مصرع التصوف = تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد
برهان الدين البقاعي
مقدمة
المجلد الأول مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الكتاب: الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق, ليظهره على الدين كله، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد خاتم النبيين، وسيد ولد أدم أجمعين، وبعد: فإنه كانت لي بالتصوف صلة، هي صلة العبرة بالمأساة، فهنالك حيث كان يدرج بي الصبا في مدارجه السحرية، وتستقبل النفس كل صروف الأقدار بالفرحة الطروب، وتستنشي الروح ريا الجمال والحب من كل معاني الحياة, هنالك تحت شفوف الأسحار الوردية من ليالي القرية الوادعة الحالمة، وفي هيكل عبق بغيوم البخور، جثم على صدره ضم صغير يعبده كثير من شيوخ القرية، هنالك في مطاف هذه الذكريات الولهى: كان يجلس الصبي بين شيوخ تغضنت منهم الجباه، وتهدلت الجفون، ومشي الهرم في أيديهم خفقات حزينة راعشة، وفي أجسادهم الهضيمة نحولا ذابلا، يتراءون تحت وصوصة السراج الخافت أوهام رجاء ضيعته الخيبة, وبقايا آمال عصف بها اليأس. وتتهدج ترانيم الشيوخ تحت السحر -نواحا بينها صوت الصبي- بالتراتيل الوثنية، وما زال الصبي يذكر أن صلوات ابن بشيش, ومنظومة الدردير كانتا أحب التراتيل إلى أولئك الشيوخ، وما زال يذكر أن أصوات الشيوخ كانت تشرق بالدموع، وتئن فيها الآهات حين كانوا ينطقون من الأولى: "اللهم انشلني من أوحال التوحيد!! " ومن الثانية: "وجد لي بجمع الجمع منك تفضلا" يا للصبي الغرير التعس المسكين!! فما كان يدري أنه بهذه الصلوات المجوسية يطلب أن يكون هو الله هوية وماهية وذاتا وصفة!! ما كان يدري ما التوحيد الذي يضرع إلى الله أن ينشله من أوحاله!! ولا ما جمع الجمع الذي يبتهل إلى الله أن يمن به عليه!!
ويشب الصبي، فيذهب إلى طنطا ليتعلم، وليتفقه في الدين. وثمت يسمع الكبار من شيوخه يقسمون له، ولصحابه: أن "البدوي" قطب الأقطاب، يصرف من شئون الكون، ويدبر من أقداره وغيوبه الخفية!! ويجرؤ الشاب مرة فيسأل خائفا مرتعدا: وماذا يفعل الله؟ ويهدر الشيخ غضبا، ويزمجر حنقا، فيلوذ الشاب بالرعب الصامت، وقد استشعر من سؤاله، وغضب الشيخ، أنه لطخ لسانه بجريمة لم تكتب لها مغفرة!! ولم لا؟ والشيخ هذا كبير جليل الشأن والخطر، وما كان يستطيع الشاب أبدا أن يفهم أن مثل هذا الحبر الأشيب -الذي يسائل عنه الموت- يرضى بالكفر، أو يتهوك مع الضلال والكذب. فصدق الشاب شيخه، وكذب ما كان يتلو قبل من آيات الله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [آل عمران: 10] !! ثم يقرأ الشاب في الكتب التي يدرسها: أن الصوفي فلانا غسلته الملائكة، وأن فلانا كان يصلي كل أوقاته في الكعبة، في حين كان يسكن جبل قاف، أو جزائر واق الواق!!! وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مد يده من القبر وسلم على الرفاعي!! وأن فلانا عذبته الملائكة؛ لأنه حفظ القرآن والسنة وعمل بما فيهما، ولكنه لم يحفظ كتاب الجوهرة في التوحيد!! وأن مذهبنا في الفقه هو الحق وحده؛ لأنه أحاديث حذفت أسانيدها!! ويصدق الشاب بكل هذا, ويؤمن، وما كان يمكن إلا أن يفعل هذا. إذا قال في نفسه: لو لم تكن هذه الكتب حقا، ما درست في الأزهر، ولا درسها هؤلاء الهرمون من الأحبار، ولا أخرجتها المطبعة، وهل كان يمكن أن يسأل نفسه مثلا مثل هذا السؤال: أين من الحق البين من كتاب الله هذا الباطل العربيد في هذه الكتب؟ لا فلقد جيء به إلى طنطا ليتفقه في الدين على هؤلاء الشيوخ، وها هو فقه الدين يسمعه من الشيوخ، ويقرؤه في الكتب، وحسبه هذا!!
وتموج طنطا بالوفود، وتعج بالآمين بيت الطاغوت الأكبر من كل حدب، ويجلس الشاب في حلقة يذكر فيها الصوفية اسم الله بخنات الأنوف، ورجات الأرداف، ووثنية الدفوف، وثمت يسمع منشد القوم يصيح راقصا: "ولي صنم في الدير أعبد ذاته" فتتعالى أصوات الدراويش طروبة الصيحات: "إيوه كده اكفر، اكفر يا مربي" ويرى الشاب على وجوه القوم فرحا وثنيا راقص الإثم بما سمعوا من المنشد الكافر، فيسأل شيخا ممن وفدوا من أهل قريته: يا سيدي الشيخ، ما ذلك الصنم المعبود؟! فيلزم الشيخ شفتيه، ثم يجود على الشاب الواله الحيرة بقوله: "إنته لسه صغير"!! ويسكت الشاب قليلا، ولكن الكفر يضج في النعيق، فسيمع المنشد يقيء "سلكت طريق الدير في الأبدية" "وما الكلب والخنزير إلا إلهنا" ويطوي الشاب نفسه على فزع وعجب يسائل الذهول: ما الكلب؟ ما الخنزير؟ ما الدير؟ وأنى للذهول بأن يجيب؟! ولقد خشى أن يسأل أحد الشيوخ ما دام قد قيل له: "إنته لسه صغير" ثم إنه رأي بعض شيوخه الكبار يطوفون بهذه الحمآت يشربون "القرفة" ويهنئون الأبدال والأنجاب والأوتاد بمولد القطب الغوث سيدهم السيد البدوي. وتكفن دورات الفلك من عمر الشاب سنوات، فيصبح طالبا في كلية أصول الدين، فيدرس أوسع كتب التوحيد-هكذا تسمى- فيعي منها كل شيء إلا حقيقة التوحيد، بل ما زادته دراستها إلا قلقا حزينا، وحيرة مسكينة. ويجلس الشاب ذات يوم هو وصديق من أصدقائه مع شيخ صوفي أمي. فيسألهما عن معاني بعض تهاويل ابن عطاء الله السكندري "إرادتك التجريد مع إقامة الله, إياك في الأسباب من الشهوة الخفية، وإرادتك الأسباب، مع إقامة الله إياك في التجريد, انحطاط عن الهمة العلية". ويحار الطالبان، ولا يدريان بم يجيبان هذا الأمي عن هذه الحكم المزعومة -وقد عرفا بعد أنها تهدف إلى تقرير أسطورة
رفع التكليف- فتمتلئ نفساهما بالغم المهموم؛ إذ رسبا في امتحان عقده لهما أمي صوفي؟! ويدور الزمن فيصبح الشاب طالبا في شعبة التوحيد والفلسفة. ويدرس فيها التصوف، ويقرأ في كتاب صنفه أستاذ من أساتذته، رأى ابن تيمية في ابن عربي. فتسكن نفس الشاب قليلا إلى ابن تيمية، وكان قبل يراه ضالا مضلا. فبهذا البهتان الأثيم نعته الدردير!! وكانت عنده لابن تيمية كتب، بيد أنه كان يرهب مطالعتها، خشية أن يرتاب في الأولياء، كما قال له بعض شيوخه من قبل!! وخشية أن يضل ضلال ابن تيمية.. ويقرأ الشاب، ويستغرق في القراءة، ثم ينعم القدر على الشاب بصبح مشرق يهتك عنه حجب هذا الليل، فيقر به سراه المضنى عند جماعة أنصار السنة المحمدية، فكأنما لقي بها الواحة الندية السلسبيل بعد دو ملتهب الهجير. لقد دعته الجماعة على لسان منشئها فضيلة والدنا الروحي الشيخ محمد حامد الفقي إلى تدبر الحق والهدى من الكتاب والسنة، فيقرأ الشاب ويتدبر ما يقرأ, وثمت رويدا رويدا ترتفع الغشاوة عن عينيه، فيبهره النور السماوي، وعلى أشعته الهادية يرى الحقائق, ويبصر القيم. يرى النور نورا، والإيمان إيمانا، والحق حقا، والضلال ضلالا، وكان قبل -بسحر التصوف- يرى في الشيء عين نقيضه. فيؤمن بالشرك توحيدا، وبالكفر إيمانا، وبالمادية الصماء من الوثنية: روحانية عليا، ويدرك الشاب -وهو لا يكاد يصدق- أن التصوف دين الوثنية والمجوسية, دين ينسب الربوبية والإلهية إلى كل زنديق، وكل مجرم، وكل جريمة!! دين يرى في إبليس، وفرعون، وعجل السامري، وأوثان الجاهلية، يرى في كل هؤلاء الذين لعنتهم كتب الله، بل لعنتهم حتى العقول، يرى فيهم أربابا وآلهة تهيمن على القدر في أزله وأبده، دين يرى في كل شيء إلها يجب أن يعبد، وربا يخلق ما يشاء ويختار، دين يقر أن حقيقة التوحيد الأسمى: هي في الإيمان بأن الله
-سبحانه- عين كل شيء. دين لا تجد فيه فيصلا بين القيم، ولا بين حقائق الأشياء، ولا بين الضد وضده، ولا بين النقيض ونقيضه. دين يقول عن الجيف -يتأذى منه النتن, وعن الميكروبات تفتك سمومها بالبشرية- إنها هي الإله، وسبحان ربنا!! دين يقول عن القاتل، عن السارق، عن الباغي، عن كل وغد تسفل في دناءته، عن كل طاغية بغى في تجبره. يقول عن كل هؤلاء: إنهم تعينات الذات الإلهية!! فأي إله هذا الذي يقتل, ويبغي, ويفسد في الأرض؟ أي إله هذا الذي يدب تحت جنح الليل تتلظى في عينيه، وعلى يديه الإثم والجريمة الضارية؟ أي إله هذا الذي يلعق دم الضحايا يبرد به غلته، ويخصب بدماء الأعراض التي سفحها يديه الظالمتين؟ أي إله هذا الذي مشى في أيام التاريخ ولياليه بطشا وظلما وجبروتا يدمر، ويخرب، ويصنع القصة الأولى لكل جريمة خاتلة؟! ومن يكون إلا إله الصوفية الذي ابتدع أسطورته سلف ابن عربي، وابن الفارض وغيرهما!!؟ أيتها البشرية التي تهاب القانون، أو ترهب السماء!! ها هو دين التصوف يناديك ملحدا ملهوف النداء: أن تنحدري معه إلى حيث تترعين من كل خمرة مخمورة، وتتلطخين بكل فسق، وتتمرغين في أوحال الإثم!! وأنتم أيها العاكفون في المساجد: لا حاجة بكم إلى الصلاة والصوم والحج والزكاة، بل لا حاجة بكم إلى رب تحبونه وتخافونه، وترجونه، ولا إلى إله تعبدونه. لم هذا الكدح والجهاد والنصب والعبودية؟ لم هذا وكل فرد منكم في حقيقته هو الرب، وهو الإله كما يزعم الصوفية!؟ ألا فاطلقوا غرائزكم الحبيسة، ودعوها تعيش في الغاب والدغل وحوشا ضارية، وأفاعي فتاكة! وأنتم يا بني الشرق! دعوا المستعمر الغاصب يسومكم الخسف والهوان، ويلطخ شرفكم بالضعة، وعزتكم بالذل المهين، ويهيمن على مصائركم بما يهوى بطشه الباغي، وبغيه الظلوم. دعوه يهتك ما تحمون من أعراض، ويدمر ما تشيدون من معال،
وينسف كل ما أسستم من أمجاد، ثم الثموا ضارعين خناجره هو تمزق منكم الحشاشات، واهتفوا لسياطه، وهي تشوي منكم -أذلاء- الجلود. فما ذلك المستعمر عند الصوفية سوى ربهم، تعين في صورة مستعمر. دعوا المواخير مفتحة الأبواب، ممهدة الفجاج. ومباءات البغاء تفتح ذراعيها الملهوفتين لكل شريد من ذئاب البشر, وحانات الخمور تطغى على قدسية المساجد, وأقيموا ذهبي الهياكل للأصنام، وارفعوا فوق الذرى منتن الجيف، ثم خروا ساجدين لها، مسبحين باسم ابن عربي وأسلافه وأخلافه. فقد أباح لكم أن تعبدوا الجيفة، وأن تتوسلوا إلى عبادتها بالجريمة. ذلكم هو دين التصوف في وسائله وغاياته، وتلك هي روحانيته العليا!! ألا فاسمعوها غير هيابة ولا وجلة، واصغوا ألى هتاف الحق يهدر بالحق من أعماق الروح: إن التصوف أدنأ وألأم كيد ابتدعه الشيطان ليسخر معه عباد الله في حربه لله، ولرسله. إنه قناع المجوسي يتراءى بأنه رباني، بل قناع كل عدو صوفي العداوة للدين الحق. فتش فيه تجد برهمية، وبوذية، وزرادشتية، ومانوية وديصانية. تجد أفلوطينية، وغنوصية، تجد فيه يهودية ونصرانية ووثنية جاهلية، تجد فيه كل ما ابتدعه الشيطان من كفر، منذ وقف في جرأة صوفية يتحدى الله، ويقسم بعزته أنه الذي سيضل غير المخلصين من عباده. تجد فيه كل هذا الكفر الشيطاني، وقد جعل منه الشيطان كفرا جديدا مكحول الإثم متبرج الغواية، متقتل الفتون، ثم سماه للمسلمين: "تصوف" وزعم لهم -وأيده في زعمه القدامى والمحدثون من الأحبار والرهبان- أنه يمثل أقدس المظاهر الروحية العليا في الإسلام!! أقولها عن بينة من كتاب الله، وسنة خير المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، وبعون من الله، سأظل أقولها، لعلي أعين الفريسة التعسة على أن تنجو من أنياب هذا الوحش الملثم بوشاح الدعة الحانية العطوف ولكن سلوا الصوفية سودا وبيضا، خضرا وحمرا، سلوهم: ما ردكم على هذا الصوت الهادر من أعماق الحق؟ سيقولون: ما قالت وثنية عاد {إِنْ نَقُولُ
إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} وآلهتهم هي قباب أضرحة الموتى وأعتابها، دمغناهم بالحق، فراحوا يعوون عواء اللص الحذر، وقع فجأة في قبضة الحارس، وجأروا بالشكوى الذليلة إلى النيابة، فلم تر النيابة فيمن يمسك بالبريء إلا مجرما، وشكوا إلى رئيس حكومة سابق، وختموا الشكاة بهذه الضراعة الذليلة: "والله نسأل لمقامكم الرفيع الخير والسؤدد في ظل حامي الدين حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم صان الله عرشه، وأيد حكومته الرشيدة، وألهمها التوفيق"1، فلم ير الرئيس السابق فيمن يثرم أنياب الرقطاء مجرما. وطاح الحق ببغي إلههم وملاذهم حامي دينهم، كما كانوا يلقبونه. وما زلنا -بعون من الله نستلهمه- بكتاب الله نتحداهم، وبسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- نحاججهم، والله على كل شيء شهيد، وهو حسبنا ونعم الوكيل. سيقول الناعمون -من ذوي الألسنة التي استمرأت كلمات الذل والعبودية، وليونة النفاق، وممن يتملقون الجماهير على حساب الحق، ويزعمون أنهم لا يحبون إثارة شقاق، أو جدال، ولا الطعن على أحد- سيقول هؤلاء: ما هكذا يكون النقد، ولا هكذا يكون البحث العلمي!! لا. أيها المدللون الخانعون للأساطير، فإنا لسنا أمام جماعة مسلمة، فنخشى إثارة الشقاق بينهم، ولو خشى الرسول مثل هذا لمالأ قريشا على حساب الحق، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- أطاع أمر ربه {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] ووعى قلبه -المشرق المؤمن الطهور التقي- موعظة ربه فيما قال له العلي الكبير: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] وفيما قال له: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا، وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 73-75] فكان سيد ما يستغفر به الرسول الكريم الأمين ربه: "اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك, وأنا على عهدك ووعدك
ما استطعت" فكيف بنا نحن الذين أمرنا أن نجعل الرسول وحده لنا الأسوة؟! ولسنا كذلك أمام فئة تحترم العقل، بل تزدريه وتحقره، ثم تهب في قحة طاغية الجراءة لتشتم الله، وتذود عن إبليس وفرعون وعباد العجل والوثن، داعية المسلمين إلى اتخاذ هؤلاء أربابا وآلهة، وسيرد على القارئ عشرات النصوص من فصوص بن عربي وتائية ابن الفارض شهيدة عليهم بما ذكرت، وابن عربي وابن الفارض قطبا التصوف، وإمام الصوفية المعاصرة. فكيف يعاب علينا أننا ندافع عن دين الله، وأنا نقول للشيطان: إنك أنت الشيطان؟! ماذا نقول عن رجل -وهو ابن عربي- يفتري أدنأ البهتان على الله، فيصوره في صورة رجل وامرأة يقترفان الإثم، مؤكدا لأتباعه أن الجسدين الآثمين هما في الحقيقة ذات الله، سبحانه؟ وسبحان رب العزة عما يصف الآثم. فهل نلام إذا هتكنا القناع عن وجه هذا الرجل، ليبصره المخدوعون به، ليبصروه مسخا ثانيا للشيطان؟ إننا في ميدان مستعر الأتون، يقاتلنا فيه عدو دنيء يتراءى أنه الأخ الشفيق الحنو، الندي الرحمة، فلا أقل من أن نحاربه بما يدفع ضره وشره، ويحول بينه وبين القضاء على الرمق الذابل من عقائد المسلمين، وبين تشتيت الحشاشة الباقية من الجماعة الإسلامية. هذا الكتاب: هو في الحقيقة كتابان صنفهما علم من أعلام القرن التاسع الهجري، هو برهان الدين البقاعي، سمى أولهما "تنبيه الغبي، إلى تكفير ابن عربي" وسمى الآخر "تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد1" نقد فيهما ابن عربي وابن الفارض بخاصة، والتصوف المشاكل لدينهما بعامة. ومنهاج البقاعي في النقد يقوم على أصلين. أولا: نقل نصوص كثيرة عن "فصوص الحكم" لابن عربي، وعن
"التائية الكبرى" لابن الفارض, وقليلا ما يعلق البقاعي على هذه النصوص، أو يكشف عما فيها من مجافاة لروح التوحيد القرآني. معتمدا على فطنة القارئ ومعرفته بدينه، فهما كفيلان بإدراك ما في هذه النصوص من كفر ومجوسية، يدركهما القارئ حتى باللمحة الفكرية الهافية. الآخر: ذكر فتاوي كثيرة عن أعلام شيوخ القرون: السابع والثامن والتاسع الهجرية، ومما لاحظته: أن المؤلف لم ينقل عن ابن تيمية سوى النزر اليسير جدا بيد أن هذا مما يجعل للكتاب خطره الكبير في نظر المتصوفة على معتقدهم، إذ ما يستطيعون اتهام أحد ممن ذكرهم البقاعي بالخصومة، كما كانوا يفعلون -مفترين- بالنسبة إلى الشيخ الإمام ابن تيمية. فهؤلاء الذين أفتوا بفكر ابن عربي وابن الفارض: إما فريق قد ناهض ابن تيمية وخاصمه، ولكنه أدلى معه بدلوه في فضح الصوفية، وإما فريق لم يعرف عنه لا موالاة جلية ولا خصومة صريحة لابن تيمية -وإن كانوا فيما يذهبون إليه في مسألة العقيدة يخالفون ابن تيمية- فجلهم من أئمة الأشاعرة، وإما فريق كان له جاه ومقام كبيران في التصوف، كعلاء الدين البخاري، وهو أقسى هؤلاء جميعا حملة على ابن عربي وابن الفارض، ومن دان بدينهما. عملي في الكتاب: أولا تحقيق نص الكتاب، وهو إما نقول عن فصوص ابن عربي وتائية ابن الفارض، أو عن كتب علماء نقدوا التصوف, وإما من إنشاء المؤلف. أما ما نقله عن الفصوص: فراجعته على مطبوعة الحلبي بتحقيق الدكتور عفيفي، وجعلتها العمدة في تحقيق نصوص الفصوص، وقد أيقنت من هذه المراجعة أن المؤلف أمين جدا فيما نقل. بيد أنه كان يترك أحيانا ما له رحم ماسة بالكشف عن حقيقة معتقد ابن عربي، أو ما لا بد منه للربط بين نصوص الفصوص، وأحينا كان يسقط منه -أو من الناسخ- بعض ألفاظ، وكل هذا أثبته عن الفصوص، وجعلته بين قوسين هكذا [] ، وقد أشرت في الهامش إلى هذا وإلى أرقام الصفحات التي وردت فيها هذه النصوص حسب ترقيم صفحات.
فصوص الحكم طبع الحلبي، حتى يسهل على القارئ مراجعة كل ما نقله المؤلف عن الفصوص في مصدره الأصيل، أما أبيات تائية ابن الفارض, فراجعتها على مرجعين: أحدهما ديوان ابن الفارض طبع بيروت، والآخر شرح تائية ابن الفارض للكاشاني المطبوع على هامش شرح ديوان ابن الفارض المطبوع سنة 1310هـ في المطبعة الخيرية. أما ما نقله عن العلماء فقد بذلت كل الجهد في سبيل تحقيق نقوله بمراجعتها في كتب أولئك العلماء، وأشرت إلى أرقام الصفحات التي وردت فيها تلك النقول في مصادرها الأصلية، مثل ما فعلت بما نقل المؤلف عن الشفاء لعياض، والمواقف للإيجي، والملل للشهرستاني وغيرها حتى يسهل أيضا على القارئ مراجعة آراء هؤلاء العلماء في كتبهم هم. وقد يسر الله سبحانه، فوجدت بعض ما نقله البقاعي من فتاوي عن العلماء في عصره وقبل عصره مذكورا في كتاب "العلم الشامخ" للعلامة المقبلي بتحقيق وتعليق العلامة الشيخ رشيد رضا، فراجعت بعض نقول البقاعي عن العلماء الذين لم أعثر على كتبهم في العلم الشامخ، وأثبت زيادة العلم، وجعلتها بين قوسين هكذا [] ، ويشهد الله أني لقيت في سبيل ذلك نصبا كبيرا، كان من نتائجه أن أصبحت أمانة البقاعي في النقل فوق كل مظنة، وسيكون من آثاره اطمئنان القارئ إلى كل ما نقله البقاعي عن الفصوص والتائية، وكتب العلماء، وما نقل عنهم من فتاوى. أما ما كان من أسلوب المؤلف: فتركته على حاله، فما صوبت فيه إلا ما تجزم قواعد العربية بخطئه مشيرا إلى ذلك في الهامش. ثانيا: ترجمت لمعظم من ذكروا في الكتاب ترجمة مختصرة، ولقيت في سبيل هذا مشقة وجهدا، سببهما: أن المؤلف كان يذكرهم إما بألقابهم أو كناهم، في حين تذكرهم كتب التراجم بأسمائهم أولا. ثالثا: ترجمت لكل فرق أو نحلة جاء ذكرها في الكتاب ترجمة ذكرت فيها أهم الأصول لتلك الفرقة، أو هذه النحلة، معتمدا على أصدق المراجع.
رابعا: حققت كل ما ورد في الكتاب من أحاديث، وخرجتها تخريجا صحيحا، إذ كان يخطئ المؤلف أحيانا في نسبتها إلى رواتها. خامسا: ولما كانت بعض نصوص الفصوص غامضة تخفى معانيها ومراميها على بعض القراء، وكذلك بعض أبيات تائية ابن الفارض، لما كان ذلك كذلك: فقد شرحت في الهامش تلك النصوص وهذه الأبيات، ويشهد الله ما فهمت في الألفاظ غير معانيها، التي لها في عرف الصوفية، ولا فسرتها إلا بما هو مقرر عند شراح الفصوص والتائية من الصوفية. سادسا: برهنت في كثير من المواضع على مخالفة ما ذهب إليه الصوفية للنقل وللعقل، إذ كان المؤلف يكتفي بإيراد النصوص تاركا للقارئ الحكم عليها، وهو حكم يجزم به كل من له أدنى فهم لحقيقة التوحيد. سابعا: في الكتابين كثير من مصطلحات الصوفية، كالفناء والجمع، وجمع الجمع، والقطب، وقاب قوسين، وغيرها، وقد فسرت في هامش الكتاب هذه المصطلحات الصوفية معتمدا على كتبهم هم، حتى يخلص الكتاب للحق والإنصاف، والصدق. ثامنا: عنونت لمواضيع الكتابين، إذا خلا كلاهما إلا من عناوين قليلة وضعها الناسخ، أو المؤلف على هامش الكتابين، ومعظمها ليست ذات دلالة على ما وضعت له. تاسعا: رقمت ما ورد في الكتاب من الآيات القرآنية، والرقم الأول يدل على السورة، والثاني على الآية. ملحوظة: تشير الأرقام الواردة في صلب متن الكتاب إلى صفحات النسخة المصورة التي اعتمدت عليها في نشر هذا الكتاب. الأصل المطبوع عنه: يملك النسخة التي عنها نشرنا الكتاب سري جدة الجليل، الشيخ محمد نصيف. وقد تفضل -كدأبه دائما في العمل على نشر العلم
أعطاها إلى فضيلة أستاذنا الكبير الشيخ محمد. حامد الفقي ليعمل على نشرها، فتفضل أستاذنا، ووكل إليّ أمر تحقيقها والتعليق عليها. وصف النسخة: وقد عثر على النسخة الخطية الأصيلة لكتابي البقاعي، العلامة شيخ العروبة في وقته أحمد زكي، عثر عليها في خزائن القسطنطينية، فنقلها بالتصوير الشمسي في مجلد واحد. ثم نقل عن نسخته المصورة نسخة أخرى بالتصوير الشمسي أيضا في مجلد واحد وأهداه إلى العالم الجليل الشيخ محمد نصيف. وقد ورد في الصفحة الأولى من الأصل الذي نشرنا عنه هذا الكتاب ما يأتي: "نقلت باسم الله هذا الكتاب بالتصوير الشمسي من خزائن القسطنطينية وأضفته إلى مجموعة كتبي التي أودعتها قبة الغوري بالقاهرة باسم الخزانة الزكية, وجعلتها وقفا على العلماء وطلبة العلم، نفع الله بها" ثم يلي ذلك إمضاء "وكتبه أحمد زكي" وورد أيضا في الصفحة الأولى ما يأتي: "وهذه النسخة المنقولة عنها هدية إلى خادم العلم الإسلامي والعمراني بالحرمين الشريفين الشيخ محمد نصيف, فخر جدة أعانه الله" ثم يلي ذلك إمضاء "أحمد زكي" وتاريخ الإهداء 5 محرم الحرام سنة 1352 الموافق 30 إبريل سنة 1933، وقد صورت النسخة المهداة سنة 1933م بمطبعة دار الكتب قسم التصوير. والنسخة مكتوبة بخط فارسي جميل، وناسخها سليمان بن عبد الرحيم. وقد انتهى من نسخها -كما ذكر هو في آخر الكتاب- سنة 947 هـ وتقع النسخة في 84 صفحة، وقد كتبت ورقاتها من وجه واحد ومسطرتها تبلغ 21 سطرا، ويقع الكتاب الأول منها، وهو "تنبيه الغبي" في 59 صفحة، والثاني وهو "تحذير العباد" في 23 صفحة. وقد كتب الشيخ الجليل محمد نصيف على نسخته ما يأتي: "أقول أنا محمد نصيف بن حسين بن عمر نصيف: سألت السائح التركي ولي هاشم عند عودته من الحج في محرم سنة 1355 عن سبب عدم وجود ما صنفه العلماء في الرد على
ابن عربي، وأهل نحلته الحلولية والاتحادية من المتصوفة. فقال: قد سعى الأمير السيد عبد القادر الجزائري بجمعها كلها بالشراء والهبة وطالعها كلها, ثم أحرقها بالنار، وقد ألف الأمير عبد القادر كتابا في التصوف على طريقة ابن عربي. صرح فيه بما كان يلوح به ابن عربي، خوفا من سيف الشرع الذي صرع قبله "أبو الحسين الحلاج" وقد طبع كتابه بمصر في ثلاثة مجلدات، وسماه المواقف في الوعظ والإرشاد, وطبع وقفا، ولا حول ولا قوة إلا بالله". شبهة: يقول بعض من لا يستنبطون خبيئة التصوف، ويرسلون النظرة الكاشفة إلى أعماقه: وهل تدين الصوفية المعاصرة بما دان به ابن عربي، وابن الفارض, حتى تحكموا عليهم بما حكم به على ابن عربي وابن الفارض، أو حتى يصلح هذا الكتاب ردا عليهم؟ وأقول لهذا السائل: نعم، تدين الصوفية المعاصرة بوحدة الوجود، وبوحدة الأديان، فإنما هو أمر مبيت للدين الحق يتوارثه الصوفية خلفا عن سلف، ليكيدوا به لهذا الدين الحق. وفي أورادهم دليل ما نقول. وفي تقديسهم لابن عربي وكتابه الفصوص، ولابن الفارض. وتائيته حجة على أنهم يدينون بدينهما، فالأول عندهم "الشيخ الأكبر". والثاني: "سلطان العاشقين" ويا طالما قلنا للصوفية المعاصرة: أن تغنم رضاء الله مرة. فتبرأ إليه من ابن عربي، وابن الفارض. بل حتى من كتبهما وأشعارهما قلنا لها ذلك، فكان أن برئت إلى أصنامها ممن يقدم لها النصح ابتغاء وجه الله. واستغاثت بالأحياء، وبالأموات من الطواغيت، حتى لا ينزع الناصح تاج القداسة الزائف عن الشيطان المريد. وقد يقول قائل: وما بالكم تخصون الصوفية بهذا كله؟! وأقول: بل هو جهادنا الأول. ونقتدي في هذا برسولنا وأسوتنا عبد الله ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ بدأ دعوته بالدعوة إلى الله وحده، وإلى النهي عن اتخاذ شركاء أو شفعاء من دون الله رب العالمين، بدأ بوحي من الله
بدعوة الناس إلى التوحيد الخالص، وإذا ما تمكنت عقيدة التوحيد الخالص من قلب المسلم، جعلته إنسانا مثاليا في دينه وخلقه وروحانيته، ودفعت به إلى الحياة بطلا يعمل باسم الله لتحقيق المثل العليا للجماعة المسلمة، بل للإنسانية عامة، وجعلت منه وليا كريما للحق والعدل والخير والصدق والسمو والكرامة؛ وذلك لأنه يحمل قلبا مؤمنا لا يحب إلا الله، ولا يرهب غير الله، ولا يتقي غير الله، ولا يرجو إلا ثواب الله، ولا يطيع غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما الصوفية سواء كانت نظرية أم عملية، فقد قامت لتصرف الناس عن عبادة الخالق، إلى عبادة المخلوق. إنسانا كان أم حيوانا، ملكا أم شيطانا، حيا أم ميتا، لتجعل من المسلمين عباد هوى وشهوة وأوثان. ناج القلب الصادق الإيمان باسم الله يتجاوب معك، أَبِن له عن أمر الله، تجده يتلمس كل سبيل إلى طاعة أمر ربه سبحانه, ناشده باسم الله ما يحب الله تجده طيعا ذلولا في عزة ونبل وكرم وإيثار. ثم سل القلب الصوفي بعض ما سألت قلب المؤمن, فلن يسمع لك إلا إذا ناجيته باسم طواغيته ابن عربي وابن الفارض والشعراني وأمثالهم، أو باسم أوثانه وأصنامه، من قباب آلهته الموتى. فنحن إذن نعمل ليكون لله وحده الدين خالصا، ولتكون قلوب عباده إيمانا به وحده، وحبا له وحده، ورجاء فيه وحده، وتقوى له وحده، ولتتوحد الجماعة الإسلامية بهذا الإيمان، وهذا الحب، وهذا الرجاء، وهذه التقوى. وإلى العلي القدير أضرع أن يجعل علمنا خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعل من المسلمين أمة واحدة تعمل بقول الله سبحانه: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} عبد الرحمن الوكيل عضو جماعة أنصار السنة المحمدية القاهرة: الجمعة: 12 من صفر سنة 1372 31 أكتوبر سنة 1952
البقاعي في سطور
البقاعي في سطور: ملخصة عن شذرات الذهب, والضوء اللامع هو الإمام إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر أبو الحسن برهان الدين البقاعي الشافعي المحدث المفسر العلامة المؤرخ. ولد سنة 809هـ, بقرية خربة روحا من عمل البقاع، ونشأ بها، ثم دخل دمشق وفيها جود القرآن وجدد حفظه وأفرد القراءات، واشتغل بالنحو والفقه وغيرهما من العلوم. أخذ عن أساطين عصره، كابن ناصر الدين وابن حجر، وبرع، وتميز، وناظر وانتقد حتى على شيوخه. وصنف تصانيف عديدة. من أجلها المناسبات القرآنية، وعنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران، وتنبيه الغبي بتكفير عمر بن الفارض وابن عربي، دخل بيت المقدس، ثم القاهرة. وتوفي بدمشق في رجب 885 عن ست وسبعين سنة.
تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين خطبة الكتاب: الحمد لله المضل الهاد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تضمن الإسعاد، يوم يقوم الأشهاد، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى سبيل الرشاد. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قمعوا أهل العناد، وحكموا سيوفهم في رقاب أهل الفساد، فلم يجسر أحد في زمانهم على إلحاد، بتمثيل، أو تعطيل، أو حلول، أو اتحاد. أبعدنا الله من ذلك أيما إبعاد، وحمانا منه على مر الدهور والآباد. وبعد: فإني لما رأيت الناس مضطربين في ابن عربي1 المنسوب إلى التصوف، الموسوم عند أهل الحق: بالوحدة، ولم أر من شفى القلب في ترجمته2 وكان كفره في كتابه الفصوص أظهر منه في غيره، أحببت أن أذكر منه ما كان ظاهرا، حتى يعلم حاله، فيهجر مقاله، ويعتقد انحلاله، وكفره وضلاله، وأنه إلى الهاوية مآبه ومآله, امتثالا لما رواه مسلم عن أبي سعيد [الخدري] رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن
عقيدة ابن عربي وكيده للإسلام
لم يستطع، فبلسانه، فإن [لم] يستطع، فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان1" وفي رواية [عن عبد الله بن مسعود] : "وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل" وما أحضر إلى النسخة التي نقلت ما تراه منها إلا شخص من كبار معتقديه، وأتباعه ومحبيه. عقيدة ابن عربي وكيده للإسلام. وينبغي أن يعلم أولا أن كلامه دائر على الوحدة المطلقة، وهي: أنه لا شيء سوى هذا العالم، وأن الإله أمر كلي لا وجود له إلا في ضمن جزئياته. ثم إنه يسعى في إبطال الدين من أصله، بما يحل به عقائد أهله؛ بأن كل أحد على صراط مستقيم، وأن الوعيد لا يقع منه شيء، وعلى تقدير وقوعه، فالعذاب المتوعد به إنما هو نعيم وعذوبة، ونحو ذلك!! وإن حصل لأهله ألم، فهو لا ينافي السعادة والرضى، كما لم ينافها ما يحصل من الآلام في الدنيا، وهذا يحط عند من له وعي على اعتقاد: أنه لا إله أصلا، وأنه مأثم2 إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع، وما وراء ذلك شيء. منهاج الصوفية في الكيد بدعوتهم. وكل ما في كلامه من غير هذا المهيع3 فهو تستر وتلبيس على من ينتقد عليه، ولا يلقي زمام انقياده إليه، فإنه علم أنه إن صرح بالتعطيل ابتداء بَعُد كل سامع من قبوله فأظهر لأهل الدين أنه منهم، ووقف لهم في أودية اعتقادهم، ثم استدرجهم عند المضائق، واستغواهم في أماكن الاشتباه، وهو أصنع الناس في التلبيس،
مثالهم في زندقتهم
فإنه يذكر أحاديث صحاحا، ويحرفها على أوجه غريبة، ومناح عجيبة، فإذا تدرج معه من أراد الله -والعياذ به- ضلاله، وصل -ولا بد- إلى مراده من الانحلال من كل شرعة، والمباعدة لكل ملة. وخواص أهل هذه النحلة يتسترون [3] بإظهار شعائر الإسلام، وإقامة الصلاة والصيام، وتمويه الإلحاد بزي التنسك والتقشف، وتزويق الزندقة بتسميتها: بعلم التصوف، فهو ممن أشار إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامه مع صيامه، يقرءون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية1". وقد أصل لهم غويهم هذا كما صرح به في الفص النوحى: أن الدعوة إلى الله مكر!! ونسب ذلك إلى الأنبياء عليهم السلام، فقال: ادعوا إلى الله. فهذا عين المكر.. إلى آخر كلامه. وهذا هو السر في تنسكهم، على أنهم قد استغنوا في هذا الزمان عن التنسك؛ لانقياد أهله بغير ذلك, وقد يستدرجهم الله وأمثالهم -ممن يريد ضلاله- بإظهار شيء من الخوارق على أيديهم، كما يظهره الله على يد الدجال، وأيدي بعض الرهبان، فليتبين الموقن من المرتاب. مثالهم في زندقتهم وقد ضربوا -لتصحيح زندقتهم- مثالا مكروا فيه بمن لم ترسخ قدمه في الإسلام، ولا خالط أنفاس النبوة، حتى صار يدفع الشبه. حاصل ذلك المثال: أنهم يصلون إلى الله بغير واسطة المبعوث بالشرع2، فتم لهم المكر,
احتجاج الصوفية بقصة الخضر
وتبعهم في ذلك أكثر الرعاع، ولم يبالوا بخرق الإجماع، وذلك المثال: أن ملكا أقام على بابه سيافا، وقال له: من دخل بغير إذنك فاقتله، وقال لغيره: أذنت لك في الدخول متى شئت، فإذا دخل الغير، فقد أصاب، وإن قتله السياف فقد أصاب. وعنوا بالسياف: الشارع. فما أفادهم مثالهم مع زندقتهم به شيئا. فإنهم اعترفوا فيه بإباحة دمائهم، وهو قصد أهل الشريعة، ومن يعتقد أن لأحد من الخلق طريقا إلى الله من غير متابعة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو كافر من أولياء الشيطان بالإجماع، فإن رسالته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عامة ودعوته شاملة. احتجاج الصوفية بقصة الخضر: ولا حجة لهم في قصة الخضر مع موسى عليه السلام، للفرق بخصوص تلك الرسالة، مع أن الخبر بعلم الخضر جاء من الله تعالى1 إلى موسى عليه
القول في صرف الكلام عن ظاهره
السلام، فأين هي من دعاويهم1؟! ولا شبهة عليها، فضلا عن دليل، بل هي مصادمة للقواطع، ومن صادم القواطع, انقطعت عنقه، ولو بلغ في الزهد والعبادة أقصى الغايات {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ، عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ، تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 2-4] الآيات. ولو وقعت منهم الخوارق، فإنها شيطانية. قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [يس: 43] ، {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] . القول في صرف الكلام عن ظاهره: وسميت هذه الأوراق: تنبيه الغبي على تكفير ابن عربي، وإن شئت فسمها: النصوص من كفر [4] الفصوص؛ لأني لم أستشهد على كفره، وقبيح أمره إلا بما لا ينفع معه التأويل من كلامه، فإنه ليس كل كلام يقبل تأويله، وصرفه عن ظاهره. وذلك يرجع إلى قاعدة الإقرار بشيء وتعقيبه بما يرفع شيئا ما من معناه، ولا خلاف عند الشافعية في أنه إن كان مفصولا لا يقبل، وأما إذا كان موصولا ففيه خلاف. ومن صورة ما لا ينفع فيه الصرف عن الظاهر،
حكم من ينطق بكلمة ردة
كما لو أقر ببيع، أو هبة، ثم قال: كان ذلك فاسدا، فأقررت بظني الصحة، فإنه لا يصدق في ذلك. حكم من ينطق بكلمة ردة: ونقل الشيخ سراج الدين بن الملقن في العمدة على المنهاج، والزركشي في التكملة عن إمام الحرمين, أنه قال في أوائل الإيمان: "قال الأصوليون: لو نطق بكلمة الردة، وزعم أنه أضمر تورية كفر ظاهرا وباطنا" قال الإمام الغزالي1 في البسيط بعد حكايته أيضا عن الأصوليين: "لحصول التهاون منه، وهذا المعنى -يعني التهاون- لا يتحقق في الطلاق، فاحتمل قبول التأويل بإطلاقه". وسيأتي ما يشهد لذلك من نقل شيخ الإسلام الشيخ زين الدين العراقي عن العلامة علاء الدين القونوي محسنا له، على أن بعض العلماء غلب جانب الحرمة لله ولرسله فمنع التأويل مطلقا. قال القاضي أبو الفضل عياض2 المالكي في كتابه.
بيان ما هو من المقالات كفر
الشفاء، وهو الذي تلقته الأمة بالقبول، وتدارسوه في الارتحال والحلول1 في القسم الرابع منه: "فصل: الوجه الرابع: أن يأتي من الكلام بمجمل، ويلفظ من القول بمشكل يمكن حمله على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو غيره, أو يتردد في المراد به من سلامته من المكروه, أو شره، فههنا متردد النظر, وحيرة العبر، ومظنة اختلاف المجتهدين، ووقفة استبراء2 المقلدين؛ {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 43] فمنهم من غلب حرمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحمى حمى عرضه، فجسر على القتل، ومنهم من عظم حرمة الدم3". بيان ما هو من المقالات كفر: وقال في فصل بيان ما هو من المقالات كفر: "كل مقالة صرحت بنفي الربوبية، أو الوحدانية، أو عبادة أحد غير الله، أو مع الله، فهي كفر، كمقالة الدهرية4، وسائر فرق [أصحاب5] الاثنين [من الديصانية6
والمنانية1، وأشباههم من الصابئين2 والنصارى والمجوس3] والذين أشركوا
بعبادة الأوثان، أو الملائكة، أو الشياطين، أو الشمس أو النجوم، أو النار، أو أحد غير الله1" ثم قال: "وكذلك من أقر بالوحدانية، وصحة النبوة، ونبوة نبينا عليه السلام، ولكن جوز على الأنبياء الكذب فيما أتوا به. ادعى في ذلك المصلحة بزعمه، أو لم يدعها؛ فهو كافر بإجماع، كالمتفلسفين، وبعض الباطنية2 والروافض3، وغلاة المتصوفة، وأصحاب الإباحة4، فإن هؤلاء
زعموا أن ظواهر الشريعة [5] وأكثر ما جاءت به الرسل من الأخبار عما كان ويكون من أمور الآخرة والحشر والقيامة والجنة والنار، ليس منها شيء على مقتضى لفظها، ومفهوم خطابها، وإنما خاطبوا بها الخلق على جهة المصلحة، إذ لم يمكنهم التصريح لقصور أفهامهم1؛ فمضمن2 مقالاتهم إبطال الشرائع، وتعطيل الأوامر والنواهي، وتكذيب الرسل والارتياب فيما أتوا به. وكذلك نكفر من ذهب مذهب بعض القدماء في أن [في] 3 كل جنس من الحيوان نذيرا ونبيا من القردة والخنازير والدواب والدود [ويحتج بقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ4} [النور: 35] إذ ذلك يؤدي إلى أن توصف أنبياء هذه الأجناس
بصفاتهم المذمومة، وفيه من الإزراء على هذا المنصب المنيف ما فيه، مع إجماع المسلمين على خلافه، وتكذيب قائله1" ا. هـ. قلت: فكيف بمن يدعي أن الإله عين كل شيء من ذلك2؟. "وكذلك وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب, أو خص3 حديثا مجمعا على نقله، مقطوعا به، مجمعا على حمله على ظاهره، كتكفير الخوارج بإبطال الرجم؛ ولهذا نفكر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو توقف فيهم أو شك, أو صح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده, واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره4 ما أظهر من خلاف 5 ذلك". ا. هـ. قلت: فكيف بمن يقول: أن جميع الخلق من أهل الملل وغيرها على صراط مستقيم6، وأن فرعون مات طاهرا مطهرا7 بعد النص القطعي على أنه
من أهل النار؛ بقوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} [يونس: 83] {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [النساء: 43] . وقال:1 إن كل عابد شيئا فهو عابد لله، وحرف ما أخبر به عن عذاب قوم نوح وهود، ونحوهم بما سيأتي من أن ما حل بهم أعقبهم راحة وعذوبة، وأن الله تعالى كان ناصرهم على أنبيائه، فإن العداوة ما كانت إلا بينهم وبينهم؟ قال2: "وكذلك نقطع بتكفير كل من كذب، وأنكر قاعدة من قواعد الشرع3" ثم قال: "وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية، وقاضي قضاتها أبو عمرو المالكي على قتل الحلاج4 وصلبه لدعواه الإلهية، والقول بالحلول، وقوله: أنا الحق، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته، وكذلك حكموا في ابن أبي الغراقيد5.
وكان على [نحو] 1 مذهب الحلاج, بعد هذا أيام الراضي وقاضي قضاة بغداد يومئذ أبو الحسين بن أبي عمر المالكي2" ا. هـ. قلت: فكيف بمن يقول صريحا: إن الخلق هو الحق3، والحق هو الخلق، والحق هو الإنسان الكبير، وهو حقيقة العالم وهويته؟! وقال شيخ الإسلام الشيخ محيي الدين النووي الشافعي في كتاب الردة الروضة4 مختصر الرافعي. قال المتولى: "من اعتقد قدم العالم، أو حدوث [4] الصانع -إلى أن قال- أو أثبت له الانفصال، أو الاتصال، كان كافرا5" ا. هـ.
قلت: فكيف بمن يصرح بأنه 1 عين كل شيء؟ قال: "والرضى بالكفر كفر". قلت: فكيف بمن يصوب كل كفر، وينسب ذلك التصويب إلى نقل الله تعالى له عن نبيه هود عليه السلام؟ ويقول: إن الضلال أهدى من الهدى؛ لأن الضال حائر، والحائر دائر
حول القطب1 والمهتدي سالك في طريق مستطيل، فهو بعيد عن القطب؟! وسترى ذلك كله في عبارته2 صريحا. ثم نقل الشيخ محيي الدين النووي عن الحنفية -مرتضيا له- قائلا: "إن إطلاق أصحابنا يقتضي الموافقة عليه. أنه إذا سخر بوعد الله تعالى، أو بوعيده كفر. ولو قال: لا أخاف القيامة؛ كفر" ا. هـ. قلت: فكيف بمن يقول: إنه ليس لوعيد الله عين تعاين، وأن الآخرة موضع السعادة لكل أحد، والمعذب منعم بعذابه؟!. ثم نقل الشيخ عن القاضي عياض, مرتضيا له: "أن من لم يكفر من دان بغير الإسلام، كالنصارى، أو شك في تكفيرهم، أو صحح3 مذهبهم، فهو كافر، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده, قال: وكذا نقطع بتكفير كل قائل قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة، أو تكفير الصحابة4". ثم قال5 في الباب الثاني في أحكام الردة: "إن حكمها إهدار دم المرتد، فيجب قتله إن لم يتب، سواء كان الكفر الذي ارتد إليه كفرا ظاهرا، أو غيره ككفر الباطنية" ا. هـ.
الباطنية
وقال الإمام شرف الدين إسماعيل بن المقري في مختصر الروضة: "فمن اعتقد قدم العالم -إلى أن قال- أو شك في تكفير اليهود والنصارى، وطائفة ابن عربي؛ كفر، لا إن جعل لقرب إسلامه أو بعده عن المسلمين"1. ا. هـ. الباطنية2 قال الإمام محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتاب الملل والنحل: "وإنما لزمهم -يعني الباطنية- هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنا، ولكل تنزيل تأويلا، ولهم ألقاب كثيرة سوى هذه على لسان قوم [قوم] 3 فبالعراق يسمون الباطنية والقرامطة4 والمزدكية، وبخراسان: التعليمية والملحدة، وهم يقولون: نحن إسماعيلية5، لأنا نميز عن فرق الشيعة بهذا الاسم، وهذا
الشخص -يعني إسماعيل بن جعفر- ثم إن الباطنية القديمة خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة، وصنفوا كتبهم على ذلك المنهاج، فقالوا في الباري تعالى: إنا لا نقول: هو موجود، ولا: لا موجود، ولا عالم، ولا جاهل، ولا قادر، ولا عاجز وكذلك في جميع الصفات، فإن الإثبات الحقيقي يقتضي شركة بينه وبين سائر الموجودات في الجهة التي أطلقناها عليه، وذلك تشبيه، فلم يمكن الحكم بالإثبات المطلق، والنفي المطلق، بل هو إله المتقابلين، وخالق الخصمين، والحاكم بين المتضادين1، ونقلوا في هذا نصا عن محمد بن علي الباقر [7] أنه قال: لما وهب العلم للعالمين قيل: هو عالم، ولما وهب القدرة للقادرين قيل: هو قادر؛ فهو عالم قادر؛ بمعنى أنه وهب العلم والقدرة, لا بمعنى أنه قائم به العلم والقدرة، أو وصف بالعلم والقدرة، فقيل [فيهم] 2 إنهم نفاة الصفات حقيقة، معطلة الذات عن
من هو الزنديق
جميع الصفات قالوا وكذلك نقول في القدم إنه ليس بقديم ولا محدث بل القديم أمره وكلمته والمحدث خلقه وفطرته انتهى وقول ابن عربي في الجمع بين التشبيه والتنزيه أشنع من هذا وأبشع وأقبح وأفظع من هو الزنديق قال الشيخ محي الدين النووي وسواء كان ظاهر الكفر أو زنديقا يظهر الإسلام ويبطن الكفر كذا فسر الزنديق في باب الردة في كتاب الفرائض وضعفه الأئمة قال ابن الملقن في العمدة وقال في كتاب اللعان في الكلام على التغليظ إنه الذي لا ينتحل دينا قال وهذا أقرب لأن الأول هو المنافق وقد غايروا بينه وبين الزنديق قال وقال الغزالي في الأصول الزنديق ضربان زنديق مطلق وهو الذي ينكر أصل المعاد حسا وعقلا وينكر الصانع وزنديق مقيد وهو الذي يثبت المعاد بنوع عقل مع نفي الآلام واللذات الحسية الجسمية وإثبات الصانع مع نفي علمه فهذه زندقة مقيدة بنوع اعتراف بتصديق الأنبياء انتهى وسيأتي في آخر هذا الكتاب عن العلامة علاء الدين البخاري تحقيق معنى الزنديق وغيره من أسماء الكفرة
على أن قتل المعتقد لمثل هذا لا بد منه، ولو توقفنا في تسميته. قال القاضي عياض: "وما رواه عن عمر بن عبد العزيز وجده وعمه من قولهم في القدرية: يستتابون، فإن تابوا، وإلا قتلوا1" وقال عيسى عن أبي القسم في أهل الأهواء من الأباضية2 والقدرية وشبههم ممن خالف الجماعة من أهل البدع والتحريف لتأويل كتاب الله تعالى: يستتابون أيضا أظهروا ذلك أو أسروه، فإن تابوا وإلا قتلوا، وميراثهم لورثتهم. وقال مثله ابن القسم في كتاب محمد في أهل القدر.. وقد انتهى بنا المقال الدال على كفر من اعتقد ما قاله من الضلال، وهذا حين الشروع في سوق كلامه الموضح لفساد طويته، وقبح مرامه.
إفك وبهتان
إفك وبهتان: وأعظم الأمر أنه نسب كفره إلى إذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الماحي لجميع الإشراك، المخلص لمتبعيه من حبائل سائر الأشراك, فقال في الخطبة1: "أما بعد فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مبشرة [أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق2] وبيده كتاب، فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكم، خذه، واخرج به إلى الناس [ينتفعون به] ، فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله، وأولي الأمر منا [كما أمرنا] فحققت الأمنية، وأخلصت النية، وجردت القصد والهمة إلى إبراز3 هذا الكتاب كما حده لي رسول الله, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [8] من غير زيادة ولا نقصان4. فمن الله، فاسمعوا.. وإلى الله5 فارجعوا.. ا. هـ. دفع ما افتراه على الرسول: ولا شك أن النوم والرؤيا في حد ذاتهما في حيز الممكن، لكن ما أصله من مذهبه الباطل ألزمه أن يكون ذلك محالا، وذلك أن عنده أن وجود الكائنات هو الله، فإذن الكل هو الله، لا غير، فلا نبي ولا رسول، ولا مرسل، ولا مرسل إليه، فلا خفاء في امتناع النوم على الواجب، وفي امتناع افتقار الواجب إلى أن يأمره النبي بشيء في المنام، فمن هنا يعلم أنه لا يتحاشى من التناقض لهدم الدين بنوع مما ألفه أهله. نبه على ذلك الإمام علاء الدين البخاري في كتابه "فاضحة الملحدين، وناصحة الموحدين".
إيمانه بأن الله إنسان كبير
إيمانه بأن الله إنسان كبير ثم قال ابن عربي في فص حكمة إلهية في كلمة آدمية لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى [التي لا يبلغها الإحصاء] أن يرى أعيانها وإن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر [كله] لكونه متصفا بالوجود ويظهر به سره إليه فإن رؤية الشيء [نفسه] بنفسه ما هي مثل رؤية نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة ثم قال فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم بالإنسان الكبير ثم قال فسمى هذا المذكور إنسانا وخليفة فأما إنسانيته فلعموم
آدم عند الصوفية
نشأته، وحصره الحقائق كلها، وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين به يكون النظر، وهو المعبر عنه بالبصر؛ فلهذا سمي إنسانا، فإنه به ينظر1 الحق إلى خلقه، فيرحمهم2، فهو الإنسان الحادث الأزلي، والنشء الدائم الأبدي3". ثم قال: "ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه، ولما كان استناده إلى من ظهر عنه لذاته اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة، ما عدا الوجوب4 الذاتي، فإن ذلك لا يصح في الحادث، وإن كان واجب الوجود، ولكن وجوبه بغيره، لا بنفسه5". ثم قال: "فوصف نفسه لنا بنا، فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه، ولا شك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا؛ فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولولا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد"6. آدم عند الصوفية: ثم قال: فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا، ولهذا قال لإبليس:
زعمه أن الحق مفتقر إلى الخلق
{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 35] وما هو إلا عين جمعه1 بين [الصورتين] صورة العالم وصورة الحق [وهما يدا الحق2] ". ثم قال: فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره، وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى، ولذلك قال فيه: كنت سمعه وبصره. ما قال كنت عينه وأذنه3. زعمه أن الحق مفتقر إلى الخلق: ثم قال: "ولولا4 سريان الحق في الموجودات بالصورة ما كان [9] للعالم وجود، كما أنه لولا تلك الحقائق المعقولة الكلية، ما ظهر حكم في الموجودات العينية، ومن هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده؛ شعر. فالكل مفتقر، ما الكل مستغني ... هذا هو الحق قد قلناه، لا نكني5
التنزيه والتشبيه
التنزيه والتشبيه: 1 ثم قال في فص حكمه سبوحية في كلمة نوحية: "اعلم أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد، فالمنزه إما جاهل، وإما صاحب سوء أدب، ولكن إذا أطلقاه2، وقالا به. فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه، ولم ير غير ذلك، فقد أساء الأدب، وأكذب الحق والرسل وهو لا يشعر، ويتخيل أنه في الحاصل، وهو في الفائت، وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض، ولا سيما وقد علم أن ألسنة الشرائع الإلهية، إذا نطقت في الحق تعالى بما نطقت به، إنما جاءت به في العموم على المفهوم الأول، وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ بأي لسان كان في وضع ذلك اللسان.
بم يعرف الله عند الصوفية
بم يعرف الله عند الصوفية؟: فإن للحق في كل خلق ظهورا، فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم، إلا عن فهم من قال إن العالم صورته وهويته1، وهو الاسم الظاهر، كما أنه بالمعنى روح ما ظهر، فهو الباطن. فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة، فيؤخذ في حد الإنسان مثلا باطنه وظاهره، وكذلك كل محدود. فالحق محدود بكل حد 2، وصور العالم لا تنضبط، ولا يحاط3 بها، ولا تعلم حدود4 كل صورة منها إلا على قدر ما حصل لكل عالم من صورته5، فلذلك يجهل حد الحق، فإنه لا يعلم حده إلا بعلم حد كل صورة. وهذا محال حصوله، فحد الحق محال، وكذلك من شبهه، وما نزهه، فقد قيده وحدده، وما عرفه, ومن جمع في معرفته بين التنزيه والتشبيه، ووصفه بالوصفين
على الإجمال -لأنه يستحيل ذلك على التفصيل، لعدم الإحاطة بما في العالم من الصور- فقد عرفه [مجملا1] ، لا على التفصيل, كما عرف نفسه مجملا، لا على التفصيل ولذلك ربط النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معرفة الحق بمعرفة النفس، فقال: "من عرف نفسه، فقد عرف ربه2". وقال الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} [فصلت:53] وهو ما خرج عنك {وَفِي أَنْفُسِهِمْ} وهو عينك {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ} ، أي: للناظر {أَنَّهُ الْحَقُّ} 3 أي: من حيث إنك صورته، وهو روحك، فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبر لصورة جسدك، والحد يشمل الظاهر والباطن منك، فإن الصورة الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها، لم تبق إنسانا، ولكن يقال فيها: إنها صورة تشبه صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة، ولا ينطلق عليها اسم إنسان إلا بالمجاز، لا بالحقيقة وصور العالم لا يمكن زوال [10] الحق عنها أصلا، فحد الألوهية له4 بالحقيقة،
لا بالمجاز، كما هو حد الإنسان إذا كان حيا، وكما أن ظاهر صورة الإنسان تثنى بلسانها على روحها ونفسها، والمدبر لها, كذلك جعل الله تعالى صورة العالم تسبح بحمده، ولكن لا نفقه تسبيحهم، لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور، فالكل ألسنة الحق، ناطقة بالثناء على الحق، ولذلك قال: الحمد لله رب العالمين, أي: إليه ترجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه شعر. فإن قلت بالتنزيه، كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه، كنت محددا وإن قلت بالأمرين، كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا فمن قال بالإشفاع، كان مشركا1 ... ومن قال بالإفراد، كان موحدا فإياك والتشبيه، إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا فما أنت هو2, بل أنت هو3، وتراه في ... عين4 الأمور مسرحا ومقيدا
قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] فنزه {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فشبه1] وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فشب وثنى {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فنزه وأفرد2.
تكفير الصوفية لنوح
تكفير الصوفية لنوح: لو أن نوحا جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا، ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] وقال: {إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَارًا} [نوح: 5، 6] وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته، لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته، فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم، وعلم أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، والأمر قرآن لا فرقان، ومن أقيم في القرآن لا يصغى إلى الفرقان، وإن كان فيه. فإن القرآن1 يتضمن
الفرقان، والفرقان لا يتضمن القرآن، ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، فـ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يجمع الأمرين في أمر واحد، فلو أن نوحا أتى بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة بل [في] نصف آية. ونوح دعا قومه "ليلا" من حيث عقولهم، وروحانيتهم، فإنها غيب، و"نهارا" دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم1، وما جمع في الدعوة مثل: ليس كمثله شيء، فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان [فزادهم] فرارا، ثم قال عن نفسه: إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم2، وفهموا ذلك منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لذلك: {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي
آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} وهذه كلها صور الستر التي دعاهم إليها، فأجابوا دعوته بالفعل، لا بلبيك ففي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} إثبات المثل ونفيه1, وبهذا قال عن نفسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه أوتي جوامع الكلم. فما دعا محمد قومه ليلا ونهارا، بل دعاهم ليلا في نهار، ونهارا في ليل2، فقال نوح في حكمته لقومه: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ} أي: بما يميل بكم إليه، فإذا مال بكم إليه، رأيتم [11] صورتكم
الدعوة إلى الله مكر عند الصوفية
فيه، فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه، فهو العارف، فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم، وعالم "وولده1" وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري، والأمر موقوف علمه على المشاهدة، بعيد عن نتائج الفكر "إلا خسارا" "فما ربحت تجارتهم" فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم, وهو في المحمديين {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] وفي نوح {أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا2} [نوح: 2] فأثبت الملك لهم، والوكالة لله فيهم، فهم مستخلفون فيه، فالملك لله، وهو وكيلهم, فالملك لهم، وذلك ملك الاستخلاف، وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك، كما قال الترمذي رحمه الله. الدعوة إلى الله مكر عند الصوفية {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو3؛ لأنه
ما عدم البداية، فيدعى إلى الغاية {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 108] فهذا عين المكر1". قلت: فهذا وأشكال من قوله -كما يأتي في الفصل اليوسفي- يدندن به على تصحيح قول الكفار: إن القرآن سحر. ولا يقدر على التصريح به، ولقد أخبرني من أثق به أن بعض أتباعهم قال له: القرآن أساطير الأولين2. ثم قالم ابن عربي: [مفسرا قول رب العالمين3] "عَلَى [بَصِيرَةٍ] " [يوسف: 108] فنبه على أن الأمر له كله، فأجابوه مكرا كما دعاهم، فجاء المحمدي، وعلم أن الدعوة إلى الله ما هي من حيث هويته، وإنما هي من حيث أسماؤه4، فقال: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 86] فجاء بحرف الغاية، وقرنها بالاسم فعرفنا أن العالم كله تحت حيطة اسم إلهي، أوجب عليهم 5 أن يكونوا متقين،
فقالوا1 في مكرهم {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23] ، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه، ويجهله من جهله. في المحمديين: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [نوح: 23] أي: حكم2، فالعالم يعلم3 من عبد, وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة4، وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله.
تكفير العراقي لابن عربي
في كل معبود1". تكفير العراق لابن عربي: وقال شيخ شيوخنا الإمام القدوة العارف شيخ الإسلام حافظ عصره الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي في كراسة أجاب فيها سؤال من سأله عن بعض كلام ابن عربي هذا: "وقوله في قوح نوح: لا تذرن آلهتكم -إلى آخره- كلام ضلال وشرك واتحاد وإلحاد، فجعل تركهم لعبادة الأوثان التي نهاهم نوح عن عبادتها جهلا يفوت عليهم من الحق بقدر ما تركوا" ا. هـ. قلت: يا ليت شعري من قال هذا القول في هذا العدد اليسير من الأصنام، ماذا يقول فيما روي في الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل مكة، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما2، فعجل يطعنها بعود في يده3، وجعل يقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء: 18]
كل شيء عندهم رب وإله
وفي السير: أنها كانت [12] مثبتة في الأرض بالرصاص، فما أشار بذلك العود إلى صنم منها إلا انقلب. إن أشار إلى قفاه انكب على وجهه، وإن أشار إلى وجهه انقلب على قفاه1، وكان في جزيرة العرب من الأصنام ما يتعسر حصره، فما أبقى لشيء منها باقية، وما استباح قتالهم، ونهب أموالهم، وقتل رجالهم، ومزق أبطالهم، وركب من دون ذلك الأهوال العظام، وقاطع الأخوال والأعمام إلا على ذلك، فتبا لمن أنكره، أو رأى شيئا أكمل منه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ا. هـ. كل شيء عندهم رب وإله: قال ابن عربي: "فالأدنى من تخيل فيه -أي: في كل معبود- الألوهية، فلولا2 هذا التخيل، ما عبد الحجر ولا غيره، ولهذا قال: " [قل] سموهم" [الرعد: 33] ، فلو سموهم لسموهم حجارة3 وشجرا وكوكبا، ولو قيل لهم: من عبدتم؟ لقالوا: إلها. ما كانوا يقولون: الله. ولا الإله. والأعلى ما تخيل، بل قال: هذا مجلى إلهى ينبغي تعظيمه، فلا يقتصر 4، فالأدنى صاحب التخيل يقول: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] والأعلى العالم يقول: {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
الرأي في ابن الفارض وتائيته
فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [السجدة: 34] الذين خبت نار طبيعتهم، فقالوا: إلها، ولم يقولوا طبيعة1". قلت: وعلى هذا يحوم ابن الفارض2 بقوله، فالعلماء شهدوا فيه3 أنه من أهل الاتحاد. الرأي في ابن الفارض وتائيته وقال الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير4: "إنه نظم التائية على طريقة المتصوفة المنسوبين إلى الاتحاد, وقال: وقد تكلم فيه غير واحد من مشايخنا بسبب قصيدته المشار إليها5" وقال في سنة سبع وسبعين وستمائة في ترجمة محمد بن إسرائيل6: "وكان أديبا، ولكن في كلامه ما يشير إلى الحلول والاتحاد
على طريقة ابن الفارض، وابن عربي1". وقال الشيخ مدين, وهو كان رأس الصوفية زماننا: "إن التائية هي الفصوص، لا فرق بينهما" ومن قال أن السراج عمر بن إسحاق الهندي2 عزر الشهاب أحمد بن يحيى بن أبي حجلة3 لأجل كلامه في ابن الفارض، وجعل ذلك دليلا على ولايته؛ أجيب بأن شيخنا حافظ العصر أحمد بن حجر ذكر في ترجمته في أول تاريخه في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة أن السراج الهندي كان يتعصب للصوفية الاتحادية، وأنه شرح التائية، فسقط كلامه، والاعتبار به4، وعلى كل تقدير تعزيره له غير واقع في محله بوجه، فإنه لا شيء على من كفر مسلما بتأويل بلا خلاف.
نعلمه بين العلماء. والحجة فيه قصة عمر وحاطب1 رضي الله عنهما، وغير ذلك مما وقع بحضرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وقائع عدة، على أن التعزير2 يحتمل أمورا عدة، لا يتعين شيء منها إلا بدليل، فسقط الاستدلال به. وقال العلامة علاء الدين البخاري -وكان عين العلماء والصوفية قبل الشيخ مدين3- لشخص حنفي: "لا فرق بين التائية والفصوص إلا بكونه نثرا، وكونها نظما، كما أنه لا فرق بين منظومة [13] النسفي والقدوري إلا بذلك. وقال الشافعي مثل ذلك، ومثل بالبهجة نظم الحاوي، وبالحاوي". وقال العلامة بدر الدين حسين بن الأهدل, وهو من أعيان صوفية اليمن وفقهائهم: "واعلم أن ابن الفارض من رءوس أهل الاتحاد" واستشهد على4
شواهد من تائية ابن الفارض
بشراح التائية من أتباعه مثل سعيد الفرغاني وداود القيصري، ومحمود الأبزاوي. شواهد من تائية ابن الفارض ... وإياك والإعراض عن كل صورة مموهة، أو حالة مستحيلة ... فطيف خيال الظل يبدى1 إليك في كرى اللهو، ما عنه الستائر شقت ... ترى صور الأشياء تجلى عليك من وراء حجاب اللبس2 في كل خلعة ... تجمعت الأضداد فيها لحكمة3 وأشكالها تبدو على كل هيئة ... صوامت تبدي النطق وهي سواكن تحرك تهدي النور غير ضوية ... ثم ذكر أنواعا من الأضداد في نيف وعشرين بيتا، ثم قال: وكل الذي شاهدته فعل واحد ... بمفرده، لكن بحجب الأكنة إذا ما أزال الستر لم تر غيره ... ولم يبق بالأشكال إشكال ريبة ويجمعنا في المظهرين تشابه ... وليست لحالي حاله4 بشبيهة
تمجيد الصوفية لعبادة الأصنام
فأشكاله كانت مظاهر فعله ... بستر تلاشت إذ تجلى وولت وكانت له بالفعل نفسي شبيهة ... وحسي كالأشكال، واللبس سترتي تمجيد الصوفية لعبادة الأصنام: وقال في الفص النوحي أيضا: {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} [نوح: 23] أي: حيروهم في تعداد الواحد بالوجوه والنسب {وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ} 3 لأنفسهم "المصطفين" الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة3، فقدمه على المقتصد والسابق
"إلا ضلالا" إلا حيرة المحمدي "زدني فيك تحيرا1". {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} [البقرة: 20] فالحائر له الدور، والحركة الدورية2 حول القطب3، فلا يبرج منه. وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود، طالب ما هو فيه. صاحب خيال إليه غايته، فله "من، وإلى4" وما بينهما، وصاحب الحركة الدورية، لا بدء له، فيلزمه "من" ولا غاية له5
فتحكم عليه "إلى" فله الوجود الأثم، وهو المؤتي جوامع الكلم والحكم "مما خطيئاتهم1" فهي التي خطت بهم، فغرقوا في بحار العلم بالله، وهو الحيرة "فأدخلوا نارا" في عين الماء2، في المحمديين {إِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] سجرت التنور إذا أوقدته. {فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} فكان الله عين أنصارهم3 فهلكوا فيه إلى الأبد، فلو أخرجهم إلى السيف، سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله، وبالله، بل هو الله. "قال نوح: رب" ما قال: إلهي. فإن الرب له الثبوت، والإله يتنوع4 بالأسماء، فهو كل يوم هو في شأن. فأراد بالرب ثبوت التكوين؛ إذ لا يصح إلا هو.
"لا تذر على الأرض" يدعو عليهم أن يصيروا في بطنها المحمدي "ولو دليتم بحبل لهبط على الله1" {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وما في وَالْأَرْضِ} 2 وإذا دفنت فيها [فأنت فيها] , وهي ظرفك {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 50] [14] لاختلاف الوجوه "من الكافرين3" الذين "استغشوا ثيابهم جعلوا أصابعهم في آذانهم" طلبا للستر؛ لأنه دعاهم ليغفر لهم. والغفر الستر. "ديارا" أحدا، حتى تعم المنفعة كما عمت الدعوة "إنك إن تذرهم" أي: تدعهم وتتركهم "يضلوا عبادك" إلى الخير، فيخرجهم من العبودية إلى ما فيهم من أسرار الربوبية فينظرون أنفسهم أربابا بعد ما كانوا عند أنفسهم عبيدا، فهم العبيد الأرباب "ولا يلدوا" أي: ما ينتجون ولا يظهرون "إلا فاجرا" أي: مظهرا ما ستر "كفارا" أي: ستارا ما ظهر بعد ظهوره، فيظهرون ما ستر، ثم يسترونه بعد ظهوره، فيحار الناظر، ولا يعرف قصد الفاجر في فجوره، ولا الكافر
الحق عين الخلق عند الصوفية
في كفره، والشخص واحد {رَبِّ اغْفِرْ لِي} 1 استرني، واستر من أجلي، فيجهل مقامي وقدري، كما جهل قدرك في قولك: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67] "ولوالدي" من كنت نتيجة عنهما، وهما العقل والطبيعة "ولمن دخل بيتي" أي: قلبي "مؤمنا" أي: مصدقا لما يكون فيه من الإخبارات الإلهية، وهو ما حدثت به أنفسها2 "وللمؤمنين" من العقول "والمؤمنات" من النفوس3 "ولا تزد الظالمين" من الظلمات أهل الغيب المكتنفين خلف الحجب الظلمانية "إلا تبارا" أي: هلاكا، فلا يعرفون نفوسهم، لشهودهم وجه الحق دونهم في المحمديين {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] والتبار الهلاك4" الحق عين الخلق عند الصوفية: ثم قال في فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية: "ومن أسمائه الحسنى: العلي. على5 من؟ ومن ثم إلا هو، فهو العلي لذاته، أو عن ماذا؟ وما هو
إلا هو!! فعلوه لنفسه، وهو من حيث الوجود عين الموجودات، فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها, وليست إلا هو1. فهو العلي، لا علو إضافة، لأن الأعيان التي لها العدم الثابتة فيه، ما شمت رائحة من الوجود، فهي على حالها مع تعداد الصور في الموجودات والعين واحدة من المجموع في المجموع، فوجود الكثرة في الأسماء، وهي النسب، وهي أمور عدمية، وليس إلا العين الذي هو الذات، فهو العلي لنفسه، لا بالإضافة, فما في العالم من هذه الحيثية علو إضافة، لكن الوجوه الوجودية متفاضلة، فعلوا الإضافة موجود في العين الواحدة من حيث الوجوه الكثيرة، لذلك نقول فيه: هو، لا هو. أنت، لا أنت2. قال الخراز3
وهو وجه من وجوه الحق، ولسان من ألسنته ينطق عن نفسه: بأن الله لا يعرف إلا بجمعه بين الأضداد في الحكم عليه بها، فهو الأول والآخر، والظاهر والباطن، فهو عين ما ظهر، وهو عين ما بطن في حال ظهوره، وما ثم من يراه غيره1، وما ثم من يبطن عنه، فهو ظاهر لنفسه، باطن عنه، وهو المسمى أبا سعيد الخراز، وغير ذلك من [أسماء] المحدثات2". قلت: وقال ابن الفارض: أممت إمامي في الحقيقة، فالورى ... ورائي وكانت حيث وجهت وجهتي يراها أمامي في صلاتي ناظري ... ويشهدني قلبي إمام أئمتي ولا غرو أن صلى الأنام إلي، أن ... ثوت بفؤادي وهي قبلة قبلتي لها صلواتي بالمقام أقيمها ... وأشهد فيها أنها لي صلت كلانا مصل ساجد إلى ... حقيقته بالجمع في كل سجدة وما كان لي صلى سواي، ولم تكن ... صلاتي لغيري في أداء كل ركعة إلى كم أواخى3 الستر، ها قد هتكته ... وحل أواخى4 الحجب في عقد بيعتي أفاد اتخاذي5 حبها لاتحادنا ... نوادر عن عاد المحبين شذت
وفي الصحو بعد المحو1 لم أك غيرها ... وذاتي بذاتي إذا تحلت تجلت2 [فوصفي إذ لم تدع باثنين وصفها ... وهيئتها -إذا واحد نحن- هيئتي3] فإن دعيت كنت المجيب، وإن أكن ... منادي أجابت من دعاني ولبت وإن نطقت كنت المناجي4، كذاك 5 إن ... قصصت حديثا، إنما هي قصت فقد رفعت تاء المخاطب بيننا ... وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي فجاهد تشاهد فيك منك وراء ما ... وصفت سكونا عن وجد سكينة
الوحدة المطلقة دين ابن عربي
فمن بعد ما جاهدت، شاهدت مشهدي1 ... وهادي2 لي إياي، بل بي قدوتي فبي موقفي، لا, بل إلي توجهي ... كذاك صلاتي لي، ومني كعبتي الوحدة المطلقة دين ابن عربي: قال الإمام زيد الدين العراقي في جواب السؤال المذكور: "وأما قوله3 فهو عين ما ظهر، وعين ما بطن، فهو كلام مسموم, ظاهره: القول بالوحدة المطلقة، وأن جميع مخلوقاته هي عينه، ويدل على إرادته لذلك صريحا قوله بعد ذلك: "وهو المسمى أبا سعيد الخراز، وغير ذلك من أسماء المحدثات" وكذا قوله بعد ذلك: "والمتكلم واحد، وهو عين السامع" وقائل ذلك والمعتقد له كافر بإجماع العلماء". "لا يعتذر عن الوصفية بالتأويل": ثم قال: "ولا يقبل ممن اجترأ على مثل هذه المقالات القبيحة أن يقول: أردت بكلامي هذا خلاف ظاهره، ولا نؤول له كلامه، ولا كرامة. ولقد أحسن بعض من عاصرناه من العلماء العارفين، وهو الشيخ الإمام العلامة علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي حيث سئل عن شيء من هذا. فقال: "إنما نؤول كلام من ثبتت عصمته حتى نجمع بين كلاميه4، لعدم
خطر صرف الكلام عن ظاهره
جواز الخطأ عليه، وأما من لم تثبت عصمته، فجائز عليه الخطأ والمعصية والكفر، فنؤاخذه بظاهر كلامه، ولا يقبل منه ما أول كلامه عليه مما لا يحتمله، أو مما يخالف الظاهر, وهذا هو الحق" ا. هـ. خطر صرف الكلام عن ظاهره: وكذا قال في عدم التأويل لغير المعصوم الإمام نور الدين علي بن يعقوب البكري الشافعي، وقد حقق هذه المسألة حجة الإسلام1 أبو حامد الغزالي في أول الإحياء في كتاب العلم بما حاصله: أن الكلام إن كان ظاهرا في الكفر بالاتحاد، فقتل واحد ممن يقول به أفضل من إيحاء عشرة أنفس، وإن كان فهمه مشكلا، فلا يحل ذكره. وقال: إن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام بنقل عن صاحب الشرع، وبغير ضرورة تدعو إلى ذلك من دليل العقل2 اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ، ثم قال: والباطن لا ضبط
صلة الخلق بالحق عند الصوفية
له، بل تتعارض فيه الخوطر1، ثم قال: وبهذا الطريق توصل الباطنية إلى هدم جميع الشريعة. وسيأتي تأييد ذلك عن الشيخ زين الدين العراقي وولده الحافظ أبي زرعة [16] وحكاية ابن خليل السكوني الإجماع على ذلك. صلة الخلق بالحق عند الصوفية: ثم قال ابن عربي في الفصل الإدريسي أيضا: "وما ظهر حكم العدد إلا بالمعدود والمعدود منه عدم، ومنه وجود، فقد يعدم الشيء من حيث الحس، وهو موجود من حيث العقل، فلا بد من عدد، ومن معدود، ولا بد من واحد ينشئ ذلك فينشأ بسببه, فإن كل مرتبة2 من العدد حقيقة واحدة كالتسعة مثلا، والعشرة [إلى أدنى، وإلى أكثر، إلى غير نهاية] ما هي مجموع، ولا ينفك عنها اسم جمع الآحاد3". ثم قال: "ومن عرف ما قررناه في الأعداد، وأن نفيها عين إثباتها4
علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه1 وإن كان قد تميز الخلق من الخالق، فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق كل ذلك من عين واحدة [لا] ، بل هو
الطبيعة هي الله عند الصوفية
العين الواحد، وهو العيون الكثيرة1" الطبيعة هي الله عند الصوفية: ثم قال: "وخلق منها زوجها [فما نكح سوى نفسه، فمنه الصاحبة والولد، والأمر واحد في العدد2] ، فمن الطبيعة؟ ومن الظاهر منها؟ وما رأيناها نقصت بما ظهر منها، ولا زادت بعدم ما ظهر!! وما الذي ظهر غيرها؟ وما هي عين ما ظهر، لاختلاف الصور بالحكم عليها. فهذا بارد يابس، وهذا حار يابس، فجمع باليبس، وأبان بغير ذلك، والجامع الطبيعة [لا] ، بل العين الطبيعة، فعالم الطبيعة صور في مرآة واحدة، لا. بل صورة واحدة في [مرايا] مختلفة3، فما ثم إلا حيرة، لتفرق النظر، ومن عرف ما قلناه لم يحر، وإن كان في مزيد علم، فليس إلا من حكم المحل، والمحل عين العين الثابتة، فيها يتنوع الحق في
دين ابن الفارض
المجلي، فتتنوع الأحكام عليه، فيقبل كل حكم، وما يحكم عليه إلا عين ما تجلى فيه, وما ثم1 إلا هذا, شعر: فالحق خلق بهذا الوجه، فاعتبروا ... وليس خلقا بذاك الوجه فادكروا من يدر ما قال، لم تخذل بصيرته ... وليس يدريه إلا من له بص جمع2، وفرق، فإن العين واحدة ... وهي الكثيرة، لا تبقي ولا تذر3 دين ابن الفارض: قلت: وهذا مراد ابن الفارض بقوله: وجل في فنون الاتحاد، ولا تحد4 ... إلى فئة في غيره العمر أفنت فواحده الجم الغفير ومن عدا ... هـ شرذمة في غيره العمر أفنت فمت بمعناه، وعش فيه، أو فمت ... معناه، واتبع أمة فيه أمت فأنت بهذا المجد أجدر من أخي اجـ ... ـتهاد مجد عن رجاء وخيفة فألغ الكنى عني 5، ولا تلغ ألكنا ... بها، فهي من آثار صيغة صنعتي
وأي بلاد الله حلت بها، فما ... أراها وفي عيني حلت غير مكة وأي مكان ضمها حرم، كذا ... أرى كل دار أوطئت1 دار هجرة وما سكنته، فهو بيت مقدس ... بقرة عيني، فيه أحشاي قرت ومسجدي الأقصى مساحب بردها ... وطيبي ثرى أرض عليها تمشت وشكري لي، والبر مني واصل ... إلي, ونفسي باتحادي استبدت وثم أمور تم لي كشف سترها ... بصحو مفيق عن سواي تغطت بها لم يبح من لم يبح دمه، وفي الإشارة معنى ما العبارة حدت وقلبي بيت فيه أسكن. دونه ... ظهور صفاتي عنه من حجيبتي ومنها يميني فيّ ركن مقبل ... ومن قبلتي للحم في فيّ قبلتي وحولي بالمعنى طوافي حقيقة ... [17] وسعي لوجهي من صفائي لمروتي2 وفي حرم من باطني أمن ظاهري ... ومن حوله يخشى تخطف جيرتي3
وشفع وجودي في شهودي ظل في اتحادي وترا في تيقظ غفوتي1 ولم أله باللاهوت عن حكم مظهري ... ولم أنس بالناسوت مظهر حكمتي وقد جاءني مني رسول. عليه ما ... عنت، عزيز بي، حريص لرأفة2 ومن عهد عهدي قبل عصر عناصري ... إلى دار بعث قبل إنذار بعثة إليّ رسولا كنت مني مرسلا3 ... وذاتي بآياتي عليّ استدلت
العبد عين الرب عند الصوفية
العبد عين الرب عند الصوفية: ثم قال في فص كلمه علية في كلمة إسماعيلية: "والعبد1 من كان عند ربه مرضيا، وما ثم إلا من هو مرضي عند ربه؛ لأنه الذي يبقي عليه ربوبيته، فهو عنده مرضي فهو سعيد": ثم قال؛ شعر: فأنت عبد, وأنت رب ... لمن له فيه أنت عبد وأنت رب، وأنت عبد ... لمن له في الخطاب عهد فكل عقد عليه شخص ... يحله من سواه عقد2 فرضي الله عن عبيده، فهم مرضيون، ورضوا عنه، فهو مرضي، فتقابلت الحضرتان3 تقابل الأمثال، والأمثال أضداد، لأن المثلين حقيقة لا يجتمعان, إذ لا يتميزان، وما ثم إلا متميز، فما ثم مثل4، فما في الوجود مثل، فما في الوجود ضد، فإن الوجود حقيقة واحدة، والشيء لا يضاد نفسه.
النار عين الجنة عند الصوفية
فلم يبق إلا الحق، لم يبق كائن ... فما ثم موصول, ومن ثم بائن بذا جاء برهان العيان، فما أرى ... بعيني إلا عينه إذا أعاين1 النار عين الجنة عند الصوفية: ثم قال: "الثناء بصدق الوعد, لا بصدق الوعيد [والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات، فيثني عليها بصدق الوعد، لا بصدق الوعيد، بل بالتجاوز] {فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ} [إبراهيم: 47] لم يقل: ووعيده2، بل قال: {وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ 3} مع أنه توعد على ذلك، فأثنى على إسماعيل عليه الصلاة والسلام بأنه كان صادق الوعد. فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... وما لوعيد الحق عين تعاين وإن دخلوا دار الشقاء، فإنهم ... على لذة فيها نعيم مباين نعيم جنان الخلد4 فالأمر واحد ... وبينها5 عند التجلي تباين يسمى عذابا من عذوبة لفظه ... وذاك لكالقشر، والقشر صائن6
مثل من تفسير ابن عربي للقرآن
"مثل من تفسير ابن عربي للقرآن": ثم قال في نص حكمة نورية في كلمة يوسفية, بعد أن قرر أن الشيء قد يرى في خلاف ما هو عليه لبعد، أو ظلام ونحوه: "فما يعلم من العالم إلا قدر ما يعلم من الظلال، ويجهل من الحق على قدر ما يجهل من الشخص الذي كان عنه ذلك الظل، فما حيث هو ظل له يعلم، ومن حيث ما يجهل ما في ذات ذلك الظل من صورة شخص من امتد عنه يجهل من الحق، فلذلك نقول: إن [الحق] معلوم لنا من وجه, مجهول لنا من وجه {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} [الفرقان: 45] أي: يكون فيه بالقوة. يقول: ما كان الحق ليتجلى للممكنات التي ما ظهر لها عين في الوجود {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} [الفرقان: 45] وهو اسمه النور [الذي قلنا، ويشهد له الحسن, فإن الظلال لا يكون لها عين بعدم النور] {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان: 46] . وإنما قبضه إليه؛ لأنه ظله، فمنه ظهر، وإليه يرجع الأمر كله، فهو هو لا غيره1. "وجود الحق عين وجود الخلق عند الصوفية" فكل ما تدركه فهو وجود الحق في أعيان الممكنات، فمن حيث هوية الحق
هو1 وجوده، ومن حيث اختلاف الصور فيه هو2 أعيان الممكنات، فكما لا يزول عنه باختلاف الصور اسم الظل، كذلك لا يزول عنه [18] باختلاف الصور اسم العالم، أو اسم سوى الحق, فمن حيث أحدية كونه ظلا هو الحق؛ لأنه الواحد الأحد، ومن حيث كثرة الصور هو العالم, فتفطن، وتحقق ما أوضحته لك، فإذا كان الأمر على ما ذكرته لك، فالعالم متوهم3 ما له وجود حقيقي، وهذا معنى الخيال, أي: خيل إليك أنه أمر زائد قائم بنفسه، خارج عن الحق، وليس كذلك في نفس الأمر، ألا تراه في الحس متصلا بالشخص الذي امتد عنه يستحيل [عليه] الانفكاك عن ذلك الاتصال، لأنه يستحيل على4 الشيء الانفكاك عن ذاته5".. وهذا وما شاكله من قوله -كما تقدم في الفص النوحي- مشيرا إلى تصحيح قول الكفار في القرآن: إنه سحر لا حقيقة له، إشارة تكاد أن تكون صريحة، وإلى مثل هذا المحال لوح ابن الفارض، والأمر فيه أوضح مما في الفصوص: وها دحية وافى الأمين نبينا ... بصورته في بدء وحي النبوة أجبريل قل لي كان دحية إذ بدا ... لمهدي الهدى في هيئة6 بشرية؟ وفي علمه عن حاضريه مزية ... بماهية المرئي من غير مرية يرى ملكا يوحي إليه، وغيره ... يرى رجلا يرعى لديه بصحبة
رد علاء الدين البخاري
ولي من أتم الرؤيتين إشارة ... تنزه عن دعوى الحلول1 عقيدتي وفي الذكر ذكر اللبس ليس بمنكر ... ولم أعد عن حكمي كتاب وسنة يعني قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] هذا ما كان ظهر لي، ثم تبين أن المراد أقبح من هذا بقول شراح التائية، الفرغاني وغيره2 وسيأتي نقله عنه آنفا. رد علاء الدين البخاري: قال الإمام علاء الدين البخاري: "ما ذكرتم في نفي ثبوت الأشياء معارض بالمثل؛ إذ لا خفاء أنه من أعيان الأكوان، غير أنه من الأعراض، فيكون ما ذكرتم أيضا خيالا وسرابا، لا حقيقة له، فلا يمكن به إثبات مذهبكم الباطل وإذا لم يبق في قوس المكابرة منزع، ولا لما لزمهم من شنيع المحالات والضلالات مدفع، التجئوا إلى دعوى الكشف على ما هو دأب قدماء الفلاسفة حين عجزوا عن إقامة البرهان، وأنت خبير بأن الكشف إنما يظهر الحقائق، لا أنه يهدم الشرائع، وينفي الحقاق3، فإن ذلك زندقة، وقد غلط هؤلاء كغلط.
رأي العضد والجرجاني
النصارى لما رأوا إشراق نور الله تعالى، وقد تلألأ في عيسى عليه السلام1، فقالوا: هو الإله، وهؤلاء لما رأوا الوجود فائضا من الحضرة الإلهية على الموجودات فلم يفرقوا بين الفيض2 والمفيض، فقالوا: الوجود هو الله سبحانه وتعالى. اهـ رأي العضد والجرجاني: وقال الشريف الجرجاني3 في شرح المواقف للعضد4: "واعلم أن المخالف في هذين الأصلين -يعني عدم الاتحاد وعدم الحلول- طوائف ثلاث، الأولى:
النصارى" ثم ذكر مذاهبهم، ثم قال: "الثانية: النصيرية1 والإسحاقية2 من غلاة الشيعة، قالوا: ظهور الروحاني بالجسماني لا ينكر، ففي طرف الشر، كالشياطين، فإنه [19] كثيرا ما يتصور الشيطان بصورة الإنسان، ليعلمه الشر ويكلمه بلسانه، وفي طرف الخير -كالملائكة- فإن جبريل عليه السلام كان يظهر بصورة دحية الكلبي [والأعرابي3] ، فلا يمتنع [حينئذ4] أن يظهر الله تعالى في صورة بعض الكاملين [وأولى الخلق بذلك أشرفهم وأكملهم، وهو العترة الطاهرة، وهو من يظهر فيه العلم التام، والقدرة التامة من الأئمة من تلك العترة، ولم يتحاشوا عن إطلاق الآلهة على أئمتهم، وهذه ضلالة بينة5 الطائفة] الثالثة [بعض] المتصوفة، وكل منهم مختبط6 بين الحلول والاتحاد" ثم قال العضد7: "ورأيت من الصوفية الوجودية من ينكره، ويقول: لا حلول, ولا اتحاد، إذ ذاك يشعر بالغيرية، ونحن لا نقول بها، بل نقول: ليس في ذات الوجود غيره8، وهذا العذر أشد قبحا وبطلانا من ذلك الجرم؛ إذ يلزم ذلك المخالطة التي لا يجترئ على القول بها عاقل، ولا مميز أدنى تمييز9".
رأي السعد التفتازاني
رأي السعد التفتازاني:1 وهذا المعنى الأخير هو الذي أراده الشيخ سعد الدين التفتازاني، بالمذهب الثاني، من قوله في شرح المقاصد: "وههنا مذهبان آخران يوهمان الحلول والاتحاد وليسا منه في شيء. الأول: أن السالك إذا انتهى سلوكه إلى الله تعالى في الله يستغرق في بحر التوحيد والعرفان بحيث تطمحل ذاته في ذاته، وصفاته في صفاته ويغيب عن كل ما سواه، ولا يرى في الوجود إلا الله، وهو الذي يسمونه: الفناء في التوحيد، وإليه يشير الإلهي2: "إن العبد لا يزال يتقرب إليّ حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به3". وحينئذ ربما تصدر عنه عبارات تشعر بالحلول4، أو بالاتحاد لقصور العبارة عن بيان تلك الحال، وبعد الكشف عنها بالمثال، ونحن على ساحل التمني نعترف5 من بحر التوحيد بقدر الإمكان، ونعترف بأن طريق الفناء فيه العيان6 دون البرهان، والله الموفق.
الثاني: أن الواجب هو الوجود المطلق1، وهو واحد لا كثرة فيه أصلا وإنما الكثرة بالإضافات, والتعينات التي هي بمنزلة الخيال والسراب، إذ الكل في الحقيقة واحد يتكرر على مظاهر، لا بطريق المخالطة، ويتكرر في النواظر، لا بطريق الانقسام، فلا حلول منا، ولا اتحاد؛ لعدم الاثنينية والغيرية، وكلامهم في
زعم أن الحق يتلبس بصور الخلق
ذلك طويل خارج عن طريق العقل والشرع أشرنا في بحث الوجد إلى بطلانه، لكن من يضلل الله فما له من هاد" انتهى كلام الشيخ سعد الدين رحمه الله. زعم أن الحق يتلبس بصور الخلق: وقال سعيد الفرغاني -وهو من أكابر أتباعهم- في شرحه للتائية: "وتنزه1 تلك الإشارة عقيدتي عن رأي الحلول، فإنه لما جاز ووقع أن يكون لملك مخلوق قدرة التلبس بأي صورة شاء بلا معنى الحلول فيه، يصح أن يتلبس الحق تعالى بصورتي بفناء أنانيتي2 بالكلية، وإن تعللت بعدم جواز تلبسه3 بالصورة، وعللت بتنزيهه عن ذلك التلبس منعناك، ورددنا تعليلك بالكتاب والسنة". ثم قال في شرح البيت4 الذي فيه استشهاده بالكتاب والسنة: "وفي الذكر5، آي القرآن [20] ذكر اللبس، أي: تلبس الحق بالصورة ليس بمردود بل هو ثابت مذكور معروف موضعه من القرآن، ولم أتجاوز في تقريري حكمي الكتاب والسنة. أما الكتاب، فقوله تعالى: {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 8] يعني من أن يكون منحصرا ظهوره حالتئذ وقبله وبعده في ذلك التلبس، وفي غيره من الصور، وغير ما، وقوله تعالى: {نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} [القصص: 30]
الآية، وإذا جاز تلبسه بصورة الجماد1، فبصورة الإنسان أجمع وأولى عند فنائه عن تعينه وتشخصه. وأما السنة، فقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حكاية عنه تعالى: "كنت سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله2" وقوله أيضا: فإن الله تعالى قال
على لسان عبده: سمع الله لمن حمده. ثم حديث القيامة في الإتيان في الصورة1
أمر ابن الفارض باتباع شريعته
ثم قال: فالحديث أولا وآخرا معلم أنه يتلبس بأي لباس صورة شاء مما يعرف، ومما ينكر من غير حلول، فكان ظهوره بصورتي أيضا جائزا من غير حلول، فصح بهذا دعوى اتحادي مع الحلول". أمر ابن الفارض باتباع شريعته ثم قال في شرح قوله: منحتك علما إن ترد كشفه، فرد ... سبيلي، واشرع في اتباع شريعتي قال: "يحتمل أن يكون إضافة الشريعة من الناظم إلى نفسه بلسان الجمع والترجمانية، ويريد بقوله: فرد سبيلي ما أريد به في قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: 108] وبقوله: شريعتي، شريعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" ثم قال: فمنبع صدا1 من شراب نقيعه ... لدي، فدعني من سراب بقيعة
صدا ماء للعرب يضرب المثل به لعذوبته، والنقيع: البئر الكثيرة الماء، يقول معللا البيت السابق الذي حاصله: أمره باتباع شريعته، والورود في سبيل هداه وطريقته، ونهى عن متابعة غيره ممن يدعي التحقيق في العلم والمعرفة الحقيقية نحو علماء الظاهر من الأصوليين والفلاسفة: أن المورد العذب الهنيء النافع عندي، ويختص بمشربي، وهو المفهوم المطابق من الكتاب والسنة، وإشاراتهما الغامضة بلا تأويل عقلي وتقليد، بل على ما هو الأمر عليه، فإن استطعت أن تخوض فيه، وتشرب منه، وإلا فدعني من سراب علوم علماء الظاهر1، وتأويلاتهم ومفهوماتهم التي ظاهرها لأجل الفصاحة، وتركيب الدلائل، تظهر وتغر السامع الغر2، فيحسبها شيئا نافعا له، فإذا فتش عن حقيقتها لم يجد شيئا، ولا تحقيق، ولا معرفة فيها، ولا طائل تحتها، وكذلك دلائل الفلسفة في المسائل الإلهية، تغر، ولا تقر. ولا تذكر عندي مذاهبهم ومقالاتهم ودلائلهم، ولا تلتفت إلى ذلك تفز فوزا عظيما. هذا كلام الفرغاني الذي يثني ابن بنت ابن الفارض في مقدمة [21] الديوان عليه، وشهد له أنه على نفس جده3، وهكذا يفعل في كل الأبيات مهما وجد شيئا من المتشابه في الكتاب أو السنة أجراه على ظاهره4، وجعله حجتهم في
تكذيب صريح للقرآن
الاتحاد، واستحسان الأفعال القبيحة من المكلفين، فإن عجز -بكون الشرع نص على قباحتها- يقول: إن فيها حسنا وقبحا من بعض الوجوه, ولعل ذلك الوجه يقود أصحاب تلك المقالة إلى الخير، ويسعى كل السعي في إسقاط الإنكار على أحد في فعل من الأفعال. وكذا نقل البدر بن الأهدل عن شرحها للأبزاري وغيره، والله المستعان. تكذيب صريح للقرآن وقال في فص حكمة أحدية في كلمة هودية: {ومَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56] : فكل ماش [فعلى] صراط الرب المستقيم, فهم غير مغضوب عليهم من هذا الوجه، ولا ضالون، فكما كان الضلال عارضا، فكذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء1.
إفك على الله
إفك على الله: ثم قال: "اعلم أن العلوم1 الإلهية الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى الحاصلة منها مع كونها ترجع إلى عين واحدة؛ فإن الله تعالى يقول: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يسعى بها" فذكر أن هويته2 [هي] عين الجوارح التي هي عين العبد، فالهوية واحدة، والجوارح مختلفة، ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة، تختلف باختلاف الجوارح كالماء. حقيقة3 واحدة مختلف4 في الطعم باختلاف البقاع5" قلت: وعلى هذا الضلال عول ابن الفارض، فقال: وجاء حديث في اتحادي6 ثابت ... روايته في النقل غير ضعيفة مشيرا بحب الحق بعد تقرب ... إليه بنقل أو أداء فريضة وموضع تنبيه الإشارة ظاهر ... بكنت له سمعا كنور الظهيرة فكلي لكلي طالب متوجه ... وبعضي لبعضي جاذب بالأعنة ومني بدا لي ما علي لبسته ... وعني البوادي بي إلي أعيدت
وفيّ شهدت الساجدين لمظهري ... فحققت أني كنت آدم سجدتي1 تعانقت الأطراف2 عندي وانطوى ... بساط السِّوى عدلا بحكم السوية
وليس ألست1 الأمس غيرا لمن غدا ... وجنحي غدا صبحي ويومي2 ليلتي وسر بلى لله مرآة كشفها ... وإثبات معنى الجمع نفي المعية 3 ظهور صفاتي عن أسامي جوارحي ... مجازا بها للحكم نفسي تسمت رقوم علوم في ستور هياكل ... على ما وراء الحس في النفس ورت
تمجيد الصوفية للمجرمين
وأسماء ذاتي عن صفات جوانحي ... جوازا الأسرار بها الروح سرت مظاهر لي بدوت فيها, ولم أكن ... عليّ بخاف قبل موطن برزني [22] ولما شعبت الصدع، والتامت فطو ... ر شمل بفرق الوصف غير مشتت1 تحققت أنا في الحقيقة واحد ... وأثبت صحو الجمع محو التشتت2 وإني، وإن كنت ابن آدم صورة ... فلي فيه معنى شاهد بأبوتي تمجيد الصوفية للمجرمين: ثم قال في الفص الهودي أيضا: {فَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ} وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم [بها] فهو يأخذ بنواصيهم، والريح تسوقهم -وهي عين الأهواء التي كانوا عليها- إلى جهنم،
زعمهم أن هوية الحق عين أعضاء العبد وقواه
وهي البعد1 الذي كانوا يتوهمونه، فلما ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب، فزال البعد، فزال مسمى جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق؛ لأنهم مجرمون، فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة، وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم2، لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة، فما مشوا بنفوسهم، وإنما مشوا بحكم الجبر إلى أن وصلوا إلى عين القرب3 {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ4} . [الواقعة: 85] زعمهم أن هوية الحق عين أعضاء العبد وقواه ثم قال: "فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه5، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى، فهو حق مشهود في خلق
تفسيرهم لما عذب الله به قوم هود
متوهم، فالخلق معقول، والحق محسوس مشهود عند المؤمنين، وأهل الكشف والوجود1 وما عدا هذين الصنفين، فالحق عندهم معقول، والخلق مشهود، فهم بمنزلة الملح الأجاج، والطائفة الأولى بمنزل الماء العذب الفرات السائغ لشاربه، فالناس على قسمين: من الناس من يمشي على طريق يعرفها، ويعرف غايتها، فهي في حقه على صراط مستقيم، ومن الناس من يمشي على طريق يجهلها، ولا يعرف غايتها، وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر، فالعارف يدعو إلى الله على بصيرة، وغير العارف يدعو إلى الله على التقليد والجهالة2". تفسيرهم لما عذب الله به قوم هود ثم قال: "ألا ترى عادا قوم هود كيف قالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] فظنوا خيرا بالله تعالى -وهو عند ظن عبده به- فأضرب لهم الحق عن هذا القول، فأخبرهم بما هو أتم وأعلى في القرب، فإنه إذا أمطرهم، فذلك حظ
الأرض, وسقى الحب، فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر1 إلا عن بعد2، فقال لهم {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: 24] . فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة، فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة، والمسالك الوعرة، والسدف المدلهمة، وفي هذه الريح عذاب، أي: أمر يستعذبونه3، إذا ذاقوه، إلا أنه يوجعهم لغرقه المألوف4". انتهى ما قاله مكذبا لصريح الذكر الحكيم في قوم قال فيهم أصدق القائلين, سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون [23] علوا كبيرا {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} [نوح: 7] {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [الجن: 7] ، {وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ, وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} [هود: 59, 60] . ابن عربي يزعم أنه اجتمع بالأنبياء ثم ادعى في هذا الفص أنه رأى الأنبياء عليهم السلام في مشهد واحد سنة ست وثمانين وخمسمائة، وأنه ما كلمه منهم إلا هود، وقال: "رأيته5 لطيف
ظن الصوفية بالله سبحانه
المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها، ودليلي على كشفه لها قوله: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟ ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن. ظن الصوفية بالله سبحانه: ثم تممها الجامع للكل محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بما أخبر به عن الحق أن عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان، أي: هو عين الحواس والقوى الروحانية أقرب من الحواس، فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد1، فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقالته لقومه بشرى لنا، وترجم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[عن الله] مقالته بشرى، فكمل العمل في صدور الذين أوتوا العلم {وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} [العنكبوت: 47] فإنهم يسترونها -وإن عرفوها- حسدا منهم ونفاسة وظلما، وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها، أو إخبار عنه أوصله إلينا فيما يرجع إليه إلا بالتحديد، تنزيها كان أو غير تنزيه، أولها العماء الذي ما فوقه هواء، وما تحته هواء، فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق، ثم ذكر أنه استوى على العرش، فهذا أيضا تحديد، ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا، فهذا تحديد، ثم ذكر أنه في السماء، وأنه في الأرض2 وأنه
معناه1 أينما كنا؛ إلى أن أخبرنا أنه عيننا، ونحن محدودون, فما وصف نفسه إلا
الكون هو رب الصوفية
بالحد. وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] حد أيضا، إن أخذنا الكاف زائدة لغير الصفة، ومن تميز عن المحدود فهو محدود بكونه ليس عين هذا المحدود، فالإطلاق عن التقييد تقييد، والمطلق مقيد بالإطلاق لمن فهم، وإن جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه، وإن أخذنا {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1 على نفي المثل تحققنا2 بالمفهوم وبالإخبار الصحيح أنه عين الأشياء والأشياء محدودة، وإن اختلفت حدودها فهو محدود بحد كل محدود، فما يحد شيء إلا وهو حد الحق، فهو الساري في مسمى المخلوقات والمبدعات، ولو لم يكن الأمر كذلك ما صح الوجود, فهو عين الوجود، فهو على كل [شيء] حفيظ, ولا يئوده حفظ شيء، فحفظه تعالى للأشياء كلها حفظه3 لصورته، أن يكون الشيء غير صورته [24] ولا يصح إلا هذا فهو الشاهد من الشاهد, والمشهود من المشهود، فالعالم صورته, وهو روح العالم المدبر له، فهو الإنسان الكبير4" هذا لفظه هنا، وتقدم في الفص الآدمي: أن العالم يعبر عنه في اصطلاحهم بالإنسان الكبير، فراجعه تعرف صراحة كفر الخبيث؟ الكون هو رب الصوفية: ثم قاثم قال: "فقل في الكون ما شئت. إن شئت قلت: هو الخلق، وإن شئت [قلت] هو الحق، وإن شئت قلت: هو الحق الخلق، وإن شئت قلت:
لم يقول الصوفية بوحدة الأديان
لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه1, وإن شئت قلت بالحيرة في ذلك، فقد بانت المطالب بتعيينك المراتب، ولولا التحديد ما أخبرت الرسل بتحول الحق في الصور، ولا وصفته بخلع الصور عن نفسه: فلا تنظر العين إلا إليه ... ولا يقع الحكم إلا عليه2 ثم قال: "وبالجملة، فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه يرجع بها إليه, ويطلبه فيها [فإذا تجلى له الحق فيها عرفه، وأقر به، وإن تجلى له في غيرها أنكره وتعوذ منه، وأساء الأدب عليه في نفس الأمر، وهو عند نفسه أنه قد تأدب معه] فلا يعتقد معتقد إلها إلا بما جعل في نفسه، فالإله في الاعتقادات بالجعل فما رأوا إلا نفوسهم، وما جعلوا فيها. لم يقول الصوفية بوحدة الأديان: فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص, وتكفر بما سواه، فيفوتك خير كثير، بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه. فكن في نفسك هيولي3 لصور المعتقدات
الوحدة عند ابن الفارض
كلها، فإن الله تعالى أوسع وأعظم [من] أن يحصره عقد دون عقد، فإنه يقول: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 1 [البقرة: 115] ". ثم قال: "فقد بان لك عن الله تعالى أنه في أينية2 كله وجهة3، وما ثم إلا الاعتقادات، فالكل مصيب، وكل مصيب مأجور، وكل مأجور سعيد، وكل سيعد مرضي عنه4، وإن شقي زمانا ما في الدار الآخرة، فقد مرض، وتألم أهل العناية -مع علمنا بأنهم سعداء وأهل الحق- في الحياة الدنيا". الوحدة عند ابن الفارض وإلى هذه الجهالة والضلالة رمز ابن الفارض في هذه المقالة: فلا تك مفتونا بحسك معجبا ... بنفسك موقوفا على لبس غرة وفارق ضلال الفرق فالجمع5 منتج ... هدى فرقة بالاتحاد تحدت وصرح بإطلاق الجمال، ولا تقل ... بتقييده ميلا لزخرف زينة فكل مليح حسنه من جمالها ... معار له، أو حسن كل مليحة
بها قيس لبنى هام، بل كل عاشق ... كمجنون ليلى، أو كثير عزة فكل صبا منهم إلى وصف لبسها ... لصورة حسن لاح في حسن صورة وما ذاك إلا أن بدت بمظاهر ... فظنوا سواها، وهي فيها1 تجلت بدت باحتجاب، واختفت بمظاهر ... على صبغ التلوين في كل برزة2 ففي النشأة الأولى تراءت لآدم ... بمظهر حوا قبل حكم الأمومة فهام بها كيما يصير بها أبا ... ويظهر بالزوجين حكم3 النبوة وما برحت تبدو وتخفى لعلة ... على حسب الأوقات في كل حقبة وتظهر للعشاق في كل مظهر ... من اللبس في أشكال حسن بديعة ففي مرة لبنى، وأخرى بثينة ... [25] وآونة تدعى بعزة عزت ولسن سواها، لا. ولا كن غيرها ... وما إن لها في حسنها من شريكة4 كذاك بحكم الاتحاد بحسنها ... كمالي بدت في غيرها، وتزيت بدوت لها في كل صب متيم ... بأي بديع حسنه، وبأيت5
وليسوا بغيري1 في الهوى لتقدم ... على لسبق في الليالي القديمة وما القوم غيري في هواها2 وإنما ... ظهرت [لهم] للبس في كل هيئة ففي مرة قيسا، وأخرى كثيرا ... وآونة أبدو جميل بثينة تجليت فيهم ظاهرا واحتجبت با ... طنا بهم فاعجب لكشف بسترة أسام بها كنت المسمى حقيقة ... وكنت لي البادي بنفس تخفت وما زلت إياها، وإياي لم تزل ... ولا فرق، بل ذاتي لذاتي أحبت3
الكثرة عين الوحدة
وليس معي في الكون شيء سواي والـ ... ـمعية لم تخطر على ألمعيتي1 الكثرة عين الوحدة: ثم قال ابن عربي في فص حكمة قلبية في كلمة شعيبية: "وصاحب التحقيق يرى الكثرة في الواحد، كما يعلم أن مدلول الأسماء الإلهية، وإن اختلفت حقائقها وكثرت أنها عين واحدة, فهذه كثرة معقولة في واحد العين، فيكون في التجلي كثرة مشهودة في عين واحدة، كما أن الهيولي2 تؤخذ3 في حد كل صورة [وهي] مع كثرة الصور [واختلافها] ترجع4 في الحقيقة إلى جوهر واحد، هو5 هيولاها، فمن عرف نفسه بهذه المعرفة, فقد عرف ربه، فإنه على صورة خلقه بل هو عين هويته وحقيقته6.
فعل الرب عند الصوفية
قلت: وإلى هذا المحال أشار ابن الفارض فقال: رجعت لأعمال العبادة عادة ... وأعددت أحوال الإرادة عدتي وعد جملة من أفعال البر في أبيات، ثم قال: ودققت فكري في الحلال تورعا ... وراعيت في إصلاح قوتي وقوتي متى حلت عن قولي: أنا هي أو أقل ... وحاشا لمثلي1 أنها فيّ حلت وهذا مثل ما يقال: خاب فلان وخسر، وكان مثل إبليس، إن كان منه كذا. فعل البعد عين فعل الرب عند الصوفية وقال ابن عربي في فص حكمة نبوية في [كلمة] عيسوية: فإنا أعبد حقا ... وإن الله مولانا وإنا عينه، فاعلم ... إذا ما قلت: إنسانا فلا تحجب بإنسان ... فقد أعطاك برهانا فكن حقا، وكن خلقا ... تكن بالله رحمانا2 وقال في فص حكمة رحمانية في كلمة سليمانية: "والعمل مقسم على ثمانية
ما الخلق
أعضاء من الإنسان، وقد أخبر الحق تعالى أنه هوية كل عضو منها1، فلم يكن العامل غير الحق، والصورة للعبد، والهوية مدرجة2 فيه، أي: في اسمه، لا غير لأنه تعالى عين ما ظهر3". ما الخلق؟: ثم قال: "فنحن نتيجة رحمة الامتنان بالأسماء الإلهية، والنسب الربانية، ثم أوجبها على نفسه بظهورنا لنا، وأعلمنا أنه هويتنا، لنعلم أنه ما أوجبها على نفسه إلا4 لنفسه، فما خرجت الرحمة عنه، فعلى من [26] امتن، وما ثم إلا
زعمه أن التفاضل لا يستلزم التغاير
هو؟ إلا أنه لا بد من حكم لسان التفصيل، لما ظهر من تفاضل الخلق في العلوم, حتى يقال: إن هذا أعلم من هذا مع أحدية العين1". زعمه أن التفاضل لا يستلزم التغاير: ثم قال: "فكل جزء من العالم، أي: هو قابل لحقائق متفرقات العالم كله، فلا يقدح قولنا: إن زيدا دون عمرو في العلم أن تكون هوية الحق عين زيد وعمرو، وتكون في عمرو أكمل [وأعلم منه في زيد] كما تفاضلت الأسماء الإلهية، وليست غير الحق، فهو تعالى -من حيث هو عالم- أعم في التعلق من حيث ما هو مريد وقادر، وهو هو ليس غيره2، فلا تعلمه هنا يا ولي، وتجهله.
هنا، وتثبته هنا، وتنفيه هنا، إلا إن أثبته بالوجه الذي أثبت نفسه، ونفيته عن كذا بالوجه الذي نفى نفسه، كالآية الجامعة للنفي والإثبات في حقه حين قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فنفي {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فأثبت بصفة تعم كل سامع بصير
الضال مهتد والكافر مؤمن
من حيوان، ومن ثم إلا حيوان، إلا أنه بطن في الدنيا عن إدراك بعض الناس، وظهر في الآخرة لكل الناس، فإنها الدار الحيوان، وكذلك الدنيا، إلا أن حياتها مستورة عن بعض العباد، ليظهر الاختصاص والمفاضلة بين عباد الله بما يدركونه1 من حقائق العالم فمن عم إدراكه، كان الحق أظهر في الحكم ممن ليس له ذلك العموم، فلا تحجب بالتفاضل، وتقول: لا يصح كلام من يقول: إن الخلق هوية الحق، بعد ما أريتك التفاضل في الأسماء الإلهية التي لا تشك أنت أنها [هي] الحق، ومدلولها المسمى بها وليس إلا الله2". الضال مهتد, والكافر مؤمن: ثم قال: "نحن على الصراط المستقيم الذي الرب عليه، لكون نواصينا في يده، وتستحيل مفارقتنا إياه، فنحن معه بالتضمين، وهو معنا بالتصريح، فإنه قال: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] ونحن معه بكونه آخذا بنواصينا فهو تعالى مع نفسه حيثما مشى بنا من صراطه، فما أحد من العالم إلا على صراط مستقيم3" ثم قال في فص حكمة وجودية في كلمة داودية {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وإن اتفقا، فنحن نعلم أنهما لو اختلفا [تقديرا] لنفذ حكم أحدهما فالنافذ الحكم هو الإله على الحقيقة، والذي لم ينفذ حكمه ليس بإله، ومن هنا تعلم أن كل حكم ينفذ اليوم في العالم أنه حكم الله، وإن خالف الحكم المقرر في الظاهر المسمى: شرعا؛ إذ لا ينفذ حكم إلا الله في نفس الأمر، لأن الأمر الواقع في العالم إنما هو على حكم المشيئة4".
لن يعذب كافر عند الصوفية
لن يعذب كافر عند الصوفية: ثم قال: "ولما كان الأمر [في نفسه] على ما قررناه، لذلك كان مآل الخلق إلى السعادة على اختلاف أنواعها، فعبر عن هذا المقام بأن الرحمة وسعت كل شيء، وأنها سبقت الغضب الإلهي، والسابق متقدم، فإذا لحقه هذا الذي حكم عليه المتأخر حكم عليه المتقدم، فنالته الرحمة، إذا لم يكن غيرها سبق، فهذا معنى سبقت رحمته غضبه، لتحكم على من وصل [27] إليها، فإنها في الغاية وقفت، والكل سالك إلى الغاية، فلا بد من الوصول إليها، فلا بد من الوصول إلى الرحمة، ومغادرة الغضب، فيكون الحكم لها في كل واصل إليها، بحسب ما يعطيه حال الواصل إليها. فمن يك ذا فهم يشاهد ما قلنا ... وإن لم يكن فهم، فيأخذه عنا فما ثم إلا ما ذكرناه، فاعتمد ... عليه، وكن في الحال فيه كما كنا فمنه إليه ما تلونا عليكم ... ومنا إليكم ما وهبناكم منا1 وقال في فص حكمة نفسية في كلمة يونسية2: "وأما أهل النار فمآلهم إلى النعيم ولكن في النار، إذ لا بد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب، أن تكون بردا وسلاما على من فيها، وهذا نعيمهم، فنعيم أهل النار -بعد استيفاء الحقوق- نعيم خليل الله حين ألقي في النار، فإنه عليه السلام تعذب برؤيتها، وبما تعود في علمه، وتقرر من أنها صورة تؤلم من جاورها من الحيوان، وما علم مراد الله فيها، ومنها في حقه، فبعد وجود هذه الآلام وجد بردا وسلاما مع شهود الصورة اللونية في حقه، وهي نار في عيون الناس، فالشيء الواحد يتنوع في عيون الناظرين. هكذا هو التجلي الإلهي3".
وقال في فص حكمة غيبية في كلمة أيوبية: "وقد ورد في العلم الإلهي النبوي اتصاف الحق بالرضا والغضب، وبالصفات، والرضا مزيل للغضب، والغضب مزيل للرضا عن المرضي عنه، والاعتدال: أن يتساوى الرضا والغضب، فما غضب الغاضب على من غضب عليه، وهو عنه راض, فقد اتصف بأحد الحكمين في حقه، وهو ميل، وإنما قلنا هذا لأجل من يرى أن أهل النار، لا يزال غضب الله عليهم دائما أبدا في زعمه، فمآلهم حكم الرضا من [الله] فصح المقصود، فإن كان -كما قلنا- مآل أهل النار إلى إزالة الآلام، وإن سكنوا النار، فذلك رضا، فزال الغضب لزوال الآلام، إذ عين الألم عين الغضب إن فهمت. فمن غضب، فقد تأذى, فلا يسعى في انتقام المغضوب عليه بإيلامه إلا ليجد الغاضب الراحة بذلك، فينتقل الألم الذي كان عنده إلى المغضوب عليه، والحق إذا أفردته عن العالم يتعالى علوا كبيرا عن هذه الصفة على هذا الحد، وإذا كان الحق هوية العالم، فما ظهرت الأحكام كلها إلا فيه ومنه، وهو قوله: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} [هود: 123] حقيقة وكشفا1 {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} حجابا وسترا2، فليس في الإمكان أبدع من هذا العالم3؛ لأنه على صورة
الحق عندهم سار في عناصر الطبيعة
الرحمن أوجده الله تعالى، أي: ظهر وجوده تعالى بظهور العالم، كما ظهر الإنسان بوجود الصورة الطبيعية، فنحن صورته الظاهرة، وهويته روح هذه الصورة المدبرة لها، فما كان التدبير إلا فيه [كما لم يكن إلا منه] ، فهو: "الأول" بالمعنى، "والآخر" بالصورة، وهو "الظاهر" [28] بتغير الأحكام والأحوال "والباطن" بالتدبير "وهو بكل شيء عليم" فهو على كل شيء شهيد.1 الحق عندهم سار في عناصر الطبيعة: وقال في فص حكمة إبناسية في كلمة إلياسية: "وكان إلياس الذي هو إدريس، قد مثل له انفلاق الجبل2 [المسمى] لبنان عن فرس من نار، فلما [رآه] ركب عليه، فسقطت3 عنه الشهوة، فكان4 عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأغراض النفسية، فكان الحق فيه5 منزها، فكان على النصف من المعرفة بالله [فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حيث أخذه العلوم عن نظره كانت معرفته بالله] عن التنزيه6, لا على التشبيه، وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلي كملت معرفته بالله، فنزه في موضع, وشبه في موضع، ورأى سريان الحق في الصور الطبيعية والعنصرية، وما بقيت له صورة إلا ويرى عين الحق عينها، وهذه المعرفة التامة التي جاءت بها الشرائع المنزلة من عند الله، وحكمت بهذه المعرفة الأوهام كلها7". رد العراقي على وحدة الأديان قال الإمام زين الدين العراقي في جواب السؤال المذكور قبل: "بتوحيد
الشرائع أوهام عند الصوفية
إلياس عليه السلام بعثت الرسل كلها، لأن الملل كلها، وما جاءت به الرسل لم يختلفوا في التوحيد والإقرار به، وقد نزه الله تعالى نفسه عن الشبه بقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وليت شعري ما الفائدة لبعثة الرسل إذا كان من عبد شيئا من المخلوقات عابدا لله تعالى؟ وليت شعري ماذا يقول هذا القائل، في نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نهيهم عن عبادة الأوثان وكسرها؟ هل يقول: كانوا بعبادتها مصيبين عابدين لله، وأنه ما حصل لنبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتساع، فأنكر عليهم، كما قال في حق هارون عليه السلام، ولا شك أن الرسل كلهم متفقون في التوحيد، وكأنه إنما سكت عن ذلك خيفة من السيوف المحمدية، فإن هذه المؤلفات التي كان يسرها إلى أصحابه، ويسرها أصحابه إلى أصحابهم، ولو كان حقا لأظهروه على رءوس الأشهاد" ا. هـ. الشرائع أوهام عند الصوفية: ثم قال ابن عربي: "فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية، وبه جاءت الشرائع المنزلة، فشبهت ونزهت: شبهت في التنزيه بالوهم، ونزهت في التشبيه بالعقل، فارتبط الكل بالكل، فلم يمكن أن يخلو1 تنزيه عن تشبيه، ولا تشبيه عن تنزيه، قال الله تعالى: { [لَيْسَ] كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فنزه وشبه {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فشبه، وهي أعظم آية تنزيه نزلت، ومع ذلك لم تخل عن تشبيه بالكاف، فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه إلا بما ذكرناه2. ليس لله وجود عند الصوفية: ثم قال في مثل ضربه للتشبيه في التنزيه، والتنزيه في التشبيه: "مثل من يرى الحق في النوم، ولا ينكر هذا، وأنه لا شك الحق عينه، فتتبعه لوازم تلك الصورة، وحقائقها التي تجلى فيها في النوم، ثم بعد ذلك يعبر3 -أي
الداعي عين المجيب
يجاز- عنها إلى أمر آخر، يقتضي التنزيه عقلا، فإن كان الذي يعبرها ذا كشف وإيمان، فلا يجوز عنها إلى تنزيه فقط، بل يعطيها [29] حقها1 في التنزيه، ومما ظهرت فيه، فالله على التحقيق عبارة2 لمن فهم الإشارة3". الداعي عين المجيب: ثم قال: "ومن ذلك قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] قال الله: {إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه4 وإن كان عين الداعي عين المجيب، فلا خلاف في اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شك5، وتلك الصور كالأعضاء لزيد، فمعلوم أن زيدا حقيقة واحدة شخصية، وأن يده ليست صورة رجله، ولا رأسه ولا عينه، ولا حاجبه، فهو الكثير بالصور الواحد بالعين كالإنسان بالعين واحد بلا شك، ولا نشك أن عمرا ما هو زيد، ولا خالد، ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العين الواحدة لا تتناهى وجودا، فهو وإن كان واحدا بالعين، فهو كثير بالصور والأشخاص، وقد علمت قطعا -إن كنت مؤمنا- أن الحق عينه يتجلى يوم القيامة في صورة، فيعرف، ثم يتحول في صورة، فينكر، ثم يتحول عنها في صورة، فيعرف، وهو هو المتجلى ليس
غيره في كل صورة. ومعلوم أن هذه الصورة ما هي تلك الصورة الأخرى، فكأن العين الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فيها إلى صورة معتقده في الله عرفه، وأقر به، وإذا اتفق أن يرى فيها معتقد غيره أنكره، كما يرى في المرآة عين صورته وصورة غيره، فالمرآة عين واحدة، والصور كثيرة في عين الرائي، وليس في المرآة صورة منها جملة واحدة من كون المرآة لها أثر في الصور بوجه، وما لها أثر بوجه1". ثم قال: "فإن كوشف على أن الطبيعة عين نفس الرحمن، فقد أوتي خيرا كثيرا2". قلت: وإلى هذا أومأ ابن الفارض بقوله: ولا تحسبن الأمر عني خارجا ... فما ساد إلا داخل في عبودتي3 ولولاي لم يوجد وجود، ولم يكن ... شهود، ولم تعهد عهود بذمة وفي عالم التركيب في كل صورة ... ظهرت بمعنى عنه بالحسن زينتي وضربي لك الأمثال مني منة ... عليك بشأني مرة بعد مرة تأمل مقامات السروجي4 واعتبر ... بتلوينه، تحمل قبول مشورتي وتدر5 التباس النفس بالحس باطنا ... بمظهرها في كل شكل وصورة وشاهد إذا استجليت نفسك ما ترى ... بغير مراء في المرائي6 الصقيلة7
أغيرك فيها لاح، أم أنت ناظر ... إليك بها عند انعكاس1 الأشعة؟ وأصغ لرجع الصوت عند انقطاعه ... إليك بأكناف القصور المشيدة أهل كان من ناجاك ثم سواك، أم ... سمعت خطابا عن صداك المصوت وقل لي: من ألقى إليك علومه ... وقد ركدت منك الحواس بغفلة وما كنت تدري قبل يومك ما جرى ... بأمسك، أو ما سوف يجري بغدوة فأصبحت ذا علم بأخبار من مضى ... [30] وأسرار من يأتي مدلا بخبرة أتحسب من جاراك في سنة الكرى ... سواك بأنواع العلوم الجليلة وما هي إلا النفس عند اشتغالها ... بعالمها عن مظهر البشرية تجلت لها2 بالغيب في شكل عالم ... هداها إلى فهم المعاني الغريبة ولا تك ممن طيشته دروسه ... بحيث استقلت عقله واستفزت فثم وراء النقل علم يدق عن ... مدارك غايات العقول السليمة3
الحق عين كل معلوم عند الصوفية
تلقيته مني، وعني أخذته ... ونفسي كانت من عطائي ممدتي ولا تك باللاهي عن اللهو جملة ... فهزل الملاهي جد نفس مجدة الحق عين كل معلوم عند الصوفية: ثم قال1 في فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية؛ بعد أن ذكر أن من حكمته الملفوظة، أنها إن تك مثال حبة من خردل الآية ... وأن من حكمته المسكوبة2 عموم المؤتى إليه؛ لأنه لم يقل: يأتي بها الله إليك، أو إلى غيرك، قال: "فنبه لقمان بما تكلم به، وبما سكت عنه أن الحق عين كل معلوم، لأن المعلوم أعم [من الشيء3] فهو أنكر النكرات، ثم تمم الحكمة، واستوفاها؛
لتكون النشأة كاملة فيها، فقال: "إن الله لطيف" فمن لطافته ولطفه، أنه في الشيء المسمى كذا المحدود بكذا، عين ذلك الشيء، حتى لا يقال فيه إلا ما يدل عليه اسمه بالتواطؤ1 والاصطلاح، فيقال: هذا سماء, وأرض, وصخرة، وشجرة، وحيوان، وملك، ورزق، وطعام، والعين واحدة2 من كل شيء.
وفيه كما تقول الأشاعرة1: أن العالم كله متماثل بالجوهر، فهو جوهر واحد2 فهو عين قولنا: [العين واحدة] ثم قالت: ويختلف بالأعراض، وهو عين قولنا
ويختلف، ويتكثر بالصور والنسب حتى يتميز, فيقال: هذا ليس هذا من حيث صورته، أو عرضه، أو مزاجه كيف شئت، فقل: وهذا عين هذا من حيث جوهره، ولهذا تؤخذ عين الجوهر في حد كل صورة، أو مزاج، فنقول نحن: إنه ليس سوى الحق، ويظن المتكلم1 أن مسمى الجوهر الفرد -وإن كان حقا- ما هو عين الحق الذي يطلقه أهل الكشف والتجلي فهذا حكمة كونه: لطيفا2، ثم نعت، فقال: خبيرا، أي: عالما عن اختبار3، وهو قوله: ولنبلونكم حتى نعلم، وهذا هو علم الأذواق، فجعل الحق نفسه -مع عمله بما هو الآمر عليه- مستفيدا علما، ولا نقدر4 على إنكار ما نص الحق عليه [في حق نفسه] ، ففرق تعالى بين علم الذوق والعلم المطلق، فعلم الذوق مقيد بالقوى وقد قال عن نفسه: إنه عين قوى عبده في قوله: كنت سمعه. وهو قوة من قوى العبد. وبصره, وهو قوة من قوى العبد ولسانه، وهو عضو من أعضاء العبد، ورجله، ويده، فما اقتصر في التعريف على القوى فحسب، حتى ذكر الأعضاء، وليس العبد بغير لهذه5 الأعضاء والقوى، فعين مسمى العبد هو الحق، لا عين العبد هو السيد6، فإن النسب متميزة لذاتها7 وليس المنسوب إليه متميزا [31] فإنه ليس ثم سوى عينه في جميع النسب، فهو عين واحدة ذات نسب وإضافات وصفات، فمن تمام حكمة لقمان في تعليمه ابنه ما جاء به في8
تمجيد الصوفية لعبادة العجل
هذه الآية من1 هذين الاسمين الإلهيين2". وقال في فص حكمة إمامية في كلمة هارونية: "اعلم أن وجود هارون كان من حضرة الرحموت3" ثم ذكر غضب موسى عليه السلام، وأخذه بلحيته، ثم قال: "وسبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح، التي ألقاها من يده، فلو نظر فيها نظرة تثبت لوجد فيها الهدى والرحمة، فالهدى بيان ما وقع من الأمر الذي أغضبه مما [هو] هارون بريء منه، والرحمة بأخيه4، فكان لا يأخذ بلحيته بمرأى من قومه مع كبره، وأنه أسن منه5". تمجيد الصوفية لعبادة العجل: ثم قال: "وكان موسى عليه السلام أعلم بالأمر من هارون؛ لأنه علم ما عبده أصحاب العجل، لعلمه بأن الله قد قضى ألا نعبد إلا إياه، وما حكم الله بشيء إلا وقع، فكان عتب موسى أخاه هارون؛ لما وقع [الأمر] في5 إنكاره وعدم اتساعه، فإن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء6".
بعض ما كفر به العراقي ابن عربي
بعض ما كفر به العراقي ابن عربي: قال الشيخ زين الدين العراقي في جواب السؤال المذكور: "هذا الكلام كفر من قائله من وجوه: أحدها: أنه نسب موسى عليه السلام إلى رضاه بعبادة قومه للعجل. الثاني: استدلاله بقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] على أنه قدر1 أن لا يعبد إلا هو، وأن عابد الصنم عابد له، الثالث: أن موسى
آيات تشهد بكفر ابن عربي
عليه السلام عتب على أخيه هارون عليهما السلام إنكاره لما وقع، وهذا كذب على موسى عليه السلام, وتكذيب لله فيما أخبر به عن موسى من غضبه لعبادتهم العجل، الرابع: أن العارف يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء، لجعل العجل عين الإله المعبود، فليعجب السامع لمثل هذه الجرأة التي تصدر ممن في قلبه مثال ذرة من إيمان". آيات تشهد بكفر ابن عربي: ثم ساق من الآيات1 التي كذب بها في هذه المقالة2 قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلَّا تَتَّبِعَنِ} [طه: 92، 93] وقوله: {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي} [الأعراف: 150] وقوله: { [وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا] اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ3} [الأعراف: 148] وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَبذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف:152] . وقوله:
شرك الصوفية أخبث الشرك
{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 149] . شرك الصوفية أخبث الشرك: ثم قال1: فجاء هذا المخالف لله، ولرسوله ولجميع المؤمنين، فصوب فعلهم، وصرح بأنهم من العارفين بقوله: إن العارف من يرى الحق في كل شيء, بل يراه عين كل شيء، ولا شك أن شرك قائل هذا أشد من شرك اليهود والنصارى فإن أولئك عبدوا عبدا من عباد الله المقربين، وهذا يرى أن عبادة العجل والصنم عين عبادة الله، بل يؤدي كلامه إلى أن يرى الحق عين الكلب والخنزير، وعين العذرة، وقد أخبرني بعد الصادقين من فضلاء أهل [32] العلم أنه رأى شخصا ممن ينتحل هذه المقالة القبيحة بثغر الإسكندرية، وأن ذلك الشخص قال له: إن الله تعالى هو عين كل شيء، فمر بهما حمار، فقال2: وهذا الحمار؟ فقال3: وهذا الحمار؛ فروث الحمار من دبره، فقال4: له: وهذا الروث؟ فقال5: وهذا الروث، فنسأل الله السلامة والتوفيق6.
تعليلهم لإنكار موسى على السامري
تعليلهم لإنكار موسى على السامري: قال ابن عربي: وكان موسى يربي هارون عليهما السلام تربية علم، وإن كان أصغر منه في السن، ولذلك لما قال له هارون ما قال، رجع إلى السامري، فقال له: {فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} [طه: 95] يعني فيما صنعت من عدولك إلى صورة العجل على الاختصاص، وصنعك هذا الشبح من حلي القوم، حتى أخذت بقلوبهم من أجل أموالهم1، وليس للصور بقاء، فلا بد من ذهاب صورة العجل لو لم يستعجل موسى بحرقه، فغلبت عليه الغيرة، فحرقه، ثم نسف رماد تلك الصورة في اليم [نسفا] ، وقال له: انظر إلى إلهك، فسماه2. إلها بطريق التنبيه، للتعليم؛ لما علم أنه3 بعض المجالي الإلهية "لأحرقنه" فإن حيوانية الإنسان لها التصرف من حيوانية الحيوان، لكون الله سخرها للإنسان، ولا سيما وأصله ليس من حيوان، فكان أعظم في التسخير4".
الهوى رب الصوفية الأعظم
ثم قرر1 أمر التسخير، وأن منه ما هو بالمال، ومنه ما هو بالحال، وأن ما هو بالحال مثل تسخير الطفل لأبيه بالقيام في مصالحه، وتسخير الرعايا للملك بقيامه في مصالحهم, قال. "وهذا كله تسخير بالحال من الرعايا يسخرون [في ذلك] مليكهم، ويسمى على الحقيقة تسخير المرتبة، فالمرتبة حكمت عليه بذلك، فالعالم كله يسخر بالحال من لا يمكن أن يطلق عليه اسم مسخر. قال الله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ [فِي] شَأْنٍ} [الرحمن: 29] فكان عدم قوة إرداع هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل، كما سلط موسى [عليه] حكمة من الله ظاهرة في الوجود؛ ليعيد في كل صورة2، وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك، فما ذهبت إلا بعد ما تلبست عند عابدها بالألوهية، ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلا وعبد، إما عبادة تأله، وإما عبادة تسخير، فلا بد من ذلك لمن عقل، وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد، والظهور بالدرجة في قلبه، ولذلك تسمى الحق لنا برفيع الدرجات، ولم يقل: رفيع الدرجة، فكثر الدرجات في عين واحدة، فإنه قضى، أن لا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة، أعطت كل درجة مجلى إلهيا عبد فيها. الهوى رب الصوفية الأعظم: وأعظم مجلى عبد فيه, وأعلاه الهوى، كما قال: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23] وهو أعظم معبود، فإنه لا يعبد شيء إلا بالله، ولا يعبد هو إلا بذاته3" ثم قال: "والعارف المكمل من رأي كل معبود مجلى للحق يعبد
وحدة الأديان عند ابن الفارض
فيه، ولذلك سموه كلهم: إلها مع اسمه الخاص بحجر، أو شجر، أو حيوان، أو إنسان، أو ملك، أو كوكب1. وحدة الأديان عند ابن الفارض: قلت: وإلى هذا [33] أشار ابن الفارض بقوله: فبي مجلس الأذكار سمع مطالع ... ولي حانة الخمار عين طليعة2 وما عقد الزنار3 حكما سوى يدي ... وإن حل بالإقرار بي، فهي حلت وإن نار بالتنزيل محراب مسجد ... فما بار بالإنجيل هيكل بيعة وأسفار توراة الكليم لقومه ... يناجي بها الأحبار في كل ليلة وإن خر للأحجار في البد عاكف ... فلا تعد بالإنكار بالعصبية فما زاغت الأبصار من 4 كل ملة ... وما زاغت الأفكار من 5كل نحلة وما احتار من للشمس عن غرة صبا6 ... وإشراقها من نور إسفار غرني وإن عبد النار المجوس وما انطفت ... كما جاء في الأخبار في7 ألف حجة
الإله الصوفي مجلى صور العالم
فما عبدوا غيري1، وإن كان قصدهم. ... سواي وإن لم يعقدوا عقد نيتي رأوا ضوء ناري مرة، فتوهمو ... هـ نارا, فضلوا في الهدى بالأشعة الإله الصوفي مجلى صور العالم: وقال 2 في فص حكمة علوية في كلمة موسوية: "وجود الحق كانت الكثرة له، وتعداد الأسماء أنه كذا، وكذا بما ظهر عنه من العالم الذي يطلب بنشأته حقائق الأسماء الإلهية، فثبت3 به وبخالقه4 أحدية الكثرة، وقد كان أحدي العين من حيث ذاته، كالجوهر الهيولاني5، أحدي العين من حيث ذاته كثير بالصور الظاهرة فيه التي هو حامل لها بذاته، كذلك الحق بما ظهر منه من صور التجلي، فكان مجلى صور العالم مع الأحدية المعقولة6". حكم ابن عربي بإيمان فرعون ونجاته: ثم ذكر أخذ فرعون لتابوت موسى عليه السلام، وأنه أراد قتله، وأن امرأته رضي الله عنها قالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} فبه قرت عينها بالكمال الذي
حصل لها، كما قلنا1، قال: "وكان قرة عين لفرعون2 بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق، فقبضه طاهرا مطهرا، ليس فيه شيء من الخبث؛ لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام، والإسلام يجب ما قبله، وجعله آية على عنايته سبحانه وتعالى بمن شاء، حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون3.
رد هذه الفرية
رد هذه الفرية: هذا نصه بحروفه مع العلم الضروري لكل من شم رائحة العلم من المسلمين وغيرهم أن فرعون ما نطق بالإيمان إلا عند رؤية البأس، وتصريح الله تعالى في غير آية من كتابه العزيز بأنه لا ينفع أحدا إيمانه عند ذلك1، وأن ذلك سنة الله التي قد خلت، ولن تجد لسنة الله تحويلا، وقوله في دعاء موسى عليه السلام {فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 88] مع قوله تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89] وقوله تعالى منكرا عليه2: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91] وقوله: {فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} [المؤمنون: 48] وقوله تعالى: {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} [يونس: 83] , {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 43] المنتج3 قطعا أن فرعون من أصحاب النار. وأما السنة، فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر الصلاة يوما, فقال: "من حافظ عليها كانت
سؤال فرعون وجواب موسى
له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة, ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور، ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان، وقارون، وأبي بن خلف" قال الحافظ المنذري: رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني في الكبير والأوسط، وابن ماجه في صحيحه، وقال الإمام أبو العباس ابن تيمية في الفتوى التي أجاب فيها الشيخ سيف الدين بن عبد المطلب بن بليان السعودي: "ويكفيك معرف بكفرهم -يعني ابن عربي وأتباعه- أن أخف أقوالهم: أن فرعون مات مؤمنا، وقد علم بالاضطرار عن دين أهل الملل المسلمين واليهود والنصارى أن فرعون من أكفر الخلق بالله. سؤال فرعون وجواب موسى: ثم قال ابن عربي: "وهنا سر كبير فإنه -أي: موسى عليه السلام أجاب بالفعل لمن سألوه عن الحد الذاتي1- أي بقوله: وما رب العالمين، فجعل الحد
الذاتي عين إضافته إلى ما ظهر به من صور العالم، أو ما ظهر فيه من صور العالم، فكأنه قال في جواب قوله: وما رب العالمين. قال: الذي تظهر فيه صورة
فرعون عند الصوفية رب موسى وسيده
العالمين من علو -وهو السماء- وسفل -وهو الأرض- إن كنتم موقنين1 فرعون عند الصوفية رب موسى وسيده: ثم قال: "فلما جعل موسى المسئول عنه عين [صور] العالم2 خاطبه فرعون بهذا اللسان -والقوم لا يشعرون- فقال [له] : {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29] والسين في السجن من حروف الزوائد3" أي: لأسترنك، فإنك أجبت بما أيدتني به، أن أقول لك مثل هذا القول. فإن قلت لي: فقد جهلت يا فرعون بوعيدك إياي -والعين واحدة- فكيف فرقت؟ فيقول فرعون: إنما فرقت المراتب العين4. ما تفرقت [العين] ، ولا انقسمت في ذاتها, ومرتبتي الآن التحكم فيك يا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعين، وغيرك بالرتبة5", ثم قال: "ولما كان فرعون في منصب التحكم
صاحب الوقت1، وأنه الخليفة بالسيف، وإن جار في العرف الناموسي, لذلك قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] أي: وإن كان الكل أربابا بنسبة ما، فأنا الأعلى منهم، بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم، ولما علمت السحرة صدقه فيما قاله، لم ينكروه، وأقروا له بذلك، فقالوا له: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72] فالدولة لك, فصح قوله: أنا ربكم الأعلى، وإن كان عين الحق، فالصورة لفرعون، فقطع الأيدي والأرجل [35] وصلب بعين حق في صورة باطل2، لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل [فإن الأسباب لا سبيل إلى تعطيلها، لأن الأعيان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر في الوجود إلا بصورة ما هي عليه في الثبوت] ، إذ لا تبديل لكلمات الله، وليس كلمات الله سوى أعيان الموجودات3، فينسب إليها القديم من حيث ثبوتها، وينسب إليها الحدوث من حيث وجودها وظهورها، كما تقول: حدث اليوم
حكم من ينسب ربوبية إلى فرعون
عندنا إنسان، أو ضيف، ولا يلزم من حدوثه أنه ما كان له وجود قبل الحدوث1". حكم من ينسب ربوبية إلى فرعون: قال الشيخ زين الدين العراقي: "قوله في قول فرعون: أنا ربكم الأعلى: أنه صح قوله ذلك، مستدلا عليه بأن السحرة صدقوه. كذب وافتراء على السحرة، فلقد كذبوه، وخالفوه، ودعواه كاذبة، وبها أخذ الله فرعون وأهلكه، فقال تعالى حكاية عنه: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى، فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [النازعات: 24، 25] ثم قال: ولا شك أن من صح أنه قال هذا، واعتقده، مع وجود عقله، وهو غيره مكره، ولا مجبر الإجبار المجوز للكفر، فهو كافر ولا يقبل منه تأويلها على ما أراد، ولا كرامة، كما قدمنا ذكره، وهذا ما لا نعلم فيه خلافا بين العلماء بعلوم الشريعة المطهرة في مذاهب الأئمة الأربعة, وغيرهم من أهل الاجتهاد والصحيح. والله أعلم". وهذا كما ترى مبطل لما يقوله بعضهم من الخرافات في تأويله ستر الكفر، وأن المراد به: فرعون النفس؛ لأنه نزل قوله على جل آيات القرآن جملة جملة، ومن المقطوع به أن الله تعالى ما أنزل هذه الآيات إلا في فرعون وموسى. تحريم التأويل: ولهذا قال الغزالي في الطامات من كتاب العلم من الإحياء -بعد تحريم التأويل بما لا تسبق الأفهام إليه- ما نصه: "وبعض هذه التأويلات يعلم بطلانه قطعا، كتنزيل فرعون على القلب، فإن فرعون شخص محسوس تواتر إلينا وجوده، ودعوة موسى عليه السلام له، كأبي جهل، وأبي لهب، وغيرهما من الكفار
رأي ولد العراقي في الفصوص والتائية
وليس من جنس الشياطين والملائكة، وما يدرك بالحس حتى يتطرق التأويل إلى ألفاظه1" ا. هـ. رأي ولد العراقي في الفصوص والتائية: وقال الإمام ولي الدين أحمد العراقي2 ابن الشيخ زين الدين المذكور في المسألة الحادية والعشرين من فتاويه المكية ما نصه، "لا شك في اشتمال الفصوص المشهورة عنه على الكفر الصريح الذي لا شك فيه، وكذلك فتوحاته المكية، فإن صح صدور ذلك عنه، واستمر إلى وفاته، فهو كافر مخلد في النار بلا شك, وقد صح عندي عن الحافظ المزي3 أنه نقل من خطه في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] كلاما ينبو عنه السمع, ويقتضي الكفر، وبعض كلماته لا يمكن تأويلها4،
والذي يمكن تأويله منها كيف يصار إليها مع مرجوجية التأويل، وأن الحكم إنما يترتب على الظاهر، وقد بلغني عن الشيخ علاء الدين القونوي -وأدركت أصحابه- أنه قال في مثل ذلك: إنما يؤول كلام المعصومين، وهو كما قال", [36] ثم ذكر كلام الذهبي1 فيه، وساق الأسانيد إلى ابن [عبد] السلام2 بما يأتي عنه من تكفيره، ثم قال: "وأما ابن الفارض، فالاتحاد في شعره، وأمرنا أن نحكم بالظاهر، وإنما نؤول كلام المعصومين، لكن علماء عصره من أهل الحديث رووا عنه في معاجمهم، ولم يترجموه لشيء من ذلك، فقال الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري3 في معجمه: الشافعي الأديب4 سمع من
رأى السكوتي
أبي القاسم ابن عساكر، وحدث: سمعت شيئا من شعره، وقال الحافظ رشيد الدين العطار في معجمه: الشيخ الفاضل الأديب كان حسن النظم متوقد الخاطر، وكان يسلك طريق التصوف، وينتحل مذهب الشافعي، وأقام في مكة مدة، وصحب جماعة من المشايخ.. وقال الحافظ أبو بكر بن مسدي1: برع في الأدب، فكان رقيق الطبع، عذب النبع، فصيح العبارة، دقيق الإشارة، سلس القيادة، نبيل الإصدار والإيراد، وتصرف فتصوف، فكان كالروض المفوف، وتخلق بالزي، وتزيا بالخلق، وجمع كرم النفس كل مفترق" انتهى كلام الشيخ ولي الدين. وما قاله هؤلاء الأئمة ليس فيه مناقضة لكلامه أولا في الحكم عليه بالاتحاد، فإنهم لم يقضوا على التائية ونحوها، وأما قوله: إن صح ذلك عنه، فهو على طريق من يعتبر في الكتب المشهورة إسنادا خاصا، وهي طريقة غير مرضية2، والصحيح أنها لا تحتاج إلى ذلك، بل الشهرة كافية3، والله الموفق. رأي السكوتي: وقال الإمام أبو علي ابن خليل السكوتي في كتابه: تحت العوام، فيما يتعلق
حكم من يؤول للصوفية كلامهم
يعلم الكلام. بعد أن حذر من ابن عربي وأتباعه، فقال: "وليحترز من مواضع كثيرة من كلام ابن عربي الطائي في فصوصه وفتوحاته المكية، وغيرهما وليحترز أيضا من مواضع كثيرة من كلام ابن الفارض الشاعر وأمثاله، مما يشيرون بظاهره إلى القول بالحلول والاتحاد, لأنه باطل بالبراهين القطعية -ثم قال: وكل كلام وإطلاق يوهم الباطل، فهو باطل بالإجماع، فأحرى وأولى بطلانه إذا كان صريحا في الباطل، فإن قالوا: لم نقصد بكلامنا ورموزنا وإشاراتنا الاتحاد، والحلول، وإنما قصدنا أمرا آخر يفهم عنا، قلنا لهم: الله أعلم بما في الضمائر، وما يخفى في السرائر، وإنما اعترضنا نحن الألفاظ والإطلاقات التي تظهر فيها الإشارات إلى الإلحاد، والحلول، والاتحاد1" ا. هـ. حكم من يؤول للصوفية كلامهم: والفيصل في قطع التأويل من أصله أن محقق زمانه وصالحه علاء الدين محمد البخاري الحنفي ذكر عنده ابن عربي هذا، فقال قاضي المالكية إذ ذاك شمس
الدين محمد البساطي1: يمكن تأويل2 كلامه. فقال له البخاري: كفرت. وسلم له أهل عصره ممن كان في مجلسه، ومن غيرهم، وما طعن أحد منهم فيه بكلمة واحدة، وقد كان منهم حافظ العصر قاضي الشافعية بها شهاب الدين أحمد بن [37] حجر، وقاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني، وقاضي القضاة محمود العيني الحنفي، والشيخ يحيى السيرامي الحنفي، وقاضي القضاة محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي الحنبلي، وزيد الدين أبو بكر القمني الشافعي، وبدر الدين محمد بن الأمانة الشافعي، وشهاب الدين أحمد بن تقي المالكي3، وغيرهم من العلماء والرؤساء، وما خلص البساطي من ذلك إلا بالبراءة من اعتقاد الاتحاد، ومن طائفة الاتحادية، وتكفيره لمن يقول بقولهم.
أوهام الصوفية في الحكم بإيمان فرعون
أوهام الصوفية في الحكم بإيمان فرعون: ثم قال ابن عربي: "وأما قوله: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} [غافر: 85] ، {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} 1 فلم يدل ذلك على أنه لا ينفعهم في الآخرة، بقوله في الاستثناء: إلا قوم يونس، فأراد أن ذلك لا يرفع عنهم الأخذ في الدنيا، فلذلك أخذ فرعون مع وجود الإيمان منه2" ثم قال: "فآمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل على التيقن بالنجاة، فكان كما تيقن، لكن على غير الصورة التي أراد، فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه، كما قال تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ [لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس: 92] لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه: احتجب، فظهر بالصورة المعهودة ميتا، ليعلم أنه هو] فقد عمته النجاة حسا ومعنى، ومن حقت عليه كلمة العذاب الأخروي3 لا يؤمن، ولو جاءته كل آية {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} أي: يذوقوا العذاب الأخروي4، فخرج فرعون من هذا الصنف, هذا هو الظاهر الذي ورد به القرآن, ثم إنا نقول بعد ذلك: والأمر فيه إلى الله، لما استقر في نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص في ذلك يستندون إليه 5" ا. هـ. وقد تقدم النص المنتج قطعا بديهة أنه من أهل النار. ثم قال: "ثم لعلم6 أنه
افتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم
ما يقبض الله أحدا إلا وهو مؤمن، أي: مصدقي بما جاءت به الأخبار الإلهية، أعني من المحتضرين، ولهذا يكره الموت الفجاءة، وقتل الغفلة1" ثم قال: "وأما حكمة التجلي والكلام في صورة النار، فلأنها كانت بغية موسى، فتجلى له في مطلوبه2" ثم قال: كنار موسى، رآها3 حين حاجته وهو الإله، ولكن ليس يدريه. افتراء على الرسول, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وقال في فص حكمة فردية في كلمة4 محمدية: "وإنما حبب إليه النساء, فحن إليهن؛ لأنه من باب حنين الكل إلى جزئه5، فأبان بذلك عن الأمر
التثليث عند الصوفية
في نفسه من جانب الحق في قوله في هذه النشاة الإنسانية العنصرية: ونفخت فيه من روحي، ثم وصف نفسه بشدة الشوق إلى لقائه، فقال للمشتاقين: يا داود إني أشد شوقا إليهم1". التثليث عند الصوفية: ثم ذكر العبد المؤمن، وأنه لا يرى ربه إلا بعد الموت، فاشتاق الحق لوجود هذه النسبة، يعني رؤية المؤمن له تعالى بالموت، ثم قال: "فلما أبان أنه نفخ فيه من روحه، فما اشتاق إلا إلى نفسه, ألا تراه خلقه على صورته؛ لأنه من روحه، ولما كانت نشأته من هذه الأركان الأربعة المسماة [38] في جسده2 أخلاطا حدث عن نفخة اشتعال بما في جسده من الرطوبة، فكان روح الإنسان نارا, لأجل نشأته, ولهذا ما كلم الله تعالى موسى إلا في صورة النار [وجعل حاجته فيها، فلو كانت نشأته طبيعية، لكان روحه نارا] ، وكنى عنه بالنفخ يشير إلى أنه من نفس الرحمن3، فإنه بهذا النفس الذي هو النفخة ظهر عينه [وباستعداد المنفوخ فيه كان الاشتغال نارا لا نورا] فبطن نفس الرحمن فيما كان
رب الصوفية امرأة
[به] الإنسان إنسانا، ثم اشتق له [منه] شخصا على صورته سماه: امرأة، فظهرت بصورته, فحن إليها حنين الشيء إلى نفسه، وحنت إليه حنين الشيء إلى وطنه, فحببت1 إليه النساء، فإن الله أحب من خلقه على صورته، وأسجد له ملائكته [النوريين على عظم قدرهم ومنزلتهم، وعلو نشأتهم الطبيعية] فمن هناك وقعت المناسبة، والصورة أعظم مناسبة، وأجلها وأكملها، فإنها زوج أي: شفعت وجود الحق، كما أن هناك المرأة شفعت بوجودها الرجل، فصيرته زوجا، فظهرت2 الثلاثة: حق ورجل وامرأة3. فحن الرجل إلى ربه الذي هو أصله حنين المرأة إليه، فحبب إليه ربه النساء، كما أحب الله من هو على صورته4" انتهى وقد علم من هنا قطعا أنه يريد بالصورة في خلق آدم على صورته معناها المتعارف5. رب الصوفية امرأة: ثم قال: "فإذا شاهد الرجل الحق في المرأة كان شهودا في منفعل، وإذا شاهده في نفسه من حيث ظهور المرأة عنه شاهده في فاعل، وإذا شاهده في نفسه من [غير] استحضار صورة ما كان شهودا6 في منفعل عن الحق بلا واسطة، فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل؛ لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل
منفعل1، ومن نفسه من حيث هو منفعل خاصة فلهذا أحب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النساء، لكمال شهود الحق فيهن، إذ لا يشاهد الحق مجردا عن المواد أبدا2، فإن الله بالذات غني عن العالمين، وإذا 3 كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا،
ولم تكن الشهادة إلا في مادة، فشهود الحق في النساء أعظم الشهود1 وأكمله [وأعظم الوصلة النكاح2] وهو نظير التوجه الإلهي على من خلقه على صورته، ليخلفه، فيرى فيه نفسه، فسواه، وعدله، ونفخ فيه من روحه الذي هو نفسه، فظاهره خلق، وباطنه حق3". وهذا يدلك على أن الإله عنده كالكلي الطبيعي4، لا وجود له إلا في ضمن جزئياته، والله الموفق. ثم قال: "فمن أحب النساء على هذا الحد، فهو حب إلهي، ومن أحبهن على جهة الشهوة الطبيعية خاصة نقصه علم هذه الشهوة، فكان صورة بلا روح عنده، وإن كانت تلك الصورة في نفس الأمر ذات روح، ولكنها غير مشهودة لمن جاء لامرأته، أو لأنثى حيث كانت لمجرد الالتذاذ، ولكن لا يدري: لمن؟! فجهل من نفسه ما يجهل الغير منه ما لم يسمه هو بلسانه حتى يعلم، كما قال بعضهم: صح عند الناس أني عاشق ... غير أن لم يعرفوا عشقي لمن كذلك هذا. أحب الالتذاذ، فأحب [39] المحل الذي يكون فيه، وهو المرأة، ولكن غاب عنه روح المسألة، فلو علمها، لعلم بمن التذ، ومن التذ؟! 5 وكان كاملا، وكما نزلت المرأة عن درجة الرجل بقوله:
الأنوثة صفة الإله الصوفي
{وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 288] نزل المخلوق على الصورة عن درجة من أنشأه على صورته، مع كونه على صورته، فبتلك الدرجة التي تميز عنه بها كان غنيا عن العالمين، وفاعلا أولا، فإن الصورة فاعل ثان، فماله الأولية التي للحق، فتميزت الأعيان بالمراتب، فأعطى كل ذي حق حقه كل عارف، فلهذا كان حب النساء لمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن تحبب إلهي [وأن الله أعطى كل شيء خلقه، وهو عين حقه، فما أعطاه إلا باستحقاق استحقه بمسماه أي بذات ذلك المستحق] وإنما قدم النساء -أي: في قوله, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حبب إليّ من الدنيا" النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة"1..؛ لأنهن محل الانفعال كما تقدمت الطبيعة على من وجد منها بالصورة, وليست الطبيعة على الحقيقة إلا النفس الرحماني، فإن فيه انفتحت صورة العالم أعلاه وأسفله2". الأنوثة صفة الإله الصوفي: ثم قال: إنه عليه الصلاة والسلام غلب في هذا الخبر التأنيث على التذكير؛ لأنه قصد التهمم بالنساء فقال: ثلاث، ولم يقل: ثلاثة بالهاء الذي هو لعدد الذكران؛ إذ فيها ذكر الطيب, وهو منكر، وعادة العرب أن تغلب التذكير
الإله الصوفي بين التقييد والإطلاق
[على التأنيث] 1, ثم قال: "ثم إنه جعل الخاتمة نظيرة الأولى في التأنيث وأدرج بينهما المذكر، فبدأ2 بالنساء، وحكم بالصلاة، وكلتاهما تأنيث، والطيب بينهما "كهو3" في وجوده، فإن الرجل مدرج بين ذات ظهر عنها وبين امرأة ظهرت عنه، فهو بين مؤنثين تأنيث ذات، وتأنيث حقيقي, كذلك النساء تأنيث حقيقي, والصلاة تأنيث غير حقيقي، والطيب مذكر بينهما, كآدم بين الذات الموجود هو عنها، وبين حواء الموجودة عنه، وإن شئت، قلت: القدرة، فمؤنثة أيضا، فكن على أي مذهب شئت، فإنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم، حتى عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالم، والعلة مؤنثة. الإله الصوفي بين التقييد والإطلاق ثم قال: "وثم مرتبة يعود الضمير على العبد المسبح فيها في قوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] أي: بحمد ذلك الشيء5، فالضمير الذي في
[قوله] : بحمده، يعود على الشيء، أي: بالثناء الذي يكون عليه، كما قلنا في المعتقد أنه [إنما] يثني على الإله الذي في معتقده، وربط به نفسه، وما كان من عمله، فهو راجع إليه، فما أثنى إلا على نفسه، فإنه من مدح الصنعة، فإنما مدح الصانع بلا شك، فإن حسنها وعدم حسنها راجع إلى صانعها، وإله1 المعتقد مصنوع للناظر فيه، فهو صنعه2، فثناؤه على ما اعتقده ثناؤه على نفسه ولهذا يذم معتقد غيره, ولو أنصف لم يكن له ذلك, إلا أن صاحب هذا المعبود الخاص جاهل بلا شك3 في ذلك لاعتراضه [40] على غيره فيما اعتقده في الله، إذ لو عرف ما قال الجنيد: لون الماء لون إنائه، لسلم لكل ذي اعتقاد ما اعتقده وعرف الله في كل صورة، وكل معتقد، فهو ظان ليس بعالم، ولذلك4 قال: "أنا عند ظن عبدي بي5". أي: لا أظهر له إلا في صورة معتقده، فإن شاء أطلق، وإن شاء قيد، فإله المعتقدات تأخذه الحدود, وهو الإله الذي وسعه قلب عبده، فإن الإله المطلق لا يسعه شيء لأنه عين الأشياء6، وعين نفسه7.
دعاء ومباهلة
والشيء ولا يقال فيه: يسع نفسه، لا يسعها, فافهم.1. قلت: وهذا أراد ابن الفارض بقوله: فلو أنني وحدت، ألحدت، وانسلخـ ... ـت من أي جمعي مشركا بي صنعتي دعاء ومباهلة: هذا آخر الكتاب2، المباعد للصواب، المراد للشك والارتياب، لعنة3 الله على معتقده، ورحمة الله على منتقده، قد تم -ولله الحمد- ما أردت انتقاده منه، مترجما بسوء السيرة وقبح السريرة عنه، وانتهى ما وقع انتقادي عليه، وأداني اجتهادي إليه: من واضح كفره، ودقيق مكره، وجلي شره، أعاذنا الله بحوله وقوته من شكوكه، وعصمنا من زيغ طريقه، وباعدنا من سلوكه، ورأيت أن أختم ذلك بحكاية طالما حدثنا بها شيخنا شيخ الإسلام حافظ العصر، قاضي القضاة، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر الكناني، العسقلاني الأصل، المصري الشافعي، ثم رأيتها منقولة عن كتاب الحافظ تقي الدين الفاسي4 في تكفير ابن عربي، وقد أصلح شيخنا بعضها بخطه، قال: "كان في أيام الظاهر برقوق5 شخص يقال له: ابن الأمين شديد التعصب لابن عربي صاحب هذه الفصوص، وكنت أنا كثير البيان لعواره، والإظهار لعاره وعثاره،
المكفرون لابن عربي
وكان بمصر شيخ يقال له: الشيخ صفا، وكان مقربا عند الظاهر، فهددني المذكور بأنه يعرفه بي، ليذكر للسلطان أن بمصر جماعة أنا منهم، يذكرون الصالحين بالسوء، ونحو ذلك، وكانت تلك الأيام شديدة المظالم والمصائب والمغارم، وكنت ذا مأل1، فخفت عاقبته، وخشيت غائلته، فقلت: إن هنا ما هو أقرب مما تريد، وهو أن بعض الحفاظ قال: إنه وقع الاستقراء بأنه ما تباهل اثنان على شيء, فحال الحول على المبطل منهما، فهلم، فلنتباهل، ليعلم المحق منا من المبطل، فتباهلت أنا وهو، فقلت له: قل: اللهم إن كان ابن عربي على ضلال، فالعني بلعنتك، فقاله، فقلت أنا: اللهم إن كان ابن عربي على هدى فالعني بلعنتك وافترقنا، وكان يسكن الروضة، فاستضافه شخص من أبناء2 الجند جميل الصورة، ثم بدا له أن يتركهم، فخرج في أول الليل، فخرجوا يشيعونه فأحس بشيء مر على رجله3، فقال لأصحابه: مر على رجله شيء ناعم، فانظروا ما هو؟ فنظروا [41] فلم يجدوا شيئا، فذهب، فما وصل إلى منزله إلا وقد عمي، ولم يصبح إلا وهو ميت، وكان ذلك في ذي القعدة سنة سبع وتسعين وسبعمائة، وكانت المباهلة في رمضان منها، قال: وكنت عند وقوع المباهلة عرفت من حضر أن من كان مبطلا في المباهلة لا تمضي عليه السنة، فكان ولله الحمد ذلك، واسترحت من شره، وأمنت من عاقبة مكره". المكفرون لابن عربي: وقد صرح بكفر هذا الرجل4، ومن نحا نحوه في مثل هذه الأقوال الظاهرة
في الضلال جماعة من العلماء الأعلام مشايخ الإسلام، ما نقل عنهم الإمام شهاب الدين أحمد بن يحيى بن أبي حجلة التلمساني الحنفي في كتابه الذي صنفه في ذلك، وكذا نقل بعض ذلك الإمام سيف الدين عبد اللطيف بن بلبان السعودي1 الصوفي في جزء نقله عنه أحمد بن أقش الحراني، قال: "وقد كتب كل من راقب الله تعالى، وخشيه، وامتنع كل من التبسه مخافة غيره، وغشيه، فالذي كتب قام لله تعالى بلوازم فرضه، والذي امتيح2 فهو المسئول عن ذلك في يوم عرضه، فإن زعم أنه ترك خوف الفتنة من المخالفين، فتلك محنة في الدين بما وجب على كل عالم من التبيين". وكذلك نقل الفتاوي العلامة بدر الدين حسين بن الأهدل، شيخ أبيات حسين ببلاد اليمن في تصنيفه المسمى: كشف الغطا عن حقائق التوحيد، فالمنكرون منهم سلطان العلماء عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القسم السلمي الشافعي، كما نقل ذلك عنه شيخ الإسلام تقي الدين محمد بن دقيق العيد، قال الحافظ شمس الدين محمد، الذهبي في معجمه3: "حدثني محمد المفيد. حدثنا أبو الفتح اليعمري، سمعت أبا الفتح محمد بن علي القشيري، سمعت شيخنا ابن عبد السلام يقول -وجرى ذكر ابن العربي الطائي- فقال: هو شيخ سوء كذاب4" وقال الصلاح خليل الصفدي في تاريخه: "سمعت أبا الفتح ابن سيد الناس5 يقول: سمعت ابن دقيق العيد يقول: سألت ابن عبد السلام
عن ابن عربي، فقال: هو شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجا، وقال شيخنا العلامة محمد1 بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف [ويعرف2] بابن الجرزي الشافعي في جواب أجاب فيه بكفره، كما حكاه عنه ابن الأهدل: ولقد حدثنا شيخنا شيخ الإسلام الذي لم تر عيناي مثله عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير من لفظه غير مرة، حدثني شيخ الإسلام العلامة قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي3، حدثنا الشيخ العلامة شيخ الشيوخ قاضي القضاة تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي القشيري المعروف بابن دقيق4 العيد القائل في آخر عمره: لي أربعون [42] سنة ما تكلمت بكلمة إلا أعددت لها جوابا بين يدي الله تعالى، قال: سألت شيخنا سلطان العلماء عز الدين أبا محمد عبد العزيز بن عبد السلام الدمشقي عن ابن عربي، فقال: شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجا" ا. هـ. وقال ابن تيمية5 في جواب السيف
السعودي "فكفر الفقيه أبو محمد بذلك، ولم يكن بعد ظهر من قوله: إن العالم هو الله, والعالم صورة الله، وهوية الله" قال السيف المذكور: ثم تابعه في الإنكار الشيخ الإمام بركة الإسلام قطب الدين ابن القسطلاني، وحذر الناس من تصديقه، وبين في مصنفاته فساد قاعدته، وضلال طريقه في كتاب سماه: بالارتباط. ذكر فيه جماعة من هؤلاء الأنماط. ومنهم قاضي القضاة قدوة أهل التصوف إمام الشافعية بدر الدين محمد بن جماعة قال: "وحاشا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يأذن في المنام فيما يخالف، أو يضاد قواعد الإسلام1، بل ذلك من وساوس الشيطان ومحنته، وتلاعبه برأيه وفتنته، وأما إنكاره -يعني ابن عربي- ما ورد في الكتاب والسنة من الوعيد، فهو كافر به عند علماء التوحيد، وكذلك قوله في نوح وهود عليهما السلام قول لغو باطل مردود2" والقدوة العارف عماد الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي3، وقال: إنه علق في ذم هذه الطائفة4 ثلاث كراريس، الأول سماه: البيان المفيد في الفرق بين الإلحاد والتوحيد، الثاني: لوامع الاسترشاد في الفرق بين التوحيد والإلحاد، والثالث: أشعة النصوص في هتك أستار الفصوص. كل ذلك ليبقى المؤمنون منهم على بصيرة، يحذرون من طرقهم وزندقتهم. وحاصل ذلك كله بكلام وجيز مختصر:
"أن هؤلاء جميع ما يبدونه من الكلام الحسن في مصنفاتهم إنما هو ربط واستجلاب، فإن الدعاة إلى البدعة إن لم يكونوا ذوي بصيرة يستدرجون الخلق في دعوتهم، حتى يحلوهم عن أديانهم لا يستجاب لهم، هذا ابن عربي عنده في أصوله: أنه يجعل المعدومات أشياء ثابتة -علويها وسفلها- قبل وجودها، فهي عنده ثابتة في القدم، لكن ليس لها وجود، ثم أفاض الحق عليها من وجوده الذاتي فقبل كل موجود من وجود عين الحق بحسب استعداده، فظهر الكون بعين وجود الحق، فكان الظاهر هو الحق، فعنده: أنه لا وجود إلا للحق، ويستحيل عنده أن يكون ثم وجود محدث، كما يقوله أهل الحق؛ فإنهم يقولون وجود قديم، ووجود حادث1، وهذا عنده، وعند أصحابه: أنه ليس بوجود حادث، وليس ثم إلا وجود الحق الذاتي، وهو الذي فاض على الأعيان والممكنات
فتوى الجزري
[43] فهو موجود بعينه1، ومن شك أن هذا اعتقاده فليراجع كتبه الفصوص وغيرها، وعنده أنه لما فاض على الأكوان عين وجود الحق، كان هو الظاهر فيها بحكم الوجود، وكانت هي الظاهر فيه بحكم الأسماء، فإنها كثيرة متعددة2، وعنده أن الكون افتقر إلى الحق بسبب إفاضة الوجود، وأن الحق أيضا افتقر إلى الكون لظهور أسمائه، وكل منهما يعبد الآخر". فتوى الجزري: ومنهم العلامة شمس الدين محمد بن يوسف ابن الجزري جد شيخنا العلامة شمس الدين، قال:3 "وحكمه بصحة عبادة قوم نوح للأصنام كفر، وقوله: إن الحق المنزه هو الخلق المشبه كلام باطل متناقض، وهو كفر، وقوله في قوم [هود4] : وحصلوا في عين القرب افتراء على الله تعالى، ورد لقوله فيهم، وقوله: زال البعد وصيرورة5 جهنم في حقهم نعيما كذب، وتكذيب للشرائع، وأما من يصدقه فيما قال، فحكمه كحكمه في التضليل والتكفير إن كان عالما، وإن كان ممن لا علم له: فإن قال ذلك جهلا عرف بحقيقة ذلك، ويجب تعليمه وردعه عنه، مهما أمكن" ومنهم الإمام القدوة برهان الدين إبراهيم بن معضاد الجعبري6، ومنهم العلامة زين الدين عمر بن أبي الحرم الكتنائي7 الشافعي.
رأي أبي حيان
ومن جوابه: "وقوله في قوم هود كفر، لأن الله تعالى أخبر في القرآن العظيم عن عاد: أنهم كفروا بربهم، والكفار ليسوا على صراط مستقيم، فالقول بأنهم كانوا عليه، مكذب لصريح القرآن، ويأثم من سمعه، ولم ينكره إذا كان مكلفا، وإن رضي به كفر". رأي أبي حيان والإمام أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي1. ذكر ذلك في تفسير سورة المائدة عند قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17] الآية في أوائلها: "ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من أقر2 بالإسلام ظاهرا، وانتمى إلى الصوفية حلول الله في الصور الجميلة، ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة: كالحلاج والشعوذي وابن أحلى وابن عربي المقيم بدمشق، وابن الفارض، وأتباع هؤلاء كابن سبعين -وعد جماعة3- ثم قال:
رأي التقي السبكي والفاسي والزواوي
"وإنما سردت هؤلاء نصحا لدين الله، يعلم الله ذلك، وشفقة على ضعفاء المسلمين، وليحذروا، فهم شر من الفلاسفة الذين يكذبون الله ورسله، ويقولون بقدم العالم وينكرون البعث، وقد أولع جهلة ممن ينتمي إلى التصوف بتعظيم هؤلاء، وادعائهم أنهم صفوة الله". رأي التقي السبكي والفاسي والزواوي: والعلامة قاضي القضاة شيخ الإسلام تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي، فقال: "ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره، فهم ضلال جهال، خارجون عن طريقة الإسلام, فضلا عن العلماء" قال ذلك في باب الوصية من شرح [44] المهاج ونقله الكمال الدميري، والتقي الحصني، وقال الحافظ تقي الدين الفاسي في كتابه فيه: "وقد أحرقت كتب ابن عربي غير مرة". وممن صنع ذلك من العلماء المعتبرين: الشيخ بهاء الدين السبكي، والعلامة القاضي شرف الدين عيسى بن مسعود الزواوي2 المالكي شارح صحيح مسلم، فقال: "وأما ما تضمنه هذا التصنيف من الهذيان، والكفر والبهتان، فهو كله تلبيس وضلال، وتحريف وتبديل، فمن صدق بذلك أو اعتقد [صحته3]
رأي البكري
كان كافرا ملحدا، صادا عن سبيل الله، مخالفا لسنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ملحدا في آيات الله، مبدلا لكلماته، فإن أظهر ذلك, وناظر عليه، كان كافرا يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل، وإن أخفى ذلك، وأسره كان زنديقا، فيقتل متى ظهر عليه، ولا تقبل توبته إن تاب، لأن توبته لا تعرف، فقد كان قبل أن يظهر عليه يقول بخلاف ما يبطن، فعلم بالظهور عليه خبث باطنه، وهؤلاء قوم يسمون الباطنية، لم يزالوا من قديم الزمان ضلالا في الأمة، معروفين بالخروج من الملة، يقتلون متى ظهر عليهم، وينفون من الأرض، وعادتهم التملصح والتدين، وادعاء التحقيق، وهم على أسوأ طريق [فالحذر كل الحذر منهم فإنهم أعداء الله، وشر من اليهود والنصارى؛ لأنهم قوم لا دين لهم يتبعونه، ولا رب يعبدونه، وواجب على كل من ظهر على أحد منهم أن ينهى أمره إلى ولاة المسلمين، ليحكموا فيه بحكم الله تعالى1] ويجب على [من2] ولي الأمر3 إذا سمع بهذا التصنيف البحث عنه، وجمع نسخه حيث وجدها وإحراقها، وأدب من اتهم بهذا المذهب, أو نسب إليه, أو عرف به، على قدر قوة التهمة عليه حتى يعرفه الناس ويحذروه". رأي البكري: ومنهم الشيخ الإمام المحقق الزاهد القدوة العارف نور الدين علي بن يعقوب البكري الشافعي، قال: "وأما تصنيف تذكر فيه هذه الأقوال، ويكون المراد بها ظاهرها، فصاحبها ألعن وأقبح من أن يتأول له ذلك، بل [هو4]
مسألة الوعيد
كاذب فاجر، كافر في القول والاعتقاد، ظاهرا وباطنا، وإن كان قائلها لم يرد ظاهرها، فهو كافر بقوله، ضال بجهله، ولا يعذر في تأويله لتلك [الألفاظ] إلا أن يكون جاهلا بالأحكام جهلا تاما عاما، ولا يعذر في جهله لمعصيته، لعدم مراجعة العلماء والتصانيف1 على الوجه الواجب من المعرفة في حق من يخوض في أمر الرسل ومتبعيهم، أعني معرفة الأدب في التعبيرات، على أن في هذه الألفاظ ما يتعذر، أو يتعسر تأويله، بل كلها كذلك، وبتقدير التأويل على وجه يصح في المراد، فهو كافر بإطلاق اللفظ على الوجه الذي شرحناه. وأما دلائل ذلك فهي مذكورة في تصانيف العلماء، وفيما ألفته أيضا في بعض المسائل وليست هذه الورقة مما تسع الكلام على أقوال هذا المصنف2 لفظة لفظة. مسألة الوعيد لكن مسألة الوعيد -يعني التي قال فيها ابن عربي: وما لوعيد الحق عين تعاين-3لا بد فيها من نبذة لطيفة للضرورة. اعلم [45] أنه ثبت بالدلائل العقلية والسمعية، وإجماع المسلمين أن قول الله حق، وخبره صدق، وذلك واجب له لذاته سبحانه وتعالى، ومن أنكر أن خبر الله حق، أو أن وعده ووعيده صدق فهو كافر بإجماع المسلمين، وإنما قال بعض الناس من الأصوليين: إنه لا يجب وقوع الوعيد بتأويل مقرر في الأصول، وحقيقته ترجع إلى أن كلام الله تعالى منزل على عادة العرب في تخاطبها، وعادتها إذا أوعدت بالعقوبة -وإن كانت
صورتها الوعيد الجازم- فإنما تريد: إذ لم تعف, وأصرت على الانتقام، وادعي أن ذلك مركوز في طباعها، وأن حقيقة اللفظ الحمل عليه، سواء أراده حالة التخاطب، أو لم يرده. وقال فيه آخرون: إن الرب سبحانه وتعالى علق الأشياء بمشيئته في غير موضع, وأن الوعد المطلق مقيد بالمشيئة، فجوز أن يقع الوعيد بشيء، فلا يحصل المتوعد: إما لأن حقيقة اللفظ مقيدة بعدم العفو، وإما لأن مطلق اللفظ مقيد بنصوص أخر مع أمور أخرى يحتملها اللفظ مطلقا من غير دليل خاص: من تقييد المطلق، وتخصيص العام، واحتمال الإضمار والمجاز. وجوز أن يضع الله تعالى اللفظ وضعا جديدا لمعنى آخر لا تفهمه العرب عند بعض الناس إلى غير ذلك. ومع هذا كله، فإنما هو كلام في أصل الوعيد من حيث الجملة. وأما خصوص مسألة وعيد الكافرين، فلا خلاف أن المراد به قد علم، وأن من ادعى أن الكفار لا يعذبون أصلا، فهو كافر، إلا أن يكون ممن لم تبلغهم الدعوة, أو في معناه، والمراد في وعيد الكافرين المعلوم: هو أنهم يعذبون في النار العذاب الشديد، ولا يغفر كفرهم المغفرة المزيلة للعقوبة بعد بلوغ الدعوة، على الوجه الذي تقوم به الحجة. والعلم بالمراد في هذه القضية متلقى بوجهين: أحدهما: أخبار التواتر. الثاني: فهم الصحابة لذلك عن المعصوم فهما قطعيا منقولا إلينا بالتواتر المعنوي1، وإنما تكلموا في مسألة الخلود دون أصل.
فتوى البالسي وابن النقاش
التعذيب، فمن حاك1 الخلاف عن السلف، ومن 2 حاك الإجماع "............" ففيها نظر. والله أعلم" فتوى البالسي وابن النقاش: ومنهم العلامة نجم الدين محمد بن عقيل البالسي3 الشافعي، فقال: "من صدق هذه المقالة الباطلة أو رضيها، كان كافرا بالله تعالى يراق دمه، ولا تنفعه التوبة عند مالك وبعض أصحاب الشافعي، ومن سمع هذه المقالة القبيحة تعين عليه إنكارها بلسانه، بل يجب عليه منع قائلها بالضرب، إن لم ينزجر باللسان، فإن عجز [46] عن الإنكار بلسانه أو بيده، وجب عليه إنكار ذلك بقلبه, وذلك أضعف الإيمان". ومنهم نادرة زمانة العلامة أبو أمامة محمد بن علي بن النقاش4 المصري الشافعي في تفسيره5، وأجاد جدا في تقرير مذهبهم، وبيان عواره، فقال: "وقد ظهرت أمة ضعيفة العقل، نزرة العلم، اشتغلوا بهذه الحروف, وجعلوا لها دلالات، واشتقوا منها ألفاظ، واستدلوا منها على مدد وسموا أنفسهم بعلماء الحروف6، ثم جاءهم شيخ وقح من جهلة العالم يقال له:
البوني، ألف فيها مؤلفات، وأتى فيها بطامات، ومن الحروف دخلوا للباطن، وأن للقرآن باطنا غير ظاهر، بل وللشرائع باطنا غير ظاهرها، ومن ذلك تدرجوا إلى وحدة الوجود، وهو مذهب الملحدين كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض ممن يجعل الوجود الخالق هو الوجود المخلوق، وقد لا يرضى هؤلاء بلفظ الاتحاد بل يقولون بالوحدة؛ لأن الاتحاد يكون افتعالا بين شيئين، وهم يقولون: الوجود واحد لا تعدد فيه، ولم يفرقوا بين الواحد بالعين، والواحد بالنوع، فإن الموجودات مشتركة في مسمى الوجود، ولكن ليس وجود هذا وجودا هذا. والقدر المشترك هو كلي، والكلي المطلق لا يوجد كليا مطلقا إلا في الأذهان، لا في الأعيان، بل كل موجود من المخلوقات له وصف يختص [به] لا يشاركه فيه غيره في الخارج، وأنقص المراتب عند هؤلاء مرتبة أهل الشريعة. ثم قال: وهم متألهون للخيال، معظمون له، ولا سيما ابن عربي منهم، ويسميه: أرض الحقيقة. ولهذا يقولون بجواز الجمع بين النقيضين1، وهو من الخيال الباطل، وقد علم المعتنون بحالهم من علماء الإسلام كالشيخ عز الدين بن عبد السلام،
وابن الحالجب وغيرهما: أن الجن والشياطين تمثلت لهم، وألفت كلاما يسمعونه، وأنوارا يرونها1، فيظنون ذلك كرامات، وإنما هي أحوال شيطانية، لا رحمانية وهي من جنس السحر. ولقد حكى سعيد الفرغاني في شرح قصيدة ابن الفارض أن رجلا نزل دجلة، ليغتسل لصلاة الجمعة، فخرج من النيل، فأقام بمصر عدة سنين، وتزوج، وولد له هناك، ثم نزل ليغتسل لصلاة الجمعة، فخرج من دجلة فرأى غلامه ودابته والناس لم يصلوا بعد الجمعة، ومن المعلوم لكل ذي حس أن يوم الجمعة ببغداد ليس بينه وبين يوم الجمعة بمصر يوم, فضلا عن أكثر منه ولا الشمس توقفت عدة أعوام في السماء، وإنما هو الخيال، فيظنونه لجهلهم في
الخارج1. ثم قال2: وحقيقة قولهم: إن ما ثم وجودا [47] إلا هذا العالم لا غير، كما قاله فرعون، لكن هم يقولون: إن العالم هو الله، وفرعون أنكر وجود الله, ثم قال: قيل لبعض أكابرهم: ما3 الفرق بينكم وبين النصارى؟ قال: النصارى خصصوا4، وهذا موجود في كلام ابن عربي، وغيره. ينكرون على المشركين تخصيصهم عبادة بعض، والعارف عندهم يعبد كل شيء5 -ثم قال: ومن المعتقدين الحلول الخاص طائفة من أتباع العبيدية6 الباطنية الذين ادعوا أنهم علويون- ثم قال: وقد اعتقدت طائفة منهم الإلهية في الحاكم7 كالدريزية
رأي ابن هشام وابن خلدون
أتباع شهنكير1 الدرزي الذي كان من موالي الحاكم، وأضل أقواما بالشام في وادي تيم الله بن ثعلبة" ا. هـ. رأي ابن هشام وابن خلدون: ومنهم العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام2 صاحب المغني وغيره من المصنفات البديعة، وكتب على نسخة من كتاب الفصوص. هذا الذي بضلاله ... ضلت أوائل مع أواخر من ظن فيه غير ذا ... فلينأ عني، فهو كافر هذا كتاب فصوص الظلم، ونقيض الحكم، وضلال الأمم، كتاب يعجز الذم عن وصفه، قد اكتنفه الباطل من بين يديه ومن خلفه، لقد ضل مؤلفه ضلالا بعيدا، وخسر خسرانا مبينا: لأنه مخالف لما أرسل الله به رسله, وأنزل به كتبه وفطر عليه خليقته" ا. هـ. وقال العلامة قاضي القضاة أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون3: "إن طريق المتصوفة منحصر في طريقين4، الأولى: وهي
طريقة السنة، طريقة سلفهم الجارية على الكتاب والسنة، والاقتداء بالسلف الصالح من الصحابة والتابعين1, والطريقة الثانية: وهي مشوبة بالبدع، وهي
طريقة قوم من المتأخرين يجعلون الطريقة الأولى وسيلة إلى كشف حجاب الحس لأنها من نتائجها، ومن هؤلاء المتوصفة ابن عربي وابن سبعين، وابن برجان وأبتاعهم ممن سلك سبيلهم، ودان بنحلتهم1، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها مشحونة بصريح [الكفر2] ومستهجن البدع، وتأويل الظاهر لذلك على أبعد الوجوه، وأقبحها مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملة، أو عدها في الشريعة، ولي ثناء أحد على هؤلاء حجة، ولو بلغ المثنى ما عسى أن يبلغ [من3] الفضل؛ لأن الكتاب والسنة أبلغ فضلا، أو شهادة من كل أحد4، وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة، وما يوجد من نسخها بأيدي الناس مثل الفصوص والفتوحات المكية لابن عربي والبد لابن سبعين وخلع النعلين لابن قسي [وعين اليقين لابن برجان، وما أجدر الكثير من شعر ابن الفارض والعفيف التلمساني5، وأمثالهما أن يلحق بهذه الكتب، وكذا شرح ابن الفرغاني للقصيدة الثانية من نظم ابن الفارض6] فالحكم في هذه
رأي الشمس العيزري
الكتب وأمثالها إذهاب أعيانها متى وجدت بالتحريق بالنار، والغسل بالماء حتى ينمحي1 أثر الكتاب؛ لما في ذلك من المصلحة العامة في الدين بمحو العقائد المختلفة، فيتعين على ولي الأمر إحراق هذه الكتب دفعا للمفسدة العامة، ويتعين على من كانت عنده التمكين منها للإحراق. رأي الشمس العيزري: ومنهم العلامة شمس الدين محمد العيزري الشافعي في كتاب سماه: الفتاوي المنتشرة. قال عن الفصوص: "قال العلماء: جميع ما فيه كفر؛ لأنه دائر مع عقيدة الاتحاد2، وهو من غلاة الصوفية المحذر من طرائقهم، وهم شعبان3: شعب حلولية يعتقون حلول الخالق في المخلوق، وشعب اتحادية لا يعتقدون تعددا في الوجود في زعمهم أن العالم هو الله، وكل فريق منهم يكفر الآخر، وأهل الحق يكفرون الفريقين. ثم قال. ومن هم ابن الفارض صاحب الديوان -وعد جماعة معه- ثم قال: ذكر هؤلاء بالحلول والاتحاد جماعة من علماء الشريعة المتأخرين، كالشيخ عز الدين بن عبد السلام وبأبي عمرو بن الصلاح، وابن دقيق العيد, وشيخ الفقهاء الزين الكتنائي، وقاضي القضاة الشيخ تقي الدين السبكي، وحكم بتكفيرهم القضاة الأربعة: البدر عهن جماعة، والزين الحنفي، والشرف الزواوي، والسعد الحنبلي4- ثم ذكر كلام الشيخ أبي حيان فيهم.
رأي لسان الدين ابن الخطيب والموصلي
من تفسيره البحر1 إلى أن قال: - وقد انتدب بعض المغالطين من أهل العلم ممن يحسن الظن ببعضهم، ولا صواب معه، وصنف تأويلات لنظم السلوك2 وتعسف بما لا يصح الأخذ به لقوة ظواهر الألفاظ الخالقة جزما لسياج عصمة الديانة، وانتهاك حرمة الربوبية- ثم قال: - ويحوم3 بظاهر كلامه على أن هو الله، وأن الله هو، وهذا بهتان قبيح، وكفر صريح -ثم قال: - وكان ابن الفارض يقول: إنما قتل الحلاج لأنه باح بسره، إذ شرط هذا التوحيد الكتم4". رأي لسان الدين بن الخطيب، والموصلي: ومنهم العلامة لسان الدين محب بن الخطيب الأندلسي المالكي5 في كتابه "روضة التعريف بالحب الشريف" وأجاد في تقرير مذهبه من ورد ما شاء، فقال: "الفرع الخامس في رأي أهل الوحدة المطلقة، ثم قال: وحاصله: أن الباري -جل وعلا- هو مجموع ما ظهر، وما بطن، وأنه لا شيء خلاف ذلك، وأن تعدد هذه الحقيقة المطلقة والآنية الجماعة التي هي عين كل آنية، والهوية التي هي
رأي البساطي
عين كل هوية1 إنما وقع بالأوهام من الزمان والمكان والخلاف والغيبة والظهور والألم واللذة والوجود والعدم. قالوا: وهذه إذا حققت إنما هي أوهام راجعة إلى أخبار الضمير، وليس في الخارج شيء منها، فإذا سقطت الأوهام صار مجموع العالم بأسره، وما فيه واحدا، وذلك الواحد هو الحق، وإنما العبد مؤلف من طرفي حق وباطل، فإذا سقط الباطل -وهو اللازم بالأوهام– لم يبق إلا الحق وصرحت بذلك أقوال شيوخهم، فمنه قول ابن أحلى: قد أقام باطلا بعض صفاته، وقال الحلاج وابن العربي: وقد تعرض لما به وقعد التعدد، وأنه وهم، فالكل واحد وإن كان متفرقا. فسبحان من هو الكل، ولا شيء سواه الواحد بنفسه، المتعدد بنفسه". ومنهم الحافظ الرحلة شمس الدين أبو عبد الله محمد الموصلي الشافعي، نزيل دار الحديث بدمشق. فقال. "وفي كلام ابن عربي من الكفر الصريح الذي لا يمكن تأويله شيء كثير يضيق هذا الوقت من وصفه، ومنه تفسير اسمه: العلي بأن قال: العلي على من؟ وما ثم إلا هو2! وهو المسمى أبا سعيد [الخراز] . رأي البساطي: ومنهم شيخنا علامة زمانه قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد البساطي المالكي قاضي مصر. قال في أول كتاب له في أصول الدين في المسألة السادسة في حدوث العالم: "وخالفنا في ذلك طوائف. الأولى: الدهرية، والثانية.
متأخرو الفلاسفة كأرسطو1، ومن تبعهم من ضلال المسلمين كابن سينا والفارابي2 ومن حلي كلامه، وزخرفة بشعار الصالحين كابن عربي وابن سبعين ثم قال في الكتاب الثاني في المسألة السادسة في أنه سبحانه ليس متحدا بشيء: واعلم أن هذه الضلالة المستحيلة في العقول سرت في جماعة المسلمين، نشؤوا في الابتداء على الزهد والخلوة والعبادة، فلما حصلوا من ذلك على شيء صفت أرواحهم، وتجردت نفوسهم، وتقدست أسرارهم، وانكشفت لهم ما كانت الشواغل الشهوانية مانعة من انكشافه3، وقد كانت طرق أسماعهم من
خرافات النصارى، أنه إذا حل روح القدس في شيء نطق بالحكمة، وظهر له أسرار ما في هذا العالم، مع تشوف النفوس إلى المناصب العلية، فذهبوا إلى هذه المقالة السخيفة، فمنهم من صرح بالاتحاد على المعنى الذي قالته النصارى1، وزادوا عليه أنهم لم يقصروه على المسيح، كما ذهب إليه الغلاة من الروافض في علي رضي الله عنه، وكذا ما ذهب إليه جماعة في خاتم الأولياء2 عندهم من
...............................................
البساطي وشرحه للتائية
الحلول، ولهم في ذلك كلمات يعسر تأويل كلها لمن يريد الاعتذار عنهم، بل منها ما لا يقبل التأويل، ولهم في التأويل خلط وخبط، كلما أرادوا أن يقربوا من المعقول ازدادوا بعدا، حتى إنهم استنبطوا قضية حلت لهم الراحة، وقنعوا في مغالطة الضرورة بها بالمغيب، وهي أن ما هم فيه، ويزعمونه وراء العقل، وأنه بالوجدان يحصل، ومن نازعهم محجوب مطرود عن الأسرار الإلهية، وفي هذا كفاية. والله أعلم" ا. هـ. البساطي وشرحه للتائية وقد قام في زماننا ناس حدثان الأسنان سفهاء الأحلام، أرادوا [50] إظهار هذا المذهب، ثم أخزاهم الله تعالى، فقلقلوا كل مقلقل, وكان مما قالوه: أن الشمس البساطي هذا منهم، وأنه شرح تائية ابن الفارض، فاستبعد هذا منه. وإن كان ما قالوه صحيحا، فقد قضى على نفسه في كلامه هذا، بأنه خرج من دائرة العقل، ثم يسر الله -وله الحمد- الاطلاع على الشرح المنسوب إليه, فإذا هو بريء مما فرقوه به كما كنت أظن، فرأيته قال في أوله: "أما بعد: فهذا كتاب شرح قصيدة ابن الفارض، ولباب فتح، وصيد لحن [ابن] الفارض على وجه أنا نبين مراده من كلامه بقدر فهمنا لمقصوده منه، ولا يلزمنا صحة ما قاله في العربية لفظا، أو في الشريعة معنى، أو استحسانا، عقلا أو شرعا أو عرفا" ثم تكلم على الأبيات على وجه يظهر منها حملها على موافقة الشرع ما أمكنه، فإذا عجز صرح في ذلك الموضع بما يليق به من الحكم عليه من غير
الهوى رب الصوفية الأعظم
ثم قرر1 أمر التسخير، وأن منه ما هو بالمال، ومنه ما هو با لحال، وأن ما هو بالحال مثل تسخير الطفل لأبيه بالقيام في مصالحه، وتسخير الرعايا للملك بقيامه في مصالحهم, قال: "وهذا كله تسخير بالحال من الرعايا يسخرون [في ذلك] مليكهم، ويسمى على الحقيقة تسخير المرتبة، فالمرتبة حكمت عليه بذلك، فالعالم كله يسخر بالحال من لا يمكن أن يطلق عليه اسم مسخر. قال الله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ [فِي] شَأْنٍ} [الرحمن: 29] فكان عدم قوة إرداع هارون بالفعل أن ينفذ في أصحاب العجل بالتسليط على العجل، كما سلط موسى [عليه] حكمة من الله ظاهرة في الوجود؛ ليعيد في كل صورة2، وإن ذهبت تلك الصورة بعد ذلك, فما ذهبت إلا بعد ما تلبست عند عابدها بالألوهية، ولهذا ما بقي نوع من الأنواع إلا وعبد, إما عبادة تأله، وإما عبادة تسخير، فلا بد من ذلك لمن عقل، وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد، والظهور بالدرجة في قلبه، ولذلك تسمى الحق لنا برفيع الدرجات، ولم يقل: رفيع الدرجة، فكثر الدرجات في عين واحدة، فإنه قضى أن لا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة، أعطت كل درجة مجلى إلهيا عبد فيها. الهوى رب الصوفية الأعظم: وأعظم مجلى عبد فيه، وأعلاه الهوى، كما قال: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23] وهو أعظم معبود، فإنه لا يعبد شيء إلا بالله، ولا يعبد هو إلا بذاته3" ثم قال: "والعارف المكمل من رأى كل معبود مجلى للحق يعبد
رأي ابن حجر والبلقيني وغيرهما
وما قبله، وما بعده مما ادعى فيه أن الله يتحد به، ويتجلى بصورته من غير حلول، ما نصه1: "ولكن دعوى تجلي الله بصورة ما مفكر2 بها شرعا بإجماع المسلمين والكافرين من آمن به3، وإن لم يكن حلولا". رأي ابن حجر والبلقيني وغيرهما: ومنهم شيخنا شيخ الإسلام حافظ عصره قاضي القضاة أبو الفضل بن حجر، وشيخه شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني4، فقال في ترجمة عمر بن الفارض في لسان الميزان بعد أن ذكر ترجمة الذهبي له بأنه شيخ الاتحادية وأنه ينعق بالاتحاد الصريح في شعره: "وقد كنت سألت شيخنا سراج الدين البلقيني عن ابن العربي، فبادر بالجواب بأنه كافر, فسألته عن ابن الفارض، فقال: لا أحب التكلم فيه, فقلت: فما الفرق بينهما، والمهيع واحد؟! وأنشدته من التائية [51] فقطع علي بعد إنشاد عدة أبيات بقوله: هذا كفر، هذا كفر". ومنهم الشيخ ولي الدين العراقي وأبوه كما تقدم في الفص الموسوي وغيره، ومنهم العلامة برهان الدين السفاقيني صاحب الإعراب، ونظم قصيدة طويلة يتحرق فيها، ويندب أهل الإسلام لهؤلاء الضلال، فقال فيها: فشيخهم الطائي5 في ذاك6 قدوة ... يرى كل شيء في الوجود هو الحقا7
مقتل الحلاج
وكم من غوي كابن سبعين مثله ... وكلهم بالكفر قد طوقوا طوقا وكالششتري القونوي، وابن فارض ... فلا برد الله ثراهم، ولا أسقى ومن كفر ابن الفارض بصريح اسمه شيخنا محقق عصره، قاضي القضاة شيخ الإسلام محمد بن علي الغاياتي الشافعي1. أخبرني عنه بذلك الثقة من غير وجه، وأخبرني الثقة عن الشيخ مدين2 أنه قال: التائية هي الفصوص، لا فرق بينهما، وقد كان المذكور رأس صوفية عصرنا. مقتل الحلاج: ومنهم الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير الدمشقي الشافعي, وقال: "هؤلاء كلهم يقتفون في مسالكهم هذه طريقة الحسين بن الحلاج الذي أجمع الفقهاء في زمانه على كفره وقتله، قاله الإمام أبو بكر المازري الفقيه المالكي" قلت: وما قاله القاضي عياض كما تقدم نقله عنه في مقدمة هذا الكتاب. والله الموفق. قال: "وقد بسطت سيرته في التاريخ بعد الثلاثمائة، وذكرت صفة قتله، واجتماع الكلمة على تكفيره من العلماء والصوفية العباد، سوى ابن عطاء وابن خفيف، حتى أنشدهما بعضهم من شعره قائلا: ما تقولان في قول بعض الشعراء: سبحان من أظهرنا شوته3 ... سر سنا لاهوته الثاقب ثم بدا في خلقه ظاهرا ... في صورة الآكل والشارب
رأي الذهبي
حتى لقد عاينه خلقه ... كلحظة1 الحاجب بالحاجب فقالا: هذا شعر الزنادقة2، فقال: هذا شعر الحسين بن منصور الحلاج، فلعنا الحلاج، ورجعا عنه" ا. هـ. رأي الذهبي: وممن صرح بكفره، وأحسن في بيان أمره حافظ عصره شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، فقال في كتابه تاريخ الإسلام بعد خط الحافظ سيف الدين ابن المجد علي الحريري المتصوف: "فكيف لو رأى الشيخ كلام ابن عربي الذي هو محض الكفر والزندقة، لقال: هذا الدجال المنتظر، ولكن كان ابن العربي3 منقطعا عن الناس، إنما يجتمع به آحاد الاتحادية4، ولا يصرح بأمره لكل أحد، ولم تشتهر كتبه إلا بعد موته، ولهذا تمادى أمره، فلما كان على رأس السبعمائة جدد الله لهذه [الأمة] دينها بهتكه وفضيحته، ودار بين العلماء كتابه الفصوص، وقد خط عليه الشيخ القدوة الصالح إبراهيم بن معضاد الجعبري فيما حدثني به شيخنا ابن تيمية عن التاج [52] البارنباري أنه سمع الشيخ إبراهيم يذكر ابن عربي: كان يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجا، وحكى عنه ابن تيمية أنه قال لما اجتمع5 بابن عربي، رأيت شيخا نجسا يكذب بكل كتاب أنزله الله، وبكل نبي أرسله الله6".
رأي ابن تيمية وغيره من العلماء
رأي ابن تيمية وغيره من العلماء: وقال الإمام أبو العباس أحمد ابن تيمية في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: "وقد صنف بعضهم -أي: أهل الاتحاد- كتبا وقصائد على مذهبه، مثل قصيدة ابن الفارض المسماة بنظم السلوك، يقول فيها -وذكر منها عدة أبيات1- ثم قال: إلى مثل هذا الكلام -أي: الدال على الاتحاد-، ولهذا كان عند الموت ينشد2: إن كان منزلتي في الحب عندكم ... ما قد رأيت فقد ضيعت أيامي أمنية ظفرت روحي بها زمنا ... واليوم أحسبها أضغاث أحلام فإنه كان يظن أنه هو الله، فلما حضرت ملائكة الله لقبض روحه، تبين له بطلان ما كان يظنه3" وقال في إفتائه الذي استفتاه فيه الشيخ سيف الدين عبد اللطيف بن بلبان السعودي، بعد أن حكى جملة من أقوال ابن عربي صريحة في الكفر: "فإن صاحب هذا الكتاب المذكور الذي هو فصوص الحكم, وأمثاله مثل صاحبه القونوي4 -يعني صدر الدين- والتلمساني وابن سبعين، والششتري وابن الفارض وأتباعهم، مذهبهم الذي هم عليه أن الوجود واحد، ويسمون أهل وحدة الوجود, ويدعون التحقيق والعرفان، وهم يجعلون وجود
الخالق عين وجود المخلوقات، فكل ما تتصف به المخلوقات من حسن وقبح ومدح وذم إنما المتصف به عندهم عين الخالق1، وليس للخالق عندهم وجود مباين لوجود المخلوقات منفصل عنها، بل عندهم ما ثم غير أصلا للخالق ولا سواه فعباد الأصنام لم يعبدوا غيره عندهم؛ لأنه ما عندهم له غير وأما العلامة ابن دقيق العيد، فذكر أنه سمع عز الدين بن عبد السلام يقول في ابن عربي: شيخ سوء كذاب" وممن حط عليه، وحذر منه الشيخ القدوة إبراهيم الرقي2, ثم ذكر جماعة ممن تقدم ذكرهم في إفتائهم بأن كتابه الفصوص فيه الكفر الأكبر، وقد ذكر ابن أبي حجلة أيضا عن غير هؤلاء ممن كفر هذه الطائفة من علماء المسلمين وذكر في كلام كل منهم في إبطال هذا المذهب ما لا لبس فيه، وفيما ذكرته مقنع، وذكر الحافظ تقي الدين الفاسي3 في كتابه فيه: "ممن كفره الإمام أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الحضري ابن خلدون قاضي المالكية بمصر، وقال في فتوى ذكرها4 فيه، وفي أضرابه، فيتعين على ولي الأمر إحراق هذه الكتب دفعا للمفسدة العامة.
ومما ذكره الفاسي أيضا من مكفريه: الإمامان رضي الدين أبو بكر بن محمد بن صالح [53] الجبلي المعروف: بابن الخياط1 الشافعي مدرس المعينية بتعز، ومفتي تلك النواحي، والقاضي شهاب الدين أحمد بن علي الناشري2 الشافعي مفتي زبيد، وفاضل اليمن شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر المقري3 الشافعي، قال: "وبين من حال ابن عربي ما لم يبينه غيره" وقال: وأما من أثنى على ابن عربي، فلفضله وزهده، وإيثاره، واجتهاده4 في العبادة، ولم يعرفوا ما في كلامه من المنكرات، لاشتغالهم عنها بالعبادات. وقال الفاسي أيضا: "وبعض المثنين عليه يعرفون ما في كلامه من المنكرات، ولكنهم يزعمون أن
رأي علاء الدين البخاري
لها تأويلات، وحملهم على ذلك كونهم تابعين لابن عربي في طريقته، فثناؤهم على ابن عربي مطروح لتزكيتهم معتقدهم". رأي علاء الدين البخاري: وممن كفر أهل هذا المذهب شيخ مشايخنا نادرة زمانه علاء الدين محمد بن محمد البخاري الحنفي، وصنف فيهم رسالة سماها: "فاضحة الملحدين، وناصحة الموحدين" وبين أن وحدتهم الوحدة التي قرر أصلها بعض الفلاسفة, إلا التي يسميها أهل الله: الفناء1، ونقل عن القاضي عضد الدين تكفيرهم، فإنه قال في وصفه لابن عربي: "يحكى عنه أنه كان كذابا حشاشا كأوغاد الأوباش" فقد صح عن صاحب كتاب المواقف عضد الملة والدين، أعلى الله درجته في عليين، أنه لما سئل عن كتاب الفتوحات لصاحب الفصوص حين وصل هنالك قال: "أفتطمعون من مغربي يابس المزاج بحر2 مكة، ويأكل الحشيش شيئا غير ذلك؟ وقد تبعه -أي ابن عربي- في ذلك ابن الفارض حيث يقول: أمرني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتسمية التائية: نظم السلوك! إذ لا يخفى على العاقل أن ذلك من الخيالات المتناقضة الحاصلة من الحشيش؛ إذ عندهم أن وجود الكائنات هو الله تعالى، فإذن الكل هو الله، لا غير، فلا نبي, ولا رسول، ولا مرسل إليه، ولا خفاء في امتناع النوم على الواجب، وفي امتناع افتقار الواجب إلى أن يأمره النبي بشيء في المنام، لكن لما كان لكل ساقطة لاقطة، ترى طائفة من الجهال ذلت أعناقهم لها، خاضعين أفرادا وأزواجا،
تحقيق معنى الكافر والملحد والزنديق والمنافق
وشرذمة من الضلال يدخلون في فسوق الكفر بعد الإيمان، زمرا وأفواجا مع أنهم يرون أنه اتخذ آيات الله، وما أنذروا به هزوا، وأشرك جميع الممكنات -حتى الخبائث والقاذورات- بمن لم يكن له كفوا أحد". تحقيق معنى الكافر والملحد والزنديق والمنافق: وقال في آخر رسالته: "إنهم يسمون كفرة وملاحدة وزنادقة، وذلك أن الكافر اسم لمن لا إيمان له، فإن أظهر الإيمان من غير اعتراف بنبوة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خص باسم المنافق، دون الزنديق، لأن الله تعالى لم يسم الذين نافقوا [54] في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زنادقة، فدروز 1 الشام -على ما تشهد به كتبهم الملعونة- إنما يظهرون الإيمان، ولا يعترفون بنبوة النبي عليه الصلاة والسلام، فهم مباحيون منافقون، لا زنادقة على ما يتوهم ذلك؛ لعدم التفرقة بين المنافق والزنديق، وإن طرأ كفره بعد الإيمان خص باسم المرتد؛ لرجوعه عن الإيمان، وإن قال بإلهين أو أكثر خص باسم المشرك؛ لإثباته الشريك في الألوهية، وإن كان متدينا ببعض الأديان والكتب المنسوخة خص باسم الكتابي، كاليهودي والنصراني، وإن كان يقول بقدم الدهر، واستناد الحوادث، خص باسم الدهري، وإن كان لا يثبت الصانع خص باسم المعطل، وإن كان مع اعترافه بنبوة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإظهار شعائر الإسلام، يتبطن عقائد هي كفر بالاتفاق خص باسم الزنديق، وهو في الأصل منسوب
إلى زند1 اسم كتاب أظهره مزدك2 في أيام قباذ، وزعم أنه تأويل كتاب المجوسي الذي جاء به زرادشت3 الذي يزعم أنه نبيهم، وإن كان مع تبطن تلك العقائد الباطلة يستحل الفروج، وسائر المحرمات بتأويلات فاسدة، كما يزعم الباطنة والوجودية4 خص باسم الملحد. والزنديق في عرف الشرع: اسم لما عرفت5، لا لكل من صدر عنه فعل، أو قول يوجب الكفر على ما هو
متعارف أهل عصرنا، وقد يتوهم بناء على عدم الشعور بمعنى الحلول والاتحاد، أن الوجودية حلولية، أو اتحادية، وليس كذلك؛ إذ الحلول والاتحاد إنما يكون بين موجودين متغايرين في الأصل، والوجودية يجعلون الله تعالى عين وجود الممكنات، فلا مغايرة بينهما، ولا اثنينية، فلا يتصور ههنا الاتحاد والحلول،
بعض مصطلحات الصوفية
بلا زندقة أخرى أنجس منهما باطلة ببديهة العقل؛ إذ القائلون بها يجعلون الله تعالى أمرا اعتباريا لا وجود له في الخارج". بعض مصطلحات الصوفية: وقال1: "إن الملاحدة عبروا عن ضلالتهم بعبارات العارفين بالله2، يتسترون بها في زندقتهم، فينبغي الحذر من ذلك، فأرادوا بالفناء نفي حقائق الأشياء، وجعلوها خيالا وسرابا على ما هو مذهب السوفسطائية3، وبالبقاء ملاحظة الوجود المطلق، وبالوحدة المطلقة كون ما سوى الوجود من الأشياء خيالا وسرابا، وكون وجود جميع الأشياء -حتى وجود الخبائث والقاذورات4- إلها، وذلك
غير ما أراده العارفون، فإنهم أرادوا بها معاني يصدقها الشرع1 وهم مصرحون بأن كل حقيقة يردها الشرع فهي زندقة، وأنه لس في أسرار المعرفة شيء يناقض ظاهر الشرع، بل باطن الشريعة يتم بظاهره، وسره يكمل صريحه [55] ولهذا إذا انكشفت على أهل الحقيقة أسرار الأمور على ما هي عليه2، نظروا إلى الألفاظ الواردة في الشرع، فما وافق ما شاهدوه قرروه، وما خالف أولوه بما يطابق الشرع، كالآيات المتشابهة3، ولا يستبعد وقوع المتشابه في الكشف ابتلاء
لقلوب العارفين1، كما أن وقوع المتشابه في الشرع ابتلاء لقلوب الراسخين, فأراد بالبقاء التخلق بالأخلاق الإلهية، والتنصل عن كدورات الصفات البشرية والفناء عندهم عبارة عن اطمحلال الكائنات في نظرهم مع وجودها، وعن الغيبة عن نسبة أفعالهم إليهم، وكذا الوحدة المطلقة عبارة عن مشاهدة الله -لا غير- من بين الموجودات لاطمحلالها مع تحققها ووجودها عند ظهور أنوار التجليات، كاطمحلال الكواكب مع وجودها عند ظهور نور الشمس في النهار، فإن كان العارف في هذه الحال يرى نفسه، فذلك هو الفناء في التوحيد, وهو مرتبة الخواص، وهو مشوب بكدورة وقصور، وإن غاب مع ذلك عن مشاهدة نفسه
وعن أحواله الظاهرة والباطنة وعن ذلك الفناء -بحيث لا يشاهد شيئا غير الله1 كما لا يشاهد في النهار من الكواكب غير الشمس- فذلك هو فناء الفناء في التوحيد، وهو درجة خواص الخواص، فيصير لهم معنى قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [النمل: 88] ذوقا وحالا، كما أن حظ غيرهم من المؤمنين منه يكون علما وإيمانا، فالذوق نيل عين تلك الحال بالحصول الاتصافي، والعلم معرفة ذلك بالبرهان، ومأخذه القياس بأن ينظر إلى اطمحلال تلك الكواكب عند إشراق الشمس، فيقاس به اطمحلال وجود الكائنات عند إشراق أنوار التجليات، والإيمان قبوله بالتسامع والإذعان له، ولا يخالف هذا قولهم: إن الطريق إلى المعلوم بالكشف، إنما هو العيان دون البرهان؛ لأن المراد منا إقامة البرهان، على تحقق الكشف، لا على إثبات المعلوم، فقد عرفت أن معنى الوحدة المطلقة عند العارفين2 بعيد عما يريد به الكفرة الوجودية من الفلاسفة، ومن تبعهم ممن يدعي الإسلام؛ ليتمكن من هدمه عند الضعفاء.
أسطورة الكشف
أسطورة الكشف: ويروجون تلك السفسطة بإحالتها إلى الكشف، ويتفيهقون بأن مرتبة
الكشف وراء طور العقل، وأنت خبير بأن مرتبة الكشف نيل ما ليس له العقل ينال، لا نيل ما هو ببديهة العقل محال، وذلك أن الله تعالى خلق العباد وبين لهم سبيل الرشاد، وزينهم بالعقل نورا يهتدون به إلى معرفته، وحجة توصلهم إلى محجته بالاستدلال على وجود الصانع بالمصنوعات1، والنظر فيما يجوز ويستحيل [56] عليه من الأفعال والصفات، وأن إرسال الرسل من أفعاله الجائزة، وأنه قادر على تعريف صدقهم بالمعجزة، وعند ذلك ينتهي بصرف العقل2 لعدم استقلاله بمعرفة المعاد، وبما يحصل السعادة والشقاوة هنالك للعباد، وإنما يستقل بمعرفة الله تعالى3، وصدق الرسول، ثم يعزل نفسه، ويتلقى من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يقول، في أحكام الدنيا والآخرة بالقبول4، إذ لا ينطق
بما يحيل العقل بالبديهة والبرهان، لامتناع ثبوت ما تحكم حجة الله عليه بالبطلان فلا مجال في مورد الشرع، ولا في طور الولاية والكشف لما يحكم العقل عليه بأنه محال، بل يجب أن يكون كل منهما في حيز الإمكان والاحتمال، غير أن الشرع يرد بما لا يدركه العقل بالاستقلال، وبالكشف يظهر ما ليس له العقل ينال1 لأن الطريق إليه الكشف والعيان؛ دون بديهة العقل والبرهان، لكن إذا عرض عليه لا يحكم عليه بالبطلان، لكونه في حيز الإمكان، ولا ينبغي متوهم أن ما يتستر به الوجودية من دعوى الكشف من قبيل ما ليس له العقل ينال، بل هو مستحيل وللعقل في إبطاله تمكن ومجال؛ إذ الطريق إليه التصور ثم التصديق بالبطلان، وذلك وظيفة العقل بالبديهة أو البرهان، وأما الأمور الممكنة الكسبية، فيجعلها العقل في حظيرة الإمكان، ولا يحكم عليها بالبطلان ثم إن ما يناله الكشف، ولا يناله العقل الممكن الذي الطريق إليه العيان2، دون البرهان، لا المحال الممتنع الوجود في الأعيان؛ إذ الكشف لا يجعل الممتنع متصفا بالإمكان موجودا في الأعيان؛ لأن قلب الحقائق بين الامتناع والبطلان فلو تخايل حصول المحال بالكشف ككون الوجود المطلق واحدا شخصيا، وموجودا خارجيا، وكون الواحد الشخصي منبسطا في المظاهر، متكررا عليها
بلا مخالطته، متكثرا مع النواظر بلا انقسام، فذلك شعوذة الخيال، وخديعة الشيطان وقال بعد ذلك: "إنهم صرحوا بأن التكثر في الموجودات ليس بتكثر وجوداتها، بل تكثر الإضافات والتعينات" ثم قال: "فقالوا: معنى قولنا: الواجب موجود، أنه1 وجود، ومعنى قولنا: الإنسان، أو الفرس موجود، أنه ذو وجود، بمعنى أن له نسبة إلى الوجود، لا أنه متصف بالوجود، على ما هو معنى الوجود لغة وعرفا وشرعا، احترازا عن شفاعة التصريح بكون الواجب صفة الممكن، وأنت خبير بأن جواز الإطلاق فرع صحة الاشتقاق، ولو سلم فما ذكروا في بيان معناه في الواجب والممكن ليس معناه، لا لغة، ولا عرفا، ولا شرعا ومنشأ الغلط فيما يكشفه الشرع بما يقصر عنه العقل، وما يدعيه هؤلاء مما يحيله [57] عدم التفرقة بين ما أحاله العقل كهذه المذكورات، وبين ما لا يناله العقل كاطمحلال وجود الكائنات عند سطوع أنوار التجليات، وإنما ينال ذلك بجذبة الإلهية2، أو رياضة في متابعة الحضرة النبوية في الوظائف العلمية والعملية
والنيل هو الحصول الاتصافي، والعلم هو الحصول الإدراكي، ثم إن كلا مما لا يدركه العقل بالاستقلال، وما ليس له العقل ينال، لما كان مستوقفا على الإعلام والإرشاد من رب العالمين، بعث الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ لبيان الأول، وهو علم الشريعة صريحا، والإشارة إلى الثاني، وهو علم الحقيقة رمزا وتلويحا1, كما يلوح من القرآن المجيد {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] إلى درجة الفناء في الفناء في التوحيد".
عود إلى من كفروا ابن عربي
انتهى ما نقلته من رسالة الشيخ علاء الدين البخاري، لكني تصرفت فيه بالتقديم والتأخير، وقد وضح بذلك محالهم، وتبين به ضلالهم1 والله الموفق. عود إلى من كفروا ابن عربي: وعن الحافظ تقي الدين محمد بن أحمد الفاسي المكي في كتابه: تحذير النبيه والغبي من الافتتان بابن عربي، أنه قال, وقد سئل عنه وعن شيء من كلامه:
شيخنا العلامة أبو عبد الله محمد بن عرفة الورغمي التونسي عالم إفريقية، فقال ما معناه: إن من نسب إليه هذا الكلام لا يشك مسلم منصف في فسقه وضلاله وزندقته" ا. هـ. ومنهم شيخنا العلامة إمام القراء شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري الدمشقي نزيل بلاد الروم ثم العجم، قال: "ومما يجب عل ملوك الإسلام، ومن قدر على الأمر بالمعروف [والنهي عن المنكر] أن يعدموا الكتب المخالفة لظاهر الشرع المطهر من كتب المذكور1 وغيره، ولا يتلفت إلى قول من قال: هذا الكلام المخالف للظاهر ينبغي أن يؤول، فإنه2 غلط من قائله. إنما يؤول كلام المعصوم، ولو فتح باب تأويل كل كلام ظاهره الكفر، لم يكن في الأرض كافر" ومنهم العلامة نادرة زمانة علما وعملا بدر الدين حسين بن عبد الرحمن الأهدل3 اليمني الحسيني نسبا وبلدا، وصنف في ابن عربي وابن الفارض كتابا كبيرا 4 نافعا جدا، وذكر فيه أنه كان في اليمن شخص من أكابر أتباعه، يقال له الكرماني، حصلت به في اليمن فتن كبيرة، وحصل بينه وبين ابن المقري خطوب، وصنف في الرد على ابن المقري كتابا قال فيه عن نفسه، وأهل مذهبه ما لفظه: "إنا حيث قلنا: المخلوق، فمرادنا الخالق، وحيث قلنا: الحجر، فمرادنا الله" ا. هـ.
من مكر الصوفية
من مكر الصوفية: من مكر هذه الطائفة، كما شرعه لهم شيخهم1 من أن الدعوة إلى الله مكر أن يخيلوا2 كل من ظنوا أنه مال عنهم بأنه يصاب في نفسه، أو ماله3، ويقولون: ما تكلم أحد فيهم إلا أصيب، ويباهتون [58] بأشياء هي كذب ظاهر. ولا عليهم -وأكثر الناس صبيان العقول، مرضى الأفكار، تجد أحدهم إذا سمع هذا نفر منك نفر النعام الشارد، ثم يكون أحسنهم خلالا الذي يقول: التسليم أسلم!! ولا يتأمل أن الشك في الكفر بعد البيان كفر، وهو مع كونه4 كذبا بمن أنكر عليهم من أكابر العلماء الذي لا يحصون كثرة، وماتوا على أحسن الأحوال- تشبه باليهود في قولهم في الإسلام لما مات أبو أمامة أسعد
من آيات ثبات الإيمان في القلب
ابن زرارة1 الأنصاري رضي الله عنه فإنههم شرعوا يقولون تخييلا لبعض الضعفاء: لو كان نبيا ما مات صاحبه. فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[يقول] : "بئس الميت أبو أمامة ليهود، يقولون: كذا, والله ما أملك لنفسي ولا لصاحبي شيئا2" وتسنن3 بالكفرة في قولهم {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ [هُمْ] أَرَاذِلُنَا} [هود: 77] ، {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا، وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا، قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: 73-75] ونحو ذلك من الآيات، ومتى مال الإنسان نحو تخييلهم، كان كمن قال الله تعالى فيه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ [وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ] } [السجدة: 11] . من آيات ثبات الإيمان في القلب مع أن الكتاب والسنة ناطقان بأن علامة صحة الإسلام في القلب المصائب4 قال الله تعالى: {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 1، 2] الآيتين، وقال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ،
وَزُلْزِلُوا} [يوسف: 214] الآية. إلى غير ذلك من آيات الكتاب الناطق بالصواب. وقال شخص للنبي: "إني أحبك، قال: فأعد للبلاء تجفافا1" وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من يرد الله به خيرا يصب منه2"، " أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل "، "يبتلى المرء على قدر دينه3" إلى أمثال ذلك, وهو كثير جدا, وأعجب من ذلك أن البيعة على الإسلام كانت -ليلة العقبة- على الصبر على المصائب، فإن العباس بن نضلة4 رضي الله عنه قال لقومه قبل المبايعة يثبتهم على البيعة: "إن كنتم ترون أنه إذا نهكت5 أموالكم مصيبة، وأشرافكم فتلا أسلمتوه فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟ قال: الجنة، قالوا: أبسط يدك، فبسط يده, فبايعوه6" على هذا فكانت
هوان الدين عند الأكثرية
المبايعة، وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره1. ولقد شرع لنا [59] رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنن الهدى، وتركنا على بيضاء نقية، ليلها كنهارها2، ولم يتغير دينه بعده، ولم يتبدل, ولم يزدد إلا شدة. وأخبرنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الدين بدأ غريبا، وأنه سيعود كما بدأ، وقال: "فياطوبى للغرباء"3 فلا يهتم الإنسان بقلة الموافق، فإن الله معه، ومن كان الله معه، كان كثيرا, ولا بكثرة المخالف المشاقق، فإنهم أعداء الله، فليس معهم ومن لم يكن الله معه، كان قليلا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ، وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} [الزمر: 36، 37] . هوان الدين عند الأكثرية: ومما ينبغي أن يكون نصب العين معيارا يعرف به هوان الدين عند أكثر الناس، وهو أن أحدهم لو كان مشرفا على الموت من الجوع، ووجد
من هم الأولياء
طعاما شهيا، فقال له أحد: إنه مسموم لم يقر به بعد ذلك، ثم لا يبالي بقول هؤلاء العلماء1 الذين هم القدوة في الدين2 أن كلام هؤلاء الاتحادية سم حاسم للدين من أصله، ذابح للإيمان بسيفه ونصله، فإنا لله، وإنا إليه راجعون. من هم الأولياء؟: هذه نبذة من ذم أهل الحق له3، وهم الأولياء حقيقة، لما شاع لهم من الأنوار التي ملأت الأقطار بمصنفاتهم التي أحيوا بها الدين، وأيدوا سنة سيد المرسلين، فقد قال الشيخ محيي الدين النووي4 في مقدمة شرح المهذب "فصل في النهي الأكيد, والوعيد الشديد لمن يؤذي، أو يبغض الفقهاء، والمتفقهين". وروى الخطيب البغدادي5 عن الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما أنهما قالا: "إن لم يكن الفقهاء6 أولياء الله، فليس لله ولي" وعن ابن عباس رضي الله
عنهما1: "من آذى فقيها, فقد آذى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن آذى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد آذى الله عز وجل" ا. هـ. ومن نابذ كلامهم، فقد عاداهم. وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قال الله: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب 2 " ومن رد أقوالهم3 لأجل توهم أن من حكموا بكفره ولي لشهرة باطلة، وكلام مزوق يراد به الإضلال والغرور، فمن كمن 4 أصابه داء، فوصف له الأطباء العارفون دواء، فقال له عامي: لا تسمع منهم وخذ هذا فقد قال لي فلان وفلان, وعد جماعة مثله: أنه نافع، فاعتمد على مجرب، ولا تعتمد على طبيب. وأمثال هذا من الخرافات، فقبل كلامه، لكونه قريب الطبع من طبعه، فأعطاه سما، فتحساه، فهلك إلى لعنة الله، فإنه لا عبرة بشهرة أصلا إلا شهرة كانت بين أهل العلم [60] الموثوق بهم، لأن الاستفاضة والشهرة من العامة، لا يوثق بها، وقد يكون أصلها التلبيس، وأما التواتر فلا يفيد العلم، إذا لم ينتبه إلى معلوم محسوس، وأما من مدحه، فهو أحد رجلين كما مضى عن الفاسي وغيره: رجل بلغه زهده وانقطاعه عن الناس، ولم يبلغه ما في كلامه من المصائب فالجرح5 مقدم على ثنائه، أو رجل كان يعتقده في الباطن، فهو يناضل
رأى ابن أيوب في الحلاج وابن عربي
من نفسه، فلا عبرة به1 رأي ابن أيوب في الحلاج وابن عربي: وحدثني الفاضل جمال الدين عبد الله بن الشيخ القدوة زاهد زمانه، والمشار إليه بالصلاح والمعارف والورع، وحفظ اللسان في أوانه بدمشق الشيخ علي بن أيوب2: أن أباه -الشيخ عليا المذكور- كان يجلس في الجامع مطرقا يقيم إحدى رجليه هيئة المستوفز، ويضع ذقنه على ركبته، فلا يكلم لهيئته، فإذا رفع رأسه، علم أنه أذن في الكلام، فسأله من أراد عما شاء، ففعل ذلك يوما، فلما رفع رأسه، سأله شخص عن ابن عربي هذا، فأطرق زمانا طويلا، ثم رفع رأسه، فقال: إنه كفر كفرا، ما وافق فيه كفر ملة من الملل، بل خرق بكفره إجماع الملل3، وزاد عليهم. قال الشيخ جمال الدين: فحكيت ذلك لبعض من يشار إليه بالعلم والميل إلى ابن عربي، فقال: والله لو سمع ابن عربي هذا الكلام لقال: ما عرفني أحد غير هذا الرجل. قال: وسئل والدي أيضا عن الحلاج، فقال: لا شك أن الحجاج قتل من العلماء خلائق يتعسر حصرهم، وشتت شملهم
وأبادهم، وقتل سعيد بن جبير1، وأهل الأرض محتاجون إلى علمه، وخلعه العلماء وخرجوا عليه، وقاتلوه، ومع هذا كله لم يقل أحد منهم، إنه كافر، بل قالوا: إنه من عصاة المسلمين، لا تحل امرأته لذلك. والحلاج ما تعرض لأحد من أهل العلم بأذى في دنياه، وأجمع جميع أهل زمانه منهم على كفره واستباحة دمه، فلو كان العلماء يقولون بالهوى، لقالوا في الحجاج الذي ما ترك نوعا من الأذى حتى رماهم به، فثبت أنهم لا يقولون بالهوى، فوجب على الناس اتباعهم2 وقبول كلامهم" وهذا غاية في البيان، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ الضابط المتقن المتفنن أستاذ المفسرين نادرة المحدثين، برهان دين العالمين، أبو الحسن إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط ابن علي بن أبي بكر البقاعي الشافعي، نزيل القاهرة المحروسة: فرغت من مسودة هذا الكتاب بحمد الهادي للصواب في شوال سنة أربع وستين وثمانمائة. والحمد لله وحده. وفرغ من نسخ هذه النسخة المباركة في وقت العصر من يوم الأربعاء من شهر ربيع الآخر من شهور سنة سبع وأربعين وتسعمائة.
تحذير العباد
المقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله الهاد لأركان الجبابرة الشداد، القامع لأهل الإلحاد، بسيوف السنة الحداد، وأشهد أن لا إله إلا الله المفضل1 الهاد وأشهد أن سيدنا محمدا عبده [ورسوله2] الداعي لسائر العباد، إلى سبيل الرشاد، صلى الله عليه، وعلى آله الخيرة الأمجاد، وصحابته الأبطال الأنجاد، وسلم تسليما يغلب التعداد، ويبقى على مر الآباد. وبعد: فهذه رسالة سميتها: "تحذير العباد من أهل العناد، ببدعة الاتحاد أنفذتها الى العباد في جميع البلاد، الراغبين في الاستعداد ليوم المعاد، بموالاة أهل الوداد، وملاواة3 الأشقياء الأضداد، الضالين بنحلة الاتحاد، أرجو أن تكون ضامنة للإسعاد يوم التناد، فقلت: اعلموا أيها الإخوان الذين هم على البر أعوان، حفظكم الله ورعاكم، وصانكم من كل سوء، وحماكم؛ أنه لا يقوم على الأمر بالمعروف [والنهي عن المنكر4] إلا من جعل نفسه هدفا للحتوف5 وتجرع من مر الكلام ما هو أمر من السهام، فإن الناهي عن المنكر، يعاني الهوان الأكبر، بمعاداة كل شيطان من الإنس والجان، يقوم عليه الجيلان، ويرشقه بسهام الأذى القبيلان، شياطين الإنس ظاهرا بالمقال والفعال، وشياطين [الجن6] باطنا بما يوحون إليهم من الضلال.
آيات سلى الله بها نبيه
آيات سلى الله بها نبيه: ولصعوبة المقام، وما فيه من الأخطار والآلام، سلى الله نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 97-99] وقال الله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33] وقال تعالى: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 108] وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ، وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 111-113] وقال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ، أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ [63] زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 121-123] إلى غير ذلك من الآيات والدلالات الواضحات، ففي الأنبياء الذين هم أشرف الخلق عليهم أفضل الصلاة والسلام مسلاة لأتباعهم، واعتبار بأحوالهم، واعتصام، وما أتى أحد قط أحدا1 بمخالفة هواه إلا ساءه2 وأذاه إلا من عصم الله: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ
الرأي في سلف الصوفية
رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87] وهؤلاء الذين اتسموا بسمة الاتحاد، وقد ألفهم الطغام1 من الأنام؛ لما غرروهم به من إظهار التصوف، ليأخذوهم من المأمن، وما دروا أن الصوفية أشد الناس تحذيرا منهم، وتنفيرا للعباد عنهم. الرأي في سلف الصوفية: فإن المحققين منهم والمحققين2 بنوا طريقهم على الاقتداء بالكتاب والسنة3، كما نقل القاضي عياض في أوائل القسم الثاني من الشفاء فيما يجب من حقوق المصطفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحسن4 رحمه الله أنه قال: "إن أقواما قالوا: يا رسول5 الله، إنا نحب الله، فأنزل الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] وعنه أنه قال: "عمل قليل في سنة خير من عمل كثير من بدعة" وعن أبي عثمان الحيري6 أنه قال: "من أمر على نفسه السنة قولا وفعلا نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة"، وقال سهل بن عبد الله التستري7: "أصول مذهبنا ثلاثة: الاقتداء بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع
الأعمال1" وفي كتب القوم كالرسالة والعوارف2 من ذلك شيء كثير, والشهادة على من قال: الحقيقة خلاف الشريعة بالزندقة3، وأن الطرق كلها مسدودة إلا على من اقتفى أثر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4، قاله الجنيد5، وقال أبو عثمان الحيري: خلاف السنة في الظاهر علامة رياء في الباطن، وقال النوري6: من ادعى حالا يخرجه من حد العلم الشرعي، فلا تقربن منه، وقال الخراز: كل باطن يخالفه ظاهر، فهو باطل، وقال القشيري: حكم الوقت فيما ليس لله فيه أمر، إذ التضييع لما أمرت به والإحالة على التقدير، وعدم المبالاة بما يحصل من التقصير؛ خروج عن الدين7، وقال السهروردي في قوم تسموا
بالملامتية1: "إنهم -في غرور- يزعمون أن الارتسام بالشريعة رتبة العوام، وهذا عين الإلحاد، وكل حقيقة ردتها الشريعة فهي زندقة2" وكذا قال الشيخ [64] عبد القادر الكيلاني، وقال القشيري: "من كان سكره بحظ مشوبا كان صحوه بحظ [صحيح3] مصحوبا، ومن كان محقا في حاله، كان محفوظا في سكره، والعبد4 في [حال5] سكره يشاهد الحال، وفي حال صحوه يشاهد6 العلم، إلا أنه في حال سكره محفوظ، لا بتكلفه، وفي حال صحوه متحفظ بتصرفه، ومن شرط الولي أن يكون محفوظا، كما أن من شرط النبي أن يكون معصوما": وإنما نقلت هذه النبذة الماضية من الشفاء7، ليعلم أن طريق
منابذة الصوفية للعقل والشرع
الفقهاء، هي طريق الصوفية1، هذا ما بنى عليه الصوفية أمرهم، وأما هؤلاء الذين تشبهوا بهم، ونبه العلماء -حتى الصوفية- على أنهم ليسوا منهم، ودلسوا على الناس، ولبسوا أحوالهم، ليقطعوا الطريق على أهل الله، وهم يظهرون أنهم منهم. منابذة الصوفية للعقل والشرع: فأول ما بنوا عليه أمرهم ترك العقل2 الذي بنى الله أمر هذا الوجود على حكمه بشرط استناده إلى النقل الذي أنزل به كتبه: وأرسل به رسله عليهم الصلاة والسلام، لئلا يزل العقل بما يغلبه من الفتور والشهوات والحظوظ، وجعل العقل حاكما3 لا يعزل بوجه من الوجوه في وقت من الأوقات في ملة من الملل وضموا إلى ذلك4 الداهية الدهياء، وهي ترك ما عطر الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكون بمدحه، وملأ الوجود بذكر مناقبه وفضائله، وهو العلم والشرع
موقف العلماء من ابن عربي وابن الفارض
وحذروا من اتباع شيء من ذلك غاية التحذير, فكانوا كالأنعام، بل هم أضل سبيلا، وذلك بيّن جدا في فصوص ابن عربي, ونظم تائية ابن الفارض اللذين قصد بهما هدم الشريعة، وكل منهما1 ثابت عمن نسب إليه عند أهله ثبوتا رافعا للريب والتائية متصلة بابن الفارض بالآحاد والتواتر. موقف العلماء من ابن عربي وابن الفارض: وقد كفرهما العلماء بسبب ما نقل من حالهما، وما صدق ذلك من كلامهما. أما ابن عربي، فالمتكلمون فيه كثير جدا, وكان له علم كثير في فنون كثيرة، وله خداع كبير غر به خلقا، فأثنى عليه لأجل ذلك ناس من المؤرخين2 ممن
المكفرون لابن الفارض
خفي عليهم أمره، أطبق العلماء على تكفيره وصار أمرا إجماعيا، وأما ابن الفارض فأمره أسهل، وذلك أنه لم يوجد لأحد من أهل عصره الخبيرين بحاله ثناء عليه بعدالة، ولا ولاية، ولا ظهر عنه علم من العلوم الدينية، ولا مدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقصيدة واحد ة على كثرة شعره، فدل ذلك على سوء طويته، ونقل القدح فيه نقلا قطعيا عن محبيه ومبغضيه، فقد قال شراح تائية التابعون لطريقته والمنتقدون عليه من أهل السنة: إن أهل زمانه كلهم من أهل الشريعة، وأرباب الطريقة رموه بالفسق والإباحة والزندقة [65] على الإجمال. المكفرون لابن الفارض: وأما التفصيل والتعيين فقد رماه بالزندقة بشهادة الكتب الموثوق بها نحو من أربعين عالما، هم دعائم الدين من عصره إلى عصرنا، فمن أهل عصره سلطان العلماء عز الدين [ابن] عبد السلام الشافعي، والحافظ الفقيه الأصول تقي الدين ابن الصلاح الشافعي، والإمام الفقيه المحدث الصوفي قطب الدين القسطلاني الشافعي، والإمام نجم الدين أحمد بن حمدان الحنبلي1 وشرح التائية، وبين
عواره فيها بيتا بيتا, وأبو علي عمر بن خليل السكوني المالكي، والشيخ جمال الدين بن الحاجب المالكي. وممن يليهم قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد الصوفي الشافعي، وقاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن ابن بنت الأعز الشافعي، وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعي، والشرف عيسى الزواوي المالكي، والسعد الحارثي الحنبلي، والإمام أبو حيان الشافعي، وأبو أمامة ابن النقاش الشافعي، والحافظ شمس الدين الموصلي الشافعي، وشيخ الإسلام تقي الدين السبكي الشافعي، وشيخ الفقهاء الزين1 الكتناني الشافعي، والشيخ تقي الدين ابن تيمية الحنبلي. وممن يليهم الكمال جعفر الأدفوي2 الشافعي -ونقل ذم التائية عن العلماء- والبرهان إبراهيم السفاقسي المالكي، والشهاب أحمد بن أبي جحلة الحنفي، والحافظ شمس الدين الذهبي الشافعي، والحافظ عماد الدين بن كثير الشافعي. وممن يليهم العلامة شمس الدين محمد العيزري3 الشافعي، وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني الشافعي، وعلامة زمانه علاء الدين محمد البخاري الحنفي الصوفي, وكفر بعض من قال بحضرته: إن ذلك يؤول4 وما أنكر عليه أحد ممن كان حاضره من العلماء تكفيره له، ولا غيرهم من أهل زمانه من مذهب من المذاهب، وما وسع المكفر إلى البراءة من الاتحادية، ومذهبهم. وممن يليهم قاضي القضاة ولي الدين العراقي، وقاضي القضاة حافظ عصره.
موقف شيوخ المذاهب من ابن الفارض
شهاب الدين أحمد بن حجر الشافعي، وقاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي وقاضي القضاة شمس الدين البساطي المالكي، وعلامة اليمن بدر الدين حسين ابن الأهدل الشريف الشافعي الصوفي، كما شهد بهذا النقل عنهم نحو عشرين كتابا من مصنفاتهم، ومصنفات غيرهم من العلماء، وهي شرح التائية لابن حمدان، وديباجة ديوان ابن الفارض، ولحن العوام لابن خليل، وتفسير أبي حيان البحر والنهر والفرقان لابن تيمية1، وقصيدة السفاقسي التي يقول فيها: وكالششتري القونوي ابن فارض ... فلا برد الله ثراهم، ولا أسقى والقونوي الذي ذكره صدر الدين [66] صاحب ابن عربي، وكتاب ابن أبي حجلة، والميزان ولسانه لابن حجر، والتاريخ لابن كثير بخطه، وناصحة الموحدين للعلاء البخاري، والفتاوي المكية للعراقي، وتاريخ العيني وشرح التائية للبساطي، وكشف الغطاء لابن الأهدل. فهذه ستة عشر كتابا وقصيدة شهدت بكفره من بضع وعشرين عالما، هم أعيان كل عصر. موقف شيوخ المذاهب من ابن الفارض: وممن كفره قاضي القضاة سعد الدين الديري الحنفي، وقاضي القضاة محقق زمانه شمس الدين القاياتي، ونادرة وقته عز الدين بن عبد السلام القدسي الشافعي والعلامة علاء الدين القلقشندي الشافعي، والشيخ يحيى العجيسي المالكي والعلامة
تواتر نسبة ابن الفارض إلى الكفر
شمس الدين البلاطنيسي الشافعي شيخ الشاميين في وقته، وشيخ الإسلام عبد الأول السمرقندي الحنفي ابن صاحب الهداية، والعلامة الصوفي كمال الدين ابن إمام الكاملية الشافعي، والعلامة شهاب الدين بن قر الشافعي, والعلامة أبو القاسم النويري المالكي، كما شهد بذلك الثقات من أصحابهم. فهؤلاء أعيان العلماء في عصر ابن الفارض، وفي كل عصر أتى بعده طبقة بعد طبقة إلى وقتنا هذا؛ وقد اجتمع فيهم أهل المذاهب الأربعة التي هي عمدة الإسلام1، فشهادة هؤلاء العلماء الموثوق بهم حجة على من قال بكفره، أما من لم ندركه فبشهادة الكتب الموثوق بصحة نسبتها إلى قائليها. وأما من أدركناه فبشهادة الكتب في بعضهم، وشهادة الثقاة في باقيهم2، هذا إلى ما شهدت به شروح التائية كما يأتي. تواتر نسبة ابن الفارض إلى الكفر: فقد صارت نسبة العلماء له إلى الكفر متواترة تواترا معنويا. وقد علم بهذا عذر من كفره، لو لم يكن له سند غير هذا، فكيف وقد تأيد هذا بما في كلامه وكلام ابن عربي من الطامات التي منها منابذة العقل والشرع كما مضى؟
الضلال عند الصوفية خير من الهدى
الضلال عند الصوفية خير من الهدى: أما ما في الفصوص من ذلك، فقد قال في الفص النوحي في أثناء تحريفه لسورة نوح عليه السلام، التحريف الذي يكفر الإنسان بأدنى شيء فيه1: {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} [نوح: 24] أي: حيروهم في تعداد الواحد {وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ} المصطفين الذين أورثوا الكتاب، فهم أول الثلاثة {إِلَّا ضَلالًا} إلا حيرة، فالحائر له الدور والحركة الدورية حول القطب، فلا يبرح منه، وصاحب الطريق المستطيل مائل خارج عن المقصود طالب ما هو فيه, صاحب خيال إليه غايته, وله "من" و"إلى" وما بينهما، وصاحب الحركة الدورية لا بدء له، فيلزمه "من" ولا غاية له, فيحكم عليه "إلى" فله الوجود الأتم، وهو المؤتى جوامع الكلم والحكم" وقال: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [نوح: 22] لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو؛ لأنه ما عدم من البداية، فيدعى إلى الغاية، ادعوا إلى الله، فهذا [67] عين المكر2. رب ابن الفارض أنثى: وأما ما في التائية من ذلك فقال فيها مخاطبا لله تعالى -كما أجمع عليه شراحه- بضمير المؤنث من أولها إلى آخرها وهي نحو سبعمائة3 بيت، ولو خاطب أحد من أهل الزمان غيره بمثل ذلك4 قاتله، لكن الناس لا يحلمون إلا عند حقوق مولاهم سبحانه، وأما في حقوقهم، فهم في غاية الحدة والمشاححة5، والله الهادي.
تفضيل الزنديق نفسه على الرسل
تفضيل الزنديق نفسه على الرسل قال وحزني ما يعقوب بث أقله ... وكل بلا أيوب بعض بليتي فضله الشارع على من ذكر في البيت كما هو ظاهر العبارة وعلل ذلك بقوله لقوة استعداده فسار في خطوة واحدة مالا يستطيعه غيره إلا في أزمنة طوال وقال القاضي عياض في أواخر الشفاء من قال صبرت كصبر أيوب إن دريء عنه القتل لم يسلم من عظيم النكال وأقول فكيف إذا فضل نفسه وكذب نحو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد الناس بلاء الأنبياء الخلاعة سنة ابن الفارض قال وخلع عذارى فيك فرضي وإن أبى اقترابي ... قومي والخلاعة سنتي وليسوا بقومي ما استعابوا تهتكي ... فأبدوا قلى واستحسنوا فيك جفوتي وأهلي في دين الهوى أهله وقد ... رضوا لي عاري واستطابوا فضيحتي فمن شاء فليغضب سواك فلا أذى ... إذا رضيت عني كرام عشيرتي
ذللت بها في الحي حتى وجدتني ... وأدنى منال عندهم فوق همتي وأخملني وهنا خضوعي لهم، فلم ... يروني -هوانا1بي- محلا لخدمتي ومن درجات العز أمسيت مخلدا ... إلى دركات الذل من بعد نخوتي فلا باب لي يغشى، ولا جاه يرتجى ... ولا جار لي يحمى لفقد حميتي كأن لم أكن فيهم خطيرا، ولم أزل ... لديهم حقيرا في رخائي وشدتي فحالي بها حال2 بعقل مدله3 ... وصحة مجهود، وعز مذلة أسرت مني وصلها النفس حيث لا ... رقيب حجا سرا لسرى وخصت يغالط بعض عنه بعضي صيانة4 ... وميني في إخفائه صدق لهجتي أجمع شراح التائية على أن المراد بالأبيات التسعة الأولى، أن طريقه هتك أستار الحرمة، والخرق في بعض النواميس الإلهية، وتخليته الناس مع ربهم من غير أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر، ورضاه بكل ما يقع منهم لشهوده الأفعال
ذمه للرسل وللشرائع
كلها الواحد1 الحقيقي الظاهر في صور الكثرات، وعدم الالتفات إلى المترسمين من الزهاد والعباد، وكسر نواميسهم2، والرد عليهم وعدم التقييد بظواهر العلوم والاعتقادات، فحملهم ذلك على أن رموه بالفسق والبدعة والكفر والإباحة والزندقة والخروج عن طريقهم، فذل بين حي أهل الشريعة والطريقة وأجمعوا3 على أن المراد من الثلاثة [68] الأخرى أن نفسه أسرت تمني الوصل، وتحققها بحقيقته حتى غاب عنها رقيب العقل؛ خوفا من إطلاعه على ذلك، فيغلب عليه حكم التنزيه، فيقوم بالمنع والتشنيع، فيقول4: ما للراب ورب الأرباب، وأنه بالغ في الإخفاء خوفا من أن يتنبه العقل5، فيقوم يشنع وينكر، فصار كل واحد من الصفات يغالط الآخر، وكذبه في هذا صدق لهجته. وقال بعد ذلك بكثير: ولا استيقظت عين الرقيب، ولم تزل ... علي بها في الحب عيني رقيبتي قال التلمساني: "يعني لما سكرت روحي، ونامت عين الرقيب -وهو الشرع والعقل- أقمت عيني رقيبة علي، لرعاية آداب حضرة المحبوبة". ذمه للرسل وللشرائع: وقال في ذم الشرع أيضا:
منحتك علما إن ترد كشفه فرد ... سبيلي، واشرع في اتباع شريعتي فنبع صداء1 من شراب نقيعه2 ... لدي، فدعني من سراب بقيعة ودونك بحرا خضته، وقف الأولى ... بساحله صونا لموضع حرمتي قال الشراح: "إن معنى ذلك أنه منح أتباعه علما كما صداء، وهو ماء يضرب به المثل في الغزارة والعذوبة، ونهى عن متابعة غيره من علماء الظاهر من الأصوليين والفلاسفة والفقهاء، وغيرهم من أهل العلوم الفكرية، فإنها تغر السامع، وهي كسراب بقيعة ليست شيئا، وأنه خاض بحر التوحيد، وأخرج منه ما لم ينله أحد من السابقين من الأنبياء والأولياء لوقوفهم في ساحل ذلك البحر لأجل حفظ حرمته3" ثم خادعوا4 بأن قالوا: "قال هذا على لسان الحضرة المحمدية5؛ إذ كمال التوحيد مختص بمقام جمعه، والكمل والتابعين إياه" ا. هـ. وقد وقع من شرحه بذلك -مع الحيدة عما لا محيد عنه- في الكفر من
يفضل أتباعه على الرسل، وزندقته على شرعة الله
جهة أخرى، وهي أنه يلزم منه تفضيل أتباع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الأنبياء الماضين عليهم السلام1. يفضل أتباعه على الرسل، وزندقته على شرعة الله: ومن نمطه -لكونه لا ينفك عن كفره- قوله عقبه: وأصغر أتباعي على عين قلبه ... عرائس أبكار المعارف زفت فإن سيل2 عن معنى أتي بغرائب ... من الفهم جلت، أو عن الوهم دقت فإنه لا يصح على لسانه، ولا لسان غيره3. ثم قال في ذم الشرع والعلم. ولا تك ممن طيشته دروسه ... بحيث استقلت عقله واستفزت فثم وراء النقل علم يدق عن ... مدارك غايات العقول السليمة تلقيته مني، وعني أخذته ... ونفسي كانت من عطائي4 ممدتي
الصلة بين التصوف والنصرانية
قالوا في معناه: "لا يستخفنك كثرة دروس العلوم النقلية، فوراءها علم مكنون أخذت ظاهره من حسي، وباطنه من عقلي، وسره من روحي، ومكنونه من سري من حيث أن كل واحد منها عيني وذاتي. ولا وصف, ولا نعت زائد علي حاكم بمغايرتي، وغيريتي إياها، فكنت المعطي، وكنت المعطى، وكنت الممد، وكنت المستمد، والفاعل والقابل1". هذا أمرهم [69] في الانسلاح من العقل. الصلة بين التصوف والنصرانية: وقد شهد عليهم العلماء بذلك. قال العلامة قاضي القضاة شمس الدين البسطامي في أول كتاب له في أصول الدين في المسألة السادسة من الكتاب الثاني في أنه سبحانه ليس متحدا بشيء: "واعلم أن هذه الضلالة المستحيلة في العقول سرت في جماعة من المسلمين، نشئوا في الابتداء على الزهد والعبادة -إلى أن قال- ولهم في ذلك -أي: الاتحاد بالمعنى الذي قالته النصارى- كلمات يعسر تأويلها، بل منها ما لا يقبل التأويل، ولهم في التأويل خلط وخبط كلما أرادوا أن يقربوا من المعقول، ازدادوا بعدا، حتى إنهم استنبطوا قضية حلت لهم الراحة، وقنعوا في مغالطة الضرورة بها بالمغيب، وهي أن ما هم فيه، ويزعمونه وراء طور العقل، وأنه بالوجدان يحصل، ومن نازعهم محجوب مطرود عن الأسرار الإلهية" وهكذا قال الشيخ سعد الدين في شرح المقاصد، والشريف في شرح المواقف2. ادعاؤه الربوبية ولما تمهد له في زعمه3 ادعى أنه الله؛ عنادا لقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17] وقوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: 31] {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] ولأمر1 رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قتاله لكل من سمى شيئا غير الله إلها، فقال شعر: فبي دارت الأفلاك عجبا لقطبها الـ ... ـمحيط بها، والقطب2 مركز نقطتي
زعمه أن صفات الله عين صفاته
فمن قال، أو من طال، أو صال إنما ... يمن بإمدادي له برقيقة وما سار فوق الماء، أو طار في الهوا ... أو اخترق النيران إلا بهمتي وعني من أمددته برقيقة ... تصرف1 عن مجموعة في دقيقة ومني لو قامت بميت لطيفة ... لردت إليه نفسه، وأعيدت ولا تحسبن الأمر عني خارجا ... فما ساد إلا داخل في عبودتي فلا حي إلا عن حياتي حياته ... وطوع مرادي كل نفس مريدة2 [ولولاي لم يوجد وجود، ولم يكن ... شهود، ولم تعهد عهود بذمة] 3 ولا قائل إلا بلفظي محدث ... ولا ناظر إلا بناظر مقلتي هذا لا يصح كونه عنه، ولا عن الله4!! زعمه أن صفات الله عين صفاته: ويقول أيضا أن الله يتحد به، بحيث يصير الذاتان ذاتا واحدة، فمن ذلك قوله: ولا منصت إلا بسمعي؟؟ سامع ... ولا با طش إلا بأزلي وشدتي ولا ناطق غير، ولا ناظر، ولا ... سميع سوائي5 من جميع الخليقة
وهأنا أبدي في اتحادي مبدئي ... وأنهي انتهائي في تواضع رفعتي جلت في تجليها الوجود لناظري ... ففي كل مرئي أراها برؤية وأشهدت غيبي إذ بدت فوجدتني ... هنالك إياها بجلوة خلوتي فوصفي -إذ لم تدع باثنين- وصفها ... وهيئتها -إذ واحد نحن- هيئتي1
فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن ... منادى أجابت من دعاني، ولبت [70] وإن نطقت كنت المناجي، كذلك إن ... قصصت حديثا إنما هي قصت فقد رفعت تاء المخاطب بيننا1 ... وفي رفعها عن فرقة الفرق2 رفعتي فإن لم يجوز رؤية اثنين واحدا ... حجاك، ولم يثبت لبعد تثبت سأجلو إشارات عليك خفية ... بها, كعبارات لديك جلية وأثبت بالبرهان قولي. ضاربا ... مثال محق، والحقيقة عمدتي بمتبوعة ينبيك في الصرع غيرها ... على فمها في مسها حين جنت3 ومن لغة تبدو بغير لسانها ... عليه براهين الأدلة صحت وفي العلم حقا أن مبدي غريب ما ... سمعت سواها، وهي في الحس أبدت
قال الإمام شمس الدين البساطي في شرح هذه الآيات: "ومن ظن هذا برهانا, فجنونه أعظم من جنون المتبوعة" وقال قبل ذلك: زعمه أن الله سبحانه يصلي له: ولا غرو أن صلى الأنام إلي أن ... ثوت بفؤادي، وهي قبل قبلتي لها صلواتي بالمقام أقيمها ... وأشهد فيها أنها لي صلت كلانا مصل واحد ساجد إلى ... حقيقته بالجمع1 في كل سجدة وما كان لي صلى سواي2 ولم تكن ... صلاتي لغيري في أدا كل ركعة ثم قال بعد ذلك: وفارق ضلال الفرق فالجمع، منتج ... هدى فرقة بالاتحاد تحدث
رب الصوفية في صور العاشقات
رب الصوفية في صور العاشقات: وصرح بإطلاق الجمال, ولا تقل ... بتقييده ميلا لزخرف زينة بها قيس لبني1هام، بل كل عاشق ... كمجنون ليلى2، وكثير3 عزة فكل صبا منهم إلى وصف لبسها ... بصورة حسن لاح في حسن صورة وما ذاك إلا أن بدت بمظاهر ... فظنوا سواها، وهي فيها4 تجلت ففي النشأة الأولى تراءت لآدم ... بمظهر حوا5 قبل حكم الأمومة فهام بها كيما يصير بها أبا ... ويظهر بالزوجين سر البنوة انظر إلى هذا التجاسر مع الكفر على صفي الله آدم عليه السلام في وصفه
بالهيام بالذات الأقدمين1 كما لا يخفى ولم لا يخفى: وما برحت تبدو وتخفى لعلة ... على حسب الأوقات في كل حقبة وتظهر للعشاق في كل مظهر ... من اللبس في أشكال حسن بديعة ففي مرة لبنى، وأخرى بثينة ... وآونة تدعى بعزة. عزت ولسن سواها، لا ولا كن غيرها2 ... وما إن لها في حسنها من شريكة كذاك بحكم الاتحاد, لحسنها ... كما لي بدت في غيرها، وتزيت بدوت لها في كل صب متيم ... بأي بديع حسنه، وبأيت وليسوا بغيري في الهوى لتقدم ... علي بسبق في الليالي القديمة وما القوم غيري في هواي، وإنما ... ظهرت بهم للبس في كل هيئة
ففي مرة قيسا، وأخرى كثيرا ... وآونة أبدو جميل بثينة1 [71] تجليت فيهم ظاهرا, واحتجبت با ... طنا بهم, فاعجب لكشف بسترة2 وهن, وهم3 -لا وهن وهم- مظاهر ... لنا4 بتجلينا بحب، ونضرة فكل فتى حب أنا هو، وهي حـ ... ـب كل فتى، والكل أسماء لبسة أسام بها كنت المسمى حقيقة ... وكنت لي البادي بنفس تخفت وما زلت إياها, وإياي لم تزل ... ولا فرق، بل ذاتي لذاتي أحبت5 وليس معي فى الملك شيء سواي ... والمعية لم تخطر على ألمعيتي
ثباته على اعتقاد الوحدة
فهذا ظاهر في إرادة الاتحاد1 بحيث إن الذاتين تكونان ذاتا واحدة، لا شبهة فيه أصلا. ثباته على اعتقاد الوحدة: ثم قال في إثباته2، ونفي الحلول: رجعت لأعمال العبادة عادة ... وأعددت أحوال الإرادة عدتي وعذت بنسكي بعد هتكي، وعدت من ... خلاعة بسطي، لانقباض بعفتي وصمت نهاري رغبة في مثوبة ... وأحييت ليلي رهبة من عقوبة وعمرت أوقاتي بورد لوارد ... وصمت لسمت، واعتكاف لحرمة وبنت عن الأوطان هجران قاطع ... مواصلة الأحباب، واخترت عزلتي ودققت فكري في الحلال تورعا ... وراعيت في إصلاح قوتي، وقوتي وأنفقت من يسر3 القناعة راضيا ... من العيش في الدنيا بأيسر بلغة وهذبت نفسي بالرياضة، ذاهبا ... إلى كشف ما حجب العوائد غطت وجردت في التجريد عزمي تزهدا ... وآثرت في نسكي استجابة دعوتي متى حلت عن قولي: أنا هي، أو أقل ... وحاشا لمثلي أنها في حلت جميع هذه الأفعال التي هي محاسن الشريعة جعلها نقائض، ودعا على نفسه بها4، إن ادعى الحلول، أو حال عن دعوى الاتحاد.
استدلاله على زندقته
استدلاله على زندقته: ثم قال بعد هذا بكثير في أواخر القصيدة, دالا على مذهبه فيما زعم: وجاء حديث في اتحادي ثابت ... روايته في النقل غير ضعيفة يشير بحب الحق بعد1 تقرب ... إليه بنفل, أو أداء فريضة وموضع تنبيه الإشارة ظاهر ... بكنت له سمعا كنور الظهيرة قال شارحه: "إن الحب ميل باطني أثره رفع امتياز المحب والمحبوب، ورفع ما بينهما2، والمحب عين الحضرة الإلهية، والمحبوب ظهور كماله الذاتي والأسمائي، ولن يصح لقبول هذا الظهور المحبوب منصة إلا الحقيقة الإنسانية صورة ومعنى؛ لكمال جمعيتها، وتتميمها دائرة الأزلية والأبدية، والحديث المشير بهذا الاتحاد: لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ولسانا ورجلا3 وعبارة التلمساني في مقدمة شرحه: نص
في المراد، وهي: "فالسمع والبصر, وغيرهما من الصفات في أي موصوف كان هو الله حقيقة" وسيأتي كلام القشيري [72] والسهروردي: أن هذا زندقة، وساق ابن الفارض بعد الأبيات الماضية ما زعم أنه يدل على دعواه الاتحاد وأنه إذا دل على ذلك انتفى الحلول، فقال: ولست على غيب أحيلك لا, ولا ... على مستحيل موجب سلب حليتي وكيف، وباسم الحق ظل تحققي ... تكون أراجيف الضلال مخيفتي؟ وها دحية1 وافى الأمين2 نبينا ... بصورته في بدء وحي النبوة
يدين بتلبس الله بصورة خلقه
أجبريل قل لي: كان دحية إذ بدا ... لمهدي الهدى في هيئة بشرية وفي علمه عن حاضريه مزية ... بماهية1 المرئي من غير مرية يرى ملكا يوحي إليه، وغيره ... يرى رجلا يرعى لديه لصحبة ولي من أصح الرؤيتين إشارة ... تنزه عن رأي الحلول عقيدتي يدين بتلبس الله بصورة خلقه: قالوا: "إن المراد -كما هو ظاهر جدا- أن جبريل عليه السلام ظهر في صورة دحية من غير حلول فيه، ولأجل ظهوره كذلك ادعى أن الله تعالى تجلى بصورة الناظم، لم يدع حلوله2 فيه".
قال البساطي: "لكن دعوى تجلي الله بصورة ما مكفر بها1 شرعا بإجماع المسلمين والكافرين من آمن به، وإن لم يكن حلولا". ثم قال: دالا على أن ما قاله بزعمه في الكتاب والسنة: وفي الذكر2 ذكر اللبس ليس بمنكر ... ولم أعد عن حكمي كتاب وسنة وشرحه الشراح كلهم بقوله تعالى في الكتاب العزيز: {نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ} [القصص: 30]
وقوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} 1 [الأنفال: 17]
وقوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} 1 [الفتح: 10] وفي السنة حديث الإتيان في الصورة التي تنكر يوم القيامة، ثم في الصورة التي تعرف2. ثم قال3: "فعلم أنه تعالى يتلبس بأي لباس صورة شاء مما يعرف، ومما ينكر من غير حلول، فكان ظهوره بصورتي جائزا من غير حلول، فصح بهذا دعوى اتحادي مع نفي الحلول" ا. هـ. وليس وراءه تصريح بالكفر. نسأل الله العافية. وقالوا في شرح البيت الثاني4: "إن الحق من أسماء الذات، ومن اتصف بأسماء
رأي القشيري والسهروردي
الذات أعلى ممن اتصف بأسماء الصفات، وقد أخبر عن اتصافه باسم الحق -وهو الثابت بذاته، المثبت لغيره1- فلا يمكن أن يتغير عما ذهب إليه". رأي القشيري والسهروردي: وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري في شرحه للأسماء الحسنى: "إن العبد لا يجوز أن يتصف بصفات ذات الحق كما زعم بعضهم: أن العبد يكون باقيا ببقاء الحق، سميعا بسمعه، بصيرا ببصره2، وهذا خروج عن الدين، وانسلاخ عن الإسلام بالكلية، وهذه البدعة أشنع من قول النصارى: إن الكلمة القديمة اتحدت بذات عيسى عليه السلام، وهي توازي قول [73] الحلولية". وقال السهروردي في الباب الحادي والستين من عوارفه في الكلام على المحبة، ما حاصله: "إن المحبة: التخلق بأخلاق الله، ومن ظن من الوصول غير ما ذكرنا، أو تخايل له غير هذا القدر، فهو متعرض لمذهب النصارى في اللاهوت والناسوت3" وقال: "علم البقاء والفناء يدور على إخلاص الوحدانية وصحة العبودية، وما كان غير هذا فهو من المغاليط والزندقة4. وحدة الأديان عند ابن الفارض: وعلى هذا الأصل المخبث الخبيث -وهو الاتحاد بين جميع الكائنات،
شعره في وحدة الأديان
وأنه لا غير, ولا غيرية في شيء من الوجود- فرع صحة كل دين1؛ لأن الفاعل عنده إنما هو الله، فأبطل دين الإسلام القائل بأن كل ما عداه2 باطل، فصار المحامي له3 خاذلا لمن ينصره4، فإن من كفر ابن الفارض ساع جهده في نصر دين الإسلام، وتأييد النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وأغلب المحامين له يعتقدون أن دين الإسلام -القائل بضلال ما عداه- هو الحق، ويسعون في نصر من يصوب كل ملة، ويصحح كل نحلة، وهم لا يشعرون أنه قال في تصويب جميع الأباطيل. شعر. شعره في وحدة الأديان: وإن عبد النار المجوس وما انطفت ... كما جاء في الأخبار من ألف حجة فما عبدوا غيري، وإن كان قصدهم ... سواي، وإن لم يعقدوا عقد نيتي رأوا ضوء نوري مرة، فتوهمو ... هـ نارا فضلوا في الهدى بالأشعة وإن خر للأحجار في البد5 عاكف ... فلا وجه6 للإنكار بالعصبية فقد عبد الدينار معنى منزه ... عن العار بالإشراك7 بالوثنية
معاندته للتوحيد الحق
وإن نار بالتنزيل محراب مسجد ... فما بار بالإنجيل هيكل بيعة وأسفار توراة الكليم لقومه ... يناجي بها الأحبار في كل ليلة وما احتار من للشمس عن غرة1 صبا ... وإشراقها من نور إسفار غرتي وقد بلغ الإنذار عني2 من بغى ... وقامت بي3 الأعذار في كل فرقة فما زاغت الأبصار من كل ملة ... ولا راغت الأفكار في كل نحلة قال شراحه: "إنه مهد في هذه الأبيات أعذار كل فرقة، وأن كل صاحب ملة ونحلة -وإن بطل سعيه- على نصيب من الهدى، فعباد النار غير مؤاخذين من جميع الوجوه، بل من وجه دون وجه، ولا لوم على أحد، بل لكل واحد وجه، ومحمل خير يحمل عليه، فكل يعمل على شاكلته، وكذا عابد الأصنام. قالوا: لا تنكر عليه، فإن أنكرت، لم يكن إنكارك إلا تعصبا؛ لأنك لا تنكر على المقبل على الدنيا، مع أنه أقوى شركا من عابد الصنم, وقالوا: كما أن القرآن نور المساجد، فكذلك الإنجيل نور المعابد. وقالوا نحو هذا في التوراة، وفي عابد الشمس: أنه بإثباته عين الألوهية لم يكن ناقصا، فقام له عذر من وجه من الوجوه. وذلك كاف للكريم" ولا يقول بشيء من هذا مسلم4. معاندته للتوحيد الحق: وقد عاند التوحيد الحق في قوله:
ولو أنني وحدت ألحدت1 وانسلخـ ... ـت من آي جمعي مشركا بي صنعتي قالوا في شرحه: "لو أنني أثبت وحدة الذات الحق المطلوب المحبوب، ونفيت كثرة نسبه عنه، كما أثبتت ونفت المنزهة2، وبعض الفلاسفة، لكنت مائلا عن سنن الاستقامة؛ لأني أثبت لنفسي وغيري وجودا يقابل وجود الحق" وهذا عين الإلحاد والشرك، فليس وراء هذا كفر، فإن كان هذا مما يفهمه المنازع3، كما يفهم الذاب عن الشارع، فقد علم منابذته لله، ولرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن كان لا يفهمه، ويدعي أن له معنى حسنا، فيكفيه أنه يخوض بالجهل فيما هو أخطر الأشياء، وهو أصول الدين الذي في الزلة فيه ذهاب الروح والدين، وهو معاند بمنازعته لقوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} [آل عمران: 66] , {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونٌَ} [البقرة: 168, 169] ، {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا
دعوته إلى المجون
وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الاعراف: 33] {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36] . ويكون1 تابعا لمجرد العصبية، وحمية الجاهلية، مع أنك لا تجد من يحامي عنه إلا منهمكا في الفسوق والبغي والعقوق، أو قريبا منه، تبعا له في قوله: دعوته إلى المجون وينبيك عن شأني الولدي وإن نشأ ... بليدا بإلهام كوحي وفطنة ويعرب عن حال السماع بحاله ... فيثبت للرقص انتفاء النقيصة ولا تك باللاهي عن اللهو جملة ... فهزل الملاهي جد نفس مجدة وإياك والإعراض عن كل صورة ... مموهة، أو حالة مستحيلة قالوا في شرحه: "إن الطفل يبين بحاله من الإصغاء إلى المناغي عن حال أهل السماع والرقص، فيثبت بهذا انتفاء النقص خلافا لما قاله المحجوبون، ولما كان سماع الطفل ورقصه بريا عن الشهوة والرئاء2 كان معربا عن صحة حال سماع الواجدين، ورقصهم3 وهزل الملاهي جد نفس مجدة، فلا تكن غافلا.
الباطل إله الصوفية
عنه، فإنه فائض من الأسماء الإلهية، وما يفيض من الحق إلا ما هو حق لا باطل. الباطل إله الصوفية: ولذلك قال ابن عربي "لا تنكر الباطل في طوره، فإنه بعض ظهوراته"1 فقد أفاد هذا أنهم يعتقدون: أن الباطل هو الله، ولو لم يكن في هذا إلا أنه2 يدعو إلى البطالة والخلاعة والضلالة، لكان كافيا في استهجانه [75] ومنابذته للدين. وقد نقل شيخنا حافظ العصر ابن حجر في لسان الميزان أنه كان لهذا الناظم جوار في البهنسة موظفات للغناء والضرب بآلات الملاهي، وكلما ماتت واحدة منهن اشترى بدلها أخرى، وكان يذهب إليهم في بعض الأوقات، فيسمعهن، ويرقص على غنائهن، ويرجع3. المناضل عن ابن الفارض: فالمناضل عنه مسارع إلى شكله، ومضارع لمن كان فعله كفعله، كما قال علي
قوله يوجب إراقة دمه
رضي الله عنه بعد قدومه الكوفة بثلاثة أيام: "قد عرفنا خياركم من شراركم، قالوا: كيف؟ وما لك عندنا إلا ثلاثة أيام، قال: كان معنا خيار وشرار، فانضم خيارنا إلى خياركم، وشرارنا إلى شراركم" وحديث: "الأرواح جنود مجندة" 1 الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أعدل شاهد لذلك ويتعين على كل مسلم إنكار ما أنكره الشرع من مثل هذا. قوله يوجب إراقة دمه: وقد اعترف هو أن ما قاله موجب لإراقة الدم، وأنه قاله في الصحو والإفاقة لا في السكر والجذبة، فقال: وثم أمور ثم لي كشف سترها ... بصحو مفيق عن سواي تغطت بها لم يبح من لم يبح دمه وفي الإ ... شارة معنى ما العبارة حدت قالوا في شرحه: "أي انكشفت لي أمور وأسرار بواسطة الصحو الذي حصل لي بعد السكر والإفاقة، وهي متغطية عن غيري من المحجوبين، ولم يظهر تلك الأسرار إلا من أباح دمه للمحجوبين2، فإنهم يقتلون العارفين الذين باحوا بأسرار التوحيد3" وقد صرح بأن ما يقوله حقيقة لا مجاز، فقال: عليها مجازي سلامي، فإنما4 ... حقيقته مني علي تحيتي
قال الشراح: "أي: على حضرة المحبوبة سلامي في قولي: التحيات إلى آخره؛ مجاز لأنها عيني، لا غيري، فحقيقة السلام مني، وإلي" وقد مثلوا كون التشخص مجازيا، والإطلاق حقيقيا بأن الروح الكلي الذي هو الإله عندهم كالبحر، والأشخاص الناشئة عنه مثل البخار الصاعد من صورته البخارية ثم في صورة السحابية، ثم يرجع إلى الماء، ويختلط بالحبر، فيصير إياه، وهو بخار وسحاب حقيقة، وتلك الصورة العارضة مجاز1!! فأين هذا الانهماك في اللذة قولا وفعلا، والانقياد للهوى عقدا وحلا، من رتبة الولاية التي يدعيها المتعصبون له، التي من شرطها الإعراض عن الانهماك في اللذات الدنيوية ومن رتبة الولاية التي يدعيها هو؟
ومن هنا تعلم أنهم1 لا أرضوه، ولا أرضوا الله ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أحدا من المؤمنين، فإنه هو لا يرضى إلا أن يكون خليعا، وهم يقولون: متقيد، وهو يقول: أن ما قاله مبيح للدم، وهم يقولون: لا يبيحه، وهو يقول: إنه عاقل صاح، وهم يقولون: مجنون [76] سكران، وهو يقول: إن ما قاله: حقيقة، وهم يقولون: مجازا2، ولا يقدرون على تخريجه على المجاز وهو لا يرضى إلا أن يكون هو الله، وينهى عن ذكره بغير. لماذا يزجر عن تكنيته بكنية، أو تلقيبه بلقب وألغ الكنى عني ولا تلغ أكلنا3 ... بها، فهي من آثار صيغة صنعتي4 وعن لقبي بالعارف ارجع فإن ترى التـ ... ـنابذ بالألقاب في الذكر تمقت قال شراحها: "أي: أسقط الكنى عني، ولا تستعمل اللغو في إطلاقها على حال كونك عييا5 عن الكلام في تعريف مقامي، فإنها من آثار مصنوعاتي، إذ الإنسان صاغها، وهو من جملة مصنوعاتي التي أوجدتها، وارجع عن إطلاقك علي اسم العارف؛ لاتحادي بذات من لا يطلق عليه هذا الاسم". فلم يدع جهدا في زجرهم عن تسميته بالعارف، ولم يدع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبسا في أمرهم بتكفيره، وهم6 يعصون كلا من الأمرين,
زعمة أنه عرج إلى السماء
ولا يرجعون عن شيء من المنهيين، فيا خسارتهم بما ضروا به أنفسهم فيما لا ينفعهم، كما قال تعالى فيمن يعبد الله على حرف: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ، يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} [الحج: 12، 13] . زعمة أنه عرج إلى السماء: وادعى العروج إلى الله، والوصول إلى مقام: أو أدنى، 1 فقال: ومن أنا إياها، إلى حيث لا إلى ... عرجت، وعطرت الوجود برجعتي قالوا في شرحه: "عرجت من مقام: أنا إياها -وهو ابتداء الاتحاد- ومن قولهم: أنا الحق2، ولا إله إلا أنا فاعبدني3، إلى أن وصلت إلى مقام لا نهاية فيه، وعطر الوجود برجوعه، لاتصافه بصفات الرحمن4، واتحاده. بذات الملك الديان".
والبيت الذي بعده أشد كفرا1، ثم قال: ولي عن مفيض الجمع عند سلامه ... علي بأو أدنى إشارة نسبة قالوا في شرحه: "إنه لما فني في النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بقي به حصة بمشاركته في قبول عين السلام من حيث عين ذلك المقام -وهو مقام: أو أدنى-
لا شيء على من يكفر ابن الفارض
فإنه جل جناب هذا المقام من أن يطلع عليه إلا واحد بعد واحد، فالواحد السابق هو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والواحد اللاحق به:1 أنا إن شاء الله تعالى من جهة غرقي في لجيته" ا. هـ. وقال عياض في أواخر الشفاء: وكذلك -أي: يكفر- من ادعى مجالسة الله تعالى، والعروج إليه، ومكالمته، أو حلوله في أحد الأشخاص، كقول بعض المتصوفة2. لا شيء على من يكفر ابن الفارض: وأما من أنكر عليه لأمثال ما رأيته من الألفاظ الصريحة بالنص في الكفر، فلا شيء عليه بإجماع المسلمين بقاعدة من كفر مسلما متأولا، فلا أضل ممن ترك طريقا مضمون السلامة، واتبع طريقا أخف أحواله أنه مظنون العطب والملامة [77] ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح، على تقدير تسليم أن يكون لهم فيما هم فيه مصلحة، ولي فيه -والله- مصلحة بوجه، فقد اعترف كل من يحامي له أن ظاهر كلامه منابذ للكتاب والسنة, وإلا لما احتاجوا إلى ادعاء تأويله، مع أن الفاروق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي ما سلك فجا إلا سلك الشيطان فجا غير فجه3, قد أنكر التأويل لغير كلام المعصوم4، ومنع منه رضي الله عنه، وأرضاه، وأهلك كل
من خالفه وأرداه، وبسيف الشرع قتله وأخزاه، فقال فيما رواه عنه البخاري في كتاب الشهادات من صحيحه: "إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن الوحي قد انقطع, وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر خيرا أمناه، وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، والله يحاسبه في سريرته. ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه، ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة" وقد أخذ هذا الأثر الصوفية، وأصلوا عليه طريقهم. منهم صاحب العوارف استشهد به في عوارفه، وجعله من أعظم معارفه، فمن خالف الفاروق رضي الله عنه كان أخف أحواله أن يكون رافضيا خبيثا، وأثقلها أن يكون كفارا عنيدا، وهذا الذي سماه الفاروق رضي الله عنه: ظاهرا هو الذي يعرف في لسان المتشرعة بالصريح، وهو ما قابل النص والكناية والتعريض، وقد تبع الفاروق رضي الله عنه على ذلك -بعد الصوفية- سائر العلماء، لم يخالف منهم أحد كما نقله إمام الحرمين1 عن الأصوليين كافة، وتبعه الغزالي، وتبعهما الناس. وقال الحافظ زين الدين العراقي أنه أجمع عليه الأمة من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل الاجتهاد الصحيح، وكذا قال الإمام أبو عمرو ابن عبد البر2 في التمهيد، وأصله إمامنا الشافعي رضي الله في كتاب
المتوقف في تكفير الصوفية
الرسالة لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنكم تختصمون إلي، ولعل أحدكم أن يكون ألحن1 بحجته، فأقضي له" الحديث رواه الستة عن أم سلمة رضي الله عنها في أمثال كثيرة, وقال الأصوليون: "كافة التأويل -إن كان لغير دليل- كان لعبا، وما ينسب إلى بعض المذاهب من تأويل ما هو ظاهر في الكفر فكذب أو غلط منشؤه سوء الفهم، كما بينت ذلك بيانا شافيا في غير هذه الرسالة، وإنما أولنا كلام المعصوم2؛ لأنه لا يجوز عليه الخطأ، وأما غيره، فيجوز عليه الخطأ سهوا وعمدا. المتوقف في تكفير الصوفية: ولا يسع أحدا أن يقول: أنا واقف أو ساكت لا أثبت، ولا أنفي؛ لأن ذلك يقتضي الكفر؛ لأن الكافر من أنكر ما علم من الدين بالضرورة. ومن شك في كفر مثل هذا كفر [78] ولهذا قال ابن المقري في مختصر الروضة: "من شك في اليهود والنصارى وطائفة [ابن3] عربي فهو كافر". وحكى القاضي عياض في الباب الثاني من القسم الرابع من الشفاء: "الإجماع على كفر من لم يكفر أحدا من النصارى واليهود، وكل من فارق
دين المسلمين، أو وقف في تكفيرهم, أو شك. قال القاضي أبو بكر: لأن التوقيف والإجماع [اتفقا1] على كفرهم، فمن وقف في ذلك، فقد كذب النص أو2 التوقيف، أو شك [فيه3] والتكذيب، أو الشك فيه لا يقع إلا من كافر4" ا. هـ. وقال الإمام حافظ الدين النسفي في كتابه العمدة في أصول الدين: "التوقف باطل؛ لاقتضائه الشك، والشك فيما يفترض اعتقاده كالإنكار" ومن العجب أنهم يعاندوننا، لأننا لا نؤول لمن يجوز عليه الزلل، وينصرون من يتعصبون له، وهو5 لا يؤول المتشابه من كلام المعصوم، بل يجريه على ظاهره6 خلافا لإجماع الأمة7 مع تأدية ذلك إلى إبطال الشرع، ويدعون
الرأي في شعر ابن الفارض
الإسلام، فما أحقهم بقوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا، وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 88، 89] إلى هذا من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكلام حملة1 شريعته من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم دعوتا {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 22] . الرأي في شعر ابن الفارض: وأما المحامون له، فإنهم داعون إلى شاعر لم يؤثر عنه قط شيء غير ديوان شعر لم يمدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه بقصيدة واحدة، بل هو كفر وضلالة وخلاعة وبطالة، وقد علم ذم الله، وذم رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للشعر والشعراء إذا كان حالهم مثل هذا، كما قال تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 224-227] وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما رواه الستة عن ابن عمر رضي الله عنهما: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا [حتى يريه2] خير من أن يمتلئ شعرا3" وذلك إذا انفرد بالشعر
كهذا الرجل، فإنه ليس شيء ينفع الدين أصلا، وليس له من الشعر إلا ما عادى به الإسلام، وأهله، وأذاهم غاية الأذى، وأوقع به بينهم1 العداوة والبغضاء؛ لأنه ملأه كفرا وخلاعة، وصدا عن الدين وشناعة، فقد حاد به الله ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [79] وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22] . فنحن في غاية السلامة، إن شاء الله تعالى، لما قدمت. وأما من يحامي عنه، فهو دائر بين اعتقاد ما تضمنه كلامه، وذلك هو الكفر الموجب للسيف في الدنيا، والخلود في النار في الأخرى، وبين الذب2 عنه مع الجهل لما قال، وذلك موجب لموادة من حاد الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الموجبة لعداوتها الجارة إلى كل شقاء.
تواتر الخبر بتكفير العلماء له
تواتر الخبر بتكفير العلماء له: هذا مستندنا، وهو قطعي1 من جميع وجوهه، تواتر لنا تواترا معنويا نسبة العلماء له إلى الكفر، وتواترا حقيقيا أن التائية نظمه، ونحن على القطع بأنها صريحة في القول بالاتحاد بالذات والصفات، وما يتبع ذلك من تصويب جميع الملل والنحل إن لم يكن نصا فيه، وعلى القطع بأن ذلك كفر، والقائل به كافر، وقد انتقيت من التائية ما يقارب أربعمائة وخمسين بيتا شهد شراحها البررة والكفرة أن مراده منها صريح الاتحاد، وما تفرع عليه من تصويب جميع الأباطيل في مجلد سميته الفارض2.
لا عبرة بقول حفيد ابن الفارض
لا عبرة بقول حفيد ابن الفارض: ولا مستند لمن ينابذنا إلا ما أثبته ابن بنته في ديباجة الديوان من الزور والبهتان، وهو نكرة لا يعرف، ولو أنه شهد على أحدهم بدينار لم تقبل شهادته حتى يعدله العدول الموثوق بهم، ولا معدل له، ولا لجده، ممن هو خبير بحالهما أصلا، فصار المحامون له لا مستند لهم إلا سند قريش في منابذة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في التوحيد حين قالوا: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًَّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32] ، {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ} [ص: 7] ، {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 22] ، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104] ، {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف: 30] . وكل من هكذا يوشك أن يقول عند سؤال الملكين في قبره ما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المنافق، أو المرتاب: "هاه [هاه] 1. لا أدري. سمعت
بم يكون الإنسان وليا
الناس يقولون شيئا، فقلته" على أنه لو ثبت ما في ديباجة الديوان لم يفد ولاية، فإن العلماء قسوا الخوارق إلى معجزة وكرامة، ومعونة وإهانة. وأشار إلى ذلك الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأكبر، انظر إلى ما ورد للدجال من الخوارق1، وهو أكفر الكفرة. بم يكون الإنسان وليا؟: إنما يفيد الولاية بذل المجهود في متابعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن بذل جهده في [80] اتباع السنة، قلنا: إنه ولي، فإن خيل بعض المحلولين منهم أحدا ممن ظهر له الحق بقوله: التسليم أسلم!! فليقل له: هذا خلاف ما أمر به صاحب الشرع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكتاب والسنة: من جهاد أعداء الله، والبغض في الله، من ذلك حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه المتفق عليه في تسليته عن التخلف عن أصحابه بمكة: "ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون" على أن التسليم لأهل الشريعة وأهل الطريقة2 المجمع عليهم الذين رموا هذا الرجل بالكفر، ورأسهم الفاروق رضي الله عنه بمنعه من التأويل أجدر بإيجاب السلامة. وقد قال الإمامان أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهما:
دفاع وادعاء
"إن لم تكن الفقهاء أولياء لله، فليس لله ولي1" نقله عنهما النووي في تبيانه عن الخطيب البغدادي، ودليله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] , {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63] . فقد أرشد الله تعالى إلى أن الولي هو العالم، وأن العالم هو العامل بعلمه. دفاع وادعاء: وإن قالوا: أنت تبغض الصوفية، فقل: هذه مباهتة. إنما أبغض من كفره من أجمعنا على أنهم صوفية، مثل الجنيد، وسري2 وأبي يزيد3،
وأبي سعيد الخراز، والأستاذ أبي القاسم القشيري، والشيخ عبد القادر الكيلاني والشيخ شهاب الدين عمر السهروردي صاحب العوارف، فإن بعضهم قال: طريقنا, مشبك بالكتاب والسنة، فمن خالفهما، فليس منا، وبعضهم جعل أثر عمر رضي الله عنه أصلا، وبنى عليه طريقهم، وبعضهم قال: من قال: إن الشريعة خلاف الحقيقة فهو زنديق، ومن قال: إن المراد بمحبة الله تعالى، ووصوله إليه غير كمال المتابعة للكتاب والسنة، أو بمحبة الله غير إكرامه بحسن الثواب؛ فهو زنديق1، إلى غير ذلك مما حدوه، فتعداه من عاديتمونا بسببهم
بل أنتم بعد بغضكم للصوفية نابذتم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بموالاتكم من نابذ شريعته، ونحن نذب عنها وأنتم تناضلون عمن يهدمها من غير فائدة في ذلك، وتقولون: إنهم أرادوا بكلامهم الذي ظاهره قبيح غير ظاهره، ولو قال أحد من الناس لأحد منكم كلمة توهم نقصا "كالعلق" الذي قال أهل اللغة أن معناه: الشيء النفيس1؛ عاداه، وإن حلف له أنه ما قصد ذما، وإن كرر ذلك كانت القاصمة، فتحرر بذلك أن نابذتم أهل الدين من الفقهاء والصوفية2 المجمع
وجوب الكشف عن زندقة الصوفية وبيانها
عليهم بالتأويل في جانب الله تعالى، ومنعتم مثله في حقكم، فأف لهذا عقلا، فكيف بالنظر إلى [81] الدين؟ وجوب الكشف عن زندقة الصوفية وبيانها: وإن قالوا: لا تجرب بالإنكار عليه في نفسك، فليقل: وإن تركت الإنكار عليه، كنت أيضا مجربا في نفسي بمنابذة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي رواه مسلم عنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع، فبلسانه، فإن لم يستطع، فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" وفي حديث آخر لمسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل1" وقد صرح العلماء بأن من خاف
الجاهلية في الصوفية
على أحد أنه يقع في هلكة يجب عليه إنذاره, ولو كان في الصلاة {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41] . الجاهلية في الصوفية: على أنهم تابعون في هذا التحريف سنة الجاهلية في قولهم لنوح عليه السلام ما أجابهم عنه بما حكاه تعالى عنه في قوله: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} [يونس: 71] ثم قولهم لهود عليه السلام، وقوله لهم ما حكاه تعالى بقوله: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ، ِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 54-56] ثم قولهم لإبراهيم عليه السلام كذلك: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ1 أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ
دفع اعتراض
وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ، وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ، وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 80-83] وقال كفار قريش لزنيرة الرومية رضي الله عنها لما أسلمت2، فعميت: "ما أعماها إلا اللات والعزى فرد الله عليها بصرها، وقالت ثقيف: "والله لا يستطيع أحد أن يخرب اللات، فلما أخربوها، قالوا: والله ليغضبن الأساس" وقال اليهود لما مات أبو أمامة أسعد بن زرارة رضي الله عنه: "لو كان نبيا ما مات صاحبه" إلى أمثال هذه الترهات. دفع اعتراض: وإن قالوا، استخفافا لضعفاء العقول: إن هذا الرجل3 له ما يزيد على مائتي سنة ميتا، فما للناس يقلقونه في قبره؟ تلك أمة قد خلت. فقل, بعد التأسي بفعل الله بفرعون وأضرابه: هذا الكلام [82] لنا عليكم، فإنه
لو كان حيا لظن أن الكلام فيه لعداوة، أو حظ من الحظوظ الدنيوية، وحيث انتفت التهم كلها, كان الكلام بسبب ما خلفه من كلامه الذي أقر الذابون عنه أن ظاهره خبيث حتى احتاجوا إلى تأويله، فلو تركوا كلامه، تركنا الكلام فيه، فمن غض منه, علمنا أنه ما غض -مع معاداة أكثر الناس- إلا ذبا عن حمى الشريعة خوفا على الضعفاء من الاغترار بهذه الظواهر، ومن حامى عنه، كان ذلك قرينة دالة على أنه يعتقد ما ظهر من كلامه، وإن قالوا: "لا تذكروا موتاكم إلا بخير" رواه النسائي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا. قيل: حتى يكون من موتانا1، وإن قالوا: "لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا" رواه البخاري عنها أيضا مرفوعا. قيل: هذا إذا كان في أمرهم شك بدليل {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} 2، ونحن لم نسبه، بل أخبرنا بما وصفه به العلماء الذي ثبتت ولايتهم تحذيرا من كلامه3، واتباعا لحديث البخاري عن أنس
رضي الله عنه -رفعه- "مرو بجنازة فأثنوا عليها شرا، فقال: "وجبت" واتباعا لإجماع الأمة في جرح من يستحق الجرح. هذا من فوائد قولنا، فليذكر الخصم للدفع عنه فائدة واحدة لنفعه، أو لنفع الدين, أو أحد من المسلمين!! وإن قالوا: ما لأهل زمانه ما أنكروا عليه؟ قيل: قد أنكروا عليه، كما مضى بيانه، وإن قالوا: ما لهم ما قتلوه؟ قيل: منعهم اختلاف الأغراض، كما منع ذلك في الباجريقي، وكما ترى الآن من هذا التجاذب، على أن القتل أيضا لا يفيد قطع التعنت من المتعنتين، فقد أجمع أهل زمان الحلاج الذي هو رأس هذه الطائفة الاتحادية1 بعد فرعون، وهم أتباع طريقته على قتله على الزندقة، كما نقله القاضي عياض في آخر كتابه الشفاء الذي هو من أشهر الكتب وأعظمها, ونقل الأستاذ أبو القاسم القشيري رأس الصوفية في زمانه في الرسالة عن أحد مشياخنا عمرو2 بن عثمان المكي تكفيره للحلاج وذلك في باب "حفظ قلوب المشايخ3 وقتل بسيف الشرع، وأنت تجد الآن هذه الطائفة، وأتباعهم من
نصيحة
العامة، يعتقدون فيه اعتقادا عظيما، وينابذون أهل الشريعة، وذلك يدل على أنهم إنما يقولون: تؤول تقية، وخوفا من السيوف المحمدية، وأنهم يعتقدون الكلام على ظاهره، فاستوى حينئذ القتل على الزندقة وعدمه {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [غافر: 33] . نصيحة: ولا تهتموا أيها الأخوان بكثرة كلام أتباع الشيطان، وهجائهم لنا بالإثم والعدوان، فهم: إنما يقولون ذلك في الغيبة، ولهم عليه الإثم والخيبة، فإن الله تعالى قد ضمن النصرة، وإن كان مع المبطل الكثرة. روى [83] الشيخان عن معاوية رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون, وحتى يقاتل بقيتهم الدجال" وفي رواية: "وهم بالشام"، وقال [تعالى] : {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف: 10، 11] إلى أن قال: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} [الصف: 12-14] . وقد قلت في حالنا وحالهم. نصرنا سنة المختار حقا ... فهاجينا لذاك1 الأكافر وراموا نصر شاعرهم فخابوا ... وضلل سعيهم في نصر شاعر {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] ، {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] ، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] ، {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51, 52] ، {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ, إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ، وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ، أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ، فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ، وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ، وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 171-182] . قال منشؤها سيدنا الشيخ الإمام العالم العامل العلامة أبو الحسن برهان الدين إبراهيم البقاعي الشافعي نفع الله المسلمين بعلومه: إني فرغت [من] هذه الرسالة
في مقدار يوم، وكان فراغي منها ليلة الأحد ثامن عشرين شهر رجب الفرد الحرام سنة ثمان وسبعين وثمانمائة في مسجد "دلر رجمه العبد1" بالقاهرة والحمد الله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين. وفرغ من كتابتها الفقير إلى رحمة ربه، سليمان بن عبد الرحيم في شهر ربيع الآخر من شهور سنة سبع وأربعين وتسعمائة للهجرة النبوية. [زاد الناسخ، أو غيره بعد هذا] : وممن يقول بكفر ابن عربي غير مصنف هذه الرسالة أيضا من العلماء الشيخ إبراهيم بن داود الآمدي2 والشيخ أبو بكر بن قاسم الكناني3 والشيخ الفاضل سليمان بن يوسف الياسوفي4 الدمشقي، والإمام الجليل علي بن عبد الله الأردبيلي5، والعلامة محمد بن خليل عز الدين الحاضري الحلبي الحنفي الفاضل محمد بن علي الدكالي6 ثم المصري، والشيخ الصالح موسى بن محمد الأنصاري 7 الشافعي قاضي حلب، وكلهم ذكر الشيخ برهان الدين إبراهيم البقاعي عن شيخه شهاب الدين أحمد بن حجر في تراجمهم ما فيه الكفاية من فضلهم وحذقهم، وعلمهم وزهدهم وورعهم، وإنما أردت ذكر أسمائهم، ليعلم أن من قال بكفر
هذا الضال جماعة من العلماء غير واحد ليحذر من مذهبه من لا يعرفه تحقيقا، ويعلم أن جماعة من العلماء لا يتفقون على ضلالة، وهؤلاء من المتأخرين دون من لم يذكرهم من المتقدمين، كالشيخ عز الدين بن عبد السلام، وصاحب المواقف وغيرهما، وكذلك الشيخ الجليل أفضل المتأخرين علامة زمانه الشيخ علاء الدين البخاري، وقد عمل في الرد على ابن عربي غبي وبيان كفره رسالة شافعية مسماة: "بفاضحة الملحدين، وناصحة الموحدين"". ومن أراد البحث والرد على هذه الطائفة، فليطالعها، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين". فرغت من نسخها وتحقيقها والتعليق عليها يوم الخميس 4 من صفر سنة 1372هـ الموافق 23 من أكتوبر سنة 1952م بمدينة القاهرة والحمد لله أولا وآخرا. وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله محمد خاتم النبيين، وسيد ولد آدم أجمعين. عبد الرحمن الوكيل عضو جماعة أنصار السنة المحمدية وكان الفراغ من الطبع والتصحيح بمطبعة السنة المحمدية يوم الخميس 18 من رجب سنة 1372هـ الموافق 2 من إبريل سنة 1953م. وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله المصطفى، ورسوله المجتبى: محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
الفهارس
الفهارس: فهارس تنبيه الغبي 3 مقدمة الكتاب 17 البقاعي في سطور 18 خطبة الكتاب 19 عقيدة ابن عربي وكيده للإسلام 19 منهاج الصوفية في الكيد بدعوتهم. 20 مثالهم في زندقتهم 21 احتجاج الصوفية بقصة الخضر. 22 القول في صرف الكلام عن ظاهره 23 حكم من ينطق بكلمة ردة 24 بيان ما هو من المقالات كفر 33 الباطنية 35 من هو الزنديق؟ 37 إفك وبهتان ابن عربي على الرسول 37 دفع هذا الافتراء 38 إيمان ابن عربي بأن الله إنسان كبير 39 آدم عند الصوفية 40 زعمه أن الحق مفتقر إلى الخلق 41 التنزيه والتشبيه 42 بم يعرف الله عند الصوفية 46 تكفير الصوفية لنوح 49 الدعوة إلى الله مكر عند الصوفية 52 تكفير العراقي لابن عربي 53 كل شيء عند الصوفية رب وإله 54 الرأي في ابن الفارض وتائيته 58 تمجيد الصوفية لعبادة الأصنام 62 الحق عين الخلق عند الصوفية 66 الوحدة المطلقة دين ابن عربي 66 لا يعتذر عن الصوفية بالتأويل 67 خطر صرف الكلام عن ظاهره 68 صلة الخلق بالحق عند الصوفية 70 الطبيعة هي الله عند 71 دين ابن الفارض 74 العبد عين الرب عند الصوفية 75 النار عين الجنة عندهم 76 مثل من تفسير ابن عربي للقرآن 78 رد علاء الدين البخاري 79 رأي العضد والجرجاني 81 رأي السعد التفتازاني 83 زعم أن الحق يتلبس بصورة الخلق 86 أمر ابن الفارض باتباع شريعته 88 تكذيب صريح للقرآن 89 إفك على الله 92 تمجيد الصوفية للمجرمين
93 زعمهم أن هوية الحق عين أعضاء العبد وقواه 94 تفسيرهم لما عذب الله به قوم هود 95 زعم ابن عربي أنه اجتمع بالأنبياء 96 ظن الصوفية بالله سبحانه 98 الكون هو رب عند الصوفية 99 لِم يقول الصوفية بوحدة الأديان؟ 100 الوحدة عند ابن الفارض 103 الكثرة عين الوحدة 104 فعل الرب عين فعل العبد عند الصوفية 105 ما الخلق؟ 106 زعم ابن عربي: أن التفاضل لا يستلزم التغاير 108 الضال مهتد، والكافر مؤمن عنده 109 لن يعذب كافر عنده أيضا 111 الحق عنده سار في عناصر الطبيعة 111 رد العراقي على وحدة الأديان 112 الشرائع أوهام عند الصوفية 112 ليس لله وجود عندهم 113 الداعي عين المجيب عندهم 116 الحق عين كل معلوم عندهم 120 تمجيد الصوفية لعبادة العجل 121 بعض ما كفر به العراقي ابن عربي 122 آيات تشهد بكفر ابن عربي 123 شرك الصوفية أخبث الشرك 124 تعليلهم لإنكار موسى على السامري 125 الهوى رب عند الصوفية 126 وحدة الأديان عند ابن الفارض 127 الإله الصوفي مجلى صور العالم 127 حكم ابن عربي بإيمان فرعون ونجاته 129 رد هذه القرية 130 سؤال فرعون وجواب موسى 132 فرعون عند الصوفية رب موسى وسيده 134 حكم من ينسب ربوبيته إلى فرعون 134 تحريم التأويل 135 رأي ولد العراقي في الفصوص والتائية 137 رأي السكوتي 140 أوهام الصوفية، في الحكم بإيمان فرعون 141 افتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم 142 التثليث عند الصوفية 143 رب الصوفية امرأة
146 الأنوثة صفة الإله الصوفي 147 الإله الصوفي بين التقييد والإطلاق 149 دعاء ومباهلة 150 المكفرون لابن عربي 155 فتوى الجزري 156 رأي أبي حيان 157 رأي التقي السبكي والفارسي والزواوي 158 رأي البكري 159 مسألة الوعيد 161 فتوى البالسي وابن النقاش 165 رأي ابن هشام وابن خلدون 168 رأي الشمس العيزري 169 رأي ابن الخطيب والموصلي 170 رأي البساطي 174 البساطي وشرحه للتائية 176 رأي ابن حجر والبلقيني وغيرهما 177 مقتل الحلاج 178 رأي الذهبي 179 رأي ابن تيمية وغيره من العلماء 182 رأي علاء الدين البخاري 183 تحقيق معنى الكافر والملحد والزنديق والكافر 186 بعض مصطلحات الصوفية 190 أسطورة الكشف 195 رأي الحافظ تقي الدين الفاسي 197 مكر الصوفية 198 آيات ثبات الإيمان في القلب 200 هوان الدين عند الأكثرية 201 من هم الأولياء؟ 203 رأي ابن أيوب في الحلاج وابن عربي
فهارس تحذير العباد
فهارس تحذير العباد: 207 مقدمة 208 آيات سلي الله بها نبيه 209 الرأي في سلف الصوفية 212 منابذة الصوفية للنقل والشرع 213 موقف العلماء من ابن عربي وابن الفارض 214 المكفرون لابن الفارض 216 موقف شيوخ المذاهب من ابن الفارض 217 تواتر نسبة ابن الفارض إلى الكفر 218 الضلال عند الصوفية خير من الهدى
218 رب ابن الفارض أنثى 219 تفضيل الزنديق نفسه على الرسل 219 الخلاعة سنة ابن الفارض 221 ذمه للرسل وللشرائع 223 تفضيله أتباعه على الرسل, وزندقته على شرعة الله 224 الصلة بين التصوف والنصرانية 226 زعمه أن صفات الله عين صفاته 229 زعمه أن الله سبحانه يصلي له 230 رب الصوفية في صور العاشقات 233 ثباته على اعتقاد الوحدة 234 استدلاله على زندقته 236 يدين ابن الفارض بتلبس الله بصورة خلقه 240 رأي القشيري والسهروردي 240 وحدة الأديان عند ابن الفارض 241 شعره في وحدة الأديان 242 معاندته للتوحيد الحق 244 دعوته إلى المجون 245 الباطل إله الصوفية 245 حكم المناضل عن ابن عربي 246 قول ابن الفارض يوجب إراقة دمه 248 زجره لمن يكنيه أو يلقبه 249 زعمه أنه عرج إلى السماء 251 حكم من كفر ابن الفارض 253 حكم المتوقف في تكفير الصوفية 255 الرأي في شعر ابن الفارض 257 تواتر الخبر بتكفير العلماء له 258 نفي كلام حفيده فيما أثبته 259 أصل الولاية الحقة 260 دفاع وادعاء 263 وجوب الكشف عن زندقة الصوفية وبيانها 264 الجاهلية في الصوفية 265 دفع اعتراض واه 268 نصيحة البقاعي ختم بها كتابه