مطلع الأنوار ونزهة البصائر والأبصار

ابن خميس

حرف الميم

كتاب أعلام مالقة النص بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وكتاب جمع فيه بغض أخبار فقهاء مالقة وأدبائهم مما ابتدأ تأليفه الفقيه المتفنن محمد بن فلي بن خضر بن هارون الغساني المشهور بابن عسكر. وقد كمله ولد أخته محمد بن محمد علي بن خميس بعد أن عاجلته منيته. وجمع في هذا الكتاب من سكن مالقة ودخلها أو اجتاز عليها وجملاً من أخبارهم وأدبهم ومحاسنهم ومراسلاتهم وبلاغتهم وذكر من أخذوا عنه من فقهاء الأندلس وغيرهم. منهم 1- محمد بن عمثيل العاملي من أهل مالقة من أعيان أهلها وجلتهم حكى أبو العباس ابن أبي العباس في كتابه قال: أنشد الفقيه أبو عبد الله بن عمثيل الأديب أبا محمد غانم بن وليد بينين وهما: [كامل]

2- محمد بن خليفة بن عبد الواحد بن سعيد الحارث بن خلف بن عبد الله بن بدر سعد الأنصاري

وإذا الديار تغيرت عن حالها ... فدع الديار وبادر التحويلا ليس المقام عليك حتما واجبا ... في بلدة تدع العزيز ذليلا فاستحسن ذلك وبادر للمعارضة فقال:] كامل [ لا يرتضي حر بمنزل ذلة ... لو لم بجد في الخافقين مقيلا فارض الوفاء لحر نفسك لا تكن ... ترضى المذلة ما حييت بديلا واخصص بودك من خبرت وفاءه ... لا تتخذ إلا الوفي خليلا إن الصديق إذا أحب صديقه ... أثنى عليه بكرة وأصيلا ولقد خبرت الناس منذ عرفنهم ... فوجدت جنس الأوفياء قليلا سقيا لأيام الشباب فإنها ... كالإلف حاول أن يجد رحيلا قصرت أمان كنت أرجو نيلها ... قد عاد ليلي بعدهن طويلا قد مات روضي بعد ذلك جذبة ... وغدا فؤادي بعدهن عليلا 2- محمد بن خليفة بن عبد الواحد بن سعيد الحارث بن خلف بن عبد الله بن بدر سعد الأنصاري يكنى أبا عبد الله من أعيان مالقة وفضلائها وعلمائها المشهورين ولي قضاء مالقة فسار فيه بأجمل سير من العدل والفضل وله على الموطأ شرح حسن بليغ. ويحكى أنه قال ألفت شرح الموطأ أيام ولايتي للقضاء بمالقة ابتدأته أول سنة ثمان وسبعين وأكملته سنة تسع وسبعين. قال: وكنت عند ابتدائي تأليفه أرى وأنا بين النائم واليقظان كأني أخرج إلى البحر على باب يسمى باب الفرج وهو باب الحلاقين فأقف على البحر فكان يلقى إلي من صنوف الحيتان ما يملأ الفضاء بين يدي وأمواجه تلقي بعضها على بعض إلي فكنت أروم تعبئتها وضمها وتلفيفها بالملح وأنظر في توطية لها من فرش ودوم بين يدي وآلة وكنت أقول: ألا رجل يعينني على تعبئة ذلك فكان يبدو

لي رجل فيقول ارفع رأسك هذا رسول الله إلي على البحر من جهة القبلة فكنت أمشي إليه ألقاه وأسلم عليه فلما فرغت من السلام قال لي يا محمد أنا أعينك على تعبئة ما أردته من هذه فخذ في ذلك فكان يسوي بيديه الكريمتين وطاءها ثم أجمع إليه وأقرب بين يديه من تلك الحيتان وهو يسويها ويجعل ملحها صفا على صف حتى بلغ سبعة صفوف وهي كانت عدد أسفار المسودة إذا تمت ثم ضم عليها صيانتها وزمها ثم قال لي هذا مرادك منها قد تم. ثم استيقظت وتماديت على التأليف فلعمري لقد كان هذا التأليف أسهل علي من كل أمر حاولته جعله الله لوجهه وذكره بن بشكوال فقال روى عن أبي عبد الله بن عتاب والقاضي محمد بن شماخ والقاضي أبي الوليد الباجي وغيرهم وكان معتنيا بالعلم والسماع من الشيوخ ومن أهل المعرفة والذكاء والفهم واستقضي ببلده وسمع الناس منه كثيرا من روايته وكان رحمه الله من أهل الأدب البارع مع علمه وفضله ومن شعره رحمه الله: [بسيط] ولى زمان وكان الناس تشبهه ... فالآن فوضى فلا دهر ولا ناس أسافل قد علت لم تعل من كرم ... ومشرفات الأعالي منه أنكاس ومن شعره أيضاً رحمه الله تعالى ورضي عنه: [طويل] تقول سليمى إذا وفيت بعدها ... أشيب وفي وصل الأحبة منصف وإن بياضا كان مني سواده ... مكان السويدا بالعلاء مصرف فقلت أجل إن تعف أطلال وامق ... تراه له في ذلك الرسم موقف وهل هو إلا قالص فوق ثوبه ... ولكنه القلب الذي كنت تعرف

وكان قد تغرب في الفتنة إلى جهة تدمير فقال: أعاد الله أيام التلاقي ... كما كنا بها قبل الفراق وأكمل بالسرور إياب نفسي ... فقد آل السرور إلى محاق نأى صبري غداة نأيت عنكم ... وهل تنأى همومي واشتياقي لئن ضن الأسى بالصبر عني ... فما ضنت بأدمعها مآقي أحن إلى الرفاق لآن أنسي ... بأخبار الأحبة في الرفاق وأفرح بالهلال لأن خلي ... به في غير آناء المحاق كأني مذ نأيت وصرت رهنا ... بتدمير أسير في وثاق لقد أبقى فراقكم بقلبي ... كلوما لدغ حرقتهن باق أرى ليلي علي إذا تدجى ... سواء والنهار بما ألاقي ومنها: أقول وقد ذكرتك فاستقادت ... لذكرك أذكعي ذات اشياق سلام ترجف الأحشاء منه ... على الحسن بن وهب والعراق على البلد الحبيب إلي غوراً ... ونجداً ولأخ العذب المذاق ومن شعره: ومن عجب أني أهيم بحبه ... وأوليه إعراضاً وفي القلب يرتع كذي رمد في مقلتيه يزيده ... سنا الشمس (ضراً) وهو بالشمس مولع وتوفي رحمه الله بمالقة يوم السبت لسبع خلون من جمادى الأولى سنة خمسمائة قال ابن بشكوال وكان مولده سنة سبع عشرة وأربعمائة رحمة الله ورضوانه عليه. ومنهم:

3- محمد بن عبد الله بن أصبغ بن أحمد أبي العباس

3- محمد بن عبد الله بن أصبغ بن أحمد أبي العباس يكنى أبا عبد الله من أهل مالقة من جلة أعيانها. ذكره أبو العباس بن أبي العباس في كتابه وأثنى عليه وذكر ... ومن شعره في رثاء أبي عبد الله بن السراج رحمة الله عليهما: هل أدرك العلم وهنا ليس يعهده ... أم ليس يدري بأن أودى محمده بلى لقد ناله وهن لفقد فتى ... قد كان ينصره حفظا ويعضده فرع زكا وبحق ما زكا حسباً ... في منبت الفضل فرع طاب محتده تخطفته المنايا غير مكترث ... علماً بأن لقاء الله موعده رفعت ذكراً من الشورى يسير مسي ... ر الشمس متهمه فينا ومنجده تقرب الحكم فيها بالصواب ولو ... تشاء كنت بأولى منه تبعده وقد مدح ابن عباد بإشبيلية وفر إليه في الفتنة التي كانت بمالقة أيام بني بلقين ابن إدريس وفد عليه فأنزله وأكرمه وأقام عنده حتى رجع إلى بلده وهذه القصيدة المذكورة: لعرف الصبا أزكى نسيماً لناسم ... وبارق ذاك الأفق أشفى لشائم نظرت وقد نام الخليون نظرة ... قضيت بها حق الدموع السواجم وهل يبعث الشوق المبرح شائم ... تألق في جنح من الليل فاحم وأرقني بالأيك نوح حمامة ... وقد يطرب المحزون نوح الحمائم وما ... حسن العزاء لعاشق ... ثوى حبه بين القنا والصوارم خلي من الخلان في أرض غربة ... تذكر من عهد الصبا المتقادم أأيامنا أفدي أصائلك التي ... جلت لي صفو العيش عذب المباسم بحيث تجلى الروض أحسن منظراً ... وحاكت برود الزهر أيدي الغمائم

وطاب بنا طيب الغواني وطيبه ... فيقضي على امرارنا بالنمائم وحيث مهاها والظباء أوانس ... ولا مرشف إلا متاح للآثم ولا حقف إلا ما تقل روادف ... ولا غصن إلا من قدود نواعم ولا منزه إلا غناء وقرقف ... يقوم بها وسنان حلو المباسم كأن اصفرار الزهر بين ابيضاضه ... دنانير حفتهن أيدي الدراهم كأن الصفا أمواهه تحت آسه ... صقال سيوف تحت خضر العمائم وأعمل أخفاف المطي لرتبة ... تريني قرن الشمس تحت المناسم إلى الغاية القصوى إلى المللك الذي ... تذل له صيد الملوك الخضارم إلى ذي الأيادي الغر والمنن التي ... وسائلها مقروءة كالتراجم تقبل أطراف البساط جلالة ... وقد صغرت في كمه والبراجم وتعنو له قسراً فرادى وتوءماً ... بإذعان جبار ورغم مراغم بمعتمد نامت عيون قريرة ... وردت على الأعقاب سود المظالم يخوض الوغى والخيل والبيض تلتظي ... بسمر العوالي والنسور القشاعم منها: وهوب مهيب فهو يرضي ويتقي ... كذلك أخلاق الملوك الأعاظم ولما انثنت نفسي إليك محبة ... رفضت ملوك الأرض رفض المحارم ولذت بمولى باسمه أنا عائذ ... من الخطب واستعصمت منه بعاصم إليك ابن عباد زففت عروسها ... فدونكها كالدر في سلك ناظم وهل أنا إلا عبدك القن عاقه ... زمان فلم ينهضه عن جد عازم لعل له عطفاً بديل عنايةً ... بعتبي وإن طالت منامة نائم وله فصل من رسالة كتب بها إلى أبي المطرف بن أبي الهيثم المالقي يهنيه

بخطة القضاء: وهل كان ذلك القطر إلا مفرقاً دون تاج ومنارة ً بغير سراج فالآن قد استصبح سناه واتضح لفظه ومعناه ولست أهنئه بالقضاء خطة ولا أعتدها له غبطة ولكن أهنئ بها من تجري عليه قضاياه وأحكامه وتدور عليه دولته وأيامه فمثله من عرف بما قلد ووفق في أموره وسدد فالزهد أيسر شعاره والورع أدنى دثاره فلله ذلك المجد ما أشرق صفحاته وذلك الروض ما أعبق نفحاته. وله يجاوب الكاتب أبا محمد البزلياني المالقي: تأملت ما أهديته متفضلاً ... فخلت الذي تهديه دراً مفصلاً إذا قسته بالدر في حال تقده ... وحققت فيه كان أغلى وأكملاً معان تريك السحر لفظاً ورقةً ... كما يستبيك اللفظ أول أولا بخط بديع زانه الوشي زينة ... ينسيك من وشى الربيع المفضلا أقمت به في ذروة المجد همتي ... وحملتني عبئا من المجد مثقلا وهي طويلة وله رحمه الله: أربع بربع الذي تسليك أربعه ... حتى يصيف مصيف ثم مربعه واغن بمغنى الذي تغنيك غنته ... عن الأغاني غناء الشوق يطبعه واحلل بمورد رحب حله حرم ... حليت منه فصرف الدهر يمنعه القد منه قضيب ماس فوق نقا ... ريح الصبا إن مشى خطوا تزعزعه ولحظه بابلي سحره حور ... في كل قلب له نفث يولعه والجيد جيد غزال قد رنا جزعا ... إذ مسه ليث عرنين يروعه ظبي تكامل فيه الدل فهو طلى ... كما تكامل فيه الحُسن أجمعه لاحت عشاءً على خديه شمس ضحى ... فعنَّ لي يوسفي الحُسن يوشعه

4- محمد بن عبيد بن حسين بن عيسى الكلبي

أستودع الله من لم ألتمحه ضحى ... يوم الفراق ولم أقدر أودعه بدر الكمال الذي في القلب مسكنه ... وإن نأى بي فبالأردان مطلعه ما خلت يوم النوى أني أعيش غداً ... لكن حيني لم يصرعه مصرعه عاينت يونس في التشبيه حين بدا ... لا تعدليه فإن العذل يولعه ومنهم: 4- محمد بن عبيد بن حسين بن عيسى الكلبي هو القاضي أبو عبد الله بن حسون من أهل مالقة كان فاضلا خيرا من أهل العلم والفقه ولي قضاء غرناطة له بيت منيف ولعشيرته وأهله نباهة وله تأليف حسن في الزهد سماه كتاب المونس وهو موجود بأيدي الناس نفعة الله به وتوفي سنة تسع عشرة وخمسمائة ومنهم: 5- محمد بن سليمان بن أحمد النفزي المعروف بابن أخت غانم يكنى أبا عبد الله من أهل مالقة ومن شيوخها الجلة أهل الأدب والرواية والثقة روى كثيرا من كتب الأدب وغيرها. وعمر واشتهر ورحل الناس إليه من كل بلد وسكن قرطبة مدة وأقرأ بها وكان لا يأخذ أجرا على القراءة معظم كتب الأدب واللغات وكان محققا فيها وذاكرا لها.

6- محمد بن عبد الرحمن بن سيد بن معمر المذحجي

روى عنه الأئمة المشاهير كأبي الفضل عياض بن مرسى بن عياض وأبي القاسم ابن بشكوال وأبي عبد الله بن معمر وغيرهم ممن يطول ذكرهم وذكره القاضي أبو الفضل في رجاله فقال: كان شيخا مسنا من شيوخ أهل الأدب والنحو والرواية وجمع الكتب وأخذ الناس عنه هذين العلمين كثيرا ودرسهما غيره بغير اجر سمع منه كتب الحديث والغريب وحمل عنه جلة من المشايخ والنبلاء لعلو سنه ومعرفته وكان أكثر أخذه عن خاله الأديب أبي محمد غانم بن وليد وسمع أيضاً من القاضي أبي بكر بن صاحب الأحباس وأبي العباس الدلائي والقاضي أبي إسحاق بن وردون والقاضي أبي الوليد الوقشي والفقيه أبي المطرف الشعبي والقاضي أبي بطر السمنتاني وأبي محمد حجاج بن قاسم الماموني السبتي وجماعة غيرهم وذكره أيضاً أبو القاسم بن بشكوال بنحو ذلك وتوفي أبو عبد الله بمالقة في سنة خمس وعشرين وخمسمائة ومولده سنة سبع وثلاثين وأربعمائة ومنهم: 6- محمد بن عبد الرحمن بن سيد بن معمر المذحجي من أهل مالقة يكنى أبا عبد الله من أهل العلم والفضل والورع بنى المسجد المنسوب إليه أنفق فيه مالا جما وهو من أعظم المساجد بناء ولم يجعل فيه شيئا يسمى باسم حيوان نحو الكلب وعراس بل صنع ذلك على غير شكل الكلب تورعا منه قال أبو القاسم بن بشكوال وقد ذكره روى عن أبي المطرف الشعبي وأبي عبد الله بن خليفة القاضي وسمع بقرطبة من أبي بكر المصحفي وأبي عبد الله بن فرج وأبي مروان بن سراج وأبي علي الغساني وغيرهم وكان من أهل العلم والفضل والدين والعفاف والتصاون أخذ الناس عنه وأجاز لنا ما رواه بخطه وتوفي رحمه الله بمالقة سنة تسع وثلاثين وخمسمائة انتهى ما ذكره ابن بشكوال

7- محمد بن الحسين بن كامل الحضرمي

وحدث عن أبي عبد الله رحمه الله الإمام أبو زيد السهيلي والحافظ أبو عبد الله بن الفخار وغيرهما من أهل مالقة وغيرهم من أهل مالقة وغيرهم وآخر من حدث عنه بمالقة الخطيب أبو كامل تمام بن الحسين رحمه الله تعالى منهم: 7- محمد بن الحسين بن كامل الحضرمي المعروف بابن الفخار ويعرف بها وبصاحب نصف الربص كان من أعيان مالقة وجلتها وكاتبا بليغا وشاعرا مطبوعا وانتهى من كثرة المال وسعة الحال إلى ما لم يصل إليه غيره وذكره الفتح في كتاب القلائد ووصفه وأثبت له شعرا حسنا وكانت بينه وبين بني حسون منازعة فخرج فارا عن مالقة خوفا منهم قال أبو العباس أصبغ في كتابه فأجلسوا عليه الرصائد وضيقوا عليه الوصائد حتى سيق إليهم وهو مصفد في الحديد يرثي له القريب والبعيد فلم يزل يستعطفهم من السجن فمن ذلك ما أنشدني أبو بكر بن دحمان رحمه الله لأبي عبد الله المذكور وهو جده لأمه هذه القصيدة: أريد بأن ألقاك في دارك التي ... بها أمن الخواف من نوب الدهر فيمنعني عض الحديد وكالح ... إذا رمت باب السجن يدفع في الصدر يقول تجلد للحديد وعضه ... ومن ذا الذي يعطى التجلد في الأسر فرش لي جناحي واجبر العظم إنه ... مهيض وأنت المرء تعرف بالجبر وإني عليها ما حييت لشاكر ... كما عرفت في المحل عارفة القطر ومن ذلك قوله: أنت الكريم وقد ملكت فأسجح ... واغفر فقد عظمت ذنوبي واصفح لا تلتفت غش الولاة كنصحهم ... فالكاشحون غشاهم بتنصح يا حاميا سرج السيادة ممرعا ... بالله عجل إن رأيت تسرحي

واعلم لأني للعوارف شاكر ... كالهيم تشكر عارفات الأمنح أشفقت من عض الحديد وروعه ... في الصدر لم يذهب ولم يتزحزح ومن ذلك قوله: ويحبسون بأن الدهر غيركم ... والظن أكذب أين الفضل والكرم يا حافظ العهد بأن خان الرجال به ... ألم تكن بيننا فيما مضى ذمم إن توقف عطف أوجفا كرم ... فالطرف يكبو وينبو الصارم الخذم أبا علي وخير القول أصدقه ... دع ما تجيء به الظنات والتهم تسيء بي الظن والرحمن يشهد لي ... أني بحبلك بعد الله أعتصم من غير الود ما بيني وبينكم ... تغيرت عنده الأرزاق والنعم فلا تطاوع أناسا في صدورهم ... مع الحسادة نار الحقد تضطرم من أجل نكسي يرى أن الصلاح به ... أن يظهر السر مثل الموج يلتطم فاخفض جناحا وخذ بالعفو ما ظلموا ... لازلت تعفو ومنن عاداك تنتقم إذا أصابت من الأيام حادثة ... فأنت نور لديه تنجلي الظلم وأن غدوت خفيف الجسم ضامرة ... فالذابلات إليها تنجلي الظلم الخيل تسبق إن كانت مضمرة ... والسهم ينحت والصمصام والقلم فلا تمكن سفيها من إرادته ... فيصبح الرأس تعلو فوقه القدم شاور أخاك ودع بعض الورى همجا ... أما الذئاب فما ترعى بها الغنم وشدد يديك بمن صحت مودته ... فليس يدبغ جلد مسه حلم وقد دعوت إلى إصلاح فاسده ... وما بأذنك عن أمثالها صمم وسقت بيتا جرى في دهرنا مثلا ... والشعر فيه ترى الأمثال والحكم يا أعدل الناس إلا في معاملتي ... فيك الخصام وأنت الخصم والحكم قال أبو العباس أصيغ رحمه الله: هذه القصيدة كانت سبب عفوهم عنه والله يغفر للجميع.

ومن شعره رحمه الله تعالى يرثي القاضي أبا مروان عبيد الله بن حسون ويعزي ابنيه أبا علي وأبا عبد الله: أما الدموع فمنها الواكف السرب ... وفي الضلوع ضرام الحزن يلتهب ما كان هلك أبي مروان عندهم ... إلا الكسوف به الأعيان الحزن تنقلب صارت له نيرات العين مظلمة ... وعاد كالصاب في أفواهنا الطرب في كل واد وناد من عشائرنا ... انتابه الجد لما مات واللعب كنا به من خطوب الدهر في حرم ... والأمن تلحفنا أبراده القشب وكان رأس المعاني ساميا صعدا ... فطؤطىء الرأس واستغلى به الذنب يا هضبة هد ركن المجد هدتها ... وحده فل لما فلت الحسب أقول فيك الذي يعزى لفاطمة ... والقلب حران من فرط الهوى يجب قد كان بعدك أنباء وهينمة ... لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب العلم والحلم والتقوى وهمته ... في العدل والبذل ثم الرأي والأدب ما ضيع الله قوما أنت جارهم ... أبا علي وإن طافوا وإن طلبوا والسهل يصعب مهما كنت راكبه ... فلا تهزنك الأهوال والرعب وقد حننت أبا عبد الإله لكم ... كما تحن لك الأقلام والكتب وما اليراع إذا أصبحت تعمله ... إلا تذل له الهندية القضب تدنو وتبعد والمنات عالية ... كالطرف يوجد فيه الجري والخبب وإن حجبت زمانا عن زيارتكم ... فالشمس شمس وإن كانت لها حجب قلبي سنان تشق الصخر حدته ... ومقولي صارم في متنه شطب ولي وفاء لو أن الأرض تعهده ... ما دل فيها لفرع النبعة الغرب

أبى لي الله إلا أن يفضلني ... على أناس وإن ذموا وإن جلبوا وكل قول إذا ما كان مدحكم ... وإن أضيف إلى الإسهاب مقتضب وإن غدا الجسم في ترب فليس لنا ... إلا الدعاء بأن تهمي له السحب فنعم الله حتى الحشر أعظمه ... وحام فوق ثراه المزن ينسكب ومن شعره رحمه الله برثي القاضي أبا عبد الله بن خليفة المذكور: أقضت على القوم الكرام المضاجع ... وفضت جموع بعده ومدامع وأصبحت العليا يراع فؤادها ... وحق لها أن تعتريها الروائع ألا إنما الدنيا غداة فراقه ... ككف أبين الخمس منها الأصابع وكل كريم بعده هاله الأسى ... وأصبح قد سدت عليه المطالع شهاب هوى فالعلم أسود حالك ... ونجم خوى فالخير أغبر شاسع وطرف كبا والطرف لم يك عاثرا ... وسيف نبا والسيف أبيض قاطع فيا لدموع العين غيضت من البكا ... ويا لحصاة القلب هن الصوادع وهي طويلة وكتب إلى أبي الحسن بن معمر وكان صديقا له: إلى كم يجد الحر والدهر يلعب ... ويبعد عنه الأمن والخوف يقرب وهل نافعي إن كنت سيفا مصمما ... إذا لم يكن يلقى بحدي مضرب أبينهم والليل كالنفس أسود ... وأهجمهم والصبح كالطرس أشهب فلا أنا عما رمت من ذاك مقصر ... ولا خيل عزمي للمقادير تغلب أبا حسن سائل لمن شهد الوغى ... لئن كنت لم أصبح أهش وأطرب

وأعتنق الأبطال حتى كأنما ... يعانقني عنهم من البيض ربرب وفي كل باب قد ولجت لكيدهم ... ولكن أمور ليس تقضى فتصعب فيا أسفا كم قد أبيت بذلة ... وسيفي ضجيعي والجواد مقرب وكتب معرضا لأهل بلده: لو صح عقلك أعط النفس قدوتها ... ولم تكن منبئا بالحقد والحسد أما الخليط فقد حلوا بأرضهم ... وأنت وسط الفيافي من بني أسد يا من أتاه معمى ليس يفهمه ... إن النسيجة من أرائك الفسد أهون بخطب امرئ حلت بضاعته ... من النميمة في أسوافها الكسد الدين يضرب عنا من يعاندنا ... ضربا يزايل بين الرأس والجسد وهل يطيق دفاعا عن جوانبه ... من حبله موثق في الجيد من مسد ما للوحيدي ذنب في سيادته ... إن كنت في جملة الغوغاء لم تسد ورأى يوما ابنا لأحد إخوانه في بطالة فقال ينهاه: فديتك أرعني سمعا فإني ... نظمت لك النصيحة في نظام ولا يوحشك عتب من محب ... فإن الطب يذهب بالسقام وإن العلم تدرسه صغيرا ... كمثل النقش ثبت في الرخام أبوك أبوك دينا لا يبارى ... وجدك علمه كالبحر طام وعمك لم يزل مذ كان يسمو ... إلى العلياء بالهمم السوامي وأنت فتى كمثل النجم لكن ... يعز علي كونك في ظلام وكان جالسا عند القاضي أبي علي بن حسون بمالقة في مجلس أحكامه وقد حضر جملة من أعيان مالقة فجاءه رجل فأخبره أن قوماً يعرفون ببني العصري من قرية يرفة وتعرف الآن برذلفة وبنو العصيري بها الآن فأخبروه أنهم سيبوا مواشيهم على غراس وزرع كان له بالقرية المذكورة أو قريبا منها فتناول إضبارة وكتب فيها:

يا ذا الذي بجماله وكماله ... رد القلوب النافرات أوانسا بقر العصيري بقرية يرفة ... رتعت فآذت غارسا أو دارسا وله رعاة من بنيه خمسة ... أخنوا على شجري فأصبح يابسا ودفعها للقاصي فأمر بهم فأحضرهم وسجنهم واشتد عليهم وكلفه القاضي ابن حسون أن يذيل له هذا البيت وأنشده له: أترضى أن تطير بريش عز ... ومن يهواك مقصوص الجناح فقال مرتجلا: إذا هاجت من الأيام حرب ... فإن جميل رأيكم سلاحي وإن مالت إلى الراحات نفسي ... فذكرك جنتي وهواك راحي وقد أصبحت أنشد بيت شعر ... يلوح الغدر فيه كالصباح أترضى أن تطير بريش عز ... ومن يهواك مقصوص الجناح ومن كتبه رحمه الله ما كتب به في حق أحد أصهاره: المفاتحة أعزك الله خوض غمار وضرب قمار وقد ألأم الشعب وأرأب الصعب لكن تنشأ أزمات وتطرأ لمن لا يرد من القرابات عزمات يوضع لها الخد ويركب فيها الجد ويترك الأهون ويؤخذ الأشد وإني اقتضبت هذه الحروف من خطوب تنوب وحوادث مضلات لا تؤوب وكأني أنحتها من حجارة الأزارق وأستنزلها من خلب البوارق وأسألها عود الشباب المفارق ورد الليالي الحالكة على المفارق فناهيك بها عسرة وإضافة وافتقارا إلى عطائك وفاقة وحسرة لا ترجو منها الخواطر إفاقة وفلان كر على القف ولا يعرف ما في الخف قد ركب لجاجته ولم ير ما حيلة إلا حاجته ولولا ولاء صادق حثه وثناء عاطر بثه وشهادة في محاسنك استحفظها ونبذ من محامدك نبذها إلي ولفظها استحق بها مني إحمادا واستوجب لمكانها اعتدادا واعتمادا إلى ما اعترف به من إكمال ناظر واهتبال خاطر عمه فضلها وعمره طولها ما تمكن لي كتب حرف ولا تنسمت من إجهاض الحوادث بعرف والله يشكر إجمالك ويحمد إخلالك ويبلغك في الدارين آمالك بمنه

وكتب معزيا أطال الله بقاء السيد المفدى والكريم الأعز الأهدى وجلاله مأثور وأجره موفور ومذخور تأبى الأيام أدام الله عزتك إلا أن تفجع بساداتها وتجري من اخترامهم على عاداتها فالحازم من استسر الحوادث قبل أن تحل وهانت عليه من حيث شملت الكل وإن مصابك بالصبر الجميل عن أوصابك فقد علمت أن الحزن ما نفع ولا أجدى ولا استرد في الدهر سؤددا فقد ولا مجدا فإن كان شأن هذا الحادث شمولا وكل على تلك الأعواد محمولا فما لنا لا نبكي أنفسنا وهي أحب أو نرجع فيمن فقدنا إلى ما أراده الرب فإنا الله وإنا إليه راجعون عليها مصيبة قدحت ورزية فدحت. وقد يعلم الله أني ساهمتك مساهمة فؤادك وأخذت من رزئك ما أخذت من ودادك وإني لأتذمم من دهر يعوق لا تقضى معه الحقوق فكان من واجب مرزيتك أن أعمل قدمي إلى تعزيتك لكن الذنب للأيام لا لي وحسبك اليوم ما لك قبلي. وكتب في حق المعروف بالزريزير وكان رجلا حسن الإنشاد يرد على النبهاء فيخف عليهم. ولكتاب العصر فيه كتب مشهورة منها ما كتب به أبو عبد الله المذكور وهو يسقط الطير حيث ينتشر الح ... ب وتغشى منازل الكرماء لما كنت أعزك الله روضة في الأدب طيبة الماء والعشب وغدوت دوحة في المجد مورقة بالتهمم مثمرة بالجد أوشكت طيور الثناء أن تنشر عليك قلاعا وحامت عصافير الرجاء عليك عطاشا وجياعا فوجدت بثراك الحب النثير والماء العذب النمير فشربت والتقطت وانتفضت وترنمت ولم ترع بصر صرة الصقور حين غدت في الماء النمير فهي مائلة على طي الأجنحة مثنية عليك بالألسنة المفصحة قد جعلت أراكها قصب الأراك وبسطت درانيكها فلم تقتنص بأيدي الفخوخ والأشراك تتغنى من الطرب وتتناشد بمخضرة القصب:

8- محمد بن عبد الله بن فطيس

فيا لك من قبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري ولما قطع الآن إليك منها زريزيز له أبداً بالثناء عليك صفير قص جناحه فهو نحوك حاذف وحسن صاحبه فكل قلب عليه عاطف رجوت أن تعيده وافر الجناح صافرا يذكرك في الغدو والرواح. وكلامه رحمه الله كثير وتوفي بمالقة في شهر شعبان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ومنهم: 8- محمد بن عبد الله بن فطيس يكنى أبا عبد الله من أهل مالقة كان طبيبا ماهرا وأديبا شاعرا وكان في أيام بني حسون يخف عليهم ويلج عندهم وله فيهم أمداح كثيرة يحكى أنه دخل يوما على القاضي أبي مروان بن حسون بعد انقطاع عن زيارته فعتبه القاضي على انقطاعه فاعتذر له ثم أنشد: يا حامى من علاه تاجا ... ومن سنا وجهه سراجا لو كان زوري عديل ودي ... لكنت من بابك الرتاجا إن لم يعرج عليك شخصي ... نفسي وروحي عليك عاجا ومن شعره رحمه الله تعالى: يا نازح الدار نائي البلد ... وخالدا في الفؤاد والخلد إن قدر الله بالتقائك بي ... لا عدت في البين آخر الأبد وله رحمه الله تعالى: أيا سرب القطا سربي مروع ... ومن والاه قد والى انتزاحا

وبي ظمأ إلى لقياه برح ... فهل فيكن باذلة جناحا ومن ذلك قوله قالوا به صفرة عابت محاسنه ... فقلت: ما ذاكم عيب به نزلا عيناه تطلب من أوتار من قتلت ... فليس تلقاه إلا خائفا وجلا وفر عن مالقة لأمور طلب فيها فاضطر في غربته إلى بيع ثياب ظهره فقال: لعمرك إن بيعت وفي دار غربة ... ثيابي أن ضاقت علي المشاكل فما أنا إلا السيف يأكل غمده ... له حلية من نفسه وهو عاطل وله رحمه الله تعالى: يا من تبسم عن جواهر بارق ... أهد السلام لمستهام وامق تأبى عللي برشف ريقك مرة ... أولست أحيانا له كالباصق إن كنت لا تهدي السلام لعلة ... فاهد السلام مع الخيال الطارق فلعل طيفك أن يزيل بريهة ... نار الغرام عن الفؤاد الخافق وله رحمه الله تعالى: لقاؤكم الذي جلب الفراقا ... لقاء كم يشقي بل أشاقا وكان محببا أبدا لنفسي ... عناقهم فكره لي العناقا مضوا وبقيت أسبح في دموعي ... بنار الشوق أحترق احتراقا فلو أني ظفرت بشخص بين ... لكنت أذيقه مما أذاقا وله رحمه الله تعالى: ولما رأيتك أوليتني ... قبيحا وأوليت غيري جميلا تسليت عنكم رويدا رويدا ... فرب السلو قليلا قليلا

9- محمد بن الحسن بن عبد العظيم

وله رحمه الله تعالى: ليت الرياح التي هبت من أرضكم ... لنحونا خبرتكم بالذي أجد أما علمتم بأن النار في كبدي ... وأن جمر الغضا من حرها تقد لله طلعتك الغراء لو طلعت ... للعاشقين بآفاق الورى سجدوا ولو توضح ذاك البسم واكتحلت ... جفونهم من عمى الهجران ما رمدوا وله رحمه الله تعالى: هل لك أن تونس المشوقا ... فكل وجد إليه سيقا يمسي من الحب في غرام ... يصبح في دمعه غريقا تضنيه حوراء ذات دل ... كأن في ثغرها رحيقا يمنعه خوف كل واش ... أن يلثم الدر والعقيقا فليس إلا العيون رسل ... ترسل من طيفها طروقا أخذت نفسي على هواها ... فقال لي القلب: لن أفيقا فرج لمن يرتضيك ركنا ... إن كنت تعتده صديقا وشعره رحمه الله كثير. وتوفي.... ومنهم: 9- محمد بن الحسن بن عبد العظيم يكنى أبا عبد الله جليل من جلة مالقة وفقهائها ونبهائها وكبرائها ومن ذوي بيوتها النبيهة كان في أيام القاضي أبي علي بن حسون أيام كونه قاضيا بمالقة ما اتفق له معه أن أهل مالقة تألبوا على ابن حسون ووقعت بينهم وبينه منازعة فاتفقوا على الرفع به ليزال عنهم فخرجوا عن مالقة شاكين به وخرج معهم لبن عبد العظيم فأعلم القاضي بحديثهم فجعل معهم من يتطلع عليهم

ويستمع مقالهم من حيث لا يشعر به أحد منهم فكان ذلك الشخص يعرفه من كل مسافة حلوا فيها بما فعلوا فكان ابن حسون لا يخفى عليه من أمرهم شيء فلما كان في بقض الطريق أخرجوا حوتا وأخذوا يحاولون أمر الغداء فبينما هم كذلك أخذوا يقعون في ابن حسون وأسلافه وينسبون القبائح إليهم فقال لهم ابن عبد العظيم أما شتمكم لابن حسون فأوافقكم عليه فإنه عدوي وضرني وأما أسلافه فما فعلوا لنا ذنبا فبأي وجه نتطرق إليهم والله لا كان هذا بمحضري أبدا فامتنعوا عن الوقوع في سلفه بسبب ابن عبد العظيم فكتب ذلك الشخص يعرف ابن حسون بذلك فسره وشكر لابن عبد العظيم قوله فلم يكن إلا عن قريب ووصل كتاب لابن حسون بأن يفعل بالشاكين به ما رأى فوصلهم الخبر وتفرقوا في البلاد فخرج ابن عبد العظيم إلى أشبيلية وأقام بها حتى أدركته وحشته إلى أهله ووطنه فعزم على الخروج إلى مالقة فبينما هو داخل على البحر إلى مالقة وقد لبس ثيابا غلفا من حيث لا يشعر به أخبر القاضي ابن حسون بوصوله فخرج فلقيه في الطريق فكلما عمدا بن حسون إليه تنحى عن الطريق خوفا منه فما زال به حتى ضمه إلى موضع لم يمكنه الخروج عنه وقال له: أين تذهب أولست فلانا فلم يمكنه إلا أن سلم عليه وقال له سر في عافية فمشى ابن عبد العظيم إلى داره. وبقي يترقب أمر ابن حسون فيه فلما جن الليل وإذا بالضرب على باب ابن عبد العظيم فخرج فقيل له: ابن حسون يستدعيك فسقط في يده ورجع فودع أهله وسار إليه فلما دخل عليه قام إليه ابن حسون ورحب به وآنسه بالكلام وجعل يقول له: سرتم في خروجكم من موضع كذا وقلتم فيه كذا وابن عبد العظيم يتعجب من ذلك إلى أن قال له ويوم أكلتم الحوت أخذ أصحابك في سب سلفي والوقوع في أبوي فمنعتهم أكذلك كان؟ قال: نعم فقال له القاضي فجزاك الله خيرا وشكرك على فعلك مثلك من يفعل هذا وترامى عليه يقبل وأسه ويقول له: بررت أبوي فوالله لا زلت أبرك ما دمت حيا ورفع بساطه وأخرج له مائة دينار وثياباً رفيعة ومطية عظيمة وقال له خذ هذا ولتلازم مجلسي في كل يوم فذهب ابن عبد العظيم إلى داره مسروراً فكان القاضي بعد ذلك لا يقطع في أمر من الأمور إلا بعد مشاورته وعظمت منزلة ابن عبد العظيم وفخم ذكره وبقي كذلك إلى أن توفي رحمه الله في حدود الأربعين وخمسمائة.

10- محمد بن سماك العاملي

ومنهم: 10- محمد بن سماك العاملي يكنى أبا عبد الله جليل القدر شريف النسب ولي قضاء مالقة وكان له بها عقب ثم انتقل إلى غرناطة وعقبه بها في شرف ونباهة إلى الآن وبمالقة بعض عقبه وكان قديما من أهل مالقة وبها كان أسلافه ثم وقعت بينه وبين حسون منازعة فخرج بسببهم فارا إلى غرناطة ثم سار إلى مراكش في أول أمر الموحدين فسكن بها ومنها ولي قضاء مالقة ومنهم: 11- محمد بن غالب الرصافي أبو عبد الله فحل الشعراء ورئيس الأدباء أصله من بلنسية واستوطن مالقة واتخذها دار إقامة إلى أن توفي بها رحمه الله يوم الثلاثاء التاسع عشر لشهر رمضان المعظم سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة. وكان رحمه الله ساكنا وقورا ذا سمت وعقل وكان رفاء يعمل بيده ويقصده رؤساء الكتاب والشعراء يأخذون عنه ويسمعون منه. وحدثني الفقيه أبو عمرو بن سالم رحمه الله ومن خطه نقلت قال حدثني الوزير الحسيب أبو الحسين شاكر ابن الفقيه الأديب أبي عبد الله بن الفخار المالقي رحمه الله قال: ما رأيت في عمري رجلا أحسن سمتا وأطول صمتا من أبي عبد الله الرصافي وحدثني صاحبنا الفقيه أبو عبد الله بن عمار الكاتب بمحضر الأديب أبي علي بن كسرى قال كان الفقيه أبو عبد الله الرصافي من أعقل الناس وكان رفاء فما سمع له أحد من جيرانه كلمة في أحد وكان بإزائه أبو جعفر البلنسي وكان رحمه

الله متوقد الخاطر فربما تكلم مع أحد التجار منه هفوة فيقول له: شتان بينك وبين أبي عبد الله في العقل والصمت وربما طالبه بأشياء ليجاوبه عليها فما يزيد على الضحك فلما كان في أحد الأيام جاء ليفتح دكانه فتعمد أن ألقى الغلق من يده فوقعت على رأس أبي عبد الله وهو مقبل على شغله فسال دمه فما زاد على أن قام ومسح الدم ثم ربط رأسه وعاد إلى شغله فلما رأى ذلك منه أبو جعفر المذكور ترامى عليه وجعل يقبل يديه ويقول ولله ما سمعت برجل أصبر ولا أعقل منك والله لقد تعمدت ذلك وهو يضحك ويقول بارك الله فيك وغفر لك. قال أبو عمرو رحمه الله: لقيت الفقيه أبا عبد الله الرصافي رحمه الله غير مرة وكان صاحبا لأبي وكان له موضع يخرج إليه في فصل العصير فكنت أجتاز عليه في أكثر الأيام مع أبي رضي الله عنه فألثم يده فربما قبل رأسي ودعا لي. وكان أبي يسأله الدعاء فيخجل ويقول: أنا والله أحقر من ذلك وكان من أعقل الناس وأحسنهم خلقا وخلقا وكان رحمه الله أديبا بليغا متصرفا وشعره مجموع بأيدي الناس حدثني به الفقيه الأديب أبو عمرو عن الأديب أبي علي بن كسرى سماعا من لفظه وقراءة عليه عن أبي عبدا لله بن الرصافي وعن الأستاذ أبي عبد الله بن الحجاري عن أبي عبد الله بن الرصافي وأقيد منه إن شاء الله جملة يتذكر بها إن شاء الله من ذلك قصيدته المشهورة في الخليفة عبد المؤمن بن علي أنشده إياه بجبل الفتح عند إجازته إلى الأندلس وهي مما سمعه أبو علي بن كسرى من لفظه رحمه الله تعالى وهي: لو جئت نار الهدى من جانب الطور ... قبست ما شئت من علم ومن نور من كل زهراء لم ترفع ذؤابتها ... ليلا لسار ولم تشبب لمقرور فضية القدح من نور النبوة أو ... نور الكرامة تجلو ظلمة الزور ما زال يقضمها التقوى بموقدها ... صوام هاجرة قوام ديجور حتى أضاءت من الإيمان عن قبس ... قد كان تحت رماد الكفر مكفور

نور طوى الله زند الكون منه على ... سقط إلى زمن المهدي مذخور وآية كإياة الشمس بين يدي ... غزو على الملك القيسي منذور يا دار دار أمير المؤمنين بسف ... ح الطود طود العلى بوركت في الدور ذات العمادين من عز ومملكة ... على الأساسين من قدس وتطهير ما كان بانيك بالواني الكرامة عن ... قصر على مجمع البحرين مقصور مواطئ من نبي طال ما وصلت ... فيها الخطى بين تسبيح وتكبير حيث استقلت به نعلاه بوركتا ... فطيبت كل موطوء ومعبور وحيث قامت قناة الدين ترفل في ... لواء نصر على البرين منشور في كف منشمر البردين ذي ورع ... على التقى وصفاء النفس مفطور يلقاك في حال غيب من سريرته ... بعالم القدس مشهود ومحضور تسنم الفلك من شط المجاز وقد ... نودين يا خير أفلاك العلى سيري فسرن يحملن أمر الله من ملك ... بالله منتصر في الله منصور تومي له بسجود كل تحركة ... منها ويوليه حمدا كل تصدير لما تسابقن في بحر الزقاق به ... تركن شطيه في شك وتحيير أهز من موجه أثناء مسرور ... أم خاض من لجه أحشاء مذعور كأنه سالكٌ منه على وشل ... في الأرض من مهج الأسياف مقطور من السيوف التي دانت لسطوته ... وقد رمى نار هيجانا بتسعير ذو المنشآت الجواري في أجرتها ... شكل الغدائر في سدل وتضفير أهدى المياه وأنفاس الرياح لها ... ما في سجاياه من لين وتعطير من كل عذراء حبلى في تر ائبها ... ردعان من عنبر ورد وكافور تخالها بين أيد من مجاذفها ... يغرقن في مثل ماء الورد من جور وربما خاضت التيار طائرة ... بمثل أجنحة الفتح الكواسير

كأنها عبرت تختال عائمة ... في زاخر من ندى يمناه معصور حتى رمت جبل الفتحين من كثب ... بساطع من سناه غير مبهور لله ما جبل الفتحين من جبل ... معظم القدر في الأجبال مذكور من شامخ الأنف في سحنائه طلس ... له من الغيم جيب غير مزرور معبرا من ذراه عن ذرى ملك ... مستمطر الكف والأكناف ممطور تمسي النجوم على إكليل مفرقه ... في الجو حائمة مثل الدنانير وربما مسحته من ذوائبها ... بكل فضل على فوديه مجرور وأدرد من ثناياه بما أخذت ... منه معاجم أعواد الدهارير محنك حلب الأيام أشطرها ... وساقها سوق حادي العير للعير مقيد الخطو جوال الخواطر في ... عجيب أمريه من ماض ومنظور قد واصل الصمت والإطراق مفتكرا ... بادي السكينة مغفر الأسارير كأنه مكبد مما تعبده ... خوف الوعيدين من دك وتسيير أخلق به وجبال الأرض راجفة ... أن تطمئن غدا من كل محذور كفاه فضلا أن انتابت مواطئه ... نعلا مليك كريم السعي مشكور مستنشقا بهما ريح الشفاعة من ... ثرى إمام بأقصى الغرب مقبور ما انفك آمل أمر منه بين يدي ... يوم القيامة محتوم ومقدور حتى تصدى من الدنيا على زمن ... يستنجز الوعد قبل النفخ في الصور مستقبل الجانب الغربي مرتقبا ... كأنه باهت في جو أسمير لبارق من حسام سله قدر ... بالغرب من أفق البيض المشاهير إذا تألق قيسيا أهاب به ... إلى شفا من مضاع الدين موتور

ومنها: ملك أتى عظما فوق الزمان فما ... يمر منه بشيء غير محقور ما عن في الدين والدنيا له أرب ... إلا تأتى له من غير تعذير ولا رمى من أمانيه إلى غرض ... إلا هدى سهمه نجح المقادير حتى كأن له في كل آونة ... سلطان رق على الدنيا وتسخير مميز الجيش ملتفا مواكبه ... من كل مثلول عرش الملك مقهور من الألى خضعوا قهرا له وعنوا ... لآمرة بين منهي ومأمور من بعد ما عاندوا دهرا فما تركوا ... إذا أمكن العفو ميسورا لمعسور بقية الحرب فاتوها وما بهم ... في الطعن والضرب سيماء لتقصير ومنها لا ينكر القوم مما في أكفهم ... بيض مفاليل أو سمر مكاسير إذا صدعت بأمر الله مجتهدا ... ضربت وحدك أعناق الجماهير لا يذهلن لتقليل أخو سبب ... من الأمور ولا يركن لتكثير فالبحر قد عاد من ضرب العصا يبسا ... والأرض قد غرقت من فور تنور وإنما هو سيف الله قلده ... أقوى الهداة يدا في دفع محذور فإن يكن بيد المهدي قائمه ... فموضع الحد منه جد مشهور والشمس إن ذكرت موسى فما نسيت ... فتاه يوشع قماع الجبابير وله رحمه الله يمدح أبا سعيد السيد: من عاند الحق لم يعضده برهان ... وللهدى حجة تعلو وسلطان ما يظهر الله من آياته فعلى ... أتم حال وصنع الله إتقان من لم ير الشمس لم يحصل لناظره ... بين النهار وبين الليل فرقان

الحمد لله حمد العارفين به ... قد نور القلب إسلام وإيمان عقل وثابت حسن يقضيان معا ... للأمر أن سراج الأمر عثمان السيد المتعالى كنه سؤدده ... عما تأول ألباب وأذهان من زار حضرته العليا رأى عجبا ... الملك في الأرض والإيوان كيوان كنا إلى الملا الأعلين ننسبه ... لو ناسب الملأ العلوي إنسان كأنما يتعاطى فصل منطقه ... عند التكلم لقمان وسحبان يغضي عن الذنب عفوا وهو مقتدر ... ويترك البطش حلما وهو غضبان ففطنة من وراء الغيب صادقة ... منها على فضلها في الحكم عنوان مزية ما أراها قبله حصلت ... لواحد من ملوك الأرض مذ كانوا أستغفر الله إلا قصة سلفت ... قد كان قيمها يوما سليمان ومنها: سار من النقع في ظلماء فاحمة ... والشهب في أفق المران خرصان ومغتد ومن الخطي في يده ... عصا تلقف منها الجيش ثعبان ومنها: غرناطة شغفت حبا ومنك لها ... بالحل وصل وبالترحال هجران مولاي ماذا عليها مذ حللت بها ... في أن يغاربها ناس وبلدان إذا تذكرت أوطانا سكنت بها ... فلا يكن منك للأضلاع نسيان وهي طويلة ومن شعره رحمه الله: خليلي ما للبيد قد عبقت نشرا ... وما لرؤوس الركب قد رجحت سكرا هل المسك مفتوقا بمدرجة الصبا ... أم القوم أجروا من بلنسية ذكر

أكل مكان راح في الأرض مسقطا ... لرأس الفتى يهواه ما عاش مضطرا ولا مثل مدحو من المسك تربة ... تملي الصبا فيه حقيبتها عطرا نبات كأن الخز يحمل نوره ... تخال لحينا في أعاليه أو تبرا وماء كترصيع المجرة جللت ... نواحيه الأزهار واشتبكت زهرا أنيق كريان الحياة التي خلت ... طليق كريعان الشباب الذي مرا وقالوا: هل الفردوس ما قد علمته ... فقلت: وها الفردوس في الجنة الأخرى بلنسية تلك الزبرجدة التي ... تسيل عليها كل لؤلؤة نهرا كأن عروسا أبدع الله حسنها ... فصير من شرخ الشباب لها عمرا يؤبد فيها شعشعانية الضحى ... مضاحكة الشمس المنيرة والبحرا تزاحم أنفاس الرياح بزهرها ... رجوما فلا شيطان يقربها ذعرا وكتب إليه أبو بكر الكتندي رحمه الله تعالى أعندكم يا ساكن الود أنكم ... بمرأى على بعد المسافات من حمص أتقضي الليالي أن تلم بمنزل ... ألفناه ما بين الأراكة والدعص وإني حريص أن يعود بما مضى ... زمان وما حرص المقادير من حرصي فجاوبه رحمه الله سلام أبا بكر عليك ورحمة ... تحية صدق من أخ لك مختص لعمري وما أدري بصدع زجاجة ... عليك فقد تدني الليالي لما تقصي لقد بان عني يوم ودعت صاحبا ... بريء أساليب الوداد من النقص أقول لنفسي حين طارت بك النوى ... أخوك فريشي من جناحك أو قصي فباتت على ظهر النزوع إليكم ... تطير بما في الوكر أجنحة الحرص

إلى كم أبا بكر نحوم بأنفس ... ظماء إلى عهد الأجيرع أو حمص كأن لم تزر تلك الربا وكأنها ... عرائس تزهى بالمواشيط لا القص ولا رنقت تلك الأراكة فوقنا ... فلوت إزار الظل في كفل الدعص وكانت لنا فيما هناك مآرب ... تطيع الهوى العذري فينا ولا تعصي ليالينا بالري والعيش صالح ... وظلك عنها غير منتقل الشخص وما ذكرها لولا شفا من علالةٍ ... تتبعها نفسي تتبع مستقص وددت أبا بكرٍ لو أني عالم ... وللكون زند ليس يقدح بالحرص هل الغيب يوماً فارج لي بابه ... فأنظر منه كيف أنسك في حمص بأزرق سلال الحسام وقد بدا ... يداعب في كأس تحرك للرقص وما معصم ريان دار سواره ... على مثل ماء الدر في بشرٍ رخص بأبهج منه في العيون إذا بدا ... ولاسيما والشمس جانحة القرص خليج كخليط الفجر ينجر فوقه ... ذيول عشياتٍ مزخرفة القمص وله يصف الدولاب: [مخلع البسيط] وذي حنين يكاد شجواً ... يختلس الأنفس اختلاسا إذا غدا للرياض جاراً ... قال له المحل: لا مساسا يبتسم الزهر حين يبكي ... بأدمع ما رأين باسا من كل جفنٍ يسل سيفاً ... صار له غمده رياسا وله رحمه الله يصف جدول ماء عليه سرحة: [كامل] ومهدي الشطين تحسب أنه ... متسيل من درةٍ لصفاته فاءت عليه مع الهجيرة سرحة ... صدئت لصفحتها صفيحة مائة

فتراه أزرق غلالة سمرة كالدارع استلقى لظل لوائه وله رحمه الله في صبي يظهر البكاء تباكياً: [طويل] عذيري من جذلان يبدي كآبة ... وأضلعه مما يحاوله صفر أميلد مياس إذا قاده الصبا ... إلى ملح الإذلال أيده السحر يبل مآقي زهرتيه بريقه ... ويحكي البكا عمداً كما ابتسم الزهر أيوهم أن الدمع بل جفونه ... وهل عصرت يوماً من النرجس الخمر وله رحمه الله في تفاحة: [مخلع البسيط] تفاحة أهديت إليه ... حمراء في لون وجنتيه هم بتقبيلها فزارت ... فاه على رغم مقلتيه بالله يا زهر محجرية ... دعني أسل آس عارضية لم باكرت أقحوان فيه ... بقرع باب المنى عليه لعله قد أعار يوماً ... نكهتها طيب مرشفية فباكرته على حياء ... تصرف أنفاسه إليه وله في حائك وسيم: [بسيط] قالوا وقد أكثروا في حبه عذلي ... لو لم تهم بمذال القدر مبتذل فقلت: لو أن أمري في الصبابة لي ... لاخترت ذاك, ولكن ليس ذلك لي في كل قلبٍ غريزات مدلله ... للحسن, والحسن ملك حيث حل ولي علقته حببي الثغر عاطره ... دري لون المحيا أكل المقل إذا تأملته أعطاك ملتفتاً ... ما شئت من لحظات الشاذن الغزل

هيهات أبغي سواه في الهوى بدلاً ... أجدي الليالي, وهل في الحب من بدل إذا يعاب عليه شغل راحته ... من يحسن الفرق بين الحل والعطل غزيل لم تزل في الغزل جائلة ... بنانه جولان الفكر بالغزل جذلان تلعب بالمحواك أنملة=على السدى لعب الأيام بالأمل ما إن يني تعب الأطراف مشتغلاً ... أفديه من تعب الأطراف مشتغل جذباً بكفيه أو فحصاً بأنمله ... تخبط الظبي في أشراك مختبل وله رحمه الله في فتى صفار: [طويل] تعلم صفاراً فقلت استعارها ... غداة رناً من صفرة العاشق الصب يعود النحاس الأحمر اللون عسجداً ... بكفيه عند السبك والمد والضرب فحمرته مشتقة من حيائه ... وصفرته مما يخاف من العتب وله رحمه الله في مثله: [وافر] ولم أر مثل صفارٍ تصدى ... كما صدئ الصقيل من السيوف غدا يعطو بأنملتي حديدٍ ... عيون القطر كالذهب الشريف إذا ما النار مجتها إليه ... كمثل الخمر رائعة الحفوف تلألأ نورها فخبا سناها ... كما ظهر القوى على الضعيف وإلا ما لها تزداد سوداً ... كأن شموسها قطع الكسوف وله رحمه الله في فتى نجار: [طويل] يقولون لي يوماً وقد عن حائراً ... كما عن ظبي السرب يتبع السربا

تعلم نجاراً فقلت لعله ... تعلمها من نجر مقلته القلبا شقاوة أعوادٍ تولى عذابها ... فآونة قطعاً وآونة ضربا غدت خشباًِ يجني ثمار ذنوبها ... بما استرقت من لين معطفها قضبا وله رحمه الله تعالى: [كامل] نشوان ما فوق الكثيب مهفهفٌ ... تثنيه في روض الشباب رياحه ليل كلمته لو أن ظلامه ... ينشق عن ديجوره إصباحه هبني أقول لهم جنى متعمداً ... (قتلي) فأين دمي وأين سلاحه وله من قطعة يصف خطاً في كاغدٍ مقطوع بمقص: [طويل] بعيشك هل أبصرت من قبل أحرفاً ... كتبن بماء الحسن في طرر الزهر سحاءة قرطاسٍ تثنها كما ترى ... ملاعبة المقراض سطراً على سطر أليس عجيباً أن يعوض كاتب ... بكافوره القرطاس عن مسكه الحبر وله من قصيدة يصف بها إجازة الخليفة البحر: [بسيط] خفضتم للمعالي نحو أندلس ... أعنة الماء بين الفلك والفرس وأخجل البحر إن لم يحل مشربه ... وإن غدا عنبري اللون والنفس وله يصف نهراً قل ماؤه: [كامل] فتوالت الأمحال تنقصه ... حتى غدا كذؤابة النجم وله في معذر: [كامل]

أقوى محل من شبابك آهل ... فأمقت أندب منه رسماًِ عافيا مثل العذار هناك نؤي دائر ... واسودت الخيلان فيه أثافيا وحدثني الفقيه الأديب أبو عمرو, قال: حدثنا الفقيه الكاتب أبو علي بن كسرى, قال: كنت كثيراً ما أقعد عند الفقيه الأستاذ أبي عبد الله الرصافي رحمه الله على جهة التبرك بأخباره والاقتباس من أنواره, وأنا إذا ذاك في حال الشبيبة, فسنح خاطري بأبيات شعر, فكتبتها في لوح وعرضتها عليه ولم أذكر له قائلها. فعرف الأمر وأخذ القلم من يدي وأزال ثوباً كان في يده, وكتب على البديهة: [مجزوء الخفيف] اجعل العلم أولا ... واجعل الشعر آخرا فإذا ما فعلت ذا ... كنت لا شك شاعرا قال: فوقعت كلمته في أذني فلازمت القراءة فانتفعت, والحمدلله. وجدت بخط الفقيه الأديب أبي عمرو بن عمرو بن سالم رحمه الله, قال: وجدت بخط شيخنا أبي عمرو بن عبد: ربه, قال أنشدني بعض الأصحاب لأبي عبد الله الرصافي رحمه الله في فتى رفاء من أهل تلمسان يعرف بابن موارة مما ارتجله فيه: [خفيف] وبنفسي من لا أسمية إلا ... بعض إلمامةٍ (وبعض) إشاره هو والظبي في الجمال سواء ... ما استفاد الغزال منه استعاره أغيد يمسك الحرير بفيه ... مثل ما يمسك الغزال العراره ما بقلبي حوته (منه) ضلوعي ... كالرداء انطوى وفيه شراره داره القلب وهو يحتل أخرى ... قدس الله حيث ما حل داره

وله رحمه الله في قلم نظماً ونثراً من مقامه: [متقارب] قصير الأنابيب لكنه ... يطول مضاء كطول الرماح إذا عب للنفس في دامسٍ ... ودب من الطرس فوق الصفاح تجلت له مشكلات الأمور ... ولان له الصعب الجماح فلولاه لغدات أغصان الاكتساب ذواية, وبيوت الأموال خاوية, وأسرعت إليه البؤس, وأصبحت كفؤاد أم موسى, فهو لا محالة متجرها الأربح, وميزانها الأرجح. به تدر ألبانها, وتثمر أفنانها, ويستمر أفضالها وإحسانها. هو رأس مالها, وقطب عمالها وأعمالها, وصاحب القلم قد حوى المملكة (بأسرها) , وتحكم في طيها ونشرها. (وهو) قطب مدارها, وجهينة أخبارها وسر اختيارها واختبارها, ومظهر مجدها وفخارها. يعقد الرايات لكل والٍ, ويمنحهم من المبرة كل صافية المنهل ضافية السربال, يطفئ جمرة الحرب العوان, ويكابد العدو بلا صارمٍ ولا سنان. يفل المفاصل, ويتخلل الأباطح والمعاقل, ويقمح الحواسد والعواذل. وشعره رحمه الله كثيرة مدون, وسأذكر منه قطعة في باب موسى, وفي مراثي ابن أبي العباس ومنهم:

12- محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز ابن أبي العافية الأزدي

12- محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز ابن أبي العافية الأزدي المعروف بالكتندي, يكنى أبا بكر, من أهل غرناطة. وسكن مالقة مدة. وكان كاتباً لبعض ولاتها, وتردد عليها. وكان صاحباًِ لأبي عبد الله الرصافي, ولأبي علي ابن كسرى وبينهم بمالقة مقامات أدبية ومجالس شعرية وارتجالات نبيهة. وكان أبو بكر هذا من أهل الأدب البارع والنظم الفائق. وذكرته وإن لم يكن من أهل مالقة لسكناه بها, وما بينه وبين أدبائها فمن شعره رحمه الله ما حدثني به الفقيه أبو القاسم بن عبد الواحد رحمه الله, وذلك في قوله يصف صفيحة نحاس عليها أسود نحاس أربعة: [مخلع البسيط] انظر إلى الماء وانصبابه ... يجري من أفواه أسد غابه أزرق ينساب ذا حباب ... كأنه الأيم في انسيابه فاعجب لمرأى يروع, لكن ... قد زاد أنساً محلنا به من كل ليثٍ إزاء ليثٍ ... يمج رقطاء من لعابه أمنك من أنف ذي وفيها ... آمن من ظفر ذا ونابه وقوله: [كامل] ومهفهفتٍ هز الحسام وربما ... فلت لواحظه مضارب حده حين فبالغ في تحيته وقد ... أبدى الحياء تورداً في خده فسألت ما هذا, فقال مجاوباً: ... أنسيت نيساناً ويانع ورده لا تنكروه فمن دم أهريقه ... بلحاظ من ساورت منه بوده الورد خدي, والمهند ناظري ... ودم المحب هدية من عنده وقوله رحمه الله, قال شيخنا أبو القاسم: وهو مما ارتجل فيه: [بسيط] يا نخبة الظرف بل يا نخبة الأدب ... (هل) للهوى غير ذاك الحسن من سبب

البدر أطلعت من قد على غصنٍ ... متى ظفرت بأفلاكٍ من القضب وقوله رحمه الله في النارنج: [سريع] انظر إلى النارنج مستغرباً ... فما على إغرابه (من) مزيد ألفت الضدين أشجارها ... وذاك من أغرب ما في الوجود وقوله رحمه الله: [وافر] لأمر ما بكيت وهاج شوقي ... وقد سجعت على الأيك الحمام لأن بياضها كبياض شيبي ... فمعنى شذوها: قرب الحمام ومن شعره ما حدثني الأديب أبو عمرو بن سالم عن الأديب أبي علي بن كسرى عنه, وهو قوله الله تعالى: [مخلع البسيط] يا سرحة الحي يا مطول ... شرح الذي بيننا يطول عندي مقال فهل مقام ... تصغين فيه لما أقول ولي ديون عليك حلت ... لو أنه ينفع الحلول ماضٍ من العيش, كان فيه ... ملبسنا ظلك الظليل زال وماذا عليه, ماذا ... يا سرح لو لم يكن يزول وقوله رحمه الله في الزهد: [بسيط] أنت الغني وإن الفقر برح بي ... فأغنني بالغنى المغني عن الوصب إن تدركني برحمى لم أخف دركاً ... وإن تكلني إلى نفسي فيا نشبي وحدثني الأديب أبو علي بن كسرى, قال: دخلت يوماً بستان الوزير أبي عمران بن مرزوق, فوجدت أبا بكر الكتندي, وفي يده إناء قد ماء, وهو

يستقي به أصل بهار قد ظهرت فيه نوارة في غير أوانها, فعجبت من كلفه بها فقلت: هل حضرك شيء فيها؟ فأطرق ساعة ثم أنشدني رحمه الله: [مخلع البسيط] وحقكم إنه بهار ... يوجب أن تصبح العقار عزه تشرين. أي يوم ... إليه من حسنه يشار بعد احتجابٍ وطولٍ عهدٍ ... أبدى فماً, خده البهار في روضةٍ سال كل شربٍ ... منها كما تنتضى الشفار سقيت وسمية هموعاً ... يا روضة حثها ابتكار قال الأديب أبو علي: ثم اتفق أن دخلت البستان المذكور في أول البهار فكتبت إلى أبي بكر الكتندي رحمه الله: [مخلع البسيط] يا مولعاً بالبهار زرنا ... فروضنا زاره البهار وانشط إلى قهوة أرتنا ... شمس نهارٍ ولا نهار في روضةٍ إن حللت فيها ... حل بها الأنس والوقار باكر أبا بكرٍ المفدى ... كأساً وزهراً له ابتكار راق سناه العيون لما ... واسط مبيضه اصفرار كأنه كأسنا المدار ... فذا زجاج, وذا عقار يبسم ثغر الرياض منه ... عن دررٍ, حشوها نضار قال أبو علي: فلم ألبث إلا يسيراً حتى سمعنا صوته وهو يقول: ها أنا بالباب عبد قن=أتى به طيفك الهني قال أبو علي بن كسرى: كنت قي أحد الأيام (قد) فارقت الأديب أبا بكر الكتندي على أن أجتمع معه عشي ذلك اليوم في البستان المذكور. ثم اتفق أن خرجت مع جملة أصحاب, وتركت أباكر المذكور. فأعلم بجمعنا فكتب إلي: [مخلع البسيط] يا مولماً قد ألام (عنا) ... لم يثن قوماً إلى مزاره

13-محمد بن عيسى بن محمد بن زنون

جدت له دمعي بمزنٍ ... وضن بالرشف من قراره جنته أزلفت لغيري ... وبرزت لي جحيم ناره وقال أبو علي: فلما قرأت البطاقة خجلت, وخجل من كان معي من الفتيان, فكتب إليه: [مخلع البسيط] يا لائماً قد ألام لما ... أجريت فعلي على اختياره فرق ما بيننا اجتماع ... أشفقت منه على وقاره لما اضطرنا له, ولكن ... لا عذر للمرء في اضطراره وحدثني الأديب أبو عمرو قال: أنشدنا أبو الحسن الوقشي, قال: أنشدنا أبو بكر الكتندي, وأمر أن تكتب على قبره رحمه الله: [مديد] حي قبراً بالبقيع حوى ... ذا اغترابٍ حط أزحله جد في تسياره وجرى ... طلقاً ما شاء أطوله فهو قد ألقى عصاه ولم ... يدخر إلا توكله وله رحمه الله عليه: [بسيط] إلى أبي القاسم المختار من مضرٍ ... حنت (له) الجدع قلبي, فار بالكرم أنام ملء جفوني لا يمثل لي ... في نومه ٍفكأنه العين لم تنم فالنفس في يأسها منكم مولهة ... ليست من الأمل الأسنى على أمم كم رمتها يا رسول الله مرتبة ... لو كنت آمل أن ألفاك في الحلم وشعره رحمه الله كثير. ومنهم: 13-محمد بن عيسى بن محمد بن زنون يكنى أبا عبد الله, من أهل مالقة. كان رحمه الله من أخل الفقه والمعرفة

14- محمد بن عبد الله بن ذمام

بالوثائق, سريع القلم سهل الألفاظ, مشتغلا بصنعة التوثيق. وكان رحمه اله مسارعاً إلى الخير, حافظاً لكتاب الله عز وجل, مداوماً عليه, قائماً كثير المعروف والصدقة. وكان الفقيه الزاهد أبو الحجاج لبن الشيخ رحمه الله صاحباً له, وكثيراً ما كان يوجه له المساكين والفقراء, فيرفدهم ويقضي حوائجهم. وتوفي رحمه الله في حدود الثمانين وخمسمائة. ورثاه الفقيه الزاهد الخطيب أبو محمد عبد الوهاب بن علي رحمه الله برثاء. منه: [مجزوء الكامل] إيهٍ بنيه وأهله ... حاشاكم مما يشين أنتم عيون للورى ... ولسوف ترمقكم عيون كي تقتدي بكم وبال ... حركات منكم والسكون فارضوا وإلا فاصبروا ... فالصبر أحسن ما يكون لا تبطلوا أعمالكم ... لا تخسروا العلق الثمين فشهادتي أن كان مي ... تكم أخا فضلٍ ودين وقد كان الأستاذ أبو علي ذكره إلى أهل سبته فقال فيه: ذكي يزري في ذكائه بإياس, وفقيه يعد بما عنده من الفقهاء الأكياس. وهو ممن نال بدهائه باسمه من التخ عليه أمره ويهتف, لأنه يعلم ما يوصله إلى مآربه وسياسة. ينادي باسمه من التخ عليه أمره ويهتف, لأنه يعلم من حيث تؤكل الكتف. رأس في صناعة التوثيق حتى نال من نفعها أوفي نصيب, وورد موردها العذب ورتع (في) مربعها الخصيب. ومنهم: 14- محمد بن عبد الله بن ذمام يكنى أبا عبد الله كان شيخاً جليلاً من أهل الفضل والدين. أستاذاً في

15-محمد بن إبراهيم بن خلف بن أحمد الأنصاري

الأدب والنحو والعروض, وكان ساكناً ببلش, ثم انتقل إلى مالقة. حدث (عنه) الأديب أبو عمرو بن سالم وغيره. وكان مداعباً مليح النادرة. وحدثني أبو عمرو رحمه الله قال: جئته يوماً للقراءة عليه, فطرقت الباب, فقال: من؟ قلت: سالم, فقال: ما أظن. ثم أذن في الدخول, فدخلت عليه وهو يضحك. وحدثني الأديب أبو عمرو أيضاً قال: لشيخنا الأستاذ أبي عبد الله بن ذمام رحمه الله أبيات قالها عند موته عفا الله عنه, قال: أنشدناها صاحبنا الفقيه (ولده) أبوها محمد, وأخوه أبو الحجاج والتزم فيها ما تراه: [خفيف] كيف أرجو من المنون خلاصاً ... وأرى صحبت صار دفينا ورأى الناس ينقلون سراعاً ... كل يوم إليهم مردفينا سربلوا اليوم بينهم سابغاتٍ ... فتراهم إذا اغتدوا مغدفينا قد أصابتهم سهام المنايا ... وسترمى السهام لا بد فينا وتوفي رحمه الله ... ومنهم: 15-محمد بن إبراهيم بن خلف بن أحمد الأنصاري يكنى أبا عبد الله ويعرف بابن الفخار. من أهل مالقة, الحافظ الإمام. كان رحمه الله حافظاً للحديث وأسماء الرجال, وكان فقيهاً ذاكراً. قال شيخنا أبو جعفر بن عبد المجيد: كان أبو عبد الله رحمه الله حسن الخلق, حسن الملاقاة, كثير الذكر مع دعابة كانت فيه. ووصفه شيخنا أبو علي رحمه الله في رسالته إلى أهل سبتة, فقال: صقل أيام

شبيبته, وكهولته صوارم الاجتهاد وشحذ مداه, حتى طبق مفصل الحمل وأدرك من العلم غايته وبلغ مداه. فقيد بخطه من العلم شوادر, وثقفها حتى حمد الغادي والرائح مصادره وموارده, فرأس بعد ما درس, وأحيى بمعرفته ما ذهب من العلم ودرس. وقد عول عليه في حفظ المتون والنصوص, فهو فذ على العموم والخصوص. وأما طرق الحديث ومعرفة رجاله, فليس أحد يتصرف فيها تصرفه ولا يجول كمجاله. قد أتقن ذلك الباب وأحكم طرائقه, وتربى بمحاسن جمةٍ وآدابٍ رائقة. وكان رحمه الله في أول أمره يعقد الوثائق بمالقة. وكان مع ذلك لا يفتر عن الدرس والنظر. ويحكي عنه أنه كان أيام الفتنة بمالقة ربما طلب بالمبيت في السور ولم يزل على اجتهاده وهو إمام يرحل إليه حتى توفي رحمه الله. وكان (قد) وظف على نفسه وظائف من الكتب التي كان يحفظ. يستظهرها حتى يختمها. وحدثني الطبيب أبو محمد الفاخر, وهو قريبه, قال: سافرت مع خالي أبي عبد الله من مالقة إلى مراكش حين استدعي إليها, وكان ذلك في فصل الشتاء, وصادفنا الأمطار والأوحال, فكان مع ذلك لا يفتر عن القراءة ليلاً ولا نهاراً, مستظهراً من حفظه. وسمعته ليلاً وقد ختم ودعا, فتوهمت أنه ختم القرآن, فكلمته في ذلك, فقال: ختمت كتاب الموطأ ولد رحمه الله في التاسع من رجب عام أحد عشر وخمسمائة. واستدعاه أمير المؤمنين المنصور أبو يوسف إلى حضرة مراكش في عام ثمانين وخمسمائة. حدث رحمه الله عن الأستاذ أبي مروان بن محمد, وعن الفقيه الخطيب أبي محمد عبد الغفور, وعن الفقيه الزاهد أبي عبد الله بن معمر, وعن أبي مروان بن مسرة, وعن الإمام أبي بكر بن العربي, وعن الشريف أبي عبد الله القرشي

المرواني, وعن الأستاذ أبي محمد بن فائز, وعن غيرهم حسبما تضمنه برنامج روايته. وحدث عنه شيوخنا رحمهم الله وجماعة من أصحابنا. وقد أخبرني بعض أصحاب خالي أبي الحسن رحمه الله أن خالي رحمه الله كان قد استجازه (لي) في آخرين ممن أدركتهم ولادتي فأجازوني. ولكن لم أقف على ذلك, فلم أسامح نفسي في الرواية بهده الإجازة. وكان رحمه الله كثيراً ما يملي في مجالسه من حفظه الحكايات الأديبة والأمثال العربية والأشعار. قرأت على شيخنا الأستاذ أبي علي بن عبد المجيد رحمه الله, قال, حدثنا الحافظ أبو عبد الله قال: حدثني الفقيه أبو عبد الله بن معمر, عن الفقيه القاضي أبي عبد الله بن خليفة, عن العذري, عن أبي عمرو عثمان بن أبي بكر الصدفي, قال: حدثنا أبو حازم, قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم, قال: حدثنا محمد بن الحسن, قال: أنشدنا أبو حاتم: [بسيط] اليأس أبقى لماء الوجه من طمع ... والصبر أفضل في المكروه من جزع ولست مدرك شيءٍ أنت طالبه ... إن كان شيء من المقدور لم يقع وقرأت على الأستاذ أبي علي رحمه الله عن الحافظ أبي عبد الله عن أبي بكر (ابن العربي, عن) ابن طرخان, قال: أنشدني أبو عبد الله الحميدي لأبي محمد الحجاري: [متقارب] ألا أيها العائب المعتدي ... ومن لم يزل بالعدا مرتد مساعيك يكتبها الحافظان ... فبيض كتابك أو سود وحدثني الأديب أبو عمرو بن سالم قال: حدثنا الحافظ أبو عبد الله لفظاً, قال: قال الأصمعي: كنت مقبلاً في الهاجرة من أرض بني عذرة راكباً على بعيري فسمعت صوتاً (يقول) : قف يا أصمعي. فالتفت فلم أر أحداً. ثم نوديت الثانية:

قف يا أصمعي. فالتفت فلم أر أحداً. فاقشعر جلدي. ثم نوديت الثالثة, فرفعت رأسي, فإذا شخص راكب بين السماء والأرض على كركي, وهو معمم بثعبان, وقد جعل رأسه مما يلي جبهة, وبيده أفعى يضرب عندهم؟ قلت: كتبت عنهم الأشعار واللغات والأخبار. قال: أتعرفني؟ قلت: لا. قال: أنا إبليس, أتيت رجلاً من الجن فسألته حاجة, فأبى علي فيها, وقد قلت في ذلك بيني شعرٍ, فاروهما عني, ثم أنشد: [مجزوء الكامل] ما بقى في الإنس حر ... لا ولا في الجنحر قد مضى حر الفريقي ... ن فطعم العيش مر ثم ضرب كركيه ومشى. فلا أراه إلا كلف رجلاً من الجن أن يغوي له مؤمناً من الإنس, فأبى عليه, والله أعلم.. قال الأديب أبو عمرو: وأنشدني بعض الأدباء قبل هذين البيتين: ذهب الناس ومروا ... ومضى العيش الأغر ومن نحو ذلك ما حدثني به الشيخ الصالح أبو جعفر بن عبد المجيد رحمه الله. ونقلت من خط خالي رحمه الله, عن الحافظ أبي عبد الله محمد بن إبراهيم ابن الفخار قال: حدثنا الفقيه أبو مروان بن بونة, قال: حدثنا أبو أنس العذري, قال: قال: أبو العباس الكاساني, قال: رأيت إبليس راكباً على ثعبان ملجم بأفعى وهو يقول: [سريع] ألم ير القاضي وأصحابه ... ما فعل الله بأهل الورى بلى ولكن ليس من سفلةٍ ... إلا إذا استعلى أذل الورى يا ليتني قد مت فيما مضى ... ولم أعش حتى أرى ما أرى

فكل ذي خفض وذي رفعةٍ ... لا بد أن يغلو عليه الثرى قال: فاستوقفته, فوقف لي: يا حسن, إن لي نفساً تحبك. ولقد كنت إلى لقائك بالأشوان. جالس العلماء وزاحمهم بركبتك, تعش بينهم محبباً. وإياك والحسد فإن الحسد أوقعني فيما. ومخرق على الناس ومخرق بهم, فإنما الدنيا مخاريق. فولى وهو يقول: [سريع] إذا أردت الآن تكرما ... فأرسل الدينار والدرهما وكلما أبصرت شيئاً ولم ... تسطع بأن يأتي فأرسلهما فليس في الأرض وما فوقها ... أقضى لما أحببته منهما وحدثني في الأديب أبو عمرو, حدثنا الحافظ أبو عبد الله بن الفخار بسند اختصرته مخافة التطويل. قال علي بن عبد الصمد الكوفي: خدمت بهلولاً عشر سنين ألتقط من نوادره وأتلفت من أشعاره, وأذب عنه من يؤذيه, ففقدته أياماً على شدة طلبي له, فوجدته يوماً, وحوله جماعة من الصبيان يرمون بالحصى, فسلمت عليه فلم يرد. إلا أنه قال: نح عني أولاد بني الطوامث, فأزلتهم عنه. ثم سألته عن حاله عن حاله. فقلت له: ما تشتهي؟ فقال: أشتهي بريد الباقل بدهن شيدج أو بدهن جوز, فصنعتها وهيأتها. ثم أدخلته مسجداً ووضعتها بين يديه. فجعل يأكل أكلا ًدلني على أنه جائع. فقلت له: أيها الأستاذ, هل أحدثت شيئاً في رقه أالشعر؟ فهم أن يضرب رأسي بالقصعة. فتركته حتى شبع, وسكن, وطابت نفسه. ثم قلت له: أيها الأستاذ ما قلت؟ قال: اكتب: [سريع] أضمر أن أضمر حبي له ... فيشتكي إضمار إضمار رق فلو مرت به نملة ... لخضبته بدمٍ جارٍ فقلت: أرق من هذا. فقال: اكتب: [بسيط] شبهته قمراً إذ مر مبتسماً ... فكاد يجرحه التشبيه إذ علما ومر في خاطري تقبيل وجنته ... فسيلت فكرتي من عارضيه دما فقلت: أرق من هذا. فقال: اكتب: [منسرح]

16_محمد بن عبد الله بن علي بن هاشم بن أبي العباس

أضمر أن يأخذ المرآة لكي ... ينظر تمثاله فأدناها فجاز وهم الضمير منه إلى ... وجنته في الهوا فأدماها فقلت: أريد أرق من هذا. فقال: يا ابن الفاعلة! أي شيء أرق من هذا. انتظرني حتى نطبخ في المنزل حريرة تكون أرق من هذا. ومنهم: 16_محمد بن عبد الله بن علي بن هاشم بن أبي العباس يكنى أبا بكر, من أهل مالقة وأعيانها. وكان أبو بكر هذا أديباً نبيهاً بارع الخط. وذكره الأستاذ أبو علي في رسالته إلى أهل سبتة فقال: أديب بحلى الأدب تحلى, حتى سما قدراً ومحلاً. له أولية في الشرف, ولقد ارتقى إلى المجد فما زلت به القدم, وشب فتخلق بالأناة والحلم, ومال إلى أهل الصيانة والعلم. سربل ملابس المعلوات سربالاً ضافياً, وحام على منهل الأدب فورده صافيا. وأظن أنه توفي في ومنهم: 17- محمد بن عبد السلام بن مطرف يكنى أبا عبد الله. من أهل مالقة, من بيوت أعيانها. كان من أهل الطلب والنباهة والعدالة. ذكره الأستاذ. أيضاً في رسالته فقال فيه: له مآثر ألبسه من السؤدد جلباباً, ومدت إلى المرتقى الأعلى أسباباً. وآداب شف بها على أقرانه ونظرائه, وعظم بها في أنفس أعدائه وسجرائه, ومعارف أنجب فيها من أنجب, وأوجب له من التعظيم والتخصيص والتقديم ما أوجب. وأما الفقه فإنه يتقلب في قواليبه, ويصرف في متصرفاته ويجري على أساليبه. وتوفي رحمه الله في حدود الإحدى والثمانين وخمسمائة.

18- محمد بن يحيى بن تلكعت المسوفي

ومنهم 18- محمد بن يحيى بن تلكعت المسوفي يكنى أبا عبد الله. ولي أعمال مالقة في سنة ثمانين. واستمرت ولايته ودامت إلى نحو الستمائة. وقد كان خلال ذلك نقل إلى إشبيلية, وبقي ابنه أبو زكريا مشتغلاً بمالقة. ثم عاد إلى مالقة آخر عام ستمائة. وولي بعد ذلك مواضع. ثم ولي أعمال فاس, فنفذ الأمر بقتله عند توجه أمير المؤمنين أبي عبد الله الناصر لفتح شلبطيرة. أظن ذلك في سنة ثمان وستمائة. خ م: "إنما قتل في عام تسعة وستمائة. ذكر ذلك الأديب أبو عمرو في بعض تعاليقه". وكان في ولايته جهماً مقداماً على الأمور, كثير النفع والضرر. وكان عالي الهمة في المبنى. بنى بمالقة مواضع فخمة, بقيت الآن منها قنطرة بين الربض والمدينة عام تسعين وخمسمائة. ثم تهدمت بعد ذلك, فابتدأ بناء الأخرى, وأكملها ابن حسون بعده. وتهدمت أيضاً. وكان معتنياً بالكتب, جمع منها ما لم يجمع غيره. وانتفع به شيخنا الأستاذ أبو محمد رضي الله عنه, فإنه كان ينبهه عليها, فيعتني بها حتى يحضرها, فينتفع بها الأستاذ, إما بنسج, أو بمقابلة, رحم الله جميعهم. ومنهم: 19-محمد بن جعفر بن أحمد بن حميد يكنى أبا عبد الله. كان أستاذا ًجليلاً عارفاً بصناعة النحو والقراءة, من أهل الفضل والديانة. وولي القضاء. قال الأستاذ الجليل أبو علي الرندي رحمه الله: لقيته بمالقة, وأجازني في شعبان سنة خمس وسبعين وخمسمائة. روى عن أبي القاسم بن الأبرش, وعن أبي

20- محمد الحجاري

الحسن شريح, وعن أبي بكر بن مسعود, وابن العربي. ومولده عام ثلاثة عشر وخمسمائة. وتوفي سنة ست وثمانين وخمسمائة ومنهم: 20- محمد الحجاري يكنى أبا عبد الله. كان أستاذاً بمالقة في علم الأدب والنحو. وكان جم المعارف بارع الآداب. وذكره الأستاذ رحمه الله في رسالته فقال؛ أديب كثرت معارفه وآدابه, وانسحقت في البراعة والبلاعة أهدابه. وما زال يدأب في طلب العلم ويستمر عليه, ويستند في كل حالٍ إليه. ينظم الشعر نظماً متسقاً حسناً, ويربي على مباريه فصاحة ولسناً. وله عناية بعلم العقائد وأصول الدين, فيها ينتج وبها يدبن. وقال الأديب أبو عمرو: نقلت كثيراً من شعره, وسمعت من لفظه ضرباً شتى من أنواع الآداب وأفادني كثيراً. توفي شهيداً بميورقة, قتله فئة باغية من الروم بالتراسين بداخل البلد. ومنهم 21-محمد المعروف بابن الحناط يكنى أبا عبد الله. قال الأديب أبو عمرو: كان مولده بألمرية, واستوطن مالقة. ووصفه الأستاذ رحمه الله في رسالته فقال: ينظم فلا يقصر عن مدى الإحسان باعه, وينثر فتلوح للعالمين بحر كلامه بلاغته وانطباعه. وهو مع هذا لم يقرأ النحو ولا عرف الإعراب, لكن يتأتى له في مضمار الفصاحة ما لا يتأتى لفصحاء الأعراب. قال أبو عمرو بن سالم رحمه الله: سمعت من لفظه كثيراً, ومن نظمه ونثر, وقيدت عنه. وارتحل إلى المشرق ومات هنالك رحمه الله:

22-محمد بن عبد الله الأنصاري المعروف بالبلسني

ومنهم 22-محمد بن عبد الله الأنصاري المعروف بالبلسني قال الأديب أبو عمرو رحمه الله: ورد علينا مالقة أيام السيد أبي زيد, قال: وكان ضعيف العقل, غير أنه كان ممن حاز جودة القريحة والطبع. واتفق له مع السيد عجائب. قال أبو عمرو: دخل يوماً مجلس السيد المذكور, وفيه مطيب ورد وسوسن, فقال بديهة -قال أبو عمرو وأنشدناها-: [بسيط] انظر إلى الورد والسوسان في نسق ... شكلاً لشكل وأعداداًً لأعداد وكلما ناله لمح العيون دنت ... منها المسوك, وفاح الند بالنادي فاعزز بما نظرت عيناك من عجبٍ ... ملكٍ لملكٍ, وأجناد لأجناد قال أبو عمرو: وهذا تشبيه حسن. شبه الملوك بالورد الذي هو ملك الرياحين, والأجناد لما سواه. ودفع يوماً بطاقة إلى القاضي أبي العباس الداني يطلب منه غفارة فبعثة إلى الأمين أبي الحسن بن الصباغ. فلما رآه بتلك الأسمال استحقره. فكتب إلى القاضي: [بسيط] إن الأمين ابن صباغ فديتكم ... قد بدلت نونه من زهوه راء فابعث إليه أميراً مثله فعسى ... يأتي إليك به, وقيت الأرزاء قال أبو عمرو: ومما أنشدناه لنفسه رحمه الله: [طويل] وما حال من مثواه في أرض غربةٍ ... يخيم في أكنافها ويقيم وأخبر صحبي واحداً بعد واحدٍ ... وأين الذي في النائبات حميم وقال أبو عمرو: أنشدني أيضاً لنفسه: [بسيط] من أطلع الشمس كأساً في بنان رشا ... كأنه قمر في نعت إنسان صفراء تسطع ناراً في زجاجتها ... كأنها في الدجا أحداق ثعبان

23-محمد المعروف بربيب الحشا

وللدوام على أجائها حبب ... كأنه لؤلؤ من بين عقيان وحدثني رحمه الله أبو عمرو بن سالم قال: حدثني الأديب أبو عبد الله البلنسي المذكور قال: كنت بقرطبة مع القاضي ابن الصفار, فسقطت له سنة, فأنشد: [طويل] وفي كل يومٍ يفقد المرء بعضه ... ولا بد أن الكل منك سيذهب قال: فارتجلت: وفي كل يوم تستزيد منيتي ... دنواً, وغير راحل ومودع أشيع أيامي وألهو بغيرها ... كأن التي ولت إلي سترجع قال أبو عمرو: وأنشدني أيضاً لنفسه رحمه الله عليه: [بسيط] النفس تطمع والأقدار ثابتة ... وبين هذين عمر المرء ينقطع وكلما زدت سنا زادني أمل ... فالعمر ينقص والأيام تتبع وشعره رحمه الله كثير. ومنهم: 23-محمد المعروف بربيب الحشا أظنه من الجزيرة, وسكن مالقة, وأقام بها. وكان أديباً شاعراً. وجدت بخط الأديب أبي عمرو رحمه الله مجالسته له وإنشاده إياه في منزله بمالقة في سنة سبع وثمانين وخمسمائة. فمن شعره رحمه الله وقد أهدي بطيخة, فقال: [كامل] وسليلة القثاء أكسبها (البها) ... لونين, كل عند منظره حسن وحكى بها للنحل صنعتها التي ... خصت به سراً فأبرزها علن للشهد ما انطبقت عليه, وما اكتست ... قير بلا نارٍ يذوب على البدن

صفراء في لوني, فديتك, بينت ... ما يشتكيه المرء من نكد الزمن للجمر منظرها, ومطعمها إلى ... ذوق الوصال استمر على أمن ومن شعره رحمه الله في خزانة كتب: [كامل] ووعاء عودٍ للعلوم صيانة ... حلمت ذخائرها قوائم أربع محفوظة الأشكال مما قد حوت ... فالعلم يحفظ ما حواه ويمنع خشب كلون التبر يشرق فوقها ... حلي حكى لون اللجين ويسطع باهت على كل الخزائن إن ما ... تجريه يبقى إذ يصان فينفع ويعيده مر الليالي, فالذي ... تحويه منتزه يفيد ويمتع ويزيد بالإنفاق منا فكره ... فمتى يباع في كل حين ٍيشفع خفت وطير بشخصها لما حوت ... سراً تطير به الجبال وتسرع والعلم ينشر ما انطوى في جوفها ... فيكاد يسمع ما يقول ويسمع فكأنها جسم يحرك شخصه ... روح يموت, وحين تفتح يرجع وله رحمه الله من يتغزل: [كامل] ولعوبة القرطين إلا أنها ... بين الرماح السمر نابية المحل ضربت قباب العز وسط مفازةٍ ... ينسى بها الليل النجوم إذا ارتحل لا يقطع الفرس العتيق بها الصدى ... إلا استجاب له الهزبر إذا صهل كم ظبيةٍ ترعى الأراكة بالحمى ... وتراع من رشأٍ يرود وما استقل يبدو فتى حول الكناس مخافة ... من ضيغم ٍيسعى بمنصله بطل تترقرق الآجال فوق حسامه ... كترقرقي بين الصبابة والعذل أسكنتها طي الضلوع وربما ... ريعت بنار الشوق من ذاك الطلل حتى إذا ضرب الفراق بسهمه ... وغدت تهادى تحت أرحلنا الإبل

24-محمد بن أحمد بن عبد الملك الأنصاري

جاذبتها طرف الحديث وربما ... شاطرتها لحظي لأنظر في الكحل فترفعت تيهاً ومالت مثل ما ... مال القضيب من الصبا ثم اعتدل وتضرجت خجلاً, وقالت هل درت ... (عيناك) أي دمٍ بلحظهما أطل أدميت خداً طال ما رفعت له ... أرواح أهل الحب فوق ذرى الأسل فأجبتها ذلاً كما حكم الهوى ... لأحل من وجناتها غير الوجل لم تدم عيني الخد منك وإنما ... سقيت ورود الحسن من ماء الخجل فمضت وهودجها على جمل النوى=كالشمس حلت فوق جمجمة الحمل حدثني بهذه المقطوعات الأديب أبو عمرو رحمه الله, (قال) : أنشدنيها بلفظه قائلها المذكور رحمه الله. وشعره كثير. ومنهم: 24-محمد بن أحمد بن عبد الملك الأنصاري المعروف بابن الحرار, يكنى أبا بكر. وقد تقدم اسم والده. وكان أبو بكر هذا من فضلاء مالقة وخيارها. نشأ على صلاح وفضل. وهو من بيت نباهة وشرف. وذكره الأستاذ أبو علي رحمه الله في رسالته فقال في بعض أو صافه: شاب نشأ في عبادة ربه فلم تعرف له صبوة, واستمر على الخير ولم يكب, وإن كان لا بد للجواد من كبوة. حسنت سيرته, وصفت سريرته, واستمرت على أقوام المناهج مريرته, وجانب الطرق التي تغويه وتضله, وتلبس المرء ثياب الهون وتذله. فهو أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وتوفي رحمه الله في سنة ثمان ( ... ) وخمسمائة. أخبرني بذلك ابنه صاحبنا الأديب أبو بكر محمد.

25-محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي زمنين المري

ومنهم: 25-محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي زمنين المري يكنى أبا بكر, من أهل غرناطة. ولي قضاء مالقة في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة. وكان محدثا ًجليلاً من بيت أصالة وعلم. حدث عن جماعة, منهم أبو مروان محمد بن قزمان والخطيب أبو علي حسن بن علي بن سهل الخشني, أبو بكر بن محرز, وأبو الحسن علي بن أحمد القرشي, والحاج أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد السلمي, وأبو الحسن ابن النعمة ومن أهل المشرق: عن السلفي, والعثماني, وابن عوف, وغيرهم. وحدث عنه جماع من شيوخنا, إلا أن الأستاذ أبا محمد القرطبي رحمه الله أسقطه من شيوخه, فلم يرو عنه. حدثني أبو عمرو رحمه الله قال: أنشدنا القاضي أبو بكر أبي زمنين يوم الأربعاء في ربيع الأول المبارك سنة تسع وثمانين وخمسمائة, قال: أنشدنا صاحبنا بجلال ابن المديوني الكاتب وكان من لمتونة: إذا جئت برجة مستطلعاً ... فحط بها الرحل وانس السفر ولا تبغ عنها خروجا ًولا ... دخولاً إليها فذاك الحذر فكل مكانٍ بها جنة ... وكل طريق إليها سقر وتوفي رحمه الله بعد تأخيره عن (قضاء) مالقة في سنة اثنتين وستمائة. ومنهم: 26-محمد بن أحمد بن محمد الحميري يكنى أبا عبد الله, ويعرف بالستجي. أصله من استجة, وسكن مالقة, وأقام

27-محمد بن سعيد بن مدرك الغساني

بها إلى أن توفي رحمه الله. وكان من أهل الفضل والعلم والدين والورع والزهد, مقرئاً لكتاب الله تعالى عالماً بطرق روايته قائماً على تجويده وإتقانه, متسع الرواية. وولي الخطبة والصلاة بجامع مالقة, وبقي على ذلك إلى أن توفي رحمه الله عليه. حدثنا الشيخ الصالح أبو جعفر أحمد بن عبد المجيد قال: أخبرني جدي يوماً بحديث عن الفقيه الأستاذ الخطيب أبي عبد الله المذكور ثم قال لي: مشيت (في) البلاد ورأيت الزهاد وصحبت العلماء والعباد, فلم أر أفضل من أبي عبد الله الاستجي. وحدثني الشيخ الفقيه الأستاذ أبو علي الرندي رحمه الله قراءة مني عليه قال: لقيت يعني الخطيب الفاضل أبا عبد الله المذكور بمدينة مالقة, وجالسته, وحدثني وأجازني جميع ما رواه وكتب بخطه في غرة ربيع الأول من سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة. روى عن القاضي الخطيب المقرئ أبي الحسن شريح بن محمد الرعيني, والمقرئ الخطيب أبي القاسم بن عبد الرحمن بن أحمد بن رضا والشيخ المقرئ أبي العباس أحمد بن محمد بن حرب عرف بالمسيلي, روى عن ابن مزاحم عن أبي عمرو. وروى الخطيب أبو عبد الله أيضاً عن الشيخ المقرئ أبي بكر عياش بن فرج بن عبد الملك الأزدي, وعن الفقيه الإمام أبي بكر بن العربي, وعن الشيخ الأديب المقيد الضابط أبي عبد الله جعفر بن محمد بن مكي, وعن الفقيه الزاهد أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن معير المذحجي, وعن الشيخ المحدث أبي مروان عبد المالك بن بونه العبدري, وغيرهم. وحدث عنه رحمه الله جماعة من شيوخنا, واستندوا إليه, وأثنوا عليه. توفي رحمه الله بمالقة حرسها الله (سنة سبع وسبعين وخمسمائة) ومنهم: 27-محمد بن سعيد بن مدرك الغساني يكنى أبا عبد الله, من أهل مالقة ومن الشيوخ الجلة. كان فاضلاً رواية عدلاً ثقة على سنن أهل الفضل. قال شيخنا أبو علي رحمه الله: لقيته بمالقة وجالسته وأجاز لي جميع روايته وكتب بخطه في النصف من محرم سبعين وخمسمائة. روى عن أبي عبد الله ابن أخت غانم وأبي عبد الله بن معمر وأبي الحسن بن مغيث وأبي

28-محمد بن حسن بن محمد بن صاحب الصلاة الأنصاري

القاسم بن بقي وأبي جعفر بن عبد العزيز وأبي عبد الله محمد بن نجاح الذهبي والقاضي أبي محمد عبد الحق بن عطية وأبي الحسن بن موهب, وغيرهم. وحدث (عنه) جماعة من شيوخنا. وكان عنده من الكتب النبيهة والأعلاق النفيسة ما لم يكن عند أحد, حتى أنه لا يكاد يوجد الآن كتاب نبيه, إلا وخطه عليه. وكان صهر الأستاذ أبي بكر بن دحمان. وكان الأستاذ أبو بكر يثني عليه خيراً ويصف من فضله ودينه كثيراً. وحدثني رحمه الله أن مصاهرته كانت باستدعائه إياه, وذلك أن الأستاذ كان حينئذ فتى مشتغلاً بالطلب على عفافٍ وصونٍ فأعجبه, فاستدعاه. وقال له: أريد أن أزوجك ابنتي وعندي ما تحتاج إليه. وبقيت ابنته عند الأستاذ. وكان يصف دينها وعقلها إلى أن ماتت رحم الله جميعهم. وتوفي أبو عبد الله رحمه الله في ... ومنهم: 28-محمد بن حسن بن محمد بن صاحب الصلاة الأنصاري يكنى أبا عبد الله, من أهل مالقة حرسها الله. كان من أهل العلم والفضل والدين والورع والزهد. ورحل إلى المشرق فروى هنالك عن إبراهيم الخجندي بمكة شرفها الله. وعن الحافظ أبي الحسن علي بن معزوز الجمودي بمصر, وعن أبي عبد الله الحضرمي, وعن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب, وعن ابن دليل. وغيرهم. وروى بالأندلس عن أبي خالد يزيد بن رفاعة, وعن أبي جعفر بن حكم, وغيرهما.. وولي الصلاة والخطبة بالمسجد الجامع بمالقة عن اجتماع من أهل البلد ورغبة. وكان رجلاً صالحاً ورعاً كثير الحياء. اتفق له في أول يوم خطب وأنا. وكان. حاضر, أن افتح التحميد, فلما رمق الناس ببصره, غلب عليه الخجل فلم يقدر على الوقوف, فقد وأقيم غيره, فأكمل الخطبة. وحدث عنه جماعة من أصحابنا حاضر, أن افتتح وأقيم وكان مقرئاً نبيهاً جليل القدر, ونفع الله به جملة من الطلبة, فبرعوا عليه. واستشهد رحمه الله عليه في كائنة العقاب في صفر سنة تسع وستمائة. وذكر عنه من الثبوت في ذلك اليوم وطلب الشهادة والحض على الجهاد ما يدل على صدق وخلوصه. وقد كنت

29-محمد بن رشيد

جالسته, وحضرت مجلسه غير مرة فلم يتفق لي سماع منه ولا رواية عنه. وكانت له أربعون حديثاً مسلسلة أخذها الناس عنه. وبتنا معه بوادي اكتابه في جماعة من الطلبة ليلة خروجه إلى الغزوة المذكورة, وودعناه هناك, ودعنا لنا وكان آخر العهد به رحمه الله عليه. ومنهم: 29-محمد بن رشيد يكنى أبا عبد الله. وله مكارم تنم نفحاتها نموماً, وآداب نفس تؤنس غريباً وتنسي هموماً, وشمائل أعذب من الفرات, وفضائل ألحقته بالسراة. وتوفي رحمه الله في العشر وستمائة. خ م. ومنهم: 30-محمد بن أيوب بن محمد بن وهب بن محمد بن نوح بن أيوب بن وهب بن سهل بن إبراهيم الغافقي يكنى أبا عبد الله, ويعرف بابن نوح. أصله من بلنسية, وقدم على مالقة وأقام بها وأقرأ. وأخذ عنه أشياخ شيوخنا بها كالأستاذ الفاضل أبي محمد القرطبي وأبي عمرو بن سالم وغيرهم. وله مع أبي عمرو بن سالم مجالسة كثيرة وأنشده كثيراً وقيد عنه. وجدت ذلك بخط الأديب أبي عمرو. ونقلت من خط الشيخ الفقيه المحدث المقرئ الراوية أبي عبد الله بن سعيد الغرناطي أكرمه الله - وأنشدني صاحبنا الفقيه الأجل الأديب أبو بكر حميد ابن الأستاذ أبي محمد القرطبي, وكتب به إليه شيخنا الفقيه المحدث المقرئ الراوية أبو عبد الله بن سعيد لابن مما أنشده أبوه: [كامل]

31-محمد بن هاشم بن نجيب الهاشمي

احفظ لسانك والجوارح كلها ... فلكل جارحةٍ عليك لسان واخفر لسانك ما استطعت فإنه ... ليث هصور, والكلام سنان وتوفي رحمه الله سنة عشر وستمائة. هـ ع س. ومنهم: 31-محمد بن هاشم بن نجيب الهاشمي يكنى أبا القاسم, شريف من أشراف المناسب, ويتصف بمناقب يعجز عنها كل حاسب كان من أعيان مالقة ونبهائها, و (من) ذوي السبق في أجلة أدبائها. قرأ على الأستاذ أبي زيد السهيلي وغيره من الشيوخ وكان بارع الأدب متقدماً في النظم. له القصيدة التي لم ينسج على منوالها, ولا أتى سواه بمثالها. وقد رأيت أن أثبتها على طولها لما تضمنته من البراعة والأدب. وسببها أن طالباًً من طلبة مالقة يعرف بأبي الحسن النجار, وكان يقرأ على الأستاذ أبي زيد رحمه الله. سافر إلى سبته فسجن بها على تهمة سرقة, فتوسل للطلبة بطلبه, فجروا في أمره واستخرجوه من سجنه, فكان بين طلبة مالقة وطلبة سبته على ذلك مراسلات نبيهة, فكان أبو القاسم هذا رحمه الله قد نظم هذه القصيدة يمدح طلبة أهل سبتة ويصفهم بصفاتهم, أطلق فيها عنان البلاغة, وقدح زند البراعة, فبلغ فيها مدى الإحسان, وحاز قصب السبق في ذلك الميدان. وهي على ما حدثني بها الأديب أبو عمرو رحمه الله سماعاً من ناظمها, وهي: [طويل] لعلك ما بين العذيب ومارب ... تمر على تلك الديار القرائب وتسري بذكر من أناس كأنما ... تنم به البطحاء من كل جانب ويغليك في أثناء مورده الصبا ... فتقضي عني بعض تلك المآرب وتودعها عني إذا ما نغت به ... تحية مشتاقٍ من الوجد ذائب

وإني لأهوي أن أراهم على النوى ... (لأذكر منهم حسن) تلك المذاهب مساع إذا حدثت عنها بحرةٍ ... على ظمأٍ أروتك عذب المشارب بعثت بها, أهل المكارم والعلا, ... إليكم, وودي ثابت غير ذاهب بني العز من قحطان أبناء عامرٍ ... إذا نسبوا عزت لؤي بن غالب إذا حد فضل أقحموا كل واصفٍ ... وإن عد فخر أعجزوا كل حاسب هم النفر الأعلون والناس دونهم ... فمن منجبٍ أضحى سليل مناجب إذا كنت ذا عدم وسرت إليهم ... فحسبك في العز احتكام الرغائب وما حل نائي الدار وسط بيوتهم ... عن الأهل إلا عز (عن) كل غالب أولئك أعلام المعالي بسبتةٍ ... على أن كلا منهم كالكواكب فمن كأبي عبد الإله وصنوه ... هما قمراها في النجوم الثواقب ومن قبل كانا نيري أرض بسطةٍ ... وبدري سماها بين زهر الذوائب فللكاتب الفضل الذي بهر الورى ... على رسم غايات العلا والمراتب عليم بأعقاب الأمور كأنما ... يرى الأمر (حقا قبل) رد العواقب وما شئت من علمٍ وحلمٍ وحكمةٍ ... ورأيٍ إلى فهم من الفكر ثاقب سموت أبا عبد الإله بهمةٍ ... يقصر عنها كل سام وراغب تعالت فما يسطيعها وصف خاطبٍ ... ولا نظم ذي نظم ولا نثر كاتب وما زلت تستعلي إلى كل غايةٍ ... من المجد قد أعيت على كل طالب تلافيت نضواً نازح الدار إذا غدا ... تقسمه لولاك أيدي النوائب أخذت بضبعيه فأصبح آمناً ... صرف الليالي من مقالة كاذب وأصبحت ترعاه بعين حفيظةٍ ... وتدفع عنه كيد كل مناصب تداركه من بعد ما هيض هيضة ... أخوك رغم العداة الأكاذب

ولولا أبو العباس........... ... ................. والعجائب ومن كأبي العباس في كل غايةٍ ... إذا زحزحت يوماً صدور المواكب حليم إذا أزرى التحلم بالفتى ... وقور إذا طاشت حلوم المغاضب سوى أن نعمى من عياض تتابعت ... وجلت فلم تقرن بها يد واهب حوى مجد آباءٍ كرام أعزةٍ ... كماة حماة المجد غير معايب توارثه عنهم وأحرز سبقهم ... وزاد عليهم من حميد المكاسب إلى عزةٍ قعساء لو رميت بها ... نجوم الثريا لاستبيحت بحاصب وأفضل نعمى لا يطير غرابها ... حذاراً, ولا فيها الغراب بناعب هم الصفوة العلياء والناس بعدهم ... كما ضم ليلاً واحتوى حبل حاطب هداة عبادٍ أو رقاة منابر ... (كفاة) أعادٍ أو حماة مناصب وحل عياض ذو المعالي محلة ... أبرت على أهل العلا والمناصب وغير كبير من أبي الفضل أن يرى ... ملاذاً لمحروب ومأوى لهارب من القوم وضاح الجبين كأنما ... مصام الثريا منه فوق الحواجب وفاخر ذوي الألباب والحلم والحجا ... بعليا أبي بكر تكن خير غالب أبا عذرة الإخوان, ذا الشأو في التي ... تقاصر عنها فهم كل مخاطب غدت همة في المجد تدريك أنه ... تسامى على أنداده والأصاحب تفرد فيها بالبلاغة وحده ... وفات الورى من كل دانٍ وعازب فلا تسموه بالمحلي فإنني ... أراه المجلي من أمام السوارب

ورام ابن عصفورٍ مداها فلم يخب ... غداة رمى فيها العدا بالمناكب تخير فاعتاض القرى بالوغى ومن ... غياث صريخ نادبٍ صوت آدب وأصبح كهف الجود سيباً لواردٍ ... ورياً لظمآن وشبعاً لساغب وأعيت صفات الأوربي وأعجزت ... لمن رامها من مبعدٍ ومقارب وحل الحسيب المشرف الواحد الذرى ... فجل علا أعيى عيون المراقب مكارم (يستهدى بها) من محمدٍ ... كأن بها تندى عيون السحائب يشرف عمال الزمان فإن غدا ... لهم حجة والاه كل محاسب وبالمشجي وابن جبارة اغتدت ... أواصر قربي لا تعد لعاصب هما فرسا ذاك الرهان تقدما ... وجاءا قراناً من أمام السلاهب وجر أبو بكر الحكيم مفاخراً ... على مفرقٍ الجوزاء أذيال ساحب سمت همة ابن الرخصة المعتلي بها ... بسعدٍ على ظهر السماكين راتب وبالعزفي (ذي المهابة) فلتصل ... على كل خطبٍ أو عدو محارب فتى خلقت من السماحة بنانه ... وريضت به قبل اتصال الرواجب خلائق لا ترضى سواهم كأنما ... هي البيض أو منهن بيض القواضب ونفس أبت إلا السماحة والعلا ... وكف أبت إلا ابتذال المواهب ووجه كأن البدر بعض صفاته ... ولاسيما ظرفٍ لذي الحلم طالب تفرد بالإحسان والحسن والعلا ... جميلاً محياه كريم الضرائب أبوه الذي قد سد يوم قضائه ... من الحق صدعاً جل عن كل شاعب تواضع فازدادت مهابة عدله ... على كل خصمٍ مبطل الحق شاغب

وسن بنو الحداد في الحق سنة ... بها آب عافيهم حميد المآرب لقد حمدت فيهم سجايا محمدٍ ... وسار بعليا عمه كل راكب وحل أبوه في القضاء محلة ... تناط بحقويها رقاب المطالب لهم هم كالشم تعيى ببعضها ... شماريخ ثهلانٍ وشم الأهاضب بلاغة قس في سماحة حاتم ... إلى فهم سحبانٍ وهمة حاجب وإن صفات المنصفي لمنصف ... لأعذب ذكراً من حديث المشايب وقار وآداب وحلم وعفة ... ورقة طبع ليس عنها بآبب فآونه عيناه تدمع خشية ... وآونه تبكي فراق الحبائب وربتما هزته ذكرى صبابةٍ ... فباح بشكوى أو ضراعةً ناحب ووصل حبيب أو صفات مدامهٍ ... وورى عن الشكوى بتأبين شاجب ولولا ابن خلوفٍ غدا ابن محمدٍ ... نحيف القوى نهب الأكف النواهب هو البحر في علم, هو النجم في علاً ... هو العلم المألوف سامي الجوانب ولابن خمير في القريض تقدم ... به بد قيساً وازدرى بابن غالب وفي ابني أبي يداسٍ الراتب التي ... تفوت أماني كل سامٍ وراغب

فهذا شهاب في سماء مكارمٍ ... وهذا حسام مر في كف ضارب وهذا إمام من إمام مفوهٍ ... وهذا همام من مشيخ مضارب وحل ابن مسعود ٍأبو نضرٍ إذا سما ... إلى المجد في أعلى سنام وغارب لقد قلدت منه المواريث حافظاً ... إذا حل فيها كل راع وكاسب جواد بجدواه بخيل بفرضه ... سليم السجايا من محوبة حائب ولا كيف بالأستاذ ... الذي ... غدا لزمام العلم أكرام جاذب معارف شتى لا تعد, أقلها ... حساب, ونحو حجة للأعارب وما لابن إبراهيم في الفضل مشبه ... فلله منه خير خل مصاحب وكم فخرت بالقنت أربع سبتهٍِ ... فأكرم بها من أربع وملاعب وبابن عزيزٍ عز كل مجاورٍ ... ضعيف وعز الحلف كل مصاقب فلولاه لم تسطع يد ابن محمدٍ ... دفاع الأعادي والأكف والسوالب ولكنه آواه فاعتز واغتدى ... وقد رد عنه بغي كل مطالب فجاور قعقاع بن شورٍ وعامراً ... وكعب بن بسطامٍ معز الأغالب وآب الذي يبغيه خزيان صاغراً ... وباء بخزي واغتدى شر خائب لعمري لقد فاق الحجاري ذوي العلا ... فهل من مدانٍ سعيه, أو مكاذب بجد كنصلٍ من حسام مصمم ... وهزلٍ كوصلٍ من حبيب ملاعب إلى رتب في المعلوات ونسبةٍ ... إلى المجد قد أزرت بكل مناسب وسل بعلي القرتي إن كنت غائباً ... وعن فضله من ليس عنه بغائب على أنه أسنى من الشمس شهرة ... إذا طلعت فوق الربا والأعاشب وحسب ابن عشاب من المجد إنه ... تحل به العلياء أعلى الرواتب وفي ابن برورٍ وابنه ألمعية ... سمت بسما فهمٍ من الحلم صائب

وأبدى أبو بكر بتأليف فكرةٍ ... عجائب شتى شفعت بعجائب وتاهت بمتيطها أرض سبتةٍ ... وباهت به ما بين بصرى ومآرب فذاك الذي حاك القريض وصاغه ... لآلئ جلت عن نحور الكواعب وقلد جيد المجد سلك مفاخرٍ ... وحلى المعالي من حلي المناقب وإن شمت عضباً من خلال محمدٍ ... فحسبك والدراج غضب المضارب نفى النوم عنه واتقاها بعزةٍ ... تريك ابتداء عزم سعد بن ناسب ولله عليا من أبي الحسن إذ حوى ... علي فرجونٍ ذي الخلال الأطايب وساد ذوي العلياء كهلاً وإذ غدا ... وحيد المعالي يافعاً غير شائب ومن في العلا والمجد كابني سمرمرٍ ... لصفحة مأثورٍ وصهوة سارب فهدا كمناع من الشم باذج ... وهذا كهطالٍ من الغيث ساكب وقد أحرز الأزدي في الأزد رتبة ... تقاصر عنها كل قرمٍ وراكب وقلد أعمالاً كراماً فعافها ... وجرع منها كل صاب بصالب وما باح منها بالذي في ضميره ... خشية جورٍ من أميرٍ معاقب وأضحى ابن عباسٍ إمام زمانه ... كمثل ابن عباس, وتلو ابن غالب تقي يخاف الله حتى كأنه ... رشداًه عياناً دون سترٍ وحاجب وكم قد رأى قاضي العلا والتقي أبو ... تميم ولاء النصر ضربة لازب على أنه أعلى من المجد همة ... وأرحب صدراً من عراض السباسب

وللهوزني في هوازن سورة ... تقر له بالفضل أعراق الحسائب وحسب أبي نصرٍ من العلم أن رأى ... ولا ما يبقى بعين مراقب إلى علم برهانٍ وأحكام شارقٍ ... وصحة آثار وأحكام غارب أولئك لن يحصوا ثناء وكثرة ... بنظم ولا نثر ولا وصف خاطب فحسبي أن استعرضت ما قد أتيته ... وبت بهم (ما) بين جنبي ناصب ومن ذا يوفي في الثناء حقوقها ... ويحصي الحصا والقطر أو رمل كاثب ولكن أبو بكر ينوء بعبئها ... ويحتل منها في الذرى والكواثب ويبعثها عني من العلم والحجا ... حديقة فكر. صوبها غير ناضب ويأتيكم منه جواب سريرةٍ ... فصحت (به) سبل العلوم لسارب وفي عمر ذي الفضل خلق سما به ... وثاب حميداً خبزه كل ثائب وقار رئيس في إهابة ناسكٍ ... وظرف أديبٍ في تبتل راهب ورقة طبع فيه مثل غمامةٍ ... تصفقها أيدي الصبا والجنائب وفات ذوي الألباب والعلم والحجا ... كما فات حاوي السبق جري الشآرب به فخرت قدماً أباطح رندةٍ ... وسامت به أعلام حزوى وعاقب وحلي منه بالذي لو ثوى به ... حلياً, تعالى عن حصانٍ وكاعب ويتبعها العباس بعد حديقة ... يجود بها من صوب تلك المشاهب ومن قبلها لبى دواعي مجدكم ... بمثنور در لا كدر الحقائب

ومنظوم عقيان من اللفظ لم يكن ... جماناً, ولم تظفر به يد جالب حوى شعره الشعرى لهاباً, ونثره ... سبى النثرة العليا وليس بغاصب وسل حساماً من عزائم فكره ... فذخره حدا ببيض قواضب وقام ابن حناطٍة خطيباً بذكركم ... فنم على كل الربا والرحائب مننتم علينا إذ كفيتم لديكم ... أبا حسنٍ سوء الظنون الكواذب وحاشى علي ذي العلاء لعلمه ... ومنصبه من فاضحات المعايب ولكنه أضحى كريماً مبرءاً ... عليماً سليماً من ذميم المثالب وما زال محمود الخلال محبباً ... على الخير مشغوفاً به كل صاحب وقد قيل أصحاب كرام وإخوة ... وأهل, ويأبي ذاك بعد المناسب فقلنا وإن تبعد مناسب بيتنا ... فإخوة ذي ود, وقربى مواهب وليس أخو الإنسان إلا صفيه ... ولا أهله غير الصديق المقارب نصرتم علياً لا رجاء ثوابه ... وقد خذلت كسرى حماة المرازب ولكن كما أوفى السموأل إذا رأى ... مصاب ابنه والغدر ثنتي مصائب فلم يستجز غدر امرئ القيس وابتغى ... حمام ابنه إذ صار نهب الكتائب وأضحى مدى الأحقاب في كل ملةٍ ... حميداً وفي بلواه أكرم نادب حنوتم عليه رغبة وتعطفاً ... وجدتم على رغم العداة النواصب فإن كان ما لا بد منه فإمرة ... وحاشاكم أن تسلموه لناهب وحسبكم ما كان من أمر يوسفٍ ... مع الملك والأسباط خير العصائب ويكفيكم ما حل قدماً بمالكٍ ... إمام الهدى من مشرق ومغارب عدا ابن سليمانٍ عليه فناله ... بسبعين لم يتبع جناية حارب وحاشى على المنصور من أن يناله بسوءٍ وأن تعديه صورة غاصب

ولكنه لم يرض عدوان جعفرٍ ... وأوصى بعتبى مالكٍ كل عاتب ووافاه بعد العام في الحج مالك ... فوالاه واسترضاه غير مغاضب وباء بإثم جعفر والذي سعى ... على مالكٍ سراً دبيت العقارب وهذا ابن عباس علي سطابة ال ... الوليد على قربي ومرأى أعارب أولئك خير الناس قدماً قد ابتلوا ... بسارٍ وغدارٍ وباغ وصالب وفي بعض هذا أسوة وتبصر ... وزجر لمغتاب ٍوردع لثالب عليكم سلام الله يا أهل سبتةٍ ... تعم ويقضى في العلا كل واجب مدحت وما أثنيت إلا ببعض ما ... يصدقه البرهان بعد التجارب وإني وإن قصرت عن معلواتكم ... لأعرب في تلك الصفات الغرائب على أنني إذا أبعث الشعر نحوكم ... كما قيل قدماً في السنين الذواهب كمستبضع تمراً لخيبر, أو كمن ... يسرق لفيض البحر نغبة شارب فلولا رجاء الصفح منكم سترتها ... حذاراً لها من كل زارٍ وعائب ولولا عوادي البنين سرنا إليكم ... وبدل بالقرطاس وخد الركائب وخضنا عباب البحر شوقاً فأصبحت ... مكان الجواري سابقات النجائب ولكن لعل الله يجمع بيننا ... فنقضي مكنون الحشا والترائب وإن رأت الأعلام منكم حفاءنا ... ببدء خطاب أو جواب مجاوب مننتم وأحييتم نفوساً حوائماً ... تقاد إليكم كاقتياد الجنائب بقيتم نجوماً في سماء مكارمٍ ... تضيء منار القصد في كل لاحب ومن شعره يمدح أبا محمد أيوب بن يركوكان رحمه الله تعالى: [بسيط] هواك يأبي سوى سهدي وتعذيبي ... وسحر عينيك يغريني ويغري بي ووصلك الدهر مضمون فموعده ... مرجع بين تصديق وتكذيب علام لحظك يدنيني ويبعدني ... والصبر ينفد في بعدي وتقريبي وفيم أطمع من لقياك في عدةٍ ... ميقاتها بين محظورٍ ومندوب

ومنها يا روع (الله) روعات الفراق فكم ... أذكت حشاي بجمر منه مشبوب وكم أطالت يد البين (المشت على) ... جمر الغرام ونار الشوق تقليبي ومنها: علقته يوسفي الحسن ألزمني ... في صبر أيوب شكوى بث يعقوب لم يدرك المجد والعلياء في زمنٍ ... إلا بكل طرير الحد مشطوب ولا أظل رواق العز أشرف من ... سراة أجرد سامي الطرف يعبوب ولا أتى الدهر في أعلام صفوته ... يوماً بمثل ابن يركوكان أيوب السائق الناس في جلى ومكرمةٍ ... إلى مراقٍ من العليا مصاعيب والضارب الهام لم تطبع صوارمه ... إلا لمصرع مطعونٍ ومضروب ومنها: ورب عمياء والأبطال قد بهتت ... والأسد مابين مصروع ومسلوب أوقدت جاحمها, والخيل موطئها ... هام الكماة المطاعين المضاريب وقد أثرن سواد النقع, أنجمها ... زرق الأسنة في صم الأنابيب وهي طويلة. ومن شعره رحمه الله: [بسيط] أضحى فؤادك نهب الأعين النجل ... وضاع صبرك بين الركب والإبل وهام قلبك بالأظعان فابتدرت ... سوابق الدمع بين العذر والعذل لم تدر يوماً سليمى هل توعنا ... أم هل تودع قلباً واهي الحيل راحوا وفي كل قلب ترحة وجوى ... وخلفوك بقلب منك مختبل وبالفؤاد. وإن قل الفؤاد له, ... ساجي المحاجر, أحوى, ساحر المقل منوع الحسن, ساجي الطرف, مقلته ... تزري بهاروت أو تسبي بني ثعل مركب الجسم من غصنٍ ومن قمرٍ ... مقسم اللحظ بين الغنج والكحل

32-محمد بن أحمد بن جبير الكناني

وشعره رحمه الله كثير. وتوفي عام ثلاثة عشر وستمائة. ومنهم: 32-محمد بن أحمد بن جبير الكناني يكنى أبا الحسين, من أهل غرناطة. سكن مالقة وأقام بها مدة, ورحل إلى المشرق وأقام هنالك حتى توفي رحمه الله. وجدت بخط بعض الشيوخ أن أبا الحسين هذا, كان أولاً من العمال المشغلين بأشغال السلطان, واكتسب مالاً كثيراً. ثم نزع عن ذلك كله, وتصدق لإوالفضل والدين والأدب البارع والكلام الرائق والشعر الفائق. ويحدث عن جماعة من شيوخ الأندلس. منهم أبو الحسن علي بن محمد بن أبي العشائر, قرأ عليه القرآن العظيم وحدثه بجميع الروايات. عن أبي الحسن بن الدش, عن أبي عمر الداني. وحدث أيضاً عن أبي عبد الله الأصيلي الطرطوشي, وعن أبي الحجاج بن يسعون. وحدث عن شيوخ المشرق, عن أبي أحمد عبد الوهاب بن علي بن سكينة الصوفي البغدادي, وعن أبي إبراهيم التونسي, وعن أبي حفص الميانشي, وعن أبي محمد القاسم بن عساكر, وعن غيرهم. وحدث عنه جماعة من أصحابنا. وله كتاب جمع فيه رحلته, وعجائب ما رأى وشاهد, وأتقن فيه غاية الإتقان. وله شعر كثير في الزهد وغيره, وأدب جم. من كلامه رحمه الله: إن شرف الإنسان فبفضلٍ وإحسان, وإن فاق فببذلٍ وإنفاق. ومن كتبه إلى بعض إخوانه: آن لعصا النوى أن تنصدع, ولضوائق هذه النوائب أن ترتدع, وللأيام أن تنشئ غير هذه المنازع وتبتدع, لشدة ما لعبت بنا من حال إلى حال, وأرتنا الحقيقة في ملامح المحال. وكان يكفيها أن نثرت نظم ذلك الشمل الذي كنت واسطة عقده, والرسم الرئق في برده, حتى فحعتنا بفقد من بكت

الدنيا وبنوها على فقده. إلى الله المشتكى من صروفها, وهو المسؤول (عن) إزاحة منكرها ومعروفها. ولحين ما أشعرت بكونك على كثب من هذه الجهة اختلست هذه الأحرف إليك (موجهة) , من يد خاطر لا يعرج على داعية, ولا يكاد يسمع سراً ولا يعيه. قد وله فلا يعرف دبيراً من قبيل, ولا يجد إلى العبارة عما يتلجلج في الصدر من سبيل. ولكن بحكم الشرق إلى محاورتك بلسان القلم, رشحت لي صفاته بنبذةٍ من الكلم, فأرسلت عنانه في ميدان الأختصار, وسلكت به في شعاب القول على غير استبصار. وأما شوقي إلى لقائك فلا أصفه, ولو خلت ما عسى (أن أقول) لا أنصفه. وحسبي مما يتحقق من ذلك (.....) , معيناً على تقدير أو كده, فيدخل مدخل الحديث المعاد وأنت الأعلم به على القرب والبعاد. ولعل الزمان ينبسط وجه إسعافه بلقيةٍ نغفر بها بعض ما جناه, ونقتطف الأنس على يديك حلوا جناه, إن شاء الله تعالى. ولسيدي الفضل في مراجعةٍ تشفي عن مجلتي أحواله, لا برحت تتقلب في قبضة آماله, بمن الله عز وجل والسلام. ومن شعره يمدح أمير المؤمنين أبا يعقوب ابن أمير المؤمنين حين هجرته إلى الحضرة الإمامية مراكش وذلك في رمضان المعظم سنة أربع ولستين وخمسمائة: [كامل] بشراي قد (أبصرت) خير إمام=في حضرة التقديس والإعظام أما وقد ألفت إليه (يد) النوى ... فلأعفون جناية الأيام ولو أنني شئت انتصاراً لم أكن ... فيهن إلا فاقد الأحكام

أنهضت عزمي فاستطار مصمماً ... فكأنني أنبت غرب حسام أهجعت نومي لابساً خلع الدجا ... وحدي, (فما) عرجت بالنوام هي (هجعة) هجرت لها سنة الكرى ... فالجفن لم يطعم لذيذ منام حم الردى فاخترت ريا كأسه ... والحر رياه بحر حمام لم أكترث لشتات شملي بالنوى ... فكأنما للشمل جمع نظام شوقاً إلى دار الخلافة إنها ... دار الهدى ومعرس الإسلام من كل معطيةٍ على علاتها ... وخداً, لها في الشهر سير العام جب السرى منها سنام فقارها ... فكأنها خلقت بغير سنام فأتت كأمثال القسي ضوامراً ... ولربما مرقت مروق سهام وافت أمير المؤمنين بنا على ... شحط النوى, فلها يد الإنعام ولو استطعنا لم تكن تطأ (الثرى) ... إلا على الأرواح والأجسام كيما ترى ما دام إبضاع لها ... لا تشتكي من وضع حف دام وبودنا لو لم نكلفها السرى ... ليكون هذا الحق للأقدام حتى إذا رفع الحجاب بدا لنا ... ملك, وقل إن شئت بدر تمام فتسكن الجأش الطموح عبابة ... بطلاقهٍ من وجهة البسام ودنا الجميع للئم راحته التي ... هي معدن الأرزاق والأقسام وانهل بعد تعللٍ المنى ... فتلا وميض البرق صوب غمام وهي طويلة, ومن شعره في الممدوح المتقدم الذكر: [كامل] عيد بما يهوى الإمام يعود ... ما اخضر في وجه البسيطة عود لولا لزوم الشرع لم نحفل به ... إذا كل يومٍ ذراه لعيد

حيا بما للعيد بدر خلآفةٍ ... يهنيه أن قرانه لسعيد وأتى يجرر بالمجرة ذيله ... ركضاً وإن مزاره لبعيد وكأنما أضناه شوق لقائه ... أمن الأهلة هائم وعميد لم تثنه الأشواق عن حسد ٍله ... إحدى العجائب وامق وحسود بشرى أمير المؤمنين فإنه ... عيد حدته للفتوح سعود طرب الجواد وقد علوت بمتنه ... حتى كأن صهيله تغريد يهفو بعطفه المراح فيرتمي ... لعباً وينقص تارة ويزيد ولربما سالت عليه سكينة ... حتى تخال بعطفتيه خمود يزهى فيظهر نخوة لما رأى ... بك أنه في حسنه محمود كيف استقل بطود حلم راجع ... والطود يثقل حمله ويؤود لو كنت ترضى نعلته خدودها ... مستشرفين به:؛ الملوك الصيد ملك تود النيرات لو أنها ... حلي على أعطافه وفريد وأما كفاها أن شسع نعاله ... بجبين أشرفها, سنا معقود يا من يروم بلوغ بعض صفاته ... هيهات ليس لكنهها تحديد كم ذا تحاول عد زهر خصاله ... أقصر فما لأقلها تعديد (ومن شعره رحمه الله) : [طويل] ويوم تضوع الشمس حلياً بحسنه ... تفضضه طوراً طوراً تذهب تريه كحلي مشرق الوجه في الضحى ... وتضمر شجواً في الأصيل فينحب تبسم عن ثغر العشية مثل ما ... جلا صفرة المسواك ألعس أشنب تجلى به غصن تطلع بشره ... فقلنا: أيبدو الصبح, والشمس تغرب وقد قابلتنا من سجاياه نفحة ... أنم من المسك الفتيق وأطيب شمائله تزهى الشمول بطيبها ... وما خلت أن الراح بالراح تعجب

تدار علينا بالكؤوس كواكب ... إذا غاب منها كوكب لاح كوكب فنشربها في ورده وهي عندنا ... ألذ من العيش الهني وأعذب بمجلس أنس ودت الشمس لو ترى ... كؤوساً بها بين الندامى فتشرب يذكرنا دار النعيم بحسنه ... يعيد شباب المرء والمرء أشيب محبتنا أضحت إليه وسيلة ... فتدني إلى مرضاته وتقرب ومن شعره رحمه الله في طاق مجلس: [منسرح] أصبحت مثل الجنان في الصدر ... أصون ما أحتويه كالسر في خير قصرٍ تريك ساحته ... في مطلع الشمس مطلع البدر كأنني في جدار مجلسه ... عين وبابي جفن بلا شفر فلتدع يا مبصري لساكنه ... بالسعد والملك آخر الدهر ومن شعره رحمه الله منقلة: [كامل] أنا للندامى نزهة المستمتع ... تبدو نجوم سعودهم في مطلع ما بي موضع لحظةٍ إلا احتوى ... نقلاً فلي في النفس أكرم موضع أنا مستطيل الشكل إلا أنني ... قسمت بين مسدسٍ ومربع فمتى أكن والأقحوان بمجلس ... لم يؤثر الندماء إلا موضعي الفضل لي وإن اشتبهنا منصباً ... وكفى بأني من ذوات الأربع وكتب إلى أبي الحكم بن هرودس رحمه الله عليه: [متقارب] أبا حكم أين عهد الوفاء ... فقدماً عهدتك تعزى إليه وما العذر في أن أتاك الرسول ... فأصدرته ضارباً صدرتيه وأهدى إليه صهره الوزير أبو جعفر الوقشي, وكتب معه: [متقارب]

بعثت إليك بخل كريم ... يمد إليك ذراع النجاد فوشح به معطفيك إذا ما ... دفعت إلى جوب بيد البلاد وسر نافذاً حاكياً مضربيه ... ملقى من السعد فوق المراد وأب تحت عرضٍ كثيفٍ ... كما آب في العمر يوم الجلاد فراجعه أبو الحسين رحمة الله عليهما: [متقارب] لك الشكر شفعت بيض الأيادي ... بأبيض صافحني بالنجاد تهادى بأربعةٍ مثله ... حدادٍ لبسن حداد المداد سيوف من النظم مطبوعة ... مقللة عزك كل انتقاد أتتني في الطرس مسلولة ... فأغمدتها في سواد الفؤاد فأعددت هذي ليوم الفخار ... وأعددت هذا ليوم الجلاد ومن شعره رحمه الله وكتب به إلى الحسن بن مرتين: [رمل] لا وأعطاف الغصون الميس ... والصبا تزجي عليل النفس وابتسام الروض للطل, وقد ... رقرق الدمع بجفن النرجس ما رأينا يوم أنس مثله ... كان أسنى بغيه الملتمس وتلته ليلة صفحتها ... ألفت شمل انشراح الأنفس أضحك اللهو بنا ثغر المنى ... فبدت سمرتها كاللعس جمعت أطرافها من قصر ... للفتى مغربها كالغلس وسمت زهر الليالي حلية ... فتحلت بنجوم الأكؤس وابنة الكرم عروس تجتلى ... فتخيل حسن ذاك المعرس نزهة قادت إليها زورة ... فاغتنمها نظرة المختلس يا له من مجلسٍ فزت به ... من فتى شرف صدر المجلس

علق مجد جاد من خلته ... لي بالعلق الخطير الأنفس لأبي عمرو بن مرتين عُلى ... أنطقت بالمدح أهل الخرس أروع يطلع من آدابه ... شهباً تجلو دياجي الحندس ذو بنانٍ مثل شؤبوب الحيا ... وذكاءٍ كاشتعال القبس من يسابقه إلى معلوة ... رام بالعير سباق الفرس ومن شعره: [كامل] علقته كالسيف راع بهاؤه ... لكن بغير جوانحي لم يغمد عافوا العذار بصفحتيه وما دورا ... أن الفرند يزين كل مهند ومن شعره. [مخلع البسيط] مولاي إني بحال شوقٍ ... كل اصطبارٍ به يحول مرتقبا زورة عساها ... تشفي جوى هاجه الغليل أرسلت فيها إليك قلبي ... وما أرى يرجع الرسول ومن شعره: [وافر] أبا يحيى أما في الري فضل ... تجود به فقد طال الظماء فأطلعها لنا حمراء نبصر بها شفقاً تضمنه الإناء وليس بلونها لكن أغبت ... زيارتها فخامرها الحياء ومن شعره وكتب به بعض إخوانه يصف لعبة كرج كانت بمجلسه: [مخلع البسيط] يا خير خل فدته نفسي ... والنفس في حقه تهون حدثت عن مجلسٍ أنيقٍ ... في مثله يحسن المجون جال به فارس ظريف ... تتبعه لحظها العيون في شكة الحرب قد تبدى ... يرجمه وهمها الظنون

ذو حركات يخف فيها ... من لم يزل دأبه السكون رقت فلو أنها نسيم ... ما شعرت مسه الغصون لو أنه جال في المآقي ... لما أحست به الجفون فهل إلى مثله سبيل ... ومثله قلما يكون من شعره: [متقارب] ألا رب عرض امرئ مسلم ... بغير لسانك لم يستبح إذا كنت في الناس ذا غيبةٍ ... تبيح بها منكراً لم يبح فلست بأول ذئب عوى ... ولست بأول كلبٍ نبح من شعره: [طويل] يقولون إن العين داعية الهوى ... ولو صح ذا ما كانت العين تعشق فؤاد الفتى لا عينه يوجب الهوى ... فرؤيته من رؤية العين أصدق وليس بكاء العين حباً وإنما ... لإشفاقها للقلب تبكي وتشفق (ومن شعره) : [كامل] بأبي رشاً سفكت دمي ألحاظه ... وسبى برائق حسنه الألبابا من كان ينكر سفكه فليأته ... يرمق دمي في راحتيه خضابا من شعره (وقد هجره محبوبه) : [سريع] ارشأ حظي إبعاده ... وحظ غيري منه إسعاده خبت, وكل نال منك المنى ... أسعد أهل الحب أوغاده بي ظمأ برح ولكنه ... زهد في المورد وراده

من شعره فيه جلس بين ثقيلين: [كامل] لو كنت تبصر منذ يومٍ قد نأى ... تيسين ضمها, وظبياً مجلس لعجبت قبحاً منهما, وملاحة ... منه, وقلت: حظيرة أم مكنس ومن شعره فيه على هذا الحال رحمه الله: [كامل] أفقيهنا المستن ديناً والذي ... شهدت له بالفضل منه شواهد لو تبصر ابن سعادةٍ ونديمه ... قد حل بينهما الغزال الشارد لرأيت من ثقلٍ عليك وخفةٍ ... جبلين بينهما نسيم راكد ومن شعره, وقد أزمع على حج بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه عليه السلام: [وافر] أقول وقد دعا للخير داع ... حننت له حنين المستهام حرام أن يلم بي اغتماض ... ولم أرحل البيت الحرام ولا طافت بي الآمال إن لم ... (أطف ما بين زمزم والمقام ولا طابت حياة لي إذا لم) ... أزر من طيبةٍ خير الأنام قأهديه السلام وأقتضيه ... رضى يدني إلى دار السلام وله من قصيدة يتشوق بها (إلى) رحمه الله: [متقارب] غريب تذكر أوطانه ... فهيج بالذكر أشجانه يحل عرى صبره بالأسى ... ويعقد بالنجم أجفانه

ومن شعره: [مخلع البسيط] طهر بماء التقى جنانك ... واصحب على حاله زمانك ودار أبناءه عسى أن ... تنال من بغيتهم أمانك واصمت إذا ما سمعت لغواً ... ولا تحرك به لسانك ومن شعره يرثي ابنه أحمد: [طويل] رأى الحزن ما عندي من الحزن والكرب ... فروع من حالي فلم يستطع قربي وأظهر عجزاً عن مقاومة الأسى ... وأيقن ألا خطب أعظم من خطبي وقال التمس غيري لنفسك صاحباً ... وقل للردى حسبي, بلغت المدى حسبي فقلت وهل يكفيني الوجد صاحباً ... وكيف وما بي قد تعدى إلى صحبي فلما انتهت بي شدتي في مصيبتي ... وبرح بي يأسي رجعت إلى ربي فأستنشقن روح الرضى بقضائه ... فناديت يا برد النسيم على قلبي إلى الله أشكو بالرزايا وفعلها ... فقد كدرت شربي وقد روعت سربي سل الليل عني هل أمنت إلى الكرى ... فكيف وأجفاني مع النوم في حرب وقد رق لي حتى تفرى أديمه ... وأقبل يبكيني بأنجمه الشهب لحالي أبدي الرعد أنه موجع ... ولي البرق شع في الترامي مع السحب ولي لبس الجو الحداد بدجنةٍ ... وأسبل دمع القطر سكباً على سكب ومن أجل ما بي أبدت الشمس بالضحى ... شحوب ضنى قبل الجنون إلى الحجب على واحدٍ قد كان لي ففقدته ... على غرةٍ فقد الجوانح للقلب فحزني عليه جاوز الحد قدره ... ولا حزن يعقوبٍ, ويوسف في الجب وأكثر إشفاقي لأم حزينةٍ ... مقسمة بين الأسى فيه والحب وأذهلها عن حالها فرط وجدها ... عليه وقد يستسهل الصعب للصعب بني أجبها فهي تدعوك حسرة ... وأدمعها تنهل غرباً على غرب بني أحقاً صرت رهن يد البلى ... ونهب الثرى أمسيت, يا لك من نهب

بني عساها نومه, فانتباهة ... فكم ذا أنادي العين: طال الكرى تعبي بني أعرني من منامك خلسة ... لعلي أن ألقى مناي من الغيب بني أرحني بالإجابة مخبراً ... فقد كنت ذا رأي, فما لك لا تنبي بني وفي طي الحشا كنت ثاوياً ... فكيف سخت نفسي بدفنك في الترب فلا غرو أن أضحى لك الغرب مدفناً ... فإن مغيب الشمس والبدر في الغرب لقد هصرت كف المنون إلى البلى ... قضيب شباب كان من أنضر القضب فيا غصناً خفت أزاهر حسنه ... تحليك أجفاني بلؤلؤها الرطب ويا أحمد المحمود قد كنت مشبهاً ... بطيب الخلال الحلو والبارد العذب لآل جبير فيك أي فجيعةٍ ... فما منهم من يستفيق من الكرب وقد كنت وسطى العقد فيهم فربما ... نقصت, فصار العقد منتثر الحب وكم خالةٍ أمست عليك بحالةٍ ... من الحزن ما تنفك ذاهلة اللب وأبناء خالات تسقيهم الأسى ... كؤوساً وهم حتى إلى الآن في الشرب وصاحبةٍ قد كنت صباً بذكرها ... وكنت لها حباً, وناهيك من حب فأنت وهامت فيك بالوجد والأسى ... وحق لها فالصب يفجع بالصب وراحت بأثواب الحداد وطالما ... لها كنت تستخفي الحرير مع العصب وكم أجنبي فيك قد بات ساهراً ... تقلبه الأفكار جنباً إلى جنب رزقت قبولاً ما سمعت بمثله ... فهذا على هذا بإشفاقه يربي وكنت وصولاً للقرابة جارياً ... لمرضاتهم, براً بريئاً من العجب مجداً إذا كلفت أمر ملمةٍ ... مضيت مضاء السهم والصارم العضب جوادا كريم النفس تلتذ بالندى ... فتسخو ولا تخفي, وتحيي ولا تجبي حريصاً على نيل المعالي بهمة ... كسبت بها من ذخرها أفضل الكسب وكانت لك الآداب روضة نزهةٍ ... وكنت محباً في مطالعة الكتب تفتق زهر النثر في الطرس يانعاً ... وتنظم در الشعر نظماً بلا تعب

33- محمد بن علي بن الحسن بن عبيد الله بن حسون

وما زلت بالهدي الجميل وبالحجا ... معزاً (لأهل) في البعاد وفي القرب وزاد على العشرين سنك أربعاً ... فعاجلك الحين المقدر بالذنب شهيداً بطاعونٍ أصابك بغتة ... كمثل شهيد الطعن في ساحة الضرب وكنت غريباً فاستزدت شهادة ... لأخرى كبشرى سيد العجم والعرب أطلعت مغيباً ثم جئت مودعاً ... إلى سفر (يدنو) مدلاً على الركب ولم أشف من لقياك قلبي فليتني ... لبرح اشتياقي لو قضيب به نحبي وعقباك بعدي كنت أرجو بقاءها ... زماناً ليبقى من بينك بها عقبي رضيت بحكم الله فيك فإنما ... نقلت لحزب الله, بورك من حزب وإني لراض عنك, فابشر, فبالرضى ... أرجي لك الزلفى ومغفرة الذنب فجادت على مثواك مزنة رحمةٍ ... وبوأك الرحمن في المنزل الرحب وشعره رحمه الله كثير موجود بأيدي الناس. وتوفي رحمه الله تعالى بالإسكندرية في ليلة الأربعاء السابع والعشرين لشعبان علم أربعة وعشرين وستمائة ومنهم: 33- محمد بن علي بن الحسن بن عبيد الله بن حسون ابن عيسى بن الحسين الكلبي, القائد. يكنى أبا عامر. حسبه مشهور. كان رحمه الله جليل المقدر. ولي مالقة نحواً من عشرين سنة إشرافاً ونائباً فسار في أهلها سيرة حسنة ورأوا معه من المسرة والأفراح ما لم يروه مع أحد قلبه ولا بعده من الولاة. كثير العطاء والنبل, محسناً للفقراء. كانت ولايته أيام الأمير أبي عبد الله الناصر. قدم على مالقة في سنة سبع وتسعين وخمسمائة. وعقبه بمالقة إلى الآن. ولم يكن مشهوراً بطلب. لكني وجدت بخط خالي رحمة الله عليه ما نصه: أنشدني الشيخ الفقيه القاضي أبو الطاهر بن (علي) السبتي, قال: أنشدني القائد أبو

عامر عند توجهه إلى الحضرة في عام أربعة وستمائة من شعره: [طويل] جنى جنة الرضوان الذي يجني ... أعدنا, ولم نلق الصفاء, إلى عدن أيا وفد باب القوس بلغتم المنى ... فحطوا بباب الفوز والطول والمن وهبوا لإصباح السلام وثوبوا ... سراعاً بما لبى الحجيج لدى الركن تلقوا بإلقاء المسامح شهداً ... ًمعاني الدنى, إني أخاف على ذهني فكل الذي عم البلاد مهابة ... توفر أضعافاً على عبدها القن فأذهل عقلي واستهلت مدامعي ... فشكراً لعيني, إنها خبرت عني وعاودني شرخ الشباب مصاحباً ... فها أنا ذا قد زاد سني على سني وأنمى بروحي في فؤادي وعظمي ... فما عشها (أزرى) بضعفٍ ولا وهن فما قدر المسكين بين عواطفٍ ... تفيض على المملوك رحمى أبٍ لابن غذيت بها لكن وجدت رياحتي ... وأصفى الزلال العذب ما كان في المزن وكنت رهين الشوق جاء فكاكه ... وقد غلب الإشفاق من علق الرهن فبت خلي البال من كل حاجةٍ ... ومن نومه المسرور يزجيه في الجفن بأي لسان ٍأم بأيه فكرة ... أعبر عن عجز الخواطر واللسن أيشكرها نطفي وذاتي بعضها ... ومنها أفاد الشكر نطقي, لا مني وإحصاء ما لم يأت دهر بمثله ... عزيز, لو استظهرت بالإنس والجن وقد خص مولانا الخليفة ربه ... بكل الذي يدعو به العبد أو يثني فلم يبق لي لما حللت بجنةٍ ... سوى أن أقول: الحمد لله ذي المن هكذا ألفيتها بخط خالي رحمة الله عليه. وذكر لي شيخي ومعلمي الفقيه الأجل الأستاذ العالم المحقق أبو عبد الله الاستجي, أن هذه القصيدة صنعها للقائد أبي عامر المذكور أحد الطلبة, وأنها ليست من شعره, وهذا هو الصحيح, والله أعلم. وتوفي القائد أبو عامر رحمه الله في يوم الخميس الخامس من رمضان المعظم عام أربعة عشر وستمائة. ودفن في جنانه بمالقة عفا الله عنا وعنه بمنِّه وكرمه.

34 - محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن يوسف الإدريسي

ومنهم: 34 - محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن يوسف الإدريسي المشهور بالقرطبي. وهو والد شيخنا الفقيه الأجل الخطيب المحدث الورع أبي إسحاق القرطبي أكرمه الله. وكان رحمه الله مكتباً للصبيان بربض التبانين. أصله من قرطبة. استوطن مالقة وأقام بها سنين إلى أن توفي رحمه الله. وكان من أهل الفضل والدين والورع والزهد مقرئاً لكتاب الله تعالى عالماً بطرق روايته قائماً على تجويده وإتقانه حافظاً للفروع. وله أخبار ورؤيا تدل على فضيلته رحمه الله. حدثني من أثق به أن أبا عبد الله هذا كان خارجاً لصلاة الصبح, أو نائماً إثر صلاة الصبح - الشك من المتحدث - فسمع منادياً ينادي: عبدي عبدي, فوقع في نفسه أن النداء من قبل الله تعالى, فقال: نعم يا رب. فكان يقال له: أرضيت, فيقول: نعم يا رب رضيت. فكان يقول له: ارض عني, فإني قد رضيت بحبك. ومن أظرف ما يحكى عنه أنه كان في إحدى الليالي نائماً فرأى امرأة بطفل في ذراعها وهي في حفرة من نار موقدة تضطرب فيها, فكانت تطلب منه أن يخرجها منها, فكان يناولها يده ليخرجها, فضرب أصبعها على سرته, فأصبح الموضع وأثر النار فيه. وفضله وعفافه رحمه الله كثير. وتوفي عشي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين لربيع الأول عام سبعة عشر وستمائة. ومنهم: 35- محمد بن أبي العباس الشلبي يكنى أبا عبد الله. كان كاتباً بليغًا وشاعراً مطبوعاً. وجدت بخط شيخنا الفقيه

36- محمد بن أحمد بن عيسى بن جدار

الأجل أبي عمرو بن سالم رحمه الله, قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن أبي العباس المذكور لنفسه من شعره: [وافر] أقول لصاحبي والدمع جارٍ ... وأيدي العيس تخدي بالرمال وداعي البين يوم البين يدعو ... ألا جدوا بتقويض الرحال فقد ذاب الفؤاد وحن شوقاً ... لأيام التآلف والوصال رويدك كف عن عذلي فإني ... أجد السير في طلب المعالي ولو كان الخيار لما افترقنا ... ولكن لا خيار مع الليالي قال الفقيه أبو عمرو: فكتبت إليه في الحين: [وافر] أجدت القول يا ترب المعالي ... فكعبك في محل الفخر عال سموت على سماء المجد حتى ... بدا لك نجمها تحت النعال إلى كم ذا تروم على وكم ذا ... تجد السير في طلب المعالي ومما ذكر له: قطعة نذكرها عند ذكر أبي (محمد) عبد المحسن إن شاء الله. ومنهم: 36- محمد بن أحمد بن عيسى بن جدار المشهور بالحميري, يكنى أبا عبد الله. كان رحمه الله من أهل الأدب. ومن شعره رحمة الله عليه: [خفيف] لي حبيب يفاخر الشمس حسناً ... وهو والله في المحاسن فائق قد دعوه موفقاً على وفق ... وحبيب النفوس كل موافق

37-محمد بن نزار

فاتن في الجمال يختال ظرفاً ... فيروق العيون والظرف رائق زهري الطباع يهوى ويهوى ... فهو معشوق كل نفسٍ وعاشق إن يخاطبك في رموز هواه ... تبصر البدر بالعجائب ناطق إن أفارقه باضطرارٍ وقهر ... لست بالحب والذمام مفارق كل من عاقني عن الحب فيه ... فهو للحق والحقائق عائق قد سكرنا بحبه وطربنا ... فهجرنا الطلا وتلك الأبارق برح الصب بالعلائق شجواً ... يا لها في فؤاده من علائق هكذا وجدته مذكوراً. وشعره في بعض تقييدات أبي عمرو بن سالم رحمه الله. قلت: ولا أعرفه (بغير ذلك) ومنهم: 37-محمد بن نزار يكنى أبا عبد الله. قدم على مالقة. وأصله من ميورقة. هكذا ألفيت بخط الفقيه أبي عمرو بن سالم رحمه الله: وجدت بخط الفقيه الأجل أبي الطاهر السبتي قال: أنشدني الوزير الكاتب أبو الله بن نزار بدار الصنعة من مالقة, وقد جرت بيني وبينه مذاكرة في أبخر, من شعره في أبخر: [بسيط] وأبخرٍ كنفت أسنانه بخراً ... إذا تنفس مات الروح والروح كأنما هي ألواح مسمرة ... على كنيفٍ, ومنها قد مضى لوح وكان كاتباً محسناً وشاعراً مجيداً. واشتغل بصنعة التوثيق وسدد بالجملة (فيه) رحمه الله. ومنهم: 38- محمد بن الولي يكنى أبا عبد الله. كان رحمه لله من الطلبة النبهاء, أديبا ًشاعراً لبقاً. وكان

39- محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم الغافقي ويعرف بالملاحي

حديث السن, أنشدني شيخنا الفقيه الأديب إسحاق القرطبي أكرمه الله, للفقيه المذكور في صبي حسنٍ الصور, أجرى فرساً بساحل مالقة, فقال يصفه: [طويل] رأيت غزالاً فوق طرفٍ كأنه ... هلال بدا تحت الدجنة يشرق فقلت له لما انثنى عطف شارةٍ ... ومر كبرقٍ لاح بل هو أسبق عبيدك يا نجل السيادة هالك ... ببحر الهوى إن لم تغثه سيغرق فأنت الذي حزت المكارم والعُلى ... وأنت الذي قلبي إليه موثق أخبرني به شيخنا أبو إسحاق المذكور, وغير واحد. قلت: ولا أعرفه بغير ذلك ومنهم: 39- محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم الغافقي ويعرف بالملاحي كان رحمه الله فقيها محدثاً (حافظاً) ثقة ورعاً فاضلاً من العلماء. وله تآليف نبيهة كالأربعين عن أربعين, وككتاب لمحات الأنوار ونفخات الأزهار في فضل القرآن, وكان أديباً يقول الشعر. نقلت من خط خالي رحمه الله عليه, وقد ذكر أبا القاسم المذكور, فقال: هو رضي الله عنه محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن فرج بن أحمد بن عبد حريث بن جعفر بن سعيد بن حقل بن مروان بن حقل الغافقي الغرناطي المشهور بالملاحي. ومروان هو الداخل إلى الأندلس.

40- محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عياش التجيبي

قلت: وأصلة من غرناطة كما ذكر, إلا أنه قدم على مالقة, وأخذ عنه العلم بها رحمه الله ونفقه. مولده سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وتوفي لخمس خلون من شعبان سنة تسع وعشر وستمائة. ومنهم: 40- محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عياش التجيبي يكنى أبا عبد الله. هو الكاتب المشهور الجليل المقدار. كتب لأمير المؤمنين المنصور, فكان يظهر له في كتبه من البلاغة والفصاحة ما يدل على معرفته وحفظه. وكتبه مشهور. حدثني خالي أبو عبد الله بن عسكر رحمة الله عليه, أن الكاتب أبا عبد الله هذا, كتب يوماً كتاباً ليهودي, فكتب فيه: ويحمل على البر والإكرام. فقال له المنصور: من أين لك أن تقول في كافر: يحمل على البر والكرامة. قال: ففكرت ساعة, وقد علمت أن الانفصال يلزمني عما ذكرت. فقلت له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه", وهذا عام في الكافر وغيره. فقال لي: نعم, هذه الكرامة. فالمبرة من أين أخذتها. قال: فسكت لم أجد جواباً. قال: فقرأ المنصور: أعوز بالله من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحمن الرحيم, (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم, إن الله يحب المقسطين) . قال: فسررت بذلك كثيراً وشكرته عليه. وكان أبو عبد الله هذا كاتباً بليغاً شاعراً مؤثراً عالي الهمة, معظماً عند الملوك مقرباً لديهم. قدم علينا لمالقة, وقرأ بها على الأستاذ الجليل أبي زيد السهيلي رحمه الله, وصحب في حين القراءة عليه الأستاذ أبا علي الرندي. قال خالي رحمه الله عليه: إن شيخنا أبا علي أخبره أنه لما قدم مراكش, لقي بها الكاتب أبا عبد الله, فانتفع به في قضاء مآربه,

ونالها على الكمال والتمام بسببه. ومن شعره رحمه الله: [طويل] بلنسية بيني عن القلب سلوة ... فإنك روض لا أحن لزهرك وكيف يحب المرء داراً تقسمت ... على صارمي جوع وقتله مشرك قال الفقيه أبو البحر صفوان بن إدريس في كتابه المسمى بزاد المسافر, وقد ذكر الكاتب أبا عبد الله بن عياش: اجتمعت به ليلة بمراكش, فقال ابن عياش مرتجلاً [بسيط] وليلة من ليالي الصفح قد جمعت ... إخوان صدقٍ, ووصل الدهر مختلس كانوا على سنة الأيام قد بعدوا ... فألقت شملهم لو ساعد الغلس وله من قصيدة: أشفارها أم صارم الحجاج ... وجفونها أم فتنة الحلاج فإذا نظرت لأرضها وسمائها ... لم تلف غير أسنة وزجاج وأدبه رحمه كثير, ومنصبه شهير. ووصفه الأديب أبو عبد الله بن مرج الكحل في صدر كتابه الذي جمع فيه شعره, وطرزه باسم الكاتب أبي عبد الله المذكور, بعد أن قال: ولما جنيت ثمر الانقطاع والانحياش, من الرئيس الأوحد أبي عبد الله بن عياش. جمعت شتاته, ووصلت بتاته, فرسمته باسمه, ووسمته بوسمه, وعوذتها من نفثات المتعسفين بسور كرمه, وأمنتها نقد المنتقدين في فناء حرمه, على أني ما نظمت إلا منثوره, ولا ضمنت ألا حكمه المأثورة, عرفت فاعترفت, ونلت حين وردت بحره فاغترفت.

41-محمد بن أبي بكر بن ولاد الأنصاري

ولابن مرج الكحل فيه نظماً ونثراً: [وافر] لقد طلع ابن عياش شهاباً ... شهاب الأفق يلثم أخمصيه أطرز باسمه ديوان شعري ... وكان له, فعاد إلى يديه إذا كانت معاني الشعر منه ... فقد ردت بضاعته إليه فما طمحت الهمم إلى كلامه, إلا نكصت على أعقابها, ولا برزت الوجوه إلى أن تعاطيه, إلا استترت بنقابها. كلامه يبهر الخواطر ويستوقف الخاطر, ويدر الجمام ويستوقف الماطر. ولابن مرج الكحل المذكور فيه أمداح كثيرة. وله فيه من قصيد مدحه بها: [طويل] إذا ما ابن عياش تدانى محله ... فلا عيش إلا وهو فيه خصيب كريم السجايا أريحي سميدع ... أغر طليق الراحتين وهوب ومنها: تبؤأ من دار الخلافة رتبة ... أقام بها كيوان وهو مريب ومنها: فحسبي من فخرٍ وأنت مقلد ... مقالك عني, إنه لأديب ومولد الكاتب أبي عبد الله المذكور ببلده برشانة عام خمسين وخمسمائة. وتوفي رحمه الله بمراكش في شهر رجب عام ثمانية عشر وستمائة. ومنهم: 41-محمد بن أبي بكر بن ولاد الأنصاري يكنى أبا عبد الله. كان رحمة الله عليه من أهل الفضل والعدل والدين. وكان أمين قيسارية مالقة, مقصوداً من البلاد, مؤتمناً على الودائع, يقتصده الملوك

42- محمد بن يوسف بن عمار المكتب

والسادات في حوائجهم. وكان رحمه الله طالباً حافظاً للقرآن, ذاكراً للحديث. قرأ على الفقيه الحاج الزاهد أبي الحجاج ابن الشيخ رحمه الله ولازمه وانتفع بهو الفقيه أبي عمرو بن سالم رحمه الله. وله يمدحه: [بسيط] جزى الإله ابن ولادٍ وما ولدا ... خيراً وبراً على ما قال واعتقدا هو الأمين الذي يمناه قد وكفت ... فكفه ليس تدري غير بذل ندى بر وفي كثير الجد همته ... درء الهموم فيعطي كل من قصدا محدث لفنون العلم رواية ... يلقي الحديث صحيحاً كالذي وردا وإن تكلم في فقهٍ وفي أدبٍ ... فما تقيس عليه في الورى أحدى عدل تقي كأن الله صوره ... دون البرية شخصاً من تقى وهدى لذاك قلت وقد عمت فضائله: ... جزى الإله ابن ولاد وما ولدا ومنهم: 42- محمد بن يوسف بن عمار المكتب يكنى أبا عبد الله. هو أرل من أدبني وعلمني القرآن رحمه (الله) ونفعه (به) كان رحمه الله فاضل الخلق, حسن العشرة, موطأ الأكناف, مشفقاً. فقد كنت أقرأ عليه القرآن في الصغر, وأنا يومئذٍ من نحو ست سنين, فربما كان النوم يغلبني, فكان يضمني إلى نفسه, ويغطيني بردائه, جزاه الله خيراً وأسكنه الجنة بمنه. وكان الإيراد له, كاتباً بليغاً, وشاعراً مطبوعاً. لما حدقت عنده رحمه (الله) في سورة فاطر, وجه خالي رحمه الله عليه الحدقة إليه, وكتب له معها أبيات شعرٍ يستعذر له فيها: [مجزوء الكامل] عذراً أبا عبد الأله ... فإنه نزر يسير واقبل قليل أخ له ... في وده العدد الكثير

لو كان يهدي قدر ما ... يخفي من الود الضمير لم يرض ثهلاناً ولم ... يقنع بوزنته ثبير دامت بكم تحيى النفو ... س هدى فتنشرح الصدور ثم السلام عليك ما ... لاحت بآفاقٍ بدور فأجابه أبو عبد الله المذكور: [مجزوء الكامل] لله درك من أخ ... قد جل قدراً عن نظير أكتبت معتذراً وقد ... أفحمت بالبر الشكور وبذلت ما يسخو به ... في الجود أرباب الدثور حيث سحاءتك التي ... في كتبها منك الضمير من خالص الود الذي ... ما مثله العذب النمير فلك التطول والندى ... ولك السيادة والظهور لا زلت في سعدٍ ًيدو ... م مدى الليالي والدهور ما لاح (نجم) في الدج ... نة أو سرى قمر منير وعليك من محض التح ... ية ما نمى المسك النثير وكتب في آخر القطعة بنثر, وهو: وردت علي, أدام الله توفيقك, وأنجح إلى مرضاته طريقك أبياتك تفصح عن ودك, وقد اقترنت برفدك, على حين أقفر من خطة النظم ربعي, واختل فيه طبعي, لأني كنت قد عطلت وترها, ونظرت إلي بعين من وترها, فرمت في الحين مجاوبتك. وكيف وبين يدي من يجاذبني من كل وجهة, ويرمي خاطري عند تسديده بكل شبهة. فما لي منه بعد ضجر, بشيء ٍدون خشونة الحجر. وأنت بأفضالك, تغضي على هناته متطولاً بذلك. وكتب محبكم في الإعلان والإسرار, محمد بن عمار. والسلام عليكم ورحمة الله. وتوفي رحمه الله فيما أظن في شهر ذي الحجة آخر عام أربعة وعشرين وستمائة.

43-محمد بن أبي غالب (العبدري) المشتهر بالداني

ومنهم: 43-محمد بن أبي غالب (العبدري) المشتهر بالداني يكنى أبا عبد الله. وكان أبو عبد الله هذا أديباً كاتباً شاعراً مطبوعاً. وجدت بخط شيخنا الفقيه أبي عمرو بن سالم قال: حدثنا صاحبنا الفقيه أبو داود سليمان ابن القاضي أبي العباس ابن أبي غالب, قال: نهضنا إلى قرية ذكوان, ولم يكن غرضنا إلا (أن) نرى مكان أبي الحسين بن الفخار, لما عهدنا من حسنه, فنزلنا عند أصحاب, ثم بعثنا إليه صبياً قال لي الفقيه: فاتفق أن حملوه بعض أشراطه, وأظن أنه من عنب الغال. وعند خروج الفتى من الموضع عضه أحد الكلاب ومزق أثوابه, فنظمنا أبياتاً وبعثنا بها إليه. فقال أخي محمد: [وافر] لقد حزت ابن كامل المساوي وباينت المروءة والسخاء ولا عجب وأنت عديم عقلٍ=ورأي أن محوت لنا الإخاء وإن ناديت باسم أبيك حقاً=وضعت (به) مكان الكاف خاء فقال أبو داود: وقلت أنا: [متقارب] وأنطقنا شكر إحسان من ... أبى الحُسن لما تكنى به يقول أناس وهم معجبون ... بأخلاقه وبآدابه أعد لنا شاكر يومنا ... ونحن وقوف على بابه

44- محمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن زنون

كلاباً تقطع أثوابنا ... وقالع ضرسٍ بكلابه فمن ذا يروم ندى شاكرٍ ... وهذان من بعض حجاجه قال: ثم كتبنا له أسفل البطاقة: إلى الفقيه الوزير في أن يبين لنا أي الشعرين أطبع, والسلام. وبعثنا بالبطاقة إليه, فكتب إلينا: [متقارب] لحا الله من حد لطف المقال ... عن الحُسن من كل أسبابه إذا شاء بعضهم نعمة ... أتى بنباح ذوي نابه فإن شئتم بسط عتبي ففي ... علاكم شفيع لإعتابه ومن رام إغضاب ليث الحمى ... سليقى, ولو, بعض إغضابه فلا تجعلوا للنموم غداً ... سوى الخبط والصفع من بابه بقيتم إياة ليشقى بكم ... أخو سنةٍ ليس بالنابه قال: ووقع تحت الأبيات: أدام الله كرامتكم, أول الشعرين أقذع, والثاني أطبع وأصنع, ومجدكم أسمع وأوسع. وكتب شاكر كم: شاكر بن كامل. ثم وصل إلينا واعتذر وحلف علينا, فنهضنا معه, فرأينا عنده من الكرامة ما تكل الألسن عن وصفه. انتهت الحكاية. قلت: ومحمد الذي له الأبيات هو أبو عبد الله بن أبي غالب المذكور, وأبو داود أخوه. وتوفي رحمه الله بمراكش في سنة ست وعشرين وستمائة ومنهم: 44- محمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن زنون يكنى أبا بكر. كان رحمه الله حاجاً فاضلاً لوذعياً, كثير المداعبة, أدبياً بارعاً وشاعراً مفلقاً, وكاتباً مجيداً, حسن الخلق جميل العشرة. وله أمداح في الأمراء وأشعار كثيرة في الزهد والغزل وغير ذلك. فمن شعره رحمه الله: [طويل] لكل ابتداء آخر وتمام ... وكل رضاع يعتريه فطام وقد صح عقلي تغير حالتي ... بأدني خيالٍ والحياء سقام

ولما انتهى البدر المنير لما له ... تعاور في نقصٍ فراح تمام وعند نصول الشيب يعرف ذو نهى ... نكوصاً ثناها الشيخ وهو غلام إذا أمَّ يوم المرء أمسى وعمره ... بذلك محصور, فكيف مقام لقد رام فيها الخلد قوماً فأصبحوا ... وقد سلبوا عزاً, وعز ومرام ومن شعره: [كامل] والموت ذو خرفٍ تساوى عنده ... يفنٌ تطاول عمره وغلام ولدى الضريح ... إذا اعتبرت مواعظ ماطت على إبرازها الأفهام لا تحسبن هذي القبور صوامتاً ... صمت القبور إذا علقت كلام قالت وقد رصف الفناء جباهها ... فكأنها فوق الثرى آكام كن يا حريص كما تشاء وتشتهي ... مهلاً إلي تردك الأيام كم مدةٍ طالت لمثلك وانقضت ... فكأنها عند الخيال منام أفرحت إذا طال المدى, وهل الردى ... إلا الذي يأتي به الإتمام أما الزمان فجازر ذو مديةٍ ... والناس في كلتا يديه سوام أنحى على أهل العراق ولم يزل ... يشكوه, مما عات فيه, الشام يا مورداً كل الأنام يعافه ... وله عليه مورد وزحام ما للمعارف نكست أعلامها ... وأناخ في أرجائها الإبهام ومعرب الإنسان فيما ساءه ... نحو الزمان: الحذف والإدغام وله يرثي: [كامل] الناس في حال الحياة نيام ... والقبر حيث تعير الأحلام وأظن هذا الدهر ما لا ينثني ... أو يفقدن أليفه فيلام

وإذا تكون القوس من نبع العصا ... فجميع ساحات الديار سهام وله يرثي: [بسيط] قال الضريح ولم يفغر بذاك فماً: ... من راعه الموت فليستشعر الندما فللحياة كتاب طالما درست ... فيه الأماني سطراً بالردى ختما ومنها: يا ساكب الدمع يبكي غيره أسفاً ... لتبك نفسك قيحاً سائلاً ودما فالمرء يرفعه فعل وينصبه ... حال, فإن صار ميتاً فقد جزما وأكيس الناس من أضحى بهمته ... مولياً عن وجودٍٍ أشبه العدما ومن شعره يمدح أحد السادات ويصف حماماً وفندقاً بناه: [بسيط] أبالعراق أنخت أم بجيان ... أما دخلت أندلساً تزري ببغدان ومن لبغدان أو سود تربتها ... بناعم الدهر في بستان بنيان زاهراً بكل فصول العام تحسبه ... من حسن بهجته في شهر نيسان قد كنت أحسب أن الحُسن مسكنه ... في ثغر أشنب أو في جفن وسنان حتى بصرت به السحر يقسمه ... على السواء لدى الحمام والخان تنافسا في بديع الصنع فارتقيا ... هضب التأنق في مرقاة إتقان فذا يتيه بتاج فوق مفرقه ... كأنه هرمز في ملك ساسان وذا عليه رواق لم يلم به ... كسرى, فخط ولم يلمح بإيوان ومنها: حيث القو (....) حبل كأن له ... لهف أهب له (....) ثعبان ماء يسح بمصقول الرخام كما ... سحت على الخد دمعاً مقلة العاني جرى به اليسر فانقادت إبايته ... من بعد كم حلف حنثٍ وأيمان

45- محمد بن أحمد بن عطية القيسي شهر بابن عطية

إن أكثر الناس مما أبصروا عجباً ... حتى لظنوا به صنعة الجان فلست أعجب من بنا تكنفه ... من الخليفة سعد أنجد الباني وسنحته اجتهاداً منك بشره ... بعزةٍ فمضت بالعاجز الواني إيهٍ أبا زكرياء المسر لنا ... خيراً فلم يختلف في حبه اثنان أثرت تحيي أمير المؤمنين بعد ... لٍ في رعيته فأمر بأزمان فللإمام بذلت النصح مجتهداً ... وفي الرعية لم تنسب لعدوان هنئتم أملا بلغتموه ولا ... زلتم تخصون خداماً بإحسان ودمتم لثناء تكسبون, وظل ... م تكشفون, وعز فوق كيوان وما كفى منه أوفي الإجازة إذ ... (أمنٌ لنعمى وما للطول والشان) وأدبه رحمه الله كثير. وتوفي في غزوة ماردة في شهر جمادى الأولى عام سبعة وعشرين وستمائة. ومنهم: 45- محمد بن أحمد بن عطية القيسي شهر بابن عطية ويكنى أبا عبد الله. كان رحمه الله من أهل مالقة. وله المعروفة بالوثائق, حسن الخط سهل الألفاظ مستقلاً بصنعة التوثيق جليل المقدار مشاراً إليه. ولي قضاء مالقة نائباً عن القاضي أبي عبد الله ابن الخطيب أبي مروان الباجي مدة ثم ولاه أمير المؤمنين أبو العلاء مستقلاً بمالقة فسار فيها السيرة الحسنة وأظهر من العدل ما يليق بأمثاله ووصفه الفقيه أبو الطاهر في بداية كتابه في موثقي زمانه, فقال فيه: متعمق في العلوم عارف, مستولٍ بذهنه على كلية المعارف. نشأ بمالقة وأطوادها متوافرون, وإعلامها النجوم متكاثرون, فحل من نفوسهم المحل الذي لا يدرك, وسكن منها ما يطرح له كل شيء ويترك, وباعة في الشغل رحب المتسع: فيضمن كل شيء بأذني

46- محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن الجذامي

ما يسع. يراعته تخدمه, وبراعته في كل حين تقدمه. وقد أخذ بخط من العلوم ليس بالقليل, وتقلد منها ما صار غير قليل. وتوفي رحمه الله في الثالث من ذي القعدة سنة سبع وعشرين وستمائة. ومنهم: 46- محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن الجذامي يكنى أبا عبد الله من حسباء مالقة وأعيانها وقضائها. وقد ذكر خالي رحمه الله والده فيما تقدم من هذا الكتاب. وكان أبو عبد الله هذا من علية الطلبة ونبهائهم, ذكياً فطناً بارع الخط كاتباً بليغاً أديباً شاعراً مطبوعاً. ولي قضاء مالقة في أيام الأمير أبي عبد الله بن هود في عام ست وعشرين وستمائة نحواً من أربع سنين. ثم إن أهل مالقة بغوا عليه وشنعوا عليه القيام على الأمير ابن هود. فخرج عن مالقة قاصداً ابن هود إلى إشبيلية ليعرف بذلك ويطلب منه الإقامة معه. فلقي أبا عبد الله بن الرميمي وزير ابن هود حينئذ, فرده من الطريق إلى مالقة, وأقام بها معه أياماً, ثم ذهب معه إلى غرناطة, فكبل فيها, وثقف في أحد أبراجها مدة طويلة, ثم سرح بعد ذلك, وامتحن رحمه الله في حياته كثيراً نفعه الله بذلك. فمن شعره رحمه الله يصف قوساً: تكاد تصيب خافية الرمايا ... فترشق قبل أن ترمي إليها كان عمودها خود بخالٍ ... تخال قضيبها تاجاً عليها ومن شعره يصف دولاباً: [طويل] ودائرة في الماء سبحاً تخالها ... كردانهٍ في كف محكمة الغزل فهذي تطير الماء من فرط سبحها ... وهذي تطير القطن من شدة الفتل لقد شاقني منها أنين كأنه ... أنين بكائي يوم بنت عن الأهل ومن شعره يرثي أبا محمد القرطبي: [كامل] لا صبر للعلياء بعد وحيدها ... سيان حزن جزوعها وجليدها

47- محمد بن إدريس بن علي بن إبراهيم بن القاسم بن مرج الكحل

ومن شعره يصف روضةً ونهراً: [طويل] أيا روضة تبدي النجوم أزاهراً ... وتختال في ثوبٍ من الحسن رائق لقد سل فيض النهر بيضاً كأنها ... بياض المشيب في سواد المرافق إذا انساب ما بين الربيع تخاله ... سنا البدر حسناً أو وميض البوارق كأن خرير الماء يخضم بالحصا ... مدامع محزونٍ, ورنة عاشق وتوفي رحمة الله بغرناطة, وسيق منها ميتاً إلى مالقة, ودفن بجبل فاره, بل بجبانة جبل فاره رحمه الله, (وذلك عام 631) . ومنهم: 47- محمد بن إدريس بن علي بن إبراهيم بن القاسم بن مرج الكحل يكنى أبا عبد الله. قدم علينا مالقة مراراً وأقام بها مدة. وأبو عبد الله هذا من فحول شعراء الأندلس المفلقين. كان رحمه الله شاعراً مجيداً وكاتباً مطبوعاً, سلس الطبع رائق المعاني سهل الألفاظ ذاكراً للآداب متصرفاً بأنواع البلاغات. أنشدنا خالي رحمه الله قال: أنشدنا أبو عبد الله بن مرج الكحل: [رمل] مثل الرزق الذي تطلبه ... مثل الظل الذي يمشي معك أنت لا تلحقه متبعاً ... فإذا وليت عنه تبعك ومن شعره أيضاً: [وافر] سقى الله الجزيرة من محل ... فقد حسنت لقاطنها مراحا وطاف بها طواف الصل نهر ... كما أبصرت في خصرٍ وشاحا ورب عشيةٍ فيه طفقنا ... نرود الظل والماء القراحا

وقد ضرب الضريب بها قباباً ... على الأدواح أبهجت البطاحا وكان جنابها يخضر أساً ... فأصبح وهو مبيض أقاحا كأن الخضر قربه يميناً ... ومد عليه جبريل جناحا ومن شعره يعتذر عن أحد إخوانه لغلام كان يهواه, وكان قد رآه فأعرض عنه فلامه على ذلك: [طويل] يقولون لي أعرضت عمن تحبه ... كذبتم ولكن لم يكن رائق النفس ولم يكن الإعراض مني تعمداً ... وهل يمكن الإعراض عن غاية الأنس ولكن صرفت الطرف عن نور وجهه ... كما تصرف الأبصار عن قرصة الشمس وقد دخل رث الحالة على الأستاذ ابن طلحة, فتكلم مع أحد الطلبة, فزجره الأستاذ, وزجر الطالب, فارتجل هذين البيتين ودفعها إليه, وهما: [كامل] بأبي رشاً هام الفؤاد بحبه ... وتقطعت من لوعةٍ أفلاذه شغف البرية كلها بجماله ... وأشدهم شغفاً به أستاذه ومن شعره أيضاً: [بسيط] لا تغضبن الذي ترميك أسهمه ... فقد جعلت له الأعراض أغراضا فالماء والنار بعض من عناصره ... يغلي إذا اتقدت, وربما فاضا ومن شعره: [طويل] دخلتم فأفسدتم قلوباً بملككم ... فأنتم على ما جاء في سورة النمل وبالعدل والإحسان لم تتخلقوا ... فلستم على ما جاء في سورة النحل وأنشدني خالي رحمة الله تعالى عليه, قال: أنشدني أبو عبد الله بن مرج الكحل لنفسه يهجو: [طويل]

دع ابن حريقٍ يزدهي بكلامه ... فإن رحاه دون طحنٍ يجعجع وهل شعره إلا كبارق ومضه ... خلي من المعنى, ولكن يفرقع ومن شعره أيضاُ: [رمل] ذهب الحرص (على) الوعد الذي ... سد عن إنجازه كل طريق طال فيه المطل حتى إنني ... قد تمثلت بشعر ابن حريق ومن شعره يهجو مؤذناً: [وافر] ألا قل لابن بغل لا يؤذن ... فينجس ذكر خالقه بفيه إذا ما كان في فمه كنيف ... فكيف يحل ذكر الله فيه ومن شعره في أحد الولاة: [طويل] وكنت أظن الحب بالضد للقلى ... ولم أعتقد أن الولاية ضده فلا تطلبوا من عند والٍ محبة ... ألا رب والٍ قد تغير وده فإن شئتم حداً لسكر معربدٍ ... فلا تضربوه, فالولاية خده ومن شعره مما أنشدنيه خالي: [مخلع البسيط] لا تطلبوا الود عند وال ... في تركه للأذى كفايه رب ضعيف, أذاه خافٍ ... يبدي مع القوة الإذايه ما كان في النفس من خبايا ... تخرجه الخمر والولايه ومن شعره: [كامل]

تسليط أعدائي علي لنعمة ... ولقد سررت فإنه تمحيص وقد كنت أحسب أنه لي نقمة ... لو أنني وحدي به مخصوص ومن شعره: [مجتث] اصبر على الظلم تكف ... وتؤت أجراً موفى من كان غارس شيءٍ ... فلينتظر منه قطفا ومن شعره يصف عشية أنس (بنهر القبداق) : [كامل] عرج بمنعرج الكثيب الأعفر ... بين الفرات وبين شط الكوثر ولتغتبقها راحة ذهبية ... من راحتي أحوى المدامع أحور وعشيةٍ قد كنت أرقب وقتها ... سمحت بها الأيام بعد تعذر نلنا بها آمالنا في روضةٍ ... تهدي لناشقها شميم العنبر والدهر من ندم يسفه رأيه ... فيما صفا منه بغير تكدر والورق تشدو والأراكة تنثني ... والشمس ترفل في قميص أصفر والروض بين مفضضٍ ومذهبٍ ... والزهر بين مدرهم ومدنر والنهر مرقوم الأباطح والربى ... بمصندلٍ من زهره ومعصفر كأنه وكأن خضرة شطه ... سيف يسل على بساطٍ أخضر وكأنما ذاك الحباب فرنده ... مهما طفا في صفحةٍ كالجوهر وكأنه, وجهاته محفوفة ... بالآس والنعمان, خد معذر نهر يهيم بحسنه من لم يهم ... ويجيد فيه الشعر من لم يشعر

ما اصفر وجه الشمس عند غروبها ... إلا لفرقة حسن ذاك المنظر ومن شعره ونقلت من خط أبي عمرو بن سالم: [كامل] يا نظرة أودت بحسن شبابي ... وقضى علي نعيمها بعذاب ما كنت أحسب نظرة من بصرة ... تقضي على مشتاقها بعقاب يا شادناً عيناه تفعل بالنهى ... ما تفعل الصهباء بالألباب لو ذقت ما ذوقت من ألم الهوى ... لعلمت قدر الشوق للأحباب إني لأعجب من عتاب عواذلي ... جهلاً عليك وما يفيد عتابي قلبي يرى أن لا سلو من الهوى ... رضي الذي يلقي من الأوصاب يا عاذلي ماذا تضرك شقوتي ... القلب قلبي والعذاب عذابي ومن شعره يمدح الكاتب ابن عياش: [طويل] سرى الطيف من أسماء والنجم راكد ... ولا جفن إلا وهو في الحي راقد شفى ألما لما ألم بمضجعي ... وبات يدانيني وكانت تباعد ألم على رغم الرقيب ودوننا ... على عدوان الدهر بيد فدافد ومنها: سقى عهدها عهد السحاب ولم يكن ... على العهد لولا (أن تبقى) المعاهد معاهد تذكي حرقة الكبد التي ... تكابد من آلامها ما تكابد كأن بها الغدران زرقٌ نواضر ... بها الطل كحل والغصون مراود أعلل بالآمال نفساً عليلة ... تكدر للآمال منها موارد ومنها: إليكم بإيلام الملام فمسمعي ... كقلب ابن عياش, وتلك حقائد

إمام البرايا في بلاغته التي ... يقر لها بالعجز من هو جاحد ومنها: ومن عجبي أن ترحل الشمس دائماً ... ومثلي في مثل الجزيرة قاعد إذا لم يلائمني مكان ألفته ... فكل مكانٍ مثله لي فاقد ولست كقوم أضمرتهم بلادهم ... أولئك موتى والبلاد ملاحد ولو لم يكن أصلي ... وحاشاه ماجداً كفى الفرع مني أنه اليوم ماجد ومنها: وقال حسودي أين إرثك منهم ... فقلت لهم: مال الأكارم نافد إذا لم يفدك المال حمداً مؤبداً ... فيا ليت شعري ما تكون الفوائد (ومن شعره) : [وافر] رأوا بالجزع برقاً فاستهاموا ... ونام العاذلون ولم يناموا وعندي من معاطفها حديث ... يخبر أن ريقتها مدام وفي أجفانها السكرى دليل ... وما ذقنا ولا زعم الهمام تعالى الله ما أجرى دموعي ... إذا عرضت لمقلتي الخيام وأشجاني إذا لاحت بروق ... وأطربني إذا غنت حمام ومن شعره يخاطب صفوان بن إدريس (ويعتب عليه) : [طويل] سقى سدرة الوادي الساحب الغوائث ... وإن غيرت منه السيول العوائث

48- محمد بن حسن بن إبراهيم الأنصاري

عذيري من الأيام خابت صقورها ... ونالت جزيل الحظ منها الأباغث وقالوا ذكرنا بالغنى, فأجبتهم ... خمولاً, ولا ذكر مع البخل لابث وما ضر خلا طيباً ورث الغنى ... إذا لم يغيره من الدهر حادث يهون علينا أن تبيد أثاثنا ... وتبقى علينا المكرمات الأثائث فهل عند صفوان بن إدريس أنني ... مقيم على حفظ المودة ماكث وإن كنت قد خاطبت فصل خطابه ... فعاقت عن الود الخطوب الكوارث ومن شعره (يتشوق إلى أبي عمرو بن غياث) الشريشي: [وافر] أبا عمرو متى تقضي الليالي ... بلقياكم وهن قصصن ريشي أبت نفسي هوى إلا شريشاً ... ويا بعد الجزيرة من شريش ومن شعره: [كامل] دع عنك قسطاس اللسان ولا تزن ... من كنت تحسب راجحاً أو ناقصا وإذا نقدت فكن نحاساً وليكن ... من كنت تبصره لجيناًً خالصا وأدبه رحمه الله كثير, وشعره شهير. وسأذكر قطعة منه في باب موسى وتوفي رحمه لله نحو عام أربعة وثلاثين وستمائة ومنهم: 48- محمد بن حسن بن إبراهيم الأنصاري يعرف بالبنالي. من جلة طلبة مالقة. كان كاتباً بليغاً وشاعراً مطبوعاً. وله

كتاب سماه بطلوع الزهرة السنية في سقوط زهرة الثنية, أثبت فيه أشعار الطلبة بمالقة, وحلاهم فيه. وقد ذكرت له منه في مواضع من هذا الكتاب. فمما أثبت فيه من قوله: [مخلع البسيط] وشادنٍ رائق المحيا ... تاه به الحسن والشباب إحدى ثناياه قيل عنها ... (قد) اعترى بعضها ذهاب أنجز وعد الفراق منها ... فمن حجى فعله يهاب فكأنه رجيم بشهب ... إذا شرر فيه والتهاب قد ظل يبغي استراق سمعٍ ... فانقض منها له شهاب وله في المعنى: [رجر] وبارع الحسن زرى في النظر ... ببهجة الشمس وحسن القمر قالوا وقد ماس بغصن ناعم ... أسقط بعض ما به من زهر كم أسقطت إحدى الثنايا مبسماً ... له كمثل الخاتم المجوهر فانطرحت عن عددٍ جملتها ... من قبل في حساب تلك الطرر أما رأوا بحر الجمال يرتمي ... والبحر قد يطرح بعض الدرر وله في المعنى: [مخلع البسيط] وبارع الوصف ذي جمالٍ ... لكل قلب به احتفاء فقلت قول امرئ خبيرٍ ... له بتحقيق ذا اكتفاء وما الثنايا سوى حبابٍ ... جرى على بعضها انطفاء وله في المعنى: [وافر] وريم كم رمى قلبي نبالاً ... بسحر جفونه أبداً تراش

49- محمد بن يوسف بن هود الجذامي

إن (ابدى) السن منه حصاه قلنا ... سنا المصباح أطفأه فراش ومن شعره, وكتب به إلى الفقيه الأوحد أبي جعفر بن خديجة: [متقارب] لأنجم أفقك نستمطر ... وأسهم ذهنك نستنصر فأرض الطروس إذا جدبت ... بسحر بلاغتكم تمطر فتنبت في الحين روضاً له ... جنى زهرٍ أنواره تزهر نجوم من الأفق منقولة ... بأرضٍ سماء بها تبهر حدائق صور فيها الجمال ... حداقاً من الأنس لا تسهر فيا حسنها لم تزل دائماً ... عيون المعاني بها تبصر فتلك قدود, وتلك خدود ... فمنظرها طاب, والمخبر ومهما وردنا على غربها ... فليس لنا بعده مصدر أنضحي على فرط برح الظما ... وفضل أبي جعفرٍ يسفر ويا ابن خديجة إن أخرجت ... معانٍ تتم وتستظهر فعذب حلاه, وخصب علاه ... لنا روضة, ولنا كوثر ومنهم: 49- محمد بن يوسف بن هود الجذامي هو الأمير. كان ابتداء أمره بمرسية. ثم إنه انتظمت له البلاد واتفقت له الأقطار على مبايعته والدخول في دعوته فبايعه الناس في بلاد الأندلس, وخلعت دعوة الموحدين منها, وذلك في عام ست وعشرين وستمائة. وبويع في مالقة في يوم الاثنين التاسع والعشرين من شعبان من العام بعده. فأول جمعة أقيمت لدعوته ودعوة العباسيين في الرابع من رمضان من العام المذكور.

50- محمد بن علي بن خضر بن هارون الغساني

وكان قد ملأ قلوب الروم رعباً, وكانوا يصفونه بالشجاعة والنكاية للعدو. وكان رحمه الله كثير العطاء لمن قصده, عفيف السيف, سيء التدبير. وصل إلى مالقة مراراً وأقام بها إلى أن انتقل إلى ألمرية, فدخلها ليلة الخميس الخامس والعشرين من جمادى الأولى من سنة خمس وثلاثين وستمائة, فأقام بها عند ابن الرميمي ليلة الخميس المذكور إلى نحو من ثلث الليل وهو صحيح دون ألم. فلما كان الثلث الثاني سمع الصياح في دار ابن الرميمي, فنهض إلى الدار فوجد ميتاً, فيقال: إنه خنق, ويقال: إنه مات موتته, والله أعلم. ووصل الكتاب بموته إلى مالقة غدوة يوم السبت, بعد اليوم المذكور في قارب في البحر. فسبحان من لا ينقضي سلطانه, ولا يبدل ملكه. لا إله إلا هو, الحي الذي لا يموت, وهو على كل شيء قدير. ومنهم: 50- محمد بن علي بن خضر بن هارون الغساني المشهور بابن عسكر. وهو خالي رحمة الله عليه, يكنى أبا عبد الله, مبتدئ هذا الكتاب. كان رحمه الله جليل المقدار متفنناً في العلوم على اختلافها, ومشاركاً فيها على تشتت أصنافها, يتقد ذكاء, ويشرق طهارة وزكاء. نشأ بمالقة وبها أعلام وجلة أكابر, فأربى عليهم في معارفه. وكان معظماً عندهم مشاراً إليه فيهم. كانت الفتوى تدور عليه بمالقة, والمسائل ترد عليه من البلاد, فيفتي فيها, ويعمل فيها برأيه, والقضاة يعظمونه كل التعظيم ويقطعون برأيه في أحكامها. وكان معظماً عند الملوك مقرباً لديهم. ولي القضاء بمالقة نائباً عن القاضي أبي عبد الله بن الحسن, وذلك في مدة أبي عبد الله بن هود. ثم إن ابن الحسن أخر. فلما كان في أيام الأمير أبي عبد الله بن نصر, ولي مرة ثانية مستقلاً. وصل كتابه في توليته القضاء في يوم السبت الثامن والعشرين من رمضان المعظم عام خمس وثلاثين وستمائة. فبكى رحمه الله, وامتنع. وكتب إلى الأمير أبي عبد الله يذكر أنه لا

يصلح للولاية حرصاً على أن يعزله عنها تورعاً منه رحمه الله. فلم يقبل الأمير ذلك منه. وبقي على ولايته. وظهرت في أيامه الحقوق, وسار من السيرة الحسنة ما لم يسربها أحد قلبه. كان ماضي العزيمة, مقداماً مهوباً منفذاً للأحكام. فكان بذلك مستحسن المقاصد, مشكوراً في الصادر والوارد. وكان رحمه الله أفضل الناس خلقاً, وأرحبهم صدراً, وأجملهم عشرة, وأتمهم رجولة, وأنداهم يداً, وأكثرهم احتمالاً. يحسن إلى من أساء إليه, ويجود بماله على من بخل به عليه, مع ما كان عليه من سياسة الناس ومداراتهم وقضاء حوائجهم وله في صنعة التوثيق باع مديد, وسهم سديد. وكان سريع القلم سهل الألفاظ مختصر الوثيقة, غاية في البراعة إلى الشعر الرائق, والكتب الفائق. وله تصانيف عجيبة متداولة بأيدي الناس, كالمشرع الروي في الزيادة على كتاب الهروي, والتكميل والإتمام لكتاب التقريب والإعلام, والأربعين حديثاً الموافق فيها اسم الشيخ لاسم الصحابي, وهو منزع لم يسبق إليه, وكنزهة الناظر في مناقب عمار بن ياسر, وكالجزء المختصر في السلو عن ذهاب البصر, وغير ذلك. رحل الناس إليه وأخذوا عنه. وكان رحمه الله قد أخذ عن شيوخ جلة كأبي الحجاج ابن الشيخ, وأبي محمد القرطبي, وأبي علي الرندي, وأبي جعفر الجيار, وكالقاضيين أبي محمد بن حوط الله, وأبي سليمان داود, وكالقاضي أبي الخطاب بن واجب, وكأبي زكرياء بن عبد المنعم الأصبهاني وغيرهم. وكان قد مال أخيراً إلى الرواية. وإنما نبهت عليه هذا التنبيه, وذكرت بعض ما كان من المحاسن فيه, مخافة أن ينقرض الزمان. فتنقرض أخباره. ويفنى ناس عصره, فتنس مآثره وآثاره, وليقف من لم يدركه على مناقبه الجميلة, ويشاهد بعض مآثره الحميدة ومنازعه الجليلة. ومازالت مناقب الأئمة تخلد وتذكر, وتذاع وتنشر. وإذا كان من العلم قد تعين شرعاً, واستحسن طبعاً فحقه علي آكد الحقوق, وسكوتي عن الاعتناء بتخليد مناقبه ضرب من العقوب. ولا غرو أن يقال: ما باله أطال في مدحه عنانه, وأدر من سماء فكره عنانه, فذكر له مالم يذكره لسواه, ولا أظهر على أحد نصه ولا فحواه, فعذري في ذلك أنه لم يكن أحد من أهل عصره

يجاريه, وأيضاً لفرط حبي فيه, واعتنائه رحمه الله بي وتحفيه, فلا أقل من أن أوفي له بعض ماله من الحق, وأقوم به فأنا الأوجب بذلك والأحق وعلمت رحمه الله وفضله كثير من أن أحصيه. وقد نعيت إليه نفسه, (حين) آن أن تغرب من سماء مغاربه شمسه. فمن شعره في ذلك رحمه الله: [طويل] ولما انقضت إحدى وخمسون حجة ... كأني منها ما تذكرت أحلم ترقيت أعلاها لأنظر فوقها ... إلى الحتف مني علني منه أسلم إذا هي قد أدنته مني كأنما ... ترقيت فيها نحوه وهي سلم ومن شعره: [طويل] إلى الله قوم قد تعرضت الدنى ... لهم ورمتهم كي تصيب فراغ وثباً لنفسي إنها عن طريقهم ... تميل لقوم بالجهالة راغوا أهاب ذنوباً صيرتني لميتةٍ ... إهاباً وما إلا المتاب دباغ تقسمت الأعضاء مني بطالة ... فللهو قلب, والرقاد دماغ وبيني وبين النفس في كل حالةٍ ... دفاع, فتردي مرة وتراغ عجزت فما وسم الجلاد بلائح ... علي, ولكن للوساد صداغ وأخلدت للراحات, والموت يستوي ... أولو ضنك عيشٍ عنده ورباغ

ومن شعره وقد طرقه هم: [مخلع البسيط] واصبر لما يعتريك تغنم ... غنيمتي راحةٍ وأجر فإن همّ الخطوب ليل ... لا بد يجلوه ضوء فجر ومن شعره وقد استدعي أن يجيز: [طويل] أجبتك لا أني لما رمته أهل ... ولكن ما أحببت متحمل سهل وكيف أراني أهل ذاك وقد أتى ... علي المميتان: البطالة والجهل وما العلم إلا البحر طاب مذاقه ... وما لي عل في الورود ولا نهل فأسأل ربي العفو عني فإنه ... لما يرتجيه العبد من فضله أهل وله في المعني: [طويل] أجبت على حكم التواصل والود ... سؤالك لما لم أجد منه من بد مقراً بأني لست أهل إجازةٍ ... وما كل مشمومٍ وإن طاب كالند وما كل ماءٍ للصدي وإنما ... كتبت كما واسى المقل من الجهد فأسال ربي أن يمن بعطفةٍ ... تقرب للقربى وترشد للرشد وله يستدعى من أبي عبد الله بن مرج الكحل أن يجيزه رواياته, وكتب إليه بها إلى إشبيلية: [كامل] يا من تصور شخصه من نور ... ........................... وقد رغب منه الفقيه الكاتب أبو الحسن الرعيني أن يجيز أولاده, فكتب إليه: [سريع] أصوح النبت فيرعى الهشيم ... عذراً فما برقي مما يشيم

فصارم العجز لدي اغتدى ... صلباً وعضب العلم في الجهل شيم حسب المعيدي سماع فما ... له إذا ينظر, مرأى وسيم إن تطلب الرؤية منه فقد ... كلف من ذلك خسفاً, وسيم وهي طويلة. ومن شعره في المعني: [متقارب] ويقصر مهدي النعاج العجاف ... عن السمن البدن والبدن أمثلي يعرض في حلبة ... تباري السوابق بالكودني ومن ذا الذي في رواة العلوم ... فأثبتني بعد أوعدني ولو رمت إلحاق نفسي بهم ... لطاردني العجز أو ردني وإني وإن أنا عنهم خطى ... لأرجو, وحسبي أن أدني ومن لي بإدراك قوم سروا ... إلى أشرف الفعل والديدن وقد قصر السن بي والسنا ... ء عن ذلك العتن الأهدن ولما تبسم عرف العرا ... ق حركني الشوق واعتدني ووالى ارتياحاً لمن حله ... كعهدك بالغصن الألدن أناس بهاليل بيض غدوا ... يلوحون في الزمن الأكدن ومنها: تنص المعالي على مجدكم ... كنص علي على المدني ولما علمت بهم لم أبال ... بمن سدته بعد أو سدني وكلفت رد الجواب لهم ... فحملت من ذاك ما أدني

فأصبحت فيهم قصيراً كمن ... يقيس الرديني بالمردن فعذراً لمظهرٍ سوقه ... يروم معارضة الصيدني وكتب معها بعد الصدور, وبعد: فإنه لما دعا لهذه الإجابة أكرم داعٍ, وجب الفعل بالإتباع. فكم آلى (علي) أن أبرز في منصة العجز سعالتي, وأطرز من العذر ما أحتمل به على علالتي. فلعل هذا المكلف قصد أن يجمع إلى الخز المشوب, أو أظنه طلب أن ينظم إلى الدر المخشوب فلو لم يأخذ القوس إلا الباري, ولا دخل الحلبة إلا السابق المباري, لما علم الأرفع من الأنزل, والرامح من الأعزل, ولرميت أدواء الجهل بالتعطيل, وعريت أفعل عن صفة التفضيل. لكن اقتضت الحكمة أن يباين الند نده, ويلاين الشيء ضده, حتى يعرف العذب بالأجاج, ويشرف الدر بمقايسه الزجاج. ولما علمت أني إذا امتثلت, ونثرت كنانتي ونثلت فإنما أكون من بين سبق الجواد بعيره , وزين بهدره بلاغة غيره, فأحبت, بعد أن تسترت من الحياء واحتجبت, فكتب والقلم عاثر, والعجز لما أروم نظمه من الكلام ناثر. وبعد أن وقفت على هذا الاستدعاء الذي طلعت من المطالع العراقية شمسه, وحسر اليوم بهذه البلاد الغريبة عليه أمسه, وكسا هذا الأفق من حال التشريف والتنويه, ما لم يكن يحتسبه ولا ينويه, وتأهل لأن يحمل من أهله العلم حيث قطبه الذي عليه مداره, ويروي عنه بالمكان (الذي) هو محله وداره. فيا عجباً للبحار كيف استمدت أوشالها, واستعدت لطلب المكاتبة. وقد كان يجب أن تقصد ويمشى لها فيا نفحات مسكية, ولمحات نيرة ذكية, أوجبت للإجابة حقاً, وصيرت كل سامح مسترقاً ومستحقاً وهي طويلة. كتب معزياً: مثل سيدي أجزل الله أجره, وأطلع في ليل مصابه فجره, في

متصبره من الفضل الذي ملك زمانه, والعلم الذي أصبح إمامه, والزهد الذي رداه رداء الورع, والمجد الذي فاق فيه نظراءه فبرع. لا تزعزعه النوائب, ولا تروعه المصائب, ولا تستفزه جرياً على سنن الفضلاء الأكابر, وأخذاً بما ذخر الله تعالى للصابر. وفي فصل منها: ولست أعزك الله ووقاك بأول من أفرده الدهر من حميمه, وجرعه كأس حميمة. فشيم الزمان, عدم الأمان, وسجايا الدهر, رزايا العلماء في البر والبحر. ألم يفجع متمماً بمالك, وصيره يبكي القبور لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك. وأصاب الخنساء بصخرٍ, فلم يحجبه ما يسرته له من الثناء والفخر, وفرق بين ندماني جذيمة, فأفقد كل واحدٍ منهما نديمه, وملأ قلب سيبويه أحزاناً, حتى أنشد (عن) أخوين كانا..... [رجز] كل أخ (مهما غدا) ... أخ له مفارقه لا بد أن يطرقه ... من الحمام طارقه وسوف يلحق الفرقدين العناء, فلا ينفعهما الاستثناء. فإذا علم المرء أنه إلى الموت مآله, وقد درج عليه سلفه وآله. فما ينفعه الوله, وسوف يفني آخر كما أفنى أوله: [طويل] وما المرء إلا هالك وابن هالكٍ ... وذو نسب في الهالكين عريق وكتب معها: [متقارب] عزاء, فمثلك من يؤتسى ... به في العزاء إذا الخطب لم ومن كان قلبك في صدره ... محا الصبر ما خط فيه الألم

ومنها: وللعلم بدر به يجتلي ... إذا ما ادلهمت دياجي الظلم ومن يدر أن الردى منتهاه ... فليس مفيداً له: ليث لم ومن أمل الخلد في دهره ... فمن جهله نفسه قد ظلم وكتب مهنئاً بزواج فقال بعدما تقدم جزء من الرسالة: فيا لها خطبة ما أسعدها وأسندها, وبغية تنيل مبتغيها عظمى المقاصد وحسناها. فهنيئاً له بقرينةٍ يفوز منها بوسطى سلك الحسب والعد, وزهرة رياض العلى والمجد, ودرةٍ لم تنشق عن مثلها الصدف, وزهرةٍ طلعت في سماء المجد والشرف. قسماً لقد جلت قدراً عن كل محاول, وقصرت عن إدراكها يد المتطاول. فلو صنعت من قرص الشمس دنانير مهرها, وطبعت دراهمه من نيرات الكواكب وزهرها, وبذل الوجود في نقد صداقها, وسلبت لها الجوزاء عن تاجها ونطاقها, وأجري من برها إلا ما قصر عنه كل بحر, وسقيت لخدمتها الثريا في ملاءة الفجر؛ لما بلغ لها بحق, ولقصر عن الأوجب لها والأحق. وكتب يوماً: مثل سيدي تذكر بعد أمة, ورعى الأمانة وواجب الذمة. فالفضل يتعلم من أخلاقه, والعلم من جملة ذخائره وأعلاقه. وما أظن سيدي إلا أن النسيان المركب في طباع بني آدم, غلب عليه حتى طال العهد وتقادم. ولا غرو فإن البشر بذلك أنسوا, ونسي أبوهم فنسوا. إلا أني قد ذكرت سيدي غير مرة, وأعلمت من المخاطبة كل طمرة. فتارة وعد بالتوجيه, فقلت: لا تنكر نجاحه من آل الوجيه, وأخرى جعلت فيها العتاب, للمتوجه بالكتاب. فقلت: لعله لم يكن أهلاً لأدائه, فلا أرمي غيري بدائه. والآن يصل به إن شاء الله فلان, وهو من أهل الأمانة والثقة, وممن يختص مني بالمودة والمقة. وأرجو إن وصله إلى ناديكم, فليكن الإسعاف من أياديكم, إن شاء الله وإن كان محتقراً قدراً, ومن سقط المتاع الذي يستخف به

ويزرى. ففي علمك أن الطالب يقنع بورقه, ويراها أعظم من بدر النهار ورقه والسلام. وكتب يوماً: وصل الله بقاء الفقيه أبي الحجاج, مؤملاً لقبول الشفاعة وقضاء الحاج. قد علمت, أدام الله عزتك, وجعل للمكارم ارتياحك وهزتك - أن حق الجار مرعي, وذمامه شرعي. فينبغي أن يلاحظ ويرتقب, فهو كما قال عليه السلام: أحق بالصقب. وإن كان خامل المقدار, فيرعى له قرب الدار. وحسبك من هذه المرتبة المنيفة, قصة أبي حنيفة, حين استعمل قدمه إكمال الشفاعة, وما أهمل (جارة) ولا أضاعه. وإن رجلاً خديماً تعرفه إن شاء الله من قبل موصلها, وهو جار لي بيت بيت, فحركني للشفاعة بعد أن أبيت. فوصلتني الآن رغبة في أن أشفع له شفاعة حسنة, وأفوز بنصيبٍ من هذه الحسنة. وذكر أن مقر الوزارة العظمى, لا ينحى من لاذ به ولا يظمأ, أعلى الله مقداره, وأجرى بأفق مراده أقداره؛ سجنه لأمر سببه, وأدب أوجبه. ويرجى إن شاء الله أن يكون الأدب قد أقامه, وألزمه الاستقامة. فالغرض منك أيها الصفي الوفي في إحراز هذه الفضيلة, وتبليغ هذه الوسيلة, لعل الشفاعة تتقبل, فيكون حق المجاورة قد رعي ولم يهمل. لا زال محل الوزارة قابلاً شفاعة الشافع, مواصلاً على الجميع أشتات الأيادي والمنافع. ولا زلت أعزك الله ساعياً في خير, جارياً بمقاصدك أسعد يمنٍ - وطير) بمنه, والسلام. ومن شعره: [متقارب] ولما أذاب الهوى مهجتي ... فأصبحت (منها كرسمٍ) دثر ولم يبق عين تراه العيو ... ن مني ولا أثر من أثر

تعرضته قاصداً كي يرى ... شحوبي فيشفق أو يعتبر وناديت رفقاً فقال: اعجبوا ... أمن دون جسم يلام البشر وقال أتبصرني هازلاً ... فإنك لست ترى بالبصر فقلت لقد صدق القائلون: ... أريها السها وتريني القمر ومن شعره في ناعورة: [سريع] ودائرٍ يسرق من مائه ... كواكباً فهو بها صاعد حتى إذا قام بها واستوى ... وقلت هذا فلك زائد أهوت إلى الأرض كما قد جرت ... نيازك لاح لها مارد فعاد من حليتها عاطلاً ... وهو إلى حالته عائد ومن شعره في المعنى: [سريعٍ] وسابح في الماء أعجب به ... لم يعرف السبح ولا أنكرا يجري مدى وما زال عن ... موضعه يوماً ولا قصرا وينتقي من مائة فضة ... يسبكها من حينه جوهرا ومن شعره في قوس: [وافر] ألا يا ناظراً رميي تعجب ... كأني في الإصابة لحظ ريم أسر بحسن رشي من رمى بي ... كأني قد رميت على الهموم إذا أرمي السهام يقال: هذا ... هلال الأفق يرمي بالنجوم فلو أمي على الشيطان يوماً ... سبقت إليه من قبل الرجوم ومن شعره أحدب: [سريع] وأحدبٍ تحسب في ظهره ... حبابة في نهرٍ عائمة

مثلث الخلقة لكنها ... في ظهره زواية قائمة وله فيه: [سريع] يا أوقص الخلقة بعداً فقد ... شوهك الله بهذا الوقص وزادك الله, ولكنها ... زيادة أكثر منها نقص كأنه في حملها صائد ... يحمل من دون طيورٍ قفص وله فيه: [طويل] وقالوا أتهوى أحدباً فأجبتهم: ... أرى حبه للقلب أسلى وأروحا فقالوا: فصفه, قلت: غصن تحدبت ... كمامته من قبل أن تتفتحا وكتب وقد استدعيت منه أقلام: سيدي الأرفع, وسندي الأمنع, الذي أفخر بولائه وأخر وده لأزمات الدهر ولأوائه, ما زال للأدب يدير أفلاكه, ويسر أملاكه, وينظم عقوده وأسلاكه. وصلت أحرفك المشرقة, وغصون أدبك المورقة, تعبر عن براعة, وتعرب في العبارة عن طلب يراعه. فلله أنت, لقد أبدعت في وصفك, وصدعت بالحق في نظمك ورصفك, فحليتها من ألفاظك بدرر, وأعليتها فوق الشمس والقمر, حتى تمنى الوشيج أن يكون يراعاً, وتحققت الصوارم أنها لم تزل للأقلام أتباعاً, وأشرت أن يكون مما خرجته أناملي, وصرفته عواملي. فكيف وهو في يميني لا يكاد يمشي خجلاً, وفي يمينك ينشئ حللاً. وعندي يريد أن يعرف فيعجم, وعندك ينبئ عن البيان ويترجم. فخفت أن يعدي على خطك الأغرب, كما يعدي الصحيح الأجرب. لكني سأوجه إليك إن شاء الله بابنة حزن, وغدية مزن, نابتة في الحجر الصلد, ومستويه كاستواء الملد, قد امتدى أنابيبها امتداد القداح, وطالت في دوحتها طول الرماح, وامتنعت لمدى من الأوراق,

واجتمعت وإنما تصلح بالافتراق. فحينئذٍ تبرى وتقط, وتكتب وتخط, فتبدى إذا صبحت يمينك سحراً, وتخرس من آدابك الرائقة بحراً. والله تعالى يبقي إخاءك, ويديم ولاءك بمنه. وكتب محبك الأشكر, محمد بن عسكر. والسلام. وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين أبا العلاء إدريس: [طويل] إليك تركت الأرض والمال والأهلا ... لأسمع من داعي قبولك (لي) : أهلا وفيك هجرت العيش أخضر ناعماً ... بها ونسيم الأرض أعطر معتلا ومنها: ركبت إلى لقياك كل مطيةٍ ... مبرأةٍ أن تعرف الأب والنسلا إذا نسبوها فالتنوفة أمها ... ووالدها ماء الغمام إذا انهلاً وما علمت يوماً غذاء وإنما ... أعار لها الأعضاء سائسها فتلا وقد ضمرت حتى اغتدت من نسوعها ... فلو عرضت للشمس ما أسقطت ظلا وما في قداها قدر مقعد راكبٍ ... ولكنها ساوت مساحتها الرجلا لتبليغها المضطر تدعى ببلغةٍ ... وإن قست بالتشبيه سميتها نعلا سأشكرها جهدي وأثني بفضلها ... فقد بلغتني خير من وطئ الرملا ملكياً كأن الشمس فوق جبينه ... وليث الشرى في درعه حاملاً شبلا إذا رام أمراً لم يخف فيه من عسى ... وإن قال كن لم يخش في غرض من لا وما ذاك إلا أن في الله همه ... فيجري له في ذلك القول والفعلا

ومنها: له فتكات في العدى وعزائم ... تسدد رعباً (في) قلوبهم النبلا نعدهم أسرى وهم في دياركم ... ونحسبهم ما بين أهليهم قتلى همام إذا ما الحرب شبت تقدمت ... به همة. حسب الشجاع بها فضلا ومنها: إذا أوعد الأعداء لم يعرفوا البقا ... وإن وعد العافين لم يعرفوا المطلا ومنها: ولا غرو إن لاحت نحلية باطل ... فعجل بها, فالحق يعلو ولا يعلى ألم تر موسى حين ألقى عصاه لم ... يطق ساحر يلقي عصياً ولا حبلا وما ابن لبون الحرب يستطيع صولة ... إذا هو قد رام القناعيس والبزلا ومنها: تقابله سيفاً, ومنك تسابقا ... حسام محلى أو دهاء قد استعلى طلعت بأفقي إمرةٍ وخلافةٍ ... كما اشترك النوران واتحدا فعلا وإن امتزاج الطيب بالطيب مكسب ... له قوة ما كان يعرفها قبلا رضيت بتغريب يصحف لفظه ... لدي بتقريب إليه, فما أحلى وبالشوق للأحباب إذ أنت مؤنسي ... وكم وحشةٍ صارت طريقاً لما يسلى وبالبين عنهم خائفاً مترقباً ... وإذا سار موسى خائفاً لحق الرسلا ومنها: جهول يرى أن السيادة شرعة ... فقل: سامري صاغ من عسجدٍ عجلا وما زلت أوليه من البشر والرضا ... نصيباً, ويولي من إساءته كيلا إلى حين أصمتني سهام قسية ... "فأوقعن بي عيباً وسببن لي نغلاً"

وسرت طريداً البلاد كأنني ... لأحمد سمعا قد حلمت به عذلا فأحمد ربي إذا منيت بغربةٍ ... ولم يرني صانعت وغداً ولا ردلا وربتما ماتت من الجوع حرة ... ولم ترض أن تختار من ثديها أكلا فمن مبلغ الأعداء أني آمن ... وأن أذاهم عاد ممتنعاً سهلا وأني بحيث الدهر قد صار خائفاً ... لإضراره بي أن أحمله الثكلا وأني منكم في جوارٍ وأرتقي ... له البدر, ما شان المحاق له شكلا أما علموا أني بآخر آيةٍ ... من اقتربت, سحراً يورثهم خبلا فدمت بكم أجني السرور ويجتني ... عدوي من فرط الحسادة لي نكلا وله في قارئ يقرأ ما يكتب له تحت أثوابه باللمس من غير أن يعاين ما في الطرس مكتوباً: [سريع] وقارئٍ ما تحت أثوابه ... كأنما ينظر في طرسه نورية فاضت بأعضائه ... فانقلبت فيه إلى حسه كأنما قوة إبصاره ... قد نقلت منه إلى لمسه كأنما الحرف له نابض ... وهو كجالينوس في جسه لا تعجبوا من (أمر) إدراكه ... ينفد ما يعلوه من لبسه فالأفق الأعلى سماواته ... لا تحجب الإدراك عن شمسه لمثله كان سليمان قد ... تفقد الهدهد في نفسه فيا لها من آيةٍ أعجزت ... عن مثلها كل بني جنسه ومن شعره يصف عشية أنس رحمه الله: [طويل] أأنسى من الأزمان أنس عشيةٍ ... أجلنا بها الأحداق بين الحدائق

حدائق بيض بالأزاهر وسطها ... جداول كالأسطار وسط المهارق كأن على تلك الأباطح جردت ... صوارم لما خيف من كل طارق صفت وصفا فيها الحصا فكأنها ال ... مجرة حفت بالنجوم الشوارق وقد أودع الأرواح عند هبوبها ... عليها يدي داود, رب الخلائق يصوغ دروعاً فوقها كلما جرت ... فيا لك من حسنٍ للحظك رائق وغنت بها الأطيار وهي تجيبها ... فيا عجباً من حسنٍ أخرس ناطق أقمنا عليها بعض يوم كأنه ... لمبصره في العمر لمعة بارق مع أبناء صدقٍ طاهرين كأنهم ... نجوم سماءٍ أشرقت بالمشارق حسان الذي يبدو فريق جيوبهم ... أعفة ما قد ضم تحت المناطق أقر بنو الدنيا جميعاً بأنهم ... شياه وكل الناس مثل البيادق يديرون في وصف العلوم كؤوسهم ... وليس سوى الآداب خمراً لذائق رأت أنسنا شمس النهار فلم تزل ... تسارع نحو الغرب سير السوابق وغارت بنا فاصفر للناس وجهها ... كما اصفر من خوف النوى وجه عاشق عجبت لها قد أبصرتنا ولم تقف ... وقد وقف قدماً لقتل العمالق فهلا أقامت كي يدوم وصالنا ... ولو قدر ما ترتد مقلة وامق فتباً لدهر لا يدوم نعيمه ... لقد قطعت للأمن منه علائقي تطول على الحر اللبيب صروفه ... كليل سليم أو عذاب منافق وتقصر ساعات الوصال إذا أتت ... كخلب برقٍ أو كغفلة سارق فيا لزمان بالورى متقلب ... خلائقه للخلق شر الخلائق كأن بني الدنيا لوقع صروفها ... عصافير ترمى عن قسي البنادق فما منهم من يستطيع تخصاً ... لإصماء سهم للمنية راشق سواء عزيز القوم مثل ذليلهم ... لديه, ومن في السفح أو في الشواهق فما عمرت عمرو بن هندٍ جنوده ... ولا أنعم النعمان قصر الشقائق كأن جميعاً إذا سقاه حمامه ... بكأسٍ حقاقٍٍ خر من رأس حالق أطلعت الهوى حتى خدعت ومن يطع ... هوى النفس يخدعه كخدع المآذق فيا نفس كفي قد بلغت بي المدى ... أمالك بعد الشيب توبة صادق ويا رب عفواً إنني منك واثق ... فمن على عبدٍ بجودك واثق

وله من قصيدة كتب بها جواباً لبعض إخوانه: [بسيط] أطل (على) الدهر في عتب أو اقتصر ... فلست منه على حالٍ بمنتصر ودع بنيه ففيهم من شمائله ... ما قد تضمن من مستقبح السير حازوا التليدين من لؤمٍ ومن حسدٍ ... إلى الطريفين من عي ومن حصر ومنها: كم قد تنكر لي من قد محضت له ... ودي وما جئت من شيءِ له نكر وظل يوثر أفراس العداوة لم ... ينفعه وعظ ولم أغدر ولم أتر ومنها: لما توهم أن يقوى بقدرته ... على المضرة لم أصرف له بصري وكلت لله آمالي فأعجزه ... وقلت بالجبر لما قال بالقدر ومنها: إيه فديت بأرواح العداة أبا ... محمد وفداك الدهر بالنفر أتشتكي حسد الحساد وهو لهم ... كالنار تعرف فيها نكهة القطر ومنها: ن كنت تطلب منهم مثل نفسك قد ... طلبت معجزة من غير مقتدر عذراً لهم فلقد راموا بجهلهم ... شأو امرئٍ فوق أوج الشمس والقمر مهما مشى نحو قصدٍ, للعلاء سعوا ... وإن سعوا خلقه في غايةٍ يطر تجري اليراع بيمناه فتبلغ ما ... يغيب من سمهري في يمين جري ومنها: وصفتني بصفاتٍ أنت مالكها ... لكن تكسيت منها ثوب مفتخر فالريح تخطر بالأزهار جارية ... فتكتسي من شذاها الطيب العطر

كأنما كنت في المرآة تبصر من ... وصفته, فلديها العكس للصور حقاً دعيت بزهري منك قد جمعت ... في الطرس بين (فنون) الزهر والزهر وقد برعت زهيراً في القريض, ومن ... تقارب اللفظ, خصوا ذاك بالصغر إيه تكلفني رد الجواب وقد ... علمت أني لا أسطيعه, فدر لما بعثت رياضاً منك مثمرة ... سرقت منها, وليس القطع في الثمر فإن نطقت فمن علمٍ بصفحك (لي) ... وإن سكت فإني بالسكوت حر وكتب إليه الفقيه أبو علي الاستجي بقطعة شعرية, فجاوبه عليها مسرعاً: [كامل] يا سيدي قد أقحمتني أحرف ... ألفيت فيها كل سحرٍ مودعاً وافت, وعهد أخيك, عن أثبالها ... قد طل من نهب السرور وودعا ذكرت عن قمرين لاحا عندنا ... ولعل عندك أشرقاً وتطلعا سكرا بأفلاكٍ جرت بهما لنا ... فتألفا في أفقنا وتجمعا فلعل إظلاماً لدينا ينجلي ... بهما, وأنسا قد مضى أن يرجعا ولقد غنيت بنور وجهك عنهما ... وبنور ذهنك إذا بدا وتشعشعا ولئن تغب عنا فإنك حاضر ... فاعجب لمفترقين قد حضرا معا فإذا تمتع ناظري حسناً فقد ... لاح الجمال للحظكم فتمتعا ومن شعره وقد سأله بعض الطلبة أن يجود عليه, فكتب إليه مع جملة دراهم أعطاها له: [مخلعٍ]

51- محمد بن عيس بن مع النصر المومناني

عذراً فإن الحسام ينبو ... إن لم تساعده شفرتاه والصقر إن لم يكن بريشٍ ... لم تستطع نهضة قواه ورب ذي منيةٍ ولكن ... باعده الفقر من مناه فاقبل ... فديت القليل ممن لم يستطع غيره يداه وله يصف سيلاً على أمير المؤمنين أبي العلاء في رياضة بوادي........ [كامل] يا أيها الملك الذي قد أشرقت ... أقطار رية من سناه ونوره يا من يرينا الشمس فوق جبينه ... حسناً, وليث الغاب فوق سريره وإذا الزمان رأى رجاحة عقله ... صرفته عن ثهلانه وثبيره عذراً لوادٍ أم قصد مقامكم ... كدراً, وحسن الزور في تكديره عجلان محمر الأديم كأنما ... غلب الحياء عليه عند خطوره يحكي الحوامل باضطراب فؤاده ... قلقاً, وعدو الأيم عند مسيره سيريك متن السيف عند صفائه ... جرياً, وسرد الدرع عند فتوره وافى يقبل في الثرى إذا لم يطق ... تقبيل كف تزدري بنميره ويروم يقضي بعض حقكم الذي ... عجزت أولوا الأفهام عن تعبيره منع الكلام وقد تعين شكركم ... فأتاك يعرب عنه صوت خريره وتوفي رحمه الله عليه في ظهر يوم الأربعاء لجمادى الآخرة عام ستة وثلاثين وستمائة غفر الله وجعل الجنة مأواه بمنه وكرمه لا رب سواه. ومنهم: 51- محمد بن عيس بن مع النصر المومناني يكنى أبا عبد الله. ورد علينا مالقة أيام الأمير أبي عبد الله بن هود فأقام بها سنين.

كان رحمه الله من جلة العلماء والمحدثين, أكثر اشتغاله بالحديث. وكان رحمه الله ذا هيئة جميلة وشارة حسنة, وسيم الصورة منبسط النفس, عالي الهمة. وكان عنده من الكتب ما لم يكن عند أحد. أدخل مالقة فوائد وكتباً لم يشاهدها قبله أحد من أهلها. وجدت بخط خالي رحمه الله ما نصه: أنشدني الفقيه أبو عبد الله المومناني وقال: وجدتها بخط قاضي الجماعة الشريف أبي عبد الله محمد بن طاهر الفاسي, وينسبها لابن تومرت يخاطب بها أبا حامد الغزالي, وهي: [متقارب] أخذت بأعضادهم إذا أتوا ... وخلفك العجز إذا أسرعوا وأصبحت تهدي ولا تقتدى ... وتسمع وعظاً ولا تسمع فيا حجر الشحذ حتى متى ... تسن الحديد ولا تقطع قال: وأنشدني أيضاً له: [سريع] الأرض للطوفان محتاجة ... لعلها من درنٍ تغسل قد كثر البغي على ظهرها ... وكذب المرسل والمرسل وانتقل رحمه الله إلى مراكش, وبقي بها معظماً عند الأمير الرشيد أبي محمد عبد الواحد بن أبي العلاء في غاية من المكانة والتنويه إلى أن أراد الله بهلاكه, فكتب إلى بعض السادات يذكر له القيام على الأمير أبي محمد عبد الواحد المذكور, فذهب غلامه بالبطاقة فجعلها في يد الأمير وهو يظن أنه إليه أرسله. فكان الأمير على شغل في قصره, فلم يعبأ بالبراءة ورمى بها واشتغل بما كان بصدده. ورجع الغلام إلى أبي عبد الله المذكور فأعلمه بالنازلة, فعلم أنه لا يعيش أبداً. ثم فكر في نفسه وحمله رأيه على أن يكتب براءة يستعذر للأمير فيها ويطلب الإقالة منه لعثرته, ووجه بها إليه في الحين. فقرأ الأمير البراءة, وقال: لأي شيء يستعذر وما جنى ذنباً. ثم تذكر البراءة الأولى فقرأها ووجه في الحين على أبي عبد الله المومناني وأمر بقتله. ويقال: إنه ذبح ذبحاً نفعه الله وأعظم أجره. ووصل مالقة خبر موته في أوائل ذي القعدة عام ثمانية وثلاثين وستمائة.

52- مسلم بن أحمد بن محمد بن قزمان

ومنهم: 52- مسلم بن أحمد بن محمد بن قزمان يكنى أبا الوليد. كان رحمه الله كاتباً أديباً بارعاً متفنناً في الأدب, جيد الطبع, متقد الخاطر. من شعره: [بسيط] ولى شبابي ولم أعلم بكرته ... فالآن قد صرت من حتفي على وجل كأنه قادم وأفى أحبته ... يبغي بتسليمه توديع مرتحل ومن شعره: [بسيط] لو كنت تنظر للآجال معتبراً ... وسيرها سير ذي الأوبار في السفر أبغضت محبوب آمالٍ تقر بها ... نفساً, تحير بين الورد والصدر ومن شعره: [متقارب] وقالوا اعتقدت متاباً من ال ... حميا وأنك لا تشرب فقلت: نهاراً, فمهما دنا ... غروب فحلقي لها مغرب ومن شعره: [طويل] مرادك (دينار) تعبة ودرهم ... وإنهما عند الحقيقة أوزار هما شرك الدنيا كطعمة قانصٍ ... ليأخذ ذا أنسٍ ويسلم مذعار فكن شرساً (صعب) القياد (إليهما) ... فآخر ذا هم, وآخر ذا نار ومن شعره: [طويل] إذا زرت غباً زدت حباً وغبطةً ... فمخلق ثوب الود طول تلاق فللعين إعراض عن البدر مدة ... ولكنها ترعاه عند محاق وله يصف عصا في يد شيخ يمسكها: [بسيط]

وعمدةٍ لي وقد ألزمت صحبتها ... تخذتها قدمي مذ هاضني قدمي نحيلة الجسم للهندي نسبتها ... وقد تعاورها قدماً ذوو الهرم من عاتق النبع مثل القدح قد نحتت ... صلفاء في لمسها من كف ملتزم صليبة العجم صفراء القميص, لها ... نحافة الصب مهجوراً أو الدلم على ثمانين مرت بي أشير بها ... وما لهن ارتجاع, لا على غنمي كأنني قوس رامٍ وهي لي وتر ... والدهر يشرع لي سهماً من العدم وتوفي رحمه الله في عشي يوم الأحد بعد صلاة المغرب في شعبان المكرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة, ودفن اليوم الثاني بعد صلاة (الظهر) مجاوراً للأستاذ أبي علي الرندي ومن شعره: [طويل] أما رام ظبياً راقني بصفاته ... وحسن لآ (له وزين) سماته وددت لطيفٍ ليس ينقص حكمه ... (فيوفي بوعدٍ أو يروم) لآته ومجدٍ أثيل قد ملكت عنانه ... وذاتٍ نأت عمن نواها بذاته إذا غاب عن فكري خيالك ساعة ... فقد ساء حالي من أذى غمراته ولي منطق رطب بشكرك كلما ... تنشقت عرف المسك من نفحاته وكم عزم القلب المعنى على النوى ... ولكنني استوقفت عن عزماته ولولا مقال الناس عني هالع ... لكنت قريح الجفن من عبراته وأعمى انسكاب الدمع إنسان ناظري ... وصار محاقاً نوره بأذاته ولا غرو ما يلقي خليلك في النوى ... وما بثه من مؤلمات شكاته

53- مسعود بن عبد الله

فإن مذاق البين مر وأنني ... أرى سكرات الموت من سكراته ولو كان شخصاً كنت قاتله ولم ... أخف قوداً أو باهضات دياته وإن حمام الأيك فوق غصونه ... ليشكوا أليم البين في نغماته وكنت أظن الدهر يبقي مسرة ... (تظل به) موصوفة بثباته فلما تفرقنا استزدت زهادة ... ولم أرض أني من رجال عفاته ولا (راقني) أني أعدد من ذوي ... موالاته قرباً ولا من ولاته ولو زادني منه بنخبة عزه ... لما قلت هبنيه ولا قلت هاته ولا كنت (مرتاحاً) ببهجته ولا ... اغتررت بما أبصرت من حسناته فما لذ شرب منه إلا أمره ... وكدره بالصعب من سيئآته إذا استهدف البين المشتت مقلتي ... وأصبح هذا الدهر أصمى رماته فما هو إلا بالمصائب محذق ... به قد أحاطت من جميع جهاته أبا حسن إني عهدتك محسناً ... فأيقظ كريم ودنا من سناته ولا تستبن فيه تطلع بيننا ... مقالة من يهديك هدي صفاته وآنس بحرفٍ أو بحرفين واحشاً ... يفديك من صرف الردى بحياته فلا زلت في ضمن الحياة مهنأ ... وأبصرت من عاداك رهن مماته ومنهم: 53- مسعود بن عبد الله يكنى أبا الحسن, إسلامي. كان كيساً ذكياً أديباً, بارع الأدب كاتباً بليغاً. له أشعار حسان وموشحات رائقة. ذاكراً لآداب كثيرة, معتنياً بطريقة الأدباء. ومن شعره يرثي: [وافر]

أبيني يا منون لنا السؤالا ... وبالحق انطقي ودع الجدالا لقد أشعرتنا بذهاب عيشٍ ... وما نلنا من الدنيا منالا فكم ذا نشتكيك ولم تحني ... كأن لم تسمعي قيلاً وقالاً علام أدلتنا نعمي ببؤسى ... فغم بما نعمنا الدهر بالا وحكمت النوائب في البرايا ... فلم تبق النساء ولا الرجالا ولم ترث لحزبهم فمهما ... حللت بهم شددت لهم عقالا ومنها: قتلت العالمين بلا سلاح ... وعطلت الأسنة والنصالا وقد غادرت أهل الأرض صرعي ... ولا زرقاً بعثت ولا نبالا وقد كنا نعد لك العوالي ... لو أنك كنت أبديت القتالا وإن قتل الأنام غدا حراماً ... فقد صيرت قتلهم حلالا ومنها: فمن هذا الذي يرجو حياة ... يسر بها, وسوف تسوء حالا إذا فكرت ليلاً أو نهاراً ... وجدت حقيقة الدنيا محالا إن اعتزت سيغشاها هوان ... أو اعتلت ستنتقل انتقالا وليس رشادها إلا سفاهاً ... وليس لها هدى إلا ضلالا وما أعطت لطالبها اختياراً ... ولا بقت لعاشقها وصالا وكم هدمت لعامرها بناء ... وكم قطّت لواصلها حبالا ومنها: بنو الدنيا حياتهم نيام ... فإن زاروك فاحسبهم خيالا وكل رزيةٍ فيها عزاء ... لرزءٍ عارضٍ هدَّ الجبالا ومنها: على فقد التي لما استقلت ... تغير كل عز واستحالا فآثر عقد جيد الدهر لما ... أصيب بها, ولم يرض الجدالا

54- مغاور بن عبد الملك بن مغاور

وحتى أنجم الآفاق أمست ... تشكى في منازلها الكلالا وأظلمت القصور لساكنيها ... وقد كانت تروق لهم جمالا لئن صار الضريح لها حجاباً ... لقد كان الحياء لها حجالا ولم تجزع لموت حين وافى ... ولا أبدت لرؤيته اختبالا لقد جرعتنا كأساً فظيعاً ... شربناه وكان لنا سمالا وأحببنا لقاء الموت لما ... رأينا بعدك المحيا وبالا وشققت القلوب عليك عين ... نواعم لم تراع لها دلالا ولما أن جعلت اللحد مثوى ... وهبن نفوسهن لتستمالا تفديك المكارم والمعالي, ... إذا الغرم اغتلى منك النوالا وأما المأثرات فقد أقامت ... لديك وأقسمت أن لا زوالا ألا يا رب ذا وجه مصون ... وسيم الروع فامنعه ابتذالا أثابك ربك الحسنى جزاء ... ولقاك الكرامة والجلالا زهت بك جنة الفردوس عجباً ... وحور العين بادرن اقتبالا على أن لو بسطنا الخد أرضاً ... تمر عليه ما كان احتفالا عسى الصبر الجميل يزور قوماً ... قد اجتلدوا (وما وجلوا) اجتلالا وهي أكثر من هذا. وأدبه مشهور. ومنهم: 54- مغاور بن عبد الملك بن مغاور ويكنى أبا الحسن, وهو ابن أخي الشيخ أبي بكر بن مغارة. كان رحمه الله نبيهاً فطناً لوذعياً شاعراً مجيداً. نقلت من خط الفقيه أبي عمرو بن سالم, قال: أنشدنا أبو الحسن بن مغاور لنفسه مما قاله بمرسية: [بسيط]

وليلةٍ بتها والسعد يسعدنا ... في فتيةٍ كنجوم الدهرٍ أكفاء نرتاح في جنةٍ راقت محاسنها ... مستمتعين بآلاء ونعماء وبيننا شمعة كالبدر مشرقة ... لكنها طلعت في صفحة الماء فزنا بنيل المنى رغماً لحاسدنا ... والدهر ذو مقلةٍ عن ذاك عمياء يا ليلة السفح هلا عدت ثانية ... سقيت من ليلةٍ في الدهر غراء ونقلت من خطه أيضاً, قال: أنشدني الفقيه أبو الحسن مغاور لنفسه بمالقة: [متقارب] بجامع مالقةٍ شادن ... هضيم الحشا, ثغره جوهر يطوف بإبريقه ساقياً ... ولكن لواحظ تسكر يبيح لنا الماء من كفه ... ويحمي اللمى واللمى أعطر كأن بخديه بدر الدجا ... فكل إلى حسنه ينظر ومن شعره, ونقلت من خط أبي عمرو بن سالم أيضاً قال: أنشدني ابن مغاور لنفسه: يا ناسخاً أحكمت يداه ... فوق سماء الطروس زهرا طرسي روض بغير زهرٍ ... فاغرس بيمناك فيه زهرا ونقلت أيضاً من خط أبي عمرو بن سالم رحمه الله تعالى عليه بمنة آمين, من شعره: [مجزوء الخفيف] سود الشعر خده ... بعد ما كان أبيضا وتقضى شبابه ... فهو يبكي لما مضى ومن شعره: [بسيط] بالأمس لحيته سوداء حالكة ... واليوم ليس لها عين ولا أثر كانت كعارية في خده رجعت ... إلى المعير فلم يسمع لها خبر

55-المنذر بن رضى الرعيني

ومنهم: 55-المنذر بن رضى الرعيني يكنى أبا الحكم. أصله من بسطة, وانتقل منها إلى الموحدين في أول أمرهم ووفد عليهم فتلقوه بالبر والإكرام لمكانه من الحسب, وبراعته في الأدب. وأقطعوه إقطاعاتٍ بمالقة, فاستوطنها. وكان رحمه الله جليلاً كاتباً بليغاً شاعراً. وصفه ابن أبي العباس فقال: مجرر ذيولٍ كسحبان, ومالك أزمة البيان, إلى بلاغةٍ تربي على بلاغة إبراهيم بن هلال, وبراعةٍ توقف عليه صفة العلم والكمال, وذكاءٍ كذكاء إياس, وفهم يحل كل مشكل واقتباس. ومن شعره في صفة قينة: [مخلع البسيط] وقينةٍ تستبيك حسناً ... كمسك دارين إذ تشم ألذ في الكف منها ثدي ... تطعن في الصدر إذ تضم وله في صفة راقصة. ورأيت ابن أبي العباس نسبها لعبادة, والصحيح أنها للمنذر: [منسرح] راقصة لا تحس وطأتها ... تخالها في الخفوف كالطيف تنقل أقدامها على عجلٍ ... كأنما رقصها على سيف ومن شعره في طول الليل: [كامل] في ليلة وصلت بأخرى مثلها ... لا ينقضي إظلامها إصباحا تبدو النجوم بها وتخفى تارة ... تحت الغيوم كما أجلت قداحا ومن شعره وكتب بها إلى أبي محمد ابن أبي العباس: [كامل] أأضام والجار الأمين منيع ... ويراع في كنف الكريم مريع

وترى علي كآبه وتخالني ... في صغرةٍ بين السراة خشوع لو قد رأتني من رأتني قبلها ... عجبت وقالت كيف ذاك يضيع عهدي به يستدفع الجاني (حمى) ... وأراه قد أعياه بعد شفيع الله في حفظ الجوار وذمهٍ ... والعز والجميع جميع وله يرثي أبا محمد ابن أبي العباس: [بسيط] لمثل رزئك دمع العين ينكسب ... ومن مصابك قلب المجد يضطرب وفقد مثلك لا فقدان يعدله ... وإنما هو في فقد العلى سبب قالوا توفي عبد الله فانفطرت ... له القلوب وكاد الحين يقترب يا هضبة عجلت (أيدي المنون بها) ... فبعدك الأرض يكسو خدها شحب وكيف شمس الضحى (أضحت) أما غربت ... (لذاك, بل) كيف لاحت بعدك الشهب وكيف لم تصبح الأمواه غائرة ... وكيف تخضر في أدواحها القضب أقول لما أتى منعاه في رجبٍ ... ماذا من الحزن أهدى نحونا رجب ومنها: وكنت أحسبني وحدي أصبت به ... حتى علا (جمعنا) والسؤدد العجب يثني العدو كما يثني الصديق ولو ... لم يثنيا, أثنت الأيام والحقب ومنها: لا أجعل الصبر (من) هذا المصاب ولا ... أراك لو مت تأتي بالذي يجب والنعش حذو بنات النعش محتمل ... له صرير, فملثوم ومجتذب

56- موسى بن محمد المشعلاني

مثل السفينة إلا أن (راكبها) ... جمع, ومجلوبه ما مثله جلبوا وكتب إلى أبي محمد ابن أبي العباس المذكور: [كامل] يا من إذا عد الأفاضل في الورى ... فهو الذي يثني عليه الخنصر يا من هو العين الذي كل الورى ... في كل مشكلة ألمت, يبصر يا سالكاً سنن ابن ثورٍ جملة ... فلأنت في كرم السجية أشهر حزت المآثر يا وحيد زمانه ... فبك السراة على الحقيقة يفخر لا زلت ترفل في ثياب محاسنٍ ... وشذا الثناء يذاع منك وينشر وله في شمعة خضراء: [سريع] خضراء تحكي الغصن في شكلها ... بين اعتدال (دائم) واخضرار يقول إذا أبصرها مبصر ... نور ذاك الغصن أم فيه نار تبكي لما حل بها أو لأن ... شتت شمل الليل ضوء النهار وله أيضاً في شمعة: [منسرح] واقفة ليلها على قدم ... لم يعرها في وقوفها فتر تنفق للناس نفسها كرماً ... حتى لقد مسها به ضر فينقضي الليل مظهراً (حزناً) ... مما عراها ويطلع الفجر وشعره رحمه الله كثير, وأدبه مشهور. ومنهم: 56- موسى بن محمد المشعلاني يكنى أبا شهاب. من الأدباء النبهاء. (كان) شاعراً وأديباً بارعاً. نقلت من خط

57- مقدم بن معافى بن حسن بن زياد المالقي

خالي قال: نقلت من خط ابن سالم, أنشدني أبو بكر ابن أبي غالب, قال: أنشدني أبو شهاب لنفسه: حمدت الله أن كنت المعافى ... وخصك بالعمى عيناً وقلبا فعينك ليس تبصر عين شيء ... وقلبك يبصر الأشياء قلبا ومن شعره: [كامل] مما أضر بنا (لدى) ترحالنا ... طين على ظهر الطريق يبيس فكأن آثار الركائب فوقه ... خط تقادم في الكتاب دريس وكأنما الطرق المدوسة حوله ... طرر المصاحف أخلقتها السوس ومنهم: 57- مقدم بن معافى بن حسن بن زياد المالقي يكنى أبا الحسن, من علية مالقة ونبهائهم ومعدود في حلية حسبائهم, قال فيه أصبغ في كتابه: مقدم في النباهة كاسمه, وأصيل جرى على سنن الانقباض ورسمه لم يقف في أبواب الملوك ممتدحاً, ولا أورى زناداً ماله بالشعر مقتدحاً. وكان أبو الحسن هذا بليغاً كاتباً أديباً شاعراً. ومن شعره رحمه الله يرثي عبد الملك بن منذر البلوطي: [طويل] عليك أبا مروان يوم النوى كدت ... أموت, ولو أني أموت لروحت وفيك اتخذت الحزن خدناً وصاحباً ... وأنواع ترجيع الحنين تعلمت

عشية مات الصبر واحتضر العزا ... وغيض بماء العين في جفنها السحت وجاء رسول البين فينا, فقال إذ ... رآني لأشياع له: ذا تخيرت فشد على أطواق ثوبي كفه ... وأسلمني من بعد أنسي وجردت إلى عصبةٍ لم يرحموا سوء مرفقي ... كأني بدين الله ربي كذبت وأذن فينا للرحيل مؤذن ... فقال: أجيبوا البين قد حضر الوقت فهان علي الموت حين سمعته ... ووكل بي منهم رفيق فما زدت أقاد ولا أدري أقتل يراد بي ... أم السجن, فاستسلمت للحين وانقدت فقيدك في قيد الحديد كأنني ... أسير بدار الحرب, أو من به غرت وطبقت في السجنٍ إذا الليل جنه ... تجلت نجوم الليل بدراً وكبرت وظلمة سجني في سواد مصائبي ... كمشي نهارٍ مر ساعته الست مصاب أبي مروان أفني تجلدي ... فصبرت مقطوع الحبال ومنبت تجرع كأس الموت دوني ليته ... يؤخر عن ذاك المقام وقدمت به كنت ألتذ الحياة وإن غدا ... صريع المنايا ما أبالي متى مت فقدت بفقدي شخصه كل راحةٍ ... وكل سرورٍ يوم ودع ودعت وعوضت من أنسي به الحزن والأسى ... ومن جمع شملي بالتفرق عوضت سأبكي عليه ما بقيت, فإن أمت ... سيبكيه من بعدي رثاثي الذي قلت وإن لم أجد دمعاً بكيت له دماً ... وإن لم أطق كتمان ما حل بي, بحت وإن غلب الوجد المبرح والأسى ... وضعت على قلبي يدي وتأوهت إذا اشتد بي كربي وضاقت مذاهبي ... ولم أستطع صبراً على كبدي صحت تطاول بي ليلي وبدري آفل ... فلا البدر يبدو لي ولا أنا أصبحت أقول لمن بالذل والسجن عابني ... رويداً, فإن حال الزمان فما حلت وإن كان وشك البين أخلق جدتي ... فحزني جديد ليس يخلق ما شئت وإن كان صرف الدهر غير ظاهري ... فإني الذي تدرونه ما تغيرت

58- منصور بن الخير بن يملى

وإن كانت الأيام أعدمنني المنى ... وغيرن من حالي, فإني الذي كنت وليس بعيبٍ أن سجنت لريبةٍ ... ولا سيبهم أهلي لأني أشركت ولا قتلونا واستحقوا دماءنا ... بحق, ولو بالحق كان لأذعنت ولا أوثقونا بالحديد وعطلوا ... دياري من أهلي لأني أجرمت وهي طويلة. ومن شعره رحمه الله يرثي من مات في البحر: [طويل] هوى حيث تهوي الشمس عيناً حمية ... من البحر فالتمت عليه غرائبه خلا أنها درت شروقاً, ومذ هوى ... بلجته ما أطلعته مغاربه هل الدر إلا بالبحار مقره ... فلا غرو أن يسترجع الشيء واهبه هوى الطود بالرمس الوجيب كأنه ... من الأرض (قد) ضاقت عليه سباسبه لذلك كان البحر ملحاً لأنه ... هو الدمع تذريه عليه نوادبه وقد كنت أستسقي لمن هلك الحيا ... فمن بعده, لا جاد بالدمع ساكنه ولا سح وكاف الغمام ببقعةٍ ... ولا نثرت در الغمام سحائبه وما كنت أخشى أن تكون وفاته ... بمثل الذي كانت تفيض مواهبه وما كان إلا البحر إن فاض جوده ... ولكنه كانت عذاباً مشاربه فيا بحر إن واريته, إن مجده ... بأفق العمالي طالعات كواكبه وشعره رحمه الله كثير. مات سنة ثلاث وأربعمائة, ودفن بحضين جبل فاره. ومنهم: 58- منصور بن الخير بن يملى المقرئ بمالقة. (توفي) في سنة ست وعشرين وخمسمائة, ذكر ذلك أحمد ابن الباذش في فهرسته, وذكر أنه توفي على سن يزيد فيها, ونسبه إلى الكذب

والدعوى في القراءة ودخول الأقطار و (رواية) الحديث (بها) . وهذا الذي ذكره ابن الباذش أمر لم يعرف به الشيخ المذكور, بل من جملة المحدثين المقرئين الموصوفين بالعدالة. وقد رحل إليه من غرناطة الحافظ أبو عبد الله النميرية, وتلا عليه القرآن, وآثره على ابن الباذش ولم يتهمه في شيء من روايته. ولا يشك (في) أن النميري أتم معرفة بعلم الحديث وأحسن نقداً له من ابن الباذش, وقد روى النميري جماعة من الجلة, كالأستاذ الكبير أبي القاسم بن دحمان, فلم يصفه من ذلك, بل كان يصدر به في أشياخه ويعظمه. وقد روى الأستاذ الأجل أبو محمد القرطبي السبع عن ابن دحمان عن أبي علي منصور المذكور, وكان أعرف الناس بهذا الفن, فلم يطعن عليه ولا أتهمه. وقد أشار الأستاذ أبو محمد القرطبي إلى ذلك في إجازته المنظومة فقال بعد تقديم صدرٍ منها: [طويل] وأشياخ منصور بن يملى جماعة ... ولابن شريحٍ فيهم المنصب العالي تلا السبع بالكافي عليهم محصلاً ... وحسبك بالكافي مفسر إشكال وحاز ابن يملى بالمعدل رفعة ... وما مثل موسى بن الحسين لرحال ونال بلقيا الطابري بمكةٍ ... أبي معشرٍ ما شاء من درك آمال ومنها: روى عنه تلخيص المثاني رواية ... وعرضاً فلا تحفل بقيلٍ ولا قال وإنما قال الأستاذ رحمه الله في هذا البيت: "فلا تحفل بقبل ولا قال", لتكذيب ابن الباذش لأبي علي في روايته عن الطبري. ولا أدري ما حمله على

59- موسى بن رزق

تكذيبه, ورحلته إلى المشرق لا تنكر لشهرتها والحمد لله. وتوفي رحمه الله بمالقة في شوال سنة ست وعشرين وخمسمائة. ذكره ابن بشكوال. قال شيخ شيوخنا الفقيه العالم أبو علي الرندي في فهرسته, وقد ذكر أبا علي بن يملى: وقد تكلم في أبي علي هذا, تكلم فيه أبو جعفر بن الباذش وبالغ وأظهر التعسف في أمره. قال: وأخبرني القاضي أبو بكر ابن أبي زمنين عن الشيخ المحدث أبي بكر بن رزق أنه ناظر أبا جعفر بن الباذش في أمر أبي علي حتى أذعن له أبو جعفر, ووقف عند قوله. وقال أبو علي: هذا قد وثقه الأشياخ, منهم أبو بكر بن رزق وغيره, وصححوا روايته. وأخبرني الفقيه العالم أبو القاسم -يعني السهيلي- أنه وقف على إجازة أبي معشر لأبي علي عند بعض أهل مالقة (وفي هذا) تبعيد للتهمة في حق هذا الشيخ والحمد لله. قلت: وذكره ابن بشكوال, وقال: كانت له رحلة إلى المشرق حج فيها, ولقي أبا معشر الطبري. ولقي أبا عبد الله ابن شريح, وأبا الوليد الباجي. قال: وسمعت بعض شيوخنا يضعفه. ومنهم: 59- موسى بن رزق هو الوزير أبو عمران صاحب أبي عبد الله الرصافي. كان رحمه الله من النبهاء والأدباء. وكان كريماً مقصوداً عالي الهمة جميل العشرة. وكان طلبة مالقة الجلة كأبي عبد الله الرصافي الأديب, وأبي علي بن كسرى, وأبي بكر الكتندي يجتمعون في منزله, ولا يبرحون عنه ليلاً ولا نهاراً. وكان له بستان يختص بهم لجلوسهم ومناظرتهم. ولهم في ذلك البستان أوصاف عجيبة ومعان مخترعة. ولهم في أبي عمران المذكور أمداح رائعة أذكر الآن طرفاً منها, إذ قد وعد خالي رحمه الله فيما مضى من هذا الكتاب بذكر بعضها في باب موسى. فمن ذلك مقطوعات الأديب أبي عبد الله الرصافي يصف بستان أبي عمران المذكور ويمدحه, فقال: [كامل]

ما مثل موضعك ابن رزقٍ موضع ... زهر يرف وجدول يتدفع وكأنما هو من محاجر غادةٍ ... فالحسن ينبت في ثراه وينبع وعشيةٍ لبست رداء شحوبها ... والجو بالغيم الرقيق مقنع بلغت بنا أمد السرور تألفاً ... والليل نحو فراقنا يتطلع فابلل بها رمق الغبوق فقد أتى ... من دون قرص الشمس ما يتوقع سقطت ولم يملك نديمك ردها ... فوددت يا موسى لو أنك يوشع قلت: وقد جرى الأديب أبو عبد الله بن مرج الكحل هذا المجرى فصنع قطعة ينحو فيها نحو أبي عبد الله الرصافي, وهي: [كامل] طفل المساء وللنسيم تضوع ... والأنس ينظم شملنا ويجمع والزهر يضحك عن بكاء غمامةٍ ... ريعت لشيم سيوف برقٍ تلمع والنهر من طرب يصفق موجه ... والغصن يرقص والحمامة تسجع فانعم أبا عمران واله بروضةٍ ... حسن المصيف بها وطاب المربع يا شادن البان الذي دون النقا ... حيث التقى وادي الحمى والأجرع إن غاب نور الشمس لسنا نتقي ... بسناك ليل تفرقٍ يتطلع الشمس يغرب نورها ولربما ... كسفت, ونورك كل حينٍ يسطع أفلت فناب سناك عن إشراقها ... وجلا من الظلماء ما يتوقع فأمنت يا موسى الغروب ولم أقل ... (فوددت يا موسى لو أنك يوشع) ونقلت من خط أبي عمرو بن سالم, قال: أنشدني صاحبنا الفقيه أبو علي بن

كسرى مما ارتجل أبو عبد الله الرصافي بحضرة أبي بكر الكتندي الكاتب رحمه الله في صنوبرة قد صنعت من نحاس, وثقبت جوانبها وركبت في وسط مستدير (يديره) ماء في بستان أبي عمران المذكور فقال فيها أبو عبد الله الرصافي رحمه (الله) هذه الأبيات: [متقارب] وروض جلا صدأ العين به ... أزيرق يطفو على مشربه صنوبرة ركبت ساقها ... إليه فخاضت حشا مذنبه فشبهتها وأنابيبها ... (بها) الماء قد جد في مسكبه بأرقم كعك من شخصه ... وأفراخه يتعلقن به وله فيها أيضاً: [بسيط] لم أنس ما راق عيني من صنوبرةٍ ... لها مع الماء حال غير محلول تعب فيها لجينها فتنفخه ... أعطافها مثل أشطار الخلاخيل وله فيها أيضاً: [مخلع البسيط] وجدولٍ كاللجين سائل ... صافي الحشا أزرق الغلائل عليه شكل صنوبري ... يفتل من مائه حلائل ولأبي بكر الكتندي فيها: [طويل] صنوبرة لم يوجد الكون مثلها ... حلي بساتينٍ وريق مذانب

حوت ذائباً من طعمها فوق عادةٍ ... فسالت ينابيعاً على كل جانب يضاهي الثريا شكلها واجتماعها ... لو أن الثريا (قد حكتها) بذائب قلت: ولم أقف للفقيه أبي عمران المذكور على شعر. غير أن الفقيه أبا عمرو بن سالم قال فيه: كان من الأدباء. وتوفي رحمه الله

حرف الصاد

حرف الصاد ومنهم: 60- صالح بن علي بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن إبراهيم ابن مسلمة الأنصاري يكنى أبا التقي, ويعرف بابن المعلم. كان رحمه الله من أهل الطلب البارع والمعرفة والاجتهاد يتصرف في فنون من النحو والآداب وغير ذلك. وكان نبيهاً ذكياً يميل إلى طريق الرواية أخذ عن شيوخ جلة, كالأستاذ أبي محمد القرطبي, وأبي علي الرندي, وأبي محمد بن حوط الله, وأخته أبي داود, وكأبي الخطاب بن واجب, وجماعة. وكان رحمه الله من أهل الأدب لكن لم أقف له على شعر. حدثنا صاحبنا الفقيه الزكي ولد أبي التقي صالح المذكور, قال: كنت في وقت أدرس كتاب الزكاة من الموطأ, فأطلت القراءة ليلة من الليالي حتى غلبني النوم, فكنت أرى والدي رحمه الله جالساً معي, فكنا نتحدث في القراءة والطلب, وكنت أقول له: هل عملت قط شعراً, فكان ينشدني: [طويل] وقفت أمام الحي أرصد غفلة ... أساعد طرفي تارة وأناظر فإن غفل الواشون عنا تكلمت ... حواجبناً عما تكن الضمائر قال: وكان يقول لي: هي على سفر من سيبويه مقيدة. قال: فنظرتها فوجدتها كما ذكر. وتوفي رحمه الله في يوم الأربعاء ضحوة الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وستمائة.

61-صالح بن جابر بن صالح بن حضرم الغساني

ومنهم: 61-صالح بن جابر بن صالح بن حضرم الغساني يكنى أبا التقي. كان رحمه الله من طلبة مالقة وأدبائها, ذكياً ينظم الأشعار المعربة والهزلية ويصنع الأزجال والموشحات الرائقة. وكان له في صنعة النجوم باع مديد. وله فيها تواليف عجيبة بين منثور ومنظوم. وكان رحمه الله فاضل الطبع, حسن الحال, لوذعياً متواضعاً. قال الفقيه أبو عمرو بن سالم: كتبت على منزل أبي التقي صالح اسمي, فجاء وقرأه, فكتب إلي: [كامل] ألفيت خطك سيدي بالباب ... ففهمت منه تهمم الأحباب وعلمت أنك إنما وافيتني ... لترى بأني من ذوي الألباب فجاوبه أبو عمرو بن سالم: [كامل] كتب المتيم خطه بالباب ... لتعده من جملة الأحباب وتشرفاً بجلالكم وخلالكم ... يا مولعاً بلباب كل لباب ومن شعره يستدعي مربي: [وافر] بعثت إليك يا خلي إناء ... وقد وافى بوقت الظهر فيء فوجه فيه شيئاً ليس عندي ... سواه وليس عندك منه شيء ومن شعره: [كامل] قد جاء للحانوت بعدك صالح ... فإذا بها قد زال عنها أنسها ورأى مكانك حين غبت كأنه ... أفق السماء إذا توارت شمسها ومن شعره في القسي: [وافر]

62- صفوان بن إدريس

نظرت إلى القسي فقلت مهلاً ... سؤال لا تمل الأذن سمعه أرى من أم منكم رمي سهمٍ ... ليوقعه بمن قد رام قمعه يوري بالرجوع إلى وراءٍ ... ويسرع للمواجه أي سرعه فقلت: مهٍ, ألست أخا حروبٍ ... ألم تسمع بأن الحرب خدعه ومن شعره يذم أبناء الزمان: [كامل] عجباً لأبناء الزمان وحالهم ... ما منهم للدهر غير مساعد إن جاد, جاد جميعهم وتسارعوا ... لمراده وقتال كل معاند وإذا رأوه سطا على من قد سطا ... صانوه واتبعوا سبيل الذائد وشعره رحمه الله كثير وموجود بأيدي الناس. وسأذكر من شعره في باب عيسى في مكاتبة بينه وبين أبي الأصبغ بن عياش. ومنهم: 62- صفوان بن إدريس يكنى أبا البحر. أصله من مدينة مرسية. واجتاز على مالقة, وأقام بها مدة, وأخذ عنه بها من شعره كثير. ثم انتقل إلى مراكش فأقام بهامدة. وهذا المذكور من فحول شعراء الأندلس, وأدبائها شاعر مفلق وكاتب بارع, تضرب ببراعة كتبه الأمثال. وله رسائل عجيبة ومقامات غريبة, وأشعار رائقة. نقلت من خط أبي عمرو بن سالم قال: أنشدني أبو البحر صفوان لنفسه بمالقة عند توجهه إلى الحضرة من شعره: [كامل] يا حسنة والحسن بعض صفاته ... والسحر مقصور على حركاته

بدر لو أن البدر قيل له اقترح ... أملاً, لقال: أكون من هالاته عبث بقلب محبه لحظاته ... يا رب لا تعتب على لحظاته ركب المآثم في انتهاب نفوسنا ... فالله يجعلني من حسناته يعطي ارتياح الحسن غصناً أملدا ... حمل الصباح فكان من زهراته والخال ينقط في صحيفته خده ... ما خط حبر الصدغ من نوناته وإذا هلال الأفق قابل خده ... أبصرته كالشكل في مرآته ما زلت أخطب للزمان وصاله ... حتى دنا, والبعد من عاداته فغفرت ذنب الدهر فيه لليلةٍ ... سترت على ما كان من زلاته غفل الزمان فنلت منها بدره ... يا ليته لو دام في غفلاته ضاجعته والليل يذكي تحته ... نارين من نفسي ومن وجناته بتنا نشعشع والعفاف نديمنا ... خمرين من غزلي ومن كلماته وضممته ضم البخيل لماله ... أحنوا عليه من جميع جهاته أوثقته في ساعدي لأنه ... ظبي خشيت عليه من فلتاته والقلب يدعو أن يصير ساعداً ... ليفوز بالآمال في ضماته حتى إذا هم الكرى بجفونه ... وامتد في عضدي طوع سنانه عزم الغرام علي في تقبيله ... فنهضت أبدي الطوع من عزماته وأبى عفافي أن يقبل ثغره ... والقلب مطوي على جمراته

فاعجب لملتهب الجوانج غلة ... يشكو الظما والماء في لهواته له يخاطب أبا عبد الله بن مرج الكحل المتقدم الذكر, فقال: [طويل] سأنفث والمصدور لا شك نافث ... وأسمع إن أصغت إلي الحوادث وكم وقفت لي بالمعاتب مثلها ... على حين لا شيء على الصبر باعت فهل سحر هاروتٍ, يقي (لملمةٍ) ... فروعي مميت, والتوهم باحث خليلي من سكان بابل حدثا ... فإن الخليل للخليل محادث هل السحر باقٍ مثل ما قد عهدته ... أم اتفقت بعدي أمور حوادث وما عند هاروتٍ وماروت فنظرا ... أعلمهما في ذلك الغار لابث وإلا فشعر قد أعارته عينها ... فإن ابن مرج الكحل بالسحر نافث أما والذي أعطاه في الشعر غاية ... أماني ابن حجر عن مداها روائث وقال أليس الحسن ذلك طبعة ... وأنك فيه من محل لماكث لقد راع سربي أن عناني بقوله ... تغير لي فيمن تغير حارث فمن بعد هذا القول لست بجانح ... إلى مكسبٍ إذا مكسبي هو حارث ومنها: ووجهتها غراء عل قرينه ... يصيخ, وبي فك القديم الكثاكث كأن بياض الطرس سامٍ كرامة ... وأسوده حامٍ, فمن هو يافث ومنها: وفي حرم الإخلاص ودك عندنا ... وقد منعت عنا هناك الروافث وسوق ودادي نفقت كاسد الوفا ... وقد كسدت فيها المساعي الرثائث متى رمت بي نصراً تجبك ثلاثة ... لساني وودي والسريجي ثالث

وكتب إليه ابن مرج الكحل بقصيدة أولها: [طويل] أعادتك من ذكر الأحبة أشجان ... فقلبك خفاق ودمعك هتان تحن على شحط المزار إليهم ... ومن دون لقياهم قفار وبلدان خليلي ما في الأرض صفو مودةٍ ... إذا لم يكن يصفي المودة صفوان رماني بزورٍ وهو بالحق عالم ... وكل كلام الشر زور وبهتان نطقت فأفحمت العراق بلاغة ... وأخرست ما تحوي السراة خراسان ولو سمعت سمعا عكاظ بلاغتي ... لما جرر الأذيال في الدهر سحبان ولو كنت في جيل الأوائل لم يكن ... ليذكر بالإحسان في الشعر حسان فجاوبه الفقيه أبو بحر صفوان بقصيدة منها: [طويل] سل البان عنهم كيف بعدهم البان ... أشاقوه إذا ساروا, وراعوه إذ بانوا ألم يتعاط دون بانٍ قضيبه ... فتلك القدود الهيف في العين إخوان فما بالها لم تدن شوقاً إليهم ... ولم تنقدح فيها من الوجد نيران ومنها: إليه فلا انجرت ذيول ظلالها ... ولا أشبت منها المعاطف أغصان فإن حكموا أن القدود ذوابل ... فشاهدهم أن النواظر خرصان وإن أجمعوا أن الخدود أزاهر ... فحجتهم أن المعاطف أفنان خليلي عوجا وانظرا وتبينا ... ولا تكسلا, لن يبلغ المجد كسلان أهدي الذي تهدي الرياح سلامهم ... فإني أرى للريح عرفاً له شان لعلهم قد أودعوها شذاهم ليرتاع ... مشتاق ويهتز هيمان وإلا فقولا أنتما قول منصفٍ ... أطبع نسيم الريح روح وريحان أقول لقلبي حين أشعر غدرهم ... ثكلت, أترضى أن تخون كما خانوا ولا غرو أني كنت للعهد حافظاً ... وكلهم عند الشدائد خوان

فعن حكمةٍ ما يخزن النار مالك ... ويخزن دار الخلد والفوز رضوان ولا كابن مرج الكحل علق مضنةٍ ... تشد عليها للشدائد أيمان وما راعني من وده, غير أنه ... يغيره قوم كدهري ألوان أقول لما أصاخ لقولهم: ... أمن نفحات الريح يهتز ثهلان ومنها: لعمري وما عمري بحلفة فاجرٍ ... ولكنها بر وصدق وأيمان لقد علمتني كيف تصفو مودتي ... "أعادتك من ذكر الأحبة أشجان" صدقت, إذا لم يصف صفوان وده ... فليس بصافي الود في الناس إنسان هل النون في صفوان إلا مزيدة ... من الصفو والإخلاص يستبن صفوان شهدت يقيناً أن فكرت آية ... يؤيدها من معجزاتك برهان فلا تجعلني من بني الدهر إنهم ... لنعلي على أني تسامحت عبدان ولا كل من يدعى فتى هو مالك ... ولا كل من فوق البسيطة سعدان ألست الذي ارتج العراق لذكره ... كما ارتج إذ لآقت جيادي صنعان وكم كلفت مصر بنشر مآثري ... وقامت على ساقٍ لذكري بغدان لي الكلم العذب الذي (لو) بذلته ... لطالبه ما استعمل الماء صديان من الكلم الرطب الذي لو أبحته ... لزيف: عقيان وبهرج مرجان كلام إذا أرسلته قال بعضهم ... لبعضٍ: أعني الآن عمري لقمان ومنها: وإني لماضي المضربين وحاملي ... جبان ولكن في (المجامع) سحبان جردت حساماً في يد الدهر لو درى ... لساد به, لكنما الجهل حرمان ولو أن إنساني يسر مودتي ... لما انطبقت من فوقه لي أجفان

وكتب رحمه الله عن أحد الناس يستعطف أحد أهل الدنيا: أما بعد, أدام الله مدة الشيخ أبي فلان, وأبقاه عماداً وجنة ونصرة, وعاطفاً على من استجار به من ساعة العسرة. ولا زال منتصراً للمظلوم, دافعاً في صدر الظلوم, راعياً حق الأدب الذي أضاعه الزمان وأهمله, منتهضاً منه ما قعد به الدهر فأخمله, فإنما يرجى للعظيمة العظيم, ويدخر للشدائد من حقه التوقير والتعظيم, وإلى الله يلجأ اللهفان, وبسفينة نوح يستجير من كنفه الطوفان. وأنا بالله ثم بك من زمانٍ عطل أدبي, وأردت أن أقول به فأقعد بي. وكلما أشرت إلى أن أبرأ, نهب, وإن جنحت إلى أن أخمد, ألهب, وأنشد وقد جاء بالتعنيف وذهب: الضب والنون قد يرجى اتفاقهما ... وليس يرجى التقاء اللب والذهب فبقيت لا أدري هل انطباعي قصر من طباعي, أم براعتي أخملت يراعتي, أم فصاحتي عمرت, بالخمول ساحتي, أم سحر أدبي إلى الهوان أدى بي, أم إطنابي قصر أطنابي. كما لا شك أن إشعاري جعلت اتصال أشعاري, ورسائلي قطعت وسائلي, وشوارد أمثالي أبت أن يسود أمثالي. فهلا بناتي عناني, ولم تكن مذهباتي مذهباتي, وخطابي. أستغفر الله لا أشكو ولا أدع, رغم أنف الأشم وشموخ الأجداع. فأقسم بمآثرك التي خلدتها حجولاً للزمان وغرراً, ونسقتها في جيد الوجود درراً, ثميناً في غير إغلاق, لولا أن الله تعالى يقول: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) , لوأدت بنات فكري بغير ذنب, ونفضت يدي من الأدب عن الصاحب بالجنب, وبرئت من الأدب وأربابه, وأتيت الزمان من بابه. ولكن بقي أعزك الله في الفضيلة فضلك, وهذا الهدف سيقرطسه إن شاء الله نصلك. وها أنا قد وقفت بين يدي علاك أخاصم دهري, وأباحثه لأية علةٍ فتق كمائم الخمول عن زهري, أم كان أراد أن لا يجمع بي الحسنيين, ولا يطابق في المنظر والمخبر بين

المغنين. فعلى (هذا) من يحسن في جميع الجهات ويجعل, من ذا الذي يعطى الكمال فيكمل. وإن كان إنما حط درجتي ظلماً وهضماً, وعبث بجاهي فشرط نظماً فكفى بك حكماً من أهله, يضرب على يديه جهله ونشله. يا أبا سليمان, اخبر الزمان, واحكم في قضاياه حكم سليمان, واقض بيني وبين زماني بالواجب الأحق, وإنما نحن خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق, ومثلك نهض بمن ألقى إليه يد الاستسلام, نهضة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لشهرة الإسلام. وإليكها تختال كما تفعل كل ذات ذيل, وتستجير بك من زمان ضل في اهتضامها ضلال هذيل ولا غرو أن تجيرها, فالفضيلة خامسة طبائعك, وإسعاف مؤملك عنوان صنائعك. وكم لها من أخية, تصغيرها على حد التكثير كما قالوا بريق ودويهية, والمشار بهما إلى الأمر. والله تعالى يخلد ذكر مجدك في بطون الأوراق, يتهاداه العراق من الشام والشام من العراق, والسلام كما اعتمره الزمان بالأشواق, وطير الثناء يروح ومجدك سخي بالعشي والإشراق, والسلام. وكتبه رحمه الله كثير مشهور.

حرف العين

حرف العين ومنهم: 63- عامر بن معاوية بن عبد السلام بن زياد ابن عبد الرحمن بن زهر ابن ناشرة بن لوذان اللخمي, يكنى أبا معاوية, من قرطبة. (وأصله) من رية ولاه المنذر قضاء الجماعة بقرطبة من إشارة الفقيه بقي بن مخلد. وكان لعامر رحلة سمع فيها من سحنون بالقيروان, ومن أصبغ بن أبي الفرج بمصر, ومن غيرهما. وكان من أهل الرواية فاضلاً ورعاً, إلا أنه كان يذكر عنه غفلة. وروى أن محمد بن غالب الصفار, تكرر عليه طويلاً, فكان يقول له كل مرة يأتيه: من أنت رحمك الله, فيتسمى له, ويعرف عنده. فإذا عاد لم يزده لديه إلا جهلاً, واستدعى معرفته. وقال أحمد بن خالد: سمعت من القاضي أبي معاوية في بعض مجالسه, حدثناً ذكر فيه يافث بن نوح, فقال: هو بالتاء بنقطتين, فأنكرناه, فقال: امضوه فقد قلت لابن بكير: يافت بالتاء نقول؟ قال: نعم, من غدوة إلى الليل. وحكي أن الحبيب بن زياد عاتب بقي بن مخلد في تركه الإشارة على الأمير به للقضاء. فقال له بقي: لا تلمني, فلنفسي احتمدت, فأشرت بمن هو عندي منك أفضل, والغيب الله, فسكت عنه الحبيب. ولم يزل قاضياً أيام المنذر. ثم اشتهر أمر ولاية الأمير عبد الله, فعزله وولى النضر بن سلمة. ويحكى أن عامراً لقي ابن حفصون قبل ثورته, فرآه ابن حفصون وقبل يده, فقال له عامر: اتق الله في الناس إذا ملكت رقابهم. فمن هناك, زعموا, قوي طمع ابن حفصون, والله أعلم. وتوفي عامر رحمه الله سنة سبع

64- عبد الله بن محمد (بن عيسى الأنصاري المالقي)

وسبعين ومائتين بعد ثلاث. سنين (من ثورة ابن حفصون) . ذكر ابن الفرضي بعض قصته. وذكر سائرها غيره. ومنهم: 64- عبد الله بن محمد (بن عيسى الأنصاري المالقي) (ومنهم) : 65- عبد الله بن أحمد بن عمر القيسي يعرف بالوحيدي) .... ستهم. وقد رفعت أمره, إلى الذي أطال في هذا العمل عمره. إنه يقضي بالحق, ويمضي حكمه على جميع الخلق, لا إله إلا هو, والسلام. وتوفي رحمه الله بمالقة ودفن بمسجد حكمه من داخل سور مالقة المنسوب إليه, وصلى عليه ابن حمدين وابن حسون. وكانت وفاته سنة اثنتين وخمسمائة. ومولده سنة ست وخمسين وأربعمائة. وكان قد كف بصره نفعه الله. ذكر ذلك ابن بشكوال. ومنهم: 66- عبد الله بن علي ابن أبي العباس يكنى أبا محمد. كان رحمه الله من جلة الأدباء وعلية الفصحاء الخطباء, معدوداً في الرؤساء من أهل مالقة الحسباء. مرتبته في المعارف مشهورة, وآدابه مدونة في مسطورة. وكان جليل المقدار, عالي الهمة, رفيع القدر. كتب للسيد أبي يعقوب وعن أبي محمد عبد المومن, وجملة من السادات. وكان معظماً عندهم, مقرباً لديهم يباهون به في مجالسهم, ويشاورونه في أمورهم. وصفه أخوه أبو العباس في كتابه فقال: فقيه ماهر, وأديب خطيب شاعر, نادرة عصره, وجمال

مصره. استشرفت إلى خطبة الرائفة, وآدابه الفائقة متون المنابر, ونطقت ببراعة وجزالة خطباته ألسنة الأقلام وأفواه المحابر. وكان منذ نشأ بعين الجلالة منظوراً, وفي ديوان أشغال السادة مذكوراً. تفرد بتقييد العلم وتفرغ له, وحمله عن الرجال الجلة الكملة, وطار ذكره في الآفاق ورأى في دنياه (ما) أمله. وكان مع هذه المفاخر شاعراً مطبوعاً. ومن شعره رحمه الله يمدح أمير المؤمنين عبد المومن بن علي: [كامل] طاوع فطوع يمينك المقدور ... واسلم فأنت الناصر المنصور واضرب بسيفك حيث شئت من العدى ... إن القضاء حسابك المسطور وردت لكم بشرى النبي فصرحت ... أعجاز تصديق به وصدور ومنها: وأعدتم الدين الحنيف لبدءه ... فكأن خيركم له تصدير سائل عن الأعراب معرفة الظبا ... يخبرك منها شاهد وخبير ومنها: جلبوا الجياد الجرد كي تحميهم ... فغدت بهم للحين وهي قبور أهديتم سمر الرماح رسالة ... وأتاهم بالمرهفات نذير فكأن هامهم غمود للظبا ... عند اللقاء وللسهام ضبير ومنها: كانوا بجنة طاعةٍ فغدت لهم ... من محرز التضييع وهي سعير عاطاهم حبل الغرور فأصبحوا ... صرعى وسلك نظامهم منثور وغدا وخطار القناة لهامه ... جسم وناشرة السنان سرير فمقامه يذكي تباريح العدى ... وعنانه لمسيئهم تحذير

وكأنه فوق العوالي خاطب ... يومي لمصرعه بها ويشير ومنها: وكأنه مسعوداً على ضد اسمه ... وضباره في قده مجبور من لا تدانيه النجوم جلالة ... من لا يحيط بوصفه التعبير من لا توازيه الجبال سكينة ... أضحى شبام دونها وثبير ملك عليه مسحة لمليكه ... يرتد عنها الطرف وهو حسير وإذا أدار بكفه سمر القنا ... هشت إليه من العداة نحور هو حجة الله التي ببيانها ... نطق الكتاب وأنبأ التفسير فاهنأ أمير المؤمنين فإنما ... أيدي القضاء بما تشاء تدور وكتب رحمه الله إلى أبي جعفر بن ملحان مشرف مالقة على لسان أبي الحجاج بن مطرف, يذكر أب بينه ذماماً, وكان قد ضيق عليه في ماله, فاستعطفه له عندما سأله أبو الحجاج ذلك, فكتب له على الفور, وهو هذا: [بسيط] لو كنت أعلم فوق الشكر منزلة ... أعلى من الشكر عند الله في الثمن إذن منحتكها مني مهذبة ... حذواً على حذو ما أوليت من منن أنا أدام الله أمركم, وأضفى على كافتنا ستركم, أعتد بكم اعتداد الرمح بالنصل, وأعتمد بشرف خلالكم اعتماد الفرع بالأصل. فإن درت من روضي كمامة, جادتها من سمائكم غمامة, فسحبت عليها معاطف الذيول, ونبهت جفنها من سنة الذبون, أو عاص أخلاب البوارق, وأخياف الطوارق, ولوى بزخره الناهل؛ أشرقت لي أنوار هداتكم, وأقمار علاكم, (فأضاءت لي) أعلام المجاهل. ولما نفح نسيم اعتلاكم, وسنح لبرق إجمالكم من إسفار الآمال, وإيثار الاقتبال, ومطاوعة التهمهم والاهتبال, (واحتاج إليكم في) الطب, (لتكونوا) ملاذا وثقة

يغير بكم على عقد الكرب؛ قصد محلكم الكريم عمر الله بالمسرات أكنافه, وعم بالمبرات والبركات أسماعه وأخلافه, يجيل في منزلكم فاتر قداحة, ويعيد عند علاكم واري اقتداحه, ويخيم بالاستخبار مبادئ افتتاحه. وماذا أقول ونور جلالكم عرض فحمت, وبرق إجمالكم أو مض فشمت, واستثار حالي فيما يقرب آمالي, بحسب ما تحققنه من طولكم, وعلمته والذي يستمسك معظمكم بأسبابه, ويستمنح الوفر من بابه, ضويعة بذكوان رشا رزقها بعيد, ووعدها وعيد, وعمرتها من جهلة البادية الذين يعيثون في الأموال عيث السباع, ويعادون ضيفها بمباينة الطباع. ومتى لم يكن لنا عليهم في الكرامة شفوف, ومن بر الولاة رأي معروف, تحامونا كما يتحامى الأجرب, ونبذونا نبذ النواة فلا تدانى ولا تقرب. ومن جملتها هذان الحجران اللذان ضربت عليهما العطلة رواقاً, وعقدت بينهما وبين الكساد حلفاً واتفاقاً, فلا يرجوان إنفاقاً, ولا يعدمان خيبة وإخفاقاً. وكأنما بث الدهر عليهما رقيباً, وابتغى قابض الخراج على نازلتهما تعقيباً. فإن سلك بينهما وجار, وألم بساحتيهما جار, نظر المكاس بفرط الإضاعة, ومزجي البضاعة, إلى طالع تلك الساعة وقال لي السمع والطاعة, الآن طرق الاستعمال, وانثالت الأموال, وفي يدي وضعت الجبايات والأعوال. ومنها في قول المكاس بفرط الإضاعة, ومزجي البضاعة, إلى طالع تلك الساعة, وقال لي السمع والطاعة, الآن طرق الاستعمال, وانثالت الأموال, وفي يدي وضعت الجبايات والأعوال. ومنها في قول المكاس: ما أحال جيش الفقر ما وقد, وانقطع الورد الذي يغشى أمله ورقد, عاد آفل عمره إلى الطلوع, واشتمل بثوب الاستكانة والخضوع, وأنشد: "فضح التطبع شيمة المطبوع". ومع وضعي هذه الأمور في غاية العرفان, وتغييضي منهم على قذى الأجفان, أحمل جوارهم على حيف, وأمنح من مواصلة إفادتهم بمسرى طيف, وأعدهم لطارقٍ وضيف. وهذه

الرحى التي رفعت إلى طولكم منارها, وشببت على علم نارهم, هي لرجل من إخواني, وخواص زماني. وقد جعل الله (على) أياديكم زمام صلاحها, ومطالع صباحها. فإن عاقتها موانع الأقدار, وتعذر -وحاشاكم- أمركم بتوقيف فلكها المدار, غرب من أفق الأمل ما طلع, وانحط عند أهل الجهة ما أعلاه إجمالكم من قدر الجلة ورفع, وإن قصرت على أخي مثواها, ونالت النفوس من لمحات علائكم ونفحات اعتلائكم هواها, وانفسح فيما منح بطولكم المجال, وأروت من بركم السجال, منحتم الفضل جسيماً, وزدتم أنفسكم الحسنى تتميماً, وواصلتم صباحاً منها على العهد الأحسن مقيماً, إن شاء الله, والسلام. ومن شعره رحمه الله يرثي ابنه لأبي الحكم بن حسون: [كامل] سلم (أخي) لوقيعة الأرزاء ... والبس لمرزئها جميل عزاء واركض جيادك فالمجرة مسلك ... ومعاشر لك أنجم الجوزاء وارفع لواءك فالثريا جنة ... ومن السماك أحبه للقاء ولك الإمارة يستدل بسعدها ... ولك المنى في مطالع السعداء ولك المعالي تستدري حوافلاً ... ما حالفت لمواهب النعماء ولك العوالي الخاضبات عواملاً ... في صدر كل عجاجةٍ تيهاء ولك السيوف المشرفية دأبها ... في الحرب ضرب جماجم الأعداء وأرى عياناً في العزاء تأسياً ... بأئمةٍ للهدي والخلفاء متهادياً ما بين طرفٍ خاشع ... من رحمةٍ تبدي وبين دعاء فهمت تسعر وجنة, مطرودة ... عن عبرة وكآبة حمراء تهمي فتغرق صفحة في لمحة ... وجداً, وتغرق مقلة في الماء

يهفو إذا اهتزت أراكة أيكةٍ ... خفاقة حنيف على ورقاء فيطل يسجع نادياً فتخاً, له ... نوح الحمام ورنة المكاء واها لدوح معالم هصر الردى ... منه المعاطف فانثنى لسماء ولوى بزهرة عزةٍ قد حليت ... لباتها بقلائد الأسداء أودت فأسلمها إلى دار البلى ... من كان يسندها إلى الأحشاء لم تغن عنها الخافقات ولا الظبا ... وفخار كل طمرة جرداء يا فادح الغلب الذي فل الحيا ... ورمى حصاة القلب بالأرداء أنى طرقت مها الملوك ولم تتر ... وسلبت در الكأس لليسراء وطلعت في إبان أروع ماجدٍ ... يجلو الخطوب بغرة غراء (فترى جموع) المعتفين ببابه ... يسعون بين غمامةٍ وطفاء متقسم ما بين روضٍ ناعمٍ ... يندى وبين غمامةٍ وطفاء أرجت بذكراه النوادي فانتشت ... أنفاسها عن روضةٍ غناء طلق الجبين إذا تجهم حادث ... سفرت مطالعه عن السراء وعلاه, لولا بارق من أفقه ... شمنا سناه بمظلم الأرزاء ما لاح وجه الصبر أسوة منقدٍ ... فيها ولا عزى بحسن عزاء فسقى ثراها من سلالة ماجدٍ ... وذق يجود بديمةٍ وطفاء وغمامةٍ مسح الصبا أعطافها ... تستضحك الأنواء للأنواء ولما وردت هذه القصيدة على ابن حسون وقعت منه موقعاً عظيماً, فوقع للفقيه أبي محمد المذكور: وصل لله (درك) رثاؤك الأثير الخطير الذي يروق سناه, ويرق لفظه ومعناه. ولسنا نشك في صفاء ودك, وإبراز ندك, إذ نحن على مثل ذلك مودة وحباً, وأكثر

منه دفعاً عن الكريم ودباً. والله يمتع بمكانك, ويبقيك واسطة في جيد زمانك, بمنه وفضله, والسلام مني ورحمة الله وبركاته. وشعره رحمه الله, وكتبه ومكانه من العلم بحيث لا يخفى, فلا معنى للإطالة فيه. ذكر أخوه أصبغ وفاته فقال: وتوفي أبو محمد رحمة الله عليه وغفرانه, وروحه وريحانه, وهلال سماء الفتوة وقاد, وصباح اقتباله صقيل الصفحات والأبراد, في ليلة الثالث من رجب الفرد (عام) اثنين وستين وخمسمائة. ومنهم: 67- عبد الله بن الرية المالقي يكنى أبا محمد. وصفه أبو العباس بن أصبغ فقال: شاعر مجيد, وعقد يزهى به الجيد. حل من زهر العلوم محل السنان من العامل, والزبرقان من المغازل, وتمت به غرر المحامد, (فقام) مقام الصلة بالعائد. قال الفقيه أبو العباس بن أصبغ: مرت جارية يوماً على فتى من فتيان مالقة ونبهائها, فسألها متى يكون اللقاء, فوعدته بأن تصل عنده في المغرب, فوصلت إلي في الموعد, فصادفت أباه قد وصل من سفر, فحار الفتى وخجل منها. ثم إنه تخلف الجارية في غرفةٍ على باب الدار. قال أصبغ: ما بها أنيس إلا البق والفأر. فجلست الجارية فيها وهي قد دهشت واستطير عقلها, وبقي الفتى مفكرا باكياً من سببها, لا يقدر على الانصراف عن والده. ثم احتال إلى أن وصل إليها. فلما كان في الصباح خرجت الجارية تبكي, وقلبها يضطرب مما دهاها. فاعتذر إليها الفتى, فلم تجبه. فاتصل خبرها بالفقيه أبي

محمد بن الرية فوصف الأمر على ما وقع, وكان الفتى يعرف بأبي الدرداء. (فقال) : [سريع] مر أبو الدرداء يوماً على ... جاريةٍ ماجنةٍ شاطره فراعه منظرها إذا بدت ... كالشمس في طلعتها الزاهره قال لها سيدتي أنفذت ... مقاتلي ألحاظك الساحره عساك يا سيدتي أن ترى ... من ها هنا وقت (المسا) سائره تلقى فتى أي فتى في الورى ... مهذباً, أردانه عاطره وعنده راح ونقل وما ... يحتاج من أسبابه ياسره فغرها أن أبصرت طلعة ... باهية زاهية فاتره جاء بها الفتى إلى غرفةٍ ... مظلمةٍ, أرسمها داثره حصيرها من عهد عادٍ, وقد ... تداولته الأمم الغابره ليس سوى البق بها مؤنس ... حنت لمن يدخلها فاغره فباتت المرأة في محنةٍ ... عريانة الجسم بلا ساتره جيعانة للفعل مشتاقة, ... ناعية باكية ساهره تراقب الليل متى ينجلي ... وليلها في الطول كالآخره حتى إذا الصبح بدا سافراً ... قامت إلى منزلها ذاعره قال لها: هل لك من عودةٍ ... أو هل ترين ها هنا خاطره فأنشدته وهي مما بها ... من حزنها في بردها عاثره: "إن عادت العقرب عدنا لها ... وكانت النعل لها حاضره" ومن شعره رحمه الله: [طويل] درى شجر, للطير فيها تشاجر ... كأن سقيط الطل منها جواهر

كأن القراري, والبلابل حولها ... قيان وأوراق الغصون ستائر شربنا على هذا الترنم قهوة ... كأن على حافاتها الدر دائر ومن شعره: [طويل] بني هاشم حيوا بأخلاق هاشم ... ولا تفضحونا في العلى والمكارم أرى ألف بانٍ لا يقوم بهادمٍ ... فكيف ببانٍ, خلفه ألف هادم ومن شعره: [سريعٍ] تقصد أهل الفضل بين الورى ... مصائب الدنيا وآفاتها كالطير لا يسجن من بينها ... إلا التي تحسن أصواتها ومن شعره يصف أترجاً: [منسرح] يا حبذا يومنا ونحن على ... رؤوسنا نعقد الأكاليلا في جنةٍ دالت في مقاطفها ... ثمارها الدانيات تذليلا كأن أترجها تميد به ... أغصانه بحسن منه محمولا سلاسل من زبرجدٍ حملت ... من ذهبٍ أصفر ٍ قناديلا وله يصفها: [منسرح] يشي (بما) للصبوح أترج ... حوى من الطيب ما حوى الدرج أنبته في قضيبه شجر ... مشوك في النبات معوج إن ترج يوماً قطافه منعت ... رماحه أن تنال ما ترجو كل مصدغ تحته ذهب ... وكل غصن من فوقه زج جرده واقرن به مشعشعة ... يلف مضاهيك النار والثلج

68- عبد الله بن محمد بن علي بن عبيد الله الحجري

ومن شعره يهجو: [سريع] لو عمي اللؤم وأطلقته ... لما عدا دور بني مسلمه أو طعنوا بالرمح من يومهم ... لما جرى من دمهم محجمه وله أيضاً يهجو: [بسيط] حلت برية (من) ذي العرش داهية ... ما مثلها عبرة في سالف الزمن قاضٍ يحد الصهبا ويشربها ... يا ليت دولته في الناس لم تكن وله رحمه الله: [طويل] لعمرك ما الإنسان إلا بدينه ... فلا تترك التقوى اتكالاً على الحسب فقد رفع الإسلام سلمان فارسٍ ... وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب وشعره رحمه الله كثير. ومنهم: 68- عبد الله بن محمد بن علي بن عبيد الله الحجري يكنى أبا محمد. أصله من قنجاير, قرية من أحواز ألمرية, من أهل البيوتات والأعيان بها وذوي اليسار. وتطوف في بلاد الأندلس, ثم عاد إلى ألمرية, فولي إمامة الجامع والخطبة بها, ودعي إلى القضاء, فامتنع. ثم لما كانت كائنة العدو بألمرية. خرج إلى مرسية, فاستدعي لولايات ومراتب, فأبى ذلك وزهد فيه, والتزم الخمول, فضاقت حاله بها. فخرج إلى مالقة فلم تقله. فخرج إلى مدينة فاس فأقام بها مدة. ثم انتقل إلى سبته فاستوطنها. وكان رحمه الله فاضلاً ورعاً مقيداً متقناً. قال شيخ شيوخنا الأستاذ أبو علي الرندي: لقيت الفقيه أبا محمد المتقدم الذكر بمالقة سنة اثنتين وستين وخمسمائة.

69- عبد الله فائز بن عبد الرحمن العكي

وروى الفقيه أبو محمد عن جلة الأعلام, كابن موهب, وابن العربي, وابن إحدى عشرة وأبي محمد السلمي, والحمامي الشاعر, وأبي الطاهر السلفي, والمازري, وكأبي الحسن بن مغيث, وأبي جعفر البطروجي, وغيرهم. ووجدت بخط الأستاذ أبي علي الرندي ما نصه: حدثنا الشيخ الثقة الفاضل أبو محمد بن عبيد الله الحجري, عن القاضي أبي قال: أنشدني يعني أبا الحجاج الضرير, قال: أنشدني أبو بكر المرادي لنفسه في إثبات القدر: [بسيط] علمي بقبح المعاصي حين أركبها ... يقضي بأني محمول على القدر كلفت فعلاً ولم أقدر عليه ولم ... أكن لأفعل أفعالاً بلا قدر وكان في عدل ربي أن يعذبني ... فلم أشاركه في نفع ولا ضرر إن شاء عذبني ربي أو شاء نعمني ... أو شاء صورني في أقبح الصور فيا رب عفوك عن ذنبٍ قضيت به ... عدلاً علي, فهب لي صفح مقتدر قال الأستاذ أبو علي: في ظاهر هذه الأبيات القول بالجبر. وقال أيضاً: في غير هذه الرواية, في الأبيات, بعد البيت الأول بيتاً, وهو: لو كنت أملك نفسي أو أدبرها ... ما كنت أطرحها في لجة الغرر وكان مولد الفقيه أبي محمد المتقدم الذكر بألمرية عام ثلاثة وخمسمائة. وتوفي رحمه الله في صفر سنة إحدى وتسعين وخمسمائة. ومنهم: 69- عبد الله فائز بن عبد الرحمن العكي شيخ جليل القدر من أهل الفضل والورع والتفنن في العلوم. أخذ عن أبي عبد

70- عبد الله بن محمد بن عبد الله, ويعرف بابن ذمام

الله بن سليمان, وأبي الحسين سليمان بن محمد وروى عنه الحافظ أبو عبد الله بن الفخار وغيره. نقلت من خط الفقيه الأستاذ أبي علي الرندي ما نصه: قال الحافظ أبو عبد الله, حدثني ابن فائز, عن الأديب أبي عبد الله محمد بن سليمان, عن خاله أبي محمد بن وليد , عن أبي منصور بن أفلح القيني, عن أبي علي القالي, عن أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن قتيبة, عن أبيه, عن عبد الرحمن الأزدي عن حفص بن عمر, عن الفرات بن السائب, عن ميمون بن مهران, عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: إن رجلاً سأل ربه عز وجل بينة أن يريه موقع الشيطان من قلب ابن آدم, فرأى فيما يرى النائم جسد رجل معمى, يرى داخله من خارجه, ورأى الشيطان في صورة ضفدع, له خرطوم كخرطوم البعوضة, قد أخذ في منكبه الأيسر إلى قلبه يوسوس إليه. فإذا ذكر الله عز وجل خنس عنه. ومنهم: 70- عبد الله بن محمد بن عبد الله, ويعرف بابن ذمام يكنى أبا محمد. قد تقدم ذكر والده في باب محمد. وكان الفقيه أبو محمد هذا من أهل الأدب والذكاء والفطنة, ذا هيئة جميلة وشارة حسنة. كتب لجملة من السادات كالرشيد ابن أبي يعقوب وأخيه أبي يحيى ابني أمير المؤمنين أبي يعقوب. فكان معظماً عندهم ومقرباً لديهم. (وتوفي رحمه الله في رجب سنة ستين وخمسمائة. ومولده سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة) . وكان أبرع الناس خطاً, وأحسن (من) خط في البطاقة, مع الكتب الرائق البليغ والشعر الفائق المطبوع. وكان يكتب بأنواع الخطوط من الريحاني, والمشرقي, وغير ذلك, فلا يدري من يزيد في الحسن على صاحبه. إلا أنه كان رحمه الله يصاب في عقلة أحياناً, فربما

استطال بلسانه. وكان ينال من الموحدين, وسجن على (سب) المهدي رضي الله عنه. وإنما كان ذلك منه حين يصيبه ذلك الألم ويخرج عن حد التكليف, حتى إنه في جمعةٍ من الجمع حين استوى الخطيب على المنبر, وأخذ يعظم الإمام, قال له: كذبت لعنك الله. فأخذ من حينه وثقف. وبقي مكبلاً في سجن مالقة مدة ونقل إلى مراكش, إلى أن زال عنه ذلك الألم. فكتب يستعطف أمير المؤمنين المنصور ويصف حاله ويسأله فكه من وثاقه. وهذه هي القصيدة التي كتب بها: [طويل] ظهائر لطف الله في سر مقصد ... ويشهد لي عند الأ (مير بمقصدي) ويدري أمير المؤمنين بأنني ... على مذهبٍ الأمر عدلٍ مسدد وإني على حب الإمام وهديه ... ومن بعده من راشد الأمر مرشد وإن يدر لا أبقى بسجني مقيداً ... بأثقل قيدٍ ضيقٍ مؤلم رد وحرمته إن يدر صدق عقيدتي ... لسبق في التسريح يومي على غد ورق لشيخ ذي عيال وصبيةٍ ... وحالٍ ثواها من ثوى ضيعة اليد له في ثقاب السجن عام وأشهر ... تقلص عنه الرفد من كل موفد وضاع, وضاع الأهل والشمل بعده ... وأضحوا عراة في أذى جهد مجهد أيرضى أمير المؤمنين بضرهم ... وضري, وفيه الفضل رحب المقلد أحيف, معاذ الله, بل هو رحمة ... وممدود ظل الله للمتردد وقسطاس عدلٍ يمل الأرض أمنه ... بحكم مفيدٍ من قريب وأبعد سينظر في تفريج همي وكربتي ... مصيباً بنور الله غير مفند ويمضي سراحي طالب الأجر راجياً ... بذلك مذخور النعيم المخلد

71- عبد الله بن أحمد بن محمد الحميري

وإني على ما يرتضي الأمر والهدى ... ويرضي ولاة الأمر من كل مهتد وإن ذكرت عني أكاذيب مفترٍ ... فسمع الهدى عن سمعها جد مبعد وحاشى لمثلي أن ينيب لفاسدٍ ... من الرأي أو يسعى بخلة مفسد ولي خدمة للأمر في كل صالح ... تشرد عن سعيي عداتي وحسدي وإن طعن الأعداء بي لشكايةٍ ... تثير خبال الذهن, طعن توعد فذلك أمر يقبل الله عذره ... ويرفع لي التكليف حين التعبد وفضل أمير المؤمنين ووعده ... يعيد الردا عذراً على غائل الردى أيا من هو المخصوص بالعدل والتقى ... وبالنصر والتأييد في كل مشهد وبالعلم ثم الحلم والسبق في العلى ... وبالشرف الأبقى القديم المجدد وبالصبر في الهيجاء والفتك في العدى ... إذا عرف الخطي فضل المهند إليك أمير المؤمنين قصيدة ... رفعت بها عن ساحتي رفع مفتد فخذها وأنسها وشفع مديحها ... فمقصودها التسريح لي وهو مقصدي أتتك بأبكار المدائح لم تلج ... على سمع ذي سمع ولا لفظ منشد فلو كنت في نظمي لبيداً وبرقه ... لبلدني التكبيل كل التبلد ولم أدر ماذا أستجيد لأنه ... مقام عظيم القدر سامي التأيد وأمداحه من رام بالنظم حصرها ... كمنهل (قطرٍ رام جمعه) باليد ولا زال في ظل من الملك وافراً ... ولا زال في سعدٍ من السعد مُسعد ودام بنصرٍ للغريب وأهله ... وتنظيم شملٍ في قرارٍ ممهد ومنهم: 71- عبد الله بن أحمد بن محمد الحميري يكنى أبا محمد, ويعرف بالاستجي, وهو والد شيخنا ومعلمنا الفقيه الأستاذ العالم أبي عبد الله أبقاه الله. وكان أبو محمد هذا من أهل الفضل والدين والورع, مقرئاً لكتاب الله تعالى قائماً به, عارفاً لطرق روايته وتجويده وإتقانه, جارياً على سنن

72- عبد الله بن الحسن بن أحمد بن يحيى بن عبد الله الأنصاري

السلف الصالح نفعه الله ورحمه. وكان يقرئ بالجامع الكبير بمالقة. (توفي بعد سنة ستمائة) ومنهم: 72- عبد الله بن الحسن بن أحمد بن يحيى بن عبد الله الأنصاري هو الأستاذ العالم الفاضل المحدث أبو (محمد) عبد الله القرطبي , علم من أعلام الديانة والمعارف, وروضة علم ظلها على الجميع وارف. كان رحمه الله جليل المقدار, فقيهاً مدركاً محدثاً رواية عارفاً متفنناً, حافظاً من مشاهير الحفاظ ورؤساء المحدثين, مقيداً ثقة فاضلاً ورعاً زاهداً, جميل الهيئة, كثير التواضع, مع وقار عظيم, ونزاهة نفس. مولده رحمه الله يوم الاثنين قرب صلاة الظهر الثاني والعشرين من ذي القعدة عام ستة وخمسين وخمسمائة. قعد للأقراء بمالقة وله نحو من عشرين سنة, ثم رحل وأخذ عن شيوخ جلة كالحافظ أبي بكر ابن الجد بإشبيلية, والقاضي الإمام أبي القاسم بن حبيش بمرسية, والمحدث الفاضل أبي محمد بن عبيد الله بسبته والقاضي العالم أبي محمد بن عبد الرحيم بغرناطة. ولازم ببلده جماعة كالأستاذ الكبير أبي محمد بن دحمان, والأستاذ العالم أبي زيد السهيلي, والحافظ أبي عبد الله بن الفخار, وغير هؤلاء. وأجاز له عامةً أعلام أكابر, كأبي مروان بن قزمان, وأبي الحسن بن النعمة, وأبي الحسين بن هذيل وغيرهم. وذكره شيخنا الفقيه المحدث الخطيب أبو القاسم بن الطيلسان أكرمه الله في كتابه المسمى باقتطاف الأنوار واختطاف الأزهار في ذكر أشياخه, فقال في الأستاذ أبي محمد رحمه الله: الأستاذ المقرئ المحدث المسند الناقد الفاضل التقي العالم السني أبو محمد القرطبي, من أهل مالقة. أصله

73- عبد الله بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن سليمان بن عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي

من قرطبة, من بيتة كريمة يعرفون ببني عبد الله. قال: وكان من جلة المقرئين وكبار المسندين وجهابذة الأستاذين, ممن جمع الله له العلم والعمل والهدي الصالح والخلق الفاضل. وذكره خالي رحمه الله عليه في أشياخه فقال: ومن شيوخي رحمهم الله الشيخ الفقيه العالم المحدث الفاضل أبو محمد عبد الله بن الحسن القرطبي شيخ المحدثين وإمامهم وعالمهم ومتقنهم. وذكره ابنه صاحبنا الفقيه الأجل الفاضل العارف الأكمل أبو بكر حميد في كتابه المسمى بالرسالة الموسومة, بشكر المنة, في ذكر محاسن خادم السنة, يعني أباه الأستاذ أبا محمد, فإنه جمعه في فضائله وعلمه وجملة أخباره, وهو كتاب نبيل حسن أبدع فيه ما شاء, وأجاد الوصف والإنشاء. ومنهم: 73- عبد الله بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن سليمان بن عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي وهو الفقيه العالم الحافظ القاضي أبو محمد رحمه الله. كان إماماً في العلم متقناً مقيداً متفقهاً عارفاً بالأحكام. إماماً في علم الحديث وما يتعلق به من التاريخ والأنساب وأسماء الرجال, عالماً بالأصول, أديباً ماهراً, بديع النظم والنثر, متقدماً في علم النحو, حافظاً للغة, معتنياً بالرواية, كثير التواضع والزهد. ومن شعره رحمه الله: [وافر] أتدري أنك الخطاء حقاً ... وأنك بالذي تأتي رهين وتغتاب الورى فعلوا وقالوا ... وذاك الظن والإثم المبين ومن شعره: [طويل]

74- عبد الله بن الحسن الأشعري

أيا طالباً دين النبي محمدٍ ... على حين عم الحق وانتشر العدل لديك كتاب الله والسنن التي ... رواها رسول الله بالعدل, فالعدل هما الحق والبرهان والنور والهدى ... فما لهما عدل, ولا عنهما عدل ودع عنك آراء الرجال فما لمشتر ... يها بدين (الله) صرف ولا عدل ومن شعره: [كامل] لقد استجرنا, فالملامة عدها ... وتجاف عن ذكر الذنوب وعدها وإذا ندمت على أخٍ لا تبدها ... ومتى أمنت على الأمانة أدها وولي رحمه الله القضاء بكور كثيرة من الأندلس وغيرها. ولي سبته وإشبيلية وميورقة ومرسية وقطبة وسلا. ثم رجع من رسلا والياً قضاء مرسية, فتوفي بالطريق بمدينة غرناطة ليلة الخميس في نحو ثلث الليل الأول, ودفن يوم الخميس المذكور (الثاني) من شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وستمائة. فبقي بها مدفوناً إلى أن نقل منها إلى مالقة, فكان وصوله يوم الاثنين الحادي والعشرين من شهر شعبان من العام المذكور, فدفن على مقربة من مسجد الغبار بجبانة مالقة. ومنهم: 74- عبد الله بن الحسن الأشعري يكنى أبا محمد, ويعرف بابن الروس. من طلبة مالقة. كان أديباً شاعراً له قصائد حفال على ذكر لي, ولم أقف له على شعر. وتوفي رحمه الله في نحو عشرين وستمائة. ومنهم: 75- عبد الله بن يحيى المعروف بابن عساكر يكنى أبا محمد, من أهل مالقة وطلبتها النبهاء. أخذ عن الأستاذ العالم أبي

76- عبد الله بن رضوان المداتي

محمد القرطبي وغيره من شيوخ مالقة. ورحل وحج. وكان أديباً كاتباً شاعراً, لم أقف له على شعر. نقلت من خط شيخنا الأديب أبي عمرو بن سالم, قال: أنشدني الفقيه أبو محمد بن عساكر في صفة البحر, ولم يعرف القائل: المشي في البر دون نعلٍ ... تسعين يوماً وتستقل أهون من منزلٍ رفيع ... تحت قلاعٍ عليه ظل فاحذر ظلال القلاع واعلم ... إن ظلال القلاع ذل ليس لرأس عليه حطت ... مرة أو مرتين عقل ومنهم: 76- عبد الله بن رضوان المداتي من أهل مالقة, وكان له ابتداع آلات. وكان مشتغلاً بصنعة الحساب والفرائض ماهراً فيها, عارفاً بفنونها وأنواعها. وكان له ميل إلى الأدب. نقلت من خط أبي عمرو (بن سالم) قال: أنشدني هذه الأبيات الحاج أبو محمد عبد الله بن رضوان المداتي لأبي عمرو بن عامر من وادي آش هذه الأبيات: [كامل] ومهفهفٍ وجناته جناته ... وحماته من قاطفٍٍ لحظاته خطت لنا ألفاً مراقب لحظه ... فوددت أن سواعدي لاماته ثم انبرى يتلو على أستاذه ... فكأن مزماراً حكت لهواته وأنشدني: [كامل] ومهفهف ٍقلق الوشاح يروعه ... جرس السوار, ويشتكي من ضيقه وسنان خط المسك فوق عذاره ... لاما عرفت النون في تعريقه

77- عبد الله بن حسن البرجي

ما باله في خده من ورده ... لهب وقلبي لاعج بحريقه أضحى عذاب الصب في هجرانه ... لكن شفاء الصب في تعنيقه ومنهم: 77- عبد الله بن حسن البرجي يكنى أبا محمد, كان رحمه الله من أدباء مالقة ونبهائها معدوداً في أذكيائها وشعرائها. (وكانت) بينه وبين أبي عمرو (بن سالم) مكاتبات كثيرة. فمن شعره رحمه الله: [كامل] تاه الجنان بآسه وبورده ... ومعذبي أربى عليه بخده فاستنشقن نسيمه من عرفه ... واهصر قضيب ثماره من قده لكن نكهة ريقةٍ من ثغره ... أندى وأعطر نفحة من رنده من أين للأغصان عطفة لينه ... إن جاء يرفل معجباً في برده أو لاح ما حملت من صيقلٍ ... كلفت أنامله بمرهف هنده سيفيه فاحذر خيفة إن سل ذا ... من لحظه أو سل ذا من غمده من أي سيفٍ شاء يبطش كفه ... وسيوفه ولحاظه من جنده لم يستقلا باله, ما منهما ... إلا وفيه سرائر من عنده وكأن بارع قدره من قده ... وكأن لمحة ظرفه من خده أشقى وأنعم في هواه فأجتني ... ضدين من نعمى رضاه وضده

فتنعمي وتلذذي من قربه ... وتعذبي وتشوقي من بعده هل يا محمد لي لوصلك منهل ... يروي ظماً للعاشقين بورده أودى بعبد الله لحظك, والهوى ... نار تشب على حشاشة كبده فارحم تضرعه إليك وذله ... واستبق بعض دمائه من وجده قال أبو عمرو بن سالم: حضرنا موطناً فيه صاحبنا أبو محمد البرجي وأبو العباس أحمد بن راشد اللخمي, فجاء فتى من أهل الظرف وسألهم قطعة في فتى اسمه رضوان, فقال أبو محمد -يعني البرجي- ارتجالا: [طويل] يناديك يا رضوان عبد متيم ... يحن لمرآك الأنيق فؤاده غريب رماه البين في أرض ريةٍ ... وقد بعدت أوطانه وبلاده وها هو قد زمت ركائب بينه ... فآن لعمري, نأبه, وبعاده فمنوا بتوديع المسافر واسمحوا ... بقبلة (كف) منكم فهو زاده وثنوا بأخرى إن أرتم حياته ... بريق الثنايا كي يتم مراده ولا تسمعوا من قول واشٍ مخببٍ ... يطير شرار النار نحوي زناده وله من رثاءٍ رثى به الأستاذ أبا محمد القرطبي: [طويل] غربت فسيف الدين ليس غرب ... وغبت فلا شرق يضيء ولا غرب لئن أوحشت منك المعاهد والحمى ... فأدمعها من دون واكفها العذب وإن ضاق ربع الأنس والصبر بعدكم ... فإن فناء الحزن بعدكم رحب ولما نعى الناعي بفقدك بكرة ... سكبت عليك (الدمع) لو ينفع السكب وقلت وقد ضاقت علي مذاهبي ... وقلب فوق الجمر من وجده القلب ومنها:

إذا لم تلح شمساً على أفق الهدى ... فلا انهل وسمي ولا انثنت القضب خليلي هبا ساعداني بعبرةٍ ... وقولا لمن بالري ويحكم هبوا نبك العلا والمجد والعلم والتقى ... فمأتم أحزاني نوائحه الصحب فقد سلب الدين الحنيفي روحه ... ففي كل سر من نباهته نهب وقد طمست أنوار سنة أحمدٍ ... وقد خلت الدنيا وقد ظعن الركب مضى الكوكب الوقاد والمرهف الذي ... يصمم في نص الحديث فما ينبو تمنى علاه النيران ونوره ... وقالا بزعم إنه لهما (ترب) (أأسلو) وبحر العلم غيضت مياهه ... ومحيى رسوم الشرع يحجبه الترب عزيز على الإسلام أن يودع الثرى ... مسدده الأهدى وعالمه الندب ومنها: بكى العالم العلوي والسبع حسرة ... أولئك حزب الله ما فوقهم حزب على القرطبي الحبر أستاذنا الذي ... على أهل هذا العصر فضله الرب ولا عتب إن أبدى عليه تجلداً ... ولكن إن أقوى عليه هو العتب فقد كان فيما قد مضى من زمانه ... به تحسن الدنيا ويلتئم الشعب ويجمع سرب الأنس روض جنانه ... فقد جف ذاك الروض وافترق السرب فسحقاً لدنيا خادعتنا بمكرها ... إذا عقدت سلما فمقصدها حرب ركبنا بها السهل الذلول فقادنا ... إلى كل ما في طيه مركب صعب ونغفل عنها والردى يستفزنا ... كفى واعظاً بالموت لو كان لي لب ومنهم:

78- عبد الله بن محمد بن يخلفتن الفازازاي

78- عبد الله بن محمد بن يخلفتن الفازازاي كان من جملة الطلبة النبهاء. ولي القضاء في أيام أمير المؤمنين أبي العلاء بن المنصور, فكان مشكوراً موصوفاً بالجزالة والتنفيذ. وانتقل من مالقة إلى إشبيلية في علم خمس وعشرين وستمائة. ومنهم: 79- عبد الله بن العظيم الزهري يكنى أبا محمد. كان رحمه الله من جلة المحدثين, مشتغلاً بالرواية عارفاً بها, ثقة على الرواية متصرفاً في العلوم, جليل المقدار مع ما كان عليه من الانقباض والورع والزهد. ولي القضاء ببلش مدة, فسار فيها أحسن سيرة. وكانت له تواليف عجيبة, ككتاب الأوليات في الخفيات والجليات, وكتاب الاختصار والتقريب في ذكر رجال الموطأ. سمعت عليه بعضاً من الكتابين وناولنيهما. وكان من شيوخه أبو عبد الله ابن الفخار, وأبو زيد السهيلي, والأستاذ أبو عبد الله ابن العويص, وأبو الحسن ابن قزمان, وأبو القاسم ابن بشكوال, وأبو محمد عبد الحق الأشبيلي وأبو عبد الله بن حميد, وغيرهم. سمعت عليه رحمه الله كثيراً, وناولني وأجارني إجازة عامة. وكان له رحمه الله في التوثيق باع مديد. كان حسن الوثيقة, بارع الخط, عارفاً بالصنعة متقناً لها. حدثني الفقيه أبو محمد المذكور سماعاً عليه, قال: حدثني الأستاذ أبو محمد ابن العكاز, قال: حدثني المقرئ أبو إسحاق الميورقي عام سبعين وخمسمائة, قال: كنت أقرأ على القارئ المقرئ الزاهد شريح بن محمد بن شريح في أطراف النهار. فلما كان ذات يوم أتيته في القائلة, وكان يسكن في دار بين خرب هناك, فسمعت عنده صوتاً حاداً. فدخلت عليه وعاينت نسراً, وهو يقرأ عليه بذلك الصوت, فيشير له عند الوقف وعند الصلة برأسه. وهو يقرأ عليه بذلك الصوت, فيشير له عند الوقف وعند الصلة برأسه. فلما أكمل, رأيته وأنا باهت متعجب, دعا له الشيخ والنسر يؤمن. ثم انتفض انتفاضة من بين يديه ودار شيئاً وسوى بجناحه ونهض في السماء, فسألت الشيخ عنه, فقال لي: هو من مؤمني الجن, رغب مني أن يجود علي, والله يفعل ما يشاء سمعت هذا الحديث على

80- عبد الله بن الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن

أبي محمد رحمه الله في العاشر لربيع الآخر سنة ست وعشرين وستمائة. وحدثني أيضاً سماعاً عليه وشبك أصابعه بأصابعي وقال: حدثني الشيخ المقرئ أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الفريشي, وشبك أصابعي بمسجده مسجد أم هاشم بقرطبة, وقال: شبكت أصابعي بأصابع الفقيه المحدث الزاهد أبي بكر محمد بن علي بن محمد العربي الطائي ثم الحاتمي بالحرم المكي الشريف, وقال لي: شبكت أصابعي بأصابع أبي الحسن علي بن محمد المقرئ الحائك الباهاري, وشبك الحائك بأصابع الخطيب الفاضل الزاهد الورع أبي الحسن علي الباغوزاوي خطيب باهار, وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام, وقال لي: يا علي شابكني, فإن من شابكني دخل الجنة, ومن شابك من شابكني دخل الجنة, ومن شابك (من شابك) من شابكني دخل الجنة, وعد إلى سبعة. قال علي: فشبكت أصابعي بأصابعه صلى الله عليه وسلم. واستيقظت. وكان عنده رحمه الله من غرائب الأحاديث وطرفها كثير. توفي رحمه الله بحصن بلش في شعبان عام ثلاثين وستمائة. ومنهم: 80- عبد الله بن الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن هو الكاتب أبو محمد ابن الكاتب, مشهور الطلب والحسب. من أهل البيتات الشريفة. قديم الحسب, شريف الأصل. وسيأتي في هذا الكتاب من ذكر سلفه ما يدل على جلالته. وكان أبو محمد هذا جليل المقدار, عالي الهمة, مشكور المكانة. كتب لأمير المؤمنين أبي يعقوب, ثم لابنه المنصور. وكان معظماً عندهم, ونال لديهم (الجاه) . وكان رحمه الله أديباً شاعراً بليغاً وكاتباً مطبوعاً. وشهرة مكانته تغني عن الإطالة في ذكره.

81- عبد الله بن رضى بن المنذر بن رضى الرعيني

ومنهم: 81- عبد الله بن رضى بن المنذر بن رضى الرعيني يكنى أبا محمد. وكان رحمه الله من علية الحسباء وحلية الأدباء. كان كاتبا وشاعراً محسناً, بارع الخط. كتب لجملة من السادات. وكان مقرباً عندهم, مكرماً لديهم. وكان في أيام ابن زنون مشتغلاً بالأحباس. فلما كان عند رجوع مالقة للأمير أبي عبد الله ابن نصر, وطرأ على ابن زنون ما طرأ, أخرج أبو محمد المذكور مكشوف العورة, والناس قد أحدقوا به, ونالوا منه, وصفعوه, فأوصلوه إلى باب الدجل من أبواب مالقة, ورماه أحدهم بحجرٍ فرض به رأسه, وقتل في المكان. نسأل الله السلامة وحسن العاقبة. أخبرني شيخنا الفقيه الورع الخطيب أبو إسحاق ابن القرطبي أنه كان يرى الفقيه أبا محمد المذكور بعد موته في المنام, وعليه ثياب صفر, وهو في غاية من النعمة في دار هائلة رفيعة العماد, فسيحة الفناء, تتلألأ نوراً, لا تشبه منزلاً من منازل الدنيا. فكان يصل إليه ويعانقه. قال: فكان أبو محمد يتحدث بحديثٍ لا أتذكر عليه. فكنت أقول: دعني من هذا. رب الدار ما لقيت منه. مكان يقول لي: ما لقيت منه إلا خيراً. قال الفقيه أبو إسحاق: فكان يقول لي, ويتلعثم, فلا أفهم ما يقول. ثم كان يقول في آخر كلامه, قال لي: من يؤمن بي, ويتوكل علي, ما يرى مني إلا خيراً, واستيقظت. واستشهد أبو محمد في غرة يوم الأربعاء الحادي عشر لرمضان سنة خمس وثلاثين وستمائة. ومنهم:

82- عبد الله السطيعي السبتي

82- عبد الله السطيعي السبتي يكنى أبا محمد. أصله من سبتة, وكان بمالقة وزير أمير المؤمنين حسن بن حمود المستعين. فلما مات حسن بمالقة, ثقف السطيعي إدريس بن يحيى بن حمود, وخاطب الفتى نجا, فوصل, وشد ثقاف إدريس. وأراد نجا أن يكون الأمر له, فقتل البربر نجا, وأخذوا ماله, ودخلوا على السطيعي, وقالوا: البشرى, دخل الخليفة الجزيرة الخضراء. فلما برز السطيعي لهم, وضعوا سيوفهم فيه, وقتلوه. وكان السطيعي مدبر الأمور, حسن السياسة. وكان حاجاً وفقيهاً. وفيه يقول ابن الحناط في رسالته المشهور: [كامل] فقه وحج جمعا لوزير ... بر صحيح الرأي والتدبير ما قدر الأقوام هذا أن يرى ... أبداً, ولكن ذاك فعل مدير إن جئته يوماً بدهرك شاكياً ... أغنتك فطنته عن التفسير وتوفي رحمه الله.... ومنهم: 83 - عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن سعيد القائد يكنى أبا محمد, أصله من قلعة يحصب من كورة إلبيرة, وهي المعروفة بقلعة بني سعيد, إلا أنه سكن مالقة واستوطن بها. وهو من بيت حسب وجلالة, مشهور بني سعيد, إلا أنه سكن مالقة وأستوطن بها. وهو من بيت حسب وجلالة, مشهور المكانة, وهو حفيد عمار بن ياسر رضي الله عنه. وقد جمع له خالي رحمه الله عليه فضائل جده عمار في جزء, سماه بنزهة الناظر في مناقب عمار بن ياسر. وذكر اتصال نسبة به, فقال: هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله ابن الحسن بن سعيد بن الحسن بن عثمان بن الحسن بن عبد الله بن سعيد بن عمار بن ياسر رضي الله عنه. قلت: ذكر خالي رحمه الله عليه في كتاب نزهة الناظر أنه وقع في بعض التواريخ (أن) جدهم, يعني جد بني

84- عبد الله بن يوسف بن محمد بن عبد الله بن يحيى البلوي

سعيد, هو عبد الله بن الحسن بن سعيد بن عمار, دخل الأندلس في أيام يوسف الفهري, ونزل قرطبة, واستوطن بها الدار الكبرى التي صارت بعد ذلك لعبد الرحمن بن طورون. وكانت له أرحى الفنارة التي كانت على وادي قرطبة. فلما دخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس وغلب على يوسف الفهري, ودخل قرطبة, قتله مع جماعة من أصحاب الفهري. ثم استوطنت ذريته بعد ذلك قلعة بني سعيد. قال خالي رحمة الله عليه: فكان لهم فيها شرف باذخ, وعز مع الأيام راسخ, لم يزالوا بها حماة الدين, وأسود ميادين, تملكوا أعنة القيادة, وسلكوا طرق السيادة, يتوارثون ذلك كابراً عن كابر, ويجرون فيها جري الأفاضل والأكابر, إلى أن كان منهم القائد أبو محمد أعزه الله, فكمل بذلك الأفق بدره, وعلا في الهمة الشريفة قدره. وكان أبو محمد رحمه الله جليل المقدار, مشاراً إليه معظماً عند الملوك, نبيهاً من أهل الطب, يذكر أدباً كثيراً وتاريخاً, ويقول الشعر. وتوفي رحمه الله تعالى ومنهم: 84- عبد الله بن يوسف بن محمد بن عبد الله بن يحيى البلوي يكنى أبا محمد, ويعرف بابن الشيخ. وهو ولد الفقيه الحاج الزاهد أبي الحجاج ابن الشيخ رحمه الله. وسيأتي ذكر والده إن شاء الله. وكان أبو محمد هذا حاجاً فاضلاً ورعاً, من جلة شيوخ الطلبة ونبهائهم. كان مشتغلاً بصنعة التوثيق عارفاً بها متحققاً, مبرز الشهادة, جارياً على سنن سلفه الصالح من الخير والفضل. وقد وصفة الفقيه أبو طاهر فقال فيه: نبعة الصون المجدية, وشجرته التي هي غير مرديةٍ ولا مؤذية. امتدت لها فروع, وتحصنت من الشيطان بأوراق كالدروع, بأوراق كالدروع, ففر منها وهو مروع. اقتفى جادة أبيه وجده, فقابله الدهر بجده, وعامله بحقيقةٍ من حده. فنبذ الدنيا نبذ النواة, لما اعتقد الخير ونواه. فالقناعة لبوسه, ومن نكد الدنيا وجومه وبوسه. نفذ في العلم سهمه, وعظم منه فهمة, وتواضع فارتفع قدراً, ولصق بالحضيض فلاح في السماء بدراً. ومن مثل أبي محمدٍ في النشأة والنبات, والتمسك

85-عبد الله بن علي بن زنون

بحبل اليقين والثبات, لما بلغ حد التكليف ووصل, انحجز عن أخدانه وانفصل, وعبر البحر لقضاء الفريضة وأدائها, وأبرأ نفسه من ألم المشقة ودائها, فحل بالبيت العتيق, وتنسم عرفه كالمسك الفتيق, وطاف بحرمه الآمن, وأظهر من التعظيم ما هو في صدره خفي كامن. قلت: وهذا الفقيه أبو محمد رحمه الله له رواية عن شيوخ جلة. وقد أجازني وتلفظ بالإجازة. وتوفي رحمة الله في السابع من محرم (عام) ثلاثة وثلاثين وستمائة. ومنهم: 85-عبد الله بن علي بن زنون نشأ بمالقة, وكان له ابتداء طلب. ثم إنه زال عن القراءة, وبقي محاولاً لأمور الدنيا. فلم تزل الأيام ترفعه درجة بعد أخرى, حتى بلغت به من المكانة والرفعة والوجاهة إلى أقصى مبلغ. وكان ابتداء أمره في دولة الأمير أبي عبد الله بن هود, وذلك عندما أخذ القاضي أبو عبد الله بن الحسن رحمه الله عن مالقة وحبس بغرناطة, وكان ابن زنون ممن سعى فيه, ونسب إليه ما كان بريئاً منه. فعند انفصال القاضي أبي عبد الله من مالقة, اجتمع ابن زنون وطائفة من أهل البلد, ونسبوا لابن الحسن القيام على ابن هود. فكبل ابن الحسن بسبب ذلك. ثم ظهرت برءاته. وبقي ابن زنون يشتغل بالطائفة التي كانت معه على ابن الحسن إلى (أن) أفناهم واحداً (بعد واحدٍ) , بين النفي والقتل والسجن الطويل. وأبقى البلد في حكمة, فلم يكن ينفذ أمر من الأمور إلا بمشاورته. وكان ولاة البلد لا ينفذون إلا ما أمر ابن زنون به, ولا يتعدون ما يحده. وكانت أوامره تنفذ في البلاد فضلاً عن بلده. وأخذ في مصلحة البلد, فشيد الأسوار أتم تشييد, وأصلح الأبواب الخليفة, وبنى الخرجة الكائنة الآن أمام باب فنتنالة, وجدد الباب المعروف بباب الرواح , وجعل عليها باباً ولم يكن

قبل فيه, وأظهر في البلد آثاراً كثيرة في داخله وخارجه. وكان مع ذلك مقصوداً من البلاد, يرد الناس عليه من كل قطر, وينشدونه الشعر, فيحسن إليهم ويرفدهم. وكان عطاؤه جزلاً وعائده ضخماً. وبقي كذلك في هنية من عشية سنين. ثم إن الأقدار دارت عليه حتى أعفت رسمه, وصيرته كأن لم يكن. وذلك أنه كان قد أضر أهل بلده وأذاقهم شراً, وحملهم ما لم يكن في وسعهم. فكان الناس يرتقبون هلاكه, ويكثرون من الدعاء عليه. فأمهله الله تعالى إلى أن أخذه, فلم يفلته. وكان ابتداء زوال أمره وجاهة في أول مدة الأمير أبي عبد الله ابن نصر, لأن ابن زنون ضبط البلد عند خروج سالم بن هود عنه, ورام البقاء على دعوة ابن هود. ولما خالفت البلاد ورجعت للأمير أبي عبد الله بن نصر, رأى ابن زنون أنه لا يفيده البقاء مع ابن هود فشرع في بيعة الأمير أبي عبد الله بن نصر وذلك في ليلة الأربعاء العاشر من رمضان. واستدعى ابن زنون الناس للشهادة فيها بالليل في داره, بعد أن استعد الرجال والحراس بالأسلحة, فقرئت بالليل, وشهد فيها, وأعيدت قراءتها في اليوم الثاني بالمسجد الجامع. وفي غدوة يوم الأربعاء الحادي عشر من رمضان اتصل (خبر) وصول الرئيس أبي الوليد ابن عم الأمير أبي عبد الله ابن نصر, فشرع ابن زنون في الخروج إلى لقائه, وأمر الناس بذلك. ثم خرج, وتقدم ابن إدريس أمامه, فوثب العامة عليه وقتلوه. فرجع ابن زنون إلى البلد, وقتل الزهري وابن بسام. ثم رأى اشتداد الأمر , ففتح الباب ودخل الرئيس ومن معه, وفر ابن زنون من حينه صحبة أخيه عامر, وعلجيه. فأمر بإتباعه, فأدرك في بعض الطريق, وسيق. وجعل في قطعةٍ كانت في البحر. وأفلت أخوه وعلجاه. وانتهبت دياره وديار قرابته. ثم إنه أنزل من القطعة, وسجن بالقصبة, وأخذ معه جملة من أصحابه, فثقفوا في الحديد. ثم إنه حمل بالليل في زورقٍ إلى غرناطة, وضرب فيها ضرباً وجيعاً, المرة بعد المرة. ثم رد إلى مالقة ليخرج مالاً اتهم أنه كان عنده, فلم يخرجه. وما زال يعاقب بالضرب حتى مات. وكان يضرب بالليل بحيث لا يراه أحد ولا يسمعه, فقيل: إنه

86-عبد الله بن ضمعج

تناول موسى كانت عنده فذبح بها نفسه, وقيل إنه ذبح هو نفسه. نسأل الله السلامة وحسن العاقبة. ومنهم: 86-عبد الله بن ضمعج هو صاحبنا أبو محمد. كان رحمه الله من نبهاء الطلبة, يتصرف على حداثة سنه في فنون. وقرأ كثيراً من النحو والأدب واللغات. (وكان) ذكياً فطناً لبيباً متواضعاً, حسن الملاقاة, جميل العشرة, فاضل الأخلاق. وعقد الوثائق بمالقة, وتصرف مسدداً في بعض جهاتها. ثم انتقل إلى حصن ورد قاضياً, فقتل في الطريق رحمه الله ونفعه. وكان رحمه الله تعالى شاعراً مجيداً. من شعره: [سريع] ٍوا بأبي بدر يلوح على=غصن رطيبٍ مائسٍ في برود ثغره.............. ... .................برود خداه كالورد (ومن حسنه) ... يخجل ورد الروض ورد الخدود دعوته والشوق قد شفني ... دعوة مشغوف الفؤاد عميد فقال: لبيك, ولان وإن ... كان, لغيري, قلبه كالحديد قربني حين رأى أنني ... أستوجب القرب برغم الحسود وله, وكان يهوى صبياً اسمه عبد الحق, وكان له فيه رقيب يسمى بوسخ الجبن: [رمل] لام عبد الحق لما ... (أن) رآني قد هجرته قلت لا لوم فعذري ... بين فيما أتيته إنما أنت كجبنٍ ... شابه الوسخ فعفته

ومن الكنى في هذا الحرف

ومن الكنى في هذا الحرف 87- أبو عبد الله ابن المالقي أديب. له في غلام جميل حلق رأسه: [خفيف] حلقوا رأسه ليزداد قبحاً ... حذراً منهم عليه وشحا كان قبل الحلاق ليلاً وصبحاً ... فمحوا ليلة وأبقوه صبحا ذكره الحميدي في تاريخه. قلت: (وقوله) : ليزداد قبحاً, أن الزيادة تقتضي أن يتقدمها شيء منها. ولو قال: ليكسب قبحاً أو نحوه لكان أطبع. ومنهم: 88- عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الملك بن قزمان يكنى أبا الحسين. قدم علينا مالقة وأقام بها. وكان رحمه الله فقيهاً محدثاً راوية, من جلة المحدثين. يحمل عن أبيه الإمام أبي مروان, وعن ابن عتاب, وعن أبي بحر سفيان بن العاصي, والحافظ أبي بكر بن العربي, وأبي عبد الله جعفر بن أبو (محمد بن) مكي بن أبي طالب وأخذ عنه أهل مالقة كثيراً. حدث عنه شيخانا أبو محمد بن العظيم, وأبو عمرو بن سالم, وجماعة. نقلت من خط أبي عمرو قال: أنشدني الفقيه القاضي أبو الحسين بن قزمان, وحدثني, قال: أتي الأمير الأعدل أبو محمد عبد المؤمن بأسدٍ وزرزور يتكلم, فأحضرا بين يديه. فلما بصر به الأسد, أقبل حتى ربض بين يديه, وجعل يبصبص كما يفعل الكلب, وتكلم الزرزور بكلامٍ حسنٍ, ودعا للأمير. فقال أبو علي ابن الأشيري, وكان حاضراً

89-عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن قزمان

بالمجلس: [رمل] أنس الشبل ابتهاجاً بالأسد ... ورأى شبه أبيه فقصد ودعا الطائر بالنصر لكم ... قاضياً حقكم لما وفد أنطق الخالق مخلوقاته ... بالشهادات, فكل قد شهد أنك القائم بالأمر له ... بعدما طال على الناس الأمد فأمر له الأمير بأربعمائة دينار. ومنهم: 89-عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن قزمان يكنى أبا مروان. هو الفقيه الإمام الراوية المحدث العدل الثقة الجليل المقدار. كان مولده بمالقة حرسها الله. روى عن جلة الأعلام كأبي علي الغساني, وأبي علي الصدفي, وعن أبي عبد الله محمد بن فرج مولى ابن الطلاع, وغيرهم. وكان رحمه الله من الفضلاء الزهاد رحمه الله ونفعنا به. ومنهم: 90-عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن حبيش كان رحمه الله عارفاً بصناعة الحديث, عالماً بطريق الرواية, مقيداً ضابطاً حافظاً لأسماء الرجال. حدث عن ابن العربي, وابن ورد, وابن موهب, وغيرهم نفعه الله.

91- عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن الحسن بن أبي الحسن الخثعمي ثم السهيلي

ومنهم: 91- عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن الحسن بن أبي الحسن الخثعمي ثم السهيلي هو الإمام العالم. (كان) رحمه الله من جلة العلماء وعليتهم عارفاً متفنناً ضابطاً حافظاً للغات والآداب. وله تواليف ككتاب الأعلام بما وقع القرآن من الأسماء الأعلام, وكتاب الروض الأنف, وكتاب نتائج الفكر, وغير ذلك. وصفه الفقيه أبو العباس أصبغ في كتابه. فقال فيه: هضبة علوم سنية, وكان في الشعر واضحة جلية, من رجل تلقت القريض يمينه, وانتظم له من جوهره ثمينه. عفا على ابن الدمينة في التشبيب, واستوفى في أغراض مدحه جميع ما أبتدع فيه حبيب. إن مد فيه الرشا, فما شئت من إبداع وإنشا, وإن قصد أو عجز, بذ من سبق قلبه وأعجز. ولا تبارى في ميدانه خيله, ولا يساجل وشله ولا سيلة. قلد أجياد الدولة المهدية والخلافة القيسية منه قلائد, فضحت الحلي عن أتراب الخرائد, ونمنم فوشى برودها, وروض منها تهائمها ونجودها. وكان في شعرائها من سوابق ميدانها. وممن أحرز قصب رهانها, حسن توليدٍ واختراع, وتنكيتٍ وتجويدٍ وإبداع. ثم امتد به أجله, وأنسأه في شأو الحياة مهله, حتى تطلع في سماء مجلس أمير المؤمنين بدراً, وتبوأ منه بعلمه البارع محلة ووكراً, فخلع على أهله من منمنم أمداحه خلعاً, وابتدع من مليح قريضه بدعاً, أصارت إليه منهم قلوباً, وأنالت من أكفهم مأمولاً ومطلوباً. فمن قوله الذي لا حسن إلا وهو مخلوع عليه, ولا عنان يريع إلا

وملاكه بين يديه, قوله في السيد الأعلى أبي سعيد ابن أمير المؤمنين: [بسيطٍٍ] الدين يشرق والأيام تبتسم ... والدهر معتذر, والخطب محتشم ودولة الحق والتوحيد قد وضحت ... لها بشائر زاحت عندها الغمم ومنها في المدح: السعد يقدمها والنصر يخدمها ... ما حاز مقدمه إلا همت نعم ومنها: ولا تيم أرضاً حشمت وغرت ... إلا همى فوقها من سيفه نقم سيف نضاه أمير المؤمنين, متى ... يرم العدى بحسام مثله هضموا وكوكب في سماء المجد أطلعه ... تنجاب عن أفقها من نوره الظلم وهو الغمام الذي يغشى البلاد ولم ... ترحل إليه فتهمي نزلها الديم ومنها: يدنيه من كل ذي أرضٍ تواضعه ... وفوق هامه كيوان له قدم لو كان منقسماً رأفةٍ ملك ... بين الرعية أضحى وهو منقسم ومنهم: هذا ابنه, وهو بعض منه خص به ... هذي الجزيرة كي تحمى به الحرم ما إن رأوا قبله من كعبةٍ قصدت ... حجاجها, ولهم من ظلها حرم كأن سيب نداه ملء زمزمها ... وكفه الركن إذ يغشى ويستلم لو كان ينفع ذا ود مساهمه ... ظلت عليه بقاع الأرض تستهم وهي طويلة. ومن شعره في المدح: [بسيط] العود أحمد من بدءٍ حلا فعد ... إلى المدائح في قرب وفي بعد عد لامتداح أميرٍ ما يكافئه ... في الفضل بعد أبيه الخير من أحد أبي سعيد حليف السعد لم تره ... إلا رأيت لديه السعد في صعد والدهر حين رأى أنوار دولته ... أغضى وأدبر يشكو عامد الرمد

سيف نضته يد الميمون طائره ... سهامه الشوك زجر اليث للنفد تضعضعت عصب الإشراك نافرة ... "ولا قرار على زأرٍ من الأسد" وهي طويلة. وله رحمه الله وقد قال لشخص في الصباح, كيف أمسيت: [طويل] لئن قلت صبحاً: كيف أمسيت مخطئاً ... فما أنا في ذاك الخطا بملوم طلعت وأفقي مظلم لفراقكم ... فخلتك بدراً والمساء همومي ومن شعره: [كامل] خلف السلام على الذين أحبهم ... وسقى منازلهم بكل سكوب أبت الفراق قلوبنا وقلوبهم ... يا ليت أبدانا لنا كقلوب ومن شعره: [طويل] أسائل عن جيرانه من لقيته ... وأعرض عن ذكراه, والحال تنطق وما بي إلى جيرانه من صبابةٍ ... ولكن قلبي عن صبوحٍ يرقرق ومن شعره: [وافر] وذي نفسيٍ أنم من الخزامى ... وثغرٍ مثل ما عبقت مدام شكوت له الهوى وبكيت شوقاً ... فأعقب عبرتي منه ابتسام فقلت: أضاحك مني وهذي ... دموعي عن لظى كبدي سجام فقال: الروض تضحك كل حينٍ ... أزاهره, وإن دمع الغمام وله وقد أهدي له مسك: [سريع]

أهدى له شهباً بأنفاسه ... من عذب القلب بوسواسه يا مرسل المسك لنا نفحة ... وكل مسك دون أنفاسه كل نعيم دون ذاك اللمى ... وكل بوسٍ دون إيناسه ومن شعره: [كامل] أشبهن من بقر الفلاة صواراً ... لخطى, وحسن مقلدٍ, ونفارا فلحقن بالعجماء حسن تشبهٍ ... كيما تكون جراحهن جهارا ومن شعره: [بسيط] أبدى الهوى وتجافى عن زيارتنا ... وظل يكثر من عذرٍ ومن علل لا تدعي حب من أتلفت مهجته ... بالصد منك وبالإعراض والبخل تقول: لا حيلة في الوصل أعرفها ... لو صح منك الهوى أرشدت للحيل ومن شعره: أرى البر لا ينفعك براً بأهله ... وذا البحر لا يألو عقوقاً لراكب وما ذاك إلا أن هذا مناقض ... وهذا يراعي وصله في المناسب ومن شعره: إذا قلت يوماً سلام عليك ... ففيها شفاء وفيها سقام حياة إذا قلتها مقبلاً ... وإن قلتها معرضاً فالحمام فأعجب من ضد حاليهما ... وهذا سلام وهذا سلام وله في مجبنة: [كامل] شغف الفؤاد نواعم أبكار ... بردت فؤاد الصب وهي حرار

وله في محمل كتب: [خفيف] حامل للعلوم غير فقيهٍ ... ليس يرجو ضرا ولا يتقيه يحمل العلم فاتحاً قدميه ... فإذا انضمتا فلا علم فيه وله في قول"لا": [سريع] قد أجمع الناس على بغض"لا" ... ولست أنسى أبداً حب "لا" لأنني قلت له: سيدي ... تحب غيري أبداً, قال: "لا" ومن شعره: [كامل] لما أجاب"بلا" طعمت في وصله ... إذ حرف"لا" حرفان معتنقان وكذا"نعم" بنعيم وصلٍ آذنت ... فنعم, ولا في الحب متفقان ومن شعره: [كامل] قاسوا الحبيب إلى الحبيب الأول ... بحنين مغترب لأول منزل هيهات ما حب التليد كطارفٍ ... أين القديم من الجديد المقبل نور الأقاح الغض أحسن منظراً ... وأرق عزفاً من أقاح ذبل وليانع الثمرات حظ في المنى ... ليست ليابسهن عند المأكل فدع القياس على مثالٍ في الهوى ... وانظر إلى عطف الرؤوم المطفل إن قلت يعدل عندها حب الطلا ... حب المربب قلبه لم تعدل ولعلمهم أن الجديد محبب ... قالوا: اغترب كيما تجد أو ارحل

92- عبد الرحمن بن موسى التقديسي

ومن شعره فيمن ركب البحر: [كامل] ركبوا السفين فقلت بعدهم ... والعين تذرف دمعها سكبا لو أنني كنت امرءاً ملكاً ... لأخذت كل سفينةٍ غصباً وشعره رحمه الله كثير, وأدبه وعلمه مشهور. وكان عالي الرواية. روى عن أبي بكر بن العربي, وابن بونة, وحفيد مكي, وشريح, وغيرهم. كان حافظاً لأنساب العرب, وسير النبي صلى الله عليه وسلم. وكان مولده عام سبعة أو ثمانية وخمسمائة. وكف بصره (وهو) من نحو سبعة عشر عاماً. وتوفي بمراكش في ليلة الخميس الخامس والعشرين من شعبان عام أحد وثمانين وخمسمائة. ومنهم: 92- عبد الرحمن بن موسى التقديسي يكنى أبا زيد. من أهل الحسب والجلالة. وكان فقيهاً قاضياً. ورد علينا مالقة في عام سبعة وتسعين وخمسمائة. وأظنه من أهل غرناطة. وجدت بخط الفقيه الأجل أبي الطاهر السبتي: أنشدني الشيخ الفقيه القاضي الحسيب أبو زيد عبد الرحمن ابن التقديسي بوادي مالقة في الثالث عشر من ذي قعدة من العام المذكور, للقاضي أبي محمد عبد الوهاب: يا صاحبي بمهجتي خمصانة ... مالت, فمال الحسن في أعطافها في الصدر منها للطعان أسنة ... ما أشرعت إلا لجني قطافها إن تنكرا قتلي بها فتأملا ... تجد دمي قد جف في أطرافها قال: وأنشدني أيضاً لنفسه: [سريع] ووردةٍ أنبتها ناظري ... في وجنةٍ كالقمر الطالع فلم منعتم شفتي قطفها ... والحكم أن الزرع للزارع

93-عبد الرحمن بن دحمان بن عبد الرحمن الأنصاري

93-عبد الرحمن بن دحمان بن عبد الرحمن الأنصاري يكنى أبا بكر. كان رحمه الله أستاذاً بمالقة, مقرئاً للقرآن والنحو, عارفاً لهماً, حسن الإيراد, من جلة العلماء وعليتهم, فاضلاً ورعاً منبسط النفس, كثير الدعابة. كان يحضر مجالس السادات فيستظرفون أخباره ونوادره. وكان للوذعيته محبناً عندهم, مكرماً لديهم. وكان مع ذلك أديباً شاعراً فيما ذكر لي, ولم أقف له على شعرٍ. وتوفي رحمه الله في شعبان سنة سبع وعشرين وستمائة. ومنهم: 94-عبد الرحمن بن محمد بن علي بن جميل المعافري يكنى أبا زيد. كان رحمه الله حاجاً فاضلاً من أهل العلم. أخذ عن شيخ جلة بمالقة, وقرأ على أخيه الحاج أبي الحسن المالقي بالمسجد الأقصى, ويحمل عن أبي الفرج الأصبهاني بالإجازة, وعن غيره من الشيوخ. قرأ عليه شيوخنا وأخذوا عنه, وكان ثقة عدلاً في الرواية. ومنهم: 95-عبد الرحمن بن قاسم الشعبي المالقي يكنى أبا المطرف, هو الفقيه المشهور الجليل القدر. كان فقيه مالقة في عصره, عليه كانت الفتيا تدور. وكان حافظاً من الحفاظ المشاهير, يحفظ المدونة وغيرها. أخذ عن شيوخ جلة, كأبي أيوب الإلبيري, وعن أبي محمد قاسم بن المأموني السبتي, وعن حسين ابن موسى الفقيه المشاور, وأبي الطاهر بن حمزة. وصفه الفقيه أبو العباس أصبغ بن أبي العباس فقال فيه: عصرة أهل العلم الرفيعة, وهضبته العقبة البديعة, بذ فيه جموع الأفذاد, وأربى نظره على النقاد

96- عبد الرحمن بن مسلمة بن عبد الملك بن الوليد القرشي

في النفاذ, وبورك له فيما منح من الاستيفاء والاستحواذ. امتد في العلوم شأوه, وامتلأت إلى عقد الكرب دلوه. وكان أمير الحشم قد فاء عليه ظله, واشتمل عليه فضله, ويرى أن ذلك عليه فرض يقضيه, وواجب يبلغ الجهد فيه. وللفقيه أبي الحسن بن هارون يمدحه بقصيدة, أولها: [كامل] وقع سرى وهناً كوقع مهند ... والليل مكحول الجفون بإثمد وإذا الصبا هبت على عرصاتها ... أرجت بطيب ثنائه المتجدد فكأنما تثني على الخلق الذي ... يبدي سناء بالتقى والسؤدد ذاك الفقيه أبو المطرف إنه ... جارٍ على سنن النبي محمد طود من العلم الرضي, ليرتقي ... لذراه من لمس الكواكب باليد جلى دياجي الجهل نير علمه ... فأضاءها بشهاب نورٍ موقد وتلطفت أذهاننا وتسربلت ... برد النهى من طبعه المتعهد ومنها: يا قاصداً بغداد راجي علمها ... رد فاقتبس من ذهنه المتوقد يا طالباً درر المعالي بالنهى ... جيء فاغترف من دره المتسدد هذا سراج النور يسطع نوره ... في ريةٍ فاعمد إليه واقصد تلق الفضائل والمكارم والندى ... وسنا المعالي جمعت في أوحد وقدره رحمه الله عظيم, وعلمه مشهور نفعه الله بمنه. وتوفي في رجب لعشر خلون منه سنة سبع وتسعين وأربعمائة. ومولده سنة اثنتين وأربعمائة ومنهم: 96- عبد الرحمن بن مسلمة بن عبد الملك بن الوليد القرشي سكن إشبيلية, وأصله من مالقة, يكنى أبا المطرف. كان مقدماً في الفهم,

97-عبد الرحمن بن صالح بن سالم الهمداني

بصيراً بعلوم كثيرة من علوم القرآن والأصول والحديث والفقيه وفنون العربية والحساب والطب والعبارة, وقد أخذ من كل علم بخط وافر, مع حفظه للأخبار والأشعار, روضة لجليسه. وكان قديم الطلب لذلك كله ببلده, وبغرناطة وبغيرها. فمن شيوخه بقرطبة: الأصيلي, وأبو عمرو الإشبيلي, وابن الهندي وعباس بن أصبغ, وأبو نصر, وخلف بن قاسم, وغيرهم. وتوفي في شوال سنة ست وأربعين وأربعمائة. ومولده سنة تسع وستين وثلاثمائة. ذكره ابن بشكوال. ومنهم: 97-عبد الرحمن بن صالح بن سالم الهمداني يكنى أبا القاسم. هو أخو شيخنا الفقيه الراوية المحدث أبي عمرو بن سالم. وكان أبو القاسم هذا من أهل الطلب والنباهة. وله سماعات كثيرة مع أخيه أبي عمرو المذكور. وصفه الفقيه أبو الطاهر فقال: أما أبو القاسم فآية العلم غير منسوخة, ونهاية قد عرفنا ثبوته ورسوخه, أعطي قدرة في التوليد أسفر صبحه إسفاراً, وصيرت غيره ببيانه كالحمار يحمل أسفاراً. وتوفي رحمه الله في سن الفتوة. ومنهم: 98-عبد الرحمن بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن التجيبي يكنى أبا القاسم. هو القاضي أبو القاسم ابن عياش, ولد الكاتب المشهور. كان رحمه الله من أهل الطلب خطيباً فصيحاً تستعمله الملوك وتعظمه. وكان يزين المجالس بفصاحة لسانه, وحسن خدمته. ولي القضاء بكور كثيرة نبيهة. ولي في أحكامه. وكان مولده عام أحد وثمانين وخمسمائة. وتوفي رحمه الله في يوم السبت التاسع لجمادى الأولى عام ستة وثلاثين وستمائة.

99-عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي

ومنهم: 99-عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي يكنى أبا زيد, ويعرف بالقمارشي. كان رحمه الله من جلة الطلبة وعليتهم ونبهائهم. روى عن الفقيه الفاضل المحدث أبي جعفر أحمد بن علي بن حكم الحصار, وعن غيره. وكان رحمه الله من أهل الفضل والدين والورع والانقباض والعفاف عن الناس. قرأت عليه وأخذت عنه وأجازني إجازة عامة. وكان أولاً يعقد الوثائق. ثم في آخر عمره صار مكتباً للصبيان بداخل مالقة, فكانت عنده رحمه الله أحاديث غريبة, وغيرها من الأدب نبيلة. ومنهم: 100-عبد الرحمن بن محمد بن يخلفتن بن أحمد الفزازي ورد علينا رحمه الله مالقة, وكان بها كاتباً لأمير المؤمنين أبي العلاء أيام ولايته-وكان من الكتاب البلغاء والشعراء والأدباء-, كتب عن ساداتٍ حياته. وكان بارع الخط, من جلة الطلبة النبهاء, مشهور المكانة مصمماً في دينه ويبغض أهل العلوم القديمة. حدثني عنه الأستاذ الجليل العارف المحقق النحوي أبو الحسن ابن عصفور أنه كان لا يصاحب أحداً ولا يؤاخيه إلا بعد البحث, هل نظر في العلوم القديمة أم لا؟ فإن كان قد نظر فيها, لم يصاحبه, وكان ممقوتاً عنده. وحدثني أنه قال له ذلك مشافهة. ومنهم:

102- عبد الأعلى بن موسى بن نصير

101- عبد العزيز بن أمير المؤمنين أبي يعقوب ابن أمير المؤمنين أبي محمد عبد المؤمن. يكنى أبا محمد. ولي مالقة في أيام أبيه وكان رحمه الله من جلة السادات, معلوم المكانة, فاضلاً جليل حسن السيرة مقرباً للطلبة, محباً فيهم, معظماً للعلم وأهله. وكانت له معرفة وتصرف في الطلب. وكان يميل إلى طريق الإدارة. وكان ينظم الشعر ويجيده. نقلت من خط شيخنا الأديب أبي عمرو بن سالم من شعره: [بسيط] وقفت فكري على نظمٍ لو انصرفت ... عنه عوائقه ما كان ناظمه للشعر تيه ضللنا في مجاهله ... لو لم يكن ناصباً فيه معالمه يا أوحد العصر هبني قلت ما سمحت ... به القريحة, فاجعل لي تمائمه سلم عنادك تسلم من توابعه ... فليس يسلم إلا أن تسالمه قال الأديب أبو عمرو: ونقلتها من خط سيدنا أبي محمد عبد العزيز, وكتب بها السيد إلى شيخنا أبي عمرو بن عبد ربه. ومنهم: 102- عبد الأعلى بن موسى بن نصير توجه بجيش من قبل أبيه فافتتح تدمير, ومضى إلى إلبيرة, وغرناطة, ثم إلى مالقة فحاصرها. وكان بها ملك قليل التحفظ, كان يخرج إلى جنةٍ له بجانب المدينة طلباً للراحة من غمة الحصار من غير أن يقيم عيناً أو طليعة. فعرف بذلك عبد الأعلى, فكمن له في جنب جنته, فخرج ليلاً, فظفروا به, فأمسكوه. فأخذ

المسلمون المدينة عنوة, وملأوا أيديهم منها غنيمة. وقد قيل إن طارقاً هو الذي وجه الجيش فافتتح مالقة, والله أعلم ذكر ذلك ابن حيان ومنهم: 103-عبد الجبار بن المعتمد بن عباد هو الذي قام بحصن منت ميور. وسبب ذلك أنه أخذ بمالقة حارس يعرف بمحمد بن خلف, سجن هو وأصحاب له, فتألفوا في السجن مع آخرين, فنقبوه وطرقوه إلى حصن منت ميور, من حصون مالقة, فدخلوه وأتوا إلى دار قائده. فنودوا: من أنتم, فقال ابن خلف: من لا ينام الليل. فأخرجوا قائده, ولم يضروه, وحصلوا فيه. فبينما هم كذلك إذا طلع عليهم رجل, فسألوه, فإذا هو عبد الجبار بن المعتمد, فولوه على أنفسهم, وظن الناس أنه الراضي بن عباد, لأنه كان يملك (تلك) الجهات. وعندما حصل عبد الجبار في الحصن أقبل مركب كبير من الغرب يعرف بمركب ابن الزرقا, فانكسر على مرسى الشجرة على مقربةٍ من الحصن. فخرجوا إليه وأخذوا طبوله وبنوده وعدته ووسقه, فاتسعت أيديهم واستجابت لهم الحصون المجاورة لهم, مثل عرجان, وقلعة خولان. ووصلت إلى عبد الجبار أمه, وكانت عند ابن خلفٍ رمكة, كان أخذها لبعض الملثمين, فطلبها منه ابن المعتمد, فأبى عليه. فأدخل بينهما في ذلك حتى قتله. ولما قتل ابن خلف, خطب بعض أهل الجزيرة لعبد الجبار, وخاطبة أهل أركش, فدخلها علم ثمانية وثمانين. ويقي عبد الجبار بأركش إلى أن نزلت عليه عساكر سير بن أبي بكر, وضرب بسهم فمات. وأخذ الزوائد أمة وخرجوا بها ليلاً إلى طليطلة. ذكر قصته ابن حمادة في تاريخه. ومنهم:

105- عبد الوهاب بن علي

104- عبد الحق بن الملك بن بونه بن سعيد القرشي العبدري كان رحمه الله من جلة الشيوخ المحدثين العارفين بطرق الرواية, عارفاً حافظاً محققاً عالي الرواية. أخذ عن أبيه عبد الملك بن بونه, وشاركه في كثيرٍ من أشياخه, وعن الحافظ أبي بكر بن غالب, وعن الشيخ الحافظ أبي بحر سفيان بن العاص, وعن يونس بن مغيث, وعن أبي الوليد بن طريف, وعن أبي عبد الله بن سليمان النفزي, وعن أبي عبد الله بن معمر, وعن أبي الوليد بن رشد, وعن ابن عتاب وغيرهم. وكان رحمه الله جليل المقدار ذا ضبطٍ وتثبتٍ وصحة نقلٍ. نقلت من خط الأستاذ أبي علي الرندي, قال: حدثنا الشيخ أبو محمد عبد الحق, يعني المتقدم الذكر بسندٍ, اختصرته أنا, قال: قال عمر بن عبد العزيز: لأجلدن في الشراب. ومنهم: 105- عبد الوهاب بن علي يكنى أبا محمد. وهو الفقيه الخطيب الفاضل الزاهد الورع. كان رحمه الله من أهل العلم والأدب البارع حافظاً للغات والنحو والأدب, منبسط النفس كثير الدعابة, قريباً من الناس, على ما كان عليه من الزهد والورع والفضيلة. كان خطيباً بجامع مالقة إلى أن توفي رحمه الله. ذكره أصبغ بن أبي العباس في كتابه, فقال فيه: ركن عظيم من أركان الديانة, وإنسان في حدق عين الصيانة, وفؤاد بصدر النزاهة والنباهة. حمل من علوم الحديث والآداب ضروباً وفنوناً, واهتصر منها أماليد وغصوناً, ورفض هذه الفانية فاتبعته, وقلاها فما ودعته. وله منظوم ومنثور هما حلية السامع, ومتعته الرواي والسامع, إن جد فكلحمة نصلٍ, أو هزل فكعطفةٍ وصل. لكنه أساء لنفسه الاختيار, بسكنى البوادي وتفضيلها على الأمصار (ثم) قال

بعد كلام: لكن بيده لواء التقديم, وهو المفضل على الحديث من أهل بلده والقديم. قلت: وللفقيه أبي محمد المذكور أشعار رائقة, وكتب في غاية البراعة. وبينه وبين الفقيه الزاهد أبي الحجاج ابن الشيخ رحمه الله, مكاتبات وأشعار, تنبئ عن بلاغته ومعرفته وجودة طبعه, أذكر منها الآن طرفاً, وسأذكر طرفاً منها في ترجمة يوسف إن شاء الله تعالى. كتب له الحاج الزاهد أبو الحجاج ابن الشيخ رضي الله عنه شعراً, وسأله الجواب, فكتب له أبو محمدٍ رحمه الله: أدام الله عز الفقيه الأجل, الولي في الله عز وجل, أبي الحجاج, معدوداً فيمن قيل من الحجاج, آمين, بمن الله رب العالمين. بهرتني أيها الإنسان, أبياتك الحسان, المفيدة إن زففتها, الغربية إن نفضتها, ورأيت مرادك أن آخذ في صنعة شيء من الشعر, وإن حكى في تأليفه سقوط البعر. فلك الفضل يا وليي في بسط المعذرة, والمعاملة فيه بالنظرة. أما شعرت بامتناع الشعر, عند ارتفاع الشعر, عند ارتفاع السعر, وأن لا أمل في هزج منه ولا رمل, ما دام زحل, في برج الحمل. ولا شك أنك رخي البال, لا يروعك دوي الغربال. أما خبزك ففي الخمير, وأما عزك فطوقوه للأمير. ألا (من) ييسر في بيت (شعر) وسيدي قصده يزوره في اليوم, ألف مرة تعم. وفي عزمته مزحه, يزجها -ثم ينام لمحة- لآخر يتلفف في عبادة, ويتعفف عن الباءة. قد نبذت جلته الصهباء, وأودت به السنة الشهباء, فأصبح لا يعلو نواره مغرساً, ولا يأتي بمن يهواه معرساً. إليك عني, فما أنا من الشعر ولا هو مني, اللهم إلا أن يرخص القمح والشعير, فدونك منه حمل بعير, والسلام. وكان بينهما من المداعبات أكثر من هذا, وقد جمعها الفقيه أبو الحجاج في سفر, وهو موجود بأيدي الناس.

ومن شعر أبي محمد عبد الله الوهاب: [سريع] قد أكثر العاذل لا أم له ... لا, لا أراه الله ما أمله لست بسالٍ فليلم لومه ... لا, لا وحق الكتب المنزله كيف بسلواني عن غادةٍ ... كالشمس, والسطح لها منزله يا عاذلي سوف ترى عاذري ... يركب من بحر الهوى أهوله إن هم أن يبصر من في الحمى ... (يوماً قد) استحكم فيه الوله وقال, يعني مذنفاً عانياً: ... كان لي الله مجيراً وله مرت بنا في خردٍ نهدٍ ... راعت لأسدٍ بالحمى مهمله ولم ير الصب سوى مقلةٍ ... وربما تسترها أنمله من دون جلبابك يا هذه ... إن قص أو زاد الفتى أنمله فنون حسنٍ وجمالٍ بما ... جمعن في محسنهٍ محمله في الدعص والغصن وبدر الدجا ... تفصيلها حين غدت مجمله مما شجاني خيفتي دونها ... من السنا, والقلب من جندله يا ويح هذا المستهام الذي ... لم بعد سيف اللحظ أن جد له يقتل ذا الذنب ومن لم يكن ... منه, ولا هم بأن يعمله كأنه فيما جنى هاشم ... وقد حمى والده حرمله وهي طويلة. واختصرت مخافة التطويل. ومن شعره: [خفيف] قصري اللوم بعدهم أو أطيلي ... ما إلى الصبر بعدهم من سبيل أتلومين في الهوى أم تحثي ... ن عليه, لله درك قولي زاد تعنيفها غراماً ووجداً ... قلب هذا المتيم المتبول راعني بالنوى وبان بروعي ... رشأ خاتل ضراغم غيل

سله إذهب للصبابة عزا ... وامض فالله للغريب الذليل والأمير الأجل شمس المعالي ... شيم الجود, معدن التفضيل وكتب إلى الأستاذ أبي زيد السهيلي: الأديب الفقيه اللبيب, الأستاذ الحبيب, أبو زيد زاده الله كرماً ومجداً. وكلفاً بالمكارم ووجداً. معظم قدركم العلي, عبد الوهاب بن علي: [خفيف] ما السها إن لمحتهم كسهيل ... لا ولا من مدحتم كالسهيلي يا أبا زيدٍ إنما أنت بدر ... وأساتيذنا كواكب ليل سالني عنه حاسد ورآه ... سار نحو العلى كأسرع نبل قال من ذا وقد تميز غيظاً ... ويله, كم يقول في النفس ويلي قل له قد علمت منه كعلمي ... فقل الحق أو فمل كل ميل هو في النحو سيبويه, وفي الشع ... ر (مجيد) كعامر بن الطفيل كارع بين صاب ورد كراع ... جامع شمل ما حوى ابن شميل ما لدرسه مالك حين يقري ... لا, ويقريك, فاضل كالفضيل وإذا أردت علم أصولٍ ... فرد النيل منه بصدق نيل واقترب منه تشهد ابن قريبٍ ... بأفانين أو بذات الأثيل محكم لفظه صحيح فصيح ... زانه الوزن لم يشنه بهيل إن من مارس العلوم بإقرا ... ءٍ لمجر جحاشه مع خيل زد أبا زيدٍ (في) علاءٍ وفخر ... واصحب الفرقدين ساحب ذيل

106- عبد السلام بن ثعلبة

وكتب معها: أكرمكم الله بتقواه, جددت بأحرفي هذه العهد كم, وجردت أكثرها من ثمرات أدبكم. ومن حرم نفس عصام, فلا جرم أن يكون بنفسه ذا اعتصام. وإنما جردت بين يديكم غضباً, لأنني وردت فيما لديكم عذباً, وكما اغترفت بذنوبي, فقد اعترفت بذنوبي. وإلى هذا فقد جعلتك لي ملاذاً, فصد عن زلل, وسد من خلل. فتلك -وما يحن واحد إلا لمنى- هي غاية الأمل والمنى. وكنت, أعزكم الله سمعت من كلامكم منذ سنة, نبذا من معاني القرآن مستحسنه. وقد بسطت اليد إلى شيء منها, إن كان تقييدا, فاغتنم, رحمك الله, بإرسال ما أمكن من ذلك لتعظم السحنة. بقيت مذكورا في أهل البيان, مشكورا مع أهل الإحسان, ما تحلت بمدحك الألسنة, واكتحلت عين بسنة, والسلام. ومن شعره: (خفيف) صدني البين عن لقائك غيره ... أن يرى آنسا بقربك غيره صد عن شخصك الكريم محبا ... وأراه غرابه ونغيره قلت: يا سائلي, ليعلم وجدي, ... بك يا من به تفاخر وبره أسفي يا ابن يوسف لم يجده ... (بأخيه) متمم بن نويره وشعره رحمه الله كثير, وأدبه شهير. وتوفي رحمه الله في شوال سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. ومنهم: 106- عبد السلام بن ثعلبة كان والي رية عند وصول المجوس إلى ساحلها سنة سبع وأربعين ومائتين, في أيام الأمير محمد, فاجتهد في دفعه, وسد مراسي رية, فلم يجدوا فيها مدخلا.

107- عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن

وجرت بينه وبينهم حروبثث ظهر فيها عليهم, وقتل فيهم قتلا ذريعا حتى ولوا على الساحل المذكور, وفروا إلى ساحل تدمير. وتوفي سنة خمس وسبعين ومائتين. ومنهم: 107- عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن يكنى أبا القاسم, ويعرف بابن الكاتب. وهو والد الكاتب أبي محمد ابن الكاتب المتقدم الذكر. أصله من وادي آش من بيت حسب وجلالة. انتقلوا إلى مالقة في بعض الفتن, وهي كانت دار سكناهم, وبها كان مقامهم. وأبو القاسم هذا هو من جلة طلبة مالقة ونبهائهم, ومعدود في حلبة نبهائها وعلية شعرائها. شعره رائق, وكتبه بارع. ذكره الفقيه أبو العباس أصبغ في كتابه فقال: شاعر, مطنبا كان أو مقصرا, مجيد محسن, لا يعارض ارتجاله, ولا يتعاطى سجاله. وأنشد له قطعة فقال: وهي مما حاز بقولها السباق, وفات أولئك الطباق, وهي هذه: (كامل) يا من إليه في المهم المفزع ... تفديكم بين البرية أربع بحر العلوم, وكل راقي منبر ... وغمامة تهمي, وبدر يطلع قد مر شهر ما لدى راجيكم ... شيء يعود ولا صديق ينفع وإليكم عند الضرائر مرجعي ... والنصل قدما للشدائد يرفع عودتني عونا في الورى ... من يبتدي ذكر الجميل فيقطع والله لولا صرف دهر جائر ... ما كنت في زمني لخلق أضرع لكن حوادثه نقضن عزائمي ... ومن الأمور مقدر لا يدفع يقتادني أملي ويثنيني الحيا ... هذا يثبطني وذاك يشجع فامنن فمثلك من يرجى نفعه ... بشفاعة, إن العظيم يشفع

والله ما أدرى, إذا لم يأتني ... منه الذي أرجو إلى من أرجع قال أبو العباس: وأنشدني أبو القاسم يوما ارتجالا: (متقارب) إليكم تناهى العلى والكلام ... ومنكم يكسب حسن النظام وما زال مجدكم باهرا ... يقر بذاك جميع الأنام فإن قمتم أنتم أنتم ... وإن لم تقوموا فأنتم كرام وشكري على ذا, وذا دائم ... ونفسي تحبكم والسلام ومن شعره يرثي أبا محمد بن أبي العباس: (كامل) يا باكيا لفقيده يتوجع ... نهنه دموعا, قد تشكى المدمع رفقا فليس الحزن يرجع فائتا ... هذا محال, فائت لا يرجع هذا الزمان كما عهدت فعاله ... طورا يفرقنا وطورا يجمع إن سر يوما ساء حولا كاملا ... وإذا يجود فما به مستمتع للموت يخلق كل حي ناطق ... فعلام يرهب, أو لماذا يجزع والموت يفترس الشجاع وضده ... والموت يصرعنا, فبئس المصرع والموت يفترس الفتاة بخدرها ... لا مهرب منه ولا متمنع يا موت كم فرقت من جمع وكم ... صيرت من عين لفلك تهمع فرقت شمل المجد بعد انتظامه ... فالمجد باك نائح يتوجع مات الذي ذهب العلى بذهابه ... مات التقي اللوذعي الأورع من للمعارف والعوارف والندى ... من ذا إلى طرق السيادة يسرع من ذا ينير لنا إذا خطب دجا ... من ذا يدافع, والحوادث وقع من للعلوم يقودها بزمامها ... من للفصاحة, والمجالس طلع من للوفا بالعهد يعمر ربعه ... وزمان ربع الود قفر بلقع

108- عبد السلام بن سليمان بن عمثيل العاملي

كان الذخيرة للعلى فسلبتها ... يا موت إنك بالذخائر مولع "كم عوذوه بالتمائم والرقى ... ألفيت كل تميمة لا تنفع" وهي أكثر من هذا. وأدبه رحمه الله مشهور. وفيما ذكرته كفاية. ومنهم: 108- عبد السلام بن سليمان بن عمثيل العاملي يكنى أبا محمد. من أهل مالقة وذوي بيوتها الشريفة, قديم الحسب, شريف الأصالة. وسأذكر عند ذكر والده من سلفه ما يدل على جلالته. وكان الفقيه أبو محمد رحمه الله جاريا على سنن سلفه من الطلب والنباهة. ولي القضاء بمنتماس شرقي مالقة. وكان موصوفا بعقل ونزاهة نفس. وكان رحمه الله أديبا يقول الشعر ويرفعه للملوك. فمن شعره, ونقلت من خطه, هذه الأبيات: (وافر) ألا جلد وقد زف الرحيل ... وودع قلبه الجسم النحيل نأي نجل الخلافة, أي قلب ... يقيم وما له عنهم عدول أبو موسى الرضى مولى البرايا ... ومن نعماه فينا (لا) تحول فطار القلب إثرهم وأعيت ... علي الحال فيه لما تؤول أفاد بقاؤهم جاها ومالا ... فمذ بانوا تشوقني الخمول وما أخشى ... وقد رحلوا خمولا أبعد القتل هل يخشى القتيل فأقسم لا يطيب العيش حتى ... يعود كما مضى العيش الجميل توفي رحمه الله في صفر عام ثلاثين وستمائة. ومنهم:

109- العباس بن العباس بن غالب الهمداني

109- العباس بن العباس بن غالب الهمداني يكنى أبا الفضل. كان رحمه الله من جلة الطلبة ونبهائهم, أديبا حسبيا كاتبا شاعرا مطبوعا. كان من أصحاب أبي عمرو بن سالم. وبينه وبينه مكاتبات ومحاضرات. قال فيه أبو عمرو: هو الكاتب الأديب الحسيب. من شعره رحمه الله يخاطب أهل سبتة حرسهم الله في شأن القصة التي كتب فيها أبو عبد الله بن نجيب المتقدم الذكر في باب محمد, فقال أبو الفضل في ذلك: (كامل) حي الكرام بني الكرام بسبتة ... واستقصر التسليم وهو عميم أولئك القوم الذين أحبهم ... باح القريض بما الفؤاد كتوم قوم يبرون القصي على النوى ... فإذا دنا فأخ لهم وحميم لهم المآثر ليس يحصى عدها ... عاد, وقد كثرت فقيل نجوم سلكوا سبيل المجد واضحة كما ... وضح النهار فمجدهم معلوم طابت فروعهم بطيب محاتد ... ولد كوالده أعز كريم قد هذبوا أخلاقهم في مهدهم ... ثم استراحوا والحلوم حلوم يكفيك معرفة لهم سيماهم ... والفضل في سيماهم مرسوم بأبي رجال تحتويهم سبتة ... كرموا فما فيهم, بعيد لئيم أثنى على القوم اللسان فإن أمت ... تثني العظام وإنها لرميم إن الغريب إذا أقام بأرضهم ... فكأنه في الأقربين مقيم حفظوا وصية ربهم في جارهم ... فمحله التبجيل والتعظيم يقضون حق الجار وهو يغيظهم ... جهلا, فكيف بمن لديه علوم حملوا أبا حسن على أقرابهم ... لعلومه ورعى الكريم كريم واستنقذوه من نوائب دهره ... فيما نما وعزا إليه نميم تالله ما جهلوا أمانته ولا ... خذل الإله العلم وهو عليم

يا أهل سبتة أنتم (أهل) العلى ... سدتم وسادكم هناك زعيم وإذا عياض كان رأس جماعة ... فالمجد عام والثناء صميم من ذا يشق غباره في سؤدد ... إن الذي يسعى له, محروم ورث المعالي عن أبيه وابتنى ... ومن المعالي حادث وقديم حاشا لمجد قدمته جدوده ... إلا البقاء, وغيره مهدوم إيه, عياض عن العلاء فإنما ... شرح العلاء حديثك المنظوم ما كان يعرف سؤدد لولاكم ... فلتسألن به فأنت عليم أحيى عياضا في ثراه أبوكم ... فمضى فأحيى الكل منك عظيم أشبهت جدك في اسمه وجلاله ... فافخر, فغيرك بالفخار مليم ما ضر مدحكم بما قد قاله ... في مدح غيرك شاعر وحكيم "ظلموا عياضا وهو يحلم عنهم ... والظلم بين العالمين قديم" "جعلوا مكان الراء عينا في اسمه ... كي يكتموه وإنه معلوم" "لولاه ما فاحت أباطح سبتة ... والروض حول فنائها معدوم" يا أيها الرجل الحسيب, نداء من ... يهوى لقاءك, والزمان ظلوم لولا عوائق والقضاء لزرتكم ... وقضيت حقكم, وذاك أروم أنت المجلي سبقا لقضا العلى ... وأنا المصلي. سر ذا مفهوم إن لم يكن نسب القرابة بيننا ... نسب المعالي بيننا محتوم فأتم رعياً للعلى بلقاكم ... كيف اللقاء وحبله مصروم خذها إليك غريبة وافتكم ... شوقا, ومثلك بالغريب فهيم وليبق مجدك في الزمان مخلدا ... يحميه سعد دائم ونعيم

ثم السلام عليكم ما غردت ... ورقاء في فنن, وهب نسيم وله يمدح السيد أبا إسحاق ابن أمير المؤمنين, ويذكر خصومة كانت بينه وبين الوزير أبي الحكم بن جزي, قريبه, أيام مقامه باغرناطة: (بسيط) لكل هم على رغم العدا فرج ... طوبى لمن يكن في صدره حرج قد فرج الله همي وانقضى أربي ... فكل وجه من الآمال مبتهج بالسيد الماجد الأعلى بلغت منى ... كم صافحت مهجتي مما بها مهج يممته في خصام عز مطلبه ... لما تحكم فيه المطل واللجج حصلته عند ترحيبي علي أملي ... وقارع بابه يوما كمن يلج فكنت أفصح من قس بن ساعدة ... في مقطع الحق وانقادت لي الحجج لولاه لم يلتفتني من أخاصمه ... ولم تلن شدة, خضخاضها لجج بالأمس أخبط بالعشواء في ظلم ... وللمظالم وجه كله سمج فاليوم لي بصر تسعى به قدمي ... حتى يراه الهدى, والحق منبلج سار المليك الرضى من عدله سيرا ... هي الصواب فلا أمت ولا عوج أثواب سيرته مهدية, وكفى ... أن الهداة على منواله نسج يا أهل غرناطة في أرضكم جسد ... مركب, فيه روح القدس ممتزج ملك تقل له الدنيا فيغرقكم ... بزينة لم تكن في السر تختلج ركائب الملك في المقدار تحظى له ... ولم يصبهن تأويب ولا دلج هذي المعالي أنوف حفها شمم ... لكنها, عرفها المستنشق الأرج هذي المكارم أعمار يعاش بها ... في كل آونة, والناس قد درجوا ملآن من كل فضل قد أحاط به ... كما أحاط بلحظ فاتر غنج

أيامه سرر, أكنافه وزر ... أفعاله غرر, آثارها سرج رحابه في الندى تمتد أرحبها ... وفي الحروب له الحرمات تنفرج يغشى الحروب ولا يخشى منيته ... كأنه بالمنايا فارح بهج حسامه وشل من لمح رونقه ... تجري الدماء به كأنها خلج فهل سمعتم بسيف قبل منصله ... في خلس لحظته يفرى به الودج ثبت الحجى, لفظه في كل مشكلة ... فكل أمر بهيم عنده بلج إذا تفرقت الآراء في سبب ... بالعقل يجمعها طرا فتزدوج له عزائم لو مرت على سبج ... لا بيض حتى تساوى العاج والسبج كاد الحمام بأن يلقى مسالمه ... خوفا, كما تفعل الأرواح والمهج يا سائلي عن أبي إسحاق من ملك ... ذكرى محاسنه ساعتها حجج في مثل سيدنا الأعلى جرى مثل ... حدث عن البحر, واستغرق ولا حرج نجل الخلائف من قيس الذين رقوا ... مراتبا, منتهى العليا لها درج من معشر نهجوا من هديهم سببا ... أبقت لهم مفخرا, يا نعم ما نهجوا بعد النبي وأصحاب النبي, هم ... خير الورى, وسواهم زائد همج مولاي عبدكم القن الذي سكنت ... أرجاؤه بعدما قد عمها الهزج إن الخصام حروب ضرمت شعلا ... وما استثار بها نقع ولا هرج ما زلت مستطلعا (حكما) أسر به ... عند الخصام وما يزال يبتهج أطلعتم من سمائنا أهلتها ... فإن أقمارها تبدو وتنبلج بدأتم بدءة أرجو خواتمها ... سيفتح الباب وهو (اليوم) مرتتج ومهجتي منكم صك مواقعه ... كالماء بين ضلوع كلها وهج صك إذا لحظته المقلة انقشعت ... عني سحاب العدى واستدرك الفرج

به سأملك أملاكي على ثقة ... ويرجع الحق ضخما وهو مندمج وصار من ينكر الأملاك يثبتها ... بحجة دخلوا فيها, وكم خرجوا أمضوا شهادتهم من أجل صحتها ... وطالما ضربوا فيها وقد مرجوا صك كريم به الدنيا قد ابتهجت ... في مقلتي, وأحبائي قد ابتهجوا ذكر الشهود وقاضيهم وطالبهم ... في نظم تلك السطور الغر مندمج قد ضمنت بي إيصاء وتكرمة ... فما لهم عن طريق الحق منعرج أمنية إن حبا نفسي القضاء بها ... قضى السقام, وجاء البر والفرج قال الفقيه أبو عمرو بن سالم: وجلسنا يوماً مع أبي الفضل في موضع مع جملة من أصحاب, وشرطنا عليه أن لا ينشد من شعره شيئاً, وكان ذلك على وجه المداعبة. قال أبو عمرو: فأنشد من شعره. فما زنا نعرض له ونقول له: قد سبقت إلى هذا حتى اغتاظ من ذلك وقال: جفوتني يا أبا عمرو برأيك في ... شعري, ومنه جميع الدر ينتظم تعمداً كان هذا القول منك فتب ... وارجع إلى الحق, أين الفضل والكرم من قال شبه مقال عبت أنت به ... قد استوت عنده الأنوار والظلم قال: فلما رأيته أظهر تبرمه وشكايته, قلت ولم أقصد إلا نكايته: عباس شعرك يا هذا قد اتفقت ... على ركاكته مذ كانت الأمم ما زلت تنشدنيه كل آونة ... حتى حسدت, لعمري, من به صمم هلا نخلت فلا تجعله مبتذلا ... أين المروءة والآداب والهمم قال: فضحك رحمه الله, وذهب ما كان به من غيظ يجده. قال أبو عمرو رحمه الله: ودخل يوماً أبو الفضل في مجلس ابن خروف, فوجد فيه ظبياً وسيماً, قرطبي الدار, فقال فيه مرتجلا: يا أبا حسن صبرا على ما أصابك ... فإنا بما جئنا, جنينا مصابك

وجدنا غزالا في المجالس قاعدا ... فلما رآنا قام يبغي عذابك وما كان إلا البدر زرناك فاختفى ... فقلنا متى يا بدر كنا سحابك فقال ابن خروف: أيا من ألم على غرة ... نفيت الغرير فنومي غرار وفيك خلال خدا شية ... رآها الغزال فولى فرار قال أبو عمرو: وحضر أبو الفضل معنا في مجلس تذاكرنا فيه حديث أبي الحس بن حريق, وأنه يملي في حين واحد شعرا وموضحا ورسالة, فقال أبو الفضل: أنا أفعل ذلك, فطالبته في الوقت, ففعل, وأنجز ما قال. ومما حفظته من ذلك قوله: يا من به يعنى الكئيب المولع ... قلبي عليك مفطر ومصدع لو كنت ترحمني وتشفق عاطفا ... ما سال من عيني تلك الأدمع لو ذقت ما ألقاه من ألم الهوى ... أوسعتني وصلا, ومثلك يوسع ولو أنني ألقي إليك مشفعا ... لبعته يلقاكم إلى وصال يمنع فلئن حكمت عليك لي, فلربما ... أجد السبيل إلى وصال يمنع إيه محمد إنني لك حامد ... وشهيد نفسي أنني لك أخشع فاعص الوشاة مع العواذل إنها ... جاءت بقول كاذب لا يسمع

وكتب إليه الأستاذ أبو محمد القرطبي (وكان قد باع بعض كتبه) : نبئت عباسا توزع كتبه ... نهبا وأصبح عن سواها معزلا فعجبت من بطل يبيع سلاحه ... عمدا ويصبح في الكتيبة أعزلا فكتب أبو الفضل إليه: يا موئلي ولقد تخذتك موئلا ... أقصر (فإنك) غير متهم القلى بعت الدواوين الأصول لكي أرى ... بأصول أشجار شريت ممولا وله يصف فتى أزرق العينين, ولبس ثوبا أخضر: له مقل كصافي الماء زرق ... وخضرة برده وجمال غره صفات جمعت للأنس فيه ... فحسن, ثم ماء, ثم خضرة وله في فتى أحول: يقولون في نجل المظفر عيبه ... به حو باد, فجاوبت مفحما رأى من رمى سهما يكسر طرفه ... فأصبح يحكيه ليرسل أسهما وله في صبي محا أبيات شعره بريقه, فقال ارتجالا: قالوا محا شعرك المحبوب بالشنب ... فكان مني جواب بارع الأدب لم يقصد المحو للأبيات عن أدب ... وإنما كان ذاك المحو عن سبب رأى المداد شبيه المسك دون شذى ... فرده عاطراً, واحتال بالشنب ونقلت من خط شيخنا الأديب أبي عمرو بن سالم, قال: أنشدنا العباس في شطرنج: أيا صاحبي والشكل يألف شكله ... وكل لما يهواه غاد ورائح هلم نجيل الفكر فيما يزيده ... توقد ذهن والذكاء يسامح

110- عباد بن محمد بن إسماعيل بن قريش ابن عباد بن عمرو بن أسلم

بجيشين من حام وسام وها هنا ... رخاخ وفرزان وجرد سوابح تكبرن عن حمل السلاح إلى الوغى ... فأرماحها ألبابنا والقرائح ومنهم: 110- عباد بن محمد بن إسماعيل بن قريش ابن عباد بن عمرو بن أسلم انب عمر بن عطاف بن نعيم. هو الأمير المعتضد بالله ابن القاضي أبي القاسم ابن عباد. أقام بمالقة مدة في أيام يحيى بن حمود أمير المؤمنين, وذلك أن القاسم بن حمود لما خرج إلى قرطبة بلغه أن أهل إشبيلية قد خاطبوا يحيى بن حمود, فعزم القاسم على الخروج إليهم, وأن يعطي دورهم للجند ويأخذ أموالهم. وكان بعض إخوان القاضي حاضرا, فأعلمه بذلك. فقرأ القاضي الكتاب على أهل إشبيلية, فقال: ما ترون. فذهب أحد أعيانهم وأتى بتخت عظيم فيه ثياب, وبمال كثير, وقال: عندي كذا وكذا من قمح وشعير وزيت أذب به عن مالي ونفسي. فأجمع أهل البلد معه على ذلك, واجتمع مال كثير, فثقف عند أمناء. ثم أمر بالمنادي: من أراد العطاء والراتب فليأت. فاجتمع الجند, وغلق العبيد أبواب القص, فخرق الباب الكبير منه ودخل عليهم, فأمنوا, وأخرج العامل, ووجه عيال القاسم له إلى قرطبة. فنظر في الخروج إليهم. وخاطب أهل إشبيلية يحيى إلى مالقة, ووصل إليهم, وقال لهم: تعطوني البلد, فقالوا له: نعم, لكن على أن لا تدخل إلينا. خذ الجباية والسكة والخطبة. فقطع ثمارهم واغتاظ عليهم. فلما لم يقدر معهم على أمر, صالحهم على ذلك, وطلب منهم رهانا. فأعطاه القاضي ولده عبادا. فكان عنده بمالقة, فلعب في بعض الأيام مع ابن يحيى على الصهريج, فدفع ابن يحيى, فمات في الصهريج. فأرادت أمه قتله, فأبى يحيى, وصرفه لأبيه, بعد أن كان يحيى قد قدم القاضي على عمل إشبيلية. فهذا كان سبب دخول عباد المتقدم الذكر إلى مالقة.

وفي خلال ذلك ظهر هشام الدعي على ما يأتي ذكره في بابه, فحجبه إسماعيل أخو عباد, إلى أن قتل إسماعيل. فانتقلت الحجابة لعباد أخيه. ثم مات أبوه القاضي سنة ست وثلاثين وأربعمائة. وولي عباد المذكور, وتسمى بالمعتضد بالله المنصور بفضل الله. ودبر المملكة, ونظر في قتل البرابر وأخذ الثأر منهم. فلما كان في سنة ثمان وأربعين خرج يتصيد, وقيل كان به سكر حتى وصل رندة, وفيها أبو نور النفري, ومعاذ بن أبي قرة, فأكرماه, وقالا له: ما جاء بك, فقال: أريد تطهير أولادي, أن ترسلوا عن الحجاب يشرفون بالحضور بأنفسهم ونسائهم في أحسن زي, ليكون لي بذلك شرف في الأندلس. فاجتمع الحجاب وأعلموا بذلك, وأخذوا في الشرب, فأظهر المعتضد السكر. فقال الحجاب: جاء الكبش للجزار. فقال معاذ وأبو نور: والله لا كان هذا أبدا. ففهم المعتضد كلامهم, فأمر بصلات, فدفعها إليهم, ثم انصرف عنهم. فمضوا إليه في أحسن زي مع نسائهم, فلما دخلوا عليه, أنزل أبا نور ومعاذا أحسن نزل, وسائر الحجاب أخذ سلاحهم. واختلف الناس في موتهم. فأصح ذلك أنه أدخلهم الحمام على معنى الإكرام, وأمر ببنائه عليهم, فبقوا فيه حتى ماتوا, وقيل: سجنهم فيه ليلا, والله أعلم أي ذلك كان. وكان المعتضد شديد البأس كثير الحزم صاحب رأي وتدبير. وكان إذا أشكل عليه أمر دخل حنيته, ورد وجهه ورأسه إلى الحائط فيدير ما يراه سدادا, ويأمر بإنفاذه, فيكون من أبدع ما يختار وأصوب ما يدبر. فكان لذلك يسمى أسد الحنية. وكان يقول الشعر. فمن شعره يخاطب صهره بدانية: (بسيط) صهري أبا الجيش هل يقضى اللقاء لنا ... فيشتفي منك طرف أنت ناظره شط المزار بنا والدار دانية ... فيا حبذا اللفظ لو صحت زواجره ومن مستحسن شعره قصيدته المشهورة التي أولها: (طويل)

111- عبادة بن عبد الله بن محمد بن عبادة بن ماء السماء

أنام وما قلبي عن الجد نائم ... وإن فؤادي بالمعالي لهائم وتوفي رحمه الله من ذباح. وقيل: إن الحكيم ابن النقاش أعان في أمره مع القدر, وسبق الأجل. وذلك سنة إحدى وستين وأربعمائة. ذكره ابن حمادة في تاريخه. ومنهم: 111- عبادة بن عبد الله بن محمد بن عبادة بن ماء السماء ابن أفلح بن الحسين بن سعيد بن قيس بن عبادة الأنصاري الخزرجي -كذا ذكر اتصال نسبه ابن بشكوال قال: كذا نسبه ابن الفرضي في كتاب طبقات الشعراء له- المالقي, يكنى أبا بكر. هو الأديب الشاعر المشهور, فحل من فحول الشعراء, وعلم من أعلام الأدباء. آدابه مشهورة, ومحاسنه مذكورة. وله موشحات رائقة تضرب بها الأمثال. ذكره أصبغ في كتابه, وبه بدأه فقال فيه: شهاب معارف, وظل أدب وارف, وقدوة إجماع, ونزهة قلوب وأسماع. إن جد لم تفاتحه وقارا, وإن هزل خلته يعاطيك عقارا. سحب أذيال مجونه, وانتسك بين صفا اللهو وحجونه. واخترع التوشيح في بث برحائه وشجونه, فإن طريقة التوشيح في الأندلس كانت غير مرقومة البرود, ولا منظومة العقود. فأقام منآدها, وقوم مائلها وميادها, واشتهر بها اشتهارا غلب على ذاته, وذهب بكثير من حسناته. بيد أنه ما خلع برد الشباب القشيب, ولا وضح بليل لمته صبح المشيب, حتى أقصر باطله, وأسمعته عذاله وعواذله, وعريت منه أفراس الصبا ورواحله. ومن شعره, وذكر ابن أبي العباس أنه أول شعر قاله في صبيان يرمون على الشارة: (طويل) وما راعني إلا سهام رواشق ... إلى هدف ينحوه كل يدي ظبي

أقاموه كي يرموا إليه فلم يكن ... لهم غرض حاشا فؤادي في الرمي ذكر أصبغ في كتابه أن أبا بكر عبادة كان يمدح القائد أبا موسى والد ابن بقية, فسافر أبو موسى, وشاع أنه قد مات. ثم إنه قدم مالقة, فأنشده قائما بين يديه: (وافر) نعي زاد فيه الدهر صبحا ... فأصبح بعد بؤساه نعيما وما شككت في هذا لأني ... رأيت الشمس تغرب والنجوما قال: فوهبه عليها مائة مثقال حكمية. واجتاز على حصن قرطبة فنزل عند الفقيه أبي سفيان بن حجر, فأخرج له أقداحا بزبد وعسل, فأكلته بالليل الكلاب, فقال في ذلك: (منسرح) ما من سبيل الوفاء والعهد ... أن تطلقوا كلبكم على زبدي لو شبع الكلب في كفالتكم ... لم يتتبع مخالي الرفد عليكم أرش ما جنى ولكم ... نسخ ملام القبيح بالحمد وله من قصيدة غير منقوطة يمدح بها أبا عمرو بن سعيد بن حزم: (طويل) عطاؤك سمح ما لإدراكه مدى ... ولو عدد الرمل المركم عددا وصارمك المسلول سلم مسلما ... ودمر أعداء وألحد ملحدا ومن شعره في محبرة آبنوس: (منسرح) مطوية في الخطوب كالحنش ... كأنما أطرقت على نهش تمزج أريا بسمها فمتى ... تحط أسير الردى بها يعش ترضع أبناءها مجاجتها ... في ريها لا تدر في العطش مكرمة لم تهن على أحد ... تنزل عند الملوك في الفرش زنجية فضضت كواكبها ... فهي تباهي كواكب الغبش

وله في جارية نأت عنه: (منسرح) ما مر يوم علي لم أرك ... إلا وجدت الضمير صورك وما مبيتي وأنت لست معي ... إلا مبيت القطاة في الشرك يا لعبة أولعت بسفك دمي ... غضي بفضل النقاب محجرك أما أنا فالبعاد غيرني ... وأنت خوف الرقيب غيرك وله يصف راقصة: (منسرح) يعجبني أن تقوم قداما ... تفتل قبل الجفون أكماما كأنها في اعتدالها ألف ... ترجع عند انعطافها لاما وله فيها: (منسرح) تتابع الدست لا تخالفه ... في رفعها تارة وفي الخفض وتلتوي ثم تستوي فترى ... غصنا مرعا منها على الأرض لو وطئت مقلة برقصتها ... لم تمتنع خفة من الغمض وله فيها أيضاً: (منسرح) راقصة لا تحس وطأتها ... كأنها في الخفوف كالطيف تنقل أقدامها على عجل ... كأنما رقصها على سيف وله وقد وجه الأمراء بنو حمود وراءه في يوم أنس, وأحد فتيانهم يرقص, فطلبوا منه وصفه, فقال ارتجالا: (كامل)

ومنوع الحركات يلعب بالنهى ... لبس المحاسن عند خلع لباسه متأود كالغصن عند كثيبه ... متلاعب كالظبي عند كناسه بالعقل يلعب مدبرا أو مقبلا ... كالدهر يلعب كيف شاء بناسه ويضم للقدمين منه رأسه ... كالسيف ضم ذبابه لرياسه ثم قال فيه للحين: (طويل) ألا رب ظبي قد تثنى قوامه ... فأخجل في حالاته الغصن الرطبا إذا يستوي أو ينثني, وهو لاعب, ... فطورا ترى سيفا وطورا ترى قلبا وله في الياسمين: (مخلع البسيط) انظر إلى عرش ياسمين ... لم يرد الورد, وهو وارد كأنه عدة ولونا ... أكف صب بلا سواعد وله من قصيدة يمدح بها علي بن حمود: (طويل) يؤرقني الليل الذي أنت نائمه ... فتجهل ما ألقى وطرفك عالمه أفي الهودج المرقوم (وجه) طوى الحشا ... على الحزن واشي الحسن (فيه) وراقمه أظلما رأوا تقليده الدر أم نووا ... بتلك اللئالي أنهن تمائمه وله في أترجة أهداها له محبوبه: (مخلع البسيط) أترجة إن أتتك برا ... لا تقبلنها وإن بررتا

112- عتيق بن علي بن خلف الأموي المربيطيري

لا تهد أترجة فإني ... رأيت مقلوبها هجرتا وزاد في المهدي له أترجة: (كامل) أهدى له أحبابه أترجة ... فبكى وأشفق من عيافة زاجر خاف التلون إذ أتته لأنها ... صنفان, باطنها خلاف الظاهر وله يصف نارا تبدو في الظلام, ثم يخمدها الريح: (طويل) وقفت على عليا الجذوع ذؤابة ... لأنظر في نار على البعد توقد تقوم بطول الريح ثم يخونها ... هبوب الصبا عند الصباح فتفقد فشبهتها في الحالتين كقارئ ... إذا اعترضته سجدة ظل يسجد وشعره رحمه الله كثير, وأدبه شهير. توفي رحمه الله في جمادى الأولى سنة تسع عشرة وأربعمائة, ودفن بربض الندامى بمالقة. ومنهم: 112- عتيق بن علي بن خلف الأموي المربيطيري يكنى أبا بكر, ويعرف بالحاج عتيق. كان رحمه الله من جلة العلماء وعليتهم, فاضلا ورعا, زاهدا مقرئا للقرآن عارفا بإقرائه, كثير العبرة, منقبضا عن الناس مشتغلا بما يعنيه. وكان حاجا نفعه الله. وأخذ رحمه الله عن شيوخ جلة كأبي الحسن المكناسي, لقيه بمكة, وأبي الطاهر السلفي, وابن عوف, وأبي بكر يحيى بن مفرج المالقي, وأبي الحسن بن هذيل, وابن سعادة, وأبي زيد السهيلي,

113- عبد المحسن بن علي بن عبد الله الأنصاري

وابن الفخار, وأبي بكر بن الجد, وأبي عبد الله بن زرقون وغيرهم. ونسبه رحمه الله على ما ذكره بعض الشيوخ: عتيق بن علي بن خلف بن أحمد بن عمر بن سعيد بن الأيمن بن عمر بن يحيى بن سعيد بن الأيمن بن عمرو بن يحيى بن وليد بن محمد بن (عبيد بن) عمر المرواني. وعمر هذا من ولد عبد الرحمن بن معاوية. قال الفقيه الأجل المحدث أبو عبد الله بن سعيد: قيد لي عبد الرحمن بن معاوية. قال الفقيه الأجل المحدث أبو عبد الله بن سعيد: قيد لي هذا النسب ابنه, ووقفت الشيخ عليه. وذكره صاحب الخبر المتقدم, فقال فيه: حج ورحل, وكان فاضلا. وربما (كان) يقرئ القرآن ولا يأخذ عليه أجره. وتوفي رحمه الله في الحادي والعشرين من رجب الفرد سنة ثنتي عشر وستمائة. ومنهم: 113- عبد المحسن بن علي بن عبد الله الأنصاري يعرف بابن أبي خرص. كان رحمه الله من طلبة مالقة ونبهائها, ذكيا فطنا لوذعيا. وكان جميل الصورة. ولأدباء مالقة فيه أشعار. وللفقيه أبي عبد الله الجوني مقامات سماها بالمقامات المحسنية, وجمع فيها ما للشعراء فيه من الأبيات, وتضمين اسمه في آخر كل بيت منها. ووصفه فيها (فقال) : فتى يحسد البدر سناه, وتستظرفه القلوب وتتمناه. سهام جفونه أنفد من السهام, وأمضى من الحسام, تدع الصحيح يكابد الحمام, وتترك الفصيح يكني عن الخمصة بالأوهام. قد جمع إلى بهاء المنظر الرائق, وانتهاء الحسن الفائق, أدبا بارعا, وظرفا بالثناء فارعا. يجامل من لاقاه برورا وإكراما, ويظهر سرورا وابتساما. انشد لأبي عمرو بن سالم, وذكر أنه بها على أبي الحسين بن زعرور من عبد المحسن: (كامل) قسما بمجد أبي الحسين وحسنه ... ما في الملاح شبيه عبد المحسن

هو ملك حسن قد رضينا حكمه ... دون البرية فليسئ أو يحسن قد صير الإحسان فينا سيرة ... لولاه ما حسنت محاسن محسن فأجابه أبو الحسين بن زعرور: (كامل) يا مادحي بكلامه المستحسن ... هلا اجتزيت بمدح عبد المحسن ذاك الذي مهما أشار مسلما ... أزرت أنامله بنور السوسن وإذا تكلم أو تبسم ضاحكا ... خرست محاسنه جميع الألسن يا ليته والله يكلأ حسنه ... لو ذا دعني بعض ضر مسني فكفى به أن قلت في أوصافه: ... لولاه ما حسنت محاسن محسن وللفقيه أبي محمد البرجي فيه: (كامل) من أين يطمع عاذلي في سلوتي ... وأليم حب معذبي قد مسني وبمهجتي وسنان, رونق خده ... ورد يفتح فوق غصن السوسن إن قلت بدر فوق غصن لم تصب ... فالبدر مثل كماله لم يحسن لما تشابه وصفه وصفاته ... هتفت بنظم حلاه عرب الألسن حاز الصيانة والبراعة والعلى ... والحسن والإحسان عبد المحسن ولأبي العباس الموري فيه: (كامل) بأبي غزال أهيف في خده ... ورد جني في غلالة سوسن قد رحل في رتب المعالي منزلا ... ما ليس يبلغه مديح الألسن فتكت لواحظه بقلب متيم ... ما باله لمتيم لم يحسن خط الجمال على جميل صفاته: ... كل المحاسن حاز عبد المحسن أشكو إليه لعله يرثي لما ... قد نالني منه وما قد مسني

ولأبي عبد الله الشلبي فيه: (كامل) أحسن فدتك النفس, عبد المحسن ... فالضر من وجدي بكم قد مسني وامنن علي بلثم صفحتك التي ... رقمت أسرة حسنها بالسوسن وأجب نداء متيم صب بكم ... دنف شج يدعوك عبد المحسن قسماً بحسن صفاتك الغر التي ... حارت لها في الوصف كل الألسن لا زلت منقادا بحبل هواكم ... ما دمت حيا فلتسيء أو تحسن وللفقيه أبي جعفر النيار فيه: بأبي غزال جل عن غزلانكم ... في وصفه قصرت جميع الألسن حكمته في مهجتي فله بها ... ما شاء مني فليسيء أو يحسن فرمت سهام جفونه قلب امرئ ... قد رام يقطف وردة من سوسن كم شف جسمي حبه, وتعففي ... يأبى شكاية كل ضر مسني وبهت حتى أنطقتني حكمة ... ما في الملاح شبيه عبد المحسن ظبي يريك الحسن في روض الهوى ... وردا تفتح في أزاهر سوسن مازال يرشف لحظة من مهجتي ... ما ضمنت صفحاته قد مسني ويريك سمطي لؤلؤ في خاتم ... من فيه يقسم أنه لم يحسن دعت النجوم صفاته لمديحها ... فغدت تمر على جميع الألسن وللفقيه أبي بكر مجير فيه:

أشكو لذي الإحسان عبد المحسن ... فلعله يرثى لما قد مسني إني شغفت بدله ودلاله ... وبحسن منظره وإن لم يحسن ظبي غرير الحسن طرز خده ... بالجلنار وغض نور السوسن ريم حوى طرفاً وحسناً جامعاً ... نطقت ما يجزي جميع الألسن فعساه يرحم لوعتي وصبابتي ... ويسير بالإحسان عبد المحسن وللفقيه أبي عبد الله ن راشد فيه: وبديع حسن راق حتى قصرت ... عن وصف بعض منه كل الألسن غصن زهاه للسوالف سوسن ... وكذبت جل سوالفاً عن سوسن يهوى نكالي, فهو طوع زمانه ... إن لم يسيء في فعله لم يحسن من لي بمن قد مسني مس الجوى ... في حبه, فيزيل ما قد مسني لو قيل من ملك القلوب بحسنه ... هتف الجميع بذكر عبد المحسن وللفقيه أبي التقى صالح فيه: نفسي الفداء لكل نفس شفها ... ما شفني من حب عبد المحسن جبلت على استحسان ما يلقاه من ... نصب, ورب معذب مستحسن ما إن يسيء لها بأمر موجع ... إلى وقالت: زد وأوف وأحسن فأنا الذي أرضى به حكما وقد ... أحكمت قول محسن بل محسن لا يدعي في حبه من لم يقل ... في فعله حسنا وإن لم يحسن ولشيخنا الفقيه العالم أبي محمد الباهلي فيه: البدر يقسم بالطلاق ثلاثة ... أن لا يضاهي حسن عبد المحسن

واستوثقت شمس النهار بضوئها ... سنة متى عرضت لمنظره السني وتشوفت أزهار سوسن خده ... فتمزقت أجزاء رطب السوسن واستعجمت آياته وصفاته ... كيما يترجمها فصاح الألسن ورأيت إحسانا وحسن شبيبة ... فرأيت من حسن الشبيبة محسن وللفقيه أبي جعفر بن موسى فيه: بأبي بديع الحسن طرز خده ... برقوم ورد في غلائل سوسن حازت محاسنه الجمال فقصرت ... عن وصف أيسرها طوال الألسن يا باكيا حال المتيم إذ رأى ... ضررا من أجل صدوده قد مسني هل في البرية خلق إلا عبده ... فهو المخير فليسيء أو يحسن حيث انتهى في الحالتين شدوته ... ما في الملاح شبيه عبد المحسن وللفقيه أبي الحسن الحضرمي فيه: من لي بمن سحر الأنام بحسنه ... في وصفه قصرت جميع الألسن ظبي غرير أهيف في خده ... ورد جني في أزاهر سوسن قد عاد كل الحسن عند كماله ... فغدا بديع الحسن عبد المحسن فالبدر يحسده بحسن كماله ... والشمس مثل جماله لم تحسن أشكو إليه صبابتي وأبثها ... فلعله يرثي لما قد مسني وللفقيه عبد الله الجوني فيه: يا قرة العين مهلا إنني ... قد جاز حبي فيك وصف الألسن جرعتني غصص الصبابة والهوى ... فأزل بفضلك ضر ما قد مسني بدر يلوح على قضيب ناعم ... وكأن سالفتيه غصن السوسن

114- عد الجليل بن محمد بن سليمان الأنصاري

كملت محاسنه وتم جماله ... فلأجل ذا سموه عبد المحسن قسما بحسن صفاته وبمجده ... لا زال في قلبي وإن لم يحسن ولما كملت أشعار الطلبة فيه, قال فيهم أبو عمرو بن سالم رحمه الله: أحسنتم في مدح عبد المحسن ... وأجدتم فيه وإن لم يحسن هل أنتم إلا عبيد جماله ... فلتخضعوا لبهاء منظره السني يكفيه أن بهرت محاسنه الورى ... وزرت بأقوال الفصيح المحسن وكان عبد المحسن هذا كريم النفس عالي الهمة جميل العشرة. ومات حديث السن. ورجع في آخر عمره إلى الزهد, فكان يحسن إلى الفقراء ويتفقد المساكين وأهل البتات, ويحسن إليهم, ويعطيهم العطاء الكثير. ومات على خير عمله, نفعه الله. ومنهم: 114- عد الجليل بن محمد بن سليمان الأنصاري من أهل رية. كان من جلة بيوتها. كان جده صاحب لواء الإمام عبد الرحمن ابن معاوية أول دخوله الأندلس. وولي عبد الجليل الأمانة برية. ذكره الرازي في كتاب الاستيعاب. ومنهم: 115- عبد الله بن عيسى بن حسون المالقي يكنى أبا مروان. كان قاضي مالقة. قال أبو العباس أصبغ: كان عبيد الله قبلة للأيتام, وغماما للإنعام, ومفخراً يتباهى به النثر والنظام, وتتبارى في طلبه السيوف والأقلام: أبدا يطوف الشاكرون ببابه ... طوف الحجيج بمشعر ومقام

قال: وكان يحب الجلة والأدباء, ويصطفي العلية والصلحاء, فلا يعني إلا بابتناء مجد, ولا يرتاح إلا لاقتناء حمد. ما أوقد قط بالحضيض ناره, ولا غلق في وجه القاصدين داره. بل كان على من قصد المنن الغر, والأيادي التي ينقشع بها عنهم الضر, وينتعش بها العبد القن والحر, فإليه كان الأجلة يزورون, وبجانبه الأمنع الأحمى يمنعون ويحتمون. ومدحه بمالقة جلة من الشعراء لإحسانه إليهم, وإظهاره أثر العناية عليهم. وللفقيه أبي الحسن بن هارون يمدحه: أشاقك بالبين الخيال المودع ... فدمعك فياض وقلبك يضرع وهاجك مغنى أخلقت ربعه الصبا ... فربع الصبا من حسنه يتقطع وعهدي به الدهر يسمح بالرضى ... وطير التصابي في مراعيه وقع وسرب الظباء العفر غازلها الهوى ... وما صدها عنا حجاب وبرقع يمتن ويحيين الرضى, فزماننا ... وإن جل ما يأتين يأس ومطمع وفيهن حوراء اللواحظ طفلة ... صيود, لألباب المحبين تصرع وقائلة كم ذا التمادي لدى الصبا ... فقلت: فؤادي بالصبابة مولع بليت بربات الحجال وقلما ... دعون امرأ إلا يخب ويسرع حذائي الهوى للبيض والدعج والدمى ... وإن كان لي نحو المكارم منزع وما العز إلا في نفوس أبية ... وإن كان أحيانا علاها يضيع وإن غير البدر المنير كسوفه ... فإن سناه بعد ذلك يرجع ومنها في المدح لقد كان هذا الدهر أعمى أصم من ... قديم فأضحى من يدين ويسمع وعاد مضيئا بابن حسون إذا رأى ... له غرة زهراء بالنور تسطع بدا فرأيت الشمس عالية السنا ... كما غيبت شهب الدجا حين تطلع جميل المحيا, رائع متوقد ... ذكاء ونبلا, كامل الرأي أروع له عزة الأملاك مع لين جانب ... وشدة بأس فهو يردي وينفع

حلاوة طبع ترشف النفس ريقها ... ولكنها عند العزائم تقطع يسل سيوف العزم بالرأي إن دجت ... خطوب, ووجه الحق بالشك أدرع إذا فخر الأقوام يوما فإنه ... ذرى الراسيات الشم منه تخشع جواد بما يحوي فلو أن كفه ... سحائب لاستصحى الأنام وأجمعوا إذا غاض حوض الجود يوما فحوضه ... من النيل ملآن الجوانب مترع وإن جهلت طرق المكارم والعلى ... فواضح علياه إلى المجد مهيع وإن عدمت غر المعالي فإنه ... لدى كفه الإحسان والبر أجمع أبي يرى الدنيا كما شاء لم تزل ... لها فوق أفلاك الدراري موضع وليس يراها من أجل مراده ... إذا كانت الدنيا تغر وتطمع وما الدر إلا من قلائد لفظه ... وما السحر إلا ما يشي ويرصع هنيئاً بما أعطاك ربك إنه ... رآك لعلياء المراتب تسرع سناؤك مصباح ووجهك مشرق ... وغيثك هطال وربعك ممرع وعزك فوق النجم حل مناطه ... وأنت من الأفلاك أسنى وأرفع إذا رحل العافون عنك رأيتهم ... وجودك في ابشارهم يتميع وبي ظمأ والفضل منك سجية ... لعلي في حوض المسرة أكرع بقيت على العهد القديم وإنما ... وفاء ودادي منك حصن وأدرع ودم فوق هضب العز ما لاح شارق ... وفيض الندى من بحر جودك ينبع قال أصبغ رحمه الله: فاهتز ابن حسون لهذا المديح هز الحسام, وأفاض عليه مياه النعم الجسام, والآلاء الوسام, رحم الله جميعهم بمنه. وتوفي رحمه الله في يوم الاثنين لأربع خلون لربيع الآخر عام خمسة وخمسمائة. ذكر ذلك ابن الصيرفي في تاريخه. ومنهم:

116- عزيز بن محمد بن عبد الرحم

116- عزيز بن محمد بن عبد الرحم يكنى أبا هريرة. فقيه بمالقة وما والاها منذ خمسين عاما, معروف الخير, مشهرو الفضل, لا متراء فضله وتقدمه. وله روايات عن بكر بن حماد من حديث وغيره, وعن علاء بن عيسى وأخطل بن رفدة, وعبد الملك بن حبيب وابن محمد العاملي, وعن ابن بدرون الجزيري. وله أوضاع معروفة, منها كتاب كنه كيفية الإيمان, والرد على أهل الكتاب من الكتاب. وكان بيده كتاب كريم من أمير المؤمنين عبد الرحمن بن محمد, أطال الله بقاءه, توسل إليه بطاعته, وتضرع إليه بخالص بصيرته. ونسخة الكتاب: من عبد الرحمن أمير المؤمنين إلى محمد بن قاسم, سلام عليك, فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإن عزيز بن محمد من ساكني مالقة رفع إلى أمير المؤمنين يمن بطاعته وما كان أيام الميل عليه من خالص البصيرة, والحض على جهاد الكفرة المتصدين إلى حصن مبشتر وغيره, وذكر كبر سنه وضعف بدنه وسأل الكتب إليك في حسن الوصاية والحيطة له, وحمله له على ضيعة بقرية شارس, وقرية بلجيلش على ما لم يزل عليه فيها من الجزية. فأجابه أمير المؤمنين فيما سأل, وأسعفه فيما رغب, إذ تحقق عنده ما وصف به نفسه, واستبان لديه فيما سأل, وأسعفه فيما رغب, إذ تحقق عنده ما وصف به نفسه, واستبان لديه جميل مذهبه وحسن طريقته. فأحسن الوصاة به في جميع أسبابه ونفذ له ما عهد إليك به في أمره, واصرف كتاب أمير المؤمنين إليه ليكون ظهيراً بيده, وشرفا لعقبه, إن شاء الله, والله المستعان, والسلام عليك ورحمة الله. وكتب مغيرة يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثمائة. ذكر قصته صاحب التاريخ. ومنهم: 117- عروة بن محمد بن عبادة بن ماء السماء كان فقيها خطيبا فاضلا بمالقة. كتب إليه عبادة يوصيه بالتحفظ من الناس: لا تطمئن إلى أحد ... وإذا فعلت فلا تعد

118- عطاء ابن أخت غالب الهمداني

واحبس متاعك ما استطع ... ت فإن ذاك من الرشد واقلل من الإخوان إن ... الأرض نار تتقد لا تلق إلا حاسدا ... أو شامتا أو منتقد فارفع أمورك كلها ... للواحد الفرد الصمد فالناس قد فسدوا فما ... فيهم على من تعتمد قلت: وجدت هذا الاسم في مدرجة في كتاب ابن أبي العباس بخط الفقيه أبي الطاهر السبتي, ونص كلامه فيه: وكتب عبادة إلى ابن أخيه عروة الخطيب بجامع مالقة. فقلت: لا أدري, أعروة بدل أخيه, فيكون عروة اسم أخي عبادة, أو يكون الكلام قد تم في قوله: ابن أخيه, وكأنه يقول: واسم ولد أخيه عروة. وأغلب ظني أن عروة هو الخطيب, وهو أخو عبادة. واله أعلم بحقيقة ذلك. ومنهم: 118- عطاء ابن أخت غالب الهمداني يكنى أبا الحسن, كان فصيحا وجيها حسيا من علية الطلبة مشهورا نبيها أديبا شاعرا, ينشد بين يدي الملوك السادة. دخل يوما عبد الوهاب بن علي على أحد السادات, فقال السيد: فمن يعرف الفقيه؟ فقال عطاء: يا مولاي هو رجل من أهل البادية. فقال عبد الوهاب: نعم, البادية على وجهي بادية, لا أنكر حالي, ولا أعرف بخالي. فأسكت عطاء مفحما. واستقبل السيد أبا محمد عبد الوهاب وقربه. وتوفي رحمه الله في حدود الثمانية وستمائة. ومنهم: 119- علي بن حمود بن ميمون بن حمود ابن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس بن حسن بن حسين بن علي بن أبي

طالب بن عبد المطلب. وهنا يلتقي بالنبي صلى الله عليه وسلم. وهو أمير المؤمنين أبو الحسن بن حمود الناصر لدين الله. بويع سحرة لسبع بقين من المحرم سنة سبع وأربعمائة. وكان علي بن حمود بسبتة, وكان خيران يرغب في المؤيد بالله هشام, فجعل خيران يخاطب الثوار فيه. وكتب فيه إلى مالقة, إلى عامر بن فتوح, وواضح العامري. فخاطبه إلى سبتة ليخرج إليهم ويقدم عليهم ليعرفوا به.؟ فجاز ابن حمود وأتى مالقة, فخرج إليه الوزير ابن عامر ونزل له عن قصبتها, ودعا له بمالقة, فولي العهد. وعقد خيران العامري الولاية باسمه, واجتمعت العساكر عند خيران بألمرية. ثم خرج خيران منها, وخرج علي بن حمود من مالقة, وسارا إلى قرطبة وتقاتلا مع سليمان بن الحكم, فتغلب علي عليه وأخذه أسيرا. وأخرج علي المؤيد من القصر, إذ كان قد أشيع موته وأن سليمان قتله. فشهد الفتيان أنه هو. فقدم علي سليمان, فضرب عنه بيده. وسنذكر ذلك مستوفى عند ذكر هشام الدعي. وقتل علي بن حمود في حمام بقصر قرطبة يوم الأحد لليلتين خلتا لذي القعدة سنة ثمان وأربعمائة. ذكره ابن الفرضي وغيره. قلت: وعنده صارت العنبرة التي وجدت في بعض السواحل, فسويت على شكل موسدة. بل كانت عند الحسن بن قنون العلوي, كان يتوسدها, فبلغ الحكم أمرها, فسألها منه, فكانت بينهما على ذلك حروب. ثم ظهر الحكم عليه وأخذ العنبرة. ثم صرف الدهر تصاريفه وظهر بنو حمود, وهم بنو عم الحسن, ودخلوا قرطبة فوجدوا العنبرة. وأظن أن أول من وجدها هو علي المذكور. ومنه بقيت عند بني حمود بمالقة, والله أعلم. ومنهم:

120- علي بن عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن محمد بن القاسم ابن حمود العلوي

120- علي بن عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن محمد بن القاسم ابن حمود العلوي يكنى أبا الحسن ويعرف بالشريف. كان رحمه الله من الطلبة النبهاء والأدباء, من أهل الحسب والمعرفة. نقلت من خط خالي رحمة الله عليه, قال: نقلت من خط أبي عمرو بن سالم: أنشدنا صاحبنا الشريف الحسي الأديب أبو الحسن علي بن حمود العلوي هذه الأبيات لنفسه, وأمر أن تكتب على قبره, وهي هذه: لهفي أرى الحال مني غير صالحة ... وقد مضى وتولى صالح العمر هبني عصيتك يا مولاي في صغري ... جهلا, فما العذر في العصيان في الكبر لئن عفوت, فأفضال ومكرمة ... وإن تعاقب, فإني بالعقاب حر قال أبو عمرو: وأنشدنا الشريف لنفسه أيضاً: لا تأسفن لأمر ... قد غاب عنك وفاتا فجائز أن تراه ... ما لم يقل عنك: ماتا قال أبو عمرو: ووقفت معه. يعني الشريف. ومعنا صاحنا أبو الحسن بن حكيم على قبر الفقيه أبي عبد الله الرصافي, فترحمنا عليه وذكرنا أخباره, فارتجل أبو الحسن الشريف هذه الأبيات, وذلك يوم الجمعة الخامس من رمضان المعظم سنة سبع وتسعين وخمسمائة بجبانة مالقة حرسها الله تعالي: سقى قبر من أضحى لدينا به الفخر ... وكان لنا منه النباهة والقدر صوائب مزن ينثني النبت حوله ... فيبصر فيه النور قد زف والزهر ففيك, أيا قبر, الرصانة والحجا ... وشتى المعالي الغر, والنظم والنثر نبكي الرصافي الذي كان ذكره ... يطيب به في كل آونة نشر

121- علي بن عيسى المري

عيون لأحباب أقاموا بقبره ... ومالهم إلا التأسف والذكر وقد غشيتهم للتذكر روعة ... فألوانهم صفر وأدمعهم حمر عليك أبا عبد الإله تحية ... مروحة حتى يجمعنا الحشر وقال أبو الحسن الشريف في ذلك اليوم ارتجالا: (طويل) إلى كم أثني اللهو (عني) جانبي ... واخدع نفسي بالأماني الكواذب فقلت: وأترك ما قد أوجب الله حقه ... وأعنى بحق للهوى غير واجب فقال الشريف: وإني عن الدنيا ... وإن شئت ذاهب أأبصرت فيها عائشا غير ذاهب قال أبو عمرو: فقلت أنا: فهب لي بحق المصطفى منك توبة ... نصوحا ووفقني لأسنى المذاهب ومنهم: 121- علي بن عيسى المري أصله من ألمرية, واجتاز على مالقة, وأقام بها مدة. وكان من أهل العلم والمعرفة. أخذ عنه الأستاذ أبو زيد السهيلي وهو معدود في شيوخه. هكذا وجدت بخط شيخ شيوخنا الفقيه العالم المرحوم أبي محمد القرطبي. ولا أعرفه بغير ذلك. ومنهم: 122- علي بن محمد بن علي بن عسكر الأنصاري يكنى أبا الحسن, هو خال خالي رحمة الله عليهما. كان رحمه الله من الطلبة النبهاء. ذكيا فطنا عارفا محققا. كان عارفا بصنعة النحو محققا فيها, ذاكرا للغات حافظا للآداب عارفا بطريق الرواية على حداثة سنه. وكان قد قعد للإقراء بمالقة,

123-علي بن عبد الغني الكفيف, ويعرف بالحصري

أخذ عن الحافظ أبي عبد الله بن الفجار وعن الإمام أبي عبد الله بن زرقون, وعن جماعة. وكان رحمه الله كاتبا أديبا بليغا. وفيما بلغني من شعره: (طويل) خليلي إن القلب في أبحر الهوى ... يراغي بها طول المدى ونراغ فهل ساحل للوصل يلجأ عنده ... غريق له الماء الأجاج مساغ يبرح بي أن الفؤاد موكل ... بذي غنج, منه الجمال يصاغ أهيم وأهمي دمع عيني صبابة ... وهيهات ما لي للوصال بلاغ أمرغ وجهي في التراب لعله ... يرق وما يغني لديه مراغ يصرف قلبي في يديه فما يرى ... لقلبي وإن طال الزمان فراغ ومن شعره: (كامل) شمس الضحى طلعت أم الصبح انبرى ... أم شمأل جاءت تتساقط عنبرا هذا نسيم الريح أقبل جاثيا ... يستاق طيبا من (حدائق) عبقرا ومنهم: 123-علي بن عبد الغني الكفيف, ويعرف بالحصري يكنى أبا الحسن, من أهل سبية. ورد علينا مالقة وأقام بها. وكان من جملة الأدباء وفحول الشعراء. كانت مجالس الملوك تبتهج بأشعاره. وكان مقربا لديهم, معظما عندهم. نقلت من خط الفقيه الأديب أبي عمرو بن سالم ما نصه: لما أتى الحصري رحمه الله من عند بني هود, تقدم في البحر إلى طنجة, وكان قد ترك امرأته بمالقة, فهال عليهم البحر, فقال: (متقارب) إماء شقين وعبد شقي ... وكل إليك شكى ما لقي شكونا إليك رياحا ته ... ب وبحرا يعب عسى أن تقي فكنت المسلم فيما مضى ... فجد بالسلامة فيما بقي قال: فكأنما كان ثوب كشط عنه. فلما نزل في البر, قال: (خفيف)

رب سهل على فتاتي فتاتي ... لترى هل سلا فتاها, فتاها علمته جفونها أي سحر ... ما تلاها عن حبها قد تلاهى وله أيضاً: (متقارب) دخلت الجزيرة يا سيدي ... كأني أدخلت بردانيه فإن شئت عيشا بلا ذلة ... فحق المودة سردانيه وله أيضاً: (سريع) لا تخف الشيخ كخوف الفتى ... فذو الصبا أفظع من ذي الشيب ما أصعب الحصرم إن رمته ... أكلا, وما أهون أكل الرطب ومن شعره يمدح المقتدر بن هود: (وافر) كذا تفيض أبكار البلاد ... ولا نقد سوى البيض الحداد ولا أقبلت إلا بعد ما قد ... شفيت الثغر من بعد إلا عادى وكان مرام دانية عزيزا ... فهان على المسومة الجياد أطلتهم سماء علاك أرضا ... وكانوا خيرة السبع الشداد وهي طويلة. ومن شعره: (بسيط) هي الظبا, و (هي) عند الناس أحداق ... كما يقال لقتلاهن عشاق والسر فيهن أن يسكبن كل دم ... ولا تبين عن الأجساد أعناق يا راكبا طبقا في الحب عن طبق ... أقصر عتابك إن الحب أطباق ومما كتب به إلى يوسف بن نغرالة: (بسيط) بئس الحديث حديثا جاءني بيسا ... إني ذكرت بسوء حزب باديسا وافى ومنكره حس بلا حسن ... إذا عققت أبى في يد إبليسا وجئت قبل ارتداد الطرف يحملني ... مني إليه كأني عرش بلقيسا

124- علي بن الحسين بن عبد الله الكلبي

وله أيضاً: انظر إلى كتب واقرأ ترى عجبا ... خط ابن مقلة في ترسيل ... وشعره رحمه الله كثير متداول بيد الناس. وفيما ذكرته كفاية. وللأديب الحصري وقد دخل عليه ابنه عبد العزيز, فاعتنقه وضمه وهو ابن تسع سنين أو دونها, وقال يسمعه: عبد العزيز بني ... كلاه بالحفظ ربه فقال الفتى: تقول لي النفس كله ... واشربه مما تحبه ومات هذا الفتى منزوفا, سال دمه حتى مات. ولأبيه فيه من كلامه في قطعة: مات من لو عاش عشرا ... لروى العشرين وورى ومنهم: 124- علي بن الحسين بن عبد الله الكلبي يكنى أبا الحسن, وهو أخو الأمير الأجل أبي الحكم بن حسون. وقد ذكر خالي رحمه الله وصوله إلى مالقة من المنكب عند قصة أخيه أبي الحكم. وقتل أبو الحسن المذكور بجوفي الجامع بمالقة, وأخذ رأسه وحمل, وذلك في عام ثمانية وأربعين وخمسمائة. قال ابن أبي العباس: كان الأمير أبو الحسن ربد اليدين في الخيرات, سباقا في المكرمات إلى أبعد الغايات, يجمع الفضائل ولا يفرق, ويهب الصنائع العظام ولا يضيق, وتتولى أياديه الحسان على الخاص والعام وتسترفق. وهو رحمه الله مشهور الجلالة والحسب, معلوم المكانة في الفضل والنسب. وللشعراء فيه أمداح رائقة. وللفقيه أبي جعفر أحمد بن سيد المالقي يمدحه, وأنشدها إياه في يوم عيد, وهي: (طويل)

ألا أيها الملك العزير لتهنأن ... بعيد, ويهنا العيد أنك عيده ويهنيك أن النصر حلفك لم تزل ... عليك ترى آياته وبنوده وأبشر بسعد دائم البشر منغص ... لكل حسود كالجحيم حقوده ودم سالما للجود تنشر فيئه ... وتبديه أطوارا لنا وتعيده وله فيه: (وافر) أيا بشراي بالأوب السعيد ... ويا فرحي بعيد قبل عيد ويا طرفي تمتع من جمال ... عليه ملاءة السرو التليد ويا ريي وكنت ظمئت حينا ... لنهلة ذلك البشر البرود أبا حسن متى تحلل بأرض ... فتحسن للقريب وللبعيد فلا غيضت مياهك يا معينا ... ولا عيبت خلالك من حسود وله يمدحه: (كامل) يا سائلي أين العلاء الأرفع ... ومن ذا الذي أنباؤه تتضوع ومن ذا الذي يختار كل علية ... وله يشار الفخر باع أوسع يمم أبا عمر وبحضرته التي ... هي هالة وهو الهلال الأبرع قوساه أخلاق وأعراق, وإن ... تستقها فهي الزلال الأنجع يا صاحبي تطارحا عن مجده ... فالدر ينظم عنكما, من يسمع لولا مآثره لأصبح عاطلا ... جيد الزمان وكان أنفا يقرع قسما أبا حسن لقد أسديتها ... والود في قسماتها يترصع فإليكها حسنا بحسن كلما ... مر النسيم بها وفيك نرجع واسلم سلمت إلى الإمارة والعلى ... في نعمة أرجاؤها تتوسع وله يمدحه أيضاً: (كامل) يا أيها الملك الأعز الأمنع ... والسيد الأسنى العلي الأرفع ومن الذي يمنى يديه غمامة ... تهمي على ما في جداه وتهمع

125- علي بن فرحون القيسي

حياك عني كل روض عاطر ... وسقاك عني سلسبيل يمرع كم مشهد لك في الملم إذا دجا ... ورأى (الخلائق) أنه لا ينفع جليت حالكه بأمر مبرم ... وعزيمة كالسيف لا تتضعضع كن كيف شئت فإنك الملك الذي ... عنه القضاء غدا يدب ويدفع وكريم سعد في سعود ترتقي ... كالكوكب المشبوب لا يتقنع أفما رأى المرتاب آية ربه ... بعذاب بحر فوق بر يضرع فأقم بظل من إلاهك سانح ... واهنأ بصنع, حسن صنع يتبع إن العدو غدا, وضيق أمره ... والدهر ذو دول, وصدرك أوسع كيف القيام بشكر ما أوليتني ... من بر إذن, للزيارة يشفع عظمت بها هممي فصرت منادما ... للفرقدين بحيث لا أتوقع للبؤس والنعمى خلقت معظما ... كالدهر أحيانا يضر وينفع فاسلم على مر الليالي فإنما ... أنت المنى والفضل فيك مجمع واعلم بأني شاكر مستعبد ... بعميم ما تسدي إلي وتصنع فقد رأيت أن أقتصر على أمداحه بما ذكرت. فقدره مشهور معلوم رحمه الله. ومنهم: 125- علي بن فرحون القيسي يكنى أبا الحسن, ويعرف باسم والده. وكان رحمه الله زاهدا فاضلا ورعا, مع ما كان عليه من الأدب البارع والكتب الحسن. قال الفقيه أبو عمرو بن سالم رحمه الله: قدم الفقيه أبو الحسن علينا مالقة أعادها الله, في سنة خمس وثمانين وخمسمائة. وأنشدني لنفسه: أرى الناس لن يغنوا عن الله ذي العلى ... فعول عليه في الأمور وسلم وعدهم موتى ولا تعبأن بهم ... وكبر عليهم أربعا ثم سلم

قال أبو عمرو: وأنشدني أبو الحسن من شعره: (بسيط) العيس تكحل كي يحتد ناظرها ... وعين قلبك بالأنوار تكتحل النفس ناظرها والقلب إثمدها ... والعين ميل, فنعم العين والكحل فغذها بحلال واحم ناظرها ... من الحرام, فمنه يحدث السبل قال أبو عمرو: وحدثني أبو الحسن المذكور أنه كان حضر يوما بمالقة, سنة إحدى وستين وخمسمائة, مع الأديب الكاتب أبي بكر الكتندي عند بعض الأكابر, وبين أيدينا لوح ومحبرة. قال أبو الحسن: فأخذت اللوح والقلم, وكتبت فيه: (كامل) يا ذا الذي جمع المحاسن كلها فجاوبه أبو بكر الكتندي, وزاد عليه: =وحوى جميع العالمين أقلها فقلت أنا: الدهر إن قابلته متبسما فزاد أبو بكر =أبكيت كثر الحادثات وقلها فقلت أنا: والسيف يفخر أن تمس رياسه فقال أبو بكر: =وترد شفرته الصقيلة سلها فقال أبو الحسن: ثم جاء الإذن من الطالب الذي يستكتبه, ونهض رحمه الله. قال أبو الحسن: فبقيت الأبيات في حفظي على أن دخلت مدينة توزر, فلقيت فيها فتى من أهل بلنسية اسمه محمد الجمحي, ويعرف بابن الشواش, وكان عاقلا أديبا ظريفا, فوقع ذكر الشعراء وأهل البلاغة, فذكرت له الكتندي وما جرى بيني وبينه, فعرفه وأثنى عليه واستحسن الأبيات. فلما كان بالغد أخرج على الأبيات الثلاثة, وقد ذيل عليها أربعة أبيات, وهي هذه: (كامل)

126- علي بن يحيى الحشمي

والبحر عن يذكر نوالك غائض ... والأسد تشكو عند سطوك ذلها والشهب ترجو أن تكون لديكم ... خولا تصرف بعضها أو كلها والشمس تقتبس السنا من نوركم ... فانظر غليها مفضلا وائذن لها جلت علاكم أن يحاط بوصفها ... فالذهن يقصر أن ينال محلها وهو مشهور الأدب رحمه الله وغفر له بمنه وكرمه. ومنهم: 126- علي بن يحيى الحشمي يكنى أبا الحسن. ولي مالقة. قال ابن أبي العباس: كان أبو الحسن صاحب شجاعة وإقدام, وفضل على من انقطع إليه وإنعام. اصطفى الأستاذ لنفسه. فقرأ عليه من أشعار العرب ما فيها من الشجاعة, ومن أشعار النسيب ما فيه من الغرابة والبراعة. وللشعراء فيه أمداح كثيرة. من ذلك قول الأستاذ أبي جعفر ابن سيد فيه: (وافر) قدمت بطائر اليمن السعيد ... وأوفدت المسرة بالوفود ثنيت الدهر بساما غلاها ... بعزة مبدئ حمدا معيد ترقبها طلوعك كل حين ... ترقب صائمين هلال عيد فرية بالمسرة منك ريا ... تجر ذيول إقبال جديد تفاخر منك بالندب المفدى ... وتأوي منك للركن الشديد وكم ثغر مخوف أمنته ... سيوفك والرماح من النهود وكم وقت قرنت به المنايا ... بطعنة ذابل لدن سديد وهي أكثر من هذا. وتفي رحمه الله ... ومنهم:

127- علي بن محمد بن يوسف بن عبد الملك الأنصاري

127- علي بن محمد بن يوسف بن عبد الملك الأنصاري يكنى أبا الحسن, ويعرف بالوراق. أظنه ليس من مالقة, وإنما قدم عليها. قال الأديب أبو عمرو بن سالم: أنشدنا صاحبنا الفقيه الحاج أبو الحسن الوراق, قال: أنشدني أبو الحسن السيوري, قال: دخلت على أبي الفتوح نصر بن عبد الله الأزهري, عرف بابن قلاقس, وهو محموم, فقال: اسمع ما قلت في الحمى, وأنشدني: وبغيضة تدنو وما دعيت ... فتبيت بين القلب والكبد يصبو الفؤاد لبينها فإذا ... ولت بكاها سائر الجسد ومنهم: 128- علي بن محمد بن علي بن جميل المعافري يكنى أبا الحسن, ويعرف بالحاج المالقي, من العلماء الجلة الفضلاء. أخذ ببلده مالقة عن شيوخ جلة, وانتقل في سن الفتوة على بلاد المشرق فقرأ بها, وأخذ عن شيوخها, كأبي الفرج الأصبهاني وابن عساكر وغيرهم. فساد تلك البلاد ورأس. فلما افتتح صلاح الدين بيت المقدس احتاج إلى إمام هنالك وخطيب.. فاجتمع رأي من كان بها من العلماء المشار إليهم على تقديم أبي الحسن المذكور, فكان إماما بالمسجد الأقصى من حينئذ على أن مات, فكانت جنازته هنالك جنازة لم يشهد مثلها. ولقد أخبرت أن النصارى الذين كانوا بالكنيسة هنالك كانوا يتبعونه ويرمون بعض ثيابهم على نعشه, ويناول بعضهم بعضا ويمسحون بها وجوههم تبركا به رحمه الله. ومنهم:

129- علي بن عبد الله بن هرون

129- علي بن عبد الله بن هرون يكنى أبا الحسن. كان رحمه الله من جلة الطلبة بمالقة ونبهائها والمعدود في حلبة أدبائها وشعرائها. وصفه الفقيه أصبغ في كتابه, فقال فيه: سبق العلية الجلة من العلماء, ومشى على ديدن الفضلاء, لأنه كان في عصره أحد الأطواد, وعلم الأمجاد, رسا بما عنده من علم فما تقلقل, وسما بذروته بما توقل. مكنه ابن حسون من نفسه لصفاء وده, وإبراز نده, فآخاه واصطفاه, واقتصر في نوازل أحكامه على هداه, وجعله الفاصل في قضائه. وكان الفقيه أبو الحسن هذا من الفقهاء المشاهير المبرزين, مع ما كان له من الأدب البارع. ومن شعره, وكتب به إلى ابن عامل بلده: (خفيف) يا صديقا صفا ضميرا وظنا ... وحكى المكرمات فينا فعنى مجد كل امرئ لدى النقد لفظ ... وسنا مجدك الممجد معنى صدئت نفسي الشريفة لما ... غيب اللهو من غنائك عنا علمت نفسي العزيزة أني ... كل يوم سماعة أتمنى فإذا ما سمعته قلت زهوا ... مثل هذا الغناء سلى المعنى لذة النفس في السماع فإن شئ ... ت تفضل على الصديق بغنا جئت للباب سائلا وقد أعطى ال ... له للمحسنين بالأجر عدنا ومن شعره يمدح القاضي أبا الحسن عياض بن عياض اليحصبي السبتي: (كامل) ظلموا عياضا وهو يحلم عنهم ... والظلم بين العالمين قديم جعلوا مكان الراء عينا في اسمه ... كي يكتموه, وإنه معلوم

لولاه ما فاحت أباطح سبتة ... والروض حول فنائها معدوم ومن شعره في الخرشف: (طويل) وأهديت عشرا من بنات قنافذ ... مكللة هاماتها بمباضع بدا حالك الإعراء مثل جفونهم ... نهارا وليلا تحتهم في المضاجع فإن مد مولانا بها كف قابض ... فإني منها باسط خد خاضع وله في الموز: (طويل) ثلاثة أغلاف على جسد رطب ... مخالفة الألوان , من صنعة الرب تقيه الردى في ليله ونهاره ... وإن كان كالمسجون فيها بلا ذنب ومن شعره وقد وقف بالكونكة على وادي مالقة في أثر غمام: (طويل) ويوم كصحن الخد حسنا قطعته ... برشف رضاب الكأس من كف أغيد نزلنا به فوق العقيق ودوننا ... جداول ماء سلسبيل مبرد وقد فوفت برد الرياض يد الحيا ... كحسناء في ثوب جديد مورد وقد نسمت ريح الصبا فتعانقت ... غصون الربى واستضحكت عن زبرجد وقد هتفت ورقاء في غصن أيكة ... كما نطقت بالعود ألحان معبد تبكي على إلف لها بعد فرقة ... وتندب أيام الوصال المجدد وأعجب منها كيف تبكي وغصنها ... نضير وفرخاها بوكر ممهد وأترك أن أبكي معاهد وصلهم ... فلا رفعت كأسي لفي إذن يدي هم أورثوا عيني البكاء وخاطري ... لهيبا كحر النار لم يتبرد وعهدي بهم والدار تجمع شملها ... وخمري من راح الرضاب المبرد وكأس مزجناها بدمع عيوننا ... فلاح عليها كالجمان المبدد شربنا على حسن التذكر والمنى ... لدى الروضة الغناء والمربع الندي مداما كخد الحب أو كر ضابه ... يلوح بها در على ذوب عسجد

130- علي بن معمر

وغيداء غنتنا بلابل حليها ... فجاوبها ورق الحمام المغرد لها أرج كالعنبر الورد لو بدت ... لأصبت فؤاد العابد المتزهد تجمعت الأضداد في حسن خلقها ... فجسم رطيب قد حوى قلب جلمد ولم أنس إذ مرت بنا مثل ظبية ... تهادى على رمل الكثيب بفرند وألقت قناع الليل فوق سنا الضحى ... كما قد حوت درا حقاق الزبرجد مرخمة الألفاظ معسولة اللمى ... مفعمة الخلخال فضية اليد شربت لماها والتثمت لثاثها ... وقبلت جيدا كالحسام المهند وقالت أراد البدر قلت أو التي ... إذا طلعت لم يبد نجم لمهتد فتلك التي أودى فؤادي بحبها ... وخالفت فيها قول كل مفند وشعره كثير, وأدبه مشهور. ومنهم: 130- علي بن معمر يكنى أبا الحسن. كان رحمه الله من جلة العلماء المبرزين, فاضلا ورعا زاهدا جليل المقدار, مع ما كان له من الأدب البارع والشعر الرائق. وصفه الفقيه أبو العباس أصبغ في كتابه فقال: تبوأ للعبادة شعبا, وملئ من خوف الله العظيم رعبا, فانفرد ليستعد لسفره, وفقد حتى لم يعد من نفره, فلزم داره, واتخذ التبتل شعاره ودثاره, واعتزل جميع الناس, ولبس بملابس التقوى أصفى لباس. كتب إليه الفقيه أبو الحسن بن هرون بشعر أوله: لا ورمان نهده ... وببستان خده وعقارب صدغه ... قد حمت روض ورده وضمور بخصره ... واعتدال بقده ولمى لؤلؤ جرى ... فيه درياق شهده وامتلاء بردفه ... منحل جسم عبده

وبياض البهار فو ... ق احمرار بورده لا سرى خاطري لش ... يء ذكر عهده لو أذاب الفؤاد من ... حر نيران صده بدل الله بالتوا ... صل من طول بعده فراجعه أبو الحسن بن معمر: وردتني رقعتك فكلمتني بلسانك, وشافهتني بإحسانك, والله يحرس فيك الفضل, ويشكر ذلك الخلق السهل. وكتب معها بهذا الشعر: أوه من نقض عهده ... إذ ذوى روض ورده جل ما قد لقيته ... من هواه وصده كيف أسلو وأدمعي ... إثره لون خده أرق العين إذ بدا ... خلبا برق وعده كنت صبا بقربه ... فرماني ببعده يا غزالا لحاظه ... والهوى بعض جنده زد فؤادي صبابة ... قد رضينا بفقده أين ربع ألفته ... والهوى بعض جنده انثنى بظله ... بين أحداق زنده قطع العهد أحور ... ثغره مثل عقده فاتن كلما بدا ... نفخت روض ورده ولقد قلت: بانة ... إذ تثنى بقده خلط الهزل في الهوى ... والتصابي بجده ومن شعره:

محادثة وألحاظ تشير ... وقلب في جوانحه يطير وربتما أسلنا الدمع سرا ... فباح لنا بما يخفي الضمير فيا أملي ويا معنى حياتي ... صغير هواك في قلبي كبير فيوم لا تلاقيني طويل ... وعام نلتقي فيه قصير وله يصف سانية: سانية مبدعة كلها ... وشكلها كالفلك الدائر أكواسها شهب بدت للورى ... من طالع للأفق أو غابر وله في الخرشف: حسن الربيع الطلق حسن قلانس ... بالخرشف المكسو خش فلانس يحكي النهود البيض حف جميعها ... حدق الرماة مخافة من لامس وله في الخوخ: يا حبذا الخوخ إذا ما بدا ... في الأغصن المخضرة الملد من ذاقه ذاق لمى شادن ... مبسمة أحلى من الشهد صورة الله لنا فضة ... بيضاء تحكي خلقة النهد ومن شعره رحمه الله: شربنا بذات الطل والروض يبسم ... وقد سجعت ورق الحمام ترنم وقد زان جيد النور لؤلؤ طله ... كما لاح فوق النجم در منظم ومن فوقنا خضر القباب كأنها ... أكاليل من فوق المفارق تنظم وقد قهقهت تلك المياه على الصفا ... كما قهقه الإبريق حين يزمزم وتنساب فوق الماء ذات تسارع ... كما انساب من بن الأباطح أرقم أظن الذي بالقلب مني بقلبها ... فمن أجل ذا, العينان بالدمع تسجم وما ضرها إلا بكاء وزفرة ... لنار لدى أحشائها تتضرم كلانا مشوق ذارف دمع عبرة ... ودونك قلبي بالقطيعة يكلم

131- علي بن عمثيل المالقي

ومنها: وقد نسمت ريح الصبا فتمايلت ... غصون الربى نحو الأباطح تلثم وكف الحيا قد فوفت برد روضها ... كما زين الحسناء وشي منمنم كأن أكاليل الرياض بأفقها ... لدى الروضة الغناء تاج منظم وقد فغرت أفواه ورد كأنها ... شفاه العذارى نم منها تبسم وكف على كأس المدامة هودج ... كطائر جو فوق ماء يحوم إذا راضها ماء السحاب بدا بها ... ذبول صفت أو أرقش الجلد أدهم له وجه روض وابتسام مفلج ... ولكن كمي في الحروب مصمم إذا قبل الإبريق راحة كفها ... ترى خفرا منها لدى الخد عندم ولا أنس أيام العقيق وربعه ... لدى الدوحة الغناء, والريح تنسم فخلت نسيم الريح إذ فاح طيبه ... سرى من سليمى فهو نحوي يؤمم وإني لمغر بالرياح لأنها ... تجيء بعطر والرياح تنعم ألا يا نسيم الريح ردي تحيتي ... فإني بتذكار المليحة مغرم فهل لك تبليغ السلام لغادة ... جناني بها مضنى وقلبي متيم وكم قد سرى منها خيال مسلم ... فيا حبذا ذاك الخيال المسلم وأدبه رحمة الله عليه كثير. وتوفي بمالقة عام تسعة وثلاثين وخمسمائة. ومنهم: 131- علي بن عمثيل المالقي كان رحمه الله من أشياخ مالقة ومنهم:

132- علي بن محمد عرف بابن خروف

132- علي بن محمد عرف بابن خروف يكنى أبا الحسن. هو الأديب أبو الحسن بن خروف, أصله من قرطبة. ورد علينا مالقة وأقام بها مدة. وكان رحمه الله عارفا بصناعة الأدب محققا فيها حافظا للغات والآداب, يتصرف في فنون شتى من العلوم مع الشعر الرائق والأدب الفائق. نقلت من خط الأديب أبي عمرو بن سالم, قال: أنشدني أبو الحسن ن خروف لنفسه في صفة سندي هذه الأبيات: ومنوع الحركات يلعب بالنهى ... لبس المحاسن عند خلع لباسه متأود كالغصن فوق كثيبه ... متلاعب كالظبي عند كناسه بالعقل يلعب مقبلا أو مدبرا ... كالدهر يلعب كيف شاء بناسه ويضم للقدمين منه رأسه ... كالسيف ضم ذبابه لرياسه قلت: وهذه الأبيات نسبها ابن أبي العباس في كتابه لعبادة. والصحيح أنها لابن خروف, لأنه لم يكن ممن ينتحل شعر غيره وينسبه لنفسه, والله أعلم. قال الأديب أبو عمرو بن سالم: أنشدنا الأستاذ أبو الحسن بن خروف, قال: كتبت إلى القاضي ابن الصفار في ليلة عيد: يا من حوى كل مجد ... بجده وبجده أتاك نجل خروف ... فامنن عليه بجده وله: أقاضي المسلمين حكمت حكما ... غدا وجه الزمان به عبوسا سجنت على دراهم ذا جمال ... ولم تسجنه إذ قتل النفوسا وله في مدينة باغة:

133- علي بن سوف الأنصاري

ولله باغوا الهيثمية إنها ... عرينة ضرغام ومكنس شادن مدينة ينساب بين مياهها ... أريقم نهر ماؤه غير أسن ربى من كروم, والبطاح حدائق ... فما شئت من حسن بها ومحاسن قال الأستاذ أبو عمرو بن سالم: أنشدني أبو الحسن لنفسه يصف جيش شطرنج وأحسن فيه: ومديرين بين جيشين حربا ... بصلاح العقول لا بسلاح جيش هذا كالهجر أو كالدياجي ... جيش هذا كالوقل أو كالصباح قال: وأنشدنا لنفسه في آنية خمر: أنا جسم للحميا ... والحميا لي روح بين أهل الظرف أغدو ... كل يوم وأروح وله يستهدي خمرا: يا من يهزه الراح عطفا ... حكى لما بين الراح روحا خذ جسدي ليس فيه روح ... وانفخ من الراح فيه روحا وله في متكأ: أنا للسجدة زين ... أنا للخد وسادة وله في غرفة ضيقة: كأنها في الضيق خروبة ... معوجة, والبق فيها ثوى وشعره وأدبه مشهور: ومنهم: 133- علي بن سوف الأنصاري يكنى أبا الحسن. أصله من بلنسية. ورد علينا مالقة. أعادها الله. وكان فقيها

134- علي بن أحمد بن الفضل

مقرئا. قال شيخنا أبو جعفر بن عبد المجيد: سمعت عليه بمالقة في الثاني من شوال سنة خمس وستمائة. أخذ عن مشائخ علماء, كابن النعمة, وابن هذيل والخطيب بن سعادة رحم الله جميعهم. قلت: ووجدت هذا الاسم بخط شيخنا أبي جعفر الجيار. ومنهم: 134- علي بن أحمد بن الفضل يكنى أبا الحسن. أصله من أريولة, لكنه نشأ بمالقة, وسكن بها وطالت إقامته فيها. كان رحمه الله معدودا في جلة الأدباء ومحسوبا في علية الشعراء. قال فيه أبو البحر صفوان: من آيات الدهر وعجائبه, وشاهد ما أثبت له يدل على غائبه. وأنشد له: لولا مهابتكم وإجلالي لكم ... وإذاعتي عنكم عظيم مواهب لم يدر خلق سيدا من خاد ... قربا ولا ذا مطلب من واهب ومن شعره: سئمت المقام بغرناطة ... وألسن حالي بذا تنطق وما أنكرت مقلتي حسنها ... ولكنها غيرها تعشق ومن شعره: فوا أسفا أتدركني المنايا ... ولم أبلغ من الدنيا مرادي وما هو غير أن أدى, وحسبي ... حبا الإخوان أو حرب الأعادي وأدبه رحمه الله مشهور. وفيما ذكرته له كفاية.

135- علي بن حزمون

ومنهم: 135- علي بن حزمون يكنى أبا الحسن. أصله من مرسية. ورد علينا مالقة في عام.... وأقام بها وأخذ عنه أهلها جملة من شعره وأجازه لهم. ومكانه في الأدب وشهرته تغني عن الإطالة في ذكره. وأنشد له أبو البحر صفوان في كتابه: أعيت على الأوهام تلك العلى ... واستعجمت من وصفهن الفصاح لا تدرك الغايات بالأماني ... لا يجتلي البارق إلا التماح وله في المحول: لو زارني منكم خيال ... أبصر مني الخيال الأصغر غالطت نفسي على وجودي ... شخص أنا أم أنا مصور وله من قصيدة يخاطب أبا البحر: ما شئتما الآن للزمان ... قد جاد لي بالمنى زماني أي يد للزمان عندي ... أدنى بنان لها بناني وخير شيء اسداه دهري ... إلي مما به حباني لقا ابن إدريس بعد بين ... غادرني في يديه عان وشعره رحمه الله كثير, وأدبه شهير. ومنهم:

136- علي بن جامع الأوسي

136- علي بن جامع الأوسي يكنى أبا البحر. كان رحمه الله أستاذا جليلا عارفا عالما محققا عالي الرواية. أخذ عنه الحاج أبو بكر عتيق وغيره وكان مع ذلك أديبا بليغا وشاعرا مطبوعا. وكان كفيف البصر, أقرأ بمالقة مدة ثم انتقل عنها لباغة, وذلك لسبب أن مقامة صنعت في ذم أعيان مالقة ونسبت له. فخاف من ذلك وتحاشى شر ما نسب إليه. فانتقل لباغة, فتلقاه أهلها جميعهم بما يتلقى مثله من العلماء. قال أصبغ ابن أبي العباس: استوطن باغة مدة من ثلاثين سنة يقرئ العلوم أعيانهم, حتى ألحق بالشيوخ الجهابذة شبانهم. ثم إنه أراد الرجوع إلى مالقة, فكتب إلى الفقيه أبي محمد ابن أبي العباس بذلك, فتوسط له, وكتب له بالوصول وأولاه من المبرة والإكرام ما يجب لمثله. ومن شعره رحمه الله وقد سئل إجازة بيتي الشريف الرضي, فقال الفقيه أبو البحر ارتجالا: إذا ما قلت إني عنك سال ... فذاك اليوم أعشق ما أكون فلا تخشى القطيعة إن قلبي ... عليك اليوم مؤتمن أمين ولا تخشى مع الأيام خونا ... فقلبي بعضه بعضا يخون وأين من السلو فؤاد صب ... هـ في كل جارحة حنين يعلل بادكارك كل حين ... ويخضع في رضاك ويستكين فيبلى كل حب غير حبي ... وتفنيني, ولا تفنى, الشجون وله يمدح أبا بكر بن عيسى: بالأروع الثبت الجنان الأوحد ... أسطو على صرف الزمان الأنكد ومنها:

بالمنتقى والمرتجى والمحتذى ... ومطارد الأعدام كل مطرد أحلى من الأمن المتاح لخائف ... وألذ من نوم لجفن مسهد وأسن من كعب بن مامة للندى ... وأحن لاسترفاد من مسترفد من أين للأنداد بيض بنانه ... أم أين من علياه عليا الفرقد يممته فرأيت منه مسددا ... جمعت ضرائبه ضروب السؤدد تلقى به قمر الندى, فلتقتد ... بيضاء غرته إذا لم تهتد وترى مواهبه ثناء موحد ... وتظن موعده كأخذ باليد ما إن يبالي حين يستمع الندا ... بذهاب وفر في السماح مبدد وهي أكثر من هذا. وكتب ... يوما: من كنت يا موئلي حاضر غيبة, لم يبال بالزمن العبوس وريبة, فقد تعلم اقتصاري على علائك, واعتماري أبدا بود مائك, والله يبقيك كوكب سمائك, وعدة لأعدائك وأوليائك, بكرمه ومنه. وما مننت من الجواب المنتظر, ففضل منك محمود الأثر, موموق الخبر, مرقوم في صحف الشكر مشتهر, أبقاككم الله علق غرس في سراره الكرم, وسحابا تنجلي عنه غياهب الظلم, بفضله وطوله, والسلام. وله في مغنية: غناؤك يجلب الأنسا ... ويحيي حسنه النفاس ولو أسمعته ميتا ... لعاش وفارق الرمسا

137- علي بن عبد الرحمن السهيلي

وله في مغنن في يده عود: غنى لنا حسن فكدنا ننتشي ... من قهوة الطرب لايت تستعذب لعبت بأوتار المثالث كفه ... فإذا القلوب بكفه تتقلب وله في تحريم الخمر: يظنون ن الراح فيها سرورهم ... وقد غلطوا. إن السرور اجتنابها سرت بعقول القوم فاستحسنوا الخنا ... وغطت عليه حين ساغ شرابها وله في غناء الحمامة: تزري بألحان الحمام حمامة ... ورقاء تشدو في الغصون وتنطق غنت غناء العاشقين ولم أخل ... من قبلها أن الحمام تعشق وله يتشوق إلى وطنه: سقى الله أرضا قد عهدت عراصها ... مآلف آرام, ولكنها غيد يسقيننا راح الهوى بلواحظ ... بواتر, منها في القلوب أخاديد يدعن حليم القوم يكلف بالظبا ... يقول إلا للحلم عندي تفنيد وشعره كثير, وأدبه شهير. ومنهم: 137- علي بن عبد الرحمن السهيلي يكنى أبا الحسن. هو ولد الفقيه أبي زيد السهيلي. وكان وحمه الله من أهل الطلب والنباهة عفيفا فاضلا دينا ورعا. وكان مشتغلا بصنعة التوثيق مشهور الفضل والديانة. وصفه الفقيه أبو الطاهر, فقال فيه: ممن ينطبق اسم الفضل حقيقة عليه, ويخترق المجد غياهب صنعته غليه. نشأ بمالقة سالكا من الصلاح سبله, راميا شرك الخداع وأحبله. يفر من الدنيا وخنا غفلاتها, واستقر بفنائها القفر وفلاتها, حتى اشتغل بصنعة التوثيق فبحث عن أصولها, وتلذذ بمعانيها السنية وفصولها. وهو الآن

138- علي بن أحمد الأنصاري, ويعرف بابن قرشية

قد ملك قيادها, وحلى بجواهر اللفظ أجيادها, وأجرى في ميدان ذهنه جيادها. رحمه الله, ونفعه بمنه وفضله. ومنهم: 138- علي بن أحمد الأنصاري, ويعرف بابن قرشية كان رجمه الله من موثقي مالقة ونبهائهم, عارفا بالصنعة, متقنا لها, ضابطا لأصولها, مختصر الوثيقة, سهل الألفاظ. وصفه الفقيه أبو الطاهر في كتابه فقال فيه: دمث المأخذ والمسلك, يلزم أن تقتفى طريقته الصالحة وتسلك. اشتغل بالدين, وصحب من يكلف به ويدين. وعد الله فما تنكر, (فكانت) معرفته لا تنكر. رمى فأصمى وأصاب, فتدفق علمه وصاب. (لازم الجلوس) بدكانه فلم يعرج على الخطة, واعتقد منها بمخالطة الناس محطة, وقنع بدرهمه, ورمى بقوس أسهمه. قلت: وقد قرأ أبو الحسن (هذا) على أبي زيد السهيلي. وكان يذكر النحو جيدا. ومنهم: 139- أبو علي النشار من أهل بلنسية لم أقف له على اسم. وكان رحمه الله من الأدباء النبهاء رائق الشعر سهل الألفاظ بديع المعاني. ورد علينا مالقة, وأقام بها كثيرا, وقرأ فيها على الأستاذ العالم أبي محمد بن حوط الله رحمه الله, فكان بذلك محسوبا في طلبة مالقة, معدودا منهم. ومن شعره رحمه الله تعالى: (بسيط) والشهب جانحة للغرب مائلة ... كالطير فتح عنه بابه القفص

فطارد اللهو في بيد المنى قنصا ... وسقني الكأس, إن اللهو يقتنص وله أيضاً: (مخلع البسيط) قالوا على خده عذار ... فبكره في الهوى عوان لا تنكروه فليس نكرا ... أن طاف بالروض أفعوان إن دخنت نار وجنتيه ... فالنار من شأنها الدخان ومن شعره وكتب به إلى صفوان: (سريع) جزى إله العرش يوم النوى ... بشر ما يجزيه يوم الحساب كم وقفه قلبي أضحى بها ... يخفق في الصدر خفوق السراب والعيس قد ولت بأحبابها ... تمر بالبيداء مر السحاب أدعو أبا البحر, وكم دعوة ... لم ألق في الركب لها من جواب هل رقعة تجري بأغراضها ... في وجنة الأشيب ماء الشباب ولو أتيت الود من بابه ... ثقلت بالعتب ظهور الركاب ولست بالذاكر ما قد مضى ... من غفلة توجب حلو العتاب وله أيضاً: (كامل) ما الملك إلا مهرة عربية ... إلجامها بيديك أو إسراجها هل قر إلا مذ حواك سريرها ... أوراق إلا فوق رأسك تاجها وله أيضاً: (سريع) قلبي ترى أي طريق سلك ... فالحكم يا جسمي أن أسألك

140- عمر بن حسن بن علي بن محمد بن دحية الكلبي

أنينه دل عليه فهل ... أنحله الشوق الذي أنحلك ويا رشا خول أسد الشرى ... هناك رب العرش ما خولك ارفق بعبد الحب, ما هكذا ... يملك مأسور الهوى, من ملك قتلت يا بدر جميع الورى ... فمن إلى قتل الهوى أنزلك لو لم يكن سخرك من بابل ... لقلت: هاروت به أرسلك ما ملك الموت كما حدثوا ... بل لحظك الموت وأنت الملك يا يوسفا يزري بحسن الذي ... أمن في الحب وقوع الهلك أقسمت لو أنك في عصره ... بآية الحب الذي ذل لك ما خلت الحسناء في خدرها ... به ولا قالت له: هيت لك ولم تعظم نسوة حسنه ... إذ قلن ماذا بشرا, بل ملك إن قطعت أيدي نساء له ... فكم فؤاد قطع الناس لك طوبى لصب في خيال (الكرى) ... هم بتقبيلك أو قبلك وشعره رحمه الله كثير. وفيما ذكرته كفاية. ومنهم: 140- عمر بن حسن بن علي بن محمد بن دحية الكلبي يكنى أبا الخطاب, ويشهر بابن الجميل من أهل مالقة. قرأ بها, وأخذ عن أشياخها, ثم انتقل إلى المشرق. وأخذ عن من هناك من الأشياخ. فعظم قدره, واتسعت روايته, وبعد صيته. وسكن القاهرة, واستوطنها في أيام الملك الكامل. وكان له عنده من الجاه والمحل ما لم يصل إليه غيره. وكان استيطانه من القاهرة

141- الشيخ أبو حفص عمر بن يحيى الهنتاتي

بحارة ابن خزان من القاهرة المصرية. وكان يخطط نفسه بذي الحسبين والنسبين, ما بين دحية والحسين. وكان ينسب إلى دحية صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. ونازعه في نسبه التاج الكندي أمير النحاة هناك, وزعم أن دحية لم يعقب. ورد عليه أبو الخطاب في جزء سماه: المرهف الكندي في الرد على التاج الكندي, وأثبت فيه أن دحية قد عقب وأنه من ذريته. وكان رحمه الله أديبا بارعا وشاعرا مطبوعا, إلا أنه كان يتهم في الرواية, لأنه كان مكثارا, وكان قليلا ما يروي. وتوفي بالقاهرة رحمه الله. ومنهم: 141- الشيخ أبو حفص عمر بن يحيى الهنتاتي يكنى أبا حفص, ويعرف بعمر ينات. وكان رحمه الله من جلة الموحدين وأكابرهم. وجهه أمير المؤمنين أبو يعقوب إلى مالقة حين كان ابن حسون بها, فوصل إليها وأقام عليها أياما, ثم أقلع عنها بخطاب ابن حسون ملك طليطلة. فلما تم أمر ابن حسون كتب أهل مالقة على أبي حفص, وكان بمحلته بفج قامرة, ليصل إليهم, فشكرهم على ذلك, وكتب إليهم كتابا, نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم. صلى الله على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. من عمر بن يحيى إلى الشيوخ الأعيان والكافة بمدينة مالقة أكرمهم الله وأعانهم. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد: فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو, ونشكره على آلائه, ونصلي على محمد نبيه ورسوله, ونسترضيه للإمام المعصوم, المهدي المعلوم, ونستديمه عادة النصر المكين, لسيدنا أمير المؤمنين. كتابنا من مضرب المحلة المباركة بفج قامرة. وقد كان كتابكم الأثير وصل صحبه جماعتكم الكريمة, من أهل البلد والجند, حفظهم الله, فأدى الكتاب, والجماعة, ما سناه الله تعالى لكم, ويسره وبفضله عليكم من القيام على النصارى وحزبهم, أخزاهم الله, وكيف أخذتهم

142- عمر بن عثمان بن محمد بن أحمد الفارسي الخراساني

صيحة واحدة قطعت دابرهم, وأعدمت صاغرهم وكابرهم, ولم ينج منهم إلا من يحدث عن المثلات, ويندب نجما تضلل بالأثلات. بركة من بركات هذا الأمر, عمتكم وأنقذتكم من ظلمات وضلال, طالما عمتكم وصدقت موعدكم الحسنى, ومحفلة منا قصدتكم بمنونها الجميلة وأمنتكم, فاشكروا الله كثيرا على ما هداكم إليه, وأعانكم بحسن معتقدكم لهذا الأمر العزيز عليه, فهذا (هدى) من الله تعالى, من استعصم به عصم, ومن ناوأه قصم, ومن آثره جل, ومن كاثره قل وذل. وكانت عاقبته في الدنيا عاقبة الذين عذبهم الله بأيديكم, وشفى صدوركم منهم. وكيف لا يدرك الله من بني حسون وأمثالهم ثأر إسلام البلاد لأعداء الإسلام, أو كيف تسوف العقوبة من رضي بالتثليث من التوحيد بدلا. لشد ما عميت أبصارهم, وصار إليه صائرهم. ورأينا في كتابكم الأثير شدة في ألا نستنيب في الوصول إليكم لتطهر بذلك قلوبكم وتستقر أنفسكم. فما تركنا لإسعافكم غير ما وجه من وجوه البر. والله ينفعكم بما نويناه لكم وأتيتموه من أبواب الخير, ويجعلنا وإياكم من الذين يتمسكون بالكتاب وعروة هذا الأمر, وأنتم كافة مؤمنون وجندكم وغيرهم بتأمين الله تعالى وبفعلكم المشكور المرضي. والله يعينكم على طاعته ويوفقكم لمرضاته, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كتب ظهر السابع عشر من ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به, وبصفتكم الرابحة. والله لا يضيع أجر من أحسن عملا. وكتب في التاريخ المذكور وبالله التوفيق. ثم إنه وصل إثر كتابه إلى مالقة وأقام بها, ثم انتقل عنها, والحمد لله. ومنهم: 142- عمر بن عثمان بن محمد بن أحمد الفارسي الخراساني الساجوري الماليني, يكنى أبا بكر, ويلقب بطنه, وهو من الأغزاز. وكان

143- عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر الإسلامي

شيخا فاضلا. ورد علينا مالقة في ربيع الأول من عام ستمائة. وأخذ عنه جلة من شيوخنا. حدثهم بصحيفة الأشج, وصحيفة جعفر بن نسطور. وكان يحمل ذلك عن الإمام رضي الدين حجة الإسلام أبي الخير أحمد بن إسماعيل بن يوسف الطالقاني القزويني. وكان يحمل أيضاً عن شرف الدين أبي يعقوب يوسف بن أبي حفص الخطبي الخالدي الرنجاني رحمهما الله. ومنهم: 143- عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر الإسلامي كان أصله من رندة, ثم انتقل جده جعفر في أيام الحكم بن هشام, فسكن بقرية طرجالة, المجاور حصن أوطة, من كورة رية. استوطنها فأنسل فيها عمر, ثم أنسل عمر حفصا, ففخم فقيل حفصون. ثم أنسل حفصون عمر الثائر. وكان ابتداء أمره في سنة خمس وستين ومائتين. واقتعد حصن ببشتر سنة اثنتين وسبعين. وكان ابن حفصون قد صالح الأمير عبد الله ورهنه ابنه رهينة, وتوثقا, من أن يخالف عليه, فاختبر الطفل فوجده غير ابنه. فأغزاه الأمير ابنه المطرف بحصن ببشتر, وخرب له منيته التي كانت باللوقات. فخرج ابن حفصون يذب عن كنيسة كانت بقربها, فغلبه مطرف, وهدم الكنيسة والمنية. وانقطع أثره على يد عبد الرحمن الناصر في سنة خمس وثلاثمائة. وكان عمر بن حفصون شديد الغيرة على الحريم, ولم يكن جزاء من مد يده من رجاله إلى امرأة إلا السيف, ولو أخبت من الحلي وغيره ما أرادت. قال ابن حيان: وكان ذلك كالقرحة في مهجة مساويه. ونسبه على ما ذكره ابن حيان: عمر بن حفص المعروف بحفصون, بن عمر بن جعفر بن شنتم بن دميان بن مرغلوش بن ادفنش بن مسالمة. وكان جدهم مرغلوش قومسا برندة. ذكره ابن أبي الفياض. وذكر نسبه ابن حيان. ومنهم:

144- عمر بن عبد المجيد بن عمر الأزدي ثم الرندي

144- عمر بن عبد المجيد بن عمر الأزدي ثم الرندي يكنى أبا علي. هو الفقيه الأستاذ العالم أبو علي الرندي, من أهل مالقة. تفنن رحمه الله في علوم النحو والآداب, وشارك في غيرها من العلوم. وكان رحمه الله موصوفا بذكاء وفطنة, معدودا في الجلة من العلماء, عارفا برواية الحديث. قيد كثيرا, والأستاذ الكبير أبي محمد بن دحمان, وأبي بكر بن خير, وغيرهم. وله وضع على كتاب الجمل, ومسائل متفرقات في معان شتى في غاية من البراعة. وكان رحمه الله كاتبا وشاعرا. أنشدني خالي رحمة الله عليه, قال: أنشدني أبو عمرو بن سالم لشيخنا العالم أبي علي الرندي رضي الله عنه: (بسيط) علمي بقلبي ما لانت قساوته ... حتى تصدت له عيناك يا قاسي بسحر عينكم, لم أستطع جلدا ... فها أنا الآن من صبري على ياس دع التجني إنني مغرم كلف ... رهين وجد وأشواق ووسواس لقد تناهت بي الأشواق فاشتعلت ... نيران قلبي واذكت حر أنفاسي لولاك لولاك لم أعرف هوى أبدا ... فحبكم في فؤادي ثابت راس هذي أوائل أبياتي مخبرة ... باسم الذي حبه روحي وإيناسي ومنهم: 145- عمر بن الشهيد يكنى أبا حفص. كان رحمه الله جليل المقدار, فقيها أديبا, كاتبا, شاعرا

146- عمران الذجي

مطبوعا. قال ابن أبي العباس فيه: كبير مالقة المعظم في النفوس قدرا, واللائح في سماء الأدباء بدرا, والمستوجب في المحافل عند المذاكرة حمدا وشكرا. ومن شعره في محبرة آبنوس: (كامل) وكنانة من آبنوس نبلها ... قصب تراش بأنمل الكتاب قد غشيت طوق اللجين كأنها ... ثلج سقيط فوق متن غراب سبط أفاعيها تصيب بسهمها ... وتكون ترياقا من الأوصاب ولم أقف له على شعر سوى هذا رحمه الله. ومنهم: 146- عمران الذجي من أهل شريش. اجتاز على مالقة وأقام بها, ثم انصرف عنها. وكان رحمه الله من الأدباء النبهاء. وقرأ من علم أصول الدين وأصول الفقه. وكان شاعرا مطبوعا. حدثني خالي رحمة الله عليه قال: حدثني أبو موسى الذجي قال: سمعت يوما شعر الخفاجي, فرأيت فيه بيتا في صفة فرس, وهو: سبكته يد الطبيعة نارا ... فأسالت لجينه ونضاره قال الذجي: فاستحسنته, وكررته في خاطري, وكنت ذلك الوقت أنظر شيئا من علم أصول الدين. فنمت تلك الليلة, فرأيت رجلا كنت أعتقد أنه أحد الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم. ثم كان يقوى وهمي على أنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه, فكنت أقصده, وأبادر للسلام عليه, فيعرض عني, وكنت أخاف من ذلك, وأعرض له وألاطفه بالكلام, فيقول لي: كيف تنشد: "سبكته يد الطبيعة", هذا,

147- عيسى بن عياش بن محمد القيني

وأنت تقرأ علم الأصول. فكنت أقول: يا أمير المؤمنين, إنما حمل الشاعر على هذا, الوزن. فيقول لي: هذا وأنت شاعر, فهلا قال: سبكته يد القدير اقتدارا فكنت أقول له: هذا والله أحسن لما فيه من التجنيس, وهو من البديع. فكان يقول: أحسنت. لا تنشده إلا هكذا, واستيقظت. وله من قصيدة في وصف الخيل: (بسيط) أعناقها قصب ماس النشاط بها ... لها من ورق الريحان آذان وله في صبي في يده مطيب نرجس: (بسيط) وشادن جاء وفي كفه ... مطيب من زهر النرجس فقلت للشرب: هلال جلا ... نور الثريا وسط المجلس وله في صبي في كفه نارنجة: (سريع) وشادن جاء وفي كفه ... نارنجة يعبث في حسنها هز بها راحته لاعبا ... فقلت قد عادت إلى غصنها فإن تكن أنمله قضبها ... فأدمعي أغنته عن مزنها ومنهم: 147- عيسى بن عياش بن محمد القيني يعرف باسم أبيه, ويكنى أبا الأصبغ. كان رحمه الله معدودا في العلماء, ومحسوبا من الأدباء, من جلة فقهاء مالقة وأعلامها. كان مشارا إليه فيها, يتصرف في فنون من المنقول والمعقول. وكان له في صنعة التوثيق قدم راسخ, وإحكام أمن من الناسخ. قرأ علم الأصول, وأقرأه, واشتغل به كثيرا. وكانت له أشعار وخطب. وله تقييدات على مسائل شتى كالسر المكنون, في أن الحركة سكون, وغير ذلك. وقد وصفه أبو الطاهر فقال فيه: صنوه معروف, وأمله إلى الآخرة موصوف. بحث

148- عقيل بن عطية المالقي

عن العلم فنال, ونعم بذلك المنال. وله في الطريقة تصرف, يقضي لمنكره له بالتعرف. وقد كان تهمم بمعرفة المعقول, وشغل بكلام أهل العقول. وأما النحو فبضاعته, ومثل هذا لا يجب إهماله وإضاعته. وكان أبو الأصبغ رحمه الله من أهل الفضل والدين والورع. كان خطيبا بجامع مالقة وإماما به. قدم للخطابة في عام اثنين وعشرين. وأول خطبة خطب في العيد, خطبة عيد الفطر من العام المذكور. وتوفي رحمه الله في ساعة الأذان من يوم الجمعة ثالث شعبان المكرم, عام ثمانية وعشرين وستمائة. وصلى عليه بعد العصر من اليوم الثاني على شفير قبره رحمه الله. ومنهم: 148- عقيل بن عطية المالقي يكنى أبا طالب. ليس من مالقة, لكنه أقام بها واستوطن. وكان بها يكتب المناكح على القاضي ابن يربوع. ثم إنه ولي قضاء غراناطة مدة, ثم انتقل عنها. وولي قضاء سجلماسة. وكان رحمه الله من جلة العلماء, مشاركا في كثير من العلوم, محققا فيها. وله كتاب سماه: تجريد المقال في موازنة الأفعال, يرد فيه على الحميدي. وكان جليل المقدار رحم الله ونفعه. وذكره صاحب الخبر وكناه بأبي المجد, وقال: روى عن ابن خبر. ومنهم: 149- عيسى بن سليمان بن عبد الله بن عبد الملك ابن عبد الله بن محمد الرعيني الرندي يكنى أبا محمد, ويعرف بالرندي. كان رحمه الله من جلة المحدثين

150- عيشون الملقب بالخير

والمسندين, عارفا بطرق الرواية, ضابطا متقنا متفننا. أخذ عن شيوخ جلة من أهل الأندلس كأبي الحجاج ابن الشيخ وغيره. وأكثر بالمشرق, فأخذ عن ابن قدامة المقدسي, وعن إسماعيل الشيباني الحنفي, وغيرهما. قرأنا عليه بمالقة كثيرا. ووصل مالقة من ديار المشرق في أوائل عام أحد وثلاثين وستمائة. وكان مغيبه عن مالقة نحو من ستة عشر عاما, حج, واستوطن بدمشق. وقرأ وسمع كثيرا, وأتى بفوائد جمة. وأوصل إجازات ثيرة من جلة من شيوخ البلاد العراقية والشامية نفعه الله بذلك. وكان في نهاية من الضبط والثقة ومعرفة الرجال وصحة الرواية, نفعه الله ونفع به بمنه. وكان رحمه الله قد قدم بواسطة خالي رحمة الله عليهما للإمامة بالمسجد الجامع بمالقة, فمرض رحمه الله قبل أن يصلي فيه بالناس, واستمر مرضه على أن توفي في الثامن لربيع الأول من سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. ومنهم: 150- عيشون الملقب بالخير كان قد ملك رية لابن حفصون. فنزل عليه الأمير المنذر, وقاتله حتى عجز أهل رية مما حل بهم, فنبذوا إليه عيشونا, فوجه به إلى قرطبة, وصلب, وعن يمينه خنزير وعن يساره كلب, لأنه كان يقول في نفاقه: إذا المنذر ظفر بي فليصلبني بين خنزير وكلب. فوفى له بما قال, والبلاء موكل بالمنطق. ونسأل الله السلامة. ذكره ابن حيان. ومنهم: 151- عياض بن محمد بن عياض اليحصبي يكنى أبا الفضل, وهو حفيد الفقيه العالم العلم الأوحد الإمام أبي الفضل

عياض. وكان رحمه الله من جلة الطلبة, مشارا غليه, معظما عند الملوك, يفاخرون به في مجالسهم لطلبه وحسبه. وكان رحمه الله مهابا مقداما فصيح اللسان, عارفا بمقادير الناس, متواضعا فاضل الأخلاق, حسن المصاحبة, جميل العشرة, كثير الرجولية, متسرعا لقضاء الحوائج, فاضل الطبع, كثير الأدب. حدثني خالي رحمة الله عليه قال: لما تزوجت صنعت طعاما معدا للعرس على جري العادة بين الناس. قال: فلما كان في يوم الذبح أكبرت الفقيه أبا الفضل على أن استدعيه لمثل ذلك اليوم. وكان في نفسي أن لا أستدعيه غلا في يوم الإطعام لكون يوم الذبح إنما هو يوم مهنة وتعب. قال: فبينما أنا جالس, وإذا الضرب على الباب, ففتح, فإذا بالفقيه أبي الفضل, فدخل. قال: فعتب علي, وقال لي: ما كنت أظن منك هذا. أفلا استدعيتني حتى أكون أتصرف في جملة من يتصرف. قال: فخجلت منه, واعتذرت له, وقلت له: يا سيدي, ما منعني من هذا إلا كوني أجلك عن مثل هذا. قال: فقال لي: لا عليك, الموضع موضعي, سواء استدعيت أم لم تستدع. وهذا غاية في التواضع والفضيلة وصفاء النفس. نقلت من خط خالي رحمة الله عليه قال: حدثني الشيخ الفقيه الأجل أبو الفضل عياض أعزه الله أن والده القاضي أبا عبد الله, كان مع أبي محمد التادلي, وكان قد أصابهما بعض اعتقال, فباتا ليلة (معا) , وصنع كل واحد منهما بيتين توافقا في معناهما, فأنشد التادلي لنفسه: اصبر إذا ما أردت أمرا ... فالصبر مفتاح كل نجح والهم ليل وكل ليل ... لا بد أن ينجلي بصبح وأنشد القاضي لنفسه: من حيث يغلق باب أمر يفتح ... والله أعلم بالذي هو أنجح لا تيأسن من الظلام لليلة ... طالت عليك, فكل ليل يصبح

حرف الغين

وحدث الفقيه أبو الفضل رحمه الله أن والده دخل على بعض الملوك, فأنشد الملك بيتين صنعا له في هميان, وهما: (بسيط) انظر إلى أبدع الألوان نظمها ... بنان بكر, فصاغت منه هميانا ثم التوته على خضر لها هضم ... فبات يحرس أردافا وأعكانا فقال القاضي أبو عبد الله: البيت الأول لا يلتئم مع الثاني, فارتجل بيتا بينهما وهو: بسحر ألفظها رقته نافثة ... في عقد أخياطها فعاد ثعبانا فالتام المعنى بذلك. حرف الغين ومنهم: 152- غانم بن وليد بن عبد الرحمن المخزومي يكنى أبا محمد. وكان رحمه من الحفاظ الجلة المبرزين, عالما يطرق الرواية, عارفا بها. روى عن جملة شيوخ. كلن جليل المقدار مشهور المعرفة والمكان, مشارا إليه, معظما عند الملوك, مقربا لديهم, مع ما كان عليه رحمه الله من الحفظ للآداب واللغة. وغلب عليه الأدب, وبه اشتهر. ووصفه الفقيه أبو العباس أصبغ في كتابه فقال فيه: حبر يعجز عن وصفه اللسان, وبحر يحدث عنه بلا حرج الإنسان, وبدر طلع بين ذوائب النوائب في سماء الإحسان. إن نثر فأسبق في البيان من سحبان, أو نظم فأثبت في الإحسان من حسان, وأعرق فيه من آل جفنة في غسان, وأخلاق ارق من حاشية النسيم, وشمائل أعطر من نفحات الروض الوسيم, ووقار بهزة السماح يسيم, على أنه ما ناط التمائم وخلعها, وأظهر المحاسن وأطلعها, واخترع البدائع ووضعها, إلا والفتنة قد سحبت ذيلها, وصدت على

أنوار الهدنة ليلها. فلا فأل إلا غابر الكواكب, جهام المراكب, ولا علم غلا موطوء المناكب, مفلول المواكب. وقد اثبت من نظمه ونثره ما يستميل الأسماع, ويعمر الجوانح والأضلاع. من شعره رحمه الله يصف روضة قد بلل الندى أغصانها, وتفتحت بالأنوار, فقال في ذلك: (كامل) ضحك الزمان بحسنه وبهائه ... كالصب يضحك بعد طول بكائه وكأن إقبال الربيع بفضله ... وصل الحبيب أتاك بعد جفائه وكأنما وادي العقاب عشية ... مستمطر دمعي لجرية مائه وكأن رشح الطل في نور الربى ... رشح الخدود بدا بنار حيائه وله فيه أيضاً: (سريع) ما أحسن الزهر إذا ما ابتسم ... عن لؤلؤ الروض إذا ما انتظم نم بسر الروض نواره ... كعاشق باح بما قد كتم لم يك عن قصد ولكنه ... أعوزه الصبر عليه فنم ودخل على بعض السلاطين فقام له وقرب مجلسه منه, فقال: (بسيط) صير فؤادك للمحبوب منزلة ... سم الخياط مجال للمحبين ولا تسامح بغيضا في معاشرة ... فقلما تسع الدنيا بغيضين وله يراجع الشاعر الحصري: ما أفصح لسانك, وأفسح ميدانك, وأوضح بيانك, وأرجح ميزانك, وأنور صباحك, وأزهر مصباحك, أيها الفارط المتمهل في ميدان النبل, والسابق المتطول بفضائل الذكاء والفضل. أرحتني من صل الهم فازدهتني أريحية, وأرحتني من ظل الغم فلاحت لي شمس الأمنية, مما اطلعت علي, وأهدته مكارمك إلي. فقلت: أعصر الشباب رجع, أم كوكب السعد طلع, أم

بارق الإقبال لمع. كلا والله إنها لمكرمة مهدية, أهدتها نفس سنية, وهمة علية. إن قلت: الوشي الصنعاني فقد نقصتها, أو الديباج الخسرواني فقد بخستها. بل والله أرتني زهر الربيع في غير أوانه, وحسن الصنيع على عدمه في أهل زمانه, ولمحت منه عقد لآلي, يبقى على آخر الليالي, فقلدت ما قلد الأوحد نظما ونثرا, والأمجد علما وفخرا. وفي فصل منها: وجوزيت أفضل ما جوزي حر شريف المحتد, صحيح المعتقد, كريم المصدر والمورد, عمن تكنفه بك شوائب النسب, ويجمع شمله معك شمائل العصب. وقد اعتقدت ما به أشرت, وإياه اعتمدت, إذ لاح لي في أفق النقلة صباح, واستقل بي في طرق الرحلة جناح. وكم ولت سالمة النوائب بانقباضي, ومداراة الدنيا بتركي لغراضها وإعراضي, فإذا الانقباض حصلني في جملة القبض, والترك للأغراض قد جعلني للنوب كالغرض, ولا سلاح إلا الدعاء على الله تعالى في الصلاح, ولا نجاح إلا التمني لمن يقر ما عليك جناح. وفي فصل منها أستغفر (الله) فقد حمي صدري حتى على مرجله, وضاق مجال فكري حتى اتسع في الشكوى مقوله. ولو أني سلمت لمواقع الأقدار, وعلمت أنه ليس على القدر اختيار, ورضيت بما يأتي به الليل والنهار, وتيقنت أن خلق الزمان عداوة الأحرار, لأرحت قلبا يتقلب في جمر الأسى, وأذكرت لبا قد نسي الاقتداء بالأسى. ومن شعره: صديقك من يرعاك في كل حالة ... وإن تدعه للخير والشر ساعدك وليس الذي يوليك ظاهر وده ... وإن تدعه كيما يساعد باعدك فإن ظفرت يمناك في الدهر مرة ... بعلق من الإخوان فاشدد به يدك وله في النهد: (متقارب) حقاق من العاج قد ركبت ... على مثل صحن من المرمر

فلقن فأثبتن من فوقها ... بمثل مسامير من عنبر وله أيضاً: (متقارب) كئيب ببابك مسترحم ... ليشكو غليك جوى شجوه يقر بذنب ولم يجنه ... ولكن لك الفضل في محوه وقد ذاق من حبكم مره ... فهل من سبيل إلى حلوه ومن شعره يصف ليلة أنس قد ولت: (بسيط) وليلة نسخت عندي محاسنها ... ذنوب دهر يشوب الصفو بالكدر بتنا وباتت نجوم الليل طالعة ... فينا فلم تبق من هم ولم تذر ونحن في روضة للهو يانعة ... كؤوسنا اللهو فيها موضع الزهر حتى إذا ليلنا ولت كتائبه ... وأقبلت غرة الإصباح في الأثر تشتت الشمل إلا أن يزورهم ... طيف فهل أحد يعلو على القدر يا ليلة حسنت عندي مواقعها ... لا أكذب الله, لولا آفة القصر وددت لو زاد لي في عمرها عمري ... وزيد فيها سواد القلب والبصر يا أعدل الناس إلا في معاملتي ... وأحسن الناس في بدو وفي حضر إن كان للنيرين المستضا بهما ... نسل فإنكه لا شك فافتخر ومن شعره: (سريع) ثلاثة يجهل مقدراها ... ألأمن والصحة والقوت فلا تثق بالمال من غيرها ... لو أنه در وياقوت وأدبه مشهور. وقد ذكرت له قطعة في باب علي.

حرف القاف

حرف القاف ومنهم: 153- قاسم بن سعدان بن ابراهيم أندى, من أهل رية, سكن قرطبة. يكنى أبا محمد. سمع من عبد الله بن يحيى, وطاهر بن عبد العزيز, ومحمد بن عمر بن لبابة, واسلم بن عبد العزيز, وابن أبي تمام, وأحمد بن خالد, وابن أيمن, وعبد الله بن يونس, وعثمان بن عبد الرحمن, ومحمد بن قاسم, وقاسم بن أصبغ, والحسين بن سعد, وأحمد بن زياد, وأحمد بن محمد الحسني, وغيرهم. ورحل إلى محمد بن فطيس وسمع منه كثيرا. وكان رحمه الله ضابطا لكتبه متقنا لروايته, حسن الخط جيد الضبط, عالما بالحديث بصيرا بالنحو والغريب والشعر,. ولا أعلم أحدا بالأندلس أعنى بالكتاب عنايته. ولن يزل في نسخ ومقابلة إلى أن مات. ولم يحدث. وحبس كتبه, فكانت موقفة عند محمر ابن أبي دليم. وتوفي رحمه الله ليلة لا أحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وثلاثمائة. ذكره ابن الفرضي. ومنهم 154- قاسم بن محمد بن قاسم الصدفي رحمه الله. من أهل شذونة. وكان رحمه اله رجلا صالحا مقرئا ومعلما لكتاب الله تعالى, معنيا بالحديث. أخذ عن السهيلي وابن الفخار, وابن بونه, وابن حبيش, وابن حميد. اجتاز على مالقة في سنة سبع وعشرين وستمائة. وتوفي بعد ذلك بيسير. ومنهم:

155- القاسم بن عبد الرحمن بن دحمان الأنصاري

155- القاسم بن عبد الرحمن بن دحمان الأنصاري يكنى أبا محمد, وهو المدعو بالأستاذ الكبير. أصله من وادي الحجارة, ثم انتقل أبوه منه بسبب النصارى إلى مدينة بلنسية, وولد الفقيه أبو محمد بها سنة خمس وثمانين وأربعمائة, ثم انتقل إلى مالقة إثر تغلب الروم على بلنسية. وكان الأستاذ أبو محمد هذا من جلة العلماء المقرئين حافظا ضابطا رواية ثقة من أهل الفضل والدين المتين. أخذ عن أبي علي بن يملى. قال شيخنا الفقيه المحدث الرواية أبو عبد الله البلنسي: أخبرني, يعني الأستاذ أبا محمد, أنه تلا بالسبع مع خمسين رواية عن نافع, وأربعين ومائة عن ابن كثير, على المقرئ أبي علي بن يملي. وأخذ أيضاً عن أبي الحسين ن محمد بن الطراوة, وعن الأديب أبي عبد الله بن سليمان, وعن ابن الغماد. ومحله في العلم وشهرته تغني عن الإطالة فيه, والحمد لله. ذكره صاحب الخبر قال: هو من مالقة, أخذ عن ابن الوحيدي, وأبي بحر, وأبي عبد الله بن الحاج, وأبي القاسم بن ورد, وحفيد مكي, وغيرهم. حرف السين ومنهم 156- سالم بن صالح الهمداني يكنى أبا عمرو. وكان رحمه الله من جلة المحدثين والأدباء النبهاء حافظا للغات عالي الرواية كثير الضبط والإتقان. أخذ عن أبي عبد الله بن زرقون, وأبي بكر بن الجد, وأبي محمد بن عبيد الله وأبي زيد السهيلي وأبي عبد الله بن الفخار, وغيرهم. وكان رحمه الله أديباً شاعرا فاضلا لوذعيا متواضعا, حسن الصحبة, جميل العشرة, حسن العقيدة, كثير العبرة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم, كثير الخشوع عند سماع أخباره, نفعه الله بذلك بمنه. ومن شعره يصف رمحا: أنا الرمح المعد إلى النوائب ... فصاحبني تجدني خير صاحب

لئن فخر اليراع بكتب خط ... فللخطي فخر بالكتائب وله فيه: أنا في الشيبة كالصل الذكر ... طلت حتى نبت عن ليل الذكر ثم من أإرب شيء أنني ... لم أطل إلا لتقصير العمر وله فيه: آمن من سطوة النوائب ... من جعل الرمح خير صاحب وبات في صحة وآمن ... لذيل برد الفخار ساحب وله وقد وصل أبو علي بن أرقندال إلى منزله, ولم يكن حاضرا: أصبحت عن خطب الزمان بمعزل ... مذ زار بيتي نجل أراقندل وتشرفت تلك البقاع وأشرقت ... بضياء غرته وأخصب منزلي وأعلى على أوج الزمان محلها ... بأبي علي, فهي تنظر من عل والترب مذ وطئته أخمص نعله ... أزري شذاه بطيب عرف المندل قد كان حقي أن أزور محله ... فأحل بالخضراء أمنع معقل حيث التقى ماء الفرات بجدول ... عذب, ويا شوقي لذاك الجدول ذاك المحل أقيم فهي صبابة ... من أجل هذا الأفضل بن الأفضل زين الندي وقطب أرباب الندى ... عين الجزيرة والخطيب المقول فالله يبقيه ويجمع شملنا ... معه فنظفر بالنعيم اللأطول ثم السلام عليه ما هطل الحيا ... وانهل صوب العارض المتهلل وله, وقد سيق زهر لأبي علي بن كسرى, فأعجبه, فقال أبو عمر: يا مغرما بالزهر, زهر جلالكم ... أربى على زهر الرياض وزادا لو أستطيع جعلت ربعك كعبتي ... وتخذت من تلك المكارم زادا وله, وكتب بها إلى خالي:

يا من إذا بين أهل العلم كالعلم ... أزلت بعض الذي اشكو من الألم أعملت فكري يا من لا مثال له ... في العلم والحلم والآداب والحكم في قصة أنت تدري سر ميسمها ... جلوتها كجلاء البدر في الظلم أثبت خيرا, أبا عبد الإله, على ... من بات يشكر ما أوليت من نعم حتى ثنى جيده بالجيد ملتفتا ... إلى رب الجدا والجود والكرم شخص السماح ومعنى كل معلوة ... من خص بالخلق المحمود والشيم وأكتب الناس, إن هزت يراعته ... فيخفق السيف إن الفضل للقلم إذا وشى سطر خط فوق مهرقة ... فالدر ما بين منثور ومنتظم أقسمت أن المعالي في الورى قسم ... حاز ابن مقلة فيها أبخس القسم سما إلى الأفق الأعلى, فهمته ... ما همها غير أن تسمو على الهمم موفر العرض, لكن وفر نائله ... مقسم في ذوي الإثراء والعدم مرفع القدر مشهور تواضعه ... يسدي ويعطي ويرعى خالص الذمم فلذ بحرمته إن كنت مهتضما ... تأمن كأنك قد أصبحت في الحرم إن جئته سائلا عن حاجة صعبت ... في الحين تقضى ولم تبرح ولم ترم وإن شكوت إليه جور مظلمة ... لم يرقد الليل إشفاقا ولم ينم فاردد جوابي فقد أصبحت في قلق ... محالف الوجد والأشجان والسقم فأجابه خالي رحمة الله عليهما: مالي يد بالذي أوليت من نعم ... ولا أطيق حياتي شكرها بفمي ولست أسطيع وصف بعضها أبدا ... حتى أؤلف بين الماء والضرم صحيفة قر أتتني منك محكمة ... كأنها راحة تهدى إلى سقم بدا بها عند ما عاينت أحرفها ... لاحت كمسك على الكافور منتظم شعر مصوغ من الشعرى ومرزمها ... ومن عقيق ومن در ومن حكم شتى, وألفها السحر الحلال به ... كأن هاروت بين الفكر والقلم كأنما كوكب في كل قافية ... ما أحسن الشهب في الألفاظ والكلم إن كان زهراً فمن يمناك منبته ... وإنما تنبت الأزهار بالديم أو كان درا فأنت البحر في أدب ... وعادة البحر قذف الدر للأمم

وافت بخط لوان الوشي أبصرة ... أقر بالفضل للأقلام في القدم ومنها: أكرم بمرسلها من ماجد ورع ... حلو الشمائل والأخلاق والشيم قد رق طبعا وقد راقت شمائله ... فهو الوجود ولك الناس كالعدم ومنها: وصاغه الله من فضل ومن أدب ... حتى اغتدى فوق أنف المجد كالشمم من آل سالم من قول لهم حسب ... يضيء كالبدر جلى ليلة الظلم الحالمون علوم الدين إن تركت ... والحاكمون صروف الدهر بالحكم فلو رآهم زهير لانثنى لهم ... بمدحه وتعدى القول عن هرم فيا أبا عمرو الأعلى, نداء أخ ... لم يرم في شكر ما أوليت بالسأم نوهت باسمي في شعر بعثت به ... حتى رأيت الثريا فوقها قدمي ألزمتني فيه حقا لا أفراقه ... عمري كما ألزم التأكيد للقسم لئن مدحت فلي قربى شرفت بها ... ما إن يفي خاطري عن ذكرها بفمي ومنها: أرضعتني بلبان العلم مغتديا ... به, فحسبي من قربى ومن رحم بعثت لي ببنات الفكر محكمة ... حرائرا, فلذا وجهت بالخدم وما قصدت, وحاشا, أن أماثلها ... ومن يماثل بين السيف والزلم وإن تكن صفة للشعر تجمعها ... فليس حمرة خد كاحمرار دم ومن شعره وكتب إلى الفقيه الأستاذ عبد الله الاستجي: عدمت لذيذ العيش بعدك والكرى ... وأشغلت قلبي لوعة وتذكرا وكم ليلة قد بت فيها مولها ... مخافة نفس أن تذوب تحسرا أقابل مسرى الريح من نحو أرضكم ... فيحرمني برد النسيم إذا سري لقد خاب ما أملت مذ سرت عنكم ... ومن ركب الآمال لم يحمد السرى تنكر لي دهري ولم يدر أنني ... عرفت جلي الأمر لما تنكرا

وأتحفني فكري فوائد جمة ... فما زدت إلا عبر وتفكرا يقولون لي صبرا على البعد والنوى ... ومذ بنت عني ما رزقت تصبرا ومما شجاني أنني بت مغرما ... بأزهر يحكي البدر حسنا ومنظرا يؤرق جفني منه غنج محاجر ... تعد منام الجفن حجرا محجرا ولولا الذي أخشاه من جور حكمه ... لحدثتك الأمر الخفي كما جرى وبحت بمكنون الضمير إليكم ... وأظهرت وجدا كان في القلب مضمرا ولا بد من شكوى فتعذر مذنفا ... حليف سقام, أو يموت فيعذرا ومنها: ولكنه مذ لاح لام عذاره ... تجنى فلا يلوي على من تعذرا ومنها: شراني ببخس وهو في الحسن يوسف ... وما باعني إلا بأرخص ما اشترى فيمسي إذا ما أظلم الليل, ظالمي ... ويهجر إن صام النهار وهجرا ولا ذنب إلا أنني بحت باسمه ... ولا بد للمحزون من أن يتذكرا فكن ناصري عن شئت في موقف الهوى ... فحق لمثلي أن يعان وينصرا ألست الذي تزهى به أرض رية ... فريا رباها فاح مسكا وعنبرا ومنها: ونحن بنو همدان والأصل واحد ... نما فرعنا في المكرمات وأثمرا ومنها: ولولا حلول الشيب كررت منشدا ... "سما لك شوق ما كان أقصرا" فجاوبه الأستاذ أبو عبد الله بقصيدة منها: بنفسي غزال لم يدع لي تصبرا ... وزدت خضوعا حين زاد تكبرا وما صغر المحبوب, لكن همومه, ... على قلب من يهواه أعلى وأكبرا ولو أن محبوبي تعذر لم أخف ... على الوصل يوما أن يرى قد تعذرا

فيا واحد الأزمان علما ومنصبا ... ويا شيخي الأعلى الأجل الموقرا تعال لكي نحتال في نيل مطلب ... فندرك وصلا, "أو نموت فنعذرا" وأنت حسام فيه للعلم جوهر ... فكن لي على الدهر الحسام المجوهرا وهل حلية العشاق إلا رغيبة ... وقد بايعوا منك الأمير المؤمرا فهز رماح الخط وانشر بنوده ... وقد من معانيك البديعة عسكرا فإنك منصور لدى موقف الهوى ... فلم تعط جيش الشعر إلا لتنصرا وقصر حياة العاذلين فكلهم ... وشى بجميع العاشقين وقصرا ومنها: وجرد على من كان أبيض أبيضا ... اشرع إلى من كان أسمر أسمرا وقم بيننا في منبر العز خاطبا ... فمثلك (حقا) من رقى اليوم منبرا وعظ كل وسنان المدامع أزهر ... ليضحى زمان الصب وسنان أزهرا فنقطف من تلك السوالف سوسنا ... ونرشف من تلك المراشف سكرا ومنها: أعالمنا المشهور في كل بلدة ... ومن لم يزل من حاجب الشمس أشهرا ومنها: وليس مشيبا ما علاك, وإنما ... رياض المعالي فوق فوديك نورا لك الله يا مولاي ذكرت خاطري ... بأشياء تشجي الصب مهما تذكرا وسميت لي دهرا تصرم وانقضى ... وعيشا لدى الخضراء فينان أخضرا زمان التقى البحران: علم ولجة ... فكنت به أصفى وأندى وأطهرا ومنها: وحقك ما قصرت في حق صاحب ولكنني لم ألق إلا مقصرا إذا ما دنا مني تصور ثعلبا ... ومهما نأى عني تصور قسورا وإن أنت عاينت التذلل من أخ ... فلا تعتقد من ذاك إلا تجبرا فما من حياء تكتسي النار حمرة ... ولا من سقام معدن التبر أصفرا

157- سليمان المعروف بابن الطراوة

ومنها: وخبرني عن شاذن الريم أنه ... غدا صفو ماء الوصل منه مكدرا أمولاي أرسل سحر نظمك نحوه ... فلم أر منه للبرية أسحرا ومنها: لعل غزال الريف يكسب رأفة ... فيهجر ذا عذل أساء وأهجرا وهي من التعنيس صنعة فاعل ... يريك له في ساحة الصدر مصدرا ومنها: أمولاي قد قلدت جيدي قلادة ... يباع بها در المعالي ويشترى وأسكرني للحين فرط انطباعها ... ولم أدر أن الشعر يوجد مسكرا ومن لي بأن أحكي الحميا بحمأة ... وآتي بأمثال الثريا من الثرى وأوجب شيء حين يظهر نظمكم ... لمثن بنظم الشعر أن يتسترا وله أيضاً: إلهي قد عصينا منك ربا ... تعالى أن يقابل بالمعاصي فكيف خلاصنا من هول يوم ... تشيب لهوله سود النواصي وتوفي الفقيه أبو عمرو رحمه الله يوم الاثنين لثمان عشرة ليلة خلت من شهر رمضان المعظم عام عشرين وستمائة. ومنهم: 157- سليمان المعروف بابن الطراوة يكنى أبا الحسن, وهو الفقيه المشهور بابن الطراوة. كان رحمه الله إماما في صنعة العربية, عارفا بها محققا لها متصرفا في غيرها من العلوم, جليل المقدار,

158- سليما بن أحمد يعرف بكثير

معروف العلم. عنه أخذ الأستاذ أبو زيد السهيلي رحمه الله. وكان أبو الحسين هذا أديبا شاعرا. فمن شعره رحمه الله: (بسيط) أعوذ بالله من حال يزين لي ... بغض اللسان وحب البغي والفندا أيا فلان (كفى) والله لو ظهرت ... لك الحقائق ما نازعتها أبدا ولو خلوت لحلواها ولذتها ... لما عدلت بها مالا ولا ولدا الجد في الدين نور يستضيء به ... من لا يصر على عميائه حسدا لكن دنا بأناس رين أفئدة ... تحملوها فقد تاهت ذرى وندى لا يستفيقون حوطا في عواقبه ... من الجهالة حتى يوقدوا كمدا فاربأ بنفسك لما كنت ناصحها ... عن أن تموت صدى أو أن تعيش سدى واكسب بدنياك علما تطمئن له ... واذكر لأخراك خوفا أن تموت غدا ولا تصخ لمقال السوء تسمعه ... وإن نطقت فحاول منطقا سددا وللشباب إذا عاشرتهم كرب ... (له هموم) فكن عن جمعهم فردا وله رحمه الله في قوم خرجوا للاستسقاء, والنهار مغيم, والرذاذ ينزل. فلما برزوا للمصلى, رجع الصحو: (كامل) خرجوا ليستسقوا وقد نشأت ... بحرية يبدو لها رشح حتى إذا اصطفوا لدعوتهم ... وبدا لأعينهم بها نضح كشف الغطاء إجابة لهم ... فكأنما خرجوا ليستصحوا ومنهم: 158- سليما بن أحمد يعرف بكثير اجتاز على مالقة وأقام بها مدة. وكان حافظا للأدب واللغات والتواريخ.

159- سليمان بن داود بن عبد السلام بن عمثيل

وكتب لبعض السادات. وكان شاعرا أديبا كاتبا لوذعيا, من أهل الذكاء والفطنة رحمة الله عليه. ومن شعره: (سريع) يا قارئ الخط بلمس البنان ... ينيبها اللفظ مناب العيان أشكل في غيرك هذا, ول ... كن بان في فعلك كل البيان ولو توارى شمته لاحظا ... ما عاق ذاك اللحظ عنه صوان فكم تعري جننا نافدا ... صدور ما بدا لكم من جنان من لم يلاحظ بفهم يجز ... عليك ما لم يره في الزمان يا من أتى بوقعة ضارعت ... من خارق العادة ما قبل كان يا صورة بدعا أرتنا من ال ... حسن فنونا لم تنلها الحسان أرى لساني إذ يطول وقد ... قصر عن وصفك ذاك اللسان قابلني من بعد يأس من الل ... يل: هوى, بل ضمني قرط بان وقد قبلت اللوم من لائم ... فيك فهل لي من صدود أمان ومنهم: 159- سليمان بن داود بن عبد السلام بن عمثيل يكنى أبا أيوب, من بيت حسب وجلالة وعلم وشرف الأصالة, معلوم المكان. وقد تقدم ذكر بعض أسلافه فيما مضى من الكتاب. وكان أبو أيوب من العلم والوجاهة, جليل المقدار, فقيها مشاورا. أخذ عن شيوخ جلة وقيد وروى. ومن أغرب ما نقلت من خط ... قال: ألفيت بخط الفقيه الفاضل الأديب الكامل أبي محمد غانم بن وليد المخزومي, قال: وجدت بخط الفقيه الجليل أبي

160- سليمان بن عمثيل بن يحيى بن أحمد بن داود العاملي

أيوب سليمان بن داود بن عمثيل رضي الله عنه, رواية له عن بعض شيوخه, أن رجلا من الصالحين رأى يحيى بن أكثم القاضي رحمه الله في المنام فقال له: ما فعل الله بك. قال أوقفني ربي تبارك وتعالى بين يديه, وقال لي: يا شيخ السوء, لولا شيبتك لأحرقتك بالنار. قال: فأخذني ما يأخذ العبد بين يدي مولاه. فلما أفقت قلت: ما هكذا يا رب حدثت عنك. فقال تبارك وتعالى: ما حدثت عني, وهو أعلم بذلك. فقلت: حدثني عبد الرزاق بن همام الصنعاني, عن معمر بن راشد, عن محمد بن شهاب الزهري, عن أنس بن مالك, عن نبيك محمد صلى الله عليه وسلم, عن جبريل, عنك يا عظيم, أنك قلت: ما شاب لي عبد في الإسلام شيبة فأعذبه بالنار. قال: فقال الله تبارك وتعالى: صدق جبريل, وصدق نبيي محمد, وصدق أنس بن مالك, وصدق محمد بن شهاب الزهري, ومصدق معمر بن راشد وصدق عبد الرزاق بن همام الصنعاني, أنا قلت ذلك, انطلقوا به إلى الجنة. قال يحيى: يا لها من فرحة. جعلنا الله من أهل الجنة بمنه وكرمه. ومنهم: 160- سليمان بن عمثيل بن يحيى بن أحمد بن داود العاملي يكنى أبا أيوب, من وجوه مالقة وذوي الشرف والأصالة فيها, قديم الحسب معلوم التعين, يرجع بيته إلى عاملة النازلين برية. وهو على ما ألفيت في بعض التعاليق: سليمان بن داود بن عبد السلام بن عمثيل بن عكار بن قيدون بن شرف بن خزيمة بن زياد بن شمر بن بشر بن حي بن عوف بن مالك بن قاسط بن الزاهر بن عاملة بن سبأ الأكبر بن يشجب بن عابر بن قحطان بن يعرب بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح, وهو آدم الصغير صلى الله عليه وسلم. وشمر المذكور في هذا النسب هو الداخل (إلى) الأندلس. وكان أبو أيوب سليمان المتقدم الذكر, معدودا في طلبة مالقة ونبهائها. ولي القضاء بجهاتها مدة. وناب عن والده بمالقة أيام كونه

161- سليمان بن أحمد بن أبي غالب

قاضيا بها, فساد ورأس. وعقبه بمالقة إلى الآن. ومولده رحمه الله يوم الجمعة في عام أربع وعشرين وخمسمائة. ومنهم: 161- سليمان بن أحمد بن أبي غالب يكنى أبا داود ويشهر بالداني. قد تقدم ذكر والده. وكان أبو داود رحمه الله من نبهاء طلبة مالقة وأدبائها. كان كاتبا بليغا وشاعرا مطبوعا. وكان في صغره من أجمل الناس. نقلت من خط شيخنا الأديب أبي عمرو بن سالم, أنشدنا صاحبنا الفقيه الأديب أبو جعفر أحمد من محمد الأبدي مما قاله ارتجالا, وقد مر به الفقيه أبو داود سليمان ابن أبي غالب, وكان مشتهراً بالجمال, صانه الله من العين, فمر به وقد لبس ثوبا اصفر وجعل عمامته بيضاء فقال: قد قضيب من اللجين ... عليه ثوب من النضار أضاء كالبدر جنح ليل ... وعمم الليل بالنهار ومن شعر الفقيه أبي داود المذكور نكرت عطية وهي جد غريزة ... أغباب كتبي في زمان بعادي أحبب بها, ولها الوقاية لم أكن ... لأصد عن مرضاتها بمرادي ظلما تكلف أن يحن على النوى ... من لم يرح عن أرضها بفؤادي وله أيضاً: زرتها وهي كالغزالة حسنا ... وأنا النجم في سنا وارتفاع آمنا أن يرى الوشاة مكاني ... لا حقا بالنجوم تحت الشعاع وله أيضاً:

تلوح على بعد المزاز أميمة ... لعين شموق لم تذق لذة الغمض كذا الشمس تبدو للعيون منيرة ... على بعد ما بين السماوات والأرض وله أيضاً: ضننت فلو تزور رأت ... فتى أودى به المرض فقد قامت بجوهره ... وقام بنفسه العرض وله أيضاً: مسحت على خدها مسحة ... فكادت تذوب لفرط الحياء وقامت تلوذ بمرآتها ... فكانت شبيهة شمس السماء كجؤذر قفر أصاب الصدى ... فأومأ ليشرب من فضل ماء وله أيضاً: تاقت إلى زورة أوطانها ... تشوق الظبي على المكنس وأرسلت أجفانها عبرة ... تفنى بها, وهي ندى الأنفس فقمت لما أن بكت وحشة ... لهاجس ريعت له مؤنس ألتقط الؤلؤ من حجرها ... ينهل فوق الوشي من نرجس كأنني قمت إلى روضة ... ممطورة من أفق مشمش وله أيضاً: تطلعت حوراء نورية ... باطنها يلحظ من ظاهر وقد بدا خال على نحرها ... كأنه من خدع الساحر (كأنه إذا راقني عنبر) ... دك على مسرجه الزاهر وإنما الأسود من قلبها ... بحيث لا يخفى على الناظر وله أيضاً:

وقالوا هذه الشيماء قامت ... نفت المسك عن يقق الجبين وللألباب من خدي سليمى ... دواع للمجون وللفتون وما الخيلان أبصر من رآها ... إذا ردن الحديث إلى يقين ولكن فوق صفحتها صقال ... تشكل فيه أحداق العيون وله أيضاً في غداة ذات ثلج ونار, ورقيق رمادها: وغدوة ثلج كاللجين بياضها ... طردت الأذى منها بنار كعسجد يريك رقيق فوقها من رمادها ... شفوف قناع فوق خد مورد وله أيضاً في شمعة وصفراء قائمة كالسنان ... لها لهب بالدجا عابث متى تطفئ الريح روح السراج ... ففيها لرمته باعث وله يرثي والده رحمه الله: خليلي لو ترى في حمص دفني ... أبي لهجرت نومك والطعاما أواريه بستر من ضريح كأني مغمد منه حساما كأن محاجري ورثت يديه ... عشية قمت أدفنه, غماما وله أيضاً فيه: صلبوك لا كلفا بعيش فيهم ... يبكي لفقدهم, ولا متأسفا يا من رأى بدر الدجا لتمامه ... عبثت به أيدي الزمان تصرفا والشر يظلم راحة لم تدر إلا ... لاثما أو مرهفا أو مصحفا

162- سفر بن عبيد الكلاعي

عجبا لجذع قام يحمل كوكبا ... وغمامتين وصدر علم نفنفا ولقد نظرت إليه يوم تقله ... كالرمح عوض من سنان أرهفا لم يصلبوه فليس يصلب مثله ... إن كنت تسمع ما أحدث منصفا جهد التراب به ليستر شخصه ... فإذا به قد كان منه ألطفا وكأنه رام اللحاق بعالم العل ... والذي هو منهم فاستوقفا وشجاه نوح الباكيات لفقده ... فثوى هنالك رقة وتعطفا وهي أكثر من هذا ومنهم: 162- سفر بن عبيد الكلاعي ... ويقال هو من الأنصار, وهو من الذين كانوا يحملون ألوية رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت قريته بقرب قرطبة على طريق قرطبة, وتعرف ببنيلة وكان من أهل رية, وإليه ينتسب الرمان السفري. وسببه أن عبد الرحمن بن معاوية الداخل بعث إلى أخته بالشام أم الأصبغ عند ما استقر له ملك الأندلس أن تأتيه, فأبت, ووجهت له بتحف, منها ذلك الرمان. فجمع عبد الرحمن أصحابه. فلما نظروا إليها حنوا إلى الشام وبكوا. فأخذ سفر من حب ذلك الرمان وجعله في سبنية. فقال له عبد الرحمن: ما هذا؟ فقال له يا مولاي أغترسها في بلدي لعلها تعلق. فاغترسها فعلقت وكثرت في الأندلس, فنسبت إليه. ذكره ابن أبي الفياض, وابن مزين في تاريخهما. وقد وصف أحمد بن فرج الشاعر هذا الرمان في أبيات فقال:

163- سهل بن عثمان ابن أبي حبيب

ولابسة صدفا أحمر ... أتتك وقد ملئت جوهرا كأنك فاتح لطيف ... تضمن مرجانه الأحمرا حبوبا كمثل لثاث الحبيب ... رضابا إذا شئت أو منظرا وللسفر تعزى وما سافرت ... فتشكو النوى أو تقاسي السرى بلى فارقت أيكها ناعما ... لطيفا وأغصانها نضرا وجاءتك معتاضة إذا أتتك ... بأكرم من عودها عنصرا بعود ترى فيه ماء الندى ... ويورق من قبل أن يثمرا هدية من لو غدت نفسه ... هديته, ظنه قصرا ومنهم: 163- سهل بن عثمان ابن أبي حبيب من أهل سهيل من غرب مالقة. كان إمام المسجد المنسوب لبني أبي زيد. وكان الحكم عند وصوله إلى مالقة قد وجه أحمد بن فارس من عنده إلى سهل ليعرف مطلع الكوكب المسمى سهيل, فوصل واستفهم عند سهل بن عثمان المذكور, وحسن بن محمد. فوصفا له وصفه, ووقت طلوعه. فرجع على أنه ليس ذلك الكوكب المعروف. قلت: والمحققون لتلك الصنعة يزعمون أنه هو. ومنهم: 164- سعيد بن محمد بن سيد أبيه بن مسعود الأموي البلدي من أهل بلدة, من عمل رية يكنى أيا عثمان. رحل على المشرق سنة خمسين وثلاثمائة, وحج سنة إحدى وخمسين. ولقي أبا بكر الآجري وقرأ عليه جملة من تواليفه, وأبا الحسن محمد بن نافع الخزاعي وقرأ عليه فضائل الكعبة من تأليفه. وأقام بمكة نحو العام وسمع بمصر من أبي بكر ابن أبي طيبة, والحسن بن

رشيق ومحمد بن القاسم بن شعبان وحمزة بن محمد وغيرهم. وقال سكنت مصر نحوا من سبعة أعوام. ولقي بالقيروان علي بن مسرور, وأبا العباس بن تميم بن محمد وغيرهما. وكان رجلاً صالحا متبتلا متقشفا يلبس الصوف. وكان كثير الرباط والجهاد في الثغور. ومولده سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. ذكره ابن بشكوال.

حرف الشين

حرف الشين ومنهم 165- شاكر بن محمد بن الحسن بن محمد بن كامل الحضرمي يكنى أبا الحسين, ويعرف بابن الفخار, وهو خال الأستاذ أبي بكر بن دحمان. وكان أبو الحسين رحمه الله من جلة الطلبة ونبهائهم, كان ذكيا لوذعيا عالي الهمة شريف النفس كريما. وكان رحمه الله أديبا شاعرا. كان كثير الصحبة لأبي علي بن كسرى. نقلت من خط الفقيه أبي عمرو بن سالم قال: حدثنا أبو الحسين, قال: حضرنا بقرية ذكوان, ومعنا الكاتب أبو علي بن كسرى في موضع على أحد الأنهار بها, وفيه حيتان تسبح فقطعنا مادة الماء عنه حتى نضب, وبقيت الحيتان دون ماء, ثم نزلنا في وسط ذلك النهر نشرب فيه, فما رأيت منظرا أبدع منه وكان معنا فتى جميل. فقال أبو علي بن كسرى: شربنا مع الحيتان في يبس النهر ... وما كان يرجى ذاك في سالف الدهر فقال شاكر: فقال أبو علي بن كسرى: وما نقلنا فيه سوى نبت شطه ... وما فرشنا فيه سوى الرمل والصخر ولاحت به شمس الندامى بريهة ... فكان هو الثاني لمنفلق البحر قال شاكر: فقلت: فكيف ترى إقلاع صب متيم ... أتاه الهوى من حيث يدري ولا يدري

قال أبو عمرو: وسألت ابن كسرى عن قوله "فكان هو الثاني لمنفلق البحر", فقال: الموضع الذي انفلق فيه البحر لموسى بن عمران عليه السلام, لم تطلع عليه الشمس أكثر من تلك الساعة. وهذا الموضع لم يظهر فيه ذلك الفتى أكثر من الساعة, وكأنه الشمس في حسنه. قال أبو عمرو: ومررنا في هذه السفرة مع أبي الحسين المذكور, ومعنا صاحبنا أبو شهاب المشعلاني, فأخذ في يده نوارا كان معنا, وقال: ليقل كل واحد منكم فيه فقال أبو شهاب: لنورك يا خابور بوركت منة ... على الصحب لا تفنى على قدم الدهر فقال أبو الحسين شاكر: ظفرت بلثم من بنان معذبي ... فجئت ذكي النشر منتخب العطر قال أبو عمرو: فقلت أنا: سرت لك من أنفاسه طيب نكهة ... فجرر بها أذيال فخر على الزهر ونقلت من خط خالي رحمه الله عليه, قال: أنشدني الأستاذ أبو بكر بن دحمان لخاله الوزير أبي الحسين شاكر, يعني المتقدم الذكر, فقال: أبت همتي تعلو معالي آمالي ... فيسلو هواها القلب حالا على حال إذا قلت هذا صاحب قد رضيته ... بدا منه بغض في صفات وأفعال فأبت لحال أكد النفي نعتها ... وفي آل عباس عطفت على الحال ففيهم فتى أروى أوامي بعد ما ... عمدت زمانا أمتري وضح الآل لقد آن أن يبكي على الحق أهله ... وأن تمتري أخلاق حزين وأوجال وأنشدني خالي رحمة الله عليه, قال أنشدني الأستاذ أبو بكر بن دحمان ليوسف بن حمدان اليهودي لعنه الله, وذكر أنه كتب لها إلى خاله أبي الحسين شاكر بن الفخار: أبا الحسين أتاكم يشتكي ظمأ ... ضيف عليل غدت في الراح راحته فابعث غليه بها صهباء نارية ... تلفت منها بنور الشمس راحته فقال أبو الحسين أبياتا أولها:

166- شهيد بن محمد بن شهيد المضري

أتاك نضو طليح الجسم مهتضم ... فما تماسك أن رثت ملاحته شهم أبر على الأقران ملتمسا ... قرنا مشيحا بما تفي إشاحته قال الأستاذ أبو بكر بن دحمان: وبعد هذين البيتين يدعوه فيها إلى الإسلام, وأن يجيبه على هذه القافية, خرجت عني. وآخرها: وأي عذر لمن يضيع فكرته ... تلتف منها بنور الشمس راحته وأدبه رحمه الله كثير. قال أبو عمرو: كان حسن العشرة, ممتع الحديث, كثير الكف عن إذاية الناس. وتوفي بإشبيلية. وكان قد حمل مكبولا مع من حمل من مالقة عند كائنة الجزيري لعنه الله. فمن الله عليهم وأبرأهم من تلك الكائنة. فأصابه لذلك وهم. وكان سبب موته في سنة ست وثمانين وخمسمائة. ومنهم: 166- شهيد بن محمد بن شهيد المضري يكنى أبا الحسن, وهو من بيت حسب وعلم. وأصله من سرقسطة. وكان والده عالما من أعلام غرناطة, مشاراً إليه فيها. وكان أبو الحسن هذا معتنيا بصنعة العمل. تولى خطة الإشراف غير مرة. وله تأليف سماه بالمرشد, جمع فيه فنوناً من علم الحساب والفرائض وصنعه الزمام, ومساحة الأرض من علم الفلك. وهو كتاب لم يوضع في فنه مثله فيما أعلم. وأبو الحسن هذا هو جد الحاج أبي بكر بن زنون وإخوته لأمهم. وكان موصوفا بدين وكرم. قال صاحبنا الفقيه الأجل أبو بكر ابن الفقيه الأستاذ أبي محمد القرطبي. حدثني خالي أبو بكر بن زنون أن أبا الحسن كان يذكر خطته ويرى ما حرمه من مرتبة أسلافه, فيبكي ويقول: أراد أبي أن أكون عالما, فكنت ظالما. ولم يكن رحمه الله موصوفا بظلم, وإنما كان يقول ذلك استصغارا لنفسه, وخوفاً, رحمه الله. وتوفي في حدود السبعين وخمسمائة.

حرف الهاء

حرف الهاء ومنهم: 167- هشام بن عبد الله بن أصبغ بن أحمد ابن أبي العباس يكنى أبا الوليد, وهو جد الفقيه الأديب أبي العباس أصبغ. وكان رحمه الله جليل المقدار, فقيها نبيها حسيا, كاتبا بليغا شاعرا مجيدا. وصفه حفيده في كتابه فقال فيه: ناظم ناثر, وحامل علوم ومآثر, وخطيب محافل ومنابر. فرعت رواسي البدائع قدمه, وأزرى بآيات الشمس فهمه, وقصر بوشيج السمر قلمه. كتب يوما إلى القاضي ابن أدهم يشفع في شخص أن يجعله إمام البادية: يا سيدي الأعلى وعلقي الأغلى ومعضدي الأوفى, لا زال جانبك يحاط ويعفى, ويكلأ ويكفى, الفقيه أبو محمد الذكواني, دعاه إليكم من وطنه قدر يستفز ويستخف, وأمل يند ويرف, وأيكة لعل غضارتها لا تجف. وهذا أمر لله مقدوره, واقفا عليه أني تم صدوره. وقد أرشده الرواد إليك, وعقدت آماله عليك. وطريقته نزيهة, ومكانته بالتصاون وجيهة. ولعله يصادف كرامة منجد, وإمامة مسجد, فيحط الرحل ويلقي عصا التسيار, ويستند إلى كرم الجوار, ويستبدل جيرانا بجوار, ودار بدار. لا زلت تعقد أملا, وتكشف وجلا, وتجمع أشتات البر كملا, إن شاء الله تعالى والسلام. ومن شعره يمدح باديس بن حبوس:

تمسك أيها المولى بحزم ... فأنت الحارس البطل النجيد وصل بالله صبرك تلق خيرا ... فغب الصبر مغتبط حميد وكم من معشر قلوا دفاعا ... وما جبنوا وإن كثر العديد ومنها: بعيد أن يحل الله عقدا ... تملك فيه للدنيا عقود مظفر دولة برضاة قامت ... به الدنيا ونحن بها قعود رأى حق الخلافة جد حق ... فأقبل من رضاها يستزيد وكان لها قديما سيف نصر ... تقد من الكماة به القدود ومنها: يرون الموت في الهيجا حياة ... كأن فناءهم فيها خلود دنا باديس منها في جنود ... ملائكة السماء له جنود أتى في غير يوم العيد فينا ... فكان لنا بذاك اليوم عيد فأعلنت الطبول به ثناء ... وماجت في مفاخره البنود لملكك في بلقين حسام ... حديد الحد رد به الحسود كذاك بنو مناد منذ كانوا ... سيوف ليس تحملها الغمود حللت محل مالقة بسعد ... تحل به الضغائن والحقود فأحييت النفوس به بفضل ... به شكر المهيمن يستزيد ليهنك يا مظفر نيل ملك ... حباك ببره البر الودود فلا عريت منه ودمت فينا ... تبيد الحادثات ولا تبيد وشعره رحمه الله كثير, وأدبه مشهور. وسأذكر له قطعة في باب يحيى إن شاء الله. ومنهم:

168- هشام بن فلان الدعي

168- هشام بن فلان الدعي هو الذي ادعى أنه هشام المؤيد أمير المؤمنين. وتسمى هشام الدعي, المؤيد. وكان سبب ذلك خفاء أمير المؤمنين بقرطبة, فإنه لما قام عليه ابن عمه محمد بن عبد الجبار المتلقب بالمهدي, ورأي أن الأمر قد تم له بقرطبة وأن الخلافة باسمه, وكان المؤيد معه في القصر, أخرجه وأسكنه في دار الحسن بن يحيى, وأظهر للناس ميتا يقال إنه كان نصرانيا, وكان يشبه المؤيد هشاما, ومات النصراني, فمثله للناس وموه عليهم, وأدخل الوزراء وأهل الخدمة عليه فلم يشكو أنه المؤيد. فغسل وكفن, وصلي عليه. ثم إنه أظهره بعد ذلك حين غلب سليمان بن الحكم, ودخل قرطبة وقتل هشاما المؤيد على ما ذكره ابن حيان وصححه. وقال ابن أبي الفياض وغيره: إنه لم يقتله وإن الفتيان الذين شهدوا لعلي بن حمود بموته, إنما كان ذلك خوفاً منه, حتى إن عبد الرحمن المقرئ, وكان من شيوخ قرطبة, قال: كنت حاضرا, فلما رأيتهم قد صححوا موت المؤيد, خرجت باكيا, فلقيني الفتى الذي شهد بذلك, فقال لي: وما يبكيك؟ فقلت: موت المؤيد. فقال لي: والله إنه لحي, وإني لأعلم الناس بحياته وبحيث هو, وإنما شهدت بما رأيت خوفا على نفسي. هكذا ذكر ابن أبي الفياض وصححه. فعند ذلك ظهر هشام الذي ادعى انه المؤيد, ونزل بمالقة, ومنها انتقل إلى المرية. وكان نزوله في سنة خمس وعشرين وأربعمائة. قال المظفري في كتابه: إن خيران العامري بينما هو في المرية, إذ أتاه قوم فقالوا له: هشام المؤيد أقبل من المشرق, وهوب رابطة عمر. وأعلم بصفته وحاله, فأعطاه شيئا, وأخرجه من بلده. ومشى إلى غافق. فلما أجمع ابن عباد على خلع طاعة العلويين, أرسل عنه القاضي وأدخله القصر وبايعه أهل البلد قال ابن حمادة في تاريخه: إنما كانت مخاطبة يحيى المعتلي باديس بن حبوس, والبزالي, لما بلغه أنهم بايعوا الدعي الذي ادعى أنه المؤيد هشام. قال: وقال ابن أبي الفياض: زهر هشام بألمرية في يوم الاثنين لسبع خلون من

رمضان المعظم سنة خمس وعشرين وأربعمائة, في أيام زهير بن محمد العامري, حين موت خيران. وهو الصحيح. فأخرجه زهير في البحر سنة ست وعشرين. وبويع له بقرطبة خوفا من يحيى بن علي أن لا يرجع إليهم. فبايعوا هشاما الدعي على أن خلعوه بالجامع. هكذا ذكره ابن حمادة في تاريخه, وصححه. قلت: وهشام هذا اضطربت أقوال المؤرخين فيه, والصحيح عندي أنه الدعي على ما يتبين بعد هذا إن شار الله تعالى. وأما ابن أبي الفياض فإنما صحح أنه المؤيد أمير المؤمنين هشام لأنه قال في ترجمته في كتابه: ذكر خلافة المؤيد بالله هشام بإشبيلية بالدولة الثانية. فهذا يدل على أنه ليس عنده هو الدعي. وقال: بويع بقرطبة بعد أن وصلت كتبه إليها, وأخذت له البيعة فيها, وصحح أنه كان بالمشرق. وقال في كتابه: وبقي هشام بقلعة رباح, وخرج عنها إلى إشبيلية. وأجمع بنو عباد مع القاضي محمد بن إسماعيل على القيام به والإحياء لدولته. فهذا يدل على تصحيحه أنه المؤيد هشام, وليس بالدعي. وقد صحح ابن حمادة وغيره من المؤرخين أنه هشام الدعي وأنه هو الذي بايعه ابن عباد وقد ذكر ابن حيان أن سليمان ن الحكم قتل المؤيد أمير المؤمنين, فلا يصح أن يكون الذي قام هـ ابن عباد إلا هشام ادعي. وعلى قول المظفري إن خيران هو الذي أخرجه, لا يصح أيضاً أن يكون المؤيد, لأن خيران كان أحب الناس في المؤيد بالله, وأرغبهم في دولته والقيام بأمره. وعلي ذلك خالف على ابن حمود, وكان بينهما ما ذكره أهل التاريخ, إذ لم يجد خيران المؤيد في القصر, وكان كثيرا ما يسأل عنه, وعقد الولاية لعلي بن حمود على طاعة المؤيد. وكان يدعو بعد فقده في المنابر باسمه على ما ذكر هشام في تاريخه وغيره. فكيف كان يجده ويخرجه عنه, مع طلبه له, وحبه فيه وفي دولته. فإنما صح عنده, أنه الدعي.

وكان الدعي أشبه النسا بالمؤيد بالله. وحدثني بعض من أثق به, أنه رأى في أحد التواريخ, أن هشاما الدعي لما وصل على ألمرية دخل في فندق بها, فرآه الناس فقالوا: هذا أمير المؤمنين المؤيد, للشبه الذي كان بينهما, فسألوه, فقال: إنما أنا هشام مالقي. فتأولوا ذلك وقالوا: إنما أراد: هشام ما لقي, أي ما لقي من قومه وما فعلوا به, فقوي عندهم أنه المؤيد. فلما رأى خيران ذلك أخرجه عن ألمرية, لعلمه أنه ليس بالمؤيد. قلت: ومما يقوي أنه الدعي أن المؤرخين قد ذكروا أن المؤيد بالله بويع سنة ست وخمسين وثلاثمائة, وهو ابن عشرين سنة وثلاثة أشهر, وقيل: عشرة أشهر. وأنه مات وهو ابن ست وأربعين سنة وثلاثة أشهر, وقيل عشرة أيام أو ثلاثة عشر يوما. فهذا يقتضي أن تكون وفاته سنة اثنين وأربعمائة أو نحوها. وهشام الذي بايعه القاضي ابن عباد سنة ست وثلاثين وأربعمائة, فكيف يصح أن يكون المؤيد بالله أمير المؤمنين. قال بعض المؤرخين: من أشنع ما كان في أيام بني حمود أربعة خلفاء في مسيرة ثلاثة أيام, كلهم يسمى بأمير المؤمنين, ويخطب لهم بها في زمن واحد, وهم: المدعي أنه هشام المؤيد بإشبيلية يخطب له ابن عباد, ومحمد بن القاسم بن حمود بالجزيرة, ومحمد بن إدريس بن علي بمالقة, وإدريس بن يحيى بمبشتر. وكانت وفاة الدعي في نحو عام سبعة وثلاثين وأربعمائة.

حرف الياء

حرف الياء ومنهم: 169- يحيى بن علي بن حمود بن إدريس العلوي يسمى بالمعتلي. خاطبه البربر عند فرار عمه القاسم من قرطبة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة, فوصل إلى قرطبة غرة جمادى الأولى يوم الاثنين من عام اثني عشر. ثم إنه خرج في عام أربعة عشر على الجزيرة الخضراء فدخلها غدوة. ولما دخل قرطبة أساء إلى البربر, وخرج منها إلى مالقة, وخاطبوا بعد خروجه القاسم, فرجع غليهم إلى أن قاموا على عبد الله بن عبد الرحمن الناصر سنة ست عشرة, وانصرفت الدولة للعلويين, فخاطبوا يحيى بن علي المذكور بن علي المذكور. وفيه يقول إدريس بن اليماني الشاعر: قيل لي أنت أشعر الناس طرا ... بالمقالات والكلام البديه فعلا ما تركت مدحك يحيى ... والخصال التي تجمعن فيه قلت لا أكتفي بمدح إمام ... كان جبريل صاحبا لأبيه وكان أشجع بني حمود وأكرمهم وأجملهم. ثم إن أهل قرطبة تخاذلوا عليه, فأطلق النار في القصر, فاشتعلت فيه ثلاثة أيام, ولم يعد بعد لما كان. وانصرف إلى مالقة, وأقام عمه القاسم بها. وفي سنة ست وعشرين خاطب باديس بن حبوس الصنهاجي وعبد الله بن محمد البرزالي بالوصول إليه, فاعتذرا له, فنهض إلى قرمونة, ففر عبد الله أمامه, ودخل هو قرمونة. فقال له البربر: هذا رجل قد فر إلى إشبيلية, وهي لا تدخل إلا بالحصار, فلتجلس حتى تنقضي الصائفة وتنزل عليها. فقال لهم: أما أنا فلا أبرح حتى يفتح الله فيها. لكن انصرفوا وأنا مقيم حتى

170- يحيى بن ...

ترجعوا. فلما انصرفوا خاطب بعض رجال يحيى لأبي عبد الله, وقالوا له إنه في نفر قليل. فأكثر من الضرب عليه حتى ينصرف عنك. فخرج أبو عبد الله وإسماعيل ابن القاضي محمد بن عباد, فضربوا على قرمونة, وكان يحيى يشرب, فسمع الحركة, فقال ما هذا, قيل له: خيل طرقت من ابن عباد, فقال: جاءت الغنم للجازر. فربوا الفرس. فكلما راموا إمساكه بسبب سكره, لم يقدروا. فخرج والكمائن معدة لأخذه, ففروا من أمامه, وتبعهم. فلما بعد, انقضت الخيل عليه, فرأى ما لا طاقة له به, فقاتل حتى أثخنته الجراح, فوقع عن الفرس, وقطع رأسه, وذلك سنة سبع وعشرين وأربعمائة. ذكره ابن حمادة في تاريخه, وجمع قصته. ومنهم: 170- يحيى بن ... ومما قيد عن أبي زيد الفازازي رحمه الله قال: أنشدني صاحبنا الفقيه الأجل القاضي أبو إسحاق بن القصير أكرمه الله, قال: أنشدني الفقيه الكاتب أبو زيد لنفسه بيتا في الغيرة وهو: أغار عليك من غيري ومني ... ومنك ومن مكانك والزمان حدثني رحمه الله, قال: حدثنا الشيخ الزاهد أبو عمران بحمص, قال أنشدنا أبو إسحاق بن حبيش, قال: كنت قاعداً مع القاضي أبي بكر بن العربي في يوم جمعة بعد خروج الإمام للصلاة فإذا بفتى من أبناء الروم قد سلم وبيده شمعة وعقد. فلما رآه القاضي أبو بكر أنشد سريعا من قوله رحمه الله: وشمعة تحملها شمعة ... يكاد يطفئ نوره نورها لولا نهى نفسي نهى غيها ... لقبلته وأتت عارها

قال الشيخ أبو عمران: فلما أنشدني الحاج البيتين استعظمت ذلك في حق القاضي أبي بكر, وحق الموضع, وقلت, هلا اقتصر على النظم, ثم استغفر, ولكن هزته لوذعية الأدب. لو كنت أنا لقلت, ثم أنشد بديها: لولا الحياء وخوف الله يمنعني ... وأن يقال صبا موسى على كبره إذن لمتعت لحظي من محاسنه ... حتى أوفي لحظي الحق من نظره ثم قال مستغفراً من ذلك: أستغفر الله ربي ما هممت به ... ولا جرى منه لي ذكر على بالي غلا مقالة لغو, ما أردت بها ... إلا التطرف, لا وصف لأحوالي وهذا الفقيه ابن عمران هو من الفضلاء الزهاد مشهور الأدب. من شعره رحمه الله ما قاله عند تمام كتاب: كملت مقابلة الكتاب ونسخه ... فارحم به يا ربنا وبما حوى وارحم مؤلفه وكاتبه ومن ... قرأ الكتاب وسامعيه ومن روى وله في كتمان السر: يا ذا الذي أودعني سره ... لست لما أودعت بالذاكر نسيته لما تناسيته ... وصنته مني عن الخاطر وله في الخطاف: يا أحسن الطير تطريبا وترديدا ... أنستينا معبدا لحنا وتغريدا قد هاج لي طربا صوت تردده ... لا بم يعدله عندي ولا عودا جزاك ربي عني كل صالحة ... أنست موحش قلب بات معمودا

171- يحيى الحمامي

وله أيضاً: أحبة الناس من لم يرزهم قوتا ... من يرزئ الناس كان ممقوتا وله في الخرشف: أتحفتني نفسي فداك خرشف ... غض الجنى عذب شهي المطعم أهديتني منها نهود كواعب ... أعزز بمهديها على وأكرم ضن الزمان بلمسها من غيرة ... فأتى بها في مثل جلد الشيهم وله في مدح الهر, نعم الجليس الهر, لا يخبر ولا يستخبر, ولا يبوح بسر, يحفظ سرك عليك, ولا ينقل عنك ولا إليك, كريم المؤانسة, سليم المجالسة, لا يهمز ولا يلمز ولا يغتاب, ولا صاحبه منه بمرتاب. يحفظه إذا ما نام, ويطرد عنه الهوام. منافعه كثيرة, ومؤونته يسيرة. فاقتصر عليه أنيسا, واتخذه جليسا, يسلم لك معه دينك ودنياك, إياك ن يفارق موضعك إياك, هو أنفع لك من كريم إخوانك, وأحرس من خدمك وأعوانك فنعم الجليس ونعم الأنيس ... ونعم المعد لدفع الأذى ونعم الضجيج لمستدفئ ... إذا كلب القر واستحوذا ومنهم: 171- يحيى الحمامي من أهل ربض التباين من مالقة. من نبهاء الطلبة. وكان أديبا كاتبا شاعرا. أنشدني الفقيه الأجل أبو جعفر الحمامي أكرمه الله, قال أنشدني أبو بكر لنفسه: أخضب الشيب بالحنا لأستره ... وتحت ثوبي ميت ليس يستتر إذا أردت وفاء للعهود به ... رأيت منه عوارا فيه يعتبر

172- يحيى بن مسعود بن فتحون المليلي

هلا اعتراه رقاد جف مدمعه ... وطالما كان منه الدمع والسهر ومنهم: 172- يحيى بن مسعود بن فتحون المليلي يكنى أبا بكر. من أهل مالقة من نبهائها وأدبائها. كان رحمه الله أديبا كاتبا شاعرا. نقلت من خط الفقيه أبي عمرو بن سالم, قال: أنشد أبو بكر لنفسه, وكتب بها للقاضي أبي عبد الله بن مطرف: سألت الغوث من لو قد أغاثا ... لأبدى من عزيمته انبعاثا وما أحببت استجديه شيئا ... ولكن أني ملكني تراثا ومثلك من يجهز حق كر ... ويلبسها الأساور والرعاثا وإن ملأ السماع لحاه يوما ... فإن الصقر يقتنص البغاثا وكتب له أيضاً: أطمأنينة أنام ويسري ... بها حربي وأنت عن ذاك جاز وينادي مبارز لي ظلوم ... هات لدنك في مكان البراز أترى, الاعتداء يصلح أم هل ... عن قليل تحركي واهتزازي أصعودا تنو المخاوف نحوي ... دونك اليوم منعتي واعتزازي فاجعلن بيننا بفضلك حجزا ... مثل ما بيننا وبين الحجاز ولئن لم أوصلن إلى الح ... ق فحق الوصول حلف المجاز وكتب إلى الوزير أبي علي غالب بن أحمد بن غالب: تضيق بالمطلوب والهارب ... أرض بها رحب على الطالب يغلب المغلوب في حقه ... يوماً إذا دل على غالب

مآثر تجمعها جمة ... تبعث قلب الحاسد العائب ومستثار رأيه صالح ... ينفع للحاضر والغائب وأفقه الناس وأدراهم ... وأقبل الناس على راغب وحيثما كان له صاحب ... تلق بما فيه على الصاحب فضامن منه لذي حاجة ... ألا يرى يرجع بالخائب ألا بعينيه فكن راصدا ... إلى مقيم في الذرى راتب ومن غدا محله أحمدا ... فليس لسؤدد بالغاصب أبا علي دمت في نعمة ... عميمة كالمطر الصائب ومن شعره وقد عمي: كل حسن عاد في العين سمج ... وتساوى غسق ذا وبلج خفيت أنباء دنيا عن عم ... بعد أن كان رأى الدنيا حجج ما يرى الأكمه من شيء سوى ... ظلم غود رمنها في لجج ليت شعري كيف لحاظ للفتى ... فقد اعتلت جسوم ومهج فكلوا أمري على خالقه ... فلعل الله يأتي بالفرج قصرت ستون عمري فانقضى ... ومضى جل زماني واندرج قال أبو عمرو بن سالم: كان هذا الرجل: يعني أبا بكر, حسن البديهة. وكان الأستاذ أبو عبد الله الحجاري يثني عليه ويقول: لم أر أسرع بديهة منه. والأبيات التي يتخلص له لا تقاس بغيرها في الحسن وسهولة اللفظ, رحمه الله. ومنهم:

173- يحيى بن الحسن بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن صفوان

173- يحيى بن الحسن بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن صفوان ابن عبد الرحمن بن يحيى بن مزدوغة بن محمد بن عبد الله بن دعامة بن عرار القيسي, يكنى أبا بكر. وهو الفقيه الأجل الوزير أبو بكر بن صفوان, مشهور الحسب, جليل المقدار, قديم الرياسة, معلوم المكان. يتصل نسبه بعرار المتقدم الذكر. وعرار هو الداخل في طالعة بلج. وقد تقدم ذكر والد أبي بكر في باب الحسن. ولم يزل عقب عرار يتمادى ويتصل, ويتوالى ولا ينفصل, إلى أن أعقب أبا بكر يحيى المذكور. وكان أكثرهم عدا, وأولهم جلالة ومجدا. انتظم به سلك فخارهم, وكملت به مكارم أخبارهم. فاق أهل زمانه سياسة ونباهة, وبرعهم عناية ووجاهة. كان رحمه الله أحسن الناس خلقا وأنداهم يدا وأشدهم تسرعا لقضاء الحوائج وأسرعهم إلى فعل الخير. وكان رحمه الله مقسم المال على الأصحاب والخدام, معظما عند الملوك والسادات, مشارا إليه, سني الهمة, ذا شارة حسنة, كثير الفضائل. حدثت أن بعض خدامه كان يتفقده في الجمع بحوت نفيس رغبة في وجاهته, وطلبا في عنايته به, إلى أن انقطع عنه ذلك الرجل مدة. فبينما هو جالس في بعض الأيام, وإذا بامرأة قد جاءت تشكو له بحالها, وأن عندها بنتا تحتاج إلى الزواج, وما لها بما تجهزها به, وعرفته أنها زوجة ذلك الرجل, وأنه قد مات. فقال لها: اقعدي حتى أخرج إليك, فمكث ساعة ثم خرج إليها بزمام في يده, ونحو من ثلاثين دينارا. فقال لها: يا هذه خذي هذه الدراهم, وأصلحي بها حال نفسك فشكرته. وترامت عليه تقبل يده. فقال لها: يا هذه, لا تشكريني على هذا, فإن تلك الدراهم من مال زوجك. فقالت له: يا مولاي, وكيف؟ فأخبرها أنه عندما كان زوجها يأتيه بذلك الحوت النفيس كان يعرضه على من يقدره له, ويقيد عند ذلك, حتى اجتمع في الحوت وغيره من الهدايا ذلك العدد, فدفعه

إليها, وقال لها: إذا كانت الصبية للزواج, فجهازها عندي. فكان الأمر كذلك. وهذا غاية في الفضيلة والكرم. ومكارمه وإحسانه أكثر من هذا. وبقي رحمه الله ببلده مالقة. فلما كان في أيام الأمير أبي محمد عبد الواحد المخلوع حمل بيعة مالقة. ولقي الوزير الأجل أبو بكر يحيى منه من القبول والإكرام ما رقى درجته, ورفعه وأظهر العناية عليه. ثم وصل خبره أنه مات بأحواز مربلة, ووصل إليها ابنه أبو جعفر, فأخبر أنه مات بعد هدء من الليل ليلة يوم الاثنين الثامن عشر من رجب الفرد من عام إحدى وعشرين وستمائة. وأوصله ولده المذكور. والله يجدد عليه الرحمة بمنه. ورثاه رحمه الله جملة من الشعراء. وممن رثاه خالي رحمه الله عليه بهذا الرثاء: أما الحمام فمحتوم ومقدور ... فالصبر أولى, ومن ينفث فمصدور دع عنك زخرف عيش لا بقاء له ... كأنه فوق ظهر الماء تصوير واخلع ثياب الأماني فهي كاذبة ... دنوها وإن امتد المدى. زور لا يترك الموت ذا عز لعزته ... ولا الذي هو مذلول ومحقور سيان للموت: آساد وغيد فلا ... وذو التواضع منا والجبابير من لم يصبه إذا وافاه بعد غد ... فما يفيدك تقديم وتأخير دع التعمق في فعل وفي كلم ... فذو البلاغة عند الموت محصور والموت لا يعرف الإعراب عامله ... فيستوي فيه مرفوع ومجرور سلا خبيرا بهذا الدهر إن له ... عجائبا هي للألباب تذكير واستنطقا أثر الماضي ففيه, وإن ... لم يسطع النطق, تعريف وتعبير فهل عدا الموت عادا عند ما كثروا ... فلم تفد قوة فيهم وتكثير وعن ثماد ثمود هل تحينها ... من حادث الدهر تعطيل وتعذير

واذكر أخا الحضر إذا أمسى بقنته ... فما تصبح إلا وهو مشحود وسل معافر إذ طالت سنوه أما ... إذا بترب المنايا وهو معفور واستفهما لبدا عن طول مدته ... أخلدته فأمسى وهو منظور وعن ربيع وما يغشاه من مطر ... ومن رياح أسفته الدهارير وعن لبيد وقد أبدى السآمة من ... طول الحياة, ألم يلحقه تغيير وعن جديس وطسم كم تطمس من ... آثارها فهي إن أبصرتها بور وعن معد وما عدوه من ولد ... له, أمنهم مع الأحياء مذكور كم قد أشادوه من قصر وكم عمروا ... فمنهم اليوم بطن الأرض معمور قد مات منهم لعمر الله منتجه ... إن الجميع بسهم الموت مقهور أعد أحاديث هذا الموت فهي لنا ... أنس, وهن لذي السلوان تكدير وهون الأمر, إن الموت من عظم ... معروفة في نفوس الأنس منثور فاذكر فقيداً أتتنا كل فادحة ... بفقده فنظام الأنس منثور وقابلتنا وجوه العيش فاسدة ... وأبصرتنا عيون للمها عور وأضرمت بلهيب الشوق واتقدت ... صدورنا فهي تشبيها تنانير وأرسلت سحب الأجفان أدمعها ... فكل خد بماء الدمع ممطور على الذي إن يطل وصف الرثاء له ... فإنما هو في التحقيق تقصير على المقدم في الأمر الجليل, له ... في المشكلات إذا أشكلن تصدير على الذي انتثرت شهب السماء له ... ودك في الأرض من أرزائه الطور على الصفي ابن صفوان ومن شرفت ... به اليراع بهاء والمحابير إيه أبا بكر الأعلى وكم طمعت ... نفسي بما لو تؤتيها المقادير ألف عنك قضيب المجد في كفن ... عليه كل حنوط الطيب مذرور ما كان أغناك عن هذا وذاك فمن ... ثناك ترب ومن رياك كافور قد أظلمت بعدك الآفاق من وله ... كأنما اتصلت فيها الدياجير

إذا ذكرت فأنفاس مصعدة ... كأن ذاكرك الملهوف مهجور من المؤمل, أنما ذو الدنى فله ... شغل وذو الدين في دنياه مقهور وكنت في ذين مضاء العزائم قد ... أصاب كل عسير منك تيسير ما كنت كالناس لكن إن يقل بشر ... ففضة قد حكاها اللون قزدير لو كان صفوك للماء القراح لما ... بدا بصفيحة للوراد تكدير أو كان عندك للسيف الحسام لما ... بدا به من قراع الهند تأثير أو كان جودك في زهر الرياض لما ... حمى جنى الورد من شوك سنانير بنى لك الله بين الخلق منزلة ... لها العلاء أساس والتقى سور يا مخلصا وضع الله القبول له ... حتى استوى منه منهي ومأمور لو بعض حبك بين الخلق كلهم ... مقسم لم يكن في الناس مهجور ما زلت تحسن حتى في الممات فقد ... أصبحت والكل منا فيك مأجور أقمت بالعدوة القصوى وأنفسنا ... لها من الذعر تسبيح وتكبير حليف حصرين إما من سيوف عدى ... محصر, ومن الأمراض محصور وكل ذلك إن حققته عرض ... قد انقضى, وهو عند الله مذخور جرت ودائرة الأفلاك تحسرها ... في اليم تحملك الفلك المواخير ومن لها بك بدر لو تسير به ... لم يعقب الشمس في الأفلاك ديجور لو يعلم الفلك ما يحويه من كرم ... لم تستطع سيرة الفتخ الكواسير سلت عليك ضلوع منه فانتفضت ... حزنا, وفارق جنبيه الدساتير وقد بدا منه إشعار, فمن وله ... أنينه وهو عند الله تصوير وكنت مجتمع البحرين فاجتمعت ... ثلاثة هي في الأرض المشاهير فاثنان ماؤهما ملح لشاربه ... وثالث منه ماء المزن معصور عذب يفيض على العافي عوارفه ... درا, وكل نوال البحر منزور

إني أظنهما جارا به حسدا ... وكل ذي حسد مدحور كأن زورقه الجاري بصفحته ... جفن قد استل من إنسانه النور لما انحدرت إلى شط المجاز وقد ... تقدمتك التهامي والتباشير وهبت الريح طيبا عندما فصلت ... به الركائب في البيداء والعير فطار فينا سرور لو يخوض بنا ... في لجة البحر أضحى وهو معبور فمن مقيم, إلى لقياك مرتقب ... ومدلجين لهم جد وتشهير فبينما نحن في أنس وفي فرح ... والكل منا بقرب الدار مسرور وافى المصاب بباك وهو مبتسم ... وهائم منه في الضدين تفكير يبكي ويضحك لا عقل ينبهه ... كما تحرق دون القصد مخدور يا واصلا لم يصل والناس قد وصلوا ... كأنما هو طيف, زار, مذعور أستودع الله منك القبر أي فتى ... على الفضائل والآداب مفطور مبارك لو ينيل الترب سائله ... لعاد تبرأ تساويه الدنانير له من الجن تسخير يخلصه ... ومن تناوله الميمون إكسير حسيب ريه من قوم لهم شرف ... تزهى الدواوين منه والدفاتير سيوفهم فتحتها وهي مغلقة ... حتى اشتفى الدين منها وهو موتور قيس وما القيس إلا سادة نجب ... تزهى القبائل منهم والعشائير توارثوا المجد من جد إلى ولد ... يأتي أكابر إن مرت أكابير حتى أتيت أبا بكر قد اجتمعت ... لك الفضائل منهم والمآثير فرد تفتق عنه كل مكرمة ... كما تفتق في الروض الأزاهير يبكيك كل طريد الدار منتزح ... عن الأقارب أعيته المعاذير قد كان منك إلى ظل ومستند ... يأوي, ويعقبه, المعسور, ميسور يبكيك طالب حاجات معذرة ... له لبابك إدلاج وتهجير

فالآن يرجع لا ما رام أدركه ... منها فحبل رجاء الحاج مبتور إني لأبكيك عن خبر ومعرفة ... فأنت عندي معلوم ومخبور إن يؤثر الفضل في الأقوام عن فرق ... شتى, فعنك جميع الفضل مذخور أو يوصف الناس أفرادا بمكرمة ... فأنت بالكل موصوف ومشهور قد أقفرت أربع الإكرام منه وقد ... سفت عليها لأرواح البلى مور وعندما كان غصنا مثمرا كرما ... هبت عليه من البلوى أعصاير ومد في القبر لكن ... ... لأنه فيه حتى الحشر مقصور يا روضة باهر الأفضال ناب بها ... عن البهار وعن خيريها الخير تيهي على الدهر طول الدهر والتزمي ... إعظام أعظم من في الترب مقبور فقد تأنس سكان القبور به ... كما توحش من في الدور, والدور بين المعزين كاس الحزن دائرة ... فالناس مخمورة: سكرى ومخمور عزيت فيك لأن الناس قد علموا ... أني, إذا مت وجدا فيك, معذور زجوا عن الغمض منك الجفن وائتربوا ... فالكل منهم من الأرزاء موفور هذا شقيقك لا صبر يؤنسه ... كأنه لسماع الحزن مصدور وذا خليلك فوق الترب منعفر ... كأنه بسيوف الحتف معقور فيا بنيه اخلفوا فينا مراتبه ... فالزهر تجلو الدجا والبدر مستور ولتلزموا كل فعل كان يلزمه ... من المعالي فسيروا مثله سيروا حيى ضريحا حواه, كل منهمر ... ولا تعداه تقديس وتطهير وحل روضة خلد لا زوال لها ... تغدوا عليه بها الولدان والحور إن القلوب إليه الدهر مائلة ... وأعين الناس وجدا نحوه حور ولنقتصر بهذا الرثاء على ما رثي به الفقيه الوزير أبو بكر, ففيه كفاية, والحمد لله.

174- يوسف بن محمد بن عبد الله بن يحيى البلوى

ومنهم: 174- يوسف بن محمد بن عبد الله بن يحيى البلوى يكنى أبا الحجاج, وهو الفقيه الفاضل الزاهد الورع المحدث الأوحد أبو الحجاج ابن الحجاج ابن الشيخ, مشهور الفضل والدين والعلم. كان رحمه الله أحد من بقي من السلف الصالح. فضائله كثيرة, ومنزلته في الدين والعلم شهيرة. أخذ رحمه الله عن شيوخ جلة. ورحل إلى المشرق فأخذ عن أبي الطاهر السلفي, وأبي العباس السرقسطي, وعن العثماني, وغيرهم. وروى بالأندلس عن ابن عبيد الله, وابن قرقول, وغيرهما. وكان رحمه الله يؤم الناس بجامع مالقة. وله كرامات مشهورة, ومكاشفات وإجابة دعوات. فمن فضائله رضي الله عنه: الرؤيا اليت كان رآها المؤذن أبو جعفر المرسي في حقه, وذلك أن الفقيه أبا الحجاج رضي الله عنه كان يؤم في الجامع الكبير, ويؤذن في أحد أبوابه. وكان بالجامع إمام راتب غيره فكان الشيخ رضي الله عنه يبكر ويؤذن في الباب ويدخل للصلاة. فلما كان في بعض الأيام ربما طرأ عليه عذر أو غلبة النوم, فتأخر عن وقته, فانتظر حتى جاء, ثم جرى له ذلك في يوم آخر, كذلك نحو من ثلاثة أيام. فلما كان في اليوم الثالث أبطأ, فأقام المرسي الصلاة ولم ينتظره, فأتى وقد فاته بعض الصلاة, فلم يقل للمرسي شيئا. فلما كان الليل نام المرسي فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام, فعاتبه, وقال به: تأدب مع الشيخ وانتظره. فلما كان في صبح اليوم الثاني جاء الشيخ على عادته, فلما صلى ذهب المرسي ليخبره بما اتفق, فقال له الشيخ مبادرا. أظننت أنني ليس لي من ينصرني, ووصاه ألا يخبر بالرؤيا حتى يموت. وفضائله رحمه الله كثيرة, وهي أشهر من أن تذكر. وكان رحمه الله مع ذلك شاعراً. ومن شعره:

ألا يا ويح نفسي ما لها إذ ... ميل بها على الخيرات تأبى فمالي لا أتوب من الخطايا ... ويعجلني إذا ما الذئب تابا ومن شعره في الزهد: ولا بد أيضاً أن تسير على الفنا ... سوى الحق, إن حققت, إلا ملاهيا وتعلم ذا علم اليقين وبعد ذا ... فلست غلا غفولا ولاهيا وكان رحمه الله مولعا في شعره باللزوم. وله في ذلك: كل شعر بلا لزوم فسخل ... هو نسج سدى ونير ولحمه واللزوم مثال ثوب موشى ... بابيضاض واخضرار ولحمة ذاك ميت بغير روح وهذا ... هو حي يرى, وتسمع نحمه وله رحمه الله من الملح الأدبية ما يروق سماعه. من ذلك ما عارض به الحريري في أبياته المعكوسة, وهي هذه: أسما, هوانا حرفت ... تفرح إن أوهى مسا أسأت, من ململنا ... إن لم لم نمت أسى أسلمنا هذا فإذا ... ذاف أذاه انملسا اسق حشاك والعسا ... وساع لكاشح قسا استر تسن مآثرا ... رثاء من ستر تسا اسأل من منَّ ألا ... لأن من مل أسا

وكان بينه وبين أبي محمد عبد الوهاب مكاتبات وأشعار ومداعبات. فمن ذلك ما كتب به أبو الحجاج يستدعي منه نقل تين, وهي هذه: إلى من جل لي حالي ... وسؤلي أن يبقى لي أبو عيسى الصدوق الب ... ر في فعل وفي قال محب كل مكرمة ... لكل مذمة قال وحمال لأعباء ... إذا عنت, وأثقال أريد تفضلا منكم ... حزيمات من أنقال من التين الذي هو, يا ... عمادي, زين أحقال وما شيء بأحسن من ... هـ في حانوت بقال ألا فاسأل, ولا تسأل ... فديتك غير عقال فيا طربي أن أكله ... وأشبعن ثم يبقى لي ويا حرصي لأحرزه ... ويا جريي وإرقالي وهذي حاجة, خير ... لدي من ألف مثقال فأرسل إليه خبرا أنه لم يجدها. فكتب أبو الحجاج رحمة الله عليهما إليه بهذه: خليلي هبك لم تقض ... بإرسال النقيلات ولم يسمح بها قدر ... فأين جواب أبياتي أليس جوابها فرضا ... لدى أهل المروآت ويعلم سيدي فرحي ... بشعركم إذا ياتي وكان الفقيه أبو الحجاج قد اشترى كرما فغاب عن أبي محمد عبد الوهاب, فكتب إليه:

أصلحك الله مذ بدا الكرم ... أعرضت عنا وما لنا جرم بنت العناقيد وحدها حرمت ... ما لأب فيما علمته حرم فكتب إليه أبو الحجاج: (منسرح) والله ما كان ذاك من خلقي ... وإن تشاحل فهذه جرم كم كلفتني سويقة فأتى ... منه الحلال الكثير لا الحرم وله رحمه الله يتزهد: لا بد للإنسان من رقدة ... في القبر يوما مرغما أنفه ليس له أنس به غير ما ... تنشره من عمل صحفه وكان ذا إلف ولم يغنه ... أول من أسلمه إلفه يا أيها الزارع, كل امرئ ... يحصد ما تزرعه كفه فإن يكن خيرا ينل غبطة ... وإن يكن شرا يطل لهفه طوبى لمن تاب إلى ربه ... من قبل أن يأتيه حتفه وله وقد قدم للصلاة بالمسجد الجامع بمالقة: قدموني لظنهم بي أني ... في خير كما يقولن عني ولو استثبتوا وكشف حالي ... كان من ودني ينفر مني وبحق فإنني عبد سوء ... كل سوء فإنه من لدني يا إلهي يا عالما بذنوبي فاعف عني فإن ذلك ظني وأقل عثرتي وحقق رجائي ... إنك الله ذو حنان ومن ولما مشى إلى المشرق وصل إلى أبي الطاهر السلفي, فلم تتمكن له القراءة عليه لكثرة الواردين. فكتب إليه أبو الحجاج:

أيا من حل مني نور عيني ... ويا من حاز كل نقا وزين أنا مذ صرت عبدك زدت فخرا ... وزان بملككم نقصي وشيني أتيتكم لأقرأ أو لأروي ... قعدت لمنزلي صفر اليدين قريح القلب لم أظفر بشيء ... كأني لم أكن أهلا لذين يروح الناس عنك بكل خير ... وأرجع لابسا خفي حنين وما ذنبي سوى أني غريب ... وقومي حيل بينهم وبيني فلما دفعها له, ضحك لما قرأها, وقال له: اقرأ ما أحببت, وفي أي وقت شئت. ومن شعره: أقلل آمالا ولست بعارف ... أأبلغها أم يبلغ الموت قبلها وللمرء نفس لا تزال لحرصها ... تمنى وتهوي أن تبلغ سؤلها وليست تبالي من سفاهة رأيها ... أكان عليها ذلك الأمر أم لها وكتب يوماً على أبي علي بن كسرى: إذا سئلت من أسرى ... ونال للمجد أسرا فقل ولا تتوقف ... أبو علي بن كسر فحازهن اقتدارا ... كرها وقهرا وقسرا بأمرها والذي عن ... هـ سد مذ سد شرا والشعر أودعه الشع ... ريين والنجم نسرا تمكنا واقتدارا ... وعز نفسا وجسرا ودون ذلك بحر ... وليس يحسر حسرا فمن يرد منه شيئاً ... احتاج مرسى وجسرا

سألته شرح بيت ... أرهقته فيه عسرا فساق للحين والوق ... ت فيه شرحا وفسرا شيئا غريبا وقولا ... سهلا سدادا ويسرا حاشاه من أن ترى في ... ما قال لحنا وكسرا والأمر أعظم من ذا ... والمرء أعلى وأسرى يا بحر فهم وعلم ... يا بدر قد حزت سرا صيرت شعري تمرا ... وكان من قبل يسرا فبت آكل خبزي ... به واشرب بسرا شبعان أعمر بيتي ... ومنه ألزم كسرا لا أشتهي مع هذا ... طوقا شهيا ككسرى يا رب سبب ليسرى ... يا رب جنب لعسرى إياك نعبد لا نرتجي ... سواك عونا ويسرا كما خلقت الورى ثم ... منه شددت أسرا فلا ترى الكل منا ... أمراً, وإسرا وأسرا وصل بعد على أح ... مد الذي لك أسرى وكتب إليه أبو علي بن كسرى المذكور رحمة الله عليهما: مرامكم لا ينال ... كعثرة لا تقال وذاك شيء محال ... للسر منه مجال نرى لك الدهر مالا ... يسوغ منه نوال وأدبه رحمه الله وقدره مشهور. وقد وصفه الفقيه أبو الطاهر في كتابه فقال فيه: اشتغل بالطريقة أيام شبابه, وولج محل التودد من بابه, ثم إنه لازم الدين

وأصبح في زمانه علم المهتدين. فكم من بيت لله بناه, ورفع نحو السماء فناه. وكم من معطلة عمرها, وجنى بذلك الحسنات وثمرها, ومن عان بذل فيه وجهه وجداه, وبأبيه وأمه فداه. وأما التواليف فالتقصير ... ترجمة أولى, وهي مع نظرائها في الرتبة كالعبد والمولى. لم يشتغل بالطريقة حتى طاف بالحرم, فوقف بتلك المقامات والحرم. وتوفي رحمه الله يوم الثلاثاء بعد صلاة الظهر السادس من رمضان المعظم عام أربعة وستمائة.

§1/1