز والله خلق كل دابة من ماء يقال لكل شئ من الحيوان مميزا كان أو غير مميز دابة 58 - ثم قال جل وعز فمنهم من يمشي على بطنه ولم يقل فمنها ولا فمنهن لأنه غلب ما يميز فلما وقعت الكناية على ما يكون لما يميز جاء ب من ولم يأت ب ما ألا ترى أنه قد خلط في أول الكلام ما يميز مع ما لا يميز 59 - وقوله جل وعز وإن يكن لهم الحق يأتو اإليه مذعنين

قال عطاء أي مسرعين وهم قريش يقال أذعن إذا جاء مسرعا طائعا غير مكره 60 - وقوله جل وعز أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله والمعنى أم يخافون أن يحيف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله أم يخافون أن يحيف الله عليهم افتتاح كلام ألا ترى أن قبله وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ولم يقل ليحكما بينهم وهذا كما يقال قد أعتقك الله وأعتقتك وما شاء الله ثم شئت 61 - وقوله جل وعز إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم

خبر فيه معنى الأمر والتحضيض أي إنما ينبغي أن يكونوا كذا قرئ على بكر بن سهل عن عمرو بن هشام وهو البيروتي عن ابن أبي كريمة في قول الله جل عز ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون قال ومن يطع الله فيوحده ورسوله فيصدقه ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما بقى من عمره فأولئك هم الفائزون قال أبو جعفر والفوز في اللغة النجاة

62 - وقوله جل وعز وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا قل لا تقسموا تم الكلام ثم قال طاعة معروفة أي طاعة معروفة أمثل وهذا للمنافقين أي لا تحلفوا على الكذب فالطاعة أمثل ويجوز أن يكون المعنى لتكن منكم طاعة 63 - وقوله جل وعز فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم والمعنى فإن تتولوا ثم حذف ويدل على أن بعده وعليكم ما حملتم ولم يقل وعليهم والمعنى فإنما على النبي صلى الله عليه وسلم التبليغ وعليكم القبول وليس عليه أن تقبلوا

64 - وقوله جل وعز وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض جاء باللام لأن معنى وعد وقال واحد والمعنى ليجعلنهم يخلفون من قبلهم وليمكنن لهم دينهم وهو الإسلام 65 - وقوله جل وعز لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض أي هم في قبضة الله عز وجل 66 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم في هذه الآية أقوال

روى ابن جريح عن مجاهد قال هم العبيد المملوكون وروى إسرائيل عن ليث عن نافع عن ابن عمر ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم الإناث وروى سفيان عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن قال هي للنساء خاصة أي إن سبيل الرجال أن يستأذنوا في كل وقت والنساء يستأذن في هذه الأوقات الخاصة ولا يجوز في اللغة أن يقال للنساء الذين ولو كان للنساء خاصة لقيل اللاتي أو اللائي أو ما أشبه ذلك إلا أن يجتمع مذكر ومؤنث فيقال الذين لهم جميعا وروى عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلين من أهل العراق سألاه عن قوله عز وجل ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم فقال إن الله جل وعز ستير يحب السترة ولم يكن للمسلمين يومئذ ستور ولا حجال فكان ولد

الرجل وخادمه ويتيمه ربما دخل عليه وهو مع أهله فأمر الله جل وعز بالاستئذان فلما بسط الله الرزق واتخذ الناس الستور والحجال رأوا أن ذلك يغنيهم عن الاستئذان وفي بعض الروايات فترك الناس العمل بالآية قال الشعبي ليست بمنسوخة وأولى ما في هذا وأصحه إسنادا ما رواه عبد الملك عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول ثلاث آيات ترك الناس العمل بها أقوله ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ب وقوله إن أكرمكم عند الله أتقاكم ويقول فلان أنا أكرم من فلان وإنما أكرمهما أتقاهما

قال عطاء ونسيت الثالثة قال أبو جعفر فهذا من ابن عباس على جهة الإنكار وهو مفسر لما رواه عكرمة في رواية من قال فترك الناس العمل بها وقد روى ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس قال إني لآمر جاريتي هذه وأومأ إلى جارية بيضاء قصيرة أن تستأذن علي 67 - ثم بين المرات فقال سبحانه من قبل صلاة الفجر لأنه الوقت الذي يلبس الناس فيه ثيابهم يخرجون من فرشهم وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة لأنه وقت القائلة

ومن بعد صلاة العشاء قال الزهري وهي التي يسميها الناس العتمة قال فيستأذنون في هذه الأوقات خاصة فأما غيرهم فيستأذنوا كل وقت 68 - ثم قال تعالى ثلاث عورت لكم أي أوقات الاستئذان ثلاث عورات والنصب بمعنى يستأذنون وقت ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن أي في الدخول بغير إذن طوافون عليكم أي يخدمونكم بعضكم على بعض أي يطوف بعضكم على بعض 69 - وقوله جل وعز وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا

قال الزهري أي يستأذن الرجل على أمه وفي هذا المعنى نزلت هذه الآية 70 - ثم قال تعالى كما استأذن الذيم من قبلهم يعني البالغين 71 - وقوله جل وعز والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا قال أبو جعفر أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى اللواتي قعدن عن الولد وقال غيره يراد بهذا العجوز الكبيرة التي قعدت عن التصرف لأنها قد تقعد عن الولد وفيها بقية قال ربيعة هي التي إذا رأيتها استقذرتها

72 - ثم قال تعالى فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن روى أبو وائل عن عبد الله بن مسعود قال يعني الرداء قال أبو جعفر والمعروف من قراءة عبد الله أن يضعن من ثيابهن 73 - وقوله جل وعز وأن يستعففن خير لهن قال مجاهد أي يلبسن الجلباب خير لهن 74 - وقوله جل وعز ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا زيد بن أجزم قال أنبأنا بشر بن عمر الزهراني قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان

المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يدفعون مفاتحهم إلى ضمناهم ويقولون إن احتجتم فكلوا فيقولون إنما أحلوه لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله جل وعز ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم إلى آخر الآية قال أبو جعفر يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي يقال أوعب بنو فلان لبني فلان إذا جاءوهم بأجمعهم ويقال بيت وعيب إذا كان واسعا يستوعب كل ما وضع فيه والضمنى هم الزمنى واحدهم ضمن مثل زمن قال معمر سألت الزهري عن قوله تعالى ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ما بال هؤلاء ذكروا ههنا فقال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن الناس كانوا إذا خرجوا إلى الغزو دفعوا مفاتحهم إلى الزمنى وأحلوا لهم أن يأكلوا مما في بيوتهم فكانوا لا يفعلون ذلك

ويتوقون ويقولون إنما أطلقوا لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله الآية ليس على الأعمى حرج قال أبو جعفر فالمعنى على هذا بين أي ليس عليهم في الأكل شئ والقول الآخر قول ابن عباس حدثناه بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم إلى قوله جميعا أو أشتاتا وذلك لما أنزل الله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل فقال المسلمون إن الله عز وجل قد نهى أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل والطعام هو من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله جل وعز بعد ذلك ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج إلى قوله

أو ما ملكت مفاتحه وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته قال أبو جعفر والذي رخص الله جل وعز أن يؤكل من ذلك الطعام والتمر وشرب اللبن وكانوا أيضا يتقون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره فرخص الله لهم فقال جل وعز ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا قال أبو جعفر فبين ابن عباس في هذا الحديث ما الذي رخص لهم فيه من الطعام وفي غير هذه الرواية عنه أن الأعمى كان يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعه وكان الأعرج يتحرج لاتساعه في الموضع والمريض لرائحته وما يلحقه فأباح الله جل وعز لهم الأكل مع غيرهم وهذا معنى رواية صالح عنه 75 - فأما قوله تعالى ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم فقيل معناه من بيوت عيالكم

وقيل معناه من بيوت أولادكم لأن أولادهم من كسبهم فنسبت بيوتهم إليهم واستدل صاحب هذا القول بأنه ذكر الأقرباء بعد ولم يذكر الأولاد ومعنى إخوانكم وإخوتكم واحد وفي غير رواية معاوية عن ابن عباس أو ما ملكتم مفاتحه يعني العبيد وقيل يعني الزمنى أبيح لهم ما خزنوه من هذا للغزاة وقرأ سعيد بن جبير أو ما ملكتم مفاتحه بضم الميم وتشديد اللام وقال مجاهد كان الرجل يذهب بالأعمى وبالأعرج ولا وبالمريض إلى بيت أبيه أو غيره من الأقرباء فيتحرج من ذلك ويقول هو بيت غيره فنزلت هذه الآية رخصة

وقيل ليس على الأعمى حرج أي في الغزو وكذا الأعرج المريض ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أي من بيوت أنفسكم لأنه قد كان يجوز أن يحظر ذلك لأنه قد يكون في بيت الرجل ما ليس له وكان يجوز أن يحظر عليه مال غيره وإن أذن له فأبيح ذلك لهذا إذا أذن له أحد من هؤلاء وذكر فيهم الخص والعام لأن قوله أو بيوت إخوانكم عام

76 - وقوله جل وعز فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم روى عمر بن دينار عن ابن عباس فإذا دخلتم بيوتا قال المساجد فسلموا على أنفسكم يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وقال أبو مالك إذا دخلتم بيوتا ليس فيها أحد من المسلمين فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وقال ماهان إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا من ربنا وقال الحسن فسلموا على أنفسكم ليسلم بعضكم على بعض

كما قال تعالى فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم قال الضحاك فسلموا على أهليكم وغيرهم قال أبو جعفر قول الحسن في هذا قول صحيح في اللغة والمسلم من المسلم بمنزلة نفسه لأن دينهما واحد وعلى كل واحد منهما نصح صاحبه وقال الشاعر قد جعلت نفسي في الأديم * يعني الماء لأن الماء به العيش فجعله نفسه فكذلك المسلم يطمئن إلى المسلم كما يطمئن إلى نفسه والأولى أن يكون لجميع البيوت لأن اللفظ عام والمعنى فليحيي بعضكم بعضا تحية من عند الله مباركه طيبه ثم خبر أن السلام طيب مبارك فقال تحية من عند الله مباركة طيبة 77 - وقوله جل وعز إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا

كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه قال سعيد بن جبير إذا حزبهم أمر من حرب أو غيرها استأذنوه قبل أن يذهبوا وقال مجاهد هذا في الغزو ويوم الجمعة وقال قتادة والضحاك وإذا كانوا معه على أمر جامع أي على أمر طاعة قال أبو جعفر قول سعيد بن جبير أولاها أي إذا احتاج الإمام إلى جمع المسلمين لأمر يحتاج إلى اجتماعهم فيه فالإمام مخير في الإذن لمن رأى الإذن له فأما إذا انتقض وضوءه يوم الجمعة فلا وجه لمقامه في المسجد ولا معنى لاستئذانه الإمام في ذلك لأنه لا يجوز له منعه 78 - وقوله تعالى فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم قال قتادة وقد قال سبحانه عفا الله عنك لم أذنت

لهم فنسخت هذه يعني التي في سورة النور التي في سورة براءة 79 - وقوله جل وعز لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قال مجاهد قولوا يا رسول الله في رفق ولين ولا تقولوا يا محمد بتجهم وقال قتادة أمروا أن يفخموه ويشرفوه ويروى عن ابن عباس كان يقول دعوة الرسول عليكم واجبة فاحذروها وهذا قول حسن لكون الكلام متصلا لأن الذي قبله

والذي بعده نهي عن مخالفته أي لا تتعرضوا لما يسخطه فيدعو عليكم فتهلكوا ولا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس 80 - وقوله جل وعز قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا قال مجاهد أي خلافا وقيل حيادا لم كما تقول لذت من فلان أي حدت عنه وقيل لواذا في سترة ولذت من فلان تنحيت عنه في سترة قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة وقول مجاهد يدل عليه فليحذر الذين يخالفون عن أمره ولواذ حدثنا مصدر لاوذ فأما لاذ فمصدره لياذ

وزعم أبو عبيدة أن قوله فليحذر الذين يخالفون عن امره معناه يخالفون أمره قال أبو جعفر وهذا القول خطأ على مذهب الخليل وسيبويه لأن عن وعلى لا يفعل بهما ذلك أي لا يزادان وعن في موضعها غير زائدة والمعنى يخالفون بعد ما أمر كما قال الشاعر * عليكم فتهلكوا ولا تجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس 80 - وقوله جل وعز قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا قال مجاهد أي خلافا وقيل حيادا لم كما تقول لذت من فلان أي حدت عنه وقيل لواذا في سترة ولذت من فلان تنحيت عنه في سترة قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة وقول مجاهد يدل عليه فليحذر الذين يخالفون عن أمره ولواذ حدثنا مصدر لاوذ فأما لاذ فمصدره لياذ

وزعم أبو عبيدة أن قوله فليحذر الذين يخالفون عن امره معناه يخالفون أمره قال أبو جعفر وهذا القول خطأ على مذهب الخليل وسيبويه لأن عن وعلى لا يفعل بهما ذلك أي لا يزادان وعن في موضعها غير زائدة والمعنى يخالفون بعد ما أمر كما قال الشاعر * نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل * وحقيقة عن ههنا إن شئت خلافهم أن تأمر فخلافهم عن أمره وهذا مذهب الخليل وسيبويه كذا قالا في قوله جل وعز ففسق عن أمر ربه انتهت سورة النور

المملكة العربية السعودية جامعة أم القرى معهد البحوث وإحياء التارث الاسلامي مركز إحياء التارث الاسلامي مكة المكرمة معاني القرآن الكريم للامام ابي جعفر النحاس المتوفى سنة 338 هـ تحقيق الشيخ محمد على الصابوني الاستاذ يجامعة ام القرى الجزء الخامس

الطبعة الاولى 1410 هـ / 1989 م حقوق الطييع محفوظة لجامعة ام القرى

اني لاعجب ممن يقرا القرآن كيف يلتذ بتلاوته ولهم يفهم معناه الامام الطبري

تفسير سورة الفرقان

تفسير سورة الفرقان مكية وآياتها 77 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الفرقان وهي مكية حدثني يموت بن المزرع قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا أبو عبيدة قال حدثنا يونس بن حبيب قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول سألت مجاهدا تلخيص الآي المدني من المكي فقال مجاهد سألت ابن عباس وذكر الحديث وقال فيه نزلت سورة الفرقان بمكة فهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز تبارك الذي نزل الفرقان على عبده آية 1 وقرأ عبد الله بن الزبير على عباده

تبارك تفاعل من البركة وهي حلول الخير ومنه فلان مبارك أي الخير يحل بحلوله مشتق من البرك والبركة وهما المصدر والفرقان القرآن لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر والنذير المخوف عذاب الله تبارك وتعالى وكل مخوف نذير ومنذر 2 - وقوله جل وعز وخلق كل شئ فقدره تقديرا آية 2 أي قدره لكل شئ ما يصلحه ويقوم به 3 - وقوله جل وعز ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا آية 3 يقال أنشر الله الموتى فنشروا

4 - ثم قال تعالى وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه آية قال مجاهد وقتادة إفك أي كذب ثم قال تعالى وأعانه عليه قوم آخرون روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال اليهود 5 - ثم قال جل وعز فقد جاءوا ظلما وزورا آية 4 قال مجاهد أي كذبا قال أبو جعفر والتقدير فقد جاءوا بظلم وزور 6 - ثم قال جل وعز وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا آية 5 قال مجاهد أي أحاديث الأولين قال قتادة وأصيلا أي عشيا 7 - وقوله جل وعز وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق آية 7

أي أي شئ له آكلا وماشيا ثم طلبوا أن يكون معه ملك شريكا فقالوا لولا أنزل إليه ملك وقد قال عز وجل ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون أي لو أنزلنا ملكا لم يكونوا يفهمون عنه حتى يكون رجلا وإذا كان رجلا لم يؤمنوا أيضا إلا بتأويل 8 - وقوله جل وعز تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار آية 10 روى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن خيثمة قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن شئت أن نعطيك خزائن الدنيا ومفاتحها ولم يعط ذلك من قبلك ولا يعطاه أحد بعدك وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئا

وإن شئت جمعنا ذلك لك في الآخرة فقال يجمع لي ذلك في الآخرة فأنزل الله عز وجل تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا آية 10 9 - وقوله جل وعز إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا آية 12 قيل في معنى هذا قولان أحدهما سمعوا لمن فيها من المعذبين تغيظا وزفيرا واستشهد صاحب هذا القول بقوله عز وجل لهم فيها زفير وشهيق والقول الآخر أن المعنى سمعوا لها تغيظا عليهم كما قال تعالى تكاد تميز من الغيظ

والقول الثاني أولى لأنه قال سمعوا لها ولم يقل سمعوا فيها ولا منها والتقدير سمعوا لها صوت تغيظ 10 - وقوله جل وعز دعوا هنالك ثبورا آية 13 قال مجاهد والضحاك أي هلاكا قال أبو جعفر يقال ما ثبرك عن كذا أي ما صرفك عنه فالمثبور ابن هو المصروف عن الخير والمعنى يقولون واثبوراه وروى علي بن زيد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول من يكسى حلة من جهنم إبليس فيضعها على

جبينه ويسحبها يقول واثبوراه وتتبعه ذريته يقولون واثبوراه فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا 11 - ثم قال جل وعز قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون آية 15 وليس في ذلك خير فإنما هو على عملكم وعلى ما تفعلون 12 - ثم قال جل وعز كان على ربك وعدا مسئولا آية 16 قال محمد بن كعب أي يسأله وهو قول الملائكة صلى الله عليه ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم

وقيل إن ذلك يراد به قولهم لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها 13 - وقوله جل وعز ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله آية 17 قال مجاهد المسيح وعزيرا والملائكة 14 - وقوله جل وعز حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا آية 18 قال مجاهد أي هالكين قال أبو جعفر يقال لما هلك أو فسد أو كسد بائر ومنه بارت السوق وبارت الأيم وبور يقع للواحد والجماعة على قول أكثر النحويين وقال بعضهم الواحد بائر والجمع بور كما يقال عائد وعوذ وهائد وهود 15 - ثم قال جل وعز فقد كذبوكم بما تقولون آية 19 أي بقولكم إنهم آلهة

وحكى الفراء أنه يقرأ فقد كذبوكم بما يقولون قال أبو جعفر والمعنى على هذا فقد كذبوكم بقولهم ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء 16 - ثم قال تعالى فما يستطيعون صرفا ولا نصرا آية 19 قال يونس الصرف الحيلة من قولهم فلان يتصرف في الأشياء أي فما يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم العذاب ولا ينصروها 17 - وقوله جل وعز ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا آية 19 قال الحسن الشرك 18 - وقوله جل وعز وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا آية 20

قال قتادة فتنة أي بلاء قال أبو جعفر الفتنة في اللغة الاختبار والمعنى جعلنا الشريف للوضيع والوضيع للشريف فتنة يروى أن الشريف كان يريد أن يسلم فيمنعه من ذلك أن من هو دونه قد أسلم قبله فيقول أعير بسبقه إياي وإن بعض الزمنى والفقراء كان يقول لم لم أكن غنيا وصحيحا فأسلم ثم قال جل وعز أتصبرون أي إن صبرتم فقد عرفتم أجر الصابرين 19 - ثم خبر أن الذين لا يؤمنون بالآخرة يقترحون من الآيات ما لم يعطه أحد فقال جل وعز وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى

ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا آية 21 والعتو التجاوز فيما لا ينبغي 20 - ثم قال جل وعز يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا آية 22 روى عطية عن أبي سعيد الخدري حجرا محجورا قال حراما محرما قال الضحاك أي تقول لهم الملائكة حراما عليكم محرما أن تكون لكم البشرى اليوم يعني الكفار قال أبو جعفر والمعنى حراما عليكم البشرى ومن هذا حجر القاضي إنما هو منعه ومن هذا حجر الإنسان

21 - وقوله جل وعز وقدمنا إلى ما عملوا من عمل آية 23 قال مجاهد وقدمنا أي عمدنا قال أبو جعفر وأصل هذا أن القادم إلى الموضع يعمد له ويقصد إليه 22 - ثم قال جل وعز فجعلناه هباء منثورا آية 23 روى أبو إسحق عن الحارث عن علي قال الهباء المنثور شعاع الشمس الذي يدخل من الكوة قال أبو جعفر وهباء جمع هباءة فيقال لما يكون من شعاع الشمس وهو شبيه بالغبار هباء منثور ويقال لما يطير من تحت سنابك الخيل هباء منبث

وأصله من أهبأ قوله التراب إهباء له إذا أثاره كما قيل منينا كأنه أهباء 23 - وقوله جل وعز أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا آية 24 قال أبو جعفر القول في هذا كالقول في قوله تعالى أذلك خير أم جنة الخلد والفراء يذهب إلى أنه ليس في هذا سؤال البتة 24 - ثم قال جل وعز وأحسن مقيلا آية 24 قال قتادة أي مأوى ومنزلا قال أبو جعفر المقيل في اللغة هو المقام وقت القيلولة خاصة فقيل إن أهل الجنة ينصرفون إلى نسائهم مقدار وقت

نصف النهار فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ذلك الوقت 25 - ثم قال جل وعز ونزل الملائكة تنزيلا آية 25 قال قتادة تنزل ملائكة كل سماء سماء فيقول الخلائق لهم أفيكم ربنا جل وعز وذكر الحديث 26 - ثم قال جل وعز الملك يومئذ الحق للرحمن آية 26 لأن ملك الدنيا زائل

27 - وقوله جل وعز ويوم يعض الظالم على يديه آية 27 قال سعيد بن المسيب كان عقبة بن أبي معيط خدنا لأمية بن خلف فبلغ أمية أن عقبة عزم على أن يسلم فأتاه فقال له وجهي من وجهك حرام إن لم تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ففعل الشقي فأنزل الله جل وعز ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا وقال أبو رجاء فلان هو الشيطان واحتج لصاحب هذا القول بأن بعده وكان الشيطان للإنسان خذولا والقول الأول هو الذي عليه أهل التفسير 28 - روى عثمان الجزري عن مقسم عن ابن عباس أن هذا نزل في عقبة وأمية

وفي رواية مقسم فأما عقبة فكان في الأسارى يوم بدر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله فقال أأقتل دونهم فقال نعم بكفرك وعتوك فقال من للصبية فقال النار فقام علي بن أبي طالب فقتله وأما أمية بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده وكان قال والله لأقتلن محمدا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنا أقتله إن شاء الله وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أمية لعقبة أصبأت فقال عقبة إنما صنعت طعاما فأبي محمد أن يأكل منه حتى أشهد له بالرسالة والذي قال أبو رجاء ليس بناقض لهذا لأن هذا كان

بإغواء الشيطان وتزيينه فيجوز أن يكون نسب إليه على هذا 29 - وقوله جل وعز وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا آية 30 قال مجاهد وإبراهيم أي قالوا فيه غير الحق قال إبراهيم ألم تر إلى المريض كيف يهجر أي يهذي وقيل مهجورا أي متروكا 30 - وقوله جل وعز وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين آية 31 قال أبو جعفر يجوز أن يكون عدوا بمعنى أعداء ويجوز أن يكون لواحد

وفي بعض الروايات عن ابن عباس أنه يراد به أبو جهل 31 - وقوله جل وعز وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك آية 32 قيل هذا التمام والمعنى أنزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك كذلك التثبيت كما قال جل وعز ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا لأنه إذا انزله متفرقا كان فيه جواب ما يسألون في وقته فكان في ذلك تثبيت فقيل التمام قوله كذلك وقيل التمام عند قوله جملة واحدة

والمعنى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كالتوراة والإنجيل ومعنى هذا لم أنزل متفرقا فقال جل وعز كذلك لنثبت به فؤادك أي أنزلناه متفرقا لنثبت به فؤادك 32 - ثم قال جل وعز ورتلناه ترتيلا آية 32 روى مغيرة عن إبراهيم قال أنزل متفرقا وقال الحسن كلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شئ نزل جوابه حتى كمل نزوله في نحو من عشرين سنة 33 - ثم قال جل وعز ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا آية 33 قال الضحاك أي تفصيلا قال أبو جعفر في الكلام حذف والمعنى وأحسن تفسيرا من مثلهم ومثل هذا يحذف كثيرا 34 - ثم قال جل وعز الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا آية 34 في الحديث الشريف يحشر الناس على ثلاث طبقات

ركبانا ومشاة وعلى وجوههم قال أنس قيل يا رسول الله كيف يحشرون على وجوههم فقال إن الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم 35 - وقوله جل وعز وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا آية 35 روى سعيد عن قتادة قال أي عونا وعضدا 36 - وقوله تعالى وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم آية 37 قيل هذا يوجب أن قوم نوح قد كذبوا غير نوح صلى الله عليه وسلم فقيل من كذب نبيا فقد كذب جميع الأنبياء لأن الأنبياء كلهم يؤمنون بالله جل وعز وبجميع كتبه وقيل هذا كما يقال فلان يركب الدواب وإن لم يركب إلا واحدة أي يركب هذا الجنس

37 - وقوله جل وعز وعادا وثمود وأصحاب الرس آية 38 قال قتادة كانوا أصحاب فلج باليمامة وآبار قال مجاهد أصحاب الرس كانوا على بئر لهم وكان اسمها الرس فنسبوا إليها قال أبو جعفر الرس عند أهل اللغة كل بئر غير مطوية ومنه قول الشاعر * تنابلة يحفرون الرساسا يعني آبار المعادن ويروى أنهم قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي دسوه فيها

إلا أن قتادة قال إن أصحاب الأيكة وأصحاب الرس أمتان أرسل إليهم جميعا شعيب صلى الله عليه وسلم فعذبتا بعذابين 38 - ثم قال جل وعز وقرونا بين ذلك كثيرا آية 38 قال قتادة بلغنا أن القرن سبعون سنة ومعنى تبرنا أهلكنا ودمرنا 39 - وقوله جل وعز ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء آية 40 قال قتادة يعني مدينة قوم لوط 40 - وقوله جل وعز بل كانوا لا يرجون نشورا آية 40 قال قتادة أي حسابا وبعثا قيل يرجون ههنا بمعنى يخافون وقال من ينكر الأضداد يرجون على بابه أي لا يرجون ثواب الآخرة فيتقوا المعاصي

41 - وقوله جل وعز أرأيت من اتخذ إلهه هواه آية 43 قال الحسن لا يهوى شيئا إلا اتبعه وقال غيره كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى حجرا أحسن منه أخذه وترك الأول قال أبو جعفر قول الحسن في هذا قول جامع أي يتبع هواه ويؤثره فقد صار له بمنزلة الإله 42 - ثم قال جل وعز أفأنت تكون عليه وكيلا آية 43 قيل حافظا وقيل كفيلا 43 - ثم قال تعالى أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا آية 44

لأن الأنعام تسبح وتجتنب مضارها 44 - وقوله جل وعز ألم تر إلى ربك كيف مد الظل آية 45 ترى ههنا في موضع تعلم ويجوز أن يكون من رؤية العين قال الحسن وأبو مالك وإبراهيم التيمي وقتادة والضحاك في قوله تعالى ألم تر إلى ربك كيف مد الظل هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس 45 - ثم قال تعالى ولو شاء لجعله ساكنا آية 45

قال الحسن أي لو شاء لتركه ظلا كما هو وقال الضحاك أي لو شاء لجعل النهار كله ظلا وقال قتادة ساكنا أي دائما ثم جعلنا الشمس عليه دليلا أي تتلوه وتتبعه ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا روى سفيان عن عبد العزيز بن رفيع عن مجاهد يسيرا أي خفيا وقال الضحاك سريعا وقال أبو مالك وإبراهيم التيمي قبضا يسيرا هو ما تقبضه الشمس من الظل قال أبو جعفر قول مجاهد أولى في العربية وأشبه بالمعنى لما نذكره وصف الله جل وعز لطفه وقدرته فقال ألم تر إلى ربك كيف مد الظل أي ما بين طلوع الفجر إلى طلوع

الشمس كما قال أهل التفسير وبينته لك في قوله جل وعز في وصفه الجنة وظل ممدود 46 - ثم قال سبحانه ولو شاء لجعله ساكنا آية 45 أي دائما كما في الجنة ثم جعلنا الشمس عليه دليلا أي تدل عليه وعلى معناه لأن الشئ يدل على ضده فيدل النور على الظلمة والحر على البرد وقيل دالة على الله عز وجل ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا أي إذا غابت الشمس قبض الظل فبضا ذلك خفيا كلما قبض جزء منه جعل مكانه جزء من الظلمة وليس يزول دفعة واحدة فهذا قول مجاهد وقول أبي مالك وإبراهيم التيمي أن المعنى ثم قبضنا الظل بمجئ الشمس ويذهبان إلى أن معنى يسيرا سهلا علينا

وقول مجاهد أولى لأن ثم يدل على أن الثاني بعد الأول وقوله أيضا أجمع للمعنى 33 - وقوله جل وعز وهو الذي جعل لكم الليل لباسا آية 47 أي سترا والنوم سباتا أي راحة وجعل النهار نشورا أي ينتشر فيه 48 - وقوله جل وعز وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته آية 48 أكثر القراء يقرءون ما كان في معنى الرحمة على الرياح وما كان في معنى العذاب على الريح ويحتج بعضهم بحديث ضعيف يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا هبت الريح قال اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا

قال أبو جعفر وقيل إنما وقع هذا هكذا لأن ما يأتي بالرحمة ثلاث رياح وهي الصبا والشمال والجنوب والرابعة الدبور ولا تكاد تأتي بمطر فقيل لما أتى بالرحمة رياح هذا ولا أصل للحديث ومعنى نشرا إحياء أي تأتي بالسحاب الذي فيه المطر الذي به حياة الخلق ونشرا جمع نشور وروى عن عاصم بشرا جمع بشيرة وروي عنه بشرا بحذف الضمة لثقلها أو يكون جمع بشرة كما يقال بسرة وبسر

وعن محمد اليماني بشرى أي بشارة بين يدي رحمته أي المطر 49 - وقوله جل وعز وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا آية 49 قال محمد بن يزيد أناسي جمع إنسي مثل كرسي وكراسي وقال غيره أناسي جمع إنسان والأصل أناسين مثل سراحين ثم أبدل من النون ياء 50 - ثم قال سبحانه ولقد صرفناه بينهم ليذكروا آية 50 يعني المطر أي نسقي أرضا ونترك أرضا ليذكروا أي ليفكروا في نعم الله جل وعز ويحمدوه

فأبى أكثر الناس إلا كفورا وهو أن يقولوا مطرنا بنوء كذا أي بسقوط كوكب كذا كما يقول المنجمون فجعلهم كفارا بذلك 51 - وقوله جل وعز وجاهدهم به جهادا كبيرا آية 52 أي بالقرآن 52 - وقوله جل وعز وهو الذي مرج البحرين آية 53 أي خلطهما وخلاهما فهما مختلطان في مرآة العين وبينهما حاجز من قدرة الله عز وجل وفي الحديث مرجت أماناتهم أي اختطلت

ويقال مرج السلطان الناس أي خلاهم وأمرجت محمد الدابة ومرجتها إلى أي خليتها لترعى 53 - ثم قال تعالى هذا عذب فرات آية 53 أي شديد العذوبة وهذا ملح أجاج آية 53 روى معمر عن قتادة قال الأجاج المر قال أبو جعفر والمعروف عند أهل اللغة أن الأجاج الشديد الملوحة ويقال ماء ملح ولا يقال مالح وروي عن طلحة أنه قرأ وهذا ملح أجاج بفتح الميم وكسر اللام 54 - ثم قال جل وعز وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا آية 53

برزخا أي حاجزا وحجرا محجورا أي مانعا 55 - ثم قال تعالى وهو الذي خلق من الماء بشرا آية 54 يعني بالماء النطفة والله عز وجل أعلم 56 - وقوله جل وعز فجعله نسبا وصهرا آية 54 قيل هو الماء الذي خلق منه أصول الحيوان وقيل النسب البنون ينتسوب كان إليه وخلق له بنات من جهتهن الأصهار وقال أبو إسحاق النسب الذي ليس بصهر من قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف والصهر من يحل له التزوج وروى عميرة مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنه وهو قول الضحاك قال حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع

ثم قرأ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم إلى قوله وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف وقيل من الصهر خمس وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم إلى وحلائل أبنائكم وهذا لفظ الضحاك وقد اختلف في الفرق بين الختن والصهر فقال الأصمعي الأختان كل شئ من قبل المرأة مثل أبي المرأة وأخيها وعمها والأصهار يجمع هذا كله يقال صاهر فلان إلى بني فلان وأصهر إليهم وقال ابن الأعرابي الأختان أبو المرأة وأخوها وعمها والصهر زوج ابنة الرجل وأخوه وأبوه وعمه

وقال محمد بن الحسن في رواية أبي سليمان الجوزجاني أختان الرجل أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته وكل ذي محرم منه اصهاره كل ذي رحم محرم من زوجته قال أبو جعفر الأولى في هذا أن يكون القول في الأصهار ما قال الأصمعي وأن يكون من قبلهما جميعا لأنه يقال صهرت الشئ أي خلطته فكل واحد منهما قد خلط صاحبه والأولى في الأختان ما قاله محمد بن الحسن لجهتين أحدهما الحديث المرفوع روى محمد بن إسحق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنت مني وأنا منك فهذا يدل على أن زوج البنت ختن

والجهة الأخرى أنه يقال ختنه إذا قطعه فالزوج قد انقطع عن أهله وقطع المرأة عن أهلها فهو أولى بهذا الأسم 57 - وقوله جل وعز وكان الكافر على ربه ظهيرا آية 55 قال مجاهد أي معينا وقال الحسن أي عونا للشيطان على الله عز وجل على المعاصي 58 - ثم قال جل وعز وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا آية 56 قال قتادة أي مبشرا بالجنة ونذيرا من النار 59 - ثم قال جل وعز قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا آية 57 قال قتادة بطاعة الله عز وجل

60 - وقوله تعالى الرحمن فاسأل به خبيرا آية 59 قال أبو إسحق أي اسأل عنه وقد حكى هذا جماعة من أهل اللغة أن الباء بمعنى عن كما قال جل وعز سأل سائل بعذاب واقع وقال الشاعر هلا سألت الخيل يا ابنة مالك إن كنت جاهلة بما لم تعلمي قال علي بن سليمان أهل النظر ينكرون أن تكون الباء بمعنى عن لأن في هذا فساد المعاني قال ولكن هذا مثل قول العرب لو لقيت فلانا للقيك به الأسد أي للقيك بلقائك إياه الأسد والمعنى فاسأل بسؤالك على ما تقدم

61 - وقوله جل وعز تبارك الذي جعل في السماء بروجا آية 61 قال قتادة أي نجوما وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال البروج النجوم العظام وروى إسماعيل عن يحيى بن رافع قال البروج قصور في السماء قال أبو جعفر يقال لكل ما ظهر وتبين برج ومنه قيل تبرجت المرأة وقد برج برجا إذا ظهر 62 - ثم قال جل وعز وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا آية 61 سراجا يعني الشمس ويقرأ سرجا

وقيل من قرأ هذه القراءة فالمعنى عنده وجعل في البروج سرجا فإن قيل فقد أعاد ذكر القمر وقد قال سرجا والقمر داخل فيها فالجواب أنه أعيد ذكر القمر لفضله عليها كما قال جل وعز فيهما فاكهة ونخل ورمان 63 - وقوله جل وعز وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة آية 62 قال مجاهد أي يخلف هذا هذا ويخلف هذا هذا وقال الحسن من نسي شيئا من التذكر والشكر بالنهار كانت له في الليل عتبى ومن نسيه بالليل كانت له في النهار عتبى

وقيل خلفة أي مختلفين كما قال جل وعز واختلاف الليل والنهار قال أبو جعفر وأولى هذه الأقوال قول مجاهد والمعنى كل واحد منهما يخلف صاحبه مشتق من الخلف ومنه خلف فلان فلانا بخير أو شر ومنه قول زهير بها العين والآرام يمشين خلفة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم 64 - وقوله جل وعز وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا آية 63 وكل واحد عبده فنسبهم إليه لاصطفائه إياهم كما يقال بيت الله وناقة الله 65 - وقوله جل وعز الذين يمشون على الأرض هونا آية 63

قال مجاهد أي بالوقار والسكينة وقال الحسن علماء حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا 66 - ثم قال تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما آية 63 قال مجاهد أي سدادا قال سيبويه وزعم أبو الخطاب أن مثله قولك للرجل سلاما تريد تسلما منك كما قلت براءة منك قال وزعم أن هذه الآية فيما زعم مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولكنه على قوله تسلما ولا خير بيننا وبينكم ولا شر 67 - وقوله جل وعز والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما آية 64

يقال بات إذا أدركه الليل نام أو لم ينم كما قال الشاعر فبتنا قياما عند رأس جوادنا يزاولنا عن نفسه ونزاوله 68 - وقوله جل وعز إن عذابها كان غراما آية 65 قال أبو عبيدة أي هلاكا وأنشد ويوم النسار ويوم الجفار كانا عذابا وكانا غراما وقال الفراء كان غراما أي ملحا ملازما ومنه فلان غريمي أي يلح في الطلب والغرام عند أكثر أهل اللغة أشد العذاب قال الأعشى

إن يعاقب يكن غراما وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي قال محمد بن كعب طالبهم الله بثمن النعم فلما لم يأتوا به غرمهم ثمنها وأدخلهم النار 69 - وقوله جل وعز والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا آية 67 قال سفيان لم يسرفوا لم ينفقوا في غير حق ولم يقتروا لم يمسكوا عن حق وأحسن ما قيل ما حدثنا أبو علي الحسن بن غليب قال حدثني عمران بن أبي عمران قال حدثنا خلاد بن سليمان الحضرمي قال حدثني عمرو بن لبيد عن أبي عبد الرحمن الحبلي في قوله جل وعز والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما قال من أنفق في غير طاعة الله عز وجل فهو الإسراف ومن أمسك عن طاعة الله عز وجل فهو الإقتار

ومن أنفق في طاعة الله عز وجل فهو القوام وكان بين ذلك قواما أي عدلا قال أحمد بن يحيى يقال هذا قوام الأمر وملاكه وقال بعض أهل اللغة هذا غلط وإنما يقال هذا قوام الأمر واحتج بقوله تعالى وكان بين ذلك قواما قال أبو جعفر والصواب ما قال أحمد بن يحيى والمعنيان مختلفان فالقوام أبو بالفتح الاستقامة والعدل كما قال لبيد واحب المجامل أو بالجزيل وصرمه باق إذا ضلعت وزاغ قوامها

والقوام بالكسر ما يدوم عليه الأمر ويستقر 70 - وقوله تعالى والذين لا يدعون مع الله إلها آخر آية 68 قال أبو وائل قال عبد الله بن مسعود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم فقال أن تشرك بالله جل وعلا وهو خلقك قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك وتزني بحليلة جارك ثم قرأ عبد الله والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية 71 - وقوله جل وعز ومن يفعل ذلك يلق أثاما آية 68 قال مجاهد هو واد في جهنم وقال أبو عمرو الشيباني يقال لقي أثام ذلك أي جزاء ذلك

وقال القتبي الأثام جزاء العقوبة وأنشد والعقوق له أثام قال أبو جعفر وأصح ما قيل في هذا وهو قول الخليل وسيبويه أن المعنى يلق جزاء الأثام كما قال سبحانه واسأل القرية وبين جزاء الأثام فقال يضاعف له العذاب يوم القيامة كما بين الشاعر في قوله متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا قال الضحاك لما أنزل الله جل وعز والذين لا يدعون مع الله إلها آخر إلى آخر الآية قال المشركون قد زعم أنه

لا توبة لنا فأنزل الله جل وعز إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا أي تاب من الشرك ودخل في الإسلام ونزل هذا بمكة وأنزل الله قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا الآية ثم أنزل بالمدينة بعد ثماني سنين ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم وهي مبهمة لا مخرج منها 72 - وقوله جل وعز فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات آية 70 روى عاصم عن أبي عثمان عن سلمان قال يقرأ المؤمن في أول كتابه السيئات ويرى الحسنات دون ذلك فينظر وجهه وينظر

أعلاه فإذا هو حسنات كله فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه فأولئك الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات قال والضحاك أي يبدلهم من الشرك الإيمان وقال الحسن مجاهد قوم يقولون التبديل في الآخرة يوم القيامة وليس كذلك إنما التبديل في الدنيا يبدلهم الله إيمانا من الشرك وإخلاصا من الشك وإحصانا من الفجور قال أبو إسحق ليس يجعل مكان السيئة حسنة ولكن يجعل مكان السيئة التوبة والحسنة مع التوبة

73 - وقوله جل وعز ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متاب آية 71 أي توبة مؤكدة أي إذا عمل صالحا بعد التوبة قيل تاب متابا أي متابا مرضيا مقبولا 74 - وقوله جل وعز والذين لا يشهدون الزور آية 72 قال محمد بن الحنفية يعني الغناء وقال الضحاك يعني الشرك وأصل الزور في اللغة الكذب والشرك أشد الكذب 75 - وقوله وإذا مروا باللغو مروا كراما آية 72 قال الضحاك باللغو أي بالشرك وروي عنه أيضا إذا ذكروا النكاح كنوا عنه وقال الحسن اللغو المعاصي كلها

وأصل اللغو في اللغة ما ينبغي أن يلغى أي يطرح أي تركوه وأكرموا أنفسهم عنه 76 - وقوله جل وعز والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا آية 73 أي لم يتغافلوا عنها ويتركوها حتى يكونوا بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر 77 - ثم قال جل وعز والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين آية 74 قال الضحاك أي مطيعين لك ثم قال واجعلنا للمتقين إماما آية 74 قال الضحاك أي اجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير وقال الحسن أي اجعلنا نقتدي بالمتقين الذين قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا

78 - وقوله جل وعز قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم آية 77 ورى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أي ما يفعل بكم ربي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه وتطيعوه وهذا أحسن ما قيل في الآية كما قال جل وعز ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وأصل يعبأ من العبء وهو الثقل وقول الشاعر كأن بصدره وبجانبيه عبيرا بات يعبأه) عروس أي يجعل بعضه على بعض أي أي وزن لكم عند ربكم لولا أنه أراد أن يدعوكم إلى طاعته

وقال القتبي المعنى ما يعبأ بعذابكم ربي لولا دعاؤكم غيره أي لولا شرككم 79 - ثم قال سبحانه فقد كذبتم فسوف يكون لزاما آية 77 بوى مسروق عن عبد الله قال يعني يوم بدر وكذلك قال مجاهد والضحاك قال أبو إسحاق أي فسوف يكون التكذيب لازما يلزمكم ولا تعطون التوبة وقال القتبي أي فسوف يكون العذاب لزاما وقال أبو عبيدة لزاما أي فيصلا

وقال مسلم بن عمار سمعت ابن عباس يقرؤها فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزاما وقال أبو زيد سمعت قعنبا يقرأ فسوف يكون لزاما بفتح اللام قال أبو جعفر وهذا مصدر لزم والأول مصدر لوزم حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم يقول لولا إيمانكم وأخبر الله جل وعز الكفار أنه لا حاجة له بهم إذا لم يخلقهم مؤمنين ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين فسوف يكون لزاما قال يقول موتا انتهت سورة الفرقان

تفسير سورة الشعراء

تفسير سورة الشعراء مكية وآياتها 227 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الشعراء وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز طسم آية 1 روى معمر عن قتادة قال طسم اسم 2 - وقوله جل وعز تلك آيات الكتاب المبين آية 2 لأن القرآن مذكور في التوراة والإنجيل فالمعنى هذه تلك آيات الكتاب وقيل تلك بمعنى هذه 3 - وقوله جل وعز لعلك باخع نفسك آية 3

قال مجاهد وقتادة أي قاتل وقال الضحاك أي قاتل نفسك عليهم حرصا قال أبو عبيدة باخع أي مهلك قال أبو جعفر وأصل هذا من بخعه عبد أي أذله والمعنى لعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان 4 - وقوله جل وعز إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية آية 4 أي لو شئنا لاضطررناهم عليه إلى الطاعة بأن نهلك كل من عصى 5 - ثم قال جل وعز فظلت أعناقهم لها خاضعين آية 4 في هذا أقوال قال مجاهد أعناقهم كبراؤهم

وقال أبو زيد والأخفش أعناقهم جماعاتهم يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة وقال عيسى بن عمر خاضعين وخاضعة ههنا واحد والكسائي يذهب إلى أن المعنى خاضعيها قال أبو جعفر قول مجاهد أعناقهم كبراؤهم معروف في اللغة يقال جاءني عنق من الناس أي رؤساؤهم وكذل يقال جاءني عنق من الناس أي جماعة ولهذا يقال على فلان عتق رقبة ولا يقال عتق عنق لما يقع فيه من الاشتراك وقول عيسى بن عمر أحسن هذه الأقوال وهو اختيار أبي العباس

والمعنى على قوله فظلوا لها خاضعين فأخبر عن المضاف إليه وجاء بالمضاف مقحما توكيدا كما قال الشاعر رأت مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال وكما قال الشاعر وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم قال أبو العباس ومثله سقطت بعض أصابعه قال ومثله يا تيم تيم عدي لا أبا لكم لا يلقينكم أبي في سوءة عمر فجاء بتيم الأول مقحما توكيدا

وأما قول الكسائي فخطأ عند البصريين والفراء ومثل هذا الحذف لا يقع في شئ من الكلام 65 - وقوله جل وعز أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم آية 7 قال مجاهد من نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام وروي عن الشعبي أنه قال الناس من نبات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم ومن صار إلى النار فهو لئيم والمعنى على قول مجاهد من كل جنس نافع حسن 7 - ثم قال جل وعز إن في ذلك لآية آية 8 أي لدلالة على الله جل وعز وأنه ليس كمثله شئ ثم قال وما كان أكثرهم مؤمنين أي قد علم الله أنهم لا يؤمنون كما قال سبحانه لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد

8 - وقوله جل وعز وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين آية 11 أي واتل عليهم هذا وبعده واتل عليهم نبأ إبراهيم 9 - وقوله جل وعز قال رب إني أخاف أن يكذبون ويضيق صدري ولا ينطلق لساني آية 12 قرأ الأعرج وطلحة وعيسى ويضيق صدري ولا ينطلق لساني والقراءة الأولى أحسن لأن انطلاق اللسان ليس مما يدخل في الخوف لأنه قد كان 10 - ثم قال تعالى فأرسل إلى هارون آية 13 في الكلام حذف والمعنى فأرسل إلى هارون ليعينني ويؤازرني كما تقول فأرسل إلي إني لأعينك

11 - ثم قال جل وعز ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون آية 14 قال مجاهد وقتادة يعني قتل النفس فأخاف أن يقتلون أي بقتلي رجلا منهم 12 - ثم قال جل وعز قال كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون آية 15 كلا ردع وزجر أي انزجر عن هذا الخوف وثق بالله ثم قال جل وعز فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون آية 15 يحتمل أن يكون معكم لموسى وهارون عليهما السلام لأن الاثنين جمع كما قال تعالى فإن كان له إخوة ويحتمل أن يكون لموسى وهارون والآيات ويحتمل أن يكون لموسى وهارون ومن أرسل إليهم

قال أبو جعفر الأول أولاها ليكون المعنى إنا معكم ناصرين ومقوين 13 - ثم قال جل وعز فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين) آية 16 قال أبو عبيدة رسول بمعنى رسالة وأنشد لقد كذب الواشون ما فهت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول والتقدير على قوله إنا ذوا رسالة والأخفش يذهب إلى أنه واحد يدل على اثنين وجمع 14 - ثم قال جل وعز أن أرسل معنا بني إسرائيل آية 17 المعنى أرسلنا لأن ترسل معنا بني إسرائيل

15 - ثم قال جل وعز قال ألم نربك فينا وليدا آية 18 أي مولودا فامتن عليه بتربيته إياه صغيرا إلى أن كبر 16 - ثم قال تعالى ولبثت فينا من عمرك سنين آية 18 ومن عمرك وعمرك 17 - وقوله جل وعز وفعلت فعلتك التي فعلت آية 19 قال مجاهد يعني قتل النفس وقرأ الشعبي وفعلت فعلتك بكسر الفاء والفتح للأول لأنها للمرة الواحدة والكسر بمعنى الهيئة والحال أي فعلتك التي تعرف كما قال كأن مشيتها من دار جارتها مر السحابة لا ريث ولا عجل ويقال كان ذلك أيام الردة والردة

قال أبو جعفر قال علي بن سليمان واختار ذلك لأن الارتداد لم يكن مرة واحدة والفتح أجود 18 - ثم قال جل وعز وأنت من الكافرين آية 19 في معناه أقوال أ - منها أن المعنى من الكافرين لنعمتي كما قال والكفر مخبثة لنفس المنعم ب - والضحاك يذهب إلى أن المعنى وأنت من الكافرين لقتلك القبطي قال فنفى عن نفسه الكفر وأخبر أنه فعل ذلك على الجهل ج وقال الفراء المعنى وأنت من الكافرين الساعة د - قال السدي أي وأنت من الكافرين لأنك كنت تتبعنا على الدين الذي تعيبه الساعة فقد كنت من الكافرين على قولك

قال أبو جعفر ومن أحسن ما قال في معناه ما قاله ابن زيد قال من الكافرين لنعمتنا ما أي لنعمة تربيتي لك 19 - ثم قال وعز قال فعلتها إذا وأنا من الضالين آية 20 أي من الجاهلين وقال أبو عبيدة من الضالين أي من الناسين كما قال سبحانه أن تضل إحداهما 20 - وقوله جل وعز فوهب لي ربي حكما آية 21 قال السدي يعني النبوة 21 - وقوله جل وعز وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل آية 22

في هذه الآية أقوال قيل ألف الاستفهام محذوفة والمعنى أو تلك نعمة كما قال تروح من الحي أم تبتكر وماذا يضرك لو تنتظر وهذا لا يجوز لأن الاستفهام إذا حذفت منه الألف زال المعنى إلا أن يكون في الكلام أم أو ما أشبهها وقيل المعنى وتلك نعمة تمنها علي أن عبدتني وأنا من بني إسرائيل لأنه يروى أنه كان رباه على أن يستعبده وقيل وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل وتركتني

وهذا أحسن الأقوال لأن اللفظ يدل عليه أي إنما صارت هذه نعمة لأنك اتخذت بني إسرائيل عبيدا ولو لم تتخذهم عبيدا لم تكن نعمة ف أن بدل من نعمة ويجوز أن يكون المعنى لأن عبدت بني إسرائيل 22 - وقوله جل وعز قال فرعون وما رب العالمين آية 23 فأجابه موسى صلى الله عليه وسلم بأن أخبره بصفات الله جل وعز التي يعجز عنها المخلوقون قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين آية 24 فلم يرد فرعون هذه الحجة بأكثر من أن قال قال لمن حوله ألا تستمعون أي ألا تستمعون إلى قوله فأجابه موسى لأنه المراد وزاده في البيان قال ربكم ورب آبائكم الأولين فلم يحتج فرعون عليه بأكثر من أن نسبه إلى الجنون قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون آية 27 أي لمغلوب على عقله لأنه يقول قولا لا يعرفه لأنه كان

عند قوم فرعون أن الذي يعرفونه ربا لهم في ذلك الوقت هو فرعون وأن الذي يعرفونهم أربابا لآبائهم الأولين ملوك أخر كانوا قبل فرعون فزاده موسى في البيان فقال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون آية 28 فتهدده فرعون قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين آية 29 فاحتج موسى عليه وعليهم بما يشاهدونه قال أو لو جئتك بشئ مبين آية 30 أي ببرهان قاطع واضح يدل على صدقي 23 - وقوله جل وعز فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين آية 32

يقال الثعبان الكبير من الحيات وقد قال في موضع آخر تهتز كأنها جان والجان الصغير من الحيات ففي هذا دليل على أن الآية كانت عظيمة لأنه وصف عظمها وأنها تهتز اهتزاز الصغير لخفتها ولا يمنعها عظمها من ذلك فهذا أعظم في الآية 24 - ثم قال جل وعز ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين آية 33 أي ونزع يده من جيبه فإذا هي بيضاء للناظرين بياضا نوريا من غير برص فرد فرعون الآية العظيمة بنسبه إياه إلى السحر قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم آية 34 ثم تواضع لهم فقال يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين آية 37

روى مجاهد عن ابن عباس قال يعني الشرط ويروى أن السحرة كانوا اثني عشر ألفا وأن موسى بعث والسحر كثير وأعطي الآيات العظام كما بعث النبي صلى الله عليه وسلم والبلاغة أكثر ما كانت فأعطي القرآن ودعوا إلى أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا عن ذلك قال قتادة إنه لكبيركم يعني موسى صلى الله عليه وسلم 25 - وقوله جل وعز لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف آية 49 يروى أنه أول من قطع وصلب قالوا لا ضير فيما يلحقنا من عذاب الدنيا مع أملنا للمغفرة

يقال ضرر وضر وضير وضور بمعنى واحد وأنشد أبو عبيده فإنك لا يضورك بعد حول أظبي كان أمك أم حمار أن كنا أول المؤمنين أي لأن كنا قال الفراء أي أول مؤمني أهل زماننا قال أبو إسحاق هذا كلام من لم يعرف الرواية لأنه يروى أنه معه ستمائة ألف وسبعون ألفا وإنما المعنى أول من آمن عند ظهور هذه الآية 26 - ثم قال جل وعز وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي آية 52

يقال سرى وأسرى إذا سار بالليل قال مجاهد خرج موسى صلى الله عليه وسلم ليلا قال عمرو بن ميمون قالوا لفرعون إن موسى قد خرج ببني إسرائيل فقال لا تكلموهم حتى يصيح الديك فلم يصيح ديك تلك الليلة فلما أصبح أحضر شاة فذبحت وقال لا يتم سلخها حتى يحضر خمس مائة ألف فارس من القبط فحضروا وروى يونس بن أبي إسحق عن أبي بردة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بأعرابي فأكرمه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تعهدنا فأتنا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما حاجتك فقال ناقة أرتحلها لا وأعنز يحتلبها أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجز هذا أن يكون مثل عجوز بني إسرائيل قالوا وما عجوز بني إسرائيل قال إن موسى صلى الله عليه وسلم لما أراد الخروج ببني إسرائيل ضل عن الطريق فقال ما هذا فقال له علماء بني إسرائيل إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقا ألا نخرج إلا بعظامه فقال أين قبره فقالوا ما يعرفه إلا عجوز بني إسرائيل فسألوها فقالت حتى تعطيني حكمي قال وما

حكمك قالت أن أكون معك في الجنة فكره ذلك فأوحى الله جل وعز إليه أن أعطها ففعل فأتت بهم إلى بحيرة فقالت أنضبوا هذا الماء فأنضبوه واستخرجوا عظام يوسف صلى الله عليه وسلم فتبينت لهم الطريق كضوء النهار 27 - ثم قال جل وعز إنكم متبعون آية 52 روى عكرمة عن ابن عباس قال اتبعه فرعون في ألف ألف حصان سوى الإناث وكان موسى صلى الله عليه في ستمائة ألف من بني إسرائيل فقال فرعون إن هؤلاء لشرذمة قليلون وروى سفيان عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله إن هؤلاء لشرذمة قليلون قال ستمائة ألف وسبعون ألفا

وروى سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود وإنا لجميع حاذرون قال مؤدون قال أبو جعفر المؤدون الذين معهم أداة وهي السلاح والسلاح أداة الحرب وأبو عبيدة يذهب إلى أن حاذرين وحذرين وحذرين بضم الذال بمعنى واحد قال أبو جعفر وحقيقة هذا أن الحاذر هو المستعد والحذر المتيقظ كأن ذلك فيه خلقة ولهذا قال أكثر النحويين لا يتعدى حذر

وروى حميد الأعرج عن أبي عمار أنه قرأ وإنا لجميع حادرون الدال غير معجمة يقال جمل حادر إذا كان غليظا ممتليا ومنه قول الشاعر وعين لها حدرة بدرة شقت مآقيهما من أخر 28 - ثم قال جل وعز فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم آية 58 57 حدثنا محمد بن سلمة الأسواني قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني ابن لهيعة عن واهب بن عبد الله المعافري عن عبد الله بن عمرو أنه نيل مصر سيد الأنهار سخر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب وذلله له فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده فمدته الأنهار بمائها وفجر الله له من الأرض عيونا فإذا انتهى جريه إلى ما أراد الله أوحى الله إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره

وقال في وقوله الله جل وعز فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم قال كانت الجنات بحافتي هذا النيل من أوله إلى آخره في الشقين جميعا من أسوان إلى رشيد وكان له سبعة خلج خليج الاسكندرية وخليج دمياط وخليج سردوس وخليج منف وخليج الفيوم وخليج المنهى متصلة لا ينقطع منها شئ من شئ وزروع ما بين الجبلين كله من أول مصر إلى آخرها ما يبلغه الماء فكانت جميع أرض مصر كلها تروى من ست عشرة ذراعا بما قدروا ودبروا من قناطرها وجسورها وخلجها قال ومقام كريم المنابر كان بها ألف منبر قال أبو جعفر المقام في اللغة الموضع من قولك قام يقوم وكذلك المقامات واحدها مقامة كما قال الشاعر

وفيهم مقامات حسان وجوهها وأندية ينتابها القول والفعل والمقام أيضا المصدر والمقام بالضم الموضع من أقام يقيم والمصدر أيضا من أقام يقيم إلا أن ابن لهيعة قال سمعت أن المقام الكريم الفيوم 29 - وقوله جل وعز فأتبعوهم مشرقين آية 60 أكثر أهل التفسير على أن المعنى وقت الشروق وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى ناحية الشرق والأول أولى يقال أشرقنا أي دخلنا في الشروق كما يقال أصبحنا أي دخلنا في الصباح وإنما يقال في ذلك شرقنا وغربنا 30 - وقوله جل وعز فلما تراءى الجمعان آية 61 أي رأى بعضهم بعضا

أصحاب موسى إنا لمدركون آية 61 وقرئ لمدركون والمعنى واحد أي سيدركنا هذا الجمع الكثير ولا طاقة لنا به 31 - وقوله جل وعز قال كلا إن معي ربي سيهدين آية 62 كلا أي ارتدعوا وانزجروا عن هذا القول إن معي ربي سيهدين 32 - وقوله جل وعز فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم آية 63 قال الضحاك كالطود العظيم أي كالجبل كما قال الأسود بن يعفر نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ماء الفرات يجئ من أطواد جمع طود أي جبل

33 - وقوله جل وعز وأزلفنا ثم الآخرين آية 64 قال الحسن أزلفنا أهلكنا وقال أبو عبيدة أزلفنا جمعنا ومنه ليلة المزدلفة وقال قتادة أزلفنا قربناهم من البحر فأغرقناهم قال أبو جعفر وهذه الأقوال متقاربة لأنه إنما جمعهم للهلاك وقول قتادة أصحها ومنه وأزلفت الجنة للمتقين أي قربت ومنه مر الليالي زلفا فزلفا وروي عن أبي بن كعب أنه قرأ وأزلقنا بالقاف 34 - وقوله جل وعز واتل عليهم نبأ إبراهيم آية 69 أي خبر إبراهيم

35 - وقوله جل وعز قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين آية 71 أي مقيمين على عبادتها قال هل يسمعونكم إذ تدعون قال أبو عبيدة أي هل يسمعون لكم قال أبو حاتم أي هل يسمعون أصواتكم وقرأ قتادة هل يسمعونكم بضم الياء أي هل يسمعونكم أصواتهم وكلامهم 36 - وقوله جل وعز فإنهم عدو لي إلا رب العالمين آية 77 يجوز أن يكون استثناء ليس من الأول ويجوز أن يكون المعنى كل ما تعبدونه عدو لي يوم القيامة إلا الله جل وعز

ومن أصح ما قيل فيه أن المعنى فإنهم عدو لي لو عبدتهم يوم القيامة 37 - وقوله جل وعز الذي خلقني فهو يهدين آية 78 وقرأ بن أبي أسحق فهو يهديني بإثبات الياء فيها كلها وقرأ والذي أطمع أن يغفر لي خطاياي يوم الدين وقال ليست خطيئة واحدة قال أبو جعفر والتوحيد جيد على أن تكون خطيئة بمعنى خطايا كما قرئ وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة قال مجاهد في قوله والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي قال هو قوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله إني سقيم

وقوله حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذ سارة قال هي أختي 38 - قال مجاهد في قوله جل وعز واجعل لي لسان صدق في الآخرين آية 84 قال الثناء الحسن وروي عن ابن عباس قال اجتماع الأمم عليه 39 - وقوله جل وعز إلا من أتى الله بقلب سليم آية 89 قال قتادة أي سليم من الشرك وقال عروة لم يلعن شيئا قط

40 - ثم قال تعالى وأزلفت الجنة للمتقين آية 90 أي قربت بمعنى قرب دخولهم إياها 41 - وقوله جل وعز فكبكبوا فيها هم والغاوون آية 94 كبكبوا أي قلبوا على رؤوسهم وقيل طرح بعضهم على بعض هذا قول أبي عبيدة والأصل كببوا فأبدل من الباء كاف استثقالا للتضعيف وقيل معنى فكبكبوا فجمعوا مشتق من كوكب الشئ أي معظمه والجماعة من الخيل كوكب وكبكبه قال قتادة والغاوون الشياطين وقال السدي فكبكبوا أي مشركو العرب والغاوون الآلهة وجنود إبليس من كان من ذريته

42 - قال أبو جعفر ومعنى إذ نسويكم برب العالمين نعبدكم كما نعبده 43 - وقوله جل وعز فما لنا من شافعين ولا صديق حميم آية 101 حميم أي خاص ومنه حامة الرجل وأصل هذا من الحميم وهو الماء الحار ومنه الحمام والحمى فحامة الرجل الذين يحرقهم ما أحرقه كما يقال هم حزانتهم على أي يحزنهم ما يحزنه 44 - وقرأ يعقوب وغيره قالوا أنؤمن لك وأتباعك الأرذلون آية 111 وهي قراءة حسنة وهذه الواو أكثر ما يتبعها الأسماء والأفعال بعد وأتباع جمع تبع وتبع يكون للواحد والجميع قال الشاعر

له تبع قد يعلم الناس أنه على من تدانى صيف وربيع وقيل إنما أرادوا أن أتباعك الحجامون والحاكة والصناعات ليست بضارة في الدين وروى عيسى بن ميمون عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وسعيد عن قتادة واتبعك الأرذلون قال الحاكة 45 - وقوله تعالى فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون آية 119 المشحون المملوء 46 - وقوله جل وعز أتبنون بكل ريع آية تعبثون آية 128

قال قتادة والضحاك الريع الطريق وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد بكل ريع بكل فج قال أبو جعفر والفج الطريق في الجبل وقال جماعة من أهل اللغة الريع ما ارتفع من الأرض جمع ريعة وكم ريع أرضك أي كم ارتفاعها ومعروف في اللغة أن يقال لما ارتفع من الأرض ريع وللطريق ريع والله أعلم بما أراد وروى عبد الله بن كثير عن مجاهد أتبنون بكل ريع آية تعبثون آية 128 قال بروج الحمامات 92 - ثم قال جل وعز وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون آية 129

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد مصانع قال قصورا وحصونا وقال سفيان هي مصانع الماء قال أبو إسحاق واحدها مصنع ومصنعة قال أبو جعفر والذي قاله مجاهد من أن المصانع القصور والحصون معروف في اللغة قال أبو عبيدة يقال لكل بناء مصنع ومصنعة وروى عبد الله بن كثير عن مجاهد وتتخذون مصانع قال بالآجر والطين وفي بعض القراءات كأنكم تخلدون والمعنيان

متقاربان لأن معنى لعلكم تخلدون أنكم على رجاء من الخلود 48 - وقوله جل وعز وإذا بطشتم بطشتم جبارين آية 130 قال مجاهد بالسيف والسوط 49 - وقوله جل وعز إن هذا إلا خلق الأولين آية 137 قال قتادة خلق الأولين بالضم يعيشون كما عاشوا أي نحيا ونموت كما حيوا وماتوا قال عبد الله بن مسعود خلق الأولين أي اختلاقهم

قال أبو جعفر خلق الشئ واختلقه بمعنى 50 - وقوله جل وعز وزروع ونخل طلعها هضيم آية 148 قال الضحاك أي يركب بعضه بعضا قال أبو جعفر وقيل هضيم أي هاضم مرئ لطيف أول ما طلع وقال مجاهد حين يطلع يقبض عليه فيهضمه قال أبو جعفر أصل الهضم انضمام الشئ ومنه هضيم الكشح ريا المخلخل ومنه فلان أهضم الكشح أي ضامره فيقال للطلع هضيم قبل أن يتفتح وروى إسحاق عن بريد ونخل طلعها هضيم

قال منه ما قد أرطب ومنه مذنب 51 - ثم قال جل وعز وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين آية 149 قال أبو صالح أي حاذقين بنحتها وقال منصور بن المعتمر فارهين أي حاذقين وقال الحسن فرهين أي آمنين وقال عبد الله بن شداد فارهين بألف أي متجبرين وقال قتادة فرهين أي معجبين وقال مجاهد فرهين أي أشرين بطرين

قال أبو جعفر وهذا أعرفها في اللغة وهو قول أبي عمرو وأبي عبيدة فكأن الهاء مبدلة من حاء لأنهما من حروف الحلق وأبو عبيدة يذهب إلى أن فارهين وفرهين بمعنى واحد 52 - وقوله جل وعز قالوا إنما أنت من المسحرين آية 153 أي من المسحورين قاله مجاهد وأبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى إنما أنت بشر لك سحر والسحر الرئة وقيل من المسحرين أي من المعللين بالطعام والشراب كما قال الشاعر أرانا موضعين لحتم غيب ونسحر بالطعام وبالشراب 53 - وقوله جل وعز لها شرب ولكم شرب يوم معلوم آية 155

والشرب الحظ من الماء 54 - وقوله جل وعز وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم آية 166 قال إبراهيم بن المهاجر قال لي مجاهد كيف يقرأ عبد الله بن مسعود وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم قلت وتذرون ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم قال الفرج كما قال تعالى فأتوهن من حيث أمركم الله وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم قال القبل الفرج إلى أدبار النساء والرجال 55 - ثم قال جل وعز بل أنتم قوم عادون آية 166

يقال عدا إذا تجاوز في الظلم 56 - وقوله جل وعز قال إني لعملكم من القالين آية 168 أي المبغضين الكارهين وقد قلاه يقليه قلى وقلاء كما قال عليك السلام لا مللك قريبة ومالك عندي إن نأيت قلاء 57 - وقوله جل وعز إلا عجوزا في الغابرين آية 171 قال أبو عبيدة والفراء أي الباقين قال أبو جعفر يقال للذاهب غابر وللباقي غابر كما قال لا تكسع الشول بأغبارها إنك لا تدري من الناتج

وكما قال فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر أي وما بقي والأغبار بقيات الألبان والشول الإبل التي قد شالت بأذنابها 58 - وقوله جل وعز كذب أصحاب الأيكة المرسلين آية 176 الأيكة عند أهل اللغة الشجر لالملتف والجمع أيك ويروى أنهم كانوا أصحاب شجر ملتف وقد قيل إن الأيكة اسم موضع ولا يصح ذلك ولا يعرف

59 - وقوله جل وعز إذ قال لهم شعيب ألا تتقون آية 177 قرئ على أحمد بن شعيب عن عبد الحميد بن محمد قال حدثنا مخلد قال حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة نوح وصالح وهود وشعيب وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومحمد صلى الله عليهم وزعم الشرقي بن قطامي أن شعيبا هو ابن عيفا بن نويب بن مدين بن إبراهيم وزعم ابن سمعان أن شعيبا بن جزي بن يشجر بن لاوي بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم صلى الله عليهم 60 - وقوله جل وعز وزنوا بالقسطاس المستقيم آية 182 قال عبد الله بن عباس ومجاهد القسطاس العدل

61 - ثم قال جل وعز ولا تبخسوا الناس أشياءهم آية 183 أي ولا تظلموا ومنه قول العرب تحسبها حمقاء وهي باخس 62 - وقوله جل وعز واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين آية 184 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد الجبلة الخليقة قال أبو جعفر يقال جبل فلان على كذا أي خلق وقوله جبلة وجبلة وجبلة 63 - وقوله جل وعز فأسقط علينا كسفا من السماء آية 187 روى علي بن الحكم عن الضحاك فأسقط علينا كسفا قال جانبا

قال أبو جعفر ويقرأ كسفا وهو جمع كسفة وهي القطعة 64 - ثم قال جل وعز فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة آية 189 قال عبد الله بن عباس أصابهم حر شديد فدخلوا البيوت فأخذ بأنفاسهم فخرجوا إلى البرية لا يسترهم شئ فأرسل الله إليهم سحابة فهربوا إليها ليستظلوا بها ونادى بعضهم بعضا فلما اجتمعوا تحتها أهلكهم الله جل وعز وقال مجاهد فلما اجتمعوا تحتها صيح بهم فهلكوا 65 - وقوله جل وعز نزل به الروح الأمين آية 193 يعني جبريل صلى الله عليه على قلبك أي يتلوه فيعيه قلبك

66 - وقوله جل وعز وإنه لفي زبر الأولين آية 196 أي إن إنزاله وذكره ثم قال جل 67 - وعز أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل آية 197 وفي قراءة عبد الله أو ليس لكم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل قال مجاهد هو عبد الله بن سلام وقال غيره هو عبد الله وغيره ممن أسلم 68 - ثم قال جل وعز ولو نزلناه على بعض الأعجمين آية 198

الأعجم الذي لا يفصح وإن كان عربيا والعجمي الذي أصله من العجم وإن كان فصيحا وقد ذكرنا قوله كذلك سلكناه في قلوب المجرمين في سورة الحج 69 - وقوله جل وعز إنهم عن السمع لمعزولون آية 212 أي عن استماع الوحي لممنوعون بالرجم وروى عروة عن عائشة قالت قلت يا رسول الله إن الكهان كانوا يحدثوننا بالشئ فنجده كما يقولون فقال تلك الكلمة يخطفها أحدهم فيكذب معها مائة كذبة وذكر الحديث 70 - ثم قال جل وعز وأنذر عشيرتك الأقربين آية 214

قال عبد الله بن عباس لما نزلت صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصاح يا صباحاه فاجتمعوا إليه من بين رجل يجئ وبين رجل يبعث برسول فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن رجلا جاء من هذا الفج ليغير عليكم أصدقتموني قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب ألهذا دعوتنا تبا لك فأنزل الله جل وعز تبت يدا أبي لهب وتب وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية قال يا صفية عمة رسول الله يا فاطمة ابنة محمد يا بني عبد المطلب إني لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم

71 - وقوله جل وعز الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين آية 219 218 قال مجاهد وقتادة في الساجدين في المصلين قال مجاهد وكان يرى من خلفه كما يرى من أمامه قال عكرمة أي قائما وراكعا وساجدا وروي عن ابن عباس أنه قال تقلبه في الظهور حتى أخرجه نبيا 72 - وقوله جل وعز تنزل على كل أفاك أثيم آية 222 قال مجاهد على كل أفاك على كل كذاب 73 - وقوله جل وعز والشعراء يتبعهم الغاوون آية 224 قال ابن عباس الرواة

وقال الضحاك هما اثنان تهاجيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من الأنصار وكان مع كل واحد منهما جماعة وهم الغواة أي السفهاء وقال عكرمة هم الذين يتبعون الشاعر وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد يتبعهم الغاوون قال الشياطين وروى خصيف عن مجاهد قال هم الذين يتبعونهم ويروون شعرهم 74 - ثم قال جل وعز ألم تر أنهم في كل واد يهيمون آية 225 قال مجاهد أي في كل فن يفتنون قال أبو جعفر والتقدير في اللغة في كل واد من القول يهيمون قال أبو عبيدة الهائم المخالف للقصد في كل شئ

75 - وقوله جل وعز إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات آية 227 قال عبد الله بن عباس يعني عبد الله بن رواحة وحسانا وفي غير هذا الحديث لما نزلت هذه الآية قال عبد الله قد علم الله جل وعز أنا نقول الشعر وأنزل هذا فأنزل الله عز وجل إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا أي ناضلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن المؤمنين من هجاهم

76 - ثم قال جل وعز وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون آية 227 روي في الحديث أنه يراد به من بين يدي الله جل وعز إلى النار انتهت سورة الشعراء

تفسير سورة النمل

تفسير سورة النمل مكية وآياتها 93 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة النمل وهي مكية 113 - من ذلك قوله جل وعز طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين آية 1 تلك أي هذه آيات القرآن الذي كنتم توعدون به وكتاب مبين أي وآيات كتاب مبين 2 - وقوله جل وعز إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم آية 4 قال أبو إسحق أي جعلنا جزاءهم على الكفر هذا وقيل أي زينا لهم الطاعة والإيمان لأنهما من أعمال الخلق

3 - ثم قال جل وعز فهم يعمهون آية 4 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال فهم يترددون في الضلالة 4 - ثم قال جل وعز وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم آية 6 أي يلقى عليك فتتلقاه 5 - وقوله جل وعز إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا آية 7 قال أبو عبيدة أي أبصرت قال أبو جعفر ومنه قيل إنس لأنهم مرئيون 6 - ثم قال جل وعز سأتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس آية 7

قال أبو عبيدة الشهاب النار قال أبو إسحق يقال لكل ذي نور شهاب قال أحمد بن يحيى أصل الشهاب عود في أحد طرفيه جمرة والآخر لا نار فيه والجذوة كذلك إلا أنها أغلظ من الشهاب وسميت جذوة لأنها أصل الشجرة كما هي قال أبو جعفر يقال قبست النار أقبسها قال قبسا والاسم القبس 7 - ثم قال جل وعز لعلكم تصطلون آية 7 روى عكرمة عن ابن عباس قال كانوا شاتين وكانوا قد أخطأوا الطريق 8 - ثم قال جل وعز فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها آية 8

أي فلما جاءها موسى نودي أن بورك من في النار ومن حولها روى عطاء بن السائب عن سعبد بن جبير عن ابن عباس قال النار نور الله جل وعز نادى موسى صلى الله عليه وسلم وهو في النور ومن حولها الملائكة وروى موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب النار نور الله جل وعز ومن حولها موسى والملائكة صلى الله عليه وسلم وقيل من في النار الملائكة الموكلون بها ومن حولها الملائكة أيضا والمعنى يقولون سبحان الله رب العالمين

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد ولم يعقب ولم يرجع 9 - وقوله جل وعز إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم آية 10 في معناه أقوال أ - منها أن في الكلام حذفا والمعنى إني لا يخاف لدي المرسلون إنما يخاف غيرهم ممن ظلم إلا من ظلم ثم تاب فإنه لا يخاف ب وقيل المعنى لا يخاف لدي المرسلون لكن من ظلم من المرسلين وغيرهم ثم تاب فليس يخاف ج - وقيل إلا بمعنى الواو وذا ليس بجيد في العربية 10 - وقوله جل وعز وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء آية 12 المعنى وأخرجها تخرج بيضاء وروى مقسم عن ابن عباس من غير سوء من غير برص

11 - ثم قال جل وعز في تسع آيات آية 12 المعنى من تسع آيات وفي بمعنى من لقربها منها كما تقول خذ لي عشرا من الإبل فيها فحلان أي منها وقال الأصمعي في قول امرئ القيس وهل ينعمن من كان آخر عهده ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال في بمعنى من ويجوز أن تكون بمعنى مع والمعنى وألق عصاك وأدخل يدك في جيبك آيتان من تسع آيات والتسع الآيات فيما روي كون العصا حية وكون يده بيضاء من غير سوء والجدب الذي أصابهم في بواديهم ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم 12 - ثم قال جل وعز إلى فرعون وقومه آية 12

تخرج بيضاء إلى فرعون وقومه وقيل المعنى إلى فرعون وقومه مبعوث ومرسل وهذا قول الفراء 13 - وقوله جل وعز فلما جاءتهم آياتنا مبصرة آية 13 أي واضحة ومبصرة أي مبينة 14 - وقوله جل وعز وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا آية 14 أي تكبرا أن ؤمنوا عن بموسى صلى الله عليه وسلم وقد جاءهم بالبراهين والآيات 15 - وقوله جل وعز وورث سليمان داود آية 16 سبيل الولد أن يرث أباه فالفائدة في هذا أنه من وراثة العلم والقيام بأمر الناس ومن هذا العلماء ورثة الأنبياء

ويروى أنه كان لداود عليه السلام تسعة عشر ولدا فورثه سليمان في النبوة والملك دونهم وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير 16 - ثم قال جل وعز وأوتينا من كل شئ آية 16 أي من كل شئ يؤتاه الأنبياء والناس وهذا على التكثير كما يقال ما بقيت أحدا حتى كلمته في أمرك 17 - وقوله جل وعز فهم يوزعون آية 17 روى معمر عن قتادة قال يرد أولهم على آخرهم قال أبو جعفر أصل وزعته كففته ومنه لا بد للناس من وزعة ومنه لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن

روى عطاء الخراساني عن ابن عباس فهم يوزعون قال على كل صنف منهم وزعة يرد أولاها على أخراها لئلا يتقدموا في المسير كما يصنع الملوك فهذا قول بين ومنه وزع فلان فلانا عن الظلم إذا كفه عنه كما قال النابغة على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألما يصح والشيب وازع 18 - ثم قال جل وعز حتى إذا أتوا على واد النمل آية 18 يروى أنه واد كان بالشام نمله على قدر الذباب وقرأ سليمان التيمي يا أيها النمل ادخلوا مساكنكن لا يحطمنكن من سليمان بجنوده

19 - وقوله جل وعز فتبسم ضاحكا من قولها آية 19 ويقرأ فتبسم ضحكا من قولها ويقال كذلك ضحك الأنبياء 20 - وقوله جل وعز وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك آية 19 قال أهل التفسير أوزعني أألهمني وهو مأخوذ من الأول أي كفني عن الأشياء إلا عن شكر نعمتك أي كفني عما يباعد منك 21 - وقوله جل وعز وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد آية 20 قال أبو مجلز قال ابن عباس لعبد الله بن سلام أريد أن أسألك عن ثلاث مسائل قال أتسألني وأنت تقرأ القرآن قال نعم ثلاث مرات قال لم تفقد سليمان الهدهد دون سائر الطير

قال احتاج إلى الماء ولم يعرف عمقه أو قال مسافته وكان الهدهد يعرف ذلك دون الطير فتفقده وفي غير هذا عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له كيف هذا والصبي يصيده فقال له ابن عباس إذا وقع القضاء عمي البصر وقال عطاء حدثنا مجاهد عن ابن عباس قال كان سليمان يجلس وتجعل السرر بين يديه ويأمر الإنس فيجلسون عليها ثم يأمر الجن فيجلسون من ورائهم ثم يأمر الشياطين فيجلسون من ورائهم ثم يظلهم الطير وتقلهم في الريح مسيرة شهر

ورواحها شهر فتفقد الهدهد من الطير فقال لأعذبنه عذابا شديدا آية 21 وكان تعذيبه إياه نتفه وإلقاءه إياه في الأرض لا يمتنع من نملة ولا هامة قال عبد الله بن شداد كان تعذيبه اياه أن ينتفه ويلقيه في الشمس ثم قال جل وعز أو ليأتيني بسلطان مبين آية 21 أي بحجة بينة 22 - وقوله جل وعز فمكث غير بعيد آية 22 أي غير وقت بعيد والتقدير فمكث سليمان غير طويل من حين سأل عن الهدهد حتى جاء الهدهد فقال أي فقال الهدهد حين سأله سليمان عن تخلفه أحطت بما لم تحط به في الكلام حذف والمعنى ثم جاء فسأله سليمان عن غيبته فقال أحطت بما لم تحط به

ومعنى أحطت بالشئ علمته من جميع جهاته 23 - وقوله جل وعز وجئتك من سبأ بنبأ يقين آية 22 قيل سبأ اسم رجل وقيل هي مدينة قرب اليمن 24 - وقوله جل وعز إني وجدت امرأة تملكهم آية 23 قال قتادة هي امرأة يقال لها بلقيس ابنة شراحيل وكان أحد أبويها من الجن ومؤخر قدمها كحافر الحمار 25 - ثم قال جل وعز وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم آية 23 أي من كل شئ يؤتاه مثلها ولها عرش عظيم أي سرير كبير عظيم الخطر

26 - وقوله جل وعز ألا يسجدوا لله آية 25 هي أن دخلت عليها لا والمعنى لئلا يسجدوا لله ويجوز أن يكون أن بدلا من أعمالهم وقرأ ابن عباس وعبد الرحمن السلمي والحسن وأبو جعفر وحميد الأعرج ألا يا اسجدوا لله والمعنى على هذه القراءة ألا يا هؤلاء اسجدوا لله كما قال الشاعر يا لعنة الله والأقوام كلهم والصالحين على سمعان من جار فالمعنى يا هؤلاء لعنة الله

وعلى هذه القراءة هي سجدة وعلى القراءة الأولى ليست بسجدة لأن المعنى وزين لهم الشيطان أن لا يسجدوا لله والكلام على القراءة الأولى متسق وعلى القراءة الثانية قد اعترض في الكلام شئ ليس منه 27 - ثم قال جل وعز الذي يخرج الخبء في السموات والأرض آية 25 روى ابن نجيح عن مجاهد قال الخبء ما غاب وروى معمر عن قتادة قال الخبء السر وقيل الخبء في السموات المطر وفي الأرض النبات والأول أولى أي ما غاب في السموات والأرض ويدل عليه قوله ويعلم ما يخفون وما يعلنون

وفي قراءة عبد الله يخرج الخبء من السموات والأرض 28 - وقوله جل وعز إذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون آية 28 قيل المعنى فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم وقيل إنما أدبه بأدب الملوك أي فألقه إليهم ولا تقف منتظرا ولكن تول ثم ارجع 29 - وقوله جل وعز قالت يا أيها الملأ آية 29 في الكلام حذف والمعنى فذهب فألقاه إليهم فسمعها تقول يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم قيل قالت كريم لكرم صاحبه وشرفه وقيل لأنه كان مختوما

وقيل قالت كريم من أجل ما فيه وكان فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله سليمان إلى بلقيس ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين وكانت كتب الأنبياء مختصرة واحتذى الناس عليه من عبد الله قال عاصم عن الشعبي قال كتب النبي صلى الله عليه وسلم أربعة كتب كان يكتب باسمك اللهم فلما نزلت بسم الله مجريها ومرساها كتب بسم الله فلما نزلت قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن كتب بسم الله الرحمن فلما نزلت إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم كتب بسم الله الرحمن الرحيم قال عاصم قلت للشعبي أنا رأيت كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فيه بسم الله الرحمن الرحيم فقال ذاك الكتاب الثالث

30 - وقوله جل وعز ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين آية 31 أي أن لا تتكبروا ويجوز أن يكون المعنى بأن لا تعلوا علي أي كتب بترك العلو ويجوز على مذهب الخليل وسيبويه أن تكون أن بمعنى أي مفسرة كما قال وانطلق الملأ منهم أن امشوا ويجوز أن يكون المعنى إني ألقي إلي أن لا تعلوا علي 31 - وقوله جل وعز قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها آية 34 أي إذا دخلوها عنوة ويقال لكل مدينة يجتمع الناس فيها قرية من قريت الشئ أي جمعته 32 - وقوله جل وعز وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون آية 34

يجوز أن يكون وكذلك يفعلون من قول الله جل وعز ويجوز أن يكون من قولها 33 - وقوله جل وعز وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون آية 35 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال وجهت بغلمان عليهم لبس الجواري وبجوار عليهن لبس الغلمان وروى يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير قال أرسلت بمائتي وصيف ووصيفة وقالت إن كان نبيا فسيلعم بن الذكور من الإناث فأمرهم فتوضؤوا فمن توضأ منهم فبدأ بمرفقه قبل كفه قال هو من الإناث ومن بدأ بكفه قبل مرفقه قال هو من الذكور قال أبو جعفر وقيل وجهت إليه بلبنة من ذهب في خرقة حرير فأمر سليمان صلى الله عليه وسلم بلبن من ذهب فألقي تحت الدواب حتى وطأته

وهذا أشبه لقوله أتمدونني بمال ويجوز أن يكون وجهت بهما جميعا ومعنى قوله تعالى لا قبل لهم بها أي لا يطيقونها ولا يثبتون لها 34 - وقوله عز وجل قال يا أيها الملأ أيكم يأتني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين آية 38 قيل إنما قال سليمان هذا لانهم إذا أسلموا لم يحل لهم أن يأخذ لهم شيئا وقيل إنما أراد أن يظهر بذلك آية معجزة 35 - وقوله جل وعز قال عفريات سنة من الجن أنا آتيك به قبل أن تكون من مقامك آية 39 وقرأ أبو رجاء قال عفرية بتحريك الياء قال قتادة هو الداهية

قال أبو جعفر يقال للشديد إذا كان معه خبث ودهاء عفر وعفرية وعفريت وعفارية وقيل عفريت أي رئيس قال وهب إن العفريت اسمه كوذن عمرو وقوله أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك أي من مجلسك الذي تقضي فيه بين الناس قال أبو جعفر يقال مقام ومقامة للموضع الذي يقام فيه 36 - وقوله جل وعز قال الذي عنده علم من الكتاب آية 40 في معنى هذا اقوال روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كان يعرف اسم الله جل وعز الذي إذا دعي به أجاب وهو يا ذا الجلال والإكرام

وقال غيره اسمه آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل فهذا قول وقيل إن الذي عنده علم من الكتاب هو سليمان نفسه لما قال له الجني أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وادعى شيئا يبعد أن يكون مثله قال له سليمان أنا آتيك به في وقت أقرب من هذا بقدرة الله جل وعز على أن نهلكه وتعيده موضعنا هذا من قبل أن تطرف وقال إبراهيم النخعي هو جبريل صلى الله عليه وسلم

37 - وفي قوله جل وعز قبل أن يرتد إليك طرفك آية 40 فيه قولان أيضا روى إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن جبير قال فرفع طرفه ثم رده فإذا بالعرش وقال مجاهد من قبل مد الطرف ثم قال مجاهد كما بيننا وبين الحيرة وهو يومئذ بالكوفة في كندة واستدل من قال إن قائل هذا سليمان بقوله قال هذا من فضل ربي إلى آخر الآية

قال عبد الله بن شداد فظهر العرش من نفق تحت الأرض 38 - وقوله جل وعز قال نكروا لها عرشها تنظر أتهتدي آية 41 أي غيروه قيل جعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه وقال قتادة نكروا لها عرشها غيروه بزيادة أو نقصان ننظر أتهتدي قال مجاهد أي أتعرفه 39 - وقوله جل وعز قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو آية 42 قال قتادة شبهته به لأنها خلفته خلفها وخرجت

40 - ثم قال جل وعز وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين آية 42 قال مجاهد يقوله سليمان عليه السلام 41 - وقوله جل وعز وصدها ما كانت تعبد من دون الله آية 43 قال مجاهد أي كفرها قال أبو جعفر والمعنى على هذا وصدها اعتيادها ما كانت عليه من الكفر وبين ذلك بقوله إنها كانت من قوم كافرين وقال يعلى بن مسلم قرأت على سعيد بن جبير إنها كانت من قوم كافرين فقال أنها بالفتح وقال إنما وصفها وليس يستأنف وفي معناه قول آخر وهو أن يكون المعنى وصدها عما كانت تعبد من دون الله ثم حذف عن كما تحذف حروف الخفض مع ما يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف

42 - وقوله جل وعز قيل لها ادخلي الصرح آية 44 قال مجاهد هو بركة ماء ألبسها سليمان زجاجا وقال قتادة كان من قوارير خلفه ماء فلما رأته حسبته لجة أي ماء وقيل الصرح القصر عن أبي عبيدة كما قال تحسب أعلامهن الصروحا وقيل الصرح الصحن كما نقل هذه صرحة الدار وقاعتها بمعنى وحكى أبو عبيد في الغريب المصنف أن الصرح كل بناء عال مرتفع وأن الممرد الطويل

قال أبو جعفر أصل هذا أنه يقال لكل ما عمل عملا واحدا صرح من قولهم لبن صريح إذا لم يشبه ماء ومن قولهم صرح بالأمر ومنه عربي صريح وقال الفراء الصرح الممرد هو الأملس أخذ من قول العرب شجرة مرداء إذا سقط ورقها عنها قال الفراء وتمرد الرجل إذا أبطأ خروج لحيته بعد إدراكه وقال غيره ومنه رملة مرداء إذا كانت لا تنبت ورجل أمرد وقيل الممرد المطول ومنه قيل لبعض الحصون مارد 43 - وقوله جل وعز فإذا هم فريقان يختصمون آية 45 قال مجاهد أي مؤمن وكافر قال والخصومة قولهم قالوا أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه فهذه الخصومة

وقيل تقول كل فرقة نحن على الحق 44 - وقوله جل وعز قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة آية 46 قال مجاهد أي بالعذاب قبل الرحمة قال أبو جعفر وفي الكلام حذف والمعنى والله أعلم فاستعجلت الفرقة الكافرة بالعذاب فقال لهم صالح لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله أي هلا تستغفرون الله 45 - وقوله جل وعز قالوا اطيرنا بك وبمن معك آية 47 قال مجاهد اطيرنا أي تشاءمنا 46 - وقوله جل وعز قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون آية 47 قال الضحاك أي الأمر الذي أصابكم عند الله أي الأمر لله أصابكم به بما قدمت أيديكم

وقيل ما تطيرتم به عقوبته عند الله تلحقكم وقيل طائركم ما يطير لكم بل أنتم قوم تفتنون أي تختبرون 47 - وقوله جل وعز وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون آية 48 قال جعفر بن سليمان تلا مالك بن دينار هذه الآية فقال كم في كل حي وقبيلة ممن يفسد وقال عطاء بن أبي رباح بلغني أنهم كانوا يقرضون الدراهم 48 - وقوله جل وعز قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله آية 49

قال قتادة تحالفوا على أن يفتكوا بصالح ليلا فمروا يتعانقون أي يسرعون فأرسل الله عليهم صخرة فأهلكتهم قال مجاهد تقاسموا على أن يأتوا صالحا ليلا فأهلكوا وهلك قومهم أجمعون 49 - وقوله جل وعز ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون آية 54 أي واذكر لوطا أو وأرسلنا لوطا ثم قال أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون أي وأنتم تبصرون أي تعلمون أنها فاحشة فذلك أعظم لذنبكم وقيل يرى بعضكم ذلك من بعض ولا يكتمه منه

قال مجاهد في قوله تعالى إنهم أناس يتطهرون أي عن أدبار الرجال والنساء على الاستهزاء بهم وقال قتادة عابوهم والله بغير عيب فإنهم يتطهرون من أعمال السوء 50 - وقوله جل وعز قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آية 59 وروى الحكم بن ظهير عن السدي ووكيع وأبو عاصم عن سفيان وسلام على عباده الذين اصطفى قالا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم 51 - وقال جل وعز آلله خير أم ما يشركون آية 59 وليس فيما يشركون خير فالمعنى أثواب الله خير أم ثواب ما يشركون

وجواب آخر أجود من هذا يكون المعنى الخير قبل في هذا أم في هذا الذي يشركون به في العبادة كما قال أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء وحكى سيبويه السعادة أحب إليك أم الشقاء وهو يعلم أن السعادة أحب إليه والمعنى أم ما تشركون بالله خير أم الذي يهديكم في ظلمات البر والبحر إذا ضللتم الطريق 52 - وقوله جل وعز بل هم قوم يعدلون آية 60 أي يعدلون عن القصد والحق ويجوز أن يكون المعنى يعدلون بالله جل وعز

53 - وقوله جل وعز فأنبتنا به حدائق ذات بهجة آية 60 روى معمر عن قتادة قال النخل الحسان قال أبو جعفر وهو من قولهم حدق به أي أحيط به كما قال وقد حدقت بي المنية واستبطأت أنصاري 54 - وقوله جل وعز بل ادارك علمهم في الآخرة آية 66 ويقال بل ادرك أي كمل لأنهم عاينوا الحقائق وروى شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس أنه قرأ بلى

أدارك بفتح الهمزة على الاستفهام وبتشديد الدال علمهم في الآخرة وقال أي لم يدرك وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي غاب والمعروف من قراءته بلى ادارك أي تتابع يقولون تكون ولا تكون وإلى كذا تكون قال أبو جعفر في آدارك يحيى هذه ألف التوقيف أي أدارك علمهم في الدنيا حقيقة الآخرة أي لم يدرك وربما جاء مثل هذا بغير ألف استفهام وقرأ ابن محيصن بل أدارك علمهم وأنكر هذا أبو عمرو قال لأن بل لا يقع بعدها إلا ايجاب قال أبو جعفر وهو جائز على أن يكون المعنى بل لم يدرك علمهم وبل يقال لهم هذا

55 - وقوله جل وعز قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعلجون آية 72 قال مجاهد أي أعجلكم الرحمن وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ردف لكم أي اقترب لكم قال أبو جعفر وهو من ردفه إذا اتبعه وجاء في أثره وتكون اللام أدخلت لأن المعنى اقترب لكم ودنا لكم أو تكون متعلقة بمصدر 56 - وقوله جل وعز وإذا وقع القول عليهم آية 82 أي وجب قال الفراء أي وقع السخط عليهم 57 - وقوله جل وعز أخرجنا لهم دابة من اأرض تكلمهم آية 82 وقرأ ابن عباس تكلمهم

وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير تكلمهم وقرأ أبي تنبئهم قال إبراهيم تخرج الدابة من مكة وروى أبو الطفيل عن حذيفة بن اليمان قال تخرج الدابة ثلاث خرجات خرجة بالبوادي ثم تنكمي وخرجة بالقرى يتقاتل فيها الأمراء حتى تكثر الدماء وخرجة من أفضل المساجد وأشرفها وأعظمها حتى ظننا أنه يسمى المسجد الحرام ولم يسمه فيتهارب وكان الناس وتبقى جميعة من المسلمين فتخرج فتجلو وجوههم ثم لا ينجو منها هارب ولا يلحقها طالب وإنها لتأتي الرجل وهو يصلي فتقول له أتمتنع روى بالصلاة فتخطه ولم وتخطم وجه الكافر وتجلو وجه المؤمن

59 - وقوله جل وعز ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون آية 85 روى عطية عن ابن عمر قال ذلك إذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر وقوله جل وعز ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله آية 87 حدثنا أحمد بم محمد البراثي قال حدثنا علي بن الجعد عن مقاتل بن حيان في قوله تعالى إلا من شاء الله قال جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وحدثنا الحسين بن عمر الكوفي قال حدثنا هناد بن السري قال حدثنا وكيع عن شعبة عن عمارة بن أبي حفصة عن حجر الهجري عن سعيد بن جبير في قوله إلا من شاء الله قال هم الشهداء هم ثنية الله جل وعز متقلدوا السيوف حول العرش

60 - ثم قال جل وعز وكل أتوه داخرين آية 87 قال قتادة أي صاغرين 61 - ثم قال جل وعز وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب آية 88 لأنها قد بست وجمعت 62 - وقوله جل وعز من جاء بالحسنة فله خير منها آية 89 قال عبد الله بن مسعود لا إله إلا الله وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من جاء بالحسنة قال لا إله إلا الله فله خير منها وصل إليه

الخير ومن جاء بالسيئة وهي الشرك فكبت وجوههم في النار وقال الحسن ومجاهد وقيس بن سعد من جاء بالحسنة ب لا إله إلا الله ومن جاء بالسيئة الشرك قال أبو جعفر ولا نعلم أحدا من أهل التفسير قال غير هذا 63 - وقوله جل وعز وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها آية 93 أي في أنفسكم وغيرها تمت بعونه تعالى سورة النمل

تفسير سورة القصص

تفسير سورة القصص مكية وآياتها 88 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة القصص وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز طسم آية 1 قال قتادة طسم اسم من أسماء القرآن 2 - ثم قال جل وعز تلك آيات الكتاب المبين آية 2 أي المبين بركته وخيره والمبين الحق من الباطل والحلال من الحرام وقصص الأنبياء صلوات الله عليهم ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويقال أبان الشئ وبان وأبان اتضح 3 - ثم قال جل وعز نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق آية 3 النبأ الخبر

4 - وقوله جل وعز إن فرعون علا في الأرض آية 4 قال السدي أي تجبر 5 - ثم قال جل وعز وجعل أهلها شيعا آية 4 قال مجاهد أي فرقهم قال السدي أي فرقهم في الأعمال القذرة وقال قتادة شيعا أي ذبح بعضهم واستحيا بعضهم وقتل بعضهم والشيع عند أهل اللغة جمع شيعة والشيعة الفرقة التي بعضها مساعد لبعض ومؤازر 6 - وقوله جل وعز ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض آية 5 يعني بني إسرائيل صلى الله عليه ونجعلهم أئمة أي

ولاة ونجعلهم الوارثين أي الوارثين فرعون وملأه 7 - وقوله جل وعز ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون آية 6 قال قتادة كان حاز لفرعون والحازي المنجم قال له إنه يولد في هذه السنة مولود يذهب بملكك فأمر فرعون بقتل الولدان في تلك السنة قال فذلك قول الله جل وعز ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون 8 - وقوله جل وعز وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم آية 7 روى معمر عن قتادة قال قذف في نفسها وقيل هي رؤيا رأتها

وقال غيره بل كان ضمانا من الله عز وجل قال أبو جعفر والوحي في اللغة إعلام في خفاء فلذلك جاز أن يقال للإلهام وحي كما قال تعالى وأوحى ربك إلى النحل وقال وإذ أوحيت إلى الحواريين والقول الثالث يدل على صحته قوله تعالى إنا رادوه إليك وقوله جل وعز ولتعلم أن وعد الله حق واليم البحر 9 - وقوله جل وعز فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا لما كان التقاطهم إياه يئول إلى هذا قيل التقطوه له كما يقال لمن كسب ماله فأوبقه أهل إنما كسبه ليهلكه وهذا مذهب الخليل

وسيبويه ومن يرضى قوله من النحويين وهو كثير في كلام العرب 10 - وقوله جل وعز وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك آية 9 هذا تمام الكلام والدليل على ذلك أنه في قراءة عبد الله بن مسعود وقالت امرأة فرعون لا تقتلوه قرة عين لي ولك ومعنى قرة عين قرت عينه من القر وهو البرد أي لم تسخن بالبكاء وقيل قرت من قر في المكان أي لم تبك 11 - وقوله جل وعز وأصبح فؤاد أم موسى فارغا آية 10 قال أبو جعفر فيه أربعة أقوال

أمنها ما حدثنا أحمد بن محمد البراثي قال حدثنا عمرو بن الهيثم عن يونس بن أبي اسحق عن أبيه عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى وأصبح فؤاد أم موسى فارغا قال فرغ من كل شئ في الدنيا إلا من ذكر موسى صلى الله عليه وسلم ب - قال أبو جعفر وكذا قال ابن عباس وأبو عبيدة وأبو عمران الجوني والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك ج وقال الكسائي فارغا أي ناسيا ذاهلا كما يقال لمن لم تقض حاجته فرغ وللميت قد فرغ وأنكر الكسائي أن يكون المعنى فارغا من كل شئ إلا من ذكر موسى وليس المعنى عليه وقال الأخفش سعيد وأصبح فؤاد أم موسى

فارغا من الوحي إن كادت لتبدي به أي بالوحي د وقال أبو عبيدة وأصبح فؤاد أم موسى فارغا أي من الحزن لما علمت أنه لم يغرق قال أبو جعفر أصح هذه الأقوال الأول والذين قالوه أعلم بكتاب الله جل وعز وإذا كان فارغا من كل شئ إلا من ذكر موسى فهو فارغ من الوحي وقولهم قد فرغ الميت من هذا أي فرغ مما يجب عليه أن بعلمه وقول أبي عبيدة فارغا من الغم غلط قبيح لأن بعده إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كادت تقول واإبناه حديث قال أبو جعفر ومعنى ربطنا شددنا وقوينا قال قتادة لولا أن ربطنا على قلبها أي ربطنا على قلبها بالإيمان 12 - وقوله جل وعز وقالت لأخته قصيه آية 11 قال مجاهد أي اتبعي أثره وقال ابن عباس أي قصي أثره واطلبيه 13 - ثم قال جل وعز فبصرت به عن جنب آية 11 قال مجاهد أي عن بعد ومنه الأجنبي قال الشاعر فلا تحرمني نائلا عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريب والمعنى تبصرته من بعيد لئلا يفطنوا بها

وقال أبو عمرو وقال بعض المفسرين فبصرت به عن جنب أي عن شوق قال وهي لغة الجذام يقولون جنبت إلى لقائك أي اشتقت ثم قال وهم لا يشعرون أي لا يشعرون أنها أخته 14 - ثم قال جل وعز وحرمنا عليه المراضع من قبل آية 12 أي من قبل رده إلى أمه قال قتادة لم يكن يقبل ثديا فقالت أخته هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون قال السدي فاسترابوا عند بها لما قالت لهم وهم له ناصحون فقالت إنما أردت وهم للملك ناصحون فدلتهم

على أمه فدفعوه إليها لترضعه لهم في حسبانهم فذلك قوله جل وعز فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق لقوله عز وجل إنا رادوه إليك 15 - وقوله جل وعز ولما بلغ أش ده واستوى آية 14 قال مجاهد عن ابن عباس وقتادة لما بلغ أشده أي ثلاثا وثلاثين سنة واستوى بلغ أربعين سنة قال أبو جعفر سيبويه يذهب إلى أن واحد الأشد شدة وقال الكسائي وبعض البصريين الواحد شد وقال أبو عبيدة لا واحد لها

16 - وقوله جل وعز آتيناه حكما وعلما آية 14 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز آتيناه حكما قال فقها وعقلا وعلما يعني النبوة 17 - وقوله جل وعز ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها آية 15 قال سعيد بن جبير وقتادة وقت الظهيرة والناس نيام 18 - وقوله جل وعز فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه آية 15 قال أبو مالك أحدهما من بني إسرائيل والآخر قبطي قال أبو جعفر فإن قيل كيف قيل هذا لغائب

فالجواب أن المعنى يقول الناظر إذا نظر إليهما هذا من شيعته وهذا من عدوه 19 - وقوله جل وعز فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى آية 15 عليه فاستغاثه الذي من شيعته يعني الإسرائيلي على الذي من عدوه يعني القبطي فوكزه موسى يعني القبطي قال مجاهد ضربه بجمع كفه وكذلك هو في اللغة يقال وكزه إذا ضربه بجمع كفه في صدره وفي قراءة عبد الله فنكزه موسى والمعنى واحد وكذلك لكمه ولكزه لأنه ولهزه

وروى معمر عن قتادة قال وكزه بالعصا فقضى عليه أي قتله قال هذا من عمل الشيطان فدل هذا أن قتله كان خطأ وأنه لم يؤمر بقتل ولا قتال 20 - وقوله جل وعز قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين آية 17 أي معينا للمجرمين قال ابن عباس لم يستثن فابتلي أي فابتلي بأن الإسرائيلي كان سبب الإخبار عنه بما صنع وقال الكسائي فلن أكون ظهيرا للمجرمين فيه معنى الدعاء وفي قراءة عبد الله فلا تجعلني ظهيرا للمجرمين

21 - وقوله جل وعز فأصبح في المدينة خائفا يترقب آية 18 قال قتادة أي يترقب الطلب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه أي يستغيث به من رجل آخر قال موسى إنك لغوي مبين من أجل أنه كان سبب القتل 22 - وقوله جل وعز فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما آية 19 في معناه قولان أ - فمذهب سعيد بن جبير وأبي مالك أن المعنى فلما أراد موسى أن يبطش بالقبطي توهم الإسرائيلي أن موسى صلى الله عليه وسلم يريده على أن يبطش به لأنه أغلظ له في القول فقال الإسرائيلي يا موسى أتريد أن تقتلني فسمع القبطي الكلام فذهب فأفشى على موسى

ب - وقيل المعنى فلما أراد الإسرائيلي أن يبطش موسى بالذي هو عدو لهما ويروى عن ابن نجيح فلما أن أراد الإسرائيلي أن يبطش بالقبطي نهاه موسى عليه السلام ففرق الإسرائيلي منه فقال أتريد أن تقتلني الآية فسعى به القبطي 23 - وقوله جل وعز وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى آية 20 روى معمر عن قتادة قال هو مؤمن آل فرعون قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك قال أبو عبيدة يأتمرون أي يتشاورون وأنشد

أحار بن عمرو كأني خمر ويعدو على المرء ما يأتمر قال أبو جعفر وهذا القول غلط ولو كان كما قال لكان يتآمرون فيك أي يتشاورون فيك أي يستأمر بعضهم بعضا ومعنى يأتمرون يهمون من قوله جل وعز وائتمروا بينكم بمعروف وكذلك معنى ويعدو على المرء ما يأتمر كما يقال من وسع حفرة وقع فيها 24 - وقوله جل وعز ولما توجه تلقاء مدين آية 22 قال أبو عبيدة أي نحو مدين

25 - وقوله جل وعز قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل آية 22 قال مجاهد أي طريق مدين قال أبو مالك فوجه فرعون في طلبه وقال لهم اطلبوه في بنيات الطرق فإن موسى لا يعرف الطريق فجاء ملك راكب فرسا ومعه عنزة فقال لموسى اتبعني فاتبعه فهداه إلى الطريق 26 - وقوله جل وعز ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون آية 23 أي جماعة ووجد من دونهم امرأتين تذودان وفي قراءة عبد الله ودونهم امرأتان حابستان فسألهما عن حبسهما فقالتا لا نقوى على السقي مع الناس حتى يصدروا

ومعنى تذودان فيما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس تحبسان وروى سفيان بن أبي الهيثم عن سعيد بن جبير تذودان قال حابستان وروى هشيم عن حصين عن أبي مالك ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال تحبسان غنمهما حتى يفرغ الناس فتخلو لهم البئر قال أبو جعفر وهذا قول بين يقال ذاد يذود إذا حبس وذدت يا الشئ حبسته ثم يحذف المفعول إما إيهاما على المخاطب وإما استغناء بعلمه

ومذهب قتادة أنهما كانتا تذودان الناس عن غنمهما والأول أولى لأن بعده قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء ولو كانتا تذودان عن غنمهما الناس لم تخبرا عن سبب تأخر سقيهما إلى أن يصدر الرعاء قال ما خطبكما أي ما حالكما وما أمركما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء ومن قرأ بضم الياء يصدر حذف المفعول أي حتى يصدروا غنمهم وأبونا شيخ كبير والفائدة في هذا أنه لا يقدر على السقي لكبره فلذلك خرجنا ونحن نساء

27 - وقوله جل وعز فسقى لهما ثم تولى إلى الظل آية 24 روى عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه قال لما استقى الرعاء غطوا على البئر صخرة لا يقلها إلا عشرة رجال فجاء موسى صلى الله عليه وسلم فاقتلعها وسقى ذنوبا واحدا لم يحتج إلى غيره فسقى لهما 28 - وقوله جل وعز ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير آية 24 روى عكرمة عن ابن عباس قال ما سأل إلا الطعام وقال مجاهد لم يكن له ما يأكل

29 - ثم قال جل وعز فجاءته إحداهما تمشي على استحياء آية 25 المعنى فذهبتا إلى أبيهما قبل وقتهما فخبرتاه لو بخبر موسى وسقيه فأرسل إحداهما فجاءت تمشي على استحياء قال عمرو بن ميمون قال تمشي ويدها على وجهها حياء ليست بسلفع خراجة ولاجة 30 - وقوله جل وعز فلما جاءه وقص عليه القصص آية 25 أي قص عليه خبره وعرفه بقتله النفس وخوفه قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين لأن مدين لم تكن في ملكة فرعون 31 - وقوله جل وعز قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين آية 26 روى عمرو بن ميمون عن عمر قال فقال لها من أين عرفت قوته وأمانته

قالت أما قوته فإنه أقل حجرا لا يحمله إلا عشرة وأما أمانته فإنه لما جاء معي مررت بين يديه فقال لي كوني خلفي ودليني على الطريق لئلا تصفك الريح لي 32 - وقوله جل وعز قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين آية 27 وفي الحديث أنه أنكحه الصغيرة منهما واسمها طوريا ثم قال على أن تأجرني ثماني حجج أي تكون لي أجيرا فإن أتممت عشرا فمن عندك أي فذلك تفضل منك قال ذلك بيني وبينك أي لك ما شرطت ولي مثله أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي العدوان المجاوزة في الظلم

33 - وقوله جل وعز فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آية 29 روى الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سألت جبريل أي الأجلين قضى موسى فقال أتمهما وأكملهما ومعنى لعلي آتيكم منها بخبر لعلي أعلم لم أوقدت جذوة من النار قال قتادة الجذوة أصل الشجرة فيها نار قال أبو جعفر وكذلك الجذوة بضم الجيم وكسرها وفتحها والجذوة القطعة من الخشب الكبيرة فيها نار ليس فيها لهب

وقال جل وعز في البقعة المباركة من الشجرة لأنه جل وعز كلمه فيها 34 - وقوله جل وعز أسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء آية 32 معنى أسلك أدخل 35 - ثم قال جل وعز واضمم إليك جناحك من الرهب آية 32 قال الفراء الجناح ههنا العصا ولم يقل هذا أحد من أهل التفسير ولا من المتقدمين علمته وحكى أكثر أهل اللغة أن الجناح من أسفل العضد إلى آخر الإبط وربما قيل لليد جناح ولهذا قال أبو عبيدة جناحك أي يدك

قال مجاهد من الرهب من الفرق 36 - وقوله جل وعز فذانك برهانان من ربك آية 32 قال مجاهد يعني اليد والعصا والبرهان الحجة قال ابن عباس جناحك يدك وقال أبو زيد العضد هو الجناح حدثني محمد بن أيوب قال أنبأنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال حدثنا محمد بن عامر عن أبيه عن بشر بن الحصين عن الزبير بن عدي عن الضحاك عن ابن عباس واضمم إليك جناحك من الرهب أي أدخل يدك فضعها على صدرك حتى يذهب عنك الرعب قال فقال ابن عباس ليس من أحد يدخله رعب بعد موسى ثم يدخل يده فيضعها على صدره إلا ذهب عنه الرعب 37 - وقوله جل وعز فأرسله معي ردءا يصدقني

الردء العون وقد أردأه وردأه يكون أي أعانه وقوله تعالى سنشد عضدك آية 35 أي سنعينك ونقويك وهو تمثيل لأن قوة اليد بالعضد ونجعل لكما سلطانا قال سعيد بن جبير أي حجة فلا يصلون إليكما بآياتنا أي تمنعان بآياتنا ويجوز أن يكون المعنى ونجعل لكما سلطانا بآياتنا أي بالعصا واليد وما أشبههما 38 - وقوله جل وعز فأوقد لي يا هامان على الطين آية 38 روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال حتى يصير آجرا قال قتادة بلغني أنه أول من صنع الآجر

ثم قال تعالى فاجعل لي صرحا قيل بنيانا مرتفعا 39 - وقوله جل وعز ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر اي بيانا 40 - وقوله جل وعز وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا الى موسى الأمر آية 44 قال قتادة هو جبل وقوله وما كنت ثاويا اي مقيما 41 - وقوله جل وعز وما كنت بجانب الطور إذ نادينا آية 46

روى عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن علي بن مدرك عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير رفع الحديث في قوله جل وعز وما كنت بجانب الطور إذ نادينا قال نودوا يا أمة محمد أجبتكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني فذلك قوله وما كنت بجانب إذ نادينا 42 - وقوله جل وعز ولكن رحمة من ربك آية 46 أي لم تشهد قصص الأنبياء ولا تليت عليك ولكنا بعثناك وأوحيناها إليك للرحمة لتنذر قوما فتعرفهم هلاك من هلك وفوز من فاز لعلهم يتذكرون 43 - وقوله جل وعز ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم آية 47 أي لولا هذا لم نحتج إلى إرسال الرسل وتواتر الاحتجاج

44 - وقوله جل وعز فلما جاءهم الحق من عندنا آية 48 أي الحجج الظاهرة البينة التي كان يجوز أن يحتجوا بتأخرها قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى يعني من العصا وانفلاق البحر وما أشبه ذلك وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أمرت يهود قريشا أن يسألوا صلى الله عليه وسلم مثل ما أوتي موسى محمدا فقال الله جل وعز لمحمد صلى الله عليه وسلم قل لهم يقولوا لهم أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل 45 - ثم قال جل وعز قالوا ساحران تظاهرا آية 48 روى سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد قال سمعت سعيد بن

جبير يقول قالوا ساحران تظاهرا قال موسى وهارون صلى الله عليهما وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعنون موسى وهارون عليهما السلام وروى شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس قالوا ساحران تظاهرا قال موسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم وكذا روى شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس وكذلك قال الحسن وقرأ عكرمة وعطاء الخرساني وأبو رزين قالوا سحران تظاهرا

قال عكرمة يعني كتابين وقال أبو رزين يعني التوراة والإنجيل وقال الفراء يعني التوراة والقرآن واحتج بعض من يقرأ هذه القراءة بقوله قل فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه والمعنى على القراءة الأولى هو أهدى من كتابيهما 46 - وقوله جل وعز ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون آية 51 أي أتبعنا بعضه بعضا قال مجاهد يعني لقريش

وقرأ الحسن وصلنا مخففا ومعنى إنا كنا من قبله مسلمين أنهم وجدوا صفة النبي صلى الله عليه في كتابهم من قبل أن يبعث فآمنوا به ثم آمنوا به بعد ما بعث 47 - ثم قال الله جل وعز أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا آية 54 يجوز أن يكون المعنى من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون من قبل القرآن ومعنى قوله تعالى ويدرءون بالحسنة السيئة أي يدفعون بعملهم الحسنات السيئات التي عملوها 48 - وقوله جل وعز وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه آية 55 أي ما لا يجوز وما ينبغي أن يلغى

قال مجاهد هؤلاء قوم من أهل الكتاب أسلموا فكان المشركون يؤذونهم ومعنى سلام عليكم قد تاركناكم مع وليس من التحية في شئ وهذا كلام متعارف عند العرب 49 - وقوله جل وعز إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء أية 56 روى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال جاء أبو جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة إلى أبي طالب في العلة التي مات فيها وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله جل وعز فقال له أبو جهل يا أبا طالب أترغب عن دين عبد المطلب فكان آخر ما قال لهما هو على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أدع الاستغفار لك

فأنزل الله جل وعز إنك لا تهدي من أحببت ونزل فيه ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى قال أبو جعفر يجوز أن يكون معنى من أحببت أن تهدي ويجوز أن يكون المعنى من أحببت لقرابته ثم قال جل وعز ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين آية 56

أي الله أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية ولله الحكمة التامة 50 - وقوله جل وعز وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا آية 57 قال الضحاك هذا قول المشركين الذين بمكة وقال غيره قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم نحن نعلم أن ما جئت به حق ولكنا نكره أن نتبعك فتقصد ونتخطف سعيد لمخالفتنا الناس قال الله جل وعز أو لم نمكن لهم حرما آمنا آية 57 أي قد كانوا آمنين قبل الإسلام فلو أسلموا لكانوا أوكد قال قتادة كان أهل الحرم آمنين يخرج أحدهم فإذا عرض له قال أنا من أهل الحرم فيترك وغيرهم يقتل ويسلب

قال مجاهد عن ابن عباس يجبى إليه ثمرات كل شئ آية 57 أي ثمرات الأرضين 51 - وقوله جل وعز وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها آية 58 البطر الطغيان بالنعمة قال أبو إسحق المعنى بطرت في معيشتها قال الفراء أبطرتها معيشتها 52 - ثم قال جل وعز فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا قال الفراء والمعنى أنها خربت فلم يسكن منها إلا القليل والباقي خراب

53 - وقوله جل وعز وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا آية 59 أي في أعظمها وأم القرى مكة 54 - وقوله جل وعز أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو اقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا آية 61 يعني به المؤمن والكافر وقيل نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل 55 - وقوله تعالى ثم هو يوم القيامة من المحضرين آية 61 قال مجاهد أي أهل النار أحضروا

56 - وقوله جل وعز ويوم يناديهم فيقول أين شركائي آية 62 أي ويوم ينادي الله الإنس أين شركائي أي على قولكم 57 - وقوله جل وعز قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا آية 63 قال قتادة حق عليهم القول يعني الشياطين وقال غيره حق عليهم القول أي وجبت عليهم الحجة فعذبوا ربنا هؤلاء الذين أغوينا أي دعوناهم إلى الغي أغويناهم كما غوينا أي أضللناهم كما ضللنا

تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون فبرئ بعضهم من بعض وعاداه كما قال تعالى الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين 58 - وقوله جل وعز فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون آية 64 أي دعوهم فلم يجيبوهم بحجة ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون جواب لو محذوف أي لو أنهم كانوا يهتدون ما دعوهم 59 - وقوله جل وعز فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون آية 66 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الأنباء الحجج

فهم لا يتساءلون قال بالأنساب 60 - وقوله جل وعز وربك يخلق ما يشاء ويختار آية 68 هذا التمام أي ويختار الرسل ماكان لهم الخيرة آية 68 أي ليس برسل من اختاروه هم 61 - وقوله جل وعز قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة آية 72 قال مجاهد سرمدا أي دائما من إله غير الله يأتيكم بضياء أي بنهار تتعيشون فيه ويصلح ثماركم وزرعكم

62 - وقوله جل وعز ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله آية 73 فيه قولان أحدهما أن المعنى لتسكنوا في الليل ولتبتغوا من فضله بالنهار والقول الآخر أن يكون المعنى لتسكنوا فيهما وقال فيه لأن الليل والنهار ضياء وظلمة كما تقول في المصادر ذهابك ومجيئك يؤذيني فيكون المعنى جعل لكم الزمان لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله والقول الأولى أعرف في كلام العرب يأتون بالخبرين ثم يجمعون تفسيرهما إذا كان السامع يعرف ذاك كما روى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه قال ما أحسن الحسنات في إثر السيئات وما أقبح السيئات في إثر

الحسنات وأحسن من ذا وأقبح من ذا السيئات في آثار السيئات والحسنات في آثار الحس نات قال أبو جعفر فجاء بالتفسير مجملا وهذا فصيح كثير 63 - وقوله جل وعز ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم آية 75 قال مجاهد شهيدا أي نبيا فقلنا هاتوا برهانكم قال أي حجتكم بما كنتم تقولون وتعملون فعلموا أن الحق لله أي أن الله واحد وأن الحق ما جاءت به الأنبياء

وضل عنهم ما كانوا يفترون أي لم ينتفعوا بما عبدوا من دون الله بل ضرهم 64 - وقوله جل وعز إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم آية 76 قال إبراهيم النخعي كان ابن عمه 65 - وقوله جل وعز فبغى عليهم آية 76 أي تجاوز الحد في مساندة موسى صلى الله عليه وسلم والتكذيب به 66 - وقوله جل وعز وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة روى الأعمش عن خيثمة قال كانت مفاتحه من جلود كل مفتاح منها على قدر الإصبع لخزانة يحملها ستون بغلا إذا ركب

وقال مجاهد كانت من جلود الإبل قال أبو صالح كانت تحملها أربعون بغلا وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال كانت مفاتيح قارون يحملها أربعون رجلا قال ابن عيينة العصبة أربعون رجلا وقال مجاهد العصبة من العشرة إلى الخمسة عشر قال أبو جعفر العصبة في اللغة الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض قال أبو عبيدة لتنوء بالعصبة تأويله أن العصبة لتنوء بها كما قال وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر

الضياطرة التباع والأجراء قال أبو جعفر يذهب أبو عبيدة إلى أن هذا من المقلوب وهذا غلط والصحيح فيه ما قال أبو زيد قال يقال نؤت بالحمل إذا نهضت به على ثقل وناءني وفي إذا أثقلني قال أبو العباس سئل الأصمعي عن قوله وتشقى قال نعم هي تشقى بالرجال 67 - ثم قال جل وعز إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين آية 76 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الفرحين البطرين الذين لا يشكرون الله جل وعز فيما أعطاهم 68 - وقوله جل وعز ولا تنس نصيبك من الدنيا آية 77 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال نصيبه من الدنيا العمل

بطاعة الله جل وعز الذي يثاب عليه يوم القيامة وروى أشعث عن الحسن قال أمسك القوت وقدم ما فضل وروى معمر عن قتادة قال ابتغ الحلال قال أبو جعفر قول مجاهد حسن جدا لأن نصيب الإنسان في الدنيا على الحقيقة هو الذي يؤديه إلى الجنة وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ولا تنس نصيبك من الدنيا يقول لا تترك أن تعمل لله جل وعز في الدنيا وقد قيل المعنى ولا تنس شكر نصيبك

69 - وقوله جل وعز قال إنما أوتيته على علم عندي آية 78 يروى أن قارون كان من قراء بني إسرائيل للتوراة والمعنى إنما أوتيته على علم فيما أرى فأما ما روي أنه كان يعمل الكيمياء فلا يصح وقيل المعنى على علم بالوجوه التي تكسب منها الأموال وترك الشكر وقال ابن زيد قال أي قارون لولا رضى الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا وهذا اولاها يدل عليه ما بعده

202 - وقوله جل وعز ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون آية 78 قال مجاهد هو مثل قوله تعالى يعرف المجرمون بسيماهم زرقا سود الوجوه لا تسأل عنهم الملائكة لأنها تعرفهم وقال قتادة ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون أي يدخلون النار بغير حساب قال محمد بن كعب ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون أي لا يسأل الآخر لم هلك الأول فيعتبر وقيل لا يسأل عنها سؤال استعلام

71 - وقوله جل وعز فخرج على قومه في زينته آية 79 روى عثمان بن الأسود عن مجاهد قال خرج هو وأصحابه على براذين بيض عليها سروج أرجوان وعليهم المعصفر قال قتادة خرجوا على أربعة آلاف دابة عليها ثياب حمرة منها ألف بغل بيض عليها قطف حمر 72 - وقوله جل وعز ولا يلقاها إلا الصابرون أي لا يلقى هذه الفعلة وهي القول ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا إلا الصابرون 73 - وقوله جل وعز فخسفنا به وبداره الأرض آية 81 قال ابن عباس خسف به إلى الأرض السفلى فما كان له من فئة أي من فرقة 74 - وقوله جل وعز وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون

ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر آية 82 قوله ويكأن قيل هي ويك أن ويك بمعنى ويلك قال أبو جعفر وهذا لا يصح لأن هذه اللام لا تحذف ولو كان هكذا لوجب أن يقال ويلك إنه ولا يجوز أن يضمر إعلم وليس ههنا مخاطبة لواحد والصحيح في هذا ما قال الخليل وسيبويه والكسائي قال الكسائي وي ههنا صلة وفيها معنى التعجب وقال سيبويه سألت الخليل عن قوله جل وعز ويكأنه لا يفلح الكافرون وقوله ويكأن الله فزعم أنها وي مفصولة من كأن والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم

أو نبهوا فقيل لهم أما يشبه أن يكون ذا عندكم هكذا والله أعلم وأما المفسرون فقالوا معناها ألم تر أن الله قال قتادة ويكأن المعنى أو لا تعلم قال أبو جعفر وقول الخليل موافق لهذا وأنشد أهل اللغة وي كأن من يكن له نشب * يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضر وقد كتبت في المصحف متصلة كأنهم لما كثر استعمالهم إياها جعلوها مع ما بعدها بمنزلة شئ واحد 75 - وقوله جل وعز تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا آلية 83 روى سفيان عن منصور عن مسلم البطين قال العلو

التكبر بغير الحق والفساد أخذ الأموال بغير الحق قال الثوري ولا فسادا المعاصي 76 - وقوله جل وعز إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد آية 75 روى عكرمة عن ابن عباس قال إلى معاد إلى مكة وكذلك روى يونس بن إسحاق عن مجاهد وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إلى الموت وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إلى أن يحييك يوم القيامة وقال الزهري والحسن المعاد يوم القيامة

قال أبو جعفر وهذا معروف في اللغة يقال بيني وبينك المعاد أي يوم القيامة لأن الناس يعودون فيه أحياء والقول الأول حسن كثير والله أعلم بما أراد ويكون المعنى إن الذي نزل عليك القرآن وما كنت ترجو أن يلقى إليك لرادك إلى معاد أي إلى وطنك ومعادك يعني مكة ويقال رجع فلان إلى معاده أي الى بيته 77 - وقوله جل وعز كل شئ هالك إلا وجهه آية 88 قال سفيان أي إلا ما أريد به وجهه قال محمد بن يزيد حدثني الثوري قال سألت أبا عبيدة عن قوله تعالى كل شئ هالك إلا وجهه فقال إلا جاهه كما تقول لفلان وجه في الناس أي جاه

وقيل إلا وجهه أي إلا إياه جل وعز وتقول أكرم الله وجهه وفلان وجه القوم وقول سفيان معروف في اللغة أي كل ما فعله العباد يهلك إلا الوجه الذي يتوجهون به إلى الله جل وعز تمت صورة القصص

تفسير سورة العنكبوت

تفسير سورة العنكبوت مكية وآياتها 69 آية

بسم الله الرحمان الرحيم سورة العنكبوت وهي مكية 1 - وقوله جل وعز الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون آية 2 هذا استفهام فيه معنى التقرير والتوبيخ أي أحسب الناس أن يقنع منهم بأن يقولوا آمنا فقط ولا يختبروا حتى يعرف حقيقة إيمانهم وصبرهم وصدقهم وكذبهم ويظهر ذلك منهم فيجازوا عليه وأما الغيب فقد علمه الله جل وعز منهم ثم قال أن يقولوا آمنا أي على أن يقولوا ولأن يقولوا وبأن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون قال مجاهد وقتادة أي لا يبتلون

2 - ثم قال جل وعز ولقد فتنا الذين من قبلهم آية 3 أي ابتليناهم 3 - وقوله جل وعز أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا آية 4 قال مجاهد أي أن يعجزونا 4 - وقوله جل وعز من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت آية 5 قال أبو إسحق المعنى من كان يرجو لقاء ثواب الله جل وعز 5 - وقوله جل وعز ووصينا الإنسان بوالديه حسنا آية 8 أي ما يحسن 6 - ثم قال جل وعز وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما

قال أبو إسحق المعنى وإن جاهداك أيها الإنسان والداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما 7 - وقوله جل وعز ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله آية 10 قال مجاهد فإذا أوذي في الله أي عذب خاف من عذاب الناس كما يخاف من عذاب الله جل وعز قال الضحاك هؤلاء قوم قالوا آمنا فإذا أوذي أحدهم أشرك وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال كان قوم بمكة قد شهدوا أن لا إله إلا الله فلما خرج المشركون إلى بدر أكرهوهم على الخروج معهم فقتل بعضهم فأنزل الله

جل وعز فيهم إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم إلى قوله فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة فخرج مسلمون من مكة فلحقهم المشركون فافتتن بعضهم فأنزل الله جل وعز فيهم ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله قال الشعبي نزلت فيهم عشر آيات من قوله تعالى الم أحسب الناس أن يتركوا قال عكرمة فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين كانوا بمكة قال رجل من بني ضمرة كان مريضا أخرجوني إلى الروح فأخرجوه فمات فأنزل الله جل وعز فيه ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله إلى آخر

الآية وأنزل في المسلمين الذين كانوا افتتنوا ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا إلى آخر الآية 8 - وقوله جل وعز وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم آية 12 قال الضحاك هؤلاء القادة من المشركين قال مجاهد هم مشركو اأهل مكة قالوا لمن آمن منهم نحن وأنتم لا نبعث فاتبعونا فإن كان عليكم وزر فهو علينا قال أبو جعفر هذا كما تقول قلدني هذا إن كان فيه وزر أي ليس فيه وزر قال الفراء وفيه معنى المجازاة وأنشد فقلت ادعي وادع فإن أندى لصوت أن ينادي داعيان

قال المعنى ادعي ولأدع أي إن دعوت دعوت 9 - وقوله جل وعز وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ آية 12 المعنى وما هم بحاملين عنهم شيئا يخفف ثقلهم 10 - ثم قال جل وعز وليحملن كل أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم آية 13 قال أبو أمامة الباهلي يؤتى بالرجل يوم القيامة وهو كثير الحسنات فلا يزال يقتص منه حتى تفنى حسناته ثم يطالب ثم يقول الله جل وعز اقتصوا من عبدي فتقول الملائكة ما بقيت له حسنات فيقول خذوا من سيئات المظلوم فاجعلوها عليه قال أبو أمامة ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وقال قتادة في قوله عز وجل وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم

قال من دعا إلى ضلالة كتب عليه وزرها ووزر من يعمل بها ولا ينقص ذلك منها شيئا قال أبو جعفر وأهل التفسير على أن معنى الآية كما قال قتادة ومثله قوله جل وعز ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم 11 - وقوله جل وعز فأخذهم الطوفان وهم ظالمون آية 14 يقال لكل كثير مطيف بالجميع من مطر أو قتل أو موت طوفان وقوله جل وعز وتخلقون إفكا آية 17 أي وتنحتون

والمعنى على هذا إنما تعبدون من دون الله أوثانا وأنتم تصنعونها وقال مجاهد إفكا أي كذبا والمعنى على هذا ويختلقون الكذب وقرأ أبو عبد الرحمن وتخلقون إفكا والمعنى واحد 12 - وقوله جل وعز وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء آية 22 قال محمد بن يزيد المعنى ولا من في السماء ومن نكرة وأنشد غيره فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء وقال غير أبي العباس المعنى وما أنتم بمعجزين في الأرض ولو كنتم في السماء وخوطب الناس على ما يعرفون وهذا أولى والله أعلم

13 - وقوله جل وعز فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار آية 24 المعنى فحرقوه فأنجاه الله من النار ويروى أنه لم تحرق إلا وثاقه 14 - وقوله جل وعز فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي آية 26 قال الضحاك إبراهيم هاجر وهو أول من هاجر وقال قتادة هاجر من كوثى إلى الشام 15 - وقوله جل وعز وآتيناه أجره في الدنيا آية 27

روى سفيان عن حميد بن قيس قال أمر سعيد بن جبير إنسانا أن يسأل عكرمة عن قوله تعالى وآتيناه أجره في الدنيا فقال عكرمة أهل الملل كلها تدعيه وتقول هو منا فقال سعيد بن جبير صدق وقال قتادة هو مثل قوله تعالى وآتيناه في الدنيا حسنة أي عافية وعملا صالحا وثناء حسنا وذاك أن أهل كل دين يتولونه وقيل وآتيناه أجره في الدنيا إن أكثر الأنبياء من ولده

16 - وقوله جل وعز ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين آية 28 يروى أنهم أول من نزا على الرجال 17 - ثم قال جل وعز أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل آية 29 استفهام فيه معنى التوبيخ والتقرير وقوله جل وعز وتقطعون السبيل آية 29 قيل كانوا يتلقون الناس من الطرق للفساد وقيل أي تقطعون سبيل الولد 18 - ثم قال جل وعز وتأتون في ناديكم المنكر

قال مجاهد النادي المجلس والمنكر فعلهم بالرجال قال أبو جعفر المنكر في اللغة يقع على القول الفاحش وعلى الفعل حدثنا محمد بن إدريس بن الأسود قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا عبد الله بن بكر قال حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك عن أبي صالح مولى أم هانئ ابنة أبي طالب رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت قلت يا رسول الله أرأيت قول الله عز وجل وتأتون في ناديكم المنكر ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه في ناديهم قال كانوا يضحكون بأهل الطريق ويحذفونهم

قال أبو جعفر فسمى الله جل وعز هذا منكرا لأنه لا ينبغي للناس أن يتعاشروا به وحدثنا أسامة بن أحمد قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم عن يزيد بن بكير عن القاسم بن محمد في قوله تعالى وتأتون في ناديكم المنكر قال كانوا يتفاعلون في مجالسهم يفعل بعضهم على بعض قال أبو جعفر قالها الشيخ بالضاد والطاء

19 - وقوله عز وجل قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها آية 32 روى أبو نصر عن عبد الرحمن بن سمرة قال قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم للملائكة إن كان فيهم مائة يكرهون هذا أتهلكونهم قالوا لا قال فإن كان فيهم تسعون قالوا لا إلى أن بلغ عشرين قال إن فيها لوطا قالت الملائكة صلى الله عليهم نحن أعلم بمن فيها قال عبد الرحمن وكانوا أربعمائة ألف 20 - وقوله جل وعز ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا آية 33 قال قتادة أي ساء ظنه بقومه وضاق درعه بضيفه

قال أبو جعفر يقال ضقت به ذرعا أي لم أطقه مشتق من الذراع لأن القوة فيه 21 - وقوله جل وعز ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون قال مجاهد آية بينة أي عبرة وقال قتادة هي الحجارة التي أبقيت وقال غيره يرجم بها قوم من هذه الأمة 22 - ثم قال جل وعز وإلى مدين أخاهم شعيبا آية 36 قال قتادة أرسل شعيب صلى الله عليه وسلم مرتين إلى أمتين إلى أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة

23 - وقوله عز وجل وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم آية 38 أي وأهلكنا عادا وثمود وقيل التقدير واذكر عادا وثمود 24 - وقوله جل وعز وكانوا مستبصرين آية 38 قال مجاهد أي في الضلالة وقال قتادة أي معجبين بضلالتهم وقيل وكانوا مستبصرين أي قد علموا أنهم معذبون وقد فعلوا ما فعلوا

25 - وقوله عز وجل فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا آية 40 أي حصبا وهي الحجارة وهم قوم لوط ومنهم من أخذته الصيحة هم ثمود وأهل مدين ومنهم من خسفنا به الأرض قارون وأصحابه ومنهم من أغرقنا قوم نوح وفرعون وأصحابه 26 - ثم أخبر تعالى أنه لم يظلمهم في ذلك فقال وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون آية 40 27 - وقوله جل وعز مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا آية 41 قال قتادة هذا مثل ضربه الله عز وجل أي إنه لا ينفع لضعفه كما أن بيت العنكبوت لا ينفع ولا يقي

28 - ثم قال جل وعز وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون آية 41 لو متعلقة بقوله مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت لو كانوا يعلمون أن أولياءهم لا يغنون عنهم شيئا وأن هذا مثلهم 29 - وقوله جل وعز وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر آية 45 روى يونس عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا وروى علي بن طلحة عن ابن عباس قال في الصلاة منتهى ومزدجر عن المعاصي

قال أبو جعفر قيل معنى هذا إن العبد مادام في الصلاة فليس في فحشاء ولا منكر 30 - ثم قال جل وعز ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون روى سفيان عن ابن مسعود وروى عن سلمان وسعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله جل وعز ولذكر الله أكبر قالوا ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه زاد ابن عباس إذا ذكرتموه بعد قوله إياكم

31 - وقوله جل وعز ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال من قاتلك ولم يعطك الجزية فقاتله بالسيف وروى معمر عن قتادة هي منسوخة نسخها فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ولا مجادلة أشد من السيف قال أبو جعفر قول قتادة أولى بالصواب لأن السورة مكية

وإنما أمر بالقتال بعد الهجرة وأمر بأخذ الجزية بعد ذلك بمدة طويلة وأيضا فإنه قال وهم صاغرون 32 - وقوله جل وعز وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم روى سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار قال كان قوم من اليهود يجلسون مع المسلمين فيحدثونهم فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم لا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم إلى آخر الآية 33 - وقوله جل وعز وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك وكذا صفته صلى الله عليه وسلم في التوراة

ثم قال تعالى إذا لارتاب المبطلون قال مجاهد قريش 34 - ثم قال جل وعز بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم آية 49 في معناه ثلاثة أقوال ا - قال الحسن بل القرآن آيات بينات في صدور المؤمنين ب - وقال قتادة بل النبي صلى الله عليه وسلم آية بينة كذا قرأ قتادة في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب ج - وقال الضحاك كانت صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يكتب بيمينه ولا يتلو كتابا فذلك آية بينة

35 - وقوله جل وعز أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم آية 51 روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بكتف فيها كتاب فقال كفى بقوم حمقا أو ضلالة أن يرغبوا عن نبيهم إلى نبي غيره أو إلى كتاب غير كتابهم فأنزل الله جل وعز أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم الاية 36 - وقوله جل وعز يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون آية 56 قال سعيد بن جبير إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا وقال عطاء إذا رأيتم المعاصي فاهربوا

وقال مجاهد هاجروا واعتزلوا الأوثان قال أبو جعفر القولان يرجعان إلى شئ واحد فقول مجاهد أنهم أمروا بالهجرة ومجانبة أصحاب الأوثان وقال العلماء كذلك إذا لم يقدر أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر خرج وكان حكمه حكم أولئك وقيل أي إن أرض الجنة واسعة فاعبدوني حتى أعطيكموها 37 - وقوله جل وعز والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا آية 58 أي لننزلنهم ومعنى لنثوينهم لنعطينهم منازل يثوون فيها يقال ثوى إذا أقام

38 - وقوله جل وعز وكأين من دابة لا تحمل رزقها آية 60 قال مجاهد الطير والبهائم لا تحمل رزقها وروى الحميدي عن سفيان لا تحمل لا تخبئ قال وليس شئ يدخر إلا الإنسان والنملة والفأرة قال أبو جعفر دابة تقع لكل الحيوان مما يعقل ولا يعقل إلا أن معناه ههنا الخصوص أي وكم من دابة عاجزة الله يرزقها وإياكم

39 - وقوله جل وعز وإن الدار الآخرة لهي الحيوان آية 64 قال مجاهد لا موت فيها وقال قتادة الحيوان الحياة قال أبو جعفر يقال حيوان وحياة وحي كما قال * وقد ترى إذ الحياة حي 40 - وقوله جل وعز فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين آية 65 أي فإذا أصابتهم شدة دعوا الله وحده وتركوا ما يعبدون من دونه وقوله جل وعز فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون أي يدعون معه غيره

41 - وقوله جل وعز ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون وليتمتعوا على التهديد وكسر اللام 42 - وقوله جل وعز والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا أي لنزيدنهم هدى 43 - ثم أخبرنا جل وعز أنه ينصرهم فقال وإن الله لمع المحسنين تمت سورة العنكبوت

تفسير سورة الروم

تفسير سورة الروم مكية وآياتها 60 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الروم وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز آلم غلبت الروم في أدنى الأرض آية 2 قال مجاهد هي الجزيرة كانت أقرب أرض الروم إلى فارس حدثنا محمد بن سلمة الأسواني قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا معاوية بن عمرو قال حدثنا أبو إسحق الفزاري عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن

ابن عباس في قول الله جل وعز آلم غلبت الروم قال كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أهل أوثان وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل الكتاب فذكر لأبي بكر فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنهم سيغلبون قال فذكره أبو بكر لهم فقالوا اجعل بيننا وبينك أجلا فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا فجعل أجلا خمس سنين فلم يظهروا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال الا جعلتها ما دون أراه قال دون العشر قال سعيد والبضع ما دون العشر ثم ظهرت الروم بعد ذلك فذلك قوله جل وعز آلم غلبت الروم في أدنى الأرض إلى قوله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله قال الشعبي وكان القمار ذلك الوقت حلالا قال وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر كم البضع قال ما بين الثلاث إلى التسع

وقرأ عبد الله بن عمر غلبت الروم بفتح الغين واللام وقال غلبت على أدنى ريف قال أبو جعفر المعنى على قراءة من قرأ غلبت الروم وهم من بعد غلبهم سيغلبون الروم من بعد غلبهم أي من بعد أن غلبوا سيغلبون ومن قرأ سيغلبون فالمعنى عنده وفارس من بعد غلبهم أي من بعد أن غلبوا سيغلبون 2 - وقوله جل وعز في بضع سنين آية 4 البضع عند قتادة أكثر من الثلاث ودون العشر وعند الأخفش والفراء ما دون العشر وعند أبي عبيدة ما بين ثلاث وخمس

وحكى أبو زيد بضع وهو مشتق من قولهم بضعة إذا قطعه ومنه بضعة من لحم ومنه هو يملك فلا بضع المرأة إنما هو كناية عن عضوها وفي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس في أدنى الأرض قال يقول في طرف الشام قال أبو جعفر التقدير في أدنى الأرض من فارس 3 - ثم قال جل وعز لله الأمر من قبل ومن بعد آية 4 قال محمد بن يزيد إذا قلت من قبل ومن بعد فمعناه من قبل ما تعلم ومن بعد ما تعلم ومن قبل كل شئ ومن بعد كل شئ قال أبو جعفر المعنى لله القضاء بالغلبة من قبل الغلبة ومن بعدها

4 - ثم قال جل وعز ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله آية 4 أي يفرحون بنصر الله الروم لأنهم أهل كتاب على فارس وهم مجوس ويفرحون بالآية العظيمة التي لا يعلمها إلا الله جل وعز لأنه خبرهم بما سيكون 5 - وقوله جل وعز يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون آية 7 قال عكرمة وإبراهيم أي يعلمون أمر معايشهم ومصلحة دنياهم

6 - وقوله جل وعز أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق آية 8 أي إلا لإقامة الحق 7 - وقوله جل وعز وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها آية 9 وأثاروا الأرض أي حرثوها وزرعوها وليس بمكة حرث ولا زرع وقال تعالى تثير الأرض 8 - وقوله جل وعز ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى وقرأ الأعمش ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوء برفع السوء

قال أبو جعفر السوء أشد الشر والسوءى أي الفعلي منه وقيل السوءى ههنا النار كما أن الحسنى الجنة ومعنى اساءوا ههنا أشركوا يدل على ذلك قوله تعالى أن كذبوا بآيات الله قال الكسائي أي لأن كذبوا بآيات الله 9 - وقوله جل وعز ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يكتئبون منه وروى أبو يحيى عن مجاهد قال الإبلاس الفضيحة

قال أبو جعفر يقال أبلس الرجل إذا تحير وحزن وانقطعت حجته فلم يهتد لها ويئس من الخير كما قال قال نعم أعرفه وأبلسا 10 - وقوله جل وعز فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون قال مجاهد يحبرون أي ينعمون قال أبو جعفر حقيقته أنهم تتبين عليهم أثر النعمة من ذلك الحبر وعلى أسنانه حبرة وروى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير في روضة يحبرون قال السماع في الجنة

11 - وقوله جل وعز فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون آية 17 قال ابن عباس الصلوات الخمس في كتاب الله جل وعز وتلا الآية فسبحان الله حين تمسون قال المغرب والعشاء وحين تصبحون قال الفجر وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر

12 - وقوله جل وعز يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون آية 19 في معناه أقوال قال عبد الله بن مسعود أي يخرج النطفة من الرجل والرجل من النطفة قال الضحاك وكذلك البيضة وقال سلمان يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن وكذلك قال الحسن وقيل يميت الحي ويحيي الميت ويحي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون

أي كما يحيي الأرض بالنبات 13 - وقوله جل وعز ومن آياته أن خلقكم من تراب آية 20 المعنى أن خلق أصلكم وهو آدم عليه السلام كما قال تعالى واسأل القرية ويجوز أن يكون الماء مخلوقا من تراب 14 - وقوله جل وعز ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها فيه قولان أحدهما أن حواء خلقت من آدم والآخر أن المعنى خلق لكم من جنسكم أزواجا لأن الإنسان

بجنسه آنس وإليه أسكن ومثله قوله جل وعز هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها في معناه القولان جميعا أي جعل من جنسها روجها ودل هذا على الجنسين جميعا ويكون الضمير في قوله تعالى جعلا له شركاء فيما آتاهما يعود على الجنسين والضمير في قوله يشركون يعود على الجنسين لأنهما جماعة 15 - وقوله جل وعز وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون آية 21

قال مجاهد المودة الجماع والرحمة الولد وقيل المودة والرحمة عطف قلوب بعضهم على بعض والمعنى ومن آياته التي تدل على وحدانيته وأنه لا شريك له ولا نظير 16 - وقوله جل وعز إن في ذلك لآيات للعالمين آية 22 للعالمين أي للجن والإنس وحكى للعالمين وهو حسن 17 - وقوله جل وعز ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا آية 24 والمعنى ويريكم البرق من آياته وعطفت جملة على جملة ويجوز أن يكون المعنى ومن آياته آية يريكم بها البرق كما قال الشاعر

وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح والخوف للمسافر والطمع للمقيم 18 - وقوله جل وعز ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره آية 25 أي أن تدوما قائمتين 19 - وقوله جل وعز وله من في السموات والأرض كل له قانتون آية 26 وهذا أيضا من آياته وحذف لأن في الكلام دليلا عليه والقانت القائم بالطاعة والقيام ههنا الانقياد لله جل وعز على ما حب العباد أو كرهوا

20 - وقوله جل وعز وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه آية 27 في معناه ثلاثة أقوال في رواية صالح عن ابن عباس وهو أهون عليه وهو أهون على المخلوق لأنه ابتدأ خلقه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة والإعادة بأن يقول له كن فيكون فذلك أهون على المخلوق وقال مجاهد الإعادة أهون عليه من البدأة وكل عليه هين والمعنى على هذا وهو أهون عليه عندكم وفيما تعرفون على التمثيل وبعده وله المثل الأعلى

وقال قتادة وهو أهون عليه أي هين وهذا قول حسن ومنه الله أكبر أي كبير ومنه قول الشاعر لعمرك ما أدري وإني لأوجل على أينا تعدو المنية أول وقول الآخر إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول وروى معمر عن قتادة قال في قراءة عبد الله بن مسعود وهو هين عليه

21 - ثم قال جل وعز وله المثل الأعلى في السموات والأرض آية 27 روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول ليس كمثله شئ وقيل يعني لا إله إلا الله وحقيقته في اللغة وله الوصف الأعلى 22 - وقوله جل وعز ضرب لكم مثلا من أنفسكم آية 28 قال قتادة هذا مثل ضربه الله عز وجل للمشركين فقال هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء أي هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله فإذا لم ترضوا بهذا فكيف جعلتم لله جل وعز شريكا

قال أبو جعفر هذا قول حسن أي هل يرضى أحدكم أن يجعل مملوكه مثل نفسه أي مثل شريكه الحر الذي لا يقطع أمرا دونه كما قال تعالى ولا تلمزوا أنفسكم أي لا يعب بعضكم بعضا وكذا قوله تعالى كخيفتكم أنفسكم وكما قال جل وعز لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وكما قال تعالى فاقتلوا أنفسكم وقيل كما يخاف من قبلكم إنفاقها

أي فأنتم لا تجعلون مماليككم مثلكم وأنتم كلكم أرقاء لله جل وعز فكيف تجعلون لله جل وعز شريكا وليس كمثله شئ 23 - وقوله جل وعز فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها آية 30 الفطرة ابتداء الخلق ومنه فاطر السموات ومنه فطر ناب البعير ومنه فطرت البئر أي ابتدأت حفرها أي ابتدأ خلقهم على أنهم يعلمون أن لهم خالقا ومدبرا وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه

قال الأوزاعي وحماد بن سلمة هذا مثل قوله تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم والمعنى على هذا كل مولود يولد على العهد الذي أخذ عليه وفي الحديث أخرجهم أمثال الذر فأخذ عليهم العهد فكل مولود يولد على ذلك العهد وإن نسب عبادته إلى غير الله جل وعز أو ووصفه بغير صفته حتى يكون أبواه يعلمانه اليهودية والنصرانية وقيل على الخلقة التي تعرفونها لا تميز شيئا

وقال عبد الله بن المبارك هذا لمن يكون مسلما يذهب إلى أنه مخصوص وقال محمد بن الحسن هذا من قبل أن تنزل الفرائض ويؤمر بالجهاد قال أبو جعفر وأولاها القول الأول وهو قول أهل السنة وهو موافق للغة ولا يجوز أن يكون منسوخا لأنه خبر ولا يكون خاصا وإنما أشكل معنى الحديث لأنهم تأولوا الفطرة على الإسلام وإنما هي ابتداء الخلق 24 - وقوله جل وعز منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين منيبين إليه أي راجعين إليه بالطاعة والمعنى فأقيموا وجوهكم منيبين إليه

ومعنى كل حزب بما لديهم فرحون كل يقول إني على الهدى 25 - ثم قال جل وعز وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه آية 33 أي لم يلتجئوا: إلا إليه وتركوا ما كانوا يعبدون من دونه 26 - ثم قال جل وعز ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون فخرج من الإخبار إلى المخاطبة وهذا على التهديد والوعيد كما قال جل وعز وقل الحق من ربكم فمن شاء فيؤمن ومن شاء فليكفر

27 - ثم قال جل وعز أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون آية 35 روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كل سلطان في القرآن فهو عذر وحجة قال أبو جعفر المعنى أم أنزلنا عليهم كتابا فيه عذر أو حجة أو برهان يدلهم على الشرك 28 - ثم قال جل وعز أذقنا الناس رحمة فرحوا بها أي نعمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة أي وإن تصبهم مصيبة 29 - وقوله جل وعز فلت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل آية 38

قال قتادة إذا لم تعط ذا قرابتك وتمشي إليه برجليك فقد قطعته 30 - وقوله جل وعز وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربوا عند الله قال مجاهد وابن عباس هو الرجل يهدي إلى الرجل الهدية فيطلب ما هو أفضل منها فليس له أجر ولا عليه إثم قال عكرمة الربا ربوان فربا حلال وربا حرام فأما الحلال فأن يعطي الرجل الآخر شيئا ليعطيه أكثر منه فلا يربوا عند الله والحرام في النسيئة

وقال ابراهيم كان هذا في الجاهلية يعطي الرجل ذا قرابته المال ليكثر عنده فلا يربو عند الله 31 - ثم قال جل وعز وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون آية 39 قال ابن عباس من زكاة أي من صدقة ثم قال فأولئك هم المضعفون أي الذين يجدون أضعاف ذلك أي ذوو الإضعاف كما تقول رجل مقو أي ذو قوة 32 - وقوله جل وعز ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس آية 41 قال مجاهد في البر قتل ابن آدم أخاه والبحر أخذ السفينة غصبا

وقال عكرمة وقتادة البر البوادي والبحر القرى قال قتادة والفساد الشرك قال أبو جعفر والتقدير على هذا وفي مواضع البحر أي التي على البحر وأحسن ما قيل في هذه الآية والله أعلم قول ابن عباس حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ظهر الفساد في البر والبحر يقول نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا والمعنى على هذا ظهر الجدب في البر والبحر بذنوب الناس

33 - وقوله جل وعز فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون آية 43 أي اجعل قصدك إلى الدين القيم من قبل أن يأتي يوم القيامة فلا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ومعنى يصدعون يتفرقون فريقا في الجنة وفريقا في السعير 34 - وقوله جل وعز ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون آية 44 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال فلأنفسهم يمهدون في القبر

قال أبو جعفر معنى يمهدون في اللغة يوطئون لأنفسهم بعمل الخير من المهاد وهو الفراش 35 - وقوله جل وعز ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله آية 48 ويجعله كسفا جمع كسفة وهي القطعة فترى الودق قال مجاهد أي القطر يخرج يخرج من خلاله أي من بين السحاب 37 - وقوله جل وعز وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين آية 49 في تكرير قبل ههنا ثلاثة أقوال أ - قال الأخفش سعيد هذا على التوكيد وأكثر النحويين على هذا القول

ب - وقال قطرب أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر ج والقول الثالث عندي أحسنها وهو أن يكون المعنى من قبل السحاب أي من قبل رؤية السحاب ليائسين وقد تقدم ذكر السحاب 37 - وقوله جل وعز فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها آية 50 رحمة الله أي المطر الذي هو من رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها

وقرأ محمد اليماني كيف تحيى الأرض بعد موتها والمعنى على قراءته كيف تحيي الرحمة الأرض أو الآثار ويحيي بالياء أي يحيي الله أو المطر أو الأثر فيمن قرأ هكذا 38 - وقوله جل وعز ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون قال النحويون فرأوه مصفرا أي فرأوا النبات مصفرا وحقيقته فرأوا الأثر مصفرا لظلوا من بعده يكفرون أي ليظلن هذا قول الخليل قال أبو جعفر وهذا يقع في حروف المجازاة

39 - ثم قال جل وعز فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين آية 52 أي إنهم بمنزلة الموتى والصم لأنهم لا يقبلون لمعاندتهم 40 - وقوله جل وعز إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون آية 53 أي ما تسمع إلا من كان قابلا غير معاند 41 - وقوله جل وعز الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة آية 54 خلقكم من ضعف أي من المني أي خلقكم في حال ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة أي الشباب

42 - وقوله جل وعز ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة أي يحلفون ما لبثوا في القبور إلا ساعة واحدة 43 - ثم قال تعالى كذلك كانوا يؤفكون آية 55 أي كذلك كانوا يكذبون في الدنيا يقال إفك الرجل إذا صرف عن الصدق والخير وأرض مأفوكة ممنوعة من المطر 44 - وقوله جل وعز وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث آية 56 قيل المعنى في خبر كتاب الله أنكم لبثتم في قبوركم إلى يوم القيامة وقيل في الكلام تقديم وتأخير

والمعنى وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث 45 - وقوله جل وعز فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون آية 60 ولا يستخفنك أي لا يستفزنك الذين لا يوقنون أي الشاكون انتهت سورة الروم

تفسير سورة لقمان

تفسير سورة لقمان مكية آياتها 43 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة لقمان وهي مكية قال عبد الله بن عباس هي مكية إلا ثلاث آيات منها فإنهن نزلن بالمدينة وهن قوله جل وعز ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام إلى تمام الآيات الثلاث 1 - من ذلك قوله عز وجل ومن الناس من يشتري لهو الحديث آية 6 روى سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري قال سئل عبد الله بن مسعود عن قوله جل وعز ومن الناس من يشتري لهو الحديث فقال الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات

وبغير هذا الإسناد عنه والغناء ينبت في القلب النفاق وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الرجل يشتري الجارية المغنية تغنيه ليلا أو نهارا وروي عن ابن عمر هو الغناء وكذلك قال عكرمة وميمون بن مهران ومكحول وروى علي بن الحكم عن الضحاك ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال الشرك

وروى جويبر عنه قال الغناء مهلكة للمال مسخطة للرب مقساة غير للقلب وسئل القاسم بن محمد عنه فقال الغناء باطل والباطل في النار قال أبو جعفر وأبين ما قيل في الآية ما رواه عبد الكريم عن مجاهد قال الغناء وكل لعب لهو قال أبو جعفر فالمعنى ما يلهيه من الغناء وغيره مما يلهي وقد قال معمر بلغني أن هذه الآية نزلت في رجل من بني عدي يعنى النضر بن الحارث كان يشتري الكتب التي فيها أخبار فارس والروم ويقول محمد يحدثكم عن عاد وثمود وأنا

أحدثكم عن فارس والروم ويستهزئ بالقرآن إذا سمعه 2 - وقوله جل وعز ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا آية 6 أي ليضل غيره وإذا أضل غيره فقد ضل وليضل هو أي يئول أمره إلى هذا كما قال ربنا ليضلوا عن سبيلك 3 - وقوله جل وعز كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا آية 7 قال مجاهد وقرا أي ثقلا 4 - وقوله جل وعز خلق السموات بغير عمد ترونها

يجوز أن تكون ترونها بمعنى ترونها بغير عمد ويجوز أن تكون نعتا على قول من قال هي بعمد ولكن لا يرونها قال أبو جعفر والقولان يرجعان إلى معنى واحد لأن من قال إنها بعمد إنما يريد بالعمد قدرة الله جل وعز التي يمسك بها السموات والأرض 5 - ثم قال جل وعز وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم آية 10 أي جبالا ثابتة وقد رسا أي ثبت أن تميد بكم أي كراهة أن تميد بكم يقال ماد يميد إذا اشتدت حركته

6 - وقوله جل وعز هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه آية 11 هذا خلق الله يعني ما ذكر من خلق السموات وغيرها فأروني ماذا خلق الذين من دونه أي مما تعبدونه 7 - ثم أعلم أنهم في ضلال فقال سبحانه بل الظالمون في ضلال مبين آية 11 8 - ثم قال جل وعز ولقد آتينا لقمان الحكمة آية 12 روى سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال كان لقمان من سودان مصر

وقال غيره كان في وقت داود النبي صلى الله عليه وسلم قال وهب بن منبه قرأت من حكمته أرجح من عشرة آلاف باب قال مجاهد الحكمة التي أوتيها العقل والفقه والصواب في الكلام من غير نبوة قال زيد بن أسلم الحكمة العقل في دين الله عز وجل ويقال إن ابنه اسمه ثاران 9 - وقوله جل وعز يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم قال الأصمعي الظلم وضع الشئ في غير موضعه

قال أبو جعفر الشرك نسب نعمة الله جل وعز إلى غيره لأن الله جل وعز الرزاق والمحيي والمميت وقال هو ظالم لنفسه 10 - ثم قال جل وعز ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن آية 14 وقرأ عيسى وهنا على وهن قال الضحاك الوهن الضعف وكذلك هو في اللغة يقال وهن يهن ووهن يوهن ووهن يهن مثل ورم يرم إذا ضعف يعني ضعف الحمل وضعف الطلق وضعف النفاس

11 - ثم قال جل وعز وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك آية 14 وفصاله في عامين أي فطامه في عامين أن اشكر لي ولوالديك على التقديم والتأخير والمعنى ووصينا الإنسان أن اشكر لي ولوالديك 12 - ثم قال جل وعز وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما آية 15 يروى أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص

13 - ثم قال جل وعز وصاحبهما في الدنيا معروفا آية 15 أي مصاحبا معروفا يقال صاحبته مصاحبة ومصاحبا ومعروفا أي ما يحسن 14 - ثم رجع إلى الإخبار عن لقمان فقال يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله آية 16 وهذا على التمثيل كما قال سبحانه فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره قال سفيان بلغني أنه الصخرة التي عليها الأرضون وروى أن ابن لقمان سأله عن حبة وقعت في مقل البحر أي في مغاصه أحمد فأجابه بهذا

قال أبو مالك يأت بها الله أي يعلمها الله 15 - ثم قال جل وعز إن الله لطيف خبير آية 16 قال أبو العالية أي لطيف باستخراجها خبير بمكانها 16 - وقوله جل وعز ولا تصعر خدك للناس آية 18 وقرأ الجحدري ولا تصعر ويقرأ ولا تصاعر قال الحسن وقتادة والضحاك في قوله تعالى ولا تصعر الإعراض عن الناس قال قتادة لا تتكبر فتعرض وقال إبراهيم هو التشدق

قال أبو الجوزاء يقول بوجهه هكذا ازدراء بالناس قال أبو جعفر أصل هذا من الصعر وهو داء يأخذ الإبل تلوي منها أعناقها فقيل هذا للمتكبر لأنه يلوي عنقه تكبرا وتصعر على التكثير وتصعر تلزم نفسك بهذا لأنه يفعله ولا داء به وتصاعر أي تعارض بوجهك 17 - ثم قال جل وعز ولا تمش في الأرض مرحا آية 18 أي متبخترا متكبرا 18 - وقوله جل وعز واقصد في مشيك واغضض من صوتك آية 19 واقصد في مشيك أي يكون متوسطا روى حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب واقصد في مشيك قال من السرعة

ثم قل واغضض من صوتك آية 19 أي انقص منه وقد غض بصره ومنه فلان يغض من الناس 19 - ثم قال تعالى إن أنكر الأصوات لصوت الحمير آية 19 أي أقبحها ومنه أتانا بوجه منكر 20 - ثم قال جل وعز ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض آية 20 ما في السموات يعني الشمس والقمر والنجوم وما في الأرض من البحار والدواب وغيرها 21 - ثم قال جل وعز وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة آية 20 وقرأ ابن عباس وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة على التوحيد وقال هو ومجاهد هي الإسلام

ويجوز أن تكون نعمة بمعنى نعم كما قال سبحانه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها 22 - وقوله جل وعز ومن سلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى آية 22 روى سعيد بن جبير عن ابن عباس فقد استمسك بالعروة الوثقى قال لا إله إلا الله 23 - وقوله جل وعز ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله آية 27 في رواية أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس قال قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم بلغنا أنك تقول وما أوتيتم من

العلم إلا قليلا فهذا لنا أو لغيرنا فقال صلى الله عليه وسلم للجميع فقالوا أما علمت أن الله أعطى موسى التوراة وخلفها فينا ومعنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم التوراة وما فيها من الأنباء في علم الله جل وعز قليل فأنزل الله ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إلى تمام ثلاث آيات قال أبو جعفر فقد تبين أن الكلمات ههنا يراد بها العلم وحقائق الأشياء لأنه علم قبل أن يخلق الخلق ما هو خالق في السموات والأرض من شئ وعلم ما فيه من مثاقيل الذر وعلم الأجناس كلها وما فيها من شعرة وعضو وما في الشجرة من ورقة وما فيها من ضروب الخلق وما يتصرف فيه من ضروب الطعم واللون فلو سمى كل دابة وحدها وسمى أجزائها على ما يعلم من قليلها وكثيرها وما تحولت عليه في الأحوال وما زاد فيها في كل زمان وبين كل شجرة وحدها وما تفرعت عليه وقدر ما ييبس من ذلك في كل زمان ثم

كتب البيان عن كل واحد منها على ما أحاط الله عز وجل منها ثم كان البحر مدادا لذلك البيان الذي بين الله عز وجل تلك الأشياء يمده من بعده سبعة أبحر لكان البيان عن تلك الأشياء أكثر 24 - وقوله جل وعز ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير قال مجاهد إنما يقول كن فيكون القليل والكثير 25 - وقوله جل وعز فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد آية 32 قال مجاهد فمنهم مقتصد في القول وهو كافر وقيل مقتصد أي مقتصد في فعله خبر أن منهم من لا يشرك 26 - وقوله جل وعز وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور آية 32 قال مجاهد وقتادة الختار الغدور

قال أبو جعفر الختر في كلام العرب أقبح الغدر 27 - وقوله جل وعز فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور آية 33 قال مجاهد والضحاك الغرور الشيطان 28 - وقوله جل وعز إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مفاتح الغيب خمسة وقد ذكرنا هذا بإسناده في سورة الأنعام في قوله تعالى وعنده مفاتح الغيب الآية انتهت سورة لقمان

تفسير سورة السجدة

تفسير سورة السجدة مكية وآياتها 30 آية

بسم الله الرحمان الرحيم سورة السجدة وهي مكية قال عبد الله بن عباس إلا ثلاث آيات نزلن بالمدينة وفي رجلين من قريش وهن أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا إلى آخر الآيات الثلاث 1 - من ذلك قوله جل وعز آلم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين المعنى هذا تنزيل الكتاب وقيل المعنى آلم من تنزيل الكتاب

ويجوز أن يكون المعنى تنزيل الكتاب لا شك فيه وقد بينا معنى آلم ولا ريب فيه في سورة البقرة 2 - وقوله جل وعز أم يقولون افتراه آية 3 أي بل أيقولون افتراه 3 - وقوله جل وعز يدبر الأمر من السماء إلى الأرض أي يقضي القضاء في السماء ثم ينزله إلى الأرض 4 - وقوله جل وعز ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون آية 5 قال أبو جعفر هذه الآية مشكلة وقد قال في موضع آخر في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ولأهل التفسير فيها أقوال أ - من ذلك ما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن

صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في يوم كان مقداره ألف سنة قال هذا في الدنيا وقوله جل وعز في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة قال فهذا يوم القيامة جعله الله عز وجل على الكفار مقدار خمسين ألف سنة ب - وحدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام قال حدثنا أبو داود سليمان بن داود قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح عن وهب بن منبه في يوم كان مقداره ألف سنة قال ما بين أسفل الأرض إلى العرش ج قال ابن أبي نجيح عن مجاهد وفي ذلك قال الدنيا من أولها

إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحد كم مضى منها ولا كم بقي قال أبو جعفر وقيل يوم القيامة أيام فمنه ما مقداره ألف سنة ومنه ما مقداره خمسون ألف سنة قال أبو جعفر يوم في اللغة بمعنى وقت فالمعنى على هذا تعرج الملائكة والروح إليه في وقت مقداره ألف سنة وفي وقت آخر أكثر من ذاك وعروجا أكثر من ذاك مقداره خمسون ألف سنة 5 - وقوله جل وعز الذي أحسن كل شئ خلقه آية 7 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أتقنه

قال وهو مثل قوله تعالى أعطى كل شئ خلقه أي لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة ولا خلق البهيمة على خلق الإنسان وقيل أي لم يعجزه وأحسن ما قيل في هذا ما رواه خصيف عن عكرمة عن ابن عباس في قوله جل وعز أحسن كل شئ خلقه قال أحسن في خلقه جعل الكلب في خلقه حسنا قال أبو جعفر ومعنى هذا أحسن في فعله كما تقول أحسن فلان في قطع اللص 6 - وقوله جل وعز ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين آية 8 السلالة للقليل مما ينسل والمهين الضعيف

7 - وقوله جل وعز وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد آية 10 وروى عن الحسن أنه قرأ صللنا بفتح اللام وروى بعضهم بكسر اللام قال مجاهد ضللنا أي أهلكنا قال أبو جعفر معنى ضللنا صرنا ترابا وعظاما فلم نتبين وهو يرجع إلى قول مجاهد ومعنى صللنا بفتح اللام أنتنا وتغيرنا وتغيرت صورنا يقال صل اللحم وأصل إذا أنتن وتغير ويجوز أن يكون من الصلة وهي الأرض اليابسة ولا يعرف صللنا بكسر اللام

8 - وقوله جل وعز ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعما صالحا آية 12 في الكلام حذف والمعنى ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم لرأيت ما تعتبر به اعتباره شديدا والمعنى يقولون ربنا ثم حذف القول أيضا 9 - وقوله جل وعز ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها آية 13 أي لو شئنا لأريناهم آية تضطرهم إلى الإيمان كما قال تعالى إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين 10 - ثم قال جل وعز ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين آية 13 قال قتادة أي بذنوبهم

11 - وقوله جل وعز تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا آية 16 روى قتادة عن أنس قال يتيقظون بين العشاء والعتمة فيصلون وقال عطاء لا ينامون قبل العشاء حتى يصلوها وقال الحسن ومجاهد يصلون في جوف الليل

وكذلك قال مالك والأوزاعي وهذا القول أشبهها لجهتين إحداهما أن أبا وائل روى عن معاذ بن جبل قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ألا أدلك على أعمال الخير الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى يعملون والجهة الأخرى أنه جل وعز قال فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين حدثنا محمد بن أحمد يعرف بالجريجي قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن السلمي قال حدثنا عمرو بن عبد الوهاب قال حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن

النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ من قرات أعين فهذه بصلاة الليل أشبه لأنهم جوزوا على ما أخفوا بما خفي روى أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال ربكم أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اقرءوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون 306 - وقوله جل وعز أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا آية 18 روى أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس قال نزلت في رجلين من قريش إلى تمام الآيات الثلاث

وقال ابن أبي ليلى نزلت في علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ورجل من قريش وقيل نزلت في علي عليه السلام والوليد بن عقبة بن أبي معيط فشهد الله جل وعز لعلي بن أبي طالب بالإيمان وأنه في الجنة 13 - فقال جل وعز أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى آية 19 وجاء على الجمع لأن الاثنين جماعة ويكون لجميع المؤمنين وإن كان سبب النزول مخصوصا لإبهام من

14 - وقوله جل وعز ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون آية 21 روى أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود ولنذيقنهم من العذاب الأدنى قال يوم بدر لعلهم يرجون لعلى من تقى منهم يتوب وروى إسرائيل عن أبي إسحق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة عن عبد الله ولنذيقنهم من العذاب الأدنى قال سنون أصابت قوما قبلكم وروى عكرمة عن ابن عباس ولنذيقنهم من العذاب الأدنى قال الحدود

وقال علقمة والحسن وأبو العالية والضحاك قالوا المصيبات في الدنيا وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال القتل والجوع لقريش في لدنيا دون العذاب الأكبر يوم القيامة في الآخرة وروى أبو يحيى عن مجاهد قال العذاب الأدنى عذاب القبر وعذاب الدنيا وروى الأعمش عن مجاهد قال المصيبات وهذه الأقوال ليست بمتناقضة وهي ترجع إلى أن معنى الأدنى ما كان قبل يوم القيامة

15 - وقوله جل وعز ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه آية 23 قيل الهاء للكتاب واسم موسى صلى الله عليه وسلم مضمر والمعنى الهاء لموسى وحذف الكتاب لأنه تقدم ذكره وهذا أولى والمعنى فلا تكن في شك من تلقي موسى الكتاب بالقبول ومخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لجميع الناس ويجوز أن يكون المعنى قل لهذا الشاك ويجوز أن يكون المعنى فلا تكن في شك من تلقي هذا الخبر بالقبول قال قتادة معنى ذلك فلا تكن في شك من أنك لقيته أو تلقاه ليلة أسري به

واختار هذا القول بعض أهل العلم لأن ابن عباس روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أريت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة الحديث فالتقدير على هذا فلا تكن في مرية من لقائه أنه قد رأى موسى ليلة أسري به وتأول وجعلناه بمعنى وجعلنا موسى هدى أي رشادا لبني إسرائيل يرشدون باتباعه ويصيبون الحق بالاقتداء به وقد روى سعيد عن قتادة وجعلناه هدى لبني إسرائيل قال جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل

16 - وقوله جل وعز أو لم نهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من آية 26 القرون أي أولم نبين لهم 17 - وقوله جل وعز أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز آية 27 قال مجاهد هي الأرض التي لا تنبت قال الضحاك هي الأرض التي لا نبات بها قال أبو جعفر الجرز في اللغة الأرض اليابسة المحتاجة إلى الماء التي ليس فيها نبات كأنها أكلت ما فيها ومنه قيل رجل جروز إذا كان أكولا

18 - وقوله جل وعز ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين آية 28 قال مجاهد هو يوم القيامة وقال قتادة الفتح القضاء وقال الفراء والقتبي فتح مكة قال أبو جعفر والقول الأول أولى لقوله تعالى قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم آية 29 وسمى فتحا لأن الله جل وعز يفتح فيه على المؤمنين

أو لأن القضاء فيه كما قال تعالى ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق أي اقض 19 - ثم قال جل وعز فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ثم نسخ هذا بالأمر بالقتال انتهت سورة السجدة

تفسير سورة الأحزاب

تفسير سورة الأحزاب مدنية وآياتها يقول 73 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الأحزاب وهى مدنية قال ابن عباس وهي مدنية 1 - من ذلك قوله جل وعز يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين آية 1 معناه اثبت على تقوى الله كما قال سبحانه يا أيها الذين آمنوا آمنوا 2 - ثم قال جل وعز إن الله كان عليما حكيما آية 1 أي عليما بما يكون قبل أن يكون حكيما فيما يخلقه قبل أن يخلقه

3 - وقوله جل وعز ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه آية 4 قال أبو جعفر في معنى هذا ونزوله ثلاث أقوال فمن ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر قال قال قتادة كان رجل لا يسمع شيئا إلا وعاه فقال الناس ما يعي هذا إلا أن له قلبين فكان يسمى ذا القلبين فقال الله عز وجل ما جعل الله لرجل من قلبين قال معمر وقال الحسن كان رجل يقول إن نفسا تأمرني بكذا ونفسا تأمرني بكذا فقال الله جل وعز ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وروى أبو هلال عن عبد الله بن بريدة قال كان في الجاهلية رجل يقال له ذو قلبين فأنزل الله جل وعز ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قال رجل من بني فهر إن في جوفي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد صلى الله عليه وسلم وكذب قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع إلى معنى واحد وهو أن

الآية نزلت في رجل بعينه ويقال إن الرجل عبد الله بن خطل والقول الثاني قول ضعيف لا يصح في اللغة وهو من منقطعات الزهري رواه معمر عنه في قوله جل وعز ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه قال بلغنا أن ذلك في شأن زيد بن حارثة ضرب له مثلا يقول ليس ابن رجل آخر ابنك والقول الثالث أصحها وأعلاها إسنادا وهو جيد الإسناد قرئ على محمد بن عمرو بن خالد عن أبيه قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه قال قلنا لابن عباس أرأيت قول الله جل وعز ما جعل الله لرجل من قلبين في

جوفه ما عني بذلك قال كان نبي الله يوما يصلي فخطر خطرة فقال النافقون الذين يصلون معه ألا ترون أن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فأنزل الله جل وعز ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه قال أبو جعفر وهذا أولى الأقوال في الآية لما قلنا والمعنى ما جعل الله لرجل قلبا يحب به وقلبا يبغض به وقلبا يؤمن به وقلبا يكفر به 4 - ثم قرن بهذا ما كان المشركون يطلقون به مما لا يكون فقال وما جعل أزواجكم اللاتي تظاهرون منهن أمهاتكم

وهو لفظ مشتق من الظهر وقرأ الحسن تظاهرون وأنكر هذه القراءة أبو عمرو بن العلاء وقال إنما يكون هذا من المعاونة قال أبو جعفر وليس يمتنع شئ من هذا لاتفاق اللفظين ويدل على صحته الظهار 5 - ثم قال جل وعز وما جعل أدعياءكم أبناءكم آية 4 أي ما جعل من تبنيتموه واتخذتموه ولدا بمنزلة الولد في الميراث قال مجاهد نزل هذا في زيد بن حارثة

6 - ثم قال جل وعز ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل آية 4 أي هو شئ تقولونه على التشبيه وليس بحقيقة والله يقول الحق أي لا يجعل غير الولد ولدا وهو يهدي السبيل أي سبيل الحق 7 - ثم قال جل وعز ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله آية 5 روى سالم عن ابن عمر قال ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت ادعوهم لآبائهم ثم قال جل وعز هو أقسط عند الله أي أعدل 8 - وقوله جل وعز فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم آية 5

أي فقولوا يا أخي في الدين ومواليكم أي بنو عمكم أو أولياؤكم في الدين 9 - ثم قال جل وعز وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم آية 5 في معناه ثلاثة أقوال قال مجاهد فيما أخطأتم به قبل النهي في هذا وفي غيره ولكن ما تعمدت قلوبكم بعد النهي في هذا وفي غيره وقيل فيما أخطأتم به أن يقول له يا بني في المخاطبة على غير تبن

وقال قتادة هو أن تنسب الرجل إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه وهذا أولاها وأبينها 10 - وقوله جل وعز النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم آية 6 روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما رجل مات وترك دينا فإلي وإن ترك مالا فلورثته وحقيقة معنى الآية والله جل وعز أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر بشئ أو نهى عنه ثم خالفته النفس كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه أولى بالاتباع من الناس

11 - ثم قال جل وعز وأزواجه أمهاتهم آية 6 أي هن في الحرمة بمنزلة الأمهات في الإجلال ولا يتزوجن بعده صلى الله عليه وسلم وروي أنه إنما فعل هذا لأنهن أزواجه في الجنة 12 - ثم قال جل وعز وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا قال مجاهد أي إلا أن توصوا لمن حالفتموه من المهاجرين والأنصار وكان رسول الله آخى بين المهاجرين فكانوا يتوارثون حتى هذا وابيحت لهم الوصية وهذا قول بين لأنه بعيد أن يقال للمشرك ولي وقال ابن الحنفية والحسن وعطاء في قوله تعالى

إلا أن تمعلوا الذي إلى أوليائكم معروفا أن يوصي لذي قرابته من المشركين قال الحسن هو وليك في النسب وليس بوليك في الدين 13 - ثم قال جل وعز كان ذلك في الكتاب مسطورا قال قتادة أي مكتوبا عند الله جل وعز لا يرث كافر مسلما قال أبو جعفر يجوز أن يكون المعنى حل ذلك في الكتاب أي في القرآن ويجوز أن يكون ذلك قوله وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض 14 - وقوله جل وعز وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم

قال مجاهد هذا في ظهر آدم صلى الله عليه وسلم وقال قتادة أخذنا ميثاقهم أن يصدق بعضهم بعضا 15 - وقوله جل وعز ليسأل الصادقين عن صدقهم أي ليسأل الصادقين من الرسل توبيخا لمن كذبهم كما قال جل وعز أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله وقيل ليسأل الصادقين عن صدقهم هل كان لله جل وعز وقيل ليثابوا عليه 16 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود آية 9 قال مجاهد جاءهم أبو سفيان وعيينة بن بدر وبنو قريظة وهم الأحزاب

17 - ثم قال جل وعز فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها روى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال هي الصبا كفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ثم قال جل وعز وجنودا لم تروها آية 9 قال مجاهد الملائكة ولم تقاتل يومئذ يوم الأحزاب 18 - وقوله جل وعز إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم آية 10 قال محمد بن إسحق الذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة

والذين جاءوهم من أسفل منهم قريش وغطفان 19 - ثم قال جل وعز وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر آية 10 روى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال بلغ فزعها وقال قتادة شخصت عن مواضعها فلولا أن الحلوق ضاقت عنها لخرجت وقيل كادت تبلغ قال أبو جعفر وأحسن هذه الأقوال القول الأول أي بلغ وجيفها من شدة الفزع الحلوق فكأنها بلغت الحلوق بالوجيب 20 - وقوله جل وعز هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا أية 11

قال مجاهد أي محصوا ثم قال وزلزلوا زلزالا شديدا أي أزعجوا وحركوا 21 - ثم قال جل وعز وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا آية 12 قال قتادة قال قوم من المنافقين وعدنا محمد أن نفتح قصور الشام وفارس وأحدنا لا يقدر أن يجاوز رحله ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا

22 - ثم قال جل وعز وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا وقرأ أبو عبد الرحمن والأعرج لا مقام لكم بضم الميم قال أبو جعفر المقام بالفتح الموضع الذي يقام فيه والمصدر من قام يقوم والمقام بالضم بمعنى الإقامة والموضع من أقام هو وأقامه غيره 23 - ثم قال جل وعز ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة آية 13 قال ابن اسحق هو أوس بن قيظي الذي قال إن بيوتنا عورة عن ملأ من قومه وقرأ يحيى بن يعمر وأبو رجاء عورة بكسر الواو

يقال أعور المنزل إذا ضاع أو لم يكن له ما يستره أو سقط جداره فالمعنى إن بيوتنا ضائعة متهتكة ليس لها من يحفظها فأعلم الله جل وعز أنها ليست كذلك وأن العدو لا يصل إليها لأن الله جل وعز يحفظها قال أي نخاف أن تسرق ويقال للمرأة عورة فيجوز مجاهد أن يكون المعنى إن بيوتنا ذات عورة فأكذبهم الله جل وعز قال قتادة قال قوم من المنافقين إن بيوتنا عورة وإنا نخاف على أهلينا فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليها فلم يوجد فيها أحد ويجوز أن يكون عورة مسكنا من عورة

24 - ثم قال جل وعز إن يريدون إلا فرارا آية 13 أي عن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم 25 - ثم قال جل وعز ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سألوا الفتنة لأتوها آية 14 قال الحسن من أقطارها أي من نواحيها قال غيره نواحي البيوت ثم سئلو الفتنة لأتوها أي لقصدوها وجاءوها قال الحسن الفتنة ههنا الشرك وقرئ لآتوها

قال الحسن أي لأعطوها من أنفسهم قال غيره كما روي في الذين عذبوا أنهم أعطوا ما سئلوا في النبي صلى الله عليه وسلم إلا بلالا 26 - ثم قال جل وعز وما تلبثوا بها إلا يسيرا قال القتبي أي بالمدينة 27 - وقوله جل وعز وإذا لا تمتعون إلا قليلا آية 16 قال مجاهد والربيع بن خيثم في قوله وإذا لا تمتعون إلا قليلا ما بينهم وبين الأجل 28 - وقوله جل وعز قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا آية 18

قال قتادة هم قوم من المنافقين قالوا ما أصحاب محمد عندنا إلا أكلة رأس ولن يطيقوا أبا سفيان وأصحابه فهلم إلينا 29 - ثم قال جل وعز ولا يأتون البأس إلا قليلا آيد 18 أي إلا تعذيرا 30 - ثم قال جل وعز أشحة عليكم فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد آية 19 أي أشحة عليكم بالنفقة على فقرائكم ومساكينكم فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أي بالغوا في الاحتجاج عليكم

وقال قتادة سلقوكم بطلب الغنيمة وهذا قول حسن لأن بعده أشحة على الخير وعن ابن عباس استقبلوكم بالأذى وقال يزيد بن رومان سلقوكم بما تحبون نفاقا منهم يقال خطيب مسلاق وسلاق أي بليغ 31 - ثم قال جل وعز أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا آية 19 أي أشحة على الغنيمة أولئك لم يؤمنوا وإن كانوا قد أظهروا الإيمان فإن اعتقادهم غير ذلك 32 - وقوله جل وعز يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب آية 20

أي يحسبون الأحزاب لم يذهبوا لجبنهم وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب المعنى إنهم لفزعهم ورعبهم إذا جاء من يقاتلهم ودوا أنهم بادون في الأعراب وقرأ طلحة بن مصرف يودوا لو أنهم بذا في الأعراب بدا والمعنى واحد وهو جمع باد كما يقال غزا وغزى 33 - ثم خبر تعالى بما يقول المؤمنون فقال ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وقيل الذي وعدهم في قوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنة

ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء كذا قال قتادة وقال يزيد بن رومان الأحزاب قريش وغطفان 34 - وقوله جل وعز من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه يقال صدقت العهد أي وفيته 35 - ثم قال جل وعز فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا آية 23 روى سعيد بن مسروق عن مجاهد قال نحبه عهده وروى خصيف عن عكرمة عن ابن عباس فمنهم من قضى نحبه قال مات على ما عاهد عليه ومنهم من ينتظر ذلك

قال أبو جعفر حكى أهل اللغة أن النحب العهد والنفس والخطر العظيم وأشهرها أن النحب العهد كما قال مجاهد ويصححه أنه يروى أن قوما جعلوا على أنفسهم إن لاقوا العدو أن يصدقوا القتال حتى تقبلوا أو يفتح الله جل وعز عليهم فالمعنى فمنهم من قضى أجله وسمي الأجل عهدا لأنه على العهد كان أو قضى عهده

ثم قال تعالى وما بدلوا تبديلا أي وما بدلوا دينهم تبديلا 36 - ثم قال جل وعز ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا قال مجاهد أبا سفيان وأصحابه 37 - ثم قال جل وعز وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم أي أعاونهم من أهل الكتاب قال مجاهد بني قريظة من صياصهم من قصورهم وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة من صياصيهم من حصونهم قال أبو جعفر والقصور قد يتحصن بها وأصل الصيصية

في اللغة ما يمتنع به ومنه قيل لقرون البقر صياصي ومنه قوله كوقع الصياصي في النسيج الممد * يقال جذ الله صيصته علي أي أصله 38 - وقوله جل وعز وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها آية 27 قال الحسن فارس والروم وقال قتادة مكة وقال ابن اسحق خيبر وقال أبو جعفر وهذه كلها قد أورثها الله جل وعز المسلمين إلا أن الأشبه بالمعنى أن تكون خيبر والله أعلم

روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة في قوله تعالى وأرضا لم تطئوها قال ما يفتح على المسلمين إلى يوم القيامة 39 - وقوله جل وعز يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا آية 28 حتى روى يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة ومعمر عن عروة عن عائشة قالت لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قال وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه ثم تلا يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فقلت أو في هذا استأمر أبوي فإني أختار الله جل وعز ورسوله والدار الأخرة

قال يونس في حديثه وفعل أزواجه كما فعلت فلم يكن ذلك طلاقا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرهن فاخترنه 40 - وقوله جل وعز يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين آية 30 فرق أبو عمرو بين يضعف ويضاعف قال يضاعف للمرار الكثيرة ويضعف مرتين وقرأ يضعف لهذا وقال أبو عبيدة يضاعف لها العذاب يجعل ثلاثة أعذبة

قال أبو جعفر التفريق الذي جاء به أبو عمرو لا يعرفه أحد من أهل اللغة علمته والمعنى في يضاعف ويضعف واحد أي يجعل ضعفين أي مثلين كما تقول إن دفعت إلي درهما دفعت إليك ضعفيه أي مثليه يعني درهمين ويدل على هذا نؤتها أجرها مرتين فلا يكون العذاب أكثر من الأجر وقال في موضع آخر ربنا آتهم ضعفين من العذاب أي مثلين وروى معمر عن قتادة يضاعف لها العذاب ضعفين قال عذاب الدنيا وعذاب الآخرة

41 - وقوله جل وعز ومن يقنت منكن لله ورسوله ومعناه من يطع قال قتادة كل قنوت في القرآن طاعة وقال وأعتدنا لها رزقا كريما الجنة 42 - وقوله جل وعز فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض آية 32 يقال خضع في قوله إذا لان ولم يبين ويبينه قوله تعالى ي وقلن قولا معروفا أي بينا ظاهرا قال قتادة والسدي فيطمع الذي في قلبه مرض أي شك ونفاق قال عكرمة هو شهوة الزنى

43 - وقوله جل وعز وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى هو من وقر يقر وقارا في المكان إذا ثبت فيه وفيه قول آخر قال محمد بن يزيد هو من قررت في المكان أقر والأصل واقررن جاء على لغة من قال في مسست مست حذفت الراء الأولى وألقيت حركتها على القاف فصار وقرن قال ومن قرأ وقرن فقد لحن قال أبو جعفر يجوز أن يكون وقرن من قررت به عينا أقر فيكون المعنى واقررن به عينا في بيوتكن

44 - ثم قال جل وعز ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى آية 33 روى علي بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال الجاهلية الأولى ما بين إدريس ونوح صلى الله عليهما وروى عبد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال ستكون جاهلية أخرى وروى هشيم عن زكريا عن الشعبي قال الجاهلية الأولى ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما

قال مجاهد كان النساء يتمشين بين الرجال فذلك التبرج وقال ابن أبي نجيح هو التبختر قال أبو جعفر التبرج في اللغة هو إظهار الزينة وما تستدعى به الشهوة وكان هذا ظاهرا بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وكان ثم بغايا يقصدن وقوله جل وعز إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت آية 33 قال عطية حدثني أبو سعيد الخدري قال حدثتني أم سلمة قالت نزلت هذه الآية في بيت وكنت جالسة على الباب فقلت يا رسول الله ألست من أهل البيت قال إنك إلى خير وأنت من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكان في البيت النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم

46 - وقوله جل وعز واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة آية 34 قال قتادة أي القرآن والسنة وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت قلت يا رسول الله أرى الله جل وعز يذكر الرجال ولا يذكر النساء فنزلت إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات 47 - وقوله جل وعز والحافظين فروجهم والحافظات آية 35

أي والحافظاتها ونظيره وكمتا مدماة كأن متونها جرى فوقها واستشعرت لون المذهب مذهب وروى سيبويه لوت مذهب بالنصب وإنما يجوز الرفع على حذف الهاء كأنه قال فاستشعرته تعالى فيمن رفع لونا 48 - وقوله جل وعز وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا آية 36 قال قتادة لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وهي ابنة عمته وهو يريدها لزيد ظنت أنه يريدها لنفسه فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت وامتنعت فأنزل الله عز وجل وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم فأطاعت وسلمت

49 - وقوله جل وعز وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه قال قتادة هو زيد بن حارثة أنعم الله عليه بالإسلام وأنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق ثم قال أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه روى ثابت عن أنس قال جاء زيد يشكو زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أمسك عليك زوجك واتق الله فأنزل الله جل وعز وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه إلى آخر الآية قال ولو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن لكتمها قال قتادة جاء زيد فقال يا رسول الله إني أشكو إليك لسان زينب وإني أريد أن أطلقها فقال له أمسك عليك

زوجك واتق الله وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يطلقها زيد فكره أن يقول له طلقها فيسمع الناس بذلك

قال أبو جعفر أي فيفتتنوا وسئل علي بن الحسين عليه السلام عن هذه الآية فقال أعلم الله جل وعز النبي صلى الله عليه وسلم أن زيدا سيطلق زينب ثم يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعده أي فقد أعلمتك أنه يطلقها قبل أن يطلقها 50 - وقوله جل وعز فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها آية 37 قال الخليل معنى الوطر كل حاجة يهتم بها فإذا قضاها قيل قضى وطره وأربه 51 - ثم خبر جل وعز بالعلة التي من أجلها كان من أمر زيد ما كان فقال لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا أي زوجناك زينب وكانت امرأة زيد وأنت متبن فإن له لئلا

يتوهم أن تحريم التبني كتحريم الولادة كما كانت الجاهلية تقول 52 - وقوله جل وعز ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له آية 38 قال قتادة أي فيما أحل الله له قال أبو جعفر وفيه معنى المدح كما قال جل وعز ما على المحسنين من سبيل 53 - ثم قال جل وعز سنة الله في الذين خلوا من قبل أي لا يؤاخذون بما لم يحرم عليهم

54 - وقوله جل وعز وكفى بالله حسيبا آية 39 يجوز أن يكون بمعنى محاسب كما تقول أكيل وشريب ويجوز أن يكون بمعنى محسب أي كاف يقال أحسبني الشئ كفاني 55 - وقوله جل وعز ما كان محمد أبا أحد من رجالكم آية 40 قال علي بن الحسين عليه السلام نزلت في زيد بن حارثة قال أبو جعفر أي ليس هو أباهم بالولادة وإن كان كذلك في التبجيل والتعظيم

56 - ثم قال جل وعز ولكن رسول الله وخاتم النبيين قال قتادة أي آخرهم قال أبو جعفر من قرأ خاتم بفتح التاء فمعناه عنده آخرهم ومن قرأ بالكسر خاتم فمعناه عندهم أنه ختمهم قال قتادة وسبحوه بكرة وأصيلا آية 42 صلاة الصبح والعصر 57 - وقوله جل وعز هو الذي يصلي عليكم وملائكته آية 43 قال الحسن سألت بنو إسرائيل موسى صلى الله عليه أيصلي ربك فكأنه أعظم ذلك فأوحى الله جل وعز إليه إن صلاتي أن رحمتي تسبق غضبي

والأصيل العشي قال الفراء معنى هو الذي يصلي عليكم وملائكته هو الذي يغفر لكم وتستغفر لكم ملائكته 58 - وقوله جل وعز تحيتهم يوم يلقونه سلام هو كما قال والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم أي تحيتهم في الجنة سلام 59 - وقوله جل وعز يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا آية 45

شاهدا أي شاهدا بالإبلاغ ومبشرا بالجنة ونذيرا من النار وداعيا إلى الله بإذنه أي بأمره وسراجا منيرا أي وذا سراج وهو القرآن ويجوز أن يكون المعنى ومبينا وتاليا حدثنا محمد بن إبراهيم الرازي قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن شيبان النحوي قال حدثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال لما نزلت يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا دعا رسول الله عليا ومعاذا فقال انطلقا فيسرا ولا تعسرا فإنه قد نزل علي الليلة آية إنا أرسلناك

شاهدا ومبشرا ونذيرا من النار وداعيا إلى الله قال شهادة أن لا إله إلا الله بإذنه بأمره وسراجا منيرا قال بالقرآن 60 - وقوله جل وعز ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم آية 48 قال مجاهد ودع أذاهم أي أعرض عنهم 61 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها قال حبيب بن أبي ثابت سئل علي بن الحسين عليه السلام عن رجل قال لامرأته إن تزوجتك فأنت طالق فقال ليس بشئ

ذكر الله جل وعز النكاح قبل الطلاق فقال إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن 62 - وقوله جل وعز فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا قال سعيد بن المسيب هي منسوخة بالتي في البقرة يعني قوله جل وعز وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة أي فلم يذكر المتعة 63 - وقوله جل وعز يا أيها النبي إنا حللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن آية 50

قال مجاهد أي صداقهن وروى أبو صالح عن أم هانئ قالت خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت منه فعذرني فأنزل الله جل وعز يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن إلى قوله اللاتي هاجرن معك ولم أكن هاجرت إنما كنت من الطلقاء فكنت لا أحل له 64 - ثم قال جل وعز وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي آية 50 قال علي بن الحسين رضي الله عنه وعروة والشعبي هي أم شريك وقال الزهري وعكرمة ومحمد بن كعب هي ميمونة ابنة الحارث وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم

قال الزهري ووهبت سودة يومها لعائشة وقرأ الحسن أن وهبت وقرأ الأعمش وامرأة مؤمنة وهبت وكسر إن أجمع للمعاني لأنه قيل إنهن نساء وإذا فتح كان المعنى على واحدة بعينها لأن الفتح على البدل من امرأة وبمعنى لأن وقال مجاهد لم تهب نفسها فعلى هذا القول لا تكون إن إلا مكسورة وقيل ومعنى وهبت نفسها إن تزوجت بلا صداق

وقيل هو أن تجعل الهبة صداقا وأن هذا لا يحل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو جعفر والقول الأول أولى لأن معنى الهبة في اللغة دفع شئ بلا عوض 65 - وقوله جل وعز قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم أي قد علمنا ما في ذلك من الصلاح وهذه كلمة مستعملة يقال أنا أعلم مالك في ذا وروى زياد بن عبد الله عن أبي بن كعب في قوله تعالى قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم قال مثنى وثلاث ورباع وقال قتادة فرض عليهم أن لا نكاح إلا بولي وشاهدي

عدل وصداق وأن لا يتزوج الرجل أكثر من أربع 66 - وقوله جل وعز لكيلا يكون عليك حرج آية 50 متعلق بقوله إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيتهن آجورهن 67 - وقوله جل وعز ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء آية 51 روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله تعالى

ترجي من تشاء منهن قال هذا في الواهبات أنفسهن قال الشعبي هن الواهبات أنفسهن تزوج رسول الله منهن وترك منهن وقال الزهري ما علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجأ أحدا من أزواجه بل آواهن كلهن وقال قتادة أطلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بينهن كيف شاء ولم يقسم بينهن إلا بالقسط حدثنا أحمد بن محمد بن نافع حدثنا سلمة حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن منصور عن أبي رزين قال المرجآت النبي ميمونة وسودة وصفية وجويرية وأم حبيبة وكانت عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب سواء في قسم النبي صلى الله عليه وسلم يساوي بينهن في القسم

وقال مجاهد هو أن يعتزلهن بلا طلاق قال أبو جعفر قول قتادة وأبي رزين ومجاهد يرجع إلى معنى واحد أن ذلك في القسم وقد روى منصور عن أبي رزين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يخلي اللواتي أرجأهن فقلن له اقسم لنا كيف شئت واتركنا على حالنا فتركهن وقال قتادة في قوله تعالى ذلك أدنى أن تقر أعينهن إذا علمن أن ذلك من الله جل وعز قرت أعينهن ولم يحزن ورضين

68 - وقوله جل وعز لا يحل لك النساء من بعد آية 52 في هذه الآية أقوال فمنها ما روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن عائشة قالت ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء وقال الحسن لما خير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه فاخترنه شكر الله جل وعز لهن ذلك فحرم على النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج غيرهن أي فامتحنه بذلك كما امتحنهن وقال علي بن الحسين قد كان له أن يتزوج

قال أبو جعفر هذه الثلاثة الأقوال غير متناقضة تقول عائشة ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء إسناده جيد ويتأول على أنه ناسخ للحظر ويحتج به في أن السنة تنسخ القرآن كما قال جل وعز إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث ومذهب الضحاك أن الناسخ لها قوله ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء وهذا لا يصح لأن بعده ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن وقول علي بن الحسين عليه السلام يجوز أن يكون يرجع إلى قول عائشة وإن كان قد أنكر قول الحسن فإن الحسن لم يذكر أن الآية منسوخة فيجوز أن يكون أنكره من هذه الجهة وتكون الآية عنده منسوخة

وعوض الله جل وعز نساء النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك أن جعلهن أزواجه في الجنة وفي الآية غير هذا قال زياد بن عبد الله سألت أبي بن كعب عن قول الله جل وعز لا يحل لك النساء من بعد فقلت أكان يحل له أن يتزوج فقال نعم ما بأس بذلك قال الله جل وعز إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن إلى قوله وامرأة مؤمنة ثم قال جل وعز لا يحل لك النساء من بعد أي لا يحل لك الأمهات ولا الأخوات ولا البنات فهذا قول آخر أي لا يحل لك النساء من بعد من أحللنا إلا ما ملكت يمينك وقال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحكم قولا آخر قالوا لا يحل لك النساء من بعد أي لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات

قال مجاهد أي لا يحل أن تتزوج كافرة فتكون أما للمؤمنين ولو أعجبك حسنها إلا ما ملكت يمينك فإن له أن يتسرى بها 69 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم قال أنس بن مالك أنا أعلم الناس بهذه الآية لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب ابنة جحش أمرني أن أدعو كل من لقيت ودعا النبي صلى الله عليه وسلم فجعل الله جل وعز في الطعام البركة فأكل قوم وانصرفوا وبقيت طائفة وكانت زينب في البيت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وخرج وهم جلوس فأنزل الله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى آخر الآية فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاب وانصرفوا

قال مجاهد في قوله تعالى إلى طعام غير ناظرين إناه آية 53 غير متحينين نضجه ولا مستأنسين لحديث قال بعد الأكل وقوله جل وعز وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب

فكان لا يحل لأحد أن يسألهن طعاما ولا غيره ولا ينظر إليهن متنقبات ولا غير متنقبات إلا من وراء حجاب وكانت عائشة إذا طافت بالبيت سترت وفي الحديث لما ماتت زينب قال عمر لا يخرج في جنازتها إلا ذو محرم منها فوصف له النعش فاستحسنه وأمر به وقال اخرجوا فصلوا على أمكم قال أنس كنت أدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزلت هذه الآية جئت لأدخل فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم وراءك يا بني

70 - وقوله عزو جل وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا آية 53 قال قتادة قال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجت فلانة قال معمر قال هذا طلحة لعائشة 71 - وقوله جل وعز لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن يعني في الاستئذان وقيل معنى ولا نسائهن ولا أهل دينهن وقد قيل بل هو لجميع النساء أي اللواتي من جنسهن

وقيل ولا ما ملكت أيمانهن من النساء خاصة وقيل عام إذا لم تعرف ريبة 72 - وقوله جل وعز إن الله وملائكته يصلون على النبي آية 56 قال أبو مسعود الأنصاري أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله جل وعز أن نصلي عليك يارسول الله فكيف نصلي عليك قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين

إنك حميد مجيد والسلام كما علمتم وروى المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة عن الأسود عن عبد الله أنه قال إذا صليتم على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل الله يعرض ذلك عليه قالوا فعلمنا قال قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم آل إبراهيم إنك حميد مجيد

اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد 73 - وقوله جل وعز إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة آية 57 قيل المعنى يؤذون أولياء الله وروى همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل شتمني عبدي ولم يكن له أن يشتمني وكذبني ولم يكن ينبغي له أن يكذبني

فأما شتمه إياي فقوله إني اتخذت ولدا وأنا الأحد الصمد وأما تكذيبه إياي فإنه زعم أن لن يبعث يعني بعد الموت 74 - وقوله جل وعز والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا لأية 58 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يقعون في المؤمنين والمؤمنات بغير ما عملوا 75 - وقوله جل وعز يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن آية 59 قال أبو مالك والحسن كان النساء يخرجن بالليل في حاجاتهن فيؤذيهن وإن المنافقون ويتوهمون إنهن إماء فأنزل الله جل وعز

يا أيها النبي قل لأزواجك إلى آخر الآية قال الحسن ذلك أدني أن يعرف أنهن حرائر فلا يؤذين قال الحسن تغطي نصف وجهها وكان عمر إذا رأى أمة قد تقنعت علاها بالدرة قال محمد بن سيرين سألت عبيدة عن قوله تعالى يدنين عليهن من جلابيبهن فقال تغطي حاجبها بالرداء ثم ترده على أنفها حتى تغطي رأسها ووجهها وإحدى عينيها

قال مجاهد يتجلببن حتى يعرفن فلا يؤذين بالقول 76 - وقوله جل وعز لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم آية 60 قال قتادة كان ناس من المنافقين أرادوا أن يظهروا نفاقهم فأنزل الله جل وعز لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم أي لنحرشنك عليهم وقال مالك بن دينار سألت عكرمة عن قوله والذين في قلوبهم مرض فقال الزنى وكذلك شهر بن حوشب

وقال طاووس نزلت هذه الآية في أمر النساء وقال سلمة بن كهيل نزلت في أصحاب الفواحش 77 - ثم قال جل وعز ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا آية 60 يجوز أن يكون المعنى إلا وهم قليل ويجوز أن يكون المعنى إلا وقتا قليلا 78 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها آية 69 حدثنا محمد بن إدريس قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة في هذه الآية لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى صلى الله عليه وسلم كان رجلا حييا ستيرا لا يكاد يرى من جلده شئ استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل وقالوا ما يستتر هذا التستر

إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا وإن موسى خلا يوما وحده فوضع ثوبه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ من غسله أقبل إلى ثوبه ليأخذه وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر وجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا كأحسن الرجال خلقا فبرأوه كما مما قالوا له وإن الحجر قام فأخذ ثوبه فلبسه قال فطفق بالحجر ضربا قال فوالله إن في الحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا وروى سفيان بن حسين عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن علي عليه السلام في قوله جل وعز لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا قال صعد موسى وهارون صلى الله عليهما وسلم إلى الجبل فمات هارون عليه السلام فقالت بنو إسرائيل لموسى أنت قتلته كان ألين لنا منك وأشد حبا فأوذي في ذلك فأمر الله جل وعز الملائكة فحملته

فمروا به على مجالس بني إسرائيل فتكلمت الملائكة بموته حتى علمت بنو إسرائيل أنه مات فدفنوه فلم يعلم موضع قبره إلا الرخم فإن الله قد جعله أصم أبكم قال أبو جعفر والمعنى لا تؤذوا محمدا صلى الله عليه وسلم كما آذى قوم موسى موسى فبرأه الله مما قالوا مما رموه به من الأمرين جميعا وكان عند الله وجيها أي كلمه تكليما 79 - وقوله جل وعز يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا آية 70 قال مجاهد وقولوا قولا سديدا أي سدادا وقال الحسن أي صدقا 80 - وقوله جل وعز إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض

والجبال فأبين أن يحملنها آية 71 في هذه الآية أقوال منها أن المعنى على أهل السموات ويكون معنى عرضنا أظهرنا كما تقول عرضت المتاع ويكون فأبين على لفظ الأول لأنهم لم يحملوها كلهم ويكون المعنى فأبوا أن يقبلوها وحملها الإنسان أي تكلفها وكلهم قد كلفها وقيل لما حضرت آدم صلى الله عليه وسلم الوفاة أمر أن يعرض الأمانة على الخلق فعرضها فلم يقبلها إلا بنوه وقول ثالث هو الذي عليه أهل التفسير

حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال قال الأمانة الفرائض عرضها الله على السموات والأرض والجبال إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية ولكن تعظيما لدين الله جل وعز ألا يقوموا به ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها وهو قوله تعالى وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا غرا بأمر الله جل وعز وقال مجاهد عرض الله الثواب والعقاب على السموات والأرض والجبال فأبين ذلك وأشفقن منه وقيل لأدم فقبله فما أقام في الجنة إلا ساعتين وقال سعيد بن جبير عرضت الفرائض على السموات والأرض والجبال فأشفقن منها وامتنعن وقبلها آدم صلى الله عليه وسلم

وقال عبد الله بن عمر عرض على آدم الثواب والعقاب وقال الضحاك الأمانة الطاعة عرضت على السموات والأرض والجبال إن خالفنها هو عذبن وسلم فأبين وحملها الإنسان وقال قتادة عرضت الفرائض على الخلق فأبين إلا آدم صلى الله عليه وسلم

قال أبو جعفر وهذ الأقوال وهي أقوال الأئمة من أهل التفسير تتأول على معنيين أحدهما أن الله جل وعز جعل في هذه الأشياء ما تميز به ثم عرض عليها الفرائض والطاعة والمعصية والمعنى الآخر أن الله جل وعز ائتمن ابن آدم على الطاعة وائتمن هذه الأشياء على الطاعة والخضوع فخبرنا أن هذه الأشياء لم تحتمل الأمانة أي لم تخنها يقال حمل الأمانة واحتملها أي خانها وحمل إثمها

وقيل المعنى وحملها الإنسان ولم يقم بها فحذف لعلم المخاطب بذلك فقال جل وعز قالتا أتينا طائعين وقال وإن منها لما يهبط من خشية الله وحملها الإنسان أي خانها وحمل إثمها قال الحسن وحملها الإنسان أي الكافر والمنافق قال أبو جعفر وقول الحسن يدل على التأويل الثاني ويدل عليه أيضا قوله ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما تمت بعونه تعالى سورة الأحزاب

تفسير سورة سبأ

تفسير سورة سبأ مكية آياتها عنه 54 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة سبأ وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة آية 1 وهو قوله جل وعز وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ثم قال تعالى وهو الحكيم الخبير آية 1 روى معمر عن قتادة قال حكيم في أمره خبير بخلقه 2 - ثم قال جل وعز يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها آية 2

أي ما يدخل فيها من قطر وغيره وما يخرج منها من نبات وغيره وما ينزل من السماء وما يعرج فيها من عرج يعرج إذا صعد 3 - وقوله جل وعز وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب آية 3 أي بلى وربي عالم الغيب لتأتينكم 4 - ثم قال جل وعز لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض آية 3 روى أبو يحيى عن مجاهد عن ابن عباس لا يعزب لا يغيب

وقرأ يحيى بن وثاب لا يعزب وهي لغة معروفة يقال عزب يعزب ويعزب إذا بعد وغاب 5 - وقوله جل وعز والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم آية 5 قال قتادة ظنوا أنهم يعجزون الله جل وعز ولن يعجزوه قال أبو جعفر يقال عاجزة وأعجزه إذا غالبه وسبقه ومن قرأ معجزين أراد مثبطين المؤمنين كذا قاله ابن الزبير 6 - وقال قتادة في قوله جل وعز وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق آية 7

أي إذا أكلتكم الأرض وصرتم عظاما ورفاتا إنكم لفي خلق جديد أي ستحيون وتبعثون 7 - ثم أعلمهم أن الذي خلق السموات والأرض يقدر على ذلك وعلى أن يعجل لهم العقوبة فقال أفلم يروا إلى ما بين أيديهم ومن خلفهم ومن السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء آية 9 أي قطعة إن في ذلك لآية لكل عبد منيب آية 9 قال قتادة أي تائب 8 - وقوله جل وعز ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه آية 10

يا جبال أوبي معه أي قلنا قال سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والضحاك وأبو ميسرة أوبي أي سبحي وقرأ الحسن وابن أبي إسحق أولي معه والمعروف في اللغة أنه يقال آب يئوب إذا رجع وعاد فيكون معنى أوبي أي عودي معه في التسبيح وأوبي في كلام العرب على معنيين أحدهما على التكثير من أوبي فيكون معنى أوبي على هذا رجعي معه في التسبيح

الثاني ويقال أوب إذا سار نهارا فيكون معنى أوبي على هذا سيري معه 9 - وقوله جل وعز وألنا له الحديد آية 10 قال قتادة ألان الله جل وعز له الحديد فكان يعمله بغير نار وقال الأعمش ألين له الحديد حتى صار مثل الخيوط 10 - ثم قال جل وعز أن اعمل سابغات وقدر في السرد آية 11 قال قتادة أي دروعا سابغات

قال أبو جعفر يقال سبغ الثوب والدرع وغيرهما إذا غطى كل ما هو عليه وفضل منه ثم قال وقدر في السرد آية 11 قال قتادة السرد المسمار الذي في حلق الدرع قال أبو جعفر وقال ابن زيد السرد الحلق والسرد في اللغة كل ما عمل متسقا متتابعا يقرب بعضه من بعض ومنه سرد الكلام قال سيبويه ومنه رجل سرندي أي جرئ قال لأنه يمضي قدما قال أبو جعفر ومنه قيل للذي يصنع الدروع زراد وسراد

فالمعنى وهو قول مجاهد وقدر المسامير في حلق الدرع حتى تكون بمقدار لا يغلظ المسمار وتضيق الحلقة فتفصم الحلقة ولا توسع الحلقة وتصغر المسمار وتدقه فتسلس الحلقة 11 - وقوله جل وعز وأسلنا له عين القطر آية 12 قال قتادة أسال الله جل وعز له عينا من نحاس أي حتى سالت وظهرت فكان يستعملها فيما يريد قال الأعمش سيلت له كما يسيل الماء وقيل لم يذب النحاس لأحد قبله 12 - وقوله جل وعز يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل آية 13 روى أبو هلال عن قتادة قال محاريب مساجد

وكذلك قال الضحاك قال مجاهد المحاريب دون القصور والمحاريب في اللغة كل موضع مشرف أو شريف ثم قال جل وعز وتماثيل قال الضحاك أي صورا قال مجاهد تماثيل أي من نحاس 13 - ثم قال جل وعز وجفان كالجواب وقدور راسيات قال مجاهد الجوابي حياض الإبل قال أبو جعفر الجابية في اللغة الحوض الذي يجبى فيه الشئ أي يجمع ومنه قول الأعشى

نفى الذم عن آل المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق ويروي كجابية الشيح قال مجاهد راسيات أي عظام وقال سعيد بن جبير راسيات تفرغ إفراغا ولا تحمل وقال قتادة راسيات أي ثابتات 14 - ثم قال جل وعز اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور

قال عطاء بن يسار صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما المنبر فتلا اعملوا آل داود شكرا فقال ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود والعدل في الغضب والرضى والقصد في الفقر والغنى وخشية الله جل وعز في السر والعلانية قال مجاهد لما قال الله جل وعز اعملوا آل داود شكرا قال داود لسليمان صلى الله عليهما إن الله جل وعز قد ذكر الشكر فاكفني صلاة النهار أكفك صلاة الليل قال لا أقدر قال فاكفني قال الفاريابي أراه قال إلى صلاة الظهر قال نعم فكفاه

وقال الزهري اعملوا آل داود شكرا أي قولوا الحمد لله وروي عن عبد الله بن عباس قال شكرا على ما أنعم به عليكم 15 - وقوله جل وعز فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته آية 14 قال عبد الله بن مسعود أقام حولا حتى أكلت الأرضة عصاه فسقط فعلم أنه قد مات وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس المنسأة العصا

قال أبو جعفر قيل للعصا منسأة لأنه يؤخر بها الشئ ويساق بها قال طرفة أمون كألواح الإران نسأتها على لاحب كأنه ظهر برجد 16 - وقوله جل وعز فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين آية 14 قال قتادة كانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون الغيب فلما مات سليمان صلى الله عليه وسلم ولم تعلم به الجن تبينت الجن للإنس أنهم لا يعلمون الغيب وهذا أحسن ما قيل في الآية

والمعنى تبين أمر الجن ويدل على صحته الحديث المرفوع روى إبراهيم بن طهمان عن عطاء عن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان سليمان نبي الله إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيسألها ما اسمك فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت فبينما هو يصلي ذات يوم إذا شجرة نابتة بين يديه فقال ما اسمك فقالت الخرنوب قال لأي شئ أنت قالت لخراب أهل هذا البيت قال اللهم عم على الجن موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب فنحتها عصا فتوكأ عليها حولا لا يعلمون فسقطت فعلمت الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب فنظروا مقدار ذلك فوجدوه سنة فشكرت الجن للأرضة

قال قتادة وفي مصحف عبد الله بن مسعود تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ومن قرأ تبينت الجن أراد تبينت الإنس الجن 17 - وقوله جل وعز لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال آية 15 يروى أن سبأ اسم رجل فيكون على هذا اسما للقبيلة فيمن لم يصرف وقيل هو اسم موضع

ثم قال تعالى جنتان عن يمين وشمال أي جنة عن اليمين وجنة عن اليسار 18 - وقوله جل وعز بلدة طيبة ورب غفور والمعنى هذه بلدة طيبة والله رب غفور 19 - ثم قال جل وعز فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم أي فأعرضوا عن أمر الله جل وعز وشكره فأرسلنا عليهم سيل العرم قال عطاء العرم اسم الوادي وقيل هو الجرذ الذي أرسل عليهم

روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس العرم الشديد وقيل هو المطر العرم أي الشديد وقال قتادة أرسل الله عليهم جرذا فهدم عرمهم يريد بالعرم السكر قال فغرق جناتهم وخرب أرضهم عقوبة لهم وهذا أعرف ما قيل في معنى العرم يقال للسكر عرمة وجمعه عرم سمي بذلك لشدته ومنه قيل فلان عارم قال الشاعر إذ يبنون من دون سيله العرما

20 - وقوله جل وعز وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط آية 16 الأكل الثمر قال أبو مالك ومجاهد وقتادة والضحاك الخمط الأراك وكذا قال الخليل قال أبو عبيدة الخمط كل شجرة فيها مرارة ذات شوك وقال القتبي في أدب الكاتب يقال للحامضة خمطة ويقال الخمطة التي أخذت شيئا من الريح وأنشد

عقار كماء النئ ليست بخمطة ولا خلة يكوي الشروب شهابها 21 - وقوله جل وعز ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور آية 17 قال طاووس هو المناقشة في الحساب من نوقش عذب قال أبو جعفر ويبين لك صحة هذا ما رواه أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حوسب عذب قالت قلت فإن الله يقول فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا فقال إنما ذاك العرض ولكن من نوقش الحساب عذب

قال أبو جعفر المعنى أن المؤمن يكفر عنه سيئاته والكافر يحبط عمله ويجازى كما قال جل وعز أضل أعمالهم 22 - وقوله جل وعز وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة آية 18 قال الحسن بين اليمن والشام قال القرى التي باركنا فيها الشام قال قتادة قرى ظاهرة على الطريق متصلة وقال مجاهد يردون كل يوم على ماء 23 - ثم قال جل وعز وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين آية 18 قال قتادة يغدون ويقيلون في قرية ويروحون ويبيتون في

قرية يسيرون غير خائفين ولا جياع ولا ظماء وإن كانت المرأة لتمر وعلى رأسها مكتلها فلا ترجع إلا وهو ملآن ثمرا من غير اجتناء قال فبطروا النعمة فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا 24 - قال الله جل وعز وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث آية 19 وقرأ عبد الله بن عباس وابن الحنفية ربنا باعد بين أسفارنا قال ابن عباس شكوا ربهم جل وعز

وقرأ يحيى بن يعمر وعيسى ربنا بعد بين أسفارنا وقرأ سعيد بن أبي الحسن أخو الحسين ربنا بعد بين أسفارنا والقراءة الأولى أبين وأهل التفسير يقولون بطروا النعمة وأخبر الله جل وعز أنه عاقبهم على ذلك إلا أنه يجوز أن يكونوا قالوا هذا بعدما باعد الله جل وعز بين أسفارهم أو يكونوا لبطرهم إلا استبعدوا القريب وكانت العرب تضرب بهم المثل فتقول تفرقوا أيدي سبأ وأيادي سبأ أي مذاهب سبأ وطرقها

25 - وقوله جل وعز ولقد صدق عليهم إبليس ظنه آية 20 وهي قراءة الهجهاج ويجوز ولقد صدق عليهم إبليس ظنه في ظنه روى عن ابن عباس أنه قال قال إبليس خلقت من نار وخلق آدم صلى الله عليه من طين ضعيفا لأحتنكن ذريته إلا قليلا ويروى أنه قال قد أعويت فيه آدم على موضعه وعلمه فأنا على ولده أقدر فصدق ظنه ويبين هذا قوله تعالى ثم لآتينهم من بين آيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين وقوله جل وعز لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم

المخلصين فإنما قال هذا ظنا فصدق ظنه ومن قرأ صدق صير الظن مفعولا ومن رفع الظن ونصب إبليس أراد ولقد صدق ظن إبليس حين اتبعوه 26 - وقوله جل وعز وما كان له عليهم من سلطان آية 21 أي من حجة إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة أي ما امتحناهم به إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة علم شهادة فأما علم الغيب فالله جل وعز عالم به قبل أن يكون

27 - وقوله جل وعز وما له منهم من ظهير آية 22 قال أبو عبيدة من ظهير أي من معين 28 - وقوله جل وعز ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له آية 23 يجوز أن يكون المعنى إلا لمن أذن له أن يشفع وأن يكون للمشفوع والأول أبين لقوله تعالى حتى إذا فزع عن قلوبهم وقرأ ابن عباس حتى إذا فزع عن قلوبهم أي فزع

الله عز وجل عن قلوبهم يقال فزعته أزلت عنه الفزع والمعروف من قراءة الحسن حتى إذا فرغ عن قلوبهم أي فرغ منها الفزع قال عكرمة سمعت أبا هريرة يقول إن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لله جل وعز فيسمع كالسلسلة على الصفوان فيقولون ماذا قال ربكم فيقال للذي قال الحق وهو العلي الكبير وذكر وذكر الحديث وقال عبد الله بن مسعود تسمع الملائكة في السماء للوحي

صوتا كصوت الفولاذ على الصفا فيخرون على جباههم فإذا جلي عنهم قالوا للرسل ماذا قال ربكم فيقولون الحق الحق وقال قتادة لما كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم فنزل الوحي خرت الملائكة سجدا حتى إذا فزع عن قلوبهم أي جلي قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق 29 - وقوله جل وعز وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين آية 24 المعنى وإنا لعلى هدى أو في ضلال مبين أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ثم حذف وهذا على حسن المخاطبة والتقرير أي قد ظهرت البراهين وتبين الحق كما يقال قد علمت أينا الكاذب

قال قتادة ثم يفتح بيننا أي يقضي بيننا 30 - وقوله جل وعز وما أرسلناك إلا كافة للناس آية 28 قال مجاهد أي إلى الناس جميعا وقال النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى كل أحمر وأسود 31 - وقوله جل وعز وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه آية 31 قال أبو إسحق يعني الكتب المتقدمة وهم كفار العرب

32 - وقوله جل وعز بل مكر الليل والنهار آية 33 روى معمر عن قتادة أي بل مكركم بالليل والنهار وقرأ سعيد بن جبير بل مكر الليل والنهار من الكرور وقرأ راشد وهو الذي كان ينظر في المصاحف وقت الحجاج بل مكر الليل والنهار والمعنى وقت مكر الليل والنهار وقوله 33 - جل وعز إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون آية 34 أي رؤساها صلى ومتكبروها وقال وقادتها

34 - وقوله جل وعز وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى المعنى وما أموالكم بالتي تقربكم ولا أولادكم بالذين يقربونكم ثم حذف 35 - وقوله جل وعز فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا أي جزاء الضعف الذي أعلمناكموه أنه وهو قوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها 36 - وقوله جل وعز وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه

روى المنهال عن سعيد بن جبير قال في غير سرف ولا تقتير أي فالله جل وعز يخلفه بالثواب 37 - وقوله جل وعز وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير آية 44 أي لم يكونوا أهل كتاب ولم يبعث إليهم نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم 38 - ثم قال جل وعز وكذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم آية 45

قال قتادة أي كذب الذين قبل هؤلاء وما بلغ هؤلاء معشار ما أوتي أولئك كانوا أجلد وأقوى وقد أهلكوا قال أبو جعفر معشار بمعنى عشر ونظير هذه الآية قوله تعالى ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه 39 - وقوله جل وعز قل إنما إعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى آية 46 قال قتادة أي واحدة أعظكم بها أن تقوموا لله وهذا وعظهم والمعنى على قول قتادة إنما أعظكم بخصلة واحدة ثم بينها فقال أن تقوموا لله مثنى وفرادى

وقال مجاهد بواحدة بطاعة الله جل وعز وقيل بتوحيده والمعنى على هذا لأن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة أي يقوم أحدكم وحده ويشاور غيره فيقول هل علمت أن هذا الرجل كذب قط أو سحر أو كهن أو شعر ثم تتفكروا بعد ذلك فإنه يعلم أن ما جاء به من عند الله جل وعز ويقال إن من تحير في أمر ثم شاور فيه ثم فكر بعد ذلك تبين له الحق واعتبر 40 - وقوله جل وعز قل ما سألتكم من أجر فهو لكم

أي ما سألتكم من أجر على تأدية الرسالة ودعائكم إلى القبول فهو لكم 41 - وقوله جل وعز قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب يقذف بالحق أي يأتي به قال قتادة بالحق أي بالقرآن 42 - وقوله جل وعز قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد آية 49 أي وأي شئ يبدئ الباطل ويجوز أن تكون ما نافية

قال قتادة الباطل الشيطان ما يخلق أحدا ولا يبعثه 43 - وقوله جل وعز ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت آية 51 قال الضحاك هذا في الدنيا قال سعيد بن جبير يخسف بهم بالبيداء فلا يسلم منهم إلا رجل واحد يخبر الناس بخبر أصحابه قال قتادة هذا في الدنيا إذا رأوا بأس الله جل وعز وقال الحسن هذا إذا خرجوا من قبورهم

قال أبو جعفر هذه الآية مشكلة والمعنى على القول الأول إذا فزعوا في الدنيا حين نزل بهم الموت أو غيره من بأس الله كما قال جل وعز فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا والمعنى على قول الحسن إذا فزعوا حين خروجهم من قبورهم فلا فوت يصلون إليه ولا ملجأ ولا مهرب كما قال قتادة ولات حين مناص 44 - وقوله جل وعز وأخذوا من مكان قريب أي قريب على الله جل وعز أي لأنهم حيث كانوا فهم من الله قريب لا يبعدون عنه وقيل ولو ترى الكفار إذ فزعوا يوم القيامة من مكان قريب

أي من جهنم فأخذوا فقذفوا فيها 45 - وقوله جل وعز وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد آية 52 قال مجاهد وقالوا آمنا به أي بالله جل وعز وقال قتادة أي بمحمد صلى الله عليه وسلم وأني لهم التناوش من مكان بعيد آية 52 قال الحسن وأبو مالك أي التوبة

قال مجاهد التناوش التناول قال قتادة التناوش تناول التوبة قال أبو جعفر هذا أبينها يقال ناش ينوش إذا تناول وأنشد النحويون فهي تنوش الحوض نوشا من علا ويقال تناوش القوم إذا تناول بعضهم بعضا ولم يقربوا كل القرب والمعنى ومن أين لهم تناول التوبة من مكان بعيد أي يبعد منه تقبل التوبة

وقرأ الكوفيون التناؤش بالهمز وأنكره بعض أهل اللغة قال لأن النأش وهو البعد فكيف يكون وأنى لهم البعد من مكان بعيد قال أبو جعفر وهو يجوز أن تهمز الواو لانضمامها ويكون بمعنى الأول وروى أبو إسحق عن التميمي عن ابن عباس وأنى لهم التناوش قال الرد سألوه وليس بحين رد قال مجاهد من مكان بعيد ما بين الآخرة والدنيا

قال أبو جعفر هذا يرجع إلى الأول 46 - ثم قال جل وعز وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد آية 53 أي قد كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا حين لا ينفعهم إيمانهم ويقذفون بالغيب قال قتادة أي بالظن قال يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار قال مجاهد ويقذفون بالغيب من مكان بعيد قولهم هو ساحر وهو كاهن وهو شاعر 47 - ثم قال جل وعز صلى الله عليه وسلم وحيل بينهم وبين ما يشتهون آية 54

قال الحسن وحيل بينهم وبين الإيمان لما رأوا العذاب يعني قبول الإيمان قال مجاهد حيل بينهم وبين زهرة الدنيا ولذتها وأموالهم وأولادهم كما فعل بأشياعهم من قبل قال مجاهد أي بالكفار قبلهم إنهم كانوا في شك مريب فأخبر جل وعز أنه يعذب على الشك انتهت سورة سبأ

تفسير سورة فاطر

تفسير سورة فاطر مكية وآياتها 45 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة فاطر وهي مكية 435 - من ذلك قوله جل وعز الحمد لله فاطر السموات والأرض آية 1 قال ابن عباس ما كنت أدري ما فاطر حتى اختصم إلي أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها ثم قال جل وعز جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع آية 1 الرسل منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت صلى الله عليهم وقوله تعالى أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع أي أصحاب أجنحة اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة في كل جانب

3 - ثم قال جل وعز يزيد في الخلق ما يشاء آية 1 أي يزيد في خلق الملائكة ما يشاء وقال الزهري يزيد في الخلق ما يشاء حسن الصوت والأول أولى 4 - وقوله جل وعز ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها آية 2

أي ما يأتي به الله جل وعز من الغيث والرزق فلا يقدر أحد على رده وقال قتادة من رحمة من خير فلا يقدر أحد على حبسه 5 - وقوله تعالى لا إله إلا هو فأنى تؤفكون آية 3 أي فمن أين تصرفون عن التوحيد والإيمان بالبعث بعد البراهين والآيات 6 - وقوله جل وعز فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور آية 5 روى معمر عن قتادة قال الغرور الشيطان

وروى شعبة عن سماك بن حرب الغرور بضم الغين فقيل إن هذا لا يجوز لأنه إنما يقال غره غرا ولا يكاد يأتي على فعول فيما يعتدى إلا شاذا قال أبو جعفر يجوز أن يكون غرور جمع غار أو جمع غر أو يشبه بقولهم نهكه المرض نهوكا ولزمه لزوما 7 - وقوله جل وعز أفمن رين له سوء عمله فرآه حسنا آية 8 الجواب محذوف لعلم السامع فيجوز أن يكون المعنى أفمن زين له سوء علمه كمن هداه الله جل وعز ويكون يدل على هذا المحذوف فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء

ويجوز أن يكون المعنى أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليه ويكون يدل عليه فلا تذهب نفسك عليهم حسرات 8 - وقوله جل وعز من كان يريد العزة فلله العزة جميعا آية 10 روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال من كان يريد العزة بعبادة الأوثان قال الفراء من كان يريد علم العزة ثم قال فلله العزة جميعا أي فالله عز وجل يعز من يشاء بطاعته

وقال قتادة فليتعزز بطاعة الله جل وعز قال أبو جعفر وأولاها الأول لأن الآيات التي قبلها وبخ فيها المشركون بعبادة الأوثان فكان أولى بهذه أن تكون من جنس الحث على فراق ذلك أيضا 9 - ثم قال جل وعز إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه آية 10 في معناه ثلاثة أقوال أ - من ذلك ما حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه قال الكلام الطيب ذكر الله جل وعز والعمل الصالح أداء فرائضه

فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله فصعد إلى الله سبحانه ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به قال أبو جعفر وكذلك قال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وأبو العالية والضحاك قالوا العمل الصالح يرفع الكلام الطيب قال الحسن فإذا كان كلام طيب وعمل سئ رد القول على العمل فكان عملك أولى بك من قولك

ب وقال شهر بن حوشب إليه يصعد الكلم الطيب القرآن والعمل الصالح يرفعه القرآن وروى معمر عن قتادة قال والعمل الصالح يرفعه الله عز وجل قال أبو جعفر قول قتادة ليس ببعيد في المعنى لأن الله عز وجل يرفع الأعمال وقول شهر بن حوشب معناه أن العمل الصالح لا ينفعك إلا مع التوحيد فكأن التوحيد يرفعه إلا أن القول الأول أولاها وأصحها لعلو من قال به وأنه في العربية أولى لأن القراء على رفع العمل ولو كان المعنى والعمل الصالح يرفعه الله أو والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب لكان الاختيار نصب العمل ولا نعلم أحدا قرأه منصوبا إلا شيئا روي عن عيسى بن عمر أنه قال قرأه أناس والعمل الصالح يرفعه

10 - وقوله جل وعز والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور آية 10 روى معمر عن قتادة يبور قال يفسد قال أبو جعفر وقد بين الله جل وعز هذا المكر في قوله وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك وروى قيس عن منصور عن مجاهد ومكر أولئك هو يبور قال الرياء 11 - وقوله جل وعز وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب آية 11 في معنى هذه الآية أقوال أ - فمن أحسنها وأشبهها بظاهر التنزيل قول الضحاك

قال من قضيت له أن يعمر حتى يدركه الهرم أو يعمر دون ذلك فكل ذلك بقضاء وكل في كتاب قال أبو جعفر والمعنى على هذا وما يعمر من معمر أي هرم وفلان معمر أي كبير ولا ينقص آخر من عمره من عمر الهرم إلا بقضاء من الله عز وجل ب - وروى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله جل وعز وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب قال يكتب عمره كذا وكذا سنة وكذا وكذا شهر وكذا وكذا يوما ثم يكتب نقص من عمره يوم ونقص من عمره شهر ونقص من عمره سنة في كتاب آخر إلى أن يستوفي أجله فيموت

ج - قال سعيد بن جبير فيما مضى من عمره فهو النقصان وما يستقبل فهو الذي يعمر د - وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن كعب الأحبار أنه قال لما طعن عمر بن الخطاب لو دعا الله لزاد في أجله فأنكر ذلك عليه المسلمون وقالوا إن الله عز وجل يقول فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فقال وإن الله تعالى يقول وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب

هـ - قال الزهري نرى أنه يؤخر ما لم يحضر الأجل فإذا حضر الإجل لم يزد في العمر ولم يقع تأخير قال أبو جعفر وقيل في معنى الآية إنه يكون أن يحكم أن عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع وتسعون إن عصى فأيهما بلغ فهو في كتاب إن ذلك على الله يسير أي إحصاء طويل الأعمار وقصيرها لا يتعذر عليه 12 - وقوله جل وعز وما يستوي البحران هذا عذب فرات آية 12 قال أبو عبيدة الفرات أعذب العذوبة والأجاج أملح الملوحة 13 - ثم قال جل وعز ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها آية 12 الحلية اللؤلؤ والمرجان كما قال تعالى يخرج منهما

اللؤلؤ والمرجان وإنما يخرج من الملح قال أبو جعفر وهذا كثير في كلام العرب لأن البحرين مختلطان فجاز أن يقال يخرج منهما وإنما يخرج من أحدهما على قول بعض أهل اللغة 14 - ثم قال جل وعز وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله آية 12 قال قتادة أي تجري الفلك مقبلة ومدبرة قال أبو جعفر مخرت السفينة تمخر وتمخر مخرا ومخورا إذا خرقت الماء 15 - وقوله جل وعز والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير آية 13

روى خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال القطمير القشرة التي على النواة أي بينها وبين التمرة والفتيل الذي في شق النواة قال والنقير الحبة التي في وسط النواة 16 - وقوله جل وعز ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينتئك مثل خبير آية 14 أي يتبرءون منهم ومن عبادتهم إياهم ويوبخونهم على ذلك ثم قال تعالى ولا ينبئك مثل خبير وهو الله جل وعز خبير بما يكون لا يعلمه غيره

17 - وقوله جل وعز ولا تزر وازرة وزر أخرى آية 18 روى سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال لا يؤاخذ أحد بذنب أحد 18 - ثم قال جل وعز وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ آية 18 قال مجاهد إلى حملها أي إلى الذنوب فقال قال أبو جعفر المعنى وإن تدع نفس قد أثقلته الذنوب إلى حملها وهو ذنوبها لا يحمل من حملها وهو ذنوبها شئ

ولو كان ذا قربى أي ولو كان الذي تدعوه إلى ذلك أبا أو إبنا أو ما أشبههما 19 - وقوله جل وعز وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور آية 20 قال قتادة أي كما لا يستوي الأعمى والبصير لا يستوي المؤمن والكافر وقال غيره المعنى وما يستوي الأعمى عن الحق وهو الكافر ولا البصير بالهدى وهو المؤمن ولا الظلمات وهي الضلالات ولا النور وهو الهدى ثم قال تعالى ولا الظل ولا الحرور

قال أبو عبيدة الحرور في هذا الموضع إنما يكون بالنهار مع الشمس وقيل يعني الجنة والنار وقيل لا يستوي من كان في ظل من الحق ومن كان في الحرور وقال الفراء الحرور الحر الدائم ليلا أو نهارا والسموم بالنهار خاصة وقال رؤبة بن العجاج الحرور بالليل خاصة والسموم بالنهار

قال أبو جعفر وقول أبي عبيدة أشبه لأن الظل إنما يستعمل في اليوم الشمس 20 - ثم قال جل وعز وما يستوي الأحياء ولا الأموات آية 22 أي العقلاء والجهال والمراد بالأحياء الأحياء القلوب بالإيمان والمعرفة والأموات الأموات القلوب بغلبة الكفر عليها حتى صارت لا تعرف الهدى من الضلال 21 - وقوله جل وعز وإن من أمة إلا خلا فيها نذير آية 24 أي سلف فيها نبي

22 - وقوله جل وعز ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانه وغرابيب سود آية 27 قال الضحاك أي ألوان مختلفة أي أبيض وأحمر وأسود قال والجدد الطرائق قال أبو جعفر قال أبو عبيدة الغريب الشديد السواد 23 - ثم قال جل وعز ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك آية 28 قال الضحاك إي من الناس الأبيض والأحمر والأسود

24 - ثم قال جل وعز إنما يخشى الله من عباده العلماء آية 28 أي العلماء بقدرته على ما يشاء فمن علم ذلك أيقن بمعاقبته على المعصية فخافه كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إنما يخشى الله من عباده العلماء قال الذين يعلمون أن الله على كل شئ قدير وفي الحديث كفى بخشية الله علما وبالغرة به جهلا

25 - وقوله جل وعز ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله آية 32 قيل إن الناجي هو المقتصد والسابق وأن قوله تعالى جنات عدن يدخلونها للمقتصد والسابق هذا مذهب ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس فمنهم ظالم لنفسه قال كافر

وعن ابن عباس قال الكتاب كل كتاب أنزل وعنه كلهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم من رواية ابن أبي طلحة عنه وهذا أولى ما قيل فيها وروى الثوري عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس في قوله عز وجل ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا إلى آخر الآية قال هذا مثل قوله جل وعز فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون قال فنجت فرقتان قال مجاهد فمنهم ظالم لنفسه أصحاب المشأمة

ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله السابقون من الناس كلهم وقال عكرمة فمنهم ظالم لنفسه كما قال فذوقوا فما للظالمين من نصير وقال الحسن وقتادة فمنهم ظالم لنفسه المنافق قال قتادة الكتاب شهادة أن لا إله إلا الله وقيل إن الفرق الثلاث ناجية قال ذلك عمر وأبو الدرداء وإبراهيم النخعي وكعب الأحبار

وقال عثمان هم أهل باديتنا يعني الظالم لنفسه قال عمر سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له وقال أبو الدرداء السابق يدخل الجنة بغير حساب والمقتصد يحاسب حسابا يسيرا والظالم لنفسه يؤخذ منه ثم ينجو فذلك قوله جل وعز وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وقال كعب هذه الأمة على ثلاث فرق كلها في الجنة ثم تلا ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه إلى قوله جنات عدن يدخلونها فقال دخلوها ورب الكعبة وبعد هذا للكفار

26 - وهو قوله جل وعز والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا آية 36 قال محمد بن يزيد الرجال أربعة جواد وبخيل ومسرف ومقتصد فالجواد الذي وجه نصيب آخرته ونصيب دنياه جميعا إلى آخرته والبخيل الذي لا يعطي واحدة منهما حقا والمسرف الذي يجمعهما للدنيا والمقتصد الذي يلحق بكل واحدة نصيبها أي عمله قصد ليس بمجتهد

قال أبو إسحق معنى أذهب عنا الحزن أي الهم بالمعيشة والخوف من العذاب وتوقع الموت وكل ما قاله قد جاء في التفسير فهو عام لجميع الحزن والمقامة والمقام واحد والنصب التعب واللغوب الإعياء واللغوب بفتح اللام ما يلغب منه وقرأ الحسن لا يقضى عليهم فيموتون والمعنى على قراءته لا يقضى عليهم الموت ولا يموتون 460 - وقوله جل وعز أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر

قال أبو هريرة وابن عباس ستين سنة وعنه أيضا أربعين وهذا أشبه لأن في الأربعين تناهي العقل وما قبل ذلك وما بعده منتقص عنه والله جل وعز أعلم وقال الحسن أيضا أربعين ويقال إن ابن سبع عشرة داخل فيها ثم قال تعالى وجاءكم النذير آية 37 قال ابن زيد النبي صلى الله عليه وسلم

وقيل يعني الشيب والأول أكثر والمعنى على الثاني حتى شبتم وهو قول ابن عباس 28 - وقوله جل وعز هو الذي جعلكم خلائف في الأرض آية 39 أي تخلفون من كان قبلكم وتعتبرون بما نزل بهم 29 - ثم قال جل وعز فمن كفر فعليه كفره آية 39 أي جزاء كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا آية 39 المقت أسد الإبغاض

30 - وقوله جل وعز قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله آية 40 المعنى عند سيبويه أخبروني عن الذين تدعون من دون الله على التوقيف 31 - ثم قال جل وعز أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات آية 40 أي أعبدتموهم لأنهم خلقوا من الأرض شيئا أم لهم شركة في خلق السموات أم آتيناهم كتابا بالشركة فهم على بينة منه أي على بينات منه 32 - وقوله جل وعز إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا آية 41

المعنى عند البصريين كراهة أن تزولا كما قال سبحانه واسأل القرية 33 - ثم قال جل وعز ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده آية 41 يجوز أن يكون المعنى لزوالهما يوم القيامة ويجوز أن يقال هذا وإن لم تزولا وإن بمعنى ما وهو يشبه قوله تعالى ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا قال أبو جعفر وفي الآية سؤال يقال هذا موضع قدرة

فكيف قال إنه كان حليما غفورا فالجواب أنهم لما قالوا اتخذ الرحمن ولدا كادت الجبال تزول وكادت السموات ينفطرن وكادت الأرض تخر لعظم ما قالوا فأسكنها الله جل وعز وأخر عقابهم وحلم عنهم فذلك قوله سبحانه إنه كان حليما غفورا آية 41 34 - وقوله جل وعز لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم آية 42 معنى أهدى من إحدى الإمم من اليهود والنصارى 35 - وقوله جل وعز استكبارا في الأرض ومكر السئ ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله آية 43 ومكر السئ قيل أي ومكر الكفر

ثم قال تعالى ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله أي ولا ينزل مكروه المكر السئ إلا بأهله أي بالذين يمكرونه 36 - ثم قال جل وعز فهل ينظرون إلا سنة الأولين آية 43 أي فهل ينتظرون إلا سنة الأولين في العذاب حين كفروا 37 - وقوله جل وعز ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة آية 45 قال أبو عبيدة يعني الناس خاصة وعن عبد الله بن مسعود ما يدل على أنه يعني الناس وغيرهم

قال كاد الجعل يعذب بذنب بني آدم ثم تلا ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة الآية قال قتادة قد فعل ذلك في أيام نوح صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى على ظهرها آية 45 قيل قد عرف أن المعنى على ظهر الأرض قال أبو جعفر والأجود أن يكون الإضمار يعود على ما جرى

ذكره في قوله سبحانه أولم يسيروا في الأرض 38 - وقوله جل وعز فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا آية 45 فإذا جاء أجلهم أي أجل عقابهم فإن الله كان بعباده بصيرا أي بصيرا بما يستحق كل فريق منهم إنتهت سورة فاطر

تفسير سورة يس

تفسير سورة يس مكية وآياتها 83 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة يس وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز يسن والقرآن الحكيم آية 2 وقرأ عيسى ياسين بفتح النون روى سفيان عن أبي بكر الهذلي عن الحسين يس قال افتتاح القرآن وروى هشيم عن حصين عن الحسن قال يس قال يا إنسان وكذلك قال الضحاك

وقال عكرمة هو قسم وقال مجاهد من فواتح كلام الله جل وعز وقال قتادة هو اسم للسورة وقراة عيسى تحتمل أن تكون اسما للسورة ونصب بإضمار فعل ويجوز أن يكون الفتح لالتقاء الساكنين قال سيبويه وقد قرأ بعضهم يسن والقرآن وق والقرآن يعني بنصبهما جميعا قال فمن قال هذا فكأنه جعله اسما أعجميا ثم قال اذكر ياسين

قال أبو جعفر هذا يدل على أن مذهب سيبويه في يس أنه اسم السورة كما قال قتادة قال سيبويه ويجوز أن يكون يس وص اسمين غير متمكنين فيلزما ثنا الفتح كما ألزمت الأسماء غير المتمكنة الحركات نحو كيف وأين وحيث وأمس 2 - وقوله جل وعز إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم آية 3 و 4 خبر بعد خبر ويجوز أن يكون على صراط مستقيم من صلة

المرسلين أي لمن المرسلين على استقامة من الحق 3 - وقوله جل وعز تنزيل العزيز الرحيم آية 5 أي الذي أوحي إليك تنزيل العزيز الرحيم والنصب لأنه مصدر 4 - ثم قال جل وعز لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون آية 6 قال قتادة قال قوم لتنذر قوما ما أتى آباءهم قبلك من نذير وقال قوم لتنذر قوما مثل ما أنذر آباؤهم قال أبو جعفر المعنى على القول الثاني لتنذر قوما بما أنذر

آباؤهم كما قال سبحانه فقل أنذرتكم صاعقة 5 - ثم قال جل وعز لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون آية 7 أي وجب القول عليهم بكفرهم بأن لهم النار وقيل عقوبة على كفرهم 6 - ثم قال جل وعز إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا آية 8 في معنى هذا أقوال قال الضحاك منعناهم من النفقة في سبيل الله كما قال تعالى ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك وقيل هذا في يوم القيامة إذا دخلوا النار

والماضي بمعنى المستقبل أو لأن الله جل وعز أخبر به أو على إضمار إذا كان وقيل جعلنا بمعنى وصفنا أنهم كذا وقد حكى سيبويه أن جعل تأتي في كلام العرب على هذا المعنى وهو أحد أقواله في قولهم جعلت متاعك بعضه فوق بعض وقوله جل وعز وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا

7 - ثم قال جل وعز فهي إلى الأذقان فهم مقمحون آية 8 والمعنى فأيديهم إلى الأذقان ولم يجر للأيدي ذكر لأن المعنى قد عرف كما قال فما أدري إذا يممت وجها أريد الخير أيهما يليني أألخير الذي أنا أبتغيه أم الشر الذي لا يأتليني وفي قراءة عبد الله بن مسعود إنا جعلنا في أيمانهم أغلالا ثم قال تعالى فهم مقمحون آية 8 قال مجاهد أي رافعوا رؤوسهم وأيديهم على أفواههم

وقال الفراء هو الرافع رأسه الغاض بصره وقال أبو عبيدة هو الذي يجذب وهو رافع رأسه قال أبو جعفر المعروف في اللغة أن المقمح الرافع رأسه لمكروه ومنه قيل لكانونين به شهرا قماح لأن الإبل إذا وردت فيهما الماء رفعت رؤوسها من البرد ومنه قوله ونحن على جوانبها قعود نغض الطرف كالإبل القماح 8 - ثم قال جل وعز وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا آية 9

قال أبو جعفر السد والسد الجبل والمعنى أعميناهم كما قال ومن الحوادث لا أبالك أنني ضربت على الأرض بالأسداد لا أهتدي فيها لموضع تلعة بين العذيب وبين أرض مراد قال عكرمة كل ما كان من صنعة الله عز وجل فهو سد وما كان من صنعة المخلوقين فهو سد وقال ابن أبي إسحق كل ما لا يرى فهو سد وما رئي فهو سد ويروى أنهم أرادوا النبي صلى الله عليه وسلم بسوء فأحال الله جل وعز

بينهم وبينه أي فصاروا كأن بينهم وبينه سدا وكأن في أعناقهم إغلالا كذا قال عكرمة ونزلت في أبي جهل 9 - ثم قال جل وعز فأغشيناهم فهم لا يبصرون آية 9 التغشية التغطية وروي عن ابن عباس وعمر بن عبد العزيز فأغشيناهم بالعين غير معجمة كما قال تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين 10 - وقوله جل وعز إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم آية 12

روى سماك عن عكرمة عن ابن عباس كانت الأنصار بعيدة من المسجد فقالوا نأخذ أمكنة تقرب من المسجد فأنزل الله جل وعز ونكتب ما قدموا وآثارهم فقالوا نثبت مكاننا وقال مسروق ما من رجل يخطو خطوة إلا كتب الله له حسنة أو سيئة وقال مجاهد وقتادة آثارهم خطاهم وقال سعيد بن جبير نكتب ما قدموا أعمالهم وآثارهم ما سنوا بعدهم

11 - وقوله جل وعز واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون آية 13 قال عكرمة هي أنطاكية قال أبو جعفر يقال عندي ضروب من هذا أي أمثال فالمعنى على هذا ومثل لهم مثلا أي اذكر لهم مثلا أصحاب القرية على البدل أي اذكر أصحاب القرية والمعنى واذكر خبر أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون 12 - وقوله جل وعز إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث آية

قال قتادة أرسل إليهم عيسى صلى الله عليه وسلم اثنين من الحواريين فكذبوهما وقال كعب ووهب أرسل الله جل وعز إلى أنطيخس الفرعون بأنطاكية وكان يعبد الأصنام اثنين ثم عزز بثالث قال الفراء الثالث أرسل قبل الإثنين وفي التلاوة كأنه أرسل بعدهما قال ومعنى فعززنا بثالث فعززنا بتعليم الثالث

قال وفي قراءة ابن مسعود فعززنا بالثالث وأهل وأهل التفسير على خلاف قوله وقوله ليس بالبين والله أعلم قال الحسن ومجاهد فعززنا فشددنا قال الفراء وقرأ عاصم فعززنا خفيفة قال وهو مثل شددنا وشددنا قال أبو جعفر والمعرو ف في اللغة أن معنى عززنا غلبنا وقهرنا والمستقبل يفعل بالضم 13 - وقوله جل وعز قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم

قال قتادة أي ما أصابنا من شر فهو بكم ثم قال تعالى لئن لم تنتهوا لنرجمنكم أي لنقتلنكم رجما 14 - وقوله جل وعز قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون آية 19 روي عن مجاهد عن ابن عباس قال طائركم معكم أي الأرزاق والأقدار تتبعكم قال أبو جعفر ومن هذا قوله جل وعز وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه أي ما يطير له من الخير والشر فهو لازم له في عنقه على التمثيل

ثم قال تعالى أئن ذكرتم قال قتادة أي أإن ذكرتم تطيرتم وقرأ أبو رزين أأن ذكرتم والمعنى على قراءته ألأن ذكرتم بالله أو بالعذاب تطيرتم وقرأ عيسى قالوا طائركم معكم أين ذكرتم وقرأ الحسن أين ذكرتم وفسره حيث ذكرتم طائركم معكم 15 - وقوله جل وعز وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى آية 20 قال مجاهد هو حبيب النجار

قال قتادة كان يعبد الله جل وعز في غار فلما سمع بخبر المرسلين جاء يسعى فقال للمرسلين أتطلبون على ما جئتم به أجرا قالوا لا ما أجرنا إلا على الله فقال يا قوم اتبعوا المرسلين إلى قوله إني آمنت بربكم فاسمعون يقول هذا للمرسلين وقال كعب ووهب قال هذا لقومه قال قتادة فرجمه قومه فقال اللهم اهد قومي أحسبه قال فإنهم لا يعلمون فلم يزالوا يرجمونه حتى أقعصوه فأدخله

الله جل وعز الجنة ولم ينظر الله قومه حتى أهلكهم قال كعب ووهب وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه فإذا هم خامدون 16 - وقوله جل وعز قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون آية 29 قال مجاهد في قوله تعالى قيل ادخل الجنة قال قيل له وجبت لك الجنة 17 - وقوله جل وعز إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون آية 29 وقرأ أبو جعفر إن كانت إلا صيحة واحدة والمعنى على قراءته إن وقعت عقوبتهم إلا صيحة واحدة

فإذا هم خامدون أي ساكنون بمنزلة الرماد الخامد 18 - وقوله جل وعز يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون آية 30 وفي حرف أبي يا حسرة العباد أي هذا موضع حضور الحسرة قال أبو جعفر وحقيقة الحسرة في اللغة أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيرا 19 - وقوله جل وعز ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون آية 31

قال سيبويه هو بدل من كم أي ألم يروا أن القرون التي أهلكناهم أنهم لا يرجعون قال محمد بن يزيد هذا لا يصح ولا يجوز ومعنى ألم يروا ألم يعلموا لأنهم إنما أخبروا بهذا وكم نصب ب أهلكنا والمعنى ألم يعلموا كم أهلكنا قبلهم من القرون أي بأنهم إليهم لا يرجعون أي بالاستئصال قال والدليل على هذا أنها في قراءة عبد الله بن مسعود من أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون وقرأ الحسن إنهم إليهم لا يرجعون 20 - وقوله جل وعز وإن كل لما جميع لدينا محضرون آية 31

إن بمعنى ما ولما بمعنى إلا وحكى النحويون بالله لما قمت بمعنى إلا وفي حرف أبي بن كعب وإن منهم إلا جميع لدينا محضرون 21 - ثم قال جل وعز وآية لهم الأرض الميتة أحييناها آية 33 أي وعلامة تدل على قدرة الله عز وجل وإحيائه الموتى الأرض الميتة أحييناها 22 - وقوله جل وعز ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم آية 35

روي عن ابن عباس أي ولم تعمله أيديهم وتقرأ وما عملت أيديهم بمعنى والذي عملت أيديهم 23 - وقوله جل وعز سبحان الذي خلق الأزواج كلها أي الأصناف من الثمرات والحيوان وغيرها 24 - وقوله جل وعز وآية لهم اليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون آية 37 يقال سلخت الشئ من الشئ أي أزلته منه وخلصته حتى لم يبق منه شئ فإذا هم مظلمون فإذا هم مظلمون أي داخلون في الإظلام

25 - ثم قال جل وعز والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم آية 38 قيل المعنى إلى موضع قرارها كما جاء في الحديث تذهب فتسجد بين يدي ربها جل وعز ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها آي وآية لهم الشمس تجري لمستقر لها ويجوز أن تكون مبتدأة ولمستقر لها الخبر أي لأجل لها وروي عن ابن عباس أنه قرأ لا مستقر لها أي جارية لا تثبت في موضع واحد وروى الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله جل وعز

والشمس تجري لمستقر لها قال مستقرها تحت العرش وقيل إلى أبعد منازلها في الغروب ثم ترجع ولا تجاوزه 26 - وقوله جل وعز والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم أي وآية لهم القمر ويجوز أن يكون مبتدأ والخبر قدرناه منازل والتقدير

قدرناه ذا منازل كما قال سبحانه وإذا كالوهم أي كالوا لهم 27 - ثم قال جل وعز حتى عاد كالعرجون القديم آية 39 قال قتادة أي كالعذق هذا اليابس المنحني من النخلة قال أبو جعفر الذي قاله قتادة هو الذي حكاه أهل اللغة والعذق بكسر العين هو الكباسة والقنو وأهل مصر

يسمونه الإسباطة وإذا جف شبه به القمر في آخر الشهر وأوله والعذق بفتح العين النخلة 28 - ثم قال جل وعز لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار آية 40 قال الضحاك أي لا تجئ الشمس فيغلب ضوءها ضوء القمر ولا يطلع القمر فيخالط ضوءه ضوء الشمس ولا الليل سابق النهار قال أي لا يزول من قبل أن يجئ النهار ثم 29 - قال جل وعز وكل في فلك يسبحون آية 40

كل من سار سيرا فيه انبساط فهو سابح 30 - ثم قال جل وعز وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون آية 31

قال أبو جعفر أحسن ما قيل في هذا أن المعنى وآية لأهل مكة أنا حملنا ذريات القرون الماضية في الفلك المشحون 31 - وقوله جل وعز وخلقنا لهم من مثله ما يركبون آية 42 قال ابن عباس وأبو مالك وأبو صالح والحسن يعني السفن وقال عبد الله بن شداد بن الهاد وعكرمة ومجاهد وقتادة يعني الإبل

قال أبو جعفر والإبل والدواب في البر بمنزلة السفن في البحر إلا أن الأول أشبه بتأويل ذلك لدلالة قوله وإن نشأ نغرقهم وإنما الغرق في الماء 32 - وقوله جل وعز وإن نشأ تغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون قال قتادة أي فلا مغيث لهم 33 - وقوله جل وعز وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم آية 45 قال قتادة أي ما بين أيديكم من الوقائع فيمن كان قبلكم وما خلفكم قال من الآخرة

والمعنى على قول الحكم بن عتيبة ما بين أيديكم من الدنيا أي مثل ما أصاب عادا وثمودا وما خلفكم الآخرة وعلى قول مجاهد ما بين أيديكم من ذنوبكم وما لم تعملوه وعلى قول ابن عباس وسعيد بن جبير ما بين أيديكم الآخرة وما خلفكم الدنيا وكذلك قالا في قول الله جل وعز ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم والتقدير في العربية وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم أعرضوا

ودل على هذا الحذف قوله تعالى وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين 34 - ثم قال جل وعز وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله آية 47 قال الحسن هم اليهود 35 - ثم قال جل وعز قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه آية 49 يقولون هذا على التهزؤ 36 - وقوله جل وعز ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون

وفي حرف أبي وهم يختصمون والمعنى واحد ويقرأ يخصمون أي يخصم بعضهم بعضا ويجوز أن يكون معناه وهم يخصمون عند أنفسهم بالحجة من آمن بالساعة 37 - ثم قال جل وعز فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون آية 5 أي لا يمهلون حتى يوصوا ولا إلى أهلهم يرجعون أي يموتون مكانهم

ويجوز أن يكون المعنى ولا يرجعون إلى أهلهم قولا 38 - وقوله جل وعز ونفخ في الصور آية 51 قال أبو عبيدة هو جمع صورة يذهب إلى أن المعنى ونفخ في الأجسام واحتج بقول الشاعر * لما أتى خبر الزبير تواضعت * سور المدينة والجبال الخشع * قال أبو جعفر الذي قاله أبو عبيدة لا يعرفه أهل التفسير ولا أهل اللغة والحديث على أنه الصور الذي ينفخ فيه إسرافيل صلى الله عليه وأهل اللغة على أن جمع صورة صور

وسيبويه وغيره يذهب إلى أن سور المدينة ليس بجمع سورة 39 - ثم قال جل وعز فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون آية 51 أي القبور يقال للقبر جدث وجدف إلى ربهم ينسلون قال أبو عبيدة أي يسرعون 40 - وقوله جل وعز قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا آية 52 وفي قراءة عبد الله من أهبنا من مرقدنا

قال أبي بن كعب ينامون نومة قبل البعث فيجدون لذلك راحة فيقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا قال الأعمش بلغني أنه يكف عنهم العذاب بين النفختين فإذا نفخ في الصور قالوا من بعثنا من مرقدنا قال مجاهد وقتادة هذا قول الكفار فقال لهم المؤمنون هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون

وقيل هذا من قول الملائكة لهم وقيل التمام عند قوله هذا والمعنى الذي وعد الرحمن حق 41 - وقوله جل وعز إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون آية 55 يقال فلان فاكه أي ذو فاكهة وتامر أي ذو تمر كما قال الشاعر * أغررتني وزعمت أنك * لابن بالصيف تامر *

روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس فاكهين فرحين وفي بعض التفاسير ناعمين فأما فكهون فقال الفراء معناه كمعنى فاكهين كما يقال حذر وحاذر وهذا أولاها وقال أبو زيد يقال رجل فكه إذا كان طيب النفس ضحوكا وقال أبو عبيدة يقال هو فكه بالطعام أو بالفاكهة أو بأعراض الناس

وقال قتادة فكهون معجبون 42 - ثم قال جل وعز هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون آية 56 في ظلال جمع ظل ويجوز أن يكون جمع ظلة فأما ظلل فهو جمع ظلة لا غير قال ابن عباس وقتادة الأرائك السرر في الحجال وقيل الفرش في الحجال وقيل: الفرش في الحجال.

وقيل هي الفرش أين كانت وهذا معروف في كلام العرب قال ذو الرمة خدودا جفت في السير حتى كأنما * يباشرن بالمعزاء مس الأرائك * 43 - وقوله جل وعز لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون آية 57 قال أبو عبيدة أي ما يتمنون يقال ادع علي ما شئت أي تمن قال أبو جعفر هو مأخوذ من الدعاء بالشئ أي كلما دعوا بشئ أعطوه 44 - ثم قال جل وعز سلام قولا من رب رحيم آية 58

قال الفراء أي لهم ذلك سلام أي مسلم قال أبو إسحاق سلام بدل من ما أي ولهم أن يسلم الله جل وعز عليهم وذلك غاية أمنيتهم وفي قراءة عبد الله سلاما قال أبو إسحاق قولا أي يقول الله ذلك السلام قولا قال الفراء يجوز أن يكون المعنى ولهم ما يدعون قولا كما تقول عدة

45 - وقوله جل وعز وامتازوا اليوم أيها المجرمون آية 59 أي انفرزوا ثم عن المؤمنين يقال مزته فانماز وامتاز وميزته فتميز 46 - وقوله جل وعز ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان آية 60 أي ألم أتقدم إليكم وأوصيكم 47 - وقوله جل وعز ولقد أضل منكم جبلا كثيرا قال مجاهد أي خلقا قال أبو جعفر فيه سبعة أوجه قرئ منها بخمسة فأما الخمسة التي قرئ بها فهي ولقد أضل منكم جبلا

وجبلا وجبلا وجبلا وجبلا وأما الإثنان اللذان لم يقرأ بهما ف جبلا وجبلا 48 - وقوله جل وعز اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم آية 58 وفي قراءة عبد الله بن مسعود اليوم نختم على أفواههم ولتكلمنا أيديهم في الكلام حذف على هذه القراءة كما قال تعالى وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين

49 - وقوله جل وعز ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط آية 66 قال الحسن أي لتركناهم عميا يترددون قال أبو جعفر المطموس والطميس عند أهل اللغة الأعمى الذي ليس في عينيه شق فاستبقوا الصراط أي ليجوزوا قال مجاهد الصراط الطريق ثم قال تعالى فأنى يبصرون أي فمن أين يبصرون

50 - ثم قال جل وعز ولو نشاء لمسحناهم رسول على مكانتهم آية 67 قال الحسن أي لأقعدناهم وعن ابن عباس قال أي لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم قال أبو جعفر المكان والمكانة واحد 51 - وقوله جل وعز ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون آية 68 قال قتادة هو الهرم يتغير سمعه وبصره وقوته كما رأيت

52 - وقوله جل وعز وما علمناه الشعر وما ينبغي له آية 69 أي ما ينبغي أن يقوله قال أبو إسحاق ليس هذا يوجب أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يتمثل بيت شعر ولكنه يوجب أنه صلى الله عليه وسلم ليس بشاعر وأن القرآن لا يشبه الشعر قال قتادة بلغني أن عائشة قالت لم يتمثل النبي صلى الله عليه وسلم بيت شعر إلا بيت طرفة ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... * ويأتيك بالأخبار من لم تزود * فقال ويأتيك من لم تزود بالأخبار فقال أبو بكر ليس هو كذلك يا رسول الله فقال إني لا أحسن الشعر ولا ينبغي لي

53 - وقوله جل وعز لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين آية 71

حيا قيل عاقلا وقيل مؤمنا وقال قتادة حي القلب

54 - وقوله جل وعز أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما العرب تستعمل اليد في موضع القوة والله أعلم بما أراد 55 - وقوله جل وعز فهم لها مالكون آية 71 أي ضابطون لأن المقصود ههنا التذليل وأنشد سيبويه * أصبحت لا أملك السلاح ولا * أملك رأس البعير إن نفرا * 56 - وقوله جل وعز لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون آية 75

أي أنهم يعبدونهم ويقومون بنصرتهم فهم لهم بمنزلة الجند قال قتادة يغضبون لهم في الدنيا وهذا بين حسن وقيل تفسير هذا ما روي في الحديث أنه يمثل لكل قوم ما كانوا يعبدون من دون الله جل وعز فيتبعونه إلى النار فهم لهم جند محضرون إلى النار 57 - وقوله جل وعز أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين آية 77 روى هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال أخذ

العاص بن وائل عظما حائلا ففته فقال يا محمد أيحيي الله هذا بعد ذا فقال نعم يميتك الله ثم يبعثك ثم يدخلك نار جهنم فأنزل الله عز وجل أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم إلى آخر السورة قال مجاهد وقتادة نزلت في أبي بن خلف قال أبو جعفر يقال رم العظم فهو رميم ورمام 58 - وقوله جل وعز الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون آية 80

هو المرخ والعفار تستعمل الأعراب منه الزنود 59 - ثم قال جل وعز أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى آية 81 كما قال سبحانه لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس وبلى تأتي بعد النفي ولا يجوز أن يؤتى ب نعم لو قال لك قائل أما قام زيد فقلت نعم انقلب المعنى فصار نعم ما قام فإذا قلت بلى صح المعنى

58 - وقوله جل وعز الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون آية 80

هو المرخ والعفار تستعمل الأعراب منه الزنود 59 - ثم قال جل وعز أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى آية 81 كما قال سبحانه لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس وبلى تأتي بعد النفي ولا يجوز أن يؤتى ب نعم لو قال لك قائل أما قام زيد فقلت نعم انقلب المعنى فصار نعم ما قام فإذا قلت بلى صح المعنى

وهي عند الكوفيين بل زيدت عليها الياء لأن بل عندهم إيجاب بعد نفي فاختيرت لهذا وزيدت عليها الياء لتدل على هذا المعنى وتخرج من النسق 60 - وقوله جل وعز فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون آية 83 أي تنزيها للذي بيده ملك كل شئ وخزائنه فهو يقدر على إحياء الموتى وما يريد وإليه ترجعون أي تردون وتصيرون بعد مماتكم تمت سورة يس تم الجزء الخامس من معاني القرآن الكريم بحمد الله وتوفيقه في البلد الحرام " مكة المكرمة "

المملكة العربية السعودية جامعة ام القرى معهد البحوث العلمية واحياء التراث الاسلامي مركز إحياء التراث الاسلامي مكة المكرمة من التراث الاسلامي معاني القرآن الكريم للامام أبي جعفر النحاس المتوفى سنة 338 هـ تحقيق الشيخ محمد علي الصابوني الاستاذ بجامعة أم القرى الجزء السادس

الطبعة الاولى 1410 هـ / 1989 م حقوق الطبع محفوظ لجامعة القرى

إني لاعجب ممن يقرأ القرآن، كيف يتلذ بتلاوته ولمريفهم معناه " الامام الطبري "

تفسير سورة الصافات

تفسير سورة الصافات مكية وآياتها 182 آية

المجلد السادس بسم الله الرحمن الرحيم سورة الصافات وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات تذكرا (آية 1 روى مسروق عن عبد الله بن مسعود وعكرمة عن ابن عباس قالا في قوله تعالى والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا هذه كلها الملائكة قال أبو جعفر الصافات جمع صافة كأنه جماعة

صافة أي مصطفة تذكر الله جل وعز وتسبحه والزاجرات جمع زاجرة أي التي تزجر السحاب على ما مضى وقال قتادة الزاجرات كل ما زجر عنه كأنه يريد ذوات الزجر ويجوز أن تكون الزاجرات كل ما يزجر عن معاصي الله جل وعز وأن تكون التاليات كل ما يتلو ذكر الله جل وعز وكتبه 2 - ثم قال جل وعز رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق (آية 5) روى أبو ظيبان عن ابن عباس قال للشمس كل يوم

مشرق وكل يوم مغرب فتلك المشارق والمغارب وللصيف مشرق ومغرب وللشتاء ولا مشرق ومغرب فذلك قوله جل وعز رب المشرقين ورب المغربين 3 - ثم قال جل وعز إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب (آية 6) على البدل وبزينة الكواكب قال أبو حاتم أعني الكواكب

قال أبو جعفر وأجود مما قال أن يكون بمعنى بأن زينا الكواكب فيها ويجوز بزينة الكواكب بمعنى بأن زينتها الكواكب أو بمعنى هي الكواكب 4 - وقوله جل وعز وحفظا من كل شيطان مارد (آية 7) أي وحفظناها حفظا من كل شيطان مارد 5 - وقوله جل وعز لا يستمعون إلى الملأ الأعلى (آية 8) يعني الملائكة قال أبو حاتم أي لئلا يسمعوا ثم حذف أن فرفع

الفعل كما قال الشاعر: ألا أيها اللائمي احضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي 6 - ثم قال جل وعز ويقذفون من كل جانب دحورا (آية 9) قال مجاهد ويقذفون أي يرمون دحورا أي مطرودين وقال قتادة دحورا أي رميا في النار قال أبو جعفر يقال دحره إذا طرده وباعده دحورا ودحرا

ويروى عن أبي عبد الرحمن أنه قرأ دحورا بفتح الدال والمصادر على فعول قليلة وقال بعض النحويين ليس بمصدر ولكنه بمعنى بما يدحرهم ولو كان على ما قال لكان بدحور أي بمباعد 7 - ثم قال جل وعز: (ولهم عذاب واصب (الاية 9) قال مجاهد وقتادة أي دائم

8 - ثم قال جل وعز إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب (آية 10) يقال خطف الشئ إذا أخذه بسرعة فأتبعه شهاب ثاقب قال الحسن ومجاهد وقتادة وأبو مجلز ثاقب أي مضئ قال أبو جعفر وهذا مشهور في اللغة كما قال: وزندك أثقب أزنادها وقوله جل وعز فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا (آية 11)

قال مجاهد والضحاك يعني السموات والأرض والبحار قال أبو جعفر يجب أن يكون داخلا في هذا الملائكة وغيرها مع السموات والأرض والبحار لأن من لا يقع لما لا يعقل مفردا ثم قال جل وعز إنا خلقناهم من طين لازب (آية 11) قال مجاهد أي لازم وقال قتادة أي لازق

والفراء يذهب إلى أن الباء بدل من الميم وحكي أنه يقال لاتب بمعناه وقال النابغة: فلا تحسبون الخير لا شر بعده * ولا تحسبون الشر ضربة لازب 1 - وقوله جل وعز بل عجبت ويسخرون (آية 12) قال قتادة بل عجبت من الكتاب والوحي ويسخرون مما جئت به وقيل المعنى بل عجبت من إنكارهم البعث وأنكر شريح أن تقرأ بل عجبت بضم التاء وقال إن الله لا يعجب إنما يعجب من لا يعلم

قال أبو جعفر وهذا الذي قاله لا يلزم وبضم التاء قرأ علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس ومعنى التعجب في اللغة أن ينكر الشئ ويقل في فيتعجب منه فالله جل وعز العالم بالأشياء وبما يكون ولكن لا يقع التعجب إلا بعد الكون فهو منه جل وعلا خلافة من الآدميين لأنه قد علمه قبل وبعد وهو يشبه علم الشهادة كما قال سبحانه لنعلم أي الحزبين ويجوز أن يكون المعنى قل بل عجبت

12 - وقوله جل وعز وإذا رأوا آية يستسخرون (آية 14) قال قتادة أي يسخرون وقال مجاهد أي يسخرون ويستهزئون وقيل يستسخرون يستدعون السخري من غيرهم

وهو قول مجاهد وقتادة ونظيره من كلام العرب قد وأستقر وعجب واستعجب بمعنى واحد وقرأ الكوفة كأنهم حمر مستنفرة أي نافرة وقوله جل وعز قل نعم وأنتم داخرون (آية 18) المعنى قل نعم تبعثون وأنتم داخرون قال قتادة أي صاغرون 13 - ثم أخبر أن ذلك يكون زجرة واحدة فقال جل وعز فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون أي قد حيوا ينظرون

14 - وقوله جل وعز وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين (آية 20) قال قتادة أي يوم يدين الله جل وعز العباد بأعمالهم ثم قال جل وعز هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون (آية 21) أي يقال لهم نعم هذا يوم الفصل أي يوم الفصل بين المحسن والمسئ وقال أبو عبيدة يوم الفصل يوم القضاء وقوله جل وعز احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم (آية 23)

أي يقال هذا قال عبد الله بن عباس والنعمان بن بشير عن عمر وأزواجهم أي وأشباههم قال أبو جعفر يقال زوجت الناقة بالناقة أي قرنتهما ابن ومنه قيل للرجل زوج وللمرأة زوج ويقال هديته الطريق أي دللته عليه 17 - وقوله جل وعز ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون (آية 26) روى سعيد عن قتادة ما لكم لا تناصرون أي لا يدفع بعضكم عن بعض بل هم اليوم مستسلمون قال أي مستسلمون في العذاب

18 - وقوله جل وعز وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين (آية 28) روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هذا قول الكفار للشياطين وروى سعيد عن قتادة قال هذا قول الإنس للجن قالوا لهم إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين أي من طريق الجنة تثبطوننا عنها وتصدوننا وقيل هذا قول التابعين للمتبعين قال أبو جعفر وهذا يشبه قوله تعالى وعن أيمانهم روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى

وعن أيمانهم قال أشبه عليهم أمر دينهم قال أبو جعفر وحقيقة معنى إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين والله أعلم إنكم كنتم تأتوننا من الجهة التي هي أقوى الجهات وهي جهة الدين فتشككوننا فيه وقد قيل هذا في قوله جل وعز والسموات مطويات بيمينه وهو معروف في كلام العرب والله أعلم بما أراد

قال الشاعر: تلقاها عرابة باليمين فردوا عليهم بأنهم كانوا ضالين فقالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان قال السدي أي من حجة وقوله جل وعز (بل كنتم قوما طاغين) أي ضالين (فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون) أي كلنا في العذاب (فأغويناكم إنا كنا غاوين) (آية 32) أي بالوسوسة والاستدعاء 20 - وقوله جل وعز (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون) (آية 35) أي عن توحيد الله جل وعز

21 - وقوله جل وعز (يطاف عليهم بكأس من معين) (آية 45) قال قتادة أي خمر جارية (بيضاء لذة للشاربين) قال الحسن خمر الجنة أشد بياضا من اللبن ثم قال جل وعز (لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون) (آية 47) روى ابن أبي نجيح عن مجاهد (لا فيها غول) قال لا فيها وجع بطن (ولا هم عنها ينزفون) لا تذهب عقولهم وروى معمر عن قتادة (لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون) قال لا تصدع رؤسهم ولا تذهب محمد عقولهم وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (لا فيها غول) قال يقول ليس فيها صداع (ولا هم عنها ينزفون) قال لا تذهب عقولهم

قال سعيد بن جبير (لا ينزفون) لا تنزف عقولهم قالوا والغول الأذى المكروه قال أبو جعفر وهذا أجمعها أو أولادها يقال غالته غول أي ذهبت به ذاهبة وقد غاله الشراب واغتاله أي ذهب بعقله أو آذاه ومنه اغتال فلان فلانا ومنه قتله قتل غيلة انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وأصل نزف نقص والمعنى لا يلحقهم نقصان بسكر ولا غيره فنفى الله جل وعز عنهم السكر لما فيه من الباطل والسفه

وجملته النقصان ويقرأ (ولا هم عنها ينزفون) وفي معناه قولان أ - أعرفهما أنه يقال أنزف الرجل إذا نفد شرابه والمعنى أنزف شرابه ب - والقول الآخر أنه حكي انه يقال أنزف الرجل إذا سكر وانشد أبو عبيدة للأبيرد: لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم * لبئس الندامى كنتم آل أبجرا فأما نزف الرجل إذا ذهب عقله من السكر فمعروف مسموع من العرب

23 - وقوله جل وعز (وعندهم قاصرات الطرف عين) (آية 48) قال قتادة قصرن طرفهن على أزواجهن وروى أبو يحيى عن مجاهد قال قصرن أطرافهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لا يغرن على أزواجهن قال أبو جعفر والقول الأول هو المعروف وأصله من قصرته أي حبسته وقوله تعالى (عين) قال مجاهد أي حسان العيون وقال السدي (عين) أي عظام الأعين وحكى أهل اللغة أنه يقال رجل أعين وامرأة عيناء أي واسع

العين ثم قال جل وعز (كأنهن بيض مكنون) (آية 49) قال قتادة أي لم تمر به الأيدي يشبهن بياضه يعني قتادة الذي داخل القشر قال أبو جعفر يقال كننت الشئ أي صنته والعرب تشبه المرأة ببيضة النعامة كما قال الشاعر: كبكر المقاناة أبو البياض بصفرة * غذاها نمير الماء غير محلل

25 - ثم قال عز وجل (فاقبل بعضهم على بعض يتساءلون) (آية 50) يعني أهل الجنة (قال قائل منهم إني كان لي قرين) (آية 51) قال عطاء الخراساني هذان رجلان أخوان تصدق أحدهما بماله فعيره أخوه وقال له ما قصا الله جل وعز

وقد روي عن ابن عباس هو الرجل المشرك له صاحب مؤمن قال له هذا قال مجاهد (قرين) أي شيطان 26 - ثم قال جل وعز (يقول أئنك لمن المصدقين) (آية 52) المعنى يقول أئنك لمن المصدقين بأنا مدينون ثم كسرت إن لمجئ اللام قال مجاهد (مدينون) أي محاسبون (قال هل أنتم مطلعون) أي قال الذي في الجنة هل أنتم مشرفون (فاطلع فرآه) أي فأشرف فرأى قرينه (في سواء

الجحيم) أي في وسطها قال الذي في الجنة (تالله إن كدت لتردين) أي تهلكني وفي قراءة عبد الله لتغوين ثم قال جل وعز (ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين) (آية 57) قال قتادة أي لمن المحضرين في النار ثم قال جل وعز (أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين إن هذا لهو الفوز العظيم) (آية 60) قال قتادة هذا آخر كلامه ثم قال جل وعز (لمثل

هذا فليعمل العاملون) وقوله جل وعز (أذلك خير نزلا) (آية 62) أذلك خير نزلا ونزلا أي رزقا والنزل أيضا الريع والفضل ثم قال تعالى (أم شجرة الزقوم إنا جعلناها فتنة للظالمين) (آية 62) قال مجاهد قال أبو جهل ما نعرف الزقوم إلا التمر بالزبد فنتزقم وقال قتادة فتنوا بهذا فقالوا كيف يكون في النار شجرة والنار تأكل الشجر فقال الله عز وجل (إنها شجرة تحرج في

أصل الجحيم) أي غذاؤها من النار ومنها خلقت 30 - ثم قال جل وعز (طلعها كأنه رؤوس الشياطين) (آية 65) (طلعها) أي ثمرها كأنه أول ما يطلع منها ثم قال (كأنه رؤوس الشياطين) قال أبو العباس يقال لم تر الشياطين فكيف وقع التشبيه بها؟ وهل يجوز أن يقال كأن زيدا فلان وفلان لا يعرف

فالجواب أن المقصود هو ما وقع عليه التعارف من المعاني فإذا قيل فلان شيطان فقد علم أن المعنى فلان قبيح خبيث ومنه قولهم تشيطن إذا تخبث كما قال الشاعر: أيقتلني والمشر في مضاجعي * ومسنونة زرق كأنياب أغوال ولم تر الغول قط ولا أنيابها ولكن العرب إذا قبحت المؤنث شبهته بالغول وإذا قبحت المذكر شبهته بالشيطان فهذا جواب صحيح بين وقد قيل هو نبت باليمن قبيح المنظر شبهت به يقال له الأستن والشيطان وليس ذلك بمعروف عند العرب

قال أبو جعفر وقيل الشياطين ضروب من الحيات قباح 31 - وقوله جل وعز (ثم إن له معليه الشوب امن حميم) (آية 67) قال قتادة أي مزاجا قال أبو جعفر يقال شبت الشئ بالشئ أي خلطته به فقيل يراد به ههنا شرب الحميم 32 - وقوله جل وعز (إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون) (آية 70)

معنى (ألفوا) وجدوا قال مجاهد يهرعون كهيئة الهرولة وقال قتادة يسرعون وقيل كأنهم يزعجون من الإسراع 33 - وقوله جل وعز (ولقد ناد ان نوح وحفل فلنعم المجيبون) (آية 75) قيل بمسألته هلاك قومه فقال (رب لا تذر على

الأرض من الكافرين ديارا) وقيل المعنى دعا بأن ننجيه من الغرق (ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) أي من الغرق 34 - ثم قال جل وعز (وجعلنا ذريته هم الباقين) (آية 76) روى سعيد عن قتادة الناس كلهم من ذرية نوح صلى الله عليه وسلم 35 - ثم قال جل وعز (وتركنا عليه في الآخرين) (آية 78) قال مجاهد وقتادة أي ثناء وقال محمد بن زيد المعنى وتركنا عليه في الآخرين

يقال سلام على نوح في العلمين أي تركنا عليه هذه الكلمة باقية 36 - وقوله جل وعز (وإن من شيعته لإبراهيم) (آية 83) قال مجاهد أي على منهاجه وسنته وقال قتادة على دينه قال أبو جعفر المعنى وإن من شيعة نوح قال الفراء المعنى وإن من شيعة محمد صلى الله عليه وسلم

والأول أشبه لأن ذكر نوح قد تقدم 37 - ثم قال جل وعز (وإذ جاء ربه بقلب سليم) (آية 84) قال قتادة أي سليم من الشرك وقال عروة بن الزبير لم يلعن شيئا قط فقال الله جل وعز (إذ جاء ربه بقلب سليم) 38 - وقوله جل وعز (أئفكا آلهة دون الله تريدون) (آية 86) قال قتادة أي أكذبا 39 - ثم قال جل وعز (فما ظنكم برب العالمين) (آية 87) روى سعيد عن قتادة قال أي فما ظنكم برب العالمين وقد

عبدتم غيره إذا لقيتموه 40 - وقوله جل وعز (فنظر نظرة في النجوم) (آية 88) في معناه ثلاثة أقوال قال الحسن أي تفكر فيما يعمل إذا كلفوه الخروج قال أبو جعفر والمعنى على هذا القول فنظر فيما نجم له من الرأي أي فيما طلع له يقال نجم القرن والنبت إذا طلعا أي فكر فعلم أنه لبد لكل حي من أن يسقم فقال إني سقيم

قال الخليل يقال للرجل إذا فكر في الشئ كيف يدبره نظر في النجوم وكذلك قال أبو العباس في معنى هذه الاية والقول الثاني أن يكون المعنى فنظر فيما نجم من الأشياء فعلم ان لها خالقا ومدبرا وأنها تتغير وعلم ان ذلك يلحقه فقال إني سقيم والقول الثالث ما رواه سعيد عن قتادة أن سعيد بن المسيب قال نظر إلى نجم فقال إني سقيم فكايد عن دينه قال أبو جعفر والمعنى على هذا القول فعمل ما يعلمون من

النظر في النجوم واستدلالهم بها قال سعيد بن جبير والضحاك (فقال إني سقيم) أي مطعون وكاتوا) يهربون من الطاعون قال الله جل وعز (فتولوا عنه مدبرين) 41 - وقوله جل وعز (فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون) (آية 91) أي مال وعدل ومنه الرواغ ثم قال (ألا تأكلون)

تعجبا أي فقرب إليها الطعام فقال (ألا تأكلون) ؟ فلما لم يرها تأكل قال ألا تنطقون؟ وقال أبو مالك جاء إلى آلهتهم وكانوا قد جعلوا بين أيديها طعاما فلما لم تكلمه قال مالكم لا تنطقون فأخذ فأسا فضرب به حافتيها ثم علقه في عنق أكبرها 42 - وقوله جل وعز (فراغ عليهم ضربا باليمين) (آية 93) قال أبو جعفر يجوز أن يكون معنى (باليمين) بالقوة كما تقدم ويجوز أن يريد اليد

وقيل بيمينه حين قال (وتالله لاكيدن أصنامكم) 43 - ثم قال جل وعز (فأقبلوا إليه يزفون) (آية 94) قال قتادة أي يمشون قال أبو جعفر يقال زف النعام يزف إذا أسرع وذلك في أول عدوه ويقرأ (يزفون) بضم الياء وأكثر اهل اللغة لا يعرفه وقد يجوز أن يكون أزف صادف الزفيف فيكون هذا منه

وحكى الكسائي أنه قرئ (يزفون) بتخفيف الفاء وأكثر اهل اللغة لا يعرفه أيضا وحكى بعضهم أنه قال وزف يزف إذا أسرع 44 - ثم قال جل وعز (والله خلقكم وما تعملون) (آية 96) قال أبو عبيد أي وما تعملون منه الأصنام وتنحتونه عليه وهو الخشب والحجارة وغيرهما قال قتادة وما تعملون بايديكم ويجوز أن يكون ما نفيا أي وما تعملونه ولكن الله خالقه ويجوز أن يكون بمعنى المصدر أي وعملكم

ويجوز ان يكون استفهاما فيه معنى التوبيخ 45 - وقوله جل وعز (فأرادوا به كيدا فجعلنا هم الأسفلين) (آية 98) (الأسفلين) الأذلين حجة قال قتادة ما ناظر هم بعد ذلك حتى أهلكهم 46 - وقوله جل وعز (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين) (آية 99) هاجر إلى الأرض المقدسة

47 - وقوله جل وعز (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) (آية 102) قال مجاهد (بلغ معه السعي) أي العمل أي شب وقال غيره بلغ ثلاث عشرة سنة قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى (آية 102) أي إني أرى في المنام أني سأذبحك أي أمرت بهذا في المنام وجعل علامة إذا رأيت ذلك أن أذبحك

ويقرأ (ماذا تري) ؟ من الصبر قال أبو إسحاق لم يقل هذا أحد غيره وإنما قال العلماء المعنى ماذا تشير وقد روي في الذبيح احاديث عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعض أهل العلم الدليل على أنه إسماعيل أن إسماعيل كان بمكة وكان الذبح بمنى

وهذا لا يلزم روي عن ابن عباس انه قال كان الذبح بالشام وقال عبيد بن عمير كان بالشام وإن كان مجاهد قد قال كان بمنى وقال بعضهم في القرآن ما يدل على أنه إسماعيل صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل (فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) فدل بهذا على أن إسحاق سيعيش حتى يولد له فكيف يؤمر بذبحه؟

قال أبو جعفر وهذا ايضا لا يثبت حجة لأنه يجوز أن يؤمر بذبحه وقد علم أنه يولد له لأنه يجوز أن يحييه الله جل وعز بعد ذلك 48 - وقوله جل وعز (فلما اسلما وتله للجبين) (آية 103)

قال مجاهد أي سلما لأمر الله جل وعز قال أبو جعفر وفي حرف عبد الله بن مسعود (فلما سلما) يقال سلم إذا أعطى بيده ورضي ثم قال تعالى (وتله للجبين) أي صرعه وهما جبينان بين هما الجبهة وجواب (لما) عند البصريين محذوف كأنه قال سعد والواو عند الكوفيين زائدة كأنه قال ناديناه 49 - وقوله جل وعز (وفديناه بذبح عظيم) (آية 107)

الذبح المذبوح والذبح المصدر روى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كبير متقبل قال أبو جعفر عظيم في اللغة يكون للكبير والشريف وأهل التفسير على أنه ههنا للشريف أي المتقبل 50 - وقوله جل وعز (ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم) (آية 115) روى سعيد عن قتادة قال من فرعون 51 - ثم قال جل وعز (ونصرناهم فكانوا هم الغالبين) (آية 116) ولم يقل ونصرناهما (لأن الإثنين في الأصل جمع

ويجوز أن يكون كما يخبر عن الواحد بفعل الجماعة وقيل المعنى ونصرنا موسى وهارون عليهما السلام وقومهما على فرعون وقومه وهذا هو الصواب لأن قبله (ونجيناهما وقومهما) 52 - ثم قال جل وعز (وآتيناهما ما الكتاب المستبين) (آية 117) روى سعيد عن قتادة قال التوراة قال (وهديناهما الصراط المستقيم) الإسلام 53 - وقوله جل وعز (وإن إلياس لمن المرسلين) (آية 123)

قيل إلياس هو إدريس وقيل هو من ولد هارون صلى الله عليهما وسلم والله جل وعز أعلم 54 - وقوله جل وعز (أتدعون بعلا وتذرونا لا أحسن الخالقين) (آية 125) قال مجاهد (أتدعون بعلا) أي ربا وقال الضحاك هو صنم لهم يسمى بعلا قال ابن زيد كانوا ببعلبك وسئل ابن عباس عن هذا فسكت فسمع رجلا ينشد ضالة فقال له آخر أنا بعلها أي ربها فقال ابن عباس للسائل

هذا مثل قوله تعالى (أتدعون بعلا) أي ربا وحكى ابن إسحاق أن بعلا امرأة كانوا يعبدونها قال أبو جعفر يقال هذا بعل الدار أي ربها فالمعنى أتدعون ربا اختلقتموه وتذرون أحسن الخالقين؟ وأصل هذا أنه يقال لكل ما علا وارتفع بعل ومنه قيل بعل المرأة ومنه قيل لما شرب بماء السماء بعل 55 - وقوله جل وعز (فكذبوه فإنهم لمحضرون) (آية 127) قال قتادة أي في العذاب

وقوله جل وعز (سلام على إل ياسين) (آية 130) قال أبو جعفر من قرأ سلام على إلياسين ففي قراءته قولان أحدهما ان يكون إلياسين وإلياس واحد كما يقال سيناء وسينين والثاني ويجوز أن يكون جمعه مع أهل دينه كما يقال مهالبة 56 - وقوله جل وعز (وإن يونس لمن المرسلين إذ ابق إلى الفلك المشحون) (آية 140) أي هرب قال طاووس لما ركب السفينة ركدت فقالوا إن فيها

رجلا مشئوما فقارعوه فوقعت القرعة عليه ثلاث مرات فرموا به فالتقمه الحوت 57 - وقوله جل وعز (فساهم فكان من المدحضين) (آية 141) قال مجاهد فكان من المدحضين أي من المسهومين قال أبو جعفر أصل أدحضته أن أزلقته وقال ابن عيينة أي من المقمورين 58 - ثم قال جل وعز (فالتقمه الحوت وهو مليم) (آية 142) قال قتادة أي مسئ

قال أبو جعفر يقال ألام الرجل إذا جاب ما يلام عليه 59 - وقوله جل وعز (فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) (آية 144) روى أبو رزين عن ابن عباس (من المسبحين) قال من المصلين ثم قال (للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) (آية 144) قال مجاهد أي في بطن الحوت 60 - ثم قال جل وعز (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) (آية 145) قال يعقوب بن إسحاق قال الفراء (العراء)

المكان الخالي ومنه قول الله جل وعز (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) قال وقال أبو عبيدة العراء وجه الأرض وأنشد لرجل من خزاعة: رفعت رجلا لا أخاف عثارها * ونبذت بالبلد العراء ثيابي 61 - ثم قال جل وعز (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) (آية 146) روى عمرو بن ميمون عن ابن مسعود قال هي القرع وقال مجاهد هي كل شجرة على وجه الأرض لا ساق لها

قال أبو جعفر هذا الذي قاله مجاهد هو الذي تعرفه العرب يقع للقرع والحنظل والبطيخ والكل ما لم يكن على ساق وكأن اشتقاقه من قطن بالمكان أي أقام به وانشد سيويه: قواطنا مكة من ورق الحمي 62 - ثم قال جل وعز (وأرسلناه إلى مائة الف أو يزيدون) (آية 147) قال أبو جعفر في معنى أو أربعة اقوال 1 - قال أبو عبيدة والفراء هي بمعنى بل وهذا خطأ عند أكثر النحويين الحذاق ولو كان كما قالا لكان وارسلناه إلى أكثر من مائة ألف واستغنى عن أو

2 - وقال القتبي أو بمعنى الواو وهذا ايضا خطا لأن فيه بطلان المعاني 3 - وقيل أو للإباحة 4 - وقال محمد بن يزيد أو على بابها والمعنى

أرسلناه إلى جماعة لو رأيتموهم لقلتم مائة ألف أو أكثر وروي عن ابن عباس قال أرسل إلى مائة ألف وثلاثين الفا قال أبو مالك اقام في بطن الحوت أربعين يوما قال ابن طاووس أنبت الله عليه شجرة من يقطين وهي الدباء فكانت تظله من الشمس ويأكل منها فلما سقطت بكى عليها فأوحى الله جل وعز إليه أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف أو يزيد وتابوا فلم أهلكهم قال سعيد بن جبير أرسل الله جل وعز على الشجرة الأرضة فقطعت أصولها فحزن عليها وذكر الحديث قال مجاهد كانت الرسالة قبل أن يلتقمه الحوت

قال أبو جعفر حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال حدثنا العباس بن محمد قال حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل قال حدثنا أبو هلال قال حدثنا شهر بن حوشب عن ابن عباس قال إنما كانت رسالة يونس صلى الله عليه وسلم بعد ما نبذه الحوت وتلا هذه الآية (وإن يونس لمن المرسلين) حتى بلغ إلى قوله (وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) قال كانت الرسالة بعد ذلك 63 - قوله جل وعز (فآمنوا فمتعناهم إلى حين) (آية 148) روى معمر عن قتادة قال إلى الموت

64 - وقوله جل وعز (فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون) (آية 149) أي فاسألهم سؤال توبيخ وروي عن جماعة من القراء انهم قرءوا (اصطفى البنات على البنين) بوصل الألف وانكر أبو حاتم هذه القراءة قال أبو جعفر وهي جائزة على أن يكون مردودا على القول وعلى أنه قد يكون التوبيخ بغير الف استفهام 65 - وقوله جل وعز (أم لكم سلطان مبين فائتو بكتابكم إن كنتم

صادقين) (آية 157) قال السدي (سلطان) أي حجة فائتوا بكتابكم قال بحجتكم أن كتابا جاءكم بهذا 66 - وقوله جل وعز (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) (آية 158) قال الفراء الجنة ههنا الملائكة أي قالوا الملائكة بنات الله وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قالوا يعني كفار قريش الملائكة بنات الله فقال أبو بكر فمن أمهاتهن؟ قالوا مخدرات الجن وروى سعيد عن قتادة قال قالوا صاهر الله جل وعز الجن

فولدت الملائكة وروى جويبر عن الضحاك في قوله تعالى (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا) قال قالوا إبليس أخو الرحمن جل وعز 67 - وقوله جل وعز (ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون) (آية 158) أي ولقد علمت الجنة ان الذين قالوا هذا لمحضرون العذاب كذا قال السدي وهو صحيح وكذا كل ما في السورة من محضرين

وقال مجاهد (لمحضرون) الحساب يعني الجن 68 - وقوله جل وعز (فإنكم وما تعبدون ما أنتم عليه بفاتنين) (آية 162) أي ما أنتم به مضلين (إلا من هو صال الجحيم) قال ابن عباس أي لا تضلون إلا من سبق في قضائي أنه يضل قال الحسن وإبراهيم ومحمد بن كعب والضحاك هذا معنى قوله (ما أنتم عليه بفاتنين) أي لن تفتنوا إلا من قضيت عليه بذلك

69 - ثم قال جل وعز (وما منا إلا له مقام معلوم) (آية 164) قال الشعبي جاء جبرئيل أو ملك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه إن الملائكة لتصلي وتسبح ما في السماء ملك فارغ 70 - وقوله جل وعز (وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون) (آية 166) قال مجاهد وقتادة هذا من قول الملائكة 71 - وقوله جل وعز (وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكرا من الأولين) (آية 168) روي عن الضحاك قال هذا قول مشركي مكة فلما جاءهم ذكر الأولين وعلم الآخرين كفروا به فسوف يعلمون

قال أبو إسحاق كان كفار قريش يقولون لو جاءنا ذكر كما جاء غيرنا من الأولين لأخلصنا العبادة لله عز وجل فلما جاءهم كفروا به فسوف يعلمون مغبة كفرهم وما ينزل بهم من العذاب والانتقام منهم في الدنيا والآخرة 72 - قوله جل وعز (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين) (آية 171) أي سبق منا القول لرسلنا إنهم لهم المنصورون أي مضى بهذا من القضاء والحكم قال الفراء أي سبقت لهم السعادة وهي في قراءة عبد الله (ولقد سبقت كلمتنا على عبادنا المرسلين) وقيل أراد بالكلمة قوله عز وجل (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي) 73 - وقوله جل وعز (فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين) (آية 177) أي نزل بهم العذاب ومعنى بساحتهم أي بدارهم

والساحة في اللغة فناء الدار الواسع (فساء صباح المنذرين) أي فبئس صباح الذين أنذروا بالعذاب وفيه إضمار أي فساء الصباح صباحهم وفي الحديث (الله أكبر خربت خيبر إنا إذا انزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) 74 - وقوله جل وعز (سبحانك ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) (آية 182 180) نزه سبحانه نفسه عما أضاف إليه المشركون من الصاحبة والولد (رب العزة) على البدل ويجوز النصب على المدح والرفع بمعنى هو رب العزة وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى سبحان الله فقال هو تنزيه الله عن كل سوء تمت سورة الصافات

تفسير سورة ص

تفسير سورة ص مكية وآياتها 88 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة ص وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز (ص) بإسكان الدال لأنها من حروف التهجي وتقرأ صاد والأجود عند سيبويه فيها الإسكان ولا تعرب لأن حكمها الوقوف عليها فهي مثل حروف الهجاء (آلم) (وآلمر) و (ص) إذا جعلته اسما للسورة لم ينصرف قال مجاهد هو فاتحة السورة وقال قتادة هو اسم من أسماء الرحمن وقال محمد بن كعب هو مفتاح اسماء الله تعالى صمد وصادق الوعد

وروي أن الضحاك قال صاد صدق الله وقراءة الحسن (صاد) بكسر الدال معناها صاد القرآن بعملك يقال صاديته أي قابلته وهذا مشهور عند أهل اللغة ويجوز أن يكون كسر لالتقاء الساكنين والفتح من ثلاث جهات: أ - قيل منها أن يكون قسما الله لأفعلن ب - ومنها أن يكون بمعنى اتل صاد والقرآن ج - ومنها ان يكون فتح لالتقاء الساكنين

والقراءة بكسر الدال والتنوين لحن عند أكثر النحويين وإن كان ابن أبي إسحاق من كبراء النحويين إلا ان بعض النحويين قد أجازها على أن تخفض على القسم أجاز ذلك سيبويه 2 - وقوله جل وعز (والقرآن ذي الذكر) (آية 1) روى سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد ومسعر عن ابي حصين في قول الله جل وعز والقرآن ذي الذكر أي ذي الشرف وهذا مثل قوله جل وعز (وإنه لذكر لك ولقومك) وقيل معنى (ذي الذكر) فيه ذكر الأمم وغيرهم

فاما جواب القسم فقيل إنه في قوله (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) وهذا بعيد جدا لأنه قد اعترضت أقاصيص وأخبار وقيل الجواب في وقوله تعالى (كم اهلكنا من قبلهم من قرن) والمعنى لكم أهلكنا وحذفت اللام كما قال تعالى (قد أفلح من زكاها) وهو مذهب الفراء وقيل الجواب (إن كل إلا كذب الرسل) وقيل الجواب محذوف أي ما الأمر كما يقول هؤلاء الكفار ودل على هذا قوله تعالى (بل الذين كفروا في عزة

وشقاق) وهو مذهب قتادة وهو أولى الأقوال لأن بل قد حلت محل الجواب فاستغنى بها عنه 3 - ثم خبر الله جل وعز بعنادهم وانحرافهم عن الحق فقال (بل الذين كفروا في عزة وشقاق) (آية 2) أي خلاف 4 - ثم قال جل وعز (كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولا ت حين مناص) (آية 3) و (كم) للتكثير في كلام العرب 5 - ثم قال جل وعز (فنادوا) أي بالتوبة والاستغاثة (ولات حين مناص) (آية 3) روى أبو إسحاق عن التميمي عن ابن عباس (ولات

حين مناص) قال ليس حين نزو ولا فرار وقال عكرمة ليس حين انقلاب وقال قتادة نادوا حين لاحين نداء قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة أي ليس حين نداء منجي والمعنى ليس حين فوت واصله من ناص ينوص إذا تأخر وباص يبوص الله تقدم كما قال الشاعر: أفمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص * فتقصر عنه تارة وتبوص

وقوله جل وعز (إن هذا لشئ عجاب) (آية 5) عجاب وعجيب بمعنى واحد كما تقول طويل وطوال وكذلك (عجاب) قرأ به أبو عبد الرحمن 7 - ثم قال جل وعز (وانطلق الملأ منهم أنا امشوا واصبروا على آلهتكم) (آية 6) روى سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد (وانطلق الملأ منهم) قال هو وعقبة بن أبي معيط أن

امشوا أن تفسير ويجوز أن يكون معناه بأن امشوا واصبروا على آلهتكم فخبر الله جل وعز بإقامتهم على الكفر 8 - وقوله جل وعز (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق) (آية 7) روى إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس قالا (في الملة الآخرة) في النصرانية

وقال محمد بن كعب يعنون ملة عيسى صلى الله عليه وسلم وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد (في الملة الآخرة) قال ملة قريش وقال قتادة في الملة الآخرة أي ملتنا التي نحن عليها 9 - وقوله جل وعز (أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب) (آية 9) قال أبو جعفر هذه الاية مشكلة لذكره هذا بعدما تقدم وفيها قولان: أحدهما أنها متصلة بقوله (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم) أي إن الله جل وعز له خزائن السموات والأرض وملكهما فيرسل من يشاء

والقول الآخر أنه لما ذكر عنادهم وكفرهم وصبرهم على آلهتهم كان المعنى ام عندهم خزائن رحمة ربك فيحظروها قال على من يريدون أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما فقررهم بهذا 10 - ثم قال جل وعز (أم لهم ملك السموات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب) (آية 10) أي إن كانوا صادقين فليرتقوا في أبواب السموات قال مجاهد وقتادة الأسباب أبواب السموات وقال زهير

: ولو نال أسباب السماء بسلم وقيل الأسباب الجبال أي فليرتقوا في السماء حتى يأتوا بآية وحكى أهل اللغة أنه يقال للدين الفاضل ارتقى أسباب السموات كما يقال قد بلغ السماء على التمثيل 11 - ثم قال جل وعز (جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب) (آية 11) أي هم جند لهؤلاء الآلهة مهزوم أي مقموع ذليل أي قد انقطعت حجتهم لأنهم لا يصلون إلى أن يقولوا هذا لنا ويقال تهزمت القرية إذا انكسرت وهزمت الجيش

كسرته ثم قال من الأحزاب قال مجاهد أي من الأمم الخالية قال أبو جعفر والمعنى أنهم حزب من الأحزاب الذين تحزبوا على انبيائهم 12 - عن وقوله جل وعز (كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد) (آية 12) روى سعيد عن قتادة في وقوله تعالى وفرعون ذو الأوتاد قال كانت له أوتاد وارسان من وملاعب يلعب بها بين يديه قال أبو جعفر وقيل كان يجعل الإنسان بين أربعة أوتاد ثم يقتله

وقال الضحاك ذو الأوتاد ذو البناء المحكم كما قال: في ظل ملك ثابت الأوتاد 13 - ثم قال جل وعز (وثمود وقوم لوطو في أصحاب الأيكة أولئك الأحزاب) (آية 13) قال قتادة كان أصحاب الأيكة أصحاب شجر أكثره من الدوم 14 - وقوله جل وعز (وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق) (آية 15) قال مجاهد (ما لها من فواق) أي من رجوع

وقال قتادة أي ما لها من مثنوية وأبو عبيدة يذهب إلى أن معنى من فواق بفتح الفاء من راحة ومن فواق بضم الفاء من انتظار وقال غيره هما لغتان بمعنى وقال السدي مالهم بعدها إفاقة ولا رجوع إلى الدنيا قال أبو جعفر أصل هذا من قولهم فواق الناقة وهو ما بين الحلبتين المعنى أنها لا تلبثهم بن حتى يموتوا ولا يحتاج فيها إلى رجوع وافاق من مرضه رجع إلى الصحة والراحة وإلى هذا ذهب أبو

عبيدة في قوله مالها من راحة 15 - وقوله جل وعز (وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب) (آية 16) قال سعيد بن جبير قطنا أي نصيبنا من الجنة وقال الحسن أي عقوبتنا وقال مجاهد أي عذابنا وقال قتادة أي نصيبنا من العذاب وقال عطاء الخراساني أي قضاءنا أي حسابنا

قال أبو جعفر أصل هذا من قولهم قططت الشئ أي قطعته فالمعنى عجل لنا نصيبنا أي ما قطع لنا ويجوز أن يكون المعنى عجل لنا ما يكفينا من قولهم قطني من هذا أي يكفيني ويروى أنهم قالوا هذا لما انزل الله جل وعز (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره) استهزاء وهذا كما قال: يعطي القطوط ويأفق يعني الكتب بالجوائز ويدل على هذا قوله تعالى (إصبر على ما يقولون) (آية 17) 16 - ثم قال جل وعز (واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب) (آية 17)

قال سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة أي ذا القوة في طاعة الله جل وعز قال أبو جعفر الأيد والآد في اللغة القوة وأيده قواه فانآد هذه كما قال: لم يك يناد فأمسى انآدا ثم قال تعالى إنه أواب قال مجاهد أي راجع عن الذنوب وقال قتادة أي مطيع قال أبو جعفر يقال آب يؤوبف سنة هو آيب إذا

رجع وأواب على التكثير 17 - ثم قال جل وعز (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق) (آية 18) إشراق الشمس ضوءها وصفاؤها 18 - ثم قال جل وعز (والطير محشورة كل له أواب) (آية 19) يجوز أن يكون المعنى كل لله جل وعز أواب يعني داود والجبال والطير ويجوز أن يكون المعنى في (كل) للجبال والطير أي ترجع مع داود التسبيح 19 - ثم قال جل وعز (وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) (آية 20)

قال مجاهد لم يكن في الأرض سلطان أعز من سلطانه قال السدي كان يحرسه في كل ليلة أربعة آلاف وقيل (شددنا ملكه) بأن الوحي كان ياتيه وهذا عن ابن عباس وقد روى عكرمة عن ابن عباس أن رجلين اختصما إلى داود ففال المستعدي إن هذا اغتصبني بقرا فجحده الآخر فأوحى الله إلى داود أن يقتلا الذي استعدى عليه فأرسل داود إلى الرجل إن الله قد أوحى إلي أن أقتلك فقال الرجل أتقتلني بغير بينة فقال لايرد أمر الله فيك فلما عرف الرجل أنه قاتله قال والله ما أخذت بهذا الذنب ولكن كنت اغتلت والد هذا فقتلته فأمو عمرو به داود فقتل فاشتدت هيبة بني إسرائيل عند ذلك له

وهو قول الله عز وجل (وشددنا ملكه) 20 - ثم قال جل وعز (وآتيناه الحكمة) (آية 20) قال أبو العالية أي المعرفة بكتاب الله جل وعز وقال السدي النبوة وقال مجاهد هو عدله 21 - ثم قال جل وعز (وفصل الخطاب) (آية 20) قال الحسن أي الفهم في القضاء

وقال أبو عبد الرحمن وقتادة أي وفصل القضاء وقال شريح والشعبي وكعب الشهود والأيمان وكذلك روى الحكم عن مجاهد وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ما قال أنفذ وقال الشعبي فصل الخطاب أما بعد قال أبو جعفر الخطاب في اللغة والمخاطبة واحد فالمعنى على حقيقة اللغة أنه يفصل أي يقطع المخاطبة بالحكم الذي آتاه الله إياه ويقطع ايضا فصلها في الشهود والأيمان وقيل ش (وفصل الخطاب) البيان الفاصل بين الحق والباطل

22 - وقوله جل وعز (وهل اتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) (آية 21) تسوروا أي علو والمحراب كل مكان مرتفع وقيل محراب للذي يصلى إليه على التمثيل أي هو أرفع موضع في المسجد وخصم يقع للواحد والاثنين والجميع بلفظ واحد على معنى ذو خصم ولا اختلاف بين أهل التفسير انه يراد به ههنا ملكان

23 - وقوله جل وعز (إذ دخلوا على داود ففزع منهم) (آية 22) قيل دخلا عليه ليلا في غير وقت الخصومة فلذلك قال (ففزع منهم) وقيل فزع منهما لدخول هما من غير الباب الذي كان منه المدخل 24 - وقوله جل وعز (قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض) (آية 22) على جهة المسألة كما تقول رجل يقول لامرأته كذا ما يجب عليه؟ 25 - ثم قال جل وعز (فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط) (آية 22) (فاحكم بيننا بالحق) أي بالعدل ولا تشطط أي ولا تجر

يقال أشط يشط إذا جار وشط يشط إذا بعد وقد قرى ولا تشطط أي لا تبعد في الحكم كما قال الشاعر: شطت مزار العاشقين فأصبحت * عسرا علي طلابها ابنة مخرم واهدنا إلى سواء الصراط أي إلى قصد السبيل وقال تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) بغير إلى والعرب تحذف حرف الخفض مما يتعدى إلى مفعولين كما قال الشاعر: ومنا الذي اختير الرجال سماحة * وبرا إذا هب الرياح الزعازع وقيل معنى اهدنا الصراط أعلمنا الصراط ومعنى

اهدنا إلى الصراط ارشدنا إلى الصراط 26 - ثم قال عز وجل (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة (آية 23) قال وهب (إن هذا أخي) أي على ديني (له تسع وتسعون نعجة) والعرب تكني عن المرأة بالنعجة والشاة كما قال الشاعر: فرميت غفلة عينه عن شاته * فاصبت حبة قلبها وطحالها وفي قراءة ابن مسعود (إن هذا أخي كان له تسع وتسعون نعجة أنثى

وكان ههنا مثل قوله (وكان الله غفورا رحيما) فاما قوله أنثى فقيل هو على جهة التوكيد وقيل لما كان يقال هذه مائة نعجة وإن كان فيها من الذكور شئ يسير جاز أن يقال أنثى ليعلم انه لاذكر فيها 27 - ثم قال جل وعز (ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها) (آية 23) قد جاءت أخبار وقصص في أمر داود صلى الله عليه وسلم وأوريا وأكثرها لا يصح ولا يتصل إسناده ولا ينبغي ان يجترأ على مثلها إلا بعد المعرفة بصحتها

وأصح ما روي في ذلك ما رواه مسروق عن عبد الله بن مسعود قال ما زاد داود صلى الله عليه وسلم على ان قال أكفلنيها أي انزل لي عنها وروى المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما زاد داود على أن قال أكفلنيها أي تحول لي عنها وضمها

إلي قال أبو جعفر فهذا أجل ما روي في هذا والمعنى عليه أن داود عليه السلام سأل أو ريا أن يطلق له امرأته كما يسال الرجل الرجل ان يبيعه جاريته فنبهه الله جل وعز على ذلك وعاتبه لما كان نبيا وكان له تسع وتسعون أنكر عليه أن يتشاغل بالدنيا وبالتزيد قبل منها فأما غير هذا فلا ينبغي الاجتراء عليه ومعنى أكفلنيها إنزل لي عنها واجعلني كافلها قال الضحاك (وعزني في الخطاب) أي قهرني وفي قراءة عبد الله وعازني

قال أبو جعفر يقال عازه أي غالبه وعزه أي غلبه قال الحسن أي قهره في المحاورة قال أبو جعفر ومنه قولهم من عز بز ومنه قول زهير: فعزته يداه وكاهله 28 - ثم قال جل وعز (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) (آية 24) المعنى بسؤاله نعجتك كما قال تعالى لا يسأم الإنسان من دعاء الخير ومعنى إلى نعاجه أي مضمومة إلى نعاجه (وإن كثيرا من الخلطاء)

أي الشركاء والخليط الشريك 29 - ثم قال جل وعز (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب) (آية 24) أي ايقن وقرأ قتادة (أنما فتناه) بتخفيف النون يعني الملكين وقال معناه صمدا له (فاستغفر ربه وخر راكعا) قال أبو الأحوص والحسن خر ساجدا وقال مجاهد سجد أربعين يوما من قبل أن يسأل ربه

شيئا قال سفيان يروى انها قام أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا لصلاة أو حاجة لابد منها قال قتادة (وأناب) أي تاب 30 - وقوله جل وعز (فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) (آية 25) قال الضحاك (لزلفى) أي منزلة رفيعة قال أبو جعفر الزلفى في اللغة القربة ومنه قوله تعالى (وأزلفنا ثم الآخرين) ومنه قوله: مر الليالي زلفا فزلفا * سماوة الهلال حتى احقوقفا

أي ساعة تقرب من أخرى ثم قال (وحسن مآب) قال الضحاك أي وحسن مرجع 31 - ثم قال جل وعز (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) (آية 26) يقال إنه من هذا جاز ان يقال خلفاء 32 - وقوله جل وعز (إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) (آية 26) (بما نسوا يوم الحساب) أي تركوا العمل له وكانوا ناسين له هذا مذهب السدي وقال عكرمة هذا من التقديم والتأخير أي لهم يوم الحساب

عذاب شديد (بما نسوا) أي بما تركوا أمر الله عز وجل والقضاء بالعدل 33 - ثم قال جل وعز (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا) (آية 27) أي لما قالوا إنه لاحساب ولا جنة ولا نار قيل لهم هذا ثم قال جل وعز (فويل للذين كفروا من النار) (آية 27) فأخبر أنه يعذبهم على ذلك

34 - وقوله جل وعز (كتاب أنزلناه إليك مبارك) (آية 29) على إضمار هذ ا ثم قال تعالى (ليدبروا آياته) أي ليفكروا في عواقب ما يكون منه (وليتذكر أولوا الألباب) أي العقول 35 - وقوله جل وعز (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب) (آية 30) فيه سبعة أقوال: أ - قال ابن المسيب الأواب الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب ب - وقال سعيد بن جبير الأواب المسبح ج - وقال قتادة المطيع

د - وقال عبيد بن عمير الذي يذكر ذنبه في الخلاء فيستغفر منه هـ - ووقيل الراحم و - وقيل التائب ز - وقال أهل اللغة الرجاع الذي يرجع إلى التوبة 36 - وقوله جل وعز (إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد) (آية 31) قال مجاهد (الصافنات) من الخيل التي ترفع إحدى يديها وتقف على ثلاث وقال الفراء الصافن القائم

وهذا المعروف في كلام العرب قال مجاهد الجياد السراع 37 - وقوله جل وعز (فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي) (آية 32) قال الفراء الخير في كلام العرب والخيل واحد قال أبو جعفر في الحديث الشريف الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة فكأنها سميت خيرا لهذا وفي الحديث (لما وفد زيد الخيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له لن تزيد الخير)

وهو زيد بن مهلهل الشاعر قال الفراء المعنى إني آثرت حب الخير قال أبو جعفر أحسن ما قيل في هذا ان المعنى إني أحببت حب الخير حبا فالهاني يحيى عن ذكر ربي قال قتادة عن صلاة العصر 38 - ثم قال جل وعز (حتى توارت بالحجاب) (آية 32) في معناه قولان: أحدهما أن المعنى حتى توارث الشمس وانه قد عرف معنى الضمير كما قال:

على مثلها أمضي إذا قال صاحبي * الا ليتني افديك منها وأفتدي أي منها يعني من الفلاة ولم يجر لها ذكر قال أبو إسحاق لما قال بالعشي كان المعنى بعد زوال الشمس فجئ بالضمير على هذا وروى أبو اسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال (الصلاة التي فرط فيها سليمان صلاة العصر) وقيل حتى توارت بالحجاب يعني الخيل وروى سعيد بن مسروق عن عكرمة قال كانت الخيل التي شغل بها سليمان عشرين ألف فرس فقطعها

39 - وقوله جل وعز (ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق) (آية 33) قال الحسن في قوله تعالى فطفق مسحا بالسوق والأعناق فقطع أسوقها وأعناقها فأبدله الله جل وعز مكانها خيرا منها وقيل معنى (فطفق مسحا) اقبل يمسحها بيده من غير قتل كما روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال يقول: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبا لها

ومن قال قتلها فذلك على أنه ذكاة أو أنه أبيح ذلك كما روي عن عبد الله بن عمر أنه أعجبه غلام فأعتقه 40 - وقوله جل وعز (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم اناب) (آية 34) قد رويت في ذلك أخبار: أ - منها أن شيطانا غلب على ملكه أياما

ب - ومنها أن الشياطين قتلت ابنه خوفا من أن يملكهم بعده والقته على كرسيه والله اعلم بما كان من ذلك والكلام يوجب انه أزيل ملكه فجلس آخر على كرسيه 41 - وقوله جل وعز (قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) (آية 35) أي اعطني فضيلة ومنزلة كما قال إبراهيم (رب أرني كيف

تحيي الموتى) 42 - وقوله جل وعز (فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب) (آية 36) قال قتادة الرخاء اللينة قال الحسن الرخاء ليست بعاصفة ولا هينة بين ذلك وروى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (رخاء حيث اصاب) قال مطيعة حيث أراد حكى الأصمعي أصاب الصواب فأخطأ الجواب أي أراد الصواب وحقيقته في اللغة أنه بمعنى قصد من قولهم أصبت أي قصدت فلم تخطئ

43 - ثم قال جل وعز (والشياطين كل بناء وغواص) (آية 37) أي من يبني له المحاريب والتماثيل ومن يغوص في البحر فيخرج الحلية وقوله جل وعز (وآخرين مقرنين في الأصفاد) (آية 38) قال قتادة أي في الأغلال قال أبو جعفر يقال صفدت الرجل إذا شددته وأصفدته أعطيته 44 - ثم قال جل وعز (هذا عطاؤنا أو أمسك بغير حساب) (آية 39)

قال الحسن والضحاك (هذا عطاؤنا) الملك فأعط وامنع وقال قتادة هؤلاء الشياطين فاحبس من شئت وسرح من شئت وعن ابن عباس كان له ثلاثمائة امرأة وتسعمائة سرية هذا عطاؤنا قال أبو جعفر وأولاها الأول لأن الأول مشتمل على كل ما أعطي وهو عقيب تلك الأشياء

وروى سفيان عن ابيه عن عكرمة عن ابن عباس (فامنن) أي أعط أو أمسك بغير حساب أي أمسك فليس عليك حساب وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد (بغير حساب) أي بغير حرج وقال الحسن ليس أحد ينعم عليه بنعمة إلا وهو يحاسب عليها إلا سليمان ثم قرأ هذا عطاؤنا أي بغير نقتير ويجوز أن يكون بمعنى لا يحاسب عليه 45 - ثم قال جل وعز (وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب) (آية 40) قال قتادة أي حسن مصير 46 - ثم قال جل وعز (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب) (آية 41)

ويروى عن الحسن والجحدري وأبي جعفر (بنصب) بفتح النون والصاد وهما عند أكثر أهل اللغة بمعنى واحد كما يقال حزن وحزن إلا أن القتبي حكى أن أبا عبيدة قال النصب الشر والنصب الإعياء قال أبو جعفر يقال أنصبه ينصبه إذا عذبه وآذاه ومنه: كليني لهم يا أميمة ناصب قال أبو جعفر وأحسن ما قيل في معنى (أني مسني الشيطان بنصب وعذاب) ما رواه يوسف بن مهر ان عن ابن عباس قال لما أصاب أيوب صلى الله عليه وسلم البلاء أخذ إبليس تابوتا وقعد على

الطريق يداوي الناس فجاءته امرأة أيوب فقالت أتداوي روى رجلا به علة كذا وكذا فقال نعم بشرط واحد على أني إذا شفيته قال لي أنت شفيتني لا أريد منه أجرا غير هذا فجاءت امرأة أيوب إلى ايوب فأخبرته فقال لها ذاك الشيطان والله لئن برأت لأضربنك مائة فلما برأ أخذ شمراخا فيه مائة فضربها به ضربة قال أبو جعفر فمعنى النصب على هذا هو ما ألقاه إليه أي يكون شيئا وسوس به

فأما قول من قال إن النصب ما أصابه في بدنه والعذاب ما أصابه في ماله فبعيد قال مجاهد عن ابن عباس ضربها بالأسل قال قتادة أخذ عودا فيه تسعة وتسعون عودا وهو تمام المائة فضربها به قال مجاهد هذا له خاص وقال عطاء هذا لجميع الناس قال أبو جعفر البين من هذا أنه خاص لأنه قال

(ولا تحنث) فأسقط عنه الحنث وقال الله جل وعز (فاجلدوهم ثمانين جلدة) ومن جلد بشمراخ فيه مائة فإنما جلد جلدة واحدة 47 - وقوله جل وعز (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار) (آية 45) روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أولي الأيدي) قال القوة والعبادة والأبصار قال الفقه في دين الله جل وعز قال أبو جعفر واحد الأيدي يد واليد تقع للقوة وفي قراءة عبد الله بن مسعود (أولي الأيد) بلا ياء

وهذا بين من قولهم أيده إذا قواه 48 - ثم قال جل وعز (إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) (آية 46) قال قتادة أي يذكرون بالآخرة وبطاعة الله جل وعز قال أبو جعفر وهذا قول بين أي إنهم يزهدون في الدنيا ويرغبون في الآخرة وكذا الأنبياء صلى الله عليهم وسلم وقال الضحاك أي بخوف الآخرة قال أبو جعفر والمعنى على هذا القول أنهم يذكرون الآخرة ويرغبون فيها ويزهدون في الدنيا

وهذا القول ظاهر معنى الكلمة وقد يكون من صفتهم أيضا الترغيب في الآخرة وهذان التأويلان على قراءة من قرأ بالتنوين ومن أضاف قال معناه أخلصناهم بافضل ما في الآخرة هذا قول ابن زيد والمعنى على هذا القول أنهم يذكرون بالآخرة ويرغبون فيها ويزهدون في الدنيا وفي القراءة بالإضافة قول آخر وهو قول مجاهد يكون المعنى إنا أخلصناهم بأن ذكرنا الجنة لهم 49 - ثم قال جل وعز (وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) (آية 47)

أي هم مصطفون من الذنوب والأدناس 50 - وقوله جل وعز (واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفيل وكل من الأخيار) (آية 48) قال الأشعري قيل ذو الكفل لأنه كفل بعمل رجل صالح كان يصلي في كل يوم مائة صلاة فاثنى الله جل وعز عليه بحسن كفالته ولم يكن نبيا وقيل كفل لبعض الملوك بالجنة وكتب له كتابا بذلك

والكفل في اللغة النصيب والحظ 51 - وقوله جل وعز (هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب) (آية 49) (هذا ذكر) أي شرف وذكر حسن في الدنيا ثم قال (وإن للمتقين لحسن مآب) أي لهم مع الذكر الحسن في الدنيا حسن مرجع في الآخرة 52 - ثم بين ذلك فقال (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) (آية 50) أي أبوابها 53 - وقوله جل وعز (وعندهم قاصرات الطرف أتراب) (آية 52) روى سعيد عن قتادة قال قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم قال أبو جعفر وانشد أهل اللغة:

من القاصرات الطرف لودب محول * من الذرفوق ولم الأتب منها لأثرا الإتب الجلد ثم قال تعالى (أتراب) قال قتادة على سن واحدة قال مجاهد أي أمثال وحكى السدي متواخيات لا يتعادين ولا يتغايرن 54 - وقوله جل وعز (إن هذا لرزقنا ماله من نفاد) (آية 54) أي انقطاع

قال السدي كلما أخذ منه شئ عاد مثله 55 - وقوله جل وعز (هذا فليذوقوه حميم وغساق) (آية 57) يجوز أن يكون المعنى هذا حميم وغساق فليذوقوه ويجوز أن يكون المعنى هذا فليذوقوه منه حميم ومنه غساق كما قال الشاعر: لها متاع وأعوان غدون لها * قتب وغرب إذا ما أفرغ انسحقا قال قتادة كنا نحدث أن الغساق ما يسيل من بين الجلد واللحم قال الفراء وهو مذهب الضحاك قيل الغساق شئ

بارد يحرق كما يحرق الحميم قال أبو جعفر قول قتادة أولى لأنه يقال غسقت عينه إذا سالت وقال ابن زيد الحميم دموع أعينهم يجمع في حياض النار يسقونه والغساق الصديد الذي يخرج من جلودهم والاختيار على ذلك (غساق) حتى يكون مثل سيال 56 - ثم قال جل وعز (وآخر من شكله أزواج) (آية 58)

وقرأ مجاهد وأبو عمرو بن العلاء (واخر من شكله) وأنكر أبو عمرو (آخر) لقوله (أزواج) أي لا يخبر عن واحد بجماعة وأنكر عاصم الجحدري (وأخر) قال ولو كانت وأخر لكان من شكلها قال أبو جعفر كلا الردين لا يلزم لأنه إذا قرأ وأخر من شكله جاز أن يكون المعنى وأخر من شكل ما ذكرنا وأخر من شكل الحميم وأخر من شكل الغساق وأن يكون المعنى وأخر من شكل الجميع ومن قرأ وآخر من شكله فقراءته حسنة لأن المعنى للفعل وإذا كان المعنى للفعل خبر عن الواحد باثنين وجماعة كما تقول

عذاب فلان ضربان وعذابه ضروب شتى ويجوز أن يكون أزواج لحميم وغساق وآخر قال قتادة من شكله من نحوه قال يعقوب الشكل المثل والشكل الدل قال عبد الله بن مسعود وآخر من شكله أزواج الزمهرير حدثنا محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال حدثنا إسماعيل بن علية عن أبي رجاء عن الحسن في قوله أزواج قال ألوان من العذاب

ثم قال جل وعز (هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار) (آية 59) (هذا فوج) أي جماعة 0 وفرقة (مقتحم معكم) أي شئ بعد شئ (لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار) لا مرحبا بمعنى لا أصبت رحبا أي سعة بمعنى لا اتسعت منازلهم في النار الفراء يذهب إلى أن الكلام معترض وأن المعنى قالوا لا مرحبا بهم 58 - وقوله جل وعز (قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار) (آية 61) قال عبد الله بن مسعود يعني الحيات والأفاعي

59 - ثم قال جل وعز (وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار اتخذناهم سخريا) (آية 63 62) ويقرأ أتخذناهم على الاستفهام وفي القراءة الأولى قولان: أحدهما وهو قول الفراء أنها على التوبيخ والتعجب قال والعرب تأتي بالاستفهام في التوبيخ والتعجب ولا تأتي به والقول الآخر وهو قول أبي حاتم أن المعنى وقالوا ما لنا لا نرى رجالا اتخذناهم سخريا يجعله نعتا للرجال

ومعنى سخري وسخري بين عند أكثر أهل اللغة واحد إلا ابا عمرو فإنه زعم أن سخريا يسخرون منهم وسخريا يسخرونهم ويستذلونهم 60 - ثم قال جل وعز (أم زاغت عنهم الأبصار) (آية 63) روى ليث عن مجاهد وقالوا ما لنا لا نرى رجالا قال قال أبو جهل والوليد بن المغيرة ما لنا لا نرى رجالا؟ قال قالوا أين سلمان أي خباب اين بلال أين عمار وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أتخذناهم سخريا فأخطأنا أمرهم في النار فزاغت أبصارنا عنهم

قال أبو جعفر وهذا قول حسن لأن أم للتسوية فصار المعنى على قوله أأخطأنا حديث أم لم نخطئ وقيل هي بمعنى (بل) والقراءة بوصل الألف بينة حسنة 61 - وقوله جل وعز (قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون) (آية 68) قال مجاهد يعني القرآن 62 - وقوله جل وعز (ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون) (آية 69) قال الحسن يعني الملائكة اختصموا كما أخبر تعالى عنهم بقوله (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من

طين) أي حين خلق آدم عليه السلام بيده قال أبو جعفر وفي الحديث يختصمون في الكفارات وهي إسباغ الوضوء في المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة قال أبو جعفر الملأ في اللغة الأشراف الأفاضل كأنهم مليئون بما يسند إليهم وقد قيل يجوز أن يكون يعني بالملأ الأعلى ههنا الملائكة (إذ يختصمون) يعني قريشا لأن منهم من قال الملائكة بنات

الله جل وعز فأعلم الله جل وعز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك واعلمه أنهم عباده وأنهم (لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون) وقيل يجوز أن يراد بالملأ الأعلى ههنا أشراف قريش إذ يختصمون فيما بينهم فيوحي الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك والله اعلم بما أراد وأولى ما قيل فيه ما قاله ابن عباس والسدي وقتادة أن الملأ الأعلى ههنا الملائكة اختصموا في أمر آدم عليه السلام حين خلق فقالوا لا تجعل في الأرض خليفة 63 - ثم قال جل وعز (إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين) (آية 70)

يجوز أن يكون المعنى: إلا إنذار وأن يكون المعنى إلا بأنما أنا نذير مبين 64 - وقوله جل وعز (فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين) (آية 74) قال الضحاك قال ابن عباس كان إبليس من أشراف الملائكة وكان خازن الجنان وكان أمينا على السماء الدنيا والأرض ومن فيهما فأعجبته نفسه ورأى أن له فضلا على الملائكة ولم يعلم بذلك أحد إلا الله جل وعز فلما أمر الله جل وعز الملائكة بالسجود لآدم امتنع وظهر تكبره

65 - وقوله جل وعز قال (فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين) (آية 78) قال أبو جعفر ومعنى إلى يوم الدين إلى اليوم الذي يدان فيه الناس بأعمالهم قال أهل التفسير رجيم أي ملعون والمعنى مرجوم باللعنة 66 - وقوله جل وعز (قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) (آية 81) ومعناه إلى يوم الوقت المعلوم الذي لا يعلمه إلا الله جل وعز

67 - وقوله جل وعز (قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) (آية 85) ويقرأ بنصب الأول وحكى الفراء أنه يجوز الخفض في الأول قال أبو جعفر رفعه على ثلاثة معان أ - روي عن ابن عباس فأنا الحق ب - وروى أبان بن تعلب عن الحكم عن مجاهد قال فالحق مني وأقول الحق ج - والقول الثالث على مذهب سيبويه والفراء بمعنى فالحق لأملأن جهنم بمعنى فالحق أن أملأ جهنم وكذا يقول سيبويه في وقوله تعالى (ثم بدا لهم من بعد ما

رأوا الايات ليسجننه) والنصب بمعنى فالحق قلت وأقول الحق وقد قال أبو حاتم المعنى فالحق لأملأن أي فحقا لأملأن وقال قولا آخر وهو أن المعنى فاقول الحق والحق لأملأن والأولى في النصب القول الأول وهو مذهب أبي عبيدة والخفض بمعنى القسم حذف الواو ويكون الحق لله جل وعز وقد اجاز سيبويه الله لأفعلن إلا أن هذا أحسن من ذاك إلا ان الفاء ههنا تكون بدلا من الواو كما تكون بدلا من الواو في قوله: فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع * فالهيتها عن ذي تمائم محول

68 - وقوله جل وعز (قل ما أسالكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) (آية 86) قال ابن زيد أي لا أتخرص وأتكلف ما لم يأمرني الله جل وعز به 69 - وقوله جل وعز (ولتعلمن نباه بعد حين) (آية 88) أي ولتعلمن أن القرآن وما أو عدتم فيه حق وروى معمر عن قتادة (ولتعلمن نبأه بعد حين) قال بعد الموت وقال السدي يوم بدر

وقال ابن زيد يوم القيامة والحين مبهم فهو مطلق يقع لكل وقت علموه فيه تمت بعونه تعالى سورة ص

تفسير سورة الزمر

تفسير سورة الزمر مكية وآياتها 75 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الزمر وهي مكية قال وهب بن منبه من أحب أن يعرف قضاء الله جل وعز في خلقه فليقرأ سورة الغرف قال مجاهد عن ابن عباس هي مكية إلا ثلاث آيات منها فإنهن نزلن بالمدينة في وحشي قاتل حمزة صلوات الله على حمزة اسلم ودخل المدينة فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطيق أن ينظر إليه فتوهم أن الله جل وعز لم يقبل إيمانه فأنزل الله جل وعز

(قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) إلى آخر الثلاث الآيات 1 - من ذلك قوله جل وعز (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) (آية 1) يجوز ان يكون المعنى تنزيل الكتاب من عند الله وأن يكون المعنى هذا تنزيل الكتاب 2 - ثم قال جل وعز (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين) (آية 2) أي بما حق في الكتب من إنزاله عليك ويجوز ان يكون المعنى ألزمك إياه بحقه عليك وعلى خلقه

وقيل المعنى يأمر بالعدل والحق 3 - ثم قال تعالى (فاعبد الله مخلصا له الدين) (آية 2) أي لا تعبد معه غيره وحكى الفراء له الدين برفع الدين وهو خطأ من ثلاثة جهات: إحداها أن بعده (ألا لله الدين الخالص) فهو يغني عن هذا وأيضا فلم يقرأ به وأيضا فإنه يجعل مخلصا التمام والتمام عند رأس الآية أولى 4 - ثم قال جل وعز (ألا لله الدين الخالص) (آية 3) أي يعبد وحده لأن من الناس من له دين ولا يخلصه لله

جل وعز وروى معمر عن قتادة ألا لله الدين الخالص قال: لا إله إلا الله 5 - ثم قال جل وعز (والذين اتخذوا من دون الله أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (آية 3) قال قتادة أي منزلة وقال الضحاك أي إلا ليشفعوا لنا قال أبو جعفر وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس ومجاهد (والذين اتخذوا من دونه أولياء قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى

الله زلفى) وفي حرف أبي (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدكم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) قال أبو جعفر والحكاية في هذا بينة 6 - وقوله جل وعز (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء) (آية 4) واتصال هذا بالأول يدل على أن هؤلاء ممن اتخذ من دون الله أولياء و (اصطفى) اختار 6 - وقوله جل وعز (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) (آية 5)

قال قتادة أي يلقي هذا على هذا وهذا على هذا قال أبو جعفر اصل التكوير في اللغة اللف والجمع ومنه كور العمامة ومنه (إذا الشمس كورت) 7 - وقوله جل وعز (خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها) (آية 6) (ثم) ههنا تدل على أن الإخبار الثاني بعد الأول وقال قتادة (ثم جعل منها زوجها) حواء خلقها من ضلع من أضلاعه وقيل يكون خلقه الزوج مردودا على واحد أي على نفس

وحدها ثم جعل منها زوجها 8 - ثم قال جل وعز (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) (آية 6) أي أصناف قال مجاهد من الإبل اثنين ومن البقر اثنين ومن الضان اثنين ومن المعز اثنين قال قتادة هي مثل التي في الأنعام 9 - ثم قال جل وعز (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق) (آية 6) قال مجاهد والضحاك نطفة ثم علقة ثم مضغة حتى يتم الخلق

ثم قال تعالى (في ظلمات ثلاث) (آية 6) قال مجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك في ظلمة الرحم وفي ظلمة المشيمة وفي ظلمة البطن وقيل في الصلب ثم في الرحم ثم في البطن وهذا مذهب ابي عبيدة والأول اصح 10 - وقوله جل وعز (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم) (آية 7) أي يرضى الشكر لكم ودل تشكروا على الشكر 11 - وقوله جل وعز (وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه) (آية 8) روى سعيد عن قتادة قال مخلصا

قال أبو جعفر يقال أناب إذا رجع وتاب 12 - وقوله جل وعز (ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل) (آية 8) أي أعطاه واباحه وكان أبو عمرو بن العلاء ينشد: هنالك إن يستخولوا المال يخولوا * وإن يسالوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا ثم قال (نسي ما كان يدعو إليه من قبل) (آية 8) أي نسي الذي كان يدعو الله جل وعز به من قبل ويجوز أن يكون المعنى نسي الله الذي كان يدعوه كما

قال تعالى (ولا أنتم عابدون ما أعبد) وفي قوله تعالى (قل تمتع بكفرك قليلا) معنى التهديد 13 - وقوله جل وعز (وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله) (آية 8) قال السدي الأنداد من الرجال يطيعهم في المعاصي وقيل عبد الأوثان وهذا أولى بالصواب لأن ذلك في سياق عتاب الله عز وجل إياهم على عبادتها 14 - وقوله جل وعز (أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما) (آية 9)

أي مصل والقنوت الطاعة قال الحسن وقتادة (آناء الليل) ساعاته أوله واوسطه وآخره قال أبو جعفر قال الأخفش قراءة من قرأ (أمن هو) ؟ بالتخفيف ضعيفة في العربية لأن الف الاستفهام لا يعتمد على ما قبلها قال أبو جعفر الذي قاله الأخفش حسن يدل عليه ان الذي في سورة النمل لم يقرأ إلا مثقلا ومعنى كلامه أن الكلام معتمد على ما قبله ليس له خبر وإنما دل عليه ما قبله لأنه قال جل وعز (وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله)

فحذف الخبر لأن المعنى أمن هو مطيع كهذا أو أمن هو مطيع أفضل أم هذا وهذا موضع أم التي بمعنى بل كما قال: أفتلك أم وحشية مسبوعة * خذلت وهادية الصوار قوامها وقوله: أذلك ام جاب يطارد آتنا * حملن فأدنى حملهن دروص ومن قرأ بالتخفيف فالخبر أيضا عنده محذوف وهو شئ غامض في العربية لا يأنس به إلا من درب بها كما قال: فأقسم لو شئ أتانا رسوله * سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

أي لدفعناه فعلى هذا يقع الحذف وقيل هو نداء أي يا من هو قائم آناء الليل 15 - وقوله جل وعز (يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) (آية 9) قرأ سعيد بن جبير (يحذر عذاب الآخرة) والمعنى واحد 16 - وقوله جل وعز (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) (آية 9) أي كما لا يستوي العالم والجاهل كذا لا يستوي المطيع والعاصي وقيل (الذين يعلمون) ما لهم في الطاعة وما عليهم في المعصية

ثم قال (إنما يتذكر أولو الألباب) أي العقول ولب كل شئ خالصه 17 - وقوله جل وعز (للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة) (آية 10) قيل الحسنة الجنة وقيل المعنى لهم حسنة في الدنيا أي ثناء حسن وطمأنينة بما لهم وقوله جل وعز (وأرض الله واسعة) (آية 10) قال مجاهد أي فهاجروا واعتزلوا الأوثان

18 - وقوله جل وعز (فاعبدوا ما شئتم من دونه) (آية 15) على الوعيد وهذا قبل الأمر بالقتال 19 - ثم قال جل وعز (قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) (آية 15) أي خسروا أنفسهم بالتخليد في النار وأهليهم بأنهم لم يدخلوا الجنة فيكون لهم أهلون وروى معمر عن قتادة قال ليس أحد إلا وقد أعد الله له أهلا في الجنة إن اطاعه 20 - وقوله جل وعز (ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون) (آية 16) أي ذلك الذي وصف من العذاب 21 - وقوله جل وعز (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها) (آية 17)

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الطاغوت الشياطين قال أبو جعفر وقد بينا هذا في سورة البقرة 22 - وقوله جل وعز (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) (آية 18) في معنى هذا قولان: القول الأول قال الضحاك (يستمعون القول) القرآن و (أحسنه) ما أمر الله جل وعز به الأنبياء من طاعته فيتبعونه

والقول الآخر: أنهم يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن قال أبو جعفر القول الأول حسن والمعنى أنهم إذا سمعوا بالعقوبة والعفو عفوا ورأوا أن العفو افضل وغن كانت العقوبة لهم 23 - وقوله جل وعز (أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار) (آية 19) يقال كيف جئ باستفهامين وقد أجمع أهل العربية انه لا يجوز استفهامان في اسم وخبره؟ ففي هذا جوابان: أحدهما ان العرب إذا طال الكلام كررت توكيدا وكذلك قال سيبويه في قول الله جل وعز (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون) ؟ المعنى على هذا افمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه؟ والكلام شرط وجوابه وجئ بالاستفهام ليدل على التوقيف والتقرير

قال الفراء المعنى أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب؟ قال أبو جعفر وهذا والأول واحد والجواب الآخر أن في الكلام حذفا والمعنى افمن حق عليه كلمة العذاب يتخلص أو ينجو؟ ثم حذف الجواب وكان ما بعده مستأنفا والمعنى افمن سبق في علم الله جل وعز انه يدخل النار ينجو أو يتخلص؟ 24 - وقوله جل وعز (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض) (آية 21) يروى ان كل ماء في الأرض فاصله من السماء

وقد يجوز ان يكون إنزاله إياه خلقه له وتكوينه بأمره وقوله تعالى (فسلكه) أي فادخله فجعله ينابيع جمع ينبوع يفعول من نبع ينبع (ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه) أي أخضر وأسود وأصفر وأبيض (ثم يهيج فتراه مصفرا) أي يجف قال الأصمعي يقال للنبت إذا تم جفافه قد هاج يهيج هيجا (ثم يجعله حطاما) أي رفاتا 25 - ثم قال تعالى (إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب) (آية 21)

أي يفكرون فيذكرون ان هذا دال على توحيد الله جل وعز وقدرته 26 - وقوله جل وعز (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) (آية 22) في الكلام حذف والمعنى افمن شرح الله صدره فاهتدى كمن طبع على قلبه فلم يهتد؟ وفي الحديث قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ينشرح القلب؟ قال نعم إذا أدخل الله فيه النور انشرح وانفسح قالوا فهل لذلك من علامة قال نعم! ! التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود

والإعداد للموت قبل لقاء الموت 27 - ثم قال جل وعز (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين) (آية 22) قيل معنى من وعن ههنا واحد قال أبو جعفر وليس هذا بشئ فمعنى (من) إذا تليت عليهم آياته قسوا كما قال تعالى (واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) وإذا قال عن فمعناه قست قلوبهم وجفت عن قبول ذكر الله

28 - وقوله جل وعز (والله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها) (آية 23) روى الشعبي عن عون بن عبد الله قال قالوا يا رسول الله حدثنا فنزلت (الله نزل أحسن الحديث) قال قتادة (متشابها) أي لا يختلف قال أبو جعفر والمعنى انه يشبه يكون بعضه بعضا في الحكمة والحق كما قال جل وعز ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا 29 - ثم قال جل وعز (مثاني) (آية 23)

قال قتادة (مثاني) ثناه الله عز وجل قال أبو جعفر والمعنى ما تثنى فيه القصص والثواب والعقاب وقيل المثاني كل سورة فيها اقل من مائة آية أي تثنى في الصلاة 30 - ثم قال جل وعز (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) (آية 23) أي تقشعر من الآيات التي يذكر فيها العذاب ثم تلين إلى الآيات التي تذكر فيها الرحمة

31 - وقوله جل وعز (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) (آية 24) في الكلام حذف والمعنى أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن يدخل الجنة؟ قال مجاهد يخر على وجهه في العذاب يوم القيامة قال أبو جعفر ويروى أنه يلقى في النار مغلولا فلا يقدر ان يتقي النار إلا بوجهه 32 - وقوله جل وعز (قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون) (آية 28) قال مجاهد أي غير ذي لبس قال أبو جعفر المعنى أنه مستقيم لا يخالف بعضه

بعضا لأن الشئ المعوج مختلف وقد روي عن ابن عباس (غير ذي عوج) غير مخلوق 33 - وقوله جل وعز (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون) (آية 29) قال قتادة هو الكافر والشركاء هم الشياطين قال (ورجلا سلما) هو المؤمن يعمل لله وحده قال مجاهد والضحاك هذا مثل للحق والباطل والشركاء هم الأوثان

قال الفراء (متشاكسون) مختلفون قال أبو جعفر من قرأ (رجلا سالما) أخرجه على الفعل ومن قرأ سلما جعله مصدرا فمعناه ذا سلم 34 - وقوله جل وعز (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) (آية 31) أي يخاصم المظلوم الظالم والمؤمن الكافر قال ابن عمر ما كنا ندري فيم نختصم حتى وقعت الفتنة فقلنا هو ذا وفي الحديث أن الزبير قال يا رسول الله اتختصم يوم القيامة بعدما كان بيننا قال نعم حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه قال إن الأمر إذا لشديد

35 - وقوله جل وعز (والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون) (آية 33) حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (والذي جاء بالصدق) يقول جاء ب لا إله إلا الله (وصدق به) يعني برسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك هم المتقون يقول اتقوا الشرك وروى ابن عيينة عن منصور قال قلت لمجاهد يا أبا الحجاج ما معنى قوله تعالى (والذي جاء بالصدق وصدق به) (آية 33) قال الذي جاء بالقرآن وصدق به

قال أبو جعفر وهذا يشبه القول الأول وهو قول أكثر أهل اللغة ويدل على صحته أن عبد الله بن مسعود قرأ (والذين جاءوا بالصدق وصدقوا به أولئك هم المتقون) ف (الذي) ههنا و (الذين) واحد وقال الحسن هو المؤمن جاء بالصدق يوم القيامة وصدق به في الدنيا وبعض أهل اللغة بقول حذف من (الذين) النون لطول الاسم وبعضهم يقول (الذي) بمعنى (الذين)

وبعضهم يقول (الذي) واحد يؤدي عن معنى الجماعة قال أبو جعفر وهذا القول أصحها يكون (الذي) مثل من لأنه لا يقصد قصده وحقيقته ان المعنى والقبيل الذي جاء بالصدق وصدق به وقد قيل في الآية غير هذا قال قتادة وأبو العالية الذي جاء بالصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه وقيل النبي صلى الله عليه وسلم وعلي عليه السلام حدثنا علي بن سعيد قال حدثنا الحسين بن نصر حدثني أبي قال حدثنا عمر بن سعيد عن ليث عن مجاهد (والذي جاء بالصدق) محمد صلى الله عليه وسلم وصدق به علي بن أبي

طالب عليه السلام ونظير الذي جاء بالصدق في أنه واحد يؤدي عن جماعة قوله: وإن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد وحذف النون وقوله: أبني كليب إن عمي اللذا * قتلا الملوك وفككا الأغلالا 36 - وقوله عز وجل (اليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه) (آية 36) هذا يدل على النصر وأكثر الكوفيين يقرأ (بكاف)

عباده) والتوحيد أحسن لأنه يروى أنه يراد به النبي صلى الله عليه وسلم ويدل عليه (ويخوفونك بالذين من دونه) روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الأوثان قال قتادة أخذها خالد بن الوليد فأسا فجاء إلى العزى ليكسرها فقال له قيمها إن سبلها لا يطاق فخف منها فجاء حتى كسر أنفها ويروى أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لئن لم تنته عن سبها لنأمرنها فلتخبلنك

قال مجاهد نزلت هذه الآية حين قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم عند باب الكعبة 37 - وقوله جل وعز (قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون) (آية 39) قال مجاهد (على مكانتكم) أي على ناحيتكم قال أبو جعفر وهذا قول صحيح والمعنى على ناحيتكم التي اخترتموها وتمكنت عندكم (إني عامل) المعنى إني عامل على ناحيتي ثم حذف 38 - وقوله جل وعز (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) (آية 42) روى جعفر بن ابي المغيرة عن سعيد بن جبير قال تجمع أرواح الأحياء وأرواح الأموات فتعارف بينهما ما شاء الله فيمسك التى قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجسادها

قال الفراء المعنى (والتي لم تمت في منامها) عند انقضاء أجلها قال وقد يكون توفاها نومها قال أبو جعفر وقيل المعنى الله يتوفى الأنفس حين موتها بإزالة أنفسها وتمييزها ثم أضمر للثاني فعل لأنه مخالف للأول فالمعنى ويتوفى التي لم تمت في منامها بإزالة تمييزها فقط لأن النائم يتنفس قال أبو جعفر أحسن ما قيل في هذا أن المعنى (يتوفى) و (يستوفي) واحد إذا انقضى الشئ كما يقال تبينت

واستبنت سعيد وتيقن واستيقن فالميت والنائم في هذا واحد ويدل عليه قوله (فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) 39 - وقوله جل وعز (أم اتخذوا من دونه شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شئا ولا يعقلون) (آية 43) قال قتادة قالوا إنما عبدناها بكر حتى تشفع لنا ثم قال جل وعز (أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون) (آية 43) قال سيبويه هذا باب الواو إذا دخلت عليها ألف الاستفهام وذلك قولك افلان قد عند فلان فيقول أهو ممن يكون عند فلان؟ قال أبو العباس هذا على الاسترشاد أو على الإنكار وما جاء منه في القرآن فمعناه الإنكار والتقرير ووقوع الشئ

40 - ثم قال جل وعز (قل لله الشفاعة جميعا) (آية 44) كما قال تعالى (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) 41 - وقوله جل وعز (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة) (آية 45) روى معمر عن قتادة قال (اشمأزت) استكبرت وكفرت وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال انقبضت قال أبو جعفر يقال اشمأز من كذا إذا نفر منه ويروى أنهم كانو إذا سمعوا من يقول لا إله إلا الله وحده نفروا وقالوا لم تذكر آلهتنا

42 - وقوله جل وعز (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) (آية 47) يروى أنهم عملوا أعمالا توهموا أنها تنفعهم فلم تنفعهم لأنهم كانوا مشركين 43 - وقوله جل وعز (فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا) (آية 49) قال مجاهد (خولناه) أعطيناه قال أبو جعفر يقال خولته كذا أي أعطيته إياه تفضلا من غير جزاء 44 - وقوله جل وعز (قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون) (آية 49) قال مجاهد (إنما أوتيته على علم) أي على شرف وقال قتادة أي على خير عندي

قال أبو جعفر المعنى إن لي علما بالكسب إما بتجارة أو غيرها فقد علمت إني أوتي هذا ومن أحسن ما قيل فيه أن المعنى قد علمت إذا أوتيت هذا في الدنيا ان لي عند الله منزلة فرد الله جل وعز ذا عليه فقال (أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون) الآية فعرف الله جل وعز انه ليس يعطي المال كل من له منزلة 45 - ثم قال جل وعز (بل هي فتنة) (آية 49) أي بل العطية فتنة يمتحن بها العبد ليظهر منه أيشكر أم يكفر؟

46 - وقوله جل وعز (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) (آية 53) روى مجاهد عن ابن عباس قال نزلت في وحشي قاتل حمزة على حمزة السلام إلى تمام ثلاث آيات وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطيق أن ينظر إليه فظن أن الله جل وعز لم يقبل منه إسلامه فنزلت هذه الايات الثلاث وروى إبراهيم التيمي عن ابن عباس أنه كان يقرأ (قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء) وقال نزلت في قاتل حمزة وذويه كذا قال

قال أبو جعفر وكذلك يروى أنه في مصحف ابن مسعود ومعنى (لا تقنطوا) لا تيأسوا قال قتادة (وأنيبوا إلى ربكم) أي أقبلوا واعملوا له 47 - وقوله جل وعز (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة) (آية 55) وكله حسن ففي هذا أقوال: أ - منها أن الله جل وعز قد أباح الانتصار بعد الظلم والعفو والعفو أحسن ب - ومنها أن الله جل وعز قد أخبر عن قوم أنهم أطاعوا وعن قوم أنهم عصوا فأمر أن نتبع الطاعة ج - ومنها أنه الناسخ د - ومنها أن يكون المعنى الحسن مما أنزل إليكم

و (بغتة) فجأة 48 - وقوله جل وعز (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) (آية 56) المعنى افعلوا هذا خوف أن تقول نفس وكراهة أن تقول نفس يا حسرتا والحسرة الندامة أي يلحق الإنسان ما يصير معه حسيرا أي معيبا وحرف النداء يدل على أنه شئ لازم أي يا حسرة هذا وقتك وهذا مذهب سيبويه قال مجاهد (في جنب الله) أي في أمر الله قال أبو جعفر المعنى في جنب أمر الله على التمثيل

أي على الطريق الذي يؤدي إلى الحق وهو الإيمان 49 - وقوله جل وعز (بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين) (آية 59) (بلى) في كلام العرب إنما يقع بعد النفي وليس في الكلام نفي، ولكن فيه معناه، لان معنى (لو أن الله هداني) ما هداني الله وروى الربيع بن انس عن أم سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين وقراءة الأعمش بلى قد جاءته آياتي وهذا يدل على التذكير

والربيع بن أنس لم يلحق أم سلمة إلا أن القراءة جائزة لأن النفس تقع للمذكر والمؤنث وقد أنكر هذه القراءة بعضهم وقال يجب إذا كسر التاء أن يقول وكنت من الكوافر أو من الكافرات قال أبو جعفر وهذا لا يلزم ألا ترى ان قبله أن تقول نفس ثم قال وإن كنت لمن الساخرين ولم يقل من السواخر ولا من الساخرات والتقدير في العربية على كسر التاء واستكبرت وكنت من الجميع الساخرين أو من الناس الساخرين أو من القوم الساخرين وقوم يقع للرجال والنساء إذا اجتمعوا وللرجال مفردين كما قال الشاعر: وما أدري وسوف إخال أدري * أقوم آل حصن أم نساء

50 - وقوله جل وعز (وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم) (آية 61) أي بنجائهم وفي من النار ويقرأ (بمفازاتهم) والتوحيد أجود لأن مفازة بمعنى الفوز 51 - وقوله جل وعز (له مقاليد السموات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون) (آية 63) روى سعيد عن قتادة قال مقاليد أي مفاتيح قال أبو جعفر ومعنى له مفاتح السموات والأرض هو خالق ما فيهما ومفتاح بابه بيده عز وجل ثم قال (والذين كفروا

بآيات الله أولئك هم الخاسرون) أي من زعم أن غيره خلق شيئا من هذا فقد خسر وكفر 52 - ثم أخبر أنه ينبغي أن يعبد وحده فقال بعد البراهين (قل أفغير الله تأمروني أعبد ايها الجاهلون) ؟ (آية 64) أي افغير الله أعبد في أمركم؟ هذا قول سيبويه 53 - وقوله جل وعز (وما قدروا الله حق قدره) (آية 67) قال أبو جعفر أبو عبيدة يذهب إلى أن المعنى وما عرفوا الله حق معرفته وفي معناه قول آخر وهو أن يكون التقدير وما قدروا نعم

الله ثم حذف كما قال سبحانه (واسأل القرية) 54 - ثم قال جل وعز (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه) (آية 67) قال الضحاك هذا كله في يمينه قال أبو جعفر معنى والأرض جميعا قبضته يوم القيامة أي يملكها كما تقول هذا في قبضتي قال محمد بن يزيد معنى بيمينه بقوته وأنشد: إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين أي بالقوة

55 - وقوله جل وعز (ونفخ في الصور) (آية 68) في معناه قولان: أحدهما أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل عن الصور فقال هو قرن ينفخ فيه وروى معمر عن قتادة في قوله ونفخ في الصور قال في صور الناس أجمعين قال أبو جعفر هذا ليس بمعروف والمستعمل في جمع صورة صور ولم يقرأ أحد ونفخ في الصور 56 - ثم قال تعالى (فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله) (آية 68)

روى سعيد عن قتادة (فصعق) فمات وروى عاصم عن عيسى المدني قال سمعت علي بن حسين يسال كعب الأحبار عن قوله تعالى فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله فقال كعب: جبرائيل وميكائيل واسرافيل ملك الموت وحملة العرش ثم يميتهم الله بعد وروى محمد بن إسحاق عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقوله تعالى فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله قال جبرائيل وميكائيل

وحملة العرش وملك الموت وإسرافيل وفي هذا الحديث أن آخرهم موتا جبرائيل صلى الله عليه وسلم وقال سعيد بن جبير إلا من شاء الله هم الشهداء متقلدي السيوف عند العرش قال أبو جعفر وهذا ليس بناقض للأول وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (ينفخ في الصور فأكون أول من قام فإذا موسى صلى الله عليه وسلم فلا أدري اقام قبلي أم هو ممن استثى الله) 57 - وقوله جل وعز (ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) (آية 68) روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن بين النفختين أربعين

قال الحسن لا أدري اهي أربعون سنة أم أربعون شهرا أم أربعون ليلة أم أربعون ساعة؟ 58 - وقوله جل وعز (وأشرقت الأرض بنور ربها) (آية 69) يبين هذا الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة صحاح تنظرون إلى الله جل وعز لا تضامون في رؤيته وهو يروى على أربعة أوجه لا تضامون ولا تضارون ولا تضارون ولا تضامون فمعنى تضامون لا يلحقكم ضيم كما يلحق في الدنيا في النظر إلى الملوك ولا تضارون لا يلحقكم ضير ولا تضامون لا ينضم بعضكم إلى بعض ليساله ان يريه

ولا تضارون لا يخالف بعضكم بعضا يقال ضاررته مضارة وضرارا أي خالفته 59 - وقوله جل وعز (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت ابوابها) (آية 73) الكوفيون يذهبون إلى ان الواو زائدة وهذا خطأ عند البصريين لأن الواو تفيد معنى العطف ولا يجوز أن تزاد

قال محمد بن يزيد المعنى حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها سعدوا 60 - وقوله جل وعز (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين (آية 73) قال أبو إسحاق المعنى طبتم فادخلوها خالدين دخلوا وحذف هذا لعلم السامع وقيل معنى طبتم طبتم في الدنيا وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال يغتسلون من نهر في الجنة ويشربون منه فلا يبقى في أجوافهم خبث ولا غل إلا خرج

61 - وقوله جل وعز (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض) (آية 74) قال قتادة يعني أرض الجنة 62 - وقوله جل وعز (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) (آية 75) فختم بالحمد كما بدأ به انتهت سورة الزمر

تفسير سورة غافر

تفسير سورة غافر مكية وآياتها 85 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة غافر وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم) (آية 2 1) روى معمر عن قتادة قال (حم) اسم من أسماء القرآن وقيل معنى (حم) حم الأمر وفي رواية عكرمة عن ابن عباس قال (آلر) و (حم) و (نون) حروف الرحمن جل وعز مقطعة

وقرا عيسى بن عمر (حاميم تنزيل) والمعنى على قراءته أتل حاميم ولم يصرفه لأنه جعله اسما للسورة ويجوز أن يكون فتح لالتقاء الساكنين والمعنى هذا تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم 2 - ثم قال جل وعز (غافر الذنب وقابل التوب) (آية 3) ويجوز أن يكون التوب جمع توبة كما قال: فيخبو ساعة ويهب ساعا ويجوز ان يكون التوب بمعنى التوبة 3 - ثم قال جل وعز (شديد العقاب ذي الطول) (آية 3)

روى ابن أبي نجيح (ذي الطول) قال ذي الغنى وروى سعيد عن قتادة قال ذي النعمة قال أبو جعفر الطول في اللغة الفضل والاقتدار يقال لفلان على فلان طول واللهم طل علينا برحمتك وروى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس (ذي الطول) قال ذي السعة والغنى 4 - وقوله جل وعز (ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد) (آية 4) قال قتادة أي فلا يغررك إقبالهم وإدبارهم وتصرفهم في أسفارهم قال أبو جعفر مثله قوله جل وعز لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل

والمعنى لا يغرنك سلامتهم وأناة الله لهم فإن عاقبتهم مذمومة ومصيرهم إلى النار 5 - ثم بين ان ذلك كان سبيل من قبلهم فقال (كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم) (آية 5) وهم ثمود وعاد وقوم لوط ومن كان مثلهم 6 - وقوله جل وعز (وهمت كل أمة برسولهم لياخذوه) (آية 5) روى معمر عن قتادة قال ليأخذوه فيقتلوه قال أبو جعفر ويبين هذا قوله تعالى (فأخذتهم) أي أهلكتهم ويقال للأسير أخيذ 7 - وقوله جل وعز (وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار) (آية 6) أي بقوله (لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين)

قال قتادة حق عليهم العذاب بكفرهم 8 - ثم أخبر أن الملائكة إنما يستغفرون للمؤمنين فقال (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم) (آية 7) روى معمر عن قتادة (فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك) قال تابوا من الشرك واتبعوا طاعتك 9 - ثم قال جل وعز (ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم) (آية 8) يروى ان عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار ما جنات عدن؟ قال قصور من ذهب في الجنة يدخلها النبيون والصديقون والشهداء وأئمة العدل قال أبو جعفر العدن في اللغة الإقامة وقد عدن

بالمكان اقام به 10 - وقوله جل وعز (وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته) (آية 9) (وقهم السيئات) قال قتادة أي العذاب (ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته) قال العذاب 11 - وقوله جل وعز (إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون) (آية 10) في الكلام تقديم وتأخير وقد بينه أهل التفسير قال الحسن يعطون كتابهم فإذا نظروا في سيئاتهم مقتوا أنفسهم فينادون لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان

فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم وقال مجاهد إذا عاينوا أعمالهم السيئة مقتوا أنفسهم فنودوا لمقت الله لكم إذ تدعون إلى الإيمان أكبر من مقتكم أنفسكم إذ عاينتم النار 12 - وقوله جل وعز قالوا (ربنا أمتنا اثنتين واحييتنا اثنتين) (آية 11) روى أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال هي مثل قوله تعالى (وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) قال أبو جعفر المعنى على هذا في أمتنا اثنتين خلقتنا أمواتا أي نطفا ثم أحييتنا ثم أمتنا ثم أحييتنا للبعث

وقيل إحدى الحياتين وإحدى الموتتين الإحياء في القبر ثم الموت وأنهم لم يعنوا حياتهم في الآخرة 13 - وقوله جل وعز (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم) (آية 14) أي كذبتم (وإن يشرك به تؤمنوا) أي تصدقوا 14 - وقوله جل وعز (يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده) (آية 15) روى عكرمة عن ابن عباس قال (الروح) النبوة وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال (الروح) الوحي وروى معمر عن قتادة يلقي الروح قال الوحي

والرحمة قال أبو جعفر يلقي الوحي على من يختص من عباده وسمي الوحي روحا لأن الناس يحيون به أي يهتدون والمهتدي حي والضال ميت على التمثيل ومنه يقال لمن لم يفقه إنما أنت ميت وقال الله تعالى (فإنك لا تسمع الموتى) 15 - ثم قال جل وعز (لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون) أي لينذر الذي يوحى إليه ويجوز أن يكون المعنى لينذر الله يوم التلاق قال قتادة أي يوم يتلاقى أهل السماء وأهل الأرض ويلتقي الأولون والآخرون

(يوم هم بارزون) قال قتادة أي لا يسترهم جبل ولا شئ 16 - ثم قال جل وعز (لا يخفى على الله منهم شئ لمن الملك اليوم) (آية 16) أي يقال هذا روى أبو وائل عن عبد الله بن مسعود قال (يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله جل وعز عليها قط فأول ما يقال (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) ثم أول ما ينظر من الخصومات في الدماء فيحضر القاتل والمقتول فيقول سل هذا لم قتلني فإن قال قتلته لتكون العزة لفلان قيل للمقتول اقتله كما قتلك وكذلك إن قتل جماعة أذيق القتل

كما أذاقهم في الدنيا قال (لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب) 17 - وقوله جل وعز (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) (آية 18) قال مجاهد وقتادة أي القيامة قال الكسائي يقال أزف الشئ يأزف أي دنا واقترب قال أبو جعفر قيل للقيامة الآزفة لقربها وإن بعدت عن الناس ومنه يقال أزف رحيل فلان 18 - ثم قال جل وعز (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) (آية 18) قال قتادة شخصت من صدورهم فنشبت في حلوقهم فلم

تخرج ولم ترجع وقال غيره تزحزحت فلا قلوبهم من الفزع فلم تخرج فيستريحوا ولم ترجع ثم قال تعالى (كاظمين) أي مغتاظين ولا شئ يزيل غيظهم يقال كظم البعير بجرته إذا رددها في حلقه وكظم غيظه إذا حبسه 19 - ثم قال جل وعز (ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) (آية 18) أي ليس لهم شفيع مطاع قال الحسن استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن الرجل منهم يشفع في قريبه وصديقه فإذا راى الكفار ذلك قالوا (فما لنا من شافعين ولا صديق حميم) 20 - ثم قال جل وعز (يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور) (آية 19)

قال ابن عباس هو الرجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه اصحابه غض بصره فإذا رأى منهم غفلة تدسس فإذا نظروا إليه غض بصره وقد علم الله جل وعز منه أن بوده أن لو نظر إلى عورتها وقال جرير بن عبد الله سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أغض بصري 21 - وقوله جل وعز (وآثارا في الأرض) (آية 21) قال مجاهد هو مشيهم وتاثيرهم في الأرض 22 - وقوله جل وعز (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين) (آية 23) (بآياتنا) أي بالعلامات التي تدل على رسالته نحو

العصا وما أشبهها (وسلطان مبين) أي وحجة مبينة 23 - ثم أعلم جل وعز انهم ردوا الايات التي يعجز عنها المخلوقون بان قالوا ساحر كذاب (فقالوا ساحر كذاب) (آية 24) 24 - ثم قال جل وعز (فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا ابناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم) (آية 25) روى معمر عن قتادة قال هذا بعد القتل الأول 25 - ومعنى (إني أخاف أن يبدل دينكم أو ان يظهر في الأرض الفساد) (آية 26) قال أبو جعفر أخاف ان يكون أحد الأمرين إما ان يذهب دينكم البتة وإما أن يستميل فيفسد عليكم ويحاربكم ويقرأ (وأن يظهر في الأرض الفساد) أي أخاف

الأمرين جميعا 26 - وقوله جل وعز (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه) (آية 28) يجوز أن يكون المعنى وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون على التقديم والتأخير ويجوز أن يكون المعنى وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) أي لأن يقول (وإن يك كاذبا فعليه كذبه) أي لا يضركم منه شئ 27 - وقوله جل وعز (وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم) (آية 28) هذه آية مشكلة لأن كل ما وعد به نبي كان فهذا موضع كل

ففيها أجوبة: أ - منها أن بعضا بمعنى كل وهذا مذهب أبي عبيدة وأنشد: أو يرتبط بعض النفوس حمامها وهذا قول مرغوب عنه لن فيه بطلان البيان ب - قال أبو إسحاق في هذا إلزام الحجة للمناظر أن يقال أرأيت إن أصابك بعض ما اعدك أليس فيه هلاكك فالمعنى إن لم يصبكم إلا بعض ما وعدكم موسى هلكتم قال ومثله قول الشاعر: قد يدرك المتأني بعض حاجته * وقد يكون مع المستعجل الزلل

أي أقل أحوال المتأني أن يدرك بعض حاجته ج - وقيل ليس في قوله (يصبكم بعض الذي يعدكم) نفي للكل د - وقيل الأنبياء صلى الله عليهم يدعون على قومهم فيقولون اللهم اخسف بهم اللهم أهلكهم في أنواع من الدعاء فيصيبهم بعض ذلك هـ - وفي الاية جواب خامس وهو أن موسى صلى الله عليه وسلم وعدهم بعذاب الدنيا معجلا إن كفروا وبعذاب الآخرة وإنما يلحقهم في الدنيا ما وعدهم به فيها وعذاب الآخرة مؤخر فعلى هذا يصيبهم بعض الذي يعدهم ثم قال جل وعز (إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) (آية 28)

أي كافر وقال قتادة أي أسرف على نفسه بالشرك وقال السدي وهو صاحب الدم 29 - وقوله جل وعز قال (فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) (آية 29) روي عن معاذ بن جبل أنه قرا سبيل الرشاد بتشديد الشين وقال سبيل الله جل وعز قال أبو جعفر وهذا عند أكثر أهل اللغة العربية لحن لأنه

إنما يقال أرشد يرشد ولا يكون فعال من أفعل إنما يكون من الثلاثي وإن اردت التكثير من الرباعي قلت مفعال قال أبو جعفر يجوز أن يكون رشاد بمعنى يرشد لا على أنه مشتق منه ولكن كما يقال لأال من اللؤلؤ فهو بمعناه وليس جاريا عليه ويجوز ان يكون رشاد من رشد يرشد أي صاحب رشاد كما قال: كليني لهم يا أميمة ناصب 30 - وقوله جل وعز (وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب) (آية 30) قال قتادة هم قوم نوح وعاد وثمود

31 - وقوله جل وعز (ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد) (آية 32) وقرأ الضحاك يوم التناد بتشديد الدال قال أهل العربية هذا لحن لأنه من ند يند إذا مر على وجهه هاربا كما قال الشاعر: وبرك هجود قد اثارت مخافتي * نواديها اسعى بعضب مجرد قال ولا معنى لهذا في القيامة قال أبو جعفر هذا غلط والقراءة به حسنة روى صفوان ابن عمرو عن عبد الله بن خالد قال يظهر للناس يوم القيامة

عنق من نار فيولون هاربين منها حتى تحيط بهم فإذا أحاطت بهم قالوا أين المفر ثم أخذوا في البكاء حتى تنفد الدموع فيكون دما ثم تشخص أبصار الكفار فذلك قوله تعالى (مهطعين مقنعي رؤسهم لا يرتد إليهم طرفهم) ويروي أنه إذا أمر بهم إلى النار ولوا هاربين منها ولو لم يكن في الاحتجاج بالقراءة إلا قوله تعالى (يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم) لكفى فأما معنى التخفيف فقال قتادة في قوله (إني أخاف عليكم يوم التناد) قال يوم ينادى كل قوم بأعمالهم وينادي أهل الجنة أهل النار وقال عبد الله بن خالد إذا حشر الناس يوم القيامة نادى

بعضهم بعضا حتى يظهر لهم عنق من النار فيولون هاربين 32 - ثم قال تعالى (ما لكم من الله من عاصم) (آية 33) قال قتادة أي من ناصر 33 - ثم قال جل وعز (ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات) (آية 34) أي من قبل موسى بالبينات أي بالآيات المعجزات (فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا) (آية 34) أي ظننتم ان الحجة لا تقام عليكم بعده (كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب) أي مثل هذا الضلال يضل الله من هو مسرف مرتاب

34 - ثم قال جل وعز (الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم) (آية 35) على البدل من (من) ومعنى (كبر مقتا) كبر الجدال مقتا 35 - ثم قال جل وعز (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) (الآية 35) وفي قراء عبد الله بن مسعود (على قلب كل متكبر جبار) ومعنى هذه القراءة كمعنى الأولى كما يقال أنا أكلم فلانا يوم كل جمعة وكل يوم جمعة

فأما التنوين فإنه يقال قلب متكبر أي صاحبه متكبر 36 - وقوله جل وعز (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا) (آية 36) أي قصرا وكل بناء عظيم صرح (لعلي أبلغ الأسباب) (آية 36) قال قتادة أي الأبواب والسبب في اللغة ما يؤدي إلى الشئ فالمعنى لعلي أبلغ ما يؤدي إلى السموات 37 - وقوله جل وعز (وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل) (آية 37) ويقرأ وصد عن السبيل وهو اختيار أبي عبيد

وروي عن ابن أبي إسحاق (وصد عن السبيل) قال أبو جعفر وأحسنها (وصد عن السبيل) كما قال تعالى (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) وقول أبي عبيد في اختياره ليس بشئ لأن من قرأه بالضم فالمعنى عنده على ما ذكر أبو حاتم وصده الشيطان عن السبيل كما قال (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل) المستقيمة 38 - ثم قال جلا وعز (وما كيد فرعون إلا في تباب) (آية 37) قال مجاهد وقتادة أي في خسار قال أبو جعفر من هذا قوله جل وعز (تبت يدا أبي لهب)

وقوله (وما زادوهم غير تتبيب) 39 - وقوله جل وعز (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها) (آية 40) قال قتادة يعني شركا 40 - وقوله جل وعز (ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة) (آية 41) قال مجاهد إلى الإيمان بالله عز وجل 41 - وقوله جل وعز (لا جرم أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة) (آية 43) قال مجاهد يعني الأوثان

قال أبو جعفر قال الخليل معنى (لا جرم) حقا وقد جرم الشئ أي حق وأنشد: ولقد طعنت ابا عيينة طعنة * جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا قال أبو جعفر فأما دخول لا على جرم فلتدل على انه جواب لكلام وأنه ليس مستأنفا فالمعنى وجب بطلان ما تدعونني إليه أي ليس له استجابة دعوة تنفع 42 - وقوله (وأن المسرفين هم أصحاب النار) (آية 43) قال عبد الله بن مسعود هم السفاكون للدماء وكذلك قال

عطاء ومجاهد 43 - وقوله جل وعز (فوقاه الله سيئات ما مكروا) (آية 45) قال قتادة كان رجلا من القبط فنجاه الله مع بني إسرائيل 44 - وقوله جل وعز (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) (آية 46) يقال كيف يعرضون عليها غدوا وعشيا وهم من أهلها؟ فالجواب عن هذا ما قاله عبد الله بن مسعود قال ارواح آل فرعون في أجواف طير سود تعرض كل يوم على النار مرتين يقال هذه داركم

وروى شعبة عن يعلى بن عطاء قال سمعت ميمون بن ميسرة يقول كان أبو هريرة إذا أصبح ينادي أصبحنا والحمد لله وعرض آل فرعون على النار وإذا أمسى نادى امسينا والحمد لله وعرض آل فرعون على النار فلا يسمع ابا هريرة أحد إلا تعوذ بالله من النار وقال مجاهد في قوله تعالى (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) قال من أيام الدنيا قال الفراء ليس في القيامة غدو ولا عشي ولكن مقدار ذلك قال أبو جعفر التفسير على خلاف ما قال الفراء وذلك أن التفسير على أن هذا العرض إنما هو في أيام الدنيا

والمعنى ايضا بين أنه على ذلك لأنه قال جل وعز (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) ثم دل على أن هذا قبل يوم القيامة بقوله (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) فدل على أن الأول بمنزلة عذاب القبر 45 - وقوله جل وعز (ويوم يقوم الأشهاد) (آية 51) قال معمر عن قتادة الملائكة قال أبو جعفر واحدهم شاهد كما يقال صاحب وأصحاب ويجوز أن يكون جمع شهيد كشريف وأشراف

46 - وقوله جل وعز (إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه) (آية 56) مثل قوله (واسال القرية) المعنى ما هم ببالغي إرادتهم فيه لأن الكبر شئ قد أتوه فهذا لا يشكل وقد قيل الكبر ههنا العلو على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك إرادتهم ولم يبلغوه فأما إرادتهم في الأول فالجدال في آيات الله جل وعز حتى يبطلوها ولم يبلغوا ذلك وقيل إنما يراد بذا اليهود تكبروا وتوقفوا وقالوا حتى يخرج الدجال ونكون معه فأعلم الله جل وعز أن هذه الفرقة من اليهود لا تلحق الدجال واستشهد صاحب هذا القول بقوله (فاستعذ بالله)

وقوله جل وعز (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) (آية 60) روى يسيع الكندي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدعاء هو العبادة وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) قال أبو عبيدة داخرين صاغرين 48 - وقوله جل وعز (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون) (آية 71) وقرئ (والسلاسل يسحبون)

وفي قراءة أبي (بالسلاسل يسحبون) وأجاز الفراء (والسلاسل يسحبون) قال أبو جعفر من قرأ (والسلاسل يسحبون) فالمعنى عنده يسحبون السلاسل وهي قراءة ابن عباس قال وذلك اشد عليهم يكلفون أن يسحبوها ولا يطيقون ومن قرأ (والسلاسل يسحبون) فالتمام عنده (والسلاسل) ثم ابتدأ فقال (يسحبون في الحميم) قال الفراء والسلاسل بالخفض محمول على المعنى لأن المعنى أعناقهم في الأغلال والسلاسل كما حمل على المعنى قوله:

قد سالم الحيات منه القدما * الأفعوان والشجاع الشجعما 49 - ثم قال جل وعز (ثم في النار يسجرون) (آية 72) قال مجاهد أي توقد بهم النار قال أبو جعفر يقال سجرت الشئ أي ملاته ومنه (والبحر المسجور) فالمعنى على هذا تملأ بهم النار وقال الشاعر يصف وعلا: إذا شاء طالع مسجورة * ترى حولها النبع والساسما أحمد

أي عينا مملوءة 50 - وقوله جل وعز (ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق) (آية 75) بين هذا بقوله سبحانه (فرحوا بما عندهم من العلم) 51 - ثم قال جل وعز (وبما كنتم تمرحون) (آية 75) قال مجاهد أي تبطرون وتأشرون 52 - وقوله جل وعز (الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون) (آية 79) أي الإبل قال قتادة في قوله تعالى (ولتبلغوا عليها حاجة في

صدوركم) الرحلة من بلد إلى بلد وقال مجاهد أي حاجة كانت 53 - وقوله جل وعز (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم) (آية 83) أي رضوا به قال مجاهد قالوا نحن أعلم منكم لن تبعث ولن نحيا بعد الموت قال مجاهد (وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) (آية 83) أي ما جاءت به الرسل الحق

54 - وقوله جل وعز (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده) (آية 85) قال قتادة أي إنهم إذا رأوا العذاب آمنوا فلم ينفعهم إيمانهم 55 - ثم قال تعالى (وخسر هنالك الكافرون) (آية 85) وقد كانوا قبل ذلك خاسرين لأنه تبين خسرانهم بأن لحقهم العذاب ولم يقبل إيمانهم انتهت سورة غافر

تفسير سورة فصلت

تفسير سورة فصلت مكية وآياتها 54 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة فصلت وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز (حم تنزيل من الرحمن الرحيم (آية 1، 2) الخبر عند البصريين (كتاب فصلت آياته) (آية 3) وقال بعض الكوفيين هذا كتاب (فصلت آياته) أي أنزلت متفرقة وقال الحسن فصلت بالوعيد وقال مجاهد (فصلت) فسرت وقال قتادة بين حلالها وحرامها والطاعة والمعصية

2 - ثم قال جل وعز (قرآنا عربيا لقوم يعلمون) (آية 3) (قرآنا عربيا) أي في حال الإجتماع (لقوم يعلمون) أي لمن يعلم العربية (بشيرا ونذيرا) نعت للقرآن 3 - وقوله جل وعز (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه) (آية 5) أي في أغطية أي ليست تعي ما تقول والوقر الصمم 4 - ثم قال جل وعز (ومن بيننا وبينك حجاب فأعمل إننا عاملون) (آية 5) حجاب أي حاجز

وهو يزيد على معنى (قلوبنا في أكنة) لأن معنى (قلوبنا في أكنة) أي ليس نجيبك إلى شئ مما تدعونا إليه ثم قال (فاعمل إننا عاملون) أي فاعمل في هلاكنا فإنا عاملون على مثل ذلك ويجوز أن يكون المعنى فاعمل بدينك فإننا عاملون بديننا 5 - وقوله جل وعز (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) (آية 7) قيل أي لا يؤمنون

وقال قتادة الزكاة فطرة الإسلام فمن أداها برئ ونجا ومن لم يؤدها هلك 6 - وقوله جل وعز (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) (آية 8) قال مجاهد أي غير محسوب قال أبو جعفر يقال مننت الشئ فهو ممنون ومنين إذا قطعته كما قال: فترى خلفها من الرجع والوقع * منينا كأنه أهباء يعني بالمنين بعد الغبار المنقطع الضعيف ويجوز أن يكون المنون يمن به 7 - وقوله جل وعز (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) (آية 9)

روى سفيان عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس وابن أبي ذيب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن عبد الله بن سلام قالا وهذا معنى قولهما ابتدأ الله جل وعز بخلق الأرضين يوم الأحد فخلق سبع أرضين في يوم الأحد ويوم الاثنين ثم (جعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقوائها) يقول أرسى الجبال وشق الأنهار وغرس الأشجار وجعل المنافع في يومين يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء (ثم استوى إلى السماء) فخلقها سبع سموات في يوم الخميس ويوم الجمعة قال ابن عباس ولذلك سميت يوم الجمعة لأنه اجتمع فيها الخلق

قال عبد الله بن سلام قضاهن سبع سموات في آخر ساعة من يوم الجمعة ثم خلق فيها آدم على عجل وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة قال أبو جعفر معنى (وبارك فيها) على قولهما شق أنهارها وغرس أشجارها وقيل معنى (بارك فيها) أكثر فيها من الأوقات وقيل معناه كما يقال باركت عليه أي قلت بورك فيك 8 - قال عكرمة في قوله تعالى (وقدر فيها أوقاتها) (آية 10) جعل اليماني باليمن والسابري بسابور

قال أبو جعفر فالمعنى على هذا جعل فيها ما يتعايش به ويتجر فيه وقيل (أقواتها) ما يتقوت ويؤكل وقول ابن عباس وابن سلام يحتمل المعنيين والله أعلم 9 - ثم قال جل وعز (في أربعة أيام سواء للسائلين) (آية 10) المعنى في تتمة أربعة أيام (سواء) أي استوت استواء وقال الفراء هو متعلق بقوله (وقدر فيها أقواتها) سواء وقرأ الحسن (سواء) بالخفض أي في أربعة أيام مستوية تامة وبالاسناد الأول عن ابن عباس في قوله تعالى (للسائلين) قال من سألك فقال لك في كم خلق الله السموت والأرض فقل

له في هذا قال أبو جعفر فالمعنى على هذا القول جوابا للسائلين وفيه قول آخر وهو أن المعنى وقدر فيها أقواتها للسائلين أي للمحتاجين أي لمن سأل لأن الناس يسألون أقواتهم وهذا مذهب ابن زيد قال قدر ذلك ى قدر مسائلهم علم ذلك 10 - وقوله جل وعز (ثم استوى إلى السماء) (آية 11) دل على أن خلق السماء بعد خلق الأرض وقد قال في موضع آخر (والأرض بعد ذلك دحاها) ؟ ففي هذا أجوبة: روى هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس قال خلق الله الأرض أول ثم خلق السماء ثم دحا الأرض والماء بعد

ذلك قال (دحا) أي بسط وقيل المعنى ثم أخبركم بهذا كما قال جل وعز (ثم كان من الذين آمنوا) وهو في القرآن كثير وقيل (ثم) ههنا بمعنى الواو وهذا لا يصح ولا يجوز والجوابان حسنان جيدان 11 - وقوله جل وعز (فقال لها وللأرض ائتنا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) (آية 11) في هذا أجوبة:

أ - منهما أن الله جل وعز جعل فيهما ما يميزان ويجيبان عما قيل لهما ب - وقال محمد بن يزيد هذا إخبار عن الهيئة أي صارتا في هيئة من قال أي هو كما قال امتلأ الحوض وقال قطني أي حسبي أي صار في هيئة من يقول وقيل أخبرنا الله عز وجل بما نعرف من سرعة الإجابة وقد علمنا أنه ليس شئ اسرع من أن يقال للإنسان افعل فيقول قد فعلت فاخبر الله جل وعز عن إجابة السموات والأرض إلى أمره جل وعز فأما قوله تعالى (طائعين) ولم يقل طائعات فقال فيه الفراء معناه أتينا بمن فينا طائعين

قال أبو جعفر الأحسن في هذا وهو مذهب جلة النحويين أنه جل وعز لما أخبر عنها بأفعال ما يعقل جاء فيها بما يكون لمن يعقل كما في قوله تعالى (والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) فأما الكسائي فأجاز في كل شئ أن يجمع بالواو والنون والياء والنون وهذا لا يعرج عليه 12 - وقوله جل وعز (فقضاهن سبع سموات في يومين) (آية 12) (فقضاهن) أي أحكمهن كما قال الشاعر: وعليهما مسرودتان قضاهما * داود أو صنع السوابغ تبع 13 - وقوله جل وعز (وأوحى في كل سماء أمرها) (آية 12)

روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ما أمر وما أراده وروى سعيد عن قتادة قال خلق شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها قال أبو جعفر القولان متقاربان وكأن المعنى والله أعلم وأوحى في كل سماء إلى الملائكة بما أراد من أمرها 14 - ثم قال جل وعز (وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا) (آية 12) أي وحفظناها حفظا من الشياطين بالكواكب والمعنى ائنكم لتكفرون بمن هذه قدرته وتجعلون له أمثالا

مما تنحتون بأيديكم؟ 15 - ثم قال جل وعز (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) (آية 13) أي فإن أعرضوا عن التوحيد وما جئت به (فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) أي انذرتكم أن ينزل بكم عذاب كما نزل بهم (إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم) يعني من جاء قبلهم كما قال تعالى (مصدقا لما بين يديه) ثم قال (ومن خلفهم) فيه قولان: أحدهما أن المعنى ومن بعد كونهم

والقول الآخر أن يكون الضمير يعود على الرسل 16 - وقوله جل وعز (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا) (آية 16) روى ابن ابي نجيح عن مجاهد قال شديدة السموم وروى معمر عن قتادة قال باردة قال أبو جعفر قول قتادة ابين وكذا قال عطاء لأن (صرصرا) مأخوذ من صر والصر في كلام العرب البرد كما قال الشاعر: لها غدر كقرون النساء * ركبن في يوم ريح وصر وليس القولان بمتناقضين لأن لأنه يروى أنها كانت ريحا باردة

تحرق كما تحرق النار وقد قال أبو عبيدة (صرصر) شديدة الصوت عاصف وقد روي عن مجاهد شديدة الشؤم 17 - ثم قال جل وعز (في أيام نحسات) (آية 16) قال مجاهد أي مشائيم وقال قتادة مشئومات نكدات 18 - وقوله جل وعز (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) (آية 17)

روى علي بن ابي طلحة عن ابن عباس قال بينا لهم قال أبو جعفر بينا لهم الخير والشر قال سبحانه (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) وكما قال تعالى (وهديناه النجدين) قال علي بن أبي طالب الخير والشر و (الهون) الهوان 19 - وقوله جل وعز (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون) (آية 19) قال أبو الأحوص وأبو رزين ومجاهد وقتادة أي يحبس أولهم على آخرهم

قال أبو الأحوص فإذا تكاملت العدة بدئ بالأكابر فالأكابر جرما قال أبو جعفر يقال وزعه يزعه ويزعه إذا كفه ومنه لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن ومنه لا بد للناس من وزعة 20 - وقوله جل وعز (حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) (آية 20) قال الفراء الجلد ههنا والله أعلم الذكر كني عنه كما قال تعالى (أو جاء أحد منكم من الغائط) والغائط: الصحراء قال أبو جعفر وقال غيره هو الجلد بعينه وروى أبو الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال يجادل المنافق عند الميزان ويدفع الحق ويدعي الباطل فيختم على فيه ثم

تستنطق جوارحه فتشهد عليه ثم يطلق عنه فيقول بعدا لكن وسحقا إنما كنت أجادل عنكن 21 - وقوله جل وعز (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ) (آية 21) هذا تمام الكلام 22 - ثم قال (وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون) (آية 21) وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى (وما كنتم تستترون) قال تتقون

قال أبو جعفر المعنى وما كنتم تستترون من أن يشهد عليكم سمعكم قال عبد الله بن مسعود كنت مستترا باستار الكعبة فجاء ثقفي وقرشيان كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فتحدثوا بينهم بحديث فقال أحدهم أترى الله يسمع ما نقول فقال الآخران يسمعنا إذا جهرنا ولا يسمعنا إذا خافتنا وقال الآخر إن كان يسمعنا إذا جهرنا فهو يسمعنا إذا خافتنا 23 - فأنزل الله جل وعز (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا ابصاركم ولا جلودكم) إلى قوله (وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) (آية 22، 24) وروى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (أن يشهد عليكم سمعكم ولا ابصاركم ولا جلودكم) قال تدعون يوم القيامة مفدمة أفواهكم

بفدام فأول ما يبين عن الإنسان فخذه وكفه 24 - وقوله جل وعز (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين) (آية 23) أي حين ظننتم أنه لا يسمعكم وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله (أنا عند ظن عبدي بي) ومعنى أرداكم أهلككم 25 - وقوله جل وعز (فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) (آية 24)

والنار مثوى لهم صبروا أو لم يصبروا ففي هذا جوابان: أحدهما ان المعنى فإن يصبروا في الدنيا على أعمال أهل النار كما قال سبحانه فما أصبرهم على النار فالنار مثوى لهم (وإن يستعتبوا) في النار وقيل (وإن يستعتبوا) في الدنيا وهم مقيمون على كفرهم والجواب الآخر: فإن يصبروا في النار أو يجزعوا فالنار مثوى لهم ويكون قوله (وإن يستعتبوا) يدل على الجزع لأن المستعتب جزع 26 - وقوله جل وعز (وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم) (آية 25)

قال مجاهد يعني الشياطين قال أبو جعفر معنى قيضت له كذا سببته له من حيث لا يحتسب 27 - ثم قال جل وعز (فزينوا لهم ما بين أيديهم) (آية 25) أي ما يعملونه من المعاصي (وما خلفهم) وما عزموا على أن يعملوه 28 - وقوله جل وعز (وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) (آية 26) وقرأ عيسى وابن أبي إسحاق (والغوا) بضم الغين حكى الكسائي لغا يلغو وعلى هذا (والغوا فيه) وحكى لغا يلغى ولغي يلغى والمصدر على هذا مقصور روى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال

كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة إذا قرأ رفع صوته فتطرد قريش عنه الناس ويقولون (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون) وإذا خافت بقراءته لم يسمع من يريد فأنزل الله جل وعز (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) وروى ابن ابي نجيح عن مجاهد في وقوله (والغوا فيه) قال بالمكاء والتصفيق والتخليط على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ كانت قريش تفعله قال أبو جعفر اللغو في اللغة ما لايعرف له حقيقة ولا يحصل معناه فمعنى والغوا فيه أي عارضوه باللغو 29 - وقوله جل وعز (ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد) (آية 28)

المعنى: ذلك العذاب الشديد جزاء أعداء الله ثم بين الجزاء فقال (النار لهم فيها دار الخلد) والنار هي دار الخلد والعرب تفعل هذا على التوكيد كما قال: أخو رغائب بعطيها ويسالها وقد * يأبى الظلامة منه النوفل الزفر وهو هو كما يقال لك في هذا المنزل دار واسعة وهو الدار ولا يجوز عند الكوفيين حتى يخالف لفظ الثاني لفظ الأول لا تقول على قولهم في هذا المنزل منزل حسن على أن الثاني الأول وهو عند البصريين كله جيد وفي قراءة عبد الله بن مسعود (ذلك جزاء أعداء الله النار دار الخلد)

30 - وقوله جل وعز (وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين اضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا) (آية 29) قال حبة العرني وعقبة الفزاري سئل علي بن ابي طالب عليه السلام عن قوله جل وعز أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس فقال هما إبليس الأبالسة وابن آدم الذي قتل أخاه وكذلك روي عن ابن مسعود وابن عباس 31 - وقوله جل وعز (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) (آية 30) قال مجاهد وإبراهيم قالوا لا إله إلا الله ثم استقاموا روي عن أبي بكر الصديق أنه قال لهم ما معنى (ثم استقاموا) ؟ فقالوا لم يعصوا الله فقال لقد صعبتم الأمر إنما هو استقاموا على ألا يشركوا بالله شيئا

وقال مجاهد وإبراهيم ثم استقاموا لم يشركوا وقال الزهري قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ثم استقاموا) على طاعة الله عز وجل ولم يروغوا روغان الثعلب وروى معمر عن قتادة ثم استقاموا قال على طاعة الله قال أبو جعفر في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم استقيموا ولن تحصوا أي استقيموا على أمر الله وطاعته 32 - ثم قال جل وعز (تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا) (آية 30) قال مجاهد (تتنزل عليهم الملائكة) عند الموت أن لا تخافوا ولا تحزنوا

روى سفيان عن زيد بن اسلم قال لا تخافوا ما أمامكم من العذاب ولا تحزنوا على ما خلفكم من عيالكم وضيعتكم فقد خلفتم فيها بخير وفي قراءة ابن مسعود: (تتنزل عليهم الملائكة لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) قال زيد بن اسلم يقال لهم هذا عند الموت 33 - وقوله جل وعز (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا) (آية 33) في معناه ثلاثة اقوال: فمذهب الحسن أنها عامة لجميع المؤمنين

وروى هشيم عن عوف عن ابن سيرين في قوله تعالى (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله) قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أي دعا إلى توحيد الله وقال محمد بن نافع قالت عائشة نزلت في المؤذنين (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا) وقال أبو الزاهرية: قالت عائشة: إني لارجو أن يكون المؤذنون هم الذين قال الله فيهم: (ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا) 34 - وقوله جل وعز (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة) (آية 34) (لا) زائدة للتوكيد

35 - ثم قال جل وعز (ادفع بالتي هي أحسن) (آية 34) قال عطاء ومجاهد تقول إذا لقيته سلام عليكم ويروى عن ابن عباس في قوله ادفع بالتي هي أحسن قال هما الرجلان متقاولان حتى فيقول أحدهما لصاحبه يا صاحب كذا وكذا فيقول له الآخر إن كنت صادقا علي فغفر الله لي وإن كنت كاذبا فغفر الله لك وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية عن علي بن ابي طلحة عن ابن عباس ادفع بالتي هي أحسن قال أمر الله جل وعز المؤمنين بالصبر عند الغضب والحلم والعفو عند الإساءة فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم

36 - ثم قال جل وعز (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) (آية 35) قال يقول الذين أعد الله لهم الجنة روى معمر عن قتادة كانه ولي حميم قال قريب 37 - ثم قال جل وعز (وما يلقاها إلا الذين صبروا) (آية 35) أي وما يلقى هذه الفعلة غلا الذين يكظمون الغيظ (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) أي من الخير وروى معمر عن قتادة قال الحظ العظيم الجنة 38 - ثم قال جل وعز وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله) (آية 36)

أي إن عرض لك الشيطان ليصدك تعالى عن الحلم فاستعذ بالله منه واحلم 39 - وقوله جل وعز (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن) (آية 37) أي ومن علاماته التي تدل على قدرته ووحدانيته (الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن) ويجوز ان يكون المعنى واسجدوا لله الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر ويجوز أن يكون المضمر يعود على الشمس والقمر لأن الاثنين جميع

ويجوز ان يكون يعود على معنى الآيات 40 - ثم قال جل وعز (فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسامون) (آية 38) أي فإن استكبروا عن أن يوحدوا الله ويتبعوك (فالذين عند ربك) أي فالملائكة الذين عند ربك فإن يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون أي لا يملون 41 - ثم زادهم في الدلالة فقال جل وعز (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة) (آية 39) قال قتادة أي غبراء متهشمة 42 - ثم قال جل وعز (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) (آية 39) قال مجاهد اهتزت أي بالنبات قال أبو جعفر يقال اهتز الإنسان أي تحرك ومنه قوله:

* تراه كنصل السيف يهتز للندى * إذا لم تجد عند امرئ السوء عمر مطمعا ثم قال (وربت) قال مجاهد أي ارتفعت لتنبت قال أبو جعفر قرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع وخالد (وربأت) معناه عظمت من الربيئة 43 - وقوله جل وعز (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا) (آية 40) قال مجاهد المكاء وما ذكر معه وقال قتادة الإلحاد التكذيب قال أبو جعفر أصل الإلحاد العدول عن الشئ والميل عنه ومنه اللحد لأنه جانب القبر

فمعنى ألحد في آيات الله مال عن الحق فيها أي جعلها على غير معناها 44 - وقوله جل وعز (أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة) (آية 40) (أفمن يلقى في النار) أبو جهل بن هشام (خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة) عمار بن ياسر ثم قال (اعملوا ما شئتم) وقد بين جل وعز ذلك قال مجاهد هذا على الوعيد 45 - وقوله جل وعز (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم) (آية 41)

قال قتادة أي بالقرآن قال أبو جعفر وفي الخبر قولان: أحدهما أن المعنى إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم أولئك ينادون من مكان بعيد والقول الآخر: أن الخبر محذوف أي هلكوا وهذا القول الاختيار عند النحويين جميعا فيما علمت وقوله (وإنه لكتاب عزيز) أي قاهر لا يقدر أحد أن يأتي بمثله 46 - وقوله جل وعز (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) (آية 42) في معناه أقوال: أ - فمن احسنها أن المعنى لا يأتيه الشيطان من بين يديه

فينتقص منه ولا من خلفه فيزيد فيه قال مجاهد الباطل الشيطان وقال الحسن حفظ الله القرآن من الشيطان فلا يقدر أن يزيد فيه ولا ينقص منه قال الحسن (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) قال لا يقدر الشيطان أن يبطل منه حقا ولا يحق فيه باطلا قال أبو جعفر معنى يحق فيه باطلا يزيد فيه باطلا فيصير حقا فهذا قول ب - وقيل معنى (لا يأتيه الباطل من بين يديه) لا يبطله كتاب قبله ولا يأتي بعده كتاب فيبطله وهذا قول الفراء أي لا

يوجد فيه باطل من إحدى الجهتين ج - وقيل معنى (لا يأتيه الباطل من بين يديه) من قبل أن يتم نزوله (ولا من خلفه) من بعد تمام نزوله ويكون أيضا (من بين يديه) بعد نزوله كله (ومن خلفه) قبل تمامه د - وقيل المعنى لا يأتيه الباطل قبل أن ينزل لأن الأنبياء وقد بشرت به فلم يقدر الشيطان على أن يدحض ذلك ولا من خلفه بعد أن أنزل هـ - وقيل معنى (من بين يديه ولا من خلفه) على التكثير أي لا ياتيه الباطل البتة 47 - وقوله جل وعز (ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك) (آية 43) قال أبو صالح أي من الأذى

وقوله تعالى (إن ربك لذو مغفرة) أي لمن آمن بك (وذو عقاب أليم) أي لمن كذبك 48 - وقوله جل وعز (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته) (آية 44) أي بينت قال أبو جعفر أصل هذا أن التفصيل لا يكون إلا للعرب وهم أصحاب البيان 49 - ثم قال جل وعز (أعجمي وعربي) (آية 44) قال سعيد بن جبير أي أقرآن أعجمي ونبي عربي؟ قال قتادة اي لو جعلنا القرآن أعجميا لأنكروا ذلك

وقالوا أعرب مخاطبون بالعجمية فكان ذلك أشد لتكذيبهم وقرأ ابن عباس والحسن وأبو الأسود (أعجمي) بغير استفهام والعين ساكنة والمعنى على هذه القراءة لولا فصلت آياته فكان منها أعجمي تفهمه العجم وعربي تفهمه العرب؟ ويكون (أعجمي) بدلا من (آياته) وحكي أنه قرئ (أعجمي) ؟ على أن الأصل عجمي دخلت عليه ألف الاستفهام

قال أبو جعفر قال أبو إسحاق الأعجمي الذي لا يفصح كان من العرب أو من العجم والعجمي الذي ليس من العرب كان فصيحا أو غير فصيح قال أبو جعفر والقراءة الأخرى بعيدة لأنهم قد أجمعوا على قوله (ولو جعلناه قرآنا أعجميا) 50 - وقوله جل وعز (والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى) (آية 44) (وقر) أي صمم على التمثيل وهو عليهم عمى قال قتادة القرآن وقيل الوقر عليهم عمى

وقرأ ابن عباس ومعاوية وعمرو بن العاص (وهو عليهم عمي) على أنه فعل ماض وحكي (وهو عليهم عم 51 - ثم قال جل وعز (أولئك ينادون من مكان بعيد) (آية 44) حكى أهل اللغة أنه يقال للذي يفهم أنت تسمع من قريب ويقال ويقال للذي لا يفهم أنت تنادى من مكان بعيد أي كأنه ينادي منو موضع بعيد منه فهو لا يسمع النداء ولا يفهمه ومذهب الضحاك أنهم ينادون يوم القيامة باقبح اسمائهم من مكان بعيد ليكون ذلك اشد عليهم في الفضيحة والتوبيخ 52 - ومعنى قوله جل وعز (ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم) (آية 45)

أنهم قد أخروا إلى مدة يعلمها الله وأنه لا يعالجهم بالهلاك 53 - وقوله جل وعز (إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمارت من أكمامها) (آية 47) روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال حين تطلع وقال غيره هي الطلعة تخرج من قشرها قال أبو جعفر القول الأول أعم أي وما تخرج من ثمرة من غلافها الذي كانت فيه وذلك أول ما تطلع وغلاف كل شئ كمه 54 - وقوله جل وعز (ويوم يناديهم اين شركائي) (آية 47) أي على زعمكم (قالوا آذناك) هذا من قول الالهة أي أعلمناك

يقال آذنته فأذن أي أعلمته فعلم والأصل في هذا من الأذن أي أوقعته في أذنه ومنه: آذنتنا ببينها أسماء ومنه قوله جل وعز (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن) أي اعملوا ما شئتم ثم اعتذروا منه فإنه يعذركم ويقبل ما تعلمونه به ومنه الأذان إنما هو إعلام بالصلاة ثم قال تعالى (ما منا من شهيد) أي ما منا من شهد أن لك شريكا 55 - ثم قال جل وعز (وظنوا ما لهم من محيص) (آية 47) (وظنوا) أي وأيقنوا 56 - وقوله جل وعز (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤوس قنوط) (آية 49)

أي لا يمل من أن يصيبه الخير وفي قراءة عبد الله (من دعاء بالخير) (وإن مسه الشر) أي إن مسه شئ يسير من الشر يئس وقنط 57 - وقوله جل وعز (ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة) (آية 50) قال مجاهد أي بعملي وأنا حقيق بهذا وهذا يراد به الكافر الا ترى أن بعده (وما أظن الساعة قائمة) وقوله تعالى (ولئن رجعت إلى ربي) أي على قولك

58 - وقوله جل وعز (وإذا انعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه) (آية 51) أي تباعد ولم يدعنا وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع أعرض وناء بجانبه الألف قبل الهمزة فيجوز أن يكون معناه من ناء إذا نهض ويجوز أن يكون على قلب الهمز بمعنى الأول 59 - وقوله جل وعز (وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض) (آية 51) أي كبير يقال له دعاء عريض وطويل بمعنى واحد 60 - وقوله جل وعز (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) (آية 53) أي في آفاق الدنيا وتقلب أحوالها (وفي أنفسهم) مثل ذلك

قال مجاهد (في الآفاق) فتح القرى (وفي أنفسهم) فتح مكة 61 - وقوله جل وعز (أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) (آية 53)

المعنى أو لم يكفهم بربك أي أو لم يكفهم ربك بما دلهم به على توحيد الله جل وعز مما فيه كفاية لهم لأنه على كل شئ شهيد؟ ويجوز أن يكون المعنى أنه له على كل شئ شاهد بانه محدث وإذا شهده جازى عليه 62 - ثم قال جل وعز (ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم) (آية 54) أي في شك وقرأ الحسن (في مرية) (الا إنه بكل شئ محيط) أي قد أحاط بعلم الغيب والشهادة جل وعز انتهت سورة السجدة

تفسير سورة الشورى

تفسير سورة الشورى مكية وآياتها 53 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الشورى وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز (حم. عسق) (آية 1) وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس (حم. سق) قال ابن عباس وكان علي عليه السلام يعرف الفتن بها وروى معمر عن قتاده في قوله تعالى (حم. عسق) قال: اسم من اسماء القرآن

2 - وقوله جل وعز (كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم) (آية 3) المعنى يوحي إليك وإلى الذين من قبلك كذلك الوحي الذي تقدم أو كحروف المعجم وقيل إنه لم ينزل كتاب إلا وفيه (حم. عسق) فالمعنى على هذا كذلك الذي أنزل من هذه السورة وهذا مذهب الفراء قال ويقرا (كذلك يوحى إليك وإلى الذين من قبلك) قال أبو جعفر يجوز على هذه القراءة ان يكون هذا التمام ثم ابتدأ فقال (الله العزيز الحكيم) على أن العزيز الحكيم خبر أو صفة والخبر (له ما في السموات وما في الأرض) وكذلك يكون على قراءة من قرأ (نوحي) بالنون ويجوز على قراءة من قرأ يوحى ان يكون المعنى يوحي الله وأنشد سيبويه:

ليبك يزيد ضارع لخصومة * وأشعث ممن طوحته الطوائح فقال ليبك يزيد ثم بين من ينبغي أن يبكيه فالمعنى يبكيه ضارع 3 - وقوله جل وعز (تكاد السموات ينفطرن من فوقهن) (آية 5) أي ينشققن كما من أعلاهن عقوبة وقال قتادة لجلالة الله وعظمته قال أبو جعفر وقيل أي من فوق الأمم المخالفة

ويقرأ (يتفطرن من فوقهن) أي من عظمة من فوقهن 4 - ثم قال جل وعز (والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض) (آية 5) وفي الأرض المؤمن والكافر! ! فروى معمر عن قتادة قال (يستغفرن لمن في الأرض) من المؤمنين قال أبو جعفر ويبين هذا قوله جل وعلا (ويستغفرون للذين آمنوا) وقال في الكفار (أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)

5 - وقوله جل وعز (لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه) (آية 7) روى أشعث عن الحسن قال (أم القرى) مكة قال أبو جعفر وإنما قيل لها أم القرى لنها أول ما عظم من خلق الله عز وجل أو لأنها ما وضع كما قال جل وعز (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة) وفي الحديث (إن الأرض منها دحيت) قال أبو جعفر والمعنى لتنذر أهل أم القرى وتنذر من حولها

(وتنذر يوم الجمع) أي يوم يبعث الناس جميعا المعنى وتنذرهم بيوم القيامة ثم حذف المفعول والباء كما قال تعالى (لينذر باسا شديدا من لدنه) 6 - وقوله جل وعز (فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا) (آية 11) (جعل لكم من أنفسكم أزواجا) أي إناثا (ومن الأنعام ازواجا يذرؤكم فيه) قال مجاهد نسلا من بعد نسل من الناس والإنعام قال قتادة (يذرؤكم فيه) يعيشكم فيه قال أبو جعفر المعنى انه لما قال (جعل) دل على الجعل كما يقال من كذب كان شرا له أي يخلقكم ويكثركم في الجعل

وقال الفراء (فيه) بمعنى به والله اعلم وقال القتبي (يذرؤكم فيه) في الزوج قال أبو جعفر كأن المعنى عنده يخلقكم في بطون الإناث ويكون (فيه) في الرحم وهذا خطأ لأن الرحم مؤنثة ولم يجر لها ذكر 7 - وقوله جل وعز (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) (آية 11) الكاف زائدة التوكيد وأنشد سيبويه:

(وصاليات ككما يؤثفين) 8 - وقوله جل وعز (له مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) (آية 12) قال الحسن ومجاهد وقتادة المقاليد المفاتيح قال أبو جعفر والذي يملك المفاتيح يملك الخزائن يقال للمفتاح إقليد وجمعه على غير قياس كمحاسن والواحد حسن 9 - وقوله جل وعز (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك) (آية 13) قال أبو العالية الذي وصى به نوحا الإخلاص لله

وعبادته لا شريك له وقال مجاهد وصى نوحا ووصاك ووصى الأنبياء كلهم دينا واحدا وقال الحكم جاء نوح بالشريعة بتحريم الأمهات والبنات والأخوات وقال قتادة جاء نوح بالشريعة بتحليل الحلال وتحريم الحرام قال أبو جعفر قول أبي العالية ومجاهد بين لأن الإسلام والإخلاص دين جميع الأنبياء والشرائع مختلفة

10 - قوله جل وعز (وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) (آية 13) قال أبو العالية (ولا تتفرقوا) أي لا تتعادوا هو وكونوا إخوانا قال قتادة فأخبر أن الهلكة في التفرق وأن الإلفة في الاجتماع 11 - ثم قال جل وعز (كبر على المشركين ما تدعوهم إليه) (آية 13) قال قتادة أكبروا وسلم واشتد عليهم شهادة ان لا إله إلا الله وحده وضاق بها إبليس وجنوده فأبى الله جل وعز إلا أن ينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها

12 - ثم قال جل وعز الله (يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) (آية 13) قال أبو العالية يخلصه من لاشرك ولا يكون الاجتباء إلا من الشرك وقال مجاهد (يجتبي) يخلص 13 - وقوله جل وعز (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) (آية 14) المعنى وما تفرقوا إلا من أجل البغي (من بعد ما جاءهم العلم) القرآن والدلالات على صحة نبوة محمد عليه السلام

14 - وقوله جل وعز (ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم) (آية 14) قال مجاهد أخروا إلى يوم القيامة 15 - وقوله جل وعز (فلذلك فادع واستقم كما أمرت) (آية 15) مؤخر ينوى به التقديم والمعنى كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع واستقم كما أمرت (فلذلك) أي فإلى ذلك أي فإلى إقامة الدين كما قال:

(أوحى لها القرار فاستقرت) أي أوحى إليها 16 - وقوله جل وعز (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة) (آية 16) قال مجاهد أي من بعد ما اسلم الناس قال وهؤلاء قوم توهموا أن الجاهلية تعود وقال قتادة الذين حاجوا في الله من بعد ما استجيب له اليهود والنصارى قالوا نبينا قبل نبيكم وديننا قبل دينكم ونحن

خير منكم 17 - قوله جل وعز (الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان) (آية 17) قال قتادة الميزان العدل 18 - ثم قال جل وعز (وما يدريك لعل الساعة قريب) (آية 17) (لعل الساعة) أي البعث قريب أو لعل مجئ الساعة قريب 19 - وقوله جل وعز (يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق) (آية 18) أي يقولون متى تكون على وجه التكذيب بها

(والذين آمنوا مشفقون منها) أي خائفون لأنهم قد أيقنوا بكونها (ألا إن الذين يمارون في الساعة) أي يجادلون فيها ليشككوا المؤمنين (لفي ضلال بعيد) لأنهم لو أفكروا عنه لعلموا أن الذي أنشأهم وخلقهم أول مرة قادر على أن يبعثهم 20 - وقوله جل وعز (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه) (آية 20) الحرث: العمل ومنه قول عبد الله بن عمر (احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ومنه

سمي الرجل حارثا والمعنى من كان يريد بعمله الآخرة (نزد له في حرثه) أي نوفقه ونضاعف له الحسنات وقوله جل وعز (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها) (آية 20) في معناه ثلاثة أقوال: أ - منها أن المعنى نؤته منها ما نريد كما قال سبحانه (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) ب - ومنها أن يكون المعنى ندفع عنه من آفات الدنيا والقول الثالث أن المعنى: من كان يفعل الخير ليثنى عليه تركناه وذلك ولم يكن له في الآخرة نصيب

21 - وقوله جل وعز (ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم) (آية 22) أي من جزاء ما كسبوا وهو العذاب وهو واقع بهم 22 - وقوله جل وعز (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (آية 23) في معناها أربعة أقوال: 1 - روى قزعة بن سويد عن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قل لا أسألكم على ما أتيتكم به أجرا إلا أن تتوددوا لله وتتقربوا إليه بطاعته وروى منصور وعوف عن الحسن (قل لا أسألكم عليه أجرا

إلا المودة في القربى) قال تتوددون إن إلى الله جل وعز وتتقربون منه بطاعته فهذا قول 2 - وقال الشعبي ومجاهد وعكرمة وقتادة المعنى قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني لقرابتي منكم فتحفظوني ولا تكذبوني قال عكرمة وكانت قريش تصل أرحامها فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قطعته فقال صلوني كما كنتم تفعلون قال أبو جعفر والمعنى على هذا قل لا أسألكم عليه أجرا لكن أذكركم قرابتي على أنه استثناء ليس من الأول فهذان قولان

3 - وقال الضحاك هذه الآية منسوخة نسخها قوله جل وعز (قل ما سألتكم من أجر فهو لكم) فالذي سئلوه أن يودوه بقرابته ثم رده الله إلى ما كان عليه الأنبياء كما قال نوح وهود (قل لا أسألكم عليه أجرا) فهذه ثلاثة أقوال 4 - وروى قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين نودهم؟ قال علي وفاطمة وولدها

23 - وقوله جل وعز (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) (آية 23) الاقتراف الاكتساب وهو مأخوذ من قولهم رجل قرفة إذا كان محتالا 24 - وقوله جل وعز (أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك) (آية 24) قال قتادة أي إن شاء أنساك ما علمك وقيل المعنى إن يشأ يزل تمييزك فاشكره إذ لم يفعل

وقيل معنى (فإن يشأ الله يختم على قلبك) إن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم وقولهم (افترى على الله كذبا تم الكلام 25 - ثم قال جل وعز (ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته) (آية 24) أي يمحو الله الشرك ويزيله

وقوله جل وعز (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) (آية 24) في الحديث أن عبد الله بن مسعود سئل عن رجل زنى بامرأة أيجوز له أن يتزوجها؟ فقال (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون) 26 - وقوله جل وعز (ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله) (آية 26) (الذين) في موضع نصب بمعنى ويستجيب للذين آمنوا كما قال سبحانه وإذا كالوهم أي كالوا لهم يقال إستجبته إلا بمعنى أجبته وانشد الأصمعي: وداع دعا يا من يجيب إلى الندى * فلم يستجبه عند ذاك مجيب ويجوز أن يكون في موضع رفع ويكون (ويستجيب

الذين آمنوا) بمعنى يجيب الذين آمنوا كما قال عز وجل (فليستجيبوا لي) قال محمد بن يزيد حقيقته فليستدعوا فيه الإجابة هكذا حقيقة معنى (استفعل) 27 - وقوله جل وعز (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء) (آية 27) روى سعيد عن قتادة قال خير الرزق ما لا يطغي ولا يلهي 28 - وقوله جل وعز (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا) (آية 28)

قال مجاهد (من بعد ما قنطوا) أي يئسوا قال أبو جعفر يقال قنط يقنط وقنط يقنط إذا اشتد يأسه من الشئ 29 - وقوله جل وعز (ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة) (آية 29) قال الفراء أراد بث في الأرض دون السماء كما قال سبحانه (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) وإنما يخرج من الملح قال أبو جعفر هذا غلط روى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله (وما بث فيهما من دابة قال الناس والملائكة

وهذا قول حسن يقال لكل حي دابة من دب فهو داب والهاء للمبالغة كما يقال رواية وعلامة ثم قال جل وعز (وهو على جمعهم) أي على إحيائهم (إذا يشاء قدير) 30 - وقوله جل وعز (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) (آية 30) يقال قد تكون المصيبة بغير هذا ففيه أجوبة:

1 - أروى معمر عن قتادة عن الحسن في قوله تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) قال الحدود فالمعنى في هذا إن الله جل وعز جعل الحدود بما يعمل من المعاصي ب - وقيل ما ههنا بمعنى (الذي) وهو حسن والدليل على هذا أن أهل المدينة قرؤوا (بما) بغير فاء فالمعنى على هذا والذي كان أصابكم بذنوب عملتموها ج - وروى سفيان عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر) ثم تلا (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) قال أبو جعفر فالمعنى على هذا وما أصابكم من مصيبة مقصود بها العقوبة فبما كسبت أيديكم قال أبو جعفر وفي الآية قول رابع وهو أن كل مصيبة تصيب فإنما هي من اجل ذنب إما أن يكون الإنسان عمله وإما أن يكون تنبيها له لئلا يعمله وإما أن يكون امتحانا له ليعتبر والداه فقد صارت كل مصيبة على هذا من أجل الذنوب وصارت القراءة بالفاء أحسن لأنه شرط وجوابه

31 - وقوله جل وعز (ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام) (آية 32) قال مجاهد الجواري السفن والأعلام الجبال 32 - ثم قال جل وعز (إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره) (آية 33) أي سواكن 33 - وقوله جل وعز (أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير) (آية 34) قال مجاهد يوبقهن يهلكهن قال أبو جعفر يقال أوبقته ذنوبه أي أهلكته قال قتادة (أو يوبقهن بما كسبوا) يهلك من فيهن بذنوبهم

قال أبو جعفر تقديره مثل (واسأل القرية) 34 - وقوله جل وعز (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) (آية 37) روي عن ابن عباس (كبائر الإثم) الشرك ويقرأ (كبير الإثم) قال الحسن الكبائر كل ما وعد الله جل وعز عليه النار وقيل الكبائر كل ما وعد الله عليه النار وأجمع المسلون على أنه من الكبائر فقد أجمعوا على أن الخمر من الكبائر

حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) الإشراك واليأس من روح الله والأمن لمكر الله ومنه عقوق الوالدين وقتل النفس التي حرم الله وقذف المحصنات وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وأكل الربا والسحر والزنى واليمين الغموس الفاجرة والغلول ومنع الزكاة المفروضة وشهادة الزور وكتمان الشهادة وشرب الخمر وترك الصلاة متعمدا أو شئ مما افترض الله ونقض العهد وقطيعة الرحم

35 - وقوله جل وعز (وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) (آية 38) اي يتشاورون 36 - وقوله جل وعز (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) (آية 39) روى منصور إبراهيم كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق 37 - ثم قال جل وعز (وجزاء سيئة سيئة مثلها) (آية 40) قال ابن أبي نجيح إذا قال أخزاه الله قال له أخزاه الله

قال أبو جعفر الأولى سيئة في اللفظ والمعنى والثانية سيئة في اللفظ وليست في المعنى سيئة ولا الذي عملها مسئ وسميت سيئة لازدواج الكلام ليعلم إنها جزاء على الأولى 38 - وقوله جل وعز (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) (آية 41) قال قتادة هذا في القصاص فأما من ظلمك فلا يحل لك أن تظلمه قال الحسن (ولمن انتصر بعد ظلمه) هذا إذا لم يكن ظلمه لا يصلح أي هذا فيما أباح الله الانتصار منه

وقد روى يونس عن الحسن في قوله (ولمن انتصر بعد ظلمه) قال إذا لعن لعن وإذا سب سب ما لم يكن حدا أو كلمة لا تصلح 39 - وقوله جل وعز (وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي) (آية 45) أي ينظرون إلى النار قال مجاهد (خفي) أي ذليل قال أبو جعفر وقيل ينظرون بقلوبهم لأنهم يحشرون عميا

40 - وقول جل وعز (وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) (آية 45) قال قتادة خسروا أهليهم الذين في الجنة اعدوا لهم لو أطاعوا وقيل لما كان المؤمنون يلحق بهم أهلوهم في الجنة وكان الكفار لا يجتمعون معهم في خير كانوا قد خسروهم قال الله تعالى (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم) 41 - وقوله جل وعز (ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير) (آية 47) قال مجاهد (من ملجأ) من محرز و (من نكير) من ناصر وقيل (من ملجأ) من مخلص من عذاب الله (وما لكم من نكير) أي لا تقدرون أن تنكروا الذنوب

التي توقفون عليها 42 - وقوله جل وعز (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما) (آية 50) قال عبيدة وأبو مالك والحسن ومجاهد والضحاك والمقصود لفظ عبيدة أي يهب لمن يشاء ذكورا يولدون له ولا يولد له إناث ويهب لمن يشاء إناثا يولدون له ولا يولد له ذكر (أو يزوجهم ذكرانا وإناثا) يولد له ذكور ويولد له إناث قال عبيدة (ويجعل من يشاء عقيما) لا يولد له قال أبو جعفر يقال لكل اثنين مقترنين زوجان كل واحد منهما زوج من ذلك الرجل والمرأة والخفان والنعلان فمعنى (يزوجهم ذكرانا وإناثا) يقرنهم أي يقرن لهم كما قال

(والقمر قدرناه منازل) ويقال زوجت إبلي صغيرها وكبيرها أي قرنت صغيرها مع كبيرها ويقال رجل عقيم لا يولد له وامرأة عقيم لا تلد وريح عقيم لا تأتي بمطر ولا خير 43 - وقوله جل وعز (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء) (آية 51) في المعنى قولان: أ - فالذي عليه أهل التفسير ما قاله مجاهد قال (إلا وحيا) أن ينفث في قلبه

(أو من وراء حجاب) كما كلم موسى صلى الله عليه وسلم (أو يرسل رسولا) كما أرسل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أشباهه والقول الآخر أن معنى (إلا وحيا) كما أوحي إلى الأنبياء صلى الله عليهم بإرسال جبريل صلى الله عليه (أو من وراء حجاب) كما كلم موسى صلى الله عليه وسلم (أو يرسل رسولا) إلى الناس عامة ويقرأ (أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه) وهذا في موضع الحال أي الذي يقوم مقام الكلام ما ذكر ويجوز أن يكون مقطوعا من الأول

44 - وقوله جل وعز (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) (آية 52) قال ابن عباس النبوة قال أبو جعفر أي وكذلك أوحينا إليك ما تحيا به النفوس أي ما تهتدي به وقال قتادة والحسن (روحا من أمرنا) أي رحمة من عندنا 45 - وقوله جل وعز (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) (أية 52) أي بما أوحينا إليك وقال معلى سمعت حوشبا يقرأ (وإنك لتهدى إلى

صراط مستقيم) وفي قراءة أبي (وإنك لتدعو إلى صراط مستقيم) قال أبو جعفر وهذا لا يقرا به لأنه مخالف للسواد وإنما يحمل ما كان مثله على أنه من قائله على جهة التفسير كما قال سفيان في قوله جل وعز (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) أي لتدعو وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) قال لكل قوم هاد انتهت سورة الشورى

تفسير سورة الزخرف

تفسير سورة الزخرف مكية وآياتها 89 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الزخرف وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز (حم. والكتاب المبين) (آية 1 و 2) أي إبان الهدى من الضلالة والحق من الباطل ويكون (المبين) البين 2 - ثم قال جل وعز (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) (آية 3) أي بيناه

3 - وقوله جل وعز (وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) (آية 4) روى معمر عن قتادة قال (في أم الكتاب) قال في اصل الكتاب وجملته عندنا قال أبو جعفر ونظير هذا على قول قتادة (إنه لقرآن مجيد في لوح محفوظ) وقيل (وإنه في أم الكتاب) يعني ما قدر من الخير والشر (لعلي) لقاهر لا يقدر أحد أن يدفعه حكيم) محكم 4 - وقوله جل وعز (أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم قوما مسرفين) (آية 5) روى إسماعيل عن ابي صالح (أفنضرب عنكم الذكر) ؟

قال العذاب وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال أتكذبون بالقرآن ولا تعاقبون؟ قال أبو جعفر المعنى على هذين القولين أفنضرب عنكم ذكر العذاب ومذهب قتادة أن المعنى أفنهملكم وقال ولا نأمركم ولا ننهاكم؟ قال أبو جعفر يقال ضربت عنه وأضربت أي تركته ثم قال جل وعز (صفحا) أي إعراضا يجوز أن يكون المعنى أفنصفح عنكم صفحا كما يقال هو يدعه تركا

ويجوز أن يكون المعنى أفنضرب عنكم الذكر صافحين كما يقال جاء فلان مشيا ومعنى صفحت عنه أعرضت عنه أي وليته صفحة عنقي قال الشاعر: صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة * فمن مل منها ذلك الوصل ملت 5 - ثم قال جل وعز (أن كنتم قوما مسرفين) (آية 5) قال قتادة أي مشركين قال أبو جعفر المعنى لأن كنتم إذا فتحت (أن) وبذلك قرأ الحسن وأبو عمرو وابن كثير وقرأ أهل المدينة وأهل الكوفة بالكسر وهو عند قوم من

أهل اللغة لحن منهم أبو حاتم وإنما صار عندهم لحنا لأنهم إنما وبخوا على شئ قد ثبت وكان فهذا موضع أن مفتوحة كما قال سبحانه (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) قال أبو جعفر وهذا عند الخليل وسيبويه والكسائي والقراء جيد قال سيبويه سألت الخليل عن قوله يعني الفرزدق: أتغضب إن أذنا قتيبة حزنا * جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم فقال هي (إن) مكسورة لأنه قبيح أن يفصل بين (أن) والفعل قال أبو جعفر وهذا شئ قد مضى

قال أبو إسحاق وهذا يكون بمعنى الحال إذا كان في الكلام معنى التوبيخ والتقرير اي أهذه حالك؟ قال أبو جعفر فعلى هذا قوله (إن كنتم قوما مسرفين) 6 - وقوله جل وعز (فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين) (آية 8) قال مجاهد أي سنة الأولين قال قتادة أي عقوبة الأولين وقوله جل وعز (وجعل لكم فيها سبلا) أي طرقا 7 - وقوله جل وعز (والذي خلق الأزواج كلها) (آية 12) أي الأصناف كلها

8 - ثم قال جل وعز (وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون) (آية 12) قال مجاهد الأباعر والخيل والبغال والحمير 9 - وقوله جل وعز (لتستووا على ظهوره) (آية 14) أي على ظهور هذا الجنس (ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه) أي تقولوا الحمد لله كما روى أبو إسحاق عن علي بن ربيعة قال رأيت علي آبن أبي طالب صلوات الله عليه جعل رجله في الركاب فقال (بسم الله) فلما استوى راكبا قال (الحمد لله) ثم قال (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) اللهم لا إله إلا

أنت قد عملت سوء فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كفعلي وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد من ركب ولم يقل (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) قال له الشيطان تغنه فإن لم يحسن قال له تمنه قال قتادة (مقرنين) أي في القوة

قال أبو جعفر حكى أهل اللغة أنه يقال أقرن له إذا أطاقه وأنشدوا: ركبتم صعبتي أشرا وحينا * ولستم للصعاب بمقرنينا وحقيقة أقرنت له صرت له قرنا يقال هو قرنه في القتال وهو على قرنه أي مثله في السن 10 - ثم قال تعالى (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) (آية 14) أي إنل أنه مبعوثون 11 - ثم قال جل وعز (وجعلوا له من عباده جزء إن الإنسان لكفور مبين) (آية 15)

قال قتادة (جزء) أي عدلا قال أبو جعفر والمعنى على قولهم أنهم عبدوا الملائكة فجعلوا لله جل وعز شبها ومثلا وقال عطاء (جزء) أي نصيبا وشركا قال أبو جعفر وهذا أبين كما يقال هذا جزء فلان وقيل لهم هذا لأنهم جعلوا الملائكة بنات الله هذا قول مجاهد ومعنى (وجعلوا) قالوا هذا ووصفوه 12 - وقوله جل وعز (أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) (آية 18)

قال ابن عباس يعني النساء جعل زيهن غير زي الرجال قال أبو جعفر يجوز ن يكون المعنى أو من ينشأ في الحلية يجعلون لله جل وعز نصيبا؟ ويجوز أن يكون في موضع رفع 13 - ثم قال جل وعز (وهو في الخصام غير مبين) (آية 18) قال قتادة قل ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها عليها

14 - ثم قال جل وعز (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) (آية 19) (جعلوا) هنا بمعنى وصفوا وهذا من وجوه جعل التي ذكرها الخليل وسيبويه كما تقول جعلت فلانا أعلم الناس أي وصفته بهذا 15 - وقوله جل وعز (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون) (آية 20) هذه آية مشكلة وقد تكلم فيها العلماء: أ - فمن أحسن ما قالوا أن قوله عز وجل (ما لهم بذلك من علم) مردود إلى قوله (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) فالمعنى إن الله جل وعز لم يرد عليهم قولهم (لو شاء الرحمن ما عبدناهم) وإنما المعنى ما لهم بقولهم الملائكة بنات الله من علم وما بعده يدل على أن المعنى على هذا لأن بعده (أم

آتيناهم كتابا من قبله) أي أم أنزلنا عليهم كتابا فيه هذا؟ ب - وفي الآية قول آخر وهو أن معنى (ما لهم بذلك من علم) ما لهم عذر في هذا لأنهم رأوا أن ذلك عذر لهم فرد الله ذلك عليهم فالرد محمول على المعنى وقوله (أم آتيناهم كتابا) 16 - وقوله جل وعز (بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة) (آية 22)

وقرأ مجاهد وعمر بن عبد العزيز (على إمة) قال الكسائي هما لغتان بمعنى واحد قال أبو جعفر المعروف في اللغة أن الإمة بالكسر الطريقة من الدين والمذهب كما قال: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وهل يأثمن ذو امة وهو طائع والأمة السنة والملة وقد يكون لها غير هذا المعنى وقد تكون الإمة بمعنى الملك والتمام كما قال: ثم بعد الفلاح والملك والإمة وارتهموا وهو هناك القبور

وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد (إنا وجدنا آباءنا على أمة) على ملة 17 - وقوله جل وعز (وإنا على آثارهم مهتدون) (آية 22) يجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويجوز أن يكون المعنى مهتدون على آثارهم 18 - ثم أخبر جل وعز أن الأنبياء قبله قد قيل لهم مثل هذا فقال (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) (آية 23) ثم قال جل وعز (قل أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) (آية 24)

المعنى أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم أقمتم على ما كان عليه آباؤكم؟ 19 - وقوله جل وعز (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون) (آية 26) وفي قراءة (إنني برئ) وحكى الفراء أن قوما يكتبون الهمزة في كل موضع ألفا فعلى هذا يقرأ برئ وإن كان في السواد بالألف ومن قرأ (براء) قال في الاثنين والجميع براء أيضا بمعنى ذوي براء

20 - ثم قال جل وعز (إلا الذي فطرني فإنه سيهدين) (آية 27) قال قتادة أي خلقني قال أبو جعفر يجوز أن يكون استثناء من الأول ويجوز أن يكون إلا بمعنى (لكن) 21 - ثم قال جل وعز (وجعلها كلمة باقية في عقبة لعلهم يرجعون) (آية 28) قال مجاهد (كلمة باقية) لا إله إلا الله وقال قتادة التوحيد والإخلاص في عقبه

وقال مجاهد في ولده قال قتادة لا يزال من ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم من يعبد الله جل وعز إلى يوم القيامة وقوله جل وعز (لعلهم يرجعون) إلى دينك ودين إبراهيم صلى الله عليهما إذ كانوا من ولده 22 - وقوله جل وعز (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) (آية 31) قال ابن عباس القريتان مكة والطائف

قال قتادة الرجلان (أبو مسعود الثقفي) واسمه عروة بن مسعود من أهل الطائف و (الوليد بن المغيرة بن عبد الله المخزومي) من أهل مكة قال مجاهد الرجلان (عتبة بن ربيعة) من أهل مكة وأبو مسعود الثقفي واسمه (عمير بن عمرو بن مسعود) قال أبو جعفر روي هذا عن جماعة ثقات منهم (ابن جريج) و (ابن أبي نجيح) وروى ذلك عن قتادة الثقات أيضا إلا أن قول قتادة أشبه بالصواب لن معمرا روى عنه أنه قال قال الوليد بن المغيرة لو كان ما يقول محمد حقا أنزل علي أو على أبي مسعود الثقفي فخبر قتادة بسبب نزول الآية

قال أبو العباس التقدير في العربية على رجل من رجلين من القريتين قال أبو جعفر حقيقة التقدير في العربية على رجل من رجلي القريتين كما قال سبحانه (واسأل القرية) 23 - ثم قال جل وعز (أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) (آية 32) أي كما قسمنا بينهم الأرزاق وفضلنا بعضهم على بعض كذلك فضلنا بعضهم على بعض بالاصطفاء بالرسالة 24 - ثم قال جل وعز (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) (آية 32) أي ليكون بعضهم لبعض خولا و (سخري) و (سخري) واحد

ثم أخبر جل وعز أن ما عنده من الرحمة خير فقال (ورحمة ربك خير مما يجمعون) (آية 32) وقرأ الحسن (تجمعون) بالتاء 25 - وقوله جل وعز (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون) (آية 33) في معنى الآية قولان: قال الحسن وقتادة لولا ان يكفر الناس جميعا لفعلنا هذا قال أبو جعفر ومعنى هذا القول لولا أن يميل الناس إلى الدنيا فيكفروا لأعطينا الكافر هذا لهوان الدنيا على الله عز وجل والقول الآخر قاله الكسائي قال المعنى لولا إرادتنا

أن يكون في الكفار غني وفقير وفي المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها على الله جل وعز قال الفراء يجوز أن يكون معنى (لبيوتهم) على بيوتهم قال أبو جعفر روى سفيان عن إسماعيل عن الشعبي (سقفا من فضة) قال جزوعا (ومعارج) قال درجا (عليها يظهرون) قال يصعدون

وقرأ جماعة (سقفا من فضة) وأنكر هذه القراءة بعض أهل اللغة وقال لو كان كذا لقال (عليه) قال أبو جعفر وهذا لا يلزم لأنه يجوز أن يكون (عليها) للدرج 26 - ثم قال جل وعز (ولبيوتهم أبوابا) (آية 34) أي من فضة (وسررا) أي من فضة (وزخرفا) روى شعبة عن الحكم عن مجاهد قال كنت لا أدري ما معنى (وزخرفا) حتى وجدته في قراءة عبد الله بن مسعود (وذهبا) ! ! قال أبو جعفر في معناه قولان: أحدهما أن المعنى وجعلنا لهم زخرفا أي غنى

والآخر أن المعنى من فضة ومن زخرف ثم حذف (من) ونصب 27 - وقوله جل وعز (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين) (آية 36) روى سعيد عن قتادة قال (يعش) يعرض وقال أبو عبيدة (يعش) تظلم عينه وروى عكرمة عن ابن عباس يعمى قال أبو جعفر يجب على قول ابن عباس ان تكون القراءة (ومن يعش) بفتح الشين

وأما قول قتادة (يعش) يعرض وهو قول الفراء فغير معروف في اللغة إنما يقال عشا يعشو إذا مشى ببصر ضعيف قال الحطيئة: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره * تجد خير نار عندها خير موقد ونظير هذا عرج الرجل يعرج أي مشى مشية الأعرج وعرج يعرج صار أعرج وأصح ما في هذا قول أبي عبيدة قال الله جل وعز

(الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري) وفي الحديث ان سعيد بن المسيب ذهبت إحدى عينيه وكان يعشو بالأخرى أي يبصر بها بصرا ضعيفا 28 - وقوله جل وعز (نقيض له شيطانا فهو له قرين) (آية 36) قيل جزاء على ما فعل وقال سعيد الجريري في قوله تعالى (نقيض له شيطانا) قال بلغنا ان الكافر إذا خرج من قبره سفع شيطان بيده فلا يزال معه حتى يدخله الله عز وجل النار فذلك قوله جل وعز (قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين) ويوكل بالمؤمن ملك فلا يزال معه حتى يقضي الله بين الخلق أو يصير إلى

ما شاء الله 29 - وقوله جل وعز (وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) (آية 37) أي وإن الشياطين ليصدون الكافر عن السبيل (ويحسبون) أي ويحسب الكفار أنهم مهتدون 30 - وقوله جل وعز (حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين) (آية 38) قال قتادة (حتى إذا جاءآنا) قال الكافر وقرينه جميعا قال أبو جعفر ويقرأ (حتى إذا جاءنا) يراد به الكافر في الظاهر والمعنى لهما جميعا لأنه قد عرف ذلك بما بعده كما قال:

وعين لها حدرة بدرة * شقت مآقيهما من أخر 31 - وقوله تعالى (قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين) (آية 38) في معناه قولان: أحدهما أنه يراد مشرق الشتاء ومشرق الصيف والآخر أنه يراد المشرق والمغرب فجاء على كلام العرب لأنهم إذا اجتمع الشيئان في معنى غلب أحدهما كما قال الشاعر:

أخذنا بآفاق السماء عليكم * لنا قمراها والنجوم الطوالع وأنشد أبو عبيدة بيت جرير: ما كان يرضى رسول الله فعلهم * والطيبان أبو بكر ولا عمر وأنشد سيبويه: قدني من نصر الخبيبين قدي يريد عبد الله ومصعبا ابني الزبير وإنما أبو خبيب عبد الله

وفي الحديث أن أصحاب الجمل قالوا لعلي بن أبي طالب عليه السلام أعطنا سنة العمرين يعنون أبا بكر وعمر 32 - وقوله جل وعز (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) (آية 39) المعنى إن الله عز وجل حرم أهل النار هذا المقدار من الفرح وهو التأسي وهو أن ذا البلاء إذا رأى من قد ساواه في المصيبة سكن ذلك من حزنه كما قالت الخنساء: فلولا كثرة الباكين حولي * على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن * أعزي النفسي منه بالتأسي

33 - وقوله جل وعز (فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون) (آية 41) قال قتادة ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة وليس نبي إلا قد رأى النقمة في أمته إلا محمدا صلى الله عليه وسلم ولكنه أري ما ينزل بأمته من بعده فما رؤي بعد ذلك ضاحكا منبسطا 34 - وقوله جل وعز (أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون) (آية 42) قيل المعنى الذي وعدناهم ووعدناك عليهم من النصر وقيل الذي وعدناهم يرجع إلى قوله تعالى (والآخرة عند

ربك للمتقين) أي الذي وعدنا المتقين من النصر وقد نصروا 35 - وقوله جل وعز (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم) (آية 43) قال قتادة أي بالقرآن (إنك على صراط مستقيم) قال على الإسلام (وإنه لذكر لك ولقومك) قال القرآن وروى محمد بن يوسف عن سفيان (وإنه لذكر لك ولقومك) قال شرف لك ولقومك 36 - ثم قال جل وعز (وسوف تسألون) (آية 44)

قال الفراء اي وسوف تسألون عن الشكر عليه 37 - وقوله جل وعز (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) (آية 45) قال أبو جعفر هذه آية مشكلة وفي معناها قولان: روى أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال لقي الرسل صلى الله عليهم ليلة اسري به فهذا قول ومعناه أنه سيسرى إذا بك وتلقى الرسل فاسألهم والقول الآخر وهو قول محمد بن يزيد وجماعة من العلماء أن في هذا المعنى التوقيف والتقرير والتوبيخ والمعنى

واسأل أمم من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا كما قال تعالى (واسأل القرية) أي سل من عبد الملائكة أو قال إن الله ثالث ثلاثة أو عبد غير الله جل وعز هل وجد هذا في شئ من كتب الأنبياء مما أنزل الله عليهم فإنه لا يجد في كتاب نبي أن الله أمر أن يعبد غيره ففي هذا معنى التقرير والتوبيخ والتوقيف على أنهم قد كفروا وفعلوا ما لم يأمر الله به ونظيره قوله تعالى (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين) ويصحح هذا القول أن علي بن الحكم روى عن الضحاك قال وهي في قراءة عبد الله (واسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك) قال يعني أهل الكتاب روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال في قراءة عبد

الله (واسأل من أرسلنا إليهم قبلك رسلنا) فهذه قراءة مفسرة وقال قتادة اي سل أهل الكتاب أأمر الله إلا بالتوحيد والإخلاص؟ وزعم ابن قتيبة أن التقدير واسأل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا فحذف إليه لأن في الكلام دلالة عليه وحذف رسلا لأن من رسلنا يدل عليه وزعم أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد المشركون 38 - وقوله جل وعز (وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون) (آية 49) يقال كيف قالوا له أيها الساحر وقد قالوا (إننا

لمهتدون) فيما يستقبل؟ قيل إنهم لما قالوا له هذا قبل أن يدعوه عرفوه فنادوه به وقيل كانوا يسمون العلماء سحرة فالمعنى يا أيها العالم قال مجاهد في وقوله تعالى (بما عهد عندك) من أنا إن آمنا كشف عنا العذاب قال أبو جعفر ويدل على صحة هذا الجواب قوله تعالى (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) أي ينقضون العهد وروى سعيد عن قتادة (إذا هم ينكثون) قال

يغدرون 39 - وقوله جل وعز (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون) ؟ (آية 51) قال الأخفش في الكلام حذف والمعنى افلا تبصرون أم تبصرون كما قال: فيا ظبية الوعساء بين جلاجل * وبين النقا هل أنت أم أم سالم أي أنت احسن أم أم سالم؟ قال أبو زيد العرب تزيد والمعنى أنا خير

وقيل المعنى أبل؟ قال أبو جعفر وأحسن ما قيل في هذه الآية قول الخليل وسيبويه ان المعنى أفلا تبصرون أم أنتم بصراء ويكون (أم أنا خير) بمعنى أم أنتم خير لأنهم لو قالوا له أنت خير كانوا عنده بصراء 40 - وقوله جل وعز (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين) آية 52) والمهين القليل من المهانة

روى سعيد عن قتادة (ولا يكاد يبين) قال عيي وقيل إنما هذا للثغة التي كانت به 41 - وقوله جل وعز (فلولا القي عليه أساورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين) (آية 53) أي فهلا القي عليه اساورة من عند الله تدل على أنه رسول؟ و (أساورة) جمع إسوار وفي قراءه ابي وعبد الله (لولا القي عليه أساوير) وهو بمعنى الأول

(أو جاء معه الملائكة مقترنين) قال قتادة أي متتابعين وقال مجاهد أي يمشون معه معا قال أبو جعفر فاقترحوا هذا بعدما جاءهم ما يدل على نبوته 42 - ثم قال جل وعز (فاستخف قومه فاطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين) (آية 54) أي استفزهم 43 - وقوله جل وعز (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين) (آية 55) قال مجاهد وقتادة اي أغضبونا

44 - وقوله جل وعز (فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) (آية 56) قال لاحق بن حميد اي جعلناهم سلفا لمن عمل بعملهم ومثلا لمن لم يعمل بعملهم وقال مجاهد هم قوم فرعون سلف لكفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال (ومثلا) أي عبرة وقال قتادة (سلفا) إلى النار (ومثلا) أي عظة قرئ على أبي قاسم قريب احمد بن منيع عن ابي كامل الجحدري عن عبد الواحد عن عاصم عن أبي مجلز (فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين) قال سلفا لمن عمل بمثل عملهم ومثلا لمن لم يعمل بمثل عملهم

قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة وأصل السلف في اللغة ما تقدم ومنه تسلفت من فلان وابينها قول قتادة اي جعلناهم متقدمين في الهلاك وعظة لمن يأتي بعدهم ويقرأ (سلفا) جمع سليف وقرأ حميد الأعرج فيما روي عنه (سلفا) جمع سلفة اي فرقة متقدمة وأبينها وأكثرها فتح السين واللام كما يقال فلان يحب السلف 45 - وقوله جل وعز (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون) (آية 57) قال مجاهد قالوا ما ذكر محمد عيسى صلى الله عليهما إلا لننزله فقال منزلته من النصارى

وقال قتادة لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عيسى غاظ ذلك قريشا وقالوا لم ذكرت عيسى وقالوا ما ذكره إلا لنستعمل فيه ما استعملت النصارى في عيسى فأنزل الله جل وعز (ما ضربوه لك إلا جدلا) وقيل نزل هذا في ابن الزبعري لما انزل أي الله تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) قال فالنصارى تعبد المسيح قال جل وعز (ما ضربوه لك إلا جدلا) أي قد علموا أنه لا يراد بهذا المسيح وإنما يراد بها الصنام التي كانوا يعبدونها

46 - وقوله جل وعز (إذ قومك منه يصدون) (آية 58) روى سفيان وشعبة عن عاصم عن ابي رزين عن ابن عباس (إذا قومك منه يصدون) قال يضجون ويقرأ (يصدون) بضم الصاد قال النخعي أي يعرضون وقال الكسائي هما لغتان بمعنى واحد

وأنكر بعض أهل اللغة الضم وقال لو كانت (يصدون) لكانت (عنه) ولم تكن (منه) وقال أبو جعفر وهذا لا يلزم لأن معنى يصدون منه أي من أجله 47 - وقوله جل وعز (وقالوا أآلهتنا خير أم هو) (آية 58) قال قتادة (أم هو) يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم وفي قراءة أبي (وقالوا أآلهتنا خير أم هذا) يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم 48 - ثم قال جل وعز (ما ضربوه لك إلا جدلا) (آية 58) المعنى على تفسير قتادة إنهم قد علموا أنك لا تريد منهم أن ينزلوك منزلة المسيح وعلى القول الآخر غنهم قد علموا أنه لا يراد بقوله جل وعز

(إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) المسيح عليه السلام وإنما يراد به الأصنام واللغة تدل على هذا لأن (ما) لما لا يعقل فقد علم أن معنى (وما تعبدون من دون الله) لا يكون للمسيح وهذا أصح ما قيل في قوله تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) 49 - ثم قال جل وعز (بل هم قوم خصمون) (آية 58) قال سفيان حدثني رجل أنها نزلت في ابن الزبعرى 50 - ثم قال جل وعز (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) (آية 59) يكون المعنى على قول من قال إن الآية نزلت في ابن الزبعرى إن المسيح إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني

إسرائيل اي جعلناه عظة لهم اي ذا عظة أي يعظهم ويجوز ان يكون معنى (مثلا) أنه بشر مثلهم فضل عليهم ويجوز أن يكون المعنى على قول قتادة وعلى الآخر ايضا إن محمد إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل والكلام في مثل كالكلام فيه 51 - ثم قال جل وعز (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون) (آية 60) قال مجاهد اي يعمرونها كما تعمرونها بدلا منكم

وقال قتادة أي ملائكة يخلف بعضهم بعضا 52 - ثم قال جل وعز (وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها) (آية 61) روى سفيان عن عاصم عن ابي رزين عن ابن عباس (وإنه لعلم للساعة) قال نزول عيسى وكذلك روى سماك عن عكرمة عن ابن عباس وكذلك قال مجاهد وأبو مالك وقد روي عن ابن عباس وابي هريرة أنهما قرءا (وإنه لعلم للساعة)

قال الخليل العلم والعلامة واحد قال أبو جعفر ومعنى (لعلم للساعة) يعلم بنزول عيسى صلى الله عليه وسلم أن الساعة قد قربت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لينزلن أبن مريم حكما عدلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير ويجوز أن يكون المعنى وإن محمدا صلى الله عليه وسلم لعلم للساعة لأنه خاتم النبيين قال الله جل وعز (اقتربت الساعة وانشق القمر) ثم قال تعالى (فلا تمترن بها) أي فلا تشكوا

53 - وقوله جل وعز (ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) (آية 63) روى ابن أبي نجيح عن مجاهد ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه) قال تبديل التوراة 54 - وقوله جل وعز (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) (آية 67) قال مجاهد أصحاب المعاصي متعادون يوم القيامة وقال الحارث سئل علي بن أبي طالب عن قوله جل وعز (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو) فقال خليلان مؤمنان وخليلان كافران مات أحد المؤمنين فبشر بالجنة فقال اللهم لا تضل خليلي حتى يبشر بما بشرت به وترضى عنه كما رضيت

عني فلما مات جمع بينهما فقال له جزاك الله من خليل ومن أخ وصاحب خيرا فنعم الخليل كنت والكافران يقول أحدهما لصاحبه بئس الخليل والصاحب كنت ثم قرأ (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) وقال مجاهد قال ابن عباس أحب لله وأبغض لله ووال لله وعاد لله فإنه إنما ينال ما عند الله بهذا ولن ينفع أحد كثرة صومه وصلاته وحجه حيى يكون هكذا وقد صار الناس اليوم يحبون ويبغضون للدنيا ولن ينفع ذلك أهله ثم قرأ (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) 52 - وقوله جل وعز (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) (آية 70)

قال يحيي بن أبي كثير سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى (انتم وأزواجكم تحبرون) قال اللذة والسماع بما شاء الله من ذكره قال قتادة (تحبرون) تنعمون 56 - ثم قال جل وعز (يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب) (آية 71) روى سعيد عن قتادة قال الأكواب دون الأباريق قال وبلغني أنها مدورة وكذلك هي عند أهل اللغة إلا أنها لا آذان لها ولا عرى 57 - وقوله جل وعز (لايفتر عنهم وهم فيه مبلسون) (آية 75)

مأخوذ من الفترة والفتور والفتر والمبلس المتحير الذي قد يئس من الخير 58 - وقوله جل وعز (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون) (آية 77) قال مجاهد ما كنا ندري ما معنى (ونادوا يا مالك) حتى وجدنا في قراءة عبد الله (ونادوا يا مال) قال عبد الله بن عمرو بن العاص ينادون مالكا أربعين سنة فيجيبهم بعدها (إنكم ماكثون) ثم ينادون رب العزة (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) فيسكت عنهم مثل عمر الدنيا ثم يقول (اخسئوا فيها ولا تكلمون) قال فليس بعدها

إلا صياح كصياح الحمير أوله زفير وآخره شهيق 59 - وقوله جل وعز (أم ابرموا أمرا فإنا مبرمون) (آية 79) قال مجاهد أي أم أجمعوا على كيد أو شر فإنا نكيدهم قال الفراء أي أم أحكموا أمرا ينجيهم من عذابنا على قولهم فإنا نعذبهم قال أبو جعفر يقال أبرم الأمر إذا بالغ في إحكامه وأبرم الفاتل إذا أحكم الفتل وهو الفتل الثاني والأول سحيل كما قال: (من سحيل ومبرم)

ومنه رجل برم إذا كان لا يدخل في الميسر أو كان ضيق الخلق لا يجتمع مع الناس كما قال الشاعر: ولا برما تهدى النساء لعرسه * إذا القشع من برد الشتاء تقعقعا و (برمة) من هذا سميت به للإلحاح عليها بالإيقاد 60 - وقوله جل وعز (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) (آية 81) في معناه ثلاثة أقوال: أ - قال مجاهد أي قل إن كان للرحمن ولد في قولكم فأنا أول من عبده ووحده وكذبكم

ب - وقال الحسن يقول ما كان للرحمن ولد ج - وقيل هو من عبد أي أنف كما قال: وأعبد أن تهجى تميم بدارم قال أبو جعفر أحسنها قول مجاهد لأن (إن) يبعد أن تكون ههنا بمعنى ما لأن ذلك لا يكاد يستعمل إلا وبعد (إن) إلا وأيضا فإن بعدها ألفا وأكثر ما يقال إذا أنف الإنسان وغضب وأنكر الشئ عبد فهو عبد كما يقال حذر فهو حذر

وقول مجاهد بين أي إن كان للرحمن ولد على زعمكم وقولكم كما قال تعالى (أين شركائي) فانا أول من خالفكم ووحد الله جل وعز ومعنى (العابدين) كمعنى الموحدين لأنه لا يقال عابد إلا لموحد 61 - وقوله جل وعز (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم) (آية 84) قال قتادة أي يعبد في السماء وفي الأرض ووري عن عمر وأبي وابن مسعود (وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله)

62 - وقوله جل وعز (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق) (آية 86) قال قتادة المسيح وعزير قد عبدا من دون الله ولهما شفاعة وقال مجاهد لا يشفع المسيح وعزير والملائكة إلا لمن شهد بالحق قال لا إله إلا الله قال أبو جعفر قول قتادة أبين وقول مجاهد على أنه استثناء ليس من الأول 63 - وقوله جل وعز (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يعلمون) (آية 88)

وسنبين معنى (وقيله يا رب) في الإعراب إن شاء الله 64 - وقوله جل وعز (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون) (آية 89) قال قتادة في قوله (فاصفح عنهم) قيل له هذا ثم نسخ بالأمر بالقتال انتهى تفسير سورة الزخرف

تفسير سورة الدخان

تفسير سورة الدخان مكية وآياتها 59 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الدخان وهي مكية 1 - قوله جل وعز (حم. والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين) (آية 1 - 3) قال مجاهد وقتادة (في ليلة مباركة) ليلة القدر قال أبو جعفر في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال: أ - فمن أصحها ما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال أنزل القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم نزل به جبرائيل في عشرين سنة وهذا إسناد لا يدفع

ب - وقيل المعنى إنا أنزلناه قرآنا في تفضيل ليلة القدر وهو قوله تعالى (ليلة القدر خير من الف شهر) فهذان قولان ج - وقيل المعنى إنا ابتدانا به إنزاله في ليلة القدر كما تقول إنا أخرج إلى مكة غدا أي أنا ابتدئ الخروج 2 - وقوله جل وعز (فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين) (آية 4 - 5) في معناه قولان متقاربان: قال ابن عباس يحكم الله جل وعز أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ما كان من حياة أو موت أو رزق

وقال أبو عبد الرحمن السلمي والحسن ومجاهد وقتادة نحوا من هذا إلا أن مجاهد قال إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران قال أبو جعفر فهذا قول والمعنى عليه أنه تؤمر ليلة القدر الملائكة بما يكون من القطر والرزق والحياة والموت إلى قابل ومعنى (يفرق) و (يؤمر) واحد كأنه قال يؤمر كل أمر حكيم أمرا من عندنا والقول الآخر: أنها ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وينسخ الأحياء من الأموات ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد

وقال غيره (يفرق) يقضي ويفصل في تلك الليلة إلى مثلها من السنة الأخرى و (حكيم) بمعنى محكم وقيل إن معنى (يفرق) يفصل اي يفصل بين المؤمن والكافر والمنافق فيقال للملائكة هذا ويعرفونه 3 - وقوله جل وعز (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) (آية 10) روى إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن ابي طالب عليه السلام قال آية الدخان لم تمض بعد وستكون ياتي دخان يصيب المؤمنين الزكام وينقد الكافر وروى الأعمش عن ابي الضحى عن مسروق قال جلس رجل فقال إن الدخان لم يكن وإنما يكون يوم القيامة يأخذ المؤمنين منه مثل الزكام ويشتد على الكافرين والمنافقين فدخلنا على عبد الله بن مسعود وهو متكئ فحكينا له ما قال فقام فجلس مغضبا وقال إذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقل لا علم لي به فإن الله جل وعز يقول لنبيه (قل لا اسالكم عليه من أجر وما أنا

من المتكلفين) وسأخبركم عن الدخان إن قريشا استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفرت فدعا الله جل وعز عليها ان يجوعها فأصابها جوع شديد حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخانا من الجوع والحر فقالت قريش (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون) فكشفه الله عنهم فعادوا ثم بطش بهم البطشة الكبرى يوم بدر ولو كان الدخان يوم القيامة ما كشف عنهم 4 - وقوله جل وعز (إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون) (آية 15)

يجوز أن يكون المعنى إنكم عائدون في المعاصي ويجوز أن يكون بمعنى ميتين 5 - وقوله جل وعز (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) (آية 16) قال أبي بن كعب وابن مسعود في (البطشة الكبرى) إنها يوم بدر وروى عوف وقتادة عن الحسن (يوم نبطش البطشة الكبرى) قال يوم القيامة

6 - وقوله جل وعز (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم) (آية 17) روى سعيد عن قتادة قال ابتليناهم قال (وجاءهم رسول كريم) يعني موسى صلى الله عليه وسلم قال (وأن لا تعلوا علي) أن لا تعتوا قال وقوله (إني آتيكم بسلطان مبين) اي بعذر مبين 7 - ثم قال جل وعز (وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون) (آية 20)

قال قتادة بالحجارة قال الفراء الرجم ههنا القتل وروى إسماعيل بن ابي خالد عن ابي صالح في (وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون) قال ان يقولوا ساحر أو كاهن أو شاعر 8 - ثم قال جل وعز (وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون) (آية 21) أي دعوني كفافا لا لي ولا علي 9 - وقوله جل وعز (واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون) (آية 24)

روى عكرمة عن ابن عباس قال (رهوا) طريقا وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال سهلا وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد (واترك البحر رهوا) : أي ساكنا لا تأمره أن يرجع إلى ما كان عليه حتى يحصل فيه آخرهم وروي عن مجاهد أنه قال (رهوا) اي يابسا قال أبو جعفر هذه الأقوال متقاربة ويقال للساكن رهو كما قال الشاعر: والخيل تمرغ رهوا في أعنتها * كالطير ينجو من الشؤبوب ذي البرد

ويقال جاء القوم رهوا على نطم واحد 10 - وقوله جل وعز (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم) (آية 25، 26) قال الفراء يقال المنازل الحسنة ويقال المنابر 11 - ثم قال جل وعز (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) (آية 29) روى المسيب بن رافع عن علي عليه السلام أنه قال يبكي على المؤمن الباب الذي يصعد منه عمله ومصلاه من الأرض وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال للمؤمن باب يصعد منه عمله وينزل منه رزقه فإذا مات بكى عليه وبكى عليه

الموضع الذي كان يصلي عليه ولم يكن في آل فرعون خير ولا كان لهم عمل صالح يصعد قال الله تعالى (فما بكت عليهم السماء والأرض) وقيل المعنى فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض كما قال تعالى (واسأل القرية) قال أبو جعفر العرب إذا عظمت هلاك الإنسان قالت بكت عليه السماء وأظلمت له الشمس على التمثيل كما قال:

والشمس طالعة ليست بكاسفة * تبكي عليك نجوم الليل والقمرا ثم قال تعالى (وما كانوا منظرين) أي مؤخرين 12 - وقوله جل وعز (ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين) (آية 31) قال قتادة كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم 13 - ثم قال جل وعز (ولقد اخترناهم على علم على العالمين) (آية 32) قال قتادة على عالمي أهل زمانهم

17 - ثم قال جل وعز (وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين) (آية 33) قال قتادة أنجاهم من عدوهم وأقطعهم البحر وأنزل عليهم المن والسلوى قال أبو جعفر فالبلاء ههنا النعمة على هذا القول كما قال الشاعر: (فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو) وقد يكون البلاء ههنا العذاب ضد النعمة أي لحقهم البلاء لما كفروا بآيات الله

15 - ثم قال جل وعز (إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين) (آية 35) إن (هؤلاء) يعني قريشا (إن هي) بمعنى ما هي والمنشرون ثم المبعوثون أنشر الله الموتى فنشروا كما قال الشاعر: يا آل بكر أنشروا لي كليبا * يا آل بكر أين أين الفرار 16 - ثم قال جل وعز (فأتوني بآبائنا إن كنتم صادقين) (آية 36) الفراء يذهب إلى أن قوله فائتوا مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وحده على ما تستعمله العرب في مخاطبة الجليل

17 - ثم قال جل وعز (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم) (آية 37) قالت عائشة كان تبع رجلا صالحا فذم الله قومه ولم يذممه وقال سعيد بن جبير سال ابن عباس كعبا كيف ذكر الله جل وعز قوم تبع ولم يذكر تبعا فقال كان تبع ملكا من الملوك وكان قومه كهانا وكان معهم قوم من أهل الكتاب فكان قومه يكذبون على أهل الكتاب عنده فقال لهم جميعا قربوا قربانا فقربوا فتقبل قربان اهل الكتاب ولم يتقبل قربان قومه فاسلم فلذلك ذكر الله قومه ولم يذكره

18 - وقوله جل وعز (ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون) (آية 39) (إلا بالحق) أي إلا لإقامة الحق 19 - وقوله جل وعز (يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون) (آية 41) المولى الولي والناصر كما قال الشاعر: فغدت كلا الفرجين تحسب انه * مولى المخافة خلفها وأمامها وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (من كنت مولاه فعلي مولاه

في معناه ثلاثة أقوال: أحدها أن يكون المعنى من كنت أتولاه فعلي يتولاه والقول الثاني من كان يتولاني تولاه والقول الثالث أنه يروى أن أسامة بن زيد قال لعلي عليه السلام لست مولاي إنما مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام (من كنت مولاه فعلي مولاه) 20 - وقوله جل وعز (إن شجرة الزقوم طعام الأثيم) (آية 44) قال شعبة سمعت سليمن عن مجاهد قال كان ابن عباس جالسا وفي يده محجن والناس يطوفون بالبيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس اتقوا الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون فلو أن قطرة من الزقوم قطرت على أهل الدنيا لأمرت عليهم عيشهم فكيف بمن طعامه الزقوم

قال أبو الدرداء (طعام الأثيم) طعام الفاجر 21 - ثم قال جل وعز (كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم) (آية 45) روى سعيد بن جبير وابو ظبيان عن ابن عباس قال المهل دردي الزيت ثم قال (تغلي في البطون) يعني الشجرة ومن قال (يغلي) جعله للطعام والزقوم وقال الفراء وأبو حاتم من قال (يغلي) جاز أن يجعله للمهل

قال أبو جعفر وهذا غلط لأن المهل ليس هو الذي يغلي في البطون وإنما شبه به ما يغلي والحميم الماء الحار كما قال: (فيها كباء معد وحميم) الكباء البخور يقال كببت العود اي بخرته والكبا مقصور الكناسة 22 - ثم قال جل وعز (خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم) (آية 47) أي يقول للملائكة خذوه فاعتلوه قال مجاهد أي فادفعوه

قال أبو جعفر يقال عتله يعتله ويعتله إذا جره بعنف وشدة قال قتادة (إلى سواء الجحيم) إلى وسط الجحيم 23 - وقوله جل وعز (ذق إنك انت العزيز الكريم) (آية 49) وقرا الحسن بن علي عليهما السلام (ذق انك) بفتح الهمزة وهي قراءة الكسائي والمعنى عليها ذق لأنك كنت تقول هذا والمعنى على قولك قال قتادة أنزل الله عز وجل في أبي جهل الآية (أولى لك فأولى ثم اولى لك فأولى) فقال أيوعدني محمد وما بين جبليها أعز مني ولا أكرم فأنزل الله (ذق إنك أنت العزيز

الكريم) وأنزل فيه (كلا لا تطعه واسجد واقترب) 24 - وقوله جل وعز (إن المتقين في مقام أمين) (آية 51) قال الكسائي المقام لمكان والمقام الإقامة كما قال: (عفت الديار محلها فمقامها) ومعنى (أمين) أي من العلل والأحزان قال قتادة أمين من الشيطان والأنصاب والأحزان 25 - وقوله جل وعز (يلبسون من سندس واستبرق متقابلين) (آية 53)

قال عكرمة الاستبرق غليظ الديباج قال أبو إسحاق الاستبرق مأخوذ من البريق وهو الذي يجعل على الكعبة والسندس الرقيق منه 26 - ثم قال جل وعز (كذلك وزوجناهم بحور عين) (آية 54) قال مجاهد أي أنكحناهم قال قتادة وفي قراءة عبد الله (كذلك وزوجناهم بعيس عين) ومعناه البيض يقال جمل اعيس ولا إذا كان أبيض يضرب إلى الشقرة 27 - ثم قال جل وعز (يدعون فيها بكل فاكهة آمنين) (آية 55)

قال قتادة آمنين من الموت والوصب والشيطان وقال غيره آمنين من انقطاع ذلك ومن غائلة أذاه ومكروهة وليس كفاكهة الدنيا التي لها غائلة وتنفد 28 - ثم قال جل وعز (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم) (آية 56) المعنى لا يذوقون فيها الموت البتة ثم قال (إلا الموتة الأولى) استثناء ليس من الأول وأنشد سيبويه: من كان أسرع في تفرق فالج * فلبونه جربت معا وأغدت ثم استثنى ما ليس من الأول فقال: إلا كناشرة التي ضيعتم * كالغصن في غلوائه المتنبت

29 - وقوله جل وعز (فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم) (آية 57) قال الفراء اي فعل ذلك تفضلا 30 - وقوله جل وعز (فارتقب إنهم مرتقبون) (آية 59) أي منتظرون انتهت سورة الدخان

تفسير سورة الجاثية

تفسير سورة الجاثية مكية وآياتها 73 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الجاثية وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز (إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين) (آية 3) والمعنى إن في خلق السموات والأرض ودل عليه قوله (وفي خلقكم وما يبث من دابة) (آية 4) وكل ما فيه الروح فهو دابة 2 - وقوله جل وعز (وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون) (آية 5)

قال قتادة إن شاء جعلها رحمة وإن شاء جعلها عذابا 3 - وقوله جل وعز (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) (آية 6) أي بعد قرآن الله كما قال تعالى (واسأل القرية) 4 - وقوله جل وعز (ويل لكل أفاك أثيم) (آية 7) الأفاك الكذاب 5 - وقوله جل وعز (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه) (آية 13)

روى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال منه النور ومنه الشمس ومنه القمر ويقرأ (جميعا منة) بمعنى من به منة ويقرأ (منة) بمعنى ذلك منة ويجوز (منه) على أنه مصدر كما قال تعالى (صنع الله) 6 - وقوله جل وعز (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) (آية 14) قال مجاهد أي لا يبالون نعم الله أي لا يعلمون أنه أنعم

بها عليهم كما قال تعالى (وذكرهم بأيام الله) قال أبو جعفر يجوز أن يكون المعنى لا يرجون البعث أي لا يؤمنون به وقال قتادة هذه الآية منسوخة بقوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) 7 - وقوله جل وعز (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) (آية 18) روى سعيد عن قتادة قال الشريعة الفرائض والحدود والأمر والنهي قال أبو جعفر الشريعة في اللغة المذهب والملة ومنه شرع فلان في كذا ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد فالشريعة

ما شرع الله لعباده من الدين والجمع الشرائع أي المذاهب 8 - وقوله جل وعز (هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون) (آية 20) أي هذا القرآن 9 - وقوله جل وعز (أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) (ى ية لم 21) (اجترحوا السيئات) أي كسبوا السيئات ومنه (ويعلم ما جرحتم بالنهار) ومنه الجوارح أي الكواسب 10 - وقوله تعالى (سواء محياهم ومماتهم) (آية 21)

قال مجاهد المؤمن يموت مؤمنا ويبعث مؤمنا والكافر يموت كافرا ويبعث كافرا ويقرأ (سواء محياهم ومماتهم) وقرأ الأعمش (سواء محياهم ومماتهم) قال أبو جعفر القراءة الأولى أحسن من جهة المعنى على قول مجاهد وهي أيضا أجود عند النحويين من جهة الإعراب وقراءة الأعمش على البدل وعند الفراء بمعنى الظرف

11 - وقوله جل وعز (أفرأيت من اتخذ إلهة هواه وأضله الله على علم) (آية 23) قال سعيد بن جبير كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه قال هذا أحسن من هذا فعبده وقال الحسن وقتادة في قوله (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال المنافق إذا هوي شيئا ركبه ثم قال (وأضله الله على علم) (آية 23) روي عن ابن عباس أنه قال (على علم) قد علمه عنده

وقيل على علم انه لا ينفعه ولا يضره 12 - وقوله جل وعز (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) (آية 24) يقال هم لا يقرون بالبعث فما معنى (نموت ونحيا) ؟ ففيه ثلاثة أجوبة: 1 - منها ان المعنى يموت بعضنا ويحيا بعض 2 - ومنه ان في الكلام تقديما وتأخيرا وأن المعنى نحيا ونموت 3 - والجواب الثالث أن معنى (نموت) نخلق مواتا ثم نحيا في الدنيا وقوله جل وعز (وما يهلكنا إلا الدهر)

قال مجاهد اي الزمان أي مر السنين والأيام وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر في معناه ثلاثة أقوال: 1 - منها أن المعنى لا تسبوا خلقا من خلق الله فيما لا ذنب له فيه فإن الله هو الدهر أي خالق الدهر كما قال تعالى (واسأل القرية) 2 - وقيل لما كانوا يقولون فعل الله بالزمان فإنه قد فعل بنا كذا وكان الله جل وعز هو القاضي بتلك الأشياء قال لهم لا تسبوا فاعل

الأشياء فإن الدهر ليس يفعلها 3 - وقد روي فإن الله هو الدهر والمعنى عليه لا تسبوا الدهر فإن الله مقيم الدهر أي مقيم أبدا لا يزال وقد روي عن ابن عباس في قوله تعالى (وما لهم بذلك من علم) قال قولهم لا نبعث 13 - وقوله جل وعز (وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها) (آية 28) في معناه قولان: روى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وابن عيينة عن ابن جريح عن مجاهد في قوله تعالى (وترى كل أمة جاثية)

قال مستوفرين على الركب قال مجاهد في رواية ابن أبي نجيح الأمة ههنا الواحد قال سفيان بن أبي عيينة ولا يكون المستوفز إلا على ركبتيه وأطراف أصابعه قال الضحاك (جاثية) عند الحساب فهذا قول وقال الفراء في قوله تعالى (وترى كل أمة جاثية) قال أهل كل دين وجاثية مجتمعة قال أبو جعفر قد يقال لما اجتمع من التراب جثوة فأحسب الفراء أخذه من هذا قال الشاعر: ترى جثوتين من تراب عليهما * صفائح صم من صفيد ابن منضد

والقول الأول أعرف وأشهر 14 - وقوله جل وعز (كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون) (آية 28) في معناه قولان: أحدهما أن كتابها ما فرض عليها من حلال وحرام والقول الآخر أن كتابها ما كتبت الملائكة عليها وهذا أولى لأن بعده ما يدل عليه 15 - وقوله جل وعز (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنتج ما كنتم تعملون) (آية 29) (ينطق) أي يبين أي تنظرون فتذكرون ما عملتم

ثم قال تعالى (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) (آية 29) في معناه قولان: أحدهما ان المعنى ما تكتبه الملائكة وتنسخه قوله من أعمال بني آدم والقول الآخر رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فرغ الله جل وعز مما هو كائن فتنسخ الملائكة ما يعمل يوما بيوم من اللوح المحفوظ فيقابل به ما يعمله الإنسان لا يزيد على ذلك ولا ينقص قال فقيل لابن عباس ما توهمنا إلا إنهم يكتبونه بعدما يعمل فقال أنتم قوم عرب والله جل وعز يقول (إنا كنا نستنسخ) ولا يكون الاستنساخ إلا من نسخة 16 - وقوله جل وعز (وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين) (آية 31)

في الكلام حذف والمعنى فيقال لهم ألم تكن آياتي تتلى عليكم؟ 17 - وقوله جل وعز (وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا) (آية 34) روى معمر عن قتادة قال فاليوم نترككم كما تركتم لقاء يومكم هذا قال أبو جعفر المعنى على هذا فاليوم نترككم في النار كما تركتم العمل ليومكم هذا 18 - وقوله جل وعز (وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) (آية 37) الكبرياء العظمة انتهت سورة الجاثية

تفسير سورة الأحقاف

تفسير سورة الأحقاف مكية وآياتها 35 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الأحقاف وهي مكية 1 - من ذلك قوله جل وعز (ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق) (آية 3) أي إلاقامة الحق ثم قال (والذين كفروا عما أنذروا معرضون) (آية 3) أي أعرضوا بعدما تبين لهم الحق من خلق الله عز وجل 2 - ثم احتج عليهم فيما يعبدون فقال (قل أرأيتم ما تدعون من دون الله) (آية 4) المعنى ما تدعونه إلها من دون الله (أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات) ؟

أي في خلق السموات (ايتوني بكتاب من قبل هذا) أي بكتاب فيه برهان على ما قلتم (أو أثارة من علم) قال مجاهد أحد يأثر علما وقال الحسن شئ يثار أو يستخرج وقال أبو عبيدة (أثارة) بقية قال أبو جعفر وهذه القوال متقاربة لأن البقية هو شئ يؤثر ومعروف في اللغة أن يقال سمنت الناقة على أثارة أي على بقية من سمن

ويقرأ (أو أثرة) روى أبو سلمة عن ابن عباس (أو أثرة من علم) قال الخط حدثنا محمد بن أحمد - يعرف بالجريجي - حدثنا بندار أنبأنا يحيي بن سعيد عن سفيان الثوري عن صفوان بن سليم عن أم سلمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (أو أثرة من علم) قال الخط

وروى سعيد عن قتادة (أو أثرة من علم) قال خاصة من علم قال أبو جعفر يقال لفلان عندي أثرة أو أثرة أي شئ أخصه به ومنه آثرت فلانا على فلان ويجوز أن يكون (أثرة) خبرا عن بعض الأنبياء صلى الله عليهم من أثرت الحديث وذا قول أبي عبيدة 3 - وقوله جل وعز (هو أعلم بما تفيضون فيه) (آية 8) قال مجاهد اي تقولونه 4 - وقوله جل وعز (قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) (آية 9) قال مجاهد في قوله تعالى (قل ما كنت بدعا من الرسل) أي أول من أرسل

وقوله تعالى (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) وقد قال في موضع آخر (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فالجواب في هذا أنه ليس من ذاك وإنما المعنى - والله أعلم - وما أدري ما يفعل بي ولا بكم من جدب أو غيره

ويبين هذا أنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا سرت أصحابه فاستبطأوا تأويلها فانزل الله جل وعز (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) 5 - وقوله جل وعز (قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم) (آية 10) قيل في الكلام حذف لعلم السامع به والمعنى أرأيتم إن كان من عند الله وشهد شاهد من بني إسرائيل ممن تثقون به وتقفون على صدقه وعلمه على ما شهد النبي صلى الله عليه وسلم وكفرتم به أليس قد غررتم وأتيتم أمرا قبيحا واجترأتم عليه؟ ! فأما الشاهد من بني إسرائيل فقيل إنه عبد الله بن سلام روى مالك عن أبي النضر عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي

على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام وفيه نزلت (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم) وقال الحسن ومجاهد والضحاك (وشهد شاهد من بني إسرائيل) عبد الله بن سلام قال أبو جعفر وفي الآية قولان آخران: أ - قال مسروق ليس هو عبد الله بن سلام لأن السورة مكية والمعنى لموسى صلى الله عليه وسلم والتوراة وأهل الكتاب أنزل الله جل وعز التوراة على موسى فآمن بها أهل الكتاب (وكفرتم به) مخاطبة

لقريش قال (وسبقونا إليه) يعني أهل الكتاب ب - روى ابن عون عن الشعبي في قوله تعالى (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله) قال هو رجل من أهل الكتاب وليس بعبد الله بن سلام لأن السورة مكية وإنما اسلم عبد الله بن سلام قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين قال أبو جعفر هذا الاعتراض لا يلزم وسئل محمد بن سيرين عن هذا بعينه فقال كانت الآية تنزل فيقال لهم ألحقوها في سورة كذا وكذا قال أبو جعفر فهذا جواب عن ذاك ويجوز أن تكون الآية نزلت بمكة ويكون المعنى أرأيتم إن كان من عند الله وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله أتؤمنون؟ وقال الحسن نزل هذا بمكة فآمن عبد الله بن سلام

بالمدينة 6 - ثم قال جل وعز (وقال الذين كفروا لو كان خيرا ما سبقونا إليه) (آية 11) قال مسروق هم أهل الكتاب وقال الحسن اسلم وغفار فقالت قريش لو كان خيرا ما سبقونا إليه 7 - وقوله جل وعز (وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين) (آية 12)

فيه جوابان: أحدهما أن المعنى مصدق له أي لكتاب موسى صلى الله عليه وسلم ثم حذف لأن قبله (ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة) و (عربيا) حال ولسانا توطئه للحال أي توكيد كما يقال جاءني زيد رجلا صالحا ويقوي هذا أنه في قراءة عبد الله (وهذا كتاب مصدق [لما بين يديه] لسانا عربيا) والجواب الآخر: أن يكون لسانا مفعولا يراد به النبي صلى الله عليه وسلم ويكون المعنى ذا لسان عربي ثم قال (لتنذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين) (آية 12)

يجوز أن يكون المعنى وهو بشرى وأن يكون المعنى وتبشر المحسنين بشرى 8 - وقوله جل وعز (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (آية 13) قد بينا معنى (ثم استقاموا) فيما تقدم 9 - وقوله جل وعز (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا) (آية 15) (إحسانا) أي يحسن إليهما إحسانا 10 - ثم قال تعالى (حملته أمه كرها ووضعته كرها) (آية 15) ويقرأ (كرها) بفتح الكاف وهو عند بعض العربية لحن لأنه يفرق بينهما قال الحسن ومجاهد وقتادة الكره المشقة والفراء وجماعة من أهل العربية يذهبون إلى أن الكره بفتح

الكاف القهر والغصب فعلى هذا القول يكون لحنا وقال الكسائي الكره والكره بمعنى واحد وكذلك هو عند البصريين جميعا لا اعلم بينهم اختلافا لأن الكره المصدر والكره اسم بمعناه 11 - وقوله جل وعز (حتى إذا أبلغ أشده وبلغ أربعين سنة) (آية 15) قال مجاهد سالت ابن عباس عن قوله تعالى (حتى إذا بلغ اشده) فقال بضعا وثلاثين سنة قال مجاهد ثلاثا وثلاثين

قال أبو جعفر وقيل الأشد ثماني عشرة سنة والأول أشبه لاتساق الكلام الا ترى أن بعده (وبلغ أربعين سنة) ؟ وأيضا فإن البالغ ثلاثا وثلاثين سنة أولى بهذا الاسم لأنه أكمل 12 - وقوله جل وعز (قال رب أوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي) (آية 15) روى أحمد بن عبد الله بن يونس عن أبي بكر بن عياش في قوله تعالى (أوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي) قال هو أبو بكر الصديق فلم يكفر له أب ولا

أم قال (وأوزعني) ألهمني 13 - وقوله جل وعز (والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي) (آية 17) قال الفراء أف لكما أي قذرا لكما (أتعدانني أن أخرج) روى سعيد عن قتادة قال هذا عبد سوء نعته الله جل وعز قال لوالديه أتعدانني أن أبعث 14 - وقوله جل وعز (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) (آية 20) وقرأ يزيد بن القعقاع (أأذهبتم طيباتكم في حياتكم

الدنيا بالاستفهام قال أبو جعفر العرب تقرر وتوبخ بالاستفهام وغير الاستفهام ويروى ان عمر رضي الله عنه رأى جابر بن عبد الله ومعه إنسان يحمل شيئا فقال ما هذا فقال لحم اشتريته بدرهم فقال أكلما قام أحدكم اشترى لحما بدرهم والله لو شئت أن أكون أطيبكم طعاما والينكم ثوبا لفعلت ولكن الله يقول (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) فأنا اترك طيباتي 15 - وقوله جل وعز (فاليوم تجزون عذاب الهون) (آية 20) قال مجاهد الهون الهوان 16 - وقوله جل وعز (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه) (آية 21)

قال قتادة كانت عاد أحياء من اليمن منازلهم عند الرمال والدكاوات قال أبو جعفر الحقف عند أهل اللغة الرمل المنحني وجمعه حقفة محمد وأحقاف وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بظبي حاقف أي منحن متثن 17 - إلى وقوله جل وعز (قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا) (آية 23) معنى (لتأفكنا) لتصرفنا 18 - وقوله جل وعز (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا) (آية 24)

أي فلما رأوا الذي أو عدوا كسحاب عارض قد اعترض فيه عذاب ولم يعلموا أن فيه عذابا قالوا هذا عارض ممطرنا روى طاووس عن ابن عباس قال كان لعاد واد إذا جاء المطر أو الغيم من ناحيته كان غيثا فأرسل الله عليهم العذاب من ناحيته فلما وعدهم هود صلى الله عليه وسلم بالعذاب ورأوا العارض قالوا (هذا عارض ممطرنا) قال لهم هود عليه السلام (بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم) فقالوا كذبت كذبت فقال الله جل وعز (فاصبحوا لا يرى إلا مساكنهم) 19 - وقوله جل وعز (ولقد مكناهم في ما إن مكناكم فيه وجعلنا) لهم سمعا وأبصارا وأفئدة (آية 26) قال قتادة أنبأنا الله أنه قد مكنهم في شئ لم يمكنا فيه

قال أبو جعفر فإن على هذا القول بمعنى ما وقد قيل انها زائدة والأول أولى لأنه لا يعرف زيادتها إلا في النفي وفي الإيجاب أن بالفتح 20 - وقوله جل وعز (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن) (آية 29) قال زر بن حبيش كانوا تسعة نفر 21 - وقوله جل وعز (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) (آية 35) قال قتادة هم أربعة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليهم

وقال مجاهد وعطاء الخرساني أولو العزم من الرسل خمسة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم 22 - وقوله جل وعز (بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) (آية 35) أي ذلك بلاغ وقرأ عيسى بن عمر (بلاغا) وقرأ أبو مجلز (بلغ) على الأمر 23 - ثم قال جل وعز (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) (آية 35) أي فهل يهلك مع رحمة الله وتفضله إلا القوم الفاسقون؟ تم تفسير سورة الأحقاف

تفسير سورة محمد

تفسير سورة محمد مدنية وآياتها 38 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة محمد وهي مدنية 1 - من ذلك قوله جل وعز (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم) (آية 1) روى أبو يحيى عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) قال أهل مكة (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) قال الأنصار (وأصلح بالهم) قال أمرهم قال أبو جعفر معنى (أضل أعمالهم) أبطلها كما

قال تعالى (وقالوا أئذا ضللنا في الأرض) والمعنى لم نثبهم كان على ما عملوا لكفرهم ومعنى (كفر عنهم سيئاتهم) غطى عليها ولم يؤاخذهم بما عملوا وقت كفرهم 2 - وقوله جل وعز (كذلك يضرب الله للناس أمثالهم) (آية 3) المعنى كذلك يبين الله أمر الحسنات والسيئات ومعنى ضربت له مثلا بينت له ضربا من الأمثال أي نوعا منها

3 - ثم قال جل وعز (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) (آية 4) أي فاقتلوهم وذكرت الرقاب لأن القتل أكثر ما يقع بها 4 - ثم قال جل وعز (حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق) (آية 4) قال سعيد بن جبير لا ينبغي أن يقع أسر حتى يثخن بالقتل في العدو كما قال جل وعز (ما كان النبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)

5 - ثم قال جل وعز (فإما منا بعد إما فداء حتى تضع الحرب أوزارها) (آية 4) قال أبو جعفر في هذه الآية اختلاف قال ابن جريج كان عطاء يكره قتل الأسير صبرا لقول الله جل وعز (فإما منا بعد وإما فداء) وقال امنن أو فاد ولا تقتل وقال قتادة الآية منسوخة نسخها قوله تعالى (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) وروى شعبة عن الحكم قال سألني مغيرة عن آية غامضة منسوخة وهي قوله تعالى (فإما منا بعد وإما فداء)

وقال الضحاك هي ناسخة نسخت قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) قال أبو جعفر البين في الآية أنها ليست بمنسوخة ولا ناسخة وإنما هذا إباحة وكذلك القتل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل وفادى وذكر القتل في آية أخرى وهو (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) فاجتزأ بذلك 6 - وقوله جل وعز (حتى تضع الحرب أوزارها) (آية 4) قال قتادة أي حتى يسلم أهل الشرك فسماهم حربا قال سعيد بن جبير ومجاهد في قوله تعالى (حتى تضع الحرب أوزارها) حتى ينزل عيسى بن مريم فيكسر الصليب

ويقتل الخنزير وتزول الأديان إلا دين الإسلام وتكون الملة واحدة قال أبو جعفر فهذا قول في الآية أي حتى يضع أهل الحرب أوزارهم فيسلموا أو يسالموا وقيل يعني بالأوزار ههنا السلاح كما قال الشاعر: وأعددت للحرب أوزارها * رماحا طوالا وخيلا ذكورا والمعنى على هذا فشدوا الوثاق حتى تضع الحرب أوزارها فإما منا بعد وإما فداء

7 - وقوله جل وعز (ولكن ليبلوا بعضكم ببعض) (آية 4) أي ليمحص المؤمنين ويمحق الكافرين 8 - ثم قال جل وعز (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم) (آية 4) ويقرأ (قتلوا) و (قتلوا) و (قتلوا) 9 - وقوله جل وعز (سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم) (آية 6) في معناه ثلاثة أقوال: قال مجاهد عرفهم بيوتها ومساكنها وقسمهم منها فلا

يغلط أحد منهم فيدخل إلى موضع غيره ولا يحتاج أن يستدل وقال سلمة بن كهيل (عرفها لهم) عرفهم طرقها فهذا قول وقيل (عرفها) طيبها وقيل (عرفها) رفعها قال أبو جعفر القول الأول وإن كان بعض أهل اللغة قد أنكره وقال لو كان كذا لقال عرفهم بها أحسن الأقوال وأصحها ولا يلزم هذا الرد

والمعنى بينها لهم فتبينوها أو والقول الثاني ليس بممتنع لأنه يقال طعام معرف أي مطيب والقول الثالث: مأخوذ من العرف لارتفاعه وقيل أي عرف المكلفين من عباده بأنها لهم 10 - وقوله جل وعز (والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم) (آية 8) أي ممن ينبغي أن يقال لهم أتعسهم الله أي لا جبرهم وهذا يدعى به على العاثر وقال ثعلب التعس الشر قال وقيل هو البعد وانتكس قلب أمره وأفسد وقال البن السكيت التعس أن يخر على رأسه قال

والتعس أيضا الهلاك 11 - وقوله جل وعز (دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها) (آية 10) قال مجاهد وللكافرين التدمير وعيدا من الله وقال غيره فقتل منهم من قتل بالسيف 12 - ثم قال جل وعز (ذلك بان الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لا مولى لهم) (آية 11) قال قتادة أي ولي الذين آمنوا

قال أبو جعفر وفي قراءة عبد الله كذلك وقال الشاعر: فغدت كلا الفرجين تحسب أنه * مولى المخافة خلفها وأمامها أي ولي المخافة وروى سماك عن عكرمة عن ابن عباس (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا) قال لا مولى لهم غيره قال قتادة نزلت هذه الآية يوم أحد والنبي صلى الله عليه وسلم في الشعب وقد اثخن في المسلمين بالقتل والجراح فصاح المشركون يوم بيوم بدر لنا العزى ولا عزى لكم فانزل الله جل وعز (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم) إلى قوله (ذلك بان الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قولوا الله مولانا ولا مولى لكم

وقتلانا أحياء يرزقون في الجنة وقتلاكم في النار قال أبو جعفر والمعنى الله ولي الذين آمنوا في الهداية والنصرة فلما أخبر بولايته المؤمنين وخذلانه الكافرين أعلم بما أعده للمؤمنين والكافرين فقال (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار) أي منزل لهم (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم) (آية 14) 13 - ثم قال جل وعز (وكأين من قرية هي اشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم) (آية 13)

قال قتادة يعني أهل مكة قال فلا ناصر لهم 14 - ثم قال جل وعز (أفمن كان على بينة من ربه) (آية 14) قال قتادة هو محمد صلى الله عليه وسلم (كمن زين له سوء عمله) قال هم مشركو العرب ثم قال (واتبعوا أهواءهم) على معنى (من) 15 - ثم قال جل وعز (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن) (آية 15) ولم يأت بالمماثل

في معناه ثلاثة أقوال: أ - منها أن مثلا بمعنى صفة قال ذلك النضر بن شميل والفراء وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قرأ (أمثال الجنة التي وعد المتقون) قال أبو جعفر فهذا قول ويكون على هذا (مثل) على معنى (مثل) ويكون فيه خلاف معناه كما ان في (عدل) خلاف معنى (عدل) ب - وقيل المعنى مثل الجنة التي وعد المتقون فيما تعرفون في الدنيا جنة فيها أنهار ج - والقول الثالث أن المعنى على التوبيخ والتقرير أي مثل الجنة التي وعد المتقون كمن هو خالد في النار أي مثل المطيع عندكم كمثل العاصي؟

وروى معمر عن قتادة (من ماء غير آسن) قال غير منتن قال قتادة الاسن المتغير الآجن قال أبو جعفر قول قتادة اصح لأنه يقال أسن الماء يأسن ويأسن فهو آسن وأسن إذا أنتن فلم يقدر أحد على شربه وأجن يأجن وهو آجن إذا تغير وإن كان شرب على كره 16 - وقوله جل وعز (وأنهار من خمر لذة للشاربين) (آية 15) يقال شراب لذيذ ولذ

(وأنهار من عسل مصفى) أي ليس كعسل الدنيا الذي فيه الشمع وغيره (ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم) أي ولهم مغفرة من ربهم ثم قال تعالى (كمن هو خالد في النار) ؟ قال أبو جعفر قد تقدم القول فيها وفيه قول آخر وهو ان المعنى أمن يخلد في الجنة وفي هذا النعيم المذكور كمن هو خالد في النار ثم حذف هذا لعلم السامع كما قال تعالى (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما)

وغن كان قد قيل إن المعنى يا من هو قانت 17 - وقوله جل وعز (ومنهم من يستمع إليك) (آية 16) قال قتادة هم المنافقون 18 - ثم قال تعالى (حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا) (آية 16) أي إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ثم خرجوا قالوا للمسلمين استهزاء (ماذا قال آنفا) أي لم نلتفت إلى ما قال والمعنى ماذا قال الساعة أي في أقرب الأوقات إلينا؟ من قولهم استأنفت الشئ وروضة أنف لم ترع

19 - وقوله جل وعز (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) (آية 17) المعنى زادهم الله هدى فيكون الضمير يعود على قوله (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم) ويجوز أن يكون المعنى وزادهم قول النبي هدى ويجوز أن يكون المعنى وزادهم استهزاء المنافقين هدى ثم قال تعالى (وآتاهم تقواهم) أي ألهمهم ويجوز أن يكون المعنى ثواب تقواهم

20 - وقوله جل وعز (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها) (آية 18) أي فهل ينتظرون إلا أن تأتيهم الساعة فجأة (فقد جاء أشراطها) قال الفراء أي علامتها الواحد شرط 21 - ثم قال جل وعز (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) ؟ (آية 18) قال قتادة أي فأنى لهم أن يتذكروا قال أبو جعفر فالمعنى على هذا فمن أين لهم منفعة الذكرى إذا جاءت الساعة وانقطعت التوبة؟

22 - ثم قال جل وعز (فاعلم انه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) (آية 19) والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته أي اثبتوا على هذا 23 - وقوله جل وعز (ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال) (آية 20) قال قتادة كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة قال أبو جعفر وهذه آية مشكلة وفي قراءة عبد الله (وإذا أنزلت سورة محدثة) والمعنى واحد أي لم يقع عليها النسخ وذكر فيها القتال

وإنما كان المسلمون يقولون هذا لأنهم كانوا يأنسون بنزول الوحي (رأيت الذين في قلوبهم مرض) أي ريب وشك (ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت) أي نظر مغتاظين مغمومين كما قال تعالى (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم) وإنما كانوا يكرهون ذكر القتال لأنهم إذا تأخروا عنه تبين نفاقهم فخافوا القتل ثم قال تعالى (فأولى لهم) على التهديد وحقيقته وليهم المكروه أي أولى لهم المكروه والعرب تقول

لكل من قارب الهلكة ثم افلت أولى لك أي كدت تهلك كما روي أن أعرابيا كان يوالي رمي الصيد فيفلت منه فيقول أولى لك رمى صيدا فقاربه ثم افلت منه فقال: فلو كان (أولى) يطعم القوم صدتهم * ولكن (أولى) تترك الناس جوعا 24 - ثم قال تعالى (طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم) (آية 21) قال قتادة أي طاعة الله وقول بالمعروف في حقائق الأمور أي سمع وطاعة خير لهم وقال الخليل وسيبويه أي طاعة وقول معروف أمثل

وفي المعنى قول آخر وهو انه حكى ما كانوا يقولون قبل نزول القتال وقبل الفرض فالمعنى على هذا يقولون منا طاعة وقول معروف ويدل على صحة هذا القول (فإذا عزم الأمر) قال مجاهد أي جد الأمر قال أبو جعفر فالتقدير على هذا فإذا جد الأمر بفرض القتال كرهوا ذلك ثم حذف 25 - ثم قال جل وعز (فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم) (آية 21) قال قتادة فلو صدقوا الله في الإيمان والجهاد 26 - وقوله جل وعز (فهل عسيتم إن توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) (آية 22)

قال بكر بن عبد الله المزني هؤلاء الحرورية قال محمد بن كعب اي فهل عسيتم إن توليتم الأمور أن يقتل بعضكم بعضا كقتل قريش بني هاشم وكقتل بني هاشم قريشا وفي المعنى قول آخر وهو فهل تريدون إن توليتم عن النبي صلى الله عليه وسلم وكفرتم بما جاءكم به على أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه من الكفر فتفسدوا في الأرض بالكفر وتقطعوا أرحامكم بان تئدوا بناتكم؟ وقرأ علي بن أبي طالب عليه السلام (فهل عسيتم إن

توليتم) اي ولي عليكم 27 - وقوله جل وعز (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم) (آية 25) قال قتادة هؤلاء أهل الكتاب عندهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم فأنكروها وكفروا من بعد ما تبين لهم الهدى وقال الضحاك هم أهل النفاق (الشيطان سول لهم) قال قتادة أي زين لهم ثم قال تعالى (وأملى لهم) المعنى وأملى الله لهم أي مد الله لهم في آجالهم ملاوة

من الدهر كما قال تعالى (وأملي لهم إن كيدي متين) وقرأ مجاهد (الشيطان سول لهم واملي لهم) وهذه قراءة حسنة والمعنى وأنا أملي لهم وحكى الفراء انه قرئ (وأملي لهم) وهي قراءة شيبة وأبي عمرو 28 - ثم قال جل وعز (ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر) (آية 26) أي في التضافر على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم وقال سفيان يعني الفرائض قال قتادة هم المنافقون

29 - وقوله جل وعز (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم) (آية 29) اي عداوتهم أي يظهروا عداوتهم لأهل الإسلام 30 - ثم قال جل وعز (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول) (آية 30) أي لعرفناكهم يقال قد أريتك كذا أي عرفتكه) (فلعرفتهم بسيماهم) أي بعلامتهم 31 - ثم قال تعالى (ولتعرفنهم في لحن القول) (آية 30) اي فحواه ومعناه كما قال الشاعر: منطق صائب وتلحن أحيانا * وخير الحديث ما كان لحنا

أي ما لم يصرح به وما عرف بالمعنى ونحو الكلام وقولهم لحن فلان في هذا إنما معناه أخذ في ناحية غير الصواب 31 - وقوله جل وعز (والله معكم ولن يتركم أعمالكم) (آية 35) قال مجاهد لن ينقصكم قال أبو جعفر من هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله 32 - وقوله جل وعز (إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم) (آية 37)

(فيحفكم) أي يجهدكم ومنه حفيت الدابة (ويخرج أضغانكم) قيل أي عداوتكم وقال الضحاك غش قلوبكم إذا سئلتم أموالكم 33 - وقوله جل وعز (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم) (آية 38) قال قتادة أي إن تتولوا عن طاعة الله ثم قال (يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) (آية 38) قال مجاهد من شاء

وروى العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب بيده على فخذ سلمان رضي الله عنه فقال هم قوم هذا لو كان الدين بالثريا لتناوله رجال من الفرس تمت سورة محمد صلى الله عليه وسلم

تفسير سورة الفتح

تفسير سورة الفتح مدنية وآياتها 29 آية

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الفتح وهي مدنية في رواية مجاهد عن ابن عباس وروى الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان قالا نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة كلها في شأن الحديبية 1 - من ذلك قوله جل وعز (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) (آية 1) روى قتادة عن أنس قال نزلت (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد نزلت علي آية

أحب إلي من جميع الدنيا ثم تلاها فقال رجل من المسلمين هنيئا مريئا هذا لك يا رسول الله فماذا لنا فأنزل الله جل وعز (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنت تجري من تحتها الأنهار) إلى آخر الآية قال مجاهد في قوله تعالى (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال قضينا لك قضاء بينا قال سفيان (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك) أي ما كان في الجاهلية (وما تأخر) قال ما كان في الإسلام مما لم تعمله بعد

قال أبو جعفر في قوله جل وعز (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) ثلاثة أقوال: متقاربة أ: منها ما تقدم أنه فتح الحديبية والحديبية بئر سمي المكان باسمها قال أبو جعفر ولا أعرف أحدا من أهل اللغة يشدد الياء منها وكان في فتحها أعظم الآيات لأن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي ورد على هذه البئر وقد نزف ماؤها فتمضمض صلى الله عليه وسلم وتفل فيها فأقبل الماء حتى شرب كل من كان معه ولم يكن بينهم إلا ترام حتى كان الفتح هذا قول

ب - وقيل المعنى (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) باجتناب الكبائر (ليغفر لك الله) الصغائر ج - وقيل (إنا فتحنا لك فتحا) بالهداية إلى الإسلام فهذه الأقوال متقاربة وقول مجاهد يجمعها لأن فتح الحديبية قضاء من قضاء الله وهداية من هدايته يهدي بها من شاء وكذلك اجتناب الكبائر وقد روي عن ابن عباس ما يقويه قال ما كنت أدري ما معنى (إنا فتحنا) حتى قالت لي ابنة مشرح فتح الله بيني وبينك وقوله تعالى (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق)

2 - وقد تكلم العلماء في قوله تعالى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) (آية 2) فقال أبو حاتم المعنى ليغفرن لك الله وقال أبو الحسن بن كيسان لا يجوز أن تكون إلا (لام كي) قال قال الله جل وعز (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) فأمر الله أن يستغفره إذا كان الفتح ووعده بالمغفرة فكان قوله (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله) متعلقا بذاك وقيل (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) مما

كان أي مما كان مقدما ومؤخرا وقد وقع ذلك كله وقيل (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) كله للمستقبل أي لتقع المغفرة في الاستقبال فيما يكون من الذنوب أولا وآخرا 3 - ثم قال جل وعز (ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا) (آية 2، 3) أي نصرا ذا عز لا ذل معه 4 - ثم قال جل وعز (هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) (آية 4)

(السكينة) اي السكون والطمأنينة 5 - وقوله جل وعز (ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما) (آية 4) أي كل ما فيها يدل على أن له خالقا وأنه واحد 6 - ثم قال جل وعز (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) (آية 5) أي فتح لك بالإسلام والهداية بهذا ويدل عليه أيضا قوله سبحانه (ويعذب المنافقين

والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء) (آية 6) لأنهم ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجع (عليهم دائرة السوء) أي الهلاك ويقرأ السوء والفرق بينهما أن السوء الشئ بعينه والسوء الفعل 7 - وقوله جل وعز (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) (آية 8) قال قتادة أي شاهدا على أمتك (ومبشرا) المحسن منهم (ونذيرا) المسئ قال أبو جعفر هذا قول حسن وهذه حال مقدرة

حكى سيبويه مررت برجل معه صقر صائدا به غدا فالمعنى إنا أرسلناك مقدرين لشهادتك عبد يوم القيامة وعلى هذا تقول رايت عمروا قائما غدا 8 - وقوله جل وعز (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا) (آية 9) روى شعبة عن ابي بشر عن عكرمة في قوله تعالى (وتعزروه) قال وتقاتلوا معه بالسيف قال قتادة وتنصروه وقرأ جويبر اي وتفخموه وقرأ عاصم الجحدري (وتعزروه) وأصله في اللغة من التبجيل والتطهير ومنه التعزير الذي هو دون الحد

وقرا محمد اليماني (وتعززوه) بزاءين معجمتين يقال عززه أي جعله عزيزا وقواه ومنه قوله تعالى (فعززنا بثالث) ويجوز أن يكون (وتعزروه وتوقروه) لله جل وعز وحده ويجوز أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم 9 - فأما قوله تعالى (وتسبحوه بكرة وأصيلا) (آية 9) فلا يجوز أن تكون إلا لله جل وعز لأنه ليس يخلو من أن يكون معناه كما قال جويبر وتصلوا له أو يكون معناه وتعظموه وتنزهوه

10 - وقوله جل وعز (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) (آية 10) أي عقدك عليهم البيعة عقد لله جل وعز 11 - ثم قال جل وعز (يد الله فوق أيديهم) (آية 10) أي يد الله في الثواب وقيل في الوفاء وقيل في المنة عليهم بالهداية

(فوق أيديهم) في الطاعة (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) يقال نكث إذا نقض ما اعتقده 12 - وقوله جل وعز (سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا) (آية 11) قال مجاهد هم أعراب المدينة وجهينة ومزينة ثم قال تعالى (شغلتنا أموالنا وأهلونا) أي ليس لنا من يحفظ أموالنا ويقوم بأهالينا 13 - وقوله جل وعز (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم) (آية 15) قال مجاهد دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخروج إلى مكة فأبوا وقالوا كيف نخرج معه إلى قوم جاءوا إليه فقتلوا أصحابه فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ قوما على غفلة ووجه بهم قالوا (ذرونا

نتبعكم) 14 - ثم قال جل وعز (يريدون أن يبدلوا كلام الله) (آية 15) وهو على قول ابن زيد قوله جل وعز (فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا) 15 - وقوله جل وعز (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون) (آية 16) روى سفيان عن شعبة عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير قال سفيان أراه عن ابن عباس (ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) قال هوازن

وقال عطاءهم فارس وقال الحسن فارس الروم ومن أصح ما قيل فيه انهم بنو حنيفة الذين قوتلوا في الردة وكان هذا مما يدل على صحة خلافة أبي بكر رضي الله عنه من القرآن ويدلك على ذلك قوله تعالى (تقاتلونهم أو يسلمون) فليس هذا ممن تؤخذ منهم الجزية

16 - وقوله جل وعز (وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما) (آية 16) أي كما توليتم مع النبي صلى الله عليه وسلم 17 - قال عثمان بن المغيرة سألت الحسن عن قوله تعالى (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) (آية 17) فقال هذا في الجهاد 18 - وقوله جل وعز (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) (آية 18) قال جويبر بايعوا على أن لا يفروا

وقال قتادة كانوا ألفا وأربعمائة وكانت الشجرة سمرة 19 - وقوله جل وعز (فعلم ما في قلوبهم فانزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) (آية 18) (فعلم ما في قلوبهم) من الإخلاص (فأنزل السكينة عليهم) قال قتادة الصبر والوقار (وأثابهم فتحا قريبا) قال ابن أبي ليلى خيبر 20 - وقوله جل وعز (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم) (آية 20) قوله (فعجل لكم هذه) قال مجاهد يعني خيبر

ثم قال تعالى (وكف أيدي الناس عنكم) لأنهم خلفوا عيالاتهم فزعين عليهم فمنع الله منهم وكف أيدي الناس عنهم 21 - وقوله جل وعز (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شئ قديرا) (آية 21) روى شعبة عن سماك الحنفي قال سمعت ابن عباس يقول في قوله تعالى (وأخرى لم تقدروا عليها) هي الفتوح التي فتحت لكم وقال ابن أبي ليلى هي فارس والروم وقال مجاهد هو ما يكون بعد إلى يوم القيامة وقال قتادة هو فتح مكة

22 - ثم قال جل وعز (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا) (آية 22) قال قتادة كفار قريش قال أبو جعفر ولو قاتلكم من لم يقاتلكم منهم لانهزموا لأن في سنة الله نصر أوليائه قال قتادة يعني في قوله عز وجل (ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا) ولا يجدون لهم وليا ولا نصيرا من الله جل وعز 23 - وقوله جل وعز (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) (آية 24)

كف أيدي المشركين عمن خلفه المؤمنون حين خرجوا إلى الحديبية قال قتادة في قوله تعالى (وكف أيديكم عنهم) تطلع رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له زنيم فرماه المشركون بسهم فقتلوه فبعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا فأخذوا اثني عشر فارسا فأتوا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم الكم عهد أو ذمة قالوا لا فأطلقهم فأنزل الله تعالى (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة) قال قتادة يعني الحديبية

24 - وقوله جل وعز (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله) (آية 25) قال قتادة (والهدي معكوفا) محبوسا 25 - وقوله جل وعز (أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء) (آية 25) (أن تطئوهم) أي تقتلوهم (فتصيبكم منهم معرة) أي عيب يقول المشركون قتلوا أهل دينهم ولو فعلتم لأدخلهم الله في رحمته

26 - وقوله جل وعز (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) (آية 25) قال مجاهد (لعذبنا الذين كفروا) بالسباء والقتل 27 - وقوله جل وعز (وألزمهم كلمة التقوى) (آية 26) قال علي بن أبي طالب وابن عمر وأبو هريرة (كلمة التقوى) لا إله إلا الله 28 - ثم قال تعالى (وكانوا أحق بها وأهلها) (آية 26) أي أن الله اختارهم لدينه 29 - وقوله جل وعز (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إنشاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون) (آية 27) قال مجاهد راى النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قد دخل مكة هو وأصحابه

محلقين وقال قتادة هي رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية كأنهم دخلوا مكة محلقين رؤوسهم ومقصرين فاستبطأوا الرؤيا ثم دخلوا بعد ذلك فأما قوله تعالى (إن شاء الله) ففيه اقوال: أ - منها إن المعنى إن شئت دخلتم آمنين ب - وقيل هو حكاية لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ج - وقيل خوطب العباد على ما يجب أن يقولوه كما قال تعالى (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) د - وقيل الاستثناء لمن مات منهم أو قتل

30 - وقوله جل وعز (فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) (آية 27) قال مجاهد رجعوا من الحديبية ثم فتح الله عليهم خيبر 31 - وقوله جل وعز (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود) (آية 29) قال سعيد بن جبير ذلك اثر الطهور وثرى الأرض وقال عكرمة هو أثر التراب

قال ابن وهب أخبرني مالك في قوله تعالى (سيماهم في وجوههم) قال هو ما يتعلق بالجهة من تراب الأرض فهذا قول وقال مجاهد إنما هو الخشوع والتواضع وليس للمنافق هذا وقال الحسن بياض يكون في الوجه يوم القيامة وقال عطية موضع الجبهة يوم القيامة اشد بياضا من سائر الوجه وقال الضحاك هذا يوم القيامة تبدو صلاتهم على

وجوههم وقال شمر بن عطية هو تهيج الوجه وصفرته من سهر الليل وقال فتادة نعتوا بالصلاة اي يعرفون بالصلاة 32 - ثم قال جل وعز (ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه) (آية 29) روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (مثلهم) يعني نعتهم (في التوراة والإنجيل) أي مكتوب فيهما وقال قتادة فيما تقدم مثلهم في التوراة ولهم مثل آخر في الإنجيل وهو (كزرع أخرج شطأه) قال الضحاك هما مثلان فالأول في التوراة والثاني في الإنجيل وقال مجاهد هما مثل واحد والتمام على قول مجاهد (في الإنجيل)

33 - ثم قال جل وعز (كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه) (آية 29) (كزرع) أي هم كزرع (اخرج شطأه) روى حميد عن أنس قال نباته فروخه قال أبو عبيدة يقال أشطأ الزرع إذا خرجت فراخه قال الفراء الحبة تخرج العشر والسبع والثماني من السنبل

ثم قال تعالى (فآزره) قال مجاهد أي شدده وأعانه

ثم قال تعالى (فآزره) قال مجاهد أي شدده وأعانه وقال الضحاك هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا قليلا فكثروا وضعفاء فقووا 34 - ثم قال جل وعز (فاستغلظ فاستوى على سوقه) (آية 29) جمع ساق (يعجب الزراع) تمثيل (ليغيظ بهم الكفار) قال قتادة أي ليغيظ محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكفار

35 - ثم قال جل وعز (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) (آية 29) يجوز ان تكون من ههنا لبيان الجنس كما قال تعالى (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) ويجوز أن تكون للتبعيض أي وعد الله الذين ثبتوا على الإيمان منهم مغفرا وأجرا عظيما آخر السورة والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد رسوله وعلى آله وصحبه وسلم انتهت سورة الفتح تم الكتاب بعون الله وتوفيقه في البلد الحرام " مكة المكرمة " عام 1409 هـ من هجرة خير الانام تم بعونه تعالى الكتاب

§1/1