معانى القرآن للأخفش

الأخفش الأوسط

(اب) اسمٌ، لانك تقول اذا صغّرته: "سُمَيّ"، فتذهب الألف. وقوله: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} ، وقوله: {وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} فهذا موصول لانك تقول: "مُرَيَّة" و "ثُنَيَّا عشر". و [قوله] : {فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} موصول: لانك تقول: "ثُنَيَّتا عشرةَ"، وقال: {إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا} ، وقال: {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ} ، لانك تقول في "اثنين": "ثُنَيِّيّن" وفي "آمرىء": "مُرَىّءِ" فتسقط الالف. وانما زيدت لسكون الحرف الذي بعدها لما ارادوا استئنافه فلم يصلوا الى الابتداء بساكن، فأحدثوا هذه الالف ليصلوا الى الكلام بها. فاذا اتصل [الكلام] بشيء قبله استغنى عن هذه الالف. وكذلك كل الف كانت في اول فعل او مصدر، وكان "يَفْعل" من ذلك الفعل ياؤه مفتوحة فتلك

ألف وصل نحو قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} {اهْدِنَا} . لانك تقول: "يَهْدِي" فالياء مفتوحة. وقوله: {أُوْلَائِكَ الَّذِينَ اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ} و [قوله] : {ياهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً} ، وقوله: {عَذَابٌ [41] ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} ، وأشباه هذا في القرآن كثيرة. والعلة فيه كالعلّة في "اسم"، و "اثنين" وما أشبهه، لانه لما سكن الحرف الذي في اول الفعل جعلوا فيه هذه الالف ليصلوا الى الكلام به اذا استأنفوا. وكل هذه الالفات (2ء) اللواتي في الفعل اذا استأنفتهنّ مكسورات، فاذا استأنفت قلت {اهْدِنَا الصّرَاطَ} , {ابْنِ لِي} , {اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ} ، الا ما كان منه ثالث حروفه مضموما فانك تضم أوله اذا استأنفت، تقول: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} ، وتقول {اذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً} . وانما ضمت هذه الالف اذا كان الحرف الثالث مضموماً لانهم لم يروا بين الحرفين إلا حرفاً ساكنا, فثقل عليهم ان يكونوا في كسر ثم يصيروا الى الضم. فارادوا أن يكونا جميعاً مضمومين اذا كان ذلك لا يغير المعنى. وقالوا في بعض الكلام في "المُنْتِن": مِنْتِن". وانما هي من ""أنتن" فهو "مُنْتِن"، مثل "أكرم" فهو "مُكْرِم". فكسرو الميم لكسرة التاء. وقد ضم بعضهم التاء فقال "مُنْتُن" لضمة الميم. وقد قالوا في "النَقِد": "النِقِد" فكسروا النون لكسرة القاف.

وهذا ليس من كلامهم الا فيما كان ثانيه احد الحروف الستة نحو "شعير". والحروف الستة: الخاء والحاء والعين والغين والهمزة والهاء وما كان على "فُعِلَ" مما في أوله هذه الالف الزائدة فاستئنافه ايضاً مضموم نحو: {اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ} لان أول "فُعِلَ" ابداً مضموم، [2ب] والثالث من حروفها ايضاً مضموم. وما كان على "أَفعَلُ أنا" فهو مقطوع الالف وإن كان من الوصل، لأن "أَفْعَلُ" فيها ألف سوى ألف الوصل، وهي نظيرة الياء في "يَفْعَل". وفي كتاب الله عز وجل {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ، و {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ} و {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} . وما كان من نحو الالفات اللواتي ليس معهن اللام في أول اسم، وكانت لا تسقط في التصغير فهي مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال نحو قوله: {هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ} ، وقوله {يَاأَبَانَآ} ، وقوله، {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ} ،

و {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا} {حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ} , لانها اذا صغرت ثبتت الالف فيها، تقول في تصغير "إحدى": "أُحَيْدى"، و "أحَد": "أُحَيْد", و "أَبانا": "أُبَيُّنا" وكذلك "أُبَيّانِ" و "أُبَيُّونَ". وكذلك [الالف في قوله] {مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} و {أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا} ، لانك تقول في "الأنصار": "أُنَيْصار"، وفي "الأنباءِ": "أُبَيْناء" و "أُبَيْنُون". وما كان من الالفات في أول فعل أو مصدر، وكان "يَفْعل" من ذلك الفعل ياؤه مضمومة, فتلك الالف مقطوعة. تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله {بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ، لأنك تقول: "يُنْزَل". فالياء مضمومة. و {رَبَّنَآ آتِنَا} تقطع لان الياء مضمومة، لأنك تقول: "يُؤْتِى". وقال {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} و {وَإِيتَآءِ ذِي الْقُرْبَى} لأنك تقول: "يُؤتِي"، و "يُحْسِن" [3ء] . وقوله: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} ، و {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} فهذه موصولة لأنك تقول: "يَأتي"، فالياء مفتوحة. وانما الهمزة التي في قوله: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} همزة كانت من الاصل في موضع الفاء من الفعل، الا ترى انها ثابتة في "أتيت" وفي "أتى" لا تسقط. وسنفسر لك الهمز في موضعه إن شاء الله. وقوله: {آتِنَا} يكون من "آتى" و "آتاه الله"، كما تقول: "ذهب" و "أذهبه الله" ويكون على "أَعطنا". قال {فَآتِهِمْ عَذَاباً} على "فَعَل"و "أَفْعَلَهُ غيرُه".

وأما قوله: {الرحمن الرَّحِيمِ الْحَمْدُ} فوصلت هذه الأسماء التي في أوائلها الالف واللام حتى ذهبت الالف في اللفظ. وذلك لان كل اسم في أوله ألف ولام زائدتان فالالف تذهب اذا اتصلت بكلام قبلها. واذا استأنفتها كانت مفتوحة ابداً لتفرق بينها وبين الالف التي تزاد مع غير اللام, ولان هذه الالف واللام هما جميعاً حرف واحد كـ"قد" و "بل". وانما تعرف زيادتهما بأن تروم الفا ولاما اخريين تدخلهما عليهما، فان لم تصل الى ذلك عرفت انهما [3ب] زائدتان الاترى ان قولك "الحمدُ للهِ" وقولك: "العالمين" وقولك "التي" و "الذي" "والله" لا تستطيع أن تدخل عليهن الفا ولاما أخريين؟ فهذا يدل على زيادتهما، فكلما اتصلتا بما قبلهما ذهبت الالف. الا أن توصل بالف الاستفهام فتترك مخففة، [و] لا يخفف فيها الهمزة الاناس من العرب قليل، وهو قوله {ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} وقوله {ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} وقوله {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} . وانما مدت في الاستفهام ليفرق بين الاستفهام والخبر. الا ترى انك لو قلت وأنت تستفهم: "الرجل قال كذا وكذا" فلم تمددها صارت مثل قولك "الرجل قال كذا وكذا" اذا اخبرت. وليس سائر الفات الوصل هكذا. قال {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} ، وقال {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ} . فهذه

الالفات مفتوحة مقطوعة، لأنها ألف استفهام، وألف الوصل التي كانت في "اصطفى" [و "افترى"] قد ذهبت، حيث اتصلت الصاد [والفاء] بهذه الالف التي قبلها للاستفهام. وقال من قرأ هذه الآية {كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأَشْرَارِ} {أَتَّخَذْنَاهُمْ} فقطع الف "أَتخذناهم" فانما جعلها ألف استفهام وأذهب ألف الوصل التي كانت بعدها، لانها اذا اتصلت بحرف قبلها ذهبت. وقد قرىء هذا الحرف موصولا، وذلك انهم حملوا قوله {أَمْ زَاغَتْ [4ء] عَنْهُمُ الأَبْصَار} على قوله {مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأَشْرَارِ} {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَار} . وما كان من اسم في اوله الف ولام تقدر أن تدخل عليهما الفا ولاما أخريين، فالالف من ذلك مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله {مَا لَكُمْ مِّنْ اله غَيْرُهُ} لانك لو قلت "الإِله" فأدخلت عليها الفا ولاما جاز ذلك. وكذلك "أَلواح" وإلهام" و "إلقاء" مقطوع كله، لأنه يجوز ادخال الف ولام أخريين. فأما "إلى" فمقطوعة ولا يجوز ادخال الالف واللام عليها لأنها ليست باسم، وانما تدخل الالف واللام على الاسم. ويدلك على ان الالف واللام في "إلى" ليستا بزائدتين انك انما وجدت الالف واللام تزادان في الأسماء، ولا تزادان في غير الأسماء، مثل "إلى" و "أَلاَّ". ومع ذلك تكون الف "إلى" مكسورة والف اللام الزائدة لا تكون مكسورة.

وأما قوله {الْحَمْدُ للَّهِ} فرفعه على الابتداء. وذلك ان كل اسم ابتدأته لم توقع عليه فعلا من بعده فهو مرفوع، وخبره ان كان هو هو فهو ايضاً مرفوع، نحو قوله {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ} وما أشبه ذلك. وهذه الجملة تأتي على جميع ما في القرآن من المبتدأ فافهمها. فانما رفع [4ب] المبتدأ ابتداؤك اياه، والابتداء هو الذي رفع الخبر في قول بعضهم [و] كما كانت "أنَّ" تنصب الاسم وترفع الخبر فكذلك رفع الابتداء الاسم والخبر. وقال بعضهم: "رفع المبتدأ خبره" وكل حسن، والأول أقيس. وبعض العرب يقول {الْحَمْدَ للَّهِ} فينصب على المصدر، وذلك ان اصل الكلام عنده على قوله "حَمْداً لله" يجعله بدلا من اللفظ بالفعل، كأنه جعله مكان "أَحْمَدُ" ونصبه على "أَحْمَدُ" حتى كأنه قال: "أَحْمَدُ حَمْداً" ثم ادخل الالف واللام على هذه. وقد قال بعض العرب {الْحَمْدِ للَّهِ} فكسره، وذلك أنه جعله بمنزلة الأسماء التي ليست بمتمكنة، وذلك ان الأسماء التي ليست بمتمكنة تحرّك اواخرها حركة واحدة لا تزول علتها نحو "حَيْثُ" جعلها بعض العرب مضمومة على كل حال، وبعضهم يقول "حَوْثُ" و "حَيْثَ" ضم وفتح.

ونحو "قَبْلُ" و "بَعْدُ" جعلتا مضمومتين على كل حال. وقال الله تبارك وتعالى {لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} فهما مضموتان الا ان تضيفهما، فاذا اضفتهما صرفتهما. قال {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} و {كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} و {وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ} وقال {مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ} وذلك ان قوله {أَن نَّبْرَأَهَآ} اسم أضاف اليه {قَبْل} [5ء] وقال {مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ} . وذلك ان قوله {أَن نَّزغَ} اسم هو بمنزلة "النَزْغ"، لأن "أنْ" الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم، فأضاف اليها" بَعْد". وهذا في القرآن كثير. ومن الأسماء التي ليست بمتمكنة قال الله عز وجل {إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي} و {هَآأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ} مكسورة على كل حال. فشبهوا "الحمدَ" وهو اسم متمكن في هذه اللغة بهذه الأسماء التي ليست بمتمكنة، كما قالوا "يا زيدُ". وفي كتاب الله {ياهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً} هو في موضع النصب، لان الدعاء كلّه في موضع نصب، ولكن شبه بالأسماء التي ليست بمتمكنة فترك على لفظ واحد، يقولون: "ذهب أَمسِ بما فيه" و "لَقِيتهُ أمسِ يا فتى"، فيكسرونه في كل

موضع في بعض اللغات. وقد قال بعضهم: "لَقِيتهُ الأمسِّ الأحدث" فجرّ أيضاً وفيه الف ولام، وذلك لا يكاد يعرف. وسمعنا من العرب من يقول: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتِ وَالْعُزَّى} ، ويقول: "هي اللاتِ قالت ذاك" فجعلها تاء في السكوت، و "هي اللاتِ فاعلم" جرّ في موضع الرفع والنصب. وقال بعضهم "من الآنَ إلى غد" فنصب لانه اسم غير متمكن. واما قوله: "اللاتِ فاعلم" [5ب] فهذه مثل "أمسِ" وأجود، لان الالف واللام التي في "اللات" لا تسقطان وان كانتا زائدتين. واما ما سمعنا في "اللات والعزى" في السكت عليها فـ"اللاه" لانها هاء فصارت تاءً في الوصل وهي في تلك اللغة مثل "كان من الأمر كيتِ وكيتِ". وكذلك "ههياتِ" في لغة من كسر.

الا انه يجوز في "هيهات" ان تكون جماعة فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي للتأنيث، ولا يجوز ذلك في "اللاتِ"، لان "اللات" و "كيت" لا يكون مثلهما جماعة، لان التاء لا تزاد في الجماعة الا مع الألف فان جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد. وزعموا ان من العرب من يقطع ألف الوصل. أخبرني من أثق به أنه سمع من يقول: "يا إِبني" فقطع. وقال قَيْس بن الخطيم [من الطويل وهو الشاهد الأول] . اذا جاوز الإِثنين سرٌّ فإنّه * بنشرٍ وتكثيرِ الوشاة قمين وقال جميل: [من الطويل وهو الشاهد الثاني] : ألا لا أرى إِثنين أكرمَ شيمةً * على حدثانِ الدهر مني ومن جُمْلِ وقال الراجز: [وهو الشاهد الثالث] . يا نفسُ صبراً كلُّ حي لاق * وكلُّ إثنين إلى افتراق [6ء] وهذا لا يكاد يعرف.

وقوله: {لِلَّهِ} جر باللام كما انجر قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ الرحمن الرَّحِيمِ} لانه من صفة قوله {للَّهِ} . فان قيل: "وكيف يكون جرّا وقد قال: {إِيّاك نَعْبُدُ [5] } . وأما فتح نون {الْعَالَمِينَ} فانها نون جماعة، وكذلك كل نون جماعة [زائدة] على حدّ التثنية فهي مفتوحة. وهي النون الزائدة التي لا تغيّر الاسم عما كان عليه: نحو نون "مسلمين" و "صالحين"

و "مؤمنين" فهذه النون زائدة لأنك تقول: "مسلم" و "صالح" فتذهب النون [6ب] ، وكذلك "مؤمن" قد ذهبت النون الآخرة، وهي المفتوحة، وكذلك "بنون". ألا ترى [انك] انما زدت على "مؤمن" واوا ونونا, وياء ونونا, وهو على حاله لم يتغير لفظه، كما لم يتغير في التثنية حين قلت "مؤمنان" و "مؤمنين". الاّ انك زدت ألفا ونونا، أو ياء ونونا للتثنية. وانما صارت هذه مفتوحة ليفرق بينهما وبين نون الاثنين. وذلك أن نون الاثنين مكسورة أبدا. قال: {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ} وقال {أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا} والنون مكسورة. وجعلت الياء للنصب والجرّ نحو "العالمينَ" و "المتقينَ", فنصبهما وجرهما سواء، كما جعلت نصب "الاثنينِ" وجرهما سواء، ولكن كسر ما قبل ياء الجميع وفتح ما قبل ياء الاثنين ليفرق ما بين الاثنين والجميع، وجعل الرفع بالواو ليكون علامة للرفع، وجعل رفع الاثنين بالالف. وهذه النون تسقط في الاضافة كما تسقط نون الاثنين، نحو قولك: "بنوك" "ورأيت مسلميك" فليست هذه النون كنون "الشياطين" و "الدهاقين" و "المساكين". لان "الشياطين" و "الدهاقين" و "المساكين" نونها من الاصل [7 ء] ألا ترى انك تقول: [شيطان] و "شُييطين" و "دِهقان" "دُهَيْقين" و "مِسْكين" و "مُسَيْكين" فلا تسقط النون. فأما "الذينَ" فنونها مفتوحة، لانك تقول: "الذي" فتسقط النون لانها زائدة، ولانك تقول في رفعها: "اللذون" لان هذا اسم ليس بمتمكن مثل

"الذي". ألا ترى أن "الذي" على حال واحدة. الا انّ ناسا من العرب يقولون: "هم اللذون يقولون كذا وكذا". جعلوا له في الجمع علامة للرفع، لان الجمع لا بد له من علامة، واو في الرفع، وياء في النصب والجرّ وهي ساكنة. فأذهبت الياء الساكنة التي كانت في "الذي" لانه لا يجتمع ساكنان، كذهاب ياء "الذي" اذا ادخلت الياء التي للنصب، ولانهما علامتان للاعراب. والياء في قول من قال "هم الذين" مثل حرف مفتوح او مكسور بني عليه الاسم وليس فيه اعراب. ولكن يدلك على انه المفتوح او المكسور في الرفع والنصب والجر الياء التي للنصب والجرّ لأنها علامة للاعراب. وقد قال ناس من العرب "الشياطون" لانهم شبّهوا هذه الياء التي كانت في "شياطين" اذا كانت بعدها نون، وكانت في جميعٍ وقبلها كسرة، بياء الاعراب التي في الجمع. فلما صاروا الى الرفع ادخلوا الواو. وهذا يشبه "هذاجُحرُ ضبٍّ خَرِبٍ" [7ب] فافهم. {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وأما قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فانه يجرّ لانه من صفة "اللَّهِ" عز وجل. وقد قرأها قوم {مالكَ} نصب على الدعاء وذلك جائز, يجوز فيه النصب والجرّ, [وقرأها قوم {مَلْك} ] الا أن "المَلْك" اسم ليس بمشتق من فعل نحو قولك: "مَلْك ومُلوك" وأما "المالك" فهو الفاعل كما تقول: "مَلَك فهو مالِكٌ" مثل "قهر فهو قاهر". {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فلأنه اذا قال "الحمدُ لِمالِكِ يومِ الدين" فانه ينبغي ان يقول "إيّاهُ نعبد" فانما هذا على الوحي. وذلك ان الله تبارك وتعالى خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "قل يا محمد": "الحمدُ لله" وقل: "الحمدُ لمالكِ يومِ الدين" وقل يا محمد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} . وأما قوله {إيَّاكَ نَعْبُدُ} ولم يقل "أنت نعبد" [ف] لان هذا موضع نصب. واذا لم يقدر في موضع النصب على الكاف أو الهاء وما أشبه ذلك من الاضمار الذي يكون للنصب جعل "أِيّاك" أو "إيَّاهُ" أو نحو ذلك مما يكون في موضع نصب.

قال: {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى} لان هذا موضع نصب، تقول: "إني أَو زيداً منطلق". و {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} . هذا في موضع نصب. كقولك: "ذهب القوم الاّ زيدا". [و] انما صارت {إِيَّاكَ} [في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ] في موضع نصب من اجل {نَعْبُدُ} وكذلك: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أيضاً. واذا كان موضع رفع جعلت فيه "أنت" و "أنتما" و "أنتم"، و "هو" و "هي" واشباه ذلك. المعاني الواردة في آيات سورة (الفاتحة) {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} واما قوله {اهْدِنَا الصّرِاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فيقول: "عَرِّفْنا". واهل الحجازِ يقولون: "هديتُه الطريقَ" أي: عَرَّفته، وكذلك "هديتُه البيتَ" في لغتهم. وغيرهم يُلّحق به "الى". {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضَّآلِّينَ} {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} نصب على البدل. و {أَنْعَمْتَ} مقطوع الالف لانك تقول "يُنعِم" فالياء مضمومة فافهم. وقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} هؤلاء صفة {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} لان "الصراطَ" مضاف اليهم، فهم جرّ للاضافة. وأجريت عليهم "غيرَ" صفة أو بدلا. و "غَيْرٌ" و "مِثْلٌ" قد تكونان من صفة المعرفة التي بالالف واللام، نحو قولك: " إني لأَمرّ بالرجلِ غيرِكَ وبالرجلِ مثلِكَ فما يشتمني"، و "غيرٌ" و "مثلٌ" انما تكونان صفة للنكرة، ولكنهما [8ء] قد احتيج اليهما في هذا الموضع فأجريتا صفة لما فيه الالف واللام،

والبدل في "غير" أجود من الصفة، لان "الذي" و "الذين" لا تفارقهما الالف واللام، وهما أشبه بالاسم المخصوص من "الرجل" وما أشبهه. و"الصراط" فيه لغتان، السين والصاد، الاّ انا نختار الصاد لان كتابها على ذلك في جميع القرآن. وقد قال العرب "هم فيها الجَمّاءَ الغفيرَ" فنصبوا، كأنهم لم يدخلوا الالف واللام، وان كانوا قد اضهروهما كما أجروا "مثلك" و "غيرَك" كمجرى ما فيه الالف واللام وان لم يكونا في اللفظ. وانما يكون هذا وصفا للمعرفة التي تجيء في معنى النكرة. الا ترى انك اذا قلت: "إنّي لأَمرُّ بالرجلِ مِثلك" انما تريد "برجلٍ مثلِك". لأنك لا تحدّ له رجلا بعينه ولا يجوز اذا حددت له ذلك، الا ان تجعله بدلا ولا يكون على الصفة. ألا ترى أنه لا يجوز "مررت بزيدٍ مثلِك" الا على البدل. ومثل ذلك: "إنّي لأَمُرُّ بالرجلِ من اهل البصرة" ولو قلت: "إنّي لأَمُرُ بزيدٍ من أهل البصرة" لم يجز الاّ ان تجعله في موضع حال. فكذلك {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} . وقد قرأ قوم {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم} جعلوه على الاستثناء [8ب] الخارج من اول الكلام. ولذلك تفسير سنذكره ان شاء الله، وذلك انه اذا استثنى شيئا ليس من أول الكلام في لغة أهل الحجاز فانه

ينصب [و] * يقول "ما فيها أحدٌ إلاّ حماراً"، وغيرهم يقول: "هذا بمنزلة ما هو من الأول" فيرفع. فذا يجرّ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ} في لغته. وان شئت جعلت "غيرَ" نصبا على الحال لانها نكرة والأول معرفة، وانما جرّ لتشبيه "الذي بـ"الرجل". وليس هو على الصفة بحسن ولكن على البدل نحو {بِالنَّاصِيَةِ} {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} . ومن العرب من يقول: "هِيّاك" بالهاء ويجعل الالف من "إيّاك" هاء فيقول "هِيّاك نعبد" كما تقول: "إيهِ" و "هِيهِ" وكما تقول: "هَرَقت" و "أَرَقْتُ". وأهل الحجاز يؤنثون "الصراطَ" كما يؤنثون "الطريقَ" و "الزُقاقَ" و "السبيل" و "السوقَ" و "الكَلاّءَ". وبنو تميم يذكّرون هذا كله. وبنو أسد يؤنثون "الهُدى".

سورة (البقرة)

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {الم} أما قوله {الم} فان هذه الحروف اسكنت لان الكلام ليس بمدرج، وانما يكون مدرجا لو عطف بحرف العطف وذلك ان العرب تقول [9ء] في حروف المعجم كلها بالوقف اذا لم يدخلوا حروف العطف فيقولون: "ألفْ باءْ تاءْ ثاءْ" ويقولون: "ألفٌ وباءٌ وتاءٌ وثاءٌ". وكذلك العدد عندهم ما لم يدخلوا حروف العطف [فـ] يقولون: "واحدْ اثنانْ ثلاثَهْ". وبذلك على انه ليس بمدرج قطع ألف "اثنين" وهي من الوصل. فلو كان وصلها بالذي قبلها لذهبت ولكن هذا من العدد، والعدد والحروف كل واحد منها شيء مفصول على حياله.. ومثل ذلك {المص} و {الر} و {المر} و {كهيعص} و {طسم} و {يس} و {طه} و {حم} و {ق} و {ص} . الا ان قوما قد نصبوا {يس} و {طه} و {حم} وهو كثير في كلام العرب،

وذلك انهم جعلوها اسماء كالأسماء الاعجمية "هابيل" و "قابيل" فاما ان يكونوا جعلوها في موضع نصب ولم يصرفوها كأنه قال: "اذكر حم وطس ويس". او جعلوها كالأسماء، التي [هي] غير متمكنة فحرّكوا آخرها حركة واحدة كفتح "أينَ"، وكقول بعض الناس {الْحَمْدِ للَّهِ} . وقرأ بعضهم {صَ} و {نَ} و {قَ} بالفتح وجعلوها أسماء ليست بمتمكنة فألزموها حركة واحدة وجعلوها أسماءَ للسورة*، فصارت أسماء مؤنثة. ومن العرب من لا يصرف المؤنث اذا كان وسطه ساكنا [9ب] نحو "هِنْد" و "جُمْل" و "دَعد"**. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع] . وإني لأَهوى بيت هِنْدٍ وأهلها * على هنواتٍ قد ذكرن على هِنْدِ وهو يجوز في هذه اللغة أوَ يكون سماها بالحرف، والحرف مذكر واذا سمي المؤنث بالمذكر لم ينصرف، [ف] جعل {ص} وما أشبهها اسما للسورة ولم يصرف، وجعله في موضع نصب. وقال بعضهم "صادِ والقرآنِ" فجعلها من "صاديت"

ثم أمركما تقول "رامِ" كأنه قال: "صادِ الحقَّ بعملك" اي: تعمده، ثم قال {وَالْقُرْآنِ} فأقسم، ثم قال {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} . فعلى هذا وقع القسم. وذلك أنهم زعموا أن "بل" هاهنا انما هي "إنّ" فلذلك صار القسم عليها. وقد اختلف الناس في الحروف التي في فواتح السور، فقال بعضهم: "انما هي حروف يستفتح بها" فان قيل "هل يكون شيء من القرآن ليس له معنى"؟. فان معنى هذه أنه ابتدأ بها ليعلم أن السورة التي قبلها قد انقضت، وأنه قد أخذ في أخرى. فجعل هذا علامة لانقطاع ما بينهما، وذلك موجود في كلام العرب، ينشد الرجل منهم الشعر فيقول [من الرجز وهو الشاهد الخامس] : * بلْ. وبلدةٍ ما الانسُ من أُهّالها * [10ء] أو يقول [من الرجز وهو الشاهد السادس] : * بلْ. ما هاجَ أحزاناً وشجواً قد شجا * فـ"بل" ليست من البيت ولا تعد في وزنه، ولكن يقطع بها كلام ويستأنف آخر.

وقال قوم: "انها حروف اذا وصلت كانت هجاء لشيء يعرف معناه، وقد أوتى بعض الناس علم ذلك. وذلك ان بعضهم كان يقول: "ألر" و "حم" و "ن" هذا هو اسم "الرحمن" جل وعزَّ، وما بقي منها فنحو هذا. وقالوا ان قوله {كهيعص} كاف هاد عالم صادق فاظهر من كل اسم منها حرفا ليستدل به عليها. فهذا يدل على ان الوجه الأول لا يكون الا وله معنى. لانه يريد معنى الحروف. ولم ينصبوا من هذه الحروف شيئا غير ما ذكرت لك، لان {الم} و {طسم} و {كهيعص} ليست مثل شيء من الأسماء، وانما هي حروف مقطعة. وقال {الم} {اللَّهُ لاَ اله إِلاَّ هُوَ} فالميم مفتوحة لانها لقيها حرف ساكن فلم يكن من حركتها بد. فان قيل: "فهلا حركت بالجر"؟ فان هذا لا يلزم فيها [و] انما أرادوا الحركة، فاذا حركوها بأي حركة كانت فقد وصلوا الى الكلام بها، ولو كانت كسرت لجاز ولا أعلمها الا لغة. وقال بعضهم: "فتحوا الحروف التي للهجاء اذا لقيها الساكن [10ب] ليفصلوا بينها وبين غيرها. وقالوا: "مِنَ الرجل" ففتحوا لاجتماع الساكنين. ويقولون: "هلِ الرجل" و "بلِ الرجل" وليس بين هذين وبين "من الرجل" فرق، الا انهم قد فتحوا "مِنَ الرجل" لئلا تجتمع كسرتان، وكسروا {إِذِ الظَّالِمُونَ} .

وقد اجتمعت كسرتان لان "مِنْ اكثر استعمالا في كلامهم من "إذْ"، فادخلوها الفتح ليخف عليهم. وان شئت قلت "ألم" حروف منفصل بعضها من بعض، لأنه ليس فيها حرف عطف، وهي ايضاً منفصلة مما بعدها، فالاصل فيه ان تقول {الم ألله} فتقطع ألف {الله} اذا كان ما قبله منفصلا منه كما قلت "واحد، إثنان" فقطعت. وكما قرأ القراء {ن وَالْقَلَمِ} فبينوا النون لانها منفصلة. ولو كانت غير منفصلة لم تبين الا ان يلقاها أحد الحروف الستة. الا ترى انك تقول " خذه من زيد" و "خذه من عمرو" فتبين النون في "عمرو" ولا تبين في "زيد". فلما كانت ميم ساكنة وبعدها حرف مقطوع مفتوح جاز أن تحرك الميم بفتحة الالف وتحذف الالف في لغة من قال "منَ ابوك" فلا تقطع. وقد جعل قوم (نون) بمنزلة المدرج فقالوا {نونَ والقلمِ} فاثبتوا

النون ولم يبينوها. وقالوا {يس وَالْقُرْآنِ} فلم يبينوا ايضاً. وليست * هذه النون ها هنا بمنزلة قول {كهيعص} و {طس تِلْكَ} و {حم عسق} [فـ] هذه النونات لا تبين في القراءة في قراءة أحد، لان النون قريبة من الصاد، لأن الصاد والنون من مخرج طرف اللسان. وكذلك التاء والسين في {طس تِلْكَ} وفي {حم عسق} ، فلذلك لم تبين النون اذ قربن منها. وتبينت النون في {يس} و {نون} لبعد النون من الواو لان النون بطرف اللسان والواو بالشفتين. {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} قال {لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} وقال {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} فنصبهما بغير تنوين. وذلك ان كل اسم منكور نفيته بـ"لا" وجعلت "لا" الى جنب الاسم فهو مفتوح بغير تنوين، لان "لا" مشبهة بالفعل، كما شبهت "إنْ" و "ما" بالفعل. و (فيه) في موضع خبرها وخبرها رفع، وهو بمنزلة الفاعل، وصار المنصوب بمنزلة المفعول به، و (لا) بمنزلة الفعل. وانما حذفت التنوين منه لانك جعلته و "لا" اسما واحدا، وكل شيئين

جُعِلاَ اسما لم يصرفا. والفتحة التي فيه لجميع الاسم، بني عليها وجعل غير متمكن. والاسم الذي بعد "لا" في موضع نصب عملت فيه "لا". واما قوله {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} فالوجه فيه الرفع لان المعطوف عليه لا يكون الا رفعا [11ب] ورفعته لتعطف الآخر عليه. وقد قرأها قوم نصبا وجعلوا الآخر [رفعا] على الابتداء. وقوله {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} فالوجه النصب لان هذا نفي ولانه كله نكرة. وقد قال قوم {فَلاَ رَفَثٌ وَلاَ فُسُوقٌ وَلاَ جِدَالٌ فِي الْحَجِّ} فرفعوه كله، وذلك انه قد يكون هذا المنصوب كله مرفوعاً في بعض كلام العرب. قال الشاعر:: [من البسيط وهو الشاهد السابع] : وما صرمتُكِ حتى قلتِ معلنةً * لا ناقةٌ ليَ في هذا ولا جَمَل وهذا جواب لقوله "هل فيه رفثٌ أو فسوقٌ" فقد رفع الأسماء بالابتداء وجعل لها خبراً، فلذلك يكون جوابه رفعاً. واذا قال "لا شيءَ" فانما هو جواب "

هل من شىءٍ"، لان "هل مِن شيءٍ"* قد اعمل فيه "مِن" بالجر وأضمر الخبر والموضع مرفوع، مثل "بحسبِك أَنْ تشتمَني" [فـ] انما هو "حسبُك أَنْ تشتمني". فالموضع مرفوع والباء قد عملت. وقد قال قوم {فَلاَ رَفَثٌ وَلاَ فُسُوقٌ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} فرفعوا الأول على ما يجوز في هذا من الرفع، او على النهي، كانه قال "فلا يكونن فيه رفثٌ ولا فسوقٌ" كما تقول: "سمعُكَ اليّ" تقولها العرب فترفعها، وكما تقول للرجل **: "حسبُك" و "كفاك". وجعل الجدال [نصبا] على النفي. وقال الشاعر [من الكامل وهو الشاهد الثامن] . [12ء] ذاكم وَجَدِّكُم الصَّغار بأسرِه * لا أُمَّ لي إنْ كان ذاكَ ولا أَبُ فرفع أحدهما ونصب الآخر. واما قوله {لاَ فِيهَا غَوْلٌ} فرفع لان "لا" [لا] تقوى أنْ تعمل إذا فصلت، وقد فصلتها بـ"فيها" فرفع على الابتداء ولم تعمل "لا". وقوله {فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [فـ"فيه"] و "عليه" و "إليه"، وأشباه ذلك في القرآن كثير. وذلك ان العرب اذا كان قبل هذه الهاء التي للمذكر ياء ساكنة، حذفوا الياء التي تجيء من بعد

الهاء او الواو، لان الهاء حرف خفي وقع بين حرفين متشابهين فثقل ذلك. فمن كان من لغته إلحاق الواو اذا كان قبلها كسرة ولم يكن قبلها الياء، ترك الهاء مضمومة اذا كان قبلها الياء الساكنة ومن كان من لغته إلحاق الواو اذا كان قبلها كسرة ولم يكن قبلها الياء، ترك الهاء مضمومة اذا كان قبلها الياء الساكنة ومن كان من لغته إلحاق الياء ترك الهاء مكسورة اذا كان قبلها الياء الساكنة. وكذلك اذا كان قبل الهاء الف ساكنة او واو فانه يحذف الواو التي تكون بعد الهاء، ولكن الهاء لا تكون الا مضمومة نحو {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ} وقوله {فَكَذَّبُوهُ} وقوله {فَأَنجَيْنَاهُ} وأشباه هذا في القرآن كثير. ومن العرب من يتم لان ذلك من الاصل فيقول {فكذّبُوهو} {فأنجَيْناهو} {وألقى موسى عصاهو} و {لا ريبَ فيهُو هُدىً للمتقين} وهي قراءة أهل المدينة. [12ب] وقد قال قوم {إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} فألقوا الواو وشبهوا الساكن بالياء والواو والالف. وهذا ليس بجيّد في العربية، وأجوده {منهو نذير} تُلْحَقُ الواو وان كانت لا تكتب. وكل هذا اذا سكت عليه لم تزد على الهاء شيئا. ولا تكسر هذه الهاء الا ان تكون قبلها ياء ساكنة، او حرف مكسور. وانما يكسر بنو تميم. فأما أهل الحجاز فانهم يضمون بعد الكسر وبعد الياء ايضا قال {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ

مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} . واهل الحجاز [يقولون] {من بعدِهُو} فيثبتون الواو في كل موضع. ومن العرب من يحذف الواو والياء في هذا النحو ايضاً, وذلك قليل قبيح يقول: "مررت بِهِ قبلُ" و "بِهُ قبلُ" يكسرون ويضمون، ولا يلحقون واوا ولا ياء، ويقولون "رأيتُهُ قبلُ" فلا يلحقون واوا. وقد سمعنا بعض ذلك من العرب الفصحاء. قد قرأ بعض القراء {فِيهْ هُدَى} فادغم الهاء الأولى * في هاء {هُدى} لانهما التقتا وهما مثلان. وزعموا ان من العرب من يؤنث "الهُدى". ومنهم من يسكن هاء الاضمار للمذكر قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع] : فَظِلْتُ لدى البيت العتيق أُخيلُه * [13ء] ومِطواي مشتاقانِ لَهْ أرِقانِ وهذه في لغة اسد السراة، زعموا، كثير.

{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} قوله {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ففيها لغتان، منهم من يقولها بالوقف اذا وصل، ومنهم من يلحق فيها الواو. وكذلك هو في كل موضع من القرآن والكلام إلاّ ان يكون ما قبلها مكسورا او ياء ساكنة، فان كانت ياء ساكنة او حرف مكسور نحو "عليْهِم" و "بِهِمْ" و "مِن بعدِهِمْ" فمن العرب من يقول: "عليهِمِي" فيلحق الياء ويكسر الميم والهاء، ومنهم من يقول: "عليْهُمُو" فيلحق الواو ويضم الميم والهاء، ومنهم من يقول: "عليهِم" و "عليهُم"، فيرفعون الهاء ويكسرونها، ويقفون الميم، ومنهم من يقول: "عليهِمُو" فيكسرون الهاء ويضمون الميم ويلحقون الواو، ومنهم من يقول: "عليهُمِي" فيضمون الهاء ويكسرون الميم ويلحقون الياء.

وكل هذا اذا وقفت عليه فآخره ساكن والذي قبله مكسور هو بمنزلة ما قبله ياء. وهذا في القرآن كثير. ومنهم من يجعل ["كُمْ] في] "عليكم" و "بكم" اذا كانت قبلها ياء ساكنة او حرف مكسور بمنزلة "هُمْ" وذلك قبيح لا يكاد يعرف، وهي لغة لبكر بن وائل سمعناها من بعضهم يقولون "عليكِمي" و "بِكِمي" وأنشد [13ب] الاخفش قال سمعته من بكر بن وائل: [من الطويل وهو الشاهد العاشر] : وإنْ قالَ مولاهمْ على جُلِّ حاجةٍ * من الأمرِ رُدّوا فَضْلَ أحلامِكِم رَدُّوا وكل هذا اذا لقيه حرف ساكن حركت الميم بالضم ان كان بعدها واو, فان كان بعدها واو حذفت الواو، وان كان ياء حذفت الياء وحركت الميم بالكسر. وكذلك الهاء التي للواحد المذكر من نحو "مررت به اليوم" و "رأيته اليوم". وزعموا ان بعض العرب يحرك الميم ولا يلحق ياء ولا واوا في الشعر وذا لا يكاد يعرف. وقال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الحادي عشر] : ت اللهِ لولا شُعْبتي من الكرم * وشعبتي فيهِم من خالٍ وعَمّ

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} فأما قوله {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} فانما دخله حرف الاستفهام وليس باستفهام لذكره السواء، لانه اذا قال في الاستفهام: "أَزيدْ عندك أم عَمْرو" وهو يسأل ايهما عندك فهما مستويان عليه، وليس واحد منهما أحق بالاستفهام من الآخر. فلما جاءت التسوية في قوله {أَأَنذَرْتَهُمْ} أشبه بذلك الاستفهام، اذ أشبهه في التسوية. ومثلها {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [14ء] ولكن {أَسْتَغْفَرْتَ} ليست بممدودة, لان الالف التي فيها ألف وصل لانها من "اسْتَغْفَر" "يَستغِفرُ" فالياء مفتوحة من "يَفْعل" واما (أَأَنْذرتهم) ففيها الفان الف {أَنْذَرت} وهي مقطوعة لانه يقول "يُنْذِرُ" فالياء مضمومة ثم جعلت معها الف الاستفهام فلذلك مددت وخففت الآخرة منهما لانه لا يلتقي همزتان. وقال {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} {أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هذاالَّذِي هُوَ مَهِينٌ} . وقال بعضهم انه على قوله {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} وجعل قوله {أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هذاالَّذِي هُوَ مَهِينٌ} بدلا من {تُبْصِرُونَ} . لان ذلك عنده بصرا منهم ان يكون عندهم هكذا وهذه "أم" التي تكون في معنى "أيهما".

وقد قال قوم "انها يمانية" وذلك ان أهل اليمن يزيدون "أم" في جميع الكلام. واما ما سمعنا من اليمن فيجعلون "أم" مكان الالف واللام الزائدتين، يقولون "رأيت امْرَجُلَ" و "قام امرجل" يريدون "الرجل". ولا يشبه ان تكون {أَمْ أَنَآ خَيْرٌ} على لغة أهل اليمن. وقد زعم ابو زيد انه سمع اعرابياً فصيحا ينشدهم: [من الرجز وهو الشاهد الثاني عشر] : يا دَهرُ أَمْ كان مَشْيِي رَقَصا * بلْ قدْ تكونُ مشيتي تَرَقُّصا فسأله فقال: "معناه ما كان مشيي رقصا فـ"أم" ها هنا زائدة. وهذا [14ب] لا يعرف. وقال علقمة بن عبدة: [من الطويل وهو الشاهد الثالث عشر] : وما القلب أَمْ ما ذكرُهُ رَبَعِيَّةً * يُخَطُّ لَها من ثَرْمَداءَ قَلِيبُ يريد "ما ذكرُهُ ربيعةً " يجعله بدلا من "القلب"، وقال بعض الفقهاء: "ان معناه انه قال فرعون {أَفلاَ تُبْصِرُونَ} أم انتم بصراء". وقال الشاعر:

[من الطويل وهو الشاهد الرابع عشر] : فَيا ظبيةَ الوعساءِ بين جُلاجِلٍ * وبينَ النَّقا أَأَنتِ أَمْ أُمُّ سالِمِ يريد: "أَأَنت أَحسن أَمْ أمُّ سالِم" فأضمرَ "أَحْسَن". يريد: "أليسَ أَنا خيراً من هذا الذي هو مَهين". ولها موضع آخر تكون فيه منقطعة من الكلام كأنك تميل الى أوله قال {لاَ رَيْبَ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} . وهذا لم يكن قبله استفهام, وهذا قول العرب: "إنَّها لإِبل" ثم يقولون * "أَمْ شاءٌ" [وقولهم] ** "لقد كان كذا وكذا أَمْ حَدَّثتُ نفسي"، ومثل قول الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الخامس عشر] : كَذَبَتْكَ عَينُكَ أَمْ رأيتَ بواسِطٍ * غَلَسَ الظَلامِ مِنَ الرَّبابِ خيالا وليس قوله {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} لانه شك، ولكنه قال هذا ليقبّح صنيعهم كما تقول: "ألستَ الفاعلَ كذا وكذا" ليس تستفهم انما توبخّه. ثم قال {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ} . ومثل هذا في القرآن كثير, قال {فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ [15ء] بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ} ثم قال {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ} [و] ** {أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ} كل هذا على استفهام الاستئناف. وليس لـ"أَمْ" غير هذين الموضعين

لانه اراد أن ينبه، ثم ذكر ما قالوا عليه يعني النبي صلى الله عليه وسلم ليقبح ما قالوا عليه، نحو قولك للرجل "ألْخَيْرُ أَحَبُّ إلَيكَ أَمْ الشَرّ"؟ وأنت تعلم انه يقول "الخير" ولكن أردت أن تقبح عنده ما صنع. وأما قوله {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} فقد نهاه عن الآثم والكفور جميعا. وقد قال بعض الفقهاء:: "إنَّ" "أوْ" تكون بمنزلة الواو وقال [من المتقارب وهو الشاهد السادس عشر] : يُهِينُونَ من حقَروا شَأيَهُ * وإنْ كانَ فيهِمْ يَفِي أو يَبَرّ يقول: "يَفِي وَيَبرّ". وكذلك هي عندهم ها هنا وانما هي بمنزلة "كلُ اللحمَ أو التمرَ" اذا رخصت له في هذا النحو. فلو أكل كله أو واحدا منه لم يعص. فيقع النهي عن كل ذا في هذا المعنى فيكون ان ركب الكل او واحداً [قد] عصى. كما كان في الامر ان صنع واحداً أطاع. وقال {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} ومعناه "ويزِيدُونَ" ومخرجها في العربية انك تقول: "لا تجالسْ زيداً أو عمراً أَوْ خالِداً" فإنْ أَتى واحداً منهم أو كُلَّهُم كانَ عاصياً. كما أَنَكَ إذا قلت: "إِجْلِس الى فلان أو فلان [15ب] أوْ فلان "فجلس الى واحد منهم أَوْ كلِهِّم كان مطيعا. فهذا مخرجه من العربية. وأرى الذين قالوا: "إنَّما" أو "بمنزلة الواو" انما قالوها لأنهم رأوها في معناها. واما {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} فانما يقول {أَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ} عِنْد الناس ", ثم قال {أَوْ يَزِيدُونَ} عند الناس" لأنّ الله تبارك وتعالى لا يكون منه شكّ.

وقد قال قوم" إنَّما "أو" ها هنا بمنزلة "بل" وقد يقول الرجل "لأَذْهَبَنَّ إلى كَذا وكَذا" ثم يبدو له بعدُ فَيَقولَ "أَوْ أَقْعُد" فقال ها هنا {أَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ} عند الناس" ثم قال {أَوْ يَزيدون} عند الناس" اي ان الناس لا يشكون أنهم قد زادوا. والوجه الآخر هكذا. أي "فكذا حال الناس فيهم "أي: ان الناس يشكون فيهم. وكذا حال "أم" المنقطعة ان شئت جعلتها على "بل" فهو مذهب حسن. وقال مُتَمِّم بن نويرة [من الوافر وهو الشاهد السابع عشر] : فلو كانَ البكاءُ يردُّ شيئاً * بكَيْتُ على جُبَيْرٍ أو عِفاقٍ على المَرْأَيْنِ إذْ هَلَكا جميعا * بشأنهما وحزنٍ واشتياق وقال ابنُ أحمر [من الطويل وهو الشاهد الثامن عشر] : فقلتُ البِثي شَهْرَيْنِ أَوْ نِصْفَ ثالثٍ * إلى ذاكَ ما قَد غَيَّبتَنِي غِيابِيا [16ء] واما قوله {أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} {أَوَ آبَآؤُنَا الأَوَّلُون} فان هذه الواو واو عطف كأنهم قالوا: {أإِنا لَمَبْعُوثُون} فقيل لَهُم: "نَعم وآباؤكم الأوَّلُون" فقالوا {أَوَ آبَآؤُنَا} , وقوله {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ} {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} وأشباه هذا في القرآن كثير. فالواو مثل الفاء في قوله {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} وقوله {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ الْقَوْلَ}

وان شئت جعلت هذه الفاءات زائدة. وان شئت جعلتها جواباً لشيء كنحو ما يقولون "قد جاءني فلان" فيقول "أَفَلَمْ أقض حاجته" فجعل هذه الفاء معلقة بما قبلها. {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} أما قوله {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} فان الختم ليس يقع على الابصار. انما قال {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} ثم قال {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} مستأنفا. وقوله {خَتَمَ اللَّهُ} لأن ذلك كان لعصيانهم الله فجاز ذلك اللفظ, كما تقول: "أَهَلَكتْهُ فُلانَةُ" إذا أُعْجِب بها. وهي لا تفعل به شيئا لانه هلك في اتباعها. او يكون "خَتَم" حكم بها انها مختوم عليها. {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} ثم قال {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ} فجعل اللفظ واحدا، ثم قال {وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} فجعل [16ب] اللفظ. جميعا، وذلك ان {مَنْ} اللفظ بها لفظ واحد، ويكون جميعا في المعنى، ويكون اثنين. فان لفظت بفعله على معناه فهو صحيح. وان جعلت فعله على لفظه واحدا فهو صحيح [و] مما جاء من ذلك قوله {بَلَى مَنْ

أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} وقال {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} وقال {وَمِنهُمْ مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ} وقال {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} فقال {يَقْنُتْ} فجعله على اللفظ، لان اللفظ في {مَن} مذكر وجعل {تَعْمَلْ} و {نُؤْتِهَآ} على المعنى. وقد قال بعضهم {ويَعْمَلْ} فجعله على اللفظ لان لفظ {مَنْ} مذكر. وقد قال بعضهم {وَمَنْ تَقْنُتْ} فجعله على المعنى لانه يعني امرأة. وهي حجة على من قال: "لا يكون اللفظ في مَن على المعنى الا ان تكون {مَنْ} في معنى {الذي} ، فاما [في] المجازاة والاستفهام فلا يكون اللفظ في {مَنْ} على المعنى. وقولهم* هذا خطأ لان هذا الموضع الذي فيه {وَمَنْ تَقْنُتْ} مجازاة. وقد قالت العرب "ما جاءَتْ حاجَتُكَ" فأَنَّثُوا "جاءتْ" لانها لـ"ما"، وانما انثوا لان معنى "ما" هو الحاجة. وقد قالت العرب او بعضُهُم "من كانت أمّكَ" فنصب وقال الشاعر [من الطويل وهو الشاهد التاسع عشر] : [17ء] تَعَشّ فإِنْ عاهدَتنِي لا تخونُني * نَكُنْ مثلَ مَنْ يا ذئبُ يَصطَحِبانِ

ويروى {تَعالَ فإن} . وقد جعل {مَنْ} بمنزلة رجل. قال الشاعر [من الرمل وهو الشاهد العشرون] : رُبَّ مَنْ انضجتُ غيظاً صَدْرَهُ * قد تَمَنَّى لِيَ شَرّاً لم يُطَعْ فلولا انها نكرة بمنزلة "رجل" لم تقع عليها "ربّ". وكذلك (ما) نكرة الا انها بمنزلة "شيء". ويقال: ان قوله: {هذامَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} على هذا. جعل (ما) بمنزلة "شيء" ولم يجعلها بمنزلة "الذي" فقال: "ذا شَيْءٌ لَدَيَّ عَتيد". وقال الشاعر [من الخفيف وهو الشاهد الحادي والعشرون] : رُبَّ ما تَكْرَهُ النفوسُ من الأمْرِ * له فَرْجَةٌ كَحَل العِقالِ فلولا انها نكرة بمنزلة "مَنْ" لم تقع عليها "رُبَّ". وقد يكون {هذا مالَدَيَّ عَتِيدٌ} على وجه آخر، أخبر عنهما خبرا واحدا كما تقول: "هذا أحمرُ أخضرُ". وذلك ان قوما من العرب يقولون: "هذا عبدُ اللَّهِ مقبلٌ". وفي قراءة ابن مسعود {وهذا بَعلي شَيْخٌ} كأنه أخبر عنهما خبرا واحدا او يكون كأنه رفعه على التفسير كأنه اذا قال {هذا

ما لَدَيَّ} ، قيل: "ما هو"؟ أو علم انه يراد ذلك منه فقال {عَتِيد} اي ما عندي عتيد. وكذلك {وهذا بَعْلِي شيخٌ} *. وقال الراجز [وهو الشاهد الثاني والعشرون] : مَنْ يَكُ ذابَتٍّ فهذا بَتّى * مُقَيِّظٌ مُصَيِّف مُشَتِّى [17ب] وقال {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} فـ"ما" ها هنا اسم ليست له صلة لانك ان جعلت {يَعِظُكُمْ بِهِ} صلة لـ (ما) صار كقولك: "إنّ اللهَ نِعْمَ الشيء" أو "نعم شيئا" فهذا ليس بكلام. ولكن تجعل (ما) اسما وحدها كما تقول: "غَسَلتُه غَسْلاً نِعِمّا" تريد به: "نِعْمَ غَسْلاً". فان قيلَ: "كيفَ تكونُ (ما) اسما وحدها وهي لا يتكلم بها وحدها" قلتُ: "هي بمنزلة "يا أيُّها الرجل" لان "ايا" ها هنا اسم ولا يتكلم به وحده حتى يوصف فصار (ما) مثل الموصوف ها هنا. لانك اذا قلت "غَسَلتُه غَسْلاً نِعِمّا" فانما تريد المبالغة والجودة، فاسنغني بهذا حتى تكلم به وحده. ومثل "ما أَحْسَنَ زيدا" (ما) ها هنا وحدها اسم وقوله "اني مما ان اصنع كذا وكذا" (ما) ها هنا وحدها اسم كأنه قال: "إنّي مِن الأمر" أو "منْ أَمْري صنيعي كذا وكذا" ومما جاء على المعنى قوله "كَمَثلِ الذي استوقدَ ناراً أَضاءَتْ ما حولَهُ ذهبَ الله بنورِهِم} [17] لان "الذي" يكون للجميع، كما قال {وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} .

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} أما قوله {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} ولا تكون المفاعلة الا من شيئين فانه إنمّا يقول: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} عند أنفسهم يمنونها ان لا يعاقبوا وقد علموا خلاف ذلك في انفسهم" [18ء] ذلك لحجة الله الواقعة على خلقه بمعرفته. {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم} وقال بعضهم {يُخادِعُونَ} يقول "يَخْدَعون انفسهم بالمخادعة لها "وبها نقرأ. وقد تكون المفاعلة من واحد في أشياء كثيرة تقول: "باعَدْتُه مُباعَدَةً" و "جاوزتُه مجاوزَةً" في أشياء كثيرة. وقد قال {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} فذا على الجواب. يقول الرجل لمن كان يخدعه اذا ظفر به "أَنَا الذي خدعتُكَ" ولم تكن منه خديعة ولكن قال ذلك اذ صار الامر اليه. وكذلك {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ} و {اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} [15] على الجواب. والله لا يكون منه المكر والهزء. والمعنى ان المكر حاق بهم والهزء صار بهم. {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} أما قوله {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} فمن فخم نصب الزاي فقال {زَادَهم} ومن امال كسر الزاي فقال {زادهم} لانها من "زِدت" اولها مكسور.

فناس من العرب يميلون ما كان من هذا النحو وهم بعض اهل الحجاز ويقولون ايضاً {وَلِمَنْ خِافَ مَقَامَ رَبِّهِ} و {فَانكِحُواْ مَا طِابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ} [و] {وَقَدْ خِابَ} ولايقولون {قِال} ولا (زِار) لانه يقول (قُلْتُ) و (زُرْتُ) فأوله مضموم. فانما يفعلون هذا في ما كان اوله من "فعلتُ" مكسوراً إلاَّ أنَّهم ينحون الكسرة كما [18ب] ينحون الياء في قوله {وَسَقِاهُمْ رَبُّهُمْ} . و {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} . ويقرأ جميع ذلك بالتفخيم. وما كان من نحو هذا من بنات الواو وكان ثالثاً نحو {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا} ونحو {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} . فان كثيراً من العرب يفخمه ولا يميله لانها ليست بياء فتميل اليها لانها من "طَحَوْتُ" و "تَلَوْتُ". فاذا كانت رابعة فصاعداً أمالوا وكانت الامالة هي الوجه، لانها حينئذ قد انقلبت الى الياء. الا ترى انك تقول "غَزَوْتُ" و "أَغْزَيْتُ" ومثل ذلك

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} . و {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} و {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} أمالَها لأنَّها رابعة, و "تَجَلّى" فَعلْتُ منها بالواو لأنها من "جَلَوْت" و "زكا" من "زَكَوْتُ يزكو" و {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} من "الغشاوة". وقد يميل ما كان منه بالواو نحو (تَلاِها) و (طَحِاها) ناسٌ كثير، لأنَّ الواو تنقلب الى الياء كثيرا مثل قولهم في (حُور) (حِير) وفي "مَشُوب" "مَشِيب" وقالوا "أَرْضٌ مَسْنِيّة" اذا كان يسنوها المطر. فأمالوها الى الياء لانها تنقلب اليها. وأمالوا كل ما كان نحو "فَعْلى" و "فُعْلى" نحو "بُشْرى" و "مَرْضى" و "سَكْرى"، لان هذا لَوْثُنِّيَ كان بالياء فمالوا اليها. واما قوله {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} فـ (يُكَذِّبُونَ) : يجحدون وهو الكفر. وقال بعضهم: (يَكْذِّبُونَ) خفيفة [19ء] وبها نقرأ. يعني "يكذِبونَ على الله وعلى الرسل".

جعل "ما" والفعل اسما للمصدر كما جعل "أنْ" والفعل اسما للمصدر في قوله "أُحبُّ أَنْ تأتِيني", واما المعنى فانما هو "بكذِبهِم" و "تَكْذيبِهِم". وأدخل "كان" ليخبر انه كان فيما مضى، كما تقول: "ما أحسنَ ما كانَ عبدُ الله" فأنت تَعَجَّبُ من" عبد الله لا من "كونه". وانما وقع التعجبُ في اللفظ على كونه. وقال {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} وليس هذا في معنى "فاصدع بالذي تؤمر به". لو كان هذا المعنى لم يكن كلاما حتى تجيء بـ"به" ولكن "إصدع بالأمر" جعل "ما تؤمر" اسما واحداً. وقال {ولاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ} يقول "بالإِتيان" يجعل "ما" و "أَتَوْا" اسما للمصدر. وإنْ شئتَ قلت: "أَتَوْا" ها هنا "جاءُوا" كأنه يقول: "بما جاءوا" يريد "جاءوه" كما تقول "يفرحون بما صنعوا" أي "بما صنعوه" ومثل هذا في القرآن كثير. وتقديره "بكونِهم يكذبون" فـ"يكذبون" مفعول لـ"كان" كما تقول: "سرني زيد بِكونه يعقل" اي: بكونه عاقلا. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} أما قوله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} فمنهم من يضم أوله لانه في معنى "فُعِلَ" فيريد ان يترك أوله مضموما

ليدل على معناه، ومنهم من يكسره لان الياء الساكنة لا تكون بعد حرف مضموم والكسر القياس. [19ب] ومنهم من يقول في الكلام: "قد قُولَه له" و "قد بُوع المتاع" اذا اراد "قَدْ بِيع" و "قِيل". جعلها واوا حين ضم ما قبلها، لان الياء الساكنة لا تكون بعد حرف مضموم. ومنهم من يروم الضم في "قُيل" مثل رومهم الكسر في "رِدَّ" لغةٌ لبعض العرب ان يقولوا "رِدَّ" فيكسرون الراء ويجعلون عليها حركة الدال التي في موضع العين. وبعضهم لا يكسر الراء ولكنه يشمها الكسر كما يروم في "قيل" الضم. وقال الفرزدق: [من الطويل وهو الشاهد الثالث والعشرون] : وما حِلَّ من جهل حُبا حُلَمائِنا * ولا قائل المعروفِ فينا يُعَنَّفُ سمعناه ممن ينشده من العرب هكذا. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ السُّفَهَآءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَآءُ ولكن لاَّ يَعْلَمُونَ} أما قوله {أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ السُّفَهَآءُ أَلا إنهَّمْ هُمُ السُّفهآءُ} فقد قرأهما قوم مهموزتين جميعا، وقالوا {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ}

[و] {وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} وقالوا (أإِذا) {أَإِنّا} كل هذا يهمزون فيه همزتين، وكل هذا ليس من كلام العرب الا شاذا. ولكن اذا اجتمعت همزتان شتى ليس بينهما شيء فان احداهما. تخفف في جميع كلام العرب الا في هذه اللغة الشاذة القليلة وذلك انه اذا اجتمعت همزتان في كلمة واحدة أبدلوا الآخرة منهما أبدا فجعلوها ان كان ما قبلها مفتوحاً الفا ساكنة نحو "آدم" و "آخر" [20ء] و "آمن" وإن كان ما قبلها مضموما جعلت واوا نحو "أُوْزُزْ" اذا أمرته ان يَؤُز وان كان ما قبلها مكسورا جعلت ياء نحو "إِيْتِ" وكذلك إنْ كانت الآخرة متحركة بأي حركة كانت والأُولى مضمومة او مكسورة فالآخرة تتبع الأولى نحو "أن أفعل" من "أَأَب" [ف] تقول "أُووب". ونحو "جاءَ في الرفع والنصب والجر. فاما المفتوحة فلا تتبعها الآخرة اذا كانت متحركة لأنها لو تبعتها جعلت همزة مثلها. ولكن تكون على موضعها، فان كانت مكسورة جعلت ياء، وان كانت مضمومة جعلت واوا, وان كانت مفتوحة جعلت ايضاً واوا لان الفتحة تشبه الالف. وأنت إذا احتجت الى حركتها

جعلتها واوا ما لم يكن لها اصل في الياء معروف فهذه الفتحة ليس لها اصل في الياء فجعلت الغالب عليها الواو نحو "آدم" و "أوادم". فلذلك جعلت الهمزتان اذا التقتا وكانتا من كلمتين شتى مخففة احداهما، ولم يبلغ من استثقالهما ان تجعلا مثل المجتمعتين في كلمة واحدة. ولان اللتين في كلمة واحدة لا تفارق احداهما صاحبتها, وهاتان تتغيران عن حالهما وتصير كل واحدة منها على حيالها أثقل منهما في كلمتين [20ب] لأَنَّ ما في الكلمتين كلُّ واحدة على حيالها فتخفيف الآخرة أقيس، كما أبدلوا الآخرة حين اجتمعتا في كلمة واحدة، وقد تخفف الأولى. فمن خفف الآخرة في قوله {كَمَآ آمَنَ السُّفَهَآءُ ألا} قال {السفهاءُ ولا} فجعل الالف في (ألا) واوا. ومن خفف الأولى جعل الالف التي في (السفهاء) كالواو وهمز الف (ألاّ) . واما {أَأَنْذَرْتَهُمْ} فإنَّ الأولى لا تخفف لأنها اول الكلام. والهمزة اذا كانت اول الكلام لم تخفف لأن المخففة ضعفت حتى صارت كالساكن فلا يبتدأ بها. وقد قال بعض العرب (آإذا) و (آأنذرتهم) و "آأنا قلت لك كذا وكذا" فجعل ألف الاستفهام اذا ضمت الى همزة يفصل بينها وبينها بألف لئلا تجتمع الهمزتان. كل ذا قد قيل وكل ذا قد قرأه الناس.

واذا كانت الهمزة ساكنة فهي في لغة هؤلاء الذين يخففون ان كان ما قبلها مكسورا ياء نحو {أنبِيهم بأسمايهم} ونحو (نَبِّينا) *. وإن كان مضموما جعلوها واوا نحو "جونَه"، وان كان ما قبلها مفتوحا جعلوه الفا نحو "راس" و "فاس". وان كانت همزة متحركة بعد حرف ساكن حرّكوا الساكن بحركة ما بعده واذهبوا الهمزة [21ء] يقولون [في] "في الارض": (فِلَرْض) [وفي] {مَا لَكُمْ مِّنْ اله} : (مِنِلاهٍ) يحركون الساكن بالحركة التي كانت في الهمزة اي حركة كانت ويحذفون الهمزة. واذا اجتمعت همزتان من كلمتين شتى والأولى* مكسورة والآخرة

مكسورة فاردت ان تخفف الآخرة جعلتها بين الياء الساكنة وبين الهمزة، لان الياء الساكنة تكون بعد المكسورة نحو "هؤلاء يماء الله"، تجعل الآخرة بين بين والأولى محققة. وان كانت الآخرة مفتوحة نحو "هؤلاء أخواتك", أو مضمومة نحو "هؤلاء أُمَّهاتُك" لم تجعل بين بين، وجعلت ياء خالصة لانكسار ما قبلها لانك انما تجعل المفتوح بين الالف الساكنة وبين الهمزة، والمضموم بين الواو الساكنة وبين الهمزة اذا اردت بين بين، وهذا لا يثبت بعد المكسور. وان كان الأول مهموزا او غير مهموز فهو سواء اذا اردت تخفيف الاخرة ومن ذلك قولهم "مِئين" و "مَئير" في قول من خفف. وان كان الحرف مفتوحاً بعده همزة مفتوحة او مكسورة او مضمومة جعلت بين بين، لان المفتوح تكون بعده الالف الساكنة والياء الساكنة, نحو "البَيْع" والواو الساكنة نحو "القَوْل" وهذا مثل {يَتَفَيَّؤُا [21ب] ظِلاَلُهُ} و {وَيُمْسِكُ السَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ} و {آاذا} و {آانا} اذا خففت الآخرة في كل هذا جعلتها بين بين.

والذي نختار تخفيف الآخرة اذا اجتمعت همزتان، الا انا نحققهما في التعليم كلتيهما نريد بذلك الاستقصاء وتخفيف الآخرة قراءة اهل المدينة، وتحقيقهما جميعا قراءة أهل الكوفة وبعض أهل البصرة. ومن زعم ان الهمزة لا تتبع الكسرة اذا خففت وهي متحركة، وانما تجعل في موضعها دخل عليه ان يقول "هذا قارِوٌ" و "هؤلاء قارِوُونَ" و (يستهزِوون) ، وليس هذا كلام من خفف من العرب انما يقولون {يَسْتَهْزِئُونَ} و {قارِئون} . واذا كان ما قبل الهمزة مضموما وهي جعلتها بين بين. وان كانت مكسورة او مفتوحة لم تكن بين بين وما قبلها مضموم، لان المفتوحة بين الالف الساكنة والهمزة والمكسورة بين الياء الساكنة والهمزة. وهذا لا يكون بعد المضموم, ولكن تجعلها واوا بعد المضموم اذا كانت مكسورة او مفتوحة فتجعلها واوا خالصة لانهما يتبعان ما قبلهما نحو "مررت بأكمُوٍ" و "رأيت أكمُواً" و "هذا غلامُوَبيكَ" تجعلها واوا اذا اردت التخفيف الا ان تكون المكسورة [22ء] مفصولة فتكون على موضعها لانها قد بعدت. والواو قد تقلب الى الياء مع هذا وذلك نحو "هذا غلاميخوانك"

و (وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ يلا) . واذا كانتا في معنى "فُعِلَ" والهمزة في موضع العين جعلت بين بين لان الياء الساكنة تكون بعد الضمة ففي "قُيْلَ" يقولون "قِيلَ"، ومثل ذلك "سُيِل" و "رُيِس" فيجعلها * بين بين اذا خففت، ويترك ما قبلها مضموما. وأما "رُوِس" فليست "فُعِلَ" وانما هي "فُعْلَ" فصارت واوا لانها بعد ضمة معها في كلمة واحدة. {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} قوله {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوا آمَنَّا} فأذهب الواو لانه كان حرفا "ساكنا لقي اللام وهي ساكنة فذهبت لسكونه ولم تحتج الى حركته لان فيما بقي دليلا على الجمع. وكذلك كل واو ما قبلها مضموما من هذا النحو. فاذا كان ما قبلها مفتوحا لم يكن بد من حركة الواو لانك لو القيتها لم تستدل على المعنى نحو {اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ} وحركت الواو بالضم لانك لو قلت "اشتر الضلالة" فألقيت

الواو لم تعرف انه جمع، وانما حركتها بالضم لان الحرف الذي ذهب من الكلمة مضموم، فصار يقوم مقامه. وقد قرأ قوم وهي لغة لبعض العرب {اشْتَرَوِاْ الضَّلاَلَةَ} [22ب] لما وجدوا حرفاً ساكنا قد لقي ساكنا كسروا كما يكسرون في غير هذا الموضع، وهي لغة شاذة. وأما قوله {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} فانك تقول "خلوت الى فلان في حاجة" كما تقول: "خلوت بفلان" إلاَّ أنَ "خلوت بفلان" له معنيان احدهما هذا والآخر سخِرْتُ به. وتكون "إلى" في موضع "مَعَ" نحو {مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ} كما كانت "من" في معنى (علىَ) في قوله {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} * اي: على القوم، وكما كانت الباء في معنى "على" في قوله "مَرَرتُ بِهِ" و "مَرَرْتُ عليه". وفي كتاب الله عز وجل {مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ} يقول "على دينار". وكما كانت "في" في معنى "على" نحو {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} يقول "على جُذوعِ النَخْل". وزعم يونس ان العرب تقول: "نزلت في أبيك" تريد "عليه" وتقول: "ظفِرتُ عليه" اي "بِهِ" و "رضيتُ عليه" أي: "عَنْه" قال الشاعر [من الوافر وهو الشاهد الرابع والعشرون] : اذا رضِيتْ عَلَيَّ بنو قُشَيْر * لَعَمْرُ اللهِ أعجبَنَي رِضاها

{اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} أما قوله {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} فهو في معنى "ويَمُدُّ لَهُم" كما قالت العرب: "الغلام يلعب الكِعاب" تريد: "يلعب ** بالكِعاب" وذلك أَنهم يقولون "قد مَدَدْتُ له" و "أَمْدَدْتُه" في غير هذا المعنى وهو قوله جل ثناؤه {وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ} وقال {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} . وقال بعضهم [23ء] (مِدادا) و (مَدّا) من "أَمْدَدْناهُم" وتقول "مَدّ النهرُ فهو مادّ" و "أَمَدّ الجُرُح فهو مُمِدّ". وقال يونس: "ما كان من الشَرّ فهو "مدَدْت" وما كان من الخير فهو "أَمْدَدْت". [فـ] تقول كما فسرت له فاذا اردت أنك تركته قلت: "مَدَدْتُ له" واذا أردت أنك اعطيته قلت: "أَمْدَدْتُه". المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {أُوْلَائِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} قوله {فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} فهذا على قول العرب: "خاب سعيُك" وانما هو الذي خاب، وانما يريد "فما رَبحوا في تجارتهم" ومثله {بَلْ مَكْرُ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [و] {ولكنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} انما هو "ولكنّ البرَّ برُّ من آمنَ بالله" وقال الشاعر: [من المتقارب وهو الشاهد الخامس والعشرون] : * وكيفَ تُواصِلُ من أصْبَحَتْ خَلاَلتُه كأبي مَرْحَبِ *

وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السادس والعشرون] : وَشَرُّ المنايا مَيِّتٌ وَسْطَ أَهْلِهِ * كهُلْكِ الفتاةِ أسلَمَ الحَيّ حاضره انما يريد "وشر المنايا منية ميّت وسط اهله، ومثله: "اكثرُ شربي الماءُ" و "أكثر أكلي الخبرُ" وليس أكلك بالخبز ولا شربك بالماء. ولكن تريد اكثر اكلي اكل الخبز وأكثر شربي شرب الماء. قال {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} يريد: "أهل القرية"، (والعِيرَ) أي: "واسأل اصحابَ العِير" [23ب] . وقال {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} فانما هو - والله اعلم - "مثَلُكُم ومثلُ الذين كَفَروا كمثلِ الناعِقِ والمنعوقِ بهِ". فحذف هذا الكلام, ودل ما بقي على معناه. ومثل هذا في القرآن كثير. وقد قال بعضهم {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} يقول "مثلُهم في دعائِهم الآلهةَ كمثلِ الذي ينعِق بالغَنَم" لان - الهتهم لا تسمعُ ولا تعقل، كما لا تسمع الغنم ولا تعقل. {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} قوله {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} فهو في معنى "أَوْقَد"، مثل قوله "فلم يستجبه" أي "فلم يُجِبْهُ" وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع والعشرون] : وداعٍ دعا يا من يُجيبُ الى النَدى * فلم يَستَجِبْهُ عندَ ذاك مُجيبُ أي: "فلم يُجِبْهُ".

وقال {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} فجعل (الذي) جميعا فقال (وتَرَكَهم) * لان "الذي" في معنى الجميع، كما يكون "الانسان" في معنى "الناس". وقال {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ [17] صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} فرفع على قوله: "هُمْ صمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ" رفعه على الابتداء ولو كان على اول الكلام كان النصب فيه حسنا. وأما {حَوْلَهُ} فانتصب على الظرف، وذلك ان الظرف منصوب. والظرف هو ما يكون فيه الشيء, كما قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثامن والعشرون] : [24ء] هذا النهارُ بدا لَها من هَمِّها * ما بالُها بالليلِ زالَ زوالَها نصب "النهارَ" على الظرف وان شاء رفعه وأضمر فيه. وأما "زوالَها" فانه كأنه قال: "أزالَ اللَّهُ الليلَ زوالَها". {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أما {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} فمنهم من قرأ (يَخْطِفُ) من "خَطَفَ" وهي قليلة رديئة لا تكاد

تعرف. وقد رواها يونس (يَخِطِّفُ) بكسر الخاء لاجتماع الساكنين. ومنهم من قرأ (يَخْطَفُ) على "خَطِفَ يخطَفُ" وهي الجيدة، وهما لغتان. وقال بعضهم (يَخِطِّفُ) وهو قول يونس من "يَخْتَطِفُ" فأدغم التاء في الطاء لان مخرجها قريب من مخرج الطاء. وقال بعضهم (يَخَطِّفُ) فحول الفتحة على الذي كان قبلها، والذي كسر كسر لاجتماع الساكنين فقال {يَخِطِّفُ} ومنهم من قال {يِخِطِّفُ} كسر الخاء لاجتماع الساكنين ثم كسر الياء اتبع الكسرة الكسرة وهي قبلها كما اتبعها في كلام العرب كثيرا، يتبعون الكسرة في هذا الباب الكسرة يقولون "قِتِلوا" و "فِتِحوا" يريدون: ["اقتِلوا"و] * اِفْتحَوا". قال ابو النجم [من الرجز وهو الشاهد التاسع والعشرون] : * تَدافُعَ الشِيبِ ولم تِقِتِّل *

وسمعناه من العرب مكسورا كله، فهذا مثل "يِخِطِف" اذا كسرت [24ب] ياؤها [لكسرة خائها] وهي بعدها فأتبع** الاخر الأول. وقوله {وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} فمنهم من يدغم ويسكن الباء الأولى لانهما حرفان مثلان. ومنهم من يحرك فيقول {لَذَهَبْ بِسَمْعِهِمْ} وجعل "السَمْع" في لفظ واحد وهو جماعة لان "السَمْعَ" قد يكون جماعة و "قد] يكون واحداً و [مثله] قوله {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} ومثله قوله {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} وقوله {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً} ومثله {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} . المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قوله {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً} فقطع الالف لانه اسم تثبت الالف فيه في التصغير [فـ] اذا صغرت قلت: "أُنَيْداداً"*. وواحد "الأنْدادِ": نِدٌّ. و "النِدُّ": المِثْل. {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} قوله {الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}

فـ"الوَقُودُ"**: الحطب. و "الوُقودُ": الاتقادُ وهو الفعل. يقرأ {الوَقود} و {الوُقود} ويكون ان يعني بها الحطب، ويكون ان يعني بها الفعل. ومثل ذلك "الوَضُوءُ" وهو: الماء, و "الوُضُوءُ" وهو الفعل، وزعموا أنهما لغتان في معنى واحد. {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هذاالَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} قوله {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} فجرّ "جناتٍ" وقد وقعت عليها "أَنَّ" لأنَّ كلَّ جماعة في آخرها تاء زائدة تذهب في الواحد وفي تصغيره فنصبها جرّ، [25ء] الا ترى انك تقول: "جَنّه" فتذهب التاء. وقال {خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} و "السماوات" جرّ، و "الأرضَ" نصب لان التاء زائدة. الا ترى انك تقول: "سماء"، و {قَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا} لان هذه ليست تاء إنَّما هي هاء صارت تاءً بالاتصال, وانما تكون تلك في السكوت الا ترى انك تقول: "رأيتُ سادَه" فلا يكون فيها تاء. ومن قرأ {أَطَعْنا

سَادَاتِنا} جرّ لانك اذا قلت: "ساده" ذهبت التاء. وتكون في السكت فيها تاء، تقول: "رأيت ساداتٍ"، وانما جرّوا هذا في النصب ليجعل جرّه ونصبه واحداً، كما جعل تذكيره في الجر والنصب واحدا، تقول: "مسلمين و "صالحين" نصبه وجره بالياء. وقوله {بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ} و {لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ} فان التاء من اصل الكلمة تقول "صوت" و "صويت" فلا تذهب التاء، و "بيت" [و "بُوَيْت"] * فلا تذهب التاء. وتقول: "رأيت بُوَيْتاتِ العربِ" فتجرّ، لان التاء الآخرة زائدة لانك تقول: "بيوت" فتسقط التاء الآخرة. وتقول: "رأيت ذواتِ مال" لان التاء زائدة، وذلك لانك لو سكت على الواحدة لقلت: "ذاه" ولكنها وصلت بالمال فصارت تاء لا يتكلم بها الا مع المضاف [25ب] اليه. وقوله {هذاالَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً} لانه في معنى "جيئوا به" وليس في معنى "أُعْطَوْهُ". فاما قوله: {مُتَشَابِهاً} فليس انه أشبه بعضه بعضا ولكنه متشابه في الفضل. أي كل واحد له من الفضل في نحوه مثل الذي للآخر في نحوه. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهذامَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} قوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَنْ} فـ"يستحي" لغة أهل الحجاز بياءين وبنو تميم يقولون "يَسْتَحى"

بياء واحدة، والأولى هي الاصل لان ما كان من موضع لامه معتلا لم يعلّوا عينه. الا ترى انهم قالوا: "حَيِيْتُ" و "جَوِيْتُ" فلم تُقَلَّ العين. ويقولون: "قُلْتُ" و "بِعْتُ" فيعُلُّونَ العين لما لم تعتلّ اللام، وانما حذفوا لكثرة استعمالهم هذه الكلمة كما قالوا "لَمْ يَكُ" و "لَمْ يَكُنْ" و "لا أَدْرِ" و "لا أَدْرِي". وقال {مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً} لان "ما" زائدة في الكلام وانما هو إنَّ الله لا يستَحي أن يضرِبَ بعوضَةً مَثَلاً". وناس من بني تميم يقولون {مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً} يجعلون (ما) بمنزلة "الذي" ويضمرون "هو" كأنهم قالوا: "لا يستحي أن يضرب مثلاً الذي هو بعوضةٌ" يقول: "لا يستحي أن يضرب الذي هو بعوضَةٌ مثلاً. وقوله {فَمَا فَوْقَهَا} قال بعضهم: "أَعظمَ منها" وقال بعضهم: كما تقول: "فلان صَغِير" فيقول: "وفوقَ ذلك " [26ء] يريد: "وأصغَرُ * من ذلك ". وقوله {مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً}

فيكون "ذا" بمنزلة "الذي". ويكون "ماذا" اسما واحدا ان شئت بمنزلة "ما" كما قال {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً} فلو كانت "ذا" بمنزلة "الذي" لقالوا "خيرٌ" ولكان الرفع وجه الكلام. وقد يجوز فيه النصب لانه لو قال "ما الذي قلت"؟ فقلت "خيراً" أي: "قلت خيراً" لجاز. ولو قلت: "ما قلت": "فقلت: "خيرٌ" أي: "الذي قلت خيرٌ" لجاز، غير انه ليس على اللفظ الأول كما يقول بعض العرب اذا قيل له: "كيف أصبحت"؟ قال: "صالحٌ" أي: "أنا صالحٌ". ويدلك على أن "ماذا" اسم واحد قول الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثلاثون] : دَعِي ماذا علمتُ سأَتَّقيهِ * ولكنْ بالمغيَّبِ نَبِّئِيني فلو كانت "ذا" ها هنا بمعنى (الذي) لم يكن كلاما. {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} أما قوله {عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ} فـ"أَنْ يُوصل" بدل من الهاء في "به" كقولك "مررت بالقومِ بعضِهم".

وأما "ميثاقه" فصار مكان "التَوثُّق" كما قال {أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} والاصل "إِنباتاً" وكما قال" العَطاء" في مكان "الإِعطاء". {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} قوله {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} فانما يقول كنتم ترابا ونُطَفا فذلك [26ب] ميّت. وهو سائغ في كلام العرب، تقول للثوب: "قَدْ كان هذا قُطْنا" و "كان هذا الرُّطَبُ بُسْرا"*. ومثل ذلك قولك للرجل: "اعمل هذا الثوب" وانما معك غزل. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} هذا باب من المجاز أما قوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ} وهو انما ذكر سماء واحدة، فهذا لأن ذكر "السماء" قد دل عليهن كلّهنّ. وقد زعم بعض المفسرين ان "السماء" جميع مثل "اللبن". فما

كان لفظه لفظ الواحد ومعناه معنى الجماعة جازان يجمع فقال {سَوّاهُنَّ} فزعم بعضهم ان قوله {السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} جمع مذكر كـ"اللّبن". ولم نسمع هذا من العرب والتفسير الأول جيد. وقال يونس: {السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ} ذكر كما يذكر بعض المؤنث كما قال الشاعر: [من المتقارب وهو الشاهد الحادي والثلاثون] : فلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها * ولا أرضُ** أبقلَ إبقالَها وقوله: [من المتقارب وهو الشاهد الثاني والثلاثون] : فإمّا تَرَيْ لِمَّتى بُدِّلَتْ * فإنَّ الحوادِثَ أَوْدَى بِها وقد تكون "السماء" يريد به الجماعة كما تقول: "هَلَكَ الشاةُ والبعيرُ" يعني كل بعير وكل شاة. وكما قال {خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} أي: من الأرضين. وأما قوله {اسْتَوى إلى السمآء} فان ذلك لم يكن من الله تبارك وتعالى [27ء] لتحول، ولكنه يعني فعله كما تقول: "كان الخَلِيفَة في أهْلِ العراق يوليهم ثم تحوّل إلى أَهلِ الشام" انما تريد تحول فعله. {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا

وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أما قولُ الملائِكَة {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} فلم يكن ذلك انكارا منهم على ربهم، انما سألوا ليعلموا، وأخبروا عن أنفسهم أنهم يُسَبِّحون ويُقَدِّسون. أو قالوا ذلك لانهم كرهوا أَنْ يُعْصى الله، لان الجن قد كانت أمرت قبل ذلك فعصت. وأما قَوْلُه {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} وقال {وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} وقال {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} فذلك لان الذكر كله تسبيح وصلاة. تقول: "قَضَيْتُ سُبْحتي من الذكِر والصَلاة" فقال "سَبِّح بالحَمْد". أي: "لتَكُنْ سُبْحَتُكَ بالحَمْدِ لله". وقوله {أَتَجْعَلُ فِيهَا} جاء على وجه الاقرار كما قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثالث والثلاثون] : أَلَسْتُمْ خيرَ مَن رَكِبَ المطايا * وأنْدى العالَمِينَ بطونَ راحِ أي: أنتم كذلك. {وَعَلَّمَءَادَمَ الأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤلاء إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} قوله {الأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ} فيريد عرض عليهم أصحاب الأسماء ويدلك على ذلك قوله {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤلاء} فلم يكن ذلك لان الملائكة ادّعوا شيئا، انما أخبر عن جهلهم بعلم الغيب وعلمه بذلك وفعله فقال {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤلاء إِن كُنْتُمْ [27ب] صَادِقِينَ} كما يقول الرجل للرجل: "أَنْبِئْني بهذا إنْ كنتَ تَعْلَم" وهو يعلم انه

لا يعلم يريد انه جاهل. فأعظموه عند ذلك فقالوا: {سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ} [32] بالغيب على ذلك. ونحن نعلم أنه لا علم لنا بالغيب" إخباراً عن أنفسهم بنحو ما خبر الله عنهم. وقوله {سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ} فنصب "سبحانَكَ" لانه أراد "نسبِّحكَ" جعله بدلا من اللفظ بالفعل كأنه قال: "نُسَبِّحُكَ بسُبْحانِكَ" ولكن "سُبْحان" مصدر لا ينصرفُ. و "سُبْحان" في التفسير: براءة وتنزيه قال الشاعر: [من السريع وهو الشاهد الرابع والثلاثون] : أقولُ لَمّا جاءني فَخْرُه * سُبحانَ من عَلْقَمةَ الفاخِرِ يقول: براءة منه. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} هذا باب الاستثناء قوله {فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ} فانتصب لانك شغلت الفعل بهم عنه فأخرجته من الفعل من بينهم. كما تقول: "جاءَ القومُ إلاّ زيداً" لأنَّك لما جعلت لهم الفعل وشغلته بهم وجاء بعدهم غيرهم شبهته بالمفعول به بعد الفاعل وقد شغلت به الفعل. وقوله {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ} ففتحت {استكبرَ} لأن كل "فَعَلَ" أو "فُعِلَ" فهو

يفتح نحو: {قَالَ رَجُلاَنِ} ونحو {الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} ونحو {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} [28ء] ونحو {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} لانّ هذا كله "فَعَلَ" و "فُعِلَ". {وَقُلْنَا يَآءَادَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَاذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} باب الدعاء قوله {يَا آدَمُ اسْكُنْ} و {يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ} [33] و {يافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ} فكل هذا انما ارتفع لانه اسم مفرد، والاسم المفرد مضموم في الدعاء وهو في موضع نصب، ولكنه جعل كالأسماء التي ليست بمتمكنة. فاذا كان مضافا انتصب لانه الاصل. وانما يريد "أعني فلانا" و "أدعو" وذلك مثل قوله {يَاأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا} و {رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا} انما يريد: "يا ربِّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا" وقوله "رَبَّنا تَقبِّلْ مِنّا". هذا باب الفاء قوله {وَلاَ تَقْرَبَا هَاذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} فهذا الذي يسميه النحويون "جواب الفاء". وهو ما كان جوابا للامر والنهي والاستفهام والتمني والنفي والجحود. ونصب ذلك كله على ضمير "أنْ"،

وكذلك الواو. وان لم يكن معناها مثل معنى الفاء. وانما نصب هذا لان الفاء والواو من حروف العطف فنوى المتكلم ان يكون ما مضى من كلامه اسما حتى كأنه قال "لا يكُنْ منكما قربُ الشجرة" ثم أراد أن يعطف الفعل على الاسم [28ب] فأضمر مع الفعل "أَنْ" لأنَّ "أَنْ" مع الفعل تكون اسما فيعطف اسما على اسم. وهذا تفسير جميع ما انتصب من الواو والفاء. ومثل ذلك قوله {لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} هذا جواب النهي و {لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ} جواب النفي. والتفسير ما ذكرت لك. وقد يجوز اذا حسن ان تجري الآخر على الأول ان تجعله مثله نحو قوله {وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} أي: "وَدُّوا لَوْ يُدْهِنُونَ". ونحو قوله {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ} جعل الأول فعلا ولم يَنْوِ به الاسم فعطف الفعل على الفعل وهو التمني كأنه قال "وَدُّوا لو تَغْفَلونَ وَلَوْ يَمِيلُونَ" وقال {لاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} أي "لا يؤذَن لَهُمْ ولا يَعْتَذِرُونَ". وما كان بعد هذا جواب المجازاة بالفاء والواو فان شئت ايضاً نصبته على ضمير "أن" اذا نويت بالأول ان تجعله اسما كما قال {إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} {أَوْ يُوبِقْهُنَّ [بِمَا كَسَبُوا] * وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ} {وَيَعْلَمَ

الَّذِينَ} فنصب، ولو جزمه على العطف كان جائزا، ولو رفعه على الابتداء جاز ايضاً. وقال {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} فتجزم {فَيَغفِر} اذا أردت [29ء] العطف، وتنصب اذا أضمرت "إنْ" ونويت أن يكون الأول اسما، وترفع على الابتداء وكل ذلك من كلام العرب. وقال {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} ثم قال {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَآءُ} فرفع {وَيَتُوبُ} لأنَه كلام مستأنف ليس على معنى الأول. ولا يريد "قاتلوهم: "يتبْ الله عليهم" ولو كان هذا لجاز فيه الجزم لما ذكرت. وقال الشاعر [من الوافر وهو الشاهد الخامس والثلاثون] : فإِنْ يهلِكْ أبو قابوس يهلِكْ * ربيعُ الناسِ والشَهْرُ الحرامُ ونُمْسِكَ بعدَه بذِنابِ عيشٍ * أجبِّ الظهرِ ليس له سنامُ فنصب "ونمسكَ" على ضمير "أَنْ" ونرى أَنْ يجعل الأول اسما ويكون فيه الجزْم ايضاً على العطفِ والرفعُ على الابتداء. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السادس والثلاثون] : ومَنْ يَغتربْ عن قومِهِ لا يَزَلْ يرى * مصارعَ مظلومٍ مجرّا ومَسْحُبا

ومَنْ يغتربْ عن قومِهِ لا يَجِدْ لهُ * على مَنْ لهُ رَهْطٌ حواليهِ مغْضبا وتُدْفنُ منه المحسَنات وان يُسِىءْ * يَكُنْ ما أساءَ النار في رأسِ كَبْكَبا فـ"تُدفنُ" يجوز فيه الوجوه كلها. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع والثلاثون] : فإن يَرْجعِ النعمان نَفْرَحْ ونَبْتَهِجْ * ويأتِ مَعَدّاً مُلْكُها وربيعُها وإِنْ يَهْلِكِ النعمانُ تُعْرَ مَطِيَّةٌ * وتُخْبَأُ في جوفِ العياب قُطُوعها [29ب] وقال تبارك وتعالى {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} فهذا لا يكون الا رفعا لانه الجواب الذي لا يستغنى عنه. والفاء اذا كانت جواب المجازاة كان ما بعدها أبدا مبتدأ وتلك فاء الابتداء لا فاء العطف. الا ترى أنك تقول "ان تأتِني فأمُركَ عندي على ما تحبُّ". فلو كانت هذه فاء العطف لم يجز السكوت حتى تجيء لما بعد "إنْ" بجواب. ومثلها {وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً} وقال بعضهم {فَأُمَتِّعُهُ ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} فـ {أَضْطَرُّهُ} اذا

وصل الالفَ جعله أَمْرا. وهذا الوجه اذا أراد به الامر يجوز فيه الضم والفتح. غير ان الالف ألف وصل وانما قطعتها "ثُمَّ" في الوجه الآخر، لانه كل ما يكون معناه "أَفْعَلُ" فانه مقطوع، من الوصل كان أو من القطع. قال {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ} وهو من "أتى" "يأتي" وقال {أَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً} فترك الالف التي بعد ألف الاستفهام لانها الف "أفعل" وقال الله تبارك* وتعالى فيما يحكى عن الكفار {لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} فقوله {فَأَصَّدَّقَ} جواب للاستفهام، لأنَّ {لَوْلا} ها هنا بمنزلة "هلا" وعطف {وَأَكُن} على موضع {فَأَصَّدَّقَ} لأنَّ جواب الاستفهام اذا لم يكن فيه فاء جزم. وقد قرأ بعضهم {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُونَ} [30ء] عطفها على ما بعد الفاء وذلك خلاف الكتاب. وقد قرىء {مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} جزم. فجزم {يَذَرْهُم} على انه عطف على موضع الفاء لان موضعها يجزم اذا كانت جواب المجازاة، ومن رفعها على أَنْ يعطفها على ما بعد الفاء فهو أجود وهي قراءة. وقال {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم}

جزم ورفع على ما فسرت. وقد يجوز في هذا وفي الحرف الذي قبله النصب لأنه قد جاء بعد جواب المجازاة مثل {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا} [و] {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} فانتصب الآخر لأنَ الأوّلَ نوى ان يكون بمنزلة الاسم وفي الثاني الواو. وان شئت جزمت على العطف كأنك قلت "ولمّا يعلمِ الصابرين". فان قال قائل: "ولما يَعْلمِ الله الصابرين" {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ} فهو لم يعلمهم؟ قلت بل قد علِم، ولكنّ هذا فيما يذكر أهل التأويل ليبين للناس، كأنه قال "ليَعْلَمَه الناسُ" كما قال {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً} وهو قد علم ولكن ليبين ذلك. وقد قرأ أقوام أشباه هذا في القرآن {لِيُعْلَم أَيُّ الحزبين} ولا أراهم قرأوه إلاَّ لجهلهم بالوجه الآخر.

ومما جاء بالواو* {وَلاَ تَلْبِسُواْ [30ب] الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ} إنْ شئتَ جعلت {وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ} نصباً اذ نويت ان تجعل الأول اسما فتضمر مع {تَكْتُمُوا} "أَنْ" حتى تكون اسما. وان شئت عطفتها فجعلتها جزما على الفعل الذي قبلها. قال {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ} فعطف القول على الفعل المجزوم فجزمه. وزعموا انه في قراءة ابن مسعود {وَأَقُولُ لَّكُمآ} على ضمير "أَن" ونوى أَنْ يجعل الأوَّلَ اسما, وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثامن والثلاثون] : لقد كان في حَوْلٍ ثَواءٍ ثويته * تَقَضِّي لُباناتٍ وَيَسْأمَ سائِمُ - ثواءٌ وثواءً او ثواءٍ رفع ونصب وخفض - فنصب على ضمير "أَنْ" لأن التقضي اسم، ومن قال "فَتُقْضى" رفع: "ويسأمُ" لأنه قد عطف على فعل وهذا واجبٌ، وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والثلاثون] : فإِنْ لم أصدِّقْ ظَنَّكُمْ بتَيقُّنٍ * فَلا سَقَتِ الأوْصالَ مِنّي الرّواعِدُ ويَعلمَ أكفائي من الناسِ أَنَّني * أَنَا الفارسُ الحامي الذمارِ المذاودُ وقال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الأربعون] : فإن يقدِرْ عليكَ أبو قُبَيْسٍ * نَمُطَّ بِكَ المَنِيَّة في هَوانِ

وَتُخْضَبَ لِحيَةٌ غَدَرَتْ وخانتْ * بِأَحْمَرَ من نَجِيعِ الجَوْفِ آنِ [31ء] فنصب هذا كله لأنه نوى أن يكون الأوّل اسما فأضمر بعد الواو "أنْ" حتى يكون اسما مثل الأول فتعطفه عليه. وأما قوله {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ} و {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فهذا على جواب التمني، لأنَّ معناه "لَيْتَ لَنّا كَرَّةً". وقال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الحادي والأربعون] : فلستُ بمدركٍ ما فاتَ مني * بـ"لهفَ" ولا بـ"ليتَ" ولا "لواني" فأنزل "لوَاني" بمنزلة "ليْتَ" لان الرجل اذا قال: "لَو أنّي كنتُ فعلتُ كذا وكذا "فانما تريد "ودِدتُ لو كنتُ فَعلْتُ". وإنَّما جازَ ضمير "أَنْ" في غير الواجب لأن غير الواجب يجيء ما بعده على خلاف ما قبله ناقضا له. فلما حدث فيه خلاف لأوله جاز هذا الضمير. والواجب يكون آخره على أوله نحو قول الله عز وجل {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} فالمعنى: "إسمعوا أنزلَ اللهُ من السماءِ ماءً" فهذا خبر واجب و {أَلَمْ تَرَ} تنبيه. وقد تنصب الواجب في الشعر. قال الشاعر:

[من الوافر وهو الشاهد الثاني والأربعون] : سأترُكُ منزلي لِبني تَميمٍ * وأَلْحَقُ بالحجاز فأستريحا وهذا لا يكاد يعرف. وهو في الشعر جائز. وقال طرفة [من الطويل وهو الشاهد الثالث والأربعون] : [31ب] لها هَضْبَةٌ لا يَدْخُلُ الذُلُّ وَسْطَها * ويأوى اليها المستجيرُ فيُعْصَما واعلم ان اظهار ضمير "أن" في كل موضع أضمر فيه من الفاء لا يجوز الا ترى انك اذا قلت: "لا تأتِه فيضرِبَك" لم يجز أن تقول: "لا تأْتِه فأنْ يضرِبَكَ" وانما نصبته على "أنْ" فلا يسحن اظهاره كما لا يجوز في قولك "عسى أنْ تفعلَ": "عسى الفعل" ولا في قولك: "ما كان ليفعل": "ما كان لان يفعل" ولا إظهار الاسم الذي في قولك "نعم رجلاً" فرب ضمير لا يظهر لأن الكلام إنما وضع على أن يضمر فاذا ظهر كان ذلك على غير ما وضع في اللفظ فيدخله اللبس. {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} أما قوله {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} فانما يعني "الزَلَلَ" تقول: "زَلَّ فلانُ" و "أَزْلَلْتُه" و: "زالَ فلانُ" و "أَزالَهُ فُلانُ" والتضعيف القراءة الجيدة وبها نقرأ. وقال بعضهم: {فأزالَهُما} أخذها من "زَالَ، يزولُ". تقول: "زالَ الرجلُ" و "أزالَهُ فلان".

وقال {اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} فانما قال {اهْبِطُواْ} والله اعلم لأنّ إبليسَ كان ثالثهم فلذلك جمع. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {فَتَلَقَّىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} قوله {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} فجعل آدم المتلقى. وقد قرأ بعضهم {آدمَ} نصبا ورفع الكلمات جعلهن المتلّقِيات. {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} قال {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ} [32ء] وذلك أن "إمّا" في موضع المجازاة وهي "إما" لا تكون "أَمَا" وهي "إنْ" زيدت معها "ما" وصار الفعل الذي بعدها بالنونِ الخفيفةِ أو الثقيلة وقد يكون بغير نون. وإنَّما حسنت فيه النون لما دخلته "ما" لأنَّ "ما" نفي وهو ما ليس بواجب وهي من الحروف التي تنفي الواجب فحسنت فيه النون نحو قولهم "بِعينٍ مّا أَرَيَنَّك" حين أدخلت فيها "ما" حسنت النون.

ومثل "إمّا" ها هنا قوله {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً} وقوله {قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ [93] رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فالجواب في قوله {فَلاَ تَجْعَلْنِي} . وأشباه هذا في القرآن والكلام كثير. واما "إمّا" في غير هذا الموضع الذي يكون للمجازاة فلا تستغني حتى ترد "إمّا" مرتَيْن نحو قوله {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} ونحو قوله {حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ} وانما نصب لأنّ "إمّا" هي بمنزلة "أوْ" ولا تعمل شيئاً كأنه قال "هَدَيْناهُ السبيلَ شاكراً أوْ كَفُورا" فنصبه على الحال و "حتى رَأَوْا ما يُوعَدُون العذابَ أَوْ الساعة" فنصبه على البدل. وقد يجوز الرفع بعد "إمّا" في كل شيء يجوز فيه الابتداء [و] * لو قلت: "مررت برجل إمّا قاعدٍ وإمّا قائمٍ" جاز. وهذا الذي في القرآن جائز ايضاً، ويكون رفعا الا انه لم يقرأ. وأما التي تستغني عن التثنية فتلك تكون مفتوحة الالف [32ب] أبدا نحو قولك "أَمّا عبد الله فمنطلق" وقوله {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ [9] وَأَمَّا السَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ} و {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} . فكلُّ ما لم يحتج فيه الى تثنيةِ "أَمّا" فألفها مفتوحة الا تلك التي في المجازاة. و"أَمّا" ايضاً لا تعمل شيئا الا ترى انك تقول {وَأَمَّا السَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ} فتنصبه بـ"تنهر" ولم تغيّر "أمّا" شيئا منه.

باب الاضافة. اما قوله {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فانفتحت هذه الياء على كل حال لان الحرف الذي قبلها ساكن. وهي الالف التي في "هُدَى". فلما احتجت الى حركة الياء حركتها بالفتحة لانها لا تحرك الا بالفتح. ومثل ذلك قوله {عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} ولغة للعرب يقولون "عصَيَّ يا فَتى" و {هُدَيَّ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} لما كان قبلها حرف ساكن وكان الفا، قلبته الى الياء حتى تدغمه في الحرف الذي بعده فيجرونها مجرى واحدا وهو أخف عليهم. واما قوله {هذامَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} و {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [و] {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} . فانما حركت بالاضافة لسكون ما قبلها وجعل الحرف الذي قبلها ياء ولم يقل "عَلايَ" ولا "لَدايَ" كما تقول "على زيد" و "لدى زيد" ليفرقوا بينه وبين الأسماء، لان هذه ليست بأسماء. و "عَصايَ" و "هُدايَ" [33ء] و "قَفايَ" اسماء. وكذلك {أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ} و {يابُشْرَايا هذاغُلاَمٌ} لأنَّ آخر "بُشْرى" ساكن. وقال بعضهم {يا بُشْراي هذا غلام} لا يريد الاضافة، كما تقول "يا بشارة". فاذا لم يكن الحرف ساكنا كنت في الياء بالخيار, ان شئت أسكنتها وان شئت

فتحتها نحو {إِنِّيْ أَنَا اللَّهُ} و {إِنِّي أَنَا اللَّهُ} ، و {وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيْ مُؤْمِناً} و {بَيْتِيَ} [و] {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيْ إِلاَّ فِرَاراً} و {دُعَآئِي إِلاَّ} . وكذلك اذا لقيتها الف ولام زائدتان فان شئت حذفت الياء لاجتماع الساكنين وان شئت فتحتها كيلا يجتمع حرفان ساكنان. الا ان احسن ذلك الفتح نحو قول الله تبارك وتعالى {جَآءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي} و {نِعْمَتِيَ الَّتِي} وأشباهِ ذا. وبه نقرأ. وإنْ لقيته ايضاً ألف وصل بغير لام فأنت فيه أيضاً بالخيار إلاّ أَنَ أحسنه في هذا الحذف وبها نقرأ {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} و {هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} . فاذا كان شيء من هذا الدعاء حذفت منه الياء نحو {ياعِبَادِ

فَاتَّقُونِ} و {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} و {رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ} . ومن العرب من يحذف هذه الياءات في الدعاء وغيره من كل شيء. وذلك قبيح قليل الا ما في رؤوس الآيْ، فانه يحذف الوقف. [33ب] كما تحذف العرب في أشعارها من القوافي نحو قوله: [من الطويل وهو الشاهد الرابع والاربعون] : [أَبا مُنْذِرٍ أفنيتَ فاستبقِ بعضَنا] * حنانيكَ بعضُ الشرِّ أَهونُ من بَعْضِ وقوله: [من الوافر وهو الشاهد الخامس والأربعون] : [ألا هُبِّي بِصَحْنِكِ فاصبَحينا] * وَلا تُبْقِي خُمورَ الأنْدَرينَ اذا وقفوا فاذا وصلوا قالوا: "من بعض" و "الأنْدرينا" وذلك في رؤوس الاي كثير نحو قوله {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} [و] {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} . فاذا وصلوا أثبتوا الياء. وقد حذف قوم الياء في السكوت والوصل وجعلوه على تلك اللغة القليلة وهي قراءة العامة وبها نقرأ لان الكتاب عليها. وقد سكت قوم بالياء

ووصلوا بالياء، وذلك على خلاف الكتاب، لان الكتاب ليست فيه ياء وهي اللغة الجيدة. وقد سمعنا عربيا فصيحا ينشد: [من الطويل وهو الشاهد السادس والاربعون] : فما وَجَدَ النَّهْدِيُ وَجْداً وَجَدْتُهُ * ولا وَجَدَ العُذْرِيُّ قبلِ جَمِيلُ يريد "قبلِي" فحذف الياء. وقد أعمل بعضهم "قَبْل" اعمال ما ليس فيه ياء فقال: "قبلُ جميل" وهو يريد "قبلي". كما قال بعضُ العرب "يا ربُّ اغفِر لي" فرفع وهو يريد "يا ربّي". واما قوله {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ} و {أَضَلُّونَا السَّبِيلاْ} فتثبت فيه الالف لانهما رأس آية، لان قوما من العرب يجعلون أواخر القوافي اذا سكتوا عليها على مثل حالها اذا وصلوها وهم اهل الحجاز. [34ء] وجميع العرب اذا ترنموا في القوافي أثبتوا في أواخرها الياء والواو والالف. وأما قوله {ياأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ} فأنث هذا الاسم بالهاء كقولك "رجُلٌ رَبْعَةٌ" و "غُلامٌ يَفَعَةٌ". او يكون ادخلها لما نقص من

الاسم عوضا. وقد فتح قوم كأنهم أرادوا "يا أبتا" فحذفوا الالف كما يحذفون الياء, كما قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الحادي والاربعون] : [ولست بمدرك ما فات مني] * "لهفَ" ولا بـ"ليتَ" ولا لَوَآني" يريد: "لَهْفاه". ومما يدلك على ان هذا الاسم أنث بالهاء قول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع والاربعون] : تقولُ ابنتي لما رأتنِيَ شاحِباً * كأنَّكَ فينا يا أَبات غريبُ فرد الالف وزاد عليها الهاء كما أنثَ في قوله "يا أمتاه" فهذه ثلاثة أحرف. ومن العرب من يقول: "يا أمَّ لا تفعلي" رخّم كما قال: "يا صاحِ". ومنهم من يقول "يا أميّ" و"يا أبي" على لغة الذين قالوا: "يا غلامِي. ومنهم من يقول "يا أبِ" و"يا أمِّ" وهي الجيدة في القياس. {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} أما قوله {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} فمن العرب من يهمِزُ ومنهم من لا يهمز. ومنه من يقول {إسرَائِل} يحذف الياء التي بعد الهمزة ويفتح الهمزة ويكسرها.

باب المجازاة. فاما قوله {وَأَوْفُواْ [34ب] بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} فانما جزم الآخر لانه جواب الامر، وجواب الامر مجزوم مثل جواب ما بعد حروف المجازاة، كأنه تفسير "إنْ تَفْعلوا" أُوفِ بَعَهْدِكُم وقال في موضع آخر {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} وقال {فَذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} فلم يجعله جوابا، ولكنه كأنهم كانوا يلعبون فقال "ذَرْهُم في حال لعبهم" وقال {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ} وليس من أجل الترك يكون ذلك، ولكن قد علم الله انه يكون وجرى على الاعراب كأنه قال: "إنْ تركتهم أَلْهاهُم الامل" وهم كذلك تركهم او لم يتركهم. كما ان بعض الكلام يعرف لفظه والمعنى على خلاف ذلك , وكما ان بعضهم يقول: "كَذَبَ عليكُمُ الحجّ". فـ"الحجُّ" مرفوع وانما يريدون ان يأمروا بالحج. قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثامن والاربعون] : كَذَبَ العتيقُ وماءُ شنٍّ باردٍ * إن كنتِ سائِلتي غَبوقاً فاذْهَبي وقال: [من الوافر وهو الشاهد التاسع والاربعون] : وذُبْيانِيةٌٍ توصي بينها * أَلا كَذَبَ القراطِفُ والقُروفُ

قال ابو عبد الله: "القَراطِفُ"، واحدها "قَرْطَفٌ": وهو كل ما له خَمَلٌ من الثياب. و "القُروفُ"، واحدها "قَرْفٌ": وهو وعاءٌ من جلود الابل [35ء] كانوا يَغَلون اللحم ويحملونه فيه في أسفارهم". ويقولون "هذا جُحرُ ضبٍّ خَرِبٍ" والخرب هو الجُحْرُ. ويقولون، [أحدهم] : "هذا حبُّ رُمّاني". فيضيف الرُمّان اليه وانما له الحبّ وهذا في الكلام كثير. وقوله {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} و {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فأجراه على اللفظ حتى صار جوابا للامر. وقد زعم قوم ان هذا انما هو على "فَلْيَغْفِروا" و"قُلْ لَعِبادي فَليَقولوا" وهذا لا يضمر كله يعني الفاء واللام. ولو جاز هذا [لَـ] جاز قول الرجل: "يَقُمْ زَيْدٌ"، وهو يريد "لَيَقُمْ زَيْدٌ". وهذا الكلمة أيضاً أمثل لانك لم تضمر فيها الفاء مع اللام. وقد زعموا ان اللام قد جاءت مضمرة, قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الخمسون] : مُحَمَّدُ تَفْد نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ * إذا ما خِفْتَ من شَيْءٍ تَبالا

يريد: "لِتَفْدِ", وهذا قبيح. وقال: "تَقِ اللهَ امرُؤٌ فعل كذا وكذا" ومعناه: "ليَتَّق اللهَ". فاللفظ يجيء كثيرا مخالفاً للمعنى. وهذا يدل عليه. قال الشاعر في ضمير اللام: [من الطويل وهو الشاهد الحادي والخمسون] : على مثلِ أصحاب البعوضَةِ فَاخمِشي * لكِ الويلُ حُرَّ الوَجْهِ أو يَبْكِ من بكى يريد "ليبكِ مَنْ بكى" فحذف [35ب] وسمعت من العرب من ينشد هذا البيت بغير لام: [من الطويل وهو الشاهد الثاني والخمسون] : فَيَبْكِ على المِنْجابِ أضيافُ قَفْرةٍ * سَرَوْا وأُسارى لم تُفَكَّ قيودُها يريد: "فَلْيَبْكِ" فحذف اللام. باب تفسير أنا وأنت وهو باب تفسير أنا وأنت وهو. وأما قوله {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [و] {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [41] فقال {وَإيّايَ} وقد شغلت الفعل بالاسم المضمر الذي بعده الفعل. لان كل ما كان من الأمر والنهي في هذا النحو فهو منصوب نحو قولك: "زيداً فَاضْرِبْ أَخاهُ". لان الامر والنهي مما يضمران كثيراً ويحسن فيهما الاضمار، والرفع ايضاً جائز على ان لا يضمر. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون] : وقائِلَةٍ خولانَ فانكَحْ فتاتَهُمْ * وأُكْرومَةُ الحَيَّيْنِ خِلّوُكما هِيا

وأما قوله {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا} [و] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} فزعموا - والله أعلم - ان هذا على الوحي، كأنه يقول "ومِمّا أَقُصُّ عليكمُ الزانيةُ والزاني، والسارقة والسارقُ". ثم جاء بالفعل من بعد ما اوجب الرفع على الأول على الابتداء وهذا على المجاز كأنه قال "أمرُ السارقِ والسارِقة وشأنُهما مما نَقُصَّ عليكم" [36ء] ومثله قوله {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} ثم قال {فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ} كأنه قال: "وَمِمّا أقُصُّ عليكُمْ مَثَلُ الجنة" ثم أقبل يذكر ما فيها بعد أن اوجب الرفع في الأول على الابتداء. وقد قرأها قوم نصبا اذ كان الفعل يقع على ما هو من سبب الأول، وهو في الامر والنهي. وكذلك ما وقع عليه حرف الاستفهام نحو قوله {أَبَشَرَاً مِنّا واحِداً نَتَّبِعُه} . وانما فُعِلَ هذا في حروف الاستفهام لانه اذا كان بعده اسم وفعل كان أحسن ان يبتدأ بالفعل قبل الاسم، فان بدأت بالاسم أضمرت له فعلا حتى تحسن الكلام به واظهار ذلك الفعل قبيح. وما كان من هذا في غير الامر والنهي والاستفهام والنفي فوجه الكلام فيه الرفع، وقد نصبه ناس من العرب كثير. وهذا الحرف قد قرىء نصباً ورفعا {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} . وأما قوله {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} فهو يجوز

فيه الرفع وهي اللغة الكثيرة غير ان الجماعة اجتمعوا على النصب، وربما اجتمعوا على الشيء كذلك مما يجوز والاصل غيره. لان قولك: "إنّا عَبدُ اللهِ ضَرَبْناهُ". مثل قولك: "عبدُ اللهِ ضَرَبْناهُ" لان معناهما في الابتداء سواء. قال الشاعر [من المتقارب وهو الشاهد الرابع والخمسون] : [36ب] فأَمّا تَمِيمٌ تَميمُ بنُ مُرٍّ * فأَلْفاهُمُ القومُ رَوْبى نِياما وقال [من الطويل وهو الشاهد الخامس والخمسون] : إذا ابنُ أبي مُوسى بلالٌ بلغتِهِ * فقامَ بفأسٍ بينَ وَصْلَيكِ جازِرُ ويكون فيهما النصب. فمن نصب {وأَما ثَمُودَ} نصب على هذا. وأما قوله {يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ} وقوله {أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَاهَا} ثم قال {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} وقال {الرحمن [1] عَلَّمَ الْقُرْآنَ [2] خَلَقَ الإِنسَانَ [3] عَلَّمَهُ البَيَانَ} ثم قال {وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} وقال {وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً} فهذا انما ينصب وقد سقط الفعل على الاسم بعده لان الاسم الذي قبله قد عمل فيه فأضمرت فعلا فأعملته فيه حتى يكون العمل من وجه واحد. وكان ذلك أحسن قال [الشاعر] : [من الوافر وهو الشاهد السادس والخمسون] . نغالي اللحمَ للأضيافِ نَيْئاً * ونُرْخِصُه إذا نَضِجَ القُدورَ

يريد "نُغالي باللحم" فان قلت {يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ} ليس بنصب في اللفظ فهو في موضع نصب قد عمل فيه فعل كما قلت: "مررت بزيدٍ وعَمْراً ضربتُه، كأنك قلت: "مررت زيداً" وقد يقول هذا بعض الناس. قال الشاعر: [من المنسرح وهو الشاهد السابع والخمسون] : أَصبحتُ لا أَحْمِلُ السلاحَ ولا * آمِلْكُ رأسَ البعيِرِ إنْ نَفَرا والذيبَ أخشاهُ إنْ مَرَرْتُ بهِ * وَحدِي وأَخشى الرياحَ والمَطَرا [37ء] وكلُّ هذا يجوز فيه الرفع على الابتداء والنصب أجود وأكثر. وأما قوله {يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} فانما هو على قوله "يَغْشى طائفةً منكم وطائفةٌ في هذهِ الحال". [و] هذه واو ابتداء لا واو عطف، كما تقول: "ضربتُ عبْدَ اللهِ وزيدٌ قائم". وقد قرئت نصبا لأنها مثل ما ذكرنا، وذلك لانه قد يسقط الفعل على شيء من سببها وقبلها منصوب بفعل فعطفتها عليه وأضمرت لها فعلها فنصبتها به. وما ذكرنا في هذا الباب من قوله {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [وقوله] {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ} ليس في قوله {فَاقْطَعُواْ} و {فَاجْلِدُواْ} خبر مبتدأ لان خبر المبتدأ هكذا لا يكون بالفاء.

[فـ] لو قلت "عبدُ اللهِ فَيَنْطَلِقُ" لم يحسن. وانما الخبر هو المضمر الذي فسرت لك من قوله "ومما نقص عليكم" وهو مثل قوله: [من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون] : وقائلةٍ خولانُ فانكحْ فتاتَهُم * [وأكرومةُ الحَيَّيْنِ خلوٌ كَما هِيا] كأنه قال: "هؤلاءِ خَولانُ" كما تقول: "الهلالُ فانظرْ اليهِ" كأنك قلت: "هذا الهلالُ فانظُر إليه" فأضمر الاسم. فأما قوله {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا} فقد يجوز ان يكون هذا خبر المبتدأ، لان "الذي" اذا كان صلته فعل جاز ان يكون خبره بالفاء نحو قول الله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ [37ب] ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} ثم قال {فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} . المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} باب الواو. أما قوله {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} فلأنه حمل الكلام على "الصلاةِ". وهذا كلام منه ما يحمل على الأول ومنه ما يحمل على الاخر. وقال {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} فهذا يجوز على الأول والآخر، وأقيس هذا اذا ما كان بالواو ان يحمل عليهما جميعاً. تقول: "زيد وعمرو ذاهبان". وليس هذا مثل "أو" لان "أو" انما يخبر فيه عن أحد الشيئين. وأنت في "

أو" بالخيار ان شئت جعلت الكلام على الأول وان شئت على الآخر، وأن تحمله على الآخر أقيس لانك ان تجعل الخبر على الاسم الذي يليه [الخبر] فهو أمثل من أن تجاوزه الى اسم بعيد منه. قال {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا} فحمله على الأول، وقال في موضع آخر {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} وقال {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً} فحمله على الآخر. قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الثامن والخمسون] : أمّا الوَسامَةُ أو حُسْنُ النِساءِ فَقَدْ * أُوتيتِ مِنْهُ لو انَّ العقلَ محتَنِكُ وقال ابنُ أحمر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والخمسون] : [38ء] رماني بداءٍ كنتُ منهُ ووالدي * بريئاً ومن أَجْلِ الطَوِيِّ رماني وقال الآخر: [من المنسرح وهو الشاهد الستون] : نحنُ بِما عندَنا وأنتَ بما * عندَكَ راضٍ والرأيُ مُخْتَلِفُ وهذا مثل قول البرجمي: [من الطويل وهو الشاهد الحادي والستون] : مَنْ يكُ أمْسى بالمدينةِ دارُهُ * فإنّي وَقَيّاراً بِها لَغَرِيبُ

وأما قوله {بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ} فانتصب {الْعِجْلَ} لانه مفعول به، تقول: "عجبت من ضربِكَ زيداً". وقوله {بَارِئِكُمْ} مهموز لانه من [42ب] "برأ اللهُ الخلقَ" "يَبْرأُ" "بَرْءاً". وقد قرأ بعضهم هذه الهمزة بالتخفيف فجعلها بين الهمزة وبين الياء. وقد زعم قوم انها تجزم ولا أرى ذلك الا غلطا منهم، سمعوا التخفيف فظنوا انه مجزوم والتخفيف لا يفهم الا بمشافهة* ولا يعرف في الكتاب. ولا يجوز الاسكان، الا ان يكون اسكن وجعلها نحو "عَلْمَ" و"قَدْ ضُرْبَ" و"قَدْ سَمْعَ" ونحو ذلك. سمعت من العرب من يقول: {جَآءَتْ رُسُلْنا} جزم اللام وذلك لكثرة الحركة قال الشاعر: [من السريع وهو الشاهد الثاني والسبعون] : وأنتِ لو باكرتِ مَشْمولَةً * صهباءَ مثلَ الفَرَسِ الأشْقَرِ رُحْتِ وفي رجلَيكِ ما فيهما * وقد بَداهَنْكِ من المِئزِرِ وقال امرؤ القيس [من السريع وهو الشاهد الثالث والسبعون] : فاليومَ أشربْ غيرَ مُستحقبٍ * إِثماً من اللهِ ولا واغِلِ وقال آخر: [من الرجز وهو الشاهد الرابع والسبعون] : * إنَّ بَنِي ثَمَرَةْ فُؤادي * وقال آخر: [من الرجز وهو الشاهد الخامس والسبعون] : يا عَلْقَمة يا عَلْقَمة يا علقمة * خيرَ تميمٍ كلِّها وأَكرمَهْ وقال: [من الرجز وهو الشاهد السادس والسبعون] : إذا اعوججْنَ صاحبْ قَوِّمِ * بالدَّوِّ أمثالَ السفينِ العُوَّمِ ويكون "رُسُلْنا" على الادغام، يدغم اللام في النون ويجعل فيها غنة. [43ء] والاسكان في {بارئْكُم} على البدل لغة الذين قالوا: "أَخْطَيْت" وهذا لا يعرف. {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} باب اسم الفاعل. قال {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} فأضاف قوله {مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} ولم يقع الفعل. وانما يضاف اذا كان قد وقع الفعل تقول: "هم ضاربوا ابيك" اذا كانوا قد ضربوه. واذا كانوا في حال الضرب او لم يضربوا قلت: "هم ضاربون أخاك" الا ان العرب قد تستثقل النون فتحذفها في معنى اثباتها وهو نحو {مُّلاَقُو رَبِّهِمْ} مثل {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ} ولم تذق بعد. وقد قال بعضهم: {ذائقةٌ الموتَ} على ما فسرت لك. وقال الله جل ثناؤه {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ} وهذا قبل الارسال ولكن حذفت النون استثقالا. وقال {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ} فأثبت التنوين لانه كان في الحال. وقال {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً} على ذلك ايضاً. وزعموا [38ب] ان هذا البيت ينشد هكذا: [من البسيط وهو الشاهد الثاني والستون] : هل أنتَ باعثُ دينارٍ لحاجَتِنا * او عبد ربٍّ أخا عمرو بنِ مِخْراقِ

فأضاف ولم يقع الفعل ونصب الثاني على المعنى لان الأول فيه نية التنوين، كقول الله جل وعزّ {وَجَعَلَ الْلَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً} ولو جررت "الشمس" و"القمر" و"عبد رب اخا عمرو" على ما جررت عليه الأول جاز وكان جيدا. وقال {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ} فالنصب وجه الكلام لأنَّك لا تجرى الظاهر على المضمر، والكاف في موضع جرّ لذهاب النون. وذلك لان هذا اذا سقط على اسم مضمر ذهب منه التنوين والنون ان كان في الحال وان لم يفعل، تقول: "هو ضاربُك الساعةَ أو غداً" و"هم ضاربوك". واذا أدخلت الالف واللام قلت: "هو الضارب زيداً" ولا يكون ان تجرّ زيداً لأن التنوين كأنه باق في "الضارب" اذا كان فيه الالف واللام، لأن الالف واللام تعاقبان التنوين. وتقول: "هما الضاربانِ زيداً" و"هما الضاربا زيدٍ" لأن الألف واللام لا تعاقبان التنوين في الاثنين والجمع. فاذا أخرجت النون من الاثنين والجمع من اسماء الفاعلين [39ء] أضفت وان كان فيه الالف واللام، لأن النون تعاقب الاضافة وطرح النون ها هنا كطرح النون في قولك: "هما ضاربا زيد" ولم يفعلا، لأن الأصل في قولك: "الضاربان" اثبات النون لأن معناه واعماله مثل معنى "الذي فعل" واعماله. قال الشاعر: "من المنسرح وهو الشاهد الثالث والستون] : الحافظو عورةِ العشيرِ لا * يأتيُهمُ من ورائِنا نطف

وفي كتاب الله {وَالْمُقِيمِي الصَّلاَةِ} وقد نصب بعضهم فقال {وَالْمُقِيمِي الصَّلاةَ} و"الحافظو* عورةَ" استثقالاً للاضافة كما حذفت نون "اللَذينِ" و "الذينَ". قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الرابع والستون] : أَبَنِي كُلَيْبٍ إنَّ عَمَّيَّ اللَذا * قَتَلا المُلوكَ وَفَكَّكا الأغْلالا وقال: {من الطويل وهو الشاهد الخامس والستون] : فإنّ الذي حانَتْ بفَلْجٍ دماؤُهم * همُ القومُ كلُّ القومِ يا أُمَّ خالد فالقى النون. وزعموا أن عيسى بنَ عمر كان يجيز: [من المتقارب وهو الشاهد السادس والستون] فألفيتُهُ غيرَ مُستَعْتِبٍ * ولا ذاكِرَ اللهَ الاّ قليلا كأنه انما طرح التنوين لغير معاقبة اضافة وهو قبيح الا في كل ما كان معناه "اللذين" و "الذين" فحينئذ يطرح منه ما طرح من ذلك. ولو جاز هذا البيت لقلت: "هم ضاربو زيدا" وهذا لا يحسن. وزعموا أن بعض [39ب] العرب

قال {وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ} وهو أبو السَمّال وكان فصيحا. وقد قرىء هذا الحرف {إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو الْعَذَابَ الأَلِيمِ} وهو في البيت أمثل لانه اسقط التنوين لاجتماع الساكنين. واذا ألحَقْتَ النونَ نصبت لان الاضافة قد ذهبت، قال {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [و] وقال {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً} قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع والستون] النازلونَ بكلِّ معتَرَكِ * والطيبونُ معاقدَ الأُزْرِ {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ} باب اضافة الزمان الى الفعل. قال {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} فنون اليوم لانه جعل "فيه" مضمرا، وجعله من صفة اليوم كأنه

قال "يوماً لا تَجْزِى نفسٌ عن نفسٍ فيه شيئاً". وانما جاز إضمار "فيه" كما جاز اضافته الى الفعل تقول: "هذا يومُ يفعل زيد". وليس من الأسماء شيء يضاف الى الفعل غير اسماء الزمان، وذلك جاز اضمار "فيه". وقال قوم: "إنَّما أضمر الهاء اراد "لا تَجْزِيهِ" وجعل هذه الهاء اسما لليوم مفعولا، كما تقول: "رأيتُ رجلاً يحبُّ زيدٌ" تريد: "يحبُّه زيد". وهو في الكلام يكون مضافا، تقول: "اذكر يومَ لا ينفعُكَ شيء" أي: "يومَ لا منفعة" [40ء] وذلك أن اسماء الحين قد تضاف الى لفعل قال {هذايَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} أي "يومُ لا نطقَ"، وقد يجوز فيه "هذا يومُ لا ينطِقون" اذا أضمرت "فيهِ" وجعلته من صفة "يوم" لأنّ يوما نكرة وقد جعلت الفعل لشيء من سببه وقدمت الفعل. فالفعل يكون كله من صفة النكرة كأنك أجريته على اليوم صفة له اذا كان ساقطا على سببه، وقد قال بعضهم {هذايَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} وكذلك {هذايَوْمُ الْفَصْلِ} وكل ما أشبه هذا فهو مثله. ولا يضاف الى الفعل شيء الا الحين، الا انهم قد قالوا [من الوافر وهو الشاهد الثامن والستون] : بآيةِ تقدِمون الخيلَ زُورا * كأنَّ على سنابِكِها مُداما [وقالوا] [من الوافر وهو الشاهد التاسع والستون] :

أَلا من مُبْلِغٌ عَنّي تَميماً * بآيةِ ما تُحِبّونَ الطَّعاما فأضاف "آية" الى الفعل. وقالوا: "إذهبْ بذي تَسْلَم" و"بذي تَسْلَمان" فقوله: "ذي" مضاف الى "تسلم" كأنه قال: "اذهبْ بِذِي سلامَتِكَ" وليس يضاف الى الفعل غير هذا. ولو قلت في الكلام: "واتقوا يومَ لا تَجزى نفسٌ فيهِ" فلم تنون اليوم جاز، كأنك أضفت وأنت لا تريد ان تجيء بـ"فيهِ" ثم بدالك بعد فجئت به، كما تقول: "اليومَ آتيكَ فيه" فنصبت "اليوم" لانك جئت بـ"فيه" بعد ما أوجبت النصب [40ب] وقال قوم: "لا يجوز اضمار "فيه". الا ترى انك لا تقول: "هذا رجلٌ قصدتُ" وأنت تريد "إليه" ولا "رأيتُ رجلاً أرغَبُ" وأنت تريد "فيهِ" والفرقُ بينَهما أن اسماء الزمان يكون فيها ما لا يكون في غيرها، وان شئت حملتها* على المفعول في السَعَةَ كأنك قلت: "واتقوا يوما لا تجزيه نفسٌ" ثم القيت الهاء كما تقول: "رأيتُ رجلاً أُحِبُّ" وأنت تريد "أحبه". باب من التأنيث والتذكير. اما قوله {تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً}

فهو مثل قولك: "لا تَجْزِي عنك شاة" و"يجزى عنك درهم" و "جَزى عنك درهمٌ" و"وجَزَتْ عنك شاةٌ". فهذه لغة أهل الحجاز لا يهمزون. وبنو تميم يقولون في هذا المعنى: "أَجْزَأَتْ عنهُ وتُجزِىءُ عنه شاة" وقوله "شيئا" كأنه قال: "لا تُجْزِىءُ الشاةُ مُجْزى ولا تُغْنِي غَناءٌ". وقوله {عَن نَّفْسٍ} يقول: "مِنْها" أي: لا تكون مكانها. وأما قوله {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} فانما ذكر الاسم المؤنث لان كل مؤنث فرقت بينه وبين فعله حسن أن تذكر فعله، إلاّ أَنَّ ذلك يقبح في الانس وما أشبههم مما يعقل. لأنَّ الذي يعقل أشد استحقاقا للفعل. وذلك ان هذا انما يؤنث ويذكر ليفصل بين [41ء] معنيين. والموات كـ"الارض" و "الجدار" ليس بينهما معنى كنحو ما بين الرجل والمرأة. فكل ما لا يعقل يشبه بالموات، وما يعقل يشبه بالمرأة والرجل نحو قوله {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} لما أطاعوا صاروا كمن يعقل، قال {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} فذكر الفعل حين فرّق بينه وبين الاسم، وقال {لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ} وتقرأ {تُؤْخَذُ} . وقد يقال أيضاً ذاك في الانس، زعموا أنهم يقولون "حَضَر القاضيَ امرأةٌ". فأما فعل الجميع فقد يذكّر ويؤنث لأن تأنيث الجميع ليس بتأنيث الفصل الا ترى أنك تؤنث جماعة المذكرّ فتقول: "هِيَ الرَِّجالُ" و"هِيَ القومُ"، وتسمي رجلا بـ"بعال" فتصرفه لان هذا تأنيثٌ مثلُ التذكير، وليس بفصل.

ولو سميته بـ"عَناقِ" لم تصرفه، لان هذا تأنيث لا يكون للذكر، وهو فصل مابين المذكر والمؤنث تقول: "ذهب الرجل" و"ذهبت المرأة" فتفصل بينهما. وتقول: "ذهب النساء" و"ذهبت النساء" و"ذهب الرجال" و"ذهبت الرجال". وفي كتاب الله: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} و {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} . قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السبعون] : [41ب] فما تركتْ قومي لقومِكَ حَيَّةً * تَقَلَّبُ في بَحْرٍ ولا بَلَدٍ قَفْرِ وقال {جَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [و] {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} . [و] قال الشاعر اشد من ذا وقد أخر الفعل، قال: [من المتقارب وهو الشاهد الثاني والثلاثون] : فإمَّا تَرَيْ لِمَّتِى بُدِّلَّتْ * فإنَّ الحوادِثَ أَوْداى بها اراد "أودتْ بها" مثل فعل المرأة الواحدة يجوز ان يذكر [فـ] ذكر هذا. وهذا التذكير في الموات اقبح وهو في الانس أحسن، وذلك ان كل جماعة من غير الانس فهي مؤنثة تقول: "هي الحمير" ولا تقول "هم". الا انهم قد قالوا: "أولئك الحمير"، وذلك أن "أولئك" قد تكون للمؤنث والمذكر تقول: "رأيت اولئك النساء". قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الحادي والسبعون] :

ذُمّى المنازِلُ بعدَ منزِلةِ اللِّوى * والعيشَ بعدَ أولئكِ الأيَّامِ المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} أما قوله {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} و {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [50] وامكنة كثيرة، فانما هي على ما قبلها، انما يقول: "إذكرُوا نعمتي" و"اذكُروا إذ نَجَّيْناكُم" و"اذكروا إذْ فَرَقْنا بكُم البَحْرَ" و"اذكرُوا إذْ قُلتُم يا مُوسى لَنْ نَصْبِر" وقال بعضهم "فرّقنا". باب أَهْل وآل. وقوله {مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} وقد قال {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} فانما حدث عما كانوا يلقون منهم. و {يَسُومُونَكُمْ} في موضع رفع وان شئت جعلته في موضع نصب على الحال كأنه يقول "واذ نَجَّيْناكُم من آلِ فرعَون سائِمين لكم" والرفع على الابتداء. واما "آلُ" فانها تحسن اذا أضيفت الى اسم خاص نحو: "أتيتُ آل زيد" و"أهل زيد"] *، و"أهل مكةَ" و"آلَ مكةَ" و"أهلَ المدينةِ" و"آلَ المدينةِ". ولو قلت: "أتيتُ آل الرجلِ" و"آل المرأةِ" لم يحسن، ولكن: "أتيتَ آلَ اللهِ" وهُم زعموا أهلُ مكة. وليس "آلُ" بالكثير في اسماء الارضين وقد سمعنا من يقول ذلك، وانما هي همزة أبدلت مكان الهاء مثل "هَيْهاتَ" و "أَيْهَاتَ". {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ} يقول فرقنا بين الماءين حين مررتم فيه. {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ} قال {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} اي: واعدناه انقضاءَ اربعين ليلة، أي: رأسَ الأربعين، كما قال

{وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} [42ء] وهذا مثل قولهم "اليومَ أربعونَ يوماً منذُ خرجَ" و"اليومَ يومانِ" أي: "اليومَ تمامُ الأربعين" و"تمامُ يَوْمَيْن". المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ}

باب الفعل. أما قوله {حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} فيقول: "جِهاراً" أي: "عِيانا يكشف ما بيننا وبينه" كما تقول: "جَهِرَتْ الرَكِيَّةُ" اذ كان ماؤها قد غطاه الطين فنفّي ذلك حتى يظهرَ الماء [و] يصفو. {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا ولكن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أما قوله {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} فـ"الغَمامُ" واحدتُه "غَمامةٌ" مثل "السَّحابِ" واحدتُه "سَحابة". وأما "السَّلْوَى" فهو طائر لم يسمع له بواحد، وهو شبيه أن يكون واحده "سَلْوى" مثل جماعته، كما قالوا: "دِفْلَى" للواحد والجماعة، و"سُلامَى" للواحد والجماعة. وقد قالوا "سُلامَيات". وقالوا "حُبَارَى" للواحد، وقالوا للجماعة: "حُبارَيَات"، وقال بعضُهم للجماعة "حُبَارى". قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع والسبعون] : وأَشلاءُ لَحْمٍ من حُبارَى يصيدُها * إذا نَحْنُ شِئْنا صاحبٌ مُتَأَلَّفُ

وقالوا: "شُكَاعَى" للواحد والجماعة، وقال بعضهم للواحد: "شُكاعاة". {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَاذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} قوله {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} اي: "قولوا": "لتكن منك حِطَّةٌِ لذُنُوبِنا" كما تقول للرجل: "سَمْعُكَ إلَيَّ". كأنهم قيل لهم: "قُولُوا: "يا رب لتَكُن [43ب] مِنْكَ حِطَّةٌِ لِذُنوبِنا". وقد قرئت نصبا على انه بدل من اللفظ بالفعل. وكلُ ما كان بدلا من اللفظ بالفعل فهو نصب بذلك الفعل، كأنه قال: "أحْطُطْ عَنَّا حِطَّةً" فصارت بدلا من "حُطَّ" وهو شبيه بقولهم: "سَمْعٌ وطاعةٌ"، فمنهم من يقول: "سَمْعاً وطاعةَ" اذا جعله بدل: "أَسْمَعُ سمعا وأَطيعُ طاعَةً". واذا رفع فكأنه قال: أمْرِي سَمْعٌ وطاعَةٌ". قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثامن والسبعون] : اناخوا بأَيدي عُصْبَةٍ وسُيوفُهم * على أُمَّهاتِ الهامِ ضَرْباً شَآمِيا وقال الآخَر: [من الوافر وهو الشاهد التاسع والسبعون] : تَرَكْنا الخيلَ وَهْيَ عليهِ نَوْحاً * مُقَلَّدَةً أعِنَّتَها صُفُونا

وقال بعضهم: "وَهْيَ عَلَيْهِ نَوْحٌ" جعلها في التشبيه هي النوح لكثرة ما كان ذلك منها كما تقول: "إنَّما أنتَ شَرٌّ" و"إنَّما هُوَ حِمارٌ" في الشبه، او تجعل الرفع كأنه قال: "وهْيَ عَلَيْهِ صاحِبَةُ نَوْحٍ"، فألقى الصاحبة وأقام النوح مُقامَها. ومثل ذلك قول الخنساء. [من البسيط وهو الشاهد الثمانون] : تَرْتَعُ ما رَتَعَتْ حتَّى إذا ذَكَرَتْ * فَإنَّما هِيَ إقْبالٌ وإدْبارُ ومثله {قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} كأنهم قالوا: "مَوعَظتُنا إِياهُمْ مَعْذِرَةٌ" وقد نصب على: "نَعْتَذِرُ مَعْذِرَةً" وقال {فَأَوْلَى لَهُمْ} {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} [44ء] على قوله {إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} {فَأَوْلَى لَهُمْ} {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} جعل الطاعة مبتدأ فقال {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} خير من هذا، او جعل الطاعة مبتدأ فقال "طاعةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوف خيرٌ من هذا". وزَعم يونس انه قيل لهم "قُولوا حِطَةٌ" أي: تكلموا بهذا الكلام. كأنه فُرِضَ عليهم أَنْ يقولوا هذه الكلمة مرفوعة.

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} قال {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَآءِ} وقال {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} وقال بعضهم {والرِجْزَ} *. وذكروا أن "الرُجْزَ": صنم كانوا يعبدونه فأما "الرِجْزَ" فهو: "الرِجْسُ. [والرِجْسُ: النَجَس] وقال {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} و"النَجَسُ": القَذَر. {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} قال {فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} يكسر الشين بنو تميم، وأما أهل الحجاز فيسكنون {اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} . وقوله {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} . من "عَثِيَ"* "يَعْثَى" وقال بعضهم: "يَعْثُو" من "عَثَوْتُ" فـ"أَنَا أَعْثُو" مثل: "غَزَوْتُ" فـ"أنَا أَغْزُو".

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلك بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} باب زيادة "مِنُ". أما قوله {يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا} فدخلت فيه (مِنْ) كنحو ما تقول في الكلام: "أهلْ البَصْرة يأكلون من البُرِّ والشَعير" وتقول: "ذهبتُ فَأصَبْتُ من الطَّعام" تريد "شَيْئا" ولم تذكر الشيء. وكذلك {يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ} شيئا، ولم يذكر الشيء وان شئت [44ب] جعلته على قولك: "ما رأيت مِنْ أَحَدٍ" تريد: "ما رأيتُ أحَداً" و"هلْ جاءك مِنْ رَجْلٍ" تريد هل جاءك رَجُلٌ. فان قلت: "انما يكون هذا في النفي والاستفهام" فقد جاء في غير ذلك، قال {وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} فهذا ليس باستفهام ولا نفي. وتقول: "زيدْ مِنْ أَفْضَلِها" تريد: هو أفضلها، وتقول العرب: "قد كانَ مِنْ حَدِيثٍ فَخَلِّ عَنّي حتّى أذهب" يريدون: قَدْ كانَ حَديثٌ. ونظيره قولهم: "هَلْ لَكَ في كذا وكَذا" ولا يقولون: "حاجَةُ، و: لا عَلَيْكَ" يريدون: لا بَأَسَ عَلَيْكَ*. وأما قوله {اهْبِطُواْ مِصْراً} وقال {ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللَّهُ} فزعم بعض الناس انه يعني فيهما جميعا "مِصْر" بعينها، ولكن ما كان من اسم مؤنث على هذا النحو "

هِنْد" و"جُمْل" فمن العرب من يصرفه ومنهم من لا يصرفه. وقال بعضهم: "أما التي في "يوسف" فيعني بها "مِصْرَ" بعينها، والتي في "البقرة" يعني بها مِصْراً من الأمصار. وأما قوله {وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ} يقول: "رَجَعُوا بِهِ" اي صار عليهم، وتقول "باء بِذَنْبِهِ يَبُوءُ بَوْءاً". وقال {إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} مثله. باب من تفسير الهمز. أما قوله {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [و] {وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَآءَ} كل ذلك [45ء] جماعة العرب تقوله. ومنهم من يقول {النُّبَاءَ} أولئك الذين يهمزون "النَبِىء" فيجعلونه مثل "عَريف" و"عُرَفاء". والذين لم يهمزوه جعلوه مثل بنات الياء فصار مثل "وَصِيّ" و"أَوْصِياء" ويقولون ايضاً: "هُمْ وَصِيُّونَ". وذلك ان العرب تحوّل الشيء

من الهمزة حتى يصير كبنات الياء، يجتمعون على ترك همزة نحو "المِنْسأَةِ" ولا يكاد أحد يهمزها الا في القرآن فان اكثرهم قرأها بالهمز وبها نقرأ، وهي من "نَسَأْتُ". وجاء ما كان من "رَأَيْتُ" على"يَفْعَلُ" أو"تَفْعَلُ" أو"نَفْعَلُ" أو"أَفْعَلُ" غير مهموز، وذلك ان الحرف الذي كان قبل الهمزة ساكن، فحذفت الهمزة وحرك الحرف الذي قبلها بحركتها كما تقول: "مَنَ ابوك". قال {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} وقال {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} وقال {إِنَّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ} وقال {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} . واما قوله {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} و {أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى} وما كان من "أَرَأَيْتَ" في هذا المعنى ففيه لغتان، منهم من يهمز ومنهم من يقول "أَريْتَ". وانما يفعل هذا في "أَرَأَيْتَ" هذه التي وضعت للاستفهام لكثرتها. فأما "أَرأَيْتَ زَيْداً" اذا أردت "أَبْصَرْتَ زَيَداً" فلا يتكلم بها إلاّ مهموزة [45ب] أو مخففة. ولا يكاد يقال "أَرَيْتَ" لأَنَّ تلك كثرت في الكلام فحذفت كما حذفت في " [أَمَانَّه] ظريف" يريدون: "أَما إِنَّه ظَريفٌ" [ف] يحذفون ويقولون أيضاً "لَهِنَّكَ لَظَريفٌ" يريدون: " [لـ] إنَّكَ لَظَريفٌ". ولكن الهمزة حذفت كما حذفوا في قولهم:

[من البسيط وهو الشاهد الحادي والثمانون] : لاهِ ابنُ عَمِّكَ لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍ * عَنّي وَلا أَنَتَ دَيّاني فَتَخْزُوني وقال الشاعر "من الكامل وهو الشاهد الثاني والثمانون] : أَرأيْتَ إنْ أَهْلَكْتُ مالِيَ كُلَّهُ * وَتَرَكْتُ مَا لَكَ فيمَ أَنْتَ تَلُومُ [فَهَمَز] وقال الآخر: [من المتقارب وهو الشاهد الثالث والثمانون] : ارَيْتَ امْرَءاً كنتُ لَمْ أَبْلُهُ * أَتَانِيْ وَقالَ اتَّخِذْنِي خَلِيلا فلم يهمز. وقال [من الكامل وهو الشاهد الرابع والثمانون] : يا خاتَِمَ النُّبَاءِ إِنَّكَ مُرْسَلٌ * بِالحَقِّ كُلُّ هُدَى السَّبيلِ هُداكا واما قوله {بِمَا عَصَوْا} [فـ] جعله اسما هنا كالعصيان يريد: بعصيانهم، فجعل "ما" و"عَصَوْا" اسما. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَآءَاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} قوله {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} فهذا على الكلام الأول. يقول: "اذُكروا اذ أَخَذْنا ميثاقَكُم وَرَفَعَنا

فَوقَكُم الطورَ خُذُوا" يقول: "فَقلنا لَكُم": "خُذُوا". كما تقول: "أَوْحَيتُ إليْهِ: قُمْ" كأنه يقول: "أَوْحَيْتُ إلَيْهِ فقلتُ له: "قُمْ "وكان في قولك [46] : "أَوْحَيْتُ إلَيْهِ" دليل على أَنَّكَ قد قلت له. {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} أما قوله {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} يقول: "ولَقَد عَرَفْتُمْ" كما تقول: "لقد علِمت زَيْداً وَلَمْ أَكُنْ أَعلَمُه". وقال {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} يقول: "يَعْرِفُهُم". وقال {لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} أي: لا تَعْرِفُهم نَحْنُ نَعْرِفهُم. واذا أردت العلم الآخر قلت: "قَدْ عَلِمْتُ زَيْداً ظريفاً" لانك تحدث عن ظرفه. فلو قلت: "قدْ عَلِمْتُ زَيْداً" لم يكن كلاما. وأما قوله {كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} فلانك تقول: "خَسَأْتُهُ" "فَخَسِىءَ" "يَخْسَأُ خَسْأً شديدا" فـ"هُوَ خَاسِىءٌ" و"هُمْ خاسِئُون". {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} أما قوله {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً} فتكون على القردة، وتكون على العقوبة التي نزلت بهم فلذلك أُنّثَت.

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} أما قوله {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} فمن العرب والقراء من يثقله، ومنهم من يخففه وزعم عيسى بن عمر أنّ كلَ اسمٍ على ثلاثة أحرف أَوَّلُهُ مَضْموم فمن العرب من من يثقله ومنهم من يخففه نحو: "اليُسُر" [و "اليُسْر"] ، و"العُسُر" [و"العُسْر"] ، و"الرُحُم" [و "الرُحْم"] . وقال بعضهم {عُذْراً} خفيفة {أونُذُراً} مثقلة، وهي كثيرة وبها نقرأ. وهذه اللغة التي ذكرها عيسى بن عمر تحرك أيضاً ثانية بالضم. {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ} أما قوله {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ [46ب] وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ} فارتفع ولم يصر نصبا كما ينتصب النفي لان هذه صفة في المعنى للبقرة. والنفي المنصوب لا يكون صفة من صفتها، انما هو اسم متبدأ وخبره

مضمر, وهذا مثل قولك: "عبدُ اللهُ لا قائمٌ ولا قاعدٌ" أدخلت "لا" للمعنى وتركت الاعراب على حاله لو لم يكن فيه "لا". {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} أماقوله {بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ} فـ"الفاقِعُ": الشديد الصفرة. ويقال: "أَبْيضُ يَقَقٌ": أي: شديدُ البياض، و "لِهاقٌ" و"لَهَقٌ" و"لَهاقٌ"، و"أَخَضَرُ ناضِرٌ" و"أَحْمَرُ قانِىءٌ" و"ناصِعٌ" و"فاقِمٌ". ويقال: "قَدْ قَنَأَتْ لِحْيَتُهُ" فَـ"هي "تَقْنَأُ قُنُوءا" أي: احمّرت. قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الخامس والثمانون] : ............. * كَما قَنَأَتْ أَنامِلُ صاحِبِ الكَرْمِ و"قاطِفُ الكَرْمِ". وقال آخر: [من الكامل وهو الشاهد السادس والثمانون] : مِنْ خَمِرّ ذي نَطَفٍ أَغَنَّ كَأنَّما * قَنَأَتْ أَنامِلُهُ مِن الفِرْصادِ المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} أما قوله {إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [فـ] جعل "البَقَر" مذكرا مثل "التَمْر" و"البُسْر" كما تقول: "إنَّ زيداً

تَكَلَم يا فَتَى" وان شئت قلت (يَشّابهُ) وهي قراءة مجاهد. ذكّر "البقر" يريد {يَتَشابَهُ} ثم أدغم التاء في الشين. ومن أَنَّث البقَر" قال {تَشّابَهُ} فادغم، وان شاء حذف التاء الاخرة ورفع كما تقول [47ء] "إنَّ هذِهِ تَكَلَّمُ يا فَتِى" لانها في "تَتَشابَهُ" احداهما تاء "تَفْعَلُ" والاخرى التي في "تَشابَهَتْ" فهو في التأنيث معناه "تَفْعَلُ". وفي التذكير معناه "فَعَلَ" و "فَعَلَ" أبدا مفتوح كما ذكرت لك والتاء محذوفة اذا أردت التأنيث لانك تريد "تَشابَهَتْ" فـ" هي "تَتشابهُ" وكذلك كل [ما كان] من نحو "البَقَرِ" ليس بين الواحد والجماعة [فيه] الا الهاء، فمن العرب من يذكره ومنهم من يؤنثه، ومنهم من يقول: "هي البُرُّ والشعير" وقال: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} فأنث على تلك اللغة وقال "باسقات" فجمع لان المعنى جماعة. وقال الله جل ثناؤه {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} فذكر في لغة من يذكر وقال {وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} فجمع على المعنى لان المعنى معنى سحابات. وقال {وَمِنْهُمْ مَّن يَنْظُرُ إِلَيْكَ} وقال {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} على المعنى واللفظ. وقد قال بعضهم:

{إنَّ الباقِرُ} مثل "الجامِل" يعني "البَقَرَ" و"الجِمالَ" قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع والثمانون] : مالِي رأيتُكَ بعد أَهْلِكَ مُوحِشا * خَلِقاً كَحَوْضِ الباقِرِ المُتَهَدِّمِ وقال: [من الطويل وهو الشاهد الثامن والثمانون] [فَإِنْ تَكُ ذا شاءٍ كَثِيرٍ فإنَّهُمْ] * ذَوُو جامِلٍ لا يَهْدَأُ اللَّيْلَ سامِرُهُ وأما قوله {إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ} [47ب] {مُسَلَّمَةٌ} [71] "مسلمة" على "إنَّها بَقَرَةٌ مُسَلَّمةٌ". {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} {لاَّ شِيَةَ فِيهَا} يقول: "لا وَشْيَ فيها" من "وَشَيْتُ شِيَةً" كما تقول: "وَدَيْتُه دِيَةً" و"وَعَدْتُهُ عِدَةً". واذا استأنفت (ألآن) قطعت الألفين جميعا لأن الألِفَ الأولى مثل ألف "الرَّجل" وتلْك تُقطع إذا استُؤنفت، والأُخرى همزة ثابتة تقول "ألآن" فتقطع ألف الوصل، ومنهم من يذهبها ويثبت الواو التي

في (قَالُوا) لأنَّه إنَّما كان يذهبها لسكون اللام، واللام قد تحرّكت لأنَّه قد حوّل عليها حركة الهمزة. {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} أما قوله {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} فانما هي "فَتَدارَأْتُم" ولكن التاء تدغم احياناً كذا في الدال لان مخرجها من مخرجها. فلما أدغمت فيها حوّلت فجعلت دالا مثلها، وسكنّت فجعلوا الفاً قبلها حتى يصلوا الى الكلام بها كما قالوا: "اضرْب" فألحقوا الالف حين سكنت الضاد. الا ترى انك اذا استأنفت قلت "ادّارأتم" ومثلها {يَذَّكَّرُونَ} و {تَذَّكَّرُونَ} [و] {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ الْقَوْلَ} ومثله في القرآن كثير. وانما هو "يَتدَبَّرون" فأدغمت التاء في الدال لأن التاء قريبة المخرج من الدال، مخرج الدال بطرف اللسان وأطراف الثنيتين ومخرج التاء بطرف اللسان وأصول الثنيتين. فكل ما قرب مخرجه فافعل به هذا [48ء] ولا تقل في "يَتَنَزَّلون": "يَنّزَّلون" لان النون ليست من حروف الثنايا كالتاء.

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذلك فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} قال {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} وليس قوله: {أَوْ أَشَدُّ} كقولك: "هُوَ زيدٌ أو عمرو" إنّما هذه {أَوْ} التي في معنى الواو، نحو قولك: "نَحْنُ نأكُل البُرَّ أَوْ الشَعير أو الأُرُزَّ، كلَّ هذا نَأْكُلُ" فـ {أَشَدُّ} ترفع على خبر المبتدأ. وانما هو "وهي أشدُّ قَسْوَةً" وقال بعضهم {فَهْيَ كالحِجارَةِ} فأسكن الهاء وبعضهم يكسرها. وذلك ان لغة العرب في "هيَ" و"هَو" ولام الأمر اذا كان قبلهن واو أو فاء أسكنوا أوائلهن. ومنهم من يدعها. قال {وَهُوَ اللَّهُ لا اله إِلاَّ هُوَ} [و] قال {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . [و] قال {وَلْيتوبوا} وقف وكسر. وقال {فَلْيَعْبُدُواْ} . وقف وكسر.

باب إِنَّ وأَنَّ. قال {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ} فهذه اللاّم لام التوكيد وهي منصوبة تقع على الاسم الذي تقع عليه "إنَّ" اذا كان بينها وبين "إِنَّ" حشو نحو هذا. [و] هو مثل: "إنَّ في الدارِ لَزَيْداً". وتقع أيضاً في خبر "إنَّ" وتصرف "إِنَّ" الى الابتداء، تقول: "أَشْهَدُ إنَّهُ لَظَريفٌ "قال الله عزَّ وجلِ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ [48ب] لَكَاذِبُونَ} وقال {أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ [9] وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [10] إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} وهذا لو لم تكن فيه اللام كان "أَنَّ رَبَّهُمْ" لان "أنَّ" الثقيلة اذا كانت هي وما عملت فيه بمنزلة "ذاكَ" أوْ بمنزلة اسم فهي أبدا "أَنَّ" مفتوحة. وإنْ لم يحسن مكانها وما عملت فيه اسم فهي "إنَّ" على الابتداء. ألا ترى إلى قوله {اذْكُرُواْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} يقول: "اذْكُرُوا هذا" وقال {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ} لانه يحسن في مكانه "لولا ذاكَ" وكل ما حسن فيه "ذاك" أنْ تجعله مكان "أنَّ" وما عملت فيه فهو "أَنَّ". واذا قلت {يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} لم يحسن أَنْ تقول: "يَعْلَم لَذالِكَ". فان قلت: "اِطْرح اللام أَيضاً وقل "يُعْلَمُ ذَاكَ" فاللام ليست مما عملت فيه "إِنّ". واما قوله {إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} فلم تنكسر هذه من اجل اللام [و] لو لم تكن فيها لكانت "إنَّ" أيْضاً لأَنَّهُ لا يحسن أَنْ تقول "ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إلاّ ذَاكَ" و"ذاكَ" هو القصة. قال الشاعر: [من المنسرح وهو الشاهد التاسع والثمانون] :

ما أَعْطيانِي وَلا سَألْتُهُما * إلاّ وإني لَحاجِزِي كَرَمي فلو أُلْقِيَتْ من هذه اللامَ ايضاً لكانت "أَن". وقال {ذالِكُمْ فَذُوقُوهُ [49ء] وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} كأنه قال: "ذاكَ الأمْر" وهذا قوله {وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} تقع في مكانه "هذا". وقال {ذالِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} كأنه على جواب من قال: "ما الأَمْرُ"؟ أو نحو ذلك فيقول للذين يسألون: "ذلك م ... " كأنه قال: "ذلِكُمْ الأمرُ وأَنَّ اللهَ موهنُ كيدِ الكافرين" فحسن أن يقول: "ذلك م" و"هذا". وتضمر الخبر او تجعله خبر مضمر. وقال {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى} {وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى} لانه يجوز ان تقول: "إنَّ لَكَ ذاكَ" و"هذا" وهذه الثلاثة الأحرفُ يجوز فيها كسر "إِنَّ" على الابتداء. {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ. . أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ} فيجوز أن تقول: "فنادته الملائكة بِذاكَ" وان شئت رفعته على الحكاية كأنه يقول: "فنادَتْهُ الملائكةُ فَقالَتْ: "إِنَّ اللهُ يُبَشِّرُكَ" لأنَّ كُلَّ شيء بعدَ القولِ حكاية، تقول: "قُلْتُ: "عبدُ اللهِ مُنْطَلِقٌ"

وقلت: "إنَّ عبدَ اللهِ زيداً مُنْطَلِقٌ" إلاَّ في لُغَةِ من أعمل القول من العرب كعمل الظن فذاك ينبغي [له] أنْ يفتح "أَنَّ". وقال {إِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} فيزعمون أنَّ هذا "ولأنَّ هذهِ أمَّتَكُم أُمَّةٌ واحدةٌ وَأَنَا رَبُّكُّمْ فَاتَّقُونِ" يقول: "فَاتَّقُون لأَنَّ هذِهِ أُمَّتَكُمْ" [49ب] وهذا يحسن فيه كذاك، فان قلت: "كيف تلحق اللام ولم تكن في الكلام". فان طرح اللام واشباهها من حروف الجرّ من "أَنَّ" حسن ألا تراه يقول "أَشْهد أَنَّك صادِقٌ" وإنَّما هو "أشهد على ذلك ". وقال {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً} يقول: "فلا تدعوا مع الله أحدا لأَنَّ المساجدَ لله"، وفي هذا الاعراب ضعف، لانه عمل فيه ما بعده، أضافه اليه بحرف الجر. ولو قلت "أنّكَ صالِحٌ بَلَغَنِي" لم يجز، وان جاز في ذلك. لأنَّ حرف الجر لما تقدم ضميره قوي. وقد قرىء مكسورا. قال بعضهم: "إنَّما هذا على {أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} و"أُوحِيَ إليََّ أَنَّ المَساجِدَ لِلّهِ" و"أُوْحِي إليَّ أَنهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ". وقد قرىء {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} ففتح كل "أَنْ" يجوز فيه على الوحي. وقال بعضهم {وَإِنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا} فكسروها من قول الجن.

فلما صار بعد القول صار حكاية وكذاك ما بعده مما هو من كلام الجن. وأما "إنَّما" فاذا حسن مكانها "أَنَّ" فتحتها، واذا لم تحسن كَسَرْتَها. قال {إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ الهكُمْ اله وَاحِدٌ} فالاخرة يحسن مكانها "أَنَّ" فتقول: "يُوحى إليَّ أَنَّ إلهَكُم إلهٌ واحد" قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد التسعون] : [50] أرانِي - وَلا كُفْرانَ لِلّهِ - إنَّما * أُواخِي من الأقْوامِ كُلَّ بَخِيلِ لأنَّهُ لا يَحْسُنُ ها هُنا "أَنَّ" [فـ] لو قلت: "أَراني أنما أواخي من الأقْوام" لم يحسن. وقال: [من الخفيف وهو الشاهد الحادي والتسعون] : أَبْلِغ الحارثَ بنَ ظالِمِ المُو * عِدِ والناذِرَ النُّذُورَ عَلَيّا أَنَّما تَقْتُلُ النِّيامَ، وَلا تَقْـ * ـتُلُ يَقْظانَ ذا سِلاحٍ كَمِيّا فحسن أن تقول: "أَنَّكَ تَقْتُلُ النِّيام". وأَمَّا قوله عز وجل {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} فالآخرةُ بَدَلٌ من الأُولى. وَأمّا "إنْ" الخفيفة فتكون في معنى "ما" كقول الله عز وجل {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ} أيْ: ما الكافرون. وقال {إِن كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ} أيْ: ما كان للرحمن ولد {فَأَنَاْ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} مِنْ هذهِ الامةِ للرَّحْمن، بِنَفْيِ الوَلَدِ عَنْهُ. أَي: أَنا أَوَّلُ العابِدِينَ بأَنَّهُ ليْسَ للرحمن وَلَد. وقال بعضُهُمُ {فَأَنا أَوَّلُ العَبِدِين} يقول: "أَنا أَوَّلُ مَنْ يَغْضَبُ من ادّعائِكُمْ لِلّهِ وَلدا". ويقول: "عَبِدَ" "يَعْبَدُ" "عَبَدا" أي: غَضِبَ. وقال {وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} فهي مكسورة ابدا اذا كانت في معنى "ما" وكذلك {وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن [50ب] مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ} فـ"إنْ" بمنزلة "ما"، و"ما" التي قبلها بمنزلة "الذي".

ويكون للمجازاة نحو قوله {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} {وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ} . وتزاد "إنْ" مَع "ما", يقولون: "ما إنْ كانَ كَذا وَكَذا" أي: "ما كانَ كَذَا وَكَذا"، و: "ما إنْ هذا زَيْدٌ". ولكنها تغير "ما" "فلا يُنْصَبُ بِهَا الخبر. وقال الشاعر: من الوافر وهو الشاهد الثاني والتسعون] : وما إنْ طِبْنا جُبْنٌ وَلَكِنْ * مَنايانا وَطُعْمَةُ آخَرِينا وتكون خفيفة في معنى الثقيلة وهي مكسورة ولا تكون إلاَّ وفي خبرها اللام، يقولون: "إنْ زَيْدٌ لَمنطلِقٌ" ولا يقولونه بغير لام مخافة ان تلتبس بالتي معناها "ما". وقد زعموا ان بعضهم يقول: "إنْ زيداً لمَنُْطَلِقٌ" يعملها على المعنى وهي مثل {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} يقرأ بالنصب والرفع و "ما" زيادة للتوكيد، واللام زيادة للتوكيد وهي التي في قوله {وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ} ولكنها انما وقعت على الفعل حين خففت كما تقع "لكنْ" على الفعل إذا خففت. ألا ترى أنك تقول: "لكن قد قال ذاك زيد". ولم يُعَرُّوها من اللام في قوله {وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ} [51ء] وعلى هذه اللغة فيما نرى - والله أعلم - {إِنْ هَاذَانِ لَسَاحِرَانِ} وقد شددها قوم فقالوا {إنّ هذانِ} وهذا لا يكاد يعرف إلا أنهم

يزعمون أن بلحارث بن كعب يجعلون الياء في أشباه هذا ألفا فيقولون: "رأيت أخواك" و"رأيت الرجلان" وأوضعته علاه" و"ذهبت إلاهُ" فزعموا أنه على هذه اللغة بالتثقيل تقرأ. وزعم أبو زيد أنه سمع أعرابياً فصيحا من بلحارث يقول: "ضَرَبْتُ يَداهُ" و"وضعته علاه" يريد: يدَيْه وَعَلَيهِ. وقال بعضهم {إنَّ هذَيْنِ لَساحِران} وذلك خلاف الكتاب. قال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الثالث والتسعون] : طاروا عليهن فَشُلٌ عَلاها * واشْدُدُ بمثْنى حَقبٍ حَقْواها ناجَيَةً وناجِياً أَباها. وأَمَّا "أَنْ" الخفيفة فتكون زائدةً مع "فَلمَّا" و"لَمّا" قال {فَلَمَّآ أَن

جَآءَ الْبَشِيرُ} وانما هي "فَلَمَّا جاء البَشِير" وقال {وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا} يقول "ولَمّا جَاءَتْ" وتزاد أيضاً مع "لَوْ" يقولون: "أَنْ لَوْ جِئْتني كانَ خيراً لك" يقول "لَوْ جِئْتَني". وتكون في معنى "أَي" قال {وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ} يقول "أيْ امشوا". وتكون خفيفة في معنى الثقيلة في مثل قوله {أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ} و {أَنَّ [51ب] لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ} على قولك "أَنْهُ لَعْنَةُ اللهِ". و "أَنْهُ الحَمْدُ لِلّهِ". وهذه بمنزلة قوله* {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً} [و] {وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} ولكن هذه اذا خففت وهي الى جنب الفعل لم يحسن الا ان معها "لا" حتى تكون عوضا من ذهاب التثقيل والاضمار. ولا تعوض "لا" في قوله {أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ} لانها لا تكون، وهي خفيفة، عاملة في الاسم. وعوّضتها "لا" اذا كانت مع الفعل لانهم أرادوا ان يبيّنوا أنها لا تعمل في هذا المكان وأنها ثقيلة في المعنى. وتكون "أنْ" الخفيفة تعمل في الفعل وتكون هي والفعل اسما للمصدر، نحو قوله {عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} انما هي "عَلى تسويةِ بِنَانِهِ". {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} باب من الاستثناء. {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ} منصوبة لانه مستثنى ليس من أول الكلام، وهذا الذي يجيء في معنى

"لكن" خارجا من أول الكلام انما يريد "لكنْ أمانيَّ" و"لكِنَّهُم يَتَمَنَّونَ". وانما فسرناه بـ"لكن" لنبين خروجه من الأول. الا ترى أنك اذا ذكرت "لكن" وجدت الكلام منقطعاً من أوله، ومثل ذلك في القرآن كثير [منه قوله عز وجل] {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ [52ء] مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى} {إِلاَّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ} وقال {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} وقال {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً} يقول: "فَهَلاّ كانَ منهُمْ مَنْ يَنْهى" ثم قال: "ولكنْ قَليلاً مِنْهُمْ مَنْ يَنْهى" ثم قال "ولكنْ* قَليلٌ مِنْهُمْ قَدْ نَهَوْا" فلما جاء مستثنى خارجاً من الأول انتصب. ومثله {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ} يقول "فُهَلاّ" كانت ثم قال: "ولكنّ* قومَ يونسَ" فـ"إلا" تجيء في معنى "لكنّ"*. واذا عرفت انها في معنى "لكنّ" فينبغي أن تعرف خروجها من أوله. وقد يكون {إِلاَّ قَوْمُ يُونُسَ} رفعا، تجعل "إلاّ" وما بعده في موضع صفة بمنزلة "غير" كأنه قال: "فهلا كانَتْ قريةٌ آمنتْ غيرُ قريةِ قومِ يونس" ومثلها {لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} فقوله {إِلاَّ اللَّهُ} صفة [و] لولا ذلك لانتصب لأنه مستثنى مقدم يجوز القاؤه من الكلام. وكل مستثنى مقدم يجوز القاؤه من الكلام نصب، وهذا قد يجوز القاؤه [فـ] لو قلت "لو كانَ فِيهِما آلِهَةٌ لَفَسدَتا" جاز، فقد يجوز فيه النصب ويكون مثل قوله "ما مَرَّ بي أحَدٌ إلاَّ زيداً مثلُكَ". قال الشاعر فيما هو صفة: [من الطويل وهو الشاهد الرابع والتسعون] : [52ب] أُنِيخَتْ فألقتْ بَلْدَةً فَوْقَ بَلْدَةٍ * قَليلٌ بها الأَصْواتُ إلاَّ بُغامُها

وقال: [من الوافر وهو الشاهد الخامس والستعون] : وَكُلُّ أخٍ مُفارِقُهُ أَخُوه * لَعَمْرُ إِبيكَ إلا الفَرْقَدانِ ومثل المنصوب الذي في معنى "لكنْ" قول الله عز وجل {وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} {إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا} وهو في الشعر كثير وفي الكلام. قال الفرزدق: [من الطويل وهو الشاهد السادس والتسعون] : وما سَجَنُوني غيرَ أَني ابْنُ غالِبِ * وأَني من الأَثرَينَ غَيْرَ الزَعانِفِ يقول: "ولكنَّني"، وهو مثل قولهم: "ما فيها أحدٌ إلا حماراً" لما كان ليس من أول الكلام جعل على معنى "لكنَّ" ومثله: [من الخفيف وهو الشاهد السابع والتسعون] : ليسَ بَيْنِي وبينَ قيسٍ عِتابَ * غيرَ طَعْنِ الكُلا وَضَرْبِ الرِقابِ وقوله: [من الطويل وهو الشاهد الثامن والتسعون] : حَلَفْتُ يميناً غَير ذِي مَثْنَوِيَّةٍ * وَلا عِلْمَ إلاَّ حُسْنَ ظَنٍّ بِغَايِبِ وبصاحب. باب الجمع. وأمّا تَثْقِيلُ {الأَمَانِيُّ} فلأن واحدها "أُمْنِيَّة" مُثْقَّل. وكلُّ

ما كان واحده مثقلا مثل: "بُخْتِيَّة" و"بَخاتِيّ" فهو مُثَقَّل. وقد قرأ بعضهم {إلاّ أَمانِي} فخفف وذلك جائز لان الجمع على غير واحده وينقص منه ويزاد فيه. فأما "الأَثافِي" فكُلُّهُم يخفّفها وواحدها "أُثِفيَّة" مثقّلة [53ء] وانما خففوها لانهم يستعملونها في الكلام والشعر كثيرا، وتثقيلها في القياس جائز. ومثل تخفيف "الأمانِي" قولهم: "مِفْتاح" و"مَفاتِح" وفي "مِعْطاء" "مَعاطٍ" قال الأخفش: "قد سمعت بلعنبر تقول: "صحارِيَ" و"مَعاطِيّ" فتثقل. وقوله {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} اي: فَماَّ هُمْ إلاّ يَظُنُّونَ". {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذامِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ} يرفع "الويلُ" لانه اسم مبتدأ جعل ما بعده خبره. وكذلك "الوَيْحُ و"الوَيْلُ" و"الوَيْسُ" إذا كانت بعدهنّ هذه اللام ترفعهن. واما "التَعْسُ" و"البُعْدُ" وما أشبههما فهو نصب أبدا، وذلك أَنّ كل ما كان من هذا النحو تحسن أضافته بغير لام فهو رفع باللام ونصب بغير لام نحو

{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ} و"وَيْلٌ لِزَيْدٍ" ولو ألقيت اللام قلت: "ويلَ زيدٍ" و"ويحَ زيدٍ" و"ويسَ زيدٍ"، فقد حسنت إضافته بغير لام فلذلك رفعته باللام مثل {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} . وأما قوله {أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ} و {أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ} و {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ} فَهذا لا تَحسن إضافتَهُ بغير لام. ولو قلت: "تَعْسَهُم" أو "بُعْدَهُم" لم يحسن. وانتصاب هذا كله بالفعل، كأنك قلت: "أَتْعَسَهُم اللهُ تَعْساً" "وأَبْعَدَهُم اللهُ بُعدا". واذا قلت "ويْلَ زيدٍ" فكأنك قلت [53ب] "ألْزَمَهُ اللهُ الوَيْلَ". وأما رفعك اياه باللام فانما كان لانك جعلت ذلك واقعا واجبا لهم في الاستحقاق. ورفعه على الابتداء، وما بعده مبني عليه، وقد ينصبه قوم على ضمير الفعل وهو قياس حسن، فيقولون: "وَيْلاً لزيد" و"وَيْحاً لِزيد". قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والتسعون] : كَسَا اللُؤْمُ تَيْماً خُضْرَةً في جُلُودها * فَوَيْلاً لِتَيْمٍ من سرابيلها الخُضْرِ قال الاخفش: "حدثني عيسى بن عمر أنه سمع الاعراب ينشدونه هكذا بالنصب, ومنهم من يرفع ما ينصب في هذا الباب. قال أبو زُبَيدَ: [من الطويل وهو الشاهد المئة] : أَغارَ وأَقْوى ذات يومٍ وخَيْبَةٌ * لأوَّلِ مَنْ يَلْقى غيٌ مُيَسَّرُ باب اللام. وقوله {لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} فهذه اللام إذا كانت في معنى "كَيْ" كان ما بعدها نصبا على ضمير

"أَنْ"، وكذلك المنتصب بـ"كيْ" هو أيضاً على ضمير "أَنْ" كأنه يقول: "الاشتراءِ"، فـ"يَشتَرُوا" لا يكون اسما الا بـ"أنْ"، فـ"أَنْ" مضمرة وهي الناصبة وهي في موضع جر باللام. وكذلك {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً} "أَنْ" مضمرة وقد جرتها "كيْ" وقالوا: "كَيْمَهْ" فـ"مَهْ" اسم لانه "ما" التي في الاستفهام وأضافَ "كَيْ" اليها. وقد تكون "كَيْ" بمنزلة "أَنْ" هي الناصبة [54ء] وذلك قوله {لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ} فاوقع عليها اللام. ولو لم تكن "كَيْ" وما بعدها اسما لم تقع عليها اللام وكذلك ما انتصب بعد "حتّى" إنَّما انْتَصَبَ بضمرِ "أَنْ" قال {حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ} و {حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} إنَّما هو "حتَّى أَنْ يَأْتِيَ " و"حَتّى أَنْ تَتَّبعَ"، وكذلك جميع ما في القرآن من "حتّى". وكذلك {وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} اي: "حتّى أَنْ يقولَ" لأنّ "حتّى" في معنى "إلىّ"، تقول "أَقَمْنا حتّى الليلِ" أيْ: "إلى اللَّيْلِ". فإن قيل: إظهارُ "أَنْ" ها هنا قبيح قلتُ: "قد تُضمر أشياءُ يقبحُ إظهارها إذا كانوا يستغنون عنها". ألا ترى أَنَّ قولك: "إنْ زيداً ضربْتَهُ" منتصب بفعل مضمر لو اظهرته لم يحسن. وقد قرئت هذه الآية {وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} يريد: "حتّى الرَّسُولُ قائلٌ"، جعل ما بعد "حتّى" مبتدأَ. وقد يكون ذلك نحو قولك: "سِرْتُ حتّى أدْخُلُها" إذا أردت: "سرت فإذا أَنَا داخِلٌ فيها" و"سِرْتُ

أمسِ حتّى أَدْخُلُها اليومَ" أيْ: حتّى "أَنَا اليومَ أَدْخُلْها فَلا أُمْنَعْ". واذا كان غاية للسير نصبته. وكذلك ما لم يجب مما يقع عليه "حتّى" نحو {لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً} . واما {وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} فنصب بـ"لَنْ" كما نصب بـ"أنْ" وقال [54ب] بعضهم: إنما هي "أَنْ" جُعِلَتْ "لا" كأنه يريد "لا أَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ" فلما كثرت في الكلام حذفت، وهذا قول، وكذلك جميعُ "لَنْ" في القرآن. وينبغي لمَنْ قال ذلك القول أن يرفع "أزيدٌ لَنْ تَضْرِبُ" لأنَّه في معنى "أزيدُ لا ضَرْبَ لَه". وكذلك ما نصب بـ"إذَنْ" تقول: "إذَنْ آتيَكَ" تنصب بها كما تنصب بـ"أَنْ" وبـ"لَنْ" فاذا كان قبلها الفاء أوْ الواو رفعت نحو قول الله عز وجل {وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} وقال {فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً} وقد يكون هذا نصبا أيضاً عنده على اعمال "إذَنْ". وزعموا أنَّهُ في بعض القراءة منصوب وإنَّما رفع لأنَّ معتمد الفعل

صار على الفاء والواو ولم يحمل على "إذَنْ"، فكأنه قال: "فَلا يُؤتُونَ الناسَ إذاً نَقِيرا" [و] "ولا تُمَتَّعُونَ إذَنْ" وقوله {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أنْ لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} [و] {وَحَسِبُواْ أنْ لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} و {أنْ لا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً} فارتفع الفعل بعد "أنْ لا" لأنَّ ["أنْ"] هذه مثقّلة في المعنى، ولكنها خففت وجعل الاسم فيها مضمرا، والدليل على ذلك أنّ الاسم يحسن فيها والتثقيل. ألا ترى أنَّكَ تقول "أَفَلا يَرَوْنَ أنَّه لا يرجعُ إليهِمْ"، وتقول: "أَنَّهُمْ لا يَقْدِرونَ على شَيْء" [و] "أَنَّهُ لا تَكونُ [55ء] فتنة". وقال {آيَتكَ أنْ لا تُكَلِّمَ الناسَ} نصب لأن هذا ليس في معنى المثقّل, انما هو {آيَتُكَ أنْ لا تُكَلِّمَ} كما تقول: {آيتُكَ أَنْ تُكَلِّمَ} وأدخلت {لا} للمعنى الذي أريد من النفي. ولو رفعت هذا جاز على معنى آيتك أنك لا تكلم, ولو نصب الآخر جاز على أن تجعلها "أنْ" الخفيفة التي تعمل في الأفعال. ومثل ذلك {إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} وقال {تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} وقال {إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} وتقول: "عَلِمْت أَنْ لا تُكَرِّمُني" و"حسِبْتُ أَنْ لا تُكْرِمُنِي". فهذا مثل ما ذكرت لك. فانما صار "عَلِمْتُ" و"اسْتَيْقَنْتُ" ما بعده رفع لأنه واجب. فلما كان واجبا لم يحسن أن يكون بعده "أنْ" التي تعمل في الأفعال، لأن تلك إنما تكون في غير الواجب، الا ترى أنك تقول "أُريدُ أَنْ تَأْتِيَني" فلا يكون هذا

الا لأمر لم يقع، وارتفع ما بعد الظن وما أشبهه لأنه مشاكل للعلم لأنه يعلم بعض الشيء اذا كان يظنه. وأما "خَشِيتُ أنْ لا تُكْرِمَني" فهذا لم يقع. ففي مثل هذا تعمل ان الخفيفة ولو رفعته على أمر قد استقر عندك وعرفته كأنك جريته فكان لا يكرمك فقلت: "خَشِيتُ أنْ لا تُكْرِمُني" أي: خشيتُ أَنَّكَ [55ب] لا تُكْرِمُني جاز. وزعم يونس أن ناسا من العرب يفتحون اللام التي في مكان "كَيْ" وانشدوا هذا البيت فزعم انه سمعه مفتوحا: [من الوافر وهو الشاهد الحادي بعد المئة] : يُؤامِرُني رَبيعَةُ كُلَّ يَومٍ * لأُهْلِكَهُ وأَقْتِنيَ الدَّجاجا وزعم خلف أنها لغة لبني العنبر وانه سمع رجلا ينشد هذا البيت منهم مفتوحا: [من الطويل وهو الشاهد الثاني بعد المئة] : فقُلْتُ لكَلْبِيَّيْ قُضاعَةَ إنَّما * تَخَبَّرْ تُماني أهْلَ فَلْجٍ لأَمْنَعا يريد "مِنْ أهلِ فَلْجٍ". وقد سمعت أنا ذلك من العرب، وذلك أن اصل اللام

الفتح وانما كسرت في الاضافة ليفرق بينها وبين لام الابتداء. وزعم أبو عبيدة انه سمع لام "لعلَّ" مفتوحة في لغةِ من يجرّبها ما بعدها في قول الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثالث بعد المئة] : لِعَلَّ اللهِ يُمْكِنُنِي عَلَيْها * جِهاراً من زُهَيْرٍ أَوْ أَسِيدِ يريد "لِعَلَّ عبدِ اللهِ" فهذه اللام مكسورة لأنها لام اضافة. وقد زعم انه قد سمعها مفتوحة فهي مثل لام "كَيْ". وقد سمعنا من العرب من يرفع بعد "كيما" وأنشد: [من الطويل وهو الشاهد الرابع بعد المئة] : إذا أَنْتَ لم تَنْفَعْ فَضُرَّ فإنَّما * يُرَجّى الفَتَى كيما يَضُرُّ وَيَنْفَعُ فهذا جعل "ما" اسما وجعل "يَضَرُّ" و"يَنْفَعُ" من صلته جعله اسما للفعل وأوقع "كَيْ" [56ء] عليه وجعل "كَيْ" بمنزلة اللام. وقوله {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} وقوله {أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فيشبه ان تكون الفاء زائدة كزيادة "ما" ويكون

الذي بعد الفاء بدلا من "أن" التي قبلها. وأجوده أن تكسر "إن" وأَن تجعل الفاء جواب المجازاة. وزعموا أنه يقولون "أَخُوكَ فوُجِد" "بل أخوك فَجُهِدَ" يريدون "أخوك وُجِدَ" و"بل أخوك جُهِدَ" فيزيدون الفاء. وقد فسر الحسن {حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} على حذف الواو. وقال: "معناها: قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها"، فالواو في هذا زائدة. قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الخامس بعد المئة] : فإذا وَذَلِكَ يا كُبَيْشَةُ لَمْ يَكُنْ * إلاَّ كَلَمَّةِ حالِمٍ بِخَيالِ وقال: "من الكامل وهو الشاهد السادس بعد المئة] : فإذا وذلك َ ليسَ إلاّ حينُه * واذا مَضَى شَيْءٌ كأَنْ لَمْ يُفْعَلِ كأنه زاد الواو وجعل خبره مضمرا, ونحو هذا مما خبره مضمر كثير.

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ} قوله {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ} .

وقوله {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} فجعله أَمْراً كأنّه يقول: "وإحساناً بالوالدينِ" أي: "أَحْسِنُوا إحْسانا". وقال {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} فهو على أحد وجهين إمّا أَنْ يكون يراد بـ"الحُسْنِ" "الحَسَنَ" كما تقول: "البُخْل" و"البَخلَ"، وإمّا أنْ يكونَ جعل "الحُسْنَ" هو "الحَسَنَ" في التشبيه كما تقول: "إنَّما أَنْتَ أَكلٌ وشُرْبٌ". قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثامن بعد المئة] : وَخَيْلٍ قدْ دَلَفْتٌ لَها بِخَيْلٍ * تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعٌ "دَلَفْتُ": "قَصَدْتُ" [57ء] فجعل التحية ضربا. وهذه الكلمة في الكلام ليست بكثيرة وقد جاءت في القرآن. وقد قرأها بعضهم {حَسَنا} يريد "قولوا لهم حَسَناً" وقال بعضهم {قولوا للناسِ حُسْنى} يؤنثها ولم ينّونها، وهذا لا يكاد يكون لا "الحُسْنى" لا يتكلم بها الا بالالف واللام، كما لا يتلكم بتذكيرها الا بالالف واللام [فـ] لو قلت: "جاءَني أَحْسَنُ وأَطْوَلُ" لم يَحْسُن حتّى

تقول: "جاءَني الأَحْسَنُ والأَطْوَلُ" فكذلك هذا يقول: "جاءَتْنِي الحُسْنى والطُولى". إلاّ أَنهم قد جعلوا أِشياء من هذا أسماء نحو "دُنْيا" و "أُوْلَى". قال الراجز: [وهو الشاهد التاسع بعد المئة] : * في سَعْيِ دُنْيا طالَ ما قَدْ مَدَّتِ * ِ ويقولون: "هي خَيْرَةُ النِساءِ" ["هنّ خَيْراتُ النِّساء"] لا يكادون يفردونه وافراده جائز. وفي كتاب الله عز وجل {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} وذلك انه لم يرد "أَفْعَلَ" وانما اراد تأنيث الخير لأنه لما وصف فقال: "فلانٌ خَيْرٌ" أشبه الصفات فأدخل الهاء للمؤنث.

وأما قوله {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} ثم قال {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} ثم قال {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذالِكَ} فلأنه خاطبهم من بعدما حدث عنهم وذا في الكلام والشعر كثير. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد العاشر بعد المئة] : أسيئي بِنا أوّ أَحْسِنِي لا مَلُومَةٌ * لَدَيْنا وَلا مَقْليةٌ إِنْ تَقَلَّبِ [58/ ء] وانما يريدون "تَقَلَّيْتِ". وقال الآخر: [من الكامل وهوالشاهد الحادي عشر بعد المئة] : شَطَّتْ مُزارَ العاشِقينَ فأصبحَتْ * عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ ابْنَةٌ مَخْرَمِ إنَّما أراد "فأصبحت ابنَةُ مخرَمٍ عسراً على طلابُها". وجاز ان يجعل الكلام كأنه خاطبها لانه حين قال: "شَطَّتْ مَزارَ العاشِقين" كأنه قال: "شَطَطْتِ مزار العاشِقين" لأنه إيّاها يريدُ بهذا الكلام. ومثله مما يخرج من أوله قوله: [من الرجز وهو الشاهد الثاني عشر بعد المئة] : * إنَّ تَميماً خُلِقَتْ مَلْمُوما * فأراد القبيلة بقوله: "خُلِقَتْ" ثم قال "مَلْمُوما" على الحي أو الرجل، ولذلك قال:

* مثلَ الصَّفا لا تَشْتَكِي الكُلُوما * ثم قال: * قَوماً تَرَى واحدَهُم صِهْمِيما * فجاء بالجماعة لانه اراد القبيلة او الحي ثم قال: * لا راحِمَ الناسِ ولا مُرْحُوما * وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثالث عشر بعد المئة] : أقولُ لَهُ والرمحُ يأطِرُمَتْنَهُ * تأَمَّل خُفافاً إِنَّنِي أَنَاذلِكا و"تَبَيَّنْ خْفافاً"، يريد: "أَنَا هُوَ". وفي كتاب الله عز وجل {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} فأخبر بلفظ الغائب وقد كان في المخاطبة لان ذلك يدل على المعنى. وقال الأسْودَ: [من البسيط وهو الشاهد الرابع عشر بعد المئة] : وَجَفْنَةٍ كإِزاءِ الحَوْضُ مُتْرَعَةٍ * ترى جَوانِبَها بِالشَّحْمِ مَفْتُونا

[58ب] فيكون على انه حمله على المعنى أَي: ترى كلَّ جانبٍ منها، او جعل صفة الجميع واحدا كنحو ما جاء في الكلام. وقوله "مأطِرُ مَتْنَه" يثنى متنه. وكذلك {الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم قال {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لان الذي أخبر عنه هو الذي خاطب. قال رؤبة: [من الرجز وهو الشاهد الخامس عشر بعد المئة] : الحَمْدُ لِلّهِ الاَعَزِّ الأَجْلَلِ * أَنْتَ مَلِيكُ الناسِ ربّاً فَاقْبَلِ وقال زهير: [من الوافر وهو الشاهد السادس عشر بعد المئة] : فإنّي لَوْ أُلاقِيكَ أجْتَهَدْنَا * وكانَ لِكُلِّ مُنْكَرَةٍ كِفاء فأُبْرِىءَ مُوضَحاتِ الرأسِ مِنْهُ * وَقَدْ يَشْفِى من الجَرَبِ الهِناءُ وقال الله تبارك وتعالى {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هذاالَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} فَذَكَّر بعد التأنيث كأنه أراد: هذا الامر الذي كنتم به تستعجلون. ومثله {فَلَماَّ رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هذارَبِّي هَاذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ} فيكون هذا على: الذي أرى ربّي أي: هذا الشيء ربي. وهذا يشبه قول المفسرين {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} قال: إنَّما دخلت "إلى" لأن معنى "الرَفَث" و"الأفْضاء" واحد، فكأنه قال: "الافضاءُ إلى

نِسائِكُمْ"، وانما يقال: "رَفْثَ بامرَأَتِه" ولا يقال: "إلى امرأته" وذا عندي كنحو ما يجوز من "الباء" في مكان "إلى" في [قوله تعالى: {وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} وانما هو "أحسن اليّ" فلم "إلى" ووضع "الباء" مكانها] وفي مكان "على" في قوله [59ء] {فَأَثَابَكُمْ غَمَّاً بِغَمٍّ} انما هو "غمّاً على غَمٍّ" [وقوله] {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أي: "على قِنطارٍ" كما تقول: "مررتُ بِهِ" و"مررت عَلَيْهِ" كما قال الشاعر: - وأخبرني من أثق به أنه سمعه من العرب -: [من الوافر وهو الشاهد الرابع والعشرون] : إذا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ * لَعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَنِي رِضاها يريد: "عنى". وذا يشبه {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} لانك تقول: "خَلَوْتُ إلَيْهِ وصنعنا كذا وكذا" و"خَلَوْتُ به". وان شئت جعلتها في معنى قوله {مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ} أي: "معَ اللهِ", وكما قال {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} أي: "على القَوْمِ" {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [وقوله] * {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ} فرفع هذا لانه كُلَّ ما كان من الفعل على "يَفْعَلُ هو" و"تَفْعَل أنت" و"أَفْعلٌ أَنا" و"نَفْعَلُ نَحن" " فهو أبداً مرفوع لا تعمل فيه الا الحروف التي ذكرت لك من حروف النصب او حروف الجزم والامر والنهي [56ب] والمجازاة. وليس شيء من ذلك ها هنا وانما رفع لموقعه في موضع الأسماء. ومعنى هذا الكلام حكاية، كأنه قال: "اِسْتَحْلَفْناهُم لا يَعْبُدون" أي: قُلْنا لَهُم: "واللهِ لا تُعْبَدوْنَ"، وذلك أنها تقرأ {يَعْبُدون} و {تَعْبُدون} . قال {وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} {لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ} فإن شئت جعلت "لا يَسَّمَّعُون" مبتدأ وإنْ شئت قلت: هو في معنى "أنْ لا لا يَسَّمَّعُوا" فلما حذفت "أنْ" اِرتفع, كما تقول: "أَتَيْتُكَ تُعْطِيني وتُحْسِنُ إِلَيَّ وتَنْظُرُ في حاجتي" ومثله "مُرْهُ يُعطِيني" إنْ شئت جعلته على "فَهْوَ يُعطِيني" وإنْ شئت على "أَنْ يُعطِيني". فلما أَلْقَيْتَ "أَنْ" ارتفع. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع بعد المئة] : ألا أَيُّهذا الزاجِرِي احضر الوغي * وأَنْ أَتْبَعَ اللَّذَّاتِ هَلْ انت مُخْلِدِي فـ"أَحْضُرَ" في معنى" أَنْ أُحْضُرَ". {ثُمَّ أَنْتُمْ هؤلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الّعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} قال {تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} فجعلها من "تَتَظاهَرُونَ" وأدغم التاء في الظاء وبها نقرأ. وقد قرئت {تَظاهَرون} مخففة بحذف التاء الآخرِة لأَنَّها زائدة لغير معنى. وقال {وَإِن يَأتُوكُمْ أَسْرى} وقرئت {أُسَارَى} . وذلك لأن "أَسير" "فَعِيل" وهو يشبه "مَرِيضاً" لأنَّ به عيبا [57ب] كما بالمريض، وهذا "فَعِيل" مثله. وقد قالوا في جماعة "المريض": "مَرْضى" وقالوا {أُسارَى} فجعلوها مثل "سكارَى" و"كُسالىَ"، لأنَّ جمع "فَعْلان" الذي به علة قد يشارك جمع "فَعِيل" وجمع "فَعِل" نحو: "حَبِطٌ" و"حَبْطى" و"حُباطَى" و"حَبِجٌ" و"حَبْجى" و"حُباجى". وقد قالوا {أَسارى} كما قالوا {سَكَارَى} . وقال بعضهم {تَفْدُوهم} من "تَفْدِى" وبعضهم {تُفادُوهم} من "فادَى" يُفادِي" وبها نقرأ وكل ذلك صواب. وقال {فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ} , وقال {مَا هذاإِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} و {وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ} رفع، لأن كل ما لا تحسن فيه الباء من خبر "ما" فهو رفع، لأن "ما" لا تشبه في ذلك الموضع بالفعل، وانما تشبه بالفعل في الموضع الذي تحسن فيه الباء، لأنها حينئذ تكون في معنى "ليس" لا يشركها معها شيء. وذلك قول الله عز وجل {مَا هذابَشَراً} .، وتميم ترفعه، لانه ليس من لغتهم أن يشبهوا "ما" بالفعل. وقال {ثُمَّ أَنْتُمْ هؤلاء} وفي موضع آخر {هَا أَنْتُمْ هؤلاء} كبعض ما ذكرنا وهو كثير في كلام العرب. وردّد* التنبيه توكيدا. وتقول: "ها** أَنَا هذا" و"ها**" أَنْتَ هذا فتجعل "هدا" للذي يخاطب، وتقول: "هذا أنت". وقد جاء أشد من ذا. قال الله عز وجل {مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّةِ} والعصبة هي تنوء بالمفاتيح. قال [وهو الشاهد السابع عشر بعد المئة من مجزوء الوافر] :

تَنُوءُ بِها فَتُثْقِلُها * عَجِيزَتُها...... يريد: "تَنوء بعجزيتها، اي: لا تقوم الا جهدا بعد جهد" قال الشاعر [من البسيط وهو الشاهد الثامن عشر بعد المئة] : مِثْلُ القَنافِذِ هَدَّاجُونَ قَدْ بَلَغَت * نَجْرانَ أَوْ بَلَغَتْ سَوآتِهِم هَجَرُ [59ب] وهو يريد أن السؤات بلغت هَجَراً، و "هَجَرُ" رفعٌ لأنَّ القصيدةَ مرفوعة ومثلُ ذا قول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع عشر بعد المئة] : وَتَلْحَقُ خَيْلٌ لا هَوادَةَ بَينَها * وتَشْقى الرِّماحُ بالضَياطِرةُ الحُمْرِ والضياطرةُ هم يشقونَ بالرماح. و"الضياطرةُ" هم العِظام وواحد هم "ضَيْطار" مثل "بَيْطار" ومثل قول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد العشرون بعد المئة] : لَقَدْ خِفْتُ حَتَّى ما تزَيدُ مَخافَتِي * عَلى وعِلٍ بِذِي الفَقارَةِ عاقِلِ يريد: حتى ما تزيد مخافةُ وَعِلٍ على مخافتي.

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} قال {فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ} وتفسيره: فقليلاً يؤمنون" و"ما" زائدة كما قال {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ} يقول: "فَبِرَحْمَةٍ مِنَ اللهِ" وقال {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} أي: لَحَقٌّ مثلَ أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ وزيادة "ما" في القرآن والكلام نحو ذا كثير. قال [من المنسرح وهو الشاهد الحادي والعشرون بعد المئة] : لَوْ بَأَبانَيْنِ* جاءَ يَخْطِبُها * خُضِّبَ ما أَنْفُ خاطِبٍ بِدَمِ أي: خُضِّبَ بِدَمٍ أنفُ خاطِبٍ. {وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} قال {وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} فان قيل فأين جواب {وَلَمَّا جَآءَهُمْ [60ء] كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ} قلت: "جوابه في القرآن كثير، [و] استغني عنه في هذا الموضع اذ عرف معناه. كذلك جميع الكلام إذا طال تجيء فيه أشياء ليس لها أجوبة في ذلك الموضع ويكون المعنى مستغنى به ** نحو قول الله عز وجل {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل للَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً} فيذكرون [ان] تفسيره: "لَوْ سُيِّرَتْ الجِبالُ بقرآنٍ غيرِ هذا لَكَانَ هذا القرآنُ

سَتُسَيَّر بِهِ الجِبالُ" فاستُغْنِيَ عن اللَّفْظِ بالجَوابِ إذْ عُرِفَ المَعْنى. وقال {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ} ولم يجيء لـ"تحسَبَنَّ" الأول بجواب وتُرِكَ للاستغناءِ بما في القرآن من الأجوبة. وقال {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ} معناه "لا يَحَسَبُنَّهُ خَيْراً لَهُمْ" وحذف ذلك الكلام وكان فيما بقي دليل على المعنى. ومثله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ثم قال {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ} من قبل أن يجيء بقوله "فَعَلُوا كَذا وَكَذا" لان ذلك في القرآن كثير، استغني به. وكان في قوله {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} دليل على أَنَّهُمْ أعرَضُوا فاستغني بهذا [60ب] وكذلك جميع ما جاز فيه نحو هذا. وقال {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً} وقال {لِيُتَبَرِّواْ} على معنى: "خَلَّيْناهُمْ وإيّاكُمْ لَمْ نَمْنَعْكُمْ مِنْهُم بِذُنُوبِكُم". وقال {لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ} ولم يذكر أنه خلاهم واياهم على وجه الترك في حال الابتلاء بما أَسْلفوا ثم لم يمنعهم من أعدائهم أن يسلطوا عليهم بظلمهم. وقال {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ} فليس لهذا جواب. وقال {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} فجواب هذا انما هو في المعنى، وهذا كثير. وسنفسر كل ما مررنا به إن شاء الله. وزعموا ان هذا البيت ليس له جواب: [من الطويل وهو الشاهد الثاني والعشرون بعد المئة] :

وَدَوِّيَّةٍ قَفْرٍ تَمَشّى نَعامُها * كَمَشْيِ النَّصارى في خِفافِ الأَرَنْدَجِ يريد: "ورُبَّ دَوِّيَّةٍ" ثم لم يأت له بجواب. وقال: [من البسيط وهو الشاهد الثالث والعشرون بعد المئة] : حتَى إذا أسْلَكُوهُ في قُتائِدَةٍ * شَلاًّ كَما تَطْرُدُ الجَمالَةُ الشرُدُا فهذا ليس له جواب الا في المعنى. وزعم بعضُهم أنَّ هذا البيت: [من الكامل وهو الشاهد الخامس بعد المئة] : فإذا وذلِكَ يا كُبَيْشَةُ لَمْ يكنْ * إلاّ كَلَمَّةِ حالِمٍ بِخِيالِ قالوا: الواو فيه ليست بزائدة ولكن الخبر مضمر. {بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} قال {بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [61ء] فـ {ما} وحدها اسم، و {أَن يَكْفُرُواْ} تفسير له نحو: "نِعْمَ رَجُلاً زَيْدٌ" و {أَنْ يُنَزِّل} بَدَلٌ من {بِمَآ أنَزَلَ اللَّهُ} . المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَآءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} قال {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ اللَّهِ} فنصب {مُصَدِّقاً} لأنه خبر معرفة. و {تَقْتُلُونَ} في معنى "قَتَلْتُم". كما قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الرابع والعشرون بعد المئة] :

وَلَقَدْ أمرُّ على اللَّئِيمِ يَسُبُّني * فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلتُ لا يَعْنِيني يريد: "لقد مَرَرْتُ" بقوله "أَمُرُّ". {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} قوله {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ} فهو نحو "ما زَيْدٌ بِمُزَحْزِحِهِ أنْ يُعَمَّرَ" و"ما زَيْدٌ بِضارِّهِ أَنْ يقُومَ" [فـ"أنْ يُعَمَّرَ"] في موضع رفع وقد حسنت الباء كما تقول: "ما عبدُ الله بملازِمِهِ زَيْدٌ". {قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} قوله {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ} ومن العرب من يقول {لِجِبرئِيلَ} فيهمزون ولا يهمزون، وكذلك {إسرائيل} منهم من يهمز ومنهم من لا يهمز، ويقولون {مِيكائِيل} فيهمزون ولا يهمزون ويقولون {مِيكال} كما

قالوا {جِبْرِيل} . وقال بعضهم {جبرعَل} ولا أعلم [وجهه] الا أني قد سَمِعت {إِسرائِل} وقال بعضهم {إسْرِييلِ} فأمال الراء. قال أبو الحسن: "في" "جبريل" "ست لغات: جَبْراييل وجَبْرَئيل وجَبْرئِلْ جَبْراعيل جَبْرَعِيل جَبرعل وجَبْريل وجِبريلَ فَعليل فِعليل وجَبْرائِل. جبراعل.

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} قال {مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} فأظهر [61ب] الاسم وقد ذكره في أوَّل الكلام. قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الخامس والعشرون بعد المئة] : ليتَ الغُرابَ غَداةَ يَنْعَبُ دَائِباً * كانَ الغُرابُ مُقَطَّعَ الأوْداجِ {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} قال {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً} فهذه واو تجعل مع حرف الاستفهام وهي مثل الفاء التي في قوله {أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمْ} فهذا في القرآن والكلام كثير، وهما زائدتان في هذا الوجه. وهي مثل الفاء التي في قولك: "أَفَا الله لَتَصْنَعَنَّ كَذَا وكَذا" وقولك للرجل: "أَفَلا تَقُوم". وان شئت جعلت الفاء والواو ها هنا حرف عطف. {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ولكنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} قوله {وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} معطوفان على {الْمَلَكَيْنِ} ، او بدل منهما، ولكنهما أعجميان فلا ينصرفان وموضعهما جر. و {بابلَ} لم ينصرف لتأنيثه، وذلك أن اسم كل مؤنث على

حرفين أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن فهو ينصرف، وما كان سوى ذلك من المؤنث فهو لا ينصرف ما دام اسما للمؤنث. وقال {حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا} فليس قوله {فَيَتَعَلَّمُونَ} جوابا لقوله {فَلاَ تَكْفُرْ} ، إنما هو مبتدأ ثم عطف عليه فقال {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} . وقال {يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما زوج، فالمرأة زوج والرجل زوج. قال {وَخَلَقَ [62ء] مِنْهَا زَوْجَهَا} وقال {مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} . وقد يقال أيضاً "هُما زَوْجٌ" للاثنين كما تقول: "هُما سَواءٌ" و: "هُما سِيّانِ". [والزَوْج أيضاً: النَمَطُ يُطْرَحُ على الهَوْدَجَ] . قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السادس والعشرون بعد المئة] : مِنْ كُلِّ مَحْفُوفٍ يظُلُّ غِصيَّةُ * زَوْجٌ عَلَيهِ كِلَّةٌ وَقِرامُها وقد قالوا: "الزَوْجَة". قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد السابع والعشرون بعد المئة] : زَوْجَةُ أَشْمَطَ مَرْهُوبٍ بَوادِرُهُ * قَدْ صارَ في رَأْسِهِ التَخْويصُ والنزَعُ وقال {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} فهذه لامُ الابتداء تدخل بعد العلم وما أشبهه ويبتدأ بعدها، تقول: "لَقَدْ علمت لَزَيدٌ خيرٌ منك" قال {لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ} وقال {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} .

وقال* {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ} ثم قال {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} يعني بالأولين الشياطين لأنهم قد علموا {ولَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} يعني الانس. وكان في قوله {لَمَثُوبَةٌ} دليل على "أُثِيبُوا" فاستغني به عن الجواب [62ب] . المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} قال {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ} فليس لقوله {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا} جواب في اللفظ ولكنه في المعنى يريد لَأُثِيبُوا" فقوله {لَمَثَوبَةٌ} يدل على "لَأُثِيبُوا" فاستُغْنِيَ به عن الجواب. وقوله {لَمَثُوبَةٌ} هذه اللام للابتداء كما فسرت لك. {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} قال {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ} أي: "ولا مِنَ المُشْرِكِين" لا يَوَدُّونَ {أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ} . {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قال {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} وقال بعضهم {نَنْسَأْها} أي نُؤَخِّرْها، وهو مثل {إِنَّمَا النَّسِيءُ

زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} لأنَّهُ تأخير. [و] "النَسِيئَةُ" و"النَسِيءُ" أصْلُهُ واحدٌ من "أنسأت"* إلاّ أَنَّكَ تقول: "أَنْسَأتُ الشَيْءَ" أي: أَخَّرْتُه ومصدره: النَسِيءُ. و: "أَنْسَأْتُكَ الدَيْنَ" أي: جعلتك تؤخِّره. كأنه قال: "أَنْسَأْتُكَ" فـ"نَسَأْتُ" و "النَسِيء" أنَّهم كانوا يدخلون الشهر في الشهر. وقال بعضهم {أَوْ نَنْسَها} كل ذلك صواب. وجزمه بالمجازاة. والنسيءُ في الشهر: التأخير. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ} قال {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ} ومن خفف قال {سُيِل} فان قيل: كيف جعلتها بين بين وهي تكون بين الياء الساكنة وبين الهمزة. والياء الساكنة لا تكون بعد ضمة، والسين مضمومة؟ " قلت: "أَمَّا في "فُعِلَ" فقد تكون الياء الساكنة بعد الضمة لانهم قد قالوا "قُيْل" و"بُيْعَ" وقد تكون الياء في بعض "فُعِلَ" واوا خالصة لانضمام ما قبلها وهي معه في حرف واحد كما تقول: "لم تَوْطُؤ الدابَّةُ" وكما تقول: "قَدْ رُؤِس فلان". {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى

تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} قال {لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن [36ء] كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} فزعموا أن "الهُود": جماعة "الهائِد"*. و"الهائد"*: التائِب الراجع الى الحق. وقال في مكان آخر {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً} أي: كونوا راجعين الى الحق، [ويقال] "هائِد" و"هُوَّد" مثل "ناقِه" [و "نُقَّه"، و] "عائِدْ" و"عُوَّد"، و"حائِل" و"حُوَّل"، و"بازِل" و"بُزَّل". وجعل {مَن كَانَ} واحدا لأنَّ لفظ {مَنْ} واحدٌ وجمع في قوله {هُوداً أَوْ نَصَارَى} . وفي هذا الوجه تقول: "مَنْ كانَ صاحبك". {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَآ أُوْلَائِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قال {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} انما هو "مِنْ أنْ يُذْكَرُ فيها اسمه" ولكن حروف الجرّ تحذف مع "أَنْ" كثيراً ويعمل ما قبلها فيها حتى تكون في موضع نصب، أو تكون {أَن يُذْكَرَ} بدلا من "المَساجِد" يريدون: "مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ أَنْ يُذْكَر. وقال {وَسَعَى فِي خَرَابِهَآ} فهذا على "مَنَعَ" و"سَعَى"* ثم قال {أُوْلَائِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ} فجعله جميعاً لأنَّ {مَنْ} تكونُ في معنى الجماعة.

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَللَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} قال {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} لأنَّ {أَيْنَما} من حروف الجزم من المجازاة والجواب في الفاء. {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} قال {وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فرفعه على العطف كأنه انما يريد أن يقول: "إنَّما يَقُولُ كُنْ فَيكونُ" وقد يكون ايضاً رفعه على الابتداء. وقال {إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فان جعلت {يَكُون} ها هنا معطوفةً. [63ب] نصبت لأنَّ {أَنْ نَقُولَ} نصب بـ"أَنْ" كأنه يريدُ: {أَنْ نَقُولَ} {فيكونَ} . فان قال: "كيف والفاء ليست في هذا المعنى؟ فان الفاء والواو قد تعطفان على ما قبلهما وما بعدهما، وان لم يكن في معناه نحو "ما أنتَ وزيداً"، وانما يريد "لم تضرب زيداً" وترفعه على "ما أنت وما زيد" وليس ذلك معناه. ومثل قولك: "إيّاكَ والأَسَدَ". والرفع في قوله {فيَكُونُ} على الابتداء نحو قوله {لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ} وقال {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا

هُزُواً} . وقد يكون النصب في قوله {ويَتَّخَذَها} وفي {نُقِرَّ في الأرْحامِ} أيضاً على أوَّلِ الكلام. قال الشاعر فرفع على الابتداء: [من الوافر وهو الشاهد الثامن والعشرون بعد المئة] : يُعالِجُ عاقِراً أَعْيَتْ عَلَيْهِ * لِيَلْقِحَها فَيَنْتِجُها حُوارا وقال الشاعر أيضاً: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والعشرون بعد المئة] : وما هُوَ إلاّ أَنَّ أَراها فُجاءَةً * فَأَبْهَتُ حَتَّى ما أَكَادُ أُجِيبُ والنصب في قوله {فأَبْهَتُ} على العطف والرفع على الابتداء. {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} قال {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} وقد قرئت {ولا تَسْأَلُ} وكلّ هذا رفعٌ لأنه ليس بنهيٍ وإنَّما هو حال كأنه قال "ارْسَلناكَ بشيراً ونذيراً وغيرَ سائِلٍ أو غيرَ مَسؤْول" وقد قرئتا جزما جميعا [64ء] على النهي.

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَائِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} قال {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} كما يقولون: "هذا حَقٌّ عالمٍ" وهو مثل "هذَّا عالِمٌ كُلُّ عالِمٍ". {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} قال {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} أي: اختبره. و {إِبْرَاهِيمَ} هو المبتلي فلذلك انتصب. وقال {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} لأنَّ العَهْدَ هو الذي لا يَنالُهُم، وقال بعضهم {لا ينالُ عهدي الظالِمُون} والكتاب بالياء. وانما قالوا {الظالمونَ} لانهم جعَلوهُم الذينَ لا ينالون. {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} قال {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً} على {اذْكُرُواْ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [122] {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} وأُلْحِقَتْ الهاءُ في "المَثابة" لما كُثُر مَنْ يَثُوب اليه كما تقول: "نَسَّابَة" و"سيّارَة" لِمَنْ يكثُر ذلك منه.

وقال {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} يُريدُ {واتَّخَذُوا} كَأَنَّهُ يقولُ "واذْكُروا نِعْمَتي وإذْ اتَّخَذُوا مُصَلى من مَقامِ إبراهيمَ" و {اتخَِّذُوا} بالكسر وبها نقرأ لأنَّها تدلّ على الغَرْض. وقال {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} فـ {السُّجُودِ} جماعة "السَّاجد" كما تقول: "قَوْمٌ قُعُودٌ" و"جُلوسٌ". المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذابَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} قال {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} فـ {مَنْ آمَنَ} بدل على التبيان كما تقول: "أَخَذْتُ المالَ نِصْفَهُ" و"رأيتُ القومَ ناساً مِنْهُم". ومثل ذلك {يَسْئَلُونَكِ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} يريد: عنْ قِتالٍ فيه. وجعله بدلا. ومثله [64ب] {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} ومثله {قَالَ الْمَلأُ

الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} شبيه هذا ايضاً إلاّ أنه قدر فيه حرف الجرّ. وقال {وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً} على الامر {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} فجزم {فَأَمْتِعْهُ} على الأمر وجعل الفاء جواب المجازاة. وقال بعضهم {فَأُمَتِّعُهُ} وبها نقرأ رفع على الخبر وجواب المجازاة الفاء. {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قال {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ} أي كانَ إسْماعِيلُ الذي قال: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ} . {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} قال {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} وقال بعضهم {وأَرْنا} أسكنْ الراء كما تقول "قَدْ عَلْمَ ذلك "

وبالكسر نقرأ. وواحد "المناسِك": "مَنْسِك" مثل "مَسْجِد" ويقال ايضا: "مَنْسَك". المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} قال {إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} فزعم أَهل التأويل انه في معنى: "سَفَّهَ نفسَه" وقال يونس: "أُراها لُغَة". ويجوز في هذا القول: "سِفِهْتُ زَيْداً"، وهو يشبه "غِبَنَ رأيَه" و"خَسِرَ نَفْسَه" الا ان هذا كثير، ولهذا معنى ليس لذاك. تقول: "غِبَنَ فيَ رأيِهِ" و"خَسِرَ في أَهْلِهِ" و"خَسِرَ في بيعِه". وقد جاء لهذا نظير، قال: "ضُرِبَ عبدُ اللهِ الظهرَ والبَطْنَ" ومعناه: على الظهر والبطن" كما قالوا: "دَخَلْتُ البيتَ" وإنما هو "دَخَلْتُ في البيتِ". وقوله: "تَوَجَّهَ مَكَّةَ [65ء] والكُوفَةَ" وانما هو: إلى مَكَّة والكُوفَةِ. ومما يشبه هذا قول الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد السادس والخمسون] : نُغالِي اللَّحْمَ لِلأَضْيافِ نِيْئاً * وَنَبْذُلُهُ إذا نَضِجَ القُدورُ يريد: نُغالى باللحم. ومثل هذا {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ} يقول: "لأوْلادِكمُ" [و] {وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ} أي: عَلَى عُقْدَةِ النِكاحِ. وأحسن [من] ذلك أن تقول: "إنَّ سَفِهَ نَفْسَهُ" جرت مجرى "سَفُهَ" إذْ كان الفعل غير متعد، وانما عداه الى "نَفْسِه" و"رَأيِهِ" وأشباهُ ذا

مِمّا هو في المعنى نحو "سَفِهَ" اذا لم يتعد. واما "غَبِنَ" و"خَسِرَ" فقد يتعدى* الى غيره تقول: "غَبِنَ خَمْسين" و"خَسِرَ خَمْسِين". {وَوَصَّى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ} قال {وَوَصَّى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ} فهو - والله اعلم - "وقَالَ يعقوبُ يا بَنِيَّ" لانه حين قال {وَوَصَّى بِهَآ} قد أخبر انه قال لهم شيئا فأجرى الاخير على معنى الأول وان شئت قلت {وَيَعْقُوبُ} معطوف كأنك قلت: "ووصَّى بها ابراهيمُ بنيه ويعقوبُ" ثم فسر ما قال يعقوبُ، قال: "يا بني". {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ الهكَ وَاله آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ الهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} قال {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ} استفهام مستأنف. وقال {إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ} فأبْدَلَ "إذْ" الاخرة من الأولى. وقال {الهكَ وَاله آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} على البدل وهو في موضع جر إلا أَنها [65ب] أعجمية فلا تنصرف. وقوله {الهاً وَاحِداً} على الحال.

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ} يقول: "قَدْ مَضَتْ" ثم استأنف فقال: {لَهَا مَا كَسَبَتْ} . {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} قال {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} بالنصب. {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ} قال {صِبْغَةَ اللَّهِ} بالنصب. لانهم حين قالوا* لهم {كُونُواْ هُوداً} [135] كأنه قيل لهم: "اتَّخِذُوا هِذِهِ المِلَّةَ" فقالوا: "لا {بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} أي: نَتَّبِعُ مِلَّةَ إبْراهيم، ثم أبدل "الصِّبْغَةَ" من "المِلَّة" فقال {صِبْغَةَ اللَّهِ} بالنصب. او يكون أراد: "كونوا أصحابَ مِلَّةٍ" ثم حذف "أَصْحاب" كما قال: {ولكنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} يريد: "بِرَّ مَنْ آمَن باللهِ". والصِِّبْغَةُ: هي الدين. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} قال {أَتُحَآجُّونّا} مثقلة لأنهما حرفان مثلان فأدغم أحدهما في الآخر، واحتمل الساكن

قبلهما اذ كان من حروف اللين، وحروف اللين الياء والواو والالف اذا كن سواكن. وقال بعضهم {أتُحاجُّوننا} فلم يدغم ولكن أخفى فجعل حركة الأولى خفيفة وهي متحركة في الوزن، وهي في لغة الذين يقولون: "هذِهِ مِئَةُ دِّرْهَمٍ" يشمون شيئاً من الرفع ولا يبينون وذلك الاخفاء. وقد قرىء هذا الحرف على ذلك {مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} بين الادغام والاظهار. ومثل ذلك {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} وأشباه هذا كثير وادغامه أحسن [66ء] حتى يسكن الأول. {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} قال {أَمْ يَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ} قال بعضهم {أَمْ تَقُولُونَ} على {قُلْ أَتُحاجّونَنا} و {أَمْ تَقُولُونَ} . ومن قال {أَمْ يَقُولُونَ} جعله استفهاما مستأنفا كما تقول: "إنَّها لإِبِلٌ" ثم تقول: "أَمْ شاءٌ".

{سَيَقُولُ السُّفَهَآءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} قال {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً} يعني "القِبْلَةَ" ولذلك أنث. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَآ أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} قال {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ} لأنْ معنى قوله {وَلَئِنْ أَتَيْتَ} . ولو أَتَيْتَ. الا ترى أنك تقول: "لَئِنْ جِئْتَنِي ما ضَرَبْتُكَ" على معنى "لَوْ" كما قال {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ} يقول: "وَلَو أَرْسَلْنا رِيحاً" لان معنى "لَئِنْ" مثل معنى "لَوْ" لأنّ "لَوْ" لم تقع وكذلك "لَئِنْ" كذا يفسره المفسرون. وهو في الاعراب على أَنَّ آخرَهُ معتمد لليمين كأنه قال "والله ما تَبِعُوا" أي: ما هم بمتَّبِعين. {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} قال {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ} على ضمير الاسم ولكن استُغْنِيَ عنه لما ذكره كأنه قال. "هُوَ الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ".

{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قال {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} على: "ولِكل أمَّةٍ وُجْهَةٌ" وقد قال قوم {وَلِكُلِّ وُجْهَةٍ} فلم ينونوا "كلّ". وهذا لا يكون لانك لا تقول: "لِكُلِّ رَجُلٍ هُو ضارِبُه". ولكن تقول: لِكُلِّ رَجُلٍ ضارِبٌ" فلو كان "هُوَ مُوَلٍّ" كان كلاما. فأما "مُولِّيها" على وجه ما قرأ فليس بجائز. O0المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [66ب] وقال {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ} فهذا معنى "لكنّ". وزعم يونس انه سمع اعرابياً فصيحا يقول: "ما أشْتَكِي شَيْئاً إلاَّ خَيْراً" وذلك أنه قيل له: "كَيْفَ تَجِدُكَ". وتكون "إلاّ" بمنزلة الواو نحو قول الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثلاثون بعد المئة] : وأَرى لَها دَاراً بأَغْدِرَةِ السـ * ـيِدانِ لم يَدْرُسْ لَها رَسْمُ إلاّ رَماداً هامِداً دَفَعَتْ * عَنْهُ الرياحَ خَوالِدٌ سُحْمُ أراد: أرى لَها داراً ورماداً. وقال بعضُ أهْلِ العِلم ان الذين ظلموا ها هنا هم ناس من العرب كانوا يهوداً أو نصارى، فكانوا يحتجون على النبي صلى الله عليه، فاما سائر العرب فلم يكن لهم حجة وكانت حجة من يحتج منكسرة. الا انك تقول لمن تنكسر حجته "ان لك علي الحجة ولكنها منكسرة وانك تحتج بلا حجة وحجتك ضعيفة". وقال {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ}

يقول: "لأنْ لا يَكُونَ للناسِ عَلَيْكُمْ حُجة ولأُتِمَّ نِعْمَتي عَلَيكُم" عطف على الكلام الأول. {كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} قوله {كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [152] اي كما فعلت هذا فاذكروني. {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} قال {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللَّهِ [67ء] أَمْوَاتٌ} على: وَلا تَقُولُوا هُمْ أمواتٌ. وقال {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً} نصب على "تَحْسَبُ"، ثم قال {بِلْ أَحْياءٌ} أي: بلْ هُمْ أحياءٌ. ولا يكون أنَ تجعله على الفعل؛ لأَنهُ لو قال: "بلْ احْسبُوهم أحياءَ" كان قد أمرهم بالشك.

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} قال {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} "إطَّوَّفَ" "يَطَّوّفُ"؛ وهي من "تَطَوَّفَ". فأدغم التاء في الطاء، فلما سكنت جعل قبلها الفا حتى يقدر على الابتداء بها. وانما قال {لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} لان ذلك كان مكروها في الجاهلية في الجاهلية فأخبر أنه ليس بمكروه عنده. {إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} قال {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} لانه اضاف اللعنة ثم قال {خَالِدِينَ فِيهَا} [162] نصب على الحال. {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} قال {وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ إِنَّ الْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً} فـ"إنَّ" مكسورة على الابتداء اذْ قال {وَلَوْ تَرى} . وقال بعضهم

{ولو يَرى الذين ظلموا اذْ يَرَوْنَ العذاب أن القوةَ لِلّهِ جَميعاً} يقول: "وَلَوْ يَرَوْنَ أَنَّ القُوَّةَ لِلّه" أي: "لَوْ يَعْلَمون" لانهم لم يكونوا علموا قدر ما يعاينون من العذاب، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم. فاذا قال {وَلَوْ تَرى} فانما يخاطب النبي صلى الله عله وسلم ولو كسر "إنّ" اذْا قال {وَلَوْ يَرى الذينَ ظَلَمُوا} على الابتداء جاز لو يرى أو يعلم. وقد تكون في معنى لا يحتاج معها الى شيء تقول [67ب] للرجل: "أما وَاللهِ لَوْ تَعْلَم" و"لَوْ يَعْلَم" قال الشاعر: [من الخفيف وهو الشاهد الحادي والثلاثون بعد المئة] : إنْ يَكُنْ طِبَّكِ الدَّلالُ فَلَوْفِي * سالِفِ الدَّهْرِ والسنينَ الخَوالِي فهذا ليس له جواب إلاّ في المعنى. وقال: [من الخفيف وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد المئة] : فَبِحَظٍّ مِمَا تَعيشُ ولا تَذْ * هَبْ بِكَ التُّرهاتُ في الأَهْوالِ فأضمر "فعيشي". وقال بعضهم {وَلَوْ تَرى} وفتح {أَنَّ} على {تَرى} وليس ذلك لان النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعلم، ولكن أراد [أن] يُعْلِمَ ذلك َ الناسَ كما قال {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} ليخبر الناس عن جهلهم وكما قال {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} .

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} قال {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} وانما هي "المَيِّتَةُ" خففت وكذلك قوله {بَلْدَةً مَيْتاً} يريد به "ميّتا" ولكن يخففون الياء كما يقولون في "هيّن" و"ليّن": هَيْن" و "لَيْن" خفيفة. قال الشاعر: [من الخفيف وهو الشاهد الثالث والثلاثون بعد المئة] : لَيْسَ مَنْ ماتَ فاستراحَ بِمَيْتٍ * إنَّما المَيْتُ مَيِّتُ الأحْياءِ فثقل وخفف في معنى واحد. فاما "الميتة" فهي الموت. {أُولَائِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} قال {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} فزعم بعضهم أنه تعجب منهم كما قال {قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ} تعجبا من كفره. وقال بعضهم {فَمَآ أَصْبَرَهُمْ} أي: ما أَصْبَرَهُم، و: ما الذي أَصْبَرهم. {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} قال [68ء] {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} فالخبر مضمر كأنه يقول: "ذلك معلوم لهم بأن الله نزل الكتاب" لأنه قد

أخبرنا في الكتاب أن ذلك قد قيل لهم فالكتاب حق. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ولكنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَآءِ والضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَائِكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} قال {ولكنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} ثم قال {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} فهو على أول الكلام "ولكنَّ البرَّ برُّ مَنْ آمَنَ باللهِ وأقامَ الصلاةَ وآتى الزكاةَ" ثم قال {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ} فـ" {المُوفُونَ} رفع على "ولكنَّ الموفين"* يريد "بِرَّ الموفين" فَلَما لم يذكر "البرَّ" أقام {الموفونَ} مقام البرّ كما قال {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} فنصبها على {اسأل} وهو يريد "أهلَ القرية"، ثم نصب {الصَّابِرِينَ} على فعل مضمر كما قال {لَّاكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ} ثم قال {وَالْمُقِيمِينَ} فنصب على فعل مضمر ثم قال {وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} فيكون رفعا على الابتداء أو بعطفه على "الراسخين". قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع والستون] : لا يَبْعُدَنْ قَوْمِي الذينَ هُمُ * سُمُّ العُداةِ وآفَةُ الجَزْرِ النَازِلينَ بِكُلِّ مُعْتَرَكٍ * والطَّيِّبُونَ معاقدَ الأُزْر ومنهم من يقول "النازلون" و"الطيبين". ومنهم من يرفعهما جميعا وينصبهما جميعا [68ب] كما فسرت لك. ويكون {الصَّابِرِينَ} معطوفا على ذَوِي الْقُرْبَى} {وَآتَى الصَّابِرِينَ} .

وقال {فِي الْبَأْسَآءِ والضَّرَّاءِ} فبناه على "فَعْلاء" وليس له "أَفْعَلُ" لانه اسم، كما قد جاء "أَفْعَل" في الأسماء ليس معه "فَعْلاء" نحو "أَحْمَدُ". وقد قالوا "أَفْعَلُ" في الصفة ولم يجىء له "فَعْلاءُ"، قالوا: "أَنْتَ مِنْ ذاكَ أَوْجلُ" و"أَوْجَرُ" ولم يقولوا: "وَجْلاءُ" ولا "وَجْراءُ" وهما من الخوف. و [منه] "رجلٌ أَوْجَلُ" و"أَوْجَرُ". {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذلك تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلك فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} أي: "فعليه اتباعٌ بالمعروف أوْ أدَاءٌ إلَيْهِ بإحْسان" على الذي يُطْلَبُ. {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} قال {إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} فـ {الْوَصِيَّةُ} على الاستئناف، كأنه - والله أعلم - {إِن تَرَكَ خَيْراً} فَالوصية {لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً} .

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} قال {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} . {أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ثم قال {أَيَّاماً} أيْ: كُتِبَ الصِّيامُ أياماً. لأَنَّك شَغَلْتَ الفعل بالصيامِ حتى صار هو يقوم مقام الفاعل، وصارت الأيَّامُ كأنك قد ذَكَرْتَ مَنْ فَعَلَ بِها. وقال {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يقول "فعَلَيْهِ عِدَّةٌ" رفع، وإنْ شِئْتَ نَصَبْتَ "العِدَّةَ" على "فَلْيَصُمْ عِدَّةً" إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُقرأ. وقال {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} وقد قرئت {فِدْيةُ طَعامِ مِسكين} وهذا ليس بالجيد، انما الطعام تفسير للفدية، وليست الفدية بمضافة الى الطعام. وقوله {يُطِيقُونَهُ} يعني الصيام. وقال بعضهم {يُطَوَّقُونَه} أي يتكلّفون الصيام. ومن قال {مَساكِين} فهو يعني جماعة الشهر لان لكل يوم مسكينا. ومن قال {مِسْكين} فانما أخبر ما يلزمه في ترك اليوم الواحد. وقال {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} لان "أن" الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة الاسم كأنه قال: "والصيامُ خَيْرٌ لكم". {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ} وهو معطوف على ما قبله كأنه قال "وَيَريدُ لِتُكْمِلُوا العِدَّة" {وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ} . [69ء] وأما قوله {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} فانما معناه يريد هذا ليبين لكم. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع والثلاثون بعد المئة] :

أُرِيدُ لأَنْسى ذِكْرَها فَكَأنما * تَمَثَّلُ لِي لَيْلى بِكُلِّ سَبيلِ فمعناه: أريد هذا الشيء لأنسى ذكرها "أَوْ يَكُونُ أَضْمَر" "أَنْ" بعد اللام وأوصَلَ الفعلَ إلَيْها بحرف الجر. قال {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ} فعدّى الفعل بحرف الجر، والمعنى: عَرَّفَهم الاختلافَ حتى تركوه".

ثم قال {شَهْرُ رَمَضَانَ} على تفسير الايام، كأنه حين قال {أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ} فسرها فقال: "هِيَ شَهْرُ رَمَضَانَ". وقد نصب بعضهم {شَهْرَ رَمَضانَ} [وذلك] * جائز على الامر، كأنه قال: "شَهْرَ رَمضانَ فصُوموا"، أو جعله ظرفا على {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} {شَهْرُ رَمَضَانَ} [69ب] اي: "في شَهْرِ رَمضانَ" و"رَمَضَان" في موضع جر لأن الشهر أضيف اليه ولكنه لا ينصرف. وقال {الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى} فموضع {هُدىً} و {بَيِّناتٌ} نصب لانه قد شغل الفعل بـ {الْقُرْآنُ} وهو كقولك: "وجد عبد الله ظريفا". وأما قوله {وَالْفُرْقَانِ} فجرّ على "وبيناتٍ من الفرقان".

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} قوله {يَرْشُدُونَ} لأنها من: "رَشَدَ" "يَرْشُد" ولغة للعرب "رَشِدَ" "يَرْشَد" وقد قرئت {يُرْشَدُون} . {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قال {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} جزم على العطف ونصب اذا جعله جوابا بالواو. {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ولكنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} قال {هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} فجر {الحَجّ} لأنه عطفه على "الناس" فانجر باللام. وقال {ولكنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} يريد "بِرّ مَنْ اتقَّى".

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أما قوله {فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يريد: فإنَّ اللهَ لهم.

{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للَّهِ فَإِنِ انْتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} قوله {فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} لانه يجوز ان يقول {إِنِ انتَهَوْاْ} وهو قد علم انهم لا ينتهون الا بعضهم فكأنه قال: "إن انتهى بعضهم فلا عدوان إلا على الظالمين منهم" فأضمر. كما قال {فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ} [196] أي: فَعَليه ما استيسر كما تقول "زيدا أكرمت" وأنت تريد "أكرمته" وكما تقول "إلى مَنْ تَقْصُد أقصد" تريد "إليه". {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} أما قوله {فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ} فان الله لم يأمر بالعدوان، وانما يقول: "إِيتوا إليهم الذي كانَ يُسمى بالاعتداء" أي: افعلوا بهم كما فعلوا بكم، كما تقول: "إنْ تَعاطَيْتَ مني ظُلْما [70ء] تعاطَيْتُهُ مِنْكَ" والثاني ليس بظالم. قال عَمْرُو بن شَأس: [من الطويل وهو الشاهد السادس والثلاثون بعد المئة] : جَزَيْنا ذَوِي العُدْوانِ بالأَمْسِ مِثْلَهُ * قَصاصاً سَواءً حَذْوَكَ النَّعْلَ بالنَّعْلِ المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} يقول: "إلَى الهَلَكَةِ". والباء زائدة نحو زيادتها في قوله {تَنبُتُ بِالدُّهْنِ} وانما هي: تنبت الدهن. قال الشاعر: من الطويل وهو الشاهد الخامس والثلاثون بعد المئة] : كَثِيراً بما يَتْرُكْنَ في كُلِّ حُفْرَةٍ * زفيرَ القواضِي نَحْبَها وَسُعالَهَا يقول: "كثيراً يَتْرُكْنَ" وجعل الباء و"ما" زائدتين. {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذلك لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أما قوله {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} فلأنك تقول: "أحصَرَني بَوْلي" و"أحصرني مَرضِي" أي: جعلني أحْصُرُ نفسي. وتقول: "حَصَرْتُ الرجل" أي: حبسته، فهو "مَحْصور". وزعم يونس عن ابي عمرو انه يقول: "حَصَرْتُهُ [إذا منعته] * عن كُلِّ وَجْهٍ" وإذا منعته من التقدم خاصة فقد "احْصَرْتُهُ"، ويقول بعض العرب في المرض وما اشبهه من الاعياء والكلال: "أَحْصَرْتُهُ". وقال {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ} أي: فعليه فدية.

وقال {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [70ب] تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} فانما قال {عَشْرَةٌ كَامِلَةٌ} وقد ذكر سبعة وثلاثة ليخبر انها مجزية، [و] وليس ليخبر عن عدتها، ألا ترى أن قوله {كَامِلَةٌ} إنما هي "وافية". وقد ذكروا أَنَّهُ في حرف ابْنِ مَسْعودٍ {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} أُنْثى وذلك أن الكلام يؤكد بما يستغنى به عنه كما قال {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} . وقد يستغنى بأحدهما، ولكن تكرير الكلام كأنه أوجب. الا ترى أنك تقول: "رأيت أَخَويكَ كِلَيْهِما" ولو قلت: "رأيت أخويك" أستغنيت فتجيء بـ"كليهما" توكيدا. وقال بعضهم في قول ابن مسعود "أُنْثى" انه انما اراد "مُؤَنَّثَةَ" يصفها بذلك لان ذلك قد يستحب من النساء. وقال {ذلك لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} واذا وقفت قلت: "حاضري" لان الياء انما ذهبت في الوصل لسكون اللام من "المسجد"، وكذلك {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} وقوله {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} و {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} وأشباه هذا مما ليس هو حرف اعراب. وحرف الاعراب الذي يقع عليه الرفع والنصب والجر ونحو "هو" و"هي"، فاذا وقفت عليه فانت فيه بالخيار ان شئت الحقت الهاء وان شئت لم تلحق. وقد قالت العرب في نون الجميع ونون الاثنين في الوقف [71ء] بالهاء فقالوا: "هُما رَجُلانِه" و"مُسْلِمُونَهُ" و"قد قُمْتُهْ" اذا

أرادوا: "قَدْ قُمْتُ" وكذلك ما لم يكن حرف اعراب الا ان بعضه أحسن من بعض، وهو في المفتوح اكثر. فاما "مَرَرْتُ بأَحْمَرَ" و"يَعْمَرَ" فلا يكون الوقف في هذا بالهاء لان هذا قد ينصرف عن هذا الوجه. وكذلك ما لم يكن حرف اعراب ثم كان يتغير عن حاله فانه لا تلحق فيه الهاء اذا سُكِتَ عليه. واما قوله {إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} فاذا وقفت قلت "تَبُوءْ" لأَنها "أَنْ تَفْعَلَ" فاذا وقفت على "تَفْعَل" لم تحرّك. قال {وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا} اذا وقفت عليه لانه "أَنْ تَفَعَّلا" وأنت تعني فعل الاثنين فهكذا الوقف عليه قال {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} فاذا وقفت قلت: "مبوّأْ" ولا تقول "مبوّءا" لانه مضاف، فاذا وقفت عليه لم يكن ألف. ولو أثبت فيه الالف لقلت في وقف {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} : "محلين" ولكنه مثل "رأيتُ غُلامي زيد" فاذا وقفت قلت: "غلامي". وقال {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} فاذا وقفت قلت: "تراءَى" ولم تقل: "تراءيا" لانك قد رفعت الجمعين بذا الفعل، ولو قلت: "تراءيا" كنت قد جئت باسم مرفوع بذا الفعل وهو الالف ويكون قولك "الجَمْعانِ" [71ب] ليس بكلام الا على وجه آخر.

{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنْتُمْ مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ} قال {فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} فصرف "عَرفاتٍ" لانها تلك الجماعة التي كانت تتصرف، وانما صرفت لأن الكسرة والضمة في التاء صارت بمنزلة الياء والواو في "مِسلمين" و"مُسلمون" لانه تذكيره، وصارت التنوين في نحو "عَرَفاتٍ" و"مُسْلِماتٍ" بمنزلة النون. فلما سمي به ترك على حاله كما يترك "مسلمون" اذا سمي به على حاله حكاية. ومن العرب من لا يصرف [ذا] اذا سمي به ويشبه التاء بهاء التأنيث [في] نحو "حَمْدَةَ" وذلك قبيح ضعيف. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع والثلاثون بعد المئة] : تَنَوَّرْتُها من أَذْرِعاتٍ وأَهلُها * بيثربَ أَدْنى دارِهَا نظرٌ عالِ ومنهم من لا ينوّن "اذْرِعات"* ولا "عانات" وهو مكان.

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُوآ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} قال {وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} كأنه حين ذكر هذه الرخصة قد أخبر عن أمر فقال {لِمَنِاتَّقَى} : أَي: ذلك لمن اتقى. {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} قال {وَيُشْهِدُ اللَّهَ على ما فِى قَلْبِهِ} اذا كان هو يشهد وقال بعضهم: {وَيَشْهَدُ اللهُ} أي إن الله هو الذي يشهد. وقال {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} من "لَدِدْتُ" "تَلَدُّ" و"هو أَلَدُّ" و"هُمْ قَوْمٌ لُدٌّ" و"امْرَأَةٌ لَدّاءُ" و"نسوةٌ لُدُّ". {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} قال {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} يقول: "يَبيعُها" كما تقول: "شَرَيْتُ هذا المتاعَ" أي: بِعْتُهُ [72ء] و "شَرَيْتُهُ"": اشْتَرَيتهُ أيضاً، يجوز في المعنيين جميعا، كما تقول: "إنَّ الجِلَّ لأَفْضَلُ المَتاعِ"،

و"إنَّ "الجِلَّ لأَرْدَؤُهُ"، وعلى ذلك يجوز مع كثير مثله. وكذلك "الجَلَلُ" يكون العظيمَ ويكون الصغيرَ. وكذلك "السَّدَفُ" يكون الظُلْمةَ والضَوْءَ. وقال الشاعر: [من الرمل وهو الشاهد الثامن والثلاثون بعد المئة] : وأَرى أَربْدَ قد فارَقَني * ومن الآرْزاءِ رُزْء ذُو جَلَل أي: عظيم. وقال الآخر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والثلاثون بعد المئة] : ألا إنَّما أَبْكي لِيَوْمٍ لقِيتُه * بِجُرْثُمِ صادٍ كلُّ ما بَعْدَهُ جَلَلَ أي: صغير. وأما قوله {ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} فان انتصابه على الفعل وهو على "يَشْرِي" كأنه قال "لابتِغاءِ مَرْضاةِ الله" فلما نزع اللام عمل الفعل. ومثله {حَذَرَ الْمَوْتِ} وأشباه هذا كثير. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الاربعون بعد المئة] : واغْفِرُ عَوْراءَ الكرِيم ادّخارَه * وَأُعْرِضُ عَنْ شَتِم اللئيمِ تَكَرُّما لما حذف اللامَ عمل فيه الفعل. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}

قال {ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً} و"السِّلْمُ": الإِسْلامُ. وقوله {وَتَدْعُواْ إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} ذلك: الصُلْح. وقد قال بعضهم في "الصلح": "السِّلم. وقال {وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} وهو الاستسلام. وقال {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً} أي: قالوا "بَراءَةً مِنْكُم" [72ب] لأنّ "السَّلام" في بعض الكلام هو: البراءة. تقول: "إنّما فلانٌ سَلامٌ بِسلام" أي: لا يُخالِطُ إِحداً. قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الحادي والاربعون بعد المئة] : سَلامَكَ رَبَّنا في كلِّ فَجْرٍ * بَريئا ما تَغَنَّثُكَ* الذُّمومُ يعني تَأَوَّبكَ، يقول: "براءَتَكَ". وقال {إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً

قَالَ سَلاَمٌ} وهذا فيما يزعم المفسرون: قالوا خيراً. كأنه - والله اعلم - سمع منهم التوحيد فقد قالوا خيرا، فلما عرف انهم موحدون قال: "سلامٌ عَلَيْكُم" فسلمَ عليهم. فهذا الوجه رفع على الابتداء. وقال بعضهم: "ما كان من كلام الملائكة فهو نصب وما كان من الانسان فهو رفع في السلام". وهذا ضعيف ليس بحجة. وقال {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ} فهذا يجوز على معنى: "سلامٌ عَلَيْكُم" في التسليم. او يكون على البراءة الا انه جعله خبر المبتدأ كأنه قال "أمِري سَلامٌ". اي: أمري براءة منكم، وأضمر الاسم كما يضمر الخبر. وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع عشر] : فَيا ظَبْيَةَ الوَعْساءِ بَيْنَ جَلاجِلٍ * وَبَينَ النَّقا آأَنْتِ أَمْ أُمُ سالِمِ على: "أَأَنْتِ هِي أَمْ أم سالِمِ" أيْ: أَشْكَلْتِ عليَّ بِشَبَهِ أمِّ سالِمِ بِكِ. وكل هذا قد اضمر الخبر فيه. ومثل ذلك {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم [73ء] مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَائِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ} فلما قال {أُوْلَائِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ} كان فيه دليلٌ* على معنى {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ} "ومن أنفق من بعد الفتح" أي لا يستوي هؤلاء وهؤلاء. وقال {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} لان كل اسم على "فُعْلَة" خفيف اذا جمع حرك ثانية بالضم نحو" ظُلُمات" و"غُرُفات" لان مخرج الحرفين بلفظ واحد اذا قرب أحدهما من صاحبه [كان] ** أيسر عليهم. وقد فتحه بعضهم فقال: "الرُكَبات" و"الغُرفاَت" و"الظُلُمات"، واسكن بعضهم ما كان من الواو كما يسكن ما كان من الياء نحو "كُلْيات" أسكن اللام لئلا تحوّل الياء واوا فاسكنها في "خُطْوات"

لان الواو اخت الياء. وما كان على "فَعْلة" نحو: "سَلْوَة" و"شَهْوَة" حرّك ثانية في الجمع بالفتح نحو "سَلَوات" و"شَهَوات" فاذا كان أوله مكسورا كسر ثانيه نحو "كِسْره" و"كِسِرات"، و"سِدْرة"، و"سِدِرات". وقد فتح بعضهم ثاني هذا كما فتح ثاني المضموم واستثقل الضمتين والكسرتين. وما كان من نحو هذا ثانيه واو أو ياء أو التقى فيه حرفان من جنس واحد لم يحرّك، نحو: "دُوْمَة" و"دُومات"، و"وعُوذَة" و"عوذات" وهي: المعاذة، و"بَيْضَة" و"بَيْضات" [73ب] ، و"مَيْتةَ" و"مَيْتات". لان هذا لو حرّك لتغير وصار الفا فكان يغير بناء الاسم فاستثقلوا ذلك. وقالوا: "عِضَةٌ" و"عِضات" فلم يحركوا لان هذا موضع تتحرك فيه لام الفعل فلا يضعف ولولا انه حرك لضعف وأكثر [ما] في "الظُلُمات" و"الكِسِرات" وما أشبههما ان يحرك الثاني على الأول. وقد دعاهم ذلك إلى أَن قالوا "أذْكُر" فضموا الالف لضمة الكاف وبينها حرف فذلك أخلق. وقد قال بعضهم: "أَنَا أُنْبُوك" و"أَنا أُجُوك" فضم الباء والجيم لضمة الهمزة ليجعلها على لفظ واحد، فهذا اشد من ذاك. وقال: "هذا هُو مُنْحَدُرٌ من الجَبَل" يريد "مُنْحَدَرٌ" فضم الدال لضمة الراء، كما ضم الباء والجيم في "أُنْبُوكَ" و "أُجُوكَ".

{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} قال {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} على "وفي الملائكة". وقال بعضهم {وَالْمَلائِكَةِ} أي: وتأتيهم الملائكةُ. والرفع هو الوجه وبه نقرأ. لانه قد قال ذلك في غير مكان قال {وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ} وقال {إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} و"المَلَكُ" في هذا الموضع جماعة كما تقول: "أَهْلَكَ الناسَ الدينارُ والدرهَمُ" و"هَلَكَ البَعِيرُ والشَّاءُ" تريد*: جماعة الابل والشاء. وقوله {إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} يعني أمرهُ، لأَنّ [74ء] اللهَ تبارك وتعالى لا يزُولُ كما تقول: "قَدْ خَشِينا أنْ تَأْتِينَا بنُو أُمَيَّة". وانما تعني حكمهم. {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} قال {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} يقول: "وما اختَلَفَ فيه إلاَّ الذينَ أُوتُوهُ بَغْياً بَيْنَهُمْ مِنْ بعدِ ما جاءَتْهُمْ البَيِّناتُ". المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} قال {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} وقال بعضهم {حَمَلَتْهُ أُمه كَرْها} وقال بعضهم:

{كُرْها} وهما لغتان مثل "الغُسْل" و"الغَسْل"، و"الضُعْف" و"الضَّعْف" الا أنه قد قال بعضهم انه اذا كان في موضع المصدر كان "كُرْهاً" كما تقول: "لا تقوم الا كَرْهاً" وتقول: "لا تقوم الا على كُرْهٍ" وهما سواء مثل "الرُّهْبِ" و"الرَّهْبِ" وقال بعضهم: "الرَّهَب" كما قالوا: "البُخْل" و"البَخْل" و"البَخَل". وانما قال {كُرْهٌ لَكُم} أي: ذُو كُرْهٍ وحذف "ذو" كما قال {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} . {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلائِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} قال: {وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} . وقال: {وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} على "وَصدٌّ عن المَسْجِدِ الحرامِ". ثم قال: {وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ} على الابتداء. وقال: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهْوَ كَافِرٌ فَأُوْلائِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} فضعَّف لأن أهل الحجاز اذا اكنت لام الفعل ساكنة ضعفوا وهي ها هنا ساكنة أسكنها بالجزاء. [74ب] وقال: {وَمَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ} فلم يضاعف في لغة من لا يضاعف لأن من لا يضاعف* كثير.

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلك يُبيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} قال: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} اذا جعلت {ماذا} بمنزلة (ما) . وان جعلت {ماذا} بمنزلة "الذي" قلت: {قُلْ الْعَفْوُ} والأُولى منصوبة وهذا مرفوعة كأنه قال: {ما الذي يُنْفِقُون} فقال: "الذي يُنْفِقونَ العفُو". واذا نصبت فكأنه قال: "ما يُنْفِقُونَ" فقال: "يُنْفِقُونَ العَفْوَ" لأن {ما} اذا لم تجعل بمنزلة "الذي" فـ"العَفْو" منصوب بـ"يُنْفِقُون". وان جعلت بمنزلة "الذي" فهو مرفوع بخبر الابتداء كما قال {مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} جعل {مَّاذَآ} بمنزلة "الذي" وقال {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً} جعل {ماذا} بمنزلة "ما". وقد يكون اذا جعلها بمنزلة "ما" وحدها الرفع على المعنى. لانه لو قيل له: "ما صَنَعْتَ"؟ فقال: "خيرٌ"، أي: الذي صنعت خيرٌ، لم يكن به بأس. ولو نصبت اذا جعلت "ذا" بمنزلة "الذي" كان ايضاً جيدا لانه لو قيل لك: "ما الذي صنعت" فقلت: "خيراً" أي: صنعتُ خيراً. كان صوابا. قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثلاثون] : دَعِي ماذا عَلِمْتُ سَأَتَّقِيهِ * ولكِنْ بِالمُغَيَّبِ نَبئِّيني [75ء] جعل "ما" و"ذا" بمنزلة "ما" وحدها، ولا يجوز ان يكون "ذا" بمنزلة

"الذي" في هذا البيت لانك لو قلت: "دعي ما الذي علمت" لم يكن كلاما. وقال أهل التأويل في قوله {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} لأن الكفار جَحَدوا أَنْ يكونَ ربهم أنزل شيئا فقالوا لهم: "ما تقولونَ أنتُم أساطيرُ الأوَّلينَ" أي: "الذي تقولونَ أَنْتُم أَساطيرُ الأولينَ" ليس على "أَنَزَلَ ربُّنا أساطيرَ الأولين". وهذا المعنى فيما نرى والله أعلم - كما قال {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [220] أي: فهم اخوانكم. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} قال {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} وهو: الحَيْضُ. وإِنما أكثر الكلام في المصدر إِذا بني هكذا أَنْ يَرادَ به "المَفْعَل" نحو قولك: "ما في بُرِّكَ مَكَالٌ" أي: كَيْلٌ. وقد قيلت الأخرى أي: قيل "مَكِيلٌ" وهو مثل "مَحِيضٍ" من الفعل اذا كان مصدرا للتي في القرآن وهي اقل. قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثاني والاربعون بعد المئة] : بُنِيَتْ مَرافِقُهُنَّ فَوْقَ مَزِلَّةٍ * لا يَسْتَطِيعُ بِها القُرادُ مقيلا يريد: "قَيْلُولَةً". وتقول: "جِئْتُ مَجيئاً حَسَناً". فبنوه على "مَفْعِل" وهو مصدره. وقال {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} لانك تقول: "طَهَرَتْ المرأةُ" فَـ"هِيَ تَطْهُرُ". وقال بعضهم "طَهُرَت". وقالوا: "طَلَقَتْ" "تَطْلُق" [75ب] "و "طَلُقَت" "تَطْلُقُ" ايضا. ويقال للنفساء اذا اصابها النفاس: "نُفِسَت" فاذا أصابها الطَلْقُ [قيل] : طُلِقَتْ".

{لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} قال {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالَّلغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} نقول: "لَغَوْتُ في اليمين" فَـ"أَنا أَلغْو" "لَغْواً" ومن قال: "هو يَمْحا" قال: "هَو يَلْغا" "لَغْواً" و"مَحْواً". وقد سمعنا ذلك من العرب. وتقول: "لَغِيتُ باسمِ فلانٍ" فـ"أَنَا ألْغى به" "لَغَى" أي: أَذْكُرُهُ. {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُو فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} قال {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ} تقول: "آلى* مِن امرأَتِهِ" "يُؤْلي" "إيْلاءً" و"ظاهَرَ مِنْها" "ظِهاراً" كما تقول: "قاتَلَ" "قِتالاً". {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ} جعل ذلك لهم أجلا {فَإِنْ فَآءُوا} يعني: "فان رَجِعُوا" لأنك تقول: "فِئْتُ إلى الحَقِّ". المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} قال {ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} ممدودة مهموزة وواحدها "القَرْءُ" خفيفة مهموزة مثل: "القَرْع" وتقول: "قَدْ أَقْرَأَتِ المَرأَةُ" "إِقْراءً" بالهمز، إذا صارت صاحبة حيض. وتقول: "ما قَرَأَتْ حَيْضَةً قَطْ" مثل: "ما قَرَأَتْ قُرآناً". و: "قَدْ قَرَأَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضتَيْنِ" بالهمز، و"ما قَرَأَتْ جَنِينا قطُّ" مثلها. أي: ما حَمَلَتْ. و"القَرْءُ": انْقْطَاعُ الحَيْض. وقال بعضهم: "ما بَيْنَ الحَيْضَتَيْن قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثالث والاربعون بعد المئة] :

[76ء] ذِراعَيْ بَكْرَةٍ أَدْماء بَكْرٍ * هِجانِ اللَّوْنِ لَمْ تَقْرأ جَنينا وأما قول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع والاربعون بعد المئة] : فَتُوضِحَ فالمِقراةَ لَمْ يَعْفُ رَسْمُها * لِما نَسَجَتْها مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ فان "المِقرْاة": المَسِيل وليس بمهموز. {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلك يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذالِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} قال {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} ينهى أزواجهن أن يَمْنَعُوهن من الازواج. وقال {ذلك يُوعَظُ بِهِ} و {ذالِكُمْ [77ء] أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} لانه خاطب رجالا، وقال في موضع آخر "ذلِكُنَّ الذي لُمْتُنَّني فيه" لانه خاطب نساء، ولو ترك "ذلك " ولم يلحق فيها أسماء الذين خاطب كان جائزا. وقال {مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} ولم يقل {ذَلِكُنَّ} وقال {فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} . وقال في المجادلة {ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ} وليس بأبعد من قوله {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} فخاطب ثم حدّث عن غائب لان الغائب هو الشاهد في ذا المكان. وقال {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً} . {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلك فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} قال {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} لانه يقول: "بيني وَبَيْنَكَ رَضاعَةٌ" و"رَضاعٌ" وتقول: "اللُّؤمُ والرَّضاعَةُ" وهي في كل شيء مفتوحة. وبعض بني تميم يكسرها اذا كانت في الارتضاع يقول "الرِّضاعة". وقال {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ} رفع على الخبر يقول: "هكذا في الحكم أنه لا تضارُّ والدةٌ بولدها"

يقول: "يَنْبَغي" فلما حذف "يَنْبَغي" وصار "تُضارُّ" في موضعه صار على لفظه. ومثله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} [234] فخبر {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ} {يَتَرَبَّصْنَ} [234] بَعْدَ مَوْتِهِم" ولم يذكر "بَعْدَ مَوْتِهِمْ" كما يحذف بعض الكلام يقول: "يَنْبَغي لَهُنَّ أَنْ يَتَرَبَّصْنَ" فَلَما حذف "يَنْبغي" وقع "يَتَرَبَّصْنَ" موقعه*. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الخامس والاربعون بعد المئة] : على الحَكَمِ المَأْتِيِّ يَوْماً إذا قضى * قَضِيَّتَهُ أنْ لا يَجُورَ وَيَقْصِدُ [76ب] فَرَفَعَ "وَيَقْصِدُ" على قوله: "وَيَنْبَغي". ومن جعل {لاَ تُضَآرّ} على النهي قال {لاَ تُضَآرَّ} على النصب وهذا في لغة من لم يضعف فاما من ضعف فانه يقول {لا تضارَرْ} اذا أراد النهي لان لام الفعل ساكنة اذا قلت "لا تُفاعَلْ"** وأنت تَنهي. الا ان "تضارَ" ها هنا غير مضعفة لان ليس في الكتاب الا راء واحدة.

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} قال {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَآءِ} فـ"الخِطْبَةِ" الذِكر، و "الخُطْبَةَ": التَشَهُّد. وقال {ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} لانه لما قال {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} كأنه قال: "تذكرون {ولكن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ} استثناء خارج على "ولكنْ". {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} قال {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} أي: فعليكم نصفُ ما فرضتم {إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ} وإنْ شئتَ نَصَبْتَ {نصفَ ما فَرضْتُمْ} على الامر. وقال {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} وقال بعضهم {ولا تَناسَوْا} ، وكلٌّ صَوابٌ. وقال بعضهم

{وَلا تَنْسَوِا الفَضْلَ} فكسر الواو لاجتماع الساكنين كما قال {اشْتَرُواْ الضَّلاَلَةَ} . {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} قال {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} يقول: "صَلُّوا رِجالاً أَوْ صَلُّوا رُكْبانا". المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

قال {وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ} كأنه [قال] : "لأزْواجِهِمْ وَصِيَّةٌ {مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ} ونَصَبَ {مَتاعاً} لانه حين قال {لأزْواجِهِمْ} {وَصِيَّةً} فكأنه قد قال: "فَمَتِّعُوهُنَّ" {مَتاعاً} فعلى هذا انتصب قوله {مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} يقول "لا إخْراجاً" أي: "متاعاً لا إخْراجاً" أي: لا تُخْرِجُوهُن إخْراجاً. وزعموا أنها في حرف ابن مسعود {كُتِبَ عَلَيكُم وَصِيَّةٌ لأزْواجِكم} .

{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} قال {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً} أي: أُحِقُّ ذلِكَ حَقّاً. وقال بعضهم {وَصِيَّةٌ لأَزْوَاجِهِمْ} (240) [77ب] فنصب على الامر [ورفع] أي: عَلَيْكُمْ وصيةٌ بذلك " [و] "أَوْصُوا لَهُنَّ وَصِيَّةً". {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} قال {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} وقال بعضهم {فَيُضَعِّفُه لَهُ} . وتقرأ نصبا أيضاً اذا نويت بالأول الاسم لانه لا يكون أن تعطف الفعل على الاسم، فأضمر في قوله {فيُضاعِفَهَ} "أنْ" حتى تكّون اسما فتُجْرِيه على الأَوّل إذا نوى به الاسم. والرفع لغة بني تميم لانهم لا يَنْوون بالأول الاسم فيعطفون فعلا على فعل. وليس قوله {يُقْرِضُ اللَّهَ} لحاجة بالله ولكن هذا كقول العرب: "لكَ عِنْدي قرضُ صِدْقٍ"

و"قَرْضُ سَوءٍ" لأمر تأتي فيه مسرَّتُه أو مساءته. قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد السادس والاربعون بعد المئة] : لا تَخْلِطَنَّ خَبيثاتٍ بِطَيِّبَةٍ * واخْلَعْ ثيابك مِنْها وانجُ عُرْيانا كُلُّ امرِىءٍ سوفَ يُجْزى قرضَهُ حَسَناً * أوْ سَيِّئاً أَوْ مَدِينا مثلَ ما دانا فـ"القَرْض": ما سلف من صالح او من سيء. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} قال {وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فـ {أنْ} ها هنا زائدة كما زيدت بعد "فلما" و"لَما" و"لَوْ" فهي تزاد في هذا المعنى كثيرا. ومعناه "وَمالنَا لا نُقَاتِلُ" فأعملَ "أَنْ" وهي زائدة كما قال: "ما أَتاني منْ أحَدٍ" فأعمل "مِنْ" وهي زائدة قال الفرزدق: [من البسيط وهو الشاهد السابع والاربعون بعد المئة] : [78ء] لَوْ لَمْ تَكُن غَطَفانٌ لا ذُنُوب لَها * إليَّ لامَتْ ذَوو أَحْسابِها عُمَرَا المعنى: لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفانٌ لَها ذُنُوب. و"لا" زائدة وأعملها. {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} قال {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} .

و"السَّكِينَةُ" هي: الوَقارُ. وأَما الحديدُ فهو: "السِّكِّينُ، مشدد الكاف. وقال بعضهم: "هي السِّكِّينُ" مثلها في التشديد إلا أَنَّها مؤنثة فأنث. والتأنيث ليس بالمعروف وبنو قُشير يقولون: "سِخِّين" للسكين. وقال {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً} . {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ ولكنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} قال {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} فنصبت {النَّاسَ} على ايقاعك الفعل بهم ثم أبدلت منهم {بَعْضَهُمْ} للتفسير. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ولكنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ ولكنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} قال {مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ اللَّهُ} اي كلمه الله [فلفظ الجلالة] * في ذا الموضع رفعٌ. وقال {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} أي رفع الله بعضهم درجات. {اللَّهُ لاَ اله إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} قال {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} تقول "وسِنُ" يوسَنُ" "سِنَّة" و"وَسَناً"**

وقال {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} لانه من "آدُه" "يَؤُودُهُ" "أَوْداً" وتفسيره: لا يُثْقِلُهُ. {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} قال {قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} وان شئت {الرَّشَدُ من الغَيِّ} مضمومة ومفتوحة. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [قال] {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} جماعة في المعنى وهو في اللفظ واحد وقد جمع فقالوا "الطَواغيتُ". وأما قوله: {يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [78ب] فيقول: "يَحْكُم بأنَّهم كذاك" كما تقول: "قَدْ أَخْرَجُك الله من ذا الأمر" ولم تكن فيه قط. وتقول: "أَخْرَجَنِي فُلانُ من الكِتْبَةِ" ولم تكن فيها قط. أي: لَمْ يجعَلْني من أهلها ولا فيها. {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}

قال {فَبَهَتَ الَّذِي كَفَرَ} أي: بَهَتَهُ ابراهيمُ و {بُهِتَ} أجود وأكثر. {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَاذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قال {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} الكاف زائدة والمعنى - والله اعلم - {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ} [258] {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} والكاف زائدة. وفي كتاب الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يقول: "لَيْسَ كَهُو" لأنَّ الله ليس له مِثْل. وقال {لَمْ يَتَسَنَّهْ} فتثبت الهاء للسكوت واذا وصلت حذفتها مثل {إخْشَهْ} . وأثبتها بعضهم في الوصل فقال {لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ} فجعل الهاء من الاصل وذلك في المعنى: لم تمرر عليه السنون "فـ" السَّنَةُ" منهم من يجعلها من الواو فيقول: "سُنَيَّةٌ" ومنهم من يجعلها من الهاء فيقول: "سُنَيْهَةٌ" يجعل الذي ذهب منها هاء كأنه أبدلها من الواو كما قالوا: "أَسْنَتُوا": إذا أصابتهم السنون. أبدل التاء من الهاء ويقولون: "بِعْتُه مُساناةً" و"مُسانَهَةً". ويكون: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} أن تكون هذه الهاء

للسكوت. ويُحْمَلُ قول الذين وصلوا بالهاء على الوقف الخفي وبالهاء نقرأ في الوصل. وقال {وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ [79ء] آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} من "نَشَرْتُ" التي هي "ضدُّ "طَوَيْتُ" وقال بعضهم {نُنْشِزُها} لانه قد تجتمع "فَعَلْتُ" و"أَفْعَلْتُ" كثيراً في معنى واحد تقول: "صَدَدْتُ" و"أَصْدَدْتُ" وقد قال {ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ} وقال بعضهم {نُنْشِرُها} أي: نَرْفعها. تقول: "نَشَزَ هذا" و"أَنْشَزْتُهُ". وقال {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} إذا عَنَى نفسه. وقال بعضهم {قال اعْلَمْ} جزم على الامر كما يقول: "اعْلَمْ أَنَّه قَدْ كان كذا وكذا" كأنه يقول ذاك لغيره وانما ينبه نفسه والجزم أجود في المعنى إلا أنه أقل في القراءة والرفع قراءة العامة وبه نقرأ. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} اما قوله {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} فلم يكن ذلك شكا منه ولم يُرِد. به رؤية القلب وانما أراد به رؤية العين. وقوله الله عز وجل له {أَوَلَمْ تُؤْمِن}

يقول: "أَلَسْتَ قَدْ صدقت" أَيْ: أنت كذاك. قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثالث والثلاثون] : أَلَسْتُمْ خيرَ مَنْ رَكِبَ المطَايا * وَأَنْدى العالمِينَ بُطُونَ راحِ وقوله {لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أي: قلبي ينازعني الى النظر فاذا نظرت اطمأن قلبي. قال {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} أي: قَطِّعْهُنَّ وتقول منها: "صارَ" "يَصُورُ". وقال بعضهم {فَصُرْهُنَّ} فجعلها من "صارَ" "يَصِيرُ" [79ب] وقال {إِلَيْكَ} لانه يريد: "خُذْ أربعةً إليكَ فَصرهُنَّ". {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} قال {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} والواحدة "صَفْوانةٌ". ومنهم من يجعل "الصَّفْوان" واحدا فيجعله: الحجر. ومن جعله جميعا جعله: الحِجارَةَ مثل: "التَمْرَةِ" و"التَمْر". وقد قالوا "الكَذَّانِ": الكَذَّانَةُ" وهو شبه الحجر من الطين. {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} قال {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} وقال بعضهم {بِرَبْوة} و {بِرِبْوة} و {بِرِباوة} و {بِرَباوة} كلٌّ من لغات العرب وهو كله من الرابية وفعله: "رَبا" "يَرْبو".

قال {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} وقال {مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ} و"الأُكْلُ": هو: ما يؤكل. و"الأَكْلُ" هو الفعل الذي يكون منك. تقول: "أَكَلْتُ أَكْلاً" و"أَكَلْت أَكْلَةً واحدةً" واذا عَنَيْتَ الطعام قلت: "أُكْلَةً واحدةً". قال: [من الطويل وهو الشاهد الثامن والاربعون بعد المئة] : ما أَكْلَةٌ أَكَلْتُها بِغنيمَةٍ * ولا جَوْعَةٌ أنْ جَعْتُها بِغَرامِ ففتح الألف لأنه يعني الفعل. ويدلك عليه "وَلا جَوْعَةٌ" وان شئت ضممت "الأكْلَةَ" وعنيت به الطعام. و [قال {فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} ] * وتقول في "الوابِل" وهو: المطرُ الشَديد: "وَبَلَتْ السماء [80ء] وَ"أَوْبَلَتْ" مثل "مَطَرَتْ" و"أَمْطَرَتْ"، و"طَلَّتْ" و"أَطَلَّتْ" من "الطَلّ", و"غاثَتْ" و"أَغاثَتْ" من "الغَيْث". وتقول: "وُبِلَتْ الأرض" فهي "مَوْبُولَةٌ" مثل "وُثِئَتْ رِجْلُهُ" [و] * لا يكون "وَبَلَتْ" وقوله {أَخْذاً وَبِيلا} من ذا يعني: شديدا. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} قال {لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}

وقال في موضع آخر {ذُرِّيَّةً ضِعافاً} وكلٌّ سواء لانك تقول: "ظَريفٌ" و"ظِرافٌ" و"ظُرَفاءُ" وهكذا جمع "فَعِيل". {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَآءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} قال {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} وقال بعضهم {الفُقْر} مثل: "الضَعْف" و"الضُعْف" وجعل "يَعِدُ" متعدياً الى مفعولين. {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} قال {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} تحمل الكلام على الآخر كما قال {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ

بَرِيئاً} . وان شئت جعلت تذكير هذا على "الكَسْب" في المعنى كما قال {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [271] يقول: "فالإِيْتاءُ خَيْرٌ لَكُمْ والإِخْفاء". وقوله {وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} فهذا على {ما} . وقوله {أَوْ نَذَرْتُمْ} تقول: "نَذَرَ" "يَنْذُرُ على نفْسِهِ" "نَذْراً" و"نَذَرْتُ مالي" فـ"أَنَا أَنْذَرُهُ" "نَذْراً" أخبرنا بذلك يونس عن العرب وفي كتاب الله عز وجل {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} . قال الشاعر: [من مجزوء الكامل وهو الشاهد التاسع والأربعون بعد المئة] : هُمْ يَنْذُرُونَ دَمي وَأَنْذُرُ أَنْ * لَقِيتُ بأَنْ أَشُدَّا وقال عنترة*: [من الكامل وهو الشاهد الخمسون بعد المئة] : الشاتِمِيْ عِرْضِي وَلَمْ أَشْتِمُهما * وَالنَّاذِرَيْنِ إذا لَمْ الْقَهُما دَمِي

المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [80ب] وقال {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فجعل الخبر بالفاء اذ كان الاسم "الذي" وصلته فعل لانه في معنى "مَنْ". و"مَنْ" يكون جوابها بالفاء في المجازاة لان معناها "من ينفق ماله فله كذا". وقال {الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} وقال {وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} وهذا في القرآن والكلام كثير ومثله "الذي يأتينا فله درهم". {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} قال {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ} تقول "قَدْ أَذِنْتُ ** مِنْكَ بِحَرْبٍ" و"هو يَأْذَنُ". وقال {لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} . وقال بعضهم {لا تُظْلَمُونَ ولا تَظْلِمون} كله سواء في المعنى. {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قال {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} يقول: "وانْ كانَ مِمَّن تُقاضُونَ ذو عسرة فعليكم ان تنظروا الى الميسرة" وقال بعضهم {فَنَظْرَة} وان شئت لم تجعل لـ"كان" خبرا مضمرا وجعلت

"كانَ" بمنزلة: "وَقَعَ" وقال بعضهم {مَيْسُرِهِ} وليست بجائزة لانه ليس في الكلام "مَفْعُلٌ". ولو قرؤها {مُوسَرِهِ} جاز لانه من "أيْسَرَ" مثل: "أدْخَلَ" فـ"هُو مُدْخَل". وقال بعضهم {فَناظِرْهُ الى مَيْسَرَةٍ} و {مَيْسَرَةٍ} فجعلها "فاعِلْ" [81ء] مِنْ "نَاظَرَ" وجزمها للامر. وقال {وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} يقول: "الصَدَقَةُ خَيْرٌ لَكُمْ". جعل {أَنْ تَصَدَّقُواْ} اسما مبتدأ وجعل {خَيْرٌ لَّكُمْ} خبر المبتدأ. المعاني الواردة في آيات سورة (البقرة) {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُواْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} قال {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} أيْ: إنْ لَمْ يَكُنْ الشَهِيدانِ رَجُلَيْنِ.

{َفَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} فالذي يُسْتَشْهَدُ رَجُلٌ وامرأتان. وقال {وَلاَ تَسْأَمُواْ} لانها من "سَئِمْتُ" "تَسْأَمُ" "سَآمةً" و"سَأْمَةً" و"سَآماً" و"سَأْماً". [وقال] {وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَآءُ} جزم لانه نهي واذا وقفت قلت "يَأْبَ" فتقف بغير ياء. وقال {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ} أي تَقَعُ تِجَارَةٌ حاضِرةٌ. وقد يكون فيها النصب على ضمير الاسم "إلاّ أنْ تَكُونَ تلكَ تِجارةً. وقال {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} على النهي والرفع على الخبر. وهو مثل {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} إلاّ إنَهُ لَمْ يُقْرأ {لا تُضارُّ} رفعا.

وقوله {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ} فقوله {بِدَيْنٍ} تأكيد نحو قوله {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} لأنَّكَ تَقُول "تَدايَنَّا" فيدل على قولك "بِدَيْنٍ" قال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الحادي والخمسون بعد المئة] : دَايَنْتُ أَرْوَى والدُّيونُ تُقْضَى * [فَمَطَلَتْ بَعْضاً وَأَدَّتْ بَعْضَا] تقوله: "دَايَنْتُها ودايَنَتْنِي فقد تَدايَنَّا" كما تقول: "قابَلْتُها وقَابَلَتْنِي فقد تَقَابَلْنا". وقال {82ء] {أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ} فأضمر "الشاهد". وقال {إِلَى أَجَلِهِ} الى الاجل الذي تجوز فيه شهادته والله أعلم. {وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} قال {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} تقول: "رَهْنٌ"، و"رِهانٌ" مثل: "حَبْلٌ" و"حِبالٌ". وقال أبو عمرو: "فَرُهُنٌ" وهي قبيحةٌ لأنَّ "فَعْلاً" لا يجمع على "فُعُل" إلا قليلاً شاذاً، زعم أنهم يقولون: "سَقْفٌ" و"سُقُفٌ" وقرأوا هذه الآية {سَقْفاً مِنْ فِضَّةٍ} وقالوا: "قَلْبٌ" و"قُلُبٌ" و"قَلْبٌ" من "قَلْبِ النَّخْلَةٍ" و"لَحْد" و"لُحُد" لـ"لَحْدِ القَبْرِ" وهذا شاذٌ [81ب] لا يكاد يعرف. وقد جَمَعُوا "فَعْلاً" على "فُعْلٍ" فقالوا: "ثَطٌّ" و"ثُطٌّ"، و"جَوْنٌ" و"جُونٌ"، و"وَرْدٌ" و"وُرْدٌ". وقد يكون "رُهُنٌ" جماعةً لـ"الرِّهانِ" كأنَّه جمع الجَماعة و"رِهانٌ" أَمْثَلُ* من هذا الاضطرار. وقد قالوا: "سَهْمٌ خَشْنٌ" في "سِهامٍ خُشْنٍ". خفيفة. وقال أبو عمرو: "قالت العرب: "رُهُنٌ" ليفصلوا بينه وبين رِهانِ الخيل قال الاخفش: "كلُّ جماعةٍ على "فُعْل" فإنَّه يقال فيها "فُعُل". وقال {فََلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} وهي من "أَدّى" "يُؤدِّي" فلذلك هَمَزَ و"اؤْتُمِنَ" همزها لانها من

"الأَمانَةِ" [و] موضع الفاء منها همزة، إلاّ أَنَكَ إذا استأنفت ثَبَتَتْ الفُ الوَصَلْ فيها فلم تَهْمِز موضع الفاء لئلا تجتمع همزتان. {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} قال {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا} جعله بدلا من اللفظ بالفعل كأنه قال: اِغْفِر لنا غُفْرانَكَ رَبَّنا" [و] مثله "سُبْحانَكَ" إنما هو "تسبيحَك" أي "نسبحك تسبيحَك" وهو البراءة والتنزيه.

سورة (آل عمران)

المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {اللَّهُ لا اله إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أما قوله {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} فان {الْقَيُّومُ} : "الفَيْعُول" ولكن الياء الساكنة إذا كانت قبل واو متحركة قلبت الواو ياء. وأصله "القَيْوُومُ" و (الدَّيَّانُ) : "الفَيْعَال" و"الدَّيَّارُ": "الفَيْعال" وهي من "دَارَ" يَدُورُ" وأصله "الدَيْوارُ" ولكن الواو قلبت ياء. {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ} أما {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} فنصب على الحال. {مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} قال {هُدىً لِّلنَّاسِ} فـ {هُدَىً} في موضع نصب على الحال ولكن {هُدَىً} مقصور فهو متروك على حال واحد. المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} قال {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} ولم يقل: "أُمَهاتُ" كما تقول للرجل: "مالِي نَصيرٌ" فيقول: "نَحْنُ نَصِيرُكَ" وهو يشبه "دَعْنِي من تمْرَتان". قال: [من الرجز وهو الشاهد الثاني والخمسون بعد المئة] :

تَعَرَّضْتِ لي بِمَكانٍ حِلِّ * تَعَرُّضَ المُهْرَةِ في الطِوَلِّ * تَعْرُّضاً لَمْ تَأْلُ عَنْ قَتْلا لِي * فجعله على الحكاية لأنه كان منصوباً قبل ذلك كما ترى، كما تقول: "نُودِيَ" "الصلاةَ الصلاة" "أي: تحكى قوله: "الصلاةَ الصلاةَ" وقال بعضهم: إنَّما هِيَ "أَنْ قَتْلاًلِي" ولكنه جعله عينا [82ب] لأَنَّ مِنْ لُغته في "أَنْ" "عَنْ". والنصب على الأَمر كأنك قلت: ضَرْباً لزَيْدٍ". وقال {كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} لأن "كُلّ" قد يضمر فيها كما قال {إِِنَّا كُلٌّ فِيهَآ} يريد: كُلُّنا فِيها. ولا تكون "كلّ" مضمرا فيها وهي صفة انما تكون مضمرا فيها اذا جعلتها اسما [فـ] لو كان "إِنَّا كُلاَّ فِيها" على الصفة لم يَجُزْ لأن الاضمار فيها ضعيف لا يتمكن في كل مكان. وقال {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} يقول: "كَدَأْبِهِِم في الشَرِّ" من "دَأَبَ" "يَدْأَبُ" "دَأَباً".

وقال {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ} أي: إنَّكُمْ سَتُغْلَبُون. كما تقول: "قُلْ لِزيد": "سَوْفَ تَذْهَبُ" أي: إنَّكَ سَوْفَ تَذْهَبُ. وقال بعضهم {سَيُغْلَبُون} أي: قل لهم الذي أقول. والذي أقُول لهم "سيُغْلَبُونَ". وقال {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ} فهذا لا يكون الا بالياء في القرآن لأنه قال {يُغْفَرْ لَهُمْ} ولو كان بالتاء قال {يُغْفَرْ لَكُم} وهو في الكلام جائز بالتاء. وتجعلها "لَكُمْ" كما فسرت لك. وقال {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} على الابتداء رفع كأنه قال "إحداهُما فئةٌ تقاتل في سبيلِ اللهِ" وقُرِئَت جرا على أول الكلام على البدل وذلك جائز. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون بعد المئة] : [83ء] وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ * وَرِجْلٌ بِها رَيْبٌ مِنَ الحَدَثان فرفع. ومنهم من يجرّ على البدل ومنهم من يرفع على احداهما كذا واحداهما كذا. وقال: [من الطويل وهو الشاهد الرابع والخمسون بعد المئة] .

[و] إنَّ لها جارَيْنِ لَنْ يَغْدرا بها * ربيبُ النَبِيِّ وابنُ خَيْرِ الخَلائِفِ رفع، والنصب على البدل. وقال تعالى {هذا [ذِكْرٌ] وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} {جَنَّاتِ عَدْنٍ} وان شئت جعلت "جنات" على البدل ايضاً. وان شئت رفعت على خبر "إنَّ"، أو على "هُنَّ جناتُ" فيبتدأ به. وهذا لا يكون على "إحداهما كذا" لأن ذلك المعنى ليس فيه هذا ولم يقرأ أحد بالرفع. وقال تعالى {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ الْجِنَّ} فنصب على البدل وقد يكون فيه الرفع على "هُم الجِنّ". وقال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ} على البدل ورفع على "هُمْ شَيَاطِينُ" كأنه اذا رفع قيل له، أوْ عُلِمَ أَنه يقال له "ماهُمْ"؟ أوْ "مَنْ هُمْ" فقال: "هُمْ كَذا وكَذا". واذا نصب فكأنه قيل له أو علم أنه يقال له "جَعَلَ ماذا" أو جَعَلُوا ماذا" أو يكون فعلاً واقعاً بالشياطين [و] {عَدُوّاً} حالا ومثله {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} كأنه قيل أو علم ذلك فقال "بناصية" [83ب] وقد يكون فيه الرفع على قوله: "ما هي" فيقول {نَاصِيَةٌ} والنصب على الحال. قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الخامس والخمسون بعد المئة] : إنّا وَجَدْنا بَنِي جُلاَّنَ كُلَّهُمُ * كَسَاعِدِ الضَّبِّ لا طُولٌ وَلا عِظَمُ

على البدل أي كـ"لا طول ولا عظم" ومثل الابتداء {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذالِكُمُ النَّارُ} . وقوله {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذالِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} كأنه قيل لهم: "ماذا لهُمْ"؟ و"ماذاكَ"؟ فقيل: "هُوَ كَذا وَكَذَا". وأمَّا {بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ} فانما هو على "أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ حَسَباً" و"بِخَيْرٍ مِنْ ذلك َ حسبا". وقوله {مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ} موضع جرّ على البدل من قوله {بِشَرٍّ} ورفع على "هُوَ مَنْ لَعَنهُ اللهُ". {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} قال {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} يقول: "كَدَأْبِهِم في الشَرِّ" من "دَأَبَ" "يَدْأَبُ" "دَأَباً". {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} قال {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ} أي: إنَّكُمْ سَتُغْلَبُون. كما تقول: "قُلْ لِزيد": "سَوْفَ تَذْهَبُ" أي: إنَّكَ سَوْفَ تَذْهَبُ. وقال بعضهم {سَيُغْلَبُون} أي: قل لهم الذي أقول. والذي أقُول لهم "سيُغْلَبُونَ". وقال {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ} فهذا لا يكون الا بالياء في القرآن لأنه قال {يُغَفَرْ لَهُمْ} ولو كان بالتاء قال {يُغْفَرْ لَكُم} وهو في الكلام جائز بالتاء. وتجعلها "لَكُمْ" كما فسرت لك. المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذلك لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ} وقال {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} على الابتداء رفع كأنه قال "إحداهُما فئةٌ تقاتل في سبيلِ اللهِ" وقُرِئَت جرا على أول الكلام على البدل وذلك جائز. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثالث والخمسون بعد المئة] : [83ء] وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْنِ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ * وَرِجْلٌ بِها رَيْبٌ مِنَ الحَدَثان فرفع. ومنهم من يجرّ على البدل ومنهم من يرفع على احداهما كذا واحداهما كذا. وقال: [من الطويل وهو الشاهد الرابع والخمسون بعد المئة] . [و] إنَّ لها جارَيْنِ لَنْ يَغْدرا بها * ربيبُ النَبِيِّ وابنُ خَيْرِ الخَلائِفِ رفع، والنصب على البدل. وقال تعالى {هذا [ذِكْرٌ] وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} {جَنَّاتِ عَدْنٍ} وان شئت جعلت "جنات" على البدل ايضاً. وان شئت رفعت على خبر "إنَّ"، أو على "هُنَّ جناتُ" فيبتدأ به. وهذا لا يكون على "إحداهما كذا" لأن ذلك المعنى ليس فيه هذا ولم يقرأ أحد بالرفع. وقال تعالى {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ الْجِنَّ} فنصب على البدل وقد يكون فيه الرفع على "هُمْ الجِنّ". وقال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنْسِ} على البدل ورفع على "هُمْ شَيَاطِينُ" كأنه اذا رفع قيل له، أوْ عُلِمَ أَنه يقال له "ماهُمْ"؟ أوْ "مَنْ هُمْ" فقال: "هُمْ كَذا وكَذا". واذا نصب فكأنه قيل له أو علم أنه يقال له "جَعَلَ ماذا" أو جَعَلُوا ماذا" أو يكون فعلاً واقعاً بالشياطين [و] {عَدُوّاً} حالا ومثله {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} كأنه قيل أو علم ذلك فقال "بناصية" [83ب] وقد يكون فيه الرفع على قوله: "ما هي" فيقول {نَاصِيَةٍ} والنصب على الحال. قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الخامس والخمسون بعد المئة] : إنّا وَجَدْنا بَنِي جُلاَّنَ كُلَّهُمُ * كَسَاعِدِ الضَّبِّ لا طُولٌ وَلا عِظَمُ على البدل أي كـ"لا طول ولا عظم" ومثل الابتداء {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذالِكُمُ النَّارُ} . {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذلك مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} قالَ تَعالَىُ {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} مهموز منها موضع الفاء لأنه من "آبَ" "يَؤوُبُ" وهي معتلة العين مثل "قُلْتَ" تَقُولُ" "والمَفْعَلُ" "مَقال". تقول: "آبَ" "يَؤوبُ" "إياباً" قال

الله تعالى {إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ} وهو الرجوع. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السادس والخمسون بعد المئة] : فَأَلْقَتْ عَصاها وَاسْتَقَرَّ بِها النَّوى * كَما قَرَّ عَيْناً بالإِيابِ المُسافِرُ وأمَّا "الأوّابُ" فهو الراجع إلى الحق وهو من: "آبَ" "يَؤوبُ" [أيْضاً] . وأمّا قوله تعالى {ياجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} فهو كما يذكرون التسبيح أوْ هو - واللهُ أَعْلَمُ - مثلُ الأَوَّلِ يقول: "ارْجَعِي إلى الحَقِّ" و"الأوّابُ" الراجعُ إلى الحَقِّ". {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذالِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} قوله {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذالِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} كأنه قيل لهم: "ماذا لهُمْ"؟ و "ماذاكَ"؟ فقيل: "هُوَ كَذا وَكَذَا". وأمَّا {بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ} فانما هو على "أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ حَسَباً" و"بِخَيْرٍ مِنْ ذلك َ حسبا". وقوله {مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ} موضع جرّ على البدل من قوله {بِشَرٍّ} ورفع على "هُوَ مَنْ لَعَنهُ اللهُ". المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} قال تعالى {الصَّابِرِينَ} [84ء] الى قوله {بِالأَسْحَارِ} موضع جر على {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} [15] فجر بهذه الام الزائدة. {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ اله إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قال {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ اله إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ} إنما هُوَ "شَهِدُوا أَنَّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ قائِماً بالقِسْطِ" نصب {قَائِماً} على الحال.

{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} قال {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياَ بَيْنَهُمْ} يقول {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} {بَغْياَ بَيْنَهُمْ} {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ} . المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} وقال {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ} بكسر {يَتَّخِذِ} لأنه لقيته لام ساكنة وهي نهي فكسرته. وقال تعالى {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تَقِيَّةً} وقال بعضهم {تُقَاةً} وكلٌّ عربي و {تُقَاةٌ} أجْوَدُ، مثل: "إِتَّكَأَ" "تُكَأَةً" و"إتَّخم" "تُخَمَةً" و"إتَّحَفَ" "تُحْفَةً". {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} قال الله تعالى {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً} لأَنَّ "البَيْنَ" ها هنا ظرف وليس باسم. ولو كان اسماً لارتفع "الأمَدُ". فاذا جئت بشيء هو ظرف للآخر وأوقعت عليه حروف النصب فانصب نحو قولك: "إنَّ عِنْدَنا زَيْداً" لان "عِنْدَنا" ليس باسم ولو قلت: "إنَّ الذِي عِنْدَنا" قلت: "زَيْدٌ" لأن "الذي عندَنا" اسم. قال {إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدَ سَاحِرٍ}

فجعل "إنَّ" و"ما" حرفاً واحداً واعمل "صَنَعُوا" كما تقول: "إنَّما ضَرَبُوا زَيْداً". ومن جعل "ما" بمنزلة "الذي" يرفع الكيد*. {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} قال تعالى {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} فنصبه على الحال: ويكون على البدل على قوله {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ} [33] [84ب] [وقال تعالى] ** {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} [35] فقوله {مُحَرَّراً} على الحال. المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذاقَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} قال تعالى {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} وقال بعضهم {وَكَفَلَها زكرياءُ} و {كَفِلَها} ايضاً {زَكَريّا} وبه

نقرأُ وهما لُغَتَانِ. وقال بعضهم {وَكَفِلَها زَكَرياء} بكسر الفاء. ومن قال: "كَفَلَ" قال "يَكْفُلُ" ومن قال "كَفِلَ" [قال] "يَكْفَلُ". وأما "كَفُلَ" فلم اسمعها وقد ذكرت. وقال تعالى {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} فهذا مثل كلام العرب "يأكُلُ بِغَيْرِ حسابٍ" أي: لا يَتَعصَّبُ عَلَيْه ولا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ. و {سَرِيعُ الْحِسَابِ} و {أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} يقول: "ليس في حسابه فكر ولا روية ولا تذّكر".

{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَآءِ} قال الله تعالى {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} لأن النون [في "لَدُنْ"] ساكنة مثل نون "مَنْ" وهي تترك على حال جزمها في الاضافة لانها ليست من الأسماء التي تقع عليها الحركة، ولذلك قال {مِنْ لَدُنّا} ، وقال تعالى {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} فتركت ساكنة. وقال تعالى {إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَآءِ} مثل "كثيرُ الدُّعاء" لأنه يجوز فيه الألف واللام تقول: "أنتَ السَّمِيعُ الدُّعاءِ" ومعناه "إِنَّكَ مَسْمُوعُ الدُّعاءِ" أي: "إِنَّكَ تَسْمَعُ ما يُدْعَى بِهِ". {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ} قال تعالى {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ [وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ*] أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ} لأَنَّهُ كأنه قال {نَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ} فقالت: {إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ} وما بعد القول حكاية [85ء] . وقال بعضهم {أَنَّ اللهَ} يقول: "فنادته الملائكة بذلك ". وقال تعالى {بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً} وقوله {وَسَيِّداً وَحَصُوراً} معطوف على "مُصَدِّقاً" على الحال. المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} قال تعالى {وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ} كما تقول "وَقَدْ بَلَغَنِي الجَهْدُ" أي: أَنَا في الجَهْدِ والكِبَر. {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} قال {ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} يريد: "أَنْ لا تُكَلِّمَ الناسَ إلاَّ رَمْزاً" وجعله استثناء خارجاً من أول الكلام. والرمز: الايماء.

{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَالَمِينَ} قال {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يامَرْيَمُ} فـ"إذْ" ها هنا ليس له خبر في اللفظ. المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {ذلك مِنْ أَنَبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} قال الله تعالى {إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} لأنَّ كل ما كان من طلب العلم فقد يقع بعده الاستفهام. تقول: "أَزَيْدٌ في الدّارِ"؟ و: "لَتَعْلَمَنَّ أَزَيْدٌ فِي الدّار". وقال {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ} أي: لننظر. وقال تعالى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} وأَمَّا قوله {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَانِ عِتِيّاً} فلم يرتفع على مثل ما ارتفع عليه الأول [85ب] لأن قوله {لَنَنزِعَنَّ} ليس بطلب علم. ولكن لما فتحت "مَنْ" و"الذي" في غير موضع "أي" صارت غير متمكنة اذ فارقت اخواتها تركت على لفظ واحد وهو الضم وليس باعراب.

وجعل {أَشَدّ} من صلتها وقد نصبها قوم وهو قياس. وقالوا: "إذا تُكُلِّمَ بها فإنَّه لا يكونُ فيها إلاَّ الأعمال". وقد قرىء {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ} فرفعوا وجعلوه من صلة "الذي" وفتحه على الفعل أحسن. وزعموا ان بعض العرب قال: "ما أَنَا بالّذِي قائلٌ لكَ شَيْئاً" فهذا الوجه لا يكون للاثنين الا "ما نَحْنُ بالَّلذَيْنِ قائِلانِ لَكَ شَيْئاً". {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} قوله {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ} و {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً} وأَشْباهُ هذا في "إذْ" و"الحِين" وفي "يَوْم" كثير. وانما حسن ذلك للمعنى، لأن القرآن انما انزل على الأمر والذي كأنه قال لهم: "أذْكُروا كذا وكذا" وهذا في القرآن في غير موضع و"اتَّقُوا يومَ كذا" أو"حينَ كذا". وقال تعالى {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً} نصبه على الحال {وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} عطف على {وَجِيهاً} وكذلك {وَكَهْلاً} [46] معطوف على {وَجِيهاً} لأن ذلك منصوب.

وأما قوله تعالى {بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ} فانه جعل "الكلمة" هي "عيسى" لأنه في المعنى كذلك كما قال {أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحَسْرَتَا} ثم قال {بَلَى قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا} وكما قالوا: "ذو الثُدَيَّة" لأن يَدَهُ كانت مثل الثدي. كانت قصيرة قريبة من ثديه فجعلها كأن اسمها "ثُدَيَّة" ولولا ذلك لم تدخل الهاء في التصغير. {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} أما قوله {كَذَلِكِ اللَّهُ} فكسر الكاف لأنها مخاطبة امرأة واذا كانت الكاف للرجل فتحت. قال للمؤنث {وَاسْتَغْفِرِي [86ء] لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} . المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ} قوله {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} موضع نصب على {وَجِيهاً} . و {رَسُولاً} [49] معطوف على {وَجِيهاً} .

{وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} قال تعالى {وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ} على قوله {وَجِئْتُكُمْ} {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيّ} {رَسُولاً} لأَنَّهُ قالَ {قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [49] . {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذاصِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} قال {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ} فـ {إنَّ} على الابتداء. وقال بعضُهم {أَنَّ} فنصب على "وَجِئْتُكُم بأَنَّ اللهَ رَبِّي ورَبُّكُم" هذا معناه. المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} قال تعالى {فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} لأنَّ هذا من "أَحَسَّ" "يُحِسُّ" "إحْساساً" وليس من قوله {تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [اذ] ذلك من "حَسَّ" "يَحُسُّ" "حَسَّاً" وهو في غير معناه لأن معنى "حَسَسْتُ" قتلت. و"أَحْسَسْتُ" هو: ظَنَنْتُ. {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [وقال تعالى] {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} رفع على الابتداء ومعناه: "كُنْ" "فكانَ" كأَنَّهُ قال: "فاذا هُوَ كائِنٌ".

{الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن الْمُمْتَرِينَ} قال {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} يقول: "هو الحقُّ منْ ربِّكَ". المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {قُلْ ياأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} قال سبحانه وتعالى {ياأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} فجر {سَوَآءٍ} لأنها من صفة الكلمة وهو "العَدْل". أراد "مُسْتَوِيَةٍ" ولو اراد "استواءً" لكانَ النَصْب. وإنْ شاءَ ان يجعله على الأستواء ويجرّ جاز، ويجعله من صفة الكلمة مثل "الخَلْق"، لأن "الخَلْق" قد يكون صفة ويكون اسما، قال الله تعالى {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} لأن "السَّواء" للآخر وهو اسم ليس بصفة [86ب] فيُجْرى على الأول، وذلك اذا اراد به الاستواء فان أراد "مُسْتوِياً"* جاز أن يجري على الأول، فالرفع في ذا المعنى جيد لأنها صفة لا تغير عن حالها ولا تثنى ولا تجمع على لفظها ولا تؤنث، فأشبهت الأسماء. وقال تعالى {أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} فـ"السواءُ" للمَحْيا والمَمَاتِ، فهذا المبتدأ. وإنْ شِئْتَ أَجْرَيْتَهُ على

الأول وجعلته صفة مقدمة من سبب الأول فجرى عليه، فذا اذا جعلته في معنى مستو فالرفع وجه الكلام كما فسرته لك من قوله {أَلاَّ نَعْبُدَ** إِلاَّ اللَّهَ} [64] فهو بدل كأنه قال "تَعَالَوْا إلى أنْ لا نَعْبُدَ إلاّ اللهُ". {وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} قال تعالى {آمِنُواْ بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ} جعله ظرفا. {وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} قال تعالى {أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ} يقول "لا تُؤْمِنُوا أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُم وأَنْ يُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ" أي: وَلا تُؤْمِنُوا أَنْ يُحَاجُّوكُمْ.

المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذلك بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قال تعالى {إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً} . لأَنَّها مِنْ "دُمْتُ" "تَدُومُ". ولغةٌُ لِلْعَرَبِ "دِمْتَ" وهي قراءة مثل "مِتَّ" "تَمُوتُ" جعله على "فَعِلَ" "يَفْعُلُ" فهذا قليل. وقال تعالى {بِدِينَارٍ} أي: على دينار [87ء] كما تقول: "مررتُ بِهِ" و"عليه". {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَائِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال عز وجل {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ} فهذا مثل قولك للرجل "ما تَنْظُرُ إِلَيَّ" اذا كان لا ينيلك شيئاً. {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} قال تعالى {يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ} بفتح الياء. وقال {يُلَوّوُنَ} بضم الياء واحسبها {يَلْووُنَ} لأَنَّه قال {لَيّاً بألسنتهم} فلو كان من {يُلَووُّنَ} لكانت "تَلْوِيَةً بألسنتهم". المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللَّهِ ولكن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} قال تَعالى {ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ} نصبٌ على {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ اللَّهُ} {ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ} لأَنَّ "ثُمَّ" من حُروف العطف.

{وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ} أيضاً معطوفٌ بالنَّصب على {أَنْ} وإنْ شئت رفعت؛ تقول {وَلاَ يَأْمُرُكُمْ} لا تعطفه على الأوَّل تريد: هُوَ لا يَأْمُرُكُمْ. {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذالِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشَّاهِدِينَ} قال الله تعالى {لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} فاللام التي مع "ما" في أول الكلام هي لام الابتداء نحو "لزَيدٌ أَفضَلُ مِنكَ"، لأن {مَآ آتَيْتُكُمُ} اسم والذي بعده صلة. واللام التي في {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ} لام القسم كأنه قال "واللهِ لَتُؤمِنُنَّ بِهِ" فوكد في أول الكلام وفي آخره، كما تقول: "أَمَا واللهِ أَنْ لَوْ اجِئْتَني لَكان كذا وكذا"، وقد يستغنى عنها. ووكّد في {لَتُؤْمِنُنَّ} باللام في آخر الكلام وقد يستغنى عنها. جعل خبر {مَآ آتَيْتُكُمْ مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} مثل "ما لِعَبْدِ الله؟ واللهِ لَتْأتِيَنَّه". وان شئت جعلت خبر (ما) {مِنْ كِتابٍ} تريد {لَما آتَيْتُكُمْ كتابٌ وحِكْمَةٌ} وتكون "مِنْ" زائدة.

المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} قال تعالى {مِّلْءُ الأَرْضِ ذَهَباً} مهموزة من [87ب] "مَلأْتُ" وانتصب (ذَهَبا) كما تقول: "لِي مثلُكَ رَجُلاً" أي: لي مثلك من الرجال، وذلك لأنك شغلت الاضافة بالاسم الذي دون "الذهب" وهو "الأرض" ثم جاء "الذهب" وهو غيرها فانتصب كما ينتصب المفعول اذا جاء من بعد الفاعل، وهكذا تفسير الحال، لأنك اذا قلت: "جاء عبدُ الله راكباً" فقد شغلت الفعل* بـ"عبد الله" وليس "راكب" من صفته لأن هذا نكرة وهذا معرفة. وإنما جئت به لتجعله اسما للحال التي جاء فيها. فهكذا تفسيره، وتفسير "هذا أحسنُ منكَ وَجْهاً"، لأن "الوجه" غير الكاف التي وقعت عليها "مِنْ" و"أحسنُ" في اللفظ انما هو الذي تفضله فـ"الوجهُ" غير ذينك في اللفظ فلما جاء بعدهما وهو غيرهما انتصب انتصاب (**) المفعول به بعد الفاعل. {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} قال تعالى {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيل} لأنه يقال: "هذا حَلالٌ" و: "هذا حِلٌّ"، و"هذا حَرام" و"هذا حِرْمٌ" ويقال* {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ} [ويقال] {وحِرْمٌ على قرية} وتقول: "حِرْمٌ عَليّكُم ذاك" ولو قال {وحُرْمٌ على قريةٍ} كان جائزا [ولو قال] {وحَرْمٌ على قريةٍ} كان جائزاً أيضاً.

{قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} قال الله {فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} نصب على الحال. المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} قال تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} فهذا خبر "إنَّ". ثم قال {مُبارَكاً} لأنه [88ء] قد استغنى عن الخبر*، وصار {مُبارَكاً} نصبا على الحال. {وَهُدىً لِّلْعَالَمِينَ} في موضع نصب عطف عليه. والحال في القرآن كثير ولا يكون إلا في موضع استغناء. {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} قال تعالى {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ} فرفع {مَّقَامُ إِبْراهِيمَ} لأنه يقول: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} منها {مَّقَامُ إِبْراهِيمَ} على الإِضمار.

{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذلك يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} قال الله تعالى {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً} على التفسير بقطع الكلام عند قوله {اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} ثم فسر آية التأليف بين قلوبهم وأخبر بالذي كانوا فيه قبل التأليف كما تقول "أسمك الحائِطَ أَنْ يَميل". {وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ} فـ"الشَّفا" متصور مثل "القَفا" وتثنيته بالواو تقول: "شَفَوانِ" لأنه لا يكون فيه الامالة*, فلما لم تجيء فيه الإِمالة عرفت أَنَّهُ من الواو. المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} قال تعالى {وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} و"أُمَّةٌ" في اللفظ واحد وفي المعنى جمع فلذلك قال {يَدْعُونَ} [وفي] {وَلْتَكُنْ} جزم السلام بعضهم ايضاً.

{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} أما قوله {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} على "فيُقالُ لَهُمْ أَكَفَرْتُم". مثل قوله {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ} وهذا في القرآن كثير. {وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} قال عز وجل {وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} فثنى الاسم واظهره، وهذا مثل "أمَّا زَيْدٌ فقد ذَهَبَ زَيْدٌ". قال الشاعر: [من الخفيف وهو الشاهد السابع والخمسون بعد المئة] : لا أرَى المَوْتَ يَسْبِقُ الموتَ شَيءٌ * نَغَّصَ المَوْتُ ذا الغِنى والفَقِيرا [88ب] فأَظْهَرَ في موضع الاضمار. المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} قال تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} يُريدُ "أَهْلَ أُمَّةٍ" لأنَّ الأُمَّةَ [89ء] الطريقة. والأمَّة أَيْضاً لُغة. قال النابغة: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والخمسون بعد المئة] : حَلفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً * وَهَلْ يَأْثَمَنْ ذُو أُمَّةٍ وَهُوَ طائِعُ {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} قال {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} استثناء يخرج من أول الكلام. وهو كما روى يونس عن بعض العرب انه قال: "ما أَشْتَكِي شيئاً إلاَّ خَيْراً". ومثلُه {لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً [24] إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً} . {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلك بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلك بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [قال] {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ}

فهذا مثل {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذَى} استثناء خارج من أول الكلام في معنى "لكنّ" وليس بأشد من قوله {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً} . المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَآءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} قال {لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} لأنه قد ذكرهم ثم فسره فقال: {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ} ولم يقل "وَأُمَّةٌ على خلافِ هذهِ الأُمَّةِ" لأنه قد ذكر كل هذا قبل. وقال تعالى {مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} فهذا قد دل على أمة خلاف هذه. قال تعالى {آنَآءَ اللَّيْلِ} وواحد "الآناءِ" مقصور "إنَى" فاعلم وقال بعضهم: "إِنْي" كما ترى و"إنْوٌ" وهو ساعاتُ اللَيْل. قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الثامن والخمسون بعد المئة] :

السَّالِكُ الثَّغْرَ مَخْشِيّاً مَوارِدُهُ * فِي كُلِّ إنيٍ قَضاهُ اللَّيلُ يَنْتَعِلُ قال: وَسِمْعُته "يَخْتَعِلُ"*. {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}

قال تعالى {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} لأنها من "ألَوْتُ" و"ما آلُو" "أَلْواً". وقال تعالى {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ} يقول {لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً} {وَدُّواْ} أي: أحَبُّوا {مَا عَنِتُّمْ} جعله من صفة "البِطانةَ"، جعل {مَا عَنِتُّمْ} في موضع "العَنَتِ". {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} قال {لاَ يَضِرْكُمْ كَيْدُهُمْ} لأنه من "ضار" "يَضِير" و"ضِرْتُه" خفيفة "فَأَنَا أَضِيرُه"، قال بعضهم {لا يضُرُّكُمْ} جعله من "ضَرَّ" "يَضُرُّ" وحرّك للسكون الذي قبله لأن الحرف الثقيل بمنزلة حرفين الأول منهما ساكن. وقال بعضهم {لا يَضُرْكم} جعلها من "ضار" "يضُور" وهي لغة. المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} قال تعالى {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ} لأنها من "بَوَّأت" و"إذْ" ها هنا إنَّما خَبَرُها في المعنى كما فسرت لك.

{بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هذايُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} قال {بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسِوِّمِينَ} لأنهم سَوَّمُوا الخيل. وقال بعضُهم {مُسَوَّمينَ} مُعَلِمينَ لأَنَّهُمْ هْم سُوِّمُوا وبها نقرأ. {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} على {لِيَقْطَعَ طَرَفاً} [127] عطفه على اللام. المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} قال تعالى {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} قال بعضهم {قُرْحٌ} مثل "الضَعْف" و"الضُعْف" وتقول منه "قَرِحَ" "يَقْرَح" "قَرْحا" و"هو قَرِح". وبعض العرب يقول [89ب] "قَرِيح" مثل "مَذِل" و "مَذِيل". {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} قال تعالى {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ}

توكيداً كما تقول: "قَدْ رأيتُه واللهِ بِعّيْني" و"رَأَيْتُهُ عِيانا". {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} قال تعالى ولم يقل {أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ} فيقطع الألف لأنه جواب المجازاة الذي وقعت عليه {إِنْ] وحرف الاستفهام قد وفع على {إِنْ} فلا يحتاج خبره إلى الاستفهام لأن خبرها مثل خبر الابتداء. الا ترى انك تقول: "أأَزَيْدٌ حَسَنٌ" ولا تقول: "أَزَيْدٌ أَحَسَنٌ" وقال الله تعالى {أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ولم يقل "أََهُمُ اْلْخالِدُنَ" لأنه جواب المجازاة. المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} قال الله تعالى {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً} فقوله سبحانه {كِتَاباً مُّؤَجَّلاً} توكيد، ونصبه على "كَتَبَ اللهُ ذلك َ كِتاباً مُؤَجَّلاً". وكذلك كل شيء في القرآن من قوله {حَقّا}

انما هو "أُحِقُّ ذلِكَ حَقّاً". وكذلك {وَعْدَ اللَّهِ} و {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} و {صُنْعَاللَّهِ} و {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} انما هو من "صَنَعَ اللهُ ذلك َ صُنْعاً" فهذا تفسير كل شيء في القرآن من نحو هذا وهو كثير. {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} قال تعالى {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ} يجعل النبيّ هو الذي قُتِلَ وهو أحسنُ الوَجهين لأَنَّه [90ء] قد قال {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ} [144] وقال بعضهم {قَاتَلَ مَعَهُ} وهي أكثر وبها نقرأ. لأَنَّهم كانوا يجعلون {قُتِلَ} على {رِبِّيُّون} . ونقول: "فكيف نقول "فكيف نقول {فَمَا وَهَنُواْ} وقد قلنا انهم قد قتلوا فانه كما ذكرت لك أن القتل على النبي صلى الله عليه. وقوله {رِبِّيُّونَ} يعني: الذين يعبدون الرب تعالى وواحدها "رِبِّيّ". {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قال تعالى {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} وقال {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ} و [قال] {مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} فـ {أَنْ قَالُواْ} هو الاسم الذي يرفع بـ {وَكَانَ} لأن {أَنْ} الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم تقول: "أعْجَبَنِي أَنْ قالوا" وإنْ شئت

رفعت أول هذا كله وجعلت الآخر في موضع نصب على خبر كان. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الستون بعد المئة] : لَقَدْ عَلِمَ الأَقْوامُ ما كانَ دَاءَها * بِثَهْلانَ إلاَّ الخِزْيُ مِمَّنْ يَقُودُها وان شئت "ما كانَ داؤُها الا الخِزْيَ". المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاًً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} قال تعالى {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ} لأنك تقول: "أَصْعَد" أي: مَضَى وَسارَ و"أَصْعَدَ الوُادي" أي: انْحدر فيه. وأما "صَعِدَ" فانه: ارتفى. وقال {فَأَثَابَكُمْ غُمّاً بِغَمٍّ} أي: عَلى غَمٍّ. كما قال {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} ومعناه على جذوع النخل وكما قال: "ضَرَبَني فِي السيفِ" يريد "بِالسيف" وتقول: نزلت في أبيك" [90ب] أي: على أَبيك. {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} قال تعالى {إِنَّ الأَمْرَ كُلُّهُ للَّهِ} اذا جعلت "كُلاًّ" اسما كقولك: "إنَّ الأَمْرَ بَعْضُهُ لِزَيْدٍ" وان جعلته صفة نصبت. وان شئت نصبت على البدل، لأنك لو قلت "إنَّ الأَمْرَ بَعْضَهُ لِزَيْدٍ" لجاز على البدل، والصفة لا تكون في "بَعْض". قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الحادي والستون بعد المئة] :

إنَّ السُّيُوفَ غُدُوُّها وَرَواحُها * تَركا فَزارَةَ مثلَ قَرْنِ الأَعْضَبِ فابتدأ "الغُدُوّ" و"الرواحَ" وجعل الفعل لهما. وقد نصب بعضهم "غُدُوَّها" وَرَواحَا" وقال: "تركتْ هَوازِنَ" فجعل "التركَ" لـ"السيوف" وجعل "الغدوَّ" و"الرواح" تابعا لها كالصفة حتى صار بمنزلة "كلّهَا". وتقول {إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ} على التوكيد اجود وبه نقرأ. وقال تعالى {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} وقد قال بعضهم {القِتالُ} و"القَتْلُ" [أصوب] فيما نرى، وقال بَعْضُهُم {إلى قِتالِهِم} و {القَتْلُ} أصوبهما إن شاء الله لأنه قال {إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} . وقال {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ} : أيْ: كَيْ يَبْتَلِيَ اللهُ.

{ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلك حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} قال تعالى {أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ} [91ء] وواحد "الغُزَّى" "غاز" مثل "شاهِد" و"شُهَّد". المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} قال تعالى {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ} الآية. فان قيل كيف يكون {لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ} جواب ذلك الأول؟ فكأنه حين قال {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ} تذكر لهم مغفرة ورحمة اذ كان ذلك في السبيل فقال {لَمَغْفِرَةٌ} يقول: "لَتِلْكَ المغفرة {خَيْرٌ مِمّا تَجْمَعُونَ} ". {وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} قال {وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ} وان شئت قلت {قُتِّلْتُمْ} . {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} قال تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ} يقول: "فَبِرَحْمَةٍ" و {ما} زائدة.

المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} قال تعالى {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} وقال بعضهم {يُغَلُّ} وكلٌّ صواب والله أعلم لأنَّ المعنى "أَنْ يَخُون" أوْ "يُخانَ". {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هذاقُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قال {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ} فهذه الألف ألف الاستفهام دخلت على واو العطف، فكأنه قال: "صَنَعْتُم كَذا وكذا وَلمَّا أصابتكم" ثم ادخل على الواو ألف الاستفهام. {وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} قال تعالى {وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} فجعل الخبر بالفاء لأَنَّ {ما} بمنزلة "الذي" وهو في معنى "مَنْ"، و"مَنْ" تكون في المجازاة ويكون جوابها بالفاء. قال {فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} فجعل الخبر بالفاء لأنّ {مَآ أَصَابَكُمْ} : الذي أصابكم. وقال {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} لأنَّ معناه: "فَهُوَ بإِذن اللهِ" "وَهُوَ لِيَعْلَم". المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} قال {الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ} أي: قُلْ لَهُمْ {فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ} وأضمر "لَهُمْ".

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قال تعالى {فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} [91ب] يقول: "فَزادَهُمْ قَوْلُهُم إيمانا". {إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} قال {إِنَّمَا ذالِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} يقول: "يُرْهِبُ النَّاسَ أولِياءَهُ" أي: بِأَوّلِيائِهِ". المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} قال {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ} فأراد "وَلا تَحْسَبَنَّ البُخْلَ هُوَ خَيْراً لَهُمْ" فالقى الاسم الذي أوقع عليه الحسبان وهو "البُخْل"، لأنّه قد ذكر الحسبان وذكر ما آتاهم الله من فضله فأضمرهما اذا ذكرهما. وقد جاء من الحذف ما هو أشد من ذا، قال الله تعالى {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} ولم يقل "وَمَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْد" لأنه لما قال {أُوْلَائِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ} كان فيه دليل على أنه قد عناهم. {لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} قال تعالى {سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} وقد مضى لذلك دهر، فانما يعني: سنكتب ما قالوا على من رضي به من بعدهم أيام يرضاه". {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} قال {لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ يَكْتُمُونَهُ} يقول: "استحلفهم لَيُبَيِّنُنَّه ولا يَكْتُمُونَهُ" وقال {لَتُبيِّنَنَّهُ وَلا تَكْتُمونَهُ} أي: قُلْ لَهُم: "وَاللهِ لَتُبَيِّنُنَّهُ ولا تَكْتُمُونَه".

المعاني الواردة في آيات سورة (آل عمران) {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أما قوله {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ} فإِنَّ: الآخِرَةَ بَدَلٌ من الأولى والفاء زائدة. ولا تعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء [اذ] ليس لذلك مذهب في العربية لأنه اذا قال {لاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ} فإنَّه لَمْ يوقِعْه على شيء. {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}

قال {أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} أيْ: فَاستجاب: بِأَنّي لا أُضيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُم. أدخل فيه {مِنْ} زائدة كا تقول "قَدْ كانَ مِنْ حَدِيثٍ" و {مِنْ} ها هنا لغو لأَنَّ حرف النفي قد دخل في قوله {لا أُضِيعُ} .

سورة (النساء)

المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} قال تعالى {تَسَآءَلُونَ بِهِ} خفيفة لأنها من تساؤلهم فانههم "يَتَساءَلُونَ" فحذف التاء الأخيرة، وذلك كثير في كلام العرب نحو {تَكَلَّمُونَ} وان شئت ثقلّت فادغمت. قال الله تعالى {وَالأَرْحَامَ} منصوبة أي: اتقوا الأَرْحام. وقال بعضهم {والأَرْحامِ} جرّ. والأوَّلُ أحسن لأنك لا تجري الظاهر المجرور على المضمر المجرور. و [قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} ] تقول من "الرقيب": "رَقَبَ" "يَرْقُبُ" "رَقْباً" و"رَقُوبا".

{وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً} قال {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أي: "مَعَ أَمْوالكُم" {إِنَّهُ كَانَ حُوْباً كَبِيرا} يقول: "أَكْلُها كانَ حُوباً كبيراً". {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذلك أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} قال {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى} لأنه من "أَقْسَطَ" "يُقْسِطُ". و"الإِقْساطُ": العَدْل. واما "قَسَطَ" فإنَّه "جَار" قال {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} فـ"أَقْسَطَ": عَدلَ و"قَسَطَ": جارَ. قال {وَأَقْسِطُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} . قال {مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ [92ب] فَوَاحِدَةً} يقول: "فانكِحوا واحدة {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} . أي: انكحوا ما ملكت ايمانكم. وأما ترك الصرف في {مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} فانه عدل عن "اثنين" و"ثَلاثٍ" و"أَربعٍ" كما انه من عدل "عُمَر" عن "عامِر" لم يصرف. وقال تعالى {أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} فنصب. وقال {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} فهو معدول كذلك، ولو سميت به

صرفت لأنه اذا كان اسما فليس في معنى "اثنين" و"ثلاثة" و"أربعة". كما قال "نَزَالِ" حين كان في معنى "انزِلوا" واذا سميت به رفعته. قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثاني والستون بعد المئة] : أَحَمَّ اللهُ ذلِكَ مِنْ لِقاءٍ * أُحادَ أُسادَ في شَهْرٍ حَلال وقال [من الطويل وهو الشاهد الثالث والستون بعد المئة] : وَلَكِنَّما أَهْلِي بِوادٍ أَنِيسُه * ذِئابٌ تَبَغَّى الناسَ مَثْنَى وَمْوحَدا وقال تعالى {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ} يقول: "لِيَنْكِحَ كُلٌّ واحدٍ منكُمْ كلَّ واحدةٍ من هذهِ العِدَّة" كما قال تعالى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} يقول: "فاجْلُدُوا كلَّ واحدٍ منهم". المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {وَآتُواْ النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} قال {وَآتُواْ النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وواحد "الصَّدُقاتِ": صَدُقَة وبنو عميم [تقول] : "صُدْقة" ساكنة الدال مضمومة الصاد. وقال {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً} فقد يجري الواحد مجرى الجماعة لأنه انما اراد "الهَوى" و"الهَوى" يكون جماعة. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع والستون بعد المئة] : [93ء] بِها جِيَفُ الحَسْرى فأَمَّا عِظامُها * فَبِيضٌ وأمّا جِلْدُها فصَليبُ

وأما "هَنِيءٌ مَريءُ" فتقول: "هَنُؤَ هذا الطعام ومرؤ" و"هَنِىءَ ومَرِىءَ" كما تقول: "فَقِهَ" و"فَقُهَ" يكسرون القاف ويضمونها. وتقول: "هَنَأَنِي" و"هنَئِتُهُ" و"استمرأته". {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [وقال] ** {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً} وقال {آنَسْتُمْ} ممدودة. تقول: "آنَسْتُ منهُ رُشْداً وخيراً" و {آنَسْتُ نَارا} مثلها ممدودة وتقول: "أنِسْتُ بالرَّجُلِ" "أُنْساً" فالف "أَنِسْتُ" مقصورة وألف "أُنْساً" مضمومة*. ويقال "أنَسَا". وقال {إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ} يقول لا تأكُلُوها مبادرةَ أَنْ يَشُبُّوا. {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} قال {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ} الى قوله {نَصِيباً مَّفْرُوضاً} فانتصابه كانتصاب {كِتَاباً مُّؤَجَّلاً} .

المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} قال {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} ثم قال {فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ} لأن معناه المال والميراث فذكّر على ذلك المعنى. {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} قال {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً} لأنه يريد "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية يخافون عليهم" مثل ما يركون منهم من ذرية غيرهم. اي: فلا يفْعَلُن ذلك حتى لا يفعله بهم غيرهم؛ "فليخشوا" أي: "فَلْيَخْشَوْا هذا" أي: فَلْيَتَّقُوا. ثم عاد أيضاً فقال: "فَلْيَتَّقُوا اللهَ". {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [و] قال {سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} فالياء تفتح وتضم ها هنا وكل صواب. وقوله {فِي بُطُونِهِمْ} [93ب] توكيد.

المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} قال {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} فالمثل مرفوع على الابتداء وانما هو تفسير الوصية كما قال {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} فسر الوعد يقول: "هكَذا وَعَدَهُمْ" أي: قال "لَهُمْ مَغْفِرَةٌ". قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الخامس والستون بعد المئة] : عَشِيَّةَ ما وَدَّ ابْنُ غَرَّاءَ أْمُّهُ * لَها مِنْ سِوانا إذْ دَعَا أَبَوانِ قال {فَإِن كُنَّ نِسَاءً} فترك الكلام الأول وقال "إذا كان المتروكات نساءً" نصب وكذلك {وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً} . وقال {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} فهذه الهاء التي في "أبويه" ضمير الميت لأنه لما قال {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} كان المعنى: يوصي اللهُ الميتَ قبلَ موتِهِ بأنَّ عَليْه لأَبويهِ كذا ولوَلَدِه كذا. أي: فلا يأخُذَنَّ إلاّ ماله. وقال {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} فيذكرون أن الأخوة اثنان ومثله "إنّا فَعَلْنا" وانتما اثنان، وقد يشبه ما كان من شيئين وليس مثله، ولكن اثنين قد جعل جماعة [في] قول الله عز وجل {إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} وقال {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} وذلك ان في كلام العرب ان كل شيئين من شيئين فهو جماعة وقد يكون اثنين في الشعر [قال الشاعر] : [من الطويل وهو الشاهد السادس والستون بعد المئة] :

[94ء] بِما فِي فُؤادَيْنا من الشَوْقِ والهَوى * فَيُجْبَرُ مُنْهاضُ الفُؤَادِ المُشَعَّفُ وقال الفرزدق: [من الطويل وهو الشاهد السابع والستون بعد المئة] : هُما نَفَثا فِي فِيَّ مِنْ فَمَوَيْهِما * على النّابِحِ العاوِي أَشَدّ لِجامِ وقد يجعل هذا في الشعر واحدا. قال: [من الرجز وهو الشاهد الثامن والستون بعد المئة] : لا نُنْكِرُ القَتْلَ وقد سُبِينا * في حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وَقَدْ شُجِينا وقال الآخر: [من الوافر وهو الشاهد التاسع والستون بعد المئة] : كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعَفُّوا * فإِنَّ زَمانَخكُمْ زَمَنَ خَمِيصُ ونظير هذا قوله: "تِسْعُ مئة" وانما هو "تِسْعُ مئات" أو"مِئيِن" فجعله واحدا، وذلك ان ما بين العشرة الى الثلاثة يكون جماعة نحو: "ثلاثة رجال" و"عشرةُ رجال" ثم جعلوه في "المِئينَ" واحدا.

وقال {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ} لأنه ذكر الرجل حين قال {وَوَرِثَهُ أَبَواهُ} وقال بعضهم {يُوصِى} وكلٌّ حسن. ونظير {يُوصِي} بالياء. {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُواْ أَكْثَرَ مِن ذلك فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} {تُوْصُونَ} و {يُوصِينَ} حين ذكرهن، واحتج الذي قال {يُوصِي} بالياء بقوله {غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ} [فـ] نصب {وَصِيَّةً} و {فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ} [11] كما نصب {كِتَاباً مُؤَجَّلاً} . وقال {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً} ولو قرئت {يُورِثُ} كان جيدا وتنصب {كَلاَلَةً} وقد ذُكِرَ عن الحسن، فإن شئت نصبت كلالةً على خبر {كانَ} [94ب] وجعلت {يُورَث} من صفة الرجل،

وإن شئت جعلت {كانَ} تستغني عن الخبر نحو "وَقَعَ"، وجعلت نصب {كَلالَةً} على الحال أي: "يورَثُ كلالةً" كما تقول: "يُضْرَبُ قَائِماً" قال الشاعر في "كان" التي لا خبر لها [من الطويل وهو الشاهد السبعون بعد المئة] : فِدَى لِبَنِي ذُهْلِ بنِ شَيْبانَ نَاقَتِي * إذا كانَ يَوْمٌ ذُو كواكِبَ أشهَبُ قال {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا} يريد من المذكورين. ويجوز ان نقول للرجل اذا قلت "زيدٌ أو عمرٌ مُنْطَلِقٌ": "هذانِ رجلا سَوْء" أي: اللذان ذكرت. {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً} قال {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} لأن معناه: فانكم تؤخذون به. فلذلك قال: {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} ، أيْ: فليس عليكم جناح. ومثل هذا في كلام العرب كثير، تقول: "لا نَصْنَعْ ما صَنَعْتَ" "ولا نَأْكُلْ ما أَكَلْتَ". المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} قال {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} على "ومن لم يجد طولا ان ينكح" يقول "إلى أنْ ينكِحَ" لأن حرف الجر يضمر مع "أن".

وقال {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ} فرفع {بَعْضُكُمْ} على الابتداء. وقال {بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} لأن: "الأَهْلَ" جماعة ولكنه قد يجمع فيقال: "أَهْلُونَ" كما تقول: "قَوْمٌ" و"أقوامٌ" فتجمع الجماعة [95ء] وقال {شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} فجمع. وقال {قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} فهذه الياء ياء جماعة فلذلك سكنت وهكذا نصبها وجرها باسكان الياء وذهبت النون للاضافة. وقال {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} يقول: "والصَبْر خَيْرٌ لكم". قال {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ} أي: اللهُ أَعْلَم بإِيمان بعضكم من بعض. {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} قال {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ} يقول: "وَلِيَهْدِيَكُمْ} " ومعناه: يريد كذا وكذا ليبين لكم. وان شئت أوصلت الفعل باللام الى "أن" المضمرة بعد اللام نحو {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} وكما قال {وَأُمِرْتُ لأََِعْدِلَ بَيْنَكُمُ} فكسر اللام أي: أمرت من أجل ذلك

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} قال {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ} فقوله {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ} استثناء خارج من أول الكلام و (تكونَ) هي "تَقَعُ" في المعنى وفي "كانَ" التي لا تحتاج الى الخبر فلذلك رفع التجارة. المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً} قال {وَيُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً} لأنها من "أَدْخَلَ" "يُدْخِلُ": والموضع من هذا مضموم الميم لأنه مشبه ببنات الأربعة "دحرج" ونحوها. الا ترى انك تقول: "هذا مُدَحْرَجُنا" فالميم اذا جاوز الفعل الثلاثة مضمومة. قال أمَيَّةُ بن أبي الصلت: [من البسيط وهو الشاهد الحادي والسبعون بعد المئة] : الحَمْدُ للهِ مُمْسانا وَمُصْبَحنَا * بِالْخَيْرِ صَبَّحنا رَبِّي وَمَسَّانا [95ب] لأنه من "أمْسى"* و"أَصْبَحَ". وقال {رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} . وتكون الميم مفتوحة ان شئت اذا جعلته من "دَخَل" و"خَرَج". وقال {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} اذا جعلته من "قاَم" "يَقوم"، فان جعلته من "أَقامَ" "يُقِيمُ" قلت: "مُقامٍ أَمين".

{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} قال {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ} ان شئت أدغمت التاء الأولى في الآخرة، فان قيل كيف يجوز ادغامها، وأنت اذا أدغمتها سكنت وقبلها الألف الساكنة التي في "لا" فتجمع ما بين ساكنين؟ قلت: "ان هذه الألف حرف لين". وقد يدغم بعد مثلها في الاتصال وفي غيره نحو "يضربانّي" [و] {فَلاَ تّنَاجَوْاْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وتدغم ايضاً ومثله {قُلْ أَتُحَآجُّونّا فِي اللَّهِ} أدغمت وقبلها واو ساكنة. وان شئت لم تدغم هذا كله. وقد قرأ بعض القراء {فَبِمَ تُبَشِّرُونِ} أراد {تُبَشِّرُونَنِي} فاذهب احد النونين استثقالا لاجتماعهما, كما قال: "ما أَحسَسْتُ مِنْهُمْ أَحدا" فأَلقوا إحدى السينين استثقالا. فهذا أجدر أَنْ يستثقل لأنَّهُما جميعا متحركان. قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثاني والسبعون بعد المئة] : تَراهُ كالثُّغَامِ يُعَلُّ مِسْكاً * يَسُوءُ الفالِياتِ إِذَا فَلَيْنِي فحذف النون الآخرة لأنها النون التي تزاد ليترك ما قبلها على حاله

[96ء] وليست باسم. فاما الأولى فلا يجوز طرحها فانها الاسم المضمر وقال ابو حية النميري: [من الوافر وهو الشاهد الثالث والسبعون بعد المئة] : أبِالموتِ الذي لا بُدَّ أَنِّي * مُلاقٍ - لا أَبَاكِ - تُخَوِّفِيني فحذف النون. ولو قرئت {فَبِمَ تُبَشِّرُونِّ} بتثقيل النون كان جيدا ولم اسمعه، كأن النون أدغمت وحذفت الياء كما تحذف من رؤوس الاي نحو {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} يريد "عذابي". وأما قوله {فَظِلتُمْ تَفَكَّهُونَ} فانها انما كسر أولها لأنه يقول: "ظَلِلْتُ" فلما ذهب أحد الحرفين استثقالا حولت حركته على الظاء. قال أوس بن مغراء: [من البسيط وهو الشاهد الرابع والسبعون بعد المئة] : مِسْنَا السَّماءَ فَنِلْناها وَطَالَهُمُ * حَتَّى رَأَوْا أُحُداً يَهْوِي وَثَهْلانا لأنها من "مَسَسْتُ" وقال بعضهم {فَظَلْتُم} ترك الظاء على فتحتها وحذف احد اللامين، ومن قال هذا قال "مَسْنا السماءَ". وهذا الحذف* ليس بمطرد، وإنما حذف من هذه الحروف التي ذكرت لك خاصة ولا يحذف

الا في موضع لا تحرك فيه لام الفعل، فاما الموضع الذي تحرك فيه لام الفعل فلا حذف فيه. {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} قال {شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} فأضاف الى البين لأنه قد يكون اسما [96ب] قال {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنُكُمْ} بالضم. ولو قال {شِقَاقاً بَيْنَهما} في الكلام فجعل البَيْن ظرفا كان جائزا حسنا. ولو قلت {شِقاقَ بينَهما} تريد {ما} وتحذفها جاز، كما تقول {تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} تريد {ما} التي تكون في معنى شيء. وقال {تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} . وتقول "بينَهُما بَوْنٌ بَعِيدٌ" تجعلها بالواو وذلك بالياء. ويقال: "بينَهما بَيْنٌ بَعيدٌ" بالياء. المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} قال {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} وقال بعضهم {الجَنْبِ} وقال الراجز: [وهو الشاهد الخامس والسبعون بعد المئة] : * الناسُ جَنْبٌ والأَمِيرُ جَنْبُ *

يريد بـ"جَنْب": الناحية. وهذا هو المتنحى عن القرابة فلذلك قال "جَنِبٌ" و"الجُنُبُ" أَيْضاً: المجانبُ للقرابة ويقال: "الجانِبُ" ايضا. وأما {َالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ} فمعناه: "هو الذي بجنبك"، كما تقول "فلان بجنبي" و"إلى جنبي". {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِم عَلِيماً} قال {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فان شئت جعلت {ماذا} بمنزلتها وحدها وان شئت جعلت {ذا} بمنزلة "الذي".

{يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} قال {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} أيْ: لا تَكْتُمُهُ الجوارحُ او يقول: "لا يَخْفى عَلَيْهِ وإنْ كَتَمُوهُ". وقال {لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ} وقال بعضهم {تَسَوَّىَ} [و] كل حسن. المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً} قوله {وَلاَ جُنُباً} في اللفظ [97ء] واحد وهو للجمع كذلك، وكذلك هو للرجال والنساء، كما قال {وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} فجعل "الظَهيرَ" واحدا. والعرب تقول: "هُمْ لِي صَدِيقٌ". وقال: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} وهما قعيدان. وقال {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقال {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} لأنَ "فَعُول" و"فَعِيل" مما يجعل واحدا للاثنين والجمع. وقال {وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} لأنه قال {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فقوله {وأَنْتُمْ سُكَارَى} في موضع نصب على الحال، فقال {وَلاَ جُنُباً} على العطف كأنه قال: "وَلا تَقْرَبُوها جُنْباً إِلاّ عابِري سَبِيلٍ" كما تقول: "لا تَأْتِي إِلاّ رَاكِباً".

{مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} قال {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} يقول "مِنْهُمْ قَوْمٌ" فأضمر "القَوْم". قال النابغة الذبياني: [من الوافر وهو الشاهد السادس والسبعون بعد المئة] : كَأَنَّكَ منْ جِمالِ بَنِي أُقَيْشٍ * يُقَعْقَعُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ بِشَنِّ أي: كأنَّكَ جَمَلٌ مِنْها. وكما قال {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} أي: وإِنْ مِنْهُمْ واحدٌ إلاّ لَيُؤْمِنُنَّ به". والعرب تقول: "رَأيتُ الذي أَمْسِ" أي: رأيتُ الذي جاءَكَ أمْسِ" أو"تَكَلَّمَ أمْسِ". {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً} وقوله {رَاعِنَا} أي: "راعِنا سَمْعَكَ. في معنى: أَرِعْنا. وقوله {غَيْرَ مُسْمِعٍ} أي: لا سَمِعْتُ [97ب] أي: لا سُمِعْتَ واما {غَيْرَ مُسْمِعٍ} أي: لا يُسْمَعُ مِنْكَ فأَنْتَ غَيْر مُسْمِعٍ. وقال {وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} . وانما قال {وَانْظُرْنَا} لأَنَّها من "نَظَرْتُه" أي: "انْتَظَرْتُهُ". وقال {انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} أي: انْتَظِرُوا. وأما قوله {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} فانما هي: إلى قَدَّمَتْ يَداه. قال الشاعر: [من الخفيف وهو الشاهد السابع والسبعون بعد المئة] ظاهِراتُ الجَمالِ والحُسْنِ يَنْظُرْ * نَ كَما تَنْظُرُ الأَراكَ الظِّباءُ وان شئت كان {يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ} على الاستفهام مثل قولك "يَنْظُرُ خيراً قدّمَتْ يداهُ أَمْ شَرّاً".

{يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} قال {يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} الى قوله {مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً} يقول: من قبل يوم القيامة. المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً} قال {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً} فهذا مثل "دَهِين" و"صَرِيع" لأنك تقول: "سُعِرَتْ" فـ"هِيَ مَسْعُورَةٌ" وقال {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} . {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} قال {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ} فان قال قائل: "أليس انما تعذب الجلود التي عصت، فكيف يقول {غَيْرَهَا} "؟ قلت: "إنّ العرب قد تقول: "أَصوُغُ خَاتَماً غيرَ ذا" فيكسره ثم يصوغه صياغة اخرى. فهو الأول إلاَّ أن الصياغة تغيرت. {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} وقال {وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} أي: {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ} وحتى {يُسَلِّمُوا} كل هذا معطوف على ما بعد حتى. المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} قال {مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} فرفع {قَلِيلٌ} لأنك جعلت الفعل لهم وجعلتهم بدلا من الأسماء المضمرة في الفعل.

{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَائِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَائِكَ رَفِيقاً} قال {وَحَسُنَ أُولَائِكَ رَفِيقاً} [98ء] فليس هذا على "نِعْمَ الرَّجُل" لأن "نِعْمَ" لا تقع الا على اسم فيه الالف واللام أو نكرة، ولكن هذا على مثل قولك: "كَرُمَ زَيْدٌ رَجُلاً" تنصبه على الحال. و"الرَفِيقُ" واحد في معنى جماعة مثل "هُمْ لي صَدِيقٌ". {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً} قال {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} فاللام الأولى مفتوحة لأنها للتوكيد نحو: "إنَّ في الدّارِ لَزَيْداً" واللام الثانية للقسم كأنه قال: "وإنْ مِنْكُمْ مَنْ واللهِ لَيُبَطِئَنَّ". المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} قال {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ} وقال {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ} أي: يبيعُها. فقد تقع "شَرَيْتُ" للبيع والشراء. {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} قال {مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} فجررت "الظالِم" لأنه صفة مقدمة ما قبلها مجرور وهي لشيء من سبب الأول، واذا كانت كذلك جرّت على الأول حتى تصير كأنها له.

{مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} قال {وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} فجعل الخبر بالفاء لأن {مَا} بمنزلة {مَنْ} وأدخلَ {مِنْ} على السيئة لأن {ما} نفي و {مِن} تحسن في النفي مثل قولك: "ما جاءَنِي من أحد". المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} قال {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ} أي: ويقولون "أَمْرُنا طَاعَةٌ". وان شئت نصبت الطاعة على "نُطيعُ طاعةً". وقال {بَيَّتَ} فذكّر فعلَ الطائفة [98ب] لأنهم في المعنى رجال وقد اضافها الى مذكرين. وقال {وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مَّنكُمْ} . {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} قال {لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} على {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ} {إِلاَّ قَلِيلاً} .

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} قال {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} جزم على جواب الأمر. ورفع بعضهم على الابتداء ولم يجعله علة للأول وبه نقرأ كما قال {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً} جزم اذا جعله لما قبله علة ورفع على الابتداء وبالرفع نقرأ. المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} قال {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} فنصب على الحال كما تقول: "مالَكَ قائما" أي: "مالَكَ في حالِ القِيامِ". {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} قال {إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أو {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} فـ (حَصِرَةً) اسمٌ نَصَبْتَهُ على الحال و {حَصِرَتْ} "فَعِلَتْ" وبها نقرأ.

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} قال {فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً} . وقال {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} أي: فعليه ذلك. وقال {إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ} : فَعَلَيْكُمْ ذلِكَ إلاَّ أَنْ يَصَّدّقوا*. المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلك كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} قال {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ} وقال بعضهم {فَتَثَبَّتُوا} وكلُّ صواب لأنك تقول "تَبَيَّنْ حالَ القَوْمِ" و"تَثَبَّتْ". و"لا تُقْدِمْ حَتَّى تَتَبَيَّنْ" و"حَتّى تَتَثَبَّتْ". {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} قال {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [99ء] غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} مرفوعة لأنك جعلته من صفة القاعدين. وإنْ جررته فعلى

"المُؤْمِنِين" وإِنْ شئت نصبته اذا أخرجته من أول الكلام فجعلته استثناء وبها نقرأ. وبلغنا انها أنزلت من بعد قوله {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} ولم تنزل معها، وانما هي استثناء عنى بها قوما لم يقدروا على الخروج ثم قال {وَالْمُجَاهِدُونَ} يعطفه على القاعدين لأن المعنى {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} {وَالْمُجَاهِدُونَ} . وقال {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} {دَرَجَاتٍ مِّنْهُ} [96] يقول فعل ذلك درجات منه. وقال {أَجْراً عَظِيماً} لأنه قال: "فَضَّلهم" فقد أخبر انه آجرهم فقال على ذلك المعنى كقولك: "أمَا وَاللهِ لأَضْرِبَنَكَ إيجاعاً شَدِيداً" لأنَّ معناه: لأُوْجِعَنَّكَ. {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} [و] قال {أُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ} [98] لأنه استثناهم منهم كما تقول: "أُولئِكَ أَصْحابُكَ إِلاّ زَيْداً" و: "كُلُّهُم أَصْحابُكَ إِلاّ زيداً". وهو خارج من أول الكلام.

المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَآءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} قال {إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ} أي. تَيْجَعُون. تقول: "ألِمَ" "يَأْلَمُ" "أَلَما". {هَا أَنْتُمْ هؤلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} قال {هَا أَنْتُمْ هؤلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ} فرد التنبيه مرتين كما قال {هَا أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ} أراد [99ب] التوكيد. {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذلك ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [و] قال {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} يقول: "إلاّ في نَجْوى مَنْ أمَرَ بِصَدَقَةً". المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً} قال {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ} أيْ بأَنْ اتَّقُوا الله.

{مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [وقال] {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} فموضع {كَانَ} جزم والجواب الفاء وارتفعت {يُرِيدُ} لأنه ليس فيها حرف عطف. كما قال {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ} ، وقال {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} فجزم لأن الأول في موضع جزم ولكنه فعل واجب فلا ينجزم، و {يُرِيدُ} في موضع نصب بخبر {كَانَ} . [و] قال {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} [128] فجعل الاسم يلي {إنْ} لأَنَّها أَشَدُّ حروف الجزاء تمكنا. وإنَّما حسن هذا فيها اذا لم يكن لفظ ما وقعت عليه جزما نحو قوله: [من البسيط وهو الشاهد الثامن والسبعون بعد المئة] : * عاوِدْ هَراةَ وإِنْ مَعْمُورُها خَرَبا * {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} قال {إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} لأنّ {أوْ} ها هنا في معنى الواو. أَو يكون جمعهما في قوله {بِهِما}

لأنهما قد ذكرا نحو قوله عز وجل {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا} . أوْ يكونُ أضمرَ {مَنْ} كأنه "إنْ يَكُنْ مَنْ تَخاصَم غَنِيّاً أوْ فَقِيراً" يريد "غنيين أو فقيرين" يجعل "مَنْ" في ذلك المعنى ويخرج {غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً} [100ء] على لفظ "من". وقال {وَإِن* تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ} لأنها من "لَوى" "يَلْوِى". وقال بعضهم {وإِنْ تَلُوا} فان كانت لغة فهو لاجتماع الواوين، ولا أراها إِلاّ لحناً إلاّ على معنى "الوِلاية" وليس لـ"الوِلايَة" معنى ها هنا الا في قوله "وإِنْ تَلُوا عَلَيْهِم" فطرح {عَلَيْهِم} فهو جائز. المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً} قال {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} لأنه حين قال {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ} قد أخبر أنه لا يحل. ثم قال {إِلاَّ مَن ظُلِمَ} فانه يحل له أن يجهر بالسوء لمن ظلمه. وقال بعضهم {ظَلَم}

على قوله {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ} [147] [فيكون] {إِلاَّ مَن ظَلَم} [على معنى] "إِلاّ بِعَذابِ مَنْ ظَلَم". {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} قال {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ} فـ {ما} زائدة كأنه قال "فبنقضهم". {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً} {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ} {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ} [157] كله على الأول. المعاني الواردة في آيات سورة (النساء) {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [و] قال {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ} فانتصب لأن الفعل قد سقط بشيء من سببه وما قبله منصوب بالفعل. [و] {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} الكلام خلق من الله على غير الكلام منك وبغير ما يكون منك. خلقه الله ثم أوصله الى موسى. {ياأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [و] قال {فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ} فنصب {خَيْراً لَكُمْ} لأنه حين قال لهم {آمِنُواْ} أمرهم بما هو خير لهم فكأنه قال: "اعْمَلُوا خيراً لكم" وكذلك {انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ} [171]

فهذا انما يكون في الأمر والنهي خاصة ولا يكون في الخبر، لأنّ الأمْر والنهي لا يضمر فيهما وكأنك اخرجته من شيء الى شيء. وقال الشاعر [100ب] : [من السريع وهو الشاهد التاسع والسبعون بعد المئة] : فَفواعِديه سَرْحَتَيْ مالِكٍ * أو الرُّبا بَينَهُما أسَهْلا كما تقول: "واعديه خيراً لك" وقد سمعت نصب هذا في الخبر تقول العرب: "آتى البيتَ خيراً لي" و"أتركُهُ خيراً لي" وهو على ما فسرت في الأمر والنهي. {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} قال {إِن امْرُؤٌ هَلَكَ} مثل {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} تفسيرهما سواء.

سورة (المائدة)

المعاني الواردة في آيات سورة (المائدة) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} قال: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} نصب (غيرَ) على الحال. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [و] قال {لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ} واحدها "شعيرة". [و] قال {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} فـ"الشَنَئانُ" متحرك مثل "الدَرَجان" و"المَيَلان"، وهو من "شَنِئْتُه" فـ"أنا أشنَؤه" "شَنَئاناً". وقال {لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} أي: لا يُحِقَّنَّ لَكُمْ. لأَنَّ قَوْلَهُ {لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ} انما هو حَقٌّ أَنَّ لَهُمْ النّارَ. قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثمانون بعد المئة] :

وَلَقَدْ طَعَنْتُ أَبّا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً * جَرَمَتْ فَزارَةُ بَعْدَها أَنْ يَغْضَبُوا أي: حُقَّ لَهٌا. وقوله {أَن صَدُّوكُمْ} يقول: "لأَِن صَدُّوكُم" وقد قُرئت {إِنْ صَدُّوكُم} [101ء] على معنى "إنْ هُمْ صَدُّوكُم" أي: "إنْ هُمْ فَعَلُوا" أي: إنْ هَمُّوا* ولم يكونوا فعلوا. وقد تقول ذلك أيضاً وقد فعلوا كأنك تحكي ما لم يكن؛ كقول الله تعالى {قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} وقد كان عندهم قد وقعت السرقة. وقال {أَن تَعْتَدُواْ} أي: لا يُحِقَنَّ لَكُمْ شَنَئانُ قَوْم أَنْ تَعْتَدُوا. أي: لا يَحْمِلَنَّكُم ذلك َ علَى العُدْوانِ. ثم قال {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} . {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذالِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقال {وَالْمَوْقُوذَةُ} من (وُقِذَتْ) فـ"هِيَ مَوْقُوذَةٌ". {وَالنَّطِيحَةُ}

فيها الهاء لأنها جعلت كالاسم مثل "أَكِيلَةِ الأَسَدِ". وانما تقول: "هِيَ أَكِيلٌ" و"هِيَ نَطِيحٌ" "لأَنَّ كل ما فيه "مَفْعُولَة" فـ"الفَعِيل" فيه بغير الهاء نحو "القَتيِل" و"الصَريع" اذا عنيت المرأة و"هِيَ جَريحٌ" لأَنَكَ تقول "مَجْرُوحَةٌ". وقال {وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ} ولغة يخففون "السَبْع". {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} وجميعه: "الأنْصاب". {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ} يقول: "وَحُرِّمَ ذلك " وواحدها "زُلَم" و"زَلَمَ". وقال {مَخْمَصَةٍ} تقول: "خَمَصَهُ الجُوع" نحو "المَغْضَبَة" لأنَّه أَرادَ المصدر. [وقال] {يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ}

مهموزة الياء الثانية وهي من "فَعِل" "يَفْعِل" وكسر الياء الأولى لغة نحو "لِعْبَ" ومنهم من يكسِر اللام والعين ويسكنون العين ويفتحون [101 ب] اللام أيضاً ويكسرونها وكذلك "يئس". وذلك أنَّ "فعل" اذا كان ثانيه احد الحروف الستة كسروا أوله وتركوه على الكسر، كما يقولون ذلك في "فعيل" نحو "شِعير" و "صِهيل". ومنهم من يسكن ويكسر الأولى نحو "رِحْمَهُ اللهُ" فلذلك تقول: "يِئْسَ" تسكر الياء وتسكن الهمزة. وقد قرئت هذه الآية {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} على تلك اللغة التي يقولون فيها "لِعِبَ". وأُناس يقولون "نَعِمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ" فقد يجوز كسر هذه النون التي في "نَعِمَ" لأن التي بعدها من الحروف الستة كما كسر "لِعِب". وقولهم: "ان العين ساكنة من "نِعِمّا" اذا ادغمت خطأ لأنه لا يجتمع ساكنان. ولكن اذا شئت أخفيته فجعلته بين الادغام والاظهار فيكون في زنة متحرك كما قرئت {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي} يشمون النون الأولى الرفع. وقال {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} لأَّنَّ الاسلام كان فيه بعض الفرائض فلما فرغ الله مما أراد منه قال {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}

{وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً} لا على غير هذه الصفة. وقال {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} كأنه قال: "فإِنَّ اللهُ لَهُ غَفُورٌ رَحِيم". كما تقول: "عبدُ اللهِ ضَرَبْتُ" تريد: ضربته. قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الحادي والثمانون بعد المئة] : [102 ء] ثَلاثٌ كُلُّهُنَّ قتلتُ عَمْداً * فَأَخْزَى اللهُ رابعَةً تَعُود وقال الآخر: [من الرجز وهو الشاهد الثاني والثمانون بعد المئة] : قدْ أَصْبَحَتْ أُمُ الخِيارِ تَدَّعي * عَلَيَّ ذَنْباً كُلَّهُ لَمْ أَصْنعِ المعاني الواردة في آيات سورة (المائدة) {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} وقال {مَاذَآ أُحِلَّ} فان شئت جعلت "ذا" بمنزلة "الذي" وان شئت جعلتها زائدة كما قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الثالث والثمانون بعد المئة] : يا خُزْرَ تَغْلِبَ ماذا بالُ نِسْوَتِكُم * لا يَسْتَفِقنَ الى الدَيْرَيْنَ تَحْنانا فـ"ذا" لا تكون ها هنا إلاَّ زائدة. [اذ] لو قلت: "ما الذي بال نسوتكم" لم يَكُن كَلاماً. [و] قال {الْجَوَارِحِ}

وهي الكَواسِبُ كما تقول: "فُلانٌ جارِحَةُ أَهْلِهِ" و"مالَهُمْ جارِحَةٌ" أي: مالَهُم مَمَالِيكُ "ولا حافِرَةْ". [و] قال {كُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [فـ] أدخل {مِنْ} كما أدخله في قوله: "كانَ مِنْ حَديث" و"قَدْ كانَ مِنْ مَطَرٍ". وقوله {وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} و {يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} . وهو فيما فسر "يُنَزِّلُ منَ السَّماءِ جِبالاً فيها بَرَدٌ". وقال بَعْضُهُم {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} أي: في السَّماءِ جبالٌ مِنْ بَرَد. أي: يَجْعَلْ الجِبالَ مِنْ بَرَدٍ في السَّماء، ويجعل الإِنزال منها. {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقال {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} فيعني به الرجال. وقال {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (وَ) أُحِلَّ {لَكُمْ المُحْصنات} من النساء {مُحْصِنِينَ [102 ب] غَيْرَ مُسَافِحِينَ} أي: أُحِلَّ لَكُمْ في هذِهِ الحالِ.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ولكن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وقال {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} فرده إلى "الغَسْل" في قراءة بعضهِم لأنه قال {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} وقال بعضهم {وَأَرْجُلَكُمْ} على المسح أي: وامْسحوا بأَرْجُلِكُم. وهذا لا يعرفه الناس. وقال ابن عباس: "المَسْحَ على الرِّجْلَيْن يُجْزِىءُ". "ويجوز الجر على الاتباع وهو في المعنى "الغَسْل" نحو "هذا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ". والنَصب أسلم وأجود من هذا الاضطرار. ومثله قول العرب: "أَكَلْتُ خبزا ولبنا" واللبن لا يؤكل. ويقولون: "ماسَمِعْتُ برائحةٍ اطيبَ من هذهِ ولا رأيتُ رائحةً أطيبَ من هذِه" و"ما رأيتُ كلاماً أصوبَ من هذا". قال الشاعر: [من مجزوء الكامل وهو الشاهد الرابع والثمانون بعد المئة] : يا لَيْتَ زَوجَكِ قَدْ غَدا * مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحاً ومثله {لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ} [2] {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [2] . وقال {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} أي: ما يُريدُ اللهُ لِيجْعَلَ عَلَيْكُمْ حَرَجا.

المعاني الواردة في آيات سورة (المائدة) {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} وقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} كأنه فسر الوعد ليبين ما وعدهم أي: هكذا وعدهم فقال {لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} . {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ} [وقال] {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي} {لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} فاللام الأَولى على معنى القسم [103 ء] والثانية على قسم آخر. {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} وقال {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ} كما تقول: "مِنْ عبدِ اللهِ أخَذْتُ دِرْهَمَه". المعاني الواردة في آيات سورة (المائدة) {قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [و] قال {إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} فأعمل {إِنَّ} في "القوم" وجعل "جَبْارِينَ" من صفتهم لأَنَّ {فِيها} ليس باسم.

{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [و] قال {فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} فهي من "أَسَي" "يَأْسىَ" "أَسَىَ شَدِيداً" وهو الحزن. و"يَئِسَ" من "اليَأسِ" وهو انقطاع الرجاء من "يَئِسوا" وقوله {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ} : من انقطاع الرجاء وهو من: يئست وهو مثل "إِيٍس" في تصريفه. وإنْ شِئْتَ مثل "خَشِيْتُ" في تصريفه. وأما "أسَوْتَ" "تَأْسُوا" "أَسْواً" فهو الدواء للجِراحة. و"أُسْتُ" "أَؤُوسُ" أَوْساً" في معنى: أَعْطَيْتُ. و"أُسْتُ" قياسها "قُلْتُ" و"أَسَوْتُ" [قياسها] "غَزَوْتُ". {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [و] قال {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} فالهمزة لـ"نَبَأ" لأنها من "أَنْبَاتُهُ". وأَلِف "ابْنَيْ" تذهب لأنها ألف وصل في التصغير. واذا وقفت [قلت] "نبأ" مقصور ولا تقول "نبا" لأنها مضاف فلا تثبت فيها الألف*.

المعاني الواردة في آيات سورة (المائدة) {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقال {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} مثل "فَطَوَّعَتْ" ومعناه: "رَخَّصَتْ" وتقول "طَوَّقْتُهُ إمْريِ" أي: عَصَبْتُه به. {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذاالْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} وقال {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذاالْغُرَابِ فَأُوَارِيَ} فنصب {فَأُوَارِيَ} لأَنَّكَ عَطَفْتَه بالفاء على {أَنْ} وليس بمهموز لأَنّه من "وَارَيْتُ" وإنما [103 ب] كانت {عَجَزْتُ} لأنها من "عَجَزَ" "يَعْجِزُ" وقال بعضهم "عَجَزَ" "يَعْجُزُ"، و"عَجِزَ" "يَعْجَزُ". {مِنْ أَجْلِ ذلك كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذلك فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [و] قال {مِنْ أَجْلِ ذلك كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} . وان شئت أذهبت الهمزة من {أَجْلِ} وحركت النون في لغة من خفف الهمزة. و"الأَجْلُ": الجناية من "أَجَلَ" "يَأْجِلُ"، تقول: "قَدْ أَجَلْتَ عَلَيْناا شَرْاً" ويقول بعض العرب {مِنْ جَرّا} من: "الجَريرة" ويجعله على "فَعْلَى". وقال {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ} يقول: "أَوْ بِغَيْرِ فَسادٍ في الأَرْض".

المعاني الواردة في آيات سورة (المائدة) {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ} يقول: "لَوْ أَنَّ هذا مَعَهُم لِلفداء ما تُقُبِّلَ مِنْهُم". {ياأَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذافَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَائِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وقال {لاَ يَحْزُنكَ} خفيفة مفتوحة الياء وأهْل المدينة يقولون {يُحْزِنْكَ} يجعلونها من"أحْزَنَ" والعرب تقول: "أَحْزَنْتُه" و"حَزَنْتُهُ". وقال {الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ} أي: "مِنْ هؤُلاءِ ومِنْ هؤلاء" ثم قال مستأنفاً {سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} أي: هم سماعون. وان شئت جعلته على {وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ} {سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} ثم تقطعه من الكلام الأول. ثم قال {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [42] على ذلك الرفع للأول وأما قوله {لَمْ يَأْتُوكَ} فها هنا انقطع الكلام والمعنى "وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ يَسْمَعُونَ

كَلامَ النَبِيّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [104 ء] لَيَكْذِبُوا عَلَيْهِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرينَ لَمْ يأتُوكَ بَعْد" يقول: "يَسْمَعُونَ لَهُم فَيُخْبِرونَهُمْ وَهُمْ لَمْ يَأْتُوكَ". {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وقال {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} اذا عطف على ما بعد "أَنَّ" نصب والرفع على الابتداء كما تقول: "إنَّ زَيْداً منْطَلِقٌ وعَمْرٌ ذاهبٌ" وإِنْ شئتَ قلت: "وَعَمْراً ذاهبٌ" نصب ورفع. المعاني الواردة في آيات سورة (المائدة) {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} [و] قال {وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} لأنَّ بَعْضَهم يقول: "هِيَ الإِنْجيل" وبعضهم يقول: "هُوَ الإِنجيل". وقد يكون على أنَّ "الإِنجيلَ" كتاب فهو مذكر في المعنى فذكروه على ذلك. كما قال {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى} ثم قال {فَارْزُقُوهُمْ مِّنْهُ} فذكّر و"القِسْمَةُ" مُؤَّنَّثة لأَنَّها في المعنى "الميراث" و"المال" فذكر على ذلك. {وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ولكن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} وقال {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} يقول: "وَشااهِداً عَلَيْهِ" نصب على الحال.

وقال {شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} فـ"الشِّرْعَةُ": الدينِ، من "شَرَعَ" "يَشْرَعُ"، و"المِنْهااجُ": الطَريقُ من "نَهَجَ" "يَنْهَجُ". {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وقال {لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآءَ} ثم قال {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} على الابتداء. المعاني الواردة في آيات سورة (المائدة) {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهُؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ} [و] قال {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ} نصب لأنه معطوف على قوله {فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ} [52] وقد قرىء رفعا على الابتداء. قال أبُو عمرو النصب محال لأنه لا يجوز "وَعَسى اللهُ أَنْ يقولَ الذين آمنوا" وإِنَّما ذا "عسى أنْ يقول"، يجعل {أَنْ يَقُولَ} [104 ب] معطوفة على ما بعد "عَسَى" أوْ يكون تابعا، نحو قولهم: "أَكَلْتُ خُبْزاً وَلَبَنَاً" و: ....................... * مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحاً

{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَائِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ} وقال {بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ} كما قال {بِخَيْرٍ مِنْ ذلِك} *. وقال {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} أي: {مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ} {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} . {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} وقال {وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} وقال {عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ} نصبهما بإِسقاط الفعل عليهما. المعاني الواردة في آيات سورة (المائدة) {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} وقال {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} . فذكروا أنَّها "العَطِيَّة" و"النِّعْمَة". وكذلك {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} كما تقول: "إنَّ لِفُلانٍ عِنْدِي يَداً" أي: نِعْمَةً. وقال: {أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ} أي: أُولى النِّعَم. وقد تكون "اليَد" في وجوه، تقول "بَيْنَ يَدَي الدارِ" تَعْني: قُدامَها، وليستْ للدارِ يدان.

{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} وقال {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وقال بعضهم {رِسالاتِهِ} وكلٌّ صوابٌ لأَنَّ "الرِّسالَةَ" قد تجمع "الرَّسائِلَ" كما تقول "هَلَكَ البَعِيرُ والشَّاةُ" و"أَهْلَكَ الناسَ الدينارُ والدِرْهَمُ" تريد الجماعة. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} وقال: {وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى} وقال في موضع آخر {والصّابِئِينَ} والنصب القياس على العطف على ما بعد {إِنّ} فاما هذه فرفعها على وجهين كأن قوله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ} في موضع رفع في المعنى لأنه كلام مبتدأ لأَنَّ قَوْلَهُ: "إنَّ زَيْداً مُنْطَلِقٌ" و"زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ" من غير أن يكون فيه "إنّ" في المعنى سواء [105 ء] ، فان شئت اذا عطفت عليه شيئا جعلته على المعنى. كما قلت: "إنَّ زيداً مُنْطَلِقٌ وعمرٌو". ولكنه اذا جعل بعد الخبر فهو احسن واكثر. وقال بضعهم: "لما كان قبله فعل شبه في اللفظ بما يجري على ما قبله، وليس معناه في الفعل الذي قبله وهو {الَّذِينَ هَادُواْ} اجراه عليه فرفعه به وان كان ليس عليه في المعنى ذلك انه تجيء اشياء في اللفظ لا تكون في المعاني، منها قولهم: "هذا

جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ" وقولهم "كَذَبَ عَلَيْكُمْ الحَجُّ" يرفعون "الحَجَّ" بـ"كَذَبَ"، وانما معناه "عَلَيْكُم الحَجَّ" نصب بأمرهم. وتقول: "هذا حَبُّ رُمّانِي" فتضيف "الرُّمَانَ" إلَيكَ وإِنَّما لَكَ "الحَبُّ" وليس لك "الرُّمَانُ". فقد يجوز أشباه هذا والمعنى علىخلافه. المعاني الواردة في آيات سورة (المائدة) {وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [و] قال {ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ} ولم يقل "ثُمَّ عَمِيَ وَصَمَّ" وهو فعل مقدم لأنه أخبر عن قوم انهم عَمُوا وصَمُّوا، ثم فسر كم صنع ذلك منهم كما تقول "رأيتُ قَوْمَك ثُلُثَيْهِم" ومثل ذلك {وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ} وان شئت جعلت الفعل للآخر فجعلته على لغة الذين يقولون "أَكَلُوني البَراغِيثُ" كما قال: [من الطويل وهو الشاهد الخامس والثمانون بعد المئة] : ولكِنْ دِيافِيٌّ أَبُوهُ وأُمُّهُ * بِحَوْراَنَ يَعْصُرْنَ السَّلِيطُ أَقارِبُه {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ اله إِلاَّ اله وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [و] قال {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} وذلك انهم جعلوا معه "عِيْسى" [105 ب] و"مَرْيَمَ". كذلك يكون في الكلام اذا كان واحد مع اثنين قيل "ثالِثُ ثلاثَةٍ" كما قال {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} وانما

كان معه واحد. ومن قال: "ثالثَ اثْنَيْنِ" دخل عليه أنْ يقول: "ثَانِيَ واحِدٍ". وقد يجوز هذا في الشعر وهو في القياس صحيح. قال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد السادس والثمانون بعد المئة] : وَلكِنْ لا أَخُونُ الجارَ حَتّىَ * يُزيلُ اللهُ ثالِثَةَ الأَثافِي ومن قال: "ثانِيَ اثْنَيْنِ" و"ثالثُ ثَلاثَةٍ" قال: حاديَ أَحَدَ عَشَرَ" اذا كان رجل مع عشرة. ومن قال "ثالثُ اثْنَيْنِ" قال: "حاديَ عَشْرَةَ" فأمّا قَوْلُ العَرَبِ: "حاديَ عَشَرَ" و"ثانيَ عَشَر" فهذا في العدد اذا كنت تقول: "ثانِي" و"ثالث" و"رابع" و"عاشر" من غير ان تقول: عاشرَ كَذَا وكَذَا"، فلما جاوز العشرةَ أرادَ أَنْ يقول: "حادي" و"ثاني" فكان ذلك لا يعرف معناه الا بذكر العشرة فضم إليه شيئا من حروف العشرة. {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلك فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ} على القسم أي: وَاللهِ لَيَبْلُوَنَّكُمْ. وكذلك هذه اللام التي بعدها النون لا تكون * الا بعد القسم.

المعاني الواردة في آيات سورة (المائدة) {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذلك صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} وقال: {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} أي: فعليه جزاء مثل ما قتل من النعم. [و] قال {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً} انتصب على الحال {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} من صفته وليس قولك [106 ء] {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} بمعرفة لأن فيه معنى التنوين لأنه اذا قال "هذا ضاربُ زَيْدٍ" في لغة من حذف النون ولم يفعل بعد فهو نكرة. ومثل ذلك {هذاعَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} ففيه بعض التنوين غير انه لا يوصل اليه من أجل الاسم المضمر. ثم قال {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} أيْ: أوْ عليه كفارةٌ. رفعٌ منون ثم فسر فقال "هِيَ طعامُ مساكين" وقال بعضهم {كَفّارَةُ طَعَامِ مَساكِينَ} باضافة الكفارة اليه. [و] قال {أَو عَدْلُ ذلك صِيَاماً} يريد: أَوْ عَلَيْهِ مثلُ ذلك َ من الصيام. كما تقول: "عَليْها مثلُها زُبْداً". وقال بعضهم {أَوْ عِدلُ ذلك صياما} فكسر وهو الوجه لأن "العِدْلَ": المِثْل. وأَمَّا "العَدْل" فهو المصدر تقول: "عَدَلْتُ هذا بهذا عَدْلاً حَسَنا"،

و"العَدْل" أَيْضاَ: المِثْلُ. وقال {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} أي: مِثْلٌ ففرقوا بين ذا وبين "عدل المتاع" كما تقول: "امرأَةٌ رَزانٌ" و"حَجَرٌ رَزِينٌ". {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذلك لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وقال {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ} وقال {وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ} أي: وجَعَلَ لكُمْ الهَدْيَ والقَلائِدَ. {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وقال {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضِرْكُمْ} خفيفة، فجزم لأن جواب الامر جزم فجعلها من "ضَارَ" "يَضِير". وقال [106 ب] بضعهم {يُضِرَّكُمْ} و {يَضُرُّكْمْ} فجعل الموضع جزما فيهما جميعا، الا انه حرك لان الراء ثقيلة فأولها ساكن فلا يستقيم اسكان آخرها فيلتقي ساكنان وأجود ذلك {لا يَضُرُّكُمْ} رفع على الابتداء لأنه ليس بعلة لقوله {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} وانما أخبر انه لا يَضُرُّهُم.

المعاني الواردة في آيات سورة (المائدة) {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ الآَثِمِينَ} وقال {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} ثم قال {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} أيْ: شهادة بينِكم شهادةُ اثنين. فلما القى "الشهادة" قام "الاثنان" مقامها وارتفعا بارتفاعها كما قال {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} يريد: أَهْلَ القريةِ. وانتصب (القريةَ) بانتصاب "الأَهْلِ" وقامت مقامه. ثم عطف {أَوْآخَرَانِ} على "الاثنين". {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} وقال: {مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ} أيْ: من الأَوَّلَيْنِ الذينَ استْحَقَّ* عليهم. وقال بعضهم {الأَوْلَيَانِ} وبها نقرأ. لأنَّه حين قال {يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ} كان كأنه قد حدهما حتى صارا كالمعرفة في المعنى فقال {الأَوْلَيَانِ} فأجرى المعرفة علهيما بدلا. ومثل هذا مما يجري على المعنى كثير. قال الراجز: [وهو الشاهد السابع والثمانون بعد المئة] : عَلَيَّ يومَ تَملكُ الأُمُورَا * صَوْمُ شُهورٍ وَجَبَتْ نُذُورا * وَبَدَناً مُقَلَّداً مَنْحُورا *

فجعله على "أَوْجَبَ" لأنه في معنى "قَدْ أَوْجَبَ". {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [وقال] {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَآ [107 ء] أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} فجعل {تكونُ} من صفة "المائدة" كما قال {هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي} رفع اذا جعله صفة وجزم اذا جعله جوابا كما تقول: "أَعْطِني ثَوْباً يَسَعُني" اذا أردت واسعا و"يَسَعِْني" اذا جعلته جوابا كأنك تشترط أنه يسعك. [و] قال {وَآيَةً مِّنْكَ} عطف على "العيد" كأنه قال: "يكونُ عِيداً وآيَةً" وذكر ان قراءة ابن مسعود {تَكُنْ لَنَا عِيداً} . وليس قولهم {هَلْ يَسْتَطِيعُ} [112] لأنهم ظنوا انه لا يطيق. ولكنه كقول العرب: أَتَسْتَطيعُ أَنْ تَذْهَبَ في هذهِ الحاجَةِ وتدَعَنا من كَلامِكَ"، وتقول: "أَتَسْتَطيعُ أَنْ تَكُفَّ عَنّي فإِنِّي مَغْمُوم". فليس هذا لأنه لا يستطيع ولكنه يريد "كُفَّ عَنِّي" ويذكر له الاستطاعة ليحتج

عليه أَيْ: إِنَّكَ تستطيعُ. فاذا ذكّره إِياها علم أَنها حجة عليه. وانما قرئت {هَلْ تَسْتَطيعُ رَبَّكَ} فيما لَدَيّ لغموض هذا المعنى الآخر والله أعلم. وهو جائز كأنه أضمر الفعل فأراد "هلْ تَستَطيعُ أَنْ تدعوَ رَبَّكَ" أَوْ "هلْ تَستَطيعُ رَبَّكَ أَنْ تَدْعُوَهُ"، فكل هذا جائز. و"المائِدَةُ" الطعام. و"فَعَلْتُ" منها: "مِدْتُ" "أَمِيدُ". قال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الثامن والثمانون بعد المئة] : نُهْدِى رُؤوسَ المُجْرِمينَ الأَندادْ * إلى أمِيرِ المؤمِنِينَ المُمْتاد [107 ب] [و ["المُمْتاد"] هو "مُفْتَعِلٌ" من "مِدْتُ".

سورة (الأنعام)

المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ} فأمَّا قوله عز وجل {وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ} فـ {أَجَلٌ} على الابتداء وليس على {قَضَى} . {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} [قال تعالى] {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ} ثم قال {مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ} كأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم خاطبه معهم كما قال {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} فجاء بلفظ الغائب وهو يخاطب لأنه هو المخاطب. {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} وقال: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ} فنصب لام {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} لأن معنى "كَتَبَ" كأنه قال "واللهِ لَيَجْمَعَنَّكُمْ" ثم أبدل فقال {الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ}

أي: لَيَجْمَعَنَّ الذينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُم. المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} [وقال] {أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} على النعت. وقال بعضهم {فاطرُ} بالرفع على الابتداء أيْ: هُوَ فاطرُ. وقال بعضهم {وهو يُطْعِمُ ولا يَطْعَم} وقال بعضهم {ولا يُطْعَمُ} و {يَطْعَمُ} هو الوجه، لأَنَّكَ إنَّما تقول: "هُوَ يُطْعَمُ" لمن يَطْعَمُ فتخبر أنَّهُ لا يأكل شيئا. وإنّما تقرأ {يُطْعَمُ} لاجتماع الناس عليها. وقال {إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ} أي: وقيل لي: "لاَ تَكُونَنَّ". وصارت {أُمِرْتُ} بَدَلاً من ذلك لأنه حين قال {أُمِرْتُ} قد أخبر أنَّهُ قد قيل له. {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}

وقال {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا} على الصفة. وقال بعضهم {رَبَّنا} على "يا ربنا [108 ء] . وأمَّا {واللهِ} فجره على القسم، ولو لم تكن فيه الواو نصبت فقلت " اللهَ رَبَّنا". ومنهم من يجر بغير واو لكثرة استعمال هذا الاسم وهذا في القياس رديء. وقد جاء مثله شاذا قولهم: [من الرجز وهو الشاهد التاسع والثمانون بعد المئة] : * وَبَلَدٍ عامِيَّةٍ أَعْماؤُهُ * [و] إِنَّما هُوَ: رُبَّ بَلَدٍ وقال: [من الوافر وهو الشاهد التسعون بعد المئة] نَهَيْتُكَ عَنْ طِلابِكَ أُمَّ عَمْرٍو * بِعاقِبَةٍ وَأَنْت إِذٍ صَحِيحُ يقول: "حِينَئِدٍ" فالقى "حينَ" وأَضمْرها. وصارت الواو عوضا من "رُبَّ" في "وَبَلَدٍ". وقد يضعون "بَلْ" في هذا الموضع. قال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الحادي والتسعون بعد المئة] : ما بالُ عَيْنٍ عَنْ كَراها قَدْ جَفَتْ * مُسْبِلَةً تَسْتَنُّ لَمّا عَرَفَتْ داراً لِلَيْلى بَعْدَ حَوْلٍ قَدْ عَفَتْ * بَلْ جَوْزِ تَيْهاءَ كَظَهْرِ الحَجَفَتْ فيمن قال "طَلَحَتْ"

{وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَاذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [و] قال: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} وواحد "الأَكِنَّةِ": الكِنان. و"الوَقْرُ" في الأُذُن [بالفتح] ، و"الوِقْرُ" على الظهر بالكسر. وقال يونس: "سألتُ رؤبة" فقال: "وَقِرَتْ أُذُنُهُ" "تَوْقَرُ" اذا كان فيها "الوَقْر". وقال أبو زيد: "سمِعت العرب تقول: "أُذُنٌ مَوْقُورَةٌ" فهذا يقول: "وُقِرَتْ". قال الشاعر: [من الرمل وهو الشاهد الثاني والتسعون بعد المئة] : وَكلامٍ سَيِّىءٍ قَدْ وُقِرَتْ * أُذُنِي مِنْهُ وَما بِي مِنْ صَمَمْ [108 ب] وقال {أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} فبعضهم يزعم أنَّ واحدَه "أُسْطُورَة" وبعضهم "إِسّطارَة"، ولا أُراهُ إِلاّ من الجمع الذي ليس له واحدٌ نحو: عَبادِيد" و"مَذاكِير" و"أَبابِيل". وقال بعضُهم: "واحد الأَبابيل": إبِّيل، وقال بعضهم: "إِبَّوْل" مثل: "عِجَّوْل" ولم أجد العرب تعرف له واحدا. فأمّا "الشَّماطِيطُ" فإِنهم يزعمون أنّ واحدَهُ "شِمْطاط". وكل هذه لها واحد الا انه ليس يستعمل، ولم يُتَكَلَّمْ به لأن هذا المثال لا يكون إلا جميعاً. وسمعت العرب الفصحاء يقولون: "أَرْسَلَ إِبِلَهُ أَبابيلَ" يريدون "جماعات" فلم يُتَكَلَّمْ لها بواحد. المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} وأَمّا قوله: {وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} فانه من: "نَأَيْتُ" "يَنْأَى" "نَأْياً".

{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وقال: {وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} نصب لأنَّه جواب للتمني وما بعد الواو كما بعد الفاء، وان شئت رفعت وجعلته على مثل اليمين، كأنهم قالوا "وَلاَ نُكَذِّبُ واللهِ بآياتِ رَبِّنا وَنكُونُ واللهِ منَ المُؤمنين". هذا اذا كان ذا الوجه منقطعاً من الأول. والرفع وجه الكلام وبه نقرأ الآية [و] اذا نصب جعلها واو عطف، فكأنهم قد تمنوا الا يكذبوا وان يكونوا. وهذا - والله أعلم - لا يكون، لأنهم لم يتمنوا الايمان انما تمنوا الرد وأخبروا أنهم لا يكذبون ويكونون من المؤمنين. {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ ياحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} وقال {أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} لأنه من "وَزَرَ" "يَزِرُ" [109 ء] "وِزْراً" ويقال أيْضاً: "وُزِرَ" فـ"هُوَ مَوْزُورٌ". وزعم يونس انهما جميعاً يقالان.

المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ولكنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} وقال {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ} بكسر "إِنَّ" لدخول اللام الزائدة بعدها. {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} وقال {وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} كما تقول: "قَدْ أَصَابَنا من مَطَرٍ" و"قَدْ كانَ مِنْ حَديث". {وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} وقال {نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَآءِ} فـ"النَفَقُ" ليس من "النَفقَةِ" ولكنه من "النَّافِقاءِ"، يريد دخولا في الأرض. وقال {فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَآءِ} ولم يقل "فَافْعَلْ" وذلك أَنَّهُ أََضْمَر. وقال الشاعر: [من الخفيف وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد المئة] : فَبِحَظٍّ مِمّا نَعِيشُ ولا تَذْ * هَبْ بِكِ التُرَّهاتِ في الأَهْوالِ فأضمر "فَعِيشى".

المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} وقال {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} يريدُ: جماعة أمة. {قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} وقال {أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} فهذا الذي بعد التاء من قوله: {أَرَأَيْتَكُم} إِنما جاء للمخاطبة. وترك التاء مفتوحة كما كانت للواحد، وهي مثل كاف "رُوَيْدَكَ زَيْداً" اذا قالت: أَرْوِدْ زَيْداً". فهذه الكاف ليس لها موضع فتسمى بجر ولا رفع ولا نصب، وانما هي من المخاطبة مثل كاف "ذاك". ومثل ذلك قول العرب: "أَبْصِرْكَ زَيْداً" يدخلون الكاف للمخاطبة وانما هي "أَبْصِرْ زيداً". {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَّنْ اله غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} وقال {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ [109 ب] سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ} ثم قال {يَأْتِيكُمْ بِهِ} حمله على السمع أو على ما أخذ منهم. المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} وقال {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} فالأولى ان ينصب جواباً لقوله {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ}

والأخرى [أنْ] ينصب بقوله {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} . {وَإِذَا جَآءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ} و {أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فقوله {أَنَّهُ} بَدَلٌ من قوله {الرَّحْمَةَ} أي: كَتَبَ أنَّهُ مَنْ عمِلَ. وقوله {فَأِنَّهُ} على الابتداء أي: فَلَه المفغرة والرَّحْمَةُ فَهوَ غَفُورٌ رَحيم. وقال بعضهم {فأنَّهُ} أراد به الاسم وأضمر الخبر. أراد "فَأنَّ".

{وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} وقال {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} لأَنَّ أَهْلَ الحِجازَِّ يَقُولن: "هِيَ السَّبِيلُ" وقال بعضهم {ولتستبين} * يعني النبيّ صلى الله عليه. وقال بعضهم {وَلِيَسْتَبِينَ سَبِيلُ} في لغة بني تميم. المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} وقالَ {قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً} وقال بعضهم {ضَلَلْتُ} وهما لغتان. من قال "ضَلِلْتُ" قال "تَضَلُّ" ومن قال "ضَلَلْتُ" قال "تَضِلُّ" ونقرأ بالمفتوحة*. {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} وقال {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} جر على {مِنْ} وإِنْ شِئْتَ رَفَعْتَ على"تسْقط"، [110 ء] وإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ على الابتداءِ وَتَقْطَعُهُ من الأول.

{قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} وقال {تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} وقال في موضع آخر {وَخِيفَةً} . و"الخُفْيَةُ": الإِخفاء و"الخِيفَةُ" من الخَوْف والرَّهْبَة. المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} وقال {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} لأنها من "لَبَسَ" "يَلْبِسُ" "لَبْساً". {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} وقال {أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} وهي من "أبْسَلَ" "إبْسالاً". [و] قال {أُوْلَائِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ} . {قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وأمَّا قوله {حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ} فإِنَّ كلَّ "فَعْلان" له "فَعْلى" فَإِنَّه لا ينصرف في المعرفة ولا النكرة. وأمّا قَوْلُه {إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} فان الألف التي في {ائْتِنا} الف وصل ولكن بعدها همزة من الأصل هي التي في "أتَى" وهي الياء التي في قولك "إيتِنا"، ولكنها لم تهمز حين

ظهرت ألف الوصل. لأن الف الوصل مهموزة اذا استؤنفت فكرهوا اجتماع همزتين. وقال {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} يقول: إِنَّما أُمِرْنا كَيْ نُسْلِمَ لِرَبِّ العالَمين" كما قال {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي: إِنما أُمِرت بذلك. المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} ثم قال {وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ} أي: وَأُمِرْنا أَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ واتَّقُوهُ. أَوْ يَكُونُ أَوْصَلَ الفِعْلَ بالّلامِ، والمعنى: أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ. كما أوصل باللام في قوله {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} . {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} وقال {وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ} قال {يَوْم} مضاف إلى قوله {كُنْ فَيَكُونُ} وهو نصب [110 ب] وليس له خبر ظاهر والله اعلم. وهو على ما فسرت لك. وكذلك {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ}

وقال بعضهم {يَوْمَ يُنْفَحُ في الصُّورِ} وقال بعضهم {يَنْفُخُ} {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} . {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} وقال {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} فتح اذا جعلت {آزَرَ} بدلاً من {أَبيهِ} وقد قرئت رفعا على النداء كأنه قال "يا آزَرُ"*. وقال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الثالث والتسعون بعد المئة] : إِنَّ عَلَيَّ اللهَ أَنْ تُبايِعا * تُقْتَلَ صُبْحاً أَوْ تَجِيىءَ طائَعا فابدل "تُقْتَلَ صُبْحاً" من "تُبَايِعَ". المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هذارَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} وقال {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الْلَّيْلُ} وقال بعضهم {أَجَنَّ} . وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع والتسعون بعد المئة] : فَلَمّا أَجَنَّ اللَّيْلُ بِتْنا كَأَنَّنا * علىكَثْرَةِ الأَعْداءِ مُحْتَرِسَانِ

وقالُ: [من الرجز وهو الشاهد الخامس والتسعون بعد المئة] : * أَجَنَّكَ اللَّيلُ وَلَمَّا تَشْتَفِ * فجعل "الجَنَّ" مصدرا لـ"جَنَّ". وقد يستقيم أنْ يكون "أَجَنَّ" ويكون ذا مصدره كما قال "العَطاء" و"الإعطاء". وأما قوله {أَكْنَنتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} فإِنهم يقولون في مفعولها: "مَكْنُونٌ" ويقول بعضهم "مُكَنّ" وتقول: "كَنَنْتُ الجاريَةَ" إذا صُنتها و"كَنَنْتُها مِن الشَّمْسِ" و"أَكْنَنْتُها مِن الشَّمْسِ" أيضاً. ويقولون "هِيَ مَكْنُونَة" و"مُكَنَّةٌ" وقال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد السادس والتسعون بعد المئة] : قَدْ كُنْتُ أُعْطِيهُمُ مالِي وَأَمْنَحُهُمْ * عِرْضِي وَعِنْدَهُمُ في الصَّدْرِ مَكْنُونُ لأنَّ قَيْساً تقول: "كَنَنْتُ العِلْمَ" فهو "مَكْنُونْ". [111 ء] وتقول بنو تميم "أَكْنَنْتُ العِلْمَ" فـ"هُوَ مُكَنُّ"، و"كَنَنْتُ الجارِيَةَ فَـ"هِيَ مَكْنُونَةٌ". وفي كتاب الله عز وجل {أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} وقال {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} وقال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع والتسعون بعد المائة] : قَدْ كُنَّ يَكْنُنَّ الوُجُوهَ تَسَتُّراً * فَاليومَ حينَ بَدَوْنَ للنُّظّارِ

وقيسُ تنشد "قَدْكُن يُكْنِنَّ". وقال {فلََمَّآ أَفَلَ} فهو من "يَأْفِل" "أُفُولاً". {فَلَماَّ رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هذارَبِّي هَاذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ ياقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} وأما قوله للشمس {هذارَبِّي} فقد يجوز على "هذا الشيءُ الطالِعُ رَبّي". أَوْ على أَنَّه ظهرت الشمس وقد كانوا يذكرون الرب في كلامهم قال لهم {هذارَبّي} . وانما هذا مثل ضربه لهم ليعرفوا اذا هو زال انه لا ينبغي ان يكون مثله آلها، وليدلهم على وحدانية الله، وأنه ليس مثله شيء. وقال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الثامن والتسعون بعد المئة] : مَكَثْتَ حَوْلاً ثُمَّ جِئْتَ قاشِراً * لا حَمَلَتْ مِنْكَ كِراعٌ حافِرا {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ} قال {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} يعني: {وَوَهَبْنَا لَهُ} {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} وكذلك {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى} . المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} وقفال بعضهم {وَالْيَسَع} وقال بعضهم {وَاللَّيْسعَ} ونقرأ بالخفيفة.

{أُوْلَائِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} وقال {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} . وكلّ شيء من بنات الياء والواو في موضع الجزم فالوقف عليه بالهاء ليلفظ به كما كان. {وَهذاكِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} وقال {وَهذاكِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ [111 ب] مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي} رفع على الصفة، ويجعل نصبا حالا لـ {أَنْزَلْنَاهُ} . المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} وقال {وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنْفُسَكُمُ} فنراه يريد: يقولون {أَخْرِجُواْ أَنْفُسَكُمْ} والله اعلم. وكان في قوله {بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ} دليل على ذلك لأنه قد أخْبَرَ انهم يريدون منهم شيئاً. {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ الْلَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذلك تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} وقال {فَالِقُ الإِصْبَاحِ} جعله مصدرا من "أَصْبَحَ". وبعضهم يقول {فالِقُ الأَصْباحِ} جماع "الصُّبْح". وقال {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً} أي: بِحِسابٍ. فحذف الباء كما حذفها من قوله {أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ

عَن سَبِيلِهِ} أَيْ: أَعْلَمُ بمن يَضِلّ. و"الحُسْبانُ" جماعة "الحِسابِ" مثل "شِهاب" و"شُهْبَان"، ومثله "الشَمْسُ والقَمرُ بِحُسْبانٍ" أي: بحساب. {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} وقال {أَنْشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} فنراه يعنى: فمنها مُسْتَقِرٌّ ومنها مُسْتَوْدَعٌ والله اعلم. وتقرأ {مُسْتَقَرّ} . المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذالِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً} يريد "الأَخْضَرَ" كقول العرب: "أرِنيِها نَمِرَةً أُرِكَها مَطِرَةً". وقال {وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} ثم قال {وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ} أي: "وَأَخْرَجْنا بِهِ جَنّاتٍ مِنْ أَعنابٍ". ثم قال {وَالزَّيْتُونَ} وواحد: "القِنْوانِ": قِنْوٌ، وكذلك "الصِّنْوانُ" واحدها: صِنْوٌ. {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ}

{وَكَذلك نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} وقوله {وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} أي: دَارَسْتَ أَهْلَ الكتابِ {وَكَذلك نُصَرِّفُ الآيَاتِ} يعني: هكذا. وقال بعضهم [112 ء] {دَرَسْتَ} وبها نقرأ لأنها اوفق للكتاب. وقال بعضهم {دَرَسَتْ} . المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وقال {فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدُوّاً بِغَيْرِ عِلْمٍ} ثقيلة مشددة و {عَدْواً} خفيفة، والأصل من "العُدْوانِ". وقال بعضهم {عَدُوّاً} بغير علم. أي: سبّوه في هذه الحال. ولكن "العَدُوّ" جماعة كما قال {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} وكما قال {لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ} ونقرأ {عَدْواً} لأنها أكثر في القراءة وأجود في المعنى لأنك تقول: [عُدا] عَدْواً علينا" مثل "ضَرَبَهُ ضَرْباً". وقال {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ}

وقرأ بعضهم {أَنَّها] وبها نقرأ وفسر على "لعلها" كما تقول العرب: "اِذْهَبْ إِلى السوق أَنَّكَ تشتري لي شيئاً" أي: لَعَلَّك. وقال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد التاسع والتسعون بعد المئة] : قُلْتُ لِشَيْبانَ اذْنُ من لِقائِهِ * أَنَّا نُغَذِّي القَوَمَ مِن شِوائِه في معنى "لَعَلَّنا". {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ ولكنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} قال {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً} أيْ: قَبِيلاً قَبِيلا، جماعة "القَبيل" "القُبُل". ويقال "قِبَلا" أي: عِيانا. وقال {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً} أي: عِيانا. وتقول: "لا قِبَلَ لي بهذا" أي: لا طَاقَةَ*. وتقول: "لِي قِبَلَك حقٌ" أي: عندَك. المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ}

[و] قال {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} هي من "صَغَوْتُ" "يَصْغا" مثل "مَحَوْتُ" "يُمْحا". {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} وقال [112 ب] {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ الْجِنَّ} على البدل كما قال {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [12] صِرَاطِ اللَّهِ} . وقال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد المئتان] : ذَرِينِي إِنَّ أمرَكِ لَن يُطاعا * وَمَا ألفَيْتِني حِلْمِي مُضاعا وقال: [من البسيط وهو الشاهد الحادي بعد المئتين] : إِنِّي وَجَدْتُكَ يا جُرْثُومُ مِنْ نَفَرٍ * جُرْثُومَةِ اللُّؤْمِ لا جُرْثُومَةِ الكَرَمِ [وقال الآخر] : [من البسيط وهو الشاهد الخامس والخمسون بعد المئة] : إِنَّا وَجَدْنا بَنِي جِلاّنَ كُلَّهم * كساعِد الضُّبِّ لا طُولٌ ولا عِظَمُ* وقال: [من الرجز وهو الشاهد الثاني بعد المئتين] : ما لِلجِمالِ مَشْيِها وَئيدا * أَجَنْدَلاً لاَ يَحْمِلْنَ أَمْ حَدِيدا ويقال: ما للجمالِ مشيُها وَئيدا. كما قيل: [من الوافر وهو الشاهد الثالث بعد المئتين] :

فكيفَ تَرَى عَطِيَّةَ حِينَ تَلْقَى * عِظاماً هامُهُنَّ قُرآسِيات {وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} وقال {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} يقول - والله اعلم - "وَأَيّ شَيْءٍ لَكُمْ في أَلاّ تَأْكُلُوا" وكذلك {وَمَا لَنَآ أَلاّ نُقَاتِلَ} يقول: "أيُّ شَيْءٍ لَنا في تَركِ القِتال". ولو كانت {أَنْ} زائدة لارتفع الفعل، ولو كانت في معنى "وما لَنا وَكَذا" لكانت "وَمَالَنا وَأَلاّ نُقَاتِلَ". وقال {وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم} ويقرأ {ليُضِلُّونَ} . أوقع "أنَّ" على النكرة لأنَّ الكلام اذا طال احتمل ودل بعضه على بعض. {وَكَذلك جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} وقال {وَكَذلك جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا} [113 ء] فبناه على "أَفاعِل"، وذلك انه يكون على وجهين يقول "هؤلاء الأكابر" و"الأكبرون" وقال {نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً} وواحدهم "أَخْسَرُ" مثل "الأَكْبَر".

المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {وَكَذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} وقال {وَكَذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ} لأن الشركاء زينوا. ثم قال {لِيُرْدُوهُمْ} من "أرْدى" "إِرْداءَ". {وَقَالُواْ هَاذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} وقال {حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ} و"الحِجْر" "الحَرام" وقد قرئت بالضم {حُجْرٌ} ، وكذلك قرئت {حُجْراً مَحْجُورا} بضم الحاء و {حِجْراً} في معنى واحد. وقد يكون "الحِجْرُ": العَقْل، قال الله تعالى {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ} أي ذي عقل. وقال بعضهم: "لا يكون في قوله {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} إلا الكسر. وليس ذا بشيء لأنه حرام. وأما "حَِجْرُ المرأة" ففيه الفتح والكسر و"حَجْرُ اليَمامة"* بالفتح و"الحِجْرُ" ما حَجَرْتَه وهو قول أصْحابِ الحجر.

{وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَاذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ} وقوله عز وجل {وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَاذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ} رَفْعٌ أي**: وإِنْ تَكُن فِي بُطُونِهَا مِيتَةٌ. وقد يجوز الرفع اذا قلت {يَكُن} لأن المؤنّث قد يذكر فعله. و {خالِصَةٌ} انثت لتحقيق الخلوص كأنه لما حقق لهم الخلوص اشبه الكثرة فجرى مجرى "رَاوِية" و"نَسّابة". المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [وقال] {جَنَّاتٍ} جرْ لأن تاء الجميع في موضع النصب [113 ب] مجرورة بالتنوين. {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ثم قال {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً} أَي: وأَنْشَأَ من الأَنعامِ حَمُولَةً وَفَرْشا. {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} ثم قال {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}

أي: أَنْشَأَ حَمُولَةً وَفَرَشْاً ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ. أي: أَنّشَأَ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ، على البدل أو التبيان أو على الحال. ثم قال: "أَنْشَأَ {مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} وانما قال {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} لأنَّ كُلَّ واحدٍ "زَوْجٌ". تقول للاثنين: "هذانِ زَوْجانِ" وقال الله عز وجل {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} وتقول للمرأة: "هي زَوْجٌ" و"هي زَوْجَةٌ" و: "هو زَوْجُها". وقال {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَها} يعني المرأة وقال {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وقال بعضهم "الزَوْجَةُ" وقال الأخْطَل: [من البسيط وهو الشاهد السابع والشعرون بعد المئة] : زَوْجَةُ أَشْمَطَ مَرْهُوبٌ بَوادِرُهُ * قَدْ صار في رَأْسِهِ التَخْوِيصَ والنَزَعُ وقد يقال للاثنين أيضاً: "هما زَوْجٌ" و ["الزَوْجُ" النَمَط يُطْرَحُ على الهَوْدَج] قال لَبيد: [من الكامل وهو الشاهد السادس والعشرون بعد المئة] : مِنْ كُلِّ محْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ * زَوْجٌ عَلَيْهِ كِلَّةٌ وقِرامُها وأمّا {الضَأن} فمهموز وهو جماع على غير واحد. ويقال {الضَئِين} مثل "الشَعِير" وهو جماعة "الضَأْن" والأنْثى "ضائِنَة" والجماعة: "الضَوَائِنِ". و {المَعْزُ} جمع على غير واحد وكذلك "المِعْزَى"، فاما "المَواعِز" فواحدتها "الماعِزْ" و"الماعِزَةُ" والذكر الواحد "ضائِنْ" فيكون "الضَأْن" جماعة

"الضائِنْ" [104 ء] مثل صاحِب" و"صَحْب" و"تاجِر" و"تَجْر" وكذلك "ماعِزْ" و"مَعْز". وقال بعضهم {ضأَنْ} و {مَعَز} جعله جماعة "الضَائِن" و"الماعِز" مثل "خَادِم" و"خَدَم"، و"حافِد" و"حَفَدَةْ" مثله إِلاَّ أَنَّهُ أُلحق فيه الهاء. وأمَّا قَوْلُه {َآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ} فانتصب بـ"حرّم". المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقال {فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً} يقول: "إِلاَّ أَنْ يكونَ مِيتَةً أَوْ فِسقاً فإِنَّه رِجْسٌ". {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَآ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلك جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} وقال {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَآ} فواحد "الحَوايا": "الحاوِياءُ" "والحَاوِيَةُ". ويريد بقوله - والله أعلم - {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ} أي: والبقر والغنم حرمنا عليهم. ولكنه أدخل فيها "مِنْ" والعرب تقول: "قَدْ كانَ مِنْ حَديثٍ" يريدون: قَدْ كانَ حَدِيثٌ" وإِن شئت قلت: "وَمِنْ الغَنَمِ حَرَّمْنا الشُّحُومَ" كما تقول: "مِنَ الدّارِ أُخِذَ النِّصفُ والثُلُثُ" فأضفت على هذا المعنى كما تقول: "مِنَ الدّارِ أُخِذَ نِصْفُها" و"مِنْ عَبْدِ اللهِ ضُرِبَ وَجْهُهُ".

{قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذافَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} وقال {هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ} لأن "هَلُمَّ" قد تكون للواحد والاثنين والجماعة. المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَآ أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} وقال {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَآ أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا} على {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [154] كراهيةَ {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَآ أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا} . {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} وقال {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً} [114 ب] وقال بَعْضُهُم {فارَقُوا} من "المُفارَقَةِ". {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} وقال {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} على العدد كما تقول: "عَشْرُ سُودٍ" فان قلت كيف قال "عَشْر" و"المِثَل" مذكر؟ فانما أنث لأنه أضاف إِلى مؤنث وهو في المعنى أيضاً "حَسَنَةٌ" أو "دَرَجةٌ". فإِنْ أَنَّثَ على ذلك فهو وجه. وقال بعضُهم {عَشْرٌ

أمْثالُها} جعل "الأمثال" من صفة "العشر". وهذا الوجه الا انه لا يقرأ. لأنَّه ما كان من صفة لم تضف اليه العدد. ولكن يقال: "هُمْ عَشْرَةٌ قيامٌ" و"عشرةٌ قُعُودٌ" لا يقال: "عشرةُ قيامٍ". المعاني الواردة في آيات سورة (الأنعام) {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال {دِيناً قِيَماً} أيْ: مستقيما وهي قراءة العامة وقال أَهْلُ المدينة {قِيَما} وهي حسنة ولم أَسمَعها من العرب وهي في معنى المفسر. O

سورة (الأعراف)

المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [قال] {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ} على الابتداء. وقال {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} على النهي كما قال {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} أي: "الحَرَجُ فَلا يَكُنْ في صَدْرِكَ"، و"عينَاكَ فَلا تَعْدُواَ عَنْهُم". {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} وقال {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} يقول [لَنَسْأَلَنَّ] القوم الذين بُعِثَ إِلَيْهِم وأُنذروا. {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} . {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ} {فَلَنَقُصَّنَّ} أدخل النون واللام لأن قوله {فَلَنَسْأَلَنَّ} {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} على القسم.

المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} وقال {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} فالياء غير مهموزة وقد همز بعض القراء وهو رديء لأنها ليست بزائدة. [115 ء] وإِنّما يُهْمز ما كان علىمثال "مَفاعِل" اذا جاءت الياء زائدة في الواحد والألف والواو التي تكون الهمزة مكانها نحو "مَدائِن" لأنها "فَعايِل". ومن جعل "المدائِن" من "دان" "يَدِين" لم يهمز لأن الياء حينئذ من الأصل. وأما "قَطائِع" و"رسائِل" و"عَجائزِ" و"كبائر" فان هذا كله مهموز لأن واو "عَجُوز" زائدة، الا ترى انك تقول: "عجزَ" والف "رسالة" زائدة [اذ] تقول "أَرسلت" فتذهب الالف منها. وتقول في "كبيرة" "كبرت" فتذهب الياء منها. وأما "مصايِب" فكان أصلها "مصاوب" لأن الياء اذا كانت اصلها الواو فجاءت في موضع لا بد من ان تحرك [فيه] قلبت الواو في ذلك الموضع اذا كان الأصل من الواو فلما قلبت صارت كأنها قد أفسدت حتى صارت كأنها الياء الزائدة فلذلك همزت ولم يكن القياس ان تهمز. وناس من العرب يقولون "المصاوب" وهي قياس.

{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ السَّاجِدِينَ} وقال {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ} لأنَّ "ثُمَّ" في معنى الواو ويجوز ان يكون معناه {لآدَم} كما تقول للقوم: "قَدْ ضَرَبْناكُم" وانما ضربت سيدهم. {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} وقال {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} ومعناه: ما منعك أَنْ تسجد، و {لا} ها هنا زائدة. وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع بعد المئتين] : أَبى جُودُهُ "لا" البُخْل واستعجلتْ بِهِ * "نَعَمْ" مِنْ فَتىً لا يَمْنَع الجوعِ قاتلَه [115 ب] وفسرته العرب: أَبى* جودُه البخلَ "وجعلوا {لا} زائدة حشوا ها هنا وصلوا بها الكلام. وزعم يونس ان أَبا عمرو كان يجرّ "البخل" ولا يجعل "لا" مضافة اليه أراد: أبى جوده {لا} التي هي للبخل لأن {لا} قد تكون للجود والبخل. لأنه لو قال له: "إِمْنَعْ الحقَّ" او "لا تُعْطِ المساكينَ" فقال "لا" كان هذا جودا منه. المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} وقال {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: على صراطك. وكما تقول: "تَوَجَّهَ مَكَّةَ" أي: إِلى مكة. وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الخامس بعد المئتين] : كَأَنِّيَ إِذْ أَسْعَى لأَظْفَرَ طائراً * معَ النَّجْم في جَوِّ السَّماءِ يَصُوبُ

يريد: لأَظْفَرَ بطائرٍ. فالقى الباء ومثله {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} يريد: عن امر ربكم. {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} وقال {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً} لأنه من "الذَأمِ" تقول: "ذَأَمْتُه" فـ"هُوَ مَذْؤُومٌ" والوجه الآخَر من "الذَمِّ": "ذَمَمْتُه" فـ"هو مَذْمُومٌ" تقول: "ذَأَمْتُهُ" و"ذَمَمْتُه" و"ذِمْتُه" كله في معنى واحد ومصدر: "ذِمْتُهُ" "الذَّيْم". وقال {وَلَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ} فاللام الأولى للابتداء والثانية للقسم. {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَاذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} وقال {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} والمعنى: فوسوس اليهما الشيطان. ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل، ومنهم من تقول: "غَرِضْتُ" في معنى: اشتقت اليه. وتفسيرها [116 ء] : غَرِضْتُ مِنْ هؤلاءِ إِلَيْهِ. وقال {إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} يقول: {ما نَهاكُما إلاّ} كَراهَة {أَن تَكُونَا} كما تقول: "إِيَاكَ أَنْ تَفْعَلَ" أي: كَراهَة أَنْ تَفْعَلَ.

المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ} وقال {وَطَفِقَا} وقال بعضُهم {وَطَفقَا} فمن قال: "طَفَقَ" قال: "يَطْفِقُ" ومن قال "طَفِقَ" قال "يَطْفَقُ". وقال {يَخْصِفَانِ} جعلها من "يَخْتَصِفانِ" فادغم التاء في الصاد فسكنت وبقيت الخاء ساكنة فحركت الخاء بالكسر لاجتماع السكانين. ومنهم من يفتح الخاء ويحول عليها حركة التاء وهو كقوله {أَمَّن لاَّ يَهِدِّي} وقال بعضهم {يَهِدِّي الا ان يُهْدَى} . {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقال {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فكأنه على القسم والله أعلم كأنه قال: "وَاللهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا".

{يَابَنِيءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلك خَيْرٌ ذلك مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} وقال {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذلك خَيْرٌ} فرفع قوله {وَلِبَاسُ التَّقْوى} على الابتداء وجعل خبره في قوله {ذلك خَيْرٌ} وقد نصب بعضهم {وَلِباسَ التّقْوى} وقرأ بعضهم {وَرِيشاً} وبها نقرأ وكلُّ حَسَنٌ ومعناه واحد. المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} وقال {وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ} فذكّر الفعل لما فصل كما قال {لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ} . {يَابَنِيءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} وقال {يَابَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى [116 ب] وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} كان كأَنَّهُ قالَ فَأَطِيعُوهُم.

{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَآءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذلك نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} وقال {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} من"وَلَجَ" "يَلِجُ" "وُلُوجاً". المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذلك نَجْزِي الظَّالِمِينَ} وقال {لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} فانما انكسر قوله (غَواشٍ) لأن هذه الشين في موضع عين "فواعِل" فهي مكسورة. وأما موضع اللام منه فالياء، والياء والواو اذا كانت بعد كسرة وهما في موضع تحرك برفع أو جرّ صارتا ياء ساكنة في الرفع وانجرّ ونصبا في النصب. فلما صارتا ياء ساكنة وأدخلت عليها التنوين وهوساكن ذهبت الياء لاجتماع الساكنين. {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهذاوَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} وقال {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} وهو ما يكون في الصدور، وأما الذي يُغَلُّ به الموثق فهو "الغُلُّ". وقال {الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَاذَا} كما قال {اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} وتقول العرب: "هوَ لا يَهتَدِي لهذا" أي: لا يعرفه. وتقول: "هَدَيْتُ العروسَ إِلى بَعْلِها". وتقول أيضاً: أَهْدَيْتُها إلَيْه" و"هُدِيَتْ لَهُ" وتقول: "أَهْدَيْتُ لَهُ هَدِيَّةً". وبنو تميم يقولون "هَدَيْت العروسَ إِلى زَوْجِها" جعلوه في معنى "دَلَلْتُها" وقيس تقول: "أَهْدَيْتُها" جعلوها بمنزلة الهدية. وقال {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ}

و {أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} وقال في موضع آخر {أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ} و {أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً} فهذه "أَنّ" الثقيلة خُفِّفَتْ وأُضْمِرَ فيها [و] ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة [117 ء] لأن بعدها اسما. والخفيفة لا يليها الأسماء. وقال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد السادس بعد المئتين] : فِيَ فِتْيَةٍ كَسُيوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا * أنْ هالِكٌ كُلُّ مَنْ يَخْفى وَينْتَعِل وقال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد السابع بعد المئتين] : أُكاشِرُهُ وَاَعْلَمُ أَنْ كِلانا * عَلَى ما سَاءَ صاحِبَهُ حَريصُ فمعناه: أَنْهُ كِلانا. وتكون {أَن قَدْ وَجَدْنَا} في معنى: "أي". {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} وقوله {أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَآءِ} تكون "أيْ أَفِيضوا" وتكون على "أنْ" التي تعمل في الأفعال لأنك تقول: "غَاظَني أَنْ قامَ" و"غَاظَنِي أَنْ ذَهَب" فتقع على الأفعال وان كانت لا تعمل فيها وفي كتاب الله {وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ} معناها: أي امْشُوا.

المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} وقال {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فنصب ما بعد الفاء لأنه جواب استفهام. {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي الْلَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وقال {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} عطف على قوله {خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} وخلق {الشَمْسَ والقَمَرَ} . {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} وقال {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} فذكّر {قَرِيب} وهي صفة "الرحمة" وذلك كقول العرب "رِيحٌ خَريقٌ" و"مِلْحَفَةٌ جَديدٌ" و"شاةٌ سَدِيسٌ". وان شئت قلت: تفسير "الرحمة" ها هنا: المطر، ونحوه. فلذلك ذكر. كما قال {وَإِن كَانَ [117 ب] طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ} فذكر لأنه أراد "الناس". وان شئت جعلته كبعض ما يذكرون من المؤنث كقول الشاعر: [من المتقارب وهو الشاهد الحادي والثلاثون] : [فَلا مِزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها] * وَلا أَرْضُ* أَبْقَلَ إِبْقَالها

المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذلك نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} وقال {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} لأنَّها جماعة "النَشُور" وتقول: "رِيحٌ نَشُور" و"رياحٌ نُشُر". وقال بعضهم "نَشْرا" من "نَشَرها" "نَشْراً". وقال في أول هذه السورة {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ} [2] {لِتُنذِرَ بِهِ} [2] {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} [2] هكذا تأويلها على التقديم والتأخير. وفي كتاب الله مثل ذلك كثير قال {اذْهَب بِّكِتَابِي هذافَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} والمعنى - والله أعلم - {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} وفي كتاب الله {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ [43] بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} والمعنى - والله أعلم - {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ} {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} {إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} وفي "حم المؤمن" {فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ الْعِلْمِ} والمعنى - والله أعلم - {فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} {مِّنَ الْعِلْمِ} {فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ} . وقال بعضهم {فَرِحُوا بِما} هو {عِنْدَهُم مِنَ الِعلْم} أي: كان عندهم العلم وهو جهل ومثل هذا [118 ء] في كلام العرب وفي الشعر كثير في التقديم والتأخير. يكتب الرجل: "أَمّا بَعْدُ حَفِظَكَ اللهُ وَعافاكَ فإِنّي كَتَبْتُ إِلَيْكَ" فقوله "فَإِنِّي" محمول على "أَمَّا بَعْدُ" [و] انما هو "أَمَّا بَعْدُ فإِنّي" وبينهما كما ترى كلام. قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثامن بعد المئتين] :

خَيْرٌ مِنَ القَوْمِ العُصاةِ أَمِيرَهُم * يا قومُ فاستَحْيُوا النِسَاءُ الجُلَّسُ والمعنى: خيرٌ مِنَ القَوْمِ العصاةِ أميرَهُم النِّساءُ الجُلَّسُ يا قومُ فاسْتَحْيُوا. قال الآخر: [من البسيط وهو الشاهد التاسع بعد المئتين] : الشَّمْشُ طالِعَةٌ لَيْسَتْ بِكاسِفَةٍ * تَبْكِي عليكَ نُجُومَ اللَّيْلِ والقَمَرا ومعناه: الشمسُ طالعةٌ لَمْ تكسِفْ نُجُومَ الليلِ والقمرَا لِحُزْنِها على "عُمَر". وذلك أن الشمس كلما طلعت كسفت القمر والنجوم فلم تترك* لها ضوءا. ومن معاني القرآن قول الله عزّ وجل {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} فليس المعنى: إِنْكِحوا ما قَدْ سَلَف. وهذا لا يجوز في الكلام والمعنى - والله أعلم - "لا تَنْكِحُوا ما نكحَ آباؤُكُم من النساء فإِنَّكُمْ تُعَذَّبُون بِهِ إِلاّ ما قد سلف فقد وضعه الله عنكم" وكذلك قوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} ثم قال {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} والمعنى - والله أعلم - أَنَّكُمْ تؤخذون بذلك إِلاّ ما قد سلف فقد وضعه الله عنكم. [118 ب] وقوله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ} ثم قال {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ} فـ"الكاف" تزاد في الكلام. والمعنى: أَلَم تَرَ إِلَى الذي حاجَّ ابراهيمَ في رَبِّهِ أَوْ الذي مَرَّ على قَرْيَةٍ. ومثلها في القرآن {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} والمعنى: ليس مثله شيء. لأَنه ليس لله مثل. وقال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد العاشر بعد المئتين] : * فَصُيِّرُوا مثلَ كَعَصْفٍ مَأْكُول *

والمعنى: صُيِّرُوا مثلَ عَصْفٍ، والكاف زائدة. وقال الآخر: [الرجز وهو الشاهد الحادي عشر بعد المئتين] : * وَصَالِباتٍ كَكَما يُؤَثْفِين * احدى الكافين زائدة. وقوله: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} يعني غيرها في النضج، لأَنَّ الله عز وجل يجددها فيكون أشد للعذاب عليهم. وهي تلك الجلود بعينها التي عصت الله تعالى ولكن أذهب عنها النضج، كما يقول الرجل للرجل: "أنتَ اليومَ غيرُك أمْسِ" وهو ذلك بعينه الا انه نقص منه شيء أو زاد فيه. وفي كتاب الله عز وجل {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فيسأل السائل فيقول كيف كانوا كاذبين ولم يعودوا بعد. [و] انما يكونون كاذبين إِذا عادوا. وقد قلتم إنه لا يقال له كافر قبل ان يكفر اذا علم أنه كافر. وهذا يجوز أن يكون [119 ء] أَنَّهُم الكاذبون بعد اليوم كما يقول الرجل: "أَنَا قائِمٌ" وهو قاعد يريد "إِني سأَقوم" أو يقول {إِنَّهم لَكَاذِبُونَ} يعني ما وافوا به القيامة من كذبهم وكفرهم لأن الذين دخلوا النار كانوا كاذبين كافرين. وقوله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ [22] إِلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} يقول "تنظر في رزقها وما يأتيها من الله" كما يقول الرجل: "ما أَنْظُرُ إِلاّ إِلَيك" ولو كان نظر البصر كما يقول بعض الناس كان في الآية التي بعدها بيان ذلك. الا ترى انه قال {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرةٌ [24] تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِها فَاقِرَةٌ} ولم يقل: "وُوُجُوهٌ لا تَنْظُر ولا تَرى" وقوله {تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} يدلّ "الظن" ها هنا على ان النظر ثم الثقة بالله وحسن اليقين ولا يدل على ماقالوا. وكيف يكون ذلك والله يقول {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} وقوله {وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ} يعني

ما تشاؤون من الخير شيئاً إِلاّ أَنْ يشاءَ اللهُ أَنْ تَشاؤوه. وقوله {إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} حمل على المعنى وذلك انه لا يراها وذلك انك اذا قلت: "كادَ يفعل إنما. تعني قارب الفعل ولم يفعل فإذا قلت "لم يكد يفعل" كان المعنى أنه لم يقارب الفعل ولم يفعل على صحة الكلام [119 ب] وهكذا معنى هذه الآية. إِلاّ أَنَّ اللُّغَةَ قد أَجازَتْ: "لَمْ يَكَدْ يَفْعَلُ" في معنى: فعل بعد شدة، وليس هذا صحة الكلام [لـ] انه اذا قال: "كاد يفعل" فانما يعني: قارب الفعل. واذا قال: "لم يكد يفعل" يقول: "لم يقارب الفعل" إِلا أَنّ اللغة جاءت على ما فسرت لك وليس هو على صحة الكلمة. {أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وقال {أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ} كأنه قال: "صنعوا كذا وكذا وعجبوا" فقال "صنعتم كذا وكذا أَوَعَجِبْتُمْ" فهذه واو العطف دخلت عليها ألف الاستفهام. {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ اله غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} وقال {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً} [73] فكل هذا - والله أعلم - نصبه على الكلام الأول على قوله {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} [59] وكذلك {لُوطاً} [80] ، وقال بعضهم: "واذْكُرْ لُوطاً". وانما يجيء هذا النصب على هذين الوجهين،

او يجيء على ان يكون الفعل قد عمل فيما قبله وقد سقط بعده فعل على شيء من سببه فيضمر له فعلا. فانما يكون على احد هذه الثلاثة وهو في القرآن كثير. وقال {خَلاَئِفَ الأَرْضِ} وقال {خُلَفَآءَ} [69] وكل جائز وهو جماعة "الخليفة". المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُواْ آلآءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقال {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} أي: انْبِساطاً. وهو في موضع آخر {بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} وهو [120 ء] مثل الأول. {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ اله غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَاذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ} جزم اذا جعلتَهُ جوابا ورفع اذا أردت "فَذَرُوها آكِلَةً" وقال {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} وقال {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ} و {فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ} فصار جواباً في اللفظ وليس كذلك في المعنى. {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ اله غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} وقال {فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ} . المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}

ثم قال {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ} تقول: "هُمْ فِي البَصْرَةِ" و"بِالبَصْرَةِ" و"قَعَدْتُ لَهُ في الطَّريق" و"بِالطَّريق". {الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ} وقال {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} وهي من "غَنِيتَ" "تَغْنَى" "غِنَى". {أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} وقال {أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} فهذه الواو للعطف دخلت عليها الف الاستفهام. المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} وقال {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ} يقول: "أَوَلمِ يَتَبَيَّنْ لَهُم" وقال بعهضم {نَهْدِ} بالنون أي: أولم نُبَيَّنْ لهم {أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} . {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} وقال {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا} صيّر "مِنْ" زائدة واراد "قصَصْنا" كما تقول "هل لكَ في ذا" وتحذف "حاجة". وقال {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ}

فقوله {بما كذبو} والله أعلم يقول: "بِتَكْذِيبِهِم" جعل - والله أعلم - {مَا كَذَّبُوا} اسما للفعل والمعنى: "لَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا بالتكذيب" أي لا نسميهم بالايمان [120 ب] بالتكذيب. {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} وقال {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} وقال بعضهم {عَلَى أَنْ لا أَقُولَ} والأُولى أحسنهما عندنا، أراد: واجبٌ علي أَنْ لا أقول. والأخرى: أَنَا حقيقٌ عَلَي أَنْ لا أقول على الله. ويريد: بِأَنْ لا أقولَ على الله. كما قال: {بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ} في معنى "على كُلِّ صِراطٍ تُوعِدُون". المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ} وقال {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} وقال {تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ} لأنه من "أَرْجأْتُ" وقد قرئت {أَرْجِهِ وَأَخاه} خفيفة بغير همزة وبها نقرأ و {تُرْجِي

مَن تَشَآءُ} وهي لغة تقول: "أَرْجَيْتُ" وبعض العرب تقول: "أَخْطَيْتُ" و"تَوَضَّيْتُ" لا يهمزون. {وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} وقال {وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ} وقال بعضهم {وَمَا تَنْقَمُ مِنّا} وهما لغتان "نَقَمَ" "يَنْقِمُ" و"نَقِم" "يَنْقَمُ" وبها نقرأ. أي بالأولى. {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} وقال {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ} لأن {مَهْما} من حروف المجازاة وجوابها {فَمَا نَحْنُ} . المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} وقال {الطُّوفَانَ} فواحدتها في القياس "الطُوفانَة". قال الشاعر: [من الرمل وهو الشاهد الثاني عشر بعد المئتين] : * غَيْرَ اَلجِدَّةَ مِنْ آياتِها خُرُقُ الرِّيحِ وَطُوفَانُ المَطَر * [121 ء] وهي من "طافَ" "يَطُوفُ". {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} وقال {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} و"يَعْرُشونَ" لغتان وكذلك {نَبْطِشُ} و"نَبْطُشُ" و"يَحْشُرُ" و {يحشِرُ} ، و {يعكُفُ} و {يعكِفُ} ، و {ينفُرُ} و {ينفِرُ} .

{وَلَمَّا جَآءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ولكنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} وقال {جَعَلَهُ دَكّاً} لأَنَّهُ حين قال {جَعَلَه} كان كأنه قال "دَكَّهُ" ويقال {دَكّاء} واذا أراد ذا فـ[قد] أُجْرِيَ مُجْرَى {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} لأنه يقال: "نَاقَةٌ دَكّاءُ" اذا ذهب سنامها. وقال {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} يقول "تَجَلّى أَمْرُهُ" نحو ما يقول الناس: "بَرَزَ فُلانٌ لفُلانٍ" وإِنَّما برز جُنْدُه. وأَمَّا قولُه {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ} فانما اراد علما لا يدرك مثله إِلاّ في الآخرة فأَعْلَمَ اللهُ موسى ان ذلك لا يكون في الدنيا. وقرأها بعضهم {دَكّاء} جعله "فَعْلاء" وهذا لا يشبه أن يكون.

وهو في كلام العرب: "ناقَةٌ دَكّاءُ" أي: ليس لها سنام. والجبل مذكر الا أن يكون "جَعَلَهُ مِثْلَ دَكّاءَ" وحذف "مِثْل". المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} وقال {مِنْ حُلِيِّهِمْ} وقال بعضهم {حِلِيِّهِم} و {حَلْيِهِم} {عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ} وقال بعضهم {جُوْارٌ} وكلٌّ من لغات العرب. وأمّا قوله {مِنْ حُلِيِّهِمْ} بضم الحاء فانه "فُعول" وهي جماعة "الحَلْيِ" ومن قال {حِلِيِّهِم} في اللغة الأخرى [فـ] لمكان الياء كما قالوا: "قِسِيّ" و"عِصِيّ". {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقال {وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ} وقال بعضهم {سَقَطَ} وكل جائز والعرب تقول: "سُقِطَ في يديه" و {أُسْقِطَ في أيْدِيهِم} .

{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} وقال {ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ} . وذلك - والله أعلم - أنه جعله اسما واحدا مثل قولهم "ابْنَ عَمِّ أَقْبِلْ" وهذا لا يقاس عليه [121 ب] . وقال بعضهم {يا ابنَ أُمي لا تَأْخُذ} وهو القياس ولكن الكتاب ليست فيه ياء فلذلك كره هذا. وقال الشاعر: [من الخفيف وهو الشاهد الثالث عشر بعد المئتين] : يَا ابْنَ أُميّ وَلَوْ شَهِدْتُكَ إِذْ تَدْ * عَو تَمِيماً وَأَنْتَ غَيْرَ مُجابِ وقال بعضهم {ياابْنَ أُمِّ} ، فجعله على لغة الذين يقولون هذا غلام قد جاء "أو جعله اسما واحدا آخره مكسور" مثل "خازِبازِ". وقال {وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي} فثبتت فيه نونان واحدة للفعل والأخرى للاسم المضمر وانما ثبتت في الفعل لأنه رفع، ورفع الفعل اذا كان للجميع والاثنين بثبات النون الا ان نون

الجميع مفتوحة ونون الاثنين مكسورة وقد قال {أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} وقد يجوز في هذا الادغام والاخفاء. المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} وقال {وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ} وقال بعضهم {سَكَنَ} إِلاّ أَنَّها ليست على الكتاب فتقرأ {سَكَتَ} وكلٌّ من كلام العرب. وقال {لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} كما قال {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} أوصل الفعل باللام. وقال بعضهم {مِنْ أَجْلِ رَبِّهِم يَرْهَبُون} . {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} وقال {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} أَيْ: اخْتارَ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمَا نزع "مِنْ" عمل الفعل. وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع عشر] : مِنا الذي اخْتِيرَ الرجال سَماحَةً * وَجْوداً إِذا هَبَّ الرِّياحُ الزَعازِعُ

وقال آخر: [من البسيط وهو الشاهد الخامس عشر] : [122 ء] أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فافْعَلْ ما أُمِرْتَ بِهِ * فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذا مالٍ وَذا نَشَبِ وقال النابعة: [من الكامل وهو الشاهد السادس عشر] : نُبِّئْتُ زُرْعةَ وَالسفَاهَةُ كاسْمِها * يُهْدِي إِلَيَّ أَوَابِدَ الأشْعار {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَاذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} وقال {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} أي: وسعت كل من يدخل فيها لا تعجز عن من دخل فيها، أو يكون يعني الرحمة التي قسمها بين الخلائق يعطف بها بضعهم على بعض حتى عطف البهيمة على ولدها.

المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا ولكن كَانُواْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} وقال {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً} أراد اثنتي عشرة فرقة ثم أخبر أن الفرق أسباط ولم يجعل العدد على الأسباط. {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وقال {مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذالِكَ} لا نعلم أحدا يقرؤها إِلاّ نصبا. {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذاالأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} وقال {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} اذا قلت "خَلَفُ سَوءٍ" و"خَلَفُ صِدْقٍ" فهما سواء. و"الخَلْفُ" انما يريد به الذي بعد ما مضى خَلَفاً كانَ منْهُ أَوْ لَمْ يكن خَلَفاً إنّما يكون يعني به القرن الذي يكون بعد القرن و"الخَلَفُ" الذي هو بدل مما كان قبله قد قام مقامه واغنى غناه. تقول: "أَصَبْتُ مِنْكَ خَلَفا". وقال {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذاالأَدْنَى} فأضاف "العَرَضَ" إلى "هذا" وفسر "هذا" بـ"الأَدْنى" وكل شيء فهو عَرْضٌ سوى الدراهم والدنانير فانها عَيْنٌ. وما كان غير ذلك فهو عَرْضٌ واما "العَرَضُ" فهو كل شيء عَرَض لك تقول: "قد عرض له بعدي عَرُضٌ" أي: "أصابَتْهُ بلِيَّةٌ وشَرّ" وتقول: [122 ب] "هذا عُرْضَةٌ للشَرِّ" و"عُرْضَةٌ للخَيْر" كلُّ هذا تقوله العرب. وقال {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} وتقول: "أَعْرَضَ لكَ الخيرُ" و"عَرَضَ لكَ الخَيْرُ" وقال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع عشر بعد المئتين] : أَعْرِفَنَّكَ مُعْرِضاً لِرِماحِنَا * في جُفِّ تُغْلِبَ واردَ الأَمْرارِ و"العارِضُ" من السحاب: ما استقبلك وهو قول الله عز وجل {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً} وأما "الحَبِيُّ": فما كان من كل ناحية وتقول: "خُذُوهْ من عُرْضِ الناس" أي: مما وَلِيَكَ منهم، وكذلك "اضرب به عُرْضَ الحائط" أي: ما وَلِيَكَ منه وأما "العَرْضُ" و"الطول" فانه ساكن. وأما قوله [من الطويل وهو الشاهد الثامن عشر بعد المئتين] : [لَهُنَّ عَلَيْهِمْ عادَةٌ قَدْ عَرَفْنَها] * إِذا عَرَضُوا الخَطِّيَّ فَوْقَ الكَوَاثِب

وأعرضوا فهذا لأن*: عَرَضَ عَرْضاً. و: "عَرَضْتُ عَلَيْهِ المَنْزِلَ عَرْضاً" و"عَرَضَ لِيَ أَمْرٌ عَرْضاً" هذا مصدره. و"العَرَضُ من الخَيْرِ والشَرِّ": ما أصبت عَرَضاً من الدنيا فانتفعت به تعني به الخير. و"عَرَضَ لك عَرَضُ سَوْءٍ". المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ولكنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وقال {ولكنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ} ولا نعلم أحدا يقول {خَلَدَ} . وقوله {أَخْلَدَ} أي: لَجَأَ إلَيْها. {سَآءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ} وقال {سَآءَ مَثَلاً الْقَوْمُ} فجعل "القومُ" هم "المَثَل" في اللفظ وأراد: مثلُ القومِ، فحذف كما قال "وَاسْأَل القَرْيَةَ". {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَائِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَائِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} وقال {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} تقول: "ذَرَأَ" "يَذْرأُ" "ذَرْءاً". المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {وَللَّهِ الأَسْمَآءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وقال {وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ} وقال بَعْضُهُم {يُلْحَدُونَ} جعله من "لَحَدَ" [123 ء] "يَلْحَدُ" وهي لغة. وقال

في موضع آخر {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ} و {يَلْحَدُون} وهما لغتان و {يُلْحدُونَ} أكثر وبها نقرأ ويقوّيها {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} . {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} وقال {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً} لأَنّ "الحَمْلَ" ما كان في الجَوْفِ و"الحِمْل" ما كان على الظهر. وقال {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} واما قوله {أَثْقَلَتْ} فيقول: "صارت ذاتَ ثِقَلٍ" كما تقول "أَتْمَرْنا" أيْ: "صِرْنا ذَوِي تَمْرٍ" و"أَلْبَنَّا" [أي: صرنا ذوي لبن] و"أَعْشَبَتِ الأَرْضُ" و"أَكْمَأَتْ" وقرأ بعضهم {فَلَمّا أُثْقِلَتْ} .

{فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقال {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا} وقال بعضهم {شِرْكاً} لأنَّ "الشِرْكَ" انما هو: "الشِرْكَةُ" وكان ينبغي في قول من قال هذا ان يقول "فَجَعلا لغيرِه شِرْكاً فيما آتاهما". المعاني الواردة في آيات سورة (الأعراف) {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} وقال {إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ} و {الطَيْفُ} أَكْثرُ في كلام العرب وقال الشاعر: [من المتقارب وهو الشاهد التاسع عشر بعد المئتين] : أَلا يَا لَقَوْمٍ لِطَيْفِ الخَيالِ * أَرَّقَ مِنْ نازِحٍ ذِي دَلالِ ونقرؤها {طائِف} لأَنَّ عامة القراء عليها. {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الْغَافِلِينَ} وقال {بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} وتفسيرها "بالغَدَواَتِ" كما تقول: "آتيك طلوعَ الشَمْسِ" أي: في [123 ب] وقتِ طلوعِ الشمس كما قال {بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} وهو مثل "آتيكَ في الصَّباحِ وبِالمَساءِ" وأما {الآصال} فواحدها: "أَصيلٌ" مثل: "الأَشْرار" واحدها: "الشَرِير" و"الأَيْمانُ" واحدتها: "اليَمِينُ".

سورة (الأنفال)

المعاني الواردة في آيات سورة (الأنفال) {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} الواحد من "الأَنفال": النَفَلُ". {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} وقال {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} فهذه الكاف يجوز ان تكون على قوله {أُوْلائِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [4] {كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} . وقال بعض أهل العلم {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} {فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} [1] فأضاف {ذاتَ} الى "البَيْنِ" وجعله {ذاتَ} لأن بعض الأشياء يوضع عليه اسم مؤنث وبعضه يذكر نحو "الدار" و"الحائط" أنّثت "الدار" وذكّر "الحائط". {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} وقال {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} فقوله {أَنَّهَا} بدل من قوله {إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ} وقال {غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ}

فأنث لأنه يعني "الطائفة". المعاني الواردة في آيات سورة (الأنفال) {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} وقال {فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ} معناها: "إِضْرِبُوا الأَعْناقِ" كما تقول: "رأيتُ نَفْسَ زَيْدٍ" تريد "زيداً". {وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} واحد "البَنانِ": "البَنَانَةُ". {ذالِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} وقال {ذالِكُمْ فَذُوقُوهُ [124 ء] وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ} كأنه جعل "ذلك م" خبراً لمبتدأ أَوْ مبتدأ أضمر خبره حتى كأنه قال: "ذلِكُمْ الأَمْرُ" أوْ "الأَمْرُ ذلك م". ثم قال {وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} أيْ: الأَمْرُ ذلك م وهذا، فلذلك انفتحت "أَنَّ". ومثل ذلك قوله {وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} [18] وأمّا قول الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد العشرون بعد المئتين] : ذاكَ وإِنِّي على جاري لَذُو حَدَبٍ * أَحنو عَلَيْهِ كما يُحْنى على الجارِ فإِنما كسر "إِنَّ" لدُخول اللام. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الحادي والعشرون بعد المئتين] : وَأَعْلَمُ عِلْماً ليسَ بالظنِّ أَنَّه * إِذا ذَلَّ مَوْلَى المَرْءِ فَهْوَ ذَليل وإِنَّ لِسانَ المَرْءِ ما لَمْ تَكُنْ لَهُ * حَصاةٌ على عَوْراتِهِ لَدَلِيلُ

فكسر الثانية لأن اللام بعدها. ومن العرب من يفتحها لأنه لا يدري* أن بعدها لاما وقد سمع مثل ذلك من العرب في قوله {أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ [9] وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [10] إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ [11] } ففتح وهو غير ذاكر للام وهذا غلط قبيح. {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وقال {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكنَّ اللَّهَ رَمَى} تقول العرب: "واللهِ ما ضَرَبْتُ غَيْرَهُ" وإِنما ضربت أخاه كما تقول "ضَرَبَهُ الأَميرُ" والاميرُ لم يَلِ ضَرْبَهُ. ومثلُ هذا في كلام العرب كثير. المعاني الواردة في آيات سورة (الأنفال) {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وقال {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ [124 ب] الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} فليس قوله - والله أعلم - {تُصِيبَنَّ} بجواب ولكنه نَهْيٌ بعدَ أمر، ولو كان جوابا ما دخلت النون. {وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هذاهُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وقال {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هذاهُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ} فنصب {الحقَّ} لأن {هُوَ} - والله أعلم - جعلت ها هنا صلة في

الكلام زائدة توكيدا كزيادة {ما} . ولا تزاد الا في كل فعل لا يستغنى عن خبر، وليست {هُوَ} بصفة لـ {هذا} لأنك لو قلت: "رأيتُ هذا هُوَ" لم يكن كلاما ولا تكون هذه المضمرة من صفة الظاهرة ولكنها تكون من صفة المضمرة في نحو قوله {ولكن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمِينَ} و {تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} لأنك تقول "وَجَدْتُهُ هُوَ" و"أتاني هُو" فتكون صفة، وقد تكون في هذا المعنى أيضاً غير صفة ولكنها تكون زائدة كما كان في الأول. وقد تجري في جميع هذا مجرى الاسم فيرفع ما بعده ان كان ما قبله ظاهرا او مضمرا في لغة لبني تميم في قوله {إِنْ كانَ هذا هَوَ الحَقُّ} [و] {ولكنْ كانُوا هُمْ الظّالِمونَ} و {تَجِدُوهُ عندَ اللهِ هوَ خَيْرٌ وأَعْظَمُ أَجْرا} كما تقول "كانُوا آباؤُهم الظالَمُون" وانما جعلوا هذا المضمر نحو قولهم "هُوَ" و"هُما" و"أَنْتَ" زائدا في هذا المكان ولم يجعل في مواضع الصفة لأنه فصل أراد أن يبين به انه ليس بصفة [125 ء] ما بعده لما قبله ولم يحتج الى هذا في الموضع الذي لا يكون له خبر.

{وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ ولكنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} وقال {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} فـ {أَنْ} ها هنا زائدة - والله أعلم - وقد عملت وقد جاء في الشعر، قال: [من البسيط وهو الشاهد السابع والاربعون بعد المئة] : لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفانٌ لا ذُنُوبَ لَها * إِلَيَّ لامَتْ ذَوُو أَحْسابِها عُمَرا المعاني الواردة في آيات سورة (الأنفال) {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} وقال {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً} نصب على خبر "كانَ". {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَائِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} وقال {لِيَمَيِّزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} جعله من "مَيَّزَ" مثقلة وخففها بعضهم فقال {ليَمِيزَ} من "مازَ" "يَمِيزُ" وبها نقرأ.

{إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ولكن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} وقوله {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ولكن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} وامر الله كله مفعول ولكن اراد أن يقص الاحتجاج عليهم وقَطْعَ العذرِ قبل اهلاكهم. وقال {إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا} وقال بعضهم {بالعُدْوَةِ} وبها نقرأ وهما لغتان. وقال بعض العرب الفصحاء: ["العُدْيَةِ"] فقلب الواو ياء كما تقلب الياء واوا في نحو "شَرْوَى" و"بَلْوى" لأن ذلك يفعل بها فيما هو نحو من ذا نحو "عَصِيّ" و"أرض مَسُنِيَّةٌ" وفي قولهم "قِنْيَة" لأنها من "قَنَوْتُ". وقال {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ} فجعل "الأَسْفَلَ" ظرفا ولو شئت قلت {أَسْفَلُ منكم} [125 ب] اذا جعلته {الرَكْب} ولم تجعله ظرفا. وقال {وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} فالزم الادغام اذ صار في موضع يلزمه الفتح فصار مثل باب التضعيف. فاذا كان في موضع لا يلزمه الفتح لم يدغم نحو {بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} الا ان تشاء ان تخفي وتكون في زنة متحرك لأنها لا تلزمه لأنك تقول {تُحْيِي} فتسكن في الرفع وتحذف في الجزم، فكل هذا يمنعه الادغام. وقال بعضهم {مَنْ حَيِيَ عَنْ بَيِّنَةٍ} ولم يدغم اذا كان لا يدغمه في سائر ذلك. وهذا أقبح الوجهين لأنّ "حَيِيَ" مثل "خَشِيَ" لما صارت مثل غير

التضعيف أجرى الياء الاخرة مثل ياء "خَشِيَ". وتقول للجميع "قد حَيُوا" كما تقول "قَدْ خَشُوا" ولا تدغم لأن ياء "خَشُوا" تعتل ها هنا. وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثاني والعشرون بعد المئتين] : وَحَيٍّ حَسِبْناهُمْ فَوارِسَ كَهْمَسٍ * حَيُوا بَعْدَما ماتُوا من الدَهْرِ أَعْصُرا وقد ثَقَّل بعضُهم وتركها على ما كانت عليه وذلك قبيح. قال الشاعر: [من مجزوء الكامل وهو الشاهد الثالث والعشرون بعد المئتين] : عَيُّوا بأَمْرِهِمُ كَما * عَيَّتْ بِبَيْضَتِها الحَمامَة جَعَلَتْ لَهُ عُودَيْنِ مِنْ * نَشَمٍ وآخَرَ من ثُمَامَهْ المعاني الواردة في آيات سورة (الأنفال) {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} وقال {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [126 ء] فأضمر الخبر والله اعلم. وقال الشاعر: [من الخفيف وهو الشاهد الحادي والثلاثون بعد المئة] : إِنْ يَكُنْ طِبَّكِ الدَّلالُ فَلَوْفِي * سالِفِ الدَّهْرِ والسنينَ الخَوالي يريد بقوله "فَلَوِفي سالِفِ الدَهْرِ" [ان] يقول: "فلو كان في سالف الدهر لكان كذا وكذا" فحذف هذا الكلام كلّه.

{وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وقال {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} فأنث "السَّلْمَ" وهو "الصُلْح" وهي لغة لأهل الحجاز ولغة العرب الكسر. {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} وقال {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} لأنَّ "حسبَك" اسم. المعاني الواردة في آيات سورة (الأنفال) {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَائِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وقال {مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ} وهو في الولاءِ. وأَمّا في السلطان فـ"الوِلايَة" ولا أعلم كسر الواو في الأخرى الا لغة. {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَائِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وقال {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَائِكَ مِنكُمْ} فجعل الخبر بالفاء كما تقول: "الذي يَأْتِيني فَلَه دِرْهَمان" فتلحق الفاء لما صارت في معنى المجازاة.

سورة (التوبة)

المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} قال {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} أي: بأَنّ اللهَ بريء وكذلك {وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} [2] أي: بأَن الله. {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقال {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} فجمع على أدنى العدد لان معناها [126 ب] "الأربَعَة" وذلك أن "الأَشْهُر" انما تكون اذا ذكرت معها "الثَلاثَة" الى "العَشْرة" فاذا لم تذكر "الثلاثَة" الى "العَشْرة" فهي "الشُّهُورُ". وقال {وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} وألقى "على". وقال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد السادس والخمسون] : نُغالِى اللَّحْمَ للأَضْيافِ نِيْئاً * وَنَبْذُلُه إذا نَضِجَ القُدُورُ أرادَ: نُغالِى باللحم.

{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} وقال {وَأَنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} فابتدأ بعد (أنْ) ، وان يكون رفع أحداً على فعل مضمر أقيس الوجهين لأن حروف المجازاة لا يبتدأ بعدها. الا انهم قد قالوا ذلك في "أَنْ" لتمكنها وحسنها اذا وليتها الاسماء وليس بعدها فعل مجزوم في اللفظ كما قال [الشاعر] [من البسيط وهو الشاهد الثامن والسبعون بعد المئة] : * عاوِدْ هَراةَ وأَنْ مَعْمُورُها خَرِبا * وقال [الآخر] : [من الكامل وهو الشاهد الرابع والعشرون بعد المئتين] : لا تَجْزَعِي أَنْ مُنْفِساً أَهْلَكْتُهُ * وأَذا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذلِكَ فَاجْزَعي وقد زعموا أن قول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الخامس والعشرون بعد المئتين] : أَتَجْزَعُ أَنْ نَفْسٌ أَتَاهَا حِمامُها * فَهَلاَّ الَّتِي عَنْ بينِ جَنْبَيْكَ تَدْفَعُ لا ينشد إِلاّ رفعاً وقد سقط الفعل على شيء من سببه. وهذا قد ابتدىء بعد "أنْ" وانْ شئت جعلته رفعا [127 ء] بفعل مضمر. المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} وقال {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ} فهذا استثناء خارج من أول الكلام. و (الذينَ) في موضع نصب.

{كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} وقال {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ} فأضمر كأنه [قال] "كيف لا تقتلونهم" والله اعلم. {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} وقال {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ} قال {فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} فجعل الهمزة ياء لانها في موضع كسر وما قبلها مفتوح ولم يهمز لاجتماع الهمزتين. ومن كان من رأيه جمع الهمزتين همز. المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ} وقال {وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} لأَنك تقول "هَمَمْتُ بكذا" و"أَهَمَّني كذا". {لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} وقال {فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} لا تنصرف. وكذلك كل جمع ثالث حروفه ألف وبعد الالف حرف ثقيل أو اثنان خفيفان فصاعدا فهو لا ينصرف في المعرفة ولا النكرة نحو "محاريب" و"تماثيل" و"مساجد" وأشباه ذلك الا ان يكون في آخره الهاء فان كانت في آخره الهاء انصرف في النكرة نحو "طيالِسَة" و"صياقِلَة". وانما منع العرب من صرف هذا الجمع انه مثال

لا يكون للواحد ولا يكون الا للجمع والجمع أثقل من الواحد. فلما كان هذا المثال لا يكون الا للاثقل لم يصرف. واما الذي في آخره الهاء فانصرف لانها منفصلة كأنها اسم على حيالها. والانصراف انما يقع في آخر الاسم [127 ب] فوقع على الهاء فلذلك انصرف فشبه بـ"حَضْرَموت" و"حَضْرَمَوْتَ" مصروف في النكرة. {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وقال {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} وهو "الفَقْر" تقول: "عالَ" "يَعِيلُ" "عَيْلَةً" أي: "اِفْتَقَر". و"أَعَالَ" "إِعالَةً": إذا صار صاحب عيال. و"عالَ عِيالَهُ" و"هو يَعُولُهم" "عَوْلاً" و"عِيَالَةً". وقال " {ذلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} أي: ألاّ تَعُولُوا العِيالَ. و"أعالَ الرجلُ" "يُعِيلُ" إذا صار ذا عيال. المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّىا يُؤْفَكُونَ} [وقال] {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} وقد طرح بعضهم التنوين وذلك رديء لانه انما يترك التنوين اذا كان الاسم يستغني عن الابن وكان ينسب الى اسم معروف. فالاسم ها هنا لا يستغني. ولو قلت "وَقَالَتِ اليَهودُ عَزَيْزُ" لم يتمّ كلاما الا انه قد قرىء وكثر وبه نقرأ على الحكاية كأنهم أرادوا "وَقَالَتِ الْيَهُودُ نَبِيُّنا عُزَيْزُ ابنُ اللهِ".

{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَىا الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وقال {وَيَأْبَىا الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ} * لأن (أن يتم) اسم كأنه "يَأبَى اللهُ أَلاَّ إِتمامَ نُورِه". {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىا عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىا بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَاذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} وقال {يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} ثم قال {يُحْمَىا عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ} فجعل الكلام على الاخر. وقال الشاعر: [من المنسرج وهو الشاهد الستون] : نَحْنُ بِما عِنْدَنا وَأَنْتَ بِما * عِنْدَكَ راضٍ والرَأْيُ مُخْتَلِفُ المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ الله زُيِّنَ لَهُمْ سُواءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} وقال {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} وهو التأخير. وتقول "أَنْسَأْتُهُ الدَّيْنَ" [128 ء] إِذَا جعلته اليه يؤخره هو. و: "نَسَأْتُ عَنْهُ دَيْنَهُ" أي: أَخَرْتُهُ* عَنْهُ. وانما قلت: "أَنْسَأْتُهُ الدَّيْنَ" لأَنَّكَ تقول: "جعلتْه لَهُ يؤَخِّرُهُ" و"نَسَأْتُ عَنْهُ دَيْنَه" "فَأَنَا أنَّسَؤُهُ" أي: أُوَخِّرُهُ. وكذلك "النَّساءُ في العُمْر" يقال: "مَنْ سَرَّهُ النَّساءُ في العُمُر"، ويقال "عِرْق النَّسَا" غير مهموز.

وقال {لِّيُوَاطِئُواْ} لانَهَّا من "وَاطَأْتُ" ومثله (هِيَ أَشَدُّ وِطاءً) أي: مواطأة، وهي المواتاة وبعضهم قال (وَطْءا) أَي: قياما. {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} وقال {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} لأنَّهُ مِن "تَثاقَلْتُمْ" فَأَدغم التاء في الثاء فسكنت فأحدث لها ألِفاً ليصل أَلىَ الكلامِ بها. {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَىا وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وقال {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} لانه لم يحمله على (جَعَلَ) وحمله على الابتداء. وقال {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} وكذلك (ثالثُ ثلاثةٍ) وهو كلام العرب. وقد يجوز "ثاني واحدٍ" و"ثالثُ اثْنَينِ" وفي كتابالله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} وقال {ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} و {خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} و {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} . المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} وقال {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً} في هذه الحال. ان شئت (انفِروا) في لغة من قال "يَنْفِر" وان شئت (انْفُرُوا) . {عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} وقال {عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ} لأَنَّه استفهام أي: "لأَيِّ شيء". {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ الله انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} وقال {ولكن كَرِهَ الله انبِعَاثَهُمْ} جعله من "بَعَثْتُهُ" فـ"انْبَعَثَ" وسمعت من العرب من يقول: "لَوْ دُعِينا لانْدَعَيْنا". وتقول: "انْبَعَثَ انَبِعاثاً" أي: "بَعَثْتُهُ" فـ"انْبَعَثَ انْبِعاثاً" وتقول: "انْقُطِعَ بِهِ" اذا تكلم فانقطع به ولا تقول "قُطِعَ بِهِ".

المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} وقال {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً} لانه من "اِدَّخَلَ" "يَدَّخِلُ" وقال بعضهم (مَدْخَلا) جعله من "دَخَلَ" "يَدْخُل" وهي فيما أعلم [128 ب] أردأ الوجهين. ويذكرون أنها في قراءة أبي (مُنْدَخَلاً) أراد شيئاً بعد شيء. وانما قال {مُغَارَاتٍ} لانها من "أَغَارَ" فالمكان "مُغارٌ" قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الحادي والسبعون بعد المئة] :

الحمدُ للهِ مُمْسانَا وَمُصْبَحَنا * بِالخَيْرِ صَبْحَنا رَبِّي وَمَسَّانا لأنَّها من "أَمْسَى" و"أَصْبَحَ" واذا وقفت على "مَلْجَأ" قلت "مَلْجَأَا" لانه نصب منون فتقف بالالف نحو قولك "رأيتُ زيدَا". {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} وقال {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ} وقال بعضهم (يَلْمُزُكَ) .

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} أي: هُوَ أُذُنُ خَيْرٍ لا أُذُنُ شرٍّ. وقال بعضهم (أُذُنٌ خَيْرٌ لَكُمْ) والاولى أحسنهما لانك لو قلت "هو أُذُنٌ خَيْرٌ لَكُم" لم يكن في حسن (هو أَذُنُ خَيْرٍ لَكُم) وهذا جائز على ان تجعل (لكم) صفة "الأُذُنْ". وقال {وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} أي: وهو رحمة. وقال {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: يُصدقهم كا تقول للرجل "أَنَا ما يُؤمِنُ لي بأَنْ أَقُولَ كذا وكذا" أي: ما يصدقني. المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} وقال: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} و"سَيَحْلِفُوَن بالله لَكُمِ لِيُرْضُوكُمْ" وَلا أَعلمه إلاَّ على قوله: "لَيُرضُنَّكُم" كما قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السادس والعشرون بعد المئتين] : إِذا قُلْتُ قَدْنِي قالَ باللهِ حِلْفَةً * لَتُغِنِيَ عَنّي ذا أَنائِكَ أَجْمَعا أي: لَتُغْنِيَنَّ عني. وهو نحو {وَلِتَصْغَىا إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} أي: ولتُصْغِيَنَّ. {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذلك الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} وقال {أَلَمْ يَعْلَمُوااْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ} فكسر الالف لان الفاء التي هي جواب [129 ء] المجازاة ما بعدها مستأتف.

{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوااْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} وقال {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ} أي: مُخالَفَةً. وقال بعضهم (خَلْفَ) و (خِلافَ) أصوبهما لانهم خالفوا مثل "قَاتَلُوا قِتالا" ولأنه مصدر "خَالَفُوا".

المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {وَجَآءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال {وَجَآءَ الْمُعَذِرُونَ} خفيفة لانها من "اَعْذَرُوا" وقال بعضهم (المُعَذِّرُونَ) ثقيلة يريد: "المُعْتَذرُونَ" ولكنه ادغم التاء في الذال كما قال {يَخِصِّمُونَ} وبها نقرأ. وقد يكون (المُعْذِرُون) بكسر العين لاجتماع الساكنين وانما فتح لانه حول فتحة التاء عليها. وقد يكون ان تضم العين تتبعها الميم وهذا مثل (المُرْدِفِين) . {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وقال {عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ} كما تقول: "هذا رَجُل السَّوْءِ" وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع والعشرون بعد المئتين] : وَكُنْتَ كَذِئْبِ السَّوْءِ لَمَّا رَأَى دَماً * بِصاحِبِه يَوْماً أَحارَ عَلَى الدَّمِ وقد قرئت (دائِرَةُ السُّوءِ) [129 ب] وذا ضعيف لانك اذا قلت

"كانت عليهم دائرة السُوءِ" كان أحسن من "رجل السَوْءِ" الا ترى انك تقول: "كانت عليهم دائرة الهزيمة" لأَنَّ الرجل لا يضاف الى السُّوء كما يضاف هذا لان هذا يفسر به الخير والشر كما نقول: "سلكتُ طريقَ الشرَ" و"تركتُ طريقَ الخَيْر". {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذلك الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} وقال {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} وقال بعضهم (والأَنْصارُ) رفع عطفه على قوله (والسَّابِقُونَ) والوجه هو الجر لان السابقين الاولين كانوا من الفريقين جميعا. المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقال {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} فيجوز في العربية ان تكون "بآخرَ" كما تقول: "اِسْتَوىَ الماءُ والخَشَبَةَ" أي: "بالخَشَبَةِ" و"خَلَطْتُ الماءَ واللَّبَنَ" أي "بِالَّلبَنِ".

{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وقال {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فقوله {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} على الابتداء وان شئت جعلته من صفة الصدقة ثم جئت بها توكيداً. وكذلك (تُطَهِّرُهُم) . {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وقال {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ} لأنه من "أَرْجَأْتُ" وقال بعضهم (مُرْجَوْنَ) في لغة من قال (أَرْجَيْتُ) .

المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىا مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} وقال {أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىا مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ} يريد: "مُنْذُ أوَّلِ يَوْمٍ" لان من العرب من يقول "لَمْ أَرَهُ مِنْ يَوْمِ كَذا" يريد "مُنْذُ أوَّلِ يَوْمِ" يريد به "مِنْ أَوَّلِ الأَيَّامِ" كقولك [130 ء] "لَقِيتُ كُلَّ رَجُلٍ" تريد به "كُلَّ الرِجّال". {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىا تَقْوَىا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىا شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وقال {هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ} فذكروا أنه من "يَهُورُ" وهو مقلوب وأصله "هائِرٌ"* ولكن قلب مثل ما قلب "شاكِ السِّلاح" [و] انما هو "شائِك".

{لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وقال {رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ} و (تَقَطَّعَ) في قول بعضهم وكل حسن. المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وقال {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ..} الى رأس الاية ثم فسر (وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) لان قوله - والله اعلم - (التائبون) انما هو تفسير لقوله {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ} [11] ثم فسر فقال "هُمْ التَّائِبُونَ". {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوااْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوااْ أُوْلِي قُرْبَىا مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} ثم قال {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوااْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} يقول "وما كانَ لَهُمْ استِغْفارٌ لِلْمَشْرِكِينَ" وقال {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} . اي ما كان لها الايمان إلا بإذن الله. {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} وقال {إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ} يريد "إلاَّ مِنْ بَعْدِ مَوْعِدَةٍ" كما تقول: "ما كان هذا الشرُّ إلاَّ عَنْ قَوْلٍ كانَ بَيَنْكَمُا" أي: عن ذلك صار.

المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {لَقَدْ تَابَ الله عَلَىا النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} وقال {مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ} وقال بعضهم (تَزِيغُ) جعل في (كادَ) و (كادَت) اسما مضمرا ورفع القلوب على (تَزِيغُ) وان شئت رفعتها على (كادَ) وجعلت (تَزيغُ) حالا وان شئت جعلته مشبها بـ"كانَ" فأضمرت في (كادَ) اسما وجعلت (تَزِيغُ قلوبُ) في موضع الخبر. {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىا إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوااْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوااْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} وقال {وَظَنُّوااْ أَن لاَّ مَلْجَأَ} وهي هكذا اذا وقفت [130 ب] عليها ولا تقول (ملجأ ا) لانه ليس ها هنا نون. ألا ترى انك لو وقفت على "لا خَوْفَ" لم تلحق الفا. وأمّا "لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأَا" فالوقف عليه بالالف لان النصب فيه منون. {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوااْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} وقال {وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} وبها نقرأ وقال بعضهم (غُلْظَةَ) وهما لغتان.

سورة (يونس)

المعاني الواردة في آيات سورة (التوبة) {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَاذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} وقال {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَاذِهِ إِيمَاناً} فـ"أيّ" مرفوع بالابتداء لسقوط الفعل على الهاء فان قلت: "ألا تضمر في أوله فعلا" كما قال {أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً} فلأن قبل "بشر" حرف استفهام وهو اولى بالفعل و (أيّ) استغنى به عن حرف الاستفهام فلم يقع قبله شيء هو اولى بالفعل فصارت مثل قولك "زيدٌ ضَرْبتُه". ومن نصب "زيداً ضربُته" في الخبر نصب "أيّ" ها هنا. {وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىا بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ الله قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} وقال {نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىا بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ} كأنه قال "قالَ بعضُهم لبَعْضٍ" لان نظرهم في هذا المكان كان ايماء او شبيها به والله اعلم. {لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} وقال {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} جعل (ما) اسما و (عَنِتُّم) من صلته. المعاني الواردة في آيات سورة (يونس) {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هذالَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} قال {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} القدم ها هنا: التقديم، كما تقول: "هؤلاء أَهْلُ القَدَمِ [131 ء] في الإسلام" أي: الذين قدموا خيرا فكان لهم فيه تقديم. {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذلك إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} وقال {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} ثقيلة فجعل (وَقَدَّرُهُ) مما يتعدى الى مفعولين كأنه "وجعله منازل". وقال {جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ نُوراً} فجعل القمر هو النور كما تقول: "جَعَلَهُ اللهُ خَلْقاً" وهو "مخلوق" و"هذا الدِرْهَمُ ضَرْبُ الأَمِير". وهو "مضروب". وقال {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} فجعل الحسن هو المفعول كالخلق. وقال {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} وقد ذكر الشمس والقمر كما قال {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} . {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [131 ب] وقال: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} كأنه جعل (تَجْرِي) مبتدأة منقطعة من الأول. المعاني الواردة في آيات سورة (يونس) {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذلك زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وقال {كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ} و {كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً} وهذا في الكلام كثير وهي "كَأَنَّ" الثقيلة ولكنه اضمر فيها فخفف كما تخفف (أَنَّ) * ويضمر فيها وانما هي "كَأَنْهُ لَمْ" وقال الشاعر: [من الخفيف وهو الشاهد الثامن والعشرون بعد المئتين] :

*وَيْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْبَبْ وَمَنْ يَفْتقِرْ يَعِشْ عَيْشُ ضرِّ* وكما قال [من الهزج وهو الشاهد التاسع والعشرون بعد المئتين] : [وصَدْرٍ مُشْرِقِ النَّحْرِ] * كَأَنْ ثَدْياهُ حُقّانِ أي: كَأَنْهُ ثَدْياهُ حُقَّانِ. وقال بعضهم "كَأَنْ ثَدْيْيهِ" فخففها واعلمها ولم يضمر فيها كما قال {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْهَا حَافِظٌ} أراد معنى الثقيلة فأَعْمَلَها كما يُعْمِل الثقيلة ولم يضمر فيها. {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وقال {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} علىخبر "كان" كما قال {إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} . [أي] * "إن كانت تلك إلا صيحة واحدة".

{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} وقال {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم} وانما قال {وَجَرَيْنَ بِهِم} لأنْ (الفُلْكَ) يكون واحدا وجماعة. قال {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} وهو مذكر. واما (حتَّى أَذا كُنْتُمْ في الفُلْكِ) فجوابه قوله {جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} . وأما قوله {دَعَوُاْ اللَّهَ} فجواب لقوله {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} وانما قال {بِهِم} وقد قال {كُنْتُمْ} لانه يجوز ان تذكر غائبا ثم تخاطب اذا كنت تعنيه، وتخاطب ثم تجعله في لفظ غائب كقول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد العاشر بعد المئة] : أَسِيئِي بِنا أَوْ أَحْسِنِي لا مَلُوَمةً * لَدَيْنا وَلا مَقْلِيَّةً أَنْ تَقَلَّتِ المعاني الواردة في آيات سورة (يونس) {فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وقال {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: وذلك متاعٌ الحياةِ الدنيا. وأرادَ "مَتاعُكُمْ مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا".

{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلك نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وقال {كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ} يريد: كمثل ماء. وقال {وَازَّيَّنَتْ} يريد "وتَزَيَّنُتْ" ولكن أدغم التاء في الزاي لقرب المخرجين فلما سكن أولها زيدَ* فيها ألف وصل وقال {وَازَّيَّنَتْ} ثقيلة "ازَّيُّناً" يريدُ المصدر وهو من "التَزَيْنِ" وانما زاد الالف حين ادغم ليصل الكلام لانه لا يبتدأ بساكن. {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَائِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وقال {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ} لانه من "رَهَقَ" "يَرْهَقُ" "رَهَقاً". المعاني الواردة في آيات سورة (يونس) {وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ الْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وقال {جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} وزيدت الباء كما زيدت في قولك {بِحَسْبِكَ قولُ السُوءِ} .

وقال {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ الْلَّيْلِ مُظْلِماً} فالعِين ساكنة لانه ليس جماعة "القِطْعَة" ولكنه "قِطْعٌ" اسمٌ على حياله. وقال عامّة الناس (قِطَعا) يريدون به جماعة "القِطْعَةِ" ويقوي الأول قوله (مُظْلِماً) لان "القِطْع" واحد فيكون "المُظْلِم" من صفته. والذين قالوا: "القِطَع" يعنون به الجمع وقالوا "نَجْعَلُ مُظلِماً" حالا لـ"اللَيْل". والأَوَّلُ أَبْيَنُ الوجهين. {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} وقال {مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ} لانه في معنى "انتْظِروا أنتم وشركاؤكم". {هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} وقال {هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ} أي: تَخْبُرُ. وقال بعضُهم (تَتْلُو) أي: تَتْبَعُه.

المعاني الواردة في آيات سورة (يونس) {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} وقال {أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ} فان قلت "كيف دخلت (أَمْ) على (مَنْ) فلأن (مَنْ) ليست في الاصل للاستفهام وانما يستغنى بها عن الالف فلذلك أدخلت عليها (أَمْ) كما ادخلت على (هَلْ) حرف الاستفهام وانما الاستفهام في الاصل الالف. و (أَمْ) تدخل لمعنى لا بد منه. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثلاثون بعد المئتين] : أَبا مَالِكٍ هَلْ لُمْتَنِي مُذْ حَضَضْتِنَي * عَلَى القَتْلِ أَمْ هَلْ لامَنِي لَكَ لائِمُ {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} وقال {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ} وهذا - والله اعلم -[132 ء] "على مثلِ سُوَرتِه" وألقى السورة كما قال {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} يريد "أَهْلَ القرية". {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} [132 ب] وقال {مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} فان شئت جعلت (ماذا) اسما بمنزلة (ما) وان شئت جعلت (ذا) بمنزلة "الذي". المعاني الواردة في آيات سورة (يونس) {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ} وقال {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} كأنه قال "وَيَقُولُونَ أَحَقُّ هُوَ". {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} وقال {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} وقال بعضهم (تَجْمعَون) أي: تَجْمَعُون يا معشر الكفار.

وقال بعضهم (فَلْتَفْرَحُوا) وهي لغة العرب ردية لان هذه اللام انما تدخل في الموضع الذي لا يقدر فيه على "أَفْعَل"؛ يقولون: "لِيَقُلْ زَيْدٌ" لانك لا تقدر على "أَفْعَل". ولا تدخل اللام اذا كلمت الرجل فقلت "قُلْ" ولم تحتج الى اللام. وقوله {فَبِذَلِكَ} بدل من قوله {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} . {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} وقال {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك وَلا أَكْبَرَ} أيّ: "وَلا يَعْزُبُ عَنْهُ أَصْغَرُ من ذلك ولا أَكْبَرُ" بالرفع. وقال بضعهم (وَلا أصغرَ من ذلِكَ ولا أَكْبَرَ) بالفتح أي: "ولا مِنْ أصغرَ منِ ذلك ولا من أَكْبَر" ولكنه "أَفْعَلَ" ولا ينصرف وهذا أجود في العربية واكثر في القراءة وبه نقرأ.

المعاني الواردة في آيات سورة (يونس) {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ياقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ} وقال {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ} وقال بعضهم (وشُرَكاؤُكُمْ) والنصب أحسن لانك لا تجري الظاهر المرفوع على المضمر المرفوع الا انه قد حسن في هذا للفصل الذي بينهما كما قال {أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ} فحسن [133 ء] لانه فصل بينهما بقوله ترابا. وقال بعضهم (فَأَجْمِعوا) لأَنَّهُم ذهبوا به الى "العَزْمِ" لأَنَّ العرب تقول "أَجْمَعْتُ أَمْرِي" أي: أَجْمَعْتُ على أَنْ أَقُول كذا وكذا. أي عَزَمْتُ عليه. وبالمَقْطُوعِ نقرأ. وقال {ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً} فـ (يَكُنْ) جزم بالنهي. {قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هذاوَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} وقال {أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَاذَا} على الحكاية لقولهم، لانهم قالوا: أَسِحْرٌ هذا" فقال (أَتَقَوُلُونَ) (أَسِحْرٌ هذا) . {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَآءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} وقال {لِتَلْفِتَنَا} لأَنَّكَ تقول: "لَفَتُهُ" فـ"أَنَا أَلِفْتُهُ" "لَفْتَاً" أي: أَلْوِيِه عنْ حقه.

المعاني الواردة في آيات سورة (يونس) {فَلَمَّآ أَلْقُواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} وقال {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ} يقول: "الذي جِئْتُمْ بِهِ السِحْرُ" وقال بعضهم (آلسِّحْرُ) بالاستفهام. {فَمَآ آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} وقال {عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} يعني مَلأ الذُرِّيَّةِ. {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} وقال {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ} فنصبها لان جواب الدعاءَ بالفاء نصب وكذلك في الدعاء إذا عَصَوا. وقال {رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ} أيّ: فَضلُّوا. كما قال {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} أيْ: فَكَان. وَهمُ لم يلقطوه ليكون لهم عدوا وحزنا [و] انما لقطوه فكان [فـ] هذه اللام تجيء في هذا المعنى.

وقوله: {فَلاَ يُؤْمِنُواْ} عطف على (ليضلوّا) . المعاني الواردة في آيات سورة (يونس) {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} وقال {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} وقال بعضهم (نُنْجِيك) وقوله {بِبَدَنِكَ} أيّ: لا روح فيه. وقال بعضهم: (نُنُجِّيكَ) : نرفعُك [133 ب] على نجوة من الارض. وليس قولهم: "أَنّ البَدَن ها هنا" "الدِرْع" بشيء ولا له معنى. {وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} وقال {وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ} فانث فعل الكل لانه اضافه الى الاية وهي مؤنثة. {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} وقال {لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} فجاء بقوله (جَمِيعاً) توكيدا، كما قال {لاَ تَتَّخِذُواْ الهيْنِ اثْنَيْنِ} ففي قوله {الهيْنِ} دليل على الأثْنين.

المعاني الواردة في آيات سورة (يونس) {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ} وقال {كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ} يقول: "كذلِكَ نُنْجِي المؤمنينَ حَقّاً عَلَيْنا". {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} أي: وَأُمِرْتُ أَنْ اَقِم وجَهكَ للدين.

سورة (هود)

المعاني الواردة في آيات سورة (هود) {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} قال {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} وقال بعضهم (تَثْنَوْنِي صُدوُرُهم) جعله على "تَفْعَوْعِلُ" مثل "تَعْجَوْجِلُ" وهي قراءة الاعمش*. {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} وقال {إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} و"الأُمَّةُ": الحِين كما قال (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) . {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَائِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} وقال {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ [10] إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ} فجعله خارجا من أوَّلِ الكلام على معنى "وَلكنّ" وقد فعلوا هذا فيما هو من أوَّلِ الكلام فنصبوا. قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الحادي والثلاثون بعد المئتين] : يا صاحِبَيَّ أَلا لاحَيَّ بالوادِي * إِلاَّ عَبيداً قُعُوداً بَيْنَ أَوْتادِ فتنشده العرب نصبا.

المعاني الواردة في آيات سورة (هود) {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} وقال {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ} فـ (كانَ) في موضع جزم وجوابها (نُوَفِّ) . {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَائِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ولكنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} وقال {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً} على خبر المعرفة. وقال {فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ} وقال بعضهم (مُرْيَةٍ) تكسر وتضم وهما لغتان. وقال {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ} وأضمر الخبر. وقال {فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} فجعل النار هي الموعد وانما الموعد فيها كما تقول العرب "الليلةُ الهِلالُ" ومثلها (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) [81] . {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} وقال {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ} يقول "كَمَثَلِ [134 ء] الأَعْمى والأَصَمِّ". المعاني الواردة في آيات سورة (هود) {فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} وقال {إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} أَيّ: في ظاهر الرأي. وليسَ بَمهموز لأَنَّهُ من "بَدا" "يَبْدُو" أيْ: ظَهَر. وقال بعضهم (بادِىء الرَأْيِ) أَيْ: فيما يُبْدَأُ بِهِ مِنَ الرَأي. {قَالُواْ يانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} وقال {قَالُواْ يانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} وقال بعضهم (جَدَلَنا) وهما لغتان.

{حَتَّى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} وقال {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} فجعل الزوجين الضربين الذكور والأَناث. وزعم يونس ان قول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد المئتين] : وَأَنْتَ امْرُؤٌ تَعْدُو عَلَى كُلِّ غرّةٍ * فَتُخْطِىءُ فِيها مَرَّةً وَتُصِيبُ يعني الذئب فهذا أشد من ذلك. المعاني الواردة في آيات سورة (هود) {وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرياهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [وقال] {وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرياهَا وَمُرْسَاهَا} اذا جعلت من "أَجْرَيْتُ" و"أَرْسَيْتُ" وقال بعضهم (مَجْراها وَمَرساها) اذا جعلت من "جَرَيت" وقال بعضهم (مُجْرِيها ومُرْسِيها) لانه أراد ان يجعل ذلك صفة لله عز وجل.

{قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} وقال {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي} فقطع (سَآوِى) لأَنَّهُ "أَفْعَلُ" وهو يعني نفسه. وقال {لاَعَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ} ويجوز أن يكون على "لاذا عِصْمَةٍ" أَيْ: مَعْصُوم ويكون (إِلاَّ مَنْ رَحِمَ) رفعا بدلاً من العاصِم. {وَقِيلَ ياأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَياسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} وقال {وَغِيضَ الْمَآءُ} لانك تقول "غِضْتُهُ" فـ"أَنَا أَغِيضُهُ" وتقول: "غَاضَتْهُ الأَرْحَامُ" فـ"هِيَ تَغِيضُه" وقال {وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ} . وأما (الجُودِيُّ) فثقل لانها ياء النسبة فكأنه أضيف الى "الجُود" كقولك: "البَصْرِيّ" و"الكُوفِيّ". المعاني الواردة في آيات سورة (هود) {قَالَ يانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} وقال {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} منوّن لانه حين قال - والله اعلم - {لاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} كان في [134 ب] معنى "أَنْ تَسْأَلِني" فقال {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وقال بعضهم (عَمِلَ غَيْرَ صالِحٍ) وبه نقرأ. {قِيلَ يانُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال {وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ} رفع على الابتداء نحو قولك "ضَرَبْتُ زَيْداً وعَمْرُو لِقيتُه" على الابتداء.

{إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} وقال {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا} على الحكاية تقول: "ما أَقُولُ إِلا": "ضَرَبَكَ عَمْروٌ" و"ما أَقُولُ إِلاّ: "قامَ زَيْدٌ". المعاني الواردة في آيات سورة (هود) {وَياقَوْمِ هَاذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} وقال {هَاذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} نصب على خبر المعرفة. {فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} وقال {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ} فأضاف (خِزْي) الى "اليوم" فجره وأضاف "اليوم" الى "إذ" فجره. وقال بعضهم (يَوْمَئِذِ) فنصب لانه جعله اسما واحدا وجعل الاعراب في الاخر. {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ} وقال {أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ} كتابها بالالف في المصحف وانما صرفت لانه جعل "ثمودَ" اسم الحي أو اسم أبيهم. ومن لم يصرف جعله اسم القبيلة. وقد قرىء هذا غير مصروف. وانما قرىء منه مصروفا ما كانت فيه الالف. وبذلك نقرأ. وقد يجوز صرف هذا كله في جميع القرآن والكلام لانه اذا كان اسم الحي أو الاب فهو اسم مذكر ينبغي أن يصرف.

المعاني الواردة في آيات سورة (هود) {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} وقال {نَكِرَهُمْ} لانك تقول "نَكِرْتُ الرجل" و"أَنْكَرْتُهُ". {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} وقال {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} رفع على الابتداء وقد فتح على {وَبِيَعْقُوبَ مِنْ وراءِ إِسْحاقَ} ولكن لا ينصرف. {قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهذابَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذالَشَيْءٌ عَجِيبٌ} وقال {قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ} فاذا وقفت قلت (يا وليتاه) لان هذه الالف خفيفة وهي مثل الف الندبة؛ فلطفت من ان يكون في السكت وجعلت بعدها الهاء ليكون أبين لها وأبعد للصوت. وذلك ان الالف اذا كانت بين حرفين كان لها صدى كنحو الصوت يكون في [135 ء] جوف الشيء فيتردد فيه فيكون اكثر وابين. ولا تقف على ذا الحرف في القرآن كراهية خلاف الكتاب. وقد ذكر أنه يوقف على ألف الندبة فان كان هذا صحيحا وقفت على الالف. وقال {وَهذابَعْلِي شَيْخاً} وفي قراءة ابن مسعود (شَيْخٌ) ويكون على ان تقول "هُوَ شيخ" كأنه فسر بعدما مضى الكلام الأول او يكون اخبر عنهما خبرا واحداً كنحو قولك "هذا أَخْضَرُ أَحْمَرُ" او على ان تجعل قولها (بعلى) بدلاً من (هذا) فيكون مبتدأ ويصير "الشيخ" خبره وقال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الثاني والعشرون] : مَنْ يَكُ ذَابَتٍّ فَهذا بَتِّى * مُقَيِّظٌ مُصيِّفٌ مُشَتِّى

المعاني الواردة في آيات سورة (هود) {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} وقال {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} وهو الفَزَع. ويقال "أَفْرخَ رَوَعُكَ" و"أُلْقِيَ في رُوِعي" أي: في خَلَدي. [فـ] "الرُوْعُ" القَلْبُ والعَقْلُ. و"الرَّوْعُ": الفَزَع. {وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ ياقَوْمِ هؤلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} وقال {هؤلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} رفع، وكان عيسى يقول (هُنَّ أَطْهَرَ لكم) وهذا لا يكون انما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغني عن خبر اذا كان بين الاسم وخبره هذه الأسماء المضمرة التي تسمى الفصل يعني: "هِيَ" و"هُوَ" وَ"هُنّ" وزعموا أن النصب قراءة الحسن ايضا. وقال {فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} لأَنَّ "الضَيْفَ": يكون واحدا ويكون جماعة. تقول: "هؤلاء [135 ب] ضَيْفي" هذا ضَيْفي كما تقول: "هَؤُلاءِ جُنُبٌ" و"هذا جُنُبٌ"، و"هؤلاء عَدُوٌّ" و"هذا عَدُوٌّ". {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} وقال {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} وأَضْمَرَ "لكان".

المعاني الواردة في آيات سورة (هود) {قَالُواْ يالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} وقال {إِلاَّ امْرَأَتَكَ} يقول {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} {إِلاَّ امْرَأَتَكَ} نصب. وقال بعضهم (إِلاَّ امْرَأَتُكَ) رفع وحمله على الالتفات. اي لا يلتفت منكم الا امرأتك. {فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} وقال {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ [82] مُّسَوَّمَةً} نصب بالتنوين. فـ"المَنْضُودُ" من صفة "السِّجِّيلِ"، و"المُسَوَّمَةُ" من صفة "الحجارَةِ" فلذلك انتصب. {قَالُواْ ياشُعَيْبُ أَصَلَاوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} وقال {أَصلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} يقول "أَنْ* نَتْرُكَ وَأَنْ نَفْعَلَ في أَمْوالِنا ما نَشاءُ" وليس المعنى "أَصلاتُكَ تأمُرُكَ أَنْ نَفْعَلَ في أَمْوالِنا ما نَشاءُ" لأنه ليس بذا امرهم. وقال بعضهم (تَشاءُ) وذلك اذا عنوا شعيبا.

المعاني الواردة في آيات سورة (هود) {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ} وقال {مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ} يريد "ومحصود" كـ"الجريح" و"المجروح". {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} وقال {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} لأَنَّهُ مَصْدَر "تَبَّبوُهُم" "تَتْبِيبا". {يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} وقال {لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} ومعناه "تتفَعَّلُ" فكان الاصل ان تكون "تَتَكَلَّمُ" ولكنهم استثقلوا اجتماع التاءين فحذفوا الاخرة منهما لانها هي التي تعتل فهي احقهما بالحذف، ونحو (تَذَكَّرُون) يسكنها الادغام فان قيل: "فهلا ادغمت التاء ها هنا في الذال وجعلت قبلها الف وصل كما قلت: "اِذَّكَّرُوا" فلأن هذه الالف انما تقع في الامر وفي كلّ فعل معناه [136 ء] "فعل" فأما "يَفْعَلُ" و"تَفْعَلُ" فلا.

المعاني الواردة في آيات سورة (هود) {وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وقال {وَأَنَّ كُلاًّ} ثقيلة وقال [136 ب] أهُل المدينة (وإِنْ كُلاًّ) خففوا (إنْ) وأعملوها كما تعلم "لَمْ يَكُ" وقد خففتها من "يَكُنْ" {لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} فاللام التي مع (ما) هي اللام التي تدخل بعد "أن" واللام الاخرة للقسم.

{فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وقال {وَلاَ تَطْغَوْا} من "طَغَوْتَ" "تَطْغَا" مثل "مَحَوْتَ" "تَمْحا". {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} وقال {وَلاَ تَرْكَنُواْ} لانها من "رَكَنَ" "يَرْكَنُ" وان شئت قلت "وَلاَ تَرْكُنوا" وجعلتها من "رَكَنَ" "يَرْكُنُ". المعاني الواردة في آيات سورة (هود) {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الْلَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذلك ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} وقال {طَرَفَيِ النَّهَارِ} فحّرك الياء لانها ساكنة لقيها حرف ساكن لان أَكثر ما يحرّك الساكن بالكسر نحو {صاحِبَيِ السِّجّنِ) . وقال {وَزُلَفاً مِّنَ الْلَّيْلِ} لانها جماعة تقول "زُلْفَة" و"زُلُفاتٌ" و"زُلَفْ". {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِي هَاذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} وقال {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ} على "نقص" {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (كلاّ) .

{وَللَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [وقال] {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} اذا لم يجعل النبيَّ صلى الله عليه فيهم وقال بعضهم (تَعْمَلُون) لانه عنى النبيَّ صلى الله عليه معهم او قال له "قل لهم {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ".

سورة (يوسف)

المعاني الواردة في آيات سورة (يوسف) {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هذاالْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} وقال {بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} يقول {نَقُصُّ عَلَيْكَ} بوحينا {إِلَيْكَ هذاالْقُرْآنَ} وجعل (ما) اسما للفعل وجعل (أَوْحَيْنا) صلة.

{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ ياأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} وقال {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} فكرر الفعل وقد يستغني باحدهما. وهذا على لغة الذين قالوا "ضَرَبْتُ ز َيْداً ضَرَبْتُهُ" وهو توكيد مثل {فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} وقال بعضهم (أَحَدَ عْشَرَ) واسكن العين وكذلك (تِسْعَةَ عْشَرَ) الى العشرين لما طال الاسم وكثرت متحركاته اسكنوا. ولم يسكنوا في قولهم "اثْنَيْ عَشَر" و"اثْنَتا عَشْرَةَ" للحرف الساكن الذي قبل العين وحركة العين في هذا كله هو الاصل. وأَمَّا قوله {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} فانه لما جعلهم كمن يعقل في السجود والطواعية جعلهم كالانس في تذكيرهم اذا جمعهم كما قال {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ} . وقال الشاعر: [من الخفيف وهوة الشاهد الثالث والثلاثون بعد المئتين] : صَدَّها مَنْطِقُ الدَّجاجِ عَنِ القَصْدِ * وَضَرْبُ الناقُوسِ فَاجْتُنِبا وقال {ياأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ} اذا تكلمت نملة فصارت كمن يعقل [137 ب] وقال {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} لما جعلهم يطيعون شبههم بالانس مثل ذلك {قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} على هذا القياس الا انه ذكر وليس مذكرا كما يذكر بعض المؤنث. وقال قوم: إنما قال {طائِعين} لانهما اتتا وما فيهما فتوهم بعضهم "مُذَكَّرا" أَو يكون كما قال {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} وهو يريد أهلها. وكما تقول "صَلى المَسْجِدُ" وأنت تريد أَهْلَ المَسْجِد إلاّ أَنَّكَ تحمل الفعل على الآخِر، كما قالوا: "اِجْتَمَعتْ أَهُلُ اليمامَةِ" وقال {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} لان

الجماعة من غير الانس مؤنثة. وقال بعضهم "لِلَّذِي خَلَقَ الآياتِ" ولا اراه قال ذلك الا لِجْهْلِهِ بالعربية. قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الرابع والثلاثون بعد المئتين] : إِذْ أَشْرَفَ الديكُ يَدْعُوا بَعْضَ أُسْرَتِهِ * إِلى الصِياحِ وَهُمْ قُوْمٌ مُعَازِيلٌ فجعل "الدجاج" قوما في جواز اللغة. وقال الاخر وهو يغني الذيب: [من الطويل وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد المئتين] : وَأَنْتَ امْرُؤٌ تَعْدُو عَلى كُلِّ غِرَّةٍ * فَتُخْطِىءُ فِيها مَرَّةً وَتَصِيُبُ وقال الآخر: [من الرجز وهو الشاهد الخامس والثلاثون بعد المئتين] : فَصَبَّحَتْ وَالطَّيْرُ لَمْ تَكَلَّمِ * جابِيَةً طُمَّتْ بِسَيْلٍ مُفعَم {قَالَ يابُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} وقال {فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً} أي: فيتخذوا لك كيدا. وليست مثل {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} . أراد أن يوصل الفعل [138 ء] اليها باللام كما يوصل بـ"الى" كما تقول: "قَدَّمْتُ لَهُ طَعاماً" تريد: "قَدَّمْتُ إِلَيْهِ". وقال {يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} ومثلُه {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ} وإِنْ شِئْتَ كان {فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً} في معنى "فَيَكِيدوك" وتجعل اللام مثل

{لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} وقوله {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} إنِّما هو: "لِمَكانِ رَبِّهِمْ يَرْهَبُون". المعاني الواردة في آيات سورة (يوسف) {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} وقال {أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ} وليس الأَرْضُ ها هنا بظرف. ولكن حذف منها "في" ثم أَعمل فيها الفعل كما تقول "تَوَجَّهْتُ مَكَّةَ". {قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ} وقال {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} و"العُصْبَةُ" و"العِصابَةُ" جماعة ليس لها واحد كـ"القَوْم" و"الرَّهْط". {وَجَآءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} وقال {بِدَمٍ كَذِبٍ} فجعل "الدَّمَ" "كذِباً" لأنه كُذِبَ فيه كما تقول "الليلةُ الهِلالُ" فترفع وكما قال {فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} . المعاني الواردة في آيات سورة (يوسف) {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يابُشْرَى هذاغُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} وقال {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ} فذكّر بعدما أنّث لأنَّ "السَيَّارة" في المعنى للرجال.

{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} وقال {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي} أي: أَعُوذُ بالله معاذا. جعله بدلا من اللفظ بالفعل لانه مصدر وان كان غير مستعمل مثل "سُبْحانَ" وبعضهم يقول "مَعاذَةَ اللهِ" ويقول "ما أَحْسَنَ مَعْناةَ هَذا الكلامِ" يريد المعنى. {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} وقال {وَهَمَّ بِهَا} فلم يكن همّ بالفاحشة ولكن دون ذلك مما لا يقطع الولاية. المعاني الواردة في آيات سورة (يوسف) {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال {إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يقول "إلاَّ السِجْنُ أَوْ عَذابٌ أَليمٌ "لأن" "أنْ" الخفيفة وما عملت فيه اسم بمنزلة [138 ب] "السّجْن". {قَالَتْ فَذالِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن الصَّاغِرِينَ} وقال {وَلَيَكُوناً مِّن الصَّاغِرِينَ} فالوقف علهيا (وَلِيَكُونا) لان النون الخفيفة اذا انفتح ما قبلها فوقفت عليها جعلتها الفا ساكنة بمنزلة قولك "رَأَيْتُ زيدا" ومثله {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} الوقف عليها "لَنَسْفَعا". {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} وقال {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} فادخل النون في هذا الموضع لان هذا موضع تقع فيه "أي" فلما كان حرف الاستفهام يدخل فيه، دخلته النون لان النون تكون في الاستفهام تقول "بدا لَهُم أَيُّهُم يأخذون" أي استبان لهم.

المعاني الواردة في آيات سورة (يوسف) {قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ} وقال {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ} فاحدى الباءين أوصل بها الفعل الى الاسم والاخرى دخلت لـ"ما" وهي الاخرة. {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} وقال {وَاذَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} وانما هي "اِفْتَعَل" من "ذُكَرْتُ" فأصلها "اِذْتَكَر"، ولكن اجتمعا في كلمة واحدة ومخرجاهما متقاربان، وارادوا ان يدغموا والأول حرف مجهور وانما يدخل الأول في الاخر والاخر مهموس، فكرهوا ان يذهب منه الجهر فجعلوا في موضع التاء حرفا من موضعها مجهورا وهو الدال لان الحرف الذي قبلها مجهور. ولم يجعلوا الطاء لان الطاء مع الجهر مطبقة. وقد قال بعضهم (مُذّكِر) فابدل التاء ذالا ثم ادخل الذال فيها. وقد قرئت هذه الآية {أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً} وهي [139 ء] "أَنْ يَفْتَعِلا" من "الصُلْح" فكانت التاء بعد الصاد فلم تدخل الصاد فيها للجهر والاطباق. فابدلوا التاء صادا وقال بعضهم (يَصْطَلِحا) وهي الجيدة. لما لم يُقْدَر على ادغام الصاد في التاء حُوِّلَ في موضع التاء حرفٌ مطبق.

{قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} قال {إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ} وقال بعض اهل العِلم: "انهن راودنه لا امرأة الملك" وقد يجوز وان كانت واحدة ان تقول "راوَدْتُنَّ" كما [137 ء] تقول (إِنَّ الناسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُم) وهذا ها هنا واحد يعنى بقوله لَكُمْ النبيَّ صلى الله عليه و (الناسَ) "أَبا سُفْيان" فيما ذكروا. المعاني الواردة في آيات سورة (يوسف) {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} وقال {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ} فانث وقال {وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} لأنَّهُ عنى ثَمَّ "الصُّواع" و"الصُّواع" مذكّر، ومنهم من يؤنثّ "الصّواع" و"عنى" ها هنا "السِّقَايَةَ" وهي مؤنثة. وهما اسمان لواحد مثل "الثَّوْبُ" و"المِلْحَفَةُ" مذكّر ومؤنّث لشيء واحد. {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} وقال {خَلَصُواْ نَجِيّاً} فجعل "النَجِيَّ" للجماعة مثل قولك: "هُمْ لِي صديق". وقال {قَالَ كَبِيرُهُمْ} فزعموا انه اكبرهم في العقل لا في السن. {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} وإنما قال {عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} لانه عنى الذي تخلف عنهم معهما وهو كبيرهم في العقل. [139 ب] المعاني الواردة في آيات سورة (يوسف) {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} وقال {يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} فإذا سكت أَلْحقت في آخره الهاء لانها مثل أَلف الندبة. {قَالُواْ تَ الله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} وقال {تَ الله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ} فزعموا أَنَّ (تَفْتَأُ) "تَزَالُ" فلذلك وقعت عليهِ اليمين كانهم قالوا: "وَاللهِ ما تَزالُ تَذْكُرُ يُوسُفَ". {قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وقال {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} (اليومَ) وقَفٌ ثم استأنف فقال {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ}

فدعا لهم بالمغفرة مستأنفاً.

سورة (الرعد)

المعاني الواردة في آيات سورة (الرعد) {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} قال {كُلٌّ يَجْرِي} يعني كُلُّه كما تقول: "كلُّ مُنْطَلِقٌ" أي: كُلُّهُم. {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي الْلَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وقال {رَوَاسِيَ} فواحدتها "راسِيَةٌ". {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وقال {يُسْقَى بِمَآءٍ وَاحِدٍ} فهذا التأنيث على "الجَنَّاتِ" وإِنّ شِئْتَ على "الأَعْنابِ" لأنَّ "الأعْناب" جماعة من غير الإِنْس فهي مؤنثة إِلاَّ أنَّ بعضهم قرأها (يُسْقَى بِماءٍ واحِدٍ) فجعله على الأَعْنابِ كما ذكر "الأَنْعام" فقال {مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} ثم أنث بعد فقال {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} فمن قال (يُسْقَى) بالياء جعل "الأَعْناب" مما يؤنثّ ويذكّر مثل "الأَنْعام".

المعاني الواردة في آيات سورة (الرعد) {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ} وقال {أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} وفي موضع آخر {أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ} فالاخر هو الذي وقع عليه الاستفهام والأول حرف**، كما تقول "أَيَوْمَ الجُمُعَةِ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ". ومن أوقع استفهاما آخر جعل قوله {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} ظرفا لشيء مذكور قبله، ثم جعل هذا الذي استفهم عنه اسفتهاما آخر وهذا بعيد. وان شئت لم تجعل في قولك (أَإِذا) *** استفهاما وجعلت الاستفهام في اللفظ على "أَإِنّا"، كأنك قلت "يوم الجمعة أعبد الله منطلق" واضمرت فيه. فهذا موضع قد ابتدأت فيه "إِذا" وليس بكثير في الكلام وولو قلت "اليومَ إِنَّ عَبْدَ اللهِ مُنْطَلِقٌ" [140 ء] لم يحسن وهو جائز. وقد قالت العرب "مَا عَلِمْتُ إِنَّه لَصالِح" يريد: إِنَّه لَصالِحٌ ما عَلِمْتُ. {سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} وقال {مُسْتَخْفٍ بِالْلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} فقوله {مُسْتَخْفٍ} يقول: ظاهِرٌ. و"السارِب": المُتَوارِيِ. وقد قرئت (أَخِفْيها) أي: أُظْهِرُها لأَنَّكَ تقول "خَفَيْتُ السِّرَّ" أَيْ: أظْهَرْتُهُ وأَنْشَدَ: [من المتقارب وهو الشاهد السادس والثلاثون بعد المئتين] : إِنْ تَكْتُموا الداءَ لا نَخْفِهِ * وَإِنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لاَ نَقْعُدِ

والضم أَجْوَدُ. وزعموا أَنَّ تفسير (أَكادُ) : أُريد وأَنَّها لُغَةٌ لأَن "أُرِيدُ" قد تجعل مكان "أَكادُ" مثلُ (جِداراً يُريدُ اَنْ يَنْقَضَ) أيْ: "يَكادُ أَنْ يَنْقَضَّ" فكذلك "أَكادُ" إِنَّما هي: أُريدُ. وقال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع والثلاثون بعد المئتين] : كَادَتْ وَكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إرادَةٍ * لَوْ عادَ مِنْ لَهْوِ الصبَّابَةِ ما مَضَى وَأمّا "المُعَقِّباتُ" فإِنما أُنِّثَت لكثرة ذلك منها نحو "النَّسّابَة" و"العَلاَّمَة"* ثم ذكر لان المعنى مذكر فقال (يَحْفَظُونُه مِنْ أَمْرِ اللهِ) {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} وقال {بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} و {بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} فجعل "الغُدُوّ" يدل على الغَداةِ وإِنما "الغُدُوّ" فِعْلٌ، وكذلك "الإِبْكار" انما هو من "أَبْكَرَ" "إِبْكاراً", والذين قالوا (الأَبْكار) احجوا بأنهم جمعوا "بُكْراً" على "أَبْكار". و"بُكَرٌ"

لا تجمع [140 ب] لانه اسم ليس بمتمكن وهو أيضاً مصدر مثل "الإِبكار" فاما الذين جمعوا فقالوا إِنما جمعنا "بُكْرَةً" و"غُدْوَةً". ومثل "البُكْرَة" و"الغُدْوَة" لا يجمع هكذا. لا تجىء "فُعْلَةٌ" و"أَفعال" وانما تجيء "فُعْلَةٌ" و"فُعَل". المعاني الواردة في آيات سورة (الرعد) {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} وقال {أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ} فهذه "أَمْ" التي تكون منقطعة من اول الكلام. {أَنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذلك يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذلك يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ} وقال {فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} تقول: "أَعْطِني قَدْرَ شِبْرٍ" و"قَدَرَ شِبْرٍ" وتقول: "قَدَرْتُ" و"أَنَا أَقْدُِر" "قَدْراً" فأما المِثْلُ ففيه "القَدْرُ" و"القَدَر". وقال {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ} يقول: "ومن ذلك الذي يوقدون عليه زَيَدٌ مثله" قول: "ومن ذلك الذي يوقدون عليه زبد مثل هذا". {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} وقال {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ [23] سَلاَمٌ عَلَيْكُم} أي: يقولون "سلامٌ عليكم".

المعاني الواردة في آيات سورة (الرعد) {الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} وقال: {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} فـ (طُوبَى) في موضع رفع يدلك على ذلك رفع (وَحُسْنُ مآبٍ) وهو يجري مجرى "وَيْلٌ لِزيدٍ" لانك قد تضيفها بغير لام تقول "طُوباكَ" ولو لم تضفها لجرت مجرى "تَعْساً لِزَيْدٍ". وان قلت: "لَكَ طُوبى" لم يَحْسُن كما لا تقول: "لَكَ وَيْلٌ". {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} وقال {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ} فهذا في المعنى "أَفَمَنْ هو قائم على كل نفس مثل شركائهم"، وحذف فصار [141 ء] (وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ) يدل عليه.

سورة (إبراهيم)

المعاني الواردة في آيات سورة (إبراهيم) {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَائِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ} قال {يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} فاوصل الفعل بـ"على" كما قالوا "ضَرَبُوهُ في السيف" يريدون "بالسيف". وذلك ان هذه الحروف يوصل بها كلها وتحذف نحو قول العرب: "نَزَلْتُ زيداً" تريد "نَزَلْتُ عَلَيْهِ". {مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ} وقال {مِّن وَرَآئِهِ} اي: من أمامه. وانما قال {وراء} اي: انه وراء ما هو فيه كما تقول للرجل: "هذا مِن ورائِكَ" أي: "سيأتي عَلَيْكَ" و"هُوَ مِنْ وَراءِ ما أَنْتَ فيه" لأَنَّ ما أَنْتَ فيه قد كان مثل ذلك فهو وراؤه. وقال {وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ} في هذا المعنى. أي: كانَ وراءَ ما هُمْ فيه. {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذلك هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ} وقال: {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} كأنه قال: "وَمِمَّا نَقُصُّ عليكم مثلُ الذينَ كَفَرُوا" ثم اقبل يفسر كما قال {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} وهذا كثير.

المعاني الواردة في آيات سورة (إبراهيم) {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال {إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ} وهذا استثناء خارج كما تقول: "ما ضَرَبْتُهُ إلّا أَنَّهُ أَحْمَقُ" وهو الذي في معنى "لكنّ". وقال {وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} فتحت ياء الاضافة لان قبلها ياء الجميع الساكنة التي كانت في "مُصْرِخِيَّ" فلم يكنْ منْ حَرَكَتِها بدٌّ لأَنْ الكسر من الياء. وبلغنا ان الاعمش قال (بِمُصْرِخيِّ) [141 ب] فكسرو هذه لحن لم نسمع بها من أحد من العرب ولا أَهل النحو. {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ} وقال {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً} منصوبة على (ضَرَبَ) كأنه قال "وَضَربَ اللهُ كَلِمَةً طَيِّبَةً مَثَلاً". {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} وقال: {تُؤْتِي أُكُلَهَا} ومثل ذلك {أُكُلُهَا دَآئِمٌ} و"الأُكُلُ" هو: الطَعامُ و"الأَكْلُ" هو: "الفِعْل". المعاني الواردة في آيات سورة (إبراهيم) {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} وقال {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} وفي موضع آخر (ولا خَلَّةٌ) وإِنَّما "الخِلالُ" لجماعة "الخُلَّةِ" كما تقول: "جُلّة" و"جِلال"، و"قُلَّة" و"قِلال". وقال الشاعر: [من المتقارب وهو الشاهد الخامس والعشرون] :

وكيفَ تُواصِلُ مَنْ أَصْبَحَتْ * خَلاَلَتُهُ كَأَبي مَرْحَبِ ولو شيت جعلت "الخِلال" مصدراً لأَنها من "خَاللْتُ" مثل "قَاتَلْتُ" ومصدر هذا لا يكون الا "الفِعال" أو "المُفاعَلَة". {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} وقال {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} اي: آتاكم من كُلِّ شَيُءٍ سَأَلْتُمُوهُ شَيْئاً" وأَضمر الشيء كما قال {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} أيْ: "أُوتِيَتْ من كلِّ شَيءٍ في زمانِها شَيْئاً" قال بعضُهم: "إِنما ذا على التكثير" نحو قولك: "هُوَ يَعْلَمُ كُلَّ شيء" و"أتاه كلُّ الناسِ" وهو يعني بعضهم: وكذلك {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} . وقال بعضهم: "لَيْسَ من شَيْءٍ إِلاّ وَقَدْ سأله بعضُ الناس فقال {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} أي: "مِن كل ما سألتُمُوهُ قد آتى بعضَكُم منهُ شيئا وآتى آخَر شَيْئاً مما قد سأَل". ونون بضعهم {مِّن كُلٍّ}

يقول {مِّن كُلٍّ} ثم قال "لَمْ تَسْأَلُوهُ إيّاه" كما تقول: "قَدْ سَأَلْتُك مِنْ كُلٍّ" و"قَدْ جَاءَنِي مِنْ كُلٍّ" لأنَّ "كُلّ" قد تفرد وحدها. {رَّبَّنَآ إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} وكذلك قال {إِنَّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ} يقول: "أَسْكَنْتُ منْ ذُرِّيَّتِي أُنَاساً" [142 ء] ودخلت الباء على "وادٍ" كما تقول: "هو بِالبَصّرَةِ" و"هو في البصرة". وقال {تَهْوِي إِلَيْهِمْ} زعموا انه في التفسير "تَهْواهُم". المعاني الواردة في آيات سورة (إبراهيم) {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ} ونصب {مُهْطِعِينَ} على الحال وكذلك {مُقْنِعِي} كأنه قال: "تَشْخَصُ أَبْصَارُهُمْ مُهْطِعِين" وجعل "الطَرْفَ" للجماعة كما قال {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} .

{فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} وقال {مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} فأضاف الى الأول ونصب الآخر على الفعل، ولا يحسن ان نضيف الى الآخر لأنه يفرق بين المضاف والمضاف اليه وهذا لا يحسن. ولا بد من اضافته لانه قد ألقى الالف ولو كانت "مخلفا" نصبهما جميعا وذلك جائز في الكلام. ومثله "هذا مُعْطي زَيْدٍ دِرْهَما" و"مُعْطٍ زيداً دِرْهَما". {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} وواحد {الأَصْفَادِ} صَفَد.

سورة (الحجر)

المعاني الواردة في آيات سورة (الحجر) {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} قال {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} وأدخل مع "رُبَّ" (ما) ليتكلم بالفعل بعدها. وان شئت جعلت (ما) بمنزلة "شَيْءٍ" فكأنك قلت: "وَرُبَّ شَيْءٍ [142 ب] يَوَدُّ" أي: "رُبَّ وُدٍّ يَوَدُّهُ الذينَ كَفَرُوا". {إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ} وقال {إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} استثناء خارج كما قال "ما أَشْتَكِي إِلاَّ خَيْراً" يريد "أَذْكُرُ خَيْراً". {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [وقال] {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} فجعلها على "لاقِح" كأن الرياح لَقِحَتْ لأَن فيها خيرا فقد لَقِحَت بخير. وقال بعضهم "الرِّياحُ تُلْقِْحُ السَّحابَ" فقد يدل على ذلك المعنى لانها اذا أنشأته وفيها خير وصل ذلك اليه.

المعاني الواردة في آيات سورة (الحجر) {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} وقال {رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي} يقول: "بإِغوائِكَ إِيّايَ" {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ} على القسم كما تقول: "بِ اللهِ لأَفْعَلَنَّ". {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} وقال {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} يقول: عَلَيَّ دِلاَلَتُه. نحو قول العرب "عَلَيَّ الطريقُ الليلة" أي: عليّ دِلاَلَتُه. {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} وقال {لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} لأنَّه من "جَزَّأْتُهُ" و (مِنْهُمْ) يعني: من الناس. المعاني الواردة في آيات سورة (الحجر) {قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} وقال {قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ} لانه من "وَجِلَ" "يَوْجَلُ". وما كان على "فَعِل" فـ"هو يَفْعَلُ" تظهر فيه الواو ولا تذهب كما تذهب من "يَزِنُ" لأَنَّ "وَزَنَ" "فَعَلَ" وأَمّا بنو تميم فيقولون (تِيْجَلُ) لأَنَّهم يقولون في "فَعِلَ" "تِفْعَل" فيكسرون التاء في "تَفْعَل" والالف من "أفْعَلُ" والنون من "تْفَعلُ" ولا يكسرون الياء لأنّ الكسر من الياء فاستثقلوا اجتماع ذلك. وقد كسروا الياء في باب "وَجِلَ" لان الواو قد تحولت الى الياء مع التاء والنون والالف. فلو فتحوها استنكروا الواو ولو فتحوا الياء لجاءت الواو، فكسروا الياء فقالوا "يِيجَلُ" ليكون الذي بعدها [143 ء] ياء [إذ] * كانت الياء أخَف مع الياء من الواو مع الياء لانه يفر الى الياء من الواو ولا يفر الى الواو من الياء. قال بعضهم (يَيْجَلُ) فقلبها ياء وترك التي قبلها مفتوحة كراهة اجتماع السكرة والياءين.

{قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ} وقال {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ} لانها من "قَنَطَ" "يَقْنِطُ" وقال بعضهم (يَقْنُطُ) مثل "يَقْتُل" و"يقنَطَ" مثل "عَلِمَ" يَعْلَمُ". {قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ * إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ} وقال {إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ [58] إِلاَّ آلَ لُوطٍ} استثناء من المجرمين أي: لا يدخلون في الاجرام. المعاني الواردة في آيات سورة (الحجر) {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ} وقال {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ} لان قوله {أَنَّ دَابِرَ} بدل من (الامر) . {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} وقال {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي} و (لَعَمْرُكَ) - والله اعلم - و"وَعَيْشِكَ" انما يريد به العُمْر. و"العُمْرُ" و"العَمْرُ" لغتان. {الَّذِينَ جَعَلُواْ الْقُرْآنَ عِضِينَ} وقال {عِضِين} وهو من "الأَعْضاء" وواحِدُهُ "العِضَةُ" مثل "العِزِينَ" واحده "العِزَةُ".

سورة (النحل)

المعاني الواردة في آيات سورة (النحل) {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} قال {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} نصب. أي: وَجَعَلَ اللهُ الخَيْلَ والبغَال والحميرَ وَجَعَلَها (زِينَةً) . {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} وقال {وَمِنْهَا جَآئِرٌ} أي: ومن السبيلِ [134 ب] لأَنَّها مؤنثة في لغة أهل الحجاز. {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وقال {وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ} فعلى "سُخِّرَتْ النُّجُومُ" أَوْ "جَعَلَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ" وجاز اضمار فعل غير الأول لان ذلك المضمر في المعنى مثل المظهر. وقد تفعل العرب ماهو أشد من ذا. قال الراجز: [وهو الشاهد الثامن والثلاثون بعد المئتين] :

تَسْمَعُ فِي أَجْوافِهِنَّ صَرَدَا * وَفِي اليَدَيْنِ جُسْأَةً وَبَدَدا فهذا على {وَتَرَى في اليَدَيْنِ الجُسْأَة} [وهي] : اليَبَس والبَدَدَ [وهو] : "السَّعَة". المعاني الواردة في آيات سورة (النحل) {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} وقال {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ} يقول: خَلَقَ لكم وبَثَّ لَكُمْ. {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} وقال {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ} على التوكيد. {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هاذِهِ الْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} وقال {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً} فجعل "ماذا" بمنزلة "ما" وحدها. المعاني الواردة في آيات سورة (النحل) {إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} وقال {إِن تَحْرِصْ} لانها من "حَرَصَ" "يَحْرِصُ". {أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} واذا وقفت على (يَتَفَيّؤُا)

قلت "يَتَفَيَّأْ" كما تقول بالعين "تَتَفَّيعْ" جزما وان شئت أشممتها الرفع ورمته كما تفعل ذلك في "هذا حَجَرُ". وقال {عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} فذكروهم غير الانس لانه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا ما يعقل وجعل اليمين للجماعة مثل {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} . {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} وقال {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ} يريد: من الدواب [144 ء] واجتزأ بالواحد كما تقول: "ما أَتاَنِي من رَجُلٍ" أي: ما أتاني من الرجال مثله. المعاني الواردة في آيات سورة (النحل) {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} وقال {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} لأنَّ (ما) بمنزلة (من) فجعل الخبر بالفاء.

{لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وقال {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ} . {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وقال {وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً} ولم يقل "مِنها" لانه أضمر "الشَيْءَ" كأنه قال "وَمِنْها شَيْءٌ تَتَّخِذونَ مِنْه سَكَراً". المعاني الواردة في آيات سورة (النحل) {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} وقال {إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي} على التأنيث في لغة اهل الحجاز. وغيرهم يقول "هُوَ النَّحْل" وكذلك كل جمع ليس بينه وبين واحده الا الهاء نحو "البُرُّ" و"الشَعِيرُ" هو في لغتهم مؤنث. {ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وقال {ذُلُلاً} وواحدها "الذَلُولُ" وجماعة "الذَّلُول" "الذُلُل". {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} وقال {بَنِينَ وَحَفَدَةً} وواحدهم "الحافِدُ". المعاني الواردة في آيات سورة (النحل) {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} وقال {رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً} فجعل "الشَيْء" بدلا من "الرِّزْق" وهو في معنى "لا يَمْلِكُونَ رِزْقاً قَلِيلاً ولا كَثِيرا". وقال بعضهم: "الرِّزْقُ فعل يقع بالشيء" يريد: "لا يَمْلِكُون أَنْ يَرْزقُوا شَيْئا". {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وقال {أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ} لأَنَّ (أينّما) من حروف المجازاة.

{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} وقال {مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً} وواحده: "الكِنّ". المعاني الواردة في آيات سورة (النحل) {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} وقال {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ} تقول: "أَوْفَيْتُ بالعَهْد" و"وَفَيْتُ بالعَهْد" فاذا قلت "العَهْدَ" قلت "أَوْفَيْتُ العَهْدَ" بالالف. {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} وقال {أَنكَاثاً} وواحدها "النِّكْثُ. {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ولكن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [144 ب] وقال {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ولكن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ} خبر لقوله (وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ) ثم دخل معه قوله {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ} فأخبر عنهم بخبر واحد اذ كان ذلك يدل على المعنى.

المعاني الواردة في آيات سورة (النحل) {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} وقال {كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا} لان معنى (كلُّ نَفْسٍ) : كلُّ إِنسانٍ، وأنّث لأن النفس تؤنّث وتذكُر. يقال "ما جَاءَتْنِي نَفْسٌ واحدةٌ" و"ما جاءَنِي نَفْسٌ واحدٌ". {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذاحَلاَلٌ وَهذاحَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} وقال {أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ} جعل (ما تَصِفُ) ألسنتهم اسما للفعل كأنه قال "وَلاَ تقُولوا لِوَصْفِ أَلْسِنَتِكُم (الكَذِبَ هذا حَلاَلٌ) وقال بعضهم (الكَذِبِ) يقول: "ولا تقولوا للكَذِبِ الذي تصفه أَلسنتكم". وقال بعضهم (الكُذُبُ) فرفع وجعل (الكُذُبَ) من صفة الأَلسنة، كأنه قال: "ألسنَةٌ كُذُبٌ".

{شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وقال {شَاكِراً لأَنْعُمِهِ} وقال {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [112] فجمع "النِّعْمَة" على "أَنْعُمٍ" كما قال {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدُّه} فزعموا أنه جمع "الشِدَّة".

سورة (الإسراء)

المعاني الواردة في آيات سورة (الإسراء) {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [145 ء] قال {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} لأنك تقول "أَسْرَيْتُ" و"سَرَيْتُ". وقال {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فهو فيما ذكروا - والله أعلم - قُلْ يا مُحَمَّد سُبحانَ الذي أسْرى بِعَبْدِهِ" وقل: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير. {فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً} وقال {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا} لأن "الأُوْلى" مثل "الكُبْرى" يتكلم بها بالالف واللام ولا يقال "هذهِ أُوْلى". والاضافة تعاقب الالف واللام. فلذلك قال {أُولاهُما} كما تقول "هذهِ كُبْراهُمٌا" و"كُبْراهُنَّ" و"كُبْرَاهُمْ عِنْدَه". {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً} وقال {دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} فنصب "الدعاءَ" على الفعل كما تقول: "إِنَّكَ مُنْطَلِقٌ انْطِلاقاً". المعاني الواردة في آيات سورة (الإسراء) {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} وقال {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} قد قرئت {أُفِّ} و {أُفّاً} لغة جعلوها مثل {تَعْساً} وَقرأ

بعضهم {أُفَّ} وذلك ان بعض العرب يقول "أُفَّ لَكَ" على الحكاية: أي لا تَقُلْ لهما هذا القول، والرفعُ قبيح لأنَّه لم يجيء بعده باللام، والذين قالوا {أُفِّ} فسكروا كثير وهو أجود. وكسر بعضهم ونّون. وقال بعضهم {أُفِّي} كأنه أضاف هذا القول الى نفسه فقال: "أُفّي هذا لكما" والمكسور هنا منون، وغير منون على انه اسم متمكن نحو "أَمْسِ" وما أشبهه. والمفتوح بغير نون كذلك. وقال {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} لأنه يقول: "نَهَرَه" "يَنْهَرَه" واِنْتَهَرُه" "يَنْتَهِرُهُ". {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً} وقال {إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً} من "خَطِىء" [145 ب] "يَخْطَأُ" تفسيره: "أَذْنَبَ" وليس في معنى "أَخْطَأَ" لأَنْ ما أخْطَأَْتَ [فيه] ما صنعته خَطَأً، و [ما] "خَطِئْتَ" [فيه] ما صنعته عمدا وهو الذنب. وقد يقول ناس من العرب: "خَطِئْتُ" في معنى "أَخْطَأْتُ". وقال امرؤ القيس. [من الرجز وهو الشاهد التاسع والثلاثون بعد المئتين] : يا لَهْفَ نَفْسي إِذْ خَطِئْنَ كَاهِلا * القاتِلِينَ المَلِكَ الحُلاحِلا * تَ الله لا يذهبُ شَيْخِي باطِلا *

وقال آخر: [من الكامل وهو الشاهد الاربعون بعد المئتين] : والناسُ يَلْحُونَ الأَمِيرَ إِذاَ هُمُ * خَطِئُوا الصَّوابَ وَلاَ يُلامُ المُرْشَدُ {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} وقال {وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ} "والقُسْطاس" مثل "القِرْطَاس" و"القُرْطاس" و"الفِسْطاط" و"الفُسْطاط". المعاني الواردة في آيات سورة (الإسراء) {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [وقال] {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} قال {أُولائِكَ} . هذا واشباهه مذكّراً كان أَوْ مؤنَّثاً تقول فيه "أُولَئِكَ" قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الحادي والسبعون] : ذُمِّي المنازِلَ بَعْدَ مَنْزِلَةِ اللِّوىَ * وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولئِكِ الأَيامِ وهذا كثير.

{وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} وقل {مَرَحاً} و {مَرِحا} والمكسورة احسَنُهما لأنَّكَ لو قلت: تَمِشي مَرِحا" كان أحسن من "تَمْشى مَرَحا" ونقرؤها مفتوحة. {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً} وقال {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً} فقال {عُلُوّاً} ولم يقل "تَعالِياً" كما قال {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الحادي والأربعون بعد المئتين] : أَنْتَ الفِداءُ لِكَعْبَةٍ هَدَّمْتَها * وَنَقَرْتَها بِيَدَيْكَ كُلَّ مُنَقَّر مَنَعَ الحَمامَ مَقِيلَهُ من سَقْفِها * ومِنَ الحَطِيمِ فَطَارَ كُلَّ مُطَيَّرِ وقال الآخر: [من الرجز وهو الشاهد الثاني والأربعون بعد المئتين] : * يَجْرِي عَلَيْها أَيَّما إِجْراءِ *

وقال الآخر: [من الوافر وهو الشاهد الثالث والأربعون بعد المئتين] : وَخَيْرُ الأمْرِ ما اسْتَقْبَلْتَ مِنْهُ * وَلَيْسَ بِأَنْ تَتَبَّعَه اتِّباعَا المعاني الواردة في آيات سورة (الإسراء) {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً} وقال {حِجَاباً مَّسْتُوراً} لأن الفاعل قد يكون في لفظ المفعول [146 ء] كما تقول: "إِنَّكَ مَشْؤومْ عَلَيْنا" و"مَيْمُون" وإِنَّما هو "شائِم" و"يامِن" لأنه من "شَأَمَهُم" و"يَمَنَهم" و"الحِجابُ" ها هنا هو الساتر، وقال {مَسْتُورا} . {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} وقال {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} وإِنما "النَّجْوَى" فِعْلُهُمْ كما تقول: "هُمْ قَوْمٌ رِضىً" وانما "الرِّضَى" فِعْلُهم. {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً} وقال {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فجعله جوابا للأمر. المعاني الواردة في آيات سورة (الإسراء) {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً} وقال {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا} يقول "بِهَا كانَ ظُلْمُهُم" و"المُبْصِرَةُ": البَيِّنَةُ كما تقول: "المُوضِحَة" و"المُبَيِّنَةُ". {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً} وقال {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم} [146 ب] فقوله {وَأَجْلِبْ} من "أَجْلَبْتَ" وهو في معنى "جَلَبَ" والموصولة من "جَلَبَ" "يَجْلُبُ". {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} وقال {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ} أي: سَنَنّاها سُنَّةَ. كما قال {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} .

المعاني الواردة في آيات سورة (الإسراء) {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الْلَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [وقال] {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} أي: وَعَلَيْكَ قرآن الفَجْر. {وَمِنَ الْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} وقال {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ} و {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ} فيقال "عَسَى" من الله واجبه والمعنى أنَّكَ لو علمت من رجل انه لا يدع شيئا هو أحسن من شيء يأتيه فقال لك "عسى أنْ أُكَافِئَكَ" استنبت بعلمك به أنه سيفعل الذي يجب اذ كان لايدع شيئا هو أحسن من شيء يأتيه. {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً} وقال {يَئُوساً} لأَنَّه مِنْ "يَئِس". المعاني الواردة في آيات سورة (الإسراء) {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَانَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَآءَ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً} وقال {أَيّاً مَّا تَدْعُواْ} كأنه قال "أَيَّا تَدْعُوا". وقال {أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَآءَ الْحُسْنَى} يقول: "أيَّ: الدُّعائَيْنِ تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْماءُ الحُسْنى".

سورة (الكهف)

المعاني الواردة في آيات سورة (الكهف) {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} قال {عِوَجَا} {قَيِّماً} أي: أنزل على عبده الكتاب قَيِّما ولم يجعل له عِوَجا. {مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً} وقال {مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً} حال على {أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً} [2] . {مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} وقال {كَبُرَتْ كَلِمَةً} لأنَّها في معنى: أكْبِرْ بِها كَلِمَةً. كما قال {وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً} وهي في النصب مثل قول الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الرابع والأربعون بعد المئتين] : وَلَقَدْ عَلِمْتَ إِذْ الرِّياحُ تَرَوَّحَت * هَدَجَ الرِّئالِ تَكُبُّهُنَّ شَِمَالا

أي: تَكُبُّهُنَّ الرِّياحُ شمالا. فَكَأَنَّهُ قال: كَبْرَتْ تِلْكَ الكَلِمَةُ. وقد رفع بعضهم الكلمة لأَنَّها هي التي كبرت. المعاني الواردة في آيات سورة (الكهف) {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهذاالْحَدِيثِ أَسَفاً} وأمَّا قوله {أَسَفاً} فإِنَّما هُوَ [147 ء] {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} {أَسَفَاً} . {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً} وقال {سِنِينَ عَدَداً} أي: نَعُدُّها عَدَدا. {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً} وقال {مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً} أي: شَيْئاً يرتَفِقُونَ بِهِ مثل: "المِقْطَع" و {مَرْفِقَاَ} جعله أسما كـ"المَسْجِد" او يكون لغة يقولون: "رَفَقَ" "يَرْفُقُ". وإِنْ شئت {مَرْفَقَا} يريد: "رِفْقاً" ولم تُقرأ.

المعاني الواردة في آيات سورة (الكهف) {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذلك مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً} وقال {تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} فـ {ذَاتَ الشِّمَالِ} نصب على الظرف. {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً} وقال {أَيْقَاظاً} واحدهم "اليَقِظُ"، واما "اليَقْظانُ" فجِماعُهُ "اليِقَاظُ". {وَكَذلك بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَاذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً} وقال {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَى طَعَاماً} فلم يوصل {فَلْيَنْظُرْ} الى {أيّ} لأَنه من الفعل الذي يقع بعده حرف الاستهفام تقول: "انْظُرْ أَزَيْدٌ أَكْرَمُ أَمْ عَمْرٌو". المعاني الواردة في آيات سورة (الكهف) {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً} [147 ب] وقال {مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} أي: ما يَعْلَمُهُمْ من الناس إِلاّ قليلٌ. والقليل يعلمونهم. {إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هذارَشَداً} وقال {إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ} أي: إِلاّ أَنْ تَقُولَ: "إِنْ شاءَ اللهُ" فَأَجْزَأَ من ذلك هذا، وكذلك اذا طال الكلام أَجْزَأ فيه شبيه بالإِيمْاءِ لأَنَّ بَعْضَه يدل على بعض. {وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُواْ تِسْعاً} وقال {ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ} على البدل من {ثَلاثَ} ومن "المِئَة" أي: لَبِثُوا ثلاث مِئَةِ" فان كانت السنون تفسير للمئة فهي جرّ وان كانت تفسيرا للثَّلاثِ فيه نصب. المعاني الواردة في آيات سورة (الكهف) {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} وقال {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} أي: ما أَبْصَرَهُ وأَسْمَعَه كما تقول: "أَكْرِمْ بِهِ" أي: ما أَكْرَمَهُ. وذلك ان

العرب تقول: "يا أَمَةَ اللهِ أَكْرِمْ بِزَيْدٍ" فهذا معنى ما أَكْرَمَهُ ولو كان يأمرها أن تفعل لقال "أَكْرِمِي زَيْداً. {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} وقال {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} أي: العَيْنانِ فلا تَعْدُوانِ. {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً} وقال {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ} أيْ: قُلْ هُوَ الحَقُّ. وقوله {وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً} أي: وساءت الدار مرتفقا. المعاني الواردة في آيات سورة (الكهف) {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} وقال {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} لأنه لما قال {لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} كان في معنى: لاَ نُضيِعُ أُجُورَهُم لأنهم ممن أَحْسَنَ عملا. {وَاضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} وقوله {وَاضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ} وقال {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} وإِنَّما ذكر الرجُلَيْنِ في المعنى وكان لأَحدِهما ثمر فأجزأ ذلك من هذا. وقال {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} فجعل الفعل واحد ولم يقل "آتتا" لأنه جعل ذلك لقوله {كِلْتَا} في اللفظ. ولو جعله على معنى قوله {كِلْتَا} لقال: "آتَتَا".

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} وقال {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} يقول: عَنْ رَدِّ أمْرِ رَبِّهِ" نحو قول العرب: "أُتْخِمَ عَنِ الطَّعامِ" أي: عَنْ مَأكَلِهِ أُتْخِمَ، ولما رَدَّ هذا الأمر فسق. وقال {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} كما تقول: "بِئْسَ فِي الدّارِ رَجُلا". المعاني الواردة في آيات سورة (الكهف) {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً} وقال {مَّوْبِقاً} مثل {مَّوْعِداً} من "وَبَقَ" "يَبِقُ" وتقول "أَوْبَقْتُهُ حتى وَبَقَ". {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً} وقال {إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} لأنَّ "أَنْ" في موضع اسم "إِلاّ" إِتيانُ سُنَّةِ الأَوَّلِينَ. {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً} وقال {مَوْئِلاٍ} من "وَأَلَ" "يَئِلُ" "وَأْلاً". المعاني الواردة في آيات سورة (الكهف) {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً} وقال {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ} يعني: أَهْلَهَا كما قال {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} ولم يجيء بلفظ "القُرَى" ولكن اجرى اللفظ على القوم وأجرى اللفظ في "القَرْية" عليها، الى قوله {الَّتِي كُنَّا فِيهَا} ، وقال {أَهْلَكْنَاهُمْ} ولم يقل "أهْلَكْناهَا" حمله على القوم كما قال "وجاءَتْ تميمُ" وجعل الفعل لـ"بَنِي تَميم" ولم يجعله لـ"تَمِيم" [148 ء] ولو فعل ذلك لقال: "جاءَ تَميم" وهذا لا يحسن في نحو هذا لأنه

قد أراد غير تميم في نحو هذا الموضع فجعله اسما ولم يحتمل اذا اعتل ان يحذف ما قبله كله يعني التاء من "جاءَتْ" مع "بني" وترك الفعل على ما كان ليدل على انه قد حذف شيئا قبل "تَمِيم". {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} وقال {لا أَبْرَحُ} أي: لا أَزالُ. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الخامس والأربعون بعد المئتين] : وَمَا بَرِحُوا حتَّى تَهادَتْ نِساؤُهُمْ * بَبَطْحاءِ ذي قارٍ عيابَ اللَّطاَئِمِ أَي: ما زالوا. {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هذانَصَباً} وقال {آتِنَا غَدَآءَنَا} ان شئت جعلته من "آتَى الغداءَ" أو "أَئيِةِ" كما تقول "ذَهَبَ" و"أَذْهَبْتُهُ" وإِن شئت من "أَعْطى" وهذا كثير.

المعاني الواردة في آيات سورة (الكهف) {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} وقال {حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ} قال {فَقَتَلَهُ} لأن اللِّقاء كان علة للقتل. {وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً} وأما {فَخَشِينَآ} فمعناه: كَرِهنا، لأنَّ اللهَ لا يَخْشى. وهو في بعض القراءات {فَخَافَ رَبُّكَ} وهو مثل "خِفْتُ الرَّجُلَيْنِ أَنْ يَقُولا" وهو لا يخاف من ذلك اكثر من انه يكرهه لهما. {قَالُواْ ياذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} وقال {يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} فهمز وجعل الألف من الأصل وجعل "يأجوج" من "يَفْعُول" و"مأجوج" [من] "مَفْعُول" والذي لا يهمز يجعل الألفين فيهما زائدتين ويعجلهما من فعل مختلف ويجعل "يَاجُوج" من "يَجَجْتُ" ومَاجُوج من "مَجَجْتُ". المعاني الواردة في آيات سورة (الكهف) {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً} وقال {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} فادغم ورفع بقوله {خَيْرٌ} لأن {مَا مَكَّنِّي} اسم مستأنف. {فَمَا اسْطَاعُواْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً} وقال {فَمَا اسْطَاعُواْ} لأن لغة للعرب تقول "اِسْطاعَ" "يَسْطيِع" يريدون به "اِسْتَطاع" "يَستطيع" ولكن حذفوا التاء اذا جامعت الطاء [148 ب] لأن مخرجهما واحد وقال

بعضهم "اِسْتاعَ" فحذف الطاء لذلك وقال بعضهم "أَسْطاع" "يُسْطِيع" فجعلها من القطع كأنها "أَطَاعَ" "يُطِيع" فجعل السين عوضا عن اسكان الياء. {قَالَ هذارَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً} وقال {هذارَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي} أي: هذا الرَّدْمُ رحمة من ربي. المعاني الواردة في آيات سورة (الكهف) {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً} وقال {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي} فجعلها {أَنْ} التي تعمل في الأفعال فاستغنى بها "حَسِبُوا" كما قال {إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا} و {مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَاذِهِ} استغنى ها هنا بمفعول واحد لأن معنى {مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ} : ما أظنها أَنْ تبيدَ.

وقال بعضهم {أَفَحَسْبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي} يقول: "أَفَحَسْبُهُم ذلك ". {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً} وقال {بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً} لأنه لما ادخل الالف واللام والنون في {الأَخْسَرِينَ} لم يوصل الى الاضافة وكانت "الأعمال" من {الأَخْسَرِينَ} فلذلك نُصِبَ. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} وقال {جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} فـ"النُزُلُ" من نزول* بعض الناس على بعض. اما "النَزَلُ" فـ"الرَيْعُ" تقول: "ما لِطَعَامِهِم نَزَلٌ" و"ما وَجَدْنَا عِنْدَهُمْ نَزَلا". المعاني الواردة في آيات سورة (الكهف) {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً}

وقال {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي} يقول [149 ء] "مِدَاداً يكتب به" {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} يقول: "مَدَدٌ لَكُم" وقال بعضهم {مِدَادَا} تكتب به. ويعني بالمداد أنه مدد للمداد يمد به ليكون معه.

سورة (مريم)

المعاني الواردة في آيات سورة (مريم) {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ} قال {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ} قال: "مِمّا نَقُصُّ عَلَيْكَ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّك" فانتصب العبد بالرحمة. وقد يقول الرجل "هذا ذِكْرُ ضَرْبِ زيدٍ عَمْراً". {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً} [و] قال {نِدَآءً خَفِيّاً} وجعله من الاخفاء. {قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً} وقال {شَيْباً} لأنه مصدر في المعنى كأنه حين قال {اشْتَعَلَ} قال: "شابَ" فقال "شَيْبَا" على المصدر وليس هو مثل "تَفَتَأْتُ شَحْماً" و"اِمْتَلأَتُ ماءً" لأن ذلك ليس بمصدر.

المعاني الواردة في آيات سورة (مريم) {قَالَ رَبِّ اجْعَل لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} وقال {سَوِيّاً} على الحال كأنه أمره أن يكف عن الكلام سويّا. {وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} وقال {وَهُزِّى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} لأن الباء تزاد في كثير من الكلام نحو قوله {تَنبُتُ بِالدُّهْنِ} أي: تُنْبِتُ الدُهنَ. وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السادس والأربعون بعد المئتين] : بِوادٍ يَمانٍ يُنْبِتُ السِّدْرَ صَدْرُهُ * وَأَسْفَلُهُ بالمَرْخِ والشَبَهانِ يقول: "وأسْفَلُه يُنْبِتُ المَرْخَ والشَبَهان" ومثله: "زَوَّجْتُكَ بِفُلانَة" يريدون: "زَوَّجْتُكَها" ويجوز ان يكون على معنى "هُزِّي رُطَباً بِجِذْعِ النَخْلَة". {ياأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} وقال {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} مثل قولك "مِلْحَفَةٌ جَدِيدٌ". المعاني الواردة في آيات سورة (مريم) {ياأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيّاً} وقال {ياأَبَتِ [149 ب] لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} فاذا وقفت قلت {يا آبَهْ} وهي هاء زيدت كنحو قولك "يا أُمَّهْ" ثم قال "يَا أُمَّ" اذا وصل ولكنه لما كان "الأبُ" على حرفين كان كأنه قد أُخِلَّ به فصارت الهاء لازمَةً وصارت الياء كأنها بعدها، فلذلك قال "يَا أبَتِ أقْبِلْ" وجعل التاء للتأنيث. ويجوز الترخيم لأنه يجوز ان تدعو ما تضيف الى نفسك في المعنى مضموماً نحو قول العرب "يا رَبُّ اغْفِرْ لي" وثقف في القرآن {يا أبَتِ} للكتاب. وقد يقف بعض العرب على هاء التأنيث. وقوله {كَانَ لِلرَّحْمَانِ عَصِيّاً} و"العَصِيّ": العاصي كما تقول: "عَلِيم" و"عالِم" و"عَرِيف" و"عارِفْ" قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع والأربعون بعد المئتين] : أَوَ كُلَّما وَرَدَتْ عُكَاظَ قَبِيلَةٌ * [150 ب] بَعَثُوا إِلَيَّ عَرِيفَهُم يَتَوَسَّمُ يقول: "عارِفَهُمْ". {وَوَهَبْنَا لَهْمْ مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} وقال {لِسَانَ صِدْقٍ} كما تقول: "لسانُنا غيرُ لسانِكُم" أي: لغتُنا غيرُ لغتِكُم. وان شئت جعلت اللسان مقالهم كما تقول "فُلانٌ لِسانُنا".

{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} وقال {إِلاَّ سَلاَماً} فهذا كالاستثناء الذي ليس من أول الكلام. وهذا على البدل ان شئت كأنه "لا يَسْمَعُونَ فيهَا إِلاّ سَلاَما" وفي قراءة عبد الله {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً} و {إِلاَّ قَلِيلٌ مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ} رفع على أن قوله {إِلاَّ قَلِيلٌ} صفة. المعاني الواردة في آيات سورة (مريم) {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلك وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} وقال {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا [150 ء] بَيْنَ ذالِكَ} يقول {مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} قبل ان نخلق {وَمَا خَلْفَنَا} بعد الفناء {وَمَا بَيْنَ ذالِكَ} حين كنا.

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً} وقال {وَرِءْياً} فـ"الرِءْيُ" من الرُؤْيَةِ وفسروه من المنظر فذاك يدل علىأنَّهُ من "رَأَيْتُ". {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَانِ عَهْداً} وقال {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} فهذه الف الاستفهام وذهبت ألف الوصل لما دخلت الف الاستفهام. المعاني الواردة في آيات سورة (مريم) {كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} [و] قال {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} لأنَّ "الضِدّ" يكون واحدا وجماعة مثل "الرَصَد" و"الأَرْصاد" - ويكون الرَّصَدُ أيضاً اسما للجماعة. {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً} وقال: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} فالمعنى: يُرِدْنَ. لأنهن لا يكون [منهن] ان يتفطرن ولا يدنون من ذلك ولكنهن هممن به اعظاما لقول المشركين. ولا يكون على من هم بالشيء ان يدنو منه الا ترى ان رجلا لو أراد ان ينال السماء لم يدن من ذلك وقد كانت منه ارادة. وتقرأ {يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} ويقرأ {يَنْفَطِرْنَ} للكثرة.

المعاني الواردة في آيات سورة (طه) {طه} قال: {طه} منهم من يزعم انها حرفان مثل {حَمّ] ومنهم من يقول {طه} يعني: يا رجل في بعض لغات العرب. {إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى} وقال {إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى} بدلاَ من قوله {لِتَشْقَى} [2] فجعله "ما أنْزَلْنا القُرآنَ عَلَيْكَ إِلاَّ تَذْكِرَةً". {تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَق الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى} وقال {تَنزِيلاً} أي: أَنْزَلَ اللهُ ذلِكَ تنزيلا.

سورة (طه)

المعاني الواردة في آيات سورة (طه) {الرحمن عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقال {الرَّحْمَانُ} أي: هُوَ الرَّحْمن. وقال بعضهم {الرَّحْمَانِ} أي: تنزيلا من الرحمن. وقال {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} يقول "عَلاَ" ومعنى "عَلاَ": قَدَر. ولم يزل قادرا ولكن أخبر بقدرته. {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} وقال {مَآرِبُ أُخْرَى} وواحدتها: "مَأْرُبَةٌ". {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى} وقال {آيَةً أُخْرَى} أي: أَخْرَج آيةً أُخْرى وجعله بدلا من قوله {بَيْضَآءَ} . المعاني الواردة في آيات سورة (طه) {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي} وقال {وَلاَ تَنِيَا} وهي من "وَنَى" و"يَنِي" وَنْياً" و"وُنِيّاً". {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} وقال {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} نحو قول الرجل لصاحبه: "افِْرَعْ لَعَلَّنَا نَتَغَدّى" والمعنى: "لِنَتَغَدّى" و"حتّى نَتَغَدّىَ". وتقول للرجل: "اِعْمَلْ عَمَلَكَ لَعَلَّكَ تَأْخُذُ أَجْرَكَ" أي: لِتَأْخُذَه. {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى} وقال {أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى} يريد: "أَزْواجاً شَتَّى من نَبَاتٍ" أوْ يكونُ النباتُ هو شتى. كلُّ ذلك مستقيم. المعاني الواردة في آيات سورة (طه) {قَالُواْ إِنْ هَاذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} وقال {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا

بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب. [151 ء] وقال {الْمُثْلَى} تأنيث "الأَمْثَل" مِثْل: "القُصْوَى" و"ألأَقْصَى". {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} وقال {السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} وفي حرف ابن مسعود {أيْنَ أَتَى} وتقول العرب: "جِئْتُكَ من أيْنَ لا تَعْلَم" و"مِنْ حَيْثُ لا تَعْلَم". {قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَاذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَآ} وقال {لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا} يقول: "لَنْ نُؤْثِرَكَ على الَّذِي فَطَرَنا". المعاني الواردة في آيات سورة (طه) {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَى} وقال {لاَّ تَخَافُ دَرَكاً} [151 ب] أي {اِضْرِبْ لَهُمْ طَريقا} {لاَّ تَخَافُ} فيه {دَرَكاً} وحذف "فيه" كما تقول: "زيدٌ أَكْرَمْتُ" تريد: "أَكْرَمْتُهُ" وكما قال {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} أيْ لا تجزى فيه. {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} وقال {فَيَحِلَّ} وفسره على "يَجِب" وقال بعضهم {يَحُلَّ} على "النُزُول" فضم. وقال {يَصِدُّونَ} على"يَضِجُّونَ" ولا أراها الا لغة مثل "يَعْكِفُ" "ويَعْكُف" في معنى "يَصدّ".

{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} وقال {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ} يقول: "عَنَتْ" "تَعْنُو" "عُنُوّاً". المعاني الواردة في آيات سورة (طه) {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} وقال {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً} يريد: ولولا {أَجَلٌ مُّسَمًّى} لَكانَ لِزاما. {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} وقال {لِلتَّقْوَى} لأَِهْلِ التقوى وفي حرف ابن مسعود {وإِنْ العاقِبَةَ لِلتَّقْوى} .

سورة (الأنبياء)

المعاني الواردة في آيات سورة (الأنبياء) {لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَاذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} قال {وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى} كأنه قال {وَأَسَرُّواْ} ثم فسره بعد فقال: "هم {الَّذِينَ ظَلَمُواْ} أو جاء هذا على لغة الذين يقولون "ضَرَبُونِي قَوْمُكَ".

{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} وقال {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً} قال {كَانَتَا} لأنه جعلهما صنفين كنحو قول العرب: "هُما لِقاحانِ سُودَان" وفي كتاب الله عز وجل {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ} . وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الخمسون بعد المئتين] : رَأَوْا جَبَلاً فَوْقَ الجِبالِ إِذا الْتَقَتْ * رُؤُوسُ كَبِيَرِيْهنَّ يَنْتَطِحَانِ

فقال "رُؤوسُ" ثم قال "يَنْتَطِحانِ" وذا نحو قول العرب "الجُزُراتِ" و"الطُرُقاَتِ" فيجوز في ذا ان تقول: "طُرُقانِ" للاثنين و"جُزُرانِ" للاثنين. وقال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الحادي والخمسون بعد المئتين] : وإِذاَ الرِّجَالُ رَأَوْا يَزِيدَ رَأَيْتَهُم * خُضْعَ الرِّقابِ نَواكِسِي الأَبْصارِ والعرب تقول: "مَوَاليِات" و"صَواَحِبَاتُ يوسُف". فهؤلاء قد كسروا فجمعوا "صَواحِب" وهذ االمذهب يكون فيه المذكر "صَواحِبُون"، ونظيره "نَواكِسي". وقال بعضهم [152 ب] "نواكِسِ" في موضع جرّ كما تقول "حُجْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ". {خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} وقال {خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} يقول: "من تعجيلٍ من الأمْرِ، لأَنَّه قال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ} فهذا العجل كقوله {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} وقوله {فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} فإِنَّني {سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي} . المعاني الواردة في آيات سورة (الأنبياء) {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذافَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} وقال {فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} فذَكَّر الأصنام وهي من الموات لأنها كانت عندهم ممن يعقل او ينطق. {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلك وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} وقال {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ} فذكر الشياطين وليسوا من الانس إِلاّ أَنَّهُم مثلهم في الطاعة والمعصية. الا ترى انك تقول "الشياطينُ يَعْصُونَ" ولا تقول: "يَعْصِينَ" وانما جمع {يَغُوصُونَ} و {مَنْ} في اللفظ واحد لأن {مَنْ} في المعنى لجماعة. قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثامن والأربعون بعد المئتين] : لَسْنَا كَمَنْ جَعَلَتْ إِيادٍ دارَهَا * تكريت تَنْظُرُ حَبَّها أَنْ يُحَصَدا وقال: [من المتقارب وهو الشاهد التاسع والأربعون بعد المئتين] : أَطُوفُ بِهَا لاَ أَرَىَ غَيْرَهَا * كَمَا طافَ بالبِيْعَةِ الرّاهِبِ فجعل "الراهبِ" بدلا من {مَا} كأنه قال "كالذي طافَ" وتقول العرب [152 ء] : "إِنَّ الحَقَّ مَنْ صَدَّقَ اللهَ" أي: "الحقُّ حقُّ مَنْ صَدَّقَ اللهَ". {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ اله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} وقال {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} أي: لن نقدر عليه العقوبة، لأنه قد اذنب بتركه قومه وانما غاضب بعض الملوك ولم يغاضب ربه كان بالله عز وجل اعلم من ذلك.

سورة (الحج)

المعاني الواردة في آيات سورة (الحج) {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى ولكنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} قال {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ} وذلك انه أراد - والله أعلم - الفعل ولو أراد الصفة فيما نرى لقال: "مُرْضِع". وكذلك كلّ "مُفْعِل" و"فَاعِل" يكون للانثى ولا يكون للذكر فهو بغير هاء نحو "مُقْرِب" و"مُوقِر": نَخْلَةٌ مُوقِرٌ و"مُشْدِن": معها شَادِن و"حامِل" و"حائِض" و"فادك" و"طامِث" و"طالِق". {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} وقال {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} فـ {يَدْعُو} بمنزلة "يَقُول". و {مَنْ} رفع واضمر الخبر كأنه: يَدْعو لمَنْ ضُرُّهُ أَقْرَبُ من نَفْعِهِ إِلَهَهُ. يقول: لَمَن ضُرُهُ أَقْرَبُ من نَفْعِهِ إِلَهُهُ.

{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} وقال {هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} فحذف الهاء من {يَغِيظُ} لأنها صلة الذي لأنه اذا صار جميعاً اسما واحدا كان الحذف أخف. المعاني الواردة في آيات سورة (الحج) {هَاذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارِ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} وقال {هَاذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُواْ} لأنهما كانا حيين. و"الخَصْمُ" يكون واحدا وجماعة. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وقال {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} معناه: ومن يُرِدْ إِلْحاداً. وزاد الباء كما تزاد في قوله {تَنبُتُ بِالدُّهْنِ} وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثاني والخمسون بعد المئتين] : [153 ء] ألَيْسَ أَمِيرِي في الأُمورِ بأَنْتُمَا * بِمَالَسْتُما أَهْلَ الخِيانَةِ والغَدْرِ {ذلك وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ} وقال {فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} وكُلُها رِجْسٌ، والمعنى: فَاجْتَنِبْوا الرِجْسَ الذي يكونُ مِنْها أيْ: عبادَتَها. المعاني الواردة في آيات سورة (الحج) {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلك سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وقال {صَوَآفَّ} وواحدتها: "الصافَّة". {الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} وقال {لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} فالصَّلَواتُ لا تهدم ولكن حمله على فعل آخر كأنه قال "وَتُرِكَتْ صَلَواتٌ" وقال بعضهم: "إِنّما يعني مواضع الصلوات" وقال رجل من رواة الحسن {صُلُوتٌ} وقال: "هي كنائس اليهود تدعى* بالعبرانية "صُلُوثا" فهذا معنى الصلوات فيما فسروا".

وقال {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} لأَنَّ {بَعْضَهُم} بدل من {الناس} . {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} وقال {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} حمله على {كَأَيِّنْ} والمَشِيد هو المفعول من "شِدتُه" فَـ"أَنَا أشِيدُهُ" مثل "عِنْتُه" فـ"أَنَا أَعِينُه" فـ"هو مَعِين". المعاني الواردة في آيات سورة (الحج) {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} وقال {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} يقول: "هو في الثِقَل ومما يُخَافُ مِنْهُ كألفِ سَنَة". {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذالِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} وقال {بِشَرٍّ مِّن ذالِكُمُ النَّارُ} رفع على التفسير أي: هيَ النارُ. ولو جر على البدل كان جيدا. {ياأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} وقال {ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ} فان قيل: "فأيْنَ المثل" قلت: ليس ها هنا مثل لانه تبارك وتعالى قال: "ضُرِبَ لِي مَثَلٌ فَجُعِلَ مَثَلاً عندهم لي فاستمعوا لهذا المثل الذي جعلوه مثلي في قولهم واتخاذهم الالهة وانهم لن يقدروا على خلق ذباب ولو اجتمعوا له وهم اضعف لو سلبهم الذباب شيئاً فاجتمعوا جميعاً ليستنقذوه منه لم يقدروا [153 ب] على ذلك. فكيف تضرب هذه الآلهة مثلا لربها وهو رب كل شيء الواحد الذي ليس كمثله شيء وهو مع كل شيء وأقرب من كل شيء وليس له شبه ولا مثل ولا كفء وهو العلي العظيم الواحد الرب الذي لم يزل ولا يزال".

المعاني الواردة في آيات سورة (الحج) {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هذالِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُواْ بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} وقال {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} نصب على الأمر.

سورة (المؤمنون)

المعاني الواردة في آيات سورة (المؤمنون) {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} وقال {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} لأن الخالقين هم الصانعون. وقال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الثالث والخمسون بعد المئتين] : * وَأَرَاكَ تَغْرِي ماخَلَقْتَ وَبعْضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثم لاَ يَغْرِي * {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ} وقال {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ} على "فَأَنْشَأْنَا جَنّاتٍ" {وَشَجَرَةً} . {وَإِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} قال {وَإِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} فنصب {أُمَّةً وَاحِدَةً} على الحال. وقرأ بعضهم {أُمَّتَكُم أُمَّةٌ واحدةٌ} على البدل ورفع {أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ} على الخبر. المعاني الواردة في آيات سورة (المؤمنون) {أُوْلَائِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} وقال {هُمْ لَهَا سَابِقُونَ} يقول: مِنْ أَجْلَها. {حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} وقال {إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} من"جَأَرَ" "يَجْأَرُ" "جُؤاراً" و"جَأْراً". {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ} وقال {عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ} و {تَنكُصْون} مثل {يَعْكِفُون} و {يعكِفون} [154 ء] .

المعاني الواردة في آيات سورة (المؤمنون) {قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ} وقال {اخْسَئُواْ فِيهَا} لأَنَّها من "خَسَأَ" "يَخْسَأْ" تقول: "خَسَأَتُهُ" فـ"خَسَأَ". {قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} وقال {إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} أي: مَا لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلا. وفي حرف ابن مسعود {إِن لَّبِثْتُمْ لَقَلِيلاً} . وقال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الرابع والخمسون بعد المئتين] : هَبَلَتْكَ أُمُّكَ إِنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِماً * وَجَبَتْ عَلَيْكَ عُقُوبَةُ المُتَعَمِّدِ

سورة (النور)

المعاني الواردة في آيات سورة (النور) {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} قال {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً} لأن هذه مما يوصل باللام تقول: "إِنْ عُدْتَ لِمَثْلِهِ فَإِنَّا ظَالِمٌ". {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقال {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ} جعل {الطِفْل} جماعة كما قال {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} . {وَأَنْكِحُواْ الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} وقال {مِنْ عِبَادِكُمْ} يريد "مِنْ عَبِيدِكُم" كما تقول: "هُمْ عِبَادُ اللهِ" و"عَبِيدُ اللهِ". المعاني الواردة في آيات سورة (النور) {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ} وقال {كَمِشْكَاةٍ} أيْ: كَمَثَلِ مِشْكَاةٍ. وقال {كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} اذا جعله من "الدُرّ" و {دِرِّيء} من "دَرَأَ" همزها وجعلها "فِعِّيل" وذلك من تَلاَلُئِهِ. وقال بعضهم {دَرِّيٌ} مثل {فَعِّيل} .

وَأَمَّا {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [154 ب] فالمصباح في المعنى أَنَ مثلَ ما أنار من الحق في بيانه كمثل المشكاة. ليس لله مثل تبارك وتعالى.

سورة (الفرقان)

المعاني الواردة في آيات سورة (الفرقان) {قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ ولكن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّى نَسُواْ الذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً} قال {قَوْماً بُوراً} جماعة "البَائِر"* مثل "اليَهُود" وواحدهم "الهَائِد" وقال بعضهم: "هِي لغة على غير واحد كما يقال "أَنْتَ بَشَرٌ" و"أَنْتُمْ بَشَر". {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} وقال {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً} فحذف "عَنْ الكُفّار" وقد يكون ذلك عن الملائكة والدليل على وجه مخاطبة الكفار انه قال {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ} وقال بعضهم "يعني الملائكة". {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً} وقال {الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} لغتان يقال "مُطِرْنَا" و"أُمْطِرْنَا" وقال {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً} وهما لغتان.

المعاني الواردة في آيات سورة (الفرقان) {لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً} وقال {وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً} مثقّلة لأنها جماعة "الإِنْسِيّ".

سورة (الشعراء)

{قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} وقال {إِلاَّ مَن شَآءَ} استثناءٌ خارجٌ من أَوَّلِ الكَلاَمِ على معنى "لكنّ". {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} وقال {وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} يقول: "يَخْتَلِفَانِ". المعاني الواردة في آيات سورة (الفرقان) {وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً} وقال {وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ} فهذا ليس له خبرٌ إِلاَّ في المعنى والله أعلم. {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} وقال {لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} فـ"الإِمام" ها هنا جماعة كما قال {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} ويكون على الحكاية كما يقول الرجل اذا قيل له: "مَنْ أميرُكُم" [155 ء] قال: "هؤلاءِ أَمِيرُنا" وقال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الخامس والخمسون بعد المئتين] : يَا عَاذِلاَتِي لا تُرِدْنَ مَلامَتي * إِنَّ العَواذِلَ لَيْسَ لِي بِأَمِير {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} وقال {مَا يَعْبَأُ بِكُمْ} لأَنَّها من "عَبَأْتُ بِهِ" فـ"أَنّا أَعْبَأُ بِهِ" "عَبْأً". المعاني الواردة في آيات سورة (الشعراء) {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} قال {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} يزعمون انها على الجماعات نحو "هذا عُنُقٌ من الناس" يعنُون "الكثير" أو ذكّركما يذكر بعض المؤنث لما اضافه الى مذكّر. وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السادس والخمسون بعد المئتين] : باكَرْتُهَا والدِّيكُ يَدْعُو صباحَهُ * إِذَا مَا بَنُو نَعْشٍ دَنَوْا فَتَصَوَّبُوا فجماعات هذا "أَعْناقٌ" أَوْ يكون ذكّره لا ضافته الى المذكّر كما يؤنّث لاضافته الى المؤنث نحو قوله: [من الطويل وهو الشاهد السابع والخمسون بعد المئتين] : وَتشْرَقُ بالقَوْلِ الذي قَدْ أَذَعْتَهُ * كَما شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ وقال آخر: [من الرجز وهو الشاهد الثامن والخمسون بعد المئتين] : * لَمَا رَأَى مَتْنَ السَّمَاءِ انْقَدَّتِ * وقال: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والخمسون بعد المئتين] : إِذَا القُنْبُضَاتُ طَوَّفْنَ بالضُّحى * رَقَدْنَ عَلَيْهِنَّ الحِجَالُ المُسَجَّفُ

[155 ب] و"القُنْبُضُ": القصير. وقال آخر: [من الطويل وهو الشاهد الستون بعد المئتين] : وإِنَّ امْرَءاً أَهْدَى إِلَيْكِ وَدُونَهُ * من الأَرْضِ مَوْمَاةٌ وبَيْداَءُ خَيْفَقُ لمََحْقُوقَةٌ أَنْ تَسْتَجيِبي لِصَوْتِهِ * وَأَنْ تَعْلَمِي أَنَّ المُعَانَ مُوَفَّقُ فأنَّث. والمحقوق هو المرء. وانما انث لقوله "أَنْ تَسْتَجِيبِي لِصَوْتِهِ" ويقولون: "بَنَاتُ عُرْسٍ" و"بَنَاتُ نَعْشٍ" و"بَنُو نَعْشٍ" وقالت امرأة من العرب "أَنَا امْرُؤُ لا أُحِبُ الشَرَّ". وذكر لرؤبة رجل فقال "كانَ أَحَدَ بناتِ مَساجِدِ اللهِ" كأنه جعله حصاة. {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقال {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وهذا يشبه أن يكون مثل "العَدُوّ" وتقول "هما عَدُوٌّ لي". {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} وقال {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيّ} فيقال هذا استفهام كأنّه قال "أَوَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تُمنُّها" ثم فسر فقال {أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} وجعله بدلاً من النعمة.

المعاني الواردة في آيات سورة (الشعراء) {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} وقال {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ} أي: "هَلْ يَسْمَعُونَ منكُم: أَوْ "هَلْ يَسْمَعُونَ دعاءَكم". فحذف "الدعاءَ" كما قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الحادي والستون بعد المئتين] : القائدُ الخَيْلَ مَنْكُوباً دَوابِرُها * قَدْ أُحْكِمَتْ حَكَماتُ القِدِّ والأَبَقا تريد: أُحْكِمَتْ حَكَمات الأَبَق. [156 ء] فحذف "حَكَماتِ" وأقامَ "الأَبَقَ" مُقامَهَا. و"الأَبَقُ": الكِتّان. {أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} وقال {أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ} اسم في موضع رفع مثل {مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} ولكن هذا لا يكون فيه الا النصب في الأول {أَن يَعْلَمَهُ} هو الذي يكون آية وقد يجوز الرفع وهو ضعيف. {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ} وقال {عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ} واحدُهم "الأَعْجَمُ" وهو اضافة كالأَشْعَرِين.

المعاني الواردة في آيات سورة (الشعراء) {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ * فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ} وقال {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} {فَيَأْتِيَهُم} ليس بمعطوف على {حَتَّى} إنَّما هو جوابٌ لقوله {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} فلما كان جوابا للنفي انتصب وكذلك {فَيَقُولُواْ} انما هو جواب للنفي. وقال {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} أَيْ: فَاْسْمَعُوا مني.

المعاني الواردة في آيات سورة (النمل) {إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} وقال {بِشِهَابٍ قَبَسٍ} إِذا جعل "القَبَسَ" بدلا من "الشِّهابِ" وإِنْ أضافَ "الشِّهابَ" الى "القَبَسِ" لم ينون "الشِّهابَ" وكلٌّ حسن. {فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال {نُودِيَ أَن بُورِكَ} أَيْ: نُودِيَ بذلك. {إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقال {إَلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ} لأن {إِلاَّ} تدخل في مثل هذا الكلام كمثل قول العرب: "ما أَشْتَكِي إِلاَّ خَيْراً" فلم يجعل قوله "إِلاَّ خَيْراً" على الشكوى ولكنه علم اذا قال لهم "مَا أَشْتَكي شَيْئاً" انه يذكر [156 ب] من نفسه خيراً. كأنه قال "ما أَذْكُرُ إِلاّ خَيْراً". المعاني الواردة في آيات سورة (النمل) {فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هذاسِحْرٌ مُّبِينٌ} وقال {آيَاتُنَا مُبْصِرَةً} أي: إِنَّها تُبَصِّرُهُم حتَّى أَبْصَرُوا. وان شئت قلت {مُبْصَرَةً} ففتحت فقد قرأها بعض الناس وهي جيدة يعني مُبْصَرَةً مُبَيَّنَةً. {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ ياأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذالَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} وقال {عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ} لأنها لما كانت تكلمهم صار كالمنطق. وقال الشاعر: [من الخفيف وهو الشاهد الثالث والثلاثون بعد المئتين] :

* صدّها منطق الدجاج عن القصد * وقال: [من الرجز وهو الشاهد الخامس والثلاثون بعد المئتين] : * فَصَبَّحَتْ والطَيْرُ لَمْ تَكَلَّم * {أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} وقال {أَلاَّ يَسْجُدُواْ} يقول {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [24] لـ"أَنْ لاّ يَسْجُدُوا". وقال بعضهم {أَلا يَسْجُدوا} فجعله أمْراً كأنه قال لهم "أَلاَ اسْجُدُوا" وزاد بينهما "يَا" التي تكون للتنبيه ثم اذهب ألف الوصل التي في "اِسْجُدُوا" وأذهب الالف التي في "يا" لأنها "ساكنة لقيت السين فصارت {أَلاَ يَسْجُدُوا} . وفي الشعر: [من الطويل وهو الشاهد الثاني والستون بعد المئتين] : أَلاَ يَا سْلِمَى يَا دَاَرَمّيٍ على البِلَى * [وَلاَ زَالَ مُنْهَلاً بِجَرْعَائِكِ القِطْرُ] * وإنَّما هي: ألا يا اسْلَمِى.

المعاني الواردة في آيات سورة (النمل) {اذْهَب بِّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} قال {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} فـ {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} مؤخرة لأن المعنى "فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهَمُ". {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} وقال {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} على {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ} [29] {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ} و {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ} و"بِسْمِ اللهِ" مقدمة في المعنى. {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذامِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} وقال {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} أَيْ: لِيَنْظُرَ أَأَشْكُرُ أم أكفر. كقولك: "جِئْتُ لِأَنْظُرَ أَزَيْدٌ أَفْضَلُ أَمْ عَمْرٌو". المعاني الواردة في آيات سورة (النمل) {قَالُواْ اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} و [قال] {قَالُواْ اطَّيَّرْنَا بِكَ} فادغم التاء في الطاء لأنها من مخرجها واذا استأنفت قلت "اِطَّيَّرْنا". {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ} وقال {تِسْعَةُ رَهْطٍ} فجمع وليس لهم واحد من لفظهم مثل "ذَوْدٍ". {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَاله مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} وقال {أَمَّنْ خَلَقَ [157 ء] السَّمَاوَاتِ} {أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ} [64] حتى ينقضي الكلام {مَنْ} ها هنا ليست باستفهام على قوله {خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [59] انما هي بمنزلة "الّذِي".

المعاني الواردة في آيات سورة (النمل) {قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} وقال [قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاَتِ والأَرْضِ] {الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} كما قال {إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} وفي حرف ابن مسعود {قَلِيلاً} بدلاً من الأول لأنك نفيته عنه وجعلته للآخر. {قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} وقال {رَدِفَ لَكُم} ونظنها* "رَدِفَكُمْ" وادخل اللام فأضاف بها الفعل كما قال {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} و {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} وتقول العرب: "رَدِفَهُ أمْرٌ" كما يقولون: "تَبِعَه" و"أَتْبَعَهُ". {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ} وقال {أَنَّ النَّاسَ} أي: بأنَّ النَّاسَ، وبعضهم يقول {إِنَّ النَّاسَ} كما قال {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ} انما معناه يقولون: "ما نَعْبُدُهُم".

سورة (القصص)

المعاني الواردة في آيات سورة (القصص) {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} وقال {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ} على قوله {يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ} [4] ونحن {نُرِيدُ أَن نَّمْنَّ عَلَى الَّذِينَ [158 ء] اسْتُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ} أي: فعل هذا فرعون ونحن {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ} . {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وقال {فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} أيْ: فارغاً من الوَحْيِ إِذْ تَخَوَّفَتْ [157 ب] على موسى إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بالوَحْي. أيْ: تُظْهِره. {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [وقال] {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أيْ: قُصِّي أَثَرَهُ. المعاني الواردة في آيات سورة (القصص) {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} وقال {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً} كما تقول: "لنْ يكُونَ فلانُ في الدّارِ مُقِيما" أي: "لاَ يَكُونَنَّ مُقِيماً". {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} وقال {تَأْجُرَنِي} في لغة العرب منهم من يقول "أُجرَ غلامي" فـ"هُوَ مَأْجُورٌ" و"أَجَرْتُهُ" فـ"هُوَ مُؤْجَر" يريد: أَفْعَلْتُهُ" فـ"هو مُفْعَلٌ" وقال بعضهم: "آجَرْتُهُ" فـ"هو مُؤَاجَر" أرَادَ" "فَاعَلْتُهُ".

{فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يامُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وقال {مِن شَاطِىءِ الْوَادِي الأَيْمَنِ} جماعة "الشّاطِىء" "الشَواطِىء" وقال بعضهم "شَطّ" والجماعة "شُطُوطٌ". المعاني الواردة في آيات سورة (القصص) {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ} وقال {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ} ثقلّ بعضهم وهم الذين قالوا {ذلِكَ} أَدْخلوا التثقيل للتأكيد كما أَدْخَلُوا اللام في "ذلك ". {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} وقال {رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} أيْ: عوناً فيمنعني ويكون في هذا الوجه: "رَدَأْتُهُ":؛أعَنْتُه. [و] {يُصَدِّقْنِي} جَزم اذا جعلته شرطا و {يُصَدِّقُني} اذا جعلته من صفة الردء. {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا ولكن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} وقال {ولكن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} فنصب {رَحْمَةً} على "ولكنْ رَحَمَكَ رَبُّكَ رَحْمَةً".

المعاني الواردة في آيات سورة (القصص) {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هؤلاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُواْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} وقال {أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنا} لأنه من "غَوَى" "يَغْوِي" مثل "رَمَى" "يَرْمِي". {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُوْلِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} وقال {مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} يريد: إِنَّ الذي مفاتحه. وهذا موضع لا يبتدأ فيه "أنّ" وقد قال {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ} وقوله {تَنوُءُ بالعُصْبَةِ} إِنَّما العصبة تنوء بها. وفي الشعر: [وهو الشاهد السابع عشر بعد المئة من مجزوء الوافر] : تَنُوءُ بِهَا فَتُثْقِلُها * عجيزتها............ وليست العجيزة تنوء بها ولكنها هي تنوء بالعجيزة. وقال: [من الكامل وهو الشاهد الثالث والستون بعد المئتين] : ما كُنْتُ في الحَرْبِ العَوانِ مُغَمَّراً * إِذْ شَبَّ حَرُّ وَقُودِها أَجْزَالَهَا

{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} وقال {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ} المفسرون يفسرونها: "اَلَمْ تَرَأَنَّ الله" وقال {وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} وفي الشعر: [من الخفيف وهو الشاهد الثامن والعشرون بعد المئتين] : سَالَتانِي الطَّلاَق أَنْ رَأَتَا ما * لِي قَلِيلاً قَدْ جِئْتُمانِي بِنُكْرِ وَيْكَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْ * بَبْ وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيْشَ ضُرِّ المعاني الواردة في آيات سورة (القصص) {وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ} وقال {وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً} استثناء خارج من اول الكلام في معنى "لكنْ". [158 ب]

سورة (العنكبوت)

المعاني الواردة في آيات سورة (العنكبوت) {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} قال {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} على "وَوَصَّيْنَاهُ حُسْناً" وقد يقول الرجل: "وَصَّيْتُهُ خَيْراً" أيْ: بِخَيْرٍ. {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ اتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} وقال {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} على الأمر كأنهم أمروا انفسهم. {أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلك عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِىءُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقال {كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ} وقال {كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} لأنهما لغتان تقول: "بَدَأَ الخَلْقَ" و"أَبْدَأَ". المعاني الواردة في آيات سورة (العنكبوت) {وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} وقال {وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ} أيْ: لا تُعْجِزُونَنَا هَرَباً في الأَرْضِ ولا في السَّمَاءِ. {وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرينَ} وقال {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ} لأنَّ الأول كان في معنى التنوين لأنه لم يقع فلذلك انتصب الثاني.

سورة (الروم)

المعاني الواردة في آيات سورة (الروم) {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} قال {الم [1] غُلِبَتِ الرُّومُ} {وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} أيْ: من بعدما غُلِبُوا. وقال بعضهم {غَلَبَتْ} و {سيُغْلَبُون} لأنهم كانوا حين جاء الاسلام غَلَبوا ثم غُلِبُوا حين كثر الاسلام. {فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} وقال {مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} رفع لأن "قَبْلُ" و"بَعْدُ" مضمومتان مالم تضفهما لأنهما غير متمكنتين فاذا أضفتهما تمكنتا. {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُواْ السُّوءَى أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ} وقال {أَسَاءُواْ السُّوءَى} فـ"السُّوأَى" مصدرها هنا مثل "التَقْوَى". المعاني الواردة في آيات سورة (الروم) {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [وقال] * {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً} فلم يذكر فيها {أَنْ} لأن هذا يدل على المعنى. وقال الشاعر: [مِن الطويل وهو الشاهد السابع بعد المئة] : ألاَ أيُّهذا الزاَّجِرِي أحْضِر الوغى * وأنْ أشْهَدَ اللَذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي اراد: أنْ إَحْضُرَ الوَغَى. {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولكنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} وقال [159 ء] {فِطْرَتَ اللَّهِ} فنصبها على الفعل كأنه قال "فَطَرَ اللهُ تِلْكَ فِطْرَةً".

{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال {مُنِيبِينَ} على الحال لأنه حين قال {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} [30] قد أمره وأمر قومه حتى كأنه قال "فَأَقِيمُوا وَجُوهَكُمْ مُنِيبينَ". المعاني الواردة في آيات سورة (الروم) {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وقال {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ} فمعناه - والله أعلم - فعلوا ذلك ليَكْفُرُوا. وانما اقبل عليهم فقال "تَمَتَّعُوا" {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} وقال بعضهم {فَتَمَتَّعُوا فسوف يَعْلَمونَ} كأنه "فَقَدْ تَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ". {وَإِذَآ أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} وقال {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فقوله {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} هو الجواب لأن "إِذا" معلقة بالكلام الأول بمنزلة الفاء.

{وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} وقال {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} فرد {مِّن قَبْلِهِ} على التوكيد نحو {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} .

سورة (لقمان)

المعاني الواردة في آيات سورة (لقمان) {هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ} [قال] {هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ} لأن قوله {الم [1] تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [2] معرفة فهذا خبر المعرفة. {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} وقال {أَنِ اشْكُرْ للَّهِ} وهي "بِأَنِ اشْكُرِ اللهَ". {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} وقال {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} أيْ في انقضاءِ عامين ولم يذكر الانقضاء كما قال {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} يعني أَهْلَ القرية. المعاني الواردة في آيات سورة (لقمان) {يابُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} وقال {إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} بلغت [159 ب] أي: "إِنْ تَكُنْ خَطِيئَةٌ مِثْقالَ حَبَّةٍ" ورفع بعضُهم فجعلها "كانَ" الذي لا يحتاج إلى خبر كأنه "بلغ مثقالُ حَبَّةٍ". وقال {إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} يقول "إِنْ تَكُنْ المَعْصيةُ مثقالَ حَبَّةٍ من خَرْدل". {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} وقال {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ} هنا ألف استفهام ادخلها على واو العطف.

{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وقال {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ} رفع على الابتداء ونصب على القطع. ورفع الاقلام على خبر "أَنَّ"*. المعاني الواردة في آيات سورة (لقمان) {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ} وقال {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} وقد تقول: "أَيُّ امْرَأَةٍ جاءَتْكَ" و"أَيَّةُ امْرَأَةٍ جاءَتْكَ".

سورة (السجدة)

المعاني الواردة في آيات سورة (السجدة) {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ} قال {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} بالياء يعني "ألم يُبَيِّن" وقال بعضهم {أَوَ لَمْ نَهْدِ} أي: أَوَ لَمْ نُبَيِّنْ لَهْم.

سورة (الأحزاب)

المعاني الواردة في آيات سورة (الأحزاب) {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} قال {مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} إِنَّما هُوَ "ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ" وجاءت {مِنْ} توكيدا كما تقول "رأيتُ زَيْداً نَفْسَهُ" فأدخل "مِنْ" توكيدا. {ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} وقال {ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ} لأنك تقول "هو يُدْعَى لفلان"*. {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ إِلَى أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً} وقال {إِلاَّ أَن تَفْعَلُواْ} في موضع نصب واستثناء خارج. المعاني الواردة في آيات سورة (الأحزاب) {إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاْ} وقال {الظُّنُونَاْ} [160 ء] والعرب تلحق الواو والياء والالف في آخر القوافي. فشبهوا رؤوس الاي بذلك. {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} وقال {وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} فرفعت ما بعد "إِذَاً" لمكان الواو وكذلك الفاء وقال {فإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ تَفسِيرا} وهي في بعض القراءة نصب اعملوها كما يعملونها بغير فاء ولا واو. {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ولكن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} وقال {ولكن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} اي: ولكنْ كانَ رسولَ اللهِ وخاتَم النبيين.

المعاني الواردة في آيات سورة (الأحزاب) {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً} وقال {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} فمعناه - والله أعلم - أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ أَزْواجاً. وأدخِلَت {مِنْ} للتوكيد. {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذالِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً} وقال {وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ} فعطفه على {غَيْر} فجعله نصبا او على ما بعد {غَيْر} فجله جرا. وقال {لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} نصب على الحال أي: إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ غَيْرَ نَاظِرينَ. ولا يكون [160 ب] جرا على الطعام الا أَنْ تقول "أَنْتُمْ" الا ترى انك لو قلت: "ائذَن" لعبد الله على امرأة مبغضا لها" لم يكن فيه الا النصب الا ان تقول "مبغض لها هو" لأنك اذا اجريت صفته عليها ولم تظهر الضمير الذي يدل على ان الصفة له لم يكن كلاما. لو قلت: "هذا رَجُلٌ مَعَ امْرَأةٍ ملازِمها" كان لحنا حتى تقول "مُلازِمُها" فترفع أو تقول "ملازِمِها هُوَ" فتجر. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} وقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} فصلاة الناس عليه دعاؤهم له، وصلاة الله عز وجل اشاعة الخير عنه. المعاني الواردة في آيات سورة (الأحزاب) {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً}

[وقال] {إِلاَّ قَلِيلاً} أيْ: "لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلاَّ قَلِيلاً" على المصدر.

سورة (سبأ)

المعاني الواردة في آيات سورة (سبأ) {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} قال {يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} فلم يعمل {يُنْبِئُكُمْ} لأن {أَنْكُمْ} موضع ابتداء لمكان اللام كما تقول: "أَشْهَدُ إِنَّكَ لَظَرِيفٌ". {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلاَلِ الْبَعِيدِ} وقال {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} فاللالف قطع لأنها الف الاستفهام وكذلك الف الوصل اذا دخلت عليها الف الاستفهام. {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} وقال {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} أي على: هذهِ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ. المعاني الواردة في آيات سورة (سبأ) {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ} وقال {إِلاَّ لِنَعْلَمَ} على البدل كأنه قال: ما كان ذلك الابتلاءُ إِلاَّ لِنَعْلَم". {وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} وقال {لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} لأن في المعنى لا يشفع الا لمن له أذن له*. وقال {قَالُواْ الْحَقَّ} ان شئت رفعت وان شئت نصبته.

{قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} وقال {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى} فليس هذا لأنه شك ولكن هذا في كلام العرب على انه هو المهتدي. وقد يقول الرجل لعبده "احَدُنَا ضَارِبٌ صاحِبَه" فلا يكون فيه اشكال على السامع ان المولى [161 ء] هو الضارب. المعاني الواردة في آيات سورة (سبأ) {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهذاالْقُرْآنِ وَلاَ بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} وقال {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} لأنك تقول "قَدْ رَجَعْتُ إِلَيْهِ القَوْلَ". {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الَعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلاَلَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُواْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وقال {بَلْ مَكْرُ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي: هذا مكرُ اللَّيْلِ والنهار. والليل والنهارُ لا يمكران بأحد ولكن يُمْكَرُ فيهما كقوله {مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} وهذا من سعة العربية. {وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَائِكَ لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} وقال {تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى} [و] . "زُلْفى" ها هنا اسم المصدر كأنه اراد: بالتي تُقَرِّبَكُمُ عندَنا إِزْلافا. المعاني الواردة في آيات سورة (سبأ) {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} وقال {مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ} أي: عُشْرَهُ. ولا يقولون هذا في سوى العَشْرُ.

سورة (فاطر)

المعاني الواردة في آيات سورة (فاطر) {الْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قال {أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} فلم يصرفه لأنه توهم به "الثَلاثَةَ" و"الأرْبَعَةَ". وهذا لا يستعمل الا في حال العدد. وقال في مكان آخر {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} وتقول "ادْخُلوا أُحادَ أُحادَ" كما تقول "ثُلاثَ ثُلاثَ" وقال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثاني والستون بعد المئة] : [161 ب] أحمَّ اللهُ ذَلِكَ من لِقاءِ * أُحادَ أُحَادَ في شَهْرٍ حلال {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وقال {مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} فأنث لذكر الرحمة {وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} فذكر لأن لفظ {ما} يذكّر. {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} وقال {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} لأنه خبر. وقال {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا} فكأنه قال و"إِنْ تَدْعُ إِنْساناً لا يحمل من ثِقَلِها شَيْئاً ولو كان الانسان ذا قربى.

المعاني الواردة في آيات سورة (فاطر) {وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ} وقال {وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ} فيشبه ان تكون {لا} زائدة لأنك لو قلت: "لا يَسْتَوِى عَمْرٌو ولا زَيْدٌ" في هذا المعنى لم يكن الا ان تكون {لا} زائدة. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} وقال {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ} و"الجُدَدُ" واحدتها "جُدَّةٌ" و"الجُدَدِ" هي الوان الطرائق التي فيها مثل "الغُدَّة" وجماعتها "الغُدَدُ" ولو كانت جماعة "الجَديدِ" لكانت "الجُدُد". وانما قرئت {مُخْتَلِفاً أَلْوَانُها} لأن كل صفة مقدمة فهي تجري على الذي قبلها اذا كانت من سببه فالثمرات في موضع نصب. وقال {وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا} فرفع "المُخْتَلِفُ" لأن الذي قبلها مرفوع. {وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} وقال {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً} لأن الحق معرفة. المعاني الواردة في آيات سورة (فاطر) {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} وقال {وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا} وقد قال {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} يقول: "لاَ يُخَفَّفُ عنهم من العذابِ الذي هو هكذا". {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} وقال {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ [وَلَئِن زَالَتَآ] إِنْ أَمْسَكَهُمَا}

فثنى وقد قال {السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} فهذه جماعة وأرى [162 ء]- والله أعلم - انه جعل السماوات صنفا كالواحد. {وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً} وقال {لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ} فجعلها إِحْدَى لأنها أمة. المعاني الواردة في آيات سورة (فاطر) {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} وقال {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ} فاضمر الأرض من غير أن يكون ذكرها لأن هذا الكلام قد كثر حتى عرف معناه تقول: "أُخْبِرُكَ ما على ظَهْرِهَا أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ منِْكَ وما بِهَا أحَدٌ آثَرُ عِنْدِي مِنْكَ".

سورة (يس)

المعاني الواردة في آيات سورة (يس) {يس} قال {يس} يقال معناها يا انسان كأنه يعني النبي صلى الله عليه فلذلك قال {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [3] لأنه يعني النبي صلى الله عليه وسلم. {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} وقال {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} أي: قوم لم ينذر آباؤهم لأنهم كانوا في الفترة. وقال بعضهم {مَّا أُنْذرهُ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} فدخول الفاء في هذا المعنى كأنه لا يجوز - والله أعلم - وهو على الأول احسن. {قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَإِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} وقال {طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَإِن ذُكِّرْتُم} أي: إِنْ ذُكِّرْتُمْ فَمَعَكُمْ طائِرُكُم. المعاني الواردة في آيات سورة (يس) {لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ الْلَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقال {لاَ الشَّمْسُ} فادخل "لا" لمعنى النفي ولكن لا ينصب ما [162 ب] بعدها ان تكون نكرة [فهذا] مثل قوله {وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ} .

{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} قولِهِ {وَلَهُمْ فيها مَّا يَدَّعُونَ} . {سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} وقال {سَلاَمٌ قَوْلاً} فانتصب {قَوْلاً} على البدل من اللفظ بالفعل كأنه قال "أَقُولُ قَوْلاً" وقرأه ابن مسعود {سَلاَماً} وعيسى وابن ابي اسحاق كذلك نصبوها على خبر المعرفة [على] . المعاني الواردة في آيات سورة (يس) {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} وقال {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} أي: "منها ما يركبون" لأنك تقول: "هذهِ دابَّةٌ رَكُوبٌ". و"الرُكوبُ": هو فعلهم.

سورة (الصافات)

المعاني الواردة في آيات سورة (الصافات) {رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} قال {رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} على "أَنَّ ألَهَكُمْ رَبُّ" ونصب بعضهم {رَبَّ السَّماَواَتِ} {وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} فجعله صفة للاسم الذي وقعت عليه "إِنَّ" والأول أجود لأن الأول في هذ المعنى وهو متناول بعيد في التفسير. {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} وقال {زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} فجعل {الكواكب} بدلا من "الزينة" وبعضهم يقول {بِزينةِ الكواكبِ} وليس يعني بعضها ولكن زينتها حسنها. {وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} وقال {وَحِفْظاً} لأنه بدل من اللفظ بالفعل كانه قال: "وَحَفَظْناَهَا حِفْظاً".

المعاني الواردة في آيات سورة (الصافات) {يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} وقال {لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} وثقل بعضهم وليس للتثقيل معنى انما معنى التثقيل "المُتَصَدِّقِين" وليس هذا بذاك المعنى. انما معنى هذا من"التَّصْديق" [و] ليس** من "التَصَدُّقِ" [و] انما تضعّف هذه ويخفف ما سواها [163 ء] "والصَّدَقَةُ" تضعّف صادها وتلك غير هذه. انما سئل رجل من صاحبه فحكى عن قرينه في الدنيا فقال: {كَانَ لِي قَرِينٌ} [51] يقول: {أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} انا لنبعث بعد الموت. أي: اتؤمن بهذا؟ أي: تصدق بهذا. {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} وقال {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} كما تقول: "أكبَّهُ* لوجهه" و"أَكْبَبْتُهُ لِوَجْهِه" لأنه في المعنى شبه "أَقْصَيْتهُ". {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} وقال {مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} يقول: كانوا كذاك عندكم.

سورة (ص)

المعاني الواردة في آيات سورة (ص) {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} قال {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} فيزعمون ان موضع القسم في قوله {إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرٌّسُلَ} [14] . {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} وقال {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} فشبهو {لاتَ} بـ {ليسَ} واضمروا فيها اسم الفاعل ولا تكون {لاتَ} إِلاَّ مع "حِين" ورفع بعضهم {وَلاتَ حينُ مناصٍ} فجعله في قوله مثل {ليسَ} كأنه قال " ليسَ أَحَدٌ" واضمر الخبر. وفي الشعر: [من الخفيف وهو الشاهد الرابع والستون بعد المئتين] : طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلاَتَ أَوَانٍ * فَأجَبْنَا أَنْ لَيْسَ حينُ بقاءِ فجرّ "أَوانٍ" وحذف وأمضر "الحين" واضاف الى "أَوانٍ" لأنَّ {لاتَ} لا تكون الا مع "الحين".

{أَجَعَلَ الآلِهَةَ الهاً وَاحِداً إِنَّ هذالَشَيْءٌ عُجَابٌ} وقال {أَجَعَلَ الآلِهَةَ الهاً وَاحِداً} كما تقول: "اَتَجْعَلُ مِئةَ شاهدٍ شاهداً واحداً". المعاني الواردة في آيات سورة (ص) {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} [و] قال {فَطَفِقَ مَسْحاً} [163 ب] أيْ: يَمْسَحُ مَسْحاً. {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ} وقال {رُخَآءً} فانتصاب {رُخاءً} - والله أعلم - على "رَخَّيْناهَا رُخَاءً".

سورة (الزمر)

المعاني الواردة في آيات سورة (الزمر) {وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} قال {وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ} أيْ: وبذلك أمرت. {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُواْ إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} وقال {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُواْ الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا} لأَنَّ {الطاغوتَ} في معنى جماعة. وقال {أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} وإِنْ شئتَ جعلته واحداً مؤنّثاً. {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ} وقال {أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن} أَي: أفأَنْتَ تُنْقِذُهُ واسْتَغْنَى بقوله {تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ} عن هذا. المعاني الواردة في آيات سورة (الزمر) {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَائِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} وقال {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} فجعل قوله {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} مكان الخبر.

{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} وقال {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ} فهذا لم يظهر له خبر في اللفظة ولكنه في المعنى - والله أعلم - كأنه "أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ أَفْضَلُ أمْ مَنْ لا يَتَّقِي". {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} وقال {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} لأن قوله {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هذاالْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ} [27] معرفة فانتصب خبره. المعاني الواردة في آيات سورة (الزمر) {وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} وقال {وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ} ثم قال {أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} فجعل "الذي" في معنى جماعة بمنزلة {مَنْ} . {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} وقال {وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} فرفع على الابتداء. ونصب بعضهم فجعلها على البدل. وكذلك

{وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ} جعله بدلاً من {الخبيث} [164 ء] ومنهم من قال {بَعْضُه على بَعْض} فرفع على الابتداء. أو شغل الفعل بالأول. وقال بعضهم {مُسْوادَّةٌ} وهي لغة لأهل الحجاز يقولون: "اِسْوادَّ وجهُهُ" و"اِحْمارَّ" يجعلونه "اِفْعَالَّ" كما تقول للاشهب "قدِ اشْهَابَّ" [وللازرق] "قدِ ازْرَاقَّ". وقال بعضهم لا يكون "اِفْعَالَّ" في ذي اللون الواحد، [و] إِنَّما يكون في نحو الاشهب ولا يكون في نحو الاحمر وهما لغتان. {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} وقال {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} يريد "أَفَغَيْرَ اللهِ أَعْبُدُ تَأْمُرُونَنِي" كأنه اراد الالغاء - والله أعلم - كما تقول "هَلْ ذَهَب فُلانٌ. تَدْرِي" جعله على معنى "ما تدري". المعاني الواردة في آيات سورة (الزمر) {وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقال {وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} . {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقال {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} يقول: "فِي قُدْرته" نحو قوله {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي: وما كانت لكم عليه قدرة، وليس الملك لليمين دون الشمال وسائر البدن. وأما قوله {قَبْضَتُهُ} [فـ] نحو قولك للرجل: "هذا في يدك وفي قبضتك". {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى الّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} وقال {حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} فيقال ان قوله {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} في معنى {قالَ لَهُمْ} كأنه يلقي الواو. وقد جاء في الشعر شيء يشبه ان تكون الواو زائدة فيه. قال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد الخامس بعد المئة] : فإذَا وذلِكَ يا كُبَيْشَةُ لَمْ يَكُنْ * إِلاَّ كَلَمَّةِ حَالِمٍ بِخَيالِ [164 ب] فيَُشْبِهُ أَنْ يكونَ يريدُ "فإِذَا ذلك َ لَمْ يكُنْ". وقال بعضهم: "أضمر الخبر" وإِضمار الخبر احسن في الآية ايضاً وهو في الكلام. المعاني الواردة في آيات سورة (الزمر) {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقال {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}

فـ {مِنْ} أدخلت ها هنا توكيدا - والله أعلم - نحو قولك "مَا جَاءَنِي منِْ أَحَدٍ". وثُقِّلَتْ "الحافْينَ" لأنها من "حَفَفْتُ".

سورة (غافر)

المعاني الواردة في آيات سورة (غافر) {حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ اله إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} قال {حم} {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} فهذا على البدل لأن هذه الصفة. وأما {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} فقد يكون معرفة لأنك تقول: هذا ضاربُ زيدٍ مُقْبِلاً "اذا لم ترد به التنوين. ثم قال {ذِي الطَّوْلِ} فيكون على البدل وعلى الصفة ويجوز فيه الرفع على الابتداء والنصب على خبر المعرفة الا في {ذِي الطَّوْلِ} فانه لا يكون فيه النصب على خبر المعرفة لأنه معرفة. و"التَوْبُ" هو جماعة التَوْبَةِ ويقال "عَوْمَةٌ" و"عَوْمٌ" في "عَوْمِ السَّفِينَةِ" وقال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الخامس والستون بعد المئتين] : [165 ء] عَوْم السَّفِينِ فَلَمَّا حالَ دُونَهُمُ * فَيْدُ القُرَيَّاتِ فالفِتْكَانُ فالكَرَمُ {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} قال {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ} فجمع على "الكُلَّ" لأن "الكُلَّ" مذكر معناه معنى الجماعة.

{وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} وقال {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} أي: لأَِنَّهُم أَوْ بِأَنَّهم وليس {أَنَّهُمْ} في موضع مفعول. ليس مثل قولك "أَأَحَقَّت أنهم" لو كان كذلك كان أَحَقَّتْ أَنَّهُمْ*. المعاني الواردة في آيات سورة (غافر) {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} وقال {وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً} فانتصابه كانتصاب "لَكَ مِثْلُه عَبْداً" لأنك قد جعلت "وسعت" لـ"كلّ شَيْءٍ" وهو مفعول به والفاعل التاء وجئت بـ"الرَّحْمَةِ" و"العِلْم" تفسيرا قد شغل عنها الفعل كما شغل "المِثْلُ" بالهاء فلذلك نصبته تشبيها بالمفعول بعد الفاعل. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} وقال {يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ} فهذه اللام هي لام الابتداء كأنه "يُنَادَوْنَ" فيقال لهم لأَنَّ النِداءَ قول. ومثله في الاعراب: يقال: "لَزَيْدٌ أَفضْلُ مِِنْ عَمْرٍو". {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاَقِ} وقال {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} رفيع [رَفْعٌ] على الابتداء. والنصبُ جائز لو كان في الكلام على المدح. المعاني الواردة في آيات سورة (غافر) {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} وقال {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} فاضاف المعنى فلذلك لا ينون اليوم كما قال {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} , وقال {هذايَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ}

معناه هذا يوم فتنتهم. ولكن لما ابتدأ الاسم [165 ب] وبقي عليه لم يقدر على جرّه وكانت الاضافة في المعنى الى الفتنة. وهذا انما يكون اذا كان "اليَوْم" في معنى "إِذْ" والا فهو قبيح. الا ترى انك تقول "لَقِيتُكَ زَمَنَ زَيْدٌ أَمِيرٌ" أيْ: إِذْ زَيْدٌ اَمِيرْ. ولو قلت "أَلْقَاكَ زَمَنَ زيدٌٍ أَميرْ" لَمْ يحسن. وقال {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فهذا على ضمير "يَقُولُ". {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} وقال {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} فانتصاب {كَاظِمِينَ} على الحال كأنه أَرَادَ "القلوبُ لدىَ الحَنَاجِرِ في هذه الحالِ". {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} وقال {عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} فمن نون جعل "المتكبّر الجبارَ" من صفته ومن لم ينون أضاف "القلبَ" الى المتكبر.

المعاني الواردة في آيات سورة (غافر) {وَقَالَ فَرْعَوْنُ ياهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ} وقال {ياهَامَانُ ابْنِ لِي} بعضُهم يضم النون* كأنه اتبعها ضمة النون التي في {هامان} كما قالوا "مِنْتِنٌ" فكسروا الميم للكسرة التي في التاء وبينها حرف ساكن فلم يحل. وكذلك لم يحل الباء في قوله {ابنِ لي} . {فَوقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} وقال {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} {النَّارِ} [47] فان شئت جعلت {النُارِ} بدلا من {سوءُ العذاب} ورفعتها على {حاقَ} وان شئت جعلتها تفسيرا ورفعتها على الابتداء [166 ء] كأنك تقول: "هي النار" وان شئت جررت على ان تجعل {النار} بدلا من {العذاب} كأنك اردت: "سوءُ النارِ". {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} وقال {غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} وفيه ضمير "يقال لهم ادْخُلُوا يا آلَ فِرْعَوْنَ" وقال بعضهم

{أَدْخِلُوا} فقطع وجعله من "أَدْخَلَ يُدْخِلُ". وقال {غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} فانما هو مصدر كما تقول: "آتِيهِ ظَلاماً" تجعله ظرفا وهو مصدر جعل ظرفا ولو قلت "مَوْعِدُكَ غَدْرَةٌ" أو "مَوْعِدُكَ ظلامٌ" فرفعته كما تقول: "مَوْعِدكَ يومُ الجمعة" لم يحسن لأن هذه المصادر وما اشبهها من نحو "سَحَر" لا تجعل الا ظرفا والظرف كله ليس بمتمكن. وقال {أَدْخِلُواْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} وقال {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} فيجوز أَنْ يكون آل فرعون أُدْخِلُوا مع المنافقين في الدَّرَكِ الأَسْفَلِ وهو أشد العذاب. وأَمَّا قولُه {فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ} فقوله: لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً من عالَمِ أَهْلِ زَمانِهِ. المعاني الواردة في آيات سورة (غافر) {وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ} وقال {كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً} لأن "التَبَعَ" يكون واحداً وجماعَةً ويجمع فيقال "أَتْباع". {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} وقال {إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ} فجعل {كُلٌّ} اسماً مبتدأً كما تقول: "إِنَّا كُلُّنا فيها". {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} وقال {وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} و {تَقُومُ} كلٌّ جائز وكذلك كل جماعة مذكّر أَو مؤنّث من الانس فالتذكير والتأنيث في فعله جائز. المعاني الواردة في آيات سورة (غافر) {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} وقال {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} يريد "في الإِبْكارِ" وقد تقول "بالدارِ زَيْدٌ" تريد "زَيْدٌ في الدَّارِ".

{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} وقال {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فقوله {أَسْتَجِبْ} إِنَّما هو "أَفْعَلُ" هذه الألف سوى الف الوصل. أَلاَ تَرَى أَنَّك تقول: "بِعْتَ" "تَبِيعُ" ثم تقول "أَبيعُ" [166 ب] فتجيءُ فيها ألف لـ "أَفْعَلُ" فهي نظير الياء والتاء في "يَفْعَلُ" و"تَفْعَلُ"* تقطع كل شيء كان على "أَفْعَلُ" في وصل كان أو قطع. {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} وقال {لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا} كأنه أضمر "شَيْئاً".

سورة (فصلت)

المعاني الواردة في آيات سورة (فصلت) {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} قال {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} فالكتاب خبر المبتدأ أخبر [به] أن التنزيل كتاب ثم قال {فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} شغل الفعل بالآيات حتى صارت بمنزلة الفاعل فنصب القرآن. {بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} وقوله {بَشِيراً وَنَذِيراً} حين شغل عنه. وان شئت جعلته نصبا على المدح كأنه حين أقبل على مدحه فقال "ذَكَرْنَا قُرْآناً عَرَبِيّاً بَشِيراً وَنَذِيراً" أَوْ "ذَكَرْنَاهُ قُرآناً عَرَبِيّاً" وكان فيما مضى من ذكره دليل على ما أضمر [167 ء] وقال {وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} معناه - والله أعْلَمُ - "وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ حِجَابٌ" ولكن دخلت "مِنْ" للتوكيد.

{قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وأما قوله {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} ثم قال {أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} [10] فانما يعني ان هذا مع الأول اربعة ايام كما تقول "تَزَوَّجْتُ أَمْسِ امرأةً، واليومَ ثِنْتَيْنِ" واحداهما التي تزوجتها امس. قال {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} يقول: "بِخَيْرٍ". المعاني الواردة في آيات سورة (فصلت) {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ} وَأَمَّا من نَصَبَ {سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ} فجعله مصدرا كأنه قال "اِسْتِواءً" وقد قرىء بالجرّ وجعل اسما للمستويات أي: في أَرْبَعَةِ أَيّامٍ تامَّةٍ. {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} وقال {وَزَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً} كأنه قال "وَحَفِظْنَاهَا حِفْظاً" لأنه حين قال: "زَيَنّاهَا بِمَصَابِيحَ" قد أخبر أنه نظر في امرها وتعاهدها فذا يدل على الحِفْظِ كأنه قال: "وَحَفِظْنَاهاً حِفْظاً".

{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ} وقال {فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} وهي لغة من قال "نَحْس" و {نَحِسات} لغة من قال "نَحِس". المعاني الواردة في آيات سورة (فصلت) {وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وقال {قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} فجاء اللفظ بهم مثل اللفظ في الانس لما خبّر عنهم بالنطق والفعل كما قال {ياأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ} لما عقلن وتكلمن صرن بمنزلة الانس في لفظهم. وقال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الخامس والثلاثون بعد المئتين] : [167 ب] فَصَبَّحَتْ وَالطَّيْرَ لَمْ تَكَلَّمِ * جَابِيَةً طُمَّتْ بِسَيْلٍ مُفْعَمِ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهذاالْقُرْآنِ وَالْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} وقال {لاَ تَسْمَعُواْ لِهذاالْقُرْآنِ وَالْغَوْاْ فِيهِ} أي: لا تطيعوه. كما تقول "سَمِعْتُ لكَ" وهو - والله اعلم - على وجه "لا تَسْمَعُوا القرآنَ". وقال {وَالْغَوْاْ فِيهِ} لأنها من "لَغَوْتُ" "يَلْغَا" مثل "مَحَوْتُ" "يَمْحا" وقال بعضهم {وَالْغُوا فِيهِ} وقال "لَغَوْتَ" "تَلْغُو" مثل

"مَحَوْتَ" "تَمْحُو" وبعض العرب يقول: "لَغِيَ" "يَلْغَى" وهي قبيحة قليلة ولكن "لَغِيَ بِكَذَا وكَذا" أي: أُغْرِيَ بهِ فهو يقوله ونَصْنَعُه. {ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} وقال {ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ اللَّهِ النَّارُ} رفع على الابتداء كأنه تفسيرا للجزاء. المعاني الواردة في آيات سورة (فصلت) {إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} وقال {أَلاَّ تَخَافُواْ} يقول: بأن لا تخافوا. {نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} [وقال] {نُزُلاً} لأَنه شغل {لَكُمْ} بـ {مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ} [31] حتى صارت بمنزلة الفاعل وهو معرفة وقوله {نُزُلاً} ينتصب على "نَزَّلْنَا نُزُلا" نحو قوله {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} .

{وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وقال {وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ} وقد يجوزُ، لأنك تقول: "لا يَسْتَوِي عبدُ اللهِ وَلاَ زَيْدٌ" اذا أردت: لا يَسْتَوِي عبدُ اللهِ وَزَيْدٌ" لأنهما جميعاً لا يستويان. وان شئت قلت ان الثانية زائدة تريد: لا يَسْتَوِي عبدُ اللهِ وَزَيْدٌ. فزيدت [لا] توكيدا كما قال {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} أي: لأن يعلم. وكما قال {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} . [168 ء] . المعاني الواردة في آيات سورة (فصلت) {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} وقال {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ} فزعم بعض المفسرين ان خبره {أُوْلَائِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [44] وقد يجوز ان يكون على الاخبار التي في القرآن يستغنى بها كما استغنت اشياء عن الخبر اذ طال الكلام وعرف المعنى نحو قوله {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} وما أشبهه. وحدثني شيخ من أهل العلم قال: "سمعت عيسى بن عمر يسأل عمرو بن عبيد": {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ} اين خبره؟ " فقال عمرو: "معناه في التفسير {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ} كفروا به {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} " فقال عيسى: "جَاءَ يا أَبا عثمان".

{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَائِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} وقال {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} يقول: {هَلاَّ فُصِّلَتْ آياتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ} يعني القرآن {وَعَرَبِيٌّ} يعني النبي صلى الله عليه وسلم وقد قرئت [من] غير استفهام وكلٌّ جائز في معنى واحد. {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} وقال {وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} أي: فاستيقنوا، لأن {ما} ها هنا حرف وليس باسم والفعل لا يعمل في مثل هذا فلذلك جعل الفعل ملغى.

سورة (الشورى)

المعاني الواردة في آيات سورة (الشورى) {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} قال {أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَلاَ [تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ] } على التفسير كأنه قال "هو أنْ أَقِيمُوا الدين [168 ب] على البدل. {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} وقال {وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} أي: أُمِرْتُ كَيْ أَعدل. {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ} وقال {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} استثناء خارج. يريد - والله أعلم - إلاَّ أَنْ أذكر مودة قرابتي. وأما {يُبَشِّرُ} فتقول "بَشَّرْتُه" و"أبشَرْتُه" [و] قال بعضهم "أَبْشُرُهُ" خفيفة فذا من "بَشَرْتُ" وهو في الشعر. قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد السادس والستون بعد المئتين] :

وَقَدْ أَرُوحُ إِلَى الحانوتِ أَبْشُرُهُ * بالرَّحْلِ فَوْقَ ذُرَى العَيْرانَةِ الأُجُد قال أبو الحسن: "انشدني يونس هذا البيت هكذا وجعل {الَّذِي يُبَشِّرُ} اسما للفعل كأنه "التَبْشِير" كما قال {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} أي: اصدع بالأمر. ولا يكون ان تضمر فيها الباء وتحذفها لأنك لا تقول "كَلِّمْ الذِي مَرَرْتُ" وانت تريد "بِهِ". المعاني الواردة في آيات سورة (الشورى) {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} وقوله {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُواْ} أي: استجاب. فجعلهم هم الفاعلين. {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وقال {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} اما اللام التي في {وَلَمَن صَبَرَ} فلام الابتداء واما ذلك فمعناه - والله أعلم - ان ذلك منه لمن عزم الأمور. وقد تقول: "مَرَرْتُ بدارٍ الذراعُ بِدِرْهَمٍ" أي. الذراع مِنْهَا بِدِرْهَمٍ" و: "مررت بِبُرٍّ قفيزٌ بدرهم" أي: "قَفيزٌ منه" واما ابتداء "إن" في هذا الموضوع فكمثل {قُلْ إِنَّ

الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ} يجوز ابتداء مثل هذا اذا طال الكلام في مثل هذا الموضع. [169 ء] {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} وقال {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} جعل "الطَرْفَ" العين كأنه قال "ونظرهم من عين ضعيفة" - والله أعلم - وقال يونس: "ان {مِن طَرْفٍ} مثل: "بِطَرْفٍ" كما تقول العرب: "ضربتُه في السَّيْف" و"بِالسَّيْفِ". المعاني الواردة في آيات سورة (الشورى) {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} وقال {أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} لأن الله تبارك وتعالى يتولى الأشياء دون خلقه يوم القيامة وهو في الدنيا قد جعل بعض الأمور اليهم من الفقهاء والسلطان واشباه ذلك.

سورة (الزخرف)

المعاني الواردة في آيات سورة (الزخرف) {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ} قال {أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ} يقول: "لأَِنْ كُنْتُمْ". {لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هذاوَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} وقال {لِتَسْتَوُواْ عَلَى ظُهُورِهِ} فتذكيره يجوز على {مَا تَرْكَبُونَ} [12] و {ما} هو مذكر كما تقول: "عندي من النساء ما يوافقك ويسرك" وقد تذكْر "الانعام" وتؤنّث وقد قال في موضع {مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} وقال في موضع آخر {بُطُونِها} . {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ} وقال {إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ} تقول العرب "أَنَا بَراءٌ منك". المعاني الواردة في آيات سورة (الزخرف) {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَانِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} وقال {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} ومثله قول العرب "مَفاتِح" و"مَفَاتِيح" و"مَعَاطٍ" في "المِعطاءِ"* و"أَثَافٍ" من "الأُثِفِيَّةِ" وواحد "المعَارِج" "المِعْراج" ولو شئت قلت في جمعه "المعارِيج".

{وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} وقال {وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} خفيفة منصوبة اللام وقال بعضهم {لمّا} فثقّل ونصب اللام وضعف الميم وزعم انها في التفسير الأول "إلاّ" وانها من كلام [169 ب] العرب. {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} وقال {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَانِ} وهو ليس من "أَعْشى" و"عَشْو" انما هو في معنى قول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السابع والستون بعند المئتين] : * إلَى مالِكٍ أَعْشو الى مِثْلِ مالِكِ * كأن "أَعْشُو": أَضْعُفُ. لأنه حين قال "اعشو الى مثل مالك" كان "العَشْوُ": الضعفَ لأَنه حين قال: "اعشو" الى مثل مالك" أخبر انه يأتيه غير بصير ولا قوي. كما قال: [من الطويل وهو الشاهد الثامن والستون بعد المئتين] : مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نارِهِ * تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً وَنَاراً تَأَجَّجَا

أَي: متى ما تفتقر فتقصد الى ضوء ناره يغنك. المعاني الواردة في آيات سورة (الزخرف) {فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} وقال {فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ} لأنه جمع "أساور"* و"أسْوِرَة" وقال بعضهم {أَساورة} فجعله جمعا للاسورة فاراد: "أَسَاوِير" - والله أعلم - فجعل الهاء عوضا من الياء كما قال "زَنَادِقَة" فجعل الهاء عوضا من الياء التي في "زَنَادِيق". {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} وقال {يَصُدُّونَ} و {يَصِدُّون} كما قال {يَحْشُرُ} و {يَحْشِرُ} .

سورة (الدخان)

المعاني الواردة في آيات سورة (الدخان) {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قال {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} {أَمْراً} وقال {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} وانتصابه على "إنَّا أَنْزَلْنَاهُ أَمْراً وَرَحْمَةً" في الحال. {إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} وقال {إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ} فجعله بدلا من الاسم المضمر في {يُنصَرُونَ} [41] وان شئت جعلته مبتدأ. واضمرت [170 ء] خبره تريد "إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ فَيُغْنِي عَنْه". {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} وقال {وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} يقول - والله أعلم - "جَعَلْنَاهُم أَزْواَجاً بالحور" ومن العرب من يقول "عين حير".

سورة (الجاثية)

المعاني الواردة في آيات سورة (الجاثية) {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وقال {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً} ثم قال {مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً} فجمع لأنه قد قال {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [7] فهو في معنى جماعة مثل الأشياء التي تجيء في لفظ واحد ومعناها معنى [170 ب] جماعة وقد جعل {الذي} بمنزلة {من} وقال {وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} فـ"الذي" في لفظ واحد. ثم قال {أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} . {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} وقال {سَوَآءٌ مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} رفع. وقال بعضهم: إنَّ المَحْيَا والمَماتَ للكفار كأنه قال: أَمْ حَسِبَ الذينَ اجْتَرحوا السيئات أَن تَجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات" ثم قال "سواءٌ محيا الكفارِ ومماتُهُم" اي محياهم محيا سَوْء ومماتهم ممات سَوْء فرفع "السواء" على الابتداء. ومن فسر "المحيا" و"الممات" للكفار والمؤمنين فقد يجوز في هذا المعنى نصب السواء ورفعه لأن من جعل السواء مستويا فينبغي له ان يرفعه لأنه الاسم الا ان ينصب المحيا والممات على البدل ونصب السواء على الاستواء. وان شاء رفع السواء اذا كان في معنى مستوي لأنها صفة لا تصرف كما تقول "رأيتْ رَجُلاً خيراً منهُ أَبُوهُ" والرفع أجود.

{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} [و] قال {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} أَي: فَيُقَالُ لَهُم: "أَلَمْ تَكُن آياتِي تُتْلَى عَلَيْكُم" ودخلت الفاء لمكان "أما". المعاني الواردة في آيات سورة (الجاثية) {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} وقال {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً} مَا نَظُنُّ إِلاّ ظَنّاً.

سورة (الأحقاف)

المعاني الواردة في آيات سورة (الأحقاف) {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} قال {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُلِ} والبِدْع: البديع وهو: الأَوَّلُ. {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهذاكِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} وقال {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً} نصب لأنه خبر معرفة. وقال {وَهذاكِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً} فنصب اللسان والعربي لأنه ليس من صفة الكتاب فانتصب على الحال او على فعل مضمر كأنه قال: "أعْنِي لِسانا عربيّاً" وقال بعضُهم: إِن انتصابه على "مُصَدِّق" جعل الكتاب مصدِّقَ اللسان. {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وأما قوله {وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} فهو بالباء كالباء في قوله {كَفَى بِاللَّهِ} وهي مثل {تَنبُتُ بِالدُّهْنِ} [171 ء] . المعاني الواردة في آيات سورة (الأحقاف) {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} وقال {لَمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ} يقول: ذاك بلاغٌ. وقال بعضهم: "إِنَّ البَلاَغَ هُوَ القُرآنُ" وانما يوعظ بالقرآن. ثم قال {بَلاَغٌ} أي: هو بلاغ.

سورة (محمد)

المعاني الواردة في آيات سورة (محمد) {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} قال {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} يقول: فانى لهم ذكراهم اذا جاءتهم الساعة. {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ} وقال {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ} فان الأول للمجازاة وأَوقَعت {عَسَيْتُمْ} على {أَن تُفْسِدُواْ} لأنه اسم، ولا يكون ان تعمل فيه {عَسَيْتُمْ} ولا "عَسَيْتُ" إِلاّ وفيه "أنْ" لا تقول "عَسَيْتُم الفِعْلَ" كما ان قولك "لو ان زيدا جاء كان خيرا له" فقولك "أَنَّ زَيْداً جاءَ" اسم وانت لا تقول "لوذاك" لأنه ليس كل الأسماء تقع في كل موضع. وليس كل الأفعال يقع على كل الأسماء. الا ترى انهم يقولون "يَدَعُ" ولا يقولون "وَدَعَ" [ويقولون "يَذَرُ"] ولا يقولون: "وَذَر". {فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُواْ إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} وقال {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أي: في أعمالكم كما تقول: "دَخَلْتُ البيتَ" وانت تريد "في البيت". المعاني الواردة في آيات سورة (محمد) {هَا أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم} وقال {هَا أَنتُمْ هؤلاء} فجعل التنبيه في موضعين للتوكيد وكان التنبيه الذي في "هَؤُلاَءِ" تنبيها لازما.

سورة (الفتح)

المعاني الواردة في آيات سورة (الفتح) {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} قال {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً} على "وصدوا" {الهَدْيَ مَعْكُوفاً} كراهية {أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} . وقال {أَن تَطَئُوهُمْ} على البدل "لولا رجال أن تطؤوهم". {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} وقال {أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ} يريد "أَفْعَلَه" من "الإِزارَة". المعاني الواردة في آيات سورة (الحجرات) {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} قال {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} أي: مخافة أَنْ تَحْبِطَ أَعْمالُكُم. وقد يقال: "اسْمُكِ الحائِطَ أَنْ يَمِيلَ". {ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} وقال {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ} فكسر لأنه ابتداء ولم يحمله على {لِتَعَارَفُواْ} .

سورة (ق)

المعاني الواردة في آيات سورة (ق) {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} قال {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} قسم على {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ} [4] . {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} وقال {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ} لم يذكر "انه رجع" وذلك - والله أعلم - لأنه كان على جواب كأنه قيل لهم: إِنَّكُمْ تَرْجِعُونَ. فقالوا "أَإِذَا كُنَّا تُراباً ذلك َ رَجْعٌ بعيد". {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} وقال {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} لأنك تقول: لَبَسْتُ عليه لَبْساً. المعاني الواردة في آيات سورة (ق) {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} وقال {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} يقول: أَمْلَكُ بِهِ وأَقْرَبُ إِلَيْهِ في المقدرة عليه. {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} وقال {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} ولم يقل "عَنِ اليَمِينِ قَعيدٌ وعَنِ الشِّمالِ قَعِيد". ذكر احدهما

واستغنى كما قال {يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} فاستغنى بالواحد عن الجمع كما قال {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً} .

سورة (الذاريات)

المعاني الواردة في آيات سورة (الذاريات) {وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} قال {وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} واحدها "الحِباك". {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} وقال {أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [172 ء] {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} أي: مَتَى يَوْمُ الدِّينِ. فقيل لهم: في يومِ هُمْ على النارِ يُفْتَنون. لأنّ ذلك اليوم يوم طويل فيه الحساب وفيه فتنتُهم على النار. {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} وقال {ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} أي: سَجْلاً* من العذاب.

سورة (الطور)

المعاني الواردة في آيات سورة (الطور) {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً * فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} قال {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْراً} {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً} {فَوَيْلٌ} دخلت الفاء لأنه في معنى: اذا كان كذا وكذا فأشبه المجازاة، لأن المجازاة يكون خبرها بالفاء. {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} وقال {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} لأنك تقول: "تَرَبَّصْتُ زَيْداً" أيْ: تربصت به.

سورة (النجم)

المعاني الواردة في آيات سورة (النجم) {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} قال {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} جماعة "القُوَّةِ" وبعض العرب يقول "حُبْوَة" و"حِبَى" فينبغي أن يقول "القِوى" في ذا القياس. ويقول بعض العرب "رِشْوَة" و"رُشا" ويقول بعضهم "رُشْوة" و"رِشا"** وبعض العرب يقول "صُوَرٌ" و"صِوَرٌ" والجيدة "صُوَر" {صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} و {صِوَرَكُمْ} تقرأ. {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} وقال بضعهم {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} فاذا سكت قلت "اللاَّة" وكذلك "مَنَاةَ" تقول "مَنَاهْ" وقال بعضهم {اللاَّتَ} جعله [172 ب] من "اللاتِّ": الذي يَلُتّ. ولغة للعرب يسكتون على ما فيه الهاء بالتاء يقولون "رأيتُ طَلْحَتْ".

وكلُّ شيء في القرآن مكتوب بالتاء فانما تقف عليه بالتاء نحو {نِعْمَةَ رَبِّكُمْ} و {شَجَرَةَ الزَّقُّومِ} . {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وقال {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فقوله {أَنْ لاَ تِزَرُ} بدل من قوله {بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} [36] أي: بِأَنْ لا تَزِرُ.

سورة (القمر)

المعاني الواردة في آيات سورة (القمر) {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} قال {خُشَّعاً} نصب على الحال، اي يخرجون من الاجداث خشعا. وقرأ بعضهم {خاشِعا} لأنها صفة مقدمة فأجراها مجرى الفعل نظيرها {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} . {إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} وقال {فِي يَوْمِ نَحْسٍ} و {يَوْمِ نَحْسٍ} على الصفة. {فَقَالُواْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} وقال {أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ} فنصب البشر لما وقع عليه حرف الاستفهام وقد اسقط الفعل على شيء من سببه.

المعاني الواردة في آيات سورة (القمر) {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} وقال {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فجعل للجماعة دبرا واحدا في اللفظ. وقال {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} وقال {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} . {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وقال {ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} فجعل المس يذاق في جواز الكلام ويقال: "كيفَ وَجَدْتَ طعمَ الضَرْبِ"؟ وهذا مجاز. واما نصب {كلّ} ففي لغة من قال "عبدَ اللهِ ضَرَبْتُه" وهو في كلام العرب كثير. وقد رفعت "كلُّ" في لغة من رفع ورفعت على وجه آخر. [173ء] قال {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ} فجعل {خَلَقْنَاهُ} من صفة الشيء. {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ} وقال {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ} فجعل الخبر واحدا على الكل.

سورة (الرحمن)

المعاني الواردة في آيات سورة (الرحمن) {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} قال {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} أي: بِحساب. وأضمر الخبر. اظن - والله أعلم - انه اراد يَجْرِيانِ بِحِساب. {فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ} وقال {ذَاتُ الأَكْمَامِ} وواحدها "الكِمُّ". {ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ} وقال {ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ} وواحدها: "الفَنَنُ". المعاني الواردة في آيات سورة (الرحمن) {مُدْهَآمَّتَانِ} وقال {مُدْهَآمَّتَانِ} كما تقول "اِزْوَرَّ" و"اِزْوارَّ".

سورة (الواقعة)

المعاني الواردة في آيات سورة (الواقعة) {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} قال {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} فقوله {مَآ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} هو الخبر. وتقول العرب: "زيدٌ وَمَا زيدٌ" تريد "زيد شَديدٌ". {مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} وقال {مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} على المدح نصبه على الحال يقول: "لَهُمْ هَذَا مُتَّكِئِينَ". {إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً} وقال {إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً} ان شئت نصبت السلام بالقيل وان شئت جعلت السلام [173 ب] عطفا على القيل كأنه تفسير له وان شئت جعلت الفعل يعمل في السلام تريد "لا تسمع إِلاّ قيلاً الخير" تريد: إِلاّ أَنَّهُم يقولون الخيرَ، والسلام هو الخير.

المعاني الواردة في آيات سورة (الواقعة) {إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً} وقال {إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً [35] فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً [36] عُرُباً أَتْرَاباً} فأضمرهن ولم يذكرهن قبل ذاك. واما "الأَترابُ" فواحدهن "التِرْبَ" وللمؤنّث: "التِربَة" هي "تِربى" وهي "تِرْبَتي" مثل "شِبْه" وأَشْباه" و"التِرْبُ" و"التِرْبَةُ" جائزة في المؤنث ويجمع: بـ"الأَتْراب" كما تقول "حَيَّةٌ" و"أَحْياء" اذا عنيت المرأة و"مَيْتَةٌ" و"أَمْواتٌ". {فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} وقال {فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} أي: من الشجرة {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ} لأنَّ "الشَجَر" يؤنَّث ويذكّر. وأَنَّثَ لأنه حمله على"الشَجَرة" لأن "الشجرةَ" قد تدل على الجميع تقول العرب: "نَبَتَتَ قِبَلَنا شَجَرةٌ مُرَّةٌ وَبَقْلَةٌ رذية" وهم يعنون الجميع. {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [و] قال {فَشَارِبُونَ شُرْبَ} و {شُرْبَ} مثل "الضَّعْف" و"الضُّعْف".

المعاني الواردة في آيات سورة (الواقعة) {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ} وقال {مَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ} اي للمسافرين في الأرض القِيِّ. تقول: "أَقْوَى الشيءُ" إِذا ذَهب كلُّ ما فيه. {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} وقال {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} ثم قال {فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [86] [174 ء] ِأيْ: غيرَ مَجْزِيِّينَ مقهورين ترجعون تلك النفس وانتم ترون كيف تخرج عند ذلك {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [87] أنكم تمتنعون من الموت. ثم أخبرهم فقال {فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [88] {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ} [89] أي: فَلَهُ رَوْحٌ ورَيْحانٌ {وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [90] {فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [91]

أي: فيقال له "سَلامٌ لَكَ". {إِنَّ هذالَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} وقال {حَقُّ الْيَقِينِ} فأضاف الى "اليَقِينِ" كما قال {دِينُ القَيِّمَةِ} اي: ذلك دينُ المِلَّةِ القَيِّمَةِ، وذلك حقُّ الأمْرِ اليَقينِ. وأما "هذا رَجُلُ السَوْءِ" فلا يكون فيه: هذا الرجلُ السَوْءُ. كما يكون في "الحقُّ اليَقِينُ" لأن "السَّوْءَ" ليس بـ"الرَّجُلِ" و"اليَقينُ هُوَ الحَقُّ".

سورة (الحديد)

المعاني الواردة في آيات سورة (الحديد) {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} وقال {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} وليس ذا مثل الاستقراض من الحاجة ولكنه مثل قول العرب: "لي عندَكَ قَرْضُ صِدُقٍ" و"قَرْضُ سَوءٍ" اذا فعل به خيرا او شرا. قال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد التاسع والستون بعد المئتين] : سَأَجْزِي سَلاَمانَ بنَ مُفْرِجَ قَرْضَهُم * بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهُمْ وأَزَّلَتِ {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} قال {يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم} يريد: عَنْ أيْمانِهِم - والله أعلم - كما قال {يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} يقول "بِطرْفٍ". {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَالْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} وقال {انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} لأنه من "نَظَْرْتُه" يريد "نَظرْتُ" فـ"أَنَا أنْظُرُهُ" ومعناه: أنْتَظِرُهُ. وقال {بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ} معناه: "وَضُرِبَ بَيْنَهُم سُورٌ".

المعاني الواردة في آيات سورة (الحديد) {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} وقال {إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ} يريد - والله أعلم - "إِلاَّ هُوَ في كِتَابٍ" فجاز فيها الاضمار. وقد تقول: "عِنْدِي هذا لَيسَ إِلاَّ" [174 ب] تريد: ليس إِلاَّ هُوَ. {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} وقال {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} واستغنى بالاخبار التي في القرآن كما قال {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} ولم يكن في ذا الموضع خبر، والله أعلم بما ينزل هو كما أنزل وكما أراد ان يكون. {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} وقال {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} يقول: لأن يعلم.

سورة (المجادلة)

المعاني الواردة في آيات سورة (المجادلة) {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} قال {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} خفيفة وثقيلة. ومن ثقل جعلها من "تَظَهَّرْت" ثم ادغم التاء في الظاء. {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وقوله {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} المعنى: "فتحريرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أَنْ يَتَماسّاَ فمن لم يَجِدْ فإِطْعَامُ سِتِينَ مِسكيناً ثُمَّ يَعُودونَ لِمَا قَالُوا: "أنْ لا نَفْعَلَه" "فَيفْعَلُونَهُ" هذا الظهار، يقول: "هِيَ عَلَيَّ [175 ء] كَظَهْرِ أُمّي" وما أشبه هذا من الكلام، فاذا اعتق رقبة او اطعم ستين مسكينا عاد لهذا الذي قد قال: "إِنَّهُ عَلَيَّ حَرامٌ" ففعله.

سورة (الحشر)

المعاني الواردة في آيات سورة (الحشر) {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُواْ ياأُوْلِي الأَبْصَارِ} قال {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ} يقول: "فجاءَهُم الله" اي: جاءَهُم أمرُه، وقال بعضهم {فَآتاهُم اللهُ} أي: آتاهُم العذابَ، لأنك تقول: "أَتاهُ" و"آتاهُ" كما تقول: "ذَهَبَ" و"أَذْهَبَتهُ". {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} وقال {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ} وهي من "اللَّوْنِ" في الجماعة وواحدته "لِينَة" وهو ضرب من النخل ولكن لما انكسر ما قبلها انقلبت الى الياء. {وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ ولكنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقال {مَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} لأنك تقول: "فَاءَ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا" و"أَفَاءَهُ اللهُ" كما تقول: "جَاءَ" و"أَجَاءَهُ اللهُ" وهو مثل "ذَهَبَ" و"أَذْهَبْتُهُ". المعاني الواردة في آيات سورة (الحشر) {مَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وقال {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً} و"الدُّوْلَةُ" في هذا المعنى ان يكون ذلك المال مرة لهذا ومرة لهذا وتقول: "كانَتْ لَنَا عَلَيْهِم الدَوْلَة". واما انتصابها فعلى "كَيْلاَ يكونَ الفَيْءُ دُوْلَةً"

و"كيلا تكون دُوْلَةً" أي: "لا تكون الغنيمةُ دُوَلةً" [و] يزعمون أنَّ "الدَوْلَة" ايضا في المال لُغةٌ لِلْعَرَب، ولا تكاد تعرف "الدَوْلَةٌ في المال". {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقال {وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً [175 ب] مِّمَّآ أُوتُواْ} أي: مِمّا أُعْطُوا. {لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} وقال {لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} فرفع الاخر لأنه معتمد لليمين لأن هذه اللام التي في أول الكلام انما تكون لليمين كقول الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد السبعون بعد المئتين] : لَئِنْ عادَلِي عبدُ العَزِيزِ بِمِثْلِهَا * وَأَمكَنَنِي مِنْها إِذاً لا أُقِيلُها المعاني الواردة في آيات سورة (الحشر) {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ الظَّالِمِينَ} وقال {أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا} فنصب الخالدَيْن على الحال و {فِي النَّارِ} خبر. ولو كان في الكلام "إِنَّهُما في النارِ" كانَ الرفعُ في {خالدَيْنِ} جائزا. وليس قولهم: إذَا

جِئْتَ بـ"فِيها" مرتين فهو نصب "بشيء". إِنّما "فيها" توكيد جئت بها أو لم تجيء بها فهو سواء. الا ترى ان العرب كثيرا ما تجعله حالا إِذَا كان فيها التوكيد وما أشبهه. وهو في القرآن منصوب في غير مكان. قال {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ} .

سورة (الممتحنة)

المعاني الواردة في آيات سورة (الممتحنة) {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [قال] {إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ} استثناء خارج من اول الكلام. المعاني الواردة في آيات سورة (الصف) {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} قال {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ} أي: كَبُرَ مَقْتُكُم مَقْتاً، ثم قال {أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} أَيْ: قولُكم. {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [و] قال {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} يقول: وتجارةٌ أُخْرَى [176 ء] .

سورة (الجمعة)

المعاني الواردة في آيات سورة (الجمعة) {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواْ التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} قال {أَسْفَاراً} وواحدها "السِّفْر". {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} وقال {مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} يقول - والله أعلم - مِنْ صَلاةِ يَوْمِ الجُمُعَةِ. وقال بعض النحويين لا يكون لـ"الأَسْفارِ" واحد كنحو "أَبابيل" و"أَساطِير"، ونحو قول العرب: "ثَوْبٌ أكْبَاشٌ" وهو الردىء الغزل، و"ثَوْبٌ مِزْقٌ" للمتمزّق.

سورة (المنافقون)

المعاني الواردة في آيات سورة (المنافقون) {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} قال {خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} وكما قال: "عَمَدٌ" و"عُمُدٌ" وهو مثل "الخُشُب" ويقول بعضهم "الخُشْبُ". {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} [وقال] {لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ} لأن كلام العرب اذا كان في السِّخْرِيّ أو في التكثير قيل {لَوَّى لِسَانَه} و"رأسَه". وخفّف بعضهم واحتج بقول الله عز وجل {لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ} . المعاني الواردة في آيات سورة (التغابن) {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُواْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} قال {فَقَالُواْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} فجمع لأن "البَشَر" في المعنى جماعة.

سورة (الطلاق)

المعاني الواردة في آيات سورة (الطلاق) {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} قال {قَدْراً} وقال بعضهم {قَدَراً} وهما لغتان. {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} وقال {مِّن وُجْدِكُمْ} و"الوُجْد": المقدِرة ومن العرب من يكسر في هذا المعنى. فاما "الوَجْدُ" إذَا [176 ب] فتحتَ الواو فهو "الحُبُّ". وهو في المعنى - والله أعلم - "أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُم مِمَّا تَقْدِرُون عليه". {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} وقال {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} فجعل {الأرْض} جماعة كما تقول: "هَلَكَ الشاةُ والبَعِيرُ" وانت تعني جميعَ الشاءِ وجميعَ الإِبِل*.

سورة (التحريم)

المعاني الواردة في آيات سورة (التحريم) {إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} قال {إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} فجعله جماعة لأنهما اثنان من اثنين. {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} وقال {وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ} و {امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} [11] على: "وَضَرَبَ اللهُ امْرَأَةَ فِرْعَونَ وَمَرْيَمَ مَثَلا".

سورة (الملك)

المعاني الواردة في آيات سورة (الملك) {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ} وقال {طِبَاقاً} وواحدها "الطَبَق". {ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} قال {خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} لأنك تقول: "خَسَأْتُهُ" فـ"خَسَأ" فـ {هُوَ خَاسِيء} . {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ} وقال {فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ} أيْ: إِنكارِي. المعاني الواردة في آيات سورة (الملك) {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمنإِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} وقال {إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} فجمع لأن "الطَيْر" جماعة مثل قولك "صاحِب" و"صَحْب" و"شَاهِد" و"شَهْد" و"رَاكِب" و"رَكْب". {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هذاالَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ} وقال {هذاالَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ} لأنهم كانوا يقولون {رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} و {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ} فقيل لهم حين رأوا العذاب {هذاالَّذِي كُنتُم بِهِ تَدْعُونَ} خفيفة و {تَدَّعُونَ} ثقيلة قرأه الناس على هذا المعنى وهو أجود [177 ء] وبه نقرأ لأنه شيء بعد شيء. {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ} وقال {مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ} أَيْ: غائرا ولكن وصفه بالمصدر وتقول: "لَيْلَةٌ غَمٌّ" تريد "غَامَّةٌ".

سورة (القلم)

المعاني الواردة في آيات سورة (القلم) {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} قال {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} يريد "أيُّكُمْ المَفْتُون". {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} وقال {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} وهذه "إِنْ" التي تكون للايجاب وهي في معنى الثقيلة الا انها ليست بثقيلة، لأنك اذا قلت: "إنْ كانَ عبدُ اللهِ لَظَرِيفاً" فمعناه "إِنْ عبدُ اللهِ لَظَريفٌ قبلَ اليَوْم" فـ"إِنْ" تدخل في هذا المعنى وهي خفيفة.

سورة (الحاقة)

المعاني الواردة في آيات سورة (الحاقة) {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} قال {وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} لأنك تقول: "وَعَتْ ذاكَ أًُذُنِي" و"وَعَاهُ سَمْعِي" و"أَوْعَيْتُ الزادَ" و"أَوْعَيْتُ المَتاعَ" كما قال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد الحادي والسبعون بعد المئتين] : [الخَيْرُ يَبْقَى وإِنْ طالَ الزَّمانُ بِهِ] * والشَرُّ أَخْبَثُ ما أَوْعَيْتَ مِنْ زادِ {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} وقال {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} لأن الفعل وقع على النفخة اذا لم يكن قبلها اسمٌ مَرْفوع. {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} وقال {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَآئِهَآ} وواحدها "الرَّجَا" وهو مقصور. المعاني الواردة في آيات سورة (الحاقة) {وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ} وقال {إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ} جعله - والله أعلم - من "الغَسْل" وزاد الياء والنون [177 ب] بمنزلة "عُفْرِين" و"كُفْرِين". {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} وقال {فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} على المعنى لأن معنى "أََحَد" معنى جماعة.

سورة (المعارج)

المعاني الواردة في آيات سورة (المعارج) {كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى} قال {كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى} {نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى} نصب على البدل من الهاء** وخبر "إنَّ" {نزَاعةٌ} وان شئت جعلت {لَظَى} رفعا على خبر {إِنَّ} ورفعت "النزّاعة" على الابتداء. {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} وقال {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} ثم قال {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ} [22] فجعل {الإِنْسانَ} جميعا ويدلك على ذلك انه قد استثنى منه جميعا. {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} وقال {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} كما تقول "ما لَكَ قَائِماً" وواحدةُ "العِزِينَ": العِزَةُ. مثل "ثُبَة" و"ثُبِين".

سورة (نوح)

المعاني الواردة في آيات سورة (نوح) {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} قال {مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} أيْ: لا تَخَافُونَ للهِ عَظَمَةً. و"الرَّجاءُ" ها هنا خَوْفٌ و"الوَقارُ" عَظَمَةٌ. وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الثاني والسبعون بعد المئتين] : إِذَا لَسَعَتْهُ النَحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا * [وخَالَفَها في بَيْتِ نوبٍ عَواسِلِ] {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} وقال {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} طوراً عَلَقَةً وطوراً مُضّغَة. {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} وقال {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} وانما هو - والله أعلم - على كلام العرب، وانما القمر في السماء الدنيا فيما ذكر [178 ء] كما تقول: "أَتَيْتُ بني تَمِيم" وانما اتيت بعضهم. المعاني الواردة في آيات سورة (نوح) {وَاللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} وقال {وَاللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} فجعل النَّبَاتَ" المصدر، والمصدر "الإِنْبات" لأن هذا يدل على المعنى. {لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً} وقال {سُبُلاً فِجَاجاً} واحدها "الفَجُّ" وهو الطريق. {وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً} وقال {وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ} لأن ذا من قول نوح دعاء عليهم.

سورة (الجن)

المعاني الواردة في آيات سورة (الجن) {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} [قال] {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ} فألف {أَنه} مفتوحة لأنه اسم ثم قال {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [3] على الابتداء اذا كان من كلام الجن فان فتح جعله على الوحي وهو حسن. {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} وقال {وَشُهُباً} وواحدها: الشِّهابُ. {لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً} وقال {لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لأنك تقول "فَتَنْتُه" وبعض العرب يقول "أَفْتُنُه" فتلك على تلك اللغة.

سورة (المزمل)

المعاني الواردة في آيات سورة (المزمل) {ياأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} قال {الْمُزَّمِّلُ} والأصل: المُتَزَمِّلْ، ولكن أدغمت التاء في الزاي و {المُدَّثِّر} مثلها. {قُمِ الْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} وقوله {قُمِ الْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} {نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً} {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} فقال السائل عن هذا: قد قال {قُمِ الْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} فكيف قال {نِصْفَهُ} ؟ انما المعنى "أَوْ نِصْفَه أَو زِدْ عَلَيْهِ" لأنَ ما يكون في معنى تكلم به العرب بغير: "أو" تقول: "أَعْطِهِ دِرْهَماً دِرْهَمَيْنِ ثلاثةً" تريد: "أَوْ دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً". {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} وقال {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} فلم يجيء بمصدره ومصدره "التَبَتُّل" [178 ب] كما قال {أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} وقال الشاعر: [من الوافر وهو الشاهد الثالث والاربعون بعد المئتين] : وَخَيْرُ الأَمْرِ ما اسْتَقْبَلْتَ مِنْهُ * وَلَيْسَ بِأَنْ تَتَبَّعُه اتِّباعَا وقال: [من الرجز وهو الشاهد الثاني والاربعون بعد المئتين] : ......................... * يَجْرِي عَلَيْها أَيَّمَا إِجْراءِ

وذلك أَنَّها إِنَّما جَرَتَ لأَنَّها أُجْرِيَتْ. المعاني الواردة في آيات سورة (المزمل) {رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ اله إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} وقال {رَّبُّ الْمَشْرِقِ} رفعٌ على الابتداء وجرّ على البدل. {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً} وقال {مَّهِيلاً} لأنك تقول: "هِلْتُه" فـ "هو مَهِيل" {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} وقال {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} فجعل {يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ} من صفة اليوم ولم يضف لأنه أضمر. المعاني الواردة في آيات سورة (المزمل) {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ الْلَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقال {أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ الْلَّيْلِ وَنِصْفَِهُ وَثُلُثِهُ} وقد قرئت بالجر وهو كثير وليس المعنى عليه فيما بلغنا لأن ذلك يكون على "أَدْنَى من نِصْفِهِ" و"أَدْنَى من ثُلُثِهِ" وكان الذي افترض الثلث او اكثر من الثلث لأنه قال {قُمِ الْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} [2] {نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً} [3]

وأما الذي قرأ بالجرّ فقراءته جائزة على ان يكون ذلك - والله أعلم - اي انكم لم تؤدوا ما افترض عليكم فقمتم أدنى من ثلثي الليل ومن نصفه ومن ثلثه. وقال {تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً} لأن "هو" و"هما" و"أنتم" و"أنتما" وأشباه ذلك يكنْ صفات للاسماء المضمرة كما قال {ولكن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمِينَ} و {تَجِدوُهُ عندَ اللهِ هُوَ خَيْر} [وقد] يجعلونها اسما مبتدأ كما [179 ء] تقول "رأيتُ عبدَ اللهِ أبُوه خيرٌ مِنْه".

سورة (المدثر)

المعاني الواردة في آيات سورة (المدثر) {وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} قال {وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرْ} جزم لأنها جواب النهي وقد رفع بعضهم {وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} يريد مستكثرا وهو أجود المعنيين. {كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً} وقال {كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً} أيْ: معاندا. {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} وقال {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ} و"دَبَرَ" في معنى "أَدْبَرَ" يقولون: "قَبَّحَ اللهُ ما قَبَلَ مِنْهُ وما دَبَر" وقالوا "عامٌ قَابِلٌ" ولم يقولوا "مُقْبِلٌ".

المعاني الواردة في آيات سورة (المدثر) {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لِّلْبَشَرِ} وقال {إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ} {نَذِيراً لِّلْبَشَرِ} فانتصب {نَذِيراً} لأنه خبر لـ {إِحْدَى الكُبَر} فانتصب {نَذِيراً} لأنه خبر للمعرفة وقد حسن عليه السكوت فصار حالا وهي "النَذِير" كما تقول "إِنَّهُ لَعَبْدُ اللهِ قَائِماً" وقال بعضهم "إِنَّما هُوَ" "قُمْ نَذِيراً فَأَنْذِر". {كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} وقال {كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} ِأي: إنَّ القرآنَ تذكِرَةٌ.

سورة (القيامة)

المعاني الواردة في آيات سورة (القيامة) {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} قال {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} أي: على أَنْ نَجْمعَ. أي: بَلَى نَجْمَعُها قادِرِين. وواحد "البَنَانِ": بَنَانَةٌ. {يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} وقال {أَيْنَ الْمَفَرُّ} أيْ: أينَ الفِرار. وقال الشاعر: [من المديد وهو الشاهد الثالث والسبعون بعد المئتين] : يا لَبَكْرِ أنْشرُوا لِي كُلَيْبَاً * يا لَبَكْرِ أَيْنَ أَيْنَ الفِرار لأنَّ كلَّ مصدرٍ يُبنى هذا البناء فانما يجعل "مَفْعَِلاً" واذا أراد المكان [179 ب] قال {المَفِرّ} وقد قرئت {أَيْنَ المَفِرّ} لأنَّ كلَّ ما كانَ فعلُه على "يَفْعِل" كان "المَفْعِل" منه مكسورا نحو "المَضْرِب" اذا أردت المكان الذي يضرب فيه. {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} وقال {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} فجعله هو البصيرة كما تقول للرجل: "أَنْتَ حُجَّةٌ على نَفْسِكَ". المعاني الواردة في آيات سورة (القيامة) {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [و] قال {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} أيْ: حَسَنَةٌ

{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} يعني - والله أعلم - بالنظر الى الله الى ما يأتيهم من نعمه ورزقه. وقد تقول: "وَاللهِ ما أَنْظُرُ إِلاَّ إِلَى اللهِ وإِلَيْكَ" أي: انتظر ما عند الله وما عندك. (1) {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى} وقال {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى} أي: فَلَمْ يصدّق ولم يصلّ. كما تقول "ذَهَبَ فَلاَ جاءَني ولا جاءَك". {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} وقال {عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} وقال بعضهم {يُحيِ الموتى} فأخفى وجعله بين الادغام وغير الادغام ولا يستقيم ان تكون ها هنا مدغما لأن الياء الآخرة ليست تثبت على حال واحد [اذ] تصير الفا في قولك "يَحْيَا" وتحذف في الجزم فهذا لا يلزمه الادغام ولا يكون فيه الا الاخفاء وهو بين الادغام وبين البيان.

المعاني الواردة في آيات سورة (الإنسان) {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} قال {أَمْشَاجٍ} واحدها: "المَشَج". {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} وقال {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} كذلك {إِمَّا العَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ} كأنك لم تذكر "إمَّا" [180 ء] وان شئت ابتدأت ما بعدها فرفعته. {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} فنصبه من ثلاثة أوجه، ان شئت فعلى قوله {يَشْرَبُونَ} [5] " {عَيْناً} " وان شئت فعلى {يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} {عَيْناً} وان شئت فعلى وجه المدح كما يذكر لك الرجل فتقول انت: "العاقلَ واللبيبَ" أي: ذكرتَ العاقلَ اللبيبَ. على "أَعْنِي عَيْناً".

(الإنسان)

المعاني الواردة في آيات سورة (الإنسان) {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً} [وقال] {وَلاَ شُكُوراً} ان شئت جعلته جماعة "الشُكْر" وجعلت "الكُفُور" جماعة "الكُفْر" مثل "الفَلْس" و"الفُلُوس". وان شئت جعلته مصدرا واحدا في معنى جميع مثل: "قَعَد قُعُودا" و"خَرَج خُروجا". {مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} وقال {مُّتَّكِئِينَ} على المدح أو على: "جَزَاهُمْ جَنَّةً مَتُكَّئِيِنَ فيها" على الحال. وقد تقول "جَزاَهُم ذلك َ قِياماً" وكذلك {وَدَانِيَةً} على الحال أو على المدح، انما انتصابه بفعل مضمر. وقد يجوز في قوله {وَدَانِيَةً} أن يكون على وجهين على "وجزاهمْ دانيةً ظِلاَلُها" تقول: "اَعطَيْتُكَ جَيْداً طَرَفاهُ" و"رأينَا حَسَناً وَجْهُهُ". {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً} وقال {كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً} فنصب العين على اربعة وجوه على "يُسْقَوْنَ عَيْناً" أو على الحال، أو بدلاً من الكأس أو على المدح والفعل مضمر.

وقال بعضهم "إِن" "سلسبيل" صفة للعين بالسلسبيل. وقال بعضهم: "إِنّما أراد" "عَيْناً تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً" أي: تسمى من طِيبها، أيْ: تُوصَفُ للناسِ كما [180 ب] تقول: "الأعوجيّ" و"الأَرْحَبِيّ" و"المَهْرِيّ من الإِبل" وكما تنسب الخيل اذا وصفت الى هذه الخيل المعروفة والمنسوبة كذلك تنسب العين الى أنها تسمى [سَلسبيلا] لأن القرآن يدل على كلام العرب. قال الشاعر وانشدناه يونس هكذا: [من الكامل وهو الشاهد الرابع والسبعون بعد المئتين] : صَفْراءُ مِنْ نَبْعٍ يُسَمَّى سَهْمُها * مِنْ طُولِ ما صَرَعَ الصُّيُودَ الصَّيِّبُ فرفع "الصيِّب" لأنه لم يرد "يسمى سهمها بالصيِّب" انما "الصيِّب" من صفة الاسم والسهم. وقوله "يسمى سهمها": يُذْكَرُ سهمُها. وقال بعضهم: "لا بل هو اسم العين وهو معرفة ولكن لما كان رأس آية [و] كان مفتوحاً زدت فيه الالف كما كانت {قَوَارِيرَاْ} [15] . المعاني الواردة في آيات سورة (الإنسان) {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} وقال {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً} يريد ان يجعل "رأَيْتَ" لا تتعدى كما يقول: "ظننت في الدار خيرٌ" لمكان ظنه وأخبر بمكان رؤيته.

سورة (المرسلات)

المعاني الواردة في آيات سورة (المرسلات) {وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً * والنَّاشِرَاتِ نَشْراً * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} [قال] {وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً} {فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً} {والنَّاشِرَاتِ نَشْراً} {فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً} {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً} {عُذْراً أَوْ نُذْراً} قَسَمٌ عَلَى {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} . {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} [وقال] {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} فأضمر الخبر والله أعلم. {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ} وقال {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ} رفع لأنه قطعه من الكلام الأول وان شئت جزمته اذا عطفته على {نُهْلِكِ} . المعاني الواردة في آيات سورة (المرسلات) {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَآءً وَأَمْواتاً} [و] قال {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً} {أَحْيَآءً وَأَمْواتاً} على الحال. {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً} وقال {وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً} [181 ء] أي: جَعَلْناَ لَكُمْ ماءً تشربون منه. قال {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ} للشفة، وماكان للشفة فهو بغير الف [و] في لغة قليلة قد يقول للشفة أيضا "أَسْقَيْنةُ" وقال لبيد: [من الوافر وهو الشاهد الخامس والسبعون بعد المئتين] : سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وَأَسْقَى * نُمَيراً والقائِلَ من هِلالِ

{انطَلِقُواْ إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ * لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} وقال {إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ} {لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} ثم استأنف فقال {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} أي: كالقصور وقال بعضهم {كالقَصَر} أَيْ: كأعناقِ الإِبِل. المعاني الواردة في آيات سورة (المرسلات) {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} وقال {كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} ، بعض العرب يجمع "الجِمال" [على] "الجِمالات" كما تقول "الجُزُرات" وقال بعضهم {جُمالاَتٌ} وليس يعرف هذا الوجه. {هذايَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} وقال {هذايَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} فرفع، ونصب بعضهم على قوله "هذا الخبر يومَ لا ينطقون" وكذاك { [هَاذَا] يَوْمُ الْفَصْلِ} وترك التنوين للاضافة، كأنه قال: "هذا يومُ لا نُطْقَ" وان شئت نونت اليوم اذا اضمرت فيه كأنك قلت "هذا يومٌ لا يَنْطِقُون فيه".

سورة (النبأ)

المعاني الواردة في آيات سورة (النبأ) {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} قال {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} وواحدها "اللِّفُّ". {جَزَآءً وِفَاقاً} وقال {جَزَآءً وِفَاقاً} يقول "وافَقَ أهْمالَهُم وِفاقا" كما تقول: "قاتَل قِتالا". {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً} وقال {وَكَذَّبُواْ [181 ب] بِآيَاتِنَا كِذَّاباً} لأن فعله على أربعة أراد ان يجعله مثل باب "أَفعَلْتُ" "إِفْعالاً" فقال {كِذَّاباً} فجعله على عدد مصدره. وعلى هذا القياس تقول: "قاتل" "قِيتَالا" وهو من كلام العرب. المعاني الواردة في آيات سورة (النبأ) {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} وقال {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} فنصب {كلَّ} وقد شغل الفعل بالهاء لأن ما قبله قد عمل فيه الفعل فأجراه عليه وأعمل فيه فعلا مضمرا. {إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يالَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً} وقال {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} فان شئت جلعت: "ينظر أيّ شيء قدّمت يداه" وتكون صفته "قدمت" وقال بعضهم: "انما هو" ينظر الى ما قدمت يداه فحذف "الى".

سورة (النازعات)

المعاني الواردة في آيات سورة (النازعات) {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} قال {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} فأقسم - والله أعلم - على {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى} [26] وان شئت جعلته على {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} [6] {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} [8] {وَالنَّازِعَاتِ} . وان شئت جعلته على {وَالنَّازِعَاتِ} لـ {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} [7] فحذفت اللام وهو كما قال جل ذكره وشاء ان يكون في هذا وفي كل الأمور. {يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً} وقال {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ} {أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً} كأنه أراد "أَنُرَدُّ إِذَا كُنَّا عِظاماً" وأما من قال {أاِنَّا} و {أَاإِذا كنا} باجتماع الهمزتين ففصل بينهما بالف فانما أضمر الكلام الذي جعل هذا ظرفا له لأنه قد قيل لهم "إِنَّكُم تُبْعَثون وتُعادُون" [182 ء] فقالوا {أإِذا كنا ترابا} في هذا الوقت نعاد؟ وهو من كلام العرب بعضهم يقول {أَيِنَّا} و {أَيِذَا} فيخفف الآخرة لأنه لا يجتمع همزتان. والكوفيون يقولون "أإِنا" و"أَإِذا" فيجمعون بين الهمزتين. وكان ابن ابي اسحاق يجمع بين الهمزتين في القراءة

فيما بلغنا وقد يقول بعض العرب: " اللهمَّ اغفر لي خطائِئى" يهمزها جميعا. وهو قليل وهي في لغة قيس. {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} وقال {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} فمن لم يصرفه جعله بلدة أو بقعة من صرفه جعله اسم واد أو مكان. وقال بعضهم: "لا بل هو مصروف وانما يريد بـ {طوى} : طوىً من الليل، لانك تقول: "جِئْتُكَ بعدَ طُوًى من الليل" ويقال {طِوىً} منونة مثل "الثِّنى" وقال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد السابع والسبعون بعد المئتين] : تَرى ثِنانَا إِذَا ما جاءَ بَدْأَهُمُ * وَبَدَأَهُم إِن أَتَانَا كانَ ثِنْياَنَا والثِّنى*: هو الشيءُ المَثْنِيّ. المعاني الواردة في آيات سورة (النازعات) {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُوْلَى} وقال {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُوْلَى} لأنه حين قال {أَخَذَه} كأنه "نَكَّلَ لِهِ" فأخرج المصدر على ذلك. وتقول "والله لأصْرِمَنَّكَ تركا بَيِّناً".

سورة (عبس)

المعاني الواردة في آيات سورة (عبس) {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} قال {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} وواحدهم "السافِر" مثل "الكافِرِ" و"الكَفَرةِ". {كِرَامٍ بَرَرَةٍ} وقال {كِرَامٍ [182 ب] بَرَرَةٍ} وواحدهم "البارّ" و"البَرَرةُ" جماعة "الأَبْرار". {قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ} وقال {قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ} معناه على وجهين، قال بعضهم "على التعجب"، وقال بعضهم: "أيُّ شَيْءٍ أَكْفَرَهُ". المعاني الواردة في آيات سورة (عبس) {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} قال {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} تقول "الطريقَ هَدَاهُ" أي: "هداهُ الطريقَ".

سورة (التكوير)

المعاني الواردة في آيات سورة (التكوير) {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} قال {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} وواحدتها "العُشَراءُ" مثل "النُفَسَاء" و"النِفاسُ" للجميع. وقال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الثامن والسبعون بعد المئتين] : رُبَّ شريبٍ لَك ذي حُساس * ريانَ يَمْشِي مِشْيَةَ النِّفَاسِ ويقال: "النُّفاسِ". {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} وقال بعضهم {سُجِرِّتْ} وخَفَّفَها بعضهم واحتج بـ {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} والوجه التثقيل [183 ء] لأن ذلك اذا كسر جاء على هذا المثال يقل "قُطِّعُوا" و"قُبِّلوا" ولا يقال للواحد "قُطِّعَ" يعني يده ولا "قُتِّلَ". {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} وقال {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} "وَأَدَهُ" "يَئِدُهُ" "وَأْداً" مثل "وَعَدَهُ" "يَعِدُهُ" "وَعْداً" العين نحو الهمزة. وقال {سُئِلَتْ} {بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} وقال بعضهم {سَأَلَتْ} هي.

المعاني الواردة في آيات سورة (التكوير) {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} وقال {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} خفيفة وثقَّل بعضهم لأنّ جرّها شُدِدّ عليهم. {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} وقال {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} فواحدها "كانِس" و [الجمع] * "كُنَّس" كما تقول: "عاطِل" و"عُطَّل". {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} وقال {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} يقول "أي: ببخيل" وقال بعضهم {بِظَنين} أي: بمتَّهَم لأن بعضَ العربِ يقول "ظننت زيدا" فـ"هو ظنين" أي: اتَّهَمْتهُ فـ"هو مُتَّهَم".

سورة (الانفطار)

المعاني الواردة في آيات سورة (الانفطار) {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ * كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} قال {فَعَدَلَكَ} أي: كذا خلقك، وبعضهم يخففها فمن ثقل {عَدَّلَك} فانما يقول "عَدَّلَ خَلْقَكَ" و"عَدَلَكَ" أي: عدل بعضك ببعضك فجعلك مستويا معتدلا وهو في معنى "عدّلك". وقال {خَلَقَكَ} و {رَكَّبَكَ} {كَلاَّ} وان شئت قلت {خَلَقَك} و {رَكَّبَكْ} {كَلاَّ} فادغمت لأنهما حرفان مثلان. والمثلان يدغم احدهما في صاحبه وان شئت اذا تحركا جميعا ان تسكن الأول وتحرّك الآخر. واذا سكن الأول لم يكن الادغام وان تحرك الأول وسكن الآخر لم يكن الادغام. {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} وقال {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ} فجعل اليوم حيناً كأنه حين قال {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [17]

قال "في حين لا تَمْلِكُ نَفْسٌ". وقال بعضهم {يَوْمُ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ} فجعله تفسيرا لليوم الأول كأنه قال: "هُوَ يوم لا تملك".

سورة (المطففين)

المعاني الواردة في آيات سورة (المطففين) {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [183 ب] قال {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} أيْ: "اذا كالوا الناس أَوْوَزَنُوهُم" لأنَّ أَهْلَ الحجاز يقولون "كِلْتُ زَيْداً" و"وَزَنْتُه" أي: "كِلْتُ لَهُ" و"وَزَنْتُ لَهُ". {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [وقال] {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ} فجعله في الحين كما تقول "فلانٌ اليومَ صالحٌ" تريد به الآن في هذا الحين وتقول هذا بالليل "فلانٌ اليومَ ساكِنٌ" اي: الآن، اي: هذا الحين ولا نعلم أحدا قرأها جرا والجرّ جائز. {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} وقال {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} تقول فيه: "رانَ" "يَرِينُ" "رَيْناً".

المعاني الواردة في آيات سورة (المطففين) {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} وقال {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا} فجعله على {يُسْقَوْنَ} [25] {عَيْناً} وان شئت جعلته على المدح فتقطع من أول الكلام كأنك تقول: "أَعْنِي عَيْناً". {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} وقال {هَلْ ثُوِّبَ} ان شئت أدغمت وان شئت لم تدغم لأن اللام مخرجها بطرف اللسان قريب من اصول الثنايا والثاء بطرف اللسان واطراف الثنايا الا ان اللام بالشق الايمن ادخل في الفم. وهي قريبة المخرج منها ولذلك قيل {بَلْ تُؤْثِرُونَ} فادغمت اللام في التاء لأن مخرج التاء والثاء قريب من مخرج اللام.

سورة (الانشقاق)

المعاني الواردة في آيات سورة (الانشقاق) {إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ} وأما {إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ} فعلى معنى {ياأَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ} [6] {إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ} على التقديم والتأخير. {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} قال {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} أي: وَحُقَّ لَها. {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} [وقال] {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} تقول: "أَوْعيتُ [184 ء] في قلبي كذا وكذا" كما تقول "أَوْعَيْتُ الزادَ في الوِعاء" وتقول "وَعَتْ أُذُنِي" وقال {وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} .

سورة (البروج)

المعاني الواردة في آيات سورة (البروج) {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} موضع قسمها - والله أعلم - على {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} أضمر اللام كما قال {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} يريد ان شاء الله "لَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا" والقى اللام. وان شئت على التقديم كأنه قال {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ} {وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [1] وقال بعضهم {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [12] .

{النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} وأما قوله {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} فعلى البدل. وأما {الْوَقُودِ} فالحطب و"الوُقُودُ" الفِعل وهو "الاتِّقاد". {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} وقال {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُِ} فـ {الْمَجِيدُِ} جرّ على {الْعَرْشِ} والرفع على قوله {ذُو} وكذلك {مَّحْفُوظٌٍ} جر على "اللَّوْح" ورفع على "القرآن".

(الغاشية)

المعاني الواردة في آيات سورة (الغاشية) {لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً} وقال {لاَغِيَةً} أي: لا تسمع كلمة لغو [184 ب] وجعلها {لاَغِيَةً} . والحجة في هذا انك تقول: "فارِس" لصاحب الفَرَس و"دارِع" لصاحب الدَرْع و"شاعر" لصاحب الشِعْر. وقال الشاعر: [من مجزوء الكامل وهو الشاهد الثامن والسبعون بعد المئتين] : * أَغررتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّكَ لابِنٌ بِالصَّيْفِ تامِرْ * أي: صاحبُ لَبَنٍ وصاحبُ تَمْرٍ. {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ} واحد "النَمَارِق": النُمْرُقَة.

(الفجر)

المعاني الواردة في آيات سورة (الفجر) {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} قال {بِعَادٍ} {إِرَمَ} فجعل {إِرَمَ} اسمه وبعضهم يقول {بعادِ إِرَمَ} فاضافه الى {إِرَمَ} فاما ان يكون اسم ابيهم اضافه اليهم، واما بلدة والله أعلم. {وَأَمَّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} وقال {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} وقال بعضهم {قَدَّرَ} مثل {قَتَّرَ} واما {قَدَرَ} فيقول: يعطيه بالقَدْر.

سورة (البلد)

المعاني الواردة في آيات سورة (البلد) {وَأَنتَ حِلٌّ بِهذاالْبَلَدِ} قال {وَأَنتَ حِلٌّ} فمن العرب من يقول "أنتَ حِلٌّ" و"أنتَ حَلال" و"أَنْتَ حِرْمٌ" و"أَنتَ حَرامٌ" و"هو المُحِلّ" و"المُحْرِم" [و] تقول: "أَحْلَلْنا" و"أحْرَمْنا" وتقول "حَلَلْنا" وهي الجَيّدة. {فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ} وقال {فَلاَ اقتَحَمَ الْعَقَبَةَ} يقول {فَلَمْ يَقَتْحِمْ} كما قال {فَلاَ صَدَّقَ} أي: فلم يُصَدِّقْ. {فَكُّ رَقَبَةٍ} وقال {فَكُّ رَقَبَةٍ} أي: "العقبةُ فكُّ رقبةٍ {أَوْ إِطْعَامٌ} " وقال بعضهم {فَكَّ رقبةً} وليس هذا بذاك و {فكُّ رقبةٍ} هو الجيّد. المعاني الواردة في آيات سورة (البلد) {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ} وقال {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} {يَتِيماً} نصبَ "اليتيمَ" على "الإِطعام".

سورة (الشمس)

المعاني الواردة في آيات سورة (الشمس) {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} قال {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [185 ء] يقول "وَالّذِي سَوَّاهَا" فاقسم الله تبارك وتعالى بنفسه وانه رب النفس التي سوّاها. ووقع القسم على {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [9] . {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} وقال {نَاقَةَ اللَّهِ} أي: ناقةَ اللهِ فاحذََرُوا أَذَاها. المعاني الواردة في آيات سورة (الليل) {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} قال {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} فهذه الواو واو عطف عطف بها على الواو التي في القسم الأول. وقال بعضهم {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} فجعل القسم بالخلق كأنه أقسم بما خلق ثم فسره وجلعه بدلا من {ما} .

سورة (التين)

المعاني الواردة في آيات سورة (التين) {وَطُورِ سِينِينَ} قال {وَطُورِ سِينِينَ} وواحدها "السِّينِينَة". {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} وقال {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ} فجعل {ما} للانسان. وفي هذا القول يجوز "ما جاءني زيد" في معنى "الذي جاءني زيد". المعاني الواردة في آيات سورة (القدر) {سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} قال {سَلاَمٌ هِيَ} أي: هِي سلامٌ، يريد: مُسَلَّمَة. وقال {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} يريد: الطلوع. والمصدر ها هنا لا يبنى الا على "مَفْعَل".

سورة (العلق)

المعاني الواردة في آيات سورة (العلق) {أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى} قال {أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى} ثم قال {أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [13] فجعلها بدلا منها وجعل الخبر {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [14] . {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} وقال {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} {سَنَدْعُ [185 ب] الزَّبَانِيَةَ} فـ {نادِيَهُ} ها هنا عشيرته وانما هم اهل النادي والنادي مكانه ومجلسه. واما {الزّبانِيَةُ} فقال بعضهم: واحدها "الزَبانِي" وقال بعضهم: "الزَابِن" سمعت "الزابِنَ" من عيسى بن عمر. وقال بعضهم "الزِبْنِية". والعرب لا تكاد تعرف هذا وتجعله من الجمع الذي لا واحد له مثل "أَبابِيل" تقول: "جاءَتْ إِبِلِي أبابِيل" أي: فِرَقاً. وهذا يجيء في معنى التكثير مثل "عَباديِد" و"شَعارِير". المعاني الواردة في آيات سورة (الزلزلة) {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} قال {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} أي: أَوْحَى إِلَيْهَا.

سورة (العاديات)

المعاني الواردة في آيات سورة (العاديات) {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} قال {فَوَصَطْنَ بِهِ} وقال بعضهم {فَوَسَطْنَ} ***. المعاني الواردة في آيات سورة (القارعة) {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} قال {كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} وواحدها: "العِهْنَة" مثل: "الصُوف" و"الصُّوفَة" وأما قوله {مَا هِيَهْ} [10] بالهاء فلأن السكت عليها بالهاء لأنها رأس آية.

سورة (الهمزة)

المعاني الواردة في آيات سورة (الهمزة) {الَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ} قال {جَمَعَ} و {جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ} من "العِدَّة". {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [وقال] {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} {كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} أي: هو وماله. {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ} وقال {مُّؤْصَدَةٌ} من "أَأْصَدَ" "يُؤصِدُ" وبضعهم يقول: "أُوْصِدَتْ" فذلك لا يهمزها مثل "أَوْجَعَ" فهو "مُوجع" ومثله "أَأْكَفَ" و"أَوْكَفَ" يقالان جميعا.

سورة (الفيل)

المعاني الواردة في آيات سورة (الفيل) {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} [186 ء] قال {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} . المعاني الواردة في آيات سورة (قريش) {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ} {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ} اي: فَعَلَ ذلِكَ لايلافِ قُرَيْشٍ لتألّف ثم ابدل فقال {إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ} لأنها من "أَلَفَ"* وقال بعضهم {لإِيلاَفِ} جعلها من "آلَفُوا".

سورة (الماعون)

المعاني الواردة في آيات سورة (الماعون) {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} قال {أَرَأَيْتَ الَّذِي} تقرأ بالهمز وغير الهمز، [و] هما لغتان، تحذف الهمزة لكثرة استعمال هذه الكلمة. {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} وقال {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} يقول: "يدفعه عن حقه" تقول: "دَعَعْتُه" "أَدُعُّه" دَعّاً". المعاني الواردة في آيات سورة (الكوثر) {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} قال {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} تقول: "شَنِئْتَه" فَـ"أَنا أشنَؤُهُ" شَنَآنا".

سورة (الكافرون)

المعاني الواردة في آيات سورة (الكافرون) {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} قال {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} {وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ} لأن {لا} تجري مجرى {ما} فرفعت على خبر الابتداء. المعاني الواردة في آيات سورة (النصر) {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} قال {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} واحدهم: الفَوْجُ. {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} وقال {َفسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} يقول: "يَكُونُ تسبيحُك بالحَمْد" لأن "التَسْبيح" هو ذكر، فقال: "يكون ذكرك بالحمد على ما اعطيتك من فتح مكة وغيره" ويقول الرجل: "قَضَيْتُ سُبْحتي من الذكر".

سورة (المسد)

المعاني الواردة في آيات سورة (المسد) {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} قال {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ} "تبّت" جزم لأن تاء المؤنث اذا كانت في الفعل فهو جزم نحو "ضَرَبَ" و"ضَرَبْتُ"* وأما قوله {وتّب} فهو مفتوح لأنه فعل مذكر قد مضى. {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} وقال {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [186 ب] يقول: "وَتَصْلَى امرأتُه حمالةِ الحَطَب" و {حمالةُ الحَطَبِ} من صفتها. ونصب بعضهم {حمّالةَ الحَطَب} على الذم كأنه قال "ذكرتُها حمالةَ الحطبِ" ويجوز ان تكون {حمالةَ الحطبِ} نكرة نوى بها التنوين فتكون حالا "امرأته" وتنتصب بقوله {تَصْلى} .

سورة (الاخلاص)

المعاني الواردة في آيات سورة (الاخلاص) {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أما قوله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فان قوله {أَحدُ} بدل من قوله {الله} كأنه قال "هُوَ أَحَدٌ" ومن العرب من لا ينون، يحذف لاجتماع الساكنين. {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} وقوله {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} {أَحَدٌ} هو الاسم و {كُفُوا} هو الخبر. المعاني الواردة في آيات سورة (الفلق) {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} قوله {مِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} تقول "غَسَقَ" "يَغْسِقُ" "غُسُوقاً" وهي: "الظلمة". و"وَقَب" "يَقِبُ" "وُقُوباً" وهو الدخول في الشيء.

سورة (الناس)

المعاني الواردة في آيات سورة (الناس) {مَلِكِ النَّاسِ} قال {مَلِكِ النَّاسِ} تقول: "مَلِكٌ بَيِّنُ المُلْكِ" الميم مضمومة. وتقول: "مَالِكٌ بَيِّنُ المَلْكِ" و"المَِلْكِ" بفتح الميم وبكسرها، وزعموا ان ضم الميم لغة في هذا المعنى. {اله النَّاسِ} وقوله {اله النَّاسِ} بدل من {مَلِكِ النَّاسِ} [2] . {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} وقوله {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} يريد: "مِنْ شَرِّ الوَسْوَاسِ مِنَ الجِنَّةِ والنَّاسِ". و"الجِنَّةُ" هم: الجِنّ.

§1/1