مطالع البدور ومنازل السرور

الغزولي

الباب الأول في تخير المكان المتخذ للبنيان

الباب الأول في تخير المكان المتخذ للبنيان قال أرسطاليس: أول الصناعات الضرورية الصيد، ثم البناء، ثم الفلاحة، وذلك لو أن رجلاً سقط في فلاة لا أنيس بها ولا زرع لم يكن همه إلا حفظ قوام نفسه بالغذاء، فليس يفكر إلا فيما يصيد، فإذا صاد واغتذا يفكر بعد ذلك إلا فيما يسكن فيه وهو البناء، فإذا تم له فكر حينئذ فيما يزرعه ويغرسه. وقال إبراهيم بن إسحاق المصعبي بمياء الملوك العمارة ولا يحسن بهم التجارة. وقال ابن كلدة جميع خصال الدار المستخسة أن تكون على طريق نافذ وماؤها يخرج منها وليس عليها مشترف وحدودها لها وتكون بين الماء والسوق ويصلح فناؤها لحط الرحال وبل الطين ووقوف الدواب وإن كان لها بابان فذاك أمثل وينبغي أن يكون أيضاً في طرف البلد لأن الأطراف منازل الأشراف. وقال البحتري، توفي سنة أربع وثمانين ومائتين: عجب الناس لاعتزالي وفي الأط ... راف تلفى منازل الأشراف وقعودي عن التلفت والأر ... ض لمثلي رحيبة الأكناف ليس عن ثروة بلغت مداها ... غير إني امرء كفاني مفافي قيل: وإنما كانت الأطراف منازل الأشراف لأنهم يتناولون ما يريدونه بالقدر ويصل إليهم من يريدهم بالحاجة إليهم. وقيل لرجل في أي موضع من القرآن الأطراف منازل الأشراف فقال قوله تعالى: {وجاء من أقصا المدينة رجلٌ يسعى يا قوم اتبعوا المرسلين} فهنا أشرفهم وكان ينزل أقصى المدينة. وقيل ليس في الأرض بخيل ولا جواد إذا ابتاع داراً إلا بنى فيها شيئاً وهدم شيئاً وإن قل لأن حاجته ومنافعه ومرافق المالك الأول لا يستويان، قال الجاحظ رأيت بخلاء في نهاية البخل يسرفون في الإنفاق على البنيان. وقال الحكماء لذة الطعام والشراب ساعة ولذة النوم يوم ولذة المرأة شهر ولذة البنيان دهر كلما نظرت إليه تجددت لذته في قلبك وحسنه في عينك. وقال ناصر بني أمية في مبانيه العظيمة بمدينة الزهراء بالأندلس: هم الملوك إذا أرادوا ذكرها ... من بعدهم فبألسن البنيان إن البناء إذا تعاظم شأنه ... أضحى يدل على عظيم الشان ولما دخل الرشيد إلى منبج قال لعبد الملك بن صالح الهاشمي وكان لسان بني العباس هذا البلد مقر لك، فقال يا أمير المؤمنين هو لك ولي بك، قال كيف منازلك به، قال دون أهلي وفوق منازل غيرهم، قال وكيف صفة مدينتك، قال عذبة الماء طيبة الهواء قليلة الأدواء، قال كيف ليلها قال سحر كله وهي تربة حمراء وسنبلة صفراء وشجرة خضراء وفياف فيح بين قيصوم وشيح، فقال الرشيد والله هذا الكلام أحسن منها. ولما بنى عيسى بن جعفر قصره بالرصافة دخل إليه عبد الصمد فقال بنيت أجل بناء بأطيب فناء وأوسع فضاء على أحسن بهاء بين صحار وحيتان وضباء، فقال كلامك أحسن من بنائها. وكان ابن جعفر بن سليمان الهاشمي يقول العراق عين الدنيا والبصرة عين العراق والمربد عين البصرة وداري عين المربد. وقال بعض أهل التجربة إذا ابتنى أحدكم داراً فليترك في واجهتها ثلمة تقيها شر عين الكمال. قلت: ولا بأس بإيراد نبذة مما يتعلق بكرى الدار. فمن ذلك ما حكى أن رجلاً دخل حجرة يكتريها فقال أين المطبخ فقل له في الجيران من يطبخ لك ويكفيك المؤنة، فقال أين المخبز فقيل إذا اختمر العجين خبزوا لك أيضاً، قال فبيت الخلاء فقيل بالقرب خربة تقضي فيها الحاجة، قال فالسطح فقيل على الباب ساحة يطيب فيها النوم في الصيف، قال فأنا في دار وما أعلم بروحي فأستمر ما أنا فيه وأربح الأجرة. وقال الحكيم بن سعيد قال لي ملك بسرنديب صف لي معايش أهل البصرة فقلت قوم منهم لهم فضول منازل يكرونها وقوم لهم أرقاء يستعملونها وقوم لهم رءوس أموال يغدون إلى أسواقهم فيأكلون فضولها وقوم لهم نخيل يأكلون ثمارها فقال من كان معاشه من كرى فلئام الناس ومن استعمل الأرقاء فكلاب الناس والين يغدون إلى أسواقهم فذئاب الناس ولكن أصحاب النخل، وقال بعضهم: قد رضينا من الزمان بقوت ... وثبوت ومسكن لا زيادة ورضينا من الإله بما ير ... ضى ومن غيره تركنا الإرادة غير أنا نروم خاتمة الخيـ ... ـر فإن يسرت فتلك السعادة

الباب الثاني في أحكام وضعه وسعة بنائه وبقاء الشرف والذكر ببقائه

لطيفة: ذكرها الحريري في كتابه الموسوم بتوشيح البيان أن أحمد بن المعدل كان يجد بأخيه عبد الصمد وجداً شديداً على تباين طريقتهما لأن أحمد كان صواماً قواماً وكان عبد الصمد سكيراً خميراً وكانا يسكنان داراً واحدة ينزل أحمد في غرفة أعلاها وعبد الصمد أسفلها فدعا عبد الصمد ذات ليلة جماعة من ندمائه وأخذ في القصف واللات والعزف حتى منعوا أحمد الورد ونغصوا عليه التهجد فاطلع عليهم وقال: {أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض} فرفع عبد الصمد رأسه وقال: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} . قلت: وعلى ذكر الغرفة فا ألطف ما ذكره علاء الدين الوداعي في تذكرته قال: رأيت مكتوباً على غرفة يصعد منها إلى سطح قبة الصخرة المقدسة قوله تعالى: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً} فعجبت من اتفاقها وكأني لم أسمعها، ورأيت أيضاً في طاقة زجاج بقبر طالوت عليه السلام بسفح قاسيون قوله تعالى: {الله نور السموات والأرض} وهذا من عجيب ما يكتب على طاقة زجاج. نادرة: كان بعضم في دار بكري فقال لصاحبها اعمر لي السقف فإنه يفرقع إذا مشينا عليه فقال لا بأس عليك فإنه يسبح الله، فقال أخشى أن تدركه الرقة فيسجد. وطلب بعضهم داراً للكرى فدلوه على دار فدخل غيرها فوجد واحداً ينيك أمرد فاستحى وقال هل عندكم دار للكرى فقال له ما أحمقك نحن من الضيق بعضنا على بعض. كان بعض النحويين له مال كثير وليس له سكن يأوي إليه فقيل ابن بيتاً، فقال والله لا بنيت ما اتفق النحويون على إعرابه. ومما قاله المرحوم القاضي فتح الدين بن الشهيد الذي كان مولده بالرملة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وقد توفي مقتولاً بالقاهرة سنة ثلاث وتسعين سبعمائة وكتبه على عمارة له: بنيت على وقف المكارم والعلى ... فللفتح أبوابي وصدري للضم سناالملك يبدو في موشح زينتي ... ومن أجل ذدار الطراز على كمي ومما كتبه على الرفرف قوله: رفعت كماشا الترفه رفرفاً ... أزين سمائي بل أزين سماحي فلا بدع أن الناس يهوون بهجتي ... ويمشون في ظلي وتحت جناحي الباب الثاني في أحكام وضعه وسعة بنائه وبقاء الشرف والذكر ببقائه وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما بلغه أن سعداً وأصحابه بنوا بالمدر كتب: أكره لكم البنيان بالمدر فإذا فعلتم فعرِّضوا الحيطان وأطيلو السُّمك وقاربوا بين الخشب. ولما بنى معاوية داره بدمشق باللبن دخلها وفد من الروم فقالوا ما أحسن ما بناها للعصافير فهدمها وبناها بالحجر. ورأى بعضهم رجلاً قد بنى حائطاً بالحجر وهو يبيضه فقال هذا يستر الذهب بالفضة. وحكى أن يحيى بن خالد كان جالساً للقصص فرفعت إليه قصة متظلم من بعض عماله فقربه وسأله عن ظلامته، فقال له إن عاملك فلاناً ظلمني وأخذ مالي واغتصب صنيعتي وهدم شرفي، فقال له فهمت جميع ما ذكرته إلا قولك هدم شرفي فما معناه، فقال له أنا من أبناء فارس كانت لي ضيعة وبالقرب منها قصر على الطريق فيه سقاية ينزلها الناس ويسقون منها ويذكرون بانيها ويترحمون عليه فغصبني الضيعة وهدم القصر فأمر يحيى بالكتابة إلى العامل أن ترد عليه ضيعته وجميع ما أخذته منه وتبني القصر حتى ترده على هيئته كما كان، وقال لبنيه ابنوا فإذن الذكر والشرف باقيان ببقاء البنيان. وقيل لأبي الدهمان أين دارك؟ فقال إذا دخلت سكة بني العنبر فالدار التي تدل على شرف أهلها داري. وعلى ذكر السؤال ما أحسن ما ذكره ابن رشيق في الأنموذج أن عبد الرحمن بن محمد الفراسي جلس مع بعض شيوخ يونس وكان الشيخ نهاية في المجون فاجتاز بهم رجلاً يسأل عن دار ابن عبدون فأقبل الشيخ عليه فقال هي في تلك الرابعة حيث يقوم أيرك فقال الفراسي لأنظمنه، فما رأيت مثل هذا المعنى، وأنشد من وقته: إن شئت أن تعرف عن صحة ... داري التي تعزى لعبدونه فامش فإن أيرك أبصرته ... قام فإن الباب من دونه وقد عكس الشيخ صلاح الدين الصفدي (ومولده سنة أربع وتسعين وستمائة ووفاته سنة أربع وستين وسبعمائة) هذا المعنى فقال: أقول لمن يسائل عن محلي ... تقدم وامش من خلف السواري ومر فحيثما تلقى حكاكاً+بسرمك لا تعد فثم داري

الباب الثالث في اختيار الجار والصبر على أذاه وحسن الجوار

رجع: خرّج الخطيب الحافظ أبو بكر في تاريخه قال لما بنى المهدي قصره بالرصافة دخل يطوف فيه ومعه أبو البحتري وهب بن وهب بن وهب فقال له هل تروي في هذا شيئاً؟ قال نعم حدثني جعفر بن محمد عن ابنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير صحونكم ما سافرت فيه أبصاركم". وقال المأمون يوماً لجلسائه أتدرون من أهنى الناس عيشاً، فقالوا أمير المؤمنين فال لا قالوا فأمير المؤمنين أعلم، فقال أهنى الناس عيشاً رجل له دار قوراء وامرأة حسناء وكفاف من العيش لا يعرفنا ولا نعرفه. قال سلمة الأحمر دخلت على الرشيد فيقصره الذي بناه فقلت: أما بيوتك في الدنيا فواسعة ... فليت قبرك بعد الموت يتسع فجعل يبكي وقيل: أن خالد بن الوليد رضي الله عنه شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضيق مسكنه، فقال: ارفع البناء وسل الله السعة. وقال يحيى بن خالد لابنه جعفر وقد همّ ببناء دار استوسع فإن الهمة في السعة. سئل بعضهم ما الغنى فقال سعة البيوت ودوام القوت. وقال بعضهم طيب المساكن بثلاثة: سعة الصحن، وخرير الماء، وشيء من الخضرة. (يحيى بن خالد) الدنيا ثمانية: الطعام الطيب، والماء البارد، والثوب اللين، والفراش الوطي، والدار الواسعة، والمرأة الموافقة، والخادم الفارة، والقدرة على الأخوان بالإحسان. وكان يقال جنة الرجل داره. وذكر الأحنف الدور فقال: ليكن أول ما يشترى وآخر ما يباع. وقال يحيى لبعضهم ما السرور فقال: دار قوراء وامرأة حسناء وفرس مرتبط بالفناء وينشد: ومن المروة للفتى ... ما عاش دار فآخره فما قنع من الدنيا بها ... واعمل لدار الآخرة وكان يقال: دار الرجل عيشه. قال السلامي في كتابه نتف الطرف الدور للناس الأعشة للطير والأوجرة للوحش والحجرة للحشرات فدار الرجل حال نفسه وموضع أمنه ومسكن قلبه ومجمع أهله ومحرز ملكه ومأنس ضيفه وملتقى صديقه وعدوه ولا شيء أصعب على الناس من الخروج من ديارهم. وقد قرن الله سبحانه وتعالى الخروج منها بالقتل حيث قال: {ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلٌ منهم} وقال أحد الأشراف لابنه: يا نبي أحسن أثرك في هذه الدنيا بالبناء الحسن واسمع قول الشاعر: ليس الفتى بالذي لا يستضاء به ... ولا يكون له في الأرض آثار ولا تنس قول الآخر إن آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار ومن أحسن ما قيل في بناء الملوك قول علي بن الجمهم المتوفي سنة تسع وأربعين ومائتين: وما زلت أسمع أن الملو ... ك تبني على قدر أخطارها فلما رأيت بناء الإما ... م رأيت الخلافة في دارها حكي أن أبا العيناء دخل على المتوكل فيقصره فقال له: كيف ترى دارنا هذه؟ فقال الناس بنوا دورهم في الدنيا وأنت بنيت لدنيا في دارك. أخذه اليزيدي فقال: لما بنا الناس في دنياك دورهم ... بنيت في دارك الغراء دنياها فلو رضيت مكان البسط أعيننا ... لم يبق عين لنا إلا فرشناها الباب الثالث في اختيار الجار والصبر على أذاه وحسن الجوار وقيل الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق، وقيل لبعضهم أين معك في القرآن الجار قبل الدار، فقال قوله تعالى: {رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة} وقال صلى الله عليه وسلم: "من أشراط الساعة سوء الجار نعوذ بالله من ثلاث هن القوافر: إمام السوء إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر، ومن جار السوء إن رأى حسناً ستره وإن رأى قبيحاً أذاعه، ومن سوء امرأة إن غبت عنها خانتك وإن دخلت عليها لسنتك. حكي: أبو السعادات بن الشجري (مولده سنة خمسين وأربعمائة وفاته اثنتين وأربعين وخمسمائة) في شرح الحماسة أن العباس بن الفرج الرياشي قال وفد زياد الأعجم على حبيب بن المهلب وهو بخراسان فبينما هما يشربان ذات عشية إذ سمع صوت زياد صوت حمامة تغني على شجرة في دار حبيب فقال: تغني أنت في ذممي وعهدي ... بأن لا يذعروك ولا تضاري إذا غنيتني وشربت كأساً ... ذكرت أحبتي وذكرت داري فإما يقتلوك طلبت ثأراً ... لأنك في حماي وفي جواري

فأخذ الحبيب سهماً فرماها فأنفذها فقال زياد قتلت جاري، بيني وبينك المهلب فاختصما إليه فقال المهلب أبو أمامة لا يروع جاره، وقد ألزمتك العقل ألف دينار فدفعها إليه من يومه. ولما بنى كسرى إيوانه كانت بجواره دويرة لعجوز لا يكمل تربيع الإيوان إلا بها فدفع لها جملة من المال، فقالت لا أبيع جوار الملك بملئها ذهباً ولا أخرج من جواره طائعة فإن غصبني إياها فهو قادر على ذلك فعلم كسرى بذلك، فقال تترك ويبنى الإيوان فقيل لا يجيء مستحكم التربيع، فقال يبنى ما اتفق وكان فيه عوج، فكان بعد ذلك يقال لهما أحسن بناء هذا الإيوان ولولا هذا العوج فيقول بهذا العوج تم حسنه. قلت: وعلى ذكر الإيوان ما أحسن ما أنشدني من لفظه لنفسه أجازه الشيخ عز الدين على ابن الشيخ بهاء الدين الحسن الموصلي رحمه الله تعالى أحجبيه كتب القاضي صلاح الدين الصفدي تغمده الله بالرحمة: يا من له الطول في المعالي ... وبالمعاني لنا يبصر إني كما قلت في سؤالي ... ما مثل قولي نعم مقصر رجع: وكان لابن المقفع بجنب داره دار وكان يستامها من صاحبها وهو يمتنع من بيعها اتفق أن ركبه دين فاحتاج إلى بيعها فعرضت عيه فسأل عن سبب بيعه إياها بعد غبطة بها فأخبره بقصته، فقال ما قمت إذاً بحرمة الجار إن اشتريتها وقد باعها معدماً فحمل إليه ثمن الدار وقال أبق دارك عليك بارك الله لك فيها ورد هذا في دينك. وقال الأصمعي رأى بعضهم عدي بن حاتم الطائي يفت للنمل خبزاً بفناء داره، فقال له يا أبا طريف ما تصنع؟، فقال جارات ولهنّ حرمة. قلت: وعلى ذكر حاتم الطائي ذكرت ما أنشدنيه سيدي الجناب المجدي فضل الله بن المرحوم الصاحب الفاضل فخر الدين عبد الرحم بن مكانس سلمه الله تعالى قال: أنشدني والدي من لفظه قال أنشدني صاحبنا الشيخ شمس الدين الواسطي (توفي المذكور قريباً م سنة ثمانين وسبعمائة) لنفسه موالياً: ما مت حتى جفاني كل من فيالحي ... وملني وقلاني كل من لوشيّ وأنت ما في العجم والعرب مثلك حيّ ... يا من طوى بالمكارم ذكر حاتم طيّ قلت: وأنشدني من لنفسه الصاحب المرحوم فخر الدين بن مكانس من قصيدة (وتوفي تغمده الله بالرحمة سنة أربع وتسعين وسبعمائة) وذلك بمنزله بقنطرة قدادار بتاريخ عاشر صفر من شهور عام ثلاث وتسعين وسبعمائة: وكم طربت لما أبدته من ملح ... يصبو له كل ذي عقل وآراء وجدت بالتبر من مالي ومن أدبي ... فكنت في كل حال منهما الطائي رجع إلى ما كنا بصدده وقال محمد بن عبد الرحمن الزهري كانت بيني وبين أبي العباس تعلب مودة أكيدة وكنت أستشيره في أموري فجئت يوماً أشاوره في الانتقال من دار إلى أخرى لتأذي بها بالجوار، فقال يا أبا محمد تقول صبرك على أدى من تعرفه خير لك من استحداث ما لا تعرفه. من غريب الاتفاق أن بشار بن برد كان قد حلف أنه لا يجاور حماد عجرد ولا يضله وإياه سقف بيت ولا مسجد وأنه يهجوه بألف قصيدة، فاتفق أن مات حماد في قرية من سواد البصرة وعرضت لبشار هناك حاجة فمات فيها ودفن إلى جانب حماد عجرد. وقريب من هذه الحكاية ما حكي أن روحاً بن حاتم بن قبيصة بن المهلب كان والياً على السند وأخوه يزيد والياً على أفريقيا فتوفي بها في سنة سبعين ومائة بالقيرون، فقال أهل المدينة وأعني أفريقية ما أبعد ما يكون بين قبري هذين الأخوين فإن أخاه بالسند وهذا هنا فاتفق أن الرشيد عزل روحاً عن السند وسيره إلى موضع أخيه يزيد فدخل إلى أفريقية فلم يزل والياً بها إلى أن مات ودفن مع أخيه في قبر واحد فعجب الناس من غريب هذا الاتفاق. عود: وكان لأبي حنيفة جاراً إسكاف بالكوفة يعمل نهاره أجمع فإذا جن الليل رجع إلى منزله بلحم أو سمك فيطبخ اللحم أو يشوي السمك فإذا دب فيه السكر أنشد: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر

الباب الرابع في الباب

فلا يزال يشرب ويردد البيت إلى أن يغلبه السكر وينام وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله ويسمع جلبته وإنشاده ففقد صوته ليال فسأل عنه، فقيل أخذه العسس منذ ثلاثة أيام وهو محبوس فصلى صلاة الفجر وركب بغلته ومشى واستأذن على الأمير، فقال ائذنوا له وأقبلوا به راكباً حتى يطأ البساط ففعل لك به فوسع له الأمير في مجلسه وقال له ما حاجتك؟ فقال لي جاراً سكاف أخذه العسس منذ ثلاثة ليال فتأمر بتخليته، فقال نعم وكل من أخذ من تلك الليلة إلى يومنا هذا، ثم أمر بتخليته وتخليتهم أجمعين فركب أبو حنيفة رحمه الله تعالى وتبعه جاره الاسكاف فلما وصل إلى داره قال له أبو حنيفة أترانا أضعناك، فقال لا بل حفظت ورعيت جزاك الله خيراً عن صحبة الجوار ورعاية الحق ولله علي أن لا أشرب خمراً ابداً فتاب ولم يعد إلى ما كان عليه. قلت: وقد ضمن هذا البيت الشيخ برهان الدين القيراطي تضميناً حسناً (ومولده سنة ست وعشرين وشبعمائة، ووفاته سنة إحدى وثمانين وسبعمائة) : فقال دعاني منيتي لكريه راح ... ورشف الثغر منه عقيب سكر فقلت له دعوت فتى يرجى ... ليوم كريهة وسداد ثغر ونقلت من المستجاد في فعلات الأجواد عرض محمد بن الجهم داراً بخمسين ألف درهم فلما حضروا ليشتروا قال بكم تشتروا مني جوار سعيد بن العاص وكان بجواره فقالوا وإن الجوار ليباع، فقال وكيف لا يباع ويفرد بثمن وهو جوار من إذا سألته أعطاك، وإن سكت ابتدأك، وإن أسأت أحسن فبلغ ذلك سعيداً فوجه إليه بمائة ألف درهم وقال أمسك عليك دارك. وعلى ذكر الجار فما أحسن قول الشيخ جمال الدين بن نباتة (ومولده سنة ست وستمائة، ووفاته سنة ثمان وستين وسبعمائة) . بروحي جيرة أبقوا دموعي ... وقد رحلوا بقلبي واصطباري كأنا للمجاورة اقتسمنا ... فقلبي جارهم والدمع جاري وقال الشيخ بدر الدين بن الصاحب (ومولده سنة ست عشرة وسبعمائة، ووفاته سنة ثمان وثمانين وسبعمائة) وقد انتقل النيل السعيد عن بر مصر إلى البر الغربي شط الجيزة. يا أيها السلطان إن النيل عن ... مصر تنقل بعد طول جوار فاحفظ لنا جريانه وجواره ... فالله قد أوصى بحفظ الجار وأنشدني سيدي وأخي الجناب المجدي فضل الله بن مكانس أبقاه الله_تعالى_من موشحة لنفسه أجريت ما بين دموعي الغزار*مثل البحار*ولم يدع لي طول دهري قرار هجر حبيبي وهو مني قريب*مع الرقيب*قد صيراني بين قومي غريب دأبي النحيب*فآه من جورك يا ذا الحبيب*على الكثيب وما احتيالي في قريب الديار*ونائي المزار*هو على الحالين يا قلب جار رجع إلى ما كنا فيه: كان أبو سفيان إذا نزل به جار قال له يا هذا إنك قد اخترتني جاراً واخترت داري داراً فجناية يدك على دونك وإن جنيت عليك فاحتكم حكم الصبي على أهله. وذكر ابن الجوزي في كتاب الأذكياء قال رجل يا رسول الله إن لي جاراً يؤذيني قال انطلق وأخرج متاعك إلى الطريق، فانطلق فأخرج متاعه فاجتمع الناس إليه فقالوا ما شأنك؟ قال لي جار يؤذيني فجعلوا يقولون الله العنه اللهم اخزه اللهم أخرجه، فبلغه ذلك فأتاه فقال ارجع إلى بيتك فوالله لا أوذيك بعدها. وهذه من الحيل التي أباحها الشرع الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده. وورد أن أبا مسلم الخراساني صاحب الدعوة عرض عليه فرس سابق فقال لأصحابه لما يصلح هذا الفرس؟ فقالوا ليوم الحرب، فقال كلا ولكن ليهرب عليه من جار السوء. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاث كن في الجاهلية الإسلام أولى بها: كان الرجل منهم إذا نزل به ضيف سعى له أهل البيت كبيرهم وصغيرهم حتى ينقلب وهو راض، وكان الرجل منهم إذا طال ثواء امرأته معه كره طلاقها لئلا تذل بعده، وكان الرجل إذا جنى جاره جريمة باع فيها ولو ولده حتى ينقذ جاره. الباب الرابع في الباب الباب يجمع على أبواب وقد قالوا فيه أبوبة للازدواج، وقيل أبواب مبوبة كما قيل أصناف مصنفة، ولبعضهم فيما يكتب عليه. لذ بذا الباب كلما ... خفت ضيق المناهج فهو باب مجرب لقضاء الحوايج وأنشد الأصمعي وفي أبيات المعاني قول بعض العرب: وذي رجلين لا يمشي عليها ... ولكن في القيام له صلاح

فندفعه إذا احتجنا إليه ... ونجذبه إذا حان الرواح وقال الحاتمي في باب بمصراعين (توفي المذكور سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة) : عجبت لمحرومين من كل لذة ... يبيتان طول الليل يعتنقان إذا أمسيا كانا على الناس مرصدا ... وعند طلوع الفجر يفترقان وقال الشيخ شمس الدين بن دانيال (توفي سنة عشر وسبعمائة) : قل للوزير محمد بن محمد ... يا من هو المسك الذكي لمن درج أنت الذي دار السعادة داره ... طول الزمان وبابه باب الفرج وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة: بشر أمير المعالي باتصال هنا ... يحفه السعد من أقصى جوانبه واكتب على بابه الغربي معتمداً ... عز يدوم وإقبال لصاحبه وقال: أيا دار دار اليمن من كل وجهة ... عليك ولا زال الهنا لك يجاب ولا عدم القصاد بابك إنه ... لنجح الرجا باب صحيح مجرب قلت: قوله صحيح على غير طائل وصاحب الذوق السليم يشهد والمعنى يقدم. وقال: يا زائري قاضي القضاة لينهكم ... ما صحح التجريب من أبوابه أقسمت ما الحجر المكرم للغني إلا الذي تغشون من أعتابه وقال: يا مالكاً تقصر عن وصفه ... بذائع الشاعر والكاتب في بابك العلم وفيض الندى ... فلا خلا بابك من طالب وقال ناصر الدين ابن النقيب في المجون (توفي سنة سبع وثمانين وستمائة) : قال لي الخارج صف لي ... مثل ما أعرف وصفك أين باب الخرق قل لي ... قلت باب الخرق خلفك وعلى ذكر باب الخرق فلا بأس بإيراد نبذة مما قيل في باب زويلة، فمن ذلك قول إبراهيم المعمار (توفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة) : زويلة بابك هذا سفيه ... يشرب ماء الخمر جهراً بفيه ولم يزل يألف سفك الدما ... وكل ما يقطعه الشرع فيه وله فيه: حاذر زويلة إن مررت ببابها ... وطعامها كن آيساً من خيره فوسط القتلا يقول به انظروا ... من لم يمت بالسيف مات بغيره وقال شهاب الدين بن أبي حجلة (مولده سنة خمس وعشرين وسبعمائة، ووفاته سنة ست وسبعين وسبعمائة) : برت زويلة إذا أمسى يقول لنا ... باب لها قول صدق غير مكذوب إذا وعدت حراميا بسفك دما ... في الحال علق من وعدي بعرقوب وقال الشيخ شمس الدين الضفدع فيما يكتب على الباب (مولده سنة ثلاث وتسعين وستمائة، ووفاته سنة ست وخمسين وسبعمائة) : من ذا الذي ينكر فضلي وقد ... فزت من الحسن بمعنى غريب عندي لمن يخذله دهره ... {نصر من الله وفتح قريب} وقال إبراهيم المعمار: يا من بباب علاه ... العيش للنا سطابا أرسلت مدحي غلاماً ... إليك يخدم بابا وما أظرف قول من قال وإن كان غير ما نحن فيه ولا تحسبه لك وحدك إن كنت راقداً اتنبه كما فتحت الطاقة غيرك يسد الباب. وقال القاضي مدي الدين بن عبد الظاهر ملغزاً فيه (مولده سنة عشرين وستمائة ووفاته سنة اثنين وتسعين وستمائة) : أي شيء تراه في الدور والكت? ... ?ب مجازاً هذا وذاك محقق يحفظ المال والحريم ولو ... لاه حفيظاً لكان ذلك يسرق هو زوج تارة وهو فرد ... وهو في أكثر الأحايين يطرق وطليق في نشأتيه ولكن ... بحديد من بعد ذلك يوثق وثلاثاً تراه في الخط لكن ... هو اثنان كله إن يفرق وتراه للحشو ينسب حيناً ... وهو مع ذلك لا يرى يتزندق وهو في القلب يستوي وتراه ... بان تصفيحه لمن يترمق فأجبني عنه بقيت مطاعاً ... لست في حلبة الفضائل تسبق كتب الشيخ شرف الدين عبد العزيز الحموي المعروف بشيخ الشيوخ إلى والده ملغزاً (مولده سنة ست وثمانين وخمسمائة، ووفاته سنة إحدى وستين وستمائة) : ما واقف في المخرج ... يذهب طوراً ويجي لست تخاف شره ... ما لم يكن بمرتج فكتب إليه والده الجواب ذهاب وجيء وخوف وهذا باب خصومة والسلام. وكتب الأديب نصر الدين الحمامي إلى السراج الوراق وكان السراج يسكن بالروضة (مولده سنة خمس وعشرة وستمائة، وتوفي سنة خمس وتسعين وستمائة) : كم قد أردد للباب الكريم لكي ... أبل شوقي وأحيي ميت أشعاري

وأنثني خائباً فيما أؤمله ... وأنت في روضة والقلب في نار فكتب الجواب إليه: الآن نزهتي في روضة عبقت ... أنفاسها بين أزهار وأثمار أسكرتني بشذاها فانثنت بها ... وكل بيت أراه بيت خمار ولا تغالط فمن فينا السراج ومن ... أولى بأن قال إن القلب في نار وقال الصاحب جمال الدين بن مطروح في قصيدة يمدح بها الملك الأشرف مظفر الدين موسى (ولد ابن مطروح سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وتوفي سنة تسع وأربعين وستمائة) : ما كان أشوقني للئم بنانه ... ولقد ظفرت بلئهما فليهنني ودخلت من أبوابه في جنة ... يا ليت قومي يعلمون بأنني وقال علاء الدين الوداعي (مولده سنة أربعين وستمائة وتوفي سنة ست عشرة وسبعمائة) : من أم بابك لم تبرح جوارحه ... تروي أحاديث ما أوليت من منن فالعين عن قرة والكف عن صلة ... والقلب عن جابر والسمع عن حسن قلت: أما قرة فهو قرة بن خالد السدوسي وهو ثقة روى عن الحسن وابن سيرين وليس بتابعي، وأما صلة فهو صلة بن أشيم العدوي كان من عباد التابعين وهو زوج معاذة العدوية وهي تروي عن عائشة رضي الله عنها، وأما جابر فهو جابر بن عبد الله كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هو جابر الجحفي لأن جابر الجحفي ضعيف وهو تابعي وإنما ضعفوه لأنه كان يؤمن بالرجعة، وأما حسن فهو حسن البصري كان تابعياً كبيراً رأى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نحو ثلاثمائة رجل، ولقد أجاد علاء الدين في استعمال هؤلاء الرجال في أوصاف الممدوح ودل على جودة اطلاعه على أسماء رجال الحديث، رحمه الله تعالى. وأنشدني سيدي وأخي تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي سلمه الله تعالى لنفسه الكريمة إجازة من قصيدة. قصدت باب الحبيب والرقبا ... عليّ من خيفة اللقا حنقه قالوا: فما تبتغي فقلت لهم ... حتى تخلصت أبتغي صدقه والشي يذكر بلوازمه ما ألطف وأبلغ ما ذكره ذو الوزارتين لسان الدين بن الخطيب الأندلسي في ترجمة شهاب الدين بن رضوان الغرناطي أبو جعفر في تاريخه بالإحاطة (وذكر أن وفاته سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة) : يا من اختار فؤادي مسكنا ... بابه العين التي ترمقه فتح الباب سهادي بعدكم ... فابعثوا طيفكم يغلقه وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة نثراً: أي والله تخلى الشباب وخمد آب الذهن اللهاب وخلا الفكر الحائم من صوب والفهم الخادم من صواب، واقصر عن نظمه ونثره من كانت له في الإنشاء نشأة وكانت له في الشعر أسباب، وغض بصر القريحة وتقاص ذيلها فما يرفع لها ولا تجر أهداب، واختبى لسان المنشئ المنشد عجزاً وأغلق عليه من شفتيه مصراعي الباب. وقال القاضي الفاضل نثراً (مولده سنة اربع وعشرين وخمسمائة، ووفاته سنة ست وتسعين وخمسمائة) : لا زالت الملوك ببابه وقوفاً والأقدار له سيوفاً والخلق له في دار الدنيا ضيوفاً ودين دين الحق تعلمه الناس أنه إذا جرد لتقاضيه سيوفاً سيوفى. ومن نثره: كل لفظة موصولة بأنه وفي كل قلب من حربه وفي كل دار من فضله جنة فروح الله تلك الروح وفتح لها أبواب الجنة فهي آخر ما ترجوه من الفتوح. من رسالة كتبها المرحوم العلامة فتح الدين بن الشهيد إلى بعض أصحابه، وقد طرق عليه الباب فوجده مقفلاً: فما هو إلاا أن قبلت العتبة فأعتبت، وتأدت فريضة الخدمة لما وقفت وتأدبت، وأطلت قرع حلقة الباب فقال الصدى ضربت من حديد بارد وجئت، وقد استقل ركاب المسود والسائد فاذكر حاجتك أبلغ عنك ما تقول وأسبق، يرجع الجواب إليك الرسول قلت محب يراهم بالقلب إن عاقب الحوايج والجوانح ورحت، وقلت إن جئت بجواب فسل عن سايح بن رايح وعدت أمشي بخفي حنين. وأصغي إلى صوت الصدى عند ذكركم ... فأطرب للمغني وأهتف بالدار وأسعى بها داراً على مروة الصفا ... أطوف بها سبعاً ولم أقض أوطاري وما نافعي التطواف في دارة الحمى ... إذا لم يكن في دارة الحي أقماري وترددت حتى كلل دمعي للطرق بالعقيق ورمت أنفاسي النار في الدار وصاحت الحريق. وللقاضي الفاضل يصف الستائر من قصيدة أولها: يا طالب الجود يمم كعبة الكرم ... وقل سلام لها عن كعبة الحرم

الباب الخامس في ذم الحجاب

كأن أستاره روض سمحت له ... بماء يشرك هذا المخرق السم غيم يزر على شمس وفي يده ... غمامة لقيته كاشف الغمم سحب تعود منه فيض أنملة ... والسحب إن سيرت دلت على الديم لو لم تكن سحباً ما كان ذيلها ... برقا يشام إذا ما البرق لم يشم بيض كعرضك في طول كطولك في ... لمع كنشرك في سلك حكى كلم فكنت كالشمس في ثوب النهار بها ... لا كالبدور بأثواب من الظلم أظهرت عدلك فيها فهي معجزة ... فالأسد ما وثبت والريم لم يرم قرب سانحة فيه وسارحة ... فأعجب لضدين في بحر من الكرم تهيم بالصيد آمالي إذا نظرت ... فيها فأذكر منع الصيد في الحرم كأن أحداقنا ترعى الحدائق من ... جنات عدن وعدل دائم قدم أقاح روض كأن الورد فرزوه ... فيا لجريه ماء كف بالضرم والطير في شجرات الرقم عاكفة ... ونبت عنهن في التغريد بالنغم إن لم يكن ثمر فيها ففي يده ... ثمار جود زهت في روضة الشيم يود ما مثلوه فيه من صور ... لو أنها استخدمت في جملة الخدم تلك الستور عجاج والنجوم لها ... عرى وأيدي الظبا فروزنها بدم أظن بابك خدا غرت من قبل ... عليه حتى منعت اللثم باللثم إذا رأيت بها الأعلام مشرقة ... رأيت أشهر من نار على علم مثل السراب ووقت القيظ بيضها ... لكن وردت بعيني حين هم فمي وللمولى السيد شمس الدين القاسم ابن الصاحب موفق الدين علي بن الآمدي نقلته من خط الوداعي: ومشعل قام في خشوع ... كراهب شق عنه جيبا قد فني الجسم منه سقماً ... واشتعل الرأس منه شيبا وورد على سيدنا ومولانا المرحوم القاضي أمين الدين محمد الأنصاري (المتوفي أواخر سنة ثمان مائة وأخبرني أن مولده سنة إحدى وخمسين وسبعمائة) صاحب ديوان الإنشاء الشريفة بالشام المحروسة كتاب من سيدنا ومولانا أوحد العصر القاضي بدر الدين محمد المخزومي المالكي الشهير بابن الدماميني (الذي مولده في سنة ثلاث وستين وسبعمائة) أنفذ الله أحكامه وذلك من مكة المشرفة بتاريخ التاسع والعشرين من شهر الله المحرم سنة إحدى وثمانمائة جاء منه وينهي أنه سطرها بمنى وقد سالت بأعناق البدن الأباطح ووقفت الجزر تؤمل سعد الأخبية، فما طلع لها غير سعد الذابح وقد برد الصدر المحرور برمي الجمار وقرت العيون برؤية تلك الآثار وقرع المملوك باب الرحمة عند وصوله إلى البيت الشريف، وقال للزمن تنكر ما شئت فقد حصل التعريف. وذكر صاحب المباهج أن ستر إيوان كسرى أحرق لمات ملك المسلمون المدائن فأخرج منه ألف ألف مثقال ذهباً، وقيل مائة ألف مثقال. وطرق رجل على عمرو بن عبيد الباب، فقال من هذا، فقال أنا، قال لست أعرف أحداً من إخواننا اسمه أنا. وأخرج البخاري من طريق جابر رضي الله عنه، قال استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال من هذا، فقلت أنا، فقال أنا أنا كأنه كرهه. وأنشدني الشيخ شمس الدين الجرائحي لنفسه فيما يكتب على ستر: أنا الستر المجمل بالب? ... ?ها والعز والنصر فلذ بي أن تجد ضيماً ... وقل يا مجمل الستر الباب الخامس في ذم الحجاب خال بن عبيد الله القشيري كان يقول لحاجبه فلا يحجبن عليّ أحد فإنما الوالي يحتجب لثلاث: شر يكره أن يطلع عليه غيره، أو ريبة يخاف انتشارها، أو بخل يكره معه أن يسأل شيئاً. ووقف رجل على باب أبي دلف فأقام به حيناً لا يصل به فتلطف في رقعة أوصلها إليه وكتب فيها: إذا كان الكريم له حجاب ... فما فضل الكريم على اللئيم فأجابه: إذا كان الكريم قليل المال ... ولم يعذر تعلل بالحجاب وأبواب الملوك محجبات ... ولا تستكثرن حجاب باب وقال علاء الدين الوادعي يعتذر إلى بعض أصحابه: إن كنت يا أكرم الصحاب ... حجبت لما طرقت بابي فأنت قلبي ولا عجيب ... إذا غدا القلب في حجاب وقال زين الدين بن الوردي (توفي سنة خمسين وسبعمائة) يلوم نفسه على زيارة أقوام: مذ زرتهم صحبة وودا ... ألفيتهم مغلقين بابا سعيي إلى بابهم جنون ... مني فاستأهل الحجابا

وقال بعض الحكماء لبعض الملوك: لا تمكن الناس من كثرة رؤيتهم لك فإن أجرأ الناس على الأسد أكثرهم له رؤية. وقال آخر كثرة الأذن مجلبة الابتذال وهيبة الملوك في الاحتجاب وكان يقال المبذول مملوك والممنوع متبوع. ولله در ابن المعتز وما أحسن قوله: كما يخلق الثوب الجديد ابتذاله ... كذا يخلق المرء العيون اللوافح وقيل لبعض الحجاب متى تفرغ ولايتك فقال متى حضر طعام مخدومي وأين هذا من قول القائل: جزت على باب صديق لنا ... وبابه من دونه مقفل وحول تلك الدار غلمانه ... قد أحدقوا بالباب واستكملوا فقلت ما يصنع مولاكم ... قالوا سمعنا أنه يأكل قلت فلما يفتح مولاكم ... قالوا بلى رأس الذي يدخل وقيل لبعضهم: هل تغديت عند فلان؟ قال لا ولكنني مررت ببابه وهو يتغدى، قال فكيف علمت؟ قال رأيت غلمانه بأيديهم قسى البندق يرمون الطير في الهوى. وقال بعضهم: رأيت أبا زرارة قال يوماً ... لحاجبه وفي يده الحسام لئن وضع الخوان ولاح شخص ... لأختطفن رأسك والسلام فقال سوى أبيك فذاك شيخ ... بغيض ليس يردعه الكلام فقال وقام من حنق إليه ... بقد لام يزد فيه القيام أبي وأبو أبي والكلب عندي ... بمنزلة إذا حضر الطعام فما في الأرض أقبح من خوان ... عليه الخبز يحضره الزحام وما أحسن قولا القاضي الفاضل: بتنا علبى حال يسر الهوى ... وربما لا يمكن الشرح بوابنا الليل فقلنا له ... إن غبت عنا هجم الصبح وله في بواب يلقب بالبحري: وهب أن هذا الباب للرزق قبلة ... فها أنا وقد وليته دونكم ظهري وهب أنه البحر الذي يخرج الغنى ... فكل خرافي الشط في لحية البحري وقال كمال الدين بن النبيه (توفي سنة تسع عشرة وستمائة) لما سمع قول الفاضل: قلت لليل إذا حباني حبيبا ... بغناء يسبي النهى وعقارا أنت يا ليل حاجبي فامنع الص? ... ?بح وكن أنت يا دجى برد دارا وقال ناصر الدين بن النقيب: ماذا على بواب دراكم الذي ... لا إذن يعطينا ولا يستأذن لو ردنا رداً جميلاً عنكم ... أو كان يدفع بالتي هي أحسن وللشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة في غير المعنى: يا رب إن النيل زاد زيادة ... أدت إلىهدم وفرط تشتت ما ضره لو جاء على عاداته ... في دفعة أو كان يدفع بالتي وأنشدني الشيخ العلامة عز الدين الموصلي لنفسه (المتوفي سنة تسع وثمانين وسبعمائة، وأخبرني أن مولده أربع وعشرين وسبعمائة) : قد سلونا عن الحبيب بخود ... ذات وجه به الجمال تفنن ورجعنا عن التهتك فيه ... ودفعنا بالتي هي أحسن رجع إلى ما كنا فيه: قال الناشئ الأصغر (المتوفي سنة ست وستين وثلاثمائة) : ليس الحجاب بآلة الأشراف ... إن الحجاب مجانب الإنصاف ولقل ما يأتي فيحجب مرة ... فتعود ثانية بقلب صاف وقال أبو الحسين الجزار (مولده سنة إحدى وستين وستمائة، ووفاته سنة اثنتين وسبعين وستمائة) : أمولاي ما من طباعي الخروج ... ولكن تعلمته من خمولي وصرت لديك أروم الغنى ... فيخرجني الضرب عند الدخول وألم بهذا الأديب شمس الدين الضفدع فقال: وافا إلى خدمته العبد كي ... يحظى بتقبيل يد أو قبول واستأذن الخادم في قربه ... منكم لأن البعد ستر يحول فكاد أن يخرجه الضرب عن ... غناك بالإيقاع قبل الدخول 3أوحى إليه منه قولاً فما ... بلغ عنه ما يقول الرسول ونقلت من خط فخر الدين بن مكانس للجمال ابن عبد الغني: أتيت إلى بابك يا سيدي ... أهنيك بالعيد مع من يهني فأخرجت من بعد ذاك الدخول ... وقد جئت يعني مدلاً بأني مغن ويخرج بعد الدخول ... وتأبى الطباع خروج المغني حكي عن أبي الحسين الجزار أنه جاء إلى باب الصاحب زين الدين بن الزبير فأذن للناس كلهم ولم يؤذن له فكتب في ورقة: الناس قد دخلوا كالأير أجمعهم ... والعبد مثل الخصي ملقى على الباب

فلما قرأها ابن الزبير قال لحاجبه اخرج إلى الباب وناد يا خطي ادخل فلما سمع أبو الحسين قول الحاجب يا خصي ادخل فقال هذا دليل على السعة. وهذا جميعه مأخوذ من قول الآخر: أيدخل من يشاء بغير إذن ... وكلهم كسيد أو عوير وأبقى من وراء الباب حتى ... كأني خصيه وسواي أير وقال بعض الشعراء وقد منعه بواب اسمه بصاقة من الدخول يا من سما في المكرما ... ت وفاق أرباب الممالك أعجب لأمر بصاقة ... منع الدخول لباب خالك وهو المعين على الدخو ... ل إذا تعسرت المسالك وقال جحظة: ولي صاحب زرته للسلام ... فقابلني بالحجاب الصراح وقالوا تغيب عن داره ... لخوف غريم ملح وقاح ولو كان عن داره غائباً ... لأدخلني أهله للنكاح وقال آخر: وكل خفيف الشأن يسعى مشمراً ... إذا فتح البواب بابك أصبعا وتحن الجلوس الماكثون توقرا ... حياء إلى أن يفتح الباب أجمعا وأنشدني صاحب الأمالي: كم من فتى تحمد أخلاقه ... ويسكن العارفون في ذمته قد أكثر الحاجب أعداؤه ... وأحقد الناس على نعمته حكى أبو السعادات بن شجري في شرح الحماسة أن أنس بن زنيم الهذلي وفد على عمرو بن عبد الله بن التميمي في جماعة من الشعراء فصده الحاجب عن الدخول وأذن لغيره من الشعراء فلما طال حجابه كتب إليه أبياتاً منها: لقد كنت أسعى في هواك وأبتغي ... رضاك وأعصي أسرتي والأدانيا حفاظاً وإمساكاً لما كان بيننا ... لتجزيني يوماً فما كنت جازيا أراني إذا ما شمت منك سحابة ... لتمطرني عادت عجاجاً وسافيا أأقصى ويدنى من يقصر رأيه ... ومن ليس يغني عنك مثل غنائيا فلما قرأ الأبيات عنف حاجبه ثم أذن له وقال له ويحك ما هذا، قال فعل حاجبك وطول مقامي وأنت تعطي من أقبل وأدبر، فقال يا هذا أشهدت معي موذاة هجر قال لا، قال ألك من يد تضربني بها أو تستحق علي ما طلبت قال نعم كنت أجلس بين يديك وأسمع حديثك فأنشر محاسنه وأطوي مساوئه، فقال وأبيك إن في هذا لما يشكر كم أقمت بالباب، قال أربعين يوماً فأمر له بأربعين ألف درهم. ولشهاب الدين ابن أبي حجلة: ألا قل لشمس الدين صاحبنا العبسي ... أتينا مراراً نحو بابك بالأمس فإن حجبتك الجدر عنا فربما ... رأينا جلابيب السحاب على الشمس وقال شرف الدين بن عنين (ومولده سنة تسع وأربعين وخمسمائة ووفاته سنة ثلاثين وستمائة) : أين غلمانك الممطيفون بالبغ? ... ?لة والرافعون للأثواب ردك الدهر كالنداء على الني? ... ?يل لا حاجب ولا بواب وعلى ذكر الحاجب فما أحسن قول القائل في مليح قلندري: بدا في حلق الحواجب فتنة ... فقلت لعقل ذاهل فيه ذاهب حبيبي بحق الله قل لي ما الذي ... دعاك إلى هذا فقال مجاوبي وعدت بوصل العاشقين تعطفاً ... فلم يثقوا فاسترهنوا قوس حاجبي وقال السراج الوراق فيه: عشقت من ريقته قرقف ... وما له إذ ذاك من شارب قلندريا حلقوا حاجبا ... منه كنوز الخط من كاتب سلطان حسن زاد في عدله ... فاختار أن يبقى بلا حاجب وقف بعض المطابيع على باب بعض الأمراء والطعام قد حضر فخرج حاجب الأمير إلى الباب فقال أيها المطبوع ألك حاجة، قال نعم قال ما هي؟ فقال له إذا دخلت فاقرئ خبر الأمير السلام. وما أظرف في ذم الحاجب قول السراج الوراق: لا ذقت ذل حجاب ... ولا وقوفاً بباب فقد حنقت وقد قا ... م شارب البواب ورحت أجري وصحف? ... ?ت موضعين لما بي وقال زين بن الوردي: يقول بوابه إذا رأى ... بالباب مني وقفة الحائر له محارلايم بها شغلة ... قلت محاريم بلا آخر وقال السراج الوراق مضمناً: وقطب عند دخولي إليه ... فتم له القبح معنى وصورة ولولا الضرورة ما زرته ... على الرغم مني وعند الضرورة وقال جمال الدين ابن نباتة: حجبتني فازددت عندي علبا ... برغم من أقبل كالعاتب وقلت لا أعدم من سيدي ... من كان عيني فغدا حاجبي

الباب السادس في الخادم والدهليز

وقال محمد بن العفيف (مولده سنة اثنتين وستين وستمائة، ووفاته سنة سبع وثمانين وستمائة) : ولقد وقفت ضحى ببابك ارتجي ... باللثم للعتبات حق الواجب وأتيت أطلب زورة أحظى بها ... فرددت يا عيني هناك بحاجبي وقال الشهاب فتيان الشاغوري (مولده سنة ثلاثة وخمسمائة، ووفاته سنة خمسة عشرة وستمائة) : وافيت تهنية الوزير فلم أجد ... لي في الدخول ببابه من مسعد لم أحظ إلا بالقيام لمن أتى ... فحصلت منك على المقيم المقعد قصد جماعة من الطفيلية وليمة فقال رئيسهم: اللهم لا تجعل البواب لكازاً في الصدور دفاعاً في الظهور طراحاً للقلانس، هب لنا رأفته ورحمته وبشره وسهل علينا إذنه، فلما دخلوا تلقاهم المضيف، فقال الرئيس عزة مباركة موصول بها الخصب معدوم بها الجدب فلما جلسوا على الخوان قال جعلك الله كعصى موسى وخوان إبراهيم ومائدة عيسى في البركة، ثم قال لأصحابه افتحوا أفواهكم وأقيموا أعناقكم وابسطوا الأكف وأجيدوا اللقم ولا تمضغوا مضغ المتعللين الشباع المتخمين واذكروا سوء المنقلب وخيبة المضطرب خذوا على اسم الله تعالى. وقال زين الدين بن الوردي: ماذا تقولون في محب ... عن غيره أبوابكم تخلا وجاءكم زائراً عفيفاً ... عن مالكم هل يجوز أم لا وقال جمال الدين بن نباتة: ما يقول المقام أيده الل? ... ?هـ ولا زال للسعود يحوز في ولي ببابكم ترك الخل? ... ?ق ووافى يجوز أم لا يجوز كان الشيخ عز الدين بن عبد السلام إذا قرأ عليه الطالب وانتهى يقول اقرأ من الباب الذي تليه ولو سطراً فإني لا أحب الوقوف على الأبواب. وللنصير الحمامي بيتان كتبهما إلى السراج الوراق على يد غلام يدعى إبراهيم وهما: عبدك إبراهيم وافى بهما ... وفي بها معنى لمن يعقل وهو على الباب ومقصوده ... وفيك فهم أنه يدخل الباب السادس في الخادم والدهليز كان يقال أن الخصيان ملكية بني آدم وقيل لأبي العيناء لم اتخذت غلامين أسودين خصيين، قال لئلا اتهم بهما ولا يتهما بي. وعرض على بعض الملوك غلام صبي خصي فقال هذا يصلح للفراش وللهراش. وكان بعضهم يتخذ الخدام الخصيان ويختار منهم البيض الحسان، فقبل له في ذلك، فقال لأنهم بالنهار فوارس وبالليل عرائس، وفيهم يقول: ونساء لمستريح مقيم ... ورجال إن كانت الأسفار وفيهم يقول محمد الخلوع القاهر: مبرءون من الشعر الكريه ومن ... حمل الأيور وإخراج المناتين وهم نساء إذا حاولت خلوتهم ... وهم رجال لدى الهيجاء يحموني وما أحسن قول الصابي في غلام أسود (مولده سنة عشرين وثلاثمائة، ووفاته سنة ثمانين وثلاثمائة) : لك وجه كأن يمناي خط? ... ?ته بلفظ يمله آمالي فيه معنى من البدور ولكن ... نفضت صبغها عليه الليالي وقال الزين بن جبريل المصري: وخادم قد حباه القلب حبته ... حباله وكسته صبغها المقل كأن ما هو في خد الجمال لمن ... يراه خال وفي أجفانه كحل وقال ابن الجوزي في كتاب الأذكياء: قال أبو أحمد عبد الله بن عمر الحارثي اجتزت ببغداد وأنا أحدث جماعة من مجان أصحاب الحديث وإذا بخادم خصي جالس على الطريق وبين يديه أدوية ومكاحل ومباضع وعلى رأسه مظلة خرق، فسألت عنه فقيل طبيب حاذق وهو من عجائب بغداد فتقدم إليه شخص من الجماعة وتغاشى وتماوت وتمارض وقال يا أستاذ يا أستاذ دفعات، فقال أي شيء بكى إيش أصابكي قولي لا شفاك الله، فقال أجد ظلمة في أحشائي ومغصاً في أطراف شعري وما آكله اليوم يصبح غداً مثل الجيفة فصف لي دواء فقال وكأنه أعد الجواب أما ما تجد من المغص في أطراف شعرك فاحلقي لحيتك ورأسك جميعاً، وأما ظلمة أحشائك فعلقي على باب حجرك قنديلاً، وأما الثالث فكلي خراكي. ولإبراهيم المعمار في خادم هندي: تملك قلبي خادم قد هويته ... من الهند معسول اللما أهيف القد أقول لصحبي حين يرنوا بلحظه ... خذوا حذركم قد سل صارمه الهندي وقال: وخادم يعلو على عشاقه ... برتبة من الجمال نالها واسمه وهو العجيب محسن ... وكم دموع في الهوى أسالها ولقد أجاد من قال:

إن لمعت ليلاً نجوم السما ... بيضا على أدهم مرخي الإزار وأوجب العكس مثالاً لها ... في الأرض فالسود نجوم النهار نادرة: قيل أن بعض أولاد الملوك كان يعشق خادماً يسمى ديناراً وكان من أوحش ما يبكون فاتفق أن أجري عند ذكر مغن جميل، فقال بلغني أن فلسه أسود، فقال له بعض الحاضرين والله يا مولانا فلسه خير من دينارك فأخجله. ومن ظريف ألقاب الخدام ما لقبه سيدي المقر المجدي فضل الله بن مكانس أحسن اللله له العاقبة لخدمه وهم: إشراق الدين هلال، ونظام الدين لؤلؤ، وسيف الدين فولاذ. وأنشدني من لفظه لنفسه إجازة سيدنا ومولانا أقضى القضاة بد الدين مجد بن أبي بكر بن عمر المخزومي المالكي أدام الله أيامه ونقلتها من خطه: علقته خادماً لطيفاً ... لم أصغ فيه إلى الملامه إليه قلبي انثنى وطرفي ... مذ لاح بين الأنام شامه وللشيخ جمال الدين بن نباتة في خادم اسمه كافو: يا لائمي في خادم لي سيد ... قسماً لقد زدن السلو نفورا ولقد أدرت على المسامع قهوة ... في الحب كان مزاجها كافورا إبراهيم المعمار: وخادم قبلت مشروطه ... في خده لكن رأيت العجب من ناعم حلو فناديته ... ما أنت يا مشروط إلا رطب وقال ابن نباتة أيضاً: بروحي مشروط على الخد أسمر ... دنا ووفا بعد التجنب والسخط وقال على اللثم اشترطنا فلا تزد ... فقبلته ألفا على ذلك الشرط وقال: أرى لصواب يا أيري صفات ... تحث على الخلاعة والتصابي فبادرة فأنت خبير ... ومثلك لا يدل على صواب وقال صلاح الدين الصفدي فيه: إذا ما قام أيرك في الياجي ... وعندك من تحب فلا تحابي وقم نحو الطواشي واعتنقه ... ومثلك لا يدل على صواب وقال الشيخ زين الدين بن الوردي: أأخشى من الأعداء والله ناصري ... بخدام حظ إن دعوت أجابوا فقلبي مسرور وسعدي مقبل ... وحزبي ناصر والمقال صواب قلت: وإذا ذكرنا ما ورد في مدحهم فلا بأس بإيراد نبذة من غيره.

قال الجاحظ (توفي سنة خمس وخمسين ومائتين وقد نيف على التسعين سنة) ضيق الصدور وشدة النفور وطول الأعمار وقلة الاصطبار وكبر الأقدام واضطراب الأجسام وإنكار الحرمة وقلة الرحمة وسرعة الدمعة وابتغاء السمعة وطحن المعدة ولطف القيادة واسترخاء السرح وقلة الجرح وسوء الخلق وكثرة الحرق وشدة الحسد وانقطاع الولد والمشي بالتمائم والنظر إلى المحارم وتربية البغول والبغض للفحول خلاف النساء والرجال لا يجوز به الاستحلال مهلوس عبوس غايته طرسوس مؤاجر في صغره قواد في كبره إن ركب ركض وإن مشى مرض مختلف الرأي والعقل متخلق بأخلاق البغل إن لا ينته جمح وإن خاشنته رمح وإن أجعته طمح وإن أشبعته سلح يبول في فراشه إذا عمل النبيذ في مشاشه، إن حرد كفر وإن قدر قهر مختون على غير ملة حاذق بالهريسة والأخلة، إن غضب بكى وإن رضى شكى وإن هزل انطوى وإن سمن التوى معدن للمطائر ألوف للعجائز إن ائتمنته خانك وإن أكرمته هانك وإن أهنته أكرمك وإن أغضبته شتمك صاحب صوارات وجلاهق وحمام وبنادق حاص دجاج وفراريج وطير ما ورد أريج إن أمسكته خسرت وإن بعته ربحت وإن طردته وقفت وإن قتلته أجرت، صالحهم مأبون وطالحهم ملعون، شره عتيد وخيره بعيد معروف موصوف بالجلف مسترخي البدن طويل الحزن بين الموق بادي العروق يأتي العرقوب كثير العيوب طويل الذراع كثير النخاع مسلوب زينة اللحى محروم لذة النساء يتزوج بالأبكار ويهتك بالأستار، يابس المصانع عاري الأشاجع شديد النفاق قليل الإنصاف بين النفاق كثير البقباق شره عند الطعام سفيه هلى الأقوام فقير ذز مال وحيد ذو عيال شرس حسود حرون جحود بعيد الحياء بارد اللقاء يتلقاك بالبكاء، إن قلت نعم قال لا وإن قلت لا قال بلى إن منع فمن حمق وإن أعطى فمن حرق، جريء جبان طويل الأحزوان مظلوم القلفة خالي المعرفة أقلف مختون خائن مأبون ترضيه اللقمة ويخدع بالطعمة أكثر الناس غلمه وأقوده في الظلمة وأحذفه بالإجازة وأعرفه لجاره وأعمله لمزماره وأنحته لمصايد الفار وأبيعه للتكلك وأصيده للسمك، إذا أمن ملعقته غرزها في منطقته مأواه الدهليز وخبزه على الإفريز لهج بالقمار عليه سوء الدمار من قلة مروءته يدخل الفحل على امرأته ويجمع لها بكده وينفقه على ضده لا بد له فيها من شريك فهو مغرم وغيره ينيك يستر عورته عن الأنام ويبدي سوأته للطعام يقطع الصلاة ويمنع الزكاة بيعه الزمارات ونعته في الصورات، يأكل بشدقين، وينفق بيدين فضله محبوس ودعاؤه منكوس. وقال الجاحظ أيضاً كان من ظريف ما يقص القاضي عبد الأعلى قوله في الخصي إذا قطعت خصيته قويت شهوته وسخنت مقعدته ولانت جلدته وانجردت شعرته وكثرت غلمته واتسعت فقحته وغزرت دمعته. وقال غيره من جب زبه ذهب لبه. وفي ذلك قول أبي الطيب المتنبي (ومولده سنة ثلاث وثلاثمائة، ووفاته أربع وخمسين وثلاثمائة) : وقد كنت أحسب قطع الخصي ... بأن الرءوس مقر النهى فلما نظرت إلى عقله ... وجدت النهى كلها في الخصى ونقلت من خط الوزير العلامة المفتن فخر الدين بن مكانس سامحه الله تعالى أنه قال: سافرت مرة سنة إحدى وستين وسبعمائة مع الصاحب فخر الدين بن قروينة رحمه الله تعالى، إلى دمشق المحروسة عندما تولى نظر مملكها ووالدي رحمه الله، استيفاء بها وكان له دوادار يسمى صبيح ويلقب جودر من عتقاء جده الوزير أمين الدين بن الغنائم وكان كثير النوادر لطيف الدقات، فاتفق أن جمال الدين ابن الرهاوي موقع الوزارة ركب يوماً فتقنطر به الفرس وداسه على رأس أحليله فحمل إلى داره وأقام أياماً إلى أن عوفي وحضر مجلس الوزارة وهو غاص بالناس، فقال له الصاحب فخر الدين ما سبب تأخيرك قال له تقنطرني الفرس وداس رأس إحليلي فكدت أموت والآن قد لطف الله تعالى وحصل البرء والشفاء فقال له صبيح جودر الحمد لله على سلامة الخصى فانقلب المجس ضحكاً وخجل ابن الرهاوي وانصرف. عود إلى ما كنا فيه: وصف الجماز رجلاً بالرعونة فقال: هو كالخصي يفتخر بزبه مولاه. قال كشجام في خادم اسود جائر: يا مشبهاً في فعله لونه ... لم تعد ما أوجبت للقسمة فعلك من لونك مستخرج ... والظلم مشتق من الظلمة وقال آخر وأجاد: جزا مذاكره بحق واجب ... إذا عندهم علم بخسة أصله

الباب السابع في البركة والفوارة والدواليب وما فيهن من كلام وجيز

لو أنهم تركوه يبقى سالماً ... ملأ البلاد أرذالاً من نسله وقال بعضهم واصاب: إن عاينت عيناك ظبياً سانحاً ... مع خادم يرعاه وهو شرود فاقنصه لطفاً بالزمام ولا تخف ... منه نفوراً فالزمام يقود نادرة: قيل أن بعض أولاد الملوك كان يعشق خادماً يسمى ديناراً وكان من أوحش ما يبكون فاتفق أن أجري عند ذكر مغن جميل، فقال بلغني أن فلسه أسود، فقال له بعض الحاضرين والله يا مولانا فلسه خير من دينارك فأخجله. ناردة قيل أن بعض الرؤساء كان له خادم وعبد فدخل يوماً وجد العبد فوق الخادم فضربه وخرج فرأى بعض أصدقائه فسأله عن عيظه، فقال هذا العبد النجس فعل بالخويدم الصغير فقال له مولانا السيد الكبير فخجل منه وأخرجها من مجانه. وما أظرف من قال موالياً: ستي الكبيرة لها الخدام والحشمة ... تحلف على النيك بالمصحف وبالختمة ... جاها الطواشي أفحشت لو نال من كلمة ... راحت يمين القواقية على قرمة وقال ابن إبراهيم المعمار: وإن من الخدام من ليس يرتجى ... مكارمه فالبعد منهم غنائم فلا تك ممن يتهمهم لحشمة ... فليس لهم بين الرجال محاشم أهدى بعض عمال مروان بن محمد الجعدي الأموي لمروان عبداً أسود فقال لكاتبه عبد الحميد اكتب إلى هذا العامل كتاباً مختصراً وذمه على ما فعل، فكتب إليه لو وجدت لوناً أشر من السواد وعدد أقل من الواحد لأهديته والسلام. ومن أحسن ما ورد في ذم السواد لا يحرم فيه محرم ولا يكفن فيه ولا تجلى فيه عروس. وما أظرف قول الشيخ جمال الدين بن نباتة: كان لي عبد يسمى فرجا ... نصب الغير عليه الشبكا فأنا الآن كما تبصرني ... ليس عندي فرج إلا البكا القول في الدهليز بكسر الدار فارسي معرب، والجمع الدهاليز وهو بين الباب والدار وأحسن ما فيه: ودهليز دار فيه للعين بهجة ... وللنفس فيه لذاذة أوطار إذا داخل لم يعتبر ما وراءه ... توهمه من حسنه أنه الدار وقال يحيى بن خالد ينبغي للإنسان أن يتأنق في دهليزه لأنه وجه الدار ومنزل الضيف وجلس الصديق حتى يؤذن له وموضع المعلم ومقيل الخدام ومنتهى حد المستأذن. وقال بعضهم: إذا كمل للإنسان في داره حسن ثلاثة مواضع لم يبال بما فاته وذكر من جملتها الدهليز. وللشيخ برهان الدين القيراطي فيه: أكرم بدهليز سما ... فإذا الكواكب من رفاقه دهليز مولى سعده ... ما زال يخدم في وطاقه قلت: من كان له عبد واسمع سعد ففي غاية الحسن. وقال الشيخ شهاب الدين ابن أبي حجلة بيتين وفيهما ما فيهما: دار ببدرا الدين أشرق نورها ... فبياضها من نوره مجبول دهليزها حلو البنا يبدو لنا ... طعمية في بابه ودخول الباب السابع في البركة والفوارة والدواليب وما فيهن من كلام وجيز البركة هي الموضوع المبني لاجتماع الماء ويسمى أيضاً الصهريج بكسر الصاد وهو اسم مشتق من الصهروح الذي تبنى به، والصهروج الكاس نفسه يقال: بركة مصهرجة إذا كانت مبنية بالصهروج، وقال الجوهري البركة كالحوض والجمع برك ويقال سميت بذلك لإقامة الماء فيها. حكى الأدييب أبو الربيع سليمان بن إسماعيل بن أبي الليث المسيحي قال جمعنا مجلس أنس مع الأديب أبي إسحاق إبراهيم بن أبي الثناء المسيحي بالفيوم وكنا في بستان فيه بركة عليه فوارة من الماء فتجاذبنا أهداب وصفها فقال أبو إسحاق: بركة يصعد الأنابيب منها ... يقعد الماء فوقها ويقوم فلدا أطلعت فواقع تبدوا ... كالقوارير من زجاج تعوم وكأن السماء صفحتها الزر ... قاء والياسمين فيها نجوم قال وقلت أنا: وبركة تذهل العقول لها ... تحار في حسن وصفها الفكر كأنها مقلة محدقة ... عبرا من الوجد نالها السهر تبكي وما فارقت لها وطناً ... يوماً ولا فات أهلها وطر تخال أنبوبها لصحته ... والماء يعلو به وينحدر كصولجان فضة سبكت ... فواقع الماء تحتها أكر قال الشيخ صفي الدين الحلبي (وتوفي سنة خمسين وسبعمائة) : والريح تجري رخاء فوق بحرتها ... وماؤها مطلق في زي مأسور

قد جمعت جمع تصحيح جوانبها ... والماء يجمع فيها جمع تكسير ولقد أجاد ابن طباطبا في قوله (ومولده سنة ست وثمانين ومائتين ووفاته سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة) : كم ليلة ساهرت أنجمها التي ... عرصات أرض ماؤها كسمائها قد سيرت فيها النجوم كأنما ... فلك السماء يدور في ارجائها أحسن بها بحراً إذا التبس الدجى ... كانت نجوم الليل في حصبائها ترنو إلى الجوزاء وهي عريقة ... تبغي النجاة ولات حين نجاتها تطفو وترسب في اصطفاق مياهها ... لا مستعان لها سوى أنمائها والبدر يخفق وسطها فكأنه ... قلب لها قد ربع في أحشائها ولا مزيد من الحسن على قول عبد الجبار بن حمد يس الصقلي يصف دوحة وأسوداً ترى بالماء (توفي المذكور سنة تسع وعشرين وخمسمائة) : وضواغم سكنت عرين رياسة ... تركت خرير الماء فيه زئيرا فكأنما غشى النضار جسومها ... وأذاب في أفواهها البلورا أسد كأن سكونها متحرك ... في النفس لوجدت هناك مثيرا وتذكرت قناتها فكأنما أقعت على أذنابها للشورى وتخالها والشمس تجلو لونها ... ناراً وألسنها اللواحس نورا فكأنما سلت سيوف جداول ... ذابت بلا نار فعدن غديرا وكأنما نسج النسيم لمائه ... ردعا فقدر سرده تقديرا وبديعة الثمرات تعبر نحوها ... عيناك بحر عجائب مسجورا شجرية ذهبية شرعت إلى ... شجر يؤثر في النهي تأثيرا قد صولحت أغصانها فكأنما ... قبضت بهن من الفضاء طيورا وكأنما يأتي لوقع طيرها ... أن تستقل بنهضها وتطيرا من كل ووقفة ترى منقارها ... ماء كسلسال اللجين نميرا خرس يقلن من الفصاح فإن شدت ... جعلت تغرد بالمياه صفيرا وكأنما في كل غصن فضة ... لانت فأرسل خيطها مجرورا وتريك في الصهريج موقع قطرها ... فوق الزبرجد لؤلؤاً منثورا وقال القاضي شهاب الدين بن فضل الله (مولده سنة سبعمائة، ووفاته سنة تسع وأربعين وسبعمائة) في ترجمة مجير الدين بن تميم (ووفاته سنة إحدى وثمانين وستمائة) وحكى: أنه جلس على بحيرة أشرقت سماؤها وطاف بكعبة المجلس ماؤها والشمس قد توسطت الظهيرة وأرخت ذوائب أشعتها الظفيرة واللجة قد نصبت في كل ناحية حباله وتناومت عينها فما رأت من الشيء إلا خياله والماء قد لبس من شعاع الشمس الغلاة وغابت سباع البركة فلعبت الغزالة فقال: ولما احتمت منا الغزالة بالسما ... وعز على قناصها أن ينالها نصبنا شباك الماء في الأرض حيلة ... عليها فلم نقدر فصدنا خيالها وذكر هذه الترجمة في كتابه مسالك الأمصار من كلام علي بن طافر العسقلاني قال: جلسنا على بركى ألقى عليها ورد أحمر ملأبكثرة نجومهع فسحة سمائها وصبغ بحمرة شعاعه صفحة مائها وأهدى زمردة إلى مقلتها الزرقاء فصح سرورنا بدائها. وقال المذكور في كتابه بدائع البداية أخبرني القاضي الأعز بن المؤيد رحمهما الله تعالى قال اجتمعت مع جماعة من أدباء الاسكندرية في بستان لبعض أهلها فحللنا روضاً تثنت قامات أشجاره وتغنت قيان أطياره وبين أيدينا بركة ماء كجو سماء فنثر عليه بعض الحاضرين ياسميناً زان سمائها بزواهر منيرة وأهدى إلى لجتها جواهر نثيرة فتعاطينا القول في تشبيهه وأطرق كل منا لتحريك خاطره وتنبيهه ثم أظهرنا ما حررنا ونشرنا ما حبرنا فأنشد عباس بن ظريف: نثر الياسمين لما جنوه ... عبثاً فاستقر فوق الماء فحسبنا زهر الكواكب تحكي ... زهر الأرض في أديم السماء قال والذي صنعته أنا: نثروا الياسمين في صفحة الماء ... فخلنا النجوم وسط الماء فكأن السماء في باطن الأر ... ض أو الدر طف فوق الماء وقال مجير الدين بن تميم في مليح يشرب من بركة: أقدي الذي أهوى بفيه شارباًَ ... من بركة رقت وطابت مشرعا أبدت لعيني وجهه وخياله ... فأرتني القمرين في وقت معا نادرة:

اكترى نحوي حمالاً ليحمل له زيراً فلما وصل إلى البيت وفيه بركة قال له النحوي اقفزن، فقفز فوقع فانكسر الزير، فقال ما هذا؟ قال جانب البركة ساكن والنون في اقفزن ساكنة فتحرك الزير بينهما بالكسر، فقال أحسنت ما أنت إلا عالم بيض الله وجهك. وقال الشريف العقيلي: وبركة قد افادنا عجباً ... ما ماج من مائها وما انسكبا من حول فوارة مركبة ... قد انحنى ظهر مائها تعبا وقال شمس الدين الطيب أحمد بن أبي المحاسن (مولده ببخارى سنة تسع وأربعين وستمائة ووفاته سنة سبع عشرة وسبعمائة بطرابلس) : النهر وافى شاهراً سيفه ... ولمعه يختلس الأعينا فماجت البركة من خوفه ... وارتعدت وادرعت جوشنا وقال مجير الدين ابن تميم مضمناً: لو كنت إذ أبصرتها فوارة ... للشمس من أمواجها لألاء رأيت أعجب ما يرى من بركة ... سال النضار بها وقام الماء وله مضمناً: لقد نزهت عيني أنابيب بركة ... تقابلني أمواجها بالعجائب أنابيب زادت في علو كأنما ... تحاول ثأراً عند بعض الكواكب وله: يا حسن نوفرة بدت في بركة ... أبداً يفيض الماء فيها ديدنا ما إن بدت إلا وظللت مفكراً ... في قدنوفر راح ينبت سوسنا وقال الوجيه المناوي: فوارة تشبه في شكلها ... سبيكة من فضة خالصه تلهيك بالحسن فقد أصبحت ... جارية ملهية راقصة وقد عكس بعضهم هذا فقال: وقينة ملهية قد غدت ... تستوقف السامع والرائي جارية راقصة أشبهت ... في وصفها فوارة الماء وقال ابن حجاج (توفي سنة إحدىوتسعين وثلاثمائة) : صنعت في دارك فوارة ... أغرقت في الرض بها الأنجما فاض على نجم السهى ماؤها ... فأصبحت أرضت تسقي السما وقال ابن تميم في بركة بشاذروان: ألا رب يوم قد تقضي ببركة ... اقمت بها فيما جرى متحيرا بعيني رأيت الماء فيها وقد جرى ... على رأسه من ساهق فتكسرا وقال الشيخ برهان الدين القيراطي: مذهب شاذرواننا ال? ... ?عالي المقام والرتب نال الغنى الماء به ... حين مشى على الذهب وقال فيه: لحسن شاذرواننا ... كل القلوب تعشق من أجل ذا الماء له ... قلب به معلق ومن كملام سيدي تقي الدين أبي بكر بن حجة في الفوارة كأنها سنان تطعن في صدر الظما، أو شجرة كدنا أنها طوبى لما ظهرت وأصلها ثابت وفرعها في السما، أو معترف بندا الماء وقد أفاض عليه عطاياه فيضا فرفع له لأجل ذلك فوق قناته راية بيضاء، أو عمود وفاء أشارت الناسي إليه بالأصابع أو ملك طالب السماء بودائع حتى قلنا إن إكليل الجوزاء له من جملة الودائع، أو أبيض طائراً علا حتى قلنا أنه يلتقط حباب النجوم الثواقب، أو شجاع ذو همة عالية تحاول ثأراً عند بعض الكواكب. وقال شهاب الدين بن أبي حجلة: وشاذروان ماء بات يجري ... كعين الصب روع يوم بين إذا ما قيل جد بالماء سريعا ... يقول نعم على رأسي وعيني وقال شيخنا الشيخ زين الدين بن العجمي (توفي سنة خمس وتسعين وسبعمائة) : تسلسل مائي وهو لا شك مطلق ... وصح حقيقاحين قالوا تكسرا وفي قلب مائي للقلوب مسرة ... وقالوا سيجري بالهنا وكذا جرا قلت: وقد تصرفت الفضلاء متأخر والعصر في هذه اللفظة أعنى وكذا جرى تصرفات حسنة فمنهم القاضي صلاح الدين الصفدي فقال: أملت أن تتعطفوا بوصالكم ... فرأيت من هجرانكم ما لا يرى وعلمت يوم فراقكم لا بد أن ... يجري له دمعي دماً كذا جرى ومنهم الشيخ عز الدين الموصلي فقال: رب نسيم قد سرى ... يحدو سحابا ممطرا أذياله بليلة ... تخبرنا بما جرى وقال أيضاً: حديث عذار الحب في خده جرى ... كمسك على الورد الجنى تسطرا فقبلته حتى محوت رسومه ... كأن لم يكن ذاك الحديث ولا جرى وقال الشيخ برهان الدين القيراطي: لم يبك حين بكيت من ... هجرانه متحسرا لكن حكى لك خده ال? ... ?مصقول صورة ما جرى وقال: كابرت عدل صبوتي ... في الدمع حين تحدرا قالوا بكيت صبابة ... فأجبت هذا ما جرى

وأنشدني سيدي وأخي تقي الدين أبي بكر بن حجة ابقاه الله تعالى لبعض المغاربة: وتحدث الماء الزلال مع الحصا ... فجرى النسيم عليه يسمع ما جرى فكأن فوق الماء شيئاً ظاهراً ... وكأن تحت الماء داراً مضمرا رجوع إلى ما كنا فيه قال ابن الظافر العسقلاني في كتابه بدائع البدائه: مررنا في بعض العشايا على بعض البساتين المجاورة لنهر النيل فرأينا بئراً عليها دولابان متحاذيان قد دارت أفلاكهما بنجوم القواديس ولعبت بقلوب ناظريهما لعب الأماني بالمفاليس وهما يئنان أنين أهل الشواق ويفيضان دمعاً أغزر من دموع العشاق، والروض قد جلا للأعين زبرجده والأصيل قد راق حسنه فنثر عليه عسجده والزهر قد نظم جواهره في أجياد الغصون والسواقي قد أدلت من سلاسل فضتها كل مصون، والنبت قد اخضر شاربه وعارضه وطرف النسيم قد ركضه في ميادين الزهر راكضة ورضاب الماء قد قد علاه في الظل ألمى وحيات المجاري حائرة تخاف أن يدركها من زمرد البنان العمى، والبحر قد صقل صقيل النسيم درعه وزعفران العشي قد ألقي في ذيل السماء ردعه فاستحوذ علينا ذلك الموضع استحواذاً وملأ أبصارنا وقلوبنا التذاذاً وملنا إلى الدولابين شاكين أرمزا حين شجت قيان الطير بألحانها أم شدت على عيدانها أم ذكرا أيام نعما وطابا وكانا أغصاناً رطابا فنفيا لذيذ الهجوع ورجعا النوع وأفاضا الدموع طلباً للرجوع. وقال مجير الدين بن تميم مضمناً: ودولاب روض كان من قبل أغصنا ... تميس فلما فرقتها يد الدهر تذكر عهداً بالرياض فكله ... عيون على ايام عهد الصبا تجري وقال: تأمل تر الدولاب والنهر إذ جريا ... ودمعهما بين الرياض غزير كأن النسيم الرطب قد ضاع منهمافأصبح ذا يجري وذاك يدور وقال بدر الدين يوسف بن لؤلؤ الذهبي (توفي سنة ثمانين وستمائة) : وروضة دولابها ... إلى الغصون قد شكا في حين ضاع زهرها ... دار عليه وبكى واستعمل هذا المعنى صلاح الدين الصفدي في غير الدولاب فقال: أضحى يقول عذاره ... هل فيكم لي عاذر الورد ضاع نجده ... وأنا عليه دائر وقال الشيخ جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة: أعجب لها ناعورة وقلبها ... للماء منشي العيش والعشب تعبانة الجسم لكنها ... كما ترى طيبة القلب وقال سعد الدين بن عربي (ومولده سنة ست وخمسين وخمسمائة، ووفاته سنة اثنتين وستمائة) : شاهدت دولاباً له أدمع ... تكلفت للروض بالريّ فأعجب له من فلك دائر ... ما فيه برج غير ماءي ولآخر: ابدى لنا الدولاب قولاً معجبا ... لما رآنا قادمين إليه إني من العجب العجيب كما ترى ... قلبي معي وأنا أدور عليه قال أبو حنيفة الدينوري الدولاب بضم الدال وفتحها كذا سمعته من فصحاء العرب. ولآخر: لله أزهار دوح بات يضحكها ... صوت الغمام بدمع منه منسفك حكت نجوم السما أزهارها فكاذ ... أضحى يدور بها الدولاب كالفلك وقال ابن نباتة: وناعورة قالت وقد ضاع قلبها ... وأضلعها كادت تعد من المسقم أدور على قلبي فإني فقدته ... وأما دموعي فهي تجري على جسمي ولآخر: وذات شجو أسالت ... مدامعاً لم تصنها تبكي بفرط دموع ... وتضحك الروض منها ولآخر: أشبه ما بين القواديس صوتها ... ومن كل وجه ماؤها يتحدر بأرملة ضمت إليها بناتها ... تنوح بشجو المدامع تقطر ولآخر: وناعورة قد ضاعفت بنواحها ... نواحي وأجرت مقلتاي دموعها وقد ضعفت مما تانَّ فقد غدت ... من الضعف والشكوى تعد ضلوعها سأل الشيخ نجم الدين القحقيري جماعة من الطلبة المشتغلة عليه عن قول الشاعر (ومولده سنة ثمان وستين وستمائة، ووفاته سنة أربع وأربعين وسبعمائة) : يأيها الحبر الذي ... علم العروض به امتزج ابن لنا دايرة ... فيها بسيط وهزج ففكر بعض الطلبة ساعة طويلة ثم قال هذا في الساقية لأنه أراد بالبسيط الماء والهزج صوت الساقية حال دورانها، فقال له الشيخ: ألا إنك درت فيها زماناً حتى ظهرت لك وهذا الكلام في غاية الطرافة من الشيخ رحمه الله تعالى وقال ابن تميم:

وناعورة قد ألبستها حبالها ... من الشمس ثوباًَ فورق أوراقها الخضر كطاوس بستان يدور وينجلي ... وينفض عن أرياشه بلل القطر وله: ايدت لنا بالعذر ناعورة ... أدمعها في غاية السكب تقول لما غاب قلبي ... وقد ضعفت بالنوح وبالندب صيرت جسمي كله أعينا ... تدور في الماء على قلبي وقال الشيخ زين الدين بن الوردي: ناعورة مذعورة ... للبين ثكلى حائرة الماء فوق كتفها ... وهي عليه دائرة وله: حالة الدولاب دلت ... أنه في فرط حزن كان يسقي ويغني ... صار يسقى ويغني وقال مؤلف الكتاب في مرثيته التي رثى بها دمشق وغيرها عند حلول الواقعة المشهورة من التتار: أعروسنا لك أسوة بحماتنا ... في ذا المصاب فأنتما أختان غابت بدور الحسن عن هالالتها ... فاستبدلت من عزها بهوان ناحت نواعير الرياض لفقدهم ... فكأنها الأفلاك في الدوران وقال ابن تميم: أيا حسنها من روضة ضاع نشرها ... فنادت عليه من الرياض طيور ودولابها كادت تذوب ضلوعه ... لكثرة ما يبكي بها ويدور وقال جمال الدين بن نباتة: وناعورة قسمت حسنها ... على واصف وعلى سامع وقد ضاع نشر الربا فاغتدت ... تدور وتبكي على الضائع وقال مؤلفه ارتجالاً جسيماً اقترح عليه والحالة كذا: كأن البحر إذ يزهو صفاه ... ونور البدر يشرق والسواقي دموعي ثم وجهك يا حبيبي ... وقلبي إذ شكا ألم الفراق قلت ومن المداعبات اللطيفة ما كتب به المرحوم القاضي فخر الدين بن مكانس إلى الشيخ بدر الدين البشتكي سلمه الله تعالى (ومولده سنة ثمان وأربعين وسبعمائة) وقد دار قي ساقية الهمائل وهو: دورة الابدر في سواقي الهمائل ... تركت أدمع العيون هوامل آه من للرياض نور أديب ... مظهر من كلامه سحر بابل فاق سعياً على بني عجل في ال? ... ?جود وأغنى عن الولي الهاطل زاد علماً على أبي ثور لكن ... قال بالدور ماؤه والسلاسل قد أعاد الجناس حسن نوار ... واتته ثورية فهو كامل يا سعيد أثرى من النظم والنث? ... ?ر فأنسى الورى زمان الفاضل قد سقيت الرياض يا شيخ بالدو ... ر فها غصنها من السكر مائل لم تدع من نباتة لم تجدها ... أنها بالثنا عليك تواصل وابن قادوس كان طالع في خد ... متك اليوم بالأوامر نازل وغدا بالظلال كل أديب ... في هجير الرمضاء بفضلك قائل وبروحي عيون نرجس روض ... يغزل الحسن بالندا ويغازل أنت شنفتها بشعرك زهراً ... وبعثت المياه فيها خلاخل كم غضون أينعتها فعليها ... هاج الطير والمحب بلابل أنت في الحالتين تصريفك الأح? ... ?رف أو كيمياء ذهنك واصل أنت لو لم تكن بحار علوم ... ما جرت في الرياض منك جداول كنت عندي أجلى قدراً وقد در ... ت في الثور للوجود الحامل وغدا قس بين لفظك والرو_ض على الحالتين عندك باقل أنت يا بدر فقت بلدر الدياجي ... فلهذا تبدو وذاك آفل يا خلياً أبثه الشجو إن لم ... يك عني كدمع عيني سائل والأديب المحب يشكو هواه ... للأديب المحب عند النوازل أنا مغرى بحب أحور اللمى ... نافثي يزري بغصن الخمائل من بني الترك قده اللدن واللح? ... ?ظ كلا الفاتنين أصبح ذابل أعين الزهر والغصون تراها ... شاخصات إذا مشى وموائل لا تقل بي الأعراب تحكم حسناً ... ما ترى للأعراب هذي العوامل ماس عجباً وقصده يقتل الخل? ... ?ق دلالاً وللدلال دلائل لا تلم في عذاره هتك شيبي ... أنا قد بعت آجلي بالعاجل ولعمري أنت الذكي وكلن ... أنت والله عن غرامي غافل ولئن كنت عاقلاً إنني من ... صبوتي في الهوى عن العقل عاقل هاك حالي شرحته فاغنني ... إن تكن يا أخي لهمي حامل وأطرح غتبها فعيش المحبي? ... ?ين محبون والعيش كالظل زائل دمت يا جامع المحاسن والشم? ... ?ل ولا زال غيث فضلك شامل

الباب الثامن في الباذهنج وترتيبه

أنت بدر أم أنت شمس فإنا ... قد رأيناك غرة في الأصائل وكفيت الحرار يا أشرف القو ... م ومن جوده ينعي ابن باخل الباب الثامن في الباذهنج وترتيبه قال القاضي محي الدين بن عبد الظاهر في باذهنج مطل على البحر أنا نعمى من ابتهج ... أنعش الروح والمهج وعن البحر يا نسي? ... ?م حدث ولا حرج وقال ابن سناء الملك (توفي سنة ثمان وستمائة) : وباذهنج علا علاء ... ولكنه قد هوى هواء دام عليك النسيم فيه ... وكأنه يطلب الشفاء وقال أبو الحسن عبد الكريم الأنصاري: ونفحة باذهنج أسكرتنا ... وجدت بروحها برد النعيم أتينا من أنيق الشكل سمح ... تراه مثل راووق النديم صفا وجرى الهوى فيه رقيقاً ... فسميناه راووق النسيم ومما يحسن أن ينشد على لسان الباذهنج قول بعض العرب: إذا الريح من نحو الحبيب تبسمت ... وجدت لرباها على كبدي بردا وإني بتهباب النسيم موكل ... طروب وبعض القوم يحسبني وللشيخ برهان الدين القيراطي: يا طيب نفحة باذهنج لم يزل ... بهوائه لنفوسنا تنفيس مغرى بجذب الريح من آفاقها ... فكأنه للريح مغناطيس وللشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة: وباذهنج لا خلت ... ديارنا من أنسه كأنه ميتم ... يلقى الهوى بنفسه وله: وباذهنج غدا في الجو منظر ... من فوق منظره تبدو على سنن فانظر فديتك يا محبوب رفعته ... واستنشق الريح من تلقاه يا سكني وله: يا باذهنجي كم كذا ... تعلو على بان الحمى ابديت حمقاً زائداً ... رفعت رأسك للسما وله مضمناً: ودار حكت قصر السمؤل فاغتدت ... تباهي ببنيان لها وتقول أرى باذهنجي في الهواء ارتفاعه ... يعز على من راحه ويطول وله مضمناً: يا باذهنجي أما ترثي لذي حرق ... يبدي لهيب الجوى مذبات يخفيها عودتنا صدقات من لطيف هوى ... فامنن علي بريح منك يجريها وله مضمناً: يا باذهنجي لا برحت من الهوى ... مثلي على حب الديار مولها داري بحبك دائماً مشغوفة ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها وله: وباذهنج تره كغصن بان ترنح ... يهتز عند العطايا لأنه يتريح وله ملغزاً فيه: وذي جناح طوله ... أضعاف ما في العرض ما جار في شرع الهوى ... وحكمه إذ يقضي ولم يطر مع كونه ... بين السما والأرض وقال أبو الفتح بن قادوس يهجوه: لك باذهنج قلب صب له ... نفس يصاعد لوعة الحرق مات النسيم به فأجمعنا ... نبكي عليه بأدمع العرق ولصدر الدين بن عبد الحق (توفي تقريباً سنة ثمانين وسبعمائة) : في الباذهنج لا تنم ... فما لمرضاه دوى لا يأمن الشخص الذي ... يسرق في الليل الهوى ولشهاب الدين بن أبي حجلة: وباذهنج ريحه ... تضرم نيران الجوى مدحته جهلاً به ... فراح مدحي في الهوى وله مضمناً فيه: هجا الشعراء جهلاً باذهنجي ... لأن نسيمه أبدا عليل فقال الباذهنج وقد هجوه ... إذا صح الهوى دعهم يقولوا وقال شهاب الدين السنبلي المالكي (توفي سنة أربع وستين وستمائة) : وباذهنج إذا حر المصيف أتى ... أهدى النسيم وقد رقت حواشيه مصغ إلى الجو ما ناجاه فحة ... إلا ونم عليه فهو واشيه وأكثر الناس ولوعاً بالباذهنج القاضي الفاضل فإنه قال من رسالة: إني من مدة سنتين وما قاربهما وهي المدة من تاريخها فرح بهجرة وكرى وعلو سعر شعري قد نظمت مائتين وخمسين ألف بيت من الشعر بشهادة عيانها وحضور ديوانها مثل قولي في باذهنج شديد الحرور كأنما يتنفس نفس مصدور ما يناهز ألف بيت كل مقطوع منها يخرع العقول اختراعه ويعفي المحاسن بديع ابتداعه. ومثل قولي في رجل طويل الآذان كأنهما في رأسه خفان أو قد عجل له منهما نعلان، ما يقارب ألف بيت تجاوزت بهما وأوريت وما أدخلت منها الشاعر إلى بيت. ومثل قولي في رثاء الوطن الذي درجت من وكره وخرجت فلم أخرج عن ذكره ما يناهز عشرة آلاف بيت ومثل قولي: في مدايح منصوصه ... وأهاجي مخصوصه

الباب التاسع في النسيم ولطافة هبوبه

وللشيخ برهان الدين القيراطي ملغزاً فيه: أهواءنا المختلفة ... قد أصبحت مؤتلفة في شامخ بأنفه ... على العوالي أنفه وذي جناح لم يطر ... ولك طير ألفه جناحه طول المدى ... يبدي علينا رفرفة كم من كئيب عاشق ... أهدى له مشرفه ولا يزال مرسلاً ... لنجوه ملطفه في الريح ضاع قول من ... على هواه عنفه عليله الصحيح كم ... شفى قلوباً دنفة وروحه لطيفة ... وذاته منحرفة عن قلبه الدين أرى ... حب الهوى قد صرفه ولم يكن مع الهوى ... أعطافه منعطفه هواه تحت طوعه ... كيف يشاء يصرفه كم عممت غمامة ... هامته المنكشفة ما زال غير ساكن ... ساكنه مذ ألفه وكلما لاح له ... من الهواء التقفه فنى الوليد ذاته ... بذاته مؤتلفه سكانها سميها ... في الغرب يبدي حيفه فيه تشتي عصبة ... قد اصبحت مصيفه ببدر ذو الرشد ولا ... ينسبه إلى السفه حمدت مع تبذيره ... وبذله تصرفه وكل ما أسرف في ... بلد شكرنا أسرفه ونصفه مع جبل ... ملك سطاه متلفه تصحيف ثلثيه جلت ... فض حديثه الشفة وثلثه حر فإن بلل ... حرف فدع من حرفه أنفاسه كم أودعت ... محاسناً مستلطفة كم رنحت من غصن ... ذي قامة مهفهفة معلتة وهو الصح? ... ?يح عند من قد عرفه وثوبه البيض لا ... يزال يبدي صلفه آخره مصنف ... لعالم قد صنفه وبيت سلطان غدا ... يصون فيه تحفه يكنى بسدسي لفظه ... عصابة مستنكفة وسدسه أرى السما ... والأرض والماء يألفه فاكشف معمى قلبه ... فمثلكم من كشفه نهار ذهنكم محى ... من الظلام سدفه يجري لحل المشكلا ... ت لم يخف توقفه وبحركم در وما ... صادفت فيه صدفة وللرقاب قلدت ... هباتك المؤلفة كل البرايا نكرة ... وأنت فيهم معرفة وخذ عروساً شنفت ... مذ جليت مشنفة زهير لو بان له ... زهر جلاها قطفة أغشى سناء طرفها ... إذا لاح طرف طرفه حديقة حاسدها ... يرعد مثل السفعه الباب التاسع في النسيم ولطافة هبوبه وإنما ذكرت النسيم لأنه من لوازم الباذهني، والنسيم الريح الطيبة ونسيم الريح أولها حين تقبل بلين قبل أن تشتد، ومنه الحديث "بعثت في نسيم الساعة" أي حين ابتدأت وأقبلت. وما أحسن قول بعضهم * نسيم الريح بسيب الروح * قال أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي الرياح المعروفة أربع: الصبا: وهي تسلي عن الكروب، والجنوب وهي تجمع السحاب، والشمال: وهي تعصره وتفرقه، والدبور، وهي تهدم البنيان وتقلع الشجر وهي المذكورة في القرآن الريح العقيم وريح عاصف وريح صرصر. وكل موضع جرى فيه ذكر الريح المراد بها الدبور والمراد بها العقوبة، وكل موضع جرى فيها ذكر الرياح في القرآن فإنه يرجع إلى الثلاثة التي تقدم ذكرها فيراد به الرحمة. وقيل: الرياح ثمان أربع من الجهات الأربع، وأربع تسمى النكب لميلها، وتنكيبها عن الجهات الأربع فالشمال من ناحية الشام وذلك عن يمينك إذا استقبلت قبلة العراق فهبوبها من تحت بنات نعش، ويقابلها الجنوب وهي باردة يابسة صافية من الكدر تشد الأعضاء وتسد المسام وتحصر الحرارة في الباطن فينهضم الغذاء وتصفو بها كدورة الروح الحيواني الذي في القلب من الأبخرة الدخانية وتديم الصحة وتقوي حواس الدماغ وذلك إن وصلت إلى الجسم باعتدال وهي قليلة الهبوب ليلاً؛ لذلك تقول العرب في أحاديثها أن الجنوب قالت للشمال إن لي عليك فضلاً لأنني أسري وأنت لا تسري، فقالت الشمال إن الحرة لا تسري. وكان المتوكل بيت مال يسميه بيت مال الشمال فكلما هبت شمالاً تصدق بألف درهم وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه قول سحيم عبد بني الحسحاس: وهبت شمالاً آخر الليل سحرة ... ولا ثوب إلا درعها وردائيا فما زال بردي طيبا من نباتها ... إلى الحول حتى أنهج البرد باليا فقال عمر: إنك مقتول، فاتهم بعد ذلك بامرأة فقتل.

قال أبو نواس (توفي سنة ثمان وتسعين ومائة) وفيه ثلاث روايات: هبت لنا ريح شامية ... منت إلى القلب بأسباب أدت رسالات الهوى بيننا ... عرفتها من بين أصحابي يحكى أن الصاحب بن عباد رحمه الله تعالى (مولده سنة ست وعشرين وثلاثمائة ووفاته سنة خمس وثمانين وثلاثمائة) كان إذا سمع هذين البيتين ترنح لهما. قال الشيخ شرف الدين أحمد بن يوسف القيسي حدثني من دخل سجستان وكرمان أن جميع أرحائهم ودواليهم تدور بريح الشمال قد جعلت منصوبة تلقائها، وأن هذه الريح تجري عندهم على الدوام صيفاً وشتاءً وهي في الصيف أكثر وأدوم وربما سكنت في اليوم والليلة أو مرات فيسكن كل رحى ودولاب بذلك الإقليم، ثم تتحرك فيتحرك وذكر أن هذه الدواليب المنصوبة بها اثنا عشر ألفا وتنقطع بانقطاعها قال والخصب والقحط في بلادهم معتبر بكثرة جريان ريح الشمال وقلته قال ولهم في الرحاء منافس تغلق ليقل ويكثر وذلك أنها إذا كانت قوية أحرق الدقيق فيخرج به أسوداً وربما حمي الرحاء فانفلق فهم يحتاطون لذلك بما ذكرناه. والصبا تأتي مع مطلع الشمس وهي القبول والدبور يقابلها وهي معتدلة ولا سيما إن هبت قبل طلوع الشمس في زمن الربيع، وهي لطيفة صافية تذكي الأذهان وتبسط الأخلاق ولا سيما إن مرت بمروج أزهار نافعة فإنها تحمل قواها إلى القلب والدماغ. وإلى نفعها أشار الشاعر: وصبا أتت من قاسيون فسكنت ... بهبوبها وصب الفؤاد البالي خاضت مياه النيرين عشية ... وأتتك وهي بليلة الأذيال وقال سيف الدين المشد (ومولده سنة اثنين وستمائة، وتوفي سنة خمس وخمسين وستمائة) مسكية الأنفاس تملى الصبا ... عنها حديثاً قط لم يملل جننت لما أن سرى عرفها ... وما نرى من جن بالمندل وقال مجير الدين الخياط (ومولده سنة خمسين وأربعمائة، ووفاته سنة أربع وعشرين وخمسمائة) : يا نسيم الصبا الولوع بوجدي ... حبذا أنت لو مررت بهند ولقد رابني شذاك فبالل? ... ?هـ متى عهده يا طلال نجد وقال المهيار الديلمي وتلطف (توفي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة) : حملوا ريح الصبا نشركم ... قبل أن تحمل شيحاً وخزاما وابعثوا لي في الدجى طيفكم ... إن أذنتم لجفوني أن تناما وروى المرزبان بإسناده أن المجنون خرج مع أصحاب له ليمتار في وادي القرى فمر بجبلي نعمان فقالوا: إن هذين جبلا نعمان وقد كانت ليلى تنزلهما، قال فأي ريح تجري من نحو أرضها إلى هذا المكان، قالوا: الصبا، فقال والله لا أبرح حتى تهب الصبا فأقام في ناحية الجبل ومضوا فامتاروا لهم ولهم ثم أتوا فحبسهم حتى إذا هبت الصبا رحل معهم وفي ذلك يقول: أيا جبلي نعمان بالله خليا ... نسيم الصبا يخلص إليّ نسيمها أجد بردها أو تشف مني حرارة ... على كبد لم يبق إلا صميمها فإن الصبا ريح متى ما تنسمت ... على نفس مهموم تجلت همومها وضمن البيت الأول الشيخ صفي الدين الحلي في مليح اسمه نعمان فقال: أقول وقد عانقت نعمان ليلة ... بنور محياه أنار أديمها وقد ارسلت الياه نحوي فسوة ... يروج كرب المستهام شميمها أيا جبلي نعما بالله خليا ... نسيم الصبا يخلص إليّ نسيمها أقول وعلى ذكر نعمان والكناية عنه فما ألطف ما ذكره الشيخ بدر الدين حسن بن زفر المتطبب الأربلي في كتابه روضة الجليس ونزهة الأنيس وهو أن بعض الرؤساء قال: أخبرني بعض الأصحاب قال كنت جالساً يوماً عند صديق لي بالموصل إذ جاءه كتاب من بغداد من صديقة له فيه نشوق وفيه هذا البيت عتاب وهو: تناسيتم العهد القديم كأننا ... على جبلي النعمان لم نتجمعا فأخذ يستحسن هذا البيت ويهتز له، فقلت له بالله عليك يا فلان أسألك شيئاً ولا تخفه عن، قال سل، قلت هذي معشوقتك صاحبة هذا البيت لأنها ذكرتك فيه بجبلي نعمان وجبلي نعمان كناية عند الظرفاء من الناس عن جانبي كفل المليحة والمليح، فقال والله ما أدركت من هذا البيت الذي أدركت.

وكان لبيد بن ربيعة العامري آلى في الجالهلية أن لا تهب صبا إلا نحر وأطعم الناس حتى تسكن وألزم نفسه ذلك في الإسلام فلما كانت أيام عثمان جعل ديوان لبيد في الكوفة، وخطب الوليد بن عقبة الناس في يوم صبا فقال: معاشر الناس إن أخاكم لبيد آلى في الجاهلية ألا تهب صبا إلا أطعم الناس حتى تسكن وقد ألزم نفسه ذلك في الإسلام وهذا اليوم من أيامه فأعينوه وأنا أول من يعينه، ونزل فبعث إليه مائة بكرة وكتب إليه يقول: أرى الجزار يشحذ شفرتيه ... إذا هبت رياح أبي عقيل أشم الأنف أصيد عامري ... طويل الباع كالسيف الصقيل ووفى الجعفري بما عليه ... على الغلات والمال الثقيل فلما أتاه الشعر قال لابنته يا بنية أجيبيه فقالت: إذا هبت رياح أبي عقيل ... دعونا عند هبتها الوليدا أشم الأنف أصيد عبشمياً ... أعان على مروته لبيدا بأمثال الهضان كأن ركبا ... عليها من بني حام قعودا أبا وهب جزاك الله خيرا ... نحرناها وأطعمنا الثريدا فعد إن الكريم بله معاد ... وظني يا بن أروى أن تعودا فقال أبوها أحسنت لولا أنك استطعمتيه. ولبيد هذا صحابي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه بني جعفر بن كلاب وهو صاحب إحدى القصائد المعلقات التي أولها: *عفت الديار محلها فمقامها* وإنما أمر ابنته أن تجيب الوليد لأنه لم يقل شعراً منذ أسلم، وقال بعضهم لم يقل في الإسلام إلا قوله الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى اكتسيت من الإسلام سربالا وقيل: هذا البيت لغيره، وهو أصح. وقيل هذا البيت الذي قاله في الإسلام بيت عجزه: *والمرء يصلحه القرين الصالح * وقال له عمر رضي الله عنه يوماً يا أبا عقيل أنشدني شيئاً من شعرك فقال: ما كنت لأقول شعراً بعد أن علمني الله البقرة وآل عمران فزاده في عطائه خمسمائة وكان ألفين. وقالت عائشة رضي الله عنها رويت من شعر لبيد إثني عشر ألف بيت، وقالت أيضاً رحم الله لبيداً حيث قال: ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب قلت: كيف لو أدرك زماننا. وكان لابن الجوزي رحمه اللته تعالى زوجة اسمها نسيم الصبا فاتفق أنه طلقها فحصل له بعد ذلك ندم وهيام أشرف به على العدم فحضرت في بعض الأيام مجلس وعظه فحين رآها عرفها، فاتفق أنه جاء امرأتان وجلستا أمامه فحجبتاها عنه فأنشد في الحال: *أيا جبلى نعمان بالله خليا* وهذا من جملة لطائفه وظرائفه. ومنها أنه أنشد في بعض مجالس وعظه: أصبحت ألطف من مر النسيم سرى ... على الرياض يكاد الوهم يؤلمني من كل معنى لطيف أجتني قدحا ... وكل ناطقة في الكون تطربني فقام إليه إنسان وقال فإن كان الناطق حماراً، فقال أقول له يا حمار اسكت. وقال صلاح الدسين الصفدي: وقال عائشة (رويت من شعر لبيد اثني عشر ألف بيت، وقالت أيضاً رحم الله لبيداص حيث قال: ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب قلت: كيف او أدرك زماننا. وكان لابن الجوزي رحمه الله تعالى زوجة اسمها نسيم الصبا فاتفق أنه طلقها فحصل له بعد ذلك ندم وهيام وأشرف به على العدم فحضرت في بعض الأيام مجلس وعظه فحين رآها عرفها، فاتفق أنه جاء امرأتان وجلستا أمامه فحجبتاها عنه فأنشد في الحال: *أيا جبلي نعمان بالله خليا* وهذا من جملة لطائفه وظرائفه. ومنها أنه أنشد في بعض مجالس وعظه: أصبحكت ألطف من مر النسيم سرى ... على الرياض يكاد الوهم يؤلمني من كل معنى لطيف أجتنى قدحاً ... وكل ناطقة في الكون تطربني فقام إليه إنسان وقال فإن كان الناطق حماراً، فقال أقول له ياحمار اسكت. وقال صلاح الدين الصفدي: صدّق خلي نسمات الصبا ... فيما روت عنكم وما شك قال لا أخبر منها بما ... جاءت به قلنا ولا أذكى وقال جمال الدين بن نباتة: يداوي أسا العشاق من نحو أرضكم ... نسيم صبا اضحى عليه قبول بروحي من ذاك النسيم إذا سرى ... طبيب يداوي الناس وهو عليل وقال شهاب الحاجبي (توفي قريباً من سنة سبعين وسبعمائة) : لاتعبثوا غير الصبا بتحية ... ما طاب في سمعي حديث سواها

حفظت أحاديث الهوى وتضوعت ... نشراً فيا لله ما أذكاها وقال بدر الدين بن الصاحب: أسكرتم ريح الصبا بالشذا ... حتى أذاعت سمرنا بالبطاح لاتعتبوها إن أذاعت هوى ... فما على السكرى بهذا جناح وقال بدر الدين حسن العربي (ومولده سنة ست وسبعمائة، ووفاته سنة خمس وخمسين وسبعمائة) : سرت من بعيد الدار لي نسمة الصبا ... فقد أصبحت حسرى من اليسر ظالعه ومن عرق مبلولة الجيب بالندا ... ومن تعب أنفاسها متتابعة ولما أنشدتهما السيد القاضي صدر الدين بن الأدمي فسح الله في أجله (مولده سنة ثمان وستين وسبعمائة) قال: لو قال الشيخ بدر الدين: *فقد أصبحت معتلة وهي ظالعة * لكان أحسن من قوله حسرى، ولعمري صدق فيما قاله. وما ألطف القاضي أمين الدين عثمان بن عطايا في قوله: أنا أهوى غصن النقا وهولاه ... وفؤادي بحبه في التيه يا نسيم الصبا ترفق عليه ... وتلطف به ولا تؤذيه وتحمل رسالة ليس إلا ... كأمين في حملها ارتضيه وغذا لم يكن رسولي نسيم ... نحو غصن النقا فمن يثنيه وللشيخ شمس الدين الواسطي، من متأخري شعراء الديار المصرية من موشحه: نسائم الأسحار * بنشرها الفواح * تحرك الأغصان * لأنها أرواح فقم بنا نسعى * لمربع يانع * للماء والمرعى * فيه غدا جامع قد أطرب السمعا *قمرية الساجع كأنما تكرار * غناه في الأدواح * ضرب من العيدان * لمن غدا أو راح ولمؤلف الكتاب لطف الله به: إن هبت الأرواح من نحوهم ... فانتشتت الأشباح من راحها لاتعتبونا في الهوى وأسكنوا ... اشباحنا حنت لأرواحها ولم أر أحداً وصف الريح غير الأديب أبي القاسم أسعد بن علي الكاتب المترسل في قوله: كأن شكل الهلال قرط ... أو عطفه النون أو قلامه كأن لون الهواء ماء ... أو سندس رق أو غمامة حكي أن نور الدين علي بن سعيد صاحب المرقص والمطرب مر مع جماعة من الأدباء المصريين ومنهم أبو الحسين الجزار فمروا في طريقهم بمليح نائم تحت شجرة وقد هب الهوى فكشف ثيابه عنه، فقال أبو الحسين الجزار قفوا لينظم كل واحد منا في هذا شيئاً، قال فما لبث ان قال نور الدين: الريح أقود ما يكون لأنها ... تبدي خبايا الردف والأعكان وتميل بالأغصان عند هبوبها ... حتى تقبل أوجه الغدران وكذلك العشاق يتخذونها ... رسلاً إلى الأحباب والأوطان فقال أبو الحسين ما بقي أحد منا يأتي بمثل هذا سيروا بنا. وقال النور الأسعردي (ووفاته سنة ست وخمسين وستمائة) : تميل الريح بالأغصان لطفاً ... كما مالت بشاربها العقار وتجمع بينها من بعد بعدٍ ... وأوراق الغصون لها آزار وتخفق غيرة عند التلاقي ... فهل أبصرت قواداً يغار وما أحسن قوله وإن كان في غير ما نحن فيه: أعدي سقام جفونه ... جسمي وأعدمني الكرا حتى اعتللت بسرعة ... مثل النسيم إذا سرى وأنشدني من لفظه لنفسه الشيخ العلامة عز الدين أبي الخير علي ابن أبي الشيخ بهاء الدين الحسين الموصلي تغمده الله بالرحمة: تغمده الله بالرحمة: ربَّ نسيم قد سرى ... تحدو سحابا ممطراً أذياله بليلة ... تخبرنا بما جرى وأنشدني من لفظه لنفسه سيدي الشيخ وأخي تقي الدين أبي بكر بن حجة الحموي فسح الله في أجله، من قصيدة تنبوية اولها: شدت بكم العشاق لما ترنموا ... فغنوا وقد طاب المقام وزمزم وضاع شذاكم بين سلع وحاجز ... فكان دليل الظاعنين إليكم ولما روى أخبار نشر ثغوركم ... أراك الحمى جاء الهوى يبتسم وقال القاضي مجير الدين بن عبد الظاهر: شكر النسمة أرضهم ... كم بلغت عني تحية كم قد أطالت بل أطا ... بت في رسائلها الزكية لا غرو أن حفظت أحا ... ديث الهوى فهي الذكية ومن هنا أخذ صلاح الدين الصفدي قوله وهو حسن عندي: يا طيب نشر هب لي من أرضكم ... فآثار كامن لوعتي وتهتكي أهدي تحيتكم وأشبه لطفكم ... وروى شذاكم إن ذا نشر ذكي وقال شهاب الدين أبي حجلة مخاطباً صلاح الدين:

إن ابن أبيك لم تزل سرقاته ... تأتي بكل قبيحة وقبيح نسب المعاني في النسيم لنفسه ... جهلاً وراح كلامه في الريح وكان القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله تعالى يحب مغنياً اسمه النسيم وله فيه عدة مقاطيع وقد ذكر بعضها الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة من رقعة كتبها القاضي علاء الدين بن فضل الله في منزلة الأهرام قال: وقد كان تقدم من انعامه ثوب صوف أحمر، ونصفه في يوم ماطر ونسأل الله تععالى أن لا يخلى ذوي العارض الممطر من جاه مولانا العريض وحلل أنعامه التي هي كالدنانير الحمر والدراهم البيض ونصف مبيتة في هذه المنزلة التي أصبحت كليلة اتلقدر عندي ذات أندية وخيامها التي ولو طكان طالعة بها سعد الأخبية وبردها اليابس الذي لم يترك منه رطباً سوى لسانه حين يرجع بالغيث فإن شبت من هوله فالهرم أمامي وإن فرزت من نسيمه فهوى ناقتي خلفي وقدامي. هوى تذرف العينان منه وإنما ... هوى كل نفس حيث حل حبيبها فلو حكم به على القاضي محيي الدين بن عبد الله الظاهر رحمه الله تعالى وقد حمى بهبوبه الوطيس لاشتغل بنفسه ولترك محبوبه النسيم في الريح المريس وذلك بعد أن قال فيه: إن كانت العشاق من أشواقهم ... جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا فأنا الذي أتلو لهم يا ليتني ... كنت اتخذت مع الرسول سبيلا فقلت كأني حاضر أخاطبه: إن كنت في عشق النسيم متيماً ... وزعمت أن هواه ليس بمتلف فأنا أقول لمن تحرش بالهوى ... عرضت نفسك للبلا فاستهدف وقال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر فيمن اسمه نسيم: يا من غدا لي من عوا ... صف هجره الريح العقيم أترى يطيب لي الهوى ... ويقال لي رق النسيم فقلت له مجاوباً: بالله إن رق النسيم وأخمدت ... نار تؤجهها يد التبريح نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ودع العذول وقوله في الريح قلت: وعلى ذطكر الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة رسالته المذكورة في ليلة من جمادى ذات أندية ذكرت ما قاله الشيخ المحدث الرحلة فتح الدين محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس رحمه الله تعالى قال: كان القاضي فخر الدين بن نعمان والقاضبي تاج الدين أحمد بن الأثير (توفي تاج الدين سنة سبكعين وستمائة) صحبة السلطان على تل العجول ولفخر الدين مملوك اسمه الطنبا فاتفق أنه دعى لمملوكه المذكور بالطنبا، فقال له نعم ولم يأته وتكرر طلبه وهو يقول نعم ولم يأته، وكانت ليلة مظلمة مطيرة فأخرج فخر الدين راسه من الخيمة وقال تقول نعم ولم أرك فقال تاج الدين: في ليلة من جمادى ذات اندية ... لا يبصر الكلب في أرجائها الطنبا وقال بعض العشاق: ألا يا نسيم الريح مالك كلما ... تدانيت منا زاد نشرك طيبا أظن سليمى خبرت بسقامنا ... فاعطتك رياها فحييت طبيبا وكان أبو الفرج الوأواء محمد بن أحمد الدمشقي من حسنات الشام وصناعة الكلام وكان مبدأه منادياً بدار البطبيخ بدمشق قال: قال ابن خلدون كان الفتح بن خاقان يأنس بي ويطلعني على الخاص من أموره فقال: مرة يا أبا عبد الله لما دخلت البارحة إلى منزلي استقبلتني جارية من جواري فلم أتمالك دون أن قبلتها فوجدت بين شفتيها هوى لو رقد المخمور فيه لصحا، فكان ذلك مما يستملح ويستظرف من الفتح بن خاقان فسمع الوأواء ذلك فقال: سقى الله ليلاً طاب إذ زاد طرفه ... فأفنيته حتى الصباح عناقا بطيب نسيم منه يستجلب الكرى ... فلو رقد المخمور فيه أفاقا وقال علاء الدين الجويني صاحب الديوان دوبيت: لله مبيتنا بضوء القمر ... والحب نديمنا وصوت الوتر قد فرق بيننا نسيم سحراً ... ما أبرد ما جاء نسيم السحر وما ألطف ما قال سيدي تقي الدين بن حجة أبقاه الله تعالى من موشحة امتدح بها سيدنا ومولانا الإمام العلامة المفنن قاضي القضاة أبي الحسن علاء الدين الشهير بالقصا الحاكم بمدينة حماة المحروسة اسبغ عليه ظلاله مضمناً: بالله يا برق إن أومضت في الثغر ... وحارس اللحظ في شك من الخبر قف بالثنيات واذكرني إذا عذبت ... مسهلات عذيب الثغر في السحر وأرسل عليل النسيم خلفي ... معرفاً بالشذا ومشفى

الباب العاشر في الفرش والمساند والأرائك

ولا تقل إنه المعتل في شغل ... فربما صحت الأجساد بالعلل وللقاضي الفاضل: يا لمعة البرق بل يا هبة الريح ... روحي بجسمي إلى من عنده روحي خذي لهم من دموعي عنبراً عبقاً ... وأوقديه بنار من تباريحي ناشدتك الله غلا كنت مخبرة ... عني بأنهم ذكري وتسبيحي وذكر الوهراني في أول منامه هذه الأبيات ولم أدر هي له أم لغيره (توفي سنة خمس وسبعين وخمسمائة) : أيا نفحة أهدت إليّ تحية ... ينم عليها العرف من أم سالم مشت في أراك الواديين فنبهت ... به كل نشوان المعاطف ناعم ألا إنما أحكي بدمعي ولوعتي ... بكاء الغواني وانتحاب الحمائم حكي عن الأصمعي انه قال: كانت امرأة من العرب تأتي بصبية لها قبل الصبح فتقف على تل عال هناك وتقول: أي بني خذوا صفو هذا النسيم قبل أن تكدره الخلائق بأنفاسها. ولمؤلف الكتاب لطف الله به قصيدة: ألا يا نسمة الريح ... وفي أيديك تبريحي قفي أسألك عن قلبي ... وإن شئت أقل روحي الباب العاشر في الفرش والمساند والأرائك ذكر القاضي الرشيد أبو الحسين أحمد بن القاضي الرشيد بن الزبير في كتابه (العجائب والطرف والهدايا والتجف) أنه لما عزم المتوكل على إعذار المعتز أمر الفتح بن خاقان بالتأهب لذلك وأن يلتمس في خزائن الفراش بساطاً للإيوان في طوله وعرضه، وكان طوله مائة ذراع وعرضه خمسين ذراعاً، فلم يوجد إلا في ما مضى من بني أمية فإنه وجد في أمتعة هشام بن عبد الملك على طول الإيوان وعرضه، وكان بساطاً لم ير لأحد مثله ابريسمى مذهب مقزوز مبطن فلما رآه المتوكل استحسنه وبسطه في الإيوان بعد أن قوم في أوسط التقويم بعشرة آلاف دينار ونصب للخليفة في صدر للخليفة في صدر الإيوان سرير ومد بين يديه أربعة آلاف مرفع ذهب مرصعة بالجوهر فيها تماثيل العنبر والمسك والكافور المعمول على مثل الصور منها ما هو مرصع بالجوهر مفرداً ومنه ما عليه ذهب وجوهر، وجعلت بساطاً ممدوداً أو قعد المتوكل والناس جلوس وهو على سريره وحضرت القواد والأمراء والندماء وأصحاب المراتب وجلسوا على مراتبهم، ووضعت بين أيديهم من الجانبين وللسماط فرجة وجاء الفراشون بزمل غشيت بأدم مملوء دنانير ودراهم نصفين وصب في تلك الفرجة حتى ارتفعت، وقام الغلمان دونها وأمر الناس بالشرب وأن ينتقل كل من يشرب من تلك الدنانير والدراهم ثلاث حفنات بمقدار ما حملت يداه، وكلما فرغ صب فيه الزمل حتى يرد إلى حالته، ووقف غلمان في آخر المجلس فصاحوا أن أمير المؤمنين أمر أن يأخذ من شاء ما شاء فمدوا أيديهم إلى المال وأخذوه، وكان إذا أثقل الواحد ما في كمه ناوله إلى غلمانه ثم يعود إلى مجلسه، وخلع على من حضر ثلاث خلع حسان على مراتبهم، وأقاموا إلى أن صليت العصر والمغرب وحملوا عند انصرافهم على الخيل والنهارى، وأعتق المتوكل عن المعتز ألف عبد وأمر لكل واحد منهم بمائة درهم وثلاثة أثواب، وكان في حصن الدار بين يدي الإيوان أربعمائة مكبة عليها أنواع الثياب وبين أيديهم مكلة فيها أنواع الفاكهة، وتقدم إلى صاحب الباب أن ينثروا على خدام الدار والحاشية ما كان أعد لهم وهو ألف درهم فلم يقدر أحد على التقاط شيء فأخذ الفتح درهماً فاكب الجماعة على المال فنهبوه وكانت قبيحة أم المعتز بالله قد تقدمت بضرب دراهم عليها مكتوب (بركة من الله وأعذار أبي عبد الله) فضرب ألف ألف درهم نثرت على وجوه الغلمان والشاكرية وقهرمانات الدار والخدام والخاصة من الصبيان والسودان. وسأل أبو العباس الصولي حرملة المزني كم وصل إليك من إعذار المعتزل فقال: صار إلى أن وضع الطعام نيفاص وثمانين ألف دينار سوى المصاغات والخواتيم والجواهر.

وحضر المجلس محمد المنتصر وأبو أحمد وأبو سليمان ابنا الرشيد، وأحمد وأبو العباس ابنا المعتصم، وموسى بن المأمون وابنا حمدون النديم، وأحمد بن أبي رويم والحسين بن الضحاك، وعلي بن الجهم وعلي بن يحيى المنجم وأخوه أحمد، ومن المغنين: عمرو بن بانة وأحمد بن أبي العلاء والحفصي بن المكي وسلمك الرازي وثمرة وسلمان الطبال والمسدود وأبو حشيشة بن الفضل وصالح الدفاف وزنام الزامر وتفاح الزامر، ومن المغنيات: غريب وبدعه جاريتها وشراب وجواريها وندمان وننغم ونحلة وتركية وقديرة ورائك وعرفان. قال وأقام المتوكل بالقصر ثلاثة ايام ثم صعد إلى قصره الجعفري وتقدم إلى ابراهيم بن العباس يعمل حساب ما أنفق فاشتمل على ستة وثمانين الف ألف دينار وفضل بعد القسم عن الناس وإخراج الخمس مما في المدائن بساط كسرى أنفذه إلى عمر بن الخطاب (فقسمه بين الناس، فأصاب على قطعة منها بعشرين ألف دينار وما كانت بأجود القطع، وكانت الفرس تسميه القطف وكان طوله ستين ذراعاص في عرض ستين حرير فيه طرق كالصور وفيه فصوص كالأنهار، وخلال ذلك في الأفريز وفي حافاته كالأرض المزروعة المقبلة بالنبات في أوان الربيع في قضبان الذهب والفضة ونواره كالجواهر وأشباه ذلك وشبه فصوص ورسمه بالجواهر وزخرفته بحرير وذهب، وكانوا يدخرونه للشتاء إذا ذهبت الرياحين وأرادوا الشرب شربوا عليه فكأنهم في رياض وكان أفضل ما أصيب بالقادسية وكانت قيمته ستة وثلاثين ألف ألف دينار. ووجد لم المعتز ثلاث دواويج كانت تستعملهنم فقوم الدواج بأكثر من ألف دينار ووجد لها جلود السمور فتحلق ما عليها من الوبر وترمي الجلود فإذا اجتمع من ذلك ما يكفي الدواج تنثر فيه مع فتت من المسك والعنبر وتجعله بين البطانة والظهارة عوضاً عن القطن. وقال القاضي الفاضل: بساط يرى التيجان تهوى للثمه ... فما هو إلا قبلة أو مقبل إذا نشرت من نقشه لك روضة ... بدا فوقها من كفه لك جدول وأفضل أجزاء الجسوم رؤوسها ... وأرجلها في وطئ بسطك أفضل دخل محمد بن عمران علي المأمون ذات ليلة فجعل يأمره وينهاه ثم دعا له بمتكأ فقال أعيذك بالله يا أمير المؤمنين ما كنت لاتكئ في مجلسك، فقال له إن على قلبك من بدنك ثقلاً ومئونة فأردنا أن يستريح بدنك ليفرغ لنا قلبك. وقال محيي الدين بن عبد الظاهر ملغزاً في شبرية: وهندية موطوءة غير أنها ... إذا افترشت أغرتك بالبيض والسمر تعانق من أعطافها خبزارنة ... وتلمح من أزرارها طالع البدر وأعجب من ذا إنها إذ تقيسها ... تفوتك طولاً وهي تعزى إلى شبر وأنشدني من لفظه لنفسه الشيخ الفاضل بقية المتأخرين شمس الدين محمد بن بركة الجرائحي سلمه الله تعالى (مولده سنة خمس وثلاثين وسبعمائة) : يقول محدثي لما اضطجعنا ... ووسدني حبيب القلب زنده قصدتم عند طبيب الوصل هجري ... خذوني تحت رأسكمو مخده وأنشدني لنفسه أيضاً: بشحانة تطرزت ... قالت بلفظ موجز على الحرير قد سما ... قدري والمطرز وقال الشاعر الظريف محمد بن العفيف: بساط يملأ الأبصار نوراً ... ويهدي للقلوب به سرورا ويشرح حين يبسط كل صدر ... وخير البسط ما أرضى الصدورا وقال ظافر الحداد فيما يكتيب على كرسي: نزه لحاظك في غريب بدائعي ... وعجيب تشبيهي وحكمة صانع فكأنني كفا محب شبكت ... يوم الوداع أصابعا بأصبع

الباب الحادي عشر في الأراييح الطيبة والمروحة وما شاكل ذلك

وذكر القاضي الرشيد بن الزبير في كتابه (العجائب والطرف) قال الفضل بن الربيع لما ولى محمد الأمين الخلافة في سنة ثلاث وتسعين ومائة أمرني أن أحصي ما في الخزائن من الكسوة والفرش والآنية والآلة، فاجتمعت كتاب الخزائن وأقاموا أربعة أشهر يحصون، فأشرفت على ما لم أتوهم أن خزائن الخلافة تحويه ثم أمرهم أن يعملوا لكل صنف جملة فكان في خزائن الكسوة أربعة آلاف جبة منسوجة بالذهب وعشرة آلاف قميص وغلالة وعشرة آلاف خف وألفا سروال وكثير من أصناف الثياب وأربعة آلاف عمامة وألف طيلسان وخمسة آلاف منديل من أصناف المناديل وخمسمائة قطيفة خز ومائة ألف وسادة ومخدة خز وألف بساط ملون وألف مخدة ميساني وألف وسادة ميساني وألف بساط طبرستاني وألف وسادة ديباج وألف وسادة خز مرقوم وألف ستر حرير ساذج وثلاثماءة ستر مرقوم وخمسمائة بساط طبري وألف وسادة طبري وألف مرقعة وألف مخدة طبري، ومن الآنية ألف طست ذهب وألف أبريق ذهب وثلاثمائة كانون فضة وذهب وألف نور شمع ذهب وألف قطعة نحاس من سائر الأصناف وألف منطقة ذهب، ثم ذكر السلاح وأصنافه وقد ذكرته في بابه. الباب الحادي عشر في الأراييح الطيبة والمروحة وما شاكل ذلك قال أنس بن مالك (: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فنام عندنا فعرق وجاءت أمي بقارورةو فجعلت تسلت فيها العرق فاستيقظ فقال: يا أم سليم ماهذا الذي تفعلين قالت عرقك نجعله في طيبنا وهو من أطيب الطيب. وما أحق هذا الطيب بقول القائل وهو الشيخ عز الدين الموصلي: تنشق مسك أصداغي حلالا ... فهذا الطيب من عرق الجبين وقال عمر بن الخطاب (: لو كنت تاجراً ما اخترت غير المسك إن فاتني ربحه لم يفتي ريحه. أهدى عبد الله بن جعفر لمعاوية قارورة من الغالية، فسأله كم أنفق عليها فذكر مالاً كثيراً، فقال هذه غالية فسميت بذلك. وما أحسن قول أبي بكر الخوارزمي (توفي سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة) : وطيب لا يحل بكل طيب ... يحيينا بأنفاس الحبيب متى تشمه أنف حن قلب ... كأن الأنف جاسوس القلوب وكان يوزن بين يدي عمر بن عبد العزيز (مسك للمسلمين فيأخذ بأنفه لئلا يصيب الرائحة ويقول: وهل ينتفع إلا بريحه. وقال جعفر بن سليمان الهاشمي في الطيب أربع خصال: لذة ومروة ومنفعة وسنة. ولما دخل عمر بن عبد العزيز بفاطمة بنت عبد الملك بن مروان ابنة عمه أوقد في مسارجها تلك الليلة الغالية فقوم ثمن ذلك فبلغ عشرين ألف دينار. ناديرة: تبخر بعض الأمراء وعنده مزيد ففطرت منه رويحة خفيفة وأراد أن يدري هل فطن لها مزيد، فقال ما اطيب هذه المثلثة، فقال نعم إلا انك ربعتها. سئل جالينوس عن منافع الطيب فقال: المسك يقوي القلب، والعنبر يقوي الدماغ والكافور يصلح الرئة، والعود يقوي المعدة، والغالية تحلل الزكاة، والمثلث ينشف العرق. وقال ضياء الدين المناوي في المسك: المسك أنفس طيب ... مثل الشباب وزينه إن كان للطيب عين ... فالمسك إنسان عينه وله في العود: المندلىّ كريم ... سقيا له ولغرسه لما أراد يرينا ... للهند نسبة جنسه غدا على النار ملقى ... يجود فيها بنفسه وقال الشيخ زين الدين بن الوردي: تجادلنا أماء الزهر أذكى ... أم الخلاف أم ورد القطاف وعبقي ذلك الجدل اصطلحنا ... وقد حصل الوفاق على الخلاف ولبعضهم في مبخرة: عطرت مجلسي بنية طيب ... أعربوا شكلها بحسن البخاري وإذا اعتل للنسيم بخار ... اسندوا نحوها صحيح البخاري وللشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة فيها: ومبخرة تحكي المتيم في الهوى ... تبوح بما تلقاه من شدة الكرب تقةول وقد نمت بعرف بخورها ... أأكتم ما ألقاه والنار في قلبي ولمؤلفه لطف الله به وإن كان مقصودنا: مذ باعني بالآس لا ... بالبان من أعطافه حكموا بصحة بيعه ... مع علمهم بخلافه وله: سرحت مشطي سائلاً ... تصحيف قولي غاليه إن لم تجد برخيصها ... فالنار منها غاليه وقال الشيخ جلال الدين بن خطيب داريا: حكيت في اللطف نسج العنكبوت على ... أني ظهرت لكم من جوهر قاسي

يكاد أن لا يراني غير ذي نظر ... من اللطافة إلا طيب أنفاسي صفة غالية لذيذة يؤخذ مسك جيد جزء وعنبر ربع جزء ومسك جزآن وسنبل الطيب جزء يسحق الجميع ناعماً ويعجن بدهن بان ويرفع ويستعمل. صفة ند له في تفريح القلب أمر عجيب وفعل بالغ غريب. يؤخذ عنبر جيد فيوضع في إناء مسطح من نحاس على نار ويصب عليه شيء يسير من ماء ورد ويترك إلى أن يلين ويدعك ويعلق به وزنه مسك جيد ومثل نصف وزنه عود مسحوقاً ويدعك دعكاً جيداً ويبسط على رخامة ويقطع قطعاً ويبخر به فإنه عجيب في تقوية القلب والقوة وإحداث التفريح صفة ذريرة منسوبة إلى جعفر البرمكي وكان كثير التبخير بها في أكثر ساعات نهاره وليله: يؤخذ سليخة وقرنفل وفاغرة من كل واحد جزء وسنبل الطيبب وقسط مر وصندل مقاصيري وعود وكبابة وفاقلة من كل واحد نصف جزء وزعفران ربع جزء يدق الجميع ناعماً ويوضع في إناء من صيني ويسقى بماء الورد وماء القرنفل والنمام وماء الآس كل يوم مدة ثلاثة أيام، ثم يترك إلى أن يجف ويسحق ناعماً ويضاف إليه كافور ومسك ويتبخر به. نقلت هذه الصفحة من كتاب (مفرج النفس) تأليف الحكيم الفاضل بدر الدين مظفر بن قاضي بعلبك الذي ألفه للأمير الفاضل سيف الدين عمر بن قول المشد تغمده الله بالرحمة. القول في المروحة: وهي ثلاثة أنواع: مروحة الخيش، ومروحة الأديم، ومروحة الخوص، ومن أحسن ما سمع فيها قوله عرقلة: ومحبوبة في القيض لم تخل من يد ... وفي القر يسلوها أكف الحبائب إذا ما الهوى المقصور هيج عاشقاً ... أتت بالهوى الممدود من كل جانب وقال ابن معقل: ومروحة أهدت إلى النفس روحها ... لدى القيض مثبوتاً بإهداء ريحها روينا عن الريح الشمال حديثها ... على ضعفه مستخرجاً من صحيحها وقال نور الدين على ابن صاحب تكريت ولله دره: يا سائلي عن نسيم طىّ مروحة ... أهدت سروراً بترجيع وترويح أما ترى الخوص أهدى من مراوحه ... ما أودعته قديم نسيمة الريح قلت: وعلى ذكر الخوص فما أحسن ما قاله الشيخ برهان الدين القيراطي في وصف النوق: صاح هذي قباب طيبة لاحت ... وفؤادي على اللقاء حريص وتبدت نخيلها للمطايا ... فعيون المطي للنخل خوص قال أبو الفوارس سوار بن إسرائيل الدمشقي (مولد ابن إسرائيل سنة ثلاث وستمائة ووفاته سنة سبع وسبعين وستمائة) : كنت عند صلاح الدين يوسف بن أيوب فحضر إليه رسول صاحب المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ومعه قود وهدايا فلما جلس أخرج من كمه مروحة بيضاء عليها سطران من نساجة السعف الأحمر وقال الشريف لخدم السلطان خذ هذه المروحة فما رأيت أنت ولا أبوك ولا جدك مثلها فاستشاط السلطان صلاح الدين غضباً فقال الرسول: لا تعجل بالغضب قبل تأملها وكان صلاح الدين ملكاً حليماً فإذا فيها مكتوب: أنا من نخلة تجاور قبرا ... ساد من فيه سائر الناس طرا شملتني سعادة القبر حتى ... صرت في راحة ابن أيوب أقرا وإذا هي من خوص النخل الذي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبلها صلاح الدين ووضعها على وجهه. وقال بعضهم فيها: إنني أجلب الريا ... ح وبي يذهب الخجل وحجاب إذا الحبي? ... ?ب ثنى الرأس للقبل وأما مروحة الأديم فإنها على نوعين أحدهما مستديرة إلا موضع النصاب لا غير، والأخرى مستديرة، ثم يقطع ربع دائرتها التي تلي الوجه. وفيها يقول ابن خروف: ومروحة إذا تأملتها ... ترى فلكاً دائراً باليد وتطوي وتنشر من حسنها ... فتشبه قنزعة الهدهد وأما مروحة الخيش فقد ذكرها الحريري في المقامات حيث قال: اسمعوا وقيتم الطيش ومليتم العيش وأنشد ملغزا في مروحة الخيش: وجارية في سيرها مشمعلة ... ولكن على أثر القفول قفولها لها سائق من جنسها يستحثها ... على أنه في الاحتثاث سليها ترى في أوان القيض تنطق بالندا ... ويبدو إذا ولي المصيف قحولها

الباب الثاني عشر في الطيور المسمعة

قال الشريشي في شرح المقامات: هذه المروحة تكون شبيه الشراع للسفينة وتعلق في سقف ويشد بها حبل تدير به مشيها وتبل بالماء وترش بماء الورد، فإذا أراد الرجل في القائلة أن ينام جذبها بحبلها فتذهب بطول البيت وتجيء فيهب على الرجل منها نسيم بارد طيب الريح فيذهب عنه أذى الحر ويستطب وهي فوقه ذاهبة وجائية؛ ولذلك سماها جارية. ومشمعلة سريعة الذهاب وقفولها رجوعها والسائق الشريط الذي يسوقها إذا جذبت به يستحثها يستعجلها ومن جنسها أي هو من كان مثلها رسيلها أي يرسل معها لزاوية البيت، وترجع معها أو إن القيض وقت الصيف وتنطف تقطر، وقحولها يبسها انتهى. كلام الشريشى. قال الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة: وهذه المروحة محدثة في زمن بني العباس وكان سبب حدوثها أن هارون الرشيد دخل يوماً على أخته علية بنت المهدي في قيض شديد فألقاها قد صبغت ثياباً من زعفران وصندل ونشرتها على الحبال لتجف فجلس هارون قريباً من الثياب المنشورة فجعلت الريح تمر على الثياب فتحمل منها ريحاً بليلة عطرة فوجد لذلك راحة من الحر واستطابة، فأمر أن يصنع له في مجلسه مثله على الوجه المشروح في كلام الشريشى فاشتهرت واستعلمها الناس. ومن ملح ألغاز الصاحب بن عباد فيها قوله لأبي العباس الحارث في يوم قيض ما يقول الشيخ في قبله فلم يفهم عنه اراد في قلب الشيخ وهو خيش وقال السرى الرفاء: وخيش كما نجرت ذيول غلائل ... مصندلة تختال فيها الكواعب وقد اطلعت فيها الشمائل وأنشدت ... مقبلة في جانبيها الحبائب الباب الثاني عشر في الطيور المسمعة القول على الببغاء وهو طائر هندي وحبشي دمث الخلق ثاقب الفهم له قوة على حكاية الأصوات وتلقى التلقين، تتخذه الملوك في منازلهم لينم بما يقع فيها من الأخبار، وفي لونه الأغبر والأخضر والأسود والأحمر والأصفر والأبيض، وقد أهديت لمعز الدولة هدية من اليمن فيها ببغا بيضاء سوداء المنقار والرجلين وعلى رأسها ذؤابة فستقية وكل هذه الألوان معدومة خلا الأخضر، وفي طبع هذا الطائر أنه يتناول طعامه برجليه كما يتناول الإنسان الشيء بيده وله منقار معقق يكسر به الصلب وينقب به ما يعسر نقبه، يتزاوج ويتعاشق ويسكن الذكر إلى أنثاه وله عفة في مأكله ومشربه ومنكحه، ليس بشره ولا أشر وهو بمثابة الإنسان الظريف، والناس يحتالون على تعليمه بأن ينصب له تجاهه مرآة بحيث يرى خياله فيها ويتكلم الإنسان من ورائها فيتوهم أن خياله في المرآة وهو المتكلم فيأخذ نفسه بحكاية ما يسمعه من صوت الإنسان. الوصف: كتب أبو اسحاق الصابي إلى أبي الفرج أبياتاً في الببغاء منها (توفي سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة) : زارتك من بلادها البعيدة ... واستوطنت عندك كالقعيدة ضيف قراه الجوزا والأرز ... والضيف في أبياتنا يعز تراه في منقاره الخلوقي ... كلؤلؤ بالعقيق ينظر من عينين كالفصين ... في النور والظلمة بصاصين يميس في حلته الخضراء ... مثل الفتاة الغادة العذراء خريدة حذروها الأقفاص ... ليس لها من حبسها خلاص فأجابه بأبيات منها: وحسن منقار أشم قان ... كأنما صيغ من المرجان صيرها أفرادها في الجنس ... بنطقها من فصحاء الأنس يحكي الذي تسمعه بلا كذب ... من غير تغير لجد أو لعب ذات غشا تحسبه ياقوتاً ... لاترضى غيير الأرز قوتا كأنما الحبة في منقارها ... حبابة تطفو على عقارها أقدامها ببأسها الشديد ... أوقعها في قفص حديد وهذه المذكورة تسمى في هذه البلاد الدرة.

ومن ظريف ما سمعته فيها قول الشيخ الإمام العالم النحوي المفنن زين الدين عمر بن المظفر أبي الفوارس الشهير بابن الوردي رحمه الله تعالى فبينما الطاوس مصغ إلى الياسمين وهو على ما ساقه الذنب على ساقه حزين وإذا بدرة خضراء لا بل درة عذراء تقول أف لطاوس الطير من طاوس القراء أيها الطاوس اطريد المعكوس الشريد شغلك ظاهر الثياب عن باطن العيوب إن الله لا ينظر إلى الثياب ولكن ينظر إلى القلوب هلا شغلت بمداواة أمراضك عن بساتينك وغياضك ولم لا أفنيت عن ملبوسك وعجبك ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك شاركت آدم في الخروج من الجنة والأسف عليها فشاركه في التوبة والاستغفار والعودة إليها، على أن آدم خرج من الجنة قهراً ليزرع في الأولى ما يحصده في الآخرة وأما أنا أيها الطاوس فإني رأيت نفوس البشر أشرف النفوس كرمهم الرب وفضلهم وخلق الموجودات لهم فشاركتهم نطقاً وزرقاً ونادمتهم ونديم السعداء لا يشقى فسبحان من بيده الخير المؤلف بين البشر والطير ومن أعجب أحوالي أن الصمت محمود أفعالي لأني طائر ضعيف ولا أقاس على البشر في التكليف: غائب في القلب حاضر ... كاسر للصب جابر أنا من خوف جفاه ... واقع والقلب طائر أنا بالمحبوب فخرى ... فانتصب يا من يفاخر أنا من جودة فكري ... عرفت باسمي الجواهر ها أنا الدرة فأعرف ... قيمتي إن كنت تاجر القول على القمري: سمي بذلك لبياضه وحكاية صوته وهو يضحك كما يضحك الإنسان ومن طبعه أنه شديد المودة والرحمة. أما مودته فإنه يفرخ على فنن من أفنان شجرة كلها أعشاش لأبناء جنسه يصاحبها كل يوم ولا يعتزل اعتزال الغراب. وأما رحمته فإنه يربي ولده ويعف عن أنثاه مادام ولده صغيراً، وهو يطاعم أنثاه وتطاعمه ويظهر منه عليها، وله وفيه من المروءة أنه متى تزوج لايبتغي بأنثاه بدلاً. وله اعتناء بنفسه وإعجاب بها ومن عادته أنه يعمل عشه في طرف فنن دائم الاهتزاز احترازاً على فرخيهخ ليلاً يسعى إليه من الحيوان الماشي ما يقتلها. الوصف قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر ملغزاً فيه: ما معمي رأيته * في عداد المطير * كم له من مترجم * كم له من مشجر كم له من كآبة * ظهرت بالتدبر * كم خواف له بدت * لا لتماح المبصر كله معجم وان * زال بعض له قرى ذكرت بقوله كم خواف له ما أنشدنيه من لفظه لنفسه ونقلته من خطه المعز الأشرف المرحوم أوحد الدهر ونخبة العصر القاضي أمين الدين محمد الأنصاري صاحب ديوان الإنشاء بالشام المحروس من قصيدة امتدح بها المعز الصاحب المرحوم فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس ناظر الدولة الشريفة بالديار المصرية سامحه الله تعالى أولها: جفون من تأرقها دوامي ... مدامعها تفيض على الدوام ويقول في آخرها: قوادمها ينرن ولسن عنه ... خواف تحت أجنحة الظلام وقال الشيخ برهان الدين القيراطي: تنفس الصبح فجاءت لنا ... من نحوه الأنفاس مسكيه وأطربت في العود قمرية ... وكيف لا تطرب عوديه وأنشدني سيدي القاشي شهاب الدين بن حجر فسح الله في أجله من لفظه لنفسه بتاريخ ثالث عشر ربيع الأول من شهور عام اثنين وثمانمائة بالقاهرة المحروسة بمنزله عمره الله ببقائه بحارة بهاء الدين: تخيرت رسلاً سرنا عندهم خفا ... إليكم وتلك الرسل فهي الحمائم إذا قدمت مني عليكم فيا لها ... خوافي سر حملتها قوادم وأما الفاخت فهي عراقية وليست بحجازية وفيها فصاحة وحسن صوت وصوتها في الحجازيات يشبه صوت المثلث وفي طبعها تأنس بالناس وتعشش بالدور وهذا الحيوان يعمر وقد ظهر منه ما عاش خمساً وعرشين سنة وما عاش أربعين سنة على ما حكاه أرسطو. الوصف: أنشدني من لفظه لنفسه إجازة أوحد المتكلمين العالم المفنن فريد الدهر المرحوم القاضي أمين الدين الأنصاري صاحب ديوان الإنشاء الشريف بالشام المحروس ملغزاً في فاختة: وما طائر يهوى الرياض تنزها ... ويسوح في أفنائها ويغرد هجاء اسمه خمس حروف تعدها ... وخمساه حرف إن تأملت مفرد وبعدهما تصحيف باقية إن ترد ... بياناً له أفعى يبين ويشهد وفيه أخ إن تهت عنه فأخته ... تدل على ما قد عنيت وترشد

قلت: أنشأت هذا اللغز الظريف التركيب للشيخ العلامة بقية السلف الصالح زين الدين أبي بكر بن عثمان الشهير بابن العجي بمنزلة بمدرسة الكاملية بشارع بين القصرين عند ارتحالي في أوائل سنة خمسة وتسعين وسبعمائة فأجاب بهذه الأبيات: ايا من له مجد أثيل وسؤدد ... غدا دون مرماه سماك وفرقد تفيد يسار المقترين يمينه ... ويسراه من يمنى الغمامة أجود سؤالك عن أنثى طروب ولم تزل ... على عودها في الروض تشدو وتنشد وتجذبني بالطوق حين نشيدها ... لنحو التصابي لا أطيق أفند يطير بها نحو النجاح جناحها ... فتبلغ ما تختار ثم وتقصد وفي بطن أنثى لم تصور وإنما ... تصورها من جنسها من يرفد تذكرني تدركاها أم هانئ ... فتشرف في نفسي إذا وتمجد ومذ بان منها الطرف أمست بعكسها ... تخاف الردى ممن لها يترصد وإن حذفت ثاني الأخير فإنه ... على الحذف خاف بل يلوح ويشهد وأولها مع مايليه وطرفها ... لنا فاه بالمعنى الذي منه يقصد وحرفان منها فرد حرف لناطق ... وأف لمن للعكس من ذاك يجحد وتفتح فاها حين يفقد ثالثاً ... وثالثه يخشاه من يتصيد فخذه مبيناً مغيضاً عن إساءتي ... فإنك للإحسان أهل ومقصد بقيت بقاء الدهر عزك باذخ ... وفي مفرق الجوزا لوءاك يعقد ولا زلت في الدنيا سعيداً مملكاً ... حظك في الآخرة النعيم المخلد وأما الشعين وهو الذي تسميه العامة اليمام وصوته في الترنم كصوت الرباب في الأوتار صوتاً محزوناً جداً وهي متى اختلطت مع أصواتها غيرها حسنت وأما مفردة فلا لأن الزأر مستحسن مع الغناء وغير مستحسن وحده. وفي طبعه أنه متى فقد أنثاه لم يزل عزباً يأوي إلى بعض فراخه حتى يموت، وكذلك الأنثى إذا فقدت الذكر. وفي تركيبه أنه إذا سمن سقط ريشه وامتنع من السفاد فهو لذلك لا يشبع نفسه. وهو طائر ساكن جداً وقد ألهم أنه يحترس من أعدائه بالسوسن يتخذه في وكره. الوصف: ولنذكر الآن ما وقع للشعراء في أصواتهن جملة لا تفصيلاً فمن ذلك قول الحسام الحاجري (توفي مقتولاً سنة اثنتين وثلاثين وستمائة) : إني لا اعذار في الأراك حمامة الش? ... ِادي كذلك تفعل العشاق حكم الغرام الجاجري بأسرها ... فغدت وفي أعناقها أطواق قال القاضي الفاضل: لو كنت جاوبت الحمائم نائحاً ... قال الوشاة إذاع سرك بائحاً سل طائراً صدع الفؤاد بسحره ... أتراه غرد صادعاً أم صادحاً يا ضعف من أمسى الفريسة في الهوى ... وغدا الحمام له هنالك جارحاً وقال المناري: لقد عرض الحمام لنا بسجع ... إذا أصغى له ركب تلاحا شجى قلب الخلى فقيل غني ... وبرح بالشجى فقيل ناحا قلت: وبعد هذين أبيات فلا بأس بذكرها وإن لم يكن مما نحن فيه: وكم للشوق في أحشاء صب ... إذا اندملت أجد لها جراحاً ضعيف الصبر عنك وإن تقاوى ... وسكران الفؤاد وإن تصاحاً كذاك بنو الهوى سكرى صحاة ... كأحداق المهى مرضى صحاحاً قلت: ولهذه الأبيات حكاية غريبة نقلتها من خط الحافظ اليعموري (ولد سنة ستمائة وتوفي سنة اثنتين وسبعين وستمائة) روى أن أبا نصر المناري المذكور واسمه أحمد بن يوسف دخل على أبي العلاء المعري وهو في الشام في جماعة من الأدباء فأنشده كل واحد من شعره ما تيسر حتى أنشده المناري أبياتاً له في وصف واد وهي: وقانا لفحة الرمضاء واد ... سقاه مضاعف الغيث العميم نزلنا دوحة فحنا علينا ... حنو المرضعات على الفطيم وأرشفنا على ظمأ زلالا ... أرق من المدامة للنديم يصد الشمس أنَّا واجهتنا ... ويحجبها ويأذن للنسيم تروع حصاه حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النظيم فقال ابو العلاء: أنت اشعر من بالشام، ثم رحل إلى بغداد فدخل المناري عليه في جماعة من أهلها من الأدباء وأبو العلاء لا يعرف منهم أحداً فأنشده كل واحد ما حضره من شعره حتى جاءت نوبة المناري فأنشده لنفسه الأبيات المتقدمة فقال أبو العلاء ومن بالعراق إشارة إلى قوله من بالشام (توفي المناري سنة سبع وثلاثين وأربعمائة) .

وقال الشيخ صفي الدين الحلي: وبشرت بوفاة الليل ساجعة ... كأنها في غدير الصبح قد سبحت مخضوبة الكف لاتنفك نائحة ... كأن أفراخها في كفها ذبحت وقال محيي الدين بن عبد الظاهر: نسب الناس لحمامة حزناً ... وأراها في الحزن ليست كذلك خضبت كفها وطوقت الجي? ... ?د وغنت وما الحزين كذلك وقال جمال الدين محمد بن نباتة: ما لي نديم سوى ورقاء ساجعة ... من بعد مغتبقي فيكم ومصطحبي إذا أدار إدكار الوصل لي قدحاً ... من احمر الدمع غناني على قدحي وله: ناجتك من مغنى دمشق حمائم ... في دف أشجار تشوق لطفها فإذا أشار لها النديم بلطفه ... غنت عليه بجتكها وبدفها وقال علاء الدين الوداعي: وفي أسانيد الأراك حافظ ... للعهد يروي صبره عن علقمه وكلما ناحت به حمامة ... روى حديث دمعه عن عكرمه وقال بدر الدين يوسف بن لؤلؤ الذهبي: وتنبهت ذات الجناح بسحرة ... بالواديين فنبهت أشواقي ورقاء قد أخذت فنون الحزن عن ... يعقوب والألحان عن اسحاق قامت تطارحني الغرام جهالة ... من دون صحبي بالحمى ورفاقي أنا تباريني جوى وصبابة ... وكآبة وأسى وفيض مآقي وأنا الذي أملى الهوى عن خاطري ... وهي التي تملي من الأوراق وقال ناصح الدين الأرجاني (ولد سنة ستين وأربعمائة، وتوفي سنة أربعين وخمسمائة) : من كل أخطب مسكي الإهاب له ... في منبر الإيك تسجاع وتهدار خطيب خطب وقد أفنى السواد به ... فمن بقيته في الجيد أزوار قلت: وأنشدني من لفظه لنفسه الشيخ عز الدين الموصلي رحمه الله تعالى: مذغنت الورق على عيدانها ... كم خلع الجو عليها من ملح تدرعت سحبا وخاضت شفقا ... وطوقت أعناقها قوس قزح وقال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: ذات طوق وذات ريق تغني ... فتثني بالوجد من ليس يدري زيفت ثم كاشفتنا فقلنا ... لك زيق وزيق بالقفر مانراها قد حدثت خاطر النه? ... ?ر بما قد جرى وما منه يجري وأنشدني من لفظه لنفسه سيدي وأخي تقي الدين أبي بكر بن حجة: ناحت مطوقة الرياض وقد رأت ... دمعي تلون بعد فرقة حبه لكن بتلوين الدموع تباخلت ... فغدت مطوقة بما بخلت به وقال الشيخ بدر الدين بن الصاحب: ناحت حمام البان أن تاهت أسى ... لم أدر ما غناؤها من شوقها عجماء لا تظهر حرفاً من شجى ... لأنها مخنوقة بطوقها وقال أيضاً: وذات طوق على الأغصان تذكرني ... قوام حسنك في ضمى لمعتنقك قد سودت مهجتي نوحاً فقلت له ... سواد قلبي يا ورقاء في عنقك وقال الأمير مجير الدين بن تميم: لم أنس قول الورق وهي حبيسة ... والعيش منها قد أقام منغصاً قد كنت ألبس أخضرا من أغصن ... فلبست منها بعد ذاك مقفصا وقال الأمير سيف الدين المشد في قفص: أنا للطائر سجن ... أقتنى كل مليح قضب البان ضلوعي ... وحمام الأيك روحي وله على لسان الطائر: يا غصون البان ماذا ... بلغ الأحباب عني ما شجاهم طول نوحي ... ما كفاهم فرط حزني حبسوني عن مطاري ... لا لمعنى ولفن غير أني كنت مهماً ... يشرب الراح أغنى ولمؤلفه لطف الله به من قصيدة: حمام الأيك أسعدني ... فإني حلف تبريح وحزني حزن يعقوب ... فأبكى الصب أو نوحي وأما الديك فمت ورد فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الديك الأبيض صديقي وعدو عدو الله يحرس دار صاحبه وسبع دور حوله وكان يبيته معه، وزعم أهل التجربة أن الرجل إذا ذبح الديك الأبيض الأفرق لم يزل ينكب في أهله وماله. قيل: والفرخ يخلق من البياض والصفرة غذاؤه، وقيل ليس في الدنيا أبخل من أهل مرو حتى إن الديك ينزع الحبة من أفواه الدجاج مع أن العادة خلاف ذلك وكأن ماء مرو يقضي ذلك فيسري في جميع حيوانها. كان مروان ابن أبي حفصة من أبخل الناس مع يساره وما أصابه من الخلفاء لاسيما من بني العباس فإنه كان رسمه أن يعطوه لكل بيت يمدحهم به ألف درهم.

الباب الثالث عشر في الشطرنج والنرد وما فيهما من محاسن مجموعة

قال دعبل: كنت عنده في بعض الأيام أنا وجماعة فأخذنا في الحديث وطال المجلس حتى أضر به الجوع فدعاه بغداه فأتى بصحيفة فيها مرق ولحم ديك قد هرم لا تجز فيه السكين ولا يؤثر فيه ضرس فأخذ قطعة من خبز فحسا بها جميع المرق وفقد رأس الديك فبقي مطرقاً ساعة ثم رفع رأسه إلى الغلام فقال له أين الرأس فقال رميت به قال ولم قال لم أظنك تأكله قال ولم ظننت ذلك والله إني لامقت من يرمي برجله فضلاً عن رأسه والرأس رئيس وفيه الحواس الخمسة ومنه يصيح الديك وفيه عيناه التي يضرب بها المثل فيقال شراب مثل عين الديك ودماغه عجب لوجع الركبة فإن كان بلغ من جهلك أن لا تأكله فعندنا من يأكله فانظر أين هو، فقال والله لا أدري أين رميت به، فقال لكن أنا أدري اين رميت به.. في بطنك. وكان أيضاً لا يأكل اللحم حتى يجوع فإذا جاع أرسل غلامه فاشترى له رأساً فأكله فقيل له لا نراك تأكل إلا الرءوس في الصيف والشتاء فلم تختار ذلك فقال نعم الرأس أعرف سعره فلا يستطيع الغلام أن يخونني فيه وليس بلحم يطبخه الغلام فيقدر أن يأكل منه إن مس عيناً أو اخذ أذناً وقفت على ذلك وآكل منه ألواناً شتى، آكل عينيه لوناً ودماغه لوناً ولسانه لوناً فقد اجتمعت لي فيه مرافق. نادرة: قال أبو حاتم الأصمعي قدمت بغداد فدخلت مسجداً يحضره جماعة فسألني بعضهم عن قوله تعالى: (يوجد آية) ما يقول للواحد قلت "ق" قال فالاثنين قلت "قيا" قال فللجماعة قلت "قوا" قال فاجمع الثلاثة قلت قِ قيا قوا وفي ناحية المسجد جماعة فمضوا إلى صاحب الشرطة فقالوا له إن هنا قوماً زنادقة يفسرون القرآن على صياح الديك فما شعرنا إلا بأعوان فأحضرونا بين يديه فأعلمته ما سئلت فعنفي وأمر بضرب أصحابي عشرة عشرة. وما أحسن قول بعضهم فيه: قد قلت شعراً مليحاً ... فسره لي يا مليكي أكلت ديكاً وديكاً ... وليس لي غير ديك وقال ابن المعتز فيه (مولده سنة سبع وأربعين ومائتين، ووفاته سنة ست وتسعين ومائتين) : بشر بالصبح طائر هيفاً ... مسترقيا للجدار مشترفا مذكراً بالصبوح صاح بنا ... كخاطب فوق منبر وقفا صفق أما ارتياحه لسنا الصب? ... ?ح وأما على الدجى أسفاً ولله أبو علي بن رشيق (توفي سنة وستين وأربعمائة) حيث مزق عنه جلباب الممادح وتركه من شمل الذم في الزي الفاضح فإنه قال: قام بلا عقل ولا دين ... يخلط تصفيقاً بتأذين منبه الأحباب من نومهم ... ليخرجوا في غير ما حين بصرخة تبعث موتي الكرى ... قد أذكرت نفح سرافين كأنها في خلفه عضة ... أعضه الله بسكين وقال الشيخ زين الدين بن الوردي من رسالة منطق الطير فصاح الديك هاأنا أناديك أنا قد أذنت فأقم الصلاة أنت هذا أوان صف الإقدام ووضع الحياة ومن أحسن قولاً ممن دعى إلى الله كم أوقظك وبانقضاء الأوقات أعظك فأشفق عليك بصياحي وأرفرف عليك بجناحي أقسم لك الوظائف بلا حساب وأعرف المواقيت بغير الاصطرلاب أنهاكم عن معصية الله بخروج الوقت فلا تعصوه والله بقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فمن أدعى حسن الصحبة، فليؤثر كإيثاري ولا يختص من رفاقه بحبه كم منحت أهل الدار أخائي ووليتهم ولائي وهم يذبحون أبنائي ويستحيون نسائي. الباب الثالث عشر في الشطرنج والنرد وما فيهما من محاسن مجموعة

قال الشيخ شمس الدين خلكان في تاريخه رأيت خلقاً كثيراً يعتقدون أن الصولي هو واضع الشطرنج وهو غلط وإنما واضعه صصه بصادين مهملتين أحدهما مكسورة والثانية مشدودة مفتوحة وفي الآخر هاء ساكنة وأدزشير بن بابك أول ملوك الفرس الأخيرة هو الذي وضع النرد ولذلك قيل النردشير نسبوه إليه وازدشير لفظ عجمي تفسيره بالعربي دقيق وحليب فأزد دقيق وشير حليب وقيل دقيق وحلاوة وقيل هو بالزاي لا بالراء وضعه مثالاً للدنيا وأهلها فرتب الرقعة اثني عشر بيتاً بعدد شهور السنة والمهارك ثلاثين قطعة بعدد أيام الشهر والفصوص مثل الأفلاك ورميها مثل تقبلها ودورانها والنقط فيها بعدد الكواكب السيارة كل وجهين منها سبعة الشش ويقابله إليك والبنج ويقابله الجو والجهار ويقابله السا وجعل ما يأتي به اللاعب من النقوش كالقضاء والقدر والجهار تارة له وتارة عليه وهو يصرف المهارك على ما جاءت به النقوش لكنه إذا كان عنده حسن نظر عرف كيف يتأتى وكيف يتحيل على الغلب وقهر خصمه مع الوقوف عندما حكمت به الفصوص. ولما تم وضعه واشتهرت افتخرت به الفرس وكان ملك الهند يومئذ بلهيث فوضع له صصه المذكور الشطرنج فقضت حكماء ذلك العصر بتفضيله على النرد ولما عرضه على الملك وأوضح له أمره سأله أن يتمنى عليه عدد تضعيف بيوته قمحاً فاستصغر الملك ذلك من همته وأنكر عليه ما قابله من النزر القليل في ذلك فقال له ما أريد غير ذلك فأمر له بذلك فلما حسب أرباب الديوان ذلك قالوا للملك ما عندنا ما يقارب القليل منه فأنكر ذلك فأوضحوا له بالبرهان فأعجبه الأمر الثاني أكثر من الأول. قال القاضي شمس الدين بن خلكان ولقد كان في نفسي حزازة من هذه المبالغة حتى اجتمع بي بعض حساب الإسكندرية وذكر لي طريقاً يبين لي ما ذكروه وأحضر لي ورقة بصحبة ذلك وهو أنه ضاعف الأعداد إلى البيت السادس عشر فأثبت اثنين وثلاثين ألف وسبعمائة وثمانية وستين حبة وقال نجعل هذه الجملة مقدار قدح وقد عبرتها فكان الأمر كما ذكروه والعهد عليه في هذا النقل ثم ضتعف السابع عشر إلى البيت العشرين فكان فيه ويبة ثم انتقل من الوبيات إلى الأردب ولم يزل يضعفها حتى انتهى في البيت الأربعين إلى مائة ألف أردب وأربعة وسبعين ألف أردب وسبعمائة اثنين وستين أردباً وثلثي أردب وقال في هذا المقدار شونة ثم ضاعف الشون إلى بيت الخمسين فكانت الجملة ألفا وأربعة وعشرين شونة ثم قال هذا المقدار مدنية ثم إنه ضاعف إلى البيت الرابع والستين وهو آخر الأبيات فكانت الجملة ستة عشر ألف مدينة وثلاثمائة وأربعاً وثمانين مدينة وقال يعلم لأنه ليس في الدنيا مدن أكثر من هذا العدد انتهى. قال أبو عبد الله محمد بن الأكفاني إذا جمع هذا هرماً واحداً مكعباً كان طوله ستين ميلاً وعرضه كذلك وارتفاعه كذلك بالميل الذي هو أربعة آلاف ذراع بالعمل الذي هو ثلاثة أشبار معتدلة على أن الأردب المصري مساحته ذراع مكعب وزنه مائتان وأربعون رطلاً وكل رطل مائة وأربعة وأربعون درهماً والدرهم أربعة وستون حبة من القمح. قال عمر بن الخطاب (وقد ذكر عنده الشطرنج إني لأعجب من ذراع في ذراع يديرها الحكماء مذ وضعت لم يقفوا لها على غاية. قيل سبب وضع الشطرنج أن ملوك الهند ما كانوا يروا القتال فإذا تنازعوا في كورة او مملكة تلاعبا بالشطرنج فيأخذها الغالب من غير قتال. ذمها: ذكر الصولي في كتابه كتاب شعراء مصر أن خرسان الشاعر كان حاذقاً بلعب الشطرنج فعابها الحسين الجمل مكائده له فقال صاحبها أبداً مشغول بهموم يحلف بالله كاذباً يعتذر مبطلاً ويشتم نفسه ويسخط ربه وكل صناعة يجوز المكاثرة فيها غيرها فإن صاحبها يغلب في ساعة فيقضي دعواه وهو لعب الصائم إذا جاع والعامل إذا عزل والمخمور حتى يفيق وإنما يهزم خشب خشباً ثم عن الرجل يسأل عن غلامه فيقال له هو يلعب فيضربه ولايستحي أن يقول قم حتى نلعب وهو يلاعبه وأن تقول في الكناس ما أحذقه وفي الطنبور ما اضربه وإذا اعترف عن الشطرنج قلت ما ألعبه فما يقول في صناعة العبارة عن الكناس أحسن من العبارة عن صاحبها. قال الجاحظ: سمعت النظام يقول في الشطرنج غنيان عجزاً عن الأدب فتلاعباً بالخشب. دخل أبو العبيس على أبي تمام وهو يلعب بالشطرنج وكان وسخاً فقال ما أوسخ هذا الشطرنج فقال أبو تمام واللعب أوسخ.

نادرة: حكي أن بعضهم كان إذا لعب الشطرنج ضارب خصمه فوصف لبعض الظرفاء فقال أنا ألتزم اللعب معه وما يحصل بيننا ضراب فلما أتى به ولعبا قال له في أثناء اللعب شاه استر فقال مليح والله القرنان أنت والقواد أنت فقال يا أخي ما الذي قلت لك قال قلت استر وهي اشتر وما يشتر إلا الجمل والجمل تصحيفه حمل والجمل اسم نجم في السماء يقاربه الجدي والجدي كبش والكبش القرنان هو الذي يقود فقال يا أخي ما رأيت من يضارب بتصحيف وتفسير إلا أنت. نادرة: سأل بعض الأكابر إنساناً فقال تعرف اللعب بالشطرنج فقال لا والله يا مولانا ولكن لي أخ اسمه عز الدولة وهو أخي لأمي أكبر مني بسنتين وأكبر بشيء يسير كان قد حصل بيني وبينه خصومة غاظته فسافر من مدة عشرة أعوام وسكن مدينة قوص وبلغني أنه فتح له دكان عطر وإلى الآن ماورد على المملوك منه كتاب وهو أيضاً ما يعرف بلعب الشطرنج. ومشى البيدق مع شاب موسوم بالجمال فقال شمس الدين المنجمة الشاعر أراك يا بيدق تفرزن حول هذا النفس، فقال له وإذا كان ذلك فقال أخشى عليك من ذلك الرخ لايقطعك من الحاشية ويرميك عن الفرس ويقطع عليك الرقعة ولو كان في كفيك الفيل يشير بقوله ذلك الرخ إلى أحد الأعيان كان يحب الشاب المذكور. نادرة: بعض الأجناد كان كثيراً يلعب الشطرنج مع مخدومه وكان الجندي خليعاً فأعطاه الأمير فرساً وقال له لا تفرط فيها قال نعم وبعد ذلك ألفاه راجلاً وهو لابس جوخة قال ويلك أين الفرس فقال ياسيدي ضربني الشتاشاه مات سترت بالفرس. وما أحسن قول القاضي الفاضل يصف حصار قلعة وجثا المنجنيق يحاكمها ولسان حبلة يخماصمها والخادم تحت المنجنيق الإسلامي يعرض وجهه للمنجنيق الفرنجي ونقل قطع الستائر نقل قطع الشطرنج جنب التراس بيادق والجنابي رخاخ وجنب القلاع صيد والمنجنيقات فخاخ. وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة وظرف: أشكوا السقام وتشكو مثله أمرأتي ... فنحن في الفرش والأعضاء نرتج نفسان والعظم في نطع يجمعنا ... كأنما نحن في التمثيل شطرنج وله ملغزاً فيه: وما صامت يمضي ويرجع حائراً ... ويقضي على أوصاله الوصل والصد كأن الأسى آلى عليه إليه ... فما فيه إلا النفس والعظم والجلد وأحرفه خمس على أن شطره ... ثلاث أخماس الحروف التي تبدو وله فيمن يلعب غائباً: ولاعب يعرب شطرنجه ... عن ذهنه المتقد الصائب يغيب لكن ذهنه حاكم ... يا حبذا من حاكم غائب وله: لله في الشطرنج فكرة لاعب ... إن غاب أو حضر اجتنيت حدايقه شكرته نفس اللعب أو نفس النهي ... هاتيك صامته وهذي ناطقه وقال الشيخ بدر الدين بن الصاحب: تأمل تر الشطرنج كالدهر دولة ... نهاراً وليلاً ثم بؤساً وأنعما محركها باق ويفنى جميعها ... وبعد الفنا تحيى وتبعث أعظما قلت: وهذا يشبه قول القاضي الفاضل وقد أخرج له السلطان الملك الناصر صلاح الدين من القصر من يعاني خيال الظل ليفرجه فقام الفاضل فقال له صلاح الدين عن كان حراماً فما نحضره وكان حديث عهد بخدمته قبل أن يلي السلطنة فما أثر أنه يتكدر عليه فقعد إلى آخره فلما انقضى ذلك قال له السلطان كيف رأيت ذلك فقال موعظة عظيمة رأيت دولاً تمضي ما كأنها ودولاً تأتي ولما طوى الأزار طي السجل الكتاب إذا بالمحرك واحد فأخرج هذا الجد في هذا الهزل. وللشيخ بدر الدين أيضاً مضمناً: أميل لشطرنج أهل النهي ... وأسلوه من ناقل الباطل وكم هذبت طبع لعابها ... وتأبى الطباع على الناقل وقال: لعبت بالشطرنج في غاية ... تقصر الأوصاف عن حدها إن صاح في الأقران لي بيدق ... تموت منه الشاة في جلدها وقال أيضاً وكان يلعبها غائباً وله يد طولى فيها: لي في الشطرنج نقل ... أتقن الأدمان حفظه ألعب الغائب منها ... فأراه طيف يقطه وكتب إلى شيخنا العلامة عز الدين الموصلي من حماة المحروسة كتاباً وفيه من المتجددات قوله مضمناً: جاهل شطرنج يناجي وقد ... أمات نفس اللعب من عكسه ما تفعل الأعداء في أحمق ... ما يفعل الجاهل في نفسه وقال جممال الدين بن نباتة:

الباب الرابع عشر في الشمعة والفانوس والسراج

أفديه لاعب شطرنج قد اجتمعت ... في شكله من معاني الحسن أشتات عيناه منصوبة للقلب غالبة ... والخد فيه لقتل النفس شامات وقال صلاح الدين الصفدلي: ألاعب بالشطرنج بدر ملاحة ... محاسنه تزهى على طلعة الشمس سترت ضناً جسمي فلما رأيته ... يروم قطاعي خفت منه على نفسي وقال زين الدين بن الوردي: لاعبت بالشطرنج من ... أضحى كشمس طالعه نفسي به ماتت وما ... تعجبني المقاطعه ومن الاستشهادات اللطيفة ما أنشده الشيخ نور الدين علي بن سعد المعري صاحب المرقص والمطرب وغيره وقد رأى شخصاً يلعب الشطرنج ويضرب بالرقعة القطع ضرباً عنيفاً فقال: رفقاً بهن فما خلقن حديدا ... أو ما تراها أعظماً وجلوداً قلت: وهذا البيت أول قصيدة للشريف البياضي في وصف النوق ولقد أجاد نور الدين رحمه الله تعالى. وعلى ذكر نور الدين فما أحسن ما كتب به إلى القاهرة المحروسة سيدنا ومولانا الفاضل المؤرخ المحدث المفنن شهاب الدين أحمد بن القاضي نور الدين علي الشهير بابن حجر (مولده سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة) فسح الله في أجله وذلك من بعض متجدداته: مولاي نور الدين صبحك الهنا ... بسعادة تبقى لديك سرورها لا تحتجب عن مقلتي فأنا أمرء ... إن لم تكن عيني فإنك نورها ونقلت من خط الشيخ بدر الدين أبي المحاسن محمد بن ابراهيم اليشتكي أحد فضلاء الديار المصرية وبقية متأخريها سلمه الله تعالى في القاء العاشر من الشطرنج على قاعدة الحكاية المشهورة ولم أعلم الضابط في هذه الأعداد له أم لغيره وأنسيت أن أسأله: موت عدوي يزين حزمي ... وألحق سيف به قتالي (القاء التاسع) ولما فتنت بلحظ له ... عذرت فما خفت من شامت (القاء الثامن) أبثك يا عز شوقي لعل ... تمنى بعطف به راحتي (القاء السابع) يا مليح بت شاكي بثه ... ومتى رق ظلوم لشكي (القاء السادس) إن كان في صدك قتلي ... أنا لنى فقد أحبابي (القاء الخامس) تنكر في حبه جائراً ... فبات وفوه يبث الحرق (القاء الرابع) وفاتن منظره فتنة ... ليس يرى حرف الجفا عاشقة اللام ألف بحرف واحد. قال المنقول من خطه أنشدني من لفظه لنفسه صاحبنا جلال الدين بن خطيب داريا سلمه الله تعالى في القاء الثالث. بك يا خير من جد يحجب الغ?_?ي إذا قيل أي حصر تصيد وقال القاضي السعيد بن سنا الملك: ويوم مطير قد ترنم رعده ... وصفق لما أحسن القطر في ورقعة ماء تحت برد فواقع ... الرقص وقال الشيخ شمس الدين بن الصائغ (ولد سنة عشر وسبعمائة، وتوفي سنة ست وسبعين وسبعمائة) : لما غدا بدر الدجى لاعباً ... بالنرد يلقى الفص مثل الشرك وفاق في الحسن وفي لعبه ... ناديت بالله ما أقمرك وقال زين الدين بن الوردي: مهفهفان لعباً ... بالنرد أنثى وذكر قالت أنا قمرية ... قلت اسكتي فهو قمر ولبعضهم يوري بأعداد النرد: ساعدني جاري على شادن ... أعطيته خمساً بمقدار فما تأتي إليك من يكه ... إلا بهذا البنج والجار في القاء الخامس من قطع النرد من نظم الشيخ صلاح الدين الصفدي: لاتبك إن هب ريح نجد ... أنك يا بئس ما بليت اللام ألف حرفان. وله في القاء السابع: قدر شاني بكل شين ... عدمت في ذا صلاح خبري الباب الرابع عشر في الشمعة والفانوس والسراج

من رسالة للإمام ضياء الدين محمد بن نصر الله الجزري المعروف بابن الأثير (مولده سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، ووفاته سنة سبع وثلاثين وستمائة) وكان بين يدي شمعة تعم مجلسي بالإيناس وتغني بوجودها عن كثرة الجلاس وينطق لسان حالها أنها أحمد عاقبة من مجالسه الناس ولا الأسرار عندها بملفوظة ولا السقطات لديها محفوظة وكانت الريح تلعب بلهبها وتخلف على شعبة بشعبها فطوراً تقيمه فتصير أنمله وطوراً تمله فتصير سلسله وتارة تجوفه فتصبر مذهنه وتارة تجعله ذا ورقات فيتمثل سوسنه وآونة تنشره فتصير منديلاً وآونة تلفه على رأسها فيستدير إمكليلاً ولقد تأملتها فوجدت نسبتها إلى الفص العسلي وقدها قد العسال وبها يضرب المثل للحكيم غير أن لسانها لسان الجهال ومذهبها مذهب الهنود في إحراق نفسها بالنار وهي شبيهة بالعاشق في انهمال الدمع واستمرار السهر وشدة الإصفرار وكل ذا تجدد لها بعد فراق أخيها ودارها والموت في فراق الأخ والدار. وقد نزع هذا المنزع في رسالة أخرى فقال وذلك أن لها قد ألفى القوام مشبهاً في نحوله وإصفراره بحال المستهام وهي القلم شيئان في أنها إذا قطع رأسهما صحا بعد السقام ومن عجيب شأنها أن روحها تحيي بفناء جسمها وبالأرواح تكون حياة الأجسام وقد وصفها قوم بأن لها خلقاً كريماً في رعاية حقوق الإخوان وإن بكاها ليس إلا لمفارقة أخيها الذي خرجت معه من بطن ونشأت معه في مكان وهذا الوصف من ألطف أوصافها وهو مما يزيد الأحباب وجدا بأحبابها ويهيج الآلاف شوقاً إلى آلافها وكانت الريح تلعب بلهبها لدى الخادم فتسلطه هلالاً فتارة تبرزه هلالاً ولربما سطع طوراً كالجلنارة في تضاعف أوراقها وطوراً كالأصابع في انضمامها وافتراقها وآونة تأخذه فتلقيه على رأسها كالقناع ثم ترفعه عنها حتى تكاد تزاوله بذلك الارتفاع ثم قال بعد ذلك كلاماً ليس فيه تشبيه فكما كانت الريح تلعب بالشمعة فتنقلها من مثال إلى مثال كذلك الشوق يلعب بالقلب فينقله من حال إلى حال، وهذا الوصف وإن مد باعه لمعانقته الإبداع، وأودع أسرار المعاني في صدور الألفاظ فصانها بالإيداع مأخوذ من موضعيبن أحدهما من قصيدة الأرجاني والآخر من كلام أبي محمد عبد الله بن أبي الخصال فإنه مذكور في آخر هذا الباب عند ذكر السراج. أما قصيدة الأرجاني فهي: نمت بأسرار صبح كان يخفيها ... وأطلعت قلبها للناس من فيها قلب لها لم يرعنا وهو مكتمن ... إلا برقية نار من تراقيها سفيهة لم يزل طول اللسان لها ... في الحي يجني عليها ضرب هاديها غريقة في دموع وهي تحرقها ... أنفاسها بدوام من تلظيها تنفست نفس المهجور فأدكرت ... عهد الخليط فبات الوجد يبكيها يخشى عليها الردى مهماً ألم بها ... نسيم ريح إذا وفى يحيها بدت كنجم هوى في اثر عقربة ... في الأرض فاشتعلت منها نواصيها نجم رأى الأرض أولى أن يبوئها ... من السماء فأمسى طوع أهليها كأنها غرة قد سال سادخها ... في وجه دهماء يزهيها مجليها أو ضرة خلقت للشمس حاسدة ... فكلما حجبت قامت تحاكيها وحيدة وهي مثل الرمح هازمة ... عساكر الليل عن حلت بواديها ما طنبت قط في أرض مخيمة ... إلا وأقمر للأبصار داجيها لها غرائب تبدو من محاسنها ... إذا تفكرت يوماً في معانيها فالوجنة الورد إلا في تناولها ... والقامة الغصن إلا في تثنيتها قد أثمرت وردة حمراء طالعة ... تجني على الكف أن أهويت تجنيها ورد تشاك به الأيدي إذا قطفت ... وما على غصنها شوك يوقيها صفر غلائلها حمر عمائمها ... سود ذوائبها بيض لياليها كصعدة في حشا الظلماء طاعنة ... تسقي أسافلها ربا أعيالها وصيفة لست منها قاضياً وطرا ... إن أنت لم تكسها تاجاً يحليها صفراء هندية في اللون إن نعتت ... والقد في اللين إن أتممت تشبيهاً ما إن تراك الليل لاهثه ... وما بها علة في الصدر تصميها تحيي الليالي نوراً وهي تقتلها ... بئس الجزاء لعمر الله يجزيها ورهاء لم يبد للأبصار لابسها ... يوماً ولم يحتجب عنهن عاريها قدت على قد ثوب قد تبطنها ... ولم يقدر عليها الثوب كاسيها

غراء فرعاء ما تنفك قالية ... تقص لمتها طوراً وتقليها شيباء شعثاء لا تكسي غدائرها ... لون الشبيبة إلا حين تبليها فتاة ظلماء ما يتفك ثاكلها ... سنانها طول طعن أو يشظيها مفتوحة العين تفني ليلها سهرا ... نعم وإفناؤها إياه يفنيها وربما نال من أطرافها مرض ... لم يشف منه بغير القطع شافيها وقال القاضي الفاضل: ولما أراد الليل ينظر وجهه ... تقدم إن يذكي له الشمع أعيناً وما هي إلا أعين وجفونها ... دجاها وإنسان السعود نهارنا رياض دجى فتحن عند وقودها ... أزاهر نار تركب الشمع أغصناً عجبت لروض منه بالنار يزدهي ... وإلا لزهر منه بالعين يجتني فتكن الدجى والنور فيض دمائها ... غذ النار نصل والشموع لها قنا وقال فيها: بكت مثل ما أبكي وفاضت دموعها ... ولم تفش أسراراً كفيض دموعي إشارة مظلوم وعبرة عاشق ... ووقفة مأمور ولون مروع أقامت إلى نحر الظلام أسنة ... فلم تلقها إلا بخلع دروع وقال أيضاً: والشمع فوق البحر تحسب انه ... من لجة قد أطلع المرجان والماء درع والشموع أسنة ... ولها إذا خفق النسيم طعان وقال محمد بن علي الوزير حاجب النعمان: وطفلة كالرمح شاهدتها ... سنانها من ذهب قد طبع دموعها تنهل في نحرها ... ورأسها يحيي إذا ما قطع وقال آخر وأجاد: إذا مرضت طال منها اللسا ... ن ومد المداوي إليها يدا ويقطع من رأسها الجلنا ... ر فيرجع أهليلجاً أسودا وقال ابن خفاجة (ومولده سنة خمسين وأربعمائة، ووفاته سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة) : وصعدة لبست سروال مشتهر ... بالحب منغمس في الدمع والحرق مازال يطعن صدر الليل يهدمها ... حتى بدا سائلاً منه دم الشفق وقال آخر وأغرب: وباكية من غير حزن بأدمع ... تذوب بها أحشاؤها حين تنهمل دموعاً إذا ردت إليها بكت بها ... ولم أر دمعاً غيره في المقل وقال سيف الدين المشد: ولم أر مثل شمعتنا عروساً ... تجلت في الدجى ما بين جمع كأن عقود أدمعها عليها ... سلاسل فضة أو قضب طلع وقال محاسن الشوا (مولده سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، ووفاته سنة خمس وثلاثين وستمائة) : حكتني وقد أودى بي السقم شمعة ... وإن كنت صبا دونها متوجعا ضناً وسهاداً واصفراراً وزفرة ... وصبراً وصمتاً واحتراقاً وأدمعا وقال نور الدين بن سعيد: ومجلس أنس زينته عرائس ... تزيد لنا وصلاً إذا ما قطعناها إذا طعنت صدر الظلام برمحها ... ترد بسيف الصبح منها فأفناها الشيخ زين الدين بن الوردي: ممشوقة مثل صدر الرمح عارية ... قد توجت بنظير الكوكب الساري تبكي إذا ضحكت جلاسها فرحاً ... فالقوم في جنة والشمع في نار وقال ابن الجلال وأجاد إلى الغاية (توفي سنة ست وخمسين وخمسمائة) : وصحيحة بيضاء تطلع في الدجى ... صبحاً وتشفي الناظرين بدائها شابت ذوائبها أوان شبابها ... وأسود مفرقها أوان فنائها كالعين في طبقانها ودموعها ... وسوادها وبياضها وضيائها مجير الدين بن تميم وقد طفئت شمعة بمجلس فزارهم مليح عقيب طفيها: ومخطفة أوقدتها جنح ليلة ... وقد زار من أهوى وتم بها أنسى فأطفأتها إذا أشرقت شمس وجهه ... ومن سفه أن يوقد الشمع في الشمس وقال ابراهيم المعمار: لا تنور في مقامي ... شمعة من غير حاجة قد كفانا طلعة البد ... ر ومصباح الزجاجة ولما أنشدتها للأمير شهاب الدين الحاجي قال لي لم لا قلت: أطفئوا ذا الشمع عنا ... ما لنا بالشمع حاجة فقال ابراهيم أردت مقامي وهذا في غاية الظرافة. علاء الدين الوداعي وقد أهدى شمعة: يا من ببعادهم أسا الدهر إلى ... والآن فقد أنعم بالقرب علي قد أظلمت الأشواق طرفي فلذا ... قدمت إليكم شمعة بين يدي البدر يوسف بن لؤلؤ الذهبي في مليح يقط الشمع: وذي قوام أهيف ... بين الندا ما قد نشط قام يقط شمعة ... فهل رأيت الظبي قط

سيف الدين المشد ملغزاً في طوافة: لينة الأعطاف لا ... ينكر فضل قدرها حياتها في طيها ... وموتها في نشرها وقال ناصر الدين بن شافع في وصفها (مولده سنة تسع وأربكعين وستمائة، وتوفي سنة ثلاثين وسبعمائة) : وشمعة قد استتم نبتها في روض الأنس حتى نور * ولا نمى بدوحة المفاكهة حتى أزهر * أومأ بنان تبلجها إلى طرق الهداية وأشار ودل على نهج التبصر وكيف لا وهي علم في رأسه نار * كأنما هي قلم امتدى بماء ليق من ذهب أو صعدة إلا أن سنانها ذهب وحسبها كرماً أن جادت بنفسها وأعلنت بامتناعها على همود حسها سايلها في الجود بأمثالها مسول ودمعها بالعفو للصفو من سماحتها مطلول تحيتها عمواً صباحاً يتألق فجرها وتمام بدرها في أوائل شهرها قد جمعت من ماء دمعها ونار توقدها بين نقيضين ومن حسن تأثرها وعين تبصرها بين الأثر والعين. وقال محيي الدين بن عبد الظاهر: في حين ما شق ريحي الدجى عن ترائبه جيباً ونشر الظلام ظفائره وقد اشتعل رأسه من النجوم شيباً في ضوء شمعة نشرت على الورق ردء الأصيل وأخفت من الدجى سواد دجفنه الكحيل وسترت ذوائبه في معصفر أبهج من وجنتي بثينة لولا أنها في صفرة ةجه جميل. وكتب الأديب الفاضل الكامل شرف الدين عيسى بن حجاج العالية أحد شعراء العصر بالديار المصرية أبقاه الله تعالى إلى الوزير العلامة فخر الدين بن مكانس تغمده الله بالرحمة يقبل الأرض التي شاقه ترابها المواطئ الفخرية فزاد عجاباً وقال المسك يا ليتني كنت تراباً وينهي أنه أقبل على المطالعة والباقي من العشر ليال خمس واستهدى بنجوم فوائدها حين قامت الشمعة بوظيفة الشمس واستدعى أعواناً من السهر فتخاذلت عنه أعوانه وخشي من غلبة النوم فتغلب عليه سلطانه ولما أغفى على وجه الكتاب لعبت الشمعة بلسانها وتناولت طرف شاشة بيد نيرانها فهب المملوك وأخمد منها ما تصاعد من الأنفاس وقابلها على حرق الشاش بقطع الرأس. أني جلست بشمعة موقودة ... لأطالع الأسفار للتسبيح فتناولت شاشي أوائل نارها ... وتمكنت منه بمر الريح من قبل حرق الشاش كنت مطالعاً ... في الكتب صرت مطالعاً في الروح وقد توسلت بهذه الرسالة المدونة في باب المنظوم والمنثور ومددت يد سؤلي إلى طلبي ساشاً مقصوراً وأرجو أن يجمع لي بين الممدود والمقصور أبقاك الله للأولياء الذين يحبون وجودك ويستمطرون كرمك وجودك. وقال مجير الدين بن تميم وقد مر بدار بعض أصحابه ومعه شمعة وقد طفئت فأوقدها من داره: لما أزرتك شمعتي لتنيرها ... جاءت تحدث عن سراجك بالعجب وافتك حاسرة فقبل رأسها ... فأعادها نحوي بتاج من ذهب حكى أن مجير الدين الخياط الدمشقي كان يتعشق غلاماً من أولاد الجند فشرب في بعض الليالي وسكر فوقع في الطريق فمر الغلام عليه وهو راكب فرآه في الليل مطروحاً فوقف عليه بالشمعة ونزل فأقعده ومسح وجهه فسقط من الشمعة نقطة على خده ففتح عينيه فرأى الغلام على رأسه فاستيقظ من سكرته وأنشد مرتجلاً: يا محرقاً بالنار وجه محبه ... مهلاً فإن مدامعي تطفيه أحرق بها جسدي وكل جوارحي ... واحذر على قلبي فإنك فيه وأما الفانوس فمن احسن ما سمع فيه قول مجير الدين بن تميم: انظر إلى الفانوس تلق متمياً ... ذرفت على فقد الحبيب دموعه يبدو تلهب قلبه لنحوله ... وتعد من تحت القميص ضلوعه وقال: أبدي اعتذاراً لنا النفوس حين بدا ... في حالة من هواه ليس ينكرها رأى الهوى مضرماً ما بين أضلعه ... نار الجوى فغذا بالثوب يسترها وقال الوجيه المناوي: كأنما الليل وفانوسنا ... يجلو دجى الظلمة للحس لجة بحر قد طما موجه ... تسبح فيه كرة الشمس وقال شهاب الدين بن أبي جحلة مضمناً: وكأنما الفانوس نجم نير ... منع الظلام من الهجوم طلوعه أو عاشق أجرى الدموع بحرقة ... من حر نار قد حوته ضلوعه وله مضمناً أيضاً: وباكية من غير حزن بأدمع ... تذوب بها أحشاؤها حيت تنهمل دموعاً إذا ردت إليها بكت بها ... ولم ار دمعاً غيره رد في المقل وله فيه مضمناً: يحكى سناص الفانوس من بعد لنا ... برق تالق موهناً لمعانه

فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه وله: أنا في مقام الناصر السلطان لا ... أشكو إلى محبوب قلبي ما بي 3فاصبر كصبري في الهوى ولأنني ... متجلد والنار تحت ثيابي مجير الدين بن تميم تضمن: يقول لها الفانوس لما بدت له ... وفي قلبه نار من الغيظ تسعر خذي بيدي ثم اكشفي الثوب تنظري ... ضنا جسدي لكنني أتستر وأما السراج وما قيل فيه فمنه قول ابن أبي الخصال. عذراً إليك أعزك الله فإني حططت والنوم معازل والعز منازل والريح يلعب باسلراج ويصول عليه صولة الحجاج وطوراً يسدد سناناً وطوراً يحركه لساناً وآونة يطوي جنابه وأخرى ينشره ذؤابه ويقيمه أبرة لهب ويعطفه برة ذهب او حمة عقرب وتقوسه حاجب فتاة ذات غمزات ويتسلط على سليطه ويزيله عن خليطه ويخلفه نجماً ويمده رحماً وتسل روحه من ذباله ويعيده إلى حاله وربما نصبته إذن جواد ومسخته حدق جراد ومشقته خاطف برق بكف ودق ولثمه سناه قنديله ولفت على أعطافه منديله فلاحظ منه للعين ولا هداية في الطرس لليدين. قال شرف الدين التيفاشي رأيت فيما يرى النائم قائلاً يقةول لي تحفظ في السراج والمسرجة فأنشدته قول ابن الرومي: وحية في رأسها درة ... تسبح في بحر قصير المدا إذا تولت فالعمى حاضر ... وإن تجلت بان طرق الهدى فقال لي هذا في الذبالة وأنا سألتك في السراج والمسرجة فأنشدته قول الصنوبري: إن سراجاً نوره ظلمة ... كأنما يوقد في قلبي الحب أضناني فما باله ... بفتى وما يشكو جوى الحب فقال هذا في السراج وأنا سألتك في السراج والمسرجة فصمت فقال أراك سكت فقلت له ما تحفظ فيهما أنت فأنشد: مسرجة تسرج من فوقها ... ذبالة في جوف مصباح كأنها مسرجة فوقها ... تفاحة في غصن تفاح فاستيقظت وأنا احفظهما. قال شهاب الدين بن أبي حجلة وهذا التشبيه في المسرجة جيد في مسارج العرب فإن مسرجتهم قضيب أملس أشبه بغصن التفاح. قلت: لا يخفى ما في هذين البيتين من الحسن وجودة التركيب في قوله في البيت الأول مسرجة ثم في الثاني كأنها مسرجة وقوله تفاحة في غصن تفاح وما أعرف لهما شبيهاً إلا قوال ابن وزير في الحمام. حكي أن ابن قزمان الوزير أبي بكر صاحب الأزجال المشهورة قام من مجلس انس فمال على السراج فأطفأه فقال في الحال: يا أهل ذا المجلس السامي سرادقه ... ما ملت لكنني مالت بي الراح فإن أكن مطفئاً مصباح بيتكم ... فكل من حل فيكم فيه مصباح قال القاضي كمال الدين بن العديم (مولده سنة ست وثمانين وخمسمائة، ووفاته سنة تسع وخمسين وستمائة) في تاريخ حلب أن القاضي شمس الدين بن خلكان الأربلي مذهب الشافعي وأنشدني لنفسه ملغزاً في السراج: أيها العالم الذي ... صار حبراً ممارساً والذي موضحاته ... يجتليها عرائساً أي شيء ترى الورى ... جمعهم منه قابساً إن في السرب نصفه ... حيث ما كان كانساً ثم صحف تمامه ... تلق خلا مؤانساً واحذفن منه ثالثاً ... تنظرن فيه فارساً من يصحفه عاكساً ... يلق في الليل حارساً وما أحسن قول القاضي الفاضل يعتذر عن كتاب كتبه إلى بعض أصحابه ليلاً كتبها الملوك ليلاً وقد عمشت عين السراج وشابت له الدواة وكل خاطر السكين وخرس لسان القلم وضاق صدر الورقة فإذا وقف سيدنا على هذا الكتاب فليقف على بيمارستان وليقل الباذنجان من هذا لايقل هذا من الباذنجان. وقال ابن تميم في سراج يوقد من سراج: أعلمتم يا قوم أن سراجنا ... أمسى وفيه فضليه لاتكتم يأتي أخوه إليه حاسر رأسه ... فيعيده في الحال وهو معمم نادرة: اتفق أن أبا الحسين الجزار قام مرة إلى بيت الخلاء فناوله السراج الوراق شمعة فقال الجزار ما عادتي أقضي الشغل إلا على السراج. وما أظرف قول زين الدين ابن الوردي: لي صاحب واسمه سراج ... ما قرّ لي عنده قرار لسانه محرق لقلبي ... إن لسان السراج نار وممن أكثر من ذكر السراج الأديب الفاضل الكامل سراج الدين عمر الوراق حتى إنه قيل له لولا لقبك راح نصف شعرك، فمن ذلك قوله:

إذا بحت بالشكوى عتبت معاشراً ... بلا راحة في مدحهم أتعبوا ذهني يريدونني رطب اللسان ومن رأى ... سراجاً غدا رطب اللسان بلا دهن وقوله بتقاضي زنجبيلاً: مولاي بدر الدين أن? ... ?ت في المكارم تاجها ولديك بغية كل نف? ... ?س آمليك وحاجها ولنور وجهك في الفضا ... ئل قد أقر سراجها أنسيت سورة هل أتى ... ونسيت كان مزاجها وقوله: أقول في يوم شتاء به ... من سحبه ما خلف النيلا خرجت من بيتي سراجاً وقد ... عدت بحمد الله قنديلاً وقوله: سبق السراج إلى امتدا ... حك كل من يتقدمه وسناك مسرجة لبا ... بك والمهابة تلجمه ولكن توقد ذهنه ... ما كل شيء يفحمه وقوله: كم قطع الجود من لسان ... قلد في نظمه النحورا وها أنا شاعر سراج ... فاقطع لساني أزدك نورا وقوله: بنيّ اقتدى بالكتاب العزيز ... فراح ليرى سعياً وراجاً فما قال لي أف مذ كان لي ... لكوني أبا ولكوني سراجاً وقوله: أثنى عليّ الأنام إني ... لم أهج خلقاً ولو هجاني فقلت لا خير في سراج ... إن لم يكن ذاك في اللسان وقوله: قلبي لديك وطرفي طال بعدهما ... عني فلي أبداً سهد وتذكار ولست متهماً قول السراج إذا ... ما قال من حرق في قلبي النار وقوله: بكتبك راح لي أملي وقصدي ... وفي يدك النجاح لكل راجي ولولا أنت لم ترفع مناري ... ولا عرف الورى قدر السراج وقوله: وقد اجتمع ببدر الدين بيليك وشمس الدين سنقر: لما رأيت البدر والشمس معاً ... قد انجلت دونهما الدياجي حقرت نفسي ومضت هارباً ... وقلت ماذا موضع السراج وقوله: يمدح ضياء الدين: أمولانا ضياء الدين دم لي ... وعش فيقاء مولانا بقائي فلولا أنت ما أغنيت شيئاً ... وهل يغني السراج بلا ضياء وقوله: شعيرتي مذ رمدت قد حجبت ... شخصك عني وكان مأنوساً فالحمد لله زادني شرفاً ... كنت سراجاً فصرت فانوساً وقوله: إلهي قد جاوزت سبعين حجة ... فشكراً لنعماك التي ليس تنكر وعمرت في الإسلام فازددت بهجة ... ونوراً كذا يبدو السراج المعمر وعمم نور الشيب رأسي وسرني ... وما ساءني إن السراج منور وقوله: طوت الزيادة غذ رأت ... عصر الشباب طوى الزيادة ثم انثنت لما انثنى ... بعد الصلابة كالحجارة وبقيت أهرب وهي تس? ... ?أل جارة من بعد جاره وتقول ياستي استرح? ... ?نا لا سراج ولا منارة وقال فيه بعض شعراء عصره والسراج عمر عالي المنار ويتوقد دكاً ولو لم تمسه نار. حكى أنه جهز غلاماً ليبتاع له زيتاً طيباً يأكل به لفتاً فأحضر وقلبه على اللفت فوجده زيتاً حاراً فأنكر على الغلام وأخذه وجاء إلى البياع وقال لم تفعل مثل هذا بنا فقال والله ياسيدي مالي ذنب إلا أنه قال لي أعطني زيتاً للسراج. وحكى عنه أيضاً انه دعى إلى زفة فقالوا له صبيحتها أيش كان حالك يا سراج الدين البارحة فقال أيش حال سراج بين ألف مشعل. ومثلها ما حكاه لي الوزير المرحوم فخر الدين بن مكانس عن صاحبه سراج الدين القوصي أنه كان حصل له طلوع في جسده فتردد إليه المزين فقال أيش حال سراج فيه سبع فتائل. وأنشدني لنفسه يداعب المذكور وكان سكندري الأصل: يا ذا السراج اشتر أيري فأنت به+أولى وذلك للأمر الذي وجبا سكندري وتدعى بالسراج وذا ... مثل المنار إذا ما قام وانتصبا وما أحسن قول بعضهم: *ومتى أظلم خطب عمر الله السراجا * فصل في القنديل: قال شمس الدين محمد بن العفيف: صفا باطني صرفاص كمارق ظاهري ... وناجيت فتياناً من الشرب أكياساً إذا نهضوا كنت الرفيق لهم إذا ... وإن جلسوا أمسيت في الوسط جلاساً ولآخر: وقنديل كان الضوء فيه ... سنا وجه الحبيب إذا تجلا أشار إلى الدجى بلسان أفعى ... فشمر ذيله هرباً وولى ولآخر: وشادن مرّ والقنديل في يده ... ما بيننا وظلام الليل معتكر

الباب الخامس عشر في الخضروات والرياحين

كأنه فلك والماء فيه سما ... والنار شمس يه والحامل القمر وله: عجبت لقنديل تضمن قلبه ... زلالا وناراً في دجى الليل تشعل وأعجب من ذا انه طول عمره ... يجن عليه الليل وهو مسلسل الباب الخامس عشر في الخضروات والرياحين الورد كان المتوكل يقول أنا ملك السلاطين والورد ملك الرياحين فكل منا أولى بصاحبه وكان قد حرم الورد على جميع الناس واستبد به وقال لايصلح للعامة فكان لا يرى الورد إلا في مجلسه وكان أيام الورد لا يلبس إلا الثياب الموردة ويفرش الفرش الموردة يوورد جميع الآلات. ورفع إلى المأمون أن حائكاً يعمل سنته كلها لا يتعطل في عيد ولا جمعه فإذا ظهر الورد طوى عمله وغرد بصوت عال: طاب الزمان وجاء الورد فاصطحبوا ... مادام للورد أزهار وأنوار فإذا شرب مع ندمائه غنى: اشرب على الورد من حمراء صافية ... شهراً وعشراً وخمساً بعدها عدداً ولايزال في صبوح وغبوق ما بقيت وردة فإذا انقضى الورد عاد إلى عمله وغرد بصوت عال: فإن يبقني ربي إلى الورد أصطبح ... وندمان صدق حاكة ونبيط فقال المأمون لقد نظر إلى الورد بعين جليلة فينبغي أن نعينه على هذه المروءة فأمر أن يدفع له كل سنة عشرة آلاف درهم. وقال ابراهيم الخواص إذا جاءت أيام الورد أمرضني علمي بكثرة من يعصي الله تعالى فيه. جلس روح بن حاتم أمير أفريقية يوماً في منظر له ومعه جارية من جواريه فدخل الخادم بقادوس فيه ورد أحمر وأبيض في غير أوان الورد فاستظرفه وسأل الخادم عن أمره فأخبره أن رجلاً أتى به هدية فأمر أن يملأ له القادوس دراهم فقالت له الجارية ما أنصفته قال ولم قالت أتى بلونين أحمر وأبيض فلونه له فأمر أن يخلط دنانير ودراهم فخلط ودفع إليه. ويقال عن كسرى مر بوردة ساقطة فقال أضاع الله من أضاعك. خواصه: بارد يابس في الدرجة الأولى يابس في آخر الدرجة الثانية نافع لصاحب المرة الصفرا ومن به حرارة حريقة مسكن للصداع المتولد منها ضار لصاحب المزاج البارد مهيج لعطاسه مزعج لدماغه ومرباه بالسكر والعسل ينفع من البلغم وماؤه المصعد منه بارد وطب نافع من سائر أوجاع الدماغ الحادة ومن الأورام الحارة نقلتها من النور المجتبي من رياض الندماء تأليف الحكيم الفاضل الأديب المعروف بالعنبري وبابن المحلى ذكره الفاضل المؤرخ موفق الدين بن أبي أصيبعة في تاريخ الأطباء وأثنى عليه الثناء البالغ. وعلى مصنفه المذكور قلت وهذا الكتاب رتبة على فصول السنة كل فصل يشتمل على أربعين باباً عديم النظير قليل الوجود. القول في استخراجه في غير أوانه: قال صاحب المباهج من احرق السداب في أصول شجر الورد حتى يرتفع وجه الإحراق إلى الشجر في أي وقت كان من السنة التي تورد شجرة الورد فيه وردت بعد أيام ورداً غضاً ومتى جمع الرماد التي احرق وخلط بتراب ونيش أصل الشجرة التي أحرق ذلك في أصولها وطمر الرماد ثم سقيت الماء في الوقت وسقيت بعد ذلك على العادة كان ما ذكرناه أيضاً. الحيلة في أن يبقى الورد السنة كلها في الفلاحة الرومية: يؤخذ زر ورد الذي لم يفتح بعد فتملأ به جرة فخار جديدة وتطين رأسها تطيناً محكماً لا يتخلله الهواء ويدفن في الأرض فإنك تخرج منها الورد متى شئت إلى آخر السنة كهيئة حين أدخلته فيها فرش عليه ماء ويترك في الهواء فإنه يفتح ورداً طرباً كالذي يقطف من شجره. وفي كتاب الخواص أن الورد الأحمر إذا بخر بالكبريت أبيض وإذا بخر نصف الوردة صار نصفها أبيض ونصفها أحمر والورد الأحمر إذا بخر بالنورة المطفية أبيض وإذا صب في الشتاء في أصول شجر الورد ماء حار عند كل غداة انفطر قبل انفطار الورد.

غرائب من هذا النبات: حكى صاحب نشوار المحاضرة أنه رأى ورداً اصفر واستغرب ذلك وقد رأيناه كثيراً غلا انه امتاز بكونه عد ورق وردة فكانت ألف ورقة ورأى ورداً أسود حالك اللون له رائحة ذكية ورأى بالبصرة وردة نصفها احمر قاني الحمرة ونصفها الآخر ناصع البياض والورقة التي قد وقع الخط فيها كائنها مقسومة بقلم قال صاحب المباهج وحكى لي بعض أصحابي أنه رأى ورداً بدمشق له وجهان أحد الوجهين أحمر والآخر أبيض لا يشوب أحدهما شيء من الآخر وأخبرت أن بحلب ورداً أحد وجهي الورقة أحمر والآخر اصفر وأما الورد الأزرق فقد حكى لي بعض أصحابي أن رجلاً أخبره أنه رأى أكاراً يجري إلى شجرة الورد ماء مخلوطاً بالنيل قال فسألته عن ذلك فقال إن الورد يكون ازرق بهذا العمل والظاهر من الأسود أنه احتيل عليه كذلك. وذكر ابن قتيبة أن بالهند شجراً يخرج ورداً عليه كتابة تقرأ لا إله إلا الله، وحدث أن منقذ لما عاد من المغرب وكان قد توجه إليه رسولاً من صلاح الدين أن في مراكش ورداً كل وردة من الثمانين ورقة إلى المائة ورقة. الوصف والتشبيه قال بعضهم وصدق: للورد عندي محل ... ورتبة لاتمل كل الرياحين جند ... وهو الأمير الأجل وقال آخر وظرف: كتب الورد إلينا ... في قراطيس الخدود يا بني اللهو صلوني ... قد دنا وقت ورودي ولبعضهم في باكورة ورد: ودونك يا سيدي وردة ... يذكرك المسك أنفاسها كعذراء أبصرها مبصر ... فغطت بأكمامها رأسها وقال علي بن الجهم في صبابته: لم يضحك الورد إلا حين أعجبه ... حسن الرياض وصوت الطائر المغرد لا عذب الله غلا من يعذبه ... بمسمع بارد أو صاحب نكد وفيه لجحظلة: يعز علي بأن يشمك ساقط ... أو أن تراك نواظر البخلاء وقال محمد بن عفيف التلمساني: قامت حروب الدهر ما ... بين الرياض السندسيه وأتت بأجمعها لتغ? ... ?زو روضة الورد الجنيه لكنها أنكسرت ل ... أن الورد شوكته قويه وتلطف الشيخ زين الدين بن الوردي في قولاه مويا باسمه: مهفهف القد إذا ما انثنى ... قال ولا يخشى من الرد ما أنت حملي يا كثيب اللوى ... ولست يا غصن النقا قدي لو نلت من خديه تقبيلة ... تزين الريحان بالورد ما أحقه بقول القائل شاكر نفسه يقرئك السلام. قلت: أحسن من بيته الثاني ما أنشدنيه من لفظة لنفسه ونقلته من خط المرحوم فخر الدين بن مكانس من أبيات: اسمران عاين غصن البان ... قال استقم فأنت ذو الوان يثنيك في الدوح النسيم الواني ... وليس لي في قامتي من ثاني *فلا تقاسني فلست قدي * رجع وقال أبو الوليد بن الحنان الشاطبي (مولده سنة خمس عشرة وستمائة، ووفاته سنة خمس وسبعين وستمائة) : فوق خد الورد دمع ... من عيون الحب تذرف برداء الشمس أضحى ... بعد ما شال يحفف وقال برهان الدين القيراطي: إن للروح في دمشق لمأوى ... ذا قرار وذا معين وربوه وبروضاتها بساتين ورد ... لي بأزرارها صبابة عروة وقال بعضهم وأصاب: كم وردة تحمى بسيف الورد ... طليعة تشرعت من جند قد ضمها في الغصن قرص البرد ... ضم فم لقبلة من بعد ومن أحسن ما استعمل أوصاف الورد في اعتذاره عن الإصغاء إلى كلام العذول مجد الدين النسائي الأربلي (مولده سنة اثنين وثمانين وخمسمائة، وتوفي في سنة ست وستمائة) شعر: أصغي إلى قول العذول بجملتي ... مستفهماً عنكم بغير ملالي لتلقطي زهرات ورد حديثكم ... من بين شوك ملامة العذالى السرى الرفا يصف ورداً أبيضاً قال: بدا أبيض الورد الجني كأنما ... تبسم للناس بمسك وكافوري كأن اصفراراً منه تحت بياضه ... برادة تبر في مداهن بلوري ولبعضهم في الورد الأسود: لله اسود ورد ظل يلحظنا ... من الرياض بأحداق اليعافير كأنما وجنات الريح نقطها ... كف الإمام بإنصاف الدنانير ولآخر فيه: وورد اسود خلناه لما ... تنشق نشره ملك الزمان مداهن عنبر غصن وفيها ... بقايا من سحيق الزعفران وقال مجير الدين بن تميم مضمناً:

لم أنس قول الورد حين جنيته ... والنار لاستقطاره تتسعرو ناشدتكم نفسي خذوه وإنما ... لاتعجلوا في قبض روحي واصبروا من رسالة كتبها الجناب المجدي فضل الله ابن المرحوم فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس إلى سيدنا ومولانا أقضى القضاة بدر الدين محمد بن أبي بكر عمر المخرومي المالكي الشهير بابن الدماميني اسبغ الله عليه ظلاله ملغزاً في ورد وكان سيدنا بدر الدين قد كتب إليه قبلها لغزاً في قدح فحله وكتب إليه هذا اللغز ونقلته من خطه وهو: ما عاطل تتحلى به المجالس ويتفكه فيه المجالس تحمر وجناته من الشرب وتحمر آثاره في البعد والقرب إن قبلته رأيت تاجاً وإن تركته على حاله زادك ابتهاجاً يعذب بالنار وغيره الجاني ويريك إن بدلت أوله برد الأماني يستخرج وهو داخل ويرى دمعه من نار قلبه هاطل لايبرح به في غبطه ولا تجد فيه مع انهماله نقطه إن حذفت أوله وحرفت باقيه وجدته أمراً بالشراب وإن فعلت كذلك في ثانية ما بقي يؤكد للمحبة بين الصحاب وور إن حذفت أخيره كمن ورا وغص في بحر الفكر على عكس ثلثيه لستخرج درا وقد سطره ليحصل له من نظر المخدوم طرفاً ويصير له في الألغاز شرفاً والمملوك يسأل الصفح والامتنان وبسط العذر في هذا الهذيان فإنه لولا المحبة ما أجاب ولا طرق بعد فقد أبيه هذه الأبواب ولا عارض بجد وله البحر العباب فإن بضاعته في هذا الفن مزجاة وهم أبيه غطى على حجاه والله المسئول أن يلطف برحمته ويحسن عاقبته في دنياه وآخرته ويمتع مولانا بزناد ذهنه الواري ويطلعه وبينه في سماء الفضل حتى يهتدي بالنجوم والدراري بمنه وكرمه، فكتب الجواب سيدنا بدر الدين وينهي ورد الجواب الذي شفي الصدور وروده واللغز الذي نسي بورده بأن الحما وزر وده فوجده روض بلاغة عدم العابث والعائب وترعرع زهره حيث أمطرته من أنامل المخدوم خمس سحائب وتمسكت أذيال أنفاسه بالرواية عن أبي الطيب وجاد فكر مولانا على خد طرسه بالعارض الطيب فلو شاهده ابن الوردي لاحمر خجلاً أو صاحب زهر الآداب لتلون وجلاً ثم تأمل حل اللغز فرآه قد كشف المشكل وجلا واعترف بأنه لم يمر بذوقه أطيب من ذلك الحل ولا أحلى وتحقق أن مولانا أوسعه في مقام الأدب بفضله إيناساً وتناول منه قدحاً فأعاده بألفاظه المسكرة كاساً وانتهى المملوك إلى اللغز المخدومي فقال: مولاي مجد الدين يا من فضله ... يروي وجود كفه يروي الصدا ألغزت في اسم عاطل حليته ... منك بدر اللفظ أو قطر الندا إن ورد التحريف في أبياته ... كان لشانيك هلاكا ورداً وقال أيضاً: لله لغزك يا مولى فضائله ... قد عطر الأكوان منها أطيب أنفاس أتى بورد فحياني على قدحي ... به وأبهجني ما بين جلاسي وقد أسى جرح كسرى حين اقبل لي ... روحي الفداء لذاك الورد والآسي فاستحلي المملوك بالتحريف ورده وود لو اقتطف من أغصان حروفه ورده فرده ذل القصور عارياً من ملابس عزه وأنشده قول ابن قلاقس وقد تقلى بنار عجزه: إذا منعتك أشجار المعالي ... جناها الغض فاقنع بالشميم فراج عليه بهرج هذا الرأي الكاسد واقتنع بالشم على رغم أنف الحاسد وعلم أن هذا الورد لايحسن من غير تلك الخضرة وإن هذه الفاكهة لا يخرجها إلا أغصان أقلام لها بندي الراحة المخدومية بهجة ونضرة ومشى نظر المملوك من هذا اللغز في بساتين الوزير على الحقيقة ورأى منه كل وردة واحب الوجنات الحمر فتحير أهي وردة أم شقيقة وتفكر معجباً بثمار غرسه لمن كرر النظر في صفحة طرسه: عن كنت تزعم ما خده عجب ... قم فانظر الورد في خديه منثوراً

فلقد ظفرت من نفسه بالعنبر وعوذته عند تبديل الثلاثة بالواحد الفرد وتأملت بفتور قريحتي نكتة برد الأماني وانعقد لساني بسحر هذا البيان ونفثات تلك المعاني وتيقنت أنه لا يقوى لفهم هذا البرد إلا كل حديد النظر ووجدت تصحيف هذه الكلمة يا شمس الفضائل للعقول فمر وعلمت إن الفكر لا يجاري من بديهيته من بحار الفضل روية وإن الخاطر الذي هو من ضعفة رعايا الأدب لا يقوى على سلطان هذا اللغز لأن شوكته قوية وقلت للذهن رد بعضه لتنهل شراباً سائغاً وزد تصحيفه ليكون في التعريف بمعناه مبالغاً وتمتعت من ورده الوارد بالشموم ثم تذكرت البعد عن جناب المخدوم فاستقطر البين ماء الورد في حدقي ولمولانا المنة في الصفح عن مقابلة الدر بالسقط وتمر هجر بهذا الحشف الملتقط وله الفضل في إجابة المملوك إلى ما سأله أولاً من الاتحاف بما تيسر من آداب المقر الفخري الوالد نور الله ضريحه وتعاهد بعهاد الرحمة بمنه وكرمه. ولبعضهم في الورد القحابي: ووردة جمعت لونين خلتهما ... خدي حبيب وخدي هائم عشقا تعانقا فبدا واش فراعهما ... فاحمر ذا خجلاً واصفر ذا فرقا وظرف من قال كأنه وجنة الحبيب وقد نقطها عاشق بدينار انظر إلى هذا وجنة وحبيب ودينار وأين هذا من قول ابن الرومي (مولده سنة إحدى وعشرين ومائتين، ووفاته سنة أربع وثمانين وسبعمائه) : كأنه سرم بغل حين سكرجه ... بعد البراز وباقي الروث في وسطه ونقلت من خط شيخنا شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الشهير بابن سمنديار الذهبي لنفسه: إذا الربيع جيشت أزهاره ... فورده ذو الشوكة السلطان وأنشدني من لفظه لنفسه ارتجالاً الشيخ الأديب الفاضل بقية المتأخرين شمس الدين محمد بن بركة الرئيس فسح الله في مدته: شاب ورد الرياض من ... ورد خديك وانفرك فله الناس أثبتوا ... وانتقى الورد للكرك النرجس قال أبقراط كل شيء يغدو الجسم والنرجس يغدو العقل. وقال جالينوس من كان له رغيف فليجعل نصفه في النرجس فإنه راع الدماغ والدماغ راعي العقل. ويروى عن علي كرم الله وجهه أنه قال تشمموا النرجس ولو في اليوم مرة فإنه في القلب داء لا يبرئه إلا شم النرجس. وقال الحسن بن سهل من أدمن شم النرجس في الشتاء أمن من البرسام في الصيف، وكان كسرى أنوشروان مغرماً بالنرجس ويقول هو ياقوت اصفر بين در أبيض علي زمرد أخضر. وقال إني لاستحي أن أباضع في مجلس فيه النرجس لأنه أشبه شيء بالعيون الناظرة، ومن هنا أخذ من قال: غضى جفونك يا عيون النرجس ... لعسى أفوز بنظرة من مؤنسي فلقد تحير إذا أراك شواخصاً ... تروينه بلواحظ المتغرس حتى كأنك لن ترى قمر الدجا ... بين الأحبة طالعاً في مجلس نادرة: تحدث رجل مع خاطبة في أن تخطب له امرأة يتزوجها فقالت له عندي امرأة كأنها طاقة نرجس فتاقت نفس الرجل إليها فتزوجها فلما زفت إليه وكشف القناع لقي عجوزاً مكمشة الوجه بيضاء الشعر دقيقة الساقين صفراء الوجه مخضرة الساقين بالشعر فلم يقربها وعاد باللوم على الخاطبة وقال لها كذبتيني وغريتيني فقالت له ما كذبتك ولا غررتك وإنما أنت رجل جاهل قلت لك عندي امرأة كأنها طاقة نرجس فرغبت وماهي طاقة النرجس غلا هكذا. خواصه حار يابس ينفع من سائر أوجاع العصب من برد وكذلك النسرين ويصدع النرجس الرؤوس الحارة وفعلهما أقل من فعل الياسمين وينفعان من وجع الأرحام من برد ويفتح سدد الدماغ وينفع من الصداع البارد الرطب والسوداوي ودهنه ينفع من أوجاع المفاصل. انتهى كلام ابن المحلي في النور.

وقال صاحب المباهج خاصيته للنفع من الأوجاع الباردة الكائنة في الرحم اصله يدمل القروح وينفع من أوجاع المفاصل وإذا سحق اصله وخلط بدقيق واغتسل به نقى أوساخ البدن والقروح وإذا تضمد به فجر الأورام والدملات وهذا الفعل موجود في أصله وزهره ورائحته مقوية للدماغ للسدد طاردة لما في بطونه من الأرياح وإذا أديم شمه نفع من الصداع الكائن من بخار البلغم ومن الرطوبة المحتقنة فيما بين أعشية الدماغ وإن اتخذ منه شمامة مستديرة في شكل الرمانة ورش عليها شيء من ماء الورد الممسك وبخرت بالند الرفيع أو العود الرطب والزعفران الشعر الطردي اكسبها البخور بذلك نفعهاً عظيماً وإن شوى بصلة في النار أو في الرمادى وقشر وسحق في الهاون وسكب عليه شيء من دهن الحبري وأغلى بالدهن وضمد به على الخنازير والجراحات الفجة الجاستة والدماميل الصلبة ألانها وفجرها. وفي كتب الخواص قال هرمس إذا وضعت طاقات النرجس التي لم تفتح بعد في ماء البقم حتى ينفخ فيه أبدل من بياض أوراقه حمرة شديدة وبقيت على حالها. الفلاحة: التنطية إن أوقف ما غرس بصل النرجس في الأرض التي أقام الماء فيها عشرة أيام أو عشرين يوماً ثم نضب الماء عنها وجف وبقي فيها شيء من النداوة يسير فليحفر في همة الأرض حفاير عمقها قدم أو أقل ويجعل البصلة فيها ويغطي بالتراب ويكبس فوقه التراب كبساٍ جيداً فإذا ابتدأ يطلع منه شيء يسير فيسقي سقية خفيفة ويتعاهد كذلك حتى يكمل ورده. ومن أراد أن يجعل العين منه مضاعفاً فيأخذه بصلة سمينة فيشق وسطها ويغرس فيها سن ثوم غير مقشر ويغرقها في البصلة في التراب فإنها تحمل نرجساً مضاعفاً. غريبة: ذكرها صاحب المباهج من أخذ من بصل النرجس بصلة كبيرة وأخدشها بالمسلة من ذهب خالص ثم غرز البصلة برأس المسلة باليد اليسرى ثم يدور الماسك في الموضع الذي يريد أن يغرس فيه تلك البصلة خمس دورات وهو يضحك أو يتضاحك ثم يغرسها في مقطع الدورة الخامسة فإن تلك البصلة تحمل نرجساً أحمر مثل الشقيق طيب الريح جداً وصفة غرسه كما يفعل بغيره ومن أراد أن يكون النرجس في غير أوانه فليحرق السداب مع شيء في قشور الجوز على منابت أصله فإنه يسرع إخراج ورقة الوصف وقال ابن الرومي: خجلت خدود الورد من تفضيله ... خجلاً يورد عليه شاهد لم يخجل الورد المورد لونه ... إلا وناصله الفصيلة عاند للنرجس الفضل المبين وإن أبي ... آب وحاد عن الطريقة حائد فصل القضية إن هذا قائد ... زهر الربيع وإن هذا طارد شتان بين اثنين هذا موعد ... بتصرم الدنيا وهذا واعد فإذا احتفظت به فامنع صاحباً ... بجنابه لو أن حيا خالد يلهي النديم عن النديم بلحظة ... وعلى المدامة والسماع مساعد اطلب بعيشك في الملاح سميه ... أبداً فإنك لا محالة واجد والورد إن فتشت في فرد اسمه ... ما في الملاح له سمي واحد هذي النجوم هي التي ربتهما ... بحيا السحاب كما يربي الوالد فانظر إلى الأخوين من أدناهما ... شبهاً بوالده فذاك الماجد أين العيون من الخدود نعاسة ... ورياسة لولا القياس الفاسد وناقضه أحمد بن يونس الكاتب فقال: يامن يشبه نرجساً بنواظر ... دعج تنبه إن فهمك راقد أين القياس ولم يصح قياسه ... بين العيون وبينه متباعد والورد أشبه بالخدود حكاية ... فعلام تجحد فضله يا جاحد ملك قصير عمره متأهل ... لخلوده لو أن حيا خالد إن قلت إن الورد فرد في اسمه ... ما في الملاح له سمي واحد فالشمس تفرد في اسمها والمشتري ... والبدر يشرك في اسمه وعطارد أو قلت إن كواكباً ربتهما ... بحيا السحاب كما يربي الوالد قلنا أحقهما بطبع أبيه في ال? ... ?جدوى هو الزاكي النجيب الراشد زهر النجوم تروقنا بضيائها ... ولها منافع بعد ذا وعوائد وكذلك الورد الأنيق يروقنا ... وله فضائل خمسة وفوائد وخليفة إن عاب آب بنفحة ... ونسيمه أبداً مقيم راكد إن كنت تنكر ما ذكرنا بعدما ... وضحت عليه دلائل وشواهد فانظر إلى المصفر لوناً منهما ... وافطن فما يصفر إلا الحاسد

وقال سعيد بن هاشم الخالدي يفضل النوعين: أيحب النرجس البلدي ودي ... وما لي باجتناب الورد طاقة كلا الأخوين معشوق وغني ... أرى التفضيل بينهما حماقة هما في عسكر الإزهار هذا ... مقدمة يسير وذاك ساقه وقال أبو العلاء المعري الشروي يهجو النرجس: انظر إلى نرجس تبدت ... صيحاً لعينيك منه طاقة واكتب أسامي مشبه به ... بالعين في دفتر الحماقة كرّاثة ركبت عليها ... صفرة بيض على رقاقة وقال ابن الشلبي البغدادي فيهما: ونرجس قابل في مجلس ... ورد غلا في نعته الناعت فخذ ذا يخجل من لحظ ذا ... وطرف ذا في وجه ذا باهت وقال منصور الهروي يصفه مع البنفسج: قرن الزمان إلى البنفسج نرجساً ... متبرجاً في حلة الإعجاب كخدود عشاق غدت ملطومة ... نظرت إليها أعين الأحباب ولما دخل الأديب الفاضل المؤرخ الرحال نور الدين علي بن سعيد إلى القاهرة المحروسة صنع له أدباؤها صيغاً في بعض منتزهاتها وانتهت بهم الفرجة إلى روض نرجس وكان فيهم أبو الحسين الجزار فجعل يدوس النرجس برجليه فقال ناصر الدين حسن بن النقيب: يا وطئ النرجس ما تستحي ... أن تطئ الأعين بالأرجل فتهافتوا بهذا البيت وارموا إجارته فقال زكي الدين بن أبي الإصبع: فقال دعني لم أزل محنقاً ... على لحاظ الرشاء الأكحل ثم أبوه أن يجيزه غيره أعني ابن سعيد فقال: قابل جفوناً بجفون ولا ... تبتذل الأرفع بالأسفل ثم استدعاه ابن سابق إلى مجلس على النيل مبسوط بالورد قامت به شمامة نرجس فقال في ذلك: من فضل النرجس فهو الذي ... يرضي بحكم الورد إذ يرأس أما ترى الورد غدا قاعداً ... وقام في خدمته النرجس وقال مجد الدين بن سحنون خطيب النيرب وقد أهدى نرجساً: لما تحجبت عن طرفي وارّقني ... بعد ولم تحظ عيني منك بالنظر أرسلت مشبههاً من نرجس عطؤر ... كيما أراك بأحداق من الزهر وقال صفي الدين الحلي رحمه الله تعالى: أقول وطرف النرجس الغض شاخص ... إليّ وللنمام حولي المام أيا رب حتى في الحدائق أعين ... علينا وحتى في الرياحين نمام وما أحسن قول بدير المجنوي رحمه الله تعالى: وكأن نرجسه المضاعف خائض ... في الماء لف ثيابه في رأسه وأظرف من قال: يغض من فرط الحيا طرفه ... ما أحسن الغض من النرجس ونقلت من خط المرحوم فخر الدين بن مكانس لنفسه: بعدك شمس الدين ياما جرى ... من أدمع الطل بخد الشقيق والنرجس الغض غدا شاخصاً ... فلا تخلي عنه للطريق زاد على البيتين المتقدمين وأجاد: ليس جلوس الورد في مجلس ... قام به نرجسه يوكس وإنما الورد غدا باسطاً ... خداً ليمشي فوقه النرجس قول أمين الدين الجوتان توفي سنة ثلاث وستين وستمائة: نفش غض البان أذنابه ... وماس عند الصبح زهواً وفاح وقال هل في الروض مثلي وقد ... تعزى إلى غصني قدود الملاح فحدق النرجس يهزو به ... وقال حقاً قلت ذا أم مزاح بل أنت بالطول تحامقت يا ... مقصوف عجباً بالدعاوي القباح فقال غصن البان من تيهه ... ما هذه إلا عيون وقاح وأنشدني من لفظه لنفسه ارتجالاً بحضوري ونحن نتنزه بجزيرة الفيل وقد مررنا بقطعة نرجس نسقي سيدنا المقر المجدي فضل الله ابن مكانس أبقاه الله: وجدول الماء يجري بين نرجسه ... لذي البصائر جرى الطيف في المقل وقال القاضي شهاب الدين بن فضل الله في كتابه مسالك أبصار في ترجمة ابن تميم وحكى أنه حضر في مجلس بعض الأكابر وقد غض المجلس وبهتت فيه عيون النرجس وقمعت فيه أصابع المنثور وأعطى فيه أمير الحسن ذؤابة شعره المنشور وطال أعمال الكئوس حتى غمضت الجفون ولم يبق دور الكاس خال من الجنون وأن أمنية ابن تميم قد تركه السكر ملقى وخلا خده المصرج محلقاً فنهض غير مرة لتقبيله ثم خاف أعين قتيله فقعد بعد اللجاج ورجع رجوع الصادي والماء يجلي عليه في الزجاج فقال: كيف السبيل لأن أقبل خد من ... أهوى وقد نامت عيون الحرس

وأصابع المنثور تومي نحونا ... حسداً وتغمزنا عيون النرجس البنفسج: بارد رطب فيه حرارة يسيرة تتحلل بها الأورام وهو ينفع المحرور وينوم نومات معتدلاً ويذهب الصداع العارض من المرة الصفراء والدم الحريف وهو وشرابه يسهل المرة الصفراء وينفع للصدر والرئة وكذلك مرباه ينفع من ذات الجنب انتهى كلام ابن المحلي في النور. وقال صاحب مباهج الفكر ومناهج العبر: البنفسج من الرياحين اللطيفة ومن الخواص الظريفة أن من أراد أن يكون البنفسج على غير سبيل الفلاحة في السرعة أن يأخذ من السداب البستاني شيئاً يكون مقداره في القلة والكثرة بمقدار البنفسج ويكون السداب لم يصبه الماء البتة بل يقطع من منابته ويجفف حتى يزول التراب المتعلق بعروقه عند قلعه ثم يؤخذ لكل طاقة بنفسج طاقة سداب ويعمد إلى أطراف مجاري الماء إلى أصول البنفسج فيجعل فيها السداب ويؤخذ من أغصان خشب التين المجففة شيء ثم يحرق الجميع على مقربة من البنفسج بحيث لايبلغ لهب النار إليه فإنه متى فعل ذلك للبنفسج أهاجه وحمل بعد عشرين يوماً من هذا الفعل. ومن عجيب أمره أن الإنسان إذا تغوط في مجاري الماء إليه مات ودبل وكذلك إن خرج منه ريح في مزرعته وحاجته إن كان ابتدأ في توريده فإنه يفسده ولا يكاد يجذب من الماء الذي يسقي به شيئاً وأنه إذا دام الضباب عليه يوماً أو نحوه ضعف ومتى توالى نقصت زهرته وصغر ورقه وتغيرت رائحته ومن الأشياء المضار قلة القصب فإنه لا يفلح بقربه ولا ينمو ومن آفاته المهلكة له والمضعفة لقوته لسرعة قبوله للتأثيرات الرديئة أن تقع صاعقة على أربعمائة ذراع منه أو اقل فإنه يهلك سريعاً والبرد يفسده فساد الإصلاح معه وكذلك الرعد الشديد المتابع يضعفه ويوهنه والسمائم أيضاً تتلفه والريح الشمال الباردة والمطر الكثير يذهب به لضعف ساقه وماء الآبار الثقيل يضعفه وربما أهلكه وكذلك الدخان إذا دام عليه ولا ينبغي أن يماسه في منبته تراب من قبور أو ما يقرب من القبور فإن ذلك يضعفه وإن أصابه أهلكه. الوصف من رسالة لأبي العلاء عطاء بن يعقوب يصفه سماوية اللباس مسكية الأنفاس واضعة رأسها على ركبها كعاشق مهجور ينطوي على قلب مسحور كبقايا النفس في بنان الكاعب أو النقش في أصابع الكاتب أو الكحل في لحاظ الملاح الفاترات الغانيات القاتلات لازوردية فاقت بزرقتها على اليواقيت كأوائل النار في أطراف كبريت. وأجاد أبو هلال العسكري في قوله رحمه الله تعالى: ومعذر قال الإله لحسنه ... كن فتنة للعالمين فكأنه زعم البنفسج انه كعذاره ... حسناً فسلوا من قفاه لسانه وقال آخر وهو المكيال رحمة الله عليه آمين: يا مهدياً لي بنفسجاً أرجاً ... يرتاح صدري له وينشرح بشرني عاجلاً مصحفه ... بأن ضيق الأمور ينفسح وأنشدني الشيخ عز الدين الموصلي لنفسه رحمه الله تعالى: بنفسج الروض تاه عجباً ... وقال طيبي للجو ضمخ فأقبل البان في احتفال ... والزهر من غيظه تنفخ وقال مجير الدين بن تميم: عاينت ورد الروض يلطم خده ... ويقول وهو على البنفسج محنق لاتقربوه وإن تضوع نشره ... ما بينكم فهو العدو الأزرق آخر: بنفسجاً جمعت أوراقه فحكت ... دمعاً تشرب كحلاً يوم تشتيت كأنه بين طاقات ضعفهن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت ويعجبني قول الراضي بالله وغن لم يكن مما نحن فيه ولكن الشيء بالشيء يذكر: قالوا الرحيل فأنشبت أظفارها ... في خدها وقد اعتلقن خضابا فظننت أن بنانها من فضة ... قطفت بأرض بنفسج عنابا حار يابس وإذا غمس في الماء اعتدل وقلت حرارته وشمه ينفع من اللقوة ويضمد به مدقوقاً للسعة العقرب فيسكن وينفع المبرود الدماغ ويضر المحرور. انتهى كلام النبري.

وذكر الشيخ جمال الدين بن بناتة في كتابه شرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون عند ذكر كسرى أنوشروان أنه كان جالساً بالإيوان وإذا بحية قد دنت من عش حمامة في بعض شرف الإيوان لتأكل فراخها فرمى الحية بسهم أو ببندقية فقتلها وقال هكذا نفعل بعدو من استجار بنا فلما كان بعد أيام جاءت الحمامة بحب في مناقرها فألقته إليه فأخذه وقال ازرعوه فنبت ريحاناً لم يكن يعرفه فقال نعم ما كافأتنا به الحمامة نسأل الله الذي ألهمها أن يلهمنا الإحسان إلى رعيته والشكر على نعمته. قلت: وذكر الشيخ جمال الدين ما خص به كسرى من الأشياء الغريبة فلا بأس يإيراد نبذة منها غذ كان كتابنا هذا يشتمل على مآثرها فمنها الفيل الأبيض لركوبه طوله اثنا عشر ذراعاً والقطعة الياقوت المسماة لسان الثور تضيء أكثر منى السراج والفلهيد المغنى وأضع العود الخراساني على اثني عشر وتراص كل من ضرب به جرح إلا هو وكان يعمل له كل يوم مع طعامه مهر من الخيل وعناق زرقاء مغذاة بألبان النعاج يذبحان بسكين من ذهب ويسجر التنور بالعود ويسمط ما يسمط بالجمر المغلي ويطلي بالمسك والملح ويعلق في سفود من ذهب ورياحين من ذهب فإذا برد حمل ووضع على خوان من ذهب ويقدم إليه فيأكل أكثره ويتحف بالبقية من أحب من ندامائه ويكسر التنور ويجدد كل يوم مثله واجتمع على بابه سبعون ملكاً وكانت له حكايات حسنة في سيرته أضربت عنها لئلا نخرج عما نحن بصدده. رجع: قال الحسن بن سهل أربعة من الرياحين تقوى بأربعة من الطيب ليكمل ذكاؤها الورد بالمسك والنرجس بماء الورد والبنفسج بالعنبر والريحان بالعبير الوصف قال ابن المعتز: قضيب من الريحان شابه لونه ... إذا ما بدا في العين لون الزمرد فشبهته لما تأملت حسنه ... عذراً تدلى في عوارض أمرد قلت: وأنشدني الشيخ عز الدين الموصلي من لفظه في مليخ معذر: بخد الحب ريحان نضير ... لاسطره حروف ليس تقري فراعيت النظير وقلت حبي ... عذارك أخضر والنفس خضري وقال مجير الدين بن تميم: ومجلس راق من واش يكدره ... ومن رقيب له باللوم إيلام ما فيه ساع سوى الساقي وليس به ... بين الندامى سوى الريحان نمام الآس بارد يابس دهنه يقوي أصول الشعر ويمنع تساقطه ويطليه ويسوده وورقه اليابس ينفع صنان الإبط ويطيب رائحة الجسم وإذا طبخ وتمضمض بمائه قوى الأسنان واللثة ويمنع من الصداع الحاد وشمه يقوي القلب المحرور ويزيل خفقانه وينفع حبه من الإسهال ويقوي المعدة. انتهى كلام العنتري في النور المجتني. وقال صاحب المباهج أنه يتصرف في أشياء كثيرة عظيمة النفع حبه وورقه وقوته البرودة في الأولى وحبه نافع من الخفقان وضعف القلب وهو بجملته قاطع للإسهال المتولد من الصفراء ومن ابتلع من ورقه من الخمسة إلى السبعة ورقات فإنه يقوي المعدة وينفي ما فيها ويحلل رياحها وأما حبه فإنه لما فيه من الحلاوة والطافة ينفع للسعال العارض من الحرارة من الحرارة من غير أضرار بالصدر والرئة ولما فيه من العفوصة يقطع نفث الدم وحرقة المثانة وينفع الإسهال المزمن وماؤه إذا غسل به الشعر حصبه وقواه من الانتثار وصد اصله وينفع من الأبرية والقروح الرطبة وإذا جفف الورق ودق ونخل وحمل على الآباط والأفخاذ الندية قطع نداوتها ومنع عروقها. وعن ابن عباس (قال: اهبط آدم من الجنة بثلاثة أشياء منها الآسة وهي سيدة ريحان الدنيا. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والحسين بكلتا يديه وردة إن الورد سيد رياحين أهل الجنة ما خلا الآس" وهو ياليونانية المرسين. الوصف: خليلي ما للآس يعبق نشره ... إذا هب أنفاس الرياح العواطر حكى لونه أصداغ ريم معذر ... وصورته آذان خيل نوافر وما ألطف ما ألم به الشيخ شمس الدين بن الصائغ في قوله: خط آس العذار في الخد لاما ... عرفتني سفاهة اللوام أنا في كسرة لبعدي عنها ... جبر مئلي بالآس أو باللام وقال آخر فأغرب: أعجب بآس معجب مؤنق ... يعجب منه أي إعجاب كأنما تقطيع أوراقه ... ما بيننا أنصل نشاب قلت: في البيت الأول عجعجات كثيرة ولكنه أصاب الغرض في الثاني ويمكن أن يقول: *أحبب بآس أخضر مؤنق*

الياسمين: حار يابس في آخر الدرجة الثالثة نافع من الرطوبة والبلغم صالح للمشايخ ومن كان بارد المزاج ومن الصداع العارض من البلغم والمرة السوداء وعفونة البلغم وكثرة شمه تورث الصفار يفعل ذلك في الحار المزاج ودهنه ينفع من أمراض العصب الباردة والخالص من دهنه يرعف. انتهى كلام ابن المحلي. وقال صاحب المباهج في الفلاحة إذا أردت ياسميناً أحمر اللون فإنه يشق قصب الياسمين ويخرج ما فيه ويحشى مكانه بالك مسحوقاً ويوضع عليه طين ويلف عليه مشاق ويغرس ويتعاهد بالسقي فإنه يزهر ياسميناً احمر والأزرق بالسلح والأصفر بالزرنيخ مجرب. الوصف: ولما خلناها سماء زبرجد ... لها أنجم زهر من الزهر الغض تناولها الجاني من الأرض قاعداً ... ولم أر من يجني السماء من الأرض آخر في الأصفر منه: كأنما الياسمين حين بدا ... يشرق منه جوانب الكتب عساكر الروم نازلت بلدا ... وكل صلبانها من الذهب وقال محيي الدين عبد الظاهر رحمه الله تعالى: وياسمين قد بدت أزهاره لم يصف ... كمثل ثوب اخضر عليه قطن قد ندف الحيري: وهو المنثور حار يابس في الثانية فيه جلاء وتلطيف وينفع من السدة في الرأس من البلغم وهو داء فائق للأورام وخاصة لما طال لبثه وعسر ويجتذب المشيمة والأجنة الموتى بأن يشم دهنه وتدلك به الأخصار والمغابن وفم الرحم والحيري ألوان مختلفة اصفر ذهبي وهو أرفعها وخمري وبنفسجي وأكحل وملمع وبياض وغير ذلك من الألوان والأبيض هو أردأها والأصفر الذهبي ذكي الرائحة يشم ليلاً ونهاراً وأما سائر أنواعه سوى الأبيض فإنها لا يشم لها بالنهار رائحة مادامت الشمس طالعة فإذا غابت ظهر لهذه الألوان رائحة عجيبة عطرة مشاكلة لروايح القرنفل أو روايح ماء القرنفل المصعد بماء الورد ولا تزال رائحتها تزداد طيباً إلى طلوع الشمس ثم تزول تلك الحمرة والرائحة باقي النهار إلى وقت المغيب وأما الأبيض فلا يؤدي رائحة في ليل ولا نهار وهو أقلها نفعاً وأردأها وفي أصنافه منفعتها واحدة وقد يتخذ من الأصفر منه والخمري والبنفسجي دهن يربى بالسمسم كما تربى أدهان الأزهار فينفع الأورام الباردة ويحلها ولعقد الرقاب والأعصاب المعارضة لهما. وإدمان شمه ينفع من اللقوة والفالج وذوي الأمزجة الباردة وإذا اخذ من برز الأصفر مجففاً وزن دانقين يسحق مع زهرتين من زهر القرنفل الذكر وأضيف إليهما وزن حبة من مسك أذفر خالص ووزن القرنفل من أنفحة أرنب وسحق الجميع ورتب على الصلابة بالبان المبسوس بالمسك واتخذ منه فرزجات وتحملت المرأة فرزجة منها في ليلة طهرها وواقعها بعلها فإنها تحمل بإذن الله من تلك المواقعة. وذكر جالينوس أن بزر الحيري إذا سحق مع دم هدهد ودهن زئبق واحتملته المرأة وواقعها زوجها حملت. وهو من النبات الذي إذا لقطت وردة امرأة حائض فسد وذبل وهلك الخاصية فيه ولا ينبغي أن يعمل أعماله كلها امرأة البتة حائضاً كانت أو غير حائض بل الرجال الذين أسنانهم فوق أسنان الصبيان ويطرح برزه الذي يطرحه وهو طاهر نظيف بعيد العهد بملامسة النساء ويعالج جميع أعماله والقمر زائد في الضوء وإن كان متصلاً بالسعود حيد المكان في الفلك كان أجود، ومما يوافقه أن يذر في اصله شيء من دقاق بعر المعز بعد السقي فإنه ينفعه ويزيد في رائحته زيادة بينه وليس يحتاج إلى الشمس الحارة لأنها تضعفه ولا يكثر عليه الماء إكثاراً فإنه يضره. انتهى كلام صاحب المباهج. الوصف: قال مجير الدين بن تميم: حاذر أصابع من ظلمت فإنه ... يدعو بقلب في الدجى مكسور فالورد ما ألقاه في جمر الغضا ... إلا الدعا بأصابع المنثور وقال متعصباً للورد: ولم أنس قول الورد لا تركنوا إلى ... معاهدة المنثور فهو يمين وقال متعصباً له على النرجس: مذ لاحظ المنثور طرف النرجس ال? ... ?مزور قال وقوله لا يدفع فتح عيونك في سواي لأنني ... عندي قبالة كل عين أصبع وقال: ومذ قيل للمنثور إني مفضل ... على حسنك الورد الجليل عن الشبه تلون من قولي وزاد اصفراره ... وفتح كفيه وأدمى إلى وجه وقال ابن حجة: رأيت من المنثور بعض وقاحة ... ولم أدر ما بين الغدير وبينه

تلون منه ثم مد أصابعاً ... إلى وجهه عمداً وحمر عينه وقال: ومذ قيل للمنثور إن الورد قد ... وافى على الأزهار وهو أمير بسمت ثغور الأقحوان مسرة ... لقدومه وتلون المنثور وقال: لما دعى المنثور أن الورد لا ... يأتي وأن يصلي بنار السعير ودت ثغور الأقحوان لو أنها ... كانت تعض أصابع المنثور وأحسن التصرف الأمير شهاب الدين الحاجبي في قوله: ولقد نثرت مدامعي ودمي معاً ... يوم الوداع وخاطري مكسور لا تعجبوا لتلون في ادمعي ... لا ندع أن يتلون المنثور الذريون حار يابس منافعه أن يستحق بالخل ويطلي به داء الثعلب ينبت الشعر فيه وينفع سائر السموم لاسيما اللدوغ. وقال صاحب المباهج أن شرب من أصله خمسة دراهم مع عسل أو سمن أسهل إسهالاً شديداً بلغماً وكيموساً بائياً ويشربه أصحاب اليرقان وينبغي أن يضطجع من يشربه في بيت حار ويغطى بثياب كثيرة فإنه يسيل منه عرق لونه المرة الصفراء والشربة منه ثلاث مثاقيل ونصف بشراب حلوى وبماء العسل وينفع شربه بالطلاء من السم القاتل ولدغ الهوام ومن عجائب خواصه أنه إن دخلت امرأة حامل بيتاً فيه أذريون أسقطت وإن تحملت به امرأة في فرجها ثم جامعها بعلها حملت. وثقال ديسقور يدس أصل بحور مريم إذا علق على المرأة منع الحبل وإذا خطته للمرأة الحامل أسقطت وغذا أخذ منها وهي جافة وسحق منها مثقال وسقي بماء فاتر وعسل لمن يحب أن يسهل باطنه فإنه يجليه بلغماً كثيراً وينفي كل ما في صدره من البلغم ويخرج ما في باطنه من الخام وإن شربت منه امرأة أسهل حيضها وإن أحشت منه صوفة اسهل حيضها وهي تنزل الولد الميت ويشرب منها لعسر البول وعسر الولد ولمن سقى الولد سماً أو لدغه شيء من ذوي السموم وهي سليمة مأمونة لا يخاف منها نافعة وهي تنفع لوجع الكبد يسقي منها رطلاً وعسلاً وبماء فاتر وعسل وهي نافعة من الشرطان ومن العقد التي تخرج في الأصابع والسلع يعمل لهم منها مرهم ثم يطلي عليها. والأذريون من الأشياء الصابرة على العطش وهي كبيرة وصغيرة ونباتهما سواء فالكبيرة شجرة مريم والصغيرة إذن العجوز. وزعم السلف أن الحامل إذا أمسكته بيديها مطبقة إحداهما على الأخرى أن الجنين يناله ضرر شديد فإن أدامت إمساكه واشتمامه أسقطت وإن عسرت الولادة على الحامل فلتمسكه بيديها كما وصفنا فإنها ترمي الولد سريعاً وإذا بخر به هرب الفار والوزع من الموضع الذي بخر فيه وفيه منافع جمة اختصرناها. الوصف: قال الصنوبري: كأن آذريونها من فوق تلك القضيب ... خيام مسك فوقها سرادق من ذهب وقال ابن المعتز وأجاد: كأن أذريونها والشمس فيه كاليه ... مداهن من ذهب فيها بقايا غالية قال ابن حجة في الأذريون: كأن أذريونها ونوره قد أبهجا ... وبيض برق لامع في جنح ليل قد دجا السوسن بضم السين لحن والصواب بالفتح وزن جوهر وكوثر ولم يسمع بالضم إلا جوذر، وهو حار يابس في أول الدرجة الثانية ينفع من كان بارد المزاج ومن الأوجاع المعارضة في العصب من البلغم ودهنه نافع من وجع العصب المتولد من البلغم ووجع الرحم والاسمانجوي أقل حرارة وأصل الاسمانجوي يسهل الماء الأصفر الشربة منه مثقال. انتهى كلام صاحب النور. الوصف: قال أبو نواس رحمه الله تعالى: سقيا لأرض إذا ما نمت نبهني ... على الهدو بها قرع النواقيس كأن سوسنها في كل شارفة ... على الميادين أذناب الطواويس قال ابن حجة في السوسن: بدا سوسن الروض المدبج أزرقاً ... وأصفر يعلو طوله فوق مبيض كأن الربا أرخت ذويل غلائل ... مصبغة والبعض أقصر من بعض اللينوفر وهو أزرق وأصفر وأحمر وأبيض وجميع أصنافه باردة رطبة منوم مخدر للدماغ أقوى فعلاً من البنفسج في التنويم وينفع الصدر والرئة في الأمراض الحارة ويزيل الاحتلام ويقطع شهوة الباه لاسيما أن شرب منه فإنه يجمد المنى لخاصية فيه لاسيما اصله وبزره وشرابه ودهنه نافعات لأمراض الرأس من حرارة. انتهى كلام ابن المحلي. الوصف: قال ابن صابر: ياحبذا بركة نيلوفر ... قد جمعت من كل فن عجيب أزرق في أحمر في أبيض ... كقرصه في صحن خد الحبيب

الباب السادس عشر في الروضات والبساتين

كأنه يعشق شمس الضحى ... فانظره في الصبح وعند المغيب إذا تجلت يتجلى لها ... حتى إذا غاب سناها يغيب يدنو إليها شاخصاً طرفه ... ولا يتحاشى نظرات الرقيب لا يبتغي وجهاً سوى وجههاً ... فعل محب مخلص في حبيب وقال ابن حمديس: اشرب على بركة نيلوفر ... محمرة الأوراق خضراء كأنما أزهارها أخرجت ... ألسنة النار من الماء وقال ابن تميم وأجاد: لينوفر لما تلبَّس ماؤه ... ثوباً فتاه على النجوم بثوبه لحظته أعينها فنكس رأسه ... خجلاً وغاص من الحيا في ثوبه وقال أيضاً: غدا اللينوفر المصفر يحكى الن? ... ?نجوم فلا يغادرها شبيهاً تغوص العين فيه إذا تجلى الن? ... ?نهار وفي ظلام يغوص فيها وقال أيضاً: ولينوفر كالزهر شكلاً ومنظراً ... محاسنه فيها اللواحظ ترتع وكل نجوم لكن الفرق بينهما ... تغيب صباحاً وهو في الليل يطلع وقال ابن حجة: لينوفر الليل مذ أبدى تلونه ... أحمر وأزرق من ساسينا وشكا قلنا له ذاك لون واحد وبه ... يسمو وأنت بليد وهو فيه ذكا الباب السادس عشر في الروضات والبساتين أجمع جوابو أقطار الأرض على أن منتزهاتها أربعة سفد سمرقند وشعب بوان ونهر الأبلة وغوطة دمشق، قال أبو بكر الخوارزمي قد رأيتها كلها فضل الغوطة على الثلاث كفضل الأربع على غيرهن كأنها الجنة صورت على وجه الأرض فإما السفد فهو نهر تحف به قصور وبساتين وقرى مشتبكة العمائر ما مقداره اثنى عشر فرسخاً في مثلها، وأما شعب بوان فبقعة من نواحي كورة سابور يكون مقدارها فرسخين قد ألحقتها الأشجار ظلالها وجاست الأنهار خلالها وهذا الشعب لبوان بن أبراج أفريدون وفيها يقول المتنبي: مغاني الشعب طيباً في المعاني ... بمنزلة الربيع من الزمان ولكن الفتى العربي فيها ... غريب الوجه والبدن واللسان ملاعب جنة لو سار فيها ... سليمان لسار بترجمان غدونا نغض الأغصان فيه ... على أعرافها مثل الجمان فسرت وقد حجبن الشمس عني ... وجئن من الضياء بما كفاني وألقى الشرق منها في ثيابي ... دنانيراً تفر من البنان لها ثمر يشير إليك منه ... باشربة وقفن بلا أوان وأمواه تصل بها حصاها ... صليل الحلي في أيدي الغواني إذا غنى الحمام الورق فيها ... أجابتها الأغاني والقياني ومن بالشعب أحوج من حمام ... إذا غنى وناح إلى البيان وقد يتقارب الوصفان جداً ... وموصوفاً هما متباعدان تقول بشعب بوان حصاني ... اعن هذا تسير إلى الطعان أبوكم آدم قد سن هذا ... وعلمكم مفارقة الجنان وأما نهر الأبلة وهو من أعمال البصرة وطوله أربع فراسخ وعلى جانبيه بساتين كأنها بستان واحد قد حط على خط مستقيم وكأن نخله غرس في يوم واحد. وأما الغوطة وهي من خير دمشق فإنها ناحية يكون طولها ثلاثين ميلاً وعرضها خمسة عشر ميلاً مشتبكة القرى والضياع لا يكاد أن يقع للشمس على أرضها شعاع للالتفاف أشجارها واكتثاف أزهارها. وللشعر في وصفها قصائد كثيرة أضربنا عن ذكرها لتردد العلل فيما يختار منها إذ كلها حسان لو جمعت لحفيت من تسطيرها الأقلام وكلت البنان، وقد روي في بعض الأخبار عن كعب الأحبار أنه قال: غوطة دمشق بستان الله في أرضه، وقال جمال الدين بن نباتة كتبها المملوك ومنظر الروض قد شاق ودمع الغيث قد رقا ووجه الأرض قد راق والغصون المنعطفة قد أرسلت أهواء القلوب بالأوراق وحمائمها المترنمة قد جذبت القلوب بالأطواق والورد قد أحمر خده الوسيم وفكت أزراره من أجياد القضيب أنامل النسيم وخرجت أكفه من أكمامه بأخذ البيعة على الأزهار بالتقديم. وقال مجير الدين بن تميم: كيف السبيل بلثم من أحبته ... في روضة للزهر فيها معرك ما بين منثور وناظر نرجس ... مع أقحوان وصفه لا يدرك وهذا يشير بأصبع وعيون ذا ... ترنو إليّ وثغر هذا يضحك

وقال آخر وحللنا موضع كذا فافترشنا من زهره أحسن بساط واستظللنا من شجره بأوفى رواق وطفقنا نتعاطى شموساً من أكف بدور وجسوم نار في غلائل نور إلى أن جرى ذهب الأصيل على لجين الماء ونشبت نار الشفق بفحمة الظلماء. وقال الشريف على بن دفتر خوان: ودوحة سكرت أغصانها بصبا ... فللهوى في معانيها إشارات ماست فنقطها غيث بلؤلؤة ... ففوق أوراقها منه جمانات فهن في العين هاءات مطمسة ... من اللجين وإن سالت فميمات وقال علي بن ظافر في منزل قد انقطفت قدود أشجاره وأبسمت ثغوره وذاب كافور مائة على عنبر طيبه وامتدت بكاسات الجلنار أنامل غصونه والنسيم قد خفت واعتل وسقط رداؤه الخفاق في الماء فابتل ووعنت قوته حيى ضعف عن السير واشتد مرضه حتى ناحت عليه نوايح الطير (فخر الترك) أندم المجنوي: الروض مقتبل الشبيه مؤنق ... خضل يكاد نضارة يتدفق نثر الندى فيه لآلى عقده ... فالزهر منه متوج وممنطق وارتاع من مر النسيم به ضحى ... فغدت كمائم نوره تتفتق وسرى شعاع الشمس فيه فاتقي ... منها ومنه سنا شموس تشرق فالغصن مياس القوام كأنه ... نشوان يصبح بالنعيم ويعبق والطير ينطق معرباً عن شجوه ... فيكاد يفهم عنه ذاك المنطق غرداً يغني للغصون فينثني ... طرباً جيوب الطل منه تشقق والنهر لما راح وهو مسلسل ... لا يستطيع الرقص ظل يصفق فتمل أيام الربيع فإنها ... ريحانة الزمن الذي يستنشق برهان الدين القيراطي في دمشق سمي سهمها على قوس الكواكب وأقبلت من كتائب زهورها في مواكب وتحرك عودها حين غنت عليه من الورق القيان وطفح يزيدها فقلت وهذا مما يعجب أبا سفيان، وقال سيدنا ومولانا أقضى القضاة بدر الدين محمد المخزومي المالكي الشهير بابن الدماميني أسبغ الله عليه ظلاله يصفها عند دخوله إليها في ثامن رمضان المعظم سنة ثمانمائة ونقلتها من خطة فتأملها المملوك فإذا هي جنة ذات ربوة وقرار معين وبلدة تبعث محاسنها الفكر على حسن الوصف وتعين وحسبك بالجامع الفارق بينها وبين سواها والأنهار التي إذا ذكر قتل المحل فما أجراها وإذا سمع حديث الخصب فما أرواها ما أقول إلا منتزهات مصر عارية من المحاسن وهذه ذات الكسوة ولا أن النيل احتراق إلا من الأسف حيث لم يسعده الدهر بالصعود إلى تلك الربوة ولا أظنه أحمر إلا خجلاً من صفاء أنهارها ولا ناله الكسر إلا لتأمله بالانقطاع عن الوصول إلى سقي أزهارها فلو رأى العاشق جبهتها لسلا بمصر معشوقه ونسي ظهور جواريه المتحببة بمقامات غصونها الممشوقة ولو تطاولت المجنونة إلى المفاخرة لتأخرت إلى خلفها متخبلة وأجمحت عن الأقدام حين تحركت لها بدمشق السلسلة وحق مصر أن لايجري حديث المفاخرة في وهمها وأن تتقي شر المنازعة قبل أن تصاب في هذه البلدة بسهمها فسقى الله منتزهاتها التي طرب المملوك برؤية حبكها وطالما اهتزت له المعاطف على السماع ورأى بها كل نهر ذاب عنه الجليد فانعقد على حلاوة شكره الإجماع تروع حالية العذارى فتلمس جانب العقد النظيم. وقال البدر يوسف لؤلؤ الذهبي: هلم يا صاح إلى روضة ... يجلو بها العاني صدا همه نسيمها يعثر في ذيله ... وزهرها يضحك في كمه وقال ابن عمار: يا ليلة بتناها في ظل أكناف النعيم من ... فوق أكمام الرياض وتحت أذيال النسيم وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي في تشبيه القمر من خلال الأغصان: كأنما الأغصان لما انثنت ... أمام بدر التم في غيهبه بنت مليك خلف شباكها ... تفرجت منه على موكبه

وقال سيدنا بدر الدين محمد بن الدماميني في كتابه الذي وضعه على غيث الأدب الذي انسجم في شرح لامية العجم تصنيف الشيخ صلاح الدين الصفدي وسماه كتاب نزول الغيث عند ذكر هذين البيتين: ظاهر هذه العبارة أن الأغصان شبهت في حال انثنائها أمام البدر في الدجا ببنت مليك تطل من خلف شباكها للنظر في موكب أبيها وذلك عن مظان التوجيه بمعزل ومقصوده أن البدر في حال ظهوره من خلال الأغصان المثنية على الصفة المذكورة شبه ببنت مليك على تلك الحالة تمثيلاً للهيئة الاجتماعية بشبيهها لكن لفظه لا يساعده على هذا المطلوب فإنه جعل الأغصان مبتدأ وأخبر عنه بقوله بنت مليك فلم يتم له المراد وكثير ما يقع له في هذا. قال يصف خالاً على شفة: قد شبه الخال على ثغره ... تشبيه من لا عنده شك كسبحة من جوهر تضمنت ... حق حقيق قفله مسك وأين هذا من قول الطغرائي: انظر إلى الجنة في ثغره ... لا ريب في ذاك ولا شك أما ترى فيه الرحيق الذي ... ختامه من خاله مسك على أن مقطوع الصفدي الأول مع ما فيه من العيب مأخوذ من قول ابن قرناص. وحديقة غناء ينتظم الندى ... بفروعها كالدر في الأسلاك والبدر يشرق من خلال غصونها ... مثل المليح يطل من شباك وقد عيب هذا البيت وشتان بين ذاك وبينه فتأمله: انتهى كلام الشيخ بدر الدين وقال بعضهم وأحسن: نحن في عب سماء أقلعت بعد الارتواء وأقشعت عند الاستغناء والنبت خضل ممطور والنقع ساكن محصور رش جبين النسيم وابتل جناح الهوى وضربت خيمة الغمام واعرورقت مقلة السماء وقام خطيب الرعد ونبض عرق البرق. وقال ابن الساعاتي (توفي سنة أربع وستمائة بالقاهرة وعمره إحدى وخمسون سنة) : ولد نزلت بروضة عبقية ... رتعت نواظرنا بها والأنفس فظللت أعجب حيث يحلف صاحبي ... والمسك من نفحاتها يتنفس ما الدوح إلا جوهر والجو إلا ... عنبر والأرض إلا سندس سفرت شقائها فهم الأقحوا ... ن فرنا إليها النرجس فكأن ذا خد وذا ثغر تحا ... وله وذا أبدا عيون تحرس بدر الدين بن يوسف بن لؤلؤ الذهبي رحمه الله تعالى: وحديقة مطلولة باكرتها ... والشمس ترشف ريق أزهار الربا ينكسر الماء الزلال على الحصا ... وإذا غدا بين الرياض تشعبا وقال: باكر إلى الروضة نستحلها ... فثغرها ياصاح بسام والنرجس الغض اعتراه الحيا ... فغض طرفاً فيه أسقام والغصن فيها ألف قد بدا ... والنهر في أرجائها لام وبلبل الدوح فصيحاً على ... الأريكة والشحرور تمتام صفوان بن أدريس (توفي سنة 98 رحمه الله تعالى) : جاد الربا من بانة الجرعاء ... نوآن من دمعي وغيم سماء يا ليت شعري والزمان منقل ... والدهر ناسخ شدة برخاء هل نلتقي في روضة موشيه ... خفاقة الأغصان والأفياء وننال فيه من تألفنا ملوماً ... فيه سخنة أعين الرقباء في حيث اطلعت الغصون سوالفاً ... قد قلدت بلآلئ الأنداء وجرت ثغور الياسمين فقبلت ... عني عذراء الآسة الميساء والورد في شط الخليج كأنه ... رمد ألم بمقلة زرقاء وكأن غصن الزهر في خضر الربا ... زهر النجوم تلوح في الخضراء وكأنما جاء النسيم مبشراً ... للروض يخبره بطول نواء فكساه خلعة طيبة ورمى له ... بدراهم الأزهار رمى سخاء وكأنما احتقر الضبيع فبادرت ... بالعذر عنه نغمة الورقاء والغصن يرقص في حلي أوراقه ... كالخود في موشية خضراء واجتر ثغر الأقحوان بما رأى ... طرباً وقهقه منه جري الماء أفديه من أنس تصرم وانقضى ... فكأنه قد كان في الإغفاء

ونقلت من خط سيدنا ومولانا بدر الدين محمد بن الدماميني هذا اللغز وكتب به إلى بعض الفضلاء الثغر المحروس ما قول مولانا أبقاه الله تعالى وضاعف إقباله ووالي في ذات ينعم بها الجاني وتطرب في مرابعها الألحان المغنية عن المثالث والمثاني خرساء لاتعرف حديث الأدب المأثور وطالما تأملها الكاتب فوجد بها السجع والمنثور عيونها تذبل إذا شربت وأعطافها ترقص إذا طربت طالما تحركت السواكن وهاجت البلابل ونهر من سأل عنها فاستعذب نهرها السائل وروى منها عن الزهري حديث حسن ولم يعز إليها مع ذلك براعة ولا لسن ورمقت الأعين خدودها وودت الأنفس على الحالين ورودها استحسنت الخواطر حديث راويها إذا اعتل واستروجت لنفسه الطيب إذا اختل إن عرف لفظها كان عاماً لمحل لا يطرقه محل ولا ينكر تأنيثه فحل يحدث المصري بحلاوته ويخبر بلفظه وطلاوته قد سهر من قديم تألقه البسطة وجهل السكر على أنه مازال يقول بالنقطة يعرف المعشوق وآثاره وينال من المشتهي أمانيه وأوطاره وتوطأ فيحمد حمله الأنعال وتقف عنده الجواري على الأرجل فلا تود الانتقال وينشد من شغف بمعانيه وبعث طرفه لتأمل مغانيه وكتب إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر وإلا فعلم على جملة يعرفها الطالب ويحسن ارتكاب المهالك لنيل ما فيها من المطالب قد فتحت لأرباب المقاصد أبوابها ومنحت الإفهام الضالة هديها وصوابها وصحت بما اشتملت عليه من العلل ونسخت مع أنها أحكمت بالسلامة على الحلل: وقد بسقت منها الفروع وأثمرت ... إلى أن جنا منها الورى ثمر العليا وفي وصفها يبدو الطباق فضدها ... يموت بها غماً وصاحبها يحيي الوزير بن عمار: وليل لنا بالسد بين معاطف ... من النهر ينساب انسياب الأراقم بحيث اتخذنا الروض جاراً تزورنا ... هداياه في أيدي الرياح البواسم تبلغاً أنفاسه فتردها ... بأعطرها أنفاس وأزكى المباسم تسير إلينا ثم عنا كأنها ... حواسد تمشي بيننا بالنمائم وقال القاضي بدر الدين بن الدماميني لنفسه رحمه الله: يقول مصاحبي والروض زاه ... وقد بسط الربيع بساط زهري تعال نباكر الروض المفدا ... وقم نسعى إلى ورد ونسري وقال أبو جعفر ابن الشعري (توفي سنة إحدى وثلاثين وستمائة) : يا هل ترى أظرف من يومنا ... قلد جيد الأفق طوق العقيق وأنطق الورق بعيدانها ... مرقصة كل قضيب وريق والشمس لا تشرب خمر الندى ... في الروض إلا بكئوس الشقيق وقال بعضهم: في روضة علم أغصانها ... أهل الهوى العذري كيف العناق هبت بها ريح الصبا سحرة ... فالتفت الأشجار ساق بساق وقال الشيخ عز الدين الموصلي ونقلتها من خطه رحمه الله تعالى: منابر الدوح فيها الورق قد سجعت ... فمالت القضيب للألحان واستمعت وهاجها سحراً مر النسيم فمذ ... هب القبول إلى طيب الصبوح دعت أبدت فرادى ومثنى من عجائبها ... تلك الرياض التي للحسن قد جمعت بينا ثغور بها للزهر قد بسمت ... أضحت عيوناً بماء الطل قد دمعت ومذ تلون وجه الروض قابله ... نهر به أعين في صدره دفعت وقال الشيخ الفاضل الكامل يحيي بن هذيل التجيبي أبو زكريا كذا ذكره العلامة ذو الوزارتين لسان الدين محمد بن الخطيب في تاريخه الإحاطة بتاريخ غرناطة (وذكر وفاته سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة) : نام طفل النبت في حجر النعامى ... لاهتزاز الظل في مهد الخزاما وسقى الوسمي أغصان النقا ... فهوت تلثم أفواه الندامى كحل الفجر لهم جفن الدجى ... وغدا في وجنة الصبح لثاماً يحسب البدر محيا ثمل ... قد سقته راحته الصبح مداماً حوله الزهر كئوس قد غدت ... مكسة الليل عليهن ختاماً وقال الوزير العلامة فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس تغمده الله بالرحمة يصف شجرة بشاطئ النيل المبارك بالروضة: يا سرحة الشاطئ المنساب كوثره ... على اليواقيت في أشكال حصباء حلت عليك عز إليها السحاب إذا ... نوء الثريا استهلت ذات أنوائي فغن تبسم فيك النور من جذل ... سقاك من كل غيم كل بكائي

رحماك بالوارف المعهود منك فكم ... لنا بظلك من أهواء أهوائي وكم نزلنا مقيلاً منك ما حمي الهجير ... إذ حيث لا مرائي لحربائي يظل من قبل الفضفاض في ظل ... من الغمام يقينا كل ضرائي يا طيبة بدواء القيض عالمة ... أنت الشفاء لدى الرمضا من الداء لاصوح الدهر منك الزهر وانبجست ... عليك كل هتون الودق سوداء عصابة الشرب اموار روض زاهرة ... تعزي لأكرام أخوال وآبائي خمائل لالروض منشاها ومرضعها ... ضرع النميرين من نيل وأنوائي فاستمهدت دوحها المخحضل وافترست ... لجم الربا ورقت عرشاً على الماء قريرة العين بالأنواء باردة ال? ... ?قلب الذي لم تنله غير سراء مقيل ندمان بل مغني حمائل بل ... كناس أرام بل أفناء درماء لها مطارف سجسج فمصيفها ... ظل يعادل فيه طيب مشتاء قديمة العهد هزتها الصبا فصبت ... فهي العجوز تهادي هدى مرهاء لايدرك الطرف أقصاها على كلك ... حتى تعود له لحظات حولاء وصوت بلبلها الراقي ذرى غصن ... بحلة من دمقس الريش دكناء كقرع ناقوس ديري على شرف ... مسبح في سواد الليل دعاء خلية حين أجنيت الضلوع على ... نار بشجوى بها لاحب لمياء تهكمت بي فلم تجني أضالعها ... على الهواء وأجنتها على الماء بديعة الحسن قد فاز الجناس لها ... من المعاني بأفنان وأفياء وقام عنها لسان الزهر ينشدنا ... للهو كم ارج ما بين أرجاء كم صفق الموج من أزهارها طرباً ... فنقطته بيضاء وصفراء وكم طربت لما أبدته من ملح ... يصبو له كل ذي عقل وآراء وجدت بالتبر من مالي ومن أدبي ... فكنت في كل حال منهما الطاء كأنها من جنان الخلد قد كملت ... حسناً وحسبك من خضراء العاء كأن أغصانها اللدان الرشاق إذا ... هصرت أفنانها أعطاف وطفاء كأن صمغتها الحمرا بقشرتها ال ... ?دكناء قرص على أعكان سمراء كأنها فوق دعص الموج غذ سفحت ... هضابه سفح وأدرب أفياء مالت على النهر إذ جاش الخوير به ... كأنها أذن مالت لإصغاء كأنما النهر مرآة وقد عكفت ... عليه تدهش في حسن ولألاء ذو شاطئ راق غب القطر فهو على ... نهر الأبله يزري أي أزراء كأنه عند تفريك النسيم له ... فرند سيف نضته كف جلاء كأنه شبك من لؤلؤ نظمت ... أو جوهر السن أو تحليل رقشايء كأنه حين يهدي زرقة وصفا ... رقراق عين بوجه الأرض شهلاء وكم شدتنا حمامات الأراك على ... أغصانها فأرتنا رقص هيفاء من كل ورقاء من الأفنان صادحة ... بين الحدائق في فيحاء زهراء ورق تغنت بحيات رقين على ... عيدانها قاله في مغناه وغناء باكرتها في سراة من اصاحبنا ... لاينطوون على حقد وشحناء تداعبوا بمعاني شعرهم فأروا ... ود الأحبة في ألفاظ أعداء من شيخ مجنون في شباب فتى ... يقري المجون بقلب غير نساء يسعى إليها على جرداء جارية ... من أيكها كهلال الأفق حدباء نوحية الصنع والأحكام منشأة ... تسير ما سيرت من غير أعياء سوداء تحكي على الماء المصندل شا ... مة على شفة كالشهد لعساء ساجية ألبستها الصانعون لها ... من التدابيج ما يزهو بصنعاء غريبة ذات الوان وأجنحة ... لم أدر تعزي لروض أو لعنقاء لم يستطع شاوها إذ سيرها عنق ... عز الجياد على كد وانضاء كم قد نعمنا بها عيشاً بصافية ... شمطاء تجلي على الخلاء عذراء مما تخيرها كسرى وأودعها ... رب الخورنق في قوراء جوفاء راحا إذا ركع يمزجها ... سمعت من صوته تسبيح فأفاء أم السرور التي أبقى الزمان بها ... جزؤ الحياة وقد ألوى بأجزاء فعاطيتها على طل الندى سحراً ... فإن ترشافها موتى وأحياء واستجلها بنت مصر تستطيل على ... بغداد والموصل الحدبا وسوراء كم بين من قام معتل النسيم بها ... على اعتدال وحدباء وزوراء من كف ظبي وشاد أو وشادية ... تشدو لنا بين صوت العود والناء

على الحدائق لا الآكام تنقحنا ... ريح البنفسج لانشر الخزاماء أما أنا لست نواحاً على طلل ... ولا خليط ولا نداب أحياء تركته لأناس كالتيوس غنوا ... عن المدام بدر الإبل والشاء يعزون للشعر لكن من جهالتهم ... لم يفرقوا بين إيطاء وإقواء من كل ألكن عند البحث منقطع ... كأنه واصل والشعر كالزاء وقال الشيخ برهان الدين القيراطي: أشتاق في وادي دمشق معهداً ... كل الجمال إلى حماه ينسب ما فيه إلا روضه أو جوشق ... أو جدول أو بلبل أو ربرب وكان ذاك النهر فيه معصم ... بيد النسيم منقش وكتب وإذا تكسر ماؤه أبصرته ... في الحال بين رياضه يتشعب وشدت على العيدان ورق أطربت ... بغنائها من غاب عنه المطرب فالورق تشدو والنسيم مشبب ... والنهر يسقي والحدائق تشرب وضياعها ضاع النسيم بها فكم ... أضحى له من بيننا متطلب وخلت بقلبي من عسالة حبه ... فيها أرباب الخلاعة ملعب ولكم طربت على السماع بجنكها ... وغدا بربوتها اللسان يشبب فمتى أزور معالماً أبوابها ... بسماحها كتب الكرام تبوب وقال ابن ظافر في بدائع البداية: اجتمع الوزير أبو بكر بن القبطرنة والأديب أبو العباس بن صارة في يوم جلا ذهب برقه وأذاب ورق والأرض قد ضحكت لتعبيس السماء واهتزت وربت عند نزول الماء فقال ابن صارة: هذي البسيطة كاعب أبرادها ... حلل الربيع وحليها النوار فقال ابن القيطرنة: فكأن هذا الجو فيها عاشق ... قد شفه التعذيب فقال ابن صارة: وإذا شكا فالبرق قلب خافق ... وإذا بكى فدموعه الأمطار فقال ابن القيطرنة: من أجل ذلة ذا وعزة هذه ... تبكي الغمام وتضحك الأزهار وقال ابن تميم: لو كنت إذا نادمت من أحببته ... في روضة تسبي العقول وتفتن لرأيتها وعيونها من غيره ... مني تفيض ووجهها يتلون وقال محيي الدين بن عبد الظاهر: والأغصان قد أخضر نبات عارضها ودنانير ودراهمها وقد تهيأت لتسليم قابضها والمنثور وقد نظمت قلائده وصيغت ولائده والحور وقد جاوز السهى بالبياشير والسرور قد كشف عن سوقها وقالت لها تلك الغدران بهديرها إنه صرح ممرد من قوارير والسوسان وقد لاحظ جفنه الوسنان والورد وقد ورد والبان وقد بان. وقال الشيخ عز الدين الموصلي ونقلها من خطه رحمه الله تعالى: وروضة نقشتها للحيا إبر ... فأصبحت بين تطريز وتزهير مثل السوار لها سور أحاط بها ... من سلسل هي منه ذات تسوير أو كالخلاخيل للادواح دار على ... سوق لها مطلقا في زي مأسور تحت الغياض رياض دبجت فبدت ... ألوانها ذات تشهير وتشذير أغصانها الند والأوراق سوسنه ... والزهر عرق ياقوتا ببلوري والزهر شعاع الشمس تحسبه ... دراهما نثرت بين الدنانير والظل ثوب إذا مر النسيم به ... فالروض ما بين مهتوك ومستور ونهرها زائد بالخصب يدنينا ... كصارم في سبيل الله مشهور وقال: وروض نجم الزهر أصبح معجبا ... فتحسده من حسنه الأنجم الزهر مذ أرجف الماء النسيم تدرعت ... مزردة الأثواب من خوفها الغدر فللروض تدبيج بألوان زهره ... وللغصن من أوراقه الحلل الخضر فراع نصيرا من حنان جناسه ... فحلى الضحى زهر وحلى الدجى زهر وأغربت الألحان في الدوح ورقة ... فكن قيانا دونها أسبل الستر وأسفر للأصباح خد مورد ... ومن قبله حبى بريحانة الفجر وقال العفيف التلمساني قدس الله سره: انظر إلى الأغصان في حركاتها ... الشكرها أم سكرها تتأود فتقول أرباب البطالة ينثني ... وتقول أرباب الحقيقة يسجد وقال شهاب الدين بن دمرداش (مولده سنة ثمان وثلاثين وستمائة، ووفاته سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة) : انظر إلى الأشجار تلق رءوسها ... شابت وطفل ثمارها ما أدركا وعبيرها قد ضاع من أكمامها ... وغدا بأذيال الصبا متمسكا وقال برهان الدين القيراطي من قصيدة: تشوقني الفات الروض مائلة ... من النسيم سكارى وهي دالات

ولي من الورق في أوراقها طربا ... كأنهن على العيدان قينات وقال الشيخ مجد الدين الأرموي (توفي سنة إحدى عشرة وسبعمائة) : كم للنسيم على الربا من نغمة ... وفضيلة بين الورى لن تجحدا ما زادها وشكت إليه فاقة ... إلا وهزلها الشمائل بالندى وقال محيي الدين بن قرناص رحمه الله تعالى: أظن نسيم الروض والزهر قد روى ... حديثا ففاحت من شذاها المسالك وقال دنا فصل الربيع فكله ... ثغور لما قال النسيم ضواحك وقال الفاضل علاء الدين علي بن ظافر العسقلاني في كتابه بدائع البداية قال اجتمعت أنا والقاضي الأعز يوما فقلت له أجز: طار نسيم الروض من وكر الزهر ... فقال: وجاء مبلول الجناح بالمطر ... قلت: الشيء بالشيء يذكر، ذكرت بقول العسقلاني ما أنشدني من لفظه لنفسه الشيخ عز الدين الموصلي محاجيا: يا من له حسن لفظ يثنى عليه المثاني ... ما مثل قول الهاجي أحوى الشفاه جفاني وذكرت بلطف هذه الأحجية ما أنشدنيه من لفظه لنفسه سيدنا ومولانا الفاضل المفتن المحدث المؤرخ شهاب الدين أحمد بن الشيخ نور الدين علي الشهير بابن حجر أبقاه الله محاجيا: يا فاضلا هو في الأحاجي ليس يخلو من ولع ... ما مثل قولك للذي يبكي الحبيب اسكت رجع وظرف من قال: وروضة رقصت أغصانها وشدت ... أطيارها وتولى سقيها المحب وظل شحرورها الفريد تحسبه ... أسويداً زامراً مزماره ذهب وقال ابن خفاجة في نهر تحف به أشجار: قد رق حتى ظن درعا مفرغا ... من فضة في بردة خضراء وغدت تحف بها الغصون كأنها ... هدب تحف بمقلة زرقاء وقال الرصافي نهر تحف به شجرة: فاتت عليه مع الظهيرة سرجة ... صدئت لعينها صفيحة مائه فتراه أزرق في غلالة سمرة ... كالراع يستقلي بظل لوائه وقال نور الدين علي بن سعيد: كأنما النهر صفحة كتبت ... أسطرها والنسيم ينشئها لما أبانت عن حسن منظرها ... مالت عليه الغصون تقرؤها وقال بعض المغاربة وأجاد الغاية: ومنمنم الشطين أحكم صقله ... كالمشرق قد اكتسى بفرنده فخمائل الديباج منه حمائل ... متعانق فيها البهار بورده ولقد اختفى طرف له في دوحة ... كالسيف رد ذبابه في غمده وقال محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله: وبطحاء في روض يروقك روضها ... ولا سيما إن جاد غيث مبكر تلاحظها عين تفيض بأدمع ... يرقرقها منه هنالك محجر بها فاض نهر من لجين كأنه ... صفايح أضحت بالنجوم تسمر كأن حصاها إذ بدا فيه أحمر ... وأبيض دمع في خدود ينثر وإلا فبرد بالظلال مسهم ... وإلا فطراس بالتجعد يسطر وما لاح في جنبيه نبت وإنما ... تبدا عذارا منه في الخد أخضر وكم غازلته للغزالة مقلة ... تسارق أوراق الغصون فتنظر وتبصر منه كل حسن فينبري ... حياء لديه وجهها وهو أصفر إذا فاخرته الريح ولت عليلة ... بأذيال كثبان الربى تتعثر به الفضل يبدو والربيع وكم غدا ... به الروض يحيى وهو لا شك جعفر وقال علي بن ظافر: مررت أنا والقاضي الأعز رحمه الله تعالى بساقية تتلوى تلوي الأفعوان، وتخفق خفقان قلب الجبان، والزهر قد نظم بلبتها عقودا فوق أثوابها الممسكة والنسيم يكسوها ويسلبها غلائل معركة فقلت: أساقية أم أرقم فر هاربا فقال: أم الريح قد هزت من الماء قاضبا فقلت: حصا مثل در الثغر أجرى زلاله ... رضاباً وأبدى نبته النضر شاربا فقال: يوشحها زهر الرياض قلائدا ... ويلبسها مر الرياح جلائبا وقال الأديب أبو إسحاق إبراهيم بن خفاجة: ورائحة رباتها تهابها الصبا ... تهادى عطف المترف المتخرر وقد صقلت من صفحة الماء منصلا ... به من شعاع الشمس رونق جوهر فمن شبك قد حيك حوك مفاضة ... ومن سمك قد صيغ صيغة خنجر وقد نظرت شمس الأصيل إلى الربا ... فأضعف من طرف المريب وأفتر ولاح على بلورة من غديره ... شعاع شراب للعيشة أصفر وصفرة مسواك الأصيل تروقني ... على لعس من مسقط الشمس أسمر

الباب السابع عشر في آنية الراح

إلى أن توارت بالحجاب مريضة ... تلفع في ثوب من الليل أخضر وغازلني جفن من الأفق أنجل ... يدير من الظلماء مقلة أحور ونقلت من كتاب نزهة الأبصار في نعت الفواكه والثمار تأليف الشيخ الفاضل الكامل محمد بن القاضي المنشئ البليغ ضياء الدين نصر الله بن محمد بن عبد الكريم الموصلي ولم أزل من الأزهار في سؤال وجواب وأنا منصت إنصات المتعجب لمفاخرات الإعجاب إذ سمعت صوت هاتفة ورقاء على بانة خضرا بلسان فصيح وقلب بفرقة الأحباب جريح وقد أوفت على غصنها الرطيب ومالت وأعلنت بما أسرته من وجد وقالت: اذكرونا ذكرنا عهدكم ... رب ذكرى قربت من ترحا اذكروا صبا إذا أغنى بكم ... شرب الدمع وعاف القدحا يا معشر الرياحين التي يزهى حسنها على كل حين لقد جزتم حد الإكثار ولم ينج أحدكم من سقطات العثار هب أنكم نزهة العيون وزينة الأفنان والفنون فهل أنتم إلا أعشاش أفراخنا ومواضع أوساخنا وأعواد خطبائنا وأرائك أمرائنا ومهود أبنائنا وستور نسائنا رءوسكم محط أرجلنا وهاماتكم نعال أرجلنا ونحن المسبحون بحمد ربنا المثنون عليه بالألسن الناطقة والأفواه العذبة الرائقة فلما سمعت كلام الحمام هممت بالانصراف من حيث أتيت لأخبر بما سمعت ورأيت إذا أقبلت غمامة تمشى لثقلها مشى الرداح ويكاد يلمسها من قام بالراح وما أظلمت إلا أضاء البرق في جوانبها فتمثلت ليلا في صباح فلم يزل البرق يأخذ في أذهاب ردائها ويبدو نذيرا لدى أصوات ندائها وهل يلقى على الأرض ما حملته في أحشائها ثم قالت يا ذوات البكاء والنوح المفتخرات على الأك والدوح ألستم الباكين بغير جوى الشاكين ألم الفراق من غير هوى بكم عرف الشقاق واشتهر ذكره في الآفاق قلوبكم خاشعة وعيونكم غير دامعة ومنكم عرف اختلاف الباطن والظاهر وقد أعرب عن ذلك قول الشاعر: وهاتفة في البان تملى غرامها ... فتتلو علينا من صبابتها صحفا ولو صدقت فيما تقول من الأسى ... لما لبست طوقا ولا خضبت كفا ونقلت من خط الشيخ شمس الدين محمد بن سمنديار الذهبي لنفسه الكريمة (توفي قريبا من سنة خمس وثمانين وسبعمائة) وأنشدني من نظمه: سماع غناء الطير للدوح مرقص ... ومن طرب بالزهر منه ينقط الباب السابع عشر في آنية الراح الشراب في الزجاج أحسن منه في كل جوهر لا يفقد معه وجه النديم ولا يثقل في اليد ولا يرتفع في السوم وقدور الزجاج أطيب من قدور الحجارة وهي لا تصدأ ولا تندى ولا يتخللها وسخ الغمر وأوساخ الوضر وإن اتسخت فالماء وحده لها جلا ومتى غسلت بالماء عادت جديدة ومن كرع فيه بشرب فكأنما يكرع في إناء وماء وهواء وضياء، وما أحسن رسالة سهل بن هارون يفضل الزجاج على الذهب: الزجاج يحلو نورى والذهب متاع سائر والشراب في الزجاج خير منه في كل معدن ولا يفقد معه وجه النديم ولا يثقل اليد ولا يرفع في السوم واسم الذهب يتطير منه ومن لونه مصيره إلى اللئام وهو فاتن قاتل لمن أصابه وهو أيضا من مصائد إبليس ولذلك قالوا أهلك الرجال الأحمران والزجاج لا يحمل الوضر وهو أشبه شيء بالماء وصفته عجيبة ... وهي رسالة طويلة. ومن أحسن ما قيل في ذمه قول النظام فإنه أخرجه في كلمتين بأوجز لفظ وأتم معنى فقال سريع إليه الكسر ولا يقبل الجبر. ذكر الرشيد بن الزبير في كتابه العجائب والظرف أنه وجد المتورد بن ربيعة يوم القادسية إبريق ذهب عليه ياقوت وزبرجد فلم يدر ما هو فلقيه رجل من الفرس فقال أنا أعطيك فيه عشرة آلاف دينار فعرف قيمته فذهب به إلى سعد بن أبي وقاص (فباعه بمائة ألف دينار. ووجد للوليد بن يزيد بعد مقتله بلور كأعظم ما يكون من الجفان قيل إنها تسع ثلاثمائة رطل ولما وقعت الفتنة بين عازم الدولة رقيب بن علي وبين حاج خراسان بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة وعازم الدولة يومئذ أمير الموسم ومقدم القافلة المضرية وكانت الهزيمة على الخراسانين فنهبت أموالهم وأتى بعض النهابة إلى عازم الدولة بزبدية فيروزج تسع وزن رطل شامي كأحسن ما يكون من الزباد لا يعلم لها قيمة ودفعها عازم الدولة بعد ذلك إلى الظاهر.

ومن الأشياء النادرة المستظرفة المتجملات في الملابس والمجالس ما ذكره الفقيه الكاتب أبو مروان عبد الملك بن بدرون في شرحه لقصيدة الوزير عبد المجيد بن عبدون في قصة جبلة بن الأيهم الغساني وهو أن جبلة لطم إنسانا من الناس فلما أراد الإمام عمر إقادته منه فر إلى هرقل وتنصر ثم ندم على تنصره فقال: تنصرت الأشراف من أجل لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر تكنفني منها اللجاج ونحوه ... فنعت لها العين الصحيحة بالعور فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى القول الذي قاله عمر ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة ... جالس قومي ذاهب السمع والبصر ولما تنصر جبلة ولحق بهرقل صاحب القسطنطينية أقطعه هرقل الأموال والضياع والرباع وبقي ما شاء الله ثم إن عمر (بعث إلى هرقل رسولا يدعوه إلى الإسلام أو إلى الجزية فأجاب إلى الجزية فلما أراد الرسول الانصراف قال له هرقل ألقيت ابن عمك هذا الذي عندنا يعنى جبلة الذي أتانا راغبا في ديننا قال ما لقيته قال القه ثم ائتني أعطك جواب كتابك قال الرسول فذهبت إلى باب جبلة فإذا عليه من القهارمة والحجاب والبهجة وكثرة الجموع مثل ما على باب هرقل الرسول فلم أزل أتلطف في الإذن حتى أذن بالدخول فدخلت عليه فرأيته أصهب اللحية ذا سبال وكان عهدي به أسود اللحية فأنكرت عليه فإذا هو قد دعى بسحالة الذهب فذرها على لحيته حتى عادت سوداء وهو قاعد على سرير من قوارير قوائمه أربعة أسود من ذهب فلما عرفني رفعني معه على السرير فجعل يسألني عن المسلمين فذكرت له خيرا قلت قد أضعفوا إضعافا على ما تعرف قال وكيف تركت عمر بن الخطاب قلت بخير حال فرأيت الغم في وجهه لما ذكرت له من سلامة عمر ثم انحدرت عن السرير فقال لم تأب الكرامة التي أكرمناك بها قلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا قال نعم صلى الله عليه وسلم ولكن نق قلبك من الدنس ولا تبال على ما قعدت فلما سمعته يقول صلى الله عليه وسلم طمعت فيه فقلت له ويحك يا جبلة ألا تسلم وقد عرفت الإسلام وفضله قال أبعد ما كان مني قلت نعم قد فعل رجل من بني فزارة أكثر مما فعلت ارتد عن الإسلام فضرب وجوه المسلمين بالسيف ثم رجع إلى الإسلام فقبل ذلك منه وخلفته بالمدينة مسلما قال ذرني من هذا إن كنت تضمن لي أن يزوجني عمر ابنته ويوليني الأمر بعده رجعت الإسلام قال فضمنت له التزويج ولم أضمن له الأمر قال ثم أومى إلى خادم كان على رأسه فذهب مسرعا فإذا خادم قد جاء ومعه خدم يحملون الصناديق فيها الطعام فوضعت ونصبت موائد الذهب وصحاف الفضة وقال لي كل فقبضت يدي وقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل في أواني الذهب والفضة فقال نعم صلى الله عليه وسلم ولكن نق قلبك وكل فيما أحببت قال فأكل في الذهب وأكلت في الخلنج ثم جيء بطساس الذهب وأباريق الفضة فغسل يده في الذهب وغسلت في الصفر ثم أومى إلى خادم بين يديه فمر مسرعا فسمعت حسا فإذا خدم معهم كراسي مرصعة بالجواهر فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن شماله ثم جاءت الجواري عليهن تيجان الذهب فقعدن عن يمينه وعن يساره على تلك الكراسي ثم جاءت جارية كأنها الشمس حسناء على رأسها تاج على ذلك التاج طائر لم أر أحسن منه وفي يدها اليمنى جامة فيها مسك فتيت وجامة في يدها اليسرى فيها ماء ورد فأومت تلك الجارية أو صفرت للطائر الذي على تاجها فطار حتى وقع في جامة ماء الورد فاضطرب فيه ثم أومأت إليه أو صفرت فوقع على جامة المسك فتمرغ فيه ثم أومأت إليه فطار حتى نزل على تاج رأس جبلة فلم يزل يرفرف حتى نفض ما عليه في رأسه فضحك جبلة من شدة السرور حتى بدت أنيابه ثم التفت إلى الجواري اللاتي عن يمينه فقال أضحكننا فاندفعن يغنين يخفق عيدانهن: لله در عصابة نادمتهم ... يوما بحلق في الزمان الأول يسقون من ماء البريص نديمهم ... راحا يصفق بالرحيق المسلس أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل

قال فضحك حتى بدت نواجده ثم قال أتدري من يقول هذا قلت لا قال حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشار إلى الجواري اللاتي عن يساره فقال لهن أبكيننا فاندفعن يغنين يخفقن عيدانهن ويقلن: لمن الدار أقفرت بعمان ... بين أهل اليرموك فالجمان ذاك مغنى لآل جفنة في الدهر ... مجلى لحادث الأزمان قال فبكى حتى سالت دموعه على لحيته فقال أتدري من يقول هذا قلت لا قال حسان ثم أنشد الأبيات التي أولها تنصرت الأشراف ثم سألني عن حسان أحى هو قلت نعم فأمر له بكسوة ولي أيضاً كذلك وأمر بمال لحسان ونوق موقرة ثم قال لي إن وجدته حيا فادفع الهدية إليه وأقرئه عني السلام وإن وجدته ميتا فادفعها إلى أهله وانحر النوق على قبره فلما أخبرت عمر بخبره وما اشترط علي وما ضمنت له قال فهلا ضمنت له الأمر فإذا أفاء الله به قضى الله علينا بحكمه ثم جهزني عمر إلى هرقل ثانياً وأمرني أن أضمن له ما اشترط فلما دخلت القسطنطينية وجدت الناس منصرفين من جنازته قلت إن الشقاء سبق عليه في أم الكتاب. وذكر الحكيم موفق الدين بن أبي أصيبعة في ترجمة الحكيم سديد الدين بن رقيعة قال ومن شعره وهو مما كتبه على كأس في وسطه طائر على قبة مجوفة إذا قلب الماء في الكأس دار الطائر دورانا سريعا وصفر صفيرا ومن وقف بإزائه الطائر حكم عليه بالشرب فإذا شربه وترك فيه شيئا من الشراب صفر الطائر وكذلك لو شربه في مائة مرة فمتى شرب جميع ما فيه ولم يبق فيه درهم فإن صفيره ينقطع والأبيات هي هذه: أنا طائر في هيئة الزرزوري ... مستحسن التكوين والتصوير فاشرب على نغمي سلاف مدامة ... صرفا تنير حنادس الديجور صفراء تلمع في الكئوس كأنها ... نار الكليم بدت بأعلى الطور وإذا تخلف في شرابك درهم ... في الكأس نم به عليه صفيري قلت: كتبت هذه الأبيات لغرابة هذا الكأس وأما الشعر فإنه ليس بطائل. قال الثعالبي في تحفة الأرواح وموائد السرور والأفراح إنه كان في الزمن القديم امرأة في العراق تعمد إلى الصيني الأبيض فتصير منه الشمشي والأسود والسماقي والأخضر حتى لا يشك ناظر في أنه كان كذلك في الأصل وما علم أحد من الرجال سواها في ذلك وأهل الخبرة بهذا النوع إذا وقع في أيديهم شيء من عمل هذه المرأة عرفوه (القول في الكأس المصور) قال أبو نواس: ودار ندامى عطلوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس مساحب من خز الرقاق على الثرى ... وإضعاث ريحان جنى ويابس تدار علينا الراح في عسجدية ... حبتها بأنواع التصاوير فارس فنال بها كسرى وفي جنباتها ... مها قد رمتها بالقسى الفوارس فللراح ما زرت عليها جيوبها ... وللماء ما دارت عليه القلانس قال الجاحظ وجدنا المعاني تقلب ويؤخذ بعضها من بعض إلا هذا المعنى فإن الحسين ابتدعه. قلت: وضمن هذه الأبيات الأديب أبو الحسين الجزار تضمنا حسنا أجاد فيه إلى الغاية وهو: كتبت بها في يوم لهو وهامتي ... تمارس من أهواله ما يمارس وعندي صحاب للمجون ترحلت ... عمائمهم عن هامهم والطيالس فللماء ما زرت عليه جيوبهم ... وللراح ما دارت عليه القلانس مساحب من خز الرقاق على القفا ... وإضغاث انطاع جنى ويابس وقال أيضاً: بنينا على كسرى سماء مدامة ... مكللة حافاتها بنجوم فلو رد في كسرى ابن ساسان روحه ... إذا لاصطفاني دون كل نديم أخذه الباشى فقال: في كأسها صور تظن لحسنها ... عربا برزن من الحجال وغيدا وإذا المزاج أثارها فتقسمت ... ذهبا ودرّا توأما وفريدا فكأنهن لبسن ذاك محاسدا ... وجعلن ذا لنحورهن عقودا وقال ابن المعتز: وساق يجعل المنديل منه ... مكان حمائل السيف الطوال غلالة خده صبغت بورد ... ونون الصدغ معجمة بخال بدا والصبح تحت الليل باد ... كطرف أبلق ملقى الجلال بكأس من زجاج فيه أسد ... فرائسهن ألباب الرجال وقال ابن قلاقس (ومولده سنة اثنتين وخمسمائة، ووفاته سنة سبع وستين وخمسمائة) : دارت زجاجتها وفي جنباتها ... كسرى أنوشروان في إيوانه

فخلعت عن عطفيه حلة قهوة ... وشربتها فغدوت في سلطانه وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي رحمه الله تعالى: ومشمولة قد هام كسرى بكأسها ... فأضحى ينادي وهو فيها مصور وقفت لشوقي من وراء زجاجة ... إلى الدار من فرط الصبابة أنظر وقال المرحوم فخر الدين بن مكانس رحمه الله تعالى: إذا ما أدبرت في حشا عسجدية ... بها كل ذي ملك وتاج تصورا فحسبك نيلا في السيادة أن ترى ... نديمك في الكاسات كسرى قلت: والسبب الموجب لتصويرها ما ذكره الفقيه الكاتب أبو مروان عبد الملك بن بدرون في شرحه لقصيدة الوزير عبد المجيد بن عبدون وهو أن سابور بن هرمز الملقب بذي الأكتاف لما رجع من قتال بني تميم قصد الروم والدخول إلى القسطنطينية متنكرا فاستشار قومه فحذروه التغرير بنفسه فلم يقبل قولهم وسار متنكراً إلى القسطنطينية فصادف وليمة لقيصر قد اجتمع فيها الخاص والعام فدخل في جملتهم وجلس على بعض موائدهم وقد كان قيصر أمر مصورا أتى عسكر سابور فصوره فلما جاء قيصر بالصور أمر بها فصورت على آنية الشراب من الذهب والفضة وأتى بعض من كان على المائدة التي عليها سابور بكأس فنظر بعض الخدام إلى الصورة التي على الكأس وسابور مقابل لها على المائدة فعجب من اتفاق الصورتين وتقارب الشبهين فقام إلى الملك فأخبره فمثل بين يديه فسأله عن خبره فقال أنا من أساورة سابور وهربت منه لأمر خفته فيه فلم يقبلوا ذلك منه وقدم إلى السيف فأقر بنفسه وجعل في جلد بقرة وتمام حكايته إلى أن خلص وعاد إلى ملكه في كتاب سلوان المطاع في السلوانة الثانية منه وهي حكاية غريبة مشتملة على أنواع من الحكم. وقال صلاح الدين الصفدي رحمه الله: كئوس المدام تحث الصفا ... فكن لتصاويرها مبطلا ودعها سواذج من نقشها ... فاحسن ما ذهبت بالطلا وقال زين بن الوردي رحمه الله تعالى: دع الكأس من من نقشها ... وصاف بصاف أحب إذا ذهبت بالمطلا ... فقد طليت بالذهب وقال: شمس الدين بن العفيف فيما يكتب على كأس: أدور لتقبيل الثنايا ولم أزل ... أجود بنفسي للندامى وأنفاسي وأكسو أكف الشرب ثوبا مذهبا ... فمن أجل هذا لقبوني بالكاسي الشيء بالشيء يذكر قال شهاب الدين بن أبي جحلة مضمنا: يا صاح قد حضر الشراب ومنيتي ... وحظيت بعد الهجر بالائيناس وكسى العذار الخد حسنا فاسقني ... واجعل حديثك كله في الكأس وقال إبراهيم بن الحاج الغرناطي (ومولده سنة خمس عشرة وسبعمائة رحمه الله تعالى) : يا رب كأس لم يشح شمولها ... فاعجب لها جسما بغير مزاجي لما رأينا السحر من أشكالها ... جملا نسبناه إلى الزجاجي وقال الأديب أبو بكر بن مجير وقد اقترح عليه حسود وصف كأس أسود فقال ارتجالا: سأشكو إلى الندمان أمر زجاجة ... تردت بلون حالك اللون أسجم تصب بها شمس المدامة بيننا ... فتغرب في جنح من الليل مظلم وتجحد أنوار الحميا بلونها ... كقلب حسود جاحد يد منعم

القول في القدح قال القاضي شهاب الدين بن فضل الله في وصفه: تكوّن من جوهر مكنون وتجسد من هواء مظنون واتخذ خدر الآنية العنب وطاف به الساقي فأصبح منه في راحة وهو في تعب قهقه عليه الإبريق فصدح وطار منه شرار المدام فقيل قدح وكتب سيدنا ومولانا بدر الدين محمد بن أبي المخزومي المالكي الشهير بابن الدماميني فسح الله في أجله إلى سيدي الجناب المجدي فضل الله بن مكانس أدام الله عزه وذلك في ربيع الأول سنة خمس وتسعين وسبعمائة وقد تجاسر العبد وتوقا بمكارم الأخلاق المخدومية فأهدى هذا اللغز لينعم مولانا بقبوله ويتفضل بحله عند حلوله فقال ما اسم حبيب إلى النفوس شبيه بالبدر حليف للشموس إن قلب كان لقلبه من العين مكان من المناسبة وإن سقط قلبه مع هذا الفعل كان ضد الأقوال الكاذبة وإن صحف بعد العكس أنبأ عن الذكاء وهذا غاية الشرح وإن غير ثانيا علم ورب الكلام المحرر أنه دال على الطرح حسبناه مع التصحيف آلة للصيد معينة على المكر والكيد إن قلع طرفه كان مزج باقيه قواما وإن عكس كان الطرب بتصحيفه مداما وإن زال أوله كان العكس عتابا المتعاطي إثمه وإن صحف اشتاقت الشفاة إلى تقبيله ولثمه وربما كان الهزل عن تصحيفه الآخر منافيا لاسمه مباينا في الحقيقة لحده ورسمه والمملوك يسأل الصفح عن هذا الهذيان والامتنان بالجواب مع شيء من نظم المقر الصاحبي للوالدي وشيء من نثره ليحلى المملوك بعقوده جيد تذكرته ويتأنس بحسنه الغريب في زمن غربته فكل غريب للغريب نسيب ومدح مولانا أجل من أن يحيطه قلم العبد أو لسانه أو يحصره بيان الأديب أو بنانه ونسأل الله تعالى أن يمتع بقائه ويعلى درجات ارتقائه بمنه وكرمه فكتب الجواب يقبل الأرض التي أطالت بالجفا حرمانه وتداركته بعد إجراء دموعه فعظمت في الحالتين منها شأنه وانتهى إلى اللغز الذي يمتع بمحله ويشرب بقدحه فابتهل شكرا ومالت أعطافه بالقدح الفارغ سكرا فوجده كما قال حبيب إلى النفوس يجتهد في التوصل بماء حاره إلى الرءوس يأتيك بالمعنى اللطيف ويقف حذقك من تصحيفه بعد العكس بين تصحيف وتحريف فحله من ساعته وقابل شمسه المنيرة بذبالته وكتب قرينه لغزا وخالف نفسه إذ قالت لا تتعبني في مجاراة هذا الجواد لذا وقد ذكرته أولا في باب الرياحين وقال القاضي التنوخي رحمه الله تعالى: وراح من الشمس مخلوقة ... بدت لك في قدح من نهاري هواء ولكنه جامد ... وماء ولكنه غير جاري إذا ما تأملتها وهي فيه ... وتأملت نورا محيطا بناري فهذا النهاية في الابيضاض ... وهذا النهاية في الاحمرار كأن المدير لها باليمين ... إذا قام للسقي أو باليسار تدرع ثوبا من الياسمين ... له فردكم من الجلنار وقال النضير الحمامي رحمه الله تعالى: أصبحت من أغنى الورى ... مستبشرا بالقدح عندي خمر ذهب ... أكتاله بالقدح وأنشدني سيدي وأخي تقي الدين أبو بكر حجة الحموي لنفسه مضمنا رحمه الله: أرى طير أقداحنا نائحا ... يحوم على عذب ورد القدح فقلت لدر الحباب اجتهد ... ومد الشباك وصد من سبح وقال ابن تميم: يا حسنه قدح يضيء زجاجه ... ليل الهموم إذا ادلهم وعسعسا أهديته مثل النهار فإن حوى ... صرف المداد غدا نهارا أشمسا الإبريق) قال ابن المعتز: وكأن إبريق المدامة بيننا ... طبي على شرف أناب مدلها لما استحثه السقاة حثى لها ... فبكى على قدح النديم وقهقها وقال إبراهيم بن إسحاق الموصلي رحمة الله عليه: كأن أباريق المدام لديهم ... ظباء بأعلى الرقمتين قيام وقد شربوا حتى كأن رقابهم ... من اللين لم تخلق لهن عظام صاعد اللغوى: كأن إبريقنا والراح في فمه ... طير تناول ياقوتا بمنقار السرى الرفاء الموصلي رحمة الله عليه: إبريقنا عاكف على قدح ... تخاله الأم ترضع الولدا أو عابدا من بنى المجوس إذا ... توهم الكاس سرعة له سجدا السراج المحار (توفي سنة إحدى عشر وسبعمائة رحمة الله عليه) : يا حبذا شكل إبريق تميل له ... منا القلوب وتصبو نحوه الحدق يروق لي حين أجلوه ويعجبني ... منه طلاوة ذاك الجسم والعنق

الباب الثامن عشر فيما يستجلب بها الأفراح

كم قد شربت به ماء الحياة ولن ... ينالني منه لا غص ولا شرق حتى غدا خجلا مما أقبله ... فظل يرشح من أعطافه العرق الراووق الجوبان القواس رحمه الله تعالى: ولما حكى الرواق في العين شكله ... وقد علق العنقود في سالف الدهر تذكر عهدا بالكروم فكله ... عيون على أيام عهد الصبي تجري وقال بدر الدين حسن المعزي رحمه الله: أعجب ما في مجلس اللهو جرى ... من أدمع الرواق لما انسكبت لم تزل البطة في قهقهة ... ما بيننا تضحك حتى انقلبت وقال برهان الدين القيراطي رحمه الله: باكرت راووقي وبطتي التي ... قد قهقهت ودم المدامة يسفك وأضعت مالي فيها حتى غدا ... هذا يصغي لي وهذا يضحك وقال صدر الدين بن عبد الحق (توفي تقريبا سنة سبعين وسبعمائة) : أسبل الراووق لما صلبا ... أدمعا لكن رأينا عجبا بينما الراووق يبكي بدم ... ضحك الإبريق حتى انقلبا وقال سيدي المقر المجدي سلمه الله تعالى وأجاد: قم واصلب الراووق واشف قلبي ... منه وبلغني بذاك سؤلي واسفك دم الزق وناد هذا ... جزاء من يلعب بالعقول وقال محمد بن العفيف في باطية وأجاد: إنا المجالس والجليس أنيسه ... أزهى بحسن ناضر للناظر اصفو فاظهر ما أجن ولم يكن ... في باطني شيء يخالف ظاهري وما ألطف من قال عجلوا: عجلوا بشرب البواطي ... فالصواب الصواب نيك الخواطي كان لأبي الحارث خمسون دنا كان يقول إنه لم يفسد فيه نبيذ قط منذ عشرين سنة فأوصى به عند موته للفضل الرقاشي وقال هذا جزاء له فإنه كان كلما اجتمعنا على أمر قال قم فابدأ به (الأمير صلاح الدين الأربلي) فيما يكتب على طبق تحت أقداح (توفي المذكور سنة سبع وثلاثين وستمائة، ومولده سنة اثنين وسبعين وخمسمائة) رحمة الله عليه: من فرحتي بالندامى واجتماعهم ... حولي وقربهم مني وإيناسي جعلت صفحة خدي تحت أخمص ما ... قد غادرته الندامى أسفل الكاسي الباب الثامن عشر فيما يستجلب بها الأفراح وهو خمسة فصول: الفصل الأول في من مدحها من الملوك والرؤساء. الفصل الثاني في تدبير استعمالها على رأي الحكماء. الفصل الثالث في آداب منتشيها وما يجب على مستعمليها. الفصل الرابع في استهدائها واستدعاء الإخوان. الفصل الخامس في من وصفها من الشعراء الأعيان. الفصل الأول قال كسرى النبيذ صابون الهم: قلت من هنا قول الشيخ بدر الدين البشتكي: وكنت إذا الحوادث دنستني ... قرعت إلى المدامة والنديمي لا غسل بالكئوس الهم عني ... لأن الخمر صابون الهمومي وقال أرسطاطاليس الراح كيمياء الفرح، وقال جالينوس الراح صديق الروح، وقال آخر الراح درياق سم الهم، قال عبد الملك بن صالح الهاشمي ما حمشت الدنيا بأظرف من النبيذ وقال الثعالبي لكل شيء سر وسر النبيذ السرور، وقال الدنيا معشوقة ريقها الراح، وقال الجاحظ إن النبيذ إذا تمشى في عظامك ودب في أجرامك منحك صدق الحسن وفراغ النفس وجعلك رجي البال خلي الدرع قرير العين منشرح الصدر حسن الظن وسد عليك باب الغم وحسم عنك خاطر الهم، وقيل لأبي حميد الفضل بن وكيل ما تقول في النبيذ المصفى المروق المعسل المعتق فجعل يتمنطق ويقول أخاف ألا أشتغل بشكر الله تعالى الكريم على نعمه فيه وكان مطيع بن إياس يقول في النبيذ معنى في الجنة موجود لأن الله عز وجل يقول إخباراً عن أهلها: "الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن" (1) والنبيذ يذهب الحزن، وقيل لأبي عائشة إن فلانا لا يشرب النبيذ فقال قد طلق الدنيا ثلاثا، وقيل للأعمش مثل ذلك فقال دعوه حتى يقتله القولنج. وقال: يزيد بن المهلب وددت لو أن كأساً بألف دينار وكل منكح في جبهة أسد فلا يشرب إلا جواد ولا ينكح إلا شجاع. وقال: عبد الملك للأخطل صف لي الخمر فقال أولها صداع وآخرها خمار قال فما يعجبك منهما قال: إن بينهما طربة لا يعاد لها ملكك وأنشأ يقول: إذا ما نديمي علني ثم علني ... ثلاث زجاجات لهن هدير خرجت أجر الذيل حتى كأنني ... عليك أمير المؤمنين أمير

وقال أبقراط الخمرة صديقة الجسم والتفاحة صديقة النفس. نادرة: اجتمع محدث ونصراني في سفينة فصب النصراني من ركوة كانت معه في مشربة وشرب وصب فيها وعرض على المحدث فتناولها من غير فكر ولا مبالاة فقال النصراني جعلت فداك إنما هو خمر فقال من أين علمت أنها خمر قال اشتراها غلامي من يهودي وحلف أنها خمر فشربها بالعجلة وقال للنصراني أنت أحمق نحن أصحاب الحديث أفنصدق نصرانيا عن غلامه عن يهودي والله ما شربتها إلا لضعف الإسناد. وقال الجاحظ كل شيء من المأكل يكون أوله أطيب من آخره إلا النبيذ فإن القدح الأول ثقيل والثاني أسهل والثالث أسلس والرابع أسوغ والخامس أعذب والسادس ألذ حتى ينتهي إلى غاية السرور. حكي أن عبد الملك بن مروان امتحن أعرابياً من الشعراء فقال صف لي الخمر فأطرق الأعرابي وقال: شموس إذا شجت لدى الماء مرة ... لها في عظام الشاربين دبيب تريك الغذاء من دنها وهي دونه ... لوجه أخيها في الوجوه قطوب فقال عبد الملك شربتها يا أخا العرب ووجب عليك الحد فقال ومن أين لك ذلك يا أمير المؤمنين فقال لأنك وصفتها بصفتها فقال وإني قد رابني من أمير المؤمنين ما رابه بأن يكون أيضاً شربها إذ عرف أني وصفتها بصفتها فضحك منه وأحسن جائزته. نادرة: جلد مدني في الشراب وكان طويلا والجلاد قصيرا فقال له تقاصر لينالك السوط فقال ويلك إلى أكل الفالوذج تدعوني والله لوددت أني أطول من عوج وأنك أقصر من يأجوج ومأجوج. كتب رجل إلى ابن قريعة القاضي فتيا (توفي المذكور سنة شبع وستين وثلاثمائة ببغداد) ما يقول القاضي أيده الله في رجل سمى ولده مداما وكناه أبو الندامى وسمى ابنته الراح وكناها أم الأفراح وسمى عبده الشراب وكناه أبو الإطراب وسمى وليدته القهوة وكناها أم النشوة أينهى عن بطالته أم يؤدب على خلاعته؟ فكتب تحت سؤاله لو بعت هذا لأبي حنيفة لأقعده خليفة ولعقد له راية، وقاتل من تحتها من خالف رأيه ولو علمنا مكانه لمسحنا أركانه فإن أتبع هذه الأسماء أفعالا وهذه الكنى استعمالا علمنا أنه قد أحيى دولة المجون وأقام لواء ابنة الزرجون فبايعناه وشايعناه وإن تكن أسماء سماها ما له بها من سلطان خلعنا وفرقنا جماعته فنحن إلى إمام فعال أحوج منا إلى إمام قوّال انظر أيدك الله إلى معاني هذا النثر الذي يعجز عنه البديع والمجون الذي لا يلحقه الخليع. وقالت دنانير جارية البرامكة من أصبح وعنده قنينة ناقصة وزبدية طباهجة باردة وتفاحة معضوضة ولم يصطبح فهو أحمق فاسد المزاج يحتاج إلى العلاج. الفصل الثاني في تدبير استعمالها على رأي الحكماء قال الشيخ الإمام علاء الدين أبو الحسين علي بن أبي الحزم القرشي المتطبب المعروف بابن النفيس تغمده الله برحمته في الجملة الثانية في قواعد الحبر العلمي من الطب في كتابه المشهور المعروف بالموجز عندما ذكر تدبير المشروب ما هذا نصه:

وخير الشراب ما طاب طعمه وعطرت رائحته وصفى لونه واعتدل قوامه والعلامة الجيدة للشراب الجيد الخالي من الغش أنه إذا ترك المقدار القليل مدة طويلة لم يفسد وبقدر طول المدة تعرف الجودة والرقيق اللطيف أسرع إسكارا وتحللا والغليظ أبطأ إسكارا وتحللا وأدوم خمارا لكنه يسمن وخصوصا الحلو وليكن من تسديده على حذر ويختار للشباب والمحرورين الأبيض الممزوج قبل شربه بمدة بكثير الماء وللمشايخ الأصفر القوي القليل المزج فإن أرادوا الاغتذاء والسمن فالأحمر ودع الشيخ وما احتمله وجنبه الصبيان وعدله في الشبان وإنما يستعمل الشراب عند انحدار الغذاء من المعدة وأما في خلل الأكل أو عقيبه فضار لتنفيذه الغذاء على فجاجته على أن المعتاد به لا ينتفع باستعمال ما يعين على الهضم إلا بمقدار ما يقوى على التنفيذ وما دام السرور يتزايد واللون يحسن والبشرة تلين والجلد يربو والحركة نشيطة والذهن سليما فلا تخف من إفراط فإن أخذ النعاس يغلب والغشيان يقوى والبدن والدماغ يثقل والذهن يتشوش والحركة تسترخي فقد وجب الترك فحينئذ يجب القيء والقيء على قليل منه رديء لأنه يغصب من البدن ما ينفعه والشراب بالأقداح الصغار خير من الكبار والتبعيد بين الأقداح لينهضم الأول قبل ورود الثاني أفضل وينبغي أن يحف مجلس الشراب بالمنظر اللذيذ من الأزهار والمحبوبين من الناس والأراييح اللذيذة والسماع المطرب ورفع كل ما يغم ويقبض النفس كالوسخ والصنان واللباس القذر والكمد وبعد غسل البدن والأطراف ولبس المشرف وتسريح الرأس واللحية وتقليم الأظفار وليكن المجلس مشرفا فسيحا بقرب المياه الجارية ومع الظرفاء من الأصدقاء وذلك لأن الشراب يحرك قوى النفس ويثير كل الشهوات فإذا لم نجد كل قوة مطلوبها تأذت وانقبضت فلا تقبل النفس على الشراب كل القبول ولا تنصرف فيه التصرف الواجب فيقل نفعه وربما فسد فكان شره أكثر من نفعه. ومنافع الشراب منها نفسية ومنها بدنية. أما النفسية فلا يمكن أن يساويه فيها غيره وذلك كالسرور وبسط النفس وتفسيح أملها وتشجيعها وإزالة البخل والغم والفكر الفاسد وهو أنفع الأشياء للماليخوليا لتفريحه المضاد لا يحاش السوداء وتحسن الظن وتقوى ذهن قوى الدماغ لأن دماغه لا ينفعل عن أبخرة الشراب المسكر بل عن حده اللطيف فيصفو ذهنه صفاء لا يصفو مثله بغيره فلذلك قوى الدماغ لا يسكر بسرعة وبسرعة السكر وبطئه تعلم قوة الدماغ وضعفه.

وأما البدنية فإنها وإن أمكن أن تستفاد بغيره من المعاجين والمركبات فذلك يعسر وذلك كتحسين اللون وإنارته وتبريقه وإشراقه وتقوية الحرارة الغريزة وإنعاشها وإنضاج الرطوبات وإذلاقها وتفتيح المجاري وإزالة سددها وتفتيح المسام وتقوية الهضم وتكبير الروح وتلطيفها وإنارتها وإثارة الدم وتنقيته وإنضاج البلغم وتلطيفه وإدرار الصفراء وترطيبها وتعديل مزاج السوداء وقمع عادتها وإخراجها ونفعه يتعلق بالقوى الطبيعية والحيوانية أكثر من القوى النفسانية وإدامته تبلد الذهن وترخي العصب وتورث الرعشة والتشنج وكثيرا ما يموت السكران بالسكتة والصرف محرق للدم مفسد لمزاج الدماغ والكبد والمسطار يخاف منه ذو سنطار بالنفحة وإسهاله والسكر المتواتر يوهن قوى الدماغ والعصب ولا بأس به في الشهر مرتين لإراحة قوى الدماغ والفصل والبلد الباردان يحتملان كثرة الشراب وقوته وما أمكن ترك التنقل فهو أولى لكن المحرور قد ينتفع بالتنقل بمثل السفرجل والرمان المز والتفاح والكمثرى والزعرور وأقراص الليمون وحماض الأترج شرابه بل يحتاج إلى التنقل بأقراص الكافور كما يفعل بالمدقوقين والمبرودين بحوارش التفاح والخلنجيين والتمر والفستق والمرطوب بالقرعامة وزيتون الماء والفستق واللوز المملوحين والأشياء التي تبطئ بالسكر التنقل باللوز وخصوصا المز خمسون لوزة يستعمل قبل الشرب فيمنع السكر وكذلك التنقل ببزر القنبيط المملح وأكل القبنيطية والكرنبية قبل الشراب وكذلك استعمال المدرات والثرايد الدهنية وإن أبطأت بالسكر لكنها تمنع كثرة الشرب والمسكرات بسرعة كالتنقل بجوز الطيب ونقعه في الشراب وكذلك العود والشليم وورق العنب والزعفران وكل هذه تسكر مفردة وأما البنج واللقاح والشوكران والأفيون فمفرط وإنما يستعمل لمن يريد أن يعالجه بما لا يحتمله في الصحو ومما يذهب رائحة الشراب الكزبرة اليابسة والرأس ودار صيني العين وأفضل ما يمزج به الشراب الماء وقد يمزج بماء لسان الثور ليزداد تفريحه وهو بذلك يسر سرورا عظيما وقد يمزج بماء الورد فيقوى المعدة والقلب أكثر وقد يمزج بأمراق الفراريج واللحم لمن غشي عليه أو ضعف وضيف عليه أن لا تطول المدة إلى حيث تصل المرقة مفردة والله أعلم. انتهى كلام ابن النفيس الحكيم الفاضل المؤيد محمد بن المحلى الشهير بالعنتري في كتابه النور المجتنى من رياض الندماء. واعلم أن الإكثار من الخمرة يحدث الأمراض الباردة الرطبة كالسكتة والفالج واللقوة والخدر والرعشة والاسترخاء والسبات هذا لمن مزاجه مستعد للبرد فأما أصحاب المزاج الحار فإنها تولد الحميات الحارة ولا سيما إن وافقها غذاء حار وفصل حار ومزاج صرف والغرض من الخمرة أن يأخذ منها اليسير بعد الطعام بثلاث ساعات ولا بأس باستعمال النشوة والسكر في الشهر مرتين نافع وكذلك القيء مرتين في الشهر ويجب ألا يؤخذ الغذاء إلا وقت الشهوة وبعد الرياضة ومن أراد الاستكثار من الشراب فلا يستكثر من الطعام ومن أراد أن يطول جلوسه على الشراب فلا يستكثر من الرياضة والحمام ولا يمتلئ من الطعام وإذا كان الغذاء ظهرا كان الشراب عصرا ويبدأ بالأقداح الصغار أولا. وأما أوقات الاجتماع عليها فيكون ذلك والقمر في برج الزهرة أو عطارد متصلا بهما اتصالا مقبولا ويحذر ثبوت المشتري ونظره إلى القمر والعاقل إذا انقطع إلى الخمرة في يوم مذموم كفى شر ذلك اليوم باشتغاله بها إلا أنه يجب أن يكون خلوه مع نديم مأمون الجانب عاقلا يكفى شر ذلك اليوم إن شاء الله تعالى ومنه صفة تفاحة تسكر سريعا إذا شمت يؤخذ زعفران وميعه وحمام ولقاح وقشور أصل اليبروح ينعم سحقه ويعجن بشراب صرف عتيق ويتخذ منه تفاحة منقشة وتشم والحرمل مفردا ومع الشراب يسكر الشارب سكرا مفرطا ومن شرب خمس سعدات أو عشرة مسحوقة لم يسكر يومه ويجب ألا يفعل ذلك إلا صاحب المزاج البارد وأما المحرور فيجعل غذاءه إذا أراد ألا يسكر بالخل والسماق والحصرم وماء الليمون بلحوم الدجاج والجداء والخرفان ويمتص ماء الرمان المز وأكل السمك الطري بالخل والتنقل باللوز الحلو لا سيما إن وافق ذلك سماع مطرب أو نديم يعجب وينشد: الخمر طيبة وليس تمامها ... إلا بطيب خلائق الجلاس ما يقطع رائحة الشراب من الفم:

فمن ذلك سعد وكبابة ودار صيني بالسوية يدق ويستف منه مثقال لا سيما بعد القيء المستقصى وسف الكزبرة والنعناع ومضغ العود الرطب وكذلك السعد وأكل البصل يخفى رائحة الشراب والفوتنج النهري إذا مضغ قطع رائحته. انتهى كلام العنبري. وقال التيفاشي في كتابه سرور النفس بمدارك الحواس الخمس وهو عدة مجلدات إنني لما رأيت لهج الخلفاء والملوك وشغف جمهور الأمم من العرب والعجم بشرب شراب العنب واختلاف مذاهبهم في استعماله مع الاتفاق على الميل إليه على تباين بخلهم ومللهم وقد ذكر عن الأحنف بن قيس أن رجلا قال له يا أبا بحر ما ألذ الأشربة فقال له الخمر فقال كيف علمت ولم تذقها قال لأني رأيت من أحلت له لا يصبر عنها ورأيت من حرمت عليه يخطئ البهائم ووجدت جل من يستعمل هذا المشروب لا يفي له خيره بشره ولا يقوم نفعه بضره وذلك لجهله بوجه استعماله فإن من المعلوم أن الخمر إنما المقصود من شربها منفعتان إحداهما للنفس بالتفريح ونفي الهموم وأخراهما للبدن بحفظ صحته عليه ونفي الأمراض النازلة به وتحقق عند كل من له أدنى مسكة من عقل أنها إذا استعملت على غير ما ينبغي انعكست هاتان المنفعتان مضرتين فصار عوض السرور هما وغما وضجرا وسوء خلق وعوض الصحة مرضا مزمنا أو موتا فجأة حسبما نشرحه إلا أنه لا يقتصر الأمر على عكس هاتين المنفعتين فقط بل يتعدى إلى مضار أخرى عظيمة إن سلمت المهجة كذهاب العقل والمال والجاه والذكر الجميل بل لا يقف الأمر على ذلك بل يتعدى الضرر إلى الأعقاب فإن الحكماء أجمعوا قاطبة على أن مدمن الخمر لا ينجب وإن أنجب كان الولد أحمق. انتهى كلام التيفاشي. ونقلت من مجموع بخط بعض الأفاضل قد ذكر الحكماء والأطباء والعلماء والشعراء والفضلاء والبلغاء من مضار الخمر ومنافعها وبهجة عواريها وطوالعها فمن ذلك قولهم الخمر يسخن الجسم ويجود الهضم ويرطب الأعضاء ويسكن القيء والعطش إذا مزجت وتدر البول وتسهل الطبيعة وتسر النفس وتحدث النشاط والطرب والأريحة لا سيما في الأبدان المعتدلة هذا في أخذ القصد فإذا أكثر منها أحدث ذلك السهر وورم الكبد وقلة شهوة الجماع والغذاء والنسيان والبخر والرعشة والدمع وضعف البصر والحميات واختلاط العقل والتبلد والسكتة والصرع وموت الفجأة لأن الخمر تملأ الدماغ فتغمر الحرارة كما يغمر الدهن نار السراج فيطفأ. انتهى. الفصل الثالث في آداب منتشيها وما يجب على مستعمليها ينبغي للمعاشر والنديم المجالس للملوك والرؤساء أن يكون نظيف الكف نقي الظفر متعاهد التقليمة والتخليل بين أصابعه وغسل يده ومعصمه في أوقات وضوئه ومطعمه طيب المعاني عطر البشرة نظيف الوجه والشارب والأنف نقي الجبين مستعملا للسنوت وأخذ السعد بالغدوات وتسريح اللحية وتنظيف الثياب وعمامته خاصة لأن العين كثيرا ما تقع عليها متعطر بالبخور والغالية والدراير على الشعر والثياب وليجلس في مرتبته بحسن أدب وسكون جاشر بغير اتكاء ولا مد رجل ولا عبث بثوب ولا بلحية ولينهض بنهوض الملك ويجلس حيث يشير إليه ويدنو إذا استدناه ويجيبه إذا سأله ولا ينهض عن المائدة أولا ولا يمد يده مبتدئا ولا يلعق أصابعه ويعيدها في الطعام ولا يغمس أنامله ولا يسرع المضغ ولا يكثر الضحك والكلام ولا يعض اللحم بأسنانه ولا يرد ما عض في الصحفة ولا يتناول ما بين يدي غيره ولا يكثر اللقم ولا يفتت الخبز ولا يخلخل الملح ولا يتلقط الدسم بالخبز ولا يكثر من اغتراف الحبوب والأمراق خوفا من أن يسيل على الثياب وينسب إلى الشره وسوء الأدب ولا يفسخ الدجاج بيده بعنف خوفا من الاندلاق وهو أن يكون تحت جلد الدجاجة أو في أوراكها دسم فيطير على ثياب من بازائه بل يقطع بالسكين على تواضع ولا يحصر الزيتونة بشدة فربما طارت نواتها فأصابت وجه جليسه ولا يحمل بيده الحلوى بكثرة ولا يدخل إلى فيه الطعام الحار ثم يخرجه من فيه ولا ينفخ فيه وفي المرقة ليبرد ولا يكثر شرب الماء ولا يتجشى ظاهرا ولا يمشمش العظام ولا ينفض المخاخ ولا يعض الفواكه إن حضرت قبل الطعام ولا يمد يده إلى قطعة لحم مشهورة ولا بيضة منضورة ولا سنبوسجة مشتهاة ولا ما تقع الشهوة عليه ولا ما تسارع النفس إليه ويجب أن يتجنب الخمرة في مجالس الملوك ومن يخاف على عرضه.

حكى أن المتنبي كان يأبى شرب الخمرة ويكرهه فألزمه سيف الدولة بن حمدان فشرب ذات ليلة عنده ففرطت منه فارطة بأن قبل غلاما ومازحه ثم ندم لوقته فقام وانصرف وبقي أياما لا يحضر مجلسه فأكثر بطلبه حتى حضر فأمره بالشرب فامتنع وأقسم أنه لا يشرب أبدا خمرا وأنشأ يقول: رأيت المدامة غلابة ... تهيج للمرء أشواقه تسيء من المرء تأديبه ... ولكن تحسن أخلاقه وبالأمس مت بها موتة ... وهل يشتهي الموت من ذاقه فعفاه من الشرب. وإذا ألزم العاقل الشرب في مجالس الملوك فلا يشرب فإن غلب لزم الصمت والسكوت وتكلفه إلا أن يسأل فيرد جوابا مختصرا.. وحكي أن نصيبا كان يجالس عبد الملك بن مروان ويؤاكله ويجلس قريبا منه فألزمه بالشرب فقال يا أمير المؤمنين لست لك بقرابة ولا لي عليك يد بيضاء ولا أنا ذو حسب ونسب وإنما أنا عبد أسود قربني منك أدبي وعقلي فيأبى بك أن تسلبني أدبي وعقلي الذي قربني منك فعجب منه وعفاه. وينبغي ألا يشربها أبدا الحمقى والسفهاء والجهال حتى يخرجون في فجورهم وسفههم وتكثر حماقتهم. وقال أبو نواس رحمه الله تعالى: والخمر قد يشربها معشر ... ليسوا إذا عدوا بأكفائها وقال آخر: وقد تعرف الجهال من حلمائنا ... إذا ما تعاطينا الكئوس تعاطيا تزيد حمياها السفيه سفاهة ... وتترك ألباب الرجال كما هيا وجدت أقل الناس عقلا إذا انتشى ... أقلهم عقلا إذا كان صاحيا عليك دليل من صحبت فلا يكن ... جليسك من يحكي إليك المساويا وقال آخر: على قدر عقل المرء في حال صحوه ... يؤثر فيه الخمر في حال سكره فيأخذ من عقل كثير أقله ... ويأتي على العقل اليسير بأسره قال المأمون الشراب ستر فانظر مع من تهتكه وقال الجماز حرم النبيذ على ثلاثة عشر نفسا على من غنى الخطأ واتكأ على اليمين وأكثر أكل النقل وكسر الزجاج وسرق الريحان وبل ما بين يديه وطلب العشاء وقطع اللمة وحبس أول قدح وأكثر الحديث وامتخط في منديل الشراب وبات في موضع لا يحتمل المبيت ولحن المغنى ونقلت من خط الحافظ جمال الدين اليغمودي من مجاميعه المسماة بكنوز الفوائد ومعادن الفرائد ما صورته لما تقلد كسرى أنوشروان مملكته عطف على الصبوح والغبوق فكتب إليه وزيره رقعة يقول فيها إن في إدمان الملك الشراب ضررا على الرعية والوجه تخفيف ذلك والنظر في أمور المملكة فوقع على ظهر الرقعة إذا كانت سبلنا آمنة وسيرتنا عادلة والدنيا باستقامتنا عامرة وعمالنا بالحق عاملة فلم نمنع فرحة عاجلة. قال سليمان أخطأ كسرى من وجوه أحدها أن الإدمان إفراط والإفراط مذموم وآخر أنه حمل أن أمن السبل وعدل السيرة وعمارة الدنيا والعمل بالحق لم يوكل به الطرف الساهر ولم يحظ بالعناية التامة ولم يحفظ بالاهتمام الجالب لدوام النظام مع أنه متى كان كذلك دب إليها النقص والنقص باب الانتقاص مزيل للأصل مزعزع للدعامة وآخر أن الزمان أعز من أن يبذل كله للأكل والشرب والتلذذ والتمتع فإن في تكميل النفس الناطقة باكتساب الرشد لها وإبعاد الغي عنها ما يستوعب أضعاف العمر فكيف إذا كان العمر قصيرا وكان ما يدعو إليه الهوى كثيرا وآخر أنه ذهب عليه أن العامة والخاصة إذا وقفت على اشتهار الملك بالذات وانهماكه في طلب الشهوات ازدرته واستهانت به وجذبت عنه بأخلاق الخنازير وأخلاق الحمير. وما أحسن ما قال الأديب الفاضل أبو عبد الله محمد بن الرفا الرصافي من رصافة قرطبة رحمه الله تعالى وقد مر بروضة نزهة فتذكر جلوسه فيها مع رفقة له كانوا أعزاء على قلبه: سلى خميلتك الريا بآية ما ... كانت ترف بها ريحانة الأدب عن فتية نزلوا أعلى أسرتها ... عفت محاسنهم إلا من الكثب محافظين على العليا وربتما ... هزوا السجايا قليلا بابنة العنب حتى إذا ما قضوا من كأسها وطرا ... وضاحكوها إلى حد من الطرب راحوا رواحا وقد زيدت عمائمهم ... حلما ودارت على أبهى من الشهب لا يظهر السكر حالا من ذوائبهم ... إلا التفاف الصبا في السن العذب

ونقلت من خط سيدنا ومولانا الجناب المجدي فضل الله ابن المرحوم الصاحب فخر الدين بن مكانس هذه الرجوزة وسماها عمدة الحرفاء وقدوة الظرفاء من نظم والده سامحه الله تعالى: هل من فتى ظريف ... معاشر حريف يسمع من مقالي ... ما يبهر اللآلى أمنحه وصيته ... سارية سرية تنير في الدياجى ... كلمعة السراجى جالبة السراء ... جليلة الأنباء ماجنة خليعة ... بليغة مطبوعة رشيقة الألفاظ ... تسهل للحفاظ جادت بها القريحة ... في معرض النصيحة أنا الشفيق الناصح ... أنا المجد المازح اسلك الجماعة ... في طريق الخلاعة اجد للأكياس ... عهد أبي نواس أن تبتغي الكرامة ... وتطلب السلامة اسلك مع الناس الأدب ... تر من الدهر العجب لن لهم الخطابا ... واعتمد الآدابا تنل بها الطلابا ... وتسحر الألبابا البس حلا الخلاعة ... واخلع ردا الرقاعة ولا تطاول بنشب ... ولا تفاخر بنسب المرء ابن اليوم ... والعقل زين القوم ما أروض السياسة ... لحائز الرياسة إن شئت تلفى محاسنا ... فلا تقل قط أنا وإن أردت لا تهن ... إذا اؤتمنت لا تخن العز في الأمانة ... والكيس في الفطانة القصد باب البركة ... والخرق داعى الهلكة لا تغضب الجليسا ... لا تسخط الرئيسا لا تصحب الخسيسا ... لا توحش الأنيسا لا تكثر العتابا ... تنفر الأصحابا فكثرة المعاتبة ... تدعو إلى المجانبة وإن حللت مجلسا ... بين سراة رؤسا اقصد رضا الجماعة ... وكن غلام الطاعة داريهم باللطف ... واحذر وبال السخف لا تلفين كاذبا ... لا تهمل الملاعبا قرب الندامى يلجى ... للنرد والشطرنج واختصر السؤالا ... وقلل المقالا ولا تكن معربدا ... ولا بغيضا نكدا ولا تكن مقداما ... تسطو على المنداما لا تمسك الأقداحا ... تنغص الأفراحا لا تقطع الظرافة ... لا تشحذ السلافة لا تحمل الطعاما ... والنقل والمداما فذاك في الوليمة ... شناعة عظيمة لم يرتضيها آدمي ... غير وضيع عادم وقل من الكلامى ... ما لاق بالمدامى كرائق الأشعار ... وطيب الأخبار واترك كلام السفلة ... والنكتة المبتذلة وقالت الأكياسى ... إذا أريق الكاسى بادره بالمنديل ... في غاية العجيل فشملة الكرام ... سفنجة المدام وإن رقدت عندهم ... فلا تشاكل عبدهم فإن سلمت مرة ... فلا تعد يا عره لا تأمنن الثانية ... فإن تلك القاضية والدبدبون احذره حذر ... فإنه إحدى الكبر فيا لها من فضيحة ... ومحنة قبيحة فاعلها لا يكرم ... وإن دوى لا يرحم كم أسكن الترابا ... ذا قوة ذبابا وكم فتى من ذره ... أصبح مفضي الثقبة جازوه من جنس العمل ... وصار في الخلق مثل ليس له من أسى ... كمثل بعض الناس كفتة تلك شهرة ... ومثلة وعبرة إياك والتطفيلا ... وشامة الوبيلا تبالها من محنة ... وثلمة وهجنة لا تقرب الطاعة ... فإنها دلاعة ولا تكن مبذولا ... ولا تكن ملولا وإن دعاك الأخوة ... إلى ارتشاف القهوة فلا تصقع ذقنكا ... ولا تزرهم بابنكا ولا بجار الدار ... ولا بشخص طارئ ولا نجل تألفه ... ولا صديق تصدفه ولا تقل لمن تحب ... ضيف الكرام يصطحب فهذه أمثال ... غالبها محال سيرها الأغراب ... السادة السغاب قد وضعوها في الورى ... طرا بأولاد الخرا وإن حللت مشربه ... مع سوقه لا كتبه فأقلل من المدام ... في مجلس العوام فكثرة المجون ... نوع من الجنون والأمر فيه يحتمل ... وكل من شاء فعل وآخر الأمر الرضى ... وكل مفعول مضى

فعصبة العوام ... ضرب من الأنعام وإن صحبت تركى ... فاصبر لأكل السكك هذا إذا تلطفا ... ولم يكن فيه جفا وإن يكن ذا عربده ... ونزعة منكدة يقوم للجلوس ... بالسيف والدبوس أبشر بقتل القوم ... ونحس ذاك اليوم فاقبل كلامي واعتمد ... وصيتي واصل وفد ولا تخالف تندم ... ولا تعزز تعدم فالشؤم في اللجاج ... والحر لا يلاجى فهاكها وصية ... تصحبها التحية يحملها الكرام ... إليك والسلام الفصل الرابع في استهدائها واستدعاء الإخوان كتب ابن العميد إلى بعض أصحابه يستهديه خمرا قد اغتنمت الليلة أطال الله بقاء سيدي ومولاي رقدة عين الدهر وانتهزت فرصة من فرص العمر وانتظمت مع أصحابي كالثريا فإن لم تحفظ علينا ما نحن فيه من النظام بإهدائي المدام عدنا كبنات نعش والسلام. وقال جحظة البرمكي يستهدي نبيذا (توفي سنة ست وعشرين وثلاثمائة رحمه الله) : قد زارني اليوم نور عيني ... وكان بالأمس صدّ عني وليس عندي له نبيذ ... وليس يرضى بذاك مني فجد علينا بنصف دن ... بربع دن بثلث دنى لا تنكرن كدني وشحتي ... فإنني شاعر مغني حالا لو خافا مليكا ... إذا لكدي بكل فن وكتب عبد الرحيم بن أحمد القاريس خوى إلى أخيه الأكبر: بلغ جمال الدين عبد الواحد ... صدر الأنام الماجد بن الماجد برد الهوا زاد في قلبي الهوى ... فانعم علي بقلب ضد البارد وأنشدني الصاحب المرحوم فخر الدين بن مكانس من لفظه لنفسه: براح ورمان بعثت إليكم ... وبسر وتفاح تضوع كالند كما حليت بكر على الشرب ناهد ... مقمعة الأطراف قانية الخد الاستدعاء قال بعضهم: تفضل بحق الكأس والراح والهوى ... وترجيل أصداغ غدون على خد وكن غير مأمور جواب كتابنا ... ولا توحشنا بالتعلل والوعد ولآخر: جعلت فداك قد حضر الطعام ... وضجت من تأخرك المدام فإما جئتنا عجلا وإلا ... أخذنا في اغتيابك والسلام وكتب أحمد بن يوسف إلى صديق له هذا يوم رقت حواشيه وبدت تباشير الحبور فيه والمرء بأخيه كبير وبمساعدته جدير وأنت قطب السرور ونظام الأمور فلا تتأخر عنا فنقل ولا تتفرد منا فنذل. وقال عبيد الله بن طاهر (توفي سنة ثلاثمائة) : القدر قد هدرت والدن مبذول ... والروض قد رش والريحان مبلول وقرت العين قد جاءت بمزهرها ... يصيح في يدها والنائي مشغول ولا يتم لنا عيش ولا طرب ... حتى نراك فأنت القصد والمسئول وكل عيش بلا راح ومسمعة ... ولا نديم ولا أنس فتعليل يوم التلاق قصير كيف طال لنا ... وغيره فيه مع أبعاده طول وقال آخر نحن في مجلس قد أبت راحته أن تصفو أو تتناولها يمناك وأقسم غناءه لا طاب إن لم تعه أذناك فإما خدود تاريخه فقد احمرت خجلا لإبطائك وأما عيون نرجسه فقد حدقت تأميلا للقائك ونحن لغيبتك كعقد قد ذهبت واسطته وشباب قد أخذت حدته فإذا غابت شمس السماء عنا فلابد أن تدنو شمس الأرض منا فإن رأيت أن تحضر لتتصل الواسطة بالعقد ويحصل بقربك في جنة الخلد فكن إلينا أسرع من السهم إلى ممره والماء إلى مقره. وقال الوزير أبو القاسم بن السقاط يومنا أعزك الله يوم بقيت شمسه بقناع الغمام وذهبت طاسه بشعاع المدام ونحن في قطار الوسمى في رداء هدى ومن نضير النوار على نضائد النضار ومن نواسم الزهر في لطائم العطر ومن غرر الندمان بين زهر البستان ومن سقاة الكئوس ومعاطي المدام بين مشرقات الشموس وعواطي الأرام فرأيك في مصافحة الأقمار ومنافحة الأنوار واجتلاء غرر الظباء الجواري واتقاء درب الغناء الحجازي موفقا إن شاء الله تعالى. وقال محمد بن أبي محمد بن الفياض كاتب سيف الدولة بن حمدان وقد أجلتنا يومين وهذا ثالث وأعطيتنا عهدين وكنت الناكث فهل ابتدعت ما أتيت أو كان لك عليه باعث فيا قسيم روحي ويا نسيم صبوحي ها قد آن الغبوق إلا أنه يعز بمرشف شفتيك وكأس عينيك ووالله لا شربت إلا على آس عذارك وورد خديك فابرر قسمي ورد الجواب من فمك إلى فمي.

وقال القاضي السعيد بن سناء الملك وقد انتظمنا انتظام الجمان واجتمعنا على رغم أنف الزمان وعندنا فلان وما أدراك ما فلان تارة ينظر فيملأ علينا البيت سحرا وتارة يبسم فيفرق علينا درا. وقال أبو الوليد بن الحبان الشاطبي نحن في روض أغصانه الندماء وغمامته الصهباء فبالله غلا ما كنت لروض مجلسنا نسيما ولزهر حديثنا شميما وللجسم روحا وللطيب ريحا وبيننا عذراء زجاجتها خدرها وخبائها ثغرها بل شقيقة حوتها كمامه أو شمس حجبتها غمامة إذا طاف بها معصم الساقي فوردة على غصنها أو شربها مقهقهة فحمامة على فننها طافت علينا طوفان القمر على منازل الحلول فأنت وحياتك إكليلنا وقد آن حلولها في الإكليل. وقال بدر الدين بن صاحب وكتب بها إلى الصاحب فخر الدين ابن مكانس تغمدهما الله برحمته وسامحنا وإياهم بمحمد وآله هل لك بسط الله آمالك وضاعف نعيمك ودلاك في عذراء مصونة كالدرة المكنونة فتانة مفتونة كأن على خدها فوق ورده ياسمينة مخدرة تدهش العقول لمجتلاها وتغشى العيون لضوئها سناها مظلومة الريق في تشبيهها بالضرب وفي اللثات وفي أنيابها شنب لها من ذاتها طرب يغني عن المزامير بلقسية الجمال لها صرح ممرد من قوارير ضرة للشمس تلبس زي البدور ليلين ويرطب بها عيش السرور ليلها من حسنها نهار وضوء وجهها ليد لامسها سوار الاسم صبية الاستمتاع بكر تستخف الحليم بكشف القناع تعصبت بالدجى طيبا وتلثمت بالصباح وتلطفت حتى مازجت الأرواح كريمة الأصل والفعال حسنة المعاني والخصال أديمها كلما يعنق يغلو ووردها كلما مر بحلو يخلع الوقور في حبها العذار ويطيعها بالسعد فلك اللهو المدار ثملة المعاطف تقهقه قهقهة الرعونة كأنما خلقت نشوانة من الطينة يزداد ثغرها طيبا في ساعة السحر وتعرف عينها المخفية بحسن الأثر حديثها السحر الحلال وعتيقها خلع الدلال أيامها أعياد وأوقاتها أوقات القلوب والأكباد تطيب عيش الجلاس وتفرك أذن الوسواس من القاصرات الطرف في كل قصر وهي على الإطلاق مليحة ذهبية العصر رومية لها بالكيمياء معرفة مع أنها بإدراك المطالب متصفة فتارة تقلب الأحزان أفراحا ومرة تكتال لك الذهب أقداحا نديمها يجد في نفسه تخاييل المملكة ويكاد أن يمد على الدنيا من لؤلؤة حباتها شبكة قينة كأنما غنت الفلك فنقطتها بالنجوم قارية تخلقت بعد أن تقمصت ببياض الغيوم تجمع شمل الأحباب وتهذب الأخلاق الصعاب لو خالطها حبل لماس أو قابلها جماد لقيل أنه كاس أو قتلت ندمائها لما نسبت إلى إياس ولقال لسان حالهم وفيها منافع للناس وتلطف حتى كأن رائيها سامع يطيب ويطرب وحتى يكاد يأكل بالضمير ويشرب تغايرت الاستقصاءات على شكلها النوراني وما نفثت في خلقها الجثماني الروحاني فلم يجد الطير له فيها مدخلا لكن قنع منها بالتلطيخ تطفلا على أنه وارثها بالتعصب وقل جدها للأم بلا تثريب أنفاسها مسكيه وطبائعها برمكية ومكارمها خاتمية وأنسابها قيصرية بكر خاتم ربها وهي ترضع أباها من حلبها فتعيد الشيخ صبيا والمشغول خليا فكأنها استعارت الإرضاع من أمها التي لها ثدي كالنجوم عدة وتعلمت منها المكارم لما رأت أكفها بالندى ممتدة غانية طعم الحياة في ريقها وضيق الموت في مباينتها وتطليقها لا تنزل الحوادث ساحتها ولا يعرف التعب من صافح راحتها حمراء تخلع ثوبها على الندمان بل تكاد تطبق عينها على الإنسان لا ينهض البليغ بوصفها فالعجز عن إدراك لطفها إدراك لطفها. أخبرني الجناب المجدي سلمه الله تعالى أن والده أجاب عن هذه الرسالة جوابا مجزعا إلى الغاية وأن مسودتها عدمت. وقال أبو الحسين بن بسام ليستنهض همه نديم (توفي سنة ثلاث وثلاثمائة رحمه الله) : ألا بادر فلا تأن سوى ما ... عهدت الكأس والبدر التمام ولا يكسل برؤيته ضبابا ... يظن به الحديقة والمدام فإن الروض ملثم إلى ... أن توافيه فينحط اللثام وقال الشهابي الأعزازي من موشحة أولها (توفي سنة عشرة وسبعمائة) : (يوجد شعر) كأس رؤيه* جلا علينا النديم* أم سنا مصباح أم شمس حسن* قد توجتها النجوم* في سماء الأقداح ومنها: وأجاد لنا خليل ... نراه منذ ليالي (يوجد شعر) غائبا عنا*وماء الشمول ... لذيذه وهو سالي

أيش منا*قل يا رسول ... نائبا في ظلالي غيره: (يوجد شعر) دوحه غنى زبرجديه* ونم شادورنم* وبقايا راح ويوم دجن* وقد دعاك النديم* فأجب يا صاح وقال الحكيم شمس بن دانيال يداعب: شمس الدين قد أبطأت عنا ... لأمر قل لنا ماذا الجفاء وقلت اليوم بعد العصر تأتي ... وبعد العصر يأتينا الجزاء ونقلت من خط الصاحب المرحوم فخر الدين بن مكانس ما صورته كتبت إلى صاحبنا الأديب الفقيه العالم الحافظ الراوية أبي حفص سراج الدين عمر السكندري الشهير بالقوصي استدعبه وفيها بعض مداعبة: الحمد لله المجيب لمن دعاه: يا ذا الذي فكره مثل اسمه يقد ... فندت عنا وما من شأنك الفند بما اعتذارك عن هذا الصدود وما ... هذا وقد ضمنا بالحيرة البلد عافاك ربك من داء القطيعة بل ... شفاك من كل داء أمره نكد فيم التواني وشهر الصوم مقتبل ... عن خمرة ضوئها في الكأس يتقد وفتية مخلصين الود قد جلبوا ... على المحبة لا حقد ولا حسد إن ذاع وصفك في ناديهم طربوا ... أو جال ذكرك فيما بينهم سجدوا إن لم تشرف بناديهم فاشرفوا ... أو لم تنفق لهم آدابهم كسدوا لم ذا هجرت بنى الآداب فابد لنا ... فما اعتذارك لا أهل ولا ولد قد صرت توحشهم بعد أوان قربوا ... وكنت تؤنسهم قربا وإن بعدوا تركت عشرتهم لما رغبت إلى ... جاه طويل عريض زانه مدد ما هكذا تفعل الدنيا بصاحبها ... فالناس بالناس والإخوان تنتقد وبعد فاحضر فذنب العبد مغتفر ... ولو تطاول من هجرانك الأمد أولا فعصبة فسق كلهم سبق ... سود غلاظ شداد مالهم عدد لهم ايور قيام طول دهرهم ... من حين إدراكهم بالحسين ما رقدوا كأنهم من حديد جمعوا زبرا ... يستوثبون فلا يقواهم الأسد من كل اير تحك السحب هامته ... يهيج كالبحر إذ يبدو له زبد مرنفل مكهعر مغضب شرس ... لظهره جملونات بها عقد مسكرج الرأس في عرنينه شمم ... معشر الدوم في حلقومه غدد تلك الأيور تراهم في نكورهم ... كأنهم تحت فسطاط السما عمد ومن قرى رقعتي هذي وليس يرى ... عقبيه حاضرا لم يثنه أحد مولاي إني محب فاتخذ كلمي ... نصيحة فعليها الخل يعتمد يا در لنا فبنو الآداب كلهم ... تجمعوا من فجاج الأرض واحتشدوا وأنت أدرى بقوم إن قلوا سلقوا ... بألسن ما لقتلي حربها قود فأوعدوك وإن لم تأت نحوهم ... فكل منحر في الحال ما يعد لازلت ترقى على زهر النجوم علا ... ما حلت الريح أقوام وما رصد وكتب إليه يداعبه: يوم عليك سعيد ... يبدي الهنا ويعيد يا بحر علم خضم ... تأتي إليه الوفود يا ناقض الود يا من ... شوقي إليه يزيد ويا رقيق الحواشي ... ماذا الجفا والصدود يا جامع الشمل يا من ... بما لديه يجود قد غيرتك الليالي ... والجاه وهو شرود فكيف تبدي نفارا ... منا ونحن عبيد لم لا تتيه وتعلو ... على الورى وتسود وأنت خلفك قوم ... كل قوى شديد والناس شكوا وقالوا ... ما شاب منه الوليد والشعر فيك توالى ... طويله والمديد أصبحت كالبدر مراء ... وهو القريب البعيد يا أكثر الناس نحبا ... قل لي لماذا العقود وقد أتى الصوم فالمم ... بنا فقربك عيد واغتنم شفاءك واشرب ... فقد أتتك السعود واحضر إلينا إذا ما ... وافاك دن النضيد فعندنا أن تزرنا ... ما نشتهي ونريد راح وظبى وشاد ... يشجي الأنام وعود تزوج الماء بالراح ... والملاح شهود وأنت جوهر فضل ... به تحلى العقود لازال عزمك والر ... أي مفلح ورشيد يستخدم الدهر في ... ما تقره وتبيد أيامه خدم وبي ... ض والليالي سود وقال آخر نحن قوم من شيعة الخمر نحب العتيق قد فرضنا عنا يد الهم بسماع الوتر وأقمنا من ناصب الغم وعدك المنتظر. الفصل الخامس

فيمن وصفها من الشعراء الأعيان القول في الكرمة: الكرم أكرم الشجر جوهرا وأشرفها محتدا وعنصرا منافعها عظيمة وعوائدها جسيمة وثمرها يزهى على جميع الثمار طيبا ومنفعة ومواد الشرب فيما يستخرج منه مستجععة وينبغي أن يختار لها أرض معتدلة رطبة لا مفرطة الرخاوة ولا صلبة ولا يكثر سقيها فيصير ما يعصر منها رقيقا مائيا ولا يفرط في تعطيشها فيكون يابسا ناريا ويعتمد تزبيل أرضها باخثاء البقر فإنها حافظة لما استودعته دون غيرها من الشجر وألا يغرس ما يضادها في أقرب مواضعها ولا يلاصقها إلا ما يقاربها في طبائعها فيجتنب الدفلى والدلب والخروع وما يشاكلها وتجاور الورد والتفاح واللوز والخوخ وما يماثلها والتفاح أشبهها به. نكتة حسنة: قال أبو مسلم الخراساني صاحب الدعوة لسليمان بن كثير بلغني أنك كنت في مجلس قد جرى بين يديك فيه ذكرى فقلت اللهم سود وجهه واقطع عنقه واسقني من دمه فقال نعم قلته ونحن في الكرم الحصرم لما نظرت إليه فاستحسن قوله وعفا عنه لسداد جوابه. القول على ثمرها أجمع العجم والعرب على أن رأس الفاكهة التين والعنب لأنهما بهديان الخصب إلى الجسوم ونفذوا أنهما غذاء غير مذموم وعقيد العنب إذا طبخ نفع من بعض الخوانيق وقطع الرطوبات المضرة بالحلوق وقد ورد في الخبر المأثور ما هو عند أصحاب الحديث مشهور وهو كلوا الزبيب فإنه يطفئ الغضب ويذهب الوصب ويشد العصب ويرضى عن الرب، وأطيب العنب ما اخضر عوده وتسلسل عنقوده وتدفق ماؤه ورق لحاؤه وقل عجمه واستجلاه مستطعمه وأفضل الأشربة ما اتخذ منه وهو الخمر لما فيها من الفضائل ولما انفردت به من شريف الخصائل فالألسنة منبسطة بنشر محاسنها والمدايح مشوقة إليها من أفضل معادنها والنفوس بمحبتها كلفه والقلوب إلى ما تجتنيه منها متشوفة من اعتياد شربها لم يصبر عنها ومن لم يذقها ورآها دعاه نسيمها ولونها إلى الأخذ بحظ وافر منها وما أحسن قول ابن المعتز فيها: معتقة صاغ المزاج لرأسها ... أكاليل در ما لمنظومها سلك جرت حركات الدهر فوق سكونها ... فذابت كذوب التبر أخلصه السبك وأدرك منها الآخرون بقية ... من الروح في جسم أضر به النهاك وقد خفيت من صوفها فكأنها ... بقايا يقين كاد يذهبه الشك وقال القاضي الفاضل رحمة الله عليه: لها متن تصفو على الشرب أربع ... وواحدة لولا سماحتها تكفى سرور إلى القلب وتبر إلى يد ... ونور إلى عين وعطر إلى أنف ولما رأينا ياسمين حبابها ... مددنا يمين القطف قبل فم الرشف وقال مجير الدين بن عبد الظاهر: خمرة للشقيق أمست شقيقة ... بنت كرم بالمكرمات خليقة قال قوم من لطفها هي في الكأ ... س مجاز الكاس قالت حقيقة كيف تغدو عتيقة لدنان ... وهي في قبضة الندامى رقيقة أنتجت فرحة وجاءت بكاس ... صبغت حمرة فنعم العقيقة هي مخلوقة من الماء فاعجب ... كيف نار من مزنة مخلوقة كم تبدت بها معاني سرور ... بسوي الماء لم تكن مطروقة سلفتنا على العقول وقالت ... يتولى الجناب كتب الوثيقة حملت همنا فحمدا وشكرا ... لعجوز على بنيها شفوقة كم بكت بالدموع منها الرواوي ... ق وجاءت جيوبها مشقوقة أتراني أعصى إلهي فيها ثم ... أخشى من أن يقول الخليقة وما أحسن قوله ملغزا في شملة وإن لم يكن مما فيه لكن الشيء بالشيء يذكر بلوازمه ومشمولة رقت وراقت فأصبحت: على الشرب تزهى حين ... تهدى إلى الكاس معتقة ما شمست بعد عصرها ... لائم وكم فيها منافع للناس ولا عصرت يوما برجل ولا لها ... إذا ما أديرت من صعود إلى الرأس وقال ديك الجن عبد السلام بن رعبان الحمصي (مولده سنة إحدى وستين ومائة وتوفي سنة ست وثلاثين ومائتين) : بها غير معذور فداو خمارها ... وصل بعشيات الغبوق ابتكارها فقم أنت واحتث كأسها غير صاغر ... ولا تشق إلا خمرها وعقادها فقام يكاد الكأس تحرق كفه ... من الشمس أو من وجنتيه استعارها ظللنا بأيدينا نتعتع روحها ... فيأخذ من أقدامنا الراح ثارها موردة من كف ظبي كأنما ... تناولها من خده فأدارها

قلت: أحسن ما ضمن هذا العجز الشيخ بدر الدين حسن العربي الشهير بالزعارى: وبي سامري مربى في عمامة ... قد اكتسب من وجنتيها احمرارها موردة دارت بوجه كأنما ... تناولها من خده فأدارها وقال مجير الدين بن تميم مضمنا: لو كنت شاهدنا وقد جليت لنا ... في كأسها لما انتشى الندماء لرأيت أحسن ما يرى بزجاجة ... سال النضار بها وقام الماء وقال صدر الدين بن غنوم: قم نفترغ بكر المدامة بكرة ... في روضة حسنت وراقت منظرا فالراح سيف قاطع لهمومنا ... أوما تراه بالحباب مجوهرا وقال شرف الدين راجح الحلى: أعجب شيء رأته عيني ... ما بين عود وحقق نائي زحف سرور بجيش هم ... وقتل خمر بسيف مائي وقال محيي الدين المغربي حافى رأسه (مولده سنة خمس وثمانين وستمائة، وتوفي سنة اثنتين وستين وسبعمائة) : لم يتدر بدر الحباب بكأسها ... إلا لصيد بلابل الأرواح مزحت فأنجزت الذي وعدت به ... من نفخ روح الهوى في الأشباح وقال الناشئ: صفت وأحداق نورها بزجاجها ... فكأنما جعلت إناء إنائها وتكاد أن مزجت لرقة لونها ... تمتاز عند مزاجها من مائها تزداد من كرم الطباع بقدر ما ... تؤدي به الأزمان من أحزانها وقال البديع الهمذاني قال ابن خلكان (كانت وفاته سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة مسموما بمدينة هراه) : وفتيان كأقران الثريا ... على طرق من العيش الرخيم بساقيهم من الغزلان أحوى ... كأن بطرفه داء الظليم تنادوا للمدام وعنفوني ... وقالوا هاك حظك من نعيم فقلت أخاف عقباها ولكن ... أشيعكم إلى باب الجحيم وقال أبو تمام الطائي (توفي سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة) وفي وفاته ثلاثة أقاويل: بمدامة تعدو المنا لكئوسها ... حولا على السراء والضراء راح إذا ما الراح كن مطيعا ... كانت مطايا الشوق في الأحشاء صعبت وراض المزج يبنى خلقها ... فتعلمت من سنن خلق الماء حرقاء تلعب بالعقول حبابها ... كتلعب الأفيال بالأسماء وضعيفة فإذا أصابت فرصة ... فبكت كذلك قدرة الضعفاء وقال أبو الحسن على بن موسى الغرناطي ضمني وأبا يحيى الكاتب مجلس أنس فتذاكرنا ما قيل في معاقرة الشراب في المشيب فأنشدني لنفسه: لاموا على حب الصبا والكاسى ... لا بدا زهر المشيب براسي والغصن أحوج ما يكون لشربه ... أيان يبدو بالأزاهر كاسي ثم قال هل سمعت في هذا المعنى شيئا لغيري فقلت لا ثم أعلمت حتى عملت فيه وهو معنى غريب قلت: يلومونني عن شبت في الخمر صلة ... وإنني إذا وافى المشيب بها أحق إذا شاب رأس الليل بالفجر قريب ... له كئوس الصباء من خمرة الشفق آخر: صب في الكاسى عقيق فجرى ... وطفا الدر عليه فسبح نصب الساقي على حافاتها ... شبك الفضة فاصطاد الفرح وقال أبو نواس رحمه الله عليه: يطوف بها ساق أغن يرى له ... على مستدار الأذان صدغا معقربا إذا عب فيها شارب القرم خلته ... يقبل في داج من الليل كوكبا وقال ابن المعتز رحمة الله عليه: قد أظلم الليل يا نديمي ... فاقدح لنا النار بالمدام كأننا والورى رقود ... نقبل الشمس في الظلام وقال ابن حمديس المصنفلي رحمة الله عليه: قم هاتها من كف ذات الوشاح ... فقد نعى الليل بسير الصباح من قبل أن ترشف شمس الضحى ... ريق الغوادي من ثغور الأقاح وقال ابن رشد رحمة الله عليه أيضا: خليل النفس لا تخلى الزجاجا ... إذا بحر الدجى في الجو ماجا مشعشعة كأن الشمس ألقت ... على أيدي السقاة به محاجا إذا مريخها اتقد احمرارا ... سكبن المشتري فيه مزاجا وقال ابن حجاج رحمة الله عليه: ويحكم يا كهول أو شيوخ الفس ... ق أو يا معاشر الفتيان اشربوها خمرا مما اقتناها ... آل دير الفنون للقربان بكئوس كأنها ورق النس ... رين فيها شقائق النعمان اشربوها وكل إثم عليكم ... إن شربتم بالرطل في ميزان

في ليال لو أنها دفعتني ... وسط ظهري وقعت في رمضان وقال ابن سيناء الملك: الكاس لم تذنب فكيف حاسبتها ... أوحشتها من طول ما أنسيتها لا بل هممت بشربها ورأيتها ... ألقت عليك شعاعها فلبستها وقال وجيه الدين بن الدروي: يفيض على كسرى غلالة قهوة ... ويسلمه عمدا الراحة سالب ونص على دين المجوس لهيبها ... فشق الدجى عن صدره مسبح راهب وقال القاضي الفاضل رحمه الله: يلوح عليها خجلة إذ أدارها ... فمن عرق يبدو الحباب لذي المزج أتاني بها والصبح من تحت ذيله ... كما استل سيف أو كما ابتسم الربجى حبيب كأن كأسه من صبابتي ... فظاهرها برد يزر على وهجي وقال أبو نواس رحمة الله عليه: وخمار الحب عليه ليلا ... قلائص قد تعبن من السفار 3فترحم والكرى في مقلتيه ... كمخمور شكى ألم الخمارى أين لي كيف سرت إلى حريمي ... وجفن الليل مكتحل نفار فقلت له ترفق بي فإني ... رأيت الصبح في خلل الديار فكان جوابه إن قال كلا ... وهل صبح سوى ضوء العقار وقام إلى الدنان فسد فاها ... فعاد والليل منسدل الأزار وقال آخر: جلوها على الندمان فاحمر وجهها ... بخجلتها عند البروز من الخدر وألقوا عليها الماء فاصفر لونها ... وتحسن عند الملتقى وجل البكر وقال يزيد بن معاوية: لي وله إذا الكاسات دارت ... رقا سحرا بحل عرى الهموم محادثة ألذ من الأماني ... وأبث جوى أرق من النسيم وقال البحتري رحمة الله عليه: تخفي الزجاجة لونها فكأنها ... في الكف قائمة بغير إناء ولها نسيم كالرياض تنفست ... في أوجه الأرواح والإبداء وفواقع مثل الدموع تحدرت ... في صحن خد الكاعب الحسناء وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي ملغزا في مدام: وما شيء حشاه فيه داء ... وأوله وآخره سواء إذا مازال آخره فجمع ... يكون الحد فيه والمضاء وإن أهملت أوله ففعل ... له بالرفع والنصب اعتناء وله: حببناها مشعشعة تلألأ ... وثوب الليل فضفاض الذيول فنحسبها إذا الساقي جلاها ... تفتش بالسراج على العقول ولآخر: أدير بلحيتي البيضاء كأسي ... بكيس زائد مني وفطنه ألم يرني وعفو الله راج ... ومن شرهي أصفيها بقطنه وقال الشيخ يحيى الخبان (توفي سنة سبعين وسبعمائة) : بعيشك هاتها حمراء صرفا ... صباحا واطرح قول النصوح فهذي الشمس قد بزغت بعين ... تغامزنا على شرب الصبوح وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة: مورد الخد أدار الطلا ... فقال لي في حبها عاتبي عن أحمر المشروب ما تنتهي ... قلت ولا عن أخضر الشارب وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي: قم هاتها في الظلام صافية ... تورث جسمي وقبضتي بسطه أضحت عليها الأفراح دائرة ... يا صدق من قال أنها نقطة وقال المرحوم فخر الدين بن مكانس: للراح بالكيميا شبه فإن لها ... للقلب والرأس تقطيرا وتصعيدا قالوا هي الشمس إشراقا وقد جهلوا ... وما ذاك إلا شعاع الشمس معقودا وقال بدر الدين بن الصاحب: يا حابس الكاس لا تزدها ... من بعد حبس الدنان حسره واغتنم مزاجا لها لطيفا ... يورثه الانتظار صفره وقال من لفظه لنفسه سيدنا القاضي بدر الدين محمد بن الدماميني: قم بنا نركب طر ... ف اللهو سبقا للمدام وأثنى يا صاح عناني ... للكميت وللجامي وللشيخ شهاب الدين بن حجر أبقاه الله تعالى لنفسه الكريمة: أطيل الملال لمن لامني ... وأملأ في الروض كأس الطلا وأهوى الملاهي وطيب الملا ... ذ فها أنا منهمك في الملأ ومن لفظه لنفسه الكريمة الجناب المجدي بن مكانس: نزل الطل بكرة ... ونوالي تجددا والندامى تجمعوا ... فأجلى كاسي على الندا وقال شهاب الدين بن أبي حجلة: أمعطل الكاسات عن عشاقها ... يكفيك بالتعطيل عيب عائبا ذهبت كئوسك بالمدام فقد أرى ... للناس فيما يعشقون مذاهبا

فمتى سلكت من الهموم مهالكا ... صادفت في فتح الدنان مطالبا ومتى امتطيت من الكئوس كميتها ... أمسيت تمشي في المسرة راكبا ومتى طرقت عشى أنس ديرها ... لم تلق إلا راغبا أو راهبا وقال الشيخ عز الدين الموصلي لنفسه تغمده الله برحمته: لأن شبه الساقي المداد بعسجد ... فقد مال بالتشبيه عن صنعة الأدب ولكن رآها جوهرا سميت طلا ... فموّه لما حلت الكاس بالذهب ونقلت من خط الشيخ بدر الدين البشتكي لنفسه: وخمار هدينا في الدياجى ... بجذوة كأسه وسنا النديم سألنا منه عن خمر حديثنا ... فأخبرنا عن العصر القديم قلت: وعلى ذكر الحديث قال أبو بكر بن عياش كنت وسفيان الثوري وشريك نمشي بين الحيرة والكوفة فرأينا شيخا أبيض الرأس واللحية حسن السمت فقلنا هذا شيخ جليل قد سمع الحديث ورأى الناس وكان سفيان أطلبنا للحديث وأشدنا بحثا وأعلمنا به وأحفظنا له فتقدم إلى الشيخ وسلم عليه ثم قال له أعندك شيء من الحديث فقال له أما الحديث فلا ولكن عندي عتيق سنين قال فنظرنا فإذا الشيخ خمار. نادرة: قيل لخالد بن صفوان أتمل الحديث قال إنما العتيق يمل. رجوع. وقال المرحوم فخر الدين بن مكانس: من شرطنا إن أسكرتنا الطلا ... صرفا تداوينا بشرب اللما نعاف مزج الماء في كأسها ... لا آخذ الله السكارى بما وقال بدر الدين بن الصاحب: يأيها العاصر بادر إلى ... عنقودك الفاخر في كرمه إياك أن تتركه ساعة ... تزبب النحس على أمه وقال مجير الدين بن تميم: وليلة بت اسقي في غياهبها ... راحا تسل شبابي من يد الهرم مازلت أشربها حتى نظرت إلى ... غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم ولما تمثلت في أواخر سنة خمس وتسعين وسبعمائة بين يدي سيدنا ومولانا أوحد العصر من غير مدافع ولا منازع أقضى القضاة بدر الدين محمد بن أبي بكر المخزومي الشهير بالدماميني أسبغ الله ظلاله تذاكرنا بين يديه الكريمة الكتب وحسن أسمائها فأخبرنا أنه في زمن الصبا جمع مقاطيع من الخمريات وسماها مقاطع الشرب تأمل ما ألطف هذه التسمية. القصائد قال الشيخ العالم المفنن البارع صدر الدين محمد بن المرحل ويعرف في الشأم بابن وكيل بيت المال تغمده الله بالرحمة (مولده سنة خمس وستين وستمائة ووفاته سنة ست عشرة وسبعمائة رحمه الله تعالى) : ليذهبوا في ملامى أية ذهب ... في الخمر لا فضة تبقى ولا ذهب لا تأسفن على مال تمزقه ... أيدي سقاة الطلا والخرد العرب والمال أجمل وجه فيه تصرفه ... وجه جميل وراح في الدجى لهب فما كسوا راحتي من راحها حللا ... إلا وعرّوا فؤادي الهم واستلبوا راح بها راحتي في راحتي حصلت ... فنمى عجبي بها وازداد بي العجب إذ ينبع الدر حلو من مذاقته ... والتبر منسبك في الكأس منسكب وليست الكيمياء في غيرها وجدت ... وكل ما قيل في أبوابها كذب قيراط خمر على القنطار من حزن ... يعيد ذلك أفراحا وينقلب عناصر أربع في الكأس قد جمعت ... وفوقها الفلك السيار والشهب ماء ونار وهواء أرضها قدح ... وطوقها فلك والأنجم الحبب ما الكاس عندي بأطراف الأنامل بل ... بالخمس تقبض لا يخلو لها الهرب شججت بالماء منها الرأس موضحة ... فحين أعقلها بالخمس لا عجب وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي لو لم يقل الشيخ صدر الدين من الشعر إلا هذا البيت لكان قد أتى بشيء غريب نهاية في البديع لقد غاص فيه عل المعنى ودق تحيله فيه: وما تركت بها الخمس التي وجبت ... وإن رأوا تركها من بعض ما يجب وإن أقطب وجهي حين تبسم لي ... فعند بسط الموالي يحسن الأدب هذا البيت أيضاً بديع المعنى دقيقه وقد اعتذر عن اقتضابه بأحسن عذر وأوضحه وما أحسن قول ابن رشيق: أحب أخي وإن أعرضت عنه ... وأقل على سامعه كلامي ولي في وجهه تقطيب راض ... كما قطبت في وجهه المدام وتتمة الأبيات: عاطيتها من بنات الترك عاطية ... لحاظها للأسود الغلب قد غلبوا هيفاء جارية للراح ساقية ... من فوق ساقية تجري وتنسكب

من وجهها وتثنيها ومقلتها ... تخشى الأهلة والقضبان والقضب يا قلب أرادفها مهما مررت بها ... قف بي عليها وقل لي هذه الكتب وإن مررت بشعر فوق قامتها ... بالله قل لي كيف البان والعذب لكن تريك وجنتها ما في زجاجتها ... مذاقته للريق تنتسب تحكي الثنايا التي أبدته من حبب ... لقد حكيت ولكن فاتك الشنب وقال الشيخ جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة المصري: قضى وما أقضيت منكم لبانات ... متيم عبثت فيه الصبابات ما فاض من جفنه يوم الرحيل دم ... إلا وفي قلبه منكم جراحات أحبابنا كل عضو في محبتكم ... كليم وجد فهل للوصل ميقات غبتم فغابت مسرات النفوس فلا ... أنتم زعمى ولا تلك المسرات يا حبذا في الصبا عن حبكم خبر ... وفي بروق الفضا منكم إشارات وحبذا زمن اللهو الذي انقرضت ... أوقاته الغر والأعوام ساعات أيام ما شعر البين المبيت بنا ... ولا خلت من مغاني الأنس أبيات حيث المنازل روضات مدبجة ... وحيث جاراتها غيد وقينات وحيث لي بديار اللهو سلطنة ... ولي على ثغر من أهوى ولايات وحيث أسعى لأوطان الصبا مرحا ... ولي على حكم من أهوى ولايات ورب حانة خمار طرقت وما ... حانت ولا طرقت للقصف حانات سبقت قاصدا مغناها وكنت فتى ... إلى المدام له بالسبق عادات أعثو إلى ديارها الأقصى وقد لمعت ... تحت الدجى فكأن الدير مشبكات وأكشف الحجب عنها وهي صافية ... لم يبق في دنها إلا صبابات راح زحفت على جيش الهموم بها ... حتى كأن سنا الأكواب رايات وبت أجلو على الندمان رونقها ... حتى لقد أصبحوا من قبل ما باتوا مصونة السرح ماتت دون غايتها ... حاجات قوم وللحاجات أوقات تجول حول أوانيها أشعتها ... كأنما هي للكاسات كاسات ويصبح الشرب صرعى دون مجالسها ... وهي الحياة كأن الشرب أموات تذكرت عند قوم دوس أرجلهم ... فاسترجعت من روث القوم تارات واستضحكت فلها في كل ناحية ... هبات حسن وفي الإناء هبات كأنها في أكف الطائفين بها ... نار تطوف بها في الأرض جنات من كل أغيد في دينار وجنته ... توزعت من قلوب الناس حبات مبلبل الصدغ طوع الوصل منعطف ... كأن أصداغه للعطف واوات ترنحت وهي في كفيه من طرب ... حتى لقد رقصت تلك الزجاجات وقمت أشرب من فيه وخمرته ... شربا تشن به العقل غارات وينزل اللثم خديه فينشدها ... هي المنازل لي فيها علامات وقال الأديب الفاضل الكامل أبو الفتح بن قلاقس السكندري: الحق بنفسج فجرى وردتي شفق ... كافورة الصبح فتتت مسكة الغسق قم هات جامك شمسا عند مصطبح ... وخل كأسك نجما عند مغتبق وأقسم لكل زمان ما يليق به ... فإن للزند حليا ليس للعنق هب النسيم وهب الريم فاشتركا ... في نفحة من نسيم المندل العبق واسترقصني كاسترقاص حاملها ... مخضرة الورق في محضلة الورق وظلت بالكأس أغنى الناس كلهم ... فالخمر من عسجد والكاس من ورق وقال الشيخ الفاضل الكامل برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن محمد المعروف بالقيراطي رحمة الله عليه: قسماً بروضة خده ونباتها ... وياسها المخضر في جنباتها وبسورة الحسن التي في خده ... كتب العذار بخطة آياتها وبقامة كالغصن إلا أنني ... لم أجن غير الصد من ثمراتها لا عزرن غصون بان زورت ... أعطافه بالقطع من عذباتها ولا صبحن للذى متيقظاً ... ما دامت الأيام في غفلاتها وأبا كرنَّ رياض وجنته التي ... ما زهرة الدنيا سوى زهراتها كم ليلة نادمت بدر سمائها ... والشمس تشرق في أكف سقاتها وجرت بنادهم الليالي للصبا ... وكؤوسنا غرر على جبهاتها فصرفت ديناري على دينارها ... وقضيت أعوامي على ساعاتها خالفت في الصهباء كل مقلد ... وسعيت مجتهداً من نفحاتها فشممتها ورأيتها ولمستها ... وشربتها وسمت حسن صفاتها

وتبعت كل مطاوع لا يختشى ... عند ارتكاب ذنوبه تبعاتها يأتي إلى اللذات من أبوابها ... ويحج للصهباء من ميقاتها عرف المدام بجنسها وبنوعها ... وبفصلها وصفاتها وذواتها يا صاح قد نطق المزار مؤذنا ... أيليق بالأوتار طول سكاتها فخذ ارتفاع الشمس من أقداحنا ... وأقم صلاة اللهو في أوقاتها إن كان عندك يا شراب بقية ... مما تزال بع العقول فهاتها الخمر من أسمائها والدر من ... تيجانها والمسك من نسماتها وإذ العقود من الحباب تنظمت ... إياك والتفريط في حباتها وقال الصاحب العالم المفنن فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس: خليلي هيا للصبوح وبكرا ... وحثا لهوها تحمد السرا ولا تركبا الليل البهيم اركبا مدا ... ما كميتا أو ن الصبح أشقرا وصيدانيات بنات الكرم من دنها ... فإن أوان راحها عندي القرا إذا ما أديرت في حشا عسجدية ... بها كل ذي ملك وتاج تصورا فحسبك نبلا في السيادة أن ترى ... نديمك في الكاسات كسرى وقيصرا مدام حوت معنى السرور أفرطت ... فمنها سرى فيها السرور وأثرا لذلك قد تزهى بوجه مخلق ... وجللها ثوب النعيم مزعفرا إذا ضرجتها تحت حبابها ... تخال لبها في الكاس سيفا مجوهرا وبرهانه ذبح الهموم ألا ترى ... على جانبها ذلك الدم أحمرا وقال الأديب الفاضل الكامل فخر الترك أيدمر المجنوى من قصيدة مطولة تقدمت أوائلها في باب الروضات والبساتين: وسلافة باكرتها في فتية ... من مثلها خلق لهم وتخلق شربت كثافتها الدهور فما ترى ... في الكأس إلا جذوة تتألق يسعى بها ساق يهيج به الهوى ... وترى سبيل العشق من لا يعشق تتنادم الألحاظ منه على سنا ... خد تكاد العين فيه تغرق راق العيون غضاضة وغضارة ... فهو الجديد ورق فهو معتق ورنا كما لمع الحسام المست ... ضيء ومشى كما اهتز القضيب المورق وأظللنا في فرعه وجبينه ... ليل تألق فيه صبح مشرق وكأن مقلته تردد لفظه ... لتقولها لكنها لا تنطق وإذا العيون تجمعت في وجهه ... فاعلم بأن قلوبنا تتفرق وقال الشيخ الفاضل الكامل كمال الدين على بن النبيه: طاب الصبوح لنا فهاك وهات ... واشرب هنيئاً يا أخا اللذات كم ذا التواني والشباب مطاوع ... والدهر سمح من الكاسات قم فاصطبح من شمس كأسك واغتبق ... بكواكب طلعت من الكاسات صفراء صافية توقد بردها ... فعجبت للنيران في الجنات ينسل من قار الظروف حبابها ... وادر مجتلب من الظلمات وتريك خيط الصبح مفتولا إذا ... صبت من الروواق في الكاسات عذراء واقعها المزاج أما ترى ... منديل عذرتها بكف سقات يسعى بها عبل الروادف أهيف ... خنث الشمائل شاطر الحركات يهوى فتسبقه ذوائب شعره ... ملتفة كأسود الحيات يدري منازل نيران كئوسه ... ما بين منصرف وآخر آت وقال الأديب الفاضل الأوحد أمين الدين جوبان القواس: إذا افتر جنح الليل عن مبسم الفجر ... ولاح به ثغر من الأنجم الزهر وفاحت لنا من عابق لروض نكهة ... رشفنا به برد الرضاب من الخمر وعهدي بوجه الأرض مبتسماً فلم ... يغرغر منها الدمع في مقل القدر إذا أرجف الماء النسيم لوقته ... كساه شعاع الشمس درعا من التبر وبحر الرياض الخضر بالزهر مزبد ... كأنما في فلك مجلسنا نسر ومن شهب الكاسات بالنجم نهتدي ... إذا ظل سار العقل في لجة السكر نصون الحميا بالقناني وإنما ... نصون القناني بالحميا وما ندر ولما حكى الروواق في العين شكله ... وقد علق العنقود في سالف الدهر تذكر عهد بالكروم فكله ... عيون على أيام عهد الصبا تجري عجبت لها والراح تبكي به فلم ... غدت بحباب الكأس باسمة الثغر إذا ما أتاني كأسها غير مترع ... تحققت عين الشمس في هالة البدر يناولينها مخطف الخصر أهيف ... فلله ذاك الأهيف المخطف الخصر

ينادمنا نظما ونثرا ولفظة ... ومبسمه يغني عن النظم والنثر فلم يسقني كأس المدامة دون أن ... سقاني بعينه كئوساً من الخمر وناجوز ثم انثنى غصن بانة ... وعن مها لما تبسم عن در وقال وفرط السكر يثنى لسانه ... إلى غير ما يرضى التقى وهو لا يدري ردوا من رضابي ما يعيض عن الطلى ... إذا كان وجهي فيه غنى عن الزهر ومن كان لا تحوى زراعاه مئزري ... دون الذي تحوى أنامله خصري وقال الشيخ الإمام الفاضل البارع صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلى رحمه الله: أراد التبر ف كأس اللجين ... رشاً بالراح مخضوب اليدين وطاف على الصاحب بكأس راح ... فطافت مقلتاه بآخرين رخيم من بني الأتراك طفل ... يجاذب خصره جبلى حنين يبدل نطقه ضادا بدال ... ويشر عجمه قافا بغين إذا يحلو الحميا والمحيا ... شهدنا الجمع بين النيرين يطوف على الرفاق من الحميا ... ومن خمر الرضاب بمسكرين وآخر من بني الأعراب حفت ... جيوش الحسن منه بعارضين إلى عينيه تنتسب المنايا ... كما انتسب الرماح إلى ردين يلاحظ سوسن الخدين منه ... فبدلها الحياء بوردتين ومجلسنا الأنيق تضيء فيه ... أواني الر اح من ورق وعين فأطلقنا فم الإبريق فيه ... وبات الزق مغلول اليدين وشمعنا شبيه سنان تبر ... تركب في قناة لجين وقهوتنا شبيه شواظ نار ... توقد في أكف الشاقين إذا ملء الزجاج بها وطارت ... حواشي نورها في المشرقين عجبت لبدر صار شمسا ... يحف من السقاة بكوكبين وله: بدت لنا الراح في تاج من الحبب ... فحرقت حلة الظلماء باللهب بكر إذا زوجت بالماء أولادها ... أطفال در على مهد من الذهب بعيدة العهد بالمعصار لو نطقت ... لحدثتنا بما في سالف الحقب باكرتها في رفاق قد زهت بهم ... قبل السلاف سلاف العلم والأدب بكل متشح بالفضل مئتزر ... كأن في لفظه ضرب من الطرب بل رب ليل غدا في الإهاب غدت ... تضيء كئوس الراح كالشهب بدلت عقلي صدافا حين بت به ... أزوج ابن سحاب بابنة العنب بتنا بكاساتها صرعى ومطربنا ... يعيد أرواحنا من مبدء الطرب بعث أتانا فلم نعلم لفرحتنا ... من نفحة الصوارم من نفحة القضب بروضة ظل فيها الظل أدمعه ... والزهر مبتسم عن ثغره الشنب بكت عليه أساليب الحيا فغدا ... خذلان يرفل في أثوابه القشب بسط من الروض قد حاكت مطالارفها ... يد الربيع وجادتها يد السحب وقال الوأواء الدمشقي رحمه الله تعالى: أسقياني ذبيحة الماء في الكأ ... س وكفا عن شرب ما تسقياني أنني قد آمنت بالأمس إذ مت ... ت بأني أموت بكرة ثاني قهوة تطرد الهموم إذا ما ... سكنت في مواطن الأحزان نثرت راحة المزاج عليها ... حدقا ما تدو في أجفان فهي تجرى من اللطافة في الأر ... واح مجرى الأرواح في الأبدان يتهادى بكأسها من هداياه ... ظني من ظرائف الأشجان آنها الرايح الذي راحتا ... هـ بخضاب الكئوس مخضويتان عج بضحك الأقداح في رهج القص ... ف إذا ما بكت عليها القناني واسقني القهوة التي تنبت الور ... د إذا شئت في خدود الغواني لا تدغدغ صدر المدام بأيدي المز ... ج ما دغدغت صدور المثان وقال أبو الفتوج بن قاقس_رحمه الله: كم ملة للشقيق الغض رمداء ... أنسانها سايح في بحر دمع أنداء كم ثغور اقاح في مراشفها ... رضاب طائفة بالرى وطفاء فما اعتذارك من عذراء جامحة ... لانت كما لامستها راحة الماء نضت عليها حسام المزج فامتنعت ... بلامة للجباب الجم حصدائي أما ترى الصبح يخفى في دجنته ... كأنما هو سقط بين أحشائي والطير في عذابات الدوح ساجعة ... تطابق اللحن بين العود والناء فحى بالكأس كسرى تحيي رمته ... بروح راح سرت في جسم سراء وعذ بمعجزت آيات المدامة من ... نوافث السحر في أجفان حوراء

فما الفصاحة إلا ما تكرره ... منازل الدن من ترجيع فأفاء فاعكف على جلس اللذات مغتنما ... فالدهر في حربه تلوين حرباء قيل: أتى عبد الملك بن مروان فقال له ماذا شربت فقال: معتقة كانت قريش تعافها ... فلما استحلوا قتل عثمان حلت فقال مع من؟ فقال: سقوني مع الشعرى بكأس روية ... وأخرى من الجوزاء لما استقلت قال فما غنيت؟ فقال: سقوني وقلوا لا تغن فلوا سقوا ... جبال حنين ما سقوني لغنت فعفى عنه وأطلق سبيله. ومن كلام الشيخ برهان الدين القيراطي: يوم أنيق وغيم دفيق، وروض إذا سلسل ماؤه المطلق تهلل وجهه الطليق، فإذا دعى الندامى فيه بالصبوح- جاءت قنية في يدها إبريق، وإذا انحرت السقاة فيه دماء الرقاق صارت أيامهم كلها أيام تشريق، وإذا خاط منم الشرب سرور وغار من أوجه المسك الفتيق. قلت: قوله أيان التشريق مأخوذ من قول أبي الحسن الجزار يفتخر: إنى لمن معشر سفك الدما لهم دأب ... وسل عنهم إن رمت تصديق تضيء بالدم إشراقا عراصهم ... فكل أيامهم أيام تشريق وقال برهان الدين القيراطي أيضاً: زوج الماء براحك ... وأجلها بين ملاحك اتعطل يوم لهو ... من صبوة في صباحك وإذا خفت افتضاحا ... كل عيس في افتضاحك أو ترى فيها جناحا ... قم ودعني من جناحك وصل اليوم اغتباقا ... من كئوس باصطباحك صاح هذا وقت راحى ... واقتراحي واقتراحك فاطرح من لام جهلا ... في اطراحى والطرحك وقل شهاب الدين أحمد لن أبي جحلة هذه الأبيات تحبب في الحبب وتقلب إكسير راحها لجين الزجاج إلى الذهب قد امتزجت بالقلوب امتزاج الماء بالراح ولم يفتح بمثلها على صاحب الفرح، كم رقصت على سماعها الأحبة ونقط الحبيب دينارها من خده وشامته بدينار بقيراط وحبه. وقال الشيخ بدر الدين البشتكي أبقاه الله تعالى: أقول كلما والله نظرت إلى هذه الأبيات، والكلمات الحجيلات، أكاد أسكر بلا راح، وأطير من الأدب بلا جناح. هذه عبارة الشيخ بدر الدين ومن خطة نقلت. قلت: ولو قال بدر الدين وأطير من الأدب وأطبر من الفرح لكان أحسن فتأمله. وأنشد عن لفظة لنفسه سيدنا القاضي المفنن البارع صدر الدين على بن سيدنا ومولانا القاضي أمي الدين بن الآدمي سلمه الله تعالى وقلتها من خطه: سبح القمرى في الدوح وغرد ... فحسبنا إن في الروضة معبد والند فاض على زهر الربا ... فسرت بين الندامى نفحة الند إنما الزهر ثغور فتحت ... باسمات بحميل المزن لما يتأود من يدي ظبي عزيزي أهيف ... مخطف الخصر رقيق مايس القد كامل الأوصاف لكن ثغره ... ولما ريقه حلو مبرد جامع الحسن لوصل مانع ... طرفه الهندي قد بالغ في الحد ضيق العين إذا ما سمته ... قبلة سل من اللحظ مهند وحمى فاه بلحظ فاتر ... فهو تركي على الثغر مجرد يا له من عجب في لحظه ... سكر العشاق منه وهو عربد لينت أعطفه الخمرة لى ... فأعادت أسد الخلية أغيد بنت كرم عشقوها زمنا ... طال حتى إنه لم يحص بالعد تسلب العقل من الرأس كما ... سلبت قدم من الكرمة باليد قل لساقينا إذا طاف بها ... سحرا بين الندامى يتردد أترع الكأس وأسرع واغتنم ... جمع شمل واختش أن يتبدد ما تر الأنجم كانت زمرا ... لم يدع ذا الصبح منها غير فرقد فهي مثلى حين غابت سادتي ... عن عياني بعد جمع صرت مفرد قلت: وإذ ذكرنا مدحها أيضاً وأوسعنا المجال في ذلك فلا بأس بإيراد نبذة من ذمها في الحديث المرفوع جمع الشر كله في بيت وجعل متاحه الخمر، وفي كتاب المبهيج الخمر مصباح السرورو ولكنه مفتاح الشرور. وقيل لبعضهم تركت النبيذ وهو رسول إلى القلب فقال نعم ولكنه بئس الرسول يبعث إلى القلب فيذهب إلى الرأس. وكان العباس بن علي عم المنصور يأخذ الكأس بيده يقول لها: أما المال فتتلفين وأما المروءة فتخلفين وأما الدين فتفسدين فيسكر ساعة ثم يقول أما النفس فتسخنين وأما القلب فتشجعين وأما الهم فتطردين أفناك متى تقتلين ويشربها. قيل لأعرابي لم لا تشرب النبيذ قال لا أشرب عقلى.

وقبل لبعضهم لم لا تشرب فقال عقلى لا أقدر على جمعه فكيف فرقه وما أظرف من قال شعرا: تقول أثوابي لما رأت ... شيبي وتكعيبي على صدري بالله يا شيخ أما تستحي ... إلى متى تصبغنى بخمري وقال آخر: قد هجرت الراح حتى ... ليس لي فيها نصيب وعلى الرواق منى ... طول ما عشت صليب وقيل مهر الخمر العقل والدين والدرهم، سئل بعض الشيوخ عن الخمر فقال: تضيع مال وعقل وزيادة بول وجنون. وإذا ذكرنا الخمر ومنافعها ومضارها ومدحها وذمها فلا بأس بإيراد نبذة من المفرحات المركبة نقلتها من كتاب مفرح النفس تأليف الحكيم الفاضل الرئيس بدر الدين مظفر ابن القاضي مجد الدين عبد الرحمن قاضي بعلبك ولي رياسة الطب بدمشق (وتوفي سن تسعمائة وخمسة وسبعين بدمشق) رحمه الله عليه: صفة مفرح حار للملوك والكبر الأوائل كان الخلفاء المتقدمون من بني العباس وغيرهم يستعملونه وله منافع كثيرة يطول شرحها والحاصل أه يبرئ جميع الأمراض السوداوية عاجلاً ويفرح تفريحاً مفرطاً حسناً: خولنجان وزراوند مدحرج وسنبل وسلحة وجعدة وزنجبيل وقاقلة كبار وصغار ودار صيني الصين وقرنفل وزرنب وذرساذ من كل واحد ثلاثة داهم قفاح الأذخر وغاريقون وحاشا وتريد وقسط وحلو وسادج وبسفانج محكوك وحماما من كل واحد خمسة داهم وعرق ذهب وياقوت أحمر رماني وزمرد من كل واحد مثقال وزعفر أن مثقالان يدق الجميع وينخل ويعجن بعسل مادي ويوضع في إناء من صيني أو فضة ويرفع ويستعمل الشربة مه مثقالان بشراب تاح شامي وماء لسان ثور نافعه، إن شاء الله تعالى. صفة مفرح حار للمتوسطين من الناس سعة خمسة دراهم زر ورد منزوع الأقماع عشرة دراهم قرنفل وسنبل الطيب ومصطكى وأسارون وزرنب وزعفران من كل واحد درهمان بسباسة وقاقلة كبار وصغار وجوزبز من كل واحد درهم عود ثلاثة يدق الجميع وينخل ويعجن بعسل منزوع الرغوة ويرفع ويستعمل الشربة وزن مثقال بشراب تفاح حلو وماء لسان ثور نافع إن شاء الله تعالى. مفرح حار للفقراء وهو شراب الإبريسم وله منافع كثيرة منها التريح والمفرط وقوة الأحشاء وخصوصاً الكبد وينفع من جميع الأمراض الباردة ويقوي الأنعاظ ويؤخذ بريبسم خام ينفع في الماء أياماً عشرة في قدر من حديد فإن لم يتهيأ من حديد فينتفه في الماء المطفى فيه الحديد دفعات كثيرة ويغلي غلياناً جيداً ويصفى إليه بوزن الماء سكراً وعسلاً ويعقد ويرفع ويطيب بشيء من زعفران وخولنجان ومصطك وروح يستعمل نافع إن شاء الله تعالى. صفة مفرد بارد للملوك والكبراء طباشير عشرة دراهم لسان ثور خمسة دراهم زر ورد منزوع الأقماع أربعة دراهم طين أرمني سبعة دراهم شير أملج خمسة عشر درهما خشب صندل ابيض وأحمر وأصفر من كل واحد درهمان زعفران نصف درهم عرق ذهب جيد وفضة من كل واحد مثقال إبريسم محرق على ما وصفنا درهم يدق الجميع ناعما وينخل ويعجن بجلاب قد عقد من عسل وسكر بماء الورد وماء التفاح وماء لسفرجل وماء الرمان ويحرك ويرفع الشربة ثلاثة دراهم بشراب حماض وتفاح شامي وماء لسان ثو وماء ورد وماء خلاف نافع إن شاء الله تعالى. صفة مفرد بار للمتوسطين من الناس يؤخذ إهليدج كابلى وأملج من كل واحد خمسة دراهم وزر ورد منزوع الأقماع وخشب صندل أبيض وأصفر وأحمر من كل واحد ثلاثة در اهم وورق فضة مثقالان ولؤلؤ كبار نقي البياض غير مثقوب مثقال يدق الجميع وينخل ويعجن بعسل الإهليدج الكابلي الشربة مثقالان بشراب حماض وتفاح شامي بماء ورد وما خلاف نافع إن شاء الله تعالى. صفة مفرح معتدل للمتوسطين من الناس بهمنين أحمر وأبيض من كل واحد خمسة دراهم عسل إهليلج كابلي منزوع الرغوة عشرون دراهما شاهترج ولسان ثور وترنجان من كل واحد عشرة دراهم طباشير وكسفرة يابسة وطين محتوم من كل واحد ثلاثة دراهم إبريسم خام محرق على ما وصفنا قشر الفستق الخارج من كل واحد درهمان بسد ولؤلؤ كبار غير مثقوب وكهربا من كل واحد درهم عود هندي خام نصف مثقال يدق الجميع ناعماً وينخل ويعجن بجلاب قد عقد من سكر وعسل ويرفع في إناء من صيني أو فضة الشربة مثقالان بشراب حماض وتفاح شامي وماء ولسان الثور وماء ورد وماء خلاف وما نيلوفر نافع إن شاء الله تعالى.

الباب التاسع عشر في الصاحب والنديم

نادرة: دخل رجل على بعض أصحابه يعوده من مرض بالقلب وكان له غلام يدعى ياقوت شديد الافتتان به وكان متهماً به فقال له حاشاك يا سيدنا تشكو وجع القلب ونداك المفرح الياقوتي. الباب التاسع عشر في الصاحب والنديم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من الإخوان فإن ربكم حي كريم يستحي أن يعذب عبده بين إخوانه" وقال علي رضي الله عنه: أعجز من عجر عن اكتساب الإخوان وأعجز منهم من ضيع ما ظفر به منهم، وقال عمر رضي الله عنه: ثلاث لك الود في صدر أخيك أن تبتدئه بالسلام وأن توسع له للمجلس وتدعوه بأحب أسمائه إليه، وقال الخليل بن أمد: الرجل بلا صديق كاليمن بلا شمال، وقال رجل لابن المقفع أنا بالصديق آنس من الأخ فقل صدق الصديق نسيب الروح والأخ نسيب الجسم، وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أما الدخان على النار بأدل من الصاحب على الصاحب. إعرابي: المودة بين السلف ميراث بين الخلف. إعرابي: دع مصارعة أخيك وإن حث التراب في فيك. اعتذر رجل إلى صاحب من تعذر اللقاء فقل أنت في أوسع عذر عند ثقتي وفي أضيق عذر عن شوقي. المأمون: الإخوان على ثلاث طبقات: طبقة كالغداء لا يستغنى عنه وطبقة كالدواء لا يحتاج إليه إلا في الأحايين وطبقة كالداء لا يحتاج إليه أبداً، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأحبكم إلى الله وأقربكم مني مجالساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون" وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: الغريب من ليس له حبيب، وقال أيضاً، لا تضيعين حق أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه فإنه ليس بأخ من ضيعت حقه، وقال علقمة بن لبيد العطاردي لابنه إذا نازعتك نفسك صحبة الرجال فأصحب ن إذا صحبته زانك وإن خدمته صانك وإن نزت بك مؤنة مانك أصحب من إذا مددت يدل بفضل مدها وإن بدت بك ثلمة سدها وإن رأى منك حسنة عدها أصحب من يتناسى معروفه عندك ويتذكر حقوقك عليه. قال لأبي داود السجستاني صاحب له أستمد من محبرتك قال لا فاحترك الرجل حياء فقال أعلمت أنه من شرع في مال أخيه بالاستئذان فقد استوجب بالحشمة الحرمان. قرع باب بعض السلف صديق له بالليل فنهض إليه وبيد كيس وسيف وهو يسوق جارية له ففتح الباب وقال قسمت أمرك بين نائبة فهذا المال وعدو فهذا السيف وأيمة فهذه الجارية. كان علي بن الجهم يمدح أبا تمام ويطيب فيه فقيل له لو كان أخاك ما زدته على هذا المدح فقال إن لم يكن أخا بالنسب فإن أخ بالأدب. مر بخالد بن صفوان رجلان فعرج إليه أحدهما وطواه الآخر فقال عرج علينا هذا لفضله وطوانا ذاك لبغيه. الأعمش أدركت أقواماً لا يلقى الرجل أخاه الشهر والشهرين فإذا لقيه لم يزده على كيف أنت وكيف حالك ولو سأله شطر ماله أعطاه ثم أدركت آخرين لم يلق الرجل منهم أخاه يوماً سأله حتى عن الدجاجة في البيت ولو سأله حبة من ماله منعه. وأحسن من قال من رضى بصحبة من لا خير فيه لم يرض بصحبة من فيه خير. كان يقال إن الكيس الذي لا سيكل مناجات الصديق. الهند من كتم الأحبة نصحه والأطباء عليته والإخوان بثه فقد خان نفسه. كان الخليل إبراهيم صلوات الله عليه إذا ذكر زلته غشي عليه وسمع اضطرابه من ميل، فقال له جبريل: يا خليل الله الجليل يقرؤك السلام يقول هل رأيت خليلاً يخاف خليله قال يا جبريل كلما ذكرت الزلة نسيت الخلة. قال العتبي لقاء الإخوان نزهة القلوب، قال سليمان بن وهب غزل المودة أرق من غزل الصبابة والنفس بالصديق آنس منها بالعشق، وقال يونس النحوي يستحسن الصبر عن كل واحد إلا عن الصديق، وقال ابن المعتز إذا قدمت المودة شبهت بالقرابة، وقال عمرو بن العاص: من كثر إخوانه كثر غرماؤه يعني في قضاء الحقوق. عمرو بن مسعدة العبودية عبودية الإخاء لا عبودية الرق، وكان بعضهم يقول اللهم احرسني من أصدقائي إذا قيل له في ذلك إني أقدر أحترس من أعدائي لا أقدر عل الاحتراس من أصدقائي. وقال ابن الرومي: عدوك من صديقك مستفاد ... فلا تستكثر أن من الصحاب فإن الداء أثر ما تراه ... يكون من الطعام أو الشراب

واعلم أنه لا يتناهي فيحسدك إلا الأصدقاء والندماء فإنهم متى رأوك بحال وهم بأنقص منه انغرس في قلوبهم حسدك فلو خولتهم أضعاف نعمتك لم يزالوا يحسدونك حتى تفتقر ويستغنون والحسد داء الأبد، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يحشر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخال" قال معاوية بن قرة نظرت في المودة والإخاء فلم أجد اثبت مودة من ذي أصل. قال أبو الحسن بن جبير الأندلسي البلنسي: تغير إخوان هذا الزما ... ن فكل خليل عراه الخلل وكانوا قديماً على صحة ... فقد داخلتهم حروف العلل قضيت التعجب من أمرهم ... فصرت أطالع باب البدل ولله در ناصر الدين بن النقيب: فأين الصديق الصدوق الذي ... مودته من قرى صافيه ما لي صديق سوى درهمي ... ولا لي حبيب سوى العافية وقال أبو العلاء المعري: جربت دهري وأهليه فما تركت ... لي التجارب في ود أمره غرضا وقال القاضي ناصح الدين الأرجاي والثاني يقرأ معكوساً وهو غاية: أحب المرء ظاهره جميل ... لصاحبه وباطنه سليم مودته تدوم لكل هول ... وهل كل مودته تدوم وقال صلاح الدين الصفدي: عذيري في الليالي من صديق ... على مالي وعرضي قد تسلط تأول إذ تأخر عنه خيري ... فهل ألقاه يوماً قد توسط وقال الشريف العبقيلي وأجاد: ألذ مودات الرجال مذاقة ... مودة من أن ضيق الدهر وسعا فلا يلبس الود الذي هو سادجا ... إذ لم يكن بالمكرمات مرصعا وقال مخارق أنشدت المأمون قول أبي العتاهية (مولد أبي العتاهية سنة ثلاثية ومائة وتوفي سنة إحدى عشر ومائتين) : وإني لمحتاج إلى أظل صاحب ... يروق ويصفو إن كدرت عليه قال لي أعد فأعدت سبع مرات فقال لي يا مخارق خذ مني الخلافة وأعطني هذا الصاحب الله در أبي العتاهية ما أحسن ما قال. وأحسن من قال: بروحي من صاحبته فوجدته ... أرق من الشكوى وأصفى من الدمع يوافقني في الهزل والجد طائعاً ... فينظر من عيني ويسمع من سمعي وقال الجاحظ كان أبو داؤد إذ رأى صديقه مع عدوه قلا صديقه وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق قال ابن عائشة قال هشام بن عد الملك ما بقي على شيء من لذات الدنيا إلا وقد نلته وما اشتهى إلا شيئاً واحداً أخا أرفع مؤنة التحفظ بيني وبينه، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: صحبة العاقل في المفاوز والأسفار خير من صحبة الجاهل بين الرياض والأنهار. ولله در القاضي الفاضل. وما برح الإخوان إخوان الزمان فإذا أحسن كانوا من التابعين له بإحسان وإذ أساء كانوا من المهاجرين ولا من الهجرة ولكن من الهجران. وقال جعفر بن محمد لولده: يا بني من غضب عليك من أخواتك ثلاث مرات ولم يقل فيك سوءاً فاتخذه خليلاً. ويجب على الصديق إذا رأى صديقه معسراً وهو موسر أن يواسيه ببعض ماله، فقد حكى عن بعض الحكماء أه رأى رجلين لا يفترقان فسأل عنهما فقيل هما صديقان فقال ما هما بصديقين لأني أرى أحدهما موسراً والآخر معسراً ول كانا صديقين لتواسيا، وقال المأمون لندمائه: أفيكم من يقدر يدخل يده في كم صديقه فيأخذ منه نفقة يومه فقالوا لا فقال ما أنتم بأصدقاء والصديق الصديق معدوم وأما من تصادقه مجاز فيمثل بقول القائل: ?أرض من المرء في مودته ... بما يؤدي إليك ظاهره من يكشف الناس لا يجد أحداً ... تصح منهم له سرائره الهند غياك والاغترار بمصادقة العدو ما أوجبها إلا أمر وعلة فمع ذهاب العلة رجوع العداوة كالماء يسخن فإذا رفع عن النار عاد براردا وصفة الصديق أن يعادي من تعاديه ويهوى من تهوى وقال بعض الحكماء صديق عدوى عدوى، وقال الشاعر: تود عدوى ثم تزعم أنني ... صديقك إن الرأي منك لعازب إذا نحن أظهرنا لقوم عداوة ... ولان لهم منكم جناح وجانب فلا أنتم منا ولا نحن منكم ... إذا أنتم سالمتم من نحارب وليس أخي من ودني رأى تعينه ... ولكن أخي من ودني وهو غائب

واعلم أن الخصال المحمودة والكمال لا يوجدان في شخص أبداً ولا بد من عيب يشوبه فإن اخترت صديقً ورضيته وكاشفته فبدت منه هفوة أو زلة فاغفرها فالسيف ينبو والجواد يكبو وإذا صفى الصديق فلا تناقشه في دينه ولا مذهبه فإن ذاك يوجب القطيعة والعداوة وأجرا معه في هواه من دينه إذا جرى هو في هواك من صداقتك. قال أبو العلاء المعري رحمه الله تعالى: إذا ما الخل أصفاني ودادا ... فسقيا في الحياة له ورعيا ليقرأ إن أراد كتاب موسى ... ويقرأ إن أراد شعيا واصلح ما صادقت حكيما أو أديبا عاقلاً عالماً فإن عداوة هذا خير من صداقة الجاهل قال بعض الحكماء: الجاهل عدو نفسه فكيف يكون صديق غيره ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه. ومتي تغير الصديق عليك فاستيقظ ذلك بقريحة حسن منك كما قال الشاعر: وإذا استعجمت مودة خل ... فاعتبرها من أعين الغلمان إن عين الغلام تنبيك عما ... في ضمير المولى من الكتمان القول على النديم: النديم فعيل بمعنى مفاعل منادم والندمان وأكثر منادمة وملازمة من النديم لأن زيادة اللفظ توجب زيادة المعنى، ويقل رجل رحيم ولا يقال رحمان لأنه ثناء المبالغة وفي الدعاء يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لأن رحمته في الدنيا عمت الكافر والمؤمن والفاسق والناسك ففي الآخرة يخص برحمته المؤمنين والمسلمين دونهم واشتقاق اسم النديم من المنادمة كأنه يندم على مفارقته لوجود الراحة به والأنس إليه، وينبغي له أن يكون حسن المبرة نبيل الهمة مستوى الذيول وأطراف الأكمام نظيف المخفى من الملبس كالقلنسوة والسراويل والتكة والجورب ومنديل الكم، فإذا كملت لفيه هذه الخصال كان محبوباً إلى القلوب سهلا على الأرواح، وإذا لم يكمل كان بالضد ومستثقلاً معيباً في العيون بغيضاً على القلوب كما قيل في أبي يعلى الكاتب القرشي: نعمة الله لا تعاب ولكن ... ربما استثقلت على أقوامي لا يليق الغناء بوجه أبي يعلى ... ولا نور بهجة الإسلام دنس الثوب والعمامة والبرذو ... ن والنقل والقفا والغلام وينبغي له إذا جلس للشراب مع الملك أن يجلس في المرتبة التي لا يتجاوزها إلى ما هو أعلى منها عنده ولا يحط نفسه عنها ولا يكثر الاتكاء بين يديه وليكن منتصب الجلوس خفيف الوطأة إن قام قام لقيامه وليحذر التبسيط والتمديد والتمطي والتثاؤب التنخع والبصاق وتفريك اليدين وفرقعة الأصابع واللعب بالخاتم والعبث باللحية والعمامة ولا يكون من شأنه التعزية والتهنئة ولا التشميت عند العطسة ولا أسرع بالتحية ولا العبث بالفاكهة والرياحين والأزهار ولا التناول وللشمامات ولا الإكثار من التنقل بعد الشراب ولا يرمي ثفل ما يمتصه بحيث يرى ولا يعض الفاكهة نهشاً بل يقطع منها حاجته بالسكين قطعاً ولا يكثر شم الريحان ولا إدارة اليد فيه لا يقطع رؤوسه ولا ينفضه عند أخذه ولا يفركه فيزول عقله وليصب لنفسه ما يعلم أنه يقوم به ولا يرفع القدح قبل الملك ولا يصب فيه نبيذاً من قبل صبه أو معه ولا يقترح صوتاً ولا يظهر الطرب وزلا يوقع على تلحين ولا يبد منه هزل وإن ناوله الساقي قدحاً أخذه بلا ازدياد ولا نقصان ولا مماسكة ولا مماراة فإذا أحسن بنفسه سكر أسرع القيام والانصراف وهو يملك نفسه ولا يلمس كف الغلام عن مناولة كأس ولا يكثر ملاحظته عند معاطاته الراح ولا يشير إليه ولا يغمزه ويستحب منه أن يكون مفنناً فيجري مجرى إبان اللاحقى بما وصف نفسه للفضل بن يحيى البرمكي وذلك أنه ورد إلى بابه ليعرض نفسه وأجبه عليه فأتى إلى محمد بن زيدان الثقفي فقال له: إن رأيت أصلحك الله أن تعرض قصتي على الأمير فقل وما فيها قال أعرض نفسي وأدبي عليه فقال وما فيها فقال له: أعرض نفسي وأدبي عليه فقال فهل لك فيمن دون الأمير ليشاطرك الضياع والأموال والرقيق ما خلا الأهل والوالد قد نازعتني نفسي إلى شيء لا بد لي من أن أعطيا شهوتها منه فأخذ قصته فأدخلها إلى الفضل بن يحيى فإذا فيها: أما من بغية الأمير وكنز ... من كنوز الأمير ذو أرباح كاتب حاسب أديب خطيب ... ناصح زائد على النصاح شاعر مفلق أخف من الري ... شة مما يكون تحت الجناح لي في النحو فطنة واتقاد ... أنا فيه قلادة بوشاح

لو رمى بي الأمير أصلحه الل ... هـ رماحاً حطمت سمر الرماح غير ما عاجز ولا مسكين ... طوع أمر الأمير آسي الجراح لست بالضخم يا أمير ولا القز ... م ولا المدحرج الدحراج لحية سبطة ووجه مليح ... واتقاد كشعلة المصباح وكثير الحديث من ملح النا ... س بصير بخافيات ملاح كم وكم قد خبأت عندي حديثاً ... هو عند أمير كالتفاح فبمثلي تخلو الملوك وتلهو ... وما حي للمشكل القداح ايمن الناس طائراً يوم صيد ... في غد وغدوة أو رواح أعلم الناس بالجوارح والخي ... ل وبالخرد والحسان الملاح كل هذا جمعت والحمد لل ... هـ على أنني ظريف المزاح لست بالناسك المسمر كمي ... هـ ولا الفاتك الخليع الوقاح لو دعاني الأمير عاين مني ... سمر كالبلبل الصياح قال: فدعي به لما دخل أتي كتاب من أرمينية فرماه إليه وقال له أجب عنه فأجاب من ساعته في عرصته فأمر له بمائة ألف درهم وكان أول داخل وآخر خارج إذا ركب في الموكب فركابه مع ركاب الفضل. ومن صفات النديم ألا يكون لجوجاً ولا حسوداً ولا ممارياً ولا طماح العي ولا طايش اللب ويكون حمولاً موافقاً لك في عملك ومذهبك ودينك كتوماً للسر ويكن أدبياً عاقاً أو حكيماً فاضلاً ليس على طبيعتكما منافرة ولا عرضية بشر إذا حدثته وبشر إذا حدثك كلما ازداده سكره ازداد تواضعه لك ومودته وفضله فالخمرة تحرك ما يوجد من عقل وجهل وتبرزه في الإنسان من القوة إلى الفعل وهي محك العقول. صافح أبو العميثل عبد الله بن ظاهر عند قدومه من سفره فقبل يده فقال عبد الله خدش شاربك كفي فال شوك القنفذ لا يضر بتربن الأسد فتبسم عبد الله وقال كيف كنت بعدي قال إليك مشتاقاً وعلى الزمان عاتبا ومن الناس مستوحشاً، أما الشوق إليك فلفضلك وأما العتب على الزمان فلمنه منك وأما الاستيحاش من الناس فلرضاهم بعدك فاحتبسه فلما حضر الشراب سقاه بيده فقال: نادمت حرا كأن البدر غرته ... معظماً سيداً قد أحرز المهلا فعلني برحيق الراح راحته ... فمت سكرا فشكراً للذي فعلا بيننا أبو العباس السفاح يحدث أبا بكر الهذلي فعصف الريح فأذرت طستا من سطح إلى المجلس فارتاع من حضر ولم يتحرك الهذلي ولم تزل عينه مطابقة لعين السفاح فقال ما أعجب شأنك يا هذلي فقال: إن الله تعالى يقول: "يوجد آية" وإنما لي قلب واحد فلما غمره السرور بقائده أمير المؤمنين لم يكن فيه لحادث مجال فلو انقلبت الخضراء على البيضاء ما أحسست بها ولا وحمت لها فقال السفاح لئن بقيت لأرفعن ضبعاً لا يطوف به السماع ولا ينحط عليه العقيان. ومن الآداب اللطيفة ما يحكى عن إبراهيم بن المهدي قال: كنت عند الرشيد فأتاه رسول معه أطباق عليها مناديل ورقعة فأخذ يقرأ الرقعة ويقول وصله الله وبره فقلت يا أمير المؤمنين من هذا الذي أطنبت في شكره لنشركك في جميل ذكره فقال: عبد الملك بن صالح ثم كشف عن الأطباق فإذا هي فواكه فلت يا أمير المؤمنين ما يستحق هذا الوصف إلا أن يكون في الرقعة ما لا نعلمه فرمى بها إلى فإذا فيها دخلت يا أمير للمؤمنين إلى بستان لي قد غمرته بنعمتك وقد أينعت فواكهه فحملتها في أطباق قضبان ووجهت بها إلى أمير المؤمنين ليصل إلى من بركة دعائه مثل ما وصل إلى من نوافل بره فقلت وما في هذا الكلام ما يستحق الدعاء فقال أو ما ترى كنى بالقضبان عن الخيزران وهي اسم أمنا. وقال الشعبي أخطأت عند عبد الملك بن مروان أربعا هي حدثني بحديث فاستعدته منه فقال أما علمت أنه لا يستعاد أمير المؤمنين وقلت حين أذن لي أنا الشعبي يا أمير المؤمنين وقلت حين أذن لي أنا الشعبي يا أمير المؤمنين فقال ما أدخلناك حتى عرفناك وكنيت عنده رجلاً فقال أما إنه لا يكنى أحد عند أمير المؤمنين وسألته أن يكتبني حديثاً فقال إنا نكتب ولا نكتب. ولما كان مجلس الشراب مؤهلاً للاستكثار من اللذات والتقلب في المسرات كان الأولى به أن يجمع من الندماء من فيه من الحذاق بالغناء ومن يكون حديثه يطرب سامعيه وملحه أحسن موقعاً من الأغاني المعجبة في قلوب منادميه ما وصفه بعض الشعراء فقال: حديث يشرب له الغواني ... ويأخذ كل سمع باستماعي

فيكون للحديث نوبة ولغناء أخرى، وحكى عن بشار أنه قال لا تجعلوا مجالسكم حديثاً كله ولا غناء كله ولا هزلا كله ولا جداً كله ولكن تنتقلوا فإن العيش خلس. واعلم أن في النديم والخمر لذات شتى فلذة الخمر زوال الهموم والغموم والأفكار ولذة النديم المحادثة، قال الشاعر: وما بقيت من اللذات إلا ... محادثة الرجال ذوي العقول وقد كانوا إذا عدوا قليلاً ... فقد صاروا أقل من القليل وأما أوساط الناس فيجب ألا يستكثر من الندماء ويقتصر على القليل فإن الكثير سبب إذهاب المال ووجود العداوة وفقدان المسرة وتعب القلب والحسم ولا يجب أن تصطفي نديماً حتى تغضبه في الصحو فإن وجدته حمولاً مطاوعاً قبولاً لما تأمره بصفيك وداده حاضراًُ وغائباً ومساعداً لك في الشدائد إذا وقعت فيها فاعتمد عليه فقلما تجده إذا النديم، وقد قال الشاعر: إذا كنت مختاراً لنفسك صاحباً ... فمن قبل أن تبدئه بالود أغضبه فإن كان في حال التعدي راضياً ... وإلا فقد جربته فتجنبه قال بعض الظرفاء شرط المنادمة قلة الخلاف، والمعاملة بالإنصاف والمسامحة بالشراب، والتغافل عن الجواب، وإدمان الرضى، والطراح ما مضى وإسقاط التحيات، واجتنبا افتر اه لأصوات، وأكل ما حضر، وإحضار ما تيسر، وستر العيب. ولقد أحسن من قال: لا خير في الشراب إلا من أخاتقة ... إن سر غني وإن غنيته طربا يعطيك صمتاً إذا غنيته وإذا ... شربت حي وإن حييته شربا عف اللسان عفيف الفرج تحمده ... في كل حال إذا ثرى وإن تربا فاشدد يديك عليه وإن ظفرت به ... وأكثر مودته لا تكثر الرهبا كان إبراهيم بن المهدي يقول: لذة لعيش في ثلاث: منادمة الأحباب ومعاقرة الشراب ومذاكرة الآداب، ويروى أن أول من جعل لندمائه أمارة ينصرفون بها من مجلسه إذا أراد ذلك كسرى وهو أنه يمد رجله فيعرفون أنه يريد قيامهم فينصرفون وتبعه الملوك فكان فيروز الأصغر يدلك عينيه وكان بهرام يرفع رأسه السماء وكان في الإسلام معاوية يقول العزة لله وعبد الملك يلقى المروحة من يده، وحدث بهذا الحديث عند بعض البخلاء وسئل ما أمارته فقال: إذا قلت هات الطعام. والناس يخلفون في الشرب فمنهم من يرى كثرة الندماء ومنهم من يرى الانفراد وممن رأى هذا الرأي جماعة من أهل الأدب قديماً حديثاً ولهم فيه أشعار وأخبار ومنهم من رأى مطالعة الكتب عليها وإعمال الفكرة في تصنيف العلوم والآداب، كما حكى عن الشيخ الرئيس ابن سينا أنه قال: كنت أستعين على مصنفات علومي باستعمال اليسير من الخمر المصلوح من الماء ومنهم الفارابي ودليل ذلك قوله شعرا: لما رأيت الزمان تنكسا ... وليس في العشرة انتفاع كل رئيس به ملال ... وكل رأس به صداع لزمت بيتي وصنت نفسا ... لها عن اللذة امتناع أشرب مما اقتنيت راحا ... لها على راحتي شعاع لي من قراريرها ندامى ... ومن قراقيرها سماع واجتنى من حديث قوم ... قد أقفرت منهم البقاع قال بعضهم رأيت أعرابياً جالساً بالفلات تحت ظل شجرة ومعه كوة وهو يشرب قدحاًٍ ويصب في أصل الشجرة قدحاً فقلت له ما هذا فقال هو نديم ل يعربد علي يلحقني بظله ويحمل عني كله. وقال بعضهم دخلت على بعض الرؤساء فلقيته يشرب وبين يديه كلب صيد وهو يشرب قدحاً ويصب قحاً بين يدي الكلب ومهما أكل طعاماً أو نقلاً رمى إلى الكلب منه فقلت له أتنادم كلباً فقال نهم يكف عني أذاه ويحرسني من أذى سواه يشكر قليلي ويحفظ مبيتي ومقيلي وأنشد شعراً: وأشرب وحدي من كراهتي الأذى ... مخافة شر أو سباب لئيم وقال الشيخ صفي الدين الحلي وأجاد: إذا لم أجد للراح خلا موافيا ... فلي بي أنس كامل حين أشرب لساني يغنيني وفكري منادمي ... وكفاي تسقيني وقلبي يطرب ومما يجب على ذوي السيادة والمروءة أن يسامحوا نديمهم إذا وقعت منه هفوة أو غفلة. وما أحسن قول خالد اليشكري: ولست بلاح لي نديما بزلة ... ولا هفوة كانت ونحن على الخمر عزلت بجنبي قول خلى وصاحبي ... ونحن على صهباء طيبة النشر فلما تمادى قلت خذها عريقة ... فإنك من قوم حجاحجة زهر فما زلت اسقيه وأشرب مثلما ... سقيت أخي حتى بدا وضح الفجر

الباب العشرون في مسامرة أهل النعيم

وخر صريعاً للجبين موسداً ... فوسدته واخترت حملي على الهجر وأيقنت أن السكر طار بلبه ... فأغرق من شمتي وقال ولم يدر وزال لسان كان إذا كان صاحيا ... يقلبه في كل فن من الشعر وقال أبو نواس رحمة الله عليه: ولست النديم صدق ... وقد أخذ الشراب بوجنتيه تناولها وإلا لم أذقها ... فيأخذها وقد ثقلت عليه ولكني آخذ الكأس عنه ... وأصرفها بعبسة حاجبيه وإن رام الوساد لنوم سكر ... دفعت وسادتي أيضاً إليه وهذا ما حبت له وإني ... أبر له من والديه ولله در الصاحب بن عباد: قد حملت أوزار السكر على ظهور الخمر. وتلطف من قال: طويت بساط الشراب ... على ما فيه من خطأ وصواب وقال أيضاً: تعلم في مرافقة النديم ... مطاوعة الأراكة للنسيم وعاشره بأخلاقي فإني ... وحقك عبد رق للنديم أعاطيه أحاديثي وكأسي ... فيسكر بالحديث وبالقديم وقال ابن المعتز: ونداماي في شباب وحسن ... أتلفت ما لهم نفوس كرام بين أقداحهم حديث قصير ... هو سحر وما سواه كلام وغناء يستعجل الراح بالرا ... ح كما ناح في الغصون الحمام فكان السقاة بين الندامى ... الفات بين السطور قيام وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة رحمه الله: بروحي نديم يشهد العقل أنه ... قضى العمر باللذات وهو خبير تذكر مزج الكأس عند وفاته ... فأوصى لها بالثلث وهو كثير وأنشدني من لفظه لنفسه أقضى القضاة بدر الدين محمد المخزومي: ورب نهار فيه نادمت أغيدا ... فما كان أحلاه حديثاً وأحسنا منادمة فيها منادى فحبذا ... نهار تقضي بالحديث وبالمنا كتب إلى الحسن بن وهب صديق له من أهل الأدب فصلاًُ من كتاب قال فيه وقد قسمك الله بين طرفي وقلبي ففي مشهدك أنس قلبي يرويه طرفي وفي بعدك لهو طرفى يذكر قلبي، فأجابه الرجل: فهمت كتابك الذي أخبرت فيه ما أخبرت فسيان عندك على هذا رأيتني أم لم ترني إذا كان بعضك يؤنس بعضاً وحضور أعضائك تنوب لك عن حضوري لكنني أراك فيخشع قلبي وأغيب عنك فيدمع طرفي فسيان بين متن سلا أبدا ومن حزن دهره. سئل إسحاق الموصلي عن عدد الندماء فقال واحد هم واثنان غم وثلاثة نظام وأربعة تمام وخمسة مجلس وستة زحام وسبعة موكب وثمانية سوق وتسعة جيش وعشرة نعوذ بالله من شرهم وضرهم. قال أبو العينا: رب وحشة أنفع من أنيس ووحدة أمتع من جليس. وقال الجاحظ: أرى للكأس حقاً لا أراه ... لغير الكأس إلا للنديم هو القطب الذي دارت عليه ... رحا اللذات في الزمن القديم وكتب المرحوم فتح الدين محمد بن الشهيد إلى القاضي أمين الدين ابن الأنفي المالكي تغمده الله برحمته وكان قد تأخر عن زيارته: حتام في سجن الصدود ... سرور عبدك يحتبس معنى الجفاء فهمته ... قد زدت في المعنى قبس وأغث بأناس الرضا ... نفسي فما فيها نفس يا مالك بأبيك زر ... نروى لزيارة عن أنس اقرأ ألم نشرح فكم ... نلقاك تقرأ في عبس العمر أنفس أن تعي ... ش نهار همك كالغلس إن الحياة لغفوة ... والعيش طيف يختلس الباب العشرون في مسامرة أهل النعيم الليلة الأولى:

حكى أنه كان بمدينة بغداد رجل من أولاد النعيم ورث من أبيه مالاً جزيلاً وكان قينة فأنفق عليها أشياء ثم اشترها وكانت تحبه كما يحبها ولم يزل ينفق عليها ماله وهو في أكل وشرب إلى أن لم يبق له شيء وأفلس فطلب معاشاً يعيش فلم يقدر على شيء، وكان الفتى في أيام سعادته يحضر القينة في صناعة الغناء لتزداد في صناعتها فبلغت في الصناعة الغاية التي لم يدركها أحد سواها وكان الفتى قد علم من صناعة الغناء مثلها وأوفى فاستشار بعض إخوانه ومعارفه فقالوا له ما نعرف لك معاشاً أصلح من أن تغنى أنت والجارية فتأخذ على ذلك المال الكثير وتأكل وتشرب وأنت كل يوم طيب العيش فأنف من ذلك وعاد إليها فأخبرها بما أشير به عليه وأعلمها أن الموت أحب إليه من ذلك فصبرت معه على الشدة ثم قالت لقد رأيت لك رأياً قال ما هو قالت تبيعني فإنه يحصل لك من ثمني ما إن تعيش فيه عيشا طيبا وتتخلص من هذه الشدة وأخلص أنا وأحصل على نعمة فإن مثلي لا يشتريه إلا ذو نعمة أكون السبب في رجوعي إليك قال فحملها على السوق فكان أول من أعرضها عليه فتى هاشميا من أهل البصرة ظريف أديب كريم النفس واسع الحال فاشتراها بألف وخمسمائة دينار عينا فقال الرجل حين لفظت بالبيع وقبضت المال ندمت غاية الندامة وبكيت أشد بكاء وصارت الجارية في أقبح من صورتي وجهدت في الإقالة فلم يكن إلى ذلك سبيل وأخذت الدنانير في الكيس ومضيت لا أدري إلى أين أذهب لأن بيتي موحش منها وورد على من البكا واللطم والنحيب شيء لا أصفه قال فدخلت بعض المساجد وجلست أبكى فيه وأفكر فيما نابني وفيما عملت بنفسي فحملتني عيني وتركت الكيس تحت رأسي كالمخدة ونمت فلم أشعر إلا بإنسان قد جذبه من تحت رأسي ومضى يهرول فانتبهت فزعاً فطلبت الكيس فوجدته قد أخذ فقمت أريد أجري وراءه وإذا برجلي مربوطة في حبل والحبل في وتد فوقعت على وجهي ورأسي وقلت فارقت من أحب وذهب المال فكيف حالي فزاد بي الأمر إلى أن جئت إلى الدجلة ووضعت ثوبي على وجهي ورميت روحي في الدجلة ففطن الحاضرون لي وأن ذلك لغيظ نالنى فرموا أرواحهم خلفي فشالوني وسألوني عن أمري فأخبرتهم خبري فصرت بين راحم ومستجهل إلى أن جاءني شيخ منهم فأخذ بغصتي وقال لي يا هذا ذهب مالك وتذهب نفسك وتكون من أهل النار فثق بالله العظيم قم معي فأرني بيتك فما فارقني حملني إلى منزلي وقعد عندي حتى رأى السكون فيّ فشكرته وأنصرف فكدت أقتل نفسي فتذكرت الآخرة والنار فخرجت من بيتي هارباً إلى بعض أصدقائي القدماء فأخبرته بخبري وما جرى عليّ فبكى لي رحمة وأعطاني خمسين ديناراً وقال أقبل رأيي وأخرج الساعة من بغداد وأجعل هذه نفقة لك إلى حيث تجد قلبك تشاغل وأنت من أولاد الكتاب وخطك جيد وأدبك بارع فاقصد من شئت من العمال فأطرح نفسك عليه فلعله أن يستخلفك في شيء تنتفع به وتعيش معه ولعل الله عز وجل أن يجمع عليك جاريتك فعملت على هذا وجئت إلى الكتبين وقد قوي حالي وزال عني بعض الهم واعتمدت على أنني أقصد واسط لأنه كان لي بها أقرب فإذا زلال مقدم وجراية كبيرة وقماش فاخر ينقل إلى الزلال فسألتهم أن يحملوني إلى واسط فقالوا هذا الزلال لرجل هاشمي ولا يمكننا حملك على هذه الصورة فسألتهم أن يحملوني وأرغبتهم في الأجرة فقالوا إذا كان فقالوا إذا كان ولابد أخلع هذه الثياب التي عليك وألبس ثياب الملاحين وأجلس معنا كأنك واحد منا فرجعت واشتريت من ثياب الملاحين وجئت إلى الزلال بعد أن اشتريت خبزاً وما يصلح للسفر وجلست معهم فما كان إلا ساعة حتى رأيت جاريتي بعينها ومعها جاريتان يخدمانها فسهل على ما كان بي وقلت أراها وأسمع غناءها من هنا إلى البصرة واعتقدت أن أجعل قصدي البصرة وطمعت أن أدخل مولاها وأصير من ندمائه وقلت لعلها لا تخليني من المراد وكنت واثقاً بها فلم يكن أسرع من أن جاء الفتى الهاشمي راكباً ومعه عدة ركبان فنزلوا في الزلال وانحدروا فلما صار عند كلوادى أخرج الطعام وأكل والجارية وأكل الباقون على وسط الزلال وأطعم الملاحين ثم أقبل على الجارية فقال لها كم هذه المدافعة عن الغناء ولزوم الحزن والبكاء لست أنت أول من فارق مولا كان لها محباً فعملت ما كان عندها من أمري ثم ضربت ستارة في جانب الزلال واستدعى اللذين يأكلون ناحية جلس معهم خارج الستارة فسألت عنهم فإذا هم أخوته ثم أخرج الصواني فيها

الخماسيات والحردادبات من المحكم مملوءة شراباً ففرقت عليهم وقدمت لهم الأنقال وما شاكل ذلك وما زالوا يرفقون بالجارية إلى أن استدعت وبالعود وأصلحته واندفعت تغني من البعيد الأول وهو: بأن الخليط بمن عرفت فأدلجوا ... عمدا بمن أهواه لم يتحرجوا وغدت كأن على ترائبي نحرها ... جمر الغضا في ساعة تتأجج ثم غلبها البكاء ورمت العود وقطعت عن الغناء وتنغص على القوم مشربهم ووقعت أنا مغشياً على فظن القوم أني قد صرعت بعضهم يقرأ في أذني وأفقت بعد ساعة فلم يزالوا يدارونها ويرفقون بها ويسألونها إلى أن أصلحت العود واندفعت تغني في البعيد الثاني: فوقفت أندب للذين تحملوا ... وكأن قلبي بالشفار يقطع فدخلت دارهم أسائل عنهم ... والدار خالية المنازل بلقع ثم شهقت شهقة كادت تتلف وارتفع بكاؤها وصرخت أنا ووقعت مغشياً عليّ وتبرم الملاحون مني وقالوا كيف حملتم هذا المجنون فقال بعضهم إذا بلغتم بعض القرى فأخرجوه وأريحونا منه فجاءني من ذلك أمر عظيم ثم وضعت على نفسي الصبر والتجلد وقلت أعمل الحيلة في أن أعملها بمكاني من الزلال لتمنع من إخراجي وبلغنا إلى قريب ضيعة فقال صاحب الزلال اصعدوا بنا إلى الشط فطرحوا القماش وطلعوا وكان مساء فطلع الملاحون وخلا الزلال فقمت حتى صرت خلف الستارة فغيرت طريقة العود عما كانت عليه إلى طريقة أخرى وكانت تعلمها مني فرجعت إلى موضعي من الزلال وفرغ القوم من حوائجهم في الشط ورجعوا والقمر قد انبسط فقال لها مولاها بالله عليك لا تنغصى علينا عيشنا ولم يزلوا إلى أن أخذت العود وجسته وشهقت حتى ظنوا أن روحها قد طلعت وقالت والله مولاي معي في الزلال فقال لها مولاها والله يا هذه لو كان معنا ما منعته من معاشرتنا ولعله كان يخف ما بك وننتفع بغنائك ولكن هذا بعيد قالت هذا مما لا أسمعه مولاي معنا الهاشمي فنسأل الملاحين قالت أفعل فسأل الملاحين وقال هل حملتم معكم أحداً قالوا لا وأشفقت أن ينقطع السؤال فصحت نعم هو ذا أنا فقالت كلام مولاي والله فجاءني الغلمان فحملوني إلى الرجل حملاً فلما رآني عرفني وقال ويحك ما هذا الزي وما الذي أصابك إلى أن صرت إلى هذه الحالة قال فصدقته عن أمري وبكيت وأعلى نحيب الجارية من خلاف الستارة وبكى هو وإخوته بكاءً شديداً رقة لنا قال لي يا هذا والله ما وطئت الجارية ولا سمعت لها غناء إلا اليوم وأنا رجل موسع ولله الحمد وإنما وردت بغداد لسماع الغناء وطلب أرزاقي من أمير المؤمنين وقد بلغت الأمرين مما أردت ولما علمت أني أريد الرجوع إلى وطني قلت أسمع من غناء بغداد شيئاً فاشتريت هذه الجارية لأصبر بها عند مغنيات لي بالبصرة وإذا كنتما على أن هذه الجارية إذا وصلت إلى البصرة أعتقتها وأزوجك إياها وأجري عليكما ما يكفيكما وزيادة ولكن على شريطة أنني إذا أردت الاجتماع تضرب لها ستارة وتغني من خلفها ونحن مع بعضنا لا تبخل علينا بذلك وأنت من جملت إخواني وندماني ففرحت بذلك ثم أدخل رأسه إلى الجارية وقال يرضيك ذلك فأخذت تدعو له وتشكره ثم استدعى غلامه فقال خذ بيد الغلام ومده بثياب وبخره وقدمه إلينا بعد أن يأكل شيئاً وفعل لي الغلام ما أمر به وعدت إليه فحط بين يدي مثل ما بين أيديهما من الشراب والنقل ثم اندفعت الجارية تغني بانبساط وهو: عيروني بأن سفحت دموعي ... حين هم الحبيب بالتوديع زعموا أنني تهتكت في الحب? ... ب ما أريد غير مطيع لم يذوقوا طعم الفراق ولا ما ... أحرقت لوعة الأسى من ضلوع كيف لا أسفح الدموع على رسم ... عفا بعد ساكن وجموع هب إن كتمت حالي لا تخفي ... زفرات المتيم المصدوع إنما يعرف الغرام لمن لا ... ح عليه الغرام بين الربوع فطرب القوم من ذلك طرباً شديداً وزاد فرح الفتى بذلك فلما رأيته على ما هو عليه من الفرح أخذت العود من الجارية وأصلحته وضربت به في أحسن صنعة وغناء واندفعت أقول: أسأل العرف إن سألت كريما ... لم يزل يعرف الغنى واليسارا فسؤال الكريم يورث عزا ... وسؤال اللئيم يورث عارا وإذا لم يكن من الذل بد ... فالق بالذل إن لقيت الكبارا ليس إجلالك الكريم بذل ... إنما الذل أن تجل الصغارا

ففرح القوم وزاد فرحهم وأنسوا بي غاية الإيناس ولم نزل على مسرة وسرور وغبطة وحبور وأنا أغني ساعة وهي تغني ساعة كذلك على أن جئنا إلى بعض الشطوط فارسي الزلال وصعد من الزلال كل من فيه وقضوا حوائجهم وصعدت أنا أيضاً وكنت سكراناً فقعدت أبول فأخذتني عيني فنمت وطلع القوم وانحدر الزلال ولم يعلموا بي وهم سكارى وكنت دفعت النفقة التي معي إلى الجارية ولم يبقى معي حبة واحدة وأن القوم انحدروا ووصلوا إلى البصرة ولم أنتبه أنا إلا من حر الشمس فجئت إلى الشط فلم أرحسا وقد كنت أجللت الرجل أن أسأله بمن يعرف وأين داره من البصرة فبقيت على شاطئ نهر معتلا كأول يوم بدأت في المحبة وكأن من كنت فيه مناما واجتازت بي سماوية فحملت فيها ودخلت إلى البصرة وما كنت دخلتها قط فنزلت خانا وبقيت متحيراً لا أدري ما أعمل ولم يتجه لي معاش إلى أن أجتاز بي يوما إنسان كنت أعرفه ببغداد فتبعته لأكشف له حالي وأسترفده ثم أنفت من ذلك ودخل منزله فعرفته وجئت إلى بقال على باب الخان الذي نزلته فأعطيته دانقا وأخذت منه دواة وورقة وجلست أكتب إليه رقعة فاستحسن خطي البقال ورأى ثوبي دنساً فسألني عن أمري فأخبرته أني رجل غريب فقير قد تعذر على التصرف وما بقي معي شيء فقال تعمل معي كل يوم بنصف درهم وطعامك وكسوتك وتضبط لي حساب دكاني فقلت له نعم قال لي اصعد فصعدت وخرقت الرقعة وجلست معه ودبرت أمره وضبطت دخله وخرجه فلما كان بعد شهر رأى الرجل دخله زائداً وخرجه ناقصاً فحمدني وبقيت معه كذلك شهوراً ثم جعل لي كل يوم درهما ولم يزل حالي يقوى معه على أن حال الحول فناله مني الصلاح فدعاني على أن تزوجت بابنته وشاركني في الدكان ففعلت ودخلت بزوجتي ولزمت الدكان والحال يقوى إلا أني في خلال ذلك مكسور النفس ميت النشاط ظاهر الحزن وكان البقال يشرب فربما جذبني إلى مساعدته فأمتنع وأظهر ذلك حزناً مني واستمرت بي الحال على هذا سنتين وأكثر فلما كان في بعض الأيام إذا قوم يجتازون بطعام وشراب وكل أحد على ذلك فسألت الشيخ عن القصة فقال لي هذا اليوم عيد الشعانين يخرج أهل الطرب واللعب والشراب والقينات إلى نهر الأبلة فيرون النصارى ويشربون ويتفرجون فدعتني نفسي إلى هذا وقلت لعلي أقف لأصحابي على خبر فقلت للبقال كنت أريد النظر إلى هؤلاء قال لي شأنك وأصلح لي طعاماً وشراباً وسلم إلى غلاما وسفينة فخرجت فأكلت وبدأت بالشراب حتى وصلت إلى الأبلة وابتدأ الناس ينصرفون وعزمت على الانصراف وإذا أنا بالزلال بعينه في وسط الناس سائراً في نهر الأبلة فتأملت وإذا بأصحابي على سطحه ومعهم عدة مغنيات فحين رأيتهم لم أتمالك فرحاً وصحت بهم فلما رأوني عرفوني وأخذوني إليهم وقالوا لي أنت حي وعانقوني وفرحوا بي وسألوني عن قصتي فأخبرتهم بها على أتم شرح وقالوا إنا لما فقدناك في الحال وقع لنا أنك قد سكرت ووقعت في الماء وغرقت فخرجت الجارية من ثيابها وكسرت عودها وقطعت شعرها ولطمت وجهها وأقبلت على البكاء والنحيب ولم نقدر نمنعها من ذلك ووردنا البصرة فقلت لها ما تحبين أن يعمل بك فقد كنا وعدنا مولاك بوعد تمنعنا المروءة من استخدامك بعده وسماع غناك قالت يا مولاي تملكني من القوت اليسير ولباس ثياب الشعر السواد وأن اعمل قبرا في جنب من الدار وأجلس عنده وأتوب عن الغناء فملكناها من ذلك وهي جالسة عنده إلى الآن فأخذوني معهم ومضوا بي فلما دخلت إلى الدار ورأيتها على تلك الصورة ورأتني شهقت شهقة عظيمة من ظننت أنها تعيش فاعتنقنا عناقاً طويلاً ثم افترقنا ثم قال مولاها تأخذها قلت نعم أعتقها كما وعدت وزوجني بها ففعل ذلك ودفع إلينا ثياباً كثيرة وفرشاً وقماشاً وآلة وحمل إليّ خمسمائة دينار وقال هذا مقدار ما أردت أجريه عليك في كل شهر منذ أول دخول البصرة وقد اجتمع طول هذه المدة فخذه والجراية متسابقة في كل شهر وشيء آخر لكسوتك وكسوة الجارية والشرط في المنادمة وسماع الجارية ومن وراء السترة وقد وهبت لك الدار الفلانية قال فحملت إلى الدار فإذا قد غمرت بالفرش والقماش وجميع ما أصاحبه وحملت إليها الجارية وجئت إلى البقال فحدثته الحديث وسألته أن يجعلني في حل من طلاقه لابنته بغير ذنب ودفعت إليه مهرها وما يلزمني من أمرها وأقمت مع الهاشمي على ذلك الحال سنين وصرت رب ضيعة ونعمة وعادت حالتي إلى قريب ما كنت فيه أنا

والجارية وفرج الله الكريم عنا وسهل لنا الأمور بالإحسان وهذا ما كان من حديثهم والحمد لله حمداً كثيراً. الليلة الثانية حدث أبو العباس بن يزيد النحوي المعروف بالمبرد قال حدثنا محمد بن عامر الحنفي وكان من سادات بكر بن وائل وأدركته شيخاً كبير القامة مملقا وكان إذا فاض إملاقه شيئاً جاد به وقد كان ولي قديماً شرطة البصرة فحدثني هذا الحديث الذي نذكره ووقع لي من غيرنا ناحيته ولا أذكر ما بينهما من الزيادة والنقصان إلا أن معاني الحديث مجموعة فيما أذكر لك: ذكر أن فتيانا كانوا مجتمعين في نظام واحد كلهم أبناء نعمة وكلهم شرد عن أهله وقنع بأصحابه فذكر ذاكر منهم قال عنا قد اكترينا دارا مشرفة على الطريق ببغداد المعمورة بالناس فكنا نفلس أحياناً ونوسر أحياناً على مقدار ما يملق الواحد من أهله وكنا لا نستنكر أن تقع مؤننا على واحد منا إذا أمكنه ويبقى الواحد منا لا يقدر على شيء فيقوم به أصحابه الدهر الأطول وكنا إذا أيسرنا أكلنا ودعونا الملهين والملهيات وكنا في أسفل الدار فإذا عدمنا الطرب فمجلسنا غرفة لنا نتمتع منها بالنظر إلى الناس وكنا لا نخلو من نبيذ في عسر ولا يسر فإنا كذلك يوما إذا بفتى يستأذن علينا فقلنا له اصعد فإذا رجل نظيف حلو الوجه سري الهمة يظهر عليه أنه من أبناء النعم فأقبل علينا وقال إني سمعت باجتماعكم وألفتكم وحسن منادمتكم حتى كأنكم أدخلتم جمعياً في قالب واحد فأحببت أن أكون واحداً منكم فلا تحتشموني قال فصادف ذلك منا إقتارا من القوت وكثرة من النبيذ وقد كان قال لغلامه أول ما يأذنوا لي أن أكون كأحدهم هات ما عندك فغاب عنا غير كثير ثم إذا هو أتى بسلة خيزران وفيها طعام مطبوخ من جدي وفراخ ورقاق وأشنان ومحلب داخله فأصبنا من ذلك ثم أفضينا في شربنا وانبسط الرجل وإذا هو أحيى خلق الله إذا حدث وأحسنهم استماعا إذا حدث وأمسكهم عن الملاحات إذا خولف ثم أفضينا في شربنا وانبسط الرجل فإذا هو أحسن الناس خُلقا خَلقا وكنا ربما امتحناه بأن ندعوه إلى الشيء الذي نعلم أنه يكرهه فيظهر لنا ألا نريد غيره ونرى ذاك في إشراق وجهه ونسبه فلم يمكن منا غير معرفة الكنية فإنا سألناه عنها فقال أبو الفضل فقال لنا يوما بعد اتصال الأنس ألا أخبركم كيف عرفتكم قلنا إنا لنحب ذاك قال أحببت في جواركم جارية وكان سيدها ذا عزائم وكنت أجلس لها في الطريق التمس اجتيازها فأراها حتى أخلفني الجلوس على الطريق ورأيت غرفتكم هذه فسألت عن خبرها فخبرت عن ائتلافكم ومساعدة بعضكم بعضاً فكان الدخول فيما أنتم فيه آثر عندي من الجارية فسألناه عنها فخبرنا، قلنا ما نحيد عنها لك حتى نظفرك بها فقال يا أخوتي إني والله على ما ترون مني من شدة المحبة والكلف بها ما قدرت فيها حراما قط ولا تقديري ألا مطاولتها ومصايرتها إلى أن يمن الله بثروة فاشتريها وأقام معنا شهرين ونحن على غاية الاغتباط بقربه والسرور بصحبته ثم اختلس منا فنالنا لفراقه كل ممض ولوعة مؤلمة ولم نعرف منزلا نلتمسه منه فكدر علينا من العيش ما كان طاب لنا به وقبح عندنا ما كان حسن بقربه وجعلنا لا نرى سروراً ولا غماً إلا إذا ذكرنا اتصال الأنس والسرور بحضوره والغم بمفارقته فكنا كما قال القائل: يذكرينهم كل خير رأيته ... وشر فما أنفك منهم على ذكرى

فغاب عنا زهاء عشرين يوماً ثم بينما نحن مجتازون من الرصافة إذا به قد طلع في موكب نبيل وزي جليل فحيث بصرنا به انحط عن دابته وانحط غلمانه ثم قال يا إخوتي إني والله ما هنا لي عيش بعدكم ولست أماطلكم بخبري حتى آتى المنزل ولكن ميلوا بنا إلى المسجد فملنا معه فقال أعرفكم أولاً بنفسي أنا العباس بن الأحنف وكان من خبري بعدكم أني خرجت إلى منزلي من عندكم فإذا المسودة محيطة بي فمضى إلى دار أمير المؤمنين فصرت إلى يحيى بن خالد فقال لي ويحك يا عباس إنما أخبرتك من طرفاء الشعر لقرب مأخذك وحسن مأينك وأن الذي ندبتك له من شأنك وقد عرفت خطرات الخلفاء وإني أخبرك أن ماردة هي الغالية على أمير المؤمنين اليوم وأنه جرى بينهما عتاب فهي بدلالة المعشوق تأبى أن تعتذر وهو بعز الخلافة وشرف الملك يأبى ذلك وقد رمت الأمر من قبلهما فأعياني وهو أحرى أن تسقره الصبابة فقل شعراً يسهل عليه هذه السبيل فقضى كلامه ثم دعاه أمير المؤمنين فصار إليه وأعطيت دواة وقرطاسا فاعتراني الزمع وأذهب عني كل قافية ثم انفتح لي شيء والرسل بين يدي فجاءتني أربعة أبيات رضيتها وقعت صحيحة المعنى سهلة الألفاظ ملائمة لما طلب مني فقلت لأحد الرسل أبلغ الوزير أني قد قلت أربعة أبيات فإن كان فيها مقنع وجهت بها فرجع إلى الرسول بأن هاتها ففي أقل منها مقنع وفي ذهاب الرسول ورجوعه قلت بيتين من غير ذلك الروي وكتبت الأربعة الأبيات في صدر الرقعة وعقبت بالبيتين فكتبت: العاشقان كلاهما متعتب ... وكلاهما متوجد متغضب صدت مغاضبة وصد مغاضبا ... فكلاهما مما يعالج متعب راجع أحبتك الذين هجرتهم ... إن المتيم قل ما يتجنب إن التجنب إن تطول منكما ... دب السلولة فعز المطلب وكتبت تحت ذلك: لا بد للعشاق من وقفة ... يكون بين الصد والصرم حتى إذا ما الهجر تمادى به ... راجع من تهوى على رغم

ثم وجهت بالكتاب إلى يحيى بن خالد فرفعه يحيى إلى الرشيد فقال والله ما رأيت شعراً أشبه بما نحن فيه من هذا والله لكأني قصدت به فقال له يحيى فأنت والله المقصود به هذا يقوله العباس بن الأحنف في هذه القصة فلما قرأ البيتين وأفضى إلى قوله راجع من تهوى على الرغم استغرب ضاحكاً حتى سمعت ضحكه ثم قال أي والله أراجع على رغم يا غلام هات النعل فنهض وأذهله السرور عن أن يأمر لي بشيء فدعاني يحيى فقال لي إن شعرك قد وقع بغاية الموافقة وأذهل أمير المؤمنين السرور عن أن يأمر لي بشيء قلت لكن هذا الخبر ما وقع مني بموافقة ثم جاء فساره فنهض وثبت مكاني ثم نهضت بنهوضه فقال لي يا عباس أمسيت أملي الناس أتدري ما سارني به هذا الرسول قلت لا قال قد ذكرني ماردة بلغت أمير المؤمنين لما علمت بمحبته فقالت يا أمير المؤمنين كيف فأعطاها الشعر وقال فعلت شيئاً بعد قالت إذا والله لا أجلس حتى يكافئ قال فأمير المؤمنين قائم لقيامها وأنا قائم بقيام أمير المؤمنين وهما يتناظران في صلتك فهذا كله لك ما لي من هذا كله ألا الصلة ثم قال هذا أحسن من شعرك فأمر أمير المؤمنين بمال كثير وأمرت ماردة بمال دونه وأمر الوزير بمال دون ما أمرت به وحملت على ما ترون من الظهر ثم قال الوزير من تمام اليد قبلك ألا ترجع من الدار حتى يؤتي لك بهذا المال ضياعاً فاشتريت لي ضياع بعشرين ألف دينار ودفع إلى بقية المال فهذا الخبر الذي عاقني عنكم فهلموا حتى أقاسمكم الضياع وأفرق فيكم المال فقلنا له هناك الله بمالك وكلنا راجع إلى نعمة من الله فأقسم وأقسمنا قال فامضوا بنا إلى الجارية حتى نشتريها فمشينا إلى صاحبها وكانت جارية جميلة حلواء بلا تبخس شيئاً أكثر ما فيها ظرف اللسان وتأدية الرسائل وكانت تساوي على وجهها مائة وخمسين دينار فلما رآني مولاها أسامني فيها خمسمائة دينار فأوحيناه بالعجب فحط مائة ثم حط مائة وقال العباس يا فتيان إني والله أقسم أحتشم بعد ما قلتم ولكنها حاجة في نفسي بها يتم سروري فإن ساعدتم فعلت قلنا له قل قال هذه الجارية أنا عاينتها منذ دهر وأريد أيثار نفسي بها يتم سروري فإن ساعدتم فأكره أن تنظر إلى بعين كن قد ماكس في ثمنها فأعطيه فيها خمسمائة دينار كما سأل قلنا فإنه قد حط مائتين قال وإن فعل فصادفنا من مولاها رجلاً حراً فأخذ ثلاثمائة دينار وجهزنا بالمائتين فما زال لنا محبا إلى أن فرق الموت بيننا. الليلة الثالثة حدث عبد الرحمن بن عمر الفهري عن رجال سماهم قال أمر المأمون أن يحمل إليه عشرة أناس من البصرة كانوا يرمون بالزندقة عنده فحملوا إليه فبينما أحد الطفيليين جائزا إذ رآهم مجتمعين فقال ما اجتمع هؤلاء ألا لوليمة فأنل معهم ودخل في جملتهم ومضى بهم المتوكلون إلى البحر فأطلعوهم في زورق قد أعد لهم فقال الطفيلي كأنها نزهة فأصعد معهم في الزورق فلم يكن بأسرع من أن قيد القوم فقيدوا الطفيلي معهم فعلم أنه قد وقع ورام الخلاص قلم يقدر ثم دفع الملاح وساروا إلى أن وصلوا بغداد وحملوا على دخول المأمون فأمر بضرب أعناقهم فاستدعوا بأسمائهم رجلاً رجلاً وهو يقتل حتى لم يبق ألا الطفيلي وفرغت العدة فقال المأمون للمتوكلين بهم ما هذا قالوا يا أمير المؤمنين ما ندري غير أ، اوجدناه مع القوم فجئنا به فقال له امأمون ما قصتك ويلك فقال يا أمير المؤمنين امرأته طالق إن كان يعرف من أقوالهم شيئاً ولا يعرف غير لا إله إلا الله محمد رسول الله وإنما رأيتهم مجتمعين فظننت أنهم يدعون إلى مأدبة أو دعوة فالتحقت بهم قال فضحك المأمون ثم قال بلغ من شؤم التطفيل إلى أن أدخل صاحبه هذا المدخل لقد سلم هذا الجاهل من الموت ولكن يؤدب حتى يتوب. قال وكان إبراهيم بن المهدي حاضراً يومئذ فقال يا أمير المؤمنين هبه لي وأحدثك بحديث عن نفسي في التطفيل عجيب، قال قد وهبته لك، هات حديثك، قال:

يا أمير المؤمنين خرجت يوماً متنكراً أنظر إلى سكك بغداد فاستهوى بي التفرج وانتهى بي المشي إلى موضع شممت فيه روايح طعام وأبازير قد تاقت نفسي إليها ووقفت يا أمير المؤمنين لا أقدر على المضي فرجعت بصرى فإذا شباك ومن خلفه كف ومعصم ما رأيت أحسن منه فوقفت حائراً ونسيت روايح الطعام بذلك الكف والمعصم فأخذت في أعمال الحيلة في الوصول فنظرت فإذا بخياط قريب من ذلك الموضع فقدمت إليه وسلمت عليه فرد علي فقلت يا سيدي لمن هذه الدار قال يا سيدي لرجل من البزازين قلت فما اسمه قال فلان ابن فلان قلت هو ممن يشرب الخمر قال نعم وأظن اليوم عنده وليس ينادم إلا تجاراً مثله فبينما نحن في الكلام إذ أقبل رجلان راكبان فقال هؤلاء ندماؤه فقلت ما أسماؤهما وما كناهما فقال فلان وفلان فحركت دابتي فلحقتهما وقلت جعلت فداكما قد استبطأكما أبو فلان أعزه الله وسايرتهما حتى أتيا الباب فدخلت ودخلا فلما رآني صاحب المنزل معهما لم يشك في أني منهما بسبيل فرحب بي وأجلسني في أفضل المواضع ثم جئ بالمائدة ونقل إليها الألوان فكان طعمها يا أمير المؤمنين أطيب من رائحتها فقلت في نفسي هذه الألوان قد من الله على ببلوغ الغرض منها يبقى الكف والمعصم ثم جئ بالضوء فغسلنا ثم نقلنا إلى مجلس المنادمة فإذا هو أشكل منزل وأظرفه في سائر أموره وجعل صاحب المنزل يلطف ويقبل عليّ في الحديث لظنه أني ضيف لاضيافه وهم على مثل ذلك يظنون أن إكرامه لي عن معرفة متقدمة وصداقة حتى شربنا أقداحا خرجت علينا جارية كأنها غصن بان في غاية الظرف وحسن الهيئة فسلمت غير خجلة وأتيت لها وسادة فجلست وأتى بعود فأخذته وحبسته أحسن حبس واندفعت تغني فغنت: توهمها طرفي فأصبح خدها ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر وصافحها كفي فآلم كفها ... فمن لمس كفي في أناملها عقر فهيجت يا أمير المؤمنين بلبالي وطربت لحسن شعرها وحذقها ثم اندفعت فغنت أيضاً: أشرت إليها هل عرفت مودتي ... فردت بطرف العين إني على العهد فحدت عن الإظهار حفظاً لسرها ... وحادت عن الإظهار حفظاً على عهد فجاءني من الطرب ما لم أملك معه نفسي وطرب القوم طرباً شديداً ثم غنت: أليس عجيبا أن بيتا يضمن ... وإياك لا تخلو ولا تتكلم سوى أعين تبدي سرائر نفس ... وتقطيع أنفاس على النار تضرم إشارة أفواه وغمز حواجب ... وتكسير أجفان وكف تسلم فحسدتها على حذقها يا أمير المؤمنين وأصابتها معنى الشعر لأنها لم تخرج من الفن الذي ابتدأت فيه فقلت قد بقي عليك يا جارية شيء فرمت بالعود وقالت متى كنتم تحضرون في مجالسكم البغضاء فندمت على ما كان مني ورأيت القوم كأنهم تنكروا بي فقلت في نفسي فاتني جميع ما أملت أن لم أتلافي قضيتي فقلت أثم عود قالوا نعم فأتيت بعود مليح الصنعة فأصلحت ما أردت ثم اندفعت فغنيت: ما للمنازل لا تجيب حزينا ... أصم أم قدم الليل البلا فبلينا روح الفتية دوحة مذكورة ... إن مت متنا وإن حييت حيينا فما استتميت يا أمير المؤمنين حتى وثبت الجارية على رجلي تقبلها وتقول معذرة إليك والله ما علمت مكانكم ولا سمعت مثل هذه الصنعة من أحد ثم زاد القوم في إكرامي وتبجيلي وطربوا غاية الطرب وشربوا بالطاسات، فلما رأيت طربهم اندفعت فغنيت: أبي الله أن تمسين لا تذكرينني ... وقد سمحت عيناي من ذكرك الدما إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل مني وتبدي علقما فردى مصاب القلب أنت قتلته ... فلا تتركيه ذاهب العقل مغرما إلى الله أشكو أنها أجنبية ... أكون لها ما عشت بالود محرما فرأيت من طرب القوم شيئاً خشيت أنهم فارقوا عقولهم فأمسكت عنهم ساعة ثم راجعت أمرهم لما هدأت نفوسهم واندفعت وغنيت: هذا محبك مطويا على كمده ... صب مدامعه تجري على جسده له يد تسأل الرحمن راجية ... مماته ويد أخرى على كبده يا من رأى كفا مستنهريا دفقا ... كانت منيته في طرفه ويده

فجعلت الجارية تصيح هذا والله الغناء لا ما نحن فيه وشرب القوم وسكروا وبقي في صاحب المنزل مسكة لجودة شربه فأمر غلمانهم بحفظهم إلى منازلهم وانصرفوا وخلوت معه وشرب أقداحا ثم قال يا سيدي ذهب ما مضى من عمري هدرا إذ لم أكن أعرف مثلك ولم أحاضر رئيسا يشبهك فبالله يا مولاي من أنت لأعرف نديمي فأخذت أروي عليه وهو يقسم علي إلى أن أعلمته من أنا على الحقيقة فوثب قائماً على قدميه وقال لقد عجبت أن يكون هذا الفعل إلا لمثلك ولقد أسدى الزمان إلى يد ألا أقوم بشكرها ومتى طمعت بأن يزورني ذو الخلافة في منزلي وينادمني ما هذا ألا في المنام فلا أتممت ليلتي ألا قائماً بين يديك إذ كنت أحقر أن أجالس ذا الخلافة فأقسمت عليه إلى أن جلس ثم أخذ يسألني ما السبب في حضوري عنده بألطف معنى فأخبرته يا أمير المؤمنين بالقصة من أولها إلى آخرها وما سترت منها شيئاً ثم قلت أما الطعام فنلت منه بغيتي وأما الكف والمعصم إن شاء الله ثم قال يا فلانة قولي لفلانة جارية له تنزل وجعل يستدعي واحدة واحدة ويعرضها علي وأنا لا أدري صاحبتي إلى أن قال والله ما بقي غير أمي وأختي والله لينزلن فعجبت من كرمه وسعة صدره فقلت جعلت فداك ابدأ بالأخت فقال حباً وكرامة ثم نزلت أخته فأراني يدها فإذا هي التي رأيتها فقلت حسبك هذه الجارية فأمر غلمانه لوقته واستدعى عشرة مشايخ سماهم لهم ثم قام فأخرج بدرتين عشرين ألف درهم وحضرت المشايخ فقال لهم هذا سيدي إبراهيم بن المهدي يخطب مني أختي فلانة وأشهدكم أني قد زوجتها له وأمهرتها له عشر آلاف درهم فقلت له قبلت ورضيت النكاح فشهدوا علينا ثم دفع البدرة الواحدة إلى أخته والأخرى فرقها على المشايخ ثم قال أعذروا فهذا ما حضر فشكروا ودعوا له وانصرفوا ثم قال يا سيدي أمهد لك بعض البيوت وتنام مع أهلك فاحتشمني وما رأيت من كرمه واستحييت أن أخلوا بها داره فقلت بل أحضر عمارية وأجهزها وأحملها إلى منزلي فوحقك يا أمير المؤمنين لقد حمل إليّ من الجهاز ما ضاقت عنه بيوتنا على سعتها فأولدتها هذا الغلام القائم بين يديك يا أمير المؤمنين فعجب المأمون من كرم هذا الرجل فقال لله دره ما سمعت قط بمثله ثم أطلق الطفيلي بإجارة إبراهيم وأمر بإحضار الرجل ليشاهده فأحضر بين يديه فاستنطقه فأعجبه وصار من جملة خواصه ومحاضرته. الليلة الرابعة

حدث غير الهلالي قال كان من فتيان بني هلال فتى يقال له بشر بن عبد الله وكان يعرف بالأشتر وكان من سادات بني هلال أحسنهم وجها وأسخاهم كفا وكان مغرماً بجارية من قومه تدعى جيدا وكانت بارعة الجمال والكمال ثم اشتهر أمره وأمرها وظهر خبرهما بين أهليهما إلى أن كانت بين الفريقين ثم افترقوا وأبعدت منازلهم فقال غير فلما طال على الأشتر الفراق وتمادى البعد جاءني فقال يا غير هل لك من خبر ثم ما عندي ألا ما أجبته فقال تساعدني على زيارة جيد فقد أذهب الشوق روحي فقلت نعم بالحب والكرامة فانهض بنا إذا شئت وركبت وسرنا يومنا وليلتنا والغد حتى إذا كان العشاء أنخنا راحلتنا في شعب قريب من الفريق فقال يا غير أذهب فتأنس بالناس وأذكر أن لقيت أحداً أنك صاحب ضالة ولا تعرض بذكرى بين شفة ولا لسان إلى أن تلقى جاريتها فلانة ترعى غنمهم فأقرئها مني السلام وسلها عن الخبر وأعلمها بموضعي قال فخرجت لأعدو إلى ما أمرني به حتى لقيت الجارية وأبلغتها الرسالة وأعلمتها مكانة وسألتها عن الخبر وأعلمتها بموضعي فقالت هي والله مشدد عليها تحفظ بها ولكن مواعدكم أوائل الشجرات اللواتي عند أعقاب البيوت مع صلاة العشاء قال فانصرف إلى صاحبي فأعلمته الخبر ثم نهضت أنا وهو نقود راحلتنا أتينا الموضع في الوقت المعهود فلم نلبث ألا قليلاً وإذا جيد تمشي قريباً منا فوثب الأشتر فصاحبها وسلم عليها وقمت أنا موليا عنهما فقالا نقسم عليك بالله ألا ما رجعت فوالله ما نحن في مكروه ولا بيننا ما يستر عنك فرجعت إليهما وجلست معهما فقال الأشتر ما فيك حيلة يا جيد نتعلل الليلة قالت لا والله ومالي إلى ذلك سبيل إلا أن يرجع الذي عرفت من البلاء والشر فقال لها لا بد من ذلك ولو كان ما عسى أن يكون قالت فهل في صاحبك هذا من خير قلت قولي ما بدا لك فأني انتهى إلى رأيك ولو كان فيه ذهاب روحي فخلعت ثيابها وقالت ألبسها وأعطني ثيابك ففعلت ثم قالت أذهب إلى بيتي وأدخل في سربي فأن زوجي سيأتيك بعد فراغه من الحيلة والقدح مملوء فيقول هاك غبوقك فلا تأخذ منه حتى تطل ذلك عليه ثم خذه أو دعه حتى يضعه ويذهب فلست تراه حتى تصبح إن شاء الله تعالى قال فذهبت ففعلت ما أمرتني به حتى إذا جاء بالقدح لم آخذه حتى نكد عليه ثم أهويت لأخذه منه وأهوى هو ليضعه فاختلفت أيدينا على الإناء فانكفأ القدح وأنهرق اللبن فقال أن هذا لطماح جداً وضرب بيده إلى مقدم البيت واستخرج سوطاً ملويا مثل الثعبان ثم دخل فهتك الستر عليّ ومتع السوط مني تمام عشرين سوطا ثم جاءت أمه وأخته فانتزعاه من يده لا والله ما فعلا ذلك حتى زال عقلي وهممت أن أجبه بالسكين وأن كان فيها الموت فلما خرجوا شددت سترى وقعدت كما كنت فلم البث إلا قليلاً حتى دخلت أم جيد فكلمتني وهي لا تشك أني بنتها واندفعت في البكاء والنحيب وتغطيت بثوبي ووليتها ظهري فقالت يا بنية اتقى الله في نفسك ولا تعرضي بمكروه زوجك فذاك أولى بك وأما الأشتر فذاك آخر الدهر وخرجت من عندي وقالت سأرسل إليك أختك تؤنسك الليلة فما لبثت غير دقيقة وإذا الجارية قد جاءت فجعلت تبكي وتدعو على من ضربني وأنا لا أكلمها ثم انضجعت إلى جنبي فلما استمكنت منها شددت يدي على فيها وقلت يا هذه تلك أختك مع الأشتر وقد قطع ظهري الليلة بسببها وأنت أولى بالستر عليها فاختاري لنفسك ولها ولئن والله تكلمت بكلمة لأصيحن أنا بجهدي حتى تكون الفضيحة شاملتهم فلما سمعت ذلك دفعت يدي عن فيها واهتزت كما يهتز القضيب فلم أزل بها حتى أنست بي فباتت والله معي أحسن رفيق رافقته ولم نزل نتحدث وتضحك مني وما نالني وتمكنت منها تمكن من لو أراد زنية فعلها ولكن الله عصم فله الحمد ولم نزل كذلك حتى طلع الفجر وإذا جيد قد دخلت علينا فلما رأتنا ارتاعت وقالت ويحك من هذه فقلت أختك قالت وما الخبر قلت تخبرك فإنها والله نعم الأخت وأخذت ثيابي ومضيت إلى صاحبي فركبت أنا وهو وحدثته ما أصابني وكشفت له عن ظهري فإذا فيه ضرب رمى الله ضاربه بالنار كل شربة يخرج منها الدم فلما رآني كذلك قال لقد عظم صنعك ووجب شكرك وطالت يدك فلا أحرمني الله مكافأتك ولم يزل شاكراً معترفاً. الليلة الخامسة

قال الواقدي كان إبراهيم بن المهدي قد ادعى الخلافة لنفسه بالري وأقام مالكها سنة واحد عشر شهراً وأثنى عشر يوماً وله أخبار كثيرة أحسنها عندي ما حكاه لي قال: لما دخل المأمون الري وطلبني أشد الطلب وجعل لمن أتاه بي مائة ألف درهم فخفت على نفسي وتحيرت في أمري فخرجت من داري وقت الظهر وكان يوماً صائفا وما أدري أين أتوجه فمررت على وجهي حتى وقعت في وقاق لا ينفد فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون إن عدت على أثرى يرتاب بي فرأيت في صدر الزقاق عبداً أسود وهو قائم على باب دار فتقدمت إليه فقلت له أعندك موضع أقيم فيه ساعة من نهار فقال نعم وفتح الباب فدخلت إلى دار نظيفة فيه حصيرة نظيفة ومخدة جلد إلا أنها نظيفة ثم أغلق الباب عليّ ومضى لسبيله فتوهمته قد جعل الجعالة فيّ وأنه خرج ليدل على فبقيت على مثل النار قلقا فبينما أنا كذلك إذ أقبل ومعه حمال عليه كل ما يحتاج إليه من خبز ولحم وقدر جديد وحرة نظيفة وكيزان جدد فحط عن الحمال والتفت إلى وقال جعلني الله فداك أنا رجل حجام وأنا أعلم أنك تتقذر مني لما أتولاه من معيشتي فشأنك بما لم تقع عليه يد وكان لي حاجة إلى الطعام فطبخت لنفسي قدرا ما أذكر أني أكلت مثله فلما قضيت أربي من الطعام قال لي هل لك من شراب فأنه يسلي الهم ويطيب العيش ويدفع عن النفس الغم قلت ما أكره ذلك رغبة في أن أؤانسه فأتى بقطرمين جديد لم تمسه يد وجاءني بذتين من شراب مطيبة وقال لي روق نفسك فروقت شراباً نهاية في الجودة وأحضر لي قدحا جديدا وفاكهه ونقلا مختلفة في طسوت فخار جدد ثم قال لي بعد ذلك أتأذن لي جعلت فداك أن أقصد ناحية عنك وآتى بنبيذ لي فأشرب منه سرورا بك فقلت له أفعل فشرب وشربت ثلاثاً ثم دخل إلى خزانته فأخرج عودا مصلحا ثم قال يا سيدي ليس من قدري أن أسألك تغني ولكن قد وجب على مروءتك وحرمتي فإن أردت بأن تشرف عبدك بأن تغني لنفسك فأفعل فقلت ومن أين لك أني أحسن الغناء فقال متعجباً سبحان الله أشهر من ذلك أنت إبراهيم بن المهدي خليفتنا بالأمس الذي جعل المأمون لمن دل عليك مائة ألف درهم فلما قال ذلك عظمت هيبته ومروءته عندي وعلمت أن نخوته أجل من المال الذي بذلته في فتناولت العود فأصلحته وغنيت وقد مر بخاطري فراق أهلي وولدي: وعسى الذي أهدي ليوسف أهله ... وأعزه في السجن وهو أسير أن يستجيب لنا فيجمع شملنا ... والله رب العالمين قدير فقال يا سيدي أجعل الذي تغنيه ما يقتضيه حالك فقلت نعم فقال غن لي: أن الذي عقد الذي انعقدت به ... عقد المكارة فيك يحسن حلها فاصبر فإن الله يعقب راحة ... ولعلها أن تنجلي ولعلها فغنيته ولم أكن أحسن لحنه ولكني لحنته وتفاءلت به وحسن عندي إيراده فشرب وشربت وقال غن لي يا سيدي فقلت: فلا تجزع وأن أعسرت يوما ... فقد أيسرت في الزمن الطويل ولا تيأس فإن اليأس كفر ... لعل الله يغني عن قليلي ولا تظن بربك غير خير ... فإن الله أولى بالجميل وكنت أعرفه فغنيت وشربت فقال الله درك على لله يد إذ آنسني بمثلك وما كنت أحسب أن الزمان يسمح لي بكونك في منزلي فإن رأيت أن تغني لي فقلت: وإذا تنازعني أقول لها اصبري ... موت بريحك أو علو المنبر ما قد قضى الرحمن فاصطبري له ... ولك الأزمان من الذي لم يقدر فغنيته وحسن في روحي اقتضاءه وآنست به واستظرفته ثم قال لي يا سيدي أتأذن لي أن أغني ما سنح وأن كنت من غير أهل هذه الصناعة فقلت له زيادة في أدبك ومروءتك فأخذ العود وغنى: شكونا إلى أحبابنا طول ليلنا ... فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا وذاك لأن النوم يغشى عيونهم ... سريعا ولا يغشى النوم لنا أعينا إذا ما بدا الليل المضر بذي الهوى ... جزعنا وهم يستبشرون إذا رنا فلو أنهم كانوا يلاقون مثلما ... نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا فوالله لقد أحسنت بالبيت قد سرني وذهب عني كل ما كنت فيه من الهلع وسألته أن يغني فغنى: تعيرنا أنا قليل عدادنا ... فقلنا لها أن الكرام قليل وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل وإنا لقوم لا نرى القتل سنة ... إذا ما رأته عامر وسلول

يقرب حب الموت آجالنا لنا ... وتكرهه آجالهم فتطول فداخلني من الطرب ما لا مزيد عليه إلى أن عاجلني السكر فلم استيقظ إلا بعد المغرب فعاودني فكري في نفاسة هذا الحجام وحسن أدبه وظرفه وكيف اقتضاني من الغناء ما أراد أن يسليني به فقمت وغسلت وجهي وأيقظته وأخذت خريطة كانت صحبتي فيها دنانير كثيرة لها قيمة فرميت بها إليه وقلت له استودعك الله فأني ماض من عندك وأسألك أن تصرف ما في هذه الخريطة على بعض مهماتك ولك عندي المزيد أن أمنت من خوفي فأعادها إلى متنكرا وقال لي يا سيدي أن الصعلوك ما لا قدر له وليس عندكم من ذوي الرياسات ويظن به الظنون الرديئة عن الأخذ آخذ على ما وهبنيه الزمان من قدرك وحلولك عندي ثم أني ألححت عليه فأومي على موسى وقال والله لئن راجعتني فيها لأقتلن نفسي فخشيت عليه وأخذت الخريطة فأعدتها إلى كمي وقد أثقلني حملها فلما انتهيت إلى باب داره معولا إلى المضي قال لي سيدي أن هذا الموضع أخفى لك وليس في مؤنتك ثقلة فأقم عندي إلى أن يفرج الله عنك فرجعت وسألته أن يكون منفقا من الخريطة فلم يفعل وكان يفعل في كل يوم مثل ما فعله في يوم حلولي عنده فأقمت أياما في ألذ عيش فتبرمت من الإقامة في منزلي واحتشمت من التثقيل فتركته وقد مضى بجدد لنا حالنا فقمت وتزينت بزي النساء بالخف والنقاب فخرجت فلما صرت في الطريق داخلني من الخوف أمر شديد وجئت لأعبر الجسر فإذا أنا بالموضع قد رش وصار زلقا فأبصرني جندي ممن كان يخدمني فعرفني وقال هذه حاجة المأمون فتعلق بي فمن حلاوة الروح دفعته هو وفرسه فرميتهما في ذلك الزلق وتبادر الناس لينقذوه فاجتهدت في المشي حتى قطعت الجسر ودخلت زقاقا فوجدت باب دار وامرأة في دهليزه فقلت يا سيدي النساء احقنى دمي فإني رجل خائف فقالت على الرحب وأطلعني إلى غرفة وفرشت لي وقدمت طعاماً وقالت هدئ روعك فما يعلم بك مخلوق عندي ولو أقمت سنة وهي معي في ذلك وإذ بالباب يدق دقاً عنيفاً فخرجت فتحت الباب فإذا بصاحبي الذي دفعته على الجسر وهو مشدود الرأس ودمه يجري على ثيابه وليس معه فرسه فقالت يا هذا ما بالك فقال لها أن حديثي عجيب ظفرت بالفتى وانفلت مني ولو كنت حملته إلى والمأمون لتعجلت لي مائة ألف درهم قالت وما هو قال إبراهيم ابن المهدي لقيته وتعلقت به فدفعني والفرس فأصابني ما ترين قال فأخرجت إليه خرقا فعملتها في جرحه وعصبته وأسقته شراباً ونام عليلاً وطلعت إليّ فقالت أظنك صاحب القصة فقلت نعم فقالت لا بأس عليك ثم جددت الكرامة فأقمت عندها ثلاثا ثم قالت أني خائفة عليك من هذا الرجل لئلا يطلع على أثرك فينم بك فانج بنفسك فسألتها إمهالي إلى الليل ففعلت فلما دخل الليل لبست زي النساء وخرجت من عندها فأتيت إلى بيت مولاة كانت لي فلما رأتني توجعت لي وبكت وحمدت الله على سلامتي وخرجت كأنها تريد السوق والاهتمام في الضيافة وظننت خيراً فما شعرت إلا بإسحاق بن إبراهيم المصلي بنفسه في خيله ورجله والمولاة معه فسلمتني له فرأيت الموت عيانا وحملت إلى المأمون فجلس مجلسا عاما وأدخلني إليه فلما مثلت بين يديه سلمت عليه بالخلافة فقال لا سلم الله عليك ولا رعاك ولا حباك فقلت على رسلك يا أمير المؤمنين أن أولى الثار محكم في القصاص والعفو أقرب للتقوى ومن تناولته أيدي الاغترار بما أمد له من أسباب الرجا لم يأمن من غائلة الدهر وقد جعلك الله فوق كل ذي عفو كما جعل كل ذنب تحت عفوك فإن تأخذ فبحقك وأن تعف فبفضلك ثم أنشدت: ذنبي إليك عظيم ... وأنت أعظم منه فخذ بحقك أولا ... فاصفح بحلمك عنه إن لم أكن في فعالي ... من الكرام فكنه فرفع رأسه إلى فبدرته وقلت: أذنبت ذنبا عظيما ... وأنت للعفو أهل فإن عفوت فمن ... وإن جزيت فعدل فرق لي المأمون واستروحت رواح الرحمة في وجهه ثم أقبل على أخيه أبي إسحاق وابنه العباس وجميع من حضر في خاصته وقال ما تقول يا أحمد فقال يا أمير المؤمنين أن قتلته وجدنا مثلك قتل مثله وأن عفوت عنه لم نجد مثلك عفا عن مثله فنكس المأمون رأسه ينكث بأصبعه في الأرض ثم قال متمثلا: قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي فلئن عفوت لاعفون جدالا ... ولئن سطوت لأوهين عظمي

فكشفت المقنعة عن رأسي وكبرت تكبيرة عظيمة فقلت عنا والله عفى أمير المؤمنين فقال لا بأس عليك يا عم فقلت يا أمير المؤمنين ذنبي عظيم أعظم من أن أتفوه معه بعذر وعفوك أعظم من أنطق معه بشكر ولكن أقول: أن الذي خلق المكارم حازها ... في صلب آدم والإمام الشافعي ملئت قلوب الناس منك مهابة ... وتظل تكلؤهم بقلب خاشع فعفوت عمن لم يكن عن مثله ... عفو ولم يشفع إليك بشافع ورحمت أطفالا كأفراخ القطا ... وحنين والدة بقلب جازع رد الحياة على بعد ذهابها ... كرم الملك العادل المتواضع فقال لي المأمون لا تثريب عليك اليوم قد عفوت عنك ورددت عليك ضياعك فقلت رددت مالي ولم تبخل على به وقبل ردك مالي قد رددت دمي: نأيت عنك وقد خولتني نعما ... هما الحياتان من الموت ومن عدم فلو بذلت دمي أبغي رضاك به ... والمال حتى أسل النعل من قدم ما كان ذاك سوى عارية رجعت ... إليك لو لم تعدها كنت لم تلم وأن جحدتك ما أوليت من نعم ... أني إلى اللؤم أولى منك بالكرم فقال المأمون أن من الكلام كلاما كالدر وهذا منه وأمر لإبراهيم بمال وخلع عليه وقال يا إبراهيم أن أبا إسحاق وأبا العباس أشارا بقتلك فقلت أنهما نصحا لك يا أمير المؤمنين ولكن أبيت إلا ما أنت أهله ودفعت عني ما خفت بما رجوت فقال المأمون قد مات حقدي عليك بحيات عذرك وعفوي عنك وأعظم من عفوي عنك أني لم أجرعك مرار امتنان النافعين ثم سجد المأمون طويلا ثم رفع رأسه وقال يا إبراهيم أتدري لم سجدت فقلت شكر الله الذي أظفرك بعدوك وعدو دولتك فقال ما أردت هذا ولكن شكرا الله على ما ألهمني من العفو عن مثلك فحدثني الآن حديثك فشرحت لهى صورة أمري وما جرى لي مع الحجام والجندي والمرأة والمولاة التي أسلمتني فأمر المأمون بإحضارها وهي في دارها تنتظر الجائزة فقال لها ما حملك على فعلت مع أنعامه عليك فقالت رغبة في المال فقال لها هل لك من ولد أو زوج فقالت لا فأمر بضربها مائة سوط وخلدها في السجن ثم قال أحضروا الجندي وامرأته والمزين فأحضروا فسأل الجندي عن السبب الذي حمله على ما فعل فقال الرغبة في المال فقال المأمون أنت أولى أن تكون حجاما من أن تكون من أوليائنا ووكل به يلزمه الجلوس في دكان الحجام ليتعلم الحجامة واستخدم زوجته قهرمانة في قصر وقال هذه امرأة عاقلة أديبة تصح للمهمات ثم قال للحجام لقد ظهر من مروءتك ما يجب معه المحافظة عليه وسلم إليه دار الجندي ودابته وخلع عليه وأثبته برزقه وزيادة ألف دينار في كل سنة ولم يزل بخير إلى أن مات. الليلة السادسة قال الأمير بدر الدين يوسف المهمندار ابن الأمير سيف الدين أبي المعالي ابن رماح المعروف بمهمندار العرب حكى لي الأمير شجاع الدين محمد الشرزي متولي القاهرة في الأيام الكاملية سنة ثلاثين وستمائة قال بينما أنا عند رجل ببعض بلاد الصعيد فضيفنا وأكرمنا وكان الرجل أسمر شديد السمرة وهو شيخ كبير وحضر له أولاده حسان فيهم صفاء لون فقلنا يا فلان هؤلاء أولاد بيض وأنت شديد السمرة فقال هؤلاء أمهم فرنجية أخذتها في أيام الملك الناصر صلاح الدين وأنا شاب نوبة حطين فقلنا وكيف أخذتها فقال لها حديث عجيب فقلت أتحفنا به فقال:

زرعت كتانا في هذه البلدة وقلعته ونفضته فانصرف عليه خمسمائة دينار فلم يجب أكثر من ذلك فأشير علي بحمله إلى الشام فحملته فلم يجب أكثر من ذلك فقيل لي بعه صبرا لعله يرجع لك حق الطريق فبعت بعضه صبرا إلى ستة أشهر والبعض تركته عندي واكتريت حانوتا أبيع فيه على مهل إلى حين انقضاء الستة أشهر فبينما أنا أبيع وقد مرت بي امرأة فرنجية زوج بعض الخيالة ونساء الفرنج يمشون في الأسواق بلا نقاب فأتت تشتري مني كتانا فرأيت من جمالها ما أبهرني فبعتها وسامحتها ثم انصرفت وعادت إلي بعد أيام فبعتها وسامحتها أكثر من الكرة الأولى فتكررت إلي عندي وعلمت أني أحبها فقلت للعجوز التي معها أنني قد تعلقت بحبها فكيف تتحيلين لي فقالت لها ذلك فقالت تروح أرواحنا الثلاثة أنا وأنت وهو فقلت لها إذا أذهب روحي باجتماعي بها ما هو كثير وحكت لي كلاما كثيرا جرى بينهما واتفق الحال على أن أدفع لها خمسين دينارا صورية وتجيء إليه قال فوزنت خمسين دينارا صورية وسلمتها للعجوز فقالت هيئى لنا موضعك ونحن الليلة عندك قال فمضيت وجهزت ما قدرت عليه من مأكول ومشروب وشمع وحلوى وكانت داري مطلة على البحر وكان الصيف ففرشت لي على سطح الدار وجاءت الفرنجية فأكلنا وشربنا وجن الليل فنمنا تحت السماء والقمر يضيء علينا والنجوم تنظر في البحر فقلت في نفسي أما تستحي من الله وأنت غريب وتحت السماء وعلى البحر وتعصي الله مع نصرانية فتستوجب عذاب النار وعذاب الدنيا اللهم أني أشهدك أني قد عففت عن هذه النصرانية في هذه الليلة حياء منك وخوفا من عقابك ثم نمت إلى الصبح فقامت في السحر وهي غضبي ومضيت ومضيت إلى حانوتي فجلست فيه وإذا هي قد عبرت على هي والعجوز وهي مغضبة وكأنها القمر فهلكت وقلت في نفسي من هو أنت حتى تترك هذه الجارية أنت الجنيد أو السري السقطي ثم لحقت العجوز وقلت أرجعي فقالت وحق المسيح ما نرجع إليك إلا بمائة دينار فقلت نعم ومضيت إلى حانوتي ووزنتها وجاءت إلى ثاني دفعة فلحقتني تلك الفكرة الأولى وعففت عنها وتركتها لله تعالى ثم مضت ومضيت إلى موضعي ثم عبرت على وكلمتني وكانت مستغربة وقالت وحق المسيح ما بقيت تفرح بي عندك إلا بخمسمائة دينار أو تموت كمدا فارتعت لذلك وعزمت أني أغرم ثمن الكتان جميعه وأفدى نفسي فبينما أنا كذلك والمنادي ينادي معاشر المسلمين أن الهدنة التي بيننا وبينكم قد انقضت وقد أمهلنا من هنا من المسلمين إلى جمعة ليقضوا أمورهم وينصرفوا إلى بلادهم فانقطعت عني وأخذت أنا في تحصيل ثمن الكتان الذي لي والمصالحة على ما بقى منه وأخذت معي بضاعة حسنة وخرجت من عكا وأنا في قلبي من الفرنجية ما فيه فوصلت إلى دمشق وبعت البضاعة التي لي بأوفى ثمن لانقطاع وصولها بسبب فراغ الهدنة ومن الله سبحانه وتعالى على بكسب جيد وأخذت أتجر في الجواري عسى أن يذهب ما بقلبي من الفرنجية ولازمت التجارة فيهن فمضى على ثلاث سنين وجرى للسلطان الملك الناصر ما جرى من وقعة حطين وأخذه جميع الملوك وفتحه بلاد الساحل بإذن الله تعالى فطلب مني جارية للملك الناصر وكان عندي جارية حسنة فاشتريت له بمائة دينار فأوصلوا إلى تسعين دينارا وبقيت عشرة دنانير فلم يجدوها في الخزانة ذلك اليوم لأنه أنفق الأموال جميعها فشاوروه على ذلك فقال امضوا به إلى الخزانة التي فيها السبي من نساء الفرنج فخيروه في واحد منهن يأخذها بالعشرة دنانير التي له فأتيت الخزانة فنظرت إليها فعرفت الجارية الفرنجية غريمتي فقلت أعطوني هاتيك فأخذتها ومضيت إلى خيمتي وقلت لها أتعرفينني قالت لا فقلت أنا صاحبك التاجر في المكان الذي جرى له معك ما جرى وأخذت مني الذهب وقلت ما بقيت تبصرني إلا بخمسمائة دينار وقد أخذتك ملكاً بعشرة دنانير فقالت مد يدك أنا أشهد إن لا إله ألا الله وأن محمدا رسول الله فأسلمت وحسن إسلامها فقلت والله لا وصلت إليها إلا بأمر القاضي فرحت إلى ابن شداد وحكيت له ما جرى فعجب وعقد لي عليها وباتت تلك الليلة فحملت ثم دخل العسكر فأتينا إلى دمشق فما كان إلا شهور قلائل وأتى رسول الملك يطلب الأساري والسبايا باتفاق وقع بين الملوك فرد ومن كان أسيراً من الرجال والنساء ولم يبق إلا امرأة الفارس التي عندي فسألوا عنها وألحوا في السؤال والكشف فوشى بها أنها عندي فطلبت مني وحضرت وأنا في شدة وقد تغير لوني

فقالت ما بدا لك وما الذي أصابك قلت جاء رسول الملك وأخذوا الأساري جميعهم وطلبوني فقالت لا بأس عليك أحضرني إليهم وأنا أعرف الذي أقول لهم قال فأخذتها وأحضرتها قدام السلطان الملك الناصر والرسول جالس عن يمينه فقلت هذه المرأة التي عندي فقال لها الملك والرسول تروحين إلى بلادك أم إلى زوجك فقد فك أسرك أنت وغيرك فقالت للسلطان أنا قد أسلمت وحبلت وها بطني كما ترونه وما بقيت الفرنج تنتفع بي فقال لها الرسول يخيرها أيما أحب إليك هذا المسلم أم زوجك الفارس فلان فقالت له كما قالت للسلطان فقال الرسول لمن معه من الفرنج اسمعوا كلامها ثم قال لي الرسول خذ امرأتك وامضي فوليت بها وقد أرسل إلي عاجلاً وقال أن أمها أرسلت لها معي وديعة وقالت أن ابنتي أسيرة وهي عريانة شعثة واشتهي أن ترسل لها هذا الجمدان وتسلمه لها قال فتسلمت الجمدان ومضينا إلى الدار ففتحته فوجدت قماشها بعينه وقد صرته لها أمها ووجدت الصرتين الذهب الخمسين دينار والمائة دينارا كما هما بربطتي لم يتغيرا وهؤلاء الأولاد منها وهي تعيش وهي التي عملت هذا الطعام. الليلة السابعة

قصة أريب بنت إسحاق زوج عبد الله بن سلام القرشي وكان عبد الله بن سلام هذا والياً لمعاوية على العراق وكانت أريب هذه من أجمل النساء وقتها وأحسنهن أدبا وأكثرهن مالاً وكان يزيد بن معاوية قد سمع بجمالها وبما هي عليه من الأدب وحسن الخلق والخلق ففتن بها فلما عيل صبره استهاج في ذلك مع أحد خصيان معاوية وكان ذلك الخصي خاصاً بمعاوية اسمه رفيف فذكر ذلك رفيف لمعاوية وذكر شغفه بها وأنه ضاق ضرعه بأمرها فبعث معاوية إلى يزيد فاستفسره عن أمره فبعث له شأنه فقال معاوية مهلاً يا يزيد قال له علام تأمرني بالمهل وقد انقطع منها الأمل قال له معاوية فأين حجاك ومروءتك فقال له يزيد قد عيل الحجا ونفد الصبر ولو كان أحد ينتفع به من الهوى لكان أولى الناس بالصبر عليه داود حين ابتلى به قال له اكتم يا بني أمرك فإن البوح به غير نافعك والله بالغ أمره فيك ولا بد مما هو كائن وكانت أريب بنت إسحاق مثلاً في أهل زمانها لجمالها وتمام كمالها وشرفها وكثرة مالها فأخذ معاوية في الحيلة حتى يبلغ يزيد رضاه فيها فكتب معاوية إلي عبد الله بن سلام وكان استعمله على العراق أن أقبل حين تنظر كتابي لأمر فيه حظك أن شاء الله تعالى ولا تتأخر عنه وأجد السير وكان عند معاوية يومئذ بالشام أبو هريرة وأبو الدرداء صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم عليه عبد الله بن سلام الشام أمر معاوية أن ينزل منزلا قد هيأه وأعد فيه نزله ثم قال لأبي هريرة وأبي الدرداء إن الله قد قسم بين عباده نعما أوجب عليهم شكرها وحتم عليهم حفظها فحباني منها عز وجل بأتم الشرف وأفضل الذكر وأوسع على رزقه وجعلني راعي خلقه وأمينه على بلاده والحاكم في أمر عباده ليبلوني أأشكر أم أكفر وأول ما ينبغي للمرء أن يتفقده وينظر فيه من استرعاه الله أمره ومن لا غناية عنه وقد بلغت لي ابنة أريد أناكحها وأنظر في تبجيل من يباعلها لعل من يكون بعدي يقتدي بي في هديتي ويتبع فيه أثرى فإنه قد يلي هذا الملك بعدي من يغلب عليه زهو الشيطان ويزينه إلى تعطيل بناتهم ولا يرون لهن كفؤا ولا نظيرا وقد رضيت لها عبد الله بن سلام القرشي لدينه وشرفه وفضله ومروءته وأدبه، فقال أبو هريرة وأبو الدرداء: إن أولى الناس برعاية نعم الله وشكرها وطلب مرضاته فيما خصه منها لأنت أنت صاحب رسول الله وكاتبه وصهره وقال معاوية فاذكروا ذلك عني وقد كنت جعلت لها في نفسها شورى غير أني لأرجو ألا تخرج من رأيي إن شاء الله تعالى فخرجا من عنده متوجهين إلى منزل عبد الله بن سلام بالذي قال لهما معاوية ثم دخل معاوية على ابنته فقال لها إذا دخل عليك أبو الدرداء وأبو هريرة فعرضا عليك أمر عبد الله بن سلام وانكاحي إياك منه فأحرصي على المسارعة إلى هواي وقولي لهما عبد الله بن سلام كفؤ كريم وقريب حميم غير أن تحته أريب بنت إسحاق وأنا خائفة أن يعرض لي من الغيرة ما يعرض للنساء فأنال منه ما يسخط الله فيه فيعذبني عليه ولست بفاعلة حتى يفارقها فلما ذكر ذلك أبو هريرة وأبو الدرداء لعبد الله بن سلام وأعلماه بالذي أمرهما معاوية فردهما إلى معاوية خاطبين منه فقال قد تعلمان رضاي به وحرصي عليه وقد كنت أعلمتكما الذي جعلت لها في نفسي من الشورى فادخلا عليها وأعرضا الذي رأيت لها عليها فدخلا عليها وأعلماها ذلك وأعلماها بالذي ارتضاه أبوها فقالت كالذي قال أبوها فأعلما عبد الله بن سلام بذلك فلما ظن أنه لا يمنعها منه إلا افتراق أريب أنشدهما على طلاقهما وبعث إليهما خاطبين وأعلما معاوية الذي كان من فراق عبد الله بن سلام امرأته طالباً رضاها فأظهر معاوية كراهيته لفعله وقال لهما ما استحسن له طلاق امرأته ولا أجبته فانصرفا في عافية ثم عودا إلينا فيها ونأخذ إن شاء الله رضاه وكتب إلى يزيد ابنه يعلمه بما كان من طلاق عبد الله بن سلام لأريب بنت إسحاق فلما عاد أبو هريرة وأبو الدرداء إلى معاوية أمرهما بالدخول على ابنته وسؤالها عن رضاها تبريا من الأمر ونظرا في القدر ويقول لم يكن لي أن أكرهها وقد جعلت لها الشورى في نفسها فدخلا وأعلماها بطلاق عبد الله بن سلام امرأته ليسراها وذكرا من فضله وتمام مروءته وكريم محمدته فقالت جف القلم بما هو كائن وأنه في قريش لرفيع القدر وقد تعرفان أن التزويج جده جد وهزله جد والأناة في الأمور ممن لا يخاف فيها من

المحذور فإن الأمور إذا جاءت خلاف الهوى بعد التأني فيها كان المرء فيها بحسن العذر خليقا وبالصبر عليها حقيقا وأني سائلة عنه حتى أعرف دخيلة خبره ويصح لي بالذي أريد علمه من أمره وأن كنت أعلم أن الاختيار لأحد فيما هو كائن ومعلمتكما بالذي يرينيه الله في أمره ولا قوة إلا بالله قالا وفقك الله وخار لك ثم انصرفا عنها فلما أعلماه بقولها أنشأ يقول فإن يك صدر هذا اليوم ولي فإن غدا لناظره قريب وتحدث الناس بالذي جرى من طلاق عبد الله بن سلام امرأته وخطبته ابنة معاوية وقالوا لم يطلق حتى فرغ من طلبه له الذي كان من بغيته واستحدث عبد الله أبا هريرة وأبا الدرداء فأتياها فقالا لها اصنعي ما أنت صانعته واستخيري الله فإنه يهدي من استهداه قالت أرجو والحمد لله أن يكون الله قد خار فإنه لا يكل إلى غيره من توكل عليه وقد اختبرت أمره وسألت عنه فوجدته غير ملائم ولا موافق لما أريد لنفسي مع اختلاف من استشرته فيه فمنهم الناهي عنه والآمر به واختلافهم أول ما كرهت فلما أبلغاه كلامها علم أنه مخدوع فإن المرء وأن كمل له حلمه واجتمع له عقله واستبد رأيه ليس يدافع عن نفسه قدراً برأي ولا كيد ولعل متا أسروا به واستحلوا به لا يدوم لهم سروره ولا يصرف عنهم محذوره قال وذاع أمره وفشا في الناس وقالوا خدعه معاوية حتى طلق امرأته وإنما أرادها لأبنه بئس ما صنع فلما بلغ ذلك معاوية قال لعمري ما خدعته فلما انقضت إقراؤها وجه معاوية أبو الدرداء إلى العراق خاطباً لها على ابنه يزيد فخرج حتى قدمها وبها يومئذ الحسين على بن ابن طالب (فقال أبو الدرداء إذ قدم العراق ما ينبغي لذي نهى أن يبدأ بشيء ويؤثره على مهم أموره قبل زيارة الحسين سيد شباب أهل الجنة فإذا دخلت موضعا هو فيه وأديت حقه والسلام عليه انقلبت إلى ما جئت إليه فقصد الحسين فلما رآه الحسين عليه السلام قام إليه وصافحه إجلالاً لصحبته من جده صلى الله عليه وسلم ولموضعه من الإسلام وقال له ما أتى بك يا أبا الدرداء قال وجهني معاوية خاطباً على ابنه يزيد أريب بنت إسحاق فرأيت على حقا أن لا أبدأ بشيء قبل السلام عليك فشكر له الحسين ذلك وأثني عليه وقال لقد كنت ذكرت نكاحها وأردت الإرسال إليها إذا انقضت إقراؤها فلم يمنعني مكن ذلك إلا تخير مثلك فقد أتى الله بك فاخطب رحمك الله على وعليه ليجري من اختاره الله لها وهي أمانة في عنقك حتى تؤديها إليها وأعطها من المهر مثل ما بذل لها معاوية عن ابنه فقال أفعل إن شاء الله فلما دخل عليها قال أيتها المرأة أن الله خلق الأمور بقدرته وكونها بعزته فجعل لكل أمر قدرا ولكل قدر سبباً فليس لأحد عن قدر الله مستخلص ولا للخروج عن علمه مستناص فكان ما سبق لك وقدر عليك من فراق عبد الله بن سلام إياك ولعل ذلك لا يعيرك ويجعل الله فيك خيراً كثيراً وقد خطبك أمير هذه الأمة وابن ملكها وولي عهده والخليفة من بعده يزيد بن معاوية والحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أول من أقر به من أمته وسيد شباب أهل الجنة يوم القيامة وقد بلغك سناهما وفضلهما جئتك خاطباً عليهما فاختاري أيهما شئت فسكتت طويلاً ثم قالت يا أبا الدرداء لو كان هذا الأمر جاءني وأنت غائب لأشخصت فيه الرسل إليك واتبعت فيه رأيك ولم اقتطعه دونك فأما إذا كنت أنت المرسل فيه فقد فوضت أمري بعد الله إليك وجعلته في يديك فاختر لي أرضاهما لربك والله شاهد عليك فاقض في قصدي بالتحري ولا يصدنك عن ذلك اتباع الهوى فليس أمرهما عليك خفيا ولا أنت عما طوقتك غبياً قال أبو الدرداء أيتها المرأة إنما على أعلامك وعليك الاختيار لنفسك فقالت عفا الله عنك إنما أنا بنت أخيك ومن لا غنا لها عنك ولا يمنعك رهبة أحد من قول الحق فيما طوقتك فقد وجب عليك أداء الأمانة فيما حملتك والله خير من روعي وحنف أنه بنا خبير لطيف فلما لم يجد بدا من القول والاستشارة قال يا بنية ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ لك وأرضي عندي والله أعلم بخيرهما لك وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعاً شفتيه على شفتي الحسين فضعي شفتيك حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم شفتيه قالت قد اخترت ورضيت فتزوجها الحسين بن علي عليهما السلام فساق لها مهراً عظيماً وبلغ معاوية الذي كان من فعل أبي الدرداء في ذلك نكاح الحسين

الباب الحادي والعشرون في الشعراء المجيدين

إياها فتعاظمه جداً ولامه شديداً وقال من يرسل ذا بله وعمي يركب خلاف ما يهوي، وكان عبد الله بن سلام قد استودعها قبل فراقه إياها بديرات مملوءة ذهباً وكان ذلك أعظم ماله لديه وأحبه إليه وقد كان معاوية أطرحه وقطع عنه جميع رواتبه عنده لسوء قوله وتهمته أنه خدعه فلم يزل يجفوه حتى عيل صبره وقل ما في يده ولام نفسه على المقام لديه فرجع إلى العراق وهو يذكر ماله الذي استودعه إياها ولا يدري كيف يصنع فيه وأين يصل إليه وهو يتوقع جحودها لسوء فعله بها ولأنه طلقها على غير شيء أنكره عليها فلما قدم العراق لقي الحسين فسلم عليه ثم قال له قد عرفت ما كان من خبري وخبر أريب وكنت قبل فراقي إياها قد استودعتها مالاً عظيماً وكان الذي كان ولم أقبضه ووالله ما أنكرت منها في طول صحبتها فتيلا ولا أظن بها إلا جميلا فذاكرها أمري وأحضضها على رد مالي على فإن الله يحسن عليه ذكرك ويحرك به أجرك فسكت عنه فلما انصرف الحسين إلى أهله قال لها قدم عبد الله بن سلام وهو يحسن إلينا عليك ويحمل النشر عنك في حسن صحبتك وما أنسه قديما من أمانتك فسرني ذلك وأعجبني وذكر أنه كان استودعك مالاً فأد إليه أمانته وردى عليه ماله فإنه لم يقل إلا صدقاً ولم يطلب إلا حقاً قالت صدق استودعني مالاً لا أدري ما هو وإنه لمطبوع بخاتمه ما حول منه شيء إلى يومه وها هو ذا فادفعه إليه بطابعه فأثني عليها الحسين خيرا وقال ألا أدخله عليك حتى تبرئي إليه منه كما دفعه إليك ثم لقي عبد الله فقال مال أنكرت مالك وزعمت أنه كما دفعته إليها بطابعك فأدخل يا هذا إليها وتوف مالك منها قال عبد الله أوتأمر من يدفعه إلى قال لا حتى تقبضه منها كما دفعته إليها وتبرئها منه إذا أدته إليك فلما دخل عليها قال لها الحسين هذا عبد الله بن سلام قد جاء يطلب وديعته فأد إليه أمانته فأخرجت إليه البدر فوضعتها بين يديه وقالت هذا مالك فشكر وأثني وخرج الحسين عنهما وفض عبد الله خواتم بدره وحثى لها من ذلك وقال خذي فهذا قليل مني فاستعبرا جميعاً حتى علت أصواتها بالبكاء أسفا على ما ابتليا به فدخل الحسين عليهما وقد رق لهما للذي سمع منهما فقال أشهد أنها طالق ثلاثاً اللهم قد تعلم أني لم استنكحها رغبة في مالها ولا جمالها ولكني أردت إحلالها لبعلها فطلقها ولم يأخذ شيئاً مما ساق لها في مهرها فسألها عبد الله أن يصرف للحسين ما ساق لها فأجابته شكراً لما صنعه بهما فلم يقبله الحسين وقال الذي أرجوه من الثواب خير لي فلما انقضت إقراؤها تزوجها عبد الله بن سلام وبقيا زوجين متصافيين إلى أن فرق بينهما الموت وحرمها الله يزيد بن معاوية. نقلتها من تاريخ ابن بدرون. الباب الحادي والعشرون في الشعراء المجيدين وهو مقدمة ونتيجة: أقول: لابد من مقدمة ينتفع بها الطالب لهذا العلم لئلا يخلو كتابنا من ذلك الشعر: قول موزون مقفى بالقصد يدل على معنى والمعنى للشعر بمنزلة المادة واللفظ بمنزلة الصورة وهو يشتمل على أربعة أشياء لفظ ومعنى ووزن وقافية وتهذيبه أن يكون اللفظ سمحا سهل المخارج حلوا عذبا وتهذيب الوزن أن يكون حسناً تقبله النفس والغريزة غير منكسر ولا متزحف وتهذيب القافية أن تكون سلسلة المخارج مألوفة فإن القوافي حوافز الشعر وأن يقصد الكلام الجزل دول الرذل ولا يعمل نظما ولا نثرا عند الملل فإن الكثير معه قليل والخواطر ينابيع وإذا رفق بها جمعت وإذا عنف عليها مرجت وليترنم بالشعر وقت عمله فإنه يعين عليه وقد يتخيل الشاعر الشعر الجيد فيمكنه مرة ولا يمكنه أخرى وإياك وتعقيد المعاني وأجعل المعنى الشريف في اللفظ اللطيف لئلا يتلف أحدهما الآخر ومتى عصى الشعر فاتركه ومتى طاوعك فعاوده وروح الخاطر إذا كل وأعمل في أحب المعاني إليك وفي كل ما يوافقه طبعك فالنفوس تعطي على الرغبة ولا تعطي على الإكراه وأعمل الأبيات متفرقة على ما يجود به الخاطر ثم أنظمها في الآخر وحصل المبدأ والمقطع والخروج فهو أصعب ما في القصيدة فإذا فعلته سهل عليك وأشعرها أولاً وهذبها آخراً فقد قيل عن زهير إنه كان يعمل القصيدة في شهرين ويهذبها في حول ولذلك سمي شعره الحولي المنقح.

قال الخوارزمي من روى حوليات زهير واعتذارات النابغة وأهاجي الحطيئة وهاشميات الكميت وقلائص جرير وخمريات أبي نواس وتشبيهات ابن المعتز وزهريات أبي العتاهية ومراثي أبي تمام ومدايح البحتري وروضيات الصنوبري ولطائف كشاجم ولم يخرج إلى الشعر فلا شب الله قرنه. وإذا نثرت منظوما فغير قوافي شعره عن قرائن سجعه وإذا سرقت معنى فغير الوزن والقافية ليخفي ذلك وإذا أخذت شعراً فزد على معناه وانقص من لفظه واحترز مما يطعن به عليك فحينئذ تكون أحق من قائله وأن لا يكاتب العامة بكلام الخاصة ولا بالعكس وأكثر من حفظ النظم والثر فعلي قدر مل يحفظ منه يقوي فيه وأعلم أن الشعر يسخي البخيل ويشجع الجبان ويفرج الهموم ويرضي الغضبان وكذلك قالوا الشعر يعد من السحر وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا" وقال الشافعي في كتاب الأم: والشعر كلام كالكلام فحسنه كحسنة وقبيحة كقبيحة وفضله على سائر الكلام أنه سائر في الناس يبقى على الزمان فينظر فيه وإن كان حسنا كان كغيره من الكلام الحسن. انتهى. وقال الشيخ برهان الدين القيراطي في خطبة ديوانه ويكفي من تفضيله أن النبي صلى الله عليه وسلم استنشد بعض الصحابة من شعر أمية فأنشده مائة قافية، وكانت الصديقة تحفظ للبيد ألف بيت وافية، وكان الشعبي يقول لو شئت أن أملي عليكم من إنشادي شهراً لا أعيد بيتا لفعلت، وكان الأصمعي يحفظ أثني عشر ألف أرجوزة، وما زال السلف يحفظون الشعر قديماً ويتخذونه في الخلوات نديما وينشدونه في مواطن المؤانسة ويوردون دقائقه في ساعات المجالسة، ولو أوردنا ما ورد في فضله من الآثار المسندة والأخبار الممهدة لوقف الناظر منها على حجج قوية ومحجة ضوية، ولقد كان جماعة من العلماء الراسخين والأئمة الورعين لهم في صناعة الشعر الغاية وانتهوا في الإجادة فيه إلى النهاية يعرف ذلك من وقف على تراجمهم وأحصاها وطالع أخبارهم واستقصاها. وحديث "احثوا في وجوه المداحين التراب" فالمراد به الغلو والإطراء واستقباح المدح المفرط كلاماً وشعراً ونظماً ونثراً ولا يختص ذلك بالشعر وحده لما يخشى من افتتان سامعه عنده. وقال أبو بكر الهذلي: قال لي الشعبي أتحب الشعر قلت نعم إنما تحبه فحول الرجال ويكرهه مؤنثوهم ثم إن الناظمين لأرواح الآلية أفراد والظافرين بفرائده ذوو انفراد والسالكين للمناهج الفاصلية أضمرتهم البلاد والمقتفين لمنار السراج والمتحليين بحيلة الجمال قلت منهم الأعداد والمؤلفين لعقودها المتواتر مدحها أجادوا بما أذعانه إغماد وجهال ما لهم بالأشعار إشعار راموا الوصول إلى معانيه اللطيفة بطباع كثيفة وحاولوا أسبابه الخفيفة بنفوس ثقيلة وأسبابه الثقيلة بعقول خفيفة لا يظفر أحد منهم بأبيات أوتاده وإن كان في عتوه ذو الأوتاد ولا يتجملون من ملابسه بما يسترهم وإن تعصبوا أو نقبوا في البلاد ولا يجيبون من ألفاظهم اليابسة إلا بما يقال لهم إذا قطعوه جابوا الصخر بالواد فيقال لمجيدهم إذا أتى بلفظ وزنه وأخلاه من المعاني الحسنة إذا كنت لا تدري سوى الوزن وحده فقل أنا وزان وما أنا شاعر ثم إن منهم من يظفر بمعنى ولكن يقلبه تركيبا ويركبه مقلوبا ويأتي بجمل غير مفيدة وقد قلت في ذلك من قصيدة: وشاعر بالمعاني لا شعور له ... مركب الجهل يبدي سوء تركيب موكل بمعانيه يحرسها ... فما يركب معنى غير مقلوب فما أولاه يركب على نفسه مقلوبا ويضرب بأذنه على سوء الأدب تأديبا. انتهى كلام القاضي برهان الدين. وقال الشيخ والإمام العالم المفنن النحوي العروضي القاضي زين الدين عمر بن الوردي في خطبة الكلام على مائة غلام ولعمري ما أنصفني من سابي الظن أو قال عني كيف رضي مع درجة العلم والفتوى بهذا الفن فالصحابة كانوا ينظمون وينثرون ونعوذ بالله من قوم لا يشعرون.

وقال أبو بكر الخوارزمي في مدحهم ما ظنك بقوم الاقتصاد محمود إلا منهم والكذب مذموم إلا فيهم ذموا أثبتوا وإذا مدحوا سلبوا وإذا رضوا رفعوا الوضيع وإذا غضبوا وضعوا الرفيع وإذا افتروا على أنفسهم بالكبائر لم يلزمهم حد ولم تمتد إليهم يد غنيهم لا يصادر وفقيرهم لا يحقر وشيخهم يوقر وشابهم لا يستصغر وسهامهم تنفذ في الأعراض إذا بثت سهامهم عند الأعراض وشهادتهم مقبولة وإن لم ينطق بها سجل ولم يشهد عليها عدل سرقتهم مغفورة وإن جاوزت ربع دينار وبلغت ألف قنطار إن باعوا المغشوش لم يرد عليهم وإن صادروا الصديق لم يستوحش منهم بل ما ظنك بقوم اسمهم ناطق بالفضل واسم صناعتهم مشتق من العقل هم أمراء الكلام يقصرون طويله ويقصرون مديده ويخففون ثقيله. وقال الحسن بن سهل: لا تكسد صناعة الشعر إلا في شر زمان وأخس سلطان. ومن حيلهم اللطيفة ما ذكره أبو الفتح كشاجم في كتابه المصائد والمطارد وهو إن بعض الملوك كان كثير الاشتغال بالصيد منهمكا فيه وكان بعض الشعراء قصده فتعذر ما أمله وحال بينه وبينه الحجاب لكثرة الفه بالصيد فعمد الشاعر إلى رقاع لطاف وكتب فيها ما قاله من الشعر في مديحه وصاد عنده من الظبا والأرانب والثعالب وشد تلك الرقاع في أذناب بعضها وآذان بعض وراعي خروجه إلى الصيد فلما خرج كمن له في مظانه ثم أطلقها فلما ظفر بها ورأى تلك الرقاع استبشر وزاد في استظراف الرجل واستلطفه وزاد في رعي ذمامه وأمر بطلبه فأحضر ونال منه خيراً كثيراً. وقريب منها: سأل فخر الملك وزير بني بويه حاجة وأمله فلم يعطه شيئاً فمضى الرجل إلى القاضي واستدعى على بن نباتة الشاعر فلما جاءه الرسول قال والله ما لأحد على دين ولا بيني وبين أحد معاملة ولا محاكمة فمن خصمي أحضره حتى أرضيه فلما جاء الرجل قال ما حقك حتى أوفيك قال له أنت قلت في شعرك حيث مدحت فخر الملك بقولك: لكل فتى فرين حين يسمو ... وفخر الملك ليس له قرين أنخ بجنابه وأنزل عليه ... على حكم الرجا وأنا الضمين فأنت قد ضمت لي ونزلت عليه فلم يفعل والضمين غارم فما أعطاني شيئاً فقال أمهلني حتى أصل إليه فلما دخل على فخر الملك أخبره بالقصة فقال له وكم أملت منه فقال مائة دينار فقال ادفعوها إليه ثم قال لابن نباتة إذا مدحتني فلا تضمن عني (توفي ابن نباتة المذكور سنة خمس وأربعمائة، ومولده سنة سبع وعشرين وثلاثمائة) وقال فخر الترك أيضمر المجنوي يمدح السلطان الملك الصالح أيوب ابن السلطان الملك الكامل محمد بن الملك العادل تغمدهم الله برحمته ويذكر بنيانه للجزيرة المسماة بالروضة وجلوسه بالقياس وأولها: الروض مقتبل الشبيبة مؤنق ... خضل يكاد عصاره يتدفق وقد ذكرت أوائلها في باب الروضات والبساتين ثم ذكرت منها الخمريات إلى مبتدأ هذه الأبيات: إيه مديحي لانفصال قصيدة ... يوم الرهان ولا محولك ضيق هذا مقام الملك حيث تقول ما ... تهوي وتطيب كيف شئت فتصدق في حيث لأشرف الصفات بمعوذ ... فيه ولا باب المدايح مغلق ملك يلوذ الدين منه بمعقل ... أسس سطاه سورة والخندق لو أن سر الملك فيه محنف ... قامت شمائله عليه تنطق هدأت بسيرته الرعية واغتدى ... قلب الحسود من المهابة يخفق فالدين بعد تفرق متجمع ... والكفر بعد تجمع متفرق الصالح الملك الذي آياته ... عقد به جيد الزمان مطوق عرق الرعية بمن دولتاه التي ... فيهم تأكد عهدها والموثق جمعت كما اقترح الرجاء إلى الغنى ... أمنا فقد رزقوا الذي لم يرزقوا فالله نحمد ثم أيوب الذي ... أمن الغني به وأثري المملق تظل بهم عداته بسنائه ... عشقا وقد الرمح مما يعشق فبضمه ضم الحبيب قلوبها ... يوم الوغى وهو العدو والأزرق آيات ملكك معجزات كلها ... ومدى اهتمامك غاية لا يلحق شيدت أبنية تركت حديثها ... مثلا يغرب ذكره ويشرق من كل شاهقة تطل تعجبا ... من هول مطلعها الكواكب تسهق ليس الرخام ملونا فكأنه ... روض يفوقه الربيع المغدق واحتال في الذهب الصقيل شغوفه ... فكأنه شفق الأصيل المشرق يا حسنها والنيل مكتنف بها ... كالسطر مشتمل عليه مهرق

فكأنما طرف إليه ناظر ... وكأنه جفن عليه مطبق وافاه مصطفقا عليه موجه ... فكأنما هو للسرور مصفق وتجاذبت أيدي الرياح رداءه ... عنه فظل رداؤه يتمزق وسرى النسيم وراهن برفقه ... فرقي الذي عذب الرياح يمزق تلك المنازل لا حديث يفتري ... عما سمعت ولا العراق وجلق لله يوم كان فضلك باهرا ... فيه ومنك جماله والرونق يوم تحلي الدهر منه برونق ... لما غدا المقياس وهو مخلق هو ثالث العيدين إلا أنه ... للهو ليس على العبادة يطلق جمعت لمشهده خلائق غادرت ... فيه رحيب البر وهو مضيق وعلا عباب البحر من سباحه ... أمم يغص بها الفضاء ويشرق كادت تبين لهم على صفحاته ... طرق ولكن يعيقون وترتق لم يمش مركوب بهم فنفوسهم ... حثوا النحا كما تحث الأنيق حفت جسومهم لفرط صبابة ... هزت إليك فما خشوا أن يغرقوا وفدوا إليك مموهين بأخذ ما ... تعطي وأكثر سؤلهم أن يرمقوا متجردين عن المخيط لأنهم ... حجاج بيتك غير أن لم يحلقو طافوا به سبعا على وجناتهم ... سعيا وأرخي ستره فتعلقوا والناس شاخصة إليك عيونهم ... كل يحدد طرفه ويحدق ظمئت نفوسهم إليك فلم يكن ... صدر يقربه فؤاد شيق متطلعين كما تطلع صائم ... ليرى هلال العيد ليلة يرمق حتى إذا قضيت مناسك كعبة المق ... ياس وهي لكم عوائد سبق وشكرت ربك في الزيادة طامعا ... ولشاكر النعماء المزيد محقق ومددت للتخليق أكرم راحة ... أضحى الخلوف بطيبها يتخلق أقبلت تنظرك العيون فتنثني ... حسرى وتلحظك القلوب فتطرق تمشي الهوينا قد علتك سكينة ... كادت قلوب القوم منها تصفق متتوجًا تاج الجلالة لابسا ... حلل الوقار وأنت فيها أليق وقد امتطى يمني يديك مهندا ... غصنا يروق النصر منه يبرق حتى انتهيت إلى مقر كرامة ... بالنيرات مزخرف ومنمق فجلست حيث جلست منه بزينة ... شرفا وطاف بك الملوك وأحدقوا كل يغض من المهابة طرفه ... فتراه وهو لغير فكر مطرق والنيل مضطرب الغوارب مزبد ... صب إليك فؤاده متشوق لو يستطيع سعى فقيل راحة ... هو في السماح بخلقها يتخلق فرأيت منك ومنه تجري رحمة ... يتبارزان كلاهما يتدفق أطعمتهم لما سقى فعليكما ... رزق العباد كلاكما يسترزق لكن بينكما على ما فيكما ... من نسبة في الجود فرقا يفرق تحصي الأصابع جوده لحسابها ... لكن حساب يداك ليس يحقق ويفيض ذا في كل عام مرة ... وبحار جودك كل حين يدفق ويخص ذا قوما وجودك يستوي ... فيه الأنام مغرب ومشرق ونداك لا منّ يكدره وذا ... يمنن فهو لأجل ذاك مريق لما غدا المقياس مقسم راحة ... يحيي الرعية فيضها المتدفق أكبرت أن تعلو الملابس عطفه ... فكسوته أنوار شمس تشرق إنسانه خلقا جديدا ما رأى ... راء له شبها ولا هو مخلق حرم الخلافة حله من ربه ... ملك بمقلته الخلائق ترمق ذو معنيين فللتمنع معقل ... صعب المرام وللتمتع حوشق أخذ الوقار عن المشيب وربه ... لكن عليه للشبيبة روتق إيوان كسرى حيث شئت رأيته ... منه وأدنى ما هناك خورنق حصن تمرد صنعه لا مارد ... وعلا فعز مثاله لا إلا بلق دغتت به هوج الرياح فما جرت ... في كرة إلا بقلب يخفق وكأنما هو النجوم ملجج ... وكأنما هوة في النجوم محلق هذا الذي أعيا الملوك وجوده ... من بعد ما حاموا عليه وحلقوا أدركت بالتمكين ما لم يدركوا ... ورزقت بالتوفيق ما لم يرزقوا فانقض وواترهم فالقضاء مسدد ... والسعد مكنتف وأنت موفق وقال شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفا الموصلي الشهير بابن الخلاوي (مولده سنة ثلاث وستمائة، ووفاته سنة ست وخمسين وستمائة) يهنئ الملك الرحيم صاحب الموصل بدار بناها: يا دار العلا والجد يأتيك ... حاشاك مما تمنيه أعاديك

عدنا إليك على رغم العداة فكم ... بتنا نحث الأغاني في معانيك وكم جلونا عروس الراح مشرقة ... وكم خلونا بمن نختاره فيك أصبحت بالعين للذات منزلة ... فكل عين لمن عداك تفديك وقال الشيخ جمال الدين محمد بن نباتة يهنئ ببناء دار: ودار علت قدرا على الدور مثلما ... علا ربها بالمكرمات على الورى مطابقة الأوصاف أما نسيمها ... فصح وأما ماؤها فتكسرا تكرر فيها النبت دهنا وروضة ... فالله ما أحلا نباتا مكررا وشيد هارب الفضائل والندى ... فيا حبذا دار القراءة والقرا تذكره دار النعيم بطيبها ... فيسعى لجنات النعيم كما ترى لقد زادها في الحسن يوسف فاغتدت ... تباع بمرآها القلوب وتشترا والمليح في هذا المعنى قول أسجع السلمي: قصر عليه تحية وسلام ... خلعت عليه جمالها الأيام أجرى الإمام عليه نهرا منعما ... أعطى القياد وما عليه زمام ومنها في المديح وأجاد: وعلى عدوك يا بن عم محمد ... رصدان ضوء الصبح والإظلام فإذا تنبه رعته وإذا غفا ... سلت عليه سيوفك الأحلام قلت: الشيء بالشيء يذكر وما أحسن ما ضمن هذه الأبيات الشيخ برهان الدين القيراطي رحمة الله عليه وقال: ومشرف إن زاد تشريفا ... فقد خلعت عليه جمالها الأيام هو جامع للحسن إلا أنه ... قصر عليه تحية وسلام وعلى العدوى من نقشه وطروسه ... رصدان ضوء الصبح والإظلام وقال علي بن الجهم رحمة الله عليه: وفيه ملك كأن النجو ... م يقضي إليها بأسرارها تخر الملوك لها سجدا ... إذا ما تجلت لأبصارها وفوارة نارها في الس? ... ?ماء فليست تقصر عن نارها ترد على المزن ما أنزلت ... على الأرض من صور أمطارها نقلت من كتاب رفع الحجب المنشورة على محاسن المقصورة من الجزء الأول تأليف العلامة قاضي الجماعة بحظيرة غرناطة الشريف المرحوم والخطيب بها أبو القاسم محمد ابن أحمد بن محمد الحسيني رحمه الله تعالى وهذا التأليف من العجائب المخترعة ألفه شرحا لمقصورة الإمام الأوحد أبي الحسن حازم بن محمد بن حسين بن حازم الأنصاري العرطاحي تغمده الله بالرحمة. قلت: ذكر العلامة لسان الدين محمد ين الخطيب في تاريخه المسمى بالإحاطة أن مولد الشريف الحسيني سنة سبع وتسعين وستمائة، ووفاته سنة ستين وسبعمائة. قال الشارح ويتعلق بذكر الهالة ما ذكره أبو عبد الله بكر بن عباس كاتب المنصور وأبي يوسف يعقوب قال كان لأبي بكر بن مجير عادة على المنصور في كل سنة فصادف المنصور في إحدى وفادات فراغه من أحداث المقصورة التي كان أحداثها بجامعه المتصل بقصره في حضرة مراكش وكانت قد وضعت على حركات هندسية ترفع لخروجه وتخفض لدخوله وكان جميع من بباب المنصور يومئذ من الشعراء والأدباء قد نظموا أشعاراً أنشدوه إياه في ذلك فلم يزيدوا على شكره وتجرئته على الخير فيما جدد من معالم الدين وآثاره ولم يكن فيهم من تصدي إلى وصف الحال حتى قام أبو بكر بن مجير فأنشده قصيدته التي أولها: أعلمتني ألقي عصا اليسا ... ر في بلدة ليست بدار قرار واستمر فيها حتى ألم بذكر المقصورة فقال يصفها: طوراً تكون بمن حوته محيطة ... وكأنها سور من الأسوار وتكون طورا عنهم نجية ... فكأنها سر من الأسرار وكأنما علمت مقادير الورى ... فتصرفت لهم على مقدار فإذا أحست بالإمام يزورها ... في قومه قامت إلى الزوار تبدو فتبدو ثم تخفي بعده ... كتكون الهالات بالأقمار فطرب المنصور لسماعها وارتاح لاخترعها. ومن لطيف الشعر بحضرة ملوكهم ما ذكره القاضي شهاب الدين بن فضل الله في كتابه الأبصار في ترجمة مجير الدين ابن تميم. حكى أن الملك المنصور استدعاه في ليلة غفل رقيبها وحضر ربيبها وسحبت من سود الذوائب ظفائرها وسجنت من بيض الأيام ضرائرها إلى مجلس مزخرف وفواكه لم تخرق وأمامه جدول قد خر ماؤه فتكسر وإن عليه كل بارق وتحسر والكئوس دائره والشموس في أيدي البدو سائرة فلما رأى الجدول وقد أصابته من العين نظرة فتعثر وسقط عقد لؤلؤه وتنثر نظر إليه وقال رحمة الله عليه:

يا حسنه من جدول متدفق ... يلهي برونق حسنه من أبصرا ما زلت أبذره عيونا حوله ... خوفا عليه أنت يصاب فيعثرا فأتى وزاد تمادياً في جريه ... حتى هوى من شاهق فتسكرا فسر المنصور بأبياته وأحب استطلاع خباياه وأمره بالجلوس إليه وجعله أرفع القوم لديه ولم يستقر به المكان ولا قعد ولا استكان حتى تحرك المجلس لغلام ورد كأنما يبسم عن برد فقال له المنصور بصوت يخفيه ما تقول فيه فقال: بأبي أهيف تبدي وحي ... بابتسام عدمت منه اصطباري فأراني بوجهه وثنايا ... هـ نجوما طلعن وسط النهار فقال له سرا وقد أسفر وجهه وتسرا إلا أنه شديد النفار من المدام وله قرع بالملام فهل تقدر على استلانته وتسهيل بأسه واستهانته فما قطع المقال حتى التفت إليه ابن تميم وقال: أتهجرها صرفا لأجل خمارها ... وذلك شيء لو جرى غير ضائر فلا تخش من داء الخماري وعاطها ... هنيئا مرياء غير داء مخامر فكاد الغلام يسطو عليه كالعائب وقال له كالعابث ما هذه فقال: صفراء لو لاحت لشمس الضحى ... من قبل أن تطلع لم تطلع أحسن ما في وصفها أنها ... لم تجتمع والهم في موضع فقال بل أشرب خيرا منها وأدع المنهي عنها، ثم إنه أتى بركة فعب من مائها وأرى وجهه خيال قمره في سمائها فقال: أفدي الذي بفيه شاربا ... من بركة طابت وراقت مشرعا أبدت لعيني وجهه وخياله ... فأرتني القمرين في وقت معا ثم لم يزل به حتى شرب ولذ معه ليلة وطرب فلما طلع ابن ذكا وأنار الصبح وأضاء شكر له المنصور حل عقدة الغلام وقال مثلك من سحر بالكلام ثم أحسن له الجائزة وغدا ابن تميم ويده لها جائزة. وحكى عنه أنه استدعاه في صبيحة يوم أبيض ونوبات ياسمينه على الأرض تنغض والثلج قد نثر كافوره والجليد قد كسر بلوره والسحاب قد أصبحت ذيولها مجرورة والبرق قد تلون طول ليلته حتى أخرجها من صورة إلى صورة وأواني الزجاج قد شقت من وراء مدامها والدنان قد فك عنها ختام قدامها ورجال الراح قد زادت في أقدامها والساقي بعذار كأنما كتب بالريحان أو نسج بالزمرد نبت ألحان وتحت عذراه خيلان قد خبأت مسكها فزاد تضوعا وكثر طيبه تنوعا قد تأرج نشرها وفاح وعلم بنقطها في خده بأنه قديم وصف التفاح فلما دخل عليه في بكرة ذلك اليوم الأغر ورأى الدنيا ضاحكة تغتر أنشده: يأيها الملك الذي بسطت له ... بالجود كف دهرها لم تقبض دنياك مذ وعت بأنك لم تزل ... في نعمة وسعادة لا تنقضي كأن الدليل على وفاها أنها ... أضحت تقابلنا بوجه أبيض فأجزل له الصلة ولم تكن عوائده بمنفصله. ذكر ابن ظافر في بدائع البادية أن المعتمد بن عباد كان جالسا فمر عليه بعض خطبائه في غلالة لا يكاد يفرق بينها وبين جسمها فسكب عليها إناء ماء ورد فعجب من حسنها وجمالها فقال: وهويت سالبة النفوس عزيرة ... تختال بين أسنة وبواتر واستجان النحلي وهو على الباب فقال: راقت محاسنها ورق أديمها ... فتكاد تبصر باطنا من ظاهر وتمايلت كالغصن في ورق الندى ... يلتف في ورق الشباب الناضر تبدي بماء الورد عنبر شعرها ... كالطل يسقط من جناح الطائر تزهي برونقها وحسن حديثها ... زهو المؤيد بالثناء العاطر فلما قرأها استحسنها وقال له أو كنت معنا جالسا. وقال محاسن الشورى: وحولك من كماءة الأرض شوش ... غلائلها الجواشن والدروع قد اعتقلوا ذوائب كالأفعى ... إذا اضطربت عواملها تروع تلوك اللجم تحتم جياد ... سلاهب ما بها عطش وجوع صدمت بهم فريق الترك حتى ... تهدم ركن جمعهم المنيع فكروا والصوارم تستضاء ... بأيديهم فعلقها النجيع وقال الصليعي الداعي رحمه الله: أنكحت بيض الهند سمر رماحهم ... فرءوسهم عوض النثار نثار وكذا العلا لا يستباح نكاحها ... إلا بحيث تطلق الأعمار وقال ابن رشيق الأزدي: لو أورقت من دم الأبطال سمرقنا ... لاورقت عنده سمر القنا الذبل إذا توجه في أولى كتابته ... لم تفرق العين بين السهل والجبل فالجيش ينفض حوليه أسنته ... تقض العقاب جناحيها من البلل

والعلامة ذو الوزارتين لسان الدين اين الخطيب (مولده سنة ثلاثة عشر وسبعمائة وتوفي تقريباً خمس وسبعين وسبعمائة) : لله موقفك الذي وثباته ... وثبابه مثل به يتمثل والخيل خط والمجال صحيفة ... والسمر تنقط والصوارم تشكل والبيض قد كسرت حروف جفونها ... وعوامل الأسل المثقف تعمل لله قومك عند مستجر القنا ... إذ ثوب الداعي المهيب واقبلوا قوم إذا لفح الهجير وجوههم ... حجبوا برايات الجهاد وظللوا وقال السيد الفاضل شمس الدين محمد بن الصاحب موفق الدين الآمدي: وإذا سرى يلقي السنابك ضعف ما ... يراه فوق الطروس من الجفا مزاج كأس الراح من ماء الظبا ... كما أسال من النجيع القرقفا كأس العجاج ترى الكماة شخوصها ... والبيض فوقهم حباب قد طفا خضب النجيع لكل سيف معصما ... ولكل رمح أصبعا قد طرفا وقال عبد العزيز بن نباتة: وولوا عليها يقدمون رماحنا ... وتقدمها أعناقهم والمناكب كتبنا بأطراف القنا لظهورهم ... عيونا لها وقع السيوف حواجب وقال الشهاب محمد يمدح الأشرف خليل بن قلاون: فصبحتها بالجيش كالروض بهجة ... صوارمه أنهاره والقنا الزهر وأبدعت بل كالبحر والبيض موجه ... وحرد المذاكي سفن جودك الدر وأغربت بل كالليل عوج سيوفه ... أهلته والنيل أنجمه الزهر وأخطأت لا بل كالنهار فشمسه ... جيوشك والآصال راياتك الصفر وقال الأسعد بن مماتي يمدح الظاهر غازي: أسكران نديم العدو غاز ... وأسماء الملوك لها حلاها كأن السمر ريشها طوال ... فكم نفس بهن قد استقاها إذا اكتحلت عيون من عداة ... بغير حيلة وجدت عماها وأطمع نفس أسمره وأضحى ... يفتش عن نفوس ما خباها كأنك خلتها سترت كمينا ... فتطعنها لتبصر ما وراها سل البيت المقدس عنه يخ? ... بر بسورة فتحه لما تلاها محا الناقوس والصلبان عنه ... وأثبت هل أتى فيه وطاها وقال التهامي رحمة الله عليه: ودحوا فويق الأرض أرضا من دم ... ثم أثبتوا فثنوا سماء غبار قوم إذا لبسوا الدروع حسبتها ... سحبا مزررة على أقمار وترى سيوف الدارعين كأنها ... لجج تمد بها أكف بحار حثوا الجياد من المطي وراوحوا ... بين السروج هناك والأكوار وكأنما ملئوا عباب دروعهم ... وعمود نصلهم شراب قفار وقال سبط بن الجوزي لما صالح الكامل الفرنج على دمياط وعاينوا الهلاك أرسلوا إليه يطلبون الصلح والرهان ويسلمون دمياط فمن حرص الكامل على خلاص دمياط منهم أجابهم ولو أقاموا يومين أخذوهم برقابهم فبعث إليهم الكامل ابنه الصالح أيوب وابن أخيه شمس الملوك وجاءت ملوكهم إلى الكامل فالتقاهم وأنعم عليهم وضرب لهم الخيام ووصل المعظم والأشراف في تلك الحال إلى المنصورة وذلك في ثالث رجب سنة ثمان عشرة وستمائة فجلس الكامل في خيمة عظيمة كبيرة عالية ومد سماطا وأحضر ملوك الإفرنج والخيالة ووقف في خدمته أخوته المعظم والأشرف وغيرهما وقام شرف الدين راجح الحلي وأنشد: هنيئا فإن السعد راح مخلدا ... وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا حبانا إله الخلق فتحًا بدا لنا ... مبينا وأنعاما وعزا مؤبدا تهلل وجه الأرض بعد قطوبه ... وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا ولما طغى البحر الخضم بأهله ... الطغاة وأضحى بالمراكب من بدا أقام لهذا الدين من سل عزمه ... صقيلا كما سل الحسام مجردا فلم ينج إلا كل سلو مجندل ... ثوى منهم أو من تراه مقيدا ونادى لسان الكفر في الأرض رافعا ... عقيرته في الخافقين ومنشدا أعباد عيسى إن عيسى وحزبه ... وموسى جميعا يخدمون محمدا وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة بلغني أنه وقت الإنشاد أشار عند قوله عيسى إلى المعظم وعند قوله موسى إلى الأشراف وعند قوله محمد إلى الكامل وهذا من أحسن الاتفاق.

وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي في شرح لامية العجم أنشدني من لفظه الشيخ الإمام الحافظ العلامة أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف قال أنشدني من لفظه لنفسه بدر الدين أبو المحاسن محمد بن يوسف المهمندار في السلطان الملك الظاهر لما خاض الفرات: لو عاينت عيناك يوم نزالنا ... والخيل تطفح في العجاج الأكدر وسنا الأسنة والضياء من الظبا ... كشفا لاعيننا قتام العثير وقد أطرخم الأمر واحتدم الوغى ... ووهى الجبان وساء ظن المجتر لرأيت سدا من حديد مائد ... فوق الفرات وفوقه نار ترى ظفرت وقد منعه الفوراس ردها ... تجري ولولا خيلنا لم تشكري ورأيت سيل الخيل قد بلغ الربا ... ومن الفوراس أبحرا في أبحر لما سبقنا أسهما طاشت لنا ... منهم إلينا بالخيول الضمر لم يفتحوا للرمي منهم أعينا ... حتى كحلن بكل لدن أسمر فتسابقوا هربا ولكن ردهم ... دون الهزيمة رمح كل غضنفر ما كان أجري خيلنا في أثرهم ... لولا إنها برءوسهم لم تعثر كم قد فلقنا صخرة من صخرة ... ولكم ملأنا محجرا من محجر ملأوا الفضاء فعن قليل لم ندع ... فوق البسيطة منهم من مخبر سدت علينا طرقا قتلاهم ... حتى جنحنا للمكان الأوعر من كل أشهب خاض في بحر الدما ... حتى باد لعيوننا كالأشقر وجرت دماؤهم على وجه الثرى ... حتى جرت منها مجاري الأنهر والظاهر السلطان في آثارهم ... يدوي الرءوس بكل عضب أبتر ذهب العجاج مع النجيع بصقله ... فكأنه في غمده لم يشهر وقال الأديب الفاضل الكامل الترحال جواب الآفاق برهان الدين إبراهيم الساحلي الشهير بالطوبخي المغربي ذكره العلامة لسان الدين ابن الخطيب في الإحاطة وأثني عليه الثناء البالغ وذكر أن وفاته سنة سبعمائة تسعة وثلاثين من قصيدة مطولة مدح بها أحد ملوك اليمن وأولها: خطرت كمباد القنا المتناظر ... ورمت بألحاظ الغزال الأعفر تسجي على الخد النقاب وإنما ... ترخي الغمام على الصباح المسفر فتخال فوق الروض ظل أراكة ... وعلى ثرى الكافور صلة عنبر وبملمع الصدغين مطرز وجنة ... زحفت عليه كتائب ابن المنذر ما أمره زحفوا بعسكر تبع ... وتقلدوا بعزائم الاسكندر السائمين الرمح من خلل الظبا ... والنجم من طرف السنان الأزور والمطعمين الأسد منت أمثالها ... أسلا كل مجندل ومعفر والخالعين على الزمان ملابسا ... نظمت مفاخرهم كنظم الجوهر سلوا أسنته الضحى يوم الوغى ... فيعيدها بالليل أين العثير وجياده بالعاديات وبيضه ... بالقارعات وكفه بالكوثر قابل برعبك جيش صدك تنثني ... وأضرب بعزمك قبل سيفك تنصر فرءوس من عاديت أغماد الظبا ... ودماء من ناويت زي السمهري جرع عدوك فضل كأس قد سقى ... منها أبوه فإن أبي فليجبر أعمد ذؤابته التي لم تستتر ... وحمام مزنته التي لم تمطر أرسل عليه عقاب عزم صادق ... يستاق روح لعامه المستبشر مزق ثياب العز عنه وخل في ... عطفيه حاشية الرداء الأحمر هذي قواعد ملكه مدت إلى ... علياك جيد اللائذ المستنصر ضاقت يداه بها وقل نصيره ... فيها فطلقها طلاق المعسر خذها إليك محاجة من شاعر ... غاصت إليك بأبحر لم تسجر مرضى العيون كليلة أجفانها ... إن لم تنر إنسانها لم تبصر وقف ابن أوس دونها وتخضبت ... في نسج حلتها أكف البحتري وأسحب ذيول العوز في أرض الندى ... وأركب ظهور الشهب يوم المفخر وأضرب رواق العرقي أرض العلي ... وارفع سماك الفخر فوق المشتر وقال القاضي الفاضل تغمده الله برحمته: أهذه سير في المجد أم سور ... وهذه أنجم في السعد أم غرر وأنمل أم بحار والسيوف لها ... موج وافرندها في لجها درر وأنت في الأرض أم فوق السماء ففي ... يمينك البحر أم في وجهك القمر يقبل البدر تربا أنت واطئه ... فللتراب عليه ذلك الأثر نأى به الملك حتى قيل ذا ملك ... دنا به الجود حتى قيل ذا بشر

الباب الثاني والعشرون في الحذاق المطربين

في كل يوم لنا من مجده عجب ... وكل يوم لنا من ذكره سمر نظرت في نجمه فالسعد طالعة ... لا ينقضي وعلى أمواله سفر أبو الفوارس والأبطال مشفقة ... وهم بنوك فما تبقى ولا تذر يلقى عروس المنايا وهي حاسرة ... وخدها فيه من فيض الدما حفر والضرب بالبيض من آثاره عكن ... والطعن بالسمر من آثاره سعرر ورب ليلة خطب قد سريت بها ... وما سرى كوكب فيها ولا قمر سمت الغويص بعزم ما له ضجر ... ولبعيد بباع ما به قصر وأنت في جيش رأى لا غبار له ... ترمي العداة بقوس ما لها وتر هي الحروب التي لا السيف منثلم ... فيها ولا الذابل اللحظي بمنتظر في كعبة للندى لو حلها ملك ... هب النطق حتى قيل ذا حجر وسائل لي ملا العليا فقلت له ... في فعله الخير أو في قوله الخبر ما أنصفت مجده نظام سيرته ... إن الذي ستروا فوق الذي سطروا نال السما بأطراف القنا فبدت ... من النصول عليها أنجم زهر لا يحدث النصر في أعطافهم مرحا ... حتى كأنهم بالنصر ما شعروا أجروا دماء العدا بين الرماح فما يقال ما عندهم ماء ولا شجر ترى غرائب من أفعال مجدهم ... يردها الفكر لو لم يشهد النظر خلائق في سموات العلا زهر ... منها تنير وفي روض الثنا زهر الناس أضيافكم والأرض دراكم ... فهو المقام قلم قالوا هو السفر ما أنصف الشكر لولا أن تسامحنا ... فأنت تطنب جوداً وهو يختصر الباب الثاني والعشرون في الحذاق المطربين قال أفلاطون من حزن فليسمع الأصوات الطيبة فإن النفس حزنت خمد نورها وإذا سمعت ما يطربها ويسرها اشتعل منها ما خمد، وكان حكماء الهند يسمعون الغناء للمريض ويزعمون أنه يخفف العلة ويقوي الطبيعة والغناء غذاء الرواح كما أن الأطعمة غذاء الأشباح. وقال معاوية وقد سمع عنده مغن فحرك رأسه وصفق بيده ودخلته أريحته ثم لما ثاب رأيه إليه اعتذر منه أن الكريم طروب ولا خير فيمن لا يطرب. وقال أبو الحسن بن مقلة يعجبني من يقول الشعر تأدبا لا تكسبا ويغني تطربا لا تطلبا. الشيء بالشيء يذكر ما ألطف قول الشيخ برهان الدين القيراطي من قصيدة: بابي غنى ملاحة أشكو له ... فقري فيصيح بالغنا يتطرب وكان مروان بن أبي حفصة إذا تغذى عند الموصلي يقول له الغناء غذاء الأرواح كما أن الشراب غذاء الأشباح. يقال السماع كالروح والخمر كالجسد والسرور ولدهما.

أعلم أن بين الخمر والغناء مناسبة في أكثر الأحوال ومضارعة فيما يجمعانه من محمود الخصال لأن فيه ما يصير الجبان إذا سمعه شجاعا ومنه ما يكون للهم دفاعا ونغمه يبعث الشحيح على السخاء ومقابلة سؤال السائل بالعطاء وفيه ما ليس في الخمر من الخصائص العجيبة الأمر ذلك أن الرجل الواحد يغني له في طريقه فيلين خلفه ويغني له في غيرها فتطهر شراسته وترفه وإذا سمع ضربا منه استنفره وإذا عنى بصوت آخر لم يمكن العواصف أن تهزه وفيه ما يبكي سامعه ولممازجة الأصوات الحسنة للأرواح وإهدائها إلى القلوب ظرائف الأفراح كانت البهائم إذا سمعتها تحن إليها والطير يشغف بها ويطرب عليها والإبل يكسبها الحداء مثل ما يكسب الإنسان الغناء والخيل والبغال والحمير تلذ بشرب الماء إذا تواصل من ساقيها الصقر والحمامة المطوقة والشحارير والبلابل والزرازير والهزاردستانات وغيرها من الطيور المستحسنة الأصوات تسمع أصواتها فيبين منها الطرب وذاك داعيها إلى تكريرها ولأجل ذلك يتخذها الملوك في قصورهم ويجعل أماثل الناس كثيراً منها في دورهم وإن كانت أصواتها لا تدل على معنى رائق يعلم ولا تتضمن ما يعرب عنه الكلام الذي يفهم فما ظنك بالألفاظ التي يسمعها السامع فيعيها ويفهم ما يفيده إياه من معانيها إذا أدركها ملحنة ممن خصوا بصفاء الخلق والنغمات المستحسنة ولهذه العلة صار من يسمع غناء المحسن يشرب من النبيذ عليه أزيد مما يحتمله حاله إذا لم يصغ إليه ويستمرئ الكثير منه مع سماعه وإن كان يثقل عليه قليله إذا خلا من استماعه وقد علم أن الصبي الطفل إذا أنزعر خلقه واتصل بكاؤه لوجع يناله أو ضجر يجده وصوتت له دادته بكلام تلحنه وتراجعه سكن قلقه أو سمع من منومته مثل ذلك زال أرقه. وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: عيش الدنيا بعد الصحة والشباب في الطلاء والغناء والنساء والآلات التي اتخذت للغناء بها واستعلمت على ترتيب أمكن معه أن يظهر منها ما يظهر من الحيوان الذي يرجع صوته بألحان فإن الحكمة فيها مطلوبة والمنافع المكتسبة منها جسمية والعود أجلها خطرا وأحسنها في القلوب أثرا وقد كان داود عليه السلام أحذق الناس بصوغ الألحان في تسبيحه ويعرف الفاسد من ذلك من صحيحه وبه كان يضرب المثل في حسن إيقاعه في عوده وارتياح القلوب لصوته وتغريده وكان قبل إفضاء الملك إليه واجتماع بني إسرائيل عليه يحضره ملكهم طالوت إذا غلب عليه خلط رديء كان يعتريه فيأمر أن يوقع له بالعود ويسمعه من أصواته ما يستلذه فيفعل فيسكن ما هاج به ولما صار الملك إليه نصب من أعظم الحذاق بتلحين المزامير والتسبيح بها على الميدان والطنابير وغيرها من الدفوف والطبول والصلصل وما يجري مجراها جماعة وكانت العدة التي تحضر من هذه الطائفة عنده أربعة آلاف في كل ليلة ذكر ذلك جميعه الثعالبي في موائد الأفراح وحدود الغناء أربعة لا يستغني عن واحد منها وبها يتم وعليها يبني فأقلها النغم ثم تأليفه ثم قسمته ثم إيقاعه فما اشتمل من الشعر على هذه الحدود فهو غناء وإن نقص منه فليس بغناء وذكر اليونانيون أن الأوتار الأربعة شبهت بالطبائع الأربع وإن البم مشاكل للأرض والسوداء والمثلث بالماء والمبلغم والمثنى بالهواء والدم والزئر بالنار وإن النار لما كانت في الطرف الأعلى في العالم والأرض في الجهة السفلى منه جعل ما بين البم والزئر كذلك وزعمت الأعاجم أنه مشتق من صرير باب الجنة وما قدم أحد من الأمم على العوذ من الملاهي إلا لما جمع من الفضائل التي استبد بها وقصر سواه عن اللحاق فيها والحاذق في الغناء مقدم على كل حاذق. وذكر أن عبد الملك أتى بعود قد أخذ مع شارب بالليل فقال وعنده قوم ما هذا ولاي شيء يصلح هذا وأي شيء يعمل به فسكت جلساؤه فقال عبد الله بن مسعدة القراري هذا عود يؤخذ خشبه فيشق ويرقق ويلصق ثم يعلق عليه هذه الأوتار وتحركها الجارية الحسناء فينطق بأحسن من وقع القطر في البلد القفر وامرأتي طالق إن لم يكن كل من في هذا المجلس يعلم منه مثل ما عملت وأولهم أنت يا أمير المؤمنين قال فضحك عبد الملك.

فصل: وينبغي أن يكون المغني جميل الخلق صافي الخلق له حلاوة وعليه طلاوة مستعذب العبارة نظيف الشارب يحفظ كثراً من الملح والأخبار والنوادر والأشعار وشيئاً صالحاً من علم الإعراب ما يختلط معه بذوي الآداب غير نمام ولا مغتاب ولا فضولي ولا عتاب كامل الظرف بعيدا من الظئر متوقيا للهجن كتوماً للأسرار مرتكبا طريق الأسرار ذو روايح ذكية وبشرة نقية وجوارح سالمة من العيوب وشمائل يخفق بها على القلوب صناعته معجبة وأغانيه مطربة فمن اجتمعت فيه هذه الصفات والمناقب وسلم مما تقدم ذكره من المعائب والمثالب كان حقيقا من الملوك بالاختصاص وخليقا منهم بأن يشرفوه بالاصطناع والاختصاص ومنهم من يكون حاذقاً في صناعته فيبلغ في أحكامه غاية استطاعته واجتمعت فيه الخلال الحميدة وعرف بالأخلاق السديدة غير أنه يرزق صوتا يستعدنه ويحسن ممن يغني له موقعه فتصطفيه الملوك لتعليم العناء ممن يؤهلونه لذلك من الطرائف والإماء وتختلف أحوال الباقين في أخلاقهم وخلقهم والمذهب من كل ذي علم وصناعة قليل وتعديد ما يوجد من أخلاق يطول. وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي شر الغناء والشعر الوسط لأن الأعلى منهما يطرب والرذل يضحك من صاحبه ويلهي به الوسط لا يطرب ولا يضحك. وذكر الشيخ جمال الدين بن نباتة في شرح العيون ما صورته ويقال إن أول من أتخذ العود الملك المتوشلخ على مثال فخذ ابنه الميت وهو قول ضعيف، وقيل بطليموس، وقيل بعض حكماء الفرس وسماه البريط وتفسيره باب النجاة ومعناه أنه مأخوذ من صرير باب الجنة وقد جعلت أوتاره أربعة كما تقدم ذكره. وذكر أن أول من غنى على العود بألحان الفرس النضر بن الحارث بن كلدة وفد على كسرى بالحيرة فتعلم ضرب العود والغناء وقدم مكة أهلها وأول من غنى في الإسلام بألحان الفرس سعيد بن مسحج وقيل طوليس وذلك أن عبد الله بن الزبير لما وهي بناء الكعبة رفعها وجد بناءها فيها صناع الفرس يغنون بألحانهم فوقع عليها ابن مسحج الغناء العربي ثم دخل إلى الشام فأخذ عن ألحان الروم ثم رحل إلى فارس فأخذ الغناء وضرب العود وابتعه من بعده وبدأ هذا العلم ببطليموس وختم بإسحاق بن إبراهيم الموصلي. وذكر القاضي الرشيد بن الزبير في كتابه العجائب والظرف أنه وجد للأسعد المرتضى أحمد بن عبد الواحد لما قبض عليه المستنصر في سنة تسع وخمسين وأربعمائة ما يجوز حد الحصر لكثرته وجلالته وعلو همته وفيما وجد له عدلان كبيران أوتارا برسم عيدان الغناء وعدلا مخزوما مضارب العيدان وثلاثمائة طبل شبري وغير ذلك من سائر أصناف الملاهي ووجد له هاون فضة وزنه سبعون رطلا. فصل: فيما ورد للفضلاء في مدحهم قال الشيخ برهان الدين القيراطي: أقول إذ حبس عود مطرب حسن ... يريك يوسف في أنغام داودو من حسن وجهك تضحى الأرض مشرقة ... من بنانك يجري الماء في العود وقال: أطربنا العود إلى أن غدا ... مقاصنا يرقص مع صحبه فشمعه قام على ساقه ... وكأسه دار على كعبه الشيء بالشيء يذكر: أنشدني من لفظه لنفسه الشيخ تقي الدين بن حجة الحموي فسح الله في أجله من قصيدة حربية: إن حبس عود الضرب مال سامعه ... والخيل يرقصها إن حرس الوترا وقتال الشيخ برهان الدين القراطي: وشذا في أصفها ... ن بالأغاني المطربات مسمع غنا فأغنا ... بصفات الحسن ذات قلت إذ حرك عودا ... عارفا بالنغمات أنت مفتاح سرو ... ري يا سعيد الحركات وقال المرحوم فتح الدين بن الشهيد وقد أحضر له بدر الدين طائراً ينعى العواد بسفارة الحاجب توكل: نهاري ليس كله بمنادم ... على عودة تعرو الحشابا لتفرك وكنت أراه طائرا عز مطلبا ... ولكنني حصلته بتوكل وأنشدني من لفظه لنفسه إجازة سيدنا ومولانا أقضى القضاة بدر الدين محمد المالكي المخزومي الشهير بالدماميني أسبغ الله ظلاله: يا عزولي في مغن مطرب ... حرك الأوتار لما سفرا لم تهز العطف منه طربا ... عندما يسمع منه وترا وقال علاء الدين الوادعي في مغن يدعى الفصيح: وليلة ما لها نظير ... في الطيب لو ساعفت بطول كم نوبة للفصيح فيها ... أطرب من نوبة الخليل

وممن برع في الألحان وعلمها أبو عامر محمد بن الجمارة الغرناطي أشتهر عنه أنه كان يعمد إلى الشعر فيقطع العود بيده ثم يصنع منه عود الغناء وينظم الشعر ويلحنه ويغني به، ومن شعره قوله إذا ظن وكرى مقتلي طائر الكرى ... رأى هدبها فارتاع خوف الحبائل ذكر هذا الأديب نور الدين علي بن سعد في كتابه المعرب في حلي المغرب. وقال سيف الدين المشد: ومطرب قد رأينا في أنامله ... سبابة لسرور النفس أهلها كأنه عاشق وافت حبيبته ... فضمها بيديه ثم قبلها وقال محي الدين بن قرناص: مشبب بجفاه راح يقتلنا ... فإن تداركنا بالنفخ أحيانا هويت تشبيها من قبل رؤيته ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا وقال محي الدين بن عبد الظاهر: وناطقة بالروح عن أمر ربها ... تعبر عما عندنا وتترجم سكتنا وقال للقلوب فأطربت ... فنحن سكوت والهوى يتكلم وقال الشيخ بدر الدين ابن الصاحب: أطربنا مشبب من غير جعل سأله ... بأحسن موصول له لم يفتقر إلى صله وظرف في قوله أيضاً وإن لم يكن في المعنى: يا مهدي الاقصاب من سكر ... صفرا حكى سمر القنا طولها إياك أن تقطعها ساعة ... فأطيب الاقصاب موصولها ومن ذلك قول الشيخ جمال الدين بن نباتة: أصغ لما قال أحور فهنا ... وخل قبل اليوم ما قيلا واسمع مقاطيعا لنا أطربت ... فلا تقل إلا مواصيلا وقال إبراهيم المعمار: مشبب أبدى لنا ... قولا بنغمته الشهيه متعاتم فكأنه ... متكلم بالفارسيه وقال زين الدين بن عبد الله مضمنا: ونائحة صفراء تنطق عن هوى ... فتعرب عما في الضمير وتخبر براها الهوى والوجد حتى أعادها ... أنابيب في أجوافها الريح تصفر وقال صلاح الدين الصفدي: لي مطرب كملت جميع صفاته ... متأدب الحركات والتسكين فإذا دعاه لمجلس حرفاؤه ... يأتي ويجلس فيه بالقانون وقال صلاح الدين بن الشهيد: غنى على القانون حتى غدا ... من طرب يهتز عطف الجليس فحنت الأرواح من شدوه ... إلى أنيس يا له من أنيس داوى قلوبا من غليل الأسى ... وكان فيه حوله رسيس فصاحت الجلاس عجابه ... يا صاحب القانون أنت الرئيس وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي أنشدني القاضي جمال الدين عبد القاهرة التبريزي لنفسه ملغزا في الشبابة: وناطقة بأفواه ثمان ... تميل بعقل ذي اللب العفيف لكل فم لسان مستعان ... يخالف بين تقطيع الحروف يخاطبنا بلفظ لا يعيه ... سوى من كان ذا طبع لطيف فصيحة عاشق ونديم راع ... وعزه موكب ومدام صوف وقال الشيخ علاء الدين علي بن أيبك من لفظه لنفسه في مغن معذر (توفي المذكور سنة إحدى وثمان مائة) : منمم العارض غنى لنا ... أشياء بالسمع حلا ذوقها كأنما في فيه قمرية ... تشدو ومن عارضه طوقها نادرة: شهد على امرأة أربعة بالزنا وكان فيهم مغن فقال له الوالي بم تشهد قال أشهد أني رأيته قد رفع رجليها مثل البنجك وبحر حتى كأنه يغني وجعل مضرابه على التم وجعلت أسته ترقص ولا أدري أتم الصوت أم لا. فصل: فيما ورد في ذم الغناء كتب البديع الهمذاني إلى تلميذ له توفي أبوه وخلف له مالاً مولاى ذلك المسموع من العود يسميه الجاهل نقرا ويسميه العاقل فقرا وذلك الخارج من الناي هو في الآذان زمر وغدا في الأبواب سمر والعمر مع هذه الآلات ساعة والقناطر في هذا العمل بضاعة. وطلب بعض المغنيين حائزة من بعض المحصلين فقال له المملوك أعلم أن المال روح والغناء ريح ولست اشتري الريح بالروح. ومما ورد من النظم في ذم المتحلفين من أهلها: حكى بعضهم أن بعض الفلاسفة خرج مع تلميذه فسمع صوت عود فقال لتلميذه امض بنا هذا المغنى لعله يفيدنا صورة شريفة فلما قربا منه سمعا رديئا وتأليفا غير متقن فقال لتلميذه تزعم أهل الكهانة والرجز أن صوت البومة على موت الإنسان فإن كان ذلك حقاً فصوت هذا يدل على موت البومة. ولبعضهم يهجو مغنيا: كنت في مجلس فقال مغن ال? ... قوم كم بيننا وبين الشتاء فشبرت البساط منى إليه ... قلت هذا المقدار قبل الغناء

ولبعضهم يذم صوت مغن: أنك لو أصغيت يوما إلى ... الحانة تلك المقادير لخلت في الحلق أمراء جالسا ... يعرك أذان السنانير ولآخر في المعنى قال: أنك لو تسمع الحانة ... تلك اللواتي ليس يعدوها لخلت من داخل حلقومه ... موسوسا يخنق معتوها ولآخر: ومغن أن تغني ... أوسع الندمان هما أحسن الفتيان حالا ... كل من كان أصما وقال المصيصى الخياط: وإذا تربع لا تربع بعدها ... وغدا يحرك عوده متقاعسا فكأنه جرذان المدينة كلها ... في عوده يقرضن خبزا يابسا وقال آخر وأجاد: قلت إذ غنى عراقا ... ليتنا في أصفهاني وقال آخر: غنى أبو الفضل فقلنا له ... سبحان مخليه من الفضل غناؤه حد على شربه ... فأشرب فأنت اليوم في حل وقال آخر وأجاد: ومغني يتغنى ... أذهب اللذات عنا فسألناه سكوتا ... فأبي ذاك وغنى فشتمناه فغنى ... فاشتقي القواد منا وقال آخر في مغن بالرباب: لا تبعثوا بسوى المهذب جعفر ... فالشيخ في كل الأمور مهذب طورا يغني بالرباب وتارة ... يأتي على يده الرباب وزينب وقال سيف الدين المشد يهجو عوادا: عواد قد طمست عينه ... فصار بالتصحيف قوادا ما كاد إلا لقيادته ... لا لأجل ذا أصبح قوادا قلت: وان كان حصل له عمى فأحسن. وأنشدني المرحوم فخر الدين بن مكانس قال أنشدني من لفظه لنفسه صاحبنا شمس الدين محمد الواسطي يهجو عوادا وزامرا: شبهت ذا العواد والزامر إذ ... ضاقت علينا بهم المناهج يعقوب يضرب وهو ساكت ... وأرقم ينفخ وهو خارج ولا بأس من إيراد نبذة من حكايات الحذاق في الغناء: قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي بعث إلى المأمون يوما وبين يديه ثماني عشرة مغنية تسع عن اليمين وتسع عن شماله وعنده إبراهيم بن المهدي فقال كيف تسمع يا إسحاق فقلت أسمع يا أمير المؤمنين خطأ فقال لإبراهيم ما تقول يا عم فيما قال؟ قال باطل ما ههنا خطأ ولكنه يريد أن يتزيد عندك فقلت له أتأذن لي أن أقفه على الخطأ وأناظره فيه قال نعم قلت على أنه سيدي وأنا عبده أو على الأنصاف قال بل على الأنصاف قلت يؤمرون الجواري أن يغنين الصوت الذي غنينه أولا فغنين ثم قلت له أفهمت الخطأ قال لا قلت فأني ألقي عنك النصف والخطأ في التسع البواقي اللواتي عن الجانب الأيسر قال فتفهم وقال ما أسمع خطأ قلت فأني أخفف عنك أيضاً هؤلاء الأربع الأواخر فاجتهد في التفهم وقال ما ههنا خطأ قلت فإنه في آخر الجواري كلهن فتفهم فلم يقف عليه فقلت للجارية أضربي وحدك وأمسكن البواقي وغنت فقلت ما ترى فقال بل الخطأ ههنا فقال المأمون أحسنت فيهم الخطأ بين أثنين وسبعين وترا ولم تفهمه أنت إلا من أربعة. وقال أحمد بن المرزبان حدثني بعض كتاب السلطان أن الرشيد هب ليلة من نومه فدعا بحمار كان يركبه في القصر أسود فركبه وخرج في دراعة متلمثا بعمامة متلفحا بازار وشى وبين يديه أربعمائة خادم سود سوى الفراشين وكان مسرور العوغاني جريئا عليه لمكانة كانت له عنده فلما خرج من باب القصر قال له أين تريد يا أمير المؤمنين في هذه الساعة قال أردت منزل إبراهيم الموصلي قال مسرور فمضيت معه حتى انتهى إلى منزل الموصلي فخرج فتلقاه وقبل حافر حماره وقال له أمير المؤمنين أفي مثل هذه الساعة تظهر قال نعم شوق طرفك بي ثم نزل في طرف الإيوان وأجلس إبراهيم فقال إبراهيم يا سيدي أنبسط لشيء تأكله قال نعم (حاميرطي) فأتى به كأنما كان عنده معدا له فأصاب منه شيئاً يسيرا ثم دعا بشراب حمل معه فقال الموصلي يا سيدي أغنيك أم تغنيك إماؤك فقال بل الجواري فخرجن جواري إبراهيم فأخذن صدر الإيوان وجانبيه فقال أيضربن كلهن أم واحدة واحدة فقال بل يضربن اثنتان اثنتان وتغني واحدة واحدة ففعل ذلك حتى مر صدر الإيوان وأخذ جانبيه والرشيد يسمع ولا ينصت لشيء من غنائهن إلى أن غنته صبية من حاشية الصفة: يا موري الزند قد أعيت قوادحه ... اقبس إذا شئت من قلبي بمقياس ما أقبح الناس في عيني وأسمجهم ... إذا نظرت فلم أبصرك في الناس

قال فطرب لغنائها واستعاد الصوت مرارا وشرب أرطالاً وسأل الجارية عن صائغه فأمسكت فاستدناها فتقاعست فأمر بها فأقيمت بين يديه فأخبرته بشيء أسرته إليه فدعى بحماره فركبه وانصرف ثم التفت إلى إبراهيم وقال له ما ضرك إلا أن تكون خليقة فكادت نفسه تخرج حتى عاد بعد ذلك وأدناه قال وكان الذي أخبرته أن الصنعة في الصوت لأخته علية وكانت الجارية لها فوجهتها إلى إبراهيم يطارحها عنها لمكانته عندها قال قال لي الرشيد يا إبراهيم بكر حتى نصطبح فقلت أنا والصبح فرسي رهان نستبق إلى حضرتك فبكرت فإذا أنا خال وبين يديه جارية كأنها خوط بان أو جذل عنان حلوة المنظر فغنت في شعر لأبي نواس: توهمه طرفي فأصبح خده ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر ومر بفكري خاطر فخرجته ... ولم أر جسما قط يجرحه الفكر وصافحه كفى فا آلم كفه ... فمن غمز كفى أنامله عقر قال إبراهيم فذهبت والله بعقلي حتى كدت أفتضح فقلت من هذه يا أمير المؤمنين قال هذه الذي يقول فيها الشاعر: لها قلبي الغداة وقلبها لي ... فنحن كذاك في جسدين روح ثم قال لها غني فغنت: تقول غداة البين إحدى نسائهم ... لي الكبد الحر فسر ولك الصبر وقد خنقها عبرة فدموعها ... على خدها بيض وفي نحرها صفر قال: فشرب وسقاها وقال غن يا إبراهيم فغنيت حسب ما في قلبي غير متحفظ من شيء: تشرب قلبي حبها ومشى به ... تمشي حمى الكأس في جسم شارب ودب هواها في عظامي فشقها ... كما دب في الملسوع سم العقارب قال ففطن لتعريضي فكانت جهلة مني فأمرني بالانصراف ولم يدع بي شهرا ولا حضرت مجلسه فلما أن مضى شهر دس إليّ خادما معه رقعة مكتوب فيها: قد تخوفت أن أموت من الوج? ... د ولم يدر من هويت بما بي يا كتابي أقرى السلام على من ... لا يسمى وقل له يا كتابي كف صب إليكم كتبتي ... فارحموا كاتبي وردوا جوابي إن كفا إليكم كتبتني ... كفا صب فؤاده في العذاب فأتاني الخادم بالرقعة فقلت ما هذه فقال رقعة الجارية التي غنتك بين يدي أمير المؤمنين فأحسست بالقصة فشتمت الخادم ووثبت عليه وضربته ضرباً شفيت به نفسي وغيظي وركبت إلى الرشيد من فوري فأخبرته بالقصة وأعطيته الرقعة فضحك حتى كاد يستلقي ثم قال على عمد فعلت ذلك بك لامتحن مذهبك وطريقتك ثم دعا بالخادم فلما رآني قال لي قطع الله يديك ورجليك ويلك قتلتني فقلت القتل والله كان بعض حقك ولكني رحمتك وأخبرت أمير المؤمنين حتى يأتي في عقوبتك بما تستحقه فأمر لي بصلة سنية والله يعلم أني ما فعلت ذلك عفافا لكن خوفا. قلت: وقريب من هذه الحكاية ما نقلته من خط الشيخ بدر الدين البشتكي سلمه الله تعالى وهو أن الوزير أبا عامر أحمد بن مروان بن عبد الملك بن عمر بن عيسى بن محمد ابن شهيد كان أهدى له غلاماً من النصارى لا تقع العيون على شبهه فلمحه الناصر فقال أني لك هذا قال هو من عند الله فقال تحفونا بالنجوم وتستأثرون بالقمر فاستعذر واحتفل في هدية بعثها له مع الغلام وقال يا بني كن من جملة ما بعثت به لولا الضرورة ما سمحت بك نفسي وكتب معه: أمولاى هذا البدر صار لافقكم ... وللأفق أولى بالبدور من الأرض أرضيكم بالنفس وهي نفيسة ... ولم أرى قبلي من بمهجته يرض فحسن ذلك عند الملك وأتحفه بمال جزيل وتمكنت عنده مكانته ثم أنه بعد ذلك أهديت ابليه جارية من أجمل نسء الدنيا فخاف أن ينمي ذلك إلى الناصر فيطلبها فتكون قضية الغلام فاحتفل في هدية أعظم من الأولى وبعثها معها أبيه وكتب له: أمولاى هذي الشمس والبدر أولا ... تقدم كيما يلتقي القمران قران لعمري بالسعادة ناطق ... فدم منهما في كوثر وجنان فما لهما والله في الحسن ثالث ... ولا لك ملك البرية ثان

فتضاعفت مكانته عليه ثم أن أحد الوشاة رفع للملك أنه بقى في نفسه من الغلام حرارة وأنه لا يزال يذكره حين تحركه الشمول ويقرع السن على تعذر الوصول فقال للواشي بذلك لا تحرك به لسانك وإلا طار رأسك وأعمل الملك الحيله في أن كتب على لسان الغلام رقعة منها يا مولاي تعلم أنك كنت لي على انفراد ولم أزل معك في نعيم وأنا وأن كنت عند الخليفة مشارك في المنزلة مجاوز ما يبدو من سطوة الملك فتحيل في استدعائي منه وبعثها له مع الغلام صغير السن وأوصاه أن يقول له هي من عند فلان وأن الملك لم يكلمه قط أن سأله عن ذلك فلما وقف أبو عامر على الرسالة واستخبر الخادم فعلم في سؤاله ما كان في نفسه من الغلام وما تكلم به في مجالس المدام وكتب على ظهر الرقعة ولم يزد حرفا: أمن بعد أحكام التجارب ينبغي ... لدىّ سقوط العير في غابة الأسد وما أنا ممن يغلب الحب عقله ... ولا جاهل ما يدعيه أولو الحسد فإن كنت روحي قد وهبتك طائعا ... وكيف ترد الروح أن فارق الجسد فلما وقف الناصر على الجواب تعجب من فطنته ولم يعد إلى استماع واش به ودخل عليه بعد ذلك فقال له كيف خلصت من الشرك قال لأن عقلي بالهوى غير مشترك. عن إسحاق عن أبيه قال استأذنت الرشيد أن يهب لي يوما ما أيام الجمعة لانبعث قيه بجواري وأخواني فأذن لي في يوم السبت وقال يوم أستثقله فأت فيه بما شئت قال فأقمت يوم السبت بمنزلي وتقدمت في إصلاح طعامي وشرابي بما احتجت إليه وأمرت بوابي بإغلاق الأبواب وتقدمت إليه في ألا يأذن لأحد على فبينما أنا في مجلس والحرم قد حففن بي يترددن بين يدي إذا أنا بشيخ ذي هيبة وجمال عليه خفان قصيران وقميصان ناعمان وعلى رأسه قلنسوة لاطية وبيده عكازة مقمعة بفضة وروايح الطيب تفوح منه حتى ملأت الدار والرواق فدخلني لدخوله على مع ما تقدمت به غيظ عظيم وهممت بطرد بوابي ومن يحجبني لأجله فسلم على أحسن سلام فرددت عليه وأمرته بالجلوس فجلس وأخذ بي في أحاديث الناس وأيام العرب وأشعارها حتى سكن ما بي من الغضب وظننت أن غلماني تحروا مسرتي بإدخال مثله لأدبه وظرفه فقلت له هل لك في الطعام فقال لا حاجة لي فيه فقلت هل لك في الشراب قال ذلك إليك فشربت رطلا فسقيته مثله فقال يا أبا إسحاق هل لك أن تغني لنا شيئاً فنسمع من صنعتك ما قد فقت به عند الخاص والعام فغاظني قوله ثم سهلت الأمر على نفسي وأخذت العود فحبسته ثم ضربت وغنيت فقال أحسنت يا إبراهيم فازددت غيظاً وقلت ما رضى بما فعله في دخوله بغير أذن واقتراحه عليّ أغنية حتى سماني ولم يجمل مخاطبتي ثم قال هل لك أن تزيدنا فندمت وأخذت العود وغنيت وتحفظت وقمت بما غنيته قياما تاما لقوله لي أكافئك فطرب وقال أحسنت يا سيدي وأوثق عددي ثم قال أتأذن لعبدك في الغناء فقلت شأنك واستضعفت عقله في أن يغني بحضرتي بعدما سمعه مني فأخذ العود وحبسه فوالله لقد خلت انه ينطق بلسان عربي واندفع يغني: ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبدا ليست بذات قروح أراها على الناس لا يشترونها ... ومن يشتري ذا علة بصحيح أئن من الشوق الذي في جوانحي ... أنين غصيص بالشراب جريح قال إبراهيم فوالله لقد ظننت الحيطان والأبواب وكل ما في البيت يجيبه ويغني معه من حسن غنائه حتى خلت والله أني أسمع أعضائي وثيابي تجاوبه وبقيت مبهوتا لا أستطيع الكلام ولا الحركة لما خالط قلبي ثم غنى: ألا يا حمامات اللوى عدن عودة ... فإني إلى أصواتكن حزين فعدن فلما عدن كدن يمتنني ... وكدت بأسرار لهن أبين دعون بترداد الهدير كأنما ... شربن حميا أو بهن جنون فلم ترعيني مثلهن حمائما ... بكين ولم تدمع لهن عيون فكاد عقلي أن يذهب طربا، ثم غنى شعرا ليزيد بن الطثرية ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... فقد زادني مسراك وجدا على وجد أئن هتفت ورقاء في رونق الضحى ... على غصن غض النبات من البرد بكيت كما يبكي الحزين صبابة ... وذبت من الحزن المبرح والجهد وقد زعموا أن المحب إذا نأى ... يمل وإن النأي يشفى من الجد

بكل تداوينا فلم يشف ما بنا على أن قرب الدار خير من البعد ثم قال إبراهيم هذا الغناء المأخوري خذه وانح نحوه في غنائك وعلمه جواريك فقلت أعده علىَّ فقال لست تحتاج قد أخذته وفرغت منه ثم غاب من بين عيني فارتعت وقمت إلى السيف فجردته ثم غدوت نحو أبواب الحرم فوجدتها مغلقة فقلت للجواري أي شيء سمعتن عندي فقال، سمعنا أحسن غناء ما سمع بمثله قط فخرجت متحيرا إلى باب 0الدار فوجته مغلقاً فسألت البواب عن الشيخ فقال أي شيخ والله ما دخل إليك اليوم أحد فرجعت لأتأمل أمري فإذا هو قد هتف من بعض جوانب البيت وقال لابأس عليك يا أبا إسحاق أنا إبليس وأنا كنت نديمك اليوم فلا ترع فركبت إلى الرشيد وأظرفته بالحديث فقال لي ويحك اعتبر الأصوات التي أخذتها فأخذت العود فإذا هي راسخة في صدري فطرب الرشيد عليها وجلس يشرب ولم يكن عزم على الشرب وأمر لي بصلة جزيلة قال وكأن الشيخ أعلم بما قال أنك قد أخذتها وفرغت منها فليته أمتعنا بنفسه يوماً واحداً كما أمتعك قال أبو الفرج الأصفهاني هكذا حدثتا ابن أبي الأزهر لهذا الخبر وما أدرى ما أقول فيهز عن المداينى قال، قال إبراهيم الموصلي قال لي الرشيد يوماً يا إبراهيم قد جعلت غدا للحرم وليلته للشرب مع الرجال واقتصرت من المغنين عليك فلا تشتعل غدا بشيء ولاتشرب نبيذاً وكن بحضرتي في وقت العشاء الآخرة فقلت السمع والطاعة لأامير المؤمنين فقال وحق أبي لئن تأخرت أو اعتللت بشيء لاضربن عنقك قلت نعم يا أمير المؤمنين وخرجت فما جاءني من أحد إلا احتجبت عنه ولاقرأت رقعةً لأحد حتى إذا صليت المغرب ركبت قاصداً إغغليه فلما قربت من داره مررت بفناء قصر وإذا زنبيل كبير مستوثقمنه بحبال وأربع عرى آدم قد دلى من القصر وجارية قائمة تنتظر إتساتاً قد وعد ليجلس فيه فنازعتني نفسي إلى الجلوس فيه ثم قلت هذا خطأ فلعله إن يجري سبب يعوقني عن الخليفة فيكون الهلاك فلم أزل أنازع نفسي حتى غلبتني فجلست في الزنبيل فرفع حتى صار في أعلى القصر ثم خرجت فنزلت فإذا جوار كأنهن أقمار جلوس فضحكن وطربن وقلن يا عدو الله ما أدخلك إغليتا فقلت يا عدوات الله الذي أردتن إدخاله خير مني ولم يزل ذلك دائراً وهن يضحكن وأضحك معهن فقالت إحداهن أما من أردتن فقد فات وما هذا إغغلا ظريف فهلمن نعاشره معاشرةً جميلة فأخرج إلى طعام ولم يكن في فضل إلا أني كرهت أن أنسب إغلى سوء العشرة فأصبت منه ثم جيء بالنبيذ وجعلت أشرب وأخرجن ثلاث جوار لهن فغنين غناءً حسناً فغنت أحداهن صوتاً لمعبدٍ فقالت إحدى الثلاث من وراء الستر أحسن إبراهيم هذا له فقلت كذبت هذا لمعبدٍ فقالت يا فاسق وما يدريك الغناء ما هو ثم غنت الأخرى صوتاً للغريض فقالت تلك أحسن إبراهيم هذا له أيضاً فقلت كذبت يا خبيثة هذا للغريض فقالت اللهم اخزه ويلك ما يدريك ثم غنت الجارية صوتاً لي فقالت تلك هذا لشريح وأحسن فقلت كذبت هذا لإبراهيم وأنت تنسبين غناء الناس إليه وغناؤه إليهم قفالت وما يدريك فقلت أنا إبراهيم فتباشرن بذلك وظهرن كلهن لي وقلن كتمنا نفسك وقد سررنا سروراً عظيماً فقلت أنا الآن أستودعكن الله فقلن وما السبب فأخبرتهن بقصتي مع الرشيد فضحكن وقلن الآن وقد طاب حبسك علينا إن خرجت أسبوعاً فقلت هو والله القتل فقلن إلى لعنة الله فأقمت والله عندهن أسبوعاً لا أزول فلما كان بعد أسبوع ودعنني وقلن لي إن سلمك الله فأنت بعد ثلاث أيام عندنا فقلت نعم فأجلسنني في الزنبيل وسرحت فمضيت لوجهي حتى أتيت دار الرشيد فإذا النداء قد أشيع ببغداد في طلبي وأن من أحضرني قد سوغ مالي وملكي فإستأذنت فتبادر الخدم حتى أدخلوني على الرشيد فلما رآني شتمني وقال: السيف والنطع إنك يا إبراهيم تشاغلت عني وجلست مع السفهاء أشباهك حتى أفسدت عن لذاتي فقلت يا أمير المؤمنين أنا بين يديك وما أمرت به غير فائت ولي حديث عجيب ما سمع بمثله وهو الذي قطعني عنك ضرورة لاختيار ناسمعه فإن كان عذراً فقبله هاته فحدثته فوجم ساعة ثم قال إن هذا لعجيب أفتحضرني معك قلت نعم وأجلسك معهن إن شئت قبلى حتى تحصل عندها وإن شئت فعلى موعد فقال بلى على موعد قلت أأفعل قال انظر قلت ذلك ذاك حاصل فلما أصبحت أمرني بالإنصراف وان أجيئه من عندهن فمضيت إليهن وقت الوعد فوجدت الزنبيل على حاله فجلست فيه ومدت الجواري وصعدت فلما رأينني

تباشرن بي وحمدن الله على سلامتي وأقمت ليلتي فلما أردت الإنصراف قلت إن لي أخاً هو عندي عدل نفسي وقد أحب معاشرتكن ووعدته بذلك فقلت إن كنت ترضاه فمرحباً بذلك فوعدتهن ليلة غد وانصرفت وأتيت الرشيد فأخبرته فلما كان الوقت خرج معي متخفيا وقد كان الله وفقني أن قلت لهن إذا جاء صديقي فاستترن عني وعنه ولم يسمع لكن لفظة وليكن ما تخترنه من الغناء أو تقلنه من قول مراسلة فلم يتعدين ذلك وأقمن على أتم ستر وخفر وشربنا كثيراً وقد كان أمرني ألا أخاطبه بأمير المؤمنين فلما أخذ النبيذ مني قلت سهواً يا أمير المؤمنين فتواثبن من وراء الستارة حتى غابت عنا حركاتهن فقال لي يا إبراهيم قد أفلت من أمر عظيم والله لو برزت لك واحدة منهن لضربت عنقك قم بنا فانصرفنا فإذا هن له وقد كان غضب عليهن فحبسهن في ذلك القصر ثم وجه منغد بخدم فردوهن إلى قصره ووهب له مائة ألف درهم وكانت الهدايا والألطاف تأتيني بعد ذلك منهن حكاية: تناظرت المغنون يوما عند الواثق فذكروا الضراب وحذاقهم فقدم إسحاق ابن إبراهيم الموصلي ربربا على ملاحظ لملاحظ في ذلك الرياسة عليهم كلهم فقال الواثق هذا حيف وتعد منك فقال إسحاق يا أمير المؤمنين اجمع بينهما وامتحنهما فإن الأمر سيكتشف لك فيهما فأمر بهما فأحضر افقال له إسحاق للضرب أصواتاً معروفة فامتحنهما بشيء منها قال افعل فسمى ثلاثة أصوات كان أولها: علق طيبة السكب جهلاً ... فقد أغرى بتعذيبي نمت عليها حين مرت بنا ... محاسن ينفحن بالطيب تصدها عنا عجوز لها ... منكرة ذات أعاجيب الشعر والغناء لإسحاق فضربا عليه نتقدم ربرب وقصر ملاحظ فعجب الواثق من كشفه عما ادعاه في مجلس واحد فقال ملاحظ فما باله يا أمير المؤمنين يحيلك على الناس ولا يضرب هو فقال يا أمير المؤمنين أنه لم يكن في زماني أضرب مني ولكنكم أعفيتموني من الضرب فثقلت على ومع ذلك أن معي بقية لا يتعلق بها أحد من هذه الطبقة ثم قال يا ملاحظ شوش عودك وهاته ففعل ملاحظ ذلك فقال إسحاق يا أمير المؤمنين هذا خلط الأوتار خلط متعنت وهو لا يألو افسادها ثم أخذ العود فحبسه ساعة حتى عرف مواقعه ثم قال يا مخارق عن أي صوت شئت فغنى مخارق صوتاً وضرب عليه إسحاق بذلك العود الفاسد التسوية فلم يخرجه من لحنه في موضع واحد حتى استوفاه عن نقرة واحدة ويده تصعد وتنحدر إلى الساتين فقال له الاثق والله ما رأيت مثلك قط ولا سمعت به الجوارى ولايصلح لهن البتة وإنما بلغني أن الفليهد ضرب بوماً بين يدى كسرى آثر وتر فأحسن فحسده رجل من حذاق أهل صناعته فرقبه حتى قام لبعض شأنه فخالفه إلى عوده فشوش بعض أوتاره فرجع وضرب وهو لا يدري والملوك لاتصلح في مجالسها العيدان فلم يزل يضرب بذلك العودحتى فرغ ثم قام على رجله وأخبر الملك بالقصة فامتحن العود فعرف ما فيه فقال له زهوزه ورهان زه ووصله بالصلة التي كان يصل بها من يخاطبه بهذه المخاطبة فلما تواطأت الروايات بهذا أخذت نفسي به وروتها عليه وقلت لا ينبغي أن يكون الفلهيد أقوى على هذامنى فما زلت أستنبطه بضع عشرة سنة حتى لم يبق في الأوتار موضع على طبقة من الطبقات إلا وأنا أعرف نغمته كيف هي والمواضع التي تخرج النغم كلها من أعاليها إلى أسافلها وكل شيء منها يجانس شيئاً غيره كما أعرف ذلك في مواضيع الدساتين وهذا شيىء لايفي به الجواري فقال له الواثق لعمري لقد ضدقت ولئن مت لتموين هذه الصناعة معك وأمر له بثلاثين ألف درهم.

الباب الثالث والعشرون في الغلمان

الباب الثالث والعشرون في الغلمان كان يقال العبد من لا عبد له وقال دعفل السابة في المماليك هم غير مستفاد وغيظ في الأكباد وقال سعيد بن مسلم لابد للعميد من عبيد وقال جعفر بن سليمان العبيد إن أكلوا من مالك زاد في جمالك وقال غيره العيش في سعة الدار والعز في كثرة العبيد وقال آخر عز الملوك في كثرة المماليك وقال آخر رب عبد خير من الولد لأن الولد قي أكثر الأحوال يرى صلاحه في موت ولده والعبد يرى صلاحه بقاء مولاهزكان يحيى بن أكتم يقول قد أكرم الله تعالى أهل جنته بأن أطاف عليهم الغلمان في وقت رضاه عنهم وأفضاله عليهم وبره بهم لفضلهم في الخدمة على الجواري وما الذي يمنعني عاجلاً في طلب هذه المزية المخصوص بها أهل القربة عند الله تعالى والزلفة لديهزوقال مطيع بن إياس لو لم يكن للمرد فضيلة لما كان الله جعل ملائكته مرداً وأهل الجنة مرداً وهذا فيه كفاية وإنما عنى الحديث أهل الجنة جرد مرد مكحلون، وكان وإليه ابن الحباب يقول الغلام هو الرفيق في السفر والصديق في الحضر والمعين على الشغل والنديم عند الشرب وهو سبب الأنس. وقيل لمسلم الأصفري لم فضلت الغلام على الجارية فقال لأنه في السفر صاحب ومع الإخوان نديم وفي الخلوة أهل. ومن رسالة الشيخ جمال الدين بن نباته وكان في فرجة يحدث مرآها الحسن أحاديث جنان أمامه عشرة مماليك من الترك ليس الخبر في محاسنهم المبدعة كالعيدان جلبهم إلى مصر تاجر لحظته السعادة فاستنزلت له البدور من آفاقها وأصحبته الشموس بشرفها وإشراقها فصار إلى مصر بيوسف وبمن سجد له في المنام وأتى بلاد القبلة بجماعة ما منهم إلا من هو في الحسن أمام وما فيهم إلا من هو في الحسن أمام وما فيهم إلا من يقول له المتأمل بلسان الإعتراف يا بشرى هذا سيد وبلسان العرف يا بشرى هذا الغلام قد وشحوا بالدقة خصورهم وحموا بأسياف الجفون كما تحمى الثغور ثغورهم منكل لدن القوام مهفهفة ساجى الطرف أوطفه حلو الجناية والمجانى طيف العين لا يجود على العاني منسوب إلى أرض القان أصله فيا حزيناً خذه القاني قد أفضح البدور في الدياجي ورمى القلوب من حبه ولها بين هاجره وهاجى وعلا بعنق يجلب من أرض الفرات فعطل عنق الغزال بأرض حاجى ونضى من جفن عينيه حساماً وقسم من لحظاتها على القلوب سهاماً وطال قده عن قصر الأغصان ودنا عن الرمح فكان بين ذلك قواماً فسبحت حين رأيت الأقمار واقفة إلى الأرض وتفائلت بوجوه حب التفائل بمثلها كاد يكون من الفرض وقلت: فجئت من الأتراك سرجاً آذر ... يعلم زهاد الورى كيف تعشق لهم منظر في الحسن يفتح خاطراً ... ولكن سهم اللحظ في القلب مغلق دخلت بقلبي في مجال عيونهم ... فأودبه ذاك المجال الضيق وكم قمر في القوس عاينت منهم ... فما لك يا طرفي المسافر تعلق واستقبلنا دمشق على هذا الفأل الجليل وفاصلنا السفرة -بحمدالله - على وجه جميلز فصل: في المنظوم منذلك قول لسان الدين ابن الخطيب في غلام ساقى قال: كيف أمنتماعلى الشرب ساق ... لحظة في القلوب غير أمين راح يسقي فصب في الكأس نزراً ... ثقة منه بالذي في العيون وقال الشيخ شمس الدين الرئيس فيه مدير الكأس حثنا ودعنا ... بعيشك من كئوسك والحثيث وقال صلاح الدين الصفدي في غلامه يشوى أوزا: قلت لما شوى الحبيب أوزا ... واكتسى باللهب ثوب سناء لو يعيش الجزار مات معنى ... في معاني محاسن الشوائي وله أيضا ًفيه: شوى الأوز فأضحت ... في خمرة الخد بسطه فقلت تشوى أوز ... أم كنت تشوى بطه قال الشيخ برهان القيراطي في غلام يلعب بالعود: غنى على العود شاد سهم ناظره ... أضحى به قلبي المضنى على خطر دنا إلى وحست كفه وتراً ... فراحت الروح بين السهم والوتر وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة في ساقى معذر: مبقل الخد أدار الطلا ... فقال لي في حبها عاتبي عن أحمر المشروب ما تنتهى ... قلت ولا عن أاخضر الشارب وقال في غلام تركي أهيف: علقته من بني الأتراك مقترنا ... من خاطري وهو منى غير مقترب حمالة الحلى والدبياج قامته ... تبت غصون الربا حمالة الخطب وقال الشيخ صفى الدين الحلى في راقص: جاء وفي قده اعتدال ... مهفهف ماله عديل

قد خففت عطفه شمال ... وثقلت جفنه شمول ثم انثنى راقصاًبقد ... حف به اللطف والدخول يجول ما بيننا بوجه ... فيه مياه الحيا تجول ورنح الرقص منه عطفاً ... تثنى إلى نحوه العقول فعطف داخل خفيف ... وردفه خارج ثقيل وقال آخر في راقص: وراقص أبصرته مرة ... فلم أزل بالرقص مفتوتاً لو قيل شعر بين كسرى ... أخرجه بالرقص موزوناً وقال ابن خروف النحوي الأندلسي فيه: ومنوع الحركات يلعب بالنهى ... لبس المحاسن عند خلع لباسه متأودا كالغصن بين رياضه ... متلاعباً كالظبى عند كناسه بالعقل يلعب مقبلا أو مدبرا ... كالدهر يلعب كيف شاء بناسه وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة في غلام يرمي في بالقوس: فديتك أيها الرامي بقوس ... ولحظ يا ضنا جسدي عليه لقوسك نحو حاجبك انجذاب ... وشبه الشيىء منجذب إليه وقال محيي الدين بن قرناص في غلام يرمي في الإماج: أتى الماج مائسا والردف قد أقلقه ... يرشق ثم ينثني بالله ما أرشقه وقال بدر الدين حسن العربي في غلام يرمر في الايك: أهواه في الأيك يرمي دائماً ... وسواد قلب الصب من اعراضه أطلقت لحظى نحوه فأصابني ... سهم وما عاينت كشف بياضه قلت ما أحسن قول الشيخ الموصلي من قصيدة: أصاب فؤادي المستهام بعينه ... فكلمه سهم له غير ناطق ولبعضهم في غلام يقوم سهماً: وافى يده سهم يقومه ... يومي إليه بعينه ويرمقه وذاك ابداع سر من لواحظه ... فيه ليزداد فعلاًحين يرشقه نكتة حسنة: عزم الملك المعظم على الصيد فقال له يا مولانا القمر في العقرب والسفر فبينما هو مفكر إذ دخل مملوك له من أحسن خلق الله وجهاً يقال له آي دغدى فوقف قدامه وقد توشح بقوس فقال له بعض الحاضرين يا مولانا بالله اركب الساعة فهذا القمر في القوس حقيقة فقام لوقته وركب استبشاراً وتفاؤلاً بالقول فلم ير من تلك السفرة ولا أكثر من صيدهاز وقال بدر الدين حسن بن حبيب الحلبي في غلام تركي يطلب وردا شعراً: رام ظبي الترك ورداً ... قلت أقصر خاب ضدك عندك الورد المربى ... قال فأنى قلت خذك وقال الشيخ زين الدين العجمي ونقلها من خطه في غلام نثر ورداً من أكمامه: وافى وفى كميه ورد أحمر حيى به مذ بست تحت لثامهه فرشفت صرف الراح من خرطومه ... وجنيت غض الورد من أكمامه وقال شمس الدين بن الصائغ في غلام ذي خال: بروحي أفدي خاله فوق خده ومن أنا في النيا فأفديه بالمال تبارك من أخلى من الشعر خده وأسكن كل الحسن في ذلك الخال وقال شهاب الدين بن أبي حجلة في غلام يدعى مقبل: يا من تحجب عن محب صادق ... ما زال عنه كل يوم يسأل من لي بيوم فيه يسمح باللقا ... ويقال لي هذا حبيبك مقبل وقال برهان الدين القيراطي فيغلام يبكي شعراً: لم يبك حين بكيت من ... هجراتهم متحسراً وقد ذكرتها في باب البركة والشاذروان والفوارة وأنشدني من لفظه لنفسه الشيخ شمس الدين الرئيس في غلام مليح وله لآلاء مضمنا: ومليح لآلاته قد حكاه ... فهو كالبدر في الجى يتلالا قلت قصدي من الأنام مليح ... هكذا هكذا وإلا فلا لا وأنشدني من لفظه لنفسه سيدي وأخي المولى الكامل شمس الدين محمد الشهير بابن الكفتى -أبقاه الله تعالى -لاحبابه حسبما اقترحته في غلام يعتز إلى من يهواه: وارحمتاه لقلبي كان يمنحني ... حبي وصالاً وكان الحب مستتراً وحين باحت بسرى أدمع هملت ... درى بعشقي له فاعتز واقتدرا وقال الشيخ المحدث الفصيح الترحال صلاح الدين خليل الاقفهسي قال أنشدني الشيخ العارف الناسك المحقق الصوفي إبراهيم بن الشيخ أحمد العربي الشهير بابن رقاعة أعاد الله من بركته من لفظه لنفسه في غلام معذر: رسم العذار بعارضيه بنفسجاً ... فوق الخدود فصار كالمرقوم قبلت مرسوم العذار تأدبا ... ومن التأدب قبلة المرسوم وكتب إلى القاهرة المحروسة من بعض متجدداته سيدي الجناب المجدي بن مكانس أبقاه الله تعالى في غلام أبيض:

دعني وحالي في هوى أبيض ... كالبدر أو أحسن من ذلك وعش مغنى في هوى أسمر ... أو مت إذا ما شئت في حالك وقال شمس الدين محمدبن العفيف في غلام جرحت كفه السكين: لم تجرح السكين كف معذبي ... إلا لمعنى في الهوى يتحقق هي مثلما قيل جارحة غدت ... ولكل جارخة إليه تشوق وكتب إلى القاهرة من بعض متجدداته سيدي القاضي شهاب الدين أحمد بن حجر -سلمه الله تعالى -في غلام مر بروضة مزهرة: ولم أنس إذ مر الحبيب بروضة ... فغارت من الحبوب أعينها المرضى ولاحت بخد الورد في الروض حمرة ... حياء وسمت أطرف نرجسه غضبى وقال محيي الدين بن قرناص في غلام شد بوسطه بندا أحمر: من لقبي من جور البند يحكى ... خنصرا فيه خاتم من عقيق وقال ضلاح الديت الصفدي أنشدني من لفظه لنفسه المولى شهاب الدين أحمد بن مهاجر بحلب المحروسة في غلام لابس لامة حرب: ما لاح في درع يصول بسيفه ... والوجه منه يضيىء تحت المغفر إلا حسبت البحر مد بجدول ... والشمس تحت سحائب من عنبر وقال جمال الدين بن نباتة في غلام يدعى خليل مضمنا: يغيب خليل الحسن عني ليلة ... فأسأم من ليل طويل أراقبه وكيف يطيب اليل عندي والكرى ... وليس إلى جنبي خليل ألاعب وأنشدني الشيخ عز الدين الموصلي لنفسه فيه: قال حبى خليلي غيرت ودي ... وتركت الفؤاد منى عليل بعد عشق الملاح صرت تقيا ... ما تراعى من الأنام خليلا وأنشدني سيدنا ومولانا القاضي صدر الدين بن الآدمى حسبما ورد اقتراحه من السادة المخاديم فضلاء الديار المصرية لنفسه: يا متهمي بالقسم كن متحدي ... ولا تطل رفضي فإني عليل أنت خليلي فبحق الهوى كن ... لشجوني راحما ًيا خليل وقال سيدنا القاضي بدر الدين الماميني في غلام يسقي الماء: بروحي ساقهمت إذ طاف بيننا ... بأكوابه اللاتي سقين أناما ورمت ارتشاف البريق منه فلم يجد ... ولكن كسا جسمى ضنا وسقاما ولنختم هذا الباب بحكاية لطيفة ونكتة غريبة ذكرها أبو الفرج المعروف بالببغاء قال تأخرت بدمشق عن سيف الدولة بن حمدان مكرها وقد سار عنها في بعض وقائعه وكان الخطر شديداً غلى من أراد اللحاق به من أصحابه حتى أن ذلك كان مؤديا إلى النهب وطول الإعتقال فاضطرت إلى أعمال الحيلة في التخلص والسلامة بخدمة من بها من الرؤساء والأخدشية وكان سنى وكان انقطاغي منهم إلى ابي بكر إلى بن صالح الروزبادي لتقدمه في الرياسة ومكانته من الفضل والصناعة فأحسنمقيلي وبالغ في الإحسان إلي وفضلت تحت الضرورة في المقام فتتوقف على قصد البقاع الحسنة والمتنزهات المطروقة تسلياً وتعللا فلما كان في بعض الأيام عملت على قصد دير مران وهذا الدير مشهور الموضع في الجلالة وحسن المنظر فاستصبحت من كنت آنس به وأمرت بحمل ما يصلح وتوجهنا نحوه فلما نزلنا أخذنا في شأننا وقد كنت اخترت من رهبانة لعشرتنا من توسمت فيه رقة الطبع وسماحة النفس والخلق حسبما جرى به الرسم في غشيان العمار وطروق اليرة من الطرق بعشرة أهلها والآنسة بسكانها ولم تزل الأقداح دائرة بين مطرب الغناء وزاهر المذاكرة إلى أن فض اللهو ختامه ولوح السكر لصحبي أعلامه وحالت مني نظرة إلى بعض الرهبان فوجدته إلى خطابي متوثبا ولنظري إليه مترقباً. فلما أخذته عيني أكب على يزعجني بخفى الغمز ووحى الإيماء فاستوحشت من ذلك وأنكرته ونهضت عجلاً واستحضرته فأخرج إلى رقعة مختومة وقال +لي قد ألزمك فرض الأمانة فيما تتمنه هذه الرقعة دونى وسقط زمام كتابها في استرهانك عنى ففضضتها قإذا فيها بأحسن خط وأملحه وأقواه وأوضحه: بسم الله الرحمن الرحيم لم أزل فيما تؤديه هذه المخاطبة يا مولاي بين حشم يحث على الإنقباض عنك وحسن ظن يجض على السانح بنفيس الحظ منك إلى أن استنزلتني الرغبة فيك على حكم الثقة بك من غير خبره ورفعت بيني وبينك سحب الحشمة فأطعت بالإنبساط أوامر المؤانسة وانتهزت في التواصل إلى مودتك فأبت الفرصة والمستماح منك جعلني الله فداك زورة ارتجح بها ما اغتصبتنيه الأيام من المسرة مهنأة بالإنفراد إلا من غلامك الذي هو مادة مسرتك وأنشد:

وما ذاك عن خلق يضيق بطارق ... ولكن لآخذ باحتياط على حالي فإن صادف ما خطبته منك أيدك الله قبولاً ولديك نفاقاً فمنية غفل الدهر عنها وإن فارق مذهبه فيما أهداه إلى منها جرى على رسمي في المضايقة فيما أوثره وأهواه وأترقبه من قربك وأتمناه فزمام المرؤءة يلزمك رد هذه الرقعة وسترها وتناسيها وأطرح ذكرها وإذا أنا بأبيات تتلو الخطاب: يا عامر العمر بالفتوة والقصف ... وحث الكئوس والطرب هل لك من صاحب يناسب في الغر ... بة بأخلاقه وبالأدب أوحشه الدهر فاستراح إلى ... قربك متنصرا على النوب فإن تقبلت ما أتاك به فلم ... يشب الظن فيه بالكذب وإن أبى الزهد دون رغبتنا ... تكن كمن لم يقل ولم يجب قال أبو الفرج ورد على ما حيرني واسترد مني ما كان الشراب حاره من تمييزي وحصل لي في الجملة أن أغلب الأوصاف على صاحبها الكتابة خطاً وترسلا ونظما فشاهدته بالفراسة في ألفاظه وحمدت أخلاقه قبل الإختبار من رقعته وقلت للراهب من هذا ويحك وكيف السبيل إلى لقائه فسهل إن شئت قلت دلني قال فكيف تعمل بالغلمان قلت لاأدري قال تظهر فتورا وتنصب عذرا تفارق به أصحابك مصرفا فإذا حصلت بباب الدير عدلت بك إلى باب تدخل منه فرددت الرقعة إليه وقلت أدفعها إليه ليتأكد أنه وسكونه إلي وعرفه أن التوفر على أعمال الحيلة في المبادرة إلى حضرته على ما أوثره من التفرد أولى من التشاغل بإصدار جواب وقطع وقت بمكاتبة ومضى الراهب وعدت أصحابي بغير النشاط الذي ذهبت به فانكروا ذلك فاعتذرت إليهم بشيىء عرض لي واستدعيت ما أركبه وتقدمت إلى من كان معي من الخدم بالتوفر عن خدمتهم وقد كنا عملنا على المبيت فأجمعوا تعجل السكر والغنصراف وخرجت من باب الدير ومعي غلام صبي كنت ىنس به وبخدمته وتقدمت إلى الشاكرى برد الدابة وستر خبري ومباركتي فتلقاني الراهب وعدل بي إلى طريق مضيق وأدخلني إلى الدير من باب غامض وصار بي إلى باب قلاية متميز عما جاوره من الأبواب نظافة وحسنا فقرعه بحركات مختلفة كالعلامة فابتدرنا منه غلام كأن البدر ركب على أزراره مهفهف الكشح مخطفه معتدل القوام أهيفه تخال الشمس برقعت غرته والليل ناسب أصداغه وطرته في غلالة تنم على ما يستره وتجفو مع رقتها عما يظهره وعلى رأسه مجلستيه بصمت فبهر عقلي حسنا فاستوقفت نظري ثم جفل كالظبى المذعور فتلوته والراهب إلى صحن القلاية فإذا أنا ببيت فضى الحيطان رخامى الأركان مفروش بحصير قد أتعب صانعه منقوش كأنه روضة مزخرفة بالنور أضحكها سقوط الندى فوثب إلينا منه فتى مقبل الشباب حسن الصورة والإهاب ظاهر النبل والهيئة فلقيني حافيا يعثر في سراويله واعتنقني ثم قال إنما استخدمت هذا الغلام إلى تلقيك ياسيدي لا جعل ما لعلك استحسنته من وجهي مصانعا عما يرد عليك من مشاهدتي فاستحسنت اختصار الطريق إلى بسطى وارتجاله النادر على نفسه حرصا في تأنيسي وأفاض في شكري على المسارعة أمره وأنا أوصل في خلال سكتاته المبالغة في الإعتدال به ثم قال يا سيدي أنت مكدود بمن كان معك والإستماع بمحادثتك لا يتم إلا بالتوصل إلى راحتك وقد كان الأمر إلى ما ذكر فاستلقيت يسيرا ثم نهضت فخدمت في حالتي النوم واليقظة الخدمة التي ألفيتها في دور أكابر الملوك وأجلة الرؤساء وأحضر لنا خادمالم أر أحسن وجهاً منه يحمل طبقاً يضم ما يتخذ للعشاء مما خف ولطف وقال إلا كل مني يا سيدي للحاجة ومن لك للمالحة والمساعدة فأكلنا شيئاًوأقبل الليل وطلع القمر ودخل من مناظر ذلك البيت إلى فضاء أدى إلينا محاسن الغوطة وحيانا بذخائر رياضها منالنظر الجاني والنسيم العطري وجاءنا الراهب من الأشربة بما وقع عليه اتفاقنا على الختار منه قم غالب اللذة وجرينا فيميدان المفاوضة فلم نزل تنناهب نوادر الأخبار وملح الأشعار ونمزج ذلك المزج بأظرفه ومن التودد بألطفه إلى أن توسطنا الشراب فالتفت إلى غلامه وقال يا مترف إن مولاك ليس مما يدخر عنا السرور بحضوره وما يجب أن ندخر ممكناً في مسرته فانتقع وجه الغلام حيء وخفرا فأقسم عليه بحياتي وأنا لا أعلم ما يريد فمضى وعاد يحمل طنبورا وجلس وقال لي يا سيدي أتأذن لي في خدمتك فهممت بتقبيل يده لما تداخلني من السرور بذلك فأصلح الطنبور وضرب وغنى هذه الأبيات:

يمالكي وهو ملمي ... وسالبي ثوب نسكي نزه يقين الهوى في-ك عن تعرض الشك لولا ما كنت أبكي ... إلى الصباح وأبكي فنظر إلى الغلام وتبسم فعلمت أن الشعر له فكدت والله أطيرفرحاً بملاحة خلقه وحسن خلقه وقوة حذقه وجودة ضربه وعذوبة ألفاظه وتكامل حسنه فاسندعيت كثيراً فأحضر الخادم عدة قطع من فاخر البلور وجيد المحكم فشربت سروراً بوجهه وشرب بمثل ما شربت ثثم قال لي أنا والله يا سيدي أحب ترفيهك ولا أقطعك عما أنت متوفر عليه ولكن إذا عرفت الإسم والنسب والصناعة واللقب فلا بد أن نشى ليلتنا بشيىء يكون لها طراز ولذكرها معلما فجذبت الدواة وكتبت ارتجالاًوقد أخذ الشراب مني هذه الأبيات: وليلة أوسعتني ... حسنا ولهوا وأنسا ما زلت الثم بدرا ... بها واشرب شما اذ أطلع الدبر سعدا ... لم يبك مذ كان نحسا فصار للروح روحا ... وصار للنفس نفسا فطرب على قولي ألثم بدرا وأشرب شما وجذب غلامه فقبله وقال ما جهلت ما يجب لكمن التوقير وإتما اعتمدت تصديقك فيما ذكرته فبحياتي إلا ما فعلت ذلك بغلامك فاتبعت ايثاره خوفا من احتشامه وأخذ الأبيات زجعل يرددها ثم أخذ الدواة وكتب اجازتها: ولم أكن لغرمي والله أبذل فلسا ... لو ارتضى لي غريمي بدير مران حبسا فقلت والله إذا ما كان يؤذي أحد حقاً ولا باطلاً وداعبته في هذا المعنى بما حضر وعرفت في الجملة أنه متستر من دين وقال لي قد خرج إليك أكثر الحديث فإن عذرت وإلا ذكرت لك الحال لتعرفها إلى صورتها فبنيت ما يؤثره من كتمان أمره فقلت له يا سيدي كل من لا يتعرف بك نكرة وقد اغنت المشاهدة عن الإعتذار وبانت الخبرة عن الإستخبار وجعل يشرب وينتحب من غير استكراه ولا حث ولا استبطاء إلى أن رأيت الشرب قد دب فيه وأكب إلى مجاذبة غلامه والفطنةتثنيه في الوقت بعد الوقت فأظهرت السكر وحاولت النوم وجاء الغلام بفرش حسن ففرش لي بإزاء فرشه فنهض إليه وقام يتفقد أمري بنفسه فقلت له أن لي مذهباً في تقريب غلامى مني واعتمدت بذلك تسهيل ما يختاره من هذا الحال في غلامه فتبسم وقال لي بسكره جمع الله لك شمل المسرة كما جمع جمعه لي بك وأظهر ت النوم وعاد إلى محادثة غلامه وعاتبه بأعذب لفظ وأحلى معاتبة ويمزج ذلك بمواعيد تدل على سعة وانبساط يد وغلامه تارة يقبل يده وتارة فمه وغلبتني عيناي إلى أن أيقظني هواء السحر وانتبهت وهما متعانقان بما كان عليهما من اللباس فأردت توديعه فخفت انتباهه وإزعاجه فخرجت فلقيني الخادم يريد ايقاظه وتعريفه بإنصرافي فأقسمت عليه ألا يفعل ووجدت غلامى قد بكر بما أركبه كما كنت أمرته فركبت منصرفاً وعاملاً على العودة إليه والتوفر على مواصلته وأخذ الحظ منه في معاشرته ومتوهما ًأن الذي كنت فيه مناماً لطيبه وقرب أوله من آخره واعترضتني أسباب أدت إلى اللحاق بسيف الدولة فسرت إلى أتم حسرة لما فإنني من معاودة لقائه وقلت في ذلك هذه الأبيات: ويوم كان الدهر سامحني به ... فصار يسمى بيننا هبة الدهر جرت فيه أفراس الصبا بارتياحنا ... إلى دير مران المعظم ذي القدر فمن روضة بالحسن توقد روضه ... ومن نهر بالفيض يجري إلى نهر وفي الهيكل المعمور منه اقترعها ... وصحبي حلالا بعد توفية المهر ونزهت عن غير الدنانير قدرها ... فما زلت منها أشرب التبر بالتبر وحل لنا ما كان منها محرماً ... وهل يحظر المحظور في بلد الكفر 3فأهديت لي الأيام فيه مودة ... دعتني في ستر فلبيت في ستر أتى من الشريف الطبع أصدق رغبة ... فخاطبني من معدن النظم والنثر وكان جوابي طاعة لا مقالة ... ومنذا الذي لا يستجيب إلى اليسر فلاقيت من العينين نبلا وهمة ... محلى السجايا بالطلاقة والبشر وأحشمني بالبر حتى حسبته ... يريد اختداعي عن حياتي ولا أدري ونزه عن غير الصفاء اجتمعنا ... وكنت وإياه كقلبين في صدر وشاء السرور أن يلينا بثالث ... فلا طفنا بالبدر أو بأخى البدر يمعط العيون ما أسهمت من جماله ... ومضت القلوب بالتحبى وبالهجر جنينا جنى الورد في غير حينه ... وزهر الربا من روض خديه والثغر

الباب الرابع والعشرون في الجوارى ذات الألحان قال الثعالبي في تحفة الأرواح وموائد السرور والأفراح إن كان أجود منه وذلك مع الروية وقال أفلاطون: غناء الملاح تحرك فيه الشهوة والطرب وغناء القباح يحرك فيه الطرب لا الشهوة وقد قيل أحسن الناس غناء من تشبه بالنساء من الرجال ومن تشبه بالرجال من النساء وما أحسن قول القائل: جائت بوجه كأنه قمر ... على قوم كأنه غصن

وقابلنا من وجهه وشرابه ... بشمسين في جنحى دجى الليل والشعر وغنى فصار السمع كالطرف أجدا ... بأوفر حظ من محاسنه الزهر وأتبعنا في وجنتيه بمثل ما ... تمرج كفاه من الماء والخمر سرور سكرنا منه لاصحو إذ دعا ... إليه ولم نشكر إليه من السكر كأن الليالي نمن عنه فبعدما ... تنبهن يبكين الوفا إلى العذر مضى وكأنما كنت فيه مناماً ... فحدثت عن طيف الخيال إذا يسر وهل يحصل الإنسان من كل ما به ... تسامحه الأيام إلا إلى الذكر زلم أزل على أتم قلق وأعظم حسرة وأشد تأسف على ما سلبت من عظيم النعمة بفراق الفتى لا سيما ولم أحصل منه حقيقة ولا يقين بر يؤدياني إلى الطوع في لقائه إلى أن عاد سيف الدولة إلى دمشق وأنا في جملته فما بدأت بشيء قبل المصير إلى الراهب وقد كنت حفظت اسمه فخرج إلي مرعوباًولا يعرف السبب فلما رآني استطار فرحا وأقسم لا يخاطبني إلا بعد نزول والمقام عتده يومي ذلك ففعلت فلما جلسنا للمحادثة قال ما لي أراك لا تسألني عن صديقك قلت والله مالي فكر منصرف عنه ولا أسف يتجاوز ما حرمته منه ولا سررت بعودي إلى البلد إلا من أجله ولذلك بدأت بقصدك فاذكر لي خبره فقال أما الآن فنعم هذا فشى من أولاد عظماء مصر جليل القدر عظيم النعمة كان قد ضمن من سلطانه بمصر ضياعاً بمال كثير فخاسر به ضمانه لعقود السعر وأشرف على الخروج مننعمته فاستتر ولما اشتد البحث عنه خرج متخفياً إلى أن ورد دمشق بزىء تاجر وكان استتاره عند بعض اخوانه ممن له عادة بخدمته فأتيت عنده يوماً إذ ظهر لي وقال لصديقه أريد الإنتقال إلى هذا الراهب إن كان مأموناً فذكر لهصديقي مذهبي وأظهرت له السرور بما رغب فيه من الأنس بي وأنا لا أعرفه غير أن صديقي قد أمرنيبخدمته وحصل على ذلك في قلايتي وواصل الصوم فلما كان بعد أيام جاءنا الرسول من عند صديقنا وهو الغلام والخادم قد لحقا به ومعهما سفاتج وعليهما ثياب رثة فلما نظرت إلى الغلام قال يا راهبقد حل الفطر وجاء العيد ووثب إليه واعتنقه وجعل يقبل عينيه ويبكي ووقف على السفاتيج وأنقذها مع درج رقعة منه إلى صديقه فلما كان بعد يومين حمل إليه ألفي دينار وقال له ابتع لنا ما نستعمله في هذه الضيعة فابتاع آلة وفرشاً ولم يزل مكبا على ما رأيت أإلى أن ورد عليه كتاب أهله بتدبير حاله مع سلطانه وأخذ خط السلطان بحطيطة المال وطيب قلبه وتحقق رضى السلطان فلما عزم على المسير قال لغلامه سلم جميع مابقى معك من نفقتنا إلى الراهب ليصرفه في مصالح الدير وسار وماله حسرة غيرك ولا أسف إلا عليك يقطع جميع الأوقات بذكرك ولا يشرب إلا على ما يغنيه الغلام من شعرك وهو الآن بمصر على أحسن الأحوال وأجلها ما بخل بتفقدى وخف بعض ما عندي من الحزازة بما عرفت من حقيقة خبره وأتممت يومي عند الراهب وكان آخر العهد منه ومن الغلام والسلام. الباب الرابع والعشرون في الجوارى ذات الألحان قال الثعالبي في تحفة الأرواح وموائد السرور والأفراح إن كان أجود منه وذلك مع الروية وقال أفلاطون: غناء الملاح تحرك فيه الشهوة والطرب وغناء القباح يحرك فيه الطرب لا الشهوة وقد قيل أحسن الناس غناء من تشبه بالنساء من الرجال ومن تشبه بالرجال من النساء وما أحسن قول القائل: جائت بوجه كأنه قمر ... على قوم كأنه غصن غنت فلم تبق فيّ َجارحة ... إلا تمنيت أنها أذن وقال يزيد بن الوليد: إياكم والغناء فإنه يسقط المروءة وينقص الحياء ويبدي العورة ويزيد في الشهوة وإنه لينوب عن الخمر ويصنع بالعقل مايصنع به السكر وإن كان ولا بد فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا وقال بعضهم في جارية عواده: وكأنه في حجرها ولد لها ... تحنو عليه عند كل أوان أبدا تدغدغ بطنه فإذا هفا ... عركت له أذنا من الآذان وقال ابن تميم فيها أيضاً: ومهات قد راضت العود حتى ... عاد بعد الجماخ وهو ذلول خاف من عرك أذنه إذ عصاها ... فلهذاكما تقول يقول وقال آخر فيها وأجاد: أشارت بأطراف لطف كأنها ... أنابيب در قمعت بعيق ودارت على الأوتار حسا كأنها ... بنان طيب في محبس عروق وقال ابن حجاج فيها وأجاد:

هذا ومحسنة بالعود عاشقها ... بذلك الطيب في الأحيان مسرور إذا تثنت وغنت خلت قامتها ... غصناً عليه قبيل الصبح شحرور وقال صلاح الدين الصفدي فيها: حبست مثاني عودها بأنامل ... عبثت بلب الخشاع التورع وشدت فلو شائت عذوبة لفظها ... عطفت عنان البارق المسرع وعجبت من ريح الصبا إذ لم يقف ... طربا ولكن ما لها أذن تعي أبصرت يا عيناي ما لم تبصري وسمعت يا أذني ما لم تسمع وقال جمال الدين بن نباتة فيها: بروحى هيفاء المعاطف حلوة ... تكاد بألحاظ المحببين تشرب لقد عذبت ألفاظها وصفاتها ... على أن قلبي في هواه معذب تجار عود اللهو يشبه صوتها ... فمن أجل هذا أصبح العود يضرب وأجرى دموع العاشقين بلعبها ... فقال الآس دعها تخوض وتلعب وقال النور السعردي في جارية جنكية: لبنت شعبان جنك حين تنطقه ... يغدو بأصناف ألحان الورى هازى لاغرو أن صاد الباب الرجال بها أما تراه يحاكي مخلب الباوى وقال الصلاح الأزيلي في الجنك: الجنك مركب عقل في تشكله ... والرق قلع له الأوتار أطناب يجري بريح اشتياق في بحار هوى ... يؤم ساحل وصل فيه أحباب وقال سيدي شهاب الدين أحمد بن حجر في جارية تلعب بالكمنجا: مابالها هجرت وكم قد مر لي ... منها بين سالف نغمة أوطار وقال سيدنا القاضي بدر الدين الماميني في جارية تدق بالكف: لقد دقت بكفيها فتاة ... منها صفت فينا خلائقها ورقت فأفديها مغنية رأينا بها الأفراح حلت حين دقت وقال شمس الدين بن دانيال في جارية تضرب بالدف وأجاد ذات القوم الذي يهتز غصن نقا ... لو مر يوما عليه طائر صدحا تبدي إلى الدف كالخمار معصمها ... أناملاً ببنان تشبه البلحا غناؤها بريق الغنج تمزجه ... فما ينقط الأكل من رشحا وقال شمس الدين الكوفي الواعظ في جارية مشببة كذا ذكراه في تضميخ التضمين: لقد حصلت لي ليلة لا تقوم ... وعندي من أهوى بها وأتنعم وفي كفها شبابة تجمع المنا ... فنحن سكوت والهوى يتكلم وينفخ فيها الروح روح بأمرها ... وما هو جبريل وما هي مريم وما الدهر إلا صورة دمعها الطلا ... فحرم إذشرب الدماء محرم وما زلت شيعيا إلى أن أتوا بها ... عتيقا فناديت العتيق المقدم وهذا التضمين أغار عليه القاضي محي الدين بن عبد الظاهر وقد ذكرته في الحذاق المطربين. وقال كمال الدين جعفر الأدنوي في تاريخه البدر المسافر في ترجمة القاضي تقى الدين عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن خلف ينعت بابن البيت الأعز الشافعي ومن شعره ملغزا في شبابة: ومحبوبة مهما خلت مع حبيبها ... يقبلها لئما وينظرها شزرا منقبة عريانة وهي فتنة ... لمن أصبحوا من شرب كأس الهوى سكرى وتصحيفها في كف من شاء منهم ... ومن شاء في اليمنى ومن شاء في اليسرى وكتب إلى شرف الدين بن الحلاوى ملغزا فيها مضمنا: وناطقة خرساء باد شجوها ... تكنفها عشر وعنهن تخبر يلذ إلى الإسماع رجع حديثها ... إذ سد منها منخر حاش منخر فأجاب بهذا البيت وأجاد: نهاني النهى والعلم عن وصل مثلها ... فكم مثلها فارقتها وهي تصفر قلت: تكرير لفظة مثلها غير طائلزوألم بهذا التضمين مجير الدين بن تميم فقال: وشبابة قد كنت أهوى سماعها ... وقد صرت منها عندما بت أنفر وها أنا قد فارقتها غير نادم ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر قلت: كان المذكور لهجا بالتضمين مكثر حتى قال في نفسه وظرف: أطالع كل ديوان أراه ... ولم أزجر عن التضمين طيري أضمن كل بيت فيه معنى ... فشعري نصفه من شعر غيري وقال إبراهيمبن المعار في جارية مغنية: وجارية مغنية بلطف ... على الإيقاع بالكعبين دقت فغنت ثم رقت لي +بوصل ... فقمت قطعتها من حيث رقت وقال بدر الدين بن الصاحب فيها: غنت فأغنت عن كئوس الطلا ... بالسكر من لذات تلك اللحون فقلت إذ هيمني صوتها ... في مثل ذا الحلق تروح الذقون وقال صفى الدين الحلى في جارية ترقص بالشراب:

والراقصات وقد شدت ماآزرها ... على خصور كأوسط الدنانير كأن في الشبر بمناها وقد رقصت ... صبحا تقلقل فيه قلب ديجور ترعى الضروب بكفيها وأرجلها ... وتحفظ الأصل من نقص وتغيير وتعرب الرقص من لحن فيلحقه ... ما يلحق النحو من حذف وتقدير وقال جمال الدين حسن بن علي بن داود الفارقي: لله راقصة تميس كأنها ... ظل القضيب إذا تمايل مزهرا تزهو وترجع كالخيال فلا ترى ... حركاتها إلا كطارقة الكرى لانت معاطفها فكيف تلفتت ... وتلفتت لا يستطاع بإن ترى وقال أبو الحسن على بن أبي اليسر فيها: هيفاء إن رقصت في مجلس رقصت ... قلوب من حولها من حذقها طربا خفيفة الوطء لو جالت بخطواتها ... في جفن ذي رمد لي يعرف الوصبا وقال الشيخ عز الدين الموصلي لنفسه فيها: هيفاء راقصة للزهر قد كشفت ... في الكون ما مثلها نجم على الكرة كالغصن أن خطرت يا ليتها عطفت ... مذ أمرضتني وعادت باللمى شفتى وقال الوجيه المناوى في جارية تلعب بخيال الظل: وجارية معشوقة اللهو أقبلت ... بحسن كزهر الروض تحت كمام إذا ما تغنت قلت شكوى صبابة ... وإن رقصت قلنا حباب مدام 3أرتنا خيال الظل والستر دونها ... فأبدت خيال الشمس خلف غمام تلعب بأشخاص من خاف سترها ... كما لعبت أفعالها بأنامى فصل: فيما يتعلق بكتابة التظرفات منهن على آلاتهن: كتبت مزنة على مضرابها: *مننظر إلى سوانا لم يصدقفي هوانا * وكتبت ظبية مغنية ابن يزداد على ملهاتها: *احفظ سرك من غيرك * وكتبت ظوافر على ملاويها: وافق من ترافق *وقارب من تصاحب * وكتبت ضوء الصباح على عودها بالذهب: *من خالفنا فليس منا * وكتبت تحفة: *ومن أرادنا لا يصبر عنا * وكتبت قينة جارية الملك الظاهرية على بابها: *صل من قطعك أعط من حرمك * وكتبت نزهة جارية الجصاص على إحدى جانبي مضرابها: *من ورد عودها غير حياء به صدر ندائه * وعلى الجانب الآخر: *السعيد من وعظ بغيره * حاشية: قال علي بن الجهم اشتريت جارية فقلت لها ما أظنك بكرا فقالت كثرت الفتوحات في زمن المعتصم وقلت لها كم بيننا وبين الصباح فقالت عناق مشتاق ونظرت إلى الشمس كاسفة فقالت احتشمت محاسني فتنقبت وقلت لها نجعل مجلسنا في القمر فقالت ما أولعك بالجمع بين الضرائر وكانت تكره الحلى وتقول يستر المحاسن كما يغطي القبايح: فصل: في المولدات من الجوارى وغيرهن: قال القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر في جارية تدعى وردة: بأبي دمية مولدة ال ... حسن دعوها بوردة البستان في التصاوير مثلها ليس يلقى ... فيقولون وردة كالدهان وقال شهاب الدين بن أبي حجلة في جارية تدعى حكم الهوى: حكم الهوى صدت فبت لأجل ذا ... ولهان من فرط الصبابة والجوى يا عاذلي لا تلمني في حبها ... نفذ القضاء وهكذا حكم الهوى وقال الشيخ نجم الدين الفخاري في جارية تدعى قلوب: عاتبني في حبكم عاذل ... يزعم نصحى وهو فيه كذوب وقال ما حب في قلب المعنى قلوب وقال القاضي شهاب الدين بن فضل الله العمري في جارية تدعى حدق: سكرت في حب من أهوى معاطفه ... تطوع الضلوع على التبريح والحرق قالوا فجد بدموع العين قلت لهم ... لا تسألوا ما جرى منها على حدق وقال أبو حفص جعفر الشطرنجي في جارية سوداء: أشبهك المسك وأشبهته ... قائمة في حسنها قاعدة لاشك إذ لو نكما واحمد ... انكما من طينة واحدة وقال ابن قلاقس فيها وابدع: رب سوداء وهي بيضاء معنى ... نافس المسك عندها الكافور مثل حب العيون تحسبه الن_ناس سوادا وإنما هو نور وقال أبو تمام الحجاج الطيطلي وأجاد: يا كعبة بذوي الألباب لاعبة ... في أصل حسنك معنا غير متفق خلقت بيضاء كالكافور ناصعة ... فصرت سوداء من مثواك في وقال شهاب الدين بن فضل الله في جارية سوداء مغنية: يا رب سوداء لأجفانها ... كما لبيض الهند تأثير يطربني ترجيع ألحانها ... وكيف لا يطرب شحرور ولا بأس بايراد نبذة يسيرة من ذمهم:

قال جماز لعلى الرازي وقد أراد شراء خبشية تمتعها الدهر مزمن وإبطها منتن وجسدها لا يقبل الطيب وإذا شربت احمرت عيناها واخضرت وجنتاها وإذا كسيت فنخاعة وقال الماهاني لصديق لهلما أولعت بالسودان فقال أسخن فقال الماهاني أسخن للعير. نادرة: تزوج مدني سوداء فعوتب فقال عتق ما يملك إن لم يكن ضرابها في الليلة الشتائية أنفع من عدل فحم. وقال الصنوبري يهجو زامرة سوداء: كأنما المزمار في أشداقها ... غرمول عير في حيا أتان وترى أناملها على مزمارها ... كخنافس دبت على ثعبان وقال السراج المختار الحلبي فيها: ولرب زامرة تهيج بزمرها ... ريح البطون فليتها لم تزمر شبهت أناملها على ضرباتها ... وقبيح مبسمها الشنيع الأبخر بخنافس قصدت كنيفا واغتدت ... تسعى إليه على خيار الشنبر ولنختم هذا الفصل بلطائف من حكايات الجوارى الحسان وما خصوا به من فصاحة اللسان: قال بعض ومن يوثق به في الأخبار: رأيت بالبقاء ثلاث جوار كأنهن أقمار أو كأنما أفرغن في قالب الحسن أو ملكن أنفسهن فتصورن كما اشتهين قلت يا ضرائر الشمس أخوات انتن قلن لا ولكنا إلاف مودات وعقائل حبيبات نجتمع في هذا المكان لسبب ما تشتمل عليه القلوب من دفائن العيون ونحن نصف لك حالنا فاقض علينا بما تسمع من أشارنا قلت قلن فقالت الأولى: يقولون طعم الحب مر وإنني ... أظن بان الهجر مر من الحب فقلت المريض أعلم بدائه فقلت سبحان من ستر خلقه بثوب عفوه ولم يعلم غيره ضمائرهم بثاقب علمه. وقالت الثانية: أظن بأن الحب يقتل أهله ... إذا لم يكن في الحب قرب ولا وصل فقلت من جرب أمرا عرفه فاظفر حياءها تورد خديها. فقالت الثالثة أخال الهوى داء يعز دواؤه ... إذا غاب من يهوى وعانده الدهر فقلت من خاف شيئاً حذر منه وإلا وقع فيه فتنفست الصعداء وقالت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وقمن فما رأيت أغصانا تحملن أقماراً أسافلها كثبان إلا هن. وحكى سيار بن المعتمر قال زرت مخارقا وكنت أهوى جاريته معين وكانت أديبة مسمعة فأخرجها وجعلت تغني وطرفها يضحك فوهمتني سرورها بمحبتي إليها فبقيت في لذة من غنائها تتجاوز الوصف فلما قرب وقت الإنصراف دخلت ثم خرجت وعليها عصابة فيها مكتوب: تبسم طرفي فاستهام فؤاده ... إلى الضحك عين صيرته له سخرا إلا أن حسن الطرف ما كان ضاحكا ... فلا يوهمنك الضحك في مقلتي أمرا فاختلط عقلي وتمرر على ما كان حلا من تمنعي معها فلما رأت ما قد نزل بي قلبت العصابة فإذا عليها مكتوب: مزحت فلا تجعل مزاحي علة ... لصرف الهوى عني فتجلعه هجرا منحتك من قلبي مكانا وقربة ... عليك فلا تأسى لما حكيته شعرا وقرأت في كتاب منازل الأحباب ومنارة الألباب تأليف العلامة شهاب الدين محمود الحلبي -رحمة الله تعالى -حكى أبو الفرج الأصبهاني عن بعض بني حمدان قال كنت مع التوكل لما شخص إلى الشام فلما وصلنا إلى حمص قال أريد أن أطوف هذه الكنائس والمواضيع التي تعرف بالفراديس فإني كنت أسمع بطيب هذا المكان فقلت الرأي ما رأى أمير المؤمنين فلما استراح من الركوب دعاني وأخذ بيدي ولم يزل يستقرىء تلك الكنائس والأديرة وما فيها من الصور واحداث الرهبانوبنات القسيس فرأينا وجوها كأنها الأقمار على غصون تنثني على تلك الأورقة والحصون وكلما مر بنا شيىءمن ذلك قال أتدري ما نحن فيه وخلونا براهب من قوام الكنيسة فجعل التوكل يسأله عن اسم كل من مر به ونسبه فبينما نحن كذلك إذ مرت بنا جارية ما رأيت لها شبهاً في يدها مبخرة تبخر بها فقال لها المتوكل تعالي يا جاري فأقبلت بحسن أدب وكمال حسن فقال للقس من هذه قال ابنتي قالوما اسمها قال شعانين فقال لها المتوكل يا شعانين اسقني ماء فقالت ماؤنا ههنا من الغدران ولست استنظف لك آنية الرهبان ولو كانت روحي ترويك لجت لك بها ثم جاءت بكوز من فضة فيه ماء فأومت إلي أن أشربه فشربته فازداد عجبه بها وقال لها يا شعانين إن أنا هويتك تساعديني فتنفست الصعداء وقالت يا مولاي أما الآن فأنا أمتك وأما كوني عرفت صدق محبتك وتمكنها من قلبك فلا فماً أخوفني من حدوث الطغيان عند تملك السلطان أاما سمعت قول الشاعر: كنت لي في أوائل الأمر عبدا ... ثم لما ملكت صرت عدوا

أين ذاك السرور عند التلاقي ... صار مني تجنبا ونبوا فطرب التوكل حتى كاد يشق ثوبه وقال لها هبي لي نفسك أشرب وأنت اليوم فقالت على الرحب والسعة ثم أصعدتنا إلى علية مشرفة على تلك الكنائس فرأينا منظرا عجيباً ثمجاءت بأدب حسن ورقاق وكان التوكل عاف ما جاءت به واستأذنها في احضار طعام فأذنت فأتى بخرفان مشوية وأشياء غريبة الأنواع فاستظرفت ما جىء به واستهولت الآلة وفطنت لأمر التوكل وقامت بين يديه وهمت بالسجود له ثم جاء القس من بيت الرهبان بشراب ذكر التوكل أنه لم يشرب مثله قط فشرب وشربت معه ثم استعفيته من أجل حمى لحقتني فأعفاني وشربها بحديثها فلما أخذ منه الشراب قالت يا سيدي أغنيك عن ضعف الصنعة فقال إن فعلت كمل والله ظرفك فأنت بشىء يشبه العود فاندفعت تغني بهذه الأبيات: يا خاطبا من المودة مرحبا ... نفسي فداؤك لا عدمتك خاطبا أنا عبدة لهواك فاشرب واسقني ... واعدل بكأسك عن جليسك إن أبى قد والله الذي رفع السماء ملكتني ... وتركت قلبي في هواك معذبا فصاح المتوكل وقال أميت أنت وذلك لأني كنت أخطأت في ترك مساعدته فأخذت رطلاً وشربته حتى لحقته ومضى لنا من الايام الافراد ثم أرغبها المتوكل واستسلمها وتزوجها ولم تزل عنده حظية إلى أن قتل في داره. كتب بعض المجان إلى صاحب له يستهديه جارية حفظك الله وحفظ النعمة عليك أن بين كل أمر يطلبه الرجل وبين المطلوب منه ذريعة يتوسل بها إلى معروفه ولي بالرجاء فيك درجة توجب قضاء الحقوق وحاجتي أبقاك الله ظريفة من الجواري لم تتداولها أيدي التجار ولم تمتهنا خدمة الموالي ولي فيها شريطة أعرضها عليك وأذكرها لديك لترى رأيك فيها أنه كان يقال إذا اتخذت جارية فاستحد شعرها فإن الشعر أحد الوجهين وتكون رابعة البياض والطول نصف الحسن كله وتكون مليحة المضحك فإنه أول ما يستجلب من المرأة به المودة ومتقاربة الخطوة وتكون جيداء العنق غيداء اللبب كحلاء العين لها طرف أدعج وحاجب أزج موردة الخدين سهلتهما واضحة الجبين قتوب الأنف حمراء الشفتين مفلجة الثنايا نقية الثغر مشرقة النحر ولست أكره الإنكسار في الثديين لأنه لا لذة للنهود عندي إلا لذة النظر وهي أيضاً تحول بين المعانق وبين اراادته وإن قال الشاعر: حال الوشاح على قضيب زانه ... رمان صدر ليس يعطف ناهد وأكره العجيزة الضخماء ولا أحب الرشحاء أريدها وسطاً لأن خير الأمور أوسطها وتكون سبطة البنان فتلى الساعد ممتلئة الذراع فخمة العضد قبياء البطن نحيفة الخصر يطويها الضجيع طي الحمالة عبلة الفخذين بردية الساقين لطيفة القدمين ولولا افراط الغيرة لذكرت ما أحبه مما هو مستور إلا عند الحاجة إليه وأريدها رخيمة الصوت شهية النغمة عذبة الألفاظ بها غنة الحداثة وبحة الإحتلام أشجى خلقا من الفريض وأنعم كلاما في الآذان من مخارق وأثبت حجة من ابي الهذيل العلاف وابين معنى من النظام ظريفة المجون حسنة الوقار إن كرهتها نأت أطوع من الرداء وأذل من الحداء وقدرك أيدك الله يحمل اقتراحي عليك وشكري لك يستوجب ما سألته منك وأنا بالأسعاف جدير وأنت بالإفضال قمير، فأجابه سألت أعزك الله عن هذه الصفة وطلبت هذا النعت فأعيني في الدنيا وما أراني أجدها إلا في الآخرة وقد بعثت لك بألف دينار لتلتمسها أنت وتسال أخوانك معاونتك على ذلك فمتى وجدتها أو وجدتها لك أحد دفعت إليه الدنانير رهين الدلالة وعرفني بمقدار الثمن لأنفذه إليك-إن شاء الله تعالى

الباب الخمس والعشرون في الباءة

الباب الخمس والعشرون في الباءة قال الشيخ علاء الدين أبو الحسيعلى بن أبي الحزم القرشي المتطبب المعروف بابن النفيس - تغمده الله بالرحمة - في كتابه المعروف بالموجز في الجملة الثانية من الكتاب المذكور في قواعد الجزء العملي من الطب في تدبير الجماع. قال رحمة الله وسامحه: الجماع أفضله ما وقع بعد الهضم وعند اعتدال البدن في حره وبرده ويبوسته ورطوبته وخلائه وامتلائه فإن وقع خطأ فضرره عند امتلاء البدن وحرارته ورطوبته أسهل من خلائه وبرده ويبوسته وإنما ينبغي أن يجامع إذا قويت الشهوة وحصل الإنتشار التام الذي ليس عن تكلف ولا فكرة في مستحسن ولا نظر إليه وإنما هاجته كثرة المنى وشدة الشبق وإن تحصل عقيبه الخفة والنوم والجماع المعتدل ينعش الحرارة الغريزية ويهيىء البدن للإغتذاء في الجماع ويفرح ويحطم الغضب ويزيل الفكر الردىء والوسواس السوداوي وينفع أكثر الأمراض السوداوية والبلغمية وربما وقع تارك الجماع في أمراض مثل الذوار وظلمة البصر وثقل البدن وورم الخصية أو الحالب فإذا عاد إليه برىء بسرعة والإفراط في الجماع يسقط القوة ويضر العصب ويوقع في الرعشة والفالج والتشنج ويضعف البصر جدا وجماع الغلمان أقل استفراغا للمنى فيكون اضعافه وضرره أقل لكن يخوج إلى حركات متعبة لكونه استفراغا غير طبيعي وليجتنب جماع العجوزة والصغيرة جدا والحائض والتي لم تجامع من مدة طويلة والمريضة وقبيحة المنظر والبكر فكل ذلك يضعف بالخاصية وجماع المحبوب يسر ويقل اضعافه مع كثرة استفراغه المنى. وأراد أشكال الجماع أن تعلو المرأة رافعا فخذيها بعد اللاعبة التامة ودغدغة الثدي والحالب ثم حك الفرج بالذكر فإذا تغيرت هيئة عينيها وعظم نفسها وطلبت التزام الرجل أولج الذكر وصب المنى ليتعاضد المنيان وذلك هو الحبل. ومما يعين على الجماع رؤية المجامعة والنظر إلى تسافد الحيوانات وقراءة الكتب المصنفة في الباءة وحكايات الأقوية من المجامعين واستماع الرقيق من أصوات النساء وحلق العانة يهيج الشهوة وإطالة العهد بترك الباءة ينسيه النفس والإستمناء باليد يوجب الغم ويسقط الشهوة والإنتشار. انتهى كلام ابن النفيس. وسئل ابقراط كم ينبغي للإنسان أن يجامع فقال في كل سنة مرة قيل فإن لم يقدر قال في كل شهر قيل فإن لم يقدر قال في كل أسبوع قيل فإن لم يقدر قال هي روحة متى شاء أخرجها. فصل: ولما كان جمال المرأة وحسن تناسب أعضائها هو داعي الرجل إلى وطنها وأجلب لشهوته عند النظر إليه والمد لحواسه في حال مصاحبتها فلا بأس بإيراد نبذة من ذلك: أجمع أهل المعرفة أن الذي يحمد في المرأة من السواد أربعة أشياء: الشعر والحاجبان والحدقة والأهداب. ومن البياض أربعة أشياء بياض لونها بياض عينيها وبياض أسنانها وبياض فرقهازومن الحمرة أربعة أشياء: حمرة اللسان وحمرة الوجنات وحمرة الشفتين وحمرة الليتين. ومن الغلظ أربعة أشياء: العضدان والساقان والشفران والذوائب. ومن الرقة أربعة أشياء: العظام والأنف والخصر وأطراف الأنامل. ومن الطول أربعة أشياء: الرأس والعنق والساعدان والساقان. ومن الراض أربعة أشياء: الجبهة والعينان والصدر والألية. ومن الصغر أربعة أشياء: الفم والكفان والقدمان والأذنان. ومن الضيق أربعة أشياء النخران ثقب الأذان السرة الموطأ. ومن الصلابة أربعة أشياء: الثديان الأليتان القبل عضلة الساق. ومن الملمس ظهر الفيين الترقوة الأصابع العنق. ومن النشافة أربعة أشياء: العينان المنخران الفم الفرج. ومن الصفاء أربعة أشياء: الحدقتان البشرة الأسنان الأظافر. ومن الكبر أربعة أشياء: الكتفان الركبتان الفخذان الموطأ. ومن الأشياء البارزة أربعة أشياء الأرداف الموطأ الكاهل. ومن الحلاوة أربعة أشياء: الوجه والريق والعينان والنغمة. ومن اللين أربعة أشياء: اللحظ النفس الكلام البشرة ومن الحسن أربعة أشياء: الخلق والخلق والأدب والطاعة. ومن الملاحة أربعة أشياء الضحك والنغمة والنوم والمشية. ومن النظافة أربعة أشياء: الوجه والفرج والإبطان والأطراف. ومن الأشياء الشهية أربعة: الملامسة المحادثة المعانقة المعاتبة. ومن الأشياء الخافية الكعبان الزندان المرفقان الترقوة. ومن الصدق أربعة أشياء:

المودة والحياء والعفة والأمانة. ومن السخونة أربعة أشياء: الموطأ الكفان المجلس باطن القدم. ومن الطيب أربعة أشياء: النفس النكهة الإبطان الفرج. تمت الأربعات. ومن الأشياء المهيجة للباءة: التقبيل، قال الأصمعي كل جماع لاقبل فيه فهو خداج يعنى ناقصا، وقال الجاحظ أربعة أشياء ممسوخة البركة: أكل الأرز البارد والبوس على النقاب والغناء من وراء الستارة والجماع في الماء وقالوا وأحسن الشفاه وأشدها تهيجا وأوفق ما رق الأعلى منها واحمرت ونظفت وحرفت وكان في الأسفل منها بعض الغلظ وإذا عض عليها اخضرت فإن القبلة لهذه الشفة أحلى واعذب وقالوا إن ألذا القبل قبلة ينال فيها لسان الرجل فم المرأة ولسان المرأة فم الرجل وذلك أنه إذا كانت الجارية نقية الفم طيبة النكهة فإنها تدخل لسانها في فم الرجل ادخالا ًيصيب ريقها وحرارة لسانها لسان الرجل فينحدر ذلك الريق وتلكالحرارة والتسخين إلى ذكر الرجل وفرج المرأة فيثير ذلك شبقهما ويقوي شهوتهما فيزداد لونها صفاء وحسن. وما أحسن قول ابن المعتز: وكم عناق لنا وكم قبل ... مختلسات حذار مرتقب نقر العصافير وهي خائفة ... من النواطير يانع الرطب وتلطف بن وكيع في قوله: ظفرت بقبلة منه اختلاساً ... وكنت من الرقيب على حذار ألذ من الصبوح على غمام ... ومن يرد النسيم على خمار وأما كلام المجامع عند الباءة فإنه من كمال المسرة وتمام اللذة لأن كل من حواس الفاعل تكون مشغولة بلذة فالعين بلذة النظر والفم بلذة النظر والفم بلذة الرشف والأنف بلذة الطيب والذكر بلذة الجماع فيحتاج أن تكون الأذن ممتعة بلفظ المحبوب لا سيما إن كان ذلك الكلام مما يجلب الشهوة فتتكامل اللذة فإن الملتذ يريد أن يجد اللذات المتفرقة في شخص واحد ليتم باجتماعها صورة واحدة شريفة. قال الشاعر: وفي أربع منى خلت منك أربعا ... فما أنا أدري أيهم هيج لي كربى أوجهك في عيني أم الريق في فمي ... أم النطق في سمعي أم الحب في قلبي وقال عمرو بن بحر الجاحظ كان بالهند امرأة تعرف بالألفية وذلك أنه كان قد وطئها ألف رجل وكانت أعلم زمانها بأحوال الباءة وأن جماعة من النساء اجتمعوا إليها فقالوا أيتها الأخت أخبرينا ما نحتاج إليه ونستعمله وما الذي يثبت محبتنا في قلوب الرجال وما الذي يتلذذون به ويكرهون من أخلاقنا وما ينبغي أن يعمل معهم ليستجلب له محبتهم قال نعم: أول كل شيء أقول لكم إنه ينبغي ألا يقع له نظر إلا على زينة. قالوا وما الذي يجب على الرجل أن يتقرب به إلى قلب المرأة؟ قالت الملاعبة قبل الجماع والرهز بعد الفراغ. قلن فما الذي يكون سبب محبتهم لبعضهم بعض واتفاقهم؟ قالت الأنزالين في وقت واحد؟ قلن فما الذي يفيد مودتهما وصحبتهما؟ قالت أنى يكون غير ما ذكرت لكم. ثم سألوها عن أصناف الجماع فذكرت لهن ذلك أضربت عن ذكرها لكثرة أقسامها. ومن أراد ذلك فيلطالع الكتب المؤلفة فيها فإنها مشحونة بها. وأما ميلهن إلى النكاح وشدة شبقهن فمنه ما حكى أنه كانت امرأة لها يسار وحال فخطبها رجل من يسار وحال وثروة فلم تفعل فقالت لها أمها يا بنية لم لا تتزوجين بهذا الرجل فإنك لا تجدين مثله فقالت لا أريده لني سمعت أن في وسطه أيراً عظيماً مثل الوتد ولا طاقة لي به قال فتشفع الرجل إلى أمها وسألتها أن تشفع فقالت له قد ذكرت لها أمرك فقالت أنها لاتطيق أيرك فقال زوجيني بها واشرطي لها على شرطاً أنني لا أدخل منه شيئاً إلا بأمرها ويكون في يدك تدخلين منه الذي تشتهين وتتركين الذي لا تريدينه فقالت لابنتها ذلك فقالت رضيت بهذا الشرط فلما كان ليلة العرس قالت له أمها أنت على الشرط قال نعم فلما دخلا بها قال لها تقدمي وامسكيه بيدك وأدخلي منه ما تريد ابنتك فأخذته بيدها وأدخلت منه مقدار عقدة وقالت يكفيك هذا قالت زيدي يا أماه عافاك الله فزادتها فلم تزل كذلك إلى أن لم يبق منه شيء فقالت أزيدك يا بنية فقالت إي والله يا أمي قالت يا بنية فأنت قلت لا طاقة لك به فوالله ما بقي معي منه شيء فقالت البنت أسخن الله عينيك والله لقد كان أبي يقول أنك أي شيء وضعت يدك عليه طارت البركة منه وأنا لا أعلم وقد علمت الآن.

صفة شربة نافعة للهوى وعليل النوى: باسم الله اللطيف الحكيم يؤخذ على بركة الله ولطفه: ثلاثة مثاقيل من صافي وصال الحبيب، منقاة من عيدان الجفا وخوف الرقيب، وثلاث مثاقيل من برز الاجتماع، منخولة من غلت الهجران والانقطاع، وأوقيتين من خالص الود والكتمان، منزوعة من عيدان الصدر والهجران، ويؤخذ من عطر البخور ولثم الثغور وضم الخصور من كل واحد مثقالان، ويؤخذ مائة بوسة رمانية محكومة مرضوضة منها خمسون صغار سكريه، وثلاثون زق الحمام وعشرون عصافيرية ويؤخذ غنج حلبي وشخير عراقي من كل واحد مثقالان ويؤخذ أوقيتان من مص اللسان ولئم الفم مع الوجنتين، ويدق الجميع ويخلط ويذر على وزن ثلاثة دراهم غلمة مصرية، ويضاف إليها قرص الإعكان المطوية ويغلي بماء المحبة على شراب الشوق وخطب الطرب في مرحل العجلة ويصفي الجميع على ديبقي سلطاني ويحل فيه أوقيتان من شراب الرضاب ويشرب على الريق من ثغور الأحباب ويكون الغذاء مزورة يقطين الاشتياق ويضاف إليها قلب لوز العناق وماء ليمون الاتفاق ويتناول بعد ذلك ثلاثة أرطال من المدام ثلاثة أيام ويتبعه برطلين من شيل الساقين ويدخل الحمام، نافع مجرب والسلام. بعث بعض الظرفاء إلى محبوبة له مروحة وبأوقة زهر وسكر نبات وشرابه وعود ففهمت مراده وبعثت إليه خيطاً أحمر من صباره وثلاث كمونات سود وغاسول وزر ففهم مقصودها وصبر، والمراد من فعله أنه أراد بالمروحة نزوح وبالزهر البستان وبالسكر النبات نبات وبالشرابة نشرب وبالعوذ نسمع الغناء، مقصودها أنها عرضت بالخيط الأحمر أنها حائض وبالصبارة أصبر وبالثلاث الكمونات ثلاث ليال والغاسول أغتسل وأزورك. وأهدت بعض القينات إلى الملك العزيز بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف في بعض الأيام كرة من العنبر فكسرها فإذا في وسطها زر ذهب وكانا يكتمان أمرهما خوفاً من السلطان فلم يفهم معنى ذلك فأرسل إلى القاضي الفاضل يسأله عن ذلك فقال ارتجالاً: أهدت لك العنبر في وسطه ... زر من التبر دقيق اللحام فالزر في العنبر معناهما ... زر هكذا مستتراً في الظلام كتبت بعضهم على عصابتها أصعد وتمكن على بطن معكن. وكتبت أم القاسم بنت بلبل العطار وكانت من كبار المساحقات على خاتمها مل من الباطل فرجع إلى الحق. وأين هذا من قول بعضهن وقد قيل لها ارجعي إلى الحق فقالت الحق بعض مرادي. وهذا من الأجوبة اللطيفة وما أحقها بقول القائل شعراً: مغرمة بالسحاق أضحت ... تبكي عليه بكل عين كما اتقنت من الهيول إلا ... تصنيف اسحق في حسيني وحكى أ، رجلاً دخل إلى بيت فوجد امرأتين وهما يتساحقان فجذب التي هي فوق وقعد مكانها وقال هذا عمل يحتاج إلى حبال ورجال. وقال آخر: جرح يريد الفتيلة ... أيش تنفعه اللزقاق وقال الشيخ زين الدين الوردي: قولوا لمن تهوى السحاق الذي ... حرمه الله فما فيه خير أخطأت يا كاملة الحسن إذ ... أقمت اسحق مقام الزبير يحكى أن جدة بنت زياد المؤدب ذكرها المؤرخ الترحال نور الدين بن سعيد في كتابه المغرب وقال وهي من خنساء المغرب من نظمها وقد خرجت إلى وادي مدينة واد بالقرب مع جوار لها فسبحت معهن وكان لها فيهن هوى: أباح الدمع أسراري بواد ... له في الحسن آثار بوادي فمن نهر يطوف بكل روض ... ومن روض يطوف بكل وادي ومن بين الظباء مهاة أنس ... لها لبي وقد سلبت فؤادي لها لحظ ترقده لأمر وذا ... ك الأمر يمنعني رقادي إذا سدلت ذوائبها عليها ... رأيت البدر في أفق السواد كأن الصبح مات له شقيق ... فمن حزن تسربل بالحداد وقالت ماجنة لمسحاقة ما في الدنيا أطيب من الموز قالت نعم إلا أنه ينفخ البطن.

وقالت ماجنة لمسحاقة أين أنت عن الأصلع الأقرع الأحدب المربوق الذي كأنه بوق العظيم الحوق الكثير العروق الذي يخرق الحزوق ويسد البشوق ويفتق ويرفو الشقوق ويقضي الحقوق ويأخذ بالخلوق الأجرد الأربد الذي كأنه الوتد أو رقبة الأسد الأحمر الأشقر المعجر الذي رأسه كالمحور وأصله كالانحر وفيه عرق أخضر كأنه عرق لحم البقر في رأسه كماة ووسطه قناة وفي أسفله مخلاة ولحيته في قفاه يراك من حيث لا تراه لو نطح الفيل كوره أو دخل البحر ثوره كأنه غصن بان أو سيف يمان أو صقلاني عريان أو زنجي غضبان بل كأنه شيطان أو راهب بحران أو هامة من هامان أو عنتر في الحرب أو حارس في درب أو رأس حمل أو ركبة جمل أو كوكب الذنب أو طن قصب أو ذنب التنين أو شوبك القيارين ينطح بغير قرنين ويمشي بغير رجلين ويبصر بغير عينين يدخل في الظلمات وهو أحد البليات في عنقه طوق من أسفل إلى فوق إذا ارتفع النهار يكون كالجلنار أتيه من ملك القندهار مدمج كالطومار يغوص في البحار ويثقب بالإبكار ويدخل في الأحجار إذا جنه الليل أطال القيام والناس نيام. فقالت المساحقة أما علمت أن اللطف والنظافة والظرف واللباقة والتساحي والبراعة في السحق الذي هو سبعون ومائة واحدة منها العقبي والاستكلاب والطنبلسب والملح والمعوج والمقرطح والدارتردار والطاق برطاق والمخالف والمؤالف والشراعي وقبضه وبسطه وعقبه وضغطه والغطيط والصفدعي والتفن والرهز وغير هذه، وأما أنتم فكل شيء لكم النوم على القفا والإدخال في الأست فغذا جهدتم جهدكم كان لون آخر وهو القيام على أربع ويسمونه الحماري وتفتخرون به وأين هذا من أخذه سوقاً وعمل وسؤال وعلل ورقدة وخلوة وحديث هند والزرقا ودعنا نبوران.

وقد بلغنا أن رجلاً قبض على امرأة في خزانة الشراب ورفع رجليها ليضعه بين شفريها فغلط وأدخلها في استها قتسنمت ورفسته فانصدع من حلقه ست وثلاثون خابية خمر ونحن فتجتمع منا الغانية الشكل البيضاء القحبة الشبطة الرطبة الغضة البضة التي كأنها ريحان أو قضيب خيزران بثغر كاللؤلؤ وذوائب كالارسان وخدود كشقائق النعمان أو تفاح لبنان وذدي كالرمان وبطن بأربعة أعكان وحر كأنه قبة الدار أربع في ثمان أو قرنبة عليها شونير أو أرنب حائم أو بطة سكارية بشفرين أغلظ من شفة البقرة كأنهما سنام نافر في لون العاج ولين الديباج وبياض الفنك ودهنية الودك كأنه الركوة المنفوخة منتوف محلوق مضمخ بالمسك والخلوق كأنه كسرى أنوشروان في صدر الإيوان متهلل خذلان فرح مرح ومعه الملاحات ما يخرج عن حد الصفات من الأصابع المطرفة والأصداغ المرزفة والحواجب المزججة والخدود المذبحة والشعور المرجلة والنحور المزينة بالمراسل من الدر والياقوت والمرجان في الغلائل الممسكة المبخرة بالعود الهندي المعجون بالعنبر مع أخرى تتهادى كالفجر بل كالشمس والقمر في منازل الصعود على الفرش الديبقية والأردية القصبية ومطارف الخز المصضربات من رقيق القز المحشوة فوق الأسرة من الأبنوس والعاج ومخاد الديباج المحشو فيها زغب الريش المحفوفة باللحالح السليمانية والدسبونات السوسية يراني النرجس مع أترج السوسن وتفاح أصبهان والسفرجل والرمان وأطباق الرياحين المشمومة بين تلك الأفاويه المقمعة بالعنبر والوصائف الفارغات عليهن العقيان يتضوع من قراطقهن العنبر فيخلو معها بتلك المعاتبات الشجية والنغم العذبة والإشارات اللطيفة والغكز بتلك الحواجب والجفون الساحرة السالبة لألباب ذوي العقول والآداب بالألفاظ الرقيقة المحركة للسواكن المسكنة للحركات بالغنج والشكل والبراعة واللمس الذي تضرب له العروق الهادية وتهدأ له العروق الضارية فإذا صافحت الخدود وانحدرت الدموع فيما بينهما برقة الشكوى ولطافة النجوى كالطل على ورق الورد وتطابقت الصدور على الصدور وانضمت النحور واصطكت الثغور بالثغور والتفت الساقان المدملجة بأخواتها وتراكب الشفران على الشفرين واختلج كل جانب منهما على الآخر لم يقع أبقراط ولا جالينوس على بنصته ولا اركاعانيس على مجسه ولا أفلاطون وأرسطاطاليس على حسنه ولا بطليموس على حسابه ولا قس بن ساعدة على شرحه وبيانه ولا ابراهيم النظام على برهانه ولا النعمان على قياس ولا منصور بن عمار على صفاته حتى إذا علت الأنفاس واستغرقت الحواس وارتفعت الحرارة الغريزية إلى الرأس وبطل فيما بينهما كل قياس نظرت إلى الحركات الحسية والضمائر الوهمية والطبائع الغريزية والألحاظ العشقية وقد ضبط كل عضو أقليمه واستكمل فيما هو فيه نعيمه بين مص وقرص ومقابلة وخايله ومخالبه ومناهبه ومواثبة ومسالبة ورهز وغمز وشهيق ونهيق ونخير ونعير لو سمعه أهل الثغور لصاحوا النفير مع رفع ووضع وجذب ودفع وضم وشم والتزام وقبل وعمل أحسن من كل عمل أحسن من كل عمل ذلك بأنين وحنين وأدب وأرب حتى إذا حان الفراغ ووصلت اللذة إلى بطون الدماغ شممت روايح الروايح خمار ونظرت إلى اهتزاز غصن البان في حلي الأزهار فلو أبصر الفطناء ماهما فيه لحاروا ولو سمع بها الركبان لساروا فيا لها من لذة كاملة ونعمة شاملة. قلت: وأنشدني الشيخ شمس الدين الرئيس من لفظه لنفسه شعراً: عشاقة النسوان مذ لمتها ... قالت دع اللوم ولن في المقال ما في سويداء القلب إلا النسا ... ما حيلتي ما في السويداء رجال ونقلت من الإحاطة بتاريخ غرناطة تأليف الإمام العلامة ذي الوزارتين لسان الدين محمد بن الخطيب تغمده الله بالرحمة قال المصنف المذكور كتب إلى سيدنا ومولانا قاضي القضاة ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي صبيحة الأنبياء بجارية تدعى هند: أوصيك بالشيخ أبي بكره ... لا تأمنن في حالة مكره واجتنب الشل إذا جئته ... جنبك الرحمن ما تكره

سيدي لازلت تنصف بالوالج بين الخلاخل والدمالج وتركض فوقها ركض ىالهمالج أخبرني كيف كانت الحال وهل لاحظت بالقاع من خير البقاع الرحال وأحكم بمرود المراودة الاكتحال واكتحل بالسقيا الإمحال وصح الانتحال وحصحص الحق وذهب المحال وقد طولعت بكل بشرى وبشر وزفت هند منك إلى بشر فلله من عشيقه تمتعت من الربيع بفرش موشية وابتذل منها أي وساد وحشية وقد أقبل ظبي الكناس من الديماس ومطوق الحمام من الحمام وقد حسنت الوجه الجميل النظر به وأزيلت عن الفرع الأثيث الأبري هـ وصقلت الخدود فكأنها الأمريه وتسلط الدللك على الجلود وأعزبت النورة بالشعر المولود وعادت الأعضاء تزل عنها اللمس ولا ينالها البنان الخمس والسحلة يجول في صفحتها الفضية ماء النعيم والمسئول بيني من بينه الشعيم والقلب يرمي من الكف للرقيم بالمعقد المقيم وينظر إلى نجوم الوسوم فيقول إني سقيم، وقد تفتح ورد الخضر وحكم لزنجي الضفيرة بالظفر واتصف أمير الحسن بالصدود المغتفر ورش بماء الطيب ثم أعلق بالله بالعود الرطيب وأقبلت الغادة تهديها الثمن وتزفها السعادة فهي تمشي على استحيا وقد ذاع طيب الربا وراق حسن المحيا حتى إذا نزع الخف وأقبلت الأكف وصحب المزمار وأجاب الدف وداع الأزج وتخور اللوى والمنعرج ونزل على بشر بزيارة هند الفرج اهتزت الأرض وربت وغوصبت الطباع البشرية فأبت. ولله در القائل: ومرت وقالت متى نلتقي ... فهش اشتياقاً إليها الخبيث وكاد يمزق سرباله ... فقلت إليك بساق الحديث فلما انسدل الظلام وانتصفت من عريم العشاء الآخرة فريضة الإسلام وخاطت خيوط المنام عيون الأنام تأتي دنو الجلسة ومسارقة الخلسة ثم آن عض النهد وقبلة الفم والخد وإرسال من الخد إلى الوهد وكانت الإمالة القليلة قبل المد ثم الإفاضة فيما يعيط ويرعب ثم الإماطة لما يشوش ويشغب ثم إعمال المسير إلى السرير وصرنا إلى الحسنى ورق كلامنا ورضيت فذلت صعبة أي إذلال هذا بعد منازعة الأطواق بسرة تراها العيد من حسن المسرة ثم شرع في حل التكة ونزع السكة وتهيأت الأرض الغرار عمل السكة ثم كان الرأي الاستعجال وحمى الوطيس وضاق المجال وعلا الحرة الخفيف وتصافرت الخصور الهيف وتساطر الطبع العفيف وتواتر التقبيل وكان الأخذ الوبيل وأمتار الأنول من النيل ومنها جائز وعلى الله قصد السبيل فيا لها من نعمة متداركة ونفوس على سبيل القحة متهالكة ونفس تقطيع حروف الحلق وسبحان الذي يزيد في الخلق وعظمت الممانعة وكثرت باليد المصانعة وطال التراوع وشكى التجاوز وهناك تختلف الأحوال وتعظم الأهوال وتخسر وتربح الأموال فمتى عصى ينقلب ثعباناً مبيناً ونونه تصير سيناً وبطل لم يهله المعترك الهائل والوهم الزائل ولا حال بينه وبين قربه الحائل فتعدى فتكة السليك إلى فتكة البراض وتقلد مذهب الإراقة من الخوارج في الاعتراض ثم شق الصف ونقد خضب الكف بعد أن كان يصيب البراء بطعنته وسبق بمفت الله وبعنايته طعنة ابن عبد القيس طعنة ثائر لها نقد لولا الشعاع أضاءها وهناك هدأ القتال وسكن الجبال ووقع التوقع فاستراح البال وتشوق إلى مذهب التنويه من لم يكن للتوحيد بمثال وجعل الجريح يقول وقد نظر إلى دمه يسيل على قدمه إني له عن دمي المسفوك معتذراً وقول حملته في سفكه تعباً ومن سبات عاد عياناً وشجاع صار جباناً كلما شابته شائبة ربية أدخل يده في جيبه فالحجرة الحية وماتت الغريزة الجبة وتقلب الخضر وخف اللغاب وتظاهر اللعاب ويخفق الفؤاد ويكبو الجواد ويسيل العرق ويشتد الكرب والأرق ولبس في محل الأمن الغرق ويدرك فرعون الغرق ولا يزيد الحال إلا شدة ولا يعرف تلك الجارحة المؤمنة إلا ردة. إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده فكم مغري بطول اللبث وهو من الخبث يؤمل الكرة ليزيل المعرة ويستنصره الجبال ويعمل باليد الاحتبال. شعر: إنك لا تشكو إلى مصمت ... فاصبر على الحمل الثقيل أو مت

فقال سيحدث الله بعد عسراً يسراً وبعد عي ثباتاً اللهم أنا نعوذ من فضايح الفروج إذا استغلقت أقفالها ولم تتسم بالنجيع أعقالها ومن معرات الأقدار والنكول عن الإبكار ومن النزول عن البطون والسرر والجوارح الحسنة الغرر قبل تثقب الدرر ولا تجعلنا ممن يستحي من البكر بالغداة وتعلم منه كلال الأذاة وهو محل فضحت فيه رجال وفراش سكنت فيه أوجال وأعلمت روية وارتجال فمن قائل: ارفعه طوراً على أصبعي ... ورأسه مضطرب أسفله كالخنش المقتول يلقى على ... عود لكي يطرح في مزبله أو قائل: عدمت من ايري قوة حسه ... يا حسرة المرء على نفسه تراه قد مال على أصله ... كحائط مر على رأسه وذكر أبياتاً مستكثرة من هذا النمط أضربت عن ذكرها هموم لا تزال تبكي وعلل على الدهر تشكي وأحاديث تقص وتحكي. قال كنت أعزك الله من النمط الأول ولم يقل وهل عند رسم دار من معول فقد جنيت واستطبت السمر فاستدعي الأبواق من أقصى المدينة واخرج على قومك في ثياب الزينة واستبشر بالوفود وعرف مسمعه المسمع حارفة الجود ونجح بصلاته العود وإنجاز الوعود وأجن رمان النهود من أغصان القدود واقطف ببنان اللثم أقاح الثغور وورد الخدود وغن كانت الأخرى فاخف الكمد وأرض الثمد وانتظر الأمد واكتد التوسم واستعمل التبسم واستكتم النسوة وأقص فيهن الرشوة وتقلد المغالطة وارتكب وجيء على قميصك بدم كذب واستنجد الرحمن واستعن على أمرك بالكتمان لا تظهر لعاذل أو غادر التبيان واستنشق الأرج وارتقب الفرج فكم غمام طبق وما هما وما رميت ولكن الله رمى وأملك بعدها عنان نفسك حتى تمكنك الفرصة وترفع إليك القصة ولا بشرى إلى عمل لا يفي منه بتمام وخذ عن إمام. ولله در عروة بن حزام. الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا مهري بأشقر مزبد وعلمت أني إن أقاتل دونهم ... أقبل ولا يضرر عدوي مشهد ففررت منهم والأحبة فيهم ... طمعاً لهم بعقارب يوم مفسد واللبانات تلين وتجمع والمآرب تدنو وتبرح وتحزن ثم تمسح وكم من شجاع حام ويقظ نام ودليل أخطأ الطريق وأظل الفريق والله عز وجل يجعلها خلة موصلة وسهلاً أكتافه بالخير مشمولة وبينت أركانها لو كانت اليمن مأمولة حتى يكثر خدم سيدي وجواريه وأسرته وسراريه وتصفو عليه نعمة باريه ما طورد قيص واقتحم عيص وأدرك مدام غويص وأعطى زاهد وحرم جريص بمنه وكرمه. فصل: في بعض ما كتبته المتظرفات: كتبت طرفة جارية النطاف على عصابتها بالذهب: *ليس في الحب مشورة* وكتبت توفيق جارية ابن حمدان على برقعها: *كمال المكارم اجتناب المحارم* وكتبت سلامة حظية عبد الله بن طاهر: *ليس على القلب حكم* وكتبت عنان جارية الناطقي على عصابتها باللؤلؤ: *إذ لم تستحي فاصنع ما شئت* وكتبت فرحة جارية علي بن الهجم على عصابتها بالريش: *من صبر ظفر* وكتبت مشتهى جارية القاسم العجلي على معجرتها: *من واصله الحبيب عان عليه الرقيب* وكتبت نزهة جارية الخصائص على عصابتها: *من جاد ساد ومن بخل ذل* ونقشت على فص خاتمها: *من حن أن* وكتبت كنوز جارية ابراهيم بن اسحاق على جبينها بالمسك: *العشق والكتمان ضدان لايجتمعان* وكتبت نسيم جارية جميلة المدنية على جبينها بالغالية: *مراغمة الرقباء في مصالحة الأحباء* وكتبت خلف جارية ابن حمدان على طرازها: *من عشق ولم يصبر هلك ولم يعلم* وكتبت المستحسنة جارية اللاحقي على طرازها الأيمن بالذهب: *من دارى خليله داوى عليله* وعلى الأيسر: *من كشف الغطاء استحق العطاء* وكتبت وشاح المؤيدية على طراز معجرها بالذهب: *الوفاء مليح والعذر قبيح* قال علي بن الهجم كنت عند اسحاق بن ابراهيم الموصلي فدخلت جاريته مهج الموصوفة الجمال وقد كتبت على احد خديها بالغالية: من يكن صبا وفيا ... فعناني في يديه وعلى الآخر: خذ مليى بعناني ... لا أمانعك عليه وعن الجاحظ قال رأيت نشوان جارية زلزل قد كتبت على عصابتها: إن للنرجس حس? ... ?نا وعيوناً أشتهيها فأراها فتريني ... عين من أهواه فيها وكتبت ترشف جارية هارون بن اسحاق على عصابتها:

الباب السادس والعشرون في الحمام وما غزى مغزاه

أليس عجباً أن بيتاً يضمني ... وإياك لا تخلو ولا تتحدث وكتبت جارية المتوكل زاجر على عصابتها: إذا خفنا من الرقباء يوماً ... تكلمت العيون عن القلوب وفي غمز الحواجب مغنيات ... لحاجات المحب إلى الحبيب وكتبت نظيفة جارية يحيى بن خالد بن برمك على طوق لها: ماذاق بؤس معيشة ونعيمها ... في النار من في عمره لم يعشق والحب فيه حلوة ومرارة ... فاسأل بذلك من تطعم أو ذق وكتبت هاجر جارية محمد بن علي على خمارها: إذا نظرت نحوي تكلم طرفها ... فجاوبها طرفي ونحن سكوت فكم نظرة منها تقرب بي الرجا ... وأخرى لها حتى تكاد تموت وكتبت حسانة البدوية جارية المعتز على برقعها بالذهب: ألاحظها خوف المراقب لحظة ... فأشكو لطرفي ما ألاقي من الوجد فتفهم عن لحظتي عظيم صبابتي ... فتومي بطرف العين أني على العهد وكتبت ملاعب على جبينها بالمسك: تحمل عظيم الذنب ممن تحبه ... فإن كنت مظلوماً فقل أنا ظالم فإنك إن لم تحمل الذنب يا فتى ... يفارقك من تهوى وأنفك راغم بسم الله الرحمن الرحيم الباب السادس والعشرون في الحمام وما غزى مغزاه الحمام بالتشديد واحد الحمامات المبنية وهو مذكر، قال ابن الخباز في شرح الألفية نادرة عن بعض الكتاب كتب يوماً هذه الحمام فقيل له الحمام مذكر فقال أردت حمام النساء وهذا ظريف، وحكى فيه التأنيث أيضاً وأنشد. وإذا دخلت سمعت فيها رنة وقال ابن عمر (: الحمام من النعيم الذي أحدثوه، وروى عن أبى الدرداء وأبي ذر أنهما قالا: نعم البيت الحمام يطهر البدن ويذكر بالنار، وقال أبو هريرة يرفعه نعم البيت الحمام يدخله المسلم يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، وأول من دخل الحمام ووصفت له النورة سليمان بن داود عليهما السلام، فلما وجد حرها قال أواه من عذاب النار، قال الغزالي في الأحياء ومن جهة الطب قيل أن الحناء بعد النورة أمان من الجذام وقيل أن النوره في كل شهر تطفئ الحرارة وتنقى اللون وتزيد في الجماع، وقيل بولة في الحمام قائماً أنفع من شربه وغسل القدمين بالماء البارد بعد الخروج من الحمام أمان من النقرس، وذكر السمعاني في كتاب الحمام باسناده إلى الفضل بن الفضل الكندي قال ذكر في قوله تعالى (ونعمة كانوا فيها فاكهين) أنها الحمام وقت الضحى، وبسنده إلى يونس بن عبد الأجل أنبأها وهب قال سمعت مالكا يقول من ادخل رجلاً الحمام وجب غذاؤه شاء أو أبى وروى عن مجاهد عن على انه كان يغتسل من مس الإبط والحجامة، وعن جابر مرفوعاً نهى أن يغسل البدن بشيء يؤكل، وبسنده قال الحرث بن كلدة أربعة أشياء تهزم البدن: الغشيان على البطنة ودخول الحمام على الامتلاء وأكل القديد ومجامعة العجوز، وبسنده إلى محمد بن عبد الحكيم قال سمعت الشافعى يقول رأيت في الطب عجباً لمن يدخل الحمام قبل أن يأكل ثم يؤخر الأكل بعدما يخرج كيف يموت وعجبت لمن احتجم ثم بادر الأكل كيف يموت وذكر بعض الحكماء أن غسل الوجه بالماء البارد عقيب الخروج من الحمام يبقى طراوته مع كبر السن، قال الشيخ هبة الله أبو المكارم بن جميع الإسرائيلي الطبيب في كتاب الإرشاد.

الفصل: الخمسون في الاستحمام ومنافع الحمام ومضاره وكيفية استعماله منافع الحمام كثيرة وذلك لموافقتها لسائر الأمزجة من الحارة والباردة والرطبة واليابسة إذا استعملت على ما ينبغي وقد أشار جالينوس إلى ذلك بقوله أن الحمام نافع في الشتاء والصيف ولمن مزاجه حار أو بارد أو رطب أو يابس وقال أيضاً: إن الحمام علاج البدن من الضدين أن أخذه حار المزاج عدله بترطيبه وأن أخذه بارد المزاج أدفأه بحرارته وهي توسع المسام وتستفرغ الفضول وتحلل الرياح وتدر البول وتحبس الطبيعة وتنظف الوسخ والعرق وتذهب الحكة والجرب والإعياء وتلين بشرة البدن وتجود الهضم وتنشط الأعضاء المتشنجة وينضج الزلات والزكام وينفع من حميات يوم ومن الدق والربع والبلغمية بعد نضجها وينفع من وجع الجنب والصدر وينضج الربو ويسمن المهزول ويهزل السمين ويرقق الدم والفضول الغلظة اللزجة بحرارته ويرطب الأبدان اليابسة الخشنة برطوبته وقد قال جالينوس أن الحمام يحلل الكيموس اللذاع ويفيد البدن والأعضاء الأصلية نداوة ورطوبة صافية كل ذلك إذا استعمل على القانون الطبي ولها أيضاً مضار وهي أنها تسهل انصباب الفضول إلى الأعضاء الضعيفة وترخى الجسد وتضعف الحرارة الغزيزية والأعضاء العصبية وتسقط الشهوة وتضعف الباءة، قال وأفضل الحمام ما كان قديم البناء كثير الضواء مرتفع السقوف واسع البيوت عذب الماء طيب الرائحة وكانت حرارته بقدر كزاج الداخل إليه وكان وقوده بما ليس له كيفية ردئة وقد أحسن الذي قال: خير الحمام ما قدم بناؤه واتسع فناؤه وعذب ماؤه وقدر الأتان وقوده بحسب مزاج من أراد وروده، وقد قسم الحمام إلى ثلاث بيوت كل بيت أسخن من الذي قبله لئلا يكون الانتقال من البرد إلى الحر أو من الحر إلى البرد فجأة: فالبيت الأول مبرد مرطب والثاني مسخن مرطب والثالث مسخن مجفف وكذلك أن يكون الانتقال في بيوتها على تدرج، قال بختيشوع إياك أن تدخل الحمام أو خرج بغتة بل البث في كل بيت هنيئة واغسل رأسك بالسدر والطخه بقليل ملح وادخل الحمام كل جمعة مرة فإنك تأمن انتشار الشعر واستعمل المشط فإنه يقوى البصر ويحدث أريحة وزهوا وأخرج إلى المسلخ متدرجاً ثم صب عليك ثوباً نظيفاً طيب الرائحة وتجنب النساء يوماً وليلة، وقال ابن جميع فأما أصحاب الأمزجة الحارة فينبغى أن يقعدوا في البيت الأول قليلاً وفي الثاني دون الأول وفي الثالث دون الثاني وأصحاب البلغم والسوداء بالضد فإن يقصد بالحمام الترطيب أطيل المقام في الحوض ويكثر من رش الماء على أرض الحمام ليكثر البخار فيترطب الهواء وليتمرخ بالدهن ليزيد في الترطيب ويكون الخروج من الحمام قبل أن تلحقه منه مشقة مثل ضعف أو غثيان أو غشى أو شذر أو دوار أو سكتة أو صرع أو ما شابهها مثل هذه الأعراض الردئة فإن كان القصد بالحمام التجفيف أطيل المقام في البيت الحار ويقتصر على هوائه دون مائه ولاستعمال الماء البارد عقيب الحار منافع عظيمة وقال جالينوس: الاغتسال بالماء البارد عقيب الحار يقوى الأعضاء حتى القوى الجوهرية التي في الأعضاء لكن ينبغي أن لا يكون استعمال الماء البارد عقيب الحار بغتة بل بتدريج يستعمل الماء أولاً ممزوجاً بالبارد ثم ينتقل بعده إلى البارد ومن قصد تسمين بدنه فيدخل الحمام بعد تناوله الطعام ومن قصد تهزيله يدخل الحمام على خلو المعدة ويطيل الليث فيه ومن قصد حفظ صحته فيدخل الحمام عند آخر الهضم بحيث أنه إذا خرج منها يكون محتاجاً إلى الغذاء ويجب أن يجتنب الجماع في الحمام والنوم والفصد والحجامة فإن ذلك خطراً بينا وكذلك ينبغي أن يجتنب في الحمام وبعده استعمال الأشياء الباردة بالفعل لأن المسام حينئذ تكون مفتوحة فلا يلبث يندفع البرد إلى جوهر الأعضاء الرئيسية فيفسد قواها وكذلك ينبغي اجتناب استعمال الأشياء الحارة الشديدة الحرارة بالفعل أيضاً وخصوصاً الماء فإن ذلك يورث السل والقوى يصلب الأعضاء ويحلل الرطوبات والمعتدل يجلب الدم إلى ظاهر الجلد وأما التمريخ بالدهن بغير ذلك فيسد المسام ويمنع ما يتحلل وبعد الماء الحار يحفظ الحرارة من التحلل ويسخن ويرطب وبعد الماء يبرد ويرطب، وقال مهذب الدين بن هبل في كتاب المختار: خير الحمام ما كان قديم البناء فإن الحمام قريب العهد بالبناء تكون حيطانه ندية فتكون أراييح صهاريجه مضرة، قال بعض الشراح لهذا

الفصل الحمام الجديد البناء يتحلل من حيطانه رطوبات ممتزجة بجوهر الكلس والجص والقار ويتبخر بحرارة الحمام فيضر استنشاقها بالروح والنفس لأنها كيفيات رديئة خانقة يستصحب النفس ويهجم به على القلب فيغير قوام صحته بسبب ردأة الهواء الواصل به بهذه الكيفيات الرديئة الجوهر فأما إذا عتقت الحمام قبل تحليل الأبخرة الرديئة منها ومن حيطانها فيؤمن من الضرر الحاصل منها ومن الواجب أيضاً أن يكون الفناء متسعاً لأن أبخرة الحمام رديئة وكثيرة ومحتبسة لأنها تتحلل من أبخرة أبدان الناس ومن أنفاسهم ومن مجارى الحمام النافذة إلى فضاء الحمام فيكثر ويتراكم ويختلط بهواء الحمام فيزيده رداءة إلى رداءته المكتسبة بحرارة الحمام فإذا استنشقه الإنسان أضر بحرارته الغريزية وأنهكها بسبب خروجه لها عن الاعتدال في كمه وكيفيته أما كمه فهو كثرة الأبخرة المخالطة له وأما كيفيته فرداءات الأبخرة مع سخونة هواء الحمام فإذا كانت الحمام واسعة الفضاء تعلقت الأبخرة بأعالي الحمام وتبددت وتفرقت فتلطف الهواء المستنشق فيها فيكون أقل ضرراً من الحمام الصغير ويجب أيضاً أن تكون الحمام عالية البناء فإن ذلك معين على تقليل ضرر أبخرتها المستنشقة قال: وأما عذوبة مائها فلا تحتاج إلى تعليل لظهوره لن المياه إذا كانت عذبة طيبة ليس فيها شيء من الكيفيات الغريبة عدلت غالب الأمزجة وصححتها فإن كانت كيفية غريبة مثل أن تكون مالحة أو كبريتية أو نحاسية أو حديدية أو لها مرور على معادن رديئة الجوهر أو على منابت أشجار جبيثة أو على مطابخ وأجام مبنية كثيرة الحيوانات الرديئة كأنواع الدود والضفادع والحيات وما أشبه ذلك أخرجت المزاج عن اعتداله إلى حكم هذه الكيفيات الرديئة قال الشارح ومنافع الحمام كثيرة وأعظمها منفعة هو أنها إذا كانت معتدلة الهواء والماء فإنها تفتح مسام البدن فيسهل بذلك خروج الفضل منه ويكسبه رطوبة عذبة يصير بها البدن إلى نشاط وقوة وتفريح، وقال الرئيس أبو علي الحسين بن سينا رحمه الله في كتاب سماه حفظ الصحة لم يذكر فيه سوى أحكام الأسباب الستة الضرورية لا غير وينبغي أن يكون للحمام ثلاثة بيوت بيت معتدل وهو الذي لا يحسن فيه بحر ولا برد وبيت يحس فيه بحرارة معتدلة وبيت يحس فيه بحرارة زائدة عن الثانية بشرط أن يكون النفس فيه مستقيماً غير متواتر فالبيت الأول يضر كبير مضرة والثاني والثالث فلا يمكث فيهما إلا بقدر ما يتحلل من الرطوبة ما من شأنه أن يتحلل فإن طال المكث بها أكثر من المقدار المعتدل وخصوصاً أن اقترن معه حركات قوية فإنه يوقع في الدق لاشتداد سخونة القلب أو الاستسقاء لتحلل الحار الغريزي فيبرد مزاج الاحشاء قال وينبغي أن يجتنب الحمام على الامتلاء من الطعام فإنه يولد سددا في الكبد والعروق لانجذاب المواد الغذائية غير منهضمة إلى ظاهر البدن فيكون ذلك سبباً لحدوث أنواع الحميات العفينة والإسهال الكائن بأدوار ويجتنب فيه الأشياء الباردة مثال فقاع والماء البارد لأن فيه خطراً عظيماً جداً لأن الشئ البارد السيال إذا حصل في المعدة هجم دفعة على الكبد والقلب فبرودهما وأنهك حرارتها الغريزية وأضعف الاحشاء وهيأها للاستسقاء ويجتنب فيه الجماع أيضاً فإنه يسقط القوة ويوقع في أمراض خطرة واعلم أن الحمام الحار جداً يسيل الأخلاط الجامدة إلى أعماق الأعضاء فيحدث أما سددا وأما أوراما ويصعدها إلى الدماغ ويحدث أما صداعاً شديداً أو برساما، والحمام البارد يحرك المادة التي تحركت بالعرق حركة ناقصة فتنجذب المواد إلى جهة سطح البدن فربما أحدثت شبيهاً بالورم والحكة وربما أحدث الزكام والمغص، ورش الماء البارد أو بله بعد الحمام فإنه ينعش القوة المسترخية من الكرب ومن لهيب الحميات وعند المغشى وخصوصاً بماء الورد والخل وربما صحح الشهوة وآثارها ونصر أصحاب النوازل والصداع وأما سكب الماء البارد على الرجلين فأحكامه أحكام ما تقدم في الرش على الوجه والحمام النافع على سبيل الإجمال وهو الحمام المعتدل في حره وبرده الطيب الرائحة العذب الماء والتي أضواؤه كثيرة مشرقة وفناؤه واسع وفيه تصاوير بديعة الصنعة بينة الحسن مثل عاشق معشوق ومثل رياض وبساتين وطرد خيل ووحوش فإن في تصوير مثل هذه تقوية قوية بليغة لجميع قوى البدن الحيوانية والطبيعية والنفسانية وقال الحكيم بدر الدين بن مظفر

قاضي بعلبك في كتاب مفرح النفس وقد أجمع الأطباء والحكماء والألباء قاطبة على أن النظر إلى الصور الجميلة البديعة الجمال يفرح النفس وينشها ويزيل عنها الأفكار والوساوس السوداوية ويقوى القلب قوة لا مزيد عليها بسبب إزالة الأفكار الرديئة عنه ثم قالوا فإن تعذر حصول النظر إلى الصور الجميلة فليكن النظر إلى صور جميلة متقنة الصنعة مصورة في الكتب أو في الهياكل أو في القصور الشريفة وهذا المعنى قد ذكره الحكيم محمد بن زكريا الرازي رحمه الله وبالغ في ملازمة فعله لمن يجد في نفسه أفكاراً رديئة ووساوس فاسدة غير موافقة للنظام الطبيعي وقال فإن الصور الجميلة إذا جمعت إلى صورتها حسن الأصباغ المألوفة من الأصفر والأحمر والأخضر والأبيض مع ضبط نسبة المقادير في أشكالها فإنها تشفى الخلاط السوداوية وتزيل الهموم الملازمة لنفس الإنسان وتزيل الكدورة عن الأرواح لن النفس تلطف وتشرق بالنظر إلى مثل هذه الصور فيتحلل ما فيها من الكدورة قال وتفكر في الحكماء المتقدمين الذين استنبطوا الحمام في مدد من السنين كيف علموا بدقة فكرهم وصائب عقلهم إن الحمام إذا دخله الإنسان يتحلل من قواه شيء كثير فأفيضت حكمتهم أن استخرجوا بعقولهم ما يجبر ذلك سريعا فرسموا في الحمام صوراً بديعة الصنعة بأصباغ حسنة مفرحة وقسموا ذلك إلى ثلاثة أقسام ولم يجعلوه قسماً واحداً لنهم علموا أن أرواح البدن ثلاثة أصناف: حيوانية ونفسانية وطبيعية فجعلوا كل قسم من التصوير سبباً لتقوية قوة من القوى المذكورة والزيادة فيها وصوراً للقوة الحيوانية القتال والحرب وطرد الخيل واقتناص الوحوش وصوراً للقوة النفسانية العشق والتفكر في العاشق والمعشوق وتصوير معاتبة بينهما أو معانقة وما أشبه ذلك وصورا للقوة الطبيعية البساتين وصور الأشجار البهية المنظر مع كثرة تصوير الأزهار والألوان المشوقة فهذه التصاوير وأمثالها هي جزء من أجزاء الحمام الفاضل ولو سألت المصور المصير عن خصوصية أن الحمام لم لا يصور المصورون فيها إلا هذه الأقسام الثلاثة لما علم لها تعليلاً لكن بذكر هذه الصفات الثلاثة لا تعلل وسبب ذلك تقادم السنين على تعليل مبادئ الأشياء فما خلوا شيئاً سدا ولا يجعل شيء هدرا، وقال الحسن المتطبب ورأيت ببغداد في دار الملك شرف الدين هرون بن الوزير الصاحب شمس الدين محمد بن محمد الجوينى حماما متقن الصنعة حسن البناء كثير الأضواء قد احتفت به الأنهار والأشجار فأدخلنى إليه سائسه وذلك بشفاعة الصاحب بهاء الدين علي بن الفجر عيسى المنشى الأربلى وكان سائس هذه الحمام خادما حبشيا كبير السن والقدر ففرجنى في ميائه وشبابيكه وأنابيبه المتخذة بعضها من الفضة المطلية بالذهب وغير مطلية وبعضها على هيئة طائر إذا خرج منها الماء صوت بأصوات طيبة ومنها أحواض رخام بديعة الصنعة والمياه تخرج من سائر الأنابيب إلى الأحواض ومن الأحواض ترمى جميعها إلى بركة حسنة الإتقان ثم منها يخرج إلى البستان ثم فرجنى في خلوة نحو عشر خلوات كل خلوة صنعتها احسن من أختها ثم انتهى بي إلى خلوة عليها باب مقفل بقفل حديد ففتحه ودخل بي إلى دهليز طويل كله مرخم بالرخام الأبيض الساذج وفي صدر الدهليز مربعة تسع بالتقريب نحو أربعة انفس إذا كانوا قعودا وتسع اثنين إذا كانا جالسين أو نائمين ورأيت من العجيب في هذه الخلوة أن حيطانها الأربعة مصقولة صقالاً لا فرق بينه وبين صقال المرآة يرى الإنسان سائر بشرته في أي حائط شاء منها ورأيت أرضها مصورة بفصوص حمر وخضر ومذهبة وكلها متخذة من بلور مصبوغ بعضه أصفر وبعضه أحمر فإما الأخضر فقيل أنه حجارة تأتى من الروم والمذهب فهو زجاج مليس بالذهب صوراً في غاية الحسن والحمال وهم على هيئات مختلفة في نومهم وهم بين فاعل ومفعول به إذا نظر إليهم الإنسان تتحرك شهوته قال الخادم هذا صنعوه هكذا المخدومي حتى إذا نظر إلى ما يفعله هؤلاء بعضهم مع بعض من المجامعة والتقبيل ووضع أيدي بعضهم على إعجاز بعض تتحرك شهوته سريعاً فيبادر إلى مجامعة من يحب قال وهذه الخلوة دون سائر الخلوات التي رأيت هي مخصوصة بهذا الفعل إذا أراد الملك هرون أن يجتمع بأحد من مماليكه أو خدمه الحسان أو جواريه أو نسائه في الحمام ما يجتمع به إلا في هذه الخلوة فإنه لما يرى كل محاسن الصور الجميلة مصورة في الحائط ومجسمة بين يديه يرى كل

واحد منهما صاحبه على هذه الصفة ورأيت في صدر الخلوة حوضاً رخاماً مضلعاً وعليه مركب في صدره أنبوب من ذهب بفتح ويغلق بلولب يدار وفوقه أنبوب أخر مثله برسم الماء الحار وفوقه أنبوب آخر برسم الماء البارد والأنبوب الأول برسم الماء الفاتر وعن يمين الحوض ويساره عمودان صغيران منحوتان من البلور يوضع عليهما مباخر الند والعود ورأيتها خلوة شديدة الإضاءة مفرحة بديعة قد أنفق عليها أموال كثيرة وسألت الخادم عن هذه الحيطان المشرقة المضيئة من أي شيء صنعت فقال ما أعلم فما رأيت في عمري ولا سمعت بأحسن من هذه الخلوة ولا احسن من هذه الحمام مع أنني ما احسن أصفها كما رأيتها فإنه لم تتكرر رؤيتي لها ولا اتفق لي الظفر بصناعتها ومباشرتها وفي الذي ذكرت كفاية، انتهى كلام الحكيم بدر الدين حسن بن زفر الأربلى ومن خطه نقلت هذه الفوائد: وقال بعضهم فيه ملغزا: ومنزل أقوام إذا ما تقابلوا ... تشابه فيه وغده ورئيسه تنفس كربى إذ تنفس كربه ... ويعظم أنسى إذ يقل أنيسه إذا ما أعرت الجوّ طرفا تكاثرت ... على من به أقماره وشموسه وقال العفيف التلمساني: مررنا بحمام كانا نحجه ... وقد عقدت منا المآزر نحرم فلما حللنا منه صدرا كأنما ... غدت فيه نيران الصبابة تضرم بكت منه أجفان الأنابيب بيننا ... كإنا له اللوم وهو المتيم وقال محاسن الشواء الحلبي: شدوا المآزر فوق كثبان النقا ... بأنامل حلوا بها عقد التقى وتجرّدوا فرأيت بأن معاطف ... نشروا ذوائبهم عليه فأورقا وبدوا فأطلع كل وجه منهم ... بدرا فأضحى كل قطر مشرقا وتضوّع الحمام مسكا عندما ... فرطوا من الاصداغ نظما معقبا منم كل أهيف حل عقدة بنده ... وغدا بلحظ عيوننا متمنطقا وقال جمال الدين يوسف الصوفى في مليح تركى دخل الحمام وبخ ماء ورد: ولم أنسه لما تعرَّى ثيابه ... وجاء إلى حمامه يتخطر ولما أفاض الماء فوق قوامه ... وفي وجهه نور من الحسن يظهر أتانا هلالا تحته غصن فضة ... يلوح عليه لؤلؤ يتحدَّر فقلت أظبى الترك قد فاح مسكه ... أم الورد من خديه يحمى فيقطر دخل ابن بقى الحمام وفيه الطليطلى فقال له ابن بقى أجز: حمامنا كزمان القيظ محترم ... وفيه للبرد برد غير ذي ضرر فأجازه بقوله: ضدان ينعم جسم المرء بينهما ... فالغصن ينعم بين الشمس والمطر وقال ابن رشيق: ولم أدخل الحمام ساعة بينهم ... طلاب نعيم قد رضيت يبوسى ولكن لتجرى عبرتى مطمئنة ... فأبكى ولا يدرى بذاك جليسى أخذه صدر الدين بن الوكيل فقال: ولم أدخل الحمام من أجل لذة ... فكيف ونار الشوق بين جوانحى ولكنني لم يكفنى فيض مقلتى ... دخلت لأبكى من جميع جوارحى وأنشدنى من لفظه لنفسه الشيخ الورع الزاهد الثقة شمس الدين محمد بن سمنديار الذهبي مضمناً: لم أبغ بالحمام طيب تنعم ... أفنى البكاء دموع عيني أجمعا فبكيت فيه أسى بجسمى كله ... حتى كان لكل عرق مدمعا وأنشدنى سيدي ومولاي القاضي صدر الدين بن الآدمى فسح الله في أجله: إن حمامنا التي نحن فيها ... أي ماء بها وأية نار قد نزلنا بها على ابن عين ... وروينا عنه صحيح البخارى كتب الشيخ صلاح الدين الصفدي في حواشي المقامات عند ذكر ابن سكرة وذكر كافاته هو أبو الحسن محمد بن عبد الله بن سكرة الهاشمي من ولد علي بن المهدي قال دخلت يوماً وخرجت وقد سرق مداسي فعدت إلى داري حافياً وأنا أقول: إليك أذم حمام ابن موسى ... وإن فاق المناطيبا وحراّ تكاثرت اللصوص عليه حتى ... ليحفى من يطيف به ويعرى ولم أفقد به ثوباً ولكن ... دخلت محمدا وخرجت بشرا نادرة: اتفق أن اثنين سبحاً في نهر فلما خرجا صفع أحدهما صاحبه فقال له بعض الحاضرين أين فلوس الحمام فقال أنزلتها في القرعة. وقال النصير الحمامى: لي منزل معروفه ... ينهل جودا كالسحب أقبل ذا العذر به ... واكرم الجار الجنب ووعده السراج الوراق وتأخر فقال: وكدّرت حمامي بغيبتك التي ... تكدر من لذتها صفو مشربي

فما كان صدر الحوش منشرحا به ... ولا كان قلب الماء فيه بطيب وقال: ومذ لزمت الحمام صرت فتى ... لطف يدارى من لا يداريه أعرف حر الأشيا وباردها ... وأخذ الماء من مجاريه وقال يستدعى: من الرأى عندي أن تواصل خلوة ... لها كبد حرا وفيض عيون تراعى نجوما فيك من نار قلبها ... وتبكى بدمع فائض كحزين غدا قلبها صبا عليك وأنت أن ... تأخرت أضحى في حياض منون وقال صدر الدين بن عبد الحق الحنفى رحمه الله تعالى: وجنة لا تنفى نارها ... ندخلها وهي لنا مقصيه نعيمنا فيها بلا طاعة ... عذابنا فيها بلا معصية وقال أيضاً: جهنم حمامكم نارها ... تقطع أكبادنا بالظما وفيها عصاة لهم ضجة ... وان يستغيثوا يغاثوا بما وقال شهاب الدين بن فضل الله: وحمانا كعبة للوفو ... دحج إليها حفاة عراه 3يكرر صوت أنابيبه ... كتاب الطهارة باب المياه وقال الشهاب محمود مضمنا: قل لي عن الحمام كيف دخلته ... يا مالكى لتسر خلا مشفقا أدخلته وألئك الأقوام قد ... شدّوا المآزر فوق كثبان النقا وقال محي الدين بن تميم مضمنا: لو كنت في الحمام والحنا على ... أعطافه ولجسمه لألأ لرأيت ما يسبيك منه بقامة ... سال النضار بها وقام الماء. وقال مضمنا: عاينت في الحمام أسود وائبا ... من فوق أبيض كالهلال المسفر فكأنما هو زورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر وقال جمال الدين بن نباتة مضمنا: تأملت في الحمام تحت مآزر ... روادف غيد ما سناها بغائب كأني من هذي وهاذيك ناظر ... بياض العطايا في سواد المطالب وقال آخر في تعجيل الخروج منها: خذ من الحمام واخرج ... قبل أن يأخذ منكا حاثن عنه وإلا ... حدّث الحمام عنكا وقال الشيخ جمال الدين بن نياتة في المفاضلة بين حمامات مصر وحمامات الشام: أحواض حمامات شأم ... تسمعى لي كلمتين لا تذكرى أحواض مصر ... فأنت دون القلتين وأنشدنى من لفظه لنفسه الشيخ عز الدين الموصلى معاكساً للشيخ جمال الدين: إليك حياض حمامات مصر ... ولا تنكبرى عندي بمين حياض الشام أحلى منك ماء ... واطهر وهي دون القلتين وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة: ولم أنسه كالفصن يمطره الحيا ... على أثر حمام ويعطفه الصبا ويلثم بالمنديل أبيض سادجا ... فصار بضوء الخد أحمر مذهبا وله: دعاني صديق لحمامه ... فأوقعني في العذاب الأليم نشر مزيد وماء قليل ... فبئس الصديق وبئس الحميم وقال زين الدين بن الورى: وما أشبه الحمام بالموت لامرء ... يذكر لكن أين من يتذكر يجرد من أهل ومال وملبس ... ويصحبه من كل ذلك مئزر وقال ابن وزير يشبه الماء على الرخام: لله يوم بحمام نعمت به ... والماء من حوضه ما بيننا جارى كأنه فوق شقات الرخام ضحى ... ماء يسيل على أثواب قصار فقال ابن الوردي يهجوه: وشاعر أوقد الطبع الذكاء له ... فكاد يحرقه من فرط أذكاء أقام يجهد أياماً قريته ... وفسر الماء بعد الجهد بالماء وقال المعمار أيضاً: في صاحب الحمام أيرى قال لي ... أيلوم في حبي له وملامى لا يشتفى أير عليه طهارة ... إلا بقلب الماء في الحمام قال ابن وزير مثل قوله الآخر: كأننا والماء من حولنا ... قوم جلوس حولهم ماء وقال إبراهيم المعمار في المجون: عاتبت أيرى إذ جاء ملتثما ... من عقله بالخرا فما اكترثا بل قال لي حين نكته قسما ... ما جزت حمام قعره عبثا كيف وفيه طهارتي وبه ... أقلب ماثي وأرفع الحدثا وقال شيخ الشيوخ بحماه: وقيم كلمت جسمى أنامله ... من غير ألسنة تكليم خرصان أن أمسك اليد منى كاد يخلعها ... أو سرح الشعر أنكانى وأبكانى فليس يمسك أمساكا بمعرفة ... ولا يسرح تسريحا بإحسان وأنشدني الجناب المخدومي بن مكانس للشيخ بدر الدين بن الصاحب:

وقيم قيم في حسن صنعته ... حاز الجمال على لطف من الترف لو يخدم البدر أنقى من كلف ... لكنه لم يزل ما بى من الكلف وقال شهاب الدين بن العطار في بلان يدعى موسى: هيأ البلان موسى ... خلوة تحيى النفوسا قلت ما أصنع فيها ... قال تستعمل موسى وعلى ذكر موسة ذكرت واقعة لطيفة لركن الدين الوهراني وهي انه لما قدم إلى القاهرة المعزية مدح عز الدين موسك بن حكو الهدبانى خال صلاح الدين يوسف بن أيوب فأمر له بشيء لم يرضه فحضر مجلسه يوماً وفيه حفل كثير من الناس فقالا يا مولانا إلى أن أحلق رأسي هذه الساعة وانه الأمر إلى بعض الجمدارية أن يحضر الساعة ليحلقه لي بحضرتك فكاد الأمير أن يأذن له في ذلك ثم فهم مقصده فقال لبعض مماليكه أعطه مائة دينار وقل له خذ هذه وأحلق رأسك في الحمام فأخذها ومضر شاكراً فقال له بعض الحاضرين يا مولانا ما معنى هذه الحركة فقال أنه أراد إذا حلقه يقول يا مهتار موسك ردئ فيشتمنا في وجوهنا. ولا بأس بايراد نبذة مما قيل في المشط إذا كان من لوازم الحمام وقال شرف الدين بن الحلاوى وقد طلب منه ثلاث أبيات تكتب على مشط برسم سلطان حلب الملك العزيز محمد بن الظاهر غازي: حلت من الملك العزيز براحة ... غدا لثمها عندي أجل الفرائض وأصبحت مفتر الثنايا لأنني ... حللت بكف بحرها غير غائض وقبلت سامي خده بعد كفه ... فلم أخل في الحالين من لثم عارض وللشيخ بهاء الدين الموصلي ولد الشيخ عوز الدين ملغزا فيه من أبيات: ظننتم تصحيف مقلوبه يخ ... فى وليس الظن بالكاذب قلت: ورد على سيدنا ومولانا أقضى القضاة بدر الدين محمد المخزومي المالكي الشهير بابن الدماميني رحمه الله كتاب من مكة المعظمة المشرفة بتاريخ تاسع عشر المحرم سنة إحدى وثمان مائة وفيه أنه اجتمع بمكة بالقاضي شهاب الدين بن حجر رحمه الله ووجد صحبته شخصاً يقال له ابن المرجانى وذكر القاضي شهاب الدين أن المشار إليه كان رفيقاً من اليمين إلى مكة المشرفة وأنشدنا له: يا أماما سألته حل لغز ... شاطط عن مزار أهل الذكاء أهمل الثلث باعتناء وقلب ... تره جاء قائد الشعراء وذكر لي القاضي بدر الدين في مشرفته أنه من الألغاز الصبعة فينبغي أن تقع فكرة في حله. قلت: اشتغلت الفكرة في حله فإذا هو لغز في مشط فتأمله ولقد أجاد قائله. قال السراج الوراق ملغزا: وبيضاء قد عانقتها وضممتها ... ولا قبح في جهري بهذا وأسراري على أنه لالاعار فيها محقق ... وما سلمت والله قط من العارى وقال بعض المتاخرين: الأرب حمام بدا لي حميمه ... فظاهره ماء وباطنه نار كإخوان هذا العصر من تلق منهم ... فللودّ إعلان وللحقد أسرار

وكتب القاضي يحيى الدين بن عبد الظاهر يستدعى إلى حمام هل لك أطال الله بقاك في المشاركة في جمع بين ماء ونار وأنواء وأنوار وزهر وأزهار قد زال فيه الاحتشام فكل عار ولا عار نجم سائه لا يعتريه أفول وناجم رخامه لا يعتربه ذبول تتنافس العناصر على بلوغ مآربه فأرسل البحر ماء جسده من زبده لتقبيل أخمصه إذ قصرت همته عن تقبيل يده ولم ير التراب له في هذه الخدمة مدخلا فتطفل وجاء وما علم أن التسريح لمن جاء متطفلا وأعلمت النار ضدها الماء فدخل وهو حر الأنفاس وغلت من أجله فلاجل ذلك داخله من صوب تشاكله الوسواس ورأى الهواء انه قصر عن مطاولة هذه النار فأمسك متهيباً ينظر من وراء زجاجة إلى تلك الدار ثم إن الأشجار رأت أن لا شائبة لها في هذه الخطوة ولا مساهمة في تلك الخلوة فأرسلت من الأمشاط أكفا أحست بما يدعو إليه الفرق ومرت في سواد العذار الفاحم كما يمر البرق وذلك بيد قيم قيم بحقوق الخدمة عارف بما يعامل به أهل النعيم أهل النعمة خفيف اليد مع الأمانة موصوف بالمهابة عند أهل تلك المهانة لطف أخلاقا حتى كأنها أعناب بين جحظة والرمان وحسن صنعة فلا يمسك يدا إلا بمعروف ولا يسرح تسريحا إلا بإحسان أبدا يرى مه طهارته وهو ذو صلف ويشاهد مزيلا لكل أذى حتى لو خدم البدر لأزال ما بوجهه من الكلف بيده موسى كأنها صباح تنسخ ظلاماً أو نسيم ينفض عن الزهر كماما إذا أخذ صابونة أفهم من يخدمه ما يمر على جسده أنه بحر عجاج وأنه يبدو زبد الأعكان التي هي أحسن من الأمواج فلهم إلى هذه اللذة ولا تعد الحمام دعوة أهل الحراف فربما كانت هذه بين تلك الدعوات فذة. وكتب في محضر قيم حمام الصوفية يقول العبد الفقير إلى الله تعالى فلان أن أبا الحجاج يوسف مازال لأهل الصلاح حميماً وله جودة ذهن يستحق بها أن يدعى قيما كم له عند كل جسد من صباح وكم أقبل مستعملوه (تعرف في وجوهم نضرة النعيم) كم تجرد مع شيخ صالح في خلوة وكم قال ولي الله يا بشراى لأنه يوسف حين أدلى في حوضه دلوه كم خدم من الصلحاء والعلماء إنساناً وكم ادخر ببركتهم لدنيا وأخرى فحصل من كل منهم شفيعين عرياناً ومؤتزرا كم حرمة خدمة له عند أكابر الناس وكم له يد عند جسد ومنة على رأس كم شكرته أبشار البشر وكم حك رجل رجل صالح فحقق أن السعادة لتلحظ الحجر قد ميز بخدمة الفضلاء أهله وقبيلة وشكر على ما يعاب به غيره من طول الفتيلة تتمتع الأجساد من تنظفه لحمامه بظل ممدود وماء مسكوب ويكاد كثرة ما يخرجه من المياه أن يكون كالرمح أنبوبا على أنبوب كم رأس أنشدت موساه: ولو أن لي في كل منبت شعرة ... لسانا يبث الشوق كنت مقصرا وكتب الشيخ جمال الدين بن نياتة إلى ابن معبد وكان متولى دمشق يشكو من حمام سرق فيها شاشه يقبل الأرض مستجيرا بهذا البيت الذي لا يذل جاره مستغيثاً بكرمه الذي ملأت الأقطار أخباره فما عبر المملوك في عمره أحر من هذه الحمام ولا نكس في رأسه العليلة مثل هذه الأيام فيا للعواطف العربية وياللمراحم النفوس الأبية فو الله لقد خف رأس المملوك من الجهتين عقله وشاشه ولقد تعوض من تاج عمته العربية مخدة فراشه ولقد أخذت منه هذه الحمام المتلفة ولقد نشفته بالمناشف فبئس الحمام والمنشفة وهذا وقت أغاثه الملهوف والرغبة في أسداء المعروف لا قطع الله عن أرواح المضطرين ترويح هباته ولا عطل من مننه المنتظمة أجياد عفاته بمنه وكرمه، وكتب الشيخ برهان الدين القيراطي وقد استدعى إلى الحمام: قد أجبنا وأنت أيضاً فصحت ... بتلاقيك سالف وسلاف وبساق تسبى العقول بساق ... وقوام وفق العناق خلاف يقبل الأرض وينهي أن المملوك ما خرج عن الاهتمام لدخول الحمام فإنه متشوق لما لمولانا تشوق إليه وموجه وجه فكرته عليه وكيف يمكن الوقوع في الخلاف والميل إلى الأخلاف: وحمامكم كعبة للوفود ... تحج إليها حفاة عراه يكرر صوت أنابيبها ... كتاب الطهارة باب المياه

الباب السابع والعشرون في النار والطباخ والقدور

فلا عدمت التنبيه من مولانا على هذا المنهاج ولا فقدت آداب ألفاظه الممدوحة التي ما لها منهاج ولا حرمت عند الحمام هذا النصير ولا عاقنى عند إرادة التخليق بمطالبها تقصير ولا زلت أمحو بها أية ليل الشعر وأخلع بها بعد ثياب البدن ثياب الوضر وأتنعم بها حسنا لها من جامها في كل ناحية من وجهها قمر ولا يخفى أن الرأس تروى الآن عن الأشعث بن أبي الشعثاء أخباره والجسد كأنما كانت على أب وزير المعتصم أطماره فالأولى أن يلقى ويعتاض عنها بما هو أبقى ومولانا أجل ساع في إسداء المعروف وأفعال بر أعيذها بالأسماء الحسنى ما اشتملت عليه من الحروف لا زال بحر إحسانه الطهور سالما من الخوض وخزائن فضائله الجمة محروسة الجناب بجاه صاحب الحوض. فصل: فيما ورد في ذمها قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بئس البيت الحمام تكشف فيه العورات وترتفع فيه الأصوات ولا يقرا فيه آيه من كتاب الله، ودخل بعض الأمراء مع الرقاشى الحمام فقال ذمه يهتك الأسرار ويؤلف الأقذار ويذهب الوقار، فقال أمدحه يذهب القشافة ويعقب النظافة ويفش التخمة ويطيب النغمة. قيل ويكره الحمام بين العشاءين وقريب من المغرب قال الزمخشرى ويكره أن يعطى الرجل امرأته أجرة الحمام لنه يكون معينا لها على المكروه وقال أيضاً الحزم ترك الحمام إذ لا يخلو من عورة مكشوفة ولا سيما من تحت السرة إلى العانة. ومن آدابه أنه إذ دخله رفع رجله اليسرى عند الدخول وقال بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله من الرجس والنجس والخبيث المخبث من الشيطان الرجيم وذكر السمعاني في كتاب الحمام عن مجاهد عن على أنه كان يغتسل من مس الإبط والحجامة وماء الحمام، وبسنده إلى فرقد السبخى أنه قال ما دخل نبي الحمام قط ولا أكل قوما ولا بصلا ولا كراثا. الوصف قال بعضهم: وحمام سوء وخيم الهواء ... قليل المياه كثير الزخام فما للقيام به من قعود ... ولا للقعود به من قيام حنياته عطفات القسى ... وقطراته صائبات السهام وقال شعرا: حمامنا من ضيقها تشتكي ... كأنها صدر وقد أخرجوه فهي لظى نزاعة للشوا ... وماؤها كالمهل يشوى الوجوه وقال ابن شرف القرواني: كأنما حمامكم فقحةال ... تن والظلمة والضيق كأنني في وسطها فيشة ... ألوطها والعرق الريق وقال ابن رشيق: وأنت أيضاً أعور أصلع ... فصادف التشبيه تحقيق الباب السابع والعشرون في النار والطباخ والقدور النار مؤنثة من ذوات الواو لأن تصغيرها نويرة والجمع نور وأنوار ونيران انقلبت الواو ياء الكسرة ما قبلها وليس في الأرض شجرة إلا وتقدح منها النار إلا العناب، وهي على أنواع عند العرب نار القرى وهي اعظم النيران ونار السلامة توقد للمسافر إذا قدم سالما غانما، ونار الزائر والمسافر وذلك انهم إذا لم يحبوا الزائر والمسافر أن يرجع أوقدوا خلفه ناراً وقالوا أبعده الله وأسحقه ونار الحرب يوقدونها على مكان عال لمن بعد عنهم ونار الصيد يوقدونها للظباء فتغشى أبصارهم ونار الأسد كانوا يوقدونها إذا خافوه لأنه إذا رآها حدق إليها وتأملها ولم يستطع الهجوم على ما حولها ونار الحلف لا يعقدون إلا عليها يطرحون فيها الملح والكبريت فإذا استشاطت قالوا هذه النار قد تهددتك ونار تهددتك ونار الغدر كانوا إذا غدر الرجل بجاره أوقدوا له ناراً بمنى أيام الحج وقالوا هذه غدرة فلان ونار الفداء كانت ملوكهم إذا سبوا قبيلة وطلب منهم الفداء كرهوا أن يعرضوا النساء نهاراً لئلا يفتضحن ونار الوسم التي يسمون بها الإبل لتعرف أبل الملوك فترد الماء أولا ونار الحرتين كانت ببلاد عبس تسطع من الحمرة بالليل فبعث الله خالد بن سنان وهو أول نبي بعث من ولد إسماعيل وقد قدمت ابنته على النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه وقال بنت نبي ضيعه قومه فحفر لتلك النار بئراً فأدخلها فيها والناس ينظرون ثم اقتحم فيها حتى غيبها وخرج منها، وقد بالغ مهيار الديلمى في وصف نار القرى: ضربوا بمدرجة الطريق خيامهم ... يتقارعون على قرى الضيفان ويكاد موقدهم يجود بنفسه ... حب القرى حطبا على النيران وقال أبو طاهر البغدادي: خطرت فكاد الورق يسجع فوقها ... أنّ الحمام لمغرم بالبان

من معشر نشروا على هام الربا ... للطارقين ذوائب النيران وقال صردر: قوم إذا حيى الضيوف جفانهم ... ردّت عليهم ألسن النيران وقال ابن سنا الملك: لنيرانه في الحي أي تحرق ... على الضيف أن أبطأ وأي تلهب وأين هؤلاء القوم الكرام من الذين يقول فيهم الأخطل: قوم إذا استنتج الأضياف كلبهم ... قالوا لاّمهم بولى على النار فتحبس البول شحا أن تجود به ... فما تبول لهم إلا بمقدار لا يخفى ما في هذا البيت الأول من المعائب وقد ولع الأدباء بحلاها وما فيها من المعاني وقال مجير الدين بن تميم: وكأنما النار التي قد أوقدت ... ما بيننا ولهيبها يتضرم سوداء أحرق قلبها ولسانها ... بشفاهة للحاضرين تكلم وقال آخر: انظر إلى النار وهي مضرمة ... وجمرها بالرماد مستور شبه دم من فواخت ذبحت ... وفوقه ريشهن منثور وقال آخر: كانون يطفى برده كانوننا ... ما بين سادات كرام حذق بأرقام حمر البطون ظهورها ... سود ينضنض باللسان الأزرق وقال ظافر الحداد: تأمل ففي الكانون أعجب منظر ... إذا سرحت في فحمه جمرة النار كما ميل الزق المروّق ساكب ... فدب احمرار الخمر في قلل القار وقال آخر: كان كانوننا سماء ... والجمر في وسطه نجوم ونحن جن بجانبيه ... والشرر الطائر الرجوم وقال آخر: كأنما دخاننا إذ بدا ... لعين من ينظره من قريب ذوائب من غادة سرحت ... وقد بدا فيها بياض المشيب وقال آخر: كأنما النار في تلبها ... والفحم من فوقها يلظيها زنجبية شبكت أصابعها ... من فوق نازنجة تغطيها وقال آخر: كأن نضيد الفحم فوق شراره ... إذا النار مست جلده فتلونا يذكر أيام السحاب التي جرت ... بمنيته لما تأودّ أغصنا فأنبت منها الآبنوس بنفسجا ... وأثمر عنابا وأورق سوسنا وقال الشيخ صفي الدين الحلى: البحتري منذ ما فارقتموه غدا ... يحثو التراب على كانونه الخرب لو شئتم أنه يضحى أبا لهب ... جاءت بغالكم حمالة الحطب وقال ظافر الحداد: كأن سواد الفحم من فوق جمره ... وقد جمعنا فاستحسن الضدّ بالضدّ غدائر خود فرقتها وقد غدت ... على خفر من تحتها حمرة الخد فلما تناهى صبغه خلت أنه ... فصوص عقيق أو جنى زهر الورد إلى أن حكى بعد الخمود رماده ... غبارا من الكافور في قطع الند كتب النصير الحمامي ملغزا إلى السراج الوراق: وما اسم ثلاثى به النفع والضرر ... له طلعة تغنى عن الشمس والقمر وليس له وجه وليس له قفا ... وليس له سمع وليس له بصر يمد لسانا يختشى الرمح بأسه ... ويسخر يوم الحرب بالصارم الذكر يموت إذا ما قمت تسقيه قاصدا ... وأعجب من ذا ذاك من الشجر أيا سامع الأبيات دونك حلها ... وغلا فنم عنها ونبه لها عمر ومن التغزلات اللطيفة بذكر النار قول الشيخ شمس الدين بن الصائغ: قد أدعوا القلب لا دعوا حرق ... فظل في الليل مثل النجم حيرانا راودته يستعير الصبر بعدهم ... فقال أني استعرت اليوم نيرانا قال علاء الدين الوداعى: يا مودعا بوادعه في مهجتي ... نارا تؤججها يد التذكار أبكيت طرفي بعد أدمعه دما ... وكذا يكون بكاء أهل النار قال صفى الدين الحلى: لا غرو أن يصلي الفؤاد ببعدكم ... نارا تؤججها يد التذكار قلبي إذا غبتم يصور شخصكم ... فيه كل مصوّر في النار وأنشدنى الشيخ عز الدين الموصلي لنفسه: يا مقلة الحب مهلا ... فقد اخذت بثارك وأنت يا وجنتيه ... لا تحرقيني بنارك

وكتب الشيخ جمال الدين بن نياتة مع نقل أهداه ونهى انه تهجم ونقل منقلا لطيف الصنعة جليلا إذا تأمل نفعه إذا هبت الشرر في ليل فحمه ولعبت يد الرياح بأزاهر ضرمه فكأنه معدن ياقوت أحمر أو نبت جلنار بزهر يروق البصائر والأبصار وإلا يكن فيه على الحقيقة جلنار ففيه جلنار طالما جدت معاشرته ولذت في الليالي الشتوية مسامرته واطلع من أفقه نجوما سعيدة القران وتلا على الريح والثلج (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران) ، والرأي أعلا في قبول إهدائه والله يجعل ما في قلبه في قلوب أعدائه، قرأت في كتاب روضة الجليس ونزهة الأنيس تأليف الفاضل بدر الدين حسن بن زفر المتطبب الأربلي حكى عن سليمان بن محمد المهدي الصقلي قال كان بسوسة أفريقية عليه ويعرض عنه كثيراً فبينما هو ذات ليلة منفرد بشرب الخمر وحده غلب عليه السكر وذكر معشوقه وأجرى بخاطره ما كان يفعله به من التجنى فقام من حينه فاخذ قبس نار وجعله عند باب الغلام ليحرق عليه فلما دارت النار بالباب بادر بإطفائها وقبضوا عليه واعتقلوه فلما أصبحوا نهضوا به إلى القاضي واعلموه بفعله فقال له القاضي لأي شيء أحرقت باب هذا الغلام فأنشأ يقول: لما تمادى على بعادى ... وأضرم النار في فؤادي ولم أجد من هواه بدا ... ولا نعينا على السهاد حملت نفسي على وقوفى ... ببابه حملة الجواد قطار من بعض نار قلبي ... أقل من الوصف من رقادى فأحرق الباب دون علمى ... ولم يكن ذاك من مرادى قال فاستظرف القاضي واقعته وشعره ورحمه وتحمل عنه ما أفسده من باب الغلام وقال الشيخ جمال الدين بن نباته في وصف حصار بالنار فما كان إلا ريثما ابتسمت لهم النار عن الموت العابس وعاملتهم من إعجال وقودها باليابس وجاءت بما ينضج ملابس الجلود وجلود الملابس وعاجلتهم من منفعة الغوث قبل العطب وأصلتهم نارا تبت بها أيدي الأبراج حمالة الحطب وإذا بأبدان البدانات القائمة قد قعدت والأبراج لتلاوة الحرب قد سجدت فهنالك هجمها المسلمون هجوم الليث الكرار وقطعت ألسنة السيوف المجادلة حجج رقاب الكفار وقال القاضي الفاضل في مثله فولجت النار موالج تضيق عنها الكفر ويعجز عنها الأبر وخولف المثل في أن السعادة لتلحظ الحجر وأغنى ضوء نهارها سؤال كل أمعة أن تسأل هذا وذاك ما الخبر إلى أن بدا ضوء الصباح وكأنه منها أمتار وانشق الشرق فكأنه من عصفرها صبغ الأزار إلى أن سرى ذا النقوب إلى المقاتل ودب سكرها بين المفاصل وغدت الجدران قائمة والبلا سار في أعقابها متجلدة والنار تحت ثيابها وقال أيضاً وقد أحمته إلى أن أحرقته وصرح الشرك وقد خاضته إلى أن أغرقته وأن الخندق بركة والبرجى لها فوارة وأن الله اعد للعدو نارا في الآخرة وأحرقهم في الدنيا بشراره وان العدو تحصن من البرج بكثيب بنفسج احرقه الله بجلنار وقال سيدي تقي الدين بن حجة في حريق دمشق هذا وكم مؤمن خرج من دياره حذر الموت وهو يقول النجاة وطلب الفرار وكلما دعاه قومه لمساعدتهم على الحريق ناداهم وقد عدم الاصطبار (ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار) ، وقال ابن سناء الملك: يا فالق الصبح من لألاء غرته ... وجاعل الليل من أصداغه سكنا لا غرو أن أحرقت نار الهوى كبدى ... فالنار حقا على من يعبد الوثنا القول على الطباخ وينبغي أن يكون عند الرئيس والملك طباخ حاذق إذا لم يشته طعاماً صنع له ما يشتهيه وقيل كل طعام أعيد إلى القدر فهو فاسد وكل غناء خرج من تحت السبال فهو بارد قال بعضهم كنت جالساً عند بعض ولاة الطوف وقد جاءه الغلمان برجلين فقال لحدهما من أبوك فقال: أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قدره ... وأن نزلت يوماً فسوف تعود ترى الناس أفواجاً إلى باب داره ... فهم قيام حولها وقعود فقال ما كان أبو هذا إلا كريماً ثم قال للآخر من أبوك فقال: أنا ابن من ذلت الرقاب له ... ما بين مخزومها وهاشمها خاضعة أذعنت لطاعته ... يأخذ من مالها ومن دمها فقال الوالي ما كان أبو هذا إلا شجاعاً وأطلقهما فلما انصرفا قلت للوالي أما الأول فكان أبوه يبيع الباقلى المصلوقة وأما الثاني فكان أبوه حجاماً فقال الوالي: كن ابن من شئت واكتسب أدبا ... يغنيك مضمونه عن النسب

الباب الثامن والعشرون في الأسماك واللحوم والجزور

إن الفتى من يقول ها أنا ذا ... ليس الفتى من يقول كان أبي قلت: وأنشدني سيدنا ومولانا القاضي شهاب الدين بن حجر رحمه الله للشيخ بدر الدين الصاحب في مليح يطوف بالفول: أنا ابن الذي في الليل تسطع ناره ... كثير رماد القدر للعب يحمل يدور بأقداح العوافى على الورى ... ويصبح بالخير الكثير يقوّل قال محمد بن العفيف في مليح طباخ: رب طباخ مليح ... فاتر الطرف غرير مالكي أصبح لكن ... شغلوه بالقدور وقال الصفدي: كافى بطباخ تملك مهجتى ... فعذاب قلبي في هواه سرمد وكأنما أنا منصب قادمه ... نار تشب وزفرة تتصعد وقال المعمار: كافى بطباخ تنوع حسنه ... ومزاجه للعاشقين يوافق لكن مخافى من جفاه غدت ... منه قلوب في الصدور خوافق وقال أيضاً مواليا: هويت طباخاً بالصبحة اخدميه ... حلو المزاج كانوا بن تركيه ولو أطارف نواعم بيض زيديه ... لها معانى على الأخوان مخفيه وقال بعضهم ما على الشيخ المسن أضر من أن يكون له طباخ حاذق وجارية حسناء لأنه يكثر من الطعام فيسقم ومن النكاح فيهرم وقال إبراهيم المعمار: وطباخ بمنصبه افتخار ... وقدر قد علا في الناس وافى 3أياديه على الأخوان مدّت ... وكم قلب له بالودّ صافى وكم آمنوا به من خوف جوع ... سيعطى الآمن في يوم المخاف دخل ابن الفضل الشاعر يوماً على الوزير ابن هبيرة وكان نقيب الإشراف وكان مبجلا وكان ذلك في يوم شديد الحر من شهر رمضان فقال له الوزير أين كنت فقال في مطبخ سيدي النقيب فقال له ويحك أيش عملت في شهر رمضان في المطبخ فقال كسرت الحر فيه يا مولانا فتبسم وخجل النقيب الفرزدق: وقد علم الجيران أن قدورنا ... ضوامن للأرزاق والريح رفرف ترى حولهن المعتقين كأنهم ... على صنم في الجاهلية عكف وقال أمية بن أبي الصلت: وكأنها بفنائه ... للضيف مترعه زواجر وكأنهن بما سجن ... وما حمين به ضرائر وقال الفرزدق يهجو: لو أن قدرا بكت من طول ما حبست ... على الجفون بكت قدر ابن عمار ما مسها دسم مذ نض مدمعها ... ولا رأت بعد نار القين من نار الباب الثامن والعشرون في الأسماك واللحوم والجزور كتب الوزير المرحون فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس إلى شيخ بدر الدين البشتكى رحمه الله وقد كانوا بمجلس انس بشاطئ الروضة في أيام وفاء النيل السعيد فاتفق أن الشيخ بدر الدين صاد حوتاً عظيماً بالصنارة يداعبه بلغنى رفع الله قدرك على السماك وأعلى محلك وأسماك وأجرى يسعدك وأمرك في نهر السماء وبحور الأرض الأفلاك ولا زلت همم نظمك البدرية ونثرك تعلو على النثرة وفتكات عزماتك الماركية تسمو إلى صيد نسر السماء من وكره وحوتها من المجرو ولا برحت تصرف حروف المحاسن فتخدمك من كل محجر عين ومن كل جانب نون ولا فتئت تجمع شمل المعالي إلى أن يفترق الفرقدان ويلتقى الضب والنون ويغدو سهيل في السماء مصادف الثريا ويصبو الحوت للسرطان أن مولانا مع جماله خلافا للمعز أقلق السابح في لجه وراع كل حوت حتى حوت الأرض في تخومه وحوت السماء في برجه وجاور ذوات البحر فكان لها بئس الجار يطعمه الذي أقامه عليهم في الحيلة مقام بنجه وانه شد وسطه للصيد وكان من الحزم وأرسل آلة صيده إلى الأسود والأحمر من أمم البحار فعادت عود أولى العزم فعد بعد ذلك مولانا للصيد بالمرصاد وأطاعته حروف النص فكلما تلا لسان البحر نونا لسان العزم صاد (مفرد) . وهي السعادة في السماء فلو تشا ... لطعنت منها رامحا بالاعزل

فمن ذلك صيد الحوت الذي قدم من أقصى النيل فيا له من سفر بعيد وفارق وطنه وورد مع التيار السريع في البحر المديد فآوى إلى الشط طالبا غداءه إذ لقي من سفره هذا نصبا وركن إلى البر فليته لو عقل (فاتخذ سبيله في البحر سربا) ولم يعلم أن سيدنا وضع الحبل وجعله لصيده معنى وصورة سببا فاختر منه يد المنية باعوجاج الصنارة التي نصبها لدواب البحر فخا للقهر والضعيفة التي تعامل أقوياء الأسماك في أعظم البحور السائلة بالنهر كان هذا المسكين من صالح الأسماك الذي أفنى الأيام سحبا طويلا فساح وأتى يقبل جداراً حل فيه قدم مولانا وبركته مجازاة فجازاة التمساح أو كأنه لجا إلى البر هربا من عوارض المواج وآمن بمجاورته فأخذ من منأمنه وخاب أمله من لاج فسبح بعد بحار المن من بحار المنون في لجج وقالت له الحيتان إذا اعماك القضاء عن رشدك حدث عن البحر ولا حرج وكان ظنه أن عومه في الشط ينجيه فكان حتفه في ذلك العوم وعلى الجملة فقد آن أجله ولو آوى إلى جبل لقيل لا عاصم اليوم فأتت به حوتا يلوح بياضه بين هضباب الموج كالبدر من سجف الغمام وتبدو عليه مهابة تشر انه من نسل حوت يونس عليه السلام فأعيذ هذا الحوت بالنون وصائده الكاتب الأديب بالقلم وما يسطرون فلقد ظفر بما لا ظفر به الحواريون في شباكهم المشبكة ووقع له ما لو وقع لابن صياد لتطاول عجباً وانتفخ حتى مل الشبكة وحصل به للجماعة من السرور ما يحصل بوفاء النيل وشاهدوا من جزله العظيمة كل خير جزيل ومنحوا من سنه وعظمه بالجوهر النقي وأنياب الفيل وأرخصوه للقرى بعد أن أمسى في القدور يغلى وقلوه فطاب مأكلاً وغن كان مما لا يقلى ونوعوه محلى وحامضاً فالمحلى جعلوه نقلا على الكئوس حين تجلى وفازوا على رأى ابن حزم وإن لم يكن من أصحاب الرأى بالمحلى والمجلى والحامض فقطعوا عند أكله بالذوق أن ذلك الحوت مر لا محالة وقال آخرون بل هو هالة لتناسب البدور والهالة وحملوا به الموائد لصائده بالتقدم على الضفدع الأديب في مصائد الشوارد وقدموه على ما عندهم من طري وبائت وأكلوه من ساعته كيلا يندموا على فائت قائلين لا تؤخروه فللتأخير ولا تبيتوه فكلما بات فات وبادروا طرواته لعلهم طرواته لعلهم أنه أطيب ما يؤكل من السمك البورى الطري واستطابوه ضرورة ولا خلاف أن صائد الحوت اكثر تلذذا بأكله من المشترى هذا وأما الأسماك بذلك الشاطئ فقد نادى مناديهم بالرحيل وقال أديبهم للبنية مصحفا يا بنية ليس المقام هنا جميل فكم فرخ حول وكر أمه من هناك وشال وكم عصبة من السمك صرخت قاقا وقطعت الجبال وكم طائفة من رشادها فرت إلى البرور الخالية من العباد وكم طائفة تخلفت ووقعت في الشباك فقيل ضلت عن سبيل الرشاد وكم طائفة أسرعت إلى رءوس الجيال الحركة وكذبت العروضيين في قولهم لم أر على ظهر جبل سمكة وكم سمكة قالت لفراخها اهجروا ماءكم ومأواكم كما هجرت مأواى وأخلوا هذه الديار وان أعشبت وابتغوا صائب الرأي ومنهم من عمد إلى عمق البحر نجاه وسارت به سفينة عزمه في موج كالجبال وكان سبب النجاة وتواصوا لما رأوا طغيان الماء أن لا يأووا إلى البرور وتحققوا انه الطوفان لما فار على أخيهم المصاب التنور وكم قائل الحمد لله الذي قطع عنا أثر هذا النون العظيم وأزال عينه وقائلة سبحان من أراح ضعفاء السمك من هذا الجبار وفرق بينهم وبينه فشكرا إذا غدا مولانا شيخ البر والبحر وأضحى في نسكه ابن السماك وفي صدق حديثه أبا ذر وأمسى ضرع البلاغة مسخرا له فإن جمح لغيره أو أبادر أحياه الله بدرا يشرق في سماء المعالي وتحلى أجياد الفصاحة من بحور نظمه ونثره بالجواهر والآلى وجمل به السماء كما جعل به الأرض ولا جعله كأدباء أهل هذا الزمان الذين هم كالسماك يأكل بعضهم بالغيبة لحم بعض بمنه وكرمه والسمك بارد رطب يولد البلغم وينفع المحرورين ويضر بالمشايخ ودفع مضرته بالفواه الحارة والصعر والملح وصغاره بالخل نافع لأصحاب الأمزجة الحارة ومن به يرقان وكبده حار والمالح منه حار يابس يولد السوداء ويضر بالمحرورين.

فصل في اللحوم عن أبي الدراداء (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد طعام أهل الدنيا والآخرة اللحم، وفي حديث آخر سيد الأدام في الدنيا والآخرة اللحم وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء، وقال ل صلى الله عليه وسلم اللحم يطيب النفس ويفرح القلب ويحسن الوجه ويشد العصب، وكان محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة ة (عبلا رخص الأنامل يكاد الماء يجري بين جلده ولحمه فقال له أبو حنيفة ما غذاؤك قال ما أزيد على الخبز واللحم شيئاً قال هذه الشحمة منهما تنعقد، ولحم البقر داء ولبنها شفاء وسمنها دواء، وقالت الأطباء أحمد اللحمان ما خصى من الضأن وكان فتيا ولا خير فيما أسن ولحم الضأن وكان فتيا ولا خير فيما أسن ولحم الضأن نافع من المرة السوداء إلا أن الممرودين الذين يصرعون إذا أكلوه اشتد بهم ذلك ولحم المعز يورث الهم ويفسد ويحرك السوداء ويحدث النسيان ويحيل الأولاد، ولحم الدجاج الهرم أضر اللحمان وأغلظها وقال أبو حاتم قال خالد بن يزيد أطيب الإبل لحوماً الورق وأطيب البقر لحوماً البيض، وقال عبد الله بن جعفر سمعت رسول ل صلى الله عليه وسلم يقول أطيب اللحوم لحم الظهر، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من سره أن يقل غيظه فليأكل لحم الدراج، ولما حضرت الوفاة للحرث بن كلدة قيل له أوصنا بما ننتفع به بعدك فقال لا تتزوجوا من النساء إلا الشباب ولا تأكلوا من اللحم إلا الفتى ولا من الفواكه إلا ما نضج ولا يتداوين أحدكم بدواء ما احتمل بدنه الدواء وإذا تغذيتم فناموا قليلاً وإذا تعشيتم فامشوا خطوات، وقال نجتيشوع للمأمون أوصيك يا أمير المؤمنين أربعة أشياء: لا تأكل طعاماً بين نبيذين ولا تجامع على شبع إلى أن يخلو جوفك من الرياح والنجو ولا تأكل من لحم البقر فوالله إني أمر به في الطريق فأغطى عيني وعين برذرنى من شدة مضرته. نادرة: قرأت في كتاب ملح الكنايات ولمح التعريض والإشارات تأليف جمال الدين يوسف بن مرتفع بن الفقيه فتح الدين مجلد الكتب المعروف بنقانق ووجد الشريف محاسن عريف سوق الكتبيين في دكانه يتغذى فدعاه للأكل فقال من أي شيء تأكل فقال شيء من لحم جمل صغير فاشتهيت أن آكل منه فجلس وأكل معه فنظر إليهما الضياء موسى الناسخ فقال يا محاسن أحذر أن يراك المحتسب فيؤذيك قال على م قال لأنك تحشى النقانق بلحم الجمل فاستحسن ذلك منه، وفي الحديث من داوم على اللحم أربعين يوماً قسى قلبه ومن تركه أربعين يوماً ساء خلقه.

فصل: كتب الوزير فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس سامحه الله تعالى إلى فتح الدين صدقة بن سعيد بديوان الخاص وكان المذكور أسود ينحرف من ذكر العبيد والسواد يقبل اليد الكريمة السديدة الفتحية لا زال فتحها رشيداً وفعلها سديدا وسعدها جديداً وقولها مفيدا ومطلعها صبيحا ومفلح مقاصدها نجيحها وإقبال سرورها مستمرا ورواق العز عليها مسيطرا كثر الله عبيدها وألحق مقترها بسعيدها ويصف ولاءه الذي تشهد به ذاته الكريمة بل السواد الأعظم وإخلاصه الذي صفا وده إلى أن عاد كغرة البدر في الليل الأدهم ويبدى ما يجده إلى مولانا في نفسه من الميل ويذكر محبته التي لا تتغير ما ولج الليل في النهار والنهار في الليل وينهى أنه يبسط عذر مولانا في تأخير أبقار الأضحية بهذا سواد ويمشي في سواد وكيف لا مولانا إنسان عين الزمان والمفدا بسويداء القلوب من طوارق الحدثان فأبقاه الله يجرر في ميادين الكرم الذيل ويستر بحمله سقطات الجهال ستر الليل وعلم المملوك أن المقر الأشرف المالك قد اقتدى في أضحية المملوك خاصة برأي الإمام مالك إذ يرى الأضحية بالغنم أفضل وان القربى بذبحها أكمل وأن الله جعل الأبقار لحرث الأراضي ذات الطول والعرض وأنه خصها من أضحية المملوك بكل ذلول تثير الأرض فإذا عوتب على ذلك قال نعم أحلينا بأضحيته في هذا العيد وقابلناه عن محبته لنا من الحرمان بما لا عنه مزيد وقطعنا مرتبه من الديوان إذا كان عندنا المخلص (وما ربك بظلام للعبيد) ثم تأخذه العزة لأنفه المناصب ويتذكر عن المطلوب وذل الطالب فيقول قد منعنا ما سقنا من هدى إنعامه إليه وان هو إلا عبد أنعمنا عليه فلو كان الأمر لمولانا مستبدا بع لبدل البقر بكرائم الخيل وأوضح من فخر الأنعام الخيط الأبيض من الخيط الأسود ومحا من ظلمة المنع آية الليل وساق أيده الله ما شاء من البقر إلينا وانعم علينا غير معتذر ولا متعنت يقول (إن البقر تشابه علينا) على أن مولانا إذا لاحظ أنعم لك صفراء فاقع لونها لكن من الذهب العين وإذا نأى نعق بفراق البقر غراب البين وإذا شاء أتحف من شآبيب أنعامه مسكويه وحركات فضله محبوبه والسنة الخواص قائلة الحمد لله الذي كف عنا النوب بأكف النوبة والمملوك ما برح كثير المحبة لمولانا من حين شمله بجزيل الإحسان هاجر مسموع الطير بجملته كرها للقائل منها ما دق قفا السودان، وقال الشيخ زين الدين بن الوردى مضمنا: بتنا ضيوفا لغادة قصدت ... ذبح خروف قد طاب واعتدلا حلت رباط الخروف منشدة ... أما ترى الشمس حلت الحملا وممن ولع بذكر الجزارة الجزور الأديب الفاضل أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم الجزار فمن ذلك بقوله: إني لمن معشر سفك الدما لهم دأب ... وسل عنهم إن رمت تصديقى تضيء بالدم إشراقا عراصهم ... فكل أيامهم أيام تشريق وقوله: حسن التأنى مما يعين على ... رزق الفتى والخطوب تختلف والعبد مذ كان في جزارته ... يعلم من أين يؤكل الكتف

الباب التاسع والعشرون فيما تحتاج إليه الأطعمة من البقول في السفرة

أهدى بعضهم إلى صديق له كبشا في يوم أضحية وكتب معه رقعة يصف سمنه فأجاب المهدى إليه وصلت رقعتك ففضضتها عن خط مشرق ولفظ مونق وعبارة مضيئة ومعان غريبة وتصرف بين جد أمضى من القدر وهزل أرق من نسيم السحر وتنقلت في وجوه الخطاب الجامع للصواب إلا أن الفعل قصر عنه القول لا بل ذكرت جملا جعلته بصفتك جملا واتساع في البلاغة يعجز عنها عبد الحميد في كتابته وسحبان في خطابته وكان المعيدى يسمع به لا يراه وحضر فرأيت كبشا متقادم الميلاد من نتاج قوم عاد قد أفنته الدهور وتعاقبت عليه العصور وظننته أحد الزوجين الذي جعلهما نوح في سفينته ليحفظ بهما جنس الغنم لذريته صغر من الكبر ولطف من القدم فبانت زمانته وتقاصرت قامته وعادنا حلا ضئلا باليا هزيلا بادى السقام عارى العظام جامعا للمعائب مشتملا على المثالب يعجب العاقل من حلول الحياة لنه عظم مخلد وصوف ملبد لا يوجد فوق عظامه سلب ولا تقع اليد منه إلا على خشب لو مر به الكلب لا ستجافه أو اطرح للذئب عند الخوى لعافه قد طال فقده الكلاء وبعد عهده لم ير الغثاء إلا نائماً ولا الشعير إلا حالما وقد تحيرت بين أن اقتنيته فيكون فيه عنا الدهر أو أذبحه فيكون جيفة على وجه النهر فلمت إلى استبقائه لما تعرفه من محبتي التوفير ورغبتي في التمييز وجمعي للولد وأدخاري للعدد فلم أجد فيه مستمتعاً للبقاء ولا مرفقاً للعناء لأنه ليس بأثنى فيحمل ولا يثنى فينسل ولا بصحيح فيرعى ولا سيلم فيبقى فلمت إلى الثاني من رأيك وعلمت على الأخرى من قولك فقلت أبحه ليكون وظيفة للعيال وأقيمه رطباً مقام قديد الغزال فأنشدني وقد أضرمت النار وحدت الشفار وشمر الجزار: أعيذها نظرات منك صادقة ... أن تحسب الشحم فىّ من سمنه ورما ثم قال وما الفائدة لك في ذبحي وأنا لم يبق فيّ إلا نفس خافت ومقلة إنسانها باهت لست بذي لحم فأصلح للأكل لن الدهر قد أكل لحمي ولا جلدي يصلح للدباغ لأن الأيام قد مزقت أدمى ولا صوفي يصلح للغزل لأن الحوادث قد خصت وبرى وإن أردتنى للوقود فكف بعرأفتي من ناري ولن تفي حرارة جمري بريح قتارى ولم يبق إلا أن تطالبني بدحل أو بيني وبينك دم رجل فوجدته صادقاً في مقالته ناصحاً في مشورته ولم اعلم من أي حالة أعجب أم من مماطلته للدهر من أجل البقاء من صبره على الضر والبلاء أم من قدرتك عليه مع أعواز مثله أم من تأهيلك الصديق مع ما به خساسة قدره. الباب التاسع والعشرون فيما تحتاج إليه الأطعمة من البقول في السفرة القول على القرع ويسمى الدباء قال ابن جزلة في المنهاج أجوده الرطب الأخضر الحلو وهو بارد رطب في الثانية وقال رومس إنه حار رطب ويتولد منه غذاء شبيه بما يصحبه فإن أكل بالخردل ولد خلطا حريفا وإن أكل بالملح ولد خلطا ملحا ومسلوقه يغذو غذاء يسيرا وينحدر سريعا وهو جيد للصفراء وبين وعصارته تسكن وجع الآذان مع دهن ورد وينفع من أورام الدماغ وسويقه بنفع من السعال ووجع الصدر من حره وهو لقطع العطش جيد ويلين البطن وإذا دفن في الخمر وشرب مع السكر نقع من الحميات وهو يفسد في المعدة لمخاطلة ردئ ويضر بأصحاب السوداء والبلغم.. انتهى رافع الأندلسي. وقرع تبدى للعيون كأنه ... خراطيم أفيال لطخن بزنجار الباذنجان: قال ابن القيس في الموجز قيل بارد وقيل حار يابس في الثانية وهو أصح يولد السوداء والسدد والسرطان والجرب السوداوي والبواسير والصلابة والجذام ويفسد اللون ويصفر ويبثر الفم انتهى كلامه. الوصف: قال ابن المعتز فيه: وابذنج بستان أنيق رأيته ... على طبق تحكيه مقلة راق قلوب ظبا أفردت من كبودها ... على كل قلب منه مخلب عاشق وقال ابن رشيق القيراواني: وإذا صنعت غذاءنا ... فاجعله غير منبذج إياك هامة أسود ... عريان أضلع كوسج

وقال صاحب كتاب ملح الممالحة وكان شيخنا الأسدي يعجبه الباذنجان ويقول في تفضيله إن الناس يأكلونه ثمانية أشهر من السنة وهم أصحا ولو أكلوا الرمان ثمانية أشهر قلحوا وقيل لرجل ما تقول في الباذنجان فقال أنوف الزنج وأذناب المحاجم وبطون العقارب وبرز الرقوم فقيل إنه يحشى باللحم فيكون طيبا فقال لو حشى بالتقوى والمغفرة ما أفلح وقال صاحب المنهاج أجوده الحلو الأوساط والعتيق ردئ والحديث أسلم ولا يبين ضرره كثيرا إلا انه غذاء مألوف وهو حار يابس في الثانية وفيه غلظ والمر منه حار يابس بلا خلاف والحديث أقل حرارة وأردؤه ما أكل مشوياً وهو ينفع من عرق الدم لشدة رقته وليس له نسبة إلى إطلاق ولا عقل إليه أن طبخ في دهن أطلق وإن طبخ في خل أو سماق عقل وهو يحدث وجع الخواصر والمعدة والعتيق يبثر الفم ويولد السوداء والسدد ويسود البشرة ويولد البواسير وينبغي أن ينفع في الماء والملح ويسكن فيه ثم يعمل بالدسم الكثير والخل والكراويا. القلقاس: قال ابن جزلة في المنهاج حار رطب في الأولى وقيل أنه معتدل الحرارة رطب في الثانية يزيد في الباءة انتهى، وللشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة في رسالة السجع الجليل فيما جرى من النيل عند ذكر الجزيرة الوسطى وقد أخلق ديباج روضها لانف وترك قلقاسها بمده وجزره على شفى جرف. بعيني رأيت الماء فيها وقد جرى ... على رأسه من شاهق فتكسرا غيره: طالما تضرع بأصبعه إلى ربه ... ولطم برءوسه الحيطان مما جرى على قلبه وتمثل بقول الأول: وإن سألوك يوم البي ... ن عن قلبي وما قاسى فقل قاسى وقل قاسى ... وقلقاسى وقل قاسى لم يفد تحصينه من ورقة بالدرق والستائر ولا حن عليه حين تضرع بأصابعه فصح أن الماء سلطان جائر: يا ويح قلقاس بمصر يقول لي ... لما اغتدى في غيطه غرقانا النيل مثل دم لفرط زيادة ... فلذا برأسي يلطم الحيطانا السلجم: وبالشين أيضاً قال ابن جزلة وهو اللفت وهو بري وبستاني وهو حار في الدرجة الثانية رطب في الدرجة الأولى يغذو كثيراً ويولد منيا يدر البول ولا يسهل ويشتهى الطعام إذا سلق دفعتين وطيب بالخل والخردل وماؤه ينفع من الحصر وفيه غلظ ونفخ وإن عرض منه ذلك فليتناول بعده أحد الجوارشنات. الجرز: في المنهاج أجوده الأحمر الشتوي وغذاؤه أقل من السلجم وهو حار في آخر الدرجة الثانية رطب في الأولى يحرك الباءة ويسهل ويلطف ويدر البول وهو عسر الهضم منفخ يولد ماء رديئا وينبغي أن يكثر إنضاجه ويصلح بالمري والخل والخردل وقال بعضهم: انظر إلى الجرز الذي ... يكحى لنا لهب الحريق كمدية من سندس ... فيها نصاب من عقيق الاسفاناج: قال ابن جزلة أجوده في المنهاج الممطور وهو رطب بارد في آخر الدرجة الأولى وقيل معتدل من الحرارة والبرودة فهو ملين ينفع السعال والصدر وفيه قوة التحليل وهو سريع الانحدار عن المعدة يلين الطبع وينفع من أوجاع الظهر الدموية وهو سيء الهضم ويضر أصحاب الأمزجة الباردة. السلق: قال ابن جزلة هو صنفان أسود لشدة خضرته وأقل لونا منه وأوجوده العذب الطعم وهو حار يابس في الدرجة الأولى وقيل هو مركب القوة وقيل رطب في الأولى فيه بورقه ملطفة وتحليل وتفتيح وفي الأسود قبض وينفع من داء الثعلب والكلف والخزرة والثآليل إذا طلى بمائه ويقتل القمل وتطلى به القوبا مع العسل ويفتح سدد الكبد والطحال والأسود منه يعقل وخصوصاً مع العدس والصنف الآخر المهرا ويحقن بمائه لإخراج الثقل وهو ينفع من القولنج مع المري والتوابل وهو يمغص ويولد النفخ وهو رديء الكيموس قليل الغذاء يحرق الدم ويصلحه الخل والخردل وأصله رديء المعدة انتهى. وقال ابن زهر في خواصه عن هرمس ورق السلق وورق العاقر قرحا من كل واحد دانق إذا جعل في طعام باسم إنسان وأطعم عمل فيه روحانية المحبة عملا عجيبا وقال ابن زهروان رض السلق وعاقر قرحا وذر في مجرى ماء الحمام برد وسكن حره وقال أيضاً وإنرض ورقة بدم الحمام وذفن في إناء رصاص أربعين يوماً تولد منه دود أخضر طوال فإذا طبخت بماء السلق وطلي به رأس الأقرع أنبت في هـ الشعر وإن شدخت الدودة التي تكون في السلق ودفنت في برج حمام أو علقت عليه لم يقرب البرج شيء من الحيوان الضاري انتهى.

فصل البصل: في المنهاج فيه مع الحرافة المقطعة مرارة وقبض وما كان منه أطول فهو أحرف والحمر من الأبيض وأجوده الأبيض الريان وهو حار يابس في الثالثة وهو ملطف يقطع ويجذب الدم إلى خارج البدن ويزيد في الباءة وينفع من تغير المياه ويفتق الشهوة ويلين الطبيعة وإذا قطر ماؤه في الذين ينفع من الطنين وهو يجلو البصر وينفع من ابتداء الماء والبياض اكتحالا بعصارته ويهيج خروج الشعر وإذا دق وعجن بعسل ووضع على الظفر الغليظ والقوابى والبهق قلع ذلك ويطلي به داء الثعلب وينفع من عضة الكلب سقيا بشراب ومن نهش الحيات وهو يصدع للرأس والكثار منه يشيب ويضر بالعقل ويكثر اللعاب ويفتح أفواه البواسير ويصلحه الخل واللبن الحامض أو مع الهندبا، وقال نصر بن سيار يوماً وحوله بنون له هؤلاء بنو البصل لأنه كان يأكل كثيراً منه فيهتاج وقال ابن وكيع يحكي لعينك احمرارا قشره إذا رآه ناظر غلائى حمرا على جسوم بيض رطاب من جسوم الروم. الثوم: كذا ذكره صاحب المنهاج بالثاء المثلثة منه بستاني ومنه بري ومنه كراثي والكراثي مركب القوة من الثوم والكراث وهو حار يابس في الدرجة الرابعة وقيل في الثالثة وهو أقوى حرارة ويبسا من البصل وهو يحل النفخ وينفع من تغيير المياه وطبيخ الجبلى منه إذا شرب قتل القمل ورماده يطلى به البهق مع العسل وكذا الثعلب والجرب والقوابي ويصفي الخلق مطبوخاً ويخرج العلق من الحلق وإذا حشى في طبيخ ورقه وساقه أدر الحيض والبول وأخرج المشيمة وأكله يخرج الديدان ويطلق الطبع وهو نافع من لسع الهوام ونهش الحيات وعضة الكلب الكلب سقيا بشراب وينفع السعال من برد ويصفى الخلق وهو مقرح للجلد مصدع مضعف للبصر جالب يثور العين وإذا طبخ قلت حرارته وحراقته وتصلحه الحوامض والدهان واللحوم السمان والثوم دواء لمن أصابه وجع السعى في بطنه وإذا شوى ووضع على الضرس المأكول سكنه، وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأكل الثوم وقال لولا أن الملك ينزل على لأكلته. وقال بعض الشعراء فيه: يا حبذا ثومة في كف ضاهية ... بديعة الحسن تسبى كل من نظرا أبصرتها وهي من عجب تقلبها ... كصرة من ديبقى حوت دررا الكزبرة: ويقال كسبرة منها رطبة ومنها يابسة وقوتها مركبة والغالب فيها أرضية أجودها البستاني وهي باردة في آخر الأولى واليابسة منها في الثانية وأبقراط يقول فيها حرارة وبرودة وعند جالينوس إنها تميل إلى التسخين وفيها قبض وتخدير وهي تزيل روايح البصل والثوم إذا مضغت رطبة أو يابسة وعصارتها مع اللبن تسكن كل ضربان شديد وتنفع من الأورام الحارة مع الخل والاسفيداج ودهن الورد ومعه العسل للبشري والنار الفارسي وينفع من الجمرة ومن الدوار عن بخار المرار والبلغم وخاصيته أن يمنع البخار من الرأس وكذلك يجعل في الطعام ورطبه ينفع الرعاف ودرور يابسه والمضمضة بعصارته رطبة تنفع من القلاع وهو ينفع الخفقان عن حرارة ودرهمان منها مع لسان الجمل ينفع نفث الدم وهو يمنع من القئ والجشاء الحامض بعد الطعام والإكثار منه يخلط الذهن ويظلم البصر ويخفف المنى ويكسر الباءة ويصلحه سكنجبين السقر جلى. وأما البقل فما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال البقل حلية الموائد وفيما رواه مكحول عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أحضروا موائدكم البقل فإنها مطردة للشياطين وروى عن علي رضى الله عنه أنه قال دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حذيفة بن اليمان فتلقانا بنبات يقال له الباذروج فنظر إليه وقال أهلا بك من بقلة ما أطيب ريحك واحسن منظرك فإنك لمن رياض الجنة ثم نظر إلى الهندباء فقال يا لك من بقلة تهضم الطعام وتحيى الفؤاد وتجلو عن الناظر.

فائدة: منقولة من خط القاضي أمين الدين بن الأنفي المالكي رحمه الله تعالى قال ذكر السويدي صاحب التذكرة أن الإمام فخر الدين الرازي ذكر أنه من رأى الهلال أول ليلة وكان موجوع الضرس فقال نذرت لله أن لا آكل الهندباء ولا لحم الفرس سكن وجع ضرسه ذلك الشهر وقال ابن زهر في خواصه قال يوحنا بن ماسويه إن دق أصل الهندباء وضمد به لسعة العقرب سكن الوجع والبري منه إذا شرب ماؤه مع الشراب نفع من لدغ الأفاعي وقال ابن النفيس في الموجز يابسه يابس في الأولى ورطبه رطب في الأولى يفتح سداد الأحشاء والعروق وفيه قبض صالح يقوى المعدة والكبد أما الحارة فشديد الموافقة لها وأما الباردة فللخاصية وتنفع مع الخيار شنبر لأورام الحلق وتنفع الرمد وبياض العين. الكرفس: حار يابس يفتح السدد ويدر البول وهو نافع للمعدة ويبطئ بالهضم ولذلك يجب أن يقدم قبله طعاماً يختلط به وهو يطيب النكهة ويحتاج إلى أكله من يداخل السلطان ومن كان خدمته السر وقال ابن النفيس في الموجز حار في الأولى يابس في الثانية يحلل النفح ويفتح السدد ويسكن الوجع ويطيب النكهة جداً رديء للصرع تهيجه في المصروعين وينفع السعال والكبد والطحال والكلى والمثانة وينفع الاستسقاء وعسر البول وتفتت الحصاة وتضر الحبالى والإدارة ويهيج الباءة. النعناع حار يابس وهو نافع من الفواق قال ابن زهر في الخواص أن جعل من ورق النعنع الثلث ومن ورق السدس ومن حب القرع النصف وجعل في طعام واحد باسم آخر عمل فيه روحانية المحبة. الطرخون: في المنهاج قيل إن عاقر قرحا هو اصل الطرخون وهو جبلي وبستاني وأجوده البستاني وهو حار يابس في الثانية وفيه قوة مخدرة وقيل إنه بارد وهو مجفف الرطوبات فإذا مضغ نفع من القلاع ويمضغ قبل شرب الأدوية الكريهة وهو يقوي المعدة ويحدث وجع الحلق وهو عسر الهضم ويقطع شهوة الباءة ويعطش ويصلحه الكرفس. الفجل: من كتاب هاضم الطعام وبزره نافع من الفواق إذا أكل بالعسل وإذا شدخ على عقرب ماتت وإن شرب ماء ورقه نفع من اليرقان الحادث من الطحال. قلت: ومن منافعه ما جربته وصح انه إذا مضغ ووضع على العين المحمرة من لطم وكرر ذلك فإنه يزيل الحمرة في الحال وقال ابن زهر في خواصه ورق الفجل معصوراً يؤخذ ماؤه وشيء من نشادر فيلطخ به سلة الحاوي فتموت الحيات كلها وورقة يحد البصر وان سحق بزره مع كندس متساويين وطلي به البهق الأسود في الحمام بالماء الحار والخل أذهبه وغن اخذ ماؤه وخلط بالخل والطين وطلي على لسعة الزنبور أراها وقال جالينوس عصارة الفجل إذا اكتحل بها جلت البياض من العين وإذا خلط ماء الفجل بماء الورد وسخن وقطر في الأذان أذهب عسر السمع والطنين منها وغن دق ورقه وصفى ماؤه وأسعط به صاحب اليرقان رأيت عجباً وقال أرسطاطاليس مما يبيض الشعر مثقال من ورق الملوخيا والفجل ويعجن بمرارة الثور ويضمد به الشعر بالليل ويغسل بالنهار فإنه يصير الأسود أبيض وإن طلي الوجه بماء الفجل أذهب عنه النمش والكلف وإن دخن بوقه في بيت هربت منه الهوام (قال) النور الأسعردي يهجو: أيا مطعماً أصحابه إذ دعاهم ... من الفجل في أوراقه غير ما يمري وحقك ما أكرمتهم مذ لقيتهم ... بجيش ضراط تحت راياته الخضر نادرة: كان أبو نواس يوماً عند بعض أخواته فخرجت عليه جارية عليها ثياب خضر فلما رآها مسح عينيه وقال خيراً رأيته إن شاء الله قالت ما رأيت؟ قال: رأيت كأني راكب أشهب عليه ثياب خضر قالت له إن صدقت رؤياك استدخلت فجلة. الرشاد قال ابن البيطار إذا شرب بالماء الحار حل القولنج وأخرج الديدان وحب القرع إن سحق نيئاً وسف نفع من البرص وغن لطخ عليه وعلى البهق الأبيض بالخل نفع منهما وإذا خلط بالعسل ولعق منه نفع من السعال المتولد عن أخلاط غليظة وإذا ضمدت به لسعة العقرب نفعها. زين الدين بن الوردى: رب خولى بدا من ... حيه وهو ينادى من يمت في ورد خدي ... أهده سبل الرشاد أنشدني الشيخ عز الدين الموصلي لنفسه ملغزا: ما اسم له أحرف ثلاث ... تصحيفه جمعه بقل عدتها في الحساب سبع ... وإن ترد مثله فكبل أن تجر ما إليه يكثر ... وإن تزد نقطة يقل يدوي إذا الماء قل لكن ... يصح جسما إذا يعل

الباب الثلاثون في الخوان والمائدة وما فيهما من كلام مقبول

الباب الثلاثون في الخوان والمائدة وما فيهما من كلام مقبول كنية الخوان أبو جامع لاجتماع الناس حوله قال الحريري في درة الغواص ويقولون لما يتخذ لتقديم الطعام عليه مائدة والصحيح أن يقال خوان إلى أن يحضر الطعام عليه يسمى حينئذ مائدة يدل على ذلك أن الحوارييم حين سألوا عيسى عليه السلام بأن يستنزل لهم طعاماً من السماء قالوا هل يستطيع ربك أن ينزل مائدة من السماء بينوا معنى اسم المائدة بقولهم نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا قال الصعمي غدوت ذات يوم إلى زيادة صديق لي فاستشرت بعض الأخلاء فقال إن كان لفائدة أو عائدة أو لمائدة وإلا فلا وقد اختلف في تسميتها بذلك فقيل سميت به لأنها تميد بما عليها أي تتحرك مأخوذ من قوله تعالى (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بكم) وقيل بل هي من ماد أي أعطي ومنه قول رؤبة بن العجاج إلى أمير المؤمنين الممتاد أي المستعطي وكأنها تميد من حواليها مما أحضر عليها وقد أجاز بعضهم أنى يقال فيها ميدة واستشهد عليه بقول الراجز: وميدة كثيرة الألوان ... تصلح للجيران والأخوان وقال الكواشي في تفسير سورة المائدة ولما سأل الحواريون للمائدة لعيسى عليه السلام لبس صوفا وبكى وقال (اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء) الآية: فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين من فوقها وتحتها وهم ينظرون وهي تهوى منقضة حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى عليه السلام وقال اللهم أجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عقوبة ثم قال ليقم أحسنكم عملا فليكشف عنها وليذكر اسم الله تعالى فقال له شمعون أنت أولى بذلك منا فقام عيسى عليه السلام وتوضأ وصلى صلاة طويلة وبكى بكاء كثيراً وكشف المنديل عنها وقال بسم الله خير الرازقين وإذا هو سمكة مشوية ليس عليها فلوس ولا شوك بها يسل منها الدسم وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من ألوان البقول ما خلا الكراث وإذا خمسة أرغفة على واحد زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد فقال شمعون أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الآخرة فقال عيسى ليس شيء مما ترون من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة ولكنه شيء افتعله الله بالقدرة الغالبة كلوا مما سألتم يمددكم الله ويرزقكم من فضله فقالوا يا روح الله كن أول من أكل منها فقال معاذ الله أن آكل منها ولكن يأكل منها من سألها فخافوا أن يأكلوا منها فدعا لها أهل الفاقة والمرضى وقال كلوا من رزق الله ولكم الهناء ولغيركم البلاء فأكلوا وصدروا وكانوا ألفا وثلاثمائة ما ببن رجل وامرأة من فقير ومريض وزمن ومبتلى وإذا سمكة كهيئتها حين نزلت ثم طارت المائدة صعدا وهم ينظرون إليها حتى توارت وما أكل منها ضحى فيأكل منها الأغنياء والفقراء والصغار والكبار والرجال والنساء حتى إذا فاء الفئ طارت وهم ينظرون في ظلها وكانت تنزل كناقة صالح في الحلب فأوحى الله إلى عيسى عليه السلام أن اجعل مائدتي ورزقي في الفقراء دون الأغنياء فعظم ذلك على الأغنياء حتى شكى بعد نزولها عذبته عذابا لا أعذبه أحداً من العالمين فقال عيسى: (إن تعذبهم فإنهم عبادك (الآية، فمسخ منهم ثلثمائة وثلاثة وثلاثين رجلاً أصبحوا خنازير فلما رأى الناس ذلك بكوا ورغبوا إلى عيسى فلما أبصرت الخنازير عيسى بكت وجعلت تطوف بعيسى وعيسى يدعوهم بأسمائهم يشيرون برءوسهم ويبكى ويبكون وهم لا يقدرون على الكلام ثم هلكوا أجمعين وما أظرف قول ابن حجاج: يا ذاهبا في داره جائيا ... بغير لا معنى ولا فائدة قد جن أضيافك من جوعهم ... فاقرأ عليهم سورة المائدة صلاح الدين خليل الأقفهسى نزيل دمشق المحروسة قال أنشدني الشيخ العارف المحقق المسلك الحكيم برهان الدين إبراهيم الغرى الشهير بابن رفاعة أعاد الله من بركاته من لفظه لنفسه: لما مرضت أرسلت ... لي صله وعائده لعمها أني فتى ... أهوى النساء والمائدة جارية وسكرا ... للأكل والمشاهدة وقال الشيخ برهان الدين القيراطي: أميل لأغصان القدود صبابة ... وإن هي زادتني جفا وتباعدا ويعجبني بين الأنام تطلفى ... عليها إذا شاهدتهن موائدا

رجع: قال حاتم الطائي لغلامه قد إلينا مائدة تتباعد ما بين أنفاسنا قال هدبة بن خالد حضرت أمير المؤمنين فلما رفعت المائدة جعلت ألتقط ما في الأرض فنظر إلى المأمون وقال أما شبعت يا شيخ قلت بلى يا أمير المؤمنين إنما شبعت في فنائك وفي كنفك ولكن حدثني حماد بن سلمة عن ثابت بن انس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من آكل من تحت مائدته أمن من الفقر فنظر المأمون إلى خادم واقف بين يديه فأشار إليه فما شعرت حتى جائني ومعه منديل فيه ألف دينار فناولني فقلت يا أمير المؤمنين وهذا من ذاك، وعن عبد الله بن عباس رضى الله عنه من أكل ما سقط من الخوان رزق أولادا كانوا صباحا وينبغي أن يصرف عن المائدة السنور والكلب وذو العيون الرديئة من الغلمان ومن يعلم منه الشره أو يشبعوا قبل أحضارهم الطعام قال النبي صلى الله عليه وسلم من أكل وذو عينين ينظر إليه ولم يواسه ابتلى بداء لا دواء له، قال النيفاشى في سرور النفس حدثني من حدثه بعض التجار الذين كانوا يردون إلى خدام القصر فأضافنى في حجرة له متصلة بالقصر فلما حضرت المائدة كان بين أيدينا سنانير كثيرة فعندما شاهدوا المائدة وضعت لم يبق عندنا منها واحد ومرت كلها خارجة عن المجلس دون طارد يطردها فعجبت من ذلك كل العجب فلما انقضى الطعام أحببت أن أعرف العلة في ذلك فسألت الخادم فأخذ بيدي وأدخلني إلى بيت صغير فيه عدة أواني فيها طعام والسنانير مجتمعة عليه تأكله فقال عودناها إذا حضر الطعام أن تطرد إلى هذا البيت ويعد لها طعام فيه فصارت عادة لها، واتفق في أمر الكلب وحضوره بالمغرب واقعة عجيبة وذلك أنه كان بمدينة من بلاد المغرب حمال يحمل في السوق فأتى من حمل ذات يوم فاشترى زلايبة وهريسة في صفحة وصعد بها إلى سطح السوق يأكلها فتبعه كلب فجلس إزاءه وهو يأكل فجعل كلما شال لقمة إلى فيه يشيعها الكلب ببصره حتى يبتلعها الرجل ثم صار يفع اللقمة ويومي بها إلى الكلب على سبيل العبث به فيقرب الكلب منه فيأكل اللقمة ويزجره فلم يزل دأبه حتى بقيت لقمة واحدة فروغها في الدهن وأومى بها نحو الكلب ثم ألقاها في فمه فمضغها وابتلعها والكلب محدق نحوه فلما صارت اللقمة في حلقومه وثب عليه الكلب فاستل الحلقوم واللقمة فأكلهما وخر الرجل ميتا (عبد العزيز بن المهذب) : لله در غلام جاء يخدمنا ... بسفرة من رفيع القطن فوراء بادئر أزرق من حول دارتها ... تحار فيه وفيها مقلة الرائي كأنها روضة خضراء مزهرة ... وحولها جدول من أزرق الماء ومن التحف النفيسة: ما ذكره القاضي الرشيد بن الزبير في كتابه العجائب والظرف أنه أصاب عطية بن مرداس العلاوى لما ملك الرحبة في سنة اثنين وخمسين وأربعمائة وحازما كان ادخره أبو الحرث رسلان اليساسيري من مال وغيره ومما كان وجده ببغداد من الخليفة إلى جعفر عبد الله القائم ومن ذخائر بني العباس حين خلعه ونهب داره في سنة خمسين وأربعمائة وجد فيها مائدة فيروزج بحوافي مكالة بالجواهر لا قيمة لها ولا قدرا يعرف مما انتقل إلى بني العباس من ذخائر الكاسرة كتب البرهان الغزولي النحوى السكندري سحبة ملاعق أهداها للصاحب زين الدين بن الزبير: لما بعدتم وكاد اليأس يقصينا ... من نيلكم ودنت منا أمانينا بتنا على سغب الآمال في ظمأ ... والشوق ينشرنا طورا ويطوينا ثم استنبنا تحيات السلام عسى ... تعود منكم تحيات فتحيينا وقد بعثنا لكم مملوءة قبلا ... مثل الأيادي التي أعيت أيادينا مستطعمات طعاماً من مطاعمنا ... وافتكم بلسان الحال تحكينا ومما يكتب على سفرة الكل: ألا كل هنيئا ولا تحتشم ... فما الاحتشام فعال الكرم فما الجود والفضل إلا لمن ... تفضل إلينا بنقل القدم

الخبر وما ورد فيه: قال ابن عباس رضى الله عنه أكرموا بغيرة أبو محمد بن خلاد كان الحسن ابن رجاء يقول السميد طعام الملوك والحواري طعام الخواص والخشكار طعام العامة والشعير طعام الزهاد وكان حميد تخلو مائدته من مائة رغيف سميد في كل رغيف رطلان وكان خبزه موصوفاً ببغداد كأنه المرآة المجلوة بياضاً وحسناً وربما يرى فيه شعر اللجة لشدة بياضه قال أحمد بن أبي داود قال لي الواثق يوماً ما جمال الموائد فقلت يا أمير المؤمنين كان يقال جمالها الخبز عليها فقال أصبت وأحسنت فإذا اختلفت الألوان وكان الخبز كثيراً شهد لصاحبها بالشرف. قال الصعمي كان الرشيد يأكل يومين متواليينى خبز السميد والثالث الحواري والرابع الخشكار والخامس والسادس خبز الأرز النقي من خبز التنور وكان يقول الأرز غذاء صحيح قال بعض الأطباء الخشكار فيه بعض الحرارة وهو أسرع انحداراً من المعدة لأجل النخالة التي فيه لأن فيه جلى للمعي وهو يولد الحكة وأكله بالأدام الدهن يدفع ضرره والخبز الخمير أحمد الخبز وأوفقه وامرأه والفطير بطئ الانهضام يولد الرياح وخبز التنور أغذا وانفع والخبز المملوك وخبز الطابق ثقيلان ضاران والخبز السميد المعتدل الخبز يخصب الجسم ويجدد السدد وأكله بالاسفندباجات والطباهجات المالحة يصلحه وكانجبريل بن بخيتشوع لا يؤثر على الحواري شيئاً ويقول هو الواسطة وروى عن علي بت أبي طالب رضى الله عنه (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) قال هو خبز البر وماء القراح والظل قال العتبي عن أبيه قال خرج أبو سفيان في جماعة من قريش وثقيف يريدون بلاد كسرى بتجارة لهم فلما ساروا قال أبو سفيان إنا لعلى خطر قدومنا على ملك لم يأذن لنا بالقدوم عليه فأيكم يذهب بالعير فإن أصيب فعلينا دمه وإن يغنم فله نصف الريح فقال غيلان بن سلمة الثقفي أنا أمضي في العير وكان أبيض طويلا جعدا فلما وصل ديار الملك لبس ثوبين أصفرين وشهر نفسه وقعد بالباب حتى أذن له فدخل على الملك وهو جالس في شباك ذهب فقال له الترجمان يقول لك الملك ما أدخلك بلادي بغير أذني فقال لست من أهل عداوة الملك ولم اك جاسوساً وإنما حملت تجارة فإن أرادها فهي له قال فبينا هو يكلمه إذ سمع صوتاً فخر ساجدا فقال له الترجمان يقول لك الملك ما أسجدك فقال سمعت صوتاً مرتفعاً حيث لا ترتفع الأصوات فظننته صوت الملك فسجدت قال فشكر الملك ذلك له وأمر له بمرقعة توضع تحته فرأى فيها صورة الملك فوضعها على رأسه فقال الحاجب الملك يقول لك إنما بعثناها لك لتجلس عليها فقال قد علمت ولكن رأيتها وعليها صورة الملك فوضعتها على أعظم أعضائي فقال له الملك ما طعامك في بلادك قال خبز البز قال هذا عقل الخبز ثم اشترى منه التجارة بأضعاف ثمنها ورجع في أمن وسلامة. أبو الحسن الجزار في الخبز: قسما يلوح الخبز عند خروجه ... من قرنه وله الفداة تجار ورغائف منه تروقك وهي في ... سجف التفال كأنها أقمار من كل مصقول السوالف أحمر ال ... خدين للشونير فيه عذار وكان باطنه بكفك درهم ... وكان ظاهر لونه دينار كالفضة البيضاء لكن يغتدى ... ذهبا إذا قويت عليه النار وقال ابن الرومي في الرقاق: لا أنسى خبازا مررت به ... يدحو الرقاقة مثل اللمح بالبصر ما بين رؤيتها في كفة كرّة ... وبين رؤيتها قوراء كالقمر إلا بمقدار ما تنداح دائة ... في صفحة الما تلقى فيه بالحجر وله في الزلابية: يلقى العجين حينا من أصابعه ... فتستحيل شبابيكا من الذهب الماموني في الكماج: عندي للأكل غذا ما ... قمت للتسحر ملتونة بسمنها ... وسمسم مقشر أأوجه الترك إذا ... أثر فيها الجدر وقال بعضهم وأجاد: خبز شعير بغير أدم ... عند فقير من الكرام ألذ عندي من ألف لون ... عند غنى من اللئام وقال مجير الدين بن تميم: وكأن أرغفة الخوان وحولها ... بقل تهش إليه نفس الآكل وجنات غيد صففت وجميعها ... يبدو بها خط العذار الباقل

الباب الحادي والثلاثون في الوكيرة والأطعمة المشتهاة

غريبة: ذكرها الحافظ العلامة المؤرخ عماد الدين بن كشير في تاريخه في ترجمة الوليد ابن عبد الملك ورواها الحافظ ابن عساكر بإسناد رجاله كلهم ثقاب عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر عن أبيه قال خرج الوليد بن عبد الملك يوماً من الباب الأصغر فرأى رجلاً عند المأذنة الشرقية يأكل فوقف عليه فإذا هو يأكل خبزاً وتراباً فقال له ما يحملك على هذا قال القنوع يا أمير المؤمنين فذهب إلى مجلسه ثم استدعى به فقال إن لك لشأنا فأخبرني به وإلا ضربت الذي فيه عيناك فقال نعم يا أمير المؤمنين كنت رجلاً جمالاً فبنا أنا أسير من مرج الصفر قاصداً الكسوة إذا رزمني البول فعدلت إلى خربة لأبول فإذا سرب فحفرته فإذا مال صبيب فملأت منه غرائري ثن انطلقت أقود برواحلي وإذا بمخلاة فيها طعام فألقيته منها وقلت إني سآتي الكسوة ورجعت لاملأ تلك المخلاة فلم أهتد إلى المكان بعد الجهد في الطلب ثم رجعت إلى الرواحل فلم أجدها ولم أجد الطعام فآليت على نفسي أن لا آكل إلا خبزاً وتراباً قال فهل لك عيال قلت نعم ففرض لهم في بيت المال قال ابن جابر وبلغنا أن الرواحل سارت حتى أتت بين المال فتسلمها خازنه فوضعها في بيت المال. الباب الحادي والثلاثون في الوكيرة والأطعمة المشتهاة الوكيرة طعام البناء كان الرجل إذا فرغ من بنائه بطعم أصحابه يتبرك بذلك قال النبي صلى الله عليه ولسم في أربع في عرس أو خرس أو أعذار أو توكير، قال الشاعر: خير طعام تشهد العشيرة ... الخرس والأعذار والوكيرة قال الشيخ محي الدين النواوى رحمه الله في شرح مسلم في كتاب النكاح قال أصحابنا وغيرهم الضيافات ثمانية أنواع الوليمة للعرس والخرس بضم الخاء المعجمة للولادة وقيل فيه الخرص بالصاد المهملة أيضاً والأعذار بكسر الهمزة والعين المهملة والذال المعجمة للختان والوكيرة للبناء والنقيعة لقدوم المسافر يصنع الطعام وقيل يصنعه غيره والعقيقة يوم سابع الولادة والوضيمة بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة الطعام عند المصيبة والدبة بضم الدال المهملة الطعام المتخذ ضيافة بلا سبب، قال صاحب زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة ولما تكامل بناء القصر الأبلق الذي أنشأه السلطان الملك الناصر لسكناه بقلعة الجبل المحروسة عمل وليمة عظيمة حضرها الغني والفقير من كبير وصغير وخلع على الأمراء التشاريف على قدر مراتبهم وانعم عليهم بالبذل من الموال وكانت عدة الخلع التي خلعت ألفي خلعة وخمسمائة والمال المطلق مائة ألف دينار من العين المصري وذلك سنة أربع عشرة وسبعمائة، وقرأت في بعض المجاميع الأدبية أن الفتح بن أبي حصينة المغربي رحمه الله امتدح نصر بن صالح بحلب فقال له تمن فقال أتمنى أن أكون أميراً فجعله بحلب مع الأمراء ويخاطب بالأمير وقربه وصار يحضر في مجلسه في جملة المراء ثم وهبه أرضاً بحلب قبلى حمام الواساني فعمرها داراً وزخرفها وقرتصها وتمم بنياتها وكمل زخارفها ونقش على دائر الدرابزين: دار بنيناها وعشنا بها ... في نعمة من آل مرداس قوم محوا بؤسى ولم يتركوا ... عليّ للأيام من باس قل لبني الدنيا ألا هكذا ... فليصنع الناس مع الناس قال فلما انتهى العمل بالدار عمل دعوة وأحضر نصر بن صالح بن مرداس فلما أكل الطعام رأى الدار وحسنها وحسن بنيانها ونقوشها ورأى الأبيات وقرأها قال يا أمير كم خسرت على هذه الدار فقال والله يا مولاي ما للملوك علم بل هذا الرجل وليّ عمارتها فلما حضر المعمار قال كم لحقكم غرامة على بناء هذه الدار فقال المعمار غرمنا ألفي دينار مصرية فأحضر من ساعته ألفي دينار مصرية وثوباً أطلس وعمامة مذهبة وحصاناً بطوق ذهب وسرج ذهب ودفع ذلك جميعه إلى الأمير أبي الفتح وقال له: قل لبني الدنيا ألا هكذا ... فليصنع الناس مع الناس قلت: وما أحسن ما ضمن هذا البيت سيدي القاضي شهاب الدين بن حجر يمدح سيدنا ومولانا بدر الدين محمد بن الدمانيني المالكي رحمهما الله: نسيت أن امدح بدر العلي ... فلم يدع برى وإيناس قل لبني الدنيا ألا هكذا ... فليصنع الناس مع الناس

حكى أن ابن البطريق اسمه على حضر عند ابن السراج بن الجبلي ناظر دار الضرب والجيش في بغداد في وليمة عملها لأجل دار عمرها فلما خرج من عنده اجتمع بالوزير نصير الدين احمد بن الناقدي فسأله أين كنت قال في وليمة ابن الجبلي فقال الوزير قيل لي إن داره مليحة فقال نعم وقد علمت فيها: دار السراج مليحة ... فيها تصاوير بمكنه تحكى كتاب كليلة ... فمتى أراها وهي دمنة الدعوات المشهورة دخول عبد اله بن المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل وكانت النفقة في يوم ملاكها وعرسها، قال ابن عبدوس في سنة عشرة وما بين ثمانية وثلاثين ألف ألف درهم وقيل خمسين ألف ألف درهم وكان يجري في كل يوم في جملة الجرايات على وكساه وأقطعه فم الصلح وكانت عليه ثمانين ألف دينار في السنة وبلغت نفقة أبيها في هذه الوليمة أربعين ألف ألف درهم وبلغت نفقة الحسن بن سهل على قواد المأمون وحملتهم فأوصلهم وخلع على الخاصة خلعا قيمتها سبعون ألف ألف درهم وجليت بوران على المأمون وقد فرش لها حصير من الذهب وجاءت جدة بوران بمكيل من الذهب مرصع بالدر والجوهر فيه در كبار فنثر على من حضر من النساء وفيهن أم جعفر وحمدونة بنت الرشيد وغيرهما فلم يمسسن منه شيئاً فقال المأمون شرفن أم محمد وأكرمنها فمدت كل واحدة يدها وأخذت حبة وبقى سائر الدر يتدحرج على حصير الذهب فقال المأمون قاتل الله ابن هانئ رأى ما نحن فيه حيث قال: وكأن صغرى وكبرى من فواقعها ... حصباء در على أرض من الذهب ونثرت أم الفضل بن سهل جدة مروان عليها يوم دخل بها المأمون ألف درهم في صينية ذهب وأوقد في تلك الليلة على المأمون شمعة عنبر وزنها أربعون منا ونثر في ملاكها كل شيء له قدر من الكراع والرقيق والكسى والصياغات والطيب والضياع والعقار والجواهر والدنانير والدراهم وكانت أسماء كل هذا مثبتة في رقاع وتلقى فمن التقط رقعة مضي إلى الخازن الذي لذلك الصنف فأخذه منه وكان للحسن بن سهل أربعون بغلا مرتبة لحمل الحطب تصرف كل يوم عدة دفعات أقامت تنقل سنة كاملة ولم يكفهم حتى قطعوا سعف النخل رطبا وصبوا عليه الدهن والزيت وأوقدوه.

وحكى: القاضي شهاب الدين بن فضل الله العمري في كتابه مسالك الأبصار في ممالك الأبصار في ممالك الأمصار في ترجمة الأمر بأحكام الله أبى على المنصور في المجلد الرابع والعشرون منه أن الأمر باله بينا هو في موكبه قبلى بركة الحبش إذ تقدمهم فمر برجل على باب بستان له وحوله عبيد وموال له فاستسقاه ماء فسقاه فلما شرب قال يا أمير المؤمنين قد أطعمتني في السؤال فإن رأى أن يكرمني بنزوله لأضيفه فقال ويحك معي الموكب فقال وأولئك يا أمير المؤمنين فنزل فأخرج الرجل مائة بساط ومائة نطع ومائة وسادة ومائة طبق فاكهة ومائة جام حلوى ومائة زبدية أشربة سكرية كلها فبهت المر وقال أيها الرجل خبرك عجيب فهل علمت بهذا فأعددت له فقال لا والله يا أمير المؤمنين وإنما أنا رجل تاجر من رعيتك لي مائة خطية فلما أكرمني أمير المؤمنين بنزوله عندي أخذت من كل واحدة شيئاً من فرشها وبعض أكلها وشربها ولكل واحدة في كل يوم طبق فاكهة وطبق طعام وطبق بوارد وجام حلوى وزبدية شراب فسجد الأمر شكراً لله وقال الحمد لله الذي جعل في رعايانا من يسع حاله هذا ثم أمر له بما في بين المال من الدراهم ضرب تلك السنة فكان ثلاثة آلاف ألف وسبعمائة ألف ثم لم يركب حتى أحضرها وأعطاها للرجل وقال استعن بهذه على حالك ومرءوتك ثم ركب وانصرف، ولما زوج الحجاج محمد بن الحجاج قال لأصنعن طعاماً لم يسبقني إليه الأولون ولا يدركه الآخرون فقيل له لو بعثت إلى المدائن فسألت كيف صنع كسرى فتعمل على مثال ذلك فأرسل إلى بعض من أدرك ذلك فقال أخبرني عن الطعام الذي صنعه كسرى فقال ما أكثر ما كان يصنعه من الطيبات قال أطيبه قال حين تزوج هند ابنة بهرام كتب إلى عماله في الآفاق ليقدم على كل رجل منكم ويخلف وإلى شرطته على بلده فرأى عنده أثنى عشر ألفاً فأطعمهم في ثلاثة أيام كل يوم ألف خوان يقعدون على بسط الديباج المنسوجة بالذهب وكلما أكلوا أتى كل واحد منهم بمثقال مسك فيغسل يده به فلما قاموا بعث بتلك الآنية والبسط فقسمت عليهم فقال الحجاج أفسدت على لعنك الله أذهبوا فاشتروا الجزر فانحروها في مربعات واسط وكان قد أمر بالنداء بالحضور فحضرها الناس وذلك في أشد الحر وكثرة الذباب فاستغنى أهل الدعوة عن المراوح ولم يجدوا ذبابة واحدة وكان قد عمد إلى المرافق التي في المجالس فنصب فيها أحجار الثلج وكانت الريح تفضى إليها من باذهنجات فيخرج نسيمها إلى المجالس والصحون وسئل عن عدم الذباب فقيل إنه اشترى قبل الدعوة من دور الجيران ما يمكن سرؤاه واستعار الباقي وطلي حيطانها بعسل قصب السكر فاشتغل الذباب به وانقطع عن داره فلما انقضت أيام الدهوة ردت جميع الدور إلى أربابها. وعلى ذكر الذباب فلا بأس بايراد نكتة غريبة وموعظة عجيبة وهي أن الحاكم الذي كان خليفة بمصر وادعى انه من ولد فاطمة (وبنى المسجد الجامع بالقاهرة المعزية المجاور لباب الفتوح فسد حاله في آخر أمره وادعى الإلهية وكتب بسم الحاكم الرحمن الرحيم وجميع الناس للإيمان به وبذل لهم نفائس الأموال وغن ذلك كان في فصل الصيف والذباب يتراكم على الحاكم والخدام تدفع الذباب ولا يندفع فقرأ بعض القراء وكان حسن الصوت (يأبها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وغن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا لله حق قدره) فاضطرب الحاضرون بسماع هذه الآية حتى كان الله تعالى أنزلها تكذيبا للحاكم في دعوى الإلهية وسقط الحاكم من على سريره خوفاً من أن يقتل وولي هاربا وأخذ في استجلاب ذلك الرجل إلى أن طمنه وسيره في صورة رسول إلى بعض الجزائر وأمر الريان أن لا يسير به غير ثلاثة أيام ويغرقه فلما غرق رئى في المنام فقيل له ما وجدت فقال ما قصر معي الريان أرسى بي على باب الجنة.

رجوع: ومن المهم الملوكية والنخوة العربية والنفس الأدبية ما ذكره الثعالبي في كتبه لطائف المعارف عن جميلة بنت ناصر الدولة أبي محمد الحسن بن عبد اله بن حمدان أنها حجت سنة ست وستين وثلاثمائة فصار عام حجها مثلاً وتاريخا وذلك أنها أقامت من المروءة وفرقت الأموال وأظهرت من المحاسن ونشرت من المكارم مالا يوصف بعضه عن زبيدة وغيرها من حاجات بين الخلافة والملك ولا عن الخلفاء والملوك والحاجين وهو ما ذكره الثقاب أنها سقت جميع أهل الموسم السويق بالكسر الطبرزد والثلج وكانت استصبحت البقول المزروعة في مراكز الخزف على الجمال فضلاً عما سواها وأعدت خمسمائة راحلة للمنقطعين من رجالة الحاج ونثرت على الكعبة عشرة آلاف دينار واستصبحت فيها شموع العنبر في مدة أقامتها بمكة وأعتقت ثلثمائة عبد ومائتي أمة وأغنت المجاورين بالصلات الجزيلة وخلعت على طبقات الناس خمسين ألف ثوب وكان معها أربعمائة عمارية لا يدري في أيتها هي ومن قصتها أنها لما رجعت إلى بلدها الموصل وضرب الدهر ضرباته فكان من استيلاء عضد الدولة فناخسرو على أموالها وحصونها وممالك أهل بيتها ما كان حتى أفضت بها الحال إلى كل قلة ذل وتكشفت عن فقر مدقع وكان فناخسرو خطبها لنفسه فامتنعت من أجابته ترفعا عنه فاحتقدها عليها وحين وقعت في يده تشفى بها وما زال يعسف بها في المطالبة حتى عراها وهتكها ثم ألزمها أحد أمرين أما أن تصحح ما بقته ووقف عليها من المال وأما أن تختلف إلى دار القحاب فتكتسب فيها ما تؤديه من مال مصادرتها فلما ضاق بها الأمر وأشرفت على الفضيحة انتهزت فرصة من غفلة المتوكلين بها وغرقت نفسها في دجلة رحمها الله تعالى ولا آخذها. ومن ظريف الأخبار أن زوجة المحسن بن الفرات أرادت أعذار ابنها بعد قتل أبيه فتعذرت عليها النفقة فرأت المحسن في منامها فذكرت له ذلك فقال أن لي وديعة عند فلان الدين عشرة آلاف دينار فانتبهت وأخبرت بالقصة فسألوا الرجل فاعترف بها وحمل المال إليها، واتخذ) الحجاج وليمة اجتهد فيها واحتشد ثم قال لزاذان فروخ هل عمل كسرى مثلها فاستعفاه فأقسم عليه فقال أو لم عبد عبد كسرى فأقام على رءوس الناس ألف وصيفة في يد كل واحدة إبريق من ذهب فقال الحجاج أف والله ما تركت فارس لمن بعدها شرفا. قلت: ذكرت بقوله أو لم ما أنشدنيه من لفظه لنفسه سيدي المقر المجدي ابن مكانس: قال خلى لحبيبي صل فتى ... فيك قد أضحى مغنى مغرما قال هل يولم أن وأصلته ... قال أن فاز بثغر أولما وأول من ضيف الضيف وأطعم المسكين وقص شاربه وقلم أظفاره وأستحد واستاك ورأى الشيب وفرق شعرع وتمضمض وأستنثر واستنجى بالماء وأختتن بالقدوم ولبس إبراهيم وأسس المحجوج أي بنى أساس البيت الحرام خليل الله ونبيه ورسوله أبونا إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام قيل ما خلا مضيفه إلى يومنا هذا من ضيف قط وقيل له صلى الله عليه وسلم بما اتخذك الله خليلا قال بثلاث: ما خيرت بين شيئين إلا اخترت الذي لله على غيره وما اهتممت بما تكفل الله لي به ولا تعشيت إلا مع ضيف، ما أحسن قول صفوان بن أدريس فيمن اسمع إبراهيم: اسمي من سن القرى رفقا بمن ... يغنى عليك صبابة وغراما أنا ضيف حبك فاصطنعنى أنه ... ضيف الهوى يستوجب الإكراما أفنيت جسم الصب شوقا مثل ما ... أفنى سميك قبلك الأصناما حتى كان الحب قال لاضلعى ... يا نار بردا له وسلاما وكان الحسن بن قحطبة مضيافا له مطبخان في كل مطبخ سبعمائة تنور هكذا نقل عنه الزمخشري، وحدث عمر بن شيبة قال كان الحجاج يطعم في كل يوم على ألف مائدة على كل مائدة سمكة مشوية سمينة وجنب مشوي وساقيان يسقى أحدهما اللبن والآخر العسل وكان يطاف به على كرسي فيقول يا أهل الشام مزقوا الخبز الرقيق كيلا يعاد عليكم، وقال الجاحظ كان كسرى ينصب في كل يوم ألف مائدة على كل مائدة فخذ حمار وحش وبيضة نعامة ومن سائر الأصناف التي توجد في البر والبحر والسهل والجبل حتى لا تخلو الموائد من سائر الأطعمة.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجيب الوليمة ويجيب دعوة العبد والحر ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن أو فخذ أرنب ويكافئ عليها ولا يتأنق في مأكل ويعصب على بطنه الحجر من الجوع وآتاه الله مفاتيح كنوز الأرض فلم يقبلها واختار الآخرة وأكل الخبز بالخل وقال نعم الأدم الخل واكل الدجاج ولحم الحبارى وكان يأكل ما وجده ولا يرد ما حضر ولا يتكلف ما لم يحضر ولا يتورع من مطعم حلال إن وجد تمرا دون خبز أكله وإن وجد شواء أكله وإن وجد خبز بر أو شعير أكله ولا يأكل متكئا ولا على خوان لم يشبع من خبز بر ثلاثاً اتباعاً قط حتى لقى الله عز وجل إيثاراً على نفسه لا فقرا ولا بخلا وكان يحب الذراع من الشاة والدباء واكل خبز الشعير بالتمر والبطيخ بالرطب والقثاء بالرطب والتمر بالزبد وكان يحب الحلوى والعسل وكان يشرب قاعدا وربما شرب قائماً وتنفس ثلاثاً مثنيا للإناء ويبدأ بمن عن يمينه إذا سقاه ويشرب لبناً وقال من أطعمة الله طعاماً فليقل اللهم بارك لنا فيه وأرزقنا خيراً منه ومن سقاه لبناً فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه وإذا رفع الطعام من بين يديه قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وآوانا وجعلنا مسلمين وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن قال بعض الكرماء من ألطاف الله تعالى بالكريم أنه يسامح المسافر بالفطر في رمضان فلولا ذلك لخجل الكريم إذ يمر عليه ضيف فيعتذر من أكل طعامه بالصوم وأين هذا من قول بعض البخلاء وقد سئل ما الفرج بعد الشدة فقال أن تدعو الضيف فيعتذر بالصوم، وكان معن بن زائدة إذا أراد أحد من غلمانه أن يرضى عليه بعد الغضب الشديد بادر إلى شيء من طعامه فوضعه في فيه بحضوره، ووقفت في أخبار عمارة الشاعر اليمنى قال كنت هجوت ابن دخان وهو يومئذ صاحب ديوان الدست فشكاني إلى السلطان شاور فأعرض عنه ثم شكاني ثانية فأعرض عنه ثم شكاني ثالثة فالتفت إليه وهو محرج وقال له ما تستحى من أن تشتكى إلى رجلاً يأكل معي على طعامي في يوم وليلة قال عمارة فلم أشعر إلا وقد حضر ابن دخا إلى داري ليلا وحمل إلى دابتي إلا آخر السنة، وحكى بعضهم قال كنا عند الشيخ الزاهد الورع أبي العباس بن تامتيت نفع الله به فقدم لنا طعاماً فأكلنا فقال بعض الجماعة يا سيدي قد أسأنا الأدب وأكلنا بغير أذن فقال الشيخ فإذن لا ترفع يدك إلا بإذن. نادرة: قيل نزل ضيف على بخيل في ليلة وكان جائعاً فقدم له طعاماً فأتى على آخره ولم يغادر منه شيئاً فحلف البخيل أن لا يبيت الضيف عنده فقال الضيف يا أخي أصبر عليّ إلى الفجر فقال لا وليال عشر فقال أما سمعت أن الضيافة ثلاث فقال البخيل لا وحق الواحد لا يبيت عندي ثلاثاً من يأكل بالخمس ولو كان له فضل من أوتى تسع آيات بينات وحسن من سجد له أحد عشر كوكباً فخرج الضيف وقال كيف جمع زوج الثكلى هذه الأفراد على الترتيب، كان لعبد الله بن جذعان جفنة يأكل منها الطعام القائم والراكب فوقع صبي فيها فغرق فمات، وذكر أن عطية بن صالح مرداس طبخ في بعض ولائمه تسعمائة خروف مصرية سوى ما طبخ من الألوان، قال علي بن الإعرابي قال الحجاج لرجل يوماً وهو على خوانه وكان عليلاً أرفق بيدك فأجابه على الفور وأنت يا حجاج فاغضض بصرك فقال له إن هذا الجواب المسكت، إعرابي مما يزيد في طيب الطعام مؤاكلة الكريم الودود حث رجل رجلاً على الكل من طعامه فقال عليك بتقريب الطعام وعلينا تأديب الأجسام، وقال علي كرم الله وجهه إذا طرقك أخوانك فلا تدخر عنهم ما في المنزل ولا تكلف ما وراء الباب وإذا طرقت فما حضر وإذا دعوت فلا تذر. قيل لحكيم أي الأوقات أحمد للأكل قال أما من قدر فإذا اشتهى وأما من لم يقدر فإذا وجد، وقال جعفر بن محمد تبين محبة الرجل لأخيه بجودة أكله في منزله. نزل الشافعي بمالك (نازلاً بالزعفراني ببغداد فكان يرقم كل يوم في رقعة ما يطبخ من الألوان ويدفعها إلى الجارية فأخذها الشافعي يوماً وألحق لونا آخر فعرف ذلك الزعفراني فأعتق الجارية سروراً بذلك.

نادرة: روى عن أبي العباس المبرد فقال ضاف رجل قوماً فكر هوه فقال الرجل لامرأته كيف لنا أن يعلم مقدار مقامه عندنا فقالت الق بيننا شراً حتى نتحاكم إليه ففعلاً وقالت المرأة بالذي يبارك لك في غدوك غدا أينا أظلم فقال والذي يبارك لي في مقامي عندكم شهراً ما أعلم، قيل ويقبح على الكريم أن يغتاظ على غلمانه بحضور ضيوفه وكذلك إذا أبطأ طباخه بالطعام. حكى أب بعض قواد طولون حضر سماطه يوماً وعليه قباء منزل بفضة فجاء بعض غلمانه عجلا فانكب على القباء من الطعام فما ظن أحد منا انه يجيبه ففهم تخوف الغلام وانقباض الجماعة فرفع طرفه إلى الغلام وقال يا شيطان قد فهمت غرضك لاشك أنك استحسنت القباء أذهب به فهو لك فسر الغلام وجميع من حضر. نادرة: قيل لبنان الطفيلي كم عدد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال ثلثمائة وثلاثة عشر رغيفاً وكان نقش خاتمه ما لكم لا تأكلون، ونظر طفيلي إلى قوم ذاهبين فلم يشك أنهم يذهبون إلى وليمة فقام وتبعهم وإذا هم شعراء قد قصدوا دار السلطان بمدايح لهم فلما أنشد كل واحد منهم شعره واخذ جائزته لم يبق إلا الطفيلي وهو جالس ساكت فقيل له أنشد أنت فقال لست شاعراً قيل فمن أنت قال من الغاوين الذين قال الله تعالى فيهم (والشعراء يتبعهم الغاوون) فضحك السلطان وأمر له بمثل جائزة الشعراء، كان مسلم بن قتيبة لا يجلس لحوايج الناس حتى يشبع من الطيب من الطعام ويروى من بارد الماء ويقول إن الجائع ضيق الصدر فقير النفس والشبعان متسع الصدر عني النفس، وقال ابن الإعرابي كان المحسن الضبي في الشرف من العطاء وكان دميما فقال له زياد مني فضحك وأمر له بأربعة آلاف دينار، وكتب كسرى أنوشروان بالؤلؤ على مائدة من الذهب لهينه طعام من أكله من حلة وجاد على ذوي الحاجة من فضله ما أكلته وأنت تشتهيه فقد أكلته وما أكلته وأنت لا تشتهيه فقد أكلك. نادرة: حكى الهيثم بن عدي قال ماشيت أبا حنيفة في نفر من أصحابه إلى عيادة مريض من أهل الكوفة وكان مبخلاً وتواصينا على أنا نعرض بالغداء فلما دخلنا وقضينا حق العيادة قال أحدنا (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع) وقال آخر (وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام) وقال آخر: (آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) قال فتمطي المريض وقال (ليس على الضعفاء ولا على المريض ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) فغمز أبو حنيفة أصحابه وقال قوموا فما لكم هنا من فرج. كان بعض مفاليس الكتاب في دعوة فلما أخذت الكأس منه قال انتم عندي غداً فلما أصبح حدثه غلامه ما بدا منه فسقط في يده وأخذ يعنف غلامه كيف لم ينبههم على أفلاسه وسوء حاله والغلام يعتذر عن ذلك بإشفاقه من عربدته لو اطلعتم على ذلك إذ دق القوم الباب فقال لغلامه على بالدواة والقرطاس وكتب إليهم (إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما انتم بمصرخي) فلما قرءوا رقعته عرفوا عذره وتفرقوا عنه. نادرة أيضاً: قيل تغذى رجل مع بعض الرؤساء فقدم إليه جديا فجعل يمعن فيه فقال له الرئيس إنك لتمزقه حتى كان أباه نطحك فقال له وأنت تشفق عليه حتى كان أمه قد أرضعتك فخجل وانقطع، عمر بن هبيرة عليكم بمباكرة الغداء فغن في مباكرته ثلاث خصال يطيب النكهة ويطئ المرة ويعين على المروءة قبل ما أعانته على المروءة قال أن لا تتوق النفس إلى طعام غيرك. فصل: في الأطعمة المشهورة ومضارها ومنافعها: السكباج: حارة معتدلة الرطوبة تنفع الكبد الصفراوية وتولد دماً صالحاً وتقوى الشهوة وتحبس البطن وهي بلحم البقر نافعة لمن يتحدر إلى معدته مرارة كثيرة وقال بعضهم السكباج في البطيخ بمنزلة الفالوذج في الحلوى وقال الصولى كان بعض الصوفية يقول أول من عمل السكباج آدم ولذلك استوى في استطابتها ملوك ولده وسوقتهم وكنيتها أم القرى لن طعامها من أجل الأطعمة وأم الشيء معظمة وجليلة وأم القرآن الحمد وأم القرى مكة وأم الشيء أجله.

المدققات: حارة رطبة مخصبة للبدن تولد معتدلاً لا يحتاج لمن ضاق عليه الاستغراق بالجماع وعرض له من الأحداث النفسانية ما بلبل الهضم كالهم والفزع والغم لن جوهر اللحم أنحل أكثره في المرق ولهذا الحال يخف على الهضم وهي من أطعمة المخمور صالحة لهم جداً. الرخية: حارة رطبة تزيد في الباءة تولد غداء كثير وهي مضرة بالصفراء مكروهة لمن يعتاده الغشيان ولأصحاب المعدة لتعطينها وأكلها مع الحوامض صالح وهو غذاء شهي موافق لأهل الرياضة والقوة وكثرة البيض فيها صالحة وهي من الألوان المأثورة الموصوفة. الجزورية: حارة رطبة تحرك الباءة وتدر البول وأصلح ما كانت باللحم السمين والخل والمري والخردل. ابن سكرة الهاشمي في جزورية: أكلت بالأمس جزورية ... تخبر عن خمسة أربابها اللحم فيها أثر دارس ... كأنما مرّ على بابها الحصرمية: باردة يابسة وأجودها ما عمل بالماء العتيق العذب والذي يعمل بالحصرم الطري يولد رياحاً بالمعدة لنه فجة لم تنضج ويختار فيها استعمال اللون المر لتعديل يبسها وتحسين منظرها. السماقية: باردة يابسة أيضاً. الرمانية: كذلك ولعا فعل في تقوية المعدة وينفعان من نزف الدم ومن أحل تعديل الطبع فيهما الاسفاناخ والسلق. التفاحية والريباسية: أيضاً متناسبان في البرد واليبس نافعان لأصحاب المزاج الصفراوي والأكباد الحارة والمعدة الضعيفة يكرهان لأصحاب القولنج وهما مضرتان بالعصب والمفاصل والمنى والباءة. الزيرباج: معتدلة الحرارة نافعة الكبد دماً معتدلاً وهي مسكنة لحدة الأخلاط مفرحة لقلب وللناس فيها مذاهب وأحمدها السهلة المائعة الورسية وبعضهم يختارها ردعية بالزعفران خثرة جداً وبعضهم يتخيرها سادجة بيضاء وهذه أقل حرارة. المضيرة: باردة معتدلة الرطوبة قامعة للصفراء تولد غداء بلغمياً واستعمال حلوى العسل بعدها صالح وهي من الألوان المستحبة المأثورة ويختار عملها بالفراخ الجليلة فإنها أوفق لها من سائر اللحمان وللبصل فيها معنى خلاف سائر الطبيخ وكان بشار بن برد الأعمى يقول فيها: ما أظن في الطعام أطيب من بصلة مضيرة لأني ما سبقت البصر إليها قط ولا هم يؤثروني بها ويستحب تقديمها في الصحون الرزق أو ما شاكلها وتكره لها الصحون البيض ويراه بعضهم قبيحاً ويعده من سوء الاختيار وكان أبو هريرة ة (تعجبه المضيرة جداً فيأكلها مع معاوية فإذا حضرت الصلاة صلى خلف علي كرم الله وجهه فإذا قيل له في ذلك شيء قال مضيرة معاوية أدسم والصلاة خلف علي أفضل فقيل له شيخ المضيرة. حكى ابن شكلة الكاتب صردر امتنع من حمل ما طلب منه واحتمل غليظ المكروه وكان يؤتى بطبق فيه طعام فرأى يوماً مضيرة في صحن أبيض هذا ما لا يكون أبداً. القلايا: حارة معتدلة اليبس تختار للذين في معدتهم البلاغم لا سيما إذا عملت بالبازير الحارة وهي باعثة للشهوة مهيجة لذوي النهمة. المهلبية: أول من اتخذها بنو المهلب فنسبت إليهم وهي من الألوان المستحسنة المستلذة تنفع لحفظ الصحة واحمدها منفعة السلسلة والانعقاد بالدجاج الحديث السمان والعسل الخالص الذهبي والسكر النقي وهي معتدلة الحرارة والرطوبة تغدو غداء صالحاً إلا أنها مضرة بالصفراء وتدفع مضرتها بالحصرمية منه قبلها. الأرز باللبن: قال محمد بن خرد كان كثير من رؤساء العراق يقدمون في أول الطعام الأرز باللبن والسكر المنخول ثم يتبعونه ما شاءوا إيثارا له على غيره وكان الحسن ابن سهل يفضله على كثير من المطعم ميلا إلى رأى المأمون فيه وقال له أنه يزيد في العمر يا أمير المؤمنين قال من أين قلت هذا قلت لأن الأطباء زعموا أن الأرز يولد أحلاماً صحيحة فإذا صحت الأحلام فهي من زيادة النوم على اليقظة لن النوم موت واليقظة حياة. الشوى: قال أبو عبيد العرب تقول الشوى رئيس الطعام قال ومر الفرزدق بالأخوص فقال له اقترح يا أبا فراس فقال شوى وطلي وإنا فقال ادخل فقد أعد لك، والشوى حار رطب وأجوده المشوى على اسهل مثل شي الرءوس فإن ذلك يكسبه فضل ترطيب ونضاج ويلطفه.

الكباب: بفتح الكاف وهو اللحم المشروح وأجوده ما شرح اللحم شريحاً خفيفاً ونثر عليه الملح ونصب له مقلى على النار بلا دسم وطرح عليه وقلب من جنب إلى جنب حتى ينضج ويحمر هذا هو الكباب الخالص بعينه وهو الذي كان يعمل ليحيى بن خالد ولولده وفيه يقول أبو الفتح البستى: عليك إذا أنجاب الدجى بكباب ... وعقبه مرتاحاً بكأس شراب فلم يفتح الأقوام بابا إلى المنى ... كباب شراب أو كباب كباب الخخيطية: تخصب الجسم وتغذوه وتزيد في الباءة. الكشك: قال جالينوس أبوان كريمان انتجا لئيما. الططماج: عسر الهضم من اجل أنه من خبز فطير فهو يزلق في المعدة وإصلاحه بالثوم ويؤكل معه النعنع ويشرب نبيذاً صرفاً قوياً وعسلاً مطبوخاً بأفواه إلا أن يكون محروراً فلا يحتاج إلى ذلك. الملوخيا: غليظة لزجة باردة كثيراً، الإكثار منها يضر بالمرطوبين والمبلغمين وإصلاح ضررها أن تطبخ بلحوم الغزلان لخفته وحرارته أو مع الحجل أو مع الفراخ النواهض أو الفراريج السرخسية فغن لم يتفق فتلقى فيها الشرايح الجافة المدخنة أو التنورية عند خروجها من التنور وكذلك الباذنجان المقلى يلقى عليها ويكمر ساعة ثم تؤكل وماء الليمون يلطف غلظها ويقطع بلزوجتها ولا يصلحها إصلاحاً تاماً إلا هو وإذا قطع ورقها الأخضر ووضع على لسعة الزنبور نفعها وطبيخ ورقة ينفع حرق النار وفيه أكثر منافع الخطمى وهي فرع منه وذكر أنها قديماً لم يكن لها ذكر ولا قدر ولا تصريف في مدينة ولا في إقليم إلا بعد ثلثمائة وستين سنة مضت من الهجرة النبوية بمصر خاصة وكان السبب في ذلك أن المعز ياني القاهرة لما دخل مصر استوباها واختلف عليه الهواء الذي كان يعهده بأفريقيا ورطوبته لمجاورته البحر فأصابته يبس واستولت عليه أمراض حارة فتدبر له أطباء مصر قانوناً من العلاج من جملته الغذاء بالملوخيا فوجد لها نفعاً بينا في التبريد والترطيب وأقلع عنه معظم ما كان يجده من الأعراض الرديئة التي سببها اليبس والحرارة وأدمن أكلها فأبلى من مرضه ووقعت منه بموقع عظيم وأمر بإصلاحها له ولخواصه حتى سميت الملوكية وبلغ من اعتنائهم بها انهم كانوا يجففونها ويطبخونها مجففة السنة كلها وكان باكورها إذا دخل القصر يكون ذلك اليوم موسماً عظيماً ويعظطى مهديها عطاء جزيلاً. ما ورد من المنظوم والمنثور في هذا الباب: كتب الشيخ جمال الدين بن نباته يتشكر من بعض الرؤساء وقد أهدى له خروفاً مشوياً شكر الله إحسان مولانا الذي وصل فأوصل إلى القلب جبره وإلى الكف بره وإلى الفم كل شحمة كأهداب الدمقس المفتل وكل فلذة صفراء تسر ناظر المتأمل فما أحسن ما ملأ ذلك الجود فمه وعينيه وتلقاه المملوك قائلاً هذا الشرف الذي ينطح النجوم برقيه لقد أربى تواتر هذا البر على ما في النفس ولقد جددت هذه الهدية فخراً حتى كأنما أهدى له حمل البروج على طبق الشمس ولقد آن أن ينثر من الدهر وتنتصف ولقد عرف رجاءه من أنين يؤكل الكتف فإنه الكرم الذي لا يحيل الآمال على سوف والفضل الذي أضاف المملوك وآواه فأطعمه من جوع ومن خوف لا برح مولانا يحيى مأثر آبائه إلى ويقيم سنن قراهم التي هي على الدهر كالحلى ولا زال يفتخر فيقول عزمه أنا طلاع الثنايا ويقول بشره أنا ابن جلا، وقال ابن وكيع فيه: حروف لو أشار إليه وهم ... تقطر جلده بالشحم يجري لباطنه قميص من لجين ... تسربل فوقه بقميص تبر وما احسن ما كتب به ابن خروف النجوى إلى ابن اللهيب وكان قد دعاه: دعاني ابن لهيب ... دعاء غير نبيه إن سرت يوماً إليه ... فوالدي في أبيه

نادرة: قدم إلى أبي علي الفارسي النحوي شوي غير نضيج فقال هذا لم تعمل فيه العوامل، قد إلى الفاضل في دعوة خروف شوي فقال هذا من البهائم التي عملت يريد قوله صلى الله عليه وسلم لو تعلم البهائم ما تعلمون من أمر الموت ما أكلتم منها سمينا، قيل عن سليمان بن عبد الملك انه كان نهما على طعامه وانه كان يلف على يده بفاضل كمه ليتناول به الكلى من بطون الحملان وهي في شدة الحرارة ولا يهمل حتى يبرد وقد ذكر ذلك الأصعمي في أيام الرشيد لما وجد سفط عليه ثياب مذهبة ثمينة وأكمامه مبتلة بالدهن في ذخائر بني أمية والقصة مشهورة، وصف جحظة دعوة حضر بها فقال اتينا برغفان كالبدور المنقطة بالنجوم وملح كالكافور السحيق وخل كذوب العقيق وبقل كأخضرار العذار وحمل من الفضة جسمه ومن الذهب قشره وجوفه وأرز مدفون في السكر ثم جاءنا غلام بشراب ألذ من ذكره وأطيب من روحه وأصفى من وده وأرق من لطفه وأذكى من عرفه وأعذب من خلقه وأشهى من قربه. سيف الدين المشد في دجاجة مشوية: دجاجة صفراء من شيها ... حمراء كالورد من الوهج كأنها والجمر من تحتها ... أترجة من فوق نازنج وما أظرف قول الشيخ زين الدين بن الوردى: لي شهوتان احب أجمعهما ... لو كانت الشهوات مضمونة أكباد عذالي مدققة ... ومفاصل الرقباء مدفونه نادرة: مرض ابن تقلية المغنى وأشرف على الموت فجاء إليه ابن الصاحب يعوده فقال له أيش حال التقلية فقال ما أخوفني تبقى مدفونة، وقال كشاجم يصف مائدة وما عليها: ومن فراريج بماء الحصرم ... تصلح للمحموم أو للمحتمى قد شويت أكبادها ببيض ... فهي كمثل نرجس بروض وجاءنا فيها ببيض أحمر ... كأنه العقيق ما لم يكسر حتى إذا أتى به مقشرا ... أبرز من تحت العقيق الدررا كأنه إذ حاز أصناف الملح ... أعاره تلوينه قوس قزح وجاءنا براضع لم يعتلف ... كأن قطنا بين جنبيه ندف وجاءنا فيه بباذنجان ... مثل قدود أكر الميدان قد قارن الهليون بالممازحة ... تقارن الكراة بالصوالجة وقال ابن القطاع في البيض: أسمع عن البيض وصف مضطلع ... بالوصف ماضي الجنان نحرير بنادق التبر غشيت ورقا ... أو مشمش في صحاف كافور الرداعي: تفضل فرمانية العبد آبه ... ومن حسنها يلتذ تكرارها القارى فقد ذاب من طول انتظارك لحمها ... وشوقاً إلى لقياك ظلت على النار ابن تميم: ولم أنس إذ بيت ليلا هريسة ... وبت لخوف النار أحمل همها فلما دنا الإصباح بادرت مسرعا ... لا كشف من غمى وأكشف غمها فصادفتها في حاجم النار قد عصت ... عليّ فلم اسطع من الحر شمها وما أنا في شك بأن لو بدا بها ... فتور لغيظي كنت آكل لحمها السراج الوراق: وأحمق أضيافنا ببقله ... لنسبة بينهما ووصله فمن أقل أدبا من سفله ... قدم في وجه الضيوف رجله وله أيضاً: ومغمومات رءوس باكرتنا ... تطيب شدى ولا طيب العروس ونبهنا لها الظامي بليل ... حكى لون المسوح على القسوس فقمنا مائلين له وقلنا ... يقل لكم القيام على الرءوس وله: أتيت أرجيه في حاجة ... فلم تنبعث نفسه الجامدة وفتل في ذقنه والنفوس ... تعاف المقتلة الباردة وقال ابن نباتة: يا سيدي عطفا على عصبة ... أفكارهم للقمح محمية قد طبخت بالسوق أحشاؤهم ... فيا لها طبخة قمحية كتب الصلاح الصفدي إلى ابن نياتة وقد كان أهدى له ابن نياتة بسلا: ظننت العبد عن مصر تسلا ... فأهدي جودك الوافي بسلا نعم قد أذكرتني عيش مصر ... وإقبالا من الدنيا تولى طعاما فوقه لحم شهى ... إلى كل النفوس فكيف يقلى ودهن فوقه قد صار صبا ... تلظت ناره وحتى تسلا المعمار في المجون: وصاحب جئت إلى داره ... فلم أجد بالباب من يحرس دخلت للدار على غفلة ... وجدته متكئا ينعس فقال ما تبغي فقلت القرا ... منكم فأني جائع مفلس فجاد لي بالدهن من رأسه ... وجادت المرأة بالكسكس

مطاعم شهية وملاذ ملوكية سأل الوزير أبو نصر بن أبي زيد أبا منصور بن سعيد بن أحمد البريدي وكان من أبناء الأمراء والسادة بالبصرة عما يحبه ويشتهيه ويختاره من أطايب الأطعمة الملوكية فقال قشور الدجج الفتية المسمنة المشوية والكباجة التمامة التي يجمع فيها بين لحم البقر والغنم ثم ينفي عنها لحم البقر وتحلى بالطبرزد وتطيب بالعنبر والهريسة بلحوم الحملان التي رضعت شهرين وربعت شهريت ومن اللحم المجذع والمبلقة بالأرز المدقوق والدهن بالسكر المسحوق المخبر بالند المشرب بالجلاب وماء الورد فقال يا أبا المنصور قد تجلب فمي من هذا الوصف أشهد انك من أبناء النعم والمروءات وأمر أن يلقيه على طباخه، ولما دخل الرشيد في سنة ست وتسعين ومائة زار جعفر بن سلمان بن علي الهاشمي وكان يومئذ واليها فأحضر له جعفر بن سلمان على مائدته كل حار وبارد واحضر ألبان الظباء وزبدها فاستطاب الرشيد طعومها فسأله عن ذلك فأمر بعض الفلمان فأطلق الظباء فتبعها أخشافها وعليها سلمها حتى وقفت في عرصت الدار تجاه عين الرشيد فلما رآها مفرطة مخصبة استفزه الفرح لذلك والتعجب حتى قال له جعفر يا أمير المؤمنين هذه الألبان واللبأ ورائب الزبد الذي بين أيدينا من هذه الظبية الفيتها وهي خشفان فتلاحقت وتلاحقت. نادرة: حضر الغاضري عند بعض الرؤساء فقدم صفحة فيها أرز مطبوخ وقد قعر وسط الصفحة جلاب لأخذ الغاضري الملعقة وخرق التقعير إلى ما يليه حتى أختلط بالأرز فقال له صاحب المنزل (أخرقتها لتغرق أهلها) فقال بل (سقناه لبلد ميت) وقال ابن الجصاص الصوفي دخلت على أحمد بن روح الأهوازي فقال ما تقول في صفحة أرز مطبوخ فيها نهر من سمن على حافتيها كثبان من السكر المنخول فدفعت عيناي فقال ما لك قلت ابكي شوقاً إليه جعلنا الله وإياك من الواردين عليه بالغواصة والردادتين فقال يا غلام قدمها فجاء بها تفور فقال لي ما الغواصة والردادتين فقلت الغواصة الإبهام والردادتان السبابة والوسطى فقال أحسنت بارك الله فيك. وكيفية الأكل عند الظرفاء والأدباء هو أن يفيض الإنسان الخنصر والبنصر ويأكل بأصابعه الثلاث وهي مذهب الظرفاء أن البنصر إذا أصابه الزفر فليس بظريف في الأكل اللهم إلا في الثريد فإن أكلها بأربعة أصابع سوى الخنصر وقالوا الأكل على أربعة أنحاء بإصبع من المقت وبإصبعين من المكر وبثلاث من السنة وبخمس من الشره. فصل: فيما يشهي المآكل قال بعضهم يصف سكردانا: وافي السكردان وفي ... ضمته مطبخات من فراريج كأنه بدر قد رصعت ... فيه ثريا من سكاريج وقال آخر في عجة: وجاءتنا بعجتها عجوز ... لها في القلى حس أي حس فلم أر قبل رؤيتها عجوزا ... تصوغ من الكواكب عين شمس وقال ابن تميم في لبأ وتمر: يا حبذا لبأ أتانا بكرة ... يزهي لنا حسنا بأنواع الرطب فكأنما اهدي سماء فضة ... قد أشرقت فيها نجوم من ذهب وقال صفي الدين الحلى يطلب جينا: خففت عنكم فلم أطلب لمجلسنا ... من المآكل شيئاً غالي القيم لكن أقصى مرادي من هديتكم ... ما بالكرائم من لامية العجم يريد قول الطغراى: قد زاد طيب أحاديث الكرام بها ... ما بالكرائم من جبن ولا بخل قال صلاح الصفدي ملغزا في قريشة: أي شيء يروق للنفس أكلا ... ذا بياض وأصله من حشيشه خمسة أثقل الجمادات وزنا ... فتعجب له وباقيه ريشه وقال أبو الفرج الأصفهاني يصف بيضة: فها بدائع صنعة ولطائف ... الفن بالتقدير والتلفيق خلطان ماويان ما اختلطا على ... شكل ومختلف المزاج رقيق صنع تدل على حقيقة صانع ... للخلق طرا ليس بالمخلوق قبياضها ورق وتبر مخها ... في حق عاج بطنت بدبيق

وقال الشيخ جمال بن نباتة مقاضى ملوحة بدرب الحجاز يا مولانا ما كأن الملوحة إلا قد اتخذت سبيلها في بحار السراب سربا أو تعلمت من تلك الهمة فاتخذت إلى نهر المجرة سبباً وجعل فضلها مقصورا على الاسماع وخلفت من الملائكة فلا يمكن على صورها الإطلاع ولا غرو فإنها ذات أجنحة مثنى وثلاث ورباع وتوقفت من المنع والعطاء بين أمرين وحظيت من مولانا ومن الجناب الفخري بمجمع البحرين وما أظن الظن أن يتفق هذا الظن هذا ولو أنها من نسل حوت يونس عليه الصلاة والتسليم وان عظمها مما يسبح في بطن آكله إلى يوم يحيى العظام وهي رميم وان بينها ألذ من القرب بعد البين الطويل ورأيها أحسن من رأى عمرو بن العاص في الأمر الجليل وأن قمصها اللؤلؤية مما تنظم في السلوك وأذيالها المرجانية مما ترصعه في نيجانها الملوك وعوينها الدرية هي التي دلت الخضر على عين الحياة فوردها وأن بطونها الذهبية غني من قصدها وعلى الجملة فقد سطر المملوك هذه الورقة ولقم الانتظار تزاحم القلم في يده وأنامله المستعدة كالصنانير في تصديه لها وتصيده فمولانا يتدارك هذا الأمر قبل أن يفوت ويأمر بإنقاذها ولو أنها بين السماء والأرض عند الحوت ومكارمه المشهورة لا تقف في البذل مع احتياط ولا يغير عادتها طريق الحجاز ولولا الغلو لقال ولا طريق الصراط. نوادر في هذا الباب: ذكر الشيخ علاء الدين الوداعي في تذكرته أن الصاحب تاج الدين محمد بن حبا رحمة الله كانت له أخت ذات مال وكان كلما اجتمع بها حضها على طعام الفقراء والمساكين والصدقة وفعل الخير ويقول لها لا تتباخلي فقالت له يوماً وقد قال لها في تكوني يخيلة فقالت له ما تستحي كم تقول أنت بخيلة وأنا كريمتك، قال عبد الملك ابن مروان لبعض الشعراء هل أصابتك تخمة قال أما من طعام الأمير فلا، وقال بعضهم أربعة ممسوخة البركة أكل الأرز البارد والغناء من وراء الستارة والقبلة فوق النقاب والجماع في الماء، وقال بعض الصوفية من جلس على مائدة فأكثر الحديث فقد غش بطنه، قيل لطقيلي لم أنت حائل اللون قال للفترة بين الطعامين مخافة أن يكون قد فنى الطعام، أو لم طفيلي على ابنته فأتاه كل طفيلي فلما رآهم رحب بهم ثم رقاهم إلى غرفة بسلم وأخذ السلم حتى فرغ من طعام الناس أنزلهم وأخرجهم. دعا يحيى بن أكتم عدولة فقدم إليهم مائدة صغيرة فتضاموا عليها حتى كان أحدهم يتقدم فيأخذ اللقمة ثم يتأخر حتى يتقدم الآخر فلما خرجوا قيل لهم أين كنتم قالوا كنا في صلاة الخوف، الحارث بن كلدة إذا تغذى أحدكم فلينم على غدائه وإذا تعشى فليخط أربعين خطوة، وفي قوله تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَىَ حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) أفاد الجناب المجدي رحمة الله أن قوله تعالى (على حبه) مما يستشهد به في البديع، قدم رجل كذاب من سفره وقد أفاد من سفره مالاً كثيراً فدعا قومه إلى الطعام وجعل يحدثهم ويكذب فقال أحد القوم نحن كما قال الله تعالى (سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّالُونَ لِلسّحْتِ) عبر بعض الطفيلية على قوم وهم يأكلون فقال السلام عليكم أيها القوم اللئام فقالوا لا والله إلا الكرام فقال اللهم أجعلهم صادقين وأجعلني كاذباً وقعد يأكل، وعبر طفيلي أيضاً على قوم وهم يأكلون فقال هل تحتاجون إلى مساعدة فقالوا بالدعاء فقال لا هناكم الله إن لم تأذنوا لي بالأكل معكم، وما احسن قول أبن دانيال في شخص يدعى علي شير: إذا ما كنت متخوفاً فكن ضيف على شير ... فما يخرج منه الخبز إلا بالمناشير

فائدة جليلة: ذكر التوحيد في كتاب الامتناع والمؤانسة من أدمن الأكل والشرب في أواني النحاس أفسدت مزاجه وعرضت له أمراض صعبة وإن أدنيت أواني النحاس من السمك شممت لها رائحة كريهة وإن كبت آنية النحاس على سمك مشوي أو مطبوخ بحرارتهما ما حدث منه سم قاتل، ومنه قيل لصوفي ما حد الشبع قال لا حد له ولو أراد الله تعالى أن يؤكل بحد لبين كما بين جميع الحدود وكيف يكون للأكل حد والآكلة مختلفون بالطباع والمزاج والعارض والعادة وحكمة الله تعالى ظاهرة في إخفاء حد الشبع حتى يأكل من شاء على ما شاء كما شاء، وقيل لفقيه ما حد الشبع قال ما نشط على أداء الفرائض وثبط عن إقامة النوافل، وقيل لمتكلم ما حد الشبع قال حده ما يجلب النوم ويضجر القوم ويبعث على البكوم، وقيل لإعرابي ما حد الشبع قال أما عندكم يا حاضرة فلا أدري وأما عندنا في البادية فما وجدت العين وامتدت إليه اليد ودار عليه الضرس وطلبت له اللهاة وأساغه الحلق وانتفخ له البطن واستدارات عليه الحوايا واستغاثت منه المعدة وتقوست منه الأضلاع والتوت منه المصارعين وخشيت منه الموت، وقيل لملاح ما حد الشبع قال حد السكر قيل فما حد السكر قال أن لا تعرف السماء من الأرض ولا الطول من العرض، وقيل لمدني ما حد الشبع فقال لا عهد لي به فأحده فكيف أصف ما لا أعرف، وقيل لسمر قندى ما حد الشبع فقال إذا جحظت عينك وبكم لسانك وثقلت حركتك وازجحن بدنك وزال عقلك فأنت في أوائل الشبع قيل إذا كان هذا أوله فما آخره قال أن تنشق نصفين، قيل لحمال ما حد الشبع قال إني أواصل فما أعرف الحد ولو كنت انتهي لوصفت الحال فيه أعني ساعة أعجن الدقيق وساعة أمل الملة وساعة أثؤد وساعة آكل وساعة أشرب لبن اللقاح فليس لي قرار فأدري أني بلغت الشبع إلا أني أعلم في الجملة أن الجوع عذاب وان الأكل رحمة وأن الرحمة كلما كانت اكثر كان العبد إلى الله أقرب والله عن العبد أرضى، قال إسحاق كنت يوماً عند أحمد بن يوسف فدخل علينا أحمد بن أبي خالد فجرى ذكر الغناء فقال لا والله لا أجد شيئاً مما أنتم فيه فهان علىّ وخف في عيني فقلت له مالمستهزئ به جعلت فداك قصدت إلى أرق شيء خلقه الله وألينه على القلب والأذن وأظهره للسرور والفرح وأنفاه للهم والحزن وما ليس للجوارح منه مؤنة إنما يقرع السمع وهو منه على مسافة فتطرب له النفس فذممته ولكنه كان يقال لا يجتمع في كل رجل شهوة كل لذة وبعد فإن شهوة كل رجل على قدر تركيبه ومزاجه قال أجل أما أنا فالطعام الرقيق أعجب إليّ من الفناء فقلت أي والله ولحم البقر والجواميس والتيوس الجبلية بالباذنجان المبزر أيضاً تقدمه فقال الغناء مختلف فيه قد كرهه قوم قلت فالاختلاف فيه من أطلقه لنا حتى يجتمعوا على تحريمه أعلمت جعلت فداك أن الأوائل كانت تقول من سمع الغناء على حقيقة مات فقال اللهم لا تسمعناه على حقيقته إذن فنموت فاستظرفته في هذه اللفظة وقدموا إليه الطعام فشغله عن ذم الغناء. نظر بعضهم إلى مائدة بخيل يوضع عليها دجاجة فلا تمس ثم ترد من الغد فلما مضت عليها أيام قال يا أخي هذه الدجاجة عمرها بعد موتها أطول من عمرها حال حياتها، ولقي رجل أبا الحرث جمين وقد تعلق به غلام فقال يا أبا الحرث من هذا فقال غلام الفضل بن يحيى كنت عند مولي هذا بالأمس فقدم إلينا مائدة عليها رغيفان قد عملا من نصف خشخاشة وثريدة في سكرجة وخبيص في مسعط فتنفست الصعداء فدخل الخوان وما علق منه في أنفي فمولاه يطالبني بالقيمة قال الرجل استغفر الله مما تقول فأومي إلى غلام كان معه فقال غلامي هذا حران لم يكن ما قتله صحيحاً ولو أن عصفوراً وقع على بعض قشور ذلك الخشخاش الذي عمل منه ذلك لما رضى مولي هذا حتى يؤتى بالعصفور مشوياً بين رغيفين والرغيفان من عند العصفور ثم قال وعليه المشي إلى بيت الله الحرام إن لم يكن إذا عطش بالفرعاء رجع إلى دجلاء العوراء حتى يشرب منها صحيحاً ولو أن مولى هذا كلف في يوم قائط أن يصعد على سلم من رمل حتى يبلغ كواكب بنات نعش فيلطقها كوكبا كوكبا لكان ذا أسهل عليه من أن يشم شام تلك الثريدة أو يذوق ذائق تلك الخبيصة فقال الرجل عليك لعنة الله وعليه إن كان سمع بمثل هذا.

فصل: في الطست والإبريق والخلال والمحلب والاشنان والمنشفة وآداب غسل اليد وكيفية الاستعمال ولا بأس بغسل اليد في الطست وغن ندب إلى ذلك فليقبل الكرامة ولا يردها، قال دفتر خوان: والطست إن رام إليك المقصدا ... فلا تخالف من يقول اغسل يدا وصاحب المرش دعه ساكبا ... ولا تقل بس اكتفيت كاذبا وعن ابن مسعود (: اجتمعوا على غسل الأيدي في طست واحد ولا تسننوا بسنة الأعاجم، وقالوا غسل اليد في الطست في حالة واحدة أدخل في التواضع ويقتضي أن يجتمع الماء فيها، وقال قال صلى الله عليه وسلم من بات وفي يده غمر لم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه وفي حديث آخر: الوضوء قبل الطعام ينقى الفم وبعده ينقى المم واللمم مس الشيطان والطست الطس بلغة طيء أبدل من أحد السينين تاء للاستثقال فإذا جمعت وصغرت رددت السين لأنك فصلت بينهما بالتاء فقلت طساس وطسيس وهو أعجمي معرب أصله طشت بالشين المعجمة فلما عرب قيل بالسين المهملة، الإبريق عربي صحيح وهو أفعيل من البريق وقال الحريري في المقامات إياك واستدعاء المرجفين قبل استدعاء حلول البين أراد بالمرجفين الطست والإبريق لأن الإتيان بهما يوذن بالقيام وفراغ الطعام وما أحسن قول القاضي الفاضل في المقامة العسقلانية يصف المائدة: وتناوبتها الألوان ... صنوان وغير صنوان وأبطأ القوم بالمرجف ... ين فما يرجفان ولا يوجفان وأتينا بغاسول تحظى به الأفواه والأنوف ولا يوجد بعده بفم الصائم خلوف، وقيل إن كنية الأشنان أبو إياس وكنية الملح أبو عون وسمعت بعضهم يسميها البداية والنهاية، ولهذا حكى أن بوران بنت الحسن بن سهل لما تزوجها المأمون وأراد أن يدخل بها جعل الناس يهدون لأبيها الأشياء النفسية وكان بالقرب منهم رجل من الأدباء فأهدى إليه مزودا فيه ملح مطيب ومزودا فيه أشنان وكتب إليه معهما أني كرهت أن تطوي صحيفة أهل البر ولا ذكر لي فيها فوجهت إليك بالمبدأ به ليمنه وبركته وبالمختوم به لطيبه ونظافته ومع ذلك: بضاعتي تقصر عن همتي ... وهمتي تقصر عن مالي فالملح والأشنان يا سيدي ... أحسن ما يهديه أمثالي وذكر القاضي الرشيد بن الزهر في كتابه العجائب والظرف أن سيد الوزراء أبا محمد البازوري وجد في موجوداته طستا وإبريقاً من البلور فأفرط في استحسانه لهما ولعظيم قدرهما أن المستنصر وهبهما له ووجد أيضاً مدهن ياقوت احمر وزنه سبعة وعشرون مثقالاً أخذه سرا من السلطان في خزانته حين قبض عليه في سنة خمسين وأربعمائة ولما أخرج السلطان الذخائر المصرية عند أيام فتنة ناصر الدولة وجد فيما أخرج من دار ناصر الدولة تسعين طستاً وتسعين إبريقاً من صافي البلور وجيده كباراً وصغاراً. وقال ابن معقل فيما يكتب على سفرة الطست: لم أصحب الطست من شوق إليه ولا ... جعلت خدي له أرضاً وما شعرا لولا وصولي به يوماً إلى ملك ... يصيبني فضل ما ينفى بع الغمرا وغيرة أن يمس الترب مبتدلا ... ما مس كفيه من ماء إذا قطرا وقال جلال الدين بن المكرم في الطست والإبريق والمنشفة: ولي صاحب ينفي الأذى عن جوارحي ... فيخرجني منه نقيا مطهرا وآخر يحويه فيجعل الذي ... كان لي منه إليه مصيرا وثالثة غارت لفعلهما فلا ... تزال تعفى ما لجسمي أثرا وقال أبو طالب المأموني: منشفة خملها تخال بها ... قد فت كافورة على طبق كأنما انبتت خمائلها ... ما ارتشفت من لآلئ العرق الأشنان: عمل لهارون الرشيد يؤخذ من القرنفل والسليخة والقرفة والقاقلى والفلنجة من كل واحد جزء ومن المصطكى والاذخر والسعد والميعة اليابسة جزء ومن الموزجسزس ثلاثة أجزاء ومن الطين الأبيض المكي خمسة ومن الأشنان البارد ضعف ذلك أو ثلاثة أضعافه ومن الأرز الأبيض المبلول المجفف المنخول مثل الأشنان يدق كل واحد على حدته ويخلط، صفة بنك محمص يؤخذ من البنك الأصفر المخمر وزن ثلاثين درهما ومن القرنفل عشرين درهماً ومن الزعفران خمسة دراهم ومن الورد خمسة عشر درهماً ومن السليخة الحمراء الرقاق والسنبل من كل واحد ستة دراهم يدق الجميع بأسره ويطحن ويحمص بماء الورد ويبخر بالعود الند والكافور والزعفران تبخيرا جيدا فإنه يجئ غاية من الغايات:

كيفية تناول الأشنان: أشنان الملوك والرؤساء هو طيب من جملة الطيوب وهو يجعل في أشنان دان له غطاء يحفظ رائحته ويكون له ملعقة يناول بها الغلام الأشنان ولا يلمس باليد البتة ولا سيما يد الغاسل فإنه أن أدخل يده فيه زفرة فسد جميعه لسرعة قبول الطيب الفساد بدخول أدنى سبب من الرائحة الكريهة عليه للطف جوهره، كان بعض الظرفاء إذا قدم إليه الطعام تناول بعض الأدهان العطرة الطيبة فسمح بد يديه فلا يتمكن الزفر من مسامها ولا يعلق بهما طائل منه والذي يعلق يسهل زواله بأدنى غسل، وقالوا كان كسرى في زمن السفرجل يتناول قطعة سرجل وفي غير زمانه يتنول مرباه فيأكلها عندما يقدم إليه الطعام فينسد خلل ما بين أسنانه وعموره بالسفرجل فلا يعلق بهما من مضغ اللحم طائل وكان يستعمل على مائدته بين كل لونين ملعقة رمان ليغسل فمه من الطعام الأول فيذوق الطعام الثاني خالص الطعم من شوب الطعام الأول فيدرك فرق ما بين الطعامين ويلتذ بكل واحد بمفرده ومن آداب الملوك أن لا يغسل الإنسان يديه في مجلس الملك أو بحضرة الرئيس ولا بحيث يراه إلا بإذنه وكذلك يصنع في الخلال فإنه من أسوء أدب الجليس وأن أذن الرئيس لجليسه في الغسل وأحب أن يتخلل فلينعزل بحيث لا يراه ولا يقع نظر الرئيس عليه. وحكى أن أول غضب المعتصم على الأفشين وكان حظياً عنده أنه أكل عنده ثم دعا بالطست فغسل يده بحيث يراه المعتصم فقال المعتصم هذا التيس طويل اللحية يدعو بالطست حيث أراه ثم من آدابه لمن يؤذن له أن يستقصى إزالة لزفر ولا يقصر في غسل يده. ويحكى أن رجلاً قصر في غسل يده دعوة بعض الظرفاء فقال له الدعوة أنق يدك وإلا دنست منديلنا، وكان عبد الله بن سلمان يبطئ في غسل يده ويقول من حكم اليد أن يكون زمان غسلها بمقدار زمان أكلها، وسأل المأمون اليزيدي معلم ولده العباس عن أخلاقه فأخبره انه لا يفلح ولا همة له قال كيف علمت ذلك قال رأيته قد ناوله الغلام أشناناً فاستكثر ما وقع في يده منه فرده في الأشنان دان ولم يلقه في الطست فعلمت أنه بخيل والبخيل لا يصلح للملك فكان الأمر كما قال وليحترز عند غسل اليدين من الرشش على من يليه أو نفض يديه بالماء إذا فرغ أو التنخع في الطست أو المخاط فيه. الخلال: روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال تخللوا فإنه نظافة والنظافة من الإيمان والإيمان مع صاحبه في الجنة، وفي حديث عمر (السواك بعد الطعام يذهب وصر الطعام، وفي حديث آخر أنه هـ صلى الله عليه وسلم أمر بالخلال ونهي عن أن يتخلل بالرمان والقصب وقال أنهما يحركان عرق الآكلة وفي رواية يحرك عرق الجذام، وفي كتاب طب أهل البيت عليهم السلام عنه صلى الله عليه وسلم الخلال يجلب الرزق، وفيه من تخلل بالقصب لم تقض له حاجة سبعة أيام، وعن أيوب الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حبذا المتخللون قالوا يا رسول الله ما المتخللون قال التخلل من الطعام فإنه ليس شيء على الملك الذي على العبد أن يجد من أحدكم ريح الطعام، والخلال عمله من الصفصاف وعيدان الخلاف وطبع الصفصاف بارد يابس قليل الأضرار بالأسنان كثير النفع لها وهو أجود ما استعمل وخللت به الأسنان من الزهومات مأمون عليها. ومن مستظرف المعاني وان لم يكن من غرض هذا الفصل لكن الحديث شجون ما أنشدنيه من لفظه لنفسه ونقلته من خطه بالقاهرة المحروسة سيدنا أقضى القضاة بدر الدين محمد المخزومي المالكي الشهير بالدماميني رحمه الله: أفديه من ظبي غزالي ... بلواحظ تبغي قتالي ورآه يضمر بالجفا ... في خاطر منه وبال ما للعذول إذا أبح_ت لحسنه روحي ومالي والجسم من عشق لذا_ك الثغر أصبح كالخلال رجع إلى ما كنا فيه والخلال المأمون هو زهر قضيب نبت في الصحراء يقال أنه الجزر البري وهو حار يابس بزره إذا أستف ألقى الدود من الجوف وإنما سمى المأمون لقلة أذاه للأسنان واللثة للينة وهو خلال تستعملها العوام من الناس.

الأدب في الخلال: قال صاحب سرور النفس ورأيت في زماننا من يغلظ في تناول الخلال فأني رأيت في بعض مجالس الوزراء من الطستدارية من يضع الخلال خلف أذنه ويقدم الطست ثم يناوله مخدومه من ذلك الموضع وهو موضع قذر لا يخلو غالباً من أذى ولو كان حامله انظف الناس وأظرفهم وأما تنوله فأني رأيت كثيراً بعد الفراغ من الغسل ليده وفمه ورفع الطست يتناول الخلال وذلك خطا من وجهين: أحدهما انه إذا تخلل وهو مغسول الفم خرج اللحم من عموره وأسنانه إلى فمه فعاد الزفر وبطلت فائدة الغسل، والأخرى انه يلقى ما خرج بالخلال على البساط وحيث اتفق من مواضع مجالسه وتلك قذارة وغن كانت محقرة المقدار فالتنزه عنه أشبه بذوي الأقدار. وآداب المناولة في الخلال أن يكون مع الطستدار ملفوفاً في ورقة بيضاء فإذا أخرجه وضع إحدى رأسيه بين أصبعيه السبابة والوسطى ومد به يده للرئيس وهو قائم فيتناوله الرئيس وهو على الطست فيتخلل ويلقى ما يخرج بالخلال في الطست أيضاً ويلقى الخلال في الطست ثم يغسل يده وفمه، وقال: ومن اقبح ما رأيت في أخذ الخلال أن بعض الرؤساء يتناول الخلال بيده وهي زفرة فيرشقه في شعر لحيته ويغسل يديه ويتحدث طويلاً والخلال مغروز في لحيته وذلك أقبح ما يكون ورأيت هذا الرئيس الذي أشرت إليه يأخذ الخلال بعد غسل يده وتنظيفها ومسحها بالمنشفة فيستعمل الخلال ويضعه في شعر لحيته تظرفا منه، قال كناجم واخذ الخلال من المروءة لتنظيف الأسنان وتنقيتها من زفر اللحم لن اللحم إذا بات في الأسنان أنتن لا سيما إذا كان فيه صلابة والخبز أيضاً إذا بات في الأسنان انتن الفم وصفر الأسنان. استشارت امرأة امرأة في رجل تتزوجه فقالت لا تفعلي فإنه وكلة تكلة يأكل خلله ووكلة وتكلة بمعنى واحد كرر للمبالغة وهو الذي يتكل في الأمور على غيره ولا يباشرها بنفسه والتاء في تكلة واو كما قالوا في تراث وهو من وراث والخلل ما يخرج من بين الأسنان عند التخلل قال أبو هلال العسكري وليس في اللوم شيء من الكلام أبلغ من هذا ولبعضهم فيه: وناولني من كفه شبه خصره ... وشبه محب ذاب من طول هجره وقال خلالي فلت كل حميدة ... سوى قتل صب حار فيك بأسره وقال الفقيه أبو الحسن بن عبد الكريم الأنصاري: وخلال صنع السقم به ... من نحولي في الهوى ما قد وجب أذهب الجسم وأبقى رأسه ... وكان الرأس كالجسم ذهب مغرم بالبيض يسعى نحوها ... لارتشاف الثغر أو ورد الشنب

الباب الثاني والثلاثون في الماء وما جرى مجراه

في الاحتياط باعتبار الأسباب المتعلقة بغسل اليد المؤدية إلى الهلاك ذكر جماعة من المصنفين وفي كتاب شاناق وزنطاح الهنديين صفات مياه تمتزج بماء القراح وتخفى فيه فمن اغتسل بها او تمضمض منها اتصل به بمسام جلده ولهواته داء مهلك ومنها ما تحمر به الأسنان ومنها ما ينفع فيه الخلال ومنها ما يجعل في الثياب والمناشف والمناديل ومنها ما يجب من حفظ مهج مدبري دولهم والذي يجب الاحتياط فيه أربة: الأشنان والماء والمنشفة والخلال ولكل واحد منها نوع من الاحتياط يخصه أما الأشنان والماء فوجه الاحتياط فيهما هو ان الغلام إذا قدم الطست جثا على ركبته ثم قدم قدح الأشنان والمحلب أو البنك ففتحه ثم أخذ الملعقة فحرك بها الأشنان جميعه حتى يقلبه ظهر البطن ثم يتناول برأس الملعقة منه يسيرا قدر الدرهم أو ما يقاربه فيجعله في كفه ثم يستفه ميعمد إلى الإبريق فيمسكه بيده اليسرى ويبسط يده اليمنى ويجمعها قليلاً ويصب فيها الماء من الإبريق ويشربه على أثر سف الأشنان ثم يوضع الإبريق ويناول الرئيس الأشنان بالملعقة ويسكب عليه الماء وأما المنشفة فإنه يكون مع الغلام منشفتان إحداهما يناولها للرئيس عندما يقدم الطست يضعها مبسوطة على حجرة تقي ثيابه رش الماء الزفر والأخرى تكون مطوية معلقة في وسطه على طيها وهي التي يجفف يده بها فهذه إذا وضع الطست بين يدي الرئيس أو الملك حواشيها باليمنى إلى آخرها ثم يقيمها قائمة ويقبض عليها بيده اليسرى من تحت اليمنى ويستلها بيده اليسرى سلتا قوياً ثم يمسكها باليسرى من وسطها ويثنيها ويقبض عليها باليمنى من تحت يده اليسرى وهي مثنية كما فعل باليسرى وهي غير مثنية ثم يستلها باليمنى إلى آخرها ثم يجمعها بين يديه ويفركها ثم يقبض عليها من حاشيتها الأخرى ويقيمها قائمة كما جعلها في المرة الأولى ويسلتها بيده حتى يستوى تجعيدها ثم يعلقها في وسطه وحينئذ يجثو لمناولة الأشنان وأما الخلال فقد ذكرنا أنه يجب أن ينقع ليلة أو ليلتين ويعوج عند التخلل لئلا يتشظا بين الأسنان فيكون له قدح صغير من زجاج طول الإصبع بحيث تدخله الإصبع يجعل فيها ماء ورد أو ماء قراح وماء الورد انفع لأن فيه قبضا تنتفع به الأسنان ويشد اللثة ثم يترك فيه الخلال قبل الحاجة إليه فإذا احتيج غليه اخرج الغلام قدح الخلال مغطى بغطاء محكم مغلفا بغلاف من أديم معدود له يعلقه الغلام في وسطه فيعمد إلى ماء الورد أو الماء الذي يكون فيه الخلال واليسير منه يجري فيصبه في راحته ويشربه جميعه ثم يناول الرئيس حينئذ الخلال على الصور السابقة في مناولته تم ذلك. وفي ربيع الأبرار للزمخشري: أول من عمل الصابون سليمان عليه السلام، ولبعض الأدباء في رئيس بيده صابونة: صابونة في راحتي ماجد ... قد أضحت السحب لها حسدا تلاطم البحران من حولها ... فزصبح الموج بها مزبدا الباب الثاني والثلاثون في الماء وما جرى مجراه قالوا وينبغي أن لا يشرب الماء على المائدة ولا بعد الأكل إلى أن يجف أعالي البطن إلا بمقدار ما يسكن بعض العطش ولا يروى منه ريا واسعاً حتى إذا جف البطن وانحدر الطعام استوفى منه ومن المشروب وفي آداب شرب الماء أحاديث نبوية ومنها أدبية حض عليها العلماء في مراعاتها أما الشرعية فلا يشرب قائماً روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لو يعلم أحدكم ما في بطنه إذا شرب قائماً لاستقى، ومنها أن تمز الماء مزا ولا تعبه عبا وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الكياد من العب والكياد داء الكيد، ومنها أن لا يستوفى الماء إلى آخره ومنها أن يناول من على يمينه ومنها أن لا يشرب من ثلمة الإناء هذه كلها من الماء إلى آخره الدين ومن آداب الماء أن يجلس ويتناول الكوز بيمينه ويسمى الله عز وجل وينظر في الإناء قبل الشرب ويضع يده اليسرى من تحته لعله يكون قد وضع على موضع يقطر منه على ثيابه قطرة غير نظيفة ثم يشرب ثلاثة أنفاس ولا يتنفس في الكوز ويحمد الله تعالى بعد الشرب وأن يسر أن كان معه غيره.

آداب شرب الماء في مجلس الملوك اتفق أكابر العلماء بالأدب أن استدعاء الكوز في مجلس الملك والرئيس وشرب الماء في مواجهته من سوء الأدب وأما مجلس الملك خاصة فلا سبيل إلى شرب الماء فيه البتة، ذكر في سيرة كافور الأخشيدي حكاية ينتفع بسماعها من يلزم مجالس الملوك قالوا كان أبو جعفر مسلم وأبو الفضل جعفر بن الفضل الوزير عند كافور عشية صيف ولم يكن عنده غيرهما فقال لهما قد اشتد الحر وللثلج أيام ما جاءنا من الشام وما كان كافور يذوق الثلج وغنما كانت الكيزان توضع عليه فيشرب منها وبهذا سلم من ضرر الثلج فبينما هم كذلك إذا خبر بمجيء الثلج فقال هاتوا ثلاث كيزان فجاءوا بها فأخذ كافور كوزاً فشربه واخذ أبو الفضل كوزاً وشربه وأخذ أبو جعفر كوزاً وقام فخرج من المجلس وشربه ثم عاد وأكب على يد كافور ثم قعد أبو جعفر ساعة وانصرف وأراد أبو الفضل أن ينصرف فشاغله كافور ثم قال هاتوا أبا اليمن فجاء فقال زد في جزاءة الشريف أبي جعفر ألف دينار في كل عام وإنما اجلس أبا الفضل ليريه مكافأته لأبي جعفر عن حسن أدبه معه في شرب الماء. كتب أبو الخطاب الصابي إلى عمه أبي اسحق الصابي مع كوز ما بعث به إليه شرط المودة أطال الله بقاء سيدي أن لا أنفرد دونه بلذة ولا اختص قبله بعطية إذا كان لا فرق بين محبتي ومحبة ولا فصل بين مبرتي ومبرته وقد شربت الساعة في هذا الكوز فوجدته أعذب ارتشافا من الأفواه وأحلى مصا من الشفاه وأصفى جوهراً من فاخر الدر وأنقى من الثنايا من المسك الأذفر: رقت حواشيه فخ ... ف على الأنامل والقلوب فكأنه مستعمل ... من طيب أنفاس الحبيب يتم على القدا ولا يحول بين الماء والهوى يلطف عن صفاء الزجاج ولا يحوج الغلام إلى الثلاج أن أفرغ شف وان أترع رف تتساوى المياه فيه عذوبة وتعجب العيون قبل النفوس رؤية: اشهى إلى الأبصار من ... وجه الحبيب بلا رقيب تهدى لنا أنفاسه ... ما فيك من كرم وطيب حتى كان طينته من طينتك وعذوبته مشتقة من عذوبتك وقد أنفدته مملوءاً إليك لتعلم أن قبلى مملوء من المحبة عليك والسلام. وقال صالح بن يونس في كوز ومرفع: أم الحياة على سرير من نحاس ... عريانة أبداً بغير لباس هي في الممات لدى الورى معدودة ... لكنها ضمنت حياة الناس وأهدى رجل لرئيس كيزانا وكتب إليه: ما بعثت الكيزان إلا احتيالا ... جعلت مهجتى وروحي فداكا منعتني الأيام تقبيل كفي ... ك فأرسلتها تقبل فاكا ولا يسمى الكوز كوزاً لا إذا كان له عروة وإلا فهو كوب وعى ذلك فسر قوله عز وجل (بأكواب وأباريق) ولذلك نظائر في اللغة وهو ما أن المائدة لا يقال لها مائدة إلا إذا كان عليها الطعام وإلا فهي خوان كما تقدم ولا يسمى الكأس كأساً إلا وفيه شراب وإلا فهو قدح وإلى ذلك أشار العلامة ذو الوزارتين وأمام العروتين لسان الدين أبو عبد الله محمد بن الخطيب وزير صاحب الأندلس وكاتم سره في قوله لما وقف على كتاب ديوان الصبابة تأليف الشيخ شهاب الدين احمد بن أبي حجلة مخاطباً له على قوله في الكتاب المذكور: كتاب حوى أخبار من قتل الهوى ... وسار بهم في شرق ومغرب مقاطيعه مثل المواصيل لم تزل ... يشيب فيها بالرياب وزينب قوله هذه الأبيات: يا من أدار من الصبابة بيننا ... قدحا ينم المسك من رياه وأتى بريحان الحديث فكلما صبح النسيم براحة حياه أنا لا أهيم بذكر من قتل الهوى ... لكن أهيم بذكر من أحياه أنشدني هذه الأبيات المرحوم فخر الدين بن مكانس وذكر أن شهاب الدين بن أبي حجلة أنشده إياها وأنه تبجح بكونه مدح كتابه قال فقلت له يا شيخ شهاب الدين خثر عليك لسان الدين وذكر أن كتابك فارغ من المحاسن قال وكيف ذا قلت لقوله: يا من أدار من الصبابة بيننا ... قاحا ينم المسك من رياه أما علمت أن الكأس لا يقال له الكأس إذا شرب وإلا فهو قدح فامتغص له شهاب الدين وأخبرني أن لسان الدين عارضه بكتاب سماه روضة التعريف بالحب الشريف في التصوف انتهى.

رجع إلى ما كنا فيه سأل رجل الشيخ أبا الفرج بن الجوزي رحمه اله ما لنا نرى الكوز الجديد إذا صب فيه الماء نش وخرج منه صوت فما معناه قال له يا ولدي ذاك صوت شكواه يشكو إلى برد الماء مالقيه من حر النار فقال السائل فما لنا نراه إذا ملأناه لا يبرد فإذا نقص برد فقال الشيخ حتى تعلموا أن الهوى إلا يدخل إلا على ناقص، وذكر الوداعي في تذكرته قال حدثني جماعة من أهل عانة وهيت بالعراق أنه إذا كان أو أن الأربعينات ملئت فإذا انقضت رفعوها إلى زمان الصيف وشربوا فيها الماء فإنها تبرده برداً كثيراً يقوم مقام الثلج انتهى. قلت: وذكر لي الوزير فخر الدين بن مكانس رحمه الله إن ماء طوبا إذا شيل إلى الصيف وسكب منه في آنية الماء برده إلى الغاية وغن ماء هذا الفصل لا يفسد إذا شيل بخلاف غيره من الفصول، وما احسن قول ابن عبد الظاهر ملغزا في شربة: وذى أن بلا سمع ... له قلب بلا قلب إذا استولى على حب ... فقل ما شئت في الصب قال وأهل مصر تقول للزير الحب وإليه أشار المرحوم فخر الدين بن مكانس في السبيل أنشأه الوزير الملكي الشهير بالنشو بجامع عمرو بن العاص (آمين: أنشى القصيم النشو لما أرتقى ... وزارة زادته في وزره بالجامع العمري سبيلا وقد ... قالت لنا عنه بنو مصره هذا سبيل حاله فاسد ... وزيره يرشح من قعره أنشدني الشيخ شمس الدين الرئيس لنفسه وكتبها على الخوابي: ترفق أيها الساقي ... وزد في الطف بالصب وداو القلب لي واعلم ... بأني منزل الحب فصل: في المحمود من المياه قال ابن النفيس في الموجز أفضل المياه مياه الأنهار وخصوصاً الجارية على تربة نقية فيتخلص الماء من الشوائب أو على حجارة فيكون أبعد عن قبول العفوفة وخصوصاً الجارية إلى الشمال المشرق وخصوصاً المنحدرة إلى أسفل وخصوصاً إذا بعد المنبع فإن كان مع هذا خفيف الوزن يخيل لشاربه انه حلو ولا يحتمل الشراب منه إلا قليلاً فذلك هو البالغ وماء النيل قد جمع أكثر هذه المحامد وماء العين لا يخلو من الغلظ وأردأ منه ماء البئر وما النز أردأ وأما الشرب على الريق وعقيب الحركة وخصوصاً الجماع وعلى الفاكهة وخصوصاً البطيخ فردئ جداً سواء كان المشروب ماء أو شراباً فإن لم يكن بد فقليل من كوز ضيق الرأس امتصاصاً وكثيراً ما يكون عطش عن بلغم لزج أو مايح وكلما روعى بالشرب حركه فإن صبر عليه أنضجت الطبيعة المادة المعطشة وإذابتها فيسكن من ذاته وفي مثل هذا كثير ما يسكن بالأشياء الحارة كالعسل.

قلت وعلى ذكر النيل فلا بأس بإيراد نبذة مما قيل فيه، قال الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة في كتابه السكران ذكر المهدوى في تفسيره عن عبد الله بن عمر (أن الله تعالى سخر للنيل كل نهر يجري على وجه الأرض في المشرق والمغرب وذلله له فإذا أراد الله تعالى أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده فإذا انتهى جريه إلى ما قدره الله تعالى أمر كل نهر أن يرجع إلى عنصره ومصداق هذا إلا ترى أن النيل مخالف لكل نهر على وجه الأرض لأنه أن يزيد إذا نقصت وينقص إذا زادت لأنها والله اعلم تمده بمائها، وفي أصل النيل أقول للناس حتى ذهب بعضهم إلى أن مجراه من جبال الثلج وهي بجبل قاف وأنه يخترق البحر الأخضر بقدرة الله تعالى ويمر على معادن الذهب والياقوت والزمرد فيسير ما شاء الله تعالى إلى أن يأتي بحيرة الريح قال الحاكي لهذا القول ولولا ذلك يعني دخوله في البحر المالح وما يختلط به منه لما كان يستطاع أن يشرب منه لشدة حلاوته وقال قوم مبدأه من جبل القمر وانه ينبع من اثني عشر عينا واختلف في سبب زيادته ونقصانه فقال قوم لا يعلم ذلك إلا الله تعالى وكان الملك الصالح نجم أيوب يشتهى أن يعرف أصل هذا النيل فرسم أن تشتري عبيد صغار زنوج وما شاكلهم جلب لم يسعربوا وسلمهم لصيادي السمك والبحارة ليعلموهم صنعة البحر وصيد السمك وان يكون قوتهم من السمك لا غير فإذا مهروا في ذلك تصنع لهم مراكب صغار ليركبوا فيها ويأتوه بخبر النيل وكان فرعون يحي خراج مصر في كل سنة ألف ألف دينار فيأخذ الربع من ذلك لنفسه وأهل بيته وبيت ماله والربع الثاني لوزارته وامرأته وكتابه وجنده ويكنز الربع الثالث ذخيرة ويصرف الربا الرابع في حفر الخلجان وسد الترع وعمل الجسور ومصالح الأرض وكان في كل سنة إذا كمل التخضير ينفد مع قائدين من قواده أردبين من قمح فيذهب أحدهما إلى أعلى مصر والآخر إلى أسفلها فيتأمل القائد كل ناحية وأرض كل قرية فإن وجد موضعاً بائراً عطلا قد أغفل بذره كتب إلى فرعون بذلك وأعلمه اسم العامل وأخذ ماله وولده فربما عاد القائدان ولم يجد أحد منهما موضعاً لبذر الأردب لتكامل العمارة واستظهار الزرع وجباها عمرو بن العاص اثني عشر ألف دينار وكان ذلك أول دخوله إياها والكلام على ذلك طويل (ومما) قالت الفضلاء في النيل المبارك فمن ذلك قول علاء الدين والوداعي: روَّ بمصر وبسكانها ... شوقي وجدد عهدي الخالي وصف لي القرط وشنف به ... سمعي وما العاطل كالحالي واروا يا سعد عن نيلها ... حديث صفوان بن عسال وقال الشيخ زين الدين بن الوردي: ديار مصر هي الدنيا وساكنها ... هم الأنام فقابلها بتقبيل يا من يباهي ببغداد ودجلتها ... مصر مقدمة والشرح للنيل وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي: رأيت في أرض مصر مذ حللت بها ... عجائباً ما رآها الناس في جبل تسود عيني في الدنيا فلم أرها ... تبيض إلا إذا ما كنت في النيل وقال الشيخ جمال الدين بن نياتة: زادت أصابع نيلنا ... وطمت فأكمدت الأعادي وأتت بكل جميلة ... ما ذي أصابع ذب أيادي وقال الشيخ برهان الدين القيراطي: لنيل مصر كمال في زيادته ... وفضله غير مخفى ومكتتم إذا بدت لك من تياره شيم ... رأيته طاهر الأوصاف والشيم وقال الشيخ شمس الدين بن الصائغ رحمة الله: سما النيل إذ يحكى السما في انبساطه ... فللَّه ما أحلى وأصدقه حاكى تسير به الأفلاك شرقاً ومغربا ... وحافاته ايضاً تحف بأملاك وقال الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلى: نشروا القلوع وبشروا بوفائه ... الراية البيضاء عليه بالوفاء وقال الشيخ بدر الدين بن الصاحب: لله يوم الوفا والخلق قد أجمعوا ... كالروض تطفو على نهر أزاهره وقال الشيخ سديد الدين بن كاتب المرج: يا نيل يا ملك الأنهار قد سقيت ... منك البرايا شرابا طيبا رغدا وقد دخلت القرى تبغي منافعها ... فمعها بعد فرط النفع منك أذى فقال تذكر عني أنني ملك ... وتثنى ناسيا أن الملوك إذا وقال إبراهيم المعمار: سمعت يوماً سد مصر يقل ... النيل وافي زائداً عندي فكأن هذا خبر صادق ... فرحت أرويه عن السدي

وفي هذه النبذة كفاية وعلى الجملة فمحاسن النيل مستكثرة ولو استوعبنا ما للفضلاء في ذلك من النظم والنثر لحفيت من تسطيرها الأقلام وضاقت صدور الأوراق وما أحق هذه المقاطيع أن تسمى مقاطيع النيل. رجع إلى ما كنا فيه أنشدني من لفظه لنفسه ونقلته من خطه الشيخ الفاضل زين الدين ابن العجمي رحمه الله ملغزا سألتك أعزك الله عن سائل لاحظ له في الصدقة وغن لم يكن متصل النسب بالإشراف كثير الرجفان من غير أن يخاف كم يرد سائله نهرا وعفر وجه فاقده بالتراب قمرا مذكر كثير الحيض لطيف الانبساط سريع الغيض مطلق التصرف وعليه الحجر وطالما قبل العشاء أبدى لنا الفجر يتشعب ويتكسر ويتعوج ويتدور وله خمسون عيناً وأكثر يحمل القناطير المقنطرة ويعجز عن حمل إبرة سريع الاستحالة قل ما يثبت على حاله بعيد الغوص ليس له قرارا يعاجل صفاء وراده بالاكدار يسكن في تخوم الغبرا وينم على أحوال أهل السما رقيق القلب على كل عديم وكيف لا وهو الولي الحميم يجود بأفخر الحلى ولا يرد من نداه مؤملا كم عمر سبيلا وقطع طريقاً وأخاف سبيلاً كم طفا واحترق وأظهر الحقائق وهو كثير الملق كم علا درجاً وحط قدر الدقائق وقلع بأصابعه عين كل مارق وكم طهر أمما من أرجاسها وأماط عن أرض رديئ أدناسها وكم درأ عن شيخ خبثا ورفع كهلا وحدثا صقيل يجلو الصدا ويظهر على شدة البرد تجلدا يبلغ فيه بشئ يسير مقاماً لا ترقى إليه همة الملك الكبير كم أباح محرماً للعباد واكثر الفساد في البلاد وكم رأينا شموساً تجرى لمستقرها فيه وتجنح وتلوح في فلكه وتسبح كم خاص في ذاته خائض مع كثرة سياحته وربما وجد في الجبال رابض قد جمع فيه الخوف والرجا والكدر والصفا ومن العجائب انه كافر وكم أعان على العبادة أهل الصلاح وأضاف نزيله بالميتة ولم يخش في ذلك من جناح فسبحان من جمع فيه الأضداد وأرسله رحمة للعباد. وقال أبو الفضل أحمد بن محمد الخازن فيه: وخل صفاء زرته بعد هجرة ... فألقيت شخصي في حشاه مصوراً وادعته سرا فأفشاه للورى ... فيا حسن ما أفشى الغداة واظهر أبو حليف للثريا وأمه ... به حامل في بطن منخفض الثرى سطح له جسم بغير جوارح ... يبارى الرياح الجاريات إذا جرى تصافح كفى منه كفا رطيبة ... يخادع عيني كالخيال إذا سرى تزر عليه الريح ثوبا مفرَّكا ... ويكسوه شهب الليل ثوبا مدثرا وقال أبو الحسن الباهرزي ملغزا: لا أحاجي في زمرة الفضلاء ... فير خل خصصته بأخائي في شبيه البلو ردَّ إلى الماء ... وقد كان قبل عين الماء ينذر الحر بالهزيمة بردا ... فهو المنذر بن ماء السماء وأنشدني المقر الاشرف المرحوم أبو عبد الله محمد بن الأنصاري صاحب ديوان الإنشاء بالشام لنفسه حكاية حال: ضلو عن الورد لما انهم رحلو ... قومي فظلوا حيارى يلهثون ظما والله أكرمني بالورد دونهم ... فقلت يا ليت قومي يعلمون بما وعلى ذكر الماء ذكرت ما أنشدنيه من لفظه لنفسه شيخاً العلامة أقضى القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد المخزومي المالكي الشهير بالدمامينى ملغزا في قرية وكتب به إلى المرحوم الأميني صاحب ديوان الإنشاء على يد مسطرها: أكاتب سر الملك والفاضل الذي ... ثناه على الأفكار فرض مرتب ومن فاه في فن البديع بمنطق ... فأمست غويصات المعاني تهذب تحدّث عن سهل رواة كومه ... إذا ما أتاه اللغز يرويه مصعب فديتك ما ذات أطالعكم بها ... ويبحث في الأسفار عنها ويطلب تشدَّ وكم في الأرض قارا ما لها ... فصدق إذا ما قيل تملى وتكتب وما هي في التحقيق رواية وكم ... لها خبر في الذوق يحلو ويعذب مليحة شكل يألف الحب صبها ... زمانا وفي وقت لها يتجنب ويبلغ منها للحياض حقيقة ... ولكن رأينا قلبه وهو طيب يزيد مريدوها إذا ما تصوَّفت ... ويشكرها أهل الزوايا ويطنبوا لها أربع لكن بساق رأيتها ... على السعى في الأحياء بالنقع تدأب وترضع أحياناً وما حان وضعها ... وكم من فتى في حملها راح يرغب وتحمل ما فيه الحياة لربها ... فيا حبذا منها البسيط المركب

الباب الثالث والثلاثون في المشروب والحلواء

وترسله فاعجب له من مسلسل ... غدا مرسلا عنه البسيط المركب وكم من خليع سمته إذ تعتقت ... يمدُّ إليها الراح لهوا ويطرب وما نال أثما تعاطيه بعدها ... رأيناه من تلك العتيقة يشرب وسم فمها المفتوح كم راح سائلا ... وما نطقت حرفا عن القصد يعرب وكم قد تعبدنا بتحريف لفظها ... ولم أر بالتحريف من يتقرب وتصحيفها يا بهجة الدهر بلدة ... حواها من الأقطار شرق ومغرب وتوجد في الأفلاك عالية بها ... ويألفها بعض الحواري ويصحب فيا من لرق الفضل أصبح مالكا ... فما لي إلا نحو علياه مذهب تلفت للغز نحو بابك قد أتى ... وكل غدا من ظرفه يتعجب وقال بعضهم ملغزا في قرية السباحة: وذات فم يوما تسبح ربها ... ولم تكتسب أجرا بتسبيحها قط معانقة الصبيان مضمرة الهوى ... كأن بقايا قوم لوط لها رهط الباب الثالث والثلاثون في المشروب والحلواء قال أبو عبيد معمر العرب تقول كل طعام لا حلواء فيه فهو خداج أي ناقص غير تام وقال الزمخشري عن بعضهم أنه قال الوذنج قاضي قضاة الحلواء والخبيص خاتمة الخير وقيل لبعضهم التمر يسبح في البطن فقال على هذا التقدير اللوذنج يصلى التراويح، دخل الحمل البصري على قادم وعنده قوم بين أيديهم طباق حلواء ولا يمدون أيديهم فقال لقد أذكر تمونى ضيف إبراهيم وتلا الآية (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم) ثم قال كلوا رحمكم الله فضحكوا وأكلوا، وكان أبو هريرة يقول أكل ثمرة أمان من القولنج وشرب العسل على الريق أمان من الفالج وأكل الرمان يصلح الكبد والزبيب يشد العصب ويذهب الوصب والنصب، قيل: لإعرابي على مائدة بعض الملوك وهو يأكل الفالوذج لم يشبع منه أحد إلا مات فأمسك وفكر ثم ضرب بالخمس وقال: استوصوا بعيالي خيراً، وكان: عبد الله ابن جذعان سيداً شريفاً في قريش فوفد على كسرى وأكل عنده الفالوذج فسأل عنه فقيل له الفالوذج قيل وما هو قيل لباب البر يلبك مع العسل النحل فابتاع من عنده غلاماً يصنعه وقدم به مكة فصنع بها الفالوذج فوضع موائده بالابطح إلى باب المسجد ثم نادى من أراد أن يأكل الفالوذج فليحضر فكان ممن حضر أمية بن الصلت وكان يمدحه كثيراً فقال: لكا قبيلة رأس وهاد ... وأنت الرأس تقدم كل هاد له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق دارته يناد إلى درج من الشير أملائي ... لبل البر يلبك بالشهاد حدث المحسن عن ابن خلاد بإسناده في كتاب الموائد أن الرشد وأم جعفر اختلفا في الفالوذج والوذنج فحضر أبو يوسف القاضي فسأله الرشيد فقال إذا حضر الخصمان حكمت بينهما فقدما إليه فأكل منهما حتى انتهى فقال له الرشيد احكم فقال كلما أردت أن أقضي على أحدهما أدلى الآخر بحجته فضحك الرشيد وأمر له بألف دينار وبلغ زبيدة فأمرت له بألف دينار إلا واحد. حدث حماد بن سلمة قال دخلت على إياس بن معاوية وهو يأكل فالوذجا فقال أدن فكل فإن كان شيء في العقل فهذا، واتى إعرابي بفالوذج فأكل منه فقيل له تعرف ما هذا فقال هذا وجدك الصراط المستقيم.

ومن نوادر الصوفية انهم إذا أكلوا طعاماً عند أحد فقالوا أكل طعامك الأبرار وأفطر عندك الصائمون ولا يقولون وصلت عليك الملائكة إلا بعد الحلوء، قيل لأبي الحارث جمين ما تقول في الفالوذج قال وددت أنها وملك الموت اختلجا في صدري والله لو أن موسى لقى فرعون بفالوذج لا من ولكن لقيه بعصا، وقال أنس يرفعه: من لقم أخاه لقمة حلواء صرف الله عنه مرارة الموقف، اشترى رجل أحمالاً من السكر وأمر باتخاذ مسجد من السكر ذي شرف ومحاريب وأعمدة منقوشة ثم دعا الفقراء فهدموه ونهبوه ذكر ذلك الزمخشري في ربيع الأبرار، قدم فالوذج حار إلى مائدة عليها أبو هفان وأبو العيناء فقال له أبو هفان هذا آخر مكانك من جهنم فقال أبو العيناء أن كانت حارة فبردها بشعرك، وعن أبي هريرة (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من لعق العسل ثلاثا في كل شهر لم يصبه عظيم البلاء أبداً، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال شفاء أمتي في ثلاث: لعقة من عسل أو شرطة من حجام أو آية من كتاب الله، ونقلت من خط القاضي الفاضل واقعة غريبة اتفقت بالديار المصرية وهي أنه لما احرق شاور مصر أيام دخول الفرنج إليها كان بها رجل صالح وله أبنة مليحة احترقت دكانه في جملة ما احترق فرحل إلى البر الغربي وسكن في بعض القرى وجلس في حانوت سمان يرتفق به واتفق أن مقطع القرية رأى ابنته فهويها وجعل يروم أفسادها فلم يتسر له فخطبها من أبيها فما رضية كفؤا لها فشرع في أذيته وتسخيره وطرح عليه غرامة لا تلزمه وعزم على حبسه فسأل أمهاله مدة معينة فقال اكتب لي بها حجة علما منه أنه فقير ومتى حلت الحجة اخذ ابنته بتلك الحجة فكتب وأشهد عليه فلما انقضت الحجة جاء شاب واشترى منه عسلاً فأخذه في جرة ومضى فسقطت منه صرة مشدودة فأخذها الرجل وفتحها فوجد فيها عشرة دنانير فأخذها فلما جاءه المقطع طالبه ورفعه إلى القاضي فقال له احضر الحجة فأحضرها فدفع إليه العشرة دنانير الحجة وتخلص من الظالم فلما عاد إلى حانوته جاء الشاب الذي اشترى منه العسل وسقط منه الذهب وقال اجعلني في حل وأبرئ ذمتي فإني لما اشتريت أخذتها فلما حضرت اليوم وجدتها مرمية في طريقي فتعجب الرجل من ذلك وقال اشكر الله الذي رد عليك فأنت في حل من جهتي فلما كان ثاني يوم جاءه الظالم وقال اجعلني في حل فإني رأيت البارحة مناماً أزعجني بسبك وأما الذهب فإنه وقع مني وذلك لأني قد أخذته حراماً وقد تبت إلى الله تعالى مما جرى مني فشكر الله تعالى وتفرقا. كتب الشيخ شرف الدين عيس العالية إلى سيدنا ومولانا الشيخ بدر الدين محمد الدماميني ملغزا في عسل: يأيها المولى الرئيس ومن له ... ألفت مدحا كالجواهر نظمه اسمع سمعت الخير لغزا محكما ... يمضي على الألغاز جميعاً حكمه قالوا من الأطيار حقا أصله ... أكرم به أصلا يروقك طعمه لكنه ما حاز منقارا ولا ... ريشا واجنحة ولست أذمه والجسم منه ما حوى عظماً ولا ... لحما ويعجب من يراه جسمه وبفرد عين كم بدا لمعاين ... لم يدر ما هي من تبلد فهمه يا من له ذكر يفوح لناشق ... كالسمك حين يفيض عنه ختمه قل للذي يبدي الدعاوي قل لنا ... ما أصل هذا في الطيور وما اسمه إن قال هذا واضح فهو الذي ... قد غره فيما ادعاه وهمه من أين يعرف اسم شيء ربما ... أكلته في وقت المجاعة أمه فأجابه: يا فاضلا بين المحاسن نظمه ... ولعزه قد ذل عجزاً خصمه وطرّزت حلل البديع بمنطق ... منه علا بين الأفاضل رسمه شرف لأغراض البلاغة سابق ... ومن الفضائل قد توفر سهمه ألغزت في اسم عاطل حليته ... بنفس در صح فينا يتمه فإذا أضفت القلب منه لاسمه ... قلنا بهذا الفعل قد وضح اسمه وإذا عكست الأصل منه فهو أن ... أعربت لحنا ليس يجهل حكمه قد كانت الأذهان منه خلية ... فحوت به شهدا لذيذا طعمه وروى ابن سكرة حلاوة نظمه ... فقضى يتفطير المرارة همه ورأى بعين لغزك الحلو الجنى ... عذب المذاق فحار فيه وهمه وأعاذه بحلى أمير النحل إذا ... أضحى عليا في أفصاحه نظمه فاسلم وصغ البيان لفهمنا ... يا من تحلى بالنباهة فهمه

واصفح بفضل عن جواب سافل ... يا طالعا في خير أفق نجمه ومن تذكرة الوداعي قال الصاحب فخر الدين بن الشيرجي أهدي الأمير بدر الدين لولو المسعودي قصب سمر من الغور فأرسلت إليه مع الرسول أبلوجة سكر مكرر وكتب فيها رقعه فيها: كالبحر يمطره السحاب وما له ... فضل عليه لأنه من مائه أبو الحسن الجزار ملغزا: أتعرف لي حبلى ما تنفست ... سرى لا نوف القوم من طيها نشر ويرضع منه الندى ساعة حملها ... أبوها فيغدو وهي من وقتها بكر تريك جنينا وهو من غير جنسها ... فوجد أنه حلو وفقدانه مر عليه به ستر دقيق وإنما ... تجل إذا ما دق من فوقها الستر إذا كسرت في القوم تجبر كسرها ... فيحسن بعد الكسر من فلبها الجبر تروق عيون الناظرين جلالة ... إذا جلست يوماً وموضعها الصدر وقال الشيخ زين الدين بن الوردى: بعثت قطائفا روى ... حشاها قطرها الغامر فسكرها أبو ذر ... ومرسل صحنها جابر وقال الشيخ جمال الدين بن نياتة يستهدى قطرا: لجود قاضي القضاة أشكو ... عجزي عن الحلو في صيامي والقطر أرجو ولا عجيب ... للقطر يرجى من الغمام وقال الشيخ العلامة أبو محمد بن جابر الأندلسي نزيل حلب: وقفت للوداع زينب لما ... رحل كوكب والمدامع تسكب مسحت بالبنان دمعي وحلو ... سكب دمعي على أصابع زينب وقال الشيخ جمال الدين بن نياتة ملغزا: أحاجيك ما حلو اللسان وأنه ... لبكم إذ تعزى إليه المعازف يرى جالساً في الصدر ما كان كاملاً ... فإن نقصوه فهو في الخلق طائف وله يستهدى قطرا مولاي عندي للبنا قصائد ... تريك رياض اللفظ باسمة الزهر وتشتاق من إحسانك الحلو رسمها ... ولا عجب شوق الرياض إلى القطر ابن نيابة: أقول وقد جاء الغلام بصحته ... عقيب طعام الفطر يا غاية المنى بعيشك قل لي جاء صحن قطائف ... وبح باسم من أهوى ودعني من الكنى الصلاح الصفدي: أتاني صحن من قطائفك التي ... غدت وهي روض قد تنبت بالفطر ولا غرو أن صدقت حلو حديثها ... وسكرها يرويه لي عن أبي ذر وما احسن قول القاضي محي الدين بن عبد الظاهر في منزلة القطيفة: هذي القطيفة التي ... لا تشتهى عقلا ونقلا حشيت ببرد يابس ... فلاجل ذاك الحشو يقلى وقال الشيخ برهان الدين القبراطي وكتب بها إلى القاضي نور الدين بن حجر والد سيدنا القاضي شهاب الدين رحمهم الله: مولاي تور الدين ضيفك لم يزل ... يروى مكارمك الصحيحة عن عطا صدقت قطائفك الكبار حلاوة ... بفمي وليس بمنكر صدق القطا وأنشدني القاضي بدر الدين بن الدماميني قال أنشدني شرف الدين عيسى بن حجاج العالية لنفسه: تهن بنصف كم به حلاوة ... وجد لي بفضل لا يضيع ثوابه فإن لساني صارم وفمي له ... قراب وأرجو أن يحل قرابه وأنشدني من لفظه لنفسه شيخنا زين الدين بن العجمي أحد فضلاء الديار المصرية وقد أهدى له حلوء سكب: لفضلك يا قاضي القضاة مزية ... على السحب لا تخفى على من له لب فأول جود الغيث قطر مبدد ... وغيث نداك الجم أوله سكب ابن المنشد: وقطائف مثل البدور ... أتت لنا من غير وعد فحسبتها لما بدت ... في صحنها أقراص شهد السراج الوراق: قطائفك التي رقت جسوما ... لماضغها كما كتفت قلويا كغيم رق لكن فيه قطر ... غدا المرعى الجديب به خصيبا وقال أبو الحسن الجزار يستهدى قطرا: أيا علم الدين الذي جود كفه ... براحة قد أخجل الغيث والبحرا لئن أمحلت أرض الكنانة أنني ... لأرجو لها من سحب راحتك القطرا وله: سقى الله أكناف الكنافة بالقطر ... وجاد عليها سكر دائم الدر وتبا لأوقات المخلل إنها ... تمر بلا نفع وتحسب من عمري ولي زوجة إن تشتهى قاهرية ... أقول لها ما القاهرية في مصر المعلم المرصص: وحقك ما أوليتى من قطائف ... ألذ وأحلى من وصال القطائف وقد ضمنت مثل العتاب حلاوة ... ألم ترها ملفوفة كالصحائف ابن نياتة:

رعى الله نعماك التي من أقلها ... قطائف من قطر النبات لها قطر أمدّ لها كفى فأهتز فرحة ... كما انتفض العصفور بلله القطر وله: شكرا لبرك يا غيث العفاة ولا ... زالت مدائحك العلياء تنتخب قد جدت بالقطر حتى زدت في طمع ... وأول الغيث قطر ثم ينسكب سعد الدين بن عربي: قال القطائف للكنافة ما ... بالي أراك رقيقة الجسد أنا بالقلوب حلاوتي حشيت ... فتقطعي من كثرة الحسد ولآخر في أقرصة البسندود: أقرصة هشة مدورة ... كأنها في النقا كافور كانها في الصحاف مطبقة ... دراهم فوقها دنانير كتب سيدنا القاضي صدر الدين بن الأدمي إلى سيدنا وملانا أقضي القضاة بدر الدين محمد بن الدماميني ملغزا في لوذنج يقبل الأرض وينهي أنه أصدرها عن صدر محرور وقلب لانقطاعه عن الباب الكريم مكسور فاسبل عليها من فضلك ستور واعذر فإنها نفثة مصدور: يا من له في عروض الشعر أيد ... فاق الخليل بها فضلاً وتمكينا ما اسم دوائره في نظمه ائتلفت ... والثلم في صدرها مستعمل حينا أجزاؤه من زحاف الحشو قد سلمت ... هذا ويقطع مطويا ومخبونا تصحيف معكوسة لفظ يرادفه ... يا فرد يا رحلة قوم مقيمونا والعبد منتظر من خله فرجا ... لا زال سعدك بالإقبال مقرونا وقد جهزها لتنوب عنه في تقبيل اليد الكريمة وتستمطر من سحائب جوابه الصيب ديمه، فكتب إليه الجواب يقبل الأرض وينهي ورود المشرفة التي عذب معناها وشهد أهل الذوق بحلاوة مجناها وحاول العبد حل لغزها السير فإذن دون شهده ابن النحل وقرنه بألغاز المتأدبين فإذا هو مخصب النبات بتوال القطر وإذا تلك مطروقة المحل بالمحل وكادت مرارة الفقير تنفطر لعجزه عن هذه الحلاوة وجرى على عادته في الأسف المكرر حيث فقد هذا الرونق وتلك الطلاوة ولكنه عقد الفضيحة على نفسه بعد أن استقال وتجاسر بعد الخوف على نظم الجواب فقال: يا مرسلا من شهى النظم لي كلما ... منها ابن سكرة راح مغبونا لله درك صدرا من حلاوته ... وجوهر النظم لم يبرح يحلينا جليت لغزك إذ أبهمته فلذا ... يا فاتني رحت بالإعجاب مفتونا هذا وكم قد رأينا في دوائره ... للكف قبضا يزيد العقل تمكينا وكن لنا هاديا صوب الصواب ودم ... فينا أمينا رشيد الرأي مأمونا ولله تعالى يحلى أفواه ذاكريه بما هو أشهى من الوذانج وأحلى وأعناق المتأدبين من كلمه بما هو انفس من الدر وأغلى ويكلؤه في الإقامة والارتحال ويقي عيشه كل مرّ ويحفظه على كل حال، وقال الشيخ برهان القيراطي ملغزا: هذان لغزان قد حلا ببابك يا ... قاضي البرية ما هذان خصمان اسمان كل خماسي إذا كتبت ... حروفه وهما لا شك خدنان تباينا في الورى شكلا إذا نظرا ... وصورة وهما في الأصل مثلان يرى بكانون إصلاحاك أنهما ... كما لأصلهما نفع بنسيان في مصر والشام منسوب لأصلهما ... يضاف يا خبر بستان لبستان لكن إلى الصين منسوب مقرهما ... إن أحضرا في مكان بين أخوان لذا كنا وهو بين الناس ليس له ... من كنية ما انتحى في ذاك اثنان في البر يلقى وان فتشت عنه تجد ... في لجة البحر يلقى خمسه الثاني نبت أرى النار قد أبدت له ورقا ... فأعجب له ورقا ينمو بنيران يحيى إذا ما سقاه القطر وابله ... وجاده بسحاب منه هتان كبيقة هو لكن لا يشم ولا ... يضاف يوماً إلى أزهار بستان ذو رقة فإذا صحفته ظهرت ... كنافة منه فاستره بكتمان وكم له من بدور كمل طلعت ... في سائر الشهر لم تمحق بنقصان فقدها خيط فجر ابيض عجل ... بالرق يسطو عليها سطوة الجاني يا حسنها ألسنا أضحت حلاوتها ... يحلو المديح لها من كل ملسان تطوى على الحشو أحشاء وليس له ... في الأشعرية من رام بنكران بالطي والنشر في حال قد اتصفت ... والطي والنشر فيما قيل ضدان كم سكرت ففتحنا للدخول بها ... أبوابها فتلقتنا بإحسان حسناء أجمع أهل الحل اجمعهم ... والعقد منا عليها بعد عرفان

وصالها حل بالإجماع في زمن ... فيه الوصال حرام بعد أعيان ثلثا ثلاثة أخماس لها وجدا ... شيئاً يجئ بإيضاح وتبيان وما ذكرت من الخماس كم نطقت ... صدقا بذكر اسمها من غير بهتان وخمسها جبل لكن بقيتها ... في مكة ترتجى فوزا بغفران تقلى ولكن قلب تقربه ... ممن قلاها من الأقوام عينان ما مل ذا من القالي أماليه ... عنها وما خطر القالي لها شأني في الجوف منها قلوب جمة جمعت ... ولا يكون لجوف الشخص قلبان كم ظل يطرحها من لبس ذا شرف ... جهرا ويوصف مع هذا بإتقان جميلة الوصف طابت عنصرا وزكت ... أصلا وما سلمت من ظعن ظعان بالحل انعم سقى القطر المواطئ من ... أقدام سعيك في أرواء ظمآن وكتب الشيخ جمال الدين بن نياتة إلى بعض أصحابه وقد أرسل قطرا رديئاً وينهي أن الذي أرسل إليه مولانا الوصول وأحال عليه بالبر المحصول أرسل قطرا ولكن بزيادة حرفين فإذا هو قطران وبكسر أوله فإذا هو لسد الأمل الواحد قطران عندما شمه المملوك أنكره وعندما عاينه استغرب كدره حتى حلف بالسجدة ما هو غلا دخان وقالت عينه المنتظرة خير من هذا القطر قطر الأجفان وقال الفكر ما هذه إلا فعلة الواسطة التي فعلها وهو من الظالمين وهمته التي بعثها وهو من الآثمين ورد المملوك ذلك المرسل بالعيب لوقته وعجبت من الأيادي كيف نقض عليها سواد بخته وعلى كرم مولانا تدبير هذه القضية والله تعالى لا يخل الأمل من وجود سنته الشمسية بمنه وكرمه، وكتب إلى الجناب العالي العلائي ابن القلانسى وقد أرسل إليه سكرا يقبل الأرض وينتهى وصول البر الذي حلت مواقعه وجلت صنائعه وحلت عن أبهى وأبهر من بدر التمام مطالعه وأبيضت به أيادي الكرم وشب شخصه الجميل وغن كان أشبه شيء بالهرم فضمه المملوك كنهد الحبيب وقبله أحلى وأزهر من الثغر الشنيب وابتهج به نظرا وفكرا ونقطة بدمع السرور حتى عاد السكر بالتنقيط شكراً وكرر حديثه فقال هكذا يكون المكرر وهكذا يبعث قطعة من سحابه المسخر وهذا والله البر الذي لا يستبطئ لديه القصد منجحا والفضل الذي هو أحق بقول الأول لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى أمتع الله العفاة بيمين مولانا التي أعادت من العيش حلواء وعتب الدهر خلواء وشكر عوارفه التي ما فتح على مثلها الطالب جفنه وأياديه التي حسنت المدح حتى نسى الناس ما قال حسان في أهل جفته. فصل في الأشربة: عن ابن عباس (سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الشراب أفضل فقال الحلو البارد قالوا أراد العسل، وقال صلى الله عليه وسلم سيد الشراب الدنيا والآخرة الماء، وقيل لبعضهم أي الشراب أحب إليك فقال أعز مفقود وأهون موجود وكان المأمون يقول شراب الماء بالثلج أدعى إلى إخلاص الحمد، قال الحسن لفرقد بلغني إنك لا تأكل الخبيص قال إني لا أقوم بشكره قال وهل تقوم بشكر الماء البارد، صفة شراب ينفع من العطش والخمار ولهب المعدة يؤخذ من ماء الرمانين ومن ماء حماض الأترج من كل واحد نصف رطل ومن ماء الأجاص وماء نقيع التمر هندي من كل واحد رطل يطبخ بنار لينة حتى يغلظ ويصير في قوام الأشربة ويسقى منه أوقيتين بماء بارد وثلج وبماء ورد وماء خلاف. الفقاع: يتخذ من أصناف من الحلاوات يتخذ من السكر البياض النقي بأن يحل بالماء والماء ورد ويطيب بالمسك ويوعى ويبرد بالثلج ويستعمل ويتخذ من العسل ويتخذ من ماء الزبيب الحلو السمين ويتخذ من الدبس وغير ذلك ومن الناس من يطيبه بالزنجبيل أو الفلفل أو القرنفل مع المسك والماء ورد وهذا يضر المحرورين ومن الناس من يحل شراب التفاح ويصبه في كيزان الفقاع ويبرده ويستعمله وجميع أنواع الفقاع شربها الواجب النافع أن يكون قبل الطعام ويصبر عليها حتى ينحدر فأما بعده فلا فائدة فيه غير تجشيات يسيرة يلتذ الإنسان بخروجها.

الباب الرابع والثلاثون في بيت الخلاء المطلوب

فقاع ينفع المحرورين: يؤخذ من الخبز الحواري مثل ما يؤخذ من الشعير ويصنع منه فقاع ويضاف كرفس ونعنع وماء الرمان المز ويحلى بسكر بياض ويستعمل، وأهل دمشق يأخذون الفقاع الخرجى ويسمونه المسدب لأنه يعمل في كيزان محشوة بالسداب البري فينفضونه في الأواني النظيفة ويرمون فيه قطعة سكر بياض ويعصرون عليه ليمونا اخضر قدر ما يطيب لهم حمضه ويحركونه بعيدان نعنع بحيث يظهر طعمه فيه ظهوراً يسيرا ثم يبردونه بالثلج ويرش عليه الماء ورد وماء الخلاف ويستعملونه وهذه الصفة تنفع أصحاب الخمار وتشهى وتطيب النفس وتصرف، وأعلم أن جميع أنواع الفقاع تطيب بالأشياء المناسبة لمزاج شاربه، غن كان المزاج حاراً كانت المطيبات باردة وإن كان المزاج بارداً كانت المطيبات حارة. أنشدني من لفظه لنفسه الشيخ شهاب الدين أحمد بن الشيخ جمال الدين يوسف الزعيفراني رحمه الله: وكيزان من الفقاع جاءت ... زكت طعما على الشهد المذاب هدايا من أحبتنا ولكن ... كما قالوا على ورق السداب صفة أقسما ملوكية: يؤخذ سكر أبيض يعقد جلابا رقيقا أرق ما يكون ويؤخذ دقيق أبيض مثلث يطبخ مثل العصيدة القوية بغير ملح ويبرد ويجعل في طست وتضرب باليد ويقلب عليها الجلاب مغرقة وكلاما زدت ضربها باليد زادت رغوتها إلى أن يصير لها قوام الحريرة الشديدة الثخينة ثم يقلب عليها فقاع خرجى وفي مصر عوض الفقاع اقسما فإذا صارت رقيقة اجعلها في وعاء نظيف ويكون فيه أثر دبس أو اثر عسل وأجعل معها قبضة سداب مربوطة وقبضة مع نعنع كذلك واظرف الطيب ويجعل في مكان والزنجبيل وجوز الطيب وماء ورد ومسك ويكثر فيها من أظرف الطيب ويجعل في مكان داف ويغطى بغطاء كبير فإنها تبقى جميعها كالرغوة ثم إنها تطلع فإذا طلعت خذ له غناء زجاج أو حقا يمينا وبخره بالعنبر واجعله فيها واستعمله وعند استعمالها انفض عليها فقاعاً خرجيا فهذا النوع من الأقسما وهو أطيب من المشروبات. صفة نقوع مشمش يؤخذ المشمش اللوزي أو غيره يغسل من التراب والغبار غسلاً مستقصى ثم يصب عليه ماء اللينوفر وماء لسان الثور وماء ورد ويعصر عليه ماء رمان طري حامض ويرمى فيه طاقات نعنع ثم يحلى بسكر بياض ويترك حتى ينتقع المشمش في هذه المياه المذكورة نقعاً معتدلاً لا يبلغ أن يتهرى في إناء مبخر بالعنبر فإنه يجء في غاية الطيبة واللذة، ومن أراد أن يتنقل بالمشمش اليابس الطيب فيأخذ ماء ورد ومسكا يحلان في سكر فائق وقليل ماء ثم ينقع المشمش فيه بعد غسله بحيث لا يتهرى في نقعه بل يكون فيه قوة ظاهرة ثن يخرج المشمش من الماء المنقوع فيه ويجفف تجفيفاً معتدلاً في مكان نظيف ثم يتنقل به فإنه يكون في غاية الطيبة، ومن الأدعية المستعملة بين الناس قولهم هنيئاً مريئا فالهنئ الطعام الذي لا يحصل عقيب أكله أو هضمه ضرر والمرئ السريع الهضم. الباب الرابع والثلاثون في بيت الخلاء المطلوب قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد رحمه الله الخلاء بالمد في الأصل هو المكان الخالي كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة ثم كثر حتى تجوز به عن غير ذلك ثقال أنس بن مالك (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال اللهم إني أعوذ بك من الخنث والخبائث بضم الخاء والباء جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة استعاذ من ذكور الشياطين وإناثهم قال بعضهم إذا كمكل للإنسان في داره حسن ثلاثة مواضع لم يبال فيما فاته منها وهي: مجلس السكن والدهليز والكنيف. وفيه يقول المأموني: بيت إذا ما زاره زائر ... فقد قضى أعظم أوطاره يدخله المولى ببز كما ... يدخله العبد بأطماره وهو إذا ما كان مستصقاً ... مروّة الإنسان في داره وكان جعفر الصادق يقول من سعادة المرء سعة داره وحسن مجلسه ونظافة متوضاه. حكى عن بعض الحمقى أنه استدان سبعمائة درهم وأنفقها على كنيف داره فبلغ ذلك بعض أصحابه الظرفاء فقال ليت شعري ما الذي يريد يخرى فيه وحكى أبو الفرج الأصبهاني في أخبار العرجي عن الأصمعي قال مررت بكناس يكنس كنيفاً وهو يغني: أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر فقلت أما سداد الكنيف فمعلوم وأما سداد الثغر فلا علم لنا بك كيف أنت فيه وكنت حديث السن وأردت العبث به فأعرض عني ملياً ثم أقبل علي وأنشد:

وأكرم نفسي أنني إن أهنتها ... وحقك لم تكرم على أحد بعدي فقلت له والله ما أكرمتها وما يكون من الهوان أكثر مما أهنتها به فبأي شيء أكرمتها فقال بلى والله وإن من الهوان لشر ما أنا فيه فقلت وما هو قال الحاجة إليك وإلى أمثالك فانصرفت وأنا أخزي الناس. ومن أداب المضيف أنه يرى الضيف بيت الخلاء، قال ملك الهند إذا أضافك أحد فأره الكنيف فإني قد ابتليت فوضعت في قلنسوتي. نادرة: قيل إن رجلاً حكى قال كنت بائتاً في بيت بين جماعة وكنت ضيفاً فتحركت بطني في أثناء الليل فقمت فلم أجد موضعاً فطفت في البيت فإذا أنا بمهد طفل فأخذت الطفل في حجري ثم خريت في المهد ثم رجعت لأرد الطفل في المهد فإذا به قد خري في حجري أضعاف ما خريت في مهده فما جرى على كاتبه أعظم. قلت: الطبيعة مكافئة. ومثلها حكي أن دعبل بن علي الخزاعي دعا أبا هفان فأطعمه ألواناً كثيرة الحبوب وسقاه نبيذاً حلواً وغمز الجواري أن لا يدلوه على بيت الخلاء ثم تركه ونام فلما أجهده الأمر قال لبعض الجواري أين الخلاء فقالت الأخرى ما يقول سيدي قالت يقول غنوني فغنت: خلا من آل عالية الديار ... فمثوى أهلها منها قفار فغنت هذه وضربت هذه وزمرت هذه وشربوا أقداحاً وسقوه فقال قد أحسنتم وجددتم غير أنكم لم تأتوا على ما في نفسي وسكت فلما أجهده الأمر قال لعل الجارية بغدادية لم تفهم ما قلت لها ثم التفت إلى أخرى وقال لها فداك أبوك أين المستراح فقال الأخرى ما يقول سيدي قالت يقول غنوني فغنت: واستريح إلى ليلى فاذكرها ... كما استراح عليل من شكيه فغنت هذه وضربت هذه وزمرت هذه وشبوا أقداحاً وسقوه فقال أحسنتم وجددتم غير أنكم لم تأتوا على ما في غرضي ثم قال لعلها ما فهمت ثم قال لإحداهن فداك أبوك أين الحش فقالت الأخرى ما يقول سيدي قالت يقول غنوني فغنت: وحاشاك أن أدعو عليم وإنما ... أردت بهذا القول أن تقبلي عذري فغنت هذه وضربت هذه وزمرت هذه وشربوا أقداحاً فقال أحسنتم وجددتم غير أنكم لم تأتوني على مقصدي ثم أجهده الأمر فقال لعلها كوفية ثم قال للأخرى فداك أبوك أين الكنيف فقالت الأخرى ما يقول سيدي قالت غنوني: تكنفني الوشوان من كل جانب ... ولو كان واش واحد لكفاني فغنت هذه وضربت هذه وزمرت هذه وشربوا أقداحاً فما تمالك حتى وثب وحل سراويله وذرق في وجوههن فتصارخن فانتبه دعبل فقال ما شانك يا أبا هفان فقال: تكنفني السلاح فأضجروني ... على ما بي بنيات الزواني فلما قل عن حالي اصطباري ... رميت به على وجه الغواني فقام دعبل فدله على الخلاء فدخل واغتسل وخلع عليه بعد أن ضحك منه ضحكاً عظيماً، وما اظرف قول الشيخ جمال الدين بن نباتة: أمط بالدوا ثياب الأذى ... وطب في الرواح به والغدو وكرر أحاديث بيت الخلاء ... ولكن على رغم أنف العدو ولبعضهم يستحث: يا قاعداً متفكراً ... لمن الولاية بالعراق ارحم فديتك مدنفاً ... قد لف ساقاً فوق ساق نادرة: قال رجل لآخر يمدحه أنت من بيت الطهارة فقال الرجل دعني من هذا المدح فقال صدقت الشكر في الوجه ذم ولكن أنا أذكرك في الخلاء. حكي أن بعض الكتاب كان يلقب بجعيص فلقيه بعض حرفائه فقال له أوحشتني يا جعيص وأين كنت فأنشده: وحيث ما كنت من بلاد ... فلي إلى وجهك التفات قلت: وضمن هذا الشيخ بدر الدين بن الصاحب فقال: يا كعبة الله إن رحلنا ... وطال ما بيننا الشتات فحيث ما كنت من بلاد ... فلي إلى وجهك التفات

الباب الخامس والثلاثون في نبلاء الأطباء

(رجع) كان لبعض المغفلين دار فقال له الساكن إن الكنيف قد انفتح فقال له صاحب الدار نظرت إليه من أيام وأردت أن أتغدى به قبل أن يتعشى بي فسبقني، قلت الشيء يذكر بلوازمه نقلت من خط الفاضل المؤرخ الناظم الناثر الرحال صاحب المؤلفات المبدعة نور الدين علي بن سعيد من كتابه الذي سماه بالمغرب في أجلاء المغرب قال في ترجمة أبي العباس أحمد بن القاسم وهو الذي يقول فيه ابن تقي في موشحته المشهورة التي منها أماً ترى أحمد في مجده العالي لا يلحق أطلعه الغرب فأرنا مثله يا مشرق وجرت له معي حكايات أكرمها حكايته وقد وفد عليه مرة فوجده قد عج عن لارتياح وأقلع عن شرب الراح وكانت له عادة بإحضاره المجلس راحته عندما يصل فخطب ذلك منه فأعلمه بتوبته وتكلف له مجلساً فيه أصحابه ومن يشرب من أقاربه وحضر هو فيه عازماً على المؤانسة دون المشاركة في شراب فقال ابن تقي موشحته المشهورة: نديماً قد طا ... ب عن له وأنشد وأردد عليه الكأ ... س عساه يرتد فارتد عن توبته وشرب كأسه من نوبته وأتى من المطايبة والطرب ما قر به عين الظرف والأدب ولما أخذ السكر من ابن تقي قام المستراح وفي وسطه كيس فيه جملة من الذهب الذي جرت عادة أبي العباس أن يصله به في كل سفرة وما اجتمع له من غيره فحله وحطه في كوة المستراح حتى يقضى شغله ثم فرغ ومضى ونسي الكيس لما كان فيه من السكر ونام فلما اصبح وصحا قلب ليطلب الكيس فلم يجد شيئاً ونظر إليه أبو العباس فقال له ما لك فأخبره فقال أنا أخذته منك البارحة لئلا يضيع منك وإذا احتجت إليه دفعته لك واستفهمه عن عدد ما فيه فأخبره فلما دخل إلى منزله جعل في كيس من عنده ذلك العدد ودفعه إليه وابن تقي لا يشك أنه ذهبه ثم ودعه وانصرف ولما اجتاز عليه في سفرة ثانية حضر في ذلك المجلس ليلة على مثل تلك الحالة فلما سكر قام إلى المستراح ثم تفكر في حالة السكر أنه كان قد حل هناك سراويله ووضع الكيس في الكوة فمد يده إلى الكوة وجد الكيس بعينه فأخذه وجعله في وسطه ثم عاد لشربه والمجلس غاص محتفل بالأعيان فبكى ابن تقي وكدر المجلس فظن أبو العباس أنه جرى عليه ما أوجب ذلك فقال له ما يبكيك هل نابك أمر أكشفه عنك فقال والله ما أبكي إلا حسرة على العالم أنه لا يخلد مثلك فيه وحكى الحكاية فقال أبو العباس ما كان يسعني في ذلك الوقت إلا ما فعلته لأني خفت أن يكون ضاع لك فتتهم به أحد ندمائي ويشيع ذلك ولابد من غرمه لك لئلا تنصرف خائباً فكان الأولى غرمه دون أن يفتضح أحد من أصحابنا فقبل الأرض ودعى لي وهذه إحدى مكارمه جدد الله عليه الرحمة وجازاه بما هو أهله في جنة الفردوس من النعمة آمين آمين. سألني بعض المخاديم أن انظم له أبياتاً تكتب على الخريشت الذي جدده بعد حريقه وانهدامه في الواقعة المشهورة الخواجا بدر الدين محمد بن الخواجا شمس الدين محمد اتبن المزلق أدام الله سعدهما بباب البريد بالجامع الأموي وكان والده قد بيضه: يا بقعة لقضا الحوايج أسست ... لازال سعدك دائماً يتزيد لمحتك من بدر وشمس نظرة ... فغدا قراناً سعده لك يرصد جددت فعل الخير يا بن مزلق ... لازال فعل الخير منك يجدد عشرون بيتاً قد قصدت رويها ... يا خير من يروي ومن يتقصد كانت مسودة وقد بيضتها ... فالماء للأبيات منها ينشد وإذا نظرت إلى البقاع وجدتها ... تشقى كما تشقى الرجال وتسعد الباب الخامس والثلاثون في نبلاء الأطباء

قال الحكيم الفاضل الفيلسوف العارف ابقراط ينبغي أن يكون الطبيب حراً في جنسه جيداً في طبعه حديث السن معتدل القامة متناسب الأعضاء جيد الفهم حسن الحديث صحيح الرأي عند المشورة عفيفاً شجاعاً غير محب للفضة مالكاً لنفسه عند الغضب ولا يكون تاركاً له في الغاية ولا يكون بليداً وينبغي أن يكون مشاركاص للعليل مشفقاً عليه حافظاً للأسرار لأن كثيراً من المرضى يوقفونا على أمراض بهم لا يحبون أن يقف عليها غيرهم وينبغي أن يكون محتملاً للشتيمة لأن قوماً من المبرسمين وأصحاب الوسواس السوادي يقابلونا بذلك وينبغي لنا أن نتحملهم ونعلم أنه ليس منهم ذلك وأن سببه المرض الخارج عن الطبيعة وينبغي أن يكون حلق رأسه معتدلاً مستوياً لا يحلقه ولا يدعه كالجمة ولا يستقصي قص أظافير يديه ولا يتركها تعلو على أطراف أصابعه وينبغي أن تكون ثيابه نظيفة بيضاء نقية لينة ولا يكون في مشيه مستعجلاً لأن ذلك دليل الطيش ولا متباطئاً لأنه يدل على فتور النفس وإذا دعي إلى المريض فليقعد متربعاً ويختبر منه حاله بسكون وتأن لا بقلق واضطراب فإن هذا الشكل والزي والترتيب عندي أفضل من غيره وأبقراط هذا أول من برهن كيف يكون المرض والصحة في جميع الحيوان وفي النبات وهو الذي استنبط أجناس الأمراض وجهات مداواتها وكانت لها العناية في نفع المرضى ومداواتهم ويقال له أنه أول من جدد البيمارستان واخترعه وأوجده وذلك أنه عمل بالقرب من داره موضعاً من بستان له مفرداً للمرضى وجعل فيه خدماً يقومون بمداواتهم وسماه أخشندوكين أي مجمع المرضى ولذلك أيضاً يقع لفظه البيمارستان وهو فارسي وذلك أن البيمار بالفارسي هو المرضى وستان هو موضع المرضى ولم يكن له داب في مدة حياته وطول بقائه إلا النظر في صنعة الطب واتخاذ قوانينها ومداواة المرضى واتصال الراحة إليهم وإنقاذهم من عللهم ولم يكن لأبقراط رغبة في خدمة أحد من الملوك لطلب الغنى ولا في زيادة مال وكان أبقراط في زمن بهمن بن اسفنديار بن بستاسب وظهر أبقراط سنة ست وتسعين لبختنصر وهي أربع عشرة لملك بهمن وأما تفسير اسمه فإن معناه ضابط الحيل وقيل معناه ماسك الأرواح وقيل ماسك الصحة وأصل اسمه باليونانية ابقوقراطيس ويقال هو بقراطيس وإنما العرب عادتها أن تخفف الأسماء فخفف هذا الاسم فقالوا أبقراط وبقراط أيضاً وقد جرى ذلك كثيراً في الشعر ويقال أيضاً بالتاء أبقرات وبقرات ومات مفلوجاً ومن ألفاظه الحكمية ونوادره المفردة في الطب قال الطب قياس وتجربة وقال العادة إذا قدمت صارت طبيعة ثانية والزجر والفأل حس نفساني وقال كل مرض معروف السبب موجود الشفاء وقال لا تأكل حتى تجوع وقال يتداوى كل عليل بعقاقير أرضه فإن الطبيعة تفرغ إلى عادتها وقيل له لم يكون البدن أثور ما يكون إذا شرب الإنسان الدواء قال لأن أشد ما يكون البيت غباراً إذا كنس وقال مثل المنى في الظهر كمثل الماء في البئر إن نزفته فار وإن تركته غار وقال إن المجامع يقتلع من ماء الحياة وسئل في كم ينبغي للإنسان أن يجامع قال في كل سنة مرة قيل فإن لم يقدر قال في كل شهر مرة قيل فإن لم يقدر قال في كل أسبوع مرة قيل له فإن لم يقدر هي روحه أي وقت شاء يخرجها وقال العافية ملك خفي لا يعرف قدرها إلا من عدمها وقيل له أي العيش خير فقال الأمن مع الفقير خير من الغني مع الخوف ودخل على عليل فقال له أنا وأنت والعلة ثلاثة فإن أعنتني عليها بالقبول لما تسمع مني صرنا اثنين وانفردت العلة فقوينا عليها والاثنان إذا اجتمعا على واحد غلباه وقال للقلب آفتان وهما الغم والهم فالغم يعرض منه النوم والهم يعرض منه السهر وذلك أن الهم فيه فكر في الخوف بما سيكون فمنه يكون السهر والغم لا فكر فيه لنه إنما يكون بما قد مضى وانقضى ومن كلامه في العشق طمع يتولد في القلب وتجتمع فيه مواد من الحرص وكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج وشدة القلق وكثرة السهر وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السوداء والتهاب الصفراء وانقلابها إلى السوداء ومن طغيان السوداء فساد الفكر ومع فساد الفكر تكون الندامة ونقصان العقل ورجاء ما لم يكن وتمنى ما لم يتم حتى يؤدي ذلك إلى الجنون فحينئذ ربما قتل العاشق نفسه وربما مات غماً وربما وصل إلى معشوقه فيموت فرحاً وأسفاً وربما شهق شهقة فتخفى فيها روحه أربعاً وعشرين ساعة

فيظن أنه قد مات فيقبر وهو حي وربما تنفس الصعداء فتختنق نفسه في تامور قلبه فينضم عليها القلب فلا تنفرج حتى يموت وربما ارتاح وتشوق للنظر أو رأى من يحب فيموت فجأة دفعة واحدة وأنت ترى العاشق إذا سمع بذكر من يحب كيف يهرب دمه ويستحيل لونه وزوال ذلك عمن هذه حاله بلطف رب العالمين لا بتدبير من الآدميين وذلك أن المكروه العارض من سبب قائم بمفرده بنفسه بتهيء التلطف في إزالته بإزالة سببه فإذا وقع السببان وكل واحد منهما علة لصاحبه لم يكن إلى زوال واحد منهما سبيل كما إذا كانت السوداء سبباً لاتصال الفكر سبباً لإحراق الدم والصفراء وميلهما إلى السوداء فالسوداء كلما قويت قويت قوة الفكر والفكر كلما قوي قويت السوداء فهذا الداء العياء الذي تعجزه عن معالجته الأطباء ومن كلامه الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع وقال أما العقلاء فيجب أن يسقوا الخمر وأما الحمقاء فيجب أن يسقوا الحريف وقال ليس معي من فضيلة العلم إلا علمي بأني لست بعالم وقال المالك للشيء هو المسلط عليه فمن أحب أن يكون حراً فلا يهوى ما ليس له وليهرب منه وإلا صار له عبداً وقال لتلميذ لكه إن أحببت أن لا تفوتك شهوة فاشته ما يمكنك وقال الدنيا غير باقية فإذا أمكن الخير فاصطنعوه وإذا عدمتم ذلك فتحمدوا واتخذ من الذكر أحسنه. انتهى. ما لخصته من ترجمة ابقراط من طبقات الأطباء للعلامة موفق الدين أبي العباس أحمد بن أبي القاسم الخزرجي المعروف بابن أبي أصبيعة رحمه الله. وذكر الشيخ جمال الدين بن نباتة في شرح العيون ومن ظرائف حكايات أبقراط أن ولد أحد الملوك عشق جارية من حظايا ابيه فنحل بدنه واشتدت علته وهو كاتم خبره فأحضر ابقراط فجس نبضه ونظر إلى بشرته فلم ير علة فذاكره حديث العشق فرآه يهتز لذلك ويضطرب فاستخبر الحال من حاضنته فلم يكن عندها خبر فقال هل خرج من الدار فقالت لا فقال لأبيه مر برئيس الخصيان بطاعتي فأمره فقال أخرج عليّ النساء فخرجن وابقراط أصبعه على نبض الصبي فلما خرجت الجارية اضطرب عرقه وحار طبعه فعلم ابقراط أنها المعنية فصار إلى الملك فقال إن ابن الملك عاشق لمن الوصول إليها صعب قال الملك من هي قال زوجتي فقال انزل عنها ولك عنها بدل فتمنع ابقراط وقال هل رأيت أحداً كلف أحداً إلى طلاق زوجته ولاسيما الملك في عدله ونصفته يأمرني بمفارقة زوجتي وهي عديلة روحي فقال الملك إني أوثر عليك عليك وأعوض لك أحسن منها فامتنع حتى بلغ الأمر إلى التهديد والسيف فقال إن الملك لا يسمى عادلاً حتى ينصف من نفسه أرأيت لو كانت العشيقة حظية الملك ففهم الملك المراد وقال يا ابقراط عقلك أتم من معرفتك ونزل عن الحظية لابنه وشفي الفتى.

فيثاغورس: قال القاضي صاعد في طبقات الأمم إن فيثاغورس كان بعدى بندقليس بزمان وأخذ الحكمة عن أصحاب سليمان بن داود عليها السلام بمصر حين دخلوا إليها من بلاد الشام ومن كلامه وآدابه وحكمه قال كما أن بدء وجودنا وخلقنا من الله سبحانه هكذا ينبغي أن تكون نفوسنا منصرفة إلى الله تعالى وقال الفكرة لله خاصة فمحبتها متصلة بمحبة الله ومن أحب الله سبحانه وتعالى عمل بمحابة ومن عمل بمحابة قرب منه ومن قرب منه نجا وقال الأقوال الكثيرة في الله تعالى علامة تقصير الإنسان عن معرفته وقال ما لا ينبغي أن تفعله احذر أن تخطره ببالك وقال الأشكال المزخرفة والأمور المموهة في أقصر الأزمان تتبهرج وقال الأخلق بالإنسان أن يفعل ما ينبغي لا ما يشتهي وقال الدنيا دول مرة لك وأخرى عليك فإن توليت فأحسن وإن تولوك فألن وكان يقول إن اكثر الآفات إنما تعرض للحيوانات من عدمها الكلام وتعرض للإنسان من قبل الكلام وكان يقول من استطاع أن يمنع نفسه من أربعة أشياء فهو خليق أن لا ينزل به مكروه كما ينزل بغيره: العجلة واللجاجة والعجب والتواني فثمرة العجلة الندامة اللجاجة الحيرة وثمرة العجب البغضاء وثمرة التواني الزلة ونظر إلى رجل عليه ثياب فاخرة يتكلم فليحن في كلامه فقال له إما أن تتكلم بكلام يشبه ثيابك أو تلبس لباساً يشبه كلامك وقال استعمل الفكر قبل العمل وقال كثرة العدو تقل الهدو وحضرت امرأته الوفاة في أرض غربة فجعل أصحابه يتحرقون على موتها في أرض الغربة فقال يا معشر الإخوان ليس بين الموت في الغربة والوطن فرق وذلك أن الطريق إلى الآخرة واحدة من جميع النواحي وقيل ما أحلى الأشياء هي الإنسان وقال أنكى لعدوك أن لاتريه أنك تتخذه عدواً. انتهى كلامه.

سقراط: كان من تلاميذ فيثاغورس واقتصر من الفلسفة على العلوم الإلهية وأعرض عن ملاذ الدنيا ورفضها وأعلن بمخالفة اليونانيين في عبادتهم الأصنام وقابل رؤساءهم بالحجاج والأدلة فثوروا العامة عليه واضطروا ملكهم إلى قتلة فأودعه الملك الحبس تحمداً إليهم ثم سقاه تفادياً من شرهم من مناظرات جرت له مع الملك محفوظة وله وصايا شريفة وآداب فاضلة وحكم مشهور ومعنى سقراطيس باليونانية المعتصم بالعدل وبلغ من تعظيمه الحكمة مبلغاً أضر بمن بعده من محبي الحكمة لأنه كان من رأيه أن لا يستودع الحكمة الصحف ولا القراطيس تنزيهاً لها عن ذلك ويقول إن الحكمة طاهرة مقدسة فلا ينبغي أن تستودعها إلا الأنفس الحية وتنزهها عن الجلود الميتة ولم يصنف كتاباً ولا أملي على أحد من تلاميذه ما أثبته في قرطاس وإنما كان يلقنهم علمه تقيناً لا غير وتعلم ذلك من أستاذه طيماوس فإنه قال في صباه لا تدعني أدون ما اسمع منك من الحكمة فقال له ما أوثقك بجلود البهائم الميتة وأزهدك في الخواطر الحية هب إنساناً لقيك في طريق فسألك عن شيء من العلم هل كان يحسن أن تحيله على الرجوع إلى منزلك والنظر في كتبك فإن كان لا يحسن فالزم الحفظ فلزمه سقراط ومن آداب سقراط وحكمه ونوادره ما ذكره الأمير المبشر بن فاتك في كتابه قال سقراط عجباً لمن عرف فناء الدنيا كيف تلهيه عما ليس له فناء وقال النفس جامعة لكل شيء فمن عرف كل شيء وقال ما ضاع من عرف نفسه وما أضيع من جهل نفسه وقال ستة لا تفارقهم الكآبة: الحقود والحسود وحديث عهد بغنى وغنى يخاف الفقر وطالب رتبة يقصر قدره عنها وجليس أهل الأدب وليس منهم وقال خير من الخير وشر من الشر من عمل به وقال اتقوا ما تبغضنه قلوبكم وقال من اهتم بالدنيا ضيع نفسه ومن اهتم بنفسه زهد في الدنيا وقال طالب الدنيا إن نال ما أمل تركه لغيره وإن لم ينل ما أمل مات بغصة وقال من احب أن لا تفوته شهوة فليشته ما يمكنه وقال له رجل شريف الجنس وضيع الخلائق أمات تأنف نفسك يا سقراط من خساسة جنسك فأجابه جنسك عندك انتهى وجنسي مني ابتدئ وقال لا يكون الحكيم حكيماً حتى يغلب شهوات الجسم وكان يقول القينة مخدومة ومن خدم غير ذاته فليس بحر وقال إنما جعل للإنسان لسان واحد وأذنان ليكون ما يسمعه أكثر مما يتكلم به وقال أنفع ما اقتناه الإنسان الصديق المخلص وقال الصامت ينسب إلى العي والمتكلم ينسب إلى الفضول ويندم وقال إذا ضاق صدرك بسرك فصدر غيرك به أضيق وقال من أراد النجاة من مكائد الشيطان فلا يطيعن امرأة فإن النساء سلم منصوب ليس للشيطان حيلة إلا بالصعود عليه وقال لتلميذ له يا بني إن لك من النساء فاجعل لقاءك لهن كأكل الميتة ولا تأكلها إلا عند الضرورة فتأخذ منها بقدر ما يقيم الرمق فإن أخذ آخذ منها فوق الحاجة أسقمته وقتلته وقيل له ما تقول في النساء فقال هن كشجر الدفلى له رونق وبهاء فإذا أكله الغر قتله وقال من قل همه على ما فاته استراحت نفسه وصفا ذهنه وقال أفضل السيرة طيب المكسب وتقدير الإنفاق وقال من يجرب يزدد علماً ومن يؤمن يزدد يقيناً ومن يستيقن يعمل جاهداً ومن يحرص على العمل يزدد قوة ومن يكسل يزدد فترة وقال القينة ينبوع الأحزان فلا تقنوا الأحزان وقال لولا أن في قولي أنني لا أعلم أخباراً أنني اعلم لقلت إني لا أعلم. أفلاطون:

فيلسوفي يوناني طبي عالم بالهندسة وطبائع الأعداد ومعنى اسمه العميم الواسع لزم سقراط وسمع منه خمس سنين ثم مات سقراط فبلغه أن بمصر قوماً من أصحاب فيثاغورس فسار إليهم حتى أخذ عنهم وبلغ من العمر إحدى وثمانين سنة وكان حسن الأخلاق كريم الأفعال كثير الإحسان إلى كل أحد غريباً وقريباً مبتدأ حكمياً صبوراً ومن كلامه ومواعظه العادة على كل شيء سلطان وقال من لم يواس الأخوان عند دولته خذلوه عند فاقته وقيل له لم لا تجتمع الحكمة والملك فقال لعز الكمال وقال إذا أردت أن تدوم لك اللذة فلا تستوفي الملتذ أبداً بل دع فيه فضله تدوم لك اللذة وقال غاية الأدب أن يستحي المرء من نفسه وقال ما ألمت نفسي إلا من ثلاث من غني افتقر وعزيز ذل وحكيم تلاعبت به الجهال وقال لا تطلب سرعة العمل واطلب تجويده فإن الناس ليس يسألون في كم فرغ من هذا العمل وإنما يسألون عن جودة صنعته وقال اطلب في الحياة العلم والمال تحز الرياسة على الناس لأنهم بين خاص وعام فالخاصة تفضلك بما تحسن والعامة تفضلك بما تملك وقال عين المحب عمياء عن عيب المحبوب وقال الحلم لا ينسب إلا إلى من قدر على السطوة والزهد لا ينسب إلا إلى من ترك بعد المقدرة وقال الحسن الخلق من صبر على السيء الخلق وقال أشرف الناس من شرفته الفضائل لا من يشرف بالفضائل وذلك أن من كانت الفضائل فيه جوهرية فهي تشرفه ومن كانت فيه عرضية تشرف بها ولم تشرفه وقال الحياء إذا توسط وقف الإنسان عما عابه وإذا أفرطه وقفه عما يحتاج إليه وإذا قصر خلع عنه ثوب التجمل في كثير من أحواله وقال لا تصحب الشرير فإن طبعك يسرق من طبعه شراً وأنت لا تدري ةوقال من مدحك بما ليس فيك من الجميل وهو راض عنك ذمك بما ليس فيك من القبيح وهو ساخط عليك وقال رب مغبوط بنعمة هي بلاؤه ورب محسود على حال هي دواؤه وقال الأمل خداع النفوس لا تستكثرن من عشرة حملة عيوب الناس فإنهم يلتقطون ما غفلت عنه وينقله إلى غيرك كما ينقلون عنهم إليك وقال الإفراط في النصيحة يوهم بصاحبها كثيراً من المظنة وقال ليس ينبغي للرجل أن يشغل قلبه بما ذهب منه ولكن يعتني بحفظ ما بقي عليه وسئل عند موته عن الدنيا فقال خرجت إليها مضطراً وعشت فيها متحيراً وها أنا أخرج منها كارهاً ولم أعلم فيها أنني لا أعلم. أرسطاطاليس: وتفسيره تام الفضيلة قال سليمان بن حسان المعروف بابن حلجل في كتابه عن ارسطاطاليس أنه كان فيلسوف اليونان وعالمها ونحريرها وخطيبها وطبيبها وكان أوحداً في الطب وغلب عليه علم الفلسفة قال المسعودي وكان أفلاطون يجلس فيستدعي من الكلام فيقول حتى يحضر الناس وربما قال حتى يحضر العقل فإذا حضر قال تكلموا فقد حضر العقل ومن كلامه وحكمه رغبتك فيمن زهد فيك ذل نفس وزهدك فيمن يرغب فيك قصر همة وقال الجاهل عدو نفسه فكيف يكون صديق غيره وقال الحاجة تفتح أبواب الحيلة ونظر إلى حديث يتهاون بالعلم فقال له إنك لم تصبر على تعب العلم وصبرت على شقاء الجهل وقال كفى بالتجارب تأدباً وبالأيام عظة وقال خير الأشياء أجدها إلا المودات وقال كلام العجلة موكل بالزلل وأعاد على تلميذ له مسألة فقال له أفهمت فقال التلميذ نعم فقال لا أرى آثار الفهم عليك قال وكيف ذلك قال لا أراك مسروراً والدليل على الفهم السرور. جالينوس: وكان مولده من بعد زمان المسيح بتسعة وخمسين سنة على أرخه اسحاق بن حنين وأما قول من زعم أنه كان معاصره وأنه توجه ليراه ويؤمن به فغير صحيح وقد أورد جالينوس في مواضع متفرقة من كتبه ذكر موسى وعيسى وتبين من قوله أنه كان من بعد المسيح بهذه المدة التي تقدم ذكرها ومن ألفاظ جالينوس وحكمه ونوادره ما ذكر حنين بن اسحاق في كتاب نوادر الفلاسفة والحكماء وآداب المعلمين القدماء قال الهم فناء القلب والغم مرض القلب ثم بين ذلك فقال الغم بما كان والهم بما يكون وفي مواضع أخر الغم بما فات والهم بما هو آت.

ومن كلامه في العشق قال العشق استحسان ينضاف إليه طمع وقال لن واحكم تتبل تنل ولا تكن معجباً فتمتهن وقال الحياء خوف المستحيي من نقص يقع به عند من هو أفضل منه وقال يتهيأ للإنسان أن يصلح أخلاقه إذا عرف نفسه فإن معرفة الإنسان هي الحكمة العظمى وذلك أن الإنسان لإفراط محبته لنفسه بالطبع يظن بها من الجميل ما ليست عليه حتى أن قوماً يظنون بأنفسهم أنهم شجعان وكرماء وليسوا كذلك وأما العقل فيكاد أن يكون الناس كلهم يظنون بأنفسهم التقدم فيه وأقرب الناس إلى الذي يظن ذلك بنفسه أقلهم عقلاً ورأى رجلاً تعظمه الملوك لشدة جسمه فسال لشدة جسمه فسأل عن أعظم ما فعله فقالوا أنه حمل ثوراً مذبوحاً من وسط الهيكل حتى أخرجه خارجاً فقال لهم فقد كانت نفس الثور تحمله ولم يكن لها في حمله فضيلة وقال إن العليل يتروح بنسيم أرضه كما تتروح الأرض الجدبة ببل القطر وقيل له متى ينبغي للإنسان أن يموت قال إذا جهل ما يضره مما ينفعه ومن كلامه أنه سئل عن الأخلاط الأربعة فقيل له ما قولك في الدموي فقال عبد مملوك وربما قتل العبد مولاه قيل له فما قولك في الصفراء قال كلب عقور في حديقة قيل له فما قولك في البلغم قال ذلك الملك الرئيس كلما أغلقت عليه بابا فتح لنفسه باباً قيل له فما قولك في السوداء قال هيهات تلك الأرض إذا تحركت تحرك ما عليها ومن ذلك قال أنا ممثل لك مثالاً في الأخلاط الأربعة فأقول إن مثال الصفراء وهي المرة الحمراء كمثل امرأة سليطة صالحة تقية فهي تؤذي بطول لسانها وسرعة غضبها إلا أنها ترجع سريعاً بلا غائلة ومثل الدموي كمثل الكلب فإذا دخل دارك فعاجله إما بإخراجه أو قتله ومثل البلغم في البدن إذا تحرك مثل ملك دخل بيتك وأنت تخاف ظلمه وجوره وليس يمكن أن تخرق به وتؤذيه بل يجب أن ترفق به وتخرجه ومثل السوداء في الجسد مثل الإنسان الحقود الذي لا يتوهم فيه بما في نفسه ثم يثب وثبة فلا يبقى مكروهاً إلا يفعله ولا يرجع إلا بعد الجهد الجهيد. ومن تمثيلاته الظريفة قال الطبيعة كالمدعي والعلة كالخصم والعاملات كالشهود والقارورة والنبض كالبينة ويوم البحران كفصل القضاء والفضل والمرض كالمتوكل والطبيب كالقاضي.

ابن كلدة الثقفي لما وفد على كسرى أنوشروان اذن له بالدخول فلما وقف بين يديه منتصباً قال له من أنت قال أنا الحرث بن كلدة قال فما صناعتك قال الطب قال أعرابي أنت قال نعم من صميمها وبحبوحة دارها قال فما تصنع العرب بطبيب مع جهلها وضعف عقولها وسوء أغذيتها قال أيها الملك إنه إذا كانت هذه صفتها كانت أحوج إلى ما يصلح جهلها ويقيم عوجها ويسوس أبدانها ويعدل أمشاجها فإن العاقل يعرف ذلك من نفسه ويميز موضع دائه ويحترز عن الأدواء كلها بحسن سياسته لنفسه قال كسرى فكيف تعرف ما تورده عليها ولو عرفت الحكم لم تنسب إلى الجهل قال الطفل يناغي فيداوي والحية ترقي فتحاوي ثم قال أيها الملك العقل من قسم الله تعالى قسمه بين عباده كقسمة الرزق فيهم فكل من قسمته أصاب وخص بها قوم وزاد فمنهم مثر ومعدوم وجاهل وعالم وعاجز وحازم ذلك تقدير العزيز العليم قال كسرى فما الداء الدوى قال إدخال الطعام على الطعام وهو الذي يفني البرية ويهلك السباع في البرية قال أصبت قال فما العلة التي تظلم منها الأدواء قال هي التخمة إن بقيت في الجوف قتلت وإن تخللت أسقمت قال صدقت قال فما تقول في الحجامة قال كفي نقص الهلال في صحو لا مغيم فيه والنفس طيبة والعروق ساكنة لسرور يفاجئك وهم يباعدك قال فما تقول في الحمام قال لا تدخله شعباناً ولا تغش أهلك سكراناً ولا تقم بالليل عرياناً ولا تقعد على الطعام غضباناً وارفق بنفسك تكن رخي البال وقلل من طعامك يكن أهنى لنومك قال فما تقول في الدواء قال ما لزمتك الصحة فأجبتنه فإن هاج داء فاحسمه بما يردعه قبل استحكامه فإن البدن بمنزلة الأرض إن أصلحتها عمرت وإن تركتها خربت قال فما تقول في الشراب قال أطيبه أهنأه وأرتقه أمرأة وأعذبه أشهاه تشربه صرفاً فيورثك صداعاً ويثير عليك من الأدواء أنواعاً قال فأي اللحمان أفضل قال الضأن الفتى والجدي الرضيع والقديد المالح مهلك للأكل واجتنب لحم الجزور والبقر قال فما تقول في الفواكه قال كلها في إقبالها وحين أوانها واتركها إذا أدبرت وانقضى وزظمانها وأنفضل الفاكهة الرمان والأترج وأفضل الرياحين الورد والبنفسج وأفضل البقول الهندباء والخس قال فما تقول في شرب الماء قال هو حياة البدن وبه قوامه ينفع ما شرب منه بقدر وشربه بعد النوم ضرر وأفضله أمراه وأرقه أصفاه قال فأخبرني عن أصل الإنسان ما هو قال أصله من حيث شرب الماء يعني رأسه قال فما هذا النور الذي في العينين قال مركب من ثلاثة أشياء فالبياض شحمة والسواد ماء والناظر ريح قال فعلى كم شيء جبل وطبع هذا البدن قال على أربع طبائع المرة السوداء وهي باردة يابسة والدم حار رطب والبلغم بارد رطب والصفراء حارة يابسة قال فلم يكن من طبع واحد قال لو خلق من طبع واحد لم يأكل ولم يشرب ولم يمرض ولم يهلك قال فمن طبيعتين لو كان اقتصر عليهما قال لم يجز لأنهما ضدان مختلفان يقتتلان قال فمن ثلاثة قال لم يصلح موافقان ومخالف فالأربع هو الاعتدال والقيام قال فأجمل لي الحار والبارد في أحرف جامعة قال كل حلو حار وكل حامض بارد وكل حريف حار وكل مر معتدل وفي المر حار وبارد قال فما أفضل ما عولج به المرة الصفراء قال كل بارد لين قال فالمرة السوداء قال كل حار لين قال فالبلغم قال كل حار يابس قال فالدم قال أخرجه إذا زاد. الشيء بالشيء يذكر كنت أنشدت سيدي القاضي صدر الدين علي بن القاضي أمين محمد بن الأدمي قول بعض الفضلاء وهو: أصبحت تخرجني بغير جريمة ... من دار أكرم لدار هوان كدم الفصاد يراق ارذل موضع ... أبدا ويخرج من أعز مكان فأنشدني لنفسه بعد أيام: قد كنت مثل دمى صدقت أجله ... وأعزه لبان عن جثماني لما فسدت وزدت لم آمن على ... روحي فصلت عليك بالهجران

رجع: قال فالربياح قال بالحقن اللينة والأدهان الحارة اللينة قال أفتأمر بالحقنة قال نعم قرأت في بعض الكتب للحكماء أن الحقنة تنقي الجوف وتكسح الأدواء عنه والعجب ممن احتقن كيف يهرم أو يعدم الولد وأن الجاهل كل الجهل من ياكل ما عرف مضرته ويؤثر شهوته على راحة بدنه فما الحمية قال الاقتصاد في كل شيء فإن الأكل فوق المقدار يضيق على الروح مساحتها ويسد مسامها قال فما تقول في النساء وأتيانهن قال كثرة غشيانهن رديئة وإياك وأتيان المرأة المسنة فإنها كالشن البالي تجذب قوتك وتسقم بدنك وماؤها سم قاتل ونفسها موت عاجل تأخذ منك الكل ولا تعطيك البعض والشابة ماؤها عذب زلال وعناقها غنج ودلال فوها بارد وريحها طيب وهنها ضيق تزيدك قوة إلى قوتك ونشاطاً إلى نشاطك قال فأيهن القلب إليها أميل والعين برؤيتها اسر قال إذا أصبتها المديدة القامة العظيمة الهامة واسعة الجبين قناة العرنين كحلاء لعساء صافية الخد عريضة الصدر مليحة النحر في خدها رقة وفي شفتيها لعس مقرونة الحاجبين ناهدة الثديين لطيفة الخصر والقدمين بيضاء فرعاء جعدة غضة بضة تخالها في الظلمة بدراً زاهراً تبسم عن أقحوان وعن مبسم كالأرجوان كأنها بيضاء مكنونة ألين من الزبد وأحلى من الشهد وأزهى من الفردوس والخلد أذكى ريحاً من الياسمين والورد تفرح بقربها وتسرك الخلوة بها قال فضحك كسرى حتى اختلجت كتفاه قال فغفي أي الأوقات أتيانها أفضل قال عند إدبار الليل يكون الجوف أخلى والنفس أهدى والقلب أشهى والرحم أدفى فإن أردت الاستمتاع بها نهاراً لتسرح عينيك في جمال وجهها ويجتني فوك من ثمرات حسنها ويعي سمعك من حلاوة لفظها وتسكن الجوارح كلها إليها فتجنب الشبع ووقت القيلولة وهيجان الدم قال كسرى لله درك من إعرابي لقد أعطيت علماً وخصصت فطنة وفهماً وأحسن صلته وأمر بتدوين ما نطق به. تياذوق: كان في دولة بني أمية وصحب الحجاج بن يوسف الثقفي وخدمه بصناعة الطب ومن وصيته له لا تأكل حتى تجوع ولا تكرهن على الجماع ولا تحبس البول وخذ من الحمام قبل أن يأخذ منك وقال له أربعة تهدم العمر وربما قتلن دخول الحمام على البطنة والمجامعة على الامتلاء وأكل القديد الجاف وشرب الماء البارد على الريق ومجامعة العجوز ببعيد منهن وقيل إن بعض الملوك لما رأى تياذوق شاخ وكبر خشي أن يموت ولا يعتاض عنه لنه كان أحذق الأمة في وقته بالطب فقال له صف لي ما أعتمد عليه فأسوس به نفسي وأعمل به أيام حياتي فلست آمن من أن يحدث عليك حادث الموت ولا أجد مثلك فقال تياذوق أيها الملك أقول لك عشرة أبواب إن عملت واجتنيتها لم تعتل مدة حياتك وهي: لا تأكل طعاماً وفي معدتك طعام ولا تأكل ما ضعف أسنانك عن مضغه فتضعف معدتك عن هضمه ولا تشرب الماء على الطعام حتى تفرغ ساعتين فإن اصل الداء التخمة وأصل التخمة الماء على الطعام وعليك بدخول الحمام في كل يوم مرة واحدة فإنه يخرج من جسدك ما لا يصل إليه الدواء وأكثر الدم في بدنك تحرس به لنفسك وعليك في كل فصل بقيئة ومسهلة ولا تحبس البول وإن كنت راكباً وأعرض تنفسك الخلاء قبل نومك ولا تكثر الجماع فإنه يقتبس منك ماء الحياة فلتكثر أو تقل ولا تجامع العجوز فإنه يورث موت الفجأة فلما سمع ذلك أمر كاتبه أن يكتب هذه الألفاظ بالذهب الأحمر ويضعه في صندوق من ذهب مرصع بالجوهر وبقي ينظر إليه في كل يوم يعمل به فلم يعتل مدة حياته حتى جاءه الموت الذي لا بد منه ولا محيض عنه. بختيشوع: طبيب الرشيد من كلامه أربعة تهدم العمر إدخال الطعام على الطعام والشرب على الريق ونكاح العجوز التمتع في الحمام. يوحنا: ابن ماسويه ومن كلامه وقد سئل عن الخير الذي لا شر معه فقال شرب القليل من الشراب الصافي ثم سئل عن الشر الذي لا خير معه فقال نكاح العجوز. يعقوب: ابن اسحاق الكندي فيلسوف العرب ومن كلامه ما أوصى به لولده أبي العباس قال الكندي يا بني الأب رب والأخ فخ والعم غم والخال وبال والولد كمد والأقارب عقارب وقول لا تصرف البلاء وقول نهم تزيل النعم وسماع الغناء برسام حاد لأن الإنسان يسمع فيطرب وينفق فيسرف فيفتقر فيغتنم فيموت والدينار محموم فإن صرفته مات والدرهم محبوس فإن أخرجته فر والناس سحرة فخذ شيئهم واحفظ شيئك ولا تقبل ممن قال إن اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع.

أوحد الزمان هبة الله أبو البركات بن علي كان يهودياً واسلم ومن حذقه أن مريضاً كان ببغداد قد عرضت له علة الماليخولياء وكان يعتقد أن على رأسه دنا وأنه لا يفارقه أبداً فكان كلما مشى يتخايل أن المواضع سقوفها قصيرة ويمشي برفق ولا يترك أحداً يدنو منه حتى لا يميل الدن عن رأسه أو يقع وبقي هذا المرض مدة وهو في شدة منه وعالجه جماعة من الأطباء ولم يحصل من معالجتهم تأثير ينتفع به وأنهى أمره إلى أوحد الزمان ففكر أنه ما بقي شيء يمكن أن يبرأ به إلا بالأمور الوهمية فقال لأهله إذا كنت في الدار فأتوني به ثم إن أوحد الزمان أمر أحد غلمانه بأن ذلك المريض إذا دخل وشرع في الكلام معه وأشار إلى الغلام بعلامة بينهما أن يسرع بخشبة كبيرة فيضرب بها فوق رأس المريض على بعد منه كأنه يريد كسر الدن الذي يزعم أنه على رأسه وأوصى غلاماً آخر وكان قد أعد معه دنا في أعلى السطح أنه متى رأى ذلك الغلام قد ضر ب فوق رأسه أن يرمي الدن الذي عنده بسرعة إلى الأرض ولما كان أوحد الزمان في بيته وأتاه المريض فأقبل إليه وقال له والله لا بد لي أن أكسر الدن وأريحك منه ثم أدار تلك الخشبة التي معه وضرب فوق رأسه بنحو ذراع وعند ذلك رمى الغلام الآخر الدن من أعلى السطح فكانت له ويحة عظيمة وتكسر قطعاً كبيرة فلما عاين المريض ما فعل به ورأى الدن المنكسر تأوه لكسرهم إياه ولم يشك فيه أنه الذي كان على رأسه بزعمه وأثر فيه الوهم أثراً أبرأ علته من تلك وهذا باب عظيم في المداواة. العنيزي صاحب النور المجتبي: كان طبيباً ممارساً مشهوراً وعالماً مذكوراً وافر الفضل فيلسوفاً متبصراً في علم الأدب ومن كلامه الجاهل عبد لا يعتق رقه إلا بالمعرفة وقال الحكمة سراج النفس فمتى عدمتها عميت النفس عن الحق وقال الأدب أزين للمؤمن من نسبه وأولى للمرء من حسبه وأدفع عن عرضه من ماله وأرفع لذكره من جماله وقال من أحب أن ينوه باسمه فليكثر من العناية بعلمه وقال الجاهل يطلب المال والعالم يطلب الكمال وقال الغم ليل القلب والسرور نهاره وشرب السم أهون من معاناة الهم ومن شعره: لو كنت تعلم كل ما علم الورى ... جمعاً لكنت صديق كل العالم لكن جهلت فصرت تحسب كل من ... يهوى خلاف هواك ليس بعالم يحيى بن اسحاق: كان طبيباً ذكياً وعالماً بصيراً بالعلاج صانعاً بيده وكان في دولة عبد الرحمن الناصر لدين الله واستوزره نقل عنه من حذفه أنه أتى إليه بدوي على حمار وهو يصيح على باب داره أدركوني وكلموا الوزير بخبري فلما خرج إليه قال ما بالك فقال له ورم في أحليلي منعني منذ أيام كثيرة وأنا في الموت فقال له اكشف عنه فإذا هو وارم فقال لرجل كان قد أقبل مع العليل أطلب لي حجراً أملس فطلبه فوجده فقال ضعه على كفك وضع عليه الأحليل فلما مكن أحليل الرجل على الحجر جمع الوزير يده وضرب على الأحليل ضربة غشى الرجل منها ثم اندفع الصديد يجري فلما استوفى الرجل صديد الورم فتح عينيه ثم بال البول في اثر ذلك فقال له اذهب فقد برئت علتك وأنت رجل عابث واقعت بهيمة في دبرها فصادفت شعيرة من علفها في عين الأحليل فورم لها وقد خرجت في الصديد فقال له الرجل قد فعلت هذا يدل على حدس صحيح وقريحة صادقة.

ابن جميع الإسرائيلي: من الأطباء المشهورين والعلماء المذكورين خدم سلطان مصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وحظي في أيامه وكان رفيع المنزلة نافذ الأمر ونقل عنه من حذقه أنه كان جالساً في دكانه وقد مرت عليه جنازة فلما نظر إليها صاح يا أهل الميت وذكر لهم أن صاحبهم لم يمت وأنهم إن دفنونه حيا فصاروا ناظرين إليه كالمتعجبين من قوله ولم يصدقوه فيما قال ثم إنهم قال بعضهم هذا الذي يقوله ما يضرنا إنا نمتحنه فإن كان حياً فهو الذي نريده وإن لم يكن حياً فما يغير علينا شيء فاستدعوه إليهم وقالوا بين الذي قلت لنا فأمرهم بالمصير إلى البيت وأن ينتزعوا عنه أكفات ... نه وقال لهم احملوه إلى الحمام وسكب عليه الماء الحار فأحمى بدنه ونطله نطولاً وغطسه فرأى فيه ادنى حس وتحرك حركة خفية فقال أبشروا بعافيته ثم تمم علاجه إلى أن أفاق وصلح فكان ذلك مبدأ اشتهاره بجودة الصنعة والعلم وظهرت عنه ثم سئل بعد ذلك من أين علمت حال ذلك الميت وهو محمول وعليه الأكفان أن فيه روحاً فقال إنب نظرت إلى قدميه فوجدتهما قائمتين وأقدام الذين قد ماتوا تكون منبسطة فحدست أنه حي وكان حدسي صائباً والله أعلم. الحكيم صدقة السامري: هو الفاضل صدقة لبن منجا بن صدقة ويعرف بابن الشاعر من الأكابر في صناعة الطب والمتميزين من أهلها والأماثل من أربابها خدم الملك الأشرف موسى بن العادل بن أيوب إلى أن توفي في خدمته وكان يحترمه غاية الاحترام ويكرمه غاية الإكرام وخلف من الكتب عشرة آلاف مجلدة غير كراريس وأوراق مفرطة تقدير ألف مجلد ومن كلامه انظر الموت بعين عقلك تره قريباً ولا تره بعين أملك تلحظه بعيداً وقال العلم شجرة في القلب تزرع ومن السنتنا تظهر ثمارها وقال أنت بنفسك قريب من موجدك ومكونك وبشهواتك وعصيانك أنت بعيد من ربك ومن نظمه: يابن قسيم أصبحت تنتحل النح? ... ?وودعواك فيه منحولة أمك ما بالها قل وأجب ... مرفوعة الساق وهي مفعوله فاعلها الإير وهو منتصب ... مسائل قد أتتك مجهولة والعين عطل وعين عصعصها ... بنقطة الخصيتين مشكوله وله: ?شيخ لنا من عظمه داهيه ... ما مثله في الأمم الخالية مهندس في طول أيامه ... مع قصره يبتلع الساقيه مثلث بدعمه قائم ... لأنه منفرج الزاوية نقلت من خط المرحوم فخر الدين بن مكانس كتب صاحبنا فخر الدين عبد الوهاب كاتب الدرجة الشريفة رحمه الله إلى ابن صفير المتطبب وقد دعاه في مرضه ودخل إلى الطهارة فعثر في طست الحقنة فاختصبت رجله رقعة يداعبه بها أولها، الشيء بالشيء يذكر، توجه سيدي بالأمس مخضب القدم من هيولاه ذا مأمن محله المعمور لما منة تولاه وما كان من حقه في أمسه تكدير نفسه ولكل شيء آفة من جنسه هذه مسألة عركها أكبر منه لجبين واشتغل بها اشتغال ذي النحيين وأظنه قبل قدمه فخرج على تلك الصورة أو بعض أجزائه خلع صورة ولبس صوره. مفرد: فتى غير محجوب الندى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت على أنه أكثر محافظة ووداً وأرعى ذمة وعهداً كم أحرقته نار وجد إلى أوطانه وأزعجبته من مكانه وهو لا يظهر إلا حباً ولا يطلب منه إلا قرباً: لاشك إذ لونكما واحد ... إنكما من طينة واحدة وبالجملة فأنا أسأل الله أن يكفيه سوء هذه المحنة كما كفى شمائله اللطيفة شر الابنة إنه مجيب الدعاء ولي المنة. حكي أن بعض الأطباء كان في بعض خدمة الملوك في غزوة ولم يكن معه وقت النصرة كاتب يرسل فتقدم إلى الطبيب أن يكتب إلى الوزير يعلمه بذلك فكتب الطبيب أما بعد فإنا كنا مع العدو في حلقة كدائرة البيمارستان حتى لو رميت مبضعاً لم يكن الأعلى فيقال لم يكن إلا كنبضة أو نبضتين حتى لحق العدو بحران عظيم فهلك الجميع سعادتك يا معتدل المزاج. قلت ما رأيت أحسن من هذا ولا أوجز ووجدت بخط طبيب على بعض الكتب طالعت هذه النسخة فوجدتها تأن سقماً فعالجتها بالمقابلة إلى أن تمايلت للصحة، ولبعضهم يهجو طبيباً يهودياً: قالوا اليهودي أخو حكمة ... لا زالت الأمراض في كأسه لو كان ذا النخس أخا حكمة ... أزل دا الصفراء من رأسه وما ألطف قول الشيخ زين الدين بن لوردي مضمنا: يا من يطبب قوماً ثم يهملهم ... يوما بماذا عداك الشر تعتذر

الباب السادس والثلاثون في الحساب والوزراء اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فإنه يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفا بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له عن الفكرة ومنزلته منزلة الآلة يتوصل بها إلى نيل بغيته وبمنزلة الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمة صاحبه وليس كل أحد وإن أصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفا بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استنصحه والإيثار لمن قربه وقال الثعالبي في يواقيت المواقيت، الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة وهي تلو الملك والإمارة والرتب العلياء والدرجة الكبرى بعدهما، قال المنصور النميري يمدح يحيى البرمكي: ولو علمت فرق الوزارة رتبة ... تنال بمجد في الحياة لنالها

اذكر فلانا الذي اسهلته سحرا ... إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا ولآخر مفرد: حكيم لطيف من لطافة وصفه ... يودُّ المعافى السقم حتى يعوده كتب المرحوم الوزير فخر الدين بن مكانس إلى ابن صفير في بعض مرضاته يسرع المولى عند الوقوف إليه نقل الخطوة ولا يتأخر فإن القوة على الضعيف ضعف في القوة فجاءني على عادته: تغدو المنايا فما تنفك واقفة ... حتى تراه على عزم فتتبعه فحين رآني من الهريرة كالرعديد وشاهد ما بي من البرد قال ما أراك إلا جليدا فقلت له معالجة أم محاججة ومناصحة أم ممازجة ومطايبة أم مداعبة واستوصفته فجرى على المعهود منه في الجهل بما يقول وعدم التمييز بين المعقول والمنقول ولكني الظالم على نفسي والمشكك في حسي فإني أعهده لم يزل مميت الأحيا ومقفر الأحيا فكم له بالديار المصرية من قتلى وأوراقه للمرضى أشرُّ من أوراق الدفلى كم شاب عالجه فأكسبه الصرع الفاج ولأن يسمى مصارعا أليق به من معالج ثلاثة تدخل في دفعه طلعته والنعش والغاسل لكنه مع ذلك ممن يجمع بين الأقران ويعمل المحرم في رمضان قد ملك قياد القيادة على الفنين وطالت فيها مدته فاستحق أن يدعى بذي القرنين فاستعذت بالله من الشيطان وسرحته بإحسان، كتب) القاضي الفاضل في الكحالين يباكرني كل عبري العناصر يعزيني بالرحمة على بخت ناصر كأنه غاسل يدخل إلى إنسان العين بحنوطه من كحله الملعون ويدرجه في كفن من الخرقة السوداء التي يلبسها سواد العيون مردودة عصية ولديها عصى العمى ينقل العين إلى بياض الثغور ويسلبها اللمى قد انتهى إلى فوق ما ضرب به المثل إذ قيل يسرق الكحل من العين وهذا يسرق العين من الكحل فهذا وأمثاله لص من اللصوص وسموا كحالين وهم صاغة لما يصوغون ويركبون فوق العون من الفصوص بل دباغون يدبغون الجفن أبيضا وما يعدوهم مهك الدباغ بل صباغون يصبغون الأسود أبيض وليس ذلك الصباغ قد أودعوا حزن يعقوب في كحلهم مكاحلهم فمن كحل به ابيضت عيناه وجحدوا معجز القميص اليوسفي فلو مروا به على ناظر ما انفجرت جفناه وإذا رفعوا أميالهم فإنما هي لشمس العيون مزوّلة وإذا أولج أحدهم الميل في المكحلة فهو أولى بالرحم ممن أولج الميل في المكحلة وما يؤم أهل الكتاب في التبديل بواحد ولا خطاهم طريق إلى الغيّ غير راشد فيوما محوا آية النبي صلى الله عليه وسلم من التوراة وهي مسفرة ويوما محوا آية النور من الأبصار وهي مسفرة ولا خير فيهم حاربوا فمحوا بالأمس الخط من الأوراق واستداموا إلى اليوم فمحوا الخطوط من الأحداق. كتب الحكيم شمس الدين بن دانيال إلى السراج الورقي قطعة كحل أصفهاني: قل لعين الأمائل الأعيان ... ومحل الإنسان للإنسان خذه كحلا مثل السيوف جلاء ... وصقالا يروق في الأجفان حجر كسره أجل من الإكسير ... فعلا في العين أو في العيان ألف عين تقيمها حبة منه ... قياسا يصح بالبرهان أن تعظم مثاله في حجاز ... فلهذا التعظيم في أصبهان الباب السادس والثلاثون في الحساب والوزراء اعلم أن الوزير مشتق اسمه من حمل الوزر عمن خدمه وحمل الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير لا يكون إلا بسلامة من الوزير في خلقته وخلائقه أما في خلقته فإنه يكون تام الصورة حسن الهيئة متناسب الأعضاء صحيح الحواس وأما في خلائقه فهو أن يكون بعيد الهمة سامي الرأي ذكي الذهن جيد الحدس صادق الفراسة رحب الصدر كامل المروءة عارفاً بموارد الأمور ومصادرها فإذا كان كذلك كان أفضل عدد المملكة لأنه يصون الملك عن التبذل ويرفعه عن الدناءة ويغوص له عن الفكرة ومنزلته منزلة الآلة يتوصل بها إلى نيل بغيته وبمنزلة الذي يحرز المدينة من دخول الآفة ومنزلة الجارح الذي يصيد لطعمة صاحبه وليس كل أحد وإن أصلح لهذه المنزلة يصلح لكل سلطان ما لم يكن معروفاً بالإخلاص لمن خدمه والمحبة لمن استنصحه والإيثار لمن قربه وقال الثعالبي في يواقيت المواقيت، الوزارة اسم جامع للمجد والشرف والمروءة وهي تلو الملك والإمارة والرتب العلياء والدرجة الكبرى بعدهما، قال المنصور النميري يمدح يحيى البرمكي: ولو علمت فرق الوزارة رتبة ... تنال بمجد في الحياة لنالها

والأنبياء عليهم السلام لم يستغنوا عن الوزراء فكيف الملوك والأمراء وقد نطق القرآن بوزارة هرون لموسى عليه السلام في قوله تعالى (رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيراً من أهلي * هرون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري) ثم قال في نظام الآية الكريمة وعلى نسق الكلام (قد أؤتيت سؤلك يا موسى) فدل على أنه جعله وزيره وصاحب سره وشريكه وافصح عن حسن موقع الوزارة وجلالتها ووقوع الحاجة إليها وكان آصف بن برخيا وزير سليمان بن داود عليهما السلام والمستولى على أموره وكان نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول أن وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض فأما اللذان من أهل السماء فجبريل وميكائيل عليهما السلام وأما اللذان من أهل الأرض فأبو بكر وعمر رضي الله عنه وقال صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله بملك خيراً قيض له وزيراً صالحاً أن أنسى ذكره وأن نوى خيراً أعانه أو أراد شراً كفه وكان انوشر وان يقول لا يستغنى أعلم الملوك عن الوزير ولا أجد السيوف عن الصقال ولا أكرم الدواب عن السوط ولا أعقل النساء عن الزوج. فصل فيما ينبغي للوزير أن يأتيه: اعلم أن الملوك لا يشبهون الآدميين إلا بالصور فأما بالطباع والأخلاق والهمم فلا لأنهم لا يشاكلونهم ولا يشابهونهم والملك وإن كان كريماً سخياً بعيد الهمة كثير المحاسن فإنه لا يخلو ولا يشابهونهم والملك وإن كان كريماً سخياً بعيد الهمة كثير المحاسن فإنه لا يخلو قط من أربع خصال الحسد والحقد والملال والحرص على المال فينبغي أن يكون الوزير أعقل الناس وأحزمهم وأدهاهم وأبعد غوراً فيجب عليه أن يداري أأخلاق الملك كما يداري السباح الماء المغرق والولدان أولادهم الصغار والحاوى الحية ويتحفظ من غائلته كما يتحفظ من السبع والنار القوية والمجنون الذي بيد السيف المسلول ويجب أن لا يملك ما يصلح للملك من الأعلاق النفسية إلا ما في نفسه إن يهديه إليه ويخدمه به وينبغي له أن يظهر ويشيع جميع ما يملكه وتحويه يده للملك وأنه إنما يمسكه ويحفظه من أجله ويجب عليه إن لا يسرف في الإهداء ولا يتخرق في بذل ما في يده وكما لا يشيع النار من الحطب لا يشيع الملك من الأموال ولا بد للوزير من الاستظهار بالذخائر الخفية وقد قال الحكيم لوزير كان يستكثر من اعتقال الضياع ويغالي به عليك بحفظ الدنانير التي تشتري بها روحك من الملك فربما فعل ألف دينار ما لا تفعله ضياع ومستغل بمائتي ألف. ومن نكن هذا الكتاب أن الملك يريد كل حسن وطيب لنفسه ويستأثر به على والده وولده ولذلك يقال من ملك استأثر وكان معاوية يقول وددت لو أن الدنيا في بيضة نيمرشت فأحسوها حسوة واحدة لا يشكني فيها أحد، ودعا الفضل بن مروان المعتصم إلى داره واحتفل واحتشد في إحسان الدعوة فلما حضر المعتصم ورأى مروءته وتجمله عمل فيه الحسد عمله فانقبض ورئى في عينه ولم ينشط لطعام ولا شراب وزعم أنه يشتكي بطنه ففطن الفضل لما دهاه وأراد أن يوهم أن تلك الآلات مستعارة من دار أمير المؤمنين ليطفئ نار حسده فتقدم إليه وقال يا أمير المؤمنين إنما استعرت أكثر هذه الأشياء من دار أمير المؤمنين وقد أرهقني الخزانون والفراشون باسترجاعها فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بامهالى في ردها فعلت فضحك المعتصم وقال قل لهم لا يسترجعونها اليوم ثم نشط للطعام والشراب، ومما ورد في تجنبها قال المأمون لأحمد بن أبي خالد هل لك في أن أستوزرك فقال دعني يا أمير المؤمنين يكون بيني وبين الغاية درجة يرجوها الصديق ويخافها العدو فلست أريد البلوغ النهاية لئلا يقول عدوى قد بلغها وليس إلا الانحطاط، وكان ابراهيم بن المدبر إذا أعرضت عليه الوزارة أنشد قول العتابي: يلوم على ترك الغنى بأهلية ... طوى الدهر عنا كل طرف وتالد رأت حولها النسوان يرفلن كالدما ... مقلدة أجيادها بالقلائد يسرك أن قد نلت ما نال جعفر ... من الملك أو ما نال يحيى بن خالد وأن أمير المؤمنين أغصني ... بغصتها بالمرهفات البوادر ذرينى تجتبينى منيتي مطمئنة ... ولم أتجشم هول تلك الموارد وأن عليات الأمور مشوبة ... بمستودعات في بطون الأساود

فصل في لطائف كلام الوزراء أبو سلمة الخلال زير السفاح كان يقول خاطر من ركب البحر وأشد منه مخاطرة من داخل الملوك، أبو عبد الله وزير المهدي يقول الرجال تحت ألسنة الأقلام خير الكلام ما دل وقل، يحيى بن خالد وزير الرشيد ما رأيت باكياً أحسن تبسماً من القلم ما رأى أحد في ولده ما يجب إلا رأى في نفسه ما يكره، الفضل بن يحيى وزيره أيضاً جرى بين يديه يوم مدح الناس أباه لجوده فقال وما قدر الدنيا حتى يمدح من يجود بكلها فضلاً بعضها ولما عزل بأخيه جعفر قال ما انتقلت عنى نعمة صارت إلى أخي ولا عزبت عنى رتبة طلعت عليه، جعفر بن يحيى وزيره أيضاً شر المال ما لزمك اثم مكسبه وحرمت الأجر من انفاقه، الفضل بن الربيع وزير الرشيد والأمين كما يقول ما أظن النعمة إلا مسخوطاً عليها أما ترونها أبداً عند غير أهلها، الفضل بن سهل وزير المأمون من توقيعاته الأمور بتمامها الأعمال بخواتيمها والصنائع باستدامتها، أخوه الحسن بن سهل وزير المأمون أيضاً، عجبت لمن يرجو من فوقه كيف يحرم من دونه وقيل له لا خير في السرف فقال لا سرف في الخير ومن كلامه لا يصلح للتصدير إلا واسع الصدر، أحمد بن أبي خالد وزيره أيضاً بالأقلام تساس الأقاليم وكتب إلى صديق له يستدعيه يوم الالتقاء قصير فأعن عليه بالبكور وكتب إلى المأمون مع هدية بعثت إلى أمير المؤمنين قليلا كثيره، محمد بن يزداد وزيره أيضاً ليس في الحب مشورة ولا في الشهوات خصوصة ومن توقيعاته أبواب الملوك معادن الحاجات وليس لاستنجاحها إلا الصبر والملازمة، الفضل بن مروان وزير المعتصم الكاتب كالدولاب إذا تعطل تكسر، ما رأيت أقرب رض من سخط ولا أسرع ما بين قرب وبعد من الملوك، محمد بن الفضل الجرجاني وزير المتوكل عاتبه المتوكل يوماً على اشتغاله بالملاهي فقال يا أمير المؤمنين إن مقاساة هموم الدنيا لا تتأتى إلا باستجلاب شيء من السرور، سليمان بن وهب وزير المهدي، أنى أغار على أصدقائي كما أغار على حرمي ونظر يوماً ي المرآة فرأى شيباً كثيراً قال عيباً لا عدمناه، الحسن بن مخلد وزير المعتمد كان يقول أعوذ بالله من نحس الأربعاء وحد الأحد وكان يقول أمر أمثالنا يأتي جملة ويذهب جملة فلم لا يتعجل اللذات قبل فوتها ويتمتع بصفو الزمان قبل كدره، ألطف م أحسن من المطع الطويل، أبو الحسن ابن الفرات وزير المقتدر، ما أريد الوزارة إلا لصديق أنفعه أو لعدو أقمعه وكان يقول إني لآلف كل شيء حتى الطريق ومن كلامه ما رأيت أحداً على بابي وفي داري ليس لي عنده إحسان إلا استحييت منه وصرفت غاياتي إلى أرفاقه وتحصيل مراده ولولا حب المروءة ما رغبت في الرياسة والوزارة، أبو علي بن مقلة وزير المقتدر والقاهر والرضي كان يقول إذا أحببت تهالكت وإذا أبغضت أهلكت وإذا رضيت أثرت وإذا غضبت تأثرت وكان يقول أنا في وزارتي أقدم على العظائم كلها إلا على اثنين ازالة النعم وهتك الحرم، أبو جعفر أحمد بن سيرزاد وزير المستكفي، الاصاغر يهفون والأكابر يعفون إياك والإفراط الممل والتفريط المخل، أبو عبد الله الجبهاني الكبير وزيره أيضاً كان يقول جمال المرء في لسانه وجمال المرأة في عقلها ومن كلامه حسن الذكر ثمرة العمر، أبو الفضل ابن العميد وزير ركن الدولة، خير القول ما أغناك جده وألهاك هزله العاقل من أفتح من كل أمر خاتمته وعلم من بدء كل شيء عاقبته، الصاحب أبو القاسم بن عباد وزير فخر الدولة وعد الكريم الزم من دين الغريم، قد يبلغ الكلام حيث يقصر السهام، الآمال ممدودة والأنفاس معدودة، ومن كلامه يا أسفي على رداء من الأيام رقيق ما لبسناه حتى خلعناه وروض من الزمان مريع ما حللناه حتى فارقناه. قلت لم اسمع في رقة العيش ألطف من قول الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي رحمه الله تعالى: لست أنسى رقة العيش الذي ... زاد في الرقة حتى انقطعا

رجع أبو النصر بن أبي زيد الراضي قال في امتهانه لبعض الأعداء ما عسى أن يبلغ عض النملة ولسع النحلة ووقوع البقة على النخلة ومن كلامه الهدية ترد باء الدنيا والصدقة تر د بلاء الآخرة، أبو اسحاق ابراهيم بن حمزة وزير ابي على المسجوري قال ينبغي للأصاغر أن يتقدموا على الأكابر في ثلاثة مواطن إذا ساروا ليلاً وإذا خاضوا سبلاً أو لقوا خيلاً، أبو الحسن الأهوازي العدل أقوى جيش والأمن أهنى عيش الأحن حصد المحن، عبد الله بن يحيى بن خاقان كان يقول إذا دهانا أمر تمثلناه في أصعب حالاته فما نقص منه كان سروراً يتعجله، نقلت من تاريخ الصاحب كمال الدين بن العديم وهو تاريخه الكبير المسمى بغية الطلب في تاريخ الصاحب كمال الدين بن العديم وهو تاريخه الكبير المسمى بغية الطلب في تاريخ مدينة حلب بسنده إلى يحيى بن خاقان ثقال حضرت الحسن بن سهل وقد جاءه رجل يستشفع فيه في حاجة فقضاها فأقبل الرجل يشكره فقال له الحسن بن سهل علام تشكرنا ونحن نرى أن للجاه زكاة كما أن للمال زكاة ثم أنشأ يقول: فرضت على زكاة ما ملكت يدي ... وزكاة جاهي أن أعين وأنفعا فإذا ملكت فجد ما لم تستطع ... فاجهد بفضلك كله أن تشفعا الصاحب عون الدين حيحى بن الهبيرة وزير المستنجد صاب كتاب الإفصاح حكى عنه أنه لما أدركته الوفاة أغمى عليه ثم أفاق فوجد أهله يبكون فقال ما شأنكم فقالوا بكينا لكونك خدمت الملوك والخلفاء فقال مذ دخلت في عمل السلطان إلى يومي هذا ما خجلت أحداً من خلق الله وأرجو من كرم الله تعالى أنه لا يخجل هذه الشيبة. فصل في لطائف هذا الباب، قالب عض الفضلاء: غزال قد غزا قلبي ... بألحاظ وأحداق له الثلثان في قلبي ... وثلثا ثلثه الباقي وثلثا ثلث ما يبقى ... وثلث الثلث للساقي وتبقى أسهم ست ... تقسم بين عشاق هذا الشاعر قسم قلبه إلى أحد وثمانين سهماً جعل لمحبوبه منها الثلثين وذلك أربع وخمسون سهماً يبقى الثلث وهو سبع وعشرون زاده ثلثيه وذلك ثمانية عشر فصار له اثنان وسبعون يبقى ثلث الثلث وهو تسعة زاده منها ثلثي ثلثها وهو اثنان بقي من الثلث واحد أعطاه للساقي بقي من التسعة ستة قسمها بين العشاق فحصل لمحبوبه أربعة وسبعون سهما وللساقي سهم وللعشاق ستة الجميع احد وثمانون. وقال أبو عبد الله محمد بن جابر المغربي نزيل حلب المحروسة: قسم القلب في الغرام بلحظ ... يضرب القلب حين يرسل سهمه هذه في هواه يا قوم حالي ... ضاع قلبي ما بين ضرب وقسمه وقال شيخنا عز الدين الموصلي: نسبة قلبي للهوى قسمت ... فكرى وكم للعين من ضربه ضاع حسابي ولقيت الأسى ... بالضرب والقسمة والنسبه وقال الصلاح الصفدي: عملت مع الزمان حساب بعدي ... وسقت الأصل من يوم الفراق وكنت أظننى غلقت قسطي ... فقد طلعت على له بواقي وأنشدني فخر الدين بن مكانس لنفسه مضمنا: عملت مالي ارتفاع سقته غلط ... الحاصل راح في مضمونه مالي وكلما نلت منة عزم ومن نكد ... من غفلتي ونوالي سوء أعمالي وأنشدني من لفظه لنفسه في نكبة حصلت له وأجاد: وما تعلقت في السرياق منتكسا ... لجرمة أوجبت تعليم ناسوتي لكنني مذ نفثت السحر من كلمي ... عذبت تعذيب هاروت وماروت وقال المعماري: ولي رفيق جهول ... خالي من الآداب أقول لما أراه ... في جملة الكتاب سبحان رازق هذا ... رزقا بغير حساب وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة: لفلان في الديوان صورة حاضر ... وكأنه من جملة الغياب لم يدر ما نحرومه وجريده ... سبحان رازقه بغير حساب وأنشدني الشيخ المحدث لفصيح البارع الرحال غرس الدين خليل الافقهسي لابن حربي المغربي: يا ناصبا علم الحساب حبالة ... لقناص ظبي ساحر الألباب أن كنت ترزق بالحساب وصاله ... فالله يرزقنا بغير حساب وما أظرفق قول حسام الدين الحاجري: صح حساب السحر في طرفه ... إذ كان ف جفنيه جمع الكسور وقال ابراهيم المعمار ولطف: ومليح قال صفني ... لازداد سرورا كم حوى جفني معنى ... قلت ألفا وكسورا وقال التقي السروجي:

الباب السابع والثلاثون في كتاب الإنشاء وهو فصلان الفصل الأول: فيما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من الأخلاق والأدوات والآلات.

خدمت بذاك الوجه للشعر ناظرا ... لعلي أمسي واليا منة ولاته وأصل حسابي ضبط حاصل وصله ... وتقبيله مستخرج من جهاته وقال برهان الدين القيراطي: خدمت بالاغرال أبوابه ... لما تبدى حسنه الباهر ولي من الدمع على خدمتي ... جراية أطلقها الناظر وقال ابراهيم المعمار: لملانا الوزير ندى بأس ... واحسان به سمحت حياتي فيرضينا بألفاظ وكذب ... محالات على كل الجهات وظرف ابن الوردي في قوله: وكنت إذا رأيت ولو عجوزاً ... تبادر بالقيام على الحرارة فأضحى لا يقوم لبدر تم ... كأن النحس قد أعطى الوزاره الباب السابع والثلاثون في كتاب الإنشاء وهو فصلان الفصل الأول: فيما يحتاج إليه كاتب الإنشاء من الأخلاق والأدوات والآلات. الفصل الثاني: في أعيان كتاب الإنشاء قديماً وحديثاً ونبذة مما لهم من المكاتبات. الفصل الأول قال أبو حيان التوحيدي يجب على الكاتب أن يكون حافظاً لكتاب الله تعالى لينتزع من آياته وأن يعرف كثيراً من السنة والأخبار والسير حافظاً لكثير من الرسائل والكتب وأن يكون تناسب الألفاظ متشابه الخط ذكياً عارفاً بما يحتاج إليه خبيراً بالحلى والشيات مضطلعاً لعب الكتابة له في يد السواد وعمل في الحساب وأن يكون له يد في عمل الشعر نظيف لطيف المركب ظريف الغلام لقيق الدواة حاد السكين صقيل الكاغد صلب الأقلام متودداً إلى الناس مخالطهم غير متكبر عليهم ولا منقبض منهم دمث الأخلاق رقيق الحواشي ترف الأطراف عذب النجايا حسن المحاضرة مليح النادرة غير قنف ولا متعجرف ولا متكلف للألفاظ الغريبة ولا متعسفاً للغة الغويصة. انتهى كلام أبي حيان. وقال أبو الحسين محمد بن أحمد أظنة قدامة منزلة الكاتب التي يستحق بها أن يكون كاتباً في قوله وفعله ومحاورته وفطنته وحجاجه وأن يكون مطبوعاً على المعرفة محنكاً بالتجربة عالماً بحلال الكتاب والسنة وحرامهما ومتشابههما وناسخهما ومنسوخهما وبالأزمنة والأدوار في اختلافها وتعاقبها وبالملوك في سيرها وأقدارها وبالخطوط وأنسابها وأقلامها في تصاريفه وجهاته وبوادي الكلام ومقاطيعه في فواتح الوصف وخواتم الوقف وفصول التمام ورسوم الكتب وأقدار الرجال وتأليف الأوصاف ومشاكلة الاستعارة وإثبات المعنى بشكله من القول والعلم بالنظائر والأشباه والتثبت بالشواهد والأمثال حتى ينصب البيان أشخاصاً ماثلة ويقيم للقول صوراً ناطقة تنبئ عن أحوالها وتدل على منازلها مع التخلق بأخلاق الدين والتحلي بحلية الكرم وإثبات محاسن الأمور والأحمال في الصبر والطلاقة ولبسة اللب والوفاء واجتناب الدنانا والنقائض في الشره والارتشاء والقلق وقال محمد بن أيوب بن سليمان عميد الرؤساء وأبو طالب وزير للقائم حال كونه أولى عهد كان مترسلاً بليغاً متفنناً صنف كتاباً في الخارج وهو القائل الكتب سبعة. أولهم الكامل الذي ينشئ ويملى ويكتب. الثاني الأعزل وهو الذي ينشئ ويملى وخطه رديء. الثالث المبهم الذي يكتب خطاً مليحاً ولا يد له في الإنشاء. الرابع الرقاعي يجيد رقعة يكتبها ولا خط له في التطويل. الخامس المختل وهو الذي له حفظ ورواية ويعجز عن الإنشاء فهذا نديم. السادس المخلط وهو الذي يأتي بالدرة والبعرة ويقرن بينهما.

السابع السكيت شبه بالمتأخر في الجلية فربما جهد نفسه وأتى بمعنى، توفى سنة ثمان وأربعين وستمائة، وقال الشيخ الإمام سيد كتاب الإنشاء شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فضل العمري في كتابه الذي سماه مسالك الأبصار في ممالك الأمصار أن كتابة الإنشاء كانت في المشرق خلافة بني العباس منوطة بالقدماء وربما انفرد بها رجل وذكر ابن عبدوس في مواضع من كتابه من ديوان السر وديوان الترسل ثم كانت آخر وقت أفردت واستقل بها كتاب لم يبلغوا مبلغ الوزارة وكان في المشرق يسمى كاتب الإنشاء ثم لما كثر عددهم سمى رئيسهم رئيس ديوان الإنشاء ثم بقي يطلق عليه تارة صاحب ديوان الإنشاء وتارة كاتب السر وهي إلي الأحب وعند ابنه وعند الناس أذل وكان في دول السلاجقة وملوك الشرق يسمى ديوان الطغراوية وبه سمى مؤيد الدين الطغراي والطغراء هي الطرة وهي التي تكتب فوق البسملة بالقلم الغليظ تتضمن ألقاب الملك وهي لفظة أعجمية وكانت تقوم مقام خط السلطان بيده على المناشير والكتب ويستغني بذلك عن أن يكون للسلطان علامة بخطه علامة بخطه لكثرة وثوق الناس بصاحب هذه الرتبة وأهل المغرب يسمون رئيس ديوان الإنشاء صاحب القلم الأعلى وأهل هذه الرتبة لم يزل لهم الاختصاص والقرب أكثر من كل عام وخاص تحتاج الأمراء إلى مداراتهم وتقصر الوزراء مع علو الرتبة في الوزارة عن مباراتهم يجتمعون بالملك إذا أرادوا على عدد الأنفاس وهم معنى الدولة وعليهم عولة كل الناس وما كانت الملوك تكاتب الخلفاء ببغداد إلا على هذا الديوان أعني ديوان الإنشاء وكانت تسميه الديوان العزيز ولهذا كانت كتبتهم تستفتح أدام الله أيام الديوان العزيز إشارة إلى ديوان الإنشاء وعليه كان يطلق هذا الاسم وله بهذا من الشرق ما له ومن الفخر ما يجرّ على السماء أذياله انتهى كلام القاضي شهاب الدين، وذكر الثعالبي في كتابه لطائف المعارف أن إدريس عليه السلام أول من خط بالقلم وكان يوسف عليه السلام يكتب لعزيز مصر وكان هرون ويوشع يكتبان لموسى عليهما السلام وكان سليمان يكتب لأبيه داود عليهما السلام وكان آصف يكتب لسليمان عليه السلام، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم استكتب عبد الله بن الأرقم وكان يجيب عنه للملوك واستكتب أيضاً زيد بن ثابت وكان يكتب الوحي ويكتب الملوك وكان إذا غاب عبد الله بن الأرقم وزيد بن ثابت واحتاج أن يكتب إلى أمراء الأجناد والملوك أو يكتب لإنسان بقطيعة أمر من حضر أن يكتب وكتب له عمر وعثمان وعلى المغيرة بن شعبة ومعاوية بن أبي سفيان وخالد بن سعيد بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وحنظلة بن الربيع.

آداب الكتابة روى عن الشعبي أنه قال كتب النبي صلى الله عليه وسلم أربعة كتب أولها باسمك الله ونزلت سورة هود وفيها (بسم الله مجراها ومرساها) فكتب بسم الله ثم نزلت سورة بني إسرائيل وفيها (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) فكتب بسم الله الرحمن ثم نزلت سورة النمل وفيها (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) فكتبها، وروى أن الفصل الخطاب الذي أعطى داود الذي أعطى داود أما بعد وروى أن أول من قالها كعب بن لؤي وهو أول من سمى يوم الجمعة وكان زيد بن ثابت يكره أن يكتب بسم الله ليس لها سين وكان إذا رآها بغير سين محاها وروى أن عمر بن الخطاب (ضرب عمرو بن العاص لما كتب إليه بغير سين وقيل له فيما ضربك فقال ضربني في سين وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا كتب أحدهم فليتربه فإن التراب مبارك وهو أنجح للحاجة ولوى عنه صلى الله عليه وسلم أنه كتب كتابين إلى قريتين فأترب أحدهما ولم يترب الآخر فأسلمت القرية التي أترب كتابها وقال الحسن بن وهب كاتب رئيسك بما يستحق ومن دونك بما يستوجب وكاتب صديقك كما تكاتب حبيبك فإن غزل المودة أرق من غزل الصبابة قال الوادعى في تذكرته إن القاضي تاج الدين ابن نبت الأعز رحمه الله كان إذا كتب كتاباً بدأ في ترميله بالبسملة لتعم بركتها سائر الكتاب وإن يخزن ذلك الرمل ويحتفظ به ولا يرميه في الأرض وقال بزرجمهر من لم يختم كتابه فقد استخلص صاحبه وإذا كتبت فأعد النظر فيه فإنما تختم على عقلك وعن عبد الله بن عباس (في قوله تعالى (إني ألقى إليَّ كتاب كريم) قال مختوم وفض الكتاب إذا كسر ختمه ومعنى الفض في اللغة التفريق والكسر ومنه لا يفضض الله فاك. العنوان فيه خمس لغات أفصحها عنوان ويقال علوان وعينان وعنيان وجمع عنوان عناوين وجمع علوان علاوين والعنوان وهو أثر الكتاب ممن هو والي من هو صحوا باشمط عنوان السجود به والقلم لا يقال له قلم إلا إذا بري وإلا فهو أنبوبة. ومن أحسن ما قيل فيه قول السيد الفاضل شمس الدين بن الصاحب موفق الدين علي بن الآمدي نقلته كذا من خط الوادعي: تمشي البراعة والمداد وراها ... ظل على شمس الطروس ينوع عوض المعاني لو يلوح لمسلم ... هذا المعاني راح وهو صريع لو لم تكن ألفاظه خطية ... ما راح سراب اللفظ وهو منيع ألفاظه رقت بوجنة طرسه ... فكأنهن وقد جرين دموع قلم مسحّى الخطاب لنطقه ... في المهد من يمناه وهو رضيع وغدا كليميا وقد ضاهى العصا ... فغدا يروق بفعله ويروع باللفظ حاكته الشموس وبالضيا ... حاكته في حال المداد شموع قد لازم القرطاس وهو منور ... والطل يهوى الروض وهو مريع نور ونور حظه وكلامه ... هذا يضئ به وذاك يضوع وله أيضاً رحمه الله تعالى: ليمناه ذو طرف كحيل إذا بكى ... تبسم ثغر الخط من دمعه عجبا وقد راح مشقوق اللسان متى جرى ... بثغر الدوى اللعس أبدى اللما عذبا وآوته في سنه سمّ أرقم ... إذا ما علا أعواد كف جلا خطبا ويحقر فعل الخط بين كتائب ... تلاقت إذا ما خط في يدك الكتبا حكى السمر قد أحيت للبيض خده ... فطاعن به إن شئت واضرب به ضربا قال الشيخ الإمام مجد الدين الروذا وروى عبد الحميد بن أبي الفرج الهمداني الفقيه الشاعر المفنن مولده سنة تسع وتسعين وخمسمائة وتوفى بدمشق سنة سبع وستين وستمائة من نظمه في وصف القلم من قصيدة مدح بها الوزير القمى مؤيد الدين وزير الدولتين الناصر والمستنصر كذا نقلته من خط محيي الدين بن عبد الظاهر من كتابه المسمى بالنجوم الدرية في الشعراء العصرية: لك من نبات الماء أصفر للعدا ... من رأسه المسود موت أحمر خجل القنا من فعله حتى غدا ... مثل النساء يرى عليه المعجر يصفونه ورد العلا وورده ... أبدا كعيش الحاسدين مكدر ظلمات نفس خاضها بروية ... من ماء الحياة كأنه الاسكندر متقيد يعدو وينطق ساكتا ... متحكم في الدهر وهو مسخر يا راكعاً لبس السواد وساجدا ... يتلو بني العباس وهو مزئر قد خر رأسك واللسان لبثه ... سر العلا وأسود منك المنظر

هب أن جسمك من جواك نحوله ... أو أن لونك للنحافة أصفر مركوبك البحر الجواد وما له ... من كبوة تلفى لماذا تعثر وأنشدني من لفظه لنفسه سيدي وأخي تقي الدين بن حجة الحموي: له يراع سعيد في تقلبه ... إن خط خطاً أطاعته المقادير محبر وبتحرير العلوم إذا ... جرى يرى منه تحرير وتحبير غصن عليه طيور العلم عاكفة ... وحانس النور من أوراقه النور وأشقر يده البيضاء غرته ... له إلى الرزق فوق الطرس تيسير بل اسمر عينه السوداء تلحظنا ... وهدب أجفانها تلك التشاعير أو سهم علم بأطراف السطور غدا ... مريشا وله في الفضل تأثير كذا محابره سود العيون فإن ... دانت أياديه قلنا الأعين الحور ومن وقف على رسالة السيف والقلم للشيخ جمال الدين بن نباتة رأى من هذه المعاني العجائب ولولا اطالتها لأثبتها في هذا الباب ولقد ظرف إلى الغاية شمس الدين الواسطي حيث قال: مازال بقلبه لهيب النار ... إذا صير جسمه خيالاً سارى الله يقلبه فما يعلم ما ... قاساه الواسطي إلا الباري وأنشدني أخي تقي الدين بن حجة الحموي يصف سكيناً أهداها له بعض الأصحاب وهو سكين قطع الملوك بها أوصال الجفا وأضافها إلى الأدوية فحصل بها البرء والشفاء وتالله ما غابت إلا وبلغت الأقلام من تغييرها إلى الجفا أنها لسان كل عنوان ما شاهدها موسى إلا وسجد في محراب النصاب وذل بعدما خضعت له الرؤوس والرقاب إن هجعت بجفنها كانت أمضى من الطيف وكم لها من خاصية جازت بها على حد السيف تنسى بحلاوة العسال ولا يظهر لطول طائله وتغني عن آلة الحرب بإيقاع ضربها الداخل كم مرت بشكلها المحلى فتركت المعادن عاطلة ولم يكن للحديد في هذه الواقعة مجادلة فلو لمحها الفاضل لتحقق أن خاطر سكينه كل أو شاهدها ابن نباتة لما أقر برسالة السيف وقل إلى أن دخلت إلى القراب كانت قد سبكت على الدخول أو أبرزت من غيمه كان على طلعتها الهلالية قبول كم أيقظت طرف القلم بعدما خط وعلى الحقيقة ما رأى مثلها قط ما أسفر صبح نصلها في ليل نصابها الذي دجا إلا تغزلت وقلت ما أحسن طرة الصبح من تحت أذيال الدجى تطرف بأشعتها الباهرة عين الشمس وباقامتها الحد حافظت الأقلام على مواظبة الخمس وكم لها من عجائب تركت جدول السيف في بحر غمده غريق لو سمع بها من قبل ضربه لما حمد التطريق لازالت صدقات مهديها تحف بما يذبح نحر فقرى وتأتي في كل حين بما يشفى من داء الفقر ويبرى بمنه وكرمه. كتب مولانا محمد بدر الدين الدماميني إلى المرحوم أمين الدين صاحب ديوان الإنشاء بالشام ملغزاً في دواة: كتبت وأعذاري إليك تقرر ... ونطقي بها يا كاتب السر يجهر أتتك أبيات المعاني فرضتها ... وحكت حبير اللفظ فهو محرر وحليت أهل الفضل إذ كنت خاتما ... له فعليك الآن يعقد خنصر وما أنت إلا البحر جاش عبابه ... ولكن رأينا منك حلما يجسر فما كلمة أفديك دام اعتلالها ... وفيها دواء إن اعتراها ثغير ويحفظها ذو السر وهي التي وشت ... وذلك من عاداتها ليس ينكر وما مسها إلا وجاب بنفسها ... وصحف تر المقصود بالنفس يظهر وتحمل سمر الخط رايات ملكها ... على الرأس عباسية حين تخطر كحيلة طرف تعشق العين شكلها ... وحسن مرآها إذا ما تحبر مؤنثة كم ذكرتنا بلوتها ... عهود الصبا والشيء بالشيء يذكر إذا هجرت يبدو المشيب برأسها ... وفي الوصل تذى أدمعاً تتحدّر وكم قد أرانا ريقها من مسلسل ... يلذ به في الذوق ورد ومصدر وكم لاقت الأحبار منها محاسنا ... فغادت لها الجهال بالعي تحصر مسودّة أن ترض فالعيش أخضر ... وإن سخطت فالموت لا شك أحمر ويعذب للسمر الرقاق رضابها ... فتنهل منه مورداً لا يكدر لقد أحكمت والنسخ مازال دأبها ... بذلك قد جاء الكتاب المسطر وما هي إلا ذات متربة غدت ... وكم ذا غنى عن قصدها ليس يفتر إذا امتدت الراحات وهي مثيرة ... إلى نحوها أمست على المد تقصر ولسنا نراها غير سائلة ولم ... تفه بسؤال فاعترانا التحير

فانعم بحل اللغز يا خير منعم ... فأنت به والله أجدى وأجدر ولازالت الأقلام تسعى لشكركم ... على رأسها طول المدى لا تقصر فكتب الجواب إليه بعد أيام: مواقع أقلام لها الفضل ينشر ... وروضة آداب لها القلب يجبر تحرر معنى حسنها نسج وحدة ... فيا حبذا الإسكندري المحرر يطول على الأفهام شقة شاوها ... فكل بليغ عن مداها يقصر أتت سهلة الألفاظ ممنوعة الذرى ... حماها من العلياء لا يتسور تشير إلى الحبلى التي عز وضعها ... فأحشاؤها فيها الأجنة تقبر ينامون لا تغشاهم سنة الكرى ... فإن هب فرد ظل يسعى ويحصر وإن أرشفته من سلاف رضابها ... تهادى به نشوان يمشي ويعثر وأما إذا أعتموا السواد فكلهم ... خطيب له فوق الأنامل منبر يسيل دموعاً في مجال سجوده ... فيخضل من رياه روض محبر وينطق عن علم وطول نباهة ... وعما أراه في الأنام يعبر يطاول سمر الخط أنى تشامخت ... سموا ومع هذا على الطول يقصر وكل بني الآداب تلقى بيوتهم ... تقام به بين الأنام وتعمر وأكرم بما قد ولدته وأنشأت ... وربت ويكفيها بذلك مفخر نجية فكر أن جلست ووجهها ... تجاهي وجاهي عندها ليس يحقر وقد فتحت فاها فقالت وقصرت ... فأما استقالت فهي في ذاك تعذر فلا زلتم أهل الكمال وجبركم ... لذي النقص مثلي منه حظ موفر بمدحكم الأقلام يضحك سنها ... بحق وأفواه الدوى تعطر قال بعض الفضلاء إذا أردت أن تضمن كتابا سراً فخذ لبنا حليبا واكتب به في القرطاس فإذا أراد قراءته المكتوب إليه فليذر عليه رماد القراطيس سخناً فإنه يظهر ما كتب وإن شئت كتبت بماء الزاج الأبيض فإذا وصل إلى المكاتب فليمر عليه شيئاً من ماء العقص وإن شئت بالعكس وإن شئت أن يقرأ ليلاً ولا يقرأ نهاراً فاكتبه بمرارة السلحفاة. قال الشيخ شهاب الدين بن العطار فيما يكتب على الدواة: أنا دواة يضحك الجود من بكاء ... يراعي جل من قد براه دلوا على جودي من شفه ... دا من الفقر فإني دواه وأنشدني شمس الدين الجرائحي لنفسه: أنا دواة كبحر جود ... في الفضل قل للسخي عني فلو غدا كفه سحابا ... عند العطا يستمد مني وقال ضياء الدين المناوي يصف حبراً: وعندي حبر ودّت العين لونه ... سوادا وترضاه الحسان خضابا غدا سائلاً من فرط سقم ورقة ... وأصبح للسمر الرقاق رضابا كأني لما بت أشكو صبابتي ... إلى الليل بالأشواق رق وذابا وكتب الشيخ برهان الدين القيراطي صحبة حبر أهداه: ليراعكم أهديت إنسان النظر ... وشباب طرس شاب من فرط الكبر أرسلته عبداً دعوه عنبراً ... إذا فاح طيب نشره بين البشر أقلامه أخذته حال كتابة ... سبحا وألقته على طرس درر ويودّ مرسله إلى أبوابكم ... لو زاد فيه سواد قلب أو بصر ليل وإن أبدى لنا ألفاظكم ... في صبح طرس أبيض قالوا سحر وأنشدني المرحوم فخر الدين بن مكانس: لداود الرئيس الحبر فضل ... وأنس عم أبناء الوجود أتانا منه حبر فابتهلنا ... وقلنا نعم أحبار اليهود وقال ابن الوردي فيمن انقلب حبر على ثوبه: انقلب الحبر على ... ثوبك فأبشرت بالأرب فحبر كل كاتب ... ربح إذا هو انقلب وأنشدني القاضي أمين الدين محمد الأنصاري صاحب ديوان الإنشاء بالشام لنفسه في لوح الموقعين المرصد للصاق الأوصال على لسانه: قطعوني وكنت منبر سجع ... طال ما في الرياض أسبغت ظلا فبكسرى جبرت بين الموالي ... وبقطعي جعلت للوصل أهلا وفيها له أيضاً: طرحوها كأنهم ... ليس يدرون فضلها وهي من أصل دوحة ... أسبغ الله ظلها ابن نباتة وكتبها على مرملة: عملت لمن جود أقلامه ... ربيع ومنطقه بارع إذا طلع الخط رملته ... فيا حبذ الرمل والطالع وقال السيد الفاضل شمس الدين بن الصاحب موفق الدين علي بن الآمدي مجاوباً لمن كاتبه في ورقة رزقا: أرسلت زهر الروضة الغناء ... في مثلها من رقعة رزقاء

فكأنما هي من أديم سمائنا ... قدت وفيها أنجم الجوزاء رزق جلا درر القريض بحسنه ... كالوسم يحلو مبسم اللمياء أو مثل منعطف الخليج وقد وصفا ... فتمثلت أزهاره في الماء وله: أنت أرسلت بالكتاب سما ... تبرز الشهب قبل وقت الزوال فيه كل نقطة مثل نجم ... وبه كل جزمة كهلال وله: كلمات لضحكها قد بكى الدر ... وهل منكر بكا اليتيم حسد المسك نفسه فغدا ... أسود ذا زفرة بخد لطيم وله: وذي مقول يخفى الكلام فإن رقى ... إلى أذن قرطاس ففيها يحدث عقود بلا سلك ببحر طروسه ... ولا عقد في سجره وهو ينفث وقال: جادت رياض الطرس سحب يراعه ... لما صدرن من النهي عن أبحر فكست غصون طروسه ورقابها ... أكمام لفظي بالمعاني مثمر وقال أبو الفتح محمد بن قادوس الدمياطي: مداده في الطرس لم بدا ... قبله الطرس ومر يزهد كأنما قد حل فيه اللما ... وذاب فيه الحجر الأسود الفصل الثاني

في أعيان كتاب الإنشاء قديماً وحديثاً ونبذة مما لهم من المكاتبات، عبد الحميد بن يحيى كان يقول لو كان الوحي ينزل على أحد بعد الأنبياء لنزل على بلغاء الكتاب وذكر البلاغة فقال هي ما رضيته الخاصة وفهمته العامة، إسماعيل بن صبيح، كاتب الرشيد لم يسمع في الجمع بين الشكر والاستزازة أحسن وأوجز مما كتب به إلى يحيى بن خالد في شكر ما تقدم من إحسانك شاغل عن استبطاء ما تأخر منه، عمرو بن مسعدة، كاتب المأمون وكان يقول قليل دائم خير من كثير منقطع وكتب إلى المأمون كتابي هذا وفي قبلي من أجناد أمير المؤمنين وقواده في الطاعة والانقياد على أحسن ما يكون عليه طاعة جند تأخرت أرزاقهم وأختات أحوالهم فقال المأمون لأحمد بن يوسف لله در عمرو ما أبلغه ألا ترى إلى ادماجه المسألة في الأجناد وإعفائه سلطانه من الإكثار، إبراهيم بن العباس الصولي، كاتب المستعصم والواثق والمتوكل كان يقول المتصفح للكتاب أبصر بمواقع الخلل فيه من منشئه، الحسن بن وهب، سئل عن مييته فقال سريت البارحة على عقد الثريا ونطاق الجوزاء فلما تنبه الصبح نمت ولم أستيقظ إلا بلبسي قيص الشمس ومدح صديقاً له فقال خلق له كما يشتهي إخوانه ووصف مغنياً فقال كأنه خلق من كل قلب فهو يغني بكل ما يشتهه، أحمد بن سليمان، أحسن الكلام ما لا تمجه الآذان ولا تتعب فيه الأذهان، بديع الزمان الهمذاني، من إنشائه الحمد لله الذي بيض القار وسماه الوقار وعسى الله أن يغسل الفؤاد كما غسل السواد، وله قد يوحش اللفظ وكله ود ويكره الشيء وليس منه بد هذه العرب تقول لا أبالك ولا يقصدون الذم وويل أمه للأمر إذا أهم وسبيل أولي الألباب في هذا الباب أن ينظر في القول إلى قائله فإن كان ولياً فهو المولى وإن كان خشن وإن كان عدواً فهو المبلى وإن حسن من إنشاء أبي القاسم علي بن الحسين المعروف بالمغربي، ووصلت الرقعة فاستجفيت النسيم العذب بالإضافة إلى لطافتها واستثقلت محل عقود اللؤلؤ بالقياس إلى خفة موقعها، وله وكتب هذه الأحرف وقد أظل البلاد ثلج ذكرني قول الصنوبري ورد الربيع مورد مبيض والورد في كانون أبيض إلا أنه انتقل إلى ضد طباعه معي واستأنس إلى عكس خلقه فإنه مع برده أحدث لي شوقاً إلى سيدنا ألهب جوانحي وصبابة نحوه أضرمت جوارحي حتى عاد بياضه في عيني سواد التذكرة وسقياه ظمأ برحا قلبي بتصوره على أن قلبي مزحوم من جهته مما يزدحم فيه من كآبة جفائه وصبابة بعده ونائه، وله وعرفت في هواجس الفكر ووسواس الذكر حتى نسيتكم من شدة المذكر ولقيتكم من حدة التصور وحتى وعدت كأني أجد في فمي عبقاً من تقبيل ذلك الوجه الناضر وفي عيني لمعا من سناء ذلك الجمال الباهر والله تعالى أسأل أن يسقط بيننا في تشاكي ألم الفراق إسناد القلم بمشافهة الفم للفم، القاسم الحريري، قال الشيخ صلاح الدين الصفدي في كتابه نصرة الثائر على المثل السائر سمعت الشيخ شهاب الدين محمود حين قرأت المقامات عليه يحكى عن القاضي الفاضل أنه أراد معارضتها ووضع ثلاث عشرة مقامة عارض كل فصل فيها بمثله حتى جاء إلى قوله أعني الحريري في المقامة الثالثة عشرة أعلموا يا مآل الأمل وثمال الأرامل أني من سروات القبائل وسريات العقائل لم يزل أهلي وبعلي يحلون الصدر ويسيرون القلب ويمطون الظهر ويولون اليد فلما أردى الدهر الأعضاد وفجع بالجوارح الأكباد وانقلب ظهر البطن نبأ الناظر وجفا الحاجب وذهبت العين وفقدت الراحة وصلد الزند ووهنت اليمين وضاع اليسار وبانت المرافق ولم يبق لنا ثنية ولا ناب فمذ أغبر العيش الأخضر وازوّر المحبوب الأصفر اسود يومي الأبيض وابيض فؤادي الأسود حتى رثى لي العدو الأزرق فحبذا الموت الأحمر فقال القاضي الفاضل من أين يأتي الإنسان بفضل يعارض هذا ثم أنه قطع ما عمله من المقامات ولم يظهرها أو كما قال وناهيك بمن يقول مثل القاضي الفاضل في حقه مثل هذا ويعترف له بالعجز وأما أنا فكلما قرأت هذا الفصل أجد له نشوة ولا نشوة الراح وبهجة ولا بهجة الساري بضوء الصباح، أبو الحسن بن بسام عارض إذا سمع استوسلت البحار ونجم إذا طلع تضالت الشموس والأقمار وسائق لا يمسح وجهه إلا بهيادب الغيوم وصارم لا يحلى غمده إلا بأفراد النجوم، القاضي السعيد، هبة الله بن سنا الملك وإن للشوق بحرا وقلبه والله الغريق بأمواجه وجرا وصدره المظلم بسراجه وأقل بد للهموم

عنده أنها حلته في عنفوان الشباب بحلية الأشيب وجعلته سادجا من الشعر الأسود وإن كان في وسط العمر المذهب كما قال أبو عبادة ذهبية الصبوات من أعوامه، وله فالإسلام من طلقاته والكفر مجاهد ولكن باتقائه وسيوفه تحسن في الأجسام البسط وفي الأرواح القبض ورماحه تكاد لطولها تمسك السماء أن تقع على الأرض، وله لا جمع الله عليك المصيبتين فراق الأحباب وفراق الثواب ورزقك من الإعانة على ما تعانيه ما يفضل عنك إلى أن تخلعه عليّ وترسله إليّ، وله وازهد في دنيا تنبت الحمام وتحصد الأجسام وتقصف أغصان الأشباح وتقطف أزهار الأرواح وأذهل عن الذهول وأحسن ضيافة النصح بالقبول. وإذا رأيت جنازة محمولة ... فاعلم بأنك بعدها محمول

وكيف لا يحمل المملوك تلك الأشواق وهي تقربه من المولى بالتخيل إذا أبعدته الأيام ويمثل له المقام الكريم فيقابله كل ساعة بالسجود ويشافهه بالسلام ويرفع ناظره فلولا نظرة إليه لكانت عينه مطرقة وستور أهدابه مسبلة وأبواب جفونه مغلقة ولولا اشتغالها بمطالعة طلعته لالتهبت من دموعها بمياه محرقة فهو منها في نار وجنة مغلول بغلة مطوق بمنه، وله ولقد أنساه فراق المولى حروف المعجم فما يعرف منها حرفا وعاقب خاطره الذي كفر بالبلادة فأسقط عليها من سمائه كسفا شوقا ما خطر مثله على قلب بشر ودمع ما مر على بصر إلا ومرَّ بالبصر ولسان لا ينفك من الدعاء على يوم الفراق ومن دعاء على ظالمه فقد انتصر ضياء الدين بن الأثير الجزري ودولته هي الضاحكة وإن كان نسبها إلى العباس وهي خير دولة أخرجت للدهر ورعاياها خير أمة أخرجت للناس ولم يجعل شعارها من لون الشباب إلا تفاؤلاً بأنها لا تهزم وإنها لا تزال محبوة من أبكار السعادة بالوصل الذي لا يضرم، وله يصف بناء مرتفعاً إذا أضرم برأسه قبس ظنه المتأمل نجماً وإذا استدار عليه قوس السماء كان في كبده سهما، وله في القلم فهو الملقب بالجواد المضمر وإذا أخذت السوابق في إحضارها بلغ الغاية وما أحضر وله لون يحقق فيه القول النبوي لو جمعت الخيل في صعيد واحد لسبقها أشقر فإن الأشواق عن الحمام خليفة وإذا كانت حركة الفلك شوقية فما الظن بالقلوب الضعيفة، القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر يصف بطيخاً حلبياً أهدي إليه فشاهد إهابه وكأنما جمع من زهر الأقاح وكأن كل واحد منه قنديل وعروقه فتيلة الأصباح وكأن كبراه بطن خميص من له من مجموع اللب حنين وكأن صغراه رأس كم منها أن فصلت جبين يقسم كل رأس منه رئيس من الأناسي وقصر أيمانه في الاستحسان عليه فما يقول ألا وحق رأسي، ومن أنشأه نعلمه بفتوحات استطعم الأيمان حلاوتها من أطراف المران واستنطق الإسلام عبارتها من ألسنة الخرصان ذلك بفتح حصن الأكراد الذي كان في خلق البلاد الشامية عضه لم تسمع بمياه السيوف المجردة وشجن صدرها لم تقاومه أدوية العزائم المفردة طالما أكسب البلاد رعباً ورهباً وطالما اسمتارى من أخلاق الأمصار حلبا، ومن إنشائه بكتاب يأمر في بإبطال الحشيش بعد الخمر يعلم أن المنكرات التي أمرنا أن تملأ الصحائف بأجرها ونفرغ الصحائف وأن لا يخلو بيت من بيوتها من كسر أو زحاف قد بلغنا الآن أنها اختصرت وأن كلمة الشيطان بالتعويض عنها قد نصرت وأن أم الخبائث ما عمقت والجماعة التي كانت ترضع ثدي الكأس قد أرتعت بعدما فطمت وإنها في النشأة ماحيت إبليس مسعاها وإنها لما أخرج المنع عنها ماءها من الخمر أخرج لها من الحشيش مرعاها وإنها استراحت من الخمر واستغنت لما تشتريه بدرهم عما كانت تبتاعه من الخمر بدينار وإن ذلك فشا في كثير من الناس وعرف في عيونهم ما يعرف من الاحمرار في الكأس وصاروا كأنهم خشب مسندة سكرى وإذا مشوا يقدمون لفساد أذهانهم رجلا ويؤخرون أخرى ونحن نأمر أن تحتت أصولها وتقتلع ويؤدب غارسها حتى يحصد الندامة مما زرع وتطهر منها المساجد والجوامع ويشتهر مستعملها في المحافل والمجامع حتى تنتبه العيون من هذا الوسن وحتى لا تشتهى بعدها خضرا ولا خضراء الدمن، ومن إنشائه من كتاب إلى الفرنج وقد أخذت شواني السلطان وخيولهم المركب ومراكبنا الخيول وفرق من يجريها كالبحار وبين من يقف به في الوجول وبين من يتصيد بالصقور من الخيل العراب وبين من إذا افتخر قال تصديت بغراب فلئن أخذتم لنا قرية مكسورة فكم أخذنا لكم قرية معمورة وقد قال الملك وقلنا والله أعلم أن قولنا هو الصحيح واتكلنا واتكل وأين من توكل على الله ممن اتكل على الريح، ول وأما فلان فإنه شمر الذيل وامتطى هربا أشهب الصباح وأحمر الشفق وأصفر الأصيل وأدهم الليل، وله فكم شاهدنا من قتلاهم كل مهيب الهامة حسن الوسامة قد فض الرمح فاه فقرع السن على الحقيقة ندامة، وله من منشور كتبه للأمير جمال الدين المحمدي عند إخراجه من الاعتقال أوله الحمد لله الذي أظهر جمال الدين المحمدي، وله من منشور كتبه ليسري عن السلطان المنصور وجرينا في الإحسان إليه على القياس وإن كان من أكابر أصحاب الظاهر، ومن إنشائه يقبل اليد التي لو تجسدت القبل فيها لنظمت سبحا ولو أثرت فيها كتأثير الوضوء كانت حجولا ووضحا ولا برحت القبل التي قبلتها

ساجدة والأفواه إلى مسرعتها واردة حتى يقال والمابسم يقبلها أحباب في حياض أم زهر في رياض ويروق في غمام أم درر في بحر طام، ومن إنشاء قوام الدين بن زيادة يهنئ الوزير البلدي، وأفاض عليه من صنوف تشريفاته خلعا خاع بها قلوب الأعادي من أعماق الصدور وطلع فيها من آفاق البدور كأنما أنشئت من عيون عين الصيرم وغزلانه أو غشيت بعصر الشباب وريعانه فالبسها من حلاء سربال الجلال وجرتها على المجرة أذيال الاختيال وقلده سيفاً عقد النصر بلوائه وتعلم المضامن آرائه أهدى في قلوب العدى من الأوجال لا ينصل نصله من خضاب القراب ولا يغمد إلا في قراب الرقاب وأمضاه صهوة صافن أسرع من تأدية الأسماع إلى الأفهام وأوحى من مضاحكة البرق خلال سجف الغمام يسبق مطارح نظره بمواقع حافره ويهجي ظلال ظله بأهلة أثره بشكل رأيه فيه إذا تدرع في شوطه واشتد أطرف رديء أم طرف يرتد كأن بركة سهم وسنبكة وهم أو يحف بقوادم شهاب أو عنده علم من الكتاب ولاطفه بدواه وهي دوام العدم وأداة النعم ومنبع الكرم ومرتع أرزاق الأمم يستشف للآلئ الأداء من قرارها ويصفق أمواج الحكمة والبلاغة من أقطار ثنائها تكشف يراعها يردع كل روع ويتبع أمره كل متبوع قد حمل من أعباء الخلافة وحمى الأسد رضيعاً والملك فطيماً يصوب بكرم الغيوث الغوادي ويصول بقرم الليوث العوادي: يمحو ويثبت أرزاق العباد بها ... فما المقادير إلا ما محا ودحا من إنشاء الصدر عز الدين بن سينا من بشارة للديوان العزيز بكسر عساكر الفرنج من عكا عن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب في سنة اثنين وأربعين وستمائة، فلا روضة إلا درع ولا جدول إلا حسام ولا غمامة إلا نفع ولا وبل إلا سهام ولا مدامة إلا دما ولا نغم إلا صهيل ولا معربد إلا قاتل ولا سكران إلا قتيل حتى أنبت كافور الرمال شقيقاً واستحال بلور الحصباء عقيقاً وازدحمت الجنائب في الفضا فجعلته مضيفا وضرب النقع في السما طريقا وعاد الفارس بالدماء غريقا: وضاقت الأرض حتى كاد ربهم ... إذا رأى غير شيء ظنه رجلا

ومن إنشاء القاضي تاج الدين ابن الأثير: والمنجنيقات تفوق إليهم سهام قسيها وتخيل إليهم أنها ساعية إليهم بحبالها وعصيها وهي في الحصون من ألد الخصوم وإذا أمت حصنا حكم بأنه ليس بإمام معصوم ومتى امترى خلق في آلات الفتوح لم يكن فيها أحد من الممترين وإذا نزلت بساحة قوم فساء صباح المنذرين تدعى إلى الوغى فتكلم وما أقيمت صلاة حرب عند حصن إلا كان ذلك الحصن ممن يسجد ويسلم، ومن إنشاء سيد كتاب الإنشاء وإمام البلغاء القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني: فقم عنا بهذه الفريضة وطر في تلك المضار ورفه قوادمنا المهيضة وأدر وعلينا أن نشرب وقل وعلينا أن نطرب وانفرد بالحرب وعلينا النظارة وأعطنا السلب وباشر أنت الغارة وأنفذ إلينا كل يوم من أقمصة يوسف قميصا ولكن قميص البشارة، وله من شفاعة وعلى المذكور ديون كثيرة والدين عثرة الصراط والقبر على المطلوب سم الخياط فإن رأى مولانا أن ينظر إليه بما يفك أسره ويغني فقره فهناك الإطلاق بالحقيقة أو الأسر والغنى بعد العرض على الله أو الفقر فبهذا عرفتم يا أهل المعروف من آل أيوب وكذا كان يوسفكم رحمه الله يقضي كل حاجة في نفس يعقوب، وله والجو يتنفس عن صدر مسجور كصدر المهجور وصاليه في نحو هذه الطب جار ومجرور والمهامة قد سرفها ملأ السراب وزخرفها بحر ماء ولد لغير رشده وعلى غير فراش السحاب وحر الرمل قد منع حث الرمل ونحن في أكثر من جموع صفين ألا أننا نخاف وقعة الجمل ووردنا ماء هذه العيون وهو كماء المحابر يغترف منه المجرم مثل عمله ويرسله سهما فلا يخطئ تفرة مقتله وهو مع هذا قليل كأنه حادث به الآماق في ساحات النفاق لا في ساعات الفراق فيا له من ماء لا تتميز أوصافه من التراب ولا يرتفع به فرض التيمم كما لا يرتفع بالسراب ولا يعدو ما وصف به أهل الجحيم في قوله (وإن يستغيثوا يغاثو بماء كالمهل يشوى الوجه بئس الشراب) فنحن حوله كالعوائد حول المريض يعللون عليلاً لا يرد الجواب بل يندبون ميتاً قد حال بينهم وبينه التراب يجهز للدفن ونعشه المراد ويحفر عليه ليقوم من قبره وذلك خلاف المعتاد وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع على أنه لو كان دمعاً لما بل الأجفان ولو كان مالا لما رفع كفة الميزان وإن امرؤ روحه في جلد غيره وهو المراد وخصمه من غير جنسه وهو النار التي في غير الزناد لجدير أن يغري به إغراؤه وإن يلام على مفارقة الأحبة ويقال هذا جزاؤه، وله) إلى أن ترد كتب العسكر وأعلامها من مدات ألفاته ورؤوس العدى قطعات همزاته والأيام التي لا أشاهد فيها الوجه لا أحسبها من العمر والأيام التي لا يصل فيها ركابه لا أحسبها من الدهر ولا يخنصر علي على عمري ولا يغالطني في حساب دهري، وله وقد أحسنت الحضرة في بشراي بكتابة في كتابها فقد طلع طيفاً للحبيب الزوار ونجماً لفجره ولا أقول الفرار وعليه أبقاه الله سلام أنور مما بعد الفجر وأشرق مما تحت الخمار وأجلب للسرور مما قبل الخمار، وله ذكر الله ذلك العهد بخير ما ذكرت العهد بخير ما ذكرت العهود ولعن الله الفرنج المحتدقين وقتل أصحاب الأخدود فقد قطعوا طرقات المسار وأطالوا عمر الأبكار وسبكت نار مقاساتهم الدينار فجعل الله أعلام الكافرين لمن عقبى الدار، وله وظننا أننا به بل بدعائه قد دخلنا الجنة لما نلناه من خمرها الذي هو لذة للشاربين وأنا خالطنا أهلها فأشخاص المعاني من الحروف على سرر متقابلين ووثقنا بأن لنا منه الدعا الذي نأوي منه إلى كنز عتيد والرأي الذي أنزله الله هو والحديد فيهما بأس شديد، وله) رب إني لا أملك إلا نفسي وهاهي في سبيلك مبذولة وأخي وقد هاجر إليك هجرة نرجوها مقبولة وولدي وقد بذلت لعدوك صفحات وجوههم وها أنا على محبوبك بمكروه فيهم ومكروههم ونقف عند هذا الحد ولله الأمر من قبل ومن بعد فيا عصبة محمد صلى الله عليه وسلم أخلفه على أمته بما تطمئن منه مضاجعه ووفه الحق فينا فأنا والمسلمون عندك ودائعه، وله ودعا المسلمون برؤوس عدوهم في رؤوس القنا وقد اجتنوا ثمراتها ورواحهم في صدور الظباء قد أطفئوا لمائها جمراتها فأنبتت سنابك الخير سماء من العجاج نجومها الأسنة وطارت إليهم عقبان من الخيول قوادمها القوائم ومخالبها الأعنة وتصويت عيون السمر إلى قلوبهم كأنما تطلب سوادها وقصدت أنهار السيوف أكبادهم فكأنما أرادت أن تروي جيادها ونصبت للملك

الباب الثامن والثلاثون في الهدايا والتحف النفيسة الأثمان ذكر ابن بدرون في شرحه لقصيدة ابن عبدون عند ذكر كسرى وبنائه للسور المذكور في الباب السادس من هذا الكتاب ولما بنى كسرى هذا السور هادته الملوك وراسلته، فمنهم ملك الصين كتب إليه من يعقوب ملك الصين صاحب قصر الدار والجوهر الذي في قصره نهران يسقيان العود والكافور والذي توجد رائحة قصره على فرسخين والذي تخدمه بنات ألف ملك والذي في مربطه ألف فيل أبيض إلى أخيه كسرى أنوشروان وأهدى إليه فارسا من در منضد علينا الفارس والفرس من ياقوت أحمر وقائم سيفه من الزمرد منضد بالجوهري وثوبا حريرا صينيا وفيه صورة الملك على إيوانه وعليه حلته وتاجه وعلى رأسه الخدام بأيديهم المذاب المصورة من ذهب تحمله جارية تغيب في شعرها يتلألأ جمالها وغير ذلك مما تهديه الملوك إلى أمثالها.

خيمة حمراء كأنما وضع على الشرك عمادها وتولت حفظ أطنابها الرجال فكأنهم أوتادها، وله وقد كان يقال إن الذهب لإبريز لا يدخل عليه آفة وإن يد الدهر البخيل عنه كآفة وأنتم يا بني أيوب أيديكم آفة نفائس الأموال كما أن سيوفكم آفة نفوس الأبطال فلو ملكتم الدهر لامتطيتم لياليه أذاهم وقلدتم أيامه صوارم ووهبتم شموسه وبدوره دنانير ودراهم وأيام دولتكم أعراس وكان ما تم فيها على الأموال ما تم والجود في أيديكم حاتم ونفس حاتم في نقش ذلك الخاتم، وله) وما أحسب الأقلام جعلت ساجدة إلا لأن طرسه محراب ولا أنها سميت خرساء إلا قبل أن نفث سيدنا في روعها رائع هذا الصواب ولا لأنها اضطجعت في دويها إلا ليبعثها ما ينفخ من روحه من مرقدها ولا سودت رؤوسها إلا أنها أعلام عباسية تناولتها الحضرة بيدها لا جرم أنها تحمي الحمى وتسفك دماً وتحقن دماً وتتوشح بها يده عناناً ويرسلها فيعلم الفرسان أن في الكتاب فرساناً وتقوم الخطباء بما كتبت تعلم الأسنة أن في الأيدي كما في الأفواه لساناً ولقد عجبت من هذه الأقلام تخر ألسنتها شقاً فتنطق فصيحه وتجدع أنوفها برياً فتخرج صحيحة تحلي مليحة وما هي إلا آية في يد سيدنا البيضاء موسومة وما مادتها في الفصاحة إلا علوية ولولا الغلو لقال علوية، وله ففضه عن فضة مسها ذهب وفاوضها عن نار ذكاء لو لم يمازجه ماء الطبع لهب منه أي لهب وخمد له كل ملتهب القريحة وقصرت يده فإن نواه قيل له (تبت يدا أبي لهب) وأغاربه على القلوب فرجع وهي بالأشواق محتوية الفضل مأخوذة السلب فكم فيه من فقرة قيل لها يا أخت خير أخ يا بنت خير أب وله وأما الثلوج التي وصفها ذلك البيان فأحجها بل أهداها إلى الصدور فأثلجها فقد ثملت البلاد وكأنما نشر عليها المولى غرضه وسرني أن يرد لك الفضاء فضة فأراني النجوم في هذه السنة وقد ناصحت في خصبها فنزلت وقد ناصحت في خصبها فنزلت بأنفسها وبرزت ظاهرة في النهار بجواريها وخنسها وأجدر بها أن تكون سنة يغسل وضر الكفر يصابون ثلجها وتنير العزمة الناصرية من هذه الرغوة صريع فلجها، وله وبينا أنا من الخمول في مهبط رمس إذ رفسئ التمويل إلى مطلع شمس وبينا أندب أفعال بني الأصفر في عسقلان وجفوة أبيهم يعني الدينار لي في مصر فما يراني إلا وكان عليه من سكته عوذاتها مني يعتصم وكأنما يصفر خوفاً مني وهو إلى الغير يبتسم إذ صرت أنفضه من بنان أبي الطيب من دنانير شمسه وربما أثقله بعد الضرب إلى النفي لا إلى اعتقال الكيس وحبسه، وله وإن أدعى سحر البيان أن يقضي أيسر حقوقه ويثمر ما يحب من شكر فروعه وعروقه لكنت أفضح باطل سحره وأذيقه وبال أمره وأصلب الخواطر السحارة على جذوع الأقلام وأعقد ألسنتها كما تعقد السحرة الألسنة عن الكلام، وله أشكو بعد قلبي جسمي فقد ضعفت قوته وقوى ضعفه ونسجت عيه همومي ثوباً دون الثياب وشعاراً دون الشعار من الحرب الذي عاد بيني وبينه وأسقم يدي من جسمي وأستخدمها تحرث أرضه فإن لم يكن لاضه. الباب الثامن والثلاثون في الهدايا والتحف النفيسة الأثمان ذكر ابن بدرون في شرحه لقصيدة ابن عبدون عند ذكر كسرى وبنائه للسور المذكور في الباب السادس من هذا الكتاب ولما بنى كسرى هذا السور هادته الملوك وراسلته، فمنهم ملك الصين كتب إليه من يعقوب ملك الصين صاحب قصر الدار والجوهر الذي في قصره نهران يسقيان العود والكافور والذي توجد رائحة قصره على فرسخين والذي تخدمه بنات ألف ملك والذي في مربطه ألف فيل أبيض إلى أخيه كسرى أنوشروان وأهدى إليه فارساً من در منضد علينا الفارس والفرس من ياقوت أحمر وقائم سيفه من الزمرد منضد بالجوهري وثوباً حريرا صينياً وفيه صورة الملك على إيوانه وعليه حلته وتاجه وعلى رأسه الخدام بأيديهم المذاب المصورة من ذهب تحمله جارية تغيب في شعرها يتلألأ جمالها وغير ذلك مما تهديه الملوك إلى أمثالها.

وكتب إليه ملك الهند: من ملك الهند وعظيم ملوك الشرق وصاحب قصر الذهب وإيوان الياقوت والدر إلى أخيه كسرى أنوشروان ملك فارس صاحب التاج والراية وأهدى إليه ألف من عود يذوب في النار كما يذوب الشمع ويختم عليه كما يختم على الشمع وجاماً من الياقةت الأحمر فتح شبر مملوء من در وعشرة أمنان كافور كالفستق وأكبر من ذلك وجارية طولها سبعة أذرع تضرب أشفار عينيها إلى وجنتيها كأن بين أجفانها لمعان البرق مع إتقان شكلها مقرونة الحاجبين لها ضفائر شعر تجرها وفراشا من جلود الحيات ألين من الحرير وأحسن من الوشي وكان كتابه في لحاء الشجر المعروف بالكاذي مكتوب بالذهب الأحمر وهذا الشجر يكون بأرض الهند والصين وهو نوع من النبات عجيب ذو لون حسن وريح طيبة تكاتب فيه ملوك الصين والهند. وكتب إليه ملك التبنت من ملك تبنتان ومشارق الأرض المشاخبة للصين والهند إلى أخيه المحمود السيرة والقدر ملك المملكة المتوسطة الأقاليم السبعة كسرى أنوشروان وأهدى إليه أنواعاً مما تحمل من عجائب أرض تبنت منها مائة جوشن ومائة ترس مذهبة وأربعة آلاف من المسك في نوافج غزلانه. وأهدى يعقوب بن الليث الصفار صاحب خراسان إلى المعتمد هدية في بعض السنين من جملتها عشر بزاة منها بازي أبلق لم ير مثله ومائة مهر وعشرون صندوقاً على بغال عشرة فيهم ظرائف الصين وغرائبه ومسجد فضة برواقين يصلي فيه خمسة عشر إنساناً ومائة من مسك ومائة عود هندي وأربعة آلاف درهم. وأهدت ملكة فرنجية إلى المكتفي بالله في سنة ثلاث وتسعين ومائتين خمسين سيفاً وخمسين رمحاً وخمسين فرساً وعشرين ثوباً منسوجاً بالذهب وعشرين خادماً صقلياً حسناً وعشرة كلاب كبار لا تطيقها السباع وست بازات وسبعة صقور ومضرب حرير يجمع ثلاثة وعشرين ثوباً معمولاً من صوف يكون في صدف يخرج من البحر يتلوّن بجميع الألوان كقوس قزح يتلون كل ساعة لوناً وثلاثة أطيار تكون في أرض إفرنجية إذا نظرت إلى الطعام المسموم صاحت صياحاً منكراً وصفقت بأجنحتها ليعلم ذلك من حالها وخرزا يحتذب النصول فتخرج من غير ألم وقدم الرسول بكتابها وهديتها وكان في فصل من كتابها وعرفت أن بينك وبين ملك قسطنطينية صلة وأنا أوسع منه سلطاناً وأكثر جنداً وأشد سطوة وملكي على أربعة وعشرين مملكة لسانها لا يشبه الآخر وفي مملكتي وطاعتي رومية الكبرى. ومن ظرائف الهدايا ما أهدته شجرة الدر جارية المتوكل وكان يميل إليها ميلا كبيراً ويفضلها على سائر حظاياه فلما كان يوم المهرجان أهدى إليه حظاياه هدايا نفيسة واحتفلن في ذلك فجاءت شجرة الدر بعشرين غزالاً تربية عليهن عشرون سراجاً صينيا على كل غزال خرج صغير مشبك حرير فيه المسك والعنبر والغالية وأصناف الطيب ومع كل غزال وصيفة بمنطقة ذهب وفي يدها قضيب ذهب وفي رأسه جوهرة فقال المتوكل لحظاياه وقد سر بالهدية ما فيكن من تحسن مثل هذا وتقدر عليه فحسدنها وعملن على قتلها بشيء سقينه لها فماتت. عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو عبد الرحمن الأمير ولي المدينة للرشيد ثم ولي الشام والجزيرة للأمين وجه الرشيد فاكهة في أطباق خيزران وكتب إليه أسعد الله أمير المؤمنين وأسعد به دخلت إلى بستان أفادنيه كرمك وغمرته لي نعمك قد أينعت أشجاره وتهدّلت ثماره فوجهت إلى أمير المؤمنين من كل شيء على القدرة والإمكان في أطباق القضبان ليصل إلي من بركة دعائه مثل ما وصل إلي من بركة عطائه فقال رجل يا أمير المؤمنين لم أسمع بأطباق القضبان فقال يا أبله كنى عن أنشدني في المجدي فضل الله بن مكانس وقد أهدى له والده تحفاً جليلة: تناهيت في بري إلى أن هديتني ... وقد كنت قبل اليوم في الغي ساريا وأهديت لي ما حير الفكر حسنه ... فلا زلت في الحالين للعبد هاديا

التحف النفيسة الأثمان ذكر الأصمعي قال حدثت أن برمك جد يحيى بن خالد كان زواراً للملوك وكان يتطيب فحدث أنه صار إلى ملك الهند فأكرمه وآنس به وأحضر له طعامه قال فأكلت حتى انتهيت فقال لي كل فقلت لا والله أيها الملك ما أقدر على أن أزداد شيئاً فقال يا غلام هات القضيب قال فوهمت وظننت أني أخطأت فلم يلبث أن جاءه بقضيب فأخذه الملك وأمرّه على صدري فكأنني لم آكل شيئا قط ثم أكلت أكلاً كثيراً حتى انتهيت فقال كل فقلت ما أقدر على ذلك فأخذ القضيب وفعل مثل ما فعل فكأني لم آكل شيئاً قط ثم أكلت حتى انتهيت فقال لي كل فقلت ما أقدر على ذلك فأراد أن يمرّ القضيب فقلت أيها الملك إن الذي دخل يحتاج إلى أن يخرج فقال صدقت وأمسك عني فسألته عن القضيب فقال تحفة من تحف الملوك ثم خرجت من عنده فأتيت الأصبهد فقربني وأكرمني وكان جالساً في مجلس على البحر وفي يده خاتم ياقوت أحمر يغلب نوره نور الشمس قد أضاء المجلس منه فلم أزل أنظر إليه فلما رآني أفعل ذلك نزعه من يده ورمى به في البحر فوردت علي أعظم مصيبة وقدرت أني قد جنيت جناية ووجمت فلما رآني قال ما لك قلت أحسب أنك أنكرت نظري إلى الخاتم فألقيته في البحر قال لا وضحك ودعا بسفط فأخرج منه سمكة من فضة في رقبتها سلسلة طويلة فألقاها في البحر فغاصت ثم ظهرت بالخاتم في فيها فجذبها وأخذ الخاتم وردّه إلى إصبعه فورد علي ما حيرني ولم أعرف سببه ثم خرجت وأتيت الشام ولقيت هشام بن عبد الملك فأكرمني ورحب بي وسألني عن خبري فأخبرته فأمرني أن أتخذ له انتجات أرداها، قال الشيخ الأنتجات هي أخلاط تربت في العسل مثل الأترج والاهليلج ونحوها. رجع: فتشاغلت بعملها فبينما أنا في بعض الأيام في منزلي قد نزعت ثيابي وأخذت إصلاح حالي وما أمرني به إذا بغلمانه قد هجموا علي وقالوا أمير المؤمنين يطلبك فأردت أن أغتسل وألبس ثيابي فقالوا كما أنت فأخذت بصورتي وأحضرت في مجلسه فلما دخلت من الباب قال اتركوه اذهب اذهب لا تقربني معك سم الله وأخرجوه فأخرجت وعدت إلى منزلي وأنا على حال حيرة من انزعاجه فاغتسلت وتنظفت ولبست ثيابي ثم رحلت إليه دخلت إلى حضرته وسألته عما كان منه فقال لي كان معك سم أو عبثت بشيء من السموم فقلت لا والله إلا أني كنت أعمل تلك الانتجات التي أمر أمير المؤمنين بها ولم تدعني الغلمان إلى أن أغتسل وكان من جملتها الأفيون وهو سم قال ما أشك في ذلك قلت فكيف علم أمير المؤمنين ذلك قال في عضدي كبشان من الياقوت إذا لقيني إنسان معه سم أو قدم إلي ما فيه سم انتطحا فلما وقعت عيني علي انتطح الكبشان فعلمت أن في يدك شيئاً من السم، نقلت هذه الحكاية من مجموعه بخط سيدنا وشيخنا شمس الدين محمد بن الكتبي الشهير بالتريكي رحمه الله. قال صاحب كتاب المباهج مما وجد في خزائن الملوك والخلفاء والوزراء من الجوهر النفيس الدرة اليتيمة وسميت بذلك لأنها لم يوجد لها نظير حملها إلى الرشيد مسلم بن عبد الله العراقي فباعها عليه بتسعين ألف دينار وكان للمتوكل فص ياقوت أحمر وزنه ستة قراريط اشتراه بستة آلاف دينار، وكانت له سبحة فيها مائة حبة جوهر وزن كل حبة مثقال اشتريت كل حبة منها بألف دينار. وأهدى بعض ملوك الهند إلى الرشيد قضيب زمرد أطور من ذراع وعلى رأسه تمثال طائر ياقوت أحمر لا قدر له نفاسة قُوِّم هذا الطائر على حدته بمائة ألف دينار. ودفع مصعب بن الزبير حين أحس بالقتل إلى مولاه زياد فصاً من الياقوت الأحمر وقال له بخ بهذا وكانت قيمته الف ألف درهم وسقط من يد الرشيد في أرض كان يتصيد فيها فاغتم لفقده فذكر له فص ابتاعه صالح صاحب المصلى بعشرين ألف دينار فأحضره ليكون عوضاً عما سقط منه فلم يره عوضاً عنه ووهب المأمون للحسن بن سهل عقداً قيمته ألف ألف درهم وقوّم الجوهر الذي سلم من النهب عند فتنة المأمون بألف الف ألف ومائة ألف وستة عشر ألف درهم ووجد في تركة السيدة بنت المعز العبيدي طست وإبريق من البلور ومدهن ياقوت أحمر وزنه تسعة وعشرون مثقالاً وكان الناس يستعظمون الطست والإبريق إلى أن قبض على أبي محمد البازوري وزير المستنصر العبيدي فوجد عنده تسعون طستاً بأباريقها من صافي البلور وجيده كباراً وصغاراً فهان عليهم ما استعظموه.

وكان لمحمود بن سبكتكين صاحب غرنة كنصاب المرأة من الياقوت الأحمر إذا ركب قبض عليه بيمينه فتبين طرفاه من جانبي يده بحيث ينظر إليهما الناس ووجد في خزائن مروان بن محمد مائة جذع أرضها بيضاء فيها خيوط سود وحمر سعتها ثلاثة أشبار وأرجلها ذهب فيقال إنها صنعت على شكل المشتري من أكل منها لا يشبع. ووجد أيضاً في خزائنه جام من زجاج فرعوني غلظ أصبع وفتحه شبر ونصف في وسط صورة أسد ثابت وأماه رجل قد برك على ركبتيه وقد أغرق السهم في القوس وكان فيما أخذ من خزائن قصر العاضد العبيدي بعد وفاته الحبل الياقوتي وكان وزنه سبعة عشر درهماً أو سبعة عشر مثقالاً ولما انهزم أبو الفوارس بن بهاء الدولة البويهي من أخيه سلطان الدولة قصد يمين الدولة محمود بن سبكتكين فبلغ محمود أنه باع جوهرتين كانتا على جبهة فرسه فاشتراهما نصير الدولة صاحب ديار بكر بعشرة آلاف دينار فقال من غلطكم ترككم على جبهة الفرس مثل هذا وقيمته ستون ألف دينار. وأهدى صاحب قلعة اصطخر إلى السلطان الملك العادل ألب أرسلان السلجوقي قدح فيروزج فيه منوامسك مكتوب عليه جم شاد أحد ملوك الفرس الأول. وأخذ يوسف بن تاشفين من عبيد بن المكين الصنهاجي وكان ملك أفريقية لما قبض عليه سبحة فيها أربعمائة حبة جوهر كل حبة قومت بمائة دينار ووجد في ذخائر العبيديين لما أخذ الملك منهم عشرة آلاف قطعة بلور محكم تفاوتت قيمتها من ألف دينار إلى عشرة دنانير ووجد فيها قطعة بلخش وزنها ثلاثة وعشرون قيراطاً. ووجد فيما أفاء الله على السلطان محمود بن سبكتكين لما فتح الهند قطعة ياقوت أحمر زنتها أربعمائة وخمسون مثقالاً، وكان فيما أخذ لمؤيد الملك بن نظام الملك من الجواهر قطعة بلخش وزنها أحد وأربعون مثقالاً. وحكى الواقدي في فتوح السند أن عبيد الله العبيدي عامل معاوية على السند غزا بلد القيفال فأصاب منه مغانم كثيرة وأن ملك القيفال بعث إليه يطلب الفداء وحمل إليه هدايا كان فيها قطعة مرآة يذكر أهل العلم أن الله تعالى أنزلها على آدم لم كثر ولده وانتشروا فكان ينظر فيها فيرى من بعد منهم على الحالة التي هو عليها من خير وشر فحملها عبد الله إلى معاوية فبقيت في ذخائر بني أمية إلى أن انتقل الملك منهم إلى بني العباس فصارت عندهم في الذخائر. بدنة عبدة: ذكر أصحاب التواريخ أن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان مات وخلف عاتكة بنت يزيد وكانت تحت عبد الملك بن مروان فلما ماتت عاتكة أوصت بأن يفرق مالها على أولاد أخيها فقسم عبد الملك تركتها بين عشامة وعبدة فتزوج عبد الملك عشامة وعزوج هشام عبدة فرآها يوماً هشام وقد ألقت حليها وإذا في نحرها خال فبكى وقال لأنت هي فقالت وما معنى هذا القول فقال إنا نروى أن امرأة خليفة وابنة خليفة في جيدها خال تذبح كما تذبح الشاة فقالت لا يجزيك الله إن كان الأمر صحيحاً فلا حيلة لي في دفع القضاء وإن لم يكن فلا معنى لتعجيل الهم فلما قتل عبد الله بن علي بن أمية واستباح أموالهم أخذ بدنة عبدة وبعث بجواهر إلى السفاح فعرضها على امرأته أم سلمة بنت يعقوب المخزومية فقالت ما لي لأرى بدنة عبدة فكتب إليه بذلك وأمره بإنفاذ بدنة عبدة فأنفذ إليه بدنة عبدة وزعم أنها هي فعرضها على امرأته فقالت ليست هي هذه بدنة الرائقة جارية هشام وحبة واحدة من بدنة عبدة أفضل من هذه كلها وعلامتها أن في ظهرها وصدرها خطين من كبار الياقوت الأحمر فكتب أبو العباس إلى عبد الله يعزم عليه في البعث ببدنة عبدة فكتب إليه بذلك فكره أن يبعث بعبدة لئلا تقر عليه ولم يجد بدّاً فبعث بها ودس بعض أجناده وقال إذا صرت بموضع كذا فاقتلوها فلما صارت بموضع من طريق الشام يعرف اليوم بجب عبدة وأرادوا قتلها قالت لهم إن كنتم عزمتم على هذا فاتركوني حتى أصلي وأستتر فتركوها فصلت وشدّت إزارها على يديها ورجليها وأبرزت لهم نحرها فذبحوها وكتب عبد الله إلى السفاح إني أنفذت عبدة فقتلها بعض الأعراب بالطريق فلما أوقع أبو مسلم الخراساني بعبد الله وهرب منه وأخذ ماله وأنفذه إلى المنصور أخذ البدنة فكانت في خزائن بني العباس إلى أن صارت إلى زبيدة بنت جعفر ثم بعث بها ذلك المتوكل إلى ابنة عبد الله بن طاهر التي زوجها من المعتز ولده.

الباب التاسع والثلاثون في خواص الأحجار وكيانها في المعادن قال الفاضل أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف التيشاء: في الجوهر اسم عام يطلق على الكبير والصغير منه فما كان كبيرا فهو الدر وما كان صغيرا فهو اللؤلؤ المسمى حبا ويسمى أيضا اللؤلؤ الدق ولؤلؤ النظم وحيوان الجوهر الذي يتكون فيه كبيره وصغيره يسمى باليونانية أسطوروس يعلو لحم ذلك الحيوان صدفتان ملازمتان لجسمه والذي يلي الصدفتين من لحمه أسود ولهذا الحيوان فم وأذنان وشحم يلي الفم من داخلهما إلى غاية الصدفتين والباقي رغوة وصدفة وماء.

وذكر القاضي الرشيد بن الزبير في كتابه العجائب والطرف كان المعتز بالله قد التمس من أمه قيتحة خمسين ألف دينار ينفقها في الجند فذكرت أنها لا تملك حبة واحدة فظهر لها بعد قتل ابنها في سنة خمس وخمسين ومائتين وكانت قيتحة قد استخلفت فوجد لها خزانة فيها ألف ألف دينار وثلاثة أسفاط في أحدهم زمرد لم ير مثله قط وفي الآخر نصف مكوك حب كبار لؤلؤ وفي الآخر كالجة فصوص ياقوت أحمر فقوم ذلك فكانت قيمته ألفي ألف دينار وكانت غلتها في كل سنة عشرة آلاف ألف دينار والله أعلم. الباب التاسع والثلاثون في خواص الأحجار وكيانها في المعادن قال الفاضل أبو العباس شهاب الدين أحمد بن يوسف التيشاء: في الجوهر اسم عام يطلق على الكبير والصغير منه فما كان كبيراً فهو الدر وما كان صغيراً فهو اللؤلؤ المسمى حباً ويسمى أيضاً اللؤلؤ الدق ولؤلؤ النظم وحيوان الجوهر الذي يتكون فيه كبيره وصغيره يسمى باليونانية أسطوروس يعلو لحم ذلك الحيوان صدفتان ملازمتان لجسمه والذي يلي الصدفتين من لحمه أسود ولهذا الحيوان فم وأذنان وشحم يلي الفم من داخلهما إلى غاية الصدفتين والباقي رغوة وصدفة وماء. وذكر أرسطاطاليس في كتابه أن من الحيوان غير الناطق السرطان يشتي أكل لحم هذه الدابة فلما حال دونه ودون شهوته شيء بمنزلة الحاجز بينه وبين ذلك اللحم الرخص الذي في الصدفات احتال عليه فلا يزال السرطان راصداً له حتى يراه قد فتح جلدة الصدفة فيأخذ حجراً صغيراً فيرمي به في جوف الصدفة فلا تقدر عند ذلك على انضمامها كما كانت لأنها لا تلتحم بمنع الحجر من انطباقها فيدخل السرطان قرنيه إلى ذلك اللحم الرخص فيستخرجه ويأكله لالتذاذه به، ويذكر من أكله من الغواصين انه شبيه بطعم قوانص الطير. وذكر أرسطاطاليس في كتاب الأحجار، أن البحر المحيط بالعالم هو الذي في ظلمات مقيمة يلحق آخره أول البحر المسلوك وأن الرياح تصفق هذا البحر المحيط المسمى أوقيانوس في أوقات فصل الشتاء فيهيج هيجاناً شديداً فيطلبه الصدف الذي يكون فيه الدر في وقت ريح الشمال فإذا هاجت الرياح والأمواج من ذلك البحر المحيط كان لأمواجه رشارش فليتقمه الصدف الكائن في البحر الذي يسلكه الناس كما يلتقم الرحم المني فتصير تلك النطفة من ذلك الماء في اللحم المركب في الصدف فلا يزال الصدف يعمد إلى ذلك الموضع الساكن من ماء البحر فيفتح فمه ويستقبل بذلك الماء الذي هو مثل النطفة رياح الهواء وحر الشمس عند طلوعها وغروبها ولا يعرض لها في وسط النهار لشدة حر الشمس وهيجان البخارات التي تهيج من العالم والغبار الذي تهيجه الرياح فإذا انعقدت الدرة ولو كانت الدرة منها نهاية في الكبر فلا يكون لها طائل ثم إذ ليس فيها شيء من أصناف الدر النفيس والله أعلم. جيده ورديئه: الجوهرة الكاملة خواصها إما في الكمية في العظم وكثر الماء وإما في الكيفية في شدة البياض وكرة الإشراق واستواء اللون استدارته واكتنازه وشكله وما لم يكن كذلك فالآفات أفسدته ومنها أنه ربما وجد بعض الدرة لم تتم تربيتها وربما لصق بها قشر من لحم الحلزون صار كالصدا والوسخ فأفسد لونها وربما كانت كدرة أو كان فيها ماء أو كانت فيها دودة أو كانت مجوفة غير مصمتة وكل هذه آفات دخلت على الدرة من مقر التربية وأما فساد شكلها فمن قبل أن الحبة تقع في موضع من اللحم الذي في الصدف غير مستوى فتتجسد الدرة على صورة الموضع على صورة الموضع الذي ضمها فجيد الجوهر على الجملة المدحرج القار الصافي الشفاف الكبير الجرم الكبير الوزن الضيق الثقب وجيد اللؤلؤ النقي من الوسخ. ذكر خواصه ومنافعه: من خواص الجوهر أنه يتكون قشوراً رقاقاً طبقة على طبقة وما لم يكن كذلك فليس بجوهر مخلوق والجوهر بالجملة الدر الذي هو كبار اللؤلؤ وحبه الذي لا يمكن ثقبه لصغره كل ذلك معتدل في الحر والبرد واليبس والرطوبة لطيف يجفف الرطوبة في العين ويزيل كثرة وسخها ولاسيما العتيق منه الذي يوجد في الترب وقد جفت رطوباته فإنه أصلح في ذلك لخفقان القلب ومن الخوف والجزع الذي يعرض في المرة السوداء ويلطف الدم الذي يغلظ في الفؤاد ولهذا أيضاً يخلطه المتطببون في أدوية القلب ويحبس نزف الدم ويجلو الأسنان جلاء صالحاً وإذا سحق وسقي مع سمن بقر نفع من السموم.

وذكر أرسطاطاليس أن ماء البحر الذي يتكون منه اللؤلؤ على ما قدمناه إذا قطر منه في الكف أو غمس فيه بعض أعضاء البدن ألبس ذلك العضو صبغاً كالفضة المذابة. وذكر أيضاً أنه من وقف على حل الدر من كباره أو صغاره حتى يصير ماء رجراجاً ثم طلى به البياض الذي يكون في الأبدان من البرص من أول طلية يطليها وإن سعط بذلك الماء من به صداع من قبل انتشار أعصاب العيون أذهبه عنه وكان شفاؤه في أول تسعيطة. قال التيفاشي مما جربته واختبرته ووقفت عليه بالعمل أن حماض الأترج يحل الجوهر إلا أنه يحله خائراً مثل المني لا يعلق بالأجسام إذا طلي عليها والمياه الحادة الطاهرة القوية الحريفة تحله رجراجاً يعلق بالأجسام على ما يوجبه القياس في حل الحماض له وقد جربته فصح. عيوبه: التصديف وعدم الاستقرار والصفرة والانبراص وهو قبيح البياض وخطيه وعدم رونقه وسعة الثقب وصغر الجرم وقلة الوزن. الأشياء التي تضر بالجوهر: الأدهان جميعها والحموضات بأسرها لاسيما ماء الليمون ووهج النار والعرق والذفر والاحتكاك بالأشياء الخشنة والله أعلم، الذي يجلوه ويذهب وسخه ماء حماض الأترج إلا أنه إذا لح عليه به قشره ونقص وزنه وهو يحله ايضاً خاثراً كما ذكر قبل. محاسن تليق بهذا المكان: قال القاضي السعيد بن سناء الملك من قصيدة فاضلية أولها: نعم هي سعد أو هي لي قمر سعد ... وصال ولا صد وقرب ولا بعد يعانقها من دوني العقد وحده ... فيا عجبا يا قوم لم يعلق العقد هي البدر إلا أنها كله سنا ... هي الغصن إلا أنه كله ورد ولو أبصر النظام جوهر ثغرها ... لما شك فيه أنه الجوهر الفرد وقال من قصيدة أخرى فاضلية أيضاً أولها: باتت معانقتي ولكن في الكرى ... أترى دري ذاك الرقيب بما جرى ونعم دري لما رأى في بردتي ... ودعا وشم من الثياب العنبرا بأبي وأمي من حلمت بذكرها ... لما انتبهت ومذ رقدت تفسرا ومن العجائب أن ماء رضابها ... حلو ويخرج حين تبسم جوهرا وله من مرثية أولها: كجسمك جسمي أصبح اليوم باليا ... ولكن ما بي عاد للناس باديا يخيل لي أني دعيت إلى الردى ... وأنك عني قد أجبت المناديا فيا أسفي إذ كنت قبلي ماضيا ... ويا خجلي إذ صرت بعدك باقيا وغاص فؤادي في بحور همومه ... فألقى إلى جفني الدموع لآليا وقال ابن الحلاوي جوابا عن رقعة من أبيات: فإن كان زاهراً فهو صنع سحابة ... وإن كان دراً فهو من لجة البحر وقال صفي الدين الحلي من قصيدة أولها: ألست ترى ما بالعيون من السقم ... لقد نحل المعنى المدقق من جسمي وأضعاف ما بي بالخصور من الضنا ... على أنها من ظلمها عصبت قسمي وما ذاك إلا أن يوم وداعنا ... وقد غفلت عين الرقيب على زعمي ضممت ضنا جسمي إلى ضعف خصرها ... لجنسية كانت لها علة الضم فيا من أقامتني خطيباً لوصفها ... أرصع فيه صنعة النثر والنظم خذي الدر من لفظي وإن شئت نظمه ... وإن عزت سلكاً للنظام فها جسمي وقال ابن سناء الملك من قصيدة أشرفية أولها: جسمي كما حكم الغرام وحسبها ... أن الغرم يزورني ويغبها علقت ظبيته وعيشي أخضر ... فرعته ظناً أن عيشي عيشها ومنها في المدح: وأرى العقد حسدن ما قد سطرت ... يمناه حتى اصفر منها حبها ومما ينظم في هذا السلك قول شيخنا العلامة بدر الدين الدماميني من قصيدة أولها: رضيت فيه بقتل النفس مذ سخطا ... مهفهف سل سيف الجفن واخترطا ومنها في المديح: ونظمه الدر حسنا قد علا وغلا ... بينا سواه رأينا نظمه سقطا قال ابن منير وأجاد: لا تخدعنك وجنة محمرة ... رقت ففي الياقوت طبع الجلمد وقال النور الأسعردي: قد كدت أحرق خده يوم النوى ... بتنفسي لو لم يكن ياقوتا وما أحسن قول أبي الحسن علي بن عبد العزيز الحلبي المعروف بالفكيك يخاطب بعض التجار: أنا جعفر أنفذت أطلب عمة ... أفاق عليها الدر رونق حسنه كرقة دين البابلي ولونها ... كطاجنه المبيض في طول قرنه فأنفذتها بالضد في لون عرضه ... وهمته قصراً وفي سلك ذهنه

وفصاً من الياقوت أحمر ناصعاً ... كأخوته بردا وفي ثقل ابنه فأنفذت لي فصاً كخفة عقله ... وسحنة عين قلبت تحت جفنه قصدت خلافي في جميع مآربي ... فأنشرت ميت السخط من بعد دفنه فلو قلت قبل رأسه وبنانه ... خريت اعتماد الخلف في جوف ذقنه الياقوت: قال بلينوس العلة في تكوّن حجارة الياقوت هي أن الشمس لما طلعت على الأرض سخنتها بقوتها فسخن من الأرض ما لم يحجب منها واشتدت سخونة المكان بظهور الشمس عليه وغيرت الشمس رطوبة المكان الذي اشتدت حرارتها عليه فلما اشتد يبسه لقلة رطوبته اجتذبت قوته من الشمس وقتوها حراً ويبساً فانقلب عن طباعه ولونه وطعمه على قدر الرطوبة التي كانت فيه من كثرتها وقلتها فلما حالت الرطوبة وأقامت عليه اجتذب الماء ما كان في ذلك المكان من حر الشمس ويبسها وطلعت عليه الشمس وسخنته فحجبت الرطوبة عن ذلك اليبس الذي فيها بحر الشمس فتسخن الماء بحرها فتلطف وقوي واشتدت عليه السخونة حتى ظهرت قوة اليبس المفرطة فيه فكان الحجر منه الحجر المسمى بالياقوت ولشدة يبسه ضاقت مسامه لقبض اليبس له ولشدة انحلاله وشدة لطافته رجع منعقداً ولشدة اليبس تكاثفت أجزاؤه بعضها في بعض وتداخلت. الياقوت الأصفر: فمنه الرقيق وهو قليل الصفرة كثير الماء ساطع الشعاع والخلوقي وهو أشبع صفرة من الرقيقي والجلناري وهو أشبع من الخلوقي وأشدها شعاعاً وأكثرها ماء وهو أجوده، والاسمانجوقي فمنه الأزرق واللازوردي والكحلي وهو أشبع من النيلي ويسمى الزيتي، وأما الأبيض فمنه المهاي وهو أشد بياضاً وأكثر ماء وأقواها شعاعاً ومنه الذكر وهو أثقل من المهاي وأقل شعاعاً وأصلب حجراً وهو أدونها وثمنه أرخص أثمان الياقوت. ذكر خالص الياقوت ومعيبه: أجود الياقوت الأحمر البرهماني والرماني والوردي النير المشرق واللون الشفاف الذي ينفذه البصر بسرعة السالم من العيوب. عيوبه: الشعرة والسوس فالشعرة شبه تشقيق يرى فيه والسوس خروق توجد في باطنه يعلوها شيء من ترابية المعدن وربما وجد في تلك الثقبة دود حي يتحرك إذا خرجت الدودة منها إلى الهواء ماتت ورأينا من رأى ذلك من الثقات. عيوب ألوانه: أردأ الألوان الأحمر الوردي الذي يضرب إلى البياض والسماقي الذي يضرب إلى السواد وأردأ منه الأزرق الذي يضرب إلى لون الرماد ويسمى السنور وكذلك الذي يسمى الزيتي وأردأ ألوان الياقوت الأصفر ما نقص لونه وضرب إلى البياض وأردأ صفات جميعه في الجملة قبح الشكل والذي قدمناه. ذكر خواصه ومنافعه: قوة الياقوت على قدر معادنه المتكون فيها وعلى قدر أصبغته وألوانه فالأحمر منه حار يابس والأصفر أقربها إلى الأحمر وفيه فضل حر وكذلك الأصفر والاسمانجوني أبرد وأيبس والأبيض أبرد الياقوت وأرطبها.

خواصه في نفسه: من خواص الياقوت أنه يقطع كل الحجارة شبيهاً بقطع الماس وليس يقطعه شيء غير الماس وإنما يثقب بالماس وذلك بأن تركب منه قطعة في طرف مثقاب حديد ثم يثقب به كما يثقب الخشب ومن خواصه أنه لا ينحك على الخشب الذي يحك عليه كل شيء أما الياقوت فإنه لا يحك على شيء إلا على صفيحة نحاس يكسر الجزع اليماني ويحرق حتى يصير كالنورة ثم يسحق بالماء حتى يصير كأنه الغراء ثم يحك به على وجه الصفيحة النحاس حجر الياقوت فينجلي حتى يصير أشد الجواهر صقالة، ومن خواص الياقوت الشعاع فإنه ليس لشيء من المشفة شعاع مثله، ومن خواص الياقوت الثقل فإنه أثقل الأحجار الماسوية لمقداره في العظم ومن خواصه صبره على النار فإنه لا يتكلس كما يتكلس غيره من الأحجار المثمنة كالزمرد وغيره ومن خواصه أنه يقبل البرودة بسرعة إذا أخرج من النار بخلاف غيره من سائر الأحجار وليس من ألوانه ما يثبت على النار غير الأحمر فقط، وقد ذكر أرسطاطاليس في كتاب الأحجار أن الياقوت الأحمر إذا نفخ عليه في النار ازداد حسناً وحمرة وإذا كانت فيه نكتة شديدة الحمرة ونفخ عليها في النار انبسطت في الحجر فسقته من تلك الحمرة وحسنته وإن كان فيه نكتة سوداء نقص سوادها وهو حجر يزداد حسنا وصفاء عند النفخ عليه في النار وإذا كان الحجر أحمر ونفخ عليه فزالت حمرته فليس بياقوت بل أحد الأشباه أو مصنوع مدلس وقد رأيت بسوق القاهرة جواهر تباع على أنها ياقوت أزرق وأصفر وهي مصنوعة مدلسة كان أصلها ياقوتاً أبيض ومن خواصه أنه لا تعمل فيه المبارد والحديد ولا يلصق شيء في جسمه من جميع ألوانه أحمره واصفره وسماويه، ومن خواصه قطع الأحجار المشفة غير الماس والأحمر في جميع هذه الخواص زائد على جميع ألوانه في القوة، خواصه في منافعه من خواصه ذكر أرسطاطاليس أنه من تقلد هذا الحجر أو تختم به من أنواع اليواقيت التي وصفنا وكان في بلد قد وقع الطاعون فيه منعه أن يصيبه ما أصاب أهل ذلك البلد من الطاعون ونبل في أعين الناس وسهل عليه قضاء الحوايج وتيسر له من أرباب المعاش أمور صعبة ومن خواصه تقوية قلب لابسه وتشجيعه والهيبة له في قلوب الناس وإجلاله ومن خواصه أن ينفع من خفقان القلب والوسواس في التعليق له ومن خواصه أن الصاعقة لا تقع على من تختم به أو علقه عليه ومن خواصه أنه لم ير في إصبع غريق قط ومن خواصه أنه يقطع العطش إذا وضع في الفم وتحت اللسان ومن خواصه أنه يمنع جمود الدم إذا علق ومن خواصه أنه يقطع نزف الدم إذا علق ومن خواصه ما أخبرني به شريف جوهري معروف بالخبرة والذكاء في هذا ودخل إلى الهند ومارس كثيراً من علم الأحجار أن الهند يقولون أن من كان معه حجر ياقوت جذب قوساً قوياً عن طبقته وقوته إذا لم يكن معه ذلك الحجر على شرط أن لا يفعل ذلك على سبيل الخبرة والامتحان بل يكون ذلك بغير قصد له ولا تعمد. ومحنة أشباه الياقوت بأجمعها أن يحك الياقوت الأحمر فإنه يخرجها كلها ولا تخرجه وليس شيء منها يقوم على النار كما قدمنا فهذه علة تكون الياقوت. وأما اختلاف ألوانه فإنه بنسبة بقاع الأرض إذا وقع عليها الماء فدام عليها فيتغير الماء بما انحل فيه من يبس الأرض وتسخين الشمس له فيحمي الماء على قدر الحرارة فينعقد أحمر وربما انعقد أصفر لقلة الحرارة فيه وربما اعتدل الحر عليه في اللين والانحلال فانعقد أبيض صافياً وربما اشتدت يبوسته فعرض فيه البرد لشدة اليبس وتباعد الحر عنه فعرض فيه السواد وظهر على أعلاه لبطون الحمرة في باطنه وربما طرحت الحمرة نورها إلى خارج مع ظهور السواد في ظاهره فقام بينهما لون أسود اسمانجوني وذلك أن صفرة الرطوبة إذا التحمت مع سواد اليبس قام من بينهما اللون الاسمانجوني، قال بلينوس والياقوت حجر ذهبي وجميع الحجارة غير الأجساد الذائبة إنما انعقدت وابتدأت لتكون ياقوتاً فأقعدتها عن الياقوتية كثرة الرطوبة وقلتها وكثرة اليبس وقلته فلم تكن ياقوتاً وصارت حجارة حمراً وبيضاً وخضراً وصفراً وغير ذلك من الألوان التي لا تذوب في النار ويقع عليها الحديد فيسحلها وفيها ما لا يسحله الحديد وضعت عليه أسماء كثيرة خلاف الياقوت.

ذكر معدنه الذي يتكون فيه: الياقوت يؤتى به من معدن يقال له سجران من خريرة خلف سرنديب بنحو من أربعين فرسخاً والجزيرة تكون نحوا من ستين فرسخاً في مثلها وفيها جبل عظيم يقال له جبل الراهون تحدر منه الرياح والسيول الياقوت فيلقط وهو حجر من أرض ذلك الموضع وحصباؤه وما تجر سيوله من جبل الراهون ويقال إن الشمس إذا أشرقت على ذلك الجبل أنبتت فيه شعاعات كثيرة لوقوع شعاع الشمس على حصى الياقوت فيسمى ذلك برق الراهون وهذا الجبل هو الذي أهبط عليه آدم عليه السلام من الجنة ومن خرج إلى الأرض فإذا أصيب ذلك الحصا أصيب وظاهره مظلم يميل أكثره إلى السواد والغبرة كالحصى الموجود في هذه الألوان عندنا فإذا استشف في الشمس أشف لونه أحمر كان أو أصفر أو سماوياً أو غير ذلك من ألوان الياقوت، قال التيفاشي أخبرني من دخل جزيرة سرنديب من التجار أن أهل ذلك الموضع إذا لم تحدر السيول والرياح لهم من حصباء الياقوت في بعض السنين ما جرت به العادة احتالوا لتحصيله بالحيلة التي تذكرها وذلك أن الجبل الذي فيه الياقوت جبل شاهق صعب المسلك لا يمكن الوصول إلى أعلاه وفي أعلاه نسور كثيرة تعشش فيه وتتخذ مساكنها به لخلوته فيعمد أهل ذلك الموضع إلى حيوان يذبحونه ويسلخون جلده ثم يقطعونه قطعاً كباراً ويتركونه في سفح الجبل المذكور ويبعدون عنه وهم يرقبونه فتأتي النسور فترفع ذلك اللحم وتنزل به عند أوكارها فإذا وضعته على الأرض علق به من حصى الياقوت ولصق فيه ثم تأتي نسور أخرى فتجتمع على اللحم لتخطفه بعضها وتطير من الجبل فيسقط منه الياقوت لثقله فيلقطه الذين يرقبونه من الموضع الذي يسقط فيه ويذكر أن في سفل هذا الجبل غياضاً عظيمة وخنادق عميقة وأشجاراً شاهقة ويسكن بها حيات عظام تبتلع الحية منها الإنسان ورأس البقر وغيره صحيحاً فإذا ابتلعته عمدت إلى أصل شجرة فالتوت عليها واشتدت فيتكسر في بطنها ما تبلعه وتندق عظامه فيهضم بها ولأجل ذلك أيضاً لا يستطاع سلوك هذا الجبل ولا الوصول إليه وإلى ما فيه من عجائب الأحجار. ذكر أصنافه: أصول الياقوت أربعة أصناف أحمر وأصفر واسمانوني وابيض فالأحمر منه ينقسم إلى أربعة أقسام الوردي وهو يتفاضل في شدة الصبغ إلى الوردية لا يجاوز ذلك ويقل صبغه إلى أن يقرب من البياض ثم الجمدي وهو مشوب بقرقرية كلون ورد الخيري وأظهر قرقرية وهو يتفاضل في قوة الصبغ وضعفه إلى أن يقرب من البياض ثم الأحمر وهو بلون العصفر الشديد الحمرة الناصعها في القوة إلى القرب من الوردية في الضعف ثم البهرماني وهو أحمر نقي الحمرة لا يشوبها شائبة وهو يتفاضل في قوة الصبغ وضعفه حتى ينتهي إلى لون العصفر الشديد الحمرة الناصعها في القوة وإلى قريب من لون الورس في الضعف وأثمن الياقوت الذي في لون الحمرة البهرماني وأثمن كل واحد من بقية أصنافه أشدها مستشفا وأشدها شعاعاً وأسلمها من العيوب التي تذكر فيما بعد. وأما الزمرد: قال بلينوس إن الزمرد هو الياقوت لأنه إنما ابتدأ لينعقد ياقوتاً في جميع أجزائه وكان لونه أحمر فلشدة تكاثف الحمرة بعضها على بعض عرض له السواد فصار اسمانجونياً ولثقل اليبس وغلظة بطن الاسمانجوني وارتفع ما صفى على الحمرة على أعلاه فاصفر ولما كان باطنه اسمانجونياً واشتدت عليه الحرارة بطبخها فمزجت اللونين جميعاً لون ظاهره بلون باطنه فتولدت الخضرة بينهما فصار لونه أخضر فسمى زمرداً وإنما كان أصله ياقوتاً لأن الياقوت هو حجر ذهبي وهو أصل الحجارة كما أن الذهب رأس الأجساد المذابة. ذكر معدنه الذي يتكون فيه: موضع الزمرد الذي يؤتى به منه في التخويم بين بلاد مصر والسودان خلف أسوان يوجد في جبل هناك كالجسر فيه معادن تحتفر منها الزمرد قطعاً صغاراً كالحصى مبتة في تراب المعدن وربما أصيب العرق منه متصلاً فيقطع وهو جيده، وأما صغيره فإنه يصاب في التراب بالنخل وذلك أنهم ينخلون التراب ثم يوجد خلاله فيغسل كما يغسل تراب الفضة فيوجد فيه الحجر بعد الحجر ويوجد بعضه عليه أتربة كالكحل الشديد السواد وهو أشد خضرة وأكثر ما وجد من الزمرد في التراب فهو الفص وما قطع منه من العروق فهو القضيب في اصطلاح الجوهريين وهو أعتقه وأخلصه.

ذكر جيده ورديئه: أصنافه أربعة الذبابي والريحاني والسلقي والصابوني فأعلاه وأغلاه وأفضله في سائر الخواص الموجودة في الزمرد هو الذبابي وهو أخضر مغلوق اللون جداً لا يشوبه في خضرته شيء آخر من الألوان حسن الصبغ جيد المائية وإنما سمي ذبابياً لشبه لونه بالخضرة التي تكون في الكبار من الذباب الربعي لا في صغاره الموجودة في البيوت وهو أحسن ما يكون من الخضرة بصيصاً وذلك اللون غير موجود في ذباب البيوت وأما بقية الأصناف المذكورة من الزمرد غير الذبابي فإنها نازلة مقصرة عن جميع الخواص الموجودة في الذبابي ولهذا ألغيتها. عيوب الزمرد: من أكبر عيوب الزمرد الذبابي اختلاف الصبغ حتى لا يكون موضع منه بلون مخالف للون موضع آخر ومن عيوبه عدم الاستواء في الشكل وهذا عام له وللياقوت ولكل حجر مستشف ثمين أو غير ثمين ومن عيوبه التشعير وهو من لوازمه لا يكاد يخلو منه وهو شبه شقوق خفية تظهر فيه. خواص الزمرد: الذبابي في نفسه خواصه الكبرى في نفسه وهي التي انفرد بها عن سائر الأحجار وبها يمتحن الخالص منه من غيره أن الأفاعي إذا نظرت إليه ووقع بصرها عليه انفقأت عيونها على المكان قال احمد التيفاشي وقد كنت أقف على هذه الخاصة في الزمرد في كتب الحكماء ثم جربتها بنفسي فوجدتها صحيحة وذلك أنه كان وقع لي فص زمرد ذبابي خالص أردت امتحانه على عيون الأفاعي فاستأجرت حاوياً على صيد أفعى وجعلتها في طست وأخذت قطعة شمع فألصقتها في رأس سهم ثم ألصقت فيها الفص وقربته من عين الأفعى فكانت تثب أولاً نحو السهم وكانت لها حركة قوية تروم بها الخروج من الطست فلما قربت الزمرد من عينها سمعت قرقعة خفية كمن يقتل صبانة على ظفره ثم رأيت عيني الأفعى وقد برزتا على وجهها بروزاً ظاهراً وبقيت حائرة في الطست تدور فيه لتقصد مخرجاً ولا تدري حيث تتوجه وسكنت أكثر حركتها وانقطع وثوبها بالجملة، ومن خواصه الرخاوة وتخلل الأجزاء ومن خواصه خفة الوزن ومن خواصه شدة الملاسة والصقال والنعومة ومن خواصه زيادة الخضرة والماء إذا ركب على البطانة وأخص صفاته به الخفة. خواصه في منافعه من خواصه أنه من نظر إليه أذهب عن بصره الكلال ومن خواصه أنه من تقلد بخاتم منه دفع عنه داء الصرع إذا كان لبسه له قبل حدوث الداء من أجل هذا كانت الحكماء تأمر الملوك تعلقه على أولادهم عند ولادتهم ليدفع عنهم داء الصرع ومن خواصه أنه سحل منه وزن ثمان شعيرات وسقاه شارب السم قبل أن يعمل السم فيه خلص نفسه من الموت ولم يتمعط شعره ولم ينسلخ جلده وكان شفاءه ومن خواصه أنه ينفع من نفث الدم وإسهاله إذا علق على من به ذلك ومن خواصه النفع من وجع المعدة إذا علق عليها من خارج ومن خواصه أنه ينافي الحيات المسمومة ولا تقرب حامله ومن خواصه أن شرب حكاكته تنفع من الجذام ومن خواصه أن جميع أصنافه كلها تصلح أن تعلق على العضد وعلى الرقبة للتعويذ وعلى الفخذ لسرعة الولادة مجرب. ومن معانيه الشعرية قول القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر: ذياب السيف من لحظ إليه ... لأخضر صدغه بعد انتساب فلا عجب إذا ما قيل هذا ... له صدغ زمرده ذبابي البلخش: معدنه الذي يتكون فيه، يؤتى به من بلخشان والعجم تقول بذخشان بذال معجمة وهي من مدن التتر فيما يتاخم الصين وأخبرني من وصل إلى معدنه من التجار أنه وجد في المعدن حجراً في باطنه ما لم يكمل طبخه وانعقاده بعد والحجر مجتمع عليه. جيده ورديئه: هو ثلاثة أنواع أحمر معقرب وأخضر زبرجدي وأصفر وأجوده الأحمر وليس لجميعه شيء من الخواص التي للياقوت ومنافعه وإنما أفضليته شبهه والمائية والشعاع الأحمر لم يذكر فيه شيء من الخواص البتة.

الماس: قال بلينوس الماس حجر ذهبي وهو أشبه الأحجار بالأجساد المذابة لأنه ليس من الأحجار شيء يسحقه كما تسحق الأحجار بعضها بعضاً فلذلك شبهته بالأجساد ولم يفسده شيء من الأحجار غير الآبار فلذلك قلت إنه حجر ذهبي وأقول أن الماس إنما كان في معدنه وابتداء خلقته ليكون ذهباً وذلك أن الماء في معدنه فلما سخنته الحرارة يبس الماء من الحر الذي سخنته جداً فصار حجراً فلما كثرت عليه الحرارة وعرض في الماء غلظ فصارت فيه لزوجة لغلظه وصار أشبه شيء بالزيبق وتولد فيها رطوبة المعدن ويبسه بلطافة الطباع وملح وشفه الماء والريح فغلظ واشتدت عليه الحرارة فقوي الملح على نسف الحر واليبس واشتدت يبوسته فظهرت على وجه الماء اللزج الذي هو يشبه الزيبق فانعقد حجراً بإفراط اليبس عليه وإنما انعقد ليكون ذهباً فأعقده عن الذهبية انعقاده باليبس والملوحة فلو انعقد باللين ولم يفرط عليه اليبس وبالحلاوة مكان الملوحة لكان ذهباً فلما انعقد وكان فيه ملوحة وشدة يبس نقص عن كيان الذهب فصار حجراً صلباً يأكل الأحجار كلها بملوحة طبيعته وشدة يبسه وإنما صار يتكسر للملوحة فبقيت الملوحة واليبس في جسده وإنما صار لا يفسده شيء غير الآبار لأنه ذهبي كما أن الآبار يفسد الذهب ويسحقه وإنما يسحق الآبار الماس لكثرة يبسه وذلك لاجتماع الكبريت الذي في الآبار مع ملوحة الماس لأن الملح الذي في الماس إذا أحس برائحة الكبريت تفتت وانسحق وإنما صار لون الماس أبيض لانعقاده بالرطوبة ودفع رطوبة الموضع عنه وهج النار فصار لذلك أبيض فهذه علة تكون الماس. معدنه الذي يتكون فيه، يوجد في معدن الياقوت ويتكون فيه ويخرج منه كما يخرج الياقوت فهو حصاء معدن الياقوت إذا أخرجته الرياح والسيول من معدنه حسبما بيناه فيما سلف. جيده ورديئه: الماس نوعان الزيتي والبلوري والزيتي أجودهما والبلوري أبيض شديد البياض كالبلوري والزيتي يخالط بياضه صفرة كلون الزجاج الفرعوني. خواصه في ذاته: من خواصه أن جميعه ذو زوايا قائمة ست زوايا وثمان زوايا وأكثر من ذلك وأقل، يحيط بزواياه سطوح قائمة مثلثة الشكل إذا كسر فلا ينكسر إلا مثلثاً ومن خواصه أنه يقطع كل حجر يمر عليه وهو في نفسه عسر الانكسار وإن وضع على سندان حديد ودق بمطرقة لم ينكسر ودخل في وجه السندان ووجه المطرقة وكسرهما وإنما يكسر بأن يصير في شيء من الشمع ثم يدخل في أنبوب قصب وينقر بمطرقة غيرها برفق ومداراة بحيث لا يباشر جسمه الحديد حتى ينكسر أو يصير في أسربة ويفعل به ذلك. ومن خواصه أن الإنسان إذا ابتلع منه قطعة ولو كانت أصغر ما يكون حرقت أمعاءه فقتلته على الفور ومن خواصه ما ذكره ارسطاطاليس من أن بينه وبين الذهب محبة ينشب به حيث كان حتى يخالط منه الحبة الخفيفة يعرف ذلك صباغ الذهب فإنهم إذا بردوه وقعت تلك الحبة تحت مباردهم فأكلت المبارد وأفسدتها ومن خواصه أنه يثقب الدر والياقوت والزمرد وغيرها من جميع ما لا يعمل فيه الحديد من الأحجار كما يثقب الخشب وذلك بأن تركب في رأس مثقاب حديد منه قطعة بقدر ما يراد من سعة الثقب وضيقه ثم يثقب به فيثقب بسرعة وأما طبعه فإنه بارد يابس في الدرجة الرابعة. خواصه في منافعه منها ما ذكره أرسطاطاليس أنه من كانت به الحصاة الحادثة في المثانة من مجرى البول ثم أخذ حبة من هذا الحجر والصقها في مردود نحاس أو فضا بمصطكا إلصاقا محكماً ثم أدخل ذلك المردود إلى الحصاة فتتها قال أحمد بن أبي خالد المعروف بابن الجزار في كتابه في الأحجار وبهذا الفعل عالجت أنا وصيفاً الخادم من حصاة كانت به وامتنع من الفتح عليها بالحديد فلما فعلنا به هذا الفعل انسلخت الحصاة حتى صغرت وسهل عليه خروج ما بقي منها في البول ومن خواصه انه ينفع من المغص الشديد ومن فساد المعدة إذا علق على البطن من خارج. عين الهر: معدنه الذي يتكون فيه هذا الحجر يوجد في معدن الياقوت مع الماس فهو حصباء معدن الياقوت كما ذكرناه عن الماس فيما سلف.

جيده ورديئه: هذا الحجر غريب الشكل وذلك أن الغالب على لونه البياض بإشراق عظيم ومائية رقيقة شفافة إلا أنه يرى في باطنه نكتة على قدر عين الهر أعني الناظر الحامل للنور المتحرك في فص مقلته وعلى ذلك اللون سواء وتلك النكتة مع ذلك متحركة على الدوام إذا حرك الفص تحركت بخلاف جهة حركته بحيث إن أميل إلى جهة اليسار مالت النكتة متحركة إلى جهة اليمين وذلك في الأعلى والأسفل فهي كناظر الهر حقيقة ولذلك سمي به فإن كسر أو قطع على أقل الأجزاء ظهرت تلك النكتة في كل جزء من أجزائه وأجوده ما اشتد بياض أبيضه وشفيفه واشتدت كثرة مائية تلك النكتة التي فيه وسرعة حركتها وإشراقها وحسن الشكل وكبر الجرم زائد أن في جودته كسائر الأحجار. خواصه ومنافعه: هو أنه يحفظ حامله من عين السوء والأنفس الخبيثة ومما أنقله فيه عن ثقات الجوهريين ممن دخل الهند ومارس هذا الفن ومهر فيه أنه يجمع خواص الياقوت البهرماني في منافعه ويزيد عليه بمنفعتين إحداهما أنه لا ينقص مال محتمله ولا تعتريه الآفات والنكبات والأخرى أنه إذا كان في يد رجل أو معه وحضر مصاف حرب ثم هزم حربه فألقى نفسه بين القتلى يراه كل من يمر عليه من أعدائه كأنه مقتول متشحط في دمه فتنفر عنه النفوس حتى لا يقربه بشر منهم وأخبرني بعض من دخل الهند من الجوهريين أنه رأى هذا الجوهر يعبد في المعبد كما تعبد الأصنام قال وثمنه عندهم أغلى من ثمنه ببلاد العرب وهم به أغبط وهو عندهم اعز وذكر أنه وقف على حجر بيع في المعبد بمائة وخمسين ديناراً ولعله يساوي في الهند عشر هذا الثمن وذلك لعلمهم بخواصه ووقوفهم عليها بالتجربة. البازهر: الموجود من هذا الحجر الآن بأيدي الناس نوعان أحدهما حيواني والآخر معدني فأما المعدني منهما فيقال إنه ينفع من لدغة العقرب فقط وهو مقصر عن جميع ما يذكر في الكتب عن البازهر الحيواني ويذكر أنه يجلب من الصين وهو حجر خفيف هش أصفر وأغبر منقط نقطة خفيفة توجد طبقات رقاق في أصل تكونه طبقة فوق طبقة لا توجد إلا كذلك وينحك سريعاً إذا حك ومحكه يميل للبياض وأعظم ما يوجد منه من مثقال إلى ثلاثة مثاقيل يؤتى به من بلد فارس من تخوم الصين والحيوان الذي يوجد فيه هو الأيل الذي يكون بتلك الجهات ويذكر أن الأيل الذي يوجد فيه البازهر يشتهي أكل الحيات لاسيما من صغر من أولادها وهو معظم غذائه يبحث عنها ويستخرجها من حيث كانت فيأكلها وقد اختلف الناس في أي موضع من الحيوان يتكون البازهر على ثلاثة أقوال: الأول: أنه يتكون في عينيه قالوا وذلك أنه إذا أكثر من أكله لفراخ الحيات اعترته حكة في سائر جسده من سمها فيعمد إلى بركة ماء فيغوص فيها رافعاً رأسه عن الماء إلى أن يغيب كله في الماء حتى لا يظهر منه إلا حدقتاه فيرتفع حينئذ من سائر جسده بخار رطب إلى عينيه ثم يخرج من مأقيه اللذان يليان أنفه يمنة ويسرة ويستحيل ماء فإذا ضربه الهواء جمد وجسده حجراً وبقي معلقاً بشعر ناحيتي أنفه ثم يعرض له مثل ذلك العارض فيفعل مثل هذا الفعل فيخرج بخار آخر ويستحيل ماء ويسيل من ذلك الموضع بعينه على الحجر المتكون قبل فيجمد إذا باشره الهواء فوق الحجر الأول كما جمد الذي قبله ولا يزال كذلك حتى يثقل الحجر فيسقط من ذاته أو يحكه الحيوان إذا ثقل عليه إلى حجر أو أصل شجرة فيسقط فتتبع مظانه حتى يوجد فيؤخذ منها وأخبرني من لا أشك في صدقه وثقة نقله ان بتخوم الشام فيما بينها وبين بلد الروم بموضع يسمى مرعش وما يتصل به أيل يأكل فراخ الحيات ويعرض له من أكلها ما ذكرناه ويفعل الوصف الذي وصفناه وأن البازهر يتكون في عيونه على حسب ما ذكرناه. القول الثاني: أن هذا الحجر يتكون في قلب هذا الحيوان وأنه يصاد لأجله ويذبح ويستخرج الحجر من قلبه وهذا القول رأيته لبعض أطباء مصر حسبما نورده عنه فيما بعد وهو غير صحيح. القول الثالث: أن هذا الحجر يتكون في مرارة هذا الحيوان كما يتكون كثير من الأحجار في كثير من الحيوان ويذبح فيخرج البازهر من مرارته ومن يقول ذلك يستدل على صحة قوله بأن هذا الحجر إذا ذيق ظاهره باللسان وجد طعم المرارة عليه ظاهراً وأكثر حذاق الجوهريين وأرباب الخبرة منهم على هذا القول وهذا عندي هو الصحيح وأخبرني بعضهم أنه شاهد حجراً منه انكسر فوجد فيه حشيشة اشتمل عليها الحجر في أصل تكونه.

جيده ورديئه: الخالص الجيد الموجود منه في هذا التاريخ هذا الحيواني المذكور قبل وهو الأصغر الخفيف الهش المنقط ذو الطبقات الأبيض المحك المر المذاق. خواصه في نفسه: منها أنه إذا مر على حمة العقرب أبطل لسعها وإن لسعت لم يؤذ سمها ومنها أنه إن حك على أفواه الأفاعي والحيات خنقها وماتت وهذا والذي قبله مما يختبر به البازهر الحيواني الخالص من المغشوش ومنها أنه إذا جعل مع أجسام خشنة مباشرة لجسمه محتكة معه غيرت صورته وخشنته وغيرت لونه وجميع صفاته حتى لا يكاد يعرف وقد كان عندي حجر بازهر حيواني خالص فجعلته في كيس فيه دنانير ذهباً ثم سافرت من موضع إلى موضع أخر فلما استقربت فتحت الكيس واستخرجت الحجر البازهر فلم أعرفه حتى ظننت أنه قد بدل علي لتغير جميع صفاته ثم وزنته فوجدته أقل مما جعلته في حق صغير بعد أن لففته بإبريسم وغلفت عنه مدة ثم أخرجته فوجدته الحجر الذي كنت أعرفه أولاً قد زالت عنه الهيئة الرديئة التي اكتسبها من احتكاكه بخشونة الذهب إلا أن وزنه قد نقص بما انحك منه في الكيس ولما كان بعد ذلك جرى ذكر البازهر بيني وبين حذاق الجوهريين فعرفني أن من خاصيته أن احتكاكه بالأجسام الخشنة يغيره فعرفته بما شاهدته في ذلك بالتجربة تصديقاً لقوله. خواصه في منافعه أخص منافعه النفع من السم أي سم كان قاتله أو غير قاتله من سموم الحيوان والنبات من السموم الحارة والباردة ومن عض الهوام واللدغ والنهش إذا شرب منه من ثلاث شعيرات إلى اثني عشر شعيرة مسحوقة أو مسحولة بالمبرد أو محكوكة على المسن بزيت الزيتون أو الماء فإنه يخرج السم بالعرق من جسد المسموم ويخلص نفسه من الموت ويفعل ذلك بجملة جوهره والخاصية المودعة فيه أنه هو حجر شريف نفيس ليس له في جميع الأحجار ما يقوم مقامه في دفع السموم ومن خواصه أنه إذا سحق ونثر على موضع النهش وغيره جذب السم إلى خارجه وأبطل فعله. ومن خواصه ما ذكره ابن جميع في كتابه المبقب بالإرشاد إلى مصالح النفس والأجساد قال والحيواني من البازهر وهو الموجود في قلوب الأيائل أفضل في جميع الأوصاف المذكورة في البازهر حتى أنه إذا حك بالماء على مسن وسقي منه كل يوم وزن نصف دانق للصحيح على طريق الاستعداد والتقدم بالحوطة قادم المسموم القادمة وحسم من مضارها ولم يخش غائلة ولا إثارة خلط حام كما يخشى من المثرود يطوش ولا يضر المحرورين ولا النحيفين لأنه إنما يفعل ذلك بخاصية جوهره ومن خواصه أنه من تختم منه بوزن اثنتي عشرة شعيرة في فص خاتم ثم وضع ذلك الفص على موضع اللدغ من العقارب والهوام الطيارات وغير الطيارات ذوات السموم وأجناس الزنابير والدراريج نفع منها نفعاً بينا ومن خواصه أنه إذا سحق ثم نثر على موضع اللدغ من الهوام الأرضية حين تلدغ اجتذب السم وأرشحه وإن عفر الموضع قبل أن يبادر إليه بالدواء ثم نثر عليه من هذا الحجر مسحوقاً أبرأه ومن خواصه ما ذكره بعض الحكماء من الأوائل أنه إذا صنع خاتم من ذهب ويكون فصه بازهر ونقش عليه صورة العقرب حين يكون القمر في العقرب ويكون العقرب وتداً من أوتاد الطالع ثم طبع بهذا الخاتم طوابع من كندر ممضوغ ممعمول منه قرص والقمر في العقرب أيضاً ويرفع فمن لدغته العقرب وشرب قرصاً من هذه الأقراص المختومة بهذا الفص البازهر لم تضره اللسعة وبرأ منها وقد جرب هذا فوجد صحيحاً وختم به على غير الكندر لئلا تكون الخاصية للكندر ففعل كما يفعل إذا ختم به على الكندر انتهى. الفيروزج: حجر نحاس يتكون من أبخرة النحاس الصاعدة من معدنه على ما نذكره بعد في تكون غيره من الأحجار النحاسية. معدنه الذي يتكون فيه الفيروزج يجلب من معدن جبل النيسابور ومنه يحمل إلى سائر البلاد ومنه نوع يوجد في نشاور إلا أن النيسابوري خير منه.

جيده ورديئه: الفيروزج نوعان سبحاني وقبحاني والخالص منه العتيق وهو السبحاني والأجود منه الأزرق الصافي اللون المشرق الصفا الشديد اللمعان المستوي الصبغ وأكثر ما يكون فصوصاً وذكر الكندي أنه رأى حجراً زنته أوقية ونصف، خواصه في نفسه منها أنه حجر يصفو لونه في صفاء الجو ويكدر مع كدورته وذكر أرسطاطاليس أن كل حجر يستحيل عن لونه فهو رديء للابسه ومنها أنه إذا أصابه شيء من الدهن أفسد حسنه وغير لونه وكذلك العرق يفسده ويطفئ لونه بالكلية وكذلك المسك إذا باشره أبطل لونه وأذهب حسنه. خواصه ومنافعه: منها أنه يجلو البصر بالنظر إليه ومنها أنه ينفع العيون إذا سحق في الأكحال ومنها إذا سحق وشرب نفع من لدغ العقارب وطبيعته البرد واليبوسة. العقيق: حار يابس وفيه ثلاث خصال من الخواص: الأولى: أنه من تقلد بالأحمر منه الشديد سكنت روعته عند الخصام. الثانية: أنه من تختم بالنوع الثاني منه وهو الذي لونه لون ماء اللحم إذا ألقي فيه الملح وفيه خطوط بيض قطع عن حامله نزف الدم عن أي موضع كان من الجسد ولاسيما النساء اللواتي يدوم طمثهن. الثالثة: أنه إذا استيك به من أي أنواعه اتفق أذهب عن الأسنان صداها وبيضها وأذهب الحفر ومنع الأسنان أن يخرج من أصولها الدم. ظرائف تليق بهذا المكان: قال بعض الفضلاء ممن يعتمد على قوله من تمذهب للشافعي وقرأ لأبي عمر ولبس البياض وتختم بالعقيق وحفظ قصيدة ابن زريق البغدادي فقد استكمل الظرف ومما سمع عنه قيل إن خاتمه ما وجد في إصبع قتيل. وقيل: وما أحسن استخدام فيه ... عج بالعقيق فمدمعي يحكيه وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة: لا تسل عن حديث دمعي لما ... ظعن الركب واستقل الفريق لونته وأمطرته دموعي ... جرى منه الوادي وسال العقيق وقال صدر الدين بن عبد الحق: اذكرها الغضا ولذيذ عيش ... تقضي بالعقيق دوين سلع فقالت ما الغضا فأجبت قلبي ... وقالت ما العقيق فقلت دمعي وأنشدني الشيخ تقي الدين بن حجة من قصيدة بنوبة أولها: شدت بكم العشاق لما ترنموا ... فغنوا وقد طاب المقام وزمزم وضاع شذاكم بين سلع وحاجر ... فكان دليل الظاعنين إليكم وجزتم بوادي الجزع والتوى ... على خذه بالنبت صدغ متمتم ولما روى أخبار نشر ثغوركم ... أراك الحمى جاء الهوى يتنسم ومنها في المديح الشريف: فيا ساكني واد العقيق بأحمد ... خواتم خير قد أتت فختموا وهذه القصيدة كلها غرر فسح الله في وجود قائلها وأنالنا شفاعة ممدوحها صلى الله عليه وسلم وكيف لا تكون غرة وهو القائل فيها: نبي غدا في جبهة الدهر غرّة ... بسبته البيضاء والشرك أدهم وروضة حسن في ربيع لنا بدت ... ومنبتها البيت العتيق المحرم له النسب الأعلى فيا مادح الورى ... إذا كان مدح فالنسيب المقدم ويا من غدا في حب زينب هائماً ... وكان له عند الرباب ترنم بحب ابن عبد الله أولى فإنه ... به يبدأ الذكر الجميل ويختم تأمل ما أحسن هذا التضمين: اليشم واليشب: حجران فضيان وكيانهما قريب بعضه من بعض ويتكونان من أبخرة مقصرة على كيان الفضة على ما تقدم القول فيما سلف، معدنه الذي يتكون فيه كاشغر ومنه يجلب إلى البلاد وكاشغر بين الصين وغزنة مسيرة نيف وعشرين يوماً من غزنة إلى جهة الشمال لسانهم تركي. جيده ورديئه: اليشم نوعان أحدهما أبيض والآخر أصفر كلون العاج العتيق ويقال إن هذا هو الخالص.

خواصه ومنافعه من خواصه ومنافعه في نفسه إذا لفت عليه شعرة من شعر الإنسان ثم وضع في النار لم يحترق الشعر وكثير من المحرفين في بلاد العجم يحملونه ويفعلون به ذلك ويدعون أنه من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيوهمون العوام بذلك وبهذه الخاصية يختبر الخالص من هذا الحجر ممن سواه ومن خواصه ومنافعه أن الصاعقة لا تقع عليه وعلى من حمله البتة وقد أخبرني ثقات من العجم أنهم شاهدوا ذلك ببلاد العجم حيث تقع الصواعق كثيراً فبنوا في القلعة منارة وعلوا فيها هذا الحجر فترى الصواعق نازلة من السماء تحيد عن موضع الحجر إلى سائر الجهات البعيدة عنه ويقال إن من تختم له قطع عنه كثرة الاحتلام ومن خواصه ما ذكر جالينوس في الأدوية المفردة أنه ينفع من وجع المعدة بالتعليق عليه من خارج. البلور: معدنه الذي يتكون فيه ما يوجد بتربة العرب بالحجاز الشريف على ساكنه أفضل الصلاة والسلام وهو أجوده ومنه ما يؤتى به من الصين وهو دون العربي ومنه ما يكون ببلاد إفرنجة وهو جيد أيضاً ومنه معادن بناحية أرمينية يميل إلى الصفرة الزجاجية كأنه مطبوخ بالنار وقد ظهر منه بهذا التاريخ معدن بالمغرب الأقصى بمقربة من مراكش حاضرة الغرب نقي اللون إلا أن فيه تشعيراً وهو كثير عندهم حتى فرش منه ملك المغرب مجلساً كبيراً أرضاً وحيطانا. جيده ورديئه: أجوده أنقاه وأصفاه وأشفه وأبيضه وأسلمه من التشعير فإن كان مع ذلك كبير الجرمانية كان أو غير آنية كان الغاية في نوعه قال التيفاشي أخبرت أن تاجراً من تجار الإفرنجة أهدى إلى ملك من ملوك المغرب قبة من البلور قطعتين يجلس فيها أربع نفر ورأيت منه صورة ديك مخروطاً إذا صب فيه الشراب ظهر لونه في أظفار الديك ورؤوس أجنحته صنعة بلاد الإفرنجة ويصنع منه كل عجيب من الأواني وقال الكندي إن في البلور قطعاً يخرج في القطعة منها من المعدن أكثر من مائة من قال التيفاشي وأخبرني غير واحد من أهل غزنة بنقل متفق على صحته أن بالقرب منها بينها وبين كاشغر بمسيرة ثلاثة عشر يوما وادياً بين جبلي ذلك الوادي طريق موصل إلى كاشغر والجبلان اللذان على الوادي من جهته بلور خالص يقطع في الليل لأن أشعته إذا طلعت عليه الشمس تمنع العمل فيه بالنهار ويصنع منه خواب للماء في كاشغر وغزنة وأخبرني من كان متصلاً بشهاب الدين الغوري ملك غزنة أنه رأى في قصره أربعة خوابي للماء كل خابية تحمل ثلاث روايا ماء من روايا الجمال جميعها على محمل يصعد منها إليها من بلور كل واحد من محمل ثلاث قناطير إلى أربعة. خواصه في نفسه: أنه يذوب كما يذوب الزجاج ويقبل الصبغ ومنها أنه يستقبل به الشمس ثم ينظر إلى موضع الشعاع الذي قد خرج من الحجر فيستقبل به خرقة سوداء فتحترق وتوجد فيها النار. خاصيته في منفعته من علق عليه لم ير منام سوء تم ذلك. ذكر القاضي شهاب الدين بن فضل الله العمري في تاريخه الذي سماه مسالك الأبصار أن شخصاً من بعض التجار في أصناف الجوهر يجهز كل سنة مماليكه وجماعة إلى المغاص ليغوصوا على اللؤلؤ في الوقت المعتاد وهو في شهرين في السنة فاتفق أنه أنفذ جميع ما يملكه في ذلك ولم يحصل على طائل ولم يطلع له شيء وافتقر ولم يبق له ما يجهز به إلى المغاص فطلب من امرأته معضدة كانت في عضدها ذهبا فقالت له يا هذا تعمل لك بهذه المعضدة حرفة غير ما أنت فيه من اللؤلؤ فقال ما أرجع عن صنفي ومتجري وتجهز هو بنفسه في جماعة إلى المغاص فغاصوا له في الوقت المعتاد إلى اليوم التاسع والخمسين فلم يطلع له شيء إلى آخر النهار طلعت درة ما لها قيمة فأحضروها إليه وقالوا له هذه غصنى على اسم إبليس وقد رد الله عليك جميع ما أنفقته فاستدعى بحجرين ووضعها بينهما إلى أن عدمها وكسرها ثم رمى بها في البحر فلامه الحاضرون رفقاؤه التجار على ما فعل وقالوا: قطعة مثل هذه تقع لك وما عندك مثلها تعدمها فقال: هذه القطعة ما أنتفع به ولا أجد لها بركة ويجيء كل من يأتي بعدي يقتدي بفعلي ويغوصون له على اسم إبليس ويبقى على أثم ذلك إلى يوم القيامة اذهبوا وغوصوا على اسم الله عز وجل فأصبحوا تمام الستين يوماً غاصوا له على اسم الله فطلعت لهم الدرة اليتيمة فوجه بها إلى الخليفة ببغداد هو ذاك المقتدر فابتاعها عليه بثلاثمائة ألف درهم وحسن حاله ببركة اسم الله عز وجل. انتهى ذلك والله أعلم.

الباب الأربعون في خزائن السلاح والكنائن سأل عمر بن الخطاب (عمرو بن معدي كرب عن السلاح فقال ما تقول في الرمح قال أخوك وربما خانك فانقصف، قال فما تقول في الترس قال هو المجن وعليه تدور الدوائر، قال فالنبل قال منايا تخطئ وتصيب، قال فما تقول في الدرع قال مفشلة للراجل مغلة للفارس وإنها لحصن حصين، قال فما تقول في السيف قال هنالك لا أم لك يا أمير المؤمنين فعلاه عمر بالدرة وقال له تقول لا أم لك قال الحمى أصرعتني.

الباب الأربعون في خزائن السلاح والكنائن سأل عمر بن الخطاب (عمرو بن معدي كرب عن السلاح فقال ما تقول في الرمح قال أخوك وربما خانك فانقصف، قال فما تقول في الترس قال هو المجن وعليه تدور الدوائر، قال فالنبل قال منايا تخطئ وتصيب، قال فما تقول في الدرع قال مفشلة للراجل مغلة للفارس وإنها لحصن حصين، قال فما تقول في السيف قال هنالك لا أم لك يا أمير المؤمنين فعلاه عمر بالدرة وقال له تقول لا أم لك قال الحمى أصرعتني. القاضي الفاضل من قصيدة: تمد إلى الأعداء منا معاصما ... فترجع من ماء الكلى بأساور وله: ولرب هاتفة دعتهم للوغى ... جعلوا صليل المرهفات صداها هو في بحار يديه أمواج ترى ... نفوس من قتلته من غرقاها العنوي: كأن على انفراده موج لجة ... تعاصر في حافاته وتجول كأن عيون الذر كسرن حوله ... عيون جراد بينهن دخول حسام غداة الروح حتى كأنه ... من الله في قبض النفوس رسول أبو العلاء المعري: ودبت فوقه حمر المنايا ... ولكن بعدما مسخت نمالا غراراه لسانا مشرفي ... يقول غرائب الموت ارتجالا يذيب الرعب منه كل عضب ... فلولا الغمد يمسكه لسالا النامي: ذي مدمع من غير ما مستعبر ... وتبسم من ثغره متوالي ويريك في لألأته متواقدا ... حنق المنون به على الآجال وقال أعلم الرؤساء ابن الصيرفي أبو القاسم علي بن منجب من نشره على طريق اللغز يبالغ في شكره إذا أفسد وبرح ويقبل في تزكية شهادة المجرح. ابن قلاقس: أسرتهم وشهرته فجموعهم ... مذ أحرمت في راحتيك حرام وكلاهما جفن منعت غراره ... لكن ذا عضب وذاك منام ابن سناء الملك: له منصل لا ينقضي فرض حجه ... فبالضرب لبى وهو بالسل محرما تنسك الإسلام لما رأيته ... يحل له في الشرع أن يشرب الدما فكم سل لما سل من بطن غمده ... لسان دم من ضربة خلقت فما وقال وجيه الدين بن الدروي: فنقت بأجساد الأسود لواحظاً ... رنت المنايا يا عن عيوب الثعالب وأنطفت أفواها على فم العدى ... بألسنة البيض الرقاق المضارب بحيث الوغى روض تغنى ذبابه ... وسال على نور الطلى كالمذائب وقد نشقت ورد الكلوم صعاده ... وما شربت إلا دماء الترائب وله: سكران من شره خمر الدما فإن ... حياه نور الطلى غنى له هزجا ذو الوزارتين لسان الدين بن الخطيب الأندلسي: وخليج هند راق حسن صفائه ... حتى يكاد يعود فيه الصيقل غرقت بصفحته النمال وأوشكت ... تبغي النجاة فأوثقتها الأرجل فالصرح منه ممرد والصفح من ... هـ مورد والشط منه مهدل وقال مجير الدين بن تميم: لما اقتنيت من الصوارم أعوجا ... يجري القضاء بنهره المتموج جبت القفار وما حملت أداوة ... للماء من ثقتي بنهر الأعوج ابن نباتة: وصارم كعباب الموج ملتطم ... يكاد يغرق رابية ويحترق لما إذا جدولا تسقي المنون به ... أضحى يشف على حافاته العلق الشريف البياضي: وإنا إذا الأرواح ذابت مخافة ... فتحنا بأشطان الرماح ركاياها متى ما أردنا أن يذاق حديدنا ... خلعنا بحد المشرفية أفواها ومن كلام تقي الدين بن حجة في معنى سكون الحرب: واعتقل الرمح بسجن السلم بعد أن كان على رأسه لواء الحرب معقود وهجعت مقل السيوف في أجفانها لما علمت أن الزيادة في الحد نقص في المحدود. وللشيخ برهان الدين القيراطي: قوم مناديلهم بيض فكم مسحت ... رقاب أعدائهم تلك المناديل الغزي وأجاد: وقد سلب الطعن الأسنة لونها ... فعصفر في اللبات ما كان أزرق وأسيادنا في السابغات كأنها ... جداول تجري بين زهر تفتقا ابن خفاجة: موسد تحت ظل السيف تحسبه ... مستلقيا فوق شاطئ جدول ثملا

الرمح: ذكر القاضي الرشيد بن الزبير في كتابه العجائب والظرف أنه كان في خزانة السلاح أيام السفاح خمسون ألف درع وخمسون ألف سيف وثلاثون ألف جوشن ومائة ألف رمح، ومنه قال الفضل بن الربيع لما ولي محمد الأمير الخلافة في سنة ثلاث وتسعين ومائة أمرني أن أحصي ما في الخزائن من الكسوة والفرش والآنية والآلة ذكرت الفرش والكسوة في بابها من هذا الكتاب وأما الآلة فعشرة آلاف سيف محلاة بالذهب وخمسون ألف للشاكرية والغلمان ومائة وخمسون ألف رمح ومائة ألف قوس وألف درع خاصة محلاة وألف درع عامة وعشرون ألف بيضة وعشرون ألف جوشن ومائة وخمسون ألف ترس وأربعة آلاف سرج محلاة خاصة وثلاثون ألف سرج عامة. القاضي الفاضل: يقتل حيات الحقود من العدا ... بحيات سمر بالأسنة نهشا وينصبها أن يرتقوا السحب سلما ... ويرسلها أن ينزلوا القلب كالرشا وله: أمنصل الرمح الطويل بكوكب ... من ذا يطاعن والسماك سنان ابن سناء الملك: ملوك يحوزون الممالك عنوة ... بسمر العوالي أو بيض القواضب رماح بأيديهم طوال كأنما ... أرادوا بها تثقيب در الكواكب ابن قلانس: وقد كحلت بأميال العوالي ... أساة الحرب أحداق الدروع وشب اليأس نيران المواضي ... وأسبل غيث أمواه الدموع فللفرسان من محل وحل ... حديث عن مصيف أو عن ربيع وله: ومصرف الرمح الطويل سنانه ... فتحنا له قلما هناك محرفا حيث العجاجة فوق لامعة الظبي ... تثني على الأصباح ليلا مغدفا فتريك طرف الجو منها أكحلا ... ومن الطوال السمهرية أوطفا ابن النبيه: والنبل في خال العجاج كأنه ... وابل تتابع في خلال سحائب لعبت أسنته على أعلامها ... فكأنها شهب ذوات ذوائب الذروي: ووراء هاتيك الخيام أهلة ... هاماتها نبت الوشيح الأعوج ارتحت حولهم لزرق أسنة ... حتى كأنك في رياض بنفسج ابن المنشد ملغزا فيه: أي شيء يكون مالا وذخرا ... راق حسنا عند اللقاء ومخبر أسمر القد أزرق السن وصفا ... إنما قلبه بلا شك أحمر الفاضل: فيا عجبا للملك قر قراره ... بمختلفات من قتال الشواجر طواعن أسرار القلوب نواظر ... كأنك قد نصلتها بنواظر لسان الدين محمد بن الخطيب: وبكل أزرق إن شكت ألحاظه ... من العيون فبالعجاجة مكحل متأود أعطافه من نشوة ... مما يعل من الدماء وينهل عجبا له أن النجيع بطرفه ... رمد ولا يخفى عليه مقتل السيد الفاضل شمس الدين بن الصاحب موفق الدين علي بن الآمدي: غصون بها طير النفوس تنافرت ... وعهدي أن الغصن للطير مألف ولا ورق إلا من التبر حولها ... ولا زهر إلا من النصر يقطف وقال فخر القضاة نصر الله بن بصاقة كتب للناصر داود بن عيسى ووزر له وجلس معه في صدر الإيوان ومن نظمه ملغزاً: عصى ثقيل إن أطيل عنانه ... مطيع خفيف الكل حين يقصر ترى منه أميّا إلى الخط ينتمي ... ومغزى يغزو الروم وهو مزنر عجبت له من صامت وهو أجوف ... ومن مستطيل الشكل وهو مدور ومن طاعن في السن ليس بمنحني ... ومن أرعن ما عاش وهو موقر ابن نباتة السعدي: ولوا عليها يقدمون رماحنا ... وتقدمها أعناقهم والمناكب خلقن بأطراف القنا لظهورهم ... عيونا لها وقع السيوف حواجب ذكر الثعالبي في لطائف المعارف أن أول من عمل له سنان من حديد ذو يزن الحميري وإليه نسبت الرماح اليزنية وإنما كانت أسنة العرب من صياصي البقر. قلت: قد كان رسم لجماعة من الفضلاء بالمملكة الشامية أن ينظموا أبياتاً تكتب على أسنة الرماح وأن تكون البيوت أربعة وذلك برسم المقر العالي الظبنغا الجوباني كافل الشام المحروس رحمه الله تعالى فنظم سيدنا المقر المرحوم الشهير بابن الشهيد فتح الدين رحمه الله تعالى: إذا الغبار علا في الجو غبره ... فأظلم الجو ما للشمس أنوار هذا سناني نجم يستضاء به ... كأنه علم في رأسه نار والسيف إن نام ملء الجفن في غلق ... فإنني بارز للحرب خطار

إن الرماح لأغصان وليس لها ... سوى النجوم على العيدان أزهار وأنشدني القاضي المرحوم أمين الدين محمد الأنصاري لنفسه وهو إذ ذاك كاتب السر بحمص المحروسة: عروس سناني حين يجلي على العدا ... وتظهر تبدي ما لهم من بمواطن وقد صيغ من هم فبين صدورهم ... مجال له رحب فسيح المواطن سيلقون يوم الجمع غبنا لموتهم ... بطعني ويوم الجمع يوم التغابن وإن شهدوا بالجور فيّ وعدلوا ... فإني قد بنيت فيهم مطاعني ونظم سيدنا القاضي صدر الدين علي بن الحنفي الآدمي رحمه الله وأنشدنيها من لفظه وهي من مبادئ نظمه: النصر مقرون بضرب أسنة ... لمعانها كوميض برق يشرق سبكت لتسبك كل خصم مارد ... وتطرقت لمعاند يتطرق زرق تفوق البيض في الهيجاء إذ ... يحمر من دمه العدو الأزرق ينسخن يوم الحرب كل كتيبة ... تحت الغبار فنصرهن محقق ونظم الشيخ شمس الدين محمد بن بركة الرئيس وأنشدنيها من لفظه لنفسه رحمه الله تعالى: أنا أسمر والراية بيضاء لي ... لا للسيوف وسل من الشجعان لم يحل لي عيش العداة لأنني ... نوديت يوم الجمع بالمران وإذا تناغمت الكماة بجحفل ... كلمتهم فيه بكل لسان فتخالهم غنما تساق إلى الردى ... قهر المعظم سطوة الجوبان لو قال: كلمت كلا منهم بلسان، لكان أحسن الشيء يذكر بلوازمه، نقلت من مجموعة بخط بعض الأفاضل أن بعض الأمراء بالأندلس وأظنه المنصور بن عامر رحمه الله كان إذا قصد غزوة عقد لواءه بجامع قرطبة ويجعل مسيره إلى الغزوة من الجامع فاتفق أنه في بعض حركاته للغزوات توجه إلى الجامع لعقد اللواء واجتمع عنده القضاة والعلماء وأرباب الدولة فرفع حامل اللواء فصادف ثريا من قناديل الجامع فانكسرت على اللواء وتبدد عليها الزيت فتطير الحاضرون من ذلك وتغير وجه المنصور فقال رجل وقال أبشر يا أمير المؤمنين بغزوة هينة وغنيمة سارة قد بلغت أعلامك الثريا وسقاها الله من شجرة مباركة فاستحسن ذلك المنصور واستبشر وكانت تلك الوجهة من أبرك غزواته. وما أظرف وألطف قول الشيخ صدر الدين بن الوكيل متغزلا: كم قال معاطفي حكتها الأسل ... والبيض سرقن ما حوته المقل فالآن أوامري عليهم حكمت ... البيض تحد والقنا تعتقل ابن تميم: لو كنت تشهدني وقد حمى الوغى ... في موقف ما الموت عنه بمعزل لترى أنابيب القناة على يد ... تجري دماً من تحت ظل القسطل ابن شرف القيرواني: وقد وخطت أرماحهم مفرق الدجى ... فبات بأطراف الأسنة شائبا

القوس: حدث العتبي عن بعض أشياخه قال كنت عند المهاجرين عبد الله وإلى اليمامة فأتى بأعرابي كان معروفاً بالشرف فقال له أخبرني عن بعض عجائبك قال عجائبي كثيرة ومن أعجبها أنه كان لي بعير لا يسبق وكان لي خيل لا تلحق فكنت أخرج محارباً فخرجت فاحترشت ضباً فعلقته على قبتي ثم لا أرجع خائباً فمررت بخبأ ليس فيه إلا عجوز وليس معها غيرها فقلت يجب أن تكون لها رائحة من غنم وإبل فلما أمسيت إذ أنا بإبل مائة فيها شيخ عظيم البطن شئن الكفين ومعه عبد أسود فلما رآني رحب بي ثم قام إلى الناقة فحلبها وناولني العلبة فشربت ما يشرب الرجل فتناول الباقي فضرب به جبته ثم حلب تسع أنيق فشرب ألبانهن ثم نحر حوراً فطبخه ثم ألقى عظامه بيضاء ثم جثى على كومة من بطحاء وتوسدها ثم غط غطيط البكر، فقلت والله هذه الغنيمة الباردة ثم قمت فحل إبله فخطمته ثم قرنته ببعيري وصحت به فأتبعني وأتبعته الإبل أربا كأنه في قطار فصارت خلفي كأنه حبل ممدود فمضيت أبادر ثنية بيني وبينها مسيرة ليلة للمسرع فلم أزل أضرب بعيري مرة بيدي ومرة برجلي حتى طلع الفجر فأبصرت الثنية فإذا عليها شيء أسود، فلما دنوت إذا الشيخ قاعد في قوسه في حجره فقال أضيفنا قلت نعم قال أتسخو بنفسك عن هذه الإبل قلت لا فأخرج سهماً كأنما نصله لسان كلب ثم قال أبصره بين أذني الظبي المعلق متى ألقيته فرماه فصدع عظمه عن دماغه، ثم قال ما تقول قلت أنا على رأيي الأول ثم قال أبصر هذا السهم الثاني في قفارة ظهره الوسطى ثم رمى فكأنما غرسها فيه ثم قال ما رأيك قلت أحب أن أستثبت، قال انظر هذا السهم الثالث في علوة ذنبه والرابع والله في بطنك ثم رماه فلم يخطئ العكوة، قلت آنزل آمناً قال نعم ثم دفعت إليه خطام فحله وقلت هذه إبلك لم يذهب منها وبرة وأنا أنتظر متى ترميني بسهم تقصد به قلبي فلما تباعدت قال أقبل فأقبلت والله فرقا من شره لا طمعا في خيره فقال أحسبك ما جئت الليلة إلا من حاجة قلت أجل والله قال فاقرن من هذه الإبل بعيرين وامض لمطيتك فقلت لن والله حتى أخبرك عن نفسك فلا والله ما رأيت أعرابياً قط أشد ضرساً ولا أعدى رجلاً ولا أرمى يدا ولا أكرم عفواً ولا أسخى نفسا منك، قال فاستحى وترك الإبل جميعها. قلت: ذكر هذه الحكاية الشيخ جمال الدين بن نباتة في سرج العيون بخلاف هذه الألفاظ وأن الشيخ المذكور زيد الخيل واسمه مهلهل، عزم الملك المعظم على الصيد فقال له بعض الجماعة يا مولانا القمر في العقرب والسفر فيه مذموم والمصلحة الصبر إلى أن ينزل القمر القوس فعزم على الصبر فبينما هو يفكر إذ دخل مملوك كان له من أحسن الناس وجهاً يقال له أيدغدي فوقف قدامه وقد توشح بقوس فقال بعض الحاضرين يا مولانا اركب الساعة فهذا القمر حقيقة فقام لوقته وركب استبشاراً فلم ير أطيب من تلك السفرة ولا أكثر من صيدها. الشهاب الأعزازي ملغزاً فيها وفي النشاب: ما عجوز كبيرة بلغت عم ... را وتتفيها الرجال قد علا جسمها صفار ولم تش ... ك سقاما ولا عراها هزال ولها في البنين سهم وقسم ... وبنوها كبار قدر نبال وأراها لم يشتهوها ففي الأم ... اعوجاج وفي البنين اعتدال الحلي ملغزاً: وما اسم تراه في البروج وإنما ... يحل به المريخ دون الكواكب إذا قدر الباري عليه مصيبة ... عدته وحلت في صدور الكتائب بدر الدين بن الصاحب ملغزا: لله مملوك إذا ... ما قام في الشغل اعترض لكنه في لحظة ... محصل لك الغرض أيدمر يرثي سهماً انكسر: يا سهم هاج رداك لي بلبالا ... وأطار نومي والمهموم أطالا مذ نبت ما راع الحمام حمامه ... يوما ولا علق المنون غزالا ولطال ما شوشت من سرب المها ... ألفا ومن سطر الكركي دالا قد كنت أعجب للقسي سقيمة ... صفرا تئن كأنهن ثكالا فإذا بها علما بيومك في الردى ... كانت عليك تكابد الأهوالا عجبا من الآجال كيف تقسمت ... فيه وكان يقسم الآجالا

وقال الإمام كمال الدين إسماعيل بن جمال الدين عبد الرزاق الأصفهاني رحمه الله: (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا * إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً * فأتبع سبباً) حكيم جبل على السداد يهدي إلى سبل الرشاد آثار بأسه مشهورة على ذرى الأعواد بطشه شديد ومرماه بعيد أيد في مغزاه بالتعقيق يأخذ في التشريق بعد التغريب فشدد بكل شديد الإغارة أسره ووسد إلى كل مشبوح الذراعين نصره فأنفذ رسله تترى شفعاً ووتراً فطير برده إلى الأطراف بنوع من الاستعطاف وأثبت ما في ضميره في القرطاس إظهاراً للباس وإنذاراً للناس وأغرق قوس عزائمه في الركض وحرم على جنبه القرار في الأرض فأعين بقوة جمع بها بين اليدين ثم قبض في البين عند ملتقى لحدين وكان من دعائه في انحنائه رب اشرح لي صدري وأشدد أزري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي وأخي أفصح مني لساناً فأرسله معي وأشركه في أمري نعم ويسألونك عن الأهلة صفراء من غير علة حنانة حنت ولا تهنت حية إذا انطلقت رحجنت مرتان لا عن مرض يشهب إلى غرض هلال يطلع بحلول الأجل المضروب استهلاله دليل الوقائع والحروب، مجرة تنقض منها نجوم الرجوم، برج ذو جسدين يطلع بالطائر الميشوم ثابت يقارن السيارات، وقع ينهض من وكره الطيارات ذات الحبك لا تراجع كواكبها، برج معوج الضلوع تغور في أسرع زمان غواربها معنى أحكمت مبانيه ورفعت مجنيه حائط مائل وعماده زائل لا يقوم مناده ولم ينقص وكاده نبأنا بساكنه فترحل منه، وبيت أزعج نازله فتحول عنه رباط موقوف على المارة لا تلبث فيه السيارة بيت منزحف ينفر عنه الطبع السليم ويفر عنه النبع المستقيم محل النزاع ينظر فيه عند المجادلة متحرف للقتال يولي الظهر عند المقاتلة، سورة محكمة ذكر فيها القتال يتمسك به أصحاب الجدال شديد القوى ذو مرة بواتر بين رسله من غير فترة بذات الجنب يقلقه انبعاث مرته لا يسكن إلا إذا دسع بحربته شيطان تطلع شمس النصرة من قرنيه مارد لا يسكن إلا بتعريك أذنيه صورة مركبة ليس لها من تركيب النظم إلا ما حملت ظهورها أو الحوايا أو ما اختلط بعظم أضلاع على الوتر تطوي أكباد تحن إلى القد من الطوى متأسر شدت إلى العقب أذقانه يضيق صدره ولا ينطلق لسانه بطل شد حيازيمه للموت ويجزع من خوف الفوت بأعلى الصوت مقدام من بني الأصفر قدم في دار الحرب وشد عليه الوثائق حتى شكا ضيق الخناق وجرى عليه سهم الاسترقاق فصار ملك اليمن باستحقاق ولا غرو إن مال إلى أصحاب الشمال فهو فرع أصله ضال متكبر بأبي السجود للبشر في صلبه مثل صياصي البقر مغشي عليه، جمع إلى الاصفرار نحولاً وحنيناً فقبض وكان في النزاع حينا مطية تخالف سائر الأنعام قيامها باليد وقيامهن بالأقدام، وكلما كانت أثبت على المقام كان راكبها أقرب إلى بلوغ المرام مضيرة يمتطيها الراكب إذا كانت معقولة وينزل عنها إذا أرسلت محلولة أعوجي يشتد في مراكض السباق أعجمي يلوي الأشداق شاكية تودع شفرا لا تعود عقيلة تحن إلى زوج من عود عاتكة شبقي شديدة العرامة أعجب بها حدباء مديدة القامة عنقاء تزف أفراخ النسور تزيد في مرتها الدهور سلس القيادة صعب إلى ذي مرة غير مستوى، مقبوض جميع الباري عظامه فصوره وأحسن نظامه فقامت عليه القيمة ألف ونون جمعا للتثنية لا يرميه أهل القياس بالتخطئة بل بألف، قارون نون مشددة فإذا حركته أن وإذا تركته اطمأن، حرف إذا رفع نصب للجر ولا يستعمل جزما بعدما دخله الكسر وحرف آخر معطوف عليه ومجرور بالإضافة إليه حرف أدغم فيه غيره بتسكين وجعل منه تشديد وتنوين هيئته شبه علامة إذا عطلت وتشاكل الباء إذا استعملت ذو نيرب مشاء بنميم عتل على الجفاء مقيم مغرق يتنكب على موارد الماء مغرق عند جر النسب والانتماء وأخوه دعى به لاحق عيص ألف ونبعه ممطورة ينمى إذا اتصل الدعى اللاصق مقيد يحمل عليه المطلق طويل العنق من حبل عاتقه معلق خفيف الرأس يميل إلى كل طياش عاري المناكب في حبالته ذوات الرياش نحيف يرى أثر المحاجم بظهره يبتسم لفصد غيره أجش يرفع صوته بين الرماة بارز يفت في أعضاد الكماة لمرماتنا درك الرقاة ونكب عن مراشقك الرماة كان شظيته من فرع أيك تسنمها النسور الطاويات أعجوبة جمعت بين أضدادها تمنعا في خضوع وإباء في خشوع وتعطفا في قساوة وصلابة في رخاوة أشباه أعناق الجمال طابقها زمامها أضلاع

أنضاء توسطها سنامها كأن قرنيه صل انسلخ من إهابه فخلع عليه بعض ثيابه مضمار جمع بين الأنسي والوحشي عاطل يرفل في اللباس موشى وثنوي يغشى النار ولا يخشى العار موتور نشر أذنيه لدرك الثار موتر أخذ في الركوع وهو قائم خميص البطن يبتلع ذراعا وهو صائم محدوب بلغ قاب قوسين في الارتياض متقشف أبلى طمريه في التذلل والانخفاض منقبض جمع للانزواء أطرافه مرابط يهز عند اللقاء أعطافه متحرج يعض على ناجذ التصبر في الشدة والرخاوة من صاحبه طرفه عين مشى على الهواء فقل في إن التقم مرسلا فنبذه بالعراء راكع أوّأه يشكو وزره الذي انقض ظهره يطوف على من مد إليه يد الاجتذاب قئول ولو أن السيف جواب مجرم ألزم طائره في عنقه وعرض على النار لسوء خلقه وسوف يؤخذ بالنواصي والأقدام ويجزئ بما تحمله من الأوزار والحطام ويستنطق جلوده قسرا وقهرا فينطق بما يخفيه جهرا وأنى له التناوش من مكان بعيد وقد تمكن من حز رقبته من هو أقرب إليه من حبل الوريد ناحل ألصق بطنه بظهره حتى بدت للناظرين ذات صدره وغارت كلاء في خصره لاستيلاء قوته الدافعة الهالكة على قوتيه الجاذبة والماسكة وانقطاع حبل وريده عن شريانه وتجافى جنبه عن مصرانه ثعبان إذا أنشط من عقاله أمن الناس عادية أفعاله جموح يعثر بالراكب معرقب تحمله المناكب ضرس شرس يتمطى ويتثاوب لتمدد أعضائه متجرد يستطهر ويدل بأولاده وأعقابه ظرف مظروفه يخالف الظرف هذا لا يقبل العدل وذا لا يقبل الصرف هيفاء متنها مجدول وفروعها مفتول خصرها دقيق وقدها رشيق قوية العلياء محطوطة المطاء ناشرة اكتادها قلب الكلى يضمها صاحبها إلى الصدر فتنكب عنه وتزور مزاوج مطلاق يودع صاحبه عند الاعتناق مكلف خلق في كبد طموح لا يذعن إلا لمن عنده مديد مقبوض يقارب السريع ويفارقه عند التقطيع صحيح معلول ممدود في العرض مقصور في الطول قرناء أحصنت فرجها وأبعدت من نفسها زوجها محب ذو أناة تعود وأراد البنات غيور إذا لاقى بناته الأتراب زوى حاجبيه للإضراب فيمسكه على هون أم يدسه في التراب عرق من عروق الشريان إذا جسته البنان ينبض وله ضربان قوسه حين دائرة السوء يحيط بالأعداء متعصب ينشط للمنازعة بعد الإغراء دهري أتى عليه قرن بعد قرن فانحنى مطاه لا ينتصب إلا وعلى اليد متكاه وينشد إذا فتح فاه: سلبت عظامي لحمها وتركتها ... مجردة تحظى لديك وتحتضر خذي بيدي ثم اكشفي الثوب تنظري ... ضنا جسدي لكنني أتستر عظامي إذا انتصب عصابي إذا انتصب مكاشح أولع بضرب غيره وربما رد كيده في نحره منحدب يظهر الحنو ويضمر السوء من عصبته هي بالقوة بنو ميالة الأعطاف تسند العود إلى صدرها وتمكنه بين سحرها ونحرها وتدني من الأسماع أوتارها فيضر بها فتغني فتغشى أسرارها قرنان يسمح بأزواجه على الأعداء ويقذف بنات صلبه بالنكراء غليظ الكبد يجفو أفلاذ كبده ويشمئز من تحمل أعباء ولده فينفيه عن حجره ثم يحن على أثره فقيل له يا هذا أسوقا وشوقا أجمعا: حننت إلى ريا ونفسك باعدت ... مزارك من ريا وشعبا كما معا فما حسن أن تأتي الأمر طائعا ... وتجزع أن داعى الصبابة أسمعا وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدعا مشاجر شجر النسب يطاوع من يمدد إليه بسب غدق يثمر الشوك دون الرطب منحني الظهر حمله الحطب وثيقة جامعة لأسباب اللزوم والأحكام عرية عن النواقص مطوية على النفوذ والانبرام يتشبث به عند الخطام متمرد كلما قيد الاستسلام بأسبابه نكص وارتد على أعقابه أمين غير مأمون على الودائع وكلما استودعته فهو ضائع ظلوم يقبل الأمانة بجهله ويؤدي ما قبل إلى غير أهله نافذ الأمر ليس بعادل ثاني عطفه ليجادل مكبود يعالج بالكي مطالب يدافع باللي مسدد غير سديد جمع بين المد والتشديد قاتل له في سهم الفرائض نصيب يأخذ ما يأخذ بالتعصيب معشش أفراخ العقاب صرت عليه رجل الغراب متجلد لا يتضعضع لريب الدهر ولو رمى بقاصمة الظهر يساهمني في مكابد الشدائد ويسعد في التحنن على الأولاد والولائد: لنا كل يوم رنة خلف ذاهب ... ومستهلك بين النوى والنوائب وقلعة إخوان كأنا وراءهم ... نرامق أعجاز النجوم الغوارب

الباب الحادي والأربعون في الكتب وجمعها وفضل اتخاذها ونفعها قال ابن الخشاب ملغزا فيها:

منحني الظهر يتوكأ على العصا فيلقيها إذا هي حية تسعى مجاهد يرجي دهره بين شدة وراحة وكد واستراحة ولين ووقاحة وقبض وسماحة وهو بين ولي ظاهر وعدو مجاهر جذوب يميل إلى من يجذب بضبعه وينازع من خالفه بطبعه وأن نحت من نبعة مفتت إذا أتاه ابن السبيل فاغرا فاه أطعمه من عنده ثم ضرب قفاه وأبعده ونفاه جانية مختصبة سليطة دربه عارية كأنها أفعى جارية رقيق فيه شدة بليد فيه حدة فاتك تأبط شرا ملاعب الأسنة يقتل صبرا ملتف مخلف وهارب لا يمسك سخى بما يملك لذي اليدين بذول كأنما عناه من يقول يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما محاكم يعاضد ذا اليدين على صاحب الرقبة مسترسل لا يبالي باقتحام العقبة حاجب غمرات الحاظه كالعين تدخل الرجل القبر مبذر يده مغلولة إلى عنقه للحجر كوماء معقولة هوجاء مغلولة حاجب مقرون لا يوجد مثله في القرون كالحية الرقشاء مسها لين وخطبها غير هين نائم العين بصره حديد كالجمل الأنف ينقاد إذا قيد شاحب محوقف سائق لا يستوقف بطل شد للموت حيادزيمه وشحذ للقاء العدو غرار العزيمة طائفة تبنو عن سرعة الأصحاب كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب. ومن آخر رسالة القوس للشيخ كمال الدين الأصفهاني شيخنا زين الدين بن العجمي محاجيا في لامة: يا سيد الحجاه ... سر المحاجاة يكشف ما مثل قول المحاجي ... للنهي والأمر بالكف ومن إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر ومن الجواشن حسنه التسامي والتسامت لا يرى في حلق سمائها من تفاوت قد رفع بعضها فوق بعض درجات وبنيت أسوار الحفظ المهجات قد زينت سماؤها بزينة الكواكب وفاق غمامها المتراكم وراق موجها المتراكب كم أحسنت دفاع البؤس عن النفوس عدة وقوع وكم حنت حين حنيت أضالعها على الضلوع كم دخلت جنة جنتها بسلام وكم بدت كأنها طلع نضيد ولا عجب فإنها ذوات الأكمام. كتب إلى الجناب المجدي فيما يناقش على طير: لئن لحت طوراً كالهلال شكاله ... فلي من غبار النقع يا صاحبي سما فإن لحت مثل البرق في ساعة الوغى ... فعما قليل بعده تمطر الدما وله فيه: ألا انظر إلى شكلي وإتقان صنعتي ... وروح عن بديع الحسن عني مخبرا طلعت هلالا في سما النقع نيرا ... بتقصير أعمار البغاة مبشرا الباب الحادي والأربعون في الكتب وجمعها وفضل اتخاذها ونفعها قال ابن الخشاب ملغزا فيها: وذي أوجه لكنه غير بايح ... بسر وذو الوجهين للسر يظهر يناجيك بالأسرار أسرار وجهه ... فتسمعها ما دمت بالعين تنظر وقال أبو زيد الدبوسي: إذا ما خلا الناس في دورهم ... بزهر الندامى وعز الصحاب وأكل الطعام وشرب المدام ... وتم السرور بخود كعاب خلوت وصحبي كتب العلوم ... فكان الأنيس لقلبي كتابي ودرس العلوم شراب العقول ... فطوفوا علي بذاك الشراب ومن كان في دهره جامعاً ... سوى العلم جمعه للذهاب أبو النصر الفارابي: لما رأيت الزمان تنكسا ... وليس في الصحبة انتفاع كل رئيس به ملال ... وكل رأس به صداع لزمت بيتي وصنت عرضاً ... به من العز اقتناع أشرب ممن اقتنيت راحا ... لها على راحتي شعاع لي من قواريرها ندامى ... ومن قراقيرها سماع وأجتني من حديث قوم ... قد أقفرت منهم البقاع غيره: وما شغفي بالكتب إلا لأنها ... تسامرني من غير عي ولا ضجر وأحسن من ذا أنها في صحابتي ... تخفف تكليفي وتقنع بالنظر ابن نباتة: لله مجموع له رونق ... كرونق الحبات في عقدها كادت مجاميع الوردي عنده ... تموت بالهيبة في جلدها

قال الجاحظ الكتاب وعاء ملىء علما وحشي ظرفا وإناء شحن مزاحا وجدا إن شئت كان أعيى من باقل وإن شئت كان أبلغ من سحبان بن وائل وإن شئت ضحكت من نوادره وإن شئت أشجتك مواعظه والكتاب نعم الظهر والعدة والكنز والعقدة ونعم الذخر والعمدة ونعم النزهة والنشرة ونعم الشغل والحرفة ونعم الأنيس ساعة الوحدة ونعم المعرفة ببلاد الغربة ونعم القرين في الرحيل ونعم الوزير والنزيل والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك والصديق الذي لا يغريك والرفيق الذي لا يملك والمستميح الذي سماحته لا تستزيدك وهو يعطيك بالليل طاعته وبالنهار يطلب العطاء ويفيد في السفر كإفادته في الحضر. ثم قال فمتى رأيت بستانا يحمل في ردن وروضة تقلب في حجر ينطق عن الموتى ويترجم كلام الأحيا ومن لك بواعظ مله وبزاجر مغر وبناسك فاتك وبساكت ناطق وحار بارد ومن لك بطيب أعرابي وبرومي هندي. قال وسمعت حسن اللؤلؤي يقول عمرت أربعين عاما ولا بت ولا اتكأت إلا والكتاب موضوع على صدري وكان يقال إنفاق الفضة على كتب الآداب يخلف عليك ذهاب الألباب. وقرأ أبو الحسن بن طباطبا في بعض الكتب، الكتب حصون العقلاء إليها يلجئون وبساعتهم فيها يتنزهون. وقال بديع الزمان الهمذاني ما رأيت جارا أبر ولا رفيقا أطوع ولا معلما أخضع ولا صاحبا أظهر كفاءة ولا أقل خيانة ولا أزهد في مال ولا أكف عن قتال من كتاب. وقال الزمخشري ما رأيت قرينا أحسن موافاة ولا أعجل مكافأة ولا أخص معرفة ولا أخف مؤنة ولا أطول عمرا ولا أطيب ثمرا ولا أقرب مجتنى من كتاب. وكتب ابن نباتة إلى بعض الأجلاء يستعيد كتابا في عريته ويسأل إرسال الكتاب الذي أشرقت بمولانا حروفه وأينعت في الأوراق قطوفه وأصبح لفظه الباسم، كما قال العباس يكون أجاجاً دونكم فإذا انتهى وقد عزم المملوك على السفر حيث يجلي صدأ الغياهب ويتسلم الغرب وديعة الشرق من در الكواكب ويستحب ذيل الفجر المجرور ويتلو لسانه على الأفق سورة النور والله تعالى الخليفة على مجد مولانا الغريب وفضله القريب وشخصه الذي لولاه في هذا البلد لم يلف بها غريب. وكتب لشخص أهدى كتابا في فضائل الأعمال يقبل الباسطة لازالت بادية الأجمال وافية الكرم على ما في الآمال هادية مهدية بما أولته من فضائل الأقوال وفضائل الأعمال وينهى ورود كتابيه اللذين ملآ بأكبر يديه والنور قلبه وعينيه ونعماه نظرا ومسمعا وأرياه القمرين في وقت معا فلله مكاتبته التي جنت نسماتها السحرية وغازلت عيون فضائلها السحرية وتضوعت حتى أرخصت الغوالي بنفحاتها الشجرية تركت والحسن يأخذه ينتعي منه وينتحب ولله كتابه الذي جمع الأعجاز والعجائب وجالس الملوك فكأنه المعنى بقول أبي الطيب: وخير جليس في الأنام كتاب ما أبهج عقوده المتسقة وما أحسن ما تدخل النواظر عذبا من أبوابه المتفرقة وما أجمع فصوله لحسن وإحسان وما أطيب أحاديثه عن جنان الخلد إذا طابت الأحاديث عن جنان قد أضاء حتى حسبه مشارق الأنوار وتأمله فإذا عجائب الحسن من نفسه وطرسه في ليل ونهار وغنى فهو للطرف معنى وتلمح من فنون أفنانه الجنة صورة ومعنى فهذه الأسطر المبدعة أشجارها وهذه الألفاظ المتنوعة أزهارها وهذه الثمرات المرتفعة أطيارها وهذه الطريق المترقرقة بين السطور أنهارها وما كان المملوك قبله يحسب أن جنة تهدي في أوراق ولا أن حديقة تسير على البعد فتعرض على أحداق فشكر الله لمولانا هذه المنن الباهرة ونفع بهداياه التي تجمع للأولياء بين خيري الدنيا والآخرة. استعار الصنعاني كتابا "سفينة" من صاحب له فكتب إليه لما ردها على معيرها رأيت السفينة مشحونة علوما وصاحبها الحبر بحرا وكان من الرأي ردى إليه سفينته فهي بالبحر أحرى. وعلى ذكر المجموع فما أحسن قول الحكيم موفق الدين المعروف بالورن: لله أيامنا والشمل منتظم ... نظم به خاطر التفريق ما شعرا والهف نفسي على عيش ظفرت به ... قطعت مجموعه المختار مختصرا ابن الوردي في شخص أخذ له كتبا ولم يرده: إذا لم يرد فلان الكتاب ... ودافعني عنه بالباطل ندبت له قاضيا فاضلا ... وخلصت حقي بالفاضل ابن نباتة مع كتاب أهداه: أرسلته نعم الجليس ... إذا تغيرت البشر يبقى على سنن الوفا ... أبدا ويتقنع بالنظر

وخير جليس في الآنام كتاب هو النديم الكريم والخدن الأمين البريء من الذنوب السليم من العيوب الذي إن أدنيته لم يباعدك وإن أقصيته لم يعاودك وإن واصلته حمدته وإن هاجرته أمنته وإن استنطقته أسمعك وإن استكفيته أقنعك وإن استنكفته كف وإن استثقلته خف وإن دعوته لباك وإن استعفيته أعفاك لا يعصى لك أمرا ولا يحملك أصرا عرضك معه وافر وهو لسرك غير ناشر أنيق المنظر طيب المخبر جميل المشاهد كثير المحامد يملأ العيون قرة والنفوس مسرة يضحك الحزين اللهف ولهى الغضبان الأسف يجتلب السرور ويشرح الصدور ويطرد الهموم والأحزان وينفي بواعث الأشجان مجاورته أحسن مجاورة ومسامرته أحلى مسامرة ومجالسته أنفع مجالسة ومؤانسته أمتع مؤانسة فيه مدعاة إلى الطرب ومسلاة من الوصب وثعلة لذي الغرام وتلهية لقلب المستهام وأنس للمستوحش وري للمتعطش وعمارة للمجلس وحلية للمؤنس تلقى القلوب محبتها عليه وتميل النفوس بكليتها إليه ليس بينه وبين حبات القلوب حجاب ولا يغلق بينه وبين سويداواتها باب. كتب شيخنا زين الدين بن العجمي على مناسك قاضي القضاة بن جماعة: ألفت يا أزكى الورى مناسكا ... فقت بها من قبلكا قد وضحت لكل سار بهجة ... ولم تدع للناقدين مدركا وقد نلت أحكامها على الورى ... لكل أمة جعلنا منسكا الديوان: الأصل الذي يرجع إليه ويعمل بما فيه قال ابن عباس: إذا سألتموني عن شيء من غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب أي أصله ويقال دوّن هذا زي أثبته وأجعله أصلا وزعم بعضهم أن أصله أعجمي وذكره سيبويه في كتابه وقال: إن أصله دوّان. الدفتر: عربي لا يعلم له اشتقاق وحكي دفتر بالكسر ويقال أيضاً تفتر وأما الكراسة فمعناها الكتب المضمومة بعضها إلى بعض والورق الذي ألصق بعضه إلى بعض مشتق من قولهم رسم مكرسي إذا ألصقت الريح التراب به كما قال العجاج: يا صاح هل تعرف رسما مكرسا ... قال نعم وأعرفه ملبسا أبليس تحير ولم تكن له حجة وقال الخليل بن أحمد الكراسة من الكتب مأخوذة من أكراس الغنم وهي أن تبول في الموضع شيئا بعد شيء فيقلبه. شمس الدين العفيف كان عنده مجموع فطلبه منه بعض الرؤساء فأرسل إليه وكتب له: يا أيها الصدر الذي وجه العلا ... منه يزان بمنظر مطبوع لا تعتقد قلبي بحبك وحده ... ها قد بعث لسيدي مجموعي اجتمع لسيف الدولة بن حمدان ما لم يجتمع لغيره من الملوك كان خطيبه بن نباتة الفارقي ومعلمه ابن خالويه ومطربه الفارابي وطباخه كشاجم وخزان كتبه الخالديان والصنوبري ومداحه المتنبي والسلامي والوأواء الدمشقي والسفاء والنامي وابن نباتة السعدي والصنوبري وغير ذلك. قال مجير الدين بن تميم فيما يكتب على خزانة كتب: انظر إلي ترى في صورتي عجبا ... شخصا حوى العلم في صدر من الخشب وفيه من كل فن غير أن له ... وجدا يميل به شوقا إلى الأدب وله: يا حسنها نسخة يلهو مطالعها ... وطالما قد حوت من رائق الكم صحت وقد لطفت في حجمها فحكت ... لطف النسيم وحاشها من السقم ولبعضهم: إن مجموعي البديع لحلي ... قد تنقيت دره المختارا وإذا لم أعره ليس عجيب ... شغل الحلي أهله أن يعارا قلب ولا بأس بإيراد نبذة من التورية بأسماء الكتب فمن ذلك قول بعضهم: يا سائلي من بعدهم عن حالتي ... ترك الجواب جواب هذي المسألة حالي إذا حدثت لا لمعا ولا ... جملا لا يضاحى لها من تكلمه عبد حوى بدر الفصيح منكدا ... فاترك مفصله ودونك مجمله ومنه للشيخ أبي عبد الله بن جابر المغربي نزيل دمشق المحروسة: عرائس مدحي كم أتين لغيره ... فلما رأته قلن هذا من الأكفا نوادر آدابي ذخيرة ماجد ... شمائل كم فيهن من نكت تلفى مطالعها هن المشارق للعلى ... قلائد قد راقت جواهرها رصفا رسالة مدحي فيك واضحة ولي ... مسالك تهذيب لتنبيه من أغفى فيا منتهى سؤلي ومحصول غايتي ... لانت أمرين حاصل الوجد مستصفى

الباب الثاني والأربعون في الخيل والدواب ونفعها

وقد اشتملت هذه الأبيات الخمسة على التورية بعشرين كتابا وهي العرائس للثعالبي والنوادر لأبي علي القالي وغيره والذخيرة لابن بسام وغيره والشمائل للترمذي والنكت لعبد الحق الصقلي وغيره والمطالع لابن قرقول وغيره والمشارق للقاضي عياض ولغيره والقلائد لابن خاقان وغيره ورصف المباني في حروف المعاني للأستاذ ابن عبد النور كتاب لم يصنف مثله في فنه والرسالة لابن أبي زيد ولغيره والواضحة لابن حبيب والمسالك للبكري وغيره والجواهر لابن شاش وغيره والتهذيب في اختصار المدونة وغيره والتنبيه لأبي إسحاق ولغيره ومنتهى السؤال لابن الحاجب والمحصول للإمام والغاية للنووي ولغيره والحاصل مختصر المحصول والمستصفى للغزالي ولغيره تم ذلك. ذو الوزارتين لسان الدين بن الخطيب: ولما رأت عزمي حثيثاً على السرى ... وقد رابها صبري على موقف البين أتت بصحاح الجوهري عيونها ... فعارضت من دمعي بمختصر العين ولما أنشدتهما لشيخنا العلامة أقضى القضاة بدر الدين الدماميني أسبغ الله ظلاله أنشدني ولم يسم قائله: في نصف الاستذكار أعطيته ... مختصر العين فأرضاه قلت هما لابن شعيب المغربي والأول منهما: وبائع للكتب يبتاعها ... بأرخص السعر وأغلاه مأمون بن مأمون خوارزم سمع يقول همني كتاب أنظر فيه وحبيب أنظر إليه وكريم أنظر إليه. نادرة: مر العلم بين الصاحب بن شكر المعروف بالأجوبة على بعض الأكابر من المصريين ومعه كتاب مجلد فقال له شيخ العلم أرني أنظر في كتابك هذا فقال لم يكن الذي كفروا من أهل الكتاب. استعار الصدر تاج الدين أحمد بن سعيد بن الأثير الكاتب مجموعا من مجاهد الدين ابن شقير وأطال مطله فاتفق أن حضر يوما إلى ديوان المكاتبات فقال ابن الأثير: كيف أنت يا مجاهد الدين والله قلبي وخاطري عليك، فقال وأنا والله مجموعي عندك فطرب لهما الحاضرون. قال الفضل كل كراسة لا يخرم أنفها ولا يكون الجلد دفها عرضة للضياع وما مكانها من الخزانة إلا مسترق الوادع الصفدي: ملكت كتابا أخلق الدهر جلده ... وما أحد في دهر بمخلد إذا نظرت كتبي الجديدة جلده ... يقولون لا تهلك أسى وتجلد كتب سيدي وأخي القاضي شهاب الدين بن حجر سامحه الله على جزأي تذكرتي التي سميتها ثمرات الأوراق: نظرت لما سطرته من مجامع ... لها الفضل إذا راقت محاسنها تعزى وقد لذ منها ما كتبت بخاطري ... ولم يكف طرفي منه جزء ولا أجزا ابن نباتة: رب مليح رأى كتابا ... فقال ما هذا المبيح عندك فقلت في الحال يا كتابي ... غياب وإلا سلخت جلدك ووجدت على ظهر كتاب هذا البيت: وما الكتب إلا كالضيوف وحقها ... بأن تتلقى بالقبول وأن تقرى ابن الوردي وكتبها على كتاب الشمائل للترمذي: يا أشرف مرسل كريم ... ما ألطف هذه الشمائل من يستمع لفظها تراه ... كالغصن مع النسيم مائل 42 في الخيل والدواب ونفعهاز.. الباب الثاني والأربعون في الخيل والدواب ونفعها قيل: أول من اتخذ الخيل وركبها إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وكان داود وسليمان عليهما السلام يحبان الخيل وورث سليمان عن أبيه أل فرس، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم فرس يقال له السكب. نادرة: كانت مغنية عند رجل فلما أرادت الانصراف قال اسرجوا لها الأشهب فقالت لا أريده هو يمشي إلى خلف قال لها فحولى ذنبه إلى ناحية بيتكم.

القول في طبائع الفرس: وإنما بدأت به لأته قريب من الاعتدال الخالص وأحسن ذوات الأربع صورة وأفضل من سائرها وأشبهها بالإنسان لما يوجد فيه من الكرم وشرف النفس وعلو الهمة وتزعم العرب أنه كان وحشياً وأول من ذلل صعبه وركبه إسماعيل عليه السلام وهو جنسان عتيق وهو المسمى فرسا وهجسن وهو المسمى برذونا والفرق بينهما أن عظم البرذون أحسن من عظم الفرس وعظم الفري أصلب وأثقل من عظم البرذون والبرذون أحمل من الفرس والفرس أسرع من البرذون والعتيقى بمنزلة الغزال والبرذون بمنزلة الشاة ولكل واحد منهما نفس تليق به وآلات مناسبة له وفي طبع الفرس الزهو والخيلاء والعجب والسرور بنفسه والمحبة لصاحبه ومن أخلاقه الدالة على كرمه شرف نفسه ومن شرفها أنه لا يأكل بقية عليق غيره وعلو همته كما حكى المؤرخون أن أشقر مروان كان سائسه لا يدخل عليه إلا بأذن يحرك له المخلاة فإن حجم دخل وأن دخل ولم يحمحم شد عليه وناهيك بهذا الخلق في علو الهمة والأنثى من الخيل ذات شبق شديد ولشدة شبقها تطيع الفحل من غير نوعها ويقال إنه متى اشتد شبقها وقص من عرفها سكن عنها والذكر يشتد به الشبق ويزيد حتى يؤثر أن يأتي لفرط شهوته وقصور آلته عن الوفاء بتسكين ما يجد وربما اقتتل الفحلان بسبب الأنثى حتى تكون لمن يغلب منهما ويقال إن الإناث تمتلئ في أوان السفاد ريحل وإذا أصابتها هذه الآفة ركض بها ركضاً شديداً متتابعاً، ولا يؤخذ بها إلى الشرق ولا إلى الغرب بل إلى الشمال والجنوب حتى يخرج من أرحامها بشيء كما يخرج عند ولادتها وهي في زمان السفاد تطأطىء برءوسها وتحرك أذنابها ويسيل من قبلها شيء يشبه المنى غير أنه رقيق وإذا تودقت الرمكة فأفرطت وكان بها هزال أو ضعف من علة ولم يكن أن تبرأ علتها لتلك أنزى عليها بغل لأته لا يلحقها وهو يبلغ أقصى شفائها وغاية شهوتها بالذي معه من الطول والغلظ فيسكن ذاك عنها، والذكر يكون مع ثلاث أناث وأكثر وإذا دنا آخر من الأنثى التي اختارها قاتلة وطرده والطمث يعرض للإناث لكنه أقل من طمث النساء والذكر ينزو إذا تمت له سنتان وكذلك الإناث والإناث تحمل أحذ عشر شهراً وتضع في الثاني عشر وهي تضع ولداً واحداً وربما وضعت في النادر والذكر ينزو إلى إتمام أربعين سنة ورما عمر إلى تسعين سنة والأنثى تأنف من نزو الحمار عليها فإذا أريد ذلك منها أخذت بعرفها فتذل وتستكين وكذلك الفحل يأنف أن ينزو على أخته وعلى أمه ولقد حكى أنه أريد أن يحمل على رمكة ولد لها يريدون بذلك العتق فأنف فلما سترت بثوب نزا عليها فلما رفع الثواب ورآها من محضر ألقى نفسه في بعض الأدوية فهلك، والخيل قد ترى الأحلام وتحتلم كبنى آدم وذلك لفرط الشهوة فيها ومتى ض لت الأنثى أو هلكت وكان لها فلو أرضعته الإناث وربتها وإذا لم يكن فيها ما يرضع عطف عليه العواقر وتعاهدنه ولكنه يهلك إذ ليس فيها لبن وربما ضل الفلو عن أمه فرضع من غيرها فإذا فعل ذلك ماتت أنه، ويعترى الفرس داء شبيه بالكلب وعلامته استرخا أذنيه إلى ناحية عرفه وامتناعه من العلف وليس لهذا الداء علاج إلا السكين، وفي طبع الفرس أنه لا يشرب الماء إلا كدرا حتى أنه يرد الماء وهو صاف فيضرب بيده حتى يكدره ويبين عكره وربما ورد الماء الصافي وهو عطشان فيرى فيه خيالاً له ولغيره فيتحاماه ويأباه وذلك لفزعه مما يراه ويوصف بحدة البصر حتى أن بعض المغالين فيه يقول لو أجرى فرس من شوط بعيد في يوم ضباب واعترضت بين يديه شعره لتوقف عندها ولم يتعهدها وفي طبعه أنه إذا وطئ على أثر الذئب حذرت قوائمه حتى لا يكاد يتحرك وخرج الدخان من جلده وإذا وطئته الحامل منها أزلفت. فصل: والعلامات الجامعة للنجابة في الفرس ما ذكره أيوب بن الفرية وقد سأله الحجاج عن صفة الجواد من الخيل فقال: القصير الثلاث الصافي الثلاث الطويل الثلاث الرحيب الثلاث، فقال صفهن فقال: أنا الثلاث الصافية فالعينان والأديم والحوافر، وأما الثلاث القصار: فالعسيب والساق والظهر، وأما الثلاث الطوال: فالأنف والعنق والذراع، وأما الثلاث الرحبة: فالجوف والمنخر والجبهة. 42 في الخيل والدواب ونفعها ... ومما قيل فيه قول عيد الجبار بن حمديس الصقلي: ومجرد في الأرض ذيل عسيبه ... حمل الزبرجد منه جسم عقيق

يجري فلمع البرق في آثاره ... من كثرة الكبوات غير مفيق ويكاد يجرى سرعة من ظله ... لو كان يرغب في فراق رفيق القول الشائع في طبائع البغل قال أصحاب الكلام البغل حيوان مركب من الفرس والحمار ومتولد من فساد منيهما ولما كان ممتزجاً بينهما صار له صلابة الحمار وعظم آلات الخيل وكذا سحيحه مولد بين نهيق الحمار وصهيل الفرس، وقال الجاحظ: الغل يخرج بين حيوانين يلدان مثلهما ويعيش نتاجهما ويبقى بقاءهما وهو لا ييش له ولد وليس بعقيم ولا يبقى للبغلة ولد وليست بعاقر وهو أطول عمراً من أبويه وأصبر على الأفعال من طرفيه كابن المذكرة من النساء والمؤنث من الرجال فإنه يكون نتاجمهما أخبث من البغل وأفسد أعراقاً من السبع وأكثر عيوباً من الثعبان وشر الطباع ما تجاذبته الأعراق المتضادة والأخلاق المتعادية والعناصر المتباعدة ويقال إن أول من أنتجها قارون وقيل أفريدون ومن أخلاقه الألف لكل دابة ويذكر بالهداية في كل طريق يسلكه مرة واحدة ويقول أصحاب الكلام في الطبائع أن أبوال إناث الأبغال تنقية لأجسادنا كما تنقى النساء بدم الطمث. محائل النجابة في هذا النوع: قال بعضهم إذا اشتريت بغلة فاشترها طويلة العنق تجده في نجابتها مشرقة الهادي تجده في طباعها مجفرة الجوف تجده في صدرها، والأحسن في مدحها قول عبد الرحمن بن أبي ربيعة بن الحرث بن عبد المطل جواباً لصفوان بن عمرو بن الأهتم وقد أنكر عليه ركوب البغل قال: تطأطأت عن خيلاء الخيل وارتفعت عن ذلة العير وخير الأمور أوسطها، ويقال كم في السواحج من أسحج الخدين شهير الحدين شؤمه شؤم العناق ويومه شهر لذوات الأعناق راكبه يركب أبدأ وطياً وتحسبه وهو يمر مر السحاب طياً، والإناث منها أحمد أثراً ولذلك قيل: عليك بالبغلة دون البغل فإنها جامعة للشمل مركب قاض وغمام وعالم وسيد وكهل تصلح للرحل وغير الرحل. وساير عبد الحميد مروان بن محمد الجعدي على بغلة فقال له طالت صحبة هذه الدابة لك فقال يا أمير المؤمنين من بركة الدواب طول صحبتها، فقال صفها فقال: همها أمامها وسوطها زمامها وما ضربت قط إلا ظلماً. القول في طبائع الحمار الأهلي: قال المتكلمون في طبائع الحيوان ليس في الحيوان شيء ينزو في غير نوعه ويلقح ويأتي فيه شبهه إلا في الحمار وهو ينزو إذا مضى له ثلاثون شهراً ولا يولد له قبل أن يتم ثلاث سنين ونصف قالوا وهذا النوع صنفان: صنف عاس حاس وهو يصلح لحمل الأثقال، والآخر لدن دمث أحر وأيبس من نفس الفرس فتراه كثير الشغب والحركة بمنزلة النار المتوقدة التي لا يهدأ اضطرابها فهذا يصلح أن يرفه للركوب في قضاء الأوطار والحاجات وأجود الحمر المصرية وأهلها يعتنون بتربيتها والقيام عليها لما يجدونه من لافراهة وسرعة الحصر والنجابة ويبالغون في أثمانها بحسب فراهيتها حتى بيع منها في بعض السنين حمار بمائة دينار وعشرة دنانير فقد كان صاحبه ويسمع أذان المغرب بالقاهرة فيركب ويسوقه فبلحقها بمصر وبينهما ثلاث أميال، ومن عادة الحمار أنه إذا شم رائحة الأسد رمى بنفسه عليه من شدة خوفه له يريد بذلك الفرار منه قال حبيب بن أوس الطائي في أبيات يخاطب بها عبد الصمد بن المعدل وقد هجاه حيث يقول: أقدمت ويلك من هجوى على خطر ... كالعير يقدم من خوف على الأسد ويوصف بالهداية لأنه لا يضل عن طريق سلكه ولو مرة واحدة ولا يخطئه فإن ضل راكبه هذه إلى طريق وحمله على المحجة وربما غاب عن الموضع الذي كان فيه السنين العديدة فإذا مر بالزقاق الذي فيه الموضع دخله وريما سرق فتكون معرفته للموضع عوناً لصاحبه على معرفة من سرقة، ويوصف بحدة حاسة السمع بحيث أنه ينذر راكبه بما يتوقع خوفه فيحذر منه وإن بعُدَ مثواه، وهذا الحيوان يحسب البرد ويؤذيه أكثر من غيره ولهذا لا يوجد في بلاد موغلة في الشمال وبلاد الصقالبة ويعتريه داء الدماغ كالزكام يعرض له البرد في دماغه ويسيل من منخره بلغم كثير حار فان انحط إلى الرئة مات والطريق العجيب أنه إذا نهق أضر بالكلب حتى يقال أن أ÷ون نهيقه يحدث بالكلب مغساً فلذلك يطول نباحه: طريقتان رأيت ألا أتركهما لأنهما أعجوبتان:

إحداهما: أنى ركبت حماراً من مصر إلى القاهرة فلما كنت في أثناء الطريق حاد بي عن السكة فجهدن أن أرده فلم أطق حتى انتهى إلى جدار بستان فوقف وبال وعاد إلى الطريق وكذا جرى لي مع حمارين آخرين. والأخرى: أنه كان عندنا رجل بمصر يضرب حلقة على حمار قد علمه وكان يجمع له عدة مناديل من المتفرجين عليه ويلقيها على ظهره ويامر بأن يعطي كل منديل لصاحبه فيدور في الحلقة ولا يقف إلا على من له في ظهره منديل فإن أخذه ذهب عنه وإن أخذ غيره لا يذهب ولو ضربه مائة ضربة ويأخذ الخاتم من إصبع الرجل ويسأله عن وزنه ويقول له كم وزن الخاتم فان كان وزنه درهماً مشى خطوة واحدة وان كان درهماً ونصفا مشى خطوة ونصفا وان كان أكثر من ذلك فبحسابه، بينما هو واقف إذ قال له شخص الوالي يسخر 42 في الخيل والدواب ونفعهاز.. الحمير فما تم كلامه إلا وقد ألقى بنفسه على الأرض ونفخ بطنه وقطع نفسه كأنه ميت منذ زمان، ثم قال له بعد ذلك ما بقيت سخرة فنهض قائماً ذكر صاحب المباهج. ما قي فيه من الأوصاف: قال أبو العيناء لبعض سماسرة الحمير: اشتر لي حماراً لا بالطويل اللاحق ولا بالقصير اللاصق إن خلا الطريق تدفق وإن كثر الزحام توفق لا يصادم بي السواري ولا يدخل بي تحت البواري إن أكثرت علفه شكر وإن أقللته صبر وإن ركبته هام وإن ركبه غيري نام فقال له: إن مسخ الله بعض قضاتنا حماراً أصبت حاجتك وإلا فليست موجودة. شيب بن شبة لقيت خالد بن صفوان على حمار فقلت له: يا صفوان أين أنت عن الخيل؟ فقال تلك للطلب والهرب ولست طالباً ولا هارباً، قلت فأين أنت عن البغال؟ فقال تلك للإنزال والأثقال ولست ذا نزل ولا ثقل، قلت فأين أنت عن البراذين؟ قال تلك للمعدين والمسرعين ولست معداً ولا مسرعاً، قلت فما تصنع بحمارك؟ قال أدب عليه دبيباً وأقرب عليه تقريباً وأزور إذا شئت عليه حبيباً، ثم لقيته بعد ذلك على فرس فقلت له يا صفوان ما فعلي بالحمار؟ قال بئس الدابة إن أرسلته ولى وإن استوقفته أدلى قليل القوة كثير الروث بطئ عن الغارة سريع إلى الغرارة لا ينكح به النسا لا ترقى به الدما. ويروي أن سليمان بن علي رآه على حمار فقال له زين الخيل يا أبا صفوان فقال الخيل للجمال والبغال للأثقال والإبل للأحمال والحمير للإمهال، وقال جرير بن عبد الحميد لا تركب الحمار فإنه إن كان حديداً أتعب بدنك وإن كان بليداً أتعب رجليك. ومما قيل فيه قول أحمد بن أبي طاهر: شية كأن الشمس فيها أشرق ... وأضاء فيها البدر عند تمامه و: انه من تحت راكبه إذا ... ما لاح برق لاح تحت غمامه ظهر كمجرى الماء لين ركوبه ... في حالتي أتعابه وحمتمه سفهت يداه على الثرى فتلاعبت ... في حزنه وسهوله وأكمامه عن حافر كالصخر إلا أنه ... أقوى وأصلب منه في استحكامه ما الخيزران إذا انثنت أعطافه ... في لين معطفه ولين عظامه فكأنه بالريح منتقل وما ... جرت الرياح كجريه ودوامه أخذ المحاسن آمناً من عيبه ... وحوى الكمال مبرأ من ذامه الجزار يصفه بالبلادة والعجز: هذا حماري في الحمير حمار ... في كل خطوة كبوة وعثار قنطارين تبن في حشاه شعيرة ... وشعيرة في ظهره قنطار القول في طبائع الإبل: وهذا النوع ثلاثة أصناف: عرابي ويمنى ونجيبي فاليمنى هو النجيب ويتنزل منها منزلة العتيق من الخيل والعرابي كالبرذون والنجيبي كالبغل ويقال النجيب ضأن الإبل وهي متولدة من فاسد منى العرابي فقط فان منى النجب منجب فكأنه حصل له نصف البغل فأما النجيب فزعم من حكى عن الجاحظ قوله: إن في الإبل ما هو وحشي وأنه يسكن أرض وبار وهي غير مسكونة وقالوا ربما بدا الجمل في الهياج فيحمله ما يعرض له على أن يأتي أرض عمان فيضرب في أذني ما هجمه من الإبل فالمهرية من ذلك النتاج وتسمى الإبل الوحشية الحوس ويقولون إنها بقايا إبل عاد وثمود ومن أهلكه الله تعالى من العرب العارية والمهرية منسوية إلى مهرة قبيلة باليمن وهي لا يعد لها شيء في سرعة عدوها يعلفونها بسمك يصاد في بحر عمان يصاد ويقدَّد، وأما النجيب فمنها ما يرهون مثل البراذين ومنها ما يجمز جمزاً ويرقل ارقالاً والجمز في الإبل كالخبب في الخيل.

وحكى أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل إن أول من ريضت له الإبل على الحمر أم جعفر زبيدة بن أبي جعفر المنصور لما حجت، وقال الجاحظ إذا ضربت الفواتح في العرب جاءت بالجوامر والنجب الكريمة وفي البخت ما له سنامان في ظهره كالسراج ولبعضها سنامان في عرض ظهرها أحدهما في ذات اليمين والآخر في ذات الشمال وتسمى الخراسانية، وقد يشق عن سنام البعير ويكشط جلده ثم يجتث من أصله ويعاد على موضعه الجلد فيلتحم عليه ويؤخذ السنام فيؤكل كما يفعل بعض الناس ذلك بالكباش إذا عظمت إلياها وعجزت عن النهوض فيقطعونها، ويقول أصحاب السير لطبائع الحيوان: إنه ليس لشيء من الفحول مثل ما للجمل عند الهياج من الإرباد وسوء الخلق وهجران المرعى وترك الماء حتى ينضم ابطاه ويتمم رأسه ويكون كذلك الأيام الكثيرة وهو في هذا الوقت لا يدع إنساناً ولا جملاً يدنو منه ولو حمل على ظهره حينئذ، مع امتناعه شهراً من الطعام ثلاثة أضعاف حمله لحمله وهو لا ينزو إلا مرة واحدة يقيم فيها لانهار أجمع ينزل فيها مراراً كثيرة يجيء منها ولد واحد ويخلو في البراري حالة النزو ولا يدنو منه غير راعية الملازم وذكره صلب جداً لأنه من عصب، والأنثى تحمل أثنى عشر شهراً وتلقح إذا مضى عليها ثلاث سنين وكذلك الذكر ينزو في هذه المدة ولا ينزو عليها إلا بعد أن تضع بسنة وفيه من كرم الطباع أنه لا ينزو على أمهاته ولا أخواته ومتى حمل على أن يفعل حقد على من ألزمه ذلك إلى أن يقتله. وحكى أن جملاً احتيل عليه بتغيير صورة أمه حتى نزا عليها ثم عرفها عند فراغه فألقى نفسه من شاهق حتى مات وليس في الحيوان من يحقد حقده وأنه يترصد من حقد عليه الفرصة والخلوة لينتقم منه فإذا أصاب ذلك لم يبق عليه، وفي طبعه الاهتداء إلى الطريق التي اعتاد سلوكها لا يضل فيها ليلاً ولا نهاراً والعرب تضرب به المثل في ذلك فيقولون أهدى من جمل، والغيرة والصولة والصبر على الحمل الثقيل وعن الماء الزمن الطويل الخنسة أيام والستة والعشرة إذا كان الزمان ربيعاً، والعرب تسمى الأيام التي ترد فيها الإبل الخمس والسدس والسبع والثمن والتسع والعشر وكلها بالكسر ويقال إن البعير إذا صعب وخافته رعاته استعانوا عليه فتركوه وعقلوه حتى يلومه فحل آخر فإذا فعل به ذلك ذل والإبل تميل إلى شرب الماء الكدر الغليظ وهو الماء النمير فهي أبداً إذا وردت مياه الأنهار حركتها بأرجلها حتى تتكدر وهي عشاق الشمس فلهذا ترى أبداً تصوب إليها في أي جهة كانت من المشرق أو المغرب. ومن عجيب ما ذهبت إله العرب في الإبل إذا كثرت فبلغت الألف فقئوا عين الفحل فإن زادت على الألف فقئوا عينه الأخرى ويزعمون أن ذلك يطرد العين عنها، ومما قيل فيها قول بعضهم لم تخلق نعم خير من الإبل إن حملت أثقلت وإن سارت أبعدت وإن حلبت أروت وإن نحرت أشبعت. الشيخ عز الدين الموصلي في حادي: حاد لنا كالشادن الربيب ... لحظته بالمنظر المريب فقال في السكرة عند نومه ... يا رب سلمها من الدبيب وعلى ذكر الحادي قال الشيخ شمس الدين بن الصائغ أحسن ما سمعته من الحداة يحدون به جمالهم في طريق الحجاز قولهم: يا خودان طال المدى تنسيني ... ينسى الذي ينساك نوم العين وآخر يقول: كم ليلة سهرتها لم أرقد ... إلا رقاداً كرقاد الأرمد القاضي الفاضل في وصف الخيل: جنائب في بحر العجاج سفائن ... فان حرَّكت للركض فهي جنائبه وقد خفقت راياته فكأنها ... أنامل في عمر العدو تحاسبه وله من قصيدة: لها غرر يستضحك النصر وجهها ... فتقم منها العين معنى البشائر وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بطونها كنز وظهروها حرز وأصحابها معونون عليها".

صفة جياد الخيل: سأل معاوية من صعصعة بن صوجان أي الخيل أفضل؟ فقال الطويل الثلاث، القصير الثلاث، العريض الثلاث، الصافي الثلاث، فقال فسر لنا قال أما الطويل الثلاث: فالأذن والعنق والحزام وأما القصير الثلاث: فالصلب والعسيب والقضيب وأما لعريض الثلاث: فالجبهة والنحر والورك وأما الصافي الثلاث: فالأديم والعين والحافر، كان محمد ابن السائب الكلبي يحدِّث إن الصافنات الجياد المعروضة على سليمان بن داود كانت ألف فرس ورثها عن أبيه فلما عرضت عليه ألهته عن صلاة العصر حتى توارت الشمس بالحجاب فعرقبها إلا فرسا لم تعرض عيه فوفد عليه قوم من الازد وكانوا أصهارهفلما فغوا من حوائجهم قالوا: يا نبي الله إن أرضنا شاسعة فزوِّدنا زادا يبلغانا فأعطاهم فرسان تلك الخيل، وقال فإذا نزلتم منزلاً فاحملوا عليه غلاما واحتطبوا فإنكم لا ترون ناركم حتى يأتيكم بطعام فساروا بالفرس فكانوا لا ينزلون منزلاً إلا ركبه أحدهم للقنص ولا يفلت شيء تقع عينه عليه من ظبي أو بقرة أو حمارة إلى أن قدموا بلدهم فقالوا ما لفرسنا هذا اسم إلا زاد الراكب فيموه زاد الراكب فأصل فحول العرب من نتاجه، وطلب البحتري الشاعر من سعيد بن حميد الكاتب فرسا فوصف له أنواعاً من الخيل في شعره فقال: لأكلفن العيس أبعد همة ... يجري إليها خائف أو مرتجى وإلى سراة بني حميد أنهم ... أمسوا كواكب أشرقت في مدحج والبيت لولا أن فيه فضيلة ... تعلو البيوت بفضله لم يحجج فأعن على غزو العدو بمنطو ... أحشاؤه طىٌّ الرشا المتدرج أما بأشقر ساطع أغشى الوغى ... بمثل الكوكب المتأجج متسربل شية طلت أعطافه ... بدم فما تلقاه غير مضرج أو أدهم صافي الأديم كأنه ... تحت الكمىِّ مطهر بالنبرج صرم يهيج السوط من شؤبوبه ... هيج الجنائب من حريق العرفج خفقت مواطئ وقعه فكلونه ... يجري برملة عالج لم يرمج أو أشهب يقق يضيء وراءه ... متن كمتن اللجة المترجرج يخفى الحجول ولو بلغن لبانة ... في أبيض متألق كالدملج أوفى بعرف أسود متعرف ... فيما يليه وحافر فيروزجي 42 في الخيل والدواب ونفعها ... 507 أو أبلق يملأ العيون إذا بدا ... من كل لون معجب بنموذج جذلان تحسده الجياد إذا مشى ... عنقا بأحسن حيلة لم تنسج وعريض أعلا المتن لو عليته ... بالزيبق المنهال لم يتدحرج خاضت قوائمه القويم بناؤها ... أمواج بجنيب بهن مدرج ولانت أبعد في السماحة همة ... من أن يضن بملجم أو مسرج نادرة: ذكرها أبو حيان التوحيدي في الامتناع والمؤانسة قال الأصمعي مر اعرابي على قوم وهم علة ماء لهم فقال: من رأى جملاً أحمر بعنقة غلاظ وفي أنفه خزامة يتبعه بكرتان سمراوان عهد العاهد به عند البئر؟ فجعل القوم يقولون حفظ الله علينا وجمع عليك لا والله ما أحسسنا وجويرية على حوض لها تمدر وهي تقول لا جمع الله عليك يافاسق فقالوا ما تريدين من الرجل، قالت إنما ينشد سوأتيه قال فتبعته فقلت له يا هذا ما تنشد قال ايرى وخصيتي. نادرة: اشترى رجل من رجل برذونا فقال له المشتري سألتك بالله هل فيه عيب قال لا إلا أن فيه قليل مشش كأنه سفرجلة وقليل جرد كأنه قناية وكليل دبر كأنه بطيخة، فقال له المشتري يا بن الفاعلة جئنا نشتري منك برذونا أو بستاناً. قال المدائني كان ابن أبي هريرة يساير سنان بن مكمل النميري فتقدمت بغلة النميري ابن هريرة فقال غض من بغلتك فالتفت إليه النميري وقال أصلح الله الأمير إنها مكتوبة وإنما أراد ابن هريرة قول الشاعر: فغض الطرف إنك من نمير ... فلاكعبا بلغت ولا كلابا وأراد النميري قول سالم بن دارة من بني فزازة: لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك وأكتبها باسبار

وكتب الوهراني على لسان بغلته إلى الأمير عز الدين موسك المملوكة ريحانة بغلة الوهراني يقبل الأرض بين يدي الأمير عز الدين حسام أمير المؤمنين نجاه الله من حر السعير وعطر بذكره قوافل العير ورزقه من القرظ والتبن والشعير وسق مائة ألف بعير واستجاب فيه مصالح أدعية الجم الغفير من الخيل والبغال والحمير، وننهى إليه ما نقاسيه من مواصلة الصيام وسوء القيام والتعب في الليل والناس نيام، قد أشرفت مملوكته على التلف وصاحبها لا يحتمل الكلف ولا يوافى بالخلف ولا يقول بالعلف لأنه في بيته مثل المسك والعنبر والاطريفل الأكبر أقل من الأمانة في الاقباط والعقل في رأس قاضي سنباط فشعيرة أبعد من الشعري العيور ولا وصول إليه ولا عبور وقراطة أعز من قرط مارية لا يخرجه صدقة ولا هبة ولا عارية والتبن أحب إليه من الابن والجلبان أعز من دهن البان والقصيم بمنزلة الدر النظيم والقضة أجمل من سبائك الفضة وأما القول فمن دونه ألف باب مقفول فما يهون عليه أن يعلف الدواب إلا بعيون الآداب والفقه اللباب والسؤال والجواب وما عند الله من الثواب ومعلوم يا سيدي أن البهائم لا توصف بالحلوم ولا تعيش بسماع العلوم ولا تطرب إلى شعر أبي تمام ولا تعرف الحرث بن همام ولاسيما البغال التي تشتغل في جميع الأشغال شبكة من الفصيل أحب إليها من كتاب التحصيل وقفة من التدريس أشهى إليها من وقفة ابن ادريس لو أكل البغل كتاب المقامات مات وإن لم يجد إلا كتاب الرضاع ضاع وإن قيل له أنت هالك إن لم تأكل موطأ مالك ما قبل ذلك وكذلك الجمل لا يتغذى بشرح أبيات الجمل وحزمة من الكلاء أحب إليه من شعر أبي العلاء وليس عنده طيب شعر أبي الطيب وأما الخيل فلا تطرب إلا لسماع الكيل وإذا أكلت كتاب الذيل ماتت في النهار قبل الليل والويل لها ثم الويل ولا تستغنى الاكاديش عن الحشيش وكل ما في الحماسة من شعر أبي الحريش وإذا أطعمت الحمار شعر ابن عمار حل به الدمار وأصبح منفوخاً كالطبل على باب الاصطبل وبعد هذا كله فقد راح صاحبها إلى العلاف وعرض عليه مسائل الخلاف فطلب من تبنه خمس قفاف فقام إليه بالخفاف يخاطبه بالشعير وفسر عليه آية التعبير وطلب منه ويبة شعير فحمل على عياله ألف بعير فانصرف الشيخ منكسر القلب مغتاظاً من الثلب وهو أنحس من ابن بنت الكلب فالتقت إلى المسكينة وقد سلبه الغيظ ثوب السكينة وقال لها إن شئت أن تكدى فكدى لا ذقت شعيراً ما دمت عندي فبقيت المملوكة حائرة لا قائمة ولا ثائرة فقال لها العلاف لا تجزعي من خباله ولا تلتفتي على سباله ولا تنظري إلى نفقته ولا يكون عندك أخس من عنفقته هذا الأمير عز الدين سيف الأمير المؤمنين عز المجاهدين أندى من الغمام وأمضى من الحسام وأبهى من البدر ليلة التمام يرثى للمحروب ويفرج عن المكروب وهو من بنى أيوب ولا يرد قائلاً ولا يخيب سائلاً فلما سمعت المملوكة هذا الكلام جذبت الزمام ورفضت الغلام وقطعت اللجام وشقت الزحام حتى طرحت خدها على الأقدام ورأيك العالي والسلام.

ذكر القاضي الرشيد بن الزبير في كتابه العجائب والظرف أنه لما مات أحمد بن طولون ترك في بيت ماله عيناً عشرة آلاف دينار وفي حاصله ألفي ألف وسبعمائة ألف درهم سوى ما كان مودعاً عند حميد الطويل وهو ألف دينار سوى ما حمل إلى المعتمد في أربع سنين أولهن اثنين وستين ومائتين ما نفذت به الفاتج لم يظهر بعضه وهو ألفا ألف ومائتا ألف دينار، وكان له أربعة وعشرين ألف غلام مملوكاً، وخمسة وعشرون ألف أسود، وتطبق جريدته على سبعة آلاف حر مسترزق، وخلف من الخيل الميدانية سبة آلاف رأس وثلثمئة وثلاثين رأساً، ومن البغال ستمائة بغل، ومن الجمال ألفين ومائة جمل، ومائة مركب حربية، ومن الدواب المركوب مائة ألف وثلاثين دابة وكان خراج مصر في السنة التي مات فيها أربعة آلاف ألف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار مع ما يضاف إليها من ضياع الأمراء بالحضرة وأنفق على الجامع مائة وعشرين ألف دينار وعلى البيمارستان ومستغله ستين ألف دينار وأنشأ في سنة تسع وخمسين ومائتين وحبس عليه سوق الرقيق وغيره ولم يكن قبل بمصر بيمارستان وكان قد شرط ألا يعالج فيه جندى ولا مملوك وكان يباشره ويشارفه بنفسه ويركب إليه في كل أسبوع مرة وانفق على عين المصنع ببركة الجيش مائة وأربعة وأربعين ألف دينار وعلى شرر الجزيرة ثمانين ألف دينار ولم يتممه وعلى الميدان مائة ألف دينار وخمسين ألفاً وكانت صدقاته في كل شهر ثلاثة آلاف ينار ورسم مطبخه في كل يوم مائة وعشرون ديناراً ومات في سنة سبعين ومائتين وخلف سبعة عشر ولداً ذكراً ومن الإناث سبعة عشر أنثى. فائدة جليلة: قال ابن عباس رضي الله عنه: من هرب من عدو أو خاف فكتب بسوطه بين أذني دابته لا تخاف دركاً ولا تخشى أمنه الله من خوفه وحال بينه وبين عدوه. قال الشيخ صلاح الدين الصفدي في كتابه غيث الأدب ويحكى أن بعض الرؤساء قال لشهاب الدين القوصي أنت عندنا مثل الأب وشدَّد الباء فقال لا جرم أنكم تأكلوني وأقول لا يخفى ما في هذا التنذير من اللطف لأن الأب مشدد الباء هو المرعى، قال بعضهم هو للدواب بمنزلة الخبز الذي للأناسي ومن يشدد الباء من الأب الذي هو الوالد ما يكون إلا دابة، قال الشيخ بدر الدين الدماميني رحمه الله تعالى راداً عليه قصد الصفدي بهذا الكلام الرد على من شدد باء الأب المراد به الوالد وفيه دليل على قصوره فان الامام جمال الدين بن مالك نص في التسهيل على ذلك ثال في أوائله: وقد تشدد نون هن وبا أب وخا أخ وحكى في الشرح عن الأزهر أن تلك لغة كوفية ويقال استأببت فلاناً بباءين أي اتخذته أبا وإذا كان كذلك فلا وجه الإنكار على الرئيس الذي شدد الباء من أب. قلت: ولو قال القوصي في جوابه لا جرم أنكم ترعوني لكان ألطف في التنذير وأحسن موقعاً مما قاله والله أعلم انتهى كلام أقضى القضاة بدر الدين المخزومي. الشيخ جمال الدين الزملكاني: وفي حلبة الخد من أدمعي ... خيول تجول زولا تركب فسبق الكميت بها بين ... ولكن تقدمه الأشهب وعلى ذكر البغال: ذكرت قول شمس الدين الضفدع الخياط في وقعة القاضي شهاب الدين محمد بن المجد عبد الله الاربلي الدمشقي الشافعي الذي مات فيها: بغلة قاضينا إذا زلزلت ... كانت له من فوقها الواقعة تكاثر ألهاء من عجبه ... حتى غدا ملقى على القارعة وأظهرت زوجته عندها ... ضايقة بالرحمة الواسعة أبو الحسين الجزار وقد رآه بعضهم ماشياً عقيب موت حماره: كم من جهول رآني ... أمشي لا أطلب رزقاً وقال لي صرت تمشي ... وكلماش ملقى فقلت مات حماري ... تعيش أنت وتبقى المعمار: إن ابن الأطروش حوى رتبة ... باع بها الجنة والنار تنصرت بغلته تحته ... وأصبحت تمشي بزنار ابن دانيال مضمنا: ولقد ركبت من الحمير مكمداً ... مكرا بطيا للحران مصاحبا رجلاي في جنبه منذ ركبته ... لن يفترا فغذوت أمشي راكبا ابن نباتة: أصبحت يا سيدي ويا سندي ... أقص في أمر بغلتي القصصا بالأمس كانت لفرط سرعتها ... طيراً وفي اليوم أصبحت قفصاً الحلى مضمناً: رأى فرس اصطبل عيسى فقال لي ... قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل به لم أذق طعم الشعير كأنني ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل

تقعقع من برد الشتا أضالعي ... لما نسجتها من جنوب وشمأل إذا سمع السواس صوت تحتمى ... يقولون لا تهلك أسى وتجمل أعول في وقت العلوق عليهم ... وهل عند رسم دارس من معوِّل حتى أن العماد الكاتب قال للقاضي الفاضل: سر فلا كبا بك الفرس، فقال له دام علا العماد. ولبعض أهل عصره أعنى الحسين الجزار: مات حمار الأديب قلت لهم ... مضى وقد فات منه ما فاتا من مات في عزه استراح ومن ... خلف مثل الأديب ما ماتا وقال شرف الدين البوصيري ناظم البردة فيه: فلا تيأسن لهذا الأديب ... عليه فللموت ما يولد إذا عشت أنت لنا بعده ... كفانا وجودك ما نفقد قال الشيخ فتح الدين بن سيد الناس كان للشيخ شرف الدين البوصيري حمارة استعارها منه ناظر الشرقية فأعجبته وسير له ثمنها مائتي درهم فكتب على لسانها إلى الناظر المذكور المملوكة حمارة البوصيري: يأيها المولى الذي أنبتت ... أخلاقه بأنه الفاضل ما كان ظني أن يبيعونني ... قط ولكن صاحبي جاهل لو جرصوه على من سفه ... لقلت غيظاً عليه يستاهل وبعد هذا فما يحل لكم ... لأنني من سيدي حامل فردها الناظر ولم يأخذ الدراهم منه، لناصر الدين بن النقيب: نفقت لي رأساً من الخيل كانت ... تسبق البرق والرياح الزعازع وابتلي الله في المشاعر أخرى ... بشقاق لها عن المشي مانع فإذا قيل كم بقى لك رأس ... قلت رأس بغير كوارع وللشيخ جمال الدين بن نباته وأفحش في السرقة في فرس له ثمل الأربعة: يقول لي صاحب وفيٌّ ... والخيل تحت الورى تسارع كم لك في ذا الزمان رأس ... فقلت رأس بلا كوارع لبن دانيال: قد كمل الله برذوني بمنقصة ... وشأنه بعدما أعماه بالعرج أسير مثل أسير وهو يعرج بي ... كأنه ماشياً ينحط من درج فإن رماني على ما فيه من عرج ... فما عليه إذا ما مت من حرج صلاح الدين الصفدي فيمن وعده ببغل: طلبت البغل منك فقلت إني ... أسيره وما كذب الكلام نعم أتعبته ركضاً ولما ... أتى الإسطبل سيره الغلام قال الشيخ صلاح الدين الصفدي أنشدني لنفسه المولى جمال الدين محمد بن نباتة بددمشق المحروسة سنة تسع وعشرين وسبعمائة: ورد العرب منسوب ولا قطعت ... أيدي الحوادث من أنشأئه شجره إذا امتطى ظهره رامى السهام مضى ... واليهم حذوا فولا سبقه عقره عجبت كيف يسمى سابحا وله ... وثب لو البحر أمسى دونه ظفره كأنه في هضاب الحسن صاعدة ... أولاً فصاعقة في الحسن منحدره لما ترفع عن ندٍّ يسابقه ... أضحى يسابق في ميدانه نظره قال صلاح الدين وأنشدني من لفظة لنفسه المولى جمال الدين يوسف بن سليمان بن أبي الحسن الصوفي بدمشق في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة وهو: وأدهم اللون فات البرق وانتظره ... فغارت الريح حتى غيبت أثره فواضع رجله حيث انتهت يده ... وواضع يده أنى رمى بصره شهم تراه يحاكى السهم منطلقاً ... وماله غرض مستوقف خبره يعفر الوحش في البيداء فارسه ... وينثني وادعا إذ يستتر غيره شرف الدين أحمد الحلاوى وأجاد: جاء غلامي وشكا ... أمر كميتي وبكى وقال لي لا شك بر ... ذونك قد تشكى قد سقته اليوم فما ... مشى ولا تحركا فقلت من غيظي له ... مجاوباً لما حكى أين الحلاوى أنا ... فلا تكن معلكاً لو أنه مسير ... لما غدامشبكا ابن نباتة: وأدهم اللون حندسي ... في جريه للورى عجائب يقصر سعى الرياح عنه ... فكلها خلفه جنائب ابن سعيد المغربي في فرس أغر أصفر: وعسجديّ اللون أعددته ... لساعة تظلم أنوارها كأنه في رهج شمعة ... مصفرة غريبة نارها وله في أدهم أغر: وقد أغتدى والليل قد سل صبحه ... بليل بجلباب الصباح ملثما وأحسبه خالة الثريا لحامه ... فصيرها دية إلى الأفق سلما ولابن خفاجة في أشقر أغر: وأشقر يضرم منه الوغى ... بشعلة من شعل الباس

وتطلع الغرة في شقرة ... حبابة تضحك عن كاس النامي: ومصغية كأن الحرب تلقى ... إلى آذانها بشرى الجلود ترى آذانها ألفات سطر ... قياما في صحائف من بنود الارجاني: وحرف يجوب القاع والوهيد والربى ... لحرف مديم الرفع والجر والنصب نجائب يقدحن الحصى كل كليلة ... كأن بأيديها مصابيح للركب ابن سعد في فرس لونانيا أغر أكحل الحليلة: وأجرد تبرى أثرت به الثرى ... وللفجر في خصر الظرم وشاح عجبت له وهو الأصيل بعرفه ... ظلام وبين الناظرين صباح ابن نباتة السعدي في فرس محجل بغرة: وكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه الشيء بالشيء يذكر قال ابن الحجاج في المجون: غضبت صباح وقد رأتني قابضاً ... ايرى فقلت لها مقالة فاجر بالله إلا ما لطمت جبينه ... حتى يصدق فيك قول الشاعر أشار إلى البيت المتقدم الأديب الفاضل الكامل الرحال إبراهيم الساحلي المنبوذ بطويجن مولده بعرفه، ووفاته بعد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة من قصيدة: ذهبوا إلى الهيجا بكل طمرة ... من نسل أعوج أو بنات الأبحر من كل مخضوب الشوى عبل القرى ... عاري النواهق مستدير المحجر ألوى بقادمتي جآجىء أفتخ ... ولوى بسالفتي غزال أعفر وأدار جفنا أشوسيا مبصراً ... ظل الفوارس في الظرم المعكر من أحمر كالورد أو من أصفر ... كالورس أو من أشهب كالعنبر وبكل صهوة أجرد متقطب ... إلا إذ اضحك السنان السمهري لسان الدين بن الخطيب: قال جوادي عندما ... همزت همزاً أعجزه إلى متى تهمزني ... ويل لكل همزه أحمد بن سعيد بن غازي البستي يصف ناقة: حرف كمثل الصاد إلا أنه ... بعد السرى جاءت كحرف النون كالبدر قدره الإله منازلاً ... في الأفق حتى صار كالعرجون ما أحسن قول الشريف العقيلي وإن لم يكن مما نحن فيه: وأدهم من خيول الجووافي ... فثار من الضباب له غبار إذا أبدى صهيل الرعد منه ... لوحش المحل داخله نفار أشبهه ولمع البرق فيه ... بحراق تمشت فيه نار نادرة: ذكرها العلامة شهاب الدين أحمد بن فضل الله في كتابه مسالك الامصار في ترجمة موفق الدين المعروف بالوزن الواعظ الكحال المتطبب أنه كان بالقاع والي من أهل الأدب يعرف بابن درباس واسمه علىّ وكان ينظم الشعر ويتوالى والوزير بدمشق إذ ذاك بدر الدين جعفر بن الامدي وكان يتوالى أيضاً فاتفق أنه ولى عنده بالقاع كاتباً ممن يلم من التسمير من ديوان المطابخ وكان من حديث هؤلاء أنهم سرقوا قنداً كثيراً كان قد حمل من غور الكرك ليطبخ بدمشق للسلطان فبلغ ذلك الملك الظاهر بيبرس فأمر بهم فسمروا وطيف بهم على الجمال إلا هـ1االكاتب فإنه شفع فيه فأطلق بعد أن قدم له الجمل ليسمر فلما استخدمه ابن الآمدي بالبقاع ضيق على ابن درباس فأقام يعمل قريحته فيما يكتبه إلى ابن الآمدي فيم يأت بشيء فسأل الوزن في ذلك فكتب: شكية يا وزير العصر يرفعها ... ما كان يأمل هذا من ولاك على لم يبق في الأرض نختار فتبعثه ... إلا فتى من بقايا وقعة الجمل

فضحك ابن الآمدي وعزله، ومن إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي وينهي وصول ما أنعم به من الخيل التي وجد الخير في نواصيها واعتد حصنها يعتصم من الوغى بصياصيها فمن أشهب غطاه النهار بحلته وأوطأه الليل على أهلته يتوج أديمه ريا ويتأرج رئيا ويقول من استقبله في حلى لجامه هذا الفجر قد أطلع الثريا إن التفت للمضايق انساب انسياب الأيم وان تفجرت المسالك مر مرور الغيم كم أبصر فارسه يوماً أبيض بطلعته وكم عاين طرف الينان مقاتل العدا في ظلام النقع بنور أشعته لا يسير داحس في مضماره ولا تطلع الغبراء في شق غباره ولا يظفر لاحق من لحاقه بسوى آثاره تسابق مداه مرامى طرفه ويدرك شوارد البروق ثانياً عطفه ومن أدهم حالك الأديم حالي الشكيم لق مقلة غانية وسالفة ريم قد ألبسه الليل برده وأطلع بين عينيه سعده يظن من نظر إلى سواد طرته وبياض حجولة وغرته أنه توهم النهار نهراً فخاضه وألقى بين عينيه من رشاش تلك المخاضة ومن أشقر وشاه البرق يلهبه وغشاه الأصيل بذهبه يتوجس ما لديه برقيقتين وينفض وفرتيه عن عقيقتين وينزل عذار لجامه من سالفتيه على شقيقين له من الراح لونها ومن الريح لينها إن جرى فبرق خفق وإن أسرج فهلال على شفق ومن كميت نهد: إن راكبه من مهد عند مي الاهاب شمالي يزل الغلام الخف عن صهواته وكأن نغم الفريض ومعبد في لهواته فسيح قصير المطا إن ركب لصيد قيد الأوابد وأعجل عن الوثوب الوحوش اللوابد ومن حبشي أصفر يروق العين ويشوق القلب بمشابهة العين كأن الشمس ألقت عليه من شعتها جلالاً وكأ، هـ نفر من الدجى فاعبق منع عرفاً واعتلق حجالاً ذو كفل زين سرجه وذيل يسد يرتد منه فرجه قد أطلعته الرياضة على مراد راكبه وفارسه وأغناه نضار لونه ونضارته عن ترصسع قلائده وتوشيع ملابسه له من البرق خفة وطيه وخطفه ومن النسيم طروقه ولطفه يطير بالغمز ويدرك بالرياضة مواضع الرمز ويعد كألف الوصل في استغناء مثلها عن الهمز ومن أخضر حكاه من الروض تفويضه ومن الوشى تقسيمه وتأليفه قد كساه النهار والليل حلتى وقار وسنا واجتمع فيه ممن البياض والسواد ضدان لما استجمعا حسنا ومنحه البارى حلبية وشية ونحلته الرياح ونسماتها قوة ركضة وخفة مشية ومن أبلق ظهره حرم وجريه ضرم إن قصد غاية فوجود القضاء بينه وبينها عدم وأن طرف في حرب فعمله ما يشاء البنان ولاعنان وفعله ما يريد الكف والقدم قد طابق الحسن البديع بين ضدي لونه في جنسه عن الأوصاف وعدل بالرياح عن مباراته سلوكها من الاعتراف له بجادة الانصاف وترقى المملوك إلى رتب العز من ظهروها وأعدها لخطبة الحسان إذ الجياد عليها من أنفس مهورها وكلف بركوبها فلما أكمله عاد وكلما أمله سره فلو أنه زيد الخيل لما زاد ورأى من آدابها ما دل على أنها من أكرم الاصائل وعلم أنها ليومي حربه وسلمه جنة الصائد وجنة الصائل وقابل إحسان مهديها بثنائه ودهائه وأعدها في الجهاد لمقارعة أعداء الله وأعدائه والله تعالى يشكر بره الذي أفرده الندى بمذاهبه وجعل الصافنات الجياد من بعض مواهبه بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى. ومن إنشاء الشيخ محي الدين عبد الظاهر وسير من الخيول الرهاوين كلما هو على الحسن مشتمل ومع سرعته يمشي الهوينا كمشي الشارب الثمل من كل أشقر كأنه النجم السريع لا البطيء وكل أحمر كالشفق وغرته ما يتخلل الشفق من النور المضيء وكل أشهب كلنار وما في هذا من السواد ما بذبك من أواخر الليل وأوائل العشى وكل أصفر حبشي يحسن أن يكون الركاب المقر خادماً وكيف لا وهو الخصى الحبشي ومن البغال كل فارهة الوثبة كارهة ألا تكون دون رتبة الجياد كم قاست بذراعها شقة أرض فعلمت طولها عن عرضها وكم لحقت بمشيها ما تلحقه الجياد بركضها كم حسب راكبها أنه من وطئ ظهرها على فرش مرفوعة وكم بويع لها بالخلافة عن الجرد المطهمة على أنها مخلوعة يشهد بتمام حسنها العقل ويصدقه على ذلك منها صحة النقل ما ضرتها هجنة أمها مع أصالة أبيها وأمها هجينة وما شانها ذلك والله تعالى ساوى بينهما تعالى:"والخيل والبغال والحمير وتركبونها وزينة" تسبق الطرف والطرف، أمها خالها وما هي حرف.

ومن إنشاء الشيخ جمال الدين بن نباتة وأما الخيل المسيرة فقد وجد المملوك لذة أنسها وأوجب على نفسه فروض خمسها واستنهض لشكر محاسنها براعته فسعت ولكن على رأسها واستنزلت له الآمال من صياصيها وحلت منه محل الخير المعقود في نواصيها وأمده بالإسعاف مددها وقبلها عوض أنامله الشريفة لأنها عددها وما هي إلا زهرات أنبتتها سحب كفه الكريمة وعقود من طوق بها جيد العبد فسبح بمدايح نعمها العميمة ومنابر قام عليها خطيباً بمحاسنه التي من كتمها فكأنما كتم من المسك نظيمه فمن أشهب كأنه طلعة نجح أو قطعة صبح أو غرة فما تغرب بأشعته أبدار جنح قد تزينت منه الأوضاع وانقطعت دون غايته الأطماع واعتذرت له الريح فصوب أذنيه للسماع وأصبح لصاحيه نعم العون في يوم السبق والغوث في يوم القراع وكاد يكون من الملائكة فكم له من غبار السبق أجنحة مثنى وثلاث ورباع ما خفيت مصلحة إلا قبضها ولا ادلهمت سحابة تقع إلا أقام بنفسه وبيضها وما حدث عن حس إلا رآه ولا امتطاء عازم إلا حمد عند صباح لونه مسراه تقرب الطلب سفارة عزائمه المسفرة ويختال في الخيل كالنهار فلا جرم أن آيته مبصرة كم ثنى عنانه كبرا عن مسابقة الرياح وأعرض وكم تعب عليه عازم حتى فاز منه بالعيش إلا أنه الأبيض يتلوه أشقر كلمعة برق أو غزالة شرق فسيح الليان رقيق مجرى العنان بروق الأبصار ويدنى الأوطان والأوطار ويسمع بوقع حوافره صم الأحجار يضعف البصر عن اقتفاء ماله من السنن ويعجز عن بلوغ غايته السيل إذا هجم والغيث إذا هتن وتقصر عن شأوة الرياح فعن عذر إذا حثت في وجهها التراب للحزن فكأنما صعد لأشعة النجوم فكسبها أو راهن البرق عن حلته فلبسها وسلبها قرنت حركاته بحسن الاتفاق وحكته في تطلها الشموس عند الاشراق وامتدت كف الثريا تمسح وجهه من غبار السباق يتبعه كميت يسر الناظر ويشوق الخاطر كأنه جذوة نار أو كأس عقار أحلى من الضرب له من نفسه طرب كم خدمه من النصر أعوان وأسكره اسمه تحت راكبه كالنشوان وزاد لونه حتى كأنما هو بهرام وأجله عن ا، أقول بهرمان أسرع الأشياء شوطه وأضيع ما في عدته سوطه بجمع لراكبه ما بين الطرف والجلالة ونحتجب الشمس إذا تصدى لصيد خوفاً من تسميتها بالغزالة كم أرعد صهيله وأبرق وكم لقى منه الموت الأحمر العدو الأزرق قصرت عن معاناته الهمم وأسود ذنبه وعرفه فكأنما لذوب نار جسمه حمم يوسع أهل الحمى برا ويعقد بخنجر نعله أديم الأرض سيراً يقفوه أصفر يسر النظار ويسمو على النظار ويشوق البصائر وربما شق سعيه على الأبصار ويخفق وراءه حتى قلب البرق إذ ذكرهما السبق في مضمار كم أوسع وقعه في ليل السرى من سمر وكم نقش نعله جبل فجاء كما قيل نقش في حجر يطلع بسماء الطلب أهله هو عيدها وإذا امتطاه عازم رأي الأرض تطوى له ويدنو بعيدها كم حسن خبراً وتأثير وأثراً وكم عشا إلى نار سنابكه طارق فأجزل له من قصه القرى كأنما خلع عليه الدهر حلة ذهب وهبته صفرة لونها الراح حين تجلى بالحبب لو أمكن أول فجر لما سمي في زمنه بالسرحان ولو كتب اسمه على مقدمة طليعة قرنها اليمن واليمان بصحبة أدهم كأنما التحف سبجا أو دخل نحن ذيل الدجى تخضع عواصي الذرى لعزته وينشق الصباح غيظاً من تحجيله وغرته كأنما لطمته يد الفجر فخاض في أحشائه وورد نهر المجرة فطارت لجبهته نقطة من مائه فسيح المنتشق متدرع ملابس حب القلوب كم عنت شوامخ الجبال لجلالة وقصرت عنه الخيل حتى لم تسابق إلا ظل أدباره وإقبال وخاف سطوته الليل فحياه بمثل أنجمه وأنعله بهلاله يسر الموالي ويسوء المناصب ويأتي من صباح تحجيله دليل تكوينه بالعجائب وتكبو الريح دون شأوه فكلما من خلفه جنائب الموالي ويسوء المناصب ويأتي من صباح تحجيله وليل تكوينه بالعجائب وتكبو الريح دون شأوه فكلما من خلفه جنائب ولا برح سيدنا يجيد القول ويجود في العمل ويتطول من خفى كرمه ومفيد كلمه بما لا تترقى إليه همة أمل إن شاء الله تعالى تم ذلك. وقال مجير الدين بن تميم مضمناً: بعثت عندي جواداً لا حراك به ... يكاد من همزه بالركض ينخرم فلا يغرنك منه سنه غلظاً ... إن الجواد على علاته هرم ابن النبيه من قصيدة: فهي مثل القسى شكلاً ولكن ... هي في السبق أسهم لا محالة تركتها الحداة في الخفض والرف ... ع حروفاً في جرها عمالة

علاء الدين ابن أبيك من قصيدة: له خطبة الخيل العتاق كأنها ... نشاوى تطلب العزف والقصا عرائس أغنتها الحجول عن الحلي ... فلم تبلغ خخالاً ولا التمست وقفاً فمن يقق كالطرس تحسب أنه ... وإن جردوه في ملاءته التفا وأبلق أعطى الليل نصف أهابه ... وغار عليه الصبح فاحتبس النصفا وورد تغشى جلده شفق الدجى ... فمذ حازه دلى له الذيل والعرفا وأشقر مج الراح صرف أديمه ... وأصفر لم يسمح بها جلده صرفاً وأشهب فضي الأنام مدثر ... عليه خطوط غير مفهمة حرفاً كما خطر الزاهي بمهرق كاتب ... فجر عليه ذيله وهو ما جفا تهب على الأعداء منها عواصف ... لتنسف أرض المشركين بها نسفاً سرى كل طرف كالغزال فتمترى ... أطيبا ترى تحت العجاجة ا, طرفاً وقد كان في البيداء يألف سربه ... فرتبته مهر وتحسبه خشفاً تناوله لفظ الجواد لأنه ... متى ما أردت الجرى أعطاكه ضعفاً ابن خفاجة: ولم أر إلا غرة فوق شقرة ... فقلت حباب يستدير على خمر نادرة: وقف إعرابي على أبي عبيدة فقال له ما يعني الشاعر بقوله: ولقد علوت بمشرف يافوخة ... يأتي المجسة ماؤه يتفصد مزج يسيل من المزاج لعابه ... فيكاد جلد أهابه يتقدد حتى علوت به مشق ثنية ... طواراً أغر به وطوراً أنجد فقال يصف فرساً فقال الإعرابي حملك الله عليه: برهان الدين القيراطي في حماره: تراه أولاً في الأكل سبقاً ... وعند السير يأتي في الأخير وكم وضعوا سكرجة بقية ... فما منعته عن صحن الشعير عرض شريح ناقة ليبيعها فجاء إليه رجل من قريش فقال له ياأبا أمية كيف لبنها فقال احلب في أي إناء شئت، قال فكيف الوطأ قال أفرش ونم، قال فكيف قوتها قال احمل على الحائط ما شئت، فاشتراها فلم بحد شيئاً مما وصف فرجع إليه فقال له لم أر شيئاً مما وصفتها به قال ما كذبتك، كتب الصابي عن بختيار إلى أبي تغلب في وصف فرس أهداه له أما الفرس الذي سألت إيثارك به فقد تقدمنا نقوده إليك والله يبارك فيه ويجعل الخير معقوداً بناصيته والإقبال غرة وجهه وإدراك المطالب تحجله ونيل الأماني طلق شأوه وفتح الفتوح غاية شده وسلامة العواقب مشى عنانه. ابن حمديس الصقلي: وكأنها نون تمط وعينها ... ميم لطول نحولها كحلت جفون الليل منها بالسمرى ... وتكحلت منه بلون الأثمد فلجسمها والصبح يتبع نوره ... من جفن ليلتها انسلال المرود يا ليتها كانت سفينة زاجر ... فتخوض بي مد المزبد فأرى ابن حمجان ونور جبينه ... يجلو سناه قذى جفون الأرمد وله فيهن: قلاص حباهن الهزال كأنها ... حنيات تبع في أكف جوادب إذا وردت من زرقة الماء أعينا ... وقفن على أرجائها كالحواجب ومما جاء في رقية الدابة عن سحيم بن نوفل قال كنا نعرض المصاحف عند عبد الله فجاءت جارية اعرابية إلى رجل من القوم فقالت أطلب راقياً فان فلانا قد لفع فرسك بعينه فتركه يدور كأنه فلك، فقال عبد الله لا تطلب راقياً اذهب فانفث في منخره الأيمن أربعاً وفي الأيسر ثلاثاً ثم قل: بسم الله لا بأس أذهب البأس رب الناس وأشف أنت الشافي لا يذهب الضر إلا أنت قال فذهب الرجل ثم رجع، فقال فعلت الذي أمرتني فأكل وبال وراث وعن ابن عباس رضي الله عنه إذا استعصبت دابة أحدكم أو كانت شموساً فليقرأ هذه الآية في أذنها: "أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه ترجعون" نادرة: قال أبو العنبس دخل إعرابي السوق ليبيع ناقة فقال له بعض المجان تبيعها يا أعرابي باير بغل فقال الإعرابي اقعد على عطيتك فإن زادونا وإلا أنت أحق بها. الأسعد بن مماتي: أصبح بغلي مثلاً ... يضرب وهو سائر ناصر الدين بن النقيب: لي بغلة من ضعفها ... حزامها يثقلها كأنها رجلي كما ... تحملني أحملها بدر الدين يوسف بن لؤلؤ الذهبي: ترحلت عن ناديك لا عن ملالة ... وقد لفعتني بالهجير البسابس على بغلي أمطيتنيها قصيرة ... كأني بلا شك على الأرض جالس

وتحسبني من فوقها الناس راجلاً ... ولكنني فيما ترى العين فارس البازهير في بغلة شهاب الدين القوصي: لك يا صديقي بغلة ... ليست تساوي خردلة تمشي فتحسبها العيون ... على الطريق مشكلة وتخال مدبرة إذا ... ما أقبلت مستعجلة مقدار خطوتها الطوي ... لة حين تسرع أنمله تهتز وهي مكانها ... فكأنما هي زلزله أشبهتها بل أشبهت ... ك كأن بينكما صلة تحكى خصالك في الثقا ... لة والمهانة والبلة القيراطي: لي بغلة قد أتعبت راحتي ... والرجل من فخذي إلى كعبي طباعها خارجة كلها ... وقط لا تمشي على الضرب الجزار يرثي حمارة: ما كل حين تنجح الأسفار ... نفق الحمار وبارت الأشعار خرجي على كتفي وها أنا دائر ... بين البيوت كأنني عطار ماذا على جرى لأجل فراقه ... وجرت دموع العين وهي غزار لم أنس حدة نفسه وكأنه ... من أن تسابقه الرياح يغار وتخاله في القفر جنا إنما ... ما كل جن مثله طيار وإذا أتى للحوض لم يخلع له ... في الماء من قبل الورود عذار وتراه يحرس رجله من زلة ... برشاشها يتنجس الحظار ويلين في وقت المضيق فيلتوي ... فكأنما بيديك منه سوار ويسير في وقت الزحام برأسه ... حتى يحيد أماك الحضار لم أدر عيبا فيه إلا فيه ... مع ذا الذكاء يقال عنه حمار ولقد تحامته الكلاب وأحجمت ... عنه وفيه كلما تختار راعت لصاحبه عهوداً قد مضت ... لما علمن بأنه جزار ومن إنشاء المقر الفتحي بن الشهيد تغمده الله برحمته من رسالة كتبها عن حضور أكديش أدهم وينهي وصول المنعم به على المملوك فأضافه إلى ما في يده من الصدقات العميمة يقدر قدرها ويضاعف بالخدمة والنصيحة شكرها وفرح المملوك أنه ما خص بالفرس إلا وقد ثبت عند سيده أنه غلام وما أجراها له من ديوان الخاص إلا لتمييز قدره على العوام ووصل هذا الجواد أدهم من الخيل كأنما ألبسه الليل حلة سابغة الكم والذيل وفهم المملوك من بعثه حالك السواد أن الأمر العالي اقتضى أن المملوك يكتم هذا الإحسان في سواد الفؤاد ويستره عن الحساد كما ستر الليل عن الرقبا اجتماع أهل الوداد فتسلمه المملوك كما تسلمت الجفون طيف الحبيب وأسر السرور به لما علم أنه من صدقة السر التي أخفتها اليد الكريمة ولا يعزب عن الله مثقال ذرة فيها ولا يغيب واتخذ المملوك ظهر هذا الجواد حرزاً لأنه من الهياكل وتصيد بعنانه غزلان الأعنة فكانت لصيد العز حبائل وجعله ذخيرة وعزا لأنه أدهم لا يندم صاحبه إن نابت النوائب أو غالت الغوائل، ومنها وصل الظهر قد أعوز والسفر قد أحفز وجلت دهمته الغمة وجاءت باليد البيضاء فكذبت القائلين لا خير في الظلمة فرأيت منه العطايا في سواد المطالب وركبت من سرجه المحلى بالذهب فما جزت في ليل أهابه إلا اهتديت من تلك الحلى بأنوار الكواكب وقرّت به عيني كأنما حل من سوادي واستوطأت ظهره في السرى فنمت لما طرق كأنه يريد رقادي أدب حسن الأعرابي له ابل كثيرة لمن هذه الابل فقال الله في يدي وقيل لعرابي أنت راعي هذه الإبل فقال الله راعيها وأنا مراعيها. فائدة جليلة: قال الأمير علاء الدين الدواداري في بعض مجامعيه بخط القاضي شمس الدين بن خلكان للمغل يكتب على حافر الفرس الأيسر بقلم حديد وكل حرف من هذه الكلمات على حدته وهي النيل والفرات ودجلة أودية وقال لي شخص أنه جربه وجده نافعاً والله تعالى أعلم ذو الوزارتين لسان الدين بن الخطيب من قصيدة: صبحتهم غرر الجياد كأنما ... عند الثنية عارض متهلل من كل منجرد أغر محجل ... يرمي الجياد به أغر محجل زجل الجناح إذا أجد لغاية ... وإذا تغنى بالصهيل فبلبل جيد كما التفت الظليم وفرقه ... أذن ممشقة وطرف أكحل

ومن كلام سيدي المقر المجدي حسبما اقترحه السادة المخاديم بالقاهرة المحروسة البلاغة جعل الله تعالى كف موالينا للمقبل والمؤكل ككرائم الخيل ظهروها عزا وبطونها كنزاً وآيات كرمه إذا تليت تهز أعطاف كل جواد هزا ويتبعه في مجاراتها كزا تعلى الهمم وتغلى القيم ويحوز صاحبها قصب السبق بالقلم غير أنها تلجئه في اقتراح الأخوان إلى ركوب الأهوال وتمطيه في إتباع أوامرهم صهوة الخطر إذا كان لا خيل عنده يهديها ولا مال فإنهم أبقاهم الله تعالى رموا العبد من اقتراحهم بما لا يطاق ودفعوه من أوصاف الخيل إلى حلبة سبق إليها جماعة فكيف للملوك بعدهم باللحاق نعم كيف له بلحاق تلك الفحول وأنى يمكنه مجاراتهم في هذه الليالي العواطل وقد كانت أيامهم لها غرر معلومة وحجول فاستقلت من هذا الامتحان واعتذرت أني لست في أمر الخيل من الفرسان، فقالوا بل أمطينا الطرف راكبه وأعطينا المال وأهبه فإنك ربيب متونها ومهذب شامسها وحرونها فجلت في ميدان الفكر وجذبت أعنة الحظ والذكر إلى أن أنتجا لي ما لو أوقفت لسترته ولو تركت لتركته فابتدأت بوصف أخضر مليح الشيات كامل الأدوات يحمل الراكب ويزين المواكب ويرضي الشهم الشديد ويسبق السهم لا يخرج عن طوع فارسه ولا يعدو اختيار ممارسه كأن أديمه تجعد من نور خلاف أو لف من جنات ألفاف وكميت أصم اللون مليح الكون بعيد الصفات سريع الالتفاف تثنى على همته الركبان وبطنه تحت العجاجة نار علاها دخان فسيح الخطوة شديد القوة سبط الأديم معظم لدى الكرام ولا عجب إذا عظم الجواد كريم كأنما صبغ بعقار أو ألبس جل نار وقبر كلون الحرباء وخيال أزاهر على صفحة الماء ووجنة حب تكالمت بعرق ونهر صاف بوجهه عله وبهجة حباب على كئوس مدامه وأشعة تألفت في طوق حمامة لا تنثت العين معرفته ولا يوفى البليغ وإن أطنب صفته ولا يدركه الطير إذا طار ولا يلحقه الريح إذا اشتدت غير الغبار لا يمل السباق ولا يزعج راكبه إذا قام على قدم وساق وأبلق كرم الأصل محمود الخصل مجتمع من ظلمة الهجر وضياء الوصل يرى الناظر من لونيه بياض العطايا في سواد المطالب وتحقق للمتعجب من تضادهما أن في الليل والنهار عجائب لا يجليه البصر إذا سار ولا ينجو من راكبه عدو وكيف ينجو من خلفه الليل والنهار تفرد في جنسه وكاد يدرك المعقولات بضياء حسه عظم خبره واشتهر بين الأنام قدره وعز على رامه وطال وكيف لا وهو الأبلق الفرد الذي شاع ذكره وأدهم بهى المنظر المخبر تخاله خالاًعلى وجنة الزمان وتظنه بين جفنى السماء والأرض انسان أسرع من السهم وأنفذ من الوهم يطوي شقة الفلا بيديه ويجتذب سويدات القلوب إلى حبه وشبه الشيء منجذب إليه تنبئك بالظفر مخائله ولا ينشدك لونه الأبلق إلا بليل من تواصله وبالجملة فكأنما حلفت على اقتراح الرياضة واختبار الأنفس المرتاضة فكلها حسن وكل منها من الصفات الغريبة بفن يأتي من المشي بما لم في حساب ويتلو لسان السرعة على مستعظم أشكالها "وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب" فالله تعالى يبقى المخدوم ما انتخبت القرايح وسيرت الخيول بين غاد ورايح ويكفيه ما تسعى من أجله ويجعل بابه جنة لأوليائه إذا زحف عليهم الدهر بخيله ورجله بمحمد وآله. المولى الفاضل شمس الدين بن الصاحب موفق الدين على بن الآمدي: وكميت يلقى الصخور إذا اشت ... د جريا بأربع من حديد رق جلداً وأحمر حتى حسبنا ... أنه اختال لفي رداء الخدود وله في فرس أدهم محجل: وأدهم خص بأوضاحه ... أعلاه بالغرة أو أسفاه كالليل في أوله آخر الي ... وم وفي آخره أوله وله: بكل جواد سر حتى كأنما ... له السيف حد والسنان له أذن ولبعضهم: قم بنا نركب طرف الل ... هو سبقا للمدام وأثن يا صاح عناني ... لكميت ولجام ولآخر: ويوم كسته الشمس غرة مهجة ... كما ذهبته بالعشي تخيلي ركضت به في حلبة اللهو سابقاً ... فيا لك من يوم أغر محجل ابن المعتز في وصف مطلق الواحد محجل الثلاث: ومحجل غير اليمين كأنه ... متبختر يمشي بكم مسبل فخر الدين بن مكانس: يا عصبة الجود الذي يرضيهم ... فرسى العتيق ومهرى السباق أما العتيق فلا نرجو تملكه ... وإليكم هذا الحديث يساق

وضمن هذا الغزل شيخنا عز الدين الموصلي: لحديث بنت العارضين طراوة ... وطلاوة هامت بها العشاق فإذا نهانى المراد قلت تمهلوا ... فاليكم هذا الحديث يساق قلت وفي مقطوعة الشيخ فخر الدين زيادة حسنة على الشيخ عز الدين وهو قوله يساق واستعمل الشيخ عز الدين لفظة حديث في عدة أماكن من مقاطيعه ولعمري أجاد في جميعها فمنها قوله: حديث عذار الحي باد وساقه ... له أوجه تبدي لقلبي اشتياقه درى أننا نشتاق لطف حديثه ... فأبدى لنا ذاك الحديث وساقه وقوله: حديث عذار الحب في خذه جرى ... كمسك على الورد الجنى تسطرا فقبلته حتى محوت رسومه ... كأن لم يكن ذاك الحديث ولا جرا ولغيره وليس مما تقدم لكن ذكرناه لموافقة المعنى: ولما اجتمعنا والسلو جليسنا ... على أننا نسلو الهوى ونميل وخيل غرام قد أتتنا مغيرة ... فلم ندر إلا والسلو قتيل ومنه: وحياة من أمست لدى حياته ... أشهى إلى من اتصال حياتي ما سافرت لحظات طرفي نحوكم ... إلا على خيل من العبرات ومنه قول عز الدين الموصل شعراً: يستطرد الشوق خيل الدمع سابقة ... تفضل السحب فضل العرب للعجم وما ألطف قول بدر الدين بن الصاحب: بالله يا بدر زرني ... وعد محباً سقيماً واكتم محبك واركب ... من الظلام بهيما وأنشدني شيخنا زين الدين بن العجمي لنفسه: لمظلمات الليالي ... أشكون شجوني الليمة وكيف تفهم معنى ... شكواى وهي بهيمة فخر الدين بن مكانس: لله أشكو ما جرى ... وهو بشكواى عليم أن بهيما كان لي ... فضاع في الليل البهيم ولمؤلف الكتاب: ولرب ليل طال من تذكارهم ... أرعى الدجى فيه وليس ببارح قرح الجفون السهد في ظلماته ... فلذاك يدعى بالبهيم القارح وعلى ذكر البهيم فما أحسن ما أنشدني لنفسه مجد الدين بن مكانس: لله عصبة عشق ... طيب الكرى حرموه عذولهم كحمار ... لا بدع أن صرموه وأنشدني صدر الدين بن الآدمي لنفسه: قلت وليلى لونه حالك ... وجنحه في ليله كالسقيم الصفدي في أدهم بغرة: وأعجبنا للصبح من أشقر ... ما آن أن يلحق ليلاً بهيم وغيره: تردى أيدم الليل تيها بنفسه ... وأطمع حتى في منال الكواكب وأبدى لرائيه بغرة وجهه ... بياض العطايا في سواد المطالب وأمشدني فخر الدين بن مكانس: لنا فرس نلاقي منه رفقاً ... كرفق الوالدين إذا ثملنا ترانا حين نركبه سكارى ... نميل على جوانبه كأنا حدث أحمد بن أبي خالد قال خرج الفيض بن أبي صالح وأحمد بن الجنيد وجماعة من وجوه الكتاب يوماً من دار المأمون منصرفين إلى منازلهم وكان يوماً مطيراً فتقدم الفيضابن أبي صالح وتلاه أحمد بن الجنيد فنضخت دابة الفيض على ثياب أحمد بن الجنيد برجلها من ماء المطر فتأفف أحمد بن الجنيد وقال للفيض هذه والله مسايرة بغيضة وما أدرى حقاً أوجب لك التقدم علينا فأمسك الفيض حتى صار إلى منزله ثم دعا وكيله فأمر باحضار مائة تخت في كل تخت قميص وسروال ومبطنة وعمامة وطيلسان ففعل ذلك وقال احمل هذه التخوت على مائة حمال وسر بها إلى دار أحمد بن الجنيد وقل له أوجب لنا التقدم عليك أن لنا مثل هذا نهديه إليك إذا أفسدنا ثيابك قإن أهديت لنا مثلها قدمناك علينا.

الباب الثالث والأربعون في مصائد الملوك وما فيها من نظم السلوك

قال مؤلف الكتاب رحمه الله تعالى ضمنا مجلس أنس بزريبة قيصون بمنظل المرحوم فخر الدين بن مكانس وكان فيه إذا ذاك جماعة من أعيان متأدبي الديار المصرية فأطلقنا عنان المذاكرة وتجار ينافى ميدان المحاضرة إلى أن استطردنا إلى ذكر الخيول وما قيل فيها من منظوم أزهى من المنثور المطلول، فقال المرحوم فخر الدين سدوا عنا المقاطيع واطربونا بالمواصيل إشارة إلى ذكر ما قيل فيها من الرسائل التي أزرت بزهر الخمائل فذكر بعض الحاضرين رسالة القاضي محي الدين عبد الظاهر التي أولها وسير من الخيول الرهاوين كلما هو على الحسن مشتمل وذكر المرحوم فخر الدين رسالة الشيخ شهاب الدين محمود التي أولها وينهي وصول ما أنعم به من الخيل التي وجد الخير في نواصيها وذكر المملوك رسالة الشيخ جمال الدين بن نباتة التي أولها، اما لخيل المسيرة وذكر الشيخ بدر الدين البشتكي رسالة العلامة لسان الدين بن الخطيب التي أولها.... وذكر القاضي مجد الدين بن مكانس حسب سؤال الجماعة رسالته التي أولها البلاغة جعل الله أكف مولانا ككرائم الخيل ظهورها عزا وبطونها كنزاً فما من الجماعة إلا من استحسنها وبالغ في شكرها، فقال المرحوم فخر الدين ينبغي أن تجمع هذه المقاطيع والرسائل في كراريس ويسميها مجرى السوابق. انتهى. الباب الثالث والأربعون في مصائد الملوك وما فيها من نظم السلوك ولبعضهم في الفهد: وأهرت الشدق في فيه وفي يده ... ما في الصوارم والعسالة الذبل تنافس الليل فيه والنهار معاً ... فقصماه بجلباب من المقل والشمس مذ لقبوها بالغزالة لم ... تطلع على وجهه إلا على وجل ابن المعتز فيه: وعابس الوجه لا لقادحة ... تحسبه من قبائل الترك تخال أثوابه مصندلة ... نقطها الغانيات بالمسك الارجاني فيه: وأهرت أدم بدت كأسمها ... به الدهر أدم لنا يؤتدم من النمر خيط على جسمه ... أديم تعين لا عن حلم به علقت شرر لو حت ... هـ من نار خد له يضطرم ففي كل عضو له أعين ... تراصد إن هو بالصيد هم تراه رديفاً وراء الغلام ... وبالشمس الوجه منه التأم شبيه سبية جيش غدت ... تذيق الكرى مقلة لم تنم جرى الدمع بالكحل من عينها ... فنمنم جلبابها إذ سجم وقد كاد يخرج من جلده ... وراء الطريدة لما اقتحم فقد شمر الجلد خوفاً علي ... هـ أول ما الخلق منه استتم ابن الأثير الجزري في الفهود: فخرجنا والشمس قد نقص مشرقها عن مغربها وأمنت حمة حرها وإن صارت إلى برج عقربها بكل فهد قد حيك أهابه من ضدين بياض وسواد وصور على أشكال العيون فتطلعت إلى انتزاع الأرواح من لأجساد يبلغ الأمد الأقصى في أدنى وثباته ويسبق الفريسة ولا يقصها إلى عن التفاتة. القول في طبائعه: زعم أرسطو أنه متولد بين أسد ونمرة أو بين لبوة ونمر في طبعه مشابهة لطبع الكلب في أدواته وذواته والنوم الذي يعتريه ويقال إن الفهدة إذا حملت وثقل حملها حتى عليها كل ذكر يراها من الفهود ويواسيها من صيده فإذا أرادت الولادة هربت إلى موضع أعدته حتى إذا علمت أولادها الصيد تركتها وبهذا الحيوان يضرب المثل في شدة النوم فيقال أنوم من فهد. قال الشاعر وقد عيره بكثرة النوم: رقدت مقلتي وقلبي يقظا ... ن يحس الأمور حساً شديداً يحمد النوم في الجواد كمالاً ... يمنع الفهد نومه أن يصيدا

وليس شيء في جرم الفهد من الحيوان إلا والفهد أثقل منه وأحطم لظهر الدابة والإناث أصعب أخلاقاً وأكثر جراءة وأقداماً وفي أخلاقه الحياء وذلك أن الرجل يمر بيده على سائر جسده فيسكن لذلك حتى تصيب يده مكان القنر فيقلق حينئذ ويغضب ومن خلقه الغضب وذلك أنه إذا وثب على طريدة لا يتنفس حتى ينالها فيحمى لذلك وتمتلىء رئته من الهوى الذي حبسه وسبيله أن يراح ريثما يخرج النفس وتبرد تلك الغلة ويشق عن قلب الطريدة ويشمم إياه ثم يطعمه منه ويسقى ري ماء إن كان الزمان قيظاً ودون الري إن كان الزمان برداً ولإن لم يروح لم يفلح بعد ذلك وإذا أخطأ صيده رجع مغضباً وربما قتل سائسه، ومن أخلاقه أنه يأنس لمن يحسن إليه ويقال أنه لص من لصوص السباع وهو وإن كان وحشياً فإنه يقبل الأدب إلا أن كبارها أقبل وإن تقادمي في التوحش وإنائها أصيد من ذكورها ومن طبعه أنه يحب الصوت الحسن ويصغي إليه وربما كان سبباً لصيده، ومما ركب فيه أن ما عجز عن التكسب منها الهرم يجتمع على فهد يصيد لها في كل يوم شيعها وقال أرسطو: السباع تستنشق رائحة الفهد وتستدل بها على مكانه تعجب بلحمه أشد التعجب فهو يتغيب عنها لذلك وربما قرب بعضها من بعض فيطمع في نفسه فإذا أحس السبع منع ذلك وثب عليه فأكله وهو ألطف شما لأراييح السباع القوية من شمك السباع لرائحته الشهية ولا يكاد يكون على علاوة الريح أبداً وهو يستخفي في الشجرة فإذا مر به اتل ففاجأه وثب عليه وأنشب مخالبه في أكتافه ومص دمه حتى يضعف الإبل ويسقط فتجتمع عليه الفهود فتأكله لفإن أجتاز به أسد نهض وترك الفريسة له تقرباً إليه والفهد يعتريه داء يسمى خناقة الفهود وقد ألهم أنه إذا أعتراه ذلك يأكل العذرة فيبرأ وينبغي إذا صيد أن يغطي رأسه ويدخل في جوالق ويجعل في بيت قد وضع فيه سراج ويلازمه سائسه ليلاً ونهاراً ولا يدخل عليه غيره فإذا آنس أركبه ظهر دابة ويطعمه على يده وأول من صاد به كليب بن وائل ويقال همام بن وبرة وكان صاحب لهو وطرب وأول من حملها على الخيل يزيد بن معاولة وأكثر من اشتهر باللعب بها أبو مسلم الخراسانى وأولى من استسن الحلقة في الصيد وأولع بها كثيرا المعتضد والمواضع التي يوجد فيها هذا الحيوان هما يلي بلاد الحجاز إلى اليمن وها يليها إلى بلاد العراق ومما يلي بلاد الهند إلى تبت والله تعالى أعلم.

القول في طبائع الكلب: قال المتكلون في طباع الحيوان الكلب لا سبع تام ولا بهيمة تامة حتى كأنه من الخلق المركب لأنه لو تم له طباع السبعية ما ألف الناس واستوحش من البراري وجانب القفار ولو تم له معنى البهيمة في الطبع ما كل لحم الحيوان وكلب على الناس وإنما جعلناه تبعا للفهد وهذه حالته لمشاركته له في حرفة الصيد واعتناء الناس بتربيته وتعليمه كما اعتنوا بالفهد في ذلك وهو نوعان أهلي وسلوقي ومما يختصر به الكلب السلوقي من الطباع وسبب نتاج السلوقي كما حكاه أهل الكلام في الكلبزة أن الكلاب تسفد الذئاب في أرض سلوقة من أرض اليمن فيتولد بينهما السلوقي وقال آخرون الثعالب والكلب السلوقي له نفس مولعة بتناول ما يرسل عليه ويطلبه بالإحضار خلفه حتى يدركه فيأخذه لهم لأن حرصه على الصيد وغضبه ليس هن أجل نفسه كما يغضب الفهد لأن الجوارح تعمل لأنفسها إلا الكلاب فإنها تكتسب لأصحابها وهى إذا كثرت عليها الآثار واختلطت تتنكب لذلك وتذهب في كل جهة حتى تستثبت الأثر وتتحقق جهته وذلك من حرصها على مطاوعة ربها واستعدادها لنكاية أعدائه ومسارعتها لتحصيل غرضه الذي أرسلها بسببه ومن أعجب الأحوال فيه أنه إذا عاين الظباء قريبة منه كانت أو بعيدة عرف المقبل منها والمدبر وعرف العنز من التيس، وإذا أبصر القطيع لم يقصد غير التيس لعلمه أنه إذا عدا شوطين لم يستطع البول مع شدة الحصر ورفع القوائم فينقص مدى خطاه ويعتريه الهير فيلحقه الكلب والعنز إذا اعتراها البول في العدو ولم تمسكه وقذفت به لسعة السبيل فلأجل ذلك لا يطلبها ومن عجيب أمره أنه يعرف الميت من المتماوت حتى يقال أن الروم لا تدفن ميتاً حتى يعرضونه على الكلاب فتظهر هن شمه إياه علامة يستدلون بها على حياته أو موته ويقال إن هذا الحذق لم يوجد إلا في كلب يسمعى القلطي وهو صغير الجرم قصير القوائم جدا ويسمى الصيني وهو مع هذا لا يبلغ رتبة الذئب في الشم والاسترواح وإناث. الكلاب السلوقية أسرع تعلما من الذكور والفهد بالعكس، وهذا النوع يعيش عشرين سنة على ما زعم أرسطو وربما لم يبلغ الإناث هذا العمر. دلائل النجابة والفراهة في الكلاب السلوقية: أما في الخلقة فطول ما بين الرجلين واليدين وقصر الظهر وصغر الرأس وطول العنق وغضف الأذنين وبعد ما بينهما وسعة العينين وبعد ما بينهما وزرقة العين ونتوء الجبهة وعرضها وقصر اليدين، وأما الألوان فيقال السود أقل صبرا على الحر والبرد والبيض أفره إذا كن سود العيون وقد قال قوم إن السود أصبر على البرد وأقوى وكذلك السود من الحيوان. الفراهة في الجرو: إذا ولدت الكلبة واحداً كان افره من أبويه وان ولدت. ذكرا وأنثى كان الذكر أفره وان ولدت ثلاثة فيها أنثى في شبه الأم كانت أفره من أبويه الثلاثة وإن كان في الثلاثة ذكر واحد فهو أفرهها قال ابن خفاجة: ومورس السربال يخلح قده ... عن نجم رجم في سماء غبار يستن في سطر الطريق وقد عفا ... قد ما فيقرأ أحرف الآثار عطف الضمور سربه فكأنه ... والنقع يحجبه هلال سرار يفتر عن مثل النصاب وإنما ... يمشى على مثل القنا الخطار الارجانى: وعصف يسابق عصف الريا ... ح فيسبقه خصرها إن تسم رياح مجشمة للعيو ... ن مقلدة في طلاها رمم لهن من البيض مصقولة ... تسل وتغمد من كل فم فمن أبيض مثل لون الدمق ... س ومن أصفر أملس كالزلم وآخر ذي لمع في السوا ... د حكى لونها نفخة في فحم يقرط مخلبه أذنه ... ويسبق ناظره حيث أم القول في العقاب: وهذا الصنف يؤنث ولا يذكر ويسمى العنقاء على ما ذهب إليه أهل اللغة وبهذا القول فسر قول أبى العلاء المعرى: أرى العنقاء تكثر أن تصادا ... فعاند من تطيق له عنادا

ولا خلاف عند أهل اللغة في ذلك وهو ينقسم إلى صنفين عقاب ورمح فأما العقاب فمنها في اللون السود والخوخية والصقع والبيض والشقر ومنها ما يأوي الجبال ومنها ما يأوي الصحارى ومنها ما يأوي البياض ومنها ما يأوي حول المدن ويقال أن ذكورها من طير آخر لطيف لجرم لا يساوي شيئا والعقاب يبيض في الغالب ثلاث بيضات ويحضنها ثلاثين يوما وما عداها من الجوارح يبيض بيضتين في كلى سنة ويحضن عشرين يوما وفى طبع الذكر انه يمتحن أنثاه هل هي محافظة له أو موافية لغيره من جنسه بأن يصوب بصر فرخيه إلى شعاع الشمس فإن ثبت عليه تحقق أنهما فرخا وإن لم يصبر عليه ونبأ عنه ضرب الأنثى كما يضرب الرجل المرأة الزانية وطردها من وكره ورمى بالفرخين وهى تربي فراخها إلى أن تقوى على الطيران فتخرجها وتنفيها عن جميع مواضعها ومن حقوقها لفراخها أنها لا تحمل على نفسها في الكسب عليها ومتى كان الذكر والأنثى في مكانين مجتمعين لا يدعان غيرهما من جنسهما يأوي قريباً منه ولا يصيد فيه وهى إذا صادت شيئا لا تحمله على الفور إلى مكانها بل تنقله من موضع إلى موضع ولا تجلس إلا على الأماكن المرتفعة لأنها لا تستقل من الأرض إلا ببطء وعسر وإذا صادت الأرنب تبدأ بصيد الصغار ثم تصيد الكبار وهى أشد جراءة من سائر الجوارح وأقواها حركة إلى الغضب وأسرعها إقداماً وأيبسها مزاجاً ولذلك هي أحدها وهى خفيفة الجناح سريعة الطيران فهي إن شاءت كانت فوق كل شيء وان شاءت كانت بقرب كل شيء تتغذى بالعراق وتتعشى باليمن وريشها الذي عليها فروتها في الثستاء وحيسها في الصيف وربما صادت حمر الوحش وذلك أنها إذا نظرت الحمار رمت نفسها في الماء حتى تبتل جناحاها ثم تتمرغ في التراب ثم تطير حتى تقع على هامة الحمار ثم تصفق على عينيه بأجنحتها فتملأهما ترابا فلا يبصر حيث يذهب فيؤخذ وهى مولعة بصيد الحيات ولوعها بها كولوع الحيات بالفأر وفى طبعها قبل أن تدرب أن لا تراوغ صيداً ولا تعني في طلبه ولا تزال موفية على شرف عال فإذا رأت سباع الطير قد صادت شيئا انقضت عليه فيتركه له وينجو بنفسه ومتى جاعت لم يمتنع عليها الذئب وهى شديدة الخوف من الإنسان تنظر إليه بقرب منها ويقال إنها إذا شاخت وهرمت وثقل جناحها وأظلم بصرها التمست غديرا فإذا وجدته حلقت طائرة في الهواء ثم تقع في ذلك الغدير وتنغمس فيه مراراً فيصح جسمها ويقوى بصرها ويعود ريشها ناشئ إلى حالته الأولى ومتى ثقلت عن النهوض وعميت حملتها الفراخ غلى ظهورها ونقلتها من مكان إلى مكان لطلب الصيد وتعولها إلى أن تموت ومن عجيب ما أُلهمته أنها إذا اشتكت كبدها هن رفع الأرانب والثعالب في الهواء أكلت أكبادها فتبرأ وهى كل الحيات إلا رءوسها والطير إلا قلوبها ويدل على هذا قول امرئ القيس: كأن قلوب الطير رطبا يابسا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي ومنقارها الأعلى يعظم ويتعقف حتى يكون سبب هلاكها لأنها لا تنال به الطعم حينئذ وأول من صاد بها أهل المغرب وإنما رغبتهم فيما رأوا من شدة شرهها وعظم سلاحها وصفة المحمود منها وثاقة الخلق وثبوت الأركان وحمرة اللون وغئور الحماليق وان تكون صقعا عجزا وهى التي تكون على علوتها بياض وأجودها ما جلب من سرب وجبال المغرب. ابن نباتة: أتيت إليها وهو كالفرخ راقد ... فيا خجلي لما دنوت وإقلالي فقلت امرسيه بالأصابع فالتقى ... لدى وكرها العناب والحشف البالي

القول فى طبائع البازي: وتنقسم إلى خمسة أصناف البازي والزرق والباشق والعفصي والبيدق والبازي أحرها مزاجا لأنه قليل الصبر على العطش ومأواه مساقط الشجر العادية الملتفة والظل الظليل ومطرد المياه وهو لا يتخذ وكراً إلا في شجرة لها شوك مختلفة الحجون يطلب بذلك الكن ولا يقع في شتاء ولا صيف على أغصانها ولا أطرافها وإذا أراد أن يفرخ بنى لنفسه بيتا وسقفه تسقيفا لا يصلى إليه منه مطر ولا ثلج إشفاقاً على نفسه من البرد والحر ولهذا إذا أخطأ صائده وكان في برية لا شجر فيها طار فيها حتى يلج كهفا من جبل أو جدار من الأرض ليسكن فيه ولذلك علق عليه الجوسكيما يدل على موضعه إن خفي وهو لا يطيق البرد ولا الحر لرقة جوانحه فسبيله في البرد أن تقرب منه النار ليدفأ ولجعل تحت كفيه في الشتاء وبر الثعلب واللبود وسبيله في الحر أن يجعل في كن كنين من السموم بارد النسيم ولفرش له الريحان والخلاف، وهو خفيف الجناح سريع الطيران يلف طيرانه كالتفاف الفاختة ويسهل عليه أن يزج نفسه صاعداً وهابطاً وينقلب على ظهره حتى يلتقم فريسته وسبيله أن يضرأ على صيد الدراج والنبح إن كان طويل المنسر وإذا كان قصير المنسر فسبيله أن يضرأ على طير الماء والحبرج والإناث من هذا الصنف أجرأ على عظام الصيد من ذكورها، قال أصحاب البيزرة في الكلام على الإناث من البزاة إذا كان وقت سفادها وهياجها يغشاها جميع أجناس الحيوان الضواري كلها الزرق والشاهين والصقر وإنما تبيض من كل طير يغشاها ولهذا تجيء مختلفة الأخلاق من الحسن والجراءة والخبث والغدر والذكاء والقوة والضعف والحسن والقبح والشراهة ولهذا البازي لا يترك ما بين العصفور إلى الدراج والكراكي وصفة الفاخر منه أن يكون قليل الريش أحمر العينين حادهما وأن يكونا مقبلتين على منسره وجؤجؤهما مطلان عليهما لا يكون وضعهما في جنبي رأسه كوضع عين الحمام والأوراق دون الأحمر العين والأصفر دونهما وسعة الأشداق دليل على قوة الافتراس. ومن صفاته المحمودة أن يكون طويلا عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين شديد الانخراط إلى ذنبه وإن تكون فخذاه طويلتين مسرولين بريش وذراعاه قصيرتين غليظتين وأشاجع كفيه عارية وأصابعه متفرقة لا تكون مجتمعة ككف الغراب ومخلبه اسود ومنسره اسود رقيقا وأفخر الألوان البيض ثم الشهب وهما لونان يدلان على الفراهه والكرم وأما الأسود الظهر المنقش الصدر بالسواد والبياض فهو يدل على الشدة والصلابة فإن اتفق أن يكون أحمر العينين وكثيرا ما يتفق كالنهاية وهذا اللون في البزاة كالكميت من الخيل لأنه يدل على الشدة والأحمر من هذا الصنف أحسن. البزاة لأنه فيها كالسوسي من الخيل بعيد من الصلاح، وأول هن صاد بهذا الجارح لزرتق أحد ملوك الروم الأول وذلك أنه رأى بازيا إذا علا كنف وإذا أسفل أخفق وإذا أراد يسمو ذرق فاتبعه حتى أقتحم شجرة ملتفة كثرة الدغل فأعجبته صورته فقال هذا طائر له سلاح تتزين بمثله الملوك فأمر بجمع عدة هن البزاة فجمعت وحصلت في مجلسه فعرض لبعضها إثم فوثب عليه فقتله فقال ملك يغضب كما تغضب الملوك ثم أمر به فنصب على كندرة بين يديه وكان هناك ثعلب فمر به مجتازا فوثب عليه فما أفلت منه إلا جريحا فقال هذا جبار يمنع حماه ثم أمر به فضرى على الصيد واتخذته الملوك بعد ذلك. ابن الإيثر في البزاة: وأطلقت لك البزاة بعد أن ذكر اسم الله على إطلاقها وتعلقت بما فوقها من الطيور حتى كأنما هي أطواق في أعناقها.

ومن رسالة لأبي إسحاق إبراهيم بن خفاجة يصف بازياً طائرا يستدل بظاهر صفاته على كرم ذاته طورا ينظر نظر الخيلاء في عطفه كأنما يزهى به جبار وتارة يرمى نحو السماء بطرفه كأنما له هناك اعتبار وأخلق به أن ينقض على قنبصة شهابا ويلوي ذهاباً ويحرقه مواقد والتهابا حميد العين والأثر حديد السمع والبصر يكاد يحس ما يجرى ببال ويسري في خيال قد جمع بين عزة مليك وطاعة مملوك فهو بما يشتمل عليه من علو الهمة ويرجع إليه بمقتضى الخدمة مؤهل لإبراز ها تقتضيه شمائله وإيجاب ما تعديه مخائله وخليق بمحكم تأديبه وجودة تركيبه أن لو مثل له النجم قنصا أو جرى للبرق فصصا لاختطفه أسرع من لحظه وأطوع من لفظه وانتشبه أمضى هن سهم وأجرى من وهم وقد أقسم بشرف جوهره وكرم عنصره لا بوجه مسفرا إلا وعاد قنيصه معفراً وآب إلى يد من أرسله مظفرا مورد المخلب والمنقار كأنما اختضب، نحبا أو كرع في عقار. وصفاته المحمودة: أن يكون صغيراً في المنظر ثقيلا في الميزان طويل الساقين قصير الفخذين عظيم السلاح بالنسبة إلى جسمه. القول على الصقر: وهو من الجوارح بمنزلة البغال من الدواب لأنه أصبر على الشدة وأحمل لغليظ الغداء وأحسن إلفا وأشد إقداماً على جملة الطير من الكراكي والجوارح ومزاجه أبرد من سائر ما تقدم وأرطب وذلك معروف من ركوده وقلة حركته وعدم التفات ريشه وبهذا السبب يضرأ على الغزال والأرنب ولا يضرأ على الطير لأنها تفوته وفعله في صيده الانقضاض والصرم وهو غير صاف بجناحه ولا خافق به ومتى خفق بجناحه كانت حركته بطيئة بخلاف البازى وتقول أصحاب البيزرة أنه أهدى نفسا من البازي وأسرع أنسا بالناس وأكثرها رضا وقناعة وهو يغتدي بلحوم ذوات الأربع ولبرد مزاجه لا يقرب المياه ويعافها ولو لم يجدها الدهر ما أرادها ولأجل ذلك يوصف بالبخر ونتن الفم، وفى طبعه أنه لا يركب الشجر ولا شوامخ الجبال ولا يأوي إلا المقابر والكهوف وصدوع الجبال وفيه جبن ونفسه دون سدته ولذلك يضرب الغزال والأرنب ولهرب منه ولا يكاد يعلق بفريسة فإذا فارقها عاد إليها منقضاً فيضر بها ويرقى هارباً وكلما تقدم ذكره ينقى بالماء ويغتسل وهو ينقى بالتمعك في الرمل. وصفاته المحمودة أن يكون أحمر اللون عظيم الهامة واسع العينين تام المنسر طويل العنق والجناحين رحب الصدر ممتلىء الزور عريض الوسط جليل الفخذين قصير الساقين والذنب قريب الفقرة سبط الكف غليظ الأصابع فيروزجيها أسود اللسان، وأول من صاد به وضراه الحارث بن معاوية بن ثور بن كندة فإنه وقف يوماً على صياد قد نصب للعصافير شبكة فانقض صقر على عصفور قد علق فجعل يأكله والحارث يعجب فأمر فأتى وقد اندق جناحاه فرمى به في كسر بيت ووكل به من يطعمه قدرته حتى صار إذا أتى إليه باللحم ودعاه أجاب ثم صار يطعمه على اليد ثم صار يحمله لانسه به فبينما هو يوما يحمله إذ رأى حمامة فطار عن يده إليها فأخذها واكلها، فأمر الحارث باتخاذها والتصيد بها فبينما هو يوما يسير إذ لاحت له أرنب فطار الصقر إليها وأخذها. فلما رآه يعاقب بين الطيور وبين الأرانب ازداد الحرث فيه محبة واغتباطاً واتخذته العرب بعده. وقال كشاجم فيه: عدونا وطرف النجم وسنان غائر ... وقد نزل الاصباح والليل سائر بأجدل من حمر الصقور مؤدب ... وأكرم ما قربت منه الاحامر جرى على قتل الظباء وإننى ... ليعجبني أن يكسر الوحش طائر قصير الذبانى والقدامى كأنها ... قوادم نسر أو سيوف بواتر ونقش منه جؤجؤ فكأنه ... أعارته أعجام الحروف الدفاتر فما زلت بالاضمار حتى صبغته ... وليس يحوز السبق إلا ضوامر وتحمله منا أكف كريمة ... كما زهيت بالخاطبين المنابر وعن لنا هن جانب السفح ربرب ... على سنن تسستن منه الجآذر فحلى وحلت عقدة السير فانتحى ... لأولها إذ أمكنته الأواخر يحث جناحيه على حر وجهه ... كما فصلت فوق الخدود المعاجر وما تم رجع الطرف حتى رأيتها ... مصرعة تهوى إليها الحناجر

القول على الشاهين: تقول أصحاب البيزرة: الشاهين من جنس الصقر إلا أنه أبرد منه وأيبس ولأجل ذلك تكون حركته من العلو إلى السفل شديدة وليس يحلق في طلب الصيد على خط مستقيم وإنما يحوا لثقل جناحه حتى إذا سامت فريسته انقض على فريسته هاوياً من علو إلى سفل فضربها وطار بها يطلب الصعود وإن سقطت دلى الأرض أخذها وإن لم تسقط عاد وضربها لتسقط وذلك دليل على جبنه وفتور نفسه وبرد مزاج قلبه وعلى كلى حال فالشاهين أسرعها وأخفها وأشدها ضراوة على الصيد إلا أنهم عابوه بالاباق وربما يعتريه من الحرص حتى أنه ربما ضرب بنفسه الأرض فمات، ويقولون إن عظامه أصلب من عظام سائر الجوارح ولذلك هو يضرب بصدره ويعلق بكفه وقال بعض حذاق هذا الفن الشاهين كاسمه يعنى الميزان لأنه يحمل أدنى حال من الشبع ولا أيسر حال من الجوع. والمحمود من صفاته: أن يكون عظيم الهامة واسع العينين حادهما تام المنسر طويل العنق رحب الصدر متملئ الزور عريض الوسط جليل الفخذين قصير الساقين قريب الفقرة من الظهر قليل الريش تام الخوافي رقيق الذنب إذا صلبت عليه جناحاه لم يفضل عنهما شيء منه فإن كان كذلك فهو يقتل الكراكي ولا يفوته صيد كبير وزعم أهل الإسكندر أن السود منها هي المحمودة وأن السواد أصل لونها وإنما قلبته التربة فحال ويكون فيها الملمع، ويقال إن أول من صاد بها قسطنطين ملك عمودية حكى أنه خرج يوماً يتصيد بالبزاة حتى انتهى إلى خليج القسطنطينية وهو المسمى بحر ينطش فعبر إلى مرج بين الخليج والبحر فنظر إلى شاهين ينكفىء على طير الماء فأعجبه ما رأى من سرعته وضراوته والحاحه على الصيد فأمر له أن ينصب له حتى صيد فأخذه وضرأه ثم ريضت له بعد ذلك الشواهين وعلمت أن تحوم على رأسه إذا ركب فتظله من الشمس فكانت تنحدر مرة وترتفع أخرى فإذا نزل وقفت حوله: الوصف والتشبيه قال صلاح الدين الصفدي ملغزاً في بجع: ما طائر في قلبه ... يلوح للناس عجب منقاره كبطنه ... والرأس منه في الذئب محي الدين بن عبد الظاهر: بي من أمير شكار ... هو يذيب الجوارنح لما حكى الظبي حسناً ... حنت إليه الجوارح نقلت من كتاب المصائد والمطارد لأبي الفتح كشاجم قيل لمن كان مجمناً للصيد من حكماء الملوك إنك قد أدمنت هذا وهو من خير الملاهي وفيه مشغلة عن مهم الأمور ومراعاة الملك فقال إن للملك في مداومة الصيد حظوظاً كثيرة أقلها تنبئه في أصحاره مواقع العمارة من بلاده في النقصان والزيادة فإن رأى من ذلك ما يسره بعثه الاغتباط به على الزيادة فيه وإن رأى أمراً ينكره جرد عنايته له ووفرها على تلافيه فلم يستتر عنه حال حال ورأس الملك العمارة ولم يخرج ملك الصيد فيرجع بغير فائدة أما حداثة خيله فيمرنها ويكف من غرب جماحها، وأما شهوته فينشيها، وأما فضول بدنه فيذيبها، وأما مراودة ومفاضلة فيسلسها، وأما أن يكون قد طويت عنه حال مظلوم فيتمكن من لقائه ويرجع إليه ظلامته فيسلم من مأثمه وإما أن ينكفىء بصيد يتفائل بالظفر به إلا خلال كثيرة لا يجهل ما فيها من الربح ومنه من فضل العلم بالصيد والعادة ما حكاه لي أبي إسحاق إبراهيم بن السدي عن الملك بن صالح الهاشمي عن خالد بن برمك أنه كان نظر وهو مع صالح صاحب المعلى وغيره من رجال الدعوة وهو على سطح قربه نازل مع قحطبة حين قفلوا من خراسان وبينهم وبين عدوهم مسيرة ليال وأيام إلى أقاطيع ظباء مقبلة من البر حتى كادت تخالط العسكر، فقال لقحطبة ناد في الناس بالاسراج والالجام وخذ الأهبة فتشوف قحطبة فلم ير شيئاً يروعه، فقال لخالد ما هذا الرأي فقال أما ترى هذه الوحوش قد أقبلت إن وراءها لجمعا يكشفها فما تمالك الناس أن تأهبوا حتى رأوا طليعة ولولا علم خالد بالصيد لكان الجيش قد اصطلم، ووقف بعض الملوك بصومعة حكيم من الرهبان فاستجاب له فقال له ما اللذة قال كبائر اللذات ربع فعن أيهن تسأل قال صفهن لي قال هل تصيدت قط قال لا قال ألك حظ بالسماع والشراب قال لا قال فهل فاخرت ففخرت أو كاثرت فكثرت قط قال لا قال وما بقى من اللذات.

الجوارح أربعة البازي والشاهين والصقر والعقاب وما يضاف إليها فنقتصر على ذكر هذه الأربعة إذا كانت أركان الجوارح ومعتمد الملوك عليها فالمبدأ به منها البازي يقال باز وبزاة مثل قاض وقضاة وبيزان كغاز وغيزان وبازي وبوازي قال لبيد بن ربيعة: لقيت لنا بوازي صائدات ... وطيرك في مكامنها لبود وأول من تهدى إلى الصيد به تقدم ذكره ولا يعرف كحرصه حرصاً ولا كجده جداً وفي أخبار نصر بن سيار أن بعض كبراء الدهاقين غدا عليه بطبرستان ومعه منديل فيه شيء ملفف فكشف عنه بين يديه فإذا فيه هيئة شلوباز ودراجة محترقين فقال نصر ما هذا فقال الرجل خرجت ومعي هذا البازي وثارت دراجة فاضطرب عليها وأحسست به وقد كنت مررت بقصباء أفسدت أرضا لي فأمرت بإحراقها فاضطرمت فتحاملت الدراجة حتى اقتحمت النار هاربة واشتد قربه إليها فلم تثنه النار عنها واقتحم في أثرها فأسرعت فيهما فأدركتهما النار واحترقا فأحضرتهما للأمير ليرى بهما ثمرة إفراط الحرص وإفراط الجبن وما أحسن صورة اجتمع فيها ثلاث بزاة على ظهر فرس في كف رجل واختلف رأى الملوك فيما مثلته في تيجانها ولباسها، فكانت أمثلة تاج ملك جيلان ولباسه صورة بزاة فقيل له في ذلك فقال وجدت الإنسان يحمله الفرس ووجدت البازي يحمله الإنسان لينال عليه لذته وبغيته وطرده ووجدته أيضاً ملك نوعه وإذا كنت أحمله جسماً في الحقيقة فلا أعاب به فأنا في تمثيله وحمله مثالاً في لباسي وحلتي أعذر. ومن فضائله: أن الصيد فيه طبع لأنه يؤخذ فرخاً من وكره من غير أن يكون حذق ولا تصيد مع أبويه فيصيد ابتداء من غير تضربة ولا استجابة وليس ذلك في الصقر والصقر بعكسه ومن ملح أخباره وأمثاله أن خالد بن برمك قال بينما أبو أيوب الكاتب جالس في أمره ونهيه إذ أتاه رسول المنصور فامتقع لونه فلما رجع تعجبنا من حاله، فقال أنا اضرب لكم مثلاً زعموا أن البازي قال للديك ما في الأرض حيوان أقل وفاء منك قال وكيف ذلك قال أخذك أهلك بيضة فحضنوك ثم خرجت على أيديهم وأطعموك في أكفهم ونشأت بينهم حتى إذا كبرت لا يدنو إليك أحد إلا طرت مرة كذا وصوتت وحذرت، وأنا مسوني من الجبال فعلموني وألقوني في الهواء فآخذ صيدي فأجئ به إلى صاحبي، فقال له الديك إنك لو رأيت من البزاة في سفافيدهم مثل الذي من الديوك لكنت أنفر مني ولكنكم أنتم لو لمتم ما أعلم ما تعجبتم من خوفي مع ما ترون من تمكن حالي وأقول إن هذا المثل يتصل به معنى حسن لكفاءة السلطان وأعوانه وهو أنه ينبغي لتابع السلطان أن يجتهد في توفير الحظ واجتلاب المنافع إليه حتى يكون كالبازي الذي دفع عن نفسه ما وقع الديكفيه برغبة صاحبه في كسبه ووده ولم يقنع له بالسلامة حتى أكرمه بالدستيان وأركبه يده وحلاه الجلجل وأطعمه من خالص كسبه ومن غير كسبه وعجز الديك عن هذه الفضائل والمكاسب واقتصر على شهوة الفساد والترفه واللفظ فحل به ما حل. أمارات الجراءة فيه: يمتحن ذلك بأن ينصب في بيت مضيء ثم يقطع عنه الضوء ويسد ما يدخل إليه من النور فإذا أظلم البيت دنوت من البازي فلمسته مسرعاً فإن وثب على يدك وقبضها فهو جزيء بصيد عظام الطير وأن تقبض وسكن فليس كذلك، ومن أمارات القوة أن يشد في زاوية البيت وينظر أين يبلغ بزرقه من الحائط فأرفعها زرقاً أشدها قوة على طيرانه وصيده. ومن ملح ما ورد في التعريض باسمه قال التميميين لرجل من نمير ما أحسن صيد البازي فقال له النميري لاسيما إذا أرسل على القطار أراد التميمي: أنا البازي المطل على نمير ... أتيح من السماء لها انصبابا وأراد النميري: تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت سبل المكارم ضلت قلت وما أحسن جواب بعض الشعراء وقد حضر بين يدي أمير يمدحه فقال له الأمير ممن الرجل فقال من بني تميم فقال الذين يقول فيهم القائل: تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا فقال بتلك الهداية جئتك فخجل الأمير وسأله كتمانها بعد الإجازة. الأوقات المحمودة للصيد يوم الغيم الذي لا مطر فيه ويوم المطر للقصف ويوم الصحو للقاء الناس والملوك تغلس للطرد لأن الطرائد في ذلك الوقت تكون رابضة فتستثار وفيها أثر النوم وأما يوم الصيد فالسبت، وقد قيل في ذلك: لنعم اليوم يوم السبت حقاً ... لصيد إن أردت بلا امتراء

والاختيار في باب النجوم فهو اختيار الحرب والوجه أن يكون صاحب السابع في الطالع فيكون المتبوع مأسوراً ويكون القمر مناظراً لأحد السعدين أو متصلاً به في برج ذوات أربع قوائم، قال أبو سهل النويحتى وصاحب الطالع فيه الزهرة والمشتري يسعدها بنظره وهذا معدن من معادن علم النجوم. الشيخ جمال الدين بن نباتة يقرض رسالة بندقية ومن بندقية لها الشرف الرفيع على كل قول والطرف البعيد على كل ذي صوغ من اللفظ وصول وصف فيها الرياض فكأنما وصف كلامه وذكر فيها الواجب فكأنما ذكر بحقوق هذه الصناعة قيامه فما قوس السماء بدا في مصباغات غلائله ورمى ببندق برده الجذب في مقاتله بأبهج من وصفه لتلك القسى المذبحة الجافية المتعطفة الجانية إلا على الطير الممتنع الصائبة بعيون أوتارها شمله المجتمع قسى قاسية الجوانح لينة إلا على الجوارح طالعة أهلتها بفناء السوانح والبوارح ومبتذلة مكرمه صامتة إلا أنها لذوات الجوارح مكملة قادرة على العطاء والعطب باهرة الفضائل التي لولا بدائع الصنع لما نبتت منها في عصب قد ألفت الرياض فلبست بعض بردوها وطلبت شأو السماء فنثرت مثل عقودها تقوم بالواجب وتعين بعين وحاجب وتأخذ على الطير المطار وتذكر قيامها تحته وهى غصن فتطالبه بأوتار كأن كل قوس منها حاجبان وقبضته البلج وكأن بيدقها طالب ما فتح باب نجاح وجناح إلا ولج ولج ومن غزالية غزلية براعية أسلية تقنص فيها شوارد الحكم وقيد أو ابدأ المعاني بجناح القرطاس ومخلب القلم وتصرف من تقريظ مواطن الصيد في باب المنايا والمنايح وتلطف في الأقوال التي لو شاء لعطف عليها الظباء السوانح وأتى بعيون الدرر التي نظمت وفنون الحلل التي رقمت لا بالجزع الذي لم ينقب من عيون الوحش ولا بمناديل أعراف الجياد التي غيرها المس والمش حتى عرت البلغاء أنها أقوى على دفع الخطب وسجع الخطب وأن أقلامهم إذا شاركت قلمه في المعاني كان منه الصيد ومنها الخطب وان غزالا وصفه قد سرف على الغزالة وزهى بما حشد من التقريظ وغزاله فلو استطاع الشكر منه كرما لسطر مدحه فكان الخط دواة والقرن قلما على أن عدل قلمه لو شاء لم ترع ظبية في مداها ولم تخف من مناسر البزاة حد مداها ولم تبلغ يد منهم من ريم مراما ولكانت عينه بل كل عين في جسده من أعين الظباء حراما وله فيها: أسعد بها يا قمري برزة ... سعيدة الطالع والغارب صرعت طيرا وسكنت الحشى ... فما تعديت عن الواجب وللشيخ جمال الدين بن نباتة من رسالة طردية حاملين قسيا كالأهله لا جرم أنها تقصر لذوات الجناح عمرا متأبطين حرا وآت يقول الطير عن حواملها هذا الذي تسميه العرب تأبط شراً. ومن إنشاء القاضي شهاب الدين محمود الحلبي: وبرزنا وشمس الأصيل تجود بنفسها وتسير من الأفق الغربي إلى موضع رمسها، وتغازل عيون النور بمقلة أرمد وتنظر إلى صفحات الورد نظر المربض، إلى وجوه العود فكأنها كثيب أمسى من الفراق على فرق، أو عليل تقضى بين صحبة بقايا مدة الرمق، وقد أضلت عيون النور لوداعها وهم الروض بخلع حلته المموهة بذهب شعاعها. والطل في أعين النوار تحسبه ... دمعاً تحير لم يرقى ولم يكف كاللؤلؤ ظل عطف الغصن متشحاً ... بعقده وتندى منه في شنف يضم من سندس الأوراق في صرر ... خضر ويجنى من الأزهار في صدف والشمس في طفل الإمساء تنظر من ... طرف غدا وهو من خوف الفراق خفى كعاشق سارعن أحبابه وهفا ... به الهوى فتراهم على شرف إلى أن نضا المغرب عن الأفق ذهب قلائدها وعوضه عنها من النجوم بخدمها وولائدها فلبثنا بعد أداء الفرض لبث الأهلة ومنعنا جفوننا أن ترد النوم إلا نحلة ونهضنا وبرد الليل موشع وعقده مرصع وإكليله مجوهر وأديمه معنبر وبدره في خدر سراره مستكن وفجره في حشا مطالعه سستجبن كأن امتزاج لونه بشفق الكواكب خليط مسك وصندل وكأن ثرياه لامتداده معلقة بأمراس كتان إلى صم جندل: ولاحت نجوم الليل زهرا كأنها ... عقود على خود من الزنج تنظم محلقة في الجو تحسب أنها ... طيور على نهر المجرة حوم إذا لاح بازى الصبح ولت يؤمها ... إلى الغرب خوفاً منه بسر ومزرم إلى حدائق ملتفة وجداول محتفة إذا جمش النسيم كصونها اعتنقت عناق الأحباب.

وإذا فرك من المياه متونها انسابت في الجداول انسياب الحباب ورقصت في المناهل رقص الحباب وان لثم ثغور نورها حيته بأنفاس المعشوق وان أيقظ نواعس ورقها غنته بألحان المشوق فنسيمها وان وشميمها بعرت الجنان عنران ووردها من سهر نرجسها غيران وطلها في خدود الورد مهتد وفي طرز الريحان حيران وطائرها كرد وماؤها مطرد وغصنها تارة يعطفه النسيم إليه فينعطف وتارة يعتدل تحت ورقائه فيظنها قوم همزة على ألف مع ما في تلك الرياض من توافق المحاسن وتباين الترتيب إذ كلما أعتل النسيم صح نشر الروض وكلما خر الماء شمخ القضيب: وكأنما تلك الغصون وقد ثنت ... أعطافها رسل الصبا أحباب فلها إذا افترقت من استعطافها ... صلح ومن سجع الحمام عتاب وكأنها حول العيون موايسا ... شرب وهاتيك المياه شراب فغديرها كأس وعذب نطاقها ... راح وأضواء النجوم حباب تحيط بملق ماؤها صاف وظلال دوحها ضاف وحصباؤها بصفاء مائها في نفس الأمرار كدو في رأى العين طاف إذا دغدغها النسيم العليل حسبت ماءها بتمايل الظلال فيه يتبرج ويميل وإذا اطردت عليه أنفاس نسيم الصبا ظننت أفياء تلك الغصون هوى بمثلها في قلبه وكأن النسيم أيضا كلف بها غار من دنوها إليه فميلها عن قربه والسرو مثل عرائس لفت عليهن الملاء شمرن فضل الأزر عن سوق خلاخلهن ماء والنهر كالمرأة تبصر وجهها فيه السماء وكأن صواف الطير المبيضة بتلك الملق خيام أو قباب على الرقمتين قيام وأباويق فضة رءوسها لها فدام ومناقيرها المحمرة أول ما أنسكب من المدام وكأن رقابها رماح أس! مها من ذهب أو شموع أسود رءوسها ما انطفى وأحمره ما التهب وكنا كالطير الجليل عدة وكطراز العمر الأول جدة: من كل أبلج كالنسيم لطافة ... عف الضمير مهذب الأخلاق مثل البدور ملاحة وكعمرها ... عدداً ومثل الشمس في الإشراق ومعهم قسى كالغصون في لطافتها ولينها والأهلة في نحافتها وتكوينها والأزهار في ترافتها وتلوينها بطونها مدبجة ومتونها مدرجة كأنها كوكب الشولة في انعطافها أو أوراق الظباء في التفافها لأوتارها عند القوم أوتار ولبنادقها في الحواصل أوكار إذا انتصبت لطير ذهب من الحياة نصيبه وإذا انتضت لرمى بدت لها أنه أحق بها أن تصيبه ولعل ذلك الصوت زجر لبندقها أن يبطىء في سيره أو يخطئ الغرض إلى غيره أو وحشة لمفارقة أفلاذ كبدها وأسف على خروج بنيها عن يدها على أنها طالما نبذت بنيها بالعراء وشفعت لخصمها التحذير بالإغراء: مثل العقارب أذنابا معقدة ... لمن تأملها أو حقق النظرا إن مدها قمر منهم وعاينه ... مسافر الطير فيها وانبرى سفرا فهو المسىء اختياراً إذ نوى سفرا ... وقد رأى طالعاً في العقرب القمرا ومن البنادق كرات متفقة السرد متحدة العكس والطرد كأنما خرطت من المندل الرطب أو عجنت من العنبر والورد تسرى كالشهب في الظلام وتسبق إلى مقاتل الطير مسددات السهام: مثل النجوم إذا ما سرن في أفق ... عن الأهلة لكن نونها راء من فاتها من نجوم الليل إن رمقت ... الإثبات يرى فيها وأضواء تسرى ولايشعر الليل البهيم بها ... كأنها في جفون الليل إغفاء ويسمع الطير إذ تهفو قوادمه ... خوافقاً في الدياجى وهى صماء تصونها جراؤه كأنها درج درر أو درج غرر أو كمامة ثمر أو كنانة نبل أو غمامة وبل حالكة الأديم كأنما رقمت بالشفق حلة ليلها البهيم: كأنها في وضعها مشرق ... تنبت منه في الدجا الأنجم أو ديمة قد أطلعت قوسها ... ملوناً وانبعثت تسجم فاتخذ له كل مركزا وتقاضى من الإصابة وعدا منجزا وضمن له السعد أن يصبح لمراده محرزاً: كأنهم في يمن أفعالهم ... في نظر المنصف والجاحد قد ولدوا في طالع واحد ... وأشرفوا من مطلع واحد

فسرت علينا من الطير عصابة أظللتنا من أجنحتها سحابة من كل طائر أقلع يرتاد مرتعا فوجدوا الكن مصرعاً وآسف يبعى ماء حماماً فورد ولكن القسم منقعاً وحلق في الفضاء يبغي ملعباً فبات هو واشياعه للقسى سجدا ركعا فتبركنا بذلك الوجه الجميل وتداركنا أوائل ذلك القبيل فاستقبل أولنا ثم بدره وعظم في نوعه قدره كأنه برق كرع في غسق أو صبح عطف على بقية الدجى عطف النسق تحسبه في أسداف المنى غرة نحج وتخاله تحت أذيال الدجى طرة صبح عليه من البياض حلة وقار وله كرة من عنبر فوق منقار من قار له عنق ظليم والتفاتة ريم وسرى كيم يصرفه نسيم: كلون المشيب وعصر الشبا ... ب ووقت الوصال ويوم الظفر كأن الدجى غار من لونه ... فأمسك منقاره ثم فر فأرسل إليه عن الهلال نجما فأسقط منه ما كبر بما سقط حجما فاستبشر بنجاحه وكبر عند صباحه وحصله من وسط الماء بجناحه وتلاه كي نقى اللباس مشتعل شيب الرأس كأنه في عرانين يشبه لأوائله كبير أناس إن أسف في طيرانه فغمام، وإن خفق بجناحه قطع له بيد النسيم زمام ذو عيبة كالجراب ومنقار كالحراب ولون ثغر في الدجى كالنجم ويخدع في الضحى كالسراب ظاهر الهرم كأنما يخبر عن عاد ويحدث عن أرم: إن عام في زرق الغدير حسبته ... مبيض غيم في أديم سماء أو طار في أفق السماء ظننته ... في الجو شيخاً عائماً في ماء متناقض الأوصاف فيه خفة الج ... هال تحت رزانة العلماء فثنى الثاني إليه عنان بندقه وتوخاه فيما بين أصل رأسه وعنقه فخر كمارد انقض عليه نجم من أفقه فتلقاه الكبير بالتكبير واختطفه قبل مصافحته من الماء وجه الغدير وقارنته أوزة حلتها دكنا وحلبتها حسنا لها في الفضاء مجال وعلى طيرانها خفة ذوات التبرج وخفر ربات الحجال كأنما عبت في ذهب أو خاضت في لهب تختال في مشيتها كالكاعب وتتأتى في خطوها كاللاعب وتعطو بجيدها كالطير البهير وتتدافع في سبرها مشى القطاة إلى الغدير: إذا قبلت تمشى فخطرة كاعب ... رداح وأن صاحت فصولة خادم وإن أقلعت قالت لها الريح ليت لي ... خفا ذي الخوافي أو قوى ذي القوادم فأنعم بها في البعد زاد مسافر ... وأكرم بها في القرب تحفة قادم فلوى الثالث جيده إليها وعطف بوجه قوسه عليها فلحت في ترفعها ممعنة ثم نزلت على حكمه مذعنة فأعجلها عن استكمالها الهبوط ورفعها قبل استقرارها السقوط واستولى عليها بعد استمرارها القنوط وحاذتها الغلغة تحكى لون وشيها وتصف حسن مشيها وترى عليها بغرتها وتنافسها في المجالس كضرتها كأنها مدامة قطبت بمائها أو كمامة سفت عن بعض نجوم سمائها: بغرة بيضاء ميمونة ... تشرق في الليل كبدر التمام وان تبدت في الضحى خلتها ... في الحلة الدكنا برق الغمام فنهض الرابع لاستقبالها ورماها عن فلك سعده بنجم وبالها فجدت في العلو مدة وطارت أمام بندقه ولولا اطراد الصيد لم تك لذة وانقض عليها من يده شهاب حتفها وأدركها الأجل لخفة طيرانها من خلفها فوقعت من الأفق في كفه وفرت من ثنايا واصفها عن صفة وأتت في أثرها أنيسة آنسة كأنها العذراء العانسة أو الأرماء الكانسة وعليها خفر الأبكار وخفة ذوات الأوكار وحلاوة المعاني التي تجلى على الإفقار ولها أنس الربيب وإذلال الحبيب وتلفت الزائر المريب من خوف الرقيب ذات عنق كالإبريق أو الغصن الوريق قد جمع صفرته النهار إلى حمرة الشفق وصدر بهي الملبوس شهي إلى النفوس كأنما رقم فيه النهار بالليل أو نقش العاج بالأبنوس وجناح ينجيها من العطب يحكى لونه المنديل الرطب لولا أنه حطب مدبجة الصدر تفويفه أصناف إلى الليل ضوء النهار لها عنق خاله له من رآه شقائق قد سيحت بالبهار. فوثب الخامس منها إلى الغنيمة ونظم في سلكه تلك الدرة اليتيمة وحصل بتحصيلها بين الرماة على الرتبة الجسيمة وأتى على صياحها حبرج تسبق همته جناحه ويغلب خفق فؤاده صياحه مدبج المطا كأنه خلع حلة منكبيه على القطا ينظر من ذهب ويخطو على عود من لهب: يزور الرياض ويجفو الحياض ... ويشبه في اللون كدر القطا ويهوى الزروع ويلهو بها ... فلا يرد الماء الأخطا فبدره السادس قبل ارتفاعه وأعان قويسه بامتداد باغه فخر على آلائه كبسطام بن قيس وانقض عليه راميه فحصله بحذق وحمله بكيس.

وتعذر على السابع مرامه ونبأ به عن بلوغ الإرب مقامه فصعد هو وترب له إلى جبل وثبت في موقفه من لم يكن له بمرافقته قبل فعن له نسر بقوادم شداد ومناسر حداد وخوافي مداد كأنه من نسور لقمن بن عاد تحسبه في السماء ثالث أخويه وتخاله في الفضاء قبته المنسوبة إليه قد حلق كالفقراء رأسه وجعل مما قصر من الدلوق الدكن لباسه واشتمل من الرياش العسلي إزاراً واختار العزلة ولا تجد له إلا في قنن الجبال الشواهق مزار، قد شابت نواصي الليالي وهو لم يثسب ومضت الدهور وهو من الحوادث في معقل أشب: مليك طيور الأرض شرقاً ومغرباً ... وفي الفلك الأعلى له أخوان له خال فتاك وحلية ناسك ... وإسراع أقدام وفترة وان فدنا من مطاره وتوخى ببندقة عنقه فوقع في منقاره فكأنما قد هد منه صخرا توخى أو هدم به بناء مشمخراً ونظر إلى رفيقه مبشراً له بما امتاز به عن فريقه وإذا به قد أظلته عقاب كاسر كأنما قد أظلت صيدا قد أفلت من المناسر إن حطت فسحاب انكشف وان أقامت فكأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف بعيدة ما بين المناكب إذا أقطعت لجت في علو كأنما تحاول ثارا عند بعض الكواكب: ترى الطير والوحش في كفها ... ومنقارها ذا عظام مزاله فلو أمكن الشمس من خوفها ... إذا طلعت ما تسمت غزاله فوثب إليها الثامن وثبة ليث وثق من حركاتها بنجاحها ورماها بأول بندقبة فما أخطأ قادمة جناحها فأهوت كعود صرع أو طود صدع قد ذهب بأسها وتذهب بدمها لباسها وكذلك القدر تخادع الجو عن عقابه ويستنزل الأعصم من عقابه فحملها بجناحها المهيض ورفعها بعد الترفع في أوج جوها من الحضيض ونزلا إلى الرفقة جزلين بربح الصفقة فوجد التاسع قد مر به كركي طويل السفار سريع النفار شهى العراق كثير الاغتراب يشتو بمصر ويصيف بالعراق لقوادمه في الجو هفيف ولأديمه لون سماء طرأ محليها غيم خفيف تحن إلى صوته الجوارح وتعجب من قوته الرياح البوارح له شية حمراء في رأسه كوميض جمر تحت رماد أو بقية جرح تحت ضماد أو فص عقيق سفت عنه بقايا ثماد ذو منقار كسنان وعنق كعنان كأنما بنوس على عود من أبنوس: إذا بدا في أفق مقلعاً ... والجو في الماء تفاويفه حسبته في لجة مركباً ... رجلاه في الأفق محاذيفه فصبر عليه حتى جازه مخلباً وعطف عليه مصلباً فخر مضرجاً بدمه وسقط مشرفاً على عدمه ولطالما أفلت لدى الكواسر من أظفار المنون وأصابه القدر بحبة من حماء مسنون فكثر التكبير من أجله وحمله راميه من على وجه الأرض برجله وحاذاه غرنوق حكاه في زيه وقدره وامتاز عنه بسواد رأسه وصدره له ريشتان ممدودتان من رأسه إلى حلقه مفقودتان من أذنه إلى مكان سبقه له من الكراكي أوصافه سوى سواد الصدر والرأس إن شمال رجلا وانبرى قائما ألفيته هيئة برجاس. فأصغى العاشر له منصتا ورماه ملتفتا فخر كأنه صريع الأشجان أو نزيف بنت الجان فأهوى إلى رجله بيده وأيده وانقض عليه انقضاض الكاسر على صيده وتبعه في المطا رضوغ كأنه من النضار مصبوغ تحسبه عاشقا قد مد صفحته أو بارقاً قد بدت لفحته: طويلة رجلاه مسودة ... كأنما منقاره خنجر مثل عجوز رأسها اشمط ... جاءت وفي رقبتها معجر فاستقبله الحادي عشر ووثب ورماه حين حازاه من كشب فسقط كفارس تقنطر عن جواده أو وامق احتسب حبة فؤاده فحمله بساقه وعدل به إلى زقاقه واقترن به مرزم له في السماء سمى معروف ذو منقار كصدع معطوف كأن رياشه فلق اتصل بشفق أو ماء صاف علق بأطرافه علق له جسم من الثلج على رجلين من نار إذا أقلع ليلا قلت صبح في الدجى نار. فانتحاه الثاني عشر ميمماً ورماه مصمماً فأصابه في زوره وحصله من فوره وحصل له المحلقة في السماء بسببها وليشكر نعمنا التي أقرت النعم لديه وبسطت في الأرض بالتمكين بين يديه ونوعت له من كرمنا من الخير وخولته فيما تقلدناه من الملك عن سليمان حتى تفقد الطير والله تعالى يجدد سعوده في شطور الصدور تقرا وجوده بها يقرى وعهوده في البطش تارة تريش سهما وتارة تجرد! قرا أن شاء الله تعالى. نظر رجل إلى رام قصير اليد في صنعته فقعد في مواضع الهدف فقال له ما هذا فقال له لم أر منك مكانا سالما ألا هذا.

خرج الحيص بيص الشاعر ليلة من دار الوزير شرت الدين أبى الحسن على بن طراد الزيني فنبح عليه جرو كلب وكان متقلدا سيفا فوكزه بعقب السيف فمات وكان هبة الله بن الفضل القطان بينه وبين الحيص بيص وقائع فكتب رفعة وعلقها في عنق كلبة لها جرو ورتب معها من طردها وأولادها إلى باب الوزير كالمستغيثة به فأخذت الورقة وقرئت على الوزير فإذا فيها مكتوب: يا أهل بغداد أن الحيص بيص أتى ... بفعلة أكسبته الخزى في البلد هو الجبان الذي أبدى تشاجعه ... على جرو ضعيف البطش والجلد وليس في يده مال يفديه به ... ولم يكن لسواء عنه في القود فأنشدت جعدة من بعد ما احتس ... بت دم الابيلق عند الواحد الصمد تقول للنفس يأسى وتعزية ... إحدى يدي أصابتني ولم تكد كلاهما خلف من بعد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدى قلت ومن ملح المداعبات ما كتب به الشيخ جمال الدين بن نباتة إلى الشيخ بدر الدين حسن الغزى الشهير بالزغارى صورة إجازة أما بعد حمد الله الذي جعلنا ممن كرم من البشر والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاسئ من فجر وعلى آله وصحبه ما نبح الكلب ضوء القمر فقد قرأ على لازال صائدا للحمد من مكمنه صائلا على القرن من مأمنه نازلاً منازل العواء في أحسن أفق وأحصنه هذه الفلذة من شعري قراءة أبتغ بها الإحسان أثرا ودل على جودة القراءة وطالما دل على جود القرى ووحدته قد فاق جرو لا خطابا وافتخر على الكلبي وابنه نسبا وآداباً وبلفت مفاخر قومه على زعم القائل فلا عمر أبلغت ولا كلابا وعلا ذروة لو سامها ابن كلاب لما قرعها بل ولو نبحها كوكب الكلب المقدم لما بلغها صوته ولا سمعها والتقى صوت الآداب منه كاد ورايح وامتزج عليها بجوارحه فحبذا ما علم من الجوارح وسعى على ظفر سعيه السريع المديد ونام على المجاراة قرناؤه منام أهل الكهف وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد. وعلمت أن مكاسب آدابه عظام وكثر فوائده لباب إذا اختلفت فوائد أهل اليسار والنظام وأن جل ملابسه من حمده وكل عزائمه زائدة عن طوقه وجهده وكل رافع طوع طلبه وكل خير صحبه من عنده لو قارب كلاب بن ربيعة لسلم إليه زمام المكارم ولو حاور جريرا لما قال للأخطل هجوت كليبا إذا آل دارم ولو دعى الوحش بلفظه لعطف عليه ذوو النفار ولو سابق البرق لما لحق من بديهته الغبار ولو فاخر الدرر وحاكمها إلى البحور لأفامته وأقعد بها عن الفخار ولو ميز حال أضداده لكان الكلب خيراً منها عند ذوى البصائر والأبصار تكاد الحمائم تقول أين ضعف سجعنا من قوة هذا النطق الضارى والتبر في غبار معدنه ينادى أين جوار هذه الطرق من جوار غارى فأجزت له رواية هذه الأبيات وحمايتها وحفظها ورعايتها اتباعا لأسارته وإعجاباً بما امتاز به على أشباهه من زي النطق وإشارته وتمسكا بوفاء بيته الجلية أنسابه المغشية أنديته حتى ما تهر كلابه عالما بأنه المفتش على خبايا الفضائل الحامي لمرعى القول حتى ما يذكر الحمى وكليب وائل المتسرع في تصيد شوارد الآداب الناهض بنصرتها وقد قطع بها الدهر لديه أذناب الكلاب السابق حين يفتر سواه ويلبث المتحمل لأعبائها لا كالقرين الذي إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث وذلك عند سفره الحافز وبكوز عزمه الذي هو عن استيفاء القول حاجز وحركته في أوقات الشتاء الجامدة ورحلنه في ليلة من جمادى لا ينبح الكلب فيها فير واحد والله تعالى يجمع له بين الغنيمة والإياب وبفيض على القلوب ثياب مودته الثابت فضلها على كثير ممن لبث الثياب. ذكر أديسم بن إبراهيم صاحب أدريجان قال كنت مجتازاً على قنطرة الري في عسكري فلما صرت في وسط القنطرة رأيت امرأة تمشى وقد حملت طفلاً لها في قماطة فصدمها بغل محمد فطرحت نفسها فزعا ووقع الطفل من يدها في الماء فلما وصل إلى الماء غاض زمانا لبعد ما بين القنطرة والماء ثم طفا وسلم من الحجارة والماء يجري. وأجراف النهر بعيدة عن الماء وفيها أوكار عقبان فحين طفا الطفل رأته عقاب هناك فانقضت عليه ومسكت بمخالبها في قماطه وخرجت إلى الصحراء فأمرت جماعة أن يركضوا خلف العقاب ففعلوا ومشيت أنا فإذا العقاب قد وعلت إلى الأرض واشتغلت بخرق القماط فأدركه القوم وركضوا خلفها حتى شغلوها عن خرق القماط فطارت وتركت الطفل على الأرض فإذا هو سالم يبكى فرددناه إلى أمه.

من إنشاء المجيد أبي علي بن أبي النحناء العسقلاني رسالة طردية نقلتها من خط الوداعي من أصبحت نعمه سوارح واستعبدت منته القلوب والجوارح فأصبح لها المجد مقراً ولرغرائب السودد والثناء مقراً مثل حضرة مولاي أطال الله بقاءه تطلبت له الأنفس النار ونغصت له الملاذ والمسار ومما يظرف به العبد أسنى الله قدره وأعلاه أنه خرج يوماً مع أناس قد وصلوا برهم بايناس كل منهم يهتز للأكرومة ويأوى إلى شرف الأرومة على خيل مسومة مثقفة مقومة من بين جون أدهم أذكى من فارسه وأفهم أغر محجل وعدة معجل كان اسوداد أهابه إذا ضاهى به ليل رمت البلاد شهبه شبهة العين والأرض نهبه إذا زاغ عن سنان أو تعطف لعنان ظننته صد عن مواصله وانفصل عن مفاصله واشقر كالطراف عبل الطراف نهد كريم له سالفة ريم كأنما خرط من عقيق أو تردى برداء من شقيق يجري كهوج ويعلو كموج وينزل كوابل إن قرعت عرفه سابق طرفه وإن أوردته الطراد أوردك المراد وكميت كالطود ذي وطيف كذراع العود يلطم الأرض بزبر وينزل من السما بخبر وهملاج أشهب إن زجرته ألهب أديمه روضه بهار ينظر من ليل في نهار ينساب انسياب الأيم ويمر مرور الغيم لا ينبه النائم لو عبر به ولا يحرك الهواء في مسربه أخفى وطأ من طيف وأوطى ظهراً من مهاد ضيف فلم يزل بنا المسير وكل في طاعة صاحبه أسير إلى أن صادفنا وادياً كان لعيوننا بادياً فما قطعناه عرضاً حتى أتينا أرضاً كأنما فرش قراراها بزبرجد وصيغت أنوارها من لجين وعسجد قد رقرت فيها السحاب دمعها وأحسنت قيعانها جمعها نسيمها سقيم وظلها مقيم وماؤها جورى وتربها شجرى فهي تهدي للناشق أنفس المعشوق إلى العاشق كأن غدرانها في اخضرار رياضها وجداولها في اسوداد بياضها وبدور سماء كملت وبروق في متون غمام تساسلت طائرها مكسال وظباؤها ارسال ذات قرون معقفة كأذناب العقارب وبطون مبيضة كالنهار السارب مضمخة الأجساد بخليط صندل وجساد قد اكتست أطيارها فأغربت وتغنت بلغاتها فأطربت كأن الأماني فتحت لها أبوابها والرياض خلعت عليها أثوابها إذا شنجت للبكاء وأعلنت بالمكاء أبت الطباع على نغمات الموصلى في نفثات البابلي ومجت الأسماع شدو الفريض بمرقق القريض فعند ذلك يممنا ظل شجرة هنالك ذات جدول متكمر في مسلك متيسر وكان أعلاه بطن جان وقرارته مساقط در ومرجان فلما وردنا عليها وأنضفنا إليها حنت علينا أغصانها حنو الوالد وألحفتنا أوراقها بظل خالد وأتحفتنا من ثمارها بطارف وتالد فأصبنا من ثمرها قليلاً ونقعنا بماء جدولها غليلاً ثم نهضنا نطلب الأوابد كوامنها واللوابد وقد يسرنا مقاود الكلاب وشركنا في البحث والطلاب كل كلب منها غلوب ولا رواح الطرائد سلوب ذو خطم مخطوف ومخلب كصدغ معطوف بقوائم مالذوابل ومتن كالغصن الذابل غائب الخصر حاضر النصر كأنما لملمت هامته من فهر وخرط وما دون عينيه بجهر له طاعة تهذيب وإخلاس ذيب وتلفت مريب وحذافة نذريب له من الطرف أوراكه ومن الطرف إدراكه ومن الأسد صوله وعراكه إذا طلب فهو منون وإذا انطوى فهو نون وإذا استرسل فهو خط على الأرض مظنون فسنح لأحدها غزال والمقود عنه مزال فاسترسل عليها وهرب وجد في طلبه فانسرب فأنبرا في أسلوب ما بين سالب ومسلوب إذا مرق الأول كالسهم تبعه الثاني كالوهم فللظبي حد على جناح وحل وللكلب انبساط أمل في سرعة أجل إلى أن جعجعه وبنفسه فجعه دامي الجروح بادي القروح مستسلماً لسلب الروح فعاجلناه بالذكاة وأيقنا بحلول البركات ثم انتحى بعضنا بفهد ذي صدر رحب نهد كأن قرار ثمرته في اختلاط بياضه بسمرته ثوب مصمت معتق مطلق فد فرشت فوقه أقراص عنبر! ففتها يد صانع خبير فنبهه ففج فجيج ثعبان وأطلقه على ظبية تدب دبيب عقران فلما أدركه ناظر الصيبه ومرت مرور عيبه فآت أبصارنا بنفرنه وسبق أفكارنا بظفرته ولطمها عند الإدراك من الكتف إلى فرجة الأوراك فشقها شق المزاد ضاقت أفواهها عن خروج المراد وضرعها يضطرب كأن قوائمها تجترب فبادرنا مهللين وذكيناها محللين ثم ملنا إلى الطيور وجوارحنا مطلقة السيور فقال رجل من أصحابنا أتبعنا عند أصحابنا ذلك الغدير فيه طير يستدير ينظر من خراة ابره ويحتال في بروز خبره فاستدللنا عليه بالبراهين إلى أن ارتكض قوم من الشواهبن أطلقه حامله واقترحت عن شباقته أنامله فمر في الهواء يتصرت في الأهواء يذكى جداً وأعمالاً ويطعن يمينا

وشمالا كأنما أضل فريقا أو جهل طريقا حتى إذا دنى أفق السماء مسامتا للماء كأنه يمسح الفلك أو يطلب شيئا هلك طرق من خوفه فانحدر وهو يسابق القدر كأنه صخرة منجنيق أو حجر أرسل من رأس بيق له درى كدوى الرعد نطق عن الفيث بوعد فانتحى إحداهن وقد قرن مداهن فقنعها بيسراه وقد أضحت من يسراه وشيعها بيفاه وقد بلغ منها مناه فدحاها كأنها كره طوحت بها ضربة منكره فذكيناها تحليلا وأدقناه منها تعليلا ثم ملنا إلى قسى البنادق من كل ناطقة بالوعد الصادق يعطيك المراد لكرم أعراقها ويمنعك الفياد عن استغراقها ذات بطن كالحاجب المقرون وظهر قد أثرت فيه الجنادب القرون قد تعصفر أعلاها فرحا باستعلائه وأحد لرداها أسفا على استيلائه ترن عند الرشق رنين مصابها ويتشكى أليم أو صابها بل يسجع للنبض سجع الحمامة وينظر عند النقص نظر زرقاء اليمامة ألوان أوعيتها مختلفة وأكوان تسيرها مؤتلفة كأنها مجارى أنهار بين طرائق أزهار فسرنا صفوفا فوافينا الطيور رفرفا فلما قطعت في عراضنا وصارت منا كما عراضنا قلبت نحوها القسى أبصارا واتخذت من البندق رسلا وأنصارا فرشقناها مبسملين ولصرع أكثرها مؤملين فجرت تتهافت وأجنحتها تنقبض وتتكافت كأنما أسبقت إلى أقواتها واستنزلتها الفراخ بحسن أصواتها فبادرناها مكبرين ولنعم الله عليها مكثرين وواجرناها غصص المنايا بمدى معوجة كالحنايا وأصليناها ناراً تلظى تشقى بحميمها وتحظى كأنها عبدة أوثان أو متخذة لها ثان فسبحان من أحل سفك دمائها وأحل للبشر سبك ذمابها والسلام. السيد الفاضل شمس الدين بن الصاحب موفق الدين ابن الأمدي في الفهد: إذا طلب الغزلان فهو منون ... وإن دار في طرس الفلاة فنون وكيف يضل الوحش عنه وجلده ... بمسود ذاك النقط فيه عيون وله في الصقور: وكأنما فوق الأكف فوارس ... في الخافقين يجلن بين خوافق أكثرن لبس السابغات أما ترى الص ... دأ الحديد لهن فوق عوائق

من الكلام الفاضلي أنى رغبت إلى مولانا لازالت المرغبات إليه مرفوعة وثمراتها كثمرات الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة في الإحسان بشاهين يجعل وكيل مطبخي لكثرة ما يجلب إليه من الخير واستنيبه عن صاحب صالح فهو قدر الطير لا يعتصم منه بغير فجها ولا تلوذ الحمامة بعوسجها قدر قمت يد القدرة على جؤجؤه ديباج أسطره وعرفت أقلامها نون منسره فكأنما عقد ليحسب ما صاد لمرسله ويوفيه حساب عمله وكأنه منجل أرسل على الطير بحصاد أجله تأتى بالرزق رغدا وتتخذ عند كل فم يدا أن عاش فأجنحته للطيور كالقيود وإن نوى ورث السهام ريشه فهو ولي عهده في الصيود وما أجدر الطير بأن تقول لا تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدما ومن لا يقنع برزقه في الأرض حتى يطالب به في السما، طردية الشيخ جمال الدين بن نباتة التي سماها فرائد السلوك في مصائد الملوك، وزهر يضحك في الأكمام إن كانت الأرض لها ذخائر فهي لعمري هذه الأزاهر قد بسطتها راحة الغمائم بسط الدنانير على الدراهم احسن بوجه الزمن الوسيم تعرف فيه نضرة النعيم وحبذا وأدى حماة الرحب حيث زهى العيش به والعشب أرض السنا وألبها والمرح والأمن واليمن ورايات الفرح ذات النواعير سقات الترب وأمهات عصفه والأب تعلمت نوح الحمام الهتف أيام كانت ذات فرع أهيف فكلها من الحنين قلب وكيف ولا والماء فيها صب الله ذاك السفح والوادي الغرد والماء معسول الرضاب مطرد يصبو بها الرائي فكيف السامع ويحمد العاصي فكيف الطائع إذا نظرت للربى والنهر فار وعن الربيع أو عن جعفر محاسن تلهى العيون والفكر ربيع روضات وشحرور صفر أمام كل منزل بستان وبين كل قرية ميدان أما رأيت الورق في الأوراق جاذبة القلوب بالأطواق فبادر اللذة يا فلان وأغنم متى أمكنك الزمان ولا تعل مشتى ولا مصيف فكل أوقات الهنا شريف كل زمان ينقضى بالجدل زمان عيش كيف ما دار اعتدل أحسن ما أذكر من أوقاته وخير ما أنعت من لذاته مرورنا بالصيد فيه والقنص وحوزنا من مزه أحلى الفرص وأخذنا الوحش من المسارب وفعلنا في الطير فوق الواجب لما دنا زمان رمى البندق سرنا على وجه السرور المشرق في عصبة عادلة في الحكم وغلمة مثل بدور التم من كل مبعوث إلى الأطيار تظلمه غمامة الغبار وكل معسول الرضاب أغيد منعطف عطف القضيب الأملد قد حمد القوم به عقبي السفر عند اقتران القوس منه بالقمر لولا حذار القوس من يديه لغنت الورق على كفيه في كفه محينة الأوصال قاطعة الأعمار كالهلال زهراء خضراء الأهاب معجبة مما نوت بين الرياض المعشبة فاغرة الأفواه للأطيار طالبة لهن بالأوتار كأنها حول المياه نون أو حاجب بما تشاء مقرون لها بنات بالمنى مغدوقة من طينة واحدة مخلوقه سامعة لما تشير الأم مع أنها مثل الحجار صم كأنها والطير منها هارب خلف الشياطين شهاب ثاقب وأهالها شهب كرات تخطف شاهدة بالعزم وهى تقذف حنى نزلنا بمكان مؤنق إخوان صدق أحدقوا بالملق فيا له في الحسن من محلى مراد جد ومراد هزل للطير في أملاقه مواقع كأنها لمائه فواقع فلم تزل في منزل كريم تروى حديث الرمى عن قديم حتى طوى الأفق رداء الورس وألتقم المغرب قرص الشمس وابتدر القوم عن المراصد من صاهر لبل التمام شاهد كالليث يسطو كفه بأرقم والبدو يرمى في الدجى بألحم بينا الطيور في مداها سائرة إذا هم من عينه بالساهرة وأقبلت مواكب الطيور على طروس الجو كالسطور فحبذا السطور في المهارق مسقوطة الأحرف بالبنادق من كل حق أن يسمى ضياؤه للشرقي بدر التم تخاله من تحت عنق قد سجاطرة صبح تحت أذيال الدجى وكل تم حس! ن الوسامة تخاله في أفقه غمامه كي يتبعه أوزه دكنا من دونها لغلغة غرا يقدمها أنيسة ملونة تابعة من كل وصف أحسنه وربما مر عليها حبرج كأنه على نضار يدرج وانقض من بعض الجبال نسر له بأبراج النجوم وكر مضبر الخلق شديد الأيد يبنى على الكسر حروف الصيد يحث مسراه عقاب كاسبه خافضه لحظ الطيور ناصبة إذا مضت جملتها المعترضة تواصلت خيوطها المفترضة بكل كركي عجيب السير كأنه طيف خيال الطير يحسن غرنوقاً لهى المجتلا مقدما على الغرانيق العلا وأبيض الغيم يسمى مرزما كم بات مثل نوئه منسجما يحفه شبيطر قوى معجزه في الطيرة وسوى كم حاش ثعبانا وحم حواه كأنه في يده عصاة هذا وكم من طائر ممتاز ينعث في الواجب بالعناز أسود إلا لمعة في الصدر كأنه نور الهدى في الكفر فلم تزل

قسينا الضواري تصيبها بأعين الأوتار حتى كدت دامية النحور ساقطة منا على الخبير كأنما وهى لدينا وقع لدى محاريب القسى ركع وأصبحت أطيارنا قد حصلت ولم تسأل بأي ذنب قتلت مستتبعاً وجه العشى وجه السحر وكل وجه منهما وجه أغر يا لك من صيد مقر العين مرضى الصحاب وهو ذو وجهين لم يرض ما وفي من الأمان حتى شفعناه بوجه ثان! يد الملوك الصيد بالكواسر والخيل في وجه الصباح السافر ذاك الذي تصبو له الجوارح فهي إلى طلابه طوامح واثقة بالرزق حيث كان تغدو خماصاً وتجيء بطانا سرنا على اسم الله والمباحج نعوم في الأقطار بالسوابح خيل تحاذى الصيد حيث مالا كأنها أضحت له ظلالاً تسعى بها قوائم لا تتبع وكيف لا وهى الرياح الأربع تحففنا من فوقها غلمان كأنهم من فوقها أغصان ترك تريك في سماء الملبس كواكباً طالعة في الأطلس منظومة الأوساط بالسلاح من كل شهم زجل الجناح وكل عضب درب المقاطع يحرف الهام عن المواضع على يد السائر منهم زاده من كل باز قرم فؤاده قد كتبت في صدره حروف تقرى بما تقرى به الضيوف وكل شاهين شهى المرتمى كبارق طار وصوب قد همى بينا تراه ذاهبا بصيده معتصما بأيده وكيده حتى تراه عائداً من أفقه ملتزما طائره في عنقه أفلح من كان على يسراه حتى غدت حاسدة يمناه وكل صقر مسبل الجناح مواصل الغدو والرواح ذو مقلة لها ضرام واقد تكاد تشوى ما يصيد الصائد كأنما المخلب منه منجل لحصيد أعمار الطيور مرسل يا حبذا طيور جد ولعب نهوى إلى الأرض وللأفق تثب من سنقر عالي المدا والشان معظم الأخبار والعيان يصعد خلف الرزق ليس يمهله كأنه من السماء يستعجله ومن عقاب بأسها مروع كأنها للطير حين تصرع كم جليت لطائر ومن وهن فكم وكم قد أهلكت من قرن وحبذا كواسر اللواهي عديمة الأنظار والأشباه مخصوصة بالطرد القويم حدباء ظهر الذنب الرقيم ذاك لعمري جذب للرائي تعدل ملك القلعة الحدباء هذا وقد تجهزت أعداد يجمعها الكلاب والفهاد من كل فهد عنتري الحملة أذراى شخص مهاة عيله مبارك الإقبال والأعراض مستقبل الحال بناب ماض كأنه من حدة اكتسابه قد أخرق الأنجم في أهابه له على مسائل الجفون خط كخط الإلفات الجون ما أبصر الباصر خطا مثله وكيف لا والخط لابن مقلة وكل منسوب إلى سلوق أهرت وثاب الخطا ممشوق طاوي الفؤاد ناشر الأظافر يا عجبا منه لطاو ناشر يعض بالبيض وبخطو بالقنا وشمبق لوهم لإدراك المنى كالقوس إلا أنه كالسهم والغيم يجلو عن شهاب رجم إذا رأى بقر الوحش اندفع كأنه المريخ في الثور طلع قاصرة عن يده عيناه مشروطة برجله أذناه يشفعه من كل عور عارى مغالب الصيد على الأوكار وأهالها من كلب طوارد معربة عن مضمر المصائد قد بالغت من طمع في كسبها ففتشت عن أنفس لم تحبها حتى إذا تمت بها الأمور حفت بنا لصيدها الطيور ما بين روضات صمدنا نحوها وحول آفاق ملكنا جوها واستقبلت أطيارها البزاة معلمة كأنها غزاة فلم نزل تسطو سطا الحجاج على الكراكي إلى الدراج حتى غدت تلك السراة صرعى مجموعة على التراب جمعا على الربى من دمها خلوق كأن كل نبتها شقيق ثم عطفنا للوحوش السانحة فاستقبلت تلك الضواري الطامحة كلاب صيد بينها سناقر يفعل في الوحش الفواقر يخشى بها العفر على نفوسها فالطير لا شك على رءوسها وللكلاب حولها مغار يكاد أن يقدح منها النار من نهم لسانه يلوب يقول هذا كوسج مخضوب يعانق الظبي عناق الوامق ما كان أغنى الطير عن معانق والفهد يشتد على الآجال شد وصى السوء في الآمال لا يهمل القصد ولا يخون كأن كل جسمه عيون وللزغاريات خلف الأرنب حقائق تبطل كيد الثعلب كم مرحت بالهارب الممدود وطوحت بصاحب الأخدود وربما مرت ظباء ومهى للنبل كل في حثاها مشتهى قد تسجت ملاءة من عنبر تخاط من فروتها بالإبر فابتدرت أجنحة السهام صائبة الأعراض والمرامي تجرح كل سانح نفور كأنه بعض شهود الزور كأن أقطار الفلاة مجربره أو روضة من الدماء مزهرة كأن صرعى وحشها كفار الموت عقبى أمرها والنار للمرء فيها منظر أحبه يملأ من شحم ولحم قلبه لله ذاك المنظر المهنا أي معاد عن ذراه عدنا قد ملئت من ظفر أبدينا وقد شكرنا فضل ما حيينا نسير حول الملك المنصور كالشهب حول القمر المنير.

الباب الرابع والأربعون في خطائر الوحوش الجليلة المقداد

من كلام القاضي زين الدين بن الوردي رحمه الله وينهى وصول الصقرين فسر العبد بهذين الجزئين اللذين تحن الجوارح إليهما من وجهين ويعز على ابن المعتز أن يذكر لهما في تشبيهاته شبهين فوقع الصقران من الملوك بموقع يفوق النسر وتأمل نحوهما فإذا هما منصوبان لبناء ما ارتفع وانخفض من الصيد على الكسر مثلهما حمر كسيوفه وأجنحتهما مسبلة كغمائم بره على رعاياه وضيوفه مخالبه كالمناجل لحصاد أعمار أعدائه وأعمار الطير ومناقيرهما كالأهلة المبشرة له ولأوليائه بكل خبر فلسان حال كل منهما يقول بمرسليه تفرقوا فبكسبي أجمعكم وبخطف لهم الخطفة ويعود بسرعة فبينما ينظرون بغيبته قالوا طائركم معكم فما أحسن ما يعود يرجع كل واحد منهما من أفقه وقد التزم طائره في عنقه كم للاقى الطير من حرون وكم أهلكنا في الوحش من قرون فما أحق هذا الخبر بمقابلة الثناء عليه وان تمد المملوك لها بين اليدين كلتا يديه ومن كرامات مولانا أنه أصبح جابرا بكاسرين فمرحبا برسوله الذي إن قدم رسول بأيمن طائر فقد قدم هو بأيمن طائرين والسلام. منقول من كتاب الفوائد الجليلة في الفوائد الناصرية وهو ما جمعه الملك الأمجد من شعر والده الملك الناصر صلاح الدين داود بن مولانا السلطان الملك المعظم شرت الدين أبى المظفر عيسى بن السلطان الملك العادل أبى بكر محمد بن الملك الأفضل نجم الدين أيوب رحمهم الله تعالى: وظباء كأمثال العذارى سنح ... تأوى إلى حزن اللوى وسهوبه فأجابها وهنا وهن رواتع ... ما بين واديه وبين كثيبه والروض كهل قد تضوح نبته ... فشبابه متلفع بمشيبه يبكي تداويه الغمائم رحمة ... والبرق يضحك رحمة بقشيبه مستسبق صحب الجلاجل أجدل ... يرتاح رائيه إلى تقليبه تفنى شمائله وحسن صفاته ... عن نعت مطربه وعن تجريبه ومخصر الخصر اغتدى في عدوه ... ترفاً مختلف ضيائه بوثوبه عاناه في تهذيبه ذو فطنة ... وبصارة فأجاد في تهذيبه فقنصت منها ظبية كانت إلى ... قلبي ألذ من المدام وطيبه أو قبلة ممن أبرنى صده ... خالستها منه بركم رقيبه الباب الرابع والأربعون في خطائر الوحوش الجليلة المقداد المتخذة لنزهة الأبصار القول على بقر الوحوش: قال ابن أبى الأشعب في كتابه الذي وضعه في طبائع الحيوان البقر والأراوي واليحامير والظباء وجميع هذه الأنواع ليس بأرضى خالبة وينبغي أن يسمى الحيوان الهوائي الأرضي لأنه خفيف الحركة متململ شديد العدو على الأرض لان حرارة الهواء ليست فيه ذاتية ولا برودة الأرض كذلك إلا أن برودتها غالبة لحر الهواء لأنها فيه اكثر ولما كان كذلك صار بينه وبين الطائر ممازجة ومناسبة وذلك أنه إذا أراد العدو انتصب في وقفته وطلب مهب الريح ثم استنشقها استنشاقا حال طيرانه ثم زج نفسه مستقبلا للريح وربما أصابه مخيف وكانت الريح تجيء من جهته فيحمل نفسه على الجهة التي فيها المخيف وأيضا فإنه يؤثر الهواء صيفا وشتاء ولا يستتر منه ميلا إليه ومحبة فيه. وأما المها فيقال إن من طباعها الشبق والشهوة وإذا حملت الأنثى هربت من الذكر خوفا من عينه بها وهى حامل والذكر لفرط شهوته يركب ذكرا آخر وإذا ركب واحدا منهما شم الباقي روايح المائية فيبنى عليه ولا يمنع من يثب عليه بعد والبقر الوحشية أشبه شيء بالمعز الأهلية ولذلك تسمى نعاجا وقرونها صلاب جداً وتمنع بها عن أنفسها وأولادها كلاب الصيد والسباع التي تطيح بها، وبقال أن أول من طرد البقر الوحشية ربيعة بن نزار بن معد وأنه لما كدها لجأت منه إلى حالة فاستترت منه بها فرق لها ورجع عنها. الوصف كاتب أندلسي يصف بقرة وحشية عن لنا سرب نعاج يمشين زهواً كمشى العذارى وينثنين زهواً تثنى السكارى كأنما تخلجت بالكافور جلودها وضمخت بالمسك قوائمها وخدودها وكأنما لبسن الدمقس سربالا واتخذن السندس سروالا: من كل مهضمة الحشا وحشية ... تحمى مداريها دماء جلودها وكأنما أقلام خيبر كتبت ... بمداد عينيها طروس خدودها والوصف البديع في سرعة عدوه قول الطرماح: يبدو وتضمره البلاد كأنه سيف على شرف يسل ويغمد

وأما الإبل فان أصحاب البحث عن طبائع الحيوان يقولون أن ذكره من عصب لا لحم ولا غطروف ولا عظم وأن قرنه مصمت لا تجويف فيه والأنثى تقلق للذكر قلقا شديدا ولهذا لا تثبت لنزوه إلا في الفرط مرة واحدة وإذا حملت لا تضع إلا على السبل والطرق لهرب السباع من الجادة الملوكة وإذا أرضعت أكلت الجعدة لإصلاح لبنها وهى تحب الكينونة في القمر وتأتى بولدها إلى أماكن الماء وتعرفه المواضع التي تهرب إليها إذا احتاجت إلى الهرب وهى خور فيها صدوع وتجويفات ليس لها مدخل إلا من مكان واحد وتقف على ذلك المكان وتقابل بجهدها كل حيوان يطلب ضرر ولدها والإيل يسمن جدا فإذا سمن اختفي في موضع لا يعرف خوفا من أن يصاد لسمنه وهو مولع بالحيات أكلها يطلبها في كل موضع فإذا انحجرت منه أخذ في فمه ماء ثم مجها في الجحر فتخرج له ذنبها فيأكلها حتى ينتهي إلى رأسها فيتركها خوفا من السم وربما لسعته فتسيل دموعه إلى نقرتين تحت محاجر عينيه يدخل الإصبع فيهما فتجمد تلك الدموع وتصير كالشمع يتخذ درياقا لسم الحيات وهو البازنهر الحيواني وإذا لسعه أكل السرطانات فيبرأ وكذلك جمل التفاح الحامض إن كان زمانه أو ورقه إن لم يكن زمانه فيبرأ ولا ينبت له قرن إلا بعد أن يمضى عليه سنتان من عمره وإذا نبت قرناه نبتا مستقيمين كالوتدين وفي الثالثة يتشعب ولا تزال الشعب في زيادة إلى تمام سنة وسنتين وحينئذ يكونان كالشجرتين على رأسه، ثم بعد ذلك يلقى قرونه في كل سنة مرة ثم تنبت وإذا نبتا له تعرض للشمس لتصلب فإذا صارا كالشجرتين منعا الإحصار ولا يكاد يفلت إذا طردته الخيل وهو إذا ألقاهما ادخرهما حتى ينبت خلافهما لأنهما آلته وليس له سلاح غيرهما يدافع بهما عن نفسه كالترس للجبان لأنه لا بنطح بهما إلا إذا صلحا لذلك. وزعم أرسطو أن هذا النوع يصاد بالصفير والفناء وهو لا ينام ما دام يسمع ذلك والصيادون يشغلونه بالتطريب وبأتون إليه من خلفه وإذا رأوه مسترخية أذناه وثبوا عليه وان لم بكن كذلك فليس لهم عليه سيل، وإذا اشتد عليه العطش من كل الحيات أتى غدير الماء فاشتمه وانصرف عنه يفعل ذلك أربعة أيام ثم يشرب الماء في اليوم الخامس وإنما يمتنع من شربه لخوفه على نفسه من سريان السم في الجسد مع الماء. وأشرف محبوب وأعز موجود وأبهى محدود وكأنما وسمها الكمال بنهايته أو لحظها الفلك بعنايته فصاغها من ليله ونهاره وحلاها بنجومة وإضماره ونقشها ببدائع آثاره ورمقها بنواظر سعوده وجعلها أجل حدوده ذات أهاب منير وقرى محير وذنب مشجر وسوى مسور ووجه مزجج ورأس متوج يكتنفه أذنان كأنهما زجان سجية الاتصاف بلورية الأطراف جامعة شبها بالربيب بين زمن الشبيبة فهي قيد الأبصار وأمد الأفكار ونهاية الاعتبار غنى عن الحلى عطفها مزرية بالزهر حللها واحدة جنسها وعالم نقشها صنعه المنشئ الحكيم وتقدير العزيز العليم.

القول في طباع الظباء من المباهج وهي ألوان تختلف بحسب موضعها فصنف منها يسمى الأورام وألوانها بيض ومساكنها الرمل وهي أشد حصراً وصنف يسمى الغفر وألوانها حمر، وصنف يسمى الأدم وهي تسكن الجبال وفي هذا اللون من أسرار الطبيعة أنه رأى ذا روح إلا ويعلم ما يريده منه من خير وشر وإذا فقد الماء استنشق النسيم فاعتاض به وإذا طلب لم يجهد نفسه في حصره من أول وهلة وإذا رأى طالبه وقد قرب منه زاد في الحصر حتى يفوت الطالب وهو يهشم الحنظل حتى يرى ماؤه يسيل من شدقيه ويرد البحر فيشرب من الماء الأجاج كما تغمس الشاة لحييها في الماء العذب تطلب النوى المنقطع فيه وهو لا يدخل كنائسه إلا مستدبراً يستقبل بعينيه ما يخافه على نفسه وله نومتان في مكنستين مكنس لضحى ومكنس لعشاء وإذا أسن لظبي وبقيت لقرونه شعب تنح وإذا هزل أبيض وهو شنج النساء لا يسمو بالمشي فإذا أراده العدو فإنما هو الفر والوثب ورفع القوائم معاً كما يفعل الغراب فهو أبداً يحجل كما يحجل المقيد وليس له حصر في الجبال ويصاد بنار توقد له فيذهل لها سيما إذا أضيف إلى ذلك تحريك أجراس فإنه ينخذل ويرقد ويصاد بالعطش الشديد بأن يحولوا بينه وبين الماء فينخذل ولا يبقى به حراك البتة وبين الظباء والحجل ألفة ومحبة والحذاق في الصيد يصيدونها ببعضها البعض، ويوصف بحدة البصر ويسمى باليونانية اسما معناه النظارة والمبصرة ويلحق بهذا النوع غزال المسك وهو أسود ولونه أسود ويشبه ما تقدم في القد ودقة القوائم وافتراق الأظلاف وانتصاب القرون وانعطافها غير أن لكل واحد منهما نابين خفيفين أبيضين خارجين من فيه في فكه الأسفل قائمين في وجهه كنابي الخنزير كل واحد منهما دون الفتر على هيئة ناب الفيل ويكون بالتبنت والهند ويقال عن الغزال يسافر من التبنت إلى الهند بعد أن يرعى من حشيش التبنت وهو غير طيب فيلقى ذلك المسك بالهند فيكون رديئاً ثم يرعى حشيش الهند الطيب ويعقد منه مسكاً ويأتي بلاد التنبت فيلقيه فيكون جيداً والمسك فضل دموي يجتمع من جسدها إلى سررها في وقت من السنة معروف بمنزلة المواد التي تنصب إلى الأعضاء وهذه السرر جعلها الله معدناً للمسك فهي تثمره بمنزلة الشجرة التي تؤتى أكلها كل حين فإذا حصل هذا الدم في السرر ورمت وعظمت فتمرض لها الظباء وتألم حتى تتكامل فإذا بلغ وتناهى حكته بأظلاف وتمرغت في التراب فتسقطه في تلمك المفاوز والبراري فيخرج الجلابون ويأخذونه ويقال أن أهل التبنت يضربون لها أوتاد في البر تحتك بها إذا ألمها السرر فتنقطع وتسقط فإذا سقطت عن الظبي كان في ذلك إفاقته وصحته فانتشر حينئذ ي المرعى وورد الماء. الوصف: قد ينبغي أن يعلم هذا قليل جداً لأن الشعراء نقلوا محاسن الغزال إلى الغزال وشرحوا بها حال مكن جد به الحب وهزل والصفة التي يصفون بها الظبي وصفوا بها الجارية والغلام وصرفوا الحقيقة إلى المجاز فيما أراده من الكلام قال بعضهم: فما مغزل تغزل تعطو بجيد كأنه ... يمان بأيدي الناظرين صقيل هضيم الحشا مغضوضة الطرف عالها ... بذات الأراك مربع ومقيل إذا نظت من نحوه أو تفرست ... دعاهم احم المقلتين كحيل بأحسن منها حين قالت صرمتنا ... وأنت صروم للخيال وصول وقال آخر: وصالية بالحسن والجيد عاطل ... ومكحولة العينين لم يكتحل قط على رأسها من قرينها الجعد وفرة ... وفي خدها من صدغها شاهد يسط يخلها من غيرة الجلد وفرة ... ويجمعها من بيض آباطها مرط وقد أدمجت بالشحم حتى كأنما ... ملآتها من فرط ما اندمجت قمط خواص الإيل ومنافعه: من المصائد والمطارد فمنعه أن ذكره من عصب لا لحم فيه وأن دم كل حيوان يجمد غلا دمه ولحمه غليظ مائل إلى كموسوة السواد وليس للأنثى قرن وإذا بخر بقرنه مع كبريت أحمر ذهبت الحيات وكذلك دمه بطحين الكرسنة وقرنه تبخر به الحامل فتيسر ولادتها.

خواص حمار الوحش: الجحش البري أحمدها لحماً ولحم الهرم يولد دماً رديئاً ومن داوم على أكله لم يكن يبرأ وسرته أطيب ما فيه وكثير من الناس يأكلون الحمار مسموطاً ويستطيبون جلده مشوياً ويجدون فيه طعم لحم الدراج وشحمه نافع من الكلف في الوجه إذا طلى به ومن وجع الظهر والكلى العارض من البلغم وإذا أحرق حافره سحق في الكحل نفع من الغشاوة ودفع وجع العين وزبله إذا خلط بمخ وطلي به الجبين قطع الرعاف ويقال أن الخاتم إذا خرط من حافره وعلق على من يعتريه الصرع نفع منه ودماغه يضاف بماء الكرفس والعسل ويغلى ويسقى من به السل في الحمام بماء حار على الريق فيبرأ. خواص بقر الوحش: لحمها غليظ يولد دماً رديئاً قريباً من السود وبطنها أطيب ما فيها ودمها أسرع إلى الجمود من دم سائر الحيوان ويطبخ لحمها بخل فإذا غلي جدد خل آخر وإناثها المها والعين والنعاج وأولادها البراعز والواحد برعز والجآذر جمع جؤذر والذرعان جمع ذرع والبحازج جمع بحزج والفرافر والفرائد جمع فرير وهو ساعة يولد طلاء وأقاطيعها الأجل والرنب والسرب والصوار. خواص الظبي: والظبي أول ما يولد طلاء ثم خشف ثم شادن إذا طلع قرنه فإذا تمت قوته فهو شصر ثم جذع ثم ثنى ولا يزال كذلك إلى أن يموت لا يزيد على هذا وسأل جعفر ابن محمد النعمان بن ثابت أبا حنيفة فقال له: ما على محرم كسر رباعية ظبى فقال: يا ابن رسول الله ما أعلم ما فيه فقال له: أنت تتداهى ولا تعلم أن الظبي لا يكون له رباعية هو ثنى أبدا ولحمه يولد دماً قريباً إلى السواد وهو أقل ضرراً من لحم البقر وطبخه بالماء والملح أحمد والقديد أكثر ضرراً وأكثر لتحريك السوداء لأنه يزداد يبساً ويجود فعله ويقوى وأطيب ما يؤكل يفه كبده مشوية وشحوم الظباء تغدو غذاء كثيراً وزعمت الحكماء أن دم التيس منها عن شطل ماعز من السموم وأنه إذا صب حاراً على الحجر الذي يضرب عليه النحاس فتته وإذا خلط مع الزنجفر صبغ الياقوت ويخلط معه وهو يابس قرطاس محرق ويعجن بشيرج ويضمد به البواسير فتنفع ومرارته تنفع من الغشاء في العين وكبده إذا شويت واكتحل بها وكبد جميع الماعز نفعت إذا دهن الرجل مذاكيره بشحم خصى التيس مع شيء من عسل عند الجماع وجد له لذة ويعجن بعر التيس بخل ودقيق شعير ويضمد به الطحال فينفع وإذا حرق وسحق بالخل نفع داء الثعلب وإن شرب مع الخل نفع من لدغ الهوام ويخلط دمه يابساً بلاذن ويدهن به الشعر فيغلظه ويطوله. القول على طبائع الأرنب من المباهج: تقول أصحاب الكلام أن قضيب الذكر من هذا النوع كذكر الثعلب أحد شطريه عظم والآخر عصب وربما ركبت الانثى الذكر حين السفاد لما فيها من الشبق وتسفد وهي حبلى وهي قليلة الدرور على ولدها ويزعمون أن يكون شهرين ذكراً وشهرين أنثى وكنت استبعد هذا وأقول أنه من الخرافات حتى وقفت عند مطالعتي للكتاب الذي وضعه ابن الأثير في التاريخ وسماه الكامل على حكاية أوقفتني على الاعتراف بعد الإنكار. ذكر في حوادث سنة ثلاث وعشرين وستمائة فقال وفيها اصطاد صديق لنا أرنباً فرآه وله انثيان وذكر وفرج أنثى ولما شقوا بطنه رأوا فيه حريفين فإذا كان كما زعموا من أن يكون تارة ذكراً وتارة أنثى فيكون كذلك وإلا فيكون في الأرانب كالخنثى في بني آدم يكون لأحدهما فرج الرجل وفرج الأنثى ثم أعقب هذه بما هو أعجب منه فقال كنت بالجزيرة ولنا جار له بنت اسمها صفية فبقيت لذلك نحو خمس عشرة سنة فإذا قد طلع لها ذكر رجل ونبتت لها لحية فكان لها فرج امرأة وذكر رجل والأرانب تنام مفتوحة العين وربما جاء القناص إليها يأخذها من جهة وجهها وهي لا تبصر وسبب ذلك أن حاجبي عينيها لا يلتقيان فهما مفتوحتان في النوم واليقظة. قلت: ما أحسن ما أنشدني الشيخ بدر الدين البشتكى أحد شعراء العصر بالديار المصرية للشيخ العلامة شهاب الدين بن أبي حجلة مضمناً قول المتنبي: وقوم بالحشيشة ذاب منهم ... فؤاد مايسليه الملام أرانب غير أنهم ملوك ... مفتحة عيونهم نيام

قلت هذا التضمين ما سمع مثله لشاعر ضمن عجز البيت الأول والبيت الثاني بكماله ولم يكن للشيخ شهاب الدين فيها غير صدر البيت الأول فتأمله، ويقال إن الأرانب إذا رأت البحر ماتت ولذلك لا توجد بالساحل وتزعم العرب أن الجن تهرب منها لموضع حيضها قالوا كالمرأة وتأكل اللحم وغيره وتجتر وتبعر وفي باطن أشداقها شعر وكذلك تحت رجليها وليس شيء قصير اليدين أسرع منها حصراً ولقصرهما يخف عليها الصعود والرقل وهي تطأ في الأرض على زمعانها وهي مؤخرة قوائمها مغالظة للطالب حتى لا يعرف أثرها إلا أن الكلب الفاره والقانص الحاذق لا يخفى عليهما ذلك لأنهما لا تفعل ذلك إلا في السهل الذي يثبت فيه الأثر وربما مشت يف الثبج فيقتفى أثرها بكثرة الترداد فيه وإذا قربت إلى الموضع الذي تريد أن تجتم فيه وثبت إليه. خواصه من المصائد لحمها أطيب ما يؤكل بنار لأن النار يضعفها هواء الزمان ولحمها من أخف اللحوم وله خاصية في المالخولياء والصرع وإن طلى بدمها الكلف أذهبه وإن طبخ أو شوى في جوف قرن نفع من القرحة في الأمعاء ويحرق رأسها فيكون سنوناً جيد للجلاء ووبرها يشد به الثريان إذا انقطع وتعلق الاعراب كعبها على الصبيان للعين وأنفحتها تدفع السم إذا شربت بماء السلق وسداب وإذا أخذتها المرأة حملت ومخها ودماغها يمنع الشعر المنتوف من النبات وبعرها يدق بالخل للقوباء ومرارتها تطرح في الشراب فتنوم. الوصف لبعض الأندلسيين من المباهج أفراد حران كأنهن أولاد غزلان بين رواع ينعطف انعطاف البره ووثاب يجتمع اجتماع الكره حال العصب ازاره وصاغ التبر طوقه وسواره قد غلل بالعنبر بطنه وحلل بالكافور متنه كأنما نضح بعبير وتلفع في حرير ينام بعينى ساهر ويفوت بجناحي طائر قصير اليدين طويل الساقين هامان في الصعود تجده ويابك عند الوثوب تؤيده. القول في النعامة: من المباهج وإنما ذكرناه مع ذوات الأربع من الوحوش وإن كان ذا جناح لأنه عند المتكلمين في طباع الحيوان ليس بطائر وإن كان يقنص وله جناح وريش ويعدون الخفاش طائراً وإن كان يحبل ويلد وله أذنان بارزان وليس له ريش لوجود الطيران فيه ومراعاة لقوله تعالى: (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني) وهم يسمعون الدجاجة طيراوان وإن كانت لا تطير والنعامة تسمى بالفارسية استرموك وتأويل استرجمل وموك طائر فكأنهم قالوا جمل طائر ولما وجد هذا الاسم ظن الناس أنها نتاج ما بين الإبل والطير وبهذا أجرى عليها المثل في قولهم: قيل للظليم أحمل قالوا أنا طائر قيل فطر فقال أنا جمل، وربما أكد عندهم القول بالتوليد أنهم رأوا فيهمن الجمل الميم والوظيف والعنق والكرش والخف والجرامة، ومن الطير الريش والجناح والمنقار والبيضة ويشبه النعام بالإبل فتسمى الأنثى منها قلوصاً وفي طبعها أنها تحضن أربعين بيضة وثلاثين ومن أعاجيبها أنها تضع بيضها طولاً حتى لو مد عليها خيط لما وجد لشيء منها خروج عن الآخر ثم تعطى كل بيضة منها نصيبها من الحضن إذا كان بدئها لا يشتمل على عدد بيضها وهي تخرج لطلب طعام فتمر ببيض نعام أخرى فتحضنه وتنسى بيضاه ولعلها تصاد ولا ترجع إليه فتهلك ولهذا توصف بالمرق والحمق ويضرب بها المثل في ذلك، وعلى هذا ينشد قول هرمة: فانى وتركى ندى الاكرمي ... ن وقدحاً بكفى زند اشجاحا كتاركة بيضها بالعرا ... ء وتلحقه بيض أخرى جناحا

ويقال أنها تقسم بيضها اثلاثا منه ما تحضنه ومنه ما تجعل صفاره غذاء ومنه ما تفتحه وتتركه للهواء حتى يعفن ويتولد من عفنه دواب فتغدى بها فراخها إذا خرجت وهو من الحيوان الذي يزاوج ويعاقب الذكر في الحضن وهو لا يأنس بالإبل ولا بالطير مع مشاركته لهما وكل ذى رجلين إذا انكسرت له أحداهما استعان بالأخرى ما خلال النعامة فإنها تبقى في مكانها جاثمة حتى تهلك جوعاً، ويقال إن الحيوان الوحشي ما لم يعرف الإنسان لا ينفر منه إذا رآه ما خلا النعام فإنه شارد أبداً وبه يضرب المثل في الشرود وعظامه وإن كانت عظيمة وشديد العدو ها لا مخ فيها ولا مجرى لها وتزعم العرب أن الظليم أصلح وأنه لما كان كذلك عوض عن السمع بالشم فإنه يعرف بأنفه ما لا يحتاج معه إلى السمع فربما كان على بعد فشم رائحة القناص على أكثر من غلوه والعرب تضرب به المثل في حاسة الشم وفسر بعض المعتنين بتفسير أمثال العرب، قوله أحمق من نعامة، أن من حمقها إذا أدركت القناص أدخلت رأسها في الرمل تقدر أنها قد استخفت منه، وهو قوى الصبر عن الماء شديد العدو وأشد ما يكون عدواً إذا استقبل الريح وكلما أشد لغضوفها كان أشد حصراً وهو في عدوه يضع عنقه على ظهره ثم يخرق الريح وهو يبتلع العظم الصلب والحجر والدر والحديد فيميعه بحر قانصته حتى يصير كالماء ويبتلع الجمر حتى ينقذه إلى جوفه فيكون جوفه هو العامل على إطفائه ويكون الجمر هو العامل على إحراقه وفي ذلك أعجوبتان إحداهما التغذى بما لا يغدو والأخرى الاستمراء والهضم وهذا غير منكر لأن السمندل وهو كما زعم بعضهم دابة توجد ببلاد الهند وبلاد السند دون الثعلب خليخية اللون حمراء العين ذات ذنب طويل ينسج من وبرها مناديل إذا اتسخت القيت في النار المتأججة فيزول منها الزهم ولا تحترق وببلاد الترك جرذان تسلخ جلودها ويتخذ من وبرها مناديل إذا اتسخت غسلت بالنار بأن تلقى فيها ولا تحترق وزعم آخرون أن السمندل طائر ببلاد الهند يبيض ويفرخ وفيه من الخاصية أنه يدخل بالنار ويخرج منها ولا يحترق ريشه ويعمل من جلده مناديل الغمر فكما أن خاصية هذا الحيوان في ظاهره كانت خاصية النعام في باطنه والباطن في الحيوان كله أنعم من الظاهر. وقد حكى أبو عبيد البكرى في كتاب المسالك والممالك لما ذكر قابس أن بعض البادية دخل على أميرها بطائر على قدر الحمامة ذكر أصحابه أنهم لم يروه قبل وما عهدوه وكان فيه من كل لون وهو أحمر المنقار فأمر بقص جناحيه وأن يرسل في قصره فلما كان الليل أوقد بين يدي الأمير مشعل فلما رآه الطائر قصده وأراد الصعود إليه فلم يستطيع النهوض فلم يزل يجهد نفسه حتى صعد إليه وجلس في وسطه وجعل يتفلى فيه كما يتفلى الطائر في الشمس فلما قضى وطره منه نزل، والنعام تصاد بالنار كما تصاد سائر الوحوش فإنه إذا رآها دهش لها واعتراه فكر فيها فيقف وقوف حيرة فيتمكن منه الصائد. خواصه من المصائد لم يذكر منها شيئاً. الوصف أبو إسحاق ابراهيم بن خفاجة: ولرب طيار خفيف قد جرى ... مثلاً يحار خلفه طيار من كل قاصرة الخطا مختالة ... مشى الفتاة تجر فضل ازار مخضوبة المنقار تحسب أنها ... كرعت على ظمأ بكأس عقار لايستقر بها الأداحى خشية ... من ليل وبل أو نهار بوار قال الزمخشري: ياسائلى أننى أصبحت في بلد ... لا عطلة ترجى لى ولا عمل ولا غريب ولا لى فيه من أحد ... مثل النعامة لا طير ولا جمل

الطاووس: قال أصحاب البحث عن طبائع الحيوان أن الطاووس في الطير كالفرس في الدواب عزا وحسنا غير أن الناس لا يتبركون به ويكرهون في دورهم وفي طبعه العفة وحب الزهور بنفسه والخيلاء والإعجاب بريشه وعقد لذنبه كالطاق لاس يما إذا كانت الأنثى ناظرة إليه تبيض بعد أن يمضي لها العمر ثلاث سنين وكذلك لا يحصل التلوين في ريش الذكر إلا بعد هذه المدة وهي نهاية البلوغ والأنثى تبيض مرة واحدة في السنة أثنى عشرة بيضة وأقل وأكثر ولا تبيض متتابعاً ويسفد في زمن الربيع ويلقى ريشه في زمن الخريف كما تلقى الشجر ورقها وهي كثيرة العبث بالأنثى إا حضنت وربما كسر البيض ولهذا يحضن بيضه تحت الدجاج والدجاجة لا تقوى على حضن أكثر من بيضتين منها وينبغى أن يتعاهد الدجاجة بجميع ما تحتاج إليه مخافة أن تقوم عنه فيفسده الهواء والفرخ يخرج من البيضة كاسيا كما يخرج الفروج والطاووس من الطير الذي يبيض بيض الريح. ويقال: أن عبث الطاووس بأنثاه وإن حضنها غيرة منه أن يخرج من البيض ما يشبه في حسن ريشه وبهاء خلقه وزعم أرسطو أن الطاووس يعيش خمساً وعشرين سنة وهذا منه حكم لا يعينه الاستقرار. الوصف أبو الصلت أمية بن العزيز الاندلسى: أهلً به بدى فتى مشيه ... يختال في حلل من الخيلاء فالروضة الغناء أشرق فوقه ... ذنب له كالروضة الغناء ناديته لو كان يفهم منطقى ... أو يستطيع إجابة لندائي يارافعاً فوق السماء ولابساً ... للحسن روض الحزن غب سماء أيقنت أنك في الطيور مملكاً ... لما رأيتك منه تحت لواء وله: أبدى لنا الطاووس عن منظر ... لم تر عينى مثله منظرا متوج المفرق إن لا يكن ... كسرى بن ساسان يكن قيصراً في عضو ذهب مفرغ ... في سندس ريشه أخضر نزهة من أبصر في طيها ... عبرة من فكر واستبصر تبارك الخالق في كلما ... أبدعه منه وما صورا

الباب الخامس والأربعون في الأسد النبل والزرافة والفيل

الباب الخامس والأربعون في الأسد النبل والزرافة والفيل وإنما بدأنا به أولاً لأنه أشرف في هذا النوع لأن منزلة الملك المهيب لقوله وشجاعته وقساوته وجهامة خلقه وشراسة خلقه، قال أصحاب الكلام في طبائع الحيوان إن اللبوة لا تضع إلا جرواً واحداً وتضعه بضعة لحم ليس فيها حسن ولا حركة فتحرسه من غير حضان ثلاث أيام ثم يأتى أبوه بعد ذلك فينفخ في تلك البضعة المرة بعد المرة حتى يتحرك ويتنفس ويتفرج الأعضاء ويتشكل الصورة ثم تأتى أمه فترضعه ولا يفتح عينيه إلا بعد سبعة أيام من تخليقه وهي ما دامت ترضع لا يقربها الذكر البتة فإذا مضت على الجرو ستة أشهر كلف الاكتساب لنفسه بالتعليم والتدريب وطارد الذكر الأنثى فإذا كانت صارفة أمكنته من نفسها وإن لم تكن دفعته ومنعته ونفته مع شبلها بقية الحول وستة أشهر من الثانى وحينئذ تألف الذكر وتمكنه من نفسها وللأسد من بعد الوثبة واللصوق بالأرض والإسراع في الحصر إذا هرب والصبر على الجوع وقلة الحاجة إلى الماء ما ليس لغيره من السباع وربما سار في طلب القوت ثلاثين فرسخاً ولا يأكل فرسة غيره من السباع وهو إذا شبع من فريسة تركها ولم يعد إليها ولو جهده الجوع ولا يأكلها وإذا أكل يقيم يومين وليلتين بلا طعام لكثرة امتلائه ويلقى بعد ذلك شيئاً بابسا مثل جعر الكلب وإذا بال رفع إحدى رجليه كالكلب وإذا فقد أكله صعب خلقه وإذا امتلأ بالطعام فهو ودع وأكل الخفيف وأحب إليه من اللحم العريض الغض وهو لا يثبت على الإنسان للعداوة ولكن للطعم فإنه لو مر به وهو شبعان لم يتعرض له وهو مع ذلك حريص بهم واسع النحر ينهش ولا يمضغ قليل الريق ولهذا يوصف بالنجر ولحم الكلب أحب اللحوم إليه ويقال إنما ذلك لحنقه عليه فإنه إذا أراد الطواف في جنبات الحى ألح الكلب بالنباح عليه والإنذار به فيرجع خائباً لنهوض الناس عليه فإذا أراد ذلك بدأ الكلب حتى يأمن إنذار ومن شأنه إذا أكثر من حسو الدم وأكل اللحم وحلت نفسه منها طلب الملح ويجعله كالحمضة بعد الحلة فيطلبه ولو كان بينه وبينه خمسون فرسخاً وهو يوصف بالجبن والجراءة فمن جبنه أنه يذعر لصوت الديك ومن نقر الطست وضرب الطنبور والحبل الأسود والديك الأبيض والسنور والفأرة وقد تكون النار من أسباب اغتراره واغتياله لأنه يعتريه ما يعترى الظباء والوحوش عند رؤية النار من الحيرة والعجب بها وادمان النظر إليها والفكر فيها حتى يشغله عن التحفظ والتيقظ ومن حرارته أنه يقدم على المعتب الكبير والجمع الكثير ويقابل ولا يرجع من الضرب والجراح ولا يذله ما يصيبه من ذلك بل يقابل بعضه حتى يموت وهو إذا كر لا يفر وإلا فرا خفيفا مخالسا والأسود أكثر جراءة وجهالة ويقال إن الأنثى أجرأ من الذكر والجاحظ لا يعجبه هذا القول ويقول إنما هي أشرف ومن عاداته أنه إذا عاين أحد لا يفزع ولا ينهزم فإن لجأ إلى ذلك وأحسن بالصيادين تولى وهو يمشى رفقا وهو مع ذلك يتلفت ويضمر الخوف ويظهر عدم الاكتراث وان تمكن منه الخوف هرب عجلاً حتى يبلغ مكاناً يأمن فيه فإذا علم أنه أمن مشى مارا وإن كان في سهل والجأ إلى الهرب جرى جرياً شديداً كالكلب وإن رماه أحد ولم يصبه شد عله فإذا أخذه لم يضره وإنما يخدشه ثم يخيله كأنه من عليه بعد الظفر به وإذا شم رائحة الصيادين أخفى أثره بذنبه وفيه من شدة البطش ما أنه يأبى الجمل الهايج البازل فيضربه بيده فيثنى الجمل عنقه إليه ويريد عضه فيضرب بيساره إلى مشفره فيجذبه جذبة يفصل بها بين ذوات عنقه وإن ألفاه قائما وثب عليه فإذا هو ذروة سنامه فعند ذلك يضرب كيف شاء ويتلعب به كيف أحب ومن عجيب أمره أنه لا يألف شيء من السباع لأنه لا يرى فيها ما هو كفؤ له فيصحبه ولا يطأ على أثره شيء منها ومتى وضع جلده على سائر جلودها تساقطت شعورها ولا يدنو من المرأة الطامث ومتى مس قوائمه لحا شجر البلوط حذر ولم يتحرك من مكانه وإذا غمره الماء جاء الصبى حتى يركب على ظهره ويقبض على أذنه ولا تفارقه الحمى ولذلك الأطباء يسمون الحمى داء الأسد وعظامه بعضها ببعض فيخرج منها كما يخرج من الحجارة ولذلك في جلده من القوة والصلابة ما لا يعمل فيه السلاح إلا من مراق بطنه وقد يطول مثوى الواحد منها مع الناس حتى يهرم وهو في جميع حالاته صعب شديد الغرام لا يؤمن شروده إذا انفرد مع سواسه وأبصر غيضة بين يديها صحراء ويبلغ من العمر كثيرا وعلامة ذلك أنه يصاد فيوجد مهتوم

الأسنان وليس ذلك إلا من الكبر. خواصه: يقال إن خصيته إذا ملحت بنورق أحمر ومصطكى وجففت وقليت بزئبق نفعت من البواسير والزحبر ووجع الأرحام ويقال إن من يمسح بشحم كليته يؤمن من أكل السباع ومرارته بغسل تنفع الخنازير ودمه يطلي به السرطان وصيده بأنواع من الحيل فمنها أن تصنع لع العرب الزباء وهي حفائر في نشر من الأرض وتغطى وفي وسطها جرو كلب فيأتى الأسد ليأخذ الجرو فيسقط فيها، ويقال عثمان بن عفان: بلغ الماء الزباء أي أعظمها. الوصف والتشبيه: وصفه أبو زيد الطائى في حكاية حكاها لعثمان بن عفان وقد لعنه فقال أقبل يتضالع ولصدره نحيط ولبلاغيمه غطيط ولطرفه وميض ولأسارغه نفيض كأنما يخبط هشيما أو يطأ صريما ذا هامة كالمجن وخذ كالمن وعينان سحراوان كأنهما سرجان وقصره رمله وهرمه وهله وساعد مجدول وعضد مفتول وكف شبيه البراثن ومخالب كالمجن فم أشدق كالغار الاحرق يفتر عن معاول مصقولة عبر مغلولة فهجهجنا به فرفر وبربر ثم زأر فجرجر ثم لحظ فخلت البرق يتطاير من جفونه عن شماله ويمينه فأرعشت الأيدي واصطكت الأرجل وجحظت العيون وساءت الظنون ولصقت الظهور بالبطون وأنشد عبوس شموس مثل جد مكابر جرئ على الأقدام للقرن قاهر: براثنه شثن وعيناه في الدجى ... كجمر الغضا في وجهه لشر طائر يدل بانياب حداد كأنها ... إذا قلص الاشداق عنها خناجر وقال أبو الطيب يصفه من أبيات: ورد إذا ورد البحيرة وارد ... ورد الفرات زئيره والنيلا متخضب بدم الفوارس لابس ... في غيله من لبدتيه غيلا في وحدة الرهبان إلا أنه ... لايعرف التحريم والتحليلا ماقوبلت عيناه إلا ظنتا ... تحت الدجى نار الفريق حلولا يطأ الثرى مترفعاً من تيهه ... فكأنه أس يحس عليلا ويرد عقرته إلى يافوخه ... حتى يصير رأسه اكليلا ويظنه مما يزمجر نفسه ... عنها لشدة غيظه مشغولا قصرت مخافته الخطى فكأنما ... ركب الكمى جواده مسلولا ثم خرج إلى ذكر الممدوح الحسين بن عبد الله بن طغج أمير مصر كان قد خرج متصيداً فرأى أسدا على فريسته فهاجمه فوثب الاسد على كفل فرسه فأعجله عن استلال السيف فضربه بالسوط فألقاه عن كفل الفرس، فقال المتننبي القصيدة التي أولها: في الخدام عزم الخليط رحيلا ... مطر يزيد به الخدود محولا وجاء منها: أمعفر الليث الهزبر بسوطه ... لمن ادخرت الصارم المسلولا وقال عبد الجبار بن حمديس الصقلى: وليث مقيم في غياض منيعه ... أمير على الوحش المقيمة في القفر يوسد شبليه لحوم فوارس ... ويقطع كاللص السبيل على السفر هزبر له في فيه نار وشقرة ... فما يستوى لحم القتيل على الجمر سرجاه عيناه إذا أظلم الدجى ... فإن بات يسرى باتت الوحش لا تسرى له جبهة مثل المجن ومغطس ... كأن على أرجائه صيغة الحبر يصلصل رعد من عظيم زئيره ... ويلمع برق من حماليقه الحمر له ذنب مستنبط منه سوطه ... ترى الأرض منه وهي مضروبة الظهر ويضرب جنبيه به فكأنما ... له فيها طبل محيص على الكر ويضحك في التعبيس فكيه عن مدى ... بنوب صلاب ليس يهتم بالفهر يصول بكف عرض شبرين عرضها ... خناجرها أمضى من القضيب البتر يجرد منها كل ظفر كأنه ... هلال بدا للعين في أول الشهر وأحسن منها كل ظفر كأنه ... هلال بدا للعين في أول الشهر وأحسن ما ورد في قتل الأسد قول بشر بن عوانة الفقعسى يضف ملاقاته للأسد وام اتفق له معه وحكايته أن تزوج ابنة عمه فخرج يبغى مهرها فلما كان ببعض الطرق عارضة أسد فكر بمهره عليه فتقاعس ولم يتقدم عليه فنزل عنه وأقبل نح الأسد مصلتا سيفه فقتله وقال: أفاطم لو شهدت ببطن خبت ... وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا إذا لرأت ليثا رام ليثا ... هزبر أغلبا يبغى هزبرا تمهس إذ تقاعس عنه مهرى ... محاذرة فقلت عقرت مهرا أبل قدمى ظهر الأرض إني ... وجدت الأرض أثبت منك ظهرا وقلت له وقد أبدى نضالا ... مذربة ووجها مكفهرا يدل بمخلب وبحد ناب ... لمضربه غداة الروع أثرا

ألم يبلغك ما فعلت ظباه ... بكاظمة غداة لقيت عمرا وقلبي مثل قلبك لست أخشى ... محازردة ولست أخاف ذعرا وأنت تروم للأشبال قوتا ... وأبغى لابنة الأعمام مهرا ففيم تروم مثلى أن يولى ... ويترك في يديك النفس قسرا نصحتك فالتمس ياليث غيرى ... طعاما إن لحمى كان مرا ولما ظن الغش نصحى ... وخالفني كأنى قلت هجرا دنا دنوت من أسدين راما ... مراما كان إذ طلبا ذعرا يكفكف غيله إحدى يديه ... ويبسطه الوثوب على الأخرى هززت له الحسام فخلت أنى ... هززت له لدى الظلماء فجرا حساما لورميت به المنايا ... لجاءت نحوه تعطيه عذرا وجدت له بخافقة رآها ... كمن لديه مامنه قدرا بضربة فيصل تركته شفعا ... وكان كأن الجلمود وترا فخر مضرجاً بدم كأنى ... هدمت به بناء مشمخرا وقلت له يعز على أنى ... قتلت مناسبى جلدا وقهرا ولكن رمت شيئا لم يرمه ... سواك فلم أطق ياليث صبرا تحاول أن تعلمنى فرارا ... لعمر أبى لقد حاولت نكرا فلا تبعد فقد لاقاك حر ... يحاذر أن يعاب فمت بحرا نادرة: قبل تعرض أسد لقافلة وصال على رجل منها فبادروا حتى حالوا بينهما وقالوا للرجل كيف حالك قال صالحة ولكن الأسد قد خرى في سراويلي ولمؤلفه رحمه الله: سألتك يا جميل الستر سترا ... أغيب به الخصم الظلوم وذاك الستر ستر معنوى ... يرانى منه كالأسد العظيم القول في طبائع الفيل: زعم بعض الباحثين عن طبائع الحيوان أن الفيلة مائية الطباع بالجاموسية والخنزيرية التي فيها وبعضها يسكن الماء وبعضها لا يسكنه وزعم آخرون أن الفيلة ضربان فيل ورند فيلوهما كالبخت والغراب والبقر والجواميس والبراذين والخيل والفأر والجرذان والنمل والذر وبعضهم يقول الفيل الذكر والرندفيل الأنثى وهذا النوع لا يتلاقح إلا في بلاده ومغارس أعراقه وإن صار أهليا وهي تتوالد بأرض السند والهند وهي أعظمها خلقا وبجزيرة سرنديب وينتهى في عظم الخلق إلى أن يبلغ في الارتفاع عشرة أذرع وفي ألوانها الأسود والأبيض والازرق والأبلق وهو إذا غتلم أشبه الجمل في ترك الماء والعلف حتى ينضم إبطاه ويتورم رأسه ولم يكن لسواسه غير الهرب منه وربما صار وحشياً وجهل جهلاً شديداً والفيل ينزو إذا مضى له من العمر خمس سنين وإذا حملت لا يقربها الذكر ولا يمسها ولا ينزو الذكر علها إذا وضعت إلا بعد ثلاث سنين ولا ينزو إلا على فيلة واحدة وله عليها غيرة شديدة وإذا تم حملها وأرادت الوضع دخلت النهر حتى تضع ولدها بالماء لأنها تلد قائمة إذ لا فواصل لقوائمها فتبرك والذكر بعد ذلك يحرسها وولدها من الحيات وذلك لعداوة أصيلية ووضع ذكر الفيل شبيه بالفرس لكنه صغير عنه جثة وهو في الفرس العتيق صغير أيضاً وأنثيا الفيل داخل ذنبه قريب من كليتيه ولذلك يسفد سريعاً كالطير لأن داخلاً قريباً من القلب ينضج المنى بسرعة ويقال أن الفيل يحقد كما يحقد الجمل ويحفظ الشيء الذي يكرهه القيم عليه حتى يقابله عند تمكنه منه وربما قتله وزعم أهل الهند أن لسان الفيل مقلوب ولولا ذلك لتكلم وهو صغير جداً ويجعلون أن قرينه هما ناباه يخرجان مشتطين حتى يخرقا الحنك وعلم ذلك من تسريحه ويوجد فيه الأعقف والمستقيم.

قال المسعودي: وربما بلغ الناب منه مائة وخمسين منا وأكثر من ذلك والفيل يحمل بهما على الجدار الوثيق البنيان فيقلبه على الأرض وقد فتح به محمود بن سبكتكين مدينة الطاق وهي من أعظم الحصون التي ببلاد سجستان فإنه جعل نابيه تحت بابيها فأقلعه وهو ومن أسرع الحيوان الوحشى أنسا بالناس وسرعة الأنس دليل على حسن الطباع ودماثة الأخلاق وخرطومه من غضروف أنفه وهو يده التي يوصل بها الطعام إلى فيه ويقاتل بها وبها يصيح وليس صياحه على مقدار جثته لأنه كصياح الديك يتنزل منه منزلة عنقه وله فيه من القوة بحيث يقلع به الشجر من منابتها وفي طبعه أنه إذا سمع صوت الخنزير ارتاع ونفر واعتراه الفزع والجزع وإذا ورد الغدران والأنهار للشرب وكان الماء صافياً فهو أبداً يثيره ويكدره كالخيل لأنها ترى صورها على سطح الماء فتتوهم أنه غيرها فتنفر منه وهو قليل الاحتمال للشتاء والبرد ويقوم ويسير في الماء منغمساً ما عدا خرطومه لأنه منه يتنفس ولايقدر على السباحة لثقل جثته وفيه الفهم ما به يقبل التأديب ويفعل ما يأمره سائسه من السجود للملوك وغير ذلك من الخير والشر في حالتي السلم والحرب وفيه من الأخلاق أنه يقاتل بعضه بعضاً قتالاً شديداً والمقهور منها يخضع ويتعبد للقاهر ويخاف سطوته ويقال: إنه يصاد باللهو والطرب واللعب والزينة وريح الطيب والنساء يصيدونه بذلك وربما احتيل على صيده بأن يترقب حال سكونه وهدّوه وذلك أنه لا ينام إلا متعمدا على ساق شجرة إذ لا يمكنه الاضجاع لكون قوائمه لا فواصل لها لكنها كالأساطين المصمتة والسوارى الوثيقة والصيادون يأتون الشجرة التي غالب أوقاته يعتمد عليها فيضعفون أصلها فإذا أتى على عاداته إليها ليعتمد عليها انكسرت فسقط وبقى عاجزا لا يقدر لنفسه بشيء فيصدونه كيف شاءوا، والهند تعظم الفيل وتشرفه لما اجتمع فيه من الخصال المحمودة من علو سمكه وعظم صورته وبديع منظره وطول خرطومه وسعة أذنه وطول عموده وثقل حمله وخفة وطئه، فإنه ربما مر بالإنسان وهو لا يشعر به لحسن خطوته واستقامته وللهند طيب يجمعونه من جباه الفيلة ورؤسها فإنه إذا غتلمت عرقت هذه الأماكن عرقا كأنه المسك ويستعملونه لظهور الشبق في الرجال والنساء ويزعمون أنه يشجع القلب ويقوى النفس ويبعثها على الأقدام والفيل يشب إلى تمام ستين سنة ويعمر مائتي سنة وأكثر وحكى ارسطو أن فيلا ظهر عمره أربعمائة سنة. وحكى بعض المؤرخين أن فيلا سجد لابرويز ثم سجد للمعتضد وبينها زمان ذكره ارسطو واعتبر ذلك بالوسم وهذا الحيوان يعتريه من لاأمراض وجع المفاصل لطول قيامه وثقل جثته لأنه لا يضطجع. الوصف والتشبيه، وقال عبد الكريم البهشلى: وأضخم هندى النجاد تعده ... ملوك بنى ساسان إن نابها دهر يجئ كطود جائل فوق أربع ... مصيره يلب كما يلب الصخر له فخذان كالشئين لبد ... وصدر كما أوفى الهضبة الصدر ووجه به أنف كرا وورق خمرة ... ينال ما يدرك الانمل العشر وجنبان لا يروى القليب صداهما ... ولو أنه بالباع منهرب حفر وأذن كنصف الرد يسمعه الندا ... خفيا وطرف ينقص الغب مزور ونابان شقا لا يريد سواهما ... قيامين سمراوين لمعهما تبر له لون ما بين الصباح وليله ... إذ نطق العصفور أو صوت الصقر صلاح الدين الصفدى رحمة الله ملغزا: أيما اسم تركيبه من ثلاث ... وهو ذو أربع تعالى الإله حيوان والقلب منه نبات ... لم يكن عند جوعه يرعاه فيك تصحيفه ولكن إذا ما ... رمت عكسا يكون في ثلثاه وقد جعل الله في طبع الفيل الهرب والوحشة من النسور وإذا احتملت المرأة من نجوها مع العسل لم تحبل أبدا وكذلك إذا علق على شجرة لم تحمل تلك السنة.

القول على طبائع الكركدن: وتسميه الهند النوسان ويسمى أيضاً الحمار الهندى وهو عدد الزبرقان والفيل ومعادنه ببلاد الهند والنوبة والبجا وهو دون الجاموس ويقال إنه متولد بين الفرس والفيلة وله ظلف واحد غير مشقوف وقرن واحد عظيم على أنفه بارز ولا يستطيع لثقله أن يرفع رأسه وهذا القرن مصمت قوى الأصل حاد الرأس مرهفه يقاتل به الفيل فلا يفيده معه ناباه، ويقال: إنه إذا نشز رؤى في داخله صورة بياض في سواد صفة انسان ودابة وسمكة وما يشاكل ذلك وأهل الصين يتخذون منه المناطق ويغالون في ثمنه ويقال: إن حمل الأنثى من هذا النوع كأيام حمل الأنثى من الفيلة والأنثى تأكل ولدها ولا يسلم منها إلا القيليل والولد يخرج قويا ثابت الاسنان والقرن قوى الحافر وقد زعم أنه إذا كان في بطن أمه وقارب الوضع يخرج راسه من فرجها ويرعى من أطراف الأشجار ما يقوته ثم يرجع به، وقد أنكر الجاحظ هذا لاقول وقد جعله ضربا من الخرافات وتزعم الهند أنه إذا كان في ناحية من البلاد لا يقربها حيوان أصلا ويكون بينهما وبينه من البعد مائة فرسخ من أربع جهاته هيبة له وهربا منه وليس كذى القرن مشقوق الظلف وهو يجتر كما يجتر البقر والغنم والإبل ويأكل الحشيش والهند تأكل لحمه وكذلك في بلادها من المسلمين لأنه نوع من البقر والجواميس ويقال: إنه شديد العداوة للإنسان حتى أنه إذا شم رائحته أو سمع صوته جد في طلبه فإذا أدركه قتله وإن لم ينتفع به لأنه يأكل اللحم وهذا الحيوان لا يبرك ولا ينام ليس له مفصل في ركبته ولا في يديه بل هو من ظلفه إلى أبطه قطعة واحدة. القول في الزرافة: والزرافة في كلام العب الجماعة لأنها اجتمع فيها صفات كثيرة من الحيوان وهي عنق الجمل وجلد النمر وقرن الظبي وأسنان البقر ورأس الابل ولهذا زعم بعض المتكلمين في طبائع الحيوان أنها متولدة من حيوانات وقيل: إنالسبب في ذلك اجتماع الوحوش في حماوة القيظ على شرائع المياه متتساعد فيلقح منها ما يلقح ويمتنع ما يمتنع فربما سفد الأنثى من الحيوان ذكور كثيرة فتختلط مياهها فيجيء خلق مختلف الصور والألوان والأشكال، والفرس تسمى الزرافة استر كاويليك فتأويل استر بعر وكاو بقرة ويليك الصبغ وهذا كما رأيت موافق لكلام العرب من كونها مركبة الخلق من حيوانات شتى. والجاحظ لا يعجبه هذا القول ويقول إنه جهل شديد لا يصدر عن من لديه تحصيل لأن الله يخلق ما يشاء وهو نوع من الحيوان قائم بنفسه كقيام الخيل والحمير ومما يحقق ذلك أنه يلد مثله وقد شوهد وهي طويلة اليدين والعنق جداً حتى يكون في مجموعها عشرة اذرع وأكثر قصيرة الرجلين جداً وليس لها ركب وإنما الركب ليديها كسائر البهايم وغذا أكلت مما على الأرض تفحجت لقصر عنقها عن بدنها ومن عاداتها أن تقدم عند المشي اليد اليمنى والرجل اليسرى بخلاف ذوات الأربع فإنها كلها تقدم اليد اليمنى والرجل اليسرى وفي طبعها التآلف والتودد والتآنس وهي تجتر وتبعر. الوصف ابن حمديس: ونوبية في الخلق منها خلائق ... متى ما يرق العين فيها تسهل إذا ما اسمها ألقاه في السمع زاجر ... رأى الطرف ما عنى عناه بمقول لها فخذ أقرم واظلاف قرهب ... وناظرتا ريم وهمامة أيل كأن الخطوط البيض والصفر أشبهت ... على جسمها ترصيع عاج مصندل ودائمة الأقعاء في أصل خلقها ... إذا قابلت أدبارها غير مقبل تلفت أحياناص بعين كحيلة ... وجيد على طول اللواء المطل وتنفض رأساً في الزمام كأنما ... تريك له هاد على السحب مفتل وعرف رقيق الشعر نبته ... إذا الريح هزته ذوائب سنبل وتحسبها من نفسها إن تبخترت ... تزف إلى بعل عروساً وتنجلي فكم منشد قول امرئ القيس عندها ... أفاطم مهلاً بعض هذا التذلل ومن أبيات الفقيه عمارة اليمنى: وبها زرافات كأن رقابها ... في الطول ألوية تؤم العسكرا نوبية المنشأ تربك من المها ... زرقاء ومن بزل المهارى مشفرا جبلت على الأقعاء من إعجابها ... فتخالها لتيه تمشي القهقرا

الباب السادس والأربعون في الحمام وما في وصفها من بديع النظام

الباب السادس والأربعون في الحمام وما في وصفها من بديع النظام قد جرت عادة الكبراء والعظماء بإتخاذ الحمام في منازلهم ولا سيما في أيام الخلفاء فكثر ذلك في ايام الناصر لدين الله احمد بن الإمام المستضئ فإنه اهتم بأمرها وبأمر إنشائها ومازالت الخلفاء والملوك يطيرون الحمام ويسابقون به ولا يختص بذلك بنو العباس قال صاحب روض الأذهان: كان الوزير أبو الفرج يعقوب وزير المعز أجل الخلفاء المصريين وأفخمهم وكان له حمام يسابق فاتفق أنه سابق بها طيور الخليفة العزيز فسبق حمامه فعظم ذلك على الخليفة ووجد أعداء الوزير الطعن عليه من أن هذا الوزير يختار لنفسه من كل شيء ويختار للخليفة الأدنى فبلغ ذلك الوزير فكتب إلى الخليفة: قل لأمير المؤمنين الذي ... له العلا والكوكب الثاقب طائرك السابق لكنه ... جاء وفي خدمته حاجب فسكن غيظ الخليفة ولما مات هذا الوزير خلف أربعة آلاف مملوك وحارة الوزيرية في القاهرة وتعرف به وبساتين الوزير بالقرب من بركة الجيش ولما مات نزل الخليفة وألحده في قبره وبلغ كفنه وما يدخل فيه عشرة آلاف دينار. قال الجاحظ: وقد تباع الحمامة بخمسمائة دينار ولم يبلغ ذلك شيء من الطير ومن دخل بغداد والبصرة عرف ذلك وتباع البيضة بخمسة دنانير والفرخ بعشرين ديناراً روى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه اشتكى إلى رسول الله (الوحشة فقال: "اتخذ حماماً تؤنسك وتصيب من فراخها وتوقظك للصلاة بتغريدها" وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله (: "الحمام فإنها تلهي الجن عن صبيانكم" روى جابر أنه كان رسول الله (يعجبه النظر إلى الحمام والأبراج وكان في منزله (حمام أحمر اسمه ورذان، وكان إبراهيم بن بشار معجباً بالحمام والأبراج وكان إذا ذكرها يقول أن الله جمع فيها حسن النظر وكريم المخبر تكفيك مؤنتها فهي للطارق عدة وللمستوطن لذة تطعم في الصحراء وتعود إليك في السراء يأنس الوحيد بحركاتها وتغنيه عن الأوتار بنغماتها وغيرها من الطير يستعجم وهي ناطقة وتنفر عنك وهي داجنة وفي طبعها السكون إلى الناس والاستئناس بهم وهي طير عفيف يبقى الذكر بعد الأنثى منفرداً والأنثى مثل ذلك مع شدة اتفاقهما على المحبة إن طارا طارا معاً معاً وإن وقعا وقعا معاً لها سرعة الطيران لا تكاد سباع الطير تصيدها إلا بحيلة ولم تزل العرب تستحسن سجع الحمام وتغريد البلبل والورشان وإعراب وادي القرى إذا ظفروا بشباب الطائف أتوا حوائط من النخل عند استواء الظهيرة إذا صارت الوراش والفواخت إلى ذلك الظلال فيشربون ويأنسون بتغريدهن ويقيمون أصواتهن مقام المزامير والأوتار وفي ذلك يقول بعضهم: أحن إلى حوائط ذات عراق ... لتغريد الفواخت والحمام ألم بها وكل فتى كريم ... من الفتيان مخلوع الزمام وقد ألف القاضي محيي الدين بن عبد كتاباً أسماه تمائم الحمائم وذكر فيه أنسابها وأنواعها وغير ذلك ومنه قول القاضي الفاضل لا زالت أجنحتها تحمل من البطائق أجنحة وتجهز جيوش المقاصد والأقلام أسلحة وتحمل من الأخبار ما تحمله الضمائر وتطوى الأرض إذا نشرت الجناح الطائر وكادت تكون ملائكة لأنها رسل إذا نيطت بالرقاع طارت أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع وقد باعد الله بين أسفارها وقربها وقرها وجعلها طيف اليقظة الذي صدق العين وما كذبها وقد أخذت عهود أداء الأمانة في رقابها أطواقاً وأذنها من أذنابها أوراقاً فصارت خوافي ةوراء الحوافي وغطت سرها بكتمان سحبت عليها ذيول ريشها الصوافي ترغم النوى بتقريب العهود وتكاد العيون تلاحظها وتلاحظ أنجم السعود وهي أنبياء الطير لكثرة ما تأتى به من الأنباء وخطباؤها لأنها تقوم على منابر الأغصان قيام الخطباء وسماها القاضي الفاضل في مكان آخر ملائكة الملوك فرحمه الله ما كان أقدره على الكلام وما أحسن ملا وصف الحمام وتسميته أيها أنبياء الطير، قال الشيخ تاج الدين بن الأثير من فصل: طالما جارتها الرياح فأصبحت فأصبحت مخلفة وراءها تبكي على السحب وصدق من سماها أنبياء الطير لأنها مرسلة بالكتب وقال الشيخ السديد علو الرؤساء من رسالة في تقدمته بالبشائر يكون المعنى بقولهم أيمن الطائر ولا غرو أن أفارق رسل الأرض وفاتهم وهو مرسل والعيان عيانه والجو ميدانه والجناح مركبه والرياح موكبه وابتداء الغاية شوطه والتشوق إلى أهله وقال الاسعد بن مماتى من صدر رسالة:

أعوامل بالفلات مما يدلنا ... عنى أن معنى القلب من عادة القلب ومن لم يجد شخصاً من الأنس كاملاً ... يثبت له الشكوى تشاغل باللعب بلغنا أن الحضرة قد أطاعت سلطان نفسها واسترجعت شيطان أمسها وعزمت على أنفاق كيس الأيام بالاشتغال بالحمام. وللشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة: وفرضنا أعزك الله أن ذلك الواشي في كلامه مصيب فالمملوك أولى بالتقاط فوائد مولانا ابن أبي حجلة وللطير في دار الكرام مصيب. صلاح الدين الصفدي وكتبها إلى بعض أصحابه: هذي بطاقة قادم ... قد جاء يلهج بالمدح حملها قلبي الذي ... قد طار نحوك بالفرح وقلت ما ألطف قول الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة: شكرت افتراحي في المديح فلمتنى ... وقلبي أناس كان يشكر ما اقترح ولو كان من شعري المحجل ريشة ... لكل بني الآداب طارت من الفرح القاضي الفاضل: لينهك طائر الفتح المبين ... وما أدى من الخبر اليقين وأشرق في الخيام على رياض ... وخط من الرماح على الغصون وأطرب بالكتاب وزاد حتى ... ظنناه يغني باللحون وسرك باليقين بغير وعد ... ترجيه الظنون بقدوسين بما أسهرت جفن السيف حتى ... جعلت السيف غمداً للجفون وله تغمده الله برحمته: وقد ألف التخليق ريشها وجناحها ... فجاءت الينا في رداء العرائس وما خلقت بالزعفران وإنما ... نضخن دماً من أكل قتلى الفوارس ملائكة الرحمة تزجى كتابها ... اليهم ببشراهم بقتلى الأبالس وله رحمه الله: بشائر يأتي الطير حامل كتبها ... فيأتي سرور لم يدعه ونفسه غدوت ولا سيف يقر بغمده ... وبت ولا طير يقر بعشه وذكر ابن مسدى في معجمه: قال سمعت أبا الحسن محمد بن نصر الله بن عنين يقول كنت بخراسان بمجلس الفخر الرازي وعادت به على منبره فقنت وأنشدت بديها: يا بن المطمعين إذا شتوا ... في كل مسغبة وثلج خاسف والعاصمين إذا النفوس تطايرت ... بين الصوارم والوشيح الراجف من نبأ الورقاء أن محلكم ... حرم وأنك ملجأ للخائف وافت إليك وقد تدانى حتفها ... فجبرتها ببقائها المستأنف ولو أنها تجبى بمال لانثنت ... من راحتيك بنائل متضاعف جاءت سليمان الزمان حمامة ... والموت يلمع من جناحي خاطف فخلع عليه جبة كانت عليه وكل هذا سبباً لإقبال السعود عليه. من انشاء الشيخ زايد الوردي: فبينما الباز سكران بما بان من البان وإذا بحمامة قد أوقعت أمامه وقالت كم تفتخر وأنت عظم نخر أنت من آلة اللعب والصيد وأنا من آله الجد والكبد أنا مع الطوق والخضاب من جملة حملة الكتاب ومع خوفي من شرك الشرك وحذرى ممن فح الافك حملت الأمانة التي أبت الجبال عن حملها وامتثلت مرسوم (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) فلما أوصلت الحقوق أمنت العقوق وتزينت بالبشائر والخلوق ومما أعجب العالمين أننى مخضوبة البنان ولى يمين أقول للملك دع الاهتمام ولا تحزن فإنى أنا الحمام مهما حدث عليك من البعد من أخصامك أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك كتمت عن الناس سرى وأبهمت في الغناء والنوح أمرى: روى خضابي وطرقي ... فاستنكفوا من بكائي ثم ادعوا أن نوحى ... مناسب لغنائي فقلت كفوا فدمعي ... باد بغير اختفاء الخضب من فيض دمعي ... والصبر عقد ولائي قال القاضي علاء الدين الوداعي: كان القاضي الفاضل يسمى الحمام ملائكة الملوك فسميت أنا البريدية شياطين السلاطين.

الباب السابع والأربعون في الحصون والقصور والآثار وما قيل فيها من رائق الأشعار

الباب السابع والأربعون في الحصون والقصور والآثار وما قيل فيها من رائق الأشعار ما أسخن وقول القاضي الفاضل ووردنا حصين كوكب وهو نجم في سحاب وعقاب في عقاب وهامة لها الغمامة عمامة وأنملة إذا خضبها الأصيل كان الهلال لنا قلامة، وقال الشيخ شهاب الدين محمود: حصن قد تفرط بالنجوم وتقرطق بالغيوم وسما فرعه إلى السماء ورسى أصله إلى التخوم وتخال الشمس إذا علت أنها تنتقل في أبراجه ويظن من سها إلى السها أنها ذبالة في سراجه لا يعلوه من مسمى الطير غير نسر السما وزمامه ولا يرمق متبرجات بروجه غير عين الشمس والمقل التي تطرف من أنجمه وحوله كل شامخ تهيب عقاب الجو قطع عقابه وتقف الريح حسرى إذا توقلت في هضابه تخفق العيون إذا رمقته سلوك ما دونه من المحاجر ويحيل الفكر وصورة الترقي إليه لا يبلغها حتى تبلغ القلوب الحناجر وحوله من الأودية خنادق لا تعلم منها الشهور إلا بأصنافها ولا تعرف فيها الأهلة إلا بأوصافها. قال الشيخ جمال الدين بن نباتة من باب محرم الخاطر وإذا هي سماء يتقاعس الفكر عن محاولة شهبها وحسناء كلما رمت أن تنظر وجهها الحسن فكان قرص الشمس مرآة وجهها تزاحم برجها السماء بالمناكب وتضيء إضاءة نجومها الثواقب وتلقى إذا عطشت كوكب الدلو بأرشية في البروق قليب السحائب لا تسامى ولا تسام ولا يحصل منها قادم سفر إلا على معانقة العوالى ومصافحة السهام، وقال علاء الدين بن غانم: ذات أودية ومحاجر لا ترها العيون لبعد مرامها إلا شزرا ولا ينظر ساكنها العدد الكثير إلا نزرا ولا يظن ناظرها إلا أنها طالعة بين النجوم مما لها من الأبراج ولها من الفرات خندق يحفها كالبحر إلا أن هذا أعذب فرات وهذا ملح أجاج ولها واد لا يقي لفحة الرمضاء ولا حر الهواجر وقد توعرت مسالكه فلا يداس فيها إلا على المحاجر وتفاوت ما بين مرات العلا وقراره العميق ويقتحم راكبه الهول في هبوطه فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق، وقال سيدي الأخ العزيز الفاضل تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي سلمه الله تعالى في وصف قلعة دمشق عندما حوصرت في الوقعة المشهورة ونظرت بعد ذلك إلى القلعة المحروسة وقد قامت قيامة حربها حتى قلنا أزفة الأزفة وقد ستروا بروجها من الطارق وهم يتلون ليس لهما من دون الله كاشفة واستجليت عروس الطارمة عند زفتها وقد تجهزت للحرب ولم نرض بغير الأرواح مهر وقد أعقدت على رأسها تلك العصائب وقد توشحت بتلك الطوارق وأدارت على معصمها الأبيض سوار النهر وغازلت بحواجب قسيها ورمت القلوب من عيون مراميها بالنبال وأهدت إلى العيون من مكاحل نارها أكحالاً كانت السهام لها أميال وطلبها كل من الحاضرين وقد غلا دست الحرب وشمخ وهو على فرسه بنفسه الغالية وراموا كشفها وهم في رقعة الأرض كأنهم لم يعلموا أن الطارمة عالية وتالله لقد حرست بقوم لم يتدرعوا بغير آية الحرس في الأسحار وقد استيقظوا لحمل قيسهم ولم تنم أعينهم عن الأوتار فأعيد رواسيها التي كالجبال الشامخة بمن أسس المحجوج وأحصنها قلعة بالسماء ذات البروج. قلت ويحسن ذكر المنجنيق في هذ1 الموطن نقلت من خط القاضي صلاح الدين الصفدي قال نقلت من خط الزجاج الوراق لنفسه يصف حجارة المنجنيق: ترقى بمكر المنجنيق إلى السها ... وتعود تطلب مركز أرباها وحمت بها الأسوار ثم تكلمت ... لم لا وقد فتحت بها أفواها وتولت السمر الطوال سواكها ... وثغورها لا تنجلى بسوادها وقال ابن النبيه من قصيدة يمدح بها الأشرف ويصف دارا بناها بقلعة أخلاط: سقى الله من أعلام أخلاط قلعة ... يحوم بها نسر السها على وكر ودار على خير الطوالع أسست ... فمن حل فيها في أمان من الدهر تجلى مدى الأبصار لمع بياضها ... فأحسبها قد ألبست بهجة الدر وقد أثبتت أركانها من نقوشها ... تماثيل روض لم يزل يانع الزهر تكاد تشم المسك من نسماتها ... ويقطر من أرجائها ورق التبر تسر وتلهى ساكنيها بحسنها ... فإن شئت أغنت عن غناء وعن خمر إذا فتحت أبواب مستبشر بها ... جلت لك نور البحر والوحش في البر فإن شئت للاخرى فمحراب ناسك ... وإن شئت للدينا فريحانة العمر وإن جمعا فالله ما زال جامعاً ... شتيت العلا للاشراف بن أبي بكر وللشيخ بن أبي حجلة في مدرسة القاضي بدر الدين بن الجزولى بمصر:

تأمل ففضلى سار في البر والبحر ... ولى خبر في مصر يغنى عن الخير يقابلني المقياس يوم وفائه ... بوجه فتاة لاح من خلل الستر فشباكه يرنو إلى بأعين ... جلبن الهوا من حيث أدري وما أدري أهيم بها في مصر حتى كأنها ... عيون المها بين الرصافة والجسر فلا عذرى عندي للنسيم إذا سرى ... وكم من الهوى العذري للصب من عذر تداوى بشرب الماء عندى جماعة ... كما يتداوى شارب الخمر بالخمر مماتى من عين الحيوة لأنه ... من الروض يأتيني على قدم الخضر وبسطى روضى والقناديل زهرها ... وثغر حباب الماء يبسم عن در فلا يعجبا من زائري إن توقدت ... عليه مصابيح الطلاقة البشر تشاهد منى العين في مصر روضة ... ترى زهرها في الماء كالأنجم الزهر وكم وردة أبدى دهاني حسنها ... يبيت قلب الحسود على الجمر وله فيها: دار يصان الجار في أرجائها ... ويذل فيها صين الأموال نسيت بها الأهرام لما إن غدت ... بضيائها هولاً من الأهوال الشيخ شمس الدين بن القريه السكندري فيمن له غلام اسمه ريحان: ان الأمير حباه رب ال ... عرش أحسانا ومنه هو الغلام وداره ... روح وريحان وجنه حكى عن سنمار أنه كان رجلاً حاذقاً بالبنيان فأمره النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بم امرئ القيس اللخمي أن يبني له حصنا بظاهر الجزيرة وهو الذي يقال له الخواريق فلما فرغ من بنائه عجبوا من حسنه وإتقان عمله فقال له لو وفيتموني أخرى لبنيته بناء يدور مع الشمس كيفما دارت، فقال النعمان أقدرت على أحسن منه ولم تفعل فأمر بقذفه من أعلاه وقيل إنما قتله لأنه لما فرغ من بناءه خلا به وقال له إن هذا البنيان كله مردود إلى هذا الحجر فاحتفظ به فإنه إن نزع سقط البناء كله فقتله لئلا يطلع على ذلك غيره، فضربت به العرب المثل وأكثرت فيه فقالوا: جزاه الله جزاء سنمار. وقال الشاعر أنشده ابن مالك: جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمار وقال عبد العزيز بن امرئ القيس: جزاني جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب قال ابن الشجري يقال رجل سنمار إذا كان حسن الوجه أبيضه، ويقال للقمر سنمار ولما أراد المنصور أن بيني بغداد في سنة أربعين ومائة سأل راهباً كان في صومعة في مكان بغداد عندما أراد أن يختطها أريد أن أبني هنا مدينة فقال له الراهب إنما بينيها ملك يقال له الدواني فضحك وقال له المنصور أنا هو وشرع في بنائها سنة أربعين ومائة ونزلها سنة ست وأربعين، وفي سنة ست وأربعين تم بناؤها وهي بغداد القديمة التي بالجانب الغربي على دجلة وهي بين الفرات ودجلة كما جاء في الحديث لا بغداد الثانية وهي الجديدة التي في الجانب الشرقي وفيها دور الخلفاء وبغداد عبارة عن سبع محال لا تفتقر منها محلة إلى غيرها على شاطئ دجلة فالذي في الجانب الشرقي الرصافة، بناها المهدي بن المنصور حين ضاقت بالرعية والجند سنة قلت: إحدى وخمسين وهي مدينة مسورة، والثانية مشهد أبي حنيفة مسورة، والثالثة جامع السلطان غير مسورة، والرابعة مدينة المنصور في الجانب الغربي وتسمى باب البصرة وكان بها ثلاثون ألف مسجد وخمسة آلاف حمام، والخامسة مشهد موسى بن جعفر مسورة، والسادسة الكرخ مسورة، والسابعة دار القمر مسورة، قلت: مكتوب على ظاهر المدرسة التي أنشأها الشيخ الإمام العالم أوحد القراء أبو عبد الله شمس الدين محمد بن الجزري تغمده الله برحمته بعقبة الكتاب عمرها الله ببركته وأظن أنها من نظمه: يا دار علم للمآثر تقصد ... وبصدرها تروى العلوم وتسند خلعت عليك الكائنات بجمالها ... فلذاك سعدك دائماً يتجدد أضحيت للراجين قبلة قاصد ... لكمالها تعنو الوجوه وتسجد نظرتك شمس العلوم منيرة ... منها لطلاب الفضائل منجد يا باذلاً لمال غير مذمم ... حاشاك من ذم وأنت محمد كم قلد الناس اجتهادك منة ... فحمدت مجتهداً وأنت مقلد طربت بذا المعنى العقول فيا له ... من دار قرآن وفيه معبد بالأمس كان على الطريق قمامة ... واليوم فهو على الحقيقة مسجد

ما أن تراه مشاهداً لجماله ... إلا وتعجب من سناه فتنشد وإذا نظرت إلى البقاع وجدتها ... تشقى كما تشقى الرجال وتسعد وقال الشيخ بدر الدين ابن الصاحب في عمارة السلطان الملك الظاهر برقوق التي بناها بين القصرين عمرها بحياته عمارة الظاهر قد أصبحت أركانها شاهقة كالعلم وبشرت أحجارها بالبقاء وأنه يبلغ سن الهرم. وله في رباط المعشوق الذي بمصر المحروسة المشرف بالآثار الشريفة: لنا رباط وبالمعشوق شهرته ... أثار خير الورى فيه يتحقق يصبو فؤادي لمرآة ولا عجب ... ان هام قلبي في أثار معشوق غيره: أتيت إلى المعشوق من بعد فرقة ... وهجر وقلبي بالنوى يتضرم فقابلني والثغر بالزهر باسم ... وما أحسن المعشوق للصب يبسم قلت وأنشدني من لفظه لنفسه الشيخ الإمام الفاضل اللغوي جلال الدين أبو المعالي ابن خطيب داريا: يا عين إن بعد الحبيب وداره ... ونأت مرابعه وشط مزاره يا عين ويحك فانظري وتمتعي ... إن لم تريه فهذه آثاره وقال الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي موريا به وبغيره من منارة مصر المحروسة: وليلة مرت بنا حلوة ... إن رمت تشبيها لها عبتها لا يبلغ الواصف في وصفه ... حدا ولا يلقى لها منتهى بت مع المعشوق في خلوة ... نلت من خرطومه المشتهى وقرأت في شرح قصيدة بني الأفطس التي شرحها الكاتب أبو القاسم عبد الملك بن بد الله بن بدرون الحضرمى السلمي رحمه الله عند ذكر كسرى هو كسرى أنوشروان بن ساسان كان ملكه ثمانية وأربعين سنة وقيل سبعا وأربعين سنة وثمانية أشهر وهو الذي بنى سور الباب والايوان وجعل هذا السور من جوف البحر مقدار ميل وبناه على الزقاق بلين الحديد والرصاص كلما ارتفع البناء نزلت إلى أن استقرت في قرار البحر وارتفع السور على الماء فغاصت الرجال بالخناجر والسكاكين إلى ذلك الزقاق فشقتها وتمكن السور على وجه الأرض في قاع البحر وذكر المسعودي أن هذا السور كان باقياً سنة اثنين وثلاثين وثلثمائة ويسمى هذا السور الذي في قاع البحر القيد وصعد هذا السور في أكر على جبل الفتح أربعين فرسخاً حتى انتهى إلى طربستان وجعل على كل ثلاثة أميال من هذا السور بابا من الحديد وأسكن من داخله أمة من الناس تراعي ذلك الباب وما يليها من السور وذلك لدفع الأمم المتصلة بذلك الجبل وهم أنواع من الأمم منهم اللان والجزر والترك والبرغز وغيرهم وذكر في كتابه هذا عند ذكر المأمون ومن تسمى باسمه فمنهم يحيى بن ذي النون صاحب طليطلة يحكى أنه بنى قصر طليطلة وتأنق في بناءه وأنفق فيه أموالاً كثيرة وصنع فيه بحيرة وبنى في وسطها قبة وسيق الماء إلى رأس القبة حواليها محيطاً بها متصلاً بعضه ببعض فكانت القبة في غلالة من ماء تكسب ولا تفتر والمأمون بن ذي النون قاعد فيها لا يمسه فيها شيء ولو شاء أن يوقد فيها الشمع لفعل فبينما هو نائم فيها إذ سمع منشدا ينشد: أتبنى بناء الخالدين وإنما ... بقاؤك فيها لو عقلت قليل لقد كان في ظل الاراك كفاية ... لمن كان يوماً يقتضيه رحيل فما لبث بعد هذا إلا يسير حتى قضى نحبه: أنشدني الشيخ شمس الدين الجرائحي من لفظه لنفسه وقد أمره القاضي فتح الدين بن الشهيد أن ينظم شيئاً يكتبه على طراز في صدر إيوانه: أيا من يطرز الدر أكمامهم سمت ... قفوا وانظروا دار الطراز على خصري وصدري لاسرار الممالك حائط ... من الفضة البيضاء والذهب المصري فمن ذا يضاهني افتخار وقد غدت ... خزائن أسرار الممالك في صدري

نقلت من خط الشيخ بهاء الدين الموصلي ولد شيخنا العلامة عز الدين أبي الخير الموصلي من مقامة وسماها بسلوة الغريب وخلوة الحبيب منها في وصف القصر الأبلق بدمشق وقصرها الأبلق ليس بالعقوق من شاهد بديع معانيه لنهى عن العاشق والمعشوق قد شام في غمده مشهور عمدان وأسبل على أيوان كسرى ستر النسيان يبهر الناظر حسن معناه ولا يقدر على وصف محاسنه من يراه الماء مرفوع في أقطاره ونواحيه منتصف في فوار بركه لتمييز ناظريه يتكسر جمعه على شازرواناته بإضافته إلى مجاريه فقد اجتمع لقاطنه إضافة المعنى والحسن الباهر ولم يكمل ذلك البهاء إلا بكمال جمال الظاهر أعين شبابيكه إلى ميدانه الأخضر ناظرة قد جمع الصادح والباغم واللاقط والطاغم به الظباء الأوانس والمها الكوانس أقطاره عريضة طويلة لا ترجع الأبصار من السفر في زمنه إلا كليلة أخجلت خمائله الأيك والغصون ولاذ القائف بالسلوان عن اقتفاء أثر السلوك في معانيه التي كلها عيون وقف الأبلق حين جرى إلى منتهاه وأدركه الإعياء فسكن بأقصاه وشاهد الشقراء تمرح في ميدان واديها فأراد الوصول إليه فعاوده الاضطراب فقطعت على الأنهار الطريق وضرب بينهما بسور له باب. الإيوان: من بعد هدمه بناه وزير كسرى أبرويز في نيف وعشرين سنة ومائة ذراع في عرض خمسين في سماك مائة من الآجر الكبار والجص وثخن الجدار الأزج خمس أجرات وطول الشرف خمسة عشر ذراعا ولما بنى المنصور بغداد حب أن ينقضه ويبني به فاستشار خالد بن برمك فنهاه وقال هو آية الإسلام ومن علم أن هذا بناؤه لا يزيل أمره إلا نبي وهو مصلى علي بن أبي طالب (والمؤنة في نقضه أكثر من الارتفاق به فقال أتت الأمثلاء من العجم فهدمت ثلمة منه فبلغت النفقة عليها مالاً كثيرا فأمسك فقال خالد أنا لا أشير بهدمه لئلا يتحدث بعجزك عنه فلم يفعل وعلى ذكر الإيوان فما أحسن ما أنشدني من لفظه لنفسه أجازة شيخنا العلامة عز الدين أبو الخير الموصلي محاجيا: يا من له الطول في المعالي ... وبالمعاني لنا يبصر أنى كما قلت في سؤالي ... ما مثل قولي ينعم مقصر القاضي فتح الدين بن الشهيد على لسان مجلس داره وقد بنى لبعض الأجلاء في داره مجلس عال: يا من ينزه في حسني نواظري ... اسمع صفات بها فقت أمثالي أنى مقام مقر عز جانبه ... ودون قدر جناب المجلس العالي أنشدني من لفظه لنفسه الأديب الفاضل الكامل شمس الدين أبو عبد الله الجراحي في مجلس بناه سيدنا ومولانا قاضي القضاة وشيخ الشيوخ خطيب الخطباء أبو الحسن علاء الدين بن أبي البقاء السبكي الشافعي تغمده الله برحمته: ومجلس قد قال لي منشي ... ما مثله في الفضل قاضي القضاه قد لأسس البنيان مني على ... تقوى من الله وأرضى الإله فصرت كالكعبة من أجله ... تسعى إلى نحوي الحفاة العراه فما سعى نحوي أخو شدة ... إلا ومن ربي لاقى رضاه فالاسم مني في الهجا معرب ... وإنما للمدح قصدا بناه خص بخفض العيش من أمني ... ورفعه يبقى بقصد النحاه قاض قضى بالحق لكنه ... جار على ما ملكته يداه فما اشتكى الفقر إليه امرئ ... إلا ونادى المال كن في رضاه وأنشدنني لنفسه فسح الله في أجله في منزل القاضي فتح الدين بن الشهيد: يا منزلا بالبهاء والحسن ناظر من ... طرز الملوك طرازي لست من طرزي والناس دون محل الغير تقصدني ... من القبول لأن السر في حرزي

ومن المباني العظيمة المذكورة في القرآن العظيم إرم ذات العماد قال أصحاب الآثار ورواة الأخبار لما سمع شداد بن عاد بن أرم وصف الجنة سولت له نفسه أن يبني مثلها فبنى مدينة بين حضرموت وصنعاء طوله أثنى عشر فرسخا وعرضها مثل ذلك وأحاط بها سوراً ارتفاعه خمسمائة ذراع وغشى خارجها فضة مموهة بالذهب وبنى داخلها مائة مائة ألف قصر بعدد رؤساء أهل مملكته بلبن الذهب والفضة وكذلك جذوع سقوفها وأساطينها وأجرى في وسطها نهرا صفح أرضه بالذهب وجعل على حافتيه أنواع الجواهر والياقوت بدلا من الحصباء وألقى فيه المسك الغبر عوضا عن الحمأة وفرع منه جداول إلى تلك القصور والمنازل وغرس على شطوطها من الأشجار ما كان لزهره عرف ورائحته ذكية وزعموا أنه أقام في بنائها ثلاثمائة سنة فلما تم بناؤها زاد في طغيانه ولم يعبأ بربه فبعث الله هوداً عليه السلام يدعوه إلى الله تعالى ويحذره سطوته ويخوفه نقمته فلم يجبه إلى ما دعاه إليه وخرج من حضرموت إلى ذات العماد ليبلغ نفسه مناها بسكناها فلما أشرف عليها جاءته صيحة من السماء فأهلكته وجنوده وأفانته أمله ومقصوده. ويروى أن عبد الله بن قلابة خرج في طلب إبل ندت له فوقع عليها فحمل ما قد عليه مما تم فلبغ خبره معاوية فاستحضره فقص عليه فبعث إلى كعب فقال هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وفي ذقنه خال يخرج في طلب إبل ندت له ثم التفت فرأى ابن قلابة فقال هذا والله ذلك الرجل وزعم الأحباريون أنه كان بها أربعمائة ألف وأربعون ألف عمود ولهذا سميت ذات العماد. ومن المباني العظيمة سد ذي القرنين الذي بناه على يأجوج ومأجوج وصفته على ما حكاه ابن حردأدبة أن مكانه جبل أملس مقطوع بواد عرضه مائة وخمسين ذراعا وفي جانبي الوادي عضادتان مبنيان عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعا كل ذلك مبني بلبن الحديد مغيب في نحاس في سمك خمسين ذراعا وعلى العضادتين دروند حديد طرفاه في العضادتين طوله مائة وعشرون ذراعا وفوق الروند بناء بتلك اللبن الحديد المغيبة في النحاس إلى رأس الجبل وارتفاعه مد البصر وفوق ذلك شرافات من حديد في طرف كل شرافة قرنان يبني كل واحد منهما إلى صاحبه بين العضادتين باب من حديد بمصراعين وبين كل مصراع خمسون ذراعا في خمسة أذرع وعلى الباب قفل طوله سبعة أذرع في غلظ باع في الاستدارة وارتفاع القفل من الأرض خمسة وعشرون ذراعا وعتبة الباب عشرة أذرع بسط مائة ذراع سوى ما كان تحت العضادتين ويقال أن آلة البناء التي بنى بها هذا السد موجودة بحصون بناها ذو القرنين ورتب فيها حراسا يحرسون هذا السد وهي مغارف وبقية لبن كل ذلك من حديد وأن كل لبنة ذراع ونصف في مثل ذلك في سمك شبر قد ألصق الصداء بعضها ببعض. ومن المباني المشهورة قصر غمدان وكان بصنعاء قال الجاحظ أحبت العرب أن تشارك الفرس في البناء وتنفرد بالشعر فبنوا غمدان وكعبة بحران وحصين مارد والأبلق ويزعم بعض الأحباريين أن بانيه حام بن نوح ويزعم آخرون أن بيوراسف بناه على اسم الزهر وذكر ابن هشام أن الذي أسسه قحطان بن يعرب وأكمله بعده وأصله وائل بن حمير بن سبأ بن يعرب وخربه عثمان بن عفان (وكانت صفته على ما نقلته من الكتب المدونة في العجائب مربعا أحد أركانه مبني بالرخام الأبيض والثاني بالرخام الأصفر والثالث بالرخام الأخضر والرابع بالرخام الأحمر فيه سبع سقوف طباقا ما بين السقف والآخر خمسون ذراعا وجعل على كل ركن تمثال أسد من النحاس إذا هبت الريح دخل من دبره وخرجت من فيه فيسمع له صوت كزمير الأسد وقال ابن الكلبي كان على ركن أركان غمدان مكتوب بالحميرية أسلم غمدان معاديك مقتول بسيف العدوان، وذكر الجاحظ في كتاب الأمصار أن قصر غمدان كان أربعة عشر غرفة بعضها فوق بعض ويروى أن عمر بن الخطاب (قال: لا يستقيم أمر العيوب ما دام فيها غمدانها وهذا القول الذي حض عثمان على هدمه وأثره باق على تل عال مطل على البلد قريب الجامع.

ومن المباني التي تبلي الزمان ولا تبلى وتندرس معالمه وأخبارها لا تندرس ولا تبلى الأهرام التي بأعلام مصر وهي أهرام كثيرة أعظمها الهرمان اللذان بجزيرة مصر غربي النيل يقال أن بانيها شوندبر بن شرناق قبل الطوفان ويقال أن هرمس المثلث بالحكمة وهو الذي تسميه العبرانيون أخنخ وهو إدريس عليه السلام استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان فأمر ببناء الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم وما يخاف عليه من الذهب والدثور وكل هرم منها مربع القاعدة مخروطي الشكل ارتفاع عموده سبعة عشر ذراعا يحيط به أربع سطوح متساويات الأضلاع كل ضلع منها أربعمائة ذراع وستون ذراعا ويرتفع إلى أن يكون سطحه ستة أذرع في مثلها ويقال إنه كان على أعلاه حجر يشبه المكبة فرمته الرياح والعواصف وهو مع هذا العظم من الصنعة وإتقان الهندام وحسن التقدير بحيث لم يتأثر إلى الآن بعصف الرياح وهطل السحاب وزعزعة الزلازل وهذا البناء ليس بين حجارته منابر البلدان المشهورة الكعبة فوق المحراب وسائر الأقاليم يمنة ويسرة وما في البلدان من الأشجار الحسنة المثمرة والمزهرة وغير ذلك وسقفه مقرنس بالذهب والسلاسل المعلقة فيه من ذهب وفضة وأنوار الشمع في أماكن متفرقة قالوا وكان في محراب الصحابة منه حجر من بلور ويقال حجر من جوهر وهي الدرة وكانت تسمى القليلة وكان إذا طفئت القناديل تضيء لمن هنالك بنورها فلما كان زمن الأمين بن الرشيد وكان يحب البلور بعث إلى سليمان وإلى شرطة دمشق أن يبعث بها إليه فسرقها وسيرها إلى الأمين فلما ولي المأمون أرسل بها إلى دمشق ليشنع بذلك على الأمين، قال الحافظ ابن عساكر ثم ذهبت بعد ذلك فجعل مكانه برنية من زجاج وقد رأيت تلك البرنية ثم انكسرت بعد ذلك فلم يجعل مكانها شيء وكانت الأبواب الشارعة من الداخل إلى الصحن ليس عليها أغلاق وإنما عليها الستور مرخاة وكذلك الستور على سائر جدرانه إلى حد الكرمة التي فوقها الفصوص المذهبة ورؤوس الأعمدة مطلية بالذهب الكثير وعملوا له شرافات تحيط به وبنى الوليد المنارة الشمالية التي يقال لها مأذنة العروس فأما الشرقية والغربية فكانتا قبل ذلك بدهور متطاولة وقد كان في كل زاوية من هذا المعبد صومعة شاهقة جدا بنتها اليونان للرصد فسقطت وبقيت القبليتان إلى الآن وقد احترق بعض الشرقية بعد الأربعين وسبعمائة ونقضت وجدد بناؤها من أموال النصارى حيث اتهموا بحريقها فقامت على أحسن الأشكال بيضاء بذاته والله أعلم، الشرقية التي ينزل عليها عيسى ابن مريم في آخر الزمان بعد خروج الدجال كما ثبت في صحيح مسلم عن النواس بن سمعان والمقصود أن الجامع الأموي لما أكمل بنائه لم يكن على وجه الأرض أحسن بناء منه ولا أبهى ولا أجل منه بحيث إذا نظر الناظر في أي جهة منه أو إلى بقعة أو إلى مكان منه تحير فيما ينظر إليه لحسنه جميعه وكانت فيه طلسمات من أيام اليونان فلا يدخل هذه البقعة شيء من الحشرات بالكلية لا من الحيات ولا من العقارب ولا من العناكب ويقال ولا العصافير تعشش فيه ولا الحمام ولا شيء مما يتأذى الناس به وأكثر هذه طلسمات أو كلها كانت مودعة في سقف الجامع مما يلي السبع فاحترقت لما وقع فيه الحريق وكان ذلك ليلة النصف من شعبان بعد العصر من سنة إحدى وستين وأربعمائة ومازال سليمان بن عبد الملك في تكميله وزيادته مدة ولايته وجددت له فيه المقصورة رحمه الله فلما ولي عمر بن عبد العزيز عزم على أن يحرد ما فيه من الذهب ويقلع السلاسل والرخام والسقوف ويرد ذلك كله إلى بيت المال ويطين ذلك كله فشق ذلك على أهل البلد واجتمع أشرافهم إليه وقال خالد بن عبد الله القشيري أنا أكمله لكم فلما اجتمعوا قال خالد: يا أمير المؤمنين بلغنا أنك تريد أن تصنع كذا وكذا قال نعم قال خالد ليس ذلك لك يا أمير المؤمنين قال ولم يا بن الكفرة وكانت أمه نصرانية رومية فقال يا أمير المؤمنين إن كانت كافرة فقد ولدت رجلا مؤمنا قال صدقت واستحى عمر، قال فلم قلت ذلك قال يا أمير المؤمنين لأن غالب ما فيه من الرخام إنما حمله المسلمون من أموالهم من سائر الأقاليم وليس هو من بيت المال فأطرق عمر رحمه الله قالوا واتفق في ذلك الزمان قدوم جماعة من الروم رسلا من عند ملكهم فلما دخلوا من باب البريد وانتهوا إلى الباب الكبير الذي تحت النسر فلما رأوا ذلك النور الباهر

والزخرفة التي لم يسمع بمثلها صعق كبيرهم مغشيا عليه فحملوه إلى منزلهم فبقي أياما مدنفا فلما تماثل سألوه عما عرض له فقال ما كنت أظن أن تبني المسلمون مثل هذا البناء وكنت أعتقد أن مدتهم تكون أقصر من هذا فلما بلغ ذلك عمر بن عبد العزيز قال وإن هذا ليغيظ الكفار دعوه. والمقصود أن الجامع الأموي كان حين تكامل بناؤه وليس له في الدنيا نظير في حسنه وبهجته قال الفرزدق أهل دمشق في بلدهم قصر من قصور الجنة يعني به الجامع الأموي. وقال أحمد بن أبي الحواري عن الوليد بن أبي المسلم عن أبي ثوبان ما ينبغي أن يكون أحد أشد تشوقا إلى الجنة من أهل دمشق لما يرون من حسن مسجدها ولما دخل المهدي أمير المؤمنين العباسي دمشق يريد زيارة بيت المقدس فنظر إلى جامع دمشق قال لكاتبه عبد الله الأشعري سبقنا بنو أمية بثلاثة بهذا المسجد لا أعلم على ظهر الأرض مثله وبنيل الموالي وبعمر بن عبد العزيز لا يكون فينا والله مثله أبدا ثم لما أتى بيت المقدس فنظر إلى الصخرة وكان الوليد بن عبد الملك بناها فقال لكاتبه وهذا أربعة أيضاً ولما دخل المأمون دمشق نظر إلى جامعها وكان معه أخوه المعتصم وقاضيه يحيى بن أكتم قال ما أعجب ما فيه فقال أخوه هذا الأدهان التي فيه وقال ابن أكتم الرخام وهذه العقد فقال المأمون إنما أعجب من بنيانه على غير مثال متقدم وقال المأمون لقاسم التمار أخبرني اسما حسنا أسمي به جاريتي هذه فقال سمها مسجد دمشق فإنه أحسن من كل شيء وقال عبد الرحمن بن الحكيم عن الشافعي عجائب الدنيا خمسة أحدها منارتكم هذه يعني منارة ذي القرنين التي بالإسكندرية والثانية أصحاب الرقيم وهي بالروم اثنا عشر رجلا أو ثلاثة عشر رجلا والثالثة مرآة بباب الأندلس على باب مدينتها يجلس الرجل فينظر فيها صاحبه من مسافة مائة فرسخ والرابع مسجد دمشق وما يوصف به من الإتقان عليه والخامس من الرخام والقيقسا فإنه لا يدري له موضع ويقال إن الرخام معجون والدليل على ذلك أنه مذوب على النار قال الحافظ ابن عساكر وذكر إبراهيم بن أبي الليث الكاتب وكان قدم دمشق سنة اثنين وثلاثين وأربعمائة في رسالة قال أمرنا بالانتقال إلى البلد فانتقلت منه إلى بلد تمت محاسنه ووافق ظاهره باطنه أزقته أرجه وشوارعه فرجه فحيثما مشيت شممت طيبا وأين سعيت رأيت منظرا عجيبا وأمضيت إلى جامعه فشاهدت منه ما ليس في استطاعة الواصف أن يصفه ولا الرائي أن يعرفه وجملته أنه بكر الدهر ونادرة الوقت وأعجوبة الزمان وغريب الأوقات ولقد أيقنت به ذكرا يدرس وجليت به أمرا لا يخفى ولا يدرس. ومما قيل في الساعات قال القاضي عبد الله بن أحمد بن زين إنما سمي باب الجامع القبلي باب الساعات لأنه كان عمل هناك بلكار الساعات يعلم بها كل ساعة تمضي من النهار عليها عصافير من نحاس وحية من نحاس وغراب فإذا تمت الساعة خرجت الحية فصفرت العصافير وصاح الغراب وسقطت حصاة في الطست. قلت هذا الكلام على أحد شيئين إما أن الساعات كانت في الباب القبلي من الجامع وهو باب يسمى بباب الزيادة اليوم ولكن قد قيل إنه محدث بعد الجامع وهو لا ينفي أن الساعات كانت عنده في زمن القاضي ابن زبر وإما أنه قد كان في الجانب الشرقي من الجامع في حائطه القبلي في باب آخر في محاذاة باب الزيادة وعنده الساعات ثم نقلت بعد هذا كله إلى باب الوراقين اليوم وهو باب الجامع من الشرق والله أعلم. وأما القبة التي في وسط الجامع التي فيها الماء الجاري ويقال لها قبة أبي نواس فكان بناؤها في سنة تسع وستين وثلاثمائة أرخه الحافظ ابن عساكر عن خط بعض الدماشقة. وأم القبة الغربية التي في وسط الجامع التي يقال لها قبة عائشة فسمعت شيخنا أبا عبد الله الذهبي يقول إنها بنيت في حدود سنة ستين ومائة في أيام المهدي بن المنصور العباسي وجعلوها لحواصل الجامع وكتب أوقافه. وأما القبة الشرقية التي على باب مشهد فقال بنيت على زمن الحاكم العبيدي في حدود سنة أربعمائة.

وأما الفوارة التي تحت درج جيرون عملها الشريف فخر الدولة أبو يعلي حمزة بن الحسين العباسي الحسيني وكأنه كان ناظر الجامع وجر إليها قطعة من حجر كبير من قصر حجاج وأجري فيها الماء ليلة الجمعة لسبع خلون من ربيع الأول سنة سبعة عشر وأربعمائة وعمل حولها قناطر وعقد عليها قبة ثم سقطت القبة بسبب جمال احتكت فيها وذلك في صفر من سنة سبع وخمسين وأربعمائة فأعيدت ثم سقطت عمدها وما عليها في حريق اللبادين بسبب حريق النصارى في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة استوثق بناء الطهارة على أحسن مما كانت وذهبت تلك القصعة فلم يبق لها أثر وعمل الشاذروان الذي هو شرقي الفوارة بعد الخمسمائة أظنه سنة أربع عشرة وخمسمائة. فصل: وكان ابتداء عمارته في أواخر عام سنة ست وثمانين وهدمت الكنيسة في ذي القعدة منها فلما فرغوا من الهدم شرعوا في البناء وتكامل في عشر سنين فكان في هذه السنة أعني سنة ست وتسعين ووضع العمودان اللذان في صحن الجامع لأجل التنوير في ليالي الجمع في شهر رمضان سنة إحدى وأربعين وأربعمائة قاضي البلد أبي محمد فيما ذكره بنو عساكر في بعض تواريخهم نقلت هذه الترجمة في بناء جامع دمشق من تاريخ الحافظ عماد الدين بن كثير الذي أسماه البداية والنهاية: يا حسن ترخيم بجامع جلق ... متناسب التركيب والتقسيم فإن يتغالى في الزيادة معسر ... فقل لهم باب الزيادة مفتوح وقال بعضهم: أرى الحسن مجموعاً بجامع جلق ... وفي صدره معنى الملاحة مشروح فإن يتغالى في الزيادة معسر ... فقل لهم باب الزيادة مفتوح وقال بعضهم: دمشق لها منظر رائق ... وكل إلى حسنها تائق وكيف يقاس بها بلدة ... أبى الله والمسجد الفارق قلت: أحسن منه قول من قال: إني أدل على دمشق وطيبها ... من حسن وصفي بالدليل القاطع جمعت جميع محاسن في غيرها ... والفرق بينهما بنفس الجامع وما أحسن قول الشيخ برهان الدين القيراطي: دمشق في الحسن لها منصب ... عال وقدر في الورى شائع فحد من قاس بها غيرها ... وقل له ذا الجامع المانع ذكر أبو الفرج الأصفهاني قال حدثني بذلك جماعة منهم أبو عثمان يحيى بن عمر قال قرأت في بعض الدواوين أن المتوكل أنفق على أبنيته وقصوره والمسجد الجامع ومنتزهاته في خلاوته يسر من رأى وأعمالها من الأموال ما لا يعلم أن أحدا أنفق على بناء مثله ومبلغ ذلك من العين مائة ألف وخمسين ألف دينار ومن الدراهم مائتي ألف ألف وثلاثة وتسعون ألف ألف وخمسين ألف درهم من ذلك القلايا مائة ألف وخمسون ألف دينار العروس ثلاثون ألف درهم الشاة عشرون ألف درهم البرج ثلاثون ألف ألف درهم البركة ألفا ألف درهم الجوسق الإبراهيمي ألفا ألف المختار خمسة آلاف ألف الجعفري ثلاثة وعشرون ألف ألف البديع عشرة آلاف ألف المليح خمسة آلاف ألف الصبيح خمسة آلاف ألف التل خمسة آلاف الجوسق في الميدان خمسمائة ألف بر كوازاء عشرون ألف ألف المسجد الجامع خمسة عشر ألف ألف الغراء بدجلة ألف ألف القصر بالمتوكلية خمسة عشر ألف ألف لؤلؤة خمسة آلاف ألف النهر بالمتوكلية خمسون ألف ألف وبنى المعتز بعد ذلك البيت المعروف بالكامل ولم أعرف مبلغ النفقة عليه وبنى المعتمد المعشوق والبيتين المعروفين بالفنح والبهج. كتب الشيخ جمال الدين ابن نباتة إلى الجناب القطبي بن شيخ السلامية يصف: يقبل الأرض ويسأل الله تعالى أن يديم أيام مولانا التي غفرت ذنوب الأيام والليالي وعمرت الوجود بما سمع عن أهل العصور الخوالي وينهى أنه سطر هذه الخدمة وقد ترادفت عليه معاني الشكر فلم يدر ما يذكره ولا ما يحصيه ويحضره إلى أن ألقى السلاح وغص الجماح وأنشد: تعالى عن المداح قدرك رتبة ... فاقصارهم عن مدحه غاية المدح

هذا على أنه الآن في نشو سكره وذهول فكره باستجلاء هذه المنازل كل شمال فيها شمول لابل الرياح الأربع على أرجائها قبول فهي الجنة وثناء مولانا مسكها الأرج والهالة وأوصافه بدرها المبتلج والدنيا إلا أنها المحسوبة من العيش النضر ومحلة موسى وكل غصن من أغصانها الخضر ما شئت من صدحات مسجوعة وبيوت معمورة وسقف مرفوعة وثمرات كثمرات الجنة غير مقطوعة ولا ممنوعة وعقود على أجيال القضب من الأزاهير وسوق أشجار على نهر كأنه صرح ممرد من قوارير وكل دوحة تنحفر كما تنحفر العذراء ومرجة هي نفس اللذة بدليل أن النفس خضراء وجداول تتلوى في الروض تلوي الأراقم في الصعيد وأبكار وورد كما أشارت شفاه الملاح بالقبل من بعيد راواوين كأنما طارت إلى الأفق بأجنحتها وشبابيك كأنما أصابت القلوب من فتكات الهم بحديد أسلحتها وشرافات دلت على همة الأمن بمبانيها وعلت حتى كأن الثريا عقدت على تراقيها وتجري ماء ترق بمحواتها القلوب الجافية ولا عيب فيها إلا النسيم الواشي والعين الصافية قد مرج الله تعالى بهما البحرين يلتقيان وأخرج منهما في أعطاف الغصون اللؤلؤ والمرجان ولو أخذ المملوك في وصف المحاسن المبدعة والأصول المتفرعة لكاثر غصونها بأقلامه وأزهارها بنثاره ونظامه ولا بلغ معشارها ولا حدث بأخبارها ولكن ليس فيها ما يقال إن كملت لو أن ذا كملا فجعلها الله أول منازل نعيم مولانا المستمر وعمر ببقائه أرجاها التي ينعم الأمل ويعتمر بمنه وكرمه. صلاح الدين الصفدي متضمنا: تقول دمشق إذا تفاخر غيرها ... بجامعها الزاهي البديع المشيد جرى للتهاني حسنه كل جامع ... وما قصبات السبق إلا لمعبد

وضعف الحال وضيقه على الناس لما توفي صلى الله عليه وسلم بعث الصديق الجيوش قبل الشام وإلى العراق كما تقدم في كتابنا هذا ولله الحمد والمنة ففتح الله على المسلمين الشام بكاملها ومن ذلك مدينة دمشق بأعمالها، كتب أمير الجيوش إذ ذاك وهو أبو عبيدة وقيل خالد بن الوليد لهم كتاب أمان وأقروا أيدي النصارى على أربع عشرة كنيسة كما ذكرنا وأخذوا منه نصف هذه الكنيسة التي كانوا يسمونها كنيسة مرتحيا بحكم أن البلد فتحه خالد من الباب الشرقي بالسيف وأخذت النصارى الأمان من أبي عبيدة وهو على باب الجابية بالصلح فاختلفوا ثم اتفقوا على أن جعلوا نصف المسجد صلحا ونصفه الآخر عنوة فأخذوا نصف هذه الكنيسة الشرقي فجعله أبو عبيدة مسجدا وكان قد صارت له إمرة الشام فكان أول من صلى في هذا المسجد أبو عبيدة (ثم الصحابة بعده في البقعة التي يقال لها محراب الصحابة ولكن لم يكن الجدار مفتوحا بمحراب محني وإنما كانوا يصلون عند هذه البقعة المباركة والظاهر أن الوليد هو الذي فتق المحاريب في الجدار القبلي وكان المسلمون والنصارى يدخلون من باب واحد وهو باب المعبد الأعلى الذي كان من جهة قبلة مكان المحراب الكبير اليوم فتنصرف النصارى إلى جهة المغرب إلى كنيستهم ويأخذون المسلمون يمينه إلى مسجدهم ولا يستطيع النصارى أن يجهروا بقراءة كتابهم ولا يضربوا بناقوسهم إجلالا للصحابة ومهابة وخوفا وقد بنى معاوية (في أيامه على الشام داراً للإمامة قبلي المسجد الذي كان للصحابة وبنى فيها قبة خضراء فعرفت الدار بكمالها بهاء فسكنها معاوية أربعين سنة كما قدمنا ثم لم يزل الأمر كما ذكرنا من سنة أربع عشرة إلى سنة ست وثمانين في ذي القعدة منها وقد صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك في شوال منها فعزم على أخذ بقية الكنيسة وإضافتها إلى ما بأيدي المسلمين منها وجعل الجميع مسجدا واحدا وذلك لتأذي بعض المسلمين بسماع قراءة النصارى الإنجيل ورفع أصواتهم في صلواتهم فأحب أن يبعدهم عن المسلمين ويضيف ذلك المكان إلى هذا المسجد الجامع فطلب النصارى وسألهم أن يخرجوا عن هذا المكان ويعوضهم منه إقطاعات كثيرة عرضها عليهم وأن يقر لهم أربع كنائس لم تدخل في العهدة وهي كنيسة مريم وكنيسة المصلبة داخل باب شرقي وكنيسة تل الحين وكنيسة حميد بن درة التي بدرب الصقيل فأبوا ذلك أشد الإباء فقال ائتونا بعهدكم الذي بأيديكم فأتوا بعهدهم الذي بأيديهم في زمن الصحابة فقرىء بحضرة الوليد فإذا كنيسة توما التي خارج باب توما عند النهر لم تدخل في العهدة وكانت فيما يقال أكبر من كنيسة مرتحيا فقال أنا أهدمها وأجعلها مسجدا فقالوا يتركها أمير المؤمنين وما ذكر من الكنائس ونحن نرضى بأخذ بقية هذه الكنيسة فأقرهم على تلك الكنائس وأخذ بقية هذه الكنيسة ويقال غير ذلك والله أعلم، ثم أمر أمير المؤمنين بإحضار الآلات للهدم واجتمع إليه الأمراء والكبراء من رؤوس الناس وجاءت أساقفة النصارى وقساوستهم قالوا يا أمير المؤمنين إنا نجد في كتبنا أن من يهدم هذه الكنيسة يجن فقال أنا أحب أن أجن في الله والله لا يهدم فيه أحد قبلي ثم صعد المنارة الشرقية ذات الأضلاع المعروفة بالساعات وكانت صومعة فإذا راهب أمره بالنزول منها فأكبر الراهب ذلك قال فأخذ الوليد بقفاه ولم يزل يدفعه حتى أحدره منها ثم صعد الوليد على أعلا مكان في الكنيسة فوق المذبح الأكبر منها الشاهد وأخذ أذيال قبائه وكان لونه أصفر سفرجليا فغرزها في المنطقة ثم اخذ فأسا في يده فضرب في أعلاه حجرا فألقاه وتبادر الأمراء إلى الهدم وكبر المسلمون ثلاث تكبيرات وصرخت النصارى بالعويل على درج جيرون وقد اجتمعوا هنالك فأمر الوليد أمير الشرطة وهو أبو نائل رباح الغساني أن يضربهم حتى يذهبوا من هنالك ففعل ذلك وأمر نائبه على الخراج يزيد بن تميم بن حجر السلمي بإحضار اليهود ليساعدوا في هدم الكنيسة فجاءوا فكانوا كالفعلة ذكره الحافظ ابن عساكر في ترجمة يزيد بن تميم هذا فهدم المسلمون واليهود والوليد جميع ما جددته النصارى في تربيع هذا المكان من المذابح والأبنية والحنايا حتى بقي صرحة مربعة ثم شرع في بنائه في فكرة جيدة على الضفة الحسنة الأنيقة التي لم يشهد مثلها قبلها على ما سنذكره ونشير إليه وقد استعمل الوليد في بناء هذا المسجد خلقا كثيرا من الصناع والمهندسين

والفعلة وكان المستحث على عمارته أخوه بعده وولي عهده من بعده سليمان بن عبد الملك ويقال إن الوليد بعث إلى ملك الروم يطلب منه صناعا في الرخام وغير ذلك ليعمروا هذا المسجد على ما يريد وأرسل يتوعده لئن لم يفعل ليغزون بلاده بالجيوش وليخربن كل كنيسة في بلاده حتى كنيسة القدس وكنيسة الرها وسائر آثار الروم فبعث الملك صناعا كثيرة جدا وكتب إليه يقول له إن كان أبوه فهم هذا الذي تصنعه وتتركه فإنه لوصمة عليك وإن لم يكن فهمه وفهمته أنت فإنه لوصمة عليك فلما وصل ذلك إلى الوليد أراد أن يجيب عن ذلك واجتمع الناس عنده وكان فيهم الفرزدق الشاعر فقال أنا أجيبه يا أمير المؤمنين من كتاب الله قال وما هو ويحك قال قوله تعالى (ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) فأعجب ذلك الوليد فأرسل به جوابا لملك الروم ولما أراد الوليد بناء القبة التي في وسط الرواقات عن يمينها وشمالها كالأجنحة لها حفروا لأركانها حتى وصلوا إلى الماء وشربوا منها عذبا زلالا ثم إنهم وضعوا فيه جرار الكرم وبنوا فوقه بالحجارة فلما ارتفعت الأركان بنوا عليها القبة فسقطت فقال الوليد لبعض المهندسين آمر لك أن تبن لي هذه القبة فقال على أن تعطيني عهد الله وميثاقه أن لا يبنيها أحد غيري ففعل فبنى الأركان ثم غلفها بالبواري وغاب سنة كاملة لا يدري الوليد أين ذهب فلما كان بعد السنة حضر فهم الوليد به فأخذه ومعه رؤوس الناس فكشف البواري عن الأركان فإذا هي قد هبطت بعد ارتفاعها حتى ساوت الأرض فقال له من هذا أبيت ثم بناها فانعقدت وقال بعضهم أراد الوليد أن يجعل بيضة القبة من ذهب خالص ليعظم بذلك شأن المسجد فقال له المعمار إنك لا تقدر على ذلك فضره خمسين صوتا وقال ويلك أنا أعجز عن ذلك قال نعم قال فبينا ذلك فأمر فأحضر من الذهب ما سبك منه لبنة فإذا هي قد دخلها ألوف من الذهب فقال يا أمير المؤمنين أنا أريد من هذا كذا وكذا ألف لبنة فإن كان عندك ما يكفي ذلك عملناه فلما تحقق الوليد صحة قوله أطلق له خمسين دينارا ولما سقف الوليد الجامع جعل لسقفه جملونات وباطنها مسطح مقرنص بالذهب فقال له بعض أهله أتعبت الناس بعدك في تطيين هذا المسجد كل عام فأمر الوليد أن يجمع ما في بلاده من الرصاص ليجعل عوض الطين ويكون أخف على السقف فجمع من كل ناحية من الشام وغيره من الأقاليم فعازوا فإذا عند امرأة قناطير مقنطرة فساوموها فيه فأبت أن تبيعه إلا بوزنه فضة فكتبوا إلى أمير المؤمنين بذلك فقال اشتروه منها ولو بزنته فلما بدا له ذلك قالت أما إذا قلتم ذلك فهو صدقة لله تعالى يكون في سقف هذا المسجد فكتبوا على ألواحها بطابع لله ويقال إنها كانت إسرائيلية وأنه كتب على الألواح التي أخذت منها الذي أعطتهم الإسرائيلية وقال محمد بن عائد سمعت المشايخ يقولون ما تم المسجد بدمشق إلا بأداء الأمانة لقد كان يفضل عند الرجل من القرمة بعنون الفعلة الفلس ورأس المسمار فيجيء حتى يضعه في الخزانة وقال بعض المشايخ بدمشق ليس بالجامع من الرخام شيء إلا الرخامتان اللتان في المقام من عرش بلقيس والباقي مرمر وقال بعضهم اشترى الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين العامودين الأخضرين اللذين تحت النسر من حرة بن خالد بن معاوية بألف وخمسمائة دينار وقال دحيم عن الوليد بن ملسم حدثنا مروان ابن جناح عن أبيه قال كان في مسجد دمشق اثنا عشر ألف مرخم وقال أبو قصي عن دحيم عن الوليد بن مسلم عن عمرو بن مهاجر الأنصاري أهم حسبوا ما أنفق على الكرمة التي في قبة المسجد فإذا هو سبعون ألف دينار وقال أبو قصي انفق في مسجد دمشق أربعمائة صندوق في كل صندوق أربعة عشر ألف دينار، قلت وذلك خمسة آلاف ألف دينار وستمائة ألف دينار وفي رواية في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار. قلت: فعلى هذا يكون المصروف في عمارة الجامع الأموي أحد عشر ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار، والله أعلم.

قال أبو قصي وأتى الحرس إلى الوليد بن عبد الملك فقالوا يا أمير المؤمنين إن الناس يقولون أنفق الوليد أموال بيت المال في غير حقها فنودي في الناس الصلاة جامعة فصعد المنبر وقال إنه بلغني عنكم كذا وكذا ثم قال عمرو بن مهاجر قم فأحضر أموال بيت المال فحملت على البغال وبسطت على الانطباع تحت القبة وفرغ عليها المال ذهبا وفضة حتى كان الرجل لا يرى من الجانب الآخر وجيء بالقبانيين وقبنت فإذا هي تكفي الناس ثلاث سنين مستقبلة وفي رواية ستة عشر سنة مستقبلة لو لم يدخل للناس فيه شيء بالكلية ففرح الناس وكبروا وحمدوا الله عز وجل على ذلك ثم قال الخليفة يا أهل دمشق إنكم تفتخرون على الناس بأربع بهوائكم ومائكم وفاكهتكم وحماماتكم فأحببت أن أزيدكم خامسة وهي هذا الجامع فحمدوا الله وانصرفوا شاكرين وذكروا أن أرضه كانت مفصصة كلها والرخام في جدرانه إلى قامات وفوق ذلك كرمة عظيمة من ذهب وفوقها الفصوص المذهبة والخضر والحمر والزرق والبيض قد صور بها ملاط ولا يتخلل بينهما الشعر وطول الحجر منه خمسة أذرع في سمك ذراعين ويقال إن بانيها جعل لها أبوابا على أزاج مبنية بالحجارة في الأرض طول كل أزج عشرون ذراعا كل باب من حجر واحد يدور بلولب إذا طبق لم يعلم أنه باب والأزج الشرقي في ناحية الجنوب والأزج الغربي في ناحية المغرب يدخل من كل باب منها إلى سبعة بيوت كل بيت منها على اسم كوكب من الكواكب السبعة وكلها مقفلة بأقفال وحذاء كل بيت صنم من ذهب مجوف إحدى يديه على فيه وفي جبهته كتابة بالقلم المسند إذا قرئت انفتح فوه فيوجد فيه مفتاح ذلك القفل فيفتح به والقبط تزعم أنها والهرم الصغير الملون قبور فالهرم الشرقي فيه سوندير الملك والهرم الغربي فيه أخوه هوجيب والهرم الملون قبر صاب بن هرمس وإليه ينسبون على قول من زعم ذلك وهم يحجون إليها ويذبحون عندها الديكة ويزعمون أنهم يعرفون عند اضطرابها عند الذبح ما يريدون به من الأمور المغيبة ولم تزل همم الملوك قاصرة عن أن تعرف ما هذين الهرمين إلى أن ولي المأمون وورد مصر وأمر بفتح واحد منهما ففتح بعد عناء طويل وأنفق بسعادته المعينة له على تحصيل غرضه إلى أن فتح مكاناً يسلك منه إلى الغرض المطلوب وهو زلاقة ضيقة من الحجارة الصوان المانع الذي لا يعمل فيه الحديد بين حاجزين ملتصقين في الحائط قد نقرا في الزلاقة لئلا تزلق وأسفل الزلاقة بئر عظيمة بعيدة القعر ويقال إن أسفل البئر إيوانا يدخل منه إلى مواضع كثيرة وبيوت ومخادع وعجائب وانتهى بهم الطريق إلى مواضع مربع في وسطه حوض من رخام مغطى فلما أزيل عنه غطاؤه لم يوجد فيه إلا رمة بالية قد أتت عليها العصور الخالية فأمر المأمون بالكف عما سواه. رأى بعض الفضلاء هذه الأهرام فقال كل بناء أخاف عليه من الدهر إلا هذا البناء فإني أخاف على الدهر منه. ومما قيل فيه من الشعر قول الفقيه عمارة اليمني: خليلي ما تحت السماء أبنية ... تماثل في إتقانها هرمي مصر بناء يخاف الدهر منه وكلما ... على ظاهر الدنيا يخاف من الدهر وبالقرب من الأهرام صنم على صورة وجه إنسان تسميه العامة أبو الهول لعظمه ويقال إن اسمه بالقبطية بلهونه ويقال بلهيب وتزعم القبط أنه طلسم للرمل لئلا يغلب على أرض الجزيرة وعنده أحقاف من الرمال كأنها الجبال مما يلي الطين الإبليز.

ومن العجائب منارة إسكندرية وهي مبنية بحجارة مهندسة مضيبة بالرصاص على قناطر من زجاج والقناطر على ظهر سرطان من نحاس فيها نحو من ثلثمائة بيت تصعد الدابة بحملها إلى سائر البيوت من داخلها وللبيوت طاقات ينظر منها إلى البحر وبين أهل التاريخ خلاف فيمن بناها فزعم قوم أنها من بناء الإسكندر بن فيلبس المقدوني وزعم آخرون أنها من بناء دلوكاء ملكة مصر ويقال إنه كان على جانبه الشرقي كتابة وأنها نقلت فوجدت بنت هذه المنظرة قرثباء بنت مرسوس اليونانية لترصد الكواكب ويقال إن طولها كان ألف ذراع وفي أعلاها تماثيل من نحاس منها تمثال قد أشار بسبابته اليمنى نحو الشمس أينما كانت من الفلك يدور معها حيثما دارت ومنها تمثال وجهه إلى البحر متى صار العدو منهم على نحو من ليلة سمع له صوت هائل تعلم به أهل المدينة طروق العدو ومنها تمثال كلما مضى من الليل ساعة صوت صوتا مطربا ويقال إنه كان بأعلاها مرآة يرى منها قسطنطينية وبينهما عرض البحر وكلما جهز الروم جيشا رؤى فيها. وحكى المسعودي أن هذه المنارة كانت في وسط الإسكندرية وأنها تعد من بنيان العالم العجيب بناها بعض البطالمة من ملوك اليونان بعد الإسكندرية لما كان بينهم وبين الروم من الحرب في البر والبحر فجعلوا هذه المنارة مرقبا وجعلوا في أعاليها مرآة من الأحجار المشفة فيكشف بها مراكب العدو إذا أقبلت من رومية على مسافة تعجز الأبصار عن إدراكها فاحتال ملك الروم لما انتفع به المسلمون في مثل ذلك على الوليد بن عبد الملك بأن أنفذ خواصه ومعه جماعة إلى بعض ثغور الشام على أنه راغب في الإسلام وأخرج كنوزا ودفائن كانت في الشام ما حمله على أنه صدقة أن تحت المنارة أموالا وأسلحة دفنها الإسكندر فجهز معه جماعة إلى الإسكندرية فهدم ثلث المنارة وأزال المرآة ثم فطن الناس أنها كانت مكيدة منه واستشعر ذلك فهرب في مركب كانت له معدة ثم بنى ما هدم بالجص والآجر ثم قال المسعودي وطول هذه المنارة اليوم في هذا الوقت الذي وضع فيه هذا الكتاب وهو سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة ثلاثون ذراعا وكان طولها قديما نحو من أربعمائة ذراع وبناؤها في عصرنا ثلاثة أشكال فقريب من الثلث مربع مبني بحجارة بيض ثم بعد ذلك مثمن الشكل مبني بالآجر والجص نحو نيف وستين ذراعا وأعلاها مدور الشكل وكان أحمد بن طولون قد بنى في أعلاها قبة من الخشب ثم هدمت وبنى مكانها مسجدا في أيام الملك الكامل صاحب مصر ثم أن وجهها البحري تداعى وكاد أن ينقض فرمم وأصلح وكذلك الرصيف وذلك في أيام الملك الظاهر بيبرس رحمه الله. قلت ذكرت هنا ما أنشدنيه من لفظه لنفسه ومن خطه المرحوم الوزير فخر الدين ابن مكانس في صاحبه الشيخ سراج الدين القوصي السكندري يداعبه: يا ذا السراج اشتري أيرى فأنت به ... أولى وذلك للأمر الذي وجبا سكندري وتدعى بالسراج وذا ... مثل المنار إذا ما قام منتصبا وأنشدني من لفظه لنفسه سيدنا مولانا المقر المجدي فضل الله ولد المرحوم المشار إليه أولا أدام الله نعمته محاجيا وكتب إلى سيدنا ومولانا أوحد المتكلمين نادرة الدهر المقر الأشرف الأميني كاتب الأسرار الشريفة بدمشق المحروسة أسبغ الله ظلاله: يا من سمى قدره نحو النجوم علا ... فأوقع الضد قسرا في مهالكه ما بلدة أن تحاجي في اسمها فطنا ... مصحفا قلت يشكو مكر مالكه فكتب إليه الجواب الجناب المشار إليه: أحجية بديعة أن صحفوا ... خمسة أجزاء لها على قدر وعكسوا باقيها وقدموا ... فإنما هي طفلة كقمر

قلت: هذه الطريقة غريبة جدا ووجه الحل فيها أن يأتي بالمرادف ثم يصحفه فيكون المقصود ومثاله في قول المقر المجدي يشكو مكر مالكه فإن مرادف يشكو يبث ومرادف مكر كيد ومرادف مالكه ربه فيصير مجموع ذلك يبث كيد ربه فإذا صحفت هذه الكلمات تجدها سكندرية وهي البلدة المعمى بها فأفهمه وأما الثانية فقوله فإنما هي طفلة كقمر فالمراد أن مرادف طفلة بنت ومرادف كقمر كبدر فيحصل من ذلك بنت كبدر ثم تضيف إلى ذلك معكوس هي وهويه فإذا صحفت جميعه وجدته سكندرية وهذا من المعمى الغريب ولم يحلها أحد من متأدبي دمشق والقاهرة غير سيدنا ومولانا أقضى القضاة بدر الدين المخزومي المالكي الشهير بابن الدماميني أعز الله أحكامه وذلك بتاريخ سنة ست وتسعين وسبعمائة وأنا بالقاهرة المحروسة. رجعنا إلى ما كنا بصدده ومما قيل في المنارة من الشعر قول الوجيه الدوري: وشامية الأرجاء تهدي أخا السرى ... ضياء إذا ما حندس الليل أظلما لبست بها بردا من الأنس صافيا ... فكان بتذكار الأحبة معلما وقد طلبتني من ذراها بقية ... ألاحظ فيها من صحابي أنجما تخيلت أن البحر تحت غمامة ... وأني قد خيمت في كبد السما وللقاضي الفاضل لوصفه بيت المقدس من الرخام الذي يطرد ماؤه ولا ينطرد لآلائه قد لطف الحديد في تجريعه وتفنن في توسيعه إلى أن صار الحديد الذي فيه بأس شديد كالذهب الذي فيه نعيم عتيد فما ترى إلا مقاعد كالرياض لها من بياض الترخيم رقراق وعمد كالأشجار لها من النبت أوراق. وقال أبو عبادة البحتري يصف قصرا بناه المتوكل يسر من رأى وسماه الكامل: غرف من ميادن فيه دنيا ... يوجب الله فيه أجر الإمام شوقنا إلى الجنان فزدنا ... في اجتناب الذنوب والآثام وله يصف قصرا آخر بناه المتوكل وسماه الجعفري: قد تم حسن الجعفري ولم يكن ... ليتم إلا بالخليفة جعفر ملك تبوأ خير دار أسست ... في خير بدو للأمام ومحضر في خيره مشرفة حصاها لؤلؤ ... مبيضة والليل ليس بمقمر رفعت بمنخرق الرياح وجاوزت ... ظل الغمام الصيب المستعبر وهذان القصران من جملة قصور بناها المتوكل وهي بركوانا والعروس والبركة والجوسق والمختار والغريب والبديع والصبيح والمليح والقصر والبرج والمتوكلية والقلايا. حكى المؤرخون أنه أنفق في بنائها مائتي ألف ألف وأربعة وسبعين ألف ألف درهم ومنها ذهب بصرف الوقت مع ما فيه من العين ثلاثة عشر ألف ألف وخمسمائة ألف وخمسة وعشرون ألف دينار وكان البرج من أحسنها وكانت فيه صور عظيمة من الذهب والفضة وبركة عظيمة غشي ظاهرها وباطنها بصفايح الفضة وجعل عليها شجرة ذهب فيها كل طائر يصوت ويصفر سماه طوبى بلغت النفقة على هذا القصر ألف ألف وستمائة ألف دينار.

ومن المباني العظيمة جامع دمشق ذكر الشيخ عماد الدين بن كثير في تاريخه البداية والنهاية وفي سنة ست وتسعين م الهجرة تكامل بناء الجامع الأموي بدمشق المحروسة على يد بانيه أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك بن مروان جزاه الله عن المسلمين خيرا وكان أصل موضع الجامع قديما معبد بنته اليونان والكلدانيون الذين كانو يعمرون دمشق وهم وضعوها أول ما بنيت وقد كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيزة وكانت أبواب دمشق سبعة وهي القمر الذي في سماء الدنيا وعطارد في السماء الثانية والزهرة في الثالثة والشمس في الرابعة والمريخ في الخامسة والمشتري في السادسة وزحل في السابعة وكانوا قد صوروا على كل باب من أبواب دمشق هيكلا للكواكب من هذه الكواكب السبعة وكانت أبواب دمشق سبعة وضعوها قصدا لذلك وكان لهم عند كل باب عيد في السنة وهؤلاء هم الذين وضعوا الأرصاد وتكلموا على حركات الكواكب واتصالاتها ومقارناتها وبنوا دمشق واختاروا لها هذه البقعة إلى جانب الماء الوارد بين هذين الجبلين وصرفوه أنهارا تجري إلى الأماكن المرتفعة والمنخفضة وسلكوا الماء إليها في أفنية الدور وبنوا هذا المعبد وكانوا يصلون إلى القطب الشمالي فكانت محاربته تجاه الشمال وبابه يفتح إلى جهة القبلة خلف المحراب اليوم كما شاهدنا ذلك عيانا وهو باب حسن من الحجارة المنحوتة وعن يمينه ويساره بابان صغيران بالنسبة إليه وكان غربي المعبد قصر منيف جدا تحمله هذه الأعمدة التي بباب البريد وشرقيه قصر حيزون داران يكونان لمن تملك دمشق قديما ويقال إنه كان مع المعبد ثلاث دور عظيمة يحيط بالجميع سور واحد وهي دار المطبخ ودار الخيل ودار كانت تكون مكان الخضر التي بناها معاوية.

قال الحافظ بن عساكر فيما حكاه عن كتب بعض الأوائل أنهم مكثوا يأخذون الطالع لبناء هذه الأماكن ثماني عشرة سنة وقد حفروا أساس الجدران حتى أتاهم الوقت الذي طلع فيه الكوكبان اللذان أرادوا أن المسجد لا يخرب أبدا ولا يخلو من العبادة، قال كعب الأحبار وأن هذه الدار إذا بنيت لا تخلو من أن تكون دار التملك والسلطنة قال الشيخ أما المعبد فلم يخل من العبادة قال كعب الأحبار ولا يخلو حتى تقوم الساعة والمقصود أن اليونان استمروا على هذه الصفة التي ذكرنا بدمشق مددا طويلة تزيد عن أربعة آلاف سنة حتى يقال إن أول من بنى جدران هذا الجاع الأربعة هود عليه السلام وقد كان هود قبل إبراهيم الخليل بمدة طويلة وقد ورد إبراهيم عليه السلام شمالي دمشق عند برزة وقاتل قوما من أعدائه فظفر بهم وكان مقامه لمقاتلتهم عند برزة وهذا المكان المنسوب إليه بها منصوص عليه في الكتب المتقدمة وكانت دمشق إذ ذاك عامرة آهلة بمن فيها من اليونان وهم خصماء الخليل وقد ناظرهم الخليل في غير موضع في عبادتهم الكواكب كما قررنا ذلك في التفسير وفي قصة إبراهيم الخليل عليه السلام والمقصود أن اليونان لم يزالوا يعمرون دمشق ويبنون فيها وفي معاملاتها من حوران وغيرها البنايات الغريبة العجيبة حتى كان بعد المسيح عليه السلام بمدة نحو من ثلاثمائة سنة فتنصرت أهل الشام على يد قنيطين بن قسطنطين الذي بنى المدينة المشهورة في بلاد الروم وهو الذي وضع لهم القرابين ووضعت بتاركة النصارى له دينا مخترعا مركبا من أصل دين النصرانية ممزوجا بشيء من عبدة الأوثان وصلوا إلى المشرق وزادوا في الصيام وأحلوا الخنزير وعلموا أولادهم الأمانة الكبيرة فيما يزعمون وهي في الحقيقة خيانة كبيرة وقد تكلمنا على ذلك فيما سلف وبيناه وبنى لهم هذا الملك الذي تنسب إليه الطائف الملكية منهم كنائس كثيرة بدمشق وغيرها حتى يقال إنه بنى في زمانه اثنتي عشر ألف كنيسة من ذلك كنيسة بيت نجم ومن ذلك قمامه بنتها هيلانة الفندقانية والمقصود أنهم حولوا بناء هذا المعبد الذي هو بدمشق معظما عند اليونان فجعلوه كنيسة وبنوا له المذابح في شرقية وسموها كنيسة مرتحيا ومنهم من يقول كنيسة يوحنا وبنوا بدمشق كنائس غيرها مستأنفة واستمر النصارى على دينهم هذا بدمشق وغيرها نحو ثلاثمائة سنة حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وكان من شأنه صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا بعضه في كتاب السيرة وقد بعث صلى الله عليه وسلم إلى ملك الروم في زمانه وهو قيصر ذلك الوقت واسمه هرقل يدعوه إلى الله عز وجل فكان من مراجعته ومخاطبته لأبي سفيان صخر بن حرب ما تقدم ثم بعث صلى الله عليه وسلم أمراءه الثلاثة: زيد بن حارثة، جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة إلى البلقاء نحو الشام فبعث الروم إليهم جيشا كبيرا فقتلوا هؤلاء الثلاثة وجماعة ممن معهم فعزمصلى الله عليه وسلم على قتال الروم ودخول الشام عام تبوك ثم رجع صلى الله عليه وسلم عامه ذلك لشدة الحر. ابن سناء الملك من قصيدة صلاحية: كل القلاع تروم السحب في صعد ... إلا العواصم تبغي السحب في صبب لو رامها النجم لم يظفر ببغيته ... ولو رماها بقوس الأفق لم يصب ملقى إذا عطشت والبرق أرسية ... كواكب الدلو في بئر من السحب جليسة النجم في أعلا مراتبه ... وطالما غاب عنها وهي لم تغب شهاب الدين بن حجر: أهوى الجلوس بمقعد الصدق الذي ... فرشت به بسط الزهور وزخرفا حفت به أيدي السعود وأبصرت ... عيني به طير المسرة رفرفا ذكر أبو عبد الله بكر بن عياش كاتب المنصور أبي يوسف يعقوب قال كان لأبي بكر محمد بن مجير وفادة على المنصور في كل سنة فصادف المنصور في إحدى وفاداته فراغه من أحداث المقصورة التي كان أحداثها بجامعه المتصل بقصره في حضرة مراكش وكانت قد وضعت على حركات هندسية ترفع لخروجه وتخفض لدخوله وكان جميع من بباب المنصور يومئذ من الشعراء والأدباء قد نظموا أشعار أنشدوها إياه في ذلك فلم يزيدوا على شكره وتجرئته الخير فيما جدد من معالم الدين وآثاره ولم يكن فيهم من تصدى إلى وصف الحال حتى قام أبو بكر بن مجير فأنشد قصيدته التي أولها: أعلمتني ألقي عصا السيار ... في بلدة ليست بدار قرار

الباب الثامن والأربعون في الحنين إلى الأوطان وتذكر من بها من القطان روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتا فارتاع فقيل له في ذلك فقال ظننت أن ساكنا أزعج من منزله، وجاء أيضا حب الوطن من الإيمان وقال ابن عباس (لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم ما اشتكى أحد الرزق وكانت العرب إذا سافرت أخذت معها من تربة بلدها تستنشق ريحها وتطرحه في الماء إذا شربته وهكذا كان المتفلسف من البرامكة إذا سافر أخذ معه من تربة مولده في جراب يتدواى به ولما غزا اسفندبار بلاد الخرز اعتل بها فقيل له ما تشتهي قال شربة من دجلة وشميما من تراب اصطخر فأتي به بعد أيام بماء وقبضة من تراب وقيل له هذا من ماء دجلة ومن تربة أرضك فشرب واشتم بالوهم فنقه من علته.

واستمر فيها حتى ألم بذكر المقصورة فقال يصفها: طورا تكون بمن حوته محيطة ... فكأنها سوراً من الأسوار وتكون طوراً عنهم مخبية ... فكأنها ستر من الأستار وكأنما علمت مقادير الورى ... فتصرفت لهم على مقدار فإذا أحست بالإمام يزورها ... في قومه قامت إلى الزوار يبدو فنبدو ثم تخفى بعده ... كتكوّن الهالات بالأقمار فطرب المنصور لسماعها وارتاح لاختراعها والتفت إلى الجراوي وكان يعلم قلة تلسيمه لأبي بكر وكثرة غضبه منه فقال سلم له الجر ثم أنشده إذا لم تستطع شيئا فدعه قال أبو عبد الله بن عياش فخرج أبو بكر بن مجير والشعراء يومئذ يلومونه إن لم تكن أول منشد لا تخفى أشعارهم وتستر أعوارهم. السيد الفاضل شمس الدين بن الصاحب موفق الدين علي الآمدي: وحصن قد أناف برأس هضب ... منيف ذاهب في الجو سامي تنفس في مرآة الأفق حتى ... كسا فولادها صدأ الغمام محيي الدين بن عبد الظاهر يصف الجامع الأموي في ليلة نصف شعبان وإيقاده حيث لا تلمع الأعين مصباحا وتود أنها لا ترى لتلك الليالي صباحا إذ تمنطقت أركانه في اللهب بمناطق الذهب وبدت أشعتها في صفائه كما يبدو في الكأس وحاشاه الحبب لاسيما في ليلة النصف التي كم رفرف عليها النعيم وكم خدها إلا من النسيم: كم للناس فيها لاح بدر ... يروق العين منظره الوسيم بدا وبدا الوقود فقلت بدر ... لخدمته ترجلت النجوم كم أضاء بوجهه ديحور وكم انعكست أشعة تلك الأضواء على وجهه المنير فكانت نورا على نور: في خده للورى ربيع ... ونصف شعبان في فؤادي أو كما قال الآخر: وحلت مناطق خصره فكأنه ... شعبان كل حلاوة في نصفه من كلام الأخ الحبيب أبي بكر بن حجة وأوميت بعد ذلك إلى الجامع الأموي فإذا هو لأشتات المحاسن جامع وأتيته طالبا لبديع حسنه فظفرت بالاستضاءة والاقتباس من ذلك النور الساطع وتمسكت بأذيال حسنه لما نشقت تلك النفحات الشحرية وتشوقت إلى النظم والنثر لما نظرت تلك الشذور الذهبية وآنست من جانب طوره نارا فرجع إلى ضياء حسي واندهشت لذلك الملك السليماني وقد زهى بالبساط والكرسي وقت هذا ملك فاز من وقف في خدمته خائفا وشقي من لم يدس بساطه ويأتيه طائعا ومن الكلام الفاضلي قلعة تحسر العيون أن تتقضاها ويتوعر الأمل أن يترقاها قد ضربت فوق الجبل جرائها ولبست قبة النجوم ويحق فإنها ما برحت جيرانها وتطلعت للناظرين سحابة إلا أنها عزت أن تكون السماء عنانها. الباب الثامن والأربعون في الحنين إلى الأوطان وتذكر من بها من القطان روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوتا فارتاع فقيل له في ذلك فقال ظننت أن ساكنا أزعج من منزله، وجاء أيضا حب الوطن من الإيمان وقال ابن عباس (لو قنع الناس بأرزاقهم قناعتهم بأوطانهم ما اشتكى أحد الرزق وكانت العرب إذا سافرت أخذت معها من تربة بلدها تستنشق ريحها وتطرحه في الماء إذا شربته وهكذا كان المتفلسف من البرامكة إذا سافر أخذ معه من تربة مولده في جراب يتدواى به ولما غزا اسفندبار بلاد الخرز اعتل بها فقيل له ما تشتهي قال شربة من دجلة وشميما من تراب اصطخر فأتي به بعد أيام بماء وقبضة من تراب وقيل له هذا من ماء دجلة ومن تربة أرضك فشرب واشتم بالوهم فنقه من علته. القاضي الفاضل: بالله قل للنيل عني أنني ... لم أشف من ماء الفرات غليلا وسل الفؤاد فإنه لي شاهد ... أن كان طرفي بالبكاء بخيلا قال الأصمعي: يا قلب كم خلفت ثم بثنية ... وأظن صبرك أن تكون جميلا

دخلت البادية فنزلت على بعض الأعراب فقلت أفدني فقال إذا شئت أن تعرف وفاء الرجل وحسن عهده وكرم أخلاقه وطهارة مولده فانظر إلى حنينه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وبكائه على ما مضى من زمانه ولما أشرف الإسكندر على الموت أوصى أن يحمل في تابوت ذهب إلى بلد الروم حبا في وطنه ولما أدركت يوسف عليه السلام الوفاة أوصى أن يحمل إلى مقابر آبائه فمنع أهل مصر أولياءه فلما بعث الله موسى عليه السلام وأهلك فرعون حمله إلى مقابرهم فقبره عليه السلام بأرض المقدس وروي أن أبان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فقال له يا أبان كيف تركت مكة قال تركتهم وقد حيدوا وتركت الأذخر وقد أغدق وتركت الثمام وقد خاص فاغرورقت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل لأعرابي أتشتاق إلى وطنك قال كيف لا أشتاق إلى رملة كنت جنين ركامها ورضيع غمامها: وكنا ألفناه ولم تك مألفا ... وقد يؤلف الشيء الذي ليس بالحسن كما تؤلف الأرض التي لم يطلب بها ... هواء ولا ماء ولكنها وطن آخر: طيب الهواء ببغداد يؤرقني ... شوقا إليها وإن عاقت مقادير فكيف أصبر عنها اليوم إذ جمعت ... طيب الهواء بين ممدود ومقصور ذكرت بهذين البيتين ما أنشدنيه من لفظه لنفسه الوزير العلامة فخر الدين بن مكانس وهو من مخترعاته: إن الهوائين يا معشوق قد عبثا ... بالروح والجسم في سر وفي علن فالروح تكفيك بالمدود قد تلفت ... والجسم حوشيت بالمقصور فيك فني وقال الشيخ بدر الدين الدماميني: أقول لمهجتي كم ذا ألاقي ... من البلوى بظبي فيك قاسي أذكره بأشجاني فينسى ... فأفديه غزالا في كناس أعرابي: وتشكو إلى الدار فرقة أهلها ... وبي مثل ما بالدار من فرقة الأهل سلميان المحاربي: إذا لم تكن ليلى بنجد تغيرت ... بشاشة دنيا أهل نجد وطيبها آخر: فما أحسن الدنيا وفي الدار خالد ... وأقبحها لما تجهز غازيا ذو الرمة: وقفت على ربع لمية ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه وأسقيه حتى كاد مما أبثه ... تكلمني أحجاره وملاعبه بشار: وقفت بها صحبي تطلب عراصها ... بدمعي وأنفاسي براح وتمطر آخر: منازل لم تنظر بها العين نظرة ... فتقلع إلا عن دموعي سواكب البحتري: أرى بين ملتف الآراك منازلا ... موائل لو كانت مهاها موائلا فكن مسعدا فيهن إن كنت عاذرا ... وسر مبعداً عنهن إن كنت عاذلا الوائلي وهو أحسن ما قيل فيه: سقيت ربوع الظاعنين فإنه ... غنى لك عن ما العيون الهواطل ولمؤلفه: وقفنا بربع الحب والحب راحل ... نحاول رجعاه لنا ونحاول وألقت دموع العين فيه سائلا ... لها من عبارات الغرام دلائل إذا نفحة الأحباب منها تقسمت ... تطيب بها أسحارنا والأصائل تثير غرامي ساجعات غصونها ... فمنها على الحالين هاجت بلابل مراتع إلا في مرابع لذاتي ... مطالع أقماري بها والمنازل قال ابن حمديس الصقلي: ذكرت صقلية والأسى ... يهيج للقلب تذكارها فإن كنت أخرجت من الجنة ... فإني أحدث أخبارى ولولا ملوحة ماء البكا ... حسبت دموعي أنهارها الكفيك لما فارق بغداد: لهفي على بغداد من بلدة ... كانت من الأسقام لي جنة كأنني عند فراقي لها ... آدم لما فارق الجنة القاضي عبد الوهاب المالكي: سلام على بغداد مني تحية ... وحق لها من السلام المضاعف لعمرك ما فارقتها قاليا لها ... وإني بشط جانبيها العارف ولكنها ضاقت على برحبها ... ولم تكن الأقدار ممن يساعف فكانت كخل كنت أهوى دنوّه ... وتأتي به أخلاقه فيخالف وللعلامة ذو الوزارتين لسان الدين بن الخطيب عند فراقه الأندلس في واقعته المشهورة: أموطني الذي أزعجت عنه ... ولم أرزي به مال ولا دم لئن أزعجت عنك بغير قصد قصد ... فقبلي فارق الفردوس آدم وقال ابن الرومي: بلد صحبت بها الشبيبة والصبى ... ولبست ثوب العيش وهو جديد فإذا تمثل في الضمير رأيته ... وعليه أغصان الشباب تميد

قال علي بن عبد الكريم الصبي تأني ابن الرومي بقصيدته التي مدح بها سليمان بن عبد الله بن ظاهر وقال أنصفني وقال الحق أيما حسن قولي في الوطن: ولي وطن آليت أن لا أبيعه ... وأن لا أرى غيري له الدهر مالكا عهدت به شرخ الشباب ونعمة ... كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا وحبب أوطان الرجال إليهم ... مآرب قضاها الشباب هنالكا إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصبا فيها فجنوا لذلكا أم قول الأعرابي: أحب بلاد الله ما بين مدعج ... إلي وسلمى أن يصوب غمامها بلاد بها عشق الشباب تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ركامها فقلت بل قولك لأنه ذكر المواطن وحببها وأنت ذكرت العلة في ذلك. وللشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة من رسالة كتبها إلى السيد زين الدين عمر الجعفري خطيب جامع التوبة بدمشق وينهى بعده الذي أضرم من شوقه الشهابي تارة وأخلى من زكاته لحجلية مطاره وتركه ملقى في الصهريج كأنه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة فلا بد والحالة هذه من آه على دمشق التي هي جنة من تاه وباهى وجيران جيرونها إلى أغار داء لسان الحب سماها: فما قلت إيه بعدها لمسامر ... من الناس إلا قال قلبي آها غيره: فيا وطني إن فاتني بك سالف ... من الدهر فلينعم لساكنك البال أي والله طالما حن الملوك إليها وأنشد ودمعه كالمطر سلام الله يا مطر عليها: مطر من العبرات خدي أرضه ... حتى الصبا ومقلتي سماؤه وقال الشيخ جلال الدين بن خطيب داريا فسح الله في أجله ونقلتهما من خطه: خليليّ إن وافيتما الشام ضحوة ... وعاينتما الشقراء والغوطة الخضرا قفا واقرآ عني سلاما كتبته ... بدمعي على مقري ولا تنسيا مطرا يكتب أبياته الرائية: يا صاحبيّ إذا الثنايا أشرقت ... ولمحتما منها ثغور أزاهر استنشقا ذاك النسيم فإنه ... مما تحمل من شمائل هاجر وقال الشيخ شرف الدين بن عنين: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... وظلك يا مقري علي ظليل وهل أريني بعدما شطت النوى ... ولي في ذرى روض هناك مقيل دمشق فبي شوق إليها مبرح ... وإن لج واش أو ألح عذول بلاد بها الحصباء در وتربها ... عبير وأنفاس الشمال شمول تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق ... وصح نسيم الروض وهو عليل ولما خرج الرشيد إلى أخذ أخته علية معه فلما صارت بالمرج عملت شعرا وصاغت فيه لحنا من الرمل وكتبت الأبيات ليلا على بعض الفساطيط في طريق الرشيد فلما دخل مضرب الحرم يصر به فقرأه فإذا هو: ومغترب بالمرج يشكو شجوه ... وقد غاب عنه المسعدون على الحب إذا ما أتاه الركب من نحو أرضه ... تنشق تستشفى برائحة القرب فلما قرأه علم أنه من فعل علية وإنها قد اشتاقت إلى العراق وإلى أهلها فأمر بردها. الوليد بن زيدون يتشوق إلى مكان يدعى بالزهراء وكان اجتماعه وولادة محبوبته: إني ذكرتك في الزهراء مشتاقا ... والأفق طلق مرأى الروض قد راقا وللنسيم اعتلال في أصائله ... كأنه رق لي فاعتل إشفاقا والروض عن مائه الفضي مبتسم ... كما حللت عن اللبات أطواقا لا أسكن الله قلبا عن تذكركم ... فلم يطر بجناح الشوق خفاقا لو شاء حملي نسيم الريح حين سرى ... وافاكم بفتى أضناه ما لاقا فالىن أحمد ما كنا بعدكم ... سلوتم وبقينا نحن عشاقا وقال الشيخ مهذب الدين أبو الفرج عبد الله بن أسعد الموصلي الشافعي الدهان رحمه الله يتشوق إلى دمشق المحروسة: سقى دمشق وأياما مضت فيها ... مواطر السحب ساريها وغاديها من كل أدهم صهال له شية ... صفراء يسترها طورا ويبديها ولا يزال جنين النبت ترضعه ... حوامل المزن في أحشاء أرضيها فما قضى حبه قلبي لسربها ... ولا قضى نحبه ودي لواديها ولا تسليت عن سلسال ربوتها ... ولا نسيت بيتي جار جاريها كأن أنهارها ماضي ظبا حشيت ... خناجرا من لجين في حواشيها وأهالها حين حلى الغيث عاطلها ... مكللاً واكتسى الأوراق عاريها وحاك في الأرض صوب المزن مخمله ... ينيرها بغواديه ويسديها

ديباجة لم تدع حسنا مفوقها ... إلا أتاه وما أبقى مواشيها ترنو إليك بعين النور ضاحكة ... إذ بات عين من الوسميّ يبكيها والدوح ربا لها ريا قد اكتملت ... شبابها حين ما شابت نواصيها نشوى تغني لها ورق الحمام على ... أوراقها ويد الأنواء تسقيها صفا لها الشرب فاخضرت أسافلها ... حتى صفا الظل فابيضت أعاليها وصفق النهر والأغصان قد رقصت ... فنقطته بدر من تراقيها كأنما رقصها أو هي قلائدها ... وخانها النظم فانتالت لآليها وأعين الماء قد أجرت سواقيها ... والأعين النخل قد جارت سواقيها وقابل الغصن غصن مثله وشدت ... أقمارها فأجابتها قماريها فللحاظ وللأسماع ما اقترحت ... من وجه شادنها أو صوت شاديها إذا العزيمة عن فرط الغرام ثنت ... قلبا تثني له غصن فيثنيها ريم إذا جلبت حسنا ولواحظه ... للنفس حتى بخديه فيحييها جناية طرفه المحور جانبها ... وآس عارضه المخضر آسيها تقبل الكأس خجلى كلما شرعت ... في ماء فيه فقاسته بما فيها أشتاق عيشي بها قدما فتذكرني ... أيامي السود بيضا في لياليها ونحن في جنة لا ذاق ساكنها ... بؤساً ولا عرفت بأساً مغانياها سماء دوح تردّ الشمس صاغرة ... عنا وتبدي نجوماً من نواحيها ترى النجوم بها من كل ناحية ... ممدودة كنجوم الزهر أيديها إذا الغصون مززناها لنيل جنى ... صارت كواكبها حصباً أراضيها من كل صفراء مثل الماء يانعة ... كأنها جمر نار في تلظيها شهية الطعم تحلو عند أكلها ... بهية اللون تحلى عند رائيها يا ليت شعري عل بعداء ذاكرتي ... عصابة لست طول الدهر ناسيها عندي أحاديث وجد بعد بعدهم ... أظل أجحدها والعين ترويها كم لي بها صاحب عندي له نعم ... كثيرة وإياد لا أؤديها فارقته غير مختار فصاحبني ... صبابة منه تخفيني وأخفيها رضيت بالكتب بعد القرب فانقطعت ... حنى رضيت سلاماً في حواشيها أن يعلني غير ذي فضل فلا عجب ... يسمى على سابقات الخيل هانيها والماء يعلوه أقداؤها رجل ... أخفى الكواكب نوراً وهو عليها لو كان جد بحد ما تقدمني ... عصابة قصرت عني مساعيها ما في خمولي من عار على أدبي ... بل ذاك عار على الدنيا وما فيها الأديب الفاضل الكامل صفوان بن أدريس المريسي يتشوق إلى مرسيه وطنه: لعل رسول البرق يغنم الأجرا ... فينثر عني ماء عبرته نثرا معاملة أربو بها غير مذنب ... فأقضيه دمع العين عن نقطة بحرا ليسقي من تدمير قطرا محببا ... يقر بعين القطرات يشرب القطرا وتقرضه دون اللجين وإنما ... توفيه عيني من مدامعها تترا وما ذاك تقصير به غير انه ... سجية ماء البحر أن يروى الزهرا خليلي قوما فاحسبا طرق الصبا ... مخافة أن يحمي بزفرتي الحرا فإن الصباريح عليّ كريمة ... بآية ما يجري من الجنة الصغرى خليلي أعني أرض مرسيه المنى ... ولولا توخي الصدق سميتها الكبرى ووكري الذي منه درجت فليتني ... فجعت بريش العزم كي الزم الوكرا وما روضة الخضراء قد مثلت بها ... مجرتها نهراً وأنجمها زهرا بأبهج منها والخليج مجرة ... وقد فضحت أزهار ساحتها الزهرا هنالك بين الغصن والقطر والصبا ... وزهر الربى ولدت آدابي الغرا إذا نظم الغصن الحيا قال خاطري ... تعلم نظام النثر من ههنا شعرا وإن نثرت ريح الصبا زهر الربى ... تعلمت حل الشعر تسكبه نثرا فوائد أشجار هناك اقتبسها ... ولم أر روضا غيره يقرؤ السحرا كأن هزيز الريح يمدح روضها ... فملأ فاها من أزاهيره درا أيا رتعات الحسن هل فيك نظرة ... من الجرف الأعلى إلى السكة الغرا فانظر من هذي لتلك كأنني ... أغير إذا غازلتها أختها الأخرى هي الكاعب الحسناء تمم حسنها ... وقدت لها أوراقها حلالا خضرا إذا خطبت أعطت دراهم زهرها ... وما عادة الحسناء أن تنقد المهرا

وقامت بعرس الأنس قينة أيكها ... أغاريدها تسترقص الغصن النضرا ول في خليج بلبس الحوت درعه ... ولكنه لا يستطيع بها نصرا إذا ما بدا فيها الهلال رأيته ... كصفحة سيف وسمها نبعة صفرا وإن لاح فيها البدر شبهت متنه ... بسطر لجين ضم من ذهب عشرا وفي جرفي روض هناك تجافيا ... لنهر تود الأفق لو زاره فجرا كأنهما خلان صفيا معاً وقد ... بكيا من رقة ذلك الهرا وكم بأبيات الحديد عشية ... من الأنس ما فيه سوى أنه مرا عيانا كأن الدهر عض بحينها ... فاحلت بساط البرق أفراسها الثغرة عليهن أجرى خليل دمعي بوجنتي ... إذا ركبت حمرا يادينها الصفرا أعهدي بالفرش المنعم دوحه ... سقتك دموعي إنها مزنة شكرا فكم فيك من يوم أغر محجل ... نقضت أمانيه فحليتها ذكرا على مذنب كالبحر من فرط حسنه ... تود الثريا أن يكون لها نحرا سقت أدمعي والقطر أيهما انبرى ... بقا الرملة البيضاء فالنهر فالجسرا وإخوان صدق لو قصدت حقوقهم ... لما فارقت عيني وجوههم الزهرا ولو كنت أقضي حق نفسي ولم أكن ... لما بت استجلي فراقهم المرا وما اخترت هذا البعد إلا ضرورة ... وهل تسجر العين أن تفقد السفرا قضى الله أن تنأى بي الدار عنهم ... أراد بذاك الله أن أعتب الدهر ووالله لو نلت المنى ما حمدتها ... وما عادة المشغوف أن يحمد الهجرا أيانس باللذات قلبي ودونهم ... مرام بحد الركب في طيها شهرا فديتهم بانوا وضنو بكتبهم ... ولا خبرا منهم لقيت ولا خبرا ولولا علا هماتهم لعنيتهم ... ولكن عراب لخيل لا تحمل الزجرا ضربت غبار البيد في مهرق السرى ... بحيث جعلت الليل في ضربه حبرا وحققت ذاك الضرب جمعاً وعدة ... وطرحاً وتجميلاً فأخرج لي صفرا كأن زماني حاسب متعسف ... يطارحني كسراً أما يحسن الجبرا ولست وإن طاشت سهامي يائس ... فإن مع العسر الذي لم يبق يسرا ولمؤلفه عفا الله عنه: تذكرت أوطاني ويا حبذا الذكرى ... لتلك القصور البيض والربوة الخضرا وأشجار واديها وبهجة جنسكها ... وقد نقرا الشج ورفى دفه نقرا وتجعيد ذاك الما وميل غصونه ... فهذا به كسر وهذا به سكرى وما أحسن الميعاد ممن تحبه ... بمقسمه الأسنى وليلته القمرا إذ الناس في هرج ومرج بلهوهم ... وقلبي بمن أهواه في بلدة أخرى ترى كل حزب لاهياص بسروره ... وكل له شغل به قد غدا مغزي إذا اصبحوا هزوا الشمائل بالندا ... فينظر منه فوق أعطافهم درا كرام إذا ولو طار نداهم ... وللبائس المسكين يبغي به الأجرا فآه على تلك العشايا وطيبها ... وآه على حلو الزمان الذي مرا فيا عاشق المعشوق لا تبد سلوة ... عن المزة الفيحاء والجبهة الغرا إذا زرع اللوان وأخضر أرضه ... فلا تذكروا مصر ولا تذكروا الأهرا ويا من يجاري أو يضاهي بغيرها ... تأمل فذا الميدان دونك والشقرا خليلي أحيا من ذكرت ومنزلي ... بعيشكما قولا قفا نبك من ذكرى ولمؤلفه أيضاً يرثي دمشق المظلومة ويصف ما جرى بها من التيار في سنة ثلاث وثمانمائة: أجريت جمر الدمع من أجفاني ... حزناً على الشقراء والميدان وتلاعبت أهدابها بمدامعي ... لعب المكأة بأرؤس الفرسان وتوقدت نيران حزني إذ رأت ... تلك الربوع مواقد النيران لهفي على تلك البروج وحسنها ... حفت بهن طوارق الحدثان لهفي على وادي دمشق ولطفه ... وتبدل الغزلان بالثيران نزلوا ظلال الدوح فلا تسل ... ما حل بالأغصان والكثبان سقطت غصون البان من قاماتها ... لما سمعن نواعق الغربان وشكا الحريق فؤادها لما رأت ... نور المنازل أبدلت بدخان جناتها في الماء منها أضرمت ... فعجبت للجنات في النيران كانت معاصم نهرها فضية ... والآن صرن كذائب العقبان ماذاك إلا تركهم فبحت بها ... فتخضبت منها بأحمر قان

كرهت جداولها حوافز خيلهم ... فتسابقت هرباً كخيل رهان خافت خدود الأرض من أفعالهم ... فتمثلت بعوارض الريحان أذكيت نار الصدر يا ورقاؤها ... وتأثرت بلواعج الأشجان تبكي على غصن وأندب قامة ... فجميعنا نبكي على الأغصان واحسرتاه على دمشق وقولها ... سبحان من بالمغل قد أبلان عاداني الدهر الخئون بمغله ... والعجم منه وقبلهم غازاني فعساك تأخذ ثأرها من مغلهم ... بالحل ثالث سبعة وثمان لو عاينت عيناك جامع تنكز ... والبركتين بحسنها الفتان وتعطش المرحين من أورادها ... وتهدم المحراب والإيوان لأتت جفونك بالدموع ملوناً ... دمعاً حكى اللؤلؤ على المرجان قطرات جفن ترجمت عن حرقتي ... فكائهن قلائد العقبان أبني أمية أين عين وليدكم ... والمغل تفتل في ذرى الأركان شربوا الخمور بصحنه حتى انتشوا ... ألقوا عرابدهم على النسوان لم يرحموا طفلاً بكى فقلوبهم ... في الفتك صخر لا أبو سفيان قصوا جناح النسر بعد نهوضه ... يا ليته لو فاز بالطيران ألواحه أجرت دموعي أسطرا ... كتبت على اللوحين من أجفاني إن أنكروا يوم الحساب فعالهم ... فشهيدنا عثمان ذو القرآن لهفي على كتب العلوم ودرسها ... صارت معانيها بغير بيان أعروسنا لك أسوة بحماتنا ... في ذا المصاب فأنتما أختان غابت بدور الحسن عن هالاتها ... فاستبدلت من غرها بهوان ناحت نواعير الرياض لفقدهم ... فكأنها الأفلاك في الدوران شتتهم أيدي سبايا دهرنا ... وتلوت آي الجمع بالفرقان حزني على الشهباء قبل حماتنا ... هو أول وهي المحل الثاني لا تدع الأحزان يا شقراءنا ... السبق للشهباء في الأحزان رتعت كلاب المغل في غزلانها ... وتحكمت في الحور والولدان لهفي على تلك الشعور وطولها ... جرت بها الأعناق كالارسان لهفي عليك محاسناً لهفي علي? ... ?ك عرائساً لهفي عليك مغاني لهفي عليك منازلاً ومنازها ... ومقام فردوس وباب جنان إن قال لحظي قال سيفي ضارب ... أو قال طرفي قال حد سنان أدمشق آهاتي عليك كثيرة ... كالدمع في جفن الكئيب العاني حسراتها لا تنقضي من خاطري ... هي شغل أفكاري ونصب عياني لي انه لي حرقة لي لهفة ... لي حسرة لي لوعة وكفاني أمنازل الأحباب كيف تبدلت ... تلك الربى بمقاتل الفرسان إن لم أسل ماء العيون مجارياً ... ماء الغمام بها فما أجفاني لا تنه جفن الصب في جريانه ... دعني وشانك يا غمام وشأني العين والإنسان قد فقدا معاً ... لأبكيك يا عيني ويا إنساني لم ادر من أبكي وأندب حسرة ... للقصر للشرفين للميدان للجبهة الغراء أم خلخالها ... للمزة الفيحاء أم للوان لا يحجر المشتاق عن تذكارها ... يا حاجري بالظلم والعدوان شوّق بها قلبي أقل لك منشدا ... لك أن تشوقني إلى الأوطان وإذا أتيت بما جرى في ربعها ... فعليّ أن ابكي بدمع قاني ما كان أهنى العيش في ساحاتها ... والدار داري والزمان زماني أسفي على أيامها لا تنقضي ... ما كان أهناها وما أهناني أيام لا ماء السرور مكدر ... أرعى نضير العيش بل يرعاني ولقد وقفت على ربوع حبائبي ... فندبتهن نوادب الأحزان ولقد وقفت على الديار منادياً ... بلسان مغترب وعبرة عاني يا دار أين حبائبي أجابتني ... عنها الحريق بألسن النيران حكم القضا فيهم ونفذ حكمه ... فتشتتوا فرقاً بكل مكان يا رب لم شتاتهم بمحمد ... سر الوجود وبهجة الأكوان إن لم نلذ في أمرنا بجنانه ... فبمن يلوذ ويستجير الجاني أترى الإله مؤيداً سلطاننا ... حتى أقول وعشت بالسلطان يا رب فعل الذنب أصل بلائنا ... فاصفح وجد للذنب بالغفران واغسل بماء إلا من وجه رجائنا ... واصرف بفضلك حاضر الطغيان واجمع على جسماننا أرواحها ... يا جامع الأرواح بالجسمان

الباب التاسع والأربعون في دار سكنت كثيرة الحشرات قليلة الخير عديمة النبات

تقي الدين السروجي يقول: وافي رضيع النبت من ذاك الحمى ... نجياً تدور على الربى كاساته سفح سفحت عليه دمعي في ثرى ... كالمسك ضاع من الفتاة فتاته وفي المثل لولا حب الوطن لخرب بلد السوء الكريم يحن إلى جنابه كما يحن الأسد إلى غابة، وما ارق قول مزار بن هباش الطائي: سقى الله أطلالا بالية الحمى ... وإن كن قد أبدين للناس ما بيا منازل لو مرت بهن جنازتي ... لقال صداها حاملاً أنزلا بيا لسان الدين بن الخطيب: ياجنة فارقت من غرفاتها ... دار القرار بما اقتضته ذنوبي أسفي على ما ضاع من خطي بها ... لاتنقضي زفراته ونحيبي إن أشرقت شمس شرقت بعبرتي ... وتفيض في وقت الغروب غروب حتى لقد علمت ساجعة الضحى ... شجوى وجانحة الأصيل شجوني وشهادة الإخلاص توجب رجعتي ... لنعيمها من غير مس لغوب وله: سلام على تلك المعاهد إنها ... مراتع الأوفى وعهد صحابي ويأنسة العهد أنعمي فلطالما ... سكبت على مثواك ماء شبابي أنشدني صاحبنا الأعز الشيخ محمد الأندلسي الخياط رحمه الله تعالى قال أنشدني الشيخ شمس الدين أبو عبد الله المشرقي رحمه الله: اشتاق الغرب وأصبوا إلي ... معاهد فيها وعصر الصبا يا صاحبي نحواي والليل قد ... أرخى جلابيب الدجى وأحتبا لا تعجباً من ناظر ساهد ... بات يراعي أنجما غيبا القلب في آثارها طائر ... لما رآها تقصد المغربا ورد عليّ من سيدي وأخي الجناب الشهابي بن حجر أعزه الله تعالى كتاب من مكة المشرفة إلى دمشق المحروسة وفي أثنائه من متجدداته: أسر غرامي من عزول وحاسد ... فاعلان صبري لا يشابه أسراري بليت بمن لم يدر مقدار صبوتي ... فهو لهفي بعد الرحيل على الداري نقلت من كتاب فوات الوفيات تأليف صلاح الدين الكتبي في ترجمة طراد بن علي بن عبد العزيز أبي فراس السلمي الدمشقي الكاتب المعروف بالبديع مات متولي مصر سنة أربع وعشرين وخمسمائة: يا نسيناً هب مسكاً عبقاً ... هذه أنفاس ريا جلقا كف عني والهوى ما زادني ... برد أنفاسك إلا حرقا ليت شعري نقضوا أحبابنا ... يا حبيب النفس ذاك الموثقا يا رباح الشوق نحوهم ... عارضاً من سحب عيني غدقا وانثري عقد دموعي طالما ... كان منظوماً بأيام اللقا واشتهرت هذه الأبيات وغنى بها المغنون، قال بعضهم: مررت يوماً بشوارع القاهرة وقد ظهرت جمال كثيرة حمولها تفاح من الشام فعبقت روايح تلك الحمول فأكثرت التلفت وكانت أمامي امرأة سائرة ففطنت لماذا داخلني من الإعجاب إلى تلك الرائحة فأومأت إلي وقالت هذه أنفاس رياجلقا. ونقلت من مجموع بخط العلامة المؤرخ قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان تغمده الله برحمته قال النبي صلى الله عليه وسلملأصيل الخزعي يا أصيل كيف تركت مكة قال تركتها وقد أحجن ثمامها سلمها وأغدق أذخرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم دع القلوب في أماكنها. تفسير ما فيه من الألفاظ الغريبة أحجن الثمام إذا خرجت حجنته وهي خصومه والثمام نبت ضعيف له خوص وأثمر السلم إذا خرج والسلم شجر من الغضا الواحدة سلمة وأغدق الأذخر إذا ظهرت ثمرته والأذخر نبت، ونقلت من خط الحافظ اليغموري كانت الأمتعة الثمينة والذخائر النفيسة تأتي إلى مصر وتباع ولا ينظر إليها يوسف عليه السلام وإذا جاءت أحمال صوف من كنعان لا تحل إلا بين يديه. مرض عمار بن عباد حين ولى الرقة فما كاد ينجح فيه دواء فقال له طبيبه سببه الهواء فبعث إلى بغداد فحمل الهواء في جراب فكان يفتح كل يوم في وجهه جراب إلى أن برئ. الباب التاسع والأربعون في دار سكنت كثيرة الحشرات قليلة الخير عديمة النبات وأبلغ ما سمع فيها قول كمال الدين بن الأعمى: دار سكنت بها أقل صفاتها ... أن تكثر الحشرات من حشراتها الخير عنها نازح متباعد ... والشر دان من جميع جهاتها من بعض مافيها البعوض عدمته ... كم أعدم الأجفان طيب سناتها وبنات تسعدها براغيث متى ... غنت لها رقصت على نغماتها وقص بتنقيط ولكن فاقته ... قد قدمت فيه على أخواتها

وبها ذباب كالضباب يسدع? ... ?ين الشمس ما طربى سوى غناتها أين الصوارم والقنا من فتكها ... فينا وأين الأسد من وثباتها وبها من الخطاف ما هو معجز ... أبصارنا عن حصر كيفياتها تغشى العيون بمرها ومجيئها ... ويصم سمع الخلد من أصواتها وبها خنافيس تطير نهارها ... مع ليلها ليست على عاداتها شبهتها بقنافذ مطبوخة ... نزع الطهارة نصحها شوكاتها شوكاتها فاقت على سمر القنا ... في لونها وتمامها وثباتها وبها من الجرذان ما قد قصرت ... عنه العتاق الجرد في حملاتها وترى أبا غزوان منها هارباً ... وأنا الحصين يروغ عن طرقاتها ولبها خنافس كالطنافس أفرشت ... في أرضها وعلت على شرفاتها لو شم أهل الحرب منتن فسوها ... أردى الكماة الصيد عن صهواتها وبنات وردان وأشكال لها ... مما يفوت العين كنه ذواتها متزاحم متراكب متحارب ... متراكم في الأرض مثل نباتها وبها قراد لا اندمال لجرحها ... لا يفعل المشراط مثل أدتها أبدأ تمص دماءنا فكأنها ... حجامة لبدت على كاساتها وبها من النمل السليماني ما ... قد قل ذر الشمس عن ذرّاتها لا يدخلون مسكنا بل يحطمو ... ن جلودنا فالعفو من سطواتها ما راعني شيء سوى وزغاتها ... فنعوذ بالرحمن من نزغاتها سجعت على أوكارها فتظنها ... ورق الحمام سجعت في شجراتها وبها زنابير تظن عقارباً ... بالإبر للمسموم من لدغاتها وبها عقارب كالأقارب مرتعاً ... فينا حمانا الله لدغ حماتها فكأنما حيطانها كغرابل ... أطلعن أرؤسهن من طاقاتها كيف السبيل إلى النجاة ولا نجا ... ة ولا حياة لمن رأى حياتها السم في نفثاتها والمكر في ... لفاتها والموت في لفتاتها منسوجة بالعنكبوت سماؤها ... والأرض قد نسجت بيزاقاتها ولقد رأينا في الشتاء سماءها ... والصيف لا ينفك عن صعقاتها فضجيجها كالرعد في جناتها ... وترابها كالوبل من خشياتها واليوم عاكفة على أرجائها ... والآل يلمع في ثرى عرصاتها والنار جزؤ من تلهب حرها ... وجهنم تعزى إلى لفحاتها قد رممت من قبل أن يلقى لآ ... دم أمنا حواء في عرفاتها شاهدت مكتوباً على أرجائها ... ورأيت مسطوراً على عتباتها لا تقربوا منها وخافوها ولا ... تلقوا بأيديكم إلى هلكاتها أبداً يقول الداخلون فناءها ... يارب نج الناس من آفاتها قالوا إذا ندب الغراب منازلا ... تتفرق السكان من ساحاتها وبدارنا ألفا غراب ناعق ... كذب الرواة فأين صدق رواتها صبرا لعل الله يعقب راحة ... للنفس إذ غلبت على شهواتها دار تبيت الجن تحرس نفسها ... فيها وتنذر باختلاف لغاتها كم بت فيها مفرداً والعين شو ... قاً للصباح تسح من عبراتها وأقول يا رب السموات العلا ... يا رازقاً للوحش في فلواتها أسكنتني بجهنم الدنيا ففي ... أخرى هب لي الخلد في خباتها واجمع بمن أهواه شملي عاجلاً ... يا جامع الأرواح بعد شتاتها حكى الزمخشري في ربيع الأبرار أن رجلاً من أهل الشام اطلع على جرد أخرج من جحره دنانير كثيرة فتركها وأخذ يلعب بها ثم أدخلها مكانها فقام الرجل وأخذ الدنانير فأقبل الجرد يثب ويضرب بنفسه الأرض حتى مات. وحكى الشريشى في شرح المقامات عن أبي محمد الحسن بن اسماعيل الضراب قال كنت قاعداً انسخ في ضوء السراج وبين يدي قدح فيه ماء وظرف فيه كعك وزبيب ولوز فجاءت فأرة وأخذت لوزة ومضت ثم عادت أخرى فبددت الماء الذي في القدح فعادت الفأرة فسكبت القدح عليها واشتغلت بشغلي ساعة فإذا قد جاءت فأرة أخرى فدارت حول القدح فسفسفت وبقيت ساعة على ذلك والفأرة الأخرى تسفسف من داخل فلم تجد حيلة في خلاصها فمضت وأتت بدينار فوضعته ووقفت فلم أرفع القدح ففعلت ذلك إلى أن أتت بسبع دنانير ووقفت ساعة فلم أخل عن الفأرة فمضت وأتت بقرطاس فارغ فعلمت أنه لم يبق عندها شيء فخليت عنها.

قال الغندجيهي رويت هذه الحكاية عن أشياخ ثقاة قيل أن الخصى من كل شيء أضعف من الفحل إلا الجرذان فإن الخصي يحدث فيه شجاعة وجراءة ولا بدع في ذلك فإن الجرذان الكبار لا تدع الهروبنات عرس إلا قتلتها فينبغي لمن في منزله شيء منه أنه يصطاد منه ذكراً يخصه ويتركه في البيت فإنه يأتي على بقية الجرذان بأسرها، وذكر الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة: قال أخبرني الشيخ شمس الدين بن خضر الدمشقي أحد كتاب المنسوب بدمشق سنة اثنين وخمسين وسبعمائة قال حللت مثقال ذهب لأجل الكتابة به فاتفق أني نزلت من البيت وتركته في الدواة بغير غطاء ثم رجعت إلى البيت ونظرت فلم أر شيئاً من الذهب في الدواة فتعجبت غاية العجب فنظرت فإذا فأر في جانب البيت وعلى خرطومه أثر الذهب يلمع فعلمت أنه شربه فنصبت المصيدة وخرجت من البيت فما لبث أن وقع فيها فأخذت طاسة وجعلت فيها ماء وأمسكت بذنبه وجعلته يعوم في الطاسة وكلما أراد الخروج رددته بذنبه إلى أن شرب ماء كثيراً وكاد يموت فقبضت بذنبه ودليت رأسه إلى أسفل فجعل يستقي من حلقة الذهب مختلطاً بالماء الذي شربه إلى أن لم يبق منه شيء فغسلت الذهب مرة ثانية ووزنته فلم ينقص غير قيراطين هكذا أخبرني أو كما قال. وحكى الكواشي في تفسيره أن ابراهيم الخليل عليه السلام لما ألقى في النار جعل كل حيوان يطفئ عنه النار إلا الوزع فإنه كان يبنفخ في النار، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الوزغ وقال كان ينفخ على ابراهيم، وذكر الزمخشري عن ابن عباس أنه قال الوزغ يريد الشيطان يرسله ليفسد على الناس ملحهم ومن العجب أن الأفعى لا ترد الماء ولا تريده وإذا وجدت الخمر شربت منه حتى تسكر وكنية الأفعوان أبو حيان وأبو يحيى لنه يعيش ألف سنة وأرض حمص لا تعيش فيها العقارب وإذا طرحت فيها عقرب ماتت لساعتها، سمع غلام رجلاً يقول أنا مثل العقرب أضر ولا أنفع فقال ما أقل عملك بل لعمري إنها لتنفع إذا شق بطنها ثم شدت على موضع اللسعة وتجعل في جوف إناء فخار ويسد رأسه ويطين جانبه ويوضع في الستور فإذا صار رماداً يشفى به من به الحصاة مقدار نصف دانق فتفتت الحصاة وتلسع الأفعى فيموت. حكى أن عقرباً لسعت مفلوجاً فذهب عنه الفالج، وشتم رجل الأرضة فقال له بكر بن عبد الله المزني مه فهي التي أكلت الصحيفة التي تعاقد المشركون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها تيقنت الجن أن "لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين" وقيل لها لي شيء تأكلين كتب المشتغلين فقالت ما آكل إلا كتب الذين لا يشتغلون وقال لقمان لابنه لا تكن الذرة أكيس منك تجمع في صيفها لشتائها النملة تفلق الحب أنصافاً لئلا تنبت فتفسد والكزبرة تفلقها أرباعاً لأنها من بين الحب ينبت نصفها إذا قربت العقرب من الولادة أكلت أولادها جلدها وخرقوه حتى يخرج وقد ماتت الأم وقال الشاعر في ذلك: وحاملة لا يكمل الدهر حملها ... تموت وينمو حملها حين تعطب لعاب الجراد سم لا يقع على شيء إلا أخرقه خطب المؤمن يوماً فوقع الذباب عينيه فطرده فعاد مراراً حتى قطع عليه الخطبة فلما صلى الظهر أحظر أبا الهذيل فقال له لم خلق الله الذباب فقال ليذل به الجبابرة فقال صدقت وأجازه بمال، وقال الجاحظ في منافع الذباب إنه يحرق ويخلط بالكحل فإذا اكتحلت به المرأة كانت عينها أحسن ما يكون ولذا ترى المواشط تستعمله وتأمرن به العرائس وما أحسن قول عنترة: وخلي الذباب بها فليس بنازح ... غرّدا كفعل الشارب المترنم هزجا يحكّ ذراعه بذراعها ... قدح المكب على الزناد الأجدم قيل هذا من التشبيهات العقم وقال الجاحظ وجدنا المعاني نقلت ويؤخذ بعضها بعض الأقوال عنترة وخلي الذباب البيتين وزعموا أن رجلاً من ولد حليمة ظئر رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن أصيد خلق الله وأحذقهم بالتدريب وبلغ من حذقه أنه ربى ذئباً يصطاد به الظباء والثعالب وسرق منه فرجع إليه في ثلاثين فرسخاً وضرى أسداً حتى صار أهلياً واصطاد به الحمار والبقر وعظام الوحش وضرى الزنابير حتى اصطاد بها الذئاب قال الجاحظ من علم البعوضة أن وراء جلد الجاموس دماً وأن ذلك الدم غذاؤها وأنها متى طعنت في ذلك الجلد الغليظ الصلب نفذ خرطومها مع ضعفه على غير معاناة ولو أنك طعنت بمسلة شديدة المتن لانكسرت.

وقال التيفاشي ومما جربه الناس كافة أجل البق الصابون فإنه إذا طلي به المواضع التي بها البق أي موضع كان من جدار أو سرير قتله ولم يعد إليه مادام أثر الصابون فيه قال صاحب الفلاحة البنطية اعلم أن القطران من أعظم شيء يكرهه النمل فمكتى أردت ألا يقرب النمل شيئاً فخط حول ذلك خطاً من القطران مدواراً فإن النمل لا يقربه وإن طليت به حول حجرة النمل هربن، صدق الحلزون إذا أحرق حتى يصير كلساً أبيض وذر على بيوت النمل هربن فإن اقام به مات جميعه وقال صاحب الفلاحة البنطية أيضاً حجر المغناطيس الجاذب للحديد إذا وضع على باب أجحرة النمل لم يخرجن ويهربن إلى تخوم الأرض قال وأهل بلادنا يجعلون في وسط الكدس من الحنطة وغيرها من الحبوب من حجر المغناطيس وغيرها لئلا يدنو منه النمل قال وإذا غطيت إناء فيه عسل أو غيره بصوف أبيض من كبش ولكن منفوشاً لم يقربه النمل وكذلك إذا أدرت الصوف حول الإناء من أسفله لم يقربه النمل، القمح المسوس إذا وضع في بيت فيه بق فإن السوس يأتي عليه مجموعة ولا يدع منه بقة واحدة وهذا صحيح مجرب بنفسج إذا قطع قطعاً صغاراً وجعل عليه قليل عجين فإن الفأر يأكله ولا تستطيع معدته أن تهضمه فيموت عن آخره وهذا مما جرب وصح عند معاشر الناس كافة. قال الشيخ شهاب الدين بن فضل الله: وناموس له قرص أليم ... نضوج له ومنه لنا نضوج ومن عجب تراه العين أنا ... مع الناموس يرتفع الضجيج وقال الشيخ ابراهيم المعمار في البراغيث: إن البراغيث اللئام ... قسوا علي فقلت مالي إلا الخمور لاختمرت ... وقرصوني قلت أبالي ومن العجائب ما ذكره ابن بدرون في شرح قصيدة بني الأفطس عند ذكر الواثق وجلالته وهيبته فإنه يحكي من هيبتهم له أنه لما ثقل في علته التي مات فيها خيل إليهم في بعض الأوقات وقد أغمي عليه أنه قضى فدنا منه تركي يقال له ايتاخ ليعلم هل مات أم لا فلما دنا منه فتح عينيه ونظر إلى ايتاخ فرجع القهقري فانتشب طرف سيفه بالباب فاندق وسقط ايتاخ على قفاه لما نظره هيبة له ورعباً داخله من نظره ليصفن العجائب أنه لم تمر ساعة من نظره إلى ايتاخ إلا وقد مات فأخذ وجعل في بيت فما أقام به إلا يسيرا فوجد قد أخرجت الفأرة عينيه فسبحان من لا يزول ملكه المنفرد بالبقاء لا إله إلا هو العلي العظيم وعلى ذكر ابن بدرون فما أحسن قول الصاحب جمال الدين بن مطروح: لك يا بدرون وجه ... صار عنوان السعادة لا تخف نقصاً ومحقاً ... أنت بدر وزيادة وقريب من هذه الواقعة ما ذكره الثعالبي في لطائف المعارف أنه لما جيء برأس مروان بن محمد إلى عبد الله بن علي أمر بعزله فجاءت هرة قلعت لسانه وجعلت تمضغه فقال عبد الله أو غيره لو لم يرنا الدهر إلا لسان مروان في هذه لكفانا وكان مروان قد عرض بظهر الحيرة سبعين ألف عربي على سبعين ألف عربي ثم قال إذا انقطعت المدة لم تنفع العدة. نقلت من الطالع السعيد في فضلاء الصعيد تأليف العلامة المحدث البارع كمال الدين جعفر الأدفوي في ترجمة تاج الدين الدسناوي محتد القوصي مولداً وداراً ووفاة محنة الدهر وفريدة العصر فقيه عالم فاضل محدث أديب شاعر كريم الأخلاق طيب الأصول والأعراق فمن نظمه ملغزا في نملة: يا من إذا ما قاصد أم له ... تم له منه الذي أمّله ومن حوى الفضلين فضل الندى ... وفضل علم للهدى حصله ما اسم رشيق القد حلو الجنى ... ذو فطنة ممزوجة بالبله ألمى دقيق الخصر قد زانه ... ردف له يهتز ما أثقله أو انتمى يعزي لواد غداً ... وارده مستعذباً منهله حل به أسنى ملوك الورى ... ومن غدا بالفضل والمعد له إن قلت صف لي حسنه واقتصد ... قلت مجيباً لك ما أجمله أو قلت صف لي ملكه واقتصر ... قلت أجل جل الذي كمله أو قلت هل من مسترفد ... قلت وللمسكين والأرملة تصحيف ما ألغزته مودع ... في النظم فافتح بالذكاء مقتفله وعكسه أيضاً بلغت المنى ... مستودع فيه فما المسألة القول في طبائع الحيات: وإنما سميت حية لأنها تحوت أي اجتمعت ويطلق على الذكر والأنثى يقال حية ذكر وحية أنثى وهي أصناف كثيرة لا تحصى كما لا تحصى أصناف السمك.

ذكرت بقوله حية وهو ما أنشدني لنفسه من لفظه المقر المجدي فضل الله بن مكانس عفا الله عنه. عاذلتي بعد أن توفيت ... في النوم أبصرتها الشقيه تلسعني بالملام فيكم ... كأنها في الوجود حيه

رجع: وشرها الأفاعي ومسكنها الرمال والجبال ويضرب المثل بها بأفاعي سجستان ومن التهويل في أمرها ما حكاه ابن شرمة أن أفعى منها نهشت غلاماً في رجله فانصدعت جبهته ويحكى أن شبيب بن شبة دخل على المنصور فقال يا شبيب أدخلت سجستان فإنه بلغني أنها محواة أي كثيرة الحيات قال نعم يا أمير المؤمنين قد دخلتها قال فصف لي أفاعيها فقال هي دقاق الأعناق صغار الأذناب مفلطحة الرءوس رقش برش كأنما كيسن أعلام الحبرات كبارهن حتوف وصغارهن سيوف قال أرسطو وليست الفعى من الحيوان الذي يلد حيواناً مثله وإن خرج من بطنها أولاد وإنما ذلك لتكسر البيض فتلويها وتجمعها في بطنها فيتوهم من رأى ذلك أنها تلد وليس الأمر كذلك ومن الأفاعي ما يتسافد بأفواهها فإذا أعطى الذكر والأنثى وقع كالمغشى عليه فتعمد الأنثى إلى موضع مذاكيره فتقطعها نهشاً فيموت من ساعته فإذا بلغ بعضها لم يكن له مخرج لضيق مكان الولادة فيبقى في بطنها حتى يخرج فيشقه ويخرجن وتموت الأم من ساعتها فيكون طلبها للولد هلاكها وذكرها يسمى الأفعوان يأتيها أيام الصراف فيصوت بها فتأتيه وبعض الحيات مستطيل أكدر اللون وأخضر وأسود، ابيض وأرقط وفي بعضها نمش وتخرج كل بيضة ثعبان على لونها ولم يعرف أسباب في اختلاف ذلك وأما داخله فشيء أسمخ من الصديد وأقذر وهو في جوفها منضد طولاً على خط واحد وليس للحيات سفاد معروف تنتهي إلى عمله وليس عند الناس في ذلك إلا الذي ترون من ملاقات الحيات والتواكل واحدة منهما على صاحبه حتى كأنهما لوح خيزران مفلوذ والحية مشقوقة اللسان ولذلك يظن بعض الناس أن لها لسانين وهي واسعة النحر ولها خطم وكذلك يفعل نابها ولو كان لرأس الحية عظم لكان أشد لعضها ولكن جلداً يطبق على عظمين مستطيلين وتوصف بالنهم والشره لأنها تبتلع الفراخ من غير مضغ كما يفعل الأسد ومن شأنها أنها متى ابتلعت شيئاً فيه عظم أتت شجرة أو حجراً شاخصاً فتنطوي عليه انطواء شديداً فتحطم ذلك العظم حتى تصيره رفاتا ومن عادتها إذا نهشت انقلبت فيتوهم أنها فعلت ذلك لتفرغ سمها وليس الأمر كذلك وإنما في نابها عضل فإذا عضت استغرق إدخال الناب كله وهو أحجن يشبه بالبيض فإذا انقلبت كان أسهل لخروجه وأسلس لنزعه وفي طبعها أنها إذا لم تجد طعماً تعيش بالنسيم وتقتات به الزمن الطويل وتبلغ الجهد من الجوع ولا تأكل الشيء الحي وربما بقيت أربعة أشهر في الشتاء صابرة على الجوع لا تغتدي بشيء البتة وهي إذا هرمت استقرت في بيتها وأقنعها النسيم ولم تشته الطعام ومن عجيب أمرها أنها لا تطلب الماء ولا تريده لغلبة الأرضية عليها ولهذا تصبر عن الغذاء المدة الطويلة لأن حرارتها لا تسرع بتحليل مادتها لقلة الحرارة وغلظ المادة وهي لا تضبط نفسها على الشراب إذا شمته لما في طبعها من الشوق إليه فهي إذا وجدته شربت منه حتى تسكر وربما كان السكر سبب حتفها لأنها إذا سكرت خدرت والذكر من الحيات لايقيم في الموضع الواحد وربما تقيم الأنثى على بيضها بقدر ما تخرج فراخها وتقوى على المكسب ثم تخرج سائرة فمتى وجدت جحراً دخلته واثقة بأن ذلك الساكن فيه بين أمرين إما أن يقيم فيصير طعاماً لها وإنما أن يهرب فيصير الجحر لها ولهذا يضرب المثل بها في الظلم فيقال أظلم من الحية وعين الحية لا تدور في رأسها وكذلك عين الجراد كأنها مسمار مضروب وعينها ما تنطبق وإن قلكعت عادت وكذلك نابها إن قلع عاد بعد ثلاثة أيام وكذلك ذنبها إن قطع عاد وفي طبعها أنها تهرب من الرجل العريان وتفرح بالنار وتطلبها وتعجب بها وباللبن ومتى ضربت بالقصب الفارسي ماتت وإن ضربت بسوط قد مسه عرق الخيل ماتت وهي طويلة الذماء والذماء بطؤ خروج الروح بعد القتل وذلك أنها تذبح حتى تفري أوداجها فتبقى أياماً لا تموت ويقال أنها لا تموت حتف أنفها إلا أن تقتل أو تصاد وتبقى في جؤن الحوائين تدلكها الأيدي وتكره على الطعم في غير أرضها إلى أن تموت أو تحملها السيول في الشتاء والزمهرير فتموت إذا ضررت والحية تسلخ في كل عام قشرا عن جلدها في أول الربيع والخريف وتبتدئ بالسلخ من عيونها ثم رأسها ويتم سلخها في يوم وليلة وإذا هرمت وعجزت عن سلخه أدخلت نفسها بين عودين أو في صدغ ضيق حتى يتسلخ تأتي إلى عين ماء فتنغمس فيه فيشتد بذلك لحمها ويعود إلى قوته وشدته وليس في الأرض شيء مثل جسم الحية إلا والحية

أقوى منه بدناً أضعافاً ومن قوتها أنها إذا دخلت صدرها في حجر أو صدع لم يستطع أقوى الناس وقد قبض على ذنبها بكلتي يديه أن يخرجها لشدة اعتمادها وتعاون أجزائها وليست بذات قوائم لها أظفار ومخالب أو أظلاف تتشبث بها وتعتمد عليها وربما انقطعت في يد الجاذب لها وإنما لشدة فقر ظهرها فإن لها ثلاثين ضلعاً وذلك مشاهد في صعودها وسعيها خلف الرجل الشديد الحصر وعند هربها منه وهي برية وتعيش في البر بعد أن يطول مكثها في الماء وصارت مائية وأصنافها كثيرة جداً وهذا القدر كاف في وصفها. القول على طبائع الفأر: يقولون جميع ما يقع عليه اسم الفأر فأر وهي أنواع: فأر البيت والربات والخلد واليربوع وفأرة البيش وفأرة المسك، فأما فأرة البيت فصنفان: جرذان وفأر وهما كالجوميس والبقر والبخت والغراب والفأر من الحيوان الذي جمع حاستى الشم والبصر وليس في الحيوان أفسد منه، ليس يبقى على شيء جليل ولا حقير إلا أهلكه وأتلفه ولا يقصر فعله عما فعلته ريح عاد ويكفيه ما يحكي عن سد مأرب ومن تدبيره في الشيء يأكله يحسوه وهو أنه يأتي القارورة الضيقة الرأس فيحتال حتى يدخل طرف ذنبه في عنقها وكلما ابتل بالدهن أخرجه وامتصه حتى لايدع في القارورة شيئاً ولقد حكى أن رجلاً كان عنده جرة زيت فغاب عنها مدة ثم افتقدها فوجدها مملوءة حجارة وليس فيها من الزيت شيء فأدار فكره في ذلك إلى أن الفيران كشفوها وشربوا وشربوا منها إلى أن لم يبق أن تصل أفواهها إلى الشراب فدلت أذنابها حتى لم تصل إلى الزيت فألقوا الحجارة شيئاً لبعد شيء فكان الحجر إذا وقع في الحق طفا الزيت حتى فني ولقد أراني بعض الأصحاب ظرفاً من زجاج كان فيه فستق مقشور قد نقبنه وأكلن ما فيه وكل البزور تأكل قلوبها وتترك قشورها وما أعجب منة شيء كعجبي من نوى الخرنوب التي لا تقدر الأضراس على كسره وهي تنقبه وتأكل قلبه وكذلك تفعل بالقرطم مع ملاسته، وفي طبعه النسيان فربما صيد مرات فيفلت ويعود وبه يضرب المثل في السرقة والنسيان والحذر ويبلغ الفأر من تحرزه واحتياطه أن يسكن السقوف فربما فاجأه السنور وهو يريد أن يعبر إلى بيته والسنور في الأرض وهو في السقف ولو شاء أن يدخل بيته لم يكن للسنور عليه سبيل ويشير إليه السنور في الأرض بيساره كالقائل له ارجع فإذا رجع أومى إليه بيمينه كالقائل له عد فيعود وإنما يطلب بذلك أن يعيي أو يزلق ولا يفعل به ذلك ثلاثة مرات إلا ليسقط فيثب عليه. وحكى الجاحظ أن ناساً أنكروا أن يخلق الفأر في أرحام إناثها من أصلاب ذكورها ولكن من بعض الأرض كطينة الفاطول فإن أهلها يزعمون أنهم رأوا الفأر لم يتم خلقه بعد وأن عينيه فصان ثم ينتئان حتى يتم خلقها وتشد حركتها، ذكر الجاحظ ذلك على طريق الاستبعاد، قال صاحب المنهاج وإنما رأيت ذلك عياناً اتفق أني سافرت من الفيوم فمررت بقرية تسمى صفط وإذا بفيران قد خرجوا من شقوق الأرض كجراد منتشر كل واحد منها نصفه حيوان ونصفه الآخر طين لم تكمل خلقته وكذلك يتولد بمصر إذا انكشف ماء النيل عنها. القول في طبائع العقرب: وهذا الحيوان أصناف منه الجرارة والطيارة وما له ذنب كالحربة وماله ذنب معقوف وفيها السود والخضر والحمر والصفر والكمد وما له لون الرماد وما لونه لون اللهب وما له حمتان وأصحاب الكلام في طبائع الحيوان يقولون العقرب مائية الطبائع ومن ذوات الذر وكثرة الولد تشبه السمك والضب وعامة هذا النوع إذا حملت الأنثى منه يكون حتفها في ولادتها لأن أولادها إذا استوى خلقها أكلت بطنها وخرجت فتموت والجاحظ لا يعجبه هذا القول ويقول أخبرني من أثق به انه رأى العقرب تلد من فيها مرتين وتحمل أولادها على ظهرها وهي قدر القمل كثير العدو والعقرب شر ما يكون إذا كانت حبلى ولها ثمانية أرجل ولها أظلاف مثل أظلاف الثور عيناها في ظهرها وهي من الحيوانات التي لا تسبح ومن عجيب أمرها أنها لا تلسع الميت ولا المغشى عليه ولا القائم إلا أن يتحرك شيء من بدنه فإنها عند ذلك تضربه وضربها له إنما هو خوفاً فهي تدفع بنفسها بضربها وهي تأوي إلى الخنافس وتسالمها وتصادق من الحيات كل اسود سالخ وربما لسعت الأفعى فتموت وفيها من يلسع بعضه بعضاً فيموت الملسوع ومن شانها إذا لسعت الإنسان فرت فرار ممئ يخاف العقاب.

وقال الجاحظ والعقارب تستخرج من موتها بالجراد لأنها حريصة على أكله تمسك الجرادة في عود ثم تدخل بها في مكانها فإذا عاينتها العقرب تعلقت ومتى أدخل الكراث إليها وأخرج تبعه وما معها من جنسها ونوعها وهي إذا خرجت من بخشها في طلب المطعم يكون لها نشاط وعزم تضرب كلاما لقيته من حيوان أو نبات أو جماد وربما ضربت الطست والقمقم فنخرقه وتسيل مادة وربما نشبت فيه أبرتها وهذه الإبرة منعوتة فيها السم والعقارب القاتلة تكون في موضعين بشهر زور وعسكر مكرم وهي جرارات وهذه العقارب تلسع فتقتل وربما يتناثر اللحم من لسعته أو تعفن لحمه واسترخى ولا يدنو منه أحد إلا وهو يمسك أنفه مخافة أعدائه وهي في غاية الصغر فإن أكبر ما يوجد منها يكون قدر زنته دانقاً واحداً والذي يوجد منها كبيراً يكون زينته ثلاث حبات وقد وزنت بشعيرة فرجحت الشعيرة عنها ذكر هذا صاحب كتاب النوار ومن ظرائف أمرها أنها مع صغرها وقلتها ونزارتها تقتل الفيل والبعير بلسعها وبنصيبين عقارب قتالة يقال أن اصلها من شهر زور وإن بعض الملوك حاصر بها فأنى بالعقارب من شهر زور ورمى بها في كيزان بالمجانيق إلى البلد فأعطوا القوم بأيديهم وما أظرف قول من قال وقد واعد امرأة ليأتيها فلما خرج من عندها ضربته عقرب في طريقه فقال: ولقد سريت مع الظلام لموعد ... حصلته من غادر كذاب فإذا على ظهر الطريق معدة ... سوداء قد علمت أوان ذهابي لا بارك الرحمن فيها عقرباً ... دبابة دبت إلى دباب وسمع خبره صاحب الدار فقال: ودار وأيام سكانها ... تقيم الحدود بها العقرب وإذا غفل الناس عن ذنبهم ... فإن عقاربنا تضرب القول في طبائع النمل: ذهب ابن أبي الأشعث أنه لا يتزواج ولا يتوالد ولا يتلاقح وإنما يسقط منه شيء حقير في الأرض فينمو فيصير بيضاً ثم يتكون فيه وهو من الحيوان المحتال يتفرق في طلب المعاش فإذا وجد شيئاً أنذر الباقين فيجئن ويحملن وكل واحد يجتهد في إصلاح العامة غير مختلس لشيء من الرزق دون صحبه ويقال إنما يفعل ذلك رؤساؤها ومن تحلية في الرزق أنه ربما وضع بينه وبين ما يخاف عهليه منه ما يحجزه عنه من ماء أو شعر فيتسلق في الحائد ويمشي على جذع من السقف مسامتا لما حفظ ثم يلقي نفسه عليه وفي طبعه أن يحتكر زمن الصيف لزمن الشتاء وله في الاحتكار من الحيل ما أنه ما إذا احتكر ما يخاف نباته قسمه نصفين ما خلا الكسفرة فإنه يقسمها أربعاً لما ألهم أن كل نصف منها ينبت وإذا خاف العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض ونشره وأكثر ما يفعل ذلك في القمر ويقال أن حياته ليست من قبل مأكله ولا قوامه وذلك أنه ليس له جوف ينفذ فيه الطعام ولكنه مقطوع نصفين وإنما قوته إذا قطع الحب من استنشاق ريحه لا غير وذلك يغذوه ويكفيه وهو يشم ما ليس له ريح مما لو وضعه الإنسان على أنفه لما وجد له ريحاً والكلام عليها طويل وهذا القدر كاف. لبعض الشعراء في البراغيث والبق والبعوض: تومي على ظهر الفراش منغص ... والليل فيه زيادة لا تنقص من عاديات كالذئاب تداءبت ... وسرت على عجل فلا تتبرص وجعلت دمى خمراً تداوم شربها ... مسترخصات منه لا يرخص فترى البعوض مغنياً بربابة ... والبق يشرب والبراغيث ترقص أبو عامر بن شهيد يصفه: اسود زنجي وأهلي وحشي ليس زبوان ولا رميل وكأنه جن لا يتحرى من ليل وشونيره أو نبتها غرره نقطة مداد أو سويداء قلب قراد شربه غب ومشيه وثب يسري ليله ويكمن نهاره ولا يمنعه ستر يدرك بطعن مؤلم ويستحل دم كل مسلم مشاور يجز ذيله على الجبابرة يتكفن بأرفع الثياب ويهتك ستر كل حجاب ولا يحفل ببواب يرد مناهل العيش العذبة ويصل الأجراح الرطبة ولا يمنع منه أمير وهو أحقر من كل حقير سره مثبوت وعهد منكوث. نقلت من كتاب الامتناع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي أن نبات عرس إنما تلقح من أفواهها وتلد من آذانها ومن عادة هذا الجنس أنه يسرق ما وجد من حلي الذهب والفضة ويخبئه في حجر وإن وجد أيضاص في البيت حبوباً خلط بعضها ببعض.

النمل عمول مواظب فإذا جمع الحب قطعه كيلا ينبت إذا أصابه الندى والبلل ويخرجه ويبسطه عند فم الجحر حتى إذا يبس أدخله فمن جرب طبائع النمل أدرك علم زمان المطر والصحو ومن أراد أن يهلك النمل فليدق الكبريت والحريق وليذره في حجره ولا يولد من تزاوج لكنه يخرج منه شيء صغير فيقع في الأرض فيصير بيضاً ثم يتصوره من البيض بالهيئة التي ترى. الخنافس: إذا شمت ريح الورد ماتت وأجنحتها مدمجة لاصقة بها، البق والبعوض لا تناكح لهما وإنما تستحيل من عين الماء ووسخه ونتنه ومن أخذ غصن العنب ووضعه تحت سريره لم يقربه بق ولا بعوض ومن أراد أن لايتأذى بالبراغيث فليحفر وسط البيت حفرة ويملأها بدم تيس فإن البراغيث تجتمع هناك وإن وضع في الحفرة ورق دفلى ماتت البراغيث، تم ما ذكره أبو حيان في الامتناع ومنه قيل لذؤيب أتزعم أنك مفلس لا تقدر على قرض ولا جمع ولا خفالة وبيتك عامر بالفأر فقال علي بن أبي عتيق الطلاق الثلاث البتة أن كان يمنعهم من التحول عنا إلا أنهم يسرقون أطمعة الناس ويأكلونها في بيتي لأمنهم فيه لأنه لا هرّ هناك. وعلى ذكر الفأر فما أحسن قول الشيخ أحمد الموال الشهير بالفأر أنشدنيها المرحوم الفخري بن مكانس: قلبي صبا نحو بطحى رأيت ورق ... لما رأى القاعد أخلفو عليها دق ومذ قطعها الصبي شقات قلت الحق ... يا فاز نلت المنى أعبر لهذا الشق يتأذى بمن ينبذه بهذا القلب فاتفق حضورهما عند الأمير فشتم نائب السلطنة الشريفة يسلمان عليه حين قد من سفره فأحضر لهما مشروباً على العادة فمسك فخر الدين الإناء وقال ذكروا أن شراب الليمون في الأسفار يسكن الدم إذا فار فاحتد منه الفأر وقال كذبت عن من نقلت هذا فقال عن الفارابي فكان الشاهد أنكى من الزائد. نقلت من تذكرة العلامة عز الدين الموصلي شيخنا رحمه الله وفقاً يوضع لفقد الذباب من البيت الذي يكون فيه وصورته أن يوضع يوم الخميس المعروف بخميس البيض قبل طلوع الشمس بعد صلاة الفجر ويكون واضعه قد صام أربعة أيام لا يفطر فيها على زفر ولا زهومة ثم يضعه على هذه الهيئة ويكون الوضع في ورق لونه رصاصي تربيعاً بالمسطرة محرراً وهو هذا الوفق المبارك إن شاء الله تعالى: هلك الذباب بإذن الملك القاهر القدير 8 87 672 62 8 73 8 671 873 728 7 8 837 8 8 67 873 ناصر الدين بن النقيب: ودار خراب بها قد نزل? ... ت ولكن نزلت إلى السابعة فلا فرق بين أني أكو ... ن بها أو أكون على القارعة فوالله ما نمت في أرضها ... ولا طلعت لي بها طالعه ومفردت بالصفات القبا ... ح وما هي إلا لها جامعة تشاورها هفوات النس? ... ?يم فتصغى بلا أذن سامعه إذا ما قرأت إذا زلزلت ... بها خفت أن تقري الواقعة وأخشى بها أن أقيم الصلا ... ة فستجد حياطانها الراكعة قال الشيخ شمس الدين بن الصائغ أنشدني الشيخ تاج الدين عبد الباقي اليماني قال حضرت منزل الشيخ جمال الدين بن نباتة فرأيت فيه نملاً كثيراً فقلت: مالي أرى منزل المولي الأديب به ... نمل تجمع في أرجائه زمرا فقال لا تعجبن من نمل منزله ... فالنمل من شأنها أن تتبع الشعرا وعلى ذكر النمل ذكرت ما نقلته من خط الوداعي ما صورته ذب شخص شاهد عدل يقال له النميلة فعمل فيه عز الدين بن رواحة: عتبت على نميلة في التعدي ... وجراءته على ما لا يحل وقلت مقال إنكار عليه ... تدب على العدول وأنت عادل فقال لقد عتبت عليّ ظلما ... وهل للنمل غير الدب شغل من المجريات إذا ظهر النمل في موضع أن يقرؤ عشر مرات في نفس وأحدهم الغذاء والعشاء طويل فإنه يرحل بإذن الله. السيد الفاضل شمس الدين بن صاحب موفق الدين علي الآمدي في الحية: وتخاله في القيظ سوطاً بالياً ... ملقى وفي كانون دملج معصم وقد استدارت مقلتاه بحمرة ... فيها تحاكي قطرتين من الدم وله فيه: وهو حبل قل إذا ما امتد أو ... مثل خيط النهر مهما اضطربا سبباً للموت وصالاً به ... وكذاك الحبل يدعى سببا

الباب الخمسون في وصف الجنان وما فيها من حور وولدان

من كتاب كتبه يحيى محي الدين بن عبد الظاهر إلى القاضي كمال الدين بن العطار كاتب الدرج السعيد: من منزله خربه اللصوص من كل صلد تزاحمت به مدارج السيول وغصت به حلوق الوحول وغدا شيحا في صدور السهول قد جمعت الأقطار وجوه صفاته وفتحت الأيام والليالي ما لعله من حسن صفاته وأصبح مغائراً في طرق الزروع كم حصل لها أذى ومحاجر كم أطرفت عيون الأرض منه على قذى كأن أسوده على الأرض كلب يؤذي الأبصار وكم خذ به استدار منه له أوحش عذار كم تجمعت فلذة فكانت ظلمات بعضها فوق بعض وبنيت في الفضاء فأحسن بها من نهود تبدو في صدور الأرض تروع المراعي في المراعي وتسمع بها قعاقع سهام المنايا فتغدوا تراكيش للحيات والأفاعي من كل أفعى تفترس افتراس الضغيم وتلمس أملاس الجدول وتنكمش انكماش السهم تفراغ رائيها في المنام وإذا انقبضت صارت عروة وإذا انبسطت فهي حزام كم جنات الترائب في أنيابها وكم لعبت بالأرواح بلعابها ذات الأوان كالدنيا بينما تروق إذا هي نزوع ولين معاطف كالأيام وكأنما استدار بها أشراك المرقوع قد غدت للخيام أطنابا عوض الأطناب وإذا شاهد الأطباء علاماتها وامتداها قالوا هذا الذي يقال له الموت من العلامات والأسباب كم قد نضجت العيون منها بأسود سالخ وكم أحرق سمها مهرباً من كوره لا هاجة بار الموت وهو له نافخ ومن عجب أنها تمشي على بطنها ولا تأكل ما تفترس وتوقد في الليالي المدلهمة عيونها ناراً لا يجد عليها هدى طرق المقتبس. القاضي فتح الدين بن الشهيد: أقول لنمل العذار التي ... على الخد دبت قفى تحملي حمت عسل الريق ألحاظه ... إلى ابن نمل فلا تسلي بدر الدين يوسف الذهبي: يا جمال الكتاب بل يا ... حميد الذكر حقاً ومن له العلياء لي بيت صعب مجاريه الفك ... ر وما أن تحمله البلغاء ظاهر العيب لا عروض له ... والضرب والقبض في ذراه سواء لا أراه من الخفيف فلم ذا ... جاز فيه التشعيب والأقواء للبراغيث فيه رقص وللبق ... زمير وللذباب غناء عامل لا أراك فيه وهذا ... ك دليل أن ليس فيه بناء منقول من الموجز لابن نفيس مما يطرد الهوام من البيت التبخير بأصل الرمان وقضبانه وأصل السوس والقنة والقرون والأظلاف والحوافر والشعر والحلتيت وورق الغار وحبه ورماد الصنوبر وخصوصاً مع القنة والشونير والمركبات من هذه الحيوانات التي تهرب منها الحشرات إذا جعل في البيت لغلغ أو طاووس أو قنفد أو ابن عرس فإن الهوام تفزع منها وتهرب وإن ظهرت قتلها وكذلك البيضابيات والأيائل. طرد الحيات الكبريت والنوشادر بالخل يهربها والخردل يقتلها وإذا وضع على مسكنها هربت منه. طرد العقارب الفجل المشدوخ وعصارته إذا مسكت وورقه والباذروج وثفل الصائم والتبخر بالعقرب يهرب وكذلك الزرنيخ إذا وضع والفجل المقطع إذا وضع على جحرها لم يجسر على الخروج منه. طرد البراغيث إذا رش البيت بطبيخ الحنظل أو نقوعه تماوتت البراغيث وتهاربت وكذالك العليق والخرنوب ودم التيس إذا جعل في حفرة آوت غليه البراغيث وكذلك يجتمع على خشبة طليت بلحم القنفد ووسخ الكبريت والدفلى يهربها. وطرد البق والبعوض التدخين بنشارة خشب الصنوبر أو القلقندس أو بالشونير أو بمجموعهما وهو أجود بالآس اليابس أو بالكبريت أو بإخثاء البقر أو لبالحرمل أو بورق السرو أو جوزه ورش البيت بطبيخ هذه أو بطبيخ الترمس أو الدلب. طرد ابن عرس يطردها ريح السداب. طرد الفأر وقتلها: المرتك والحريق والبنج وأصل الفأر وهي تتداوى بالسباحة في الماء فإن لم تجدها ماتت والتراب الهالك وخبث الحديد وإذا سلخت الفأرة الذكر أو قطع ذنبها أو خصى وربط بخيط هرب الفأر الباقي والسلخ أقوى. طرد النمل دخان النمل نفسه يطرده ويهرب. طرد الذباب يقتلها الزرنيخ وحده أو باللبن ودخاتنه الكندر وطبيخ الحريق الأسود. وطرد الزنابير بخار الكبريت والثوم. طرد الخنافس دخان الدلب وورقه. طرد الأرضه: يطردها الهدهد إذا جعل في البيت والتدخين بأعضائه وريشه. طرد السوس: الأقشين والفوتنج وقشور الأترج وماء الحنظل الرطب. طرد سام أبرص: الزعفران إذا جعل منه في البيت هرب. الباب الخمسون في وصف الجنان وما فيها من حور وولدان

عن أبي سعيد الخدري يرفعه أن الله جل ذكره لما حوط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وغرس غرسها ثم قال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون فقال تعالى طوبى لك منزل الملوك وقال زيد بن أرقم قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال نعم والذي نفسى بيده إن أحدهم ليعطي قوة مائة رجل في الأكل والشرب قال فإن الذي يأكل تكون له الحاجة والجنة طيب لا خبث فيها قاتل عرق يفيض من أحدهم كرشح المسك فيضمر بطنه، دخل داود عليه السلام غارا من غيران بيت المقدس فوجد حزقيل يعبد ربه وقد يبس جلده على عظمه فسلم عليه فقال أسمع صوت شعبان ناعم فمن أنت فقال داود قال الذي له كذا وكذا امرأة وكذا وكذا أمة قال نعم وأنت في هذه الشدة قال ما أنا في شدة ولا أنت في نعمة حتى ندخل الجنة، قال مالك بن دينار جنات النعيم بين جنات الفردوس وفيها حور خلقن من ورد الجنة قيل ومن يسكنها قال الذين هموا بالمعاصي فلما ذكروا عظمة الله راقبوه، وقال بعض العلماء في السدس الأخير من الليل تفتح أبواب الجنة ألا ترى أن أرواح الرياحين تفوح في ذلك الوقت، جاء الإسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام فباعها من معاوية بمائة ألف درهم فقال له عبد الله بن الزبير بعت مكرمة قريش فقال ذهبت المكارم إلا من التقوى بابن أخي اشتريت بها دارا في الجنة أشهدك أني جعلتها في سبيل الله. ولمؤلفه رحمه الله: إذا رأيتم قبر خير الورى ... والمنبر الزاهي وإجلاله بشراكم الجنة هنيتم ... ومن يرى هذا فطوبى له وأنا أبتهل بلسان التضرع والخضوع وأسأل لحظات الاعتراف والخشوع لمتصفحي كتابي هذا وأبوابه ومأملي ألفاظه وإعرابه الصفح عما يقفوا عليه من عثرات العبارات والمعاني والتجاوز عما وقع فيه من التقصير والتواني فالمعترف بذنبه كمن لا ذنب له ومن لا يقبل العذر فالذنب له. من رام أن يقبل الباري معاذره ... فليقبلن مسرعاً ممن له اعتذار وليقتد بقوله تعالى: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) لاسيما مع استغراق زمان أنا بنكده منوط وليل ونهار أنا فيهما بطلب القوت مربوط وأغزا في عجومة ظاهرة في البيان وعجمه غالبة في اللسان تمنع عن إدراك حقائق المرادات والجمع بين دقائق المعاني وحسن العبارات ولكنني مكره في ذلك لا بطل: فإن لم يكن نظم القصائد شيمتي ... وليس جدودي يعرب وإياد فقد تسجع الورقاء وهي حمامة ... وقد تنطق الأوتار وهي جماد ثم قل أن يخلص مصنف كتاب من الهفوة بل الهفوات وهيهات ثم هيهات أن ينجو الناظر أو المؤلف من العثرة بل العثرات خصوصاً مع الممتحنين بل المتعنتين والحاسدين المغتبين ولكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طلب عثرة أخيه ليهتكه طلب الله عثرته فهتكه". لا تلتمس من مساوى الناس ما ستروا ... فيهتك الله ستراً من مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحداً منهم بما فيكا وأنا أقسم على جماعة متصحفيه ان يتأملوه وينظروا فيه بعين الرضا ويعبروا عنه بلسان الصفا والوفا فإن تجد فيه بعيداً قربه أو خطأ أصلحه وصوبه: فإن زل طرفي أو كبا فهو حلبة ... يزل بها الطرف المهطم جاريا فعفوا جميلاً عن خطاي فإنني ... أقول كما قد قال من كان شاكيا وعين الرضا عن كل عين كليلة ... كما أن عين المنحط تبدي المساويا وبالله أستعين أولاً وآخراً وباطناً والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. (1) الآية: 34 من سورة فاطر.

§1/1