مصارف الزكاة في الإسلام

سعيد بن وهف القحطاني

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في ((مصارف الزكاة في الإسلام)) بيَّنت فيها مفهوم المصارف: لغة، واصطلاحاً، وأن الله حصر مصارف الزكاة بلا تعميم في العطاء، وذكرت أنواع المصارف الثمانية، وبيَّنت مفهوم كل مصرف: لغةً، واصطلاحاً، ونصيب كل نوع من المصارف، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة، وفضل الدفع لكل مصرف، ثم ذكرت أصناف وأنواع من لا يصحّ دفع الزكاة إليهم بالأدلة. وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز - رفع الله منزلته، وغفر له، ورحمه -. واللهَ أسأل أن يجعل هذا العمل مباركاً، نافعاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وآله، وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف/ أبو عبدالرحمن سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر بعد عصر يوم الأحد، 14/ 4/1426هـ الرياض

أولا: المفهوم: لغة واصطلاحا.

مصارف الزكاة في الإسلام أولاً: المفهوم: لغة واصطلاحاً. مفهوم المصارف لغة: مَصْرِفُ: مفرد وجمعه مصارف، وصَرَفَ المال: أنفقه، والصرف: الدفع. ومفهوم المصارف اصطلاحاً: الجهات التي تصرف فيها الأشياء: ومنه: مصارف الزكاة: المستحقون لها. فظهر بذلك: أن مصارف الزكاة: أهل الزكاة ومستحقوها: أي الأصناف الذين تصرف لهم الصدقات المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ... } الآية (¬1) (¬2). والخلاصة: أن مصارف الزكاة: هم أهل الزكاة. ومن العلماء من يعبر عن مصارف الزكاة: بأصناف أهل الزكاة، ومنهم من يقول: الأصناف الذين تدفع إليهم الزكاة، ومنهم من يقول: مصارف الزكاة، وهي كلمات مترادفة معناها واحد (¬3). ومنهم من قال: المصارف: جمع مصرف، وهو في اللغة المعدل، قال ¬

_ (¬1) انظر: القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، السعدي أبو جيب، ص210، ومعجم لغة الفقهاء، لمحمد رواس، ص403. وانظر: مصارف الزكاة وتمليكها، لخالد عبدالرزاق العاني، ص21، وص128. (¬2) سورة التوبة, الآية: 60. (¬3) انظر: منار السبيل، 1/ 266، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 205، والكافي، لابن قدامة، 2/ 193، وكتاب الفروع، لابن مفلح، 4/ 297، ومنتهى الإرادات، للفتوحي، 1/ 515، والمغني لابن قدامة، 4/ 124 - 131, والإقناع لطالب الانتفاع، لموسى بن أحمد الحجاوي، 1/ 467، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي، 2/ 446 و448 ومختصر الفقه الإسلامي للتويجري، ص612، والروض المربع، 3/ 208.

ثانيا: حصر الله تعالى أهل الزكاة بلا تعميم في العطاء:

تعالى: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} (¬1) أي معدلاً, والمصرف اسم مكان. وهو في الاصطلاح: مسلم [أو مؤلف] يصح في الشريعة [الإسلامية] صرف الزكاة إليه (¬2) والمراد: الأصناف الثمانية الذين تصرف لهم الزكاة. ثانياً: حصر الله تعالى أهل الزكاة بلا تعميم في العطاء: الأصناف الذين تدفع إليهم الزكاة ثمانية, ذكرهم الله تعالى في قوله سبحانه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬3) فلا يجوز صرف الزكاة المفروضة إلى غيرهم: من بناء مسجد، أو إصلاح طريق، أو كفن ميت، أو غير ذلك من أعمال البر؛ لأن الله تعالى خص هذه الأصناف الثمانية بها في قوله: {إنَّمَا} وهي للحصر، تثبت المذكور، وتنفي ما عداه (¬4) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أنه لا يجوز دفع هذه الزكاة إلى غير هذه الأصناف (¬5) إلا ما روي عن أنس والحسن)) (¬6). ¬

_ (¬1) سورة الكهف, الآية: 53. (¬2) انظر: مصارف الزكاة وتمليكها، ص128. (¬3) سورة التوبة، الآية: 60. (¬4) الكافي لابن قدامة، 2/ 193، والمغني، 4/ 124، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 205، ومنار السبيل، 1/ 266، وكتاب الفروع، 4/ 297. (¬5) الشرح الكبير، مع المقنع والإنصاف، 7/ 206. (¬6) قالا: ما أعطيت في الجسور، والطرق، فهي صدقة ماضية، قال في الشرح الكبير، 7/ 206: والصحيح الأول وانظر: الإجماع لابن المنذر، ص57.

ثالثا: أنواع مصارف الزكاة ومفهوم كل مصرف:

ولا يجب على الصحيح تعميم الأصناف بالزكاة؛ لأن النبي * قال لمعاذٍ - رضي الله عنه - (( ... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فتردّ في فقرائهم)) (¬1) فهو أمر - صلى الله عليه وسلم - بردها في صنفٍ واحدٍ، والأدلة كثيرة في السنة، فتبيَّن بهذا أن مراد الآية: بيان الصرف دون التعميم؛ ولذلك لا يجب تعميم كل صنف (¬2). ثالثاً: أنواع مصارف الزكاة ومفهوم كل مصرف: المصرف الأول: الفقراء، وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم الفقير: لغة، واصطلاحاً. مفهوم الفقير لغة: فعيلٌ بمعنى فاعلٌ، يقال: فَقِرَ يَفْقَرُ، من باب تَعِبَ: إذا قلَّ مالُه، ولم يقولوا: فَقُر بالضم، استغنوا عنه: بافتقر (¬3)، فالفقير بالكسر: جمعه: فقراء: المحتاج ضد الغني (¬4). قال الإمام ابن الأثير رحمه الله: ((قد تكرر ذكر: الفَقْر والفقير، والفُقَراء في الحديث)) وقد اختلف الناس فيه وفي المسكين، فقيل: الفقير الذي لا شيء له، والمسكين الذي له بعض ما يكفيه، وإليه ذهب الشافعي، وقيل فيهما: بالعكس وإليه ذهب أبو حنيفة (¬5). مفهوم الفقر اصطلاحاً: من لا يملك نصاباً نامياً فائضاً ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 395, ومسلم، برقم 19، وتقدم تخريجه. (¬2) الكافي، لابن قدامة، 2/ 193 - 194. (¬3) المصباح المنير، للفيومي، ص478، مادة (فقر). (¬4) معجم لغة الفقهاء، مادة (فقير)، ص317. (¬5) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، مادة (فقر)، 3/ 462.

عن حاجاته (¬1) والفقير ضد الغني (¬2) , وهو: عبارة عن فقد ما يحتاج إليه، أما فقد ما لا حاجة إليه فلا يسمى فقراً (¬3). والصواب أن مفهوم الفقراء اصطلاحاً: هم من لا يجدون شيئاً من الكفاية مطلقاً، أو يجدون بعض الكفاية دون نصفها من كسب وغيره, مما لا يقع موقعاً من الكفاية، وإن تفرَّغ قادر على التكسب للعلم الشرعي لا للعبادة وتعذر أن يجمع بين التكسب والاشتغال بالعلم، أُعطي من الزكاة بقدر حاجته، وحتى لو لم يكن العلم لازماً له، فعُلم بذلك: أن الفقير: هو من لا مال له ولا كسب أصلاً، أو من له مال أو كسب أقل من نصف ما يكفيه لنفسه، ومن تجب عليه نفقته، من غير إسرافٍ ولا تقتير, والفقراء أشد حاجة من المساكين؛ لأن الله تعالى بدأ بهم، والعرب إنما تبدأ بالأهم فالمهم (¬4)؛ ولأن الله تعالى قال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} (¬5) فقد أخبر الله - عز وجل - أن المساكين لهم سفينة يعملون فيها, ومع ذلك وصفهم بالمسكنة، أما الفقراء فقد لا يكون لهم مال أصلاً, كما قال سبحانه: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ¬

_ (¬1) معجم لغة الفقهاء، لمحمد روَّاس، ص317. (¬2) القاموس الفقهي: لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، ص289. (¬3) التعريفات، للجرجاني، ص216. (¬4) انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 123، 127، والشرح الكبير، 7/ 206، والكافي، 2/ 195، ومنار السبيل، 1/ 266، والروض المربع، 3/ 310، ومصارف الزكاة وتمليكها، للدكتور/ خالد بن عبدالرزاق، ص143. (¬5) سورة الكهف، الآية: 79.

وَأَمْوَالِهِمْ} (¬1) وقد يكون لهم المال القليل دون نصف الكفاية، ولكنهم أشد حاجة من المساكين)) (¬2) (¬3). ¬

_ (¬1) سورة الحشر، الآية: 8. (¬2) انظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 207، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 10/ 6. (¬3) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في أيهما أشد حاجة, وأسوأ حالاً: الفقير أم المسكين؟ فقال الإمام أحمد رحمه الله، والإمام الشافعي رحمه الله، وغيرهما: إن الفقير أشد حاجة من المسكين؛ لأدلة منها: 1 - قول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [سورة التوبة، 60] فبدأ بالفقراء، وإنما يبدأ بالأهم فالأهم؛ لأن الزكاة شرعت لدفع الحاجة، فمن كان أحوج بدئ به. 2 - قول الله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [سورة الكهف، 79] فقد وصف بالمسكنة من له سفينة. 3 - قول الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [سورة الحشر، الآية: 8] فقد يكون الفقير لا مال له أصلاً. 4 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((ليس المسكين بهذا الطوَّاف الذي يطوف على الناس, فترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه ولا يُفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس [متفق عليه: البخاري, برقم 1479، ومسلم، برقم 1039]. وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله ومن معه من المالكية وغيرهم إلى أن المسكين أشد حاجة لقول الله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [سورة البلد 16] وهو المطروح على التراب لشدة حاجته. والصواب أن إطلاق المسكين يدخل فيه الفقير، وإطلاق الفقير يدخل فيه المسكين؛ فإذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعاً, مثل: لفظ الإسلام, والإيمان، ثم المسكين ذا متربة قيد بذلك فدل على أنه يوجد مسكين لا بهذه الصفة, واستدل أبو حنيفة رحمه الله أيضاً: بأن الله تعالى جعل الكفارات للمساكين, ولكن نوقش بأن المسكين إذا أطلق دخل فيه الفقير، والله تعالى أعلم. [الشرح الكبير لابن قدامة، 7/ 207 - 210، وحاشية الروض المربع للأساتذة: الطيار والغصن، والمشيقح، 4/ 211 - 212، والموسوعة الفقهية، 23/ 312، والصواب القول الأول: قول الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله تعالى.

المسألة الثانية: نصيب الفقراء من الزكاة

المسألة الثانية: نصيب الفقراء من الزكاة: يُعطى الفقير من الزكاة ما يُكَمِّلُ له كفايته من النفقة حولاً كاملاً، والمعتبر: كفايته وكفاية من يمونه: من الأكل، والشرب، والسكن، والكسوة، والإعفاف بالزواج إن لم يستطع الزواج إلا بأخذه من الزكاة؛ فإنه يعطى ما يكفيه للمهر ولو كان كثيراً، من غير إسرافٍ ولا تقتير (¬1). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((فيأخذ منها - أي الزكاة - كل حول: ما يكفيه إلى مثله - أي إلى الحول الثاني - ويعتبر وجود الكفاية له، ولعائلته، ومن يمونه؛ لأن كل واحد منهم مقصودٌ دفع حاجاته، فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد)) وقال: (( ... وهذا؛ لأن الدفع إنما هو إلى العيال, وهذا نائب عنهم في الأخذ)) (¬2). قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((الفقراء والمساكين: وهم الذين لا يجدون كفايتهم، وكفاية عائلاتهم: لا من نقود حاضرةٍ، ولا من رواتب ثابتة، ولا من صناعة قائمة، ولا من غلةٍ كافية، ولا من نفقاتٍ على غيرهم واجبة، فهم في حاجة إلى مواساةٍ ومعونةٍ، قال العلماء: فيعطون من الزكاة ما يكفيهم وعائلاتهم لمدة سنة كاملة, حتى يأتي حول الزكاة مرة ثانية, ويُعطى الفقير لزواجٍ يحتاج إليه ما يكفي لزواجه، [ويعطى] طالب العلم [الشرعي] الفقير؛ لشراء كتبٍ يحتاجها، ويعطى من له راتب لا يكفيه وعائلته من الزكاة ما يكمل كفايتهم؛ لأنه ذو حاجة، وأما من كان له كفاية فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة وإن سألها، بل ¬

_ (¬1) انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين، 6/ 220. (¬2) المغني، لابن قدامة، 4/ 123.

الواجب نصحه وتحذيره من سؤال ما لا يحلُّ له ... )) (¬1) (¬2). ¬

_ (¬1) مجالس شهر رمضان، للعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، ص81 - 82، وانظر: الشرح الممتع له، 4/ 219 - 223. (¬2) اختلف العلماء رحمهم الله في المقدار الذي يعطى للفقير والمسكين من الزكاة على النحو الآتي: القول الأول: يعطى الفقير كفايته، وكفاية من يعولهم سنة كاملة، وبه قال الحنابلة، والمالكية، وأحد قولي الشافعي. [وتقدم تفصيل ذلك في متن هذه الرسالة]. القول الثاني: يُعطى كلٌّ من الفقير والمسكين كفاية العمر, وهو ما تحصل به الكفاية على الدوام. وبه قال الشافعية في الأصح عندهم، وبه قال بعض الحنابلة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وذكر النووي أنه مذهب الشافعي. القول الثالث: لا يجوز أن يُعطى الرجل من الزكاة أكثر من خمسين درهماً، وكذلك يعطى كل من تحت نفقته كل واحد مثل ذلك، ولا يتجاوز ما يعطى كل واحد منهم خمسين درهماً. وهو رواية عن أحمد، ولكن رُدَّ بأن حديث ابن مسعود في هذه المسألة ضعيف. القول الرابع: لا تجوز الزيادة في العطاء على نصاب النقود: أي ما يساوي مائتي درهمٍ، فاضلاً عما يحتاج إليه من مسكن، وخادم، وأثاث، وفرس، وإذا كان له من يعوله فيأخذ كل واحد منهم مقدار النصاب، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله. والصواب القول الأول: هو أن الفقير أو المسكين يُعطى ما يكفيه ويكفي من ينفق عليهم سنة كاملة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((حبس لأهله قوت سنة)) [متفق عليه: البخاري، كتاب النفقات، باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، برقم 5357، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، برقم 1756، ولفظ مسلم هنا: ((كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، مما لم يوجف عليه المسلمون بخيلٍ ولا ركابٍ, فكانت للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة [أي يعزل لهم نفقة سنة، ولكنه كان ينفقه قبل انقضاء السنة في وجوه الخير] وما بقي يجعله في الكراع [أي الدواب التي تصلح للحرب] والسلاح وعدة في سبيل الله [انظر: المغني، لابن قدامة، 4/ 117 - 130، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 205 - 222، ومصارف الزكاة وتمليكها، ص168 - 185، والموسوعة الفقهية الكويتية، 23/ 316 - 317، وكتاب الفروع لابن مفلح، 4/ 297 - 330، والكافي لابن قدامة، 2/ 195، والشرح الممتع، 6/ 320 – 322، ومنتهى الإرادات، 1/ 515، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي، 2/ 442 - 450، وحاشية الروض المربع، للأساتذة بإشراف الطيار، 4/ 213، والمجموع للنووي، 6/ 203، و 6/ 199].

وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وإذا كان للمرأة الفقيرة زوج موسر ينفق عليها لم يجز دفع الزكاة إليها؛ لأن الكفاية حاصلةٌ لها بما يصلها من النفقة الواجبة، فأشبهت من له عقار يستغني بأجرته، وإن لم ينفق عليها وتعذر ذلك جاز الدفع إليها، كما لو تعطلت منفعة العقار، وقد نصَّ أحمد على هذا)) (¬1). وقد يملك الإنسان نصاباً من أي نوع من أنواع المال - ولكن هذا المال لا يقوم بكفايته؛ لكثرة عياله، أو لغلاء السعر - فهو غني من حيث إنه يملك نصاباً فتجب الزكاة في ماله، وفقير من حيث إن ما يملكه لا يقوم بكفايته، فيُعطى من الزكاة كالفقير - ما يكمِّل له كفايته. مثال ذلك: رجل عنده عشرون ألف ريال، ولكن له أربع زوجات، وله من كل زوجة عشرة أولاد، وله أب وأم تحت رعايته ينفق على الجميع، والسكن بالإيجار، وهذا المبلغ لا يقوم بكفايته سنة كاملة، فله أن يأخذ ما يكمل كفايته لمدة عام. قال ابن قدامة رحمه الله: ((قال الميموني: ذاكرت أبا عبدالله - أحمد بن حنبل - فقلت: قد يكون للرجل: الإبل، والغنم، تجب فيها الزكاة، وهو فقير، ويكون له أربعون شاة، وتكون له الضيعة - المزرعة - لا تكفيه، فَيُعطى من الزكاة؟ قال: ((نعم)). وذكر قول عمر: أعطوهم وإن راحت عليهم الإبل كذا وكذا)) (¬2) ... وقال في رواية محمد بن الحكم: إذا كان له ¬

_ (¬1) المغني، لابن قدامة، 4/ 123، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 286. وكتاب الفروع لابن مفلح، 4/ 299، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 269 - 270. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة، كتاب الزكاة، باب من قال ترد الصدقة في الفقراء، 3/ 205.

عقار يستغله، أو ضيعة تساوي عشرة آلاف أو أقل أو أكثر لا تقيمه يأخذ من الزكاة، وهذا قول الشافعي (¬1)؛ لأنه لا يملك ما يغنيه, ولا يقدر على كسب ما يكفيه، فجاز له الأخذ من الزكاة، كما لو كان ما يملكه لا تجب فيه الزكاة؛ لأن الفقر عبارة عن الحاجة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى الله} (¬2) أي المحتاجون إليه)) (¬3)، والله تعالى أعلم (¬4). ¬

_ (¬1) وقال أصحاب الرأي: ليس له أن يأخذ منها إذا ملك نصاباً زكوياً؛ لأنه تجب عليه الزكاة فلم تجب له، للخبر [المغني لابن قدامة، 4/ 122]. (¬2) سورة فاطر، الآية: 15. (¬3) المغني لابن قدامة، 4/ 121 - 122. (¬4) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حدِّ الغنى المانع من أخذ الزكاة على أقوال: القول الأول: قول الجمهور: من المالكية، والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد: أن الغنى ما تحصل به الكفاية, فإذا لم يكن محتاجاً حرمت عليه الصدقة، وإن لم يملك شيئاً، وإن كان محتاجاً حلَّت له الصدقة وإن كان يملك نصاباً أو نُصُباً، والأثمان وغيرها في هذا سواء؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لقبيصة: ((لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: قد أصابت فلاناً فاقة, فحلت له المسألة, حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش [مسلم، برقم 1044] فمدَّ إباحة المسألة إلى وجود إصابة القوام أو السداد؛ لأن الحاجة هي الفقر، والغنى ضدها. القول الثاني: رواية عن الإمام أحمد وهي الظاهر من مذهبه: أن من ملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب، أو وجد ما تحصل به الكفاية على الدوام: من كسب، أو تجارة أو عقار، أو نحو ذلك، فهو غني لا يحل دفع الزكاة إليه. أما إذا ملك من العروض، أو السائمة، أو العقار ما لا تحصل به الكفاية لم يكن غنيًّا، حتى ولو ملك نصباً، ففي هذه الرواية: التفريق بين الأثمان وغيرها. القول الثالث: قول الحسن، وأبي عبيد: الغِنى ملك أوقية، وهي: أربعون درهماً. القول الرابع: قول أبي حنيفة: الغنى الموجب للزكاة هو المانع من أخذها، فمن ملك نصاباً من أي أنواع المال فهو غني لا تدفع إليه الزكاة حتى ولو كان لا يكفيه. والصواب إن شاء الله: القول الأول، والله أعلم. [المغني لابن قدامة، 4/ 118 - 121، والموسوعة الفقهية الكويتية، 23/ 313، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 216 - 221، ومصارف الزكاة، ص166 - 191.

المسألة الثالثة: ما جاء من الآيات القرآنية

المسألة الثالثة: ما جاء من الآيات القرآنية, التي ظاهرها الحث والترغيب في الإحسان إلى الفقراء وإعطائهم حقوقهم على النحو الآتي: 1 - قال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَالله يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬1). 2 - قال الله - عز وجل -: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (¬2). 3 - قال الله تبارك وتعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ الله لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} (¬3). 4 - وقال سبحانه: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (¬4). 5 - وقال تعالى: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاله أَوْلَى بِهِمَا} (¬5). 6 - وقال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ... } (¬6). 7 - وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 268. (¬2) سورة البقرة الآية: 271. (¬3) سورة البقرة الآية: 273. (¬4) سورة النساء، الآية: 6. (¬5) سورة النساء، الآية: 135. (¬6) سورة التوبة، الآية: 60.

والمصرف الثاني: المساكين وفيه مسائل:

وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ الله مِنْ فَضْلِهِ والله وَاسِعٌ عَلِيم} (¬1). 8 - وقال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (¬2) 9 - قال - سبحانه وتعالى -: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى الله والله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (¬3). 10 - قال - سبحانه وتعالى -: {فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ والله الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاء} (¬4). 11 - وقال - سبحانه وتعالى -: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ الله وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (¬5) (¬6). والمصرف الثاني: المساكين وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم المساكين لغة واصطلاحاً: مفهوم المساكين لغةً: مفرده مسكين وجمعه مساكين، يقال: ((سكن المتحرك سكوناً: أي ذهبت حركته، ويتعدى بالتضعيف فيقال: ¬

_ (¬1) سورة النور، الآية: 32. (¬2) سورة الحج الآية: 28. (¬3) سورة فاطر الآية: 15. (¬4) سورة محمد، الآية: 38. (¬5) سورة الحشر الآية: 8 (¬6) وانظر: سورة آل عمران، الآية: 182، وسورة القصص، الآية: 24.

مفهوم المساكين اصطلاحا.

(سكَّنته) والمسكين مأخوذ من هذا؛ لسكونه إلى الناس، وهو بفتح الميم في لغة بني أسد، وبكسرها عند غيرهم)). والمسكين أيضاً: الذليل المقهور وإن كان غنيًّا، قال الله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} (¬1) (¬2). والأصل في المسكين: أنه من المسكنة والخضوع والذل (¬3). قال الإمام ابن الأثير رحمه الله تعالى: ((وقد تكرر في الحديث ذكر: المسكين، والمساكين، والمسكنة، والتمسكن وكلها يدور معناها على: الخضوع، والذلة، وقلة المال، والحالة السيئة، واستكان: إذا خضع، والمسكنة: فقر النفس، وتمسكن: إذا تشبَّه بالمساكين، وهو جمع المسكين، وهو الذي لا شيء له، وقيل: هو الذي له بعض الشيء، وقد تقع المسكنة على الضعف)) (¬4). مفهوم المساكين اصطلاحاً: المساكين: هم الذين يجدون أكثر الكفاية أو نصفها: من كسب أو غيره، مما لا يقع موقعاً من الكفاية، فعُلم بذلك أن المسكين: هو من له مال يبلغ نصف كفايته فأكثر، لكنه لا يكفيه لنفسه ومن تجب عليه نفقته من غير إسراف ولا تقتير، والمسكين أحسن حالاً من الفقير؛ لأن الله تعالى قال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ ¬

_ (¬1) سورة آل عمران، الآية: 112. (¬2) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، للرافعي، تأليف أحمد بن محمد الفيومي، 1/ 283. (¬3) لسان العرب، لابن منظور، باب النون، فصل السين، 3/ 216. (¬4) النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، باب السين مع الكاف، مادة (سكن)، 2/ 385.

المسألة الثانية: هذه التعريفات السابقة، للفقير، والمسكين: تكون إذا جمع بين لفظ ((الفقير والمسكين))

يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} (¬1) فأخبر أنهم مساكين، وأن لهم سفينة، وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ الله لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} (¬2) فهذه الحال التي أخبر بها عن الفقراء هي دون الحال التي أخبر بها عن المساكين (¬3) (¬4). المسألة الثانية: هذه التعريفات السابقة، للفقير، والمسكين: تكون إذا جمع بين لفظ ((الفقير والمسكين)) كما في قول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (¬5) أما إذا أطلق لفظ أحدهما ولم يذكر معه الآخر دخل أحدهما في الآخر، فالفقير: هو المسكين، والمسكين هو الفقير؛ ولهذا قيل: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، مثل: لفظ الإسلام، ولفظ الإيمان (¬6). المسألة الثالثة: نصيب المساكين من الزكاة: يعطى المسكين من الزكاة ما يُكمِّل له كفايته، وكفاية من يعوله من النفقة حولاً كاملاً، والمعتبر: كفايته وكفاية من يمونه: من الأكل، والشرب، والمسكن، ¬

_ (¬1) سورة الكهف، الآية: 79. (¬2) سورة البقرة، الآية: 273. (¬3) لسان العرب لابن منظور، 13/ 215. (¬4) المغني لابن قدامة، 4/ 123، 127، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 206، والكافي، 2/ 195، ومنار السبيل، 1/ 266، والروض المربع من حاشية ابن قاسم، 3/ 310، ومصارف الزكاة وتمليكها، ص143. (¬5) سورة التوبة، الآية: 60. (¬6) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، 23/ 312، والمغني، لابن قدامة، 9/ 306.

المسألة الرابعة: ما جاء من الآيات القرآنية

والكسوة، والإعفاف بالزواج إن لم يستطع الزواج إلا بأخذه من الزكاة، على نحو ما تقدم فيما يستحقه الفقير من الزكاة (¬1). المسألة الرابعة: ما جاء من الآيات القرآنية, التي فيها الحث والترغيب في الإحسان إلى المساكين وإعطائهم حقوقهم, على النحو الآتي: 1 - قال تعالى: {وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} (¬2). 2 - قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (¬3). 3 - وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ} (¬4). 4 - وقال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} الآية (¬5). ¬

_ (¬1) الشرح الممتع، 6/ 220. (¬2) سورة البقرة، الآية: 83. (¬3) سورة البقرة الآية: 177. (¬4) سورة البقرة الآية: 215. (¬5) سورة البقرة، الآية: 184.

5 - وقال تعالى: {وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} (¬1). 6 - وقال تعالى: {فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬2). 7 - وقال تعالى: {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ* أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} (¬3). 8 - وقال تعالى: {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (¬4). 9 - وقال سبحانه: {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (¬5). 10 - وقال تعالى: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} (¬6) 11 - وقال تعالى: {وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (¬7). 12 - وقال تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} (¬8). 13 - وقال سبحانه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (¬9). ¬

_ (¬1) سورة الإسراء، الآية: 26. (¬2) سورة الروم، الآية: 38. (¬3) سورة القلم، الآيتان: 23 - 24. (¬4) سورة الحاقة، الآية: 34. (¬5) سورة الماعون، الآية: 3. (¬6) سورة المدثر، الآية: 44. (¬7) سورة الفجر الآية: 18. (¬8) سورة المجادلة الآية: 4. (¬9) سورة الإنسان، الآية: 8.

14 - وقال تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ*فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ *يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (¬1). 15 - وقال تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (¬2). 16 - وقال تعالى: { ... وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} (¬3) 17 - وقال تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} (¬4). 18 - وقال سبحانه: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} (¬5). 19 - وقال تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} (¬6). 20 - وقال سبحانه: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ} الآية (¬7). 21 - وقال تعالى: {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى ¬

_ (¬1) سورة البلد، الآيات: 11 - 16. (¬2) سورة النساء، الآية: 8. (¬3) سورة النساء، الآية: 36. (¬4) سورة المائدة، الآية: 89. (¬5) سورة المائدة، الآية: 95. (¬6) سورة الأنفال الآية: 41. (¬7) سورة النور، الآية: 22.

المسألة الخامسة: ما جاء من الأحاديث في المسكين

وَالْمَسَاكِينِ} (¬1). المسألة الخامسة: ما جاء من الأحاديث في المسكين. 1 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس المسكين الذي يطوف على الناس، تردُّه اللقمة واللقمتان)). وفي رواية: ((الأكلةُ والأكلتان, والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يُفطنُ له فيتصدق عليه، [ويستحيي أو] لا يقومُ فيسأل الناس [إلحافاً])). وفي لفظٍ: ((إنما المسكين الذي يتعفف, واقرأوا إن شئتم يعني قوله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (¬2). 2 - عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تحلُّ الصدقةُ لغني، ولا لذي مرةٍ (¬3) سويٍّ)) (¬4) (¬5). ¬

_ (¬1) سورة الحشر، الآية: 7. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب قول الله - عز وجل -: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}، برقم 1476، ورقم 1479، وكتاب التفسير، بابٌ، {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} يقال: ألحف عليَّ، وألحَّ عليَّ، وأحفاني بالمسألة {فَيُحْفِكُمْ} [محمد: 37] يجهدكم، برقم 4539، والألفاظ ملفقة من هذه المواضع من البخاري، وأخرجه مسلم، في كتاب الزكاة، باب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه، برقم 1039. (¬3) المرة: القوة وشدة العقد، وهي القوة على الكسب والعمل [نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 69]. (¬4) سوي: صحيح وسليم الأعضاء [نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 69]. (¬5) أبو داود، كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى، برقم 1634، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء من لا تحل له الصدقة، برقم 652، وأحمد، 2/ 192، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 454، وفي الإرواء، برقم 877.

المصرف الثالث: العاملون عليها، وفيه: مسائل:

3 - عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها, فرفع فينا البصر وخفضه, فرآنا جلدين (¬1)، فقال: ((إن شئتما أعطيتكما، ولا حظَّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)) (¬2) (¬3). قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى: ((وفيه دليل على أنه يستحب للإمام، أو المالك: الوعظ، والتحذير، وتعريف الناس بأن الصدقة لا تحلُّ لغني، ولا لذي قوة على الكسب، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك برفقٍ)) (¬4). المصرِف الثالث: العاملون عليها، وفيه: مسائل: المسألة الأولى: مفهوم العاملين لغةً: عَمِلَ، من باب طَرِبَ، وأعمله، واستعمله، بمعنىً، واستعمله أيضاً: طلب إليه العمل، واعتمل، اضطرب في العمل، والتعميل: تولية العمل، يقال: عمَّله على البصرة، والعمالة: رِزقُ العامل (¬5) ويقال: عملته أعملُهُ عملاً: صنعته، وعملت على الصدقة: سعيت في جمعها، والفاعل عاملٌ والجمع: عُمَّال، وعاملون، ويتعدى إلى ثانٍ بالهمزة، فيقال: أعملته كذا واستعملته: أي جعلته عاملاً، واستعملته: سألته أن يعمل (¬6). ¬

_ (¬1) جلْدَين: قويين شديدين, [نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 69]. (¬2) مكتسب: يكتسب قدر كفايته. [نيل الأوطار، 3/ 69]. (¬3) أبو داود كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغني، برقم: 1633، والنسائي، كتاب الزكاة، باب مسألة القوي المكتسب، برقم: 2597، وأحمد في المسند، برقم 17972، ورقم 17973، وصححه الألباني، في صحيح سنن أبي داود، 1/ 454. (¬4) نيل الأوطار، للشوكاني، 3/ 69. (¬5) مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر بن عبدالقادر، الرازي، ص191. (¬6) المصباح المنير، للفيومي، 2/ 430.

مفهوم العاملين اصطلاحا.

قال ابن الأثير - رحمه الله -: ((والعامل: هو الذي يتولى أمور الرجل في ماله وملكه، وعَمَلِهِ، ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة: عامل، والذي يأخذه العامل من الأجرة يقال له: عُمالة)) (¬1). مفهوم العاملين اصطلاحاً: العاملون عليها: هم السعاة الذين يبعثهم الإمام؛ لأخذ الزكاة من أربابها: كجبَّائها، وحفَّاظها، وكتَّابها، وقسامها بين مستحقيها، وشُرط كونه: مكلفاً، مسلماً، أميناً، كافياً، قادراً، عالماً بفرائض الصدقة (¬2). إلا إذا كتب الإمام له ما يأخذ من الصدقات، ويكون من غير ذوي القربى (¬3) قال المرداوي: رحمه الله: ((العاملون عليها: وهم الجباة لها، والحافظون لها، [و] العامل على الزكاة: هو الجابي لها، والحافظ، والكاتب، والقاسم، والحاشر، والكيَّال، والوزَّان، والعدَّاد، والساعي، والراعي، والسائق، والحمّال، ومن يحتاج إليه فيها، غير قاضٍ ووالٍ .... [و] أجرة كيل الزكاة ووزنها، ومؤنة دفعها على المالك)) (¬4). وقال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله -: ((الجباة: جمع جابي، وهم الذين يأخذونها من أهلها، والحفاظ: الذين يقومون على حفظها، والقاسمون لها: ¬

_ (¬1) النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 300. (¬2) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 312، ومنار السبيل، 1/ 267، ومنتهى الإرادات، للفتوحي، 1/ 515، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 222 - 226. (¬3) الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 225، والإقناع لطالب الانتفاع، لموسى بن أحمد الحجَّاوي، 1/ 469. (¬4) الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 7/ 222، والمغني لابن قدامة، 4/ 108، و9/ 312.

المسألة الثانية: نصيب العاملين عليها

الذين يقسمونها في أهلها)) (¬1)، وقال الإمام ابن قدامة - رحمه الله: ((يعني العاملين على الزكاة وهم: السعاة الذين يبعثهم الإمام؛ لأخذها من أربابها، وجمعها، وحفظها، ونقلها، ومن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها، ويحملها، وكذلك الحاسب، والكاتب، والكيَّال، والوزَّان، والعدَّاد، وكل من يحتاج إليه فيها؛ فإنه يُعطى أجرته منها؛ لأن ذلك من مؤنتها)) (¬2). المسألة الثانية: نصيب العاملين عليها: من الزكاة؛ لقوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} فقد جعل الله تعالى للعاملين عليها نصيباً منها - أي من الزكاة - فيعطى العامل على الزكاة بقدر أجرته من الزكاة، حتى لو كان غنيًّا، إلا إذا كان له مرتب من بيت مال المسلمين، فلا يُعطى من الزكاة؛ لأنه إنما أُعطي من الزكاة بقدر أجرته، وقد حصل ذلك له؛ وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث على الصدقة سعاة ويعطيهم عمالتهم (¬3). ومن هذه الأحاديث حديث أبي حميد الساعدي في قصة استعمال النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن اللتبية (¬4) ولا يجوز أن يكون العمال على الصدقة من أقرباء النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين تحرم عليهم الصدقة؛ لحديث عبدالمطلب بن ربيعة ابن الحارث أنه انطلق هو والفضل بن العباس يسألان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ليستعملهما على الصدقة, فقال أحدهما: يا رسول ¬

_ (¬1) الشرح الممتع، 6/ 225. (¬2) المغني لابن قدامة، 9/ 312. (¬3) المغني لابن قدامة، 4/ 107، و9/ 312. (¬4) متفق عليه: البخاري، برقم 925، وفي كتاب الزكاة، باب قوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة 60] وكتاب الهبة، باب من لم يقبل الهدية، برقم 2597، 6636، 6979، وكتاب الأحكام، باب هدايا العمال، برقم: 7174، وباب محاسبة الإمام عماله، برقم: 7197، ومسلم، كتاب الإمارة، باب تحريم هدايا العمال، برقم: 1832.

الله أنت أبر الناس وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات, فنؤدِّي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب كما يصيبون، فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد, إنما هي أوساخ الناس)) .. ثم شفع لهما في النكاح فزوجهما, وأمر بالصداق لهما من الخمس، وفي رواية: ((إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)) (¬1) والمعنى أن هذه الصدقات تطهير لأموال الناس ونفوسهم، كما قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فهي كغسالة الأوساخ (¬2). ويجوز أن يكون عمال الصدقة من الأغنياء؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحل الصدقة لغنيٍّ إلا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله، أو لعاملٍ عليها، أو لغارمٍ, أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين، فتصدق على المسكين فأهداها المسكينُ للغني)) (¬3)؛ ولحديث عبدالله بن السعدي أنه قدم على عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - في خلافته، فقال له عمر: ألم أحدّث أنك تلي من أعمال الناس أعمالاً, فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت: بلى، فقال عمر: ما تريد إلا ذلك؟ فقلت: إن لي أفراساً، وأعبداً، وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتي صدقةً على المسلمين، قال عمر: لا تفعل؛ فإني كنت أردتُ الذي أردتَ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيني العطاء, فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة، برقم 1072. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 179. (¬3) أبو داود، كتاب الزكاة، باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني، برقم: 1635، 1636، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب من تحل له الصدقة برقم 1841، وأحمد، 30/ 97، برقم 11538، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 455، وصحيح سنن ابن ماجه، 2/ 116، وإرواء الغليل، برقم 870.

أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خذه فتموله وتصدق به، فما جاءك من هذا المال، وأنت غير مشرف (¬1) ولا سائلٍ، فخذه، وإلا فلا تتبعه نفسك)) (¬2). وينبغي أن تكون أجرة العامل على الزكاة بقدر الكفاية (¬3)؛ لحديث المستورد بن شدّاد - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً)) قال أبو بكر: أُخبرت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من اتخذ غير ذلك فهو غالٌّ أو سارقٌ)) (¬4)، وبوَّب ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه (باب إذن الإمام للعامل بالتزويج، واتخاذ الخادم، والمسكن، من الصدقة)، ثم ذكر حديث المستورد بن شداد - رضي الله عنه - (¬5)، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - فضل العامل على الصدقة بالحق, فقال: ((العامل على الصدقة بالحق: كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته)) (¬6). وحذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - العمال من الغلول، فعن بريدة ابن الحصيب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً ثم أخذ بعد ذلك ¬

_ (¬1) غير مشرف: غير متطلع إليه. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الأحكام، باب رزق الحكام والعاملين عليها، برقم 7163، وبرقم: 7164، وبرقم 1473، ومسلم، كتاب الزكاة، باب جواز الأخذ بغير سؤال ولا تطلع، برقم 1045. (¬3) فقه السنة، 1/ 387. (¬4) أبو داود، كتاب الخراج، باب في أرزاق العمال، برقم 2945، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 230. (¬5) صحيح ابن خزيمة، 4/ 70. (¬6) أبو داود، كتاب الخراج، باب في السعاية على الصدقة، برقم 2936، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 228.

المسألة الثالثة: فضل الصدق والأمانة في حفظ الصدقة:

فهو غلول)) (¬1) وعن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال: بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعياً، ثم قال: ((انطلق أبا مسعود ولا ألفينك يوم القيامة تجيء وعلى ظهرك بعير من إبل الصدقة له رُغاءٌ قد غَلَلْتَه)) قال: إذاً لا أنطلق! قال: ((إذاً لا أُكرهكَ)) (¬2) والله سبحانه وتعالى الموفق (¬3). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويُعطى منها: أجر الحاسب، والكاتب، والحاشر، والخازن، والحافظ، والراعي، ونحوهم، فكلهم معدودون من العاملين، ويدفع إليهم من حصة العاملين عليها، فأما أجر الوزَّان والكيَّال؛ ليقبض الساعي الزكاة فعلى ربِّ المال؛ ولأنه من مؤنة دفع الزكاة)) (¬4) (¬5). المسألة الثالثة: فضل الصدق والأمانة في حفظ الصدقة: عن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الخازن، المسلم، الأمين الذي يُعطي ما أمر به: كاملاً، موفَّراً، طيبةً به نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر له به، أحد المتصدقين)) (¬6) وهذه الأوصاف لابد من اعتبارها في تحصيل أجر الصدقة ¬

_ (¬1) أبو داود، كتاب الخراج، بابٌ في أرزاق العمال، برقم 2943، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 230. (¬2) أبو داود، كتاب الخراج، بابٌ في غلول الصدقة، برقم 2947، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود،2/ 232. (¬3) انظر: بقية أحاديث عمال الصدقة في زكاة بهيمة الأنعام للمؤلف في فقرة عمال الصدقة الذين يرسلهم الإمام، ص49 - 54. (¬4) المغني لابن قدامة، 4/ 108. (¬5) وانظر: زيادة التفصيل في أجرة العاملين عليها المغني، 4/ 107 - 109، 130، و9/ 312 - 315. (¬6) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسدٍ، برقم: 1438، وكتاب الإجارة، باب استئجار الرجل الصالح، برقم 2260، وكتاب الوكالة، باب وكالة الأمين في الخزانة ونحوها، برقم 2319، ومن كتاب الزكاة، باب أجر الخازن الأمين، برقم 1023.

المصرف الرابع: المؤلفة قلوبهم، وفيه مسائل:

للخازن؛ فإنه إن لم يكن مسلماً لم تصح منه نية التقرب، وإن لم يكن أميناً كان عليه وزر الخيانة, فكيف يحصل له أجر الصدقة، وإن لم تكن نفسه بذلك طيبة لم يكن له نية, فلا يؤجر، ومعنى قوله: ((أحد المتصدقين)) بالتثنية, ومعناه أن الخازن بما فعل متصدق، وصاحب المال متصدق آخر، فهما متصدقان، ويصح أن يقال: على الجمع، فتكسر القاف ((المتصدقين)) ويكون معناه أنه متصدق من جملة المتصدقين (¬1) وقد تقدم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((العامل على الصدقة بالحق: كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته)) (¬2). المصرِف الرابع: المؤلفة قلوبهم، وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم المؤلفة قلوبهم لغة واصطلاحاً: مفهوم المؤلفة قلوبهم لغة: يقال ألفتُ الشيء، وألِفْتُ فلاناً: إذا أنسِتُ به، وألَّفتُ بينهم: إذا جمعت بينهم بعد تفرُّقٍ، وألَّفتُ الشيء تأليفاً: إذا وصلت بعضه ببعض، ومنه تأليف الكتب، والإلف: الأليف، وتألفه على الإسلام، ومنه المؤلفة قلوبهم، أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بتألفهم: أي بمقاربتهم وإعطائهم؛ ليرغِّبوا مَنْ وراءهم في الإسلام، وعلى هذا فالمؤلفة قلوبهم جمع مؤلف، من التأليف، وهو جمع القلوب (¬3). مفهوم المؤلفة قلوبهم اصطلاحاً: المؤلفة قلوبهم: جمع مؤلف: ¬

_ (¬1) نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 76. (¬2) أبو داود، برقم 2936، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 228، وتقدم تخريجه. (¬3) لسان العرب، باب الفاء، فصل الألف، 9/ 10 - 11، وانظر: مصارف الزكاة، وتمليكها، ص239.

المسألة الثانية: أقسام المؤلفة قلوبهم، وأنواعهم:

وهو السيد المطاع في عشيرته، ممن يُرجى إسلامه، أو كف شره، أو يرجى بعطيته قوة إيمانه، أو إسلام نظيره، أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها (¬1). المسألة الثانية: أقسام المؤلفة قلوبهم، وأنواعهم: المؤلفة قلوبهم قسمان: القسم الأول: كفار، وهم نوعان: النوع الأول: من يُخشى شره، ويرجى بعطيته كفّ شره، وكف شر غيره معه. النوع الثاني: من يُرجى إسلامه، فيعطى؛ لتقوى نيته في الإسلام، وتميل نفسه إليه فيسلم، ومن هذا النوع ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع صفوان؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - غزا غزوة فتح مكة، ثم خرج - صلى الله عليه وسلم - بمن معه من المسلمين، وأعطى رسول الله * يومئذ صفوان بن أمية: مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة، قال صفوان: والله لقد أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ (¬2). وقال أنس - رضي الله عنه -: ((إن كان الرجل يسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها)) (¬3). وعنه - رضي الله عنه - قال: ((ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، فجاء رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، ¬

_ (¬1) انظر: الروض المربع، 3/ 314، والكافي لابن قدامة، 2/ 197. (¬2) مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، برقم 2313. (¬3) المرجع السابق، في الكتاب والباب المشار إليهما آنفاً، برقم 58 - (2312).

القسم الثاني: المسلمون وهم أربعة أنواع:

أسلموا؛ فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة)) (¬1). القسم الثاني: المسلمون وهم أربعة أنواع: النوع الأول: قومٌ من سادات المسلمين لهم نظراء من الكفار، ومن المسلمين الذين لهم نية حسنة في الإسلام، فإذا أعطوا رُجي إسلام نظرائهم وحُسنُ نيَّاتهم، فيجوز إعطاؤهم. النوع الثاني: قومٌ في طرف بلاد الإسلام إذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين. النوع الثالث: قومٌ إذا أعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف، فكل هؤلاء يعطون من الزكاة؛ لأنهم من المؤلفة قلوبهم، فيدخلون في عموم الآية. النوع الرابع: قومٌ ساداتٌ مطاعون في قومهم, يرجى بعطيتهم قوة إيمانهم، ومناصحتهم في الجهاد؛ فإنهم يعطون؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليَّ منه خشية أن يكب في النار على وجهه)) (¬2)، ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - ((يعطي رجالاً من قريش مائة من الإبل)) وقال في ذلك: ((إني لأعطي رجالاً حديثٌ عهدهم بكفر)) (¬3). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: بعث عليٌّ - رضي الله عنه - وهو باليمن بذهيبةٍ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم أحد ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، برقم 2312. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، برقم 27، ومسلم، كتاب الإيمان، باب تأليف قلب من يخاف على إيمانه؛ لضعفه، برقم: 150. (¬3) البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي المؤلفة قلوبهم، برقم: 3147.

المسألة الثالثة: نصيب المؤلفة قلوبهم من الزكاة

بني كلاب، وزيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان، فغضبت قريش والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني إنما فعلت ذلك؛ لأتألفهم)) (¬1). وعن عمرو بن تغلب - رضي الله عنه - قال: أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوماً ومنع آخرين، فكأنهم عتبوا عليه, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: ((أما بعد: فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إليَّ من الذي أُعطي، ولكني أعطي أقواماً؛ لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو ابن تغلب)) قال عمرو: فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حُمْرُ النَّعَم)) (¬2). المسألة الثالثة: نصيب المؤلفة قلوبهم من الزكاة، يُعطى المؤلفة قلوبهم من الزكاة ما يحصل به التأليف؛ لترغيبهم في الإسلام، أو كف شرهم، أو قوة إيمانهم، أو إسلام نظيرهم، لدخولهم في عموم قول الله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف، 65 برقم 3344، ومسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، برقم: 1064. (¬2) البخاري، كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد، برقم 923، وكتاب فرض الخمس باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس برقم 3145، وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج، الآيات: 19 – 21] برقم: 7535. (¬3) سورة التوبة، الآية: 60. (¬4) انظر: المغني، لابن قدامة، 9/ 316 – 318، و4/ 130، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 315، والمقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 7/ 231، والكافي، 2/ 197، ومنار السبيل، 1/ 267، وكتاب الفروع، لابن مفلح، 4/ 329 - 330، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 25/ 40، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، 10/ 27.

المصرف الخامس: (وفي الرقاب) وفيه مسائل:

المصرف الخامس: (وفي الرقاب) وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم الرقاب لغة واصطلاحاً: لغة: الرقاب الرقبة مؤخرة أصل العنق، وجمعها: رقبٌ، ورقباتٌ، ورقاب، والرقبة أيضاً المملوك (¬1)، وقوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} هو على حذف مضاف: أي وفي فك الرقاب (¬2). قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: ((قد تكرر في الحديث ذكر الرقبة: وعتقها، وتحريرها، وفكها، وهي في الأصل العنق، فجعلت كناية عن جميع الإنسان، تسمية للشيء ببعضه، فإذا قال: أعتق رقبةً، فكأنه قال: أعتق عبداً أو أمةً، ومنه حديث قسم الصدقات. {وَفِي الرِّقَابِ} يريد المكاتبين من العبيد، يعطون نصيباً من الزكاة، يفكون به رقابهم، ويدفعونه إلى مواليهم (¬3) والمعنى: وتصرف الزكاة في فك الرقاب)). مفهوم الرقاب اصطلاحاً: {وَفِي الرِّقَابِ}: هم المكاتبون المسلمون: (¬4) ((الذين اشتروا أنفسهم من ساداتهم بثمنٍ مؤجل يؤدى منجماً [مقسطاً] إلى ساداتهم، وهم يسعون إلى تحصيل هذا المال؛ لفك ¬

_ (¬1) مختار الصحاح، مادة (رقب)، ص106. (¬2) المصباح المنير، 1/ 234. (¬3) النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 249. (¬4) المكاتب: الكتابة: أن يكاتب الرجل عبده، على مالٍ يؤديه إليه منجماً مقسطاً فإذا أدَّاه صار حرًّا، وسميت كتابة؛ لمصدر (كتب كأنه يكتب على نفسه لمولاه ثمنه، ويكتب مولاه له عليه العتق، وقد كاتبه مكاتبة، والعبد مكاتب [النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 4/ 148].

النوع الأول: المكاتب المسلم،.

رقابهم, ويدخل في عموم الرقاب: شراء الرقاب المملوكة وإعتاقها، وفك الأسرى؛ لعموم قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ}؛ ولقول ابن عباس رضي الله عنهما: ((يُعتقُ من زكاة ماله، ويعطى في الحج)) (¬1). فظهر من هذا أنه يدخل في عموم قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ}، ثلاثة أنواع: النوع الأول: المكاتب المسلم، الذي اشترى نفسه من سيده بدين مؤجل. النوع الثاني: الأسير المسلم، الذي وقع في قبضة الكفار. النوع الثالث: المملوك المسلم، الذي دخل في الرق (¬2)، فكل هؤلاء يدخلون في عموم قول الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} على القول الصحيح من أقوال أهل العلم (¬3)، وقد سمعت شيخنا الإمام عبدالعزيز ابن عبدالله ¬

_ (¬1) البخاري معلقاً, كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، قبل الحديث رقم 1468، قال العلامة الألباني رحمه الله في مختصر صحيح البخاري له، 1/ 433: ((وصله أبو عبيد في الأموال بسندٍ جيد عنه)). (¬2) المغني، لابن قدامة،9/ 319، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 236، وكتاب الفروع، لابن مفلح، 4/ 330، والكافي، لابن قدامة، 2/ 169، والشرح الممتع، 6/ 331، والإقناع لطالب الانتفاع، 1/ 472، ومنتهى الإرادات، 1/ 519، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 315، ومنار السبيل، 1/ 268، وجامع البيان، للطبري، 14/ 317، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير، ص616، الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، 8/ 169، وتفسير السعدي، ص341، ونيل الأوطار، الشوكاني، 3/ 78. (¬3) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في المقصود بالرقاب، بينها العلماء على النحو الآتي: قال الإمام الطبري رحمه الله: ((والصواب من القول في ذلك عندي، قول من قال: ((عنى بالرقاب في هذا الموضع، المكاتبون؛ لإجماع الحجة على ذلك؛ فإن الله جعل الزكاة حقاً واجباً على من أوجبها عليه في ماله يخرجها منه، لا يرجع إليه منها نفع من عرض الدنيا، ولا عِوض، والمعتق رقبة منها راجع إليه ولاء من أعتقه، وذلك نفع يعود إليه منها)) [جامع البيان 14/ 317]. وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في ثبوت سهم الرقاب، ولا يختلف المذهب في أن المكاتبين من الرقاب يجوز صرف الزكاة إليهم، وهو قول الجمهور، وخالفهم مالك، فقال: إنما يصرف سهم الرقاب في إعتاق العبيد، ولا يعجبني أن يعان منها مكاتب، وخالف أيضاً ظاهر الآية؛ لأن المكاتب من الرقاب؛ لأنه عبدٌ، واللفظ عام فيدخل في عمومه ... واختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في جواز الإعتاق من الزكاة، فروي عنه جواز ذلك, وهو قول ابن عباس، والحسن، والزهري، ومالك، وإسحاق، وأبي عبيد، والعنبري، وأبي ثور؛ لعموم قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} وهو متناول للقن، بل هو ظاهر فيه؛ فإن الرقبة إذا أطلقت انصرفت إليه ... الرواية الأخرى: لا يجوز، وهو قول: إبراهيم، والشافعي؛ لأن الآية تقتضي صرف الزكاة إلى الرقاب ... وفي موضع آخر أنه قال: يعين من ثمنها فهو أسلم، وقد روي نحو هذا عن النخعي، وسعيد بن جبير؛ فإنهما قالا: لا يعتق من الزكاة رقبة كاملة، ولكن يعطي منها في رقبةٍ، ويعين مكاتبه، وبه قال أبو حنيفة، وصاحباه؛ لأنه إذا أعتق من زكاته انتفع بولاءِ من أعْتقَ، فكأنه صرف الزكاة إلى نفسه، وأخذ ابن عقيل من هذه الرواية: أن أحمد رجع عن القول بالإعتاق من الزكاة، وهذا والله أعلم من أحمد على سبيل الورع، فلا يقتضي رجوعاً؛ لأن العلة التي تتملَّك بها جرِّ الولاء، ومذهبه أن ما رجع من الولاء ردَّ في مثله، فلا ينتفع إذاً بإعتاقه من الزكاة؛ [ولهذا قال الخرقي رحمه الله: فما رجع من الولاء رد في مثله] قال ابن قدامة رحمه الله: يعني يُعتق به أيضاً، وبهذا قال الحسن وإسحاق، وقال أبو عبيد: الولاء للمعتق؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الولاء لمن أعتق)) [متفق عليه: البخاري، برقم: 2168، ومسلم، برقم: 1504] وقال مالك: ولاؤه لسائر المسلمين؛ لأنه مال مستحق له، أشبه مال من لا وارث له، وقال العنبري: يجعله في بيت المال للصدقات؛ لأن عتقه من الصدقة فولاؤه يرجع إليها؛ ولأن عتقه بمالٍ وهو لله .. وقد روي عن أحمد ما يدل على أن الولاء له، وقد سبق ذلك في باب الولاء [المغني لابن قدامة، بتصرف يسير،9/ 319 - 322. وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((وأما الرقاب فروي عن الحسن البصري، ومقاتل بن حيان، وعمر بن عبدالعزيز، وسعيد بن جبير، والنخعي، والزهري، وابن زيد، أنهم: المكاتبون، وروي عن أبي موسى الأشعري نحوه، وهو قول: الشافعي، والليث رضي الله عنهما، وقال ابن عباس والحسن: لا بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة، وهو مذهب أحمد ومالك، وإسحاق، أي: إن الرقاب أعم من أن يعطى المكاتب، أو يشتري رقبةً فيعتقها استقلالاً)) [تفسير القرآن العظيم ص616]. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وقد اختلف السلف في تفسير قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} فقيل: المراد شراء الرقبة لتعتق، وهو قول ابن القاسم عن مالك، واختيار أبي عبيد، وأبي ثور، وإسحاق، وإليه مال البخاري، وابن المنذر، وقال أبو عبيد: أعلى ما جاء فيه قول ابن عباس وهو أولى بالاتباع، وأعلم بالتأويل، وروى ابن وهب عن مالك: أنها في المكاتب، وهو قول الشافعي، والليث، والكوفيين، وأكثر أهل العلم، ورجحه الطبري، وفيه قول ثالث: أن سهم الرقاب يجعل نصفين: نصف لكل مكاتب يدعي الإسلام، ونصف يشترى بها رقاب ممن صلى وصام أخرجه ابن أبي حاتم وأبو عبيد في الأموال، بإسناد صحيح عن الزهري أنه كتب ذلك لعمر بن عبدالعزيز [فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/ 332.

المسألة الثانية: فضل إعتاق الرقاب جاء في الكتاب والسنة

ابن باز رحمه الله يقول: ((والمقصود بالرقاب: إعتاقها بشرائها، وإعتاق المكاتب من الزكاة، وإعتاق الأسرى)) (¬1) (¬2). المسألة الثانية: فضل إعتاق الرقاب جاء في الكتاب والسنة، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((وقد ورد في ثواب الإعتاق، وفك الرقبة أحاديث كثيرة، وأن الله يعتق بكل عضوٍ عضواً من معتقها، حتى الفرج بالفرج، وما ذاك إلا؛ لأن الجزاء من جنس العمل {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (¬3) (¬4) ومن الأدلة التي ترغب في الإعتاق وفضله ما يأتي: 1 - قال الله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} (¬5). {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} فهلا أنفق ماله فيما يجوز به العقبة: من فك الرقاب وإطعام السغبان، فيكون خيراً له من عداوة محمد *، هذا قول ابن زيد وجماعة، وقيل: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أي لم يقتحمها ولا جاوزها، والاقتحام الدخول في الأمر الشديد، وذكر العقبة هنا مثلٌ ضربه الله لمجاهدة: النفس، والهوى، والشيطان في أعمال البر، فجعله ¬

_ (¬1) سمعته أثناء تقرير على صحيح البخاري، باب قول الله تعالى: (وفي الرقاب ... )، قبل الحديث رقم: 1468 .. (¬2) انظر: مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 10/ 32. (¬3) سورة الصافات، الآية: 39. (¬4) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ص616. (¬5) سورة البلد، الآيات: 11 - 16.

كالذي يتكلف صعود العقبة، تقول: لم يحمل على نفسه المشقة, بعتق الرقبة والإطعام، وهذا معنى قول قتادة، وقيل: إنه شبَّه ثِقل الذنوب على مرتكبها بعقبة، فإذا أعتق رقبة, وأطعم كان كمن اقتحم العقبة، وجاوزها، وقيل غير ذلك (¬1) قال العلامة السعدي رحمه الله: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} أي لم يقتحمها ويعبر عليها؛ لأنه متبع لشهواته، وهذه العقبة شديدة عليه، ثم فسر [هذه] العقبة بقوله: {فَكُّ رَقَبَةٍ} أي فكها من الرق بعتقها أو مساعدتها على أداء كتابتها، ومن باب أولى فكاك الأسير المسلم عند الكفار) (¬2) وقال قتادة: إنها عقبة شديدة فاقتحموها بطاعة الله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} ثم أخبر تعالى عن اقتحامها, فقال: {فَكُّ رَقَبَةٍ} (¬3). 2 - ولعظيم أجر عتق الرقاب جعلها الله تعالى: من كفارة القتل (¬4) وكفارة اليمين (¬5) وكفارة الظهار (¬6). وجعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - من كفارة الوطء في نهار رمضان (¬7). 3 - وجعلها الله تعالى من أعمال البر والتقوى (¬8). 4 - جاءت الأحاديث الكثيرة جدًّا منها ما يأتي: ¬

_ (¬1) تفسير البغوي 4/ 489. (¬2) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص925. (¬3) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1436. (¬4) سورة النساء، الآية: 95. (¬5) سورة المائدة, الآية: 89. (¬6) سورة المجادلة, الآية: 3. (¬7) البخاري، كتاب كفارات الأيمان، باب من أعان المعسرفي الكفارة، برقم 6710. (¬8) سورة البقرة، الآية: 177.

الحديث الأول: عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -، قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال: ((لئن أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة: أعتق النسمة، وفك الرقبة)) فقال: يا رسول الله! أو ليستا واحدة؟ فقال: ((لا، عتق النسمة أن تفرَّد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها ... )) (¬1). الحديث الثاني: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)) (¬2). الحديث الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضوٍ منه عُضْواً من النار، حتى فرجه بفرجه)). قال سعيد بن مرجانة: ((فانطلقت به إلى علي بن الحسين فعمد علي بن الحسين رضي الله عنهما إلى عبدٍ له قد أعطاه به عبد الله بن جعفر عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار فأعتقه)) (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه الدارقطني، واللفظ له، كتاب الزكاة، باب الحث على إخراج الصدقة، وبيان قسمتها، برقم1، وأحمد في المسند، 3/ 600، برقم 1847، وقال محققو المسند: ((إسناده صحيح)). (¬2) الترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في الجهاد، والناكح، والمكاتب وعون الله إياهم، برقم 1655، والنسائي كتاب النكاح، باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف، برقم 3218، وأحمد، 2/ 427، والألباني في صحيح الترمذي، 2/ 236، وقال ابن باز في حاشية على بلوغ المرام، التعليق على الحديث رقم 382: ((بسند جيد أي عند النسائي)). (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب كفارات الأيمان، باب قول الله تعالى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة 89] وأي الرقاب أزكى، برقم 6715، وكتاب العتق، باب في العتق وفضله، وقوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد، 13 - 15]. برقم 2517، ومسلم، كتاب العتق، باب فضل العتق، برقم 24 1509.

المسألة الثالثة: نصيب الرقاب من الزكاة:

الحديث الرابع: عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيما امرئ مسلمٍ أعتق امرأً مسلماً كان فكاكه من النار، يجزىء كل عضوٍ منه عضواً منه، وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار، يجزئ كل عضوٍ منهما عضواً منه، وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار، يجزيء كل عضوٍ منها عضواً منها)) (¬1). الحديث الخامس: عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله وجهاد في سبيله)) قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: ((أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها)) قلت: فإن لم أفعل؟ قال: ((تعين صانعاً أو تصنع لأخرق)) قال: فإن لم أفعل؟ قال: ((تدع الناس من شرك؛ فإنها صدقة تصدق بها على نفسك)) (¬2). المسألة الثالثة: نصيب الرقاب من الزكاة على النحو الآتي: 1 - المكاتب المسلم: يدفع إلى المكاتب جميع ما يحتاج إليه؛ لوفاء كتابته؛ فإن لم يكن معه شيء جاز أن تدفع إليه جميعها، وإن كان معه شيء تُمِّمَ له ما يتخلّصُ به؛ لأن حاجته لا تندفع إلا بذلك، ولا يدفع إلى من معه وفاء كتابته شيء؛ لأنه مستغنٍ عنه في وفاء الكتابة، ويجوز أن يدفع إليه في كتابته قبل حلول النجم [القسط]؛ لئلا يحل النجم [القسط] ولا شيء ¬

_ (¬1) الترمذي، كتاب النذور، باب ما جاء في فضل من أعتق، برقم 1547، وابن ماجه، كتاب العتق، باب العتق، برقم 2522، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 181، وجاء في سنن أبي داود، من حديث كعب بن مرة، برقم 3967. (¬2) متفق عليه، البخاري، كتاب العتق، باب أي الرقاب أفضل، برقم 2518، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أفضل الأعمال، برقم 84.

2 - إعتاق الرقيق:.

معه، فتنفسخ الكتابة (¬1). 2 - إعتاق الرقيق: فيعتق من زكاة ماله الرقيق المسلم، فيدفع ثمنه لسيده (¬2). 3 - الأسير المسلم: فك الأسير المسلم من الزكاة، فيدفع لمن هو بيده من الكفار ما يفك به الأسير (¬3). المصرف السادس: الغارمون، وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم الغارمين لغة واصطلاحاً. مفهوم الغارمين لغة: غَرِم يغرم غرماً، والغرم: الدين، ورجل غارم: عليه دين، وقوله تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} (¬4)، قال الزجاج: الغارمون الذين لزمهم الدين في الحمالة، وقيل: هم الذين لزمهم الدين في غير معصية، والغريم الذي له الدين, والذي عليه الدين جميعاً، والجمع غرماء (¬5). والغارمون جمع غارم، إذاً: الغرم في اللغة اللزم، وسمي الغارم غارماً؛ لأن الدين لزمه، ويطلق الغريم على الدائن لملازمته المدين (¬6). ¬

_ (¬1) المغني، لابن قدامة، 9/ 319. (¬2) نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 78. (¬3) الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص156، ومجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 10/ 32، والمغني، 9/ 321. (¬4) سورة التوبة: الآية 60. (¬5) لسان العرب، باب الميم، فصل الغين،12/ 436،والمصباح المنير،2/ 446، ومختار الصحاح، ص198. (¬6) انظر: مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، ص606.

مفهوم الغارمين اصطلاحا

مفهوم الغارمين اصطلاحاً: الغارمون: هم المدينون العاجزون عن وفاء ديونهم (¬1). وقيل: الغارمون: هم الذين تدينوا للإصلاح بين الناس، أو تديَّنوا لأنفسهم وأعسروا؛ لدخولهم في قوله تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} (¬2) (¬3). المسألة الثانية: أنواع الغارمين على النحو الآتي: النوع الأول: غارم لإصلاح ذات البين: أي إصلاح حال الوصل، أو ما يحتاج إلى الوصل، وقيل: إصلاح القطع، فالبين: الوصل أو القطيعة (¬4). فالغارم لإصلاح ذات البين: هو من يحمل ديةً، أو مالاً؛ لتسكين فتنة، أو إصلاح بين طائفتين، فيُدفع إليه من الصدقة ما يؤدي حمالته؛ ولو كان غنيًّا. فيكون الغارم لإصلاح ذات البين على ثلاثة أحوال: الحال الأول: يتحمَّل مالاً في ذمته للإصلاح. الحال الثاني: يقترض ويدفع للإصلاح. الحال الثالث: يدفع من ماله بنية الأخذ من الزكاة بدلاً من ذلك (¬5). النوع الثاني: الغارم لنفسه في مباح, العاجز عن الوفاء، فهذا يُعطى من الزكاة ما يقضي دينه، لكن إن غرم في معصية لم يدفع إليه قبل التوبة شيء. وأن الدفع إليه في هذه الحالة إعانة على المعصية، وقيل: لا يُعطى ¬

_ (¬1) المغني، لابن قدامة، 9/ 323. (¬2) سورة التوبة، الآية: 60. (¬3) منار السبيل، 1/ 268. (¬4) الكافي، 2/ 200، والشرح الممتع، لابن عثيمين، 6/ 233. (¬5) الكافي، 2/ 200، والشرح الممتع, لابن عثيمين، 6/ 233.

مطلقاً؛ لأن استدانته في المعصية ولا يؤمن أن يعود للاستدانة في المعاصي ثقة منه بأن دينه سيُقضى، بخلاف من أتلف ماله في المعاصي؛ فإنه يعطى لفقره لا لمعصيته (¬1). والأدلة على جواز دفع الزكاة في النوعين المذكورين آنفاً كثيرة، منها حديث قبيصة بن مخارق الهلالي، قال: تحمَّلتُ حمالةً, فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: ((أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها)) قال: ثم قال: ((يا قبيصة إن المسألة لا تَحِلُّ إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمَّل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة (¬2). اجتاحت (¬3) ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً (¬4) من عيش أو قال: سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة (¬5) حتى يقوم (¬6) ثلاثة من ذوي الحجا (¬7) من قومه فيقولون: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قِوماً من عيش أو قال: سداداً من عيش، فما سواهنَّ من المسألة يا قبيصة سحتاً (¬8)، ¬

_ (¬1) المغني، لابن قدامة 9/ 323، والكافي له، 2/ 200. (¬2) الجائحة: الآفة التي تهلك الثمار والأموال، وتستأصلها، وكل مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة: جائحة، والجمع جوائح، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 1/ 311 - 312. (¬3) اجتاحت: أهلكت ماله. (¬4) القِوام والسداد بمعنى واحد، وهو ما يغني من الشيء، وما تسد به الحاجة، وكل شيء، سددت به شيئاً فهو سِداد بالكسر، ومنه سِداد الثغر، وسداد القارورة، وقولهم: سداد من عوز، [شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 139]. (¬5) فاقة: الفاقة: الحاجة والفقر. النهاية في غريب الحديث، 3/ 480. (¬6) حتى يقوم ثلاثة: يقومون بهذا الأمر فيقولون لقد أصابته فاقة. شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 139. (¬7) الحجى: العقل. شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 139. (¬8) السحت: الحرام.

المسألة الثالثة: نصيب الغارمين من الزكاة.

يأكلها صاحبها سحتاً)) (¬1). المسألة الثالثة: نصيب الغارمين من الزكاة، يعطون بقدر حاجتهم في قضاء ما عليهم من الديون, سواء كان الغارم قد أصلح بين الناس، وأعطى مالاً بنية الأخذ من الزكاة، أو اقترض، أو تحمَّل ذلك في ذمته، فيُعطى ولو كان غنيًّا تشجيعاً له على الخير. أو كان الغارم لنفسه ولم يستطع الوفاء, فيعطى من الزكاة ما يقضي دينه (¬2) (¬3). المصرف السابع: في سبيل الله تعالى، وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم في سبيل الله لغة واصطلاحاً: لغة: السبيل في الأصل الطريق، ويُذَكَّرُ ويُؤنَّث، والتأنيث فيها أغلب، وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سُلِكَ به طريق التقرب إلى الله تعالى: بأداء الفرائض، والنوافل، وأنواع التطوعات، وإذا أُطلق فهو في الغالب واقع على ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة، برقم 1044. (¬2) الكافي, لابن قدامة، 2/ 200، والمغني، 9/ 323، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 317 - 318. (¬3) وإذا أراد الرجل دفع زكاته إلى الغارم فله أن يسلمها إليه؛ ليدفعها إلى غريمة، وإن أحب أن يدفعها إلى غريمه قضاءً عن دينه فعن أحمد روايتان: إحداهما يجوز ذلك؛ لأنه دفع الزكاة في قضاء دينه, فأشبه ما لو دفعها إليه فقضى بها دينه، والرواية الثانية: لا يجوز دفعها إلى الغريم، قال أحمد: أحب إليَّ أن تدفع إليه حتى يقضي هو عن نفسه، قيل: هو محتاج يخاف أن يدفعه إليه فيأكله، ولا يقضي دينه، قال: فقل له: يوكِّلُه حتى يقضيه، فظاهر هذا أنه لا يدفع الزكاة إلى الغريم إلا بوكالة الغارم؛ لأن الدين إنما هو على الغارم فلا يصح قضاؤه إلا بتوكيله، ويحتمل أن هذا على الاستحباب، ويكون قضاؤه جائزاً، وإن كان دافع الزكاة الإمام جاز أن يقضي بها دينه من غير توكيله؛ لأن للإمام ولاية عليه في إيفاء الدين؛ ولهذا يجبره عليه إذا امتنع منه. [المغني لابن قدامة، 9/ 325 - 326].

اصطلاحا:.

الجهاد، حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه (¬1). اصطلاحاً: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} يعني: وفي النفقة في نصرة دين الله، وطريقه، وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه، وذلك هو غزو الكفار (¬2) فالمقصود: الغزاة المتطوعة الذين لا ديوان لهم أو لهم ديوان لا يكفيهم (¬3). والمقصود: لاحق لهم في الديوان، ولا رواتب. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((هم الغزاة الذين لاحق لهم في الديوان، إذا نشطوا غزوا)) (¬4). قال الإمام ابن مفلح: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} وهم الغزاة الذين لاحق لهم في الديوان؛ لأن من له رَزقُ راتب يكفيه مستغنٍ بذلك)) (¬5). المسألة الثانية: نصيب الغزاة في سبيل الله من الزكاة: يعطون من الزكاة ما يشترون به السلاح، والدواب، والنفقة لهم ولعيالهم، حتى ولو كانوا أغنياء؛ لأنهم يأخذون لمصلحة المسلمين، بشرط أن لا يكون لهم رَزقٌ من بيت المال يكفيهم (¬6)؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحل الصدقة لغنيٍّ إلا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله، أو لعامل ¬

_ (¬1) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 2/ 338. (¬2) جامع البيان، للطبري، 14/ 319. (¬3) المغني، 9/ 326، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 319، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 247. (¬4) الكافي, لابن قدامة، 2/ 201. (¬5) الفروع، لابن مفلح، 4/ 345. (¬6) المغني، لابن قدامة، 9/ 326، 327، والكافي، 2/ 201، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 319، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 247، وتفسير السعدي، ص341، ومنار السبيل، 1/ 269.

عليها، أو لغارمٍ، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني)) (¬1). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (( ... الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين: محتاج إليها: كالفقراء، والمساكين، وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم، أو من يحتاج إليه المسلمون: كالعامل، والغازي، والمؤلف، والغارم لإصلاح ذات البين)) (¬2) (¬3). ¬

_ (¬1) أبو داود، برقم 1635، 1636، وابن ماجه، برقم 1841، وأحمد، برقم 11538، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 455، وصحيح ابن ماجه، 2/ 116، وإرواء الغليل، برقم 870، وتقدم تخريجه في مصرف العاملين عليها. (¬2) المغني، لابن قدامة، 9/ 329. (¬3) اختلف العلماء رحمهم الله: هل يعطى في الحج من الزكاة؟ على قولين: القول الأول: قال الإمام الخرقي رحمه الله: ((ويعطى أيضاً في الحج وهو من سبيل الله)) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويروى هذا عن ابن عباس، وعن ابن عمر ((الحج من سبيل الله)) وهو قول إسحاق ... )). القول الثاني: رواية عن أحمد، أنه لا يصرف من الزكاة في الحج، وبه قال: مالك، والليث، وأبو حنيفة، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر، قال الإمام ابن قدامة: ((وهذا أصح)) واستدلوا بقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فالمراد به عند الإطلاق الجهاد. واستدل أهل القول الأول بآثار وأحاديث منها حديث أم معقل، وفيه أنها قالت: يا رسول الله إن عليَّ حجة وإن لأبي معقلٍ بكراً، قال أبو معقل: صدقة جعلته في سبيل الله، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أعطها فلتحج عليه, فإنه في سبيل الله)) [أبو داود، برقم 1988، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 556] وفي رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ((فهلا خرجت عليه؛ فإن الحج في سبيل الله)) [أبو داود، برقم 1989، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 557]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحج فقالت امرأة لزوجها: احجَّني مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جملك؛ فقال: ما عندي ما أحجّك عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيس في سبيل الله - عز وجل -، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .... )) الحديث وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله)) [أبو داود، برقم 1990، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 557: ((حسن صحيح)) واحتجوا بقول ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح البخاري معلقاً، قال: ((يعتق من زكاة ماله ويُعطى في الحج)) [البخاري مع الفتح، 3/ 231، قال الألباني في مختصر صحيح البخاري، 1/ 433: ((وصله أبو عبيد في الأموال بسند جيد عنه))، ومن الآثار في ذلك ما أخرجه البخاري معلقاً عن الحسن (( .... ويعطي في المجاهدين، والذي لم يحج [أي من الزكاة])) البخاري مع الفتح، 3/ 331، وقال الحافظ ابن حجر: ((هذا صحيح عنه)) [فتح الباري، 3/ 331] وذكر الحافظ ابن حجر: ((وقال ابن عمر: أما إن الحج من سبيل الله)) أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح عنه [فتح الباري، 3/ 332] وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على صحيح البخاري، قبل الحديث رقم 1468، يقول: على قول ابن عباس: ((أما الحج فقال بعضهم كما ههنا: إنه من الجهاد في سبيل الله. فيجوز دفع الزكاة في الحج، وهو الأظهر؛ لأن الحج جهاد في سبيل الله)). وفي الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص156، قوله: ((ومن لم يحج حجة الإسلام وهو فقير أُعطي ما يحج به، وهو إحدى الروايتين عن أحمد)). وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في مجموع فتاوى اللجنة، 10/ 38: ((يجوز صرف الزكاة في إركاب فقراء المسلمين لحج فريضة الإسلام، ونفقتهم فيه؛ لدخوله في عموم قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} من آية مصارف الزكاة وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)). عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس عبدالله بن القعود ... عبدالرزاق عفيفي ... عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وانظر: المغني: لابن قدامة، 9/ 328، وفتح الباري، 3/ 332، والمقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 7/ 248، والكافي، 2/ 201، والفروع لابن مفلح، 4/ 345.

المصرف الثامن (وابن السبيل) وفيه مسائل:

المصرف الثامن (وابن السبيل) وفيه مسائل: المسألة الأولى: مفهوم ابن السبيل لغة واصطلاحاً. لغة: السبيل في الأصل: الطريق، وابن السبيل: هو المسافر كثير السفر، سمي ابناً لها لملازمته إياها (¬1)، وابن السبيل المسافر البعيد عن منزله، نسب إلى السبيل لممارسته إياه، ويستعمل السبيل لكل ما يتوصل به إلى الشيء خيراً كان أو شرًّا (¬2) وهو الذي يسافر فيجتاز من بلدٍ إلى بلدٍ بعيد عن بلده. ¬

_ (¬1) النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 338 - 339. (¬2) مفردات القرآن للأصفهاني، ص395.

واصطلاحا:.

واصطلاحاً: ابن السبيل: هو المسافر الغريب المنقطع به في سفره عن أهله وماله، وليس له ما يرجع به إلى بلده، ولو كان غنيًّا في بلده. فأما المنشئ للسفر من بلده فليس بابن سبيل؛ لأن السبيل: الطريق (¬1). المسألة الثانية: نصيب ابن السبيل من الزكاة: يُعطى منها ولو كان غنيًّا ما يوصله إلى بلده؛ للآية {وَابْنِ السَّبِيلِ} (¬2). رابعاً: نصيب كل مصرف من مصارف الزكاة على سبيل الإجمال على النحو الآتي: 1 - كل صنف من أصناف أهل الزكاة يدفع إليه ما تندفع به حاجته من غير زيادة: فالغارم، والمكاتب، يعطى كل واحد منهما ما يقضي به دينه وإن كثر، وابن السبيل يعطى ما يبلغه إلى بلده، والغازي يعطى ما يكفيه لغزوه، والعامل يعطى بقدر أجرة عمله (¬3). 2 - أربعة أصناف يأخذون أخذاً مستقراً, فلا يراعى حالهم بعد الدفع: وهم الفقراء، والمساكين، والعاملون، والمؤلفة قلوبهم، فمتى أخذوا ملكوها ملكاً دائماً، مستقراً لا يجب عليهم ردها بحال. 3 - أربعة منهم: وهم الغارمون، وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل؛ فإنهم يأخذون أخذاً مراعىً, فإن صرفوه في الجهة التي استحقوا الأخذ لأجلها، وإلا استرجع منهم، والفرق بين هذه الأصناف ¬

_ (¬1) المغني لابن قدامة، 9/ 230، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 252، وكتاب الفروع لابن مفلح، 4/ 348، والكافي، 2/ 202، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 321، ونيل الأوطار للشوكاني، 3/ 81، ومنار السبيل، 1/ 269. (¬2) سورة التوبة، الآية: 60. (¬3) المغني لابن قدامة، 4/ 130.

4 - أربعة يأخذون مع الغنى: الغازي، والعامل، والغارم للإصلاح، والمؤلف

والتي قبلها: أن هؤلاء أخذوا لمعنىً لم يحصل بأخذهم للزكاة، والأولون حصل المقصود بأخذهم: وهو غنى الفقراء والمساكين، وتأليف المؤلفين، وأداء أجر العاملين. 4 - أربعة يأخذون مع الغنى: الغازي، والعامل، والغارم للإصلاح، والمؤلَّف؛ لأنهم يأخذون لحاجة المسلمين إليهم (¬1). 5 - قال السعدي رحمه الله: ((المدفوع له نوعان: نوع يعطى لحاجته: كالفقراء والمساكين، وابن السبيل، والغارم لنفسه. ونوع يعطى لحاجة المسلمين إليه وعموم نفعه: كالعامل عليها، والمؤلفة قلوبهم، والغارم لإصلاح ذات البين، والإخراج في سبيل الله)) (¬2). 6 - إذا اجتمع في واحد من أهل الزكاة سببان جاز أن يأخذ بكل واحد منهما منفرداً: كالفقير الغارم، يعطى بهما جميعاً، فيعطى ما يقضي دينه، ثم يُعطى ما يغنيه ويسد حاجته (¬3). 7 - يستحب صرف الزكاة إلى الأقارب المحتاجين الذين لا تلزم نفقتهم على صاحب المال؛ لحديث سلمان بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الصدقة على المسكين صدقة, وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة)) (¬4). خامساً: أصناف من لا يصح دفع الزكاة إليهم على النحو الآتي: 1 - الكفار إلا المؤلفة قلوبهم؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ¬

_ (¬1) الكافي لابن قدامة، 2/ 202. (¬2) إرشاد أولي البصائر للسعدي، ص 128. (¬3) المغني، لابن قدامة، 9/ 236. (¬4) النسائي، كتاب الزكاة، باب الصدقة على الأقارب، برقم 2581، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة، برقم 658، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 223.

- صلى الله عليه وسلم - قال: لمعاذ حينما بعثه إلى اليمن: (( ... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ في فقرائهم ... )) (¬1) (فخصهم - صلى الله عليه وسلم - بصرفها إلى فقرائهم كما خصهم بوجوبها على أغنيائهم، والمراد: أغنياء المسلمين، وفقرائهم (¬2). قال الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: ((وأجمعوا على أنه لا يُعطى من زكاة المال أحد من أهل الذمة)) (¬3). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن زكاة الأموال لا تُعطى لكافرٍ ولا لمملوك)) (¬4) (¬5). ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 395، ومسلم، برقم 19، وتقدم تخريجه. (¬2) انظر: المغني، 4/ 106، المقنع مع الشرح الكبير، والإنصاف، 7/ 284. (¬3) الإجماع، لمحمد بن إبراهيم بن المنذر ص56. (¬4) المغني 4/ 106، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 7/ 284. (¬5) وهل يعطى من الزكاة الكافر إذا كان عاملاً عليها، على روايتين في مذهب الإمام أحمد رحمه الله: الرواية الأولى لا يجوز استعمال الكافر على الزكاة؛ لأنه يشترط في العامل على الزكاة، أن يكون: بالغاً، عاقلاً، أميناً، مسلماً، والعمال على الزكاة تشترط لهم الأمانة فاشترط له الإسلام كالشهادة؛ ولأنه ولاية على المسلمين، فلم يجز أن يتولاها الكافر كسائر الولايات؛ لأن من ليس من أهل الزكاة لا يجوز أن يتولى العمالة كالحربي؛ ولأن الكافر ليس بأمين؛ ولهذا قال عمر - رضي الله عنه - ((لا تأتمنوهم وقد خونهم الله تعالى)) وقد أنكر عمر - رضي الله عنه - على أبي موسى توليه الكتابة نصرانياً, البيهقي، 10/ 127 فالزكاة التي هي ركن الإسلام أولى [المغني لابن قدامة، 9/ 313، و4/ 107، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 223]. [واختار هذه الرواية وجزم بها ابن قدامة في المقنع المطبوع مع الشرح الكبير، 7/ 223 – 224، وفي المغني له، 9/ 313، و4/ 107،والمرداوي في الإنصاف المطبوع مع الشرح الكبير، 7/ 223. والرواية الثانية: يجوز أن يكون العامل على الزكاة كافراً؛ لأن الله يقول: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60]. وهذا لفظ عام يدخل فيه كل عامل على أي صفة كان؛ ولأن ما يأخذ على العمالة أجرة فلم يمنع من أخذه كسائر الإجارات [المغني، 4/ 107]. قال الخرقي: ولا يعطى من الصدقة ... ولا لكافر ولا مملوك إلا أن يكون من العاملين عليها, فيعطون بحق ما عملوا [مختصر الخرقي المطبوع مع المغني، 4/ 107]. والصواب القول الأول، وهو: أن الكافر لا يعطى من الزكاة المفروضة مطلقاً.

2 - آل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهم بنو هاشم

2 - آل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهم بنو هاشم، لحديث عبدالمطلب بن ربيعة وفيه: (( ... إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد, إنما هي أوساخ الناس)) (¬1)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أخذ الحسن بن علي تمرةً من تمر الصدقة. فجعلها في فيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كَخْ كَخْ (¬2) ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة)) وفي لفظ للبخاري: فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخرجها من فيه، فقال: ((أما علمت أنَّ آل محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - لا يأكلون الصدقة)). وفي لفظ للبخاري أيضاً: فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفارسية: ((كَخْ، كَخْ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة)). وفي لفظ مسلم: (( ... أنَّا لا تحل لنا الصدقة)) (¬3). وعن معاوية القشيري قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أُتي بشيء سأل عنه ((أهدية أم صدقة))؟ فإن قيل: صدقة. لم يأكل وإن قيل هدية بسط يده (¬4). وتبين بهذه الأحاديث أن الزكاة لا تحل لآل النبي - صلى الله عليه وسلم - من ¬

_ (¬1) مسلم، برقم: 1072، وتقدم تخريجه في نصيب العاملين على الزكاة. (¬2) كَخْ كِخْ: بفتح الكاف وكسرها وتسكين الخاء ويجوز كسرها مع التنوين، وهي كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات، فقال له: كخ: أي أتركه وارم به، [شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 180]. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب أخذ صدقة النخل عند صرام النخل، وهل يترك الصبي فيمس تمر الصدقة؟ برقم 1485، وباب ما يذكر في الصدقة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وآله، برقم 1491، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب من تكلم بالفارسية والرطانة, رقم 3072، ومسلم، كتاب الزكاة، تحريم الزكاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم، برقم 1069. (¬4) النسائي، كتاب الزكاة، باب الصدقة لا تحل للنبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 2612، وقال الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 234: ((حسن صحيح عن أبي هريرة)).

بني هاشم. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم خلافاً في أن بني هاشم لا تحلُّ لهم الصدقة المفروضة)) (¬1) (¬2)، ¬

_ (¬1) المغني، لابن قدامة، 4/ 109. (¬2) أما بنو المطلب فاختلف العلماء رحمهم الله تعالى في تحريم الصدقة عليهم على قولين: القول الأول: أن الزكاة تحرم على بني المطلب كما تحرم على بني هاشم، وهو قول الشافعي ومن وافقه ورواية عن أحمد؛ لحديث جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا, ونحن بمنزلة واحدة منك؟ فقال: ((إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحدٌ)) قال جبير: ولم يقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني عبد شمس، وبني نوفل شيئاً [البخاري برقم 4229، ورقم 3502، ورقم 3140، وقال في هذا الطرف: ((وقال ابن إسحاق: عبد شمس، وهاشم، والمطلب إخوة لأم، وأمهم عاتكة بنت مرة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم))، فاتضح بذلك أن المطلبيين هم المنتسبون إلى المطلب، والمطلب أخو هاشم، وأبو هما عبد مناف، وله أربعة أبناء، وهم: هاشم، والمطلب، وعبد شمس، ونوفل. وهاشم هو جد النبي - صلى الله عليه وسلم - الثاني، وهو أبوه الثالث، وبنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد: أي في النصرة، وهم ليسوا من أهل البيت؛ لأنهم ليسوا من سلالة هاشم، وإنما هم من سلالة أخيه المطلب، ولكنهم يشاركون آل البيت في الخمس، وعلى هذا قال من قال: إنهم لا يأخذون من الزكاة؛ لأنهم استغنوا بما أخذوا من الخمس عن الزكاة, وعلى هذا القول، يكون بنو المطلب حكمهم في تحريم أخذ الزكاة حكم بني هاشم، وحكمهم في استحقاق الخمس كبني هاشم، وبنو عمهم: [بنو نوفل، وبنو عبد شمس] ليس لهم حق في الخمس، ولهم الأخذ من الزكاة. القول الثاني: أن الزكاة تحلُّ لبني المطلب، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقول أبي حنيفة؛ لأن بني المطلب ليسوا من آل محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ ولعموم الآية {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية [التوبة: 60]، لكن خرج بنو هاشم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد, إنما هي أوساخ الناس ... )) [مسلم، برقم 1072] فيجب أن يختص المنع بهم، ولا يصح قياس بني المطلب على بني هاشم؛ لأن بني هاشم أقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأشرف، وهم آل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخمس ما استحقوه بمجرد القرابة بدليل: أن بني عبد شمس، وبني نوفل يساوونهم في القرابة، ولم يعطوا شيئاً؛ وإنما شاركوهم بالنصرة أو بهما جميعاً، والنصرة لا تقتضي منع الزكاة، وهذا هو القول الصحيح، وسمعت شيخنا ابن باز أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 3140، يقول: ((بنو المطلب يعطون من الخمس؛ لأنهم ناصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية والإسلام، ويعطون من الزكاة على الصحيح؛ لأنه منع الزكاة عن بني هاشم فقط)) واختار هذا القول أيضاً الخرقي في مختصره مع المغني، 4/ 109، وابن قدامة في المغني، 4/ 111، وفي المقنع مع الشرح الكبير، 7/ 289، وفي العمدة، وشيخ الإسلام كما في الفروع مع تصحيحه، 4/ 370، والإنصاف مع الشرح الكبير، 7/ 307، وصاحب الروض المربع، 3/ 329، وغيرهم كثير, وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع، 6/ 259: ((والصحيح ... أنه يصح دفع الزكاة إلى بني المطلب)). وانظر: المجموع للنووي، 6/ 167، وفتح الباري لابن حجر، 3/ 227، ونيل الأوطار، 3/ 87، وشرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 182.

والله تعالى الموفق والهادي إلى سواء السبيل (¬1) وهو سبحانه ¬

_ (¬1) وهل تصح صدقة التطوع على آل النبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟ قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((وأما صدقة التطوع فللشافعي فيها ثلاثة أقوال: أصحها: أنها تحرم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحلُّ لآله، والثاني تحرم عليه وعليهم، والثالث: تحلُّ له ولهم)) [شرح النووي على صحيح مسلم،7/ 182]. وقال ابن قدامة في المغني، 4/ 113: ((ويجوز لذوي القربى الأخذ من صدقة التطوع ... )) وعن أحمد رواية أخرى: أنهم يمنعون صدقة التطوع أيضاً والأول أظهر؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل معروف صدقة)) [البخاري، برقم 6021، ومسلم، برقم: 1005] ولا خلاف في إباحة المعروف إلى الهاشمي، والعفو عنه، وإنظاره. وروى جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقاياتٍ بين مكة والمدينة، فقلت له: أتشرب من الصدقة؛ فقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة [ذكره ابن قدامة في المغني 4/ 114، وعزاه ابن حجر إلى الشافعي والبيهقي في التلخيص الحبير 3/ 115] قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((فأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فالظاهر أن الصدقة جميعها كانت محرمة عليه فرضها ونفلها)) واختار ذلك رحمه الله: [المغني، 4/ 115 - 117] والمقنع مع الشرح الكبير، 7/ 295 – 298، ورجحه ابن عثيمين رحمه الله تعالى فقال: ((بهذا نعرف أن بني هاشم ينقسمون إلى قسمين: الأول: من لا تحل له صدقة التطوع، وهو شخص واحد، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهو لا يأكل الصدقة الواجبة، ولا التطوع. الثاني: البقية من بني هاشم يأكلون من صدقة التطوع، ولا يأكلون من الزكاة الواجبة، [الشرح الممتع، 6/ 258] وقال سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى: ((قد صحت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دالة على تحريم الزكاة على أهل البيت، وهم بنو هاشم, سواء كانت نقوداً أو غيرها، أما صدقة التطوع فلا حرج فيها)) [مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 134].

3 - موالي بني هاشم

حسبنا (¬1) ونعم الوكيل (¬2). أما الهدية فتحل للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتحل لآله؛ لأحاديث كثيرة، وحتى لو كانت صدقة على الفقراء, ثم أهديت لآل البيت فلا حرج، لقوله - صلى الله عليه وسلم - حينما أهدت بريرة لأهله هدية: ((هو لها صدقة ولنا هدية)) (¬3). 3 - موالي بني هاشم، وكما حرم النبي - صلى الله عليه وسلم - الصدقة على بني هاشم، فقد ¬

_ (¬1) ذكر ابن مفلح في كتاب الفروع أن مذهب الإمامية يجوز لبني هاشم الفقراء أخذ زكاة بني هاشم، 4/ 318. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه يجوز ذلك فقال في الاختيارات: ((ويجوز لبني هاشم الأخذ من زكاة الهاشمي وهو محكي عن طائفة من أهل البيت)) [الاختيارات الفقهية شيخ الإسلام ابن تيمية، ص154] قال الإمام الشوكاني رحمه الله في رد هذا القول: ((والحاصل أن تحريم الزكاة على بني هاشم معلوم من غير فرق بين أن يكون المزكي هاشمياً أو غيره، فلا يتفق من المعاذير عن هذا المحرم إلا ما صح عن الشارع لا ما لفَّقه الواقعون في هذه الورطة من الأعذار الواهية)) [نيل الأوطار، 3/ 87]. ويقصد بكلامه هذا رحمه الله الرد على بعض أهل البيت الذين رووا حديثاً مسلسلاً بالهاشميين، فيه جواز أخذ الهاشمي من زكاة الهاشمي، ثم رد عليهم بأن هذا الحديث قد اتهم به بعض رواته، وليس بصالح لتخصيص العمومات الصحيحة ... وأما دعوى أنهم أجمعوا عليه: فباطلٌ باطلٌ. [نيل الأوطار، 3/ 87] ورد العلامة محمد بن عثيمين قول من قال بزكاة الهاشمي للهاشمي، ثم قال: ((لكن لو فرض أنه لا يوجد لإنقاذ حياة هؤلاء من الجوع إلا زكاة الهاشميين فزكاة الهاشميين أولى من زكاة غير الهاشميين)) [الشرح الممتع، 6/ 256]. (¬2) واختار شيخ الإسلام: أن بني هاشم إذا منعوا من خمس الخمس جاز لهم الأخذ من الزكاة ... ؛ لأنه محل حاجة وضرورة [الاختيارات، ص154] وانظر [الفروع لابن مفلح، 4/ 317] وقال ابن عثيمين في اختيار شيخ الإسلام هذا عند الضرورة ((هو الصحيح)) [الشرح الممتع، 6/ 257] وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 2609: ((والصدقة لا تحل لآل محمد، حتى ولو كانوا عمالاً للزكاة, أو مجاهدين، أو غارمين، إلا أن ابن تيمية ذكر أنهم إذا لم يكن لهم نصيب من بيت المال يعطون للضرورة كمن تحل له الميتة، عند الضرورة)). (¬3) مسلم، كتاب الزكاة، باب إباحة الهدية للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولبني هاشم وبني المطلب، وإن كان المهدي ملكها بطريق الصدقة إذا قبضها المتصدق عليه زال عنها وصف الصدقة، برقم 1073 - 1077.

حرّمها كذلك على مواليهم، وهم الأرقاء الذين أعتقهم بنو هاشم، فعن أبي رافع - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني؛ فإنك تصيب منها، قال: حتى آتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسأله، فأتاه، فسأله؟ فقال: ((مولى القوم من أنفسهم, وإنا لا تحل لنا الصدقة)) (¬1) (¬2). وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ابن أخت القوم منهم أو من أنفسهم)) (¬3) فالمقصود به: في المعاونة، والانتصار، والبر، والشفقة، والمناصرة، ونحو ذلك، وليس المقصود الميراث (¬4) ولا تحريم الصدقة إذا كان ابن أخت لبني هاشم والله أعلم، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول في حديث ((ابن أخت القوم منهم)) معنى منهم: أي في الصلة، والإحسان لا في تحريم الزكاة، وظاهر ترجمة النسائي: أن الزكاة لا تحل لابن أخت بني هاشم والصواب ما تقدم)) (¬5) قال الإمام الخرقي رحمه الله تعالى في الكلام على أن موالي بني هاشم لا تحل لهم الزكاة ((ولا لمواليهم)) (¬6). ¬

_ (¬1) أبو داود، كتاب الزكاة، باب الصدقة على بني هاشم، برقم 1650، والنسائي، كتاب الزكاة، باب مولى القوم منهم، برقم 2611، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأهل بيته، ومواليه، برقم 657، وصححه الألباني، في صحيح سنن أبي داود، 1/ 459. (¬2) أبو رافع: مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، اسمه: أسلم، وابن أبي رافع، هو عبيد الله بن أبي رافع، كاتب علي ابن أبي طالب - رضي الله عنه -[الترمذي، برقم 657، وتقدم تخريج أصله في الهامش السابق]. (¬3) البخاري، كتاب المناقب، باب ابن أخت القوم منهم، ومولى القوم منهم، برقم 3528، وفي كتاب الفرائض، باب مولى القوم من أنفسهم، وابن الأخت منهم، برقم 6761، ورقم 6762. (¬4) فتح الباري، لابن حجر 6/ 552، و 12/ 49. (¬5) سمعته أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 2610. (¬6) مختصر الخرقي مع المغني 4/ 110.

4 - المملوك.

قال ابن قدامة رحمه الله: ((يعني موالي بني هاشم، وهم: من أعتقهم هاشميٌّ، لا يعطون من الزكاة)) (¬1) (¬2). 4 - المملوك، لا يصح دفع الزكاة إليه؛ لأن ما يعطاه فهو لسيده، فكأن دافع الزكاة دفعها إلى السيد؛ ولأن العبد تجب نفقته على السيد، فهو غنيٌّ بغناه (¬3). إلا أن يكون المملوك من العاملين على الصدقات، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملته أنه يجوز للعامل أن يأخذ عمالته من الزكاة: سواء كان حرًّا ¬

_ (¬1) المغني 4/ 110، و9/ 336. (¬2) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في تحريم الصدقة على موالي بني هاشم على قولين: القول الأول: لا يجوز أخذ موالي بني هاشم من الزكاة؛ لحديث أبي رافع يرفعه ((مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة)) [أبو داود، برقم: 1650] [والنسائي، برقم 2611، والترمذي، برقم 657، وصححه الألباني، وتقدم تخريجه]. القول الثاني: يجوز أن يعطى موالي بني هاشم من الزكاة، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وقال أكثر العلماء: يجوز، لأنهم ليسوا بقرابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يمنعوا الصدقة كسائر الناس؛ ولأنهم لم يعوضوا عنها بخمس الخمس؛ فإنهم لا يعطون منه، فلم يجز أن يحرموها كسائر الناس والصواب القول الأول؛ لحديث أبي رافع الصريح الصحيح في تحريم الصدقة على موالي بني هاشم؛ ولأنهم ممن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب، فلم يجز دفع الزكاة إليهم، كبني هاشم، وقولهم: إنهم ليسوا بقرابة يرد عليه: بأنهم بمنزلة القرابة، بدليل قوله النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الولاء لُحمَةٌ كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب)) [رواه الشافعي في الأم،4/ 125،وصححه ابن حبان، [برقم 4950]، والحاكم، 4/ 341، وأصله في الصحيحين: البخاري، برقم 6756، ومسلم، برقم 1506 بغير هذا اللفظ] وثبت فيهم حكم القرابة: من الإرث، والعقل، والنفقة، لا يمنع ثبوت حكم الصدقة فيهم [المغني لابن قدامة، 4/ 110 - 111، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 297]. (¬3) المغني، لابن قدامة، 4/ 106 – 107، والشرح الكبير، مع المقنع، والإنصاف، 7/ 284 – 285.

5 - الأغنياء بمال أو كسب

أو عبداً)) (¬1)؛ لأنه لا يشترط حرية العامل ولا فقره (¬2). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن زكاة الأموال لا تعطى لكافر، ولا لمملوك)) (¬3). 5 - الأغنياء بمالٍ أو كسب؛ لحديث عبدالله بن الخير، وفيه: (( ... ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)) (¬4)؛ ولحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي)) (¬5)؛ ولحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو رجل كان له جار مسكين فَتُصدِّقَ على المسكين فأهداها المسكين للغني)) (¬6). قال الخرقي رحمه الله في عدم جواز الزكاة للغني ((ولا لغني ... )) (¬7) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((يعني لا يعطى من سهم الفقراء والمساكين غنيٌّ، ولا خلاف في هذا بين أهل العلم، وذلك؛ لأن الله تعالى ¬

_ (¬1) المغني، 4/ 207، وانظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 284. (¬2) المقنع، مع الشرح الكبير، والإنصاف، 7/ 223. (¬3) المغني، 4/ 106. (¬4) أبو داود، برقم، 1633، والنسائي، برقم 2597، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 454، وتقدم تخريجه. (¬5) أبو داود، برقم 1634، والترمذي، برقم 652، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 454، وفي الإرواء، برقم 877. (¬6) أبو داود، برقم 1635، 1636، وابن ماجه، برقم 1841، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 455، وتقدم تخريجه. (¬7) مختصر الخرقي مع المغني، 4/ 117.

6 - لا تدفع الزكاة إلى امرأة فقيرة تحت غني ينفق عليها.

جعلها للفقراء والمساكين، والغني غير داخل فيهم)) (¬1)، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: (( ... فأعلمهم أن الله افترض عليه صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ في فقرائهم)) (¬2). 6 - لا تدفع الزكاة إلى امرأة فقيرة تحت غني ينفق عليها. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وإذا كان للمرأة زوج موسر ينفق عليها لم يجز دفع الزكاة إليها؛ لأن الكفاية حاصلة لها بما يصلها من النفقة الواجبة، فأشبهت من له عقار يستغني بأجرته، وإن لم ينفق عليها، وتعذر ذلك جاز الدفع إليها، كما لو تعطلت منفعة العقار، وقد نص أحمد على هذا)) (¬3). وقال سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله عن امرأة لا يهتم بها زوجها، وقد تعبوا في إصلاح حاله: قال رحمه الله: ((إن كانت فقيرة، وزوجها لا ينفق عليها، وعجزتم عن إصلاح حاله، ولم يتيسر من يلزمه بذلك، فإنه يجوز إعطاؤها من الزكاة قدر حاجتها)) (¬4). وكذلك لا تدفع إلى فقير ينفق عليه من وجبت عليه نفقته، من أقاربه؛ لاستغنائه بذلك (¬5). 7 - من تلزم نفقته لا تدفع إليه الزكاة: وهم أنواع على النحو الآتي: ¬

_ (¬1) المغني لابن قدامة، 4/ 117. (¬2) متفق عليه: البخاري، برقم 395، ومسلم، برقم 19، وتقدم تخريجه. (¬3) المغني، لابن قدامة 4/ 123، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 286، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 361، وكتاب الفروع لابن مفلح، 4/ 299، و363. (¬4) مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 269 - 270. (¬5) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 332.

النوع الأول: الأصول وإن علوا.

النوع الأول: الأصول وإن علوا: وهم الأب والأم، وآباؤهما, وأمهاتهما وإن ارتفعت درجتهم من دافع الزكاة, كأبوي الأب، وأبوي الأم، وأبوي كل واحد منهم، وإن علت درجتهم: من يرث منهم ومن لا يرث. النوع الثاني: الفروع وإن نزلوا: وهم: الأولاد: من البنين والبنات، وأولاد البنين وأولاد البنات، وإن نزلت درجتهم، الوارث وغير الوارث، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن ابني هذا سيدٌ ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) (¬1) يعني الحسن بن علي رضي الله عنهما، فجعله ابنه؛ لأنه من عمودي النسب، فأشبه الوارث؛ ولأن بينهما قرابة جزئية وبعضية، بخلاف غيرهما. قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين، والولد في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم)) (¬2)؛ ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه، ويعود نفعها إليه، فكأنه دفعها إلى نفسه، فلم تجز، كما لو قضى بها دينه (¬3) (¬4). ¬

_ (¬1) البخاري، كتاب الصلح، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي رضي الله عنهما إن ابني هذا سيد، برقم 2704. (¬2) الإجماع لابن المنذر، ص57. (¬3) المغني، لابن قدامة، 4/ 98، و9/ 336، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 7/ 287، والروض المربع مع حاشية ابن القاسم، 3/ 332، والكافي، 2/ 208، ومنار السبيل، 2/ 271. (¬4) إذا كان على الوالدين أو أحدهما دينٌ لا يستطيعان قضاءه؛ فإنه يجوز للولد أن يقضي دينهما من الزكاة؛ شرط أن لا يكون هذا الدين سببه تحصيل نفقة على الولد الذي يريد قضاء الدين، وقد سئل سماحة شيخنا ابن باز رحمه الله عن ذلك فقال للسائل: ((الديون لا يلزم القريب أن يقضيها عن قريبه، فيكون قضاؤها من زكاته أمراً مجزياً، حتى لو كان ابنك، أو أباك وعليه دين لأحد، ولا يستطيع وفاءه، فإنه يجوز لك أن تقضيه من زكاتك, أي يجوز أن تقضي دين أبيك من زكاتك، ويجوز أن تقضي دين ولدك من زكاتك، بشرط أن لا يكون سبب هذا الدين تحصيل نفقة واجبة عليك، فإن كان سببه تحصيل نفقة واجبة عليك؛ فإنه لا يحل لك أن تقضي الدين من زكاتك؛ لئلا يتخذ ذلك حيلة على منع الإنفاق على من تجب نفقتهم عليه؛ لأجل أن يستدين ثم يقضي ديونهم من زكاته)) [مجموع فتاوى ابن باز، 14/ 311] وبهذا أيضاً قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((فيجوز أن يقضي الدين عن أبيه، أو أمه، أو ابنه أوابنته، بشرط ألا يكون هذا الدين استدانه لنفقة على الابن، فإن كان لنفقة واجبة فلا يجوز)) [الشرح الممتع، 6/ 264]، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((إذا كان على الولد دين، ولا وفاء له، جاز له أن يأخذ من زكاة أبيه في أظهر القولين في مذهب أحمد وغيره)) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 25/ 92]، وجاء في الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية: ((ويجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا وإلى الولد وإن سفل إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم، لوجود المقتضى السالم عن المعارض المقاوم، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، وكذا إن كانوا غارمين، أو مكاتبين، أو أبناء سبيل، وهو أحد القولين أيضاً)) [الاختيارات الفقهية، ص154]. قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ((القول الراجح الصحيح: أنه يجوز أن يدفع الزكاة لأصله وفرعه، ما لم يدفع بها واجباً عليه)) [الشرح الممتع، 6/ 63].

النوع الثالث: الزوجة

النوع الثالث: الزوجة، فلا يدفع زكاته إلى زوجته؛ لأن نفقتها واجبة عليه، قال الإمام ابن المنذر: ((وأجمعوا على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة؛ لأن نفقتها عليه وهي غنية بغناه)) (¬1) فتستغني بنفقته عليها عن أخذ الزكاة، فلم يجز دفعها إليها، كما لو دفعها على سبيل الإنفاق عليها (¬2). واختار العلامة محمد بن صالح العثيمين: أن للزوج أن يعطي زوجته من الزكاة لقضاء دين عليها لا تستطيع أداءه، فقال: (( ... فإن أعطاها لقضاء دين عليها فإن ذلك يجزئ؛ لأن قضاء الدين عن زوجته لا يلزمه)). وقال رحمه الله في ذلك: ((القول الراجح يجوز بشرط أن لا يسقط به حقاً واجباً عليه، فإن أعطاها من زكاته للنفقة؛ لتشتري ثوباً أو ¬

_ (¬1) الإجماع لابن المنذر، ص58. (¬2) المغني، 4/ 100.

النوع الرابع: الزوج

طعاماً، فإن ذلك لا يجزئ)) (¬1). النوع الرابع: الزوج هل تدفع الزوجة زكاتها إليه أم لا؟ اختلف العلماء رحمهم الله على قولين: القول الأول: لا تدفع زكاتها إلى زوجها، وهو رواية عن أحمد ومذهب أبي حنيفة؛ لأنها تنتفع بدفعها إليه؛ لأنه إن كان عاجزاً عن الإنفاق عليها تمكن من أخذ الزكاة من الإنفاق، فليزمه، وإن لم يكن عاجزاً، ولكنه أيسر بها لزمته نفقة الموسرين، فتنتفع بها في الحالين، فلم يجز لها ذلك (¬2). القول الثاني: يجوز لها دفع زكاتها إلى زوجها، وهو رواية عن الإمام أحمد، ومذهب الشافعي، وإحدى الروايتين عن مالك، وبه قال ابن المنذر، وطائفة من أهل العلم، واستدلوا بحديث أبي سعيد - رضي الله عنه - وفيه: أن زينب امرأة ابن مسعود قالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حليٌّ لي، فأردت أن أتصدق بها فزعم ابن مسعود أنه وولده أحقُّ من تصدقت به عليهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقتِ به عليهم)) (¬3)؛ ولحديث زينب الآخر وفيه: أنها أرسلت بلالاً يسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيجزىء عني أن أنفق على زوجي، وأيتامٍ لي في حجري؟ فسأله فقال: ((نعم, ولها أجران: أجر القرابة, وأجر الصدقة)) (¬4)، قال ¬

_ (¬1) الشرح الممتع، 6/ 268. (¬2) المغني لابن قدامة، 4/ 100 - 111. (¬3) البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، برقم 1462. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، برقم 1466، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل الصدقة على الأقربين والزوج، والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين، برقم 1000.

الإمام ابن قدامة بعد استدلاله بهذا الحديث: ولأنه لا تجب نفقته، فلا يمنع دفع الزكاة إليه كالأجنبي ويفارق الزوجة؛ فإن نفقتها واجبة عليه؛ ولأن الأصل جواز الدفع؛ لدخول الزوج في عموم الأصناف المسمين في الزكاة، وليس في المنع نصٌّ ولا إجماع، وقياسه على من ثبت المنعُ في حقه غير صحيح؛ لوضوح الفرق بينهما، فيبقى جواز الدفع ثابتاً، والاستدلال بهذا أقوى من الاستدلال بالنصوص (¬1)؛ لضعف دلالتها (¬2)؛ فإن الحديث الأول في صدقة التطوع؛ لقولها: ((أردت أن أتصدق بحلي لي، ولا تجب الصدقة بالحلي، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم)) والولد لا تدفع إليه الزكاة ... )) (¬3)، فكلام ابن قدامة هذا يدل على ميوله إلى القول بهذا القول والله أعلم. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم فلما ذكرت الصدقة ولم يستفصلها عن تطوع ولا واجب، فكأنه قال: يجزئ عنك فرضاً كان أو تطوعاً، وأما الولد فليس في الحديث تصريح بأنها تعطي ولدها من زكاتها، بل معناه أنها إذا أعطت زوجها فأنفقه على ولدها كانوا أحق من الأجانب، فالإجزاء يقع بالإعطاء للزوج، والوصول إلى الولد بعد بلوغ الزكاة محلها)) (¬4). ورجح جواز إعطاء المرأة زكاتها لزوجها الإمام الشوكاني رحمه الله؛ ¬

_ (¬1) المغني، لابن قدامة، 4/ 101 - 102. (¬2) يعني في هذه المسألة. (¬3) المغني، لابن قدامة، 4/ 101 – 102. (¬4) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/ 330.

لعدم المانع من ذلك، ومن قال: إنه لا يجوز فعليه الدليل، ثم ذكر ترك الاستفصال لها بمنزلة العموم، فلما لم يستفصلها عن الصدقة: هل هي تطوع أو واجب؟ فكأنه قال: يجزئ عنك فرضاً كان أو تطوعاً (¬1). وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((والصواب جواز دفع الزكاة إلى الزوج إذا كان من أهل الزكاة)) (¬2). وسمعت شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على حديث ((زوجك وولدك أحقُّ من تصدقت به عليهم)) (¬3) يقول: (( ... الصدقة على القريب صدقة وصلة، وظاهر هذه الصدقة أنها تطوع، وظاهر كلام العلماء: أن الزكاة لا تجوز على الأصل والفرع، أما الزوج فالأرجح دفع الزكاة له إذا كان فقيراً)) (¬4). وسمعته يقول أثناء تقريره على حديث: ((نعم، لها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة)) (¬5): وهذا مثل الحديث الآخر: ((إن الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة)) (¬6) وهذا كله في صدقة التطوع ... والحاصل: أن الزكاة على ¬

_ (¬1) نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 93. (¬2) الشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 266، وقد أطال في التفصيل والإيضاح لذلك، وذكر قاعدة فقال: الأصل فيمن ينطبق عليه وصف الاستحقاق أنه مستحق، وتجزئ الزكاة إليه إلا بدليل ولا نعلم مانعاً من ذلك إلا إذا أعطته أسقطت عن نفسها بذلك واجباً [الشرح الممتع، 6/ 267]. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1462، ومسلم، برقم: 1000 وتقدم تخريجه. (¬4) سمعته أثناء تقريره على الحديث رقم 1462 من صحيح البخاري. (¬5) متفق عليه: البخاري، برقم 1464، ومسلم، برقم 1000، وتقدم تخريجه. (¬6) النسائي، برقم 2581، والترمذي، برقم 658 وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 223، وتقدم تخريجه.

8 - المبتدع والفاسق الذين يصرفونها في الفسق والعصيان.

الزوج لا بأس بها إذا كان من الفقراء، وهو الأرجح)) (¬1). 8 - المبتدع والفاسق الذين يصرفونها في الفسق والعصيان لا يعطون من الزكاة إذا غلب على الظن صرفها في الفجور، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأما الزكاة فينبغي للإنسان أن يتحرى بها المستحقين: من الفقراء، والمساكين، والغارمين، وغيرهم من أهل الدين، المتبعين للشريعة، فمن أظهر بدعة، أو فجوراً؛ فإنه يستحق العقوبة: بالهجر، وغيره، والاستتابة، فكيف يعان على ذلك)) (¬2)، ولاشك أن الزكاة تجوز لعصاة المسلمين الذين لا يصرفونها في المنكرات، بل نفقتهم ونفقة من يمونون، مع نصيحتهم، وتعليمهم الخير، قال الإمام عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله: ((يجوز دفع الزكاة إلى الفقير المسلم، وإن كان لديه بعض المعاصي، ولكن التماس الفقراء المعروفين بالخير والاستقامة أولى وأفضل، ومن كان لا يصلي لا يعطى من الزكاة؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر وإن لم يجحد وجوبها، في أصح قولي العلماء ... أما من جحد وجوبها فهو كافر بالإجماع، وإن صلى؛ لأنه بفعله ذلك مكذب لله سبحانه، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬3) وقال في الاختيارات: ((ولا ينبغي أن تعطى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله؛ فإن الله تعالى فرضها معونة على طاعته؛ لمن يحتاج إليها من المؤمنين: ¬

_ (¬1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1464. (¬2) مجموع فتاوى ابن تيمية، 25/ 87، وانظر: نفس المجموع، 24/ 278. (¬3) مجموع فتاوى ابن باز 14/ 273 - 274.

9 - جهات الخير من غير الأصناف الثمانية

كالفقراء، والغارمين، أو لمن يعاون المؤمنين)) (¬1). 9 - جهات الخير من غير الأصناف الثمانية: كبناء المساجد، وإصلاح الطرق، وتجهيز الأموات، ودور تحفيظ القرآن الكريم، والصرف على طباعة المصاحف والكتب وغير ذلك من الجهات الخيرية، لا تجوز الزكاة في ذلك كله؛ لأن الله تعالى لم يذكرها مع مصارف الزكاة الثمانية (¬2). والزكاة حق الله لا تجوز المحاباة فيها لمن لا يستحقها، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعاً، أو يدفع شرًّا، ولا أن يقي بها ماله أو يدفع بها عنه مذمة، بل يجب دفعها لهم؛ لكونهم من أهلها (¬3). والله أسأل التوفيق والقبول، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وأسوتنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. تمت بحمد الله تعالى الرسالة السابعة ويليها إن شاء الله تعالى الرسالة الثامنة ((زكاة التطوع)). ¬

_ (¬1) الأخبار العلمية، من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص154. (¬2) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 3/ 309، ومجموع فتاوى ابن باز، 14/ 294 – 299. (¬3) انظر: منار السبيل، 1/ 266 - 272، والموسوعة الفقهية، 23/ 312 - 328، والكافي لابن قدامة، 2/ 193 - 212، والموسوعة الفقهية الميسرة للعوائشة، 3/ 102 – 138، والروض المربع مع الحاشية لابن قاسم، 3/ 308، والشرح الممتع، 6/ 218 – 254، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 7/ 205 – 283، والمغني، 4/ 124 – 131.

§1/1