معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة

محمد حسين الجيزاني

ـ[معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة]ـ المؤلف: محمَّد بنْ حسَيْن بن حَسنْ الجيزاني الناشر: دار ابن الجوزي الطبعة: الطبعة الخامسة، 1427 هـ عدد الأجزاء: 1 [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

الطبعة الخامسة - 1427 هـ أصل هذا الكتاب رسالة "دكتوراه" نوقشت في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. وقد تكونت لجنة المناقشة من أصحب الفضيلة: - د. عمر بن عبد العزيز أستاذ أصول الفقه بقسم الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة مشرفاً. - د. علي بن عباس الحكمي رئيس قسم الدراسات العليا الشرعية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة عضواً. - د. أحمد محمود عبد الوهاب أستاذ أصول الفقه بقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عضواً. وقد أجيزت مع مرتبة الشرف الأولى , وكان ذلك في 25 /1/1415 هـ.

المقدمة

المقدمة (1) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. أما بعد: فإن الله سبحانه أرسل رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون. فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت به القلوب بعد شتاتها، وامتلأ به الكون نورًا وابتهاجًا، ودخل الناس في دين الله أفواجًا. فلما أكمل الله تعالى به الدين، وأتم به النعمة على عباده المؤمنين، استأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى، وقد ترك أمته على المحجة البيضاء، والطريق الواضحة الغراء. ثم قام بالدين بعده عصابة الإيمان وعسكر القرآن، أولئك أصحابه - صلى الله عليه وسلم - ألين الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأحسنها بيانًا، وأصدقها إيمانًا، فتحوا القلوب بعدلهم بالقرآن والإيمان، والقرى بالجهاد بالسيف والسنان. وألقوا إلى التابعين ما تلقوه من مشكاة النبوة خالصًا صافيًا. وكان سندهم فيه عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل عن رب العالمين سندًا صحيحًا عاليًا وقالوا: هذا عهد نبينا إلينا وقد عهدنا إليكم. فجرى التابعون لهم بإحسان على منهاجهم القويم، واقتفوا على آثارهم صراطهم المستقيم. ثم سلك تابعوا التابعين هذا المسلك الرشيد، وهدوا إلى الطيب من القول، وهدوا إلى صراط الحميد.

_ (1) في هذه المقدمة اقتباس من كلام ابن القيم رحمه الله. انظر: "إعلام الموقعين" (1/4 - 7، 11، 68) .

ثم سار على آثارهم الرعيل الأول من أتباعهم، ودرج على منهاجهم الموفقون من أشياعهم، زاهدين في التعصب للرجال، واقفين مع الحجة والاستدلال، يسيرون مع الحق أين سارت ركائبه، ويستقلون مع الصواب حيث استقلت مضاربه، فدين الله في نفوسهم أعظم وأجل من أن يقدموا عليه قول أحد من الناس، أو يعارضوه برأي أو قياس. ثم خلف من بعدهم خلوف فرقوا دينهم وكانوا شيعًا، كل حزب بما لديهم فرحون؛ حيث استعملوا قياساتهم الفاسدة، وآراءهم الباطلة، وشبههم الداحضة في رد النصوص الصحيحة الصريحة. فردوا لأجلها ألفاظ النصوص التي وجدوا السبيل إلى تكذيب رواتها وتخطئتهم، وردوا معاني النصوص التي لم يجدوا إلى ألفاظها سبيلاً. فقابلوا الألفاظ بالتكذيب، والمعاني بالتحريف والتأويل. وملئوا بذلك الأوراق سوادًا، والقلوب شكوكًا، والعالم فسادًا. وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه، إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل. وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلبٍ إلا استحكم هلاكه، وفي أمة إلا فسد أمرها أتم فساد. فلا إله إلا الله، كم نُفي بهذه الآراء من حق وأثبت من باطل، وأميت بها من هدى، وأحيي بها من ضلالة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. لأجل ذلك فإن تجلية منهج السلف وبيان طريقتهم سبيل النجاة والخلاص، فهم الفرقة الناجية المذكورة، والطائفة الظاهرة المنصورة. وقد أحببت أن أسهم -ولو بجهد المقل- في إيضاح منهج سلفنا الصالح في علم أصول الفقه على وجه الخصوص. وبعد أن استخرت الله ربي، واستشرت بعض أساتذتي اخترت أن يكون موضوع رسالتي في مرحلة الدكتوراه: "منهج أهل السنة والجماعة في تحرير أصول الفقه" (1) .

_ (1) مما تنبغي الإشارة إليه في هذا المقام أنني قد أدخلت على الرسالة بعض التعديلات من إضافة وتنقيح وإعادة ترتيب، كما غيرت عنوان الرسالة إلى: "معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة".

* مقاصد الكتاب

والمؤمل -بعونه تعالى- أن يحقق هذا الكتاب المقاصد التالية: الأول: التعريف بجهود أهل السنة والجماعة في علم أصول الفقه، وجمع أبحاثهم الأصولية وترتيبها ليسهل الوصول إليها. الثاني: تحرير القواعد الأصولية المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة، وبيان القواعد الأصولية المختلف فيها. الثالث: حماية ركن العقيدة، وذلك بالتنبيه على القواعد الأصولية التي بُنيت على أصول عقدية باطلة. أما الخطة التي سرت عليها: فقد تضمنت -بعد المقدمة- تمهيدًا، وبابين، وخاتمة، رسمها كالآتي: التمهيد: وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة. المبحث الثاني: تعريف أصول الفقه، وموضوعه، ومصادره، وفائدته. المبحث الثالث: تاريخ علم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة. * الباب الأول: الأدلة الشرعية عند أهل السنة والجماعة. وفيه أربعة فصول: - الفصل الأول: الكلام على الأدلة الشرعية إجمالاً. وفيه ثلاث مباحث: المبحث الأول: الأدلة الشرعية من حيث أصلها ومصدرها. المبحث الثاني: الأدلة الشرعية من حيث القطع والظن. المبحث الثالث: الأدلة الشرعية من حيث النقل والعقل. - الفصل الثاني: الأدلة المتفق عليها. وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: الكتاب.

المبحث الثاني: السنة. المبحث الثالث: الإجماع. المبحث الرابع: القياس. - الفصل الثالث: الأدلة المختلف فيها. وفيه خمسة مباحث: المبحث الأول: الاستصحاب. المبحث الثاني: قول الصحابي. المبحث الثالث: شرع من قبلنا. المبحث الرابع: الاستحسان. المبحث الخامس: المصالح المرسلة. - الفصل الرابع: النسخ، والتعارض، والترجيح، وترتيب الأدلة. وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: النسخ. المبحث الثاني: التعارض. المبحث الثالث: الترجيح. المبحث الرابع: ترتيب الأدلة. * الباب الثاني: القواعد الأصولية عند أهل السنة والجماعة. وفيه ثلاثة فصول: - الفصل الأول: الحكم الشرعي. - وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تعريف الحكم الشرعي وأقسامه. وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تعريف الحكم الشرعي. المطلب الثاني: الحكم التكليفي. المطلب الثالث: الحكم الوضعي.

* منهج الكتاب

المبحث الثاني: لوازم الحكم الشرعي. وفيه مطلبان: المطلب الأول: الحاكم. وفيه مسألة واحدة وهي: التحسين والتقبيح العقليان. المطلب الثاني: التكليف. المبحث الثالث: قواعد في الحكم الشرعي. - الفصل الثاني: دلالات الألفاظ وطرق الاستنباط. وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: المبادئ اللغوية. المبحث الثاني: النص، والظاهر، والمؤول، والمجمل، والبيان. المبحث الثالث: الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم. - الفصل الثالث: الاجتهاد، والتقليد، والفتوى. وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: الاجتهاد. المبحث الثاني: التقليد. المبحث الثالث: الفتوى. الخاتمة: وقد ذكرت فيها أهم النتائج والتوصيات. وتتميمًا للفائدة ذيلت الكتاب بملحق تضمن ثلاث قوائم: 1- قائمة بجهود ابن تيمية في أصول الفقه. 2- قائمة بجهود ابن القيم في أصول الفقه. 3- قائمة بالأبحاث الأصولية عند أهل السنة والجماعة. أما المنهج الذي سلكته في هذا الكتاب فهو الآتي: أولاً: الاختصار وعدم التطويل. وذلك لسعة موضوع الكتاب وتشعب أبحاثه وكثرة مسائله، فما لا يدرك كله لا يترك جله، وقد علمت - يقينًا - أن الإتيان على موضوعات هذا الكتاب

* شكر وتقدير

يحتاج إلى فريق من الباحثين، وعددٍ -لا أملكه- من السنين. فاكتفيتُ لذلك برسم خطوطٍ عريضة تعينُ الباحثين، ووضع معالم تضيء الطريق للسالكين. ثانيًا: التأصيل مع الدليل. فقد اقتصرت في هذا الكتاب على بيان مذهب أهل السنة والجماعة، مع ذكر أدلتهم، ولم أتعرض لمذاهب المخالفين لهم؛ إذ الغاية المنشودة من هذا الكتاب الإبانة عن الأدلة الشرعية ومنهج الاستدلال بها لدى أهل السنة والجماعة، والإفصاح عن مسلكهم في القواعد الأصولية. ثالثًا: الاقتصار على كتب أهل السنة والجماعة. فجميع ما تم تقريره وتحريره في هذا الكتاب منقول نقلاً مباشرًا من كلام أهل السنة والجماعة فيما كتبوه في أصول الفقه وفي غيره. إن منهج أهل السنة والجماعة لا يؤصل ولا يحصل من كتب مخالفيهم. نعم هناك مسائل كثيرة وافقهم عليها مخالفوهم، إلا أن المقصود بيانه والمطلوب تبيانه - في هذا الكتاب - لا يتأتى إلا بالنهل من معين أهل السنة الصافي والارتواء من موردهم العذب. ويستثنى من ذلك القضايا اللغوية، ونسبة مذاهب المخالفين لأصحابها ونحو ذلك. رابعًا: إيراد كلام أهل العلم بنصه ما أمكن؛ ففي نقله كذلك توثيق للمادة العلمية، وتوضيح للفكرة. وفيه أيضًا دلالة على المصادر، كما أن في ذلك تعرضًا لبيان الدليل وذكرًا للتعليل. وفي الختام أحمد الله عز وجل على نعمه المتوالية العظيمة وآلائه المتتابعة الجسيمة، وأشكره سبحانه على تيسيره وتوفيقه، فله الحمد في الآخرة والأولى. اللهم لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك. ثم أقدم شكري وتقديري إلى فضيلة الأستاذ الدكتور عمر بن عبد العزيز - وفقه الله لما يحب ويرضى - الذي أكرمني بإشرافه وتوجيهه لهذا البحث.

اللهم بارك له في عمره وماله وولده، وعلمه وعمله، واكتب له التوفيق والسداد في الدنيا والآخرة. كما أقدم شكري وتقديري للمناقشين الكريمين: فضيلة الدكتور علي بن عباس الحكمي، وفضيلة الدكتور أحمد محمود عبد الوهاب الشنقيطي وفقهما الله، وذلك لما بذلاه من وقت وجهد في تقويم هذا البحث وتوجيهه. ثم أشكر كل من أسدى إلي عونًا، أو صنع إلي معروفًا، فجزى الله الجميع خير الجزاء. ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى ذلك الصرح العلمي الشامخ (الجامعة الإسلامية) ، على جهودها العظيمة في مجال توجيه أبناء المسلمين، وبث العقيدة الصحيحة في نفوسهم، وعلى جهودها في مجال البحث العلمي، ونشر منهج السلف الصالح. هذا جهد فما كان فيه من حق وصواب فهو من الله وحده، وما كان فيه من خطأ وضلالة فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله الكريم وأتوب إليه. اللهم اجعل هذا العمل خالصًا لك وحدك، لا حظ فيه لسواك. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. ****

التمهيد

التمهيد وفيه ثلاثة مباحث: * المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة. * المبحث الثاني: تعريف أصول الفقه وموضوعه ومصادره وفائدته. * المبحث الثالث: تاريخ علم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة.

المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة

المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة لأهل السنة والجماعة إطلاقان: إطلاق عام وإطلاق خاص (1) ، أما الإطلاق العام فهو مقابل الشيعة، فيدخل فيه جميع الطوائف إلا الرافضة، وأما الإطلاق الخاص فهو مقابل المبتدعة وأهل الأهواء، فلا يدخل فيه سوى أهل الحديث والسنة المحضة الذين يثبتون الصفات لله تعالى، ويقولون: إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يرى في الآخرة، وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل السنة، والمراد في هذا المقام الإطلاق الخاص. والمراد بالسنة (2) ههنا: الطريقة المسلوكة في الدين وهي ما عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وإن كان الغالب تخصيص اسم السنة بما يتعلق بالاعتقادات لأنها أصل الدين، والمخالف فيها على خطر عظيم (3) . والمراد بالجماعة ههنا: الاجتماع الذي هو ضد الفرقة (4) . فأهل السنة والجماعة هم أهل السنة لأنهم تمسكوا بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه، واقتفوا طريقته باطنًا وظاهرًا، في الاعتقادات والأقوال والأعمال (5) . وأهل السنة والجماعة هم الجماعة التي يجب اتباعها (6) لأنهم اجتمعوا

_ (1) انظر: "منهاج السنة النبوية" (2/221) ، و"مجموع الفتاوى" (4/155) ، و"نهج الأشاعرة في العقيدة" (70) ، و"منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد" (1/28 - 31) . (2) انظر في تعريف السنة في اللغة وفي اصطلاح الأصوليين (122) من هذا الكتاب. (3) انظر: "جامع العلوم والحكم" (2/120) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/157) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/358) ، و"جامع العلوم والحكم" (2/120) ، و" مفهوم أهل السنة والجماعة" (77، 78) . (6) كما ورد ذلك في نصوص كثيرة منها قوله - صلى الله عليه وسلم - «فمن أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة» . رواه الحاكم في المستدرك (1/114) وصححه. انظر -إن شئت- النصوص من الكتاب والسنة على وجوب لزوم الجماعة في كتاب: "وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق" لجمال بادي (15 -84) .

على الحق وأخذوا به، ولأنهم يجتمعون دائمًا على أئمتهم، وعلى الجهاد، وعلى السنة والاتباع، وترك البدع والأهواء والفرق (1) . وهم أهل الحديث والأثر لشدة عنايتهم بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - رواية ودراية واتباعًا، فهم يقدمون الأثر على النظر (2) . وهم الفرقة الناجية (3) المذكورة في قوله - صلى الله عليه وسلم - «والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار» . قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: «الجماعة» (4) . وهم الطائفة المنصورة (5) المذكورة في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» (6) .

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/157) ، و"مفهوم أهل السنة والجماعة" (78) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/347) ، و"مختصر الصواعق" (499) ، و"أهل السنة والجماعة" (49، 50) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/345، 347، 370) . (4) رواه بهذا اللفظ ابن ماجه في سننه (2/1322) برقم (3992) وهذا الحديث مشهور، وله ألفاظ متعددة، منها ما رواه أبو داود في سننه (4/197، 198) برقم (4596، 4597) ، وابن ماجه في سننه أيضًا (2/1321، 1322) برقم (3991، 3993) ، والترمذي في سننه (5/25، 26) برقم (2640، 2641) ، والحديث صححه ابن تيمية. انظر: "مجموع الفتاوى" (3/345) ، والألباني "السلسلة الصحيحة" (1/256) وما بعدها برقم (203، 204) (3/480) برقم (1492) ، وللاستزادة في معرفة طرق هذا الحديث ورواياته وكلام أهل العلم عليه انظر إضافة إلى المرجعين السابقين: "صفة الغرباء" لسلمان العودة، و"نصح الأمة في فهم أحاديث افتراق الأمة" لسليم الهلالي، و"درء الارتياب عن حديث: ما أنا عليه اليوم والأصحاب" له أيضًا. (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/159) ، و"أهل السنة والجماعة" (52 – 56) . (6) رواه مسلم (13/65) ، وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة بألفاظ متعددة. انظر ذلك والكلام على فقه هذا الحديث في: "السلسلة الصحيحة" للألباني (1/478 – 486) ، برقم (270) ، و (4/597 – 604) ، برقم (1955 – 1962) "صفة الغرباء" لسلمان العودة، و"وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق" لجمال بادي (119 – 131) .

- من خصائص أهل السنة والجماعة

وهم السلف، إذ المراد بالسلف الصحابة رضوان الله عليهم، وتابعوهم، وأتباعهم إلى يوم الدين. وقد يراد بالسلف القرون المفضلة الثلاثة المتقدمة (1) . ومن خصائص أهل السنة والجماعة: 1- أنه ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزًا بين صحيحها وسقيمها (2) . 2- أنهم "جعلوا الكتاب والسنة إمامهم، وطلبوا الدين من قبلهما، وما وقع لهم من معقولهم وخواطرهم وآرائهم عرضوه على الكتاب والسنة، فإن وجدوه موافقًا لهما قبلوه وشكروا الله حيث أراهم ذلك ووفقهم له، وإن وجدوه مخالفًا لهما تركوا ما وقع لهم وأقبلوا على الكتاب والسنة، ورجعوا بالتهمة على أنفسهم، فإن الكتاب والسنة لا يهديان إلا إلى الحق، ورأي الإنسان قد يكون حقًا وقد يكون باطلاً" (3) . 3- أنه ليس لهم لقب يعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها، كما قال بعض الأئمة وقد سئل عن السنة، فقال: السنة ما لا اسم له سوى السنة. وأهل البدع ينتسبون إلى المقالة تارة، وإلى القائل تارة، وأهل السنة بريئون من هذه النسب كلها وإنما نسبتهم إلى الحديث والسنة (4) . 4- أنهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم وتباعد ديارهم، تجد أن جميع كتبهم المصنفة من أولها إلى آخرها في باب الاعتقاد، على وتيرة واحدة ونمط واحد، يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها، قلوبهم في ذلك على قلب واحد، ونقلهم لا ترى فيه اختلافًا ولا تفرقًا، بل لو جمعت ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء عن قلب واحد وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبينُ من هذا؟ قال الله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] (5) .

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/157) ، و"أهل السنة والجماعة" (51، 52) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/157، 347) . (3) "مختصر الصواعق" (496) . (4) انظر المصدر السابق (500) . (5) انظر: "مختصر الصواعق" (497) .

قال أبو المظفر ابن السمعاني: "وكان السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطريق النقل، فأورثهم الاتفاق والائتلاف، وأهل البدع أخذوا الدين من عقولهم فأورثهم التفرق والاختلاف، فإن النقل والرواية من الثقات والمتقنين قلما تختلف، وإن اختلفت في لفظة أو كلمة فذلك الاختلاف لا يضر الدين ولا يقدح فيه، وأما المعقولات والخواطر والآراء فقلما تتفق، بل عقل كل واحدٍ ورأيه وخاطره يُرِي صاحبه غير ما يُرِي الآخر" (1) . 5- أنهم وسط بين الفرق، كما أن أهل الإسلام وسط بين الملل (2) . ****

_ (1) "مختصر الصواعق" (497) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/341 – 370) . وللاستزادة انظر: "وسطية أهل السنة بين الفرق" للدكتور محمد باكريم.

المبحث الثاني: تعريف أصول الفقه وموضوعه ومصادره وفائدته

المبحث الثاني: تعريف أصول الفقه وموضوعه ومصادره وفائدته أولاً: تعريف أصول الفقه: أصول الفقه باعتباره عَلَمًا ولقبًا على الفن المعروف يمكن تعريفه بأنه: "أدلة الفقه الإجمالية، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد" (1) . وقد اشتمل هذا التعريف على ثلاثة من مباحث علم الأصول الأربعة وهي: الأدلة، وطرق الاستنباط، والاجتهاد، وذلك كما يلي: 1- "أدلة الفقه الإجمالية"، وهي: الأدلة الشرعية المتفق عليها والمختلف فيها. 2- "كيفية الاستفادة منها"؛ أي: كيفية استفادة الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية، والمقصود بذلك طرق الاستنباط، مثل: الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والمنطوق والمفهوم. 3- "حال المستفيد"؛ أي: المجتهد. ويدخل في ذلك مباحث التعارض والترجيح، والفتوى؛ لأنها من خصائص المجتهد، وتدخل مباحث التقليد أيضًا لكون المقلد تابعًا له. بقي من مباحث علم الأصول رابعها وهو مبحث الأحكام، وهذا المبحث لا يدخل في هذا التعريف باعتبار أن موضوع أصول الفقه هو الأدلة، فتكون الأحكام بهذا الاعتبار مقدمة من مقدمات علم أصول الفقه غير داخلة في موضوعه. وعلى كل فإن مباحث هذا العلم أربعة: الأدلة، وطرق الاستنباط، والاجتهاد، والأحكام. وعند التأمل نجد مبحث الأحكام من المباحث الثابتة في هذا العلم، سواء ذكر في التعريف أم لم يذكر، وسواء اعتبر موضوعًا لعلم الأصول أم لم يُعتبر.

_ (1) انظر: "قواعد الأصول" (21) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/44) .

- تعريف أصول الفقه باعتباره مركبا

أما تعريف أصول الفقه باعتباره مركبًا فإن هذا يحتاج إلى تعريف كلمة أصول وكلمة الفقه. أما الأصول: فإنها جمع أصل، والأصل في اللغة: ما يستند وجود الشيء إليه (1) . وفي الاصطلاح: يطلق على الدليل غالبًا، كقولهم: "أصل هذه المسألة الكتاب والسنة"؛ أي: دليلها، ويُطلق على غير ذلك، إلا أن هذا الإطلاق هو المراد في علم الأصول (2) . وأما الفقه في اللغة: فهو الفهم، ويطلق على العلم، وعلى الفطنة (3) . وفي الاصطلاح: هو "العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية" (4) . ثانيًا: موضوع أصول الفقه: هو معرفة الأدلة الشرعية ومراتبها وأحوالها (5) . ثالثًا: مصادر أصول الفقه: والمقصود بمصادر أصول الفقه الأدلة والأصول التي بُنيت عليها قواعده، وهي (6) : أ- استقراء نصوص الكتاب والسنة الصحيحة.

_ (1) انظر: "المصباح المنير" (16) . (2) انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/39) . (3) انظر: "مجمل اللغة" (2/703) ، و"أساس البلاغة" (346) ، و"لسان العرب" (13/522، 523) ، و"المصباح المنير" (479) ، و"المعجم الوسيط" (2/698) ، وللاستزادة انظر: بحث التعريف بالفقه للدكتور عمر عبد العزيز، ضمن مجلة البحوث الفقهية المعاصرة. العدد الأول (155 - 157) . (4) انظر: "مختصر ابن اللحام" (31) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/41) ، و" المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (58) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/401) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/36) . (6) انظر (ص 49) من هذا الكتاب للوقوف على أمثلة لذلك من كتاب: الرسالة للإمام الشافعي.

رابعا: فائدة أصول الفقه

ب- الآثار المروية عن الصحابة والتابعين. ج- إجماع السلف الصالح. د- قواعد اللغة العربية وشواهدها المنقولة عن العرب. هـ- الفطرة السوية والعقل السليم. و اجتهادات أهل العلم واستنباطاتهم وفق الضوابط الشرعية. رابعًا: فائدة أصول الفقه: من فوائد علم أصول الفقه: 1- ضبط أصول الاستدلال، وذلك ببيان الأدلة الصحيحة من الزائفة. 2- إيضاح الوجه الصحيح للاستدلال، فليس كل دليل صحيح يكون الاستدلال به صحيحًا. 3- تيسير عملية الاجتهاد وإعطاء الحوادث الجديدة ما يناسبها من الأحكام. 4- بيان ضوابط الفتوى، وشروط المفتي، وآدابه. 5- معرفة الأسباب التي أدت إلى وقوع الخلاف بين العلماء، والتماس الأعذار لهم في ذلك. 6- الدعوة إلى اتباع الدليل حيثما كان، وترك التعصب والتقليد الأعمى. 7- حفظ العقيدة الإسلامية بحماية أصول الاستدلال والرد على شبه المنحرفين. 8- صيانة الفقه الإسلامي من الانفتاح المترتب على وضع مصادر جديدة للتشريع، ومن الجمود المترتب على دعوى إغلاق باب الاجتهاد. 9- ضبط قواعد الحوار والمناظرة، وذلك بالرجوع إلى الأدلة الصحيحة المعتبرة. 10- الوقوف على سماحة الشريعة الإسلامية ويسرها، والاطلاع على محاسن هذا الدين.

المبحث الثالث: تاريخ أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة

المبحث الثالث: تاريخ أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة إن علم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة مر بثلاث مراحل رئيسية، تتمثل المرحلة الأولى في تدوين الإمام الشافعي لهذا العلم الجليل، وتتجلى المرحلة الثانية في الاتجاه الحديثي لعلم الأصول وذلك على يد إمامين جليلين هما الخطيب البغدادي وابن عبد البر، وفي المرحلة الثالثة برز جانب الإصلاح وتقويم العوج الطارئ على علم الأصول، وكان ذلك على يد الإمامين العظيمين ابن تيمية وابن القيم. وكان لهؤلاء الأئمة الخمسة ولغيرهم من أئمة أهل السنة والجماعة جهود بارزة ومؤلفات عديدة أوضحت المنهج، ورسمت الطريق، وحددت المعالم. وبالنظر إلى تلك الجهود وهذه المؤلفات نجد أن منها ما هو خاص بأصول الفقه مشتمل على جملة أبحاثه، ومنها ما هو خاص في فن معين غير أصول الفقه، لكنه مشتمل على أبحاث أصولية قلت أو كثرت (1) . وعند النظر إلى المؤلفات الأصولية الخاصة تبرز لنا أربعة مؤلفات، امتاز كل واحد من هذه المؤلفات بما يستأهل لأجله أن يفرد بدراسة مستقلة، وهذه المؤلفات هي: كتاب "الرسالة" للإمام الشافعي، و "الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي، و"روضة الناظر" لابن قدامة، و"شرح الكوكب المنير" لابن النجار الفتوحي. فالمقام إذن يقتضي تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين: المطلب الأول: المراحل التي مر بها علم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة. المطلب الثاني: دراسة مستقلة للكتب الأربعة؛ وهي: الرسالة، والفقيه والمتفقه، وروضة الناظر، وشرح الكوكب المنير.

_ (1) ينظر في ذلك القائمة الخاصة بالأبحاث الأصولية عند أهل السنة والجماعة (548) من هذا الكتاب.

المطلب الأول: المراحل التي مر بها علم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة

المطلب الأول: المراحل التي مر بها علم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة - المرحلة الأولى: تبدأ هذه المرحلة بعصر الإمام الشافعي، وتنتهي بنهاية القرن الرابع تقريبًا. وأهم ما يميز هذه المرحلة هو تدوين الإمام الشافعي لعلم أصول الفقه (1) ، وما يتصل بهذا التدوين من ظروف وأحوال. لقد جاء الشافعي في عصر ظهرت فيه مدرستان، استقامت كل واحدة على منهج واحد معين، وكان الفقهاء إلا قليلاً يسيرون على منهج إحدى المدرستين لا يخالفونه إلى نهج الأخرى، إحدى هاتين المدرستين: مدرسة الحديث وكانت بالمدينة، وشيخها هو مالك بن أنس (2) صاحب الموطأ. والمدرسة الثانية: مدرسة الرأي، وكانت بالعراق، وشيوخها هم أصحاب أبي حنيفة (3) من بعده. لقد غلب على مدرسة الحديث جانب الرواية؛ لكون المدينة موطن الصحابة ومكان الوحي، وغلب على مدرسة الرأي جانب الرأي لعدم توافر

_ (1) انظر ما سيأتي (46) من هذا الكتاب فيما يتعلق بتأليف الشافعي لكتاب الرسالة. (2) هو: مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، إمام دار الهجرة، أحد أئمة المذاهب المتبوعة، وهو من تابعي التابعين، سمع نافعًا مولي ابن عمر رضي الله عنهما، روى عنه الأوزاعي والثوري وابن عيينة والليث بن سعد والشافعي، وأجمعت الأمة على إمامته وجلالته والإذعان له في الحفظ والتثبيت، له كتاب "الموطأ"، ولد سنة (93هـ) ، وتوفي سنة (179هـ) . انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (2/75) ، و"شذرات الذهب" (1/289) . (3) هو: النعمان بن ثابت بن كاوس، أبو حنيفة الفقيه الكوفي، إليه ينسب المذهب الحنفي، كان عالمًا عاملاً زاهدًا عابدًا، وكان إمامًا في القياس، عُرف بقوة الحجة، ولد سنة (80هـ) ، وتوفي سنة (150هـ) . انظر: "وفيات الأعيان" (5/405) ، و"الجواهر المضيئة" (1/49) .

* آثار الشافعي في أصول الفقه

أسباب الرواية لديهم، فقد كثرت الفتن والوضع والوضاعون. إن كلتا المدرستين تتفق على وجوب الأخذ بالكتاب والسنة وعدم تقديم الرأي على النص. لقد استطاع الإمام الشافعي الجمع بين هذين المنهجين، والفوز بمحاسن هاتين المدرستين، فاجتمع للشافعي فقه الإمام مالك بالمدينة حيث تلقى عنه، وفقه أبي حنيفة بالعراق إذ تلقاه عن صاحبه محمد بن الحسن (1) ، إضافة إلى فقه أهل الشام وأهل مصر حيث أخذ عن فقهائهما. يضاف إلى ذلك مدرسة مكة التي تُعني بتفسير القرآن الكريم وأسباب نزوله، ولغة العرب وعاداتهم، إذ تلقى العلم بمكة على من كان فيها من الفقهاء والمحدثين حتى بلغ منزلة الإفتاء. كما أن الشافعي خرج إلى البادية ولازم هُذيلاً وكانت من أفصح العرب، فتعلم كلامها وأخذ طبعها، وحفظ الكثير من أشعار الهذليين وأخبار العرب. بهذه المعطيات استطاع الإمام الشافعي أن يضع للفقهاء أصولاً للاستنباط، وقواعد للاستدلال، وضوابط للاجتهاد. وجعل الفقه مبنيًا على أصول ثابتة لا على طائفة من الفتاوى والأقضية. لقد فتح الشافعي بذلك عين الفقه، وسن الطريق لمن جاء بعده من المجتهدين ليسلكوا مثل ما سلك وليتموا ما بدأ (2) . هكذا صنف الإمام الشافعي كتاب "الرسالة"، فكان أول كتاب في علم أصول الفقه (3) .

_ (1) هو: محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، صحب أبا حنيفة، وعنه أخذ الفقه، ثم عن أبي يوسف، وروى عن مالك والثوري، وروى عنه ابن معين، وأخذ عنه الشافعي، وهو الذي نشر علم أبي حنيفة فيمن نشره، وكان فصيحًا بليغًا عالمًا فقيهًا، له كتاب: "السير الكبير"، و"السير الصغير"، و"الآثار"، ولد سنة (132هـ) ، وتوفي سنة (189هـ) . انظر: "تاج التراجم" (237) ، و"شذرات الذهب" (1/321) . (2) انظر: "الشافعي" لأبي زهرة (354) . (3) انظر ما سيأتي (ص47) من هذا الكتاب.

قال الإمام أحمد بن حنبل (1) : "كان الفقه قفلاً على أهله حتى فتحه الله بالشافعي" (2) . وقال أيضًا: "كانت أقضيتنا في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تنزع، حتى رأينا الشافعي، فكان أفقه الناس في كتاب الله، وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يشبع صاحب الحديث من كتب الشافعي" (3) . وقال أيضًا: "لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث" (4) . وقد اشتمل كتاب "الرسالة" على أكثر مباحث الشافعي الأصولية، لكنه لم يشتمل عليها كلها، بل للشافعي مباحث مستقلة غيرها في الأصول (5) . فمن ذلك كتاب "جماع العلم" (6) الذي اشتمل على حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها، وحكاية قول من رد خبر الواحد، ومناظرة في الإجماع، وغير ذلك، وقد كان تأليفه له بعد كتاب "الرسالة" (7) ، ومن ذلك كتاب "اختلاف الحديث" (8) فقد ألفه بعد كتاب "جماع العلم" (9) وبين فيه أنواع الاختلاف الوارد في الأحاديث النبوية وبوبه تبويبًا فقهيًا. وللشافعي أيضًا كتاب"صفة نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - " (10) ،وكتاب"إبطال الاستحسان" (11) ، أما الكلام على كتاب "الرسالة" فسيأتي لاحقًا، إن شاء الله تعالى (12) .

_ (1) هو: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أبو عبد الله الفقيه المحدث، إليه ينسب المذهب الحنبلي، كان إمامًا في الفقه والحديث والزهد والورع، له كتاب "المسند"، ولد سنة (164هـ) ، وتوفي سنة (241هـ) . انظر: "طبقات الحنابلة" (1/4) ، و"سير أعلام النبلاء" (11/177) . (2) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (1/61) . (3) انظر المصدر السابق، ومقدمة كتاب "الرسالة" (6) . (4) انظر المصدرين السابقين. (5) انظر: "الشافعي" لأبي زهرة " (186) . (6) طبع هذا الكتاب مستقلاً بتحقيق العلامة أحمد شاكر. (7) انظر: "جماع العلم" (7، 25، 32) . (8) طبع هذا الكتاب مستقلاً بتحقيق محمد أحمد عبد العزيز. (9) انظر: "اختلاف الحديث" (13) . (10) طبع هذا الكتاب بتحقيق العلامة أحمد شاكر في آخر كتاب "جماع العلم". (11) طبع هذا الكتاب مستقلاً في رسالة صغيرة بتقديم الشيخ علي بن محمد بن سنان. (12) انظر (ص46) من هذا الكتاب.

* القضايا الأصولية التي قررها الشافعي في آثاره

لقد وضع الشافعي اللبنة الأولى في تدوين علم الأصول، وأوضح معالم هذا الفن وجلَّى صورته. والإمام الشافعي فيما فعل كان مقتفيًا بأثر من قبله، متبعًا لا مبتدعًا، اعتمد فيه على هدي الكتاب والسنة وسيرة الصحابة رضوان الله عليهم وآثار الأئمة المهتدين، واستفاد -أيضًا- من علم العربية وأخبار الناس، والرأي والقياس، ولعل أهم القضايا الأصولية التي قررها الشافعي وسعى إلى بيانها في آثاره التي بين أيدينا: 1- بيان الأدلة الشرعية، وهي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وتوضيح مراتبها. 2- إثبات حجية السنة عمومًا، وتثبيت خبر الواحد خصوصًا، وبيان أنه لا تعارض بين الكتاب والسنة، ولا بين أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -. 3- بيان وجوب اتباع سبيل المؤمنين. 4- تحديد ضوابط الأخذ بالرأي، وشروط استعمال القياس. 5- إبطال القول على الله بلا علم، دون حجة أو برهان. 6- التنبيه على أن القرآن نزل بلغة العرب، وأن فيه عددًا من الوجوه الموجودة في اللسان العربي. 7- بيان الأوامر والنواهي. 8- ذكر الناسخ والمنسوخ. هذا فيما يتعلق بجهود الإمام الشافعي وآثاره. ثم تتابعت بعد بذلك جهود علماء أهل السنة، وكانت معظم هذه الجهود في هذه المرحلة الزمنية تتركز على الاعتصام بالكتاب والسنة. فمن ذلك: "رسالة الإمام أحمد في طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - " (1) ، وكتاب "أخبار الآحاد"، وكتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة"، كلاهما من الجامع الصحيح للإمام

_ (1) انظر: "مسائل الإمام أحمد" برواية ابنه عبد الله (3/1355 - 1361) ، و"إعلام الموقعين" (2/290 - 293) .

* الخلاصة

البخاري (1) ، وما صنفه خطيب أهل السنة الإمام ابن قتيبة (2) : كتاب "تأويل مشكل القرآن" (3) وكتاب "تأويل مختلف الحديث" (4) . وغير ذلك مما كتبه أئمة السلف (5) في كتب العقائد والرد على الفرق الضالة حيث قرروا وجوب التمسك بالكتاب والسنة، وأقاموا لهذا الأصل العظيم الأدلة والشواهد الشرعية. وخلاصة القول: أنه قد تم في هذه المرحلة تدوين علم أصول الفقه، وذلك على يد الإمام الشافعي الذي كان أهلاً للقيام بهذا الدور العظيم لما اجتمع فيه من علم الكتاب والسنة، وفقه الاستنباط، وعلم اللغة، إضافة إلى ما أوتي من عقل وذكاء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ثم بعد ذلك جاءت جهود العلماء متممة لما بدأه الشافعي، خاصة فيما يتعلق بوجوب الاعتصام بالكتاب والسنة، فكانت هذه الجهود وتلك بمثابة الخطوط العريضة لمنهج أهل السنة والجماعة، والقواعد العامة لطريقتهم في أصول الفقه، وكان لهذه المرحلة الزمنية الأثر البليغ والتأثير العظيم في جهود العلماء اللاحقة، كما سيظهر ذلك جليًا في المرحلة الثانية والثالثة.

_ (1) هو: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، أبو عبد الله، الإمام صاحب الصحيح، أمير المؤمنين في الحديث، كان من أوعية العلم يتقد ذكاءً، أجمع الناس على صحة كتابه "الصحيح"، ولد سنة (194هـ) ، وتوفي سنة (256هـ) . انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (1/ 67) ، و"شذرات الذهب" (2/134) . (2) هو: عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد، الإمام النحوي اللغوي، كان فاضلاً ثقة، يلقب بخطيب أهل السنة، له كتاب: "المعارف"، و"أدب الكاتب"، و"تأويل مشكل القرآن"، و"تأويل مختلف الحديث"، توفي سنة (276هـ) . انظر: "تاريخ بغداد" (10/170) ، و"شذرات الذهب" (2/168) . (3) طبع هذا الكتاب في مجلد واحد، شرحه ونشره السيد أحمد صقر. (4) طبع هذا الكتاب في مجلد واحد، بتصحيح وتنقيح إسماعيل الخطيب. (5) من ذلك كتاب "الشريعة" للإمام الآجري، المتوفى سنة (360هـ) ، وكتاب "الإبانة الكبرى" للإمام ابن بطة العكبري، المتوفي سنة (387هـ) ، وكتاب "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للإمام اللالكائي، المتوفي سنة (418هـ) وانظر للاستزادة ما سيأتي في (ص 554) برقم (29) من هذا الكتاب.

- المرحلة الثانية

- المرحلة الثانية: تبدأ هذه المرحلة من أوائل القرن الخامس، وحتى نهاية القرن السابع على وجه التقريب، وقد برز في هذه المرحلة إمامان: إمام أهل السنة في المشرق الخطيب البغدادي، صاحب كتاب "تاريخ بغداد". وإمام أهل السنة في المغرب أبو عمر بن عبد البر (1) ، صاحب كتاب "التمهيد". أما حافظ بغداد فقد صنف في أصول الفقه كتاب "الفقيه والمتفقه" الذي جعله نصيحة لأهل الحديث، ويُعد هذا الكتاب امتدادًا لكتاب الرسالة للشافعي، ثم إنه أضاف فيه قضايا جدلية ومباحث متعلقة بأدب الفقه، وسيأتي الكلام لاحقًا على هذا الكتاب (2) . وأما حافظ الأندلس فقد صنف كتاب "جامع بيان العلم وفضله" استجابة لمن سأله عن معنى العلم، وعن تثبيت الحجاج بالعلم، وتبيين فساد القول في دين الله بغير فهم، وتحريم الحكم بغير حجة، وما الذي أجيز من الاحتجاج والجدل، وما الذي كره منه؟ وما الذي ذم من الرأي، وما حُمد منه؟ وما يجوز من التقليد، وما حرم منه؟ (3) فأجابه الشيخ إلى ما سأل قائلاً: "ورغبتُ أن أقدم لك قبل هذا من آداب التعلم وما يلزم العالم والمتعلم التخلق به والمواظبة عليه، وكيف وجه الطلب، وما حُمد ومُدح فيه من الاجتهاد والنصب إلى سائر أنواع آداب التعلم والتعليم وفضل ذلك، وتلخيصه

_ (1) هو: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر، إمام عصره في الحديث والأثر وما يتعلق بهما، كان موفقًا في التأليف معانًا عليه ونفع الله به، له كتاب: "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد"، و"الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار"، و"الاستيعاب في أسماء الأصحاب"، توفي سنة (463هـ) . انظر: "الديباج المذهب" (357) ، و"شذرات الذهب" (3/314) . (2) انظر (51) من هذا الكتاب. (3) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (1/3) .

* أبرز المباحث الأصولية التي ذكرها ابن عبد البر في كتاب الجامع

بابًا بابًا مما روي عن سلف هذه الأمة رضي الله عنهم أجمعين لتتبع هديهم، وتسلك سبيلهم وتعرف ما اعتمدوا عليه من ذلك مجتمعين أو مختلفين في المعنى منه، فأجبتك إلى ما رغبت ... " (1) . ومما مضى تبين أن الكتاب يبحث في موضوعين: الأول: في فضل العلم وآداب أهله. والثاني: في مباحث أصولية. استغرق الموضوع الأول نصف الكتاب الأول تقريبًا. وكان من أبرز المباحث الأصولية التي تكلم عليها في النصف الآخر من الكتاب. * أصول العلم: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس. * ما جاء في أن العلم هو ما كان مأخوذًا عن الصحابة، وما لم يؤخذ عنهم فليس بعلم. * الاجتهاد والقياس. * التقليد والاتباع. * الفتوى. * موضع السنة من الكتاب وبيانها له. ويلاحظ: استفادة ابن عبد البر من مروياته الحديثية، ومن النقل عن أئمة المالكية (2) ، وحرصه على نقل ما عليه سلف الأمة، وهو يعقب -في الغالب- على ما يروي من آثار وأحاديث وعلى ما ينقل بقوله: "قال أبو عمر"، أو "قلت" (3) .

_ (1) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (1/3) (2) كالإمام مالك وأشهب وابن القاسم وابن وهب. انظر مثلاً (2/72، 73، 81، 88، 95) . (3) وقد يسر الله جمع آراء ابن عبد البر الأصولية في رسالة علمية قدمها الباحث العربي بن محمد فتوح بعنوان: "أصول الفقه عند ابن عبد البر جمعًا وتوثيقًا ودراسة"، حصل بها على درجة الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سنة (1411هـ) .

وقد نقل ابن عبد البر من كتب الشافعي في مواضع (1) ، وعن محمد بن الحسن في مواضع (2) . وفي الجملة فإن هذا الكتاب مليء بالآثار والنقول المسندة عن عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين من بعدهم، ومشتمل على أقوال ثلة من أهل العلم المتقدمين. والكتاب بحاجة إلى دراسة حديثية لآثاره وأسانيده (3) ، وتنظيم طباعي، وتحقيق علمي لمباحثه الأصولية، ومقدمة دراسية عن المؤلف وكتابه، وفهارس دقيقة متنوعة. وقد ظهر في هذه المرحلة أيضًا كتابان: الأول: كتاب "تقويم الأدلة" لأبي زيد الدبوسي (4) . والثاني: كتاب "المستصفى" للإمام الغزالي (5) . وكلا هذين الكتابين يمثل اتجاهًا مستقلاً في أصول الفقه. فالأول يقول عنه ابن خلدون (6) : "أما طريقة الحنفية فكتبوا فيها كثيرًا،

_ (1) انظر مثلاً (2/61، 72، 73، 74، 82) وقد نقل في مواضع عن المزني. انظر (2/83، 89) . (2) انظر مثلاً (2/26، 61) . (3) صدرت مؤخرًا طبعة جديدة بتحقيق أبي الأشبال الزهيري. (4) هو: عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي الحنفي، أبو زيد، كان أحد من يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج، وهو أول من أبرز علم الخلاف إلى الوجود، له كتاب: "الأسرار"، و"تقويم الأدلة"، و"الأمد الأقصى"، توفي سنة (430هـ) . انظر: "تاج التراجم" (192) ، و"شذرات الذهب" (3/345) . (5) هو: محمد بن محمد بن محمد الطوسي، أبو حامد الغزالي، حجة الإسلام وأعجوبة الزمان، صاحب التصانيف والذكاء المفرط، شيخ الشافعية، برع في علوم كثيرة، له كتاب: "إحياء علوم الدين"، و"المنخول"، و"البسيط"، و"الوسيط"، و"الوجيز"، توفي سنة (505هـ) . انظر: "سير أعلام النبلاء" (19/322) ، و"الأعلام (7/22) . (6) هو: عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن الحضرمي الأشبيلي المالكي، ولي الدين أبو زيد، ولي قضاء المالكية بالقاهرة ثم عزل، عالم أديب مؤرخ، له كتاب: "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" المعروف بتاريخ ابن خلدون، وله "لباب المحصل في أصول الدين"، توفي سنة (808هـ) . انظر: "شذرات الذهب" (7/76) ، و"معجم المؤلفين" (5/188) .

* كتاب قواطع الأدلة لابن السمعاني

وكان من أحسن كتابة فيها للمتقدمين تأليف أبي زيد الدبوسي" (1) . وقال أيضًا: "وجاء أبو زيد الدبوسي من أئمتهم -أي الحنفية- فكتب في القياس بأوسع من جميعهم، وتمم الأبحاث والشروط التي يحتاج إليها فيه. وكملت صناعة أصول الفقه بكماله، وتهذبت مسائله وتمهدت قواعده" (2) . وأما الثاني وهو كتاب "المستصفى" فإنه يعتبر واسطة العقد في كتب المتكلمين الأصولية، فهو جامع لما سبقه من مؤلفات أصولية، وما بعده لا يخلو من الاستفادة منه، وبه اكتملت أركان علم الأصول، وفيه نضجت مباحثه وتمت مسائله (3) . وقد أحسن أهل السنة التعامل مع هذين الكتابين المهمين، والاستفادة مما فيهما. أما كتاب "تقويم الأدلة" للدبوسي فقد تصدى له أبو المظفر ابن السمعاني (4) في كتابه "قواطع الأدلة" (5) . قال أبو المظفر في مقدمة هذا الكتاب: "وما زلت طول أيامي أطالع تصانيف الأصحاب في هذا الباب وتصانيف غيرهم، فرأيت أكثرهم قد قنع بظاهرٍ من الكلام، ورائقٍ من العبارة، ولم يداخل حقيقة الأصول على ما يوافق معاني الفقه.

_ (1) مقدمة "ابن خلدون" (361) . (2) المصدر السابق. (3) انظر ما سيأتي (ص54، 55) من هذا الكتاب. (4) هو: منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد، أبو المظفر السمعاني التميمي، الحنفي ثم الشافعي، من أعلام أهل السنة في عصره، له كتاب "التفسير"، وله في أصول الفقه كتاب "قواطع الأدلة" وله في الفقه كتاب "الاصطلام"، توفي سنة (489هـ) . انظر "طبقات الشافعية الكبرى" لابن السبكي (4/21) ، و"طبقات الشافعية" لابن قاضي شهبة (1/273) . (5) كتاب "قواطع الأدلة" قام بتحقيق بعضه الدكتور عبد الله الحكمي سنة (1407هـ) في مرحلة الدكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ثم طبع الكتاب كاملاً ونشر سنة (1419هـ) بتحقيق د. عبد الله الحكمي، ود. علي عباس الحكمي، وذلك في خمسة مجلدات.

ورأيت بعضهم قد أوغل وحلل وداخل، غير أنه حاد عن محجة الفقهاء في كثير من المسائل، وسلك طريق المتكلمين الذين هم أجانب عن الفقه ومعانيه، بل لا قبيل لهم فيه ولا دبير، ولا نقير ولا قطمير.... فاستخرت الله تعالى عند ذلك، وعمدت إلى مجموع مختصر في أصول الفقه؛ أسلك فيه محض طريقة الفقهاء، من غير زيغ عنه ولا حيد ولا جنف ولا ميل، ولا أرضي بظاهر من الكلام، ومتكلف من العبارة، يهول على السامعين، ويسبي قلوب الأغتام (1) الجاهلين، لكن أقصد لباب اللب، وصفو الفطنة، وزبدة الفهم، وأنص على المعتمد عليه في كل مسألة، وأذكر من شبه المخالفين بما عوّلوا عليه. وأخص ما ذكره القاضي أبو زيد الدبوسي في "تقويم الأدلة" بالإيراد، وأتكلم عليه بما تزاح معه الشبهة، وينحل به الإشكال، بعون الله تعالى. وأشير عند وصولي إلى المسائل المشتهرة بين الفريقين إلى بعض المسائل التي تتفرع عنها لتكون عونًا للناظر ... " (2) . وقد استفاد أبو المظفر من أبي زيد الدبوسي ونقل عنه عددًا من المباحث، وأورد عليه ورد عليه في مباحث أخرى (3) . وكتاب "القواطع" امتاز بتوسطه بين طريقتين: طريقة الفقهاء، وطريقة المتكلمين. فهو لم يجرد كتابه عن الفروع الفقهية، بل أورد فيه عددًا من المسائل الفقهية، كما أنه حرر المسائل وأصل القواعد على أدلة الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة، وقد أكثر من النقل عن الإمام الشافعي خاصة (4) ، وعن غيره من أئمة أهل السنة.

_ (1) الأغتام: جمع أغتم، وهو الذي لا يفصح في كلامه. انظر: "لسان العرب" (12/433) . (2) "قواطع الدلة" (1/5 – 8) . (3) انظر مقدمة محقق القواطع: (1/73) . (4) انظر فهرس كتاب القواطع: (5/414 – 415) .

* الخلاصة

وقال ابن السبكي (1) عن هذا الكتاب: "ولا أعرف في أصول الفقه أحسن من كتاب "القواطع" ولا أجمع، كما لا أعرف فيه أجل ولا أفحل من برهان إمام الحرمين (2) . فبينهما في الحسن عموم وخصوص" (3) . أما كتاب "المستصفى" للغزالي فقد قام باختصاره وتهذيبه الإمام الموفق ابن قدامة وذلك في كتاب "روضة الناظر وجنة المناظر"، وسيأتي الكلام على ذلك لاحقًا (4) . وخلاصة القول: أن هذه المرحلة اتسمت بغزارة المادة الأصولية المبنية على الأحاديث النبوية والآثار المروية عن الصحابة والتابعين، وذلك يمثله بوضوح كتاب ابن عبد البر وكتاب الخطيب البغدادي، كما أن هذه المرحلة تميزت بالاتجاه الحديثي المتمثل بذكر المرويات بأسانيدها، ولم يكن هذا الاتجاه قاصرًا على الرواية والتحديث بل انضم إلى ذلك الاستنباط والفهم، وإثبات القياس والاجتهاد، والدعوة إلى إعمال الرأي في حدود الشرع، والتحذير من التسرع في الفتيا وإصدار الأحكام، والتنبيه على فضل العلم وأدب أهله. وكانت هذه المرحلة امتدادًا للمرحلة السابقة التي تمثلت في كتاب "الرسالة" للشافعي، فقد استفاد ابن عبد البر، والخطيب والبغدادي وابن السمعاني، استفادة مباشرة واضحة من آثار الشافعي. أما كتاب "الروضة" لابن قدامة فإنه يمثل نقلة

_ (1) هو: عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي، تاج الدين أبو النصر، اشتغل بالقضاء، له مصنفات منها: "الإبهاج" وقد أكمله بعد أبيه، و"جمع الجوامع"، و"طبقات الشافعية الكبرى"، و"الوسطى"، و"الصغرى"، توفي سنة (771هـ) . انظر: "شذرات الذهب" (6/221) ، و"معجم المؤلفين" (6/225) . (2) هو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني، أبو المعالي الملقب بإمام الحرمين، إذ جاور بمكة أربع سنين وبالمدينة، شيخ الشافعية في زمانه المجمع على إمامته وغزارة مادته وتفننه في العلوم من الأصول والفروع والأدب وغير ذلك، من تصانيفه: "الشامل"، و"التلخيص لكتاب التقريب للباقلاني"، توفي سنة (478هـ) . انظر: "سير أعلام النبلاء" (18/468) ، و"طبقات الشافعية الكبرى" لابن السبكي (3/249) . (3) "طبقات الشافعية الكبرى" لابن السبكي (4/24، 25) . (4) انظر ما سيأتي (ص 54) من هذا الكتاب.

- المرحلة الثالثة

جديدة تتجلى في التأثر بمنهج المتكلمين مع المحافظة على التصور السلفي إجمالاً، ولعل السبب في ذلك هو كثرة كتب المتكلمين الأصوليين (1) في تلك الفترة وانتشارها مع إتقان ترتيبها وحسن عرضها (2) . - المرحلة الثالثة: بداية هذه المرحلة هي بداية القرن الثامن وتنتهي بنهاية القرن العاشر تقريبًا، وقد برز في هذه المرحلة - في أوائلها - إمامان جليلان، حفظ الله بهما منهج أهل السنة والجماعة، وجدد الله بهما هذا الدين. إنهما شيخ الإسلام ابن تيمية (3) ، وتلميذه ابن قيم الجوزية (4) . وقد وافق عصر هذين الإمامين اتساع جهود المتكلمين الأصولية (5) فقد

_ (1) مثل كتب الباقلاني، والجويني، والغزالي، والرازي. وظهرت أيضًا كتب المعتزلة كالقاضي عبد الجبار، وأبي الحسين البصري. (2) ومن جهة أخرى فقد استفاد ابن قدامة من كتب الحنابلة المتقدمين: كـ"العدة" للقاضي أبي يعلى، و"التمهيد" لأبي الخطاب، و"الواضح" لابن عقيل. وقد بدأ جليًا تأثر هؤلاء بالمتكلمين واستفادتهم منهم. (3) هو: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني ثم الدمشقي، تقي الدين أبو العباس، تفقه في مذهب الإمام أحمد وبرع في التفسير والحديث، وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف المذاهب، وأتقن العربية ونظر في العقليات وأقوال المتكلمين ورد عليهم ونصر السنة، وأوذي في ذات الله واعتقل وسجن، له تصانيف كثيرة منها: "منهاج السنة النبوية"، و"الاستقامة"، و"درء تعارض العقل والنقل"، توفي سنة (728هـ) . انظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (2/387) ، و"شذرات الذهب" (6/80) . (4) هو: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي ثم الدمشقي، شمس الدين أبو عبد الله ابن قيم الجوزية، تفقه في مذهب الإمام أحمد وبرع وأفتى، لازم ابن تيمية وأخذ عنه، وتفنن في علوم الإسلام، وله في كل فن اليد الطولى، وكان ذا عبادة وتهجد، وقد امتحن وأوذي مرات، وصنف تصانيف كثيرة منها: "زاد المعاد في هدي خير العباد"، و"الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"، توفي سنة (751هـ) . انظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (2/447) ، و"معجم المؤلفين" (9/106) . (5) لم يقتصر الأمر على جانب أصول الفقه، بل إن منهج المتكلمين قد شاع وذاع في مباحث العقيدة أيضًا، وقد تصدى هذان الإمامان للرد عليهم، فمن ذلك "بيان تلبيس الجهمية" لابن تيمية، و"الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" لابن القيم، وغير ذلك.

* دور الإمامين في تأصيل قواعد أهل السنة والجماعة والأمثلة على ذلك

توافرت كتبهم، المختصرات منها والمطولات، وتداول الناس هذه الكتب، وعمت مطالعتها ودراستها (1) ، ويمكن تلخيص دور هذين الإمامين إزاء هذا التيار في جانبين: الجانب الأول: تأصيل قواعد أهل السنة والجماعة، وتثبيت دعائم منهج السلف الصالح بالحجة البالغة والبرهان الساطع، والرجوع في كل ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وما دل عليه العقل الصريح والفطرة السليمة، وما ورد عن الصحابة والتابعين، وعدم الالتفات إلى مناهج المناطقة ومسالك الفلاسفة. إن القضايا والمطالب التي اشتغل ابن تيمية بإظهارها وبيانها أو ابن القيم، إنما هي قضايا كلية ومطالب أساسية، عليها تبني مسائل كثيرة وفروع عديدة. فمن الأمثلة على ذلك (2) : أ- وجوب اتباع الكتاب والسنة اتباعًا عامًا، وأنه لا تجوز معارضتهما برأي أو عمل أو ذوق أو غير ذلك، بل يجب أن يجعلا هما الأصل، فما وافقهما قبل، وما خالفهما رد. ب- أن الكتاب والسنة وإجماع الأمة أصول معصومة، تهدي إلى الحق، لا يقع بينها التعارض، وأن القياس الصحيح موافق للنص أيضًا. جـ- أن للعلماء في اجتهاداتهم أسبابًا وأعذارًا، والواجب في المسائل الاجتهادية بيان الحق بالعلم والعدل. د- أن أحكام الشريعة مشروطة بالقدرة والاستطاعة إذ لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. هـ- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أتم بيان هذا الدين، فالدين كامل والنصوص محيطة بأفعال المكلفين، وأن رسالته - صلى الله عليه وسلم - عامة للثقلين وهي ضرورية للخلق. الجانب الثاني: الرد على الباطل وكشف زيفه، وبيان بطلانه، وذلك بعد

_ (1) من هذه الكتب: "المحصول" للرازي، و"الإحكام" للآمدي، و"مختصر ابن الحاجب"، و"المنهاج" للبيضاوي. انظر: "مقدمة ابن خلدون" (361) . (2) انظر هذه الأمثلة وغيرها فيما يأتي (ص 530- 547) من هذا الكتاب.

الوقوف على مآخذه لدي أهله؛ لمقارعة الحجة بالحجة. كل ذلك بأدلة المنقول والمعقول، مع النصيحة والبيان، فكان هذا الصنيع تصحيحًا للخطأ وتقويمًا للاعوجاج، وتوضيحًا للحق ودعوة إليه، وفضحًا للباطل وتحذيرًا منه. ومن الأمثلة على ذلك (1) : أ- مسألة التحسين والتقبيح العقليين، وبيان طرفي الانحراف في هذه المسألة. ب- جناية التأويل وخطورته، وبيان الصحيح منه والباطل. جـ- الرد على من زعم أن النصوص تفيد الظن ولا تفيد اليقين، وذكر الأدلة على ذلك. د- درء التعارض بين العقل والنقل، وإقامة الأدلة والشواهد على ذلك. إن جهود ابن تيمية وابن القيم وآثارهما الجليلة امتداد لآثار من سبقهم من أئمة أهل السنة والجماعة، فقد استفاد هذان الإمامان من جهود ابن عبد البر، والخطيب البغدادي، وابن السمعاني، ومن قبلهم الإمام الشافعي وغير هؤلاء من الأئمة. يضاف إلى ذلك أن جهود هذين الإمامين تمثل دراسة تقويمية لكتب المتكلمين الأصولية، ونقدًا لقواعد المتكلمين ومناهجهم، وبيانًا لما لها وعليها انطلاقًا من منهج السلف الصالح. وإذا أردنا الوقوف على آثار هذين الإمامين في أصول الفقه فإنه من الصعوبة الإحاطة بهذه الآثار على وجه الدقة، ذلك لضخامة تراثهم وسعة امتداده من جهة، ومن جهة أخرى فإن تآليفهما تتصف بالاستطراد والتشعب، فما أن يبتدئ الواحد منهما بموضوع حتى يفرع الكلام على غيره، وهذا يجره إلى غيره وهكذا، ولعل صفة الاستطراد عند ابن تيمية أظهر وأقوى منها بالنسبة إلى ابن القيم. لذا حَسُنَ جَمْعُ ما لهذين الإمامين من أبحاث أصولية في قائمتين خاصتين (2) .

_ (1) انظر هذه الأمثلة وغيرها فيما يأتي (ص 530- 547) من هذا الكتاب. (2) انظر ما سيأتي (ص530- 547) من هذا الكتاب.

* كتاب المسودة لآل تيمية

وفي هذا المقام يمكن الإشارة إلى كتابين مستقلين في أصول الفقه لهذين الإمامين، الأول كتاب "المسودة" لآل تيمية، والثاني كتاب "إعلام الموقعين" لابن القيم، على أن الأخير من هذين الكتابين ليس خاصًا في أصول الفقه إلا أن معظم مباحثه تتعلق بالأصول. أما كتاب "المسودة" فإنه في الأصل نقول (1) جمعها مجد الدين عبد السلام (2) بن تيمية الحراني، جد شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية، وتركها دون أن يبيضها، فعلق على بعضها ابنه شهاب الدين عبد الحليم (3) ، والد شيخ الإسلام، وتركها أيضًا مسودة دون أن يبيضها، ثم جاء شيخ الإسلام أحمد بن تيمية فعلق على بعضها وتركها أيضًا مسودة دون أن يبيضها، ثم قيض الله لهذه المسودات أحد تلاميذ (4) شيخ الإسلام فجمعها ورتبها وبيضها وميز بعضها عن بعض، فما كان لشيخه قال فيه: "قال شيخنا"، وما كان لوالد شيخه قال فيه: "قال والد شيخنا"، وما كان لصاحب الأصل مجد الدين تركه مهملاً (5) . والكتاب ضم جملة من النقول عن أئمة الحنابلة الأصوليين، وهذا هو الغالب فيه، لذا فهو مجمع لكثير من أقوال الحنابلة، ومرجع لتحرير مذهب الإمام

_ (1) هذه النقول عن القاضي أبي يعلى، وأبي الخطاب، وابن عقيل وغيرهم من الحنابلة المتقدمين. (2) هو: عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي بن تيمية، أبو البركات الحراني، مجد الدين، الفقيه الحنبلي، والمحدث والمفسر والأصولي، له كتاب "منتقى الأخبار" في أحاديث الأحكام، وكتاب "الأحكام الكبرى"، و"المسودة"، توفي سنة (652هـ) . انظر: "البداية والنهاية" (13/198) ، "ذيل طبقات الحنابلة" (2/249) . (3) هو: عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله، ابن تيمية الحراني، شهاب الدين أبو المحاسن، ابن المجد، أتقن المذهب الحنبلي ودرس وأفتى، وكان إمامًا محققًا، وله يد طولى في الفرائض والحساب، قيل عنه: كان من أنجم الهدى، وإنما اختفى من نور القمر وضوء الشمس، إشارة إلى أبيه وابنه، توفي سنة (682هـ) . انظر: "شذرات الذهب" (5/376) . (4) هو: أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي، شهاب الدين، أبو العباس، توفي سنة (745هـ) . انظر: "شذرات الذهب" (6/142) . (5) انظر: مقدمة كتاب "المسودة" (6، 7) .

* كتاب إعلام الموقعين لابن القيم

أحمد في عدد من المسائل الأصولية. والكتاب بحاجة إلى تنقيح وتهذيب لوجود تكرار في بعض مباحثه، وإلى ترتيب، إذ هو عبارة عن مسائل وفصول لا يجمعها باب ولا يضمها عنوان، فالكتاب إذن يحتاج إلى فهرسة دقيقة، إضافة إلى أن الكتاب لا يطمأن إليه في نسبة ما فيه إلى مؤلفيه؛ إذ تركوه دون تحرير ولا تحقيق فهو مسودة (1) . أما كتاب "إعلام الموقعين" فقد ذكر فيه ابن القيم مباحث أصولية مهمة أفاض الكلام عليها، فمن هذه المباحث (2) : * القياس. * الاستصحاب. * التقليد. * الزيادة على النص. * قول الصحابي. * الفتوى. * دلالة الألفاظ على الظاهر. * سد الذرائع وتحريم الحيل. * ليس في الشريعة ما يخالف القياس. وهناك مباحث أخرى نفيسة ازدان بها هذا الكتاب، فمن ذلك: * ذكر أئمة الفتيا من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. * شرح خطاب عمر - رضي الله عنه - في القضاء. * أنواع الرأي المحمود والمذموم.

_ (1) كتاب "المسودة" في أصول الفقه طبع في مجلد واحد بتحقيق وتعليق الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد، وذكر في مقدمته لهذا الكتاب أنه يمتاز بالعناية بتحرير محل النزاع، وببيان أصحاب الأقوال في المسائل المختلف فيها بيانًا مستقصيًا، وقد حقق الكتاب الدكتور أحمد الذروي من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في مرحلة الدكتوراه سنة (1405هـ) ، ثم نشر بتحقيقه سنة (1422هـ) . (2) انظر فيما يتعلق بهذه المباحث وغيرها ما سيأتي (ص 529- 547) من هذا الكتاب.

* مؤلفات أهل السنة في أصول الفقه في هذه المرحلة

* مسائل في الطلاق والإيمان. * فتاوى النبي - صلى الله عليه وسلم - في العقيدة وفي الأبواب الفقهية. * أمثلة على الحيل المباحة والباطلة. * أمثلة على رد المحكم بالمتشابه. * أمثلة على رد السنن بظاهر القرآن. وقد امتاز هذا الكتاب بكثرة الأمثلة الفقهية على عدد من المسائل الأصولية (1) ، وامتاز أيضًا ببيان حكمة التشريع ومقاصد الشريعة (2) ، إضافة إلى حسن البيان وجمال الأسلوب، كما أن الكتاب جامع لكثير من الأحاديث النبوية والآثار المروية عن الصحابة والتابعين (3) ، وفيه نقول مطولة مهمة عن بعض الأئمة (4) . فهو بذلك غاية في منهج أهل السنة والجماعة وعمدة في بيان طريقة السلف، والكتاب يحتاج إلى تخريج آثاره وفهرسة مباحثه ومطالبه، وحقيق بدراسة تبرز محاسنه وتفصح عن منهج مؤلفه ومصادره فيه ومقاصده منه (5) . وفي هذه المرحلة أيضًا ظهرت لبعض علماء أهل السنة مؤلفات أصولية إلا أنها على وجه العموم تأثرت بمنهج المتكلمين جملة. وهذا التأثر يختلف من كتاب إلى آخر. وفي المقابل فقد حافظت هذه المؤلفات في الجملة على منهج السلف، وهذه المحافظة أيضًا تختلف من كتاب إلى آخر.

_ (1) انظر على سبيل المثال: "الأمثلة على رد السنن بظاهر القرآن" (2/321 - 329) ، و"الأمثلة على رد المحكم بالمتشابه" (2/330، 425) . (2) مثال ذلك ما ذكره فيما يتعلق بما قيل فيه: إن الشارع جمع بين المختلفين أو فرق بين المتماثلين في الحكم، وفيما يتعلق بما قيل فيه من الأحكام: إنه يجري على خلاف القياس. انظر (2/71، 175، 2/3، 70) (3) انظر مثلاً الأدلة التي أوردها من فعل الصحابة وغيرهم على حجية القياس (1/202- 217) . (4) وذلك كرسالة الإمام الليث إلى الإمام مالك (3/83 - 88) ، ورسالة الإمام أحمد في طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (2/290 - 293) . (5) صدرت مؤخرًا طبعة بتحقيق الشيخ مشهور آل سلمان في سبعة مجلدات.

ولعل مدى التأثر بمنهج المتكلمين ومقدار المحافظة على منهج السلف في هذه المؤلفات، يظهر بما سيأتي بيانه فيما يتعلق بالكلام على كتاب "الروضة" لابن قدامة (1) ، وكتاب "شرح الكوكب المنير" للفتوحي (2) . فمن هذه المؤلفات (3) : 1- "قواعد الأصول ومعاقد الفصول" للإمام صفي الدين عبد المؤمن الحنبلي، المتوفي سنة (739هـ) ، وهو مطبوع. 2- "أصول الفقه" للإمام شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي، المتوفي سنة (763هـ) ، وهو مطبوع. 3- "المختصر في أصول الفقه" للإمام علاء الدين ابن اللحام البعلي الحنبلي (4) ، المتوفي سنة (803هـ) ، وهو مطبوع. 4- "شرح مختصر ابن اللحام في أصول الفقه" للإمام تقي الدين أبي بكر بن زيد الجراعي الحنبلي، المتوفي سنة (883هـ) ، وهو غير مطبوع. 5- "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول" للإمام علاء الدين علي بن سليمان المرداوي الحنبلي، المتوفي سنة (885هـ) ، وهو غير مطبوع. 6- "التحبير شرح التحرير" له أيضًا، وهو مطبوع. 7- "مختصر التحرير" للإمام تقي الدين محمد بن أحمد، ابن النجار الفتوحي الحنبلي، المتوفي سنة (972هـ) ، وهو مطبوع. 8- "شرح مختصر التحرير" المشتهر بـ"شرح الكوكب المنير" له أيضًا، وهو مطبوع.

_ (1) انظر (ص54) من هذا الكتاب. (2) انظر (ص59) من هذا الكتاب. (3) سيأتي الكلام باختصار على هذه المؤلفات عند الكلام على كتاب "الروضة" لابن قدامة (ص54) ، وكتاب "شرح الكوكب المنير" للفتوحي (ص59) . (4) ولابن اللحام أيضًا كتاب "القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية"، ذكر فيه ستا وستين (66) قاعدة، أردف كل قاعدة بمسائل تتعلق بها من الأحكام الفرعية، وتخلل ذلك بعض التنبيهات والفوائد، طبع الكتاب بتحقيق وتصحيح الشيخ محمد حامد الفقي في مجلد واحد، ثم طبع محققًا من رسالتين علميتين.

* الخلاصة

والملاحظ على هذه الكتب: أن جميعها لعلماء حنبليين وأن بعضها شرح لبعض: فـ"مختصر ابن اللحام" شرحه الجراعي، و"التحرير" للمرداوي اختصره الفتوحي، ثم شرح المختصر. وأن آخرها وقتًا وأوسطها حجمًا كتاب "شرح الكوكب المنير" لذا فقد اجتمعت هذه الكتب في هذا الكتاب وعادت إليه، فأمكن بهذا الاعتبار أن يجعل ختامًا لهذه المرحلة، ولذلك حسن إفراد هذا الكتاب بالدراسة كما سيأتي لاحقًا إن شاء الله (1) . وبذلك يُسدل الستار على هذه المرحلة الزمنية، والتي قصر الكلام فيها على الإمامين الجليلين ابن تيمية وابن القيم وعلى بعض علماء الحنابلة. - وخلاصة القول: أن هذه المرحلة تميزت بجهد علمي جليل قام على ركيزتين: الأولى: إيضاح وإبراز القواعد الأصولية على منهج السلف الصالح. والثانية: توجيه النقد وتصحيح الخلل لدي المتكلمين في قواعدهم الأصولية، وقد تم هذا الجهد المشكور على يد الإمام ابن تيمية، ومن بعده ابن القيم، وقد بني هذان الإمامان ذلكم الجهد على تلكم الثروة العلمية التي تركها للأمة الإمام الشافعي ومن سار على نهجه من بعده. ويضاف إلى ذلك ظهور مؤلفات لبعض علماء الحنابلة كابن اللحام، والمرداوي، والفتوحي، وكأن هذه المؤلفات امتداد لكتاب الروضة لابن قدامة الذي كان نقلة جديدة ظهر فيها بوضوح التأثر بمنهج المتكلمين، إلا أن المؤلفات في هذه المرحلة استجابت ولا شك، واستفادت ولا ريب من جهود ابن تيمية وابن القيم فظهر تأثر هذه المؤلفات -مع التفاوت في ذلك- بما قرره هذان الإمامان وبيناه جليًا واضحًا.

_ (1) انظر (ص59) من هذا الكتاب.

بعض المؤلفات المتأخرة لأهل السنة في أصول الفقه

هذه هي المراحل التي مرت بها المسيرة المباركة لأهل السنة والجماعة في أصول الفقه، وقد ظهرت بعد ذلك مؤلفات أخرى لبعض أئمة أهل السنة، إلا أن هذه المؤلفات ترجع في الجملة إلى المراحل التي سبقتها. فمن هذه المؤلفات: 1- "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" (1) ، للشيخ عبد القادر بن بدران الدومي الدمشقي، المتوفي سنة (1346هـ) . 2- "نزهة الخاطر العاطر" (2) شرح كتاب "روضة الناظر وجنة المناظر"، له أيضًا. 3- "رسالة لطيفة في أصول الفقه" (3) للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (4) ، المتوفي سنة (1376هـ) .

_ (1) هذا الكتاب ضمنه مؤلفه جل ما يحتاج إلى معرفته المشتغل بمذهب الإمام أحمد، وذكر فيه العقائد المنقولة عن الإمام أحمد، والسبب الذي لأجله اختار كثير من كبار العلماء مذهب الإمام أحمد على مذهب غيره، وذكر فيه أيضًا أصول مذهب الإمام أحمد، ومسلك كبار أصحابه في ترتيب مذهبه واستنباطه من فتياه، وذكر أصول الفقه عند الحنابلة واستمده من "الروضة" لابن قدامة، ومن "مختصر الطوفي وشرحه"، ومن "التحرير" للمرداوي، ومن مختصره وشرحه للفتوحي، ومن "مختصر ابن الحاجب وشرحه" للإيجي، ورجع إلى كتب أصولية أخرى، وذكر أيضًا في هذا الكتاب مصطلحات الفقه الحنبلي والكتب المشهورة فيه، وقد طبع الكتاب في مجلد واحد، ثم قام بتحقيقه الدكتور عبد الله التركي، وذلك في مجلد واحد أيضًا. (2) سيأتي الكلام عليه تعليقًا في (ص58) من هذا الكتاب. (3) تقع هذه الرسالة في اثنتي عشرة صفحة، تكلم فيها المؤلف على رءوس المسائل الأصولية بألفاظ سهلة وأسلوب ميسر، وزاد على ذلك الإشارة إلى بعض القواعد الفقهية، وقد طبعت هذه الرسالة مرارًا ضمن مجموعة كتب للشيخ. (4) هو: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر آل سعدي، من قبيلة تميم، نشأ في بلاد القصيم، ودرس على علماء الحنابلة هناك، وكان ذا معرفة تامة في الفقه، وكان مشتغلاً بكتب ابن تيمية وابن القيم واستفاد من ذلك خيرًا كثيرًا، له كتاب "تيسير الرحمن في تفسير كلام المنان"، و"القول السديد في مقاصد التوحيد"، توفي سنة (1376هـ) . انظر: مقدمة كتاب "تيسير الكريم الرحمن".

4- "وسيلة الحصول إلى مهمات الأصول"، للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي (1) ، المتوفي سنة (1377هـ) . 5- "مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر" (2) ، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، المتوفي سنة (1393هـ) . ****

_ (1) هو: حافظ بن أحمد بن علي الحكمي، من أعلام منطقة الجنوب بالمملكة العربية السعودية، كان آية في الذكاء وسرعة الحفظ والفهم، اشتغل ببعض كتب الفقه والحديث والتفسير والتوحيد مطالعة وحفظًا، له منظومة في التوحيد وهي "سلم الوصول إلى علم الأصول" ثم شرحها في كتابه "معارج القبول"، توفي سنة (1377هـ) . انظر: مقدمة كتابه "معارج القبول". (2) سيأتي الكلام عليه تعليقًلا في (ص59) من هذا الكتاب.

المطلب الثاني: دراسة مستقلة للكتب الأربعة: "الرسالة، والفقيه والمتفقه، وروضة الناظر، وشرح الكوكب المنير"

المطلب الثاني: دراسة مستقلة للكتب الأربعة: "الرسالة، والفقيه والمتفقه، وروضة الناظر، وشرح الكوكب المنير" أولاً: كتاب "الرسالة" للإمام الشافعي، المتوفي سنة (204هـ) (1) : "هذا كتاب "الرسالة" للشافعي، وكفى الشافعي مدحًا أنه الشافعي، وكفى "الرسالة" تقريظًا أنها تأليف الشافعي" (2) . أ- أصل الكتاب: ألف الشافعي كتاب "الرسالة" مرتين، ولذلك يعده العلماء في فهرس مؤلفاته كتابين: "الرسالة القديمة"، و"الرسالة الجديدة". أما "الرسالة القديمة" فالظاهر أنه ألفها في بغداد، إذ كتب إليه عبد الرحمن بن مهدي (3) ، وهو شاب أن يضع له كتابًا يذكر فيه: شرائط الاستدلال بالقرآن، والسنة، والإجماع، والقياس، وبيان الناسخ والمنسوخ، ومراتب العموم والخصوص. فوضع الشافعي له كتاب "الرسالة"، وأرسله إليه، ولذلك سمي الرسالة. فلما قرأها عبد الرحمن بن مهدي قال: ما ظننت أن الله تعالى خلق مثل هذا الرجل، ثم قال عبد الرحمن: "ما أصلي صلاة، إلا وأدعو للشافعي فيها" (4) .

_ (1) هو: أبو عبد الله محمد بن إدريس القرشي المطلبي الشافعي، إمام المذهب الشافعي، اتفق على ثقته وإمامته وعدالته وحسن سيرته، له أشعار كثيرة، من مؤلفاته: كتاب "الأم" و"الرسالة"، ولد سنة (150هـ) ، وتوفي سنة (204هـ) . انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (1/44) ، و"وفيات الأعيان" (4/163) . (2) مقدمة كتاب "الرسالة" للشيخ أحمد شاكر. (3) هو: عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن، أبو سعيد العنبري، سمع الثوري ومالكًا وابن عيينة، وروى عنه ابن المبارك وابن المديني وأحمد بن حنبل، وكان من الربانيين في العلم، وأحد المذكورين بالحفظ، وممن برع في معرفة الأثر وطرق الروايات وأحوال الشيوخ، توفي سنة (198هـ) . انظر: "تاريخ بغداد" (10/240) ، و"الأعلام" (3/339) . (4) انظر: "مناقب الشافعي" للرازي (153، 157) ، و"تهذيب الأسماء واللغات" (1/47، 48، 59) ، ومقدمة كتاب "الرسالة" (10، 11، 12) .

* مميزات الكتاب

قال الفخر الرازي (1) : "ولما خرج الشافعي إلى مصر أعاد تصنيف كتاب "الرسالة"، وفي كل واحد منهما علم كثير" (2) وقال الشيخ أحمد شاكر (3) في تقديمه لكتاب "الرسالة": "وأيا ما كان فقد ذهبت "الرسالة القديمة"، وليست في أيدي الناس الآن إلا "الرسالة الجديدة"، وهي هذا الكتاب (4) . ب- مميزات الكتاب: 1- أن كتاب "الرسالة" أول كتاب صُنف في أصول الفقه (5) . قال الفخر الرازي: "اتفق الناس على أن أول من صنف في هذا العلم هو الشافعي، وهو الذي رتب أبوابه، وميز بعض أقسامه عن بعض، وشرح مراتبه في الضعف والقوة" (6) . وقال أيضًا: "والناس وإن أطنبوا بعد ذلك في علم أصول الفقه إلا أنهم كلهم عيال على الشافعي فيه؛ لأنه هو الذي فتح هذا الباب، والسبق لمن سبق. ثم نقول: إن الإنسان الذي يكون واضعًا لعلم من العلوم ابتداءً، لو وقعت له فيه هفوة أو زلة، كانت مغفورة له، كيف وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] ، وذلك يدل على أن كل ما كان من عند الخلق فإنه لا ينفك عن الاختلاف والتناقض، والفاضل من عدت

_ (1) هو: محمد بن عمر بن الحسين القرشي، يعرف بابن خطيب الري، أبو عبد الله فخر الدين، الشافعي المفسر المتكلم، من مؤلفاته: "مفاتيح الغيب"، و"تأسيس التقديس"، و"المحصول في أصول الفقه"، توفي سنة (606هـ) . انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" لابن السبكي (5/33) ، و"البداية والنهاية" (13/60) . (2) "مناقب الشافعي" للرازي (157) . (3) هو: أحمد بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر من آل أبي العلياء، يرفع نسبه إلى الحسين بن علي، عالم بالحديث والتفسير، مصري، من مؤلفاته: "عمدة التفسير"، و"شرح مسند الإمام أحمد"، توفي سنة (1377هـ) . انظر: "الأعلام" (1/253) . (4) مقدمة كتاب "الرسالة" (11) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/403) ، و"تهذيب الأسماء واللغات" (1/49) ، و"البحر المحيط" للزركشي (1/10) ، ومقدمة كتاب "الرسالة" (13) . (6) "مناقب الشافعي" للرازي (153) .

سقطاته...." (1) . 2- أن الشافعي حرر كتاب "الرسالة" تحريرًا؛ إذ أنه أعاد تصنيفه كما قال الشيخ أحمد شاكر: "الظاهر عندي – أيضًا – أنه أعاد تأليف كتاب "الرسالة" بعد تأليف أكثر كتبه التي في "الأم"؛ لأنه يشير كثيرًا في "الرسالة" إلى مواضع مما كتب هناك" (2) . وقال الشافعي: "وكل حديث كتبته منقطعًا فقد سمعته متصلاً، أو مشهورًا عمن روي عنه بنقل عامة من أهل العلم يعرفونه من عامة، ولكني كرهت وضع حديثٍ لا أتقنه حفظًا، وغاب عني بعض كتبي، وتحققت بما يعرفه أهل العلم مما حفظت، فاختصرت خوف طول الكتاب فأتيت ببعض ما فيه الكفاية، دون تقصي العلم في كل مرة" (3) . فيؤخذ من هذا الكلام: أن الشافعي لم يُثبت في هذا الكتاب من الأحاديث إلا ما أتقن حفظه وتحقق من ثبوته. وأنه يكتب من حفظه؛ إذ لم تكن كتبه كلها معه. وأنه أراد الاختصار وعدم التطويل، ولم يقصد الاستقصاء. 3- أن كتاب "الرسالة" كتاب حديث ورواية، فقد ذكر الشافعي فيه عددًا كبيرًا من الأحاديث بأسانيدها المتصلة (4) ، وتكلم فيه على مسائل مهمة في علوم الحديث (5) ، بل قيل: إن كتاب "الرسالة" أول كتاب ألف في أصول الحديث أيضًا (6) . 4- أن كتاب "الرسالة" كتاب فقٍه وأحكام، فقد تكلم الشافعي على

_ (1) "مناقب الشافعي" للرازي (157، 158) . (2) انظر: مقدمة كتاب "الرسالة" (12) . (3) "الرسالة" (431) . (4) انظر فهرس الأعلام من كتاب: "الرسالة"، فقد وضع المحقق علامة لمن روى حديثًا أو أثرًا (624 – 645) . (5) انظر الفهرس العلمي من كتاب: "الرسالة": كلمة "الحديث" (665، 666) . (6) انظر مقدمة كتاب: "الرسالة" (13) .

* مصادر الكتاب

آيات كثيرة من كتاب الله، مفسرًا ومستنبطًا (1) ، كما أنه عزز القواعد الأصولية بعدد كبير من الفروع الفقهية من شتى أبواب الفقه (2) . 5- أن كتاب "الرسالة" كتاب أدب ولغة، ذلك أن الشافعي لم تدخل على لسانه لكنة، ولم تحفظ عليه لحنة أو سقطة، فكلامه لغة يحتج بها (3) . 6- أن الشافعي رتب كتابه – في الغالب – على طريقة المحاورة والسؤال والجواب، وذلك مثل: "قال لي قائل.... فما حجتكم في القياس وتركه؟ ... فقلت له.....، قال.....، قلت....." وأحيانًا يأتي بالكلام على صيغة الاعتراض، وذلك مثل: "فإن قال قائل......قلنا....." "فإن قيل.....قيل له......". ولا شك أن ذلك أدعى للانتباه وأقوى في البيان. جـ- مصادر الكتاب: من خلال النظر في كتاب "الرسالة" يمكن الوقوف على مصادر الإمام الشافعي التي استقى منها مادة الكتاب، وذلك على النحو الآتي: 1- الآيات القرآنية الكريمة (4) . 2- الأحاديث النبوية الشريفة (5) . 3- عمل الصحابة (6) . 4- أقوال التابعين (7) . 5- إجماع أهل العلم (8) .

_ (1) انظر فهرس الآيات القرآنية من كتاب: "الرسالة". (2) انظر الفهرس العلمي من كتاب: "الرسالة". (3) انظر: "مناقب الشافعي" للرازي (239 – 244) ، و"تهذيب الأسماء واللغات" (1/49، 50) ، ومقدمة كتاب "الرسالة" (13) ، وانظر: فهرس الفوائد اللغوية المستنبطة، وذلك من كتاب الرسالة". (4) انظر: "الرسالة" (435 – 437) . (5) انظر المصدر السابق (401 – 406) . (6) انظر المصدر السابق (406، 410، 438 – 447) . (7) انظر المصدر السابق (448 – 457) . (8) انظر المصدر السابق (419، 420، 453) .

* موضوعات الكتاب وترتيبها

6- لغة العرب (1) . 7- أقوال بعض أهل العلم (2) . د- موضوعات الكتاب وترتيبها: اشتمل كتاب "الرسالة" على علوم عدة؛ ففيه المسائل الفقهية والأحكام الشرعية، والقضايا الحديثية، والفوائد اللغوية، وفيه - أيضًا - الموضوعات الأصولية، وهي التي كان لها الحظ الأكبر من هذا الكتاب، بل إن أصول الفقه هو المقصود من تأليفه (3) ، وما عداه فإنما يذكر تبعًا له، ويمكن ترتيب الموضوعات الأصولية في كتاب "الرسالة" على النحو الآتي: 1- حجية السنة عمومًا، وحجية خبر الواحد خصوصًا. 2- الأخبار "العلم"، الإجماع، القياس، قول الصحابي، الاستحسان. 3- بيان منزلة السنة من الكتاب، ومنزلة الإجماع والقياس. 4- الناسخ والمنسوخ. 5- صفة النهي. 6- المجمل والمبين، والعام والخاص. 7- الاجتهاد. 8- ما يجوز من الاختلاف وما لا يجوز. 9- الأحاديث التي ظاهرها التعارض ووجه التوفيق بينها، "العلل في الأحاديث". هذا مجمل الموضوعات الأصولية في كتاب "الرسالة"، والملاحظ أن الإمام الشافعي لم يذكرها بهذا الترتيب، ويمكن معرفة ترتيب الشافعي لهذه الموضوعات بالرجوع إلى كتاب "الرسالة" (4) .

_ (1) انظر المصدر السابق (52، 213، 487) . (2) انظر المصدر السابق (200، 255) . (3) انظر ما تقدم بيانه قريبًا عند الكلام على أصل الكتاب (ص46) . (4) لقد هيأ الله لكتاب "الرسالة" الشيخ المحدث أحمد شاكر رحمه الله فقام بتحقيقه تحقيقًا علميًا نفيسًا، وخدمه خدمة عظمى لا مزيد عليها، فضبط نص الكتاب بعد أن جمع نسخه المخطوطة والمطبوعة، ودرس الأسانيد، وخرج الأحاديث والآثار والأشعار، وعرف بالأعلام، وشرح الغريب، وأرشد إلى مواضع الإحالات، وأضاف -تعليقًا- نقولاً مهمة عن الإمام الشافعي من كتبه الأخرى وعن غير الشافعي، ووضع له فهارس متنوعة دقيقة، وأخرجه بثوب جميل، إذ قسم الكلام إلى فقرات، وجعل لها أرقامًا تسلسلية، ووضع عنوانات جديدة متى احتيج إلى ذلك، وقدم للكتاب بمقدمة عرف فيها بالمؤلف وكتابه. فجزى الله المؤلف والمحقق خير الجزاء، وكتب لهما ذلك في صالح أعمالهم.

ثانيا: كتاب الفقيه والمتفقه للإمام الحافظ الخطيب البغدادي

ثانيًا: كتاب الفقيه والمتفقه (1) للإمام الحافظ الخطيب البغدادي، المتوفي سنة (463هـ) (2) : أ- سبب تأليف الكتاب: صنف الخطيب هذا الكتاب نصيحة لطائفتين، لأهل الحديث، ولأهل الرأي (3) . ذلك أن أكثر كتبة الحديث في زمانه ابتعدوا عن معرفة فقه ما كتبوه وفهم معنى ما دونوه، ومنعوا أنفسهم عن محاضرة الفقهاء، وذموا مستعملي القياس من العلماء، وذلك لما سمعوه من الأحاديث التي تعلق بها أهل الظاهر في ذم الرأي والنهي عنه والتحذير منه، فلم يميزوا بين محمود الرأي ومذمومه، بل سبق إلى نفوسهم أنه محظور على عمومه، ثم قلدوا مستعملي الرأي في نوازلهم، وعولوا فيها على أقوالهم ومذاهبهم، فنقضوا بذلك ما أحلوه، واستحلوا ما حرموه. وحُق لمن كانت حاله هذه أن يطلق فيه القول الفظيع، ويشنع عليه بضروب التشنيع، فهذا طعن أهل الرأي والمتكلمين في أهل الحديث. أما أهل الرأي فجل ما يحتجون به من الأخبار واهية الأصل، ضعيفة عند

_ (1) طبع بتحقيق وتعليق وتقديم الشيخ إسماعيل الأنصاري، وهو جزآن في مجلد واحد. (2) هو: أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، أبو بكر الخطيب، الحافظ الكبير، أحد أعلام الحفاظ ومهرة الحديث، عُرف بالفصاحة والأدب، تفقه على فقهاء الشافعية، له مصنفات منتشرة منها: "تاريخ بغداد"، و"شرف أصحاب الحديث"، توفي سنة (463هـ) . انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" لابن السبكي (3/12) ، و"الأعلام" (1/172) . (3) للخطيب البغدادي رسالة "مختصر نصيحة أهل الحديث" تقع في سبع صفحات، وقد وردت هذه الرسالة بتمامها في كتاب "الفقيه والمتفقه". انظر (2/77 - 85) ، وقد طبعت هذه الرسالة ضمن مجموعة رسائل في علوم الحديث للنسائي، وللخطيب البغدادي، حققها وعلق عليها الشيخ صبحي السامرائي.

* موضوعات الكتاب وترتيبها

العلماء بالنقل، فأظهر أهل الحديث فسادها، فشق عليهم إنكارهم إياها، وهم قد جعلوها عمدتهم، واتخذوها عدتهم، وكان فيها أكثر النصرة لمذاهبهم، فغير مستنكر لذلك أن يطعن أهل الرأي على أهل الحديث، وأن يرفضوا نصيحتهم؛ لأنهم قد هدموا ما شيدوه، وأبطلوا ما راموه وقصدوه (1) . وبعد أن ذكر هذا الواقع قال الخطيب: "فقد ذكرت السبب الموجب لتنافي هذين الفريقين، وتباعد ما بين هاتين الطائفتين، ورسمت في هذا الكتاب لصاحب الحديث خاصة، ولغيره عامة ما أقوله نصيحة مني له، وغيرة عليه" (2) . ب- موضوعات الكتاب وترتيبها: بالنسبة للمسائل الأصولية فقد رتبها الخطيب في كتابه هذا على الترتيب المعروف عند الأصوليين: 1- فذكر أولاً باختصار شديد أقسام الحكم الشرعي. 2-ثم فصل القول في الأصول الأربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس. 3- وعند كلامه على الكتاب والسنة ذكر طرق الاستنباط، ودلالات الألفاظ، والناسخ والمنسوخ، لكونها خاصة بهما، فذكر الحقيقة والمجاز، والعام والخاص، والمجمل والمبين، والناسخ والمنسوخ. 4- وعند كلامه على الإجماع ذكر قول الواحد من الصحابة بعد ذكره لوجوب اتباع ما عليه الصحابة من إجماع وخلاف. 5- ثم تكلم على استصحاب الحال. 6- ثم ذكر ترتيب استعمال الأدلة واستخراجها. 7- ثم تكلم على الاجتهاد والتقليد والفتوى. وكان قد افتتح كتابه بالكلام على التفقه في الدين، ثم بالكلام على المسائل الأصولية على الترتيب السابق، ثم ختم الكتاب بذكر أخلاق الفقيه وآدابه. فالكتاب إذن له موضوعان رئيسان: أدب التفقه، وأصول الفقه.

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (2/71 - 77) . (2) المصدر السابق (2/77، 78) .

* مميزات الكتاب

جـ- مميزات الكتاب: 1- خصص المؤلف ما يقارب ثلث الكتاب للكلام على فضل الفقه والتفقه في الدين، وأخلاق الفقيه وآدابه. 2- نقل المؤلف في كثير من المسائل الأصولية أقوال الإمام الشافعي واقتفى آراءه. 3- استشهد المؤلف بالكثير من الآيات والأحاديث والآثار المروية بالإسناد عن الصحابة والتابعين والأئمة في تثبيت القواعد الأصولية، والاحتجاج للأدلة الشرعية، وهذه المزية عزيزة الوجود في الكتب الأصولية. 4- ساق المؤلف بأسانيده ما استشهد به من أحاديث وآثار -في الغالب- وهذا الصنيع يسهل مهمة التحري لمن أراد ذلك. 5- حرر المؤلف كثيرًا من المسائل الأصولية وأدلى فيها برأيه، وكثيرًا ما يذكر الرأي المخالف وأدلته ويجيب عنها (1) . 6- اعتنى المؤلف بالتعريفات والتقاسيم في بداية كل باب. فبذلك يمكن أن يسمى كتاب "الفقيه والمتفقه" بأصول فقه المحدثين، خاصة وأن المؤلف -كما سبق بيانه- أراد بتأليف هذا الكتاب التقريب بين المحدثين والفقهاء، والرفع من قيمة الفقه وشأن الفقهاء، وفي الوقت نفسه الإرشاد إلى أهمية معرفة الحديث وشرف أهله. د- تقويم الكتاب: يحتاج كتاب "الفقيه والمتفقه" إلى عناية من الأوجه الآتية: أولاً: تحقيق ودراسة الأسانيد الواردة، للحكم على الأحاديث والآثار التي احتج بها المؤلف. ثانيًا: إبراز المسائل بعناوين واضحة؛ فإن المؤلف يتكلم على مسائل الباب الواحد، ولا يفصل بين المسألة والأخرى بفاصل يفيد الانتهاء أو الانتقال. ثالثًا: إخراج الكتاب بطبعة جديدة، حسنة التنسيق، جميلة الصف، يعتنى

_ (1) يلاحظ أن الخطيب البغدادي استفاد من كتابه هذا من الإمام الشيرازي في كتبه الأصولية.

ثالثا: "كتاب روضة الناظر وجنة المناظر" للإمام الموفق ابن قدامة المقدسي

فيها بعلامات الترقيم، وسلامة الإملاء (1) . أما الطبعة الحالية فإنها كثيرة السقط والأخطاء، سيئة التنظيم، مشوشة العرض (2) . رابعًا: وضع فهارس متنوعة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والآثار، والأعلام وفهرس دقيق للمسائل الأصولية. ثالثًا: "كتاب روضة الناظر وجنة المناظر" للإمام الموفق ابن قدامة المقدسي، المتوفي سنة (620هـ) (3) . أ- أصل الكتاب: تبع ابن قدامة في كتابه هذا الإمام الغزالي في "المستصفى"، حتى قال بعض العلماء: إن الروضة مختصر "المستصفى" (4) . وهذه مزية لكتاب "الروضة"؛ ذلك أن "المستصفى" ترجع أهميته إلى أمور، منها: 1- مكانة الغزالي العلمية. 2- تأخر الغزالي في الزمان، فاستطاع لذلك الوقوف على أهم الكتب الأصولية (5) .

_ (1) طبع الكتاب مؤخرًا، بتحقيق عادل العزازي سنة (1417هـ) . (2) انظر ملاحظات الدكتور أكرم العمري على هذه الطبعة، وذلك في كتابه: "دراسات تاريخية" (223- 231) ، فقد نبه على أمور، منها: أن المحقق اعتمد على نسخة واحدة رغم وجود غيرها، ووجود عدد من المصادر التي رجع إليها الخطيب، ومنها: أنه لم يضبط الأعلام، ومنها: وقوع سقط في مواضع متفرقة، ومنها: وجود أخطاء مطبعية كثيرة. وقد وضع الدكتور أكرم لبعضها جدولاً. (3) هو: عبد الله بن أحمد بن مقدام، المقدسي ثم الدمشقي، الفقيه الحنبلي، موفق الدين أبو محمد، كان إمامًا في عدة فنون خاصة في الفقه والحديث، له كتاب "المغني"، و"الكافي" و"المقنع"، و"العمدة"، كلها في الفقه، وله "ذم التأويل"، و"لُمعة الاعتقاد"، توفي سنة (620هـ) . انظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (2/133) ، و"الأعلام" (4/67) . (4) انظر: "شرح مختصر الروضة" (1/98) ، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (240) . (5) انظر: "مقدمة ابن خلدون" (361) .

* موازنة بين الروضة والمستصفى

3- كون "المستصفى" من آخر كتب الغزالي الأصولية، إذ ألفه بعد كتابيه: "تهذيب الأصول"، و"المنخول"، وجمع فيه بينهما (1) . 4- أن الغزالي أحسن ترتيب "المستصفى" وأجاد، بحيث يفيد قارئه الإمساك بأطراف هذا الفن وجمع مقاصده (2) . لذلك لقي كتاب "المستصفى" الاهتمام والقبول والانتشار الواسع (3) ، بل إن كتاب "المستصفى" يعتبر مرحلة مهمة في تاريخ علم الأصول، إذ به اكتمل بناء هذا العلم واستوى على سوقه بالنسبة للمتكلمين. فما قبل كتاب "المستصفى" من مؤلفات، اجتمعت في "المستصفى" بأحسن عبارة وألطف ترتيب، وما بعده من مؤلفات إنما هي اختصار للمستصفى واقتباس، فالمستصفى عمدة كتب الأصول عند المتكلمين، وركنها الوثيق، وسندها المتين. وقد أحسن ابن قدامة الاختيار حينما جعل كتاب "المستصفى" أصلاً لكتابه. ومما يزيد هذا الاختيار حسنًا أن ابن قدامة لم يقلد الغزالي في آرائه وفي سائر منهجه، بل ظهرت لابن قدامة في "الروضة" لمساته، وبرزت فيه شخصيته المستقلة. ولعل توضيح ذلك يكون بعقد موازنة مختصرة بين الكتابين: ب- موازنة بين "الروضة" و "المستصفى": ومن خلالها تتضح مميزات كتاب "الروضة": 1- أثبت ابن قدامة في أول "الروضة" مقدمة تضمنت مسائل من فن المنطق، وقد تابع ابن قدامة الغزالي في ذلك، مع أن ابن قدامة لم يكن متكلمًا ولا منطقيًا، ولم يكن هذا من عادة الأصوليين.

_ (1) انظر: "المستصفى" (10) . (2) يقول الغزالي في مقدمة "المستصفى": "فإذن جملة الأصول تدور على أربعة أقطاب: القطب الأول: في الأحكام، والبداءة بها أولى؛ لأنها الثمرة المطلوبة. القطب الثاني: في الأدلة، وهي الكتاب والسنة والإجماع، وبها التثنية؛ إذ بعد الفراغ من معرفة الثمرة لا أهم من معرفة المثمر. القطب الثالث: في طريق الاستثمار، وهو وجوه دلالة الأدلة.... القطب الرابع: في المستثمر، وهو المجتهد......" "المستصفى" (14، 15) . (3) انظر: "كشف الظنون" (2/1673) .

ولما اطلع بعض الحنابلة على "الروضة" ورأى فيها المقدمة المنطقية عاتب ابن قدامة وأنكر عليه، فأسقطها ابن قدامة من "الروضة" بعد أن انتشرت بين الناس، فلهذا توجد في نسخة دون نسخة (1) . 2- تابع ابن قدامة الغزالي في ترتيب الأبواب إلا أن الغزلي جعل مسائل كتابه تحت أقطاب، وبين في مقدمة كل قطب ما اشتمل عليه، فيقف الناظر في المقدمة على ما في أثنائه، وهذه طريقة الفلاسفة إذ لا تكاد تجد لهم كتابًا إلا وقد ضبطت مقالاته وأبوابه في أوله. وابن قدامة لم ير الحاجة ماسة إلى الاعتناء بذلك، أو أنه أحب ظهور الامتياز بين الكتابين (2) . 3- نقل ابن قدامة في "الروضة" كثيرًا من نصوص ألفاظ الغزالي وبنى كتابه عليها، وتصرف فيها بحسب رأيه (3) ، وربما قدم وأخر، أو زاد وأنقص. 4- اعتنى ابن قدامة بآراء الإمام أحمد بن حنبل، وضم إلى "الروضة" أقوال الحنابلة وأثبتها (4) ، وهذا دليل على أن ابن قدامة رجع إلى كتب الحنابلة في الأصول واستفاد منها. 5- قرر ابن قدامة مذهب السلف في مسائل عدة وذكر أدلتهم، وأبطل قول المخالفين لهم (5) . 6- ظهرت شخصية ابن قدامة المستقلة من خلال ترجيحاته واختياراته التي اعتمد فيها على الحجة والدليل، ولم يكتف برأي الغزالي وترجيحه أو بما ذكره من أدلة، بل أضاف ابن قدامة أدلة لم يتعرض الغزالي لذكرها أيد بها رأيه (6) ، وربما اعترض على أدلة الغزالي وأجاب عنها (7) .

_ (1) انظر: "شرح مختصر الروضة" (1/98 - 100) ، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (240) . (2) انظر: "شرح مختصر الروضة" (1/98 - 100) ، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (240) . (3) انظر المصدرين السابقين. (4) مثل القاضي أبي يعلى، وأبي الخطاب، وابن عقيل، وابن شاقلا، وغيرهم. (5) انظر: "الروضة" (2/63 – 65) ، على سبيل المثال. (6) انظر دليله على حجية قول الصحابي: "الروضة" (1/404، 405) . (7) انظر تغليط ابن قدامة لمن زعم الإجماع..إلخ:"الروضة" (1/131) ، وانظر: "المستصفى" (95) .

* أثر كتاب الروضة في الكتب اللاحقة له

7- حذف ابن قدامة الكثير من الاعتراضات الجدلية (1) واختصر بعض الأدلة العقلية (2) ، وحذف البعض الآخر (3) ، وأعرض عن مسائل (4) وهذب مسائل أخرى (5) ، فكان هذا تصفية لكتاب "المستصفى"، وصار كتاب "الروضة" بذلك أصغر حُجًا، وأقرب نفعًا، وأسهل مأخذًا. جـ- أثر كتاب الروضة: ممن استفاد (6) من كتاب الروضة وتأثر به كثيرًا: الإمام صفي الدين عبد المؤمن البغدادي الحنبلي (7) . في كتاب "قواعد الأصول ومعاقد الفصول" (8) ، والإمام علاء الدين ابن اللحام البعلي الحنبلي (9) في كتابه "المختصر في أصول الفقه" (10) .

_ (1) قارن في موضوع الاستصلاح بين "المستصفى" (250 – 259) ، و"الروضة" (1/411- 418) . (4) قارن في موضوع شروط المتواتر بين "المستصفى" (158 – 165) ، و"الروضة" (1/254 – 259) . (6) اختصر الإمام الطوفي كتاب "الروضة" وسماه: "البلبل في أصول الفقه"، ثم شرح "البلبل" شرحًا ضخمًا عرف باسم: "شرخ مختصر الروضة"، وكلا الكتابين مطبوع. (7) هو: عبد المؤمن بن عبد الحق بن عبد الله بن علي بن مسعود القطيعي الأصل، البغدادي، الفقيه، الإمام الفرضي المتقن، صفي الدين أبو الفضائل، تفقه حتى برع وأفتى، واشتغل بالعلم مطالعة وتصنيفًا وتدريسًا، له كتاب "شرح المحرر"، و"شرح العمدة"، و"اللامع المغيث في علم المواريث"، توفي سنة (739هـ) . انظر: "ذيل طبقات الحنابلة" (2/428) ، و"شذرات الذهب" (6/121) . (8) هذا الكتاب يمتاز بإيجازه، قال مؤلفه أنه اختصره من كتاب "تحقيق الأمل"، وجرده من الدلائل من غير إخلال بشيء من المسائل، وقد تابع في المختصر كتاب "الروضة" بل إنه نسخة مصغرة عنه إلا أنه حذف الأدلة، وخالف في الترتيب. وقد طبع الكتاب بتصحيح ومراجعة الشيخ أحمد شاكر، ثم طبع بتحقيق وتعليق الدكتور علي الحكمي، وهو من مطبوعات جامعة أم القرى بمكة المكرمة. (9) هو: علي بن محمد بن عباس البعلي الحنبلي، أبو الحسن علاء الدين، المعروف بابن اللحام، قرأ على الشيخ زين الدين بن رجب، وأفتى وناظر ودرس وصنف، من مؤلفاته كتاب: "اختيارات الشيخ تقي الدين ابن تيمية"، و"القواعد والفوائد الأصولية"، توفي سنة (803هـ) . انظر: "الجوهر المنضد" (81) ، و"الأعلام" (5/7) . (10) هذا الكتاب يمتاز باختصاره، إذ حذف منه مؤلفه التعليل والدلائل، وأشار فيه إلى الخلاف والوفاق، وقد أكثر ابن اللحام في هذا المختصر من النقل، وامتاز بتصريحه باسم الكتاب الذي نقل عنه تارة، وباسم صاحبه تارة أخرى. فمن الكتب التي صرح بذكرها: "الكفاية" للقاضي أبي يعلى. انظر (89، 97، 112) ، و"العدة" له (34، 80، 129) ، و"التمهيد" لأبي الخطاب (34، 51، 54) ، و"الواضح" لابن عقيل (31، 46، 60) ، و"الروضة" لابن قدامة (54، 60، 62) ونقل عن ابن تيمية في "المسودة" دون تصريح باسمها. انظر (75، 85، 121) ، وقد تابع ابن الحاجب في ترتيب أبوابه. والكتاب يعتبر مجمعًا لأقوال الحنابلة على وجه الخصوص، ومرجعًا لتحقيق مذهب الإمام أحمد، وفيه إشارات لمذهب السلف في بعض المواضع. انظر (48، 56، 72) ، وقد شرحه الإمام تقي الدين أبو بكر الجراعي الحنبلي، المتوفي سنة (883هـ) وهذا الشرح حقق بعضه الدكتور عبد العزيز القائدي في مرحلة الماجستير سنة (1408هـ) بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وأكمله الباحث عبد الرحمن الحطاب في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وقد حقق الدكتور محمد مظهر بقا كتاب "المختصر" لابن اللحام، وقدم له ووضع له فهارس، وهو من مطبوعات جامعة أم القرى بمكة المكرمة.

وقد شرح كتاب "الروضة" الشيخ ابن بدران، الدومي، الدمشقي (1) ، وسماه: "نزهة الخاطر العاطر" (2) ، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي (3) ، وسماه:

_ (1) هو: عبد القادر بن أحمد بن مصطفى الدومي ثم الدمشقي، الحنبلي، ألف المؤلفات النافعة، منها: "شرح العمدة"، و"شرح النونية" لابن القيم، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد"، توفي سنة (1346هـ) . انظر: "مقدمة المدخل إلى مذهب الإمام أحمد"، و"الأعلام" (4/37) . (2) هذا الكتاب تعليقات وحواشٍ على كتاب "الروضة"، اقتصر فيه ابن بدران على ما أشكل وترك الواضح، وبالتتبع ثبت أن غالب هذا الشرح مأخوذ جملة وتفصيلاً من شرح مختصر الروضة للإمام الطوفي، وازن بين: ابن بدران (1/178) تعليق رقم (2) = الطوفي (2/9، 13) . ابن بدران (1/179) تعليق رقم (1) (2) = الطوفي (2/10) . ابن بدران (1/236) تعليق رقم (2) = الطوفي (2/64) . ابن بدران (1/332) تعليق رقم (1) = الطوفي (3/7، 8) . ابن بدران (1/333) تعليق رقم (1) تتمة = الطوفي (3/12) . ابن بدران (1/342) تعليق رقم (2) = الطوفي (3/22 – 25) . وقد قال ابن بدران عن شرح الطوفي: "وبالجملة فهو أحسن ما صُنف في هذا الفن وأجمعه وأنفعه مع سهولة العبارة وسكبها في قالب يدخل القلوب بلا استئذان". "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (238، 239) . (3) هو: محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي، درس الفقه المالكي في موريتانيا وكذا بقية الفنون، ثم خرج منها إلى بلاد الحرمين فاستقر في المدينة النبوية ودرس بالمسجد النبوي، وكان من كبار علماء عصره في الفقه والأصول والعربية، له كتاب "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن"، و"دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب"، و"آداب البحث والمناظرة"، توفي سنة (1393هـ) . انظر: مقدمة "أضواء البيان" للشيخ عطية محمد سالم.

رابعا: كتاب "شرح الكوكب المنير" للشيخ تقي الدين ابن النجار الفتوحي

"مذكرة أصول الفقه" (1) . وقد طبع كتاب "الروضة" طبعات كثيرة، مع شرحه: "نزهة الخاطر العاطر"، ومستقلاً بدون الشرح (2) . رابعًا: كتاب "شرح الكوكب المنير" للشيخ تقي الدين ابن النجار الفتوحي، المتوفي سنة (972هـ) (3) . أ- أصل الكتاب: كتاب "الكوكب المنير" (4) جعله مؤلفه شرحًا على "مختصر التحرير"

_ (1) هذا الكتاب شرح لكتاب "الروضة" كله ما عدا المقدمة المنطقية التي افتتح ابن قدامة بها كتابه، وقد أملى الشيخ الأمين هذا الكتاب على الطلاب لما تولى تدريس الروضة بكلية الشريعة في الرياض سنة (1374هـ) لتُحل إشكالات الروضة، وتكشف غموضه، وتجمع شتاته، وتفصل مجمله، فكانت هذه المذكرة بعيدة عن التعقيد، خالصة من الشوائب، ناصعة بهدي الكتاب والسنة وعقيدة سلف الأمة. وهذه المذكرة تمتاز بأن مؤلفها ذو يد طولى في علم الأصول واللغة والمنطق والفقه، مما يجعل مباحثها وافية شاملة، وهي متأثرة بمراقي السعود في أصول المالكية للعلوي الشنقيطي، المتوفي سنة (1233هـ) ، وقد طبعت المذكرة طبعات كثيرة مرارًا. انظر مقدمة المذكرة للشيخ عطية سالم. (2) وقد قام الدكتور عبد العزيز السعيد بدراسة علمية بعنوان: "ابن قدامة وآثاره الأصولية" في قسمين، أعاد في القسم الثاني طباعة الكتاب، وفي القسم الأول كتب مقدمة تاريخية عن نشأة علم الأصول وطبقات فقهاء الحنابلة وحياة ابن قدامة، وقد حاول إخراج الكتاب بصورة مناسبة إلا أنه - كما يذكر في مقدمته (1/10) - واجهته صعوبات في تخريج بعض الآثار وترجمة بعض الأعلام. وقد صدرت مؤخرًا طبعة جديدة لكتاب الروضة بتحقيق الدكتور عبد الكريم النملة في ثلاث مجلدات. وقد امتازت هذه الطبعة عن سابقاتها بتوثيق النص من نسخه الخطية. (3) هو: محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي، تقي الدين أبو البقاء، الشهير بابن النجار، فقيه حنبلي مصري، من القضاة، له كتاب "منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات"، توفي سنة (972هـ) . انظر: "كشف الظنون" (2/1853) ، و"الأعلام" (6/6) . (4) ويسمى بـ"شرح الكوكب المنير" من باب إضافة الشيء إلى نفسه، كقولنا: "شرح فتح الباري" لابن حجر، ويسمى "المختبر المبتكر شرح المختصر"

* مميزات الكتاب

له (1) ، وكتاب (مختصر التحرير) اختصر فيه المؤلف كتاب "التحرير" (2) للمرداوي الحنبلي، المتوفي سنة (885هـ) (3) ،، ثم إن المرداوي شرحه في كتاب التحبير (4) . ب- مميزات الكتاب: 1- أن حجمه متوسط بين الصغير والكبير. 2- أثبت المؤلف في هذا الكتاب الكثير من أقوال العلماء، وأرجع كل قول إلى مصدره، ونسب القول إلى قائله (5) ، وهو بذلك يفصل ما أجمله في المختصر، ويوضح ما أبهمه فيه، والناظر في هذا الكتاب يلاحظ الدقة في النقل، والأمانة في التوثيق، والاعتراف بالفضل لأهله. 3- أضاف المؤلف في هذا الكتاب عددًا من الفوائد والتنابيه والتذانيب (6) ، كل ذلك بعبارة سلسلة وأسلوب سهل واضح، وهو بذلك يبث روح المتعة

_ (1) كتاب مختصر التحرير اختصار لكتاب "التحرير" للمرداوي، اقتصر فيه ابن النجار على قول الأكثر عند الحنابلة، دون غيره من الأقوال مما ذكره المرداوي في تحريره، وربما يذكر قولاً آخر في المسألة لفائدة تزيد على معرفة الخلاف، وربما يذكر وجهًا عند الحنابلة إذا كان المعتمد غيره، وربما يترك الترجيح ويطلق القولين أو الأقوال إذا لم يطلع على مصرح بتصحيح أحد القولين أو الأقوال، ولم يعز المؤلف الأقوال إلى قائليها اختصارًا لألفاظه، وتسهيلاً على حفاظه، وقد طبع في رسالة مستقلة. (2) كتاب "التحرير" جمع فيه مؤلفه معظم أحكام أصول الفقه، وقواعده، وضوابطه، وأقسامه، واشتمل على مذهب الأئمة الأربعة، وأتباعهم وغيرهم لكن على سبيل الإعلام، واستمده مؤلفه من غالب كتب الحنابلة في الأصول، فرجع إلى "الروضة" لابن قدامة، و"التمهيد" لأبي الخطاب، و"الواضح" لابن عقيل، و"العدة" لأبي يعلى، وتابع في ترتيبه ابن الحاجب في مختصره، بل تابعه في كثير من المسائل. وقد حققه الباحث عبد الله دكوري، في مرحلة الدكتوراه، في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. (3) هو: علي بن سليمان بن أحمد بن محمد الدمشقي الصالحي الحنبلي، ويعرف بالمرداوي، علاء الدين أبو الحسن، فقيه محدث أصولي، له كتاب: "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف"، و"تحرير المنقول في تمهيد علم الأصول"، وشرحه وسماه "التحبير في شرح التحرير"، توفي سنة (885هـ) . انظر: "البدر الطالع" (1/446) ، و"معجم المؤلفين" (7/102) . (4) حقق في ثلاث رسائل (دكتوراه) ثم طبعت في تسعة مجلدات. (5) انظر دليلاً على ذلك: فهرس الكتب الواردة في النص، وفهرس الأعلام، وذلك في الفهارس الملحقة بالكتاب المذكور. (6) انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/31) ، وانظر مثالاً على ذلك (1/459- 463، 474) .

والفائدة في ثنايا المسائل الأصولية (1) . 4- أكثر المؤلف من الاستشهاد بالآيات القرآنية الكريمة (2) والأحاديث النبوية الشريفة (3) في معرض الاحتجاج والاستدلال، وكذلك في سياق التمثيل والتوضيح. 5- اعتنى المؤلف بتقرير مذهب السلف في مواضع عدة (4) ، وأكثر من النقل عن أئمة أهل السنة والجماعة، كالإمام الشافعي، وأحمد، وابن قدامة، وابن تيمية، وغيرهم (5) . 6- تابع المؤلف في ترتيب الكتاب ابن الحاجب (6) في مختصره، وذلك تبعًا لترتيب المرداوي في تحريره. أما ترتيب ابن الحاجب فإنه قد اتبع فيه الآمدي (7) ، وهو على النحو الآتي: أ- المقدمة، وفيها تعريف أصول الفقه ومبادؤه.

_ (1) انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/7، 8) . (2) انظر: فهرس الآيات القرآنية من كل مجلد. (3) انظر: فهرس الأحاديث النبوية من كل مجلد. (4) انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/7 – 115) وذلك فيما يتعلق بصفة الكلام، وانظر أيضًا (1/320 – 322، 2/352) . (5) انظر: فهرس الأعلام من كل مجلد، وفهرس المذاهب والفرق "أئمة الحديث، أهل الحديث أهل السنة والحديث، أهل السنة والجماعة، علماء السنة، السلف". (6) هو: عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، المصري، شيخ المالكية وإمام العربية، أبو عمرو، من مؤلفاته: "الكافية في النحو"، و"منتهى السول والأمل"، واختصره في "مختصر المنتهى"، توفي سنة (646هـ) . انظر: "سير أعلام النبلاء" (23/264) ، و"الديباج المذهب" (189) . (7) هو: علي بن أبي علي بن محمد سالم التغلبي الآمدي الشافعي سيف الدين أبو الحسن، يعد واحدًا من أذكياء العالم، أتقن أصول الدين، وأصول الفقه والعلوم العقلية، من مؤلفاته: "الإحكام في أصول الأحكام"، واختصره في "منتهى السول في علم الأصول"، وكتاب "غاية المرام في علم الكلام"، توفي سنة (631هـ) . انظر: "سير أعلام النبلاء" (22/364) ، و"طبقات الشافعية الكبرى" لابن السبكي (5/129) .

والكلام على المبادئ اللغوية. والكلام على مسائل الأحكام: الحاكم، والحكم الشرعي وأقسامه، والتكليف. ب- الأدلة وما يتعلق بها: الكتاب، السنة "أفعال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، الإجماع، الأخبار (المتواتر والآحاد) ، الأمر والنهي، العام والخاص، المطلق والمقيد، المجمل والمبين، الظاهر والتأويل، المنطوق والمفهوم، النسخ، القياس، الأدلة المختلف فيها. جـ- الاجتهاد، والتقليد، والفتوى. د- التعارض والترجيح. 7- امتاز هذا الكتاب أيضًا بكثرة مصادره، فقد رجع المؤلف في هذا الكتاب إلى أشهر الكتب الأصولية (1) ، فبذلك يكون مرجعًا لمعرفة أقوال الأصوليين في جميع المذاهب. 8- وهو – في الوقت ذاته – مرجع لمذهب الحنابلة في المسائل الأصولية، فقد اعتمد المؤلف على أهم كتب الحنابلة ونهل منها (2) . 9- وقد طبع هذا الكتاب في أربعة مجلدات طبعة جيدة مع فهرسة دقيقة، قام بذلك الدكتور محمد الزحيلي، والدكتور نزيه حماد. وهو من مطبوعات جامعة أم القرى بمكة المكرمة.

_ (1) وذلك مثل: "الرسالة" للشافعي، و"التقريب" للباقلاني، و"القواطع" لابن السمعاني، و"الورقات" للجويني، و"البرهان" له، و"المستصفى" للغزالي، و"المنخول" له، و"المحصول" للرازي، و"الحاصل" للأرموي، و"اللمع وشرحه" للشيرازي، و"جمع الجوامع" لابن السبكي، و"المعتمد" للبصري، و"شرح المختصر" للأصفهاني، و"المختصر" لابن الحاجب، و"شرح تنقيح الفصول" للقرافي، و"بديع النظام" لابن الساعاتي، هذا مما صرح بذكره. انظر فهرس الكتب منه. (2) وذلك مثل: "تهذيب الأجوبة" لابن حامد، و"العدة" لأبي يعلى، و"التمهيد" لأبي الخطاب، و"الواضح" لابن عقيل، و"المسودة" لآل تيمية، و"الروضة" لابن قدامة، و"شرح الطوفي"، و"أصول ابن مفلح"، و"أصول ابن قاضي الجبل"، و"إعلام الموقعين" لابن القيم. هذا مما صرح بذكره عدا ما يذكره عن الإمام أحمد من أقوال في مواضع كثيرة. انظر فهرس الكتب والأعلام منه.

الباب الأول: الأدلة الشرعية عند أهل السنة والجماعة

الباب الأول: الأدلة الشرعية عند أهل السنة والجماعة وفي هذا الباب أربعة فصول: الفصل الأول: الكلام على الأدلة الشرعية إجمالاً. الفصل الثاني: الأدلة المتفق عليها. الفصل الثالث: الأدلة المختلف فيها. الفصل الرابع: النسخ، والتعارض، والترجيح، وترتيب الأدلة

توطئة

توطئة يمكننا ابتداءً تقسيم الأدلة الشرعية - باعتبارات مختلفة - إلى: متفق عليها ومختلف فيها، وقطعية وظنية، ونقلية وعقلية. وسنتعرض في الفصل الأول من هذا الباب إلى الكلام على الأدلة الشرعية إجمالاً من خلال هذه التقسيمات، وذلك في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: الأدلة الشرعية من حيث أصلها ومصدرها. المبحث الثاني: الأدلة الشرعية من حيث القطع والظن. المبحث الثالث: الأدلة الشرعية من حيث النقل والعقل. أما الكلام بالتفصيل على كل واحد من الأدلة الشرعية -المتفق عليها والمختلف فيها- فسيكون ضمن فصلين اثنين هما: الفصل الثاني: وفيه الكلام على الأدلة المتفق عليها. والفصل الثالث: وفيه الكلام على الأدلة المختلف فيها. وأما الفصل الرابع: فسيكون الكلام فيه على أمور أربعة تتعلق بالأدلة، وهي: النسخ، والتعارض، والترجيح، وترتيب الأدلة، وذلك من خلال أربعة مباحث، لكل أمر مبحث مستقل، والله الموفق. ****

الفصل الأول: الكلام على الأدلة الشرعية إجمالا

الفصل الأول: الكلام على الأدلة الشرعية إجمالا وفي هذا الفصل ثلاثة مباحث: المبحث الأول: الأدلة الشرعية من حيث أصلها ومصدرها. المبحث الثاني: الأدلة الشرعية من حيث القطع والظن. المبحث الثالث: الأدلة الشرعية من حيث النقل والعقل.

المبحث الأول: الأدلة الشرعية من حيث أصلها ومصدرها

المبحث الأول: الأدلة الشرعية من حيث أصلها ومصدرها

- الأدلة المعتبرة شرعا أربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس

اتفق أهل السنة على أن الأدلة المعتبرة شرعًا أربعة وهي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وذلك من حيث الجملة (1) . قال الشافعي: ".....وجهة العلم الخبر في الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس" (2) . واتفقوا أيضًا على أن هذه الأدلة الأربعة ترجع إلى أصل واحد، هو الكتاب والسنة، إذ هما ملاك الدين وقوام الإسلام (3) . قال الشافعي: ".....وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله، أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن ما سواهما تبع لهما" (4) . وهذه الأدلة الأربعة متفقة لا تختلف، إذ يوافق بعضها بعضًا ويصدق بعضها بعضًا؛ لأن الجميع حق والحق لا يتناقض (5) ، وهي كذلك متلازمة لا تفترق، فجميع هذه الأدلة يرجع إلى الكتاب (6) ، والكتاب قد دل على حجية السنة، والكتاب والسنة دلا على حجية الإجماع، وهذه الأدلة الثلاثة دلت على حجية القياس (7) . لذلك صح أن يقال: مصدر هذه الأدلة هو القرآن، باعتبار أنه الأصل، وأن ما عداه بيان له، وفرع عنه، ومستند إليه. ويصح أيضًا أن يقال: مصدر هذه الأدلة هو الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الكتاب إنما سمع منه تبليغًا، والسنة تصدر عنه تبيينًا، والإجماع والقياس مستندان في إثباتهما

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/54، 55) ، و"مجموع الفتاوى" (20/401) ، و"مختصر ابن اللحام" (70) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/5) ، و"وسيلة الحصول" (8) . (2) "الرسالة" (39) وانظر منه (508) . (3) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/110) ، "الصواعق المرسلة" (2/520) ، و"رسالة لطيفة في أصول الفقه" لابن سعدي (99) . (4) "جماع العلم" (11) . (5) انظر: "إعلام الموقعين" (1/33) . (6) انظر: "الرسالة" (221) . (7) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/195، 200) .

- الكتاب والسنة أصل الأدلة

إلى الكتاب والسنة (1) . قال ابن تيمية: "....... وكذلك إذا قلنا: الكتاب والسنة والإجماع، فمدلول الثلاثة واحد؛ فإن كل ما في الكتاب فالرسول موافق له، والأمة مجمعة عليه من حيث الجملة، فليس في المؤمنين إلا من يوجب اتباع الكتاب، وكذلك كل ما سنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالقرآن يأمر باتباعه فيه، والمؤمنون مجمعون على ذلك. وكذلك كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه لا يكون إلا حقًا موافقًا لما في الكتاب والسنة (2) . ومما مضى يتبين أن الكتاب والسنة هما أصل الأدلة الأربعة المتفق عليها، وهذا الأصل قد يسمى بالنقل، أو الوحي، أو السمع، أو الشرع، أو النص، أو الخبر، أو الأثر، يقابله العقل، أو الرأي، أو النظر، أو الاجتهاد، أو الاستنباط. وقد امتاز هذا الأصل العظيم - أعني الكتاب والسنة - بخصائص، وتفرد بفضائل، واقترنت به آداب، أظهرها أئمة أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى. إنها قواعد مهمة للتعامل مع النصوص الشرعية، ومقدمات ضرورية للنظر في الكتاب والسنة، وهي أصول للاستنباط وضوابط للتفكير. خصائص أصل الأدلة "الكتاب والسنة": 1- أن هذا الأصل وحي من الله، فالقرآن الكريم كلامه سبحانه، والسنة النبوية بيانه ووحيه إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - (3) ؛ قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] . 2- أن هذا الأصل إنما بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لا سماع لنا من الله

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/177، 178) ، و"مجموع الفتاوى" (7/40، 19/195) ، و"مختصر ابن اللحام" (33) ، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (87) . (2) "مجموع الفتاوى" (7/40) . (3) انظر: "الرسالة" (33) ، و"الصواعق المرسلة" (3/880) ، "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (87) وانظر (ص134، 135) من هذا الكتاب.

تعالى، ولا من جبريل عليه السلام، فالكتاب سُمع منه تبليغً، والسنة تصدر عنه تبيينًا (1) ، وقد قال تعالى آمرًا نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19] . 3- أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ هذا الأصل، كما قال سبحانه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] (2) ، قال ابن القيم: "والله تعالى قد ضمن حفظ ما أوحاه إليه - صلى الله عليه وسلم - وأنزل عليه؛ ليقيم به حجته على العباد إلى آخر الدهر" (3) . 4- أن هذا الأصل هو حجة الله التي أنزلها على خلقه. قال الشافعي: ".........لأن الله جل ثناؤه أقام على خلقه الحجة من وجهين، أصلهما في الكتاب: كتابه ثم سنة نبيه" (4) . وقال ابن القيم: "إن الله سبحانه قد أقام الحجة على خلقه بكتابه ورسله، فقال: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا} [الفرقان: 1] . وقال: {وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19] . فكل من بلغه هذا القرآن فقد أنذر به وقامت عليه حجة الله به" (5) . 5- أن هذا الأصل هو جهة العلم عن الله وطريق الإخبار عنه سبحانه. قال ابن عبد البر: "وأما أصول العلم فالكتاب والسنة (6) يوضحه". 6- أن هذا الأصل هو طريق التحليل، والتحريم، ومعرفة أحكام الله، وشرعه. قال ابن تيمية: "وأوجب عليهم الإيمان به، وبما جاء به، وطاعته، وأن

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/178) ، "ومختصر الصواعق" (463) وانظر (ص134، 135) من هذا الكتاب. (2) قال ابن القيم: "وكل وحي من عند الله فهو ذكر أنزله الله". "مختصر الصواعق" (463) . (3) "مختصر الصواعق" (463) وانظر (ص133) من هذا الكتاب. (4) "الرسالة" (221) . (5) "الصواعق المرسلة" (2/735) . (6) "جامع بيان العلم وفضله" (2/33) .

يحللوا ما حلل الله ورسوله، ويحرموا ما حرم الله ورسوله...." (1) . 7- وجوب الاتباع لهذا الأصل، ولزوم التمسك بما فيه (2) . قال الشافعي: ".......وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله، أو سنة رسول - صلى الله عليه وسلم - " (3) . 8- أن وجوب اتباع هذا الأصل عام، فلا يجوز ترك شيء مما دل عليه هذا الأصل، أبدًا، وتحرم مخالفته على كل حال. قال ابن عبد البر: ".....وقد أمر الله عز وجل بطاعته - صلى الله عليه وسلم - واتباعه أمرًا مطلقًا مجملاً، لم يقيد بشيء - كما أمرنا باتباع كتاب الله - ولم يقل وافق كتاب الله، كما قال بعض أهل الزيغ" (4) . وقال ابن تيمية: "......فلهذا كانت الحجة الواجبة الاتباع: الكتاب والسنة والإجماع، فإن هذا حق لا باطل فيه، واجب الاتباع، لا يجوز تركه بحال، عام الوجوب لا يجوز ترك شيء مما دلت عليه هذه الأصول، وليس لأحدً الخروج عن شيء مما دلت عليه، وهي مبنية على أصلين: أحدهما: أن هذا جاء به الرسول. والثاني: أن ما جاء به الرسول وجب اتباعه. وهذه الثانية إيمانية ضدها الكفر أو النفاق" (5) . 9- وجوب التسليم التام لهذا الأصل وعدم الاعتراض عليه. خصص الخطيب البغدادي لذلك بابًا في كتاب "الفقيه والمتفقه"، فقال: "باب تعظيم السنن، والحث على التمسك بها، والتسليم لها، والانقياد إليها، وترك الاعتراض عليها" (6) . 10- أن معارضة هذا الأصل قادح في الإيمان.

_ (1) "مجموع الفتاوى" (19/9) . (2) انظر (ص554) فقرة رقم (29) من هذا الكتاب. (3) "جماع العلم" (11) . (4) "جامع بيان العلم وفضله" (2/190) . (5) "مجموع الفتاوى" (19/5، 6) . (6) 1/143) . وفي الأصل: "الاعتراض عنها".

قال ابن القيم: "إن المعارضة بين العقل ونصوص الوحي لا تتأتى على قواعد المسلمين المؤمنين بالنبوة حقًا، ولا على أصول أحد من أهل الملل المصدقين بحقيقة النبوة، وليست هذه المعارضة من الإيمان بالنبوة في شيء، وإنما تتأتى هذه المعارضة ممن يقر بالنبوة على قواعد الفلسفة" (1) . 11- أن هذا الأصل به تفض المنازعات، وإليه ترد الخلافات، كما قال سبحانه: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59] ، وقال جل شأنه: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [الشورى: 10] . قال الشافعي: "ومن تنازع ممن بعد رسول الله رد الأمر إلى قضاء الله ثم قضاء رسوله، فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاء نصا فيهما ولا في واحد منهما ردوه قياسًا على أحدهما" (2) . وقال ابن تيمية: "فإذا تنازع المسلمون في مسألة وجب ردّ ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، فأي القولين دل عليه الكتاب والسنة وجب اتباعه" (3) . 12- أن هذا الأصل تمتنع معه الاستشارة. قال البخاري: "وكانت الأئمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها. فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره؛ اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - " (4) . 13- أن هذا الأصل يوجب تغيير الفتوى لمن أفتى بخلافه. وقد بوب الدارمي (5) لذلك في سننه، فقال: "باب الرجل يفتي بشيء، ثم يبلغه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرجع إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " (6) .

_ (1) "الصواعق المرسلة" (3/955) . (2) "الرسالة" (81) . (3) "مجموع الفتاوى" (20/12) . (4) "صحيح البخاري" (13/339) . (5) هو: عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي التميمي، أبو محمد صاحب السنن، كان ركنًا من أركان الدين ممن أظهر السنة ودعا إليها وذب عنها، حدث عنه مسلم وأبو داود والترمذي، له كتاب في التفسير، توفي سنة (255هـ) . انظر: "سير أعلام النبلاء" (12/224) ، و"شذرات الذهب" (2/130) . (6) 1/153) .

14- أن هذا الأصل يوجب الرجوع عن الرأي وطرحه إذا كان مخالفًا له. وقد خصص الخطيب البغدادي لذلك بابًا في كتابه "الفقيه والمتفقه" فقال: "ذكر ما روي من رجوع الصحابة عن آرائهم التي رأوها إلى أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سمعوها ووعوها" (1) . 15-أن هذا الأصل هو الإمام المقدم، فهو الميزان لمعرفة صحيح الآراء من سقيمها. قال الشافعي: "..... وأن يجعل قول كل أحد وفعله أبدًا تبعًا لكتاب الله ثم سنة رسوله" (2) . وقال ابن عبد البر: "واعلم يا أخي أن السنة والقرآن هما أصل الرأي والعيار عليه، وليس الرأي بالعيار على السنة؛ بل السنة عيار عليه" (3) . وقال ابن القيم: "وقد كان السلف يشتد عليهم معارضة النصوص بآراء الرجال، ولا يقرون على ذلك" (4) . 16-أن هذا الأصل إذا وجد سقط معه الاجتهاد وبطل به الرأي، وأنه لا يصار إلى الاجتهاد والرأي إلا عند عدمه، كما لا يصار إلى التيمم إلا عند عدم الماء (5) . 17- أن إجماع المسلمين لا ينعقد على خلاف هذا الأصل أبدًا قال الشافعي: "..أو إجماع علماء المسلمين، الذين لا يمكن أن يجمعوا على خلاف سنة له" (6) . وقال أيضًا:"أما سنة يكونون مجتمعين على القول بخلافها فلم أجدها قط" (7) . 18- أن القياس موافق لهذا الأصل، فلا يختلفان أبدًا (8) .

_ (1) 1/138) . (2) "الرسالة" (198) . (3) "جامع بيان العلم وفضله" (2/173) . (4) "مختصر الصواعق" (139) . (5) انظر (ص185، 186، 474، 475) من هذا الكتاب. (6) الرسالة (322) (7) المصدر السابق (470) . (8) انظر (ص189، 196) تعليق رقم (1) من هذا الكتاب.

19- أن هذا الأصل لا يُعارض العقل، بل إن صريح العقل موافق لصحيح النقل دائمًا (1) . 20- أن هذا الأصل يقدم على العقل إن وجد بينهما تعارض في الظاهر (2) . 21- أن هذا الأصل كله حق لا باطل فيه. قال ابن تيمية: ".....وذلك أن الحق الذي لا باطل فيه هو ما جاءت به الرسل عن الله، وذلك في حقنا، ويعرف بالكتاب والسنة والإجماع" (3) . 22- أن هذا الأصل لا يمكن الاستدلال به على إقامة باطل أبدًا؛ من وجهٍ صحيح (4) . 23- أن هذا الأصل يحصل به العلم واليقين، خلافًا لمن قال: إن الأدلة السمعية لا تفيد إلا الظن (5) . 24- أن في هذا الأصل الجواب عن كل شيء، إذ هو مشتمل على بيان جميع الدين أصوله وفروعه (6) . قال الشافعي: "فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها" (7) . 25- أن هذا الأصل واضح المعاني ظاهر المراد، لا لبس في فهمه ولا غموض. قال ابن القيم: "وكذلك عامة ألفاظ القرآن نعلم قطعًا مراد الله ورسوله منها. كما نعلم قطعًا أن الرسول بلغها عن الله، فغالب معاني القرآن معلوم أنها مراد الله خبرًا كانت أو طلبًا، بل العلم بمراد الله من كلامه أوضح وأظهر من العلم بمراد كل متكلم من كلامه، لكمال علم المتكلم وكمال بيانه، وكمال هداه

_ (1) انظر (ص94 - 97، 270) من هذا الكتاب. (2) انظر (ص94- 97) من هذا الكتاب. (3) "مجموع الفتاوى" (19/5) . (4) انظر: "جامع البيان" للطبري (24/125) . (5) انظر (ص83- 86) من هذا الكتاب. (6) انظر (ص567، 568) فقرة (116، 117) من هذا الكتاب. (7) "الرسالة" (20) .

وإرشاده، وكمال تيسيره للقرآن، حفظًا وفهمًا، عملاً وتلاوة. فكما بلغ الرسول ألفاظ القرآن للأمة بلغهم معانيه، بل كانت عنايته بتبليغ معانيه أعظم من مجرد تبليغ ألفاظه" (1) . 26- أن في التمسك بهذا الأصل الخير والسعادة والفلاح، وفي مخالفته والإعراض عنه الشقاء والضلال (2) . قال ابن تيمية: "أصل جامع في الاعتصام بكتاب الله ووجوب اتباعه، وبيان الاهتداء به في كل ما يحتاج إليه الناس في دينهم، وأن النجاة والسعادة في اتباعه والشقاء في مخالفته" (3) . وقال أيضًا: "قاعدة نافعة في وجوب الاعتصام بالرسالة وبيان أن السعادة والهدي في متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأن الضلال والشقاء في مخالفته، وأن كل خير في الوجود -إما عام وإما خاص- فمنشؤه من جهة الرسول، وأن كل شر في العالم مختص بالعبد فسببه مخالفة الرسول أو الجهل بما جاء به، وأن سعادة العباد في معاشهم ومعادهم باتباع الرسالة" (4) . 27- أن هذا الأصل ضروري لصلاح العباد في الدنيا والآخرة. قال ابن تيمية: "والرسالة ضرورية في إصلاح العبد في معاشه ومعاده، فكما أنه لا صلاح له في آخرته إلا باتباع الرسالة فكذلك لا صلاح له في معاشه ودنياه إلا باتباع الرسالة، فإن الإنسان مضطر إلى الشرع" (5) . وقال أيضًا: "والرسالة ضرورية للعباد، لابد لهم منها، وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء، والرسالة روح العالم ونوره وحياته، فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور؟. والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة.

_ (1) "الصواعق المرسلة" (2/636) . (2) انظر: "الرسالة" (19) ، و"الشريعة" للآجري (14) ، و"الصواعق المرسلة" (3/837) . (3) "مجموع الفتاوى" (13/76) . (4) المصدر السابق (13/93) . (5) المصدر السابق (19/99) .

وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة، وهو من الأموات. قال تعالى: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلامت ليس بخارج منها} [الأنعام: 122] " (1) . 28- أن هذا الأصل لابد له من تعظيم وتوقير وإجلال. وقد بوب الدارمي في سننه لذلك بقوله: "باب تعجيل عقوبة من بلغه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث فلم يعظمه ولم يوقره" (2) . وكذلك صنع الخطيب البغدادي في كتاب "الفقيه والمتفقه"، فقال: "باب تعظيم السنن...." (3) . وبوب ابن عبد البر في جامعه قائلاً: "باب ذكر بعض من كان لا يحدث عن رسول الله إلا وهو على وضوء" (4) . 29- أن هذا الأصل ترجع إليه جميع الأدلة: المتفق عليها والمختلف فيها كذلك (5) . ****

_ (1) "مجموع الفتاوى" (19/93) . (2) 1/116) . (3) 1/143) . (4) 2/194) . (5) انظر (ص68، 278) من هذا الكتاب.

المبحث الثاني: الأدلة الشرعية من حيث القطع والظن

المبحث الثاني: الأدلة الشرعية من حيث القطع والظن وفي هذا المبحث النقاط الآتية: 1- معنى القطع والظن. 2- العمل بالظن نوعان. 3- العمل بالعلم نوعان. 4- القطع والظن من الأمور النسبية. 5- انقسام الأدلة الشرعية إلى قطعية وظنية. 6- إفادة نصوص الكتاب والسنة القطع. 7- بطلان القول بأن نصوص الكتاب والسنة لا تفيد اليقين. 8- بطلان القول بأن الفقه كله أو أكثره ظنون. 9- العوامل التي ساعدت على انتشار القول بأن الفقه أكثره ظنون. 10- بيان أن الأدلة الظنية متفاوتة فيما بينها. 11- هل يكفي في مسائل أصول الدين الظن؟

- معنى القطع والظن

1- معنى القطع والظن (1) : القطع: بمعنى الجزم، والعلم، واليقين. وهو: اعتقاد الشيء بأنه كذا مع اعتقاد أنه لا يمكن إلا كذا مطابقًا للواقع. والظن: خلاف اليقين، وقد يستعمل بمعنى اليقين. وهو: الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض. 2- العمل بالظن نوعان (2) : اتباع الظن قد يكون مذمومًا، وقد يكون حسنًا. ذلك أن اتباع الظن المجرد الخالي عن العلم هو الذي ورد في القرآن الكريم ذمه، كقوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157] ، {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23] ، {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36] ، {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام: 148، 149] ، {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 119] ، ففي هذه الآيات ذم لمن عمل بغير علم وعمل بالظن. أما اتباع الظن المستند إلى علم فإنه لا يدخل في الظن المذموم في الآيات السابقة. إذ إن اتباع الظن المستند إلى علم اتباع للعلم لا للظن؛ لأن ترجيح ظن على ظن لا بد له من دليل، فيكون ترجيحه مستندًا إلى علم ودليل، فاتباعه لهذا الظن الراجح اتباع لما عُلم رجحانه فيكون متبعًا للعلم لا للظن وهو اتباع

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (9/156، 157) ، و"المصباح المنير" (386) ، و"التعريفات" (144، 259) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/110 - 115) ، و"الاستقامة" (1/51 - 56) .

- العمل بالعلم نوعان

الأحسن، لأنه إذا كان أحد الدليلين هو الراجح فاتباعه هو الأحسن وهذا معلوم. قال تعالى: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف: 145] ، وقال: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18] ، وقال: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر: 55] . 3- العمل بالعلم نوعان (1) : الواجب على المجتهدين العمل بالعلم، لكن هذا العلم إما ألا يحتمل النقيض، وهذا فيما إذا كان الدليل المتبع دليلاً قاطعًا، فهذا عمل باعتقاد الرجحان، لا برجحان الاعتقاد، وهو اعتقاد رجحان هذا على هذا. وإما أن يحتمل النقيض، وهو أن يكون الدليل المتبع خلاف الثابت في نفس الأمر، وهذا فيما إذا كان الدليل المتبع ظنيًا، لكن عمل به لكونه استند إلى دليل أفاد ترجيحه. والمقصود أن الذي جاءت به الشريعة وعليه عقلاء الناس وما يوجد في جميع العلوم والصناعات، كالطب والتجارة، العمل بالعلم، فلا يعملون إلا بالعلم بأن هذا أرجح من هذا، فيعتقدون الرجحان اعتقادًا عمليًا، لكن لا يلزم إذ كان أرجح ألا يكون المرجوح هو الثابت في نفس الأمر. وذلك مثل الحكم بالبينة، فإذا أتى أحد الخصمين بحجة ولم يأت الآخر بشيء، كان الحاكم عالمًا بأن حجة هذا أرجح، فما حكم إلا بعلم، مع أن الآخر قد تكون له حجة لا يعلمها أو لا يحسن أن يبينها، فيكون مضيعًا لحقه حيث لم يبين حجته، والحاكم لم يحكم إلا بعلم وعدل. وهكذا أدلة الأحكام فإذا تعارض خبران قدم الأقوى منهما، وإن جاز أن يكون في نفس الأمر الخبر المرجوح هو الحق، لكونه هو الأقوى في الحقيقة إلا أن المجتهد لم يعلم بذلك، فالمجتهد إنما عمل بعلم، وهو علمه برجحان هذا على هذا، فهو إذن ليس ممن لا يتبع إلا الظن. وليس للمجتهد أن يترك ما يعلمه إلى ما لا يعلمه لإمكان ثبوته في نفس

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/114 – 117) .

- القطع والظن من الأمور النسبية

الأمر، فإذا كان لابد من ترجيح أحد القولين وجب ترجيح هذا الذي علم ثبوته على ما لا يعلم ثبوته، وإن لم يعلم انتفاءه من جهته، والواجب قطعًا ترجيح المعلوم ثبوته على ما لا يعلم ثبوته، فهذا من رجحان الاعتقاد لا من اعتقاد الرجحان، إذ أنه رجح هذا الاعتقاد على هذا الاعتقاد وهو الظن لكن ليس من الظن الذي قال الله فيه: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ} [النجم: 23] ، بل هو ظن راجح، ورجحانه معلوم، فحكم المجتهد بما علمه من الظن الراجح والدليل الراجح، وهذا معلوم له لا مظنون عنده. قال ابن تيمية: "فقد تبين أن الظن له أدلة تقتضيه، وأن العالم إنما يعمل بما يوجب العلم بالرجحان لا بنفس الظن إلا إذا علم رجحانه. وأما الظن الذي لا يعلم رجحانه فلا يجوز اتباعه، وذلك هو الذي ذم الله به من قال فيه: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ} [النجم: 23] ، فهم لا يتبعون إلا الظن، ليس عندهم علم، ولو كانوا عالمين بأنه ظن راجح لكانوا قد اتبعوا علمًا لم يكونوا ممن لا يتبع (1) إلا الظن. والله أعلم (2) . 4- القطع والظن من الأمور النسبية (3) : كون الشيء قطعيًا أو ظنيًا أمر إضافي، فإن الإنسان قد يقطع بأشياء علمها بالضرورة أو النقل المعلوم صدقه عنده، وغيره لا يعرف ذلك لا قطعًا ولا ظنًا، وقد يحصل القطع لإنسانٍ، ولا يحصل لغيره سوى الظن. وإنما اختلف الناس في ذلك بسبب اختلافهم في الاطلاع على الأدلة، والقدرة على الاستدلال، وتفاوتهم في الذكاء وقوة الذهن وسرعة الإدراك. قال ابن تيمية: "وقد تبين أن جميع المجتهدين إنما قالوا بعلم، واتبعوا العلم، وأن الفقه من أجل العلوم، وأنهم ليسوا من الذين لا يتبعون إلا الظن، لكن بعضهم قد يكون عنده علم ليس عند الآخر.

_ (1) في الأصل: "ممن يتبع". (2) "مجموع الفتاوى" (13/120) . (3) انظر المصدر السابق (19/211، 9/156، 157) ، و"مختصر الصواعق" (501) .

- انقسام الأدلة الشرعية إلى قطعية وظنية

إما بأن سمع ما لم يسمع الآخر. وإما بأن فهم ما لم يفهم الآخر، كما قال تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ*فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 78، 79] (1) . 5- انقسام الأدلة الشرعية إلى قطعية وظنية (2) : الأدلة الشرعية منها ما هو قطعي، ومنها ما هو ظني: فالدليل القطعي: ما كان قطعي السند والثبوت، وقطعي الدلالة أيضًا. وحكم هذا النوع من الأدلة وجوب اعتقاد موجبه علمًا وعملاً، وأنه لا يسوغ فيه الاختلاف، وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء في الجملة (3) . قال الإمام الشافعي: "أما ما كان نص كتاب بين، أو سنة مجتمع عليها، فالعذر فيها مقطوع، ولا يسع الشك في واحد منها، ومن امتنع من قبوله اسُتتيب" (4) . وقال أيضًا: "كل ما أقام الله به الحجة في كتابه، أو على لسان نبيه منصوصًا بينًا لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه" (5) . فقوله: (لمن علمه) يفيد أن الخلاف في هذا النوع يمكن أن يقع من جهة تحقيق المناط. يوضح ذلك ما قاله ابن تيمية: "وإنما قد يختلفون في بعض الأخبار هل هو قطعي السند أو ليس بقطعي؟ وهل هو قطعي الدلالة أو ليس بقطعي؟ " (6) . وقال أيضًا: "....... وكل من كان بالأخبار أعلم قد يقطع بصدق أخبار لا يقطع بصدقها من ليس مثله. وتارة يختلفون في كون الدلالة قطعية لاختلافهم في أن ذلك الحديث هل هو نص أو ظاهر؟ وإذا كان ظاهرًا فهل فيه ما ينفي الاحتمال المرجوح أو لا؟ وهذا أيضًا باب واسع، فقد يقطع قوم من العلماء

_ (1) "مجموع الفتاوى" (13/124، 125) . (2) انظر (ص149، 158، 180، 181) من هذا الكتاب. (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/257) . (4) "الرسالة" (46) . (5) المصدر السابق (560) . (6) "مجموع الفتاوى" (20/257) .

بدلالة أحاديث لا يقطع بها غيرهم، إما لعلمهم بأن الحديث لا يحتمل إلا ذلك المعنى، أو لعلمهم بأن المعنى الآخر يمنع حمل الحديث عليه، أو لغير ذلك من الأدلة الموجبة للقطع" (1) . أما النوع الثاني وهو الدليل الظني: فهو ما كانت دلالته ظاهرة غير قطعية، أو كان ثبوته غير قطعي. وحكم هذا النوع: وجوب العمل به في الأحكام الشرعية باتفاق العلماء المعتبرين، أما إن تضمن حكمًا علميًا عقديًا، فمذهب السلف أنه لا فرق بين الأمور العلمية والعملية وأن العقائد تثبت بالأدلة الظنية (2) . قال ابن تيمية: "وذهب الأكثرون من الفقهاء وهو قول عامة السلف إلى أن هذه الأحاديث حجة في جميع ما تضمنته من الوعيد. فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين بعدهم ما زالوا يثبتون بهذه الأحاديث الوعيد كما يثبتون بها العمل، ويصرحون بلحوق الوعيد الذي فيها للفاعل في الجملة. وهذا منتشر عنهم في أحاديثهم وفتاويهم. وذلك لأن الوعيد من جملة الأحكام الشرعية التي تثبت بالأدلة الظاهرة تارة، وبالأدلة القطعية تارة أخرى. ولا فرق بين اعتقاد الإنسان أن الله حرم هذا، وأوعد فاعله بالعقوبة المجملة، واعتقاده أن الله حرمه وأوعده عليه بعقوبة معينة من حيث إن كلاً منهما إخبار عن الله، فكما جاز الإخبار عنه بالأول بمطلق الدليل فكذلك الإخبار عنه بالثاني، بل لو قال قائل: العمل بها في الوعيد أوكد كان صحيحًا، ولهذا كانوا يسهلون في أسانيد أحاديث الترغيب والترهيب ما لا يسهلون في أسانيد أحاديث الأحكام؛ لأن اعتقاد الوعيد يحمل النفوس على الترك، فإن كان ذلك الوعيد حقًا كان الإنسان قد نجا، وإن لم يكن الوعيد حقًا بل عقوبة الفعل أخف من ذلك

_ (1) "مجموع الفتاوى" (20/259) . (2) انظر المصدر السابق (20/286) ، و"مختصر الصواعق المرسلة" (489) .

- إفادة نصوص الكتاب والسنة القطع

الوعيد لم يضر الإنسان إذا ترك ذلك الفعل خطؤه في اعتقاده زيادة العقوبة" (1) . وقال الشافعي: "فأما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي قد يختلف الخبر فيه، فيكون الخبر محتملاً للتأويل، وجاء الخبر فيه من طريق الانفراد فالحجة فيه عندي أن يلزم العالمين، حتى لا يكون لهم رد ما كان منصوصًا منه، كما يلزمهم أن يقبلوا شهادة العدول" (2) . 6- إفادة نصوص الكتاب والسنة القطع (3) : نصوص الكتاب والسنة تفيد القطع، والمراد من إفادتها القطع: أ- أن حصول العلم والقطع بها ممكن. ب- أن العلم بها لا يحصل لكل أحد. جـ- أن العلم بها إنما يحصل لمن اجتهد واستدل لا للمقلدين. د- أن العلم بها يحصل في غالب الأحكام، وأن الظن فيها إنما هو قليل جدًا ولبعض المجتهدين، وذلك غالبًا ما يكون في مسائل الاجتهاد والنزاع، أما مسائل الإيمان والإجماع فالعلم فيها أكثر قطعًا. 7- بطلان القول بأن نصوص الكتاب والسنة لا تفيد اليقين: إذا علم ما سبق فإن القول بأن نصوص الكتاب والسنة أدلة لفظية لا يحصل بها اليقين قول باطل. وقبل ذكر الأدلة على بطلان هذا القول نشير إلى خطورته: ذلك أن المتكلمين (4) قالوا: إن الدليل اللفظي لا يفيد اليقين إلا عند تيقن أمور عشرة: عصمة رواة تلك الألفاظ، وإعرابها وتصريفها، وعدم الاشتراك والمجاز والنقل والتخصيص بالأشخاص والأزمنة، وعدم الإضمار، والتقديم والتأخير، والنسخ، وعدم المعارض العقلي.

_ (1) "مجموع الفتاوى" (20/260، 261) . (2) "الرسالة" (461) . (3) انظر: "الاستقامة" (1/55، 56) ، و"الصواعق المرسلة" (2/740، 746) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/292) . (4) انظر: "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين" (45) ، و"المواقف" (40) .

هذا القول طاغوت من الطواغيت التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين، وانتهكوا بها حرمة القرآن ومحوا بها رسوم الإيمان. فأسقطت حرمة النصوص من القلوب، ونهجت طريق الطعن فيها لكل زنديق وملحد، فلا يحتج عليه المحتج بحجة من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، إلا لجأ إلى طاغوت من هذه الطواغيت واعتصم به، واتخذه جنة يصد به عن سبيل الله (1) . ومما يوضح بطلان هذا القول ويكسر هذا الطاغوت: أ- أن جميع الاحتمالات التي ذكروها ترجع إلى أمر واحد، وهو احتمال اللفظ لمعنى آخر غير ما يظهر من الكلام. ولا خلاف أن غالب ألفاظ النصوص لها ظواهر، هي موضوعة لها ومفهومة عند الإطلاق منها. أما كون ذلك الظاهر يحتمل خلافه فهذا قد يقع بهذه الاحتمالات العشرة وبغيرها من القرائن التي يتفاوت الناس في الاطلاع عليها وفي فهمها، فهذا من لوازم الطبيعة الإنسانية، لكنه قليل جدًا بالإضافة إلى ما تيقنه الصحابة من مراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بألفاظه، فلا يجوز أن يُدعي لأجله أن كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لا يفيد اليقين بمراد، وأنه لا سبيل إلى اقتباس العلم واليقين منه (2) . ب- أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يعلمون أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاضطرار وكانوا لا يتوقفون على هذه الأمور العشرة في حصول اليقين لهم بمراد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإنهم جازمون متيقنون لمراد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - يقينًا لا ريب فيه، فكيف يقال مع ذلك لا يحصل اليقين بكلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، بل كان التابعون وتابعوهم أيضًا ومن بعدهم كذلك (3) . جـ- أن قولهم: إن كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لا يستفاد منه اليقين، إما أن يراد به نفي اليقين في باب الأسماء والصفات، وباب المعاد، وباب الأمر والنهي، أو في بعضها دون بعض. فإن قالوا: إنها لا تفيد اليقين لا في باب الأسماء والصفات، ولا في المعاد،

_ (1) انظر: "الصواعق المرسلة" (2/632، 633) . (2) انظر: "الصواعق المرسلة" (2/657 – 659) . (3) انظر المصدر السابق (2/659 – 663) .

- بطلان القول بأن الفقه كله أو أكثره ظنون

ولا في الأمر والنهي، فقد انسلخوا من الإيمان والعقل انسلاخًا تامًا، وهذا قدح في النبوات والشرائع، بل قدح في العقل الصحيح. وإن فرقوا وقالوا: إن اليقين يحصل في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في باب المعاد، والأمر والنهي، دون باب الخبر عن الله وصفاته. فجوابهم ما يجيبون به من قال: إن اليقين لا يحصل حتى في باب المعاد (1) . د- أن دلالة الأدلة اللفظية لا تختص بالقرآن والسنة، بل جميع بني آدم يدل بعضهم بعضًا بالأدلة اللفظية، فالنطق ذاتي، والإنسان مدني بالطبع لا يمكنه أن يعيش وحده، فلا بد أن يعرف بعضهم مراد بعض ليحصل التعاون. وهذا التفاهم والتعاون أمر ضروري لابد منه في حياة بني آدم، ثم إننا نعلم قطعًا أن جميع الأمم يعرف بعضها مراد بعض ويقطع به بلفظه. وكذلك فإن معرفة الناس لمراد بعضهم بواسطة الكلام أعظم من المعرفة بواسطة العلوم العقلية. بل إن العلوم العقلية لا يعرفها كل أحد، بخلاف الكلام الذي يعرف به كل أحد مراد غيره. وكذلك فإن التعريف بالأدلة اللفظية أصل للتعريف بالأدلة العقلية، فمن لم يكن له سبيل إلى العلم بمدلول الألفاظ لم يكن له سبيل إلى العلم بمدلول الأدلة العقلية، وحينئذٍ فالقدح في حصول العلم بمدلول الأدلة اللفظية قدح في حصول العلم بالأدلة العقلية، فلا يحصل العلم إذن (2) . 8- بطلان القول بأن الفقه كله أو أكثره ظنون: القول بأن الفقه أكثره ظنون، قول باطل، بل الصواب أن الفقه أكثره قطعي، والقليل منه ظني، وبيان ذلك من وجوه (3) : أ- أن جمهور مسائل الفقه التي يحتاج إليها الناس ويفتون بها ثابتة بالنص أو الإجماع، وإنما يقع الظن والنزاع في قليل مما يحتاج إليه الناس، بل كثير من المسائل المختلف فيها إما قليلة الوقوع أو مقدرة.

_ (1) انظر: "الصواعق المرسلة" (2/677، 678) . (2) انظر المصدر السابق (2/641، 643) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (12/118، 119) .

- العوامل التي ساعدت على انتشار القول بأن الفقه أكثره ظنون

ب- أن ما يعلم من الدين بالضرورة وهو مما اتفق عليه جزء من الفقه، وإخراجه من الفقه قول لم يعلم عن أحد المتقدمين، بل جميع الفقهاء يذكرون في كتب الفقه وجوب الصلاة، والزكاة، والحج، واستقبال القبلة، ووجوب الوضوء، والغسل من الجنابة، وتحريم الخمر والفواحش. كما أن كون الشيء معلومًا من الدين بالضرورة أمر إضافي، فحديث العهد بالإسلام قد لا يعلم شرائع الدين فضلاً عن كونه يعلمه بالضرورة، وكثير من العلماء يعلم بالضرورة مسائل لا يعلمها الناس ألبتة. جـ- أن الفقه لا يكون فقهًا إلا من المجتهد المستدل، الذي يعلم أن هذا الدليل أرجح، وأن هذا الظن أرجح، فالفقه هو علمه برجحان هذا الدليل وهذا الظن، وهذا الفقه الذي يختص به الفقيه علم قطعي لا ظني، فبذلك يكون المقلد للأئمة لا علم عنده، فيكون اعتقاد المقلد ليس بفقه. 9- العوامل التي ساعدت على انتشار القول بأن الفقه أكثره ظنون: مما يوضح بطلان هذا القول ذكر بعض العوامل التي ساعدت على انتشاره وشيوعه، فمن هذه العوامل (1) : أ- انتشار التقليد فأصبح غالب المتفقهة أكثر ما لديهم ظن أو تقليد، إذ ينقل أحدهم مذهب إمامه ودليله بحروفه، فالعالم والإمام يكون لديه دليل يفيد القطع، وليس عند هؤلاء ذلك الدليل مفيدًا للقطع لكونهم مقلدين. فاستطال المتكلمون لما رأوا كثرة التقليد والجهل والظنون في المنتسبين إلى الفقه والفتوى حتى أخرجوا الفقه من أصل العلم. ب- تجريد مسائل النزاع وتأليف كتب خاصة في مسائل الخلاف، فاقتصر من صنف في هذا الباب على ما اختلف فيه الأئمة. واشتهار أصحاب هذه التصانيف بعلم الفقه كان من الشبهة التي أوجبت للمتكلمين القول بأن الفقه من باب الظنون. جـ- انتشار البدع، وتغير أمور الإسلام، وضعف الخلافة الإسلامية،

_ (1) انظر: "الاستقامة" (1/47 – 69) .

- بيان أن الأدلة الظنية متفاوتة فيما بينها

فظهر حينئذٍ مذاهب المبتدعة وأصحاب الأهواء، فكثر اتباع الظن وما تهوي الأنفس، وصار الفقه يطلب لغير وجه الله. د- أن المتكلمين بنوا هذه المقالة على أصل فاسد، وهو: أنه ليس لله في الأحكام حكم معين، بل الحكم في حق كل شخص ما أدى إليه اجتهاده، فكل مجتهد مصيب عندهم في الفروع، أما أصول الدين فالمصيب عندهم فيه واحد، فهم يعظمون علم الكلام ويسمونه أصول الدين، ويجعلون مسائله قطعية، وفي المقابل يوهنون أمر الفقه حتى يجعلوه من باب الظنون. هـ- ما حصل من اختلاف بين الأئمة الأعلام لسبب من الأسباب الموجبة للخلاف، كعدم سماع الحديث، أو عدم ثبوته، أو الاختلاف في الفهم والاستدلال، فقد يحصل لبعضهم القطع بأمر والآخر يجهله، أو يفهم خلافه. فنتج عن هذا الاختلاف -مع كونه اختلافًا سائغًا- تقليد بلا علم، واشتباهُ ما يمكن علمُه وما هو معلوم لفقهاء الدين بغيره. 10- بيان أن الأدلة الظنية متفاوتة فيما بينها (1) : الذي عليه السلف والأئمة الأربعة والجمهور: أن الأدلة الظنية تتفاوت، وأن بعضها أقوى من بعض، وأن الأقوى عليه أدلة. فعلى المجتهد أن يطلب الدليل الأقوى وأن يعمل به، وإذا كان في الباطن ما هو أقوى منه فهو مخطئ معذور، وله أجر على اجتهاده وعمله بما ظهر له رجحانه، وذلك الباطن هو الحكم، لكن بشرط القدرة على معرفته، أما مع العجز عن معرفته بعد بذل الجهد فإن مخالفه لا يؤاخذ، وخطؤه مغفور له. قال الشافعي: "قل ما اختلفوا فيه إلا وجدنا فيه عندنا دلالة من كتاب الله، أو سنة رسوله، أو قياسًا عليهما، أو على واحد منهما" (2) .

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/123، 124) . (2) "الرسالة" (562) .

- هل يكفي في مسائل أصول الدين الظن؟

11- هل يكفي في مسائل أصول الدين الظن؟: قال ابن تيمية في الجواب على سؤال، نصه: هل يكفي في ذلك (أي: مسائل أصول الدين) ما يصل إليه المجتهد من غلبة الظن، أو لا بد من الوصول إلى القطع؟ قال رحمه الله: "الصواب في ذلك التفصيل........... فما أوجب الله فيه العلم واليقين وجب فيه ما أوجبه الله من ذلك، كقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 98] ، وقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد: 19] ، وكذلك يجب الإيمان بما أوجب الله الإيمان به. وقد تقرر في الشريعة أن الوجوب معلق باستطاعة العبد، كقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقوله عليه السلام: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» ، أخرجاه في الصحيحين (1) . فإذا كان كثير مما تنازعت فيه الأمة من هذه المسائل الدقيقة قد يكون عند كثير من الناس مشتبهًا، لا يقدر فيه على دليل يفيد اليقين، لا شرعي ولا غيره؛ لم يجب على مثل هذا في ذلك ما لا يقدر عليه، وليس عليه أن يترك ما يقدر عليه، من اعتقاد قول غالب على ظنه لعجزه عن اليقين بل ذلك هو الذي يقدر عليه لا سيما إذا كان مطابقًا للحق، فالاعتقاد المطابق للحق ينفع صاحبه، ويثاب عليه ويسقط به الفرض؛ إذا لم يقدر على أكثر منه. لكن ينبغي أن يُعرف أن عامة من ضل في هذا الباب، أو عجز فيه عن معرفة الحق، فإنما هو لتفريطه في اتباع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وترك النظر والاستدلال الموصل إلى معرفته، فلما أعرضوا عن كتاب الله ضلوا......... فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن والإيمان مثلاً، أو

_ (1) انظر: "صحيح البخاري (13/251) برقم (7288) ، و"صحيح مسلم" (9/100) وسيأتي هذا الحديث كاملا في (ص 121) من هذا الكتاب.

لتعديه حدود الله بسلوك السبيل التي نُهي عنها، أو لاتباع هواه بغير هدى من الله فهو الظالم لنفسه، وهو من أهل الوعيد. بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطنًا وظاهرًا، الذي يطلب الحق باجتهاده، كما أمره الله ورسوله، فهذا مغفور له خطؤه......" (1) .

_ (1) "درء التعارض" (1/52 – 54) ، و"مجموع الفتاوى" (3/312 – 314، 317) .

المبحث الثالث: الأدلة الشرعية من حيث النقل والعقل

المبحث الثالث: الأدلة الشرعية من حيث النقل والعقل وفي هذا المبحث النقاط الآتية: 1- انقسام الأدلة الشرعية إلى نقلية وعقلية. 2- السمع أصل لجميع الأدلة. 3- بيان موافقة المعقول للمنقول. 4- مكانة العقل عند أهل السنة.

- انقسام الأدلة الشرعية إلى نقلية وعقلية

1- انقسام الأدلة الشرعية إلى نقلية وعقلية: الدليل إما أن يكون شرعيًا، أو غير شرعي (1) . فالدليل (2) الشرعي (3) : هو ما أمر به الشرع، أو دل عليه، أو أذن فيه. وبذلك يعلم أن الدليل الشرعي على أقسام ثلاثة: الأول: ما أثبته الشرع وجاء به مما لا يعلم إلا بطريق السمع والنقل، ولا يعلم بطريق العقل، فهذا دليل شرعي سمعي. وذلك كالخبر عن الملائكة والعرش، وتفاصيل أمور العقيدة، وتفاصيل الأوامر والنواهي، فهذا لا سبيل إلى معرفته بغير خبر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. الثاني: ما دل عليه الشرع ونبه عليه، وأرشد فيه إلى الأدلة العقلية والأمثلة المضروبة، فهذا دليل شرعي عقلي. وذلك مثل إثبات التوحيد ونفي الشرك، وإثبات النبوة، والبعث، وسيأتي بيان الأمثلة على ذلك (4) . الثالث: ما أباحه الشرع وأذن فيه، فيدخل تحت هذا ما أخبر به الصادق - صلى الله عليه وسلم -، وما دل عليه القرآن ونبه عليه، وما دلت عليه الموجودات وعرف بالتجربة؛ وهذا مثل الأمور الدنيوية، كالطب والحساب، والفلاحة والتجارة. إذا علم ذلك فإن الدليل الشرعي يتصف بالآتي (5) :

_ (1) الدليل غير الشرعي: خلاف الدليل الشرعي. وهو قد يكون راجحًا تارة، وقد يكون مرجوحًا تارة أخرى، وقد يكون دليلاً صحيحًا تارة، ويكون شبهة فاسدة تارة أخرى، كما أنه قد يكون عقليًا أو سمعيًا. فمن الأدلة غير الشرعية ما جاء في الكتاب والسنة النهي عنه، مثل القول على الله بلا علم: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36] والجدل في الحق بعد ظهوره: {يجادلونك في الحق بعدما تبين} [الأنفال: 6] . انظر: "درء التعارض" (1/46 - 48، 199 - 200، 3/309، 310) . (2) الدليل هنا بمعنى المدلول. (3) انظر: "درء التعارض" (1/198، 199) ، و"مجموع الفتاوى" (19/228 - 234) . (4) انظر (ص 96) فقرة (د) من هذا الكتاب. (5) انظر: "درء التعارض" (1/198، 200) .

- السمع أصل لجميع الأدلة

أ- أنه لا يكون إلا حقًا، إذ كونه شرعيًا صفة مدح. ب- أنه يقدم على غيره، فالدليل الشرعي لا يجوز أن يعارضه دليل غير شرعي، فإن شرعة الله مقدمة على غير شرعته. جـ- أن الدليل الشرعي قد يكون سمعيًا، وقد يكون عقليًا. د- أن الدليل الشرعي يقابله الدليل غير الشرعي، أو الدليل البدعي، وكونه بدعيًا صفة ذم، ولا يقابل الدليل الشرعي بكونه عقليًا. وإذا علم ذلك فالواجب معرفة الأدلة الشرعية ما يدخل فيها وما لا يدخل، فبعض الناس يدخل في الأدلة الشرعية ما ليس منها، وبعضهم يخرج منها ما هو داخل فيها (1) . 2- السمع أصل لجميع الأدلة: الواجب أن يجعل ما قاله الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هو الأصل، ويتدبر معناه ويعقله، ويعرف برهانه ودليله العقلي والخبري السمعي، ويعرف دلالته على هذا وهذا. إذ هو الفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال، وهو طريق السعادة والنجاة، فهو الحق الذي يجب اتباعه. وما سواه من كلام الناس يعرض عليه، فإن وافقه فهو حق، وإن خالفه فهو باطل (2) . ذلك أن لفظ العقل والسمع صار من الألفاظ المجملة، فكل من وضع شيئًا برأيه سماه عقليات، والآخر يبين خطأه فيما قاله ويدعي أنه العقل، ويذكر أشياء أخرى تكون أيضًا خطأً. وهذا نظير من يحتج في السمع بأحاديث ضعيفة، أو موضوعة، أو ثابتة لكن لا تدل على مطلوبه، فلا بد إذن من معرفة صريح العقل وصحيح النقل (3) .

_ (1) انظر: "درء التعارض" (1/200) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/135، 136) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (224، 225) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (16/469، 470) .

- بيان موافقة المعقول للمنقول

3- بيان موافقة المعقول للمنقول: وذلك من وجوه (1) : أ- أن الدليل العقلي لا يمكن أن يستدل به على باطل أبدًا: وبيان ذلك أن الحجج السمعية مطابقة للمعقول، والسمع الصحيح لا ينفك عن العقل الصريح؛ بل هما أخوان نصيران وصل الله بينهما وقرن أحدهما بصاحبه، وأقام بهما حجته على عباده، فلا ينفك أحدهما عن صاحبه أصلاً. فالكتاب المنزل والعقل المدرك؛ حجة الله على خلقه (2) . ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، ولا قال أحد منهم: قد تعارض في هذا العقل والنقل، فضلاً عن أن يقول: فيجب تقديم العقل على النقل (3) . فالمقصود أن السلف كانوا متفقين جميعًا على (4) : - أن العقل الصريح لا يناقض النقل الصحيح. - أن العقل الصريح موافق للنقل الصحيح. - أن العقل المعارض للنقل الصحيح باطل ولا يكون صحيحًا. ب- أن العلوم ثلاثة أقسام (5) : منها ما لا يعلم إلا بالأدلة العقلية، وذلك كثبوت النبوة وصدق الخبر، وأحسن هذه الأدلة ما بينه القرآن وأرشد إليه. ومنها ما لا يعلم إلا بالأدلة السمعية، وذلك كتفاصيل الأمور الإلهية وتفاصيل العبادات، وذلك إنما يكون بطريق خبر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- المجرد.

_ (1) انظر استكمالاً لهذه الوجوه – إن شئت – الأدلة على موافقة القياس الصحيح لنصوص الشريعة وذلك فيما يأتي (ص189) من هذا الكتاب. (2) انظر: "الصواعق المرسلة" (2/457، 458) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/28، 29، 30) . (4) انظر المصدر السابق (16/463) ، و"الصواعق المرسلة" (3/992) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/137 – 139) .

- مكانة العقل عند أهل السنة

ومنها ما يعلم بالسمع والعقل، وذلك مثل كون رؤية الله ممكنة أو ممتنعة. جـ- أن ما جاء به السمع لا يخلو من أمرين (1) : إما أن يدركه العقل، فلا بد والحالة كذلك أن يحكم بجوازه وصحته، وإما ألا يدركه العقل فيعجز عن الحكم عليه بنفي أو إثبات، فيبقى العقل حائرًا، والواجب عليه والحالة كذلك التسليم لما جاء به السمع. د- أن ما يدركه العقل لا يخلو من أمرين (2) : إما أن يثبته السمع ويدل عليه، وإما أن يأذن فيه ويسكت عنه، وبذلك يعلم أن السمع والعقل لا يتعارضان أبدًا. 4- مكانة العقل عند أهل السنة: للعقل عند أهل السنة مكانته اللائقة به، وهم في ذلك وسط بين طرفين (3) . الطرف الأول: من جعل العقل أصلاً كليًا أوليًا، يستغني بنفسه عن الشرع. الطرف الثاني: من أعرض عن العقل، وذمه وعابه، وخالف صريحه، وقدح في الدلائل العقلية مطلقًا. والوسط في ذلك: أ- أن العقل شرط في معرفة العلوم، وكمال وصلاح الأعمال، لذلك كان سلامة العقل شرطًا في التكليف فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة، والأقوال المخالفة للعقل باطلة، وقد أمر الله باستماع القرآن وتدبره بالعقول {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء: 82] ، و [محمد: 24] ، {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون: 68] . فالعقل هو المدرك لحجة الله على خلقه (4) .

_ (1) انظر: "درء التعارض" (1/147) . (2) انظر: "درء التعارض" (1/198، 199) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/338) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/338، 339) ، و"الصواعق المرسلة" (2/458) .

ب- أن العقل لا يستقل بنفسه، بل هو محتاج إلى الشرع الذي عرفناه ما لم يكن لعقولنا سبيل إلى استقلالها بإدراكه أبدًا، إذ العقل غريزة في النفس وقوة فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين، فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار. وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن دركها (1) . جـ- أن العقل مصدق للشرع في كل ما أخبر به دال على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - دلالة عامة مطلقة، فالعقل مع الشرع كالعامي مع المفتي، فإن العامي إذا علم عين المفتي ودل غيره عليه وبين له أنه عالم مفتٍ، ثم اختلف العامي الدال والمفتي، وجب على المستفتي أن يقدم قول المفتي، فإذا قال له العامي: أنا الأصل في علمك بأنه مفتٍ فإذا قدمت قوله على قولي عند التعارض، قدحت في الأصل الذي به علمت أنه مفتٍ، قال له المستفتي: أنت لما شهدت بأنه مفتٍ ودللت على ذلك، شهدت بوجوب تقليده دون تقليدك، وموافقتي لك في قولك إنه مفتٍ، لا يستلزم أن أوافقك في جميع أقوالك، وخطؤك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك، لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفتٍ. هذا مع أن المفتي يجوز عليه الخطأ، أما الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه معصوم في خبره عن الله تعالى لا يجوز عليه الخطأ، فتقديم قول المعصوم على ما يخالفه من استدلال عقلي، أولى من تقديم العامي قول المفتي على قول الذي يخالفه. وإذا كان الأمر كذلك فإذا علم الإنسان بالعقل أن هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلم أنه أخبر بشيء ووجد في عقله ما ينازعه في خبره، كان عقله يوجب عليه أن يسلم موارد النزاع إلى من هو أعلم به منه (2) . د- أن الشرع دل على الأدلة العقلية وبينها ونبه عليها (3) . وذلك كالأمثال المضروبة التي يذكرها الله في كتابه، التي قال فيها: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الروم: 58] ، فإن الأمثال المضروبة هي

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/339) ، و"الصواعق المرسلة" (2/458، 459) . (2) انظر: "درء التعارض" (1/138، 139، 141) ، و"الصواعق المرسلة" (3/808، 809) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (219) . (3) انظر: "درء التعارض" (1/28، 29) ، و"الصواعق المرسلة" (2/460 – 497) .

الأقيسة العقلية، فمن ذلك إثبات التوحيد بقوله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11] ، وإثبات النبوة بقوله تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [يونس: 16] ، وإثبات البعث بقوله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79] . والناس في الأدلة العقلية التي بينها القرآن وأرشد إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - على طرفين (1) : فمنهم من يذهل عن هذه الأدلة ويقدح في الأدلة العقلية مطلقًا؛ لأنه قد صار في ذهنه أنها هي الكلام المبتدع الذي أحدثه المتكلمون. ومنهم من يعرض عن تدبر القرآن وطلب الدلائل اليقينية العقلية منه؛ لأنه قد صار في ذهنه أن القرآن إنما يدل بطريق الخبر فقط. والذي عليه أهل العلم والإيمان (2) : أن الأدلة العقلية التي بينها الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أجل الأدلة العقلية وأكملها وأفضلها. هـ- أن العقل لا يمكن أن يعارض الكتاب والسنة، فالعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح أبدًا، فلا يصح أن يقال: إن العقل يخالف النقل، ومن ادعى ذلك فلا يخلو من أمور (3) : أولها: أن ما ظنه معقولاً ليس معقولاً، بل هو شبهات توهم أنه عقل صريح وليس كذلك. ثانيها: أن ما ظنه سمعًا ليس سمعًا صحيحًا مقبولاً، إما لعدم صحة نسبته، أو لعدم فهم المراد منه على الوجه الصحيح. ثالثها: أنه لم يفرق بين ما يحيله العقل وما لا يدركه، فإن الشرع يأتي بما يعجز العقل عن إدراكه، لكنه لا يأتي بما يعلم العقل امتناعه.

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/137، 138) . (2) انظر: "درء التعارض" (1/28) ، و"مجموع الفتاوى" (13/137) . (3) انظر: "درء التعارض" (1/78، 194) ، و"مجموع الفتاوى" (3/339) ، و"الصواعق المرسلة" (2/459) .

الفصل الثاني: الأدلة المتفق عليها

الفصل الثاني: الأدلة المتفق عليها وفي هذا الفصل أربعة مباحث: المبحث الأول: الكتاب. المبحث الثاني: السنة. المبحث الثالث: الإجماع. المبحث الرابع: القياس.

المبحث الأول: الكتاب

المبحث الأول: الكتاب وفي هذا المبحث خمس مسائل: المسألة الأولى: تعريف الكتاب. المسألة الثانية: هل في القرآن لفظ غير عربي؟ المسألة الثالثة: المحكم والمتشابه في القرآن الكريم. المسألة الرابعة: حكم العمل بالقراءة الشاذة. المسألة الخامسة: هل في القرآن مجاز؟

* المسألة الأول: تعريف الكتاب:

المسألة الأولى: تعريف الكتاب الكتاب هو القرآن (1) ، لقوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: 29] إلى قوله: {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف: 30] ، ويمكن تعريف الكتاب بأنه: (كلام الله المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، المعجز بنفسه، المتعبد بتلاوته) (2) . وقد جمع هذا التعريف أربعة قيود: * القيد الأول: أن القرآن كلام الله حقيقة، وهو اللفظ والمعنى جميعًا (3) ، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ} [التوبة: 6] ، قال ابن تيمية: "والقرآن هو القرآن الذي يعلم المسلمون أنه القرآن حروفه ومعانيه، والأمر والنهي هو اللفظ والمعنى جميعًا، ولهذا كان الفقهاء المصنفون في أصول الفقه من جميع الطوائف - الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية - إذا لم يخرجوا عن مذاهب الأئمة والفقهاء إذا تكلموا في الأمر والنهي ذكروا ذلك وخالفوا من قال: إن الأمر هو المعنى المجرد" (4) . * القيد الثاني: أنه منزل من عند الله، نزل به جبريل -عليه السلام- على محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليكون من المنذرين (5) ، قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء: 193، 194] ، وتقييد الكلام بكونه

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/178) ، و"قواعد الأصول" (36) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/7) ، و"المدخل" لابن بدران (87) ، و"رسالة ابن سعدي" (100) ، و"وسيلة الحصول" للحكمي (8) ، و"مذكرة الشنقيطي" (55) . (2) انظر: "مختصر ابن اللحام" (70) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/7، 8) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (12/36، 67، 173) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/59) . (4) "مجموع الفتاوى" (12/36) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (12/298) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/7) ، و"رسالة ابن سعدي" (100) .

* المسألة الثانية: هل في القرآن لفظ غير عربي؟

منزلاً ليس المقصود منه إثبات الكلام النفسي والاحتراز عنه كما ذهب الأشاعرة إلى ذلك (1) . * القيد الثالث: كونه معجزًا، ويخرج بذلك الأحاديث القدسية؛ إذ القرآن معجز في لفظه ونظمه ومعناه (2) . * القيد الرابع: كونه متعبدًا بتلاوته، ويخرج بذلك الآيات المنسوخة اللفظ، سواء بقي حكمها أم لا، لأنها صارت بعد النسخ غير قرآن؛ لسقوط التعبد بتلاوتها فلا تعطي حكم القرآن (3) . وقد جمع هذه القيود قول الشيخ حافظ الحكمي في منظومته الأصولية: "أما الكتاب فهو القرآن ... بين الضلال والهدى فرقان المعجز المفحم للأضداد ... برهان حق أبد الآباد كلام ربي منزل تنزيلاً ... لا يقبل الخلف ولا التبديل به الإله خلقه تعبدًا ... تلاوة تدبرًا ثم اهتدى" (4) المسألة الثانية: هل في القرآن لفظ غير عربي؟ ذهب الإمام الشافعي (5) إلى أن القرآن محض بلسان العرب، لا يخلطه فيه غيره. واستدل لذلك: بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] . وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ

_ (1) قال الأسنوي: "فخرج (بالمنزل) الكلام النفساني وكلام البشر"، "نهاية السول" (2/3) . (2) انظر: "مختصر ابن اللحام" (71) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/115) . (3) انظر المصدر السابق (2/8) . (4) "وسيلة الحصول" (8) . (5) انظر: "الرسالة" (45) .

- لا يشكل على كون القرآن عربيا وجود بعض الكلمات الأعجمية فيه وذلك لوجوه

لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192 – 195] . وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} [الرعد: 37] ، وبغير ذلك من الآيات، ثم قال: "فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناؤه كل لسانٍ غير لسان العرب، في آيتين من كتابه: فقال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] .وقال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44] " (1) ، وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم (2) . ولا يُشكل على كون القرآن عربيًا وجود بعض الكلمات الأعجمية فيه، مثل: المشكاة، والإستبرق؛ إذ يمكن حمل هذه الألفاظ التي يقال: إنها أعجمية على واحدٍ من الوجوه الآتية: أولاً: أن هذه الألفاظ إنما هي عربية لكن قد يجهل بعض الناس كون هذه الألفاظ عربية، ذلك أن لسان العرب أوسع الألسنة مذهبًا وأكثرها ألفاظًا، ولا يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولا يمتنع أن يوافق لسان العجم أو بعضها قليلاً من لسان العرب، كما يتفق القليل من ألسنة العجم المتباينة في أكثر كلامها مع تنائي ديارها واختلاف لسانها (3) . ثانيًا: أن هذه الألفاظ التي يقال: إنها أعجمية لا يمتنع أن تكون عربية، وأن يكون لها معنى آخر في لغة أخرى، فمن نسبها إلى العربية فهو محق، ومن نسبها إلى غيرها فهو محق (4) . ثالثًا: أن هذه الألفاظ أصلها غير عربي ثم عربتها العرب واستعملتها؛ فصارت من لسانها وإن كان أصلها أعجميًا (5) .

_ (1) "الرسالة" (47) . (2) انظر: "جامع البيان للطبري" (1/7) ، و"روضة الناظر" (1/185) ، و"المدخل" لابن بدران (88) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (1/184) ، و"مذكرة الشنقيطي" (62) . (3) انظر: "الرسالة" (42 – 45) . (4) انظر: "جامع البيان للطبري" (1/8 – 10) ، و"مذكرة الشنقيطي" (62) . (5) انظر: "روضة الناظر" (1/185) ، و"قواعد الأصول" (36) .

* المسألة الثالثة: المحكم والمتشابه في القرآن الكريم:

المسألة الثالثة: المحكم والمتشابه في القرآن الكريم والكلام على هذه المسألة في النقاط الآتية: 1- معنى المحكم والمتشابه بالاعتبار العام الكلي (1) : ورد وصف القرآن كله بأنه محكم فقال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود:1] ، بمعنى: أنه متقن غاية الإتقان في أحكامه وألفاظه ومعانيه، فهو غاية في الفصاحة والإعجاز. وورد وصف القرآن كله بأنه متشابه، فقال تعالى: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر: 23] ، بمعنى: أن آياته يشبه بعضها بعضًا في الإعجاز والصدق والعدل (2) . 2- معنى المحكم والمتشابه بالاعتبار الخاص النسبي: "وهذا الاعتبار هو المقصود في هذه المسألة". ورد أيضًا أن من القرآن ما هو محكم ومنه ما هو متشابه: قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] ، فذهب بعض السلف (3) إلى أن المحكم: هو ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحد، والمتشابه: ما احتمل من التأويل أكثر من وجه. وذهب بعضهم إلى أن المحكم: ما يُعمل به، والمتشابه: ما يُؤمن به ولا يعمل به.

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/59 - 63) ، و"الصواعق المرسلة" (1/212) فيما يتعلق بتقسيم الأحكام والتشابه إلى نوعين عام وخاص. (2) انظر: "القواعد الحسان" (42، 43) ، و"مذكرة الشنقيطي" (63) . (3) انظر الأقوال في: "جامع البيان للطبري" (3/172 - 174) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/58 - 63) ، و"مجموع الفتاوى" (17/418) وما بعدها، و"شرح الكوكب المنير" (2/142، 143) .

- طريقة السلف في التعامل مع المحكم والمتشابه

وقال بعضهم: إن المحكم هو ما اتضح معناه، والمتشابه، هو ما لم يتضح معناه، إما لاشتراك أو إجمال. وكل هذه الأقوال تدل على معنى واحد، وهو أن التشابه أمر إضافي، فقد يشتبه على هذا ما لا يشتبه على هذا (1) . 3- طريقة السلف في التعامل مع المحكم والمتشابه: الواجب على كل أحد أن يعمل بما استبان له، وأن يؤمن بما اشتبه عليه، وأن يرد المتشابه إلى المحكم، ويأخذ من المحكم ما يفسر له المتشابه ويبينه، فتتفق دلالته مع دلالة المحكم، وتوافق النصوص بعضها بعضًا، ويصدق بعضها بعضًا، فإنها كلها من عند الله، وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره. هذه طريقة الصحابة والتابعين في التعامل مع المحكم والمتشابه (2) . قال ابن تيمية: "والمقصود هنا أن الواجب أن يجعل ما قاله الله ورسوله هو الأصل، ويتدبر معناه ويعقل....ويعرف دلالة القرآن على هذا وهذا. وتجعل أقول الناس التي قد توافقه وتخالفه متشابهة مجملة، فيقال لأصحاب هذه الألفاظ: يَحتمل كذا وكذا، ويَحتمل كذا وكذا؛ فإن أرادوا بها ما يوافق خبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل، وإن أرادوا بها ما يخالفه رُد" (3) . وفي هذا المقام تنبهات مهمة: 1- اتفق العلماء على أن ليس في القرآن ما لا معنى له (4) . 2- اتفق السلف على أن جميع ما في القرآن مما يفهم معناه، ويمكن إدراكه بتدبر وتأمل، وأنه ليس في القرآن ما لا يمكن أن يعلم معناه أحد. قال ابن تيمية: "ولا يجوز أن يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجميع الأمة لا يعلمون

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (17/386) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (17/386) ، و"إعلام الموقعين" (2/294) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (13، 145، 146) ، وانظر: "شرح العقيدة الطحاوية" (224، 225) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/286، 17/390) ، و"مختصر ابن اللحام" (73) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/143، 144) .

المبحث الثاني: السنة

معناه، كما يقول ذلك من يقوله من المتأخرين، وهذا القول يجب القطع بأنه خطأ" (1) . وقال أيضًا: "والدليل على ما قلناه إجماع السلف؛ فإنهم فسروا جميع القرآن.....وكلام أهل التفسير من الصحابة والتابعين شامل لجميع القرآن، إلا ما قد يشكل على بعضهم فيقف فيه، لا لأن أحدًا من الناس لا يعلمه، لكن لأنه هو لا يعلمه. أيضًا فإن الله قد أمر بتدبر القرآن مطلقًا، ولم يستثن منه شيئًا لا يتدبر، ولا قال: لا تدبروا المتشابه.... ولأن من العظيم أن يقال: إن الله أنزل على نبيه كلامًا لم يكن يفهم معناه، لا هو ولا جبريل عليه السلام.... وأيضًا فالكلام إنما المقصود به الإفهام؛ فإذا لم يقصد به ذلك كان عبثًا وباطلاً، والله تعالى قد نزه نفسه عن فعل الباطل والعبث.... وبالجملة فالدلائل الكثيرة توجب القطع ببطلان قول من يقول: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها الرسول ولا غيره. نعم قد يكون في القرآن آيات لا يعلم معناها كثير من العلماء فضلاً عن غيرهم، وليس ذلك في آية معينة، بل قد يشكل على هذا ما يعرفه هذا، وذلك تارة يكون لغرابة اللفظ، وتارة لاشتباه المعنى بغيره، وتارة لشبهة في نفس الإنسان تمنعه من معرفة الحق، وتارة لعدم التدبر التام، وتارة لغير ذلك من الأسباب" (2) . 3- اتفق السلف على أن في القرآن ما لا يعلم تأويله إلا الله، كالروح، ووقت الساعة، والآجال، وهذا قد يسمى بالمتشابه (3) . والمراد بالتأويل (4) الذي لا يعلمه إلا الله: معرفة الشيء على حقيقته وما يؤول إليه، أما التأويل بالمعنى الآخر: وهو تفسير الشيء ومعرفة معناه، فهذا مما

_ (1) "مجموع الفتاوى" (17/390) . (2) المصدر السابق (17/ 395 - 400) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/144) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/149) . (4) انظر (ص385) من هذا الكتاب فيما يتعلق بمعاني التأويل.

- أسماء الله وصفاته من المتشابه باعتبار، وليست منه باعتبار آخر

يعلمه أهل العلم، فإنهم يعلمون معنى الكلام الذي أخبر به عن الساعة (1) . قال ابن تيمية: "وعلى هذا فالراسخون في العلم يعلمون تأويل هذا المتشابه الذي هو تفسيره، وأما التأويل الذي هو الحقيقة الموجودة في الخارج فتلك لا يعلمها إلا الله" (2) . 4- ولذلك فإن أسماء الله تعالى وصفاته تكون من المتشابه باعتبار كيفيتها، وليست من المتشابه باعتبار معناها (3) . 5- وكذلك فإن الوقف على لفظ الجلالة في قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ} [آل عمران] ، يصح بناءً على أن التأويل بمعنى معرفة الشيء على حقيقته ويجوز الوصل وترك الوقف بناءً على أن التأويل بمعنى التفسير والبيان (4) . 4- طريقة المبتدعة في التعامل مع المحكم والمتشابه: الواجب الحذر من طريقة أهل البدع والأهواء؛ فإن لهم طريقين في رد السنن (5) : أحدهما: رد السنن الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمتشابه من القرآن أو من السنة. والثاني: جعل المحكم متشابهًا ليعطلوا دلالته. وقد ورد في آية آل عمران أن موقف المؤمنين الراسخين في العلم من المتشابه هو الإيمان به ورده إلى الله، وأن موقف الزائغين أصحاب القلوب المريضة هو اتباع المتشابه والاستدلال به على مقالاتهم الباطلة طلبًا للفتنة وتحريفًا لكتاب الله (6) .

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (17/409، 410، 425، 426) . (2) "مجموع الفتاوى" (17/381) . (3) انظر المصدر السابق (13/294) وما بعدها، و"الصواعق المرسلة" (1/213) ، و"مذكرة الشنقيطي" (65) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (17/400) ، و"تيسير الكريم الرحمن" (1/358) . (5) انظر: "إعلام الموقعين" (2/294) . (6) انظر: "تيسير الكريم الرحمن" (1/357، 358) .

* المسألة الرابعة: حكم العمل بالقراءة الشاذة:

المسألة الرابعة حكم العمل بالقراءة الشاذة القراءة الشاذة عند الأصوليين هي: ما لم يتواتر (1) . وقد اختلف العلماء في العمل بالقراءة الشاذة بعد أن اتفقوا على أنها لا تكون قرآنًا، فذهب البعض إلى أنها حجة، وذهب البعض الآخر إلى عدم الاحتجاج بها. والمسألة اجتهادية على كل حال. ومما يرجح جانب الاحتجاج بها: أن القراءة الشاذة لا تكون أقل من خبر الواحد أو قول الصحابي، وكلاهما حجة، فلذلك يكون العمل بها واجبًا، وهذا المذهب ذكره ابن عبد البر إجماعًا (2) . ومما يجدر التنبيه عليه في هذا المقام هو أنه لا يصح الاحتجاج في رد القراءة الشاذة بأن يقال: يحتمل أن يكون هذا مذهبًا للصحابي نقله خطأً، أو أن الصحابي يجوز القراءة بالمعنى (3) . قال ابن قدامة: "وقولهم: يجوز أن يكون مذهبًا، قلنا: لا يجوز ظن مثل هذا بالصحابة -رضي الله عنهم- فإن هذا افتراء على الله وكذب عظيم؛ إذ جعل

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/181) ، أما عند القراء فقد ذكر ابن الجزري: أن كل قراءة وافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، ووافقت العربية ولو بوجه واحد، وصح سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يحل لمسلم أن ينكرها سواء كانت عن السبعة أو عن العشرة أو عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة أو عمن هو أكبر منهم، هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف، صرح به الداني، ومكي، والمهدوي، وأبو شامة، وهو مذهب السلف الذي لا يعرف عن أحد منهم خلافه. انظر: "النشر في القراءات العشر" (1/53، 54) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/181) ، و"مجموع الفتاوى" (13، 394، 20/260) ، و"مختصر ابن اللحام" (72) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/136) ، و"المدخل" لابن بدران (88) ، و"أضواء البيان" (5/248) ، و"مذكرة الشنقيطي" (56) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/181) ، و"مجموع الفتاوى" (13/397) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/139) .

* المسألة الخامسة: هل في القرآن مجاز؟

رأيه ومذهبه الذي ليس هو عن الله تعالى ولا عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - قرآنا، والصحابة -رضي الله عنهم- لا يجوز نسبة الكذب إليهم في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في غيره، فكيف يكذبون في جعل مذاهبهم قرآنا، هذا باطل يقينًا" (1) . أما بالنسبة لتجويز الصحابي القراءة بالمعنى، فمعلوم أن ذلك يجوز في الحديث دون القرآن، ومعلوم حرص الصحابة وضبطهم -رضوان الله عليهم (2) . لكن من الممكن الاستدلال لرد القراءة الشاذة بأدلة أخرى غير ما تقدم. المسألة الخامسة هل في القرآن مجاز؟ يمكن ضبط الكلام على هذه المسألة في ست فقرات: 1- تعريف المجاز (3) : المجاز هو اللفظ المستعمل في غير موضعه على وجهٍ يصح. كاستعمال لفظ "أسد" في الرجل الشجاع. 2- شرط حمل الكلام على المجاز (4) : القاعدة في حمل الكلام على المعنى المجازي: أن المجاز لا يصار إليه إلا عند امتناع حمل اللفظ على الحقيقة. فمتى أمكن حمل اللفظ على الحقيقة امتنع حمله على المجاز، ووجب حمله على الحقيقة، ومتى امتنع حمله على الحقيقة حُمل على المجاز مع وجود القرينة

_ (1) "روضة الناظر" (1/181) . (2) انظر المصدر السابق. (3) انظر: "روضة الناظر" (2/15، 16) ، و"مفتاح العلوم" (359) ، و"مختصر ابن اللحام" (42) . (4) انظر: "روضة الناظر" (2/21) ، و"مجموع الفتاوى" (6/360) ، و"مفتاح العلوم" (359، 360) ، و"مختصر الصواعق" (79) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (123) ، "مذكرة الشنقيطي" (175) .

- المجاز منتف عن آيات الصفات

الدالة على هذا الامتناع. قال ابن النجار: "كالأسد مثلاً فإنه للحيوان المفترس حقيقة، وللرجل الشجاع مجازًا، فإذا أطلق ولا قرينة كان للحيوان المفترس، لأن الأصل الحقيقية، والمجاز خلاف الأصل" (1) . 3- المجاز منتفٍ عن آيات الصفات (2) : إذا علم ما مضى فإن المجاز لا يدخل آيات الصفات؛ إذ من الممكن حملها على حقيقتها – إذ لا يلزم منه محال – فوجب لأجل ذلك حمل هذه الصفات على الحقيقة وامتنع حملها على المجاز، وهذا مذهب السلف. 4- المجاز واقع في القرآن فيما عدا آيات الصفات (3) : إذا علم أن المجاز غير واقع في آيات الصفات، فإن ما عدا آيات الصفات يدخله المجاز بشرطه، وهو أن يتعذر حمل الكلام على الحقيقة. وهذا مذهب طائفة من أهل السنة. قال الإمام الشافعي: "باب الصنف الذي يبين سياقُه معناه: قال الله تبارك وتعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163] . فابتدأ جل ثناؤه ذكر الأمر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر، فلما قال: {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} الآية؛ دل على أنه إنما أراد أهل القرية؛ لأن القرية لا

_ (1) "شرح الكوكب المنير" (1/294) . (2) انظر: "تأويل مشكل القرآن" (106، 111) ، و"الحجة في بيان المحجة" (1/446) ، و"لمعة الاعتقاد" (3، 4) ، و"مجموع الفتاوى" (5/200، 201) ، و"الصواعق" (4/1289) ، و"منع جواز المجاز" (54) . (3) انظر: "خلق أفعال العباد" (169) ، و"تأويل مشكل القرآن" (103، 109، 132) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/64) ، و"روضة الناظر" (1/182) ، و"قواعد الأصول" (51) ، و"مختصر ابن اللحام" (43) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (121) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/191) ، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (88) .

- إثبات المجاز لا يلزم منه تأويل الصفات أو نفيها

تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره، وأنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون" (1) . وقال الخطيب البغدادي مستدلاً لوقوع المجاز في القرآن: ".....لأن المجاز لغة العرب وعادتها؛ فإنها تسمى باسم الشيء إذا كان مجاورًا له، أو كان منه بسبب، وتحذف جزءًا من الكلام طلبًا للاختصار إذا كان فيما أبقي دليل على ما ألقي، وتحذف المضاف وتقيم المضاف إليه مقامه، وتعربه بإعرابه، وغير ذلك من أنواع المجاز، وإنما نزل القرآن بألفاظها ومذاهبها ولغاتها، وقد قال الله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77] ، ونحن نعلم ضرورة أن الجدار لا إرادة له" (2) . 5- إثبات المجاز لا يلزم منه تأويل الصفات أو نفيها: علم مما تقدم أن آيات القرآن الكريم قسمان: قسم لا يجوز دخول المجاز فيه وهو آيات الصفات. وقسم يجوز دخول المجاز فيه وهو ما عدا آيات الصفات كما تقدم في النقل عن الشافعي والخطيب البغدادي، وكقوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] ، وقوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] ، وقوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43، المائدة: 6] . فهذا كله مجاز لأنه استعمال للفظ في غير موضوعه (3) ، لوجود قرينة منعت من استعماله في حقيقته (4) . وإذا عُلم ذلك فلا تلازم بين القسمين، إذ يمكن إثباتُ صفات الله تعالى على حقيقتها ووجهها اللائق به سبحانه ونفي المجاز عنها، وفي الوقت نفسه يمكن إثبات المجاز فيما عدا آيات الصفات، كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}

_ (1) "الرسالة" (62، 63) . (2) "الفقيه والمتفقه" (1/65) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/182) . (4) قد أشار إلى بعض القرائن الإمام الشافعي والخطيب البغدادي فيما سبق نقله عنهما قريبًا. وانظر: "تأويل مشكل القرآن" (132، 133) ، و"مختصر الصواعق" (79) .

- المثبتون للمجاز فريقان

[يوسف: 82] ، إذ لا يلزم من إثبات المجاز في أحد القسمين إثباته في القسم الآخر؛ لأن إثبات المجاز يحتاج إلى قرينة، وهذه القرينة عند أهل السنة منتفية عن آيات الصفات (1) ، أما من عدا أهل السنة فإنهم يثبتون المجاز في آيات الصفات لوجود القرينة المانعة من حمل اللفظ على حقيقته (2) . وبذلك يعلم أن المثبتين للمجاز في القرآن فريقان: فريق لم يحمله إثباته للمجاز في القرآن على نفي الصفات أو تأويلها، بل أثبت صفات الله الواردة في القرآن الكريم على حقيقتها اللائقة به سبحانه ومنع من دخول المجاز فيها. وهذا مذهب المثبتين للمجاز من أهل السنة. والفريق الآخر حمله ما تقرر لديه من شبهات عقلية وغيرها على تأويل صفات الله سبحانه الواردة في القرآن الكريم، أو نفي حقيقتها فأثبت المجاز فيها. وهذا مذهب المثبتين للمجاز من المتكلمين ومن وافقهم، ومن هنا كان القول بالمجاز – عند هؤلاء فقط – ذريعة إلى تأويل الصفات أو نفيها. وبذلك تتبين خطورة إثبات المجاز في القرآن الكريم مطلقًا دون تفصيل (3) . ويعلم أيضًا أن الخلاف لفظي بين أهل السنة في إثبات المجاز في القرآن الكريم ونفيه. وهذا ما سيأتي توضيحه في الفقرة اللاحقة. 6- الخلاف بين أهل السنة في إثبات المجاز ونفيه خلاف لفظي: وبيان ذلك:

_ (1) إذ يمكن في قوله تعالى: {وجاء ربك} [الفجر: 22] ، إضافة صفة المجيء إلى الرب تعالى وذلك على الوجه اللائق به سبحانه، فهذا هو الواجب؛ لأنه قد دل عليه النص القرآني ثم هو ممكن عقلاً لأنه لا يلزم من اتفاق الصفات التماثل في الكيفية. انظر: "مجموع الفتاوى" (3/25، 133) ، و"مختصر الصواعق" (18 – 21) . (2) وهذه القرينة عندهم هي أن العقل يحيل إضافة صفة المجيء إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن ذلك يستلزم تشبيه الله بمخلوقاته التي تتصف بالمجيء أيضًا، هذه هي شبهة المعطلين لصفات الله، ولا شك أن ذلك غير لازم عقلاً كما تقدم في التعليق السابق. انظر: "غاية المرام" للآمدي (138) . (3) انظر: "تأويل مشكل القرآن" (103) .

- النافون للمجاز من أهل السنة أرادوا منع تأويل الصفات في نفيهم للمجاز

أن تأويل صفات الله تعالى ونفيها باب واسع، يمكن الدخول إليه عن طريق المجاز – كما فعل ذلك أهل التعطيل والتأويل – ويمكن ذلك عن طريق التأويل، وعن طريق القول بأن نصوص الكتاب والسنة أدلة لفظية، لا تفيد اليقين فلا تثبت بها العقائد، وغير ذلك (1) . ولما كان المجاز من أعظم الطرق وأكثرها استعمالاً، ومن أوسع الأبواب التي ولج منها المؤولون للصفات والنافون لها، قام بسد هذا الباب، وقطع هذا الطريق، وقال بمنع وقوع المجاز مطلقًا في القرآن الكريم وفي اللغة بعض علماء أهل السنة، لذلك عد ابن القيم المجاز طاغوتًا، فقال: "فصل في كسر الطاغوت الثالث الذي وضعته الجهمية لتعطيل حقائق الأسماء والصفات وهو طاغوت المجاز" (2) . قال ابن رجب: "ومن أنكر المجاز من العلماء فقد ينكر إطلاق اسم المجاز لئلا يوهم هذا المعنى الفاسد، ويصير ذريعة لمن يريد جحد حقائق الكتاب والسنة ومدلولاتهما. ويقول: غالب من تكلم بالحقيقة والمجاز هم المعتزلة، ونحوهم من أهل البدع، وتطرفوا بذلك إلى تحريف الكلم من مواضعه، فيمتنع من التسمية بالمجاز، ويجعل جميع الألفاظ حقائق (3) . ويقول: اللفظ إن دل بنفسه فهو حقيقة لذلك المعنى، وإن دل بقرينة فدلالته بالقرينة حقيقة للمعنى الآخر، فهو حقيقة في الحالين" (4) . وقد صرح ابن قدامة بكون هذا الخلاف لفظيًا، فقال بعد أن ذكر أمثلة على وقوع المجاز واستعماله في القرآن الكريم:

_ (1) انظر: "الصواعق المرسلة" (2/632) . (2) "مختصر الصواعق" (231) . (3) انظر مثالاً على ذلك: "مجموع الفتاوى" (7/88، 108) ، وبعضهم يسميه أسلوبًا عربيًا. انظر: "مذكرة الشنقيطي" (60) . (4) "ذيل طبقات الحنابلة" (1/174، 175) .

"....وذلك كله مجاز؛ لأنه استعمال للفظ في غير موضوعه، ومن منع فقد كابر، ومن سلم وقال: لا أسميه مجازًا (1) ؛ فهو نزاع في عبارة لا فائدة في المشاحة فيه. والله أعلم" (2) .

_ (1) قال ابن تيمية اعتراضًا على تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز ما ملخصه: "إن هذا التقسيم يستلزم أن يكون اللفظ قد وضع أولاً لمعنى ثم بعد ذلك قد يستعمل في موضوعه وقد يستعمل في غير موضوعه، وهذا كله إنما يصح لو ثبت أن الألفاظ العربية وضعت أولاً لمعانٍ ثم بعد ذلك استعملت فيها فيكون لها وضع متقدم على الاستعمال، وهذا إنما يصح على القول بأن اللغات اصطلاحية. وهذا القول لا نعرف أحدًا من المسلمين قاله قبل أبي هاشم الجبائي فإنه لا يمكن أحدًا النقلُ عن العرب أو أمة غيرهم أنه اجتمع جماعة منهم فوضعوا جميع الأسماء الموجودة في اللغة ثم استعملوها بعد هذا الوضع، إلا أنه قد يقال: إن الله يلهم الحيوانات من الأصوات ما يعرف به بعضها مراد بعض، وكذلك الآدميون فالمولود يسمع من يربيه ينطق باللفظ ويشير إلى المعنى فصار يعلم أن هذا اللفظ يستعمل في ذلك المعنى، وهكذا حتى يعرف لغة القوم الذين نشأ بينهم دون أن يصطلحوا على وضع متقدم، فعلم أن الله ألهم النوع الإنساني التعبير عما يريده ويتصوره بلفظه، وأن أول من علم ذلك آدم، وأبناءه علموا كما علم، وإن اختلفت اللغات فهذا الإلهام كافٍ في النطق باللغات من غير مواضعة متقدمة وهذا قد يسمى توقيفًا، فمن ادعى وضعًا متقدمًا فقد قال ما لا علم له به، وإنما المعلوم هو الاستعمال" اهـ. انظر"مجموع الفتاوى" (7/90 – 96) . (2) "روضة الناظر" (1/182، 183) ، وانظر: "نزهة الخاطر العاطر" (1/182 – 184) .

المبحث الثاني: السنة

المبحث الثاني: السنة وفي هذا المبحث ست مسائل: المسألة الأولى: تعريف السنة. المسألة الثانية: أقسام السنة. المسألة الثالثة: حجية السنة. المسألة الرابعة: منزلة السنة من القرآن. المسألة الخامسة: الخبر المتواتر. المسألة السادسة: خبر الآحاد.

* المسألة الأولى: تعريف السنة:

المسألة الأولى تعريف السنة 1- السنة في اللغة: السنة لغة: الطريقة والسيرة حميدة كانت أو ذميمية (1) . 2- السنة عند الأصوليين: السنة في اصطلاح الأصوليين هي "ما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير القرآن" (2) . وهذا يشمل: قوله - صلى الله عليه وسلم -، وفعله، وتقريره، وكتابته، وإشارته، وهمه، وتركه (3) . وهذه الأنواع قد يدخل بعضها في بعض (4) . 3- السنة هي الحكمة: إذا وردت الحكمة في القرآن مقرونة مع الكتاب فهي السنة بإجماع السلف (5) ، كقوله تعالى: {وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] ، قال الشافعي: "فسمعتُ من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله" (6) .

_ (1) انظر: "المصباح المنير" (292) . (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/86) ، و"قواعد الأصول" (38) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/160) . (3) زاد البعض: سنة الخلفاء الراشدين لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين؛ المهديين عضوا عليها بالنواجذ» . (يأتي تخريجه قريبًا) ، قال ابن رجب: "وفي أمره - صلى الله عليه وسلم - باتباع سنته وسنة خلفائه الراشدين بعد أمره بالسمع والطاعة لولاة الأمر عمومًا دليل على أن سنة الخلفاء الراشدين متبعة، كاتباع سنته" "جامع العلوم والحكم" (2/121) . وانظر: "مجموع الفتاوى" (1/282) ، و"درء الارتياب" لسليم الهلالي (16 - 27) . (4) فيدخل كل من الكتاب والإشارة والهم والترك في الفعل. انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/160 - 166) . (5) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/87، 88) ، و"مجموع الفتاوى" (3/366، 19/82، 175) ، و"الروح" لابن القيم (75) ، و"مختصر الصواعق" (443) ، و"تفسير ابن كثير" (1/190، 201، 567) ، و"وسيلة الحصول" (9) . (6) "الرسالة" (78) .

* المسألة الثانية: أقسام السنة:

المسألة الثانية أقسام السنة للسنة عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة. * فباعتبار ذاتها تنقسم السنة إلى: قولية، وفعلية، وتقريرية (1) ، وما سوى ذلك يمكن إدراجه تحت هذه الأقسام. * وباعتبار علاقتها بالقرآن الكريم تنقسم السنة إلى ثلاثة أقسام (2) : القسم الأول: السنة المؤكدة، وهي الموافقة للقرآن من كل وجه، وذلك كوجوب الصلاة فإنه ثابت بالكتاب وبالسنة. القسم الثاني: السنة المبينة أو المفسرة لما أُجمل في القرآن، وهي ما عبر عنها الشافعي بقوله: "ومنه ما أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هو على لسان نبيه، مثل عدد الصلاة والزكاة ووقتها" (3) . القسم الثالث: السنة الاستقلالية، أو الزائدة على ما في القرآن، وهي التي تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه، أو محرمة لما سكت عن تحريمه، كأحكام الشفعة وميراث الجدة. وهذا القسم عبر عنه الشافعي بقوله: "ومنه ما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما ليس فيه نص حكم" (4) . * وباعتبار وصولها إلينا وعدد نقلتها ورواتها تنقسم السنة إلى: متواتر، وآحاد (5) . المسألة الثانية حجية السنة في هذه المسألة سنتعرض لبيان حجية السنة على وجه العموم، ثم بيان

_ (1) انظر: "مختصر ابن اللحام" (74) . (2) انظر: "الرسالة" (21، 22، 91، 92) ، و"إعلام الموقعين" (2/307) . (3) "الرسالة" (22) . (4) المصدر السابق. (5) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/95) . وانظر (ص 146) من هذا الكتاب حول صحة تقسيم السنة إلى متواتر وآحاد.

أولا: حجية السنة عموما:

حجية السنة الاستقلالية، ثم حجية أفعاله - صلى الله عليه وسلم -، ثم حجية تقريره، ثم حجية تركه، فهذه أمور خمسة، أما الكلام على الخبر المتواتر وأخبار الآحاد فسيكون في المسألة الخامسة والسادسة إن شاء الله. أولاً: حجية السنة عمومًا: أجمع المسلمون على وجوب طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولزوم سنته (1) . قال ابن تيمية: "وهذه السنة إذا ثبتت فإن المسلمين كلهم متفقون على وجوب اتباعها" (2) . والأدلة على وجوب اتباع السنة كثيرة جدًا (3) : فمن القرآن الكريم: * الأمر بطاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32] (4) . * ترتيب الوعيد على من يخالف أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] (5) . * نفي الخيار عن المؤمنين إذا صدر حكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] (6) . * الأمر بالرد إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند النزاع، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] (7) . * جعل الرد إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند النزاع من موجبات الإيمان ولوازمه، قال

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/82 - 92) ، و"إعلام الموقعين" (2/290 - 293) . (2) "مجموع الفتاوى" (19/85، 86) . (3) انظر: "مسائل الإمام أحمد" برواية ابنه عبد الله (3/1355 - 1361) ، و"معارج القبول" (2/416 - 420) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/83) ، و"إعلام الموقعين" (2/290) . (5) انظر: "الرسالة" (84) . (6) انظر: "الرسالة" (79) ، و"إعلام الموقعين" (2/289) . (7) انظر: "إعلام الموقعين" (1/49) .

- الأدلة على حجية السنة من السنة المطهرة

تعالى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] (1) . ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ» (2) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «دعوني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (3) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه» (4) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإن ما حرم رسولُ الله مثلُ ما حرم الله» (5) . هذه بعض النصوص الدالة على حجية السنة، وبذلك يعلم أن الاحتجاج بالسنة أصل ثابت من أصول هذا الدين وقاعدة ضرورية من قواعده. قال الإمام الشافعي: "لم أسمع أحدًا – نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم – يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباعُ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتسليم لحكمه؛ بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله علينا وعلى من

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (1/50) . (2) أخرجه أبو داود في سننه (4/200، 201) برقم (4607) ، والترمذي في سننه (5/44) برقم (2676) ، وقال: حديث حسن صحيح. (3) أخرجه البخاري في صحيحه (13/251) برقم (7288) ، وقد سبق تخريج الجملة الأخيرة من هذا الحديث انظر (ص88) من هذا الكتاب. (4) أخرجه أبو داود في سننه (4/200) برقم (4604) ونحوه عند الترمذي في سننه (5/37، 38) برقم (2663، 2664) ، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه في سننه (1/6، 7) برقم (12، 13) . (5) أخرجه ابن ماجه في سننه (1/6) برقم (12) ، والترمذي في سننه (5/38) برقم (2664) ، وقال: حسن غريب.

ثانيا: حجية السنة الاستقلالية:

بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحد، لا يختلف في أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا فرقة سأصف قولها إن شاء الله تعالى" (1) . ثانيًا: حجية السنة الاستقلالية: اتفق السلف على أن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - يجب اتباعها مطلقًا، لا فرق في ذلك بين السنة الموافقة أو المبينة للكتاب، وبين السنة الزائدة على ما في الكتاب (2) . والدليل على ذلك: النصوص المتقدمة الدالة على حجية السنة؛ فإنها عامة مطلقة. قال ابن عبد البر: "وقد أمر الله جل وعز بطاعته - أي: الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتباعه أمرًا مطلقًا مجملاً، لم يقيد بشيء، كما أمرنا باتباع كتاب الله ولم يقل: وافق كتاب الله، كما قال بعض أهل الزيغ. قال عبد الرحمن بن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث، يعني: ما رُوي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، وإن خالف كتاب الله فلم أقله، وإنما أنا موافق كتاب الله وبه هداني الله» . وهذه الألفاظ لا تصح عنه - صلى الله عليه وسلم - عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه. وقد عارض هذا الحديث قوم، من أهل العلم وقالوا: نحن نعرض هذا الحديث على كتاب الله قبل كل شيء ونعتمد على ذلك، قالوا: فلما عرضناه على كتاب الله وجدناه مخالفًا لكتاب الله؛ لأنا لم نجد في كتاب الله ألا يقبل من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ما وافق كتاب الله، بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسي به والأمر بطاعته، ويحذر المخالفة عن أمره جملة على كل حال" (3) .

_ (1) "جماع العلم" (11، 12) . (2) انظر: "الرسالة" (104) ، و"إعلام الموقعين" (1/48، 2/314) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (402) . (3) "جامع بيان العلم وفضله" (2/190، 191) .

- اللوازم الفاسدة المترتبة على رد السنة الاستقلالية

وقال ابن القيم بعد أن ذكر أقسام السنة مع القرآن. "فما كان منها زائدًا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي - صلى الله عليه وسلم - تجب طاعته فيه، ولا تحل معصيته. وليس هذا تقديمًا لها على كتاب الله؛ بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله، ولو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يُطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى، وسقطت طاعته المختصة به، وإنه إذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القرآن لا فيما زاد عليه لم يكن له طاعة خاصة تختص به، وقد قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [النساء: 80] . وكيف يمكن أحدًا من أهل العلم ألا يقبل حديثًا زائدًا على كتاب الله (1) فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها ولا على خالتها (2) ، ولا حديث التحريم بالرضاعة لكل ما يحرم من النسب (3) ....." (4) . ثالثًا: حجية أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: الأصل في حجية أفعاله - صلى الله عليه وسلم - ما تقدم من الأدلة العامة الدالة على حجية السنة؛ إذ الأفعال قسم من أقسام السنة، ثم إن هناك أدلة تدل على وجوب الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - ومتابعته في أفعاله على وجه الخصوص (5) ، فمن ذلك: أ- قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب: 21] . قال ابن كثير: "هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وأحواله" (6) . ب- وقوله تعالى: {فَآمِنُوا بالله وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بالله وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] .

_ (1) انظر مسألة الزيادة على النص فيما يأتي (ص264) من هذا الكتاب. (2) انظر: "صحيح البخاري" (9/160) برقم (5108) . (3) انظر: "صحيح البخاري (6/211) برقم (3105) . (4) "إعلام الموقعين" (2/ 307، 308) . (5) انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/190) . (6) "تفسير ابن كثير" (3/483) .

- أصول أربعة لا بد من تقريرها في أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -

قال ابن تيمية: "وذلك لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل؛ فإذا فعل فعلاً على وجه العبادة شُرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة خصصناه بذلك" (1) . وأفعاله - صلى الله عليه وسلم - أقسام، لكل قسمٍ منها حكم يخصه، وقبل بيان هذه الأقسام لا بد من تقرير أصول أربعة: الأصل الأول: أن الواجب على هذه الأمة متابعة نبيها - صلى الله عليه وسلم - والتأسي به في أفعاله وأقواله وأحواله، ولزوم أمره وطاعته (2) ، هذا هو الأصل. ويدخل تحت هذا الأصل: 1- أمر الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ونهيه له، فإن الأمة تشاركه ما لم يثبت الاختصاص (3) ، قال ابن تيمية: "....ولهذا كان جمهور علماء الأمة على أن الله إذا أمره بأمرٍ أو نهاه عن شيء كانت أمته أسوة له في ذلك، ما لم يقم دليل على اختصاصه بذلك" (4) . 2- ويدخل تحت هذا الأصل: أفعاله - صلى الله عليه وسلم - فإن الأمة تتأسى بأفعاله إلا ما خصه الدليل (5) . 3- ويدخل تحت هذا الأصل أيضًا أمره - صلى الله عليه وسلم - لأمته ونهيه لها، فإن طاعته - صلى الله عليه وسلم - واجبة وجوبًا عامًا مطلقًا، بل إن طاعته في أوامره أوكد من الاقتداء به في أفعاله؛ لأن أفعاله قد تكون خاصة به - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن تيمية: "وطاعة الرسول فيما أمرنا به هو الأصل الذي على كل مسلم أن يعتمده وهو سبب السعادة، كما أن ترك ذلك سبب الشقاوة، وطاعته في أمره أولى بنا من موافقته في فعل لم يأمرنا بموافقته فيه باتفاق المسلمين. ولم يتنازع العلماء أن أمره أوكد من فعله؛ فإن فعله قد يكون مختصًا به، وقد يكون مستحبًا.

_ (1) "مجموع الفتاوى" (1/280) . (2) انظر: "المسودة" (191) . (3) انظر هذه المسألة فيما يأتي (ص418) من هذا الكتاب. (4) "مجموع الفتاوى" (22/322) . (5) انظر: "زاد المعاد" (3/ 307) .

- فعله - صلى الله عليه وسلم - يدل على الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة

وأما أمره لنا فهو من دين الله الذي أمرنا به" (1) . الأصل الثاني: أن أفعاله - صلى الله عليه وسلم - تدل على حكم هذه الأفعال بالنسبة له - صلى الله عليه وسلم -، ففعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على إباحته في أدنى الدرجات، وقد يدل على الوجوب والاستحباب، ولا يدل على الكراهة فإنه - صلى الله عليه وسلم - لا يفعل المكروه ليبين الجواز (2) ، إذ يحصل التأسي به في أفعاله؛ بل فعله لشيء ينفي كراهته (3) . الأصل الثالث: أن العلماء قد اختلفوا في أمور فعلها - صلى الله عليه وسلم - هل هي من خصائصه أم للأمة أن تفعلها (4) ؟ وذلك مثل تركه للصلاة على الغال (5) ، ودخوله في الصلاة إمامًا بعد أن صلى بالناس غيره (6) ، وكذلك فإن العلماء اختلفوا في بعض أفعاله هل الاقتداء بها يكون في نوع الفعل أو في جنسه؟ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد يفعل الفعل لمعنى يعم ذلك النوع وغيره. مثال ذلك: احتجامه - صلى الله عليه وسلم - (7) ، فإن ذلك كان لحاجته إلى إخراج الدم الفاسد، ثم التأسي به هل هو مخصوص بالحجامة، أو المقصود إخراج الدم على الوجه النافع؟ ومن ذلك أن الغالب عليه - صلى الله عليه وسلم - وعلى أصحابه لبس الرداء والإزار، فهل الأفضل لكل أحد أن يرتدي ويأتزر ولو مع القميص، أو الأفضل أن يلبس مع القميص السراويل من غير حاجة إلى الإزار والرداء؟ فهذه مواضع تتعلق بمسألة الاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله؛ وهي بحاجة إلى اجتهاد ونظر واستدلال وفقه.

_ (1) "مجموع الفتاوى" (22/321) . (2) فعله - صلى الله عليه وسلم - للشيء ينفي الكراهة حيث لا معارض له وإلا فقد يفعل شيئًا، ثم يفعل خلافه لبيان الجواز كوضوئه - صلى الله عليه وسلم - مرة ومرتين. قال أهل العلم: إن ذلك كان أفضل في حقه من التثليث لبيان التشريع. انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/192 – 194) . (3) انظر: "المسودة" (189 – 190، 191) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/192) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (22/324 – 331) . (5) انظر في ذلك ما رواه أبو داود في سننه (3/68) برقم (2710) ، وابن ماجه (2/950) برقم (2848) ، والنسائي (4/64) ، والحديث صححه محقق زاد المعاد. انظر: "زاد المعاد" (3/108) . (6) انظر: "صحيح البخاري" (2/172) برقم (687) . (7) انظر المصدر السابق (10/150) برقم (5696) .

الأصل الرابع: التأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو أن تفعل كما فعل لأجل أنه فعل (1) . فالتأسي إذن لا بد فيه من أمرين: 1- المتابعة في صورة العمل. 2- المتابعة في القصد. فإذا طاف - صلى الله عليه وسلم - حول الكعبة واستلم الحجر وصلى خلف المقام، كان التأسي والاقتداء به أن يفعل هذا الفعل وأن يقصد به العبادة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك وقصد به العبادة. أما ما فعله - صلى الله عليه وسلم - بحكم الاتفاق ولم يقصده مثل أن ينزل بمكان ويصلي فيه؛ لكونه نزله لا قصدًا منه - صلى الله عليه وسلم - لتخصيصه بالصلاة والنزول فيه، فإن تخصيص ذلك المكان بالصلاة لا يكون تأسيًا به - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لم يقصد ذلك المكان بالعبادة. قال ابن تيمية: "وهذا هو الأصل، فإن المتابعة في السنة أبلغ من المتابعة في صورة العمل، ولهذا لما اشتبه على كثير من العلماء جلسة الاستراحة: هل فعلها استحبابًا أو لحاجة عارضة؟ تنازعوا فيها، وكذلك نزوله بالمحُصب (2) عند الخروج من منى لما اشتبه: هل فعله لأنه أسمح لخروجه أو لكونه سنة؟ تنازعوا في ذلك (3) . ومن هذا وضع ابن عمر (4) يده على مقعد النبي - صلى الله عليه وسلم - (5) .....فإن هذا لما لم يكن مما يفعله سائر الصحابة ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرعه لأمته لم يمكن أن يقال: هذا

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (1/280، 10/409) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/196) . (2) المحصب: موضع بمكة على طريق منى ويسمى البطحاء. انظر: "المصباح المنير" (138) . (3) انظر: "صحيح البخاري (3/419) برقم (1560) ، و (3/591) برقم (1765، 1766) . (4) هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي الصحابي الزاهد، شهد الخندق وما بعدها من المشاهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يشهد ما قبلها لصغر سنه، كان من الصحابة المكثرين من رواية الحديث، وهو أحد العبادلة الأربعة: ابن عباس وابن الزبير وابن عمرو بن العاص، توفي سنة (73هـ) . انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (1/278) ، و"شذرات الذهب" (1/81) . (5) انظر: "صحيح البخاري" (1/567) برقم (483) فما بعد.

- أفعاله - صلى الله عليه وسلم - على ثلاثة أقسام، ووجه القسمة

سنة مستحبة، بل غايته أن يقال: هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة، أو مما لا ينكر على فاعله لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد، لا لأنه سنة مستحبة سنها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته، أو يقال في التعريف: إنه لا بأس به أحيانًا لعارض إذا لم يجعل سنة راتبة. وهكذا يقول أئمة العلم في هذا وأمثاله، تارة يكرهونه، وتارة يسوغون فيه الاجتهاد، وتارة يرخصون فيه إذا لم يُتخذ سنة. ولا يقول عالم بالسنة: إن هذه سنة مشروعة للمسلمين، فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسوله الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ ليس لغيره أن يسن ولا أن يشرع، وما سنه خلفاؤه الراشدون فإنما سنوه بأمره؛ فهو من سننه، ولا يكون في الدين واجبًا إلا ما أوجبه، ولا حرامًا إلا ما حرمه، ولا مستحبًا إلا ما استحبه، ولا مكروهًا إلا ما كرهه، ولا مباحًا إلا ما أباحه" (1) . أما أقسام أفعاله - صلى الله عليه وسلم - فإنها على ثلاثة أقسام (2) : ذلك أن فعله - صلى الله عليه وسلم - لا يخلو إما أن يكون صدر منه بمحض الجبلة، أو صدر منه بمحض التشريع، وهذا قد يكون عامًا للأمة، وقد يكون خاصًا به - صلى الله عليه وسلم -. فهذه ثلاثة أقسام (3) : القسم الأول: الأفعال الجبلية: كالقيام، والقعود، والأكل، والشرب، فهذا

_ (1) "مجموع الفتاوى" (1/281 – 282) . (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/130 – 132) ، و"قواعد الأصول" (38، 39) ، و"مختصر ابن اللحام" (74) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/178، 179) ، و"أضواء البيان" (5/68) . (3) هناك قسم رابع وهو المحتمل للجبلي والتشريعي. وضابط هذا القسم: أن تقتضيه الجبلة البشرية بطبيعتها، لكنه وقع متعلقًا بعبادة بأن وقع فيها أو في وسيلتها، كالركوب إلى الحج ودخول مكة من كداء، فهذا قد اختلفوا فيه: هل هو مباح أو مندوب؟ ومنشأ الخلاف في ذلك تعارض الأصل والظاهر؛ فإن الأصل عدم التشريع، والظاهر في أفعاله التشريع؛ لأنه مبعوث لبيان الشرعيات، فمن رجح فعل ذلك والاقتداء به قال: ليس من الجبلي بل من الشرع، ومن رأى أن ذلك يحتمل الجبلي وغيره فيحمله على الجبلي. انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/180 – 183) ، و"أضواء البيان" (5/68، 69) . وانظر: الأصل الثالث والرابع مما تقدم في هذا الموضوع (ص125) من هذا الكتاب.

- متى يثاب على التأسي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله الجبلية؟

القسم مباح؛ لأن ذلك لم يقصد به التشريع ولم نتعبد به، ولذلك نسب إلى الجبلة وهي الخلقة. لكن لو تأسى به متأسٍ فلا بأس (1) ، وإن تركه لا رغبة عنه ولا استكبارًا فلا بأس. القسم الثاني: الأفعال الخاصة به - صلى الله عليه وسلم - التي ثبت بالدليل اختصاصه بها كالجمع بين تسع نسوة، فهذا القسم يحرم فيه التأسي به. القسم الثالث: الأفعال البيانية التي يقصد بها البيان والتشريع، كأفعال الصلاة والحج، فحكم هذا القسم تابع لما بينه؛ فإن كان المبين واجبًا كان الفعل المبين له واجبًا، وإن كان مندوبًا فمندوب (2) . رابعًا: حجية تقريره - صلى الله عليه وسلم - (3) : والمقصود بتقريره - صلى الله عليه وسلم -: أن يفعل أحدُ الصحابة بحضرته فعلاً أو يقول

_ (1) ويثاب على قصده التأسي، إذ ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يلبس النعال السبتية، ويصبغ بالصفرة، فسئل عن ذلك فقال: " ... وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها....". رواه البخاري (1/267) برقم (166) . وورد عن الإمام الشافعي أنه قال لبعض أصحابه: اسقني، فشرب قائمًا، فإنه - صلى الله عليه وسلم - شرب قائمًا. وورد أيضًا عن الإمام أحمد أنه تسرى واختفى ثلاثة أيام ثم انتقل إلى موضع آخر اقتداءً بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في التسري واختفائه في الغار ثلاثًا، وقال: ما بلغني حديث إلا عملت به حتى أعطى الحجام دينارًا. انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/ 181، 182) . (2) أضاف بعض الأصوليين قسمًا بعد هذه الأقسام الثلاثة وهو الأفعال المطلقة المجردة، وهي ما ليس خاصًا به - صلى الله عليه وسلم - ولا جبليًا ولا بيانًا. وهذا القسم -في نظري- راجع ولا بد إلى واحد من هذه الأقسام الثلاثة إلا أنه يحتاج إلى فقه ونظر من حيث: أ- حكم هذا الفعل بالنسبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فإن أمته مثله في هذا الحكم. ب- ظهور قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - للقربة أو عدم ظهور هذا القصد، فما ظهر فيه قصد القربة فهو دائر بين الوجوب والندب، وما لم يظهر فيه قصد القربة فهو مباح. ويمكن التمثيل لهذا القسم بأمثلة وردت في الأصل الثالث والرابع من هذا الموضوع. (3) انظر الأمثلة على ذلك في: "إعلام الموقعين" (2/386 - 389) .

- الدليل على حجية تقريره - صلى الله عليه وسلم -

قولاً فيمسك - صلى الله عليه وسلم - عن الإنكار ويسكت (1) ، كإقراره - صلى الله عليه وسلم - إنشاد الشعر المباح (2) . والأصل في حجية إقراره - صلى الله عليه وسلم - (3) هو أنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة (4) ، إذ سكوته يدل على جواز ذلك الفعل أو القول، بخلاف سكوت غيره، لذلك بوب الإمام البخاري في صحيحه بقوله: "باب من رأى ترك النكير من النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة لا من غير الرسول" (5) . وكذلك فإن من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أن وجوب إنكار المنكر لا يسقط عنه بالخوف على نفسه لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] (6) . وإنما يكون سكوته - صلى الله عليه وسلم - وعدم إنكاره حجة فيدل على الجواز بشرطين (7) : أ- أن يعلم - صلى الله عليه وسلم - بوقوع الفعل أو القول، فإما أن يقع ذلك بحضرته، أو في غيبته لكن ينقل إليه، أو في زمنه وهو عالم به لانتشاره انتشارًا يبعد معه ألا يعلمه - صلى الله عليه وسلم -. ب- ألا يكون الفعل الذي سكت عنه - صلى الله عليه وسلم - صادرًا من كافر، لأن إنكاره - صلى الله عليه وسلم - لما يفعله الكفار معلوم ضرورة، فالعبرة في فعل أحد المسلمين. خامسًا: حجية تركه - صلى الله عليه وسلم -: والمقصود بالترك: تركه - صلى الله عليه وسلم - فعل أمر من الأمور (8) . وهو نوعان بالنسبة لنقل الصحابة رضي الله عنهم له (9) : 1- التصريح بأنه - صلى الله عليه وسلم - ترك كذا وكذا ولم يفعله، كقول الصحابي في صلاة العيد: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العيد بلا أذان ولا إقامة" (10) .

_ (1) انظر: "قواعد الأصول" (39) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/166) . (2) انظر: "صحيح البخاري" (1/548) برقم (453) . (3) انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/194 - 196) . (4) انظر هذه المسألة فيما يأتي (ص391) من هذا الكتاب. (5) "صحيح البخاري" (13/323) . (6) انظر: "تفسير ابن كثير" (2/81) . (7) انظر: "المسودة" (298) ، و"قواعد الأصول" (39) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/194) . (8) انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/165) . (9) انظر: "إعلام الموقعين" (2/389 - 391) . (10) أخرجه أبو داود في سننه (1/298) برقم (1147) ، وصححه النووي. انظر: "المجموع" (5/13) ، وأصل الحديث في الصحيحين.

- تركه - صلى الله عليه وسلم - حجة بشرطين

2- عدم نقل الصحابة للفعل الذي لو فعله - صلى الله عليه وسلم - لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحدٍ منهم على نقله للأمة، فحيث لم ينقله واحد منهم ألبتة ولا حدث به في مجمع أبدًا عُلم أنه لم يكن. وذلك كتركه - صلى الله عليه وسلم - التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة، وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمومين وهو يؤمنون على دعائه، بعد الصبح والعصر أو في جميع الصلوات. وتركه - صلى الله عليه وسلم - لفعل من الأفعال يكون حجة، فيجب ترك ما ترك كما يجب ما فعل بشرطين (1) : الشرط الأول: أن يوجد السبب المقتضي لهذا الفعل في عهده - صلى الله عليه وسلم -، وأن تقوم الحاجة إلى فعله، فإذا كان الحال كذلك وتركه - صلى الله عليه وسلم - ولم يفعله كان تركه لهذا الفعل سنة (2) يجب الأخذ بها ومتابعته في ترك هذا الفعل. أما إن انتفى المقتضي ولم يوجد السبب الموجب لهذا الفعل فإن ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ لا يكون سنة؛ لأن تركه كان بسبب عدم وجود المقتضي إذ لو وجد المقتضي لفعله - صلى الله عليه وسلم - وذلك كتركه - صلى الله عليه وسلم - قتال مانعي الزكاة فقط؛ إذ إن هذا الترك كان لعدم وجود السبب وعدم قيام المقتضي، فلما فعل أبو بكر رضي الله عنه (3) ذلك وقاتل مانعي الزكاة فقط (4) لم يكن مخالفًا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أما ما أحدثه بعض الأمراء من الأذان للعيدين فإن هذا من البدع؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك ذلك مع وجود ما يعتقد فاعل ذلك أنه مقتضٍ (5) ، فإنه - صلى الله عليه وسلم -

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (26/172) ، و"اقتضاء الصراط المستقيم" (2/591 – 597) . (2) بشرط انتفاء الموانع كما سيأتي في الشرط الثاني. (3) هو: عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشي التيمي، أبو بكر الصديق، خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورفيقه في الهجرة، ومؤنسه في الغار، أول من أسلم من الرجال، توفي سنة (13هـ) . انظر: "الاستيعاب" (2/234) ، و"الإصابة" (2/333) . (4) انظر: "صحيح البخاري" (12/ 275) برقم (6924، 6925) . (5) كأن يستدل فاعل ذلك على استحسانه بالعمومات الدالة على فضل الذكر كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا} [الأحزاب: 41] ، وقوله: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله} [فصلت: 33] ، والقياس على الأذان في الجمعة. انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/596) .

- تركه - صلى الله عليه وسلم - لا يخلو من ثلاث حالات

لما أمر بالأذان في الجمعة وصلى العيدين بلا أذان ولا إقامة كان ترك الأذان فيهما سنة، فليس لأحد أن يزيد في ذلك، بل الزيادة في ذلك كالزيادة في أعداد الصلوات أو أعداد الركعات. ومثل ذلك ما حدثت الحاجة إليه بتفريط الناس كتقديم الخطبة على الصلاة في العيدين، فإنه قد فعل ذلك بعض الأمراء (1) واعتذر بأن الناس قد صاروا ينفضون قبل سماع الخطبة، وكانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا ينفضون حتى يسمعوا، أو أكثرهم. ولا يكفي أن يترك - صلى الله عليه وسلم - الفعل مع وجود المقتضي لا مع انتفائه، بل لا بد من شرط ثانٍ وهو: انتفاء الموانع وعدم العوارض؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد يترك فعلاً من الأفعال -مع وجود المقتضي له- بسبب وجود مانع يمنع من فعله. وذلك كتركه - صلى الله عليه وسلم - قيام رمضان مع أصحابه في جماعة -بعد ليالٍ- وعلل ذلك بخشيته أن يُفرض عليهم (2) ، فلما كان في عهد عمر - رضي الله عنه - جمعهم على قارئ واحد (3) ، ولم يكن هذا الاجتماع بهذه الهيئة مخالفًا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهكذا جَمْع القرآن (4) ، فإن المانع من جمعه كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الوحي لا يزال ينزل فيغير الله ما يشاء ويُحكم ما يريد، فلو جُمع في مصحف واحد لتعسر أو تعذر تغييره كل وقت، فلما استقر القرآن بموته أمن الناس من زيادة القرآن ونقصه. أما تركه - صلى الله عليه وسلم - للأذان في العيدين فلم يكن لوجود مانع، لذا كان هذا الترك سنة نبوية يجب اتباعه فيها عليه الصلاة والسلام. وخلاصة القول: أن تركه - صلى الله عليه وسلم - لا يخلو من ثلاث حالات. الحالة الأولى: أن يترك - صلى الله عليه وسلم - الفعل لعدم وجود المقتضي له، وذلك

_ (1) هو: مروان بن الحكم، فعل ذلك لما كان أميرًا للمدينة في عهد معاوية رضي الله عنه. انظر: "صحيح البخاري" (2/448) برقم (956) . (2) أخرج ذلك البخاري في صحيحه (13/264) برقم (7290) . (3) انظر: "صحيح البخاري" (4/250) برقم (2010) . (4) انظر المصدر السابق (9/10) برقم (4986) .

كتركه قتال مانعي الزكاة، فهذا الترك لا يكون سنة، بل إذا قام المقتضي ووجد (1) كان فعل ما تركه - صلى الله عليه وسلم - مشروعًا غير مخالف لسنته، كقتال أبي بكر - رضي الله عنه - لمانعي الزكاة، بل إن هذا العمل يكون من سنته لأنه عمل بمقتضى سنته - صلى الله عليه وسلم -. الحالة الثانية: أن يترك - صلى الله عليه وسلم - الفعل مع وجود المقتضي له بسبب قيام مانع، كتركه - صلى الله عليه وسلم - فيما بعد قيام رمضان جماعة بسبب خشيته أن يُكتب على أمته؛ فهذا الترك لا يكون سنة، بل إذا زال المانع بموته - صلى الله عليه وسلم - كان فعل ما تركه - صلى الله عليه وسلم - مشروعًا غير مخالف لسنته كما فعل عمر - رضي الله عنه - في جمعه للناس على إمام واحد في صلاة التراويح، بل إن هذا العمل من سنته - صلى الله عليه وسلم - لأنه عمل بمقتضاها. الحالة الثالثة: أن يترك - صلى الله عليه وسلم - الفعل مع وجود المقتضي له وانتفاء الموانع فيكون تركه - صلى الله عليه وسلم - والحالة كذلك– سنة، كتركه - صلى الله عليه وسلم - الأذان لصلاة العيدين. وهذا القسم من سنته - صلى الله عليه وسلم - وهو السنة التركية أصل عظيم وقاعدة جليلة، به تحفظ أحكام الشريعة ويوصد به باب الابتداع في الدين. قال ابن القيم: "فإن تركه - صلى الله عليه وسلم - سنة كما أن فعله سنة، فإذا استحببنا فعل ما تركه، كان نظير استحبابنا ترك ما فعله، ولا فرق. فإن قيل: من أين لكم أنه لم يفعله، وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم؟ فهذا سؤال بعيدًا جدًا عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه، ولو صح هذا السؤال وقبل لاستحب لنا مستحب الأذان للتراويح، وقال: من أين لكم أنه لم ينقل؟ واستحب لنا مستحب آخر الغسل لكل صلاة، وقال: من أين لكم أنه لم ينقل؟ ...... وانفتح باب البدعة، وقال كل من دعا إلى بدعة: من أين لكم أن هذا لم ينقل؟ " (2) . وتجدر الإشارة إلى أن سنة الترك مبنية على مقدمات ثابتة راسخة (3) :

_ (1) بشرط ألا يكون وجود هذا المقتضي إنما حصل بتفريط الناس كما تقدم بيانه قريبًا. (2) "إعلام الموقعين" (2/390، 391) . (3) انظر في هذه المقدمات: "إعلام الموقعين" (4/375 – 377) ، و"معارج القبول" (2/346 – 357) .

المقدمة الأولى: كمال هذه الشريعة واستغناؤها التام عن زيادات المبتدعين واستدراكات المستدركين، فقد أتم الله هذا الدين فلا ينقصه أبدًا، ورضيه فلا يسخطه أبدًا (1) . ومن الأدلة على هذه المقدمة قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] . وقوله - صلى الله عليه وسلم - «وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء» (2) . المقدمة الثانية: بيانه - صلى الله عليه وسلم - لهذا الدين وقيامه بواجب التبليغ خير قيام، فلم يترك أمرًا من أمور هذا الدين صغيرًا كان أو كبيرًا إلا وبلغه لأمته. ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] ، وقد امتثل - صلى الله عليه وسلم - لهذا الأمر وقام به أتم القيام. وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل، في خطبته يوم حجة الوداع (3) . المقدمة الثالثة: حفظ الله لهذا الدين وصيانته من الضياع، فهيأ الله له من الأٍسباب والعوامل التي يسرت نقله وبقاءه حتى يومنا هذا وإلى الأبد إن شاء الله، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ، والواقع المشاهد يصدق ذلك فإن الله قد حفظ كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ووفق علماء المسلمين إلى قواعد مصطلح الحديث، وأصول الفقه، وقواعد اللغة العربية.

_ (1) انظر: "تفسير ابن كثير" (1/14) . (2) أخرجه ابن ماجه في سننه (1/4) برقم (5) ، وصححه الألباني. انظر: "السلسلة الصحيحة" (2/308) برقم (688) . (3) انظر: "تفسير ابن كثير" (2/80) ، وانظر خطبة الوداع في: "صحيح البخاري" (3/573) برقم (1741) ، وفيها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا هل بلغت؟» قالوا: نعم. قال: «اللهم فاشهد» .

* المسألة الرابعة: منزلة السنة من القرآن:

المسألة الرابعة منزلة السنة من القرآن والمقصود بهذه المسألة الجواب على السؤال الآتي: أيهما يقدم على الآخر الكتاب أم السنة؟ ويتضح هذا الجواب من خلال اعتبارات أربعة: 1- باعتبار المصدرية فلا شك أن القرآن والسنة في منزلة واحدة إذ الكل وحي من الله، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] . أ- وقد ذهب بعض أهل العلم (1) إلى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يسن سنة إلا بوحي احتجاجًا بهذه الآية. ب- وقيل: بل جعل الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بما افترض من طاعته أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب، والدليل على ذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ} [النساء: 105] . فخصه الله بأن يحكم برأيه لأنه معصوم وأن معه التوفيق. جـ- وقيل: أُلقي في روعه - صلى الله عليه وسلم - كل ما سنه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الروح الأمين قد ألقى في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، فأجملوا في الطلب» (2) . د- وقيل: لم يسن - صلى الله عليه وسلم - سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب، فجميع سنته بيان للكتاب، فما سنه - صلى الله عليه وسلم - من البيوع فهو بيان لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] ، * وقوله: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . قال الشافعي بعد ذكر هذه الأقوال أو بعضها: "وأي هذا كان فقد بين الله

_ (1) انظر: "الرسالة (92 - 104) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/90 - 94) . (2) أخرجه الشافعي في "الرسالة" (93) برقم (306) ، ورجح الشيخ أحمد شاكر صحة إسناده. انظر تعليقه على كتاب "الرسالة" (97) .

- باعتبار الحجية

أنه فرض فيه طاعة رسوله....." (1) . 2- باعتبار الحجية ووجوب الاتباع فالقرآن والسنة في ذلك سواء. وقد بوب لذلك الخطيب البغدادي، فقال: "باب ما جاء في التسوية بين حكم كتاب الله تعالى وحُكم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وجوب العمل ولزوم التكليف" (2) ، وذكر تحت ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» (3) ، وقوله: «وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله» (4) . 3- باعتبار أن القرآن دل على وجوب العمل بالسنة، وأن السنة إنما تثبت حجيتها بالقرآن. فالقرآن بهذا الاعتبار أصل للسنة، والأصل مقدم على الفرع. 4- باعتبار البيان فإن السنة مبينة لما أجمل في القرآن، وهي مخصصة لعمومه، مقيدة لمطلقه، والبيان والخاص والمقيد مقدم على المجمل والعام والمطلق، إذ العمل بهذه الثلاثة متوقف على تلك. فصح بهذا النظر تقديم السنة على الكتاب (5) ، إلا أن الإمام أحمد كره أن يقال: السنة تقضي على الكتاب، وقال: «ما أجسر على هذا أن أقول: إن السنة قاضية على الكتاب! إن السنة تفسر الكتاب وتبينه» (6) . والمقصود أن الكتاب والسنة متلازمان لا يفترقان، متفقان لا يختلفان؛ كما قال بعض السلف: "إنما هو الكتاب والسنة، والكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب" (7) .

_ (1) "الرسالة" (104) . (2) "الكفاية في علم الرواية" (23) . (3) تقدم تخريجه انظر (ص121) من هذا الكتاب. (4) تقدم تخريجه انظر (ص121) من هذا الكتاب. (5) انظر: "سنن الدارمي" (1/145) . (6) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/191، 192) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/73) ، و"الكفاية" (30) . (7) انظر: "الكفاية" (30) .

* المسألة الخامسة: الخبر المتواتر:

المسألة الخامسة الخبر المتواتر والكلام على هذه المسألة يمكن ضبطه في ست نقاط: 1- تعريف المتواتر: المتواتر لغة: المتتابع (1) . وفي اصطلاح الأصوليين: "خبر جماعة مفيد بنفسه العلم" (2) . وفي هذا التعريف احتراز عن خبر الواحد؛ فإن المتواتر لا بد فيه من العدد والكثرة، وهذا ما عبر عنه في التعريف بقيد "جماعة". أما قيد "مفيد بنفسه العلم" فالمقصود به الاحتراز عما أفاد العلم بواسطة القرائن؛ إذ إن خبر التواتر يفيد العلم بمجرد العدد والكثرة لا بالقرائن (3) . 2- أقسام المتواتر: * ينقسم المتواتر باعتبار متنه إلى قسمين (4) : الأول: المتواتر اللفظي، وهو ما اتفق فيه الرواة على اللفظ والمعنى، كتواتر القرآن الكريم، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» (5) . والثاني: المتواتر المعنوي، وهو ما اتفق رواته على معناه دون ألفاظه، وذلك كأحاديث الشفاعة، والحوض، والصراط، والميزان. * وينقسم باعتبار أهله إلى قسمين (6) : تواتر عند العامة، وتواتر عند الخاصة.

_ (1) انظر: "المصباح المنير" (647) . (2) انظر: "مختصر ابن اللحام" (81) . وقد عرف بعضهم التواتر بأنه "إخبار جماعة لا يمكن تواطؤهم على الكذب". انظر: "قواعد الأصول" (40) . (3) انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/ 324، 325) ، وسيأتي في (ص140) من هذا الكتاب التنبيه على ما في هذا الكلام نقلاً عن ابن تيمية رحمه الله. (4) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/95) ، و"مجموع الفتاوى" (18/16، 69) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/329 - 333) . (5) أخرجه البخاري في صحيحه (1/302) برقم (110) ، ومسلم في صحيحه (1/67، 68) وللحديث ألفاظ أخرى. انظر ذلك في المصدرين نفسيهما. (6) انظر: "مجموع الفتاوى" (18/69) .

- انقسام المتواتر إلى لفظي ومعنوي

قال ابن تيمية: ".... ولهذا كان التواتر ينقسم إلى: عام وخاص، فأهل العلم بالحديث والفقه قد تواتر عندهم من السنة ما لم يتواتر عند العامة، كسجود السهو، ووجوب الشفعة، وحمل العاقلة العقل، ورجم الزاني المحصن، وأحاديث الرؤية، وعذاب القبر، والحوض، والشفاعة، وأمثال ذلك. وإذا كان الخبر قد تواتر عند قوم دون قوم، وقد يحصل العلم بصدقه لقوم دون قوم؛ فمن حصل له العلم به وجب عليه التصديق به والعمل بمقتضاه، كما يجب ذلك في نظائره. ومن لم يحصل له العلم بذلك فعليه أن يسلم ذلك لأهل الإجماع الذين أجمعوا على صحته، كما على الناس أن يسلموا الأحكام المجمع عليها إلى من أجمع عليها من أهل العلم، فإن الله عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة، وإنما يكون إجماعها بأن يسلم غير العالم للعالم؛ إذ غير العالم لا يكون له قول، وإنما القول للعالم. فكما أن من لا يعرف أدلة الأحكام لا يعتد بقوله، فمن لا يعرف طرق العلم بصحة الحديث لا يعتد بقوله، بل على كل من ليس بعالم أن يتبع إجماع أهل العلم" (1) . وقال ابن القيم: "..... فإن ما تلقاه أهل الحديث بالقبول والتصديق فهو محصل للعلم مفيد لليقين، ولا عبرة بمن عداهم من المتكلمين والأصوليين. فإن الاعتبار في الإجماع على كل أمر من الأمور الدينية بأهل العلم دون غيرهم، كما لم يعتبر في الإجماع على الأحكام الشرعية إلا العلماء بها دون المتكلمين والنحاة والأطباء. وكذلك لا يعتبر في الإجماع على صحة الحديث وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله، وهم علماء الحديث العالمون بأحوال نبيهم، الضابطون لأقواله وأفعاله" (2) .

_ (1) "مجموع الفتاوى" (18/51) . (2) "مختصر الصواعق" (465، 466) .

- إفادة المتواتر العلم

3- درجته: الخبر المتواتر يفيد العلم اليقيني، وهذا أمر متفق عليه بين العقلاء، إذ حصول العلم بالخبر المتواتر أمر يضطر إليه الإنسان، لا حيلة له في دفعه (1) . هذا بالنسبة للمتواتر من الأخبار. أما المتواتر من الحديث: فإنه كذلك يفيد العلم ويوجب العمل، والعبرة في التواتر بأهل العلم بالحديث والأثر، كما قرر ذلك ابن تيمية وابن القيم في النصين السابقين. أما حكم العمل به: فلا شك أن الحديث المتواتر قسم من أقسام السنة، والسنة حجة على ما تقدم (2) . 4- اختلف العلماء في العلم الحاصل بالتواتر هل هو ضروري أو نظري؟: وهذا الخلاف – إذا تأملناه – خلاف لفظي، إذ الجميع متفق على أن المتواتر يفيد العلم واليقين، وإنما اختلفوا في نوع هذا العلم: فمن نظر إلى أن العقل يضطر إلى التصديق به قال: إنه ضروري. ومن نظر إلى افتقار المتواتر إلى مقدمات – وإن كانت تلك المقدمات بدهية – قال: إنه نظري (3) . 5- شروط المتواتر: للمتواتر شروط خمسة (4) : أ- أن يخبر المخبرون عن علم ويقين، لا عن ظن أو شك.

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/244) ، و"قواعد الأصول" (41) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/317، 326) . (2) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/33، 34) ، وانظر (ص120) من هذا الكتاب. (3) انظر: "روضة الناظر" (1/2447 – 250) ، و"مختصر الصواعق" (453 – 455) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/327) . (4) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/96) ، و"روضة الناظر" (1/254 – 257) ، و"مختصر ابن اللحام" (81) .

- العلم يحصل بعدة طرق

ب- أن يستند المخبرون في خبرهم إلى الحس، لا إلى العقل أو غيره. جـ- أن يكون المخبرون كثرة لا قلة، وليس هناك عدد معين يحدد هذه الكثرة، بل ضابط الكثرة ما حصل العلم بخبرهم. د- أن تكون هذه الكثرة مما تحيل العادة تواطؤهم على الكذب أو الكتمان. هـ- أن توجد الشروط المتقدمة في جميع طبقات السند. ولا يخفي أن هذه الشروط للمتواتر العام، أما المتواتر الخاص (1) فيضاف إلى هذه الشروط أن يكون ناقلوه من أهل العلم والتخصص، وذلك على النحو الذي تقدم بيانه من خلال النقل عن ابن تيمية وابن القيم (2) . 6- العلم يحصل بعدة طرق (3) : أ- يحصل العلم تارة بالعدد الكثير دون قرائن، وهذا ما يسمى بالعدد الكامل الذي يحصل العلم به مجردًا عن القرائن. وإذا كان الأمر كذلك فإن العدد الذي حصل به العلم في واقعة من الوقائع دون قرائن لا بد وأن يحصل به العلم في كل واقعة ولكل أحد. ب- ويحصل العلم تارة بالقرائن وحدها، كالعلم بخوف شخص أو خجله، لظهور علامات ذلك عليه (4) . جـ- ويحصل تارة بمجموع الأمرين: بالمخبرين وبالقرائن معًا، وهذا ما يسمى بالعدد الناقص الذي احتفت به القرائن، فحصل العلم بالأمرين معًا (5) .

_ (1) يشترط في المتواتر الخاص كنقل القرآن الكريم والأحاديث النبوية، الإسلام والعدالة، أما في عموم الأخبار فلا يشترط في الراوي لا إسلام ولا عدالة، وكلام الأصوليين إنما هو في الخبر المتواتر على وجه العموم. (2) انظر (ص137) من هذا الكتاب. (3) انظر: "روضة الناظر" (1م250 – 254) ، و"مجموع الفتاوى" (18/40، 41، 48 – 51، 69، 70) ، و"مختصر ابن اللحام" (81) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/335 – 337، 343، 344) . (4) انظر: "روضة الناظر" (1/252) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/325، 326) . (5) انظر فيما يتعلق بالقرائن واختلاف الناس فيها (ص151) من هذا الكتاب.

- رأي ابن تيمية في معنى المتواتر

والمصطلح عليه عند أهل الأصول: أن المتواتر ما حصل فيه العلم بكثرة العدد فقط؛ يعني بالعدد الكامل. أما ما عدا ذلك فهو وإن كان مفيدًا للعلم لكنه لا يسمى عندهم متواترًا، وعندهم أيضًا – كما تقدم – أن كل عدد أفاد العلمَ في واقعة أفاد مثلُ هذا العدد العلمَ في كل واقعة، إذا خلا الخبر عن القرائن. وهذا إنما يكون العدد الكامل (1) . المسألة السادسة خبر الآحاد وفي هذه المسألة بيان أمور أربعة: 1- تعريف خبر الآحاد. 2- حجية خبر الواحد.

_ (1) يرى ابن تيمية أن المتواتر ما أفاد العلم سواء بكثرة العدد أو بالقرائن أو بهما معًا. قال رحمه الله: "فلفظ المتواتر يراد به معانٍ؛ إذ المقصود من المتواتر ما يفيد العلم. لكن من الناس من لا يسمي متواترًا إلا ما رواه عدد كثير يكون العلم حاصلاً بكثرة عددهم فقط. ويقولون: إن كل عدد أفاد العلم في قضية أفاد مثل ذلك العدد العلم في كل قضية. وهذا قول ضعيف. والصحيح ما عليه الأكثرون: أن العلم يحصل بكثرة المخبرين تارة، وقد يحصل بصفاتهم لدينهم وضبطهم، وقد يحصل بقرائن تحتف بالخبر. يحصل العلم بمجموع ذلك. وقد يحصل لطائفة دون طائفة. وأيضًا فالخبر الذي تلقاه الأئمة بالقبول تصديقًا له أو عملاً بموجبه يفيد العلم عند جماهير الخلف والسلف. وهذا في معنى المتواتر. لكن من الناس من يسميه المشهور والمستفيض، ويقسمون الخبر إلى متواتر، ومشهور، وخبر واحد". "مجموع الفتاوى" (18/48، 49) ، وانظر منه (18/40، 41، 50، 51، 69، 70) .

- تعريف الآحاد لغة واصطلاحا

3- شروط قبول خبر الواحد. 4- هل يفيد خبر الواحد العلم أو الظن؟ الأمر الأول: تعريف خبر الآحاد: الآحاد جمع أحد بمعنى واحد، والواحد هو الفرد (1) . وفي اصطلاح الأصوليين هو: ما عدا المتواتر (2) . فيشمل كل خبر لم تتوفر فيه شروط المتواتر. الأمر الثاني: حجية خبر الواحد: والكلام على ذلك ينتظم في ست فقرات: أ- أجمع أهل العلم (3) على وجوب العمل بخبر الواحد (4) : قال الشافعي: "ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديمًا وحديثًا على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه بأنه لم يُعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي. ولكن أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد، بما وصفتُ من أن ذلك موجود على كلهم" (5) . وقال الخطيب البغدادي: "وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين، ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا، ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار لذلك، ولا اعتراض عليه. فثبت أن من دين جميعهم وجوبه، إذ لو كان فيهم من كان لا يرى العمل

_ (1) انظر: "المصباح المنير" (650، 651) . (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/96) ، و"روضة الناظر" (1/260) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/345) . (3) على اختلاف بينهم في شروط العمل بخبر الواحد. وسيأتي بيان هذه الشروط قريبًا في الأمر الثالث. (4) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/97، 98) ، و"مجموع الفتاوى" (11/340، 341) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/361 - 368) . (5) "الرسالة" (457، 458) .

- الأدلة على وجوب العمل بخبر الواحد

به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه فيه. والله أعلم" (1) . ب- الأدلة على وجوب العمل بخبر الواحد: 1- ما تواتر عنه - صلى الله عليه وسلم - من إنفاذه أمراءَه ورسله وقضاته وسعاته إلى الأطراف لتبليغ الأحكام وأخذ الصدقات ودعوة الناس (2) . قال الشافعي: "ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليبعث إلا واحدًا؛ الحجة قائمة بخبره على من بعثه إن شاء الله" (3) . 2- إجماع الصحابة رضي الله عنهم على قبول خبر الواحد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واشتهار ذلك عنهم في وقائع كثيرة، إن لم يتواتر آحادها حصل العلم بمجموعها (4) . ومن ذلك تحول أهل قباء إلى القبلة بخبر واحد (5) . قال الشافعي: "ولو كان ما قبلوا من خبر الواحد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تحويل القبلة -وهو فرض- مما يجوز لهم؛ لقال لهم -إن شاء الله- رسول الله: قد كنتم على قبلة، ولم يكن لكم تركها إلا بعد علم تقوم عليكم به حجة، من سماعكم مني، أو خبر عامة، أو أكثر من خبر واحد عني" (6) . 3- قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] . وذلك من وجهين (7) : الأول: أن الله أمر الطائفة –وهي تقع على القليل والكثير– إنذار قومهم،

_ (1) "الكفاية" (48) . (2) انظر: "الرسالة" (410 – 419) ، و"روضة الناظر" (1/277، 278) ، و"تحفة الطالب" (197 – 201) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/375) . (3) "الرسالة" (415) . (4) انظر: "الكفاية" (43 – 45) ، و"روضة الناظر" (1/268 – 274) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/369 – 375) . (5) انظر في ذلك حديث ابن عمر الذي أخرجه مسلم في: صحيحه (5/10) . (6) "الرسالة" (408) . (7) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/97، 98) .

- خبر الواحد حجة في الأحكام والعقائد بإجماع السلف

وهذا دليل على أن على قومهم المنذرين قبوله. والثاني: أن قوله: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} معناه إيجاب الحذر، ولولا قيام الحجة عليهم ما استوجبوا الحذر. 4- قوله - صلى الله عليه وسلم -: «نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها، وحفظها، وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (1) . قال الشافعي: "فلما ندب رسول الله إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها امرءًا يؤديها -والامرؤ واحد- دل على أنه لا يأمر أن يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه؛ لأنه إنما يؤدي عنه حلال، وحرام يجتنب، وحد يقام، ومال يؤخذ ويعطي، ونصيحة في دين ودنيا" (2) . جـ- أن خبر الواحد حجة في الأحكام والعقائد، دون تفريق بينهما: وهذا أمر مجمع عليه عند السلف (3) . قال ابن عبد البر: "ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصًا في كتاب الله، أو صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أجمعت عليه الأمة. وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا

_ (1) أخرجه بهذا اللفظ الترمذي في سننه وحسنه (5/34) برقم (2658) ، (5/33، 34) برقم (2656، 2657) ، وأخرجه أبو داود في سننه (3/322) برقم (3660) ، وقد روى هذا الحديث عدد من الصحابة، وعده بعض أهل العلم من المتواتر. انظر: "تدريب الراوي" (2/179) ، كتاب "الأدلة والشواهد" لسليم الهلالي (35) . وللاستزادة انظر كتاب: "دراسة حديث: نضر الله امرءًا سمع مقالتي، رواية ودراية". للشيخ عبد المحسن العباد. (2) "الرسالة" (402، 403) . (3) انظر: "مختصر الصواعق" (502، 509) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/352) ، و"لوامع الأنوار" (1/19) ، و"مذكرة الشنقيطي" (104) . وللاستزادة في هذا الموضوع انظر كتاب" "وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين" للألباني، و"أصل الاعتقاد" للأشقر، و"الأدلة والشواهد على وجوب العمل بخبر الواحد في الأحكام والعقائد" لسليم الهلالي: «وحجية أحاديث الآحاد في الأحكام والعقائد» للأمين الحاج محمد أحمد، و"حجية الآحاد في العقدية ورد شبهات المخالفين" للوهيبي.

- الدليل على وجوب العمل بخبر الواحد في العقيدة

يناظر فيه" (1) . والدليل على وجوب قبول خبر الواحد في أبواب الاعتقاد الأدلة الموجبة للعمل بخبر الواحد؛ فإنها عامة مطلقة، لم تفرق بين باب وباب ومسألة وأخرى (2) ، ثم إنه يترتب على القول برد خبر الواحد في العقائد رد كثير من العقائد الإسلامية الصحيحة (3) . قال ابن القيم: "وأما المقام الثامن وهو انعقاد الإجماع المعلوم المتيقن على قبول هذه الأحاديث وإثبات صفات الرب تعالى بها، فهذا لا يشك فيه من له أقل خبرة بالمنقول. فإن الصحابة هم الذين رووا هذه الأحاديث وتلقاها بعضهم عن بعض بالقبول ولم ينكرها أحد منهم على من رواها. ثم تلقاها عنهم جميع التابعين من أولهم إلى آخرهم، ومن سمعها منهم تلقاها بالقبول والتصديق لهم، ومن لم يسمعها منهم تلقاها عن التابعين كذلك. وكذلك تابعوا التابعين مع التابعين. وهذا أمر يعلمه ضرورة أهل الحديث كما يعلمون عدالة الصحابة وصدقهم وأمانتهم ونقلهم ذلك عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، كنقلهم الوضوء، والغسل من الجنابة، وأعداد الصلوات وأوقاتها، ونقل الأذان والتشهد، والجمعة والعيدين. فإن الذين نقلوا هذا هم الذين نقلوا أحاديث الصفات؛ فإن جاز عليهم الخطأ والكذب في نقلها جاز عليهم ذلك في نقل غيرها مما ذكرناه، وحينئذٍ فلا وثوق لنا بشيء نُقل لنا عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - ألبتة. وهذا انسلاخ من الدين والعلم والعقل" (4) .

_ (1) "جامع بيان العلم وفضله" (2/96) . (2) انظر: "مختصر الصواعق" (485، 489، 495) . وانظر مراجع الفقرة (د) التالية المذكورة في أولها. (3) انظر: "مختصر الصواعق" (444 – 446) . (4) "مختصر الصواعق" (502) .

- التفريق بين أحاديث الأحكام والعقائد بدعة

والتفريق بين أحاديث الأحكام والعقائد أمر حادث فهو بدعة في دين الله؛ لأن هذا الفرق لا يعرف عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من التابعين ولا عن تابعيهم، ولا عن أحد من أئمة الإسلام، وإنما يعرف عن رؤوس أهل البدع ومن تبعهم (1) . د- خبر الواحد حجة في جميع الأحكام ومختلف الأبواب والمسائل: لا فرق في ذلك بين ما عمت به البلوى وما لم تعم البلوى به، وبين ما يسقط بالشبهات وما لا يسقط بها، وبين ما زاد على القرآن وما كان مبينًا له أو موافقًا، وبين ما يقال: إنه مخالف للقياس أو موافق له، فالمقصود أن أهل السنة يأخذون بالحديث إذا صح ولم يوجد حديث صحيح ناسخ له. والدليل على ذلك: عموم الأدلة الدالة على وجوب الأخذ بخبر الواحد؛ فإنها لم تقيد ذلك بمسألة أو بشرط، بل إن الثابت عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المهتدين العملُ بأحاديث الآحاد الصحيحة وقبولها دون شرط أو تفريق بين مسألة وأخرى (2) . نعم قد ترك بعض السلف الأخذ ببعض الأحاديث، إلا أن هذا ليس اتفاقًا منهم جميعًا على ذلك، بل الذين قبلوه أضعاف أضعاف الذين ردوه. والراجح قطعًا قول الأكثرين دون قول الآخرين، فإن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صح لا يرد بشيء أبدًا؛ إلا بحديث مثله ناسخ له، ولا يجوز رده بغير ذلك البته (3) . قال الإمام الشافعي: "إذا وجدتم سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتبعوها، ولا تلتفتوا إلى أحد" (4) . وقال الإمام أحمد: "من رد حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو على شفا هلكة" (5) .

_ (1) انظر: "مختصر الصواعق" (503) . (2) انظر: "الرسالة" (219) ، و"جامع بيان العلم وفضله" (2/148، 190، 191) ، و"مجموع الفتاوى" (13/28، 29) ، و"مختصر الصواعق" (502 – 509) . (3) انظر: "مختصر الصواعق" (506) . (4) انظر المصدر السابق (449) . (5) انظر المصدر السابق (508) .

- ما نقل عن الإمام أبي حنيفة في رد خبر الواحد فيما عمت به البلوى لا يصح عنه

وأما الاستشهاد ببعض ما يُنقل عن بعض الأئمة: أنهم تركوا الأخذ بالحديث في بعض المسائل؛ فهذا لا يستقيم؛ لأن ما نُقل عن بعض الأئمة لا يطرد؛ إذ من ترك من الأئمة الأخذ بالحديث في مسألةٍ ما فذلك لسببٍ ما، لذا فقد عمل هؤلاء الأئمة أنفسهم بالحديث وأخذوا به في مسائل أخرى مماثلة. فالإمام أبو حنيفة مثلاً حُكي عنه رد خبر الواحد فيما عمت به البلوى (1) ، والواقع أن أبا حنيفة ربما ترك الأخذ بحديثٍ ما لأسباب: منها عدم وصوله إليه، أو عدم ثبوته لديه، أو لوجود معارض له أقوى منه في نظره، ونجد أن أبا حنيفة يعمل بخبر الواحد في مسائل كثيرة مما عمت به البلوى (2) . فنسبةُ هذا القول لأبي حنيفة لا تصح بل هو كذب عليه وعلى صاحبيه، إذ لم يقل ذلك أحد منهم ألبتة، وإنما هو قول متأخريهم (3) . وعلى كل فإن الاحتجاج لرد خبر الواحد بما نُقل عن بعض الأئمة – فيما لو ثبت ذلك عن بعضهم – لا يقاوم الأدلة القاطعة الموجبة للأخذ المطلق والعمل التام بخبر الواحد في جميع المسائل دون تفريق أو تخصيص. ثم يقال: إن التفريق قول البعض، والأكثرون على خلاف ذلك، إذ عامة أهل العلم لا يفرقون بين مسألة وأخرى (4) . هـ- تقسيم السنة النبوية إلى قسمين: متواتر وآحاد، له اعتباران: بالاعتبار الأول يكون هذا التقسيم صحيحًا مقبولاً لا غبار عليه، وبالاعتبار الثاني يكون هذا التقسيم باطلاً مردودًا. أما الاعتبار الصحيح: فهو بالنظر إلى عدد الرواة، فالحديث الذي رواه عدد كبير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن مثلهم، فهو متواتر، وما لم يكن بهذه الصفة فهو آحاد. فهذا التقسيم بهذا الاعتبار يرجع إلى الاصطلاح، فما استوفى شروط التواتر

_ (1) انظر: "كشف الأسرار" للبخاري (3/16) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/327) . (3) انظر: "مختصر الصواعق" (504) . (4) انظر المصدر السابق (506) ، وانظر المراجع المذكورة في بداية هذه الفقرة.

- حكم الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة

فهو متواتر وإلا فآحاد (1) . أما الاعتبار الباطل: فهو بالنظر إلى الاحتجاج والعمل، فيقال: يقبل المتواتر دون الآحاد، في بعض المسائل والأبواب، وذلك كتجويز النسخ بالمتواتر دون الآحاد (2) ، وكرد الآحاد دون المتواتر فيما عمت به البلوى وغير ذلك، فهذا التفريق باطل؛ إذ المتواتر والآحاد من السنة الواجب اتباعها، والأدلة الدالة على حجية السنة لم تفرق بين المتواتر والآحاد. فقول الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] عام في كل ما ثَبَتَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجاء به سواء كان من المتواتر أو الآحاد، وكذا الآيات الآمرة بطاعته - صلى الله عليه وسلم -. وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فعليكم بسنتي» (3) عام في كل ما صح نسبته إليه - صلى الله عليه وسلم - وصار من سنته، لا فرق في ذلك بين المتواتر والآحاد. وقد أجمعت الأمة على وجوب العمل بالحديث الصحيح دون تفريق بين المتواتر والآحاد، ثم إن التفريق بين المتواتر والآحاد في العمل والحجية أمر حادث لا أصل له في الكتاب، ولا في السنة، ولم يكن معروفًا لدى سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين. كما أن هذا التفريق يترتب عليه رد الكم الهائل من الأحاديث النبوية وتعطيلُ العمل بها دون دليل شرعي معتبر (4) . و حديث الآحاد الذي يجب العمل به إنما هو الذي توفرت فيه الشروط المذكورة في الفقرة الآتية: أما الأحاديث الضعيفة فإنه لا يجوز الاحتجاج بها ولا إثبات شيء من الأحكام الشرعية بها (5) .

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/95) . (2) انظر (ص249) من هذا الكتاب. (3) تقدم تخريجه انظر (ص121) من هذا الكتاب. (4) انظر (ص143، 144) من هذا الكتاب. (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (1/250، 18/65 – 68) .

- شروط قبول خبر الواحد

الأمر الثالث: شروط قبول خبر الواحد: يشترط في حديث الآحاد للاحتجاج به أن تتوفر فيه تسعة شروط (1) تتعلق بأمور ثلاثة: * الأول: الراوي، ويشترط فيه أربعة شروط. الإسلام، والتكليف، والعدالة، والضبط ولا يشترط غير ذلك. فلا يشترط في الراوي أن يكون فقيهًا (2) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه» (3) . * الثاني: السند، ويشترط فيه ثلاثة شروط: الاتصال وعدم الانقطاع، وعدم الشذوذ، وعدم العلة. ? الثالث: المتن، ويشترط فيه شرطان: عدم الشذوذ، وعدم العلة. الأمر الرابع: هل يفيد خبر الواحد العلم أو الظن؟ والمراد بهذا السؤال معرفة مدى مطابقة خبر الواحد للواقع، فهل يُقطع ويجزم بصدقه، أو أن صدق خبر الواحد أمر ظني فيحتمل الخطأ أو الكذب ولو بنسبة قليلة؟ أما حجية خبر الواحد فقد تقدم أنها أمر قاطع وثابت، وذلك معلوم بأدلة قاطعة (4) . ولعل الإجابة على السؤال المقصود تتضح في ثلاثة فروع: الفرع الأول: أقوال الناس في هذه المسألة.

_ (1) انظر: "اختصار علوم الحديث" (17) . (2) انظر: "الرسالة" (403) ، و"روضة الناظر" (1/292، 293) ، وانظر فيما يتعلق بالرد على من قال: إن أبا هريرة - رضي الله عنه - لم يكن فقيهًا: "مجموع الفتاوى" (4/532 – 539) . (3) أخرجه بهذا اللفظ الترمذي في سننه (5/33، 34) برقم (2656) ، وهذا الحديث قطعة من حديث: «نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها» وقد تقدم تخريجه قريبًا انظر (ص 143) من هذا الكتاب. (4) انظر (ص 141- 143) من هذا الكتاب.

- أقوال الناس في إفادة خبر الواحد العلم أو الظن

الفرع الثاني: مذهب أهل السنة في هذه المسألة. الفرع الثالث: الفرق بين مذهب أهل السنة ومذهب من وافقهم من أهل الكلام. * الفرع الأول: الناس في إفادة خبر الواحد العلم أو الظن طرفان (1) : طرف من أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث وأهله، لا يميز بين الصحيح والضعيف، فيشك في صحة أحاديث أو في القطع بها مع كونها معلومة مقطوعًا بها عند أهل العلم بالحديث. والطرف الثاني ممن يدعي اتباع الحديث والعمل به، فيجعل كل حديث وكل لفظ روي بإسناد ظاهره الصحة مقطوعًا به من جنس ما جزم أهل العلم بصحته، فيؤدي به ذلك إلى معارضة الحديث الصحيح والتماس التأويلات المتكلفة للجمع بينها أو أن يستدل به في مسائل علمية، مع أن أهل الحديث يعرفون غلط هذا الصنيع. والصواب في هذه المسألة التفصيل، وترك الإجمال. فيقال: إن خبر الواحد قد يفيد العلم وذلك إذا احتفت به القرائن، وقد يفيد الظن وذلك إذا تجرد عن القرائن، وهذا ما ذهب إليه الإمام الشافعي، والخطيب البغدادي، وابن قدامة، وابن تيمية، وابن القيم، والأمين الشنقيطي (2) . * الفرع الثاني: مذهب أهل السنة في هذه المسألة يمكن بيانه في أربع قواعد: القاعدة الأولى: أن خبر الواحد إذا احتفت به القرائن أفاد العلم القاطع (3) ،

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/353) . (2) انظر: "الرسالة" (461، 599) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/96) ، و"روضة الناظر" (1/260 – 263) ، و"مجموع الفتاوى" (13/351، 18/41) ، و"مختصر الصواعق" (456، 459) ، و"رحلة الحج" للشنقيطي (97 – 99) ، و"مذكرة الشنقيطي" (104) . (3) المقصود أن خبر الواحد يمكن أن يفيد العلم ويحصل به اليقين، وذلك فيما إذا احتفت به القرائن، وبذلك يحترز مما ذهب إليه بعض المتكلمين القائلون بأن أخبار الآحاد – بل جميع نصوص الكتاب والسنة – أدلة لفظية لا تفيد اليقين بحال من الأحوال انظر (ص83- 85) من هذا الكتاب.

وهذا ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة وجمهور الأمة (1) . قال ابن تيمية: "ولهذا كان جمهور أهل العلم من جميع الطوائف على أن خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقًا له أو عملاً به أنه يوجب العلم. وهذا هو الذي ذكره المصنفون في أصول الفقه من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، إلا فرقة قليلة من المتأخرين اتبعوا في ذلك طائفة من أهل الكلام أنكروا ذلك؛ ولكن كثيرًا من أهل الكلام أو أكثرهم يوافقون الفقهاء وأهل الحديث والسلف على ذلك" (2) . القاعدة الثانية: أن خبر الواحد إذا تجرد عن القرائن (3) ولم يتصل به ما يدل على إفادته العلم، لا يحصل به اليقين ولا يفيد العلم باتفاق، وهذا أمر لا نزاع فيه (4) ، إذ أن الخبر قد تحتف به قرائن تدل على كذبه، وقد تحتف به تارة أخرى قرائن تدل على صدقه، وقد يتجرد تارة ثالثة عن جميع القرائن فيبقى محتملاً للصدق وللكذب. قال ابن القيم: "خبر الواحد بحسب الدليل الدال عليه، فتارة يجزم بكذبه لقيام دليل كذبه، وتارة يظن كذبه إذا كان دليل كذبه ظنيًا، وتارة يتوقف فيه فلا يترجح صدقه ولا كذبه إذا لم يقم دليل أحدهما، وتارة يترجح صدقه ولا يجزم به، وتارة يجزم بصدقه جزمًا لا يبقى معه شك، فليس خبر كل واحد يفيد العلم ولا الظن" (5) . فتبين بذلك أن الحديث المقبول إما أن يترجح صدقه، وهذا معنى كونه

_ (1) انظر: "الرسالة" (461، 599) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/96) ، و"مجموع الفتاوى" (18/41) ، و"مختصر الصواعق" (466) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/348 – 352) ، و"مذكرة الشنقيطي" (103) . (2) "مجموع الفتاوى" (13/351) ، وانظر (18/41) من المصدر نفسه. (3) المراد بتجرد الخبر عن القرائن في هذا المقام: تجرده عن القرائن المفيدة للعلم لا عن مطلق القرائن انظر (152) تعليق رقم (2) من هذا الكتاب. (4) انظر: "المسودة" (244) ، و"الجواب الصحيح" (4/293) . (5) "مختصر الصواعق" (455، 456) .

مفيدًا للظن، وإما أن يُجزم بصدقه، وهذا معنى كونه مفيدًا للعلم. وهذا إنما يعرف بالقرائن. القاعدة الثالثة: القرائن نسبية، فما هو قرينة عند شخص قد لا يكون قرينة عند غيره، ورب قرينة أفادت القطع واليقين عند شخص، ولم تفد سوى الظن عند غيره، وهكذا ... فالقرائن تختلف بحسب حال المخبر، وحال المخبر عنه، وحال الخبر، وحال السامع الذي هو المخبر (1) . قال ابن القيم: "وأما المقام السابع: وهو أن كون الدليل من الأمور الظنية أو القطعية أمر نسبي، يختلف باختلاف المدرك المستدل، ليس هو صفة للدليل في نفسه، فهذا أمر لا ينازع فيه عاقل، فقد يكون قطعيًا عند زيد ما هو ظني عند عمرو" (2) . ومن الأمثلة على اختلاف القرائن: أن الحديث المقبول ليس على درجة واحدة، بل إنه متفاوت. فمنه الحديث الصحيح: الذي تواتر لفظه أو تواتر معناه. ومنه ما تلقاه المسلمون بالقبول: فعملوا به، فكانت الأمة مجمعة على التصديق والعمل بموجبه، والأمة لا تجتمع على ضلالة. ومنه الحديث الصحيح: الذي تلقاه بالقبول أهل العلم بالحديث، كجمهور أحاديث الصحيحين. ومنه ما قد يسمى صحيحًا: لتصحيح بعض المحدثين له، وقد يخالفهم غيرهم في تصحيحهم، فيقولون: هو ضعيف ليس بصحيح. ومنه ما قد يسمى بالحسن: وهو دون الصحيح الذي عرفت عدالة ناقليه وضبطهم (3) . قال ابن تيمية: "ومثل هذا من موارد الاجتهاد في تصحيح الحديث،

_ (1) انظر: "مختصر الصواعق" (466 – 468) . (2) "مختصر الصواعق" (501) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (18/16 – 23) ، و"مختصر الصواعق" (453 – 468) .

- أوجه الفرق بين مذهب أهل السنة ومذهب المتكلمين في القول بأن خبر الواحد يفيد الظن

كموارد الاجتهاد في الأحكام، وأما ما اتفق العلماء على صحته فهو مثل ما اتفق عليه العلماء في الأحكام" (1) . القاعدة الرابعة: لا شك أن المعتبر في هذه القرائن المختصة بأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - هو ما يذكره أهل الحديث فهم أهل الاختصاص والشأن، أما أهل الكلام وأتباعهم فإنهم غاية في قلة المعرفة بالحديث؛ فلا يحصل لهم –بسبب ذلك– العلم بأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنكار أهل الكلام لما علمه وقطع به أهل الحديث (2) أقبح من إنكار ما هو مشهور من مذاهب الأئمة الأربعة عند أتباعهم (3) . * الفرع الثالث: الفرق بين مذهب هؤلاء الأئمة وغيرهم من أئمة السلف ومذهب من ذهب من أهل الكلام إلى أن خبر الواحد يفيد الظن يمكن تلخيصه في الأمور الآتية: 1- أن أهل السنة يثبتون بخبر الواحد الصحيح صفات الرب تعالى والعقائد الأخرى دون نظر إلى قضية القطع والظن. قال ابن القيم: "المقام الخامس أن هذه الأخبار لو لم تفد اليقين فإن الظن الغالب حاصل منها ولا يمتنع إثبات الأسماء والصفات بها؛ كما لا يمتنع إثبات الأحكام الطلبية بها، فما الفرق بين باب الطلب وباب الخبر بحيث يحتج بها في أحدهما دون الآخر؟

_ (1) "مجموع الفتاوى (18/22) . (2) ذهب بعض أهل العلم إلى أن خبر الواحد الصحيح لا يكون إلا مفيدًا للعلم؛ إذ الحديث الصحيح –في نظر هؤلاء– لا يتصور تجرده عن القرائن، فإذا وجدت الصحة في الخبر وجد معها أمران متلازمان: القرائن والعلم. وبناءً على ذلك فخبر الواحد إنما يفيد العلم لأجل القرائن لا مطلقًا. ويتضح ذلك إذا عرفنا أن هذه القرائن التي ذكرها هؤلاء ملازمة لكل حديث صحيح لا تنفك عنه، مثل: أن رواة الحديث هم الصحابة الذين عُرفوا بالصدق والأمانة، وأن المروي هو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفيه من النور والجلالة والبرهان ما يشهد بصدقه. انظر: "مختصر الصواعق" (466 – 468) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (18/69، 70) ، و"مختصر الصواعق" (453 – 455) ، وانظر «المسألة الخامسة» الخبر المتواتر تقسيمه باعتبار أهله إلى قسمين من هذا الكتاب، ففي هذا الموضع نقلان مهمان عن ابن تيمية وابن القيم.

وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة" (1) . 2- أن أهل السنة يعملون بخبر الواحد في جميع المسائل دون النظر إلى قضية القطع والظن، فخبر الآحاد الثابت حجة مطلقة يجب العمل بها دون قيد أو شرط (2) . 3- أن خبر الواحد عند أهل السنة أصل مستقل بذاته، ولا يكون مخالفًا للقياس أو لشيء من الأصول، فلا يتصور عندهم تقديم القياس على خبر الواحد (3) . قال ابن تيمية: "فمن رأى شيئًا من الشريعة مخالفًا للقياس فإنما هو مخالف للقياس الذي انعقد في نفسه، ليس مخالفًا للقياس الصحيح الثابت في نفس الأمر. وحيث علمنا أن النص جاء بخلاف قياس علمنا قطعًا أنه قياس فاسد" (4) . 4- أن خبر الواحد عند أهل السنة يحصل به العلم إذا احتفت به القرائن، ولا يمنع من ذلك كونه من الأدلة السمعية؛ بل إن حصول العلم بالأدلة السمعية أكثر وأقوى من حصوله بالأدلة العقلية (5) . 5- أن أهل السنة هم أهل الحديث وهم أعلم الناس بالقرائن التي تحتف بخبر الواحد، أما أهل الكلام فهم من أبعد الناس عن الحديث وعن القرائن المحيطة به؛ لذلك ذهب بعض المتكلمين (6) إلى القول بنفي القرائن مطلقًا وعدم اعتبارها، وهم بذلك يخبرون عن حالهم وواقعهم. قال ابن القيم: "وإذا كان أهل الحديث عالمين بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال هذه الأخبار وحدث بها في الأماكن والأوقات المتعددة، وعلمهم بذلك ضروري؛ لم

_ (1) "مختصر الصواعق" (489) . (2) انظر (ص 143- 146) من هذا الكتاب. (3) انظر (ص189، 190) من هذا الكتاب. (4) "مجموع الفتاوى" (20/505) . (5) انظر (ص83- 85) من هذا الكتاب. (6) انظر: "الإحكام" للآمدي (2/32) على سبيل المثال.

يكن قول من لا عناية له بالسنة والحديث: (إن (1) هذه أخبار آحاد لا تفيد العلم) ، مقبولاً عليهم، فإنهم يدعون العلم الضروري. وخصومهم إما أن ينكروا حصوله لأنفسهم أو لأهل الحديث فإن أنكروا حصوله لأنفسهم لم يقدح ذلك في حصوله لغيرهم، وإن أنكروا حصوله لأنفسهم لم يقدح ذلك في حصوله لغيرهم، وإن أنكروا حصوله لأهل الحديث كانوا مكابرين لهم على ما يعلمونه من نفوسهم بمنزلة من يكابر غيره على ما يجده في نفسه من فرحه وألمه وخوفه وحبه" (2) . ****

_ (1) في الأصل: "وإن" ولعل المثبت هو الصواب. (2) "مختصر الصواعق" (455) .

المبحث الثالث: الإجماع

المبحث الثالث: الإجماع وفي هذا المبحث ست مسائل: المسألة الأولى: تعريف الإجماع. المسألة الثانية: أقسام الإجماع. المسألة الثالثة: حجية الإجماع. المسألة الرابعة: أهل الإجماع. المسألة الخامسة: مستند الإجماع. المسألة السادسة: الأحكام المترتبة على الإجماع.

المسألة الأولى: تعريف الإجماع

المسألة الأولى: تعريف الإجماع الإجماع لغة: يطلق على العزم، ومنه قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} [يونس: 71] . ويطلق على الاتفاق، ومنه قولهم: أجمع القوم على كذا؛ أي: اتفقوا عليه (1) . وعند الأصوليين: "اتفاق مجتهدي عصرٍ من العصور من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته على أمر ديني" (2) . وقد اشتمل هذا التعريف على خمسة قيود: الأول: أن يصدر الاتفاق عن كل العلماء المجتهدين، فلا يصح اتفاق بعض المجتهدين، وكذلك اتفاق غير المجتهدين كالعامة ومن لم تكتمل فيه شروط الاجتهاد، كما سيأتي. الثاني: المراد بالمجتهدين من كان موجودًا منهم دون من مات أو لم يولد بعد، وهذا هو المقصود بقيد "عصر من العصور" كما سيأتي الكلام على ذلك وعلى شرط انقراض العصر أيضًا (3) . الثالث: لا بد أن يكون المجمعون من المسلمين، ولا عبرة بإجماع الأمم الأخرى غير المسلمة (4) . الرابع: الإجماع إنما يكون حجة بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقع في حياته (5) . الخامس: أن تكون المسألة المجمع عليها من الأمور الدينية، ويخرج بذلك الأمور الدنيوية والعقلية وغيرها (6) .

_ (1) انظر: "المصباح المنير" (109) ، و"المعجم الوسيط" (135) ، و"مذكرة الشنقيطي" (151) . (2) انظر: "مختصر ابن اللحام" (74) . (3) انظر (ص163، 170) من هذا الكتاب (4) انظر: "المسودة" (320) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/236) . (5) انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/211) ، و"مذكرة الشنقيطي" (151) . (6) انظر: "قواعد الأصول" (73) ، و"مذكرة الشنقيطي" (151) .

المسألة الثانية: أقسام الإجماع

المسألة الثانية: أقسام الإجماع ينقسم الإجماع إلى عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة: 1- فباعتبار ذاته ينقسم الإجماع إلى إجماع قولي، وإلى إجماع سكوتي. فالإجماع القولي وهو الصريح: «أن يتفق قول الجميع على الحكم بأن يقولوا كلهم: هذا حلال، أو: حرام» ، ومثله أن يفعل الجميع الشيء، فهذا إن وجد حجة قاطعة بلا نزاع (1) . والإجماع السكوتي أو الإقراري هو: "أن يشتهر القول أو الفعل من البعض فيسكت الباقون عن إنكاره" (2) . ومثله الإجماع الاستقرائي وهو: "أن تُستقرأ أقوال العلماء في مسألة فلا يُعلم خلاف فيها" (3) . وقد اختلف العلماء في حجية الإجماع السكوتي، فبعضهم اعتبره حجة قاطعة، وبعضهم لم يعتبره حجة أصلاً، وبعضهم جعله حجة ظنية. وسبب الخلاف هو: أن السكوت محتمل للرضا وعدمه. فمن رجح جانب الرضا وجزم به قال: إنه حجة قاطعة. ومن رجح جانب المخالفة وجزم به قال: إنه لا يكون حجة. ومن رجح جانب الرضا ولم يجزم به قال: إنه حجة ظنية. لذلك فإن الإجماع السكوتي لا يمكن إطلاق الحكم عليه، بل لا بد من النظر في القرائن وأحوال الساكتين، وملابسات المقام.

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (11/170) ، و"مجموع الفتاوى" (19/ 268، 268) ، و"مذكرة الشنقيطي" (151) . (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/170) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/267) .

- انقسام الإجماع إلى إجماع عامة وإجماع خاصة

فإن غلب على الظن اتفاق الكل ورضا الجميع فهو حجة ظنية، وإن حصل القطع باتفاق الكل فهو حجة قطعية، وإن ترجحت المخالفة وعدم الرضا فلا يعتد به (1) . 2- وينقسم الإجماع باعتبار أهله إلى إجماع عامة وخاصة (2) . فإجماع العامة هو إجماع عامة المسلمين على ما عُلم من هذا الدين بالضرورة، كالإجماع على وجوب الصلاة والصوم والحج، وهذا قطعي لا يجوز فيه التنازع. وإجماع الخاصة دون العامة هو ما يُجمع عليه العلماءُ، كإجماعهم على أن الوطء مفسد للصوم، وهذا النوع من الإجماع قد يكون قطعيًا، وقد يكون غير قطعي، فلا بد من الوقوف على صفته للحكم عليه. 3- وينقسم الإجماع باعتبار عصره إلى إجماع الصحابة رضي الله عنهم، وإجماع غيرهم (3) . فإجماع الصحابة يمكن معرفته والقطع بوقوعه، ولا نزاع في حجيته عند القائلين بحجية الإجماع. وأما إجماع غير الصحابة ممن بعدهم فإن أهل العلم اختلفوا فيه من حيث إمكان وقوعه، وإمكان معرفته والعلم به، أما القول بحجيته فهو مذهب جمهور الأمة كما سيأتي (4) . 4- وباعتبار نقله إلينا ينقسم الإجماع إلى إجماع ينقله أهل التواتر، وإجماع ينقله الآحاد (5) ، وكلا القسمين يحتاج إلى نظر من جهتين: من جهة صحة النقل وثبوته، ومن جهة نوع الإجماع ومرتبته. 5- وينقسم الإجماع باعتبار قوته إلى إجماع قطعي، وإجماع ظني (6) .

_ (1) انظر"مجموع الفتاوى" (19/267، 268) . (2) انظر: "الرسالة" (358 و359) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/172) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (11/341) . (4) انظر حجية الإجماع من هذا الكتاب. (5) انظر: "روضة الناظر" (1/387) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/224) . (6) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/267 – 270) .

- انقسام الإجماع إلى قطعي وظني

فالإجماع القطعي (1) مثل إجماع الصحابة المنقول بالتواتر خاصة، والإجماع على ما عُلم من الدين بالضرورة. والإجماع الظني كالإجماع السكوتي الذي غلب على الظن فيه اتفاق الكل. وعلى كل فتقدير قطعي الإجماع وظنيه أمر نسبي، يتفاوت من شخص إلى آخر، إلا أن الأمر المقطوع به في قضية الإجماع شيئان: أولهما: أن الإجماع من حيث الجملة أصل مقطوع به وحجة قاطعة، وإن اختلف في بعض أنواعه وبعض شروطه. وثانيهما: أن بعض أنواع الإجماع لا يقبل فيها نزاع؛ بل هي إجماعات قطعية كما تقدم التمثيل لذلك آنفًا. المسألة الثالثة: حجية الإجماع اتفق أهل العلم على أن الإجماع حجة شرعية يجب اتباعها والمصير إليها (2) . والدليل على ثبوت الإجماع إنما هو دليل الشرع لا العقل (3) . فمن الأدلة على كون الإجماع حجة: ? أولاً: من الكتاب: أ- قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ

_ (1) إذا كان الإجماع قطعيًا قدم على النص إذا كانت دلالة النص ظنية، وكذلك إن كان الظن الحاصل بالإجماع أقوى من الظن الحاصل بالنص، فالواجب تقديم القطعي على الظني، والظن الأقوى على ما دونه. وتقديم الإجماع إنما هو تقديم للنص المجمع عليه على نص آخر أدنى منه دلالة. انظر: "مجموع الفتاوى" (19/268) . (2) انظر: "جماع العلم" (51، 52) ، و"روضة الناظر" (1/335) ، و"مجموع الفتاوى" (11/341) ، و"مذكرة الشنقيطي" (151) . (3) انظر: "مختصر ابن اللحام" (74) ، و"شرح الكوكب المنير (2/214) .

سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] . وجه الاستدلال بهذه الآية أن الله توعد من اتبع غير سبيل المؤمنين فدل على أنه حرام؛ فيكون اتباع سبيل المؤمنين واجبًا، إذ ليس هناك قسم ثالث بين اتباع سبيل المؤمنين واتباع غير سبيل المؤمنين (1) . ولا يصح في هذه الآية أن يكون الذم لاحقًا لمشاقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقط، أو لاتباع غير سبيل المؤمنين فقط، فإن ذلك باطل قطعًا؛ لئلا يكون ذكر الآخر لا فائدة فيه. وكذلك لا يصح أن يكون الذم لاحقًا للأمرين إذا اجتمعا فقط؛ لأن مشاقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - موجبة للوعيد قطعًا كما ثبت في غير موضع، كقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 13] . فلم يبق إلا قسمان: أحدهما: أن الذم لاحق لكل من الأمرين وإن انفرد عن الآخر. الثاني: أن الذم لاحق لكل من الأمرين لكونه مستلزمًا للآخر (2) . قال ابن تيمية: "ولحوق الذم بكل منهما وإن انفرد عن الآخر لا تدل عليه الآية؛ فإن الوعيد فيها إنما هو على المجموع. بقي القسم الآخر وهو أن كلاً من الوصفين يقتضي الوعيد لأنه مستلزم للآخر، كما يقال مثل ذلك في معصية الله والرسول، ومخالفة القرآن والإسلام. فيقال: من خالف القرآن والإسلام أو من خرج عن القرآن والإسلام فهو من أهل النار، ومثله قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بالله وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا} [النساء: 136] ، فإن الكفر بكل من هذه الأصول يستلزم الكفر بغيره؛ فمن كفر بالله كفر بالجميع، ومن كفر بالملائكة كفر بالكتب والرسل فكان كافرًا بالله؛ إذ كذب رسله وكتبه، وكذلك إذا كفر باليوم الآخر كذب الكتب والرسل فكان كافرًا....

_ (1) انظر: "أحكام القرآن" للشافعي (39) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/155، 156) ، و"روضة الناظر" (1/335، 336) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/178، 179، 192، 193) .

فهكذا مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين، ومن شاقه فقد اتبع غير سبيلهم وهذا ظاهر. ومن اتبع غير سبيلهم فقد شاقه أيضًا؛ فإنه قد جعل له مدخلاً في الوعيد، فدل على أنه وصف مؤثر في الذم، فمن خرج عن إجماعهم فقد اتبع غير سبيلهم قطعًا. والآية توجب ذم ذلك. وإذا قيل: هي إنما ذمته مع مشاقة الرسول؟ قلنا: لأنهما متلازمان، وذلك لأن كل ما أجمع عليه المسلمون فإن يكون منصوصًا عن الرسول، فالمخالف لهم مخالف للرسول، كما أن المخالف للرسول مخالف لله، ولكن هذا يقتضي أن كل ما أُجمع عليه قد بينه الرسول وهذا هو الصواب" (1) . ب- قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بالله} [آل عمران: 110] ، فقد وصف الله تعالى هذه الأمة بأنهم يأمرون بكل معروفٍ وينهون عن كل منكرٍ، فلو قالت الأمة في الدين بما هو ضلال لكانت لم تأمر بالمعروف في ذلك ولم تنه عن المنكر فيه، فثبت أن إجماع هذه الأمة حق وأنها لا تجتمع على ضلالة (2) . جـ- قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] ، والوسط: العدل الخيار، وقد جعل الله هذه الأمة شهداء على الناس، ولو كانوا يشهدون بباطل أو خطأ لم يكونوا شهداء الله في الأرض، وأقام شهادتهم مقام شهادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (3) . ? ثانيًا: من السنة: أ- قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فمن أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة» (4) .

_ (1) "مجموع الفتاوى" (19/193، 194) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/176، 177) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/217) . (3) انظر: "صحيح البخاري" (13/316) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/160) ، و"مجموع الفتاوى" (19/177، 178) . (4) تقدم تخريجه في (ص17) تعليق رقم (6) .

- أدلة حجية الإجماع تدل على أصلين عظيمين

قال الشافعي مستدلاً بهذا الحديث: "إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان فلا يقدر أحدٌ أن يلزم جماعة أبدان قوم متفرقين، وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى؛ لأنه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئًا فلم يكن للزوم جماعتهم معنى إلا ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما، ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها. وإنما تكون الغفلة في الفُرقة، فأما الجماعة فلا يمكن فيها كافة غفلة عن معنى كتابٍ ولا سنةٍ ولا قياس إن شاء الله" (1) . ب- وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أمتي لا تجتمع على ضلالة» (2) . والملاحظ أن هذه النصوص المتقدمة تدل على أصلين عظيمين: الأصل الأول: وجوب اتباع الجماعة ولزومها، وتحريم مفارقتها ومخالفتها. والأصل الثاني: عصمة هذه الأمة عن الخطأ والضلالة. وهذان الأصلان متلازمان: فإن قول الأمة مجتمعة لا يكون إلا حقًا، وكذلك فإن العصمة إنما تكون لقول الكل دون البعض. وههنا مسألتان: المسألة الأولى: أن هذه النصوص أفادت أن العصمة ثابتة للأمة دون اشتراط عدد معين، بل إن أهل الإجماع متى ثبت اتفاقهم وجب اتباع قولهم

_ (1) "الرسالة" (475، 476) . (2) أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجه في "سننه" (2/1303) برقم (3950) ، وأبو داود في "سننه" (4/98) برقم (4253) ، والترمذي في "سننه" (4/466) برقم (2167) ، وقد روى هذا الحديث جمع من الصحابة بألفاظ متعددة حتى عده بعض أهل العلم من قبيل المتواتر المعنوي، مع أن طرق هذه الأحاديث لا تخلو من نظر كما قال ذلك الحافظ العراقي، وللحديث شواهد في الصحيحين كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي ... » وقد تم تخريجه (ص18) . انظر: "المنهاج" للبيضاوي، وانظر معه: "الابتهاج" للغماري (180) وما بعدها، و"تخريج أحاديث المنهاج" للعراقي (22) ، و"تحفة الطالب" لابن كثير (145) وما بعدها، و"المعتبر" للزركشي (57) وما بعدها.

- الإجماع حجة في جميع العصور والدليل على ذلك

وثبتت العصمة لهم، وبناءً على ذلك فلا يشترط لصحة الإجماع أن يبلغ المجمعون عدد التواتر (1) ؛ لأن الدليل الشرعي لم يشترط ذلك، بل إنه علق العصمة على الإجماع والاتفاق فقط (2) . والمسألة الثانية: أن هذه النصوص تدل على أن الإجماع حجة ماضية في جميع العصور، سواء في ذلك عصر الصحابة وعصر من بعدهم (3) .

_ (1) خلافًا لما ذهب إليه بعض المتكلمين من القول باشتراط أن يبلغ المجمعون عدد التواتر أخذًا بالدليل العقلي وهو كون هذا العدد يستحيل على مثلهم الاجتماع على خطأ، وهذا لا يصح لأن الإجماع إنما ثبت بالدليل الشرعي فلا يشترط في أهل الإجماع أن يبلغوا عدد التواتر كما دل عليه الدليل الشرعي. انظر المراجع الآتية في التعليق الآتي. (2) انظر: "المسودة" (317) ، و"روضة الناظر" (1/346) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/252) . (3) نقل عن الإمام أحمد قوله المشهور: " «من ادعى الإجماع فهو كاذب» وقد حملها أهل العلم على عدة أوجه، لكونه - عليه رحمة الله - يحتج بالإجماع ويستدل به في كثير من الأحيان مع أن ظاهر هذه المقالة منع وقوع الإجماع، ومن هذه الأوجه: أنه قال ذلك من باب الورع لجواز أن يكون هناك خلاف لم يبلغه، أو أنه قال ذلك في حق من ليس له معرفة بخلاف السلف، ويدل على ذلك تتمة كلامه السابق، إذ يقول:"من ادعى الإجماع فهو كاذب لعل الناس اختلفوا، هذه دعوى بشر المريسي والأصم، ولكن يقول: "لا نعلم الناس اختلفوا" إذا هو لم يبلغه. ونقل عنه أيضًا أنه قال: "هذا كذب ما أعلمه أن الناس مجمعون؟ " ولكن يقول: "لا أعلم فيه اختلافًا" فهو أحسن من قوله: "إجماع الناس". لذلك يقول الإمام الشافعي: "وأنت قد تصنع مثل هذا فتقول: هذا أمر مجتمع عليه، قال: لست أقول ولا أحد من أهل العلم هذا مجتمع عليه إلا لما لا تلقى عالمًا أبدًا إلا قاله لك وحكاه عمن قبله؛ كالظهر أربع، وكتحريم الخمر وما أشبه هذا" "الرسالة" (534) فعلم بالنقل عن هذين الإمامين أن الواجب الاحتياط في نقل الإجماع والتثبت في ادعائه، فإن الجزم باتفاق العلماء وإجماعهم من قبيل عدم العلم وليس من قبيل العلم بالعدم، لا سيما وأن أقوال العلماء كثيرة لا يحصيها إلا رب العالمين، وعدم العلم لا حجة فيه، فلذلك كانت العبارة المختارة في نقل الإجمال أن يقال: لا نعلم نزاعًا، أما أن يقال: "الناس مجمعون" فهذا إنما يصح فيما عُلم واشتهر ضرورة الاتفاق عليه. قال ابن القيم: "وليس مراده - أي: الإمام أحمد - بهذا استبعاد وجود الإجماع، ولكن أحمد وأئمة الحديث بُلُوا بمن كان يرد عليهم السنة الصحيحة بإجماع الناس على خلافها، فبين الشافعي وأحمد أن هذه الدعوى كذب، وأنه لا يجوز رد السنن بمثلها". "مختصر الصواعق" (506) . انظر: "المسودة" (316) ، و"مجموع الفتاوى" (19/271، 20/10، 247، 248) ، و"مختصر الصواعق" (506، 507) .

ولا يصح حصر حجية الإجماع في عصر الصحابة دون غيرهم؛ لأن أدلة حجية الإجماع عامة مطلقة، ولا يجوز تخصيص هذه الأدلة أو تقييدها دون دليل شرعي معتبر، فإنه قد ثبت وجوب اتباع سبيل المؤمنين وعصمة الأمة وهذا عام في كل عصر. كما أنه لا يصح الاحتجاج لإبطال إجماع غير الصحابة بصعوبة أو تعذر وقوع الإجماع بعد عصر الصحابة لتفرق المجتهدين في الآفاق وانتشارهم في الأقطار؛ إذ غاية ذلك هو القول بعدم صحة وقوع الإجماع بعد عصر الصحابة وتعذر إمكانه. أما حجية الإجماع فأمر آخر، فلا بد إذن من التفريق بين حصول الإجماع وإمكان وقوعه وبين حجيته في كل عصر، وليس بين الأمرين تلازم. فالأمر الأول: محل نظر بين العلماء: إذ منع بعضهم وقوع إجماع بعد عصر الصحابة، ونقل البعض الآخر الإجماع في عصر الصحابة وفي عصر من بعدهم أيضًا (1) . أما الأمر الثاني وهو حجية الإجماع فلا شك أن الدليل الشرعي قاطع في ثبوت حجية الإجماع مطلقًا في كل عصر. والمقصود المحافظة على حجية الإجماع على مدى العصور عملاً بالدليل الشرعي، فتبقى الأمور القطعية قطعية كما هي، وتبقى قضية وقوع الإجماع وعدم وقوعه قضية أخرى بحاجة إلى تحقيق المناط فيها، وذلك يختلف من عصر لآخر ومن مسألة لأخرى (2) .

_ (1) وهذا واضح في كتب الفقه عمومًا والإجماعات خصوصًا "كالإجماع" لابن المنذر، و"مراتب الإجماع" لابن حزم. (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/169) ، و"روضة الناظر" (1/372) ، و"مختصر ابن اللحام" (75) .

المسألة الرابعة: أهل الإجماع

المسألة الرابعة: أهل الإجماع يشترط في أهل الإجماع ما يأتي: • الشرط الأول: أن يكونوا من العلماء المجتهدين، ويكفي في ذلك الاجتهاد الجزئي (1) ؛ لأن اشتراط الاجتهاد المطلق في أهل الإجماع قد يؤدي إلى تعذر الإجماع لكون المجتهد المطلق نادر الوجود. والمعتبر في كل مسألة من له فيها أثر من أهل العلم المجتهدين. قال ابن قدامة: "ومن يعرف من العلم ما لا أثر له في معرفة الحكم -كأهل الكلام واللغة والنحو ودقائق الحساب- فهو كالعامي لا يعتد بخلافه؛ فإن كل أحد عامي بالنسبة إلى ما لم يُحصل علمه، وإن حصَّل علمًا سواه" (2) . وبهذه القاعدة يتبين أن المعتبر في كل مسألةٍ أهلُ العلم فيها، دون غيرهم، فليس للإجماع طائفة محصورة من أهل العلم. بل يختلف ذلك باختلاف المسائل، فإن كانت المسألة في علم الحديث كان المحدثون هم أهل الإجماع، وإن كانت المسألة فقهية كان الفقهاء هم أهل الإجماع، وهكذا.... مع ملاحظة أنه قد تحتاج مسألة ما -لعلاقتها بعلوم شتى- إلى أهل هذا العلم وذاك. قال ابن القيم: "....فإن الاعتبار في الإجماع على كل أمر من الأمور الدينية بأهل العلم به دون غيرهم" (3) . وأما العامي فلا يدخل باتفاق. ومن قال بدخوله فإنما أراد أنه يدخل حكمًا إذ هو تبع للمجتهد ومقلد له (4) ، أو أنه أراد إجماع العامة الذي يدخل فيه عامة الأمة، كما تقدم (5) .

_ (1) انظر: مسألة تجزؤ الاجتهاد فيما يأتي (ص466) من هذا الكتاب. (2) "روضة الناظر" (1/350، 351) . (3) "مختصر الصواعق" (465) . (4) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/168) . (5) انظر (ص158) من هذا الكتاب.

- الكافر لا يدخل اتفاقا في أهل الإجماع

• الشرط الثاني: اتفقوا على اشتراط الإسلام، فلا يعتبر في الإجماع قول المجتهد الكافر الأصلي والمرتد بلا خلاف، وأما المكفر بارتكاب بدعة فلا يعتبر عند مكفره. وذلك لأن الكافر لا يدخل تحت لفظ "المؤمنين" و"الأمة" في قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - «إن أمتي لا تجتمع على ضلالة» (1) . أما الفاسق فإنه داخل تحت هذا العموم، ولأجل ذلك اختلف العلماء في العدالة: هل تشترط في أهل الإجماع أوْ لا تشترط؟ فذهب البعض إلى عدم الاشتراط وأن الفاسق داخل في أهل الإجماع لكونه داخلاً في عموم (المؤمنين) وعموم (الأمة) . وذهب آخرون إلى اشتراط العدالة وأن الفاسق لا يدخل في أهل الإجماع. وقيل: إن ذكر الفاسقُ مستندًا صالحًا اعتُد بقوله في الإجماع وإلا فلا (2) . والمسألة على كل حالٍ محل اجتهاد ونظر، والظاهر أن الفاسق يدخل في أهل الإجماع لكونه من أهل الاجتهاد وليس هناك دليل يدل على إخراجه عن طائفة المجتهدين، فضلاً عن إخراجه عن لفظ "المؤمنين" ولفظ "الأمة" (3) . • الشرط الثالث: يشترط في صحة الإجماع أن يكون قول جميع المجتهدين، ولا يعتد بقول الأكثر؛ فإذا خالف واحد أو اثنان من المجتهدين فإن قول الباقين لا يعتبر إجماعًا (4) . والدليل على ذلك أن لفظ "المؤمنين" ولفظ "الأمة" عامان في الجميع (5) ،

_ (1) تقدم تخريجه انظر (ص162) . (2) انظر: "مختصر ابن اللحام" (75) ، و"روضة الناظر" (1/353 – 355) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/227 – 229) . (3) انظر (ص474) من هذا الكتاب فيما يتعلق باشتراط العدالة في الاجتهاد. (4) ذهب الإمام محمد بن جرير الطبري إمام المفسرين وغيره إلى انعقاد الإجماع بقول الأكثر مع مخالفة الأقل. انظر "الإحكام" للآمدي (1/235) . (5) انظر: "قواعد الأصول" (74) ، و"مختصر ابن اللحام" (75، 76) ، و"روضة الناظر" (1/358) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/229) .

- إجماع أهل المدينة على أربع مراتب

وبناءً على ذلك فإن إجماع أهل المدينة وحدهم لا يكون حجة لأنهم بعض الأمة لا كلها (1) . وقد حقق ابن تيمية القول في إجماع أهل المدينة فقال ما ملخصه: "والتحقيق في مسألة إجماع أهل المدينة: أن منه ما هو متفق عليه بين المسلمين، ومنه ما هو قول جمهور أئمة المسلمين. ومنه ما لا يقول به إلا بعضهم، وذلك أن إجماع أهل المدينة على أربع مراتب: المرتبة الأولى: ما يجري مجرى النقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل نقلهم لمقدار الصاع والمد، وهذا حجة باتفاق. المرتبة الثانية: العمل القديم بالمدينة قبل مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه (2) فهذا حجة عند جمهور العلماء؛ فإن الجمهور على أن سنة الخلفاء الراشدين حجة، وما يعلم لأهل المدينة عمل قديم على عهد الخلفاء الراشدين مخالف لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. المرتبة الثالثة: إذا تعارض في المسألة دليلان كحديثين أو قياسين، وجهل أيهما أرجح، وأحدهما يَعمل به أهل المدينة، ففي هذا نزاع: فمذهب مالك والشافعي أنه يرجح بعمل أهل المدينة. ومذهب أبي حنيفة أنه لا يرجح به. ولأصحاب أحمد وجهان، ومن كلامه أنه قال: إذا رأى أهل المدينة حديثًا وعملوا به فهو الغاية.

_ (1) انظر: "الرسالة" (533) ، و"روضة الناظر" (1/363) ، و"إعلام الموقعين" (2/380، 3/83) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/237) . (2) هو: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، أمير المؤمنين الخليفة الثالث ذو النورين، زوج ابنتي النبي - صلى الله عليه وسلم - رقية ثم أم كلثوم، أحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين في الإسلام، عرف بالحياء والسخاء، قتل شهيدًا في داره سنة (35هـ) . انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (1/321) ، و"الإصابة في معرفة الصحابة" (2/455) .

- يشترط في اعتبار إجماع أهل المدينة عند الإمام مالك شرطان

المرتبة الرابعة: العمل المتأخر بالمدينة، فهذا هل هو حجة شرعية يجب اتباعه أو لا؟ فالذي عليه أئمة الناس أنه ليس بحجة شرعية، هذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم. وهو قول المحققين من أصحاب مالك، وربما جعله حجة بعض أهل المغرب من أصحابه وليس معه للأئمة نص ولا دليل، بل هم أهل تقليد. ولم أرَ في كلام مالك ما يوجب جعل هذا حجة، وهو في الموطأ إنما يذكر الأصل المجمع عليه عندهم. فهو يحكي مذهبهم، وتارة يقول: الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا.... وإذا تبين أن إجماع أهل المدينة تفاوت فيه مذاهب جمهور الأئمة عُلم بذلك أن قولهم أصح أقوال أهل الأمصار رواية ودراية. وأنه تارة يكون حجة قاطعة. وتارة حجة قوية. وتارة مرجحًا للدليل، إذ ليست هذه الخاصية لشيء من أمصار المسلمين (1) . وقال الشيخ الأمين الشنقيطي: " ... لأن الصحيح عنه [أي مالك] أن إجماع أهل المدينة المعتبر له شرطان: أحدهما: أن يكون فيما لا مجال للرأي فيه. الثاني: أن يكون من الصحابة أو التابعين، لا غير ذلك؛ لأن قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه في حكم المرفوع فألحق بهم مالك التابعين من أهل المدينة فيما لا اجتهاد فيه (2) لتعلمهم ذلك عن الصحابة. أما في مسائل الاجتهاد، فأهل المدينة عند مالك -فالصحيح عنه- كغيرهم من الأمة، وحكي عنه الإطلاق.

_ (1) "مجموع الفتاوى" (20/303 – 311) . (2) في الأصل: "فيما فيه اجتهاد" وهو خطأ مطبعي كما يظهر.

- اتفاق الخلفاء الراشدين وحدهم لا يكون إجماعا

وعلى القول بالإطلاق يتوجه عليه اعتراض المؤلف [يعني ابن قدامة في روضة الناظر] بأنهم بعض من الأمة كغيرهم" (1) . وكذلك فإن قول الخلفاء الراشدين واتفاقهم وحدهم لا يكون إجماعًا لأنهم بعض الأمة، والإجماع إنما هو قول جميع الأمة، لما تقدم من عموم لفظ "المؤمنين" و"الأمة" (2) . فلا بد إذن من دخول جميع المجتهدين؛ سواء كان هذا المجتهد مشهورًا أو خاملاً، وسواء كان من أهل عصر المجمعين أو كان من أهل العصر الذي يليهم لكنه لحق بهم وصار من أهل الاجتهاد ساعة انعقاد الإجماع. وذلك كالتابعي إذا أدرك الصحابة وقت الحادثة المجمع عليها وهو من أهل الاجتهاد (3) . (الشرط الرابع: يشترط في أهل الإجماع أن يكونوا أحياء موجودين، أما الأموات فلا يعتبر قولهم، وكذلك الذين لم يوجدوا بعد، أو وجُدوا ولم يبلغوا درجة الاجتهاد حال انعقاد الإجماع. فالقاعدة: أن الماضي لا يعتبر والمستقبل لا ينتظر. فالمعتبر في كل إجماع أهل عصره من المجتهدين الأحياء الموجودين، ويدخل في ذلك الحاضر منهم والغائب. لأن الإجماع قول مجتهدي الأمة في عصر من العصور، أما اعتبار جميع مجتهدي الأمة في جميع العصور فغير ممكن؛ لأن ذلك يؤدي إلى عدم الانتفاع بالإجماع أبدًا (4) . ويتصل بهذا الشرط مسألة انقراض العصر. فهل من شرط صحة الإجماع أن ينقرض عصر المجمعين بموتهم، أو بمرور

_ (1) "مذكرة الشنقيطي" (154) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/365) ، و"قواعد الأصول" (75) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/231 – 236) . (3) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/170) ، و"روضة الناظر" (1/355) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/231 – 236) . (4) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/156) ، و"روضة الناظر" (1/374، 375) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/231 – 236) .

زمن طويل على إجماعهم (1) ؟ ذهب الجمهور إلى أن انقراض العصر ليس شرطًا في صحة الإجماع بل المعتبر في إجماع مجتهدي العصر الواحد اتفاقهم ولو في لحظة واحدة. فلا يشترط أن يمضي على اتفاقهم زمن أو أن ينقرض عصر المجمعين، بل متى ما اتفقت كلمتهم واستقرت آراؤهم وعلم ذلك منهم حصل بذلك الإجماع وانعقد. أما اشتراط انقراض العصر فإنه يؤدي إلى تعذر وقوع الإجماع لتلاحق المجتهدين فيدخل مجتهد جديد وهكذا ... ثم إن الأدلة الدالة على حجية الإجماع عامة مطلقة، لم تتعرض لذكر هذا الشرط. وقد ذهب بعض العلماء إلى القول باشتراط انقراض العصر، ولعل هؤلاء أرادوا بهذا الاشتراط زيادة التثبت في نسبة قول المجمعين إليهم، وشدة التأكد من استقرار أهل المذاهب على مذاهبهم. وعلى كل حالٍ فلا بد في هذه المسألة من تحرير قضية مهمة: ألا وهي التثبت في نقل الاتفاق والتأكد من حصول الإجماع، وذلك بمعرفة أقوال المجمعين والاطلاع على أحوالهم للعلم باستقرارهم على مذاهبهم. فإذا حصل التأكد من وقوع الاتفاق والعلمُ بموافقة جميع المجتهدين، ولو في لحظة واحدة، فلا يلتفت بعد حصول الإجماع إلى مخالفة مخالف من أهل الإجماع أو من غيرهم. أما في حالة نقل الاتفاق دون التأكد من موافقة جميع المجتهدين أو من غير علم باستقرار مذاهبهم – انقرض العصر أو لم ينقرض – فالإجماع المنقول – والحالة كذلك – لا يكون صحيحًا، ويمكن أن يقال في مثل هذه الحالة: يشترط في صحة الإجماع استقرار المذاهب. وهذا قد يحصل في لحظة واحدة، وقد يحتاج إلى أزمنة مديدة، وقد لا يحصل أصلاً.

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/366) ، و"المسودة" (321 – 323) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/246) .

- لا إجماع إلا بدليل

المسألة الخامسة: مستند الإجماع والكلام على هذه المسألة في نقاط ثلاث: أ- اتفق جمهور الأمة على أن هذه الأمة لا تجتمع إلا بدليل شرعي، ولا يمكن أن يكون إجماعها عن هوى، أو قولاً على الله بغير علم، أو دون دليل. ذلك لأن الأمة معصومة عن الخطأ، إذ القول على الله بدون دليل خطأ (1) . ب- الأكثر على جواز أن يستند المجمعون في إجماعهم إلى الكتاب والسنة (2) ، بل إن هذا هو الصواب كما قرر ذلك ابن تيمية بقوله: "ولا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص" (3) ، فلا يجوز عنده أن يوجد إجماع لا يستند إلى نص. وقد بنى ابن تيمية هذا الحكم على مقدمات عامة وقواعد كلية (4) : أولاها: أن الرسول قد بين أتم البيان فما من مسألة إلا وللرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها بيان. ثانيها: شمول النصوص الشرعية وعموم دلالتها على المسائل والوقائع، فإنه ما من مسألة إلا ويمكن الاستدلال عليها بنص خفي أو جلي. ثالثها: أن بعض العلماء قد يخفي عليه النص فيستدل بالاجتهاد والقياس، وبعضهم يعلم النص فيستدل به.

_ (1) انظر: "جماع العلم" (53) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/169) ، و"مجموع الفتاوى" (19/178) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/259) . (2) انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/259) . (3) "مجموع الفتاوى" (19/195) . (4) انظر المصدر السابق (19/194 - 202) .

- الخلاف في مسألة استناد الإجماع إلى الاجتهاد والقياس يمكن إرجاعه إلى اللفظ

رابعها: ثبت باستقراء موارد الإجماع أن جميع الإجماعات منصوصة. جـ- اختلف العلماء في جواز استناد الإجماع إلى الاجتهاد أو القياس، فمنعه البعض وأجازه البعض (1) . وبناءً على ما قرره ابن تيمية فإن هذا الخلاف يمكن إرجاعه إلى اللفظ؛ إذ كل مستدل يتكلم بحسب ما عنده من العلم، فمن رأى دلالة النص ذكرها ومن رأى دلالة القياس ذكرها، والأدلة الصحيحة لا تتناقض، إلا أنه قد يخفي وجه اتفاقها أو ضعف أحدها على البعض، ومن ادعى أن من المسائل ما لا يمكن الاستدلال عليها إلا بالرأي والقياس فقد غلط، وهو على كل حال مخبر عن نفسه (2) . وقد استدل من قال بالجواز بوقوع ذلك وذكر أمثلة على استناد الإجماع إلى الاجتهاد (3) ، إلا أن جميع هذه المسائل يمكن إرجاعها إلى دلالة النصوص العامة فتكون من قبيل المنصوص عليه، وهذا مما يعزز القول بأن الخلاف لفظي إذ الجميع متفق على ضرورة استناد الإجماع إلى دليل، وهذا الدليل - في مسألة ما - قد يعتبره البعض اجتهادًا، ولكن البعض يعتبره نصًا (4) . المسألة السادسة: الأحكام المترتبة على الإجماع إذا ثبت الإجماع فإن هناك أحكامًا تترتب عليه: أولاً: وجوب اتباعه وحرمة مخالفته. وهذا معنى كونه حجة. قال ابن تيمية: "وإذا ثبت إجماع الأمة على حكم من الأحكام لم يكن

_ (1) انظر: "مختصر ابن اللحام" (78) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/261) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/199، 200) . (3) انظر المصدر السابق (19/195) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/261، 262) . (4) كإجماع الصحابة رضي الله عنهم على خلافة أبي بكر رضي الله عنه، فبعضهم يرى أن مستند هذا الإجماع النص الجلي، وبعضهم يرى أن مستند ذلك القياس. انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" (473) وما بعدها.

- لا يمكن أن يقع إجماع على خلاف نص أبدا ولا على خلاف إجماع سابق

لأحد أن يخرج عن إجماعهم" (1) . ويترتب على هذا الحكم ما يأتي: أ- لا يجوز لأهل الإجماع أنفسهم مخالفة ما أجمعوا عليه (2) . ب- ولا تجوز المخالفة لمن يأتي بعدهم (3) . ثانيًا: أن هذا الإجماع حق وصواب، ولا يكون خطأ (4) . ويترتب على هذا الحكم ما يأتي: أ- لا يمكن أن يقع إجماع على خلاف نص أبدًا (5) . فمن ادعى وقوع ذلك فلا يخلو الحال من أمرين: الأول: عدم صحة وقوع هذا الإجماع؛ لأن الأمة لا تجتمع على خطأ، ومخالفة النص خطأ. والثاني: أن هذا النص منسوخ، فأجمعت الأمة على خلافه استنادًا إلى النص الناسخ. قال ابن القيم: "ومحال أن تجمع الأمة على خلاف نص إلا أن يكون له نص آخر ينسخه" (6) . ب- ولا يمكن أيضًا أن يقع إجماع على خلاف إجماع سابق، فمن ادعى ذلك فلا بد أن يكون أحد الإجماعين باطلاً، لاستلزام ذلك تعارض دليلين قطعيين (7) وهو ممتنع (8) . جـ- ولا يجوز ارتداد أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - كافة، لأن الردة أعظم الخطأ، وقد ثبت بالأدلة السمعية القاطعة امتناع إجماع هذه الأمة على الخطأ والضلالة (9) .

_ (1) "مجموع الفتاوى" (20/10) . (2) انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/249) . (3) انظر: "الرسالة" (472) . (4) انظر المصدر السابق، "الفقيه والمتفقه" (1/154) ، و"مجموع الفتاوى" (19/192) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/201، 257، 267) . (6) "إعلام الموقعين" (1/367) وانظر (ص248) من هذا الكتاب. (7) فيما إذا كان الإجماعان المتعارضان قطعيين. (8) انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/258) . (9) انظر المصدر السابق (2/282) .

- إذا اختلف الصحابة على قولين فهل يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث؟

د- ولا يمكن للأمة أيضًا تضييع نص تحتاج إليه، بل الأمة معصومة عن ذلك، لكن قد يجهل بعض الأمة بعض النصوص، ويستحيل أن يجهل ذلك كل الأمة (1) . قال الشافعي: "لا نعلم رجلاً جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء، فإذا جُمع علم أهل العلم بها أتى على السنن، وإذا فرق علم كل واحد منهم ذهب عليه الشيء منها، ثم كان ما ذهب عليه منها موجودًا عند غيره" (2) . وقال أيضًا: ".....ونعلم أنهم إذا كانت سنن رسول الله لا تعزب عن عامتهم وقد تعزب عن بعضهم" (3) . وتتعلق بهذا الحكم مسألتان في باب الإجماع (4) : (المسألة الأولى: إذا اختلف الصحابة على قولين فلا يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث يخرج عن قولهم (5) . لأن في ذلك نسبة الأمة إلى ضياع الحق والغفلة عنه، وهو باطل قطعًا كما تقدم آنفًا، وفيه أيضًا القول بخلو العصر عن قائم لله بحجته، وأنه لم يبق من أهل ذلك العصر على الحق أحد، وهذا باطل كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى (6) . أما إحداث تفصيل لا يرفع ما اتفق عليه القولان فليس هذا من قبيل مسألتنا إذ لا يعد هذا التفصيل قولاً جديدًا (7) .

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/201) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/285) . (2) "الرسالة" (42، 43) . (3) المصدر السابق (472) . (4) القدر الجامع بين هاتين المسألتين هو: أن اختلاف الصحابة أو أهل عصر من العصور على قولين هل يعد إجماعًا على هذين القولين أو لا يعد كذلك؟ وقد بني على اعتباره إجماعًا مسألتان. أ- أنه لا يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث. ب- أنه لا يجوز لمن بعدهم الإجماع على أحد القولين. (5) انظر: "الرسالة" (596) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/173) ، و"روضة الناظر" (1/378) . (6) انظر (484) من هذا الكتاب. (7) مثال القول الثالث الذي يرفع ما اتفق عليه القولان، أن يقول البعض: إن الجد أب يحجب الأخ، وأن يقول البعض الآخر: إن الجد والأخ يرثان؛ فكان هذان القولان إجماعًا على أن للجد نصيبًا، فالقول بأن الأخ يحجب الجد خرق لهذا الإجماع. ومثال القول الثالث الذي لا يرفع ما اتفق عليه القولان، أن يقول البعض في متروك التسمية: يؤكل مطلقًا ويمنعه البعض الآخر مطلقًا، فالقول بأنه يؤكل في ترك التسمية نسيانًا لا عمدًا تفصيل لأنه وافق كلاً من القولين في شيء، ولم يخالفهما جميعًا، فهو في حالة النسيان وافق المجوزين، وفي حالة العمد وافق المانعين. انظر: "مذكرة الشنقيطي" (156، 157) .

- هل يجوز إحداث دليل لم يستدل به السابقون؟

وإذا كان لا يجوز إحداث قول ثالث فيما إذا اختلفت الأمة على قولين، فألا يجوز إحداث تأويل ثالث في معنى آية أو حديث فيما إذا اختلفت الأمة في تأويلها أو تأويله على قولين أولى. إذ تجويز ذلك معناه أن الأمة كانت مجتمعة على الضلال في تفسير القرآن والحديث، وأن الله قد أنزل الآية وأراد بها معنى لم يفهمه الصحابة والتابعون، لأن كلا القولين خطأ والصواب هو القول الثالث الذي لم يقولوه، اللهم إلا إن كان المراد من إحداث تأويل ثالث إيراد معنى تحتمله الآية أو الحديث من غير حكم بأنه المراد، فهذا جائز؛ إذ ليس فيه نسبة الأمة إلى تضييع الحق والغفلة عن الصواب والإجماع على الضلالة والخطأ. فالمحذور هو أن تكون الأمة قد قالت: إن هذه الآية أو الحديث لا يراد بها أو به إلا هذا المعنى أو هذا المعنى، فيكون القول الثالث تجويزًا لخفاء مراد الله عن كافة الأمة وهذا ممتنع قطعًا (1) . أما إحداث دليل لم يستدل به السابقون فإن هذا جائز لأن الاطلاع على جميع الأدلة ليس شرطًا في معرفة الحق، إذ يمكن معرفة الحق بدليل واحد وليس في إحداث دليل جديد نسبة الأمة إلى تضييع الحق بخلاف مسألة إحداث قول ثالث (2) . (المسألة الثانية: إذا اختلف الصحابة (3) في مسألة على قولين، لم يجز

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/59، 60) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/378، 379) . (3) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/173) ، و"روضة الناظر" (1/376) ، و"مجموع الفتاوى" (13/26) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/272) .

للتابعين الإجماع على أحدهما؛ لأن في انعقاد هذا الإجماع نسبة الأمة إلى تضييع الحق والغفلة عن الدليل الذي أوجب الإجماع. ولأن نزاع الصحابة واختلافهم لا يمكن أن يكون على خلاف الإجماع، فلا يصح انعقاد إجماع يخالفه بعض الصحابة، لأن المسائل على نوعين: نوع للصحابة فيه قول أو أقوال، فيجب في مثل هذا النوع اتباع ما عليه الصحابة من إجماع واختلاف، ولذلك بوب الخطيب البغدادي بقوله: «باب القول في أنه يجب اتباع ما سنه أئمة السلف من الإجماع والخلاف، وأنه لا يجوز الخروج عنه» (1) . والنوع الآخر من المسائل هو المسائل الحادثة بعد الصحابة، والتي لم ينقل فيها للصحابة كلام، ففي مثل هذا النوع يجوز لمن بعدهم الإجماع، ويجوز لهم الاختلاف في إطار الدليل الشرعي. ولأجل ذلك كان الموقف الصحيح من اختلاف الصحابة هو التخير من أقوالهم بالدليل، واعتبار هذه المسألة التي اختلف فيها الصحابة من مسائل الاجتهاد التي ترد إلى الدليل. قال ابن تيمية: "فإنهم [يعني السلف] أفضل ممن بعدهم، ومعرفة إجماعهم، ونزاعهم في العلم والدين خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم. وذلك أن إجماعهم لا يكون إلا معصومًا، وإذا تنازعوا فالحق لا يخرج عنهم، فيمكن طلب الحق في بعض أقاويلهم، ولا يحكم بخطأ قول من أقوالهم حتى يعرف دلالة الكتاب والسنة على خلافه" (2) . إذا تقرر ذلك فإنه لا يُسلم وقوع إجماع على أحد قولي الصحابة، فمن ادعى وقوع ذلك فلا يخلو الحال من أمرين: الأول: أن هذا الخلاف لم يستقر بين الصحابة رضي الله عنهم ولم يشتهر عنهم، وإذا كان الأمر كذلك فإن الإجماع على أحد قولي الصحابة يكون صحيحًا

_ (1) "الفقيه والمتفقه" (1/173) . (2) "مجموع الفتاوى" (13/24) .

- حكم منكر الحكم المجمع عليه

إذ الممتنع هو وقوع الإجماع على مسألة استقر فيها الخلاف بين الصحابة (1) . الثاني: أن المسألة التي اختلف فيها الصحابة غير المسألة التي أجمع عليها المتأخرون بعدهم؛ لأن اختلاف الزمان قد يؤدي إلى تغير بعض الظروف والأحوال مما يجعل حقيقة المسألة التي اختلف فيها الصحابة تختلف عن حقيقة المسألة التي وقعت بعدهم وأجمع عليها المتأخرون فيكون هذا من قبيل الأحكام التي تختلف باختلاف الزمان والمكان على ما سيأتي (2) ، فلا بد إذن من التثبت من حقيقة المسألة المجمع عليها: هل هي المسألة نفسها التي اختلف فيها الصحابة؟ ثالثًا: حكم مُنْكِر الحكم المجمع عليه (3) . قال ابن تيمية: "والتحقيق أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه، كما يكفر مخالف النص بتركه،...........وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره" (4) . وقد تقدم بيان الإجماع القطعي والظني في أقسام الإجماع (5) . رابعًا: حرمة الاجتهاد؛ إذ يجب اتباع الإجماع، فإن الإجماع لا يكون إلا على نص، ووجود النص - كما هو معلوم - مسقط للاجتهاد (6) . خامسًا: سقوط نقل دليل الإجماع، والاستغناء بنقل الإجماع عن نقل دليله، ويسقط أيضًا البحث عن الدليل اكتفاءً بالإجماع (7) . سادسًا: أن في الإجماع تكثيرًا للأدلة، خاصة وأن الحكم المجمع عليه قد دل عليه النص أيضًا. قال ابن تيمية: "...... وكذلك الإجماع دليل آخر؛ كما يقال: قد دل

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/173) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/274) . (2) انظر (ص360) من هذا الكتاب. (3) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/172) ، و"المسودة" (344) ، و"مختصر ابن اللحام" (79) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/263) . (4) "مجموع الفتاوى" (19/270) . (5) انظر (ص158، 159) من هذا الكتاب. (6) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/172) ، و"الصواعق المرسلة" (3/834) ، وانظر (ص474، 475) من هذا الكتاب. (7) انظر: "شرح الكوكب المنير" (2/260) .

على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وكل من هذه الأصول يدل على الحق مع تلازمها، فإن ما دل عليه الإجماع فقد دل عليه الكتاب والسنة" (1) . سابعًا: أن الإجماع قد يجعل الدليل المجمع عليه قطعيًا بعد أن كان في الأصل ظنيًا، كحديث الآحاد الذي أجمعت الأمة على قبوله والعمل به (2) . والإجماع سبب للترجيح؛ فيقدم النص المجمع عليه على غيره، ولأجل ذلك قدم الأصوليون الإجماع على الكتاب والسنة (3) . ****

_ (1) "مجموع الفتاوى" (19/195) . (2) انظر (ص151) من هذا الكتاب. (3) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (315) .

المبحث الرابع: القياس

المبحث الرابع: القياس وفي هذا المبحث خمس مسائل: المسألة الأولى: تعريف القياس. المسألة الثانية: أقسام القياس. المسألة الثالثة: حجية القياس. المسألة الرابعة: شروط القياس. المسألة الخامسة: أبحاث العلة.

المسألة الأولى: تعريف القياس

المسألة الأولى: تعريف القياس القياس لغة (1) : التقدير، ومنه قولهم: قست الثوب بالذراع، إذا قدرته به. والقياس: المساواة، يقال: فلان لا يقاس بفلان؛ أي: لا يساويه. وفي اصطلاح الأصوليين يمكن تعريفه بأنه: "حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما" (2) . وبهذا التعريف يتضح أن للقياس أربعة أركان (3) : الركن الأول: الأصل، وهو المقيس عليه. الركن الثاني: الفرع، وهو المراد إلحاقه بالأصل المقيس عليه وحمله عليه. الركن الثالث: حكم الأصل، وهو الوصف المقصود حمل الفرع عليه. الركن الرابع: الوصف الجامع، وهو العلة الجامعة بين الأصل والفرع المقتضية للحمل. المسألة الثانية: أقسام القياس ينقسم القياس إلى أقسام متعددة بعدة اعتبارات: أولاً: باعتبار قوته وضعفه ينقسم القياس إلى جلي وخفي (4) .

_ (1) انظر: "لسان العرب" (6/187) ، و"المصباح المنير" (521) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/5) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/227) ، و"قواعد الأصول" (79) ، و"مختصر ابن اللحام" (142) ، و"مذكرة الشنقيطي" (243) . (3) انظر: "الفقيه والمتفقه" (2/210) ، و"روضة الناظر" (2/228، 303) ، و"قواعد الأصول" (80، 81) ، و"مختصر ابن اللحام" (142) ، و"مذكرة الشنقيطي (243، 271) . (4) انظر: "الرسالة" (513) ، و"جامع بيان العلم وفضله" (2/74) ، و"روضة الناظر" (2/254 - 257) ، و"مجموع الفتاوى" (21/207) ، و"مختصر ابن اللحام" (150) ، و"شرح الكوكب المنير" (14/207، 208) ، و"مذكرة الشنقيطي" (250) .

- انقسام القياس إلى جلي وخفي

فالقياس الجلي: ما قُطع فيه بنفي الفارق المؤثر، أو كانت العلة فيه منصوصًا أو مجمعًا عليها، فهذه ثلاث صور. وهذا النوع من القياس لا يُحتاج فيه إلى التعرض لبيان العلة الجامعة، لذلك سُمي بالجلي، وذلك مثل قياس إحراق مال اليتيم وإغراقه على أكله في الحرمة الثابتة في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] . وهذا النوع من القياس متفق عليه، وهو أقوى أنواع القياس لكونه مقطوعًا به، وقد اختلف في تسميته قياسًا كما سيأتي بيان ذلك في الكلام على مفهوم الموافقة (1) . والقياس الخفي: ما لم يُقطع فيه بنفي الفارق ولم تكن علته منصوصًا أو مجمعًا عليها، وذلك مثل قياس القتل بالمثقل على القتل بالمحدد في وجوب القصاص. فهذا النوع لا بد فيه من التعرض لبيان العلة وبيان وجودها في الفرع، فيحتاج إلى مقدمتين: المقدمة الأولى: أن السكر مثلاً علة التحريم في الخمر، فهذه المقدمة إنما تثبت بأدلة الشرع، وهي مسالك العلة الآتي بيانها (2) . المقدمة الثانية: أن السكر موجود في النبيذ، فهذه المقدمة يجوز أن تثبت بالحس والعقل والعرف وأدلة الشرع. وهذا النوع متفق على تسميته قياسًا. ثانيًا: باعتبار علته ينقسم القياس إلى ثلاثة أقسام (3) :

_ (1) انظر (ص451) من هذا الكتاب. (2) انظر (ص202) من هذا الكتاب. (3) انظر: "إعلام الموقعين" (1/133) وما بعدها، و"مختصر ابن اللحام" (150) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/209، 210) ، و"مذكرة الشنقيطي" (270، 271) . وقد زاد البعض قسمًا رابعًا وهو قياس الشبه. انظر: "قواعد الأصول" (92، 93) وانظر الكلام على قياس التشبه في (ص 195) من هذا الكتاب.

- انقسام القياس إلى قياس طرد، وقياس عكس

القسم الأول: قياس العلة، وهو: ما صرح فيه بالعلة فيكون الجامع هو العلة، وذلك كقوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران: 137] . يعني: هم الأصل، وأنتم الفرع، والعلة الجامعة التكذيب، والحكم الهلاك. والقسم الثاني: قياس الدلالة، وهو: ما لم تُذكر فيه العلة، وإنما ذُكر فيه لازم من لوازمها؛ كأثرها أو حكمها فيكون الجامع هو دليل العلة، وذلك كقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت: 39] . فالأصل القدرة على إحياء الأرض، والفرع القدرة على إحياء الموتى، والعلة هي عموم قدرته سبحانه وكمال حكمته، وإحياء الأرض دليل العلة. والقسم الثالث: القياس في معنى الأصل، وهو: ما كان بإلغاء الفارق فلا يحتاج إلى التعرض إلى الجامع، وذلك كإلحاق الضرب بالتأفيف، وهذا القسم هو القياس الجلي؛ ويسمى: بمفهوم الموافقة. ثالثًا: وينقسم القياس إلى: قياس طرد، وقياس عكس (1) . فقياس الطرد: ما اقتضى إثبات الحكم في الفرع لثبوت علة الأصل فيه (2) . وقياس العكس: ما اقتضى نفي الحكم عن الفرع لنفي علة الحكم فيه. ومثال هذين القسمين يوضحه ابن تيمية بقوله: "وما أمر الله به من الاعتبار في كتابه يتناول قياس الطرد وقياس العكس؛ فإنه لما أهلك المكذبين للرسل بتكذيبهم، كان من الاعتبار أن يُعلم أن من فعل

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (9/239، 20/504) ، و"إعلام الموقعين" (1/160) وما بعدها، و"شرح الكوكب المنير" (4/8) وما بعدها. (2) وقد يراد بقياس الطرد ما كان وصفه طرديًا غير مناسب لترتيب الحكم عليه، وهذا المعنى غير مقصودٍ ههُنا. انظر: "قواعد الأصول" (93) ، و"مذكرة الشنقيطي" (264) ، وانظر فيما يتعلق بالوصف الطردي (ص195) من هذا الكتاب.

- حكم القياس في التوحيد والعقائد

مثل ما فعلوا، أصابه مثل ما أصابهم، فيتقي تكذيب الرسل حذرًا من العقوبة، وهذا قياس الطرد، ويعلم أن من لم يكذب الرسل لا يصيبه ذلك، وهذا قياس العكس" (1) . رابعًا: ينقسم القياس باعتبار محله إلى الأقسام التالية: أ- القياس في التوحيد والعقائد (2) : اتفق أهل السنة على أن القياس لا يجري في التوحيد إن أدى إلى البدعة والإلحاد، وتشبيه الخالق بالمخلوق، وتعطيل أسماء الله وصفاته وأفعاله. وإنما يصح القياس في باب التوحيد إذا استدل به على معرفة الصانع وتوحيده، ويستخدم في ذلك قياس الأولى، لئلا يدخل الخالق والمخلوق تحت قضية كلية تستوي أفرادها (3) {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى} [النحل: 60] ، ولئلا يتماثلان أيضًا في شيء من الأشياء (4) {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] . بل الواجب أن يُعلم أن كل كمالٍ –لا نقص فيه بوجه– ثبت للمخلوق فالخالق أولى به، وكل نقص وجب نفيه عن المخلوق فالخالق أولى بنفيه عنه. ب- القياس في الأحكام الشرعية (5) : منع البعض إجراء القياس في جميع الأحكام الشرعية، لأن في الأحكام ما لا يعقل معناه فيتعذر إجراء القياس في مثله. وهذا غير صحيح؛ بل كل ما جاز إثباته بالنص جاز إثباته بالقياس، لأنه ليس في هذه الشريعة شيء يخالف القياس.

_ (1) "مجموع الفتاوى" (9/239) . (2) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/74) ، و"الفقيه والمتفقه" (2/209) ، و"مجموع الفتاوى" (12/349، 350) ، و"إعلام الموقعين" (1/68) وانظر (ص 476) من هذا الكتاب. (3) المراد بذلك القياس الشمولي – ويسمى القياس الاقتراني – وهو ما اشتمل على النتيجة أو نقيضها، بالقوة لا بالفعل. انظر: "تسهيل المنطق" (48) . (4) المراد بذلك القياس التمثيلي، وهو إثبات حكم في جزئي معين لوجوده في جزئي آخر لأمر مشترك بينهما. انظر "تسهيل المنطق" (55) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/288، 289) ، و"إعلام الموقعين" (1/205، 2/3) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/224، 225) .

- انقسام القياس إلى صحيح، وباطل، ومتردد بينهما، وضابط كل

قال ابن تيمية: "ومن كان متبحرًا في الأدلة الشرعية أمكنه أن يستدل على غالب الأحكام بالنصوص وبالأقيسة" (1) . وقال ابن القيم: ".... فهذه نبذة يسيرة تطلعك على ما وراءها من أنه ليس في الشريعة شيء يخالف القياس، ولا في المنقول عن الصحابة الذي لا يعلم لهم فيه مخالف، وأن القياس الصحيح دائر مع أوامرها ونواهيها وجودًا وعدمًا" (2) . خامسًا: باعتبار الصحة والبطلان ينقسم القياس إلى صحيح وفاسد ومتردد بينهما: فالصحيح: هو ما جاءت به الشريعة في الكتاب والسنة، وهو الجمع بين المتماثلين، مثل أن تكون العلة موجودة في الفرع من غير معارض يمنع حكمها، ومثل القياس بإلغاء الفارق. والفاسد ما يضاده (3) . قال ابن تيمية: "وكل قياس دل النص على فساده فهو فاسد، وكل من ألحق منصوصًا بمنصوص يخالف حكمه فقياسه فاسد، وكل من سوى بين شيئين أو فرق بين شيئين بغير الأوصاف المعتبرة في حكم الله ورسوله فقياسه فاسد" (4) . والقسم الثالث: هو القياس المتردد بين الصحة والفساد فلا يقطع بصحته ولا بفساده، فهذا يتوقف فيه حتى يتبين الحال فيقوم الدليل على الصحة أو الفساد (5) . - فلفظ القياس إذن لفظ مجمل يدخل فيه الصحيح والفاسد (6) . - لذلك لا يصح إطلاق القول بصحته أو ببطلانه (7) . - ولهذا أيضًا تجد في كلام السلف ذم القياس وأنه ليس من الدين، وتجد في كلامهم أيضًا استعماله والاستدلال به، وهذا حق وهذا حق.

_ (1) "مجموع الفتاوى" (19/289) . (2) "إعلام الموقعين" (2/71) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/504، 505) ، و"إعلام الموقعين" (1/133، 2/3، 4) . (4) "مجموع الفتاوى" (19/287، 288) . (5) انظر المصدر السابق (19/288) . (6) انظر المصدر السابق (20/504) ، و"إعلام الموقعين" (2/3) ، و"ملحق القياس من مذكرة الشنقيطي" (354) وما بعدها. (7) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/288) .

المسألة الثالثة: حجية القياس

فمراد من ذمه: القياسُ الباطل، ومراد من استعمله واستدل به: القياس الصحيح (1) . - ولهذا أيضًا لم يجئ في القرآن الكريم مدحه ولا ذمه، ولا الأمر به ولا النهي عنه، فإنه مورد تقسيم إلى صحيح وفاسد (2) . المسألة الثالثة: حجية القياس اتفق جمهور العلماء على إثبات القياس والاحتجاج به من حيث الجملة (3) ، بل ذكره كثير من علماء أهل السنة ضمن الأدلة المتفق عليها (4) . والناس في القياس طرفان ووسط (5) . فطرف أنكر القياس أصلاً، وطرف أسرف في استعماله حتى رد به النصوص الصحيحة، والحق هو التوسط بين الطرفين، وهو مذهب السلف، فإنهم لم ينكروا أصل القياس ولم يثبتوه مطلقًا، بل أخذوا بالقياس واحتجوا به ولكن وفق الضوابط الآتية: الضابط الأول: ألا يوجد في المسألة نص (6) ؛ لأن وجود النص يسقط القياس، فلا بد أولاً من البحث عن النص قبل استعمال القياس حتى لا يُصار إلى القياس إلا عند عدم النص (7) .

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (1/133) . وانظر الضوابط الآتية في المسألة التالية. (2) انظر: "إعلام الموقعين" (1/133) . (3) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/178) ، و"جامع بيان العلم وفضله" (2/77) ، و"روضة الناظر" (2/234) ، و"مجموع الفتاوى" (11/341) . (4) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/54، 55) ، و"مجموع الفتاوى" (20/401) ، و"مختصر ابن اللحام" (70) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/5) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (11/341) ، و"إعلام الموقعين" (1/200) . (6) المراد بالنص ههنا النص القاطع للنزاع. انظر (ص475) تعليق رقم (1) ، و (ص475، 476) من هذا الكتاب في مسألة سقوط الاجتهاد عند وجود النص. (7) المراد بالنص ههنا النص المخالف للقياس. انظر الشرط الرابع من شروط القياس الآتية في (ص193) .

- القياس الصحيح هو الميزان وهو العدل

قال الشافعي: "ونحكم بالإجماع ثم القياس، وهو أضعف من هذا، ولكنها منزلة ضرورة؛ لأنه لا يحل القياس والخبر موجود، كما يكون التيمم طهارة في السفر عند الإعواز من الماء، ولا يكون طهارة إذا وجد الماء، إنما يكون طهارة في الإعواز" (1) . الضابط الثاني: أن يصدر هذا القياس من عالمٍ مؤهل (2) ، قد استجمع شروط الاجتهاد (3) . الضابط الثالث: أن يكون القياس في نفسه صحيحًا، قد استكمل شروط القياس الصحيح الآتي بيانها في المسألة اللاحقة (4) . بهذه الضوابط الثلاثة يكون القياس صحيحًا ومعتبرًا في الشريعة، وهذا هو القياس الذي أشار إليه السلف واستعملوه، وعملوا به وأفتوا به، وسوغوا القول به (5) ، وهو الميزان الذي أنزله الله مع كتابه، قال تعالى: {اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} [الشورى: 17] ، وقال سبحانه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} [الحديد: 25] . قال ابن تيمية: "وكذلك القياس الصحيح حق، فإن الله بعث رسله بالعدل، وأنزل الميزان مع الكتاب، والميزان يتضمن العدل وما يُعرف به العدل" (6) . وقال ابن القيم: "فالصحيح [يعني من القياس] هو الميزان الذي أنزله مع كتابه" (7) . وهذا القياس من العدل الذي جاءت به الشريعة، ولا يمكن أن يقع بينهما شيء من التعارض أو التناقض (8) . أما القياس الذي خلا من هذه الضوابط، أو من واحد منها فهو القياس

_ (1) "الرسالة" (599، 600) . وانظر: "إعلام الموقعين" (1/32، 67) . (2) انظر: "الرسالة" (509) ، و"جامع بيان العلم وفضله" (2/61) . (3) انظر في شروط الاجتهاد (ص472) من هذا الكتاب. (4) انظر (ص193) من هذا الكتاب. (5) انظر: "إعلام الموقعين" (1/176) (6) مجموع الفتاوى (10/176) . (7) "إعلام الموقعين" (1/133) . (8) انظر الأصل الثالث فيما يأتي.

- الأصول الشرعية التي بنى عليها أهل السنة الاحتجاج بالقياس

الباطل والرأي الفاسد، وهذا هو الذي ذمه السلف ومنعوا من العمل والفتيا به، وأطلقوا ألسنتهم بذمه وذم أهله (1) . قال ابن عبد البر: "وأما القياس على الأصل والحكم للشيء بنظيره فهذا مما لا يختلف فيه أحد من السلف، بل كل من رُوي عنه ذم القياس قد وُجد له القياس الصحيح منصوصًا، لا يدفع هذا إلا جاهل أو متجاهل مخالف للسلف في الأحكام" (2) . وقبل ذكر الأدلة على حجية القياس، تحسن الإشارة إلى أن العمل بالقياس الصحيح والاحتجاج به لدي أهل السنة، أمر مبني على أصول شرعية ثابتة. (الأصل الأول: إثبات الحكمة والتعليل في أحكام الله وشرعه وأمره سبحانه وتعالى، وتنزيهه جل شأنه عن العبث، وسيأتي بيان ذلك – إن شاء الله – في مسألة التعليل (3) . (الأصل الثاني: شمول النصوص لجميع الأحكام وإحاطتها بأفعال المكلفين، فقد بين الله سبحانه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - بكلامه وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - جميع ما أمر به، وجميع ما نَهَى عنه، وجميع ما أحله، وجميع ما حرمه، وجميع ما عفا عنه، وبهذا يكون الدين كاملاً، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] ، ولكن الناس يتفاوتون في معرفة النصوص والاطلاع عليها، ويتفاوتون أيضًا في فهمها: فمنهم من يفهم من الآية حكمًا أو حكمين، ومنهم من يفهم منها عشرة أحكام أو أكثر، ومنهم من يقتصر في الفهم على مجرد اللفظ دون سياقه ودون إيمائه وإشارته وتنبيهه، ومنهم من يضم إلى النص نصًا آخر متعلقًا به فيفهم من اقترانه به قدرًا زائدًا على ذلك النص بمفرده، وهذا مشروط بفهم يؤتيه الله عبده (4) .

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/241، 242) ، و"إعلام الموقعين" (1/67) وانظر (ص470، 471) من هذا الكتاب. (2) "جامع بيان العلم وفضله" (2/77) . (3) انظر (ص 196- 201) من هذا الكتاب. (4) انظر: "إعلام الموقعين" (1/268) .

والمقصود أن دلالة القياس الصحيح لا تخرج عن دلالة النصوص؛ فقد ثبت أن الله سبحانه قد أنزل الكتاب والميزان، فكلاهما في الإنزال أخوان، وفي معرفة الأحكام شقيقان؛ فإن ما ثبت بالقياس لا بد وأن يستند إلى الكتاب أو السنة أو الإجماع في ثبوت حكم الأصل المقيس عليه من جهة، وفي ثبوت علته من جهة أخرى، والقياس على كل حال مستند في ثبوت حجيته إلى نصوص الكتاب والسنة (1) . فإذا علم ذلك وهو شمول النصوص للأحكام وتفاوت الناس في فهم النصوص: - علم أولاً بطلان قول من قال: "إن النصوص لا تفي بعشر معشار الشريعة" (2) . - وعُلم ثانيًا أن النصوص كافية ويُستغنى بها عن القياس والرأي في كثير من المسائل. فمن ذلك (3) : الاكتفاء بقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] عن إثبات قطع النباش بالقياس، إذ السارق يعم في لغة العرب وعرف الشارع سارق ثياب الأحياء والأموات. والاكتفاء بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (4) في إبطال كل عقد نهى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عنه وحرمه، وأنه لغو لا يعتد به. - وعلم ثالثًا مقدار هذه الشريعة، وجلال مكانتها، وسعتها، وهيمنتها، وشرفها على جميع الشرائع (5) . - وعُلم رابعًا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بين لأمته كل شيء من الدين (6) .

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/197 – 200، 280 – 289) ، و"الاستقامة" (1/6 – 14) ، و"إعلام الموقعين" (1/331، 332، 354) . (2) انظر المراجع السابقة. (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/281 – 285، 289) ، و"الاستقامة" لابن تيمية (1/6 - 14) ، و"إعلام الموقعين" (1/350 – 383) . (4) رواه مسلم (12/16) . (5) انظر: "إعلام الموقعين" (1/350) . (6) انظر المصدر السابق.

- موافقة القياس الصحيح للنصوص الشرعية

(الأصل الثالث: موافقة القياس الصحيح لنصوص الشريعة؛ إذ ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس. ومما يدل على ذلك: 1- أن القياس الصحيح من العدل، والنص الشرعي من العدل، فكلاهما عدل. قال ابن تيمية: "وهو [أي القياس الصحيح] من العدل الذي بعث الله به رسوله" (1) . 2- أن الشريعة لا تناقض فيها ولا تعارض بين شيء من أحكامها، والقياس الصحيح مما جاءت به الشريعة (2) . 3- أن الشريعة جاءت بالجمع بين المتماثلات والتفريق بين المختلفات، والقياس من قبيل الجمع بين المتماثلين فيكون موافقًا للشريعة (3) . ولابن تيمية رسالة نفيسة في بيان أنه ليس في الشريعة ما يخالف قياسًا صحيحًا (4) ، كما عقد ابن القيم في ذلك فصلاً في كتابه القيم "إعلام الموقعين"، فقال: "فصل في بيان أنه ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس......" (5) . وبذلك يتضح: * خطأ من عنون لتلك المسألة بقوله: "ما حكم العمل بخبر الواحد إذا خالف القياس؟ ". لأن هذا العنوان مبني على تصور وقوع الاختلاف بين الخبر والقياس، وهذا غير صحيح. * وأن من ادعى وقوع اختلاف بين الخبر والقياس فالجواب عليه أن يقال: لا يخلو الحال من أمرين: الأمر الأول: عدم ثبوت هذا الخبر المخالف للقياس.

_ (1) "مجموع الفتاوى" (20/505) ، وانظر (19/176، 288) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/526) ، و"إعلام الموقعين" (1/33، 4/373) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/504، 505، 19/176) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/504 – 583) . (5) "إعلام الموقعين" (2/3 – 70) .

- الأدلة على حجية القياس

والأمر الثاني: فساد هذا القياس. قال ابن تيمية: " ... وليس من شرط القياس الصحيح المعتدل أن يعلم صحته كل أحد. فمن رأى شيئًا من الشريعة مخالفًا للقياس فإنما هو مخالف للقياس الذي انعقد في نفسه، ليس مخالفًا للقياس الصحيح الثابت في نفس الأمر، وحيث علمنا أن النص جاء بخلاف قياس: علمنا قطعًا أنه قياس فاسد.....فليس في الشريعة ما يخالف قياسًا صحيحًا، لكن فيها ما يخالف القياس الفاسد، وإن كان من الناس من لا يعلم فساده" (1) . * وأن الخبر يقدم على القياس دائمًا إذا ظهر للمجتهد بينهما تعارض، يوضحه: * أن القياس المخالف للنص قياس فاسد، لا يجوز المصير إليه ولا الأخذ به، وهذا هو القياس الذي ثبت عن السلف ذمه والمنعُ منه. أما الأدلة على حجية القياس فمنها: أولاً: إجماع الصحابة رضي الله عنهم على الحكم بالقياس في وقائع كثيرة تصل بمجموعها إلى حد التواتر (2) . فمن ذلك قياس الزكاة على الصلاة في قتال الممتنع منها بجامع كونهما عبادتين من أركان الإسلام (3) . ولم يزل التابعون أيضًا ومن بعدهم من علماء الأمة على إجازة القياس وإثبات الأحكام به (4) . ثانيًا: حديث معاذ رضي الله عنه (5) المشهور أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما بعثه إلى

_ (1) "مجموع الفتاوى" (20/505) . (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/199) ، و"روضة الناظر" (2/236) ، و"إعلام الموقعين" (1/209 - 217) . (3) انظر: "روضة الناظر" (2/238) ، و"أصول الفقه" لابن مفلح (3/1316 - 1328) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (2/238) . (4) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/62) . (5) هو: الصحابي الجليل أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، شهد العقبة الثانية مع الأنصار، ثم شهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، توفي بطاعون عمواس بالشام سنة (18هـ) . انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (2/98) ، و"الإصابة" (3/406) .

اليمن قال: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال: أقضي بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد في كتاب الله؟» قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: «فإن لم تجد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا في كتاب الله؟» قال: اجتهد رأي ولا آلو، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره وقال: «الحمد لله الذي وفق رسولَ رسوِل الله لما يرضي رسول الله» (1) . قال ابن عبد البر عن هذا الحديث: "وهو الحجة في إثبات القياس عند جميع الفقهاء القائلين به" (2) . وقد وردت عن الصحابة رضي الله عنهم آثار تدل على هذا المعنى (3) .

_ (1) الحديث بهذا اللفظ أخرجه أبو داود في سننه (3/303) برقم (3592) ، وأخرجه الترمذي (3/616) برقم (1327) . وقد صحح هذا الحديث الخطيب البغدادي قائلاً: "على أن أهل العلم قد تقبلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم". "الفقيه والمتفقه" (1/189) ، إلا أن بعض المحدثين ضعفه من جهة السند مع القول بصحة معناه. انظر الكلام على هذا الحديث في "إعلام الموقعين" (1/202) ، و"تحفة الطالب" (151) ، و"المعتبر" للزركشي (63) ، و"الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج" (210) . وقد ذهب الشيخ الألباني إلى أن الحديث ضعيف سندًا، وأن في متنه مخالفة لأصل مهم وهو عدم جواز التفريق في التشريع بين الكتاب والسنة ووجوب الأخذ بهما معًا. انظر: "منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن" (21، 22) ، و"سلسلة الأحاديث الضعيفة" (2/273) برقم (881) . (2) "جامع بيان العلم وفضله" (2/55) . (3) من ذلك كتاب عمر - رضي الله عنه - إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -، وفيه: "اعرف الأشباه والأمثال وقس الأمور". ولما بَعَثَ عمر - رضي الله عنه - شريحًا على قضاء الكوفة قال له: انظر ما تبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدًا، وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما لم يتبين لك في السنة فاجتهد رأيك. وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "من عرض له منكم قضاء فليقض بما في كتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله فليقضِ بما قضى فيه نبيه - صلى الله عليه وسلم - فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولم يقض فيه نبيه - صلى الله عليه وسلم - فليقض بما قضى به الصالحون، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولم يقضِ به نبيه ولم يقضِ به الصالحون، فليجتهد رأيه، فإن لم يحسن فليقم ولا يستحي". وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا سئل عن شيء فإن كان في كتاب الله قال به، فإن لم يكن في كتاب الله وكان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال به، فإن لم يكن في كتاب الله ولا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان عن أبي بكر وعمر قال به، فإن لم يكن في كتاب الله ولا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أبي بكر وعمر اجتهد رأيه. قال ابن تيمية: "وهذه الآثار ثابتة عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وهم من أشهر الصحابة بالفتيا والقضاء". "مجموع الفتاوى" (19/201) . وقال ابن القيم عن كتاب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى رضي الله عنه: "وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول"."إعلام الموقعين" (1/86) . انظر هذه الآثار في: "جامع بيان العلم وفضله" (2/56 – 58) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/199 – 203) ، و"مجموع الفتاوى" (19/200 – 201) ، و"إعلام الموقعين" (1/61 – 64) .

ثالثًا: ما ثَبَتَ في الكتاب والسنة من الأمر بالاعتبار والاتعاظ والاستفادة من الأمثال المضروبة وأخذ الأحكام منها، وأن للنظير حكم نظيره، وهذا معلوم أيضًا في فِطَرِ الناس ومستقر في عوائدهم وأحوالهم (1) . فمن ذلك قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ} [الحشر: 2] ، وقوله تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 29] ، وقوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] . وكذلك لو قال الطبيب للعليل وعنده لحم ضأن: لا تأكل الضأن فإنه يزيد في مادة المرض، لفهم كل عاقلٍ منه أن لحم الإبل والبقر كذلك، ولو أكل منهما لعد مخالفًا. وكذلك لو من عليه غيره بإحسانه، فقال: والله لا أكلتُ له لقمةً ولا شربتُ له ماءً؛ يريد خلاصه من منته عليه، ثم قبل منه الدراهمَ، والذهبَ، والثيابَ، والشاةَ، ونحوها، لعده العقلاءُ واقعًا فيما هو أعظم مما حَلَفَ عليه (2) .

_ (1) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/65) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/178) ، و"روضة الناظر" (2/244) ، و"مجموع الفتاوى" (13/23) ، و"إعلام الموقعين" (1/187) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/216) . (2) انظر: "إعلام الموقعين" (1/217) .

المسألة الرابعة: شروط القياس

المسألة الرابعة: شروط القياس لا بد في صحة القياس واعتباره شرعًا من توفر الشروط الآتية فيه (1) : الشرط الأول: أن يكون حكم الأصل المقيس عليه ثابتًا، إما بنص، أو إجماع، أو باتفاق الخصمين عليه، أو بدليل يغلب على الظن صحته، وألا يكون منسوخًا. الشرط الثاني: أن يكون حكم الأصل المقيس عليه معقول المعنى لتُمكن تعدية الحكم، أما ما لا يعقل معناه كعدد الركعات فلا سبيل إلى تعدية الحكم فيه. الشرط الثالث: أن توجد العلة في الفرع بتمامها، وذلك بأن يقطع بوجودها - وهذا هو قياس الأولى أو المساواة - أو يغلب على الظن وجودها في الفرع. الشرط الرابع: ألا يكون حكم الفرع منصوصًا عليه بنص مخالف لحكم الأصل، إذ القياس يكون حينئذ على خلاف النص وهو باطل، وأما إن كان النص موافقًا لحكم الأصل، فإن هذا يجوز من باب تكثير الأدلة؛ فيقال في حكم الفرع: دل عليه النص والقياس. الشرط الخامس: أن يكون حكم الفرع مساويًا لحكم الأصل، فلا يصح قياس واجب على مندوب، ولا مندوب على واجب مثلاً؛ لعدم مساواتهما في الحكم. الشرط السادس: أن تكون العلة متعدية، فإن كانت قاصرة صح التعليل بها ولم يصح تعدية الحكم بها، مثال العلة القاصرة: الثمنية في الذهب والفضة، ومثال العلة المتعدية: الطعم في البر. الشرط السابع: أن تكون العلة ثابتة بمسلك من مسالك العلة وهي النص

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/303 - 314) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/17 - 113) ، و"مذكرة الشنقيطي" (271 - 277) .

المسألة الخامسة: أبحاث العلة

أو الإجماع أو الاستنباط (1) . الشرط الثامن: ألا تخالف العلة نصًا ولا إجماعًا، وذلك إن كانت مستنبطة. الشرط التاسع: أن تكون العلة -وذلك إن كانت مستنبطة- وصفًا مناسبًا وصالحًا لترتيب الحكم عليه، فلا يصح التعليل بالوصف الطردي كالطول والسواد. الشرط العاشر: أن يكون القياس في الأحكام الشرعية العملية؛ إذ لا يصح إجراء القياس في العقائد والتوحيد إن أدى إلى البدعة والتعطيل (2) . المسألة الخامسة: أبحاث العلة وتحت هذه المسألة الأبحاث التالية: 1- تعريف العلة وبيان أقسامها. 2- مذهب أهل السنة في التعليل. 3- مسالك العلة. (البحث الأول: تعريف العلة وبيان أقسامها: العلة لغة: بمعنى المرض (3) . وفي اصطلاح الأصوليين (4) : هي أحد أركان القياس وهو الوصف الجامع بين الفرع والأصل المناسب لتشريع الحكم.

_ (1) انظر (ص202) من هذا الكتاب. (2) انظر (ص183، 476) من هذا الكتاب. (3) انظر: "المصباح المنير" (426) ، و"المعجم الوسيط" (2/623) . (4) العلة في اصطلاح المتكلمين: هي ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون خارجًا مؤثرًا فيه. ومن أقسامها: العلة الفاعلة: وهي ما يكون به الشيء وهو غير داخل في ماهيته كالنجار للسرير، إذ هو الفاعل له، والعلة الغائية: وهي الغاية من إيجاد الشيء، أو ما لأجله وجد الشيء؛ فإن الغاية من صنع السرير هي الجلوس عليه، والعلة الغائية هي المقصودة في هذا المقام. انظر: "المواقف" للإيجي (85) ، و"التعريفات" (154، 155) ، و"الحكمة والتعليل في أفعال الله" (21، 22) .

- الأوصاف ثلاثة: مناسب، وطردي، وشبه

وتسمى العلة: بالمناط، والمؤثر، والمظنة، والسبب، والمقتضي، والمستدعي، والجامع (1) . والأوصاف ثلاثة أقسام (2) : الأول: وصف يُعلم مناسبته لبناء الحكم الشرعي عليه، كمناسبة الإسكار لتحريم الخمر، فهذا يسمى: بالوصف المناسب، وهو صحيح يجوز فيه القياس (3) . الثاني: وصف لا يُتوهم أنه مناسب لبناء الحكم عليه؛ لعدم التفات الشارع إليه في حكم ما، كالطول والقصر، والسواد والبياض، فهذا يسمى: بالصوف الطردي، والقياس به باطل. الثالث: وصف بين القسمين السابقين، متردد بين المناسبة وعدمها، وهذا يسمى: بقياس الشبه، فهو من حيث إنه لم تتحقق فيه المناسبة أشبه الطردي، ومن حيث إنه لم يتحقق فيه انتفاؤها أشبه المناسب، ولهذا سمي شبهًا. وهو من أصعب مسالك العلة وأدقها فهما. ومثاله: العبد إذا قتل هل تلزم فيه القيمة أو الدية؟ فمن حيث إنه يباع ويوهب ويورث أشبه المال ومن حيث إنه يثاب ويعاقب وينكح أشبه الحر، فيلحق بأكثرهما شبهًا (4) . - وقد تكون العلة (5) وصفًا عارضًا كالشدة في الخمر، وقد تكون وصفًا لازمًا كالأنوثة في ولاية النكاح.

_ (1) انظر: "قواعد الأصول" (82- 84) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/39) ، و"مذكرة الشنقيطي" (265) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/296 – 299) ، و"مذكرة الشنقيطي" (265، 266) . (3) انظر الكلام على الوصف المناسب فيما يأتي (ص204- 206) من هذا الكتاب. (4) انظر: "الرسالة" (479) . (5) انظر: "روضة الناظر" (2/313، 314) ، و"مذكرة الشنقيطي" (275، 276) .

- تخلف الحكم مع وجود العلة

- وقد تكون حكمًا شرعيًا، كأن يقال: يحرم بيع الخمر فلا يصح بيعه كالميتة. - وقد تكون فعلاً من أفعال المكلفين كالقتل والسرقة. - وقد تكون وصفًا مجردًا كالكيل عند من يعلل به تحريم الربا، وقد تكون أوصافًا مركبة كالقتل العمد العدوان. - وقد تكون إثباتًا، وقد تكون نفيًا، نحو: لم ينفذ تصرفه لعدم رشده. - وقد تكون العلة قاصرة كالثمنية في الذهب والفضة، وقد تكون متعدية كالطعم في البر. - وقد تكون العلة وصفًا مناسبًا، وقد تكون وصفًا غير مناسب، وقد تكون وصفًا مترددًا بين المناسبة وعدمها. وقد تقدم قريبًا التمثيل لهذه الأقسام الثلاثة. - وقد تكون العلة مطردة بمعنى أن يوجد الحكم كلما وجدت العلة، وقد تكون غير مطردة فتوجد العلة ويتخلف عنها الحكم (1) . (البحث الثاني: مذهب أهل السنة في التعليل: يمكن بيان مذهب أهل السنة في الأسباب والحكمة والتعليل في القواعد الآتية:

_ (1) تخلف الحكم مع وجود العلة إن كان بسبب معارضتها بعلة أخرى أو بسبب فوات شروطها يقدح في صحة العلة، بل إن العلة والحالة كذلك لا تعتبر موجودة، فلم يوجد الحكم لعدم وجود علته. أما إن كان تخلف الحكم عن علته بسبب نص شرعي كإيجاب الدية على العاقلة، فإنه من المعلوم أن جناية الشخص علة لوجوب الضمان عليه، فهذا ما يسمى بالمستثنى من قاعدة القياس، أو المعدول به عن سنن القياس، والصحيح أنه لا يوجد حكم على خلاف القياس. قال ابن تيمية: "وحقيقة الأمر أنه لم يشرع شيء على خلاف القياس الصحيح، بل ما قيل: إنه على خلاف القياس فلا بد من اتصافه بوصف امتاز به عن الأمور التي خالفها واقتضى مفارقته لها في الحكم. وإذا كان كذلك فذلك الوصف إن شاركه غيره فيه فحكمه حكمه، وإلا كان من الأمور المفارقة له". "مجموع الفتاوى" (20/556) ، والمقصود أن يُنظر في العلة فما شاركها ألحق بها في الحكم سواء كان ذلك في العلة العامة التي قيل: إنها تجري على سنن القياس، أو في العلة الخاصة التي قيل: إنها على خلاف القياس.

- الناس في الأسباب طرفان ووسط

- القاعدة الأولى: أن الله قادر على كل شيء، وأنه سبحانه له الإرادة التامة والمشيئة النافذة، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يجوز أن يكون شيء من الأعمال خارجًا عن قدرته ومشيئته. وعلى ذلك أجمع الرسل والكتب المنزلة، وعليه دلت الفطرة التي فطر الله خلقه عليها، وهذا عموم التوحيد الذي لا يقوم إلا به، والمسلمون مجمعون على ذلك وخالفهم في ذلك من ليس منهم. والقرآن مملوء بإثبات المشيئة لله وحده، لقوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68] ، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} [الإنسان: 30] (1) . - القاعدة الثانية: أن الله سبحانه ربط الأسباب بمسبباتها شرعًا وقدرًا، فجعل المعاصي سببًا لدخول النار (2) . وهذه الأسباب وما لها من تأثير وقوة هي طوع مشيئته سبحانه وإرادته وتجري تحت حكمه جل شأنه، فلا يجوز أن تستقل هذه الأسباب بالفعل والتأثير دون مشيئته (3) ، بل التعلق بالسبب دونه كالتعلق ببيت العنكبوت مع كونه سببًا. فالواجب الصعودُ من الأسباب إلى مسببها والتعلق به سبحانه دونها. فالالتفات إلى الأسباب بالكلية شرك منافٍ للتوحيد. وإنكار أن تكون الأسباب أسبابًا بالكلية قدح في الشرع والحكمة. والإعراض عن الأٍسباب مع العلم بكونها أسبابًا، نقصان في العقل (4) . والقرآن مملوء من إثبات الأسباب كقوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (11/354) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (43 – 45، 188) . (2) انظر: "شفاء العليل" لابن القيم (188، 189) . (3) الناس في الأسباب طرفان ووسط، طرف بالغ في نفيها وإنكارها فأضحك العقلاء على عقله زاعمًا أنه بذلك ينصر الشرع فجنى على العقل والشرع، وهم الأشاعرة. وطرف بالغ في إثباتها حتى قال: إنها مؤثرة بنفسها دون أمر الله، وهم المعتزلة. والوسط وهو مذهب السلف: أن الأسباب مؤثرة بأمر الله. انظر: "مدارج السالكين" (1/267) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (189) ، و"إعلام الموقعين" (2/298، 299) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/70) ، و"مدارج السالكين" (1/267، 268) .

- مذاهب الناس في الحكمة وبيان مذهب السلف

أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24] ، وقوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المرسلات: 43] ، وقوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الأعراف: 39، يونس: 52] ، وأهل السنة على إثبات باء السببية، ويقولون: إن الله يخلق الأشياء بالأسباب لا عندها (1) ، لقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [ق: 9- 11] . ومعلوم أن مجرد حصول الأسباب لا يوجب حصول المسبب، فإن المطر إذا نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كافيًا في حصول النبات، بل لا بد من ريح مرسلة بإذن الله، ولا بد من انتفاء الموانع، فلا بد إذن من تمام الشروط وزوال الموانع مع تحصيل الأسباب، وكل ذلك بقضاء الله وقدره (2) . - القاعدة الثالثة: أن الله سبحانه حكيم لا يفعل شيئًا عبثًا لغير مصلحة وحكمة؛ بل أفعاله سبحانه وتعالى صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فعل، كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل (3) .

_ (1) مذهب نفاة الأسباب – أتباع جهم – أن الله يفعل عندها لا بها، ومن ذلك تعريف كثير من الأصوليين السبب بأنه: ما يوجد الحكم عنده لا به، قال ابن تيمية: "ومن قال: إنه يفعل عندها لا بها فقد خالف ما جاء به القرآن...." "مجموع الفتاوى" (3/112) ، وانظر منه (8/486، 487) ، وانظر: "المستصفى" (112) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/112، 8/70) . (3) الناس في الحكمة على أقوال: منهم من نفوها فقالوا: إن الله لا يخلق شيئًا بحكمة ولا يأمر بشيء لحكمة، وإنما أثبتوا محض الإرادة، فيجوز أن يأمر الله بالشرك به وينهى عن عبادته وحده، ويترتب عند هؤلاء على فعل الله حكم لكنها غير مقصودة بل هي مترتبة على الفعل وحاصلة عقيبه، وهذا قول الأشاعرة. ومنهم من أثبت لله الحكمة، فقالوا: قد قام الدليل على أنه تعالى حكيم فلا يصح أن يفعل فعلاً لا فائدة فيه؛ لأن من يفعل فعلاً لا لغرض يعد عابثًا، والله تعالى منزه عن العبث فأوجبوا على الله بمقتضى هذه الحكمة التي أثبتوها أمورًا ومنعوا أمورًا لمخالفتها لمقتضى الحكمة، فمما أوجبوا على الله فعل الصلاح ورعاية مصالح العباد، وقالوا: إن هذه الحكمة تعود إلى الغير ولا يعود إليه منها شيء، وهي صفة مخلوقة منفصلة عنه سبحانه، وهذا هو مذهب المعتزلة الذين حكموا عقولهم فسلبوا من الخالق سبحانه صفات الكمال وعموم قدرته وشبهوه بخلقه. ومذهب السلف هو إثبات الحكمة في أفعاله سبحانه لأنه حكيم منزه عن العبث، ولكمال قدرته وحكمته ورحمته، فإن هذه الحكمة منها ما يعود إليه ويحبه ويرضاه، ومنها ما يعود إلى عباده، وهي صفة لله غير مخلوقة. انظر: "مجموع الفتاوى" (8/88 – 93) ، "والحكمة والتعليل في أفعال الله" (50 – 53) .

- أنواع الحكمة

وهذه الحكمة يعلمها سبحانه على وجه التفصيل، وقد يُعلم بعض عباده من ذلك ما يُعلمه إياه؛ إذ لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء (1) . والحكمة نوعان (2) : النوع الأول: حكمة تعود إليه سبحانه يحبها ويرضاها وهي رحمته بعباده، وتدبيره لأمر خلقه، وتصرفه في مملكته بأنواع التصرفات، وإثابته للمحسن على إحسانه، ومعاقبته للمسيء على إساءته؛ فيوجد أثر عدله وفضله وأن يعرف سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله وآياته، وأن يعرف خلقه أنه لا إله غيره ولا رب سواه. والنوع الثاني: حكمة تعود إلى عباده، وهي نعمة عليهم يفرحون بها ويلتذون بها، ففي الجهاد مثلاً عاقبة محمودة للناس في الدنيا يحبونها؛ وهي النصر والفتح، وفي الآخرة الجنة والنجاة من النار. وقد نزه الله سبحانه وتعالى أفعاله عن العبث، فقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] ، وقال جل شأنه: {أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36] . وأنكر سبحانه أن يسوي بين المختلفين، وأن يفرق بين المتماثلين، وأن حكمته وعدله يأبى ذلك، فقال سبحانه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35، 36] ، وقال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28] ، وأخبر سبحانه عن الحكم والغايات التي جعلها في خلقه وأمره، كقوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة: 22] ، وقال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 21] (3) ، وإثبات الحكمة في أفعال الله لا يستلزم الحاجة والنقص،

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/38، 93) . (2) انظر المصدر السابق (8/36) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (198) ، وانظر (ص254) التعليق رقم (4) من هذا الكتاب في أنواع الحكمة بالنسبة لمأخذها وعلاقة ذلك بمسألة النسخ قبل التمكن من هذا الكتاب. (3) انظر: "شفاء العليل" لابن القيم (197 – 199) .

- مذهب أهل السنة في التعليل

فلا يقال: لو خلق الخلق لعلة وحكمة ومصلحة لكان ناقصًا بدونها مستكملاً بها (1) ؛ لأن الله سبحانه وتعالى له الغنى المطلق، فهو الغني عن كل ما سواه من كل وجه، وكل ما سواه فقير إليه من كل وجه (2) . - القاعدة الرابعة: أن أفعال الله سبحانه وتعالى معللة بالحكم ورعاية المصالح، فجميع الأوامر والنواهي مشتملة على حكم باهرة ومصالح عظيمة، كيف والقرآن والسنة مملوءان من تعليل الأحكام والتنبيه على وجوه الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام ولأجلها خلق تلك الأعيان (3) . فمن الأمثلة على ذلك في القرآن (4) : أنه تارة يذكر ذلك بلام التعليل الصريحة (5) ، كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143] . وتارة يذكر "كي" الصريحة في التعليل، كقوله تعالى: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] . وتارة يذكر «من أجل» الصريحة في التعليل كقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 32] . وتارة يذكر "لعل" المتضمنة للتعليل المجردة عن معنى الرجاء المضاف إلى المخلوق، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] .

_ (1) انظر: المسائل الخمسون" (52) ، "والمواقف" للإيجي (331، 332) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/379) . (3) انظر: "شفاء العليل" لابن القيم (190) ، و"مفتاح دار السعادة" (2/22) ، و"مذكرة الشنقيطي" (275) . (4) انظر: مفتاح دار السعادة" (2/22) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (188 – 196) . (5) أنكر نفاة التعليل أن توجد في القرآن لام تعليل في فعل الله وأمره، وهذا مبني على قولهم: إن الله لا يأمر بشيء لحصول مصلحة ولا دفع مفسدة، بل ما يحصل من مصالح العباد ومفاسدهم لسبب من الأسباب فإنما خلق ذلك عندها لا بها، لا أنه سبحانه يخلق هذا لهذا، وهذا مخالف لمذهب السلف لأن الله أخبر في كتابه أنه فعل كذا لكذا وأنه أمر بكذا لكذا، كقوله تعالى: {ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض} [المائدة: 97] . انظر: "مجموع الفتاوى" (8/377) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (190) .

- القول بأن العلة مجرد علامة محضة لا يصح

وتارة يذكر المفعول له، كقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] . وتارة ينبه على السبب بذكره صريحًا، كقوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 160، 161] . فكان ذكر الشارع للعلة والأوصاف المؤثرة والمعاني المعتبرة في الأحكام القدرية الشرعية والجزئية للدلالة على تعلق الحكم بها أين وجدت، واقتضائها لأحكامها، وعدم تخلفها عنها إلا لمانع يعارض اقتضاءها ويوجب تخلف أثرها، ولتعدية الحكم بتعدي هذه العلل والأوصاف (1) . وتعليل أفعال الله سبحانه لا يلزم منه – على مذهب السلف – القول بأنه يجب على الله رعاية مصالح العباد (2) ؛ ذلك لأن السلف يثبتون لله كمال القدرة والحكمة، ولا يشبهونه بشيء من خلقه، ولأجل ذلك يقولون: إن الله خالق كل شيء ومليكه، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير، ويفعل سبحانه ما يفعل بأسباب ولحكم وغايات محمودة، فله المشيئة العامة، والقدرة التامة، والحكمة البالغة (3) . ولا يجب عليه سبحانه شيء فيما يحكم ويقضي؛ إذ لا يجوز قياسه على خلقه (4) : {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] ، لذا فإن القول: بأن العلة مجرد علامة محضة لا يصح، لكونه مبنيًا على إنكار التعليل في أفعال الله، بل العلة هي الوصف المشتمل على الحكمة الباعثة على تشريع الحكم (5) .

_ (1) انظر: إعلام الموقعين" (1/196، 198) . (2) انظر مسألة رعاية مصالح العباد في: "الفصل" (3/164) ، و"الملل والنحل" (1/56) ، و"منهاج السنة" (1/451) ، و"مجموع الفتاوى" (8/91، 92) ، و"لوامع الأنوار" (1/329) ، و"الحكمة والتعليل في أفعال الله" (115) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/97، 99) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (206) . (4) انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/776) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/485) ، و"مذكرة الشنقيطي" (275) ، وانظر (ص194) من هذا الكتاب فيما يتعلق بتعريف العلة.

- مسالك العلة:

البحث الثالث: مسالك العلة: والمراد بمسالك العلة: طرق إثبات العلة، وهي ما دل على كون الوصف علة. وطرق إثبات العلة هي: النص، والإجماع، والاستنباط. أو يقال مسالك العلة نوعان: مسالك نقلية هي النص والإجماع. ومسالك عقلية هي الاستنباط وما تحته من أضرب (1) . وفيما يأتي بيان موجز لهذه المسالك: المسلك الأول: النص (2) ، ومنه ما هو صريح في العلية، كقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 32] ، وغير ذلك من الألفاظ الدالة على التعليل صراحة. ومنه ما ليس صريحًا في التعليل، وهذا يسمى بالإيماء والتنبيه على العلة (3) . وهو: أن يقترن الحكم بوصفٍ على وجهٍ لو لم يكن علة لكان هذا الاقتران بعيدًا عن الفصاحة ومعيبًا عند العقلاء، وكلام الشارع ينزه عن ذلك. والإيماء والتنبيه أنواع: منها: أن يذكر الحكمُ عقب وصف بالفاء فيدل على أن ذلك الوصف علة لذلك الحكم، كقوله تعالى: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] . ومنها: ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الجزاء، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] ؛ أي: لتقواه.

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/210) ، و"روضة الناظر" (2/257) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/115) ، و"مذكرة الشنقيطي" (252) . (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/210) ، و"روضة الناظر" (2/257) ، و"قواعد الأصول" (88) ، و"مختصر ابن اللحام" (145) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/117) ، و"مذكرة الشنقيطي" (252) . (3) انظر في دلالة الإيماء والتنبيه (ص447) من هذا الكتاب.

المسلك الثاني: الإجماع

ومنها: أن يذكر الحكم مقرونًا بوصف مناسب، كقوله تعالى: {إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13، المطففين: 22] ؛ أي: لبرهم. المسلك الثاني: الإجماع (1) ، والمراد بهذا المسلك: أن تجمع الأمة على أن هذا الحكم علته كذا، كالإجماع على أن الصغر علة الولاية في المال، أو في الإجبار على النكاح. المسلك الثالث: الاستنباط، وهو ثلاثة أنواع: النوع الأول (2) : السبر والتقسيم، وقد يسمى بالسبر فقط، وبالتقسيم فقط، وبهما معًا وهو الأكثر. والسبر والتقسيم مبني على أمرين: (أحدهما: حصر الأوصاف، وهو المعبر عنه بالتقسيم، وذلك كقوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] ، فيقال: لا يخلوا الحال من ثلاثة أمور: الأول: أن يكونوا قد خُلقوا من غير شيء؛ أي: بدون خالق. والثاني: أن يكونوا خلقوا أنفسهم. والثالث: أن يكون خلقهم خالق غير أنفسهم. (والأمر الثاني: إبطال ما هو باطل من الأوصاف المحصورة، وإبقاء ما هو صحيح منها، وهذا ما يعبر عنه بالسبر، فيقال في المثال السابق: لا شك أن القسمين الأولين باطلان ضرورة، والقسم الثالث هو الحق الذي لا شك فيه، فإن الله عز وجل هو خالقهم المستحق وحده للعبادة. وهذا الحصر وما يتبعه من الإبطال متى كان قطعيًا كان التعليل به قطعيًا. ومتى كان ذلك ظنيًا كان التعليل كذلك، وهكذا....

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/265) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/116) ، و"مذكرة الشنقيطي" (254) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/286 - 289) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/142 - 146) ، و"أضواء البيان" (4/368، 369) ، و"مذكرة الشنقيطي" (257 - 259) .

الدوران الوجودي والعدمي

النوع الثاني (1) : الدوران الوجودي والعدمي، ويسمى بالدوران فقط، وبالطرد والعكس. والمراد بهذا المسلك أن اقتران الحكم بوصف ما وجودًا وعدمًا دليل على أنه علته، فلا يكفي اقترانه به في الوجود فقط أو في العدم فقط. وذلك مثل الشدة في الخمر فإنها علة تحرميه. النوع الثالث (2) : المناسبة والإخالة، والمراد بهذا المسلك عند الأصوليين: أن يكون الحكم مقترنًا بوصف مناسب لبناء الحكم عليه، فيجعل هذا الوصف علة لهذا الحكم؛ لاشتمال هذا الوصف على مصلحة معتبرة. وذلك كالإسكار فإنه مناسب للتحريم؛ لأن المنع من الإسكار فيه مصلحة حفظ العقل. وقد تقدم بيان أن الأوصاف منها ما هو مناسب لبناء الحكم عليه، وهو المقصود في هذا المقام؛ إذ الوصف المناسب هو "ما كان في إثبات الحكم عقبه مصلحة" (3) فيدل ذلك على التعليل به. ومن الأوصاف ما لا يكون مناسبًا لبناء الحكم عليه، وهذا ما يسمى بالوصف الطردي، ومن الأوصاف ما هو متردد بين الوصف المناسب والوصف الطردي (4) . والوصف المناسب للعلية ينقسم من حيث اعتبار الشرع له في ربط الأحكام به وعدم اعتباره إلى أربعة أقسام: مؤثر، وملائم، وغريب، ومرسل. لأن الوصف المناسب إما أن يدل الدليل على اعتباره في الحكم، وإما أن يدل على عدم اعتباره فيه، وإما ألا يدل على اعتباره فيه ولا على عدمه، فهذه

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/286 - 289) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/191 - 198) ، و"مذكرة الشنقيطي" (260) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/267 - 281) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/152 - 186) ، و"مذكرة الشنقيطي" (254 - 257) . (3) انظر: "روضة الناظر" (2/268، 269) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/153) . (4) انظر (ص195) من هذا الكتاب.

- حاصل القول في الوصف المناسب

ثلاثة أقسام لا رابع لها، وواحد منها ينقسم إلى قسمين، وهو ما دل الدليل على اعتبار الوصف في الحكم، لأنه مؤثر أو ملائم. (فالمؤثر: ما دل الدليل فيه على اعتبار عين الوصف في عين الحكم، كتعليل ولاية المال بالصغر؛ فإنه اعتبر عين الصغر في عين الولاية في المال إجماعًا، وسُمي هذا القسم مؤثرًا لحصول التأثير فيه عينًا وجنسًا فظهر تأثيره في الحكم. (والملائم: ما دل الدليل على اعتبار جنس الوصف في جنس الحكم، كتأثير القتل بالمثقل في القصاص؛ فإنه اعتبر جنس الجناية في جنس القصاص. وكذلك ما دل الدليل على اعتبار عين الوصف في جنس الحكم، كتقديم الأخ الشقيق على الأخ لأب في الميراث، فاعتبر ذلك في جنس الولاية، ومنها ولاية النكاح. وكذلك ما دل الدليل على اعتبار جنس الوصف في عين الحكم، كتأثير جنس المشقة في إسقاط الصلاة عن الحائض، وفي التخفيف عن المسافر، فاعتبرت هذه المشقة المشتركة في عين إسقاط القضاء عن الحائض. (والغريب: هو ما دل الدليل على عدم اعتبار هذا الوصف في الحكم، وهو المعروف بالمصلحة الملغاة التي أهدرها الشارع. (والمرسل هو ما لم يقم دليل خاص على اعتبار مناسبته أو إهدارها، وهذا ما يعرف بالمصلحة المرسلة (1) . وحاصل القول في الوصف المناسب: - أنه مبني على أن أحكام الله سبحانه مشتملة على مصالح ومنافع (2) . - وأن أحكامه معللة بهذه المصالح (3) . - وأن هذه المصالح ترجع إلى: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال (4) .

_ (1) انظر الكلام على المصلحة المرسلة في (ص 235) من هذا الكتاب. (2) انظر (ص198) من هذا الكتاب. (3) انظر (ص 200) من هذا الكتاب. (4) انظر فيما يتعلق بهذه المصالح الخمس (ص236) من هذا الكتاب.

- وأن هذه المصالح الخمس تكون على ثلاث مراتب (1) : المرتبة الأولى: أن تكون هذه المصلحة في محل الضرورة. المرتبة الثانية: أن تكون هذه المصلحة في محل الحاجة. المرتبة الثالثة: أن تكون هذه المصلحة في محل التحسين. - وأن المعتبر في هذه المصالح غلبة الظن، فقد يقطع بحصول المصلحة كحصول الملك من البيع، وقد يظن كحصول الانزجار بالقصاص عن القتل، وقد يشك، وقد يتوهم. - وأن من شرط اعتبار هذه المصالح أوصافًا مناسبة السلامة من القوادح. - وأن الوصف المناسب قد يكون منصوصًا أو مجمعًا على عليته وهذا هو المؤثر والملائم، وقد لا يكون كذلك كما هو في المناسب المرسل. - وأن الأوصاف منها ما هو مناسب تُناط به الأحكام، وهذا الوصف المناسب منه ما يكون مصلحة ضرورية، أو حاجية، أو تحسينية، فهذه أنواع الوصف على وجه العموم ثم الخصوص.

_ (1) انظر فيما يتعلق بهذه المراتب الثلاث (ص236) من هذا الكتاب.

الفصل الثالث: الأدلة المختلف فيها

الفصل الثالث: الأدلة المختلف فيها وفي هذا الفصل خمسة مباحث: المبحث الأول: الاستصحاب. المبحث الثاني: قول الصحابي. المبحث الثالث: شرع من قبلنا. المبحث الرابع: الاستحسان. المبحث الخامس: المصالح المرسلة.

المبحث الأول: الاستصحاب

المبحث الأول: الاستصحاب وفي هذا المبحث خمس مسائل: المسألة الأولى: تعريف الاستصحاب. المسألة الثانية: أنواع الاستصحاب وحكم كل نوع. المسألة الثالثة: شرط العمل بالاستصحاب. المسألة الرابعة: حكم الأشياء قبل ورود السمع. المسألة الخامسة: هل النافي يلزمه الدليل؟

المسألة الأولى: تعريف الاستصحاب

المسألة الأولى: تعريف الاستصحاب الاستصحاب لغة: طلب الصحبة، وهي الملازمة (1) . وفي اصطلاح الأصوليين: "استدامة إثبات ما كان ثابتًا، أو نفي ما كان منفيًا" (2) . والملاحظ من خلال هذا التعريف أن الاستصحاب: إما أن يكون استدامة إثبات أمر، أو استدامة نفي أمر، فهو استدامة على كلا الحالين. المسألة الثانية: أنواع الاستصحاب وحكم كل نوع إذا أطلق الاستصحاب فالمراد به: البقاء على الأصل فيما لم يُعلم ثبوته وانتفاؤه بالشرع، وهذا يسمى بدليل العقل المبقي على النفي الأصلي (3) ، وهو النوع الأول من أنواع الاستصحاب الآتي بيانها. ولما كان للاستصحاب صور أخرى - اصطلح البعض على إدخالها تحت مسماه - صح بذلك أن يُجعل للاستصحاب أنواع متعددة، وذلك على النحو الآتي: النوع الأول: استصحاب البراءة الأصلية، أو استصحاب دليل العقل، أو استصحاب العدم الأصلي، وذلك مثل نفي وجوب صلاة سادسة (4) . وهذا النوع لا خلاف في اعتباره (5) ، بل جعله البعض من الأدلة المتفق

_ (1) انظر: "القاموس المحيط" (1/95) . (2) انظر: "إعلام الموقعين" (1/339) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (11/342) . (4) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/216) ، و"روضة الناظر" (1/389، 390) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/404) . (5) بشروط يأتي بيانها في المسألة التالية.

- استصحاب دليل الشرع وهو نوعان

عليها (1) . النوع الثاني: استصحاب دليل الشرع، وهذا النوع له فرعان: الأول: استصحاب عموم النص حتى يرد تخصيص. الثاني: استصحاب العمل بالنص حتى يرد ناسخ. والاتفاق واقع على صحة العمل بهذا النوع، إذ الأصل عمومُ النص وبقاء العمل به، لكن وقع نزاع في تسمية ذلك استصحابًا (2) . النوع الثالث: استصحاب حكم دل الشرع على ثبوته واستمراره لوجود سببه حتى يثبت خلافه، كاستمرار المُلْك بعد ثبوته - وذلك لحصول سببه وهو البيع مثلاً - حتى يثبت الناقل والمزيل لهذا الدوام والاستمرار من بيع، أو هبة، أو تنازل. وهذا النوع من الاستصحاب لا نزاع في صحته (3) . النوع الرابع: استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع. مثال ذلك: أن يقال - في الرجل الذي تيمم لعدم الماء ثم رآه بعد دخوله في الصلاة-: أجمع العلماء على صحة ابتداء الصلاة وذلك قبل رؤية الماء فيستصحب هذا الإجماع وينقل إلى موضع النزاع وهو رؤية الماء أثناء الصلاة، فيحكم بصحة صلاته في ابتدائها إجماعًا وفي استمرارها وبقائها استصحابًا لهذا الإجماع. وهذا النوع من الاستصحاب محل خلاف بين العلماء: فالأكثر على أنه ليس بحجة لأنه يؤدي إلى تكافؤ الأدلة؛ إذ يصح لكل من الخصمين أن يستصحب الإجماع في محل النزاع على النحو الذي يوافق مذهبه. ففي المثال المتقدم يقول أحدهما: أجمع العلماء على صحة صلاته قبل رؤية

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/176) ، و"قواعد الأصول" (75، 76) ، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (133) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/391، 392) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/404) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/392) ، و"إعلام الموقعين" (1/339 - 341) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/405) .

المسألة الثالثة: شرط العمل بالاستصحاب

الماء فأنا أستصحب ذلك إلى ما بعد رؤية الماء أثناء الصلاة؛ فتكون صلاته صحيحة. ويقول الآخر: أجمع العلماء على بطلان صلاته -لو صلى- وذلك عند رؤية الماء قبل الصلاة، فأنا أستصحب ذلك إلى أثناء الصلاة؛ فتكون صلاته باطلة (1) . المسألة الثالثة: شرط العمل بالاستصحاب يشترط لصحة العمل بالاستصحاب البحثُ الجاد عن الدليل المغير والناقل، ثم القطع أو الظن بعدمه وانتفائه (2) . وبناء على ذلك: فالعمل بالاستصحاب قد يكون قطعيًّا وقد يكون ظنيًا، وذلك على النحو الآتي: 1- يكون العمل بالاستصحاب قطعيًّا: إذا قُطع بانتفاء الدليل الناقل والمغير، كنفي وجوب صلاة سادسة. 2- يكون العمل بالاستصحاب ظنيًّا: إذا ظن انتفاء الدليل الناقل. وفي المقابل فإن الدليل الناقل إذا علم أو ظن ثبوته ترجح العمل به على العمل بالاستصحاب، وهذا ظاهر حالة الصحابة رضي الله عنهم (3) . وبناء على ذلك: فترك العمل بالاستصحاب قد يكون قطعيًّا، وقد يكون ظنيًا؛ وذلك على النحو الآتي: 3- يكون ترك العمل بالاستصحاب قطعيًّا إذا قُطع بثبوت الدليل الناقل والمغير، كوجوب صيام رمضان.

_ (1) انظر: روضة الناظر" (1/392، 393) ، و"إعلام الموقعين" (1/341 - 344) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/407) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/390، 391) ، و"مجموع الفتاوى" (29/165، 166) ، و"إعلام الموقعين" (1/342) . (3) وذلك مثل أخذ الصحابة رضي الله عنهم بعموم نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير، بل كان ابن الزبير يحرمه على الرجال والنساء، والعمل بهذا النهي راجح على الأخذ بالاستصحاب النافي للتحريم، وقد عمل الصحابة رضي الله عنهم بالراجح؛ فأخذوا النهي وتركوا الاستصحاب. انظر: "مجموع الفتاوى" (13/121، 122) .

- الاستصحاب آخر مدار الفتوى

4- يكون ترك العمل بالاستصحاب ظنيًّا إذا ظن ثبوت الدليل الناقل. فهذه أربع حالات للعمل بالاستصحاب أو تركه. إلا أنه لا بد من ملاحظة الأمور الآتية: أ- أن الاستصحاب آخر مدار الفتوى، إذ لا يُلجأ إليه إلا عند انتفاء جميع الأدلة من الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وغير ذلك مما يصح الاستدلال به. فإذا انتفت هذه الأدلة ولم توجد صح عند ذلك الأخذ بالاستصحاب، ولذلك قال ابن تيمية: "فالاستصحاب في كثير من المواضع من أضعف الأدلة" (1) . ب- أن الاستصحاب قد يوافقه دليل خاص آخر فيقويه، وقد لا يوافقه دليل آخر فيكون مستند الاستصحاب حينئذٍ انتفاء الدليل الناقل، وهذا الانتفاء قد يكون قطعيًا وقد يكون ظنيًا، فيكون الاستصحاب كذلك (2) . جـ- عند العمل بالاستصحاب بناءً على انتفاء الدليل الناقل لا بد من الحذر من تحميل الاستصحاب فوق ما يستحقه. وذلك بتوسعة العمل بالاستصحاب مع وجود النص، فإن كثيرًا ممن توسعوا في الاستصحاب فهموا من النص حكمًا أثبتوه، ولم يبالوا بما وراءه من إشارة وإيماء وإلحاق، وحيث لم يفهموا منه نفوه وحملوا الاستصحاب وجزموا بموجبه لعدم علمهم بالناقل، وعدمُ العلم ليس علمًا بالعدم، وهذا يتأتى غالبًا من نفاة القياس (3) . المسألة الرابعة: حكم الأشياء قبل ورود السمع مذهب أهل السنة في هذه المسألة التوقف، وسيأتي بيان هذه المسألة - إن شاء الله - عند الكلام على الإباحة (4) .

_ (1) "مجموع الفتاوى" (13/112) . وانظر: (23/15، 16) . (2) انظر المصدر السابق (13/121، 122) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (23/16) ، و"إعلام الموقعين" (1/337 - 339) . (4) انظر (ص: 310) من هذا الكتاب.

المسألة الخامسة: هل النافي يلزمه الدليل؟

المسألة الخامسة: هل النافي يلزمه الدليل؟ علاقة هذه المسألة بموضوع الاستصحاب هي أن من نفى حكمًا هل يكفيه كونه نافيًا أو أنه يكلف بإقامة الدليل على ما ادعاه من النفي (1) ؟ الصواب في هذه المسألة أنه لا فرق بين المثبت والنافي، إذ يلزم كل صاحب دعوى إقامة الدليل على دعواه سواء كانت دعواه دعوى نفي أو إثبات (2) . ومن الأدلة على ذلك (3) : 1- قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111] ، فطالب الله سبحانه -وهو أعدل الحاكمين- أصحاب هذه الدعوى بالبرهان والدليل، ودعواهم دعوى نفي. 2- أن المثُبْبِت لا يعجزه أن يعبر عن مذهبه بأسلوب النفي تخلصًا من الدليل، فيقول بدلاً من "عاجز" "غير قادر" وهكذا، ولا شك أن هذا يفضي إلى سقوط الدليل عن الجميع وهو باطل.

_ (1) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (160) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/395) ، و"مجموع الفتاوى" (9/84) ، و"الجواب الصحيح" (4/291) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/525) ، و"مذكرة الشنقيطي" (160) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/396، 397) .

المبحث الثاني: قول الصحابي

المبحث الثاني: قول الصحابي والكلام على هذا المبحث في النقاط الآتية: 1- قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه. 2- قول الصحابي إذا خالفه غيره من الصحابة. 3- قول الصحابي إذا انتشر ولم يخالف. 4- قول الصحابي فيما عدا ذلك. 5- تحرير محل النزاع. 6- قول الصحابي لا يخالف النص. 7- قول الصحابي إذا خالف القياس. 8- الأدلة على حجية قول الصحابي.

- قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه

1- قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه: قول الصحابي فيما لا مجال فيه للرأي والاجتهاد له حكم الرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) في الاستدلال به والاحتجاج، أو يكون ذلك في حكم المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن من باب الرواية بالمعنى؛ فإن الصحابة يروون السنة تارة بلفظها وتارة بمعناها. ولا يصح بناءً على ذلك أن يقال فيه: هذا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (2) . 2- قول الصحابي إذا خالفه غيره من الصحابة: إذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم لم يكن قول بعضهم حجة على بعض، ولم يجز للمجتهد بعدهم أن يقلد بعضهم، بل الواجب في هذه الحالة التخير من أقوالهم بحسب الدليل (3) -عند الأكثر (4) - ولا يجوز الخروج عنها (5) . قال ابن تيمية: "وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء" (6) . 3- قول الصحابي إذا انتشر ولم يخالف: قول الصحابي إذا اشتهر ولم يخالفه أحد من الصحابة صار إجماعًا وحجة

_ (1) قيد ذلك بعضهم بألا يعرف عن الصحابي الأخذ من الإسرائيليات. انظر: "مذكرة الشنقيطي" (165) . (2) انظر: "المسودة" (338) ، و"إعلام الموقعين" (4/153، 154) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/120) ، و"مذكرة الشنقيطي" (165) . (3) انظر: "الرسالة" (596، 597) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/175) ، و"روضة الناظر" (1/406) ، و"إعلام الموقعين (4/119) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/422) . (4) للخطيب البغدادي وابن القيم تفصيل في هذه المسألة، وذلك أن الخطيب البغدادي يرجح بالكثرة والإمامة، وابن القيم يرجح بالإمامة. انظر المصادر السابقة. (5) انظر مسألة إذا اختلف الصحابة على قولين هل يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث فيما مضى من مسائل الإجماع (ص 174، 175) من هذا الكتاب. (6) "مجموع الفتاوى" (20/14) .

- قول الصحابي فيما عدا ذلك (تحريم محل النزاع)

عند جماهير العلماء (1) . قال ابن تيمية: "وأما أقوال الصحابة فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء" (2) . 4- قول الصحابي فيما عدا ذلك "وهذا هو المقصود بحثه في هذا المقام": قول الصحابي إذا لم يخالفه أحد من الصحابة ولم يشتهر بينهم، أو لم يُعلم هل اشتهر أو لا؟ وكان للرأي فيه مجال، فقول الأئمة الأربعة وجمهور الأمة: أنه حجة خلافًا للمتكلمين (3) . قال ابن تيمية: "وإن قال بعضهم قولاً ولم يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر فهذا فيه نزاع، وجمهور العلماء يحتجون به كأبي حنيفة ومالك وأحمد – في المشهور عنه – والشافعي في أحد قوليه، وفي كتبه الجديدة الاحتجاج بمثل ذلك في غير موضع، ولكن من الناس من يقول: هذا هو القول القديم" (4) . 5- تحرير محل النزاع: يمكن تحرير محل النزاع في قول الصحابي من خلال النقاط الماضية فيما يأتي: أ- أن يكون في المسائل الاجتهادية، أما قول الصحابي فيما لا مجال للاجتهاد فيه فله حكم الرفع. ب- ألا يخالفه غيره من الصحابة، فإن خالفه غيره اجتهد في أرجح القولين بالدليل.

_ (1) انظر" المسودة" (335) ، و"إعلام الموقعين" (4/120) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/212، 4/422) ، و"رسالة ابن سعدي" (107) . (2) "مجموع الفتاوى" (20/14) . (3) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/174) ، و"روضة الناظر" (1/403) ، و"إعلام الموقعين" (4/120) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/422) ، و"رسالة ابن سعدي" (107) . (4) "مجموع الفتاوى" (20/14) .

- قول الصحابي لا يخالف النص

جـ- ألا يشتهر هذا القول، فإن اشتهر –ولم يخالفه أحد من الصحابة– كان إجماعًا عند جماهير العلماء. يضاف إلى ذلك شرطان: (أولهما: ألا يخالف نصًا. (ثانيهماً: ألا يكون معارضًا بالقياس. بتلك الضوابط وبهذين الشرطين ذهب الأئمة إلى الاحتجاج بقول الصحابي. 6- قول الصحابي لا يخالف النص: قول الصحابي الذي ذهب الأئمة إلى الاحتجاج به لا يكون مخالفًا للنص، إذ من المستبعد أن يخالف الصحابي نصًا ولا يخالفه صحابي آخر. قال ابن القيم: "من الممتنع أن يقولوا -أي الصحابة- في كتاب الله الخطأ المحض؛ ويمسك الباقون عن الصواب فلا يتكلمون به، وهذه الصورة المذكورة وأمثالها [يعني قول الصحابي المخالف للنص] قد تكلم فيها غيرهم بالصواب. والمحظور إنما هو خلو عصرهم عن ناطق بالصواب، واشتماله على ناطق بغيره فقط، فهذا هو المحال" (1) . فلدينا إذن أمران متلازمان، وهما شرطان وقيدان للاحتجاج بقول الصحابي: الأول: ألا يخالف الصحابي نصًا. والثاني: ألا يخالف الصحابي صحابي آخر. فإن خالف الصحابي نصًا فلا بد أن يخالفه بعضُ الصحابة، فلا يكون حينئذ قول بعضهم حجة؛ إذ كلا القولين يحتمل الصواب. وإن لم يخالف الصحابي أحدٌ من الصحابة فذلك لكونه نطق بالصواب فأمسك بقية الصحابة عن الكلام في المسألة.

_ (1) "إعلام الموقعين" (4/155) .

- قول الصحابي إذا خالف القياس

7- قول الصحابي إذا خالف القياس: قول الصحابي الذي اتفق الأئمة على الاحتجاج به لا يكون مخالفًا للقياس. أما إن كان مخالفًا للقياس: فالأكثر على أنه يحمل على التوقيف؛ لأنه لا يمكن أن يخالف الصحابي القياس باجتهاد من عنده. وقول الصحابي المخالف للقياس – عند هؤلاء – مقدم على القياس؛ لأنه نص والنص مقدم على القياس، وقد تعارض دليلان والأخذ بأقوى الدليلين متعين. وذهب بعض الأئمة إلى أن قول الصحابي لا يكون حجة إذا خالف القياس؛ لأنه قد خالفه دليل شرعي وهو القياس، وهو لا يكون حجة إلا عند عدم المعارض (1) . 8- الأدلة على حجية قول الصحابي: من الأدلة على ذلك: (الدليل الأول: ما ورد من النصوص الدالة على عدالتهم وتزكية الله تعالى لهم وبيان علو منزلتهم (2) ، كقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100] . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (3) . (الدليل الثاني: أن الصحابة -رضي الله عنهم- انفردوا بما جعلهم أبر الأمة قلوبًا وأعمقهم علمًا وأقلهم تكلفًا، فقد خصهم الله بتوقد الأذهان وفصاحة اللسان، فالعربية طبيعتهم وسليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم

_ (1) انظر: "الرسالة" (597، 598) ، و"إعلام الموقعين" (4/156) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/424) . (2) انظر: "الكفاية" (63 – 67) ، و"إعلام الموقعين" (4/123 – 146) . (3) أخرجه البخاري (7/21) برقم (3673) ، ومسلم (16/92) .

وعقولهم، ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل، ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين، بل قد غنوا عن ذلك كله. فليس في حقهم إلا أمران: أحدهما: قال الله تعالى كذا، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا. والثاني: معناه كذا وكذا. وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين، وأحظى الأمة بهما، فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما؛ لذلك كان قولهم أقرب إلى الصواب وأبعد عن الخطأ؛ فإنهم حضروا التنزيل، وسمعوا كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه، وهم أعلم بالتأويل وأعرف بالمقاصد، وأقرب عهدًا بنور النبوة، وأكثر تلقيًا من المشكاة النبوية (1) . (الدليل الثالث: أن فتوى الصحابي لا تخرج عن ستة أوجه (2) : الوجه الأول: أن يكون سمعها من النبي - صلى الله عليه وسلم -. الوجه الثاني: أن يكون سمعها ممن سمعها منه - صلى الله عليه وسلم -، فإن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يهابون الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويعظمونها، ويقللونها خوف الزيادة والنقصان. الوجه الثالث: أن يكون فهمها من آية من كتاب الله فهمًا خفي علينا. الوجه الرابع: أن يكون قد اتفق عليها ملؤهم، ولم ينقل إلينا إلا قول المفتي بها وحده. الوجه الخامس: أن يكون لكمال علمه باللغة ودلالة اللفظ على الوجه الذي انفرد به عنا، أو لقرائن حالية اقترنت بالخطاب، أو لمجموع أمور فهمها على طول الزمان من رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومشاهدة أفعاله، وأحواله، وسيرته، وسماع كلامه، والعلم بمقاصده، وشهود تنزيل الوحي، ومشاهدة تأويله بالفعل، فيكون فهم ما لا نفهمه نحن.

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/405) ، و"إعلام الموقعين" (1/79 – 82، 4/148 – 150) . (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/174) ، و"إعلام الموقعين" (4/148) .

وعلى هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة يجب اتباعها. الوجه السادس: أن يكون فهم ما لم يرده الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأخطأ في فهمه، والمراد غير ما فهمه. وعلى هذا التقدير لا يكون قوله حجة. ومعلوم قطعًا أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين. ****

المبحث الثالث: شرع من قبلنا

المبحث الثالث: شرع من قبلنا والكلام على هذا المبحث في النقاط التالية: 1- وجه اتفاق الشرائع السابقة. 2- وجه اختلاف الشرائع السابقة. 3- الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع السابقة. 4- تحرير محل النزاع في مسألة شرع من قبلنا هل هو شرع لنا؟ 5- حكم الاحتجاج بشرع من قبلنا. 6- الخلاف في شرع من قبلنا خلاف لفظي.

- وجه اتفاق الشرائع السابقة

1- وجه اتفاق الشرائع السابقة: الإسلام دين جميع الأنبياء والمرسلين، وهو الملة التي أمر الأنبياء جميعًا بها، وقد بوب لذلك الإمام البخاري في صحيحه، فقال: "باب ما جاء في أن دين الأنبياء واحد" (1) . وقال ابن تيمية: ".........فصل في توحد الملة وتعدد الشرائع وتنوعها، وتوحد الدين الملي دون الشرعي.... قال الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124] فهذا نص في أنه إمام الناس كلهم. ثم قال: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 135] فأمر باتباع ملة إبراهيم، ونهى عن التهود والتنصر، وأمر بالإيمان الجامع كما أنزل على النبيين وما أوتوه، والإسلام له، وأن نصبغ بصبغة الله، وأن نكون له عابدين" (2) . وقال أيضًا: "والأنبياء كلهم دينهم واحد، وتصديق بعضهم مستلزم تصديق سائرهم، وطاعة بعضهم تستلزم طاعة سائرهم. وكذلك التكذيب والمعصية...... (3) . 2- وجه اختلاف الشرائع السابقة: شرائع الأنبياء مختلفة ومناهجهم متعددة، وذلك في تفاصيل العبادات ومفردات الأحكام. قال ابن تيمية في قوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] : "فأمره أن يحكم بما أنزل الله على من قبله، لكل جعلنا من الرسولين

_ (1) "صحيح البخاري" (6/477) . (2) "مجموع الفتاوى" (19 /106، 107) . (3) المصدر السابق (19/185) .

- الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع السابقة

والكتابين شرعة ومنهاجًا؛ أي: سنة وسبيلاً، فالشرعة: الشريعة وهي السنة، والمنهاج: الطريق والسبيل، وكان هذا بيان وجه تركه لما جُعل لغيره من السنة والمنهاج إلى ما جعل له...." (1) . فالمقصود أن كل نبي إنما تعبده الله بشريعة خاصة به، أما الدين الجامع وهو الإسلام فإنه عام لجميع الأنبياء، وهذا معنى توحد الملة والدين، وتعدد الشرائع والمناهج. 3- الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع السابقة (2) . 4- تحرير محل النزاع في مسألة: شرع من قبلنا هل هو شرع لنا؟: ذلك أن لهذه المسألة طرفين وواسطة (3) . أ- طرف يكون فيه شرع من قبلنا شرعًا لنا إجماعًا. ب- وطرف يكون فيه شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا إجماعًا. جـ- وواسطة هي محل الخلاف. أما الطرف الأول الذي يكون فيه شرع من قبلنا شرعًا لنا إجماعًا، فهو ما ثبت أولاً أنه شرع لمن قبلنا وذلك بطريق صحيح، وثبت ثانيًا أنه شرع لنا. وذلك كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] . وأما الطرف الثاني وهو الذي يكون فيه شرع من قبلنا غير حجة إجماعًا، فهو أحد أمرين: الأول: ما لم يثبت بطريق صحيح أصلاً، كالمأخوذ من الإسرائيليات. والثاني: ما ثبت بطريق صحيح أنه شرع لمن قبلنا وصرح في شرعنا بنسخه كالأصرار والأغلال التي كانت عليهم، كما في قوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ

_ (1) "مجموع الفتاوى" (19/113) . (2) انظر بيان ذلك في: مبحث النسخ (ص 251) من هذا الكتاب. (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/6، 7) ، و"اقتضاء الصراط المستقيم" (1/411، 412) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/412 – 414) ، و"مذكرة الشنقيطي" (161، 162) ، و"رحلة الحج إلى بيت الله الحرام" (112، 113) .

- حكم الاحتجاج بشرع من قبلنا

وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] . والواسطة التي وقع فيها الخلاف هي ما اشتملت على ثلاثة ضوابط: (الأول: أن يثبت أنه شرع لمن قبلنا بطريق صحيح وهو الكتاب والسنة الصحيحة، ويكفي الآحاد في ذلك، فإن ورد بطريق غير صحيح لم يكن شرعًا لنا بلا خلاف. (الثاني: ألا يرد في شرعنا ما يؤيده ويقرره، فإن ورد في شرعنا ما يؤيده كان شرعًا لنا بلا خلاف. (الثالث: ألا يرد في شرعنا ما ينسخه ويبطله، فإن ورد في شرعنا ما ينسخه لم يكن شرعًا لنا بلا خلاف، ومن المعلوم أن ذلك لا يكون في أصول الدين وأمور العقيدة؛ لأنها مما اتفق عليه بين الأنبياء جميعًا كما تقدم. 5- حكم الاحتجاج بشرع من قبلنا: اختلف العلماء في الاحتجاج بشرع من قبلنا، فذهب الأكثر إلى أنه يكون حجة (1) وذلك وفق الضوابط الثلاثة الموضحة في تحرير محل النزاع. ومما يقوي هذا المذهب: "أن الله تعالى أنزل علينا هذا الكتاب العزيز لنعمل بكل ما دل عليه من الأحكام سواء كان شرعًا لمن قبلنا أم لا. والله تعالى ما قص علينا أخبار الماضين إلا لنعتبر بها، فنجتنب الموجب الذي هلك بسببه الهالكون منهم، ونغتنم الموجب الذي نجا بسببه الناجون منهم، وقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ} [يوسف: 111] . والآيات الدالة على الاعتبار بأحوال الماضين كثيرة جدًا كقوله: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الصافات: 137، 138] ، وكقوله: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} [الحجر: 76] ، وكقوله: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} [الحجر: 79] (2) .

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/400) ، "قواعد الأصول" (76) ، و"تفسير ابن كثير" (2/64) ، و"مختصر ابن اللحام" (161) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/412) . (2) "رحلة الحج إلى بيت الله الحرام" (109) .

- الخلاف في شرع من قبلنا خلاف لفظي

6- الخلاف في شرع من قبلنا خلاف لفظي: يمكن رد الخلاف في هذه المسألة إلى اللفظ دون الحقيقة إذا عُلم اتفاق الجميع على تقرير الحقائق التالية: أ- وجوب العمل بجميع نصوص الكتاب والسنة. ب- أن شريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ناسخة لجميع الشرائع، يوضح ذلك: جـ- أن العمل بشرع من قبلنا من حيث كونه شرعًا للأنبياء السابقين لا يجوز عند الجميع. ومن ذهب إلى تصحيح العمل بشرع من قبلنا فذلك من حيث كونه شرعًا لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - (1) ، يوضحه: د- أن شرط العمل بشرع من قبلنا عند القائلين بحجيته أن يثبت كونه شرعًا لمن قبلنا بطريق صحيح وهو: الكتاب والسنة الصحيحة، كما سبق التنبيه على ذلك عند تحرير محل النزاع. ****

_ (1) انظر: "المسودة" (185) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/413) ، و"رحلة الحج إلى بيت الله الحرام" (109) .

المبحث الرابع: الاستحسان

المبحث الرابع: الاستحسان والكلام على هذا المبحث في ثلاث نقاط: 1- معنى الاستحسان عند الأصوليين. 2- موقف الإمام الشافعي من الاستحسان. 3- موقف الإمام أبي حنيفة من الاستحسان.

- معنى الاستحسان عند الأصوليين ومثاله

1- معنى الاستحسان عند الأصوليين: الاستحسان (1) يطلق على عدة معانٍ، بعضها صحيح اتفاقًا، وبعضها باطل اتفاقًا. فالمعنى الصحيح باتفاق هو أن الاستحسان: ترجيح دليل على دليل، أو هو العمل بالدليل الأقوى أو الأحسن (2) . وهذا ما يعبر عنه بـ"العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل شرعي خاص" (3) . أما المعنى الباطل للاستحسان فهو: "ما يستحسنه المجتهد بعقله" (4) ؛ يعني: بهواه وعقله المجرد دون استناد إلى شيء من أدلة الشريعة المعتبرة. وإذا تبين أن للاستحسان معنيين متقابلين أحدهما صحيح اتفاقًا والآخر باطل اتفاقًا فلا بد من التنبيه على ما يأتي: (أولاً: أن لفظ الاستحسان من الألفاظ المجملة، فلا يصح لذلك إطلاق الحكم عليه بالصحة أو البطلان. (ثانيًا: أن من أثبت الاستحسان من أهل العلم وأخذ به فإنما أراد المعنى الصحيح قطعًا. (ثالثًا: أن من أنكر الاستحسان من أهل العلم وشنع على من قال به فإنما أراد المعنى الباطل قطعًا.

_ (1) مثال الاستحسان: جواز دخول الحمام من غير تقدير أجرة، والقياس أن تكون الأجرة مقدرة، فالاستحسان هو العدول عن القياس. انظر: "روضة الناظر" (1/409) ، و"مجموع الفتاوى" (4/46) . (2) قال ابن تيمية: "ولفظ الاستحسان يؤيد هذا؛ فإنه اختيار الأحسن" "المسودة" (454) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/407) ، و"قواعد الأصول" (77) ، و"مختصر ابن اللحام" (162) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/431) . (4) انظر: "روضة الناظر" (1/408) ، و"قواعد الأصول" (77) ، و"مختصر ابن اللحام" (162) .

- موقف الإمام الشافعي من الاستحسان

(رابعًا: أن العمل بالاستحسان بالمعنى الصحيح أمر متفق على صحته، إذ لا نزاع في وجوب العمل بالدليل الراجح، وإنما اختُلف في تسمية ذلك استحسانًا. (خامسًا: أن العمل بالاستحسان بالمعنى الباطل أمر متفق على تحريمه، إذ الأمة مجمعة على تحريم القول على الله بدون دليل، ولا شك أن ما يستحسنه المجتهد بعقله وهواه من قبيل القول على الله بدون دليل فيكون محرمًا. 2- موقف الإمام الشافعي من الاستحسان: أنكر الإمام الشافعي القول بالاستحسان وبالغ في رده. فمن ذلك قوله: "من استحسن فقد شرع" (1) . ووجهة نظر الشافعي تتضح في قوله الآتي: ".....ولا أن يفتي إلا من جهة خبر لازم، وذلك الكتاب، ثم السنة، أو ما قاله أهل العلم لا يختلفون فيه، أو قياس على بعض هذا. ولا يجوز أن يحكم ولا يفتي بالاستحسان؛ إذ لم يكن الاستحسان واجبًا ولا في واحد من هذه المعاني" (2) . ومن هذا النص يتبين لنا أن الشافعي إنما ينكر الاستحسان الذي لا يعتمد على شيء من الأدلة الشرعية: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس. وهذا حق بلا ريب إذ العلماء قاطبة مجمعون على تحريم القول في دين الله بلا علم، لا فرق في ذلك بين العالم والجاهل؛ إذ الجميع لم يرجع فيما قال إلا إلى هواه ونفسه، وهذا عين المحظور (3) . وفي ذلك يقول الشافعي: "....لا أعلم أحدًا من أهل العلم رخص لأحد من أهل العقول والآداب في أن يفتي ولا يحكم برأي نفسه إذا لم يكن عالمًا بالذي تدور عليه أمور القياس من الكتاب والسنة والإجماع والعقل" (4) .

_ (1) انظر: "المستصفى" (247) . (2) "إبطال الاستحسان" (29) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/409، 410) . (4) "إبطال الاستحسان" (37) .

- موقف الإمام أبي حنيفة من الاستحسان

ويجلي ابن القيم موقف الإمام الشافعي، فيقول: "الشافعي يبالغ في رد الاستحسان، وقد قال به في مسائل: أحدها: أنه استحسن في المتعة في حق الغني أن يكون خادمًا، وفي حق الفقير مقنعة (1) ، وفي حق المتوسط ثلاثين درهمًا" (2) . وبذلك يتبين أن الشافعي إنما أنكر الاستحسان بمعنى القول بدون علم بالهوى والتشهي، أما إن كان الاستحسان بمعنى يوافق الكتاب والسنة، فإن الشافعي نفسه يقول به على النحو الذي يذكره ابن القيم. 3- موقف الإمام أبي حنيفة من الاستحسان: نسب إلى الإمام أبي حنيفة القول بالاستحسان الذي بمعنى القول بدون علم، وهذه النسبة باطلة لا تصح، إذ العلماء كافة مجمعون على تحريم القول بدون علم، بل إن أبا يوسف (3) يقول عن أبي حنيفة لما رحل بعد موته إلى الحجاز واستفاد سننًا لم تكن معلومة عندهم في الكوفة: "لو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت". وذلك لعلم أبي يوسف بأن صاحبه ما كان يقصد إلا اتباع الشريعة، لكن قد يكون عند غيره من علم السنن ما لم يبلغه (4) . فالمقصود أن أبا حنيفة يقول بالاستحسان الذي بمعنى تقديم النص على القياس، وهذا حق، وهو ينكر الأخذ بالاستحسان الذي بمعنى العمل بالرأي في مقابلة النص (5) .

_ (1) المقنعة والقناع: ما تتقنع به المرأة من ثوب تغطي به رأسها ومحاسنها. انظر: "لسان العرب" (8/300) . (2) "بدائع الفوائد" (4/32) . (3) هو: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، أبو يوسف القاضي، صاحب أبي حنيفة، أخذ عن أبي حنيفة وولي القضاء لثلاثة من الخلفاء: المهدي والهادي، والرشيد، وقيل: إنه أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة، وقد بث علم أبي حنيفة في الأقطار، من كتبه "الأمالي"، و"الخراج"، توفي سنة (182هـ) . انظر: "تاج التراجم" (315) ، و"شذرات الذهب" (1/298) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (4/74) . (5) مما يدل على ذلك قول أبي حنيفة: "لا تأخذوا بمقاييس زفر، فإنكم إن أخذتم بمقاييسه حرمتم الحلال وحللتم الحرام". "مجموع الفتاوى" (4/47) .

المبحث الخامس: المصالح المرسلة

المبحث الخامس: المصالح المرسلة وفي هذا المبحث تمهيد وست مسائل: المسألة الأولى: تعريف المصلحة المرسلة. المسألة الثانية: أقسام المصلحة المرسلة. المسألة الثالثة: حكم الاحتجاج بالمصلحة المرسلة. المسألة الرابعة: ضوابط الأخذ بالمصلحة المرسلة عند القائلين بها. المسألة الخامسة: أدلة اعتبار المصلحة المرسلة. المسألة السادسة: سد الذرائع وإبطال الحيل.

التمهيد

التمهيد وفيه أمران: الأمر الأول: أوجه التلازم بين المصلحة والشريعة: وبيان ذلك في أمور أربعة بعضها مبني على بعض (1) : (الأمر الأول: أن هذه الشريعة مبنية على تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم في الدنيا والآخرة، فالشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة. وهذا الأصل شامل لجميع الشريعة لا يشذ عنه شيء من أحكامها. (الأمر الثاني: أن هذه الشريعة لم تهمل مصلحة قط، فما من خير إلا وقد حثنا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما من شر إلا وحذرنا منه. (الأمر الثالث: إذا عُلم ذلك فلا يمكن أن يقع تعارض بين الشرع والمصلحة، إذ لا يتصور أن ينهى الشارع عما مصلحته راجحة أو خالصة، ولا أن يأمر بما مفسدته راجحة أو خالصة. (الأمر الرابع: إذا عُلم ذلك فمن ادعى وجود مصلحة لم يرد بها الشرع فأحد الأمرين لازم له: إما أن الشرع دل على هذه المصلحة من حيث لا يعلم هذا المدعي. وإما أن ما اعتقده مصلحة ليس بمصلحة، فإن بعض ما يراه الناس من الأعمال مقربًا إلى الله ولم يشرعه الله فإنه لا بد أن يكون ضرره أعظم من نفعه، وإلا فلو كان نفعه أعظم لم يهمله الشارع.

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (11/344، 345، 13/96) ، و"مفتاح دار السعادة" (2/14، 22) ، و"إعلام الموقعين" (3/3) ، و"القواعد والأصول الجامعة" (5) .

- أقسام مطلق المصلحة

الأمر الثاني: أقسام مطلق المصلحة (1) : تنقسم المصلحة (2) بالإضافة إلى شهادة الشرع إلى ثلاثة أقسام: مصلحة معتبرة شرعًا، ومصلحة ملغاة شرعًا، ومصلحة مسكوت عنها. أ- أما المصلحة المعتبرة شرعًا: فهي المصلحة الشرعية التي جاءت الأدلة الشرعية بطلبها من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس، وذلك كالصلاة. ب- وأما المصلحة الملغاة شرعًا: فهي المصلحة التي يراها العبد - بنظره القاصر - مصلحة ولكن الشرع ألغاها وأهدرها ولم يلتفت إليها، بل جاءت الأدلة الشرعية بمنعها والنهي عنها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، وذلك كالمصلحة الموجودة في الخمر. فهذا النوع من المصالح في نظر الشارع يعتبر مفسدة، وتسميته مصلحة باعتبار الجانب المرجوح أو باعتبار نظر العبد القاصر، ثم هي موصوفة بكونها ملغاة من جهة الشرع. جـ- وأما المصلحة المسكوت عنها: فهي التي لم يرد في اعتبارها أو إبطالها دليلٌ خاص من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، لكنها لم تخل عن دليل عام كلي يدل عليها، فهي إذن لا تستند إلى دليل خاص معين، بل تستند إلى مقاصد الشريعة وعموماتها، وهذه تسمى بالمصلحة المرسلة. وإنما قيل لها مرسلة لإرسالها؛ أي: إطلاقها عن دليل خاص يقيد ذلك الوصف بالاعتبار أو بالإهدار. المسألة الأولى:تعريف المصلحة المرسلة (3) مما مضى يمكن تعريف المصلحة المرسلة بأنها:

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/412) ، و"مختصر ابن اللحام" (162) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/433) ، و"مذكرة الشنقيطي" (168) ، و"المصالح المرسلة" للشنقيطي (8، 15) . (2) المصلحة: ضد المفسدة، وهي: جلب المنفعة أو دفع المضرة. انظر: "مجمل اللغة" (1/539) ، و"روضة الناظر" (1/412) .. (3) انظر: "روضة الناظر" (1/413) ، و"مذكرة الشنقيطي" (168، 169) ، و"المصالح المرسلة" (15) .

المسألة الثانية: أقسام المصلحة المرسلة

"ما لم يشهد الشرع لاعتباره ولا لإلغائه بدليل خاص"، وتسمى بالاستصلاح وبالمناسب المرسل. المسألة الثانية: أقسام المصلحة المرسلة أولاً: تنقسم المصلحة المرسلة باعتبار الأصل الذي تعود عليه بالحفظ إلى خمسة أقسام (1) : 1- مصلحة تعود إلى حفظ الدين. 2- مصلحة تعود إلى حفظ النفس. 3- مصلحة تعود إلى حفظ العقل. 4- مصلحة تعود إلى حفظ النسب. 5- مصلحة تعود إلى حفظ المال. وهذه الأمور الخمسة تسمى: "بالضروريات الخمس، وبمقاصد الشريعة، وهي الأمور التي عُرف من الشارع الالتفات إليها في جميع أحكامه، ويستحيل أن يفوتها في شيء من أحكامه، بل جميع التكاليف الشرعية تدور حولها بالحفظ والصيانة. والدليل على ذلك: هو الاستقراء التام الحاصل بتتبع نصوص الكتاب والسنة وقرائن الأحوال وتفاريق الأمارات (2) . ثانيًا: تنقسم المصلحة المرسلة أيضًا إلى ثلاثة أقسام، وذلك باعتبار قوتها (3) :

_ (1) انظر: "منهج التشريع الإسلامي وحكمته" (17 - 24) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/414، 415) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/159 - 160) ، و"منهج التشريع الإسلامي وحكمته" (17) ، و"المصالح المرسلة" للشنقيطي (15) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/412 - 414) ، و"المصالح المرسلة" للشنقيطي (6) ، و"مذكرة الشنقيطي" (169) ، "شرح الكوكب المنير" (4/ 159- 166) . "منهج التشريع الإسلامي وحكمته" (16- 24) .

المسألة الثالثة: حكم الاحتجاج بالمصلحة المرسلة

(القسم الأول: المصلحة الضرورية، وتسمى درء المفاسد، وهي: ما كانت المصلحة فيها في محل الضرورة بحيث يترتب على تفويت هذه المصلحة تفويت شيء من الضروريات أو كلها، وهذه أعلى المصالح، وذلك كتحريم القتل، ووجوب القصاص. (القسم الثاني: المصلحة الحاجية، وتسمى جلب المصالح، وهي: ما كانت المصلحة فيها في محل الحاجة لا الضرورة فيحصل بتحقيق هذه المصلحة التسهيل وتحصيل المنافع، ولا يترتب على فواتها فواتُ شيء من الضروريات، وذلك كالإجارة والمساقاة. (القسم الثالث: المصلحة التحسينية، وتسمى التتميمات، وهي: ما ليس ضروريًا ولا حاجيًا، ولكنها من باب الجري على مكارم الأخلاق واتباع أحسن المناهج، وذلك كتحريم النجاسات. المسألة الثالثة: حكم الاحتجاج بالمصلحة المرسلة جلب المصالح ودرء المفاسد أصل متفق عليه بين العلماء، لكنهم اختلفوا في المصلحة المرسلة. فمن رأى أنها من باب جلب المصالح ودرء المفاسد اعتبرها دليلاً واحتج بها، ومن رأى أنها ليست من هذا الباب، بل رأي أن المصلحة المرسلة من باب وضع الشرع بالرأي وإثبات الأحكام بالعقل والهوى قال: إنها ليست من الأدلة الشرعية وأنه لا يجوز الاحتجاج بها ولا الالتفات إليها (1) . قال الشيخ الشنقيطي: "فالحاصل أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يتعلقون بالمصالح المرسلة التي لم يدل دليل على إلغائها، ولم تعارضها مفسدة راجحة أو مساوية. وأن جميع المذاهب يتعلق أهلها بالمصالح المرسلة، وإن زعموا التباعد منها.

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (11/34، 344) .

المسألة الرابعة: ضوابط الأخذ بالمصلحة المرسلة عند القائلين بها

ومن تتبع وقائع الصحابة وفروع المذاهب علم صحة ذلك. ولكن التحقيق أن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه التحفظ وغاية الحذر حتى يتحقق صحة المصلحة وعدم معارضتها لمصلحة أرجح منها، أو مفسدة أرجح منها أو مساوية لها، وعدم تأديتها إلى مفسدة في ثاني حال" (1) . وبذلك يتبين أن الخلاف في الاحتجاج بالمصلحة المرسلة خلاف لفظي؛ لأن الجميع متفق على أن تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها أصل شرعي ثابت إلا أن الخلاف وقع في تسمية العمل بهذا الأصل والالتفات إلى تحقيقه - فيما لم يرد باعتباره أو إلغائه دليل خاص - مصلحة مرسلة (2) . فبعضهم يسمي ذلك مصلحة مرسلة، وبعضهم يسمي ذلك قياسًا (3) ، أو عمومًا، أو اجتهادًا، أو عملاً بمقاصد الشريعة. ومما يقرر كون الخلاف لفظيًا أن المثبتين للمصلحة المرسلة إنما يقولون بها وفق الضوابط الآتية: المسألة الرابعة: ضوابط الأخذ بالمصلحة المرسلة عند القائلين بها الأول: ألا تكون المصلحة مصادمة لنص أو إجماع (4) . الثاني: أن تعود على مقاصد الشريعة بالحفظ والصيانة (5) .

_ (1) "المصالح المرسلة للشنقيطي" (21) . وانظر: "مذكرة الشنقيطي" (170) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/415) ، و"مجموع الفتاوى" (11/343) ، و"قواعد الأصول" (78) ، و"مختصر ابن اللحام" (163) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/433) ، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (138) ، و"المصالح المرسلة" للشنقيطي (10) . (3) الفرق بين القياس والمصلحة المرسلة أن القياس يرجع إلى أصل معين بخلاف المصلحة فإنها لا ترجع إلى أصل معين، بل إلى أصل كلي. انظر: "شرح الكوكب المنير" (4/170) . (4) انظر: "المصالح المرسلة" للشنقيطي (21) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (11/343) .

- هل توجد مصلحة خالصة أو مفسدة خالصة؟

الثالث: ألا تكون المصلحة في الأحكام التي لا تتغير، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود، والمقدرات الشرعية، ويدخل في ذلك الأحكام المنصوص عليها، والمجمع عليها، وما لا يجوز فيه الاجتهاد (1) . الرابع: ألا تعارضها مصلحة أرجح منها أو مساوية لها، وألا يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها (2) . قال ابن القيم: "فالأعمال إما أن تشتمل على مصلحة خالصة أو راجحة، وإما أن تشتمل على مفسدة خالصة أو راجحة، وإما أن تستوي مصلحتها ومفسدتها. فهذه أقسام خمسة: منها أربعة تأتي بها الشرائع. فتأتي بما مصلحته خالصة أو راجحة آمرة به أو مقتضية له. وما مفسدته خالصة أو راجحة فحكمها فيه النهي عنه وطلب إعدامه. فتأتي بتحصيل المصلحة الخالصة والراجحة أو تكميلها بحسب الإمكان، وتعطيل المفسدة الخالصة أو الراجحة أو تقليلها بحسب الإمكان. فمدار الشرائع والديانات على هذه الأقسام الأربعة" (3) .

_ (1) انظر: "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (1/330، 331) . (2) انظر: "المصالح المرسلة" للشنقيطي (21) . (3) "مفتاح دار السعادة (2/14) . وقد ذكر ابن القيم في هذا المقام مسألتين: الأولى: في وجود المصلحة الخالصة والمفسدة الخالصة، انتهى فيها إلى قوله: "وفصل الخطاب في المسألة إذا أريد بالمصلحة الخالصة أنها في نفسها خالصة من المفسدة لا يشوبها مفسدة فلا ريب في وجودها، وإن أريد بها المصلحة التي لا يشوبها مشقة ولا أذى في طريقها والوسيلة إليها ولا في ذاتها فليست موجودة بهذا الاعتبار) . والمسألة الثانية: في وجود ما تساوت مصلحته ومفسدته، اختار فيها عدم وجود هذا القسم في الشريعة وإن حصره التقسيم، ذلك لأن الشيء إما أن يكون حصوله أولى بالفاعل وهو راجح المصلحة، وإما أن يكون عدمه أولى به وهو راجح المفسدة.

المسألة الخامسة: أدلة اعتبار المصلحة المرسلة

المسألة الخامسة: أدلة اعتبار المصلحة المرسلة من الأدلة على اعتبار المصلحة المرسلة (1) : أ- عمل الصحابة -رضي الله عنهم- بها في وقائع كثيرة مشتهرة (2) . ب- أن العمل بالمصالح المرسلة مما لا يتم الواجب إلا به فيكون واجبًا (3) . وذلك أن المحافظة على مقاصد الشريعة الخمسة ثبت بالاستقراء اعتبارها ووجوبها، وهذه المحافظة إنما تتم بالأخذ بالمصلحة المرسلة وبناء الأحكام عليها. المسألة السادسة: سد الذرائع وإبطال الحيل مما يدخل تحت الضابط الرابع من ضوابط الأخذ بالمصلحة المرسلة -السابق ذكرها (4) - ألا يؤدي العمل بها إلى مفسدة أرجح منها أو مساوية لها في المآل وثاني الحال. والمقصود بهذا القيد التنبيه على أصلين من أصول الشريعة وقواعدها الكلية، هذان الأصلان هما سد الذرائع وإبطال الحيل: لقد جاءت هذه الشريعة بسد الذرائع وهو تحريم ما يتذرع ويتوصل بواسطته إلى الحرام، كما جاءت بإبطال الحيل التي تفتح باب الحرام.

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/415) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/170) ، و"المصالح المرسلة" للشنقيطي (21، 22) . (2) من الأمثلة على ذلك تولية أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه الخلافة من بعده، وتدوين الدواوين في عهد عمر رضي الله عنه، واتخاذه أيضًا دارًا للسجن بمكة. انظر: "المصالح المرسلة" للشنقيطي (11، 12) ، و"رحلة الحج إلى بيت الله الحرام" (175، 176) . (3) انظر (ص 298) من هذا الكتاب فيما يتعلق بمسألة «ما لا يتم الواجب إلا به» . (4) انظر (ص 238، 239) من هذا الكتاب.

قال ابن القيم: " وإذا تدبرت الشريعة وجدتها قد أتت بسد الذرائع إلى المحرمات، وذلك عكس باب الحيل الموصلة إليها. فالحيل وسائل وأبواب إلى المحرمات، وسد الذرائع عكس ذلك، فبين البابين أعظم التناقض. والشارع حرم الذرائع وإن لم يقصد بها المحرم لإفضائها إليه، فكيف إذا قصد بها المحرم نفسه" (1) ؛ يعني: بذلك الحيل. مثال سد الذرائع: نهي الله عن سب آلهة المشركين مع كون ذلك أمرًا واجبًا من مقتضيات الإيمان بألوهيته سبحانه، وذلك لكون هذا السب ذريعة إلى أن يسبوا الله سبحانه وتعالى عدوًا وكفرًا على وجه المقابلة (2) . قال تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] . ومثال الحيل المحرمة التي يتوصل بها إلى فعل الحرام: فعل بني إسرائيل لما حرم عليهم صيد الحيتان يوم السبت، إذ نصبوا البرك والحبائل للحيتان قبل يوم السبت، فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل، فلما انقضى السبت أخذوها، فمسخهم إلى صورة القردة (3) . قال تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163] . وعلاقة سد الذرائع وإبطال الحيل بالمصلحة يجليه ابن القيم بقوله: "وبالجملة فالمحرمات قسمان: مفاسد، وذرائع موصلة إليها مطلوبة الإعدام، كما أن المفاسد مطلوبة الإعدام. والقربات نوعان: مصالح للعباد، وذرائع موصلة إليها.

_ (1) "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (1/361) . (2) انظر المصدر السابق. (3) انظر: "إعلام الموقعين" (3/162) ، و"تفسير ابن كثير" (1/109) .

ففتح باب الذرائع في النوع الأول كسد باب الذرائع في النوع الثاني، وكلاهما مناقض لما جاءت به الشريعة، فبين باب الحيل وباب سد الذرائع أعظم التناقض. وكيف يظن بهذه الشريعة العظيمة الكاملة التي جاءت بدفع المفاسد وسد أبوابها وطرقها أن تجوز فتح باب الحيل وطرق المكر على إسقاط واجباتها واستباحة محرماتها، والتذرع إلى حصول المفاسد التي قصدت دفعها" (1) . ****

_ (1) "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" (1/370) ، وانظر: "إعلام الموقعين" (3/135) بخصوص سد الذرائع، وبخصوص تحريم الحيل انظر (3/159) منه.

الفصل الرابع: النسخ والتعارض والترجيح وترتيب الأدلة

الفصل الرابع: النسخ والتعارض والترجيح وترتيب الأدلة وفي هذا الفصل أربعة مباحث: المبحث الأول: النسخ. المبحث الثاني: التعارض. المبحث الثالث: الترجيح. المبحث الرابع: ترتيب الأدلة.

المبحث الأول: النسخ

المبحث الأول: النسخ وفي هذا المبحث خمس مسائل: المسألة الأولى: تعريف النسخ. المسألة الثانية: شروط النسخ. المسألة الثالثة: حكم النسخ والحكمة منه. المسألة الرابعة: أقسام النسخ. المسألة الخامسة: الزيادة على النص.

المسألة الأولى: تعريف النسخ

المسألة الأولى: تعريف النسخ النسخ لغة (1) : النقل، يقال: نسخت الكتاب؛ أي: نقلته. والنسخ الإزالة: يقال نسخت الشمس الظل؛ أي: أزالته. (وفي اصطلاح المتقدمين - عند السلف - معناه: البيان (2) . فيشمل تخصيص العام (3) ، وتقييد المطلق، وتبيين المجمل، ورفع الحكم بجملته وهو ما يعرف - عند المتأخرين - بالنسخ. قال ابن القيم: "قلت: مراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ: رفع الحكم بجملته تارة -وهو اصطلاح المتأخرين- ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة، إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه، حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخًا لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد. فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو: بيان المراد بغير ذلك اللفظ بل بأمر خارج عنه ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يحصى، وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر" (4) . (والنسخ في اصطلاح المتأخرين (5) : "رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخٍ عنه"، أو يقال: "رفع الحكم الشرعي بخطاب متراخٍ"، لأن الحكم

_ (1) انظر: "المصباح المنير" (602، 603) . (2) انظر: "الاستقامة" (1/23) ، و"مجموع الفتاوى" (13/29، 272، 14/101) ، و"إعلام الموقعين" (1/35، 2/316) . (3) انظر (ص 421، 322) من هذا الكتاب فيما يتعلق بالفرق بين التخصيص والنسخ. (4) "إعلام الموقعين" (1/35) . (5) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/80) ، و"روضة الناظر" (1/190) ، و"قواعد الأصول" (71) ، و"مختصر ابن اللحام" (136) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/526) ، و"مذكرة الشنقيطي" (66) .

الثابت بخطاب متقدم إنما هو الحكم الشرعي. وقد اشتمل هذا التعريف على القيود الآتية (1) : الأول: أن النسخ رفْع لأصل الحكم وجملته بحيث يبقى الحكم بمنزلة ما لم يُشرع ألبتة، وليس تقييدًا أو استثناءً أو تخصيصًا. الثاني: أن النسخ رفع للحكم الشرعي الثابت بخطاب متقدم، وليس رفعًا لحكم البراءة الأصلية الثابت بدليل العقل، كإيجاب الصلاة فإنه رافع لحكم البراءة الأصلية وهو عدم وجوبها، فهذا لا يسمى نسخًا. الثالث: أن النسخ رفع للحكم الشرعي بخطاب شرعي ثان، وهذا احتراز عما رفع بغير خطاب؛ كزوال الحكم الشرعي بالموت، أو الجنون، ونحو ذلك. الرابع: أن النسخ رفع بخطاب شرعي ثانٍ متراخٍ عن الخطاب الأول، أما إذا اتصل الخطاب الثاني بالخطاب الأول ولم يتراخ عنه فإنه يكون تخصيصًا له وبيانًا ولا يكون نسخًا، كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] ، فالتقييد بالمستطيع ليس نسخًا لوجوب الحج على الناس: المستطيع منهم وغير المستطيع؛ إنما هو استثناء وتخصيص. وهذه القيود إن وجدت، وُجدتْ حقيقةُ النسخ ومعناه، أما إذا اختل شيء من هذه القيود فإن حقيقة النسخ ترتفع، وهذه الحالة: * إما أن تكون تقييدًا وبيانًا: وذلك إذا لم يرفع أصلُ الحكم وجملتُه بل رُفع بعضه أو تغيرت صفته بزيادة شرط، أو قيد، أو مانع. * أو حكمًا جديدًا: وذلك إذا لم يكن المرفوع حكمًا شرعيًا، بل كان المرفوع حكم البراءة الأصلية. * أو إسقاطًا وإلغاءً: وذلك إذا ارتفع الحكم بدون خطاب ثانٍ بل ارتفع بسبب الموت ونحوه.

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/80) ، و"روضة الناظر" (1/190 – 193) ، و"قواعد الأصول" (71) ، و"إعلام الموقعين" (2/316، 317، 319) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/527، 528) ، و"مذكرة الشنقيطي" (66، 67) .

المسألة الثانية: شروط النسخ

* أو بيانًا وتخصيصًا: وذلك إذا لم يحصل التراخي بين الخطابين بل كانا متصلين. المسألة الثانية: شروط النسخ يشترط في صحة النسخ الشروط الآتية: * الشرط الأول: أن توجد حقيقة النسخ ومعناه، وقد تقدم بيان ذلك في المسألة السابقة. * الشرط الثاني: أن يكون الناسخ وحيًا، من كتاب أو سنة (1) . والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15] . وبذلك يعلم: (أن النسخ بمجرد الإجماع لا يجوز؛ فإن الإجماع لا ينعقد إلا بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، وبعد وفاته ينقطع النسخ لأنه تشريع، ولا تشريع ألبتة بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - (2) . (وإذا وجد في كلام العلماء أن الإجماع نسخ نصًّا، فالمراد بالإجماع الناسخ، النص الذي استند إليه الإجماع لا نفس الإجماع، فيكون من قبيل نسخ النص بنص مثله (3) .

_ (1) انظر: "أضواء البيان" (3/361) . (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/86، 123) ، و"روضة الناظر" (1/229، 230) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/570) ، و"أضواء البيان" (3/361، 362) ، و"مذكرة الشنقيطي" (88) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/229، 230) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/570) ، و"أضواء البيان" (3/362) ، و"مذكرة الشنقيطي" (88) .

- لا يشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ أو في مرتبته، وبيان غلط الأصوليين في هذا من وجهين

(وأن النسخ لا يجوز بالقياس؛ لأن القياس إنما يعتبر فيما لا نص فيه وحيث وجد النص بطل القياس المخالف له (1) . (وأنه لا يجوز النسخ بأدلة العقل؛ لأن دليل العقل ضربان: ضرب لا يجوز أن يرد الشرع بخلافه فلا يتصور نسخ الشرع به. وضرب يجوز أن يرد الشرع بخلافه –وهو البقاء على حكم الأصل– فهذا إنما يجب العمل به عند عدم الشرع (2) . ولا يشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ، أو في مرتبته، بل يكفي أن يكون الناسخ وحيًا صحيح الثبوت (3) خلافًا لما ذهب إليه الأصوليون من قولهم: "لا يجوز نسخ المتواتر بالآحاد، لأن المتواتر أقوى من الآحاد والأقوى لا يرفع بما هو دونه" (4) . ويمكن بيان غلط الأصوليين في هذا من وجهين: الوجه الأول: ما ذكره الشيخ محمد الأمين الشنقيطي إذ يقول: "أما قولهم: إن المتواتر أقوى من الآحاد، والأقوى لا يرفع بما هو دونه فإنهم قد غلطوا فيه غلطًا عظيمًا مع كثرتهم وعلمهم، وإيضاح ذلك: أنه لا تعارض ألبتة بين خبرين مختلفي التاريخ؛ لإمكان صدق كل منهما في وقته، وقد أجمع جميع النظار أنه لا يلزم التناقض بين القضيتين إلا إذا اتحد زمنهما، أما إن اختلفا فيجوز صدق كل منهما في وقتها (5) . فلو قلت: النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى بيت المقدس، وقلت أيضًا: لم يصل إلى بيت المقدس، وعنيت بالأولى ما قبل النسخ، وبالثانية ما بعده؛ لكانت كل منهما صادقة في وقتها" (6) .

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/86) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/571 – 573) ، و"مذكرة الشنقيطي" (88، 89) . (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/123) . (3) انظر: "أضواء البيان" (2/250، 251) ، و"مذكرة الشنقيطي" (86) . (4) انظر على سبيل المثال: "الإحكام" للآمدي (3/134) . (5) انظر (ص 286) من هذا الكتاب. (6) "مذكرة الشنقيطي" (86) .

- طرق معرفة النسخ

الوجه الثاني: "أن الناسخ في الحقيقة إنما جاء رافعًا لاستمرار حكم المنسوخ ودوامه، وذلك ظني وإن كان دليله قطعيًا، فالمنسوخ إنما هو هذا الظني لا ذلك القطعي" (1) . * الشرط الثالث: أن يتأخر الناسخ عن المنسوخ، وذلك يثبت بطرق، منها (2) : الإجماع: وهو أن تُجمع الأمة على خلاف ما ورد من الخبر فيُستدل بذلك على أنه منسوخ لئلا تجتمع على الخطأ، فالإجماع في مثل هذا بين أن النص المتأخر ناسخ للنص المتقدم، لا أن الإجماع هو الناسخ كما تقدم التنبيه على ذلك قريبًا. وقوله - صلى الله عليه وسلم - وفعله. وقول الراوي: كان كذا ونُسخ، أو رُخَّص في كذا ثم نُهي عنه. وأن يضبط تاريخ القصص؛ فيُعلم الناسخُ بتأخره مع وجود ما يعارضه. والحاصل أن الناسخ والمنسوخ إنما يعرفان بمجرد النقل الدال على ذلك، ولا يعرف ذلك بدليل عقلي ولا بقياس (3) . * الشرط الرابع: أن يمتنع اجتماع الناسخ والمنسوخ؛ بأن يكونا متنافيين قد تواردا على محل واحد (4) ، يقتضي المنسوخ ثبوته والناسخ رفعه أو بالعكس (5) . * الشرط الخامس: أن يكون المنسوخ حكمًا لا خبرًا (6) ، إذ الأخبار لا

_ (1) "نزهة الخاطر العاطر" (1/228، 229) . (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/126، 127) ، و"روضة الناظر" (1/234، 235) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/563 - 566) ، و"مذكرة الشنقيطي" (92، 93) . (3) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/569، 570) ، و"مذكرة الشنقيطي" (92) . (4) لما سيأتي بيانه من أنه إذا وجد التعارض فالواجب أولاً الجمع وهو إعمال كلا الدليلين ولو من بعض الوجوه دون بعض، فهذا أولى من النسخ وهو من طرق الجمع إلا أنه إعمال لأحد الدليلين دون الآخر، أو هو إعمال لكلا الدليلين في وقت دون وقت انظر (ص 271) من هذا الكتاب. (5) انظر: "إعلام الموقعين" (2/319، 320، 321) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/529، 530) . (6) إلا إذا أريد بهذا الخبر الإنشاء فإنه يُنسخ، كقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن} [البقرة: 228] . انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/538، 539) .

المسألة الثالثة: حكم النسخ والحكمة منه

يدخلها النسخ، كأخبار ما كان وما يكون، وأخبار الجنة والنار، وما ورد من أسماء الله وصفاته (1) . المسألة الثالثة: حُكم النسخ والحكمة منه للنسخ أحكام كثيرة باعتبار أنواعه وأقسامه، وليس المراد في هذا المقام بيان هذه الأحكام (2) ، إنما المراد في هذه المسألة: بيان حكم النسخ من حيث الجملة وذلك من جهتين: الجهة الأولى: حكم وقوع النسخ بين الشرائع السماوية. وفي ذلك يقول ابن كثير (3) : "ولكنه تعالى شرع لكل رسول شريعة على حدة ثم نسخها أو بعضها برسالة الآخر الذي بعده حتى نَسخَ الجميع بما بعث به عبده ورسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - الذي ابتعثه إلى أهل الأرض قاطبة وجعله خاتم الأنبياء كلهم" (4) . وبذلك يتبين (5) : أ- أن هذه الشريعة ناسخة لجميع الشرائع السابقة (6) .

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/85، 86) ، و"الاستقامة" (1/23) ، و"مجموع الفتاوى" (5/65، 19/201) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/543) ، و"أضواء البيان" (3/308) . (2) انظر بيان هذه الأحكام عند الكلام على أقسام النسخ (ص 255- 263) من هذا الكتاب. (3) هو: إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، عماد الدين أبو الفداء، الحافظ والمفسر والمؤرخ، الفقيه الشافعي، صحب ابن تيمية، من مؤلفاته: "البداية والنهاية"، و"تفسير القرآن العظيم"، توفي سنة (774هـ) . انظر: "شذرات الذهب" (6/231) ، و"الأعلام" (1/320) . (4) "تفسير ابن كثير" (2/69) . (5) انظر المصدر السابق (1/155، 156) ، و"معارج القبول" (2/349 - 355) . (6) يستثنى من ذلك أصول الدين والعقائد ومكارم الأخلاق.

- جواز النسخ ووقعه في هذه الشريعة والأدلة على ذلك

ب- وأن القرآن الكريم آخرُ الكتب السماوية وأعظمها وأكملها، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] . جـ- وأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - خاتمُ الأنبياء والرسل، كما قال تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] . د- ولذلك كانت هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان وهي للناس كافة إلى قيام الساعة. كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28] . هـ- وبذلك كانت هذه الشريعة خير الشرائع السماوية، وهذه الأمة وسطًا بين الأمم. والجهة الثانية: حكم وقوع النسخ في الشريعة الإسلامية. لقد أجمعت الأمة على جواز النسخ ووقوعه في هذه الشريعة (1) . ومن الأدلة على ذلك: 1- قوله تعالى: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] . 2- وقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106] . 3- وقوع النسخ. فمن ذلك تحويل القبلة إلى الكعبة عن بيت المقدس، ونسخ العدة بأربعة أشهر وعشر للحول، ونسخ مصابرة المسلم لعشرة من الكفار إلى مصابرة الاثنين (2) . 4- أن الله سبحانه وتعالى يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، وله سبحانه الحكمة البالغة والملك التام، كما قال سبحانه: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ} [الأعراف: 54] (3) .

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/122) ، و"روضة الناظر" (1/200) ، و"تفسير ابن كثير" (1/156) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/535) ، و"تيسير الكريم الرحمن" (1/122) ، و"أضواء البيان" (3/360، 361) . (2) انظر: "تفسير ابن كثير" (1/156) . (3) انظر المصدر السابق.

- من حكم الله سبحانه في النسخ

ومن حكمته سبحانه وتعالى في النسخ (1) : أولاً: الرحمة لخلقه والتخفيف عنهم والتوسعة عليهم، كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28] ، وهذه الحكمة تتضح في نسخ الأثقل بالأخف، مثل نسخ وجوب مصابرة المسلم عشرة من الكفار المنصوص عليه في قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] ، بمصابرة المسلم اثنين من الكفار المنصوص عليه في قوله تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 66] . ثانيًا: تكثير الأجر للمؤمنين وتعظيمه لهم، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] ، وهذه الحكمة تتضح في نسخ الأخف بالأثقل، كنسخ التخيير بين الصوم والإطعام في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] ، بتعيين إيجاب الصوم في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] . ثالثًا: أن يكون النسخ مستلزمًا لحكمة خارجة عن ذاته، وذلك فيما إذا كان الناسخ مماثلاً للمنسوخ، كنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال بيت الله الحرام وهما جهتان كلتاهما تُماثل الأخرى ولا فرق بينهما في حد ذاتيهما، إلا أن الناسخ الذي هو استقبال بيت الله الحرام يستلزم حكمة بالغة وهي دفع حجة اليهود وحجة المشركين على النبي - صلى الله عليه وسلم -. فاليهود يحتجون عليه بقولهم: تعيب ديننا وتصلي لقبلتنا، ويحتجون أيضًا بأن عندهم في كتابهم أنه - صلى الله عليه وسلم - يؤمر باستقبال بيت المقدس ثم يحول إلى بيت الله الحرام. والمشركون يقولون: تدعي أنك على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وتصلي لغير قبلته، وقد أشار الله سبحانه إلى هذه الحكم بقوله: {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: 150] .

_ (1) انظر: "الرسالة" (106) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/83) ، و"أضواء البيان" (3/364 – 366) ، و"رحلة الحج" (59 – 62) .

- بيان مذهب أهل السنة في النسخ قبل التمكن، وبيان مذهب الأشاعرة ومذهب المعتزلة ومأخذ كل

ومن الحكم في ذلك أيضًا تمييز قوي الإيمان من ضعيفه، كما قال سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ} [البقرة: 143] . رابعًا: الامتحان بكمال الانقياد، والابتلاءُ بالمبادرة إلى الامتثال، وذلك فيما إذا أمر الله عبده بأمر فامتثله ثم أمره بنقيض ذلك الأمر فامتثله أيضًا، فيكون هذا دليلاً على كمال الانقياد والاستسلام. وتتضح هذه الحكمة في نسخ الأمر قبل التمكن من فعله (1) ، وذلك مثل أمر الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يذبح ابنه ثم نسخ الله عنه هذا الحكم بفدائه بذبح عظيم قبل أن يتمكن من الفعل، والحكمة من ذلك الابتلاء، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: 106] . فابتلى الله نبيه في محبته له سبحانه وتقديمها على محبته لابنه حتى تتم خلته، فكان المقصود الابتلاء لا نفس الفعل؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يأمر بفعل لا مصلحة ولا منفعة ولا حكمة فيه (2) ، بل أوامره سبحانه ونواهيه وجميع شرائعه مبنية على حكم ومصالح ومنافع كما سبق بيان ذلك (3) . فالحكمة هنا ناشئة من نفس الأمر، والمصلحة حاصلة به، أما الفعل فلا مصلحة فيه ألبتة، لذلك كان المقصود من الأمر الحكمة منه وهي الابتلاء دون الفعل (4) .

_ (1) مذهب أهل السنة في مسألة نسخ الأمر قبل التمكن من الفعل الجواز والوقوع، ووافقهم الأشاعرة، أما المعتزلة فمنعوا ذلك. انظر: "مجموع الفتاوى" (14/145، 17/203) ، و"أضواء البيان" (3/368) ، و"مذكرة الشنقيطي" (73) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (14/144 - 147، 17/201 - 203، 19/297) ، و"مذكرة الشنقيطي" (73، 74) . (3) انظر (ص198- 201) من هذا الكتاب. (4) مذهب أهل السنة في هذه المسألة مبني على إثبات الحكمة في أفعال الله سبحانه وتعالى وأحكامه بأنواعها الثلاثة: أ- الحكمة الموجودة في نفس الفعل؛ كما في الصدق والعدل. ب- الحكمة المكتسبة للفعل من الأمر؛ كحسن الصلاة وقبح الخمر. جـ- الحكمة الناشئة من نفس الأمر، وذلك كأمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بذبح ابنه، إذ المقصود ابتلاؤه: هل يطيع أو يعصي؟ وهذا النوع من الحكمة والذي قبله أيضًا خفي على المعتزلة فلم يثبتوهما، بل لم يعرفوا إلا النوع الأول وهو الحكمة الثابتة للفعل فالشرع عندهم كاشف عن حسن الفعل أو قبحه، وهذا بناءً على قولهم بأن الحسن والقبح صفتان ذاتيتان للأفعال، وأن العقل يدرك ذلك، والشرع كاشف لذلك، ومن هنا أنكر المعتزلة نسخ الأمر قبل التمكن من الفعل بناءً على إنكار الحكمة الناشئة من نفس الأمر. أما نفاة الحكمة - وهم الأشاعرة والجهمية - فقد أنكروا النوع الأول والثالث، فهم ينكرون أن تكون في الفعل حكمة أصلاً لا في نفسه ولا في نفس الأمر به. وهذا مبني على نفي الحكمة والقول بأن العقل لا يدرك الحسن والقبح لذلك أثبتوا النوع الثاني وهو الحكمة المكتسبة للفعل لتعلق الخطاب به، فقالوا لأجل ذلك بجواز النسخ قبل التمكن من الامتثال؛ إذ الأفعال عندهم سواء بناءً على أنه سبحانه لا يأمر لحكمة. فانظر إلى الفرق بين مأخذ أهل السنة ومأخذ الأشاعرة فإن بينهما ما بين المشرقين. انظر: "روضة الناظر" (1/204) ، و"مجموع الفتاوى" (14/144 - 147، 17/201، 203، 19/297) ، وانظر "مسألة التحسن والتقبيح العقليين" فيما يأتي من هذا الكتاب. وانظر: "مسألة الحكمة والتعليل" في (ص196- 201) من هذا الكتاب.

- حاصل القول في الحكمة من النسخ

وحاصل القول في الحكمة من النسخ: * أن الناسخ خير من المنسوخ كما قال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] . فالناسخ خير سواء كان هو الأخف أو الأثقل أو كان مساويًا للمنسوخ. * وأن أوامر الله ونواهيه مشتملة على الحكم والمصالح، فإذا انتهت الحكمة والمصلحة من الخطاب الأول وصارت في غيره، أمر جل وعلا بترك الأول الذي زالت حكمته، والأخذ بالخطاب الجديد المشتمل على الحكمة الآن. فالمنسوخ - وقت العمل به - كانت فيه المصلحة والحكمة، والناسخُ هو المشتمل على الحكمة والمصلحة بعد النسخ (1) . المسألة الرابعة: أقسام النسخ للنسخ تقسيمات متعددة باعتبارات مختلفة، وبيان ذلك على النحو الآتي:

_ (1) "رحلة الحج" (61) .

- الخلاف في حكم النسخ إلى غير بدل خلاف لفظي

أولاً: ينقسم النسخ إلى ثلاثة أقسام: نسخ الأخف بالأثقل، ونسخ الأثقل بالأخف، ونسخ المساوي بالمساوي. وقد تقدم التمثيل لهذه الأقسام وبيان الحكمة في الكل (1) . ثانيًا: ينقسم النسخ بالنظر إلى وقته إلى نسخ بعد التمكن من الفعل، وهذا هو الغالب في الأحكام المنسوخة، كاستقبال بيت المقدس، وعدة المتوفي عنها زوجها حولاً كاملاً. وإلى نسخ قبل التمكن من الفعل كقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأمره بذبح ولده. وقد تقدم بيان مذهب السلف في هذه المسألة ومأخذهم في ذلك (2) . ثالثًا: ينقسم النسخ بالنظر إلى بدله إلى قسمين: نسخ إلى غير بدل –عند القائلين به– ونسخ إلى بدل، كنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال بيت الله الحرام، فهذا القسم متفق عليه بين العلماء، وهو الموافق لقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] ، فالآية تدل دلالة صريحة على أن النسخ لا بد فيه من البدل؛ إذ إن الله وعد أنه لا بد للمنسوخ من بدل مماثل أو خيرٍ، فلا يزال المؤمنون في نعمة من الله لا تنقص بل تزيد، فإنه إذا أتى بخير منها زادت النعمة، وإذا أتى بمثلها كانت النعمة باقية (3) . ومتابعة لهذه الآية ذهب بعض أهل السنة إلى أن النسخ لا يكون إلا إلى بدل (4) . وذهب جمهور الأصوليين (5) إلى أن النسخ قد يكون إلى غير بدل، ومثلوا لذلك

_ (1) انظر (ص 253) من هذا الكتاب. (2) انظر (ص 253) من هذا الكتاب. (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (17/184، 195) . (4) انظر: "الرسالة" (109، 110) ، و"مجموع الفتاوى" (17/184، 195) ، و"الجواب الكافي" (227) ، و"أضواء البيان" (3/362) ، و"مذكرة الشنقيطي" (79) . (5) قال الآمدي: "مذهب الجميع جواز نسخ حكم الخطاب لا إلى بدل، خلافًا لبعض الشذوذ" (3/135) . وقد وافق الخطيب البغدادي وابن قدامة وابن النجار الفتوحي من أهل السنة مذهب جمهور الأصوليين، وسيتضح أن الخلاف في هذه المسألة خلاف لفظي. انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/82) ، و"روضة الناظر" (1/215) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/545) .

بنسخ وجوب تقديم الصدقة بين يدي المناجاة (1) . والظاهر أن الخلاف في هذه المسألة يرجع إلى اللفظ دون الحقيقة، وبيان ذلك: أن الجميع متفق على أن الله سبحانه وتعالى إذا نسخ حكمًا عوض المؤمنين عنه بحكم آخر هو خير من الحكم المنسوخ أو مثله، فلا يتركهم هملاً بلا حكم (2) . وإنما اختلفوا في تسمية الحكم المنتقل إليه بدلاً إذا كان رجوعًا وردًا إلى الحكم السابق الذي كانوا عليه؟ فعند جمهور الأصوليين – وهم القائلون بالنسخ إلى غير بدل – لا يسمى هذا بدلاً، إذ البدل عندهم خاص بما هو حكم شرعي آخر ضد المنسوخ كاستقبال الكعبة بدلاً من بيت المقدس، أما الرد إلى ما كانوا عليه قبل شرع المنسوخ – كما في المناجاة – فليس هذا بدلاً عند هؤلاء. أما النافون للنسخ إلى غير بدل فمرادهم بالبدل ما هو أعم من حكم آخر ضد المنسوخ فيشمل – إضافة إليه – الرد إلى ما كانوا عليه قبل شرع المنسوخ، لذا فإن الحكم المنتقل إليه يسمى – عند هؤلاء – بدلاً ولو كان رجوعًا إلى الحكم السابق (3) . يوضح ذلك قول ابن القيم: "......فإن الرب تعالى ما أمر بشيء ثم أبطله رأساً، بل لا بد أن يُبقي بعضه أو بدله، كما أبقى شريعة الفداء، وكما أبقى استحباب الصدقة بين يدي المناجاة، وكما أبقى الخمس للصلوات بعد رفع الخمسين وأبقى ثوابها" (4) . والأولى على كلِّ أن يقال: إن النسخ لا بد فيه من البدل، وإن هذا البدل قد يكون حكمًا شرعيًا جديدًا كما في استقبال القبلة، وقد يكون رجوعًا إلى

_ (1) انظر الجواب على التمثيل والاستدلال بآية المناجاة في كلام ابن القيم الآتي، وفي: "أضواء البيان" (3/362، 363) . (2) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/548) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/216) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/548، 549) . (4) "الجواب الكافي" (227) .

- نسخ التلاوة والحكم معا، ونسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دون الحكم

الحكم السابق كما في المناجاة، ففي هذا التفصيل تأدب مع الآية القرآنية الكريمة {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] . وفيه أيضًا ملاحظة للأحكام التي نُسخت فأبقيت على حكمها السابق، أو على حكم البراءة الأصلية. رابعًا: ينقسم النسخ إلى ثلاثة أقسام (1) : القسم الأول: نسخ التلاوة والحكم معًا. وذلك مثل آية التحريم بعشر رضعات (2) ، فإنها منسوخة التلاوة والحكم معًا. القسم الثاني: نسخ التلاوة وبقاء الحكم. وذلك كنسخ آية الرجم. القسم الثالث: نسخ الحكم وبقاء التلاوة. وهو غالب ما في القرآن من المنسوخ، كقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] . خامسًا: ينقسم النسخ بالنظر إلى دليله إلى أقسام متعددة، يمكن جمعها في قسمين: قسم متفق على جوازه، وقسم وقع فيه الخلاف. أما القسم المتفق عليه فهو (3) : - نسخ القرآن بالقرآن. - نسخ السنة المتواترة والآحادية بمتواتر السنة. - نسخ الآحاد من السنة بالآحاد من السنة. وأما القسم المختلف فيه فيمكن بيانه في ثلاث مسائل: المسألة الأولى: نسخ القرآن بالسنة.

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/80 - 82) ، و"روضة الناظر" (1/201 - 203) ، و"مجموع الفتاوى" (17/185) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/553 - 559) ، و"أضواء البيان" (3/366) . (2) انظر فيما يتعلق بهذا الأثر الصفحة التالية، تعليق رقم (7) . (3) انظر: قواعد الأصول (72) ، ومختصر ابن اللحام (138) ، ونزهة الخاطر العاطر (1/223) ، ومذكرة الشنقيطي (83) .

ذهب جمهور الأصوليين إلى أنه يجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة (1) ، وهو اختيار الأمين الشنقيطي (2) . وذهب الإمام الشافعي (3) وأحمد (4) إلى أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة، بل لا ينسخ القرآن إلا قرآن مثله، وهذا اختيار ابن قدامة وابن تيمية (5) . وهذا الخلاف في الجواز وفي الوقوع. حجة الجمهور أن الجميع وحي من الله تعالى، فالناسخ والمنسوخ من عند الله، والله هو الناسخ حقيقة، لكنه أظهر النسخ على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - (6) . ومثل الجمهور للوقوع بأن آية التحريم بعشر رضعات نُسخت بالسنة (7) . 1- وحجة الإمام الشافعي (8) قوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس: 15] ، وقوله تعالى: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] . وجه الدلالة: أنه قد تبين من مجموع الآيتين أن المبتدئ لفرض الكتاب إنما هو الله ولا يكون ذلك لأحد من خلقه، وإنما جعل لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول من تلقاء نفسه - بتوفيقه سبحانه - فيما لم ينزل به كتابًا، ومعلوم أن موقع سنته - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب إنما هو البيان له والتفسير لمجمله دون النسخ. ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}

_ (1) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/563) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (1/225) . (2) انظر: "أضواء البيان" (3/367) ، و"مذكرة الشنقيطي" (85) . (3) انظر: "الرسالة" (106) . (4) انظر: "العُدة" لأبي يعلى" (3/788) ، و"روضة الناظر" (1/224) ، و"مجموع الفتاوى" (20/397 - 399) . (5) انظر: "روضة الناظر" (1/225) ، و"مجموع الفتاوى" (17/195، 197، 19/202) ، وربما يفهم من كلام ابن القيم موافقة هذا المذهب. انظر: "إعلام الموقعين" (2/306، 308) . (6) انظر: "أضواء البيان" (3/367) . (7) ورد ذلك فيما روته عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان فيما أُنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يقرأ من القرآن) . رواه مسلم (10/29) . (8) انظر: "الرسالة" (106 - 109) .

[البقرة: 106] ، وقوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} [النحل: 101] . 2- واستدل الشافعي (1) على عدم جواز نسخ القرآن بالسنة - وهي هذه المسألة - ونسخ السنة بالقرآن - وهي المسألة اللاحقة - بأن القول بتجويز النسخ في المسألتين يؤدي إلى مفسدة، ألا وهي جواز أن يقال: إن ما بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سنته كتحريم بعض البيوع، ورجم الزناة يحتمل أن يكون ذلك قبل أن ينزل عليه قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، وقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] ، فيكون القرآن ناسخًا للسنة، ويجوز بناءً على ذلك رد كل سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها بيان لمجمل القرآن لمجرد وجود وجه مخالفة بين مجمل القرآن وبيان السنة. 3- وقد ذكر ابن تيمية أن منهج السلف في الحكم هو النظر في الكتاب أولاً ثم في السنة ثانيًا (2) ، وبين أن هذا المنهج إنما ينسجم مع القول بمنع نسخ القرآن بالسنة والسنة بالقرآن. قال رحمه الله: "وهم إنما كانوا يقضون بالكتاب أولاً؛ لأن السنة لا تنسخ الكتاب فلا يكون في القرآن شيء منسوخ بالسنة، بل إن كان فيه منسوخ كان في القرآن ناسخه، فلا يقدم غير القرآن عليه، ثم إذا لم يجد ذلك طلبه في السنة ولا يكون في السنة شيء منسوخ إلا والسنة نسخته، لا ينسخ السنة إجماع ولا غيره.....فيجوز له إذا لم يجده في القرآن أن يطلبه في السنة. وإذا كان في السنة لم يكن ما في السنة معارضًا لما في القرآن" (3) . المسألة الثانية: نسخ السنة بالقرآن: ذهب جمهور الأصوليين إلى أنه يجوز نسخ السنة بالقرآن (4) ، وهذا اختيار ابن النجار الفتوحي والأمين الشنقيطي (5) .

_ (1) انظر: "الرسالة" (111 - 113) . (2) انظر (ص279) من هذا الكتاب. (3) "مجموع الفتاوى" (19/202) . (4) انظر: "مختصر ابن اللحام" (138) . (5) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/559) ، و"أضواء البيان" (3/367) .

- خلاصة القول في المسألتين السابقتين

وذهب الإمام الشافعي (1) إلى أن السنة لا ينسخها إلا سنة مثلها، وأن القرآن قد يأتي ناسخًا للسنة، لكن لا بد من مجيء سنة تدل على أن سنته الأولى منسوخة بسنته الآخرة حتى تقوم الحجة بأن الشيء ينسخ بمثله، فلا ينسخ القرآن إلا قرآن مثله، ولا ينسخ السنة إلا سنة مثلها. وقد استدل الفريقان بالأدلة التي مضى بيانها في المسألة السابقة (2) . وقد مثل الجمهور للوقوع بأمثلة كثيرة منها (3) : - التوجه إلى بيت المقدس وهو ثابت بالسنة، وناسخه في القرآن قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] . 2- تحريم مباشرة النساء في رمضان ليلاً ثابت بالسنة، وناسخه في القرآن قوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] . 3- وجوب صوم عاشوراء ثابت بالسنة، فنسخ بوجوب صوم رمضان بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] . وخلاصة القول في هاتين المسألتين: أن الخلاف في جواز نسخ القرآن بالسنة والعكس خلاف لا يترتب عليه أثر كبير والخطب فيه يسير. وذلك إذا تقرر - عند الجميع - ما يأتي: أولاً: تعظيم نصوص الكتاب والسنة وتقديم جانب العمل بها مهما أمكن (4) . ثانيًا: أن الكتاب والسنة وحي من عند الله، وأنهما متفقان لا يختلفان، متلازمان لا يفترقان (5) . ثالثًا: أن النسخ لا يكون إلا بأمر من عند الله سبحانه: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39] (6) .

_ (1) انظر: "الرسالة" (110) . (2) يستثنى من ذلك الدليل الأول للشافعي فإنه خاص بالمسألة الأولى فقط. (3) انظر: "المستصفى" (147) ، و"أضواء البيان" (3/367) . (4) انظر (ص69) وما بعدها من هذا الكتاب. (5) انظر (ص134، 135) من هذا الكتاب. (6) انظر (ص248) من هذا الكتاب.

- مسألة نسخ القرآن بالآحاد من السنة

رابعًا: عدم التفريق في ذلك بين السنة المتواترة والآحادية (1) . أما الخلاف في وقوع النسخ في هاتين المسألتين فإنه خلاف اعتباري، يعود - عند التحقيق إلى اللفظ: فمن قال بالجواز اعتبر القرآن ناسخًا للسنة والعكس، ومن منع اعتبر الناسخ للقرآن قرآنًا مثله، والناسخ للسنة سنة مثلها. يوضح ذلك نقلان عن إمامين جليلين: (النقل الأول: عن الإمام ابن تيمية، وهو يتعلق بمسألة نسخ القرآن بالسنة. قال رحمه الله: "فإن الشافعي وأحمد وسائر الأئمة يوجبون العمل بالسنة المتواترة المحكمة، وإن تضمنت نسخًا لبعض أي القرآن. لكن يقولون: إنما نسخ القرآن بالقرآن لا بمجرد السنة، ويحتجون بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] ، ويرون من تمام حرمة القرآن أن الله لم ينسخه إلا بقرآن" (2) . (والنقل الثاني: عن الإمام الشافعي، وهو يتعلق بمسألة نسخ السنة بالقرآن. قال رحمه الله: "فإن قال قائل: هل تُنسخ السنة بالقرآن؟ قيل: لو نُسخت السنة بالقرآن كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه سنة تبين أن سنته الأولى منسوخة بسنته الآخرة" (3) . المسألة الثالثة: نسخ المتواتر بالآحاد: 1- ذهب جمهور الأصوليين إلى أنه لا يجوز نسخ المتواتر - من القرآن والسنة - بالآحاد من السنة. واحتجوا بأن الآحاد ضعيف، والمتواتر أقوى منه فلا يُرفع الأقوى بما هو دونه (4) . وقد تقدم بيان غلط الأصوليين - من وجهين - في هذه الحجة (5) .

_ (1) انظر (ص249) من هذا الكتاب. (2) "مجموع الفتاوى" (20/399) . (3) "الرسالة" (110) . (4) انظر: "الإحكام" للآمدي (3/134) . (5) انظر (ص249) من هذا الكتاب.

2- وذهب الإمام الشافعي وأحمد وابن تيمية إلى أنه لا يجوز نسخ المتواتر من القرآن بالآحاد من السنة. وهذا المذهب فرع عن القول بأن السنة لا تنسخ القرآن (1) . 3- وذهب الأمين الشنقيطي إلى جواز نسخ القرآن بأخبار الآحاد (2) . وهذا المذهب مبني على: أ- القول بجواز نسخ القرآن بالسنة، وقد تقدم بيان ذلك (3) . ب- القول بأنه لا يشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ أو في درجته بل يكفي أن يكون صحيحًا ثابتًا، وقد تقدم بيان ذلك (4) . جـ- الوقوع: ومثل له بنسخ إباحة الحمر الأهلية المنصوص عليها بالحصر في قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، وذلك بتحريمه - صلى الله عليه وسلم - الحمر الأهلية، وكان ذلك في خيبر (5) ، والآية من سورة الأنعام وهي مكية (6) . وحاصل الكلام في هذه المسألة: أن قول جمهور الأصوليين مبني على أن الأقوى لا يُرفع بما هو دونه، وقد سبق بيان ضعف هذه الحجة. فيعود الخلاف – في هذه المسألة بين القولين الثاني والثالث – إلى قضية نسخ السنة للقرآن على وجه الخصوص، وهذه القضية سبق الكلام عليها، هذا فيما يتعلق بجانب الجواز. أما بالنسبة للوقوع فإن المثال المذكور يمكن أن يعترض عليه بأن هذا ليس من باب النسخ وإنما هو من باب تخصيص عموم مفهوم الحصر.

_ (1) وقد تقدم بيان ذلك (ص258، 259) من هذا الكتاب، وهل يجوز عند هؤلاء نسخ السنة المتواترة بالآحاد؟ مقتضى استدلالهم جواز ذلك. والله أعلم. (2) انظر: "أضواء البيان" (2/251، 3/367) ، و"مذكرة الشنقيطي" (86) . (3) انظر (ص259) من هذا الكتاب. (4) انظر (ص249) من هذا الكتاب. (5) انظر: "صحيح البخاري" (6/134) برقم (2991) . (6) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (86) .

المسألة الخامسة: الزيادة على النص

المسألة الخامسة: الزيادة على النص الزيادة على النص (1) نوعان: أ- نوع متفق على أنه لا يكون نسخًا (2) ، وذلك أن الزيادة المستقلة عن المزيد عليه إن كانت مخالفة لجنس المزيد عليه؛ كزيادة الصلاة على الزكاة فليست نسخًا إجماعًا، أما إن كانت الزيادة المستقلة من جنس المزيد عليه؛ كزيادة الصلاة على الصلاة فليست بنسخ عند الأئمة الأربعة. ب- ونوع اختلف فيه (3) ، وهو ما إذا كانت الزيادة غير مستقلة عن المزيد عليه كزيادة التغريب على الجلد مائة في حد الزاني غير المحصن، فإن التغريب لا يستقل بنفسه لأنه جزء من الحد. والكلام على مسألة الزيادة على النص - إن كانت غير مستقلة - هل تكون نسخًا أو لا؟ في مقامين: المقام الأول: أن "الزيادة على النص" لفظ مجمل، فلا يجوز إطلاق الحكم عليه بالنسخ نفيًا ولا إثباتًا، لأن الزيادة على النص منها ما يكون نسخًا وذلك إذا تحقق معنى النسخ ووجدت شروطه في الزيادة، وما لم يكن كذلك فلا يكون نسخًا بحال من الأحوال إلا إن أريد بالنسخ معناه الخاص المعروف عند السلف

_ (1) المراد بالزيادة على النص: أن يوجد نص شرعي، ويفيد حكمًا، ثم يأتي نص آخر فيزيد على النص الأول زيادة لم يتضمنها. والغالب أن يكون النص من القرآن الكريم والزيادة من أخبار الآحاد؛ لذلك جعل ابن القيم مسألة كون الزيادة على النص نسخًا من قبيل رد السنن بظاهر القرآن، وأدرج ذلك تحت رد المحكم بالمتشابه. انظر: "إعلام الموقعين" (2/293، 294) ، و"الزيادة على النص" للدكتور سالم الثقفي (19) ، و"الزيادة على النص" للدكتور عمر بن عبد العزيز (26) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/209) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/583) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/210) ، و"مجموع الفتاوى" (6/407، 408) ، و"المسودة" (208) ، و"إعلام الموقعين" (2/306) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/581) ، و"أضواء البيان" (3/368) ، و"مذكرة الشنقيطي" (75) .

- الزيادة على النص لها ثلاثة أحوال

وهو مطلق البيان، فلا منازعة في الاصطلاح عند ذلك (1) . والمقصود: أن الزيادة على النص إنما تكون نسخًا بالشروط الآتية (2) : 1- أن ترفع هذه الزيادة أصل الحكم المزيد عليه وجملته، أما إن كانت رافعة لبعضه فإنها لا تكون نسخًا. 2- أن تكون الزيادة نصًا صحيحًا ثابتًا، أما إن كانت الزيادة غير صحيحة فلا يلتفت إليها، ولا يشترط أن تكون الزيادة في درجة المزيد عليه أو أقوى منه. 3- أن تكون الزيادة متأخرة وغير متصلة بالمزيد عليه، أما إن كانت متصلة به فإنها تكون تخصيصًا لا نسخًا. 4- أن يكون حكم الزيادة منافيًا لحكم المزيد عليه من كل وجه، أما إن كان التنافي بين الزيادة والمزيد عليه من وجه دون وجه فإن النسخ ممتنع في هذه الحالة. 5- أن تكون الزيادة والمزيد عليه في الأحكام لا في الأخبار؛ لأن الأخبار لا يدخلها النسخ. المقام الثاني: أن الزيادة على النص إنما هي سنة من سنن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وهذه السنة الزائدة لا تخلو من ثلاثة أحوال (3) : 1- أن تكون بيانًا لما في القرآن، وهذه السنة يجب العمل بها، وذلك مثل تقييدها لمطلق القرآن، أو تخصيصها لعمومه، وهذه السنة ليست معارضة للقرآن بل هي موضحة ومفسرة له. 2- أن تكون منشئة لحكم لم يتعرض له القرآن، وهذه السنة يجب العمل بها أيضًا؛ لأنها تشريع مبتدأ من النبي - صلى الله عليه وسلم - تجب طاعته فيه ولا تحل معصيته، وهذه السنة لا تعارض القرآن بوجه ما. 3- أن تكون مغيرة لحكم القرآن ناسخة له فهذه يجب العمل بها، ولكن لا بد من مراعاة شروط النسخ وضوابطه كما تقدم.

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (2/316، 317) . (2) انظر بيان هذه الشروط في المسألتين الأولى والثانية من هذا المبحث. (3) انظر: "إعلام الموقعين" (2/306، 307، 309) .

والمقصود: أن السنة الزائدة على القرآن يجب العمل بها على كل حال، سواء أكانت مبينة للقرآن، أو مستقلة عنه، أو ناسخة له، ولا يجوز التوقف في العمل بالزيادة وردها. ****

المبحث الثاني: التعارض

المبحث الثاني: التعارض

- المراد بتعارض الأدلة

والكلام على هذا المبحث في النقاط الآتية: 1- المراد بتعارض الأدلة: تقابل الدليلين على سبيل الممانعة، وذلك إذا كان أحد الدليلين يدل على خلاف ما يدل عليه الآخر، كأن يدل أحد الدليلين على الجواز والآخر على المنع، فدليل الجواز يمنع التحريم ودليل التحريم يمنع الجواز؛ فكل منهما مقابل للآخر ومعارض له وممانع له (1) . 2- قد يكون التعارض بين الدليلين كليًا أو جزئيًا فإن كان التعارض بين الدليلين من كل وجه بحيث لا يمكن الجمع بينهما فهذا هو التناقض، وهو التعارض الكلي. أما إذا كان التعارض بين الدليلين من وجه دون وجه بحيث يمكن الجمع بينهما بوجه من الوجوه فهذا هو التعارض الجزئي. وقد قرر العلماء أنه لا تناقض بين القضيتين إذا اختلف زمنهما لاحتمال صدق كل منهما في وقتها؛ لأنه يشترط في التناقض اتحاد القضيتين في الوحدات الثمان التي منها الزمان والمكان والشرط والإضافة. فلا تناقض إذن بين الناسخ والمنسوخ، ولا بين العام والخاص، ولا بين المطلق والمقيد، وعلى وجه العموم حيث أمكن الجمع فلا تناقض، إذ التناقض هو الذي يستحيل معه الجمع بوجه من الوجوه، أما إن أمكن الجمع فإن هذا من قبيل التعارض الجزئي (2) . 3- كتاب الله سالم من الاختلاف والاضطراب والتناقض؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد فهو حق من حق، قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] ، ولهذا مدح الله تعالى الراسخين في العلم حيث قالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7] ؛ أي: محكمه ومتشابهه حق (3) . وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضًا، بل يصدق بعضه

_ (1) انظر: "الرسالة" (342) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/605) . (2) انظر: "أضواء البيان" (2/250، 251) . (3) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/221) ، و"إعلام الموقعين" (2/294) ، و"تفسير ابن كثير" (1/542) .

- أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مبرأة من التناقض والاختلاف

بعضًا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه» (1) . 4- أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة مبرأة من التناقض والاختلاف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم من التناقض والاختلاف بإجماع الأمة، لا فرق في ذلك بين المتواتر والآحاد، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] (2) . 5- وكذلك إجماع الأمة لا يمكن أن يتناقض، فلا ينعقد إجماع على خلاف إجماع أبدًا (3) . 6- أما القياس فما كان منه صحيحًا فإنه لا يتناقض أبدًا (4) . 7- إذا عُلم أن أدلة الشرع لا تتناقض في نفسها فإنها أيضًا لا تتناقض مع بعضها، بل إنها متفقة لا تختلف، متلازمة لا تفترق. قال ابن تيمية: "وكذلك إذا قلنا: الكتاب، والسنة، والإجماع، فمدلول الثلاثة واحد، فإن كل ما في الكتاب فالرسول موافق له، والأمة مجمعة عليه من حيث الجملة؛ فليس في المؤمنين إلا من يوجب اتباع الكتاب. وكذلك كل ما سنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فالقرآن يأمر باتباعه فيه، والمؤمنون مجمعون على ذلك. وكذلك كل ما أجمع عليه المسلمون فإنه لا يكون إلا حقًا موافقًا لما في الكتاب والسنة. لكن المسلمون يتلقون دينهم كله عن الرسول. وأما الرسول فينزل عليه وحي القرآن، ووحي آخر هو الحكمة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه» (5) .

_ (1) رواه أحمد في "المسند" (2/181) ، وصححه الألباني. انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" (585) هامش رقم (1) . (2) انظر: "الرسالة" (210) ، و"الكفاية" (473) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/221) ، و"مجموع الفتاوى" (10/289) ، و"إعلام الموقعين" (1/167) . (3) انظر ذلك فيما تقدم: (ص172، 173) من هذا الكتاب. (4) انظر: "إعلام الموقعين" (1/331) . (5) "مجموع الفتاوى" (7/40) ، والحديث تقدم تخريجه انظر (121) من هذا الكتاب.

وقال أيضًا: "......... كما يقال: قد دل على ذلك الكتاب، والسنة، والإجماع، وكل من هذه الأصول يدل على الحق مع تلازمها؛ فإن ما دل عليه الإجماع قد دل عليه الكتاب والسنة، وما دل عليه القرآن فعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخذ، فالكتاب والسنة كلاهما مأخوذ عنه، ولا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا وفيها نص" (1) . وقال أيضًا: "وكذلك القياس الصحيح حق يوافق الكتاب والسنة" (2) . وذلك لأن أدلة الشرع حق، والحق لا يتناقض، بل يصدق بعضه بعضًا (3) . 8- لا تعارض بين الأدلة الشرعية والعقل، بل إن العقل الصريح موافق للنقل الصحيح، إذ إن خالق هذا العقل هو الذي أنزل الشرع؛ {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] (4) . 9- إذا علم ذلك فما وجد من تعارض في أدلة الشرع فإنما هو بحسب ما يظهر للمجتهد (5) . أما في حقيقة الأمر فلا تعارض ألبتة بين الأدلة الشرعية، كما تقدم تقريره قريبًا. 10- إذا ظهر تعارض بين الأدلة الشرعية، فإن كان هذا التعارض بين خبرين فأحد المتعارضين باطل، إما لعدم ثبوته أو لكونه منسوخًا. وإن كان التعارض بين الخبر والقياس فلا يخلو من أمرين: إما أن يكون هذا الخبر غير صحيح. وإما أن يكون القياس فاسدًا (6) .

_ (1) "مجموع الفتاوى" (19/195) . (2) المصدر السابق (19/200) . (3) انظر: "إعلام الموقعين" (1/331) . (4) انظر: "درء تعارض العقل والنقل" (1/144، 194) ، و"الصواعق المرسلة" (3/807، 810) ، و"مختصر الصواعق" (60، 90) ، وانظر (ص 98- 102) من هذا الكتاب. (5) انظر: "الكفاية" (474) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/617) ، و"مذكرة الشنقيطي" (316) . (6) انظر المصدرين السابقين.

- لا تعارض بين الدليلين القطعيين، ولا بين القطعي والظني

11- لا يقع التعارض بين دليلين قطعيين، سواء كانا عقليين أو سمعيين، أو أحدهما سمعيًا والآخر عقليًا، وهذا متفق عليه بين العقلاء؛ لأن تعارض القطعيين يلزم منه اجتماع النقيضين وهو محال (1) . 12- ولا يقع التعارض بين قطعي وظني، إذ الظني لغو، والعمل إنما يكون بالقطعي، فإن الظن لا يرفع اليقين (2) . 13- محل التعارض هو الظنيات، فيقع التعارض بين دليلين ظنيين (3) . 14- إذا ظهر التعارض – وذلك إنما يكون بين دليلين ظنيين – فالواجب على الترتيب (4) : أولاً: محاولة الجمع بينهما إن أمكن، ومن أوجه الجمع: أ- حمل أحد الدليلين على حالة، وحمل الآخر على حالة أخرى، وهذا ما يُعرف بحمل العام على الخاص، أو حمل المطلق على المقيد. ب- حمل أحد الدليلين على زمن، وحمل الآخر على زمن آخر، بحيث يكون المتأخر منهما ناسخًا للمتقدم. ثانيًا: إذا لم يمكن الجمع فيصار إلى الترجيح بينهما، بوجه من وجوه الترجيح الآتي بيانها في المبحث التالي. ثالثًا: إذا تعذر الترجيح ولم يمكن، فقيل: يتخير بينهما، وهذا القول يُضعفه أن التخيير جمع بين النقيضين (5) ، واطراح لكلا الدليلين (6) ، وكلا الأمرين

_ (1) انظر: "الكفاية" (474) ، و"روضة الناظر" (2/457) ، و"درء التعارض" (1/79) ، و"الصواعق" (3/797) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/607) . (2) انظر: "الكفاية" (474) ، و"روضة الناظر" (2/457) ، و"درء التعارض" (1/79) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/608) . (3) انظر: "الكفاية" (474) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/616) ، و"مذكرة الشنقيطي" (316) . (4) انظر: "شرح الكوكب المنير" (4/609 – 612) ، و"مذكرة الشنقيطي" (317) . (5) بيان ذلك: أن المباح نقيض المحرم فإذا تعارض المبيح والمحرم فخيرناه بين كونه محرمًا يأثم بفعله وبين كونه مباحًا لا إثم على فاعله كان جمعًا بينهما وذلك محال. انظر: "روضة الناظر" (2/433) . (6) بيان ذلك: أن الموجب والمحرم إذا تعارضا فالمصير إلى التخيير المطلق حكم ثالث غير حكم الدليلين معًا فيكون اطراحًا لهما وتركا لموجبهما. انظر المصدر السابق.

- الطرق المعينة على درء التعارض بين أدلة الشرع

باطل (1) . ولعل الصواب هو التوقف في هذين الدليلين، والبحث عن دليل جديد (2) . وهذا يوافق منهج السلف فإنهم كانوا يطلبون الدليل في القرآن، فإن لم يجدوه في القرآن طلبوه في السنة، فإن لم يجدوه في السنة طلبوه في الإجماع، وهكذا.... (3) . ومعلوم أنه لا تخلو مسألة عن دليل وبيان من الشرع (4) ، علمه من علمه وجهله من جهله، والواجب على كلِّ تقوى الله بقدر المستطاع، والاجتهاد في طلب الحق ومعرفة الدليل. 15- الواجب درء التعارض بين أدلة الشرع ما أمكن. ومن الطرق المعينة على ذلك (5) : أ- التثبت في صحة الدليل وثبوته، فالواجب الحذر من الأحاديث التي لا تقوم بها الحجة، والتنبه مما يدعي أنه إجماع وهو ليس كذلك، والتثبت من صحة الأقيسة. ب- الاطلاع على مصادر الشريعة وتتبع الأدلة واستقراؤها، والنظر إليها مجتمعة. فلا بد من جمع العام مع الخاص، والمطلق مع المقيد، والناسخ مع المنسوخ، وهذا لا يتم إلا بتتبع نصوص الكتاب والسنة، ولو اقتصر على بعض ذلك لحصل التعارض، ولا بد من معرفة روايات الحديث وألفاظه فإن بعضها يفسر بعضًا، وكذلك القراءات الثابتة. جـ- العلم بلغة العرب وما فيها من دلالات ومعانٍ، فإن فهم النص وسياقه، وعمومه وخصوصه، وحقيقته ومجازه مما يزيل كثيرًا من الإشكالات، ويدرأ كثيرًا من التعارضات.

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/431 - 434) ، و"مجموع الفتاوى" (13/120) . (2) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/81) . (3) انظر ما سيأتي (279) من هذا الكتاب. (4) انظر: "روضة الناظر" (2/434) ، و"إعلام الموقعين" (1/333) . (5) ينظر للاستزادة: "منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد" (1/320 - 322) .

المبحث الثالث: الترجيح

المبحث الثالث: الترجيح

- المراد بالترجيح

والكلام على هذا المبحث في النقاط الآتية: 1- المراد بالترجيح: تقوية أحد الدليلين على الآخر (1) . 2- محل الترجيح: هو الظنيات، فحيث وجد التعارض وجد الترجيح، وحيث إن التعارض لا يكون إلا بين الدليلين الظنيين فقط؛ فكذلك الترجيح لا يكون إلا بين دليلين ظنيين، إذ الترجيح فرع التعارض (2) . 3- لا يُصار إلى الترجيح بين الأدلة المتعارضة إلا بعد محاولة الجمع بينها، فإن الجمع مقدم على الترجيح، فإن أمكن الجمع وزال التعارض امتنع الترجيح، ومتى امتنع الجمع بين المتعارضين وجب الترجيح (3) . 4- لا يجوز ترجيح أحد الدليلين المتعارضين على الآخر بدون دليل، إذ إن ترجيح أحد الدليلين بلا دليل تحكم، وهو باطل، ولا يجوز في دين الله التخير بالتشهي والهوى بلا دليل ولا برهان (4) . 5- العمل بالراجح متعين، سواء كان الراجح معلومًا أو مظنونًا، هذا هو الواجب على المجتهد إذا اجتهد في طلب الأقوى، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها وهو في هذه الحالة معذور إن أخطأ إصابة الأقوى والأرجح في الباطن، وله أجر على اجتهاده (5) . 6- عمل المجتهد بالظن الراجح ليس من باب العمل بالظن، بل هو عمل بالعلم، إذ ترجيح أحد الدليلين الظنيين على الآخر من باب تقوية ظن على ظن، والظن متفاوت، والمطلوب من المجتهد العمل بالظن الراجح. وكون هذا الظن هو

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/121) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/616) . (2) انظر: "الكفاية" (474) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/616) . (3) انظر: "الرسالة" (341، 342) ، و"الكفاية" (474) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/609 - 612) ، و"مذكرة الشنقيطي" (224، 317) . (4) انظر: "روضة الناظر" (1/409، 410) ، و"مجموع الفتاوى" (13/110، 111، 120) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/115، 123، 124) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/619 - 627) .

- الضابط في أوجه الترجيح

الراجح أمر معلوم ومقطوع به لدى المجتهد، فأمام المجتهد ظنان، ظن يعلم رجحانه، وظن لا يعلم رجحانه، فالعمل بالظن الذي يعلم رجحانه عمل بالعلم لا بالظن وأما العمل بالظن الذي لا يعلم رجحانه فلا يجوز؛ لأنه من اتباع الظن الذي ذمه الله بقوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ} [النجم: 23] (1) . 7- أوجه الترجيح كثيرة لا تنحصر، وذلك لأن ما يحصل به تغليب ظن على ظن كثير جدًا، والضابط فيه (2) : أنه متى اقترن بأحد الدليلين ما يقويه ويغلب جانبه وحصل بذلك الاقتران زيادة ظن أفاد ذلك ترجيحه على الدليل الآخر. 8- الترجيح إما أن يكون بين دليلين نقليين، أو بين عقليين، أو بين نقلي وعقلي (3) . فإن كان الترجيح بين نقليين فيكون ذلك من ثلاثة أوجه: الأول: منها ما يتعلق بالسند. الثاني: بالمتن. الثالث: بأمر خارجي. وإن كان الترجيح بين عقليين فيكون من ثلاثة أوجه: الأول: منها ما يعود إلى الأصل. الثاني: إلى الفرع. الثالث: إلى أمر خارج. وإن كان الترجيح بين نقلي وعقلي فيكون ذلك بالنظر إلى الظن الأقوى بحسب ما يقع للناظر (4) .

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/114 - 120) وانظر (ص79، 80) من هذا الكتاب. (2) انظر: "شرح الكوكب المنير" (4/751، 752) ، و"مذكرة الشنقيطي" (339) . (3) انظر: "شرح الكوكب المنير" (4/627) وما بعدها، و"المذكرة" (317) وما بعدها. (4) انظر: "شرح الكوكب المنير" (4/744) .

المبحث الرابع: ترتيب الأدلة

المبحث الرابع: ترتيب الأدلة

- المراد بترتيب الأدلة

والكلام على هذا المبحث في النقاط التالية: 1- المراد بترتيب الأدلة: جعل كل دليلٍ في رتبته التي يستحقها بوجهٍ من الوجوه (1) . 2- الأدلة الشرعية تنقسم إلى: متفق عليها ومختلف فيها، وإلى قطعية وظنية، وإلى نقلية وعقلية (2) . ومما يحسن التنبيه عليه في هذا المقام (3) : أ- أن الأدلة المتفق عليها أربعة، وهي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس. ب- أن الأدلة المختلف فيها ترجع جميعها إلى الأدلة المتفق عليها من حيث أصلها والدليل على ثبوتها. وبذلك يعلم: جـ- أن الأدلة الشرعية - المتفق عليها والمختلف فيها -ترجع إلى الأدلة الأربعة المتفق عليها. د- أن الأدلة الأربعة ترجع إلى الكتاب والسنة والجميع يرجع إلى الكتاب. هـ- أن الأدلة الأربعة متفقة لا تختلف، متلازمة لا تفترق؛ إذ الجميع حق، والحق لا يتناقض بل يصدق بعضه بعضًا. 3- الأدلة الشرعية من حيث وجوب العمل بها في مرتبة واحدة، إذ الجميع يجب اتباعه والاحتجاج به. 4- ترتيب الأدلة من حيث المنزلة والمكانة: الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم القياس (4) .

_ (1) انظر: "شرح الكوكب المنير" (4/600) . (2) تقدم الكلام على كل من هذه التقسيمات في الفصل الأول من هذا الباب انظر (ص64) من هذا الكتاب. (3) انظر (ص68) من هذا الكتاب. فقد سبق ذكر هذه التنبيهات هنالك. (4) هذا الترتيب معروف على ألسنة العلماء وفي كتاباتهم، فيقدمون عند الذكر والتلفظ والكتابة: الكتابَ؛ لأنه كلام الله سبحانه، ثم السنة؛ لأنها كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم الإجماع؛ لأنه دليل نقلي، ثم القياس؛ لكونه دليلاً عقليًا، وهذا ما دلت عليه الآثار الواردة في (191) ، تعليق رقم (3) من هذا الكتاب.

- ترتيب الأدلة من حيث النظر، والدليل على ذلك

5- ترتيب الأدلة من حيث النظر فيها -وهو المقصود بحثه في هذا المقام- على النحو الآتي (1) : الكتاب، ثم السنة، ثم الإجماع، ثم القياس. هذه طريقة السلف، وقد نُقلتْ عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم (2) . والأصل في ذلك حديث معاذ المشهور (3) . وقد فصل الشافعي هذا الترتيب، فقال: "نعم يحُكم بالكتاب. والسنة المجتمع عليها التي لا اختلاف فيها، فنقول لهذا: حكمنا بالحق في الظاهر والباطن. ويُحكم بالسنة قد رويت من طريق الانفراد، لا يجتمع الناس عليها، فنقول: حكمنا بالحق في الظاهر؛ لأنه يمكن الغلط فيمن روى الحديث. ونحكم بالإجماع. ثم القياس، وهو أضعف من هذا، ولكنها منزلة ضرورة؛ لأنه لا يحل القياس والخبر موجود" (4) . وقد قرر ابن تيمية هذا الترتيب وعلله بأن السنة لا تنسخ الكتاب فلا يكون شيءٌ منه منسوخٌ بالسنة، ثم لا يكون في السنة شيءٌ منسوخٌ إلا والسنة نسخته (5) .

_ (1) انظر: "الرسالة" (81) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/219، 2/21) ، و"مجموع الفتاوى" (11/339 - 343، 19/202) ، و"إعلام الموقعين" (2/248، 1/61 - 66) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/600) . (2) تقدم بيان ذلك انظر (ص 191) تعليق رقم (3) من هذا الكتاب. (3) تقدم تخريجه في (ص 191) من هذا الكتاب. (4) "الرسالة" (599) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/202) . وانظر نص كلام ابن تيمية في (ص260) من هذا الكتاب.

ويستقيم هذا الترتيب أيضًا على مذهب من جوز نسخ القرآن بالسنة والعكس، فعند هؤلاء يُنظر أولاً في الكتاب ثم في السنة، ولكون الناظر من أهل العلم بالناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، ولكون الكتاب والسنة متلازمين متفقين، فإن النظر في الكتاب أولاً لا يعني إقصاءَ السنة، أو التفريقَ بينها وبين الكتاب. ****

الباب الثاني: القواعد الأصولية عند أهل السنة والجماعة

الباب الثاني: القواعد الأصولية عند أهل السنة والجماعة وفي هذا الباب ثلاثة فصول: الفصل الأول: الحكم الشرعي. الفصل الثاني: دلالات الألفاظ وطرق الاستنباط. الفصل الثالث: الاجتهاد والتقليد والفتوى.

الفصل الأول: الحكم الشرعي

الفصل الأول: الحكم الشرعي وفي هذا الفصل ثلاثة مباحث المبحث الأول: تعريف الحكم الشرعي وأقسامه. المبحث الثاني: لوازم الحكم الشرعي. المبحث الثالث: قواعد في الحكم الشرعي.

المبحث الأول:تعريف الحكم الشرعي وأقسامه

المبحث الأول:تعريف الحكم الشرعي وأقسامه وفي هذا المبحث ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تعريف الحكم الشرعي. المطلب الثاني: الحكم التكليفي. المطلب الثالث: الحكم الوضعي.

المطلب الأول: تعريف الحكم الشرعي

المطلب الأول تعريف الحُكم الشرعي الحُكم في اللغة: المنع، ومنه قيل للقضاء: حُكم؛ لأنه يمنع من غير المقضي به (1) . واصطلاحًا: إثبات أمرٍ لأمر، أو نفيه عنه. مثل: زيد قائم، وعمرو ليس بقائم. وهذا تعريف لمطلق الحكم؛ إذ إن الحكم بالاستقراء ينقسم إلى ثلاثة أقسام (2) : 1- حكم عقلي، وهو ما يَعرف فيه العقلُ نسبة أمر لأمر أو نفيه عنه. مثل: الكل أكبر من الجزء، والجزء ليس أكبر من الكل. 2- حكم عادي، وهو ما عُرفت فيه النسبة بالعادة، مثل: الماء مُروٍ. 3- حكم شرعي. وهو المقصود في هذا المقام، ويمكن تعريفه بأنه: "خطاب الله المتعلقُ بالمكلف من حيث إنه مكلف به". وفي هذا التعريف ثلاثة قيود (3) : القيد الأول: "خطاب الله" إذ التشريع والحكم لا يكون إلا بخطاب الله، وكل تشريع من غيره فهو باطل قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ} [يوسف: 40، 67] (4) وخطاب الله كلامه ذو اللفظ والمعنى، وليس هو المعنى النفسي المجرد عن اللفظ والصيغة (5) . القيد الثاني: "المتعلق بفعل المكلف" خرج به خمسة أشياء:

_ (1) انظر: "المصباح المنير" (145) . (2) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (7، 8) . (3) انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/333 وما بعدها) ، و"مذكرة الشنقيطي" (8) . (4) انظر في وجوب الحكم بما أنزل الله: "إعلام الموقعين" (1/50، 51) ، و"أضواء البيان" (7/162 - 173) . (5) انظر (ص 396، 397، 403، 404) من هذا الكتاب.

1- ما تعلق بذاته سبحانه، نحو قوله تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [آل عمران: 18] . 2- ما تعلق بصفته سبحانه، نحو قوله تعالى: {اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] . 3- ما تعلق بفعله سبحانه، نحو قوله تعالى: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] . 4- ما تعلق بذات المكلفين، نحو قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: 11] . 5- ما تعلق بالجمادات، نحو قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} [الكهف: 47] . وفعل المكلف ههنا يشمل القول والاعتقاد والعمل. والمراد بالمكلف: البالغ العاقل الذاكر غير المكره. القيد الثالث: "من حيث إنه مكلف به" خرج بذلك خطاب الله المتعلق بفعل المكلف لا من حيث إنه مكلف به، كقوله تعالى: {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: 12] ، فهذا خطاب من الله متعلق بفعل المكلف من حيث إن الحفظة يعلمون، وهذا ما يسمى بخطاب التكوين (1) . والخطاب المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف به لا يخلو عن ثلاثة أمور: الأول: أن يرد فيه اقتضاء وطلب. وهذا يشمل الأقسام الأربعة: الواجب والمندوب والمحرم والمكروه. الثاني: أن يرد فيه التخيير. وهذا هو القسم الخامس لأحكام التكليف: المباح. الثالث: ألا يرد فيه اقتضاء ولا تخيير فهذا هو خطاب الوضع، وذلك بأن يرد الخطاب بنصب سبب أو مانع أو شرط، أو كون الفعل رخصة أو عزيمة، وغير ذلك.

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/182) .

ويسمى ما ورد بالاقتضاء أو التخيير خطاب التكليف. فتبين بذلك أن الحكم الشرعي قسمان: حكم تكليفي، وحكم وضعي. لذا عبر البعض عن هذا القيد بقوله: "خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، أو التخيير، أو الوضع" (1) . ****

_ (1) انظر: "مختصر ابن اللحام" (57) .

المطلب الثاني: الحكم التكليفي

المطلب الثاني: الحكم التكليفي وفيه تمهيد وخمسة أقسام: القسم الأول: الواجب. القسم الثاني: الحرام. القسم الثالث: المندوب. القسم الرابع: المكروه. القسم الخامس: المباح.

التمهيد: وفيه تعريف الحكم التكليفي

التمهيد: وفيه تعريف الحكم التكليفي وانقسامه إلى خمسة أقسام (1) أولاً: تعريفه: الحكم التكليفي هو "خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير". ثانيًا: للحكم التكليفي خمسة أقسام هي: الإيجاب، والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة. ووجه الحصر في هذه الأقسام الخمسة: أن الخطاب الشرعي إما أن يكون طلبًا أو تخييرًا. فإن كان طلبًا فهذا يشمل طلب الفعل وطلب الترك، والطلب قد يكون جازمًا وغير جازم، فطلب الفعل يشمل الواجب والمندوب. فالواجب: ما كان طلب الفعل فيه على سبيل الجزم بحيث يتعلق الذم بتاركه. والمندوب: ما كان طلب فعله بدون جزم بحيث لا يتعلق بتاركه ذم. وطلب الترك يشمل المحرم والمكروه. فالمحرم: ما كان طلب تركه على سبيل الجزم بحيث يتعلق بفاعله الذم. والمكروه: ما كان طلب الترك فيه بدون جزم بحيث لا يتعلق الذم بفاعله، أما إن كان الخطاب الشرعي تخييرًا لا طلب فيه، فهذا هو المباح، فصارت بذلك الأقسام خمسة: الواجب: وهو ما يمدح فاعله ويذم تاركه، فهذا وجوده راجح على عدمه بالنسبة للشارع.

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/54) ، و"روضة الناظر" (1/90) ، و"مجموع الفتاوى" (8/486، 10/529) ، و"مختصر ابن اللحام" (57، 58) ، و"مذكرة الشنقيطي" (9) .

* القسم الأول: الواجب:

والمندوب: وهو ما يمدح فاعله ولا يذم تاركه، فهذا وجوده راجح على عدمه أيضًا. والمحرم: وهو ما يمدح تاركه ويذم فاعله، فهذا عدمه راجح على وجوده. والمكروه: وهو ما يمدح تاركه ولا يذم فاعله، فهذا عدمه راجح على وجوده أيضًا. والمباح: وهو ما لا يتعلق بفعله أو تركه مدح ولا ذم، فهذا وجوده وعدمه سواء، هذا ما يمكن بيانه إجمالاً بالنسبة لهذه الأقسام الخمسة، وهنالك تفاصيل يمكن بيانها على النحو الآتي: القسم الأول الواجب وفي هذا القسم ست مسائل: المسألة الأولى: هل الفرض والواجب بمعنى واحد؟ المسألة الثانية: ألفاظ الوجوب. المسألة الثالثة: تقسميات الواجب. المسألة الرابعة: حكم الزيادة على الواجب. المسألة الخامسة: التفاضل بين الواجبات. المسألة السادسة: الأمر بالشيء أمر بلوازمه. المسألة الأولى هل الفرض والواجب بمعنى واحد؟ اختلف في الفرض والواجب هل هما بمعنى واحد أو بينهما فرق (1) ؟.

_ (1) ورد عن الإمام أحمد رحمه الله في كثير من نصوصه التفريق بين الفرض والواجب وهذا محمول على تورعه رحمه الله؛ إذ الظاهر أنه لا يقول فرضًا إلا لما ورد في الكتاب والسنة تسميته فرضًا؛ كقوله في بر الوالدين: "ليس بفرض، ولكن أقول: واجب ما لم يكن معصية". ولعله كان يتوقف في إطلاق الواجب على ما كان وجوبه على الكفاية لا على الأعيان، وهذا كقوله في تغيير بعض المنكرات إنه غير واجب، ويظهر أيضًا أنه كان يتوقف في إطلاق لفظ الواجب على ما لم يأت فيه لفظ الإيجاب تورعًا، كقوله لما سئل عن النفير: متى يجب؟ قال: "أما إيجاب فلا أدري ولكن إذا خافوا على أنفسهم فعليهم أن يخرجوا". وعلى كلِّ فما ورد عن الإمام أحمد من التفريق بين الفرض والواجب يحتمل أنه رحمه الله قصد التفريق بين اللفظين إلا أن مجموع نصوصه لا تساعد على ذلك. انظر: "جامع العلوم والحكم" (2/153 - 155) .

- ألفاظ الوجوب

ويمكن اعتبار هذا الخلاف لفظيًا بالنظر إلى ما يأتي: أ- المعنى اللغوي: فقد يختلف المعنى اللغوي للفظين؛ إذ الفرض يأتي بمعنى القطع، ويأتي الوجوب بمعنى السقوط (1) . وقد يتفق اللفظان في المعنى اللغوي؛ إذ كلاهما يأتي بمعنى الحتم والإلزام (2) . ب- أن المأمور به ليس على درجة واحدة، إذ هو متفاضل متفاوت (3) ، فتسمية الآكد منه فرضًا وما عداه واجبًا أمر يعود إلى اللفظ. جـ- أن الأحكام إنما تتعلق بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والأسامي (4) ، فسواءٌ سُمي المأمور به فرضًا أو سُمي واجبًا، وسواءٌ قيل بالتفريق بين الفرض والواجب، أو قيل: إنهما مترادفان فلا بد من النظر على جميع الأحوال في الحقيقة والمعنى، وهل يصح بناء تلك الأحكام عليهما أوْ لا؟ المسألة الثانية ألفاظ الوجوب قال ابن القيم: "ويستفاد الوجوب بالأمر تارة، وبالتصريح بالإيجاب والفرض والكتب، ولفظة "على"، ولفظة "حق" على العباد، وعلى المؤمنين،

_ (1) انظر: "المصباح المنير" (469، 648) . (2) انظر: "القاموس المحيط" (2/352) ، و"المصباح المنير" (469) . (3) انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/353) ، وانظر المسألة الخامسة من هذا القسم (ص295) . (4) انظر (ص364) من هذا الكتاب.

- الواجب المعين والمخير

وترتيب الذم والعقاب على الترك، وإحباط العمل بالترك، وغير ذلك" (1) . المسألة الثالثة تقسيمات الواجب ينقسم الواجب ثلاثة تقسيمات (2) : أ- باعتبار ذاته إلى واجب معين لا يقوم غيره مقامه كالصلاة والصوم، وإلى مبهم في أقسام محصورة فهو واجب لا بعينه، كواحدة من خصال الكفارة في قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] ، فالواجب منها واحد لا بعينه، وهذا هو الواجب المخير. ب- باعتبار وقته إلى مضيق وموسع. فالواجب المضيق: هو ما لا يسع وقته أكثر من فعل مثله، كصوم رمضان. والواجب الموسع: هو ما كان الوقت فيه متسعًا لأكثر من فعله، كالصلوات الخمس، فجميع أجزاء الوقت صالح لإيقاع الواجب فيه. قال ابن تيمية: "الوقت يعم أول الوقت وآخره، والله يقبلها [أي الصلاة] في جميع الوقت لكن أوله أفضل من آخره، إلا حيث استثناه الشارع كالظهر في شدة الحر، وكالعشاء إذا لم يشق على المأمومين. والله أعلم" (3) . ولا يجوز تأخير الواجب إلى آخر وقته إلا بشرط العزم على فعله فيه (4) . جـ- باعتبار فاعله إلى واجب عيني وواجب على الكفاية. أما الواجب العيني: فهو ما وجب على كل شخص بعينه، كالصلاة والصوم. فمقصود الشارع فيه: النظر إلى فاعله وصدق امتثاله (5) . وأما الواجب الكفائي: فقد وضحه الإمام الشافعي، فقال: " ... وهكذا كل ما كان الفرض فيه مقصودًا به قصد الكفاية فيما ينوب، فإذا قام به من

_ (1) "بدائع الفوائد" (4/3) . (2) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (11) . (3) "مجموع الفتاوى" (22/93) . (4) انظر: "نزهة الخاطر العاطر" (1/99) . (5) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (12) .

- ما يمتاز به فرض الكفاية

المسلمين من فيه الكفاية خرج من تخلف عنه من المأثم، ولو ضيعوه معًا خفتُ ألا يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم، بل لا شك إن شاء الله لقوله: {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39] . قال: فما معناها؟ قلت: الدلالة عليها: أن تخلفهم عن النفير كافة لا يسعهم، ونفير بعضهم إذا كانت في نفيره كفاية يخرج من تخلف من المأثم إن شاء الله؛ لأنه إذا نفر بعضهم وقع عليهم اسم النفير. قال: ومثل ماذا سوى الجهاد؟ قلت: الصلاة على الجنازة ودفنها؛ لا يحل تركها ولا يجب على كل من بحضرتها كلهم حضورها ويخرج من تخلف من المأثم من قام بكفايتها.... ولم يزل المسلمون على ما وصفت منذ بعث الله نبيه – فيما بلغنا – إلى اليوم: يتفقه أقلهم ويشهد الجنائز بعضُهم، ويجاهد ويرد السلام بعضُهم، ويتخلف عن ذلك غيرهم، فيعرفون الفضل لمن قام بالفقه والجهاد وحضور الجنائز ورد السلام ولا يؤثمون من قصر عن ذلك، إذا كان بهذا قائمون بكفايته" (1) . ومن خلال هذا النقل عن الإمام الشافعي يتبين لنا أن فرض الكفاية يمتاز بما يأتي (2) : أولاً: أن مقصود الشارع فيه نفس الفعل بقطع النظر عن فاعله. ثانيًا: أن الإثم يعم كل مطيق إذا لم يقم به أحد. ثالثًا: أن الإثم يسقط عن المتخلفين إذا قام البعض بالفعل على الوجه المطلوب. رابعًا: أن الفضل والأجر لمن قام بالفعل على وجهه المطلوب.

_ (1) "الرسالة" (366 – 369) . (2) للاستزادة انظر: "مجموع الفتاوى" (19/118، 119، 15/166) ، و"مفتاح دار السعادة" (1/157) .

- حكم الزيادة على الواجب

المسألة الرابعة حكم الزيادة على الواجب الزيادة على الواجب إذا لم تكن من لوازمه فإنها لا تكون واجبة، سواء كانت متميزة كصلاة النافلة بعد الفريضة، أو غير متميزة كالقدر الزائد من الطمأنينة في الركوع على القدر الواجب؛ بدليل جواز تركه، وجواز الاقتصار على ما يحصل به الفرض فقط (1) . المسألة الخامسة التفاضل بين الواجبات (2) التفاضل بين الواجبات أمر حاصل؛ إذ بعض الواجبات آكد من البعض الآخر. قال ابن تيمية مقررًا لذلك وممثلاً: "وكذلك ليس الأمر بالتوحيد والإيمان بالله ورسوله وغير ذلك من أصول الدين الذي أمرت به الشرائع كلها، وغير ذلك مما يتضمن الأمر بالمأمورات العظيمة، والنهي عن الشرك وقتل النفس والزنا ونحو ذلك مما حرمته الشرائع كلها، وما يحصل معه فساد عظيم كالأمر بلعق الأصابع وإماطة الأذى عن اللقمة الساقطة والنهي عن القران في التمر، ولو كان الأمران واجبين، فليس الأمر بالإيمان بالله ورسوله كالأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد والأمر بالإنفاق على الحامل وإيتائها أجرها إذا أرضعت" (3) . ولا شك أن التفاضل في الواجبات يتضمن تفاضلها في الثواب، ويكون

_ (1) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (16) . (2) انظر في مسألة التفاضل على وجه العموم: "مجموع الفتاوى" (7/513، 17/60، 61) ، و"زاد المعاد" (1/52 وما بعدها) ، و"بدائع الفوائد" (3/161 وما بعدها) ، و"التقريب لفقه ابن القيم" (1/310 – 173) . (3) "مجموع الفتاوى" (17/60، 61) .

- تفصيل قاعدة الأمر بالشيء أمر بلوازمه وما يندرج تحتها

التفاضل أيضًا في الأزمنة والأمكنة والأشخاص، وفي الخبر والإنشاء، فليس الخبر المتضمن للحمد لله والثناء عليه بأسمائه الحسنى كالخبر المتضمن لذكر أعدائه كفرعون وإبليس (1) . وإذا عُرف أن بين الأعمال تفاضلاً وتفاوتًا وأنها على درجات ومراتب كان طلب الأفضل أكمل من طلب المفضول، والطالب إذا كان حكيمًا يكون طلبه للأفضل آكد، ومعلوم أن التفاضل يختلف حسب الأحوال والأشخاص والأوقات (2) . قال ابن القيم: "فالأفضل في كل وقت وحال: إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه، وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق" (3) . وقد مثل ابن القيم لذلك بأمثلة كثيرة، فمن ذلك قوله: "فأفضل العبادات في وقت الجهاد الجهادُ، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، بل ومن إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن. والأفضل في وقت حضور الضيف مثلاً القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل" (4) . المسألة السادسة الأمر بالشيء أمر بلوازمه تحت هذه القاعدة مسائل عديدة وفروع كثيرة، يمكن بيانها في النقاط الآتية: أ- لا بد من التفريق بين ما يؤمر به قصدًا، وما يؤمر به تبعًا لتحقيق المقصود، بمعنى أن وجود الشيء يستلزم وجوده وانتفاء أضداده، فوجود الشيء هو المقصود، ووسيلته: انتفاء الضد أو الأضداد. فالمقصود: هو الواجب الذي يذم ويعاقب على تركه.

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (17/58) . (2) انظر المصدر السابق (17/61) . (3) "مدارج السالكين" (1/102) . (4) المصدر السابق (1/100) .

- للوسائل حكم المقاصد

والوسيلة: -وإن كانت واجبة لزومًا- لا يعاقب على تركها. بيان ذلك: أن من أمر بالحج وكان مكانه بعيدًا فعليه أن يسعى من المكان البعيد، ومن كان مكانه قريبًا فعليه أن يسعى من المكان القريب، فقطع تلك المسافات من لوازم المأمور به، ومع هذا فإذا ترك هذان الحج لم تكن عقوبة البعيد أعظم من عقوبة القريب، بل الأولى أن تكون عقوبة القريب أعظم لقرب مكانه وسهولة الفعل عليه أكثر من البعيد، مع أن ثواب البعيد أعظم. فالعقوبة على الترك إنما تكون على ترك المقصود بالأمر لا على فعل الأضداد وترك اللوازم (1) . ب- للوسائل حكم المقاصد: قال ابن القيم: "لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تُفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل" (2) . وقال الشيخ ابن سعدي: "الوسائل لها أحكام المقاصد فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها، ووسيلة المباح مباح. ويتفرع عليها: أن توابع الأعمال ومكملاتها تابعة لها. وهذا أصل عظيم يتضمن عدة قواعد، كما ذكره في الأصل. ومعنى الوسائل: الطرق التي يُسلك منها إلى الشيء، والأمور التي تتوقف الأحكام عليها من لوازم وشروط. فإذا أمر الله ورسوله بشيء كان أمرًا به، وبما لا يتم إلا به، وكان أمرًا

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/159 – 161) . (2) "إعلام الموقعين" (3/135) .

- ما لا يتم الواجب إلا به

بجميع شروطه الشرعية والعادية والمعنوية والحسية، فإن الذي شرع الأحكام عليم حكيم يعلم ما يترتب على ما حكم به على عباده من لوازم وشروط ومتممات. فالأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به، والنهي عن الشيء نهي عنه وعن كل ما يؤدي إليه. فالذهاب والمشي إلى الصلاة ومجالس الذكر، وصلة الرحم، وعيادة المرضى، واتباع الجنائز، وغير ذلك من العبادات داخل في العبادة. وكذلك الخروج إلى الحج والعمرة والجهاد في سبيل الله من حين يخرج ويذهب من محله إلى أن يرجع إلى مقره وهو في عبادة؛ لأنها وسائل للعبادة ومتممات لها. قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة: 120، 121] " (1) . جـ- لا بد من التفريق بين ما لا يتم الواجب إلا به وبين ما لا يتم الوجوب إلا به، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهذا قد سبق بيانه. أما ما لا يتم الوجوب إلا به فهو غير واجب، ومثاله: أن الاستطاعة شرط في وجوب الحج، وملك النصاب شرط في وجوب الزكاة، فإن وجوب الحج لا يتم إلا بالاستطاعة، ووجوب الزكاة لا يتم إلا بملك النصاب، ولا يجب على العبد تحصيل الاستطاعة ولا ملك النصاب، فما لا يتم الواجب إلا به يتوقف عليه إيقاع الواجب، وما لا يتم الوجوب إلا به يتوقف عليه وجوب الواجب (2) . د- ما لا يتم الواجب إلا به نوعان: 1- أن يكون مأمورًا به شرعًا، كالسعي إلى الجمعة، في قوله تعالى:

_ (1) "القواعد والأصول الجامعة" (10، 11) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/160) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (1/107) .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة: 9] ، وكالطهارة للصلاة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] . فما لا يتم الواجب إلا به وهو السعي والطهارة اجتمع عليه دليلان: الأول: النص القرآني. والثاني: قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (1) . 2- أن يكون مباحًا لم يرد فيه أمر مستقل من الشارع، كإفراز المال لإخراج الزكاة فهذا ليس بواجب قصدًا إنما وجب بقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وعلى هذا النوع تنطبق القاعدة القائلة: يجب التوصل إلى الواجب بما ليس بواجب وهي لا تنطبق على النوع الأول. هـ- بناءً على ذلك نستطيع أن نقول: إن المباح قد يكون واجبًا إذا كان الواجب لا يتم إلا به، وقد يبقى المباح على حاله الأصلي من جواز الفعل والترك وذلك إذا لم يكن وسيلة إلى أمر آخر. وقد يكون المباح مندوبًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون حرامًا، وذلك حسب تعلقه بغيره (2) . و النهي عن الشيء نهي عما لا يتم اجتنابه إلا به. مثال ذلك: إذا اختلطت الميتة بالمذكاة، فإن الكل يحرم تناوله؛ الميتة بعلة الموت، والمذكاةُ بعلة الاشتباه. إذ الواجب الكف عن الميتة فقط، وذلك لا يتم إلا بالكف عن الاثنتين معًا بسبب الاشتباه (3) . وبذلك يتبين أن ما لا يتم الواجب إلا به قد يكون فعلاً كالطهارة للصلاة،

_ (1) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (15) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (10/533) وسيأتي إن شاء الله بيان أنه بإعطاء الوسائل حكم مقاصدها تنحل شبهة الكعبي الذي يقول: "إن المباح مأمور به" انظر (ص 309) من هذا الكتاب. (3) انظر: "روضة الناظر" (1/110) ، و"مجموع الفتاوى" (10/533) .

- الأمر المطلق لا يتحقق إلا بتحصيل المعين. مثال هذه القاعدة وفائدتها

وقد يكون كفًا وتركًا، كترك أكل المذكاة في المثال المتقدم. ز- وبهذا يتبين أيضًا أن النهي فرع عن الأمر؛ إذ الأمر هو الطلب، والطلب قد يكون للفعل أو للترك. قال ابن تيمية: ".....الأمر أصل والنهي فرع، فإن النهي نوع من الأمر، إذ الأمر هو الطلب والاستدعاء والاقتضاء، وهذا يدخل فيه طلبُ الفعل وطلبُ الترك لكن خص النهي باسم خاص" (1) . والمقصود أن قاعدة: "النهي عن الشيء أمر بضده" داخلة تحت القاعدة الكبرى "الأمر بالشيء أمر بلوازمه" فيكون النهي عن الشيء إذن مستلزمًا للأمر بضده إذا تقرر أن النهي فرع عن الأمر. قال ابن تيمية – في الأمر والنهي -: "وبالجملة فهما متلازمان، كل من أمر بشيء فقد نهى عن فعل ضده، ومن نهى عن فعل فقد أمر بفعل ضده كما بُسط في موضعه، ولكن لفظ الأمر يعم النوعين، واللفظ العام قد يخص أحد نوعيه باسم، ويبقى الاسم العام للنوع الآخر، فلفظ الأمر عام لكن خصوا أحد النوعين بلفظ النهي، فإذا قُرن النهي بالأمر كان المراد به أحد النوعين لا العموم" (2) . حـ- الأمر المطلق لا يمكن امتثاله إلا بتحصيل المعين، مع أن المأمور به مطلق، وذلك كالأمر بعتق الرقبة في قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] ، فإن العبد لا يمكنه الامتثال إلا بإعتاق رقبة معينة. قال ابن تيمية: "....فالحقيقة المطلقة هي الواجبة، وأما خصوص العين فليس واجبًا ولا مأمورًا به، وإنما هو أحد الأعيان التي يحصل بها المطلق؛ بمنزلة الطريق إلى مكة، ولا قصد للآمر في خصوص التعيين" (3) . ط- إذا علم أن الأمر المطلق لا يتحقق إلا بتحصيل المعين فإن إطلاق الأمر لا يدل على تخصيص ذلك المعين بكونه مشروعًا أو مأمورًا به، بل يرجع في ذلك إلى الأدلة؛ فإن كان في الأدلة ما يكره تخصيص ذلك المعين كره، وإن

_ (1) "مجموع الفتاوى" (20/119) . (2) المصدر السابق (11/675) . (3) المصدر السابق (19/300) .

كان فيها ما يقتضي استحبابه استحب، وإلا بقي غير مستحب ولا مكروه. مثال ذلك: أن الله شرع دعاءه وذكره شرعًا مطلقًا عامًا وأمر به أمرًا مطلقًا، فقال: {اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] ، وقال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] ، فالاجتماع للدعاء والذكر في مكان معين، أو زمان معين، أو الاجتماع لذلك: تقييد للذكر والدعاء، وهذا التقييد لا تدل عليه الدلالة العامة المطلقة بخصوصه وتقييده، لكنها تتناوله لما في هذا التقييد من القدر المشترك. فإن دلت الأدلة الشرعية على استحباب ذلك؛ كالذكر والدعاء يوم عرفة بعرفة، أو الذكر والدعاء المشروعين في الصلوات الخمس والأعياد والجمع وطرفي النهار وعند الطعام والمنام واللباس ودخول المسجد والخروج منه ونحو ذلك: صار ذلك الوصف الخاص مستحبًا مشروعًا استحبابًا زائدًا على الاستحباب العام المطلق. وفي مثل هذا يعطف الخاص على العام، فإنه مشروع بالعموم والخصوص، وإن لم يكن في الخصوص أمر ولا نهي بقي على وصف الإطلاق، وجاز الإتيان بأي فعل معين يتحقق به امتثال الأمر المطلق (1) . وقد عبر ابن تيمية رحمه الله عن هذه القاعدة بقوله: شرْعُ الله ورسوله للعمل بوصف العموم والإطلاق لا يقتضي أن يكون مشروعًا بوصف الخصوص والتقييد...." (2) . وقد بين ابن تيمية فائدة هذه القاعدة، فقال رحمه الله: "وهذه القاعدة إذا جُمعت نظائرها نفعت، وتميز بها ما هو البدع من العبادات التي يشرع جنسها من الصلاة والذكر والقراءة، وأنها قد تُميز بوصف اختصاص تبقى مكروهة لأجله أو محرمة: كصوم يومي العيدين، والصلاة في أوقات النهي.

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/196، 197) . (2) المصدر السابق (20/196) .

كما قد تتميز بوصف اختصاص تكون واجبة لأجله أو مستحبة كالصلوات الخمس والسنن والرواتب" (1) . وخلاصة القول: أن هذه القاعدة تفصيل وشرح للقاعدة السابق ذكرها تحت قاعدة الأمر بالشيء أمر بلوازمه، وهي "أن الأمر المطلق لا بد في امتثاله من تحصيل المعين"، إذ إن من لوازم امتثال الأمر المطلق تحصيل المعين، ولكن هذا المعين يشترط في جواز تحصيله ألا تكون الأدلة الشرعية قد تعرضت له بأمر أو نهي. أما في حالة ورود الأمر أو النهي في هذا المعين فتحصيله لا يكون جائزًا، بل يكون حكمه تابعًا للدليل الوارد فيه من استحباب، أو كراهة، أو وجوب، أو تحريم، ومعلوم أن ورود الأمر بتحصيل المعين موافقًا للأمر المطلق من باب عطف الخاص على العام وتعاضد الأدلة، وأن ورود النهي عن تحصيل المعين مخالفًا للأمر المطلق من باب تخصيص العموم وتقييد المطلق. ي- تبين مما مضى أن الأمر المطلق يتحقق امتثاله بتحصيل معين. وهذا المعين إذا كان امتثال الواجب يفتقر إليه فلا يتصور النهي عنه، إذ يكون هذا المعين والحالة كذلك قد أُمر به ونُهى عنه، وهذا ممتنع؛ لأنه تكليف ما لا يطاق؛ إذ هو تكليف للفاعل أن يجمع بين وجود الفعل المعين وعدمه. أما إذا كان هذا المعين لا يفتقر إليه امتثال الواجب فالنهي عنه ممكن، فالمطلوب من العبد والحالة كذلك الامتثالُ للواجب بالإتيان بمعين ليس منهيًا عنه، والعبد في هذه الحالة ممنوع من امتثال الواجب بمعين منهي عنه؛ إذ يمكنه امتثال الواجب بمعين غير منهي عنه، وبذلك يسهل فهم مسألة الصلاة في الدار المغصوبة، إذ الأمر بالصلاة مطلق في أي مكان، والنهي عن الغصب مطلق في جنس الكون، فلدينا أمر بصلاة مطلقة، ونهي عن كون مطلق، ولم يأمر الشارع

_ (1) "مجموع الفتاوى" (20/198) .

بالجمع بينهما فلا تلازم إذن بين الأمر والنهي، إذ مورد الأمر غير مورد النهي، لكن العبد هو الذي جمع بين المأمور به والمنهي عنه في المعين. أما الشارع فلم يأمره بصلاة مقيدة في مكان معين إذ الشارع لا يأمر بالمعين إلا لتحصيل الأمر المطلق. فيمكن أن يقال: فعل الصلاة في الدار المغصوبة اجتمع فيه المأمور به وهو الأمر بصلاة مطلقة، والمنهي عنه وهو الكون المطلق، ويكون الفاعل مطيعًا من وجه عاصيًا من وجه آخر، فجهة الأمر منفكة عن جهة النهي، فتكون الصلاة صحيحة يحصل بها الإجزاء، ويأثم على الغصب. ويمكن أن يقال: فعل الصلاة في الدار المغصوبة منهي عن الامتثال به، إذ هو مأمور بالصلاة، منهي عنها، فيكون نهيًا عن بعض الصلاة، فتكون الجهة واحدة وهي أن هذه الصلاة منهي عنها فلا يحصل بها الإجزاء. وعلى كل فكلا النظرين محل للاجتهاد. لكن لا يصح أن يقال على كل حال: إن عين هذه الأكوان مأمور بها منهي عنها (1) . وذلك لأن: ك- الفعل الواحد يمكن أن يكون مأمورًا به من وجه منهيًا عنه من وجه آخر، إذ إن الفعل الواحد تجتمع فيه مصلحة ومفسدة من جهات مختلفة. وكون الفعل مصلحة أو مفسدة، مقتضيًا للثواب أو العقاب، مأمورًا به أو منهيًا عنه، ليس من الصفات اللازمة وإنما هو من الصفات الإضافية، ولهذا يُعقل أن يوجد في الفعل الواحد منفعةٌ ومضرة معًا، فيُؤمر بتحصيل المنافع، ويُنهى عن تحصيل المضار، فيُؤمر بالصلاة المشتملة على المنفعة ويُنهى عن الغصب المشتمل على المضرة، لكن من غير الممكن أن يُؤمر بالفعل الواحد ويُنهى عنه من وجهٍ واحد؛ إذ إن هذا تكليفُ ما لا يطاق، إذ كيف يقال له: افعلْ ولا تفعلْ، في وقت واحدٍ من وجهٍ واحد (2) .

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/299، 300) . وانظر ما سيأتي في مسائل النهي: (ص409) من هذا الكتاب. (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/296، 297) .

- أقسام ما يتم به الامتثال للواجب

ل- مما مضى نستطيع أن نقسم ما يتم به الامتثال للواجب إلى أربعة أقسام (1) : الأول: أن يكون ما يتم به الامتثال للواجب واجبًا، كالإمساك الذي يجب امتثالاً لإيجاب صيام رمضان. الثاني: أن يكون ما يتم به الامتثال للواجب مباحًا، كالخصلة الواحدة من خصال الكفارة فإن كل واحدة مباحة لكن الواجب وهو التكفير لا يتم إلا بفعل خصلةٍ منها. الثالث: أن يكون ما يتم به الامتثال غير منهي عنه، كالعتق المطلق فإنه يتم بعتق مطلق الرقبة. والفرق بين هذا النوع والذي قبله أن المطلق -وهو هذا النوع- لم يُؤمر فيه بأحد أشياء محصورة وإنما أمر بالمطلق، أما المخير فقد أمر فيه بأحد أشياء محصورة. الرابع: أن يكون ما يتم به الامتثال منهيًا عنه، وذلك كالصلاة في الدار المغصوبة. وحكم هذا القسم يرجع إلى النظر في انفكاك جهة الأمر والنهي. فَمَنْ قال: إن جهة الأمر منفكة عن جهة النهي؛ قال: إن الصلاة صحيحة وعلى المصلي إثم الغصب، ومن قال: إن جهة الأمر والنهي واحدة فالصلاة في الدار المغصوبة فعل منهي عنه؛ قال: إن الصلاة باطلة. م- تحريم الشيء مطلقًا يقتضي تحريم كل جزء منه، وذلك كتحريم الخنزير والميتة، فلا يحل شيء من أجزائهما (2) . ن- إذا عُلم أن الأمر بالشيء أمر بلوازمه ثبت العمل بسد الذرائع لأنه أصل مهم يندرج تحت هذه القاعدة، إذ من لوازم الأمر بالشيء الأمر بالوسائل المحققة له والسبل الميسرة لوقوعه، وكذلك من لوازم النهي عن الشيء النهي عن الوسائل المفضية إليه والذرائع الموقعة فيه، وهذا ما يسمى بسد الذرائع (3) ، ويدخل في ذلك أيضًا تحريم الحيل التي يتوصل بها إلى تحليل ما

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/301) . (2) انظر المصدر السابق (21/85) . (3) انظر (ص240) من هذا الكتاب بخصوص سد الذرائع.

القسم الثاني: الحرام

حرم الله (1) . س- تبين من خلال النقاط الماضية العلاقة الوثيقة بين المسائل التالية: 1- مقدمة الواجب أو ما لا يتم الواجب إلا به. 2- هل المباح مأمور به أوْ لا؟ 3- هل النهي عن الشيء أمر بضده؟ 4- هل الأمر بالشيء نهي عن ضده؟ 5- تحريم الشيء يقتضي تحريم جميع أجزائه. 6- سد الذرائع. 7- تحريم الحيل. 8- من لوازم الامتثال للأمر المطلق تحصيل المعين. 9- للوسائل أحكام المقاصد. 10- الأمر بالشيء الواحد يستلزم عدم النهي عنه من وجهٍ واحد (2) . والجامع بين هذه المسائل قاعدة: "الأمر بالشيء أمر بلوازمه". القسم الثاني الحرام (ألفاظ التحريم: قال ابن القيم: "ويستفاد التحريم من: النهي والتصريح بالتحريم، والحظر والوعيد على الفعل، وذم الفاعل وإيجاب الكفارة بالفعل. وقوله: "لا ينبغي" في لغة القرآن والرسول للمنع عقلاً وشرعًا.

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (3/159) وانظر (ص240) من هذا الكتاب فيما يتعلق بالحيل. (2) هناك علاقة بين هذه المسألة، ومسألة التحسين والتقبيح العقليين، ومسألة النسخ قبل التمكن من الامتثال. انظر: "مجموع الفتاوى" (19/297) وانظر (ص325) من هذا الكتاب في المسألة الأولى، و (ص254) في المسألة الثانية.

* القسم الثالث: المندوب:

ولفظة: "ما كان لهم كذا، ولم يكن لهم" وترتيب الحد على الفعل، ولفظة: "لا يحل"، و"لا يصلح". ووصف الفعل بأنه فساد، وأنه من تزيين الشيطان وعمله، وأن الله لا يحبه، وأنه لا يرضاه لعباده، ولا يزكي فاعله، ولا يكلمه، ولا ينظر إليه، ونحو ذلك" (1) . (تضمن التفصيل السابق لقاعدة "الأمر بالشيء أمر بلوازمه" الكلام على مسائل تتعلق بالحرام. وهذه المسائل هي: 1- هل النهي عن الشيء أمر بضده؟ 2- هل الأمر بالشيء نهي عن ضده؟ 3- تحريم الشيء يقتضي تحريم جميع أجزائه. 4- الأمر بالشيء الواحد يستلزم عدم النهي عنه من وجه واحد. القسم الثالث المندوب أولاً: يسمى المندوب سنة، ومستحبًا، وتطوعًا، ونفلاً، وقربة، ومرغبًا فيه، وإحسانًا (2) . ثانيًا: المندوب مأمور به؛ لأنه طلب للفعل، لكنه طلب غير جازم، وليس فيه تخيير مطلقٌ بدليل أن الفعل فيه أرجح من الترك (3) . ثالثًا: المندوب يجوز تركه، لكن لا يجوز اعتقاد ترك استحبابه (4) .

_ (1) "بدائع الفوائد" (4/3، 4) . (2) انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/403) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/114) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/405) ، و"مذكرة الشنقيطي" (16، 17) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (4/436) .

* القسم الرابع: المكروه:

القسم الرابع المكروه المكروه: هو ما يمدح تاركه ولا يذم فاعله، وقد يطلق -خاصة في كلام السلف- على المحرم (1) . قال ابن القيم: "وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك، حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم وأطلقوا لفظ الكراهة، فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة، ثم سهل عليهم لفظ الكراهة وخفت مؤنته عليهم فحمله بعضهم على التنزيه.....فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة" (2) . القسم الخامس المباح وفي هذا القسم خمس مسائل: المسألة الأولى: هل المباح من الأحكام التكليفية؟ المسألة الثانية: ألفاظ الإباحة. المسألة الثالثة: أقسام الإباحة. المسألة الرابعة: هل المباح مأمور به؟ المسألة الخامسة: حكم الأشياء المنتفع بها قبل ورود الشرع. المسألة الأولى: هل المباح من الأحكام التكليفية؟ المباح: هو ما أذن الله في فعله (3) وتركه غير مقترن بذم فاعله وتاركه

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/123) ، و"مجموع الفتاوى" (32/241) ، و"بدائع الفوائد" (4/6) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (1/123) . (2) "إعلام الموقعين" (1/39) . (3) المباح: قد يطلق على المأذون في فعله، فيعم الواجب والمندوب والمكروه والمباح، وهذا يسمى بالحلال، كما قال تعالى: {فجعلتم منه حرامًا وحللاً} [يونس: 59] . لكن الأصل: إطلاق المباح على ما استوى طرفاه. انظر: "منهاج السنة النبوية" "4/173) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/427) .

المسألة الثانية: ألفاظ الإباحة

ولا مدحه (1) . وبذلك يُعلم أن المباح لا تكليف فيه ولا طلب، فهو بهذا الاعتبار لا يدخل في أقسام التكليف (2) ، وهي: الواجب، والمندوب، والمكروه، والمحرم، فتكون الأقسام أربعة، وإدخاله من باب المسامحة وإكمال القسمة، وذلك بناءً على أن التكليف هو "الخطاب بأمرٍ أو نهي"، ويمكن إدخاله أيضًا إذا عرف التكليف بأنه: "إلزام مقتضى خطاب الشارع" (3) . المسألة الثانية: ألفاظ الإباحة تستفاد الإباحة من لفظ: الإحلال، ورفع الجُناح، والإذن، والعفو، والتخيير، وغير ذلك (4) .وكل هذا يسمى بالإباحة الشرعية، وهي المصطلح عليها بالمباح. المسألة الثالثة: أقسام الإباحة الإباحة قسمان: إباحة شرعية وهي ما مضى بيانه، وإباحة عقلية، وهي المصطلح عليها بالبراءة الأصلية والاستصحاب، وقد مضى بيان ذلك (5) . ومن فوائد الفرق بين الإباحتين الشرعية والعقلية (6) :

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/116) . (2) وقيل: يدخل باعتبار أنه يتضمن تكليفًا وهو وجوب اعتقاد إباحته. انظر: "نزهة الخاطر العاطر" (1/123) . (3) انظر: "نزهة الخاطر العاطر" (1/136، 6/20) ، و"مذكرة الشنقيطي" (9، 20) ، وانظر (ص 336) من هذا الكتاب فيما يتعلق بتعريف التكليف. (4) انظر: "بدائع الفوائد" (4/6) . (5) انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/427، 428) ، و"مذكرة الشنقيطي" (17، 18) ، وانظر (ص 210) من هذا الكتاب فيما يتعلق بالاستصحاب. (6) انظر: "مجموع الفتاوى" (29/150) ، و"مذكرة الشنقيطي" (18) .

المسألة الرابعة: هل المباح مأمور به؟

أ- أن رفع الإباحة الشرعية يسمى نسخًا؛ لأنها حكم شرعي، أما رفع الإباحة العقلية فلا يعد نسخًا؛ لأنها ليست حكمًا شرعيًا بل هي حكم عقلي. ب- أن العقد والشرط يرفع موجب الاستصحاب ولا يكون ذلك من تغيير ما شرع الله، لكنهما لا يرفعان ما أوجبه كلامُ الشارع من الإباحة والحل. المسألة الرابعة: هل المباح مأمور به؟ ذهب الجمهور إلى أن المباح غير مأمور به، وخالفهم في ذلك الكعبي (1) ، وقال: إنه مأمور به. قال ابن بدران: "والخلاف في هذه المسألة لفظي؛ أي: يرجع إلى التسمية فقط" (2) . ويتضح كون الخلاف لفظيًا إذا لاحظنا الأمور الآتية: أولاً: ما مضى بيانه من التفريق بين المباح المجرد، والمباح الذي صار وسيلة إلى تحصيل الواجب، فوسيلة الواجب واجبة؛ وإن كانت مباحة في الأصل، فمراد الكعبي: المباح المتوسل به، ومراد الجمهور: المباح المجرد (3) . ثانيًا: الالتفات إلى القصد، فمن فعل المباح يصير واجبًا بهذا الاعتبار، وإن تعين طريقًا صار واجبًا معينًا، وإلا كان واجبًا مخيرًا، لكن مع هذا القصد ... " (4) .

_ (1) هو: عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي، أبو القسم، كان رأس طائفة من المعتزلة، يقال لهم: الكعبية، وكان من كبار المتكلمين وله مقالات، منها: أن الله ليست له إرادة، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، توفي سنة (319هـ) . انظر: "المنية والأمل" (74) ، و"شذرات الذهب" (2/281) . (2) "نزهة الخاطر العاطر" (1/121) . (3) انظر (ص 299) من هذا الكتاب. (4) "مجموع الفتاوى" (10/534) .

المسألة الخامسة: حكم الأشياء المنتفع بها قبل ورود الشرع

ثالثًا: أن المباح بالنسبة للسابقين المقربين لا يستوي فعله وتركه، بل المباحات عندهم طاعات؛ لأنهم يستعينون بها على طاعة الله، ولديهم حُسْن القصد، أما غير المقربين - كما هو حال المقتصدين - فالمباح عندهم لا يمدح ولا يذم. فصح أن يقال: إن المباح مأمور به؛ يعني: بالنسبة للمقربين، فهم مأمورون إما بفعله أو تركه (1) . المسألة الخامسة: حكم الأشياء المنتفع بها قبل ورود الشرع الكلام على هذه المسألة يمكن ضبطه في أربع نقاط: أ- الأصل في الأشياء بعد مجيء الرسل وورود الشرع الإباحة (2) . والأدلة على ذلك كثيرة منها: قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] . وقول ابن عباس رضي الله عنهما: "وما سكت عنه فهو مما عفا عنه" (3) . قال ابن تيمية: "الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى وإلا دخلنا في معنى قوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} [الشورى: 21] . والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا} [يونس: 59] (4) .

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (10/533 - 535) ، و"مدارج السالكين" (1/122، 123) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/119) ، و"مجموع الفتاوى" (21/541) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/328) . (3) رواه أبو داود (3/354) برقم (3800) ، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. انظر: "المستدرك" (4/115) . وقد رواه مرفوعًا ابن ماجه في "سننه" (1/1117) برقم (3367) ، والترمذي (4/220) برقم (1726) ، وقال: حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه. وقال: وكأن الحديث الموقوف أصح. (4) "مجموع الفتاوى" (29/17) . وانظر للاستزادة: "مجموع الفتاوى" (4/196) ، و"القواعد والأصول الجامعة" (31، 32) .

قبل الشرع لا تحليل ولا تحريم ولا شرع، فالواجب التوقف

ب- أن قبل الشرع لا تحليل ولا تحريم ولا شرع، فالواجب التوقف (1) . قال ابن قدامة: "وهذا القول [أي التوقف] هو اللائق بالمذهب، إذ العقل لا مدخل له في الحظر والإباحة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى (2) ، وإنما تثبت الأحكام بالسمع" (3) . جـ- أنه لا يصح إعطاء ما بعد الشرع حكم ما قبل الشرع. قال ابن تيمية: "ولست أنكر أن بعض من لم يحط علمًا بمدارك الأحكام، ولم يؤت تمييزًا في مظان الاشتباه ربما سحب ذيل ما قبل الشرع على ما بعده، إلا أن هذا غلط قبيح لو نبه له لتنبه، مثل الغلط في الحساب، لا يهتك حريم الإجماع ولا يثلم سنن الاتباع" (4) . وبذلك تبين أنه لا فائدة من عقد هذه المسألة: ما حكم الأشياء قبل ورود الشرع؟ إذ إن مجيء الشرع كافٍ في معرفة حكم هذه الأشياء. د- اختلف في وقوع هذه المسألة هل هو جائز أم ممتنع؟ الصحيح: أنه ممتنع، لأن الأرض لم تخل من نبي مرسل: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] . أو يكون المراد بهذه المسألة: حكم الأشياء بعد ورود الشرع لكنه - أي الشرع - خلا عن حكمها، ومعلوم أن هذا لا يصح أبدًا (5) . أو يكون المراد بعد ورود الشرع ولم يخل عن حكمها، لكن جُهل هذا الحكم، كمن نشأ في برية، أو وُلد في جزيرة، ولم يَعرف شرعًا وعنده فواكه وأطعمة (6) .

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/217) ، و"روضة الناظر" (1/119) ، و"مجموع الفتاوى" (21/539، 540) . (2) انظر ذلك في (1/389) من "روضة الناظر" (3) "روضة الناظر" (1/119) . (4) "مجموع الفتاوى" (21/539) . وانظر: "درء تعارض العقل والنقل" (9/62) . (5) انظر (ص133) من هذا الكتاب فيما يتعلق بتمام بيان الشرع وكماله. (6) انظر: "مجموع الفتاوى" (21/539) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/323 - 325) .

المطلب الثالث: الحكم الوضعي

المطلب الثالث: الحكم الوضعي وفيه ست مسائل: المسألة الأولى: تعريف الحكم الوضعي وتقسيمه. المسألة الثانية: الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي. المسألة الثالثة: السبب والشرط والمانع. المسألة الرابعة: الصحة والفساد. المسألة الخامسة: الأداء والإعادة والقضاء. المسألة السادسة: الرخصة والعزيمة.

المسألة الأولى: تعريف الحكم الوضعي وتقسميه

المسألة الأولى: تعريف الحكم الوضعي وتقسيمه أولاً: تعريفه بناءً على التعريف المتقدم للحكم الشرعي بأنه: "خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، أو التخيير، أو الوضع" يمكن تعريف الحكم الوضعي على وجه الخصوص بأنه: "خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالوضع"، إذ إن قيد "بالاقتضاء أو التخيير" خاص بالحكم التكليفي، أما قيد "الوضع" (1) فهو خاص بالحكم الوضعي كما تقدم (2) . ثانيًا: ينقسم الحكم الوضعي إلى ثلاثة أقسام: السبب، والشرط، والمانع. وأضاف البعض قسمًا رابعًا هو العلة. وهذا التقسيم باعتبار ما يظهر الحكم. وبعضهم ألحق بالحكم الوضعي أقسامًا أخرى: كالصحة والفساد، والقضاء والأداء والإعادة، والرخصة والعزيمة (3) . المسألة الثانية الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي يتضح هذا الفرق من وجهين (4) : الأول: أن الحكم التكليفي يشترط فيه علم المكلف وقدرته على الفعل

_ (1) معنى الوضع: أن الشرع وضع أمورًا يعرف عند وجودها أحكام الشرع من إثبات أو نفي. وهذه الأمور هي: الأسباب، والشروط، والموانع. انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/435) ، و"مذكرة الشنقيطي" (40) . (2) انظر (287) من هذا الكتاب. (3) انظر: "روضة الناظر" (1/157) ، و"مختصر ابن اللحام" (65) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/438) ، و"مذكرة الشنقيطي" (40) . (4) انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/436) ، و"مذكرة الشنقيطي" (40، 41) .

المسألة الثالثة: السبب والشرط والمانع

كالصلاة والصوم. أما الحكم الوضعي فلا يشترط فيه شيء من شروط التكليف كالصبي فإنه - وإن لم يكن مكلفًا - يضمن غرم المتلفات (1) ، فالضمان حكمٌ وضع إزاء سببه وهو الإتلاف. الثاني: أن الحكم التكليفي أمر وطلب، كالأمر بالصلاة، بخلاف الحكم الوضعي فإنه إخبار. المسألة الثالثة السبب والشرط والمانع وفي هذه المسألة خمس نقاط: أ- يمكن تعريف كل من السبب، والشرط، والمانع، بما يأتي: السبب: ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم، لذاته (2) . الشرط: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، لذاته، وكان خارجًا عن الماهية (3) . المانع: ما يلزم من وجوده العدم، ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم، لذاته (4) . ب- لا بد في وجود الحكم الشرعي من توفر ثلاثة أمور (5) : أ- وجود الأسباب. ب- وجود الشروط. جـ- انتفاء الموانع. وإذا تخلف أمر من هذه الأمور انتفى الحكم الشرعي ولا بد.

_ (1) انظر (346) من هذا الكتاب. (2) انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/445) . (3) انظر المصدر السابق (1/452) . (4) انظر المصدر السابق (1/456) . (5) انظر المصدر السابق (1/435) ، و"مذكرة الشنقيطي" (40) .

- مثال لاجتماع الحكم التكليفي مع الحكم الوضعي

مثال ذلك: وجوب الزكاة. سببه: ملك النصاب. وشرطه: حولان الحول. والمانع منه: وجود الدين. فإذا وجد النصاب والحول وانتفى الدين وجب أداء الزكاة. ولا تجب الزكاة إذا لم يوجد النصاب أو لم يحل الحول، أو وجد الدين. جـ- قد يطلق السبب على العلة الشرعية (1) . وذلك مثل قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] ، فلله سبحانه في الزاني حكمان: أحدهما: وجوب الجلد، وهذا حكم تكليفي، والثاني: كون الزنا سببًا لوجوب الحكم، وهذا حكم وضعي، وقد أطلق السببُ على العلة الشرعية وهي الزنا، كما أن هذا المثال قد اجتمع فيه الحكم التكليفي مع الحكم الوضعي (2) . د- ينقسم الشرط من حيث هو شرط إلى ثلاثة أقسام: لغوي كإنْ دخلتِ الدار فأنت طالق، وعقلي كالحياة للعلم، وشرعي كاشتراط الطهارة للصلاة، والمقصود في هذا المقام الشرط الشرعي، وهو على قسمين: شرط وجوب كالزوال لصلاة الظهر، وشرط صحة كالوضوء للصلاة. والفرق بين القسمين أن شرط الوجوب من خطاب الوضع، وشرط الصحة من خطاب التكليف (3) . هـ- عدم المانع يلتبس كثيرًا بالشرط. والفرق بينهما: أن الشرط وصف وجودي، وأما عدم المانع فعدمي (4) .

_ (1) انظر مذهب أهل السنة في الأسباب والتعليل فيما سبق (ص196، 201) من هذا الكتاب. (2) انظر: "روضة الناظر" (1/168) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/447، 449) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/163) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/453، 454) ، و"مذكرة الشنقيطي" (43) . (4) انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/460، 461) .

المسألة الرابعة: الصحة والفساد

المسألة الرابعة: الصحة والفساد وفي هذه المسألة ثمان نقاط: 1- المراد بالصحة في العبادات (1) : سقوط القضاء بمعنى أنه لا يُحتاج إلى فعل العبادة مرة ثانية، وهذا هو الإجزاء، ولا تكون العبادة مجزيةً مسقطةً للقضاء إلا إذا كانت موافقة لأمر الشارع (2) . والدليل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (3) . قال ابن رجب (4) : "فهذا الحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل عمل عليه أمره فهو غير مردود، والمراد بأمره ههنا: دينه وشرعه....... فالمعنى إذن: أن من كان عمله خارجًا عن الشرع ليس متقيدًا بالشرع فهو مردود" (5) . وقال أيضًا: "فمن كان عمله جاريًا تحت أحكام الشرع موافقًا لها، فهو مقبول، ومن كان خارجًا عن ذلك فهو مردود.

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/165، 166) ، و"مجموع الفتاوى" (11/349) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/465) ، و"مذكرة الشنقيطي" (44، 45) . (2) الصحة في العبادات عند المتكلمين: موافقة أمر الشارع ولو لم يسقط القضاء. وعند الفقهاء: سقوط القضاء بحيث لا يحتاج إلى فعلها مرة ثانية. وبناءً على ذلك فصلاة من ظن الطهارة صحيحة على قول المتكلمين، فاسدة على قول الفقهاء، فالمتكلمون نظروا إلى ظن المكلف، والفقهاء نظروا لما في نفس الأمر. وقد اتفق الفريقان على وجوب القضاء فيكون الخلاف بينهما لفظيًا، إذ يرى المتكلمون - وهم القائلون بصحة صلاة من ظن الطهارة - أن القضاء وجب بأمر جديد. نظر: "شرح الكوكب المنير" (1/465 - 467) ، و"مذكرة الشنقيطي" (44، 45) . (3) تقدم تخريجه، انظر (ص188) من هذا الكتاب. (4) هو: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، زين الدين أبو الفرج، الفقيه الحنبلي، الحافظ الزاهد، له مؤلفات نافعة، منها: "جامع العلوم والحكم"، و"ذيل طبقات الحنابلة"، توفي سنة (795هـ) . انظر: "الجوهر المنضد" (46) ، و"شذرات الذهب" (6/339) . (5) "جامع العلوم والحكم" (1/177) .

- المراد بالفساد في العبادات والمعاملات

والأعمال قسمان: عبادات ومعاملات. فأما العبادات فما كان منها خارجًا عن حكم الله ورسوله بالكلية فهو مردود على عامله، وعامله يدخل تحت قوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} [الشورى: 21] (1) . 2- المراد بالصحة في المعاملات: ترتب الأثر المقصود من المعاملة، فكل بيع أباح التصرف في المبيع وحقق كمال الانتفاع به فهو صحيح (2) . 3- بناءً على ما تقدم فالمراد بالفساد (3) في باب العبادات عدم الإجزاء، أو عدم سقوط القضاء، أو عدم موافقة الأمر الشرعي. وفي باب المعاملات عدم ترتب الأثر المقصود من العقد (4) . 4- الإثابة والصحة يجتمعان ويفترقان، فيكون العمل صحيحًا مثابًا عليه؛ كالعمل الكامل الذي توفرت شروطه وأركانه ولم تقترن به معصية تخل بالمقصود، وتارة يكون العمل غير صحيح ولكنه يثاب عليه كأنْ يخل بالشروط والأركان، فيُثاب على ما فعل ولا تبرأ ذمتُه، وتارة أخرى يكون صحيحًا لكن لا ثواب عليه وذلك إذا أتى بالمأمور على الوجه المطلوب لكن اقترنت به معصية تُخل بالمقصود (5) . 5- الكمال (6) في العبادة نوعان (7) : أ- الكمال الواجب: وهو أن يقتصر في العبادة على الواجب منها، وهذا

_ (1) "جامع العلوم والحكم" (1/177، 178) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/165، 166) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/467) ، و"مذكرة الشنقيطي" (45) . (3) الفساد والبطلان مترادفان عند الجمهور فهما يقابلان الصحة الشرعية سواء كان ذلك في العبادات أوالمعاملات. انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/473) . (4) انظر: "روضة الناظر" (1/166، 167) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/473) ، و"مذكرة الشنقيطي" (45، 46) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/303، 305) وانظر (ص 404، 405) من هذا الكتاب. (6) مما يتصل بالصحة والفساد الكمال والنقص. (7) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/290 – 293) .

- النقص في العبادات نوعان

كمال المقتصدين. ب- الكمال المستحب: وهو أن يؤتي في العبادة بالمستحب، وهذا كمال المقربين. 6- النقص في العبادة نوعان (1) : فقد يراد بالنقص نقص بعض الواجبات، وقد يراد به ترك بعض المستحبات وذلك مثل قول الفقهاء: الغسل ينقسم إلى كامل ومجزئ، يريدون بالمجزئ الاقتصار على الواجب، وبالكامل ما أتي فيه بالمستحب في العدد والقدر والصفة، وغالب استعمال الفقهاء تفسيرُ الكامل بما كمل بالمستحبات. أما في عرف الشارع فالكامل: هو ما كمل بالواجبات. 7- الخلاف الواقع في حرف النفي الداخل على المسميات الشرعية؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا صلاة لمن لا وضوء له» (2) ؛ هل يحمل على نفي الكمال الواجب أو الكمال المسنون؟. بيان ذلك: أن كل ما نفاه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من مسمى أسماء الأمور الواجبة، كاسم الإيمان والإسلام والدين والصلاة والصيام والطهارة والحج وغير ذلك فإنما يكون لترك واجب من ذلك المسمى (3) . قال ابن تيمية: "فمن قال: إن المنفي هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يذم تاركه، ويتعرض للعقوبة فقد صدق. وإن أراد أنه نفي الكمال المستحب فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله، ولا يجوز أن يقع" (4) .

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/290 – 293) . (2) رواه أبو داود في "سننه" (1/25) برقم (101) ، وابن ماجه (1/140) برقم (398، 399، 400) ، وصححه الألباني. انظر: "صحيح الجامع" (2/1249) برقم (7514، 7515) ، ورواه مسلم في صحيحه (3/102) بلفظ: «لا تقبل صلاة بغير طهور» . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (7/37) . (4) "مجموع الفتاوى" (7/15) .

- النقص عن الواجب في العبادات نوعان

وقال رحمه الله ممثلاً لهذه القاعدة ومطبقًا لها: ".......وكذلك قوله: «من غشنا فليس منا» (1) ونحو ذلك، لا يجوز أن يقال فيه: ليس من خيارنا كما تقول المرجئة. ولا أن يقال: صار من غير المسلمين فيكون كافرًا كما تقوله الخوارج. بل الصواب: أن هذا الاسم المضمر ينصرف إطلاقه إلى المؤمنين الإيمان الواجب الذي به يستحقون الثواب بلا عقاب، ولهم الموالاة المطلقة والمحبة المطلقة وإن كان لبعضهم درجات في ذلك بما فعله من المستحب. فإذا غشهم لم يكن منهم حقيقة: لنقص إيمانه الواجب الذي به يستحقون الثواب المطلق بلا عقاب، ولا يجب أن يكون من غيرهم مطلقًا، بل معه من الإيمان ما يستحق به مشاركتهم في بعض الثواب، ومعه من الكبيرة ما يستحق به العقاب. كما يقول من استأجر قومًا ليعملوا عملاً، فعمل بعضهم بعض الوقت، فعند التوفية يصلح أن يقال: هذا ليس منا، فلا يستحق الأجر الكامل، وإن استحق بعضه. وقد بسطت القول في هذه المسألة في غير هذا الموضع، وبينتُ ارتباطها بقاعدة كبيرة هي: أن الشخص الواحد أو العمل الواحد يكون مأمورًا به من وجهٍ منهيًا عنه من وجهٍ، وأن هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافًا للخوارج والمعتزلة......" (2) . 8- النقص عن الواجب في العبادات نوعان (3) : نوع يُبطل العبادة؛ كنقص أركان الطهارة والصلاة والحج. ونوع لا يبطلها؛ كنقص واجبات الحج التي ليست بأركان، ونقص واجبات الصلاة إذا تركها سهوًا عند من يرى ذلك.

_ (1) رواه مسلم (2/108) . (2) "مجموع الفتاوى" (19/294) . وانظر (ص302، 303) من هذا الكتاب فيما يتعلق بالقاعدة المشار إليها. (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/292) .

المسألة الخامسة: الأداء والإعادة والقضاء

المسألة الخامسة الأداء والإعادة والقضاء وفي هذه المسألة أربع نقاط: أولاً: الأداء هو فعل العبادة في وقتها المعين لها شرعًا (1) . ثانيًا: الإعادة هي فعل العبادة مرة أخرى، وذلك لبطلانها مثلاً، أو لغير ذلك، كإعادتها لفضل الجماعة في الوقت (2) . ثالثًا: القضاء هو فعل جميع العبادة المؤقتة بعد خروج وقتها المقدر شرعًا، لا فرق في ذلك بين المعذور - كالنائم عن الصلاة والمريض في الصوم - وغير المعذور (3) . رابعًا: الأداء والقضاء يجتمعان في الصلوات الخمس فإنها تؤدي في وقتها وتقضي بعد خروجه، وقد ينفرد الأداء عن القضاء كصلاة الجمعة فإنها تؤدي في وقتها ولا تقضي بعد خروجه بل تكون ظهرًا، وقد ينفرد القضاء عن الأداء كما في صوم الحائض فإن أداءه حرام وقضاءه واجب، وقد ينتفيان معًا في النوافل التي ليس لها أوقات معينة (4) . المسألة السادسة: الرخصة والعزيمة وفي هذه المسألة جانبان: الجانب الأول: العزيمة: وهي الحكم الثابت بدليل شرعي، خالٍ عن معارض راجح. وذلك يشمل الواجب، والمندوب، والمحرم، والمكروه، والمباح، إذ الجميع حكم ثبت بدليل شرعي.

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/168) ، و"مذكرة الشنقيطي" (47) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/168) ، و"مذكرة الشنقيطي" (46) . (3) إلا أن الفرق يتضح في حصول الإثم، فالمعذور لا يأثم بخلاف من لا عذر له. انظر: "روضة الناظر" (1/168، 169) . (4) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (47) .

- تعريف الرخصة

والأصل هو العمل بما ثبت بالدليل الشرعي، إذ لا يجوز تركُه إلا إذا وجد معارض أقوى مما ثبت بالدليل الشرعي، فيتعين في حالة وجود المعارض الأقوى العملُ بهذا المعارض وترك ما ثبت بالدليل الشرعي، وهذه الحالة هي الرخصة. فيُشترط إذن في العمل بالدليل الشرعي عدم المعارض الراجح له (1) . الجانب الثاني: الرخصة: وهي الحكم الثابت على خلاف الدليل الشرعي، لمعارضٍ راجح (2) . وقد تكون الرخصة واجبة؛ كأكل الميتة للمضطر. وقد تكون مندوبة؛ كقصر المسافر الصلاة عند الجمهور إذا اجتمعت الشروط وانتفت الموانع. وقد تكون مباحة؛ كالجمع بين الصلاتين في غير عرفة ومزدلفة عند الجمهور (3) . وبذلك يُعلم أن الرخصة لا تكون محرمة ولا مكروهة (4) .

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/171، 172) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/476) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (1/172) . (2) انظر: "روضة الناظر" (1/173) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/478) . (3) انظر المصدر السابق (1/479، 489) . (4) انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/480، 481) .

المبحث الثاني: لوازم الحكم الشرعي

المبحث الثاني: لوازم الحكم الشرعي لما كان الحكم الشرعي لا بدّ له من حاكم وهو الله سبحانه وتعالى، ومحكوم فيه هو فعل المكلف، ومحكوم عليه وهو المكلف، حَسُنَ جمعُ هذه الأمور التي لا بد للحكم منها تحت مبحث واحد. ولما كان الكلام على المحكوم فيه والمحكوم عليه يُجمع في الغالب تحت عنوان واحد -وهو التكليف- اقتضى المقام لأجل ذلك تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين: المطلب الأول: الحاكم. المطلب الثاني: التكليف.

المطلب الأول: الحاكم وفي هذا المطلب مسألة واحدة وهي: مسألة التحسين والتقبيح العقليين

المطلب الأول: الحاكم (التحسين والتقبيح العقليان)

مسألة التحسين والتقبيح العقليين والكلام على هذه المسألة يمكن ضبطه في النقاط التالية: أ- المراد بالحُسْن والقبح. ب- الأقوال في المسألة. جـ- أصول مهمة عند أهل السنة. د- تفصيل مذهب أهل السنة. هـ- مذهب أهل السنة وسط بين الطرفين. و تنبيهات. أ- المراد بالحُسْن والقُبْح: يطلق الحسن والقبح بثلاثة اعتبارات (1) : الاعتبار الأول: بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته، فما لاءم الطبع فهو حسن؛ كإنقاذ الغريق، وما نافر الطبع فهو قبيح؛ كاتهام البريء. الاعتبار الثاني: بمعنى الكمال والنقص، فالحسن: ما أشعر بالكمال؛ كصفة العلم، والقبيح: ما أشعر بالنقص؛ كصفة الجهل. والحسن والقبح بهذين الاعتبارين: لا خلاف أنهما عقليان، بمعنى أن العقل يستقل بإدراكهما من غير توقف على الشرع. والاعتبار الثالث: بمعنى المدح والثواب، والذم والعقاب. والحسن والقبح بهذا الاعتبار: محل نزاع بين الطوائف، وذلك على النحو الآتي:

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (11/347) ، و"مفتاح دار السعادة" (2/44) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/300، 301) .

- الأقوال في المسألة

ب- الأقوال في المسألة: القول الأول: إثبات الحسن والقبح العقليين، بمعنى أن العقل يدرك الحسن والقبح، فهو يحسن ويقبح، وهذا مذهب المعتزلة (1) . القول الثاني: نفي الحسن والقبح العقليين، بمعنى أن العقل لا يدرك الحُسن والقُبح، فالعقل لا يحسن ولا يقبح، وهذا مذهب الأشاعرة (2) . القول الثالث: مذهب أهل السنة، وهم وسط بين الطرفين، وقبل تفصيل مذهبهم في هذه المسألة لا بد من ذكر أصولٍ لهم يُحتاج إلى بيانها في هذا المقام: جـ- أصول مهمة عند أهل السنة: (الأصل الأول: أنهم يثبتون الحكمة والتعليل في أفعال الله سبحانه وتعالى وأحكامه، فجميع الأوامر والنواهي مشتملة على مصالح العباد (3) . قال ابن القيم: "كيف والقرآن وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مملوآن من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح وتعليل الخلق بهما والتنبيه على وجود الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام، ولأجلها خلق تلك الأعيان، ولو كان هذا في القرآن والسنة في نحو مائة موضعٍ أو مائتين لسقناها، ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة. فتارة يذكر لام التعليل الصريحة، وتارة يذكر المفعول لأجله، الذي هو المقصود بالفعل، وتارة يذكر "من أجل" الصريحة في التعليل، وتارة يذكر أداة "كي"، وتارة يذكر "الفاء" و"إن"، وتارة يذكر أداة "لعل" المتضمنة للتعليل المجردة عن معنى الرجاء المضاف إلى المخلوق، وتارة ينبه على السبب بذكره صريحًا،....وتارة يخبر بكمال حكمته وعلمه المقتضي أنه لا يفرق بين متماثلين ولا يسوي بين مختلفين وأنه ينزل الأشياء منازلها ويرتبها مراتبها" (4) . (الأصل الثاني: أن أفعال الله سبحانه كلها حسنةٌ جميلة، لا يقبح منها

_ (1) انظر: "المعتمد" (2/315) . (2) انظر: "الإحكام" للآمدي (1/79) ، و"المواقف" للإيجي (323) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/434، 17/300) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (190) . (4) "مفتاح دار السعادة" (2/22، 23) . وانظر الأمثلة على ما تقدم (ص199- 201) من هذا الكتاب.

شيء، قال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7] . وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله جميل يحب الجمال» (1) ، فأفعال الله إذن مباينة لأفعال المخلوقين تمامًا (2) . (الأصل الثالث: أنهم يصفون الله سبحانه بما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فلا يجوز نفي ما أثبته الله لنفسه من الصفات، ولا أن تمثل صفاته بصفات المخلوقين، ولا أفعاله سبحانه بأفعال المخلوقين (3) . (الأصل الرابع: أنهم لا يوجبون على الله شيئًا إلا ما أوجبه سبحانه على نفسه تفضلاً منه وتكرمًا، كما قال تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] . قال ابن تيمية: "وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى والتحريم بالقياس على خلقه، فهذا قول القدرية، وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول، وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئًا" (4) . (الأصل الخامس: أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه برسله وكتبه (5) ، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] ، وقال تعالى: {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] . وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين» (6) .

_ (1) رواه مسلم (2/88) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (11/351، 353) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/432) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (99، 143، 144) . (4) "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/776) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/435) ، و"طريق الهجرتين" (411 – 414) . (6) رواه البخاري بهذا اللفظ: (13/399) برقم (7416) ، ومسلم (17/78) وانظر (ص342) ، وما بعدها من هذا الكتاب فيما يتعلق بهذا الأصل.

- تفصيل مذهب أهل السنة

(الأصل السادس: أن الشرع جاء بتقرير ما هو مستقر في الفطر والعقول –ومن ذلك تحسين الحسن والأمر به، وتقبيح القبيح والنهي عنه– فلا تعارض بين الشرع والعقل، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] . قال ابن القيم: "وأنه [أي الشرع] لم يجئ بما يخالف العقل والفطرة، وإن جاء بما يعجز العقول عن أحواله والاستقلال به، فالشرائع جاءت بمحارات (1) العقول لا محالاتها، وفرق بين ما لا تُدرك العقولُ حسنه وبين ما تشهد بقبحه، فالأول مما يأتي به الرسل دون الثاني" (2) . (الأصل السابع: أن العقل لا مدخل له في إثبات الأحكام الشرعية، ولا في تعلق المدح والذم بالأفعال عاجلاً أو تعلق الثواب والعقاب بها آجلاً، وإنما طريق ذلك السمع المجرد (3) . د- تفصيل مذهب أهل السنة: يمكن إيضاح مذهب أهل السنة في هذه المسألة وأدلتهم عليه في ثلاث نقاط (4) : 1- أن الحسن والقبح صفات ثابتة للأفعال، وهذا الثبوت قد يكون بطريق العقل، وقد يكون بطريق الفطرة، وقد يكون بطريق الشرع، فالعقل والفطرة يحسنان ويقبحان، ولا يمكن أن يأتي الشرع على خلاف ذلك، والشرع أيضًا يحسن ويقبح فكل ما أمر به الشرع فهو حسن، وكل ما نهى عنه فهو قبيح. فثبت إذن أن الحسن والقبح قد يعرفان بالعقل، وقد يعرفان بالفطرة، وقد يعرفان بالشرع. 2- أن ما أدرك العقلُ أو الفطرة حسنه أو قبحه فحكمته معلومة لدينا ولا شك، أما ما عرف حسنه وقبحه بطريق الشرع فقد تغيب حكمته وعلته عن عقولنا القاصرة، ولكن الأمر الذي لا شك فيه أن جميع ما حسنه الشرع أو

_ (1) في الأصل: "بمجازات" وهو محتمل. (2) "مفتاح دار السعادة" (2/59) . (3) انظر المصدر السابق (2/44) . وانظر (ص355) ، وما بعدها من هذا الكتاب فيما يتعلق بهذا الأصل. (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/90، 428، 431) ، و"مفتاح دار السعادة" (2/7، 12، 43، 57، 59) ، و"الحكمة والتعليل في أفعال الله" (89 – 91) .

- مذهب أهل السنة وسط بين الطرفين

قبحه له علة وحكمة يعلمها الله – والواجب التسليم لشرع الله – فإن من صفاته العلم والحكمة، وهذا يقتضي أيضًا أنه لا يجوز عليه سبحانه أن يأمر بالظلم وينهي عن العدل، لكمال حكمته سبحانه. 3- أن ما عُرف حسنُه وقبحُه بطريق العقل والفطرة لا يترتب عليه مدح ولا ذم، ولا ثواب ولا عقاب ما لم تأتِ به الرسل؛ لأن الدليل الشرعي إنما أثبت المدح والذم والثواب والعقاب على من قامت عليهم الحجة بالرسل والكتب، فالمدح والذم والثواب والعقاب إنما يترتب على ما عُرف حسنه وقبحه بطريق الشرع فقط. وبهذا التفصيل يتبين لنا أن مذهب أهل السنة وسط بين الطرفين، وبيان ذلك كالآتي: هـ- مذهب أهل السنة وسط بين الطرفين (1) : ذلك أن المعتزلة الذين أثبتوا التحسين والتقبيح العقليين ارتكبوا عدة محاذير عندما قالوا: إن العقل يحسن ويقبح: المحذور الأول: أنهم مجدوا العقل وجعلوا ما أدركته عقولهم أصلاً قاطعًا، فالحسن ما حسنته عقولهم والقبيح ما قبحته عقولهم، والشرع عندهم إنما هو كاشف عن حكم العقل. والمحذور الثاني: أنهم رتبوا على تحسين العقل وتقبيحه أن أوجبوا على الله فعل الأصلح، وهو الأمر بما حسنته عقولهم والنهي عما قبحته. والمحذور الثالث: أنهم رتبوا على تحسين العقل: المدح والثواب، وعلى تقبيحه: الذم والعقاب، ومعلوم أن المدح والذم والثواب والعقاب مما لا يدرك إلا بالسمع المجرد. والمحذور الرابع: أنهم شبهوا الله سبحانه وتعالى بخلقه، وذلك أنهم قالوا: ما حَسُنَ من المخلوق حَسُنَ من الخالق، وما قَبُحَ من المخلوق قَبُحَ من الخالق، ومن المعلوم أنه سبحانه لكمال حكمته لا يقبح منه شيء أبدًا، ولا يجوز أيضًا تشبيه الله بخلقه، لا في صفاته، ولا في أسمائه، ولا في أفعاله.

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/431) ، و"مفتاح دار السعادة" (2/7، 57، 59) .

ومن جهة أخرى نجد أن الأشاعرة الذين نفوا التحسين والتقبيح العقليين ارتكبوا عدة محاذير عندما صاروا إلى ذلك: المحذور الأول: أنهم خالفوا بداهة العقل والفطرة السليمة، ذلك أنهم قالوا باستواء الأفعال حسنها وقبيحها، فلا فرق عندهم بين الظلم والفواحش وبين العدل والإحسان، بل قالوا: إنه يجوز أن يأمر الله بالشرك وينهي عن التوحيد، ومعلوم أن الشرع موافق للفطرة والعقل، ولا يمكن أن يستقر في العقول والفطر ما يناقض الشرع، فالعقل يدرك حسن عبادة الله وحده وقبح عبادة ما سواه. والمحذور الثاني: أنهم نفوا عن الله الحكمة والتعليل في أفعاله، إذ قالوا: إن الله يأمر وينهى لا لحكمة، ولا يخلق الله شيئًا لحكمة لكن نفس المشيئة أوجبت وقوع ما وقع، فهم لا يثبتون إلا محض الإرادة، وهذا مما علم بطلانه بأدلة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، ومخالف أيضًا للمعقول الصريح (1) ، فإن الله وصف نفسه بالحكمة في غير موضع، ونزه نفسه عن الفحشاء، فقال: {إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: 28] ، ونزه نفسه عن التسوية بين الخير والشر، فقال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم: 35] ، وقال: {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28] . والمحذور الثالث: أنهم جعلوا انتفاء العذاب قبل بعثه الرسل دليلاً على انتفاء التحسين والتقبيح العقليين واستواء الأفعال في أنفسها، ومعلوم أنه لا يلزم من إثبات التحسين والتقبيح العقليين إثبات الثواب والعقاب؛ لأن الثواب والعقاب من الأمور التي لا تثبت إلا بالسمع المجرد. أما أهل السنة فقد توسطوا بين الطرفين ولم يرتكبوا شيئًا من المحاذير التي وقع فيها الفريقان، فإنهم: أثبتوا ما أثبته الله لنفسه من الحكمة والتعليل ونزهوا الله سبحانه وتعالى عن أن يأمر بالقبائح والنقائص لكمال حكمته وعلمه وعدله، ولذلك لا يمكن أن يجيء الشرع عندهم بما يخالف العقل والفطرة، وإن جاء بما يعجز العقل عن فهمه وإدراكه، ولذلك أيضًا أثبت أهل السنة تحسين العقل وتقبيحه، لكن لا يترتب عندهم على ذلك مدح ولا ذم، ولا ثواب ولا

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/434) .

- مسألة شكر المنعم

عقاب؛ لأن ترتيب ذلك مما لا يثبت بالعقل، وإنما يستقل السمع المجرد في إثباته. و تنبيهات: 1- بُني على مسألة التحسين والتقبيح العقليين مسألة: شكر المنعم، هل هو واجب سمعًا أو عقلاً؟ فمن قال: إن العقل يحسن ويقبح قال: إن شكر المنعم واجب عقلاً، وهؤلاء هم المعتزلة. ومن نفى كون العقل يحسن ويقبح قال: إن شكر المنعم واجب سمعًا لا عقلاً وهؤلاء هم الأشاعرة. أما أهل السنة فعندهم أن شكر المنعم واجب بالسمع والعقل والفطرة (1) . 2- كثر الخلط بين مذهب أهل السنة ومذهب الأشاعرة في مسألة التحسين والتقبيح العقليين، وكذلك في مسألة شكر المنعم، بل جعل البعض المذهبين مذهبًا واحدًا، فقال: إن أهل السنة والأشاعرة متفقون على أن العقل لا يحسن ولا يقبح. وهذا خلط عظيم (2) ، سببه: اتفاق الفريقين في بعض الجوانب؛ إذ الكل متفق على إثبات أن الشرع يحسن ويقبح، ويوجب ويحرم، وأن الثواب والعقاب والمدح والذم لا يعرف بالعقل، وإنما يعرف ذلك بالشرع وحده، وفي حقيقة الأمر نجد أن هناك جوانب أخرى في المسألة اختلفوا فيها، فأهل السنة يثبتون للعقل دورًا في التحسين والتقبيح بينما ينكر الأِشاعرة دور العقل تمامًا، وأهل السنة أيضًا يثبتون لله الحكمة والتعليل في أفعاله، بينما ينفي الأِشاعرة ذلك، إلى غير ذلك من الأمور التي سبق بيانها في النقاط السابقة.

_ (1) انظر: "مفتاح دار السعادة" (2/8) . (2) انظر في هذا الخلط على سبيل المثال: "مختصر ابن اللحام" (55، 56) ، و"المسودة" (473) . وانظر للاعتذار لهم ما سيأتي في فقرة رقم (5) من هذه التنبيهات.

- وجه إرجاع الخلاف إلى اللفظ في مسألة التحسين والتقبيح العقليين

وبذلك يتبين تباعد الفريقين وافتراق المذهبين. 3- يمكن إرجاع الخلاف في هذه المسألة إلى اللفظ إذا فسر الحسن بكون الفعل نافعًا للفاعل ملائمًا له، والقبح بكون الفعل ضارًا للفاعل منافرًا له، أو فسر الحسن بمعنى الكمال، والقبح بمعنى النقص. وذلك بأن يُعطى هذا المعنى حقه وتلتزم لوازمه. إذ الجميع متفق على أن الحسن والقبح بهذين المعنيين عقليان، بمعنى أن العقل يمكنه معرفة ما يلائم الطبع وما ينافره، وما هو صفة كمال أو نقص، إذ يلزم من الملائمة والمنافرة الكمال والنقص، ولا شك أن المدح والذم مرتب على الحب والبغض المستلزم للكمال والنقص (1) . قال ابن القيم: "......قال هؤلاء: فيطلق الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة، وهو عقلي، وبمعنى الكمال والنقصان، وهو عقلي، وبمعنى استلزامه للثواب والعقاب وهو محل النزاع، وهذا التفصيل لو أُعطي حقه والتزمت لوازمه رفع النزاع وأعاد المسألة اتفاقية، وأن كون الفعْل صفة كمال أو نقصان يستلزم إثبات تعلق الملاءمة والمنافرة، لأن الكمال محبوب للعالم والنقص مبغوض له، ولا معنى للملاءمة والمنافرة إلا الحب والبغض......والله سبحانه يُحب كل ما أمر به، ويبغض كل ما نَهَى عنه،......فأما المدح والذم فترتبه على النقصان والكمال المتصف به وذمهم لمؤثر النقص والمتصف به أمر عقلي فطري وإنكاره يزاحم المكابرة....." (2) . 4- بُني على مسألة التحسين والتقبيح العقليين مسألة حكم الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع، وقد سبق الكلام على هذه المسألة في مسائل المباح (3) . 5- إثبات تحسين العقل وتقبيحه وأن العقل يحسن ويقبح أو نفي ذلك يحتاج إلى تفصيل؛ إذ إن ذلك من الألفاظ المجملة التي لا يجوز إطلاقها دون تقييد أو بيان، والتفصيل في ذلك أن يقال:

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/90) ، و"مفتاح دار السعادة" (2/44) . (2) "مفتاح دار السعادة" (2/44) . (3) انظر (ص 310) من هذا الكتاب.

إن أريد بإثبات تحسين العقل وتقبيحه ترتيبُ الثواب والعقاب عليه فالصواب نفيه، وإن أريد بإثباته أن العقل يدرك حُسن الحَسَن وقُبْح القبيح من غير ترتيب ثوابٍ ولا عقاب على ذلك فالصواب إثباته. ولعل هذا التفصيل هو مراد بعض من نَفَى أو أثبت التحسين والتقبيح العقليين مطلقًا دون تفصيل أو تقييد.

المطلب الثاني: التكليف

المطلب الثاني: التكليف وفي هذا المطلب ثلاث مسائل: المسألة الأولى: تعريف التكليف. المسألة الثانية: شروط التكليف العائدة إلى الفعل. المسألة الثالثة: شروط التكليف العائدة إلى المكلف.

المسألة الأولى: تعريف التكليف

المسألة الأولى تعريف التكليف التكليف لغة: إلزام ما فيه كلفة، والكلفة هي المشقة (1) . واصطلاحًا: "إلزام مقتضى خطاب الشرع" (2) . والمراد بمقتضى خطاب الشرع: الأمر والنهي والإباحة (3) . فبهذا التعريف تدخل الإباحة في التكليف، ولا تدخل الإباحة في التكليف عند من عرف التكليف بأنه "الخطاب بأمر أو نهي" (4) . المسألة الثانية شروط التكليف العائدة إلى الفعل يشترط في الفعل المكلف به ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يكون الفعل معدومًا، وذلك لأن التكليف بتحصيل الموجود تحصيل حاصل وهو محال. وتوضيح هذا الشرط أن الصلاة المأمور بها وقت الطلب لا بد أن تكون غير موجودة، والمكلف ملزم بإيجادها على الوجه المطلوب، أما الموجود الحاصل فلا يصح التكليف به، كما لو صلى ظهر هذا اليوم بعينه صلاة تامة من كل جهاتها، فلا يمكن أمره بإيجاد تلك الصلاة بعينها التي أداها على الوجه الكامل؛ لأن الأمر بتحصيلها معناه أنها غير حاصلة، والغرض أنها حاصلة فيكون تناقضًا (5) . الشرط الثاني: أن يكون الفعل معلومًا لدي المكلف معروفًا عنده، ليتصور

_ (1) انظر: "المصباح المنير" (537، 538) . (2) "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (58) . وانظر: "نزهة الخاطر العاطر" (1/136) . (3) انظر: "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (58) . (4) انظر: "روضة الناظر" (1/136) ، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (58) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (1/136) ، وانظر (ص 307) من هذا الكتاب. (5) انظر: "روضة الناظر" (1/150) ، و"مذكرة الشنقيطي" (30، 35) .

- التكليف بالمحال قسمان

قصده إليه (1) . وذلك مثل: "المأمور بالصلاة يجب عليه أولاً أن يعلم حقيقتها، وأنها جملة أفعال من قيام وركوع وسجود وجلوس يتخللها أذكار مخصوصة، مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم حتى يصح قصده لهذه الأفعال ويشرع فيها شيئًا بعد شيء. فلو لم يعلم ما حقيقة الصلاة لم يدر في أي فعل يشرع من أنواع الأفعال، فيكون تكليفه بفعل ما لم يعلم حقيقته تكليفًا بما لا يطاق" (2) . الشرط الثالث: أن يكون الفعل ممكنًا، ومقدورًا عليه؛ لأن المطلوب شرعًا حصولُ الفعل، ولا يمكن حصوله إلا بأن يكون متصور الوقوع، أما المحال فلا يتصور وقوعه (3) . هذه هي شروط الفعل المكلف به من حيث الجملة، وهناك تفاصيل لهذه الشروط يمكن إيضاحها في النقاط الآتية: 1- التكليف بما لا يطاق، أو التكليف بالمحال، قسمان (4) : أ- المستحيل لذاته: كالجمع بين الضدين، وهذا غير واقع في الشريعة، ولا يجوز التكليف به إجماعًا؛ لقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، وقوله: {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 233] . ب- المستحيل لا لذاته: بل لتعلق علم الله بأنه لا يوجد، وذلك كإيمان أبي لهب فإن إيمانه بالنظر إلى مجرد ذاته جائز عقلاً الجواز الذاتي؛ لأن العقل يقبل وجوده وعدمه، ولو كان إيمانه مستحيلاً عقلاً لذاته لاستحال شرعًا تكليفه بالإيمان مع أنه مكلف به قطعًا إجماعًا. ولكن هذا الجائز عقلاً الذاتي مستحيل من جهة أخرى، وهي من حيث تعلق علم الله فيما سبق أنه لا يؤمن لاستحالة تغير ما سبق به العلم الأزلي. وهذا النوع من المستحيل يجوز التكليف به شرعًا وهو واقع بإجماع المسلمين.

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/149) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/490) ، و"مذكرة الشنقيطي" (34) . (2) "نزهة الخاطر العاطر" (1/149) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/150، 154) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/484) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (150) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/295، 301، 479) ، و"مذكرة الشنقيطي" (37) .

- التكليف بالمحال أو بما لا يطاق من الألفاظ المجملة، وكذا لفظ القدرة والاستطاعة

2- بناءً على هذا التفصيل في التكليف بما لا يطاق فإنه لا يجوز إطلاق القول في حكم التكليف بما لا يطاق بالجواز أو المنع، لأن لفظ "التكليف بما لا يطاق" من الألفاظ المجملة، إذ هو مشتمل على المعنيين المذكورين؛ أحدهما حق ثابت وهو المستحيل لا لذاته بل لتعلق علم الله بأنه لا يوجد، والأخر باطل لا يثبت في هذه الشريعة وهو المستحيل لذاته (1) . والتكليف بما لا يطاق مجمل أيضًا من وجه آخر، هذا بيانه: 3- لفظ القدرة والاستطاعة والطاقة: من الألفاظ المُجملة؛ لأن لفظ القدرة يتناول نوعين: أ- القدرة الشرعية المصححة للفعل، التي هي مناط الأمر والنهي، وهي المذكورة في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] ، وقوله: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] . ب- القدرة القدرية الموجبة للفعل، المقترنة به، المحققة له، التي هي مناط القضاء والقدر، وهي المذكورة في قوله تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} [هود: 20] ، وقوله: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف: 101] (2) . قال ابن تيمية: "وعلى هذا تتفرع مسألة تكليف ما لا يطاق، فإن الطاقة هي الاستطاعة، وهي لفظ مجمل، فالاستطاعة الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي لم يكلف الله أحدًا شيئًا بدونها، فلا يكلف ما لا يطاق بهذا التفسير. وأما الطاقة التي لا تكون إلا مقارنة للفعل؛ فجميع الأمر والنهي تكليف ما لا يطاق بهذا الاعتبار، فإن هذه ليست مشروطة في شيء من الأمر والنهي باتفاق المسلمين" (3) . 4- هل القدرة متقدمة على الفعل أو هي مقارنة له؟ الصواب في ذلك أن القدرة نوعان:

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/294، 295) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/290، 291، 372، 373) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (488) . (3) "مجموع الفتاوى" (8/130) .

- ما القدرة المشترطة في التكليف؟

أ- القدرة الشرعية: فهذه تتقدم الفعل، وهي صالحة للضدين، بمعنى أنها قد توجد ويوجد معها الفعل، وقد توجد ولا يوجد معها الفعل. ب- أما القدرة القدرية: فهذه مقارنة للفعل لا تكون إلا معه (1) . قال ابن تيمية: "ومن مواقع الشبهة ومثارات الغلط تنازع الناس في القدرة هل يجب أن تكون مقارنة للفعل؟ أو يجب أن تكون متقدمة عليه؟ والتحقيق الذي عليه أئمة الفقهاء: أن الاستطاعة المشروطة في الأمر والنهي.... لا يجب أن تقارن الفعل، فإن الله إنما أوجب الحج على من استطاعه، فمن لم يحج من هؤلاء كان عاصيًا باتفاق المسلمين، ولم يوجد في حقه استطاعة مقارنة، وكذلك سائر من عصى الله من المأمورين المنهيين وجد في حقه الاستطاعة المشروطة في الأمر والنهي. وأما المقارنة فإنما توجد في حق من فعل...." (2) . 5- هل تشترط القدرة في التكليف؟ لعل الجواب على ذلك تبين مما مضى، وهو أن القدرة الشرعية لا بد منها في التكليف، وذلك مثل اشتراط الاستطاعة في الحج، فهذه استطاعة شرعية تشترط في وجوب الحج، فمن كانت لديه هذه الاستطاعة وجب عليه الحج، ومن لم توجد عنده هذه الاستطاعة لم يجب عليه الحج. أما القدرة القدرية فإنها لا تشترط في التكليف وذلك مثل العصاة والكفار التاركين لما أمر الله به، فإن هؤلاء لتركهم ما وجب عليهم لم تحصل لهم القدرة القدرية، ومع ذلك فهم مكلفون بما فُرض عليهم، فحصول القدرة الأولى كافٍ في التكليف، أما حصول القدرة الثانية فلا يشترط في التكليف (3) . 6- من الأدلة على اشتراط الاستطاعة والقدرة –الشرعيتين– في جميع التكاليف ما ذكره ابن تيمية وقرره في غير موضع، قال رحمه الله:

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/441) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (488) . (2) "مجموع الفتاوى" (8/441) . (3) انظر المصدر السابق (8/130، 290، 291، 373) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (429) .

"..... والشريعة طافحة بأن الأفعال المأمور بها مشروطة بالاستطاعة والقدرة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن الحصين (1) : «صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب» (2) ، وقد اتفق المسلمون على أن المصلي إذا عجز عن بعض واجباتها؛ كالقيام أو القراءة أو الركوع أو السجود أو ستر العورة أو استقبال القبلة أو غير ذلك سقط عنه ما عجز عنه، وإنما يجب عليه ما إذا أراد فعله إرادة جازمة أمكنه فعله. وكذلك الصيام اتفقوا على أنه يسقط بالعجز عن مثل الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة، الذين يعجزون عن أداء وقضاء، وإنما تنازعوا هل على مثل ذلك الفدية بالإطعام؟ .....وكذلك الحج فإنهم أجمعوا على أنه لا يجب على العاجز عنه، وقد قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] . بل مما ينبغي أن يعرف أن الاستطاعة الشرعية المشروطة في الأمر والنهي لم يكتفِ الشارع فيها بمجرد المُكنة ولو مع الضرر، بل متى كان العبد قادرًا على الفعل مع ضرر يلحقه جُعل كالعاجز في مواضع كثيرة من الشريعة: كالتطهر بالماء، والصيام في المرض، والقيام في الصلاة، وغير ذلك تحقيقًا لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ... فمن قال: إن الله أمر العباد بما يعجزون عنه إذا أرادوه إرادة جازمة فقد كذب على الله ورسوله، وهو من المفترين الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف: 152] (3) . وقال أيضًا: "واتفقوا على أن العبادات لا تجب إلا على مستطيع، وأن المستطيع يكون مستطيعًا مع معصيته وعدم فعله، كمن استطاع ما أمر به من الصلاة والزكاة والصيام والحج ولم يفعله، فإنه مستطيع باتفاق سلف الأمة وأئمتها وهو مستحق للعقاب على ترك المأمور الذي استطاعه ولم يفعله لا

_ (1) هو: عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي، صحابي أسلم عام خيبر، نزل البصرة وكان قاضيًا بها، وتوفي بها سنة (52هـ) . انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" (2/35) ، و"الإصابة في تمييز الصحابة" (3/27) . (2) رواه البخاري (2/587) برقم (1117) . (3) "مجموع الفتاوى" (8/438، 139، 440) .

- أقسام الأفعال التي يكلف بها الإنسان

على ترك ما لم يستطيعه" (1) . 7- القدرة والاستطاعة من الألفاظ المجملة كما تقدم، لكن غلب على الفقهاء في إطلاقاتهم استعمال القدرة الشرعية لا الكونية. قال ابن تيمية: "فالأولى هي الشرعية التي هي مناط الأمر والنهي والثواب والعقاب، وعليها يتكلم الفقهاء وهي الغالبة في عرف الناس" (2) . 8- الأفعال التي يكلف بها الإنسان لا تخرج عن أربعة أقسام (3) : (الأول: الفعل الصريح كالصلاة. (الثاني: فعل اللسان، وهو القول، والدليل على أن القول فعل قوله تعالى: {زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 112] . (الثالث: الترك. والتحقيق أنه فعل، وهو: كف النفس وصرفها عن المنهي عنه، خلافًا لمن زعم أن الترك أمر عدمي لا وجود له، والعدم عبارة عن لا شيء، والدليل على أن الترك فعل: من القرآن قوله تعالى: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 79] ، فسمى الله عدم تناهيهم عن المنكر فعلاً وذمهم على هذا الفعل فقال سبحانه: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ، ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (4) . فسمى ترك الأذى إسلامًا وهو يدل على أن الترك فعل. (الرابع: العزم المصمم على الفعل. والدليل على أنه فعل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» ، قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» (5) . فالحديث يدل على أن عزم المقتول المصمم على قتل صاحبه فعل، دخل بسببه النار (6) .

_ (1) "مجموع الفتاوى" (8/479، 480) . (2) "مجموع الفتاوى" (8/373) . (3) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (38، 39) . (4) رواه البخاري (1/53) برقم (10) ، ومسلم (2/10) . (5) رواه البخاري (1/84) برقم (31) ، ومسلم (18/10) . (6) وبذلك يعلم أن العبد لا يؤاخذ بالهم إلا إذا صار عزمًا واقترن به قول أو فعل لكنه عجز عن إتمام مراده بعد سعي منه واجتهاد، وهذا ما دل عليه الحديث السابق. انظر: "مجموع الفتاوى" (14/120 – 123) ، وللاستزادة انظر المصدر السابق (10/720 – 769) .

- قاعدة: لا يثبت التكليف مع الجهل وعدم العلم، وأدلة هذه القاعدة وآثارها

9- لا يثبت حكم الخطاب إلا بعد البلاغ، ولا يقوم التكليف مع الجهل وعدم العلم (1) . قال ابن تيمية: "وأيضًا فإن الكتاب والسنة قد دلا على أن الله لا يعذب أحدًا إلا بعد إبلاغ الرسالة، فمن لم تبلغه جملة لم يعذبه رأسًا، ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل لم يعذبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية" (2) . وقد ذكر ابن تيمية الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة (3) ، فمن ذلك: أولاً: قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] . ثانيًا: قوله تعالى: {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] . ثالثًا: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} [القصص: 59] . رابعًا: حديث المسيء صلاته (4) ، ووجه الدلالة منه أنه - صلى الله عليه وسلم - علمه الصلاة المجزية ولم يأمره بإعادة ما صلى قبل ذلك مع قول الرجل: ما أحسن غير هذا، وإنما أمره أن يعيد تلك الصلاة، لأن وقتها باقٍ فهو مخاطب بها. قال ابن تيمية: "فهذا المسيء الجاهل إذا علم بوجوب الطمأنينة في أثناء الوقت فوجبت عليه الطمأنينة حينئذٍ، ولم تجب عليه قبل ذلك، فلهذا أمره بالطمأنينة في صلاة ذلك الوقت دون ما قبلها" (5) . خامسًا: حديث المرأة المستحاضة (6) التي قالت: إني امرأة أُستحاض

_ (1) وهذا عام لأصول الدين وفروعه. انظر (ص488- 491) من هذا الكتاب. (2) "مجموع الفتاوى" (12/493) . (3) انظر المصدر السابق (22/41) وما بعدها. (4) الحديث رواه البخاري (2/237) برقم (757) ، ومسلم (4/105) . (5) "مجموع الفتاوى" (22/44) . (6) وهي: حمنة بنت جحش، والحديث أخرجه أبو داود (1/76) برقم (287) ، وابن ماجه (1/205) برقم (627) ، والترمذي (1/221) برقم (128) وقال: "هذا حديث حسن صحيح، وكذا قال الإمام أحمد".

حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني من الصلاة والصوم؟ فأمرها - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة زمن الاستحاضة ولم يأمرها بالقضاء. سادسًا: أن بعض الصحابة قال: يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ أهما الخيطان؟ قال: «إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين» ، ثم قال: «لا، بل هو سواد الليل وبياض النهار» (1) . ولم يأمره بالإعادة. 10- إذا ثبت أن الجهل عذر شرعي، فإن هناك آثارًا تترتب على ذلك منها: أ- أنه لا يجوز تكفير الجاهل الذي لم تبلغه الرسالة، ولا تفسيقه. ب- أن الجاهل لا يحكم عليه بدخول النار فضلاً عن الخلود فيها. جـ- أنه يسقط عن الجاهل القضاء والإعادة إذا انقضى وقت الخطاب. وإليك فيما يأتي شذرات من كلام ابن تيمية تقرر ذلك وتؤيده بالأدلة والشواهد: قال رحمه الله: «وإذا تبين هذا فمن ترك بعض الإيمان الواجب لعجزه عنه، إما لعدم تمكنه من العلم: مثل ألا تبلغه الرسالة، أو لعدم تمكنه من العمل لم يكن مأمورًا بما يعجز عنه، ولم يكن ذلك من الإيمان والدين الواجب في حقه، وإن كان من الدين والإيمان الواجب في الأصل، بمنزلة صلاة المريض والخائف والمستحاضة وسائر أهل الأعذار الذين يعجزون عن إتمام الصلاة، فإن صلاتهم صحيحة بحسب ما قدروا عليه، وبه أمروا إذ ذاك، وإن كانت صلاة القادر على الإتمام أكمل وأفضل كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير» (2) ..... ولو أمكنه العلم به دون العمل لوجب الإيمان به، علمًا واعتقادًا دون العمل» (3) .

_ (1) رواه البخاري (8/182) برقم (4509، 4510) ، ومسلم (7/200) . (2) رواه مسلم (16/215) . (3) "مجموع الفتاوى" (12/478، 479) .

- الجهل نوعان

وقال أيضًا: «وليس لأحد أن يكفر أحدًا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة» (1) . وقال أيضًا: «والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك، ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ لقوله تعالى: {لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19] ، وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] ، ولقوله: {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] . ومثل هذا في القرآن متعدد» . بين سبحانه أنه لا يُعاقب أحدًا حتى يبلغه ما جاء به الرسول. ومن علم أن محمدًا رسولُ الله فآمن بذلك، ولم يعلم كثيرًا مما جاء به لم يعذبه الله على ما لم يبلغه (2) . وقال أيضًا: «وقد ثبت عندي بالنقل المتواتر أن في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي من يبلغ ولا يعلم أن الصلاة عليه واجبة، بل إذا قيل للمرأة: صلِّ، تقول: حتى أكبر وأصير عجوزة، ظانة أنه لا يخاطب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة كالعجوز ونحوها وفي أتباع الشيوخ طوائف كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم، فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات، سواء قيل: كانوا كفارًا، أو معذورين بالجهل» (3) . وقال أيضًا: «فالأحوال المانعة من وجوب القضاء للواجب والترك للمحرم: الكفر الظاهر، والكفر الباطن، والكفر الأصلي، وكفر الردة، والجهل الذي يعذر به لعدم بلوغ الخطاب، أو لمعارضة تأويل باجتهاد أو تقليد» (4) . 11- الجهل نوعان: نوع يعذر به صاحبه، وذلك كمن لم تبلغه

_ (1) "مجموع الفتاوى" (12/466) . (2) المصدر السابق (22/41، 42) . (3) المصدر السابق (22/102، 103) . (4) المصدر السابق (22/23) .

المسألة الثالثة: شروط التكليف العائدة إلى المكلف

الرسالة، أو بلغته الرسالة لكنه لم يتمكن من تحصيل العلم. والنوع الآخر لا يعذر به صاحبه، وذلك كمن قدر على التعلم وتمكن من العلم لكنه ترك ذلك تكاسلاً أو تهاونًا (1) . 12- تبين مما مضى أن شروط التكليف العائدة إلى الفعل المكلف به ترجع إلى القدرة والاستطاعة. فإن اشتراط كون الفعل معدومًا يقصد منه تمكين المكلف من إيجاد الفعل وتحصيله؛ إذ تحصيل الحاصل محال. وكذلك اشتراط العلم يعود إلى اشتراط القدرة فإن الجاهل عاجز عن الفعل لأنه غير متصور لما طلب منه. قال ابن تيمية: «فمن استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل، فمن كان عاجزًا عن أحدهما سقط عنه ما يعجزه، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها» (2) . المسألة الثالثة: شروط التكليف العائدة إلى المكلف يشترط في الآدمي المكلف شرطان: العقل، وفهم الخطاب، ويخرج بهذين الشرطين: المجنونُ، والصبي؛ لأنهما لا يفهمان ولا يدركان خطاب الشرع، وقد يختل الفهم ويغيب الإدراك لغير هذين السببين - الجنون والصبى - وذلك: كالغفلة، والنسيان، والنوم، والسكر، والإغماء، فهل هذه الأمور مانعة من التكليف؟ وهل يشترط في المكلف - إضافة إلى العقل وفهم الخطاب - أن يكون مختارًا غير مكره؟ أو أن يكون مسلمًا غير كافر؟ هذا مجمل الكلام على شروط المكلف، أما التفاصيل فيمكن بيانها فيما يأتي: 1- المجنون غير مكلف اتفاقًا؛ لأن مقتضى التكليف الامتثالُ والطاعة،

_ (1) انظر: "طريق الهجرتين" (412، 413) . (2) "مجموع الفتاوى" (21/634) .

- وجوب الزكاة وقيم المتلفات على غير المكلفين من باب خطاب الوضع

ولا يتم الامتثال والطاعة إلا بالقصد إليهما، ولا يتصور قصد الامتثال وقصد الطاعة في حق المجنون؛ لأن القصد إنما يكون بعد الفهم، والمجنون لا يفهم (1) . ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رفع عنه التكليف بقوله: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق» (2) . 2- الصبي غير مكلف؛ لأنه لا فهم له ولا قصد، كما تقدم بيانه في المجنون، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - رفع عنه التكليف بقوله: «وعن الصغير حتى يكبر» وهذا يشمل المميز وغير المميز، وذلك لأن المميز مع كونه يفهم لكن فهمه لم يكمل فيما يتعلق بالقصد إلى الامتثال قصدًا صحيحًا فجعل الشارع البلوغ علامة لظهور العقل (3) . قال ابن تيمية: «.......بل قد تُسقط الشريعةُ التكليف عمن لم تكمل فيه أداة العلم والقدرة تخفيفًا عنه، وضبطًا لمناط التكليف، وإن كان تكليفه ممكنًا، كما رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وإن كان له فهم وتمييز، لكن ذاك لأنه لم يتم فهمه، ولأن العقل يظهر في الناس شيئًا فشيئًا، وهم يختلفون فيه، فلما كانت الحكمة خفية ومنتشرة قيدت بالبلوغ» (4) . 3- وجوب الزكاة وقيم المتلفات والجنايات على غير المكلف كالصبي والمجنون ليس من باب التكليف، وإنما وقع ذلك من باب خطاب الوضع وربط الأحكام بأسبابها (5) .

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (1/137) ، و"مجموع الفتاوى" (10/431، 14/115) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (15) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/499) . (2) رواه أبو داود في "سننه" (4/139) برقم (4398 – 4403) ، وابن ماجه في "سننه" (1/658) برقم (2041) ، واللفظ له، والترمذي في "سننه" (4/32) برقم (1423) ، وقال: "والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم"، وصححه الألباني. انظر: "صحيح الجامع" (1/659) برقم (3512 – 3514) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/139) ، و"مجموع الفتاوى" (10/431، 14/115) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/499، 500) ، و"مذكرة الشنقيطي" (30) . (4) "مجموع الفتاوى" (10/345) . (5) انظر: "روضة الناظر" (1/137، 138) ، و"مجموع الفتاوى" (14/119) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (15) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/512) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (1/137، 138) ، و"مذكرة الشنقيطي" (30) .

- الناسي والنائم والمخطئ غير مكلفين

4- الناسي حال نسيانه والنائم حال نومه غير مكلفين، وكذلك المخطئ فيما أخطأ فيه، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان» (1) ، وقوله: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ» . قال ابن رجب: «والأظهر -والله أعلم- أن الناسي والمخطئ إنما عُفي عنهما بمعنى رفع الإثم عنهما، لأن الإثم مرتب على المقاصد والنيات، والناسي والمخطئ لا قصد لهما فلا إثم عليهما» (2) . فتبين أن هؤلاء لا يلحقهم الإثم، وإنما وجب عليهم القضاء؛ لأن سبب الوجوب قد انعقد عليهم وإنما منع منه مانع النوم أو النسيان، أو منع من تمامه مانع الخطأ، وكذلك يشمل هؤلاء ما مضى بيانه في الفقرة السابقة من لزوم الغرامات ونحوه (3) . 5- المُغْمى عليه غير مكلف حال إغمائه، إذ هو متردد بين النائم والمجنون، فبالنظر إلى كون عقله لم يزل وإنما ستره الإغماء فهو كالنائم، وبالنظر إلى كونه إذا نبه لم ينتبه يشبه المجنون (4) . قال ابن اللحام: «وكذلك اختلفوا في الأحكام المتعلقة به، فتارة يلحقونه بالنائم، وتارة بالمجنون، والأظهر إلحاقه بالنائم. والله أعلم» (5) . 6- الغافل غيرُ العالم بما كلف به إذا لم يقصر ولم يفرط في تعلم الحكم يعذر، أما إذا قصر أو فرط فلا يعذر (6) ، وقد تقدم الكلام تفصيلاً على هذا القيد في المسألة السابقة عند الكلام على الشرط الثاني للفعل المكلف به، وهو كونه معلومًا لدي المكلف (7) .

_ (1) سيأتي تخريجه قريبًا انظر (ص 350) . (2) "جامع العلوم والحكم" (2/369) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/139) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (30) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/511، 512) ، و"مذكرة الشنقيطي" (31) . (4) انظر: "القواعد والفوائد الأصولية" (35) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/510) . (5) "القواعد والفوائد الأصولية" (35) . وانظر: "المغني" لابن قدامة" (2/50 - 52) . (6) انظر: "القواعد والفوائد الأصولية" (58) . (7) انظر (ص 336) ، وانظر فقرة (9/10/11) من المسألة السابقة.

- الغضبان هل هو مكلف؟

7- الغضبان، هل هو مكلف؟ فيه تفصيل. قال ابن القيم: «الغضب على ثلاثة أقسام» (1) : أحدها: ما يزيل العقل، فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقع طلاقه بلا نزاع. الثاني: ما يكون في مباديه، بحيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده، فهذا يقع طلاقه. الثالث: أن يستحكم ويشتد به، فلا يزيل عقله بالكلية، ولكن يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زال، فهذا محل نظر، وعدم الوقوع في هذه الحالة قوي متجه" (2) . 8- السكران هل هو مكلف؟ قال ابن قدامة: «وأما السكر ومن شرب محرمًا يزيل عقله وقتًا دون وقت فلا يؤثر في إسقاط التكليف، وعليه قضاء ما فاته في حال زوال عقله، لا نعلم فيه خلافًا؛ لأنه إذا وجب عليه القضاء بالنوم المباح فبالسكر المحرم أولى» (3) . وقد اختلف العلماء في السكران (4) حال سكره هل هو مكلف تصح منه تصرفاته؟. قال ابن تيمية: «مسألة في تصرفات السكران؟ قد تنازع الناس (5)

_ (1) هذا التقسيم نقله ابن القيم عن شيخه ابن تيمية. انظر: "إعلام الموقعين" (4/50) . (2) "زاد المعاد" (5/215) . وانظر للاستزادة كتاب: "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" لابن القيم، و"إعلام الموقعين" (3/52 – 54) . (3) "المغني" (2/52) . (4) حد السكر الذي وقع الخلاف في صاحبه: هو الذي يجعله يخلط في كلامه ولا يعرف رداءه من رداء غيره، ونعله من نعل غيره ونحوه، ولا يشترط فيه بحيث لا يميز بين السماء والأرض، وبين الذكر والأنثى. ذلك لأن الله تعالى يقول: {حتى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43] ، فجعل علامة زوال السكر علمه ما يقول. انظر: "المغني" (10/438) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (38) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/507، 508) . (5) الخلاف واقع في السكران الذي لا يعلم ما يقول وفي النشوان، وفيمن يعذر بسكره وفيمن لا يعذر. انظر: "الفتاوى الكبرى" (4/202، 205) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (38) ، و"مذكرة الشنقيطي" (31) .

فيه قديمًا وحديثًا، وفيه النزاع في مذهب أحمد وغيره....» (1) . وقد اختار رحمه الله أن تصرفات السكران لا تصح (2) وذكر لذلك أدلة (3) منها: أ- أن عبادته كالصلاة لا تصح بالنص والإجماع، فإن الله نهى عن قرب الصلاة مع السكر حتى يعلم ما يقوله، واتفق الناس على هذا، فكل من بطلت عبادتُه لعدم عقله فبطلان عقوده أولى وأحرى، كالنائم والمجنون. ب- أن جميع الأقوال والعقود مشروطة بوجود التمييز والعقل، فمن لا تمييز له ولا عقل ليس لكلامه في الشارع اعتبار أصلاً، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (4) . فإذا كان القلب قد زال عقله الذي به يتكلم ويتصرف فكيف يجوز أن يجعل له أمر أو نهي أو إثبات ملك أو إزالته؟ وهذا معلوم بالعقل مع تقرير الشارع له. جـ- أن كون السكران معاقبًا أو غير معاقب ليس له تعلق بصحة عقوده وفسادها؛ فإن العقود ليست من باب العبادات التي يثاب عليها، ولا الجنايات التي يعاقب عليها، بل هي من التصرفات التي يشترك فيها البر والفاجر والمؤمن والكافر، وهي من لوازم وجود الخلق؛ فإن العهود والوفاء بها أمر لا تتم مصلحة الناس إلا به وإنما تصدر عن العقل، فمن لم يكن له عقل ولا تمييز لم يكن قد عاهد ولا حلف ولا باع ولا نكح ولا طلق ولا أعتق.

_ (1) "الفتاوى الكبرى" (4/202) . وانظر: "المغني" (10/346 – 348) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (37 – 39) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/505 – 508) . (2) وقد بوب لذلك الإمام البخاري في صحيحه فقال: "باب الطلاق في الإغلاق والكره، والسكران والمجنون وأمرهما، والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى» (9/388) . واختار ابن القيم ذلك فقال: "والصحيح أنه لا عبرة بأقواله من طلاق ولا عتاق ولا بيع ولا هبة ولا وقف ولا إسلام ولا ردة ولا إقرار، لبضعة عشر دليلاً ليس هذا موضع ذكرها". "إعلام الموقعين" (4) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (33/106 – 108 و14/115 – 118) . (4) رواه البخاري (1/126) برقم (52) ، ومسلم (11/26) وستأتي قطعة من هذا الحديث في (ص 493) من هذا الكتاب.

- المكره هل هو مكلف؟

9- المكره: إن كان كالآلة لا اختيار له فغير مكلف؛ إذ تكليفه والحالة كذلك تكليف بما لا يطاق. هذا لا إشكال فيه ولا نزاع (1) . قال ابن رجب: «من لا اختيار له بالكلية ولا قدرة له على الامتناع، كمن حمل كرهًا وأدخل إلى مكان حلف على الامتناع من دخوله، أو حمل كرهًا وضرب به غيره حتى مات ذلك الغير، ولا قدرة له على الامتناع، أو أضجعت ثم زني بها من غير قدرة لها على الامتناع. فهذا لا إثم عليه بالاتفاق ... » (2) . أما من أكره إكراهًا دون ذلك؛ مطيقًا للإقدام والإحجام سواء بالضرب أو التعذيب أو التهديد بالقتل؛ فإن هذا المكره والحالة كذلك في تكليفه تفصيل: فإن كان إكراهًا على الأقوال: فالعلماء متفقون على أن للمكره أن يقول القول المحرم، ولا إثم عليه؛ لقوله تعالى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ} [النحل: 106] ، ولا يترتب على قول حكم من الأحكام، وكلامه لغو؛ لأنه كلام صدر من قائله وهو غير راضٍ به، فلذلك عُفي عنه ولم يؤاخذ به في أحكام الدنيا والآخرة. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (3) . أما الأفعال: فما كان منها حقًا لله؛ كالأكل في نهار رمضان والعمل في الصلاة ولبس المخيط في الإحرام فهو متجاوز عنه. وما كان حقًا للمخلوقين فهو مؤاخذ به؛ كقتل المعصوم وإتلاف ماله، والإكراه لا يحل له ذلك (4) . قال ابن القيم: «والفرق بين الأقوال والأفعال في الإكراه أن الأفعال إذا وقعت لم ترتفع

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (10/344) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (39) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/509) ، و"مذكرة الشنقيطي" (32) . (2) "جامع العلوم والحكم" (2/370) . (3) رواه ابن ماجه في "سننه" (1/659) برقم (2045) ، وصححه الحاكم في "المستدرك" ووافقه الذهبي (2/198) ، وقال ابن كثير: "إسناده جيد"، "تحفة الطالب" (271) . (4) انظر: "زاد المعاد" (5/205) ، و"جامع العلوم والحكم" (2/372) ، و"مذكرة الشنقيطي" (32، 33) .

- شروط الإكراه

مفسدتها، بل مفسدتها معها، بخلاف الأقوال فإنه يمكن إلغاؤها وجعلها بمنزلة أقوال النائم والمجنون، فمفسدة الفعل الذي لا يباح بالإكراه ثابتة، بخلاف مفسدة القول؛ فإنها إنما تثبت إذا كان قائله عالمًا به مختارًا له (1) » . وقد ذكر ابن قدامة ثلاثة شروط للإكراه (2) : الأول: أن يكون من قادر بسلطان أو تغلب كاللص ونحوه. الثاني: أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه. الثالث: أن يكون مما يستضر به ضررًا كثيرًا؛ كالقتل والضرب الشديد. 10- الكفار مخاطبون إجماعًا بالإيمان الذي هو الأصل، وإنما وقع الخلاف في فروع الإيمان؛ كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة: هل هم مخاطبون بها أو لا (3) ؟ وهذا الخلاف يتلاشى إذا ثبت لدينا اتفاق الطرفين على الأمور الآتية: (الأمر الأول: أن الكافر غير مطالب بفعل الفروع حال كفره. يوضحه: (الأمر الثاني: وهو أن فروع الإيمان لا تصح ولا تقبل ولا يثاب عليها الكافر إلا بتحصيل أصل الإيمان. والدليل على هذين الأمرين قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] (4) . (الأمر الثالث: أن الكافر إذا أسلم لا يلزمه قضاء ما فاته من العبادات الماضية زمن كفره؛ لأن الإسلام يجب ما قبله. (الأمر الرابع: أن الكافر مطالب بالفروع لكن مع تحصيل شرطها الذي هو الإيمان، وذلك لعموم الآيات والأوامر الإلهية؛ كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] .

_ (1) "زاد المعاد" (5/ 205، 206) . (2) انظر: "المغني" (10/353) . (3) انظر: "روضة الناظر" (1/145) وما بعدها، و"مجموع الفتاوى" (22/7 – 16) ، و"زاد المعاد" (5/698، 699) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (49) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/500) وما بعدها، و"نزهة الخاطر العاطر" (1/145) ، و"مذكرة الشنقيطي" (33، 34) . (4) انظر: "أضواء البيان" (3/353) .

- الجامع لشروط المكلف أمران: كلاهما يرجع إلى القدرة

(الأمر الخامس: أن الكافر يعاقب في الآخرة على تركه أصل الإيمان وعلى تركه الفروع، وذلك لقوله تعالى إخبارًا عن المشركين في معرض التصديق لهم تحذيرًا من فعلهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 42 - 44] . 11- الجامع لشروط المكلف أن يكون عاقلاً فاهمًا للخطاب، فإذا طرأ على العقل عارض يمنعه من فهم الخطاب وإدراكه ارتفع التكليف، كما هو الحال بالنسبة للناسي والنائم والسكران، فإذا زال العارض وحسن من العقل فهم الخطاب وجب التكليف حينئذٍ. وقد يعتري العقل خلل يؤثر في كماله وسلامته كما هو الحال بالنسبة للمجنون والصبي فلا يزال التكليف ساقطًا عن هؤلاء حتى يعود إلى العقل كماله وسلامته. فلا بد إذن في التكليف من صحة العقل وسلامته وارتفاع الموانع التي تمنعه من فهم الخطاب (1) . كما يشترط أيضًا عدم الإكراه؛ لأن الإكراه وإن لم يمنع من فهم الخطاب إلا أنه يسلب القدرة على قصد الامتثال، وما فائدة فهم الخطاب إذا لم تكن القصد إلى الطاعة والامتثال؟ وحاصل القول: أن قصد الامتثال إنما يحصل بالعقل وفهم الخطاب، وكل ذلك يحتاج إلى القدرة، فلا بد من القدرة على القصد وذلك بالفهم والعلم، ولا بد من القدرة على القصد وذلك بالفهم والعلم، ولا بد من القدرة على الفهم وذلك إنما يكون بكمال العقل وسلامته من الموانع المخلة بالفهم، فاجتمعت شروط المكلف في القدرة. القدرة على فهم الخطاب، والقدرة على قصد الامتثال. 12- وقد تقدم أيضًا بيان أن الجامع لشروط الفعل المكلف به القدرة (2) ، فبذلك تجتمع جميع شروط التكليف، ما يعود منها إلى الفعل المكلف به وما يعود منها إلى الإنسان المكلف في القدرة والاستطاعة. قال ابن تيمية: «الأمر والنهي الذي يسميه بعض العلماء التكليف الشرعي هو مشروط بالممكن من العلم والقدرة» (3) .

_ (1) انظر: "نزهة الخاطر العاطر" (1/139، 140) . (2) انظر (ص 345) من هذا الكتاب. (3) "مجموع الفتاوى" (10/344) .

المبحث الثالث: قواعد في الحكم الشرعي

المبحث الثالث قواعد في الحكم الشرعي هذه القواعد بعضها يقرر بعضًا، وينتج بعضها عن بعض، وقد اشتملت هذه القواعد على خصائص الحكم الشرعي ومعالمه، وتضمنت الإشارة إلى أصوله وضوابطه.

- أسماء وإطلاقات الحكم الشرعي

قد يعبر عن الحكم الشرعي بالأمر والنهي؛ ذلك لأن الأحكام الشرعية لا تخرج عن الأمر والنهي، ولذلك أيضًا يعبر بالإيجاب والتحريم عن الحكم الشرعي أما المندوب فهو تابع للواجب؛ إذ كلاهما مأمور به، وكذا المكروه فهو تابع للمحرم؛ إذ كلاهما منهي عنه، ثم إن كلا من المندوب والمكروه لا جزم فيه، ولا يترتب عليه عقاب، فبالنظر إلى ترتب العقاب اجتمع الحكمُ الشرعي في الواجب الذي يترتب على تركه عقاب، وفي المحرم الذي يترتب على فعله عقاب. وقد يعبر عن الحكم الشرعي: بالحلال والحرام، إذ الحلال - كما تقدم (1) - يقصد به: ما أذن في فعله، وذلك يشمل: الواجب، والمندوب، والمكروه، والمباح. وقد يعبر عن الحكم الشرعي بالواجب، والمندوب، والمكروه، والحرام، وذلك بالنظر إلى الطلب والاقتضاء، فالمباح بذلك يخرج عن الحكم الشرعي (2) ؛ إذ لا اقتضاء فيه ولا طلب، لكن سبق التنبيه على أن إدخاله تحت الأحكام الشرعية إنما كان على وجه المسامحة وإكمال القسمة (3) ، وقد يعبر عن الحكم الشرعي بالأمر فقط (4) ، وذلك بناءً على أن النهي فرع عن الأمر؛ إذ الأمر هو الطلب، وهذا يشمل الترك وهو النهي (5) ، وهذا أيضًا مبني على أن المندوب والمكروه تابعان للواجب والحرام على ما سبق. وكثيرًا ما يعبر بالحكم الشرعي عن الحكم التكليفي، مع أن الحكم الشرعي ذو شطرين: الحكم التكليفي والحكم الوضعي، لأن تسمية الحكم الوضعي حكمًا فيها تجوز وتساهل؛ إذ الحكم الشرعي خطاب الشارع، والخطاب يتضمن ولا بد أمرًا أو

_ (1) انظر (ص307) تعليق رقم (3) من هذا الكتاب. (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (10/461) . (3) انظر (ص307) من هذا الكتاب. (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (10/456، 457) . (5) انظر (ص 299) من هذا الكتاب.

- مصدر الحكم الشرعي

نهيًا، وهذا هو الحكم التكليفي، أما نصب الشارع علامات للدلالة على حكمه فهذه العلامات من أسباب وشروط وموانع إنما هي بيان وإظهار لهذا الحكم وإخبار وإعلام بوجوده أو انتفائه. وعلى كل فتسمية خطاب الوضع حكمًا وجعله نوعًا من أنواع الحكم الشرعي أمر اصطلاحي، ولا مشاحة في الاصطلاح. وبذلك يتبين أن الحكم التكليفي هو الأصل وهو المهم، لذا ساغ أن يكون هو المراد عند إطلاق الحكم الشرعي. 2- أن الحكم الشرعي إنما يؤخذ من الشرع، إذ الحكم لله وحده، ولا يجوز إثبات حكم شرعي بغير الأدلة الشرعية التي جعلها الله طريقًا لمعرفة أحكامه، وهذا أصل عظيم من أصول هذا الدين (1) . قال ابن تيمية: ".......فلهذا كان دين المؤمنين بالله ورسوله أن الأحكام الخمسة: الإيجاب، والاستحباب، والتحليل، والكراهية، والتحريم، لا يؤخذ إلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله " (2) . 3- إذا علم أن الحكم الشرعي إنما يؤخذ عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فالقول على الله بغير علم محرم، كما قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ} [النحل: 116] . قال الشافعي: « ... لا أعلم أحدًا من أهل العلم رخص لأحدٍ من أهل العقول والآداب في أن يفتي ولا يحكم برأي نفسه إذا لم يكن عالمًا بالذي تدور عليه أمور القياس من الكتاب والسنة والإجماع والعقل، لتفصيل المشتبه» (3) . وقال ابن قدامة: «......أنا نعلم بإجماع الأمة قبلهم على أن العالم ليس له الحكم بمجرد هواه وشهوته من غير نظر في الأدلة.........» (4) .

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (1/50، 51) ، و"أضواء البيان" (7/162 - 173) . (2) "مجموع الفتاوى" (22/226) . (3) "إبطال الاستحسان" (37) . (4) "روضة الناظر" (1/409، 410) .

- الأحكام الشرعية مبنية على تحقيق المصالح وتعطيل المفاسد

وقد خصص ابن القيم فصلاً لهذه المسألة في كتابه القيم «إعلام الموقعين» ، فقال: «ذكر تحريم الإفتاء في دين الله بغير علم، وذكر الإجماع على ذلك» (1) . 4- أن الأحكام الشرعية مبنية على تحقيق مصالح الناس وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها (2) . قال ابن القيم: « ... فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجَور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل. فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله - صلى الله عليه وسلم - أتم دلالة وأصدقها» (3) . 5- أن الأحكام الشرعية مبنية على تحصيل أعلى المصلحتين وإن فات أدناهما ودفع أعلى المفسدتين وإن وقع أدناهما (4) . ومن الأمثلة على ذلك ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - تغيير بناء الكعبة (5) لما في إبقائه من تأليف القلوب (6) . 6- تبين مما مضى أن مقصود الشارع من جميع الأوامر والنواهي تحصيل المصلحة والمنفعة، أما ما يترتب على ذلك من مشقة فليس بمقصود للشارع. قال ابن تيمية: «....... وأمرنا بالأعمال الصالحة لما فيها من المنفعة

_ (1) "إعلام الموقعين" (2/184) . وانظر (1/38 - 44) منه. (2) انظر (ص 234) من هذا الكتاب. (3) "إعلام الموقعين" (3/3) . (4) المصدر السابق (3/279) . (5) ورد ذلك في حديث رواه البخاري (6/407) برقم (3368) . (6) انظر: "مجموع الفتاوى" (22/407) وللاستزادة من الأمثلة. انظر: "مجموع الفتاوى" (25/272، 273) ، و"إعلام الموقعين" (3/4) وما بعدها.

- الأحكام الشرعية مبنية على النظر إلى المآل

والصلاح لنا، وقد لا تحصل هذه الأعمال إلا بمشقة، كالجهاد، والحج، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وطلب العلم، فيحتمل تلك المشقة ويثاب عليها لما يعقبها من المنفعة.....» (1) . 7- إذا علم ذلك كان من باب أولى ألا يأمر الشارع بما مفسدته راجحة أو خالصة. قال ابن تيمية: «وأما إذا كانت فائدة العمل منفعة لا تقاوم مشقته فهذا فساد، والله لا يحب الفساد» (2) . وقال ابن القيم: «فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل» (3) . يوضح ذلك: 8- أن الأحكام الشرعية كلها مصالح للعباد، لكن منها ما يكون نعمة؛ كإيجاب الإيمان والمعروف، وتحريم الكفر والمنكر. ومنها ما يكون عقوبة؛ كقوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] . ومنها ما يكون محنة كقوله تعالى: {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163] . والمقصود أن الحكم الشرعي لا يخلو عن حكمة ومصلحة، لكن قد تعلم هذه الحكمة فيسهل الامتثال، وقد تكون الحكمة منه التعبد المحض، ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه. وهذا هو الابتلاء، كما ابتلى الله نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام بذبح ابنه (4) . 9- أن الأحكام الشرعية مبنية على النظر إلى المآل، فمن ذلك سد الذرائع، وتحريم الحيل، والمنع من الغلو في العبادات؛ إذ الجميع يفضي إلى ترك

_ (1) "مجموع الفتاوى" (25/282، 283) . (2) المصدر السابق (25/283) . (3) "إعلام الموقعين" (3/3) . وانظر: "جامع العلوم والحكم" (2/223) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/200، 201، 17/201، 203) وانظر (ص199، 253، 254) من هذا الكتاب.

- الأحكام الشرعية مبنية على التيسير ورفع الحرج عن المكلفين

المأمور به والوقوع في المحظور. ذلك أن وسائل الحرام تفضي إلى الحرام. وكذلك الحيل يتوصل بها إلى تحليل المحرمات، وقد تقدم الكلام على هذين الأمرين (1) . أما الغلو في العبادات والزيادة على الحد المشروع فيها فإنه قد يؤدي إلى السآمة والملل وترك العمل بالكلية. قال ابن تيمية: «ومما ينبغي أن يُعرف أن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحملها على المشاق حتى يكون العمل كل ما كان أشق كان أفضل كما يحسب كثير من الجهال أن الأجر على قدر المشقة في كل شيء لا، ولكن الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته، وعلى قدر طاعة أمر الله ورسوله، فأي العملين كان أحسن، وصاحبه أطوع وأتبع كان أفضل، فإن الأعمال لا تتفاضل بالكثرة وإنما تتفاضل بما يحصل في القلوب حال العمل» (2) . وقال ابن رجب: «إن أحب الأعمال إلى الله ما كان على وجه السداد والاقتصاد والتيسير دون ما كان على وجه التكلف والاجتهاد والتعسير، كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] ، وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6] ، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يسروا ولا تعسروا» (3) ، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» (4) . 10- أن الأحكام الشرعية مبنية على التيسير ورفع الحرج عن المكلفين. فمن ذلك أنها مشروطة بالقدرة والاستطاعة (5) ، وأنها قائمة على تحقيق مصالح الخلق ودفع المفاسد عنهم (6) .

_ (1) انظر (ص240) من هذا الكتاب. (2) "مجموع الفتاوى" (25/281، 282) . (3) رواه البخاري (1/163) برقم (69) ، ومسلم (12/42) . (4) "المحجة في سير الدلجة" (46، 47) ، والحديث رواه البخاري (1/323) برقم (220) . (5) انظر ما سيأتي في القاعدة رقم (26) من هذا المبحث. (6) انظر ما سبق في القاعدة رقم (4) ، (5) و (6) و (7) من هذا المبحث.

- الأحكام الشرعية لا تبنى على الصور النادرة

وفي كلام ابن رجب السابق ما يقرر ذلك ويبينه. 11- أن الأحكام الشرعية لا تبني على الصور النادرة، بل العبرة بالكثير الغالب، ولو فرض وجود مصلحة عظمى في صورة جزئية فإن حكمة الله سبحانه وتعالى أولى من مراعاة هذه المصلحة الجزئية التي في مراعاتها تعطيل مصلحة أكبر وأهم. وقاعدة الشرع والقدر: تحصيل أعلى المصلحتين وإن فات أدناهما، ودفع أعلى المفسدتين وإن وقع أدناهما (1) . 12- أن الأحكام الشرعية مبنية على التسوية بين المتماثلات وإلحاق النظير بنظيره. قال ابن القيم: «وأما أحكامه الأمرية الشرعية فكلها هكذا، تجدها مشتملة على التسوية بين المتماثلين، وإلحاق النظير بنظيره، واعتبار الشيء بمثله، والتفريق بين المختلفين وعدم تسوية أحدهما بالآخر، وشريعته سبحانه منزهة أن تنهى عن شيء لمفسدة فيه ثم تبيح ما هو مشتمل على تلك المفسدة أو مثلها أو أزيد منها. فمن جوز ذلك على الشريعة فما عرفها حق معرفتها ولا قدرها حق قدرها. وكيف يظن بالشريعة أنها تبيح شيئًا لحاجة المكلف إليه ومصلحته ثم تحرم ما هو أحوج إليه والمصلحة في إباحته أظهر، وهذا من أمحل المحال» (2) . 13- أن الأحكام الشرعية قد تجمع بين المختلفات إذا اشتركت في سبب الحكم. قال ابن القيم: «وأما قوله: (إن الشريعة جمعت بين المختلفات، كما جمعت بين الخطأ والعمد في ضمان الأموال) فغير منكر في العقول والفطر والشرائع والعادات: اشتراك المختلفات في حكمٍ واحد باعتبار اشتراكها في سبب ذلك الحكم. فإنه لا مانع من اشتراكها في أمر يكون علة لحكم من الأحكام، بل هذا هو الواقع، وعلى هذا فالخطأ والعمد اشتركا في الإتلاف الذي هو علة للضمان،

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (3/279) . (2) "إعلام الموقعين" (1/195، 196) .

- الأحكام الشرعية نوعان: ثابتة ومتغيرة

وإن افترقا في علة الإثم» (1) . وقد ذكر ابن القيم أمثلة عديدة على هذه القاعدة وبين أوجه الجمع فيها (2) . 14- الأحكام الشرعية نوعان: ثابتة لا تتغير، ولا يجوز الاجتهاد فيها، ومتغيرة خاضعة لاجتهاد المجتهدين حسب المصلحة وهي تختلف من شخص لآخر ومن مكان لآخر. قال ابن القيم: «الأحكام نوعان، نوع لا يتغير عن حالة واحدة، وهو عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة. كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم، ونحو ذلك. فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه. والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له: زمانًا ومكانًا وحالاً؛ كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة» (3) . 15- إذا علم هذا فإن من الأحكام الشرعية ما يختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال. ذلك أن الحكم الشرعي يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وهذا أيضًا دليل على أن هذه الشريعة إنما جاءت لتحقيق مصالح الناس ودرء المفاسد عنهم. وكون الحكم الشرعي يختلف من واقعة إلى واقعة إذا تغير الزمان، أو المكان، أو الحال، ليس معناه أن الأحكام الشرعية مضطربة ويحصل فيها التذبذب والتباين، بل إن الحكم الشرعي لازم لعلته وسببه وجارٍ معه، لكن حيث اختلف الزمان أو المكان اختلفت الحقيقة والعلة والسبب، فالواقعة غير الواقعة، والحكم كذلك غير الحكم. أما أن يختلف الحكم الشرعي في واقعتين متماثلتين في الحقيقة مشتركتين في

_ (1) "إعلام الموقعين" (2/171) . (2) انظر: "إعلام الموقعين" (2/171 - 175) . (3) "إغاثة اللهفان" (1/330، 331) . وانظر: "إعلام الموقعين" (4/262، 263) .

- أحكام الدنيا تبني على الأسباب الظاهرة

العلة والسبب فهذا ما لا يمكن حدوثه أبدًا (1) . 16- وكذلك فإن من الأحكام الشرعية ما يختلف من شخص لآخر، كل حسب حاله. قال ابن القيم: «ولله سبحانه على كل أحد عبودية بحسب مرتبته، سوى العبودية العامة التي سوى بين عباده فيها. فعلى العلم من عبودية نشر السنة والعلم الذي بعث الله به رسوله ما ليس على الجاهل، وعليه من عبودية الصبر على ذلك ما ليس على غيره. وعلى الحاكم من عبودية إقامة الحق وتنفيذه وإلزامه من هو عليه به والصبر على ذلك والجهاد عليه، ما ليس على المفتي. وعلى الغني من عبودية أداء الحقوق التي في ماله ما ليس على الفقير. وعلى القادر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيده ولسانه ما ليس على العاجز عنهما» (2) . 17- أن أحكام الدنيا تجري على الأسباب الظاهرة، ما لم يقم دليل على خلاف ذلك، قال الشافعي: «فمن حكم على الناس بخلاف ما ظهر عليهم استدلالاً على أن ما أظهروا يحمل غير ما أبطنوا بدلالة منهم أو غير دلالة لم يسلم عندي من خلاف التنزيل والسنة، وذلك أن يقول قائل: من رجع عن الإسلام ممن ولد على الإسلام قتلته ولم أستتبه، ومن رجع عنه ممن لم يولد على الإسلام استتبته.....» (3) . وقال ابن القيم: «........أن الله تعالى لم يُجرِ أحكام الدنيا على علمه في عباده، وإنما أجراها على الأسباب التي نصبها أدلة عليها وإن علم سبحانه وتعالى أنهم مبطلون فيها مظهرون لخلاف ما يبطنون. وإذا أطلع الله رسوله على ذلك لم يكن ذلك مناقضًا لحكمه الذي شرعه ورتبه على تلك الأٍسباب. كما رتب على المتكلم بالشهادتين حكمه، وأطلع رسوله وعباده المؤمنين

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (3/3) وما بعدها، و"إغاثة اللهفان" (1/330) وما بعدها. (2) "إعلام الموقعين" (2/176) . (3) "إبطال الاستحسان" (24) .

- الأحكام الشرعية تبني على المقاصد والنيات وذلك إذا ظهرت، الأمثلة والأدلة على ذلك

على أحوال كثير من المنافقين وأنهم لم يطابق قولهم اعتقادهم.....» (1) . وقال أيضًا: «فأحكام الرب تعالى جارية على ما يظهر للعباد، ما لم يقم دليل على أن ما أظهروه خلاف ما أبطنوه» (2) . 18- أن العبرة في الأحكام الشرعية بالمقاصد والنيات، وذلك إذا ظهرت، أما إذا لم يظهر قصد ولا نية فالعبرة بالظاهر. قال ابن القيم: «إذا ظهر قصد المتكلم لمعنى الكلام، أو لم يظهر قصد يخالف كلامه: وجب حمل كلامه على ظاهره» (3) . وقد ذكر ابن القيم لاعتبار النية والقصد في المعاملات والعبادات والثواب والعقاب أمثلة كثيرة (4) . منها: بيع الرجل السلاح لمن يعرف أنه يقتل به مسلمًا حرام باطل؛ لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان، وبيعه لمن يعرف أنه يجاهد به في سبيل الله طاعة وقربة. وكذلك الحيوان يحل إذا ذبح لأجل الأكل ويحرم إذا ذبح لغير الله. وكذلك الصوم، فلو أمسك رجل من المفطرات عادة واشتغالاً ولم ينو القربة لم يكن صائمًا. ولو دار حول الكعبة يلتمس شيئًا سقط منه لم يكن طائفًا. وكذلك لو جامع أجنبية يظنها زوجته أو أمته لم يأثم بذلك وقد يثاب بنيته. ولو جامع في ظلمة من يظنها أجنبية فبانت زوجته أو أمته أثم على ذلك بقصده ونيته للحرام. ومن الأدلة على هذه القاعدة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار» (5) . وعلل ذلك - صلى الله عليه وسلم - بأن نية كل واحد منها قتل صاحبه. وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو

_ (1) "إعلام الموقعين" (3/128) . (2) المصدر السابق (3/127) . (3) "إعلام الموقعين" (3/108) . (4) انظر المصدر السابق (3/109 - 111) . (5) سبق تخريجه، انظر (ص 341) من هذا الكتاب.

- الأحكام الشرعية محيطة بأفعال المكلفين وافية بكل الحوادث

يصد لكم» (1) . فحرم على المحرم الأكل بناء على قصد الصائد ونيته. قال ابن القيم: «فالنية روح العمل ولبه وقوامه، وهو تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال كلمتين كفتا وشفتا، وتحتهما كنوز العلم، وهما قوله: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (2) فبين في الجملة الأولى أن العمل لا يقع إلا بالنية، ولهذا لا يكون عمل إلا بنية، ثم بين في الجملة الثانية أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه، وهذا يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال» (3) . 19- أن الأحكام الشرعية لا تكون مخالفة للعقول والفطر. قال ابن القيم: «بل أخبارهم [أي الرسل] قسمان: أحدهما: ما تشهد به العقول والفطر. الثاني: ما لا تدركه العقول بمجردها، كالغيوب التي أخبروا بها عن تفاصيل البرزخ واليوم الآخر، وتفاصيل الثواب والعقاب. ولا يكون خبرهم محالاً في العقول أصلاً. وكل خبر يظن أن العقل يحيله فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون الخبر كذبًا عليهم، أو يكون ذلك العقل فاسدًا، وهو شبهة خيالية يظن صاحبها أنها معقول صريح؛ قال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6] . وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: 19] . وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ} [الرعد: 36] ، والنفوس لا تفرح بالمحال، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 57، 58] ، والمحال

_ (1) رواه أبو داود (2/171) برقم (1851) ، والنسائي (5/ 187) والترمذي واللفظ له (3/204) برقم (846) ، وقال: "وقال الشافعي: هذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس. والعمل على هذا، وهو قول أحمد وإسحاق". (2) رواه البخاري (1/9) برقم (1) . (3) "إعلام الموقعين" (3/111) .

- الأحكام الشرعية ظاهرة مبينة خاصة ما تحتاج إليه الأمة

لا يشفي، ولا يحصل به هدىً ولا رحمة، ولا يفرح به» (1) . 20- أن الأحكام الشرعية محيطة بجميع أفعال المكلفين، وافية بكل الحوادث. قال ابن القيم: «وهذه الجملة إنما تنفصل بعد تمهيد قاعدتين عظيمتين: إحداهما: أن الذكر الأمري محيط بجميع أفعال المكلفين أمرًا ونهيًا، وإذنًا وعفوًا، كما أن الذكر القدري محيط بجميعها علمًا وكتابةً وقدرًا، فعلمه وكتابه وقدره قد أحصى جميع أفعال عباده الواقعة تحت التكليف وغيرها، وأمره ونهيه وإباحته وعفوه قد أحاط بجميع أفعالهم التكليفية، فلا يخرج فعل من أفعالهم عن أحد الحكمين: إما الكوني وإما الشرعي الأمري، فقد بين الله سبحانه على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمر به، وجميع ما نهى عنه، وجميع ما أحله، وجميع ما حرمه، وجميع ما عفا عنه. وبهذا يكون دينه كاملاً كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] » (2) . 21- أن الأحكام الشرعية ظاهرة واضحة مبينة، خاصة ما تحتاج الأمة إليه منها. قال ابن تيمية: «إن الأحكام التي تحتاج الأمة إلى معرفتها لا بد أن يبينها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيانًا عامًا، ولا بد أن تنقلها الأمة» (3) . وقال ابن رجب: «وفي الجملة فما ترك الله ورسوله حلالاً إلا مبينًا، ولا حرامًا إلا مبينًا، لكن بعضه كان أظهر بيانًا من بعض. فما ظاهر بيانه واشتهر وعلم من الدين بالضرورة من ذلك: لم يبق فيه شك، ولا يعذر أحد بجهله في بلد يظهر فيه الإسلام. وما كان بيانه دون ذلك فمنه ما اشتهر بين حملة الشريعة خاصة فأجمع العلماء على حله أو حرمته، وقد يخفي على بعض ما ليس منهم. ومنه ما لم يشتهر بين حملة الشريعة أيضًا فاختلفوا في تحليله وتحريمه، وذلك

_ (1) "الروح" (62) . (2) "إعلام الموقعين" (1/332) . (3) "مجموع الفتاوى" (25/236) .

أسباب....» (1) . 22- أن العبرة في الحكم الشرعي بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني. قال ابن القيم: « ... فالله سبحانه إنما حرم هذه المحرمات وغيرها لما اشتملت عليه من المفاسد المضرة بالدنيا والدين، ولم يحرمها لأجل أسمائها وصورها، ومعلوم أن تلك المفاسد تابعة لحقائقها لا تزول بتبدل أسمائها وتغير صورها» (2) . وقال رحمه الله مستدلاً لهذه القاعدة وممثلاً لها: «ولو أوجب تبديل الأسماء والصور تبدل الأحكام والحقائق لفسدت الديانات وبدلت الشرائع، واضمحل الإسلام. وأي شيء نفع المشركين تسميتهم أصنامهم آلهة، وليس فيها شيء من صفات الإلهية وحقيقتها؟ وأي شيء نفعهم تسميةُ الإشراك بالله تقربًا إلى الله؟ وأي شيء نفع المعطلين لحقائق أسماء الله وصفاته تسمية ذلك تنزيهًا» (3) . وقال أيضًا: «فتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادة في المفسدة التي حرمت لأجلها، مع تضمنه لمخادعة الله تعالى ورسوله، ونسبة المكر والخداع والغش والنفاق إلى شرعه ودينه، وأنه يحرم الشيء لمفسدة ويبيحه لأعظم منها» (4) . 23- أن الحكم الشرعي يجب اعتقاده، وهذا أصل من أصول الدين؛ إذ يجب اعتقاد وجوب الواجبات، وحرمة المحرمات، واستحباب المستحبات، وكراهة المكروهات، وإباحة المباحات. فمن أنكر حكمًا شرعيًا معلومًا من الدين بالضرورة فهو كافر كفرًا يخرج

_ (1) "جامع العلوم والحكم" (1/196) ، وللاستزادة ينظر: "درء التعارض" (1/72) ، و"إعلام الموقعين" (4/375، 376) . (2) "إغاثة اللهفان" (1/353) . (3) "إعلام الموقعين" (3/118) . (4) "إغاثة اللهفان" (1/354) .

من الملة (1) ، أما إذا كان الحكم الشرعي مما يمكن فيه الخلاف فلا (2) . 24- أن الحكم الشرعي يجب اتباعه والأخذ به، وهذا قد تقدم بيانه (3) . 25- أن العلم بالأحكام الشرعية فرض كفاية على جميع الأمة، ويجب على كل واحد أن يعرف من الأحكام الشرعية ما يحتاج إليه (4) . 26- أن اتباع الحكم الشرعي علمًا وعملاً واعتقادًا مشروط بالممكن من العلم والقدرة على ما سبق بيانه (5) . ****

_ (1) مع مراعاة شروط التكفير بالنسبة للمعين. انظر: "مجموع الفتاوى" (3/179، 12/487 – 501) . (2) انظر بيان ما يجوز فيه الخلاف وما لا يجوز فيه، وذلك عند الكلام على شروط المسائل المجتهد فيها (ص475) من هذا الكتاب. (3) انظر (ص 71) من هذا الكتاب. (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (15/390، 391) . (5) انظر (ص344) فقرة رقم (11) ، و (ص347) فقرة رقم (6) من هذا الكتاب.

الفصل الثاني: دلالات الألفاظ وطرق الاستنباط

الفصل الثاني: دلالات الألفاظ وطرق الاستنباط وفي هذا الفصل ثلاثة مباحث: المبحث الأول: المبادئ اللغوية. المبحث الثاني: النص، والظاهر، والمؤول، والمجمل، والبيان. المبحث الثالث: الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم.

المبحث الأول: المبادئ اللغوية

المبحث الأول: المبادئ اللغوية وفي هذا المبحث ست مسائل: المسألة الأولى: علاقة اللغة العربية بالشريعة. المسألة الثانية: مبدأ اللغات. المسألة الثالثة: الأسماء الشرعية. المسألة الرابعة: الاشتراك. المسألة الخامسة: الترادف. المسألة السادسة: العطف والاقتران.

المسألة الأولى: علاقة اللغة العربية بالشريعة

المسألة الأولى: علاقة اللغة العربية بالشريعة تتجلى أهمية اللغة العربية وعلاقتها بعلوم الشريعة في الآتي: 1- أن الكتاب والسنة عربيان: فالقرآن الكريم إنما نزل بلغة العرب، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] . والرسول - صلى الله عليه وسلم - من العرب، وهو ذو لسان عربي فصيح. قال الشافعي: «ومن جماع علم كتاب الله: العلم بأن جميع كتاب الله إنما نزل بلسان العرب» (1) . وقال أيضًا: «وبلسانها نزل الكتاب وجاءت السنة» (2) . 2- أن معاني كتاب الله موافقة لمعاني كلام العرب، وظاهر كتاب الله ملائم لظاهر كلام العرب. ففي القرآن من الإيجاز والاختصار، والعام والخاص كما في كلام العرب (3) . 3- إذا عُلم ذلك فإن فهم مراد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - متوقف على فهم لغة العرب ومعرفة علومها؛ فعلى كل مسلم أن يتعلم من هذه اللغة ما يقيم به دينه. قال الشافعي: «لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب وكثرة وجوهه وجماع معانيه وتفرقها. ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها» (4) .

_ (1) "الرسالة (40) . وانظر (103) من هذا الكتاب فيما يتعلق بمسألة: هل في القرآن لفظ غير عربي؟ (2) "الرسالة" (53) . (3) انظر: "الرسالة" (51، 52) ، و"تأويل مشكل القرآن" (20، 21) ، و"جامع البيان" للطبري (1/7) . (4) "الرسالة" (50) .

المسألة الثانية: مبدأ اللغات

وقال أيضًا: «فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله» (1) . وقال ابن تيمية: «فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه» (2) . 4- أن الإحاطة بلسان العرب حاصلة بالنسبة لعام الأمة؛ إذ لا يذهب منه شيء إلا ويوجد في هذا الأمة من يعرفه، أما النسبة للواحد فقد يعزب عنه بعض كلام العرب. وهذا كأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه قد يعزب الحديث عن واحد من العلماء، إلا أنه لا يمكن أن يعزب عن عامة الأمة (3) . المسألة الثانية: مبدأ اللغات اختلف في مبدأ اللغات (4) : فذهب الجمهور إلى أنها توقيفية؛ لقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] . وقيل: إنها اصطلاحية، وقيل غير ذلك. قال ابن قدامة بعد ذكره للأقوال. «أما الواقع منها فلا مطمع في معرفته يقينًا؛ إذ لم يرد به نص، ولا مجال للعقل والبرهان في معرفته. ثم هذا أمر لا يرتبط به تعبد عملي، ولا ترهق إلى اعتقاده حاجة.

_ (1) "الرسالة" (48) . (2) "مجموع الفتاوى" (7/116) . (3) انظر: "الرسالة" (42 - 44) . (4) انظر: "روضة الناظر" (2/3) ، و"مجموع الفتاوى" (7/91) ، و"قواعد الأصول" (49) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/97، 285) . وانظر تعليق رقم (5) (ص114) من هذا الكتاب في صلة هذه المسألة بالمجاز.

المسألة الثالثة: الأسماء الشرعية

فالخوض فيه فضول، فلا حاجة إلى التطويل» (1) . المسألة الثالثة الأسماء الشرعية والكلام على هذه المسالة في أربع نقاط: أولاً: تنقسم الألفاظ إلى أربعة أقسام (2) : حقيقة وضعية أو لغوية، وحقيقة شرعية، وحقيقة عرفية، ومجاز. ووجه الحصر في الأقسام الأربعة: أن اللفظ إما أن يبقى على أصل وضعه: فهذه هي الحقيقة الوضعية، أو يغير عنه ولا بد أن يكون هذا التغيير من قبل الشرع، أو من قبل عرف الاستعمال، أو من قبل استعمال اللفظ في غير موضعه لعلاقة بقرينة. فإن كان تغييره من قبل الشرع فهو الحقيقة الشرعية، وإن كان من قبل عرف الاستعمال فهو الحقيقة العرفية، وإن كان من قبل استعمال اللفظ في غير موضعه لدلالة القرينة فهو المجاز (3) . مثال الحقيقة الوضعية: «أسد» فإنه يطلق في أصل الوضع على الحيوان المفترس، فإن استعمل في غير ما وضع له فهو المجاز؛ مثل إطلاق لفظ «أسد» على الرجل الشجاع. ومثال الحقيقة الشرعية: لفظ الصلاة والصيام والحج، فإنها تطلق ويراد بها تلك العبادات المعروفة، مع أن لهذه الألفاظ معاني أخرى في أصل وضعها اللغوي، فالصلاة: الدعاء، والصيام: الإمساك، والحج: القصد.

_ (1) "روضة الناظر" (2/3) ، وقد تم تصويب الكلام من كتاب "المستصفى" (261) إذ عبارة الروضة فيها بعض الاضطراب. (2) انظر: "روضة الناظر" (2/8) وما بعدها، و"قواعد الأصول" (50، 51) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/149، 150) ، و"مذكرة الشنقيطي" (174، 175) . (3) تقدم الكلام على المجاز انظر (ص110) من هذا الكتاب.

- الاختلاف في الأسماء الشرعية هل هي منقولة عن اللغة أو باقية؟ وبيان كيف يكون هذا الخلاف لفظيا وكيف يكون معنويا

ومثال الحقيقة العرفية: لفظ الدابة، فإنه يطلق ويراد به عرفًا ذوات الأربع من الحيوان، مع أن معناه الأصلي في اللغة يشمل كل ما يدب على الأرض. ثانيًا: اختلف الأصوليون في الأسماء الشرعية (1) : وذلك على أقوال: 1- أن الشارع نقلها عن مسماها في اللغة؟ 2- أنها باقية على ما كانت عليه في اللغة إلا أن الشارع زاد في أحكامها؟ 3- أن الشارع تصرف فيها تصرف أهل العرف؛ فهي بالنسبة إلى اللغة مجاز، وبالنسبة إلى عرف الشارع حقيقة؟ وهذا الخلاف يعود إلى اللفظ إذا حصل الاتفاق على وجوب الرجوع إلى بيان الشارع لهذه الأسماء وتفسيره لها (2) . قال ابن تيمية: «والاسم إذا بين النبي - صلى الله عليه وسلم - حد مسماه لم يلزم أن يكون قد نقله عن اللغة أو زاد فيه، بل المقصود أنه عُرف مراده بتعريفه هو - صلى الله عليه وسلم - كيف ما كان الأمر، فإن هذا هو المقصود. وهذا كاسم الخمر فإنه قد بين أن كل مسكر خمر (3) ، فعرف المراد بالقرآن. وسواء كانت العرب قبل ذلك تطلق لفظ الخمر على كل مسكر أو تخص به عصير العنب: لا يحتاج إلى ذلك؛ إذ المطلوب معرفة ما أراد الله ورسوله بهذا الاسم. وهذا قد عرف ببيان الرسول - صلى الله عليه وسلم -» (4) .

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/10 – 14) ، و"مجموع الفتاوى" (7/298) ، و"إعلام الموقعين" (2/173) . (2) وذلك دون تفريق بين الألفاظ الدينية كالإيمان والكفر، وغير الدينية كالصلاة والحج، وعلى ذلك اتفق السلف. إلا أن الخلاف السابق يعود إلى المعنى بالنظر إلى طريقة أهل البدع الذين يعرضون عن بيان الشارع وتفسيره للأسماء الشرعية الدينية – على وجه الخصوص – وهي الألفاظ المتعلقة بأصول الدين. مثال ذلك: أن المرجئة جعلوا لفظ الإيمان حقيقة في مجرد التصديق. انظر: "المستصفى" (264) ، و"مجموع الفتاوى" (7/289، 298) . (3) ورد ذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كل مسكر خمر وكل مسكر حرام» . رواه مسلم (13/172) . (4) "مجموع الفتاوى" (19/236) .

- طريقة أهل البدع: الإعراض عن البيان الشرعي

ثالثًا: أن بيان الشارع لألفاظه وتفسيره لها مقدم على أي بيان (1) . قال ابن تيمية: «ومما ينبغي أن يُعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عُرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم» (2) . وقال أيضًا: «فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد بين المراد بهذه الألفاظ بيانًا لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب ونحو ذلك. فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء إلى بيان الله ورسوله فإنه شافٍ كافٍ» (3) . وقد بين رحمه الله أن طريقة أهل البدع إنما هي تفسير ألفاظ الكتاب والسنة برأيهم وبما فهموه وتأولوه من اللغة، والإعراض عن بيان الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهم يعتمدون على العقل واللغة وكتب الأدب (4) . رابعًا: إذا عُلم أن بيان الشرع لألفاظه مقدم على كل بيان فالواجب ملاحظة أربعة أمور في هذا المقام: الأمر الأول: معرفة حدود هذه الألفاظ، والوقوف عند هذا الحد؛ بحيث لا يدخل فيه غير موضوعه، ولا يخرج منه شيء من موضوعه. قال ابن القيم: «ومعلوم أن الله سبحانه حد لعباده حدود الحلال والحرام بكلامه؛ وذم من لم يعلم حدود ما أنزل الله على رسوله، والذي أنزله هو كلامه، فحدود ما أنزل الله هو الوقوف عند حد الاسم الذي علق عليه الحل والحرمة» (5) .

_ (1) خطاب الشارع وألفاظه تحمل على الحقيقة الشرعية، فإن تعذر حمله عليها فتحمل على الحقيقة العرفية، ثم الحقيقة اللغوية، ثم المجاز إن دلت عليه قرينة. انظر: "روضة الناظر" (2/14) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/435، 436) ، و"مذكرة الشنقيطي" (174، 175) . (2) "مجموع الفتاوى" (7/286) . (3) المصدر السابق (7/287) . (4) مثال ذلك – وقد تقدم ذكره في الصفحة السابقة تعليقًا – أن المرجئة جعلوا لفظ الإيمان حقيقة في مجرد التصديق. انظر المصدر السابق (7/116 – 119، 288، 289) . (5) "إعلام الموقعين" (1/266) .

- الواجب حمل الألفاظ الشرعية على عرف الشارع السائد وقت نزول الخطاب، ولا يصح أن تحمل هذه الألفاظ على اصطلاحات المتأخرين

وقد ذكر رحمه الله أن تعدي حدود الله يكون من جهتين: 1- من جهة التقصير والنقص. 2- من جهة تحميل اللفظ فوق ما يحتمل والزيادة عليه. فالأول: كإخراج بعض الأشربة المسكرة عن شمول اسم الخمر لها، فهذا تقصير به وهضم لعمومه، والحق ما قاله صاحب الشرع: «كل مسكر خمر» (1) . وفي هذا غنية عن القياس أيضًا. والثاني: كإدخال بعض صور الربا في التجارة المباحة بحيلة من الحيل، فهذا إدخال ما ليس من اللفظ فيه، وهو يقابل التقصير (2) . الأمر الثاني: حمل ألفاظ الكتاب والسنة على عادات عصره - صلى الله عليه وسلم - وعلى اللغة والعرف السائدين وقت نزول الخطاب، ولا يصح أن تحمل هذه الألفاظ على عادات حدثت فيما بعد، أو اصطلاحات وضعها المتأخرون من أهل الفنون (3) . قال ابن تيمية: «ولا يجوز أن يحمل كلامه [أي الرسول - صلى الله عليه وسلم -] على عاداتٍ حدثت بعده في الخطاب لم تكن معروفة في خطابه وخطاب أصحابه، كما يفعله كثير من الناس وقد لا يعرفون انتفاء ذلك في زمانه» (4) . وقال أيضًا: «فبتلك اللغة والعادة والعرف خاطبهم الله ورسوله لا بما

_ (1) رواه مسلم في صحيحه (13/172) ، والحديث تقدم ذكره في (ص373) تعليق رقم (3) من هذا الكتاب. (2) انظر: "إعلام الموقعين" (1/220) ، و"زاد المهاجر إلى ربه" (10) . (3) انظر: "مفتاح دار السعادة" (2/271، 272) ، ويمكن التمثيل لذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» . فقد استدل بذلك على أن ما أدركه المسبوق هو آخر صلاته؛ لأن القضاء يطلق على فعل ما فات. مع أن هذه الرواية مخالفة لرواية (فأتموا) . انظر: "بداية المجتهد" (1/233) ، "نيل الأوطار" (3/134، 135) ، و"مذكرة الشنقيطي" (49) . وانظر فيما يتعلق بتفاوت الاصطلاحات بين السلف المتقدمين والأصوليين المتأخرين المواضع الآتية من هذا الكتاب: أ- النسخ (ص246) ، ب- الكراهة (ص307) ، ج- التأويل (ص385) ، د- المجمل (ص388) ، هـ- الاستثناء (ص425، 426) تعليقًا. (4) "مجموع الفتاوى" (7/115) .

- لا بد من التفريق بين الكلام الذي اتصل به ما يقيده وبين الكلام العام المطلق

حدث بعد ذلك» (1) . الأمر الثالث: مراعاة السياق ومقتضى الحال والنظر في قرائن الكلام عند تفسير ألفاظ الكتاب والسنة (2) . ذلك أن دلالة الألفاظ تختلف حسب الإطلاق والتقييد، والاقتران والتجريد. فلفظ الفقير مثلاً إذا أُطلق دخل فيه المسكين كقوله تعالى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] . وكذلك لفظ المسكين إذا أُطلق دخل فيه الفقير كقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] . أما إذا قرن بينهما أحدهما فأحدهما غير الآخر، كقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] . قال ابن تيمية: «والاسم كلما كثر التكلم فيه، فتكلم به مطلقًا ومقيدًا بقيد، ومقيدًا بقيد آخر في موضع آخر؛ كان هذا سببًا لاشتباه بعض معناه ثم كلما كثر سماعه كثر من يشتبه عليه ذلك. ومن أسباب ذلك: أن يسمع بعض الناس بعض موارده ولا يسمع بعضه، ويكون ما سمعه مقيدًا بقيد أوجبه اختصاصه بمعنى، فيظن معناه في سائر موارده كذلك. فمن اتبع علمه حتى عرف مواقع الاستعمال عامة، وعلم مأخذ الشبه أعطى كل ذي حق حقه، وعلم أن خير الكلام كلام الله، وأنه لا بيان أتم من بيانه» (3) . وكذلك لا بد من التفريق بين الكلام الذي اتصل به ما يقيده وبين الكلام العام المطلق. فلو قال قائل: والله لا أسافر. وسكت سكوتًا طويلاً ثم وصله باستثناء، أو عطف، أو وصف، أو غير ذلك، لم يؤثر. ولو قال: والله لا أسافر إلى المكان الفلاني لتقيدت يمينه بهذا القيد اتفاقًا (4) .

_ (1) "مجموع الفتاوى" (7/106) . وانظر: "جلاء الأفهام" (217) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (7/162) وما بعدها، و (13/39) . (3) "مجموع الفتاوى" (7/356، 357) . (4) انظر المصدر السابق (31/110، 111) .

- تفاوت الناس في فهم الألفاظ والاستنباط منها

قال ابن تيمية: «والفرق بين القرينة اللفظية المتصلة باللفظ الدالة بالوضع....وبين الألفاظ المنفصلة معلوم يقينًا من لغة العرب والعجم. ومع هذا فلا ريب عند أحد من العقلاء أن الكلام إنما يتم بآخره، وأن دلالته إنما تستفاد بعد تمامه وكماله، وأنه لا يجوز أن يكون أوله دالاً دون آخره، سواء سمي أوله حقيقة أو مجازًا، ولا أن يقال: إن أوله يعارض آخره فإن التعارض إنما يكون بين دليلين مستقلين. والكلام المتصل كله دليل واحد، فالمعارضة بين أبعاضه كالمعارضة بين أبعاض الأسماء المركبة» (1) . وقال أيضًا: «إن الكلام متى اتصل به صفة أو شرط أو غير ذلك من الألفاظ التي تغير موجبه عند الإطلاق وجب العمل بها، ولم يجز قطع ذلك الكلام عن تلك الصفات المتصلة به. وهذا مما لا خلاف فيه أيضًا بين الفقهاء بل ولا بين العقلاء. وعلى هذا تُبنى جميع الأحكام المتعلقة بأقوال المكلفين من العبادات والمعاملات مثل الوقف والوصية والإقرار....» (2) . ويعلل ابن تيمية هذا التفريق بأن التعارض فرع على استقلال الكلام بالدلالة، والاستقلال بالدلالة فرع على انقضاء الكلام وانفصاله، أما مع اتصاله بما يغير حكمه فلا يجوز أن يجعل بعضه مخالفًا لبعض؛ لأن من شرط حمل اللفظة على عمومها أن تكون منفصلة عن صلة مخصصة. فهي عامة عند الإطلاق وليست عامة على الإطلاق (3) . لذلك لزم من اعتبر الكلام صحيحًا قبل أن يتم أن يجعل أول كلمة التوحيد كفرًا وآخرها إيمانًا، وأن المتكلم بها قد كفر ثم آمن (4) . الأمر الرابع: اعتبار مراد المتكلم ومقاصده، وضم النظير إلى نظيره،

_ (1) "مجموع الفتاوى" (31/117) . (2) المصدر السابق (31/101) . (3) انظر المصدر السابق (31/113، 118) . (4) انظر المصدر السابق (31/116) .

وهذا قدر زائد على مجرد فهم اللفظ (1) . والناس يتفاوتون في ذلك بحسب مراتبهم في الفقه والعلم (2) . قال ابن القيم: «والألفاظ لم تقصد لذواتها، وإنما هي أدلة يستدل بها على مراد المتكلم، فإذا ظهر مراده ووضح بأي طريق كان عمل بمقتضاه: سواء كان بإشارة، أو كتابة، أو بإيماءة، أو دلالة عقلية، أو قرينة حالية، أو عادة له مطردة لا يخل بها، أو من مقتضى كماله وكمال أسمائه وصفاته، وأنه يمتنع منه إرادة ما هو معلوم الفساد وترك إرادة ما هو متيقن مصلحته. وأنه يستدل على إرادته للنظير بإرادة نظيره ومثله وشبهه، وعلى كراهة الشيء بكراهة مثله ونظيره ومشبهه. فيقطع العارف به وبحكمته وأوصافه على أنه يريد هذا، ويكره هذا، ويحب هذا ويبغض هذا. وأنت تجد من له اعتناء شديد بمذهب رجل وأقواله كيف يفهم مراده من تصرفه ومذاهبه، ويخبر عنه بأنه يفتي بكذا ويقوله، وأنه لا يقول بكذا، ولا يذهب إليه، لما لا يوجد في كلامه صريحًا» (3) . وقد ذكر ابن القيم لذلك أمثلة. فمن ذلك قوله رحمه الله: «وأنت إذا تأملت قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 77 – 79] . وجدت الآية من أظهر الأدلة على نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأن هذا القرآن جاء من عند الله. وأن الذي جاء به روح مطهر؛ فما للأرواح الخبيثة عليه سبيل. ووجدت الآية أخت قوله: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء: 210، 211] . ووجدتها دالة بإحسن الدلالة على أنه لا يمس المصحف إلا طاهر.

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (1/219، 225، 3/105، 115) . (2) يدل لذلك قول علي رضي الله عنه. «والذي خلق الجنة وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن – إلا فهما يعطى رجل في كتابه – وما في الصحيفة.....» رواه البخاري (12/246) برقم (6903) . انظر: "إعلام الموقعين" (1/225، 268) . (3) "إعلام الموقعين" (1/218) .

المسألة الرابعة: الاشتراك

ووجدتها دالة أيضًا بألطف الدلالة على أنه لا يجد حلاوته وطعمه إلا من آمن به وعمل به» (1) . المسألة الرابعة: الاشتراك (2) (الاشتراك واقع في اللغة (3) : في الأسماء: كالقرء للحيض والطهر. وفي الأفعال: مثل عسعس بمعنى أقبل وأدبر. وفي الحروف: كالباء فإنها تأتي للتبعيض ولبيان الجنس. (ويجوز أن يحمل المشترك على كلا معنييه إذا أمكن ذلك (4) . قال الشيخ الشنقيطي: «مع أن التحقيق جواز حمل المشترك على معنييه، كما حققه الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في رسالته في علوم القرآن (5) ، وحرر أنه هو الصحيح في مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله» (6) . المسألة الخامسة: الترادف (7) الترادف واقع في اللغة (8) : في الأسماء كالأسد والسبع.

_ (1) "إعلام الموقعين" (1/225، 226) . (2) الاشتراك هو أن يتعدد المعنى فقط دون اللفظ، كلفظ العين فإنه يصدق على الذهب والباصرة. انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/137) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/340، 341) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/139) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/341) . (5) انظر المصدر السابق. (6) "أضواء البيان" (2/15) . (7) الترادف هو أن يتعدد اللفظ دون المعنى، كالبر والقمح المسمى به الحب المعروف. انظر: "شرح الكوكب المنير" (1/136) . (8) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/341) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/141) .

- مراد من أنكر الترادف في اللغة

وفي الأفعال مثل: قعد وجلس. وفي الحروف مثل: إلى وحتى. قال ابن القيم: «فالأسماء الدالة على مسمى واحد نوعان: أحدهما: أن يدل عليه باعتبار الذات فقط..... وهذا كالحنطة والقمح والبر ... والنوع الثاني: أن يدل على ذات واحدة باعتبار تباين صفاتها كأسماء الرب تعالى، وأسماء كلامه، وأسماء نبيه، وأسماء اليوم الآخر، فهذا النوع مترادف بالنسبة للذات، متباين بالنسبة إلى الصفات» (1) . وقد أوضح ابن القيم أن من أنكر الترادف في اللغة فمراده النوعُ الثاني؛ لأنه ما من اسمين لمسمى واحد إلا وبينهما فرق في صفة، أو نسبة، أو إضافة، مع أن الذات واحدة (2) . وقال ابن تيمية: «فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم. وقل أن يعبر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه؛ بل يكون فيه تقريب لمعناه. وهذا من أسباب إعجاز القرآن» (3) . المسألة السادسة: العطف والاقتران وفي هذه المسألة ثلاثة أبحاث: 1- مقتضى العطف. 2- هل تدل الواو على الترتيب؟ 3- دلالة الاقتران.

_ (1) "روضة المحبين" (54) . (2) انظر المصدر السابق. (3) "مجموع الفتاوى" (13/341) . وانظر (7/177، 178، 13/59) .

- مقتضى العطف: المغايرة وهي على مراتب

(البحث الأول: مقتضى العطف: عطف الشيء على الشيء يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، مع اشتراكهما في الحكم المذكور لهما. وهذه المغايرة على مراتب (1) : الأولى: أن يكونا متباينين، ليس أحدهما هو الآخر ولا جزؤه، ولا ملازمة بينهما، وهذه أعلى المراتب، كقوله تعالى: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] . الثانية: أن يكون بينهما تلازم، كقوله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42] ، فإن من لبس الحق بالباطل أخفى من الحق بقدر ما أظهر من الباطل، ومن كتم الحق أقام موضعه باطلاً فلبس الحق بالباطل. الثالثة: عطف بعض الشيء عليه، كقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] . الرابعة: عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين، كقوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 3، 4] . (البحث الثاني: هل تدل الواو على الترتيب؟ الواو لا تدل على الترتيب، ولا التعقيب، ولا الجمع المطلق، بل هي لمطلق الجمع. والمراد: أي جمعٍ كان؛ فتدخل حينئذٍ الصور السابقة كلها (2) . (البحث الثالث: دلالة الاقتران (3) : وهي على ثلاثة مراتب: إذ تظهر قوتها في موطن، وضعفها في موطن، وتساوي الأمرين في موطن:

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (7/172 - 178) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (387 - 388) . (2) انظر: "بدائع الفوائد" (1/61) ، و"مختصر ابن اللحام" (50) ، و"شرح الكوكب المنير" (1/229، 230) . (3) انظر: "بدائع الفوائد" (4/183، 184) . وللاستزادة راجع "المسودة" (140، 141) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/259 - 262) ، و"أضواء البيان" (2/256) .

أ- تظهر قوتها إذا جمع بين المقترنين لفظ اشتركا في إطلاقه وافترقا في تفصيله، وذلك كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث حق على كل مسلم: الغسل يوم الجمعة، والسواك، ويمس من طيب إن وجد» (1) . فقد اشترك الثلاثة في إطلاق لفظ الحق عليه، فإذا كان السواك والتطيب مستحبين كان الثالث وهو الاغتسال مستحبًا كذلك. ب- ويظهر ضعفها عند تعدد الجمل واستقلال كل واحد منها بنفسها، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة» (2) . إذ إن كل جملة مفيدة لمعناها وحكمها وسببها وغايتها، وهي منفردة به عن الجملة الأخرى، واشتراكهما في مجرد العطف لا يوجب اشتراكهما فيما وراءه؛ فإن العطف يفيد الاشتراك في المعنى إن كان عطف مفرد على مفرد: كقام زيد وعمرو، أما إن عُطفت جملة على جملة فلا اشتراك في المعنى، نحو: اقتل زيدًا وأكرم عمرًا. جـ- ويظهر التساوي حيث كان العطف ظاهرًا في التسوية، وكان قصد المتكلم ظاهرًا في الفرق، فيتعارض ههنا ظاهر اللفظ وظاهر القصد، فإن غلب ظهور أحدهما اعتبر، وإلا طلب الترجيح.

_ (1) أخرجه أحمد في "مسنده" (4/34) ، وصححه الألباني. انظر: "صحيح الجامع" (1/581) برقم (3028) . (2) أخرجه أبو داود (1/18) برقم (70) ، وصححه الألباني. انظر: "صحيح الجامع" (2/1259) برقم (7595) .

المبحث الثاني: النص، والظاهر، والمؤول، والمجمل، والبيان

المبحث الثاني: النص، والظاهر، والمؤول، والمجمل، والبيان وفي هذا المبحث تمهيد، وخمس مسائل: المسألة الأولى: النص. المسألة الثانية: الظاهر. المسألة الثالثة: المؤول. المسألة الرابعة: المجمل. المسألة الخامسة: البيان.

المسألة الأولى: النص

تمهيد: ينقسم الكلام إلى: نص، وظاهر، ومجمل (1) . وذلك أن اللفظ لا يخلو من أمرين: إما أن يدل على معنى واحد لا يحتمل غيره. فهذا هو النص. وإما أن يحتمل غيره، وهذا له حالتان. الأولى: أن يكون أحد الاحتمالين أظهر. فهذا هو الظاهر. والثانية: أن يتساوى الاحتمالان بألا يكون أحدهما أظهر من الآخر. فهذا هو المجمل. ومعلوم أن المجمل محتاج إلى البيان، كما أن الظاهر قد يرد عليه التأويل فيكون مؤولاً. فهذه أمور خمسة: النص، والظاهر، والمؤول، والمجمل، والبيان. والكلام عليها سيكون بحسب هذا الترتيب في المسائل الآتية: المسألة الأولى النص (2) (تعريفه: ما لا يحتمل إلا معنى واحدًا، أو: ما يفيد بنفسه من غير احتمال. (مثاله: قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] . (حكمه: أن يصار إليه ولا يعدل عنه إلا بنسخ.

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/26) ، و"أضواء البيان" (1/93، 94) ، و"مذكرة الشنقيطي" (176) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/27) ، و"قواعد الأصول" (51) ، و"أضواء البيان" (1/93) ، و"مذكرة الشنقيطي" (176) .

المسألة الثانية: الظاهر

المسألة الثانية الظاهر (1) (تعريفه: ما احتمل معنيين فأكثر، هو في أحدهما أو أحدها أرجح، أو ما تبادر منه عند الإطلاق معنى مع تجويز غيره. (مثاله: «الأسد» فإنه ظاهر في الحيوان المفترس، ويبعد أن يراد به الرجل الشجاع مع احتمال اللفظ له. (حكمه: أن يصار إلى المعنى الظاهر (2) . ولا يجوز العدول عنه إلا بدليل أقوى منه يدل على صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى الاحتمال المرجوح، وهذا ما يسمى بالتأويل. المسألة الثالثة المؤول وفي هذه المسألة أربعة أبحاث: 1- معنى التأويل. 2- أنواع التأويل. 3- شروط التأويل الصحيح. 4- تنبيهات. (البحث الأول: معنى التأويل. للتأويل ثلاثة معانٍ: معنيان عند السلف، ومعنى ثالث عند المتأخرين.

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/29، 30) ، و"مختصر ابن اللحام" (131) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/460) ، و"أضواء البيان" (1/94) ، و"مذكرة الشنقيطي" (176) . (2) انظر كلام الإمام الشافعي، وابن القيم في وجوب حمل الكلام على ظاهره فيما سبق من هذا الكتاب (ص361) . وانظر أيضًا: "الرسالة" (580) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/222) ، و"إعلام الموقعين" (3/108، 109) .

- معنى التأويل عند الأصوليين

أما المعنيان الأولان عند السلف فعلى النحو الآتي (1) : المعنى الأول: الحقيقة التي يؤول إليها الأمر، كقول كثير من السلف في بعض الآيات: «هذه ذهب تأويلها، وهذه لم يأت تأويلها» . والمعنى الثاني: التفسير والبيان، كقول بعض المفسرين: «القول في تأويل قول الله تعالى» . وأما معنى التأويل عند المتأخرين - وهو المعنى الثالث - وهو المشهور عند الأصوليين، فهو: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح بدليل يدل على ذلك (2) . (البحث الثاني: أنواع التأويل. لا يخلو التأويل من ثلاث حالات (3) : الأولى: أن يكون صرف اللفظ عن ظاهره بدليل صحيح في نفس الأمر يدل على ذلك، كتأويل {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] ؛ أي: إذا أردتم القيام، وهذا ما يسمى بالتأويل الصحيح والقريب. والثانية: أن يكون صرف اللفظ عن ظاهره لأمر يظنه الصارف دليلاً، وليس بدليل في نفس الأمر، وهذا ما يسمى بالتأويل الفاسد أو البعيد، كتأويل حديث: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» (4) بأن المراد بالمرأة: الصغيرة. والثالثة: أن يكون صرف اللفظ عن ظاهره لا لدليل أصلاً، وهذا يسمى لعبًا، كقول بعض الشيعة في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] ؛ قالوا: هي عائشة رضي الله عنها (5) .

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (1/177، 178، 13/288 - 293، 17، 367 - 381) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/30، 31) ، و"مجموع الفتاوى" (17/401) ، و"مختصر ابن اللحام" (131) ، و"مذكرة الشنقيطي" (176) . (3) انظر: "أضواء البيان" (1/329، 330) ، و"مذكرة الشنقيطي" (177) . (4) أخرجه أبو داود (2/229) برقم (2083) ، والترمذي (3/408) برقم (1102) واللفظ له، وصححه الألباني. انظر: "صحيح الجامع" (1/526) برقم (2709) . (5) هي: عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها، أم المؤمنين، عرفت بالعلم والفقه ورواية الحديث، توفيت سنة (58هـ) . انظر: "الاستيعاب" (4/345) ، و"الإصابة" (4/348) .

- شروط التأويل الصحيح

(البحث الثالث: شروط التأويل الصحيح. للتأويل الصحيح أربعة شروط (1) : (الشرط الأول: أن يكون اللفظ محتملاً للمعنى الذي تأوله المتأول في لغة العرب. (الشرط الثاني: إذا كان اللفظ محتملاً للمعنى الذي تأوله المتأول فيجب عليه إقامة الدليل على تعين ذلك المعنى، لأن اللفظ قد تكون له معانٍ، فتعين المعنى يحتاج إلى دليل. (الشرط الثالث: إثبات صحة الدليل الصارف للفظ عن حقيقته وظاهره، فإن دليل مدعي الحقيقة والظاهر قائم، لا يجوز العدول عنه إلا بدليل صارف يكون أقوى منه. (الشرط الرابع: أن يسلم الدليل الصارف للفظ عن حقيقته وظاهره عن معارض. (البحث الرابع: تنبيهات: 1- الفيصل بين صحيح التأويل وباطله: أن الصحيح ما وافق ما دلت عليه النصوص وما جاءت به السنة وطابقها، والباطل ما خالف النصوص والسنة (2) . 2- يجب أن تحمل ألفاظ الكتاب والسنة على ظواهرها إلا بدليل صارف (3) . 3- الدليل الصارف للفظ عن ظاهره على درجات (4) :

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (6/360) ، و"الصواعق المرسلة" (1/288) ، و"بدائع الفوائد" (4/205) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/67، 6/21) ، و"الصواعق المرسلة" (1/187) . (3) انظر ما تقدم في حكم الظاهر (385) من هذا الكتاب. (4) انظر: "روضة الناظر" (2/32، 33) ، و"قواعد الأصول" (52) ، و"مختصر ابن اللحام" (131) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/461، 462) ، و"مذكرة الشنقيطي" (176) .

المسألة الرابعة: المجمل

فإن كان الاحتمال قريبًا فيكفيه أدنى دليل. وإن كان الاحتمال بعيدًا فيحتاج إلى دليل قوي. وإن كان الاحتمال متوسطًا فيحتاج إلى دليل متوسط. 4- إذا لم يوجد على التأويل دليل صحيح امتنع حملُ اللفظ وصرفه عن ظاهره، ووجب رد التأويل (1) . المسألة الرابعة المجمل وفي هذه المسألة ست نقاط: (أولاً: المجمل عند السلف هو: «ما لا يكفي وحده في العمل» ، كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ، فإن المأمور به صدقة تكون مطهرة مزكية لهم، وهذا إنما يعرف ببيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - (2) . (ثانيًا: المجمل في اصطلاح الأصوليين هو: «ما احتمل معنيين أو أكثر من غير ترجح لواحد منهما أو منها على غيره» (3) . (ثالثًا: مثال المجمل: القرء إذ هو متردد بين الحيض والطهر (4) . (رابعًا: حكمه: التوقف فيه حتى يتبين المراد منه (5) ، فلا يجوز العمل

_ (1) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/461) . (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/75) ، و"أضواء البيان" (1/93) . (3) انظر: "قواعد الأصول" (52) ، و"مختصر ابن اللحام" (126) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/414) ، و"أضواء البيان" (1/93) . (4) انظر: "روضة الناظر" (2/43) ، و"قواعد الأصول" (52) ، و"مختصر ابن اللحام" (126) ، و"مذكرة الشنقيطي" (179) . (5) انظر الأمثلة على منهج السلف في التعامل مع الألفاظ المجملة في المواضع الآتية من هذا الكتاب: أ- السمع والعقل (ص 93) ، ب- القياس (ص 184) ، جـ- التحسين والتقبيح (ص 333) . د- تكليف ما لا يطاق (ص 337) ، هـ- القدرة (ص338) . وانظر في بيان هذا المنهج: "مجموع الفتاوى" (13/145، 146) ، و"القصيدة النونية" لابن القيم (97) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (224، 225) .

- المجمل واقع في الكتاب والسنة

بأحد احتمالاته إلا بدليل خارجي صحيح، فهو محتاج إلى البيان (1) . (خامسًا: المجمل واقع في الكتاب والسنة، فمنه ما يقع في حرف، نحو الواو في قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] ، فإنه يحتمل أن تكون عاطفة أو مستأنفة، ويقع في اسم، وفي غير ذلك (2) . (سادسًا: قد يكون اللفظ مجملاً من وجه، واضحًا من وجه آخر، كقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] . فإنه واضح في إيتاء الحق، مجمل في مقداره لاحتماله النصف أو أقل أو أكثر (3) . المسألة الخامسة البيان وفي هذه المسألة ثلاث أبحاث: 1- معنى البيان. 2- طرق البيان. 3- حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة. (البحث الأول: معنى البيان (4) : البيان: هو المبين (5) . ويطلق على ما حصل به التبيين: وهو الدليل.

_ (1) انظر: "الرسالة" (322) ، و"روضة الناظر" (2/43، 45) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/414) ، و"أضواء البيان" (1/94) . (2) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/415) . (3) انظر: "أضواء البيان" (1/94) . (4) انظر: "روضة الناظر" (2/52 - 54) ، و"قواعد الأصول" (54) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/437 - 440) ، و"أضواء البيان" (1/94 - 97) ، و"مذكرة الشنقيطي" (183، 184) . (5) أما المبين بالفتح فهو مقابل المجمل، فإن قلت في تعريف المجمل: هو ما لا يفهم منه عند الإطلاق معنى معين، فقل في تعريف المبين: هو ما فهم منه عند الإطلاق معنى. فيشمل النص والظاهر، وإن قلت في المجمل: هو اللفظ المتردد بين احتمالين فأكثر على السواء، فقل في المبين: هو ما دل على المعنى دون احتمال. وقد يطلق على المبين والمبين بالكسر والفتح البيان. انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/437) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (2/52) ، و"أضواء البيان" (1/94) .

- طرق البيان

والمراد به: كل ما يزيل الإشكال، فيدخل فيه التقييد، والتخصيص، والنسخ، والتأويل. ويطلق البيان على كل إيضاح، سواء تقدمه خفاء وإجمال أم لا؛ فالبيان تارة يكون ابتداء، ويكون تارة بعد إجمال. (البحث الثاني: طرق البيان (1) : يحصل البيان بقول من الله سبحانه أو من رسوله - صلى الله عليه وسلم - (2) . ويحصل بفعله - صلى الله عليه وسلم - وبكتابته، وإشارته، وإقراره، وسكوته، وتركه. والقاعدة الكلية فيما يحصل به البيان: أنه يحصل بكل مقيد من جهة الشرع. فتتناول القاعدة ما سبق ذكره من طرق البيان وغيره، وذلك من وجوه: منها: الترك. مثل أن يترك - صلى الله عليه وسلم - فعلاً قد أمر به، أو قد سبق منه فعله فيكون تركه له مبينًا لعدم وجوبه، كصلاته - صلى الله عليه وسلم - التراويح جماعة في رمضان، ثم إنه تركها خشية أن تفرض عليهم (3) ؛ فدل على عدم وجوبها. ويتعلق بطرق البيان أمران: (الأمر الأول: يجوز أن يكون البيان أضعف رتبة لا دلالة من المبين، فيجوز بيان المتواتر بالآحاد (4) .

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/54، 55) ، و"قواعد الأصول" (54) ، و"إعلام الموقعين" (2/314، 315) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/441 – 447) ، و"مذكرة الشنقيطي" (183، 184) . (2) من الأصول المقررة في هذا المقام: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أتم البيان وترك أمته على المحجة البيضاء، وأنه لا بيان أحسن من بيان الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. انظر: "مجموع الفتاوى" (7/287) وانظر (ص 133، 364، 365) من هذا الكتاب. (3) تقدم تخريج ذلك انظر (ص 131) تعليق رقم (5) من هذا الكتاب. (4) انظر: "روضة الناظر" (2/57) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (2/67) ، و"أضواء البيان" (1/94، 95) .

- حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة

(الأمر الثاني: لا يشترط في البيان أن يعلمه جميع المكلفين الموجودين في وقته، بل يجوز أن يجهله بعضهم (1) . البحث الثالث: حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة: (لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأن ذلك يؤدي إلى التكليف بما لا يطاق وهو ممتنع شرعًا. هذا مذهب العلماء (2) ، وجوزه من أجاء التكليف بالمحال إلا أنه وافق على عدم وقوعه (3) . (أما تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة فهو جائز وواقع عند الجمهور. ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 18، 19] ، و «ثم» للتراخي، فدلت على تراخي البيان عن وقت الخطاب. وكذلك فإن كثيرًا من النصوص العامة ورد تخصيصها بعدها (4) . (إذا علم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فلا بد أن يفهم هذا على وجهه الصحيح، إذ إن الحاجة قد تدعو إلى تعجيل بيان الواجبات والمحرمات من العقائد والأعمال، وقد تدعو الحاجة إلى تأخير هذا البيان (5) .

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/54) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/455، 456) ، و"أضواء البيان" (1/99) . وانظر الدليل على ذلك فيما يأتي (ص 433) تعليق رقم (2) من هذا الكتاب: وهو أن فاطمة رضي الله عنها لم تعلم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا نورث، ما تركناه صدقة» ، الذي بين قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} وخصصه. (2) نقل ابن قدامة الإجماع على ذلك فقال: «ولا خلاف في أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة» . "روضة الناظر" (2/57) . وانظر: "المسودة" (181) . (3) انظر قواعد الأصول: (54) و"مختصر ابن اللحام" (129) و"شرح الكوكب المنير" (3/451، 452) ، و"أضواء البيان" (1/97، 98) ، و"مذكرة الشنقيطي" (185) . (4) انظر: "روضة الناظر" (2/57 – 60) ، و"قواعد الأصول" (54، 55) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/453، 454) ، و"أضواء البيان" (1/98، 99) ، و"مذكرة الشنقيطي" (185، 186) . (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/59 – 61) ، و"المسودة" (181، 182) و"شرح الكوكب المنير" (3/452، 453) .

- البيان بالتعريض تارة يحرم، وتارة يجوز، وتارة يجب

ومن الأمثلة على مشروعية تأخير البيان لأجل الحاجة: 1- أن المبلغ لا يمكنه أن يخاطب الناس جميعًا ابتداء، فعليه أن يبلغ من يستطيع تبليغه. 2- أن المبلغ لا يمكنه مخاطبة الناس بجميع الواجبات جملة، بل يبلغ بحسب الطاقة والإمكان على سبيل التدريج، فيبدأ بالأهم ويؤخر غيره. وكذلك إذا ضاق عليه الوقت. وهذا التأخير في البيان لبعض الواجبات لا ينفي قيام الحاجة التي هي سبب وجوب البيان، بل الحاجة قائمة إلا أن حصول الوجوب والعقاب على الترك ممتنع لوجود المزاحم الموجب للعجز. وهذا كالدين على المعسر، أو كالجمعة على المعذور. 3- أن يكون في الإمهال وتأخير البيان من المصلحة ما ليس في المبادرة؛ إذ البيان إنما يجب على الوجه الذي يحصل به المقصود. فيكون تأخير البيان هو البيان المأمور به، ويكون هو الواجب أو المستحب، مثل: تأخير النبي - صلى الله عليه وسلم - البيان للأعرابي المسيء صلاته إلى المرة الثالثة (1) . وإنما يجب التعجيل إذا خيف الفوت بأن يترك الواجب المؤقت حتى يخرج عن وقته ونحو ذلك. (فائدة (2) : أ- كل ما وجب بيانه فالتعريض فيه حرام؛ لأنه كتمان وتدليس، ويدخل في هذا: الإقرار بالحق، والشهادة، والفتيا، والحديث، والقضاء. ب- وكل ما حرم بيانه فالتعريض فيه جائز بل واجب إذا أمكن ووجب الخطاب. جـ- وإن جاز بيانه وكتمانه: فحيث كانت المصلحة في كتمانه فالتعريض فيه مستحب، وحيث كانت المصلحة في إظهاره وبيانه فالتعريض مكروه والإظهار مستحب. وإن تساوت المصلحة في كتمانه وإظهاره جاز التعريض والتصريح.

_ (1) تقدم تخريجه انظر (ص 339) تعليق رقم (6) من هذا الكتاب. (2) انظر: "الفتاوى الكبرى" (6/122) ، و"إعلام الموقعين" (3/235) .

المبحث الثالث: الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم

المبحث الثالث: الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم. وفي هذا المبحث أربعة مطالب: المطلب الأول: الأمر والنهي. المطلب الثاني: العام والخاص. المطلب الثالث: المطلق والمقيد. المطلب الرابع: المنطوق والمفهوم.

المطلب الأول: الأمر والنهي

المطلب الأول الأمر والنهي والكلام على هذا المطلب في جانبين: الجانب الأول: الأمر. الجانب الثاني: النهي. أما الجانب الأول وهو الأمر، ففيه تسع مسائل وذلك كالآتي: المسألة الأولى: تعريف الأمر. المسألة الثانية: صيغة الأمر. المسألة الثالثة: دلالة الأمر على الوجوب. المسالة الرابعة: دلالة الأمر على الفور. المسألة الخامسة: دلالة الأمر على التكرار. المسألة السادسة: الأمر بعد الحظر. المسألة السابعة: هل يستلزم الأمر الإرادة؟ المسألة الثامنة: الأمر بالشيء هل يستلزم النهي عن ضده؟ المسألة التاسعة: تنبيهات.

الجانب الأول: الأمر

الجانب الأول: الأمر والكلام على هذا الجانب في تسع مسائل: المسألة الأولى: تعريف الأمر يمكن تعريف الأمر بأنه: «استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء» (1) . وهذا التعريف يشمل الأمور الآتية (2) : أ- أن الأمر من قبيل الطلب إذ هو استدعاء، ومعلوم أن الكلام إما طلب وإما خبر. ب- أن الأمر طلب الفعل، وذلك بخلاف النهي فهو طلب الكف. جـ- المراد بالأمر القول حقيقة، فيخرج بذلك الإشارة. د- أن الأمر يكون على وجه الاستعلاء من جهة الآمر، أما إن كان الآمر في رتبة المأمور فهو التماس، وإن كان أدون منه فهو سؤال. المسألة الثانية: صيغة الأمر اتفق السلف على أن للأمر صيغة، وأن هذه الصيغة بمجردها تدل على الأمر، وهذه الصيغة هي: افعل للحاضر، وليفعل للغائب (3) .

_ (1) " روضة الناظر" (2/62) . (2) انظر: «الفقيه والمتفقه" (1/67) ، و"روضة الناظر" (2/62) ، و"قواعد الأصول" (64) ، و"مختصر ابن اللحام" (97) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/10) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (2/62) . (3) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/67) ، و"روضة الناظر" (2/63) ، و"قواعد الأصول" (65) ، و"مختصر ابن اللحام" (98) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/13) ، و"مذكرة الشنقيطي" (188) .

وزعم بعض المبتدعة أنه لا صيغة للأمر (1) بناءً على أن الكلام معنى قائم بالنفس مجرد عن الألفاظ، فالأمر عند هؤلاء قسمان: نفسي ولفظي، فالأمر النفسي عندهم هو: اقتضاء الفعل بذلك المعنى القائم بالنفس المجرد عن الصيغة. والأمر اللفظي هو: اللفظ الدال عليه كصيغة: افعل. والحق أن إثبات كلام النفس الباطل مخالف للكتاب والسنة واللغة والعرف (2) . 1- فمن الكتاب قوله تعالى لزكريا: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 10، 11] ، فلم يسم الله إشارته إلى قومه كلامًا لأنه لم يتكلم بشيء من الألفاظ. 2- ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم» (3) ، ففرق - صلى الله عليه وسلم - بين حديث النفس وبين الكلام بالألفاظ والحروف، فأضاف الأول إلى النفس وأطلق الثاني لأنه هو المتبادر إلى الفهم وهو الأصل في الكلام، فلم يحتج إلى قيد أو إضافة. 3- واتفق أهل اللغة على أن الكلام: اسم وفعل وحرف، ولذلك اتفق الفقهاء بأجمعهم على أن من حلف لا يتكلم فحدث نفسه بشيء دون أن ينطق بلسانه لم يحنث، ولو نطق حنث. 4- وأهل العرف كلهم يسمون الناطق متكلمًا، ومن عداه ساكتًا أو أخرس.

_ (1) ذهب إلى ذلك الأشاعرة، وهذا القول لم يسبقهم إليه أحد. انظر: "قواطع الأدلة" (1/81) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/64، 65) ، و"شرح الكوكب المنير" (2/9 - 115) ، و"مذكرة الشنقيطي" (188، 189) . (3) رواه البخاري (11/ 548) برقم (6664) ، واللفظ له، ومسلم (2/146) .

المسألة الثالثة: دلالة الأمر على الوجوب

والصيغ الدالة على الأمر أربع (1) : أ- فعل الأمر، نحو: {أَقِمِ الصَّلاةَ} [الإسراء: 78] . ب- الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر، نحو: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] . جـ- اسم فعل الأمر، نحو: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105] . د- المصدر النائب عن فعله، نحو: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] . المسألة الثالثة: دلالة الأمر على الوجوب صيغة الأمر المطلقة المتجردة عن القرائن تفيد الوجوب هذا هو مذهب السلف وجمهور الأمة (2) . ومن الأدلة على ذلك (3) : أولاً: من القرآن الكريم قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] ، ولو لم يكن الأمر للوجوب لما رتب الله على مخالفته إصابة الفتنة أو العذاب الأليم. وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] ، فنفى الله عن المؤمنين الخيرة إذا ورد الأمر، وهذا هو معنى الوجوب والإلزام.

_ (1) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (188) . (2) انظر: "صحيح البخاري" (13/336) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/67، 68) ، و"قواطع الأدلة" (1/92) ، و"روضة الناظر" (2/70) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (159) ، و"مختصر ابن اللحام" (99) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/39) ، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (102) ، و"رسالة ابن سعدي" (101) ، و"وسيلة الحصول" (12) ، و"مذكرة الشنقيطي" (191) . (3) انظر: "صحيح البخاري" (13/336، 337) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/68) ، و"قواطع الأدلة" (1/95 - 105) ، و"روضة الناظر" (2/71 - 73) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/40) ، و"مذكرة الشنقيطي" (191، 192) .

المسألة الرابعة: دلالة الأمر على الفور

ثانيًا: من السنة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لولا أن أشق على أمتي - أو على الناس - لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة» (1) ، ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - ندب أمته إلى السواك، والندب غير شاق، فدل على أن الأمر يقتضي الوجوب فإنه لو أمر لوجب وشق. ثالثًا: إجماع الصحابة رضي الله عنهم على امتثال أوامر الله تعالى ووجوب طاعته من غير سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - عما عنى بأوامره. رابعًا: أن أهل اللغة عقلوا من إطلاق الأمر الوجوب؛ لأن السيد لو أمر عبده فخالفه حَسُنَ عندهم لومه وحَسُنَ العذرُ في عقوبته بأنه خالف الأمر، والواجب ما يعاقب على تركه. وصيغة الأمر ترد لمعان كثيرة، منها (2) : المعنى الأول: الوجوب، وهو الأصل فيها، إذ الوجوب حقيقة في الأمر، وما سواه مجاز يحتاج إلى قرينة. المعنى الثاني: الندب كقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] . المعنى الثالث: الإباحة، كقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] . المعنى الرابع: التهديد، كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] . وغير ذلك من المعاني. المسألة الرابعة: دلالة الأمر على الفور اختلف العلماء في الأمر المجرد عن القرائن، هل يدل على الفور وسرعة المبادرة والامتثال، أو على التراخي؟ وكونه دالاً على الفور اختيار ابن قدامة وابن القيم وابن النجار الفتوحي

_ (1) رواه البخاري (2/374) برقم (887) واللفظ له، ومسلم (3/142) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/65، 66) ، و"مختصر ابن اللحام" (98، 99) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/17 - 38) ، و"مذكرة الشنقيطي" (189، 190) .

المسألة الخامسة: دلالة الأمر على التكرار

والشنقيطي (1) . ومن الأدلة على ذلك ما يأتي (2) : أولاً: أن ظواهر النصوص تدل عليه، كقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] ، {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148، المائدة: 48] . ثانيًا: أن وضع اللغة يدل على ذلك؛ فإن السيد لو أمر عبده فلم يمتثل فعاقبه لم يكن له أن يعتذر بأن الأمر للتراخي. ثالثًا: أن السلامة من الخطر والقطع ببراءة الذمة إنما يكون بالمبادرة، وذلك أحوط وأقرب لتحقيق مقتضى الأمر وهو الوجوب. المسألة الخامسة: دلالة الأمر على التكرار اختلف العلماء في الأمر المجرد غير المقيد بالمرة ولا بالتكرار ولا بصفة ولا بشرط، هل يقتضي التكرار أو المرة (3) ؟ أ- فقيل: إن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، بل يخرج من عهدة الأمر بمرة واحدة، لأن امتثال الأمر لا بد فيه من المرة فوجوبها مقطوع به، وأما الزيادة على المرة فلا دليل عليها، ولفظ الأمر لم يتعرض لها. ولدلالة اللغة على ذلك فلو قال السيد لعبده: اشترِ متاعًا، لم يلزمه ذلك إلا مرة واحدة. ب- وقيل: إن الأمر المطلق للتكرار. وهذا ما اختاره ابن القيم (4) ، واستدل لذلك بأن عامة أوامر الشرع على التكرار.

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/85) ، و"زاد المعاد" (3/307) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/48) ، و"مذكرة الشنقيطي" (195) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/88) ، و"مذكرة الشنقيطي" (196) . (3) انظر: "الفقيه والمتفقه" (2/68) ، و"روضة الناظر" (2/78) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/43) ، و"مذكرة الشنقيطي" (194) . (4) انظر: "جلاء الأفهام" (216) .

المسألة السادسة: الأمر بعد الحظر

مثل قوله تعالى: {آمِنُوا بالله وَرَسُولِهِ} [النساء: 136] ، {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208] ، * {وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [التغابن: 12] ، {وَاتَّقُوا اللهَ} [الحشر: 18] ، وفي مواضع أخرى، {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [المزمل: 20] . ثم قال: «وذلك في القرآن أكثر من أن يحصر، وإذا كانت أوامر الله ورسوله على التكرار حيث وردت إلا في النادر علم أن هذا عرف خطاب الله ورسوله الأمة وإن لم يكن في لفظه المجرد ما يؤذن بتكرار ولا قول، فلا ريب أنه في عرف خطاب الشارع للتكرار فلا يحمل كلامه إلا على عرفه والمألوف من خطابه، وإن لم يكن ذلك مفهومًا من أصل الوضع في اللغة.....» (1) . المسألة السادسة: الأمر بعد الحظر إذا وردت صيغة الأمر بعد النهي فإنها تفيد ما كانت تفيده قبل النهي: فإن كانت تفيد الإباحة أفادت الإباحة، وكذا الوجوب والاستحباب. وهذا المذهب هو المعروف عن السلف والأئمة (2) . والذي يدل على ذلك هو الاستقراء (3) ، فمن ذلك: أ- قتل الصيد كان مباحًا ثم مُنع للإحرام ثم أُمر به عند الإحلال: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] . فرجع لما كان عليه قبل التحريم وهو الإباحة. ب- قتل المشركين كان واجبًا ثم منع لأجل دخول الأشهر الحرم، ثم أمر به عند انسلاخها في قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] . فرجع إلى ما كان عليه قبل المنع وهو الوجوب.

_ (1) "جلاء الأفهام" (217) . (2) انظر: "القواعد والفوائد الأصولية" (165، 166) . (3) انظر: "المسودة" (18) ، و"أضواء البيان" (2/3) ، و"مذكرة الشنقيطي" (193) .

المسألة السابعة: هل يستلزم الأمر الإرادة؟

وهذا المذهب ينتظم جميع الأدلة ولا يرد عليه دليل. قال ابن كثير عند قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] : «وهذا أمر بعد الحظر، والصحيح الذي يثبت على السير أنه يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل النهي: فإن كان واجبًا رده واجبًا، وإن كان مستحبًا فمستحب، أو مباحًا فمباح. ومن قال: إنه على الوجوب ينتقض عليه بآيات كثيرة، ومن قال: إنه للإباحة يرد عليه آيات أخرى. والذي ينتظم الأدلة كلها هذا الذي ذكرناه كما اختاره بعض علماء الأصول. والله أعلم» (1) . المسألة السابعة: هل يستلزم الأمر الإرادة؟ التحقيق في هذه المسألة التفصيل: وذلك أن الإرادة نوعان (2) : 1- إرادة قدرية كونية فهذه هي المشيئة الشاملة لجميع الموجودات، كقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الحج: 14] . وهي لا تستلزم محبة الله ورضاه. 2- إرادة دينية شرعية فهذه متضمنة لمحبة الله ورضاه، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27] . ولكنها قد تقع وقد لا تقع. فأوامر الله سبحانه وتعالى تستلزم الإرادة الشرعية لكنها لا تستلزم الإرادة الكونية؛ فقد يأمر سبحانه بأمرٍ يريده شرعًا وهو يعلم سبحانه أنه لا يريد وقوعه كونًا وقدرًا. والحكمة من ذلك: ابتلاء الخلق وتمييز المطيع من غير المطيع.

_ (1) "تفسير ابن كثير" (2/6، 7) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/131) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (116) ، و"مذكرة الشنقيطي" (190) .

المسألة الثامنة: الأمر بالشيء هل يستلزم النهي عن ضده؟

المسألة الثامنة: الأمر بالشيء هل يستلزم النهي عن ضده؟ لا شك أن الأمر بالشيء ليس هو النهي عن ضده من حيث اللفظ، إذ لفظ الأمر غير لفظ النهي. أما من حيث المعنى فإن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده، فإن قولك: اسكن، مثلاً يستلزم النهي عن الحركة؛ لأنه لا يمكن وجود السكون مع التلبس بضده وهو الحركة، لاستحالة اجتماع الضدين، فالأمر بالشيء أمر بلوازمه وذلك ثابت بطريق اللزوم العقلي لا بطريق قصد الأمر (1) . ذلك أن الآمر بالفعل قد لا يقصد طلب لوازمه وإن كان عالمًا بأنه لا بد من وجودها مع فعل المأمور (2) . تنبيه: هذا القول يختلف عن القول بأن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده؛ لأن مذهب القائلين بأن الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده مبني على أساس فاسد، وهو أن الأمر قسمان: نفسي ولفظي، فباعتبار الأمر النفسي زعموا أن الأمر هو عين النهي عن الضد (3) . المسألة التاسعة: تنبيهات 1- المراد بالأمر الأمر اللفظي الدالة عليه صيغة الأمر «افعل» ؛ ذلك

_ (1) انظر (ص296) وما بعدها من هذا الكتاب. (2) انظر: "المسودة" (49) ، و"مجموع الفتاوى" (20/159 - 166) ، و"مختصر ابن اللحام" (101) ، و"مذكرة الشنقيطي" (28) . (3) انظر: "القواعد والفوائد الأصولية" (183) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/52) ، و"مذكرة الشنقيطي" (27) ، وانظر فيما سبق من هذا الكتاب فيما يتعلق بالكلام النفسي.

لأن كلام الله هو الذي نقرأه بألفاظه ومعانيه، قال تعالى: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ} [التوبة: 6] ، فصرح سبحانه بأن ما يسمع ذلك المشرك المستجير -بألفاظه ومعانيه- هو كلامه تعالى. هذا هو الحق الذي ذهب إليه سلف الأمة في هذه المسألة (1) . وذهب كثير من المتكلمين إلى أن الأمر نوعان: أمر لفظي وهو ما سبق ذكره، وأمر نفسي وهو الكلام القائم بالنفس المجرد عن الألفاظ والحروف. فإثبات هؤلاء الأمر النفسي مبني على إثباتهم للكلام النفسي الباطل، وهذا مخالف للكتاب والسنة واللغة والعرف، كما سبق بيانه (2) . 2- الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا به. وذلك كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين» (3) . فهذا ليس خطابًا من الشارع للصبي ولا إيجابًا عليه، مع أن الأمر واجب على الولي. وقد يدل دليل على أن الأمر بالأمر بالشيء أمر به فيكون ذلك أمرًا به بلا خلاف. وذلك كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مره فليراجعها» (4) . فإن لام الأمر في قوله: «فليراجعها» ، صدرت منه - صلى الله عليه وسلم - متوجهة إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فيكون مأمورًا بلا خلاف (5) . 3- فعل الأمر هل يقتضي الإثابة والإجزاء؟

_ (1) انظر في ذلك: "رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت". للإمام أبي نصر السجزي، وهي من مطبوعات المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. (2) انظر (ص397، 398) من هذا الكتاب. (3) رواه أبو داود (1/133) برقم (495) ، وحسنه الألباني. انظر: "صحيح الجامع" (2/1022) برقم (5868) . (4) قال ذلك - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في شأن طلاق ابنه عبد الله رضي الله عنهما امرأته في الحيض. الحديث أخرجه البخاري (9/345) برقم (5251) ، ومسلم (10/61) . (5) انظر: "روضة الناظر" (2/96) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (190) ، و"مذكرة الشنقيطي" (198) .

الجواب على ذلك أن الإجزاء والإثابة يجتمعان ويفترقان. فالإجزاء: براءة الذمة من عهدة الأمر والسلامة من ذم الرب وعقابه. والإثابة: الجزاء على الطاعة. مثال الإجزاء مع عدم الإثابة: إذا اشتمل الصيام مثلاً على قول الزور والعمل به فتبرأ الذمة ويقع الحرمان من الأجر لأجل المعصية. ومثال الإثابة مع عدم الإجزاء: إذا فعل المأمور به ناقص الشروط والأركان؛ فيثاب على ما فعل ولا تبرأ الذمة إلا بفعله كاملاً بالنسبة للقادر العالم. ومثال اجتماع الإجزاء والإثابة: إذا فعل المأمور به على الوجه الكامل ولم يقترن به معصية تخل بالمقصود. فَعُلم بذلك أن امتثال الأمر على الوجه المطلوب يقتضي الإجزاء دون الثواب (1) . قال ابن تيمية بعد أن ذكر التفصيل السابق: «هذا تحرير جيد: أن فعل المأمور به يوجب البراءة، فإن قارنه معصية بقدره تخل بالمقصود قابل الثواب، وإن نقص المأمور به أثيب ولم تحصل البراءة التامة. فإما أن يعاد، وإما أن يجبر، وإما أن يأثم» (2) . 4- الأمر المطلق بالإتمام أمر بالإتيان بالواجب والمستحب، كقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] . فما كان واجبًا فالأمر به إيجاب، وما كان مستحبًا فالأمر به استحباب (3) .

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/93) ، و"مجموع الفتاوى" (19/303) ، و"مذكرة الشنقيطي" (197) . (2) "مجموع الفتاوى" (19/304) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/291، 292) .

الجانب الثاني: النهي

الجانب الثاني: النهي والكلام على هذا الجانب في ثلاث مسائل: المسألة الأولى: النهي على وزان الأمر قال ابن قدامة: «اعلم أن ما ذكرناه من الأوامر تتضح به أحكام النواهي، إذ لكل مسألة من الأوامر وزان من النواهي على العكس (1) ، فلا حاجة إلى التكرار إلا في اليسير» (2) . وبيان ذلك فيما يأتي (3) : أ- في التعريف فيقال: النهي هو استدعاء الترك بالقول على وجه الاستعلاء. ب- أن الأمر ظاهر في الوجوب مع احتمال غيره، والنهي ظاهر في التحريم مع احتمال غيره. جـ- أن صيغة الأمر افعل، وصيغة النهي لا تفعل. د- أن النهي يلزمه التكرار والفور، والأمر يلزمانه على خلاف فيه. هـ- أن الأمر يقتضي صحة المأمور به، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه. و أن المكلف يخرج عن عهدة التكليف في الأمر بفعله، وفي النهي بتركه.

_ (1) في الروضة: "وعلى العكس" والتصويب من "المستصفى" (513) . (2) "روضة الناظر" (2/111، 112) . (3) انظر: "جماع العلم" (125) ، و"صحيح البخاري" (13/336) ، و"مختصر ابن اللحام" (103) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/77) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (2/111) ، و"مذكرة الشنقيطي" (201) .

المسألة الثانية: أن جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه

المسألة الثانية: أن جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه. وأن جنس ترك المأمور به أعظم من جنس فعل المنهي عنه. وأن المثوبة على أداء الواجبات أعظم من المثوبة على ترك المحرمات. وأن العقوبة على ترك الواجبات أعظم من العقوبة على فعل المحرمات (1) . ومما يدل على ذلك (2) : أ- أن أول ذنب عُصي الله به كان من أبي الجن وأبي الإنس، أبوي الثقلين، وكان ذنب أبي الجن أكبر وأسبق، وهو ترك المأمور به - وهو السجود - إباءً واستكبارًا، وذنب أبي الإنس كان ذنبًا أصغر، وهو فعل المنهي عنه - وهو الأكل من الشجرة - ثم إنه تاب منه. ب- أن ذنب ارتكاب النهي مصدره في الغالب الشهوة والحاجة، وذنب ترك الأمر مصدره في الغالب الكبر والعزة، ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ويدخلها من مات على التوحيد وإن زنى وسرق. جـ- أن المقصود من إرسال الرسل طاعة المُرسل، ولا تحصل إلا بامتثال أوامره، ومن تمام امتثال الأوامر ولوازمها اجتناب النواهي. ولهذا لو اجتنب المناهي ولم يفعل ما أمر به لم يكن مطيعًا وكان عاصيًا، بخلاف ما لو أتى بالمأمورات وارتكب المناهي فإنه وإن عد عاصيًا مذنبًا فإنه مطيع بامتثال الأمر، عاصٍ بارتكاب النهي، بخلاف تارك الأمر فإنه لا يعد مطيعًا باجتناب المنهيات خاصة. د- أن من فعل المأمورات والمنهيات فهو إما ناجٍ مطلقًا إن غلبت حسناته سيئاته، وإما ناج بعد أن يؤخذ منه الحق ويعاقب على سيئاته، فمآله إلى النجاة وذلك بفعل المأمور.

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/85 - 158) ، و"الفوائد" لابن القيم (157 - 169) ، و"عدة الصابرين" (27 - 33) . (2) انظر المصادر السابقة.

المسألة الثالثة: أن النهي يقتضي الفساد

المسألة الثالثة: أن النهي يقتضي الفساد وهذا ما عليه سلف الأمة، لا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات والعقود، ولا بين ما نُهي عنه لذاته أو لغيره، إذ كل نهيٍ للفساد، وهذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين (1) . ومن الأدلة على ذلك: أولاً: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (2) ؛ يعني: مردود كأنه لم يوجد (3) . ثانيًا: أن الصحابة استدلوا على فساد العقود بالنهي عنها (4) ، وهذا أمر مشتهر بينهم من غير نكير فكان إجماعًا (5) . ثالثًا: أن المنهي عنه مفسدته راجحة، وإن كان فيه مصلحة فمصلحته مرجوحة بمفسدته، فما نَهَى الله عنه وحرمه إنما أراد منع وقوع الفساد ودفعه؛ لأن الله إنما ينهى عما لا يحبه، والله لا يحب الفساد، فعُلم أن المنهي عنه

_ (1) انظر: "الرسالة" (347) ، و"روضة الناظر" (2/112) ، و"مجموع الفتاوى" (29/281، 25/282) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/84) ، و"أضواء البيان" (3/172، 173) ، و"مذكرة الشنقيطي" (201) . (2) سبق تخريجه انظر (ص188) من هذا الكتاب. (3) انظر: "روضة الناظر" (2/114) ، و"جامع العلوم والحكم" (1/177) . (4) من الأمثلة على ذلك: أ- احتجاج ابن عمر رضي الله عنهما في فساد نكاح المشركات بقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات} ، وفي نكاح المحرم بالنهي عنه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب» . رواه مسلم (9/193) . ب- استدلالهم على فساد عقود الربا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل» . رواه البخاري (4/379) برقم (2177) ، ومسلم (11/9) . انظر: "روضة الناظر" (2/114) ، و"مجموع الفتاوى" (29/281، 282) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/85، 86) . (5) انظر: "روضة الناظر" (2/114) ، و"مجموع الفتاوى" (29/281، 282) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/85، 86) .

فاسد ليس بصالح (1) . قال ابن تيمية: «ولا يوجد قط في شيء من صور النهي صورة ثبتتْ فيها الصحة بنص ولا إجماع ... » (2) . ويمكن تفصيل قاعدة «النهي يقتضي الفساد» ببيان أقسام المنهي عنه، وذلك على النحو الآتي: ينقسم المنهي عنه أولاً إلى ما نُهي عنه لأجل حق الله، وإلى ما نُهي عنه لأجل حق الآدمي (3) . فالأول: كنكاح المحرمات، وبيع الربا. والثاني: كتحريم الخطبة على الخطبة، وبيع النجش، والكل فاسد، إلا أن القسم الثاني موقوف على إذن المظلوم؛ لأن النهي هنا لحق الآدمي، فلم يجعله الشارع صحيحًا لازمًا كالحلال، بل أثبت حق المظلوم وسلطه على الخيار، فإن شاء أمضى وإن شاء فسخ (4) . وينقسم ثانيًا إلى عبادات ومعاملات، والكل يقتضي الفساد، إلا ما كان من المعاملات من قبيل حق الآدمي فهذا موقوف على إجازة صاحب الحق كما تقدم. وينقسم ثالثًا إلى ما نُهي عنه لذاته، لكونه يشتمل على مفسدة، بمعنى أنه محرم على أي صورة وقع، ولا يمكن أن يكون حلالاً، وذلك كتحريم الخمر والربا. وإلى ما نُهي عنه لسد الذريعة، فهو إن جرد عن الذريعة لم يكن فيه مفسدة. بمعنى أنه محرم على صورة معينة وصفة خاصة، لكن أصل الفعل

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (25/282، 29/282، 283) . (2) "مجموع الفتاوى" (29/283) . (3) ضابط حق الله ما ليس للعبد إسقاطه كالإيمان وتحريم الكفر، وضابط حق العبد ما لو أسقطه لسقط كالديون والأثمان. انظر: "الفروق" (1/140، 141) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (29/283 – 285) ، و"جامع العلوم والحكم" (1/181) وما بعدها.

حلال، وذلك كالنهي عن الصلاة في أوقات النهي، والصوم يوم العيد (1) . ويمكن أن نقول: إن النهي ينقسم إلى ما له جهة واحدة، وإلى ما له جهتان هو من إحداهما مأمور به ومن الأخرى منهي عنه، ومعلوم أن القسم الأول لا خلاف في اقتضائه للفساد. والخلاف في القسم الثاني إنما وقع في انفكاك الجهة: فمن رأى أن الجهة منفكة بمعنى أن الفعل من حيث كونه مأمورًا به قربةٌ، ومن حيث كونه منهيًا عنه معصية، قال: إن النهي لا يقتضي الفساد، ومن رأى أن الجهة واحدة ليست منفكة بمعنى أن الفعل يقع محرمًا ولا يمكن أن يقع قربة، قال: إن النهي يقتضي الفساد والكل متفق على أن المنهي عنه إن كانت جهته واحدة اقتضى الفساد (2) . تنبيه: كون النهي يقتضي الفساد مشروط بأن يتجرد النهي عن القرائن، أما مع وجود القرائن فيختلف الحال؛ إذ يقتضي النهي ههنا ما دلت عليه القرينة، لذا فإن النهي إذا تجرد عن القرائن أفاد التحريم والفساد معًا في آن واحد (3) .

_ (1) انظر: "الرسالة" (343) ، و"مجموع الفتاوى" (29/288) . (2) انظر: "أضواء البيان" (3/171، 172) ، و"مذكرة الشنقيطي" (202) وانظر (ص302، 303) من هذا الكتاب. (3) انظر: "المسودة" (84) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (2/112) .

المطلب الثاني: العام والخاص

المطلب الثاني: العام والخاص وفي هذا المطلب سبع مسائل: المسألة الأولى: تعريف العام. المسألة الثانية: أقسام العام. المسألة الثالثة: صيغ العموم. المسألة الرابعة: دلالة العام بين القطع والظن. المسألة الخامسة: التخصيص. المسألة السادسة: المخصصات. المسألة السابعة: تعارض الخاص والعام.

المسألة الأولى: تعريف العام

المسألة الأولى: تعريف العام العام لغة: الشامل (1) . وفي اصطلاح الأصوليين يمكن تعريفه بأنه: «ما يستغرق جميع ما يصلح له، بحسب وضع واحد، دفعة، بلا حصر» (2) . وفي هذا التعريف النقاط الآتية: أ- أن العام لا بد فيه من الاستغراق، أما ما لا استغراق فيه فلا يدخل تحت العام، كلفظ الرجل إذا أريد به معين فإنه لم يستغرق ما يصلح له؛ إذ لفظ الرجل يصلح للدلالة على جميع الرجال (3) . ب- أن الاستغراق في العام شامل لجميع أفراده في آن واحد، وهذا هو المراد من تقييد العام في التعريف بـ"دفعة" ليخرج بذلك المطلق إذ إن استغراق المطلق بدلي - على سبيل التناوب - لا دفعة واحدة (4) . جـ- أن الاستغراق في العام لا حد ولا حصر له، وبذلك تخرج أسماء الأعداد فإنها محصورة وهذا معنى القيد الوارد في تعريف العام «بلا حصر» (5) . د- أن الاستغراق في العام يتعلق بشيء واحد، فنجد العام يستغرق شيئًا واحدًا، أما المشترك الموضوع لاستغراق عدة أشياء فليس من العام، ولهذا قيد العام بأنه «بحسب وضع واحد» (6) . المسألة الثانية: أقسام العام ينقسم العام إلى أقسام عديدة، وذلك حسب الاعتبارات الآتية:

_ (1) انظر: "المعجم الوسيط" (2/629) . (2) انظر: "نزهة الخاطر العاطر" (2/120) ، و"مذكرة الشنقيطي" (203) . (3) انظر: "نزهة الخاطر العاطر" (2/120) . (4) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (203) . (5) انظر المصدر السابق. (6) انظر المصدر السابق.

1- باعتبار ما فوقه وما تحته ينقسم العام إلى عام لا أعم منه، كالمعلوم والمذكور، فإنه يشمل جميع الموجودات والمعدومات، وإلى عام هو بالنسبة لما تحته أعم، وبالنسبة لما فوقه أخص، كالحيوان فإنه أعم من الإنسان وأخص من النامي. فالأول عام مطلق، والثاني عام نسبي إضافي (1) . 2- باعتبار المراد منه ينقسم العام إلى عام أريد به العام، وإلى عام أريد به الخاص. وقد بوب الشافعي لكل قسم من هذين القسمين، فقال في القسم الأول: «باب بيان ما نزل من الكتاب عامًا يُراد به العام ويدخله الخصوص» (2) ، ومثل له بقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] . فالمراد كل دابة دون استثناء. وقال في القسم الثاني: «باب بيان ما نزل من الكتاب عام الظاهر يراد به كله الخاص» (3) ، ومثل له بقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173] ، فههنا ثلاث صيغ للعمود: الذين، والناس في الموضعين، ومعلوم أنه لا يمكن حمل واحد من هذه الألفاظ على عمومه. وقد يسمى العام الذي أريد به الخصوص مجازًا، بخلاف العام المخصوص؛ لأن الأول نُقل اللفظ فيه عن موضوعه الأصلي بخلاف الثاني (4) . 3- باعتبار تخصيصه ينقسم العام إلى عام محفوظ باقٍ على عمومه لم يدخله تخصيص، وإلى عام مخصوص، قد زال عمومه ودخله التخصيص. مثال القسم الأول: قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] . قال الشافعي: «فهذا عام لا خاص فيه» (5) . ومثال القسم الثاني: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/120) ، و"مذكرة الشنقيطي" (204) . (2) "الرسالة" (53) . (3) "الرسالة" (58) . (4) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/165 – 168) . (5) "الرسالة" (54) .

أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5، 6، والمعارج: 29، 30] . قال الشنقيطي: «إن آية {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ليست باقية على عمومها بإجماع المسلمين؛ لأن الأخت من الرضاع لا تحل بملك اليمين إجماعًا؛ للإجماع على أن عموم {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} يخصصه عموم {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] » (1) . والصحيح: القول بحجية العام بقسميه المحفوظ والمخصوص، فلا فرق بين العام قبل التخصيص والعام بعد التخصيص. والدليل على ذلك تمسك الصحابة رضي الله عنهم بالعمومات، وكثير منها مخصوص، ثم إن إسقاط الاحتجاج بالعام المخصوص يفضي إلى إبطال عمومات القرآن التي دخلها التخصيص (2) . كما أن الأصح في تعارض العام المحفوظ مع العام المخصوص تقديم العام المحفوظ. والحجة في ذلك أن الأول متفق على حجيته وأنه حقيقة، والثاني اختلف في كونه حجة في الباقي بعد التخصيص، والذين قالوا: هو حجة في الباقي. قال جماعة منهم هو: مجاز في الباقي، ومعلوم أن ما اتفق على أنه حجة وأنه حقيقة أولى مما اختلف في حجيته وهل هو حقيقة أو مجاز (3) ؟. وذهب ابن تيمية إلى أن غالب عمومات القرآن محفوظة، وذكر أن من يقول: إن أكثر العمومات مخصوصة مع إثباته للعموم يرد عليه سؤال لا توجيه له، وهو أن يقال: هذا القدر الذي ذكرته إما أن يمنع من الاستدلال بالعموم أو لا، فإن كان مانعًا فهو مذهب منكري العموم، وهو مذهب سخيف لم ينتسب هذا القائل إليه وإن لم يكن مانعًا من الاستدلال فهذا كلام ضائع.

_ (1) "أضواء البيان" (5/762) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/151) ، و"مذكرة الشنقيطي" (214) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (23/210) ، و"أضواء البيان" (5/762) ، و"مذكرة الشنقيطي" (324) .

المسألة الثالثة: صيغ العموم

ثم ذكر رحمه الله أن استقراء آيات القرآن الكريم دال على أن غالب عموماته محفوظة، كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 1] ، فهي شاملة لكل أحد، وقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 3] ، فكل شيء في يوم الدين يملكه (1) . وقد جرى في تعبير بعض أهل العلم أن أكثر العمومات مخصوصة (2) . ويمكن حمل ذلك على أن مرادهم نصوص الأحكام (الأمر والنهي) على وجه الخصوص. وأن مراد ابن تيمية أعم من ذلك؛ لأنه استند إلى الاستقراء التام فيما ذهب إليه، فلا تعارض بين المذهبين بناءً على هذا التفسير. والله أعلم. ومما يجدر التنبيه عليه في هذا المقام: أن المبالغة في القول بأن أكثر العمومات مخصوصة قد يراد بها تضعيف الاستدلال بالعمومات الواردة في الكتاب والسنة، والحكم بتخصيصها بأدلة غير صالحة كالتخصيص بالمعارض العقلي (3) . كما أن المبالغة في القول بأن أكثر العمومات محفوظة قد يراد بها إبطال كثير من المخصصات الصحيحة كخبر الواحد مما يفضي إلى تعطيل العمل بعدد كبير من السنن الآحادية (4) . المسألة الثالثة: صيغ العموم (المراد بصيغ العموم الألفاظ الدالة على الشمول والاستغراق في

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (6/441 - 445) . (2) انظر على سبيل المثال: "روضة الناظر" (2/151، 159، 166) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/187) ، و"مذكرة الشنقيطي" (214) . (3) انظر (ص83) من هذا الكتاب فيما يتعلق بمذهب القائلين بتقديم المعارض العقلي على النصوص. (4) انظر (ص 432) من هذا الكتاب فيما يتعلق بمذهب القائلين بعدم تخصيص العام وما تم نقله عن ابن تيمية في الرد عليهم.

وضع لغة العرب، وهذا ما يمكن أن يسمى بالعموم اللفظي أو ألفاظ العموم. (ومذهب السلف (1) أن للعموم ألفاظًا تخصه (2) . ومن الأدلة على ذلك: أولاً: أن الصحابة رضي الله عنهم أجروا ألفاظ الكتاب والسنة على العموم إلا ما دل على تخصيصه دليل، فإنهم كانوا يطلبون دليل الخصوص لا دليل العموم، وكانوا يفهمون العموم من صيغته، فكان هذا إجماعًا منهم (3) . ثانيًا: أن إنكار صيغ العموم يؤدي إلى اختلال أوامر الشرع العامة كلها؛ إذ لا يصح الاحتجاج بلفظ عام؛ لأن كل واحد يمكنه أن يقول: ليس في هذا اللفظ دلالة على أني مراد به، فبذلك تبطل دلالة الكتاب والسنة وهذا معلوم

_ (1) قال ابن تيمية: «وأما العموم اللفظي فما أنكره أيضًا إمام ولا طائفة لها مذهب مستقر في العلم، ولا كان في القرون الثلاثة من ينكره. وإنما حدث إنكاره بعد المائة الثانية وظهر بعد المائة الثالثة. وأكبر سبب إنكاره إما من المجوزين للعفو من أهل السنة، أو من أهل المرجئة من ضاق عطنه لما ناظره الوعيدية بعموم آيات الوعيد وأحاديثه فاضطره ذلك إلى أن جحد العموم في اللغة والشرع، فكانوا فيما فروا إليه من هذا الجحد كالمستجير من الرمضاء بالنار» . "مجموع الفتاوى" (6 / 440، 441) ، وانظر (12/481 - 484) منه. (2) انظر: "قواطع الأدلة" (1/292) ، و"روضة الناظر" (2/123) ، و"مختصر ابن اللحام" (106) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/108) . (3) من الأمثلة على ذلك ما ذكره ابن قدامة في: "الروضة" (2/129) فمن ذلك: أ- لما نزل قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} [النساء: 95] . قال ابن أم مكتوم: إني ضرير البصر فنزل: {غير أولى الضرر} [النساء: 95] . ففهم الضرير وغيره من عموم اللفظ. رواه البخاري (8/259) برقم (4592، 4593، 4594) . ب- ولما نزل: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون} [الأنبياء: 98] . قال ابن الزبعري: لأخصمن محمدًا. فقال له: قد عُبدت الملائكة والمسيح، أفيدخلون النار؟ فنزل: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101] . فعقل العموم ولم ينكر عليه حتى بين الله تعالى المراد من اللفظ. أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي. انظر: "المستدرك" (2/385) . جـ- ولما سمع عثمان بن مظعون قول لبيد: وكل نعيم لا محالة زائل، قال له: كذبت إن نعيم الجنة لا يزول. انظر: "الإصابة" (2/457) .

فساده يقينًا (1) . ثالثًا: أن صيغ العموم يحتاج إليها في كل لغة، واللغة موضوعة للإبانة عما في النفوس، والمتكلم يحتاج إلى البيان عن المسمى الخاص والعام، فمن البعيد جدًا أن يغفل جميع الخلق عن هذه الصيغ فلا يضعونها ولا يستعملونها مع الحاجة الشديدة إليها (2) . (أما صيغ العموم التي تفيد العموم بوضع اللغة فهي خمسة أقسام (3) : القسم الأول: كل اسم عرف بالألف واللام غير العهدية، وذلك يشمل أنواعًا ثلاثة: أ- ألفاظ الجموع؛ كالمسلمين والمشركين. ب- أسماء الأجناس؛ كالناس والحيوان. جـ- لفظ الواحد؛ كالسارق والإنسان. القسم الثاني: ما أضيف من هذه الأنواع الثلاثة المتقدمة في القسم الأول إلى معرفة، مثل: مال زيد، عبيد زيد. القسم الثالث: أدوات الشرط، مثل: "من" للعاقل: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] ، ومثل: "ما" لما لا يعقل: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ} [البقرة: 197] ، ومثل: "أي": «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» (4) ، وهذه الأدوات الثلاث تعم مطلقًا، سواء كان شروطًا، أو موصولات، أو استفهامية. القسم الرابع: كل وجميع، كقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185، العنكبوت: 57] . القسم الخامس: النكرة في سياق النفي، كقوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255] .

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/132) . (2) انظر المصدر السابق (2/130) . (3) انظر المصدر السابق (2/123، 124) ، و"بدائع الفوائد" (4/2، 3) ، و"مذكرة الشنقيطي" (204 - 207) . (4) سبق تخريجه انظر (ص386) من هذا الكتاب.

(ومما يفيد العموم عرفًا لا وضعًا: الخطاب الموجه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إذ الأصل العموم والأسوة ما لم يرد دليل على التخصيص. ومن أجل ذلك فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يرجعون إلى أفعاله - صلى الله عليه وسلم - فيما يختلفون فيه من الأحكام (1) . قال ابن تيمية: «ولهذا كان جمهور علماء الأمة على أن الله إذا أمره بأمر أو نهاه عن شيء كانت أمته أسوة له في ذلك، ما لم يقم دليل على اختصاصه بذلك» (2) . (واختلف في دخول النساء في الخطاب العام (3) ؟ وتفصيل ذلك أن هذه المسألة لها طرفان متفق عليهما، وواسطة مختلف فيها. فالطرف الأول: أن النساء يدخلن اتفاقًا في الخطاب العام الذي يشمل الرجال والنساء معًا، مثل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} ، وأدوات الشرط مثل: "من". والطرف الثاني: أن النساء لا يدخلن اتفاقًا في لفظ الرجال ونحوه مما يختص بهم. والواسطة المختلف فيها: الجموع المذكرة، الظاهرة والمضمرة، نحو: "المؤمنين"، "كلوا واشربوا". وهذا الخلاف - عند التحقيق - يرجع إلى اللفظ؛ إذ الجميع متفقون على دخول النساء في عموم الأحكام الشرعية ما لم يرد في ذلك تخصيص، إلا أن البعض جعل دخولهن مستفادًا من لغة العرب لكونها تغلب المذكر على المؤنث في الخطاب، والبعض الآخر جعل دخولهن مستفادًا من عرف الشارع ومن الأدلة الدالة على استواء الفريقين في الأحكام. (واختلف في دخول العبد في الخطاب العام (4) ؟

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (15/446، 14/273 - 275) ، و"زاد المعاد" (3/307) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/218، 221) ، و"مذكرة الشنقيطي" (210) . (2) "مجموع الفتاوى" (22/322) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (6/437 - 439) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/334) ، و"مذكرة الشنقيطي" (212) . (4) انظر: "روضة الناظر" (2/147، 148) ، و"مذكرة الشنقيطي" (211) .

المسألة الرابعة: دلالة العام بين القطع والظن

والصحيح: أنه يدخل في عموم الخطاب إلا ما استثناه الدليل. لأن العبد داخل ضمن الأمة، وهو مكلف، فلا يخرج من هذا العموم بلا دليل. وسقوط بعض التكاليف عنه لا يوجب إخراجه من العموم؛ فهو في ذلك كالمريض والمسافر والحائض. (وإذا ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - السؤال عن تفاصيل واقعةٍ، ما دل عدم السؤال على عموم حكمها؛ كتركه - صلى الله عليه وسلم - سؤال من أسلم على عشرة نسوة (1) : هل عقد عليهن معًا أو مرتبًا؟ فدل على عدم الفرق (2) . وقد عبر الإمام الشافعي عن هذه القاعدة بقوله: «ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، ويحسن بها الاستدلال» (3) . المسألة الرابعة: دلالة العام بين القطع والظن اتفق العلماء على أن دلالة العام قطعية على أصل المعنى. واختلفوا في

_ (1) رواه ابن ماجه في "سننه" (1/628) برقم (1953) ، والترمذي (3/435) برقم (1128) ولفظه: «أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتخير أربعًا منهن» قال الترمذي: والعمل على حديث غيلان بن سلمة عند أصحابنا منهم الشافعي وأحمد وإسحاق. (2) انظر: "القواعد والفوائد الأصولية" (234، 235) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/171 - 174) ، و"أضواء البيان" (5/100، 581، 6/516، 547) . (3) وقد نقل عنه قول آخر، يخالف هذا القول هو: «حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط منها الاستدلال» . وقد استشكل ذلك بعض العلماء، وجعلهما بعضهم قولين للشافعي، وجمع بعضهم بين القولين بأن الاحتمال إذا كان قريبًا سقط به الاستدلال، وإذا كان بعيدًا فلا يسقط. انظر: "القواعد والفوائد الأصولية" (234، 235) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/172 - 174) .

دلالته على أفراده على قولين (1) : القول الأول: أن دلالة العام على أفراده ظنية ظاهرة. القول الثاني: أن دلالة العام على أفراده قطعية. وسواء قيل بقطعية العام أو ظنيته في الدلالة على أفراده، فإن الأمر لا يختلف إذا حصل الاتفاق على القواعد الآتية: (القاعدة الأولى: وجوب حمل الألفاظ العامة وإجرائها على العموم، واعتقاد عمومها في الحال من غير بحث عن مخصص. قال الشنقيطي: «حاصله: أن التحقيق ومذهب الجمهور وجوب اعتقاد العموم والعمل به من غير توقف على البحث عن المخصص؛ لأن اللفظ موضوع للعموم فيجب العمل بمقتضاه، فإن اطلع على مخصص عمل به» (2) . (القاعدة الثانية: وجوب العمل بدليل التخصيص إذا ظهر، والواجب في هذه الحالة إهدار دلالة العام على صورة التخصيص (3) . (القاعدة الثالثة: شرط العمل بدليل التخصيص أن يكون هذا الدليل صحيحًا، ولا يشترط فيه أن يكون مساويًا أو أقوى رتبة من العام؛ إذ التخصيص بيان، والبيان يجوز أن يكون أضعف رتبة من المبين فيجوز تخصيص الكتاب بالسنة والمتواتر بالآحاد (4) . (القاعدة الرابعة: وجوب العمل باللفظ العام - بعد التخصيص - فيما بقي منه والاحتجاج به فيما عدا صورة التخصيص؛ إذ لا فرق بين العام قبل التخصيص وبعده من حيث وجوب العمل (5) .

_ (1) انظر: "مختصر ابن اللحام" (106) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/114) . (2) "مذكرة الشنقيطي" (217) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (6/442) . (4) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (222) وانظر (ص249) من هذا الكتاب. (5) ويظهر الفرق بينهما إذا وجد التعارض كما سبق بيانه انظر (ص 414) من هذا الكتاب.

المسألة الخامسة: التخصيص

المسألة الخامسة: التخصيص (أولاً: تعريف التخصيص: التخصيص هو: «قصر العام على بعض أفراده، بدليل يدل على ذلك» (1) . ثانيًا: حكمه: الإجماع منعقد على جواز تخصيص العموم من حيث الجملة (2) . قال ابن قدامة: «لا نعلم اختلافًا في جواز تخصيص العموم» (3) . ثالثًا: شرطه: القاعدة العامة في التخصيص: أنه لا يصح إلا بدليل صحيح (4) . قال الشيخ الشنقيطي" «وقد تقرر في الأصول أنه لا يمكن تخصيص العام إلا بدليل يجب الرجوع إليه، سواء كان من المخصصات المتصلة أو المنفصلة» (5) . رابعًا: أثره: يجب العملُ بالدليل المخصص - إذا صح - في صورة التخصيص وإهدارُ دلالة العام عليها، ولا يجوز - والحالة كذلك - حمل اللفظ العام وإبقاؤه على عمومه. بل تبقى دلالة العام قاصرة على ما عدا صورة التخصيص (6) . (خامسًا: الفرق بين التخصيص والنسخ (7) . وذلك من وجوه:

_ (1) انظر: "مذكرة الشنقيطي" (218) . (2) وذلك عند المثبتين لصيغ العموم. (3) "روضة الناظر" (2/159) ، وانظر: "إعلام الموقعين" (2/318) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (6/442) . (5) "أضواء البيان" (5/78) . (6) انظر: "روضة الناظر" (2/151) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/160) . (7) انظر: "روضة الناظر" (1/197، 198) ، "وقواعد الأصول" (59) ، و"مذكرة الشنقيطي" (68، 69) .

الأول: أن التخصيص بيان أن ما خرج بالتخصيص - وهو المخصوص - غير مراد باللفظ أصلاً، والنسخ إخراج ما أريد باللفظ الدلالة عليه (1) . الثاني: أن النسخ يشترط فيه التراخي بين الناسخ والمنسوخ، أما التخصيص فيجوز فيه اقتران المخصص بالعام، وذلك كالتخصيص بالاستثناء والشرط. الثالث: أن النسخ يدخل في الشيء الواحد، أما التخصيص فلا يدخل إلا في عام له أفراد متعددة يخرج بعضها بالمخصص ويبقى بعضها الآخر. الرابع: أن النسخ لا يكون إلا بخطاب جديد، والتخصيص قد يقع بغير خطاب، كالتخصيص بالعقل وبالعرف المقارن للخطاب. الخامس: أن النسخ لا يدخل في الأخبار وإنما هو في الإنشاء فقط، بخلاف التخصيص فإنه يكون في الإنشاء وفي الخبر. السادس: أن النسخ لا يبقى معه للفظ المنسوخ دلالة على ما تحته، فهو كالذي لم يوجد أصلاً، أما التخصيص فتنتفي معه دلالة العام على صورة التخصيص فقط وتبقى دلالته على ما عداها. السابع: وهو خاص بالفرق بين التخصيص والنسخ الجزئي، وقد بينه الشيخ الشنقيطي فقال رحمه الله: «اعلم أن التخصيص إن لم يرد فيه المخصص - بالكسر - إلا بعد العمل بالعام، والتقييد إن لم يرد فيه المقيد - بالكسر - إلا بعد العمل بالمطلق، فكلاهما حينئذٍ نسخ (2) . ولا يجوز أن يكونا تخصيصًا وتقييدًا؛ لأن التخصيص والتقييد بيان، والبيان لا يجوز تأخيره عن وقت العمل، فلما تأخر تعين كونه نسخًا» (3) .

_ (1) وهذا معنى قول الأصوليين: «التخصيص دفع والنسخ رفع، والدفع أسهل من الرفع» . انظر في ذلك: "النقص من النص" للدكتور عمر بن عبد العزيز ضمن مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، عدد (77، 78) (ص29) . (2) أي: نسخ جزئي. (3) "مذكرة الشنقيطي" (70) .

المسألة السادسة: المخصصات

المسألة السادسة: المخصصات المخصصات هي أدلة التخصيص، وهي على نوعين (1) : (النوع الأول: المخصصات المنفصلة. مثل: الحس، والعقل، والإجماع، وقول الصحابي، والقياس، والمفهوم، والنص. والمراد بالمخصص المنفصل: ما يستقل بنفسه دون العام، وذلك بألا يكون مرتبطًا بكلام آخر. (النوع الثاني: المخصصات المتصلة. مثل: الاستثناء، والشرط، والصفة، والغاية، والبدل. والمراد بالمخصص المتصل: ما لا يستقل بنفسه، بل هو مرتبط بكلام آخر. وفيما يأتي تنبيهات مهمة على أدلة التخصيص. 1- مثال التخصيص بالحس قوله تعالى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] ، فإن الذي يتتبع أقطار الدنيا يشاهد بالحس أن بعض الأشياء لم تؤتها ملكة سبأ كعرش سليمان عليه الصلاة والسلام. وقد يعترض على هذا المثال وغيره بأمرين (2) : الأول: أنه من العام الذي أريد به الخصوص. الثاني: أن ما خرج بالحس لم يدخل أصلاً. 2- دليل العقل ضربان: أحدهما: ما يجوز ورود الشرع بخلافه وهو ما يقتضيه العقل من براءة الذمة فهذا لا يجوز التخصيص به.

_ (1) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/277) وما بعدها، و"مذكرة الشنقيطي" (218) وما بعدها. (2) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/278، 279) ، و"مذكرة الشنقيطي" (220) . وانظر في التنبيه التالي مزيد بيان لهذين الاعتراضين.

لأن ذلك إنما يستدل به عند عدم الشرع، أما إذا ورد الشرع فيسقط به الاستدلال ويصير الحكم للشرع. والثاني: ما لا يجوز ورود الشرع بخلافه، مثل ما دل عليه العقل من نفي كون صفات الله سبحانه مخلوقه، فيجوز التخصيص بهذا، كقوله تعالى: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] . فالمراد أن الله خالق كل شيء ما عدا صفاته؛ لأن العقل قد دل على أنه تعالى لا يجوز أن يخلق صفاته. ويمكن أن يعترض على هذا المخصص أولاً: بأن ما دل العقل على خروجه لا يدخل تحت العموم ابتداء (1) . قال الشافعي بعد قوله تعالى: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] : «فهذا عام لا خاص فيه، فكل شيء من سماء وأرض وذي روح وغير ذلك فالله خلقه» (2) . ويمكن أن يعترض عليه ثانيًا: بأن هذا من قبيل العام الذي أريد به الخصوص (3) . وإذا اتفق على المعنى فالنزاع لفظي (4) . 3- المراد بالتخصيص بالإجماع: مستند الإجماع لا نفس الإجماع (5) . 4- المراد بقول الصحابي الذي يخصص العموم باتفاق: ما كان له حكم الرفع وذلك فيما لا مجال للرأي فيه. أما تخصيص العموم بقول الصحابي عند القائلين به ففيه خلاف (6) .

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/112) ، و"روضة الناظر" (2/159) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/280) . (2) "الرسالة" (54) . (3) انظر: "نزهة الخاطر العاطر" (2/160) . وقال ابن اللحام: "يجوز التخصيص بالعقل عند الأكثر. والنزاع لفظي". "المختصر" (122) . (4) انظر: "قواطع الأدلة" (1/361) . (5) انظر: "مختصر ابن اللحام" (123) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/369) ، و"مذكرة الشنقيطي" (220) ، وانظر (ص 248) من هذا الكتاب فيما يتعلق بالنسخ بالإجماع. (6) انظر: "روضة الناظر" (2/168) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (296) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/375) ، و"مذكرة الشنقيطي" (165، 223) .

5- القياس إن كان مقطوعًا به جاز التخصيص به بلا إشكال. أما إن كان القياس ظنيًا فيحتمل التخصيص؛ لأن كون صورة التخصيص مرادة باللفظ العام غير مقطوع به، والقياس يدل على أنها غير مرادة، وهذا مذهب الجمهور، ويحتمل عدم التخصيص لأن العموم أعلى رتبة من القياس؛ إذ العموم أصل والقياس فرع (1) . 6- المفهوم إن كان مفهوم موافقة فالتخصيص به جائز قطعًا؛ لأن دلالته قطعية، أما إن كان مفهوم مخالفة فيحتمل تقديم المفهوم لكونه دليلاً خاصًا والخاص مقدم على العام، ويحتمل تقديم العموم عند من لا يحتج بالمفهوم أو من يرى أن العموم أقوى منه دلالة (2) . 7-يجوز التخصيص بالكتاب وبالسنة بأنواعها: القولية، والفعلية، والإقرارية. لا فرق في ذلك بين الكتاب والسنة؛ فيجوز تخصيص الكتاب بالسنة والعكس، ولا فرق في ذلك أيضًا بين المتواتر والآحاد؛ فيجوز تخصيص المتواتر بخبر الواحد (3) . قال الشيخ الشنقيطي: «واعلم أن التحقيق أنه يجوز تخصيص المتواتر بأخبار الآحاد؛ لأن التخصيص بيان. وقد قدمنا أن المتواتر يبين بالآحاد، قرآنًا أو سنة. كما أن التحقيق أيضًا: جواز تخصيص السنة بالكتاب كما ذكرنا، خلافًا لمن منعه محتجًا بقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . ومن الحجة عليه {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] » (4) . 8- الاستثناء (5) يكون مخصصًا بالشروط الآتية:

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/169 - 172) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/377 - 381) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/167) ، و"مجموع الفتاوى" (31/106 - 108، 141) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/366 - 369) . (3) انظر: "روضة الناظر" (2/161) وما بعدها، و"شرح الكوكب المنير" (3/359) وما بعدها، و"مذكرة الشنقيطي" (221 - 223) . (4) "مذكرة الشنقيطي" (222) . (5) الاستثناء في اصطلاح الأصوليين والنجاة: "كلام ذو صيغ محصورة يدل على أن المذكور فيه لم يرد بالقول الأول"، وقيل: هو "الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها لما كان داخلاً أو منزلة الداخل". انظر: "روضة الناظر" (2/174) ، و"المسودة: (154) ، و"شرح الأشموني" (2/141) . وقد نبه ابن تيمية إلى أن الاستثناء في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة وفي عرف الفقهاء أعم من ذلك إذ يشمل الاشتراط بالمشيئة وغيره. انظر: "المسودة" (154) .

أ- أن يكون الاستثناء والمستثنى منه في كلام واحد متصل بعضه ببعض، بحيث لا يفصل بينهما فاصل من كلام أجنبي أو سكوت طويل يمكن الكلام فيه. ذلك لأن الاستثناء جزء من الكلام يحصل به الإتمام، فإذا وجد فاصل لم يكن إتمامًا (1) . ب- أن يكون الاستثناء متصلاً، وهو: أن يكون ما بعد "إلا" بعضًا مما قبلها، وأن يحكم عليه بنقيض ما حُكم به على ما قبلها (2) ؛ لأن التخصيص إنما يكون في الاستثناء المتصل دون المنقطع (3) . جـ- أن يكون المستثنى أقل من النصف، فلا يجوز -على الراجح- استثناء النصف ولا استثناء الأكثر منه، وهذا ما نقل عن أهل اللغة (4) . 9- إذا تعقب الاستثناء جملاً متعاطفة بالواو (5) فهل يرجع إلى جميع

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/177) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/297) ، و"مذكرة الشنقيطي" (226) ، وانظر (ص377) من هذا الكتاب فيما يتعلق بالقرينة المتصلة. (2) أما الاستثناء المنقطع، فهو: أن تحكم على ما بعد إلا - وهو ليس بعضًا مما قبلها - بنقيض ما حُكم به على ما قبلها، أو تحكم على ما بعد إلا - وهو بعضٌ مما قبلها - بغير نقيض ما حُكم به على ما قبلها. مثال الأول: رأيت إخوتك إلا ثوبًا. والثاني مثل: رأيت إخوتك إلا زيدًا لم يسافر. انظر: "الاستغناء في الاستثناء" (447) ، و"شرح الأشموني مع حاشية الصبان" (2/142، 143) . (3) سواء قيل بصحة الاستثناء المنقطع أو ببطلانه، وأنه حقيقة أو مجاز. انظر: "روضة الناظر" (2/179) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/286) ، و"مذكرة الشنقيطي" (226) . (4) انظر: "روضة الناظر" (2/181) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/306) ، و"مذكرة الشنقيطي" (227) . (5) وهل هناك فرق بين العطف بالواو وغيرها؟ قال ابن تيمية: "موجب ما ذكره أصحابنا وغيرهم أنه لا فرق بين العطف بالواو أو بالفاء أو بثم؛ على عموم كلامهم". "القواعد والفوائد الأصولية" (259) . وانظر: (258) منه، و"مذكرة الشنقيطي" (231) .

الجمل كما ذهب إلى ذلك الجمهور، أو يرجع إلى الجملة الأخيرة كما ذهب إلى ذلك البعض (1) . وهذا الخلاف فيما إذا تجرد الاستثناء عن القرائن وأمكن عوده إلى الجملة الأخيرة وإلى الجميع. أما إن قام دليل اقتضى عوده إلى الأولى فقط أو إلى الأخيرة فقط أو إلى كل منها فلا خلاف في العود إلى ما قام له الدليل (2) . وقد اختار الشيخ الشنقيطي أن الأظهر الوقف حتى يعلم الدليل، ثم إنه قال: «ولا يبعد أنه إن تجرد من القرائن والأدلة كان ظاهرًا في رجوعه للجميع» (3) . واستدل رحمه الله لما ذهب إليه بقوله: «إن استقراء القرآن يدل على أن الصواب في رجوع الاستثناء لجميع الجمل المتعاطفة قبله أو بعضها يحتاج إلى دليل منفصل. لأن الدليل قد يدل على رجوعه للجميع أو لبعضها دون بعض، وربما دل الدليل على عدم رجوعه للأخيرة التي تليه. وإذا كان الاستثناء ربما كان راجعًا لغير الجملة الأخيرة التي تليه تبين أنه لا ينبغي الحكم برجوعه إلى الجميع إلا بعد النظر في الأدلة ومعرفة ذلك منها، وهذا القول –الذي هو الوقف عن رجوع الاستثناء إلى الجميع أو بعضها المعين دون بعض إلا بدليل– مروي عن ابن الحاجب من المالكية (4) ، والغزالي من الشافعية (5) ، والآمدي من الحنابلة (6) .

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/185) ، و"مجموع الفتاوى" (31/167) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (257) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/312) وما بعدها. (2) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/315 – 320) . (3) "أضواء البيان" (6/92) . (4) انظر: "مختصر المنتهى" (2/139) ، وقد ذكر العضد الإيجي في شرحه للمختصر أن مذهب ابن الحاجب يرجع إلى الوقف. انظر: "شرح العضد" (2/140) . (5) انظر: "المستصفى" (368) . (6) كان الآمدي حنبليًا ثم صار من أئمة الشافعية وترك مذهب الحنابلة في وقت مبكر من حياته. انظر: "طبقات الشافعية" لابن السبكي (5/129) . وانظر رأي الآمدي في هذه المسألة في: "الإحكام" (2/300) .

واستقراء القرآن يدل على أن هذا القول هو الأصح» (1) . ثم ذكر رحمه الله أمثلة على هذا الاستقراء فمن ذلك (2) : أ- قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] . فالاستثناء راجع للدية فهي تسقط بتصدق مستحقها بها، ولا يرجع لتحرير الرقبة قولاً واحدًا؛ لأن تصدق مستحق الدية بها لا يسقط كفارة القتل خطأ. ب- قوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا} [النساء: 83] ، فالاستثناء ليس راجعًا للجملة الأخيرة {وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} ؛ لأن فضل الله ورحمته يمنع اتباع الشيطان بالكلية فلا يحتاج إلى استثناء قليل ولا كثير. جـ- قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 4، 5] ، فالاستثناء لا يرجع لقوله: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ؛ لأن القاذف إذا تاب لا يسقط بتوبته حد القذف. وبهذا الاستقراء يتبين أن الاستثناء الآتي بعد الجمل المتعاطفة قد يعود إليها جميعًا، وقد يعود إلى الجملة الأخيرة دون ما قبلها، وهذا إنما يعرف بأدلة منفصلة. إلا أن الغالب على الكتاب والسنة وكلام العرب رجوع الاستثناء إلى جميع الجمل. قال ابن تيمية: «بل من تأمل غالب الاستثناءات الموجودة في الكتاب والسنة التي تعقبت جملاً وجدها عائدة إلى الجميع. هذا في الاستثناء، فأما في الشروط والصفات فلا يكاد يحصيها إلا الله. وإذا كان الغالب على الكتاب والسنة وكلام العرب عود الاستثناء إلى جميع

_ (1) "أضواء البيان" (5/766) . وانظر منه (6/89 – 92) . (2) انظر: "أضواء البيان" (5/766 – 768) ، و"دفع إيهام الاضطراب" (76 – 79) .

الجمل فالأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب» (1) . فيحصل مما سبق نظران: النظر الأول باعتبار الأصل: فالاستثناء بهذا الاعتبار قد يعود إلى جميع الجمل وقد يعود إلى بعضها، وهذا مما يفتقر إلى أدلة خارجية. وذلك ما ذكره الشنقيطي واستدل له بالاستقراء التام. النظر الثاني باعتبار الغالب وعرف الشارع: فالاستثناء بهذا الاعتبار يعود إلى جميع الجمل. وذلك ما ذكره ابن تيمية واستدل له بغالب استعمال الشارع. وقد جمع بين هذين النظرين والتفت إلى هذين الاعتبارين القول بأن الاستثناء بعد الجمل يعود إليها جميعًا بشرطين (2) : الأول: أن يصلح عوده إلى كل واحدة منها. الثاني: ألا يوجد مانع يمنع من ذلك. وهذا - عند التحقيق - مذهب الجمهور، وإليه أشار ابن النجار الفتوحي بقوله: «أما كون الاستثناء إذا تعقب جملاً يرجع إلى جميعها بالشروط المذكورة فعند الأئمة الثلاثة وأكثر أصحابهم» (3) . 10- الشرط والصفة والبدل والغاية كلها من المخصصات المتصلة، وحكمها حكم الاستثناء. إذ الجميع جزء من الكلام لا يتم الكلام إلا به، والجميع يغير الكلام عما كان يقتضيه لولاه (4) . وقد تقدم بيان أن الكلام المتصل يقيد أوله آخره، كما تقدم أيضًا نقل كلام ابن تيمية في هذه المسألة (5) .

_ (1) "مجموع الفتاوى" (31/167) . (2) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/312) ، وقد تقدمت الإشارة إلى هذين الشرطين ضمن تحرير محل النزاع انظر (ص426) من هذا الكتاب. (3) "شرح الكوكب المنير" (3/313) . (4) انظر: "روضة الناظر" (2/190) . (5) انظر (ص 376، 377) من هذا الكتاب.

المسألة السابعة: تعارض الخاص والعام

والمقصود بالشرط ههنا الشرط اللغوي (1) ، مثل قوله تعالى: {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] (2) . والمراد بالصفة هنا ما هو أعم من الصفة المعروفة عند النحاة، بل الصفة هي ما أشعر بمعنى يتصف به أفراد العام سواء كان الوصف نعتًا، أو عطف بيان، أو حالاً، مثل قوله تعالى: من فتياتكم المؤمنات} [النساء: 25] (3) . ومثال البدل -بدل البعض من الكل- قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] (4) . والمراد بالغاية: أن يأتي بعد اللفظ العام حرف من أحرف الغاية مثل: "حتى"، كما في قوله سبحانه: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] (5) . المسألة السابعة: تعارض الخاص والعام صورة هذه المسألة: أن يرد الخاص مخالفًا للعام في الحكم؛ بحيث يلزم من العمل بأحدهما إلغاء الآخر، فيكون العمل بهما معًا في آنٍ واحد متعذرًا. مثال ذلك: قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] فإنه خاص، مع قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] فإنه عام. أما إذا ورد الخاص موافقًا للعام بمعنى أنه قد أفرد فرد من أفراد العام بالذكر فإن الخاص - والحالة كذلك - لا يخصص العام. ذلك أن تخصيص الخاص بالذكر لا يمنع شمول العام لغيره، إذ تخصيص الخاص بالذكر قد يكون لمزية فيه اقتضت النص عليه.

_ (1) انظر أقسام الشرط فيما تقدم (316) من هذا الكتاب. (2) انظر: "روضة الناظر" (2/190) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/340) ، و"مذكرة الشنقيطي" (218) . (3) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/347) ، و"مذكرة الشنقيطي" (218) . (4) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/354) ، و"مذكرة الشنقيطي" (218، 219) . (5) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/349) ، و"مذكرة الشنقيطي" (218) .

ثم إنه لا تعارض بين الخاص والعام، والعمل بهما معًا ممكن، فالمصير إليه أولى (1) . مثال ذلك قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} [الأنعام: 151] . فتخصيص النهي عن القتل حال الفقر بالذكر وقع للحاجة إلى معرفته مع كون المسكوت عنه أولى بالحكم وهو القتل مع الغنى واليسار (2) . فالحاصل: أن ذكر الخاص بعد العام قد يكون لنكتة اقتضت تخصيصه بالذكر كما في المثال السابق، وقد يكون لبيان اختصاص المذكور بالحكم ونفيه عما عداه كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «في سائمة الغنم الزكاة» (3) ، إذ تخصيص وجوب الزكاة بسائمة الغنم يدل على أن هذا الحكم خاص بها وأن المعلوفة غير السائمة لا زكاة فيها، وهذا ما يعرف بمفهوم المخالفة كما سيأتي بيانه (4) . وأما إذا ورد الخاص مخالفًا للعام -وهو المقصود بحثه في هذه المسألة- فلا يخلو المقام من الأحوال الآتية (5) : أن يُعلم التاريخ فيعلم: اقتران الخاص بالعام. أو يعلم تقدم العام وتأخر الخاص عنه. أو يعلم تقدم الخاص وتأخرُ العام عنه. أو لا يعلم التاريخ فلا يعلم تقدم أحدهما على الآخر. وعلى كل فإن العام - في جميع الأحوال السابقة - يحمل على الخاص، بمعنى أن الخاص يقدم على العام ويخصصه، ويبقى العام على عمومه فيما

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (17/506) ، و"بدائع الفوائد" (2/217) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/386، 387) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (21/209) . (3) رواه البخاري بمعناه: (3/317) برقم (1454) ، من كتاب أبي بكر رضي الله عنه، ولفظه: "وفي صدقة الغنم في سائمتها". (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (15/446) وانظر (ص 458، 459) من هذا الكتاب. (5) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/382) .

عدا صورة التخصيص. هذا هو مذهب الجمهور، وعلى ذلك نهج الصحابة رضي الله عنهم والتابعون (1) . ومن الأدلة على تقديم الخاص على العام مطلقًا في جميع الأحوال: أولاً: أن في تقديم الخاص عملاً بكلا الدليلين، فالخاص يعمل به كاملاً، وذلك في صورة التخصيص، والعام يعمل ببعضه وذلك فيما عدا صورة التخصيص. بخلاف تقديم العام على الخاص؛ فإنه عمل بأحد الدليلين وهو العام، وإهدار للآخر وهو الخاص. والعمل بكلا الدليلين – ولو من بعض الوجوه – أولى من العمل بأحدهما وإهمال الآخر (2) . يقول ابن تيمية: «ومعلوم من الأصول المستقرة إذا تعارض الخاص والعام فالعمل بالخاص أولى؛ لأن ترك العمل به إبطال له وإهدار، والعمل به ترك لبعض معاني العام» (3) . ثانيًا: أن الظاهر والغالب فيما إذا ورد عام وخاص أن المراد بالعام ما عدا الخاص (4) . قال ابن تيمية: «وليس استعمال العام وإرادة الخاص ببدع في الكلام؛ بل هو غالب كثير» (5) . وقال ابن القيم: «والنص العام لا يتناول مورد الخاص ولا هو داخل تحت لفظه، ولو قدر صلاحية لفظه له فالخاص بيان لعدم إرادته، فلا يجوز تعطيل حكمه وإبطاله، بل يتعين إعماله واعتباره، ولا تضرب أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضها ببعض. وهذه القاعدة أولى من القاعدة التي تتضمن إبطال إحدى السنتين وإلغاء

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/107) ، و"روضة الناظر" (2/161) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/382) ، و"مذكرة الشنقيطي" (222) . (2) انظر: "إعلام الموقعين" (2/343) . (3) "مجموع الفتاوى" (21/552) . (4) انظر: "نزهة الخاطر العاطر" (2/165) . (5) "مجموع الفتاوى" (21/552) .

أحد الدليلين. والله الموفق» (1) . ثالثًا: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقدمون الخاص على العام (2) ، ولا ينظرون إلى التاريخ ولا يستفصلون عما إذا كان العام متقدمًا أو متأخرًا (3) . قال الشنقيطي: «ومن تتبع قضاياهم [أي الصحابة] تحقق ذلك عنهم» (4) . رابعًا: أن دلالة الخاص أقوى من دلالة العام (5) . قال الخطيب البغدادي: «والواجب في مثل هذا أن يُقضى بالخاص على العام لقوته؛ فإن الخاص يتناول الحكم بلفظ لا احتمال فيه، والعام يتناوله بلفظ محتمل فوجب أن يُقضى بالخاص عليه» (6) . ****

_ (1) "إعلام الموقعين" (2/343) . (2) من الأمثلة على ذلك أن فاطمة رضي الله عنها جاءت إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله ميراثها مما ترك أبوها - صلى الله عليه وسلم - عملاً بعموم قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] ، فقال أبو بكر: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة» . فلم يعطها شيئًا. انظر القصة في "صحيح البخاري" (6/196، 197) برقم (3092، 3093) ، (7/336) برقم (4035) ، و"صحيح مسلم" (12/76) وما بعدها. (3) انظر: "قواطع الأدلة" (1/371، 372) ، و"روضة الناظر" (2/164) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/383) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (2/164) . (4) "مذكرة الشنقيطي" (223) . (5) انظر: "روضة الناظر" (2/164، 165) ، و"مجموع الفتاوى" (21/552) ، و"مختصر ابن اللحام" (123) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/384) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (2/161) ، و"مذكرة الشنقيطي" (223) . (6) "الفقيه والمتفقه" (1/107) .

المطلب الثالث: المطلق والمقيد

المطلب الثالث المطلق والمقيد وفي هذا المطلب أربع مسائل: المسألة الأولى: تعريف المطلق والمقيد. المسألة الثانية: أقسام المطلق والمقيد. المسألة الثالثة: حمل المطلق على المقيد. المسألة الرابعة: الضابط في حمل المطلق على المقيد.

المسألة الأولى: تعريف المطلق والمقيد

المسألة الأولى: تعريف المطلق والمقيد المطلق هو: «اللفظ المتناول لواحد لا بعينه، باعتبار حقيقة شاملة لجنسه» (1) . ومعنى ذلك (2) : أ- أن المطلق يتناول واحدًا، فخرج بذلك ألفاظ الأعداد لأنها تتناول أكثر من واحد، وكذا العام. ب- أن ما تناوله المطلق مبهم، وهذا مأخوذ من قيد «لا بعينه» فيخرج بذلك المعارف كزيد. جـ- أن المطلق يختلف عن المشترك والواجب المخير مع أن الجميع يتناول واحدًا غير معين. ذلك أن تناولهما لواحد لا بعينه باعتبار حقائق مختلفة. والمقيد هو: «المتناول لمعين أو لغير معين موصوف بأمر زائد على الحقيقة الشاملة لجنسه» (3) . مثال المطلق: "رقبة" من قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] . ومثال المقيد: قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، فقد قيد الرقبة بالإيمان. المسألة الثانية: أقسام المطلق والمقيد وبيان ذلك وفق الاعتبارات الآتية: 1- المقيد على مراتب، وذلك حسب قلة القيود وكثرتها، فما كثرت

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/191) . (2) انظر: "مختصر ابن اللحام" (125) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (280) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/392) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (2/191) . (3) انظر: "روضة الناظر" (2/191) .

قيوده أعلى رتبة مما قلت قيوده، مثال ذلك قوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ} [التحريم: 5] . فهذا مثال ما كثرت قيوده. وعلى كل فالإطلاق والتقييد أمران نسبيان، فهناك مطلق لا مطلق بعده، مثل: "معلوم"، ومقيد لا مقيد بعده، مثل: "زيد" وبينهما وسائط (1) . 2- قد يكون اللفظ الواحد مطلقًا من وجهٍ، مقيدًا من وجهٍ آخر، وذلك كقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ، فالرقبة مقيدة - من حيث الدين - بالإيمان، مطلقة من حيث ما سوى الإيمان من الأوصاف ككمال الخلقة والطول والبياض. فالآية مقيدة بالنسبة إلى مطلق الرقاب ومطلق الكفارات، وهي مطلقة في كل رقبة مؤمنة وفي كل كفارة مجزئة (2) . 3- الإطلاق والتقييد تارة يكونان في الأمر، وتارة في الخبر (3) . مثال الأول: اعتق رقبة، واعتق رقبة مؤمنة. ومثال الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا نكاح إلا بولي» (4) ، مع رواية: «لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل» (5) . ولا يكون الإطلاق في النهي والنفي بل يكون هذا من باب العموم (6) .

_ (1) انظر: "مختصر ابن اللحام" (125) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/393 - 395) وانظر (ص418، 419) من هذا الكتاب. (2) انظر: "روضة الناظر" (2/191، 192) ، و"مختصر ابن اللحام" (125) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/394) . (3) انظر: "روضة الناظر" (2/191) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/394) . (4) رواه أبو داود (2/229) برقم (2085) ، وابن ماجه (1/605) برقم (1880، 1881) ، والترمذي (3/407) برقم (1101، 1102) وحسنه. والحديث صححه الألباني. انظر "صحيح الجامع" (2/1254) برقم (7555) . (5) رواه بهذا اللفظ البيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا (7/112) . (6) انظر: "بدائع الفوائد" (3/249) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (283) .

المسألة الثالثة: حمل المطلق على المقيد

المسألة الثالثة: حمل المطلق على المقيد أولاً: معنى حمل المطلق على المقيد المقصود بمسألة «حمل المطلق على المقيد» أن يأتي المطلق في كلام مستقل، ويأتي المقيد في كلام مستقل آخر. ومعنى حمل المطلق على المقيد - إذا تعين - أن يكون المقيد حاكمًا على المطلق، بيانًا له، مقيدًا لإطلاقه، مقللاً من شيوعه وانتشاره؛ فلا يبقى حينئذٍ للمطلق تناول لغير المقيد. فيراد بالمطلق الذي ورد في نص المقيد الذي ورد في نص آخر (1) . أما إن اجتمع المطلق والمقيد في كلام واحد، بعضه متصل ببعض، فلا خلاف أن المطلق يحمل على المقيد (2) ، وليس هذا من قبيل هذه المسألة. ثانيًا: الأصل في المطلق والمقيد. يجب حمل النص المطلق على إطلاقه والعمل به من هذا الوجه، هذا هو الأصل. وكذلك النص المقيد يجب حمله على تقييده والعمل به من هذا الوجه، هذا هو الأصل. ولا تجوز مخالفة هذا الأصل أو ذاك إلا بدليل يوجب تقييد المطلق أو إطلاق المقيد (3) . ثالثًا: شرط حمل المطلق على المقيد. يشترط في حمل المطلق على المقيد أن يقوم الدليل الصحيح على تقييد

_ (1) انظر: "النقص من النص" للدكتور عمر بن عبد العزيز ضمن مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، عدد (77، 78) (ص56) . (2) سبق التنبيه على ذلك انظر (ص376، 377) من هذا الكتاب. (3) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/111) .

المطلق، ولا يجوز والحالة كذلك العمل بالمطلق دون حمله على المقيد، فالمقيد ههنا مقدم على المطلق وحاكم عليه لا فرق في ذلك بين الكتاب والسنة، والمتواتر والآحاد، والمتقدم والمتأخر (1) . قال ابن النجار الفتوحي: «وهما [أي المطلق والمقيد] كعام وخاص فيما ذكر من تخصيص العموم من متفق عليه، ومختلف فيه، ومختار من الخلاف. فيجوز تقييد الكتاب بالكتاب وبالسنة، وتقييد السنة بالسنة وبالكتاب، وتقييد الكتاب والسنة بالقياس، ومفهوم الموافقة والمخالفة، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقريره، ومذهب الصحابي، ونحو ذلك على الأصح في الجميع» (2) . ذلك أن المقيد بيان للمطلق، والبيان لا يشترط فيه أن يكون في درجة المبين أو أقوى منه بل يكفي أن يكون البيان صحيحًا (3) . رابعًا: موانع حمل المطلق على المقيد. يمتنع حمل المطلق على المقيد في الآتي: أ- إذا ورد قيدان متضادان، وليس هناك مرجح لأحدهما على الآخر (4) . وذلك مثل: تقييد صوم الظهار بالتتابع في قوله تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] ، وتقييد صوم التمتع بالتفريق في قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] ، مع إطلاق صوم قضاء رمضان في قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184، 185] . ب- إذا وجدت قرينة مانعة من الحمل كأن يستلزم حمل المطلق على المقيد تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا حمل والحالة كذلك (5) ، وذلك مثل

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (34/43) . (2) "شرح الكوكب المنير" (3/395) . وانظر: "قواعد الأصول" (64) ، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (121) . (3) انظر: "مختصر ابن اللحام" (126) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/398) وانظر (ص390) من هذا الكتاب. (4) انظر: "بدائع الفوائد" (3/349) ، و"مذكرة الشنقيطي" (234) . (5) انظر: "بدائع الفوائد" (3/250) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (286) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/409) .

اشتراطه - صلى الله عليه وسلم - قطع أسفل الخفين للمحرم الذي لم يجد نعلين (1) ، فهذا مقيد، وكان ذلك في المدينة، والمطلق أنه لم يشترط - صلى الله عليه وسلم - القطع بل أطلق لبس الخفين، وكان هذا في عرفات (2) ، فلا يحمل هنا المطلق على المقيد. قال ابن القيم: «لأن الحاضرين معه بعرفات من أهل اليمن ومكة والبوادي لم يشهدوا خطبته بالمدينة فلو كان القطع شرطًا لبينه لهم لعدم علمهم به، ولا يمكن اكتفاؤهم بما تقدم من خطبته بالمدينة. ومن هنا قال أحمد ومن تابعه: إن القطع منسوخ بإطلاقه بعرفات للبس، ولم يأمر بقطعٍ في أعظم أوقات الحاجة» (3) . خامسًا: أحوال المطلق والمقيد بالنسبة للحمل وعدمه: إذا خلا المطلق والمقيد عن القرائن الموجبة للحمل أو عدمه فلا يخلو الحال من أربعة أقسام (4) : (القسم الأول: أن يتفق الحكم والسبب، وذلك مثل: إطلاق الدم في

_ (1) ورد ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في المحرم: «لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين» . رواه البخاري (3/401) برقم (1542) واللفظ له، ومسلم (8/72) . (2) ورد ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات يقول: «السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفين لمن لم يجد النعلين» . رواه البخاري (10/272) برقم (5804) ، ومسلم (8/74، 75) واللفظ له. (3) "بدائع الفوائد" (3/250) ، وللإمام أحمد رواية أخرى: أنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين، وهذا مذهب الجمهور. قال ابن قدامة: «والأولى قطعهما، عملاً بالحديث الصحيح، وخروجًا من الخلاف، وأخذًا بالاحتياط» . "المغني" (5/122) . (4) انظر: "روضة الناظر" (2/192) وما بعدها، و"مجموع الفتاوى" (15/443) ، و"قواعد الأصول" (63، 64) ، و"مختصر ابن اللحام" (125) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (280) وما بعدها، و"شرح الكوكب المنير" (/395) وما بعدها، و"أضواء البيان" (6/545) وما بعدها، و"دفع إيهام الاضطراب" (84 - 87) ، و"مذكرة الشنقيطي" (232، 233) .

قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ} [البقرة: 173، النحل: 115] مع تقييد الدم بكونه مسفوحًا في قوله تعالى: {إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] . فالحكم: تحريم الدم، والسبب: ما في الدم من المضرة والإيذاء. فالجمهور يقولون بحمل المطلق على المقيد في هذا القسم. (القسم الثاني: أن يتفق الحكم ويختلف السبب، وذلك مثل إطلاق الرقبة في كفارة الظهار في قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] مع تقييد الرقبة بكونها مؤمنة في آية قتل الخطأ في قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] . فالحكم: العتق، والسبب في الرقبة المطلقة: الظهار، وفي الرقبة المقيدة بالإيمان: قتل الخطأ، وهذا المطلق يحمل على المقيد عند أكثر العلماء. (القسم الثالث: عكس الثاني، وهو أن يتفق السبب ويختلف الحكم، وذلك مثل إطلاق الإطعام في كفارة الظهار في قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] ، مع تقييد الصيام بكونه من قبل أن يتماسا في قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] ، فالسبب واحد وهو الظهار، والحكم في الأول: الإطعام، وفي الثاني: الصيام، فأكثر العلماء لا يحملون المطلق على المقيد في هذه الحالة. (القسم الرابع: أن يختلف الحكم والسبب، وهذا متفق على عدم الحمل فيه، ومثال ذلك: تقييد الصيام بالتتابع في كفارة اليمين (1) في قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] ، مع إطلاق الإطعام في كفارة الظهار في قوله تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] . هذه الأقسام الأربعة فيما إذا كان المقيد واحدًا. أما إن كان هناك مقيدان بقيدين مختلفين، فإن كان القيدان متضادين ولم

_ (1) ورد ذلك في قراءة عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهما: «فصيام ثلاثة أيام متتابعات» . انظر «جامع البيان» للطبري (7/30) .

المسألة الرابعة: الضابط في حمل المطلق على المقيد

يكن أحدهما أقرب من الآخر لم يحمل المطلق على واحد منهما اتفاقًا كما تقدم (1) . أما إذا ورد على المطلق قيدان متضادان، وأمكن ترجيح أحدهما على الآخر فيحمل المطلق - عند بعض العلماء - على أرجح القيدين وأشبههما. مثال ذلك: إطلاق صوم كفارة اليمين عن قيد التتابع في قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] ، مع تقييد صوم كفارة الظهار بالتتابع في قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] ، وتقييد صوم التمتع بالتفريق في قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] ، فالظهار أقرب لليمين من التمتع؛ لأن كلا منهما كفارة، فيقيد صوم كفارة اليمين بالتتابع حملاً على الصوم في كفارة الظهار المقيد بالتتابع. المسألة الرابعة: الضابط في حمل المطلق على المقيد الضابط فيه أن اتفاق حكم المطلق والمقيد يوجب الحمل إجمالاً. كما أن اختلافه يوجب عدم الحمل إجمالاً. ذلك أن اتفاق الحكم يدل على قوة الصلة بين الكلاميين - الكلام الذي فيه إطلاق والكلام الذي فيه تقييد - فاعتبرا جملة واحدة يفسر بعضها بعضًا؛ إذ إن الحكم استوفى بيانه في أحد الموضعين ولم يستوف في الموضع الآخر. وهذا أسلوب مألوف عند العرب؛ إذ تطلق في موضع وتقيد في موضع آخر، فيحمل المطلق على المقيد (2) . فإذا أضيف إلى اتفاق الحكم الاتفاقُ في السبب كان هذا قرينة قوية على وحدة الجملتين وشدة ارتباطهما ببعض وأن المراد بهذه هو المراد بالأخرى (3) .

_ (1) انظر (ص 439) من هذا الكتاب. (2) انظر: «الفقيه والمتفقه» (1/111) ، و «روضة الناظر» (2/194) ، و «مذكرة الشنقيطي» (233) ، و «أضواء البيان» (6/546) . (3) انظر: «مجموع الفتاوى» (15/443، 31/100) .

أما إن اتفق الحكمُ فقط وكان السبب مختلفًا فالحمل هنا وارد وهو الأحوط (1) ، لكن يبقى عدم الحمل أمرًا واردًا، وهو الأصل (2) . أما في حالة اختلاف الحكم فإن هذا الاختلاف يعتبر دليلاً على استقلال كل من الكلامين بحكمه: المطلق بإطلاقه والمقيد بتقييده، والتعارض في مثل هذه الحالة منتفٍ، فيبقى المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده، وهذا هو الأصل. ويقوي البقاء على هذا الأصل اختلاف السبب. أما إن اتفق السبب مع كون الحكم مختلفًا فإن اتفاق السبب قرينةٌ على مخالفة الأصل. فتعارض في هذه الصورة: عدم الحمل المستفاد من اختلاف الحكم مع الحمل المستفاد من اتفاق السبب؛ فأصبح الحمل وعدمه أمرين واردين فيحتاج إلى اجتهاد العلماء ونظرهم في ترجيح أحد الاحتمالين. ****

_ (1) وجه الاحتياط أن العمل بالمقيد عمل بالمطلق، أما العمل بالمطلق فإن فيه إهدارًا للمقيد. (2) الأصل: أن المطلق يبقى على إطلاقه، والمقيد يبقى على تقييده.

المطلب الرابع: المنطوق والمفهوم

المطلب الرابع: المنطوق والمفهوم وفي هذا المطلب جانبان: الجانب الأول: المنطوق. الجانب الثاني: المفهوم.

الجانب الأول: المنطوق

الجانب الأول: المنطوق أولاً: تعريف المنطوق. المنطوق: هو ما دل عليه اللفظ في محل النطق، فهو المعنى المستفاد من اللفظ من حيث النطق به (1) . ثانيًا: أقسام المنطوق (2) . المنطوق قسمان: صريح، وغير صريح. (فالصريح: هو المعنى الذي وضع اللفظ له، وذلك يشمل دلالة المطابقة (3) ، كدلالة الرجل على الإنسان الذكر، ودلالة التضمن (4) كدلالة الأربعة على الواحد، ربعها (5) . (وغير الصريح: هو المعنى الذي دل عليه اللفظُ في غير ما وضع له، ويسمى دلالة الالتزام (6) ، كدلالة الأربعة على الزوجية (7) . ثالثًا: أقسام المنطوق غير الصريح. المنطوق غير الصريح وهو ما يسمى بدلالة الالتزام ينقسم إلى

_ (1) انظر: "شرح الكوكب المنير" (3/473) ، و"مذكرة الشنقيطي" (234) . (2) انظر: «شرح الكوكب المنير» (3/473) . (3) دلالة المطابقة: هي دلالة اللفظ على تمام المعنى الموضوع له اللفظ. انظر: «آداب البحث والمناظرة» (1/12) . (4) دلالة التضمن هي دلالة اللفظ على جزء مسماه في ضمن كله، ولا تكون إلا في المعاني المركبة. انظر المصدر السابق (1/13) . (5) انظر المصدر السابق (1/12، 13) . (6) دلالة الالتزام: هي دلالة اللفظ على خارجٍ عن مسماه لازمٍ له لزومًا ذهنيًا، أو خارجيًا. انظر المصدر السابق (1/13) . (7) انظر المصدر السابق.

- دلالة الاقتضاء

ثلاثة أقسام (1) . القسم الأول: دلالة الاقتضاء، وهي: أن يتضمن الكلام إضمارًا ضروريًا لا بد من تقديره؛ لأن الكلام لا يستقيم دونه: أ- إما لتوقف الصدق عليه، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان» (2) فإن ذات الخطأ والنسيان لم يرتفعا، فيتضمن تقدير رفع الإثم أو المؤاخذة؛ لتوقف الصدق على هذا التقدير. ب- وإما لتوقف الصحة عليه عقلاً، مثل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] ؛ أي: أهل القرية. جـ-وإما لتوقف الصحة عليه شرعًا، كقول القائل: «اعتق عبدك عني وعلى ثمنه» ، فلا بد من تقدير الملك السابق، فكأنه قال: «بعني عبدك وأعتقه عني» . القسم الثاني: دلالة الإشارة: وهي: أن يدل اللفظ على معنى ليس مقصودًا باللفظ في الأصل ولكنه لازم للمقصود، فكأنه مقصود بالتبع، كاستفادة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر من قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ، مع قوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] . القسم الثالث: دلالة التنبيه وتسمى الإيماء، وهي: أن يقترن بالحكم وصف لو لم يكن هذا الوصف تعليلاً لهذا الحكم لكن ذكره حشوًا في الكلام لا فائدة منه وذلك ما تنزه عنه ألفاظ الشارع، وذلك كقوله تعالى: {إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الأنفطار: 13، المطففين: 22] ؛ أي: لبرهم (3) .

_ (1) انظر: «روضة الناظر» (2/198) وما بعدها، و «قواعد الأصول» (67، 68) ، و «شرح الكوكب المنير» (3/474 - 477) ، و «مذكرة الشنقيطي» (235، 236) . (2) سبق تخريجه انظر (ص350) من هذا الكتاب. (3) انظر (ص202) من هذا الكتاب.

الجانب الثاني: المفهوم

الجانب الثاني: المفهوم 1- تعريفه (1) : المفهوم: هو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق. فهو المعنى المستفاد من حيث السكوت اللازم للفظ. 2- أنواعه (2) : المفهوم نوعان: النوع الأول: مفهوم الموافقة. النوع الثاني: مفهوم المخالفة.

_ (1) «شرح الكوكب المنير» (3/473، 480) ، و «مذكرة الشنقيطي» (234) . (2) انظر: "مختصر ابن اللحام" (132) ، و «شرح الكوكب المنير» (3/481) ، و «مذكرة الشنقيطي» (237) .

النوع الأول مفهوم الموافقة وفيه أربع مسائل: المسألة الأولى: تعريفه. المسألة الثانية: أقسامه. المسألة الثالثة: حجيته، ونوع دلالته. المسألة الرابعة: شرط العمل به.

- تعريف مفهوم الموافقة وأسماؤه

المسألة الأولى تعريفه (1) مفهوم الموافقة: هو ما وافق المسكوت عنه المنطوق في الحكم. ويسمى بفحوى الخطاب، ولحن الخطاب، وبالقياس الجلي، وبالتنبيه. المسألة الثانية أقسامه (2) ينقسم مفهوم الموافقة إلى قسمين باعتبارين: (الاعتبار الأول: ينقسم إلى: أولوي، ومساوي. أ- مفهوم أولوي: وهو ما كان المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق؛ كدلالة تحريم التأفيف على تحريم الضرب لأنه أشد، وذلك في قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] . ب- مفهوم مساوي: وهو ما كان المسكوت عنه مساويًا للمنطوق في الحكم؛ كدلالة تحريم أكل مال اليتيم على تحريم إحراقه، وذلك في قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10] . فالأكل والإحراق متساويان؛ إذ الجميع إتلاف. (الاعتبار الثاني: أن مفهوم الموافقة منه ما هو قطعي، ومنه ما هو ظني. فالقطعي: ما قطع فيه بنفي الفارق بين المسكوت عنه والمنطوق، كما مر في المثالين السابقين. والظني: ما ظن فيه انتفاء الفارق، كأن يقال: «إذا ردت شهادة الفاسق

_ (1) انظر: «روضة الناظر» (2/200) ، و «مختصر ابن اللحام» (132) ، و «شرح الكوكب المنير» (3/481) ، و «مذكرة الشنقيطي» (237) . (2) انظر: «روضة الناظر» (2/254 - 256) ، و «شرح الكوكب المنير» (3/486 - 488) ، و «مذكرة الشنقيطي» (237، 249 - 251) .

- حجية مفهوم الموافقة عند السلف

فالكافر أولى؛ لأن الكافر قد يحترز من الكذب لدينه، والفاسق متهم في الدين» . المسألة الثالثة حجيته، ونوع دلالته مفهوم الموافقة حجة بإجماع السلف (1) . قال ابن تيمية: «بل وكذلك قياس الأولى وإن لم يدل عليه الخطاب، لكن عرف أنه أولى بالحكم من المنطوق بهذا، فإنكاره من بدع الظاهرية التي لم يسبقهم بها أحد من السلف، فما زال السلف يحتجون بمثل هذا وهذا» (2) . وإنما وقع الخلاف في دلالته: هل هي لفظية أو قياسية؟ (3) . وقد نقل الشافعي هذا الخلاف فقال: «وقد يمتنع بعض أهل العلم من أن يسمي هذا قياسًا، ويقول: هذا معنى ما أحل الله وحرم، وحمد وذم؛ لأنه داخل في جملته فهو بعينه، لا قياس على غيره. ......ويقول غيرهم من أهل العلم: ما عدا النص من الكتاب أو السنة فكان في معناه، فهو قياس. والله أعلم» (4) . وعلى كل فالخلاف كما هو واضح يرجع إلى التسمية لحصول الاتفاق على أن دلالته قد تكون قاطعة (5) .

_ (1) انظر: "الرسالة" (513) ، و"جامع بيان العلم وفضله" (2/74) ، و"روضة الناظر" (2/254) ، و"مختصر ابن اللحام" (150) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/483، 4/207، 208) ، و"مذكرة الشنقيطي" (250) . (2) "مجموع الفتاوى" (21/207) . (3) انظر: "روضة الناظر" (2/200) "قواعد الأصول" (68) ، و"مختصر ابن اللحام" (132) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (286، 287) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/483) ، و"مذكرة الشنقيطي" (237) . (4) "الرسالة" (515، 516) . (5) ذكر بعضهم أن من فوائد هذا الخلاف: تجويز النسخ بمفهوم الموافقة عند من يقول: إن دلالته لفظية، ومنع النسخ به عند من يقول: إنها قياسية. والصحيح أن تسميته قياسًا لا تضر وأن النسخ يجوز به إن كانت علته منصوصة. انظر: "روضة الناظر" (1/232، 233، 2/202) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/486) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (1/233) ، و"مذكرة الشنقيطي" (89، 90) .

- شرط العمل بمفهوم الموافقة

المسألة الرابعة شرط العمل به شرط العمل بمفهوم الموافقة: أن يفهم المعنى من اللفظ في محل النطق، وأن يكون المفهوم أولى بالحكم من المنطوق أو مساويًا له، وإنما يفهم ذلك من دلالة سياق الكلام وقرائن الأحوال (1) . قال ابن بدران موضحًا هذا الشرط: «يعني أن شرط مفهوم الموافقة فهم المعنى في محل النطق كالتعظيم ونحوه، فإنا فهمنا من آية: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] أن المعنى المقتضي لهذا النهي هو تعظيم الوالدين؛ فلذلك فهمنا تحريم الضرب بطريق أولى، حتى لو لم نفهم من ذلك تعظيمًا لما فهمنا تحريم الضرب أصلاً. لكنه لما نفى التأفيف الأعم دل على نفي الضرب الأخص بطريق الأولى» (2) .

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/200) ، و"قواعد الأصول" (68) ، و"مختصر ابن اللحام" (132) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/482) . (2) "نزهة الخاطر العاطر" (2/200) .

النوع الثاني مفهوم المخالفة وفيه أربع مسائل: المسألة الأولى: تعريفه. المسألة الثانية: أقسامه. المسألة الثالثة: حجيته. المسألة الرابعة: شرط العمل به.

- تعريف مفهوم المخالفة

المسألة الأولى تعريفه (1) مفهوم المخالفة: هو ما خالف المسكوت عنه المنطوق في الحكم. ويسمى بدليل الخطاب. المسألة الثانية أقسامه (2) مفهوم المخالفة ستة أقسام (3) : القسم الأول: مفهوم الصفة، كصفة السوم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «في سائمة الغنم الزكاة» (4) ، فمقتضى هذا عدم وجوب الزكاة في المعلوفة غير السائمة، وليس المراد من الصفة كالمثال السابق.

_ (1) انظر: "مختصر ابن اللحام" (132) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/488، 489) ، و"مذكرة الشنقيطي" (237) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/218) وما بعدها، و"قواعد الأصول" (69) ، و"مختصر ابن اللحام" (133، 134) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (287 – 290) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/497) وما بعدها، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (127، 128) ، و"مذكرة الشنقيطي" (238، 239) . (3) هنالك صور اختلف الأصوليون فيها: هل هي من المنطوق أو من المفهوم؟ منها: أ- الحصر بالنفي والاستثناء، مثل: "لا عالم إلا زيد". ب- الحصر بـ"إنما"، مثل: "إنما الربا في النسيئة". جـ- حصر المبتدأ في الخبر، مثل: "تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم". قال ابن قدامة عندما ذكر الصور السابقة: "اعلم أن ههنا صورًا أنكرها منكروا المفهوم بناء على أنها منه، وليست منه، وهي ثلاثة.......". "روضة الناظر" (2/211) . وللاستزادة انظر أيضًا: "روضة الناظر" (2/211 – 218) ، و"مختصر ابن اللحام" (135، 136) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/515 – 524) ، و"مذكرة الشنقيطي" (238) . (4) سبق تخريجه انظر (ص431) من هذا الكتاب.

- مفهوم المخالفة حجة عند الجمهور عدا مفهوم اللقب

القسم الثاني: التقسيم، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر» (1) . ووجهه: أن تقسيمه إلى قسمين وتخصيص كل واحدٍ بحكم؛ يدل على انتفاء ذلك الحكم عن القسم الآخر، ولو عم الحكم النوعين لم يكن للتقسيم فائدة. القسم الثالث: مفهوم الشرط، والمراد به ما علق من الحكم على شيء بأداة الشرط، مثل: "إن" و"إذا"، وهو المسمى بالشرط اللغوي لا الشرط الذي هو قسيم السبب والمانع. وذلك كقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] ، فإنه يدل بمفهومه على عدم وجوب النفقة للمعتدة غير الحامل. القسم الرابع: مفهوم الغاية، وهو: مد الحكم بأداة الغاية، مثل: إلى، وحتى، ومثال ذلك قوله تعالى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] . القسم الخامس: مفهوم العدد، وهو: تعليق الحكم بعدد مخصوص، نحو قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] . القسم السادس: مفهوم اللقب (2) ، وهو: تخصيص اسم بحكمٍ، كالتنصيص على الأعيان الستة في الربا (3) فإنه يمنع جريانه في غيرها. أما إن استلزم اللقبُ أوصافًا صالحة لإناطة الحكم به فإنه يُعتبر مفهوم صفة لا مفهوم لقب، وذلك مثل لفظ: "رجال" في قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ} [النور: 36، 37] ، فقد يظهر للناظر أنه مفهوم لقبٍ لا يحتج به، ولكن مفهوم الرجال ههنا معتبر؛ لأن الرجال لا تخشى منهم الفتنة وليسوا بعورة بخلاف النساء. ومعلوم أن وصف الذكورة وصف صالح لإناطة الحكم به الذي هو التسبيح في المساجد والخروج إليها دون وصف الأنوثة (4) .

_ (1) رواه مسلم: (9/205) . (2) ضابط مفهوم اللقب عند الأصوليين: هو كل اسم جامد سواء كان اسم جنس، أو اسم جمع، أو اسم عين، لقبًا كان أو كنية أو اسمًا. انظر: "مذكرة الشنقيطي" (239) . (3) انظر هذا الحديث في: صحيح مسلم (11/14) . (4) انظر: "أضواء البيان" (6/228) .

- الأدلة على حجية مفهوم المخالفة

المسألة الثالثة حجيته 1- مفهوم المخالفة حجة عند جماهير العلماء بجميع أقسامه (1) ، ويستثنى من ذلك مفهوم اللقب؛ إذ التحقيق عدم الاحتجاج به (2) . يقول ابن قدامة في مفهوم اللقب: «وأنكره الأكثرون وهو الصحيح؛ لأنه يفضي إلى سد باب القياس، وأن تنصيصه على الأعيان الستة في الربا تمنع جريانه في غيرها» (3) . ويقول الشنقيطي: «وقد علمتَ أن الحق عدمُ اعتبار مفهوم اللقب، وأن فائدة ذكره إمكان الإسناد إليه» (4) . 2- من الأدلة على حجية مفهوم المخالفة: أولاً: أن فصحاء أهل اللغة يفهمون من تعليق الحكم على شرطٍ أو وصفٍ انتفاء الحكم بدون الشرط أو الوصف (5) . ومن الأمثلة على ذلك أن عمر - رضي الله عنه - (6) قد فهم من تعليق إباحة قصر الصلاة على حال الخوف وجوب الإتمام حال الأمن وعجب من ذلك. وهذا في قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] ، لذلك سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» (7) .

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/203) ، و"مجموع الفتاوى" (31/136) ، و"قواعد الأصول" (68) . (2) انظر: "أضواء البيان" (6/228) ، و"مذكرة الشنقيطي" (239) . (3) "روضة الناظر" (2/224، 225) . (4) "مذكرة الشنقيطي" (240) . (5) انظر: "روضة الناظر" (2/208، 209) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/503، 504) . (6) هو: عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي، أبو حفص أمير المؤمنين، كان إسلامه فتحًا على المسلمين وفرجًا لهم عن الضيق، وكان من المهاجرين الأولين، وشهد جميع المشاهد، وقد ولي الخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه، وتوفي سنة (23هـ) . انظر: الاستيعاب" (2/450) ، و"الإصابة" (2/511) . (7) رواه مسلم (5/195) وللحديث قصة وهي: أن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} فقد أمن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال.....الحديث. المصدر السابق.

- درجات أقسام مفهوم المخالفة حسب القوة، والضابط لذلك.

ثانيًا: أن التخصيص بالذكر لا بد له من فائدة، فإن استوت السائمة والمعلوفة في وجوب الزكاة فيهما فلم خص الشارع السائمة بالذكر فقال: «في سائمة الغنم الزكاة» ، مع عموم الحكم والحاجة إلى البيان؟ بل لو قال: «في الغنم الزكاة» لكان أقصر في اللفظ وأعم في بيان الحكم. والتطويل لغير فائدة لكنه في الكلام وعي، وهذا مما ينزه عنه كلام العقلاء، فمن باب أولى كلام الشارع (1) . 3- أقسام مفهوم المخالفة –عند القائلين بحجيته– ليست على مرتبة واحدة، بل إنها متفاوتة قوة وضعفًا، فترتيبها حسب القوة كالآتي (2) : 1- مفهوم الغاية. 2- مفهوم الشرط. 3- مفهوم الصفة، ومثله في القوة: 4- التقسيم. 5- مفهوم العدد. 6- مفهوم اللقب. قال ابن بدران: «والضابط في باب المفهوم: أنه متى أفاد ظنًا عرف من تصرف الشارع الالتفات إلى مثله –خاليًا عن معارض– كان حجة يجب العمل به. والظنون المستفادة من دليل الخطاب متفاوتة بتفاوت مراتبه، ومن تدرب بالنظر في اللغة وعرف مواقع الألفاظ ومقاصد المتكلمين سهل عنده إدراك ذلك التفاوت والفرق بين تلك المراتب. والله الموفق» (3) .

_ (1) انظر: "روضة الناظر" (2/208، 209) . (2) انظر: "مختصر ابن اللحام" (133، 134) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (228، 289) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/505) وما بعدها، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (128) . (3) "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (128) . وانظر فيما يتعلق بتفاوت الناس في فهم الخطاب والقدرة على الاستنباط حسب تفاوتهم في الفهم ومعرفة اللغة والألفاظ: "إعلام الموقعين" (1/350 – 355) وانظر (ص378) من هذا الكتاب.

- هل هناك فرق بين دلالة المفهوم في كلام الشارع وكلام الناس؟

4- لا فرق بين دلالة المفهوم في كلام الشارع وكلام الناس؛ إذ هو من دلالات الألفاظ. قال ابن تيمية: «ومما يقضي العجب ظن بعض الناس أن دلالة المفهوم حجة في كلام الشارع دون كلام الناس -بمنزلة القياس- وهذا خلاف إجماع الناس، فإن الناس إما قائل بأن المفهوم من جملة دلالات الألفاظ، أو قائل إنه ليس من جملتها، أما هذا التفصيل فمحدث. ثم القائلون بأنه حجة إنما قالوا: هو حجة في الكلام مطلقًا، واستدلوا على كونه حجة بكلام الناس، وبما ذكره أهل اللغة، وبأدلة عقلية تبين لكل ذي نظر أن دلالة المفهوم من جنس دلالة العموم والإطلاق والتقييد، وهو دلالة من دلالات اللفظ، وهذا ظاهر في كلام العلماء» (1) . المسألة الرابعة شرط العمل به للعمل بمفهوم المخالفة عند القائلين به شروط (2) . والجامع لهذه الشروط: أن يكون تخصيص المنطوق بالذكر لكونه مختصًا بالحكم دون سواه. قال ابن تيمية: «فإذا عُلم أو غَلَبَ على الظن ألا موجب للتخصيص بالذكر من هذه الأسباب ونحوها، عُلم أنه إنما خصه بالذكر لأنه مخصوص بالحكم» (3) . أما إن ظهر أن تخصيص المنطوق بالذكر كان لسببٍ من الأسباب -غير

_ (1) "مجموع الفتاوى" (31/136، 137) . (2) انظر: "مختصر ابن اللحام" (133) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (290 - 292) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/489) وما بعدها، و"مذكرة الشنقيطي" (241) . (3) "مجموع الفتاوى" (31/138) .

تخصيص الحكم به ونفيه عن سواه– فالتخصيص بالذكر في هذه الحالة لا يدل على اختصاصه بالحكم دون المسكوت عنه. قال ابن النجار: «ثم الضابط لهذه الشروط وما في معناها: ألا يظهر لتخصيص المنطوق بالذكر فائدةٌ غير نفي الحكم عن المسكوت عنه» (1) . والأٍسباب والفوائد والنكت التي لأجلها يخص المنطوق بالذكر غير تخصيص الحكم به ونفيه عن المسكوت عنه كثيرة، وهي تعرف بموانع اعتبار المفهوم (2) . فمن ذلك: أ- أن يخرج ذكره مخرج الغالب: كقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] ، فتقييد تحريم الربيبة بكونها في حجر الزوج لا يدل على أنها تكون حلالاً ولا تحرم إذا لم تكن في حجره؛ لأن الغالب كون الربيبة في حجر زوج أمها. ب- أن يقع ذكره جوابًا لسؤال: كأن يُسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلا: هل في الغنم السائمة زكاة؟ فيقول: «في الغنم السائمة زكاة» فإن ذكر إحدى الصفتين المذكورتين في السؤال – وهي السوم في هذا المثال – لا يلزم منه تخصيصها الحكم ونفيه عن الأخرى. جـ- أن يكون ذكرُه وقع على سبيل الامتنان: كقوله تعالى: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] ، فلا يدل وصف اللحم بكونه طريًا على تحريم اللحم غير الطري.

_ (1) "شرح الكوكب المنير" (3/496) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (31/138) ، و"مختصر ابن اللحام" (133) ، و"القواعد والفوائد الأصولية" (290 – 292) ، و"شرح الكوكب المنير" (3/489) وما بعدها، و"مذكرة الشنقيطي" (241) .

الفصل الثالث: الاجتهاد والتقليد والفتوى

الفصل الثالث: الاجتهاد والتقليد والفتوى وفي هذا الفصل ثلاثة مباحث: المبحث الأول: الاجتهاد. المبحث الثاني: التقليد. المبحث الثالث: الفتوى.

المبحث الأول: الاجتهاد

المبحث الأول الاجتهاد وفي هذا المبحث ست مسائل: المسألة الأولى: تعريف الاجتهاد. المسألة الثانية: أقسام الاجتهاد. المسألة الثالثة: شروط الاجتهاد. المسألة الرابعة: حكم الاجتهاد. المسألة الخامسة: هل كل مجتهد مصيب؟ المسألة السادسة: تنبيهات.

المسألة الأولى: تعريف الاجتهاد

المسألة الأولى: تعريف الاجتهاد الاجتهاد لغة: بذل الوسع والطاقة، ولا يستعمل إلا فيما فيه جهد ومشقة، يقال: اجتهد في حمل الرحى، ولا يقال: اجتهد في حمل النواة (1) . وفي الاصطلاح: «بذل الوسع في النظر في الأدلة الشرعية لاستنباط الأحكام الشرعية» (2) . وقد اشتمل هذا التعريف على الضوابط الآتية (3) : أ- أن الاجتهاد هو بذل الوسع في النظر في الأدلة، فهو بذلك أعم من القياس؛ إذ القياس هو إلحاق الفرع بالأصل، أما الاجتهاد فإنه يشمل القياس وغيره. ب- أن الاجتهاد لا يجوز إلا من فقيه، عالم بالأدلة وكيفية الاستنباط منها؛ إذ النظر في الأدلة لا يتأتى إلا ممن كان أهلاً لذلك. جـ- أن الاجتهاد قد ينتج عنه القطع بالحكم أو الظن به، وذلك ما تضمنه قيد "لاستنباط". د- وقد تضمن قيد "لاستنباط" أيضًا بيان أن الاجتهاد إنما هو رأي المجتهد واجتهاده، وذلك محاولة منه لكشف حكم الله، ولا يُسمى ذلك تشريعًا؛ فإن التشريع هو الكتاب والسنة، أما الاجتهاد فهو رأي الفقيه أو حكم الحاكم.

_ (1) انظر: "المصباح المنير" (1/112) ، و"مذكرة الشنقيطي" (311) . (2) انظر: "الفقيه والمتفقه" (1/178) ، و"روضة الناظر" (2/401) ، و"مجموع الفتاوى" (11/264) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/458) ، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (179) ، و"مذكرة الشنقيطي" (311) . (3) انظر المصادر السابقة.

المسألة الثانية: أقسام الاجتهاد

المسألة الثانية: أقسام الاجتهاد ينقسم الاجتهاد إلى أقسام متعددة، وذلك باعتبارات مختلفة، وبيان ذلك كما يأتي: أولاً: ينقسم الاجتهاد بالنظر إلى أهله إلى اجتهاد مطلق واجتهاد مقيد. وفي هذين القسمين تجتمع أقسام المجتهدين الأربعة الذي ذكرها ابن القيم (1) ، وهي: أ- مجتهد مطلق وهو العالم بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأقوال الصحابة، يجتهد في أحكام النوازل يقصد فيها موافقة الأدلة الشرعية حيث كانت. فهذا النوع هم الذين يسوغ لهم الإفتاء والاستفتاء، وهم المجددون لهذا الدين القائمون بحجة الله في أرضه. ب- مجتهد مقيد في مذهب من ائتم به، فهو مجتهد في معرفة فتاويه وأقواله ومأخذه وأصوله، عارف بها، متمكن من التخريج عليها، من غير أن يكون مقلدًا لإمامه لا في الحكم ولا في الدليل، لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتيا، ودعا إلى مذهبه ورتبه وقرره، فهو موافق له في مقصده وطريقه معًا. جـ- مجتهد مقيد في مذهب من انتسب إليه، مقرر له بالدليل، متقن لفتاويه، عالم بها، لا يتعدى أقواله وفتاويه ولا يخالفها، وإذا وجد نص إمامه لم يعدل عنه إلى غيره ألبتة. بل نصوص إمامه عنده كنصوص الشارع، قد اكتفى بها من كلفة التعب والمشقة، وقد كفاه إمامه استنباط الأحكام ومؤنة استخراجها من النصوص. وشأن هؤلاء عجيب؛ إذ كيف أوصلهم اجتهادهم إلى كون إمامهم أعلم

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (4/212 - 214) . ويلاحظ أن ابن القيم ذكرها باسم أنواع المفتين.

- مسألة تجزؤ الاجتهاد

من غيره، وأن مذهبه هو الراجح، والصواب دائر معه، وقعد بهم اجتهادهم عن النظر في كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - واستنباط الأحكام منه، وترجيح ما يشهد له النص. د- مجتهد في مذهب من انتسب إليه، فحفظ فتاوى إمامه، وأقر على نفسه بالتقليد المحض له، من جميع الوجوه، وذكر الكتاب والسنة عنده يكون على وجه التبرك والفضيلة لا على وجه الاحتجاج به والعمل، بل إذا رأى حديثًا صحيحًا مخالفًا لقول من انتسب إليه أخذ بقوله وترك الحديث، فليس عند هؤلاء سوى التقليد المذموم. قال ابن القيم في هذه الأقسام الأربعة: «ففتاوى القسم الأول من جنس توقيعات الملوك وعلمائهم، وفتاوى النوع الثاني من جنس توقيعات نوابهم وخلفائهم، وفتاوى النوع الثالث والرابع من جنس توقيعات خلفاء نوابهم، ومن عداهم فمتشبع بما لم يعط، متشبه بالعلماء، محاكٍِ للفضلاء.....» (1) . ثانيًا: ينقسم الاجتهاد بالنظر إلى المجتهد من حيث استيعابُه للمسائل أو اقتصاره على بعضها إلى مجتهد مطلق ومجتهد جزئي. فالمجتهد المطلق: هو الذي بلغ رتبة الاجتهاد بحيث يمكنه النظر في جميع المسائل. والمجتهد الجزئي هو الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد في جميع المسائل، وإنما بلغ هذه الرتبة في مسألة معينة، أو باب معين، أو فن معين، وهو جاهل لما عدا ذلك. وقد اختلف العلماء في جواز تجزئة الاجتهاد، والذي عليه المحققون من أهل العلم جوازه وصحته (2) . قال ابن القيم: «الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام، فيكون الرجل

_ (1) "إعلام الموقعين" (4/214، 215) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/406، 407) ، و"مجموع الفتاوى" (20/204، 212) ، و"مذكرة الشنقيطي" (312) .

- الاجتهاد في العلة ثلاثة أقسام

مجتهدًا في نوع من العلم مقلدًا في غيره، أو في باب من أبوابه. كمن استفرغ وسعه في نوع العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم، أو في باب الجهاد، أو الحج، أو غير ذلك. فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه، ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له الإفتاء بما لا يعلم في غيره. وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها: الجواز، بل هو الصواب المقطوع به، والثاني: المنع، والثالث: الجواز في الفرائض دون غيرها. فحجة الجواز: أنه قد عرف الحق بدليله، وقد بذل جهده في معرفة الصواب فحكمه في ذلك حكمُ المجتهد المطلق في سائر الأنواع» (1) . وقال أيضًا: «فإن قيل: فما تقولون فيمن بذل جهده في معرفة مسألة أو مسألتين، هل له أن يفتي بهما؟ قيل: نعم، يجوز في أصح القولين، وهما وجهان لأصحاب الإمام أحمد، وهل هذا إلا من التبليغ عن الله وعن رسوله، وجزى الله من أعان الإسلام ولو بشطر كلمةٍ خيرًا. ومنع هذا من الإفتاء بما علم خطأ محض. وبالله التوفيق» (2) . ثالثًا: ينقسم الاجتهاد بالنسبة لعلة الحكم إلى ثلاثة أقسام (3) : تحقيق المناط (4) ، وتنقيحه، وتخريجه. أ- فتحقيق المناط: هو أن يعلق الشارع الحكم بمعنى كلي، فينظر المجتهد في ثبوته في بعض الأنواع أو بعض الأعيان. كالأمر باستقبال القبلة

_ (1) "إعلام الموقعين" (4/216) . (2) المصدر السابق (4/216، 217) . (3) انظر: "روضة الناظر" (2/229 – 234) ، و"مجموع الفتاوى" (19/14 – 18) ، و"مذكرة الشنقيطي" (243 – 245) . (4) المناط لغة: موضع النوط، وهو التعليق والإلصاق. وفي اصطلاح الأصوليين يطلق على العلة. انظر: "مختار الصحاح" (685) ، و"قواعد الأصول" (82) ، و"الكليات" (873) .

واستشهاد شهيدين عدلين فينظر هل المصلي مستقبل القبلة؟ وهذا الشخص هل هو عدل مرضي؟ وهذا النوع من الاجتهاد متفق عليه بين المسلمين بل بين العقلاء. ب- وتنقيح المناط: وهو تهذيب العلة، فإذا أضاف الشارع حكمًا إلى سببه واقترن بذلك أوصاف لا مدخل لها في إضافة الحكم، وجب حذف الأوصاف غير المؤثرة عن الاعتبار وإبقاءُ الوصف المؤثر المعتبر في الحكم. وذلك كأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأعرابي الذي واقع أهله في رمضان بالكفارة (1) فعُلم أن كونه أعرابيًا، أو عربيًا، أو الموطوءة زوجته، لا أثر له في الحكم، فلو وطئ المسلم العجمي سريته كان الحكم كذلك، وهذا النوع قد أقر به أكثر منكري القياس. جـ- وتخريج المناط: وهو القياس المحض، وهو أن ينص الشارع على حكم في محل، ولا يتعرض لمناطه أصلاً، كتحريم الربا في البر، فيجتهد المجتهد في البحث عن علة الحكم ومناطه بطريقٍ من طرق ثبوت العلة. وهذا النوع هو الذي وقع فيه الخلاف المشهور في حجية القياس. رابعًا: ينقسم الاجتهاد بالنظر إلى كون المسائل المجتهد فيها جديدة أو متقدمة إلى قسمين: مسائل لا قول لأحد من العلماء فيها، ومسائل تقدم لبعض العلماء فيها قول. فالقسم الأول: وقع فيه خلاف بين العلماء، أما القسم الثاني: فلا خلاف في جواز الاجتهاد فيه. والصحيح في القسم الأول الجواز (2) . قال ابن القيم: «إذا حدثت حادثة ليس فيها قول لأحد العلماء، فهل يجوز الاجتهاد فيها بالإفتاء والحكم أم لا؟ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يجوز، وعليه تدل فتاوى الأئمة وأجوبتهم، فإنهم كانوا يسألون عن

_ (1) الحديث رواه البخاري (4/163) برقم (1936، 1937) ، ومسلم (7/224) . (2) انظر: "شرح الكوكب المنير" (4/526) .

- الاجتهاد فيما لم يقع

حوادث لم تقع قبلهم فيجتهدون فيها، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر» (1) . وهذا يعم ما اجتهد فيه مما لم يعرف فيه قول من قبله، وما عرف فيه أقوالاً واجتهد في الصواب منها. وعلى هذا درج السلف والخلف، والحاجة داعية إلى ذلك لكثرة الوقائع واختلاف الحوادث» (2) . خامسًا: ينقسم الاجتهاد أيضًا بالنظر إلى المسائل المجتهد فيها من جهة وقوعها أو عدم وقوعها إلى قسمين: مسائل واقعة نازلة، ومسائل لم تقع. وقد تقدم آنفًا الكلام على القسم الأول، أما القسم الثاني وهو الاجتهاد في مسائل لم تقع فهذا فيه تفصيل لأهل العلم سيأتي بيانه إن شاء الله في شروط الاجتهاد (3) . سادسًا: ينقسم الاجتهاد بالنظر إلى بذل الوسع فيه إلى قسمين: اجتهاد تام، واجتهاد ناقص، فالاجتهاد التام ما كان بذل الوسع فيه إلى درجة يحس فيها المجتهد من نفسه العجز عن المزيد، والاجتهاد الناقص ما لم يكن كذلك، فيدخل فيه النظر المطلق في الأدلة لمعرفة الحكم (4) . ومعلوم أن المطلوب من المجتهد بذل غاية وسعه وطاقته كما سيأتي نقل ذلك عن الشافعي عند الكلام على شروط الاجتهاد (5) . سابعًا: ينقسم الاجتهاد إلى صحيح وفاسد. فالاجتهاد الصحيح هو الذي صدر من مجتهد توفرت فيه شروط الاجتهاد وكان هذا الاجتهاد في مسألة يسوغ فيها الاجتهاد.

_ (1) رواه البخاري (13/318) برقم (7352) ، ومسلم (12/13) بلفظ آخر. (2) "إعلام الموقعين" (4/265، 266) ، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في هذا الموضع أن الحق في هذه المسألة هو التفصيل، وهو: أن ذلك يجوز بل يستحب ويجب عند الحاجة وأهلية المفتي والحاكم، وإن عدم الأمران لم يجز، وإن وجد أحدهما دون الآخر جاز للحاجة دون عدمها. (3) انظر (ص476) من هذا الكتاب. (4) انظر: "روضة الناظر" (2/401) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (2/401، 402) . (5) انظر (ص 473) من هذا الكتاب.

- الرأي ثلاثة أقسام

أما الاجتهاد الفاسد، فهو: الذي صدر من جاهل بالكتاب والسنة ولغة العرب، لم تتوفر فيه شروط الاجتهاد، أو صدر من مجتهد أهل للاجتهاد لكنه وقع في غير موضعه من المسائل التي لا يصح فيه الاجتهاد (1) . قال ابن قدامة بعد ذكره لآثار عن السلف في ذم الرأي - في معرض جوابه عنها-: «قلنا هذا منهم ذم لمن استعمل الرأي، والقياس في غير موضعه أو بدون شرطه ... جواب ثانِ، أنهم ذموا الرأي الصادر عن الجاهل الذي ليس أهلاً للاجتهاد والرأي، ويرجع إلى محض الاستحسان ووضع الشرع بالرأي، بدليل أن الذين نقل عنهم هذا هم الذين نقل عنهم القول بالرأي والاجتهاد» (2) . ولابن القيم رحمه الله تعالى بحث نفيس في أنواع الرأي، أنقله فيما يأتي ملخصًا (3) . «الرأي ثلاثة أقسام: رأي باطل بلا ريب، ورأي صحيح، ورأي هو موضع الاشتباه. والأقسام الثلاثة قد أشار إليها السلف. فاستعملوا الرأي الصحيح، وعملوا به، وأفتوا به، وسوغوا القول به. وذموا الباطل، ومنعوا من العمل والفتيا والقضاء به، وأطلقوا ألسنتهم بذمه وذم أهله. والقسم الثالث سوغوا العمل والفتيا والقضاء به عند الاضطرار إليه، حيث لا يوجد منه بد، ولم يلزموا أحدًا العمل به، ولم يحرموا مخالفته، ولا جعلوا مخالفه مخالفًا للدين، بل غايته أنهم خيروا بين قبوله ورده، فهو بمنزلة ما أبيح للمضطر من الطعام والشراب الذي يحرم عند عدم الضرورة إليه. كما قال الإمام أحمد: سألت الشافعي عن القياس فقال لي: عند الضرورة

_ (1) انظر في المسألة الآتية: "شروط الاجتهاد" بيان من هو أهل للاجتهاد وبيان المسائل التي يجوز الاجتهاد فيها. (2) "روضة الناظر" (2/241، 242) . وانظر: "الفتاوى الكبرى" (6/145) . (3) انظر: "إعلام الموقعين" (1/67 - 85) .

وكان استعمالهم لهذا النوع بقدر الضرورة. لم يفرطوا فيه، ويفرعوه، ويولدوه، ويوسعوه، كما صنع المتأخرون بحيث اعتاضوا به عن النصوص والآثار، وكان أسهل عليهم من حفظها. أنواع الرأي الباطل: أ- الرأي المخالف للنص، وهذا مما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام فساده وبطلانه ولا تحل الفتيا به ولا القضاء، وإن وقع فيه من وقع بنوع تأويل وتقليد. ب- الكلام في الدين بالخرص والظن مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها، فإن من جهل النصوص وقاس برأيه من غير نظر إليها فقد وقع في الرأي المذموم الباطل. جـ- الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهلُ البدع والضلال، حيث استعملوا قياساتهم الفاسدة، وآراءهم الباطلة وشبههم الداحضة في رد النصوص الصحيحة الصريحة، فقابلوا هذه النصوص بالتحريف والتأويل، وقابلوا بالتكذيب معاني النصوص التي لم يجدوا إلى رد ألفاظها سبيلاً. د- الرأي الذي أحدثت به البدع، وغيرت به السنن، وعم به البلاء. فهذه الأنواع الأربعة من الرأي الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه وإخراجه من الدين. هـ- ما ذكره أبو عمر بن عبد البر عن جمهور أهل العلم، وهو استعمال الرأي في الوقائع قبل أن تنزل، وتفريع الكلام عليها قبل أن تقع، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات. أنواع الرأي المحمود: أ- رأي الصحابة رضي الله عنهم فهم أفقه الأمة وأبرها قلوبًا، وأقلها تكلفًا، الذين شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وفهموا مقاصد الشريعة. فحقيق أن يكون رأيهم لنا خيرًا من رأينا لأنفسنا، كيف لا وهو الرأي الصادر من قلوب ممتلئة نورًا وإيمانًا، وحكمة وعلمًا، ومعرفة وفهمًا عن الله

المسألة الثالثة: شروط الاجتهاد

ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ونصيحة للأمة، وقلوبهم على قلب نبيهم ولا وساطة بينهم وبينه، وهم ينقلون العلم والإيمان من مشكاة النبوة غضًا طريًّا، لم يشبه إشكال، ولم يشبه خلاف، ولم تدنسه معارضة، فقياس رأي غيرهم بآرائهم من أفسد القياس. ب- الرأي الذي تفسر به النصوص، ويبين وجه الدلالة منها، ويقررها ويوضح محاسنها ويسهل طرق الاستنباط منها. جـ- الرأي المجمع عليه، الذي تواطأت الأمة عليه وتلقاه خلفهم عن سلفهم، فإن ما تواطئوا عليه من الرأي لا يكون إلا صوابًا، كما أن ما تواطئوا عليه من الرواية والرؤيا لا يكون إلا صوابًا. د- الرأي الذي يكون بعد طلب علم الواقعة من القرآن فإن لم يجدها في القرآن ففي السنة، فإن لم يجدها في السنة فيما قضى به الخلفاء الراشدون أو اثنان منهم أو واحد، فإن لم يجده فبما قاله واحد من الصحابة رضي الله عنهم، فإن لم يجده اجتهد رأيه ونظر إلى أقرب ذلك من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأقضية أصحابه، فهذا هو الرأي الذي سوغه الصحابة واستعملوه، وأقر بعضهم بعضًا عليه» اهـ. المسألة الثالثة: شروط الاجتهاد يشترط لصحة الاجتهاد شروط، بعض هذه الشروط يرجع إلى المجتهد والبعض الآخر يرجع إلى المسائل المجتهد فيها. أما الشروط اللازم توفرها في المجتهد فيمكن إجمالها فيما يأتي (1) : أولاً: أن يحيط بمدارك الأحكام وهي: الكتاب والسنة والإجماع

_ (1) انظر: "الرسالة" (509 - 511) ، و"إبطال الاستحسان" (40) ، و"جامع بيان العلم وفضله" (2/61) ، و"روضة الناظر" (2/4091 - 406) ، و"مجموع الفتاوى" (20/583) ، و"إعلام الموقعين" (1/46) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/459 - 467) ، و"مذكرة الشنقيطي" (311، 312) .

والقياس والاستصحاب، وغيرها من الأدلة التي يمكن اعتبارها. وأن تكون لديه معرفة بمقاصد الشريعة، والمعتبر في ذلك أن يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام، ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، ومواقع الإجماع والخلاف، وصحيح الحديث وضعيفه. ثانيًا: أن يكون عالمًا بلسان العرب، ويكفي في ذلك القدر اللازم لفهم الكلام. ثالثًا: أن يكون عارفًا بالعام والخاص، والمطلق والمقيد، والنص والظاهر والمؤول، والمجمل والمبين، والمنطوق والمفهوم، والمحكم والمتشابه، والأمر والنهي. ولا يلزمه من ذلك إلا القدر الذي يتعلق بالكتاب والسنة ويدرك به مقاصد الخطاب ودلالة الألفاظ، بحيث تصبح لديه ملكة وقدرة على استنباط الأحكام من أدلتها. رابعًا: أن يبذل المجتهد وسعه قدر المستطاع وألا يقصر في البحث والنظر. قال الشافعي: «وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف عن نفسه حتى يعرف من أين قال ما يقول، وترك ما يترك» (1) . خامسًا: أن يستند المجتهد في اجتهاده إلى دليل، وأن يرجع إلى أصل. وقد بوب لذلك ابن عبد البر، فقال: «باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة» (2) . وبعد ذكره رحمه الله لبعض الآثار قال: «......هذا يوضح لك أن الاجتهاد لا يكون إلا على أصول يضاف إليها التحليل والتحريم، وأنه لا يجتهد إلا عالم بها، ومن أشكل عليه شيء لزمه الوقوف، ولم يجز له أن يحيل على الله قولاً في دينه لا نظير له من أصل، ولا هو في معنى أصل. وهو الذي لا خلاف فيه بين أئمة الأمصار قديمًا وحديثًا فتدبر» (3) . وقد ذكر ابن القيم – كما سبق نقل ذلك عنه (4) – أن من أنواع الرأي المذموم باتفاق السلف:

_ (1) "الرسالة" (511) . (2) "جامع بيان العلم وفضله" (2/55) . (3) المصدر السابق (2/57) . (4) انظر (ص471) من هذا الكتاب.

- الشروط اللازم توفرها في المسألة المجتهد فيها

الكلام في الدين بالخرص والتخمين، مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها. وبين أن من جهل النصوص والآثار وقاس برأيه من غير نظر إليها فقد وقع في الرأي المذموم (1) . وقد تقدم بيان تحريم القول على الله بدون علم (2) ، فهذا الشرط راجع إلى هذا الأصل. سادسًا: أن يكون المجتهد عارفًا بالواقعة، مدركًا لأحوال النازلة المجتهد فيها. قال الشافعي: «ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل، وحتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول به، دون التثبيت......» (3) . وقال ابن القيم: «وأما قوله (4) : (الخامسة معرفة الناس) فهذا أصل عظيم يحتاج إليه المفتي والحاكم، فإن لم يكن فقيهًا فيه، فقيهًا في الأمر والنهي، ثم يطبق أحدهما على الآخر، وإلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح، فإنه إذا لم يكن فقيها في الأمر، له معرفة بالناس تصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه، والمحق بصورة المبطل وعكسه، وراج عليه المكر والخداع والاحتيال.....» (5) . (تنبيه: قال ابن قدامة: «فأما العدالة فليست شرطًا لكونه مجتهدًا، بل متى كان عالمًا بما ذكرناه فله أن يأخذ باجتهاد نفسه، لكنها شرط لجواز الاعتماد على قوله، فمن ليس عدلاً لا تقبل فتياه» (6) . وأما الشروط اللازم توفرها في المسألة المجتهد فيها فيمكن إجمالها فيما يأتي:

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (1/68) . (2) انظر (ص355) من هذا الكتاب. (3) "الرسالة" (510) . (4) أي: الإمام أحمد وسيأتي نقل كلامه كاملاً. انظر (ص509) من هذا الكتاب. (5) "إعلام الموقعين" (4/204، 205) . (6) "روضة الناظر" (2/402) .

أولاً: أن تكون هذه المسألة غير منصوص (1) أو مجمع عليها. والدليل على هذا الشرط حديث معاذ - رضي الله عنه - المشهور (2) ، إذ جعل الاجتهاد مرتبة متأخرة إذا لم يوجد كتاب ولا سنة. وقد كان منهج الصحابة رضي الله عنهم النظر في الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم الاجتهاد (3) . ومعلوم أن الاجتهاد يكون ساقطًا مع وجود النص. قال ابن عبد البر: «باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة» (4) . وقال الخطيب البغدادي أيضًا: «باب في سقوط الاجتهاد مع وجود النص» (5) . وقال ابن القيم: «فصل في تحريم الإفتاء والحكم في دين الله بما يخالف النصوص، وسقوط الاجتهاد والتقليد عند ظهور النص، وذكر إجماع العلماء على ذلك» (6) . ثانيًا: أن يكون النص الوارد في هذه المسألة –إن ورد فيها نص– محتملاً، قابلاً للتأويل، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» (7) . فقد فهم بعض الصحابة من هذا النص ظاهره من الأمر بصلاة العصر في بني قريظة ولو بعد وقتها، وفهم البعض من النص الحث على المسارعة في السير مع تأدية الصلاة في وقتها ولم ينكر - صلى الله عليه وسلم - على الفريقين ما فهم،

_ (1) المراد بذلك ألا يوجد في المسألة نص أصلاً – وهذا ما ذكر في الشرط الأول – وإن وجد نص فيشترط أن يكون هذا النص محتملاً غير قاطع – وهذا ما ذكر في الشرط الثاني – ويمكن بيان المراد من هذين الشرطين وجمعهما في شرط واحد بأن يقال: يشترط ألا يوجد في المسألة نص قاطع ولا إجماع. انظر: "مذكرة الشنقيطي" (314، 315) . (2) انظر (ص190) من هذا الكتاب. (3) انظر: "إعلام الموقعين" (1/85، 61، 62، 84) وانظر (279) من هذا الكتاب. (4) "جامع بيان العلم وفضله" (2/55) . (5) "الفقيه والمتفقه" (1/206) . (6) "إعلام الموقعين" (2/279) . (7) رواه البخاري (7/407) برقم (4119) .

ولم يعنف الطرفين على ما فعل (1) . قال الشافعي: «قال: فما الاختلاف المحرم؟ قلت: كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصًا بينًا لم يحل الاختلافُ فيه لمن علمه، وما كان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياسًا، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، وإن خالفه فيه غيره، لم أقل: إنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص» (2) . وقد استدل الشافعي على أن الاختلاف مذموم فيما كان نصه بينًا بقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4] ، وقوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105] . وقد عد ابن تيمية ذلك من أسٍباب الاختلاف بين العلماء فقال: «.......وتارة يختلفون في كون الدلالة قطعية لاختلافهم في أن ذلك الحديث: هل هو نص أو ظاهر؟ وإذا كان ظاهرًا فهل فيه ما ينفي الاحتمال المرجوح أو لا؟» (3) . ثالثًا: ألا تكون المسألة المجتهد فيها من مسائل العقيدة، فإن الاجتهاد والقياس خاصان بمسائل الأحكام على النحو الذي سبق بيانه في القياس (4) . قال ابن عبد البر: «قال أبو عمر: لا خلاف بين فقهاء الأمصار وسائر أهل السنة - وهم أهل الفقه والحديث - في نفي القياس في التوحيد وإثباته في الأحكام، إلا داود بن علي بن خلف الأصبهاني ثم البغدادي (5) ومن قال بقوله

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (3/344) . (2) "الرسالة" (560) . (3) "مجموع الفتاوى" (20/259) . (4) انظر (ص183، 194) من هذا الكتاب. (5) هو: داود بن علي بن خلف الأصبهاني ثم البغدادي، الفقيه المشهور بالظاهري، وكان صاحب مذهب مستقل، وتبعه جمع يعرفون بالظاهرية، وكان ولده أبو بكر محمد على مذهبه، توفي سنة (270هـ) . انظر: "وفيات الأعيان" (2/255) ، و"شذرات الذهب" (2/158) .

فإنهم نفوا القياس في التوحيد والأحكام جميعًا.....» (1) . وعد ابن القيم (2) من أنواع الرأي المذموم باتفاق سلف الأمة الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلال (3) . رابعًا: أن تكون المسألة المجتهد فيها من النوازل، أو مما يمكن وقوعه في الغالب والحاجة إليه ماسة. أما استعمال الرأي قبل نزول الواقعة والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات والاستغراق في ذلك، فهو مما كرهه جمهور أهل العلم واعتبروا ذلك تعطيلاً للسنن وتركًا لما يلزم الوقوف عليه من كتاب الله عز وجل ومعانيه (4) . وقد استدل الجمهور على ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته» (5) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال» (6) . قال ابن القيم: «ولكن إنما كانوا [أي الصحابة رضي الله عنهم} يسألونه [أي النبي - صلى الله عليه وسلم -] عما ينفعهم من الواقعات، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به فإذا وقع بهم أمر سألوا عنه فأجابهم، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} [المائدة: 101، 102] . ولم ينقطع حكم هذه الآية، بل لا ينبغي للعبد أن يتعرض للسؤال عما إن

_ (1) "جامع بيان العلم وفضله" (2/74) . (2) انظر: "إعلام الموقعين" (1/68) وانظر (ص471) من هذا الكتاب. (3) سبق التنبيه على حكم القياس في باب التوحيد وما يجوز منه وما لا يجوز انظر (ص 183) من هذا الكتاب. (4) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/139) ، و"إعلام الموقعين" (1/69) ، و"جامع العلوم والحكم" (1/240 - 252) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/584 - 588) . (5) رواه البخاري (13/264) برقم (7289) واللفظ له، ومسلم (15/110) . (6) رواه البخاري (13/340) ، برقم (1477) ، ومسلم (12/12) .

المسألة الرابعة: حكم الاجتهاد

بدا له ساءه، بل يستعفي ما أمكنه ويأخذ بعفو الله ... » (1) . فعلم بذلك أن المجتهد لا ينبغي له أن يبحث ابتداء في مسألةٍ لا تقع، أو وقوعها نادر، لكن إن سئل عن مسألة من هذا القبيل، فهذه قضية أخرى، لعل الكلام عليها أليق بمسائل الفتوى. المسألة الرابعة: حكم الاجتهاد والكلام على هذه المسألة في جهتين: الجهة الأولى: حكم الاجتهاد إجمالاً. الجهة الثانية: حكم الاجتهاد على التفصيل. 1- أما حكم الاجتهاد على سبيل الإجمال، فالقول بجواز الاجتهاد مذهب الجمهور (2) . قال ابن تيمية: «والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد جائز في الجملة» (3) . والأدلة على ذلك كثيرة منها: أ- قول الله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 78، 79] . دل قوله تعالى: {إِذْ يَحْكُمَانِ} على أن داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام حكما في هذه الحادثة معًا، كل منهما بحكم مخالفٍ للآخر، ولو كان وحيًا لما ساغ الخلاف، فدل على أن الحكم الصادر من كل منهما اجتهاد.

_ (1) "إعلام الموقعين" (1/71، 72) ، وانظر (1/85) منه، و"تفسير ابن كثير" (2/109) . (2) انظر: "الرسالة" (487) ، و"جامع بيان العلم وفضله" (2/55) ، و"الفقيه والمتفقه" (1/199) . (3) "مجموع الفتاوى" (20/203) .

- اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم -

يؤيد ذلك قوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} إذ خص الله سليمان عليه الصلاة والسلام بتفهيمه الحكم الصحيح، ولو كان الحكم نصًا لاشترك في فهمه الاثنان عليهما الصلاة والسلام (1) . ب- قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» (2) . جـ- حديث معاذ - رضي الله عنه - المشهور، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بعثه إلى اليمن، قال له: «بم تحكم؟» قال بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد؟» قال: بسنة رسول الله، قال: «فإن لم تجد؟» قال اجتهد رأيي، قال: فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدره وقال: «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» (3) . د- وقوع الاجتهاد منه - صلى الله عليه وسلم - في وقائع كثيرة منها (4) : أنه أخذ الفداء في أسرى بدر (5) ، ولذلك عاتبه الله فقال سبحانه: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ} [الأنفال: 67] . هـ- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لأصحابه -رضوان الله عليهم- بالاجتهاد، وكان يقرهم على الصواب من اجتهاداتهم (6) . فمن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن معاذ (7) - رضي الله عنه - لما حكمه في بني قريظة: «لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل» (8) .

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/224) ، و"أضواء البيان" (4/596، 597) . (2) رواه البخاري ومسلم. وقد تقدم تخريجه. انظر (ص465) . (3) سبق تخريجه. انظر (191) . (4) انظر: "روضة الناظر" (2/409) ، و"إعلام الموقعين" (1/198) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/476) . (5) انظر ذلك في الحديث الذي رواه مسلم (12/84) . (6) انظر: "روضة الناظر" (2/407) ، و"إعلام الموقعين" (1/203) ، و"زاد المعاد" (3/394) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/481) . (7) هو: سعد بن معاذ بن النعمان الأنصاري، سيد الأوس، شهد بدرًا، ورمي بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهرًا حتى حكم في بني قريظة، ثم انتقض جرحه فمات وذلك سنة خمس للهجرة. انظر: "الاستيعاب" (2/25) ، و"الإصابة" (2/35) . (8) رواه البخاري (6/165) برقم (3043) ، ومسلم (12/95) واللفظ له.

المسألة الخامسة: هل كل مجتهد مصيب

2- أما حكم الاجتهاد على وجه التفصيل، فإنه قد يجب وقد يحرم، وقد يستحب وقد يكره، وقد يكون مباحًا. وذلك يختلف بحسب أهلية المجتهد، وحسب نوع المسألة المنظور فيها، وحسب الحاجة إليها، وحسب الوقت (1) . * فيكون الاجتهاد واجبًا: إذا كان المجتهد أهلاً للاجتهاد، وكانت المسألة مما يسوغ فيه الاجتهاد، وقد قامت الحاجة الشديدة إلى معرفة الحكم مع ضيق الوقت. * ويكون مستحبًا إذا لم تكن الحاجة قائمة وكان الوقت متسعًا مع كون المجتهد أهلاً للاجتهاد. * ويكون محرمًا إذا لم يكن المجتهد أهلاً ولم توجد الحاجة لذلك، أو كان أهلاً لكن كانت المسألة مما لا يجوز فيه الاجتهاد؛ بأن كان الحكم منصوصًا أو مجمعًا عليه. * ويكون مكروهًا إذا كان المجتهد أهلاً وكانت المسألة مما يستبعد وقوعه. * ويكون مباحًا إذا كان المجتهد أهلاً وكانت المسألة مما يمكن وقوعه، وكان الوقت متسعًا. المسألة الخامسة: هل كل مجتهد مصيب؟ الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل، إذ إن الإصابة لفظ مجمل. ذلك أن الإصابة قد يراد بها إصابة الحق، بمعنى: مجانبة الخطأ. وقد يراد بها إصابة الأجر والثواب، بمعنى: انتفاء الإثم (2) .

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (4/157، 219، 266) . وانظر شروط الاجتهاد السابق بيانها في المسألة الثالثة. (2) انظر: "منهاج السنة" (6/27، 28) .

- هل الحق عند الله واحد أو متعدد؟

فإذا أريد بالإصابة إصابة الحق فهذا لا يتضح إلا بعد معرفة: هل الحق عند الله واحد أو متعدد؟ فإن كان الحق عند الله واحدًا فلا شك أن بعض المجتهدين مصيب وبعضهم مخطئ، وإن كان الحق عند الله متعددًا فكل مجتهد مصيب غير مخطئ. وبيان هذا موضعه في الجانب الأول. وإذا أريد بالإصابة إصابة الأجر وانتفاء الإثم عن المجتهدين فهذا يحتاج إلى تفصيل، وهذا بيانه في الجانب الثاني. الجانب الأول: هل الحق عند الله واحد أو متعدد؟ طرح الإمام الشافعي هذا السؤال ثم أجاب عليه، قال رحمه الله: «فإن قال قائل: أرأيت ما اجتهد فيه المجتهدون كيف الحق فيه عند الله؟ قيل: لا يجوز فيه عندنا - والله تعالى أعلم – أن يكون الحق فيه عند الله كله إلا واحدًا؛ لأن علم الله عز وجل وأحكامه واحدٌ لاستواء السرائر والعلانية عنده، وأن علمه بكل واحدٍ جل ثناؤه سواء» (1) . وقد بوب ابن عبد البر لذلك، فقال: «باب ذكر الدليل في أقاويل السلف على أن الاختلاف خطأ وصواب» (2) . وبعد أن ذكر آثارًا في ذلك، قال رحمه الله: «هذا كثير في كتب العلماء، وكذلك اختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم من المخالفين (3) وما رد بعضهم على بعض؛ لا يكاد يحيط به كتاب، فضلاً عن أن يُجمع في باب، وفيما ذكرنا منه دليل على ما عنه سكتنا، وفي رجوع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضهم إلى بعض، ورد بعضهم على بعض دليل واضح على أن اختلافهم عندهم خطأ وصواب. ولذلك كان يقول كل واحد منهم: جائز ما قلت أنت، وجائز ما قلت أنا، وكلانا نجم يُهتدي به، فلا علينا شيء من اختلافنا.

_ (1) "إبطال الاستحسان" (41) . (2) "جامع بيان العلم وفضله" (2/85) . (3) في الأصل: "المخالفين". والتصويب من الطبعة المحققة: (2/919) "تحقيق أبي الأشبال الزهيري"

- هل المجتهد إذا أخطأ الحق معذور؟ مذهب السلف وأدلتهم، وضوابط ذلك عندهم.

والصواب مما اختلف فيه وتدافع وجه واحد، ولو كان الصواب في وجهين متدافعين ما خطأ السلف بعضهم بعضًا في اجتهادهم وقضائهم وفتواهم. والنظر يأبى أن يكون الشيء وضده صوابًا كله» (1) . ومن الأدلة على أن بعض المجتهدين مصيب وبعضهم مخطئ: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» (2) . فقسم - صلى الله عليه وسلم - المجتهدين إلى مصيب له أجران، ومخطئ له أجر، فعُلم بذلك أن الحق عند الله واحد، غير متعدد، وأن المصيب من المجتهدين واحد، وليس كل مجتهد مصيبًا (3) . الجانب الثاني: لا خلاف بين أهل العلم في أن المجتهد - الذي توفرت الشروط في اجتهاده - إذا أصاب الحق له أجران (4) ، للحديث المتقدم، لكن المسألة التي وقع فيها نزاع بين العلماء هي: هل المجتهد - الذي توفرت الشروط في اجتهاده - المخطئ للحق، المخالف للصواب، معذور أو لا؟ وهل يأثم أو لا يأثم؟ مذهب السلف من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان (5) : أنهم لا يكفرون، ولا يفسقون، ولا يؤثمون أحدًا من المجتهدين المخطئين لا في مسألة علمية ولا عملية، ولا في الأصول ولا في الفروع، ولا في القطعيات ولا في الظنيات (6) .

_ (1) "جامع بيان العلم وفضله" (2/87، 88) . (2) سبق تخريجه انظر (469) . (3) انظر: "روضة الناظر" (2/414، 420) ، و"مجموع الفتاوى" (20/27، 19/123) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/488) . (4) انظر: "مجموع الفتاوى" (13/124، 19/213، 20/19) . (5) انظر: "الفقيه والمتفقه" (2/64، 65) ، و"مجموع الفتاوى" (19/207، 123، 142، 216، 213، و13/124، 125، و29/43، 44، و20/31 - 36، 252 - 254، 280) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/491) . (6) خلافًا لمن قال: ليس للحادثة عند الله حكم في نفس الأمر، وإنما حكمه في حق كل مكلف يتبع اجتهاد المكلف واعتقاده. انظر تفصيل ذلك في: "مجموع الفتاوى" (19/143 - 152، 302) وما بعدها.

وذلك وفق الضوابط الآتية (1) : 1- أن يكون مع هذا المجتهد المخطئ مقدارٌ ما من الإيمان بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. أما من لم يؤمن أصلاً فهو كافر، لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد، لظهور أدلة الرسالة وأعلام النبوة. ولأن العذر بالخطأ حكم شرعي خاص بهذه الأمة كما جاءت النصوص بذلك (2) . فمن كان مؤمنًا بالله جُملة وثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة. 2- أن يكون ذا نية صادقة في إرادة الحق والوصول إلى الصواب. أما أهل الجدال والمراء، وأصحاب الأغراض السيئة والمقاصد الخبيثة، فلكل منهم ما نوى، والحكم في ذلك للظاهر، والله يتولى السرائر. 3- أن يبذل المجتهد وسعه، ويستفرغ طاقته، ويتقي الله ما استطاع، ثم إن أخطأ لعدم بلوغ الحجة، أو لوجود شبهة، أو لأجل تأويل سائغ، فهو معذور ما لم يفرط. أما إن فرط في شيء من ذلك، فلم تبلغه الحجة بسبب تقصيره، أو بلغته لكنه أعرض عنها لشبهة يعلم فسادها، أو تأول الدليل تأويلاً لا يسوغ، فإنه والحالة كذلك لا يُعذر، وعليه من الإثم بقدر تفريطه. ومن الأدلة على ما ذهب إليه سلف هذه الأمة ما يأتي: 1- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله، فقال لأهله: إذا أنا مت فخذوني، فذروني في البحر في يوم صائف. ففعلوا به. فجمعه الله، ثم قال: ما حملك على الذي صنعت؟ قال: ما حملني عليه إلا مخافتك، فغفر له» (3) . قال ابن تيمية: «فهذا الرجل ظن أن الله لا يقدر عليه إذا تفرق هذا التفرق، فظن أنه لا يعيده إذا صار كذلك. وكل واحدٍ من إنكار قدرة الله تعالى، وإنكار معاد الأبدان وإن تفرقت،

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (12/493، 20/256) ، و"طريق الهجرتين" (411 – 414) . (2) انظر (347) وما بعدها من هذا الكتاب. (3) رواه البخاري (11/312) برقم (6480) .

المسألة السادسة: تنبيهات

كفر، لكنه كان مع إيمانه بالله وإيمانه بأمره وخشيته منه جاهلاً بذلك، ضالاً في هذا الظن مخطئًا، فغفر الله له ذلك» (1) . 2- ما تقدم من الأدلة على اعتبار المقاصد والنيات في الأحكام الشرعية والثواب والعقاب (2) . 3- ما تقدم من الأدلة على أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها وأن التكاليف الشرعية مشروطة بالممكن من العلم والقدرة (3) . 4- ما تقدم من الأدلة على أن الجهل عذر شرعي، وأن الحكم لا يثبت في حق المكلف والحجة لا تقوم عليه إلا بعد علمه بالأمر والنهي (4) . 5- أن جعل الدين قسمين: أصولاً وفروعًا، لم يكن معروفًا لدي السلف (5) ، وكذلك تقسيم المسائل إلى قطعية وظنية لا يستقيم، لأن كون المسألة قطعية أو ظنية أمر إضافي بحسب حال المعتقد (6) ، ثم إن الله رفع الخطأ دون تفريق بين كونه في مسألة قطعية أو ظنية (7) . المسألة السادسة: تنبيهات 1- لا يجوز أن يخلو عصر عن قائم لله بحجته (8) .

_ (1) "مجموع الفتاوى" (11/409) . (2) انظر (ص 362) من هذا الكتاب. (3) انظر (ص 339) من هذا الكتاب. (4) انظر (ص342- 345) من هذا الكتاب. (5) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/207 - 212، و6/56 - 61) ، ففي هذا الموضع ذكر ابن تيمية تفصيلاً لهذا التقسيم. وللاستزادة في قضية تقسيم الدين إلى أصول وفروع ينظر بالإضافة إلى ما سبق: "مختصر الصواعق المرسلة" (489 - 495) ، و"حقيقة البدعة وأحكامها" (2/60) وما بعدها، و (2/309 - 314) ، و"منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد" (1/246 - 249) . (6) انظر (ص80) من هذا الكتاب. (7) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/210، 211) ، وانظر (ص347) من هذا الكتاب. (8) انظر: "مفتاح دار السعادة" (1/143، 144) ، و"إعلام الموقعين" (2/276) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/564) ، و"أضواء البيان" (7/580) .

- متى يكون الخلاف في المسائل الاجتهادية رحمة بالأمة؟

وقد بوب الخطيب البغدادي لهذه المسألة بقوله: «ذكر الرواية أن الله تعالى لا يخلي الوقت من فقيه أو متفقه» (1) . ومن الأدلة على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» (2) . وقوله: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» (3) . ومن المتفق عليه أن هذه الأمة معصومة عن إضاعة الحق أو جهل نص محتاج إليه، بالنسبة لجميع العلماء، أما بالنسبة لبعضهم فقد يخطئ العام، أو يجهل العالم النص (4) . فإذا ثبت أن الحق لا يمكن أن يضيع عن عامة الأمة، لزم أن يقوم بهذا الحق قائم واحد على الأقل. 2- أن الخلاف في المسائل الاجتهادية فيه رحمة بالأمة، إذا التزم في هذا الخلاف بالشرع. قال ابن تيمية: «والنزاع في الأحكام قد يكون رحمةً إذا لم يُفضِ إلى شر عظيم من خفاء الحكم، ولهذا صنف رجل كتابًا سماه كتاب الاختلاف، فقال أحمد: سمه كتاب السعة، وأن الحق في نفس الأمر واحد، وقد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه لما في ظهوره من الشدة عليه، ويكون من باب قوله تعالى: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] » (5) . 3- من الأحكام المترتبة على المسائل الاجتهادية (6) :

_ (1) "الفقيه والمتفقه" (1/30) . (2) سبق تخريجه انظر (ص18) . (3) رواه أبو داود في "سننه" (4/109) برقم (4291) وصححه الألباني. انظر: "السلسلة الصحيحة" (2/150) برقم (599) . (4) انظر (ص180) من هذا الكتاب. (5) "مجموع الفتاوى" (14/159) . وانظر منه (30/79) . (6) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/207، و30/79، 80، و35/232، 233، 212، 213، و29/43، 44) ، و"إعلام الموقعين" (1/49،و3/288، 289) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/492) .

- أهمية التفريق بين المسائل الخلافية والمسائل الاجتهادية

أ- أنه لا يجوز الإنكار على المخالف، فضلاً عن تفسيقه أو تأثيمه أو تكفيره. ب- أن سبيل الإنكار إنما يكون ببيان الحجة وأيضاًح المحجة. جـ- أن المجتهد ليس له إلزام الناس باتباع قوله. د- أن غير المجتهد يجوز له اتباعُ أحد القولين إذا تبينت له صحته، ثم يجوز له تركه إلى القول الآخر اتباعًا للدليل. هـ- لا يصح للمجتهد أن يقطع بصواب قوله وخطأ من خالفه فيما إذا كانت المسألة محتملة. و أن الخلاف في المسائل الاجتهادية لا يخرج المختلفين من دائرة الإيمان إذا ردوا ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. ز- أن المجتهد يجب عليه اتباع ما أداه إليه اجتهاده، ولا يجوز له ترك ذلك إلا إذا تبين له خطأ ما ذهب إليه أولاً، فيصح أن يرد عن المجتهد قولان متناقضان في وقتين مختلفين لا في وقت واحد. حـ- أن المجتهد في مسائل الاجتهاد بين الأجر والأجرين، وذلك إذا اتقى الله في اجتهاده. ط- أن المسائل الاجتهادية ظنية في الغالب، بمعنى أنه لا يقطع فيها بصحة هذا القول أو خطئه، لكن قد توجد مسائل يسوغ فيها الاجتهاد وهي قطعية يقينية، يجزم فيها بالصواب، وذلك أن المجتهد قد يخالف الصواب دون تعمد، إما لتعارض الأدلة أو خفائها، فلا طعن على من خالف في مثل ذلك. 4- إذا علم أن للمسائل الاجتهادية أحكامًا تخصها، لزم التفريق بين المسائل الاجتهادية والمسائل الخلافية. إذ يجب الإنكار على المخالف في المسائل الخلافية غير الاجتهادية، كمن خالف في قولٍ يخالف سنة ثابتة، أو إجماعًا شائعًا. وكذلك يجب الإنكار على العمل المخالف للسنة أو الإجماع بحسب

- من أسباب الخلاف بين العلماء

درجات إنكار المنكر (1) . 5- ما مضى بيانه من الشروط اللازم توفرها في المجتهد، لا تشترط في العمل بالوحي، إذ العمل بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - واجب على جميع المكلفين (2) ، ولا يشترط في ذلك سوى شرط واحد، وهو العلم بحكم ما يُعمل به منهما (3) . 6- من أسباب الخلاف بين العلماء (4) : أ- ألا يكون الحديث قد بلغ الواحد منهم. ب- أن يكون الحديث قد بلغه، لكنه لم يثبت عنده. جـ- أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده، لكن نسيه. د- اعتقاده ألا دلالة في الآية أو الحديث. هـ- اعتقاده أن دلالة النص صحيحة، لكنه يعتقد أن تلك الدلالة قد عارضها ما يدل على ضعف النص أو نسخه أو تأويله. 7- من الأعذار التي تُلتمس للعلماء في اختلافاتهم: أ- أنهم ليسوا معصومين، بل إن تطرق الخطأ لرأي العالم أكثر من تطرقه إلى الأدلة الشرعية؛ إذ كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5) . ب- تفاوت المدارك والأفهام، فإن إدراك الكلام وفهم وجوهه بحسب منح الله سبحانه ومواهبه (6) .

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (3/288، 289) . (2) وهذا ما يسمى بالاتباع. انظر (ص504، 505) من هذا الكتاب. (3) انظر: "أضواء البيان" (7/477 – 479) . (4) انظر: "الرسالة" (330) ، و"مجموع الفتاوى" (20/233 – 250) ، و"الصواعق المرسلة" (2/520 – 603) . (5) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/91) ، و"مجموع الفتاوى" (20/211، 250، 256، 293، 211) . (6) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/245) .

جـ- أن الإحاطة بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تكن لأحد من هذه الأمة (1) . د- أن ترك السنة ومخالفها لا يثبت عن أحد من العلماء إلا بسبب ولعذر، لما علم من عدالتهم وإمامتهم، وأنهم متفقون على وجوب اتباع السنة (2) . هـ- حصول بعض الانحرافات في نسبة المذاهب إلى أهلها. فمن ذلك: أن يكون هذا القول لم يقله الإمام وإنما هو قول لبعض المتأخرين من اتباعه، أو قاله الإمام وغلط بعض أصحابه فيه، أو قاله الإمام فزيد عليه أو أن يفهم من كلامه ما لم يرده، أو يجعل كلامه عامًا أو مطلقًا وليس كذلك، أو أن يكون عنه في المسألة اختلاف فيتمسكون بالقول المرجوح، أو أنه لم يقل مع كون لفظه محتملاً لما نُقل عنه، أو أنه قد قال وأخطأ (3) . ****

_ (1) انظر المصدر السابق (20/233، 238) . (2) انظر المصدر السابق (20/232، 256) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/184 – 187) ، و"أضواء البيان" (7/576، 580) .

المبحث الثاني: التقليد

المبحث الثاني: التقليد وفي هذا المبحث أربع مسائل: المسألة الأولى: تعريف التقليد. المسألة الثانية: حكم التقليد. المسألة الثالثة: التمذهب. المسألة الرابعة: تنبيهات.

المسألة الأولى: تعريف التقليد

المسألة الأولى: تعريف التقليد التقليد لغة: جعل القلادة في العنق، والقلادة معروفة وهي ما تضعه المرأة في عنقها (1) . واصطلاحًا: هو اتباع قول الغير من غير معرفة دليله (2) . ويمكن بيان هذا التعريف في الآتي (3) : 1- أن التقليد هو الأخذ بقول الغير، أما الأخذ بالكتاب والسنة والإجماع فلا يسمى تقليدًا وإنما هو اتباع، فيكون المراد من قول الغير اجتهاده. 2- أن التقليد لا يكون إلا مع عدم معرفة الدليل، وهذا إنما يتأتى من العامي المقلد الجاهل الذي لا قدرة له ولا نظر له في الأدلة. أما من له القدرة على النظر في الأدلة فإن أخذه بقول الغير إن تبين له صوابه لا يكون تقليدًا، بل هذا ترجيح واختيار، أما إن أخذ بقول الغير دون نظر في الأدلة مع كونه قادرًا على النظر فهو مقلد، ولا يعذر مع القدرة كما سيأتي. 3- موضع التقليد هو موضع الاجتهاد، فما جاز فيه الاجتهاد من المسائل جاز فيه التقليد، وما حرم فيه الاجتهاد حرم فيه التقليد. والمقلد تابع للمجتهد في اجتهاده، يلزمه تقليده، وليس له أن يرجح أو يصوب أو يخطئ؛ إذ لا قدرة له على ذلك، لذلك ساغ تسمية التقليد تقليدًا، فكأن المقلد وضع أمره وفوضه إلى المجتهد كالقلادة إذا جعلت في العنق.

_ (1) انظر: "المصباح المنير" (512) . (2) انظر: "روضة الناظر" (2/450) ، و"مجموع الفتاوى" (35/233) ، و"نزهة الخاطر العاطر" (2/450) ، و"أضواء البيان" (7/485، 486) ، و"مذكرة الشنقيطي" (314) . (3) انظر المصادر السابقة.

المسألة الثانية: حكم التقليد

المسألة الثانية: حكم التقليد التقليد جملة جائز للعامة الذين لا قدرة لهم على النظر في الأدلة واستنباط الأحكام منها. قال ابن عبد البر: «ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المرادون بقول الله عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، الأنبياء: 7] ، وأجمعوا على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره ممن يثق بميزه بالقبلة إذا أشكلت عليه، فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين به لا بد له من تقليد عالمه» (1) . وقال ابن تيمية: «والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد جائز في الجملة، والتقليد جائز في الجملة، ولا يوجبون الاجتهاد على كل أحد ويحرمون التقليد، ولا يوجبون التقليد على كل أحد ويحرمون الاجتهاد» (2) . أما حكم التقليد على وجه التفصيل فمنه ما هو جائز، ومنه ما ليس بجائز (3) . أما التقليد الجائز فهو ما تحققت فيه الشروط الآتية: 1- أن يكون المقلد جاهلاً، عاجزًا عن معرفة حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، أما القادر على الاجتهاد فالصحيح أن يجوز له التقليد حيث عجز عن الاجتهاد إما لتكافؤ الأدلة، وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور دليل له، فإنه حيث عجز سقط عنه وجوب الاجتهاد وانتقل إلى بدله وهو التقليد (4) . 2- أن يقلد من عرف بالعلم والاجتهاد من أهل الدين والصلاح (5) .

_ (1) "جامع بيان العلم وفضله" (2/115) . (2) "مجموع الفتاوى" (20/203، 204) . (3) انظر المصدر السابق (20/18، 204) ، و"أضواء البيان" (7/487) . (4) انظر: "الفقيه والمتفقه" (2/68، 69) ، و"مجموع الفتاوى" (20/225) . (5) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/115) ، و"مجموع الفتاوى" (20/225) .

- أنواع التقليد المذموم

3- ألا يتبين للمقلد الحق وألا يظهر له أن قول غير مقلده أرجح من قول مقلده، أما إن تبين له ذلك أو عرف الحق وفهم الدليل فإن التقليد والحالة كذلك لا يجوز بل الواجب عليه اتباع ما تبينت صحته (1) . 4- ألا يكون في التقليد مخالفة واضحة للنصوص الشرعية أو لإجماع الأمة (2) . 5- ألا يلتزم المقلد مذهب إمام بعينه في كل المسائل، بل عليه أن يتحرى الحق، ويتبع الأقرب للصواب، ويتقي الله ما استطاع (3) . وعليه – في المقابل – ألا يتنقل بين المذاهب تتبعًا للرخص وبحثًا عن الأسهل على نفسه والأقرب لهواه (4) . وأما التقليد المذموم فهو أنواع، منها: 1- الإعراض عما أنزل الله، وعدم الالتفات إليه اكتفاءً بتقليد الآباء، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان: 21] (5) . 2- تقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل لأن يؤخذ بقوله، قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] (6) . 3- تقليد قول من عارض قول الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، كائنًا من كان ذلك المعارض، قال تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3] (7) . 4- التقليد بعد وضوح الحق ومعرفة الدليل (8) .

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/261، 20/225) . (2) انظر المصدر السابق (19/260، 261) ، و"أضواء البيان" (7/486) . (3) انظر (ص 496) من هذا الكتاب فيما يتعلق بضوابط التمذهب. (4) انظر (ص502) من هذا الكتاب فيما يتعلق بتتبع الرخص. (5) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/110) ، و"مجموع الفتاوى" (19/260، و20/15، 16) ، و"إعلام الموقعين" (2/187، 188) . (6) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/115) ، و"مجموع الفتاوى" (20/17) ، و"إعلام الموقعين" (2/187، 188) . (7) انظر: "مجموع الفتاوى" (19/262) . (8) انظر: "إعلام الموقعين" (2/187، 188) .

المسألة الثالثة: التمذهب

5- تقليد المجتهد القادر على الاجتهاد مع اتساع الوقت وعدم الحاجة (1) . 6- تقليد مجتهدٍ واحدٍ بعينه في جميع اجتهاداته، وهذا ما سيأتي بيانه في المسألة الآتية. المسألة الثالثة: التمذهب وفي هذه المسألة أربعة أمور: (الأمر الأول: الموقف من الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، رحمهم الله تعالى. قال الشيخ الشنقيطي: «اعلم أن موقفنا من الأئمة رحمهم الله، من الأربعة وغيرهم هو موقف سائر المسلمين المنصفين منهم، وهو موالاتهم ومحبتهم، وتعظيمهم وإجلالهم، والثناء عليهم بما هم عليه من العلم والتقوى، واتباعهم في العمل بالكتاب والسنة وتقديمهما على رأيهم، وتعلم أقوالهم للاستعانة بها على الحق، وترك ما خالف الكتاب والسنة منها. أما المسائل التي لا نص فيها، فالصواب النظر في اجتهادهم فيها، وقد يكون اتباع اجتهادهم أصوب من اجتهادنا لأنفسنا؛ لأنهم أكثر علمًا وتقوى منا، ولكن علينا أن ننظر ونحتاط لأنفسنا في أقرب الأقوال إلى رضي الله وأحوطها وأبعدها من الاشتباه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (2) ، وقال: «فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه» (3) .

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (2/69) . (2) رواه الترمذي (4/668) برقم (2518) ، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني. انظر: "صحيح الجامع" (2/637) برقم (3378) . (3) رواه البخاري (1/126) برقم (52) ، ومسلم واللفظ له (11/26) ، وهو قطعة من حديث مضى تخريجه في (ص349) من هذا الكتاب.

وحقيقة القول الفصل في الأئمة رحمهم الله أنهم من خيار علماء المسلمين، وأنهم ليسوا معصومين من الخطأ، فكل ما أصابوا فيه فلهم فيه أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وما أخطئوا فيه فهم مأجورون فيه باجتهادهم، معذورون في خطئهم، فهم مأجورون على كل حال، لا يلحقهم ذم ولا عيب ولا نقص في ذلك. ولكن كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - حاكمان عليهم وعلى أقوالهم كما لا يخفي: فلا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم فلا تك ممن يذمهم وينتقصهم، ولا ممن يعتقد أقوالهم مغنية عن كتاب الله وسنة رسوله أو مقدمة عليهما» (1) . والمقصود أنه لا بد من الجمع بين أمرين عظيمين، أحدهما أعظم من الآخر (2) : (الأمر الأول: هو النصيحة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولكتابه ولدينه، وتنزيه هذا الدين عن الأقوال الباطلة. (والأمر الثاني: هو معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم، وحقوقهم، ومراتبهم. فالنصيحة لدين الله توجب رد بعض أقوالهم، وترك جملة من اجتهاداهم، وليس في ذلك تنقص لهم ولا إهدار لمكانتهم. وكذلك فإن معرفة فضل الأئمة لا يوجب قبول كل ما قالوه. فهذان طرفان جائران عن القصد، وقصد السبيل بينهما: الطرف الأول: القول بعصمة الأئمة وأنهم لا يخطئون، وقبول جميع أقوالهم، ولو خالفت الحق. الطرف الثاني: تأثيم الأئمة والوقيعة بهم، وإهدار جميع أقوالهم ولو وافقت الحق.

_ (1) "أضواء البيان" (7/555، 556) . (2) انظر: "الفتاوى الكبرى" (6/92 – 94) ، و"إعلام الموقعين" (3/282، 283) .

- الأحوال التي يجوز فيها الالتزام بأحد المذاهب الفقهية

قال ابن القيم بعد أن قرر ما مضى: «ولا منافاة بين هذين الأمرين لمن شرح الله صدره للإسلام، وإنما يتنافيان عند أحد رجلين: جاهل بمقدار الأئمة وفضلهم، أو جاهل بحقيقة الشريعة التي بعث الله بها رسوله. ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلة، هو فيها معذور، بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يُتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين» (1) . (الأمر الثاني: حكم التزام مذهب معين من المذاهب الفقهية المعروفة. قال ابن القيم: «وهل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا؟ فيه مذهبان: أحدهما: لا يلزمه. وهو الصواب المقطوع به؛ إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دينه دون غيره، وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة، مبرأ أهلها من هذه النسبة» (2) . فتبين بذلك أن التزام مذهب معين لا يجوز، هذا هو الأصل. إلا أن هذا ليس على إطلاقه، بل قد يجوز التزام مذهب معين في أحوال معينة، منها: 1- إذا لم يستطع العبد أن يتعلم دينه إلا بالتزام مذهب معين (3) . 2- أن يترتب على التزام مذهب معين دفُع فسادٍ عظيمٍ لا يتحقق دفعه إلا بذلك (4) . وعلى كل فالضابط لجواز التزام مذهب معين النظر في المصالح والمفاسد، فإن كان في الالتزام بمذهبٍ معينٍ تحقيق لمصالح عظمى جاز ذلك.

_ (1) "إعلام الموقعين" (3/283) . (2) "إعلام الموقعين" (4/261، 262) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (11/514، 20/209) . (4) انظر المصدر السابق.

- ضوابط الالتزام بمذهب معين

وهذا الجواز أيضاً لا بد فيه من ضوابط، بيانها على النحو الآتي: (الأمر الثالث: ضوابط جواز الالتزام بمذهب معين. إذا جاز الالتزام بمذهب معين فلا بد أن يراعى في ذلك ما مضى من شروط جواز التقليد (1) ، إضافة إلى الآتي: (الضابط الأول: ألا يكون هذا الالتزام سبيلاً لاتخاذ هذا المذهب دعوة يُدعى إليها، ويوالي ويعادي عليها، مما يؤدي إلى الخروج عن جماعة المسلمين وتفريق وحدة صفهم. فإن أهل البدع هم الذين ينصبون لهم شخصًا أو كلامًا يدعون إليه ويوالون به ويعادون عليه. أما أهل السنة فإنهم لا يدعون إلا إلى اتباع كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما اتفقت عليه الأمة، فهذه أصول معصومة، دون ما سواها. والمقصود أن أهل الإيمان لا يخرجهم تنازعهم في بعض مسائل الأحكام عن حقيقة الإيمان، كما علم ذلك من تنازع الصحابة رضي الله عنهم في كثير من مسائل الأحكام (2) . (الضابط الثاني: ألا يعتقد أنه يجب على جميع الناس اتباعُ واحدٍ بعينه من الأئمة دون الإمام الآخر، وأن قوله هو الصواب الذي ينبغي اتباعه دون قول من خالفه، فمن اعتقد هذا كان جاهلاً ضالاً. بل غاية ما يقال: إنه يسوغ أو ينبغي أو يجب على العام أن يقلد واحدًا لا بعينه، من غير تعيين زيد ولا عمرو (3) . (الضابط الثالث: أن يعتقد أن هذا الإمام الذي التزم مذهبه ليس له من الطاعة إلا لأنه مبلغ عن الله دينه وشرعه، وإنما تجب الطاعة المطلقة العامة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - فلا يجوز أن يأخذ بقولٍ أو يعتقده؛ لكونه قول إمامه، بل لأجل

_ (1) انظر (ص491) من هذا الكتاب. (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/163، 164، 11/514، 22/251 -253) ، و"إعلام الموقعين" (1/49) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (222/248، 249) ، و"إعلام الموقعين" (4/262) .

- التنبيه على محاذير وقع فيها بعض المنتسبين للمذاهب

أن ذلك مما أمر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - (1) . (الضابط الرابع: أن يحترز من الوقوع في شيء من المحاذير التي وقع فيها بعض المتمذهبين، ومن ذلك: الأمر الرابع: التنبيه على محاذير وقع فيها بعض المنتسبين للمذاهب. ? المحذور الأول: التعصب والتفرق، ووقوع الفتن بين أهل المذاهب. ومعلوم أن الاعتصام بالجماعة والائتلاف أصل من أصول الدين، والمسائل المتنازع عليها بين هذه المذاهب من الفروع، فكيف يقدح الأصلُ بحفظ الفرع! وقد حصل بسبب ذلك تسلطُ الأعداء على المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله (2) . ? المحذور الثاني: الإعراض عن الوحي، وعدم الانتفاع بنصوص الكتاب والسنة، والاستغناء عنه بأقوال الرجال، ووزن ما جاء به الكتاب والسنة على رأي المتبوعين (3) . ? المحذور الثالث: الانتصار للمذاهب بالأحاديث الضعيفة والآراء الفاسدة، وترك ما صح وثبت من الأحاديث النبوية (4) . ? المحذور الرابع: تنزيل الإمام المتبوع في أتباعه منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمته، وذلك إذا التزم هؤلاء الأتباعُ قول إمامهم في كل ما قال. قال ابن تيمية: «أما وجوب اتباع القائل في كل ما يقوله، من غير ذكر دليل يدل على صحة ما يقول فليس بصحيح، بل هذه المرتبة هي مرتبة الرسول التي لا تصلح إلا له» (5) . وقال أيضاً: «وهذا تبديل للدين، يشبه ما عاب الله به النصارى في

_ (1) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/8، 9، 17، 223، 224) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (22/254) ، و"إعلام الموقعين" (2/275) . (3) انظر: "مجموع الفتاوى" (10/367، 21/150) . (4) انظر المصدر السابق (22/255، 24/154) . (5) المصدر السابق (35/121) . وانظر: "إعلام الموقعين" (2/192) .

المسألة الرابعة: تنبيهات

قوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] . والله سبحانه وتعالى أعلم، والحمد لله وحده» (1) . المسألة الرابعة: تنبيهات 1- اتباع الوحي، والعمل بالنصوص، والأخذ بالأدلة الشرعية، أصل عظيم من أصول هذا الدين. بل إنه مقتضى توحيد الله والإيمان به. قال شارح الطحاوية: «.........فهما توحيدان، لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما، توحيد المرسل، وتوحيد متابعة الرسول، فلا نحاكم إلى غيره، ولا نرضى بحكم غيره» (2) . والأدلة على وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة لا تكاد تحصر. فمن ذلك قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3] . وقوله: {قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32] . وقوله: [فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء: 59] . وقد صنف أئمة السلف كتبًا في هذا الأصل العظيم، وعقدوا أبوابًا. فمن ذلك كتاب "الطاعة" للإمام أحمد (3) ، وكتاب «الاعتصام بالكتاب والسنة» للإمام البخاري وهو جزء من صحيحه (4) ، وغير ذلك (5) .

_ (1) "مجموع الفتاوى" (20/216) . (2) "شرح العقيدة الطحاوية" (217) . (3) انظر: "إعلام الموقعين" (2/290 - 293) . (4) انظر: "صحيح البخاري" (13/245 - 344) . (5) انظر (ص554) فقرة رقم (29) من هذا الكتاب.

- الفرق بين الاتباع والتقليد

2- لا بد من التفريق بين الاتباع والتقليد. ذلك أن الاتباع هو اتباع الدليل والعمل بالوحي، فقد سمى الله العمل بالوحي اتباعًا في مواضع كثيرة، منها: قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الأعراف: 3] ، {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [الأنعام: 106] ، {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 155] . فمحمل الاتباع إذن هو كل حكم ظهر دليله من الكتاب أو السنة أو الإجماع. أما محل التقليد فهو محل الاجتهاد، فلا اجتهاد ولا تقليد في نصوص الوحي الصحيحة، الواضحة الدلالة، السالمة من المعارض (1) . ولا يشترط في الاتباع والعمل بالوحي سوى العلم بما يعمل، ولا يتوقف ذلك على تحصيل شروط الاجتهاد، كما تقدم التنبيه على ذلك (2) . 3-الصحيح أن إيمان المقلد معتبر، ولا يشترط في الإيمان النظر والاستدلال (3) . فإن الصحابة رضي الله عنهم فتحوا البلاد وقبلوا إيمان العجم والأعراب والعوام وإن كان تحت السيف أو تبعًا لكبير منهم أسلم، ولم يأمروا أحدًا منهم بترديد نظرً، ولا سألوه عن دليل تصديقه، ولا أرجئوا أمره حتى ينظر. ولأنه يجب على كل أحدٍ أن يؤمن بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - إيمانًا عامًا مجملاً، أما معرفة ذلك على وجه التفصيل فهو فرض كفاية على المؤمنين. وما يجب على أعيانهم فهو يتنوع بتنوع قدرهم، وحاجتهم، ومعرفتهم، وما أمر به أعيانهم، ولا يجب على العاجز عن سماع بعض العلم أو عن فهم دقيقه ما يجب على القادر على ذلك.

_ (1) انظر (ص 475) من هذا الكتاب فيما يتعلق بسقوط الاجتهاد عند وجود النص. (2) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/109) وما بعدها، و"إعلام الموقعين" (2/190، 200، 201) ، و"أضواء البيان" (7/547 – 550) وانظر (ص468) فقرة رقم (5) من هذا الكتاب. (3) انظر: "النبوات" لابن تيمية (61، 62، 69، 72) ، و"مجموع الفتاوى" (19/118، 119) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (66، 67) ، و"لوامع الأنوار" (1/270) .

- ما ثبت عن الأئمة من النهي عن تقليدهم

فالمقصود أن ذلك مشروط بالاستطاعة والقدرة. قال شارح الطحاوية: «ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة ألا إله إلا الله، لا النظر، ولا القصد إلى النظر، ولا الشك، كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم. بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان، ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقيب بلوغه، بل يؤمر بالطهارة والصلاة إذا بلغ أو ميز عند من يرى ذلك» (1) . 4- ثبت عن الأئمة الأربعة وغيرهم النهي عن تقليدهم. قال ابن تيمية: «واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصومًا في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا قال غير واحد من الأئمة: «كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -» . وهؤلاء الأئمة الأربعة رضي الله عنهم قد نهوا الناس عن تقليدهم في كل ما يقولونه، وذلك هو الواجب عليهم. فقال أبو حنيفة: هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت، فمن جاء برأي خير منه قبلناه،.......ومالك كان يقول: إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة، أو كلامًا هذا معناه. والشافعي كان يقول: إذ صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط، وإذا رأيت الحجة موضوعة على الطريق فهي قولي.....، والإمام أحمد كان يقول: لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكًا، ولا الشافعي، ولا الثوري (2) ، وتعلموا كما تعلمنا. وكان يقول: من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال. وقال: لا تقلد دينك الرجال فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا» (3) .

_ (1) "شرح العقيدة الطحاوية" (75) . (2) هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، أبو عبد الله، كان إمامًا في علم الحديث وغيره من العلوم، أجمع الناس على دينه وثقته، وهو أحد الأئمة المجتهدين، توفي سنة (161هـ) . انظر: "وفيات الأعيان" (2/386) ، و"شذرات الذهب" (1/250) . (3) "مجموع الفتاوى" (20/211، 212) . وانظر: "إعلام الموقعين" (2/200، 201) ، و"أضواء البيان" (7/539 – 542) .

- أعذار المقلدين في تقليدهم والجواب عليها

5- من الأعذار الواهية التي يعتذر بها المقلدون في تقليدهم (1) : أ- ظنهم أن الإمام الذي قلدوه لا بد أن يكون قد اطلع على جميع معاني الكتاب والسنة ولم يفته من ذلك شيء. ب- ظنهم أن الإمام لو أخطأ في بعض الأحكام وقلدوه في ذلك الخطأ كان لهم من العذر في الخطأ والأجر مثل ما لذلك الإمام. جـ- قولهم: إن هؤلاء الأئمة أعلم فاجتهادهم أولى من اجتهادنا. والجواب عن هذه الأعذار – على الترتيب – أن يقال: أ- إن الأئمة كلهم معترفون بأنهم لم يحيطوا بجميع نصوص الوحي، وكثرة علم العالم لا تستلزم اطلاعه على جميع النصوص. ثم إن الإمام قد يطلع على الحديث ولكن يكون السند الذي بلغه به ضعيفًا، فيتركه، وقد يترك الحديث لشيء يظنه أرجح منه، والواقع أن الحديث أرجح، فالحاصل أن ظن الإحاطة بجميع النصوص ليس صحيحًا قطعًا (2) . ب- أن الإمام الذي قلدوه قد بذل جهده وعمل ما يجب عليه فهو جدير بالعذر إن أخطأ في اجتهاده. أما المقلدون فقد تركوا النظر في الكتاب والسنة وأعرضوا عن تعلمهما، ونزلوا أقوال الرجال منزلة الوحي المنزل من عند الله. فهذا الفرق العظيم بين الإمام وبين مقلديه يدل دلالة واضحة على أنهم ليسوا مأجورين في الخطأ كحال الإمام، إذ إن هؤلاء المقلدين قد فرطوا وقصروا وأعرضوا. جـ- أن العلماء إما أن يتفقوا فاتفاقهم على حكم حجة، وهو الحق الذي يجب اتباعه، وإما أن يختلفوا، فما الحجة في تقليد بعضهم دون بعض، وكلهم عالم، فلعل الذي رغبت عن قوله أعلم من الذي ذهبت إلى مذهبه.

_ (1) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/117، 118) ، و"إعلام الموقعين" (2/198، 199) ، و"أضواء البيان" (7/533 – 539) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (20/233 – 239) ، وقد ذكر ابن تيمية في هذا الموضع أمثلة على خفاء بعض السنن على أعلم هذه الأمة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.

- المنع من تتبع الرخص

فإن قال: قلدتُه لأن قوله هو الصواب، طولب بالدليل وكان هذا إبطالاً للتقليد. وإن قال: قلدتُه لأنه أعلم الناس، قيل له: فهو إذن أعلم من الصحابة، وكفى بقولٍ مثل هذا قبحًا. 6- نقل ابنُ عبد البر الإجماع على المنع من تتبع الرخص، والأخذ بما يوافق الهوى والغرض من أقوال العلماء (1) . وقال ابن القيم: «وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتخير وموافقة الغرض، فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرض من يحابيه فيعمل به، ويفتي به، ويحكم به، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده، وهذا من أفسق الفسوق، وأكبر الكبائر، والله المستعان» (2) . ذلك أنه لا أحد من العلماء يقول بإباحة جميع الرخص، فإن القائل بالرخصة في هذا المذهب لا يقول بالرخصة الأخرى في المذهب الآخر. 7- صح وثبت أن العالم يزل ويخطئ، لأنه ليس معصومًا، فلا يجوز قبول كل ما يقوله، وهذا من أقوى الأدلة على فساد التقليد (3) . قال ابن القيم: «والمصنفون في السنة جمعوا بين فساد التقليد وإبطاله وبين زلة العالم، ليبينوا بذلك فساد التقليد» (4) . ****

_ (1) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/92) ، و"إعلام الموقعين" (4/211) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/577 – 579) . (2) "إعلام الموقعين" (4/211) . (3) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/111) ، و"مجموع الفتاوى" (20/274) ، و"الفتاوى الكبرى" (6/94) . (4) "إعلام الموقعين" (2/192) .

المبحث الثالث: الفتوى

المبحث الثالث الفتوى وفي هذا المبحث سبع مسائل: المسألة الأولى: تعريف الفتوى. المسألة الثانية: أهمية منصب الفتوى وخطورته. المسألة الثالثة: حكم الفتوى. المسألة الرابعة: أنواع الفتاوى. المسألة الخامسة: شروط المفتي وصفاته وآدابه. المسألة السادسة: آداب المستفتي. المسألة السابعة: تنبيهات.

المسألة الأولى: تعريف الفتوى

المسألة الأولى: تعريف الفتوى الفتوى والفتيا لغة: بيان الحكم (1) . واصطلاحًا: بيان الحكم الشرعي (2) . وهذا التعريف شامل لما أخبر به المفتي مما نص عليه الكتابُ والسنةُ، أو أجمعت عليه الأمة، ولما استنبطه وفهمه باجتهاده (3) . المسألة الثانية: أهمية منصب الفتوى وخطورته ويمكن أيضاًح ذلك فيما يأتي: 1- أن المفتي موقع عن رب العالمين. قال ابن القيم: «وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات؟ فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب، فقال تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} [النساء: 127] ، وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفًا وجلالة» (4) . 2- أن المفتي من شأنه إصدار الفتاوى في ساعته بما يحضره من

_ (1) انظر: "مختار الصحاح" (491) ، و"المصباح المنير" (462) . (2) أضاف البعض أن يكون ذلك جوابًا لسؤال، وأن يكون ممن يعرف دليله. (3) انظر: "إعلام الموقعين" (1/36، 4/174، 196) . (4) المصدر السابق (1/10، 11) .

المسألة الثالثة: حكم الفتوى

القول، فلا يتهيأ له من الصواب ما يتهيأ لمن أطال النظر وتثبت كالقاضي (1) . 3- أن فتوى المفتي - وإن لم تكن ملزمة - حكم عام يتعلق بالمستفتي وبغيره، فالمفتي يحكم حكمًا عامًا كليًا أن من فعل كذا ترتب عليه كذا، ومن قال كذا لزمه كذا، بخلاف القاضي فإن حكمه جزئي خاص على شخصٍ معينٍ لا يتعداه إلى غيره (2) . المسألة الثالثة: حكم الفتوى (3) لما كان حكم الفتوى مما تتطرق إليه الأحكام التكليفية الخمسة حسن توضيح ذلك فيما يأتي: أ- حكم الإفتاء في الأصل جائز فقد ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يفتون الناس، فمنهم المكثر في ذلك والمقل، وكذلك كان في التابعين وتابعيهم ومن بعدهم (4) . فلا بد للناس من علماء يسألونهم، ومفتين يستفتونهم. قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، الأنبياء: 7] . وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال» (5) .

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (1/36) . (2) انظر المصدر السابق (1/38) . (3) ينظر في حكم الفتوى ما سبق بيانه في حكم الاجتهاد، إذ الفتوى والاجتهاد باب واحد. وذلك في (ص478- 480) من هذا الكتاب، وينظر كذلك ما مضى تقريره في مسألة تأخير البيان عن وقت الحاجة متى يجوز ومتى يجب ومتى يحرم؟ إذ الفتوى بيان الحكم الشرعي. وذلك (ص391، 392) من هذا الكتاب. (4) انظر: "إعلام الموقعين" (1/11 - 28) . (5) قال ذلك للصحابة الذين أفتوا بالاغتسال للرجل الذي أصابه احتلام فاغتسل فمات، فلما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال: «قتلوه قتلهم الله.....» إلخ. والحديث رواه أبو داود في "سننه" (1/93) برقم (336) ، وابن ماجه في "سننه" (1/189) برقم (572) ، وصححه الألباني. انظر: "صحيح الجامع" (2/804) برقم (4362، 4363) .

ب- وقد يكون الإفتاء واجبًا. وذلك إذا كان المفتي أهلاً للإفتاء، وكانت الحاجة قائمة، ولم يوجد مفتٍ سواه، فيلزمه والحالة كذلك فتوى من استفتاه، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159] ، وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187] . وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من سئل من علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» (1) . جـ- وقد يكون الإفتاء مستحبًا إذا كان المفتي أهلاً، وكان في البلد غيره، ولم تكن هنالك حاجة قائمة (2) . د- وقد يحرم على المفتي الإفتاء. وذلك إذا لم يكن عالمًا بالحكم، لئلا يدخل تحت قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] . فجعل الله القول عليه بلا علم من المحرمات التي لا تباح بحال، ولهذا حصر التحريم فيها بصيغة الحصر (3) . وكذلك يحرم الإفتاء فيما إذا عرف المفتي الحق؛ فلا يجوز له أن يفتي بغيره، فإن من أخبر عما يعلم خلافه فهو كاذب على الله عمدًا، وقد قال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60] . والكاذب على الله أعظم جرمًا ممن أفتى بغير علم (4) . هـ- ويكره للمفتي أن يفتي في حال غضب شديد، أو جوعٍ مفرطٍ، أو

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (2/182) ، و"إعلام الموقعين" (4/157، 222) والحديث رواه أبو داود في "سننه" واللفظ له (3/321) برقم (3658) ، وابن ماجه (1/96) وما بعدها برقم (261، 264 – 266) ، والترمذي (5/29) برقم (2649) وحسنه، وصححه الألباني. انظر: "صحيح الجامع" (2/1077) برقم (6284) . (2) انظر: "شرح الكوكب المنير" (4/583) . (3) انظر: "إعلام الموقعين" (4/173، 157) . (4) انظر: "إعلام الموقعين" (4/173) .

المسألة الرابعة: أنواع الفتاوى

هم مقلق، أو خوفٍ مزعج، أو نعاسٍ غالبٍ، أو شغلِ قلبٍ مستولٍ عليه، أو حالِ مدافعةِ الأخبثين. بل متى أحس من نفسه شيئًا من ذلك يخرجه عن حال اعتداله وكمال تثبته وتبينه أمسك عن الفتوى (1) . و وعلى كل، فالضابط لحكم الإفتاء النظر إلى المصالح والمفاسد. قال ابن القيم: «.....هذا إذا أمن المفتي غائلة الفتوى، فإن لم يأمن غائلتها وخاف من ترتب شر أكثر من الإمساك عنها أمسك عنها، ترجيحًا لدفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما. وقد أمسك النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نقض الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم لأجل حدثان عهد قريش بالإسلام (2) وأن ذلك ربما نفرهم عنه بعد الدخول فيه. وكذلك إن كان عقل السائل لا يحتمل الجواب عما سأل عنه، وخاف المسئول أن يكون فتنة له، أمسك عن جوابه» (3) . وفي المسألة الآتية (أنواع الفتاوى) بيان لبعض الأحكام المتعلقة بالفتوى مما يتصل بالنظر إلى المصلحة والمفسدة. المسألة الرابعة: أنواع الفتاوى (أولاً: بالنسبة لقصد السائل فإن الأسئلة تتنوع إلى أنواع، وبحسبها تكون الفتوى: فقد يرد السؤال عن حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد يرد السؤال عن قول إمام بعينه، وقد يرد السؤال عما ترجح لدى المفتي. والواجب على المفتي أن يُجيب السائل عما سألَ. ففي القسم الأول عليه أن يبين حكم الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إذا عرفه، لا يسعه غير ذلك.

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (4/27) . (2) ورد ذلك في حديث رواه البخاري (6/407) برقم (3368) . (3) "إعلام الموقعين" (4/157، 158) .

- حكم الفتوى فيما لم يقع

وفي القسم الثاني له أن يخبر عن قول ذلك الإمام، لكن عليه أن يتثبت وألا ينسب القول إلى ذلك الإمام إلا إذا علم يقينًا أنه قوله ومذهبه. وفي القسم الثالث له أن يخبر بما عنده مما يغلب على ظنه أنه الصواب بعد بذل الجهد والنظر. قال ابن القيم بعد أن ذكر الأقسام الماضية: «فلينزل المفتي نفسه في منزلة من هذه المنازل الثلاث، وليقم بواجبها، فإن الدين دين الله، والله سبحانه ولا بد سائله عن كل ما أفتى به، وهو موقره عليه، ومحاسب ولا بد. والله المستعان» (1) . (ثانيًا: بالنسبة لوقوع الحادثة أو عدم وقوعها تتنوع الفتاوى إلى ما يأتي (2) : 1- أن يسأل المستفتي عما وقع له وهو محتاج إلى السؤال وقد حضره وقت العمل فيجب على المفتي - إن لم يوجد غيره - المبادرة إلى جوابه على الفور، ولا يجوز تأخير بيان الحكم عن وقت الحاجة. 2- أن يسأل عن الحادثة قبل وقوعها له، فهذه لا تخلو من ثلاث حالات: أ- أن يكون في المسألة نص من كتاب أو سنة أو إجماع، فيجوز للمفتي ولا يجب عليه بيان الحكم، وذلك بحسب الإمكان. ب- أن تكون الحادثة بعيدة الوقوع أو غير ممكنة الوقوع، وإنما هي من المقدرات، فيكره للمفتي الكلام فيها؛ لأن السلف كانوا يكرهون الكلام عما لم يقع، ولأن الفتوى بالرأي إنما تجوز للضرورة وليست هناك ضرورة. جـ- أن تكون الحادثة غير نادرة الوقوع، وغرض السائل الإحاطة بعلمها، ليكون على بصيرة إذا وقعت، فيستحب للمفتي الجواب بما يعلم إن رأى المصلحة في ذلك.

_ (1) "إعلام الموقعين" (4/177) . (2) انظر المصدر السابق (4/157، 222) ، وانظر من هذا الكتاب (477) فيما يتعلق بحكم الاجتهاد في المسألة قبل وقوعها، و (ص516) فيما يتعلق بحكم سؤال المستفتي عما لا يقع.

المسألة الخامسة: شروط المفتي وصفته وآدابه

المسألة الخامسة: شروط المفتي وصفته وآدابه (أولاً: شروط المفتي (1) : أ- أن يكون عالمًا، قد توفرت فيه شروط الاجتهاد السابق ذكرها (2) . ب- أن يكون عدلاً، متصفًا بالصدق والأمانة (3) . قال ابن القيم: «ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتية إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالمًا بما يبلغ، صادقًا فيه. ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله» (4) . (ثانيًا: صفات المفتي: للمفتي خصال لا بد أن يتحلى بها في نفسه وفي سائر حاله. قال الإمام أحمد: «لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أولها: أن تكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور. الثانية: أن يكون له علم، وحلم، ووقار، وسكينة. الثالثة: أن يكون قويًا على ما هو فيه، وعلى معرفته. الرابعة: الكفاية، وإلا مضغه الناس. الخامسة: معرفة الناس» (5) .

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (2/156) ، و"إعلام الموقعين" (1/44 - 47، 4/174، 220) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/557) . (2) انظر (ص 472) من هذا الكتاب. (3) انظر: "روضة الناظر" (2/402) . (4) "إعلام الموقعين" (1/10) . (5) المصدر السابق (4/199) . وانظر: "شرح الكوكب المنير" (4/550 - 552) .

- آداب المفتي

قال ابن القيم: «فإن هذه الخمسة هي دعائم الفتوى، وأي شيء نقص منها ظهر الخلل في المفتي بحسبه» (1) . (ثالثًا: آداب المفتي: للمفتي آداب ينبغي أن يتحلى بها قبل إصداره الفتوى، وأثناء الفتوى، وبعدها، فمن ذلك: 1- ألا يفتي في مسألة يكفيه غيره إياها، فقد كان السلف رضي الله عنهم يتدافعون الفتوى، ويتورعون عن الإفتاء، ويود أحدهم أن يكفيه الجواب غيره، فإذا رأى أنها قد تعينت عليه بذل جهده في معرفة حكمها مستعينًا بالله تعالى (2) . 2- ألا يتسرع في إصدار الفتوى إن تعينت عليه، بل عليه أن يتأمل وينظر، ولا يبادر إلى الجواب إلا بعد استفراغ الوسع، وبذل الجهد، وحصول الاطمئنان (3) . لذلك كان على المفتي: 3- أن يستشير من يثق بدينه وعلمه، ولا يستقل بالجواب ذهابًا بنفسه وارتفاعًا بها، فقد قال الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ} [آل عمران: 159] ، وأثنى على المؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم. هذا إذا لم يعارض ذلك مفسدة من إفشاء سر السائل أو تعريضه للأذى، أو مفسدة لبعض الحاضرين (4) . لذلك فإن على المفتي: 4- أن يحفظ أسرار الناس، وأن يستر ما اطلع عليه من عوراتهم (5) . 5- إذا اعتدل عند المفتي قولان أو لم يعرف الحق منهما فلم يتبين له الراجح من القولين فالأظهر أنه يتوقف ولا يفتي بشيء (6) .

_ (1) "إعلام الموقعين" (4/199) . (2) انظر: "جامع بيان العلم وفضله" (2/163) ، و"الفقيه والمتفقه" (2/160) ، و"إعلام الموقعين" (1/33) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/588) . (3) انظر المصادر السابقة. (4) انظر: "إعلام الموقعين" (4/256، 257) . (5) انظر المصدر السابق (4/257) . (6) انظر: "الفقيه والمتفقه" (2/170) ، و"إعلام الموقعين" (4/157، 238) ، وانظر رقم (12) من هذه الآداب.

6- للمفتي أن يدل المستفتي على عالم غيره، لكن على المفتي أن يتقي الله ويرشده إلى رجل سُنة، فإنه إما أن يكون معينًا على البر والتقوى، أو على الإثم والعدوان (1) . وهذه الدلالة وذلك التوقف إنما يجوز بالتفصيل الآتي: 7- إذا كانت الفتوى مخالفة لغرض السائل فإن على المفتي أن يفتي بالحق الذي يعتقده، ولا يسعه أن يتوقف في الإفتاء به إذا خالف غرض السائل؛ فإن ذلك إثم عظيم، وكيف يسعه من الله أن يقدم غرض السائل على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا يجوز له أيضاً أن يدله على مفتٍ أو مذهبٍ يكون غرضه عنده (2) . 8- ذكر الدليل والتعليل، فإن جمال الفتوى وروحها هو الدليل، وقول المفتي إذا ذكر معه الدليل حجة يحرم على المستفتي مخالفتها، ويبرئ المفتي من عهدة الإفتاء بلا علم، ومن تأمل فتاوى النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قوله حجة بنفسه رآها مشتملة على التنبيه على حكمة الحكم، ونظيره، ووجه مشروعيته. ومن ذلك: نهيه عن الخذف (3) ، وتعليل ذلك بأنه: «يفقأ العين ويكسر السن» (4) . وكذلك أحكام القرآن فإن الله يرشد إلى مداركها وعللها، كقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] (5) . 9- التوطئة للحكم إذا كان مستغربًا لم تألفه النفوس بما يؤذن به ويدل عليه، ويقدم بين يديه مقدمات تؤنس به (6) . 10- الإرشاد إلى البديل المناسب، فإن من فقه المفتي ونصحه إذا منع

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (4/207) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/589) . (2) انظر: "إعلام الموقعين" (4/258، 259) ، وانظر رقم (10) من هذه الآداب. (3) الخذف: هو رمي الحصاة ونحوها بطرفي الإبهام والسبابة. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" (2/16) ، و"المصباح المنير" (165) . (4) رواه البخاري (10/599) برقم (6220) ، ومسلم (13/105) . (5) انظر: "إعلام الموقعين" (4/161 – 163، 259، 260) . (6) انظر: "إعلام الموقعين" (4/163، 164) ، و"زاد المعاد" (3/309) .

المستفتي مما يحتاجه أن يدله على ما هو عوض له منه، فإذا سد عليه باب المحظور فتح له باب المباح، فمتى وجد المفتي للسائل مخرجًا مشروعًا أرشده إليه ونبهه عليه، كما قال تعالى لأيوب عليه الصلاة والسلام لما حلف أن يضرب زوجته مائة: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] (1) . 11- ينبغي للمفتي أن يفتي بلفظ النص مهما أمكنه، فإن النص يتضمن الحكم والدليل مع البيان التام، فهو حكم مضمون له الصواب، متضمن للدليل عليه في أحسن بيان. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم إذا سئلوا عن مسألة يقولون: قال الله كذا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، أو فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، ولا يعدلون عن ذلك ما وجدوا إليه سبيلاً (2) . ويحرم على المفتي أن يفتي بضد لفظ النص (3) ، بل عليه أن يتبع النص ولو خالف مذهبه، وبيان ذلك: 12- يجب على المفتي أن يفتي بالحق ولو خالف مذهبه (4) . وعليه أن يجعل مذهبه ثلاثة أقسام (5) : أ- قسم، الحق فيه ظاهر، بين، موافق للكتاب والسنة، فهذا يفتي به مع طيب نفس وانشراح صدر. ب- قسم، مرجوحٌ ومخالفه معه الدليل، فهذا لا يفتي به. جـ- قسمٌ، من مسائل الاجتهاد التي الأدلة فيها متجاذبة، فهذا قد يفتي به وقد لا يفتي، حسب النظر. 13- ينبغي على المفتي أن يبين للسائل الجواب بيانًا مزيلاً للإشكال، متضمناً لفصل الخطاب، كافيًا في حصول المقصود، لا يحتاج معه إلى غيره، ولا يوقع السائل في الحيرة والإشكال.

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (2/194) ، و"إعلام الموقعين" (4/159) . (2) انظر: "إعلام الموقعين" (4/170 – 172) . (3) انظر المصدر السابق (4/239) . (4) انظر المصدر السابق (4/177، 236) . (5) انظر: "إعلام الموقعين" (4/237) .

ولا يكون كالمفتي الذي سُئل عن مسألة في المواريث فقال: يُقسم بين الورثة على فرائض الله عز وجل. وسئل آخر عن مسألة فقال: فيها قولان، ولم يزد. وهذا حيد عن الفتوى، إلا أن المفتي المتمكن من العلم المضطلع به قد يتوقف في المسألة المتنازع فيها فلا يقدم على الجزم بغير علم، وغاية ما يمكنه أن يذكر الخلاف فيها للسائل (1) . وهذا كثير في أجوبة الإمام الشافعي وأحمد، فلا بأس من الجواب بذكر الخلاف إن كان المفتي متوقفًا (2) . 14- ينبغي للمفتي إذا كان السؤال محتملاً استفصالُ السائل، وعدم إطلاق الجواب إلا إذا علم أنه أراد نوعًا من تلك الأنواع الممكنة في المسألة. فمتى دعت الحاجة إلى الاستفصال استفصل، ومتى كان الاستفصال لا يحتاج إليه تركه. فإذا سئل عن مسألة من الفرائض لم يجب عليه أن يذكر موانع الإرث؛ فيقول: بشرط ألا يكون كافرًا، ولا رقيقًا، ولا قاتلاً. وإذا سئل عن فريضة فيها أخ وجب عليه أن يقول: إن كان لأب فله كذا، وإن كان لأم فله كذا (3) . 15- ينبغي للمفتي أن ينبه على وجه الاحتراز مما قد يذهب إليه الوهم على خلاف الصواب، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» (4) . فإن نهيه عن الجلوس فيه نوع تعظيمٍ لها، لذا عقبه بالنهي عن المبالغة في تعظيمها حتى تجعل قبلة (5) . 16- لا يجوز للمفتي أن يشهد على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بأنه أحل كذا أو حرمه، إلا لما يعلم أن الأمر فيه كذلك مما نص الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على حله أو

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (4/177 - 179) . (2) انظر المصدر السابق (4/157، 238) . (3) انظر: "إعلام الموقعين" (4/187 - 195، 255، 256) . (4) رواه مسلم (7/38) . (5) انظر: "إعلام الموقعين" (4/160، 161) .

تحريمه، والأولى أن يقول: نكره كذا، نرى هذا حسنًا، ينبغي هذا، لا نرى هذا، ونحو ذلك مما نقل عن السلف في فتاواهم (1) . 17- ينبغي للمفتي إذا نزلت به المسألة أن يتوجه إلى الله بصدقٍ وإخلاصٍ أن يلهمه الصواب ويفتح له طريق السداد، ويدله على حكمه الذي شرعه في المسألة، فإذا استفرغ وسعه في التعرف على الحكم فإن ظفر به أخبر به، وإن اشتبه عليه بادر إلى التوبة والاستغفار والإكثار من ذكر الله. فإن العلم نور الله يقذفه في قلب عبده، والهوى والمعصية عاصفة تطفئ ذلك النور أو تكاد، ولا بد أن تضعفه. ومما يجدر الدعاء به (2) : ما ورد في الحديث الصحيح: «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» (3) . وكان بعض السلف يقرأ الفاتحة. وكان بعضهم يقول عند الإفتاء: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32] . وبعضهم يقول: «يا معلم إبراهيم علمني» . وبعضهم يقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله» . وبعضهم يقول: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 25 – 28] . 18- يجوز للمفتي بل يجب عليه أن يغير فتواه إذا تبين له أنها خطأ، ولأجل هذا خرج عن بعض الأئمة في المسألة قولان فأكثر، وهذا لا يقدح في علم المفتي ولا في دينه، بل هو دليل على تقواه وسعة علمه.

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (1/39، 4/175) . (2) انظر: "إعلام الموقعين" (4/172، 257، 258) ، و"شرح العقيدة الطحاوية" (229، 230) . (3) رواه مسلم (6/56) .

المسألة السادسة: آداب المستفتي

ولا يجب عليه والحالة كذلك أن يخبر المستفتي إن كان قد عمل بالفتوى الأولى، إلا إن ظهر للمفتي الخطأ قطعًا لكونه خالف نصًا لا معارض له أو إجماع الأمة، فعليه إعلام المستفتي في هذه الحالة (1) . المسألة السادسة: آداب المستفتي 1- على المستفتي أن يجتهد في البحث عن المفتي الأعلم والأدين؛ لأنه المستطاع من تقوى الله المأمور به كل أحد (2) . 2- ينبغي للمستفتي أن يلزم الأدب مع المفتي وأن يوقره ويُجلَّه (3) . 3- لا يجوز للمستفتي العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه إليها، وكان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه به، ولم تخلصه فتوى المفتي من الله كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها» (4) . وعلى المستفتي أن يسأل ثانيًا وثالثًا حتى تحصل له الطمأنينة إذا كان عدم الثقة والطمأنينة لأجل المفتي؛ كأن يعلم المستفتي جهل المفتي ومحاباته في فتواه، أو عدم تقيده بالكتاب والسنة، أو لأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة، وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها، فإن لم يجد من يسأله فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، والواجب تقوى الله قدر الاستطاعة (5) . 4- إذا استفتى المستفتي عن حكم حادثة فأفتاه المفتي وعمل بفتواه، ثم

_ (1) انظر: "سنن الدارمي" (1/153) ، و"إعلام الموقعين" (4/222 - 225، 232، 233) . (2) انظر: "مجموع الفتاوى" (33/168) ، و"إعلام الموقعين" (4/177، 255، 261) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/573) . (3) انظر: "الفقيه والمتفقه" (2/197) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/593) . (4) رواه بهذا اللفظ البخاري (5/107) برقم (2458) ، ورواه مسلم (12/4) . (5) انظر: "إعلام الموقعين" (4/254) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/574) .

المسألة السابعة: تنبيهات

وقعت له ثانية فالأحوط للمستفتي أن يستفتي مرة ثانية، لاحتمال أن يكون المفتي قد غير اجتهاده، ولاحتمال طروء بعض ما يغير حكم الحادثة، فيظن المستفتي أن الحادثة هي هي وأن حكمها لم يتغير، والواقع أنهما حادثتان مختلفتان وأن لكل منهما حكمًا يخصها (1) . 5- لا ينبغي للمستفتي أن يسال عما يبعد وقوعه أو لا يمكن وقوعه (2) ، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من حسْن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (3) . المسألة السابعة: تنبيهات 1- باب الفتوى له صلة قوية بباب الاجتهاد والتقليد، بل إن الفتوى فرع عن الاجتهاد والتقليد، إذ المفتي هو المجتهد، والمستفتي هو المقلد، لذا فإن كثيرًا من مباحث الفتوى يرجع فيها إلى ما تقدم من مباحث الاجتهاد والتقليد. فمن ذلك: 2- أنواع المفتين كأنواع المجتهدين: فبعضهم مجتهد مطلق وبعضهم مقيد، وبعضهم مجتهد في جميع المسائل، وبعضهم في مسألة أو باب معين، على ما مضى في أقسام الاجتهاد (4) ، ولا يجوز للمفتي أن يتجاوز مرتبته. 3- يجوز للمفتي أن يفتي أباه وابنه وشريكه ومن لا تقبل شهادته له؛ لأن الإفتاء حكمه عام يجري مجرى الرواية لا مجرى الشهادة (5) . 4- لا يجوز للمفتي أن يأخذ أجرة على فتواه من أعيان من يفتيهم،

_ (1) انظر: "إعلام الموقعين" (4/261) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/555) . (2) انظر: "إعلام الموقعين" (4/221، 222) ، و"جامع العلوم والحكم" (1/287) ، وانظر (ص508) من هذا الكتاب فيما يتعلق بالمفتي إذا سئل عما لا يقع أو يبعد وقوعه. (3) رواه ابن ماجه في "سننه" (2/1315) برقم (3976) ، والترمذي (4/558) برقم (2317) ، وحسنه النووي في "الأربعين النووية". انظر منه: (1/287) . (4) انظر (ص465، 466) من هذا الكتاب. (5) انظر: "إعلام الموقعين" (4/210) .

ويجوز له أن يأخذ من بيت المال ما يغنيه إن احتاج لذلك. وأما الهدية فإن كانت بغير سبب الفتوى جاز قبولها، والأولى أن يكافئ عليها، وإن كانت بسبب الفتوى كره قبولها لأنها تشبه المعاوضة على الإفتاء. ويحرم قبول الهدية إن كانت سببًا إلى أن يفتيه بما لا يفتي به غيره (1) . 5- يجوز للحي تقليد الميت والعمل بفتواه؛ لأن الأقوال لا تموت بموت قائليها، وهذا ما عليه عمل جميع المقلدين في أقطار الأرض، فإن خير ما بأيديهم من التقليد تقليد الأموات (2) . 6- لا يجوز للمستفتي تتبع الرخص، والتخير بين أقوال المفتين بالرأي المجرد والتشهي، بل عليه أن يرجح قدر استطاعته القول الأقرب للصواب في نظره (3) . وإذا كان تتبع الرخص لا يجوز للمستفتي، فعلى المفتي ألا يُعينه على ذلك إلا إنْ عَلِمَ منه حُسْنَ القصد فله أن يدله على حيلةٍ جائزةٍ لا شبهة فيها (4) . ****

_ (1) انظر: "الفقيه والمتفقه" (2/164) ، و"إعلام الموقعين" 4/232) ، و"شرح الكوكب المنير" (4/547 – 550) . (2) انظر: "إعلام الموقعين" (4/215، 216، 260، 261) . (3) انظر (ص501) من هذا الكتاب. (4) انظر: «إعلام الموقعين» (4/211، 222) ، وانظر فيما يتعلق بتتبع الرخص (ص502) من هذا الكتاب، وفيما يتعلق بالإرشاد إلى حيلة جائزة رقم (6، 7، 10) من آداب المفتي (ص511) من هذا الكتاب.

في خاتمة هذا الكتاب أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يرحمني، وأن يعفو عني، وأن يتجاوز عما وقع في هذا الكتاب من خطأ أو غفلة، {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} . وأسأله سبحانه أن يكتب هذا العمل في ميزان حسناتي وأن يجعله عملاً صالحًا مقبولاً. وأسأله جل شأنه أن يغفر لي ولوالدي ولعلماء هذه الأمة أجمعين، ولا سيما أولئك الأئمة الأعلام الذين نقلت عنهم وأفدت منهم في هذا الكتاب. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} . ثم إن هذه الخاتمة تتضمن أمرين: الأول: النتائج. الثاني: التوصيات.

نتائج البحث

النتائج في هذا المقام تحسن الإشارة إلى أهم النتائج المستفادة من هذا البحث وعددها أربع: وبيانها على النحو الآتي: أولاً: أن لأهل السنة والجماعة منهجًا واضحًا في أصول الفقه. ومعالم هذا المنهج: سلامة المنطلق، وقوة المستند، وشمول النظر، ووضوح الفكرة. (لقد امتاز هذا المنهج أولاً: بسلامة المنطلق؛ إذ بُني على إجماع السلف الصالح، وانطلق من عقيدتهم في أبواب الإيمان والتوحيد. (وامتاز ثانيًا: بقوة المستند؛ إذ استند هذا المنهجُ في تقرير القواعد وإقامة الشواهد على نصوص الكتاب والسنة الصحيحة، وما صح من الآثار المروية عن خير القرون من الصحابة والتابعين. واستند أيضاً إلى الفهم والاستنباط، وإعمال الرأي واستخدام العقل في حدود الشرع، كما استند أيضاً إلى قواعد اللغة العربية واستعمالاتها. (وامتاز ثالثًا: بشمول النظرة؛ إذ اجتمع في هذا المنهج الالتفات إلى هذه الشريعة الغراء في مقاصدها العامة، وقواعدها الكلية، وفي أحكامها الفرعية، وتفاصيلها الجزئية (1) .

_ (1) من هنا نستطيع أن نجعل لعلم أصول الفقه فروعًا أربعة: الفرع الأول: القواعد الأصولية. والفرع الثاني: أثر القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء، أو ما يسمى: بتخريج الفروع على الأصول. والفرع الثالث: مقاصد الشريعة. والفرع الرابع: الخلاف بين العلماء: أسبابه وأحكامه وآدابه. وقد يضيف البعض فرعًا خامسًا، وهو: القواعد الفقهية.

(وامتاز رابعًا: بوضوح الفكرة؛ فقد اتصف هذا المنهج بالخلو من التعقيد والإشكال، والسمو عن التناقض والاضطراب. ثانيًا: أن لمنهج أهل السنة والجماعة في علم أصول الفقه أئمة ورجالاً. فمن أبرز أعلام هذا المنهج: 1- الإمام الشافعي. 2- أبو المظفر السمعاني. 3- ابن قدامة المقدسي. 4- شيخ الإسلام ابن تيمية. 5- ابن قيم الجوزية. 6- ابن النجار الفتوحي. 7- الشيخ محمد الأمين الشنقيطي. ثالثًا: أن للمعتقد أثرًا بليغًا في أصول الفقه. يظهر هذا الأثر جليًا في المسائل المشهورة، وذلك كالقول بأن الأمر لا صيغة له بناءً على إثبات الكلام النفسي الباطل، ومذهب أهل السنة أن للأمر صيغة تخصه بناءً على إثبات اللفظ والمعنى في كلام الله سبحانه، ونفي الكلام النفسي الباطل، ولكن هذا الأثر يكون خفيًا في مسائل أخرى، وهي تلك المسائل التي حصل الاتفاق فيها بين أهل السنة وبعض مخالفيهم في ظاهر المذهب مع الاختلاف في المأخذ، وذلك في مواجهة من خالف الفريقين في المذهب والمأخذ معًا، وذلك مثل مسألة النسخ قبل التمكن: إذ اتفق رأي أهل السنة ورأي الأشاعرة في القول بالجواز، وخالف في ذلك المعتزلة فقالوا بالمنع. والحقيقة أن رأي الأشاعرة وإن كان موافقًا في الظاهر لرأي أهل السنة إلا أنهما مختلفان في المأخذ: فأهل السنة قالوا بالجواز بناءً على إثبات الحكمة والتعليل في أفعاله سبحانه وتعالى، وأن الحكمة قد تكون الابتلاء والتمحيص. أما الأِشاعرة فقد قالوا بالجواز بناءً على إنكار الحكمة والتعليل في أفعال

الله سبحانه، واستواء هذه الأفعال بالنسبة للأمر والنهي. وأما المعتزلة فقد قالوا بالمنع بناءً على أصل عقدي باطل، وهو إثبات التحسين والتقبيح العقليين وترتيب الثواب والعقاب عليهما. والمقصود: أن الأثر العقدي تارة يكون جليًا، كالقول بأن الأمر لا صيغة له، وكمنع المعتزلة من النسخ قبل التمكن، وتارة يكون هذا الأثر خفيًا كتجويز الأشاعرة النسخ قبل التمكن. رابعًا: أن تاريخ علم أصول الفقه بحاجة إلى مزيد من الدراسة. ذلك أن الكتابة في تاريخ هذا العلم قاصرة على تقسيم جهود الأصوليين إلى ثلاث طرق: طريقة المتكلمين، وطريقة الفقهاء، وطريقة المتأخرين أو الجمع بين الطريقتين. والواقع: أن هذا التقسيم – وإن كان صحيحًا – قاصر على اعتبار واحد، وهو النظر إلى منهج الكتابة وطريقة التأليف. وهناك اعتبارات أخرى لم يلتفت إليها. وذلك مثل: اعتبار العقيدة فهناك كتب للأشاعرة، وأخرى للمعتزلة، وأخرى للماتريدية، وأخرى للشيعة، وهناك كتب لأهل السنة والجماعة. ومثل اعتبار المذاهب الفقهية: فهناك كتب أصولية على المذهب الحنفي، وعلى المذهب المالكي، وعلى المذهب الشافعي، وعلى المذهب الحنبلي، وعلى المذهب الظاهري. ومثل اعتبار التوسع والاختصار: فهناك متون مختصرة، وهناك شروح وحواشٍ، وهناك كتب مطولة. ومثل اعتبار شمول هذه المؤلفات لمباحث هذا العلم أو الاقتصار على بعضها: فهناك مؤلفات أصولية شاملة لجملة مباحث علم الأصول، وهناك مؤلفات خاصة ببعض المباحث، مثل كتاب: «تنقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم» للعلائي.

هذا المشروع يتضمن ثلاثة مجالات

التوصيات لعل من المناسب في هذا المقام طرح قضية مهمة. هذه القضية هي تجديد علم أصول الفقه. وبين يدي الآن مشروع عملي لتجديد علم أصول الفقه. وهذا المشروع يتضمن ثلاثة مجالات: (المجال الأول: صياغة علم أصول الفقه صياغة جديدة. (المجال الثاني: دراسة وتقويم الكتب الأصولية المعروفة. (المجال الثالث: إخراج الآثار الأصولية لأهل السنة والجماعة. وتفصيل ذلك على النحو الآتي: (المجال الأول: صياغة علم أصول الفقه صياغة جديدة وفق المعالم الأربعة الآتية (1) : ? المعلم الأول: كتابة تاريخ هذا العلم ونشأته ومراحل التأليف فيه، مع ملاحظة: أ- إبراز دور الإمام الشافعي ومنهجه ومسلكه في كتاب "الرسالة" مع بيان موقف الأصوليين من بعده من حيث الأخذ بهذا المنهج أو الانصراف عنه.

_ (1) تتضمن هذا المعالم الأربعة تصحيح أبرز الملاحظات المأخوذة على عموم الكتب الأصولية وهذه الملاحظات هي: 1- إغفال جهود أهل السنة والجماعة ودورهم في تاريخ هذا العلم الجليل. 2- تأثر عدد من المسائل الأصولية بقواعد عقدية مخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة. 3- الإغراق في الأدلة العقلية والطرق الكلامية والقضايا الجدلية، والتجافي عن صحيح النصوص السمعية، والآثار السلفية، والمقاصد الشرعية. 4- إبتناء عدد من المسائل الأصولية على محض افتراضات جدلية وتقسيمات منطقية.

ب- التعريف بالمناهج العقدية في أصول الفقه. وذلك بالإشارة أولاً إلى الأصول العقدية لدى هذه المناهج، مع التنبيه على خطورة هذه الأصول ومفارقتها لمنهج السلف الصالح. والتعريف ثانيًا وثالثًا برجالات هذه المناهج وبمؤلفاتهم في أصول الفقه، مع بيان الملاحظات وتصحيح الأخطاء وفق منهج السلف الصالح. جـ- إبراز جهود أهل السنة والجماعة في أصول الفقه والتنويه بآثارهم ومآثرهم خصوصًا ابن تيمية وابن القيم، مع بيان ما لهذين الإمامين من جهود عظيمة في تثبيت القواعد الأصولية وفق منهج السلف الصالح، وفي نقد وتصحيح منهج الأصوليين المخالف لمنهج السلف الصالح. ? المعلم الثاني: تقرير القواعد الأساسية والمنطلقات العقدية لدي أهل السنة والجماعة التي تبني عليها وتترتب على أثرها مسائل في أصول الفقه، وتأصيل هذه القواعد وتثبيتها بالأدلة الشرعية النقلية والعقلية. ثم الإشارة إلى تلك المسائل الأصولية المبنية عليها وإرجاعها إلى أصولها العقدية، وهذا ما يمكن أن يسمى: بتخريج القواعد الأصولية على الأصول العقدية، أو بناء الأصول على الأصول. ثم ذكر مذاهب المناهج المخالفة لأهل السنة والجماعة في الأصول العقدية، والقواعد الأصولية. ? المعلم الثالث: العناية بتدعيم القواعد الأصولية بالآيات القرآنية الكريمة، وما ثبت من الأحاديث النبوية الشريفة، والآثار المنقولة عن الصحابة والتابعين (1) ، وما صح من الأدلة العقلية، والشواهد اللغوية. مع ملاحظة القيام بدراسة وتخريج تلك الأحاديث والآثار وضبط ألفاظها، والعناية كذلك بإيراد الفروع الفقهية والمقاصد الشرعية للقواعد الأصولية.

_ (1) حبّذا لو تمَّ جمع القواعد الأصولية الواردة في أقوال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين مع تخريج هذه الأقوال من مظانها الأثرية وتحقيق أسانيدها ثم تصنيفها وترتيبها على المسائل الأصولية.

- المجال الثاني: دراسة وتقويم الكتب الأصولية المعروفة

فبذلك تجتمع للقاعدة الأصولية: الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وآثار الصحابة والتابعين، والأدلة العقلية، والشواهد اللغوية، والمقاصد الشرعية، والفروع الفقهية. ? المعلم الرابع: تحرير القواعد الأصولية وتهذيبها. فيقتصر على ما ثَبَتَ من هذه القواعد واستقام على ضوء الأدلة الشرعية. ويقتصر – أيضاً – على المسائل الأصولية التي يترتب على الخلاف فيها فائدة وثمرة. وبناءً على ذلك فُيحذف من القواعد الأصولية ما بُني على أصل فاسد، أو ما لا ثمرة له. (المجال الثاني: دراسة وتقويم الكتب الأصولية المعروفة: سواء في ذلك كتب المتكلمين من المعتزلة والأشاعرة، وكتب الفقهاء من الماتريدية والمعتزلة. والمقصود من ذلك: إصلاح الخلل وإبعاد الزلل قدر الإمكان. ولهذه الدراسة جانبان: الجانب الأول: تقديم دراسة مفصلة عن شخصية المؤلف العلمية وعقيدته، وعن منهج الكتاب، وقيمته العلمية، وأثره. الجانب الثاني: نقد الكتاب والتنبيه على ما فيه من ملاحظات وأخطاء مخالفة لمنهج السلف الصالح مع بيان الحق بالدليل والتعليل. (المجال الثالث: إخراج الآثار الأصولية لأهل السنة والجماعة (1) : وذلك يحتاج إلى خطوات ثلاث:

_ (1) وهذا يتضمن: الجمع الشامل لآثار أكبر عدد ممكن من أئمة أهل السنة والجماعة، ويتضمن أيضاً: الجمع الشامل لآثار بعض الأئمة على وجه الخصوص كابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى. والحاجة ماسة كذلك إلى جمع الأقوال الأصولية لكل إمام من الأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد – رحمهم الله جميعًا – ليمكن الموقوف على القواعد الأصولية لدي كل إمام فيحصل التفريق بين مذهب الإمام ومذهب أصحابه، ويحصل التفريق أيضاً بين الأقوال المصرح بها والأقوال المستنبطة.

1- البحث والتنقيب عن الكتب والرسائل الأصولية؛ سواء في ذلك ما كان شاملاً لمباحث الأصول كافة، وما كان خاصًا ببعض مباحثه ومسائله. وذلك في فهارس المخطوطات، وفي بطون الكتب المطولات، وفي كتب التراجم والطبقات، وفي كتب العقائد والتفاسير والحديث، إضافة إلى المطبوع والمخطوط من كتب أهل السنة في أصول الفقه. 2- الجمع والتصنيف لهذه الآثار التي تم الوصول إليها، وأمكن الوقوف عليها، والقيام بتنظيمها وفهرستها تيسيرًا على الباحثين وتقريبًا للطالبين. 3- النشر والتحقيق لما جُمع واجتمع من كتب وآثار ورسائل، وإخراج ذلك بصورة مناسبة تتضمن توثيق النص وضبطه، وتخريج آثاره، وخدمته بكل ما يحقق الانتفاع به. هذا آخر ما يسر الله كتابته. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الملحق

الملحق ويتضمن: 1- قائمة بجهود ابن تيمية في أصول الفقه. 2- قائمة بجهود ابن القيم في أصول الفقه. 3- قائمة بالأبحاث الأصولية عند أهل السنة والجماعة.

1- قائمة بجهود ابن تيمية في أصول الفقه

1- قائمة بجهود ابن تيمية في أصول الفقه (1) فيما يلي قائمة بآثار ابن تيمية وجهوده في أصول الفقه، وقد راعيت في جمعها الأمور الآتية: 1- رتبتُ القائمة ترتيباً موضوعياً وفق ترتيب كتاب "المستصفى" للغزالي (2) ، وما لا ذكر له في "المستصفى" اجتهدتُ في إلحاقه بأقرب موضوع يناسبه إن أمكن ذلك، وإلا جعلتُه في آخر القائمة. 2- اخترتُ لهذه القائمة الأبحاث التي حررها ابن تيمية، وكان كلامه عليها مما يمكن استلاله، أما ما يذكره ابن تيمية على سبيل الإشارة وفي حدود أسطر معدودة أو نحو ذلك فهذا مما يصعب جمعه؛ إذ يحتاج إلى فهارس طويلة، لذا لم أدخل ما كان من هذا القبيل في هذه القائمة. 3- جعلتُ للأبحاث عنوانات تنبئ عن مضمونها بأقرب عبارة، مع المحافظة على أسماء الكتب والرسائل المعروفة، وفرقت بينها وبين العنوانات المختارة بذكر كلمة (كتاب) أو (رسالة) فيما كان مشتهرًا. 4- إذا بَحَثَ ابن تيمية الموضوع أكثر من مرة جعلتُ لكل بحث عنواناً مستقلاً إن وجدت بين هذه الأبحاث تغايراً واضحاً في المضمون، وإن تقاربت الأبحاث في مضمونها جعلتُ للجميع عنواناً واحداً وأشرتُ إلى مواضع كل بحث تحت هذا العنوان. 5- حرصتُ على تعدد العنوانات، وابتعدتُ قدر الإمكان عن الإجمال. ومن الأمثلة على ذلك أن ابن تيمية تكلم على أنواع الإجماع وبعض أحكامه، وعلى أنواع القياس، وذلك ضمن كلامه على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد بين

_ (1) انظر إن شئت "ابن تيمية" لأبي زهرة، وأصول الفقه وابن تيمية للدكتور صالح آل منصور. (2) انظر هذا الترتيب في (ص 54) من هذا الكتاب.

جميع الدين، ففي مثل هذا أجعل لكل واحد من هذه الموضوعات الثلاثة عنواناً مستقلاً، فإن التفريق – هاهنا – أدق وأيسر. 6- رجعت إلى كتب ابن تيمية الآتية: 1- "مجموع الفتاوى" (37) مجلداً. 2- "الفتاوى الكبرى" (6) مجلدات. 3- "درء تعارض العقل والنقل". 4- "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح". 5- "مجموعة الرسائل الكبرى" في مجلدين. 6- "الصفدية". 7- "نقد مراتب الإجماع". 8- "الاستقامة". 9- "اقتضاء الصراط المستقيم". 10- "المسودة". ****

1- التحسين والتقبيح العقليان: (مجموع الفتاوى (8/428 – 437) . (مجموع الفتاوى (11/346 – 358) . 2- الأمر بالشيء أمر بلوازمه: (مجموع الفتاوى (20/ 159 – 162) . 3- الأصل في الأعيان الحل، والأدلة على ذلك: (مجموع الفتاوى (21/535 – 541) . 4- الفعل الواحد قد يكون مأموراً به من وجه، منهياً عنه من وجه: (مجموع الفتاوى (19/295 – 305) . 5- الكمال والنقص في العبادات: (مجموع الفتاوى (19/290 – 293) . 6- ترك الواجبات هل يلزم منه القضاء بالنسبة للكافر أو المسلم؟ سواء كان ذلك جهلاً، أو تأويلاً، أو إعراضاً: (مجموع الفتاوى (22/7 – 23) . 7- التكليف الشرعي مشروط بالممكن من العلم والقدرة: (مجموع الفتاوى (10/344 – 353) . 8- تكليف ما لا يطاق: (درء التعارض (1/60 – 72) ، [تكرر في مجموع الفتاوى (3/318 – 326) ] . 9- الاستطاعة، هل تكون مع الفعل أو قبله؟ (مجموع الفتاوى (8/290 – 302) . 10- العذر بالجهل: (مجموع الفتاوى (11/406 – 413) . (مجموع الفتاوى (12/489 – 502) .

11- الإكراه وما يتعلق به: (مجموع الفتاوى (2/311 – 348) . 12 – تصرفات السكران: (الفتاوى الكبرى (4/202 – 205) . 13- كل ما أوجبه الله على العباد فلا بد أن يجب على القلب فإنه الأصل: (مجموع الفتاوى (14/113 – 128) . 14- هل يحصل الإثم بمجرد العزم؟ (مجموع الفتاوى (10/720 – 769) . 15- الكلام على الأدلة الشرعية: (الكتاب، السنة، الإجماع، القياس، الاستصحاب، المصالح المرسلة) : (مجموع الفتاوى (11/339 – 346) . 16- ثلاثة أصول معصومة: الكتاب والسنة وما اتفقت عليه الأمة: (درء التعارض (1/272 – 279) . 17- أصول العلم والدين: الكتاب والسنة والإجماع، والأمر باتباعها: (مجموع الفتاوى (20/498 - 503) . 18- وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة: (مجموع الفتاوى (19/76 – 92) . 19- المتشابه في القرآن: (المسودة (162 – 164) . 20- رسالة الإكليل في المتشابه والتأويل: (مجموع الفتاوى (13/270 – 313) ، [تكرر في مجموعة الرسائل الكبرى (2/5 – 36) ] . 21- المجاز في القرآن الكريم: (مجموع الفتاوى (7/87 – 116، 20/400 – 497) . 22- نسخ القرآن بالسنة: (مجموع الفتاوى (20/397 – 399) .

23- الزيادة على النص: (المسودة (208 – 212) . 24- عصمة الأنبياء: (مجموع الفتاوى (10/289 – 299) . 25- أنواع الخبر: ما يعلم صدقه، ما يعلم كذبه، ما لا يعلم صدقه ولا كذبه: (الجواب الصحيح (4/287 – 309) . 26- أقسام الحديث الصحيح: (مجموع الفتاوى (18/16 – 23) . 27- أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مجموع الفتاوى (22/320 – 331) . (المسودة (191 – 192) . (اقتضاء الصراط المستقيم (2/794 – 808) . 28- تركه - صلى الله عليه وسلم -: (اقتضاء الصراط المستقيم (2/591 – 597) . 29- ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس: (مجموع الفتاوى (20/504 – 583) [تكرر في مجموعة الرسائل الكبرى (2/235 – 291) ] . 30- الرد على من قال: إن أبا هريرة - رضي الله عنه - لم يكن فقيهاً: (مجموع الفتاوى (4/532 – 539) . 31- أنواع الإجماع، وحكم مخالفه، وهل هو قطعي أو ظني؟ ومسائل أخرى متعلقة بالإجماع: (مجموع الفتاوى (19/192 – 202، 267 – 272) . 32 – رسالة صحة مذهب أهل المدينة: (مجموع الفتاوى (20/294 – 396) . 33- كتاب نقد مراتب الإجماع لابن حزم، (طبع مستقلاً) .

34- الاستحسان: (المسودة (451 – 455) . 35- المصالح المرسلة: (مجموع الفتاوى (11/342 – 346) . 36- تعارض الحسنات والسيئات "تعارض المصالح والمفاسد": (مجموع الفتاوى (20/48 – 61) . 37- سد الذرائع: (الفتاوى الكبرى (6/172 – 182) . 38- الحيل: (كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل. (الفتاوى الكبرى (6/5 – 320) . 39- الإلهام: (مجموع الفتاوى (20/42 – 47) . 40- مبدأ اللغات: (مجموع الفتاوى (7/90 – 96) . 41- أنواع الأسماء التي علق الله بها الأحكام في الكتاب والسنة: "الحقيقة الشرعية واللغوية والعرفية": (مجموع الفتاوى (19/235 – 259) . 42- الحقيقة الشرعية وعلاقتها بالإيمان: (مجموع الفتاوى (7/298 – 303) . 43- لازم المذهب هل هو مذهب؟ (مجموع الفتاوى (20/217 – 219) . (الفتاوى الكبرى (4/27 – 29) . 44- حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة: (المسودة (181 – 182) . 45-جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه، الأدلة على ذلك: (مجموع الفتاوى (20/85 – 158) .

46- العموم اللفظي والمعنوي: (مجموع الفتاوى (20/188 – 191) . 47- العموم ثلاثة أقسام: عموم الكل لأجزائه، وعموم الجميع لأفراده، وعموم الجنس لأعيانه: (اقتضاء الصراط المستقيم (1/165 – 168) . 48- للحقائق ثلاثة اعتبارات: العموم والخصوص والإطلاق: (مجموع الفتاوى (2/162 – 168) . 49- المطلق والمقيد: (المسودة (147 – 148) . 50- القياس الصحيح نوعان، وبيان أنه يوافق النص، والكلام على القياس الفاسد: (مجموع الفتاوى (19/285 – 289) . 51- تعليل الحكم بعلتين: (مجموع الفتاوى (20/167 – 183) . 52- رسالة أقوم ما قيل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل: (مجموع الفتاوى (8/81 – 158) ، [تكرر في مجموعة الرسائل الكبرى (1/323 – 389) ] . 53- تعليل أفعال الله: (مجموع الفتاوى (8/377 – 381) . 54- هل الحق عند الله واحد أو متعدد؟ (مجموع الفتاوى (19/143 – 148) . 55- هل كل مجتهد مصيب؟ (مجموع الفتاوى (19/203 – 227) . (مجموع الفتاوى (20/19 – 36) . 56-كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام (ذكر فيه أعذار العلماء في اختلافاتهم) (مجموع الفتاوى (20/231 – 293) .

57- أنواع الاختلاف: (اقتضاء الصراط المستقيم (1/126 – 144) . 58- بيان الاختلاف المؤدي إلى الفتنة والفرقة: (الاستقامة (1/24 – 47) . 59- موقف السلف من المخالف: (مجموع الفتاوى (24/170 – 175) . 60- المفاسد المترتبة على الاختلاف وطريق زوالها: (مجموع الفتاوى (22/356 – 375) ، [تكرر في مجموعة الرسائل المنيرية (3/140 – 151) ] ، [وتكرر أيضاً في مجموعة الرسائل المنيرية (3/113 – 127) ] . 61- التقليد (1) : (مجموع الفتاوى (19/260 – 279) . 62 – الكلام على المذاهب الأربعة: (مجموع الفتاوى (20/220 – 226) ، [تكرر في الفتاوى الكبرى (5/123 – 127) ] . 63- حكم التزام مذهب معين: (مجموع الفتاوى (20/220 – 226) ، [تكرر في الفتاوى الكبرى (5/94 – 98) ] . 64 – إن الدين عند الله الإسلام: (الصفدية (2/301 – 332) . 65- رسالة في توحد الملة وتعدد الشرائع: (مجموع الفتاوى (19/106 – 128) ، [تكرر في مجموعة الرسائل المنيرية (3/128 – 140) ] .

_ (1) انظر إن شئت: "الدرة البهية في التقليد والمذهبية من كلام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية" جمع محمد شاكر الشريف.

66- الاكتفاء بالرسالة والاستغناء بها عما سواها: (مجموع الفتاوى (19/66 – 75) . 67- الرسالة ضرورية لصلاح العباد: (مجموع الفتاوى (19/93 – 105) . 68- رسالة أيضاًح الدلالة في عموم الرسالة للثقلين "الجن والإنس": (مجموع الفتاوى (19/9 – 65) ، [تكرر في مجموعة الرسائل المنيرية (2/99 – 149) ] . 69- عموم رسالته - صلى الله عليه وسلم - للعرب ولغيرهم: (الجواب الصحيح (1/126 – 140) . 70-رسالة معارج الوصول في أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين جميع الدين، أصوله وفروعه: (مجموع الفتاوى (19/155 – 202) ، [تكرر في مجموعة الرسائل الكبرى (1/173 – 211) ] . 71 - بيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على كل ما يعصم من المهالك نصاً قاطعاً للعذر: (درء التعارض (1/72 – 78) . 72- دلالة النصوص على جمهور الحوادث، والرد على من يقول: إن النصوص لا تفي بعشر معشار الشريعة: (الاستقامة (1/6 – 14) . (مجموع الفتاوى (19/280 – 289) ، [تكرر في الفتاوى الكبرى (1/152 – 159) ] . 73- حكم اتباع الظن: (مجموع الفتاوى (13/110 – 125) . 74- الرد على من قال: إن الفقه من باب الظنون: (الاستقامة (1/47 – 69) . (مجموع الفتاوى (13/117 – 127) . 75- امتناع تعارض العقل والنقل: ("إجمالاً" درء التعارض (1/78 – 86) . أما تفصيل ذلك فإنه موضوع الكتاب.

2- قائمة بجهود ابن القيم في أصول الفقه

2- قائمة بجهود ابن القيم في أصول الفقه (1) فيما يأتي قائمة بآثار ابن القيم وجهوده في أصول الفقه، وقد راعيت في جمعها الأمور التي سبق مراعاتها في قائمة جهود ابن تيمية. إلا فيما يتعلق بالكتب، فقد رجعت في هذه القائمة إلى كتب ابن القيم الآتية: 1- أحكام أهل الذمة. 2- إعلام الموقعين. 3- إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان. 4- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (وهو المقصود عند إطلاق الإغاثة) . 5- بدائع الفوائد. 6- زاد المعاد. 7- زاد المهاجر إلى ربه "الرسالة التبوكية". 8- شفاء العليل. 9- الصواعق المرسلة. 10- طريق الهجرتين. 11- عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين. 12- الفوائد. 13- القصيدة النونية "الكافية الشافية". 14- مختصر الصواعق المرسلة. 15- مدارج السالكين. 16- مفتاح دار السعادة. 17- هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى.

_ (1) انظر إن شئت كتاب: "التقريب لفقه ابن القيم" للشيخ بكر أبو زيد: "الأصول والقواعد" (1/258 - 292) .

1- التحسين والتقبيح العقليان: (مدارج السالكين (1/253 – 263) . 2- تحرير القول في مسألة التحسين والتقبيح العقليين وبيان الأصول التي بنيت عليها هذه المسألة: (مفتاح دار السعادة (2/42 – 62) ، والتفصيل: (2/42 – 118) . 3- أصول الشرائع جميعاً مركوز حسنها في العقول: (مفتاح دار السعادة (2/2 – 13) . 4- الألفاظ التي يستفاد منها: الوجوب والتحريم والندب والكراهة والإباحة: (بدائع الفوائد (4/3 – 6) . 5- تكليف ما لا يطاق: (بدائع الفوائد (4/175 – 177) . 6- طلاق الهازل والسكران والغضبان والمكره. (زاد المعاد (5/201 – 215) . (إعلام الموقعين (4/47 – 54) . 7- حكم طلاق الغضبان: (كتاب إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان. 8- حكم المقلدين وجهال الكفرة ومعنى قيام الحجة: (طريق الهجرتين (411 – 414) . 9- مراتب المكلفين في الدار الآخرة، وطبقاتهم فيها (18 طبقة) : (طريق الهجرتين (349 – 427) . 10- أمثلة على رد المحكم بالمتشابه (73 مثالاً) : (إعلام الموقعين (2/294 – 425) . 11- لم يأمر الله بشيء ثم أبطله بالكلية بل لا بد أن يثبته بوجه ما؛ أمثلة على ذلك: (مفتاح دار السعادة (2/32 – 34) .

12- الزيادة على النص، أو رد السنن بظاهر القرآن، والجواب عمن فعل ذلك من (52 وجهاً) : (إعلام الموقعين (2/306 – 329) . 13- الأصول التي بنيت عليها فتاوى الإمام أحمد: (إعلام الموقعين (1/29 – 33) . 14- وجوب العمل بالنصوص، وبيان أنه لا تجوز مخالفتها: (إعلام الموقعين (2/297 – 294) . (زاد المهاجر إلى ربه (25 – 30) . 15- كتاب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (للإمام أحمد) : (إعلام الموقعين (2/290 – 293) . 16- منزلة السنة من الكتاب: (إعلام الموقعين (2/307 – 310) . 17- حجية السنة المستقلة: الأدلة والأمثلة على ذلك: (إعلام الموقعين (2/306 – 309) . 18- تركه - صلى الله عليه وسلم -: (إعلام الموقعين (2/389 – 391) . 19- حصول العلم بخبر الواحد: (مختصر الصواعق (455 – 484) . 20- الأدلة على حصول العلم بخبر الواحد (21 دليلاً) : (مختصر الصواعق (477 – 484) . 21-الاحتجاج بالأحاديث النبوية على الصفات ذكر فيه عشرة مقامات: (مختصر الصواعق (438 – 510) . 22- ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس: (إعلام الموقعين (2/3 – 70) . 23 – بيان خطأ من ترك السنة زاعماً أنها خلاف الأصول: (إعلام الموقعين (2/335 – 341) .

24- أمثلة على رد السنة الصحيحة المحكمة بكونها خلاف الأصول وبالمتشابه: (إعلام الموقعين (2/335 – 425) . 25- عمل أهل المدينة: (إعلام الموقعين (2/380 – 396) . 26- رسالة الليث إلى مالك"فيما يتعلق بعمل أهل المدينة": (إعلام الموقعين (3/83 – 88) . 27- تعريف الاستصحاب وأقسامه ومراتبها: (إعلام الموقعين (1/339 – 344) . 28-فتاوى الصحابة، والأدلة على وجوب اتباعهم، ذكر فيه (46) وجهاً: (إعلام الموقعين (4/118 – 156) . 29- بيان أن الصحابة هم أعلم الناس بعد الأنبياء، وأن العلوم المبثوثة في هذه الأمة إنما هي مأخوذة من كلامهم وفتاويهم: (هداية الحيارى (597 – 602) . 30-المصلحة الخالصة والمفسدة الخالصة وتساوي المصلحة مع المفسدة: (مفتاح دار السعادة (2/14 – 22) . 31 – سد الذرائع: حقيقة الذارئع وأقسامها، والأدلة على منعها، ذكر فيه (99) وجهاً: (إعلام الموقعين (3/135 – 159) . 32 – أمثلة على سد الذرائع: (إغاثة اللهفان (1/361 – 370) . 33- أقسام الحيل ومراتبها: (إعلام الموقعين (3/328 – 337) . 34 – تحريم الحيل والأدلة على ذلك: (إعلام الموقعين (3/159 – 187) . (إغاثة اللهفان (1/338 – 360) .

35- أدلة المجيزين للحيل والرد عليها: (إعلام الموقعين (3/189 – 240) , (إغاثة اللهفان (2/72 – 121) . 36- قواعد الاحتياط: (بدائع الفوائد (3/257 – 275) . 37- الإلهام: (إغاثة اللهفان (1/122 – 125) . 38-أهمية معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - والأمثلة على ذلك: (زاد المهاجر إلى ربه (9 – 11) . (إعلام الموقعين: (1/220 – 227) . 39- المجاز: (مختصر الصواعق (231 – 294) . 40- من أنواع بيان الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إعلام الموقعين (2/314 – 315) . 41- أقسام الألفاظ بالنسبة إلى مقاصد المتكلمين ونياتهم، ومتى يحمل الكلام على ظاهره، ومتى يحمل على غير ظاهره؟ (إعلام الموقعين (3/107 – 134) . 42- التأويل، وذكر فيه فصولاً كثيرة مهمة: (الصواعق (1/170 – 2/631) . (مختصر الصواعق (11 – 61) . 43- جناية التأويل على ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والمردود منه والمقبول: (القصيدة النونية (85 – 88) ، (انظر: شرح النونية لابن عيسى: 2/3 – 17) . 44- دلالة الاقتران: (بدائع الفوائد (4/183 – 184) .

45- لازم المذهب هل هو مذهب؟ (القصيدة النونية (193 – 194) ، (انظر: شرح النونية لابن عيسى: 2/394 – 401) . 46- الفرق بين الأمر المطلق ومطلق الأمر: (بدائع الفوائد (4/16 – 18) . 47- ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي، والأدلة على ذلك: (الفوائد (157 – 169) . (عدة الصابرين (27 – 33) . 48- المطلوب في النهي أمر وجودي أم عدمي؟ (الفوائد (161 – 164) . 49- من مسائل الاستثناء: (بدائع الفوائد (3/56 – 76) . 50- المطلق والمقيد: (بدائع الفوائد (3/248 – 250) . 51- أنواع القياس في القرآن الكريم، والأمثلة على ذلك: (إعلام الموقعين (1/130 – 150) . 52- الأمثال في القرآن الكريم من باب القياس: (إعلام الموقعين (1/150 – 190) . 53- الأدلة على حجية القياس من السنة، وفعل الصحابة، وإجماع الفقهاء: (إعلام الموقعين (1/202 – 206) . 54- مسائل استعمل فيها الصحابة رضي الله عنهم القياس: (إعلام الموقعين (1/209 – 217) . 55- القياس الشرعي الصحيح مبني على اعتبار الشيء بمثله، وعلى علل وأوصاف مؤثرة ومعاني معتبرة، الأمثلة على ذلك: (إعلام الموقعين (1/195 – 200) .

56- تعبير الرؤيا من الأمثال المضروبة المبنية على القياس: (إعلام الموقعين (1/190 – 195) . 57- ذكر سؤال نفاة الحكمة والتعليل والقياس: أن الشريعة فرقت بين المتماثلين وجمعت بين المختلفين، وذكر أجوبة بعض الأصوليين عنه، ثم ذكر ابن القيم جوابين: أولهما مجمل، والثاني مفصل، وفيه الجواب على كل مسألة قيل عنها: إن الشارع فرق فيها بين المتماثلين، أو جمع فيها بين المختلفين. 58- إلزام منكري القياس بالقياس في مسائل لا يمكن الأخذ فيها بالعموم اللفظي: (إعلام الموقعين (1/206 – 209) . 59- أربعة أخطاء وقع فيها نفاة القياس: (إعلام الموقعين (1/338 – 349) . 60- خمسة أخطاء وقع فيها أصحاب القياس: (إعلام الموقعين (1/349 – 350) "إجمالاً". 61- الأدلة على ذم القياس وأنه ليس من الدين، من الكتاب والسنة وقول الصحابة والتابعين، وأمثلة على تناقض القياسيين: (إعلام الموقعين (1/227 – 330) . 62 – شمول النصوص وإغناؤها عن القياس، والأمثلة على ذلك: (إعلام الموقعين (1/350 – 383) . 63- التعليل: (مختصر الصواعق (209 – 216) . 64 – القرآن والسنة مملوءان من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح: (مفتاح دار السعادة (2/22 – 24) . (إعلام الموقعين (1/196 – 201) .

65- إرشاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى العلل الشرعية والأوصاف المعتبرة وبعض القواعد الأصولية والقضايا العقلية: (بدائع الفوائد (4/126 – 130) . 66- إثبات الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى، ذكر فيه (22 نوعاً) : (شفاء العليل (190 – 206) . 67- الرد على أدلة نفاة الحكمة والتعليل في أفعال الله سبحانه وتعالى: (شفاء العليل (206 – 268) . 68- إثبات الأٍسباب في الأمر والنهي والشرع والقدر، وأمثلة من القرآن الكريم على ذلك: (شفاء العليل (188 – 190) . 69- حكم الله في الحادثة واحد معين، وبيان أن المجتهد يصيبه تارة ويخطؤه تارة: (أحكام أهل الذمة (1/20 – 22) . (إعلام الموقعين (4/121 – 129) . 70- الرأي المحمود والرأي المذموم، وأنواع كل منهما: (إعلام الموقعين (1/47 – 85) . 71- أنواع الاختلاف وأسبابه: (الصواعق (2/514 – 631) . 72- التقليد، وبيان انقسامه إلى: ما يحرم، وما يجب، وما يجوز: (إعلام الموقعين (2/187 – 201) . 73- بيان تناقض المقلدين في مسائل كثيرة: (إعلام الموقعين (2/215 – 226) . 74 – الأدلة على بطلان التقليد: (إعلام الموقعين (2/208 – 279) . 75- مجلس مناظرة بين مقلد وصاحب حجة منقاد للحق حيث كان: (إعلام الموقعين (2/201 – 279) .

76- تحريم القول على الله بغير علم: (إعلام الموقعين (1/38 – 44) . (إعلام الموقعين (2/184 – 187) . 77- الفتيا: تورع السلف عنها، خطورتها، شروطها: (إعلام الموقعين (1/33 – 47) . (إعلام الموقعين (2/184 – 187) . 78- تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات، والحكمة منه: (إعلام الموقعين (3/3 – 98) . 79- فوائد تتعلق بالفتوى، ذكر فيه (70) فائدة: (إعلام الموقعين (4/157 – 266) . 80-بيان الاستغناء بالوحي المنزل من السماء عن تقليد الرجال والآراء: (القصيدة النونية (188 – 191) ، (انظر: شرح النونية لابن عيسى: 2/380 – 388) . 81- بيان شروط كفاية النصين والاستغناء بالوحيين: (القصيدة النونية (191 – 193) ، (انظر: شرح النونية لابن عيسى: 2/389 – 393) . 82- إحاطة النصوص بحكم جميع الحوادث: (إعلام الموقعين (1/332 – 350) . 83- الرد على من قال: إن نصوص الوحي أدلة لفظية لا تفيد اليقين، ذكر فيه (73) وجهاً: (الصواعق (2/633 – 794) . 84- الرد على من قال: إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم العقل، ذكر فيه (241) وجهاً: (الصواعق (3/796، 4/1538) . (مختصر الصواعق (83 – 178) .

3- قائمة بالأبحاث الأصولية عند أهل السنة والجماعة

3- قائمة بالأبحاث الأصولية في المؤلفات غير الأصولية لأهل السنة والجماعة وقد راعيتُ في جمع هذه الأبحاث وتقريبها الأمور الآتية: 1- رتبتُ الأبحاث على الترتيب المتبع في قائمة جهود ابن تيمية (1) . 2- اقتصرتُ على الأبحاث التي حررها أهل العلم وكانت مما يمكن استلاله، أما ما كان ذكره على سبيل الإشارة وفي حدود أسطر معدودة أو نحو ذلك فلم أتعرض لإيراده هاهنا، إذ إن إيراده في هذا المقام عسير، وما لا يدرك كله لا يترك جله. 3- جمعتُ الأبحاث المتفقة في موضوعها تحت عنوان يصلح أن تندرج تحته، وأعطيت كل عنوان رقماً مستقلاً. 4- ضممتُ إلى هذه القائمة القائمتين السابقتين (جهود ابن تيمية وابن القيم) إتماماً للفائدة، وتيسيراً للبحث، إلا أن الرجوع إلى قائمتي جهود ابن تيمية وابن القيم أولى وأنفع لمن أراد الاستزادة من جهود هذين الإمامين والوقوف على أبحاثهما بصورة أدق، وتفصيل أكثر. 5- رجعتُ في هذه القائمة إلى كتب كثيرة متنوعة، بعضها لم أجد فيه المطلوب، وبعضها وجدتُ فيه ما تم تدوينه في هذه القائمة. وفيما يأتي قائمة بأسماء الكتب التي تمت الاستفادة منها، دون ما عداها.

_ (1) انظر (ً530) من هذا الكتاب.

قائمة بأسماء الكتب (1) المشتملة على أبحاث أصولية لأهل السنة والجماعة، "مرتبة ترتيباً تاريخياً" 1- إبطال الاستحسان للإمام الشافعي (204هـ) . 2- اختلاف الحديث، له أيضاً. 3- جماع العلم، له أيضاً. 4- صفة نهي النبي - صلى الله عليه وسلم -، له أيضاً. 5- سنن الإمام الدارمي (255هـ) . 6- صحيح الإمام البخاري (256 هـ) . 7- تأويل مختلف الحديث للإمام ابن قتيبة (276هـ) . 8- تأويل مشكل القرآن، له أيضاً. 9- مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله (290هـ) . 10- جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري (310هـ) . 11- مشكل الآثار للإمام الطحاوي (321هـ) . 12- صحيح ابن حبان (354هـ) . 13- الشريعة للآجري (360هـ) . 14- الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية، ومجانبة الفرق المذمومة لابن بطة (387هـ) ، وهي الإبانة الكبرى. 15- إبطال الحيل، له أيضاً.

_ (1) المقصود بهذه الكتب ما عدا الكتب الأصولية المستقلة لأهل السنة والجماعة. فيدخل في هذه القائمة: أ- الكتب التي اختصت بأبحاث أصولية لكنها لم تشتمل على جملة مسائل علم الأصول، وذلك ككتاب "إبطال الاستحسان" للشافعي. ب- ويدخل في هذه القائمة أيضاً الكتب غير الأصولية ككتب الحديث، والعقيدة، ونحو ذلك.

16- شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (418هـ) . 17- جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (463هـ) . 18- الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (463هـ) . 19- شرح السنة للبغوي (516هـ) . 20- الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة والجماعة لقوام السنة الأصبهاني (535هـ) . 21- ذم التأويل لابن قدامة (620هـ) . 22- الاستقامة لتقي الدين أحمد ابن تيمية (728هـ) . 23- اقتضاء الصراط المستقيم، له أيضاً. 24- الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، له أيضاً. 25- درء تعارض العقل والنقل، له أيضاً. 26- الصفدية، له أيضاً. 27- الفتاوى الكبرى (6) مجلدات، له أيضاً. 28- مجموع الفتاوى (37) مجلداً، له أيضاً. 29- المسودة "القسم المتعلق بتقي الدين أحمد ابن تيمية". 30- نقد مراتب الإجماع، له أيضاً. 31- أحكام أهل الذمة لابن قيم الجوزية (751هـ) . 32- إعلام الموقعين، له أيضاً. 33- إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان، له أيضاً. 34- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، له أيضاً، "وهو المقصود بكتاب الإغاثة". 35- بدائع الفوائد، له أيضاً. 3- زاد المعاد، له أيضاً. 37- زاد المهاجر إلى ربه، له أيضاً. 38- شفاء العليل، له أيضاً. 39- الصواعق المرسلة، له أيضاً.

40- طريق الهجرتين، له أيضاً. 41- عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، له أيضاً. 42- الفوائد، له أيضاً. 43- القصيدة النونية "الكافية الشافية"، له أيضاً. 44- مختصر الصواعق المرسلة، له أيضاً، وهو من اختصار الموصلي. 45- مدارج السالكين، له أيضاً. 46- مفتاح دار السعادة، له أيضاً. 47- هداية الحيارى، له أيضاً. 48- تفسير ابن كثير (774هـ) . 49- شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (792هـ) . 50- جامع العلوم والحكم لابن رجب (795هـ) . 51- لوامع الأنوار البهية للسفاريني (1188هـ) . 52- معارج القبول للشيخ حافظ الحكمي (1377هـ) . 53- التنكيل "القائد إلى تصحيح العقائد" للمعلمي (1386هـ) . 54- أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (1393هـ) (1) . 55- دفع إيهام الاضطراب عن أي الكتاب، له أيضاً. 56- رحلة الحج إلى بيت الله الحرام، له أيضاً. 57- المصالح المرسلة، له أيضاً. 58- ملحق لمبحث القياس "مطبوع في آخر مذكرة أصول الفقه" له أيضاً. 59- منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز، له أيضاً. 60- منهج التشريع الإسلامي وحكمته، له أيضاً.

_ (1) انظر إن شئت: فهرس المسائل الأصولية في "أضواء البيان" إعداد الشيخ عبد الرحمن السديس.

1- التحسين والتقبيح العقليان: (مجموع الفتاوى (8/428 – 437) . (مجموع الفتاوى (11/346 – 358) . (مدارج السالكين (1/253 – 263) . (مفتاح دار السعادة (2/42 – 118) . (لوامع الأنوار (1/286 – 291) . 2- أصول الشرائع جميعًا مركوز حسنها في العقول: (مفتاح دار السعادة (2/2 – 13) . 3- الكلام على الصلاح والأصلح: (لوامع الأنوار (1/329 – 333) . 4- الألفاظ التي يستفاد منها الوجوب والتحريم والندب والكراهة والإباحة: (بدائع الفوائد (4/3 – 6) . 5- هل الواجب بمعنى الفرض؟ والكلام على المعفو والمسكوت عنه: (جامع العلوم والحكم (2/150 – 173) . 6- الأمر بالشيء أمر بلوازمه: (مجموع الفتاوى (20/159 – 162) . 7- الأصل في الأعيان الحل، والأدلة على ذلك: (مجموع الفتاوى (21/535 – 541) . 8-الإباحات التي أبيح ارتكابها، وعددها (50) نوعاً من سنن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (صحيح ابن حبان (1/140 – 144) . 9- الفعل الواحد قد يكون مأموراً به من وجه، منهياً عنه من وجه: (مجموع الفتاوى (19/295 – 305) . 10- الكمال والنقص في العبادات: (مجموع الفتاوى (19/290 – 293) .

11- ترك الواجبات هل يلزم منه القضاء بالنسبة للكافر أو المسلم؟ سواء كان ذلك جهلاً، أو تأويلاً، أو إعراضًا: (مجموع الفتاوى (22/7 – 23) . 12- التكليف: (صحيح ابن حبان (1/350 – 362) . 13- التكليف الشرعي مشروط بالممكن من العلم والقدرة: (مجموع الفتاوى (10/344 – 353) . 14- تكليف ما لا يطاق: (درء التعارض (1/60- 72) [تكرر في مجموع الفتاوى (3/318- 326) ] . (بدائع الفوائد (4/175 – 177) . (أضواء البيان (6/206 – 213) . 15- الاستطاعة هل تكون مع الفعل أو قبله؟ (مجموع الفتاوى (8/290 – 302) . (شرح العقيدة الطحاوية (488 – 493) . 16- العذر بالجهل: (مجموع الفتاوى (11/406 – 413) . (مجموع الفتاوى (12/489 – 502) . (انظر فقرة رقم (21) من هذه القائمة. 17- الإكراه وما يتعلق به: (الاستقامة (2/311 – 348) . (جامع العلوم والحكم (2/370 – 375) . 18- تصرفات السكران: (الفتاوى الكبرى (4/202 – 205) . 19- طلاق الهازل والسكران والغضبان والمكره: (زاد المعاد (5/201 – 215) . (إعلام الموقعين (4/47 – 54) .

(كتاب إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان. 20- الخطأ والنسيان: (جامع العلوم والحكم (2/367 – 369) . 21- حكم المقلدين وجهال الكفرة، ومعنى قيام الحجة، والكلام على أهل الفترة: (طريق الهجرتين (411 – 414) . (تفسير ابن كثير (3/31 – 35) . (أضواء البيان (3/471 – 484) . (دفع إيهام الاضطراب (178 – 186) . 22- كل ما أوجبه الله على العباد فلا بد أن يجب على القلب، فإنه الأصل: (مجموع الفتاوى (14/113 – 128) . 23- هل يحصل الإثم بمجرد العزم؟ (مجموع الفتاوى (10/720 – 769) . 24- مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم فيها (18 طبقة) : (طريق الهجرتين (349 – 427) . 25- تقسيم الأدلة الشرعية وبيان مراتبها: (جامع العلم (49 – 51) . 26- الكلام على الأدلة الشرعية: الكتاب، السنة، الإجماع، القياس، الاستصحاب، المصالح المرسلة: (مجموع الفتاوى (11/339 – 346) . 27- الأصول التي بنيت عليها فتاوى الإمام أحمد: (إعلام الموقعين (1/29 – 33) . 28- وجوب التمسك بالكتاب والسنة والإجماع: (درء التعارض (1/272 – 279) . (مجموع الفتاوى (20/498 – 503) . 29- الاعتصام بالكتاب والسنة: (صحيح البخاري "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة" (13/245 – 344) .

(الشريعة للآجري "باب الحث على التمسك بالكتاب، والسنة، وسنة الصحابة" (45 – 48) . (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي "سياق ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحث على التمسك بالكتاب والسنة وعن الصحابة والتابعين ومن بعدهم والمخالفين لهم من علماء الأمة رضي الله عنهم أجمعين" (1/74 – 95) . (جامع بيان العلم وفضله "باب معرفة أصول العلم وحقيقته...." (2/23 – 36) . (شرح السنة للبغوي: "باب الاعتصام بالكتاب والسنة" (1/189 – 209) . (مجموع الفتاوى (19/76 – 92) . (إعلام الموقعين (2/297 – 294) . (شرح العقيدة الطحاوية (216 – 230) . (معارج القبول "خاتمة في وجوب التمسك بالكتاب والسنة والرجوع عند الاختلاف إليهما، فما خالفهما فهو رد" (2/416 – 435) . (أضواء البيان (7/479 – 485) . 30- المحكم والمتشابه: (جامع البيان للطبري (3/170 – 180) . (الحجة في بيان المحجة (1/447 – 449) . (مجموع الفتاوى (13/270 – 313) ، [تكرر في مجموعة الرسائل الكبرى (2/5 – 36) ] . (المسودة (162 – 164) . (إعلام الموقعين (2/294 – 425) ، ذكر فيه (73) مثالاً على رد المحكم بالمتشابه. (التنكيل للمعلمي (2/333 – 343) . 31- المجاز في القرآن الكريم: (مجموع الفتاوى (7/87 – 116) . (مجموع الفتاوى (20/400 – 497) . (مختصر الصواعق (231 – 394) .

(كتاب منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز للشيخ محمد الأمين الشنقيطي. 32- ثمان مسائل في النسخ: (أضواء البيان (3/360 – 369) . 33- نسخ القرآن بالسنة: (مجموع الفتاوى (20/397 – 399) . 34- لم يأمر الله بشيء ثم أبطله بالكلية، بل لا بد أن يثبته بوجٍه ما: (مفتاح دار السعادة (2/32 – 34) . 35- الزيادة على النص: (الحجة في بيان المحجة (2/459 – 461) . (المسودة (208 – 212) . (إعلام الموقعين (2/306 – 329) . 36- الحكمة من النسخ: (الرحلة للشيخ الشنقيطي (57 – 62) . 37- وجوب التمسك بالسنة: (جماع العلم (17 – 22) . (طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (للإمام أحمد) . انظر: "مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله" (3/1355 – 1361) ، وإعلام الموقعين: (2/290 – 293) . (صحيح البخاري "باب الاقتداء بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (13/248- 251) . (الإبانة الكبرى لابن بطة "باب ما افترضه الله تعالى نصاً في التنزيل من طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - " (1/215 – 222) . (صحيح ابن حبان "باب الاعتصام بالسنة......" (1/176 – 215) . (جامع بيان العلم وفضله "باب الحض على لزوم السنة والاقتصار عليها" (2/180 – 188) . (جامع بيان العلم وفضله "باب فضل السنة ومباينتها لسائر أقاويل علماء الأمة" (2/194 – 198) .

(شرح العقيدة الطحاوية (398 – 401) . 38- منزلة السنة من الكتاب وأنها مبينة له، وأنها لا تعارضه: (جامع العلم (118 – 124) . (الشريعة للآجري (49 – 54) . (الكفاية للخطيب البغدادي (23 – 31) . (جامع بيان العلم وفضله (2/188 – 194) . (الحجة في بيان المحجة (326 – 329) . (إعلام الموقعين (2/307 – 310) . 39- عصمة الأنبياء: (مجموع الفتاوى (10/ 289 – 299) . (التنكيل للمعلمي (2/248 – 259) . 40- حجية السنة المستقلة، الأدلة والأمثلة على ذلك: (الإبانة الكبرى لابن بطة (1/223 – 269) . (الإبانة الكبرى لابن بطة (2/295 – 306) . (إعلام الموقعين (2/306 – 309) . 41- أنواع الخبر: ما يعلم صدقه، ما يعلم كذبه، ما لا يعلم صدقه ولا كذبه: (جامع بيان العلم (47 – 49) . (الجواب الصحيح (4/287 – 309) . 42- أقسام الحديث الصحيح: (مجموع الفتاوى (18/16 – 23) . 43- أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - التي انفرد بها، ذكر فيها (50) نوعاً: (صحيح ابن حبان (1/145 – 149) . 44- أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (اقتضاء الصراط المستقيم (2/794 – 807) . (المسودة (191 – 192) . (مجموع الفتاوى (22/320 – 331) .

45- تركه - صلى الله عليه وسلم -: (اقتضاء الصراط المستقيم (2/591 – 597) . (إعلام الموقعين (2/389 – 391) . 46- خبر الواحد والأدلة على حجيته وكونه مفيداً للعلم: (صحيح البخاري "كتاب أخبار الآحاد" (13/231 – 244) . (الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (42 – 48) . (الحجة في بيان المحجة (1/345 – 349) . (مختصر الصواعق (455 – 484) . 47- وجوب العلم بخبر الواحد في أصول الدين: (مختصر الصواعق (438 – 510) . (لوامع الأنوار (1/17 – 20) . 48- بيان خطأ من رد السنة المحكمة الصحيحة بكونها خلاف الأصول وبالمتشابه، والأمثلة على ذلك: (إعلام الموقعين (2/335 – 425) . 49- ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس: (مجموع الفتاوى (20/504 – 583) . (إعلام الموقعين (2/3 – 70) . 50 الرد على من قال: إن أبا هريرة - رضي الله عنه - لم يكن فقيهاً: (مجموع الفتاوى (4/532 – 539) . 51- الإجماع: حجيته وإمكان وقوعه: (جماع العلم (51 – 57) . 52- أنواع الإجماع، وحكم مخالفه، وهل هو قطعي أو ظني؟ ومسائل أخرى متعلقة بالإجماع: (مجموع الفتاوى (19/267 – 272) . 53- نقد كتاب ابن حزم (مراتب الإجماع) : (كتاب نقد مراتب الإجماع لابن تيمية.

54- عمل أهل المدينة: (رسالة الليث إلى مالك: إعلام الموقعين (3/83 – 88) . (مجموع الفتاوى (20/294 – 396) . (إعلام الموقعين (2/380 – 396) . 55- الاستصحاب: تعريفه، أقسامه، ومراتبها: (إعلام الموقعين (1/39 – 344) . 56- شرع من قبلنا: (أضواء البيان (2/63 – 71) . (الرحلة للشيخ الشنقيطي (108- 113) . 57- فتاوى الصحابة: الأدلة على وجوب اتباعهم، وبيان علمهم وفضلهم: (الحجة في بيان المحجة (2/397 – 403) . (إعلام الموقعين (4/118 – 156) ، ذكر فيه (46) وجهاً على وجوب اتباع الصحابة. (هداية الحيارى (597 – 602) . (لوامع الأنوار (2/380 – 385) . 58- الاستحسان: (رسالة إبطال الاستحسان للإمام الشافعي. (المسودة (451 – 455) . 59- المصالح المرسلة: (مجموع الفتاوى (11/342 – 346) . (رسالة المصالح المرسلة للشيخ الشنقيطي. (الرحلة للشيخ الشنقيطي: (175 – 181) . 60- تعارض المصالح والمفاسد، والكلام على المصلحة الخالصة والمفسدة الخالصة: (مجموع الفتاوى (20/48 – 61) . (مفتاح دار السعادة (2/14 – 22) .

61- الضروريات، والحاجيات، والتحسينات: (أضواء البيان (3/448 – 452) . (منهج التشريع الإسلامي وحكمته للشنقيطي (16 -25) . 62- سد الذرائع: (الفتاوى الكبرى (6/172 – 182) . (إعلام الموقعين (3/135 – 159) ، وذكر فيه (99) مثالاً على سد الذرائع. (إغاثة اللهفان (1/361 – 370) . (منهج التشريع الإسلامي وحكمته للشنقيطي (27 – 28) . 63- الحيل: (كتاب إبطال الحيل لابن بطة. (كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل لابن تيمية. (الفتاوى الكبرى: (6/5 – 320) . (إعلام الموقعين (3/159 – 240) . (إغاثة اللهفان (1/338 – 360) . (إغاثة اللهفان (2/72 – 121) . 64- الاحتياط: (بدائع الفوائد (3/257 – 275) . (جامع العلوم والحكم (1/193 – 210) . (جامع العلوم والحكم (1/278 – 286) . 65- الإلهام: (مجموع الفتاوى (20/42 – 47) . (إغاثة اللهفان (1/122 – 125) . 66- مبدأ اللغات: (مجموع الفتاوى (7/90 – 96) . 67- أهمية معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والأمثلة على ذلك:

(زاد المهاجر إلى ربه (9 – 11) . (إعلام الموقعين (1/220 – 227) . 68-الحقيقة الشرعية وعلاقتها بالإيمان، والكلام على الحقيقة اللغوية والعرفية: (مجموع الفتاوى (7/298 – 303) . (مجموع الفتاوى (19/235 – 259) . 69- الإجمال والبيان: (أضواء البيان (1/93 – 99) . 70- من أنواع البيان في كتاب الله: (أضواء البيان (1/68 – 92) . 71- من أنواع البيان في السنة: (صحيح ابن حبان (1/131 – 139) ، ذكر فيه (80) نوعاً. (إعلام الموقعين (2/214 – 315) . 72- حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة: (المسودة (181 – 182) . 73- أقسام الألفاظ بالنسبة إلى مقاصد المتكلمين ونياتهم، ومتى يحمل الكلام على ظاهره ومتى يحمل على غير ظاهره؟ (إعلام الموقعين (3/107 – 134) . 74- التأويل: (كتاب ذم التأويل لابن قدامة. (الصواعق (1/170 – 2/631) . (مختصر الصواعق (11/61) . (القصيدة النونية (85 – 88) ، (انظر: شرح النونية لابن عيسى 2/3- 17) . 75- دلالة الاقتران: (بدائع الفوائد (4/183 – 184) . 76- لازم المذهب هل هو مذهب؟ (مجموع الفتاوى (20/217 – 219) .

(الفتاوى الكبرى (4/27 – 29) . (القصيدة النونية (193 – 194) ، (انظر: شرح النونية لابن عيسى: 2/394 – 401) . 77- الفرق بين الأمر المطلق ومطلق الأمر: (بدائع الفوائد (4/16 – 18) . 78- ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي: (مجموع الفتاوى (20/85 – 158) . (الفوائد لابن القيم (157 – 169) . (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (27 – 33) . (جامع العلوم والحكم (1/252 – 257) . 79- الأوامر من سنن الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (صحيح ابن حبان (1/105 – 118) ، ذكر فيه (110) أنواع. 80- هل يستلزم الأمر الإرادة؟ (شرح العقيدة الطحاوية (117 – 119) . 81- صفة نهي النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كتاب صفة نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - للشافعي المطبوع مع جماع العلم (125 – 134) . 82- النهي يفيد التحريم: (صحيح البخاري "باب نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - على التحريم إلا ما تعرف إباحته" (13/336 – 337) . 83- النهي يقتضي الفساد: (الحجة في بيان المحجة (2/531 – 532) . 84- المطلوب في النهي أمر وجودي أم عدمي؟ (الفوائد لابن القيم (161 – 164) . 85- النواهي من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (صحيح ابن حبان (1/119 – 130، ذكر فيه (110) أنواع.

86- أنواع العموم: (مجموع الفتاوى (20/188 – 191) . (اقتضاء الصراط المستقيم (1/165 – 168) . 87- من مسائل الاستثناء: (بدائع الفوائد (3/56 – 76) ، ذكر فيه عدة مسائل. (أضواء البيان (4/336 – 339) ، ذكر فيه مسألة الاستثناء المنقطع. (أضواء البيان (6/89 – 92) . (أضواء البيان (5/763 – 768) . (دفع إيهام الاضطراب للشيخ الشنقيطي (75 – 79) ، ذكر في هذا الموضع والموضعين السابقين مسألة ورود الاستثناء بعد جمل متعاطفة. 88- للحقائق ثلاثة اعتبارات: العموم والخصوص والإطلاق: (مجموع الفتاوى (2/162 – 168) . 89- المطلق والمقيد: (المسودة (147 – 148) . (بدائع الفوائد (3/248 – 250) . (دفع إيهام الاضطراب (84 – 87) . 90- الفرق بين دلالات الإشارة والاقتضاء والإيماء والتنبيه: (الرحلة للشيخ الشنقيطي (238 – 243) . 91- حجية القياس، والرد على من نفاه: (صحيح البخاري "باب من شبه أصلاً معلوماً بأصل مبين" (13/296) . (صحيح البخاري (باب الأحكام التي تعرف بالدلائل وكيف معنى الدلالة وتفسيرها" (13/329 – 330) . (جامع بيان العلم وفضله (2/55 – 69، 74 – 78) . (إعلام الموقعين (1/150 – 209، 2/71 – 175) . ("ملحق لمبحث القياس" للشنقيطي، طبع في آخر المذكرة (341 – 361) .

92- بيان القياس الفاسد: (صحيح البخاري "باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس" (13/282) . (جامع بيان العلم وفضله "ذم الرأي والقياس على غير أصل" (2/133 – 150) . (مجموع الفتاوى (19/285 – 289) . (إعلام الموقعين (1/227 – 330) . 93- أنواع القياس، ومسائل أخرى متعلقة بالقياس: (إعلام الموقعين (1/130 – 150) . (إعلام الموقعين (1/338 – 350) . (أضواء البيان (3/578 – 586) . (أضواء البيان (4/599 – 669) . 94- شمول النصوص وإغناؤها عن القياس: (الاستقامة (1/6 – 14) . (مجموع الفتاوى (19/280 – 289) . (إعلام الموقعين (1/350 – 383) . 95- إثبات التعليل والحكمة والأٍسباب: (مجموع الفتاوى (8/81 – 158، 377 – 381) . (مختصر الصواعق (209 – 216) . (إعلام الموقعين (1/196 – 201) . (مفتاح دار السعادة (2/22 – 24) . (شفاء العليل (188 – 268) . (لوامع الأنوار (1/280 – 286) . 96- إرشاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى العلل الشرعية وبعض القواعد الأصولية والقضايا العقلية: (بدائع الفوائد (4/126 – 130) . 97- تعليل الحكم بعلتين: (مجموع الفتاوى (20/167 – 183) .

98- السبر والتقسيم: (أضواء البيان (4/365 – 484) . 99- الاجتهاد: الأدلة على مشروعيته، والكلام على شروطه: (جماع العلم (33 – 46) . (أضواء البيان (7/479 – 485) . 100- الخطأ والصواب في الاجتهاد "هل كل مجتهد مصيب؟ ". (صحيح البخاري (13/317، 318) . (جامع بيان العلم وفضله (2/69 – 74) . (مجموع الفتاوى (19/143 – 148، 203 – 227، 20/19 – 36) . (أحكام أهل الذمة (1/20 – 22) . 101- الرأي المحمود، والرأي المذموم، وأنواع كل منهما: (إعلام الموقعين (1/47 – 85) . 102- الاختلاف: أنواعه، وأسبابه، والمفاسد المترتبة عليه، والموقف الصحيح منه: (جماع العلم (96 – 102) . (الإبانة الكبرى لابن بطة (2/553 – 567) . (جامع بيان العلم وفضله (2/78 – 99) . (اقتضاء الصراط المستقيم (126 – 144) . (الاستقامة (1/24 – 47) . ("رفع الملام عن الأئمة الأعلام" مجموع الفتاوى (20/231 – 293) . (مجموع الفتاوى (24/170 – 175) . (مجموع الفتاوى (22/356 – 375) . (الصواعق (2/514 – 631) . (شرح العقيدة الطحاوية (577 – 585) . (التنكيل للمعلمي (2/379 – 385) . 103- التقليد: (جامع بيان العلم وفضله (2/109 – 120) .

(مجموع الفتاوى (19/260 – 270) . (إعلام الموقعين (2/187 – 279) . (لوامع الأنوار (1/267 – 276) . (أضواء البيان (7/485 – 583) . 104- التمذهب، والمذاهب الأربعة: (مجموع الفتاوى (20/210 – 216) . (مجموع الفتاوى (20/220 – 226) . (لوامع الأنوار (2/465 – 467) . 105- الفتوى: (سنن الدارمي (1/46 – 64) . (جامع بيان العلم وفضله (2/43 – 55، 163 – 166) . (إعلام الموقعين (1/33 – 47) . (إعلام الموقعين (2/184 – 187) . (إعلام الموقعين (4/157 – 266) . 106- تغير الفتوى واختلافها بحسب الأحوال: (إعلام الموقعين (3/3 – 98) . 107- ما يكره من السؤال: (صحيح البخاري "باب ما يكره من كثرة السؤال ومن تكلف ما لا يعنيه" (13/264 – 265) . (الإبانة الكبرى لابن بطة "باب ترك السؤال عما لا يعني والبحث والتنقير عما لا يضر جهله" (1/390 – 424) . (جامع العلوم والحكم (1/238 – 252) . 108- تحريم القول على الله بدون علم: (إعلام الموقعين (1/38 – 44) . (إعلام الموقعين (2/184 – 187) . (معارج القبول (2/420 – 423) .

109- التعارض: (كتاب اختلاف الحديث للإمام الشافعي. (كتاب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة. (كتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة. (كتاب مشكل الآثار للطحاوي. (كتاب دفع إيهام الاضطراب عن أي الكتاب للشيخ محمد الأمين الشنقيطي. 110- الترجيح: (الكفاية للخطيب البغدادي (474 – 478) . 111- إن الدين عند الله الإسلام: (الصفدية (2/301 – 332) . 112- توحد الملة وتعدد الشرائع: (مجموع الفتاوى (19/106 – 128) . 113- الاكتفاء بالرسالة، والاستغناء بها عما سواها: (مجموع الفتاوى (19/66 – 75) . (القصيدة النونية (188 – 193) ، "انظر: شرح النونية لابن عيسى 2/380 – 393) . 114- الرسالة ضرورية لصلاح العباد: (مجموع الفتاوى (19/93 – 105) . 115- عموم رسالته - صلى الله عليه وسلم -: (مجموع الفتاوى (19/9 – 65) . (الجواب الصحيح (1/126 – 140) . 116- كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين جميع الدين، أصوله وفروعه: (صحيح ابن حبان "إخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عما احتيج إلى معرفته" (1/131 – 139) ذكر فيه (80) نوعاً. (مجموع الفتاوى (19/155 – 202) .

(درء التعارض (1/72 – 78) . (جامع العلوم والحكم (1/193 – 197) . (معارج القبول (2/346 – 357) ، ذكر فيه المسائل الآتية: أ- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبلغ عن الله. ب- أنه - صلى الله عليه وسلم - بلغ جميع ما أرسل به لم يكتم منه حرفاً واحداً. جـ- أن ما بلغه - صلى الله عليه وسلم - هو جميع دين الإسلام مكملاً محكماً، لم يبق فيه نقص ولا إشكال فيحتاج إلى تكميل أو حل. د- أنه - صلى الله عليه وسلم - خاتم الرسل وكتابه خاتم الكتب. 117- إحاطة النصوص بحكم جمهور الحوادث: (الاستقامة (1/6 – 14) . (مجموع الفتاوى (19/280 – 289) . (إعلام الموقعين (1/332 – 350) . 118- حكم اتباع الظن: (مجموع الفتاوى (13/110 – 125) . 119- الرد على من قال: إن الفقه من باب الظنون: (الاستقامة (1/47 – 69) . (مجموع الفتاوى (13/117 – 127) . 120- الرد على من قال: إن نصوص الوحي لا تفيد اليقين: (الصواعق (2/633 – 794) ، ذكر فيه (73) وجهاً. (التنكيل للمعلمي (2/326 – 333) . 121-الرد على من قال: إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم العقل: (انظر ذلك تفصيلاً في كتاب "درء التعارض" لابن تيمية، وانظره فيه إجمالاً (1/78 – 86) . (الصواعق (3/796، 4/1538) ، ذكر فيه (241) وجهًا. (مختصر الصواعق (83 – 178) . (التنكيل للمعلمي (2/313 – 325) .

ثبت المصادر والمراجع الواردة في الهامش

ثبت المصادر والمراجع الواردة في الهامش

(آداب البحث والمناظرة: الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت1393هـ) شركة المدينة للطباعة والنشر جدة. (الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة "الإبانة الكبرى": ابن بطة (ت387هـ) تحقيق رضا معطي، الطبعة الأولى، دار الراية، الرياض (1409هـ) . (الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج: للغماري، المطبوع من منهاج الوصول للبيضاوي، علق عليه سمير المجذوب، الطبعة الأولى، عالم الكتب (1405هـ) . (إبطال الاستحسان: الإمام الشافعي (ت204هـ) استخرجه من كتاب الأم علي سنان، الطبعة الأولى، دار القلم، بيروت (1406هـ) . ابن قدامة وآثاره الأصولية: الدكتور عبد العزيز السعيد، الطبعة الرابعة (1408هـ) من مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: علاء الدين الفارسي (ت739هـ) تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت (1408هـ) . (أحكام أهل الذمة: ابن القيم (ت 751هـ) تحقيق صبحي الصالح، الطبعة الثانية، دار العلم للملايين، بيروت (1401هـ) . (الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (ت 631هـ) تعليق عبد الرزاق عفيفي، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي، بيروت (1402هـ) . (أحكام القرآن: للإمام الشافعي (ت204هـ) جمعه البيهقي (ت458هـ) عرف به وقدم له الكوثري، وكتب هوامشه عبد الغني عبد الخالق، دار الكتب العلمية، بيروت (1400هـ) . (اختلاف الحديث: للإمام الشافعي (ت204هـ) تحقيق محمد أحمد عبد العزيز، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت (1406هـ) . الأربعين النووية: للنووي (ت676هـ) المطبوع مع شرحه جامع العلوم والحكم لابن رجب، انظر: جامع العلوم والحكم من هذا الثبت. أساس البلاغة: للزمخشري (ت538هـ) تحقيق عبد الرحيم محمود، الطبعة الأولى، مطبعة أولاد أورفاند (1372هـ) . (الاستغناء في أحكام الاستثناء: للقرافي (ت682هـ) تحقيق د. طه محسن، مطبعة الإرشاد بغداد، (1402هـ) ، من مطبوعات وزارة الأوقاف بالعراق. (الاستقامة: لابن تيمية (ت728هـ) تحقيق د. محمد رشاد سالم، الطبعة الثانية (1409هـ) ، توزيع مكتبة السنة القاهرة. (الاستيعاب في أسماء الأصحاب: لابن عبد البر (ت463هـ) المطبوع مع

الإصابة، دار الكتاب العربي، بيروت. (الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر العسقلان (ت851هـ) ومعه الاستيعاب، دار الكتاب العربي، بيروت. (أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن: للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت1393هـ) طبع وتوزيع الإفتاء بالمملكة العربية السعودية (1403هـ) . (الأعلام: للزركلي (ت1396هـ) الطبعة السابعة، دار العلم للملايين، بيروت 1986م. (إعلام الموقعين عن رب العالمين: لابن القيم (ت751هـ) تعليق طه عبد الرءوف سعد، دار الجيل بيروت، 1973م. (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: لابن القيم (ت751هـ) تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت. (اقتضاء الصراط المستقيم: لابن تيمية (ت 728هـ) تحقيق د. ناصر العقل، الطبعة الأولى (1404هـ) . (أهل السنة والجماعة "معالم الانطلاقة الكبرى": لمحمد عبد الهادي المصري، الطبعة الثانية، دار طيبة الرياض (1408هـ) . (البحر المحيط في أصول الفقه: للزركشي (ت794هـ) ، تحرير ومراجعة عبد القادر العاني وعمر الأشقر، الطبعة الثانية، وزارة الأوقاف بالكويت (1413هـ) . (بدائع الفوائد: لابن القيم (ت751هـ) دار الكتاب العربي، بيروت. (بداية المجتهد ونهاية المقتصد: لابن رشد الحفيد (ت595هـ) تقديم سيد سابق، ومراجعة عبد الحليم محمد عبد الحليم، وعبد الرحمن حسن محمود، مطبعة حسان القاهرة. (البداية والنهاية: لابن كثير (ت774هـ) تحقيق د. أحمد أبي ملحم وجماعة، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت (1405هـ) . (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع: للشوكاني (ت1255هـ) الطبعة الأولى، مطبعة السعادة بمصر (1348هـ) الناشر دار المعرفة، بيروت. (تاج التراجم: لقاسم بن قطلوبغا (ت879هـ) تحقيق محمد خير رمضان يوسف، الطبعة الأولى، دار القلم دمشق (1413هـ) . (تاريخ بغداد: للخطيب البغدادي (ت463هـ) دار الكتب العلمية، بيروت، توزيع دار الباز بمكة المكرمة. (تأويل مشكل القرآن: لابن قتيبة (ت276هـ) شرحه ونشره أحمد صقر، الطبعة الثانية، دار التراث القاهرة (1393هـ) .

(تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب: لابن كثير (ت774هـ) تحقيق عبد الغني الكبيسي، الطبعة الأولى، دار حراء بمكة المكرمة (1406هـ) . (تخريج أحاديث مختصر المنهاج في أصول الفقه: للحافظ العراقي (ت804هـ) تحقيق صبحي السامرائي، مطبوعات دار الكتب السلفية بالقاهرة. (تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: للسيوطي (ت911هـ) تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، الطبعة الثانية، دار الكتب الحديثة (1385هـ) . (تسهيل المنطق: للشيخ عبد الكريم بن مراد الأثري، دار مصر للطباعة. (التعريفات: للشريف الجرجاني (ت816هـ) ضبطه جماعة من العلماء، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت (1403هـ) . (تفسير ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: لابن كثير (ت774هـ) تقديم د. يوسف المرعشلي، الطبعة الأولى، دار المعرفة، بيروت (1407هـ) . (التقريب لفقه ابن القيم: لبكر أبو زيد، القسم الأول، دار الهلال الرياض. (التقرير والتحبير: لابن أمير الحاج (ت861هـ) مصورة عن طبعة بولاق، بهامشه نهاية السول للأسنوي، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت (1403هـ) . (التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: لابن حجر (ت851هـ) بعناية عبد الله يماني، دار المعرفة، بيروت (1384هـ) . (التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل: للمعلمي (ت1386هـ) تحقيق الألباني، الطبعة الثانية، دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية (1403هـ) . (تهذيب الأسماء واللغات: للنووي (ت676هـ) إدارة الطباعة المنيرية، الناشر دار الكتب العلمية، بيروت. (تيسير التحرير على كتاب التحرير: لأمير باد شاه (ت978هـ) دار الكتب العلمية، بيروت. (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: لابن سعدي (ت1376هـ) تحقيق محمد زهري النجار، طبع الإفتاء بالمملكة العربية السعودية (1404هـ) . (جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لابن جرير الطبري (ت310هـ) دار الفكر، بيروت (1405هـ) . (جامع بيان العلم وفضله: لابن عبد البر (ت463هـ) تصحيح إدارة الطباعة المنيرية، دار الكتب العلمية، بيروت. (جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم: لابن رجب الحنبلي (ت795هـ) تحقيق شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة، بيروت (1412هـ) .

(جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام: لابن قيم الجوزية (ت751هـ) الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت (1405هـ) توزيع دار الباز بمكة المكرمة. (جماع العلم: للإمام الشافعي (ت204هـ) تحقيق أحمد شاكر، مكتبة ابن تيمية. (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: لابن تيمية (ت728هـ) مطابع المجد. (الجواهر المضية في طبقات الحنفية: للقرشي (ت775هـ) تحقيق د. عبد الفتاح الحلو، مطبعة عيسى البابي الحلبي، دار العلوم الرياض (1398هـ) . (الجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد: لابن عبد الهادي (ت909هـ) تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين، الطبعة الأولى، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة (1407هـ) . (حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك: للصبان (ت1206هـ) معه شرح الأشموني وشرح الشواهد للعيني، الناشر دار إحياء الكتب العربية. (الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة: لقوام السنة الأصبهاني (ت535هـ) تحقيق د. محمد ربيع ومحمد أبو رحيم، الطبعة الأولى، دار الراية الرياض (1411هـ) . (حقيقة البدعة وأحكامها: لسعيد بن ناصر الغامدي، الطبعة الأولى، مكتبة الرشد بالرياض (1412هـ) . (الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى: للدكتور محمد ربيع المدخلي، الطبعة الأولى، مكتبة لينة دمنهور، (1409هـ) . (خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل: للإمام البخاري (ت256هـ) تحقيق وتعليق محمد السعيد بن بسيوني، مكتبة التراث الإسلامي بالقاهرة. (درء الارتياب عن حديث ما أنا عليه اليوم والأصحاب: لسليم الهلالي، الطبعة الأولى، دار الراية الرياض (1410هـ) . (درء تعارض العقل والنقل: لابن تيمية (ت728هـ) تحقيق د. محمد رشاد سالم، الطبعة الأولى، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض (1399هـ) . (دراسات تاريخية: للدكتور أكرم العمري، الطبعة الأولى، (1403هـ) من مطبوعات المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب: للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت1393هـ) المطبوع مع أضواء البيان "المجلد العاشر"، انظر: أضواء البيان

للشنقيطي من هذا الثبت. (الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: لابن فرحون (ت799هـ) ومعه نيل الابتهاج، دار الكتب العلمية، بيروت. (ذيل طبقات الحنابلة: لابن رجب الحنبلي (ت795هـ) دار المعرفة بيروت. (رحلة الحج إلى بيت الله الحرام: للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت1393هـ) الطبعة الأولى، دار الشروق جدة (1403هـ) . (الرسالة: للإمام الشافعي (ت204هـ) تحقيق أحمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت. (رسالة لطيفة في أصول الفقه: للشيخ عبد الرحمن السعدي (ت1376هـ) الطبعة الأولى، مكتبة ابن الجوزي، السعودية (1407هـ) المطبوعة مع منهج السالكين بتصحيح وتعليق عبد الله الجار الله. (الروح: لابن القيم (ت751هـ) دار الكتب العلمية، بيروت (1399هـ) . (روضة المحبين ونزهة المشتاقين: لابن القيم (ت751هـ) دار الكتب العلمية، بيروت. (روضة الناظر وجنة المناظر: لابن قدامة (ت620هـ) المطبوع مع نزهة الخاطر العاطر، دار الكتب العلمية، بيروت توزيع دار الباز بمكة المكرمة. (زاد المعاد في هدي خير العباد: لابن القيم (ت751هـ) تحقيق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الثالثة مؤسسة الرسالة، مكتبة المنار الإسلامية (1402هـ) . (زاد المهاجر إلى ربه "الرسالة التبوكية": لابن القيم (ت751هـ) تقديم د. محمد جميل غازي، دار المدني جدة، (1406هـ) . (الزيادة على النص: للدكتور سالم الثقفي، الطبعة الأولى، المطبعة السلفية القاهرة (1404هـ) . (الزيادة على النص حقيقتها وحكمها وأثر ذلك في الاحتجاج بالسنة الآحادية المستقلة بالتشريع: للدكتور عمر بن عبد العزيز، مطابع الرشيد المدينة المنورة. (سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها: للألباني، الطبعة الثانية، مكتبة المعارف الرياض (1407هـ) . (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة: للألباني، الطبعة الثالثة، المكتبة الإسلامية عمان ومكتبة المعارف الرياض، (1406هـ) . (سنن ابن ماجه: للإمام ابن ماجه (ت275هـ) تحقيق وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي. (سنن أبي داود: للإمام أبي داود السجستاني (ت275هـ) تعليق محمد محي

الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، بيروت. (سنن البيهقي: السنن الكبرى: للإمام البيهقي (ت458هـ) وفي ذيله الجوهر النقي، الطبعة الأولى: صورة عن طبعة حيدر أباد بالهند (1347هـ) . (سنن الترمذي: للإمام الترمذي (ت297هـ) تحقيق وشرح أحمد شاكر ومن معه، دار إحياء التراث العربي. (سنن الدارمي: للإمام الدارمي (ت255هـ) عناية محمد أحمد دهمان، دار إحياء السنة النبوية، دار الكتب العلمية، بيروت. (سنن النسائي: للإمام النسائي (ت303هـ) معه شرح السيوطي وحاشية السندي، المكتبة العلمية، بيروت. (سير أعلام النبلاء: للذهبي (ت748هـ) أشرف على التحقيق وخرج الأحاديث شعيب الأرناؤوط، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت (1405هـ) . (الشافعي، حياته وعصره، آراؤه وفقهه: للشيخ محمد أبي زهرة، دار الفكر العربي. (شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لابن العماد الحنبلي (ت1089هـ) دار إحياء التراث العربي، بيروت. (شرح الأشموني على ألفية ابن مالك: للأشموني (900هـ) المطبوع مع حاشية الصبان، انظر: حاشية الصبان من هذا الثبت. (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: للالكائي (ت418هـ) تحقيق د. أحمد سعد حمدان، دار طيبة الرياض. (شرح السنة: للإمام البغوي (ت516هـ) تحقيق الأرناؤوط ومحمد الشاويش، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي (1390هـ) . (شرح العضد الإيجي على مختصر ابن الحاجب: للإيجي (ت756هـ) معه حاشية التفتازاني، الطبعة الثانية، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق، دار الكتب العلمية، بيروت (1403هـ) . (شرح العقيدة الطحاوية: لابن أبي العز الحنفي (ت792هـ) حققه جماعة من العلماء وخرج أحاديثه الألباني، الطبعة الخامسة المكتب الإسلامي (1399هـ) ، بيروت "طبع معه التوضيح". (شرح الكوكب المنير: لابن النجار الفتوحي (ت972هـ) تحقيق د. محمد الزحيلي ونزيه حماد، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. (شرح مختصر الروضة: للطوفي (ت716هـ) تحقيق د. عبد الله التركي، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت (1409هـ) . (شرح النونية المسمى: توضيح المقاصد وتصحيح القواعد: للشيخ أحمد بن

إبراهيم بن عيسى (ت1329هـ) تحقيق زهير الشاويش، الطبعة الثالثة، المكتب الإسلامي (1406هـ) . (الشريعة: للآجري (ت360هـ) تحقيق محمد حامد الفقي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت (1403هـ) . (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل: لابن القيم (ت751هـ) دار المعرفة، بيروت. (صحيح ابن حبان: لابن حبان (ت354هـ) انظر: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان للفارسي من هذا الثبت. (صحيح البخاري: للإمام البخاري (ت256هـ) المطبوع مع فتح الباري، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي وإشراف محب الدين الخطيب وتعليق ابن باز، دار المعرفة، بيروت. (صحيح الجامع الصغير وزيادته "الفتح الكبير": للألباني، أشرف على طبعه زهير الشاويش، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي (1406هـ) . (صحيح مسلم: للإمام مسلم (ت261هـ) المطبوع مع شرح النووي، الطبعة الثانية، دار إحياء التراث العربي، بيروت (1392هـ) . (الصفدية: لابن تيمية (ت728هـ) تحقيق د. محمد رشاد سالم، الطبعة الثانية (1406هـ) . (الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: لابن القيم (ت751هـ) تحقيق د. علي الدخيل الله، الطبعة الأولى، دار العاصمة الرياض (1408هـ) . (صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام: للسيوطي (ت911هـ) تعليق علي سامي النشار، طبع معه مختصر السيوطي لكتاب "نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان" لابن تيمية، دار الكتب العلمية، بيروت. (طبقات الحنابلة: لابن أبي يعلى (ت526هـ) دار المعرفة، بيروت. (طبقات الشافعية: لابن قاضي شهبة (ت851هـ) عناية د. عبد العليم خان، الطبعة الأولى، عالم الكتب، بيروت (1407هـ) . (طبقات الشافعية الكبرى: لابن السبكي (ت771هـ) الطبعة الثانية، دار المعرفة، بيروت. (طريق الهجرتين وباب السعادتين: لابن القيم (ت751هـ) دار الكتب العلمية، بيروت. (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين: لابن القيم (ت751هـ) تصحيح زكريا علي يوسف، دار الكتب العلمية، بيروت.

(العدة في أصول الفقه: للقاضي أبي يعلى (ت458هـ) تحقيق د. أحمد المباركي، الطبعة الثانية، (1410هـ) . (غاية المرام في علم الكلام: للآمدي (ت631هـ) تحقيق حسن عبد اللطيف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر (1391هـ) . (الفتاوى الكبرى: لابن تيمية (ت728هـ) تحقيق محمد عبد القادر عطا، ومصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى، دار الريان القاهرة (1408هـ) . (الفروق: للقرافي (ت684هـ) وضع فهارسه محمد رواس قلعه جي، دار المعرفة، بيروت. (الفصل في الملل والأهواء والنحل: لابن حزم الظاهري (ت456هـ) وبهامشه "الملل والنحل" للشهرستاني، دار المعرفة، بيروت (ت1403هـ) . (الفقيه والمتفقه: للخطيب البغدادي (ت463هـ) تصحيح وتعليق إسماعيل الأنصاري، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت (1400هـ) . (الفوائد: لابن القيم (ت751هـ) علق عليه صابر يوسف، الطبعة الرابعة، مكتبة القاهرة (1400هـ) . (القاموس المحيط: للفيروزآبادي (ت817هـ) المؤسسة العربية للطباعة والنشر، بيروت. (القصيدة المسماة الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية: لابن القيم (ت751هـ) دار المعرفة، بيروت، توزيع دار الباز بمكة المكرمة، انظر أيضاً: "شرح النونية" من هذا الثبت. (قواطع الأدلة: لابن السمعاني (ت489هـ) تحقيق د. عبد الله الحكمي ود. علي عباس الحكمي، الطبعة الأولى (1419هـ) . (قواعد الأصول ومعاقد الفصول: لصفي الدين الحنبلي (ت739هـ) تحقيق د. علي الحكمي، الطبعة الأولى (1409هـ) من مطبوعات جامعة أم القرى بمكة المكرمة. (القواعد الحسان لتفسير القرآن: لابن سعدي (ت1376هـ) مطابع الصائغ الفنية. (القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة: لابن سعدي (ت1376هـ) مكتبة المعارف الرياض (1406هـ) . (القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية: لابن اللحام (ت803هـ) تحقيق محمد حامد الفقي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت (1403هـ) نشر دار الباز بمكة المكرمة. (كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي: للبخاري (ت730هـ)

دار الكتاب العربي، بيروت (1394هـ) . (كشف الظنون على أسامي الكتب والفنون: لحاجي خليفة (ت1067هـ) دار الفكر (1402هـ) . (الكفاية في علم الرواية: للخطيب البغدادي (ت463هـ) تحقيق د. أحمد عمر هاشم، الطبعة الثانية، دار الكتاب العربي، بيروت (1406هـ) . (الكليات: للعكبري (ت1094هـ) مقابلة د. عدنان درويش ومحمد المصري، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة، بيروت (1412هـ) . (لسان العرب: لابن منظور (ت711هـ) دار صادر، بيروت. (لمعة الاعتقاد: لابن قدامة (ت620هـ) الطبعة الرابعة المكتب الإسلامي (1395هـ) ، بيروت. (لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية: للسفاريني (ت1188هـ) مع تعليقات للشيخ عبد الرحمن أبا بطين والشيخ سليمان بن سحمان، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي (1405هـ) . (مجلة البحوث الفقهية المعاصرة: العدد الأول، السنة الأولى: رمضان، ذو القعدة، الرياض (1409هـ) . (مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: السنة (16) العدد (62) ربيع الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة (1404هـ) ، والسنة "20" العدد (77، 78) المحرم، جمادى الآخرة (1408هـ) . (مجمل اللغة: لابن فارس (ت395هـ) تحقيق زهير عبد المحسن سلطان، الطبعة الأولى، مؤسسة الرسالة (1404هـ) . (المجموع شرح المهذب: للنووي (ت676هـ) معه "فتح العزيز" للرافعي، و"التلخيص الحبير" لابن حجر، دار الفكر. (مجموعة الرسائل الكبرى: لابن تيمية (ت728هـ) دار إحياء التراث العربي، بيروت. (مجموعة الرسائل المنيرية: لعدد من العلماء، جمع وتصحيح إدارة الطباعة المنيرية، نشرت لأول مرة (1343هـ) دار إحياء التراث العربي، بيروت. (مجموع الفتاوى: لابن تيمية (ت728هـ) جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم وابنه، مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة (1404هـ) . (المحجة في سير الدلجة: لابن رجب (ت795هـ) تحقيق يحيى مختار غزاوي، الطبعة الثانية، دار البشائر الإسلامية، بيروت (1406هـ) . (محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين: للفخر

الرازي (ت606هـ) تقديم وتعليق د. سميح دغيم، دار الفكر اللبناني. (مختار الصحاح: للرازي (ت بعد 666هـ) ترتيب محمود خاطر وتحقيق حمزة فتح الله، دار البصائر، مؤسسة الرسالة، بيروت (1405هـ) . (مختصر ابن اللحام: المختصر في أصول الفقه: لابن اللحام (ت803هـ) تحقيق د. محمد مظهر بقا، مركز البحث العلمي بجامعة الملك عبد العزيز، كلية الشريعة (1400هـ) . (مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة: لابن القيم (ت751هـ) اختصره الشيخ محمد الموصلي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت (1405هـ) . (مختصر المنتهى: لابن الحاجب (ت646هـ) مطبوع مع "شرح العضد" انظر: "شرح العضد" من هذا الثبت. (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: لابن القيم (ت751هـ) راجع النسخة لجنة من العلماء بإشراف الناشر، الطبعة الأولى، دار الحديث، القاهرة (1403هـ) . (المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: لابن بدران (ت1346هـ) قدم له أسامة الرفاعي، مؤسسة دار العلوم، بيروت. (مذكرة أصول الفقه: للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (1393هـ) المكتبة السلفية بالمدينة المنورة. (مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله: تحقيق ودراسة د. علي المهنا، الطبعة الأولى، مكتبة الدار بالمدينة المنورة (1406هـ) . (المسائل الخمسون في أصول الدين: للفخر الرازي (ت606هـ) تحقيق د. أحمد حجازي السقا، الطبعة الأولى، المكتب الثقافي، مصر (1989م) . (المستدرك على الصحيحين: للحاكم (ت405هـ) وفي ذيله "تلخيص المستدرك" للذهبي، دار الفكر، بيروت. (المستصفى: للغزالي (ت505هـ) تحقيق محمد مصطفى أبي العلا، مكتبة الجندي، مصر. (مسند الإمام أحمد: للإمام أحمد (ت240هـ) بهامشه "منتخب كنز العمال"، دار صادر، بيروت. (المسودة في أصول الفقه: لآل تيمية، جمع أحمد بن محمد الحراني (ت745هـ) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني، القاهرة. (المصالح المرسلة: للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت1393هـ) الطبعة الأولى (1410هـ) من مطبوعات مركز شئون الدعوة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

(المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: للفيومي (770هـ) المكتبة العلمية، بيروت. (معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول: للشيخ حافظ الحكمي (ت1377هـ) قدم له أحمد بن حافظ الحكمي، الطبعة الثالثة، المطبعة السلفية بالقاهرة (1404هـ) . (المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر: للزركشي (ت794هـ) تحقيق حمدي السلفي، الطبعة الأولى، دار الأرقم الكويت، (1404هـ) . (المعتمد في أصول الفقه: للبصري (ت436هـ) تقديم خليل الميس، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت (1403هـ) . (معجم المؤلفين: لعمر كحالة، مكتبة المثنى، بيروت – ودار إحياء التراث العربي، بيروت. (المعجم الوسيط: إخراج د. إبراهيم أنيس وجماعة، الطبعة الثانية، مطابع دار المعارف بمصر، (1393هـ) توزيع دار الباز بمكة المكرمة. (المغني: لابن قدامة (ت620هـ) تحقيق د. عبد الله التركي ود. عبد الفتاح الحلو، الطبعة الأولى، هجر بمصر (1408هـ) . (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة: لابن القيم (ت751هـ) مكتبة محمد علي صبيح، مصر، دار العهد الجديد. (مفتاح العلوم: للسكاكي (ت626هـ) ضبطه وشرحه نعيم زرزور، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت (1403هـ) . (مفهوم أهل السنة والجماعة عند أهل السنة والجماعة: للدكتور ناصر العقل، دار الوطن الرياض. (مقدمة ابن خلدون: لابن خلدون (ت808هـ) دار الفكر. (مقدمة أضواء البيان: للشيخ عطية محمد سالم، انظر: "أضواء البيان" للشيخ الشنقيطي من هذا الثبت. (مقدمة تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: بقلم أحد تلاميذ الشيخ عبد الرحمن السعدي تتضمن ترجمة الشيخ، انظر: "تيسير الكريم الرحمن" للسعدي من هذا الثبت. (مقدمة الرسالة: للشيخ أحمد شاكر، انظر: كتاب "الرسالة" للشافعي من هذا الثبت. (مقدمة المدخل إلى مذهب الإمام أحمد: لأسامة عبد الكريم الرفاعي، انظر: "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" لابن بدران من هذا الثبت.

(مقدمة المذكرة: للشيخ عطية محمد سالم، انظر: "مذكرة أصول الفقه" للشيخ محمد الأمين الشنقيطي من هذا الثبت. (مقدمة المسودة: لمحمد محي الدين عبد الحميد، انظر: "المسودة" لآل تيمية من هذا الثبت. (مقدمة معارج القبول: لأحمد بن حافظ الحكمي، انظر: "معارج القبول" للشيخ حافظ الحكمي من هذا الثبت. (الملل والنحل: للشهرستاني (ت548هـ) مطبوع بهامش "الفصل" لابن حزم، انظر: "الفصل" لابن حزم من هذا الثبت. (مناقب الشافعي: للفخر الرازي (ت606هـ) تحقيق د. أحمد حجازي السقا، الطبعة الأولى، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة (1406هـ) . (منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز: للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت1393هـ) مطبوع مع "أضواء البيان" (المجلد العاشر) انظر: "أضواء البيان" من هذا الثبت. (المنهاج: منهاج الوصول في معرفة علم الأصول: للبيضاوي (ت685هـ) المطبوع مع "الابتهاج"، انظر: "الابتهاج" للغماري من هذا الثبت. (منهاج السنة النبوية: لابن تيمية (ت728هـ) تحقيق د. محمد رشاد سالم، الطبعة الثانية (1409هـ) مكتبة ابن تيمية القاهرة. (منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة: لعثمان بن علي بن حسن، الطبعة الأولى، مكتبة الرشد، الرياض (1412هـ) . (منهج الأِشاعرة في العقيدة "تعقيبات على مقالات الصابوني" للدكتور سفر الحوالي، مطبوع ضمن مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة العدد (62) (من صفحة 65 إلى صفحة 104) انظر: مجلة الجامعة الإسلامية من هذا الثبت. (منهج التشريع الإسلامي وحكمته: للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت1393هـ) الطبعة الثانية، من مطبوعات مركز شئون الدعوة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. (المنية والأمل: للقاضي عبد الجبار (ت415هـ) جمعه أحمد بن يحيى المرتضى، تحقيق د. عصام الدين محمد علي، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية (1985م) . (المواقف في علم الكلام: للإيجي (ت756هـ) عالم الكتب، بيروت، دار الباز مكة المكرمة. (النبوات: لابن تيمية (728هـ) دار الكتب العلمية، بيروت (1405هـ) .

(نزهة الخاطر العاطر: لابن بدران (ت1346هـ) مطبوع مع الروضة انظر: "روضة الناظر" لابن قدامة من هذا الثبت. (النشر في القراءات العشر: لابن الأثير الجزري (ت833هـ) تحقيق د. محمد سالم محيسن، مكتبة القاهرة بمصر. (النقص من النص: للدكتور عمر عبد العزيز، مطبوع ضمن مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، العدد (77، 78) (من صفحة 9 إلى صفحة 101) انظر: مجلة الجامعة الإسلامية من هذا الثبت. (نهاية السول في شرح منهاج الأصول: للأسنوي (ت772هـ) معه "سلم الوصول" للمطيعي، عالم الكتب. (النهاية في غريب الحديث والأثر: لابن الأثير الجزري (ت606هـ) تحقيق محمود الطناحي وطاهر الزواوي، الناشر أنصار السنة المحمدية باكستان. (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار: للشوكاني (ت1255هـ) مكتبة دار التراث، القاهرة. (وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق: لجمال بن أحمد بن بشير بادي، الطبعة الأولى، دار الوطن، الرياض (1412هـ) . (وسيلة الحصول إلى مهمات الأصول: للشيخ حافظ الحكمي (ت1377هـ) مكتبة ابن تيمية القاهرة، مطبوع ضمن "مجموع بقلم حافظ الحكمي". (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: لابن خلكان (ت681هـ) تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت.

الفهارس أولاً: فهرس الآيات القرآنية الكريمة. ثانيًا: فهرس الأحاديث النبوية الشريفة. ثالثًا: فهرس الأعلام المترجم لهم. رابعًا: فهرس الكتب المعرف بها. خامسًا: فهرس المصطلحات الأصولية المشروحة. سادسًا: الفهرس التفصيلي للمسائل الأصولية. سابعًا: فهرس المحتويات.

الفهارس

أولا: فهرس الآيات القرآنية الكريمة (1) رقم الآية ... الآية ... الصفحة (سورة الفاتحة) 1 ... {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ... 415 3 ... {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ... 415 (سورة البقرة) 3 ... {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} ... 381 4 ... {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ... 381 22 ... {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} ... 199 29 ... {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا} ... 310 31 ... {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا} ... 371 32 ... {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} ... 514 42 ... {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} ... 381 67 ... {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} ... 386 98 ... {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} ... 381 106 ... {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} ... 252، 255، 256، 258، 260، 262 111 ... {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} ... 214 124 ... {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} ... 224 135 ... {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} ... 224 143 ... {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} ... 161 143 ... {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} ... 200، 254 144 ... {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ... 261

_ (1) مرتبة حسب ورودها في المصحف الشريف.

148 ... {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} ... 400 150 ... {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} ... 253 159 ... {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} ... 506 173 ... {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} ... 441 183 ... {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} ... 200، 225، 261 184، 185 ... {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ... 439 184 ... {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ... 253، 258 185 ... {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ... 253 185 ... {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ... 340، 358 187 ... {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} ... 261 196 ... {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ... 405 196 ... {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} ... 439، 442 196 ... {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} ... 348 197 ... {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} ... 417 208 ... {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} ... 401 221 ... {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} ... 430 222 ... {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} ... 511 222 ... {قُلْ هُوَ أَذًى} ... 202، 511 222 ... {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} ... 430 230 ... {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ... 455 233 ... {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا} ... 337 238 ... {حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى} ... 381 255 ... {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ... 287 255 ... {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ} ... 417 271 ... {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ... 376 275 ... {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ... 134، 260 286 ... {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} ... 337

.. (سورة آل عمران) 7 ... {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} ... 105 7 ... {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} ... 105، 108 7 ... {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} ... 105، 268، 389 18 ... {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} ... 287 32 ... {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} ... 120، 498 97 ... {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} ... 247، 338، 340، 351، 430 105 ... {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} ... 476 110 ... {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ... 161 133 ... {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} ... 400 137 ... {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ} ... 182 159 ... {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ} ... 510 173 ... {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} ... 413 185 ... {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ... 417 187 ... {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} ... 506 (سورة النساء) 10 ... {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} ... 181، 450 11 ... {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} ... 430 23 ... {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} ... 414 23 ... {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} ... 459 25 ... {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} ... 430 27 ... {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} ... 402 28 ... {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} ... 253 29 ... {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} ... 134

43 ... {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} ... 112 59 ... {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ... 72، 120، 121، 498 80 ... {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} ... 123 82 ... {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ} ... 19، 95 82 ... {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} ... 19، 47، 268 83 ... {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا} ... 428 92 ... {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} ... 428، 436، 437، 441 101 ... {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} ... 456 105 ... {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} ... 105 113 ... {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} ... 118 115 ... {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} ... 160، 166 127 ... {يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} ... 504 136 ... {آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} ... 401 136 ... {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا} ... 160 157 ... {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} ... 78 160 ... {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} ... 201، 357 161 ... {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} ... 201 165 ... {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} ... 328، 342، 344 (سورة المائدة) 2 ... {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} ... 399، 401، 402 3 ... {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.....} ... 133، 187، 364

5 ... {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} ... 430 6 ... {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ... } ... 299، 386 6 ... {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} ... 112 6 ... {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} ... 358 32 ... {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} ... 200، 202 38 ... {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} ... 188 48 ... {أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} ... 252 48 ... {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} ... 224 48 ... {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} ... 224 48 ... {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} ... 400 67 ... {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} ... 133 67 ... {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ... 129 79 ... {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ... 341 89 ... {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} ... 293، 376 89 ... {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} ... 441، 442 98 ... {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ... 88 101 ... {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ ... } ... 477، 485 102 ... {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} ... 477 105 ... {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} ... 398 (سورة الأنعام) 19 ... {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} ... 70، 344 106 ... {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} ... 499 108 ... {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} ... 241 112 ... {زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} ... 341 119 ... {وإن كثيرا ليضلوا بأهوائهم بغير علم} ... 78

122 ... {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} ... 76 141 ... {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ... 389 143 ... {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ... 78 145 ... {قل لا أجد في ما أوحى إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا} ... 263، 441 148 ... {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ} ... 78 149 ... {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} ... 78 151 ... {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} ... 431 155 ... {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ} ... 499 (سورة الأعراف) 3 ... {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} ... 498، 499 3 ... {وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} ... 492، 498 11 ... {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} ... 287 28 ... {إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} ... 331 33 ... {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} ... 506 39 ... {بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} ... 198 54 ... {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ} ... 252 55 ... {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} ... 301 145 ... {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} ... 79، 441 152 ... {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ} ... 340 157 ... {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} ... 226 158 ... {فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ... 123 163 ... {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرت البحر} ... 111، 241

163 ... {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} ... 111، 241، 375 (سورة الأنفال) 13 ... {وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ... 160 65 ... {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} ... 253 66 ... {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} ... 253 67 ... {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ} ... 479 (سورة التوبة) 5 ... {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ} ... 401 6 ... {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} ... 102، 404 31 ... {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ... 498 39 ... {إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ... 294 60 ... {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} ... 376 100 ... {وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ} ... 219 103 ... {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} ... 388 120 ... {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ... 298 121 ... {وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً} ... 298 122 ... {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} ... 142 (سورة يونس) 15 ... {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} ... 248 15 ... {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} ... 248، 259 16 ... {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} ... 97 36 ... {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ... 78

52 ... {بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} ... 198 57 ... {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} ... 363 58 ... {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} ... 363 59 ... {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا} ... 310 71 ... {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} ... 156 (سورة هود) 1 ... {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ} ... 105 6 ... {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} ... 413 20 ... {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} ... 338 (سورة يوسف) 2 ... {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا} ... 370 40 ... {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} ... 286 67 ... {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} ... 286 82 ... {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} ... 112، 113، 447 111 ... {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ} ... 226 (سورة الرعد) 19 ... {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} ... 363 36 ... {وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ... 363 37 ... {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} ... 103 38 ... {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} ... 252، 259، 261 (سورة إبراهيم) 4 ... {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} ... 103 (سورة الحجر) 9 ... {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ... 70، 133

76 ... {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} ... 226 79 ... {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} ... 226 (سورة النحل) 14 ... {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} ... 459 43 ... {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} ... 491، 505 44 ... {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ... 425 60 ... {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى} ... 183 89 ... {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} ... 201، 425 101 ... {وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ} ... 260 103 ... {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} ... 104 106 ... {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ} ... 350 115 ... {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} ... 441 116 ... {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} ... 355 (سورة الإسراء) 15 ... {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} ... 328، 342، 344 23 ... {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} ... 450، 452 24 ... {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} ... 112 36 ... {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ... 492 78 ... {أَقِمِ الصَّلاةَ} ... 398 (سورة الكهف) 47 ... {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} ... 287 77 ... {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} ... 112 101 ... {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} ... 338 (سورة مريم) 10 ... {آَيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} ... 397

11 ... {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ} ... 397 (سورة طه) 25 ... {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} ... 514 26 ... {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} ... 514 27 ... {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} ... 514 28 ... {يَفْقَهُوا قَوْلِي} ... 514 (سورة الأنبياء) 7 ... {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} ... 491، 505 23 ... {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} ... 201، 328 78 ... {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} ... 81، 478 79 ... {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} ... 81، 487 (سورة الحج) 14 ... {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} ... 402 78 ... {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ... 358 (سورة المؤمنون) 5 ... {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} ... 414 6 ... {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ... 414 68 ... {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} ... 95 115 ... {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} ... 199 (سورة النور) 2 ... {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} ... 260، 316 4 ... {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ... 428، 455 5 ... {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} ... 428 33 ... {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} ... 399 36 ... {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} ... 455 37 ... {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} ... 455 63 ... {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ... 120، 398

.. (سورة الفرقان) 1 ... {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} ... 70 23 ... {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} ... 351 (سورة الشعراء) 192 ... {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ... 103 193 ... {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ} ... 102، 103 194 ... {عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} ... 102، 103 195 ... {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} ... 103 210 ... {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} ... 378 211 ... {وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} ... 378 (سورة النمل) 23 ... {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} ... 423 (سورة القصص) 59 ... {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا} ... 342 68 ... {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} ... 197 (سورة العنكبوت) 57 ... {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ... 417 (سورة الروم) 21 ... {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} ... 199 58 ... {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} ... 96 (سورة لقمان) 11 ... {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} ... 97 14 ... {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} ... 447 21 ... {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا} ... 492 (سورة السجدة) 7 ... {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} ... 328

.. (سورة الأحزاب) 21 ... {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ... 123 36 ... {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ... 120، 398 40 ... {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} ... 252 41 ... {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} ... 301 (سورة سبأ) 6 ... {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} ... 363 28 ... {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} ... 252 (سورة فاطر) 24 ... {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} ... 311 (سورة يس) 79 ... {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} ... 97 (سورة الصافات) 22 ... {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} ... 192 106 ... {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} ... 254 137 ... {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ} ... 226 138 ... {وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} ... 226 (سورة ص) 28 ... {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} ... 199، 331 44 ... {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} ... 512 (سورة الزمر) 10 ... {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ... 253 18 ... {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} ... 79 23 ... {كِتَابًا مُتَشَابِهًا} ... 105

29 ... {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} ... 192 55 ... {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} ... 79 60 ... {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} ... 506 62 ... {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ... 287، 424 (سورة فصلت) 39 ... {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً} ... 182 40 ... {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} ... 399 44 ... {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ} ... 104 (سورة الشورى) 10 ... {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} ... 72 11 ... {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ... 183 17 ... {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} ... 186 21 ... {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} ... 310، 318 (سورة الأحقاف) 15 ... {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} ... 447 29 ... {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ} ... 102 30 ... {إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} ... 102 (سورة محمد) 4 ... {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} ... 398 19 ... {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} ... 88 24 ... {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ} ... 95 (سورة ق) 9 ... {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} ... 198 10 ... {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} ... 198 11 ... {رِزْقًا لِلْعِبَادِ} ... 198 (سورة الطور) 35 ... {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} ... 203

.. (سورة النجم) 3 ... {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} ... 69، 134، 269 4 ... {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} ... 69، 134، 269 23 ... {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} ... 78 23 ... {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ} ... 78، 80، 275 (سورة الواقعة) 77 ... {إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ} ... 378 78 ... {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} ... 378 79 ... {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} ... 378 (سورة الحديد) 25 ... {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} ... 186 (سورة المجادلة) 2 ... {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ... 300، 436، 441 4 ... {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} ... 441 4 ... {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} ... 439، 441، 442 (سورة الحشر) 2 ... {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ} ... 192 7 ... {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} ... 200 7 ... {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} ... 147 18 ... {وَاتَّقُوا اللَّهَ} ... 401 (سورة الجمعة) 9 ... {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} ... 299 (سورة التغابن) 12 ... {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ... 401 16 ... {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} ... 88، 338 (سورة الطلاق) 2 ... {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} ... 202

3 ... {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ... 417 6 ... {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ... 455 (سورة التحريم) 5 ... {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} ... 437 (سورة الملك) 14 ... {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ... 270، 329 (سورة القلم) 35 ... {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} ... 199، 331 36 ... {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} ... 199 (سورة الحاقة) 24 ... {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ} ... 197 (سورة المعارج) 29 ... {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} ... 414 30 ... {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ... 414 (سورة المزمل) 20 ... {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} ... 401 (سورة المدثر) 42 ... {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} ... 352 43 ... {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} ... 352 44 ... {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} ... 352 (سورة القيامة) 18 ... {فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ} ... 391 19 ... {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ... 391 36 ... {أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} ... 199 (سورة الإنسان) 30 ... {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} ... 197

.. (سورة المرسلات) 43 ... {بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ} ... 198 (سورة الانفطار) 12 ... {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} ... 287 13 ... {إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} ... 203، 447 (سورة المطففين) 22 ... {إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} ... 203، 447 (سورة البينة) 4 ... {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} ... 476

2- فهرس الأحاديث النبوية الشريفة.

ثانيًا: فهرس الأحاديث النبوية الشريفة (1) الحديث ... الصفحة إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ... 341 إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. ... 88 إذا حكم الحاكم فاجتهد ... 469 ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ... 121 ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال ... 505 ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ... 349 ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ... 121 اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض ... 514 إن أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم فحرم على من أجل مسألته ... 477 إن أمتي لا تجتمع على ضلالة ... 162 إن الروح الأمين قد ألقى في روعي ... 134 إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً ... 268 إنك لعريض القفا ... 343 إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ... 397 إن الله جميل يحب الجمال ... 328 إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال ... 447 إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ... 350 إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس مائة سنة من يجدد لها دينها ... 485 إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ... 363 أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ... 386 ثلاث حق على كل مسلم: الغسل يوم الجمعة، والسواك، ويمس من طيب إن وجد ... 382 الثيب أحق بنفسها والبكر تستأمر ... 455 دع ما يريبك إلا ما لا يريبك ... 493 دعوني ما تركتم إنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم ...

_ (1) مرتبة حسب حروف الهجاء.

121 رفع القلم عن ثلاثة ... 346 صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ... 456 صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب ... 340 صيد البر لكم حلال ما لم تصيدون أو يصد لكم ... 362 فإنما بعثتم ميسيرين ولم تبعثوا معسرين ... 358 فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ... 148 فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين ... 121 فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ... 493 فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ... 17 فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار ... 515 في سائمة الغنم الزكاة ... 431 كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله فقال لأهله ... 483 كل مسكر خمر ... 375 كيف تقضي (حديث معاذ المشهور) ... 191 لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ... 513 لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ... 18 لا تسبوا أصحابي ... 219 لا صلاة لمن لا وضوء له ... 319 لا نكاح إلا بولي ... 437 لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل ... 437 لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ... 382 لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ... 475 لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل ... 479 لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ... 399 المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ... 343 مره فليراجعها ... 404 مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ... 404 المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ... 341 من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ...

516 من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله ... 506 من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ... 188 من غشنا فليس منا ... 320 من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ... 136 نضر الله امرءا ًسمع مقالتي فوعاها ... 143 وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ... 133 والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ... 18 ولا أحد أحب إليه العذر من الله ... 328 يسروا ولا تعسروا ... 358 يفقأ العين ويكسر السن ... 511

3- فهرس الأعلام المترجم لهم

ثالثًا: فهرس الأعلام المترجم لهم (1) الاسم ... الصفحة الآمدي = علي بن أبي علي بن محمد بن سالم (سيف الدين) ... 61 أحمد بن حنبل = أحمد بن محمد بن حنبل ... 27 أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام (شيخ الإسلام ابن تيمية) ... 36 أحمد بن علي بن ثابت (الخطيب البغدادي) ... 51 أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الحراني (شهاب الدين أبو العباس) ... 39 أحمد بن محمد بن حنبل ... 27 أحمد بن محمد بن شاكر ... 47 إسماعيل بن عمر (ابن كثير) ... 251 إمام الحرمين = عبد الملك بن عبد الله الجويني ... 35 البخاري = محمد بن إسماعيل ... 29 ابن بدران = عبد القادر بن أحمد بن مصطفى الدومي ... 58 البعلي = علي بن محمد بن عباس (ابن اللحام) ... 57 أبو بكر الصديق = عبد الله بن أبي قحافة - رضي الله عنه - ... 130 ابن تيمية = أحمد بن عبد الحليم (شيخ الإسلام) ... 36 ابن تيمية = عبد الحليم بن عبد السلام (أبو المحاسن شهاب الدين والد شيخ الإسلام) ... 39 ابن تيمية = عبد السلام بن عبد الله (مجد الدين أبو البركات جد شيخ الإسلام) ... 39 الثوري = سفيان بن سعيد بن مسروق ... 500 الجويني = عبد الملك بن عبد الله (إمام الحرمين) ... 35 ابن الحاجب = عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس ... 61 حافظ بن أحمد بن علي الحكمي ... 45 الحراني = أحمد بن عبد الحليم ... 36 الحراني = أحمد بن محمد ... 39 الحراني = عبد الحليم بن عبد السلام ... 39 الحراني = عبد السلام بن عبد الله ...

_ (1) مرتبة حسب حروف الهجاء.

39 الحكمي = حافظ بن أحمد ... 45 أبو حنيفة = النعمان بن ثابت ... 35 الخطيب البغدادي = أحمد بن علي بن ثابت ... 51 ابن خلدون = عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن الحضرمي الأشبيلي ... 32 الدارمي = عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل (أبو محمد صاحب السنن) ... 72 داود بن علي بن خلف الأصبهاني (الظاهري) ... 476 الدبوسي = عبيد الله بن عمر بن عيسى ... 32 الرازي = محمد بن عمر بن الحسين (الفخر) ... 47 ابن رجب الحنبلي = عبد الرحمن بن أحمد بن رجب ... 317 السبكي = عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي ... 34 سعد بن معاذ - رضي الله عنه - ... 479 السعدي ابن سعدي = عبد الرحمن بن ناصر ... 44 سفيان بن سعيد بن مسروق (الثوري) ... 500 سيف الدين الآمدي = علي بن أبي علي بن محمد بن سالم ... 61 ابن السمعاني = منصور بن محمد بن عبد الجبار (أبو المظفر) ... 33 الشافعي = محمد بن إدريس ... 46 الشنقيطي = محمد الأمين بن محمد المختار ... 58 صفي الدين الحنبلي = عبد المؤمن بن عبد الحق ... 57 عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما ... 386 ابن عبد البر = يوسف بن عبد الله بن عبد البر ... 30 عبد الحليم بن عبد الله (ابن تيمية شهاب الدين والد شيخ الإسلام) ... 39 عبد الرحمن بن أحمد بن رجب (ابن رجب) ... 317 عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن الحضرمي الأشبيلي (ابن خلدون) ... 32 عبد الرحمن بن مهدي ... 46 عبد الرحمن بن ناصر السعدي ... 44 عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر (ابن تيمية مجد الدين جد شيخ الإسلام) . ... 39 عبد القادر بن أحمد بن مصطفى الدومي الدمشقي (ابن بدران) ...

58 عبد الله بن أحمد بن قدامة (ابن قدامة) ... 54 عبد الله بن أحمد بن محمود (الكعبي) ... 309 عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل (أبو محمد الدارمي صاحب السنن) ... 72 عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ... 126 عبد الله بن أبي قحافة (أبو بكر الصديق) رضي الله عنه ... 130 عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ... 39 عبد المؤمن بن عبد الحق (صفي الدين الحنبلي) ... 57 عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (أبو المعالي إمام الحرمين) ... 35 عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي ... 34 عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي ... 32 عثمان بن عفان رضي الله عنه ... 167 عثمان بن عمر أبي بكر بن يونس (ابن الحاجب) ... 61 علي بن سليمان بن أحمد المرداوي ... 60 علي بن أبي علي بن محمد بن سالم (سيف الدين الآمدي) ... 61 علي بن محمد بن عباس البعلي (ابن اللحام) ... 57 عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... 456 عمران بن الحصين - رضي الله عنه - ... 340 الغزالي = محمد بن محمد بن محمد ... 32 الفتوحي = محمد بن أحمد بن عبد العزيز (ابن النجار) ... 59 الفخر الرازي = محمد بن عمر بن الحسين ... 47 ابن قتيبة = عبد الله بن مسلم ... 29 ابن قدامة = عبد الله بن أحمد ... 54 ابن القيم = محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ... 36 ابن كثير = إسماعيل بن عمر ... 251 الكعبي = عبد الله بن أحمد ... 309 ابن اللحام = علي بن محمد بن عباس (البعلي) ... 57 مالك بن أنس ... 25 محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي (ابن النجار) ... 59 محمد بن إدريس الشافعي ...

46 محمد بن إسماعيل البخاري (صاحب الصحيح) ... 29 محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي (صاحب أضواء البيان) ... 58 محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي (ابن القيم) ... 36 محمد بن الحسن الشيباني ... 26 محمد بن عمر بن الحسين (فخر الدين الرازي) ... 47 محمد بن محمد بن محمد الغزالي (أبو حامد) ... 32 المرداوي = علي بن سليمان بن أحمد ... 60 معاذ بن جبل رضي الله عنه ... 190 منصور بن محمد بن عبد الجبار (أبو المظفر ابن السمعاني) ... 33 ابن النجار = محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي ... 59 النعمان بن ثابت (أبو حنيفة) ... 25 يعقوب بن إبراهيم بن حبيب (أبو يوسف) ... 232 يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي ... 30 أبو يوسف = يعقوب بن إبراهيم بن حبيب ... 232

4- فهرس الكتب المعرف بها

رابعاً: فهرس الكتب المعرف بها (1) الكتاب ... الصفحة إعلام الموقعين لابن القيم ... 40 التحرير للمرداوي ... 60 تقويم الأدلة للدبوسي ... 32 جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ... 30 الرسالة للشافعي ... 46 رسالة ابن سعدي في أصول الفقه ... 44 روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة ... 54 شرح الكوكب المنير لابن النجار الفتوحي ... 59 الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي ... 51 قواطع الأدلة لابن السمعاني ... 33 قواعد الأصول ومعاقد الفصول لصفي الدين الحنبلي ... 57 القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ... 42 مختصر التحرير لابن النجار الفتوحي ... 59 مختصر ابن اللحام في أصول الفقه ... 57 مختصر نصيحة أهل الحديث للخطيب البغدادي ... 51 المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل لابن بدران ... 44 مذكرة أصول الفقه للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ... 59 المستصفي للغزاليي ... 54 المسودة لآل تيمية ... 39 نزهة الخاطر العاطر لابن بدران ... 58 وسيلة الحصول للشيخ حافظ الحكمي ... 45

_ (1) مرتبة حسب حروف الهجاء.

5- فهرس المصطلحات الأصولية

خامسًا: فهرس المصطلحات الأصولية المشروحة (1) الآحاد ... 141 ... الترادف: ... 379 الإباحة الشرعية: ... 308 ... ترتيب الأدلة: ... 278 الإباحة العقلية: ... 308 ... الترجيح: ... 274 الاجتهاد: ... 464 ... ترك النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... 129 الإجماع: ... 156 ... تعارض الأدلة: ... 268 الإجماع الاستقرائي: ... 157 ... التعارض الجزئي: ... 268 الإجماع السكوتي: ... 157 ... التعارض الكلي: ... 268 الإجماع القولي: ... 157 ... تعارض الخاص والعام: ... 431 الأداء: ... 231 ... تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... 128 الاستثناء: ... 425 ... التقليد: ... 490 الاستثناء المتصل: ... 426 ... التكليف: ... 336 الاستثناء المنقطع: ... 426 ... تنقيح المناط: ... 468 الاستحسان: ... 230 ... الحسن والقبح: ... 326 الاستصحاب: ... 210 ... الحكم: ... 286 الاشتراك: ... 379 ... الحكم التكليفي: ... 290 الأصل: ... 22 ... الحكم الشرعي: ... 286 أصول الفقه: ... 21 ... الحكم الوضعي: ... 314 الإعادة: ... 321 ... حمل المطلق على المقيد: ... 436 الأمر: ... 396 ... دلالة الإشارة: ... 447 الإيماء والتنبيه (من مسالك العلة) : ... 202 ... دلالة الاقتضاء: ... 447 البيان: ... 389 ... دلالة الالتزام: ... 446 التأسي بالرسول - صلى الله عليه وسلم -: ... 125 ... دلالة التضمن: ... 446 التأويل ... 386 ... دلالة التنبيه والإيماء: ... 447 تحقيق المناط: ... 467 ... دلالة المطابقة: ... 446 تخريج المناط: ... 468 ... الدليل الشرعي: ... 92 التخصيص: ... 421 ... الدليل الظني: ... 82 الدليل غير الشرعي: ... 92 ... القياس الجلي: ...

_ (1) مرتبة على حروف الهجاء.

181 الدليل القطعي: ... 81 ... القياس الخفي: ... 181 الدوران الوجودي والعدمي: ... 204 ... قياس الدلالة: ... 182 الرخصة: ... 321 ... قياس الشبه: ... 195 الزيادة على النص: ... 264 ... قياس الطرد: ... 182 السبب: ... 315 ... قياس العكس: ... 182 السبر والتقسيم: ... 203 ... قياس العلة: ... 182 السنة: ... 118 ... القياس في معنى الأصل: ... 182 الشرط (من أقسام الحكم الوضعي) : ... 315 ... الكتاب: ... 102 الشرط (من المخصصات المتصلة) : ... 430 ... الكمال المستحب: ... 318 الصحة في العبادات: ... 317 ... الكمال الواجب: ... 319 الصحة في المعاملات: ... 318 ... المؤثر: ... 205 الصفة (من المخصصات المتصلة) : ... 430 ... المانع: ... 315 صيغ العموم: ... 415 ... المباح: ... 291 الظاهر: ... 385 ... المبيَّن: ... 278 الظن: ... 78 ... المبِّين: ... 278 العام: ... 412 ... المتواتر: ... 136 العزيمة: ... 321 ... المتواتر اللفظي: ... 136 العلة: ... 194 ... المتواتر المعنوي: ... 136 الغاية (من المخصصات المتصلة) : ... 430 ... المجاز: ... 110 الغريب (من أنواع الوصف المناسب) : ... 205 ... المجمل: ... 388 الفتوى: ... 504 ... المحرم: ... 290 الفساد في العبادات: ... 318 ... المحكم والمتشابه: ... 105 الفساد في المعاملات: ... 318 ... المخصصات: ... 423 الفقه: ... 22 ... المخصص المتصل: ... 423 القراءة الشاذة: ... 109 ... المخصص المنفصل: ... 423 القضاء: ... 321 ... المرسل (من أنواع الوصف المناسب) : ... 205 القطع: ... 78 ... مسالك العلة: ... 202 القياس: ... 180 ... المصلحة: ... 235 المصلحة المرسلة: ... 236 ... المناط: ...

467 المصلحة المعتبرة شرعًا: ... 235 ... المندوب: ... 290 المصلحة الملغاة شرعًا: ... 235 ... المنطوق: ... 446 المطلق: ... 436 ... المنطوق الصريح: ... 446 المفهوم: ... 448 ... المنطوق غير الصريح: ... 446 مفهوم الشرط: ... 455 ... النسخ: ... 246 مفهوم الصفة: ... 454 ... النص (في مقابلة الظاهر) : ... 384 مفهوم العدد: ... 455 ... النهي: ... 406 مفهوم الغاية: ... 455 ... الواجب: ... 290 مفهوم اللقب: ... 455 ... الواجب العيني: ... 293 مفهوم المخالفة: ... 454 ... الواجب الكفائي: ... 293 مفهوم الموافقة: ... 450 ... الواجب المضيق: ... 293 المقيد: ... 436 ... الواجب الموسع: ... 293 المكروه: ... 290، 291، 307 ... الوسائل: ... 297 الملائم: ... 205 ... الوصف الطردي: ... 195 المناسبة والإخالة: ... 204 ... الوصف المناسب: ... 195 المناسب المرسل: ... 205 ... الوضع ... 314

6- الفهرس التفصيلي للمسائل الأصولية

سادساً: الفهرس التفصيلي للمسائل الأصولية (1) الباب الأول الأدلة الشرعية عند أهل السنة والجماعة الكلام على الأدلة الشرعية إجمالاً: 1- الأدلة الشرعية من حيث أصلها ومصدرها: ... 67 - الأدلة المعتبرة شرعاً أربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس ... 68 - الأدلة الأربعة متفقة لا تختلف، متلازمة لا تفترق. ... 68 - الكتاب والسنة أصل الأدلة ... 69 - خصائص أصل الأدلة الكتاب والسنة، وعددها (29) ... 69 2- الأدلة الشرعية من حيث القطع والظن: ... 77 - معنى القطع والظن ... 78 - العمل بالظن نوعان ... 78 - العمل بالعلم نوعان ... 79 - القطع والظن من الأمور النسبية ... 80 - انقسام الأدلة الشرعية إلى قطعية وظنية ... 81 - إفادة نصوص الكتاب والسنة القطع ... 83 - بطلان القول بأن نصوص الكتاب والسنة لا تفيد اليقين ... 83 - بطلان القول بأن الفقه كله أو أكثره ظنون ... 85 - العوامل التي ساعدت على انتشار القول بأن الفقه أكثره ظنون ... 86 - بيان أن الأدلة الظنية متفاوتة فيما بينها ... 87 - هل يكفي في مسائل أصول الدين الظن؟ ... 88 3- الأدلة الشرعية من حيث النقل والعقل: ... 91 - انقسام الأدلة الشرعية إلى نقلية وعقلية ... 92 - السمع أصل لجميع الأدلة ... 93 - بيان موافقة المعقول للمنقول ... 94 - مكانة العقل عند أهل السنة ... 95

_ (1) مرتبة حسب ترتيب موضوعات هذا الكتاب.

الأدلة المتفق عليها: 1- الكتاب: ... 101 * المسألة الأول: تعريف الكتاب: ... 102 - الكتاب هو القرآن ... 102 - تعريف الكتاب ... 102 شرح التعريف ... 102 * المسألة الثانية: هل في القرآن لفظ غير عربي؟ ... 103 - مذهب الجمهور والأدلة عليه ... 103 - لا يشكل على كون القرآن عربيًا وجود بعض الكلمات الأعجمية فيه وذلك لوجوه ... 104 * المسألة الثالثة: المحكم والمتشابه في القرآن الكريم: ... 105 - معنى المحكم والمتشابه بالاعتبار العام ... 105 - معنى المحكم والمتشابه بالاعتبار الخاص ... 105 - طريقة السلف في التعامل مع المحكم والمتشابه ... 106 - ليس في القرآن ما لا معنى له ... 106 - جميع ما في القرآن مما يفهم معناه، وليس فيه ما لا يمكن أن يعلم معناه أحد ... 106 - في القرآن ما لا يعلم تأويله إلا الله (وقد يسمى هذا بالمتشابه) ... 107 - أسماء الله وصفاته من المتشابه باعتبار، وليست منه باعتبار آخر ... 108 - يجوز الوقف على لفظ الجلالة في قوله تعالى: {إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ} ويجوز تركه ... 108 - طريقة المبتدعة في التعامل مع المحكم والمتشابه ... 108 * المسألة الرابعة: حكم العمل بالقراءة الشاذة: ... 109 - المراد بالقراءة الشاذة عند الأصوليين وعند القراء. ... 109 - القراءة الشاذة لا تكون قرآنا باتفاق ... 109 - اختلاف العلماء في العمل بالقراءة الشاذة ... 109 * المسألة الخامسة: هل في القرآن مجاز؟ ...

110 - تعريف المجاز ومثاله ... 110 - شرط حمل الكلام على المجاز ... 110 - المجاز منتفٍ عن آيات الصفات ... 111 - المجاز واقع في القرآن فيما عدا آيات الصفات ... 111 - إثبات المجاز لا يلزم منه تأويل الصفات أو نفيها ... 112 - المثبتون للمجاز فريقان ... 113 - الخلاف بين أهل السنة في إثبات المجاز ونفيه خلاف لفظي ... 113 - النافون للمجاز من أهل السنة أرادوا منع تأويل الصفات في نفيهم للمجاز ... 114 2- السنة: ... 117 * المسألة الأولى: تعريف السنة: ... 118 - السنة في اللغة ... 118 - السنة عند الأصوليين ... 118 - السنة هي الحكمة ... 118 - سنة الخلفاء الراشدين ... 118 * المسألة الثانية: أقسام السنة: ... 119 - باعتبار ذاتها ... 119 - باعتبار بيانها للقرآن ... 119 - باعتبار وصولها إلينا وعدد نقلتها ... 119 * المسألة الثالثة: حجية السنة: ... 119 أولاً: حجية السنة عمومًا: ... 120 - إجماع المسلمين على ذلك ... 120 - الأدلة على حجية السنة من القرآن الكريم ... 120 - الأدلة على حجية السنة من السنة المطهرة ... 121 ثانياً: حجية السنة الاستقلالية: ... 122 - اتفاق السلف على ذلك. ...

122 - الدليل على حجية السنة الاستقلالية ... 122 - حكاية قول من اشترط في حجية السنة أن توافق الكتاب والرد عليه ... 122 - اللوازم الفاسدة المترتبة على رد السنة الاستقلالية ... 123 ثالثاً: حجية أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ... 123 - الأدلة على وجوب الاقتداء به في أفعاله - صلى الله عليه وسلم - على وجه الخصوص ... 123 - أصول أربعة لا بد من تقريرها في أفعال الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... 124 - بيان أن الأمة تشارك النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أمر به ونُهي عنه إلا ما خصه الدليل ... 124 - الواجب على الأمة التأسي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله إلا ما خصه الدليل ... 124 - الواجب على الأمة اتباع أمره - صلى الله عليه وسلم - واجتناب نهيه ... 124 - قول الرسول آكد من فعله ... 124 - فعله - صلى الله عليه وسلم - يدل على الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة ... 125 - فعله - صلى الله عليه وسلم - للشيء ينفي الكراهة حيث لا معارض له ... 125 - أفعاله - صلى الله عليه وسلم - على ثلاثة أقسام، ووجه القسمة ... 127 - متى يثاب على التأسي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله الجبلية؟ ... 128 - ضابط فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - المحتمل للجبلي والتشريعي ومنشأ الخلاف فيه. ... 128 - ضابط فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - المجرد وحكم الاقتداء به فيه ... 128 رابعاً: حجية تقريره - صلى الله عليه وسلم -: ... 128 - المقصود بالتقرير ومثاله ... 128 - الدليل على حجية تقريره - صلى الله عليه وسلم - ... 129 - تقريره - صلى الله عليه وسلم - حجة بشرطين ... 129 خامساً: حجية تركه - صلى الله عليه وسلم - ... 129 - المقصود بالترك ... 129 - الترك نوعان والتمثيل لكل منهما ... 129 - تركه - صلى الله عليه وسلم - حجة بشرطين ... 130 - تركه - صلى الله عليه وسلم - لا يخلو من ثلاث حالات ...

131 - السنة التركية أصل عظيم يوصد به باب الابتداع في الدين ... 131 - سنة الترك مبنية على مقدمات ثابتة ... 131 * المسألة الرابعة: منزلة السنة من القرآن: ... 134 - باعتبار المصدرية ... 134 - أقوال العلماء في مصدرية السنة ... 134 - باعتبار الحجية ... 135 - باعتبار أن القرآن دل على وجوب العمل بالسنة ... 135 - باعتبار البيان ... 135 كره الإمام أحمد أن يقال: السنة تقضي على الكتاب ... 135 - الكتاب والسنة متلازمان لا يفترقان، متفقان لا يختلفان ... 135 * المسألة الخامسة: الخبر المتواتر: ... 136 - تعريف المتواتر لغة ... 136 - تعريف المتواتر عند الأصوليين وبيان التعريف ... 136 - انقسام المتواتر إلى لفظي ومعنوي ... 137 - انقسام التواتر إلى تواتر عامة وخاصة ... 137 - إفادة المتواتر العلم ... 138 - العلم الحاصل بالتواتر هل هو ضروري أو نظري؟ ... 138 - شروط المتواتر ... 138 - العلم يحصل بعدة طرق ... 139 - رأي ابن تيمية في معنى المتواتر ... 140 * المسألة السادسة: خبر الآحاد: ... 140 - تعريف الآحاد لغة واصطلاحاً ... 141 - إجماع أهل العلم على وجوب العمل بخبر الواحد إجمالاً ... 141 - الأدلة على وجوب العمل بخبر الواحد ... 142 - خبر الواحد حجة في الأحكام والعقائد بإجماع السلف ... 143 - الدليل على وجوب العمل بخبر الواحد في العقيدة ...

144 - التفريق بين أحاديث الأحكام والعقائد بدعة ... 145 - الأدلة على حجية خبر الواحد فيما عمت به البلوى، وفيما يسقط بالشبهات، وفيما زاد على القرآن، وفيما يقال إنه خالف القياس. ... 145 - ما نقل عن الإمام أبي حنيفة في رد خبر الواحد فيما عمت به البلوى لا يصح عنه ... 146 - تقسيم السنة إلى متواتر وآحاد صحيح باعتبار، وباطل باعتبار ... 146 - حكم الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة ... 147 - شروط قبول خبر الواحد ... 148 - لا يشترط في الراوي أن يكون فقيهاً ... 148 - أقوال الناس في إفادة خبر الواحد العلم أو الظن ... 149 - مذهب أهل السنة في مسألة هل يفيد خبر الواحد العلم أو الظن يتبين في أربع قواعد ... 149 - أوجه الفرق بين مذهب أهل السنة ومذهب المتكلمين في القول بأن خبر الواحد يفيد الظن ... 152 3- الإجماع: ... 155 - تعريف الإجماع لغة ... 156 - تعريف الإجماع عند الأصوليين وشرح التعريف ... 156 - انقسام الإجماع إلى قولي وسكوتي واستقرائي ... 157 - أقوال العلماء في حجية الإجماع السكوتي وسبب الخلاف. ... 157 - انقسام الإجماع إلى إجماع عامة وإجماع خاصة ... 158 - انقسام الإجماع إلى إجماع الصحابة رضي الله عنهم وإجماع من بعدهم ... 158 - انقسام الإجماع إلى إجماع ينقله أهل التواتر وإجماع ينقله الآحاد ... 158 - انقسام الإجماع إلى قطعي وظني ... 159 - الإجماع حجة شرعية باتفاق أهل العلم ... 159 - الأدلة على كون الإجماع حجة من الكتاب والسنة ...

159 - أدلة حجية الإجماع تدل على أصلين عظيمين ... 162 - هل يشترط أن يبلغ المجموعون عدد التواتر؟ منشأ الخلاف في ذلك ... 162 - الإجماع حجة في جميع العصور والدليل على ذلك ... 163 - قول الإمام أحمد: (من ادعى الإجماع فهو كاذب) ... 163 - الشروط المطلوبة في أهل الإجماع ... 165 - هل يدخل في أهل الإجماع المجتهد الجزئي؟ ... 165 - العامي لا يدخل اتفاقاً في أهل الإجماع، وبيان مراد من قال بدخوله ... 165 - الكافر لا يدخل اتفاقاً في أهل الإجماع ... 166 - حكم دخول الفاسق في أهل الإجماع ... 166 هل يعتد بقول الأكثر مع مخالفة واحد أو اثنين من أهل الإجماع؟ ... 166 - إجماع أهل المدينة على أربع مراتب ... 167 - يشترط في اعتبار إجماع أهل المدينة عند الإمام مالك شرطان ... 168 - اتفاق الخلفاء الراشدين وحدهم لا يكون إجماعاً ... 169 - إذا أدرك التابعي عصر الصحابة رضي الله عنهم فهل يعتد بخلافه ... 169 - القاعدة في أهل الإجماع أن الماضي لا يعتبر والمستقبل لا ينتظر ... 169 - هل يشترط في صحة الإجماع انقراض العصر؟ ... 169 - لا إجماع إلا بدليل ... 171 - مذهب ابن تيمية: أن الإجماع لا بد أن يستند إلى نص، وبيان المقدمات التي بنى عليها مذهبه هذا ... 171 - الخلاف في مسألة استناد الإجماع إلى الاجتهاد والقياس يمكن إرجاعه إلى اللفظ ... 172 - الأحكام المترتبة على الإجماع ... 172 - لا يمكن أن يقع إجماع على خلاف نص أبدًا ولا على خلاف إجماع سابق ... 173 - أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - معصومة من الردة ومن تضييع نص تحتاج إليه ... 173 - إذا اختلف الصحابة على قولين فهل يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث؟ ...

174 - هل يجوز إحداث تأويل ثالث في معنى آية أو حديث؟ ... 174 - هل يجوز إحداث دليل لم يستدل به السابقون؟ ... 175 - إذا اختلف الصحابة على قولين فهل يجوز لمن بعدهم الإجماع على أحدهما؟ ... 175 - حكم منكر الحكم المجمع عليه ... 177 - من فوائد الإجماع ... 177 4- القياس: ... 179 - تعريف القياس لغة ... 180 - تعريف القياس اصطلاحاً ... 180 - أركان القياس ... 180 - انقسام القياس إلى جلي وخفي ... 181 - انقسام القياس إلى قياس علة، ودلالة، وقياس في معنى الأصل ... 181 - انقسام القياس إلى قياس طرد، وقياس عكس ... 182 - حكم القياس في التوحيد والعقائد ... 183 - حكم القياس في الأحكام الشرعية ... 183 - انقسام القياس إلى صحيح، وباطل، ومتردد بينهما، وضابط كل ... 184 - القياس من الألفاظ المجملة ... 184 - الناس في القياس طرفان ووسط ... 185 - ضوابط الاحتجاج بالقياس عند أهل السنة ... 185 - القياس الصحيح هو الميزان وهو العدل ... 186 - الأصول الشرعية التي بنى عليها أهل السنة الاحتجاج بالقياس ... 187 - شمول النصوص الشرعية لجميع الأحكام وإحاطتها بأفعال المكلفين ... 187 - موافقة القياس الصحيح للنصوص الشرعية ... 189 - الأدلة على حجية القياس ... 190 - شروط القياس ...

193 - تعريف العلة لغة واصطلاحًا ... 194 - الأوصاف ثلاثة: مناسب، وطردي، وشبه ... 195 - تقسيمات العلة ... 195 - تخلف الحكم مع وجود العلة ... 196 - الناس في الأسباب طرفان ووسط ... 197 - مذهب أهل السنة إثبات باء السببية ... 197 - مذاهب الناس في الحكمة وبيان مذهب السلف ... 198 - أنواع الحكمة ... 199 - مذهب أهل السنة في التعليل ... 200 - مذهب أهل السنة إثبات لام التعليل ... 200 - القول بأن العلة مجرد علامة محضة لا يصح ... 201 - مسالك العلة: ... 202 ? النص ... 202 ? الإيماء والتنبيه ... 202 ? الإجماع ... 203 ? السبر والتقسيم ... 203 ? الدوران الوجودي والعدمي ... 204 ? المناسبة والإخالة ... 204 - تقسيم الوصف المناسب إلى: مؤثر، وملائم، وغريب، ومرسل ... 204 - حاصل القول في الوصف المناسب ... 205

الأدلة المختلف فيها: 1- الاستصحاب: ... 209 - تعريف الاستصحاب ... 210 - استصحاب البراءة الأصلية ... 210 - استصحاب دليل الشرع وهو نوعان ... 211 - استصحاب ما دل الشرع على ثبوته واستمراره ... 211 - استصحاب حكم الإجماع في محل النزاع ... 211 - العمل بالاستصحاب تارة يكون قطعياً وتارة يكون ظنياً ... 212 - ترك العمل بالاستصحاب تارة يكون قطعياً وتارة يكون ظنياً ... 212 - الاستصحاب آخر مدار الفتوى ... 213 - الاستصحاب قد يوافقه دليل خاص آخر فيقويه ... 213 - الواجب الحذر من تحميل الاستصحاب فوق ما يستحقه ... 213 - هل النافي يلزمه الدليل؟ ... 214 2- قول الصحابي: ... 215 - قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه ... 216 - قول الصحابي إذا خالفه غيره من الصحابة ... 216 - قول الصحابي إذا انتشر ولم يخالف ... 216 - قول الصحابي فيما عدا ذلك (تحريم محل النزاع) ... 217 - قول الصحابي لا يُخالف النص ... 218 - قول الصحابي إذا خالف القياس ... 219 - الأدلة على حجية قول الصحابي ... 219 3- شرع من قبلنا: ... 223 - وجه اتفاق الشرائع السابقة ... 224 - وجه اختلاف الشرائع السابقة ... 224 - الشريعة الإسلامية ناسخة لجميع الشرائع السابقة ... 225 - تحرير محل النزاع في مسألة شرع من قبلنا هل هو شرع لنا؟ ... 225 - حكم الاحتجاج بشرع من قبلنا ...

226 - الخلاف في شرع من قبلنا خلاف لفظي ... 227 4- الاستحسان: ... 229 - معنى الاستحسان عند الأصوليين ومثاله ... 230 - لفظ الاستحسان من الألفاظ المجملة ... 230 - موقف الإمام الشافعي من الاستحسان ... 231 - موقف الإمام أبي حنيفة من الاستحسان ... 232 5- المصالح المرسلة: ... 233 - أوجه التلازم بين المصلحة والشريعة ... 234 - أقسام مطلق المصلحة ... 235 - تعريف المصلحة المرسلة ... 235 - أقسام المصلحة المرسلة باعتبار الأصل الذي تعود عليه بالحفظ ... 236 - مقاصد الشريعة وهي الضروريات الخمس، والدليل عليها ... 236 - تقسيم المصلحة المرسلة باعتبار قوتها إلى ضرورية وحاجية وتحسينية ... 236 - الخلاف في الاحتجاج بالمصلحة المرسلة خلاف لفظي ... 237 - ضوابط الأخذ بالمصلحة المرسلة عند القائلين بها ... 238 - هل توجد مصلحة خالصة أو مفسدة خالصة؟ ... 239 - هل يوجد في الشريعة ما تساوت مصلحته ومفسدته؟ ... 239 - الأدلة على اعتبار المصلحة المرسلة ... 240 - سد الذارئع وإبطال الحيل ... 240 النسخ والتعارض والترجيح وترتيب الأدلة: 1- النسخ: ... 245 - النسخ في اللغة ... 246 - النسخ في اصطلاح المتقدمين ... 246 - تعريف النسخ في اصطلاح المتأخرين وشرح التعريف ... 246 - شروط النسخ ... 248 - الإجماع لا يكون ناسخًا وكذا القياس ودليل العقل ...

248 - لا يشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ أو في مرتبته، وبيان غلط الأصوليين في هذا من وجهين ... 249 - طرق معرفة النسخ ... 250 - حكم وقوع النسخ بين الشرائع السماوية ... 251 - جواز النسخ ووقعه في هذه الشريعة والأدلة على ذلك ... 252 - من حكم الله سبحانه في النسخ ... 253 - نسخ الأثقل بالأخف والأخف بالأثقل ... 253 - بيان مذهب أهل السنة في النسخ قبل التمكن، وبيان مذهب الأشاعرة ومذهب المعتزلة ومأخذ كل ... 254 - حاصل القول في الحكمة من النسخ ... 255 - أقسام النسخ ... 255 - الخلاف في حكم النسخ إلى غير بدل خلاف لفظي ... 256 - نسخ التلاوة والحكم معًا، ونسخ الحكم دون التلاوة، ونسخ التلاوة دون الحكم ... 258 - نسخ القرآن بالقرآن، والسنة المتواترة والآحادية بمتواتر السنة، ونسخ الآحاد من السنة بالآحاد من السنة مما اتفق عليه ... 258 - مسألة نسخ القرآن بالسنة المتواترة ... 258 - مسألة نسخ السنة بالقرآن ... 258 - خلاصة القول في المسألتين السابقتين ... 261 - مسألة نسخ القرآن بالآحاد من السنة ... 262 - مسألة نسخ المتواتر من السنة بالآحاد من السنة ... 262 - المراد بالزيادة على النص ... 264 - الزيادة على النص إذا كانت مستقلة ... 264 - الزيادة على النص إذا كانت غير مستقلة تكون نسخاً بشروط ... 264 - الزيادة على النص لفظ مجمل ... 264 - الزيادة على النص لها ثلاثة أحوال ...

265 2- التعارض: ... 267 - المراد بتعارض الأدلة ... 268 - التعارض بين الدليلين نوعان ... 268 - كتاب الله سالم من الاختلاف والاضطراب ... 268 - أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مبرأة من التناقض والاختلاف ... 269 - القياس الصحيح لا يتناقض أبدًا ... 269 - أدلة الشرع لا تتعارض مع بعضها ... 269 - لا تعارض بين الدليلين القطعيين، ولا بين القطعي والظني ... 271 - محل التعارض هو الظنيات بعضها مع بعض ... 271 - الأمور الواجبة على الترتيب عند التعارض ... 271 - إذا تعذر الترجيح بين الدليلين فهل يتخير بينهما أو يتوقف؟ ... 271 - الطرق المعينة على درء التعارض بين أدلة الشرع ... 272 3- الترجيح: ... 273 - المراد بالترجيح ... 274 - محل الترجيح هو الظنيات ... 274 - الترجيح لا يصار إليه إلا بعد محاولة الجمع بين الأدلة وتعذره ... 274 - لا بد للترجيح من دليل ... 274 - العمل بالراجح متعين ... 274 - الضابط في أوجه الترجيح ... 275 4- ترتيب الأدلة: ... 277 - المراد بترتيب الأدلة ... 278 - ترتيب الأدلة من حيث الحجية ... 278 - ترتيب الأدلة من حيث المنزلة والمكانة ... 278 - ترتيب الأدلة من حيث النظر، والدليل على ذلك ... 279

الحكم الشرعي: 1- تعريف الحكم الشرعي وأقسامه: ... 285 - تعريف الحكم لغة واصطلاحاً ... 286 - أقسام الحكم ... 286 - تعريف الحكم الشرعي وشرح التعريف ... 286 الحكم التكليفي: ... 289 - تعريف الحكم التكليفب ... 290 - تقسيم الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام ووجه القسمة ... 290 * القسم الأول: الواجب: ... 291 - هل الفرض والواجب بمعنى واحد؟ ... 291 - ما ورد عن الإمام أحمد في التفريق بين الفرض والواجب ... 291 - ألفاظ الوجوب ... 292 - الواجب المعين والمخير ... 293 - الواجب المضيق والموسع ... 293 - حكم تأخير الواجب إلى آخر وقته ... 293 - الواجب العيني والكفائي ... 293 - ما يمتاز به فرض الكفاية ... 294 - حكم الزيادة على الواجب ... 295 - التفاضل بين الواجبات ... 295 - تفصيل قاعدة الأمر بالشيء أمر بلوازمه وما يندرج تحتها ... 296 - للوسائل حكم المقاصد ... 297 - ما لا يتم الواجب إلا به ... 298 - الأمر المطلق لا يتحقق إلا بتحصيل المعين. مثال هذه القاعدة وفائدتها ... 300 - أقسام ما يتم به الامتثال للواجب ... 304 * القسم الثاني: الحرام: ... 304 - تحريم الشيء مطلقًا يقتضي تحريم كل جزء منه ...

304 - النهي عن الشيء نهي عما لا يتم اجتنابه إلا به ... 304 - ألفاظ التحريم ... 305 - لفظ (لا ينبغي) (ما كان لهم كذا ولم يكن لهم) (لا يحل ولا يصلح) ... 305 - هل النهي عن الشيء أمر بضده؟ ... 305 - هل الأمر بالشيء نهي عن ضده؟ ... 305 - الأمر بالشيء الواحد يستلزم عدم النهي عنه من وجه واحد ... 305 - حكم الصلاة في الدار المغصوبة ... 305 * القسم الثالث: المندوب: ... 306 - أسماء المندوب ... 306 - المندوب مأمور به ... 306 - المندوب لا يجوز اعتقاد ترك استحبابه ... 306 * القسم الرابع: المكروه: ... 307 - المكروه في اصطلاح الأصوليين ... 307 - المكروه في اصطلاح المتقدمين والتنبيه على الغلط الحاصل بسبب الخلط بين الاصطلاحين ... 307 * القسم الخامس: المباح: ... 307 - هل المباح من الأحكام التكليفية؟ ... 307 - المباح قد يطلق على الحلال، وقد يراد به ما استوى طرفاه ... 307 - ألفاظ الإباحة الشرعية ... 308 - الإباحة قسمان: شرعية وعقلية، وفوائد التفريق بينهما. ... 308 - هل المباح مأمور به؟ بيان أن الخلاف لفظي في هذه المسألة؟ ... 309 - حكم الأشياء المنتفع بها قبل الشرع: ... 310 ? الأصل في الأشياء بعد الشرع ... 310 ? مذهب أهل السنة في هذه المسألة ... 310 ? بيان أنه لا فائدة من هذه المسألة ... 310 ? اختلف في وقوع هذه المسألة هل هو جائز أو ممتنع؟ ...

310 الحكم الوضعي: ... 313 - تعريف الحكم الوضعي، ومعنى الوضع ... 314 - تقسيم الحكم الوضعي ... 314 - الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي ... 314 - تعريف كل من السبب والشرط والمانع ... 315 - لا بد في وجود الحكم من وجود السبب والشرط وانتفاء المانع ... 315 - قد يطلق السبب على العلة الشرعية ... 315 - مثال لاجتماع الحكم التكليفي مع الحكم الوضعي ... 316 - أقسام الشرط ... 316 - الفرق بين الشرط وعدم المانع ... 316 - المراد بالصحة في العبادات والمعاملات ... 317 - التنبيه على أن الخلاف لفظي بين المتكلمين والفقهاء في المراد بالصحة في العبادات ... 317 - المراد بالفساد في العبادات والمعاملات ... 318 - الإثابة والصحة يجتمعان ويفترقان ... 318، 404، 405 - الكمال في العبادات نوعان ... 318 - النقص في العبادات نوعان ... 319 - حرف النفي في "لا صلاة لمن لا وضوء له" هل يحمل على الكمال الواجب أو الكمال المسنون؟ ... 319 - النقص عن الواجب في العبادات نوعان ... 320 - تعريف الأداء والإعادة والقضاء ... 321 - الأداء والقضاء يجتمعان ويفترقان ... 321 - تعريف العزيمة ... 321 - شمول العزيمة للأحكام التكليفية الخمسة ... 321 - تعريف الرخصة ... 322 - أحكام الرخصة ...

322 2- لوازم الحكم الشرعي: ... 323 مسألة التحسين والتقبيح العقليين: ... 326 - المراد بالحسن والقبح ... 326 - الأقوال في المسألة ... 327 - أصول مهمة عند أهل السنة ... 327 - تفصيل مذهب أهل السنة ... 329 - مذهب أهل السنة وسط بين الطرفين ... 330 - مسألة شكر المنعم ... 332 - وجه إرجاع الخلاف إلى اللفظ في مسألة التحسين والتقبيح العقليين ... 333 - تحسين العقل وتقبيحه من الألفاظ المجملة ... 333 التكليف: ... 335 - تعريف التكليف لغة ... 336 - للتكليف في الاصطلاح تعريفان وبيان الفرق بينهما ... 336 - ذكر شروط التكليف العائدة إلى الفعل إجمالاً ... 336 - التكليف بالمحال قسمان ... 337 - التكليف بالمحال أو بما لا يُطاق من الألفاظ المجملة، وكذا لفظ القدرة والاستطاعة ... 338 - القدرة نوعان ... 338 - هل القدرة مقدمة على الفعل أو هي مقارنة له؟ ... 338 - ما القدرة المشترطة في التكليف؟ ... 339 - الأدلة على اشتراط القدرة والاستطاعة الشرعية في التكليف ... 339 - أقسام الأفعال التي يكلف بها الإنسان ... 341 - القول فعل والدليل على ذلك ... 341 - الترك فعل، والدليل على ذلك ... 341 - ضابط العزم الذي يكلف به الإنسان ... 341 - قاعدة: لا يثبت التكليف مع الجهل وعدم العلم، وأدلة هذه القاعدة وآثارها ...

342 - الجهل نوعان ... 344 - شروط التكليف العائدة إلى الفعل ترجع إلى القدرة والاستطاعة ... 345 - ذكر شروط التكليف العائدة إلى المكلف إجمالاً ... 345 - المجنون والصبي غير مكلفين اتفاقًا والدليل على ذلك ... 345 - وجوب الزكاة وقيم المتلفات على غير المكلفين من باب خطاب الوضع ... 346 - الناسي والنائم والمخطئ غير مكلفين ... 347 - المغمي عليه هل يلحق بالنائم أو بالمجنون؟ ... 347 - الغافل متى يعذر ومتى لا يعذر؟ ... 347 - الغضبان هل هو مكلف؟ ... 348 - السكران هل هو مكلف؟ ... 348 بيان حد السكر ... 348 - المكره هل هو مكلف؟ ... 350 - الفرق بين الأقوال والأفعال في الإكراه ... 350 - شروط الإكراه ... 351 - وجه إرجاع الخلاف في مسألة هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة إلى اتفاق ... 351 - الجامع لشروط المكلف أمران: كلاهما يرجع إلى القدرة ... 352 - جميع شروط التكليف ترجع إلى القدرة ... 352 3- قواعد في الحكم الشرعي: ... 353 - أسماء وإطلاقات الحكم الشرعي ... 354 - مصدر الحكم الشرعي ... 355 - تحريم القول على الله بغير علم ... 355 - الأحكام الشرعية مبنية على تحقيق المصالح وتعطيل المفاسد ... 356 - الأحكام الشرعية مبنية على النظر إلى المآل ...

357 - الأحكام الشرعية مبنية على التيسير ورفع الحرج عن المكلفين ... 358 - الأحكام الشرعية لا تبنى على الصور النادرة ... 359 - الأحكام الشرعية نوعان: ثابتة ومتغيرة ... 360 - وجه اختلاف الحكم باختلاف الزمان والمكان والحال ... 360 - أحكام الدنيا تُبني على الأسباب الظاهرة ... 361 - الأحكام الشرعية تُبني على المقاصد والنيات وذلك إذا ظهرت، الأمثلة والأدلة على ذلك ... 362 - الأحكام الشرعية لا تكون مخالفة للعقول والفطر ... 362 - الأحكام الشرعية محيطة بأفعال المكلفين وافية بكل الحوادث ... 363 - الأحكام الشرعية ظاهرة مبينة خاصة ما تحتاج إليه الأمة ... 364 - العبرة في الأحكام الشرعية بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني ... 364 دلالات الألفاظ وطرق الاستنباط أولاً: المبادئ اللغوية: ... 369 - علاقة اللغة العربية بالشريعة ... 370 - مبدأ اللغات ... 371 - العلاقة بين مسألة مبدأ اللغات وإثبات المجاز ... 372 - الألفاظ أربعة أقسام ووجه الحصر فيها ... 372 - أمثلة على الحقيقة الوضعية والعرفية والشرعية ... 372 - الاختلاف في الأسماء الشرعية هل هي منقولة عن اللغة أو باقية؟ وبيان كيف يكون هذا الخلاف لفظيًا وكيف يكون معنويًا ... 373 - طريقة أهل السنة: تفسير الألفاظ الشرعية ببيان الشارع لها ... 373 - طريقة أهل البدع: الإعراض عن البيان الشرعي ... 374 - الألفاظ الشرعية هي حدود الله، لا يجوز تعديها، وتعديها يكون من جهتين ... 374 - الواجب حمل الألفاظ الشرعية على عرف الشارع السائد وقت نزول الخطاب، ولا يصح أن تحمل هذه الألفاظ على اصطلاحات المتأخرين ...

375 - أمثلة على تفاوت الاصطلاحات بين المتقدمين والمتأخرين من أهل العلم ... 375 - الألفاظ تختلف دلالتها حسب الإطلاق والتقييد، والاقتران والتجريد ... 375 - لا بد من التفريق بين الكلام الذي اتصل به ما يقيده وبين الكلام العام المطلق ... 376 - تفاوت الناس في فهم الألفاظ والاستنباط منها ... 377 - أهمية ضم النظير إلى نظيره واعتبار مراد المتكلم عند تفسير كلامه ... 377 - الاشتراك هل هو واقع في اللغة؟ ... 379 - هل يجوز حمل المشترك على كلا معنييه؟ ... 379 - الترادف هل هو واقع في اللغة؟ ... 379 - الترادف نوعان ... 380 - مراد من أنكر الترادف في اللغة ... 380 - الترادف في ألفاظ القرآن ... 380 - مقتضى العطف: المغايرة وهي على مراتب ... 381 - هل تدل الواو على الترتيب؟ ... 381 - دلالة الاقتران ... 381 *ثانيًا: النص والظاهر والمؤول والمجمل والبيان: ... 383 - تقسيم الكلام إلى نص وظاهر ومجمل ووجه القسمة ... 384 - تعريف النص ومثاله وحكمه ... 384 - تعريف الظاهر ومثاله وحكمه ... 385 - للتأويل عند السلف معنيان ... 385 - معنى التأويل عند الأصوليين ... 386 - للتأويل ثلاث حالات (أنواع التأويل) ... 386 - شروط التأويل الصحيح ...

387 - الفصل بين صحيح التأويل وباطله ... 387 - دليل التأويل على درجات ... 387 - معنى المجمل عند السلف، وعند الأصوليين ... 388 - مثال المجمل وحكمه ... 388 - أمثلة على منهج السلف في التعامل مع الألفاظ المجملة ... 388 - المجمل واقع في الكتاب والسنة ... 389 - معاني البيان ... 389 - طرق البيان ... 390 - القاعدة الكلية فيما يحصل به البيان ... 390 - حكم تأخير البيان عن وقت الحاجة ... 391 - حكم تأخير البيان إلى وقت الحاجة ... 391 - المنع من تأخير البيان عن وقت الحاجة ليس على إطلاقه، والأمثلة على جواز التأخير ... 391 - البيان بالتعريض تارة يحرم، وتارة يجوز، وتارة يجب ... 392 * ثالثًا: الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم: ... 393 1- الأمر والنهي: ... 395 - تعريف الأمر عند الأصوليين وشرح التعريف ... 396 - مذهب السلف أن للأمر صيغة والأدلة على ذلك. ... 396 - الصيغ الدالة على الأمر ... 398 - الأمر للوجوب والأدلة على ذلك ... 398 - صيغة الأمر قد ترد لغير الوجوب ... 398 - دلالة الأمر على الفور ... 399 - دلالة الأمر على التكرار ... 400 - الأمر بعد الحظر ... 401 - هل يستلزم الأمر الإرادة ...

402 - الأمر بالشيء هل يستلزم النهي عن ضده؟ ... 403 - الأمر نوعان عند كثير من المتكلمين: لفظي ونفسي ... 403 - هل الأمر بالأمر بالشيء أمر به؟ ... 404 - فعل الأمر هل يقتضي الإثابة والإجزاء؟ ... 404 - النهي على وزان الأمر ... 406 - جنس فعل المأمور به أعظم من جنس ترك المنهي عنه ... 407 - قاعدة اقتضاء النهي الفاسد: أدلة هذه القاعدة وتفصيلها ... 408 2- العام والخاص: ... 411 - تعريف العام لغة واصطلاحًا وشرح التعريف الاصطلاحي ... 412 - تقسيمات العام ... 412 - حجية العام المخصوص، وما الحكم إذا تعارض مع العام المحفوظ ... 413 - قول ابن تيمية: إن غالب عمومات القرآن محفوظة ودليله ... 414 - قول الأصوليين: إن أكثر العمومات مخصوصة ... 415 - محاولة التوفيق بين هذين القولين والتنبيه على ما يمكن أن يترتب على هذين القولين ... 415 - المراد بصيغ العموم ... 415 - مذهب السلف أن للعموم ألفاظًا تخصه والأدلة على ذلك ... 416 - التنبيه على سبب إنكار المرجئة لصيغ العموم ... 416 - صيغ العموم خمسة أقسام ... 417 - ما يفيد العموم عرفًا لا وضعًا ... 418 - الخلاف في دخول النساء في الخطاب العام خلاف لفظي ... 418 - الصحيح أن العبد يدخل في الخطاب العام ... 418 - قول الشافعي: (ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال ويحسن بها الاستدلال) ... 419 - دلالة العام بين القطع والظن ... 419 - هل يتوقف العمل بالعام على البحث عن مخصص؟ ...

420 - تعريف التخصيص وحكمه وشرطه وأثره ... 421 - الفرق بين التخصيص والنسخ ... 421 - الفرق بين التخصيص والنسخ الجزئي ... 422 - أدلة التخصيص نوعان: متصلة ومنفصلة، وبيان الفرق بين النوعين ... 423 - التخصيص بالحس: مثاله وذكر الاعتراض عليه ... 423 - التخصيص بدليل العقل: مثاله وذكر الاعتراض عليه ... 423 - متى يكون الخلاف لفظيًا في تجويز التخصيص بالعقل أو منعه ... 424 - التخصيص بالإجماع ... 424 - التخصيص بقول الصحابي ... 424 - التخصيص بالقياس ... 425 - التخصيص بالمفهوم ... 425 - التخصيص بالنص ... 425 - تعريف الاستثناء عند الأصوليين والفرق بين اصطلاح الأصوليين والفقهاء ... 425 - تعريف الاستثناء المتصل والمنقطع ... 426 - شروط التخصيص بالاستثناء ... 426 - إذا تعقب الاستثناء جملاً متعاطفة فما الحكم؟ ... 426 - التخصيص بالشرط والصفة والبدل والغاية ... 429 - ما الحكم إذا ورد الخاص موافقًا للعام في الحكم؟ ... 430 - إذا تعارض الخاص والعام في الحكم: مذهب الجمهور والأدلة عليه ... 431 3- المطلق والمقيد: ... 435 - تعريف المطلق والمقيد مع الشرح والتمثيل ... 436 - تقسيمات المطلق والمقيد ... 436 - الفرق بين الإطلاق والعموم ... 437 - معنى حمل المطلق على المقيد ... 438 - الأصل في المطلق والمقيد ...

438 - شرط حمل المطلق على المقيد ... 438 - موانع حمل المطلق على المقيد ... 439 - أحوال المطلق والمقيد بالنسبة للحمل وعدمه ... 440 - ما الحكم إذا ورد على المطلق قيدان متضادان؟ ... 440 - الضابط في حمل المطلق على المقيد ... 442 4- المنطوق والمفهوم ... 445 - تعريف المنطوق وأقسامه ... 446 - أقسام المنطوق غير الصريح ... 446 - دلالة الاقتضاء ... 447 - دلالة الإشارة ... 447 - دلالة التنبيه والإيماء ... 447 - تعريف المفهوم وأنواعه ... 448 - تعريف مفهوم الموافقة وأسماؤه ... 450 - انقسام مفهوم الموافقة إلى أولوي ومساوٍ ... 450 - انقسام مفهوم الموافقة إلى قطعي وظني ... 450 - حجية مفهوم الموافقة عند السلف ... 451 - إنكار مفهوم الموافقة من بدع الظاهرية ... 451 - الخلاف لفظي في دلالة مفهوم الموافقة هل هي لفظية أو قياسية؟ ... 451 - شرط العمل بمفهوم الموافقة ... 452 - تعريف مفهوم المخالفة ... 454 - صور اختلف الأصوليون فيها: هل هي من المنطوق أو من المفهوم؟ ... 454 - مفهوم المخالفة ستة أقسام ... 454 - مفهوم المخالفة حجة عند الجمهور عدا مفهوم اللقب ... 455 - الأدلة على حجية مفهوم المخالفة ... 456 - درجات أقسام مفهوم المخالفة حسب القوة، والضابط لذلك. ... 457 - هل هناك فرق بين دلالة المفهوم في كلام الشارع وكلام الناس؟ ...

7- فهرس المحتويات

458 - شروط العمل بمفهوم المخالفة ... 458 الاجتهاد والتقليد والفتوى: 1- الاجتهاد ... 463 - تعريف الاجتهاد لغة ... 464 - تعريف الاجتهاد اصطلاحًا وشرح التعريف ... 464 - الفرق بين التشريع والاجتهاد ... 464 - أنواع المجتهدين ... 465 - مسألة تجزؤ الاجتهاد ... 466 - الاجتهاد في العلة ثلاثة أقسام ... 467 - الاجتهاد فيما لم يقع ... 469 - الاجتهاد التام والاجتهاد الناقص ... 469 - الاجتهاد الصحيح والاجتهاد الفاسد ... 469 - الرأي ثلاثة أقسام ... 470 - الجمع بين ما ورد عن السلف من آثار في ذم الرأي وما ورد عنهم من العمل بالرأي والحكم به ... 470 - الشروط اللازم توفرها في المجتهد ... 472 - الشروط اللازم توفرها في المسألة المجتهد فيها ... 474 - حكم الاجتهاد من حيث الجملة والأدلة على ذلك ... 478 - اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ... 479 - اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم في عصر النبوة ... 479 - حكم الاجتهاد من حيث التفصيل مما تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة ... 479 - لفظ (الإصابة) في مسألة هل كل مجتهد مصيب؟ من الألفاظ المجملة ... 480 - هل الحق عند الله واحد أو متعدد؟ ... 481 - هل المجتهد إذا أخطأ الحق معذور؟ مذهب السلف وأدلتهم،

وضوابط ذلك عندهم. ... 482 - هل يجوز أن يخلو عصر من قائم لله بحجته؟ ... 484 - متى يكون الخلاف في المسائل الاجتهادية رحمة بالأمة؟ ... 485 - الأحكام المترتبة على المسائل الاجتهادية ... 485 - أهمية التفريق بين المسائل الخلافية والمسائل الاجتهادية ... 486 - شرط العمل بالوحي ... 486 - من أسباب الخلاف بين العلماء ... 487 - من الأعذار التي تلتمس للعلماء في اختلافاتهم ... 487 2- التقليد: ... 489 - تعريف التقليد لغة ... 490 - تعريف التقليد اصطلاحًا وشرح التعريف ... 490 - حكم التقليد من حيث الجملة ... 491 - شروط جواز التقليد ... 491 - أنواع التقليد المذموم ... 492 - الموقف من الأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد – رحمهم الله تعالى ... 493 - الأحوال التي يجوز فيها الالتزام بأحد المذاهب الفقهية ... 495 - ضوابط الالتزام بمذهب معين ... 496 - التنبيه على محاذير وقع فيها بعض المنتسبين للمذاهب ... 497 - اتباع الوحي أصل عظيم: ذكر الأدلة لهذا الأصل وبعض المؤلفات فيه ... 498 - الفرق بين الاتباع والتقليد ... 499 - حكم التقليد في الإيمان وأصول الدين ... 499 - ما ثبت عن الأئمة من النهي عن تقليدهم ... 500 - أعذار المقلدين في تقليدهم والجواب عليها ... 501 - المنع من تتبع الرخص ... 502 3- الفتوى: ... 503 - تعريف الفتوى لغة واصطلاحًا ...

504 - أهمية منصب الفتوى وخطورته ... 504 - الفرق بين الإفتاء والقضاء ... 505 - حكم الفتوى والضابط له ... 505 - أنواع الفتاوى بالنسبة لقصد السائل ... 507 - حكم الفتوى فيما لم يقع ... 508 - شروط المفتي ... 509 - صفات المفتي ... 509 - آداب المفتي ... 510 - آداب المستفتي ... 515 - صلة الفتوى بالاجتهاد ... 516 - حكم أخذ الأجرة والهدية على الفتوى ... 516

سابعًا: فهرس المحتويات الموضوع ... الصفحة المقدمة ... 5 * مقاصد الكتاب ... 9 * خطة الكتاب ... 9 * منهج الكتاب ... 11 * شكر وتقدير ... 12 التمهيد - التعريف بأهل السنة والجماعة ... 17 - من خصائص أهل السنة والجماعة ... 19 - تعريف أصول الفقه باعتباره علمًا ... 21 - تعريف أصول الفقه باعتباره مركبًا ... 22 - موضوع أصول الفقه ... 22 - مصادر أصول الفقه ... 22 - فائدة أصول الفقه ... 23 ? المراحل التي مر بها علم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة: المرحلة الأولى: * عصر الإمام الشافعي ... 25 * آثار الشافعي في أصول الفقه ... 26 * القضايا الأصولية التي قررها الشافعي في آثاره ... 28 * جهود أهل السنة بعد الشافعي ... 28 * الخلاصة ... 29 المرحلة الثانية: * كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ... 30 * أبرز المباحث الأصولية التي ذكرها ابن عبد البر في كتاب الجامع ... 31 * كتاب قواطع الأدلة لابن السمعاني ... 33 * الخلاصة ... 35 المرحلة الثالثة * عصر ابن تيمية وابن القيم ... 36 * دور الإمامين في تأصيل قواعد أهل السنة والجماعة والأمثلة على ذلك ...

37 * دور الإمامين في الرد على المتكلمين ونقد منهجهم والأمثلة على ذلك ... 37 * كتاب المسودة لآل تيمية ... 39 * كتاب إعلام الموقعين لابن القيم ... 40 * مؤلفات أهل السنة في أصول الفقه في هذه المرحلة ... 41 * الخلاصة ... 43 بعض المؤلفات المتأخرة لأهل السنة في أصول الفقه ... 44 ? دراسة مستقلة للكتب الأربعة: "الرسالة"، "الفقيه والمتفقه"، "روضة الناظر"، "شرح الكوكب المنير": أولاً: كتاب الرسالة للشافعي: * أصل الكتاب ... 46 * مميزات الكتاب ... 47 * مصادر الكتاب ... 49 * موضوعات الكتاب وترتيبها ... 50 ثانيًا: كتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي: * سبب تأليف الكتاب ... 51 * موضوعات الكتاب وترتيبها ... 52 * مميزات الكتاب ... 53 * تقويم الكتاب ... 53 ثالثًا: كتاب روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة: * أصل الكتاب ... 54 * موازنة بين الروضة والمستصفى ... 55 * أثر كتاب الروضة في الكتب اللاحقة له ... 57 رابعًا: كتاب شرح الكوكب المنير للفتوحي: * أصل الكتاب ... 59 * مميزات الكتاب ... 60

* الباب الأول * الأدلة الشرعية عند أهل السنة والجماعة الفصل الأول: الكلام على الأدلة الشرعية إجمالاً المبحث الأول: الأدلة الشرعية من حيث أصلها ومصدرها ... 76 المبحث الثاني: الأدلة الشرعية من حيث القطع والظن ... 77 المبحث الثالث: الأدلة الشرعية من حيث النقل والعقل ... 91 الفصل الثاني: الأدلة المتفق عليها: المبحث الأول: الكتاب ... 101 المبحث الثاني: السنة ... 107 المبحث الثالث: الإجماع ... 155 المبحث الرابع: القياس ... 179 الفصل الثالث: الأدلة المختلف فيها: المبحث الأول: الاستصحاب ... 209 المبحث الثاني: قول الصحابي ... 215 المبحث الثالث: شرع من قبلنا ... 223 المبحث الرابع: الاستحسان ... 229 المبحث الخامس: المصالح المرسلة ... 233 الفصل الرابع: النسخ والتعارض والترجيح وترتيب الأدلة: المبحث الأول: النسخ ... 245 المبحث الثاني: التعارض ... 267 المبحث الثالث: الترجيح ... 273 المبحث الرابع: ترتيب الأدلة ... 277 * الباب الثاني * القواعد الأصولية عند أهل السنة والجماعة الفصل الأول: الحكم الشرعي: المبحث الأول: تعريف الحكم الشرعي وأقسامه: المطلب الأول: تعريف الحكم الشرعي ...

286 المطلب الثاني: الحكم التكليفي: ... 289 تمهيد في: تعريف الحكم التكليفي وتقسيمه ... 290 القسم الأول: الواجب ... 290 القسم الثاني: الحرام ... 305 القسم الثالث: المندوب ... 306 القسم الرابع: المكروه ... 307 القسم الخامس: المباح ... 307 المطلب الثالث: الحكم الوضعي: المسألة الأولى: تعريف الحكم الوضعي وتقسميه ... 314 المسألة الثانية: الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي ... 314 المسألة الثالثة: السبب والشرط والمانع ... 315 المسألة الرابعة: الصحة والفساد ... 317 المسألة الخامسة: الأداء والإعادة والقضاء ... 321 المسألة السادسة: الرخصة والعزيمة ... 321 المبحث الثاني: لوازم الحكم الشرعي المطلب الأول: الحاكم (التحسين والتقبيح العقليان) ... 326 المطلب الثاني: التكليف: المسألة الأولى: تعريف التكليف ... 336 المسألة الثانية: شروط التكليف العائدة إلى الفعل ... 336 المسألة الثالثة: شروط التكليف العائدة إلى المكلف ... 345 المبحث الثالث: قواعد في الحكم الشرعي ... 353 الفصل الثاني: دلالات الألفاظ وطرق الاستنباط المبحث الأول: المبادئ اللغوية: المسألة الأولى: علاقة اللغة العربية بالشريعة ... 370 المسألة الثانية: مبدأ اللغات ... 371 المسألة الثالثة: الأسماء الشرعية ...

372 المسألة الرابعة: الاشتراك ... 379 المسألة الخامسة: الترادف ... 379 المسألة السادسة: العطف والاقتران ... 380 المبحث الثاني: النص والظاهر والمؤول والمجمل والبيان: تمهيد في: تقسيم الكلام إلى نص وظاهر ومجمل ... 384 المسألة الأولى: النص ... 384 المسألة الثانية: الظاهر ... 385 المسألة الثالثة: المؤول ... 385 المسألة الرابعة: المجمل ... 388 المسألة الخامسة: البيان ... 389 المبحث الثالث: الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم: المطلب الأول: الأمر والنهي ... 395 المطلب الثاني: العام والخاص ... 411 المطلب الثالث: المطلق والمقيد ... 435 المطلب الرابع: المنطوق والمفهوم ... 445 الفصل الثالث: الاجتهاد والتقليد والفتوى: المبحث الأول: الاجتهاد ... 463 المبحث الثاني: التقليد ... 489 المبحث الثالث: الفتوى ... 503 الخاتمة: نتائج البحث ... 521 مشروع تجديد أصول الفقه: - المجال الأول: صياغة علم أصول الفقه صياغة جديدة ... 524 - المجال الثاني: دراسة وتقويم الكتب الأصولية المعروفة ... 526 - المجال الثالث: إخراج الآثار الأصولية لأهل السنة والجماعة ...

526 الملحق: 1- قائمة بجهود ابن تيمية في أصول الفقه ... 530 2- قائمة بجهود ابن القيم في أصول الفقه ... 539 3- قائمة بالأبحاث الأصولية عند أهل السنة والجماعة ... 548 ثبت المصادر والمراجع الواردة في الهامش ... 569 الفهارس 1- فهرس الآيات القرآنية الكريمة ... 584 2- فهرس الأحاديث النبوية الشريفة. ... 600 3- فهرس الأعلام المترجم لهم ... 603 4- فهرس الكتب المعرف بها ... 607 5- فهرس المصطلحات الأصولية ... 608 6- الفهرس التفصيلي للمسائل الأصولية ... 611 7- فهرس المحتويات ... 635

§1/1