مصارع العشاق

السرّاج القارئ

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر. رب أعن. المأمون يسأل ما هو العشق أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو الفرج المعافى بن زكرياء الجريري قال: حدثنا محمد بن الحسن بن زياد المقري قال: حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال: حدثنا أبو العالية الشامي قال: سأل أمير المؤمنين المأمون يحيى بن أكثم عن العشق ما هو؟ فقال: هو سوانح تسنح للمرء، فيهتم بها قلبه، وتؤثرها نفسه. قال: فقال له ثمامة: اسكت يا يحيى! إنما عليك أن تجيب في مسألة طلاق أو محرم صاد ظبياً أو قتل نملةً، فأما هذه فمسائلنا نحن. فقال له المأمون: قل يا ثمامة، ما العشق؟ فقال ثمامة: العشق جليس ممتع، وأليف مؤنس، وصاحب ملك مسالكه لطيفة، ومذاهبه غامضة، وأحكامه جائزة، ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والعقول وآراءها،

العشق داء أهل الظرف

وأعطي عنان طاعتها، وقود تصرفها، توارى عن الأبصار مدخله وعمي في القلوب مسلكه. فقال له المأمون: أحسنت والله يا ثمامة! وأمر له بألف دينار. العشق داء أهل الظرف أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي العلاف بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان المروروذي قال: حدثنا جعفر بن محمد الخالدي قال: حدثنا أحمد بن محمد الطوسي قال: حدثني علي بن عبد الله القمي قال: قال لي عبد الله بن جعفر المديني قلت لأبي زهير المديني: ما العشق؟ قال: الجنون والذل، وهو داء أهل الظرف. العشق أوله لعب وآخره عطب أنبأنا أبو بكر أحمد علي بن الحافظ إن لم يكن حدثنا قال: أخبرني أبو الحسن علي بن أيوب القمي الكاتب بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران قال: أخبرني المظفر بن يحيى قال: قال بعض الفلاسفة: لم أر حقاً أشبه بباطل ولا باطلاً أشبه بحق من العشق، هزله جد وجده هزل، وأوله لعب وآخره عطب. ذنوب اضطرار أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ بالشام قال: حدثنا رضوان بن عمر الدينوري قال: سمعت معروف بن محمد بن الصوفي الصوفي بالري يقول: سمعت أبا بكر الصيني يقول: سمعت إبراهيم بن الفضل يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: لو كان إلي من الأمر شيء ما عذبت العشاق، لأن ذنوبهم ذنوب اضطرار لا ذنوب اختيار. المجنون الشاعر أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال: أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني أبو علي الحسن بن صالح قال: قال مساور الوراق: قلت لمجنون كان عندنا، وكان شاعراً، ويقال إن عقله ذهب لفقد ابنة عم كانت له، فقلت له يوماً: أجز هذا البيت: وَما الحُبُّ إلاّ شُعلةٌ قَدحَتْ بها ... عيونُ المَها باللَّحظِ بينَ الجوانِحِ. قال فقال على المكان: ونارُ الهوى تَخفَى، وفي القلبِ فِعلُها ... كفعل الذي جادَت به كفُّ قادحِ. الجنة لمن عشق وعف أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بدمشق قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أيوب بن الحسين بن أيوب القمي إملاء قال: حدثنا أبو عبيد الله المرزباني وأبو عمرو بن حيويه وأبو بكر بن شاذان قالوا: حدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي الملقب بنفطويه قال: دخلت على محمد بن داود الأصبهاني في مرضه الذي مات فيه، فقلت له: كيف تجدك؟ فقال: حبُّ من تعلم أورثني ما ترى. فقلت: ما منعك عن الاستمتاع به مع القدرة عليه؟ فقال: الاستمتاع على وجهين، أحدهما النظر المباح، والثاني اللذة المحظورة، فأما النظر المباح فأورثني ما ترى، وأما اللذة المحظورة فإنه منعني منها ما حدثني أبي قال: حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال:

العاشق الشهيد

من عشق وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة، ثم أنشدنا لنفسه: انظُرْ إلى السّحرِ يجري في لَوَاحظِه، ... وانظر إلى دَعَجٍ في طرفِهِ الساجي. وانظر إلى شَعَراتٍ فوقَ عارِضِه ... كأنّهُنّ نِمالٌ دَبّ في عاجِ. وأنشدنا لنفسه: ما لَهُم أنكرُوا سواداً بخدّي ... هـ، ولا يُنْكِرُونَ وَرْدَ الغُصُونِ. إنْ يَكُنْ عَيْبُ خدّه بُدَدَ الشَّعْ ... رِ، فَعَيْبُ العيونِ شعرُ الجُفونِ. فقلت له: نفيت القياس في الفقه، وأثبته في الشعر. فقال: غلبة الهوى، وملكة النفوس دعتا إليه. قال: ومات في ليلته أو في اليوم الثاني. العاشق الشهيد أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أيوب القمي قال: حدثنا محمد بن عمران قال: حدثني محمد بن مخزوم قال: حدثني الحسن بن علي الأشناني وأحمد بن محمد بن مسروق قالا: حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: من عشق فظفر فعف فمات مات شهيداً.

سقراط والعشق

سقراط والعشق أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال: وأخبرنا أبو عمر محمد بن العباس قال: حدثنا أبو بكر بن المرزبان قال: قال سقراط الحكيم: العشق جنون، وهو ألوان كما أن الجنون ألوان. العاشق التقي أخبرنا الشيخ الصالح أبو طالب محمد بن علي بن الفتح العشاري بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله القطيعي إجازة قال: حدثنا جعفر بن محمد بن نصير الخالدي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا سويد بن سعيد أبو محمد قال: سمعت علي بن عاصم يقول: قال لي رجل من أهل الكوفة من بعض إخواني: ألا أريك فتىً عاشقاً؟ قال: بلى، والله، فإني أسمع الناس ينكرون العشق وذهاب العقل فيه، وإني لأحب رؤيته، فعدني يوماً أجئ معك فيه. قال: فوعدته يوماً فمضينا فأنشأ صاحبي يحدثني عن نسكه وعبادته، وما كان فيه من الاجتهاد، قلت: وبمن هو متعلق؟ قال: بجاريةٍ لبعض أهله كان يختلف إليهم، فوقعت في نفسه، فسألهم أن يبيعوها منه، فأبوا، وبذل لهم جميع ماله، وهو سبعمائة دينار، فأبوا عليه ضراراً وحسداً أن يكون مثلها في ملكه، فلما أبوا عليه، بعثت إليه الجارية، وكانت تحبه حباً شديداً: مرني بأمرك، فوالله لأطيعنك ولأنتهين إلى أمرك في كل ما أمرتني به. فأرسل إليها: عليك بطاعة الله، عز وجل، فإن عليها المعول والسكون إليها، وبطاعة من يملك رقك، فإنها مضمومة إلى طاعة ربك، عز وجل، ودعي الفكر في أمري لعل الله، عز وجل، أن يجعل لنا فرجاً يوماً من الدهر، فوالله ما كنت بالذي تطيب نفسي بنيل شيء

أحبه أبداً في ملكي، فأمنعه، أمد يدي إليه حراماً بغير ثمن، ولكن أستعين بالله على أمري، فليكن هذا آخر مرسلك إلي، ولا تعودي فإني أكره والله أن يراني الله تعالى، وأنا في قبضته، ملتمساً أمراً يكرهه مني، فعليك بتقوى الله، فإنها عصمة لأهل طاعته، وفيها سلو عن معصيته. قال: ثم لزم الاجتهاد الشديد، ولبس الشعر وتوحد، فكان لا يدخل منزله إلا من ليل إلى ليل، وهو مع ذلك مشغول القلب بذكرها ما يكاد يفارقه، فوالله ما زال الأمر به حتى قطعه، فو الآن ذاهب العقل واله في منزله. قال: ثم صرنا إلى الباب واستأذنا فأذن لنا. قال علي: فدخلت إلى دار قوراء سرية، وإذا أنا بشاب في وسط الدار على حصير متزر بإزار ومرتد بآخر. قال: فسلمنا عليه، فلم يرد علينا السلام، فجلسنا إلى جنبه، وإذا هو من أجمل من رأيت وجهاً، وهو مطرق ينكت في الأرض، ثم ينظر إلى ساعده، ثم يتنفس الصعداء، حتى أقول قد خرجت نفسه، وهو مع ذلك كالخلال من شدة الضر الذي به. قال: فالتفت، فإذا أن بوردة حمراء مشدودة في عضده، قال: فقلت لصاحبي: ما هذه؟ فوالله ما رأيت العام ورداً قبل هذه! فقال: أظن فلانة، وسماها، بعثت بها إليه، فلما سماها رفع رأسه فنظر إلينا ثم قال: جَعَلتُ من ورْدتِها ... تميمَةً في عَضُدي. أشُمّهَا مِن حبّهَا ... إذا عَلاني كمَدي.

فمَن رَأى مثلي فتىً ... بالحزنِ أضحى مرتدي. أسقمَه الحبُّ، فَقَد ... صَارَ حليفَ الأوَدِ. وَصَارَ سَهْواً دهرُه ... مُقارِناً للْكَمَدِ. قال: ثم أطرق، فقلت: الساعة، والله، يموت. اقل علي بن عاصم: وورد علي من أمره ما لم أتمالك، وقمت أجر ردائي، فوالله ما بلغت الباب حتى سمعت الصراخ فقلت: ما هذا؟ فقالوا: مات والله! قال علي: فقلت: والله لا أبرح حتى أشهده. قال: وتسامع الناس فجاؤوا بطبيب فقال خذوا في أمر صاحبكم، فقد مضى لسبيله، فغسلوه وكفنوه ودفنوه وانصرف الناس. فقال لي صاحبي: امض بنا! فقلت: امض أنت فإني أريد الجلوس ههنا ساعة، فمضى، فما زلت أبكي وأعتبر به. وأذكر أهل محبة الله، عز وجل، وما هم فيه. قال: فبينا أنا على ذلك، إذا أنا بجارية قد أقبلت كأنها مهاة، وهي تكثر الالتفات، فقالت لي: يا هذا! أين دفن هذا الفتى؟ قال علي: فرأيت وجهاً ما رأيت قبله مثله، فأومأت إلى قبره؟ قال: فذهبت إليه، فوالله ما تركت على القبر كثير تراب إلا ألقته على رأسها، وجعلت تتمرغ فيه، حتى ظننت أنها ستموت، فما كان بأسرع من أن طلع قوم يسعون حتى جاؤوا إليها، فأخذوها، وجعلوا يضربونها، فقمت إليهم فقلت: رفقاً بها، برحمكم الله! فقالت: دعهم أيها الرجل يبلغوا همتهم، فوالله لا انتفعوا بي بعده أيام حياتي، فليصنعوا بي ما شاؤوا. قال علي: فإذا هي التي كان يحبها الفتى، فانصرفت وتركتها.

رواية ثانية عن العاشق التقي.

رواية ثانية عن العاشق التقي. أنبأنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قراءة عليه قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان إجازة قال: أخبرني عبد الله بن نصر المروزي قال: أخبرني عبد الله بن سويد عن أبيه قال: سمعت علي بن عاصم يقول: قال لي رجل من أهل الكوفة من بعض إخواني: هل لك في عاشقٍ تراه؟ فمضيت معه، فرأيت فتىً كأنما نزعت الروح من جسده، وهو مؤتزر بإزار ومرتد بآخر، وإذا هو مفكر، وفي ساعده وردة، فذكرنا له بيتاً من الشعر، فتهيج، وقال: وذكر الأبيات المتقدمة الخمسة، ثم أطرق، فقلنا: ما شأنه؟ فقالوا: عاشق جاريةً لبعض أهله فأعطى بها كل ما يملك، وهو سبعمائة دينار، فأبوا أن يبيعوها. فنزل به ما ترى، وفقد عقله. قال: فخرجنا فلبثنا ما شاء الله، ثم مات فحضرت جنازته، فلما سوي عليه، إذا أنا بجارية تسأل عن القبر، فدللتها، فما زالت تبكي وتأخذ التراب فتجعله في شعرها، فبينا هي كذلك إذا قوم يسعون فأقبلوا عليها ضرباً، فقالت: شأنكم، والله لا تنتفقون بي بعده أبداً. عاتبوه في سفك دمي! ولي من أبيات: عاتِبوه اليَوْمَ في سَفكِ دمي ... فَعَسى عتبُكم يُحشِمُه. ثمّ قُولوا للّذي لم يُخطِني ... إذ رَمى، صَائِبَةً أسهُمُه: أحَلالٌ لكَ في شَرعِ الهَوَى ... دمُ مَن ليسَ حلالاً دمَهُ؟ بيَ جرحٌ في فؤادي من هوى ... شادنٍ أعوزني مَرْهَمُه.

مجنون دير هرقل

مجنون دير هرقل أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني بقراءتي عليه بمكة في المسجد الحرام، بباب الندوة، في سنة ست وأربعين وأربعمائة قال: أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب قال: حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد بن الصديق بنسف قال: حدثنا أبو يعلى محمد بن مالك الرقي قال: حدثنا عبد الله بن عبد العزيز السامري قال: مررت بدير هرقل أنا وصديق لي، فقال لي: هل لك أن تدخل فترى من فيه من ملاح المجانين؟ قلت: ذاك إليك. فدخلنا فإذا بشاب حسن الوجه، مرجل الشعر، مكحول العين، أزج الحواجب، كأن شعر أجفانه قوادم النسور، وعليه طلاوة تعلوها حلاوة، مشدود بسلسلة إلى جدار، فلما بصر بنا قال: مرحباً بالوفد، قرب الله ما نأى منكما، بأبي أنتما. قلنا: وأنت، فأمتع الله الخاصة والعامة بقربك، وآنس جماعة ذوي المروءة بشخصك، وجعلنا وسائر من يحبك فداءك. فقال: أحسن الله عن جميل القول جزاءكما، وتولى عني مكافأتكما. قلنا: وما تصنع في هذا المكان الذي أنت لغيره أهل؟ فقال: اللهُ يعلمُ أنّني كَمِدُ، ... لا أستطيعُ أبثُّ ما أجِد. نَفسانِ لي: نفسٌ تضَمّنَها ... بَلَدٌ، وأُخرَى حازَها بَلَدُ. أمّا المُقيمةُ ليس ينفعُها ... صَبرٌ، وليس بقربها جلَدُ. وأظنّ غائبَتي كشاهِدَتي، ... بِمكانِها تجِدُ الذي أجِدُ.

ثم التفت إلينا فقال: أحسنت؟ قلنا: نعم!، ثم ولينا فقال: بأبي أنتم ما أسرع مللكم، بالله أعيروني أفهامكم وأذهانكم. قلنا: هات! فقال: لمّا أناخوا، قُبَيْل الصُّبْحِ، عيسَهُمُ، ... وَرَحّلوها، فسارت بالهوى الإبلُ. وَقَلّبتْ، من خِلالِ السِّجفِ، ناظرَها، ... ترْنو إليّ وَدَمعُ العينِ مُنْهمِلُ. فَوَدّعَتْ بِبَنان عَقدُها عَنَمٌ، ... نادَيتُ لا حَمَلَتْ رِجلاكَ يا جَمَلُ. ويلي مِن البَينِ! ماذا حلّ بي وبِها؟ ... يا نازِحَ الدّارِ حلّ البينُ وارْتحلوا. يا رَاحِلَ العِيسِ عَرّجْ كيْ أُوَدّعَها، ... يا رَاحلَ العِيس في تَرْحالكَ الأجَلُ. إنّي على العَهدِ لم أنقض موَدَتكم، ... فليتَ شعري، وطالَ العهدُ، ما فعلوا؟ فقلنا، ولم نعلم بحقيقة ما وصف، مجوناً منا: ماتوا! فقال: أقسمت عليكم! ماتوا؟ فقلنا، لننظر ما يصنع: نعم! ماتوا. قال: إني والله ميت في أثرهم، ثم جذب نفسه في السلسلة جذبةً دلع منها لسانه، وندرت لها عيناه، وانبعثت شفتاه بالدماء، فتلبط ساعة، ثم مات. فلا أنسى ندامتنا على ما صنعنا.

هند المحرمة

هند المحرمة أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي بقراءتي عليه سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى بن علي النحوي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن أيوب السختياني عن ابن سيرين قال: قال عبد الله بن عجلان النهدي في الجاهلية: ألا إنّ هِنداً أصبحَت منك مَحْرَماً ... وأصْبحتَ من أدنى حُموّتها حَمى. وأصبحتَ كالمقمورِ جفن سلاحهِ ... يُقلّبُ بالكَفّينِ قوْساً وأسْهُمَا. ومد بها صوته حتى مات. المجنون الشاعر أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن عيسى بقراءتي أو قراءة عليه بمصر قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن القاسم بن مرزوق قال: أخبرنا إبراهيم بن علي بن إبراهيم البغدادي قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل قال: حدثني المبرد قال: خرجت أنا وجماعة من أصحابي مع المأمون، فلما قربنا من نحو الرقة فإذا نحن بدير كبير فأقبل إلي بعض أصحابي فقال: مل بنا إلى هذا الدير لننظر من فيه، ونحمد الله، سبحانه، على ما رزقنا من السلامة. فلما دخلنا إلى الدير رأينا مجانين مغلولين، وهم في نهاية القذارة، فإذا منهم شابٌ عليه بقية ثياب ناعمة، فلما بصر بنا قال: من أين أنتم يا فتيان، حياكم الله؟

فقلنا: نحن من العراق. فقال: يا بأبي العراق وأهلها! بالله أنشدوني أو أنشدكم؟ فقال المبرد: والله إن الشعر من هذا لطريف. فقلنا: أنشدنا! فأنشأ يقول: الله يعلمُ أنّني كَمِدُ ... لا أستطيعُ أبثُّ ما أجِدُ. روحانِ لي: رُوحٌ تضَمّنَها ... بلَدٌ، وأُخرَى حازَها بلَدُ. وَأرَى المُقيمَةَ ليس ينفعُها ... صبرٌ، ولا يقوَى بها جَلَدُ. وأظُنّ غائبَتي، كَشاهِدَتي، ... بِمكانها تجِدُ الذي أجِدُ. قال المبرد: إن هذا لطريف، والله زدنا! فأنشأ يقول: لمّا أناخُوا قُبَيْلَ الصُّبْحِ عِيسَهُمُ ... وَرَحّلوها، فسارت بالهوَى الإبلُ. وَأبرَزَتْ من خِلالِ السِّجْفِ ناظِرَها ... ترنو إليّ وَدمعُ العينِ مُنْهَمِلُ. وَوَدّعَتْ بِبَنانٍ عَقدُها عَنَمٌ، ... ناديتُ لا حَمَلَت رجلاك يا جَمَلُ! ويلي من البَينِ! ماذا حلّ بي وبِها، ... من نازِلِ البينِ حانَ الحَينُ وارْتَحَلوا. يا رَاحلَ العِيس عَجّل كيْ نُوَدّعَها! ... يا رَاحلَ العِيس في ترْحالكَ الأجلُ! إنّي على العَهدِ لم أنقض مَودّتَهم، ... فليتَ شعري لطولِ العهد ما فعلوا؟ فقال رجل من البغضاء الذين معي: ماتوا! قال: إذاً فأموت. فقال له: إن شئت. قال: فتمطى واستند إلى السارية التي كان مشدوداً فيها فما برحنا حتى دفناه.

فراقية ابن زريق

فراقية ابن زريق أخبرنا أبو الحسين محمد بن علي بن محمد بن الجاز القرشي الأديب بالكوفة، وأنا متوجه إلى مكة سنة إحدى وأربعين وأربعمائة بقراءتي عليه، قال: حدثنا أبو الحسن علي بن حاتم بن بكير البزاز التكريتي بتكريت قال: حدثني بعض أصدقائي أن رجلاً من أهل بغداد قصد أبا عبد الرحمن الأندلسي وتقرب إليه بنسبه، فأراد أبو عبد الرحمن أن يبلوه ويختبره، فأعطاه شيئاً نزراً، فقال البغدادي: إنا لله وإنا إليه راجعون! سلكت البراري والبحار والمهامه والقفار إلى هذا الرجل فأعطاني هذا العطاء النزر؟ فانكسرت إليه نفسه واعتل فمات. وشغل عنه الأندلسي أياماً، ثم سأل عنه فخرجوا يطلبونه، فانتهوا إلى الخان الذي كان فيه وسألوا الخانية عنه، فقالت: إنه كان في هذا البيت، ومذ أمس لم أره، فصعدوا فدفعوا الباب، فإذا بالرجل ميتاً، وعند رأسه رقعة فيها مكتوب: لا تَعْذُليهِ، فإنّ العَذلَ يولِعُهُ ... قد قلتِ حقّاً، ولكن ليس يسمعُهُ. جاوَزْتِ في نُصْحِهِ حدّاً أضرّ بِهِ ... من حيثُ قَدّرْتِ أن النصْحَ ينفعه. قد كان مضطلِعاً بالحَطْبِ يحمِلُه، ... فضُلّعَتْ بخطوب البَينِ أضلُعه.

ما آبَ مِن سفرٍ إلا وأزْعَجَهُ ... عزْمٌ إلى سَفَرٍ بالرُّغْمِ يُزْمِعُه. كَأنّما هُوَ في حلّ وَمُرْتَحَلٍ ... مُوَكَّلٌ بِقَضَاءِ اللهِ يَذرعه. أستَوْدعُ الله، في بغداد، لي قمراً ... بالكَرْخِ من فَلَكِ الأزْرَارِ مَطلعُه. وكم تَشَفّعَ بي أن لا أُفَارِقَهُ، ... وللضّرُوراتِ حالٌ لا تُشَفِّعُه. وكم تَشبّثَ بي يوْمَ الرّحيل ضُحى، ... وأدمُعي مُسْتَهِلاّتٌ وأدمُعُه. أُعْطيتُ ملكاً فلمْ أُحسِن سياستَه، ... وكلُّ مَن لا يسُوسُ المُلكَ يخلعُه. ومَن غدا لابساً ثوْبَ النّعيمِ بِلا ... شكرٍ عليه، فعنهُ اللهُ ينْزِعُه. قال لنا أبو الحسين محمد بن علي بن الجاز وزادني أبو علي الحسن بن علي المتصوف: والحِرْصُ في المرْء، والأرْزَاق قد قسمتْ، ... بَغيٌ، ألا إنّ بغيَ المرء يصرَعُه. لو أنني لم تقع عيني على بلد ... في سفرتي هذه إلا وأقطعه. اعتضتُ من وجه خِلّي، بعد فِرْقَتِهِ، ... كأساً تَجَرّعَ مِنها ما أُجَرَّعُه. فلما وقف أبو عبد الرحمن على هذه الأبيات بكى حتى اخضلت لحيته، وقال: وددت أن هذا الرجل حي وأشاطره نصف ملكي. وكان في رقعة الرجل: منزلي ببغداد في الموضع المعروف بكذا، والقوم يعرفون بكذا، فحمل إليهم خمسة آلاف دينار وسفتجة، وحصلت في يد القوم وعرفهم موت الرجل.

مجنون على الدرب

مجنون على الدرب أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني في المسجد الحرام بباب الندوة بقراءتي عليه قال: حدثنا الحسن بن محمد بن حبيب المذكر قال: سمعت أبا الفرج أحمد بن محمد بن بيان النهاوندي يقول: مررت بدرب أبي خلف، فإذا جماعة وقوف على مجنون فوقفت، فهش إلي وقال: سَقِّني قبلَ تَباريحِ العَطَش! ... إنّ يومي يومُ طشٍّ بعدَ رَشّ. حُبُّ مَن أهوَاهُ قد أدْهَشَني، ... لا خلَوْتُ الدهرَ من ذاكَ الدّهَش. لحم على وضم ولي في نسيب قصيدة مدحت بها أحد بني عقيل، رحمه الله، بالشام: قالَتْ، وَقَدْ قُوّضَتْ خِيامُهُمُ ... واستملوا للنّوَى بِذي سَلَمِ. للسائقِ المُستحِثّ: رُدّ على ... الواقفِ السَلامَ وَاسْتَقِمِ. فَصِحتُ وَجداً، والبينُ مُبتسِمٌ، ... ألقاهُ من مَفرِقي بِمُبتسَمي. اللهَ يا سَلْمَ في صرِيعِ هَوىً ... أبقيتِ منه لحماً على وَضَمِ.

عقربا الصدغين

عقربا الصدغين ولي أيضاً من نسيب قصيدة مدحت بها بعض الرؤساء ببغداد: يا خَليلَيّ اكشِفا عَنْ قِصّتي ... تجِدا نِضْواً من الحبّ لَقَا. فَأدالَ اللهُ، يا يومَ النَّوَى، ... مِنكَ، إذ أقْلَقْتَني يوْمَ اللِّقَا. إنّ في نهرِ المُعَلّى فَرْهَداً ... قَمَراً من فوْقِ غصنٍ في نَقَا. عَقرَبا صُدْغَيْهِ تسري، فَإذا ... لَدَغَتْ قَلباً تحامَته الرُّقى. قبر النديم أخبرنا أبو القاسم المحسن بن حمزة بن عبيد الله الوراق بقراءتي عليه بتنيس قال: حدثنا أبو علي الحسين بن علي الديبلي قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن علي قال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا عبيد النعالي غلام أبي الهذيل قال: انصرفت من جنازة من مسجد الرضى في وقت الهاجرة، فلما دخلت سكك البصرة اشتد عليّ الحرّ فتوخيت سكةً ظليلة فاضطجعت على باب دار، فسمعت ترنماً يجذب القلب، فطرقت الباب واستسقيت ماء فإذا فتىً اجتهرني جماله، إلا أن أثر العلة والسقم عليه بين، فأدخلني إلى خيشٍ نظيف، وفرش سري، فلما اطمأننت خرج الفتى ومعه وصيفة معها طست وماء ومنديل، فغسلت رجلي

وأخذت ردائي ونعلي، وانصرفت، فلبثت يسيراً فإذا جارية أخرى وقد جاءت بطست وماء، فقلت: قد غسلت يدي. فقالت: إنما غسلت رجليك، فاغسل الآن يديك للغداء. وإذا الفتى قد أقبل ضاحكاً ليؤنسني، وأنا أعرف العبرة في عينيه وأتي بالطعام فأقبل يأكل نغض بما يأكله، وهو في ذلك يبسطني. فلما انقضى أكلنا أتينا بشراب فشرب قدحاً وشربت آخر، ثم زفر زفرةً ظننت أن أعضاءه قد نقضت وقال لي: يا أخي! إن لي نديماً، فقم بنا إليه! فقمت وتقدمني، ودخل مجلساً، فإذا قبر عليه ثوب أخضر، وفي البيت رمل مصبوب، فقعد على الرمل، وطرح لي مصلى، فقلت: والله لا قعدت إلا كما تقعد، وأقبل يردد العبرات ثم شرب كأساً وشربت وأنشأ يقول: أطَأُ الترابَ، وأنتَ رهنُ حَفيرَة، ... هالتْ يدايَ على صَداك ترابَها. إنّي لأعذر من مشى إن لم أطَأ ... بجفونِ عيني ما حَيِيتَ جِنَابها. لو أنّ جَمرَ جَوَانِحي مُتَلَبِّسٌ ... بالنّارِ أطْفأ حرَّهَا وأذابَهَا. ثم أكب على القبر مغشياً عليه، فجاءه غلام بماء فصبه على وجهه، فأفاق فشرب ثم أنشأ يقول: اليوْمَ ثابَ ليَ السرُورُ لأنّني ... أيقَنتُ أنّي عاجلاً بكَ لاحِقُ. فَغَداً أُقاسِمُكَ البِلى، وَيسوقُني ... طوْعاً إلَيكَ، من المَنِيّةِ، سائِقُ ثم قال لي: قد وجبت حقي عليك فاحضر غداً جنازتي! قلت: يطيل

مريض مطوح.

الله عمرك. قال إني ميت لا محالة. فدعوت له بالبقاء فقال: لقد عققتني، ألا قلت: جاور خليلَك مُسعِداً في رَمْسِه، ... كَيما يَنالُكَ في البِلى ما نالَه. فانصرفت وطالت علي ليلتي، وغدوت فإذا هو قد مات. مريض مطوح. أخبرنا أبو علي محمد بن أبي نصر الأندلسي بمصر من لفظه قال: أخبرنا أبو محمد علي بن محمد الحافظ بالأندلس قال: أخبرنا أبو مروان عبد الملك بن أبي نصر السعدي قال: قال أبو النصر مسلمة بن سهل: حدثني أبو كامل مؤمل بن صالح البغدادي قال: قال أبو شراعة: بينا أنا أمشي بالبادية ناحية السماوة مصعداً إذا بفتىً من الأعراب ملوح الجسم معروقه، عليه قطيريتان، وهو محتضن صبياً يقول له: إذا حاذيت أبيات آل فلان، فارفع صوتك منشداً بهذه الأبيات، ولك إحدى بردتي هاتين. فجعل يكررها عليه ليحفظها فحفظها: مريضٌ بأفناءِ البيوتِ مُطَوَّحُ، ... أبى ما بهِ من لاعِجِ الشوْق يبرَحُ. يقولونَ: لو جئتَ النَّطاسيّ عل ما ... تَشكّاهُ من آلام وَجدكَ يُمصَحُ. وَلَيسَ دوَاءَ الدّاءِ إلاّ بخيلَةٌ ... أضرّ بِنا فيها غرامٌ مُبَرِّحُ. إذا ما سألْناها وِصَالاً تُنِيلُهُ ... فصُمُّ الصَّفا منها بذلك أسْمَحُ. فتبعت الصبي، وهو لا يشعر بي، فلما حاذباها رفع عقيرته بالأبيات

حي على البهم

ينشدها، فسمعت من بعض الأبيات قائلاَ يقول: رَعى اللهُ مَن هامَ الفُؤادُ بحبّهِ، ... وَمَن كِدْتُ من شوْقٍ إليه أطيرُ. لَئِن كَثُرَتْ بالقلبِ أبراحُ لَوْعَةٍ، ... فإنّ الوُشاةَ الحاضرينَ كَثيرُ. يمشُّونَ، يستشرونَ غَيظاَ وَشِرّةً، ... وما منهمُ إلاّ أبلُّ غيورُ. فإنْ لم أزُرْ بالجسمِ رهبَةَ مُرْصَدٍ، ... فَبالقَلبِ آتي نحوكمْ فَأزُورُ. أفاق بعد لأي، وهو يقول: أظُنّ هوَى الخودِ الغرِيرَةِ قاتلي، ... فيا ليتَ شِعري ما بنو العمّ صُنّعُ. أرَاهمْ، وللرّحمنِ دَرُّ صَنِيعِهِم، ... تراكى دمي هدراً، وخابَ المُضَيَّعُ. حي على البهم أخبرنا أبو بكر الأردستاني بقراءتي عليه بمكة في المسجد الحرام قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا أحمد بن سعيد قال: حدثنا محمد بن سعيد قال: حدثنا عباس الترقفي قال: حدثنا عبد الله بن عمرو قال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا أبو غياث البصري عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال: بينا ابن أبي ملكية يؤذن إذ سمع الأخضر الجدي يتعنى في دار العاص بن

موت عروة بن حزام

وائل ويقول: صغيرَينِ نرْعى البَهمَ، يا ليتَ أنّنَا ... إلى الآنِ لم نَكبَرْ، ولم تَكبَرِ البَهمُ. قال: فأسرع في الأذان، فأراد أن يقول: حي على الصلاة، فقال: حي على البهم، حتى سمعه أهل مكة، فجاء يعتذر إليهم. موت عروة بن حزام أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بالشام قال: أخبرنا أبو الحسين بن روح قال: حدثنا المعافى بن زكرياء قال: حدثني علي بن سليمان الأخفش قال: أخبرنا محمد بن يزيد قال: حدثني مسعود بن بشر المازني قال: حدثنا العتبي عن أبيه عن رجل عن هشام بن عروة عن النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري قال: وليت صدقات بني عذرة، قال: فدفعت إلى فتى تحت ثوب، فكشفت عنه، فإذا رجل لم يبق منه إلا رأسه، فقلت: ما بك؟ فقال: كأنّ قَطَاةً عُلّقَتْ بجَنَاحِهَا، ... على كَبِدي من شِدّةِ الخَفَقَان. جعلتُ لعرّافِ اليمامَةِ حُكمَهُ، ... وعرّافِ نجدٍ إنْ هُمَا شَفَياني. ثم تنفس حتى ملأ منه الثوب الذي كان فيه، ثم بخمد، فإذا هو قد مات، فأصلح من شأنه، وصليت عليه، فقيل لي: أتدري من هذا؟ هذا عروة بن حزام.

ذو الرمة ورسيس الهوى

ذو الرمة ورسيس الهوى أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الصوري الحافظ فيما أذن لنا في روايته قال: أخبرنا أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ قال: حدثني جعفر بن هارون بن رياب قال: حدثني عبد الله بن أبي سعد قال: حدثنا يزيد بن محمد بن المهلب بن المغيرة المهلبي قال: حدثني عبد الصمد بن المعذل عن أبيه عن جده غيلان بن الحكم قال: وفد علينا ذو الرمة، ونحن بكناسة الكوفة، فأنشدنا قصيدته الحائية فلما انتهى إلى قوله: إذا غَيّرَ النّأيُ المحبّينَ لم يَكَدْ ... رَسيسُ الهوَى من حُبّ مَيّةَ يبرَحُ. قال له ابن شبرمة: أراه قد برح. ففكر ثم قال: لم أجد. رسيس الهوى من حب مية يبرح. فرجعت بحديثهم إلى أبي الحكم البحتري، من المختار، فقال: أخطأ ابن شبرمة حين رد عليه، وأخطأ ذو الرمة حيث قبل منه، إنما هذا كقول الله عز وجل: إذا أخرج يده لم يكد يراها أي لم يرها ولم يكد. موت الصوفي عاشق الغلام أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بمصر بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو صالح السمرقندي الصوفي قال: حدثنا الحسين بن القاسم بن أليسع قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي الخياط قال: قال أبو حمزة: رأيت مع محمد بن قطن الصوفي غلاماً جميلاً، فكانا لا يفترقان في سفر ولا حضر، فمكثا بذلك زمناً طويلاً، فمات الغلام، وكمد عليه محمد بن قطن، حتى عاد جلداً وعظماً، فرأيته يوماً، وقد

عاشق يخاف معصية الله

خرج إلى المقابر، فاتبعته، فوقف على قبره قائماً يبكي، وينظر إليه والسماء تمطر بالمطر، فما زال واقفاً من وقت الضحى إلى أن غربت الشمس لم يبرح ولم يجلس، ويده على خده، فانصرفت عنه، وهو كذلك واقفاً، فلما كان من الغد خرجت لأعرف خبره، وما كان من أمره، فصرت إلى القبر، فإذا هو مكبوب لوجهه ميت، فدعوت من كان بالحضرة فأعانوني على حمله، فغسلته وكفنته في ثيابه ودفنته إلى جانب القبر. عاشق يخاف معصية الله وأخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بمصر أيضاً بإسناده قال: قال أبو حمزة: ونظر محمد بن عبيد الله بن الأشعث الدمشقي، وكان من خيار عباد الله، إلى غلام جميل فغشي عليه، فحمل إلى منزله، واعتاده السقم حتى أقعد من رجليه، فكان لا يقوم عليهما زمناً طويلاً، فكنا نأتيه ونعوده، ونسأله عن حاله وأمره، وكان لا يخبرنا بقصته ولا بسبب مرضه، وكان الناس يتحدثون بحديث نظره، فبلغ ذلك الغلام، فأتاه عائداً، فهش إليه وتحرك وضحك في وجهه، واستبشر برؤيته، فما زال يعوده حتى قام على رجليه، وعاد إلى حالته. فسأله الغلام يوماً المصير إليه معه إلى منزله، فأبى أن يفعل، فكلمني أن أسأله أن يتحول إليه، فسألته، فأبى، فقلت: وما الذي تكره من ذلك؟ فقال: لست بمعصوم من البلاء، ولا آمن من الفتنة، وأخاف أن تقع علي من الشيطان محنة أو عند ظفر بفرصة فتجري بيني وبينه معصية فيحتجب الله عني يوم تظهر فيه الأسرار ويكشف فيه عن ساقٍ فأكون من الخاسرين.

ليلى العامرية ومجنونها

ليلى العامرية ومجنونها أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس ابن حيويه الخزاز قراءة عليه قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني قاسم بن الحسن عن العمري قال: قال الهيثم بن عدي: حدثنا عثمان بن عمارة عن أشياخهم من بني مرة قال: رحل رجل منا إلى ناحية الشام مما يلي تيماء والشراة في طلب بغية له، فإذا هو بخيمة قد رفعت له، وقد أصابه مطر، فعدل إليها، فتنحنح، فإذا امرأة قد كلمته، فقالت له: انزل، فنزل وراحت إبلهم وغنمهم فإذا أمر عظيم وإذا رعاء كثير، فقالت لبعض العبيد سلوا هذا الرجل من أين أقبل؟ فقلت: من ناحية اليمامة ونجد. فقالت: أي بلاد نجد وطئت؟ قلت: كلها. قالت: بمن نزلت هنا؟ قلت: ببني عامرٍ، فتنفست الصعداء، وقالت: بأي بني عامر؟ فقلت: ببني الحريش. فاستعبرت، ثم قالت: هل سمعت بذكر فتى يقال له قيس ويلقب بالمجنون؟ فقلت، إي والله، ونزلت بأبيه، وأتيته حتى نظرت إليه، يهيم في تلك الفيافي، ويكون مع الوحش لا يعقل ولا يفهم إلا أن تذكر له ليلى فيبكي، وينشد أشعاراً يقولها فيها. قال: فرفعت الستر بيني وبينها، فإذا شقة قمرٍ لم تر عيني مثلها، فبكت وانتحبت حتى ظننت، والله، أن قبلها قد انصدع، فقلت لها: أيتها المرأة! اتقي الله، فوالله ما قلت بأساً، فمكثت طويلاً على تلك الحال من البكى والنحيب ثم قالت: ألا لَيْتَ شِعرِي، وَالخُطوبُ كثيرَةٌ، ... متى رَحلُ قيسٍ مُستَقِلٌّ فرَاجِعُ. بنفسي مَن لا يَستَقِلّ برَحلِه ... ومَن هو، إن لم يحفظ اللهُ، ضائعُ.

ردوا على المشتاق قلبه الجريح.

ثم بكت حتى غشي عليها، فلما أفاقت قلت: من أنت، بالله؟ قالت: أنا ليلى المشؤومة عليه، غير المساعدة له. فما رأيت مثل حزنها ووجدها، فمضيت وتركتها. ردوا على المشتاق قلبه الجريح. ولي من نسيب قصيدة مدحت بها أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله: سَبَحَتْ حينَ أبصرَتَ ْمن دموعي ... لُجَّ بَحْرٍ قد أعْجَزَ السُّبّاحَا. ثُمّ قالَتْ لِتِرْبِهَا، في خَفَاءٍ ... ليتَ هذا الفَتى قضى فَاسترَاحَا. أيّها الرّاحِلونَ! رُدّوا على الْ ... مُشتاقِ قَلْباً أثْخَنْتُموهُ جِرَاحا. كَتمَ الوَجدَ جُهدَهُ، فَإذا الدّمْ ... عُ بِأسرَارِ وَجْدِهِ قدْ باحَا. باعَكم قَلبَهُ الكئيبَ سفاهاً، ... فَأخَذْتُمْ رُقَادَهُ استرباحَا. الرشيد وجارية زلزل أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه قال حدثنا أبو عمر بن حيويه الخزاز قال حدثنا محمد المفضل قال حدثني إسحاق بن إبراهيم المصلي عن أبيه قال لي زلزل وكان اسمه منصور عندي جارية من صالحها ومن صفتها قد علمتني الغناء فكنت اشتهي أن أرها فاستحي أساله فلما توفي

زلزل بلغني أن ورثته يعرضون الجارية، فصرت إليهم فأخرجوها، فإذا جارية كاد الغزال أن يكونها لولا ما تم منها ونقص منه، قال: قلت لها: غني صوتاً! فجيء بالعود فوضع في حجرها، فاندفعت تغني وتقول، وعيناها تذرفان: أقفَرَ من أوْتارِه العُودُ ... فالعُودُ للإقفارِ معمودُ. وَأوْحشَ المِزْمارُ من صَوْته ... فمَا لَه بعدَكَ تَغريدُ. مَن للمزاميرِ وَسُمّاعِهَا ... وعامِرُ اللّذاتِ مَفقُودُ. والخَمرُ تبكي في أبارِيقِهَا ... والقَينةُ الخَمصانَةُ الرُّودُ. ثم شهقت شهقة ظننت أن نفسها قد خرجت، فركبت من ساعتي، فدخلت على أمير المؤمنين فأخبرته بخبر الجارية، وما سمعت منها، فأمر بإحضارها، فلما دخلت عليه قال لها: عني الصوت الذي غنيت به إبراهيم! فغنت وجعلت تريد البكى فيمنعها إجلال أمير المؤمنين، فرحمها وأعجب بها، فقال: أتحبين أن أشتريك؟ فقالت: يا سيدي أما إذ خيرتني فقد وجب نصحك علي، والله لا يشتريني أحد بعد زلزلٍ فينتفع بي. فقال: يا إبراهيم! أتعلم بالعراق جاريةً جمعت ما جمعت هذه؟ إن وجدت فاشترها بشطر ما لي! فقلت: لا والله يا أمير المؤمنين ولا على وجه الأرض فأمر بشرائها وأعتقها وأجرى عليها رزقاً.

اطلبوا نفسي

اطلبوا نفسي أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق بقراءتي عليه قال: أخبرنا الأمير أبو الحسن أحمد بن محمد بن المكتفي بالله قال: أنشدنا جحظة لنفسه: ويح نفسي عهدي بها في التراقي، ... قبلَ يوْمِ الفِراقِ، عند الفِرَاقِ. اطلبوها في حيثُ كنّا اعتَنَقْنَا، ... هلَكت في اشتغالِنا بالعِنَاقِ. وجهك أظرف أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن حسنون النرسي بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو حاتم محمد بن عبد الواحد بن محمد اللبان الرازي قال: حدثنا أبو محمد بيان بن يزداد القمي إجازة قال: أنشدني أحمد بن محمد القمي المؤدب: يَرَاكَ الفُؤادُ بعينِ الهَوَى، ... وَعينُ المَحَبّةِ لا تُخلِفُ. إذا غِبْتَ عن ناظرِ المُقلَتَيْ ... نِ فقلبي يراك وما يَطرِفُ. تمكّنَ في القلبِ من حبّكم ... عيونٌ من الحبّ ما تَنْزَفُ. فمَن يكُ من حبّه سالياً، ... فإنّيَ من حبّكم مُدْنَفُ. كلامٌ رَخيمٌ وَدلٌّ مليحٌ، ... وَوَجهُك من كلِّ ذا أظرْفُ.

العيون الدعج

العيون الدعج أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي الشروطي قال: أخبرنا علي بن أيوب القمي قال: حدثنا محمد بن عمران قال: حدثنا ابن دريد قال: حدثنا أبو عثمان سعيد بن هارون الاشنانداني قال: أخبرني التوزي قال: سمعت أبا عبيدة يقول: قال رجل من بني فزارة لرجل من عذرة: تعدون موتكم من الحب مزية، أي فضيلةً، وإنما ذلك من ضعف البنية، ووهن العقيدة، وضيق الروية. فقال العذري: أما لو أنكم رأيتم المحاجر البلج ترشق بالأعين الدعج من فوقها الحواجب الزج، والشفاه السمر تفتر عن الثنايا الغر، كأنها سرد الدر، لجعلتموها اللات والعزى، ودفعتم الإسلام وراء ظهوركم. صريع الغواني أنبأنا أحمد بن علي قال: حدثنا علي بن أيوب قال: حدثنا محمد بن عمران قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة عن أبي العباس محمد بن يزيد المبرد: أن مسلم بن الوليد الأنصاري لما وصل الرشيد في أول يوم لقيه أنشده قصيدته التي يصف فيها الخمر، وأولها: أديرَا عليّ الكَأسَ لا تَشرَبَا قَبْلي، ... ولا تَطلُبا من عند قاتلي ذَحلي.

غليل ودموع

فاستحسن ما حكاه من وصف الشراب واللهو والغزل وسماه يومئذ صريع الغواني بآخر بيت منها وهو: هلِ العيشُ إلاّ أن ترُوحَ معَ الصِّبا، ... وتغدو صريعَ الكأس والأعينِ النُّجل. غليل ودموع أخبرنا أبو بكر الأردستاني بقراءتي عليه في المسجد الحرام بباب الندوة قال: أخبرنا ابن حبيب المذكر قال: دخلت دار المرضى بنيسابور فرأيت شاباً من أبناء النعم، يقال له أبو صادق السكري، مشدوداً، وهو يجلب ويصيح، فلما بصر بي قال: أتروي من الشعر شيئاً؟ قلت: نعم! قال: من شعر من؟ قلت: من شعر من شئت. قال: من شعر البحتري؟ قلت: أي قصيدة تريد؟ فقال: ألَمْعُ بَرقٍ سرى أم ضوْءُ مِصْبَاحِ ... أمِ ابتسامتُها بالمَنظَرِ الضّاحي؟ فأنشدته القصيدة، فقال: فأنشدك قصيدة؟ قلت: نعم! فأخذ في إنشاد قصيدته: أقصِرَا! إنّ شأنِيَ الإقصَارُ، ... وَأقِلاَ لا ينفَعُ الإكثارُ. حتى بلغ قوله: إن جرَى بينَنا وبينَكِ عتَبٌ، ... أوْ تناءتْ منّا ومنكِ الديارُ. فالغَليلُ الذي عهِدتِ مُقيمٌ، ... والدموعُ التي شهِدتِ غِزارُ. فقفز وجعل يرقص في قيده ويصيح إلى أن سقط مغشياً عليه.

عبد الله بن جعفر وجاريته.

عبد الله بن جعفر وجاريته. وجدت بخط أحمد بن محمد بن علي الأنبوسي، ونقلته من أصله، قال: حدثنا أبو محمد علي بن عبد الله بن المغيرة قال: حدثني جدي قال: حدثني عمي قال: حدثني علي بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثني بكر بن إسحاق النجلي قال: حدثنا أبو سهل محمد بن عمر الأنصاري عن محمد بن سيرين قال: نظر عبد الله بن جعفر إلى جارية له كان يحبها حباً شديداً وهي تلاحظ مولاه فسألها: بالله هل تحبين فلاناً؟ فقالت: أعيذك بالله يا سيدي! قال فسألها: بالله لا تكتميني ذلك! فسكتت فأعتقها ودعاه فزوجها إياه. قال: ثم إن نفسه تتبعتها فدعا مولاه فقال: أتنزل عنها ولك عشرة آلاف درهم؟ قال: لا والله، ولا مائة ألف درهم. قال: بارك الله لك فيها! قال فأعرض عنها.؟ قال: فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيراً حتى مات مولاه وتزوجها ابن جعفر بعد ذلك. قال ابن حسين فذكرت هذا الحديث لأبي ياسين الرقي فحدثني عن بعض أصحابه أن عبد الله بن جعفر لما دخلت عليه أنشأ يقول: رضيتُ بحُكم الله في كلّ أمرِه، ... وَسَلّمتُ أمرَ اللهِ فيّ كما مضى. بَلاني وأبلاني بحُبّ دَنِيّةٍ، ... وَصَبّرَني حتى امَّحى الحبُّ فانقضى. لَعَمرِيَ! ما حُبّي بحُبّ مَلالَةً، ... ولا كانَ وُدّي زائلاً فَتَنَقّضَا. ولكنّ حبّي معْهُ دَلٌّ يزينهُ، ... وَيُعرِضُ أحياناً إذا الحِبُّ أعرَضَا.

صريعا الحب

صريعا الحب أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي قراءة عليه قال: أخبرنا أبو محمد عبيد الله بن محمد بن علي الجرادي الكاتب قال: أخبرنا أبو بكر بن دريد قال: أخبرنا عبد الرحمن عن عمه عن يونس قال: انصرفت من الحج فمررت بماوية وكان لي فيها صديق من بني عامر بن صعصعة، فصرت إليه مسلماً، فأنزلني، فبينا أنا عنده، ونحن قاعدان بفنائه، إذا نساءٌ مستبشرات، وهن يقلن: تكلم تكلم! فقلت: ما هذا؟ فقالوا: فتىً منا كان يعشق ابنة عم له، فزوجت، وحملت إلى ناحية الحجاز، فإنه لعلى فراشه منذ حول ما تكلم، ولا أكل، إلا أن يؤتى بما يأكله ويشربه. فقلت: أحب أن أراه. فقام، وقمت معه فمشينا غير بعيد، وإذا بفتىً مضطجع بفناء بيت من تلك البيوت، لم يبق منه إلا خيال، فأكب الشيخ عليه يسأله، وأمه واقفة، فقالت: يا مالك! هذا عمك أبو فلان يعودك، ففتح عينيه، وأنشأ يقول: ليبكِني اليومَ أهلُ الوُدّ والشَّفَقِ، ... لم يبقَ من مهجتي إلاّ شفا رَمَقِ. اليوْمَ آخرُ عَهدي بالحياةِ، فَقَد ... أُطلِقتُ من رَبقَةِ الأحزانِ والقَلَقِ. ثم تنفس الصعداء فإذا هو ميت، فقام الشيخ، وقمت فانصرفت إلى خبائه فإذا جارية بضة تبكي وتتفجع. فقال الشيخ: ما يبكيك؟ فأنشأت تقول: ألا أُبَكّي لِصَبّ شَفّ مُهْجَتَهُ ... طولُ السَّقامِ وأضنى جسمَه الكَمَدُ. يا لَيتَ مَن خَلّفَ القلبَ الهَيومَ به، ... عِندي فأشكو إليه بعض ما أجِدُ. أنَشْرُ تُرْبِكَ أسرَى لي النسيمُ بهِ، ... أم أنتَ حيثُ يُناطُ السَّحرُ والكَبِدُ.

أجساد بغير قلوب.

ثم انثنت على كبدها، وشهقت، فإذا هي ميتة. قال يونس: فقمت من عند الشيخ وأنا وقيذ. أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق قال: حدثنا الأمير أبو الحسن أحمد بن محمد المكتفي بالله قال: حدثنا ابن دريد فذكر القصة. أجساد بغير قلوب. أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي التوزي قال: أخبرنا أبو محمد بن الجرادي الكاتب قال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: أنشدنا العكلي عن أبيه لداود بن سلم التميمي: ما ذَرّ قَرْنُ الشّمْسِ إلاّ ذَكرْتُها، ... وَيذكِرُنيها ما دَنَتْ لِغُرُوبِ. واذكُرُها ما بينَ ذاكَ وَبعدَهُ، ... وبالليلِ أحلامي، وَعندَ هُبوبِ. وَبُلّيتُها شوْقاً، وَبَلاّنِيَ الهَوَى، ... وأعيا الذي بي طِبَّ كلّ طبيبِ. وأعجبُ أنّي لا أموتُ صَبَابَةً، ... وما كمَدٌ مِنْ عَاشِقٍ بِعَجيبِ. وكم لامَ فيها من مُؤدّ نصيحَةً، ... فقلتُ له: أقصِرْ، فغيرُ مُصيبِ. أتَأْمُرُ إنْساناً بفُرْقَةِ قلْبِهِ؟ ... أتُصْلِحُ أجساداً بِغَيْرِ قُلُوبِ؟ وكُلُّ محِبٍّ قد سلا، غيرَ أنّني ... غريبٌ! ألا يا ويحَ كلِّ غريبِ.

السل داء الحب

السل داء الحب أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي فيما أذن لنا في روايته قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز قال: أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان إجازة قال: حدثنا أحمد بن منصور بن سوار قال: حدثنا نوح بن يزيد المعلم قال: حدثنا إبراهيم بن سعد قال: حدثني محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن جعفر بن زبير قال: سمعت رجلاً من بني عذرة عند عروة بن الزبير يحدثه، فقال عروة: يا هذا بحق أقول لكم إنكم أرق الناس قلوباً. فقال: نعم، والله، لقد تركت بالحي ثلاثين قد خامرهم السل، وما بهم داء إلا الحب. مجنون وعليلة أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن علي الوراق من حفظه قال: حكى لي أبو الحسين علي بن الحسين الصوفي المعروف برباح قال: حدثني بعض أصدقائي أنه دخل إلى بعض المارستانات ببغداد فرأى شاباً حسن الوجه، نظيف الثياب، جالساً على حصير نظيف، وعن يساره مخدة نظيفة، وفي يده مروحة، وإلى جانبه كوز فيه ماء، فسلمت عليه، فرد السلام أحسن رد، فقلت له: هل لك من حاجة؟ فقال: نعم! أريد قرصين وعليهما فالوذج، فمضيت فجئته بذلك، وجلست مقابله حتى أكل، ثم قلت له: أبقي لك حاجة؟ فقال: نعم، ولا أظنك تقدر عليها. فقلت: اذرها، فلعل الله أن ييسرها. فقال: تمضي إلى نهر الدجاج درب أحمد الدهقان، إلى دار على باب زقاق الغفلة، فاطرق الباب وقل: إن فلاناً قال لي:

الحب للحبيب الأول

مُرَّ بالحبيبِ وَقُلْ لهُ: ... مجْنونُكم مَن ذا يحلّه؟. قال: فمضيت وسألت عن الدرب والزقاق، فدللت عليه، فطرقت الباب، فخرجت إليّ عجوز فأبلغتها الرسالة، فدخلت وغابت عني ساعة، ثم خرجت فقالت: ارْجعْ إلَيه وقُل لَهُ: ... علِيلُكم مَن ذا أعلّه. فرجعت إلى الفتى فأخبرته بالجواب، فشهق شهقةً فمات، وعدت إلى القوم أخبرهم بذلك، فوجدت الصراخ في الدار، وقد ماتت الجارية، أو كما قال. الحب للحبيب الأول أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن الفضل الأرجي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الهمذاني بمكة في المسجد الحرام قال: حدثنا محمد بن علي بن المأمون قال: حدثنا أبو محمد الرقاقي قال: خرج أبو حمزة يشيع بعض الغزاة، وكان راكباً، فسمع قائلاً يقول: نَقِّلْ فُؤادَك حيثُ شئتَ من الهوَى، ... ما الحُبّ إلاّ للْحَبِيبِ الأوّل. فسقط حتى خشينا عليه. دين الغدر ولي من قطعة: يا مَن رَمى قلبي فلم يُخطِه، ... أصميتني قتلاً، ولم أدرِ. ساعدَكَ الحبُّ على مَقتَلي، ... كلاكما قد دان بالغدرِ.

سواجع وهواتف

سواجع وهواتف أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن طاهر الدقاق بقراءتي عليه قال: أخبرني الأمير أبو الحسن أحمد بن محمد بن المكتفي بالله قال: حدثنا ابن دريد قال: حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال: أخبرني مسجع بن نبهان قال: حدثني رجل من بني الصيداء من أهل الصريم قال: كنت أهوى جاريةً من باهلة، وكان قومها قد أخافوني، وأخذوا علي المسالك، فخرجت ذات يوم، فإذا حمامات يسجعن على أفنان أيكات متناوحاتٍ في سرارة واد، فاستفزني من الشوق ما لم أعقل معه بشيء، فركبت، وأنا أقول: دعَتْ، فوْق أغصَانٍ من الأيكِ مَوهِناً، ... مطوَّقَةٌ ورْقاءُ في إثر آلفِ. فهاجَتْ عقابيلَ الهوَى، إذ ترَنّمَتْ، ... وَشَبّتْ ضِرَامَ الشوْق بينَ الشراسفِ. لكني خرجت فآواني الليل إلى حي فخفت أن يكونوا من قومها فبت في القفر، فلما هدأت الرجل إذا قائل يقول: تمتع من شَميمٍ عَرِارِ نجدٍ ... فما بعدَ العَشيّةِ من عَرَارِ. فتألمت من ذلك ثم غلبتني عيناي، فإذا آخر يقول: وَلا شيء بَعدَ اليوْمِ إلاّ تَعِلّةً ... من الطيفِ أو تلقى بها منزِلاً قفرَا. فزادني ذلك قلقاً، ثم نمت فإذا ثالث يقول: لن يُلبِثَ القرناءَ أن يتفَرّقوا، ... ليَلٌ يَكُرّ علَيهِمُ وَنَهَارُ.

من الحب اليائس إلى التعبد

فقمت، فغيرت وركبت متنكباً عن الطريق، فلما برق الفجر، إذا راعٍ مع الشروق قد سرح غنمه وهو يتمثل: كَفى باللّيالي مخلّفاتٍ لجِدّةٍ ... وبالموْتِ قَطّاعاً حبالَ القرائنِ. فأظلمت علي الأرض فتأملته فعرفته، فقلت: فلان؟ قال: فلان. قلت: ما وراءك؟ قال: ضاجعت، والله، رملة الثرى، فما لبثت أن سقطت عن بعيري فما أفقت حتى حميت الشمس عليّ، وقد عقل الغلام ناقتي، وقد مضى، فكررت إلى أهلي، وأنشأت أقول: يا رَاعيَ الضّأنِ! قد أبقيتَ لي كَمَداً ... يبقى ويُتلفني، يا راعيَ الضّانِ. نعيتَ نفسي إلى نفسي، فكيفَ إذاً، ... أبقى، ونفسيَ في أثناءِ أكفاني؟ لوْ كنتَ تَعلَمُ ما أسأرْتَ في كَبِدي، ... بَكيتَ ممّا ترَاهُ اليوْمَ أبْكاني. من الحب اليائس إلى التعبد أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن شكر قال: حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله الهمذاني بمكة قال: حدثنا إبراهيم بن علي قال: حدثنا محمد بن جعفر الكاتب عن محمد بن الحسن البرجلاني عن جعفر بن معاذ قال: أخبرني أحمد بن سعيد العابد عن أبيه قال: كان عندنا بالكوفة شاب يتعبد ملازماً للمسجد الجامع، لا يكاد يخلو منه، وكان حسن الوجه، حسن القامة، حسن السمت، فنظرت إليه امرأة ذات جمال، وعقل، فشغفت به، وطال ذلك عليها، فلما كان ذات يوم وقفت له على طريقه، وهو يريد المسجد، فقالت له: يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها، ثم اعمل ما شئت. فمضى ولم يكلمها. ثم وقفت

له بعد ذلك على طريقه، وهو يريد منزله، فقالت له: يا فتى اسمع كلمات أكلمك بها. فأطرق فقال لها: هذا موقف تهمة، وأنا أكره أن أكون للتهمة موضعاً. فقالت له: والله ما وقفت موقفي هذا جهالةً مني بأمرك، ولكن معاذ الله أن يتشوف العباد إلى مثل هذا مني، والذي حملني على أن لقيتك في هذا الأمر بنفسي معرفتي أن القليل من هذا عند الناس كثير، وأنتم، معاشر العباد، في مثال القوارير أدنى شيء يعيبه، وجملة ما أكلمك به أن جوارحي كلها مشغولة بك، فالله الله في أمري وأمرك. قال: فمضى الشاب إلى منزله، وأراد أن يصلي فلم يعقل كيف يصلي، فأخذ قرطاساً وكتب كتاباً، ثم خرج من منزله. فإذا بالمرأة واقفة في موضعها، فألقى إليها الكتاب، ورجع إلى منزله. وكان في الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم. اعلمي أيتها المرأة أن الله، تبارك وتعالى، إذا عصي حلم، فإذا عاود العبد المعصية ستر، فإذا لبس لها ملابسها غضب الله، عز وجل، لنفسه غضبةً تضيق منها السموات والأرضون والجبال والشجر والدواب، فمن ذا الذي يطيق غضبه؟ فإن كان ما ذكرت باطلاً، فإني أذكرك يوماً تكون السماء كالمهل، وتصير الجابل كالعهن، وتجثو الأمم لصولة الجبار العظيم، وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي، فكيف بصلاح غيري، وإن كان ما ذكرت حقاً فإني أدلك على طبيب، هو ولي الكلوم الممرضة، والأوجاع المرمضة، ذلك الله رب العالمين، فاقصديه على صدق المسألة، فإني متشاغل عنك بقوله، عز وجل: وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين، ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، والله يقضي بالحق، فأين المهرب من هذه الآية؟ ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت له على طريقه، فلما رآها من بعيد

أراد الرجوع إلى منزله لئلا يراها، فقالت: يا فتى لا ترجع، فلا كان الملتقى بعد هذا أبداً إلا بين يدي الله، عز وجل. وبكت بكاءً كثيراُ، ثم قالت: أسأل الله، عز وجل. الذي بيده مفاتيح قلبك أن يسهل ما قد عسر من أمرك. ثم تبعته فقالت: امنن علي بموعظة أحملها عنك، وأوصني بوصية أعمل عليها! فقال لها الفتى: أوصيك بحفظ نفسك من نفسك وأذكرك قوله عز وجل: وهو الذي يتوفاكم بالليل، ويعلم ما جرحتم بالنهار. قال: فأطرقت، وبكت بكاءً أشد من بكائها الأول، ثم أفاقت، فقالت: والله ما حملت أنثى ولا وضعت إنساً كمثلك في مصري وأحيائي. وذكرت أبياتاً آخرها: لألبسَنّ لهذا الأمرِ مِدْرَعَةً، ... ولا ركنتُ إلى لذّاتِ دنُيايا. ثم لزمت بيتها فأخذت بالعبادة. قال: فكانت إذا أجهدها الأمر تدعو بكتابه فتضعه على عينيها، فيقال لها: وهل يغني هذا شيئاً؟ فتقول: وهل لي دواء غيره؟ وكان إذا جن عليها الليل قامت إلى محرابها، فإذا صلت قالت: يا وَارِثَ الأرْض هبْ لي منك مغفِرَةً، ... وحلّ عني هوى ذا الهاجِرِ الدّاني. وانظُرْ إلى خَلّتي، يا مُشتَكى حَزَني، ... بنَظرَةٍ منك تجلو كلَّ أحزَاني. فلم تزل على ذلك حتى ماتت كمداً، وكان الفتى يذكرها بعد موتها ثم يبكي عليها، فيقال له: مم بكاؤك، وأنت قد أيستها؟ فيقول: إني ذقت طعمها مني في أول أمرها وجعلت قطعها ذخيرةً لي عند الله، عز وجل،

خارب بيته

وإني لأستحيي من الله، عز وجل،؟ أن أسترد ذخيرةً ذخرتها عنده. قال لنا الشيخ أبو القاسم الأزجي، رحمه الله: ووجدت في نسخة زيادةً مسموعة عن الزينبي شيخنا، رحمه الله، قال: ثم إن الجارية لم تلبث أن بليت ببلية في جسمها، فكان الطبيب يقطع من لحمها أرطالاً لأنه قد عرف حديثها مع الفتى، فكان إذا أراد أن يقطع لحمها يحدثها بحديث الفتى فما كانت تجد لقطع لحمها ألماً ولا كانت تتأوه، فإذا سكت عن ذكره تأوهت. قال: فلم تزل كذلك حتى ماتت كمداً. خارب بيته أخبرني القاضي أبو القاسم التنوخي إجازة وحدثني أحمد بن ثابت الحافظ عنه قال: أنشدني أبو عبد الله بن الحجاج لنفسه: يا سيّدي! عبدُك لِمْ تقتلُه؟ ... رَأيتَ من يفعلُ ما تفعلُه؟ نزلتَ في قلبي، فيا سيّدي ... لِمْ تًخٍربُ البيتَ الذي تنزِلُه؟ آه من البين أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني بمكة في المسجد الحرام سنة ست وأربعين وأربعمائة على باب الندوة بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب قال: سمعت أبا علي الحسن بن أحمد بن علي الزنجاني الصوفي بأسفرايين يقول: سمعت عبد العزيز بن سعيد المنجوري يقول: سمعت سهلان القاضي يقول: بينا أنا مار في طرقات جبل شورى، وقد مرت علي قافلة عظيمة، إذا نحن بشاب على الطريق ذاهب العقل، مدهوش، عريان وبين يديه

وفاء زوجة

خلقان ممزقات فقال لي: أين رأيت القافلة؟ قلت: في موضع كذا. قال: آه من البين! آه من البين! آه من دواعي الحين! فقلت: وما دهاك؟ فقال: شيّعتُهم من حيثُ لم يَعلَموا، ... وَرُحتُ، والقلبُ بهِم مُغرَمُ. سألتُهُم تَسْلِيمَةً مِنْهُم ... عليّ، إذ بانوا، فَما سَلّمُوا. سارُوا، ولم يرثُوا لمُستَهتَرٍ، ... ولم يُبالوا قَلبَ مَن تَيّموا. واستحسنوا ظلمي، فمِن أجلِهم ... أحبَّ قلبي كلَّ من يَظلِمُ. وفاء زوجة أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال: أخبرنا محمد بن خلف قال: أخبرني أبو بكر العامري عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال: تزوج مالك بن عمرو الغساني بابنة عم النعمان بن بشير فشغف كل واحد منهما بصاحبه، وكان مالك شجاعاً، فاشترطت عليه أن لا يقاتل إذا لقي، شفقةً عليه وضناً به، وإنه غزا حياً من لخم، فباشر القتال، فأصابته جراح فقال، وهو مثقل منها: ألا ليتَ شِعري عن غزالٍ تركتُه، ... إذا ما أتاهُ مصرعي كيفَ يَصْنَعُ؟. فَلَوْ أنّني كنتُ المُؤخَّرَ بَعدَهُ، ... لَما بَرِحَتْ نفسي عَلَيه تَطَلّعُ. وإنه مكث يوماً وليلةً ثم مات من جراحه، فلما وصل خبره إلى زوجته بكته سنةً، ثم اعتقل لسانها فامتنعت من الكلام، وكثر

خطابها، فقال عمومتها وولاة أمرها: نزوجها لعل لسانها ينطلق، ويذهب حزنها، فإنما هي من النساء، فزوجوها بعض أبناء الملوك فساق إليها ألف بعيرٍ، فلما كان في الليلة التي أهديت إليه فيها قامت على باب القبة ثم قالت: يقولُ رِجالٌ: زَوِّجوهَا لَعَلّهَا ... تَقَرُّ، وترْضى بعدَهُ بخَلِيلٍ. فأخفَيتُ في النّفسِ التي ليسَ بعدَها ... رَجاءٌ لهم، والصّدقُ أفضَلُ قِيلِ. وَحَدّثَني أصْحابُهُ أنّ مالِكاً ... أقامَ، ونادَى صَحَبَهُ بِرَحيلِ. وَحَدّثَني أصْحابُهُ أنّ مالِكاً ... ضَرُوبٌ بِنَصْلِ السيفِ غيرُ نكولِ. وَحَدّثَني أصْحابُهُ أنّ مالِكاً ... خَفِيفٌ على الأحْداثِ غيرُ ثَقيلِ. وَحَدّثَني أصْحابُهُ أنّ مالِكاً ... صرومٌ كماضي الشّفرَتينِ صَقيلِ. وأخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال: حدثنا محمد بن خلف قال: أخبرنا أبو بكر العامري قال: حدثني عمرو بن محمد العبقري قال: أخبرني شيخ أثق به، وذكر الحديث، وزاد فيه: فلما فرغت من الشعر شهقت شهقةً فماتت.

جميل والبنات العذريات

جميل والبنات العذريات أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن خلف. قال: أخبرني أبو بكر قال: أخبرنا المدايني قال: قال هشام بن محمد سمعت رجلاً من بني عذرة يحدث قال: لما علق جميل بثينة وجعل ينسب بها استعدى عليه أهلها ربعي بن دجاجة، وهو يومئذ أمير تيماء، قال: فخرج جميل هارباً حتى انتهى إلى رجل من عذرة، بأقصى بلادهم، وكان سيداً، فاستجار به، وكان للرجل سبع بنات، فلما رأى جميلاً رغب فيه، وأراد أن يزوجه ليسلو عن بثينة، فقال لبناته: البسن أحسن ثيابكن وتحلين بأحسن حليكن، وتعرضن له، فلعل عينه أن تقع على إحداكن فأزوجه. قال: وكان جميل: إذا أراد الحاجة، أبعد في المذهب، فإذا أقبل رفعن جانب الخباء، فإذا رآهن صرف وجهه، قال: ففعلن ذلك مراراً، فعرف جميل م أراد به الشيخ، فأنشأ يقول: حلفتُ لكيما تعلمينيَ صادِقاً، ... ولَلصِّدق خيرٌ في الأمورِ وَأنجحُ. لَتَكليمُ يوْمٍ واحدٍ من بُثَينَة ... وَرُؤيتُها عندي ألَذّ وأملَحُ. من الدهرِ لوْ أخلو بكنّ، وإنّما ... أُعالجُ قلباً طامحاً حيثُ يطمحُ. فقال الشيخ: أرخين عليكن الخباء، فوالله لا يفلح هذا أبداً.

حبذا ذاك الظلوم

حبذا ذاك الظلوم أنبأنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي قال: أخبرنا الشريف أبو الفضل محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون قال: قُرأ على أبي بكر بن الأنباري، وأنا أسمع، للمؤمل: أقَاتِلَتي هِندٌ، وَقَتْلي مُحَرَّمُ، ... أما فِيكُمُ يا أيّها الناسُ مُسلِمُ. يُظَلّمُها في ما تُريدُ بِعاشِقٍٍ، ... ألا حبّذا ذاكَ الظَّلومُ المُظَلَّمُ. لقد زَعموا لي أنّها نذرَتْ دَمي، ... وما لي بحمَدِ اللهِ لحمٌ ولا دَمُ. بَرَى حُبُّها لحمي، ولم يُبْقِ لي دَماً، ... وإن زعَمَتْ أنّي صَحيحٌ مُسَلَّمُ. سَتَقتُلُ جلداً بالِياً فوْقَ أعظُمٍ، ... وَليسَ يبالي القتلَ جِلدٌ وأعظُمُ. فلَمْ أرَ مثلَ الحُبِّ صَحّ قرينُهُ، ... ولا مثلَ مَن لم يدرِ ما الحبّ يُسقِمُ. أآذنةٌ لي أنتِ في ذكرِ حاجَةٍ، ... ألا طالما قد كنتُ عنها أُجَمجِمُ. غدَرْتُم، وَلم نغدرْ، وقلتُم: غدرْتمُ، ... تظُنّونَ أنّا منكمُ نَتَعَلّمُ. قطعنا، زَعمتُم، والقطيعَةُ منكُمُ، ... زَعمنا، وأنتُم تزعُمُونَ ونزعُمُ. فإن شئتُمُ كان اجتماعاً، فقلتُمُ ... وقلنا، فإنّ القوْلَ للقوْلِ سُلَّمُ. وإلاّ فإنّا قد رَضينا بحُكمِكُم ... على كل حالٍ فاتقوا الله واحكُموا. فوَاللهِ ما أجرَمتُ جُرْماً علمتُهُ، ... فإن سرّكمْ جُرْمي، فها أنا مجْرِمُ. وعاقَبتُموني في السّلامِ عَلَيْكُمُ، ... ولم يكُ لي ذنبٌ سوى ذاك يُعلَمُ. فإن تمنَعوا مني السلامَ، فإنّني ... لَغاد على حِيطانِكم فَمُسَلِّمُ.

الظريفة العاشقة

الظريفة العاشقة أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي في ما أذن لنا أن نرويه عنه قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه. قال: حدثنا محمد بن خلف قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله السرخسي قال: حدثني عباس بن عبيد قال: كان بالمدينة جارية ظريفة حاذقة بالغناء، فهويت فتىً من قريش، فكانت لا تفارقه ولا يفارقها، فملّها الفتى وتزايدت هي في محبته وأسفت، فغارت، فولهت وجعل مولاها لا يعبأ بذلك ولا يرق لشكواها، وتفاقم الأمر بها حتى هامت على وجهها، ومزقت ثيابها، وضربت من لقيها، فلما رأى مولاها ذلك عالجها فلم ينجع فيها العلاج، وكانت تدور بالليل في السكك مع الأدب والظرف. قال: فلقيها مولاها ذات يوم في الطريق، ومعه أصحاب له، فجعلت تبكي وتقول: الحُبُّ أوّلُ ما يكونُ لجَاجَةً، ... يَأتي بِهِ وَتسوقُهُ الأقْدارُ. حتى إذا اقتحَمَ الفتى لُجَجَ الهوَى، ... جاءَتْ أُمورٌ، لا تُطاقُ، كبارُ قال: فما بقي أحد إلا رحمها، فقال لها مولاها: يا فلانة امضي معنا إلى البيت، فأبت وقالت: شغل الحلي أهله أن يعارا. قال: وذكر بعض من رآها ليلةً، وقد لقيتها مجنونة أخرى، فقالت لها: فلانةُ! كيف أنت؟ فقالت: كما لا أحب، فكيف أنت من ولهك وحبك؟ قالت: على ما لم يزل يتزايد بي على مر الأيام. قالت لها: تغني بصوت من أصواتك فإني قريبة الشبه بك. فأخذت

عليان المجنون

قصبةً توقع بها وغنت: يا مَن شَكا ألماً للحُبّ شبّهَهُ ... بالنارِ في القلبِ من حُزْنٍ وتذكارِ. إنّي لأُعْظِمُ ما بي أن أُشبّهَهُ ... شيئاً يُقاسُ إلى مِثلٍ وَمِقدارِ. لَوْ أنّ قَلْبيَ في نارٍ لأحْرَقَهَا، ... لأنّ أحزانَهُ أذكى من النّارِ. ثم مضت. عليان المجنون حدثنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي قال: أخبرنا أبو محمد عبيد الله بن محمد الجرادي الكاتب قال: حدثنا محمد بن أبي الأزهر قال: حدثني عبيد الله بن الزعفراني المحدث عمن حدثه قال: مر بي عليان المجنون البصري في بعض الأيام، فقلت: يا أبا الحسين، قف علينا! فقال: أنت شبعان وعليان جائع يريد أن يأكل شيئاً، فدعوت له بما يأكل، وهو يسمع، فرجع، فلما أكل تنفس الصعداء وأنشأ يقول: وَذي نَفَسٍ صَاعِدِ، ... يَئنّ بِلا عَائِدِ. تَبَرَّمَ عُوَّادُه ... بذي السَّقَمِ الزائدِ. وَذي سَهرَةٍ قد جَفا ... كلُّ أخٍ رَاقِد. يَكّر عَلى عَسكَرٍ، ... وَيْضعُفُ عَن وَاحِدِ. ومضى، فقلت لغلامي: رده وارفق به! فرده، فقلت: زدني! فقال: الذي أعطيتني لا يساوي أكثر مما أعطيتك. فقلت للغلام: اسقه

عاشق يموت كتمانا

قدحاً، فوقف، فلما شربه قال: وَكنتُ إذا رَأيتُ فَتىً يُبَكّي ... على شَجَنٍ ضَحِكتُ إذا خلَوْتُ. فأحسبُني أدالَ اللهُ مِنّي، ... فصِرْتُ إذا سمعتُ بهِ بَكيتُ. فشغلت بخط ما أنشدنيه ومضى. عاشق يموت كتماناً أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد بن العلاف الواعظ، رحمه الله، بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين قال: حدثنا جعفر بن محمد الصوفي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا زكريا بن إسحاق قال: سمعت مالك بن سعيد يقول: حدثني مشيخة من خزاعة أنه كان عندهم بالطائف جارية متعبدة ذات يسار وورع، وكانت لها أم أشد عبادةً منها، وكانت مشهورة بالعبادة، وكانتا قليلتي المخالطة للناس، وكانت لهما بضاعة مع رجل من أهل الطائف، فكان يبضعها لهما، فما رزقهن الله من شيء أتاهن به. قال: وبعث يوماً ابنه، وكان فتىً جميلاً مسرفاً على نفسه، إليهن ببعض حوائجهن، فقرع الباب، فقالت أمها: من هذا؟ قال: أنا ابن فلان. قالت: ادخل! فدخل وابنتها في بيتٍ، ولم تعلم بدخول الفتى، فلما قعد معها خرجت ابنتها، وهي تظن أنها بعض نسائهن حتى جلست بين يديه، فلما نظرت إليه قامت مبادرةً فخرجت، ونظر إليها فإذا هي من أجمل العرب. قال: ووقع حبها في قلبه. فخرج من عندها، وما يدري أين يسلك، فأتى أباه، فأخبره برسالتهن، وجعل الفتى ينحل ويذوب جسمه،

وتغير عما كان عليه، ولزم الوحدة والفكر، وجعل الناس يظنون أن الذي به من عبادة قد لزمها، حتى سقط على فراشه. فلما رآه أبوه على تلك الحال دعا له الأطباء والمعالجين، فجعلوا ينظرون إليه، فكل يصف به دواء، ويقول: به داء لا يقوله صاحبه، والفتى مع ذلك ساكت لا يتكلم، حتى إذا طالت علته واشتد عليه الأمر دعا أبوه فتياناً من الحي، وإخوانه الذين كانوا له أنساً، فقال لهم: اخلوا به وسلوه عن علته لعله يخبركم ببعض ما يجده، فأتوه فكلموه وسألوه، فقال: والله ما بي علة أعرفها فأبينها لكم، وأخبركم بما أجد منها، فأقلوا الكلام. وكان الفتى فطناً ذا عقل، فلما طال به الوجد دعا امرأة من بعض أهله فخلا بها، وقال: إني ملق إليك حديثاً ما ألقيته إليك إلا عند الإياس من نفسي، فإن ضمنت لي كتمانه أخبرتك وإلا صبرت حتى يحكم الله في أمري ما يحب، وبعد، فوالله ما أخبرت به أحداً قبلك، ولئن كتمت علي لا أخبر به أحداً بعدك، وإن هذا البلاء الذي أرى بي لا شك قاتلي وإنه يجب علي في محبتي له أن أكون لمن أحب صائناً وعليه مشفقاً من تزيد الناس وإكثارهم حتى يصير الصغير كبيراً، والكبير عندهم الباقي ذكره أبداً، الله الله في أمري، واجعليه محرزاً في صدرك فإن فعلت فلك حسن المكافأة، وإن أبيت فالله يحسن لك الشكر. فقالت له المرأة: قل يا بني ما بدا لك، فوالله ما أجد في الدنيا أحداً أحب بقاءه غيرك، وكيف لي أن يكون عندي بعض دوائك، فوالله لأكتمن أمرك ما بقيت أيام الدنيا. فقال لها: إن من قصتي كذا وكذا! فقالت له: يا بني أفلا أخبرتنا، فوالله ما رأيت كلمةً أسكن بمجامع القلب فلا تفارقه أبداً، من كلمة: محب عاشق أخبر من يحبه أنه له وامق، فتلك الكلمة تزرع في قلوب ذوي الألباب شجراً لا تدرك أصوله. فقال

لها: ومن لي بها، وكيف السبيل إليها وقد بلغك حالها وقصتها وشدة اجتهادها وعبادتها؟ قالت له: يا بني علي أن آتيك بما تسر به. قال: فلبست ثوبها وأتت منزل الجارية، فدخلت فسلمت على أمها وحادثتها ساعةً. فسألتها أمها عن حاله وعن وجعه، فقالت: والله لقد رأيت الأوجاع والآلام، فما رأيت وجعاً قط كوجعه، وإن وجعه يزيد في كل يوم، وألمه يترقى، وهو في ذلك صابر غير شاك لا يفقد من جوارحه شيئاً، ولا من عقله. فقالت أمها: أفلا تدعون له الأطباء؟ قالت: بلى، والله فما وقع أحد منهم على دائه، ولا يفقه دواءه. ثم قامت فدخلت على الجارية في بيتها الذي كانت تتعبد فيه، فسلمت عليها، وحادثتها ساعةً، وقد كان وقع إلى الجارية خبره، فعلمت أن ذلك من أجلها، فقالت لها المرأة: يا بنية أبليت شبابك وأفنيت أيامك على هذه الحال التي أنت عليها. قالت: يا عمتاه أية حال سوء تريني عليها قالت لا يا بنية ولكن مثلك يفرح في الدنيا ويلذ فيها ببعض ما أحل الله عز وجل لك، غير تاركة لطاعة ربك ولا مفارقة لخدمته، فيجمع الله لك بذلك الدارين جميعاً، فوالله ما حرم الله، عز وجل، على عباده ما أحل لهم. فقالت: يا عمتاه، أو هذه الدار دار بقاء لا انقطاع لها ولا فناء فتكون الجوارح قد وثقت بذلك، فتجعل لله تعالى منظر هممها، وللدنيا شطرها، فتعد الجوارح إذاً التعب راحةً والكد سلامةً، أم هذه الدار دار فناءً وتلك دار بقاءٍ ومكافأة، والعمل على حسب ذلك. قالت: يا بنية لا! ولكن الدنيا دار فناء وانقطاع وليست بباقية على أحد، ولا دائمة له، ولكن قد جعل الله تعالى لعباده فيها ساعات صدقة منه على النفوس، تنال فيها ما أحل لها من مخافة الشدة عليها. فقالت الجارية: صدقت يا عمتاه، ولكن لله عباد قد علموا وصح في

هممهم شيء من ذخر ذخروه عنده، فجعلوا هذا الشكر الذي جعله ذخيرة عنده، إذ لم تكن الدنيا كاملة لهم، ولا هم متنقصون شيئاً قدموه لأنفسهم، وسكنت نفوسهم ورضيت منهم بالصبر على الطاعة لتنال جملة الكرامة، وإن كلامك ليدلني على أن تحته علةً، وهو الذي حملك على مناظرتك لي على مثل هذا، وقد كنت أظن قبل اليوم فيك أنك تأمرين بالحرص على طاعة الله، عز وجل، والخدمة له، والتقرب إليه بالأعمال الزكية التي تبلغ رضاه وترفع عنده فقد أصبحت متغيرة عن ذلك العهد الذي كنت أعهدك عليه، فأخبريني بما عندك وأوضحي لي ما في نفسك، فإن يكن لك جواب أعتبتك، وإن يكن فيه حظ تابعتك، وإن يكن أمراً بعيداً من الله تعالى وعظتك. قالت: يا بنية فأنا مخبرتك به، والذي منعني من إلقائه إليك هيبتك، إذ بسطتني وعلمت أن عندي خيراً وأمرتني بإلقائه، فإن من قصة فلان كذا وكذا. قالت: قد ظننت ذلك فأبلغيه مني السلام، وقولي: أي أخاه! إني والله قد وهبت نفسي لمليك يكافئ من أقرضه بالعطايا الجزيلة، ويعين من انقطع إليه وخدمه بالهمم الرفيعة، وليس إلى الرجوع بعد الهبة سبيل، فتوسل إلى مولاك ومولاي بمحابه، واضرع إليه في غفران ما قدمت يداك من عمل لم يهبه فيه، ولم يرضه، فهو أول ما يجب عليك أن تسأله، وأول ما يجب علي أن أعظك به، فإذا خدمته بقدر ما عصيته طاب لك الفراغ من سؤال شهوات القلوب وخطرات الصدور، فإنه لا يحسن بعبد كان لمولاه عاصياً وعن أمره مولياً ناسياً لأن ينسي ذنوبه والاعتذار منها، ويلزم نفسه مسألة الحوائج لعلها داعية له إلى الفتنة إن لم يتداركه الله تعالى بكرمه، فاستنفذ نفسك يا أخي من مهلكات الذنوب، فإن له

فضلاً وسع كل شيء، ولست مؤيستك من فضله إن رآك متبتلاً إليه ومما قدمت يداك معتذراً أن يمن بي عليك، فإنه الملك الذي يجود على من ولى عنه بكرمه، فكيف من أقبل إليه، فلا يشك أنه إذا جاد على من ولى عنه، يكون لمن أطاعه مكرماً وإليه وقت الندامة مسرعاً، وما أبقيت لك حجة تحتج بها، فليكن ما أخبرتك به نصب عينك ولا ترادني في المسألة، فلا أجيبك والسلام. قال: فقامت المرأة من عندها، فأتته، فأخبرته بمقالتها. قال: فبكى بكاءً شديداً، فقالت له العجوز: والله يا بني ما رأيت امرأة خوف الله، عز وجل، في صدرها، مثل هذه المرأة فاعمل بما أمرتك به، فقد، والله، بالغت في النصيحة، وأحسنت الموعظة، فلا تلق نفسك في مهلكات الأمور، فتندم حيث لا تغني الندامة، ولو علمت يا بني أن حيلة تنفذ غير الذي دعتك إليه لاحتلتها، ولكان عندي من ذلك ما أرجو أن محتالةً، ولكني رأيت الله، عز وجل، قد جعلته نصب عينيها، فهي إليه ناظرة ومن جعل الله عز وجل نصب عينيه لها عن زينة الحياة الدنيا، ورفعتها، واشتغل بما قد جعله نصب عينيه. وجعل يبكي ويقول: كيف لي بالبلوغ إلى ما دعت إليه ومتى يكون آخر المدة التي نلتقي فيها؟ قال: فاشتد وجعه ذلك، وحال عن ذوي العقول، فلما نظر القوم إليه في تلك الحال، وجعل لا يقره قرار، حبسوه في بيت، وأوثقوه، وتوهم القوم أن الذي به من عشق، فكان ربما أفلت، فيخرج من منزله فيجتمع عليه الصبيان، فيقولون له: مت عشقاً، مت عشقاً! فكان يقول: أَأُفشي إلَيكم بعضَ ما قد يَهيجُني ... أم الصبرُ أوْلى بالفتى عند ما يَلقَى. أَأُوعَدُ وعداً ما لَه، الدهرَ، آخِرٌ ... وَأُومَرُ بالتّقوَى، ومَن ليَ بالتّقوَى. سلامٌ على مَن لا أُسَمّيهِ باسمِه ... وَلوْ صرْتُ مثلَ الطيرِ في قفصٍ يُلقى.

جفني كأس ودمعي الراح

ألا أيّها الصّبيَانُ لو ذُقتمُ الهوَى ... لأيْقَنتُمُ أنّي مُحَدّثُكم حَقّاً. أحِبّكم مِن حُبّها، وأراكُمُ ... تقولون لي: مُتْ يا شجاعُ بها عِشقا. فلَم تُنصِفوني، لا، ولا هيَ أنصَفَتْ ... فرِفقاً رُوَيداً، وَيحَكم بالفتى رِفْقَاً. فلما صح ذلك عند أهله وعلموا أنه عاشق جعلوا يسألونه عن أمره، فكان لا يجيبهم، وكتمت العجوز قصته، فأخذوه فحبسوه في بيت فلم يزل فيه حتى مات، رحمه الله. جفني كأس ودمعي الراح ولي من أبيات من أثناء القصيدة: صرَعتَنا ألحاظُ غزْلانِ يَبري ... نَ كأنّ اللِّحاظَ منها رِماحُ. من ظِباءٍ في كلّ جارِحَةٍ من ... الألحاظهن يُلقى جِرَاحُ. استَحَلّوا من قتلِنا كلَّ محْظو ... رٍ وما قَتلُ عاشِقَينِ مُبَاحُ. يا نديمي إليَكَ بالكأسِ عني، ... إنّ جَفنيَ كأسي ودمعي الراحُ. رأي سقراط في العشق أخبرنا أبو القاسم علي بن أبي علي قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال: حدثنا أبو بكر بن المرزبان قال: قال سقراط: العشق جنون، وهو ألوان، كما أن الجنون ألوان.

لا أنت تدري بي ولا أدري

لا أنت تدري بي ولا أدري أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي قال: أنشدنا أبو عمر بن العباس قال: أنشدنا أبو عبد الله بن عرفة لبعضهم: يُنظَرُ في عمري فإن كان في ... عُمرِكَ نقصٌ زيدَ من عمري. حتى نوافي البَعثَ في ساعَةٍ ... لا أنتَ تدري بي ولا أدري. أخافُ أن أُطفأ، فيدعوكَ مَنْ ... يهوَاكَ من بعدي إلى غَدري. شكوى المحبين ولي ابتداء قصيدة كتبت بها من دمشق إلى الشيخ الفقير أبي الحسن مروان بن عثمان النحوي الإسكندراني، وهو بصور: وحقِّ مصارعِ أهْلِ الهوَى ... لروعةِ صوتِ غُرَابِ النوَى. وَشكوَى المُحبِّينَ يوْم الفِرَا ... قِ ما في قلوبِهِم من جوَى. وَقد لفّ أعناقَهُم مَوْقفٌ ... وَقد رَفَعَ البَينُ فيهم لِوَا. عَشِيّةَ أجْرُوا عيونَ العُيو ... نِ بينَ العَقيقِ وبينَ اللِّوَى. دُموعاً كَثُرْنَ فلَوْ أنّهُ ... أتاهُنّ وَفدُ منى لارْتَوَى. لقد أتمَنّى زَماناً يُضَمّ ... بكَ الشملُ وَهوَ لقلبي هوَى.

مجنون المربد

مجنون المربد أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن إجازة قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال: حدثنا أبو بكر خلف قال: حدثني محمد بن الفضل قال: حدثني بعض أهل الأدب عن محمد بن أبي نصر الأزدي قال: رأيت بالبصرة مجنوناً قاعداً على ظهر الطريق بالمربد، فكلما مر به ركب قال: ألا أيّها الرّكبُ اليَمانون عَرّجوا ... علينا، فقَد أمسى هَوَانا يَمانِيا. نُسائِلكُم: هل سالَ نَعمانُ بعدَنا ... فَحَبَّ إلَينَا بطنُ نَعمانَ وَادِيا. قال: فسألت عنه فقيل: هذا رجل من أهل البصرة، كانت له ابنة عم، وكان يحبها فتزوجها رجل من أهل الطائف فنقلها، فتوله عليها. إبراهيم بن المهدي والشعر كتب إلي أبو غالب بن بشران من واسط قال: أخبرنا ابن دينار قال: أخبرنا أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني قال: حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثني الحسين بن إسحاق قال: حدثني خالد قال: لما بويع لإبراهيم بن المهدي بالخلافة طلبني، وقد كان يعرفني وقد كنت متصلاً ببعض أسبابه، فأدخلت إليه فقال: أنشدني يا خالد شيئاً من شعرك! فقلت: يا أمير المؤمنين ليس من الشعر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من الشعر لحكماً، وإنما أمزح وأهزل. قال: لا تقل هذا! هات أنشدني، فأنشدته: عِش فَحُبِّيك سريعاً قاتلي ... والضّنى إن لم تصِلني واصِلي. ظَفِرَ الشَّوْقُ بِقَلبٍ دَنِفٍ ... فيكَ والسُّقمُ بجسمٍ ناحِلِ. فهُما بينَ اكتِئاب وَضَنىً ... ترَكاني كالقضِيبِ الذّابِلِ. قال: فاستملح ذلك ووصلني.

راكب القصبة

راكب القصبة أخبرنا أبو غالب بن بشران في ما كتب به إلينا قال: أخبرنا ابن دينار قال: أخبرنا أبو الفرج الأصبهاني قال: حدثني حمزة بن أبي سلالة الشاعر قال: دخلت بغداد في بعض السنين، فبينا أنا مار في الجنينة إذا أنا مار برجلٍ عليه مبطنة نظيفة، وعلى رأسه قلنسوة سوداء، وهو راكب قصبة والصبيان يصيحون خلفه: يا خالد، يا بارد! فإذا أذوه حمل بالقصبة عليهم، فلم أزل أطردهم عنه حتى تفرقوا وأدخلته بستاناً هناك، فجلس واستراح، واشتريت له رطباً فأكل. واستنشدته فأنشدني: قد حازَ قَلبي فَصَارَ يملِكُهُ ... فكيفَ أسلُو وكيفَ أتركُهُ. رَطيبُ جِسْمٍ كالمَاءِ تحسِبُهُ ... يخطُرُ في القلبِ منه مسلَكُهُ. يكادُ يجري من القميص من النّع ... مة لوْلا القَميصُ يُمسكُهُ. فاستزدته، فقال: ولا حرف. الأمين وحبه للشعر أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي، رحمه الله، في ما أذن لنا في روايته قال: أخبرنا محمد بن العباس بن حيويه قال: حدثنا العباس بن المغيرة الجوهري قال: حدثنا أبو نصر محمد بن موسى الطوسي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد أبو هفان قال: حدثني أبو نواس قال: دخلت على الأمين أمير المؤمنين، وهو قاعد في قبة له، ومعه جارية لم أر قط أحسن منها. قال: وإذا على جبين الجارية مكتوب بالغالية مما

عمل في طار: الله، وعلى رأسها إكليل وفي حجرها عود، وإذا على الإكليل مكتوب: واللهٍ يا طرْفَي الجاني على كَبِدي ... لأُطفِئَنّ بدمعي لَوْعَةَ الحَزَنِ. باللهِ تطمَعُ أن أبلى هوىً وَجوى ... وأنتَ تلتَذّ طِيبَ العَيشِ والوَسَنِ. وإذا على العود مكتوب: يا أيّها الزاعمُ الذي زَعمَا ... أنّ الهَوَى ليسَ يورِثُ السقَمَا. لو أنّ ما بي بك الغداةَ لما ... لُمتَ محِبّاً إذا شكا ألّما. قال: وبين أيديهما صينية ذهب. قال: وإذا على الصينية مكتوب: لا شيءَ أحسنُ مِنْ أيّامِ مجْلِسِنَا ... إذ نجعَلُ الرُّسلَ في ما بيننا الحدَقا. وَإذا حوَاجِبُنا تقضي حَوائِجَنَا ... وَشكلُنا في الهوَى نلقَاهُ متّفِقَا. ليتَ الوُشاةَ بِنَا والحاسِدينَ لنَا ... في لُجّة البَحرِ ماتوا كلّهم غرَقَا. أوْ ليتَ من عابَنَا أو ذمّ مجْلِسَنَا ... شُبَّتْ عليه ضِرَامُ النارِ فاحتَرَقا. وإذا على المَغسلِ مكتوب: لوْ كانَ يدري مالكٌ ما الذي ... ألقى مِن الأحزَانِ والكَرْبِ. وَمَا ألاقي مِن ألِيمِ الهَوَى ... عذّبَ أهْلَ النّارِ بالحُبِّ. قال فملأ الكأس وأعطاني، وإذا على الكأس مكتوب: الحمدُ للهِ على ما قَضى ... قد كانَ ذا في القَدَر السابقِ. ما تحملُ الأرْضُ على ظهرِهَا ... أشقى ولا أوْثَقَ مِن عاشِقِ.

هوى الملاح بلاء

فَبَينَما يمشي على مَرْمَرٍ ... إذا بِهِ يَسقُطُ مِنْ حالِقِ. قال: فشربت الكأس وناولته، فحياني بتفاحة وأترجة، وإذا على التفاحة مكتوب بالذهب: تُفّاحَةٌ تَأكُل تُفّاحَةً، ... يا ليتني كنتُ التي تُؤْكَلُ. فَألثمُ الثغرّ، إذا عَضّني ... بِعِلّةِ الأكْلِ، ولا أُؤكَلُ. قال وإذا على الأترجة مكتوب: يا لكِ أُتْرُجّةً مُطَيَّبةً ... تُوقِدُ نارَ الهَوَى على كَبِدي. لوْ أن أُتْرُجّةً بَكَتْ لَبَكَتْ ... لرَحمَتي هذه التي بِيَدي. ؟؟؟؟؟ هوى الملاح بلاء ولي من غزل قصيدة مدحت بها أحد بني منقذ: أيّها الرّاحلون مِن بطنِ خبتٍ، ... فرِكابُ النَّوَى بِهِم تَتَرَامَى. إن أتَيْتُم وَادي الأرَاكِ فأهدُوا ... لسلَيمى تحِيّتي وَالسّلامَا. واطلُبوا لي قلبي وآيتُه أنْ ... تجِدوا فِيهِ مِن هَوَاهَا سِهَامَا. وَرِدُوا ماءَ ناظِري عِوَضَ الغُد ... رَانِ وارعَوا بينَ الحشا لا الخُزَاما. ولي أيضاً قصيدة: كُفّي مَلامَكِ عَنْه وَالعَذَلا، ... قَدْ ضَاقَ ذَرْعاً بالّذي حَمَلا. وَدَعِي مَدامِعَهُ تَسِحُّ وَإنْ ... لمْ تُطْفِ مِن نارِ الهوَى شُعَلا.

حجر من أرض لوط

وَذَرِيهِ يَرْفُلُ في غَلائِلَ مِن ... نسج ِالغَليلِ يجرّهَا ومُلا. يا أُختَ كِندَةَ! رَفّهي كمِداً ... شَرِبَتْ مَفاصِلُهُ الهَوَى نَهَلا. لَوْ كُنتِ شاهِدَةً مَوَاقفَنا، ... والبَيْنُ يَضْحَكُ بينَنَا جَذَلا. وَالدَّمعُ قَد سالَ الكَثِيبُ بِهِ ... حتى لَكَادَ يُسَيِّلُ المُقَلا. لَرَثَيْتِ للْعُشّاقِ رَاحِمَةً، ... وَعَلِمتِ أنّ هَوَى المِلاحِ بَلا. حجر من أرض لوط أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل الأزجي قراءة عليه قال: أخبرنا علي بن جعفر السيرواني الصوفي بمكة قال: سمعت المواريني يقول، قال لي رجل من الحاج: مررت بديار قوم لوط وأخذت حجراً مما رجموا به، وطرحته في مخلاة، ودخلت مصر، فنزلت في بعض الدور في الطبقة الوسطى، وكان في أسفل الدار حدث، فأخرجت الحجر من خرجي، ووضعته في روزنة في البيت، فدعا الحدث الذي كان في أسفل الدار صبياً إليه، واجتمع معه فسقط الحجر على الحدث من الروزنة فقتله.

فاسق لم يغفر له

فاسق لم يغفر له أخبرنا أبو الحسين محمد بن عثمان بن مكي بقراءتي عليه بمصر قال: أخبرنا جدي أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن زريق قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشا المقري قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن الحكم يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: خرجت حاجاً إلى مكة فلما صرنا كان ليلة عرفات رأى الإمام الذي حج بنا تلك الليلة بمنىً مناماً، فلما صرنا بعد الحج إلى مكة بعد انقضاء الحج، بتنا تلك الليالي في المسجد الحرام، والخلائق جلوس، إذ سمعنا منادياً ينادي فوق الحجر: أنصتوا، يا معشر أهل الحجيج، فأنصتوا، ثم قال: يا معشر أهل الحجيج: إن إمامكم رأى أن الله، عز وجل، قد غفر لكل من وافى العام البيت إلا رجلاً واحداً فإنه فسق بغلامٍ. امرأة صاحب المسحاة والملك أخبرنا الأمير أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله قراءة عليه في ذي القعدة، سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن منصور اليشكري قال: حدثنا أبو عبد الله بن عرفة قال: حدثني محمد بن موسى السامس قال: حدثنا روح بن أسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عن سلمان قال: كان في بني إسرائيل امرأة ذات جمال، وكانت عند رجل يعمل بالمسحاة، فكان إذا جاء بالليل قدمت له طعامه، وفرشت له فراشه، فبلغ خبرها ملك ذلك العصر، فبعث إليها عجوزاً من بني إسرائيل، فقالت لها: ما تصنعين بهذا الذي يعمل بالمسحاة! لو كنت عند الملك لكساك

يقتل جاريته بريبة

الحرير، وفرشك الديباج، فلما وقع الكلام في مسامعها جاء زوجها بالليل، فلم تقدم له طعامه، ولم تفرش له فراشه، فقال لها: ما هذا الخلق يا هنتاه! فقالت: هو ما ترى. فقال: أطلقك؟ قالت: نعم، فطلقها. فتزوجها ذلك الملك، فلما زفت إليه نظر إليها فعمي، ومد يده إليها فجفت. فرفع نبي ذلك العصر خبرهما إلى الله، عز وجل، فأوحى الله تعالى إليه: أعلمهما أني غير غافر لهما، أما علما أن بعيني ما عملا بصاحب المسحاة؟ يقتل جاريته بريبة أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي التوزي قال: حدثنا إسماعيل بن سعيد بن سويد قال: حدثنا الحسين بن القاسم قال: حدثنا عبيد الله بن خرداذبة قال: أخبرني موسى بن المأمون قال: كان فروح الزناء يعشق جاريةً بالمدينة يقال لها رهبة ثم اشتراها فقال: يا رَهبَ لم يَبقَ لي شيء أُسَرّ بِهِ ... غيرَ الجلوسِ، فَتَسقِيني وأسقِيكِ. وَتَمزُجينَ بِرِيقٍ مِنكِ لي قَدَحاً، ... وَتَشتَفي بكم نفسي وأشْفِيكِ. يا رَهْبَ مَا مَسّني شيءٌ أُغَمُّ بِهِ ... إلا تَفَرّجَ عَنّي حينَ آتِيكِ. قال ثم عثر على ريبةً بينها وبين جارية له، فقتلها، فقال ابن الخياط المديني: تَنَجّدَ وَاستشرَى على قتلِ كاعبٍ، ... كأنّ فُضَاضَ المِسكِ منها التنفسُ. فمالتْ على الكَفّينِ خَودٌ غَريرَةٌ، ... كما باتَ بينَ الرّاحِ والصُّهبِ نَرْجِسُ.

قتيل لا يودى

قتيل لا يودى أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال: حدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن فارس قال: أخبرنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم الزبيبي قال: حدثني أبو بكر محمد بن خلف قال: حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري قال: حدثنا عمي قال: حدثني أبي عن صالح بن كيسان قال: حدثني ابن شهاب أن القاسم بن محمد أخبره أن رجلاً ضاف ناساً من هذيل، فخرجت لهم جارية، واتبعها ذلك الرجل، فأرادها على نفسها فتعافسا في الرمل، فرمته بحجر، ففضت كبده، فبلغ ذلك عمر، رحمه الله، فقال: ذاك قتيل الله لا يودى أبداً. يقتلها ويبكي عليها أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري قال: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز قال: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف القاضي قال: حدثني أبو عبد الله اليمامي عن العتبي عن أبيه قال: كان رجل من العرب تحته ابنة عم له، وكان لها عاشقاً، وكانت امرأةً جميلةً، وكان من عشقه لها أنه كان يقعد في دهليزه مع ندمائه، ثم يدخل ساعة بعد ساعة ينظر إليها، ثم يرجع إلى أصحابه عشقاً لها، فطبن لها ابن عم لها، فاكترى داراً إلى جنبه، ثم لم يزل يراسلها حتى أجابته إلى ما أراد، فاحتالت، فنزلت إليه، ودخل الزوج كعادته لينظر إليها، فلم يرها، فقال لامرأةٍ: أين فلانة؟ قالت: تقضي حاجةً، فطلبها في

الموضع، فلم يجدها، فإذا هي قد نزلت، وهو ينظر إليها، فقال لها: ما وراءك؟ فوالله لتصدقني. قالت: والله لأصدقنك، من الأمر كيت وكيت، فأقرت له، فسل السيف فضرب عنقها، وقتل أمها، وهرب وأنشأ يقول: يا طَلعَةً طَلَعَ الحِمامُ عَلَيها ... فجَنى لهَا ثَمَرَ الرَّدى بيَدَيها. رَوّيتُ من دَمِها الثرَى، وَلَطالَما ... رَوّى الهَوى شفَتَيّ من شفَتيها. حكَمتُ سيفي في مجال خِناقِها، ... وَمدامعي تجري على خَدّيْها. ما كانَ قتلِيها لأني لم أكُنْ ... أخشى إذا سقَطَ الغُبارُ عليها. لكن بخلتُ على العُيونِ بحُسنِها، ... وأنِفتُ من نَظرِ العيونِ إليها. قال: وزادني غير أبي عبد الله: وكان لها أخت شاعرة فقالت تجيبه: لَوْ كنْتَ تُشفِقُ أوْ تَرِقّ عَلَيها ... لَرَفعْتَ حدّ السيف عن وَدْجَيها. وَرَحمتَ عَبرَتَها وطولَ حنِينِها، ... وَجزعتَ من سوءٍ يَصِيرُ إلَيهَا. مَن كان يفعلُ ما فعلتَ بِمثلِها، ... إذ طاوَعَتكَ، وَخالفَتْ أبَوَيهَا. فَترَكتَها في خِدرِها مَقتُولَةً، ... ظُلماً، وَتبكي، يا شِقيّ، عَلَيهَا.

ظبيات لهن أسرى وقتلى

ظبيات لهن أسرى وقتلى ولي ابتداء قصيدة: بينَ بابِ ابرزوا ونهرِ المُعلّى ... ظَبيَاتٌ لهُنّ أسْرَى وَقَتْلى. فَاتِكاتٌ حَلَلْنَ، يوْمَ التَقَيْنَا، ... من دمي بالإعرَاضِ ما ليسَ حلاّ. هَجَرُوا مع تصَاقُبِ الدارِ، واست ... لّ هَوَاهُم مِن جِسمِيَ الرّوحَ سَلاّ. وَأبَوْا أنْ يُسامِحُوا بِحُبَالٍ ... رُبّمَا نَفّسَ الهُمومَ وَسَلاّ. فَعَلَيهِم، معَ الصبى والتّصابي ... مِن سَلامي، مَا دَقّ مِنه وَجَلاَّ. إهدار دم الفاسق أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال: حدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن فارس قال: حدثنا أبو الحسين بن بيان الزبيبي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف المحولي قال: حدثنا أحمد بن زهير قال: حدثنا داود بن رشيد قال: حدثنا أبو المليح عن الزهري قال: كان رجل يهوى امرأةً، فأرادها، فأغلقت الباب دونه، فأدخل الرجل رأسه من إسكفة الباب، فأخذت المرأة حجراً أو خشبةً، فضربت رأسه فدمغته، فرفع ذلك إلى عبد الملك بن مروان فقال: به لا بظبي، وأهدر دمه.

عمر وابن الشيخ الأنصاري

عمر وابن الشيخ الأنصاري أخبرنا أبو طاهر بن السواق قال: حدثنا محمد بن فارس قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزبيبي قال: حدثنا محمد بن خلف قال: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث قال: قال عمر بن الخطاب: لا أهدر دم أحد من المسلمين. وإنه أتي يوماً بفتىً أمرد قد وجد قتيلاً ملقىً على وجه الطريق. فسأل عمر عن أمره واجتهد فلم يقف له على خبر، ولم يعرف له قاتل. فشق ذلك عليه، وقال: اللهم أظفرني بقاتله، حتى إذا كان رأس الحول أو قريباً من ذلك وجد صبي مولود ملقىً بموضع القتيل، فأتي به عمر، رحمة الله عليه، فقال: ظفرت بدم المقتول، إن شاء الله، فدفع الصبي إلى امرأة وقال لها: قومي بشأنه، وخذي منا نفقته، وانظري من يأخذه منك، فإذا وجدت امرأة تقبله وتضمه إلى صدرها، فأعلميني بمكانها. فلما شبّ الصبي، وطاب، جاءت جارية فقالت للمرأة: إن سيدتي بعثتني إليك، لتبعثي بالصبي لتراه، والمرأة معها، حتى دخلت على سيدتها، فلما رأته أخذته فقبلته وضمته إليها، وإذا هي بنت شيخ من الأنصار من أصحاب النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فأخبرت عمر خبر المرأة، فاشتمل عمر على سيفه، ثم أقبل إلى منزلها، فوجد أباها متكئاً على باب داره فقال: يا أبا فلان! ما فعلت ابنتك فلانة؟ قال: يا أمير المؤمنين جزاها الله خيراً، هي من أعرف الناس بحق الله تعالى، وحق أبيها، مع حسن صلاتها وصيامها، والقيام بدينها. فقال عمر: قد أحببت أن أدخل عليها فأزيدها رغبةً في الخير وأحثها على ذلك. فقال الشيخ: جزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين! فقال له: امكث مكانك حتى أرجع إليك.

فاستأذن عمر عليها، فلما دخل أمر عمر كل من كان عندها بالخروج، فخرجوا عنها، وبقيت هي وعمر في البيت ليس معهما أحد، فكشف عمر عن السيف فقال: لتصدقني، وكان عمر لا يكذب، فقالت: على رسلك يا أمير المؤمنين، على الخبير وقعت، فوالله لأصدقن: إن عجوزاً كانت تدخل علي، فاتخذتها أماً، وكانت تقوم من أمري بما تقوم به الوالدة، وكنت لها بمنزلة البنت، فأمضت بذلك حيناً، ثم إنها قالت: يا بينة إنه قد عرض لي سفر، ولي بنت في موضع أتخوف عليها فيه أن تضيع، وقد أحببت أن أضمها إليك، حتى أرجع من سفري، فعمدت إلى ابن، كان لها، شاب أمرد فهيأته كهيأة الجارية، وأتتني به، وأنا لا أشك أنه جارية، فكان يرى مني ما ترى الجارية من الجارية، حتى اغتفلني يوماً وأنا نائمة، فما شعرت حتى علاني وخالطني، فمددت يدي إلى شفرة كانت إلى جنبي فقتلته، ثم أمرت به فألقي حيث رأيت، فاشتملت منه على هذا الصبي، فلما وضعته ألقيته في موضع أبيه، فهذا والله خبرهما على ما أعلمتك. فقال لها عمر، رحمة الله عليه: صدقت بارك الله فيك! ثم أوصاها ووعظها، ودعا لها، وخرج من عندها، وقال لأبيها: بارك الله في ابنتك، فنعم الابنة ابنتك، وقد وعظتها وأمرتها. فقال له الشيخ: وصلك الله يا أمير المؤمنين، وجزاك خيراً عن رعيتك!.

سوسن العابدة ومراوداها

سوسن العابدة ومراوداها أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال: حدثنا ابن فارس قال: حدثنا الزبيبي قال: حدثنا محمد بن خلف قال: حدثني أحمد بن زهير قال: قال غيلان: حدثنا أبو عوانة عن إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس الأودي قال: كان رجلان في بني إسرائيل عابدان وكانت جارية يقال لها سوسن، عابدةٌ، وكانوا يأتون بستاناً فيتقربون فيه بقربان لهم، فهوي العابدان سوسن فكتم كل واحد منهما عن صاحبه، واختبأ كل واحد منهما خلف شجرة ينظران إليها، فبصر كل واحد منهما بصاحبه، فقال كل واحد منهما لصاحبه: ما يقيمك ههنا؟ فأفشى كل واحد منهما إلى صاحبه حب سوسن، فاتفقا على أن يراوداها عن نفسها، فلما جاءت لتقرب قالا لها: قد عرفت طواعية بني إسرائيل بني إسرائيل لنا، فإن لم تؤاتينا قلنا، أصبحنا: إنا أصبنا معك رجلاً، وإن الرجل فاتنا، وإنا أخذناك، فقالت لهما: ما كنت لأطيعكما، فأخذاها، وأخرجاها، وقالا: أخذنا سوسن مع رجل، وإن الرجل سبقنا وذهب، فأقاموا سوسن على المصطبة، فكانوا يقيمون المذنب ثلاثة أيام، فتنزل نار من السماء، فتأخذه، فأقاموا سوسن، فلما كان اليوم الثالث جاء دانيال، وهو ابن ثلاث عشرة سنةً، فوضعوا له كرسياً، فجلس عليه، وقال: قدموهما إلي! فجاءا كالمستهزئين، فقال: فرقوا بين الشاهدين! قال لأحدهما: خلف أي شجرة رأيتها؟ فقال: وراء تفاحة، وقال للآخر: خلف أي شجرة رأيتها؟ فاختلفا، فنزلت نار من السماء، فأحرقتهما، وأفلتت سوسن. قال أبو بكر: وفي خبر آخر أنها وقفت لترجم فنزل الوحي على دانيال وهو ابن سبع سنين.

يخون الغازي فيقتل

يخون الغازي فيقتل أخبرنا أبو علي زيد بن أبي حيويه القاضي بمدينة تنيس في سنة خمس وخمسين وأربعمائة قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن نصر قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن أحمد السمرقندي بتنيس قال: حدثنا أحمد بن شيبان الموصلي قال: حدثنا مؤمل عن حماد بن سلمة وحماد بن زيد عن أيوب: أن رجلاً خرج غازياً، فخرج من جيرانه فأبصر في بيته ذات ليلة مصباحاً، فقام قريباً من منزله، فسمع: وَأشعَثَ غَرَّهُ الإسلامُ مني ... خلَوْتُ بعِرْسهِ ليلَ التَّمام. أبِيتُ على ترَائبِها وَيُضْحي ... على جَرْداءَ لاحقةِ الحِزَامِ. كأنّ مَوَاضعَ الرَّبَلاتِ منهَا ... فِئَامٌ يَنتَمِينَ إلى فِئَامِ. قال: فدخل عليه فقتله، ثم رمى به، فلما أصبح أخبر عمر به فقام يخطب الناس فقال: أنشد الله رجلاً، وأعزم على من علم من هذا الرجل علماً إلا أخبرنا به. فقام الرجل فأخبره بما رأى وبما سمع، فقال عمر: اقتل! قال: فعلت يا أمير المؤمنين.

ما أذنبت إلا ذنب صحر

ما أذنبت إلا ذنب صحر أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي ولقيته بمدينة الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، في سنة ست وأربعين وأربعمائة قال: أخبرنا أبو مسلم الكاتب قال: أخبرنا ابن دريد قال: حدثنا العكلي عن ابن أبي خالد عن الهيثم عن مجالد عن الشعبي قال: كان لقمان بن عاد بن عاديا، الذي عُمّرَ عمرَ سبعة أنسر، مبتلى بالنساء، وكان يتزوج المرأة فتخونه، حتى تزوج جاريةً صغيرةً لم تعرف الرجال، ثم نقر لها بيتاً في صفح جبل، وجعل له درجةً بسلاسل ينزل بها ويصعد، فإذا خرج رفعت السلاسل، حتى عرض لها فتىً من العماليق فوقعت في نفسه، فأتى بني أبيه، فقال: والله لأجنين عليكم حرباً لا تقومون لها! قالوا: وما ذلك؟ قال: امرأة لقمان بن عاد هي أحب الناس إلي. قالوا: فكيف نحتال لها؟ قال: اجمعوا سيوفكم ثم اجعلوني بينها، وشدوها حزمةً عظيمة، ثم ائتوا لقمان، فقولوا: إنا أردنا أن نسافر، ونحن نستودعك سيوفنا حتى نرجع، وسموا له يوماً! ففعلوا وأقبلوا بالسيوف فدفعوها إلى لقمان، فوضعها في ناحية بيته. وخرج لقمان وتحرك الرجل فخلت الجارية عنه، فكان يأتيها، فإذا أحست بلقمان جعلته بين السيوف حتى انقضت الأيام، ثم جاؤوا إلى لقمان فاسترجعوا سيوفهم، فرفع لقمان رأسه بعد ذلك فإذا نخامة تنوس في سقف البيت، فقال لامرأته: من نجم هذه؟ قالت: أنا، قال: فتنخمي! ففعلت، فلم تصنع شيئاً، فقال: يا ويلتاه! والسيوف دهتني، ثم رمى

الحسناء المهجورة

بها من ذروة الجبل فتقطعت قطعاً، وانحدر مغضباً، فإذا ابنة له يقال لها صحر فقالت له: يا أبتاه! ما شأنك؟ قال: وأنت أيضاً من النساء، فضرب رأسها بصخرة فقتلها، فقالت العرب: ما أذنبت إلا ذنب صحر، فصارت مثلاً. الحسناء المهجورة أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان المحولي قال: حدثني عبد الله بن عمرو قال: حدثني علي بن عبد الله بن سليمان النوفلي قال: ذكر أبو المختار عن محمد بن قيس العبدي قال: إني لبالمزدلفة بين النائم واليقظان، إذ سمعت بكاءً متتابعاً ونفساً عالياً، فاتبعت الصوت، فإذا أنا بجارية كأنها الشمس حسناً، ومعها عجوز، فلطئت بالأرض لأنظر إليها وأمتع عيني بحسنها، فسمعتها تقول: دعوتك يا مولاي سراً وجهرةً ... دعاء ضعيف القلب عن محمل الحب. بليت بقاسي القلب لا يعرف الهوى ... وأقتل خلق الله للهائم الصب. فإن كنت لم تقض المودة بيننا ... فلا تخل من حب له أبداً قلبي. رضيت بهذا في الحياة، فإن أمت ... فحسبي ثواباً في المعاد به حسبي. وجعلت تردد هذه الأبيات، وتبكي، فقمت إليها، فقلت: بنفسي أنت، مع هذا الوجه يمتنع عليك من تريدينه؟ قالت: نعم، والله، وفي قلبه أكثر مما في قلبي، فقلت: إلى كم هذا البكاء؟ قالت: أبداً أو يصير

إنما يرحم الصحيح السقيما

الدمع دماً وتتلف نفسي غماً. فقلت لها: إن هذه لآخر ليلةٍ من ليالي الحج، فلو سألت الله التوبة مما أنت فيه، رجوت أن يذهب حبه من قلبك. فقالت: يا هذا! عليك بنفسك في طلب رغبتك، فإني قد قدمت رغبتي إلى من ليس يجهل بغيتي. وحولت وجهها عني، وأقبلت على بكائها وشعرها، ولم يعمل فيها قولي وعظتي. إنما يرحم الصحيح السقيما أنشدنا أبو محمد الجوهري قال: أنشدنا ابن حيويه قال: أنشدنا عبيد الله بن أحمد قال: أنشدني أبي خالد الكاتب: عِشتُ مُستَهتراً وَعِشتُ سَلِيما، ... حيثُ ما كنتُ لا عدِمتُ النّعِيمَا. عَجَبٌ أنْ تَكُونَ يَا حَسَنَ ال ... وَجْهِ رَؤوفاً بِعَاشِقِيكَ رَحِيمَا. بَدَني نَاحِلٌ، وَأنتَ صَحِيحٌ، ... إنّمَا يَرْحَمُ الصّحِيحُ السّقِيمَا. عَلِمَ الخَلْقُ أنّ رُوحي وَجِسمي ... لَقِيَا في هَوَاكَ أمْراً عَظِيمَاً. يخصي المغني أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي ثابت الحافظ قال: حدثنا أبو نعيم الحافظ الأصبهاني بها قال: حدثنا سليمان الطبراني قال: حدثنا محمد بن جعفر بن أعين قال: حدثنا علي بن حرب المؤملي عن عامر بن الكلبي عن حماد الراوية قال: حدثني بعض خدم سليمان بن عبد الرحمن قال: خرج سليمان بن عبد الملك يريد بيت المقدس، وكان أغير قريش وأسرعها طيرةً، فنزل منزلاً من غور البلقاء بدير لبعض الرهبان،

فحف بالدير أهل العسكر، وكان في من خرج معه رجل من كلب، يقال له سنان، وكان فارساً ومغنياً محسناً، وشجاعاً، وبغيرة سليمان عبد الملك عارفاً، ولم يك يسمع له صوت في عسكره، فزاره في تلك الليلة فتية من أهله، فعشاهم، وسقاهم، فأخذ فيهم الشراب، فقالوا: يا سنان! ما أكرمتنا بشيء أن لم تسمعنا صوتك. فترنم فغناهم، فقال: مَحجُوبةٌ سَمِعَتْ صَوْتي فأرّقَهَا ... مِنْ آخِرِ اللّيلِ لمّا بَلّهَا السّحَرُ. تَثْني عَلى فَخْذِهَا مُثْنَى مُعَصْفَرَة ... وَالحَلْيُ مِنْهَا عَلى لبّاتِهَا حَصِرُ. لم يَحجُبِ الصّوْتَ أحرَاسٌ وَلا غَلَقٌ ... فَدَمعُهَا لطُرُوقِ الصّوْتِ مُنحَدِرُ. في لَيلَةِ النّصْفِ ما يَدرِي مُضَاجِعُها ... أوَجْهُهَا عِنْدَهُ أبْهَى أمِ القَمَرُ. لَوْ خُلّيَتْ لمَشَتْ نَحْوِي عَلى قَدمٍ ... تَكَادُ من رِقّةٍ للمَشيِ تَنْفَطِرُ. فلما سمع سليمان الصوت قام فزعاً يتفهم ما سمع، وكان معه جاريته عوان، ولم يكن لها نظير في زمانها في الجمال والتمام والحذق بالغناء، وكان يحبها، فلما فهم الصوت ارتعدت فرائصه غيرة، ثم أقبل نحو عوان، وهي خلف ستر، فكشف الستر رويداً لينظر أنائمة هي أم مستيقظة، فوجدها مستيقظة، وهي صفة الأبيات: عليها معصفرة، وحليها على لباتها، فلما أحست به، وعلمت بأنه قد علم بأنها مستيقظة قالت: يا أمير المؤمنين! قاتل الله الشاعر حيث يقول: ألا رُبّ صَوْتٍ جَاءَني مِنْ مُشَوّهٍ ... قَبيحِ المُحَيّا وَاضِعِ الأبِ واَلجَدّ. قَصِيرِ نِجَادِ السّيفِ جَعْدٍ بَنَانُهُ ... إلى أمَةٍ يُعزَى مَعاً وَإلى عَبْدِ.

فسكن من غضبه قليلاً، ثم قال لها: فقد راعك صوته على ذلك؟ فقالت: يا أمير المؤمنين صادف مني استيقاظاً، فقال: ويحك يا عوان! كأنه، والله، يراك وينعتك في غنائه في هذه الليلة، والله لأقطعنه أطباقاً كائناً ما كان. ثم بعث في طلبه فبعثت عوان خادماً إليه سراً، وقالت له: إن أدركته فحذرته، فأنت حر، ولك ديته. فخرج سليمان حتى وقف على باب الدير، فسبقت رسل سليمان، فأتوا به إلى سليمان مربوطاً حتى وقفوه بين يديه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا سنان الكلبي فارسك يا أمير المؤمنين. فأنشأ سليمان يقول: تَثكَلُ في الثّكلى سنَاناً أُمُّه ... كَانَ لها رَيحَانَةً تَشُمّه. وَخَالُهُ يَثْكَلُهُ وَعَمُّه ... ذُو سَفَهٍ هَنَاتُه تَعُمّه. فقال سنان: يا أمير المؤمنين: استَبْقِني إلى الصّبَاحِ أعتَذِرْ ... إنّ لسَاني بالشّرَابِ مُنكَسِرْ. فارِسُكَ الكَلبيُّ في يوْمٍ نَكِرٌ، ... فإنْ يكُنْ أذنَبَ ذَنباً أوْ عَثَرْ. فَالسّيّدُ العَافي أحَقُّ مَنْ غَفَرْ. فقال سليمان: أعلي تجترئ يا سنان! أما إني لا أقتلك، ولكني سأنكل بك نكالاً يؤنبك من تفحلك. فأمر به فخصي، فسمي ذلك الدير دير الخصيان.

تقتل حفاظا على عرضها

تقتل حفاظاً على عرضها أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن فارس قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزبيبي قال: حدثنا محمد بن خلف قال: حدثني إسحاق بن محمد قال: حدثنا محمد بن زياد الأعرابي قال: نزل رجل من العرب بامرأة من باهلة، وليس عندها زوجها، فأكرمته وفرشته، فلما لم ير عندها أحداً سامها نفسها، فلما خشيته قالت له: امكث، أستصلح لك، ثم راحت فأخذت مديةً، فأخفتها ثم أقبلت إليه، فلما رآها ثار إليها فضربت بها في نحره، فلما رأت الدم سقطت مغشياً عليها، وسقط هو ميتا، فأتاها آتٍ من أهلها فوجدها على تلك لحال، فأجلسها حتى أفاقت، فقال أعشى باهلة في ذلك: لَعَمرِي لَقد حَفّتْ معَاذَةُ ضَيفَها ... وَسَوّتْ عَلَيْهِ مَهْدَهُ ثمّ بَرّتِ. فَلَمّا بَغَاهَا نَفسَهَا غَضِبَتْ لهَا ... عرُوقٌ نمَتْ وَسطَ الثرَى فاستَقرّتِ. وَشدّتْ على ذي مديَةِ الكَفّ مِعصَماً ... وَضِيئاً وَعَرّتُ نَفسَها فاستَمَرّتِ. فأمّتْ بها في نحرِه وَهوَ يَبتَغي ال ... نّكَاحَ فَمَرّتْ في حَشَاهُ وَجَرّتِ. فَثجّ كأنّ النيلَ في جَوْفِ صَدْرِهِ، ... وَأدْرَكَهَا ضُعْفُ النّسَاءِ فخَرّتِ.

هل يأتيكم نفسي

هل يأتيكم نفسي وأنشد لخالد الكاتب: إني إذا لم أجد شخصاً لأرسله ... وضاق بي منتهى أمري وملتمسي لمرسل زفرة من بعدها نفس، ... يا ليت شعري هل يأتيكم نفسي؟ المرأة الفاجرة والحية حججت فإني لفي رفقة مع قوم إذ نزلت منزلاً ومعنا امرأة، فنامت، وانتهت، وحية منطوية عليها قد جمعت رأسها وذنبها بين ثدييها، فهالنا ذلك وارتحلنا، فلم تزل منطوية عليها لا تضرها، حتى دخلنا أنصاب الحرم فانسابت، فدخلنا مكة فقضينا نسكنا. فرآها الغريض فقال: أي شقية ما فعلت حيتك؟ قالت: في النار! فقال: ستعلمين من في النار؛ ولم أفهم ما أراد فظننت أنه مازحها، واشتقت إلى غنائه، ولم يكن بيني وبينه ما يوجب ذلك عليه، فأتيت بعض أهله، فسألته ذلك فقال: نعم، فوجه إليه أن اخرج بنا إلى موضع كذا وكذا، ثم قال لي: اركب بنا، فركبنا حتى سرنا قدر ميل، فإذا الغريض هناك، فنزلنا، فإذا طعام معد، وموضع حسن، فأكلنا وشربنا، ثم قال: يا أبا يزيد هات بعض طرائفك! فاندفع يغني، ويوقع بقضيب: مرضت فلم تحفل علي جنوب، ... وأدنفت، والممشى إلي قريب

فلا يبعد الله الشباب وقولنا ... إذا ما صبونا صبوة سنتوب فقلد سمعت شيئاً ظننت أن الجبال التي حولنا تنطق معه شجا صوت وطيب غناء، وقال لي: أتحب أن نزيدك؟ فقلت: إي والله، فقال له: هذا ضيفك وضيفنا، وقد رغب إليك وإلينا، فأسعفه بما يريد. فاندفع يغني بشعر مجنون بني عامر: عفا الله عن ليلى الغداة، فإنها ... إذا وليت حكماً علي تجور أأترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة؟ إني إذاً لصبور فما عقلت بما غنى من حسنه، إلا بقول صاحبي: نجور عليك يا أبا يزيد، عرض بأني لما وليت الحكم عليه، جرت في سؤالي إياه أكثر من صوت. فقلت له، بعد ساعة، سراً: جعلت فداءك إني أريد المضي في أصحابي، نريد الرحلة، وقد أبطأت عليهم، فإن رأيت أن تسأله، حاطه الله من السوء والمكروه، أن يزيدني لحناً واحداً، فقال: يا أبا يزيد! أتعلم ما هو أشهى إلى ضيفنا؟ قال: نعم، أرادك على أن تكلمني في أن أغنيه. قلت: فهو والله ذاك، فاندفع يغني: خذي العفو مني تستديمي مودتي، ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعنا، لم يلبث الحب يذهب فقال له: قد أخذنا العفو منك، واستدمنا مودتك، ثم أقبل علينا فقال: ألا أحدثكم بحديث حسن؟ قلنا: بلى! فقال: قال شيخ من أهل العلم وبقية الناس وصاحب علي بن أبي طالب، وخليفة عبد الله بن عباس على البصرة، أبو الأسود الدؤلي لابنته ليلة البناء: أي بنية! النساء كن بوصيتك وتأديبك أحق مني، ولكن لابد مما لابد منه، يا بنية: إن أطيب الطيب الماء، وأحسن الحسن الدهن، وأحلى الحلاوة الكحل. يا بنية لا تكثري مباشرة زوجك فيملك، ولا تتباعدي عنه

أبو نواس والغلام عند الحجر الأسود

فيجفوك، ويعتل عليك. وكوني كما قلت لأمك: خُذي العفوَ مني تستديمي موَدّتي ... ولا تَنطِقي في سَوْرَتي حينَ أغضَبُ. فإني رأيتُ الحُبّ في الصّدرِ والأذى ... إذا اجتَمعَا لم يلبَثِ الحُبُّ يذهبُ. فقلت له: فديتك ما أدري غناؤك أحسن أم حديثك، والسلام عليك، ونهضت وركبت، وتخلف الغريض وصاحبه في موضعهما، وأتيت أصحابي وقد أبطأت، فرحلنا منصرفين، حتى إذا كنا في المكان الذي رأيت فيه الحية منطويةً على صدر المرأة، ونحن ذاهبون، رأيت الحية والمرأة وهي منطوية عليها فلم ألبث أن صفرت الحية فإذا الوادي يسيل علينا حيات، فنهشنها حتى بقيت عظاماً، فطال تعجبنا من ذلك، ورأينا ما لم نر مثله قط، فقلت لجارية كانت معنا: ويحك أخبرينا عن هذه المرأة! قالت: علقت ثلاث مرات، وكل مرة تلد ولداً، فإذا وضعته سجرت التنور، ثم ألقته فيه، فذكرت قول الغريض، حين سألها عن الحية فقالت في النار ستعلمين من في النار. أبو نواس والغلام عند الحجر الأسود وجدت بخط محمد بن نصر بن أحمد بن مالك يقول: حدثنا أبو بكر محمد بن الفضل بن قديد بن أفلح البزاز قال: حدثنا الحسن بكر بن أحمد بن الفرج بن عبد الرحيم بكازرون قال: حدثنا عباد قال: قال الأصمعي: كنت مع أبي نواس بمكة، فإذا أنا بغلام أمرد يستلم الحجر، فقال لي أبو نواس: والله لا أبرح حتى أقبله عند الحجر، فقلت: ويلك! اتق الله، عز وجل، فإنك في بلد الله الحرام،

الزاغ الشاعر العاشق

وعند بيته. فقال: ما منه بد. ثم دنا من الحجر، وجاء الغلام يستلمه فبادر أبو نواس، فوضع خده على خد الغلام، وقبله، والله، وأنا أرى فقلت: ويلك لقد ارتكبت أمراً عظيماً في حرم الله تعالى. فقال: دع ذا عنك فإن ربي رحيم، ثم أنشأ يقول: وعاشِقَانِ التَفّ خَدّاهُمَا ... عندَ استِلامِ الحَجَرِ الأسوَدِ. فاشتَفَيا مِنْ غيرِ أنْ يَأتئمَا ... كأنّما كانا على مَوْعِدِ. الزاغ الشاعر العاشق أخبرنا علي بن محمد بن الحسين الجازري بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال: حدثني أبو علي محرز بن أحمد الكاتب. قال: حدثني محمد بن مسلم السعدي قال: وجه إلي يحيى بن أكثم يوماً، فصرت إليه، وإذا عن يمينه قمطرة مجلدة، فجلست، فقال: افتح هذه القمطرة، ففتحتها، فإذا شيء قد خرج منها، رأسه رأس إنسان، وهو من سرته إلى أسفله خلقة زاغ، وفي صدره وظهره سلعتان، فكبرت وهللت، وفزعت، ويحيى يضحك، فقال لي بلسان فصيح طلق ذلق: أنا الزّاغُ أبو عَجْوَه ... أنا ابنُ اللّيْثِ واللّبوَه. أُحِبّ الرّاحَ والرَّيْحَا ... نَ والنّشوَةَ وَالقَهوَه. فلا عَدْوَ يدي يُخشى ... ولا يُحذرُ لي سَطْوَه.

الزاغ في رواية أخرى

ولي أشيَاءُ تُستَط ... رَفُ يَوْمَ العِرْسِ والدَّعوَه. فَمِنها سِلْعَةٌ في الظَهْ ... رِ لا تسترُها الفَرْوَه. وَأمّا السِّلعَةُ الأخرَى ... فلَوْ كانَتْ لهَا عُرْوَه. لمَا شَكّ جَميعُ الناسِ في ... هَا أنّهَا رَكْوَه. ثم قال: يا كهل أنشدني شعراً غزلاً! فقال لي يحيى: قد أنشدك الزاغ، فأنشده، فأنشدته: أغَرّكَ أنْ أذنَبْتَ ثُمّ تَتابَعتْ ... ذنوبٌ، فلَم أهجُرْكَ، ثُمّ ذنوبُ. وأكثرْتَ حتى قلتَ ليسَ بصارمي ... وقدْ يَصرِمُ الإنْسانُ وهوَ حبيبُ. فصاح: زاغ زاغ زاغ، وطار، ثم سقط في القمطرة. فقلت ليحيى: أعز الله القاضي، وعاشق أيضاً! فضحك. قلت: أيها القاضي! ما هذا؟ قال: هو ما تراه، وجه به صاحب اليمن إلى أمير المؤمنين، وما رآه بعد، وكتب كتاباً لم أفضضه، وأظن أنه ذكر في الكتاب شأنه وحاله. الزاغ في رواية أخرى أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق قال: أخبرنا الأمير أبو الحسن أحمد بن محمد بن المكتفي بالله قال: حدثنا جحظة قال: أخبرني بعض بني الرضا قال: قال علي بن محمد: دخلت على أحمد بن أبي دؤاد، وعن يمينه قمطر مجلد، فقال لي: اكشف وانظر العجب! فكشفت، فخرج علي رجل طوله شبر، من وسطه إلى أعلاه رجل، ومن وسطه إلى أسفل صورة الزاغ ذنباً ورجلاً، فقال لي: من أنت؟ فانتسبت له، فسألته عن اسمه فقال: أنا الزّاغُ أبو عَجوَه ... حليفُ الخمرِ والقَهوَه.

البلبل الناطق

ولي أشيَاءُ تُستَط ... رَفُ يَوْمَ العِرْسِ والدّعْوَه. فمِنها سِلعَةٌ في الظّهْ ... رِ لا تَستُرُهَا الفَرْوَه. ومِنها سِلعَةٌ في الصّدْ ... رِ لَوْ كانَ لها عُرْوَه. لمَا شكّ جميعُ الناسِ حَ ... قّاً أنّها رَكْوَه. ثم قال: أنشدني شيئاً في الغزل، فأنشدته: وَلَيلٍ في جَوَانِبِهِ فُضُولٌ ... مِنَ الإظلامِ أطلسَ غيهَباني. كأنّ نجومَهُ دَمْعٌ حَبِيسٌ ... ترَقرَقَ بينَ أجفانِ الغَوَاني. فصاح: وا أبي، وا أمي! ورجع إلى القمطر، وستر نفسه. فقال ابن أبي دؤاد: وعاشق أيضاً! البلبل الناطق أخبرنا القاضي أبو علي زيد بن أبي حيويه بتنيس سنة خمس وخمسين وأربعمائة بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن عمر بن علي بن زريق الجلباني قال: حدثنا أبو الفرج محمد بن سعيد بن عمران قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن عليل بن محمد المطيري الحافظ قال: حدثنا سليمان بن عبد الملك قال: حدثنا مروان بن دؤالة قال: حدثنا الحارث بن عطية عن موسى بن عبيدة عن عطاء في قوله: ولقد همت به وهم بها. قال: كان لها بلبل في قفص، إذا نظر إليها صفر لها، فلما رآها قد دعت يوسف، عليه السلام، إلى نفسها، ناداه بالعبرانية: يا يوسف لا تزن، فإن الطير فينا إذا زنى تناثر ريشه.

عزة وكثير

عزة وكثير أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد قال: حدثنا محمد بن العباس بن حيويه قال: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني يزيد بن محمد قال: أخبرني محمد بن سلام الجمحي قال: أرادت عزة أن يعرف ما لها عند كثير فتنكرت له، وقامت به متعرضة، فقام فاتبعها، فكلمها، فقالت له: فأين حبك عزة؟ فقال: أنا الفداء لك، لو أن عزة أمة لي لوهبتها لك. قالت: ويحك! لا تفعل، فقد بلغني أنها لك في صدق المودة، ومحض المحبة والهوى على حسب الذي كنت تبدي لها من ذلك وأكثر، وبعد، فاين قولك: إذا وَصَلَتنا خِلّةٌ كي نُزيلَها ... أبَينا، وقلنا: الحاجِبِيّةُ أوّلُ. فقال كثير: بأبي أنت وأمي! أقصري عن ذكرها، واسمعي ما أقول، ثم قال: ما وَصْلُ عَزّةَ إلاّ وَصْلُ غانيَةٍ ... في وَصْلِ غانيَةٍ من وصلها خَلَفُ. ثم قال: هل لك في المخالة؟ فقالت له: كيف بما قلت في عزة وسيرته لها؟ فقال: أقبله فيتحول إليك، ويصير لك. قال: فسفرت عن وجهها، عند ذلك، وقالت: أغدراً وانتكاثاً يا فاسق؟ وإنك لها هنا، يا عدو الله! فبهت وأبلس ولم ينطق، وتحير وخجل، ثم إنها عرفته أمرها ونكثه وغدره بها، وأعلمته سوء فعاله، وقلة حفاظه، ونقضه للعهد والميثاق، ثم قالت: قاتل الله جميلاً حيث يقول: لحَى اللهُ مَن لا يَنفَعُ الوِدُّ عِندَهُ، ... ومَن حَبلُهُ إنْ مُدّ غيرُ متينِ.

يرى الدم حلالا

وَمَن هوَ ذو وَجهَينِ ليسَ بدائِمٍ ... على العَهدِ حلاّفٌ بِكلّ يمِينِ. قال: فأنشأ كثير يقول بانخزالٍ وحصر وانكسار، يعتذر إليها، ويتنصل مما كان منه، ويحتال في دفع زلته، متمثلاً بقول جميل، ويقال: بل سرقه من جميل وانتحله لنفسه فقال: ألا لَيتني قبلَ الذي قلتُ شِيبَ لي ... من المُذعِفِ القاضي سِمامُ الذَّرَارِحِ. فَمُتّ ولمْ تَعلَمْ عليّ خِيَانَةً، ... ألا رُبّ باغي الرِّبْحِ ليْسَ برَابِحِ. فَلا تحمِليهَا واجْعلِيها خِيَانَةً، ... تَروّحتُ منها في مياحةِ مائِحِ. أبوءُ بذَنبي أنّني قَدْ ظَلَمْتُها، ... وإني بِباقي سِرِّهَا غيرُ بائِحِ. يرى الدم حلالاً ولي، وهما بيتان لا غير: إنّ في الجِيرَةِ الذينَ استَقَلّوا ... من زَرُودٍ، وبطنَ وجرةَ حلّوا. لَغزَالاً يرَى دِماءَ محِبّي ... هِ حَلالاً لهُ، وما الدمُ حِلُّ.

هبني لا أبوح

هبني لا أبوح أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت بالشام قال: أخبرنا أبو القسم عبيد الله بن أحمد الصيرفي قال: أخبرنا أبو بكر بن شاذان قال: أنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي قال: أنشدني بعض أصحابنا: جَعَلْتُ مَحلّةَ البَلَوى فُؤادي، ... وَسَلّطتُ السُّهادَ على رُقادي. ونِمتَ مُوَدِّعاً وَسهِرْتُ لَيلاً، ... أما استَحيا رُقادُكَ من سُهادي؟ فَهبَني لا أبوحُ بِمَا أُلاقي، ... ألَيسَ الشَّوْقُ من كَبِدي يُنَادي؟. ما كان قلبي حاضراً أنشدنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال: أنشدني قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن علي بن جعفر بن ماكولا لأبي بكر الخوارزمي الطبري من طبرية الشام من تشبيب قصيدة في الصاحب أبي القاسم عباد: يَفُلُّ غداً جيشُ النَّوَى عسكرَ اللِّقا ... فرَأيُكَ في سَحّ الدموعِ مُوَفَّقَا. وَلمّا رَأيْتُ الإلفَ يَعْزِمُ للنّوَى ... عزَمتُ على الأجفانِ أن تَتَرَقرَقَا. وخُذ حجّتي في ترْكِ جِسميَ سالماً ... وقلبي، ومن حقَّيِهما أن يُخَرَّقَا. يدي ضَعُفَتْ عن أن تُخَرّقَ جيَبَها، ... وما كان قلبي حاضراً فيَمُزَقَّا.

لم يبق إلا نفس خافت

لم يبق إلا نفس خافت أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الصوري الحافظ، رحمه الله، سنة أربع وأربعمائة بقراءتي عليه، قلت له: قرأت على أبي علي الحسن بن حفص بن الحسن البهراني ببيت المقدس قلت: أخبركم أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي قال: حدثنا عبد الله بن موسى قال: سمعت الحسن الصوفي الأذربيجاني يقول: حضرنا ببغداد في جماعة من الفقراء مجلس سماع، فتواجد بعض المشايخ، قال: فقمنا إليه وقلنا، كيف تجدك، أيدك الله؟ فقال: لم يَبقَ إلاّ نَفَسٌ خافِتُ، ... ومُقلَةٌ إنسانُها باهِتُ. ذابَ فما في الجسمِ من مفصِلٍ، ... إلاّ وَفيهِ سَقَمٌ ثابِتُ. عَدُوّهُ يَبكي لَهُ رَحْمَةً، وحسبُكم، من راحمٍ، شامتُ. فَعيُنُه تَبكي، وأحْشاؤه ... تضْحَكُ، إلاّ أنّه ساكتُ. ثغر يقرع ثغراً أخبرني أبو عبد الله الصوري قال: قرأت على أبي القاسم علي بن عمر بن جعفر الشيخ الصالح، رحمه الله، بالرملة قلت له: أنشدكم أبو القاسم علي بن محمد بن زكيرا بن يحيى الفقيه لبعضهم: إذا نحنُ خِفنَا الكاشِحينَ، فلمْ نُطِقْ ... كلاماً، تَكَلّمنا بأعيُنِنا شَزْرَا.

ابنة أبي ربيعة وأبو مسهر

نَصُدّ، إذا ما كاشِحٌ مالَ طرْفَهُ ... إلَينا، ونُبدي ظاهِراً بينَنَا هَجْرَا. فإنْ غَفَلوا عنّا رَأيْتَ خُدُودَنَا ... تَصافَحُ، أوْ ثَغراً قَرَعنَا بهِ ثَغْرَا. ولَوْ قَذَفَتْ أجسادُنَا ما تَضَمّنَتْ ... من الضّرِّ والبَلوَى إذاً قذفتْ جَمرَا. ابنة أبي ربيعة وأبو مسهر أخبرنا أبو طاهر بن السواق أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن فارس قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزبيبي قال: حدثنا محمد بن خلف قال: كتب إلي أبو علي الحسن بن عليل العنزي، ثم لقيته بعد ذلك، فحدثني به قال: حدثني أبو شراعة القيسي قال: حدثنا شيبان بن مالك قال: قال حماد الراوية: أتيت مكة فجلست في حلقة فيها عمر بن أبي ربيعة، فتذاكروا العذريين وعشقهم وصبابتهم، فقال عمر: أحدثكم عن بعض ذلك: إنه كان لي خليل من عذرة، وكان مستهتراً بحديث النساء، يشبب بهن، وينشد فيهن على أنه لا عاهر الحلة ولا سريع السلوة، وكان يوافي الموسم كل سنة، فإذا أبطأ ترجمت له الأخبار، وتوكفت له السفار، حتى يقدم، وإنه راث عني ذات سنة خبره، وقدم وفد عذرة، فأتيت القوم أنشد عن صاحبي، فغذا غلام قد تنفس الصعداء ثم قال: عن أبي المسهر تسأل؟ قلت: عنه نشدت وإياه أردت. قال: هيهات أصبح، والله، أبو مسهر لا مؤيساً منه فيهمل، ولا مرجواً فيعلل، أصبح والله كما قال: لَعَمرُكَ ما حبّي لأسماءَ تاركي ... صحيحاً، ولا أَقضي به فأموتُ.

قال قلت: وما الذي به؟ قال: به مثل الذي بك من طول تهكمكما في الضلال، وجركما أذيال الحسار، كأن لم تسمعا بجنة ولا نار. قال قلت: من أنت منه يا ابن أخي؟ قال: أنا أخوه. قال قلت: والله ما يمنعك من أن تركب طريق أخيك التي ركبها، وتسلك مسلكه الذي سلك، إلا أنك وأخاك كالوشي والبجادن لا يرقعك ولا ترقعه، ثم انطلقت وأنا أقول: أرَائِحَةٌ حُجّاجُ عُذرَةَ روحةً، ... ولمّا يَرُحْ في القوْم جَعدُ بنُ مَهجَعِ. خليلينِ نشكو ما نلاقي من الهوَى، ... فتىً ما أقُلْ يسمَعُ وإن قالَ أسمَعِ. فلا يُبعِدَنْكَ اللهُ خِلاً، فإنّني ... سألقى كما لاقَيْتَ في الحُبّ مصرَعي. فلما حججت وقفت في الموضع الذي كنت أنا وهو نقف فيه بعرفات، وإذا أنا براكب قد أقبل حتى وقف، وقد تغير لونه وساءت هيئته، فما عرفته إلا بناقته، فإقبل حتى خالف بين عنق ناقتي وناقته، ثم اعتنقني وجعل يبكي. فقلت: ما الذي دهاك وما غا لك؟ فقال: برح العذل وطول المطل، ثم أنشأ يقول: لئِنْ كانتْ عديلةُ ذاتَ بَثٍّ ... لَقَد عَلِمَتْ بأنّ الحُبّ داءُ. ألَمْ تَنظُرْ إلى تغييرِ جِسْمي، ... وإني لا يُزَايِلُني البُكَاءُ. وأني لَوْ تَكَلّفْتُ الذي بي ... لعَفّى الكَلْمُ وانكشَفَ الغِطاءُ. وإنّ مَعاشِري وَرِجالَ قَوْمي ... حُتُوفُهُمُ الصَّبَابَةُ وَالِّلَقاءُ.

إذا العُذرِيّ ماتَ بحَتْفِ أنْفٍ، ... فَذاكَ العَبدُ يَبكِيهِ الرِّشاءُ. فقلت: يا أبا مسهر! إنها ساعة عظيمة، وإنك في جمعٍ من أقطار الأرض، ولو دعوت كنت قميناً أن تظفر بحاجتك، وأن تنصر على عدوك. قال: فجعل يدعو حتى إذا تدلت الشمس للغروب وهم الناس بأن يفيضوا سمعته يهمهم، فأضحت له مستمعاً، فإذا هو يقول: يا رَبَّ كلِّ غدوَةٍ وَرَوْحه، ... من مُحرِمٍ يشكو الضّحى ولُوحه. أنتَ حسيبُ الخَطبِ يوْمَ الدَّوحه. فقلت له: وما يوم الدوحة؟ قال: سأخبرك إن شاء الله! إني امرؤ ذو مالٍ كثيرٍ من نعم وشاءن وإني خشيت على مالي التلف، فأتيت أخوالي من كلبٍ، فأوسعوا لي عن صدر المجلس وسقوني بجمة البئر، فكانوا خير أخوال حتى هممت بمواقعة إبل لي بماء يقال له الخرزات، فركبت وتعلقت معي شراباً كان أهداه إلي بعض الكلبيين، وانطلقت، حتى إذا كنت بين الحي ومرعى النعم، ورفعت لي دوحة عظيمة، فقلت: لو نزلت تحت هذه الشجرة، وتروحت مبرداً؟ فنزلت فشددت فرسي بغصنٍ من أغصانها ثم جلست تحتها، فإذا بغبار قد سطع، فتبينت فبدت لي شخوص ثلاثة، فإذا رجل يطرد مسحلاً وأتانا، فلما قرب

مني إذا عليه درع أصفر وعمامة خر سوداء، وإذا هو تنال فروع شعره كتفيه، فقلت في نفسي: غلام حديث عهدٍ بعرس، فأعجلته لذة الصيد فنسي ثوبه وأخذ ثوب امراته. فما لبث أن لحق بالمسحل فصرعه ثم ثنى طعنة الأتان فصرعها، ثم أقبل، وهو يقول: نَطْعَنُهُم سُلكى وَمخلوجَةً ... كَرَّكَ لأمينِ عَلى نابِلِ. قال فقلت: إنك قد تعبت وأتعبت. فلو نزلت. فثنى رجله فنزل فشد فرسه بغصن من أغصان الشجرة ثم أقبل حتى جلس قريباً مني، فجعل يحدثني حديثاً ذكرت به قول الشاعر: وَإنّ حَديثاً مِنْكِ، لو تَبذُلينَه، ... جنى النحلِ في ألبانِ عَودٍ مَطافِلِ. قال: فبينا هو كذلك إذ حك بالسوط على ثنيته، فرأيت، والله، يا ابن أبي ربيعة ظل السوط بينهما، فما ملكت نفسي أن قبضت على السوط فقلت: مه! فقال: ولم؟ قلت: إني أخاف أن تكسرهما، فإنهما رقيقتان. قال: هما عذبتان، ثم رفع عقيرته فجعل يغني: إذا قَبّلَ الإنْسانُ آخرَ يَشْتَهي ... ثَنَاياهُ لم يَأثَمْ وكانَ له أجْرَا. فإن زَادَ زادَ اللهُ في حَسَنَاتِهِ ... مَثاقِيلَ يمحو اللهُ عنه بها الوِزْرَا. ثم قال لي: ما هذا الذي تعلقت في سرجك؟ قلت: شراب أهداه إلي بعض أهلط، فهل لك فيه؟ قال: وما أكرهه. فأتيته به فوضعه بيني

وبينه، فلما شرب منه شيئاً نظرت إلى عينيه كأنهما عينا مهاة، قد أضلت ولداً، أو ذعرها قانص، فعلم أين نظري، فرفع عقيرته يغني: إنّ العُيونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ ... قَتَلْنَنَا ثُمّ لَمْ يُحيينَ قتلانا. يصرَعْنَ ذا الُّلبِّ حتى لا حَرَاكَ بِهِ، ... وهُنّ أضْعَفُ خَلقِ اللهِ أركانا. فقلت له: من أين لك هذا الشعر؟ قال: وقع رجل منا باليمامة وأنشدنيه، ثم قمت لأصلح شيئاً من أمر فرسي، فرجعت وقد جر العمامة عن رأسه، وإذا غلام كأنه الدينار المنقوش، فقلت: سبحانك اللهم ما أعظم قدرتك وأحسن صنعتك! قال: كيف قلت ذاك؟ قلت: مما راعني من نورك وبهرني من جمالك. قال: وما الذي يروعك من زرق الدواب وحبيس التراب، ثم لا تدري أينعم بعد ذلك أم ييأس. ثم قال إلى فرسه، فلما أقبل برقت لي بارقة الدرع، فإذا ثدي كأنه حق. قلت: نشدتك الله أإمرأة؟ قال: إي، والله، امرأة تكره العهر، وتحب الغزل. قلت: والله وإنا كذلك. قال: فجلست تحدثني، ما أفقد من أنسها حتى مالت على الدوحة سكراً، واستحسنت والله، يا ابن أبي ربيعة الغدر، وزين في عيني، ثم إن الله، عز وجل، عصمني بمنه، فجلست منها حجرة، فما لبثت أن انتبهت مذعورة، فلاثت عمامتها برأسها، وأخذت الرمح، وجالت في متن فرسها، فقلت: أما تزوديني منك زاداً؟ فأعطتني ثيابها، فشممت منها كالنبات الممطور، ثم قلت: أين الموعد؟ فقالت: إن لي أخوة شرسين، وأباً غيوراً، والله لأن أسرك أحب إلي من أن أضرك. قال: ثم مضت، فكان آخر العهد بها إلى يومي هذا فهي، والله، التي بلغت بي ما تراه من هذا المبلغ،

وأحلتني هذا المحل. قال قلت: وأنت والله يا أبا مسهر ما استحسن الغدر إلا بك، فإذا قد اخضلت لحيته بدموعه. قال قلت: والله ما قلت لك ذلك إلا مازحاً، وداخلتني له رقة، فلما انقضى الموسم، شددت على ناقتي، وشد على ناقته، وحملت غلاماً لي على بعير، وحملت عليه قبة أدم خضراء كانت لأبي ربيعة، وأخذت معي ألف دينار ومطرف خز، ثم خرجت حتى أتينا كلباً، فإذا الشيخ في نادي قومه، فأتيته، فسلمت عليه، فقال: وعليك السلام، من أنت؟ قلت: عمر بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي. قال: المعروف غير المجهول، فما الذي جاء بك؟ فقلت: جئت خاطباً. قال: أنت الكفؤ لا يرغب عن حسبه، والرجل لا يرد عن حاجته. قال قلت: إني لم آتك في نفسي، وإن كنت موضع الرغبة، ولكت أتيتكم لابن أختكم العذري. قال: والله إنه لكفيء الحسب كريم المنصب، غير أن بناتي لم يقعن إلا في الحي من قريش. قال: فعرف الجزع من ذلك في وجهي، فقال: أما إني لم أصنع بك شيئاً لم أصنعه بغيرك، أخيرها ما اختارت. قال قلت له: والله ما أنصفتني. قال: وكيف ذاك؟ قال: كنت تختار لغيري، ووليت الخيار لي غيرك. فأومأ إلي صاحبي أن دعه يخيرها. قلت: خيرها. فأرسل إليها أن من الأمر كذا وكذا، فارتإي رأيك. قال: فأرسلت إليه: ما كنت أستبد برأي دون القرشي، أما الخيار فخياري ما اختار. قال: قد صيرت الأمر إليك. فحمدت الله تعالى وصليت على نبيه،

ماني الموسوس وعائداته

وقلت: قد زوجته الجعد بن مهجع، وأصدقتها هذه الألف دينار وجعلت تكرمتها العبد والقبة، وكسوت الشيخ المطرف، فقبله وسر به، وسألته أن يبني بها من ليلته، فأجابني إلى ذلك، وضربت القبة وسط الحي وأهديت إليه ليلاً وبت عند الشيخ خير مبيتٍ. فلما أصبحت غدوت، فقمت بباب القبة، فخرج إلي وقد تبين الجذل في وجهه. قال: فقلت له: كيف كنت بعدي، وكيف هي بعدك؟ فقال: أبدت لي كثيراً مما أخفت يوم رأيتها. فقلت: ما حملك على ذلك؟ فأنشأ يقول: كَتَمتَ الهَوَى إني رأيتُكَ جازِعاً ... فقلتُ فتىً بعضَ الصّديقِ يُرِيدُ. وَإنْ تطرَحَنّي أوْ تقولُ: فَتِيّةٌ ... يُضِرّ بها بَرْحُ الهَوَى فَتَعودُ. فَوَرّيتُ عمّا بي وفي الكَبِد الحشا ... منَ الوَجْد بَرْحٌ، فاعلَمَنّ، شَديدُ. قال فقلت: أقم على أهلك، بارك الله لك! وانطلقت إلى أهلي، وأنا أقول: كَفَيتُ أخي العُذرِيَّ ما كانَ نابَهُ ... وَمِثلي لأثقالِ النَّوائِبِ أحْمَلُ. أما استَحسَنت مني المكارِمُ والعُلى، ... إذا اطُّرِحَتْ، أني أقولُ وَأفْعَلُ. ماني الموسوس وعائداته أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز قال: حدثنا محمد بن خلف إجازة قال: أنشدت لماني: سلي عَائِداتي كيف أبصَرْنَ كُرْبَتي، ... فإن قلتِ قد حابينني، فاسألي النّاسا. فإنْ لم يقولوا مات، أوْ هُوَ مَيّتٌ، ... فزيدي إذاً قَلبي جُنوناً وَوَسوَاسَا.

من أشعار ماني

من أشعار ماني أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني إجازة قال: أخبرني المظفر بن يحيى قال: أخبرنا علي بن محمد قال: أنشدني ابن عروس لماني: لم يَبقَ إلاّ نَفَسٌ خَافِتُ ... وَمُقلَةٌ إنْسانُها باهِتُ. بلى، وما في جسمه مَفْصِلٌ ... إلاّ وفيهِ سَقَمٌ ثابِتُ. فدمْعُهُ يجري وأحشاؤه ... تُوقَدُ إلاّ أنّهُ سَاكِتُ. وله، أعني ماني: مُعَذَّبُ القَلبِ بالفِرَاقِ ... قدْ بَلَغَتْ نفسُه التراقي. وَذابَ شَوْقاً إلى غَزَالٍ ... أوضَعَ للبَينِ بانْطِلاقِ. لم يُبْقِ منهُ السَّقامُ إلاّ ... جِلداً على أعْظُمٍ رِقَاقِ. لَوْلا تَسَلّيه بالتّبَكّي ... آذَنَتِ النّفْسُ بالفِرَاقِ. لحى الله يوم البين ولي من أثناء قصيدة: لحى يوْمَ البَينِ كم دمٍ عاشِقٍ ... أرَاقوا بهِ لا يطلُبونَ بِثَارِهِ.

لروعات الحب نيران

وَعاذِلَةٍ أضْحَتْ تَلُومُ على الهَوَى ... أخا لَوْعَةٍ لمّا يُفِقْ مِن خُمارِه. ومنها: وأغيَدَ في جيشٍ من الحُسن أفتدي ... لمَاهُ وَعَينَيهِ وَخَطّ عِذارِه. حكى الظبيَ ظبيَ الرّملِ جِيداً ومُقلَةً، ... فيَا ليتَهُ لم يحكِهِ في نِفارِهِ. لروعات الحب نيران وجدت بخط أحمد بن محمد بن علي الآبنوسي ونقلته من خطه قال: حدثنا علي بن عبد الله بن المغيرة أبو محمد الجوهري قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا عمي عن أبيه قال: سمعت أعرابياً يقول: اشرحوا الرأي عند الهوى، وافطموا النفوس عند الصبي، ولقد تصدعت كبدي للعاشقين من لوم العاذلين، ولروعات الحب نيران على أكبادهم مع دموع على الغواين كغروب السواني. ذو الرمة وميّ أخبرنا أبو طالب محمد بن علي البيضاوي بقراءتي عليه من أصل أبي بكر بن شاذان، وفيه سماعه، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: قرأ على أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه. قال ذو الرمة: عَدَتني العوَادي عنكِ يا ميُّ بُرْهَةً ... وقد يَلتَوي دونَ الحبِيبِ فيَهجُر. عَلى أنّني في كُلّ سَيرٍ أسيرُهُ، ... وفي نَظَري مِنْ نحوِ أرْضِكِ أصْدُرُ. فَمَا تُحدِثُ الأيّامُ يا ميُّ بَينَنَا ... فلا نأثُرَنْ سِرّاً ولا تَتَغَيّر.

اقرأ السلام

اقرأ السلام وأنشد نفطويه لآخر: اقرَأ السّلامَ على مَن كنتَ تألفُه، ... وقُل له: قد أذَقتَ القلبَ ما خَافَا. فَما وجدتُ على إلفٍ فُجِعتُ بِهِ ... وجدي علَيكَ، وَقَد فارَقْتُ أُلاّفا. أيهما أصدق عشقاً أنبأنا القاضي الإمام أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري قال: حدثنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا قال: حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا محمد بن عائشة قال: حدثني أبي قال: حدثني رجل من بني عامر بن لؤي ما رأيت بالحجاز أعلم منه: حدثني كثير أنه وقف على جماعة يفيضون فيه وفي جميل، وفي أيهما أصدق عشقاً، ولم يكونوا يعرفومه بوجهه، ففضلوا جميلاً في عشقه، فقلت لهم: ظلمتم كثيراً، كيف يكون جميل أصدق عشقاً من كثير، ولما أتاه عن بثينة بعض ما يكره قال: رَمى الله في عينَي بُثَينَةَ بالقَذى، ... وفي الغُرّ من أنيابها بالقوادِحِ. والقوادح ما بنقبها ويعيبها، وكثير أتاه عن عزة ما يكره فقال: هَنيئاً مَرِيئاً غَيرَ داءٍ مخامِرٍ ... لعَزّةَ من أعرَاضِنا ما استَحلّتِ. قال: فما انصرفوا إلا على تفضيلي.

يزيد بن عبد الملك وحبابة

يزيد بن عبد الملك وحبابة أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد اللأردستاني بقراءتي عليه بمكة في المسجد الحرام قال: حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا العباس بن الحسين الفارسي ببغداد قال: حدثنا علي بن الحسين بن أحمد الكاتب قال: حدثنا إسماعيل بن محمد الشيعي من شيعة بني العباس قال: حدثنا عمر بن شبة عن أبي إسحاق قال: بلغني أن جاريةً غنت بين يدي يزيد بن عبد الملك: وإني لأهوَاهَا وأهوَى لِقَاءَهَا ... كما يشتهي الصّادي الشرَابَ المبرَّدا. فراسلتها سلامة فغنت: عَلاقَةُ حُبٍّ كانَ في سنن الصِّبا، ... فأبْلى، وما يزداد إلاّ تجدّدا. فغنت حبابة: كَريمُ قُرَيشٍ حينَ يُنسَبُ والذي ... أُقِرَّ لَهُ بالفضْلِ، كَهْلاً وأمْرَدا. فراسلتها سلامة فغنت: ترْوي بمجدٍ من أبِيهِ وَجَدِّه ... وَقد أوْرَثَا بُنْيَانَ مجْدٍ مُشَيَّدا. فطرب سزسد وشق حلة كانت عليه حتى سقطت في الأرض ثم قال: أفنأذنان لي في أن أطير؟ قالت له حبابة: على من تدع الأمة؟ قال: عليك. أبو السائب وشعر جرير وبإسناده قال علي بن عمر بن أبي الأزهر قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثنا محمد بن حسن قال: أنشد إنسان أبا السائب القاضي قول جرير: غَيّضْنَ من عَبَرَاتِهِنّ، وقُلنَ لي: ... ماذا لَقِيتَ منَ الهَوَى ولَقِينَا؟ وهو على بئر فطرح في البئر بثيابه.

عمر الوادي والراعي

عمر الوادي والراعي أخبرنا أبو بكر الأردستاني بمكة قال: حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا يوسف بن عمر الزاهد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن نصير قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثنا مؤمل بن طالوت قال: حدثنا مكين العذري قال: سمعت عمر الوادي قال: بينا أنا أسير بين العرج والسقيا إذ سمعت رجلاً يتغنى بيتين لم أسمع بمثلهما قط، وهما: وكُنتُ إذا ما جِئتُ سُعدى بأرْضِهَا ... أرَى الأرضَ تُطَوى لي ويدنو بعيدُها. من الحَفِرَاتِ البِيضِ ودَّ جليسُها ... إذا ما انقَضَتْ أُحدوثَةٌ لو تعيدها. قال: فكدت أسقط عن راحلتي طرباً، فسمت سمته، فإذا هو راعي غنم، فسألته إعادته، فقال: والله لو حضرني قرىً أقريكه ما أعدته، ولكني أجعله قراك الليلة، فإني ربما تغنيت بهما وأنا غرثان فأشبع، وظمآن فأروى، ومستوحش فآنس، وكسلان فأنشط، فاستعدته إياهما، فأعادهما حتى أخذتهما، فما كان زادي حتى وردت المدينة غيرهما. من عشق فعف دخل الجنة أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن فارس قال: حدثنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم بن بيان قال: حدثنا محمد بن خلف قال: حدثنا زكريا بن يحيى الكوفي قال: قال محمد بن حريث الشيباني عن أبيه عن أبي سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس قال: من عشق فعف فمات دخل الجنة.

قتل العاشق

قتل العاشق ولي قطعة مفردة: قل للظباء بذي الأرا ... ك إذا مررت بهن جائز. ألكن قتل العاشقي ... ن محل في الشرع جائز. أوعدتم فوفيتم، ... والوعد منكم غير ناجز. إن الذي رحل الخليط ... بقلبه وأقام عاجز. ألا تجشم في هواه ... إثرهم قطع المفاوز. حتى يظل يجيبه ... قلقاً، ويمسي الطرف غامز. أترى متى أنا منكم ... بوصالكم يا فوز فائز. ولقد خلوت بها وأب ... عدت العذارى والعجائز. ليلاً، فكان عفافنا ... ما بيننا والصون حاجز. حاشا صحيح الحب يوْ ... ماً أن يقام مقام ماعز. يريد ماعز بن مالك الذي أقر على نفسه بالزنا ورجمه النبي، صلى الله عليه وسلم.

سنان الصوفي والغلام

سنان الصوفي والغلام أخبرنا إبراهيم بن سعيد بمصر قال: أخبرنا أبو صالح السمرقندي الصوفي قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن القاسم بن أليسع بالقرافة قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري قال: حدثنا محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال: قال أبو حمزة الصوفي: كنت مع سنان بن إبراهيم الصوفي فنظر إلى غلام فقال: الحمد لله على كل حال! كنا أحراراً بطاعته، فصرنا عبيداً بمعصيته لأاحاظ قد بلغت بنا جهد البلاء، وأسلمتنا إلى طول الضناء، فلبثنا مع بلائنا وطول ضنائنا لا نخسر الآخرة، كما تولت عنا الدنيا، ثم بكى، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: كيف لا أبكي، وأنا مقيم على غرورٍ ومتخوف من نزول محذور من نظر شاغل أو بلاء شامل أو سخط نازل، ثم شهق وسقط إلى الأرض. قتيل القيان أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي إجازة قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن سويد المعدل قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال: حدثنا أبو حفص عمر بن بنان الأنماطي قال: حدثني الحسام بن قدامة المكي باليمن: لا تَلُوما فُلانَ حينَ مَلامَه ... أقلَقَ الحبُّ نفسَهُ المُستَهامَه. قَتَلتني بِشَكْلِهِنّ الجَوَاري، ... والجواري في شكلهنّ عرَامه. فإذا متّ فاجمَعوا الحَرَمِيّ ... اتِ وصُفّوا مولَّدات اليمامَه. وَذَوَاتِ الحَقائِبِ المَدَنِيّ ... اتِ ذَوَاتِ المَضَاحكِ البسّامه. ثمّ قُوموا على الحجونِ، فقولوا: ... يا قَتيلَ القِيانِ، يا ابن قُدامَه.

لا سبيل إلى وصله

لا سبيل إلى وصله أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الصوري في ما أجاز لنا قال: حدثنا ابن روح قال: حدثنا القاضي أبو الفرج النهرواني قال: حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال: أنشدنا محمد بن يزيد لأبي حيان الدارمي البصري في أبي تمام الهاشمي، وكان الدارمي يتهم به: سباكَ من هاشِمٍ سَلِيلُ ... ليسَ إلى وَصْلِهِ سَبِيلُ. مَن يتَعاطى الصّفاتِ فِيهِ، ... فالقوْلُ من وَصْفه فضُولُ. للحسنِ في وَجهِهِ هِلالٌ ... لأعيُنِ الخَلقِ ما تزُولُ. وَطُرّةٌ لا يَزَال فِيهَا ... لنُورِ بَدرِ الدّجى مَقيلُ. وَلاحَظَتهُ العُيُونُ حَتى ... تشقى به الكاعبُ البتُولُ. فإن يقِفْ، فالعُيونُ نُصْبٌ، ... وإنْ تَوَلّى، فهنّ حُولُ. الواثق وشعر الدارمي وبإسناده قال: أخبرنا المعافى قال: حدثنا عبد الله بن منصور الحارثي قال: حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال: حدثني الفضل ابن بنت أبي الهذيل قال: كنت مع جدي عند الواثق قبل أن يلي الخلافة، فتذاكروا الشعراء إلى أنشده أبو الهذيل: برَزْنَ، فلا ذو اللُّبِّ وفَرْنَ عَقْلُهُ ... عليه، ولم يُفصِحْ بِهِنّ مُريبُ.

الغلام وجارية المهدي

يقول: استوى الناس في النظر إليهن. فقال: يا أبا الهذيل، شعر وقع إلي لا ادري لمن هو، يقول فيه: مَا مَرّ في صَحْنِ قصرِ أوْسٍ، ... إلاّ تَسَجّى لَهُ قَتِيلُ. فإنْ يَقِفْ، فَالعُيونُ نُصْبٌ، ... وإن تَوَلّى، فهَنُ ّحُولُ. ما سمعت في هذا المعنى بأجود منه. فقال له: أصلح الله الأمير، هذا الشعر لرجلٍ بالبصرة يكنى بأبي حيان الدارمي، عمارة بن حيان، فقال: يحمل إلينا، فورد الكتاب وقد مات. الغلام وجارية المهدي أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر بقراءتي عليه قال: أخبرنا الأمير أبو الحسن بن محمد المكتفي بالله قال: حدثنا جحظة قال: حدثني ابن أخت الحاركي: أن خادماً ممن خدم أباه جاءه يخبره أن عند جاريةٍ في بعض قصوره رجلاً، فلبس حلةً وسار إلى إلى القصر، فألفى عندها غلاماً شاباً، له ذؤابتان، كأنه قضيب فضة، فسأله عن دخوله وكيف كان، وما شأنه. فقال: إن هذه الجارية كانت لوالدتي، وكان بيني وبينها ألفة، فلما بيعت لأمير المؤمنين، صرت إلى الباب متعرضاً لها، فأذنت في الدخول، فدخلت على أحد أمرين: إما أن أظفر بما أريد أو أقتل فأستريح. فأمر المهدي بإحضار سياط، ونصبه بينها، ثم ضربه عشرين سوطاً، ورفع عنه الضرب وقال: ما أصنع بتعذيبك، ولست بتاركك حياً، ولا تاركها، يا غلام، سيف ونطع! فلما أتي بذلك، وأجلس الغلام في النطع قال: يا أمير المؤمنين! قبل أن ينزل بي القتل، وهو دون حقي، اسمع مني ما أقول! قال: هات، فأنشأ يقول:

سيد العشاق

ولَقد ذكرْتُكِ والسّياطُ تنوشُني ... عندَ الإمامِ وساعدي مَغلُولُ. وَلَقَد ذكرْتُكِ والذي أنا عبدُه ... والسيفُ بينَ ذُؤابتي مَسلُولُ. فأطرق المهدي وتغرغرت عيناه بالدموع. ثم قال: يا غلام، ائتني بإزار! فأتي به، فقال: الففهما به جميعاً، بعد أن تنزع ثيابهما، وأخرجهما عن قصري، ففعل ذلك. سيد العشاق حدث أبو عمر بن حيويه ونقلته من خطه قال: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف قال: حدثني أبو بكر العامري قال: حدثني أبو عبد الله القرشي وحدثنا الدمشقي عن الزبير قال: حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري قال: عشق رجل من ولد سعيد بن العاص جاريةً مغنية بالمدينة، فهام بها، وهو لا يعلمها بذكل، ثم إنه ضجر فقال: والله لأبوحن لها، فأتاها عشيةً، فلما خرجت إليه، قال لها: بأبي أنت أتغنين: أتُجْزُونَ بالودّ المُضاعَفِ مثلَه، ... فإنّ الكريم مَن جزَى الودَّ بالودِّ. قالت: نعم، وأغني أحسن منهن ثم غنت: للّذي وَدّنا الموَدّةُ بالضِّعْ ... فِ، وَفَضْلُ البادي بِهِ لا يُجازَى. لَوْ بَدا ما بِنَا لَكُم ملأ الأر ... ضَ وأقطارَ شامِهَا والحِجَازَا. فاتصل ما بينهما، فبلغ الخبر عمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، فابتاعها له وأهداها إليه، فمكثت عنده سنة ثم ماتت، فبقي مولاها شهراً أو أقل ثم مات كمداً عليها، فقال أبو السائب المخزومي: حمزة سيد الشهداء، وهذا سيد العشاق، فامضوا بنا حتى ننحر على قبره سبعين نحرة، كما كبر النبي، صلى الله عليه وسلم وآله وسلم، على قبر حمزة، رضي الله عنه، سبعين تكبيرة. قال: وبلغ أبا حازم الخبر، فقال: ما من محب في الله يبلغ هذا إلا وليّ.

قتيل الهجران

قتيل الهجران أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الخياط قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن الحسن بمكة قال: حدثنا أحمد بن أبي عمران قال: سمعت أبا بكر الرازي قال: سمعت عبد الرحمن الصوفي يقول: كنت ببغداد في سوق النخاسين، فرأيت قوماً مجتمعين، فدنوت منهم، فرأيت شاباً مصروعاً مغشياً عليه، فقلت لواحد منهم: ما الذي أصابه؟ فقال: سمع آيةً من كتاب الله، عز وجل، فقلت: أية آيةٍ كانت؟ فقال: قوله، عز وجل: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله؟ قال: فلما سمع أفاق، وأنشأ يقول: ألمْ يأنِ للهِجرَانِ أن يَتَصَرّما ... وللغُصْنِ، غُصْنِ البَانِ، أن يتبسّما. وللعاشِقِ الصَّبّ الذي ذابَ وانحنى، ... أما آنَ أن يُبْكي عليهِ وَيُرْحَما. كَتَبْتُ بِمَاءِ الشّوْقِ، بينَ جَوَانحي، ... كِتاباً حَكى نَقشَ الوُشاةِ مُنمنَما. ولما شكوت الحب أخبرنا عبد العزيز بن علي الطحان قال: أخبرنا علي بن عبد الله الهمذاني في المسجد الحرام قال: حدثني الجنيد قال: أرسلني سري في حاجةٍ يوماً فمضيت فقضيتها، فرجعت، فدفع رجل رقعة، وقال: ما في هذه الرقعة أجرتك لقضاء حاجتي، ففتحتها، فإذا فيها مكتوب: وَلمّا شَكَوْتُ الحُبَّ قالَتْ كَذَبتني ... ألستُ أرَى مِنكَ العِظامَ كوَاسِيَا.

دماء أهل الهوى هدر

وَما الحُبُّ حتى يَلصَقَ الكِبدُ بالحَشا، ... وَتَخمُدَ حتى لا تجيبَ المُنادِيَا. وَتَضْعُفَ حتى لا يُبَقّي لكَ الهوَى ... سوى مُقلَة تَبكي بها وَتُنَاجِيَا. دماء أهل الهوى هدر ولي من أثناء قصيدة: لا تَطلُبوا بدمِ العشّاقِ طائَلةً، ... دماءُ أهلِ الهَوى مَطلولَةٌ هَدَرُ. مواقع الأنفس أنبأنا أبو بكر أحمد بن أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو الحسن عل بن أيوب القمي قال: حدثنا محمد بن عمران قال: حدثنا ابن عرفة النحوي عن محمد بن يزيد قال: قال أبو نواس: يا نَظرَةً ساقَتْ إلى ناظِرٍ ... أسبابَ ما يدعو إلى حَتفِهِ. من حُبِّ ظَبْيٍ حَسَنٍ دَلُّهُ ... يُقصّرُ الواصِفُ عن وَصْفِهِ. في البَدرِ من صَفحتِه لمحَةٌ ... ولمحَةٌ في الظبيِ مِن طَرْفهِ. موَاقِعُ الأنفُسِ في ثغرِهِ، ... وفي ثَنَاياهُ وفي كَفّهِ. يجتمعان في القبر ذكر أبو عمر بن حيويه ونقلته من خطه قال: حدثنا أبو بكر بن المرزبان قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا الحسن بن محمد بن عيسى المقري قال: أخبرني محمد بن عبيد الله العتبي قال: حدثنا ابن المنبه قال: سمعت أبا الخطاب الأخفش يقول: خرجت في سفر فنزلنا على ماءٍ لطيء فبصرت بخيمة من بعيد فقصدت نحوها فإذا فيها شاب على فراشٍ

كأنه الخيال، فأنشأ يقول: ألا ما للحَبيبَةِ لا تَعودُ، ... أبخلٌ بالحبِيبَةِ أم صُدودُ. مَرِضْتُ فعَادني عُوّادُ قَوْمي، ... فما لكِ لم تُرَيْ في مَن يَعودُ. فلَوْ كنتِ المَريضَ، ولا تكوني، ... لعُدتُكم، ولوْ كثُرَ الوَعِيدُ. ولا استَبطَأتُ غَيركِ، فاعلمِيهِ، ... وحولي من ذَوي رَحِمي عديدُ. قال: ثم أغمي عليه، فمات. فوقعت الصيحة في الحي، فخرج من آخر الماء جارية كأنها قلقة قمر، فتخطت رقاب الناس حتى وقفت عليه فقبلته، وأنشأت تقول: عَذابي أن أعودَكَ، يا حبيبي، ... معَاشِرُ فَيهِمُ الواشي الحَسودُ. أذَاعُوا ما عَلِمتَ مِنَ الدّوَاهي، ... وعابُونَا وما فِيهِمْ رَشِيدُ. فأمّا إذْ حَلَلْتَ بِبَطنِ أرْضٍ ... وقصرُ الناسِ كُلّهِمِ اللُّحُودُ. فَلا بَقِيَتْ ليَ الدنْيَا فُوَاقاً، ... ولا لُهم، ولا أثرَى، عَديدُ. قال: ثم شهقت شهقةً فخرت ميتةً منها، فخرج من بعض الأخبية شيخ فوقف عليهما، فترحم عليها، وقال: والله لئن كنت لم أجمع بينكما حيين لأجمعن بينكما ميتين! فدفنهما في قبر واحد احتفره لهما، فسألته، فقال: هذه ابنتي وهذا ابن أخي.

رد فؤادي

رد فؤادي أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي في ما أجاز لنا قال: حدثنا أبو عمر بن حيويه قال: أنشدنا أبو عبد الله النوبختي: قلتُ لَهُ: رُدّ فؤادي، فَقَد ... أبلَيتَ بالهَجْرِ نَوَاحيه. فقال لي مُبتَسِماً ضاحكاً: ... قَد غلق الرّهنُ بِمَا فِيه. حديث عاشقين أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا علي بن أيوب قال: حدثنا أبو عبيد المرزباني قال: حدثني أحمد بن محمد الجوهري قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال: رأيت عاشقين اجتمعا، فجعلا يتحدثان من أول الليل إلى الغداة. أموت بدائي أخبرنا عبد العزيز بن علي الأزجي قراءة عليه قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الهمذاني بمكة قال: أنشدنا محمد بن عبد الله ليحيى بن معاذ: أموتُ بِدائي لا أُصيبَ مُداويا ... ولا فَرَجاً ممّا أرَى من بَلائيا. إذا كانَ هذا العَبدُ رِقَّ مَلكِيه، ... فمَن دونه يرجو طبيباً مداويا. معَ اللهِ يمضي دهرُهُ مُتَلَدِّداً، معطياً له ما عاش أم كان عاصيا.

مصارع العشاق

مصارع العشاق أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ بالشام قال: حدثنا علي بن أيوب قال: حدثنا أبو عبيد الله محمد بن عمران قال: أخبرني محمد بن يحيى قال: قال علي بن الجهم: نُوَبُ الزّمانِ كَثيرَةٌ، وأشَدُّها ... شَملٌ تَحَكّمَ فيهِ يوْمُ فِرَاقِ. يا قلبِ لِمْ عرّضْتَ نفسَكَ للهوَى، ... أوَما رَأيْتَ مصَارِعَ العُشَّاقِ؟. غريقا الهوى أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري بقراءتي عليه سنة إحدى وأربعين وأربعمائة قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال: حدثنا محمد بن أحمد الكاتب قال: حدثنا ميمون بن هارون الكاتب قال: حدثني عبد الرحمن بن إسحاق القاضي قال: انحدرت من سر من رأى مع محمد بن إبراهيم أخي إسحاق، ودجلة تزخر من كثرة مائها. فلما أن سرنا ساعة قال: ارفق بنا، ثم دعا بطعامه، فأكلنا، ثم قال: ما ترى في النبيذ؟ قلت له: أعزك الله أيها الأمر، هذه دجلة قد جاءت بمد عظيم يرعب مثله، وبينك وبين منزلك مبيت ليلةٍ، فول شئت أخرته. قال: لابد لي من الشرب فضربت ستارة، واندفعت مغنية تغني، واندفعت أخرى فغنت: يَا رَحْمَتَا للعَاشِقِينَا ... ما إن أرى لهمُ مُعِينَا. كَمْ يُشتَمونَ ويُضرَبُو ... نَ ويُهجَرُونَ فَيَصْبرُونا.

التطير من البكاء

فقالت لها المغنية الأولى: فيصنعون ماذا؟ قالت: يصنعون هكذا، فرفعت الستارة، وقذفت بنفسها في دجلة، وكان بين يدي محمد غلام ذكر أنه شراه بألف دينار، وبيده مذبة، لم أر أحسن منه، فوضع المذبة، وقذف بنفسه في دجلة، وهو يقول: أنْتَ التي غَرّقْتِني ... بَعْدَ القَضَا لَوْ تَعلمِينَا. فأراد الملاحون أن يطرحوا أنفسهم خلفهما، فصاح بهم محمد: دعوهما يغرقا إلى لعنة الله! قال: فرأيتهما، وقد خرجا من الماء متعانقين ثم غرقا. التطير من البكاء أنشدنا أبو محمد الحسن بن محمد الخلال قال: أنشدنا أبو الحسن أحمد بن محمد لن موسى قال: أنشدنا محمد بن القاسم الأنباري قال: أنشدنا عبد الله بن عمرو بن لقيط: يا شوْقَ إلفَينِ حالَ النّأيُ بينهُما ... فعَافَصَاهُ على التوْديعِ فاعتَنَقا. لَوْ كنتُ أملِكُ عيني ما بكيتُ بِها ... تَطَيّراً من بُكائي بعدَهم شَفَقَا. ما لقتيل الحب قود ولي من أثناء قصيدة: وطالبٍ بدمي ثأراً، فقلت له: ... هيهاتَ ما لقتيلِ الحبِّ من قَوَدِ. للهِ قلبي لقد أضحى، غَداةَ غَدَت ... حُمولُهم، للجَوى حِلفاً وللكَمَدِ.

الحب حلو ومر

الحب حلو ومر أنبأنا الشيخ أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة أن أبا عبيد الله محمد بن عمران المرزبان أخبرهم إجازة قال: أخبرنا عبيد الله بن أحمد الكاتب قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدني إبراهيم بن عبد الله الوراق لمحمد بن أبي أمية: وَضاحِكٍ من بُكائي حينَ أُبصِرُهُ ... لَوْ كانَ جَرّبَ ما جَرّبتُ أبكَاهُ. لا يُرْحَمُ المُبتَلى ممّا تَضَمّنَه ... إلاّ فتى مُبتَلى قد ذاقَ بَلوَاهُ. ما أسرَعَ الموْتَ إن تمّتْ غريمتُهم ... على القَطِيعَةِ إن لمْ يرْحَمِ اللهُ. الحُبُّ حلوٌ ومُرٌّ في مَذَاقَتِهِ، ... أمرُّهُ هَجرُكمْ والوَصْلُ أحلاهُ. لم يفتها جواره ميتاً أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق بقراءتي عليه قال: أخبرنا الأمير أبو الحسن أحمد بن محمد المكتفي بالله قال: حدثنا ابن دريد قال: حدثنا السكن بن سعيد عن العباس بن هشام عن أبيه عن جده قال: حدثني مصدع بن غلاب الحميري وكان مخضرماً، وأدركته وهو ابن ثماني عشرة ومائة سنة وما في فرته ولحيته بيضاء، قال: حدثني أبي غلاب قال: كان بذمار فتىً من حمير، من أهل بيت شرف يقال له: زرعة بن رقيم، وكان جميلاً شاعراً لا تراه امرأة إلا صبت إليه، وكان في ظهر ذمار رجل شيخ كثير المال، وكانت له بنت تسمى مفداة، بارعة الجمال، حصيفة اللب، ذات لسان مصلق، تفحم البليغ، وتخرس المنطيق، وكان زرعة يتحدث إليها في فتية من الحي، وكان ممن

يتحدث إليها فتىً من قومها يقال له حيي، ذو جمال وعفاف وحياء، فكانت تركن إلى حديه، وتشمئز من زرعة لرهقه، فساء ذلك زرعة وأحزنه، فاجتمعا ذات يوم عندها فرأى إعراضها عنه وإقبالها على حيي، فقال: صُدودٌ وإعرَاضٌ وإظْهارُ بَغضَةٍ، ... غَلاَم وَلِمْ يا بينتَ آل العُذافرِ؟. فقالتْ: عَلى غَيرِ ما شَرٍّ، ولكِنّكَ امرؤٌ ... عُرِفتَ بِغل المومِساتِ العَواهِرِ. فقال حيي: جَمَالُكَ يا زَرعَ بنَ ارقَمَ إنّما ... تُنَاجي القُلوبَ بالعيونِ النّوَاظِرِ. فقالَ زَرعةُ: فإنْ يَكُ مما خَسّ حظي لأنّني ... أَصَابني فتُصْبِيني عيونُ القَصَائِرِ. وَإني كَريمٌ لا أُزَنَ بِرِيبَةٍ ... وَلا يَعْتري ثوْبيَّ رينُ المَعايرِ. فقالت المفداة: كذاك فكُن، يسلمْ لكَ العِرضُ، إنه ... جمالُ امرئ أن يرتدي عِرضَ طاهر. فقال حيي: حَيَاءَكُمَا لا تَعْصِيَاهُ، فإنّمَا ... يكونُ الحَياءُ من تَوقّي المعايرِ.

فانصرفت زرعة وقد خامره من حبها ما غلب على عقله، فغبر أياماً عنها، وامتنع من الطعام والشراب والقرار، وأنشأ يقول: يا بُغيَةً أهدَتْ إلى القلبِ لوْعَةً ... لقد خُبئَتْ لي منك إحدى الدهارسِ. وما كنتُ أدري والبَلايا مُظِلّةٌ ... بأنّ حِمامي تحتَ لحظِ مُخالِسِ. جَلَستُ على مَكتوبَةِ القَلبِ طائِعاً، ... فيَا طَوْعَ مَحبوسٍ لأعنَفِ حابِسِ. فشاع هذا الشعر في الحي وبلغ المفداة، فاحتجبت عنه، وامتنعت من محادثة الرجال، فامتنع من الحركة والطعام، فغبر على ذلك حول، ومات عظيم من عظماء القبائل فبرز مأتم النساء، فبلغ زرعة أن المفداة في المأتم، فاحتمل حتى تنائى نشزاً، واجتمع إليه لذاته يفندون رأيه ويعذلونه، فأنشأ يقول: لمْ يُلَمُ في الوَفاءِ مَن كَتَمَ الْ ... حُبّ وأغضى عُلى فؤادٍ لَهِيدِ. صَابَنا ذاك لاسم من جلبَ السّ ... مَ علَيه ونفسُهُ في الوَريدِ. ثم شهق، فمات، وتصايح أصحابه ونساؤهن وبلغ المفداة خبره، فقامت نحوه حتى وقفت عليه، وقد تعفر وجهه، وأهله ينضحونه بالماء، فهمت أن تلقي نفسها عليه، ثم تماسكت، وبادرت خباءها، فسقطت تائهة العقل، تكلم فلا تجيب، سحابة يومها، فلما جنّ عليها الليل رفعت عقيرتها فقالت: بِنَفْسِي يَا زَرْعَ بْنَ أرْقَمَ لوْعَةٌ ... طَوَيتُ علَيها القلبَ والسرُّ كاتِمُ.

تفارق قومها باكية

لَئِنْ لمْ أمُتْ حُزْناً عَلَيْهِ فَإنّني ... لألأمُ مَن نِيطَتْ عَلَيه التّمائِم. لَئِنْ فُتّني حَيّاً فَلَيْسَ بِفَائِتي ... جوَارُك مَيْتاً حيثُ تَبلى الرَّمَائِم. ثم تنفست نفساً نبه من حولها فإذا هي ميتة فدفنت إلى جنبه. وقالت امرأة من حمير أشبلت على ولدها بعد زوجها: وَفَيتُ لابنِ مالكِ بن أرطأه ... كما وَفَتْ لزرعة المُفَدّاه. واللهِ لا خِسْتُ بهِ أو ألقاه ... حيثُ يُلاقي وامقٌ من يهواه. من ممتَطٍ، ناحِيَةً، شَمَرْداه ... وعاثِرٍ قد خَذَلَته رِجلاهْ. تريد قول الجاهلية: إن الناس يحشرون ركباناً على البلايا، ومشاةً إن لم تعقر مطاياهم على قبورهم، وهذا شيء كان من فعل الجاهلية. تفارق قومها باكية حدث شيخنا أبو علي بن شاذان قال: حدثني أبي أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن سليمان بن داود بن محمد الطوسي قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثنا هارون بن موسى قال: حدثني عبد الله بن عمرو الفهري عن عمه الحارث بن محمد بن عيسى بن عبد الأعلى قال: كانت بالمدينة جاريةً لآل أبي رماثة، أو لآل أبي تفاحة، يقال لها: سلامة. قال: فكتب فيها يزيد بن عبد الملك لتشترى له، فاشتريت

يزيد يموت حزنا على حبابة

بعشرين ألف دينار، فقال أهلها: لا تخرج حتى نصلح من شأنها، فقالت الرسل: لا حاجة لكم بذاك! معنا ما يصلحها. قال: فخرج بها حتى أتي بها سقاية سليمان، قال: فأنزلها رسله فقالت: لا والله لا أخرج حتى يأتيني قوم كانوا يدخلون علي فأسلم عليهم، قال: فامتلأ ذلك الموضع من الناس، قال: ثم خرجت فوقفت بين الناس، وهي تقول: فارَقوني وقد عَلِمتُ يَقِيناً ... ما لمَن ذاقَ فُرقَةً من إيابِ. إنّ أهلَ الحِصَابِ قد ترَكوني ... في وُلوعٍ يذكو بأهلِ الحِصَابِ. سكنوا الجِزْعَ وهو جِزْعُ أبي مو ... سى إلى النخلِ من صفيّ الشبابِ. أهلُ بَيتٍ تَتَابعُوا للمَنَايَا، ... ما على الدهرِ بعدهم من عِتابِ. قال: فما زالت على ذلك تبكي ويبكون حتى راحت، ثم أرسلت إليهم بثلاثة آلاف درهم. يزيد يموت حزناً على حبابة حدث أبو علي بن شاذان قال: حدثني أبي أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن سليمان الطوسي قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني هارون بن موسى قال: حدثني موسى بن جعفر بن أبي كثير وعبد الملك بن الماجشون قال: لما مات عمر بن عبد العزيز قال يزيد: والله ما عمر بأحوج إلى الله مني. قال: فأقام أربعين ليلةً يسير بسيرة عمر، فقالت حبابة لخصي له كان صاحب أمره: ويحك قم بي حيث يسمع كلامي ولك علي عشرة آلاف درهم، فلما مر يزيد بها قالت: بَكَيتُ الصِّبي جهلاً فمن شاء لامني ... ومَن شاءَ آسى في البُكاءِ وأسعَدا. ألا لا تَلُمه اليَوْمَ أن يَتَلَبّدا ... فقَد مُنِعَ المَحزُونُ أن يَتَجَلّدا.

الصوفي المتعفف

وَما العَيشُ إلاّ ما تَلَذُّ وتَشتَهي ... وإنْ لامَ فيهِ ذو الشنّانِ وَفَنّدا. إذا كنتَ عِزْهاةً عن اللهوِ والصِّبي ... فكن حجراً من يابِس الصّخرِ جَلمَدا. قال أبو موسى: وهذا الشعر للأحوص، فلما سمعها قال للخصي: ويحك! قل لصاحب الشرط يصلي بالناس. وقال يوماً: والله إني لأستحيي أن أخلوا بها، ولا أرى أحداً غيرها، وأمر ببستان، وأمر بحاجبه أن لا يعلمه بأحد. قال: فبينما هو معها أسر الناس بها، إذ حذفها بحبة رمان، أو بعنبة، وهي تضحك، فوقعت في فيها فشرقت فماتت، فأقامت عنده في البيت حتى جيفت، او طادت تجيف، ثم خرج فدفنها، وأقام أياماً، ثم خرجن وهليه الهم بادياً، حتى وقف على قبرها فقال: فإن تسلُ عنكِ النفسُ أوْ تدع الصِّبي ... فباليَأسِ أسلو عنكِ لا بالتّجَلّدِ. وَكُلُّ خَلِيلٍ لامَتني فهوَ قائِلٌ ... من أجِلكِ هذا هامَةُ اليوْمِ أوْ غَدِ. ثم رجع فما خرج من منزله حتى خرج بنعشه. الصوفي المتعفف أخبرنا إبراهيم بن سعيد بقراءتي عليه بمصر قال: أخبرنا أبو صالح محمد بن أبي عدي السمرقندي قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن القاسم بن أليسع بالقرافة قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي الحافظ قال: قال أبو حمزة الصوفي: رأيت ببيت المقدس فتىً من الصوفية يصحب غلاماً مدةً طويلةً، فمات الفتى، وطال الغلام عليه، حتى صار جلداً وعظماً من الضنى

هويت شادنا

والكمد. فقلت له يوماً: لقد طال حزنك على صديقك حتى أظن أنك لا تسلو بعده أبداً. فقال: وكيف أسلو عن رجلٍ أجل الله تعالى أن يعصيه معي طرفة عين وصانني عن نجاسة الفسوق في طول صحبتي له وخلواتي معه في الليل والنهار. هويت شادناً أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي إجازة قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه قراءة عليه قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف قال: قال عمر بن أبي ربيعة: طَبِيبَيّ داوَيتُما ظاهِراً، ... فمن ذا يُداوي جَوىً باطِنا. فعوجا على مَنزلٍ بالغَمِي ... مِ، فإني هَوِيتُ بِهِ شَادِنَا. دهر يشت ويجمع أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد النرسي قال: أخبرنا أبو حاتم محمد بن أحمد الرازي قال: أنشدني أبو مضر ربيعة بن ميسرة بن علي البزار بقزوين لبعضهم: فلا تحسَبي أني تَبَدّلتُ خِلّةً ... سواكِ ولا أني بِغَيرِكِ أقنَعُ. ولا عَن قِلىً كان القَطيعَةُ بَينَنَا، ... ولكنّهُ دَهْرٌ يُشِتّ وَيَجْمَعُ.

لو بدلت مساكنها

لو بدلت مساكنها أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي التوزي بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو محمد عبيد الله بن محمد الجرادي الكاتب قال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثني العكلي عن المدايني قال: أنشد الحارث بن خالد المخزومي عبيد الله بن عمر: إني وما نحَروا غَداةَ مِنىً ... عندَ الجِمارِ يؤودها العَقلُ. لَوْ بُدّلَتْ أعلى مَساكِنها ... سُفلاً، وأصْبَحَ سِفلُها يَعلو. لَعَرَفتُ مَغنَاها بما احتَمَلَتْ ... مني الضّلوعُ لأهلِها قَبلُ. الفرزدق والبدوية الحسناء أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن المكتفي بالله قال: حدثنا ابن دريد قال: أخبرني الرياشي، يرفعه عن الفرزدق، قال: أبق غلام لرجلٍ من نشهل فخرجت في طلبه أريد اليمامه، وأنا على ناقةٍ لي عيساء، فلما صرت على ماء لبني حنيفة ارتفعت سحابةٌ فرعدت وبرقت وأرخت عزاليها، فعدلت إلى بعض ديارهم، فسألتهم القرى، فأجابوا، فأنخت ناقتي، وجلست تحت بيتٍ لهم من جريد النخل، وفي الدار جويرية سوداء، وفتاة كأنها فلقة قمرٍ، فسألت السوداء: لمن هذه العيساء؟ فأشارت إلي وقالت: لضيفكم هذا. فعدلت إلي فسلمت، وقالت: ممن الرجل؟ قلت: من بني تميم. قالت: من أيهم؟ قلت: من بني نهشل. قالت: فأنت الذين يقول لكم الفرزدق: إنّ الذي سَمَكَ السماءَ بنى لَنَا ... بَيتاً دَعَائِمُهُ أعزُّ وَأَطْوَلُ.

بَيْتٌ زرَارَةُ محْتَبٍ بِفِنَائِهِ ... ومُجاشِعٌ وأبو الفَوَارِسِ نهشَلُ. قلت: نعم. قال: فضحكت، وقالت: فإن جريراً هدم عليه بيته حيث يقول: أخْزَى الذي سَمَكَ السماءَ مُجَاشِعاً ... وأحَلّ بَيتَكَ بالحَضِيضِ الأوْهَدِ. قال: فأعجبتني، فلما رأت ذلك في عيني قالت: أين تؤم؟ قلت: اليمامة. فتنفست الصعداء ثم قالت: تَذَكَّرْتُ اليَمامَةَ، إنَّ ذِكري ... بِها أهلَ المُرُوءةِ والكَرَامَة. ألا فَسَقى المَلِيكُ أجَشَّ جَوناً ... يجودُ بِسَحّهِ تلكَ اليَمامَه. أُحيّي بالسّلامِ أبَا نجِيدٍ، ... وأهْلٌ للتّحِيّةِ والسّلامَه. قالت: فأنست بها، فقلت: أذات خدين أنت أم ذات بعلٍ؟ فقالت: إذا رَقَدَ النّيامُ فإنّ عَمراً ... هُوَ القَمَرُ المُنيرُ المُسْتَنيرُ. وما لي في التّبَعّلِ من مِرَاحٍ ... ولوْ رُدّ التّبَعّلُ لي أسيرُ. ثم سكت كأنها تسمع كلامي فأنشأت تقول: تخيَّلَ لي، أبا كعب بن عمرو، ... بأنَّك قد حُمِلتَ على سريرِ. فإن يكُ هكذا، يا عمرو، إني ... مُبكِّرةٌ عليكَ إلى القبورِ. ثم شهقت شهقةً فماتت. فقيل لي: هي عقيلة بنت النجاد بن النعمان بن المنذر، وسألت عن عمرو فقيل لي: ابن عمها، وكان مغرماً بها، وهي كذلك، فدخلت اليمامة، فسألت عن عمرو، فإذا به قد مات في ذلك اليوم من ذلك الوقت.

العشق شغل قلب فارغ

العشق شغل قلب فارغ أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أيوب القمي بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمران المرزياني قال: أخبرني أحمد بن يحيى قال: حدثنا أبو العيناء قال: حدثنا ابن عائشة قال: قلت لطبيبٍ كان موصوفاً بالحذق: ما العشق؟ قال: شغل قلب فارغ. وأنشد لبعضهم: وَقَائِلَةٍ جَدِّد لِعَيْنَيكَ نَظرَةً ... تُسَكّنُ ما بالقَلبِ مِن ألمِ الوَجدِ. فقلتُ لها: يَكفِيكِ ما بي مِن الهَوَى ... تُريدينَ أن أزْدادَ جُهداً على جُهدِ. يتهدد بالهجر أنشدنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أنشدنا طلحة الشاهد قال: أنشدنا أبو عبد الله محمد بن داود بن الجراح قال: أنشدني إسحاق بن عمار لسلم الخاسر: وّلمّا رّأَى شَوْقي إلَيه وَحَسرَتي ... علَيه وأني لستُ أقوَى عَلى الهَجرِ. تَهَدّدَني بالهَجرِ حتى كَأنّمَا ... رَآني مُدِلاً بالعَزَاءِ وبالصّبْرِ.

لا جسم ولا قلب

لا جسم ولا قلب أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب بدمشق قال: أخبرنا أبو بكر عبد الله بن علي بن حيويه بن ابرك الهمذاني بها قال: أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن علي التميمي قال: حدثنا أحمد بن علي الناقد قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن جرير قال: قال أبو بكر محمد بن فرخان: لقيت غورك المجنون، وفي عنقه حبل قصير، والصبيان يقودونه، فقال لي: يا أبا بكر! بم يعذب الله أهل جهنم؟ قلت: بأشد العذاب. قال: صف لي، قلت: ومن يصف عذاب رب العالمين؟ قال: أنا في أشد من عذابه، ثم رفع ثوبه جسده، فإذا هو ناحل الجسم دقيق العظم فقال لي: انْظُرْ إلى مَا فَعَلَ الحبُّ، ... لم يَبقَ لي جِسمٌ ولا قَلْبُ. أنحَلَ جِسْمي حبُّ مَن لم يزَل ... من شأنِها الهِجَرانُ والعَتْبُ. ما كان أغنانيَ عن حبِّ مَن ... مِن دُونِهَا الأسْتَارُ والحُجْبُ. الحب أعظم من الجنون أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثنا زكريا بن موسى قال: حدثني شعيب بن السكن عن يونس النحوي قال: لما خولط قيس بن الملوح وزال عقله وامتنع من الأكل والشرب صارت أمه إلى ليلى فقالت لها: إن ابني جن من أجلك، وذهب حبك بعقله، وقد امتنع من الطعام والشراب، فإن رأيت أن تصيري معي إليه فلعله، إذا رآك، يسكن بعض ما يجد. فقالت لها: أما نهاراً فما يمكنني

كثير على قبر عزة

ذلك، وإن علم أهل الماء لم آمنهم على نفسي، ولكن سأصير إليه في الليل. فلما كان الليل صارت إليه، وهو مطرق يهذي، فقالت له: يا قيس! إن أمك تزعم أنك جننت على رأسي، وأصابك ما أصابك؟ قال: فرفع رأسه فنظر إليها وتنفس الصعداء، وأنشأ يقول: قالَتْ جُنِنتَ على رأسي، فقلتُ لها: ... الحُبّ أعظَمُ ممّا بِالمَجَانينِ. الحُبُّ لَيسَ يُفِيقُ الدّهرَ صاحِبُهُ، ... وإنّما يُصْرَعُ المَجْنُونُ في الحِينِ. كثير على قبر عزة أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي قال: أخبرنا أبو بكر بن دريد قال: أخبرنا عبد الأول بن مربد قال: أخبرني حماد بن إسحاق عن أبيه قال: خرج كثير يريد عبد العزيز بن مروان فأكرمه، ورفع منزلته، وأحسن جائزته، وقال: سلني ما شئت من الحوائج! قال: نعم، أحب أن تنظر لي من يعرف قبر عزة، فيوقفني عليه. فقال رجل من القوم: إني لعارف به. فوثب كثير فقال لعبد العزيز: هي حاجتي أصلحك الله. فانطلق به الرحيل حتى انتهى به إلى موضع قبرها فوضع يده عليه، ودمعه يجري، وهو يقول: وَقَفْتُ عَلى رَبْعٍ لِعَزّةَ نَاقَتي، ... وفي البُرْدِ رَشّاشٌ من الدّمعِ يسفحُ. فَيَا عَزَّ أنْتِ البَدرُ قَد حالَ دونَهُ ... رَجيعُ التّرَابِ والصّفِيحُ المضرَّحُ. وقَد كنتُ أبكي مِن فِراقِكِ حِقبَةً ... فأنْتِ لَعَمْري اليوْمَ أنأى وأنزَحُ.

الموت أيسر محملا

فَهَلاّ فَداكِ الموتُ مَن أنتِ زَينُه، ... ومَن هوَ أسْوا منكِ حالاً وأقبَحُ. ألا لا أرى بعد ابنَةِ النَّضرِ لَذّةً ... لِشيءٍ، ولا مِلْحاً لِمَنْ يَتَمَلّحُ. فلا زالَ وادي رَمسِ عَزّةَ سائِلاً ... بِهِ نِعمَةٌ من رحمَةِ الله تسفَحُ. فإنّ التي أحبَبتُ قد حالَ دونها ... طوَالُ اللّيالي والضّريحُ المصَفَّحُ. أربَّ بِعَينَيَّ البُكا، كُلَّ لَيلَةٍ، ... فقَد كادَ مجْرَى دمع عيني يَقرَحُ. إذا لم يكُنْ ماءٌ تَحَلَّبَتَا دَماً، ... وشرُّ البكاءِ المستَعادُ الممَنَّحُ. الموت أيسر محملاً أخبرنا القاضي أبو الحسن أحمد بن علي التوزي بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو محمد عبيد الله بن محمد بن علي الجرادي الكاتب قال: إلّو شَهِدتَ مَوَاقِفَ العُشّاقِ ... ومَدامِعاً تجري من الآمَاقِ. تستَنّ من سَيل الجفون معَ الدِّما، ... حتى تَكَادُ تسيلُ بالأحْداقِ. لمّا تَقارَبَتِ النفوسُ لفُرْقَةً ... والتَفّتِ الأعْنَاقُ بالأعناقِ. ورَأيتُ كُلاً سائِلاً لحَبِيبِه: ... أزِفَ النوَى فمتى يكون تلاقِ؟. لحَلفتَ أنّ الموْتَ أيسَرُ محْمَلاً ... من يوْم توديعٍ ويوْم فِرَاقِ.

العينان القاتلتان

العينان القاتلتان أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو محمد عبيد الله بن محمد الجرادي قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن سهل لبعض المحدثين: يا ذا الذي في الحبّ يَلحى أما ... واللهِ لَوْ حُمّلْتَ مني كمَا، حُمّلتُ من حُبٍّ بديعٍ لمَا ... لُمتَ على الحبِّ فدَعني وما، ألقى فإني لَستُ أدري بِمَا ... قُتِلتُ، إلاّ أنّني بَينَمَا، أنا بِبَابِ الدارِ في بعضِ ما ... أطْلُبُ من دارِهم إذ رَمَى، ظَبيٌ فؤادي بِسِهام، فَمَا ... أخطأ سَهْمَاهُ وَلكِنّمَا، سَهْمَاهُ عَينَاهُ التي كُلّمَا ... أرادَ قَتلي بهما سَلّمَا. مات على قبر حبيبته أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق بقراءتي عليه قال: أخبرنا الأمير أبو الحسن أحمد بن محمد بن المكتفي بالله قال: حدثنا ابن دريد قال: أخبرني الرياشي عن الأصمعي عن جبر بن حبيب قال: أقبلت من مكة أريد اليمامة فنزلت بحي من عامر، فأكرموا مثواي، فإذا فتىً حسن الهيئة قد جاءني، فسلم علي، فقال: أين يريد الراكب؟ قلت: اليمامة. قال: ومن أين أقبلت؟ قلت: من مكة. فجلس إلي، فحادثني أحسن الحديث ثم قال لي: أتأذن في صحبتك إلى اليمامة؟ قلت: أحب خير مصحوب، فقام، فما لبث أن جاء بناقة كأنها قلعة بيضاء، وعليها أداة حسنةٌ، فأناخها قريباً من مبيتي، وتوسد ذراعها،

فلما هممت بالرحيل أيقظته فكأنه لم يكن نائماً، فقام فأصلح رحله فركب وركبت، فقصر علي يومي بصحبته، وسهلت علي وعوث سفري، فلما رأينا بياض قصور اليمامة تمثل: وأعرَضَتِ اليَمامَةُ واشمَخَرّتْ ... كَأسْيَافٍ بأيدي مُصْلِتِينَا. وهو في ذلك كله لا ينشدني إلا بيتاً معجباً في الهوى، فلما قربنا من اليمامة مال عن الطريق إلى أبيات قريبة منا، فقلت له: لعلك تحاول حاجةً في هذه الأبيات؟ قال: أجل! قلت: انطلق راشداً. فقال: هل أنت موفٍ حق الصحبة؟ قلت: أفعل. قال: مل معي! فملت معه، فلما رآه أهل الصرم ابتدروه، وإذا فتيان لهم شارةٌ، فأناخوا بنا وعقلوا ناقتينا، وأظهروا السرور، وأكثروا البر، ورأيتهم أشد شيء له تعظيماً، ثم قال: قوموا إن شئتم، فقام، وقمت لقيامه، حتى إذا صرنا إلى قبرٍ حديث التطيين ألقى نفسه عليه، وأنشأ يقول: لَئِن مَنَعوني في حَياتي زيارَةً ... أُحامي بِها نفساً تَمَلّكَها الحبُّ. فَلَن يَمنعوني أن أُجاورَ لحدَها ... فيَجمَعَ جِسمَينَا التجاورُ والتُّرْبُ. ثم أن أناتٍ، فمات. فأقمت مع الفتيان حتى احتفروا له ودفناه. فسألت عنه، فقالوا: ابن سيد هذا الحي، وهذه ابنة عمه، وهي إحدى نساء قومه، وكان بها مغرماً، فماتت منذ ثلاث، فأقبل إليها وقد رأيت ما آل إليه أمره. فركبت وكأنني والله قد ثكلت حميماً.

قبور العشاق

قبور العشاق وجدت في مجموع سماه جامعه زهر الربيع قال: أنشدت عبد الله بن المعتز: مَساكينُ أهلُ العِشقِ، حتى قبورُهم ... عَلَيها تُرَابُ الذلّ بينَ المَقابِرِ. فقال لي: لعن الله صاحب هذا الشعر، لا والله ما اذل الله تراب قبر عاشقٍ قط، بل أجله وشرفه ونضره وحسنه. قال ابن المعتز: ولي في هذا المعنى أملح من قول هذا لبارد، وأنشدني لنفسه: مرَرْتُ بِقَبرٍ مُشرِقٍ وَسْطَ رَوْضَةٍ ... عَلَيه من الأنوارِ مثلُ الشَّقائِقِ. فَقُلتُ: لمَنْ هذا؟ فقال ليَ الثَّرَى: ... ترَحّمْ عَلَيْهِ إنّهُ قبرُ عَاشِقِ. ما ضرهم ولي وهي قطعة مفردةٌ: بَانَ الخَلِيطُ فَأدمُعي ... وَجْداً عَلَيهِم تستهِلُّ. وحدا بهم حادي الفرَا ... قِ عَنِ المَنَازِلِ فاستَقَلّوا. قُلْ للّذينَ تَرَحّلُوا ... عن ناظِري والقلبَ حَلّوا، ودَمي بلا جُرْمٍ أتي ... تُ غداة بينهم استحلُّوا، ما ضرّهُم لوْ أنهَلوا ... من ماءِ وَصْلِهِمِ وَعَلّوا.

تعلل ساعة

تعلل ساعة وجدت بخط أحمد بن محمد الأبنوسي حدثنا أبو محمد بن المغيرة الجوهري قال: حدثنا أحمد بن إسحاق الغطفاني قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثني سليمان بن عياش السعدي قال: حدثني أبي قال: سرت في بلاد بني عقيل أطلب ضالةً لي، فرأيت فتاةً تدافع في مشيتها كتدافع الفرس السابق المختال. قال: فأسرعت المشي في إثرها، حتى أدركتها، وقد كادت تلج خباءها، فاستوقفتها، فوقفت، فجعلت أسائلها، وأكلمها، والله ما يقع بصري على شيء منها إلا ألهاني عن غيره. قال: فصاحت بي عجوز: ما يوقفك على هذا الغزال النجدي، فوالله ما تنال منه طائلاً. فقالت لها الفتاة: دعيه يا أمتاه يكون كما قال ذو الرمة: فإنْ لم يَكُنْ إلاّ تَعَلّلُ سَاعَةٍ ... قَلِيلٌ فإن نَافِعٌ لي قَلِيلُهَا. فتاة مراد وخطيبها البكري أخبرنا أبو الحسن علي نب صالح بن علي الروذباري بقراءتي عليه بمصر قال: أخبرنا أبو مسلم الكاتب في ما اجاز لنا قال: حدثنا ابن دريد قال: حدثنا أبو حاتم قال: أخبرنا أبو عبيدة قال: خطب رجل من بكر بن وائل إلى رجل من مراد ابنته فهم أن يزوجه، فبينا الجارية يوماً تلعب مع الجواري، إذ جاء الخاطب فقلن لها: هذا خاطبك؟ فقالت: ما رجل هو أحب إلي أن أكون قد رأيته منه. فلما رأته رأت رجلاً كبير السن قبيح الوجه، فقالت: أوقد رضي أبي به؟ قلن: نعم! فدخلت البيت، فاشتملت على السيف وشدت عليه،

التبسم النمام

فسبقها عدواً، ونالته بضربةٍ، فقال همام السلولي، وهو يشبب بامرأة: أخافُ بِأنْ تجزي المُحِبَّ كمَا جَزَتْ ... فتاةُ مُرادٍ شَيخَ بَكرِ بنِ وائِلِ. فَلَوْ لم يَرُغْ رَوْغَ الحَيارَى تَفَتّحَتْ ... ذَوَائِبُه مِنْهَا بِأبْيَضَ قَاصِلِ. ولا ذَنبَ للحَسنَاءِ لمّا بدا لها ... ضعيفٌ كخيطِ الصّوفِ رِخوَ المفاصِلِ. التبسم النمام أخبرني أبو عبد الله بن أبي نصر الأندلسي بدمشق قال: أنشد بحضرة بعض ملوك الأندلس قطعةٌ لبعض أهل المشرق وهي: وَمَاذا عَلَيهِم لوْ أثَابُوا فَسَلّمُوا، ... وقَد عَلِموا أني المشوقُ المُتَيَّمُ. سرَوا ونجُومُ الليْلِ زُهْرٌ طَوَالِعٌ ... عَلى أنّهُم بالليْلِ للنّاسِ أنجُمُ. وأخفَوا عَلى تِلْكَ المَطايا مَسيرَهُمْ، ... فَنَمّ عَلَيهِم في الظلامِ التبَسّمُ. فافرط بعض الحاضرين في استحسانها، وقال: هذا ما لا يقدر أندلسي على مثله، وبالحضرة أبو بكر يحيى بن هذيل فقال بديهاً: عَرَفتُ بِعَرْفِ الرّيحِ أين تَيَمّموا، ... وأينَ استقلّ الظاعِنونَ وخَيّموا. خَلِيلَيّ ردّاني إلى جانِبِ الحمى، ... فَلَستُ إلى غَيرِ الحِمى أتَيَمّمُ. أبيت سَميرَ الفَرْقَدَينِ كَأنّمَا ... وسادي قَتادٌ، أو ضجيعي أرْقَمُ.

مي الغادرة

وأحوَرَ وسنَانِ الجفونِ كأنّه ... قضيبٌ مِنَ الرَّيحانِ لدنٌ مُنَعَّمُ. نَظَرْتُ إلى أجْفَانِهِ أوّلَ الهَوَى ... فَأيْقَنْتُ أني لَستُ مِنُهنّ أسْلَمُ. كما أنّ إبرَاهِيمَ أوّلَ مَرّةٍ ... رَأى في الدّرَاري أنّه سوفَ يَسقَمُ. مي الغادرة أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بم محمد الجوهري في ما أذن لنا أن نرويه عنه قال: أخبرنا عمر بن حيويه محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن خلف قال: أخبرني أحمد بن شداد قال: حدثنا عبد الله بن أبي كريم قال: أخبرنا ميسرة بن عبد الله بن الحارث قال: أخبرني أبي قال: كان رجل من بني سليم يقال له عمرو بن مسلم، وكانت له امراة يقال لها مي، وكانت تبغضه، ولم يكن يعلم ذلكن وكان من أشد الناس حباً لها، فدخل عليها ذات يوم، وهي تقرأ في المصحف. فقال: يا مي أسالك بما أنزل الله تعالى في هذا المصحف أتحبينني أو تبغضينني؟ فقال: لا والله لا أخبرتك إلا أن تعطيني سؤلةً أسألكها. فقال: وأي شيءٍ سؤلتك؟ قالت: تجعل أمري في يدي. قال: نعم، وظن أنها مازحة، قالت: فلا والله وما أنزل فيه ما أحببتك ساعةً قط. فلما جعل أمرها بيدها اختارت نفسها، فكاد يموت أسفاً عليها، وانشأ يقول: هَيا ربِّ أدعُوكَ العَشِيّةَ مُخْلِصاً، ... دُعاءَ امرِئٍ عمّتْ بلابلُه الصّدرا. فإنّكَ إن تجمَعْ بِمَيٍّ لُبَانَتي ... معَ الناسِ قبل الموت أُحدِثْ لكَ الشُّكْرَا. فتَجمعْ بها شملَ امرئٍ لم تَدَعْ له ... فؤاداً، ولم يُرزَقْ على نأيِها صَبرا. إلى اللهِ أشكو أنّ مَيّاً تَحَكّمَتْ ... بعَقلِيَ مَظلُوماً وَوَلّيتُهَا الأمْرَا.

اللص والمرأة التي أحبها

خطاءٌ مِنَ الرّأيِ الضَعيفِ، ولم يخفْ ... لمَيّةَ غدراً، واسْتَخارَتْ بيَ الغَدرا. وبَاتَتْ تَجُذّ الحَبْلَ بَيَني وَبَيْنَهَا، ... هَنيئاً لها إذ حَمّلَتْ نَفسَها الإصرَا. وَخَانَتْ خَلِيلاً لم يَخُنهَا ولمْ يُرِدْ ... بهَا بَدَلاً في الناسِ شَفعاً ولا وِترَا. عَشِيّةَ ألوي بالرِّداءِ على الحَشَا ... كَأنّ قَمِيصي مُشعِلٌ تحتَه جَمْرَا. عَشِيّةَ أبْكي، والبكى هَوْنُ ما أرَى، ... وداعي الفتى عَمراً، وهَيهاتَ لا عَمرا. فَرِحتُ بِها لَوْلا كِتابٌ وَمُدّةٌ ... مؤجَّلَةٌ ما عْشَتُ خَمساً ولا عَشرَا. تحَسّنَتِ الدنْيَا بِمَيٍّ لَيالِياً ... قَلائِلَ ثمّ استبدلَتْ جُرَعاً كُدرَا. مَرَارَاتُ صابٍ حينَ وَلّتْ وَعَلقَمٌ، ... تحَسّيتُ من غُصّاتِها جُرَعاً وحُمْرَا. اللص والمرأة التي أحبها أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي بن محمد السواق قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن فارس قال: حدثنا أبو الحسين بن بيان الزبيبي قال: حدثنا محمد بن خلف قال: أخبرني أحمد بن زهير قال: حدثنا أبو سعيد الأشج قال: حدثنا ابن إدريس عن الأعمش قال: كان في بني إسرائيل رجل لص يقال له برزين المناقيب، فتاب وكان يحدث الناس عما مان فيه، فقال: أعجبني امرأة في ناحية من نواحي الكوفة، فأخذت سيفي وخرجت في السحر، فلقيت بعير سقاء، فضربت عنقه، ث توجهت نحوها فتسورت عليها، فعالجتها، فلم أقدر عليها، وامتنعت أن تدخل معي في الحرام، فجمعت يدي في السيف ثم ضربت به وسط رأسها ثم انصرفت، فقلت: لأنظرن إلى أثر سيفي.

أبو دهبل والمرأة الشامية

فعدت لإلى موضع البعير فإذا البعير ورأسه ناحيةً، ثم أتيتها بعد لأعلم الخبر، فغذا هي وسط النساء تحدث وتقول: والله لضرب رأسي، فما أخطأ منه شعرة. أبو دهبل والمرأة الشامية أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن خلف قال: حدثني أبو العابس أحمد بن يحيى قال: حدثنا الزبير بن أبي بكر قال: حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: حدثني إبراهيم بن أبي عبد الله قال: خرج أبو دهبل الجمحي يريد الغزو وكان رجلاً جميلاً صالحاً، فلما كان يجيرون جاءته امراة فأعطته كتاباً، فقالت له: اقرأ هذا! فقرأه لها، ثم ذهبت، فدخلت قصراً، ثم خرجت إليه، فقالت له: لو بلغت معي إلى هذا القصر فقرأت الكتاب على امرأة فيه كان لك أجر، إن شاء الله. فبلغ امعها القصر، فلما دخل، إذا فيه جوار كثيرة، فأغلقن عليه باب القصر، فإذا امرأة جميلة قد أتته فدعته إلى نفسها، فأبى، فأمرت به فحبس في بيت من القصر، وأطعم وسقي قليلاً قليلاً حتى ضعف وكاد يموت، ثم دعته إلى نفسها، فقال: أما في الحرام فلا يكون ذلك أبداً، ولكن أتزوجك. قالت: نعم! فتزوجها، وأمرت به فاحسن إليه حتى رجعت نفسه إليه، فأقام معها زماناً طويلاً لم تدعه يخرج من القصر، حتى يئس منه أهله وولده، وزوج أولاده بناته واقتسموا ميراثه. وأقامت زوجته تبكي، ولم تقاسمهم ماله، ولا أخذت من ميراثه شيئاً، وجاءها الخطاب، فأبت واقامت على الحزن والبكاء عليه، قال: فقال أبو دهبل لامرأته يوماً: إنك قد أثمت فيّ وفي ولدي، فأذني لي أن أخرج إليهم، وأرجع إليك. فأخذت عليه أيماناً ألا يقيم إلا سنةً

حتى يعود إليها، وأعطته مالاً كثيراً، فخرج من عندها بذلك المال حتى قدم على أهله، فرأى زوجته وما صارت إليه من الحزن، ونظر إلى ولده ممن اقتسم ماله، وجاؤوه فقال: ما بيني وبينكم عمل! أنتم ورثتموني وأنا حي، فهو حظكم، والله لا يشرك زوجتي أحد في ما قدمت به. وقال لزوجته: شأنك بهذا المال فهو كله لك، ولست أجهل ما كان من وفائك، وأقام معها وقال في الشامية: صاحِ! حَيَّ الإلهُ حَيّاً وَدُوداً ... عندَ أصْلِ القَنَاةِ من جَيرُونِ. فبِتِلكَ اغتَرَبْتُ بالشّام حتى ... ظَنّ أهلي مرَجَّماتِ الظّنونِ. وَهيَ زَهرَاءُ مثلُ لؤلؤةِ الغَوّ ... صِ مِيزَتْ مِن لؤلؤٍ مَكنونِ. وفي هذه القصيدة يقول أبو دهبل: ثمّ فارَقتُها على خيرِ ما كا ... نَ قرينٌ مقارناً لقَرينِ. وبكَتْ خشيةَ التفرّق والبَيْ ... نِ بكاءَ الحزينِ نحوَ الحزينِ. فاسألي عَنْ تَذَكّرِي واكتِئابي ... جُلَّ أهلي إذا همُ عذلوني. وقد روي هذا الشعر لعبد الرحمن بن حسان، وليس بصحيحٍ. قال: فلما جاء الأجل أراد الخروج إليها ففاجأه موتها، فأقام.

الصوفي وغلامه

الصوفي وغلامه أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال بمصر قال: أخبرنا أبو صالح محمد بن عدي السمرقندي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن القاسم بن أليسع قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي الخياط قال: قال أبو حمزة الصوفي: رأيت مع أحمد بن علي الصوفي ببيت المقدس غلاماً جميلاً، فقلتك مذ كم صحبك هذا الغلام؟ فقال: منذ سنين، فقلت: لو صرتما إلى بعض المنازل فكنتما فيه بحيث لا يراكما الناس كان أجمل بكما من الجلوس في المساجد والحديث فيها. فقال: أخاف احتيال الشيطان علي فيه في وقت خلوتي به، وإني لأكره أن يراني الله معه على معصية فيفرق بيني وبينه يوم يظفر المحبون بأحبابهم. يكره الخلو بالغلام أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت بالشام قال: حدثنا ابن أيوب القمي قال: أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني قال: حدثني أبو عبد الله الحكيمي قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو أسامة قال: كنا عند شيخ يقرئ، فبقي عنده غلام يقرأ عليه، وأردت القيام فأخذ بثوبي وقال: اصبر حتى يفرغ هذا الغلام، وكره أن يخلو هو والغلام.

على طريقة ابن مدرك الشيباني

على طريقة ابن مدرك الشيباني أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو الفرج المعافى بن زكريا قال: كنت في الحداثة أنشأت كلمةً مسمطة على نحو قصيدة مدرك الشيباني في عمرو النصراني، فكان مما ذكرته في كلمتي هذه عند صفة عين إنسان ونسيت الكلمة به: سُقْمٌ أوَى أحسنَ عينٍ تَطرَفُ ... تَقوَى به وللقُلوبِ تُضْعِفُ. كاسم في الأفعى بفي من يحصِفُ، ... يحيا به، وللنفوس يُتلِفُ. ثم قلت: دواءُ مَن أقصَدَه بسَهمِهِ ... تَكرَارُه نحوَ مَرَامي سَهمِهِ. كالأُفْعُوَان يُشتَفى من سمّه ... بشرْبِ دِرْياق كَريهِ لَحمِه. قال المعافى بن زكيرا ولنا أيضاً في كلمة: وسقاني بسُقمِ مُقلةِ ظبيٍ ... قدّ قلبي منه بأحسنِ قدِّ. سُقمُها لي شفاءُ دائي، إذا جا ... دتْ وداءٌ إذا تصَدَّتْ لصَدّ. وأنا أستغفر الله تعالى من مساكنة ما يشغل عن عبادته، ومما يضارع ما وصفنا في هذا الفضل من وجه قول ابن الرومي: عَيني لِعَينِك حينَ تُبصِرُ مَقتَلُ ... لكِنّ عينَك سَهمُ حتَفٍ مُرْسَلُ. ومن العَجائِبِ أنّ مَعنىً واحداً ... هوَ منك سَهمٌ، وهوَ مني مَقتَلُ.

عناية الله بخائفيه

عناية الله بخائفيه أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال: حدثنا محمد بن أحمد بن فارس قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزبيبي قال: حدثنا محمد بن خلف قال: أخبرني أحمد بن جرب قال: حدثني عبد الله بن محمد قال: حدثني أبو عبد الله البلخي: أن شاباً كان في بني إسرائيل لم ير شابٌ قط أحسن منه، قال: وكان يبيع القفاف، قال: فبينا هو ذات يومٍ يطوف بقفافه، إذ خرجت امرأة من دار ملك من ملوك بني إسرائيل، فلما راته رجعت مبادرة فقالت لابنة الملك: يا فلانة، إني رايت شاباً بالباب يبيع القفاف لم أر شاباً قط أحسن منه. قالت: أدخليه! فخرجت إليه، فقالت: يا فتى ادخل نشتر منك! فدخل، فأغلقت الباب دونه ثم قالت: ادخل، فدخل فأغلقت باباً آخر دونه. ثم استقبلته بنت الملك كاشفةً عن وجهها ونحرها، فقال لها: اشتر عافاك الله، فقالت: إنا لم ندعك لهذا، إنما دعوناك لكذا، تعني تراوده عن نفسه، فقال لها: اتقي الله! قالت له: إنك إن لم تطاوعني على ما أريد أخبرت الملك أنك إنما دخلت علي تكابرني على نفسي. قال: فأبى، ووعظها، فأبت، فقال: ضعوا لي وضوءاً! فاقلت: أعلي تعلل؟ يا جارية! ضعي له وضوءاً فوق الجوسق، مكان لا يستطيع أن يفر منه، ومن الجوسق إلى الأرض أربعون ذراعاً. قال: فلما صار في أعلى الجوسق قال: اللهم إني دعيت إلى معصيتك وإني أختار أن أصبر نفسي، فألقيتها من هذا الجوسق، ولا أركب المعصية، ثم قال: بسم الله، وألقى نفسه من أعلى الجوسق فاهبط الله، عز وجل، ملكاً من الملائكة، فاخذ بضبعيه، فوقع قائماً على رجليه،

المجنون الأديب

فلما صار في الأرض قال: اللهم إنك إن شئت رزقتني رزقاً يغنيني عن بيع هذه القفاف. قال: فأرسل الله، عز وجل، إليه جراداً من ذهب، فأخذ منه حتى ملأ ثوبه، فلما صار في ثوبه قال: اللهم إن كان هذا رزقاً رزقتنيه في الدنيا فبارك لي فيه، وإن كان ينقصني مما لي عندك في الآخرة فلا حاجة لي به. قال: فبنودي: إن هذا الذي أعطيناك جزء من خمسة وعشرين جزءاً لصبرك على إلقائك نفسك من هذا الجوسق، قال: فقال: اللهم لا حاجة لي في ما ينقصني مما لي عندك في الآخرة. قال: فرفع. المجنون الأديب أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني في المسجد الحرام بباب الندوة قال: حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب قال: سمعت أبا سعيد أحمد بن رميح الزيدي يقول: سمعت محمد بن إبراهيم الأرجاني يقول: سمعت محمد بن يعقوب الأزدي عن أبيه قال: دخلت دير هرقل، فرأيت مجنوناً مكبلاً، فكلمته، فوجدته أديباً، فقلت له: ما الذي صيرك إلى ما أرى؟ فقال: نَظَرْتُ إلَيها فاستَحَلّتْ بنَظرَتي ... دمي، ودَمي غالٍ، فأرخَصه الحُبُّ. وغَالَيتُ في حُبّي لها، وَرَأَتْ دَمي ... رَخِيصاً، فمِن هذينِ داخَلَها العُجبُ.

أربع نسوة وأربعة غربان

أربع نسوة وأربعة غربان أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني محمد بن عبد الله الأهوازي قال: أخبرني بعض أهل الأدب أن بعض البصريين أخبره قال: كنا لمة نجتمع ولا يفارق بعضنا بعضاً، وكنا على عدد أيام عند أحدنا، فضجرنا من المقام في المنازل، فقال بعضنا: لو عزمتم فخرجنا إلى بعض البساتين، فخرجنا إلى بستان قريب منا، فبينا نحن فيه إذ سمعنا ضجةً راعتنا، فقلت للبستاني: ما هذا؟ فقال: هؤلاء نسوة لهن قصة، فقلت له أنا دون أصحابي: وما هي؟ قال: العيان أكبر من الخبر، فقم حتى أريك وحدك. فقلت لأصحابي: أقسمت ألا يبرح أحد منكم حتى أعود. فنهضت وحدي، فصعدت إلى موضع أشرف عليهن، وأراهن، ولا يرينني، فرأيت نسوةً أربعاً كأحسن ما يكون من النساء وأشكلهن، ومعهن خدم لهن وأشياء قد أصلحت من طعام وشراب وآلة، فلما اطمأن بهن المجلس، جاء خادم لهن، ومعه خمسة أجزاء من القرآن، فدفع إلى كل واحدةٍ منهن جزءاً ووضع الجزء الخامس بينهن، فقرأن أحسن قراءة، ثم أخذن الجزء الخامس فقرأت كل واحدة منهن ربع الجزء، ثم أخرجن صورةً معهن في ثوب دبيقي فبسطنها بينهن فبكين عليها ودعون لها، ثم أخذن في النوح، فقالت الأولى: خلسَ الزّمانُ أعَزَّ مختَلَسِ، ... ويَدُ الزّمَانِ كثيرَةُ الخَلَسِ. للهِ هالكةٌ فُجِعْتُ بِهَا، ... ما كانَ أبعَدَها من الدّنَسِ. أتَتِ البِشَارَةُ والنّعيُّ بِهَا، ... يَا قُرْبَ مأتَمِهَا من العُرُسِ.

ثم قالت الثانية: ذَهَبَ الزّمَانُ بِأُنْسِ نفسي عَنوَةً، ... وبَقيتُ فَرْداً ليسَ لي من مُؤنِسِ. أودى بمَلْكَ ولَوْ تُفادى نفسُهَا، ... لَفَدَيتُها ممن أُعِزّ بِأنْفُسِ. ظَلّتْ تُكَلّمني كَلاماً مُطْعِماً، ... لم أسترِبْ فيه بشيءٍ مُؤيِسِ. حتى إذا فَترَ اللّسانُ وأصْبَحَتْ ... للمَوْتِ قَد ذَبُلَتْ ذُبولَ النَّرْجِسِ. وتَسَهّلَتْ مِنْهَا مَحَاسِنُ وَجْهِهَا، ... وَعَلا الأنِينُ تحثّهُ بِتَنَفّسِ. جَعَلَ الرّجاءُ مَطامِعي يأساً كمَا ... قَطَعَ الرّجاءُ صَحِيفَةَ المُتَلَمّسِ. ثم قالت الثالثة: جَرَتْ على عَهدِها الليالي، ... وَأُحْدِثَتْ بَعدَها أُمورُ. فاعتضْتُ باليأس منكِ صَبراً، ... فاعتَدَلَ اليأسُ والسرُورُ. فَلَستُ أرجو، ولستُ أخشى ... ما أحدَثَتْ بَعدكِ الدهورُ. فَليبلُغِ الدهرُ في مَساتي، ... فَما عَسى جُهْدُه يَضِيرُ. ثم قالت الرابعة: عِلْقٌ نَفِيسٌ من الدنيَا فُجِعتُ به، ... أفضى إلَيه الرَّدى في حَوْمةِ القَدَرِ. وَيحَ المَنايا أمَا تَنْفَكّ أسهُمُها ... معَلَّقاتٍ بِصَدرِ القوْسِ والوَتَرِ. يَبلى الجديدان، والأيّام بالِيَةٌ، ... والدهرُ يَبلى، وتَبلى جِدّةُ الحَجَرِ. ثم قمن فقلن بصوتٍ واحد:

كنّا من المَساعِده، ... نحيا بنفسٍ واحده. فمات نِصْفُ نفسي ... حينَ ثَوَى في الرَّمسِ. فَما بَقائي بعدَه ... وشَطرُ نفسي عندَه. فَهَلْ سَمِعتُم قَبلي ... في مَنْ مَضى بِمِثلي. عاشَ بِنِصْفِ روحِ ... في بَدَنٍ صَحِيحِ. ثم تنحين وقلن لبعض الخدم: كم عندك منهن؟ قال: أربعة. قلن: ائت بهن، فلم ألبث إلا قليلاً حتى طلع بقفصٍ فيه أربعة غربان مكتفة، فوضع القفص بين أيديهن، فدعون بعيدان، فأخذت كل واحدة منهن عوداً فغنت: لَعَمري! لقد صاحَ الغُرَابُ بِبَنيهِم، ... فأوجَعَ قلبي بالحديثِ الذي يُبدي. فقلتُ له: أفصحتَ لا طِرْتَ بعدها، ... بِريشٍ، فهل للقَلبِ ويحَكَ من رَدّ!. ثم أخذن واحداً من الغربان فنتفن ريشه حتى تركنه كأن لم يكن عليه ريش قط، ثم ضربنه بقضبان معهن لا أدري ما هي حتى قتلنهن ثم غنت: أشاقَكَ، والليلُ ملقي الجِرَانِ، ... غُرَابٌ يَنوحُ على غُصْنِ بانِ. أحصُّ الجَناحِ، شديدُ الصّيَاحِ، ... يَبكي بِعَيْنَينِ ما تهملانِ. وفي نَعَبَاتِ الغُرَابِ اغْترَابٌ، ... وفي البانِ بَينٌ بعيدُ التّداني. ثم أخذن الثاني فشددن في رجليه خيطين وباعدن بينهما وجعلن يقلن له: أتبكي بلا دمع وتفرق بين الألاف، فمن أحق بالقتل منك؟

ثم فعلن به ما فعلن بصاحبه. ثم غنت الثالثة: ألا يا غُرَابَ البين لَونُكَ شاحِبٌ، ... وأنْتَ بِلَوْعاتِ الفِرَاقِ جَديرُ. فَبَيّنْ لَنَا ما قلتَ، إذ أنتَ واقِعٌ، ... وبَيّن لَنَا ما قُلتَ حينَ تَطيرُ. فإنْ يكُ حقّاً ما تَقولُ، فَأصْبَحْتْ ... هُمومُكَ شَتّى، والجَنَاحُ كَسيرُ. ولا زِلتَ مَكسوراً عديماً لِنَاصرٍ، ... كَما لَيسَ لي من ظالميّ نَصِيرُ. ثم قالت له: أما الدعوة فقد استجيبت، ثم كسرت جناحيه، وأمرت ففعل به ذلك، ثم غنت الرابعة: عَشِيّةَ ما لي حيلَةٌ غيرَ أنّني ... بلَقطِ الحصى، والخطِّ في الدّارِ مولَعُ. أخُطُّ وأمحو كلّ ما قَد خَطَطتُه ... بدمعيَ والغِرْبانُ في الدارِ وُقَّعُ. ثم قالت لأخواتها: أي قتلةٍ أقتله؟ فقلن لها: علقيه برجليه وشدي في رأسه شيئاً ثقيلاً حتى يموت، ففعلت به ذلك، ثم وضعن عيدانهن، ودعون بالغداء، فأكلن، ودعون بالشراب، فشربن، وجعلن كلما شربن قدحاً شربن للصورة مثله، وأخذن عيدانهن فغنين، فغنت الأولى كأنها تودع به: أبكى فِرَاقَكُمُ عَيني فأرّقَهَا، ... إنّ المُحِبّ على الأحبابِ بكّاءُ. ما زالَ يعدو عَلَيهِم ريبُ دهرِهمُ ... حتى تَفَانَوْا، وريبُ الدهرِ عَدّاءُ. ثم غنت الثانية: أما والذي أبكى وأضْحَكَ، والذي ... أمَاتَ وأحيا، والذي أمرُهُ الأمرُ. لقد تركَتْني أحسُدُ الوَحشَ أن أرَى ... ألِيفَينِ منها لا يرُوعُهُما الذّعرُ.

ثم غنت الثالثة: سأبكي على ما فاتَ منكِ صَبابَةً ... وَأندُبُ أيّامَ الأماني الذّوَاهِبِ. أحينَ دَنَا مَن كنتُ أرْجو دنُوَّه ... رَمَتني عُيونُ الناسِ من كل جانبِ. فأصْبَحتُ مَرْحوماً، وكنتُ مُحَسَّداً، ... فَصَبراً على مَكُروهِ مرِّ العَوَاقِبِ. ثم غنت الرابعة: سأُفني بِكَ الأيّامَ حتى يَسُرّني ... بك الدهرُ، أو تَفنى حياتي معَ الدهرِ. عَزَاءً وصبراً! أسعِداني على الهوَى، ... وأحمَدُ مَا جَرّبتُ عاقبَةُ الصّبرِ. ثم أخذت الصورة فعانقتها، وبكت، وبكين، ثم شكون إليها جميع ما كن فيه، ثم أمرن بالصورة، فطويت، ففرقت أن يتفرقن قبل أن أكلمهن، فرفعت رأسي إليهن فقلت: لقد ظلمتن الغربان. فقالت: لو قضيت حق السلام، وجعلته سبباً للكلام، لأخبرناك بقصة الغربان. قال قلت: إنما أخبرتكن بالحق. قلن: وما الحق في هذا، وكيف ظلمناهن؟ قلت: إن الشاعر يقول: نَعَبَ الغُرَابُ بِرُؤيَةِ الأحبَابِ، ... فلذاك صِرْتُ أُحِبّ كُلّ غُرَابِ. قالت: صحفت وأحلت المعنى، إنما قال: بفرقة الأحباب، فلذاك صرت عدو كل غراب. فقتل لهن: فبالذي خصكن بهذا المجلس، وبحق صاحبة الصورة، لما خبرتنني بخبركن؟ قلن: لولا أنك أقسمت علينا بحق من يجب علينا حقه ما أخبرناك. كنا صواحب مجتمعات على الألفة، لا تشرب منا واحدة البارد دون صاحبتها، فاحترمت صاحبة الصورة من بيننا، فنحن نصنع في كل موضع نجتمع فيه مثل الذي رأيت، وأقسمنا أن نقتل في كل يومٍ نجتمع

أبو السائب والغراب

فيه ما وجدنا من الغربان لعلة كانت. قلت: وما تلك العلة؟ قلن: فرق بينها وبين أنسٍ كان لها، ففارقت الحياة، فكانت تذمهن عندنا، وتأمر بقتلهن، فأقل ما لها عندنا أن نتمثل ما أمرت به، ولو كان فيك شيء من السواد لفعلنا بك فعلنا بالغربان. ثم نهضن فمضين، ورجعت إلى أصحابي فأخبرتهم بما رأيت، ثم طلبتهن بعد ذلك، فما وقعت لهن على خبر، ولا رأيت لهن أثراً. أبو السائب والغراب أخبرنا أبو الحسن علي وأبو منصور أحمد ابنا الحسن بن الفضل الكاتب في ما أجازاه لي قالا: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله بن خالد الكاتب من لفظه قال: أخبرنا أبو محمد علي بن عبد الله بن العباس بن المغيرة الجوهري قال: حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: قال الخليل بن سعيد: مررت بسوق الطير، فإذا الناس قد اجتمعوا يركب بعضهم بعضاً، فإذا أبو السائب قائماً على غراب يباع قد أخذ طرف ردائه وهو يقول للغراب: يقول لك قيس بن ذريح: ألا يا غُرَابَ البَينِ، قد طِرْتَ بالّذي ... أحاذِرُ من لُبنى، فَهَل أنتَ وَاقِعُ؟ ثمّ لا تَقَع، ويضربه بردائه والغراب يصيح. لبنى صاحبة قيس بن ذريح والغربان أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني عبد الجبار بن عبد الأعلى قال: قال خندف بن سليم: حدثني أحمد بن هود أن لبنى أمرت غلاماً لها فاشترى لها أربعة غربان، فلما رأتهن بكت وصرخت، وكتفتهن، وجعلت تضربهن بالسوط

قلبي باك

حتى متن جميعاً، وجعلت تقول بأعلى صوتها: لقد نادى الغُرَابُ ببَين لُبنى ... فطارَ القَلبُ من حَذَرِ الغُرَابِ. فَقُلتُ: غَداً تَباعدُ دارُ لُبنى ... وَتَنْأَى بَعدَ وُدٍّ واقترَابِ. فَقُلتُ: تَعِستَ وَيحَكَ من غُرَابٍ ... أكُلَّ الدهرِ سَعْيُكَ في تَبابِ. لقَد أولِعتَ، لاقَيتَ خَيراً، ... بِتَفرِيقِ المحِبِّ عن الحِبَابِ. فدخل زوجها، فرآها على تلك الحال، فقال: ما دعاك إلى ما أرى؟ قالت: دعاني أن ابن عمي وحبيبي قيساً أمرهن باوقوع فلم يقعن حيث يقول: ألا يا غُرَابَ البَين، قد طِرْتَ بالذي ... أُحاذِرُ من لُبنى، فَهَل أنتَ وَاقعُ؟ فآليت أن لا أظفر بغراب إلا قتلته، قال: فغضب، وقال: لقد هممت بتخلية سبيلك، فقالت: لوددت أنك فعلت، وإني عمياء، فوالله ما تزوجتك رغبةً فيك، ولقد كنت آليت أن لا أتزوج بعد قيس أبداً، ولكني غلبني أبي على أمري. قلبي باكٍ أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة في ما أجاز لنا قال: أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عكران المرزياني إجازة قال: أعادُ من حُبِّكِ لا من ضَنىً ... وأكثرُ العُوَّادِ أشراكي. وَلَستُ أشكوكِ إلى عَائِدٍ، ... أخافُ أن أشكو إلى شاكي. إن كنتُ لا أبكي حِذارَ العِدى، ... فإنّ قَلبي أبَداً باكي.

قاتل الله الرقيب

قاتل الله الرقيب ولي من قصيدة أولها: إذا كنت من أسر الهوى غير منفك، ... فدع جسدي يضنى ودع مقلتي تبكي. وفيها: ألا قَاتَلَ اللهُ الرّقِيبَ ومَوْقِفاً ... بَكينَا به، والبَين يَفتَرّ بالضّحْكِ. وغرّبَ غرْبانَ النوَى، حينَ بشّرَتْ، ... نعِيباً من البينِ المفرِّقِ بالوَشكِ. فيَا وَيحَ للعُشّاقِ أمسَتْ دماؤهُم ... تُطَلّ غَرَاماً وهيَ هَيّنَةُ السفكِ. معبد المغني وغلامه أخبرنا أب الفتح عبد الواحد بن أحمد بن الحسين بن شيطا وأبو الحسين أحمد بن علي التوزي قالا: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن سويد المعدل قالك أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي. قال: حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال: حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال: كان لمعبد مملوك رباه وأحسن أدبه، فمر به فتىً، فاستطرف الغلام، فاشتراه منه، فلما رحل سمع الفتى الغلام يبكي، ويقول: وما كُنتُ أخشى مَعبَداً أن يَبِيعَني ... بشيء ولَوْ أضْحَتْ أنامِلُهُ صِفْرَا. أخوكُمْ ومَوْلاكُم، وصَاحِبُ سرّكم، ... ومَن قد نشا فيكم، وعاصركم دهرَا. فقال له مولاه: الحق بأهلك، فهم في حل من ثمنك.

الفضل بن الربيع يهوى غلاما

الفضل بن الربيع يهوى غلاماً وبالإسناد قال: أخبرنا الحسين بن القاسم قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن عمر الوراق قال: أخبرني دوست الخراساني قال: اشترى خزام صاحب دواب المعتصم خادماً نظيفاً، وكان عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع يتعشقه، وقد نشب في ابتياعه، فسأله هبته له، أو بيعه منه، فلم يفعل، فصنع أبياتاً، وعمل فيها لحناً، واتصل خبرها بخزام، وخاف أن يتصل الخبر بالمعتصم فيأتي عليه، فوجه به إليه، وهذه هي الأبيات: يوْمُ سبتٍ فَصَرِّفا لي المُدامَا ... واسقِيَاني لَعَلّني أن أنامَا. شَرّدَ النّوْمَ حُبُّ ظَبْيٍ غَريرٍ، ... ما أُرَاهُ يَرَى الحَرَامَ حَرَاما. اشتَرَاهُ فَتىً بِقَضْمَةِ يَوْمٍ ... أصبَحتْ غِبَّهُ الدوابُّ صُياما. دمعة هطلت في ساعة البين وبالإسناد أيضاً قال: أخبرنا الحسين بن القاسم قال: حدثني محمد بن عجلان قال: أخبرني ابن السكيت أن عبد الله بن طاهر عزم على الحج، فخرجت إليه جارية شاعرة، فبكت لما رأت آلة السفر، فقال محمد بن عبد الله: دَمعَةٌ كاللَؤلؤ الرّط ... بِ على الخدّ الأسيلِ. هَطَلتْ في ساعةِ البَيْ ... نِ من الطرفِ الكَحيلِ.

حن شوقا وأن

ثم قال لها: أجيزي، فقالت: حِينَ هَمّ القَمَرُ الزّاهِرُ عَنّا بالأفولِ. إنّما يفتضحُ العشّاقُ في يَوْمِ الرّحِيلَ. حنّ شوقاً وأنَّ ولي من نسيب قصيدة: وأخي لَوْعةٍ لَقِيتُ فَما زا ... لَ بِماءِ الجُفونِ يُبكي الجَفنَا. يَشتَكي وجدَهُ إليّ وأشكُو ... ما يقاسي قَلبي المشوقُ المعنّى. ثُمّ لمّا كفّت دموعُ مآقي ... هِ ومني، وَحَنّ شَوْقاً وَأنّا: قد أفَاقَ العُشّاقُ من سكرَةِ البَيْ ... نِ جَميعاً، فما لنَا ما أفَقنَا؟ قُلتُ: جارَ الهوَى عَلَينَا، فلوْ كنّ ... اغَداةَ الفِرَاقِ مُتنَا استرَحنَا. إياس وابنة عمه صفوة أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي في ما أجاز لنا قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العابس بن حيويه الخزاز قراءة عليه قال: أخبرنا محمد بن خلف إجازة قال: حدثنا قاسم بن الحسن قال: حدثنا العمري قال: أخبرني الهيثم بن عدي أن إياس بن مرة بن مصعب القيسي كان له أخ يقال له فهر، وكانا ينزلان الحيرة، وأن فهراً ارتحل بأهله وولده،

فنزل بأرض السراة، وأقام مرة بالحيرة، وكانت عند مرة امرأة من بكر بن وائل، فلبثت معه زماناً لم يرزق منها ولداً، حتى يئس من ذلك. ثم أتي في منامه، ليلةً من ذلك، فقيل له: إنك إن باشرت زوجتك من ليلتك هذه رأيت سروراً وغبطةً، فانتبه، فباشرها فحملت فلم يزل مسروراً إلى أن تمت أيامها، فولدت له غلاماً، فسماه إياساً، لنه كان آيساً منه، فنشأ الغلام منشأً حسناً. فلما ترعرع ضمه أبوه إليه، وأشركه في أمره، وكان إذا سافر أخرجه معه لقلة صبره عنه، فقال له أبوه يوماً: يا بني، قد كبرت سني، وكنت أرجوك لمثل هذا اليوم، ولي إلى عمك حاجة، فأحب أن تشخص فيها. فقال له إياس: نعم يا أبه، ولي إلى عمك حاجة، فأحب فأنا لحاجتك. فأعلمه الحاجة، فخرج متوجهاً حتى أتى عمه، فعظم سروره به وسأله عن سبب قدومه، وما الحاجة فأخبره بها، ووعده بقضائها، فأقام عند عمه أياماً، ينتظر فيها قضاء الحاجة. وكان لعمه بنت يقال لها صفوة، ذات جمال وعقل، فبينا هو ذات يوم جالس بفناء دارهم، إذ بدت له صفوة زائرة بعض أخواتها وهي تهادى بين جوار لها، فنظر إليها إياس نظرة أورثت قلبه حسرة، وظل نهاره ساهياً، وبات وقد اعتكرت عليه الأحزان، ينتظر الصباح، يرجو أن يكون فيه النجاح، فلما بدا له الصبتح خرج في طلبها ينتظر رجوعها، فلم يلبث أن بدت له، فلما نظرت إليه تنكرت ثم مضت فأسرعت، فمر يسعى خلفها، يأمل منها نظرة، فلم يصل إليها، وفاتته فانصرف إلى منزله، وقد تضاعف عليه الحزن واشتد الوجد، فلبث أياماً، وهو على حاله، إلى أن أعقبه ذلك مرضاً أضناه وأنحل جسمه، وظل صريعاً على الفراش. فلما طال به سقمه وتخوف على نفسه بعث إلى عمه لينظر إليه

ويوصيه بما يريد، فلما رآه عمه ونظر إلى ما به سبقته العبرة إشفاقاً عليه، فقال له إياس: كف، جعلت فداك يا عم، فق أفرحت قلبي. فكف عن بعض بكائه، فشكا إليه إياس ما يجد من العلة. فقال له: عز، والله، علي يا ابن أخي، ولن أدع حيلةً في طلب الشفاء لك. فانصرف إلى منزله، وأرسل إلى مولاةٍ له كانت ذات عقل فأوصاها به، وبالتعاهد له، والقيام عليه. فلما دخلت المولاة عليه فتأملته علمت أن الذي به عشق، فقعدت عند رأسه، فأجرت ذكر صفوة لتستيقن ما عنده، فلما سمع ذكرها زفر زفرةً، فاقلت المرأة: والله ما زفر إلا من هوىً داخله ولا أظنه إلا عاشقاً. فأقبلت عليه كالممازحة له فقالت له: حتى متى تبلي جسمك، فوالله ما أظن الذي بك إلا هوى. فقال لها إياس: يا أمه، لقد ظننت بي ظن سوء، فكفي عن مزاحك. فقالت: إنك والله لن تبديه إلى أحد هو أكتم له من قلبي. فلم تزل تعطيه المواثيق وتقسم عليه إلى أن قالت له: بحق صفوةّ فقال لها: لقد أقسمت علي بحق عظيم لو سألتني به روحي لدفعتها إليك، ثم قال: والله يا أمه ما أعظم دائي إلا بالاسم الذي أقسمت علي بحقه، فالله الله في كتمانه وطلب وجه الحيلة فيه. فقالت: أما إذ أطلعتني عليه، فسأبلغ فيه رضاك، إن شاء الله، فسر بذلك، وأرسل معها بالسلام إلى صفوة. فلما دخلت عليها ابتدأتها صفوة بالمسألة عن الذي بلغها من مرضه وشدة حاله، فاستبشرت المولاة بذلك، ثم قالت: يا صفوة ما حالة من يبيت الليل ساهراً محزوناً يرعى النجوم ويتمنى الموت؟ فقالت صفوة: ما أظن هذا على ما ذكرت بباقٍ، وما أسرع منه الفراق. ثم أقبلت عى المولاة فقالت: إني أريد أن أسألك عن شيء فبحقي عليك لما أوضحته. فقالت: وحقك إن عرفته لا كتمتك منه شيئاً.

إبليس يغني

قالت: فهل أرسلك إياس إلى احد من أهل وده في حاجة؟ فقالت المولاة: والله لأصدقنك، والله ما جل دائه وعظم بلائه إلا بك، وما أرسلني بالسلام إلا إليك، فأجيبيه إن شئت، أو دعي. فقالت: لا شفاه الله، والله لولا ما أوجب من حقك لأسأت إليك، وزجرتها، فخرجت من عندها كئيبة، فأتته فأعلمته فازداد على ما كان به من مرضه، وأنشأ يقول: كتمتُ الهوَى حتى إذا شبّ واستوَتْ ... قُوَاه، أشاعَ الدّمعُ ما كنتُ أكتُمُ. فَلَمّا رأيتُ الدّمعَ قد أعلنَ الهوَى ... خَلَعتُ عِذاري فِيه، والخَلعُ أسلَمُ. فيا وَيحَ نفسي كيف صَبري على الهوَى ... وقلبي وروحي عندَ مَن ليسَ يرْحمُ. قال: ثم إن عمه دخل عليه ليعرف خبره، فقال له: يا عم، إلي مخبرك بشيء لم أخبرك به حتى برح الخفاء ولم أطق له محملاً، فأخبره الخبر، فزوجه فأفاق وبرأ من علته. إبليس يغني أخبرنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري في ما أجاز لنا قال: أخبرنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال: حدثنا الربيعي قال: قال إبراهيم القارئ: رأيت إبليس في النوم شيخاً أبيض الرأس واللحية، وهو يغني بصوتٍ شجٍ: أسهَرْتَ لَيلَ المُستَهامْ، ... ونَفَيتَ عن عيني المنامْ. وَهَجَرْتَني مُتَعَمّداً، ... ما هكَذا فِعلُ الكِرَامْ.

محنة العاشق

محنة العاشق أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا علي بن أيوب القمي قال: أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران قال: أخبرني الصولي قال: قال أبو تمام: أنتَ في حلّ فزِدني سَقَما، ... افنِ صَبري واجعل الدمعَ دما. وارْضَ لي الموْتَ بهَجرتكَ فإن ... ألِمَتْ نَفْسي، فَزِدْني ألَمَا. محْنَةُ العَاشِقِ ذلٌّ في الهَوَى، ... فَإذا استُودِعَ سِرّاً كتَمَا. ليسَ مِنّا مَن شَكا عِلّته، ... مَن شَكا ظُلمَ حَبِيبٍ ظَلَمَا. المأمون والعباس بن الأحنف أخبرنا أبو الحسين محمد بن علي بن الجاز القرشي بالكوفة بقراءتي عليه سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وأنا متوجه إلى مكة، قال: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سعيد بن إسحاق البزاز في ما كتب به إلينا قال: حدثنا أبو هريرة أحمد بن عبد الله قال: حدثنا الحسن بن محمد بن إسماعيل بن موسى قال: رأيت في كتاب الأخبار لأبي أن المأمون لما خرج إلى خرسان كان في بعض الليل جالساً في ليلة مقمرة إذ سمع مغنياً يغني من خيمة له: قالُوا: خُرَاسان أقصى ما تحاوِلُه، ... ودونَ ذاكَ، فقَد جُزْنا خُرَاسانا. ما أقدَرَ اللهَ أن يُدني بِعِزّتِه ... سُكانَ دِجلَةَ من سكان جَيحانا. عَيناً أظُنّ أصَابَتنَا، فلا نَظَرَتْ، ... وَعُذّبت بِصنُوفِ الهجرِ ألوَانا. متى يكونُ الذي أرجو وآمُلُه، ... أما الذي كنتُ أخشاه فقد كانا. فخرج المأمون من موضعه حتى وقف على الخيمة، وعلمها، فلما كان من الغد وجه فأحضر صاحب الخيمة، وهو شاب، فسأله عن اسمه، فقال العباس بن الأحنف. قال: أنت الذي كنت تقول: متى يكونُ الذي أرجو وآمُلُه، ... أمّا الذي كنتُ أخشاه فقد كانا.

مهجور لا مسحور

قال: نعم. قال: ما شأنك؟ قال: يا أمير المؤمنين تزوجت ابنة عم لي، فنادى مناديك يوم أسبوعي في الرحيل إلى خراسان، فخرجت، فأعطاه رزق سنة، ورده إلى بغداد، وقال: أقم إلى أن تنفقها، فإذا نفدت رجعت. مهجور لا مسحور أنبأنا أبو سعيد مسعود بن ناصر السخبري، وقد قدم علينا بغداد، قال: أنبأنا أبو القاسم بن عمر ببغداد قال: أنشدنا أبو علي الحسن بن عبد الله الزنجاني لبعضهم: قال الطّبِيبُ لأهلي حينَ أبْصَرَني: ... هذا فَتاكُم، وحقِّ الله، مَسحورُ. فقُلتُ: ويحَكَ! قد قارَبتَ في صِفتي ... عينَ الصّوَابِ، فَهَلاّ قلتَ: مهجورُ. صيرت لحظها سلاحاً أخبرنا أبو سعيد أيضاً قال: حدثني أبو غانم حميد بن مأمون بهمذان قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي قال: أخبرني أبو العباس الوليد بن بكر الأندلسي قال: أنشدنا أبو عمر يوسف بن عبد الله الملقب بأبي رمال، على البديهة، إذ غبر عليه حبيبه:

جمال يلهي الناس

بُحتُ بوَجدي، ولوْ غَرَامي ... يكونُ في جَلْمَدٍ لَبَاحا. أضَعتُمُ الرُّشدَ في مُحِبٍّ ... لَيسَ يرَى في الهوَى جُناحا. لم يستطِعْ حملَ ما يلاقي، ... فَشَقّ أثوَابَه وَناحَا. مُحَيَّرَ المُقْلَتَيِنِ قُلْ لي: ... هلْ شَرِبَتْ مُقلتاكَ رَاحَاً؟ نَفسي فِدَا لِمّةٍ وَوَجْهٍ ... قَد كمّلا اللّيلَ والصّبَاحَا. وَمُقْلَةْ أُولِعَتْ بِقَتلي، ... قد صَيّرَتْ لحْظَها سِلاحا. وَعَقرَبٍ سُلّطَتْ عَلَينَا، ... تَملأ أكبَادَنَا جِرَاحَا. جمال يلهي الناس أخبرنا إبراهيم بن سعيد بمصر في سنة خمس وخمسين وأربعمائة بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو صالح السمرقندي الصوفي قال: حدثنا الحسين بن القاسم بن أليسع قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر الدينوري قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال: قال أبو حمزة: كان كامل بن المخارق الصوفي من أحسن ما رأيته من أحداث الصوفية وجهاً، وكان قد لزم منزله، وأقبل على العبادة، فكان لا يخرج إلا من جمعة إلى جمعة، فإذا خرج يريد المسجد، وقف له الناس، ورموه بأبصارهم ينظرون إليه، فقدم به علينا حجار بن قيس المكي دمشق، وكان أحد الفصحاء العقلاء، وكان لي صديقاً، فكلمني جماعة من أصحابه أسأله أن يجلس لهم مجلساً يتكلم عليهم فيه، ويسألونه، فكلمته فوعدهم يوماً، فاتعدنا لذلك اليوم، ودعا الناس بعضهم بعضاً. فلما أن كان يوم الجمعة وصلى الناس الغداة، أقبلوا من كل ناحية،

مجنون مصفد بالحديد

فوقف يتكلم علينا، فبينا هو كذلك، إذ أقبل كامل بن المخارق، فلما رأته النسا رموه بأبصارهم، وشغلوا بالنظر إليه عن الاستماع منه، وفطن بهم حجار، فقطع كلامه، وقال: يا قوم! ما لكم لا ترجون لله وقاراً، ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقاً، وجعل القمر فيهن نوراً، وجعل الشمس سراجاً، فوالله لما تنظرون منهما على بعدهما أعجب إلي من نظركم إلى هذا، فاحذروا أن تعود عليكم النفوس بعوائد حكمهان إذا حالت القلوب في غامض فكرها، أتنظرون إلى جمال تحول عنه نضرته، ووجه تتخرمه الحادثات بعد خبرته؟ ما هذا نظر المشتاقين، اين تذهب منها محبوب نفوسكم ومطالبة قلوبكم إلا بإحدى ثلاثٍ: إما بتوبة يتلافاكم الله، عز وجل، بها، أو عصمة يتغمدكم برحمته فيهان أو يطلقكم وما تطلبون، فإما أن تحول أقداره بينكم وبين شهواتكم، وإما تبلغوا منها إرادتكم فتسخطوه عليكم، أما سمعتموه، تعالى ذكره، يقول: ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه، فأحبط أعمالهم؟ ثم أخذ في كلامه، فأحيطت من أحرم من مجلسه ذلك اليوم نيف على سبعين بين رجل وغلام. مجنون مصفد بالحديد أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني بمكة في المسجد الحرام سنة ست وأربعين وأربعمائة. قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن حبيب المذكر قال: حكي لي عن حبيب بن محمد بن خالد الواسطي قال: دخلت يوماً على علي بن عثام، فوجدته باكياً حزيناً ذاهب النفس، فانكرته، فسألته عما دهاه، فقال: اعلم أني مررت بالحريبة فرأيت مجنوناً

إما موت أو حياة

مصفداً في الحديد يتمرغ في التراب ويقول: ألا ليتَ أنّ الحِبّ يعشقُ مَرّةً، ... فيَعرِفَ ماذا كان بالناس يصنْعُ. يقولونَ فُزْ بالصّبرِ! إنّكَ هالِكٌ، ... ولَلصّبرُ مني، إن أُحاوِلْه، أجزَعُ. إما موت أو حياة أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس قال: حدثنا محمد بن القاسم قال: أنشدني إبراهيم بن أحمد الشيباني لقيس بن ذريح: لقَد عَنّيْتَني يا حُبَّ لُبنى، ... فَقَعْ إمّا بِمَوْتٍ أوْ حَيَاةِ. فإنّ المَوْتَ أيسَرُ من حَيَاةٍ ... منَغَّصَةٍ لها طَعمُ الشّتاتِ. وقالَ الآمِرُونَ: تَعَزّ عَنْهَا، ... فقلتُ: نَعَم، إذا حانَتْ وفاتي!. عاشقان يصليان أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أيوب قال: حدثنا محمد بن عمران قال: حدثني أحمد بن محمد الجوهري قال: حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال: رأيت عاشقين اجتمعا، فجعلا يتحدثان من أول الليل إلى الغداة، ثم قاما إلى الصلاة.

الحياء المانع

الحياء المانع قال محمد بن عمران وأخبرنا الصولي قال: أنشدنا محمد بن القاسم: كم قد خَلَوْتُ بمَن أهوَى فيمنَعُني ... منه الحَياءُ، وقد أوْدى بِمَعقُولي. بَأبي الحَيَاءُ وَشَيْبي أنْ أُلِمّ بِهِ، ... وَخَشيَةٌ بَعدُ مِن قالٍ ومِن قِيلِ. العشاق الأعفاء قال وأنشدنا إبراهيم بن محمد بن عرفة لنفسه: كم قد ظفِرْتُ بمَن أهوَى فيمنَعُني ... منهُ الحَياءُ وخوْفُ الله والحَذَرُ. وكم خَلَوْتُ بمَن أهوَى فَيُقنِعُني ... منه الفُكاهَةُ والتّحديثُ والنَّظَرُ. كذلك الحب لا إتيان معصيةٍ، ... لا خير في لذةٍ من بعدها سقر. وللعطوي من أبيات: إن أكنْ عاشِقاً فإني عفيفُ الل ... حْظِ واللفظِ عن ركوبِ الحَرَامِ. كنت ماراً بين تيماء ووادي القرى، وأظنه في سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، صادراً من مكة، فرأيت صخرةً عظيمةً ملساء فيها تربيع بقدر ما يجلس عليها النفر كالدكة، فقال بعض من كان معنا من العرب، وأظنه جهيناً: هذا مجلس جميلٍ وبثينة فاعرفه.

سيوف البين

سيوف البين أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال: أخبرنا محمد بن القاسم الأنباري قال: أنبأني أبي قال: أنشدنا أحمد بن عبيد: ضَعُفتُ عن التسلِيمِ يوْمَ فِرَاقها، ... فَوَدّعتُها بالطّرْفِ والعَينُ تَدمَعُ. وأمسَكتُ عن رَدّ السلامِ، فمن رَأى ... مُحبّاً بطَرْفِ العَينِ قَبلي يُوَدِّعُ. رَأيتُ سُيوفَ البينِ عندَ فِرَاقِهَا، ... بأيدي جنودِ الشوْقِ، بالمَوْتِ تَدفَعُ. عَلَيكِ سَلامُ اللهِ مني مُضَاعَفاً، ... إلى أن تغيبَ الشمسُ من حيثُ تَطلُعُ. لقاء في الجنة أخبرنا أحمد بم علي بن محمد السواق قال: اخبرنا محمد بن أحمد بن فارس قال: حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزبيبي قال: حدثنا محمد بن خلف قال: حدثنا عبد الله بن عبيد قال: حدثني محمد بن الحسين في إسناد لا أحفظه قال: علق فتىً من الحي بنت عم له، فخطبها إلى أبيها، فرغب بها عنه، فبلغ ذلك الجارية، فأرسلت إليه: قد بلغني حبك إياي، وقد أحببتك لذلك لا لغيره، فغن شئت خرجت إليك بغير علم أهلي، وإن شئت سهلت لك المجيء. فأرسل إليها: كل ذلك لا حاجة لي فيه، إني أخاف أن يلقيني حبك في نار لا تطفأ وعذاب لا ينقطع أبداص. فلما جاءها الرسول بكت، ثم قالت: لا أراك راهباً، والله، ما أحد أولى بهذا الأمر من أحدٍ، إن الخلق في الوعد والوعيد مشتركون. قال: فتدرعت الشعر وأقبلت على العبادة، فكبر ذلك على أهلها

صخر بن الشريد وزوجته

وعلى أبيها، فلم تزل تتعبد حتى ماتت. فكان الفتى يأتي قبرها كل ليلة، فيدعوه لها ويستغفر وينصرف. فأخبرنا أنه رآها في المنام فقال لها: فلانة؟ قالت: نعم، ثم قالت: نعم المحبة، يا سؤلي، محبتكم، ... حب يجر إلى خير إلى نَعيمٍ وعَيشٍ لا زَوَالَ لَه، ... في جنّة الخلدِ خلدٍ ليسَ بالفاني. قال: فقلت لها: أيتها الحبيبة، أفتذكرينني هناظ؟ قال: فقالت: والله إني لأتمناك على مولاي ومولاك، فأعني على نفسك بطاعته، فلعله يجمع بيني وبينك في داره، ثم ولت، فقتل لها: متى أراك؟ قلت: تراني قريباً إن شاء الله. قال: فلم يلبث الفتى بعد هذه الرؤيا إلا قليلاً حتى مات فدفن إلى جانبها. صخر بن الشريد وزوجته أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الحازري بقراءتي عليه قال: حدثنا المعافى بن زكريا قال: حدثنا محمد بن الحسن بن دريد قال: حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا الأصمعي قال: التقى صخر بن عمرو بن الشريد السلمي ورجل من بني أسد، فطعن الرجل صخراً، فقيل لصخر: كيف طعنك؟ قال: كان رمحه أطول من رمحي بأنبوب، فضمن صخر منها، وطال مرضه، وكانت أمه إذا سئلت عنه، قالت: نحن بخير ما رأينا سواده بيننا، وكانت امرأته، إذا سئلت عنه، قالت: لا هو حي فيرجى، ولا ميت فينعى، فقال صخر: أرَى أُمَّ صَخْرٍ لا تَمَلّ عِيادتي، ... ومَلّتْ سُلَيمى مضْجَعي ومكاني.

نوم الفهد

إذا ما امرُؤ سَوّى بأُمٍّ حَلِيلَةً، ... فَلا عاشَ إلاّ في شَقا وهَوَانِ. لَعمري لقد أيقظتِ من كان نائماً، ... وأسمَعتِ مَن كانتْ له أُذُنانِ. بَصِيراً بوَجهِ الحَزْمِ لوْ يستطيعُه، ... وقد حِيلَ بينَ العَيرِ والنّزوَانِ. قال المعافى بن زكيرا ويروى: أهم بأمر الحزم لو أستطيعه. وقول أم صخر: ما رأينا سواده أي شخصه. قال الشاعر: بين المخازم يرتقبن سوادي، أي شخصي. نوم الفهد أخبرنا أبو الحسن علي بن صالح الروذباري بقراءتي عليه بمصر، سنة خمس وخمسين وأربعمائة، قال: أخبرنا أبو مسلم الكاتب إجازة قال: حدثنا ابن دريد قال: أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: مرض أعرابي من بني نمير يقال له: حنيف بن مساور، وكانت له امرأة من قومه يقال لها زرعة بنت الأسود، وكان لها محباً. فلما اشتد وجعه جلست عند رأسه، فأنشأ يقول: يا زٍرْعَ دومي واحفظي لي عَهدي، ... كَمْ مِنْ مُنِيرٍ بَينَنَا مسدّي. وَكاشِحٍ، يا زَرْعَ، بادي الحِقدِ، ... يا زرعَ إن وَسّدتِني في لحدي. وَجَاءَكِ الخاطِبُ بَعدَ الوَفْدِ، ... وقلتِ: عَبدٌ بدَلٌ من عَبْدٍ.

لم يفوا ولم يرحموا

فَخَصّكِ اللهُ بِفَذٍّ ... وَغْدِ يَنَامُ في بَيتِكِ نَوْمَ فَهْدِ. قال: فمات، فوالله ما انقضت عدتها، إلا ريثما تزوجت، فكأنه كان يرى زوجها، وهو كما وصف. لم يفوا ولم يرحموا أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني بمكة في المسجد الحرام قال: أخبرنا الأستاذ أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المذكر قال: سمعت أبا الفوارس بن حنيف بن أحمد بن حنيف الطبري قال: سمعت أبا الحسن العيشي المؤدب يقول: انحدرت من بالس أريد العراق، فدخلت الموصل، فأقمت بها أياماً، فبينا أنا مار في بعض أزقتها، إذا صياح وجلبةٌ، فسألت عنها فقيل: ههنا دار المجانين، وهذا صوت بعضهم، فدخلت، فإذا شاب مشدود متشحط في الدم، فسلمت، فرد السلام، وقال: من أين؟ تجيء قلت: من بالس. قال: وأين تريد؟ قلت: العراق. فقال: أتعرف بني فلان؟ وأشار إلى أهل بيتٍ. قلت: نعم. قال: لا صنع الله لهم ولا خار لهم، هم الذين أدهشوني وتيموني وأحلوني هذا المحل. قلت: وما فعلوا؟ قال: زَمّوا المَطايا واستَقلّوا ضُحىً ... ولم يُبالوا قلبَ مَن تَيّمُوا. ما ضَرّهُم، واللهُ يرْعاهُمُ، ... لوْ وَدّعُوا بالطَّرْفِ أوْ سَلّموا. ما زِلتُ أذري الدمعَ في إثرِهِم، ... حتى جرَى من بَعدِ دمعي دمُ. ما أنصَفوني، يوْمَ بانوا ضُحىً، ... ولم يفُوا عَهدي ولم يَرْحَمُوا.

ضجيج الكواكب

ضجيج الكواكب أنبأنا محمد بن أبي نصر بدمشق قال: أنشدني علي بن أحمد ليحيى بن هذيل: إذا حَبَستُ على قَلبي يدي بِيَدي، ... وَصِحتُ في الليلَةِ الظَّلماءِ واكبِدي. ضَجّتْ كَوَاكِبُ ليلى في مَطالِعِها، ... وَذابَتِ الصّخرَةُ الصّمَّاء من كَمَدي. الهوى حلو ومر أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري بقراءتي عليه قال: حدثنا المعافى بن زكريا الجريري قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال: حدثنا ابن أبي الدنيا قال: حدثني أبو الوضاح عن الواقدي عن أبي الجحاف قال: إني لفي الطواف وقد مضى أكثر الليل وخف الحاج إذا امرأة قد أقبلت كأنها شمس على قضيب غرس في كثيب، وهي تقول: رَأيتُ الهوَى حُلواً إذا اجتمَعَ الوَصْلُ، ... ومُرّاً على الهِجرَان، لا بل هوَ القتلُ. وَمَنْ لمْ يَذُقْ للهَجْرِ طَعْماً، فَإنّهُإذا ذاقَ طَعْمَ الحبّ لم يدرِ ما الوَصْلُ. وقد ذُقتُ من هذين في القرْبِ والنَّوَى، ... فأبعَدُه قَتلٌ وأقرَبُه خَبْلُ.

زليخا ويوسف

زليخا ويوسف أخبرنا القاضي أبو علي زيد بن أبي حيويه قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن عمر بن علي الحلباني. قال: حدثنا محمد بن سعيد قال: حدثنا ابن عليل المطيري قال: حدثنا ابن الدروقي قال: حدثنا سلمة بن شبيب قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم عن عبد الصمد بن معقل عن وهب قال: لما خلت زليخا بيوسف، عليه السلام، ارتعد يوسف. فقالت زليخا: من أي شيء ترعد، إنما جئت بك لتأكل وتشرب وتشتم رائحتي، وأشتم رائحتك. قال: يا أمة الله، لست لي بحرمة. قالت: فمن أي شيء تفزع؟ قال: من سيدي. قالت: الساعة، إذا نزل من الركوب، واخذت بيدي الكأس المذهب والإبريق المفضض، سقيته شربةً من السم، وألقيت لحمه عن عظمه. قال لها: لا تفعلي، فلست ممن يقتل الملوك، وإنما أخاف من إله السماء. قالت له: فعندي من الذهب والفضة والجواهر والعقيق ما أفديك منه. قال: هو لا يقبل الرشا. قالت: دع عنك هذا! قم اسق أرضي. قال: لا ازرع أرض غيري. قالت: فارفع رأسك انظر إلي! قال: أخاف العمى في آخر عمري. قالت: فمازحني ترجع إلي نفسي. قال: يا أمة الله! لست لي بحرمة فأمازحك. قالت: فلا صبر لي عن هذه الذؤابة التي بلغت إلى قدميك، ليتني وسمتها مرةً واحدةً. قال: أخشى أن تحشى من قطران جهنم، يا هذه، هوذا الشيطان يعينك على فتنتي، لا تشوهي بخلقي ذا الحسن الجميل، فادعى في الخلق زايناً، وفي الوحوش خائناً، وفي السماء عبداً كفوراً. قال وهب: ولان من يوسف، عليه السلام، مقدار جناح بعوضة، فارتفعت الشهوة إلى وجهه، وفاستنارت، وكان سرواله معقوداً تسع عشرة

عقدةً، فحل أول عقدة، وإذا قائل يقول من زاوية البيت: إن الله كان عليكم رقيباً! ثم حل العقدة الثانية، فإذا قائل يقول: ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن. فأوحى الله، عز وجل، إلى جبريل: الحقه، فغنه المعصوم في ديوان الأنبياء! فانفرج السقف في أقل من اللمح فنزل جبريل، عليه السلام، فضرب صدره ضربةً، فخرجت شهوته من أطراف أنامله فنقص منه ولد، فولد لكل رجل من أولاد يعقوب، عليه السلام، اثنا عشر ولداً، ما خلا يوسف، عليه السلام، فإنه ولد له أحد عشر. فقال: يا رب ماذا خبري؟ لم ألحق بأخوتي في الويد، فأوحى الله، عز وجل، إليه: إن الشهوة التي خرجت من أناملك حاسبناك بها. وبإسناده قال وهب: لما أراد الله بيوسف الخير قامت زليخا إلى طاق لها، فارخت عليه ستراً، وكان لها في الطاق صنم من خشبٍ تعبده، فقال لها يوسف، عليه السلام: ماذا صنعت؟ قالت: استحييت من إلهي أن يراني أصنع الفاحشة. قال: فأنت تستحيين من إله من خشب لا يضر ولا ينفع ولا يخلق ولا يسمع ولا يبصر، فأنا أستحيي ممن أكرم مثواي، واحسن مأواي، واستبقا الباب. قالت زليخا: يا يوسف، بليت منك بخصلتين: ما رأيت بشراً أحسن منك، والثانية زوجي عنين. فلما تزوجها يوسف، عليه السلام، فأبصر بعينيها حولاً قال: يا زليخا! أو حولاء؟ قالت له: ما علمت؟ قال: لا والله! قالت: ما استحللت أن أملأ عيني منك. قال وهب بن منبه: وكانت زليخا ممنوعة من الشقاء، وكانت أجمل من بطشابع صاحبة داود، عليه السلام.

انتظري الدهر

انتظري الدهر أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري بقراءتي عليه قال: حدثنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا قال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن إسحاق الجابري الموصلي بالبصرة قال: حدثنا محمد بن ياسر الكاتب كاتب ابن طولون قال: حدثني أبي قال: حدثنا علي بن إسحاق قال: اشترى عبد الله بن طاهر جاريةً بخمسة وعشرين ألفاً على ابنة عمه، فوجدت عليه، وقعدت في بعض المقاصير، فمكثت شهرين لا تكلمه، فعمل هذين البيتين: إلى كم يكونُ العَتْبُ في كلّ سَاعَةٍ، ... وكم لا تَمَلّينَ القَطِيعَةَ والهَجرَا. رُوَيْدَكِ! إنّ الدهرَ فِيهِ كِفايَةٌ ... لتَفريقِ ذاتِ البَينِ، فانتَظرِي الدهرَا. قال: وقال للجارية: اجلسي على باب المقصورة فغني به! قال: فلما غنت البيت الأول لم تر شيئاً، فلما غنت البيت الثاني، إذا هي قد خرجت مشقوقة الثوب حتى أكبت على رجله فقبلتها. هبوا ساعةً أخبرني أبو عبد الله الحافظ الأندلسي بدمشق قال: أنشدني أبو عبد الله بن حزم لنفسه: صِلوا رَاحِلاً عَنكُم بتَأنِيس لَيلَةٍ، ... فسوْفَ يَغِيبُ المَرْءُ عنكم لَيالِيَا. هَبوا ساعةً يسترجع الطَّرفُ ضِعفَها، ... فِدىً لكُمْ نَفْسي وأهلي وَمالِيَا. وَلا تَحسَبوا عَوْنَ الزّمانِ، فأنّه ... لَنَا وَلَكُم يُمسي ويَضْحَى مُعاديا.

الله يحب التوابين

الله يحب التوابين أخبرنا أبو الحسن علي بن صالح بن علي بقراءتي عليه بمصر، في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، قال: أخبرنا أبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب في ما أجاز لنا قال: حدثنا ابن دريد قال: أخبرنا الحسن بن خضر قال: أخبرني رجل من أهل بغداد عن أبي هاشم المذكر قال: أردت البصرة، فجئت إلى سفينة أكتريها، وفيها رجل ومعه جاريةٌ، فقال الرجل: ليس ههنا موضع! فسألته الجارية أن يحملني، فحملني، فلما سرنا، دعل الرجل بالغداء، فوضع، فقال: انزلوا بذكل المسكين ليتغدى، فأنزلت على أنني مسكين، فلما تغدينا، قال: يا جارية هاتي شرابك، فشرب، وأمرها أن تسقيني، فقلت: رحمك الله، إن للضيف حقاً، وهذا يؤذيني. قال: فتركني، فلما دب فيه النبيذ قال: يا جارية هاتي العود وهاتي ما عندك، فأخذت العود، ثم غنت: وكُنّا كَغُصْنَي بانَةٍ لَيسَ وَاحِدٌ ... يزُولُ على الحالاتِ عن رأي واحِدِ. تَبَدَلّ بي خِلاًّ فَخَالَلْتُ غيرَهُ، ... وَخَلّيْتُهُ لمّا أرَادَ تَبَاعُدي. فَلَوْ أنّ كفّي لم تُرِدني أبَنْتُها، وَلمْ يَصْطَحِبْها، بعدَ ذلكَ، ساعِدي. ألا قَبّحَ الرّحمنَ كلَّ مماذقٍيكونُ أخاً في الحَفض لا في الشدائد. ثم التفت إلي فقال: أتحسن مثل هذا؟ فقلت: أحسن خيراً منه، فقرأت: إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت، وإذا الجبال سيرت. فجعل يبكي، فلما انتهيت إلى قوله: وإذا الصحف نشرت، قال: يا جارية اذهبي، فأنت حرة لوجه الله، عز وجل، وألقى ما معه من الشارب في الماء، وكسر العود، ثم دنا إلي، فاعتنقني وقال: يا أخي أترى الله يقبل توبتي؟ فقلت: إن الله حب التوابين، وحب المتطهرين، قال: فآخيته بعد ذلك أربعين سنة حتى مات قبلي، فرأيته في المنام فقلت: إلام صرت بعدي؟ فقال: إلى الجنة. فقلت: يا أخي

رجل لا يملك دمعه

بم صرت إلى الجنة؟ قال: بقراءتي علي: وإذا الصحف نشرت. رجل لا يملك دمعه أخبرنا إبراهيم بن سعيد إجازة قال: حدثنا أبو صالح السمرقندي قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن القاسم بن أليسع بالقرافة قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال: قال أبو حمزة الصوفي، وحدثني أبو الغمر حسام بن المضاء المصري قال: غزوت في زمن الرشيد في بعض المراكب فلججنا في البحر، فانكسر بنا في بعض جزائر صقلية، فخرج من أفلت، وخرجت معه فرأيت في بعض الجزائر رجلاً لا يملك دمعه من كثرة البكاء، فسألته عن حاله، وقلت له: ارفق بعينيك، فإن البكاء قد أضر بهما. قال: إلا ذلك. فقلت: وما جنايتهما عليك حتى تتمنى لهما البلاء؟ فقال: جناية لا أزال معتذارً منها إلى الله تعالى أيام حياتي. قلت: وما هي؟ قال: سرعة نظرهما إلى الأمور المحظورة عليها، ولقد أوقعتاني في ذنب نظرت إليه، لولا الرجاء لرحمة الله لأيست أن يعفو لي عنه. وبالله لو صفح الله لي عنه وأدخلني الجنة ثم تراءى لاستحييت أن أنظر إليه بعينين عصتاه، ثم صعقن وسقط مغشياً عليه.

حنين المغنية الحسناء إلى بغداد

حنين المغنية الحسناء إلى بغداد أخبرني أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الأندلسي بمصر، وكتبه لي بخطه قال: أخبرني أبو محمد اليزيدي قال: حدثنا الزبير قال: حدثني أبو علي بن الأشكري المضري قال: كنت من جلاس تميم بن أبي أوفى، وممن يخف عليه، فبعث بي إلى بغداد، فاتبعت له هناك جاريةً رائعة جداً، فلما حصلت عند أقام دعوةً لجلسائه، قال: وأنا فيهم، ثم وضعت الستارة، وأمرها بالغناء ليسمع غناءها، ويحاسن الحاضرين بها، فغنت: وبَدا له من بَعد ما اندَمل الهوَى ... برْقٌ تَألّقَ موهناً لمَعَانُه. يبدو كحاشِيَة الرِّداءِ، ودونَه ... صَعبُ الذُّرَى متَمَنّعٌ أركانُه. فالنارُ ما اشتَمَلَتْ عَلَيه ضلوعُه، ... والماءُ ما سَمَحَتْ به أجفانُه. قال: فأحسنت ما شاءت، وطرب تميم وكل من حضر، ثم غنت: سَيُسلِيكَ عمَّا فاتَ دولةُ مُفضِلٍ ... أوَائِلُهُ مَحْمودَةٌ وأوَاخِرُه. ثنى اللهُ عِطفَيه وألّفَ شخصَهُ، ... على البِرّ، مذ شُدّتْ عليه مآزِرُه. قال: فطرب تميم ومن حضر طرباً شديداً، ثم غنت: أستودع الله في بَغْدادَ لي قَمَراً ... بالكَرْخِ من فَلكِ الأزرارِ مطلِعُه. قال: فاشتد طرب تميم، وأفرط جداً، ثم قال لها: تمني ما شئت، فلك متمناك. فقالت: أتمنى عافية الأمير وبقاءه. فقال: والله لا بد لك أن تتمني. فقالت: على الوفاء أيها الأمير بما أتمنى؟ فقال: نعم!، فقالت له: أتمنى أن أغني بهذه النوبة ببغداد. قال: فاستنقع لون تميم، وتغير وجهه، وتكدر المجلس، وقام وقمنا كلنا. قال ابن الأشكري: فلحقني بعض خدمه، وقال لي: ارجع فالأمير

يدعوك فرجعت، فوجدته جالساً ينتظرني، فسلمت وجلست، فقال: ويحك أرأيت ما امتحنا به؟ قلت: نعم أيها الأمير. فقال: لا بد من الوفاء لها، وما اثق في هذا بغيرك، فتأهب لتحملها غلى بغداد، فإذا غنت هناك فاصرفها. فقلت: سمعاً وطاعةً. قال: ثم قمت وتأهبت وأمرها بالتأهب وأصحبها جاريةً سوادء تخدمها، وأمر بناقةٍ ومحمل، فأدخلت فيهن وجعلها معين ثم دخلنا الطريق إلى مكة مع القافلة، فقضينا حجنا، ثم دخلنا في قافلة العراق، فلما وردنا القادسية، أتتني السوداء عنها، فقالت: تقول لك سيدتي: أين نحن؟ فقلت لها: نحن نزول بالقادسية. فانصرفت إليها وأخبرتها، فلم أنشب أن سمعت صوتها قد اندفع بالغناء: لمّا وَرَدنَا القَادِسِيّ ... ة حيثُ مجْتَمَعُ الرّفِاقِ. وَشممتُ من أرْض الحجا ... زِ نَسيمَ أنفاسِ العرَاقِ. أيْقَنتُ لي ولمَن أُحِ ... بّ بجمعِ شَملٍ واتّفاقِ. وَضَحِكتُ من فَرحِ اللّقا ... ء كما بَكيتُ من الفرَاقِ. فتصايح الناس من أقطار القافلة: أعيدي بالله! فما سمع لها كلمة. قالك ثم نزلنا بالياسرية، وبينها وبين بغداد قريب في بساتين متصلة من الناس فيبيتون ليلتهم، ثم يبكرون لدخول بغداد، فلما كان قرب الصباح، إذا أنا بالسوداء قد أتتني ملهوفة. فقلت: ما لك؟ فقالت: إن سيدتي ليست حاضرةً! فقلت: وأين هي؟ قالت: والله ما أدري. قال: فلم أحس لها أثراً، فدخلت بغداد، وقضيت حوائجي بها، وانصرفت إلى تميم فأخبرته الخبر، فعظم ذلك عليه، ثم ما زال بعد ذلك ذاكراً لها واجماً عليها.

الأسود المتيم بالله

الأسود المتيم بالله أخبرنا أبو الحسن علي ن محمود الزوزني شيخ الرباط بقراءتي عليه قال: سمعت محمد بن محمد بت ثوابة يقول: حكي لي عن الشبلي أنه دخل إلى مارستان، فإذا هو بأسود، إحدى يديه مغلولة إلى عنقه، والأخرى إلى سارية، وهو مقيد بقيدين. قال: فلما رآني قال لي: يا أبا بكر قل لربك أما كفاك أن تيمني بحبك حتى قيدتني؟ ثم أنشأ يقول: على بُعدِكَ لا يصْبِرُ مَن عادَتُهُ القربُ. وعن قُرْبِكَ لا يصْبرُ من تيّمه الحُبّ. فإن لم تَرَكَ العَيْنُ فقد أبصرَكَ القلبُ. قال: فزعق الشبلي، وأغمي عليه، فلما أفاق رأى الغل مطروحاً والقيد والأسود مفقودين. الشبلي وشعر المجنون أخبرنا أبو الحسن الزوزني أيضاً على أثره قال: قال لي علي بن المثنى: دخلت على أبي بكر جحدر بن جعفر الملقب بالشبلي في داره يوماً، وهو يهيج ويقول: على بُعدكَ لا يَصْبِرُ مَن عادتُهُ القربُ. ولا يقوَى على حَجبِكَ من تَيّمه الحبُّ. لئِن لمْ تَرَكَ العَينُ فقد يُبصرُكَ القلبُ.

سأل الله أن يبتليه

سأل الله أن يبتليه حدثنا أبو طاهر محمد بن محمد بن علي العلاف الواعظ من حفظه قال: سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن سمعون الواعظ شيخنا يقول: سمعت أبا عبد الله الغلفي، أو قال لي أبو عبد الله الغلفي بطرسوس صاحب أبي العباس بن عطاء يقول: سمعت أبا العباس بن عطاء يقول: قرأت القرآن، فما رأيت الله، عز وجل، ذكر عبداً فأثنى عليه في ما تبتليني، فما مضت الأيام والليالي حتى خرج من داري نيف وعشرون ما رجع منهم أحد، وذهب ماله، وذهب عقله، وذهب ولده وأهله. قال أبو عبد الله الغلفي: فمكث بحكم الغلبة سبع سنين أو نحوها، فما رأيت أحداً صحا بعد غلبة فنطق بالحكمة أحسن من أبي العباس بن عطاء، فكان أول شيء قال بعد صحوه من غلبته: حَقّاً أقولُ لقد كَلّفتني شَطَطَاً ... حملي هَوَاك وصَبري ذانِ تعجِيبُ. جمَعتَ شيئينِ في قَلبٍ له خَطَرٌ، ... نَوْعَينِ ضِدّينِ: تَبِريدٌ وتَلْهِيبُ. نارٌ تُقَلقِلُني، والشوْقُ يُضرِمُهَا، ... فكَيفَ قَد جُمِعا، والعقلُ مسلوبُ. لا كنتُ إن كنتُ أدري كيفَ يُسلمني ... صَبري إلَيكَ كما قد ضُرّ أيّوبُ. لما تَطاوَلَ بَلوَاه اقشَعَرَّ لها، ... فصَاحَ، من حَملِها، غَرْثانُ مَكرُوبُ: قد مَسّني الضَّرّ والشيطانُ ينصُبُ بي، ... وأنتَ ذو رحْمَةٍ، والعَبْدُ مَنكوبُ. قال لنا شيخنا أبو طاهر بن العلاف: قال لنا أبو الحسين بن سمعون، رحمه الله: أظن كان بقي عليه من الغلبة شيء فقال: لقد كلفني شططاً، وأنا أقول: لقد حملتني عجباً.

ريحانة ناطقة

ريحانة ناطقة أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد المكي صاحب قوت القلوب بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو الفتح يوسف بن عمر القواس إملاء قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن محمد بن سهل الواعظ قال: حدثنا محمد يعني ابن جعفر قال: حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا روح بن منصور قال: قال عباد العطار: قمت ذات ليلة فقلت: اللهم اكس وجهي منك حياءً، فصرخت ريحانة: ادعو لك بإسقاط العرى، أنت مراءٍ، وتدعو بالحياء؟ الورع أولى بك من ذا، وأنشأت تقول: تَعَوّدْ سَهَرَ اللّيلِ، فإنّ النَّوْمَ خُسرَانُ. وَلا تَرْكنْ إلى الذَّنْبِ، فعُقبى الذنبِ نيرَانُ. وَكُنْ للْوَحْيِ دَرّاساً، فَلِلقُرْآنِ أخدانُ. إذا ما اللّيلُ فاجاهُم، فهم في الليلِ رُهْبَانُ. يَمِيلون كمَا مالَتْ، من الأروَاحِ، أغصانُ. قال: فبكيت حتى اشتفيت. عيسى بن مريم والأسد أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن سويد الشاهد قال: حدثنا الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي قال: حدثنا أبو يوسف الضخم قال: حدثنا عبد الله بن مقوم التنوخي قال: أخبرنا عبد المنعم عن أبيه قال: خرج عيسى بن مريم، عليه السلام، في ليلة شاتية في سياحته فأخذته السماء بالمطر والريح، فأتى كهفاً ليسكن فيه، فإذا هو بسبع قد خرج إليه يبصيص، فلما رآه عيسى رجع وقال: أنت أحق بموضعك، وجعل يقول: يا رب لكل ذي روح ملجأ يسكن إليه، وليس لعيسى

كمون الحب في الحشا

مسكن، فأوحى الله، عز وجل، إليه: استبطأتني، وعزتي لأزوجنك، يوم القيامة، حوراء، ولأولمن عليك أربعة آلاف سنة. كمون الحب في الحشا أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي الوكيل قال: حدثنا الحسن بن حسين بن حكمان قال: حدثنا أبو الفتح البصري قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الصوفي قال: حدثنا أبو العباس بن عطاء قال: حكي لنا عن الأصمعي قال: دخلت بعض أحياء العرب فإذا بقوم شحبٍ ألوانهم، فقلت في نفسي: إن هؤلاء قد وقعوا على داء، فأنا أخرج من بينهم. قال: فذهبت لأخرج فإذا بعضهم يقول لي: إلى أين، يا أخا العرب؟ فقلت: أطلب لدائكم دواءً. فقال: ارجع، عافاك الله، فإنا قوم ليس لدائنا دواء، نحن قوم فشت في قلوبنا محبة الله، فتغيرت ألواننا. قال الأصمعي: فأعجبيني ما سمعت لأنني ما سمعت مثله قط. قال: فرجعت إلى الحي، ولم أزل أور فرأيت خباء شعر منفرداً عن البيوت، فقصدته، فاطلعت فيه، فإذا أنا بفتىً حسن الوجه في عنقه سلسلة مشدودة سكة في الأرض، قال: فهالني ما رأيت منه، فقلت: يا فتى ما شأنك؟ فقال: يا ابن عمي! يقولون إني مجنون! فقلت: أهو كما يقولون؟ فقال لي: لا والله ما أنا بمجنون، ولكني بحب الله مفتون. قال: قلت فصف لي الحب! فقال: إليك عني، يا أخل العرب، جل عن أن يحد، وخفي أن يرى، كمن في الحشا كمون النار في الحجر، إن قدحته أورى، وإن تركته توارى، ثم صفق وأنشأ يقول: أأنْتَ الذي أصْفَيتَ منكَ موَدّةً ... قلائِعُها في ساحَةِ القلبِ تُغرَسُ. وإن كان لي من فَقد قلبي موحشٌ، ... فقد ظلّ لي من فكرَتي فيك مؤنسُ. أناجِيكَ بالإضْمارِ حتى كَأنّني ... أرَاك بعينَيْ فكرَتي، حينَ أجلِسُ.

كل محب عليل

كل محب عليل أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن حسنون النرسي بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو حاتم محمد بن عبد الواحد الرازي قال: أخبرني محمد بن هارون الثقفي قال: أنشدنا المسروقي قال: أنشدنا بعض أصحابنا: ونفسُ محبٍّ الله نفسٌ عليلةٌ، ... وأيُّ محبٍّ تراه عليلا؟. الكفوف المجذوم أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت الحافظ قال: حدثنا عبد الرحمن بن فضالة النيسابوري قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن شاذان المزكي قال: سمعت طيباً المخملي بالبصرة يقول: سمعت علي بن سعيد العطار يقول: مررت بعبادان بمكفوف مجذوم، وإذا الزنبور يقع عليه، فيقطع لحمه، فقلت: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه، وفتح من عيني ما أغلق من عينيه! قال: فبينا أنا أردد الحمد إذ صرع، فبينا هو يتخبط نظرت إليه، فإذا هو مقعد، فقلت: مكفوف يصرع، ومقعد مجذوم؟ قال: فما ساتتممت كلامي حتى صاح: يا مكلف! ما دخولك في ما بيني وبين ربي؟ دعه يعمل بي ما شاء. ثم قال: وعزتك وجلالك لو قطعتني إرباً إرباً، وصببت علي العذاب صباً، ما ازددت لك إلا حباً.

زوجتان من الحور العين

زوجتان من الحور العين أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان قراءة عليه، غير مرة، في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي إملاء قال: حدثنا إبراهيم الحربي قال: حدثنا الحسن بن عبد العزيز عن الحارث عن ابن وهب قال: حدثني بكر بن مضر أن عبد الكريم بن الحارث حدثه عن رجل أنهم كانوا مرابطين في حصن، فخرج رجلان إلى الجيش، فقال أحدهما لصاحبه: هل لك أن تغتسل لعل الله أن يعرضنا للشهادة؟ فقال صاحبه: ما أريد أن أغتسل، فاغتسل صاحبه، فلما فرغ سقط حجر من الحصن فأصاب الرجل، فمررت بهم، وهم يجرونه إلى خيامهم، فسألتهم ما شأنه؟ فأخبروني الخبر، فانصرفت إلى أصحابي، ثم رجعت إليهم، فأقمت عندهم، وهم يشكون هل مات أو عاد إليه الروح. فبينا هو كذلك إذ ضحك فقلنا: إنه حي، ث مكث ملياً، ثم ضحك، ثم مكث ملياً، ثم بكى، ففتح عينيه. فقلنا: ابشر يا فلان، فلا بأس عليك، لقد رأينا منك عجباً، كنا نظن أنك قد مت إذ ضحكت، ثم مكثت ملياً. قال: إني لما أصابني ما اثابني أتاني رجل فأخذ بيدي فمضى بي إلى قصر من ياقوتةٍ، فوقف بي على الباب، فخرج إلي غلمان مشمرين لم أر مثلهم، فقالوا: مرحباً بسيدنا! فقلت: من أنتم، بارك الله فيكم؟ قالوا: نحن خلقنا لك. ثم مضى بي حتى أتى بي قصراً آخر، وخرج إلي منه غلمان مشمرين هم أفضل من الأولين فقالوا: مرحباً وأهلاً بسيدنا! فقلت: من أنتم،

بارك الله فيكم؟ فقالوا: محن خلقنا لك. ثم مضى بي إلى بيت لا أدري من ياقوت أو زبرجدٍ أو لؤلؤ، فخرج إلي غلمان مشمرين سوى الأولين فقالوا مثل ما قال الأولون، وقلت لهم مثل ذلك، فوقف بي على باب البيت، فإذا بيت مبسوط فيه فرش موضوعة بعضها فوق بعض ونمارق مبسوطة، فأدخلني البيت، وفيه بابان، فألقيت نفسي بين الوسادتين، فقال: أقسمت عليك إلا ألقيت نفسك فوق هذه الفرش، فإنك قد نصبت في يومك هذا. فقمت فاضطجعت على تلك الفرش على وطاء لم أضع جنبي على مثله قط. فبينا أنا كذلك إذ سمعت حساً من أحد البابين، فإذا أنا بامرأة لم أر مثل جمالها، وعليها حلي وثياب لم ار مثلها، وأقبلت حتى وقفت علي، ولم تتخط تلك النمارق، ولكن أقبلت بين السماطين حتى وقفت وسلمت، فرددت عليها السلام. فقلت: من أنت، بارك الله فيك؟ فقالت: أنا زوجتك من الحور العين، فضحكت فرحاً بها، فأقامت تحدثني، وتذكرني أمر نساء أهل الدنيا، كأن ذلك معها في كتاب. فبينا أنا كذلك إذا سمعت حساً من الشق الآخر، فإذا أنا بامرأة لم أر مثلها ولا مثل حليها وجمالها، فأقبلت، حتى وقفت كنحو ما صنعت صاحبتها، ثم مكثت تحدثني، فأقصرت الأخرى، فأهويت بيدي إلى أحداهما، فقالت: تأن لم يأن لك، إن ذلك مع صلاة الظهر، فما أدري أقالت ذلك أم رمي بي إلى صحراء، فلم أر منهم أحداً، فبكيت عند ذلك. فقال الرجل: فما صليت الظهر أو عند الظهر، حتى قبضه الله، عز وجل.

الشهداء في قباب ورياض

الشهداء في قباب ورياض أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان أيضاً قال: أخبرنا أبو بكر الشافعي قال: حدثنا محمد بن يونس بن موسى قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال: حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري عن أبي هارون الغنوي عن مسلم بن شداد عن عبيد بن عمير عن أبي بن كعب قال: الشهداء يوم القيامة بفناء العرش، في قباب ورياض بين يدي الله، عز وجل. عيناء الجنة أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان قال: حدثنا أبو بكر الشافعي قال: حدثنا أحمد الحسن بن عبد الجبار قال: حدثنا الحسن بن الصباح البزاز قال: حدثنا إسحاق ابن بنت داود بن أبي هند قال: أخبرنا عباد بن راشد البصري عن ثابت البناني قال: كنت عند أنس بن مالك، إذ قدم عليه ابن له من غزاة، يقال لها أبو بكر، فساءله، فقال: ألا أخبرك عن صاحبنا فلان؟ بينا نحن قائلون في غزاتنا إذ ثار، وهو يقول: وا أهلاه، وا أهلاه، فثرنا إليه، وظننا أن عارضاً عر ض له، فقلنا: ما لك؟ فقال: إني كنت أحدث نفسي ألا أتزوج حتى أستشهد، فيزوجني الله تعالى من الحور العين، فلما طالت علي الشهادة قلت في سفرتي هذه: إن أنا رجعت، هذه المرة، تزوجت، فأتاني آت في المنام قال: أأنت القائل إن رجعت تزوجت؟ قم، فقد زوجك الله العيناء، فانطلق بي إلى روضة خضراء معشبة، فيها عشر جوار. وذكر الحديث وقطع الحديث، بسبب ما وقع في الجامع، وذلك أنه تكلم رجل في المذهب، فعاونه رجل فضولي في رواق الجامع، وأخرجوه فقتل وانقطع عنا الحديث، وقبر في غد في قبر معروف، فسئل الشافعي

أن يملي تمام هذا الحديث، في يوم الجمعة لسبع خلون من جمادى الأولى، فأملاه علينا، وبيد كل واحدةٍ صنعة تصنعها، لم أر مثلهن في الحسن والجمال. فقلت: أفيكن العيناء؟ فقلن: نحن من خدمها، وهي أمامك. فمضيت، فإذا روضة أعشب من الأولى، وأحسن، فيها عشرون جارية في يد كل واحدة صنعة تصنعها، وليس العشر إليها بشيء في الحسن والجمال، قلت: أفيكن العيناء؟ قلن: نحن من خدمها، وهي أمامك. فمضيت، فإذا بروضة وهي أعشب من الأولى والثانية في الحسن والجمال، فيها أربعون جارية في يد كل واحدة منهن صنعة تصنعها وليس العشر والعشرون إليهن بشيء في الحسن والجمال، قلت: أفيكن العيناء؟ قلن: نحن من خدمها، وهي أمامك. فمضيت فإذا بياقوتة مجوفة فيها سرير عليه امرأة قد فضل جنباها عن السرير، فقلت: أأنت العيناء؟ قالت: نعم! مرحباً بك، فأردت أن أضع يدي عليها، قالت: مه، إن فيك شيئاً من الروح بعد، ولكن تفطر عندنا الليلة، قال: فانتبهت. قال: فما فرغ الرجل من حديثه، حتى نادى المنادي: يا خيل الله اركبي، قال: فركينا فصاف الرجل العدو، وقال: فإني لأنظر الرجل، وأنظر إلى الشمس، وأذكر حديثه، فما؟ أدري أرأسه سقط أم الشمس سقطت.

جارية تزو رفي المنام

جارية تزو رفي المنام أخبرنا أبو الحسن أحمد بن علي بن الحسين التوزي بقراءتي عليه، في سنة أربعين وأربعمائة، قال: حدثنا أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن سويد قال: حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري قال: أخبرنا عبد الله بن خلف قال: حدثنا أبو بكر محمد بن سماعة قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز القرشي قال: حدثني إسماعيل بن أبي خالد قال: كان عندنا فتىً باليمن بطال مسرف على نفسه. وكان مع ذلك ذا مال وجمال، فرأى ليلةً، في نومه، جاريةً، قد أقبلت إليهن وعليها ثوب من اللؤلؤ تتثنى أطرافه، وبيدها كتاب من حرير أخضر مكتوب بالذهب، فقالت له: بأبي أنت اقرأ لي هذا الكتاب، فقرأه فإذا هو: مِن التي صَاغَها الرّحمنُ في غُرَفٍ، ... من مِسكَةٍ عُجِنَتْ في ماءِ نِسرينِ. إلى الذي حبُّه في القَلبِ محْتَبسٌ، ... وَقَلُبه عَنُه في لَهوٍ وَتَفتِينِ. يا سهْلُ بادِرْ، فَقَد أوْرَثتَني حَزَناً، ... كم عَنكَ ما لا أُحبّ، الدهرَ، يأتيني. ألستَ تشتاقُ أن تَلهو على فُرُشٍ ... موْضُونَةٍ مع جوارٍ خُرّدٍ عِينِ؟ قال: فأصبح الفتى تاركاً لكل ما كان عليه من البطالة والصبى، ولم يزل متنسكاً أحسن تنسك حتى مات. قال: وكان اسمه سهلاً. قال أبو بكر بن الأنباري: الخرد الحسان. والموضونة: المنسوجة بالذهب. والعين: الحسان الأعين.

خود في قصر زبرجد

خود في قصر زبرجد أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد البزاز قال: حدثنا عثمان بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن محمد الطوسي قال: حدثنا أبو الطيب بن الشهوري قال: حدثني زريق الصوفي قال: أخبرني محمد بن الحسين عن حبيب الفارسي قال: دخلت يوماً إلى الرجان، فإذا بمجنون يقال له أبنا. قال: فهاج على قلبي آية من كتاب الله، عز وجل، فقرأت: حور مقصورات في الخيام، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان. قال: فهاج ثم أنشأ يقول: مِن حُبِّ سيّدة تَبَوّأ جَنّةً ... قد حُفّفَتْ أنهارُها بخِيامِ. مع خَوْدة في جوْفِ قصرِ زَبرْجدٍ ... مَكنونَةٍ في خِدرِها كغُلامِ. وَرَصَانَةٍ في قوْلِها وَحَديثِها، ... لا تأْيَسَنْ بِرَاقِدٍ نَوّامِ. الجارية المجنونة والزرع أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي التوزي بهذا الإسناد عن زريق الصوفي عن عبد الواحد قال: قال عتبة الغلام: خرجت من البصرة والأبلة، فإذا أنا بخباء أعراب قد زرعوا، وغذا أنا بخيمة، وفي الخيمة جارية مجنونة عليها جبة صوف لا تباع ولا تشترى، فدنوت فسلمت، فلم ترد السلام، ثم وليت فسمعتها تقول: زَهِدَ الزّاهِدونَ والعابِدونا، ... إذ لَمْولاهم أجاعوا البطونا. أسهرُوا الأعينَ القريحةَ فِيهِ، ... فَمضى ليلُهم، وهُم ساهِرُونا. حَيّرَتهُم مَحَبّةُ اللهِ حتى ... علمَ الناسُ أنّ فِيهم جُنونا.

دعاء ريحان المجنون

هم ألِبّا ذوو عقولٍ، ولكِن ... قد شجاهُم جميعُ ما يَعرِفونا. قال: فدنوت إليها فقلت: لمن الزرع؟ فقالت: لنا إن سلم، فتركتها وأتيت بعض الأخبية، فأرخت السماء كأفواه القرب فقلت: والله لآتينها فأنظر قصتها في هذا المطر، فإذا أنا بالزرع قد غرق، وإذا هي قائمة نحوه وهي تقول: والذي أسكن قلبي من طرف سحر بصفي محبة اشتياقك، إن قلبي ليوقن منك بالرضا، ثم التفتت إلي فقالت: يا هذا! إنه زرعه، فأنبته، وأقامه، فسنبله، وركبه، وأرسل عليه غيثاً فسقاه، واطلع عليه فحفظه، فلما دنا حصاده، أهلكه، ثم رفعت راسها نحو السماء فقالت: العباد عبادكن وأرزاقهم عليك، فاصنع ما شئت! فقلت لها: كيف صبرك؟ فقالت: اسكت يا عتبة. إنّ إلهي لَغَنيُّ حَمِيد، ... في كل يوْمٍ منه رِزْقٌ جديد. الحمْدُ لله الذي لم يَزَلْ ... يفعل بي أكثر مما أُريد. قال عتبة: فوالله ما ذكرت كلامها إلا هيجني. دعاء ريحان المجنون وحكى الصقر بن عبد الرحمن الزاهد قال: كان ريحان المجنون يقول في دعائه: اللهم قصدتك آمالي، الطمع رغبتي فيك، وولهت بك جوارحي لمواصلات الوداد إليك. ثم يقول: كَتَبَ الناسكُ بِالدّمْ ... عِ إلى الحُورِ كِتَابا. لا بِأقْلامٍ ولكِنْ ... خَطّ بالدّمعِ سَحَابَا. من فتىً أقلَقَهُ الشَوْ ... قُ وَأضْنى وَأذابَا.

لا تمرض ولا تهرم ولا تموت

لا تمرض ولا تهرم ولا تموت أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال بقراءتي عليه بمصر، في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، قال: أخبرنا أبو صالح محمد بن أبي عدي السمرقندي الصوفي قراءة عليه قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن القاسم بن أليسع بن عاصم البزاز الصوفي قراءة عليه بالقرافة قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري قراءة عليه قال: أخبرنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي الخياط قال: قال أبو حمزة محمد بن إبراهيم الصوفي: كنت مع محمد بن الفرج السائح، فنظر إلى جارية جميلة تعرض على رجل ليشتريها، فقال: بكم تباع هذه الجارية؟ فقيل له: بألف دينار، فرفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم! إنك تعلم أني لا أملكها، ولا تنالها يدي، وإني لأعلم من كرمك أني لو سألتك إياها لم تردني عنها ولم تمنعني منها، تفضلاً منك علي وإحساناً إلي، وإني أسالك ما هو أنفس عندي منها، بادنةً لا تمرض ولا تهرم ولا تموت، ومهرها أن لا تراني نائماً بليل، ولا طاعماً بنهار، ولا ضاحكاً إلى أحد من خلقك أبداً، وأنا أجد في المهر من وقتي هذا، فأنجز لي، إذا لقيتك، ما سألتك يا كريم. قال: فما رأيناه نائماً بليل، ولا طاعماً بنها، ولا ضاحكاً إلى أحد من الناس حتى لحق بالله، عز وجل. الغلام الشهيد أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بقراءتي عليه بمصر بإسناده قال: قال أبو حمزة محمد بن إبراهيم الصوفي: طنت مع عبيد الله بن محمد الغسكندراني ببلاد الروم فنظر إلى غلام جميل يحمل على علج من الروم، ويرجع عنه أحياناً، فدنا منه، وقال: فدتك

ابن جويرية والغلام الجميل

النفس أنا تشتاق إلى أن ترى وجهاً هو أحسن من وجهك وأبهج من شخصك؟ فقال: بلى، والله يا عم. فقال: والله ما بينك وبين أن ترى الله، عز وجل، إلا أن يقتلك هذا العلج، فصاح الغلام، وحمل عليه، فقتله العلاج، فكان عبيد الله بن محمد يقول بعد ذلك إذا ذكره: رحمة الله علينا وعليه، إني لأرجو أن يكون الله، عز وجل، قد ضحك غلى وجهه الحسن الجميل بما بذل له من مهجة نفسه. ابن جويرية والغلام الجميل وبإسناده قال: قال أبو حمزة وحدثني إسماعيل بن هرثمة الوقاص قال: حدثنا الأسود بن مالك الفزاري قال: حدثني أبي قال: حضرت أبا مسلم سعيد بن جويرية الخشوعي، وقد نظر إلى غلام جميل فأطال النظر إليه، ثم قرأ: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، سبحان الله، ما أهجم طرفي على مكروه نفسه، وأقدمه على سخط سيده، وأغراه بما قد نهى عنه، وألهجه بالأمر الي حذر منه، لقد نظرت إلى هذا نظراً لا أحسبه إلا أنه سيفضحني عند جميع من عرفني في عرصة القيامة، ولقد تركني نظري هذا، وأنا أستحيي من الله، عز وجل، وإن غفر لي، وأراني وجهه، ثم صعق.

يحن بالجنان

يحن بالجنان أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني بقراءتي عليه في المسجد الحرام بباب الندوة قال: أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المذكر قال: حدثنا أبو الفضل العباس بن هزار بن محمد بن هزار الخطيب بمرو الروذ قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز. قال: حدثنا علي بن الجعد قال: حدثنا شعبة قال: بلغني عن عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز النخعي أنه كان يصلي في مسجد على عهد عمر فقرأ الإمام ذات ليلة: ولمن خاف مقام ربه جنتان، فقطع صلاته وجن، وهام على وجهه، فلم يوقف له على أثر. العظة القاتلة أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بقراءتي عليه بمصر، سنة خمس وخمسين، قال: أخبرنا أبو صالح السمرقندي قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن القاسم بن أليسع قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال: أبو حمزة الصوفي: حدثني محمد بن مصعب بن الزبير المكي قال: حدثني أبي قال: حدثني رجل من أهل المدينة، ونحن ببلاد الروم في سرية عليها محمد بن مصعب الطرطوسي قال: كان بالمدينة غلام من بني مخزوم موصوف ببراعة الجمال، فإذا كان في أيام الحج حجبه أبوه عن الخروج إلى المسجد حتى يصدر آخر الحاج إشفاقاً عليه من أعين الناس وحذراً عليه منهم، فاشتهر بجماله ووصف بكماله، فكانت الرفاق تتحدث بحديثه، فقدم علينا رجل من الصوفية عند انقضاء عمرتهم، وقد رجعوا من الحج لزيارة قبر النبي، صلى

الله عليه وآله وسلم، وما بالمدينة يومئذ أحد من الحاج غيرهم، فخرج المخزومي في ذك اليوم، فأتى قبر النبي، صلى الله عليه وسلم، فسلم عليه، ثم قعد في الروضة ينتظر الصلاة، فوقف عليه طلحة ينظر إليه ملياً، فرأى شيئاً لم ير مثله قط، ثم قال: يا فتىً اسمع عني مقالتي واعرض على قلبك كلامي، وافهم مني عظتي، فإني قد بدأتك بالنصيحة لما أملت لك من الله، عز وجل، فيها من حسن الجزاء، وجميل الثناء. يا حبيبي أتدري من يراك، ومن يشهد عليك؟ قال: ومن هما يا عم؟ قال: الله تعالى يراك، ونبيه، صلى الله عليه وسلم، يشهد عليك، فإياك واقتراف المعاصي بحضرة نبيك، صلى الله عليه وسلم، فإنك لا تأتي أمراً في هذه البلدة يكون عليك فيه تبعة، إلا والله تعالى له حفيظ، والنبي، صلى الله عليه وسلم، عليك به شعيدن وأصحابه لك خصوم، وكفى خصماً أن يكون القاضي عليه خالقه، والشاهد عليه نبيه، صلى الله ليه وسلم، والخصوم له خيرة الله من خلقه الصالحون من عباده فانتفض الغلام وسقط مغشياً عليه، واجتمع الناس فاحتملوه إلى منزله، فما أتى عليه ثلاثة أيام حتى مات. خليلان في الجنة أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بمصر بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو صالح السمرقندي الصوفي. قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن القاسم بالقرافة قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال: حدثان أبو حمزة الصوفي قال: حدثنا محمد بن الأحوص الثقفي قال: حدثني أبي قال: حدثني رجل من أصحابنا قال: كان محمد بن الحسين الضبي وعبد العزيز بن الشاه التيمي كأنهما هلالان أو درتان من حسنهما وجمالهما، فسمعا كلام أبي عبد الله

الديلمي، وكان من أحسن الناس كلاماً وأظهرهم خشوعاً وأكثرهم صلاة واجتهاداً، فصحباه، وكانا معه لا يامن عليهما أبواهما أحداً غيره، فكان يحج بهما في كل عام، ويرابط معهما في السواحل سائر سنيه، حتى أخذا منهن ووعيا عنه، وتأسيا بأخلاقه، واحتذيا عاى طريقتهن وكانا مقبلين على طلب الخير والجهاد، فخرج بهما فرآهما رجل من الجند، فرأى شيئاً لم ير مثله، فأراد أخذهما منه، فحال بينه وبينهما، وأعانه الناس على ذلك، وكان مشهوراً بالنسك والعفاف، فاغتاله الجندي فقتله، وقبض على الغلامين، فمتنعا عليه، واستغاثا بالناس، فجاؤوا فنظروا إلى ابي عبد الله الديلمي مقتولاً، فأخذوا الجندي، وأتوا به السلطان فقتله. قال أبي: فحدثني هذا الرجل قال: كنت حاضراً لهما، وقد دفناه ورجعا عن قبره، يعرف الحزن عليهما، والكآبة فيهما، فسمعت أحدهما يقول لصاحبه: ما ترى، يا اخي؟ قال: أرى أن يكون على عزيمتنا أو يمضي على ما عقدناه من نيتنا حتى نقضي راطنا، ونرجع إلى بلادنا، فقال له الآخر: لست أرى رأيك ولا ما أشرت بهن ولكن مصيبتنا بهذا الرجل ليست بصغيرة ولا حقه علينا بيسير، هـ علينا حق الوالد بالشفقة، وحق التعليم وطول الصحبة، وطهارة العشرة، وحسن المرافقة، قال: فما ترى؟ قال: أرى أن نقيم على قبره مقدار رباطنا نستغفر له، ثم ننصرف، فإن عزمت أن نرابط بعد فعلنا، وإن أحببت أن نرجع صدرنا. قال: قد قلت قولاً لن أخالفك عليه، فاسألاني الإسعاد لهما على ذلك، فأقمت معهما نيفاً على عشرين يوماً، فاعتل محمد بن الحسن، فاشتدت علته، فقلن عبد العزيز قلقاً شديداً، وجزع جزعاً لم أره من أحد قط، فقلت: ما هذا الجزع يا أخي؟ قال: أفلا يحق لي أن أجزع على أخ شقيق وحبيب شفيق؟ فسمعنا محمد فقال: يا عبد العزيز لا تجزع فإن الجزع لا يغني عن

ي شيئاً مما نزل بي من الموت، واعلم يا أخي أنك أرفع عند الله، عز وجل، ردحةً مني. فقال: وبم ذاك؟ قال: بمصابك بي، فبكى عبد العزيز حتى ألصق خده بالأرض وأبكى من حضر من النساك وغيرهم، فقال له محمد: يا أخي لا تبك فإني في أمر عظيم، وعلى خطر جسيم هو أكبر عندي وأجل في قلبي من بكائك، وقد شغلني الفكر فيك وفي وحدتك بعدي عن بعض ما أنا فيه من ألم العلة، وقد تزايدت علتي لما أراه في وجهك من الحزن والغم، فإن استطعت أن تحتسبني عند الله، عز وجل، فافعلن، ولا تطلقن علي عبرةً ولا تذرين بعدي دمعة، فإني منقول إلى رحمة وصائر إلى نعمة، لول كان أحد أحق بالبكاء من أحد لكنت أحق به لما نزل بي من الموت وشدة كربه وحياء مما حضرني من ملائكة ربي. فصعق عبد العزيز، وخر مغشياً عليه، فدنوت من محمد بن الحسن، فقلت: ألك حاجة أو أمر توصيني به؟ فقال: أوصيك بإيثار تقوى الله، عز وجل، على جميع الأمور، وحاجتي أن تحفظني في أخي هذا، فإنه من أهم من أترك بعدي. فقال له أبو المغلس الصوفي، وكان يشبه خشوعه بخشوع أبي عبد الله الديلمي: يا أبا عبد الله! قد عشتما مصطحبين منذ كنتما صغيرين، لا نعرف لأحد منكما خزيةً ولا نحفظ عليكما زلةً، فنشأتما على أمر واحد لم تتهاجرا، ولم تختصما، ولم تتفرقا، وقد تكلم بعض الناس فيكما بكلام قد رفع الله أقداركما عنه لما بيَّن الله تعالى اليوم من أموركما، ونشر من حسن طويتكما، فالحمد لله على ما أولاكما من ذلك. وقد تذكر أن أعلام الموت إليك قد أقبلتن والملائكة منك قد اقتربت، وإني أثق بفهمك، لما أعلم من حسن عقلك، فهل ترى أحداً منهم؟

فقال: إني أرى صوراً تقبل ولا أثبتها على حقيقة النظر. قال: فما تجد؟ قال: أجد ألماً لو قسم على جميع الخلائق لكانوا في مثل حالي. قال: صفه لي. قال: وما عسى أن أصف لك منه؟ أجد نفسي كأنها بين جبلين قد اصطكا علي، وكأن أسنةً توخز في بدني، وكأن ناراً توقد في عيني، وأجد لهاتي قد يبست، فما أجد فيها شيئاً من ريقي. فقال له أبو المغلس: إني قرأت بعض الأخبارن وما روي في الآثار: حتى يرى مقعده من النار، أو الجنة. فهل رأيت شيئاً من ذلك؟ قال: أما في وقتي هذا فلا. فلما اشتد به الامر وكاد أن يغلبه الكرب أومأ بيده إلى أبي المغلس، فأصغى بأذنه إليه، فقال: إنك سألتني عن مقعدي، وهذه الروح قد خرجت من بعض جسدي، وارتفعت إلى حقوي، وقد رأيت مقعدي. قال: وأين رايته؟ قال: رأيته في جنة عدن. قال: فهل رأيت أبا عبد الله الديلمي؟ قال: إن روحه لترفرف علي، وقد رايت مقعده أفضل من مقعدي، ودرجته أفضل من درجتي، ولا احسب أنه قال إلا بالعلم الذي سبق إليه قبلي، أو بالشهادة التي اختصه الله تعالى بها دوني، وهذه روحه تبشر روحي بما أعده الله تعالى لي مما لم يبلغه عملي، ولا أحاط به فهمي، ولا استحقه بفعلي مما يعجز عن صفته قول، ثم مد يده وغمض عينيه، وقضى، رحمة الله عليه. ثم إن عبد العزيز أفاق بعد طويل فحضر غسله وجهازه، ودفنه، ورجع، ورجعنا معه، فمكث أياماً لا يطعم ولا يتكلم، وحضرت

صلاة الغداة، فقام إلى جانبي في الصف، فسمعته يدعو بعدما فرغ من الصلاة، وهو يقول: اللهم لا تجمع علي كرب الدنيا وعذاب الآخرة، وعجل خروجي عن الدنيا سالماً منها غل رضاك ومغفرتك، وارحم غربتي، وأجب دعوتين واجمع بيني وبين من أحبني فيك، وأحببته لك، ولا تفرق بيني وبينه، واجعل اجتماعنا في محل الفائزين. ثم قال: أقسمت عليك ألا فعلت. ثم خر ساجداً فظننت أنه قد سجد وأطال السجود، فدنوت منه، فحركته، فإذا هو قد قضى، فدفنته إلى جنب صاحبه، فكنا حيناً من الدهر نتحدث بحديثهم، وبما وهب الله، عز وجل، لهم من الاجتماع في الدنيا والآخرة، وبما أفضوا إليه من الكرامة والرحمة. قال: فمكثت سنين أتمنى أن أرى واحداً منهم في منام، فرأيت عبد العزيز بن الشاه، وعليه ثياب خضر، وهو يطير بين السماء والأرض، فناديته، فوقف، فقلت: ما عل الله بك؟ قال: غفر لي. قلت: بماذا غفر لك؟ قال: بقول الناس في ما لا يعلمون وبرميهم إياي بالإفك والظنون. قلت: فما فعل محمد بن الحسن؟ قال: جمع الله بيني وبينه، وأنا وهو في درجة واحدة. قلت: فما فعل أبو عبد الله الديلمي؟ 3ا - ل: هيهات! ذاك رجل أبيح له الجنة، فهو يسرح فيها، ويحل منها حيث يشاء. قلت: وبم ذاك؟ قال: بما سبق له من السعادة، وبفضل أجر الشهادة، وبحفظه لفرجه عن الحرام، وطرفه ولسانه عن الآثام.

فقلت " كيف وجدت الموت؟ قال: هونه الله علي لما علم من ضعفي وطول حزني. قلت: هل رأيت جهنم؟ قال: وهل الصراط إلا عليها، والورود إلا إليها؟ نعم قد رأيتها ووردتها، فما آلمني حزها، ولا أفزعني زفيرها. قلت: فكيف كان ممرك على الصراط؟ قال: كما يجري الفرس الجواد على الأرض البسيطة التي ليس فيها حجر يخاف أن يعثر به. قلت: هل رأيت منكدراً الشعراني؟ قال: رأيته وسلمت عليه، وما أقرب درجته من درجة أبي عبد الل الديلمي. قلت: وبم أعطي ذلك؟ قال: بغضه لطرفه وحفظه لفرجه. قلت: فهل رايت مغلساً الصوفي؟ قال: نعم، رايته على فرس من ياقوت أحمر، يطير به في الجنة. فقلت له: اين تريد؟ فقال: أريد أن أستقبل أرواح قوم قتلوا في البحر. قلت: وكيف أعطي ذلك؟ قال: بفضل رحمة الله. قلت: قد علمت أنه إنما نال ذلك بفضل الله تعالى وبرحمته. قال: بكثرة البكاء وملازمة الدعاء وطول الظّماء وصبره على البلاء.

الهارب إلى ربه والآبق من ذنبه

الهارب إلى ربه والآبق من ذنبه أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عمر بن مسرور الزاهد القواس، رحمه الله، قال: حدثنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد بن سهل إملاء سمعته من لفظه قال: حدثنا سعيد بن عثمان بن عباس الخياط قال: حدثنا أحمد محمد بن عيسى الإسكندراني واصله مصيصي قال: حدثني منصور بن عمار قال: بينا أنا سائر في بعض طرقات البصرة، إذا أنا بقصر مشيد، وخدم وعبيد، وبسمر القنا منصوبةً وقباب الأدم مضروبةً، وإذا حاجب قد جلس على كرسي من حديد، وثنى رجلاً على رجل، كأنه جبار عنيد، فهممت بأن أدنو من القصر، فصاح بي تجبراً وتحكماً: ويحك! أما كان لك قصد غير هذا الطريق إلى غيره؟ قلت: هذا ملك يكوت والحي في السماء ملك لا يموت، والله لأدنون من القصر، فأنظر لمن هو. فدنوت من ورائه فإذا أنا بمنابر طوال مشبكة بقضبان الذهب والفضة، وإذا بغلام جالس على كرسي من ذهب مرصع بأنواع الجوهر، كأنه غصن بان أو مشق قضيب ريحان، أخضر الشارب صلت الجبين، سهل الخدين مقرون الحاجبين، كأن لبته صفحة فضة، وخده أشبه بخدود النساء من خدود الرجال، قد حزق في الفنك والسمور، ورقيق الكتان، وهو ينادي بحنين جرمه: يا نشوان! فما لبثت أن خرجت علي جارية كأنها خوط بان أو مشق قضيب ريحان، عليها مرط حرير أخضر، قد لصق على رطوبة جسمها، تمشي على فاضل شعرها تطرق بنعلها، وتفنن، والله، من رآها، فلا أدري، والله، الجارية كانت

أحسن أم الغلام، فخشيت أن تغشاني، ففتحت الأبواب، فخرج الغلمان فتلببوني وقالوا: ويحك! ما كان لك قصد غير هذا الطريق إلى غيره حتى نظرت إلى حرمة الملك. فقلت: لمن يكون هذا القصر؟ فقالوا: لملك البصرة، وابن سيدها. فدخلت إليبه فنظر إلي وأجال حماليق عينيه، كأنهما عينا ظبي تتفرس إلي، فقال لي " لقد اجترأت علي إذ نظرت غلى حرمتي. فقلت: أيها الملك! جد بعفوك على ضعفي، وبحلمك على جهلي، فإني رجل طبيب، ولا يرى في كتب الحكماء قتل الطبيب، وإني لأرى في جسمك هذا مدخلاً قد التوت عليه الضلوع والأعضاء، وهو رقيق في الضمير، ما بين الأحشاء. يا غلام قد حزقت في الفنك والسمور، هل لك صبر على مقطعات التيران، وسرابيل القطران، وصوت مالك وعرض الرحمن؟ أما سمعت أنه ينادى بالنار يوم القيامة بأربعة أصوات: يا نار كلي ولا تقتلي، يا نار أحرقي، يا نار أنضجي، يا نار اشتفي، فإذا سمعت النار يا نار كلي، أكلت بوهج اللهب من بين أطباقها، فويل للطبقة السفلى من الطبقة العليا كيف يتراكب عليهم الدخان من بعد مهاويها، وقد شدوا في سلاسلها وقرنوا مع شياطينها، وأرسلت عليهم حياتها وعقاربها. فصرخ الغلام صرخةً، ثم قال: يا طبيب قتلتني، وبأسهم المنايا رشقتني، فما أخطأت صميم كبدي، ويحك يا طبيب، ما أحر مكاويك،

وأرشق نبلك. فقلت له: حبيبي قد أعجبك نشوان، فلو نظرت إليها بعد ثالثة من وفاتها، وقد تمعط شعرها، وسال صديدها، وبلي بدنها، إذن لمقتهان أفلا أصف لك نشوان الجنان التي ذكرها الله تعالى في القرآن: إنا أنشأناهن إنشاءً، فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً لأصحاب اليمين، جارية إذا خطرت مالت الأشجار إلى حسن وجهه، وصفرت الطير إلى جمالها طرباً، وإذا وقفت وقف جاري الماء لوقوفها، وإذا مشت تبسمت الحضرة من تحت زمام نعلها، ويكاد ينظوي من رطوبة جسمها، جارية خلقت من الزعفران والمسك الأذفر، بلا تعب ولا نصب، فترى مجرى الدم منها كما ترى الخمرة في الزجاجة البيضاء. قال لها بارئ النسم: كوني فكانت. قال: فصاح الغلام: يا طبيب قتلتني، وبسهم المنايا رشقتني، ثم ضرب بيده إلى أقبيته فشقها، ورمى بسيفه ومنطقته، ووثب قائماً على قدميه يرتعد كالسعفة في يوم ريح عاصف، ثم اقل: يا قصر! عليك السلام قد هربني هذا الطبيب الشفيق الرفيق. قال منصور: فصرخت نشوان صرخةً من داخل القصر، وقالت: يا مولاي والله ما تنصفني، تهرب وتتركني، رويداً مكانك، فخرجت علي نشوان، وقد قصرت من شعرها، ثم قالت: يا مولاي! من أراد السفر إلى بلد قفر هيأ الزاد، ومن أراد التوبة شمر لها. قال منصور: ثم هربا جميعاً، فخرجت إلى باب القصر، فإذا أنا بالقباب قد نزعت، وبالخيام قد رفعت، وبالحجب قد نحيت، فوقفت فناديت بأعلى صوتي: يا أيها الهارب إلى ربه، والآبق من ذنبه، لقد هربت إلى أكرم الأكرمين.

قال منصور: فلما كان بعد حولين كاملين حججت إلى بيت الله الحرام، فبينا أنا في الطواف إذ سمعت صوت محزون مكروب مغموم، وهو يقول: إلهي وسيدي! نحل جسمي ودق عظمي ورق جلدي وخرجت من مالي رجاء أن تريني وجهك الكريم الجميل، وتجمع بيني وبين نشوان في الجنان. قال منصور: فدنوت منه فقلت: يا غلام ما أقل حياءك! بأي حق تطلب من ربك نشوان الجنان؟ فنظر إلى وبكى وقال لي: رفقاً يا طبيب! رفقاً هكذا تضرب بسوطك جسماً عليلاً، ثم لا تعرفه؟ أنا والله ملك البصرة وابن سيدها. قال منصور: فوالله ما عرفته إلا بخال كان في وجهه، وقد نحل وذاب جسمه، فقلت له: حبيبي ما فعلت نشوانك؟ فبكى وقال: يا ابن عمار، والله لو رأيتها ما عرفتها، قد ذهب البكى ببصرها، ومحت الدموع محاسن وجهها. فقلت له: حبيبي! ما كان أحوجني إلى رؤيتها، فاخذ بيدي، فأوقفني إلى باب خيمة من الشعر، فقلت: أحبتي! بعد القصور صرتم إلى خيام الشعر، لقد أبلغتم في العبادة. فخرجت نشوان من داخل الخيمة فقالت: بالله! أنت منصور بن عمار؟ فقلت لها: نعم! فقالت لي: يا منصور أترى ربي يسكنني الجنان ويريني نشوان الجنان؟ فقلت لها: جدي في الطلب، وأحسني المعاملة، تخدمك الولدان، وتسكنني الجان، وتري نشوان الجنان، وتزوري الله، عز وجل، الملك الديان. قال منصور بن عمار: فشهقت شهقةً خرت منها ميتةً بإذن الله، قال: فبكى الغلام وقال: بأبي والله من كانت مساعدتي على الشدة والرخاء!

الدب المنقطع إلى الله

ولم يتمالك الغلام أن شهق أيضاً شهقةً خر منها ميتاً. قال منصور: فأخذنا في جهازهما، وغسلناهما وكفناهما، وصلينا عليها، ودفناهما، رحمهما الله. الدب المنقطع إلى الله أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الخياط قال: حدثنا أبو الحسن علي بن جهضم بمكة قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سالم قال: قال سهل يعني ابن عبد الله: أول ما رأيت من العجائب والكرامات أني خرجت يوماً إلى موضع خال وطاب لي المقام، وكأني وجدت من قلبي قربةً إلى الله، عز وجلن وحضرت الصلاة، وأردت الطهور، وكانت عادتي من صباي أن أجدد الوضوء عند كل صلاة، وكأني اغتممت لفقد الماء، فبينا أنا كذلك إذا دب يمشي على رجليه، كأنه إنسان، ومعه جرة خضراء ممسك بيده عليها. قال سهل: فلما رأيته من بعيد توهمت أنه آدمي، حتى إذا دنا مني وسلم علي ووضع الجرة بين يدي قال: أبو محمد؟ فجاءني العلم يعترض، وذلك من شريطة الصحة، فقلت في نفسي: هذه الجرة، والماء من أين هو؟ فنطق الدب، وقال: يا سهل! إنا قوم من الوحش قد انقطعنا إلى الله، عز وجل، بعزم التوكل والمحبة، فبينا نحن نتكلم مع أصحابنا في مسألة إذ نودينا: ألا إن سهل بن عبد الله يريد ماءً للوضوء، فوضعت هذه الجرة في يدي، وبجنبتي ملكان، حتى دنوت منك فصاب فيها هذا الماء من الهواء، وأنا أسمع خرير الماء. قال سهل: فغشي علي، فلما أفقت إذا أنا بالجرة موضوعة، ولا علم لي بالدب أين ذهب، وأنا متحسر إذ لم أكلمه، فتوضأت، فلما

تصفيق القناديل

فرغت أردت الشرب منه، فنوديت من الوادي: يا سهل! لم يأن لك أن تشرب هذا الماء بعد. فبقيت الجرة، وأنا أنظر إليها تضطرب، فلا أدري أين مرت. تصفيق القناديل أخبرنا عبد العزيز بن علي قال: أخبرنا علي بن عبد الله الهمذاني بمكة قال: حدثي محمد بن إبراهيم بن أحمد الأصبهاني بطرسوس قال: سمعت أبا طالب يقول: كنت مع سمنون، وهو يتكلم في شيء من المحبة، وقناديل معلقة، فرأيت القناديل تصفق حتى تكسرت. المشتاق إلى الجنة أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي المحتسب قال: حدثنا أبو القسم إسماعيل بن محمد بن سويد قال: حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري قال: حدثنا الكديمي قال: حدثنا إسماعيل بن نصر العبدي قال: صاح صائح في مجلس صالح المري: ليقم البكاؤون المشتاقون إلى الجنة! فقام أبو جهير. فقال أبو جهير. فقال: يا صالح، اقرأ! فقرأ: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل، فجعلناه هباءً منثوراً، أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً. فقال: أعدها يا صالح، فأعادها، فما انتهى حتى مات أبو جهير.

أشعر من قال في منى

أشعر من قال في منىً أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن عيسى القيسي بقراءتي عليه في سنة خمس وخمسين وأربعمائة. قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن مغلس بن جعفر السراري قال: حدثنا القاضي أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر الذهلي قال: أنشدنا ثعلب قال: وسئل جعفر بن موسى الليثي: من اشعر من قال في منىً وعرفات والحج؟ فقال: ما قال أحد أصحابنا القرشيون، ولقد أحسن الملحي، يعني كثيراً، حين يقول: تَفَرّقَ أنوَاعُ الحجِيجِ على مِنىً ... وفَرّقَهُم، شَعْبَ النوَى، مشيُ أربعِ. فَلَمْ أرَ داراً مِثلَها دارَ غِبطَةٍ، ... وَمَلقىً إذا التَفّ الحَجِيجُ بمَجمَعٍ. أقَلَّ مُقِيماً رَاضِياً بمَقامِهِ، ... وأكثرَ جاراً ظَاعِناً لمْ يُوَدَّعِ. فَشاقُوكَ لمّا وَجّهُوا كلَّ وجهَةٍ ... سِرَاعاً، وَخَلّوا عَن مَنازلَ بلقَعِ. فرِيقانِ منهُم سالِكٌ بطنَ نخلَةٍ، وآخرُ منهُم سالِكٌ خبتَ يَفرَعِ. أعين الإنس لا أعين الجن أخبرنا أبو بكر محمد بم أحمد الأردستاني بمكة في المسجد الحرام قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن حبيب المذكر قال: سمعت أبا علي الحسين بن أحمد البيهقي القاضي يقول: سمعت أبا بكر بن الأنباري يقول: سمعت العابس بن سالم الشيباني يقول: سمعت ابن الأعرابي قال: ومن جيد شعره، يعني مجنون بني عامر: وَجاؤوا إلَيه بالتعاويذِ والرُّقى، ... وصَبّوا عليه الماءَ من ألم النُّكسِ. وقالوا بهِ مِن أعينِ الجِنّ نظرَةٌ، ... ولَوْ عقلوا قالوا: به أعين الإنسِ.

قميص سعدون

قميص سعدون أخبرنا أبو بكر الأردستاني محمد بن أحمد بمكة قال: حدثنا أبو القاسم بن حبيب المذكر. قالك سمعت الحاكم الحسين بن محمد يقول: سمعت إبراهيم بن فاتك يقول: سمعت يوسف بن الحسين يقول: سمعت ذا النون المصري يقول: خرجت يوماً بكرةً إلى مقابر عبد الله بن مالك فرأيت شخصاً مقنعاً كلما رأى قبراً منخسفاً وقف عليه، فإذا هو سعدون، فقلت: أي شيء تصنع ههنا؟ فقال: إنما يسأل عما أصنع من أنكر ما أصنع، فأما من عرف ما أصنع، فما يغني سؤاله، فقلت: يا سعدون تعال نبك على هذه الأبدان قبل أن تبلى! فقال: البكى على القدوم على الله، عز وجل، أولى بنا من البكى على الأبدان، فإن يكن عندها خير، فخيرها عند ربها أكثر من بلاها، وإن يكن عندها شر، فشرها عند ربها من بلاها في القبور، فليتها تركت تبلى في القبور، ولم تبعث للحساب. يا ذا النون إنك إن تدخل النار فلا ينفعك في النار دخول غيرك الجنة. وإن تدخل الجنة لا يضرك دخول غيرك النار. ثم قال: يا ذا النون! وإا الصحف نشرت، ثم صاح: وا غوثاه بالله، ماذا نقابله في الصحف؟ قال: فغشي علي غشية، فلما أفقت إذا هو يسمح وجهي بكمه، ويقول: يا ذا النون! من اشرف منك غن مت مكانك هذا؟ قال محمد بن الصباح: وقرات على قميص سعدون: عينِ فابكي عليّ، قبل انطلاقِ، ... بدُموعٍ تَمَلّ مِنها المآقي. وانظري مصرَعي، فقد قُضيَ الأمْ ... رُ ونوحي عليّ قبل الفِرَاقِ.

ذو النون الصوفي والمشتاقون

ذو النون الصوفي والمشتاقون أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الهمذاني بمكة قال: سمعت أبا بكر محمد بن علي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال: حدثنا يوسف بن الحسين قال: وصف ذو النون المشتاقين فقال: سقاهم من صرف المودة شربةً، فماتت شهواتهم في القلوب من خوف عواقب الذنوب، وذهلت أنفسهم عن الماطعم من حذر فوت المناعم، قد أنحلوا الأبدان بالجوع وصفوا القلوب من كل كدر، فهي معلقة بمواصلة المحبوب، ثم قال: يا حسن غراس الأشجان في رياض الكتمان! وذكر كلاماً ثم تنفس وقال: شوُقٌ أضَرّ بمُهجَةِ المُشتَاقِ ... فجَرَتْ سوَابقُ عَبرَةِ الآماقِ. لَعِبتْ يدُ العَبَرَاتِ في وَجَناته ... وكذا بِهِ لَعِبَتْ يدُ الأشوَاقِ. يا من يعز علي أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني بمكة بقراءتي عليه، في المسجد الحرام، بباب الندوة قال: حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: حدثنا يوسف بن عمر الزاهد قال: قرأت على جعفر بن محمد الحواص حديث إبراهيم بن محمد المروزي قال: رأيت الوليد بن عتبة قد سمع صوتاً وهو يقول: يا من يعز علي ما لي أهون عليك؟ ثم صاح ووقع في الطين فبقي أربعين يوماً مريضاً.

كل كريم طروب

كل كريم طروب أخبرنا الأردستاني بمكة قال: حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت الإمام أبا سهل محمد بن سليمان بن روزبة يقول: سمعت أبا محمد السوري يقول: سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يقول: حدثت أن معاوية قال لعمرو بن العاص: امض بنا إلى هذا الذي قد تشاغل باللهو في هدم مروءته، نبقي عليه فعله، يريد عبد الله بن أبي طالب، فدخلا عليه وعنده سائب خاسر، وهو يلقي على جوار له، فأمر عبد الله الجواري أن يتنحين لدخول معاوية، وتنحى عبد الله عن سريره لمعاوية، فرفع معاوية عمراً، فأجلسه إلى جنبه، ثم اقل لعبد الله: عد إلى ما كنت عليه! فأمر بالكراسي فألقيت، وأمر الجواري أن يخرجن، فخرجن فجلسن على الكراسي، فتغنى سائب: ديارُ التي كنّا ونحنُ نزُورُها ... تَعَفّتْ بأرياحِ الصَّبا والجنائبِ. ومضى في الشعر ورددت الجواري عليه النغم الطيب، وحرك معاوية يديه، وتحرك في مجلسه، ثم مد رجليه، فجعل يضرب وجه السرير. فقال له عمرو: اتئد فإن الذي جئت تلحاه أحسن حالاً منك، وأقل حركةً. فقال معاوية: اسكت، لا أبا لك، فإن كل كريم طروب.

عروة بن حزام

عروة بن حزام أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الصوري إجازة قال: أخبرنا أبو الحسين بن روح قراءة عليه. قال: حدثنا أبو الفرج المعافى بن زكريا قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال: حدثني ابن فهم قال: حدثنا عبد الله بن شبيب عن سليمان بن عبد العزيز قال: حدثني خارجة المكي قال: حدثني من رأى عروة بن حزام يطاف به حول البيت قال: فدنوت منه، فقلت: من أنت؟ قال: أنا الذي أقول: أفي كلّ يوْمٍ أنتَ رامٍ بِلادَها ... بعَينَينِ إنساناهُما غَرِقَانِ. ألا فاحمِلاني، بارَكَ اللهُ فِيكُما، ... إلى حاضِرِ الرَّوْحاءِ ثُمّ ذرَاني. جفون وجفون أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا علي بن أيوب القمي قال: انشدنا أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني قال: أنشدني محمد بن أحمد الكاتب قال: أنشدني محمد بن موسى البربري: يا جُفوناً سَوَاهِراً أعْدَمَتُها ... لَذّةَ النوْم والرّقادِ جُفُونُ. إنّ للهِ في العِبادِ مَنَايا ... سَلّطَتها على القُلوبِ العُيُونُ.

القاتلات الضعائف

القاتلات الضعائف أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني إجازة قال: حدثنا ابن دريد قال: حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه عن أبي عمرو بن العلاء قال: لقيت أعرابياً بمكة، فاستنطقته فوجدته ظريفاً، فاستنسبته، فأخبر له أنه عذري. فقلت: إنكم لقبيلة قد ضشاع عنكم في العرب ما شاع من رقة القلوب وصدق المقة مع العفاف، وتجنب المآثم، فهل صحبت شبيبتك بشيء من ذلك؟ فقال: والله لقد كنت أصحب الشباب بالتصابي، وأتحدث إلى العقائل. فقلت: فهل قلت في ذلك شيئاً؟ فأنشدني: تَتَبّعنَ مرْمى الوَحشِ حتى رَمَينَنا ... من النَّبلِ لا بالطائشاتِ الخَواطِفِ. يَقتُلنَ الرّجالَ بِلا دمٍ، ... فَيَا عَجبَا للقاتِلاتِ الضّعائِفِ. وللعَينِ مَلهىً في التّلادِ وَلمْ يَقُدْ ... هوَى النفسِ شيء كاقتِياد الطّرَائِفِ.

الزوجة الفارك

الزوجة الفارك أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري إجازة قال: حدثنا أبو عمر بن حيويه قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني عبد الله بن المهاجر قال: حدثني محمد بن يزيد قال: تزوج رجل امرأةً من أهل الكوفة، وكانت ذات جمال وظرف، فكانت تجيء وتذهب وتتمثل بهذا البيت: سَتَندَمُ حينَ تَفقدِنُي ... وَتَطُلبُني فَلا تَجِدُ. قال: فكان الزوج يتطير من قولها: ويقول: تعدني بالذهاب، قال: وكان لها محباً، قال: فأصبح ذات يوم يطلبها، فمل يقدر عليها حتى الساعة. لابسة السواد حدث أبو عمر محمد بن العباس قال: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف قال: حدثني أبو صالح الأزدي قال: حدثني محمد بن الحسين قال: أخبرني محمد بن سماعة القرشي قال: آخر من مات من العشق علي بن أديم مولى الجعفي، وكان خرازاً، مر بكتاب بالكوفة في بني عبس، فرأى جاريةً يقال لها منهلة، فعشقها، وكان رآها في سواد، فقال: إني لِما يَعتَادني ... من حبّ لابسَةِ السوادِ. في فِتنَةٍ وَبَليّةٍ ... ما إن يُطيقها فُؤادي. فَبَقِيتُ لا دُنْيا أنا ... لُ وَفاتني طَلَبُ المَعادِ. قال: وأصابه عليها شبيه الجنون، فجمع أبوه التجار، فتحمل بهم على العبسية مولاة الجارية، وأعطاها مالاً كثيراً، فأبت، فخرج الفتى إلى

ما لليالي وما لي

أم جعفر، فكتب إليها قصةً يخبرها فيها بخبره وحاله، فأمرت أن تشترى له، فبينا هو يتنحز ذلك إذ خرجت جارية من القصر فقالت: أين هذا العاشق؟ فأومأ لها إليه، فقالت: أنت عاشق وبينك وبين من تحب الجسور والمفوز والقناطر، ولا تدري ما يكون؟ قال: صدقت، وقام من مجلسه مبادراً، فاكترى بغلاً، فمات يوم دخوله الكوفة. ما لليالي وما لي أنشدني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن الشويح الأموي الفقيه بمصر لنفسه: ما لليالي وما لي ... يَطلُبنَ روحي وما لي. قد جِئنَني بخَلوبٍ ... لم تمضِ يوْماً ببالي. لمّا عَرَقنَ عِظامي ... سألنَني كيفَ حالي. فقلتُ قوْلاً وجيزاً: ... الحالُ مني بحالي. يا جارة الحي ولي من ابتداء قصيدةٍ نظمتها بالشام في بني أبي عقيل، رحمهم الله: ألا هل لمَن أضْنَاهُ حبّكِ إفرَاقُ ... وهل للديغِ البَينِ عندكِ دِرْياقُ. وَهَل لأسيرٍ سامَه قتلَ نفسِه ... هوَاكِ، وقدْ زُمّتْ ركابُكِ، إطلاقُ.

رابعة العدوية الصوفية ومنامها

أيا جارة الحي الذين ترحلوا، ... فللعيس وخد بالحمول وإعناق. ألمّا تخافي الله في قَتلِ عاشِقٍ ... هجَرْتِه حتى في الكرَى وهو مُشتاقُ. فقالتْ، وَرَوْعاتُ النّوَى تَستَحِثّهَا ... ودَمعُ مآقِيها على النّحرِ مِهْرَاقُ: هوَ البَينُ فالبس جُنّةَ الصّبرِ، أوْ فمُتْ ... بِداءِ الهوَى، قد ماتَ قَبلَكَ عُشّاقُ. رابعة العدوية الصوفية ومنامها أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي بقراءتي عليه قال: أخبرنا محمد بن عبد الله القطيعي قال: حدثنا الحسين بن صفوان قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد القرشي قال: حدثنا محمد هو ابن الحسين قال: حدثني عصام بن عثمان الحلبي قال: حدثني مسمع بن عاصم قال: قالت لي رابعة العدوي: اعتللت علة قطعتني عن التهجد وقيام الليل، فمكثت أياماً أقرا جزئي، إذا ارتفع النهار، لما يذكر فيه أنه بعدل بقيام الليل. قالت: ثم رزقني الله، عز وجل، العافية فاعتادني فترة في عقب العلة، وكنت قد سكنت إلى قراءة جزئي بالنهار، فانقطع عني قيام الليل. قالت: فبينا أنا ذات ليلة راقدة أريت في منامي كأني رفعت إلى روضة خضراء، ذات قصورٍ ونبت حسن، فبينا أنا أجول فيها أتعجب من حسنها، إذا أنا بطائر أخضر، وجارية تطارده كأنها تريد أخذه، قالت: فشغلني حسنها عن حسنه، فقلت: ما تريدين منه؟ دعيه، فوالله ما رأيت طائراً قط أحسن منه. قالت: بلى، ثم أخذت بيدي فأدارت بي في تلك الروضة حتى انتهت بي إلى باب قصر فيها، فاستفتحت، ففتح لها، ثم قالت: افتحوا لي

معاذة وغايتها من صلاتها

بيت لمقة، قالت: ففتح لها باب شاع منه شعاع استنار من ضوء نوره ما بين يدي وما خلفي، وقالت لي: ادخلي، فدخلت إلى بيت يحار فيه البصر تلألؤاً وحسناً، ما أعرف له في الدنيا شبيهاً أشبهه به. فبينا نحن نجول فيه إذ رفع لنا باب ينفذ منه إلى بستان، فأهوت نحوه أنا معها، فتلقانا فيه وصفاء كأن وجوههم اللؤلؤ، بأيديهم المجامر، فقالت لهم: أين تريدون؟ قالوا: نريد فلاناً قتل في البحر شهيداً. قالت: أفلا تجمرون هذه المرأة قالوا: قد كان لها في ذلك حظ فتركته. قالت: فارسلت يدها من يدي، ثم أقبلت علي فقالت: صَلاتُكِ نورٌ والعِبادُ رُقودُ ... ونوْمك ضِدٌّ للصّلاة عنيدُ. وعمرُك غُنْم إن عقلتِ ومهلةٌ ... يسيرُ ويفنى دائماً ويبيدُ. ثم غابت من بين عيني، واستيقظت حين تبدى الفجر، فوالله ما ذكرتها فتوهمتها إلا طاش عقلي، وأنكرت نفسي. قال: ثم سقطت رابعة مغشياً عليها. معاذة وغايتها من صلاتها أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدثنا الحسين قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا يحيى بن بسطام قال: حدثنا عمران بن خالد قال: حدثتني أم الأسود بنت زيد العدوية، وكانت معاذة قد أرضعتها، قالت: قالت لي معاذة، لما قتل أبو الصهباء وقتل ولدها: والله يا بنية! ما محبتي للبقاء في الدنيا للذيذ عيشٍ، ولا لروح نسيم، ولكني والله أحب البقاء لأتقرب إلى ربي، عز وجل، بالوسائل لعله يجمع بيني وبين أبي الصهباء وولده في الجنة.

معاذة تبكي وتضحك عند احتضارها

معاذة تبكي وتضحك عند احتضارها وبإسناده قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثني روح بن سلمة الوراق قال: سمعت عفيرة العابدة تقول: بلغني أن معاذة العدوية، لما احتضرت، بكت، ثم ضحكت، فقيل لها: بكيت ثم ضحكت، فمم البكاء ومم الضحك، رحمك الله! قالت: أما البكاء فإني، والله، ذكرت مفارقة الصيام والصلاة والذكر، فكان البكاء لذلك. وأما الذي رأيتم من تبسمي وضحكي، فإني نظرت إلى أبي الصهباء، وقد أقبل في صحن الدار، وعليه حلتان خضراوان، وهو في نفرٍ، والله ما رأيت لهم في الدنيا شبهاً، فضحكت إليه، ولا أراني أدرك بعد ذلك فرضاً. قال: فماتت قبل أن يدخل وقت الصلاة. ذو الرمة ومي أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة قال: أنبانا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قال: حدثني محمد بن أحمد الكابت قال: حدثنا أحمد بن أبي خيثمة عن محمد بن زياد الأعرابي. قال: حدثني أبو صالح الفزاري قال: ذكر ذو الرمة في مجلس فيه عدة من الأعراب، فقال عصمة بن مالك الفزاري شيخ منهم، بلغ مائة وعشرين سنة: إياي فسلوا عنه! كان حلو العينين، حسن المضحك، براق الثنايا، خفيف العارضين، إذا نازعك الكلام لا تسأم حديثه، وإذا أنشد أبر وحسن صوته. جمعني وإياه مربع مرةً، فأتاني فقال: هيا عصمة! إن ميا منقرية، ومنفر أخبث حي وأقوفه لأثر، وأثبته في نظر، وأعلمه ببصر، وقد

عرفوا آثار إبلي، فهل نزداد عليها مياً؟ قال: إي والله، الجؤذر بنت يمانية. قال: فعلينا بها! فجئت بها، فركب وردفته، ثم انطلقنا حتى نهبط على مي، وإذا الحي خلوف، فلما راتنا النسوة عرفن ذا الرمة، فتقوضن من بيوتهن حتى اجتمعن، وأنخنا قريباً، وجئناهن، وجلسنا، فقالت ظريفة منهن: أنشدنا يا ذا الرمة، فقال لي: أنشدهن، فأنشدت قوله: وَقَفْتُ على رَبْعٍ لمَيّةَ ناقَتي، ... فما زِالتُ أبكي عنده، وَأُخاطبُه. فلمّا انتَهَيتُ إلى قولِه: نَظَرْتُ إلى أظْعَانِ مَيّ كَأنّها ... ذُرَى النّخلِ، أوْ أثلٌ تميلُ ذَوَائُبهْ. فَأسْبَلَتِ العَيْنانِ وَالقَلْبُ كَاتِمُ ... بِمُغرَوْرِقٍ نَمّتْ علي سَوَاكِبُهْ. بَكَى وَامِقٌ، جَاءَ الفِرَاقُ، وَلم يُجِل ... جَوَائِلَهَا، أسْرَارُهُ أوْ مَعَاتِبُه. قالت الظريفة: لكن اليوم فليجل، ثم مضيت. فلما انتهيت إلى قوله: وَقَدْ حَلَفت باللهِ مَيّةُ مَا الّذِي ... أحَادِثُهَا إلاّ الّذِي أنَا كَاذِبُهْ. إذَنْ، فَرَمَاني اللهُ مِنْ حَيثُ لا أرَى، ... وَلا زَالَ في أرضِي عَدُوٌّ أُحَارِبُهْ. قالت مي: ويحك يا ذا الرمة خف عواقب الله، عز وجل، ثم مضيت حتى انتهيت غلى قوله: إذَا سَرَحَتْ من حُبّ مَيّ سَوَارِحٌ ... عَلى القَلْبِ آتَتْهُ جَميعاً عَوَازِبُهْ.

فقالت الظريفة: قتلته قتلك الله! فقالت مية: ما أصحه وهنيئاً له. قال: فتنفس ذو الرمة تنفسةً كاد حرها يطير بلحيته، ثم مضت حتى انتهيت غلى قوله: إذا نَازَعَتكَ القَوْلَ ميّةُ أوْ بَدَا ... لك الوَجهُ منها أوْ نضَا الدِّرْعَ سالبُهْ. فَيَا لكَ مِنْ خَدٍّ أسِيلٍ وَمَنْطِقٍ ... رَخِيمٍ وَمِنْ خُلْقٍ تَعَلّلَ جَاذِبُهْ. فقالت الظريفة: هذا الوجه قد بدا، وهذا القول قد تنوزع، فمن لنابأن ينضو الدرع سالبه؟ فالتفتت إليها مي فقالت: ما لك، قاتلك الله، ماذا تجنين به؟ فتضاحكت النسوة، فقالت الظريفة: إن لهذين لشأناً، فقم بنا عنهما، فقمن، وقمت فصرت إلى بيت قريب منهما أراهما، ولا أسمع كلامهما إلا الحرف بعد الحرف، فوالله ما رأيته برح مكانه، ولا تحرك. وسمعتها تقول: كذبت والله، فوالله ما أدري ما الذي كذبته فيه، فتحدثا ساعةً، ثم جاءني ومعه قويريرة فيها دهن طيب، فقال: هذه دهنة أتحفتنا بها مي، فشأنك بها. وهذه قلائد زودتنا للجؤذر، فلا واللخ لا قلدتهن بعيراً أبداً. ثم عقدهن في ذؤابة سيفه. قال: فانصرفنا، فلم نزل نختلف إليها، مربعنا، حتى انقضى. ثم جاءني يوماً فقال: يا عصمة! قد ظعنت مي، فلم يبق إلا الديار، والنظر في الآثار، فانهض بنا ننظر إلى آثارها، فخرجنا حتى وقفنا على ديارها، فجعل ينظر ثم قال: ألا، فَاْسلَمي يا دَارَ مَيّ عَلى البِلى، ... وَلا زَالَ مُنْهَلاًّ بجرْعائِكِ القَطْرُ.

تآلفا في الحياة وفي الممات

فإنْ لم تَكُوني غيرَ شَامٍ بقَفْرَةٍ، ... يَجُرّ بهَا الأذْيَالَ صَيفِيّةٌ كُدْرُ. ثم انتضحت عيناه بعبرةٍ، فقلت: مه! فقال: غني لجلد، وإن كان مني ما ترى، فما رأيت صبابةً قط، ولا تجلداً أحسن من صبابته وتجلده يومئذ، ثم انصرفنا، فكان آخر العهد به. تآلفا في الحياة وفي الممات أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثنا علي بن أيوب القمي قال: حدثنا أبو عبيد الله محمد بن عمران قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي سعيد قال: حدثني إسحاق بن محمد النخعي قال: حدثني معاذ بن يحيى الصنعاني قال: خرجت من مكة إلى صنعاء، فلما كان بيننا وبين صنعاء خمس ساعات رأيت الناس ينزلون عن محاملهم ويركبون دوابهم، فقلت: أين تريدون؟ قالوا: نريد أن ننظر إلى قبر عفراء وعروة، فنزلت عن محملي وركبت حماري، واتصلت بهم، فانتهيت إلى قبرين متلاصقين، قد خرج من كلا القبرين ساق شجرة، حتى إذا صارا على قامة التفا، فكان الناس يقولون: تآلفا في الحياة وفي الممات. الهوى إله معبود وبإسناده قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عون بن محمد قال: حدثنا إسحاق الموصلي قال: قال يحيى بن أكثم: قال ابن عباس: الهوى إله معبود! فقيل له: أتقول ذلك؟ فقال: قال الله تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه.

عمر بن عون وحبيبته بيا

عمر بن عون وحبيبته بيا أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال: حدثنا محمد بن أحمد بن فارس الحافظ قال: أخبرنا أبو الحسين الزبيبي قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزباني قال: حدثنا أبو الفضل المروروذي. قال: حدثني أبو عبد الله محمد بن صالح قال: كان فتىً من بني مرة يقال له عمر بن عون، وكان يحب جاريةً من قومه يقال لها بيا بنت الركين، فتزوجها رجل من قومه يقال له دهيم، وأبت بيا إلا حب عمر بن عون، وأبى عمر إلا حبها وقول الشعر فيها، فخرج زوجها بها هارباً منه حتى وقع باليمن في بني الحارث بن كعب، فطلبها عمرن فخفي عليه أمرها، ولم يعلم موضعها، فمكث حياً يبكي ويبكي له من عرفه، ثم خرج حاجاً على ناقة له، ومعه صحابة له، وقال: لعلي أتعلق بأستار الكعبة، أسأل الله، فعسى أن يرحمني، فردها علي، أو يذهب بقلبي عن حبها. فلما كان بمنىً نظر إليه فتىً من بني الحارث بن كعب، فأعجبه فجلس إليه يتحدث معه، وأنشده عمر بعض شعره في بيا، وشكا إليه بعض ما هو فيه من البلاء. فرق له، فقال الفتى، وسأله عن صفتها وصفة زوجها، فوصفها له، فقال الفتى: عندي خبر هذه المراة، وهذا الرجل، منذ سنوات، فخر عمر لله تعالى ساجداً، ثم سأله عن حالها، فذكر أنها سالمة، وأنها باكية حزينة لا يهنؤها شيء من العيش. فقال له عمر: هل لك في صنيعةٍ عند من يحسن الشكر؟ فقال له الفتى: أفعل ماذا؟ قال عمر: تخلف عن أصحابك، وأتخلف عن أصحابي حتى لا يكون عند أحد منا علم، ثم أمضي معك متنكراً. فقال الفتى: ذلك لك في عنقي. فلما كان النفر تخلف كل واحد منهما عن صاحبه، وأقاما بمكة

أياماً ثلاثةً أو أربعةً حتى ارتحل الحاج، ثم مضينا حتى وصل الفتى إلى أهله، فأدخله مع امرأته وأخته في منزلهما، ومضى إلى بيا، وأخبرها، فكانت كل تجيئه كل يوم فيتحدثان ويشكوان ما كانا فيه من البلاء والوحشة. واستراب زوجها بغشيانها ذلك البيت، ولم تكن من قبل تغشاه، ولا تقرب أهله، واستراب بطيب نفسها، وأنها ليست كما كانت، فخرج في رفقة إلى نجران على أن يغيب عشر ليال، فأقام ليلتين مختفياً في موضع، ثم أقبل راجعاً في الليلة الثالثة، وقد أمنه عمر، وظن أنه قد ذهب فأتاها، ففرشت له بساطاً قدام البيت، فتحدثا ثم غلبهما النوم، وهي مضطجعة على جانب البساط، وعمر على جانبه الآخر، فأقبل الزوج، فوجدهما على تلك الحال، فنظر في وجه عمر، فعرفه فأثبته، وانتبه عمر، فوثب بالسيف فزعاً. فقال له الزوج: ويلك يا عمر ما ينجيني منك بر ولا بحر. فقال عمر: يا ابن عمي! ما نا على ريبةٍ، وما يسائلني الله تعالى عن أهلك عن قبيح قط، ولكن نشأت أنا وهي فألفتها وألفتني، ونحن صبيان، فلست أعطى عنها صبراً، وما بيننا شيء أكثر من هذا الحديث الذي ترى. قال له الزوج: أما أنا فلم أهرب إلى هذه البلاد إلا منك، فأما بعد ان صح عندي من عفتك وصدق قولك فإني لا أهرب منك أبداً. فأقاموا سنواتٍ، وهم على تلك الحال، فمات عمر وجداً بها، فكانت تبكي عليه الدماء، فضلاً عن الدموع، ثم مات دهيم بعد ذلك وعمرت هي.

التقي عزيز

التقي عزيز وبإسناده قال: وأخبرني محمد بن سعد قال: أنشدني رجل من النساك: ما للتّصَبّرِ، ما أعلاهُ من عَمَدٍ، ... قد يُورِثُ الصّبرُ أهلَ الصّبرِ إحسانا. كم عاشِق ماتَ شَوْقاً في تَعَذّبه، ... وَعَاشِقٍ حالَ مَن يَهوَاهُ أحيَانَا. لا شَيءَ أعلى منَ التّقوَى وَصُحبتها، ... إنّ التّقيّ عَزِيزٌ حَيثُ ما كَانَا. لا تنفع الرقى ولي من أثناء قصيدة: يا لَهْفَ قَلبي اليَوْمَ مَا بَالُهُ، ... يُعَاوِدُ النُّكْسَ، إذَا فُرّقَا. هَلْ سَلْوَةٌ؟ هَيْهَاتَ لا سَلوَةٌ، ... قد بَلَغَ السّيْلُ الزُّبى وَارْتَقَى. لا تَرْقَيَا في حُبّهِ ذَا هَوى، ... فَالحُبّ لا تَنْفَعُ فِيهِ الرُّقَى.

ماتت على القبر

ماتت على القبر أخبرني أبو عبد الله محمد بن أبي نصر قال: حدثني الفقيه أبو محمد بن أحمد بن سعيد الأندلسي قال: أخبرنا القاضي أبو محمد عبد الله بن الربيع قال: حدثنا أبو علي القالي إسماعيل بن القاسم قال: حدثنا ابن دريد قال: حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: رأيت بالبادية امرأةً على راحلةٍ تطوف حول قبر وهي تقول: يَا مَنْ بِمُقْلَتِهِ زَهَى الدّهْرُ، ... قَدْ كانَ فِيكَ تَضَاءَلَ الأمْرُ. زَعَمُوا قُتِلْتَ، وَمَا لهُمْ خبرٌ، ... كَذَبوا، وَقَبرِكَ، ما لهُمْ عُذْرُ! يَا قَبرَ سَيّدِنَا عَلَيْكَ رِضاً، ... صَلّى الإلَهُ عَلَيْكَ يَا قَبرُ. مَا ضَرّ قَبراً قَدْ سَكَنْتَ بِهِ ... ألاّ يَمُرَّ بِأرْضِهِ القَطْرُ. فَلْيَنْبُعَنْ جُودُكَ في تُرْبِهِ، ... وَلْيُورِقَنّ بِقُرْبِكَ الصَّخْرُ. وَإذَا غَضِبْتَ تَصَدّعَتْ فَرَقاً ... مِنْكَ الجِبَالُ، وَخَافَكَ الذُّعْرُ. وَإذا رَقَدْتَ، فَأنتَ مُنْتَبِهٌ، ... وَإذَا انتَبَهْتَ، فَوَجْهُكَ البَدْرُ. وَاللهِ! لَوْ بِكَ لم أدَعْ أحَداً ... إلاّ قَتَلْتُ لَفَاتَني الوِتْرُ. قال: فدنوت منها لأسألها عن أمرها فإذا هي ميتة. إسحاق وزهر الأعرابية وبإسناده قال: حدثنا القالي قال: حدثني جحظلة قال: حدثني حماد بن إسحاق الموصلي قال: حدثني أبي قال: كتبت إلي زهر الأعرابية، وقد غابت عني، كتاباً فيه: وَجْدِي يَجلُّ، على أنّي أُجَمْجِمُه، ... وَجْدُ السّقِيمِ بِبُرْءٍ بَعدَ إزْفافِ.

الضعيف الضائع

أوْ وَجدُ ثكلى أصَابَ المَوْتُ وَاحدَها، ... أوْ وَجْدُ مُنشَعِبٍ من بينِ أُلاف. قال حماد: قال لي أبي، فكتبت إليها: اقْرَأ السَلامَ على زَهْرٍ إذا شَحَطَتْ، ... وَقلْ لها: قد أذقتِ القلبَ ما خَافَا. أمَا أوَيتِ لمَنْ قَدْ بَاتَ مُكْتَئِباً، ... يُذرِي مَدامِعَهُ سَحّاً وَتَوْكَافَا. فَمَا وَجَدْتُ عَلى إلْفٍ أُفَارِقُهُ، ... وَجْدِي عَلَيْكِ، وَقَدْ فارَقتُ آلافَا. الضعيف الضائع وبإسناده قال: حدثنا القالي قال: أنشدنا ابن دريد ولم يسم قائلاً ولا عزاه إلى أحد: آلَ لَيْلى! إنّ ضَيفَكُمُ ... ضَائعٌ في الحَيّ مُذْ نَزَلا. أمْكِنُوهُ مِنْ ثَنِيّتِهَا، ... لم يُرِدْ خَمْراً وَلا عَسَلا.

التفاح بدل الجمار

التفاح بدل الجمار أنبأنا أبو الحسين أحمدبن علي بن الحسين التوزي قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن سويد المعدل قال: حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي قال: أخبرني ابن الأصقع قال: قال لي بعضهم: رأيت ببغداد في وقت الحج فتىً، ومعه تفاح مغلف، فانتهى إلى سور فوقف تحته، فاطلع عليه جوارٍ كأنهن المها، فأقبل يرميهن بذلك التفاح، فقلت له: أليس كنت معتزماً على الحج؟ فقال: وَلمّا رَأيتُ الحَجّ قَدْ آنَ وَقْتُهُ، ... وَأبصرْتُ بُزْلَ العيس بالرَّكبِ تعسِفُ. رَحَلتُ مَعَ العُشّاقِ في طَلَبِ الهَوى، ... وَعَرّفتُ من حَيْثُ المُحبّونَ عرّفوا. وَقَدْ زَعَمُوا أنّ الجِمَارَ فَرِيضَةٌ، ... وَتَاركَ مَفْرُوضِ الجِمَارِ يُعَنَّفُ. فهيّأتُ تُفّاحاً ثَلاثاً وَأرْبَعاً، ... فزُعفِرَ لي بَعضٌ وَبَعضٌ مُغَلَّفُ. وَقُمتُ حِيَالَ القَصْرِ ثُمّ رَمَيْتُهُ، ... فَظَلّتْ لهَا أيْدِي المِلاحِ تَلَقَّفُ. وَإني لأرْجُو أنْ تُقَبَّلَ حِجّتي، ... وَمَا ضَمّني للحَجّ سَعْيٌ وَمَوْقِفُ.

قمرية الوادي

قمرية الوادي أنبأنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي التوزي قال: حدثنا إسماعيل بن سويد قال: حدثنا الكوكبي قال: حدثني أبو الحسن بن الأصقع قال: كان فتىً من بني عذرة يتعشق ابنة عم له، فبلغه أن فتىً أسود يأتيها لريبة، فغمه ذلك، فمر يوماً ببابها، فقال: شابَتْ أعَالي قُرُوني وَامّحَى شَعَرِي، ... مِمّا أُحَدَّثُ عَنْ قُمْرِيّةِ الوَادي. نُبّئْتُ أنّ غُرَاباً بَاتَ مُحْتَضِناً ... قُمْرِيّةً بَينَ أغْصَانٍ وَأعْوَادِ. فلما سمعت شعره خرجت، فاعتذرت إليه، وآلت أن لا تعرف ذكراً غيره، فلم يزل يحتال حتى تزوجها. الصوفي وغلامه أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بمصر قال: أخبرنا أبو صالح السمرقندي قال: حدثنا عبد الله الحسين بن القاسم بن أليسع بالقرافة قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر الدينوري قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال: حدثني أبو المختار الضبي. قال: حدثني أبي قال: قلت: لأبي الكميت الأندلسي، وكان جوالاً في أرض الله، عز وجل: حدثني بأعجب ما رأيته من الصوفية! قال: صحبت رجلاً منهم يقال له مهرجان، وكان مجوسياً، فأسلم وتصوف، فرأيت معه غلاماً جميلاً لا يفارقه، فكان إذا جاء الليل، قام فصلى ثم ينام إلى جانبه يقوم فزعاً، فيصلي ما قدر له، ثم يعود فينام إلى جانبه أيضاً، حتى يفعل ذلك في الليلة مراراً، فإذا أسفر الصبح، أو كاد أن يسفر، أوتر ثم رفع

الصوفي المتقشف

يديه، فقال: اللهم إنك تعلم أن الليل قد مضى علي سليماً لم أقارف فيه فاحشةً، ولا كتبت الحفظة علي فيه معصية، وأن الذي أضمره في قلبي لو حملته الجبال لتصدعت، أو كان بالأرض لتدكدكت. ثم يقول: يال ليل اشهد بما كان مني فيك، فقد منعني خوف الله، عز وجل، عن طلب الحرام والتعرض للآثام. ثم يقول: يا سيدي! أنت بيننا على تقى، ولا تفرق بيننا يوم تجمع فيه الأحباب. فأقمت معه مدةً طويلةً أراه يفعل ذلك في كل ليلة، وأسمع هذا القول، فلما هممت بالانصراف من عنده قلت له: سمعتك تقول، إذا انقضى الليل: كذا وكذا. فقال: أوقد سمعتني؟ قلت: نعم! قال: فوالله يا أخي إني لأدري من قلبي ما لو داراه سلطاننا من رعيته، لكان من الله حقيقاً فقلت: وما الذي يدعوك إلى صحبة من تخاف على نفسك العنت من قبله؟ وذكر كلاماً اختصرته. الصوفي المتقشف وبإسناده قال: قال أبو حمزة محمد بن إبراهيم الصوفي: حدثني الصلت بن بهرام المجاشعي قال: حدثني محمد بن االخضر التيمي قال: كان أبو عمرو الضبابي من أحسن من رأيته وجهاً ممن يصحب الصوفية، وكان لا يرافق أحداً ولا يجالسه ولا يلابسه إلا في طريق، فأتاني ذات يومٍ، ونحن ببلاد الروم، فقال: هل لك في مرافقتي، فغني قد مللت الوحدة، وطالت علي الوحشة. فقلت: علا خلال ثلاثٍ.

قال: وما هي؟ قلت: على أن لا أراك ضاحكاً إلى أحد من خلق الله، ولا مشغلاً بغير طاعة الله، عز وجل، ولا تعمل عملاً حتى أقول لك. قال: قد فعلت. وكان معي لا يفارقني في حج ولا غزو، فكنت أرى منه أموراً أعلم أن الله سيرفعه بها في الدنيا والآخرة من حسن صلاته وكثرة صيامه وطول صمته وقلة كلامه، فقلت له، ذات يوم، لأتبين معرفة عقله: ألا أشتري لك جارية؟. فقال: وما أصنع بها؟ قلت: ما يصنع الرجل بملك يمينه!. فقال: لو أردت هذا لم أترك أهلي وأشخص عن وطني وأخرج عن دنياي، ولكان لي منهم مقنع وفي المقام معهم متسع. فقلت: ألق هذا الصوف عنك، فإنه قد أثر ببدنك، ونهك جسمك. فقال: أتأمري أن ألقي عني ثوباً أتقرب إلى الله، عز وجل، بخشونته وريحه، وأنا أرجو منه حسن الثواب عليه عند منقلبي إليه. قلت: فهل لك أن تفطر فإن الصيام قد أنحلك والظمأ قد غيرك؟ فقال: سبحان الله، ما أعجب ما تأمرني به! هل الدنيا إلا يومان، يوم قد مضى علي ويوم أنا فيه لا أدري بما يختم لي من رحمةٍ أو عذاب، فإن عذبني وأنا على حالةٍ أتقرب إليه بها، فهو أجدر أن يعذبني إذا فعلت أمراً أنا فيه مقصر. فقلت: فصم يوماً وأفطر يوماً. فقال: ذلك صوم الأبرار، ومن أمن النار، الذين علموا أن الله، عز وجل، متجاوز عنهم، وقابل منهم، فأما أنا فأنت تعلم أني غير

عالم بما سبق علي في الكتاب من شقاء وسعادة، والله لئن عذبني الله على طاعته أحب إلي من أن يغفر لي وأنا على معصيته، على أنه غير جائر على من خلقه ولا معذب له إلا بذنب. قلت: أفلا أشتري لك وطاءً تنام عليه؟ فقال: وأي وطاء أوطأ من ظهر الأرض، وقد سماه الله، عز وجل مهاداً، والله لا أفترش فراشاً ولا أتوسد وساداً، حتى ألحق بالله، عز وجل. فقلت: فهل لك أن تريح نفسك في هذه الغزاة، وترجع؟ فقال: واعجباه من قولك! تأمرني أن أرجع عن الجنةن وقد فتح لي بابها، والله لا أزال أعرض نفسي على الله تعالى لعله يقبلين، فإن رزقني وخصني بالشهادة، فهو الذي كنت أحاول وبه أطالب، فإن حرمني ذلك فبالذنوب التي سلفت، وأنا أسأل الله أن يتفضل علي بما سألته، ويجيبني في ما دعوته. فغزا معنا، ونحن في خلق كثير مع محمد بن مصعب، فلقينا العدو، فكان أول من جرح، فوقفت عليه، فقلت: أبشر بثواب الله، عز وجل، فقد أعطاك الرضا، وفوق المزيد. فقال بصوت ضعيف: الحمد لله على كل حالٍ، لقد نظرت إلى كل ما تمنيت، وفوق ما اشتهيت، وبلغت ما أحببت، وأدركت ما طلبت من حور وولدان وسلسبيل وريحان، وإياك والتقصير، لعل الله، عز وجل، أن يبلغك ما بلغني ويرزقك ما رزقني، ثم فاضت نفسه.

أبو إسماعيل وفتح الموصلي

أبو إسماعيل وفتح الموصلي حدث جعفر الخالدي قال: حدثنا أحمد بن مسروق قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا عبد الله بن الفرج العابد قال: كان بالموصل رجل نصراني يكنى أبا إسماعيل، قال: فمر ذات ليلة برجل، وهو يتهجد على سطحه، ويقرأ: وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً، وإليه ترجعون. قال: فصرخ أبو إسماعيل صرخةً وغشي عليه، فلم يزل على حاله تلك، حتى أصبح، فلما أصبح أسلم، ثم أتى فتحاً الموصلي فاستأذنه في صحبته، فكان يصحبه ويخدمه. قال: وبكى أبو إسماعيل حتى ذهبت إحدى عينيه وغشي على الأخرى. فقلت له ذات يوم: حدثني ببعض أمر فتحٍ. قال: فبكى ثم قال: أخبرك عنه، كان والله كهيئة الروحانيين معلق القلب بما هناك، ليست له في الدنيا راحةٌ. قلت: على ذاك؟ قال: شهدت العيد ذات يوم بالموصل، ورجع بعدما تفرق الناس، ورجعت معه فنظر إلى الدخان يفور من نواحي المدينة، فبكى ثم قال: قد قرب الناس قربانهم، فليت شعري ما فعلت في قرباني عندك أيها المحبوب! ثم سقط مغشياً عليه، فجئت بماء فمسحت به وجهه، فأفاق ثم مضى حتى دخل بعض أزقة المدينة، فرفع رأسه إلى السماء ثم قال: قد علمت طول غمي وحزني وتردادي في أزقة الدنيا، فحتى متى تحبسني أيها المحبوب؟ ثم سقط مغشياً عليه، فجئت بماء، فمسحت على وجهه، فأفاق فما عاش بعد ذلك إلا أياماً، حتى مات، رحمه الله.

النفس حيث يجعلها الفتى

النفس حيث يجعلها الفتى أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزباني قال: أخبرني أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحيم عن العباس بن علي قال: حدثني بعض أهل المدينة قال: دعاني فتىً من أهل المدينة إلى جارية تغني، فلما دخلنا عليها، إذا هي أحسن الناس وجهاً، وإذا بها انخراط وجه وسهو وسكوت، فجعلنا نبسطها بالمزاح والكلام، ويمنعها من ذلك ما تكتمه، فقلت في نفسي: والله إن بها لتهياماً، وطائفاً من الحب، فأقبلت عليها، فقلت: بالله لما صدقتني ما الذي بك؟ فقالت: برح الذكر، ودوام الفكر، وخلو النهار، وتشوق إلى من سار، والذي يرى ما وصفت لك، فإن كنت ذا أدب صرفت العتب عن ذي الكرب، واجتهدت في الطلب لدواء من قد أشرف على العطب، كما قال الشاعر، وأخذت العود، فغنت: سَيُورِدُني التّذكارُ حَوْضَ المَهالكِ ... فَلَسْتُ لتذكارِ الحَبيبِ بِتَارِكِ. أبى اللهُ إلاّ أنْ أمُوتَ صَبَابَةً، ... وَلَسْتُ لِمَا يَقضِي الإلَهُ بِمالِكِ. كأنّ بقَلْبي حينَ شَطّتْ بهِ النّوَى، ... وَخَلّفَني فَرْداً، صُدُورَ النّيَازِكِ. تَقَطّعَت الأخْبَارُ بَيْني وَبَيْنَهُ، ... لِبُعْدِ النّوَى، وَاستَدّ سُبْلُ المَسالكِ. قال: فوالله لقد خفت أن أسلب عقلي لما غنت، فقلت: جعلني الله فداءك، وهو الذي صيرك إلى ما أرى يستحق هذا منك! فوالله إن الناس لكثير، فلو تسليت بغيره فلعل ما بك أن يسكن أو يخف،

فقد قال الأول: صَبَرْتُ عَلى اللّذّاتِ، لمّا تَوَلّتِ، ... وَألزَمتُ نَفسِي صَبرَها، فاستَمَرّتِ. وَما النفسُ إلاّ حيثُ يجعَلُها الفتى، فإنْ أُطمِعَتْ تاقَتْ، وَإلاّ تَسَلّتِ. فأقبلت علي فقالت: قد والله رمت ذلك، فكنت كما قال قيس بن الملوح: وَلمّا أبى إلاّ جمَاحاً فُؤادُهُ، ... وَلم يَسْلُ عن لَيلى بمالٍ وَلا أهلِ. تَسَلّى بأُخْرَى غَيرِها، فإذا التي ... تَسَلّى بها تُغرِي بلَيلى وَلا تُسْلي. قال: فأسكتتني والله بتواتر حججها عن محاورتها، وما رايت كمنطقها ولا كشكلها وأدبها وكمال خلقها. العفة الناجعة أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله قال: أخبرنا الحسين بن صفوان قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثني الحسين بن عبد الرحمن قال: حدثني محرز أبو القاسم الجلاب قال: حدثني سعدان قال: أمر قوم امرأة ذات جمال بارع، أن تتعرض للربيع بن خيثم، فلعلها تفتنه، قال: وجعلوا لها، إن هي فعلت، ألف درهم، فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه، ثم تعرضت له حين خرج من مسجده، فنظر إليها في تلك الحال، فراعه أمرها وجمالها، ثم أقبلت عليه، وهي سافرة، فقل لها الربيع: كيف بك لو نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من نورك وبهجتك؟ أم كيف بك لو نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك لو سألك منكر ونكير؟ فصرخت صرخةً، وخرجت مغشياً عليها، قال: فوالله لقد أفاقت وبلغت من عبادتها أنها يوم ماتت كانت كأنها جذع محترق.

الحب الصارع

الحب الصارع وجدت بخط أحمد بن محمد بن علي الأبنوسي، رحمه الله، قال: حدثنا أبو محمد بن مغيرة الجوهري قال: حدثنا أحمد بن محمد أبو عيسى قال: أنشدنا أبو العباس المبرد لأم الضحاك المحاربية: الحُبّ أوّلُ مَا يَكُونُ وَلَعْ، ... وَإذا تَمَكّنَ في الفُؤادِ صَرَعْ. وَيْلي مِنَ الحُبّ الّذِي شَفّني، ... مَاذَا عَليّ مِنَ الهُمُومِ جَمَعْ. أم سبعة أنبياء أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي الحسين المحتسب قال: حدثنا محمد بن عبد الله القطيعي قال: حدثنا الحسين بن صفوان قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبي كعب الحريري عن الحسن. أن امرأة من بني إسرائيل كانت أعطيت من الجمال عجباً، قال: فبلغ من أمرها أنها كانت لا تمكن من نفسها إلا من أعطاها مائة دينار، فاتخذت سريراً من ذهب فأبصرها رجل من العابدين، فأعجبتهن فانطلق فالتمس وابتغى، وتحملن أو كما وصف، حتى جمع مائة دينار، فأتاها بها، فقال: إني رأيتك فأعجبتني، فانطلقت فتمحلت وابتغيت، حتى جمعت مائة دينار. قالت: فادفعها إلى الجهبذ ينتقدها، ففعل، فقالت للجهبذ: انتقدها! قال: نعم! قال: فتهيأت، كما كانت تتهيأ، وجلست على سريرها، فلما جلس منها مكان الرجل من امرأته ذكره الله تعالى

المرقش الشاعر وأسماء

برحمته، فانقبضت إليه نفسه، فقام عنها فقال: المائة دينار لك، افتحي الباب! فقالت: وما رأيت؟ ألست زعمت انك رأيتني فأعجبتك فتمحلت وابتغيت حتى جمعت مائة دينار، فما رأت؟ قال: ليس في الأرض شيء أبغض إلي منك. قالت: وما رأيت؟ قال: هذا شيء لم أفعله قط. قالت: ما قال لي هذا أحد، لئن كنت صادقاً فما أريد زوجاً غيرك، فلي عليك أن تتزوجني. قال: نعم، فقنع رأسه ورجع، فلحق ببلده، وأقبلت تبيع متاعها، ثم ارتحلت إليه، فانتهت إلى البلد الذي هو فيه، فسالت عنه، فقيل لها: هوذا في المسجد. فقيل له: جاءت ملكة أرض كذا وكذا تسأل عنك، فأتته، فلما نظر إليها نظرةً مال ميتاً، فوجدت عليه وجداً شديداً، فقالت: اما هذا فقد فاتني، ولكن هل له أخ أو قريب؟ قيل: إن له؟ أخاً ضعيفاً. قال معتمر: أي ليس في العبادة مثله، فتزوجت أخاه، فولدت له سبعة أنبياء. المرقش الشاعر وأسماء كتب إلي أبو غالب بن بشران من واسط حدثنا ابن دينار قال: حدثنا أبو الفرج محمد بن علي الأصفهاني في كتاب الأغاني قال: قال أبو عمرو، ووافقه المفضل الضبي: كان من خبر مرقش الأكبر أنه عشق ابنة عم له يقال لها أسماء بنت عوف بن مالك، علقها وهو غلام، فخطبها إلى أبيها، فقال له: لا أزوجها حتى تعرف بالناس، وهذا قبل أن يخرج ربيعة من أرض

اليمن، فكان يعده فيها المواعيد، ثم انطلق مرقش إلى ملك من الملوك، وكان عنده زماناً، ومدحه، فأجازه، وأصاب عوفاً زمان شديد، فأتاه رجل من مراد أحد بني عطيف، فأرغبه في المال، فزوجه أسماء على مائة من الإبل، ثم تنحى عن بني سعد بن مالك. ورجع مرقش، فقال أخوتها: لا تخبروه إلا أنها ماتت، فذبحوا كبشاً، فأكلوا لحمه، ودفنوا عظامه، ولفوها في ملحفة، ودفنوها، فلما قدم مرقش عليهم أخبروه أنها ماتت، وأتوا به موضع القبر، فنظر إليه، وكان بعد ذلك يعتاده، ويزوره. فبينا هو ذات يوم مضطجع، وقد تغطى بثوبه، وابنا أخيه يلعبان بكعابٍ لهما، إذ اختصما في كعب، فقال أحدهما: هذا أجدهما: هذا كعبي أعطانيه أبي من الكبش الذي دفنوه، وقالوا: إذا جاء مرقش أخبرناه أنه قبر أسماء. فكشف مرقش عن رأسه، ودعا الغلام، وقد ضني ضنىً شديداً، فسأله عن الحديث، فأخبره به، وبتزويج المرادي أسماء، فدعا مرقش وليدةً له، ولها زوج من غفيلة كان عسيفاً لمرقش، فأمرها بأن تدعو له زوجها، فدعته، وكانت له رواحل، فامره بإحضارها ليطلب المرادي، فأحضرها فركبهان ومضى في طلبه، فمرض في الطريق حتى صار لا يحمل إلا معروضاً. وإنهما نزلا كهفاً بأسفل نجران، وهي أرض مراد، ومع الغفلي امرأته وليدة مرقش زوج الوليدة يقول لها: اتركيه، فقد هلك سقماً، وهلكنا معه جوعاً وضراً، فجعلت الوليدة تبكي من ذلك، فقال لها زوجها: إن أطعتني، وإلا فإني تاركك، وكان مرقش يكتب، وكان لأبوه دفعه وأخاه حرملة، وكانا أحب ولده إليه، إلى نصراني من

أهل الحيرة، فعلمها الخط، فلما سمع مرقش قول الغفلي للوليدة كتب على مؤخر الرحل: يا صَاحِبَيّ تَلَبّثَا لا تَعْجَلا! ... إن الرَّوَاحَ رَهِينٌ أن لا تَفْعَلا. فَلَعَلّ لُبْثَكُمَا يُقَرِّبُ نائِياً، ... أوْ يَسْبُقُ الإسْرَاعُ شَيْئاً مُقْبِلا. يَا رَاكِباً إمّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَا ... أنسَ بنَ سعدٍ إنْ لقيتَ وَحَرْملا. للهِ دَرُّكُما وَدَرُّ أبِيكُمَا، ... إنْ أفْلَتَ الغَفَليُّ حَتى يُقْتَلا. مَنْ مُبْلِغُ الأقْوَامِ أنّ مُرَقّشاً ... أضْحى على الأصْحابِ عِبئاً مُثقِلا. وَكَأنّمَا يَرِدُ السّباعُ بشلْوِهِ، ... إذ غابَ جَمعُ بني ضُبَيعةَ مَنهَلا. قال: وانطلق الغفلي وامرأته حتى رجعا إلى أهلهما، فقالا: مات المرقش، ونظر حرملة إلى الرحل، وجعل يقلبه. فقرأ الأبيات، فدعاهما وخوفهما، وأمرهما أن يصدقاه، ففعلا، فقتلهما، وقد كانا وصفا له الموضع، وامرهما في طلب المرقش حتى أتى المكان، فسأل عن خبره، فعرف أن مرقشاً كان في الكهف ولم يزل فيه حتى إذا هو بغنم تنزو على الغار الذي هو فيه، وأقبل راعيها إليه، فلما بصر به قال: من أنت وما شأنك؟ فقال له مرقش: أنا رجل من مراد فمن أنت؟ قال: راعي فلانن وإذا هو راعي زوج أسماء، فقال له مرقش: أتستطيع ان تكلم أسماء امرأة صاحبك؟ قال: لا، ولا أدنو منها، ولكن تأتيني جاريتها كل ليلة فأحلب لها عنزاً، فآتيها بلبنها. فقال له: خذ خاتمي هذان فإذا حلبت فألقه في اللبن فإنها ستعرفه، وإنك مصيب به خيراً لم يصبه راعٍ قط غن أنت فعلت ذلك.

فأخذ الراعي الخاتم، فلما حلبت العنز طرح الخاتم في القدح، فانطلقت به الجارية، وتركته بين يديها، فلما سكنت رغوته، اخذته، فشربته، وكذلك كانت تصنع، فقرع الخاتم ثنيتها، فأخذته، واستضاءت به بالنار، فعرفته، فقالت للجارية: ما هذا؟ فقالت: ما لي به علم، فأرسلتها إلى مولاها، وهو في شربٍ بنجران، فأقبل فزعاً، فقال لها: لم دعوتني؟ فقالت: ادع عبدك راعي غنمك، فدعاه، فقالت: سله أين وجد هذا الخاتم؟ فقال: وجدته مع رجل في كهفي جبارٍ، فقاللي: اطرحه في اللبن الذي تشربه أسماء، فإنك تصيب به خيراً، وما أخبرني من هو، ولقد تركته في آخر رمق. فقال زوجها: وما هذا الخاتم؟ قالت: هذا خاتم مرقش، فأعجل الساعة في طلبه، فركب فرسه وحملها على فرس وسارا حتى طرقاه من ليلته، فاحتملاه فمات عند أسماء، وقال قبل أن يموت: سَمَا نَحْوِي خَيَالٌ من سُلَيمَى، ... فأرّقَني، وَأصْحَابي هُجُودُ. فَبِتّ أدِيرُ أمْرِي كُلَّ حَالٍ، ... وَأذْكُرُ أهْلَهَا، وَهمُ بَعِيدُ. عَلى أنْ قَدْ سَمَا طَرْفي لِنَارٍ، ... يُشَبّ لهَا بِذِي الأرْطَى وَقُودُ. حَوَالَيْهَا مَهاً بِيضُ التَّرَاقي، ... وَآرَامٌ وَغِزْلانٌ رُقُودُ. نَوَاعِمُ لا تُعَالِجُ بُؤسَ عَيشٍ، ... أوَانِسُ لا ترُوحُ، وَلا تَرُودُ.

المحب الجاحد

يَرُحْنَ مَعاً بِطَاءَ المَشْيِ رُوداً، ... عَلَيْهِنّ المَجَاسِدُ وَالبُرُودُ. سَكَنَ ببَلدَةٍ وَسكَنتُ أخرَى، ... فقُطّعتِ المَوَاثِقُ وَالعُهُودُ. فَما بَالي أفي وَيُخانُ عَهْدِي، ... وَمَا بَالي أُصَادُ وَلا أَصِيدُ. وَرُبّ أسِيلَةِ الخَدّينِ بِكْرٍ، ... مُنَعَّمَةِ لهَا فَرْعٌ وَجِيدُ. وَذُو أشَرٍ شَتِيتُ النّبْتِ عَذْبٌ ... نَقِيُّ اللّوْنِ بَرَّاقٌ بَرُودُ. لَهَوْتُ بهَا زَمَاناً في شَبَابي، ... وَزَارَتْهَا النّجَائِبُ وَالقَصِيدُ. أُنَاساً كُلّمَا أخْلَقْتُ وَصْلاً ... عَنَاني مِنْهُمُ وَصْلٌ جَدِيدُ. فدفن في أرض مراد. المحب الجاحد أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحافظ قال: أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال: حدثنا محمد بن جعفر الأديب قال: حدثنا أبو القاسم السكوني إملاء قال: حدثني الحسين بن مكرم قال: حدثنا يزيد الثمالي قال: مات أبو العتاهية وعباس بن الأحنف وإبراهيم الموصلي في يوم واحد، فرفع خبرهم إلى الرشيد، فأمر المأمون بحضورهم والصلاة عليهم، فوافى المأمون، وقد صفوا له في موضع الجنائز، فقال: من قدمتم؟ قالوا: إبراهيم، قال: أخروه وقدموا عباساً! قال: فلما فرغ من الصلاة اعترضه بعض الظاهرية، فقال له: أيها الأمير بم قدمت عباساً؟ قال: يا فضولي بقوله: سَمَاكِ لي قَوْمٌ وَقالوا: إنها ... لَهيَ التي تَشقَى بهَا وَتُكَابِدُ. فجَحدتهم ليكونَ غيرُك ظنّهم، ... إني ليُعجِبُني المُحِبُّ الجاحِدُ.

القبلة القاتلة

القبلة القاتلة حدث أبو عمر بن حيويه ونقلته من خطه قال: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني أحمد بن حرب قال: حدثني أبو عبد الله القرشي قال: حدثني أبو غسان قال: كان سبب وفاة مالك بن أبي السمح أنه لما كبر ضم إليه رجلاً من قريش يقوم عليه، ففرش له على سرير وخرق فيه خرقاً لوضوء، فأتته الجارية يوماً بطعام فاكل، ثم أتته ببخور فتبخر، فوقعت الجارية بقلبه، فاهوى إليها ليقبلها، وتنحت عنه، فسقط عن السرير، فاندقت عنقه، فمات. قال الزبير: أنشدتني ظبية لحسن بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن العابس بن عبد المطلب في مالك بن أبي السمح: ليسَ عَيشٌ إلاّ بمالِكِ بنِ أبي السَّمْ ... ح، فَلا تَلحَني، وَلا تَلُمِ. نَتَمَلّى لَذِيذَ عَيْشٍ، وَلا نَهْ ... تِكُ حَقَّ الإسْلامِ وَالحُرَمِ. رُبّ ليْلٍ قَصّرَهُ اللهوُ، فَانْجَا ... بَ، وَيَوْمٍ كَذَاكَ لَمْ يَدُمِ. كُنْتُ فِيهِ وَمالِكَ بنَ أبي السَّمْ ... حِ الكَرِيم الأخْلاقِ والشّيَمِ. ضل عنه فؤاده أنبأنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الأزهري قال: أنشدنا سهل بن أحمد الديباجي قال: أنشدنا ابن دريد لنفسه: صَارَمتِهِ فَتَوَاصَلَتْ أحْزَانُه ... وَهَجرْتِه فَتَهاجرَتْ أجفَانُه. قالت تعرِّضُ: مسُّ شيطانٍ بهِ، ... بَل أنتِ حينَ مَلَكتِهِ شَيطانُه. قد ضَلّ عنه فؤادُه، فاستَخبرِي ... عَينَيكِ أينَ مَحَلّهُ وَمكانُه.

هل من آس لداء القلب

هل من آس لداء القلب ولي من قصيدة أولها: بالحُزْنِ هَاجَتْ للفَتى أحْزَانُه ... وَجَفَتْ لَذِيذَ رُقَادِهَا أجفَانُه. ومنها: يَا جَارَةَ الحَيّ الّذِينَ تَرَحّلُوا ... سَحَراً فأوْحَشَ رَبعَهُم غزْلانُه. هَلْ تَعْلَمِينَ لِدَاءِ قَلْبيَ آسِياً، ... فَاليَوْمَ حِينَ تَرَحّلُوا بُحرَانُه. كَتمَ الهَوَى خوْفَ العَذولِ وَلوْمِه، ... حَتى أضَرّ بجِسْمِهِ كِتْمَانُه. بنت الوالي والسجين أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة إن لم يكن سماعاً فإجاوة قال: أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن سويد المعدل قال: حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال: حدثني ابن أبي الدنيا. قال: حدثني محمد بن زيد العتبي قال: أخبرني جدي الحسين بن زيد قال: ولي بديار مصر والٍ فوجد على بعض عماله، فحبسه، وقيده، فأشرفت عليه ابنة الوالي فهويته، فكتبت غليه، وقد كان نظر إليها: أيّهَا الرّامي بِعَيْنَيْ ... هِ، وَفي الطّرْفِ الحُتُوفُ. إنْ تُرِدْ وَصْلاً، فَقَدْ ... أمكَنَكَ الظّبيُ الألُوفُ. فأجابها الفتى: إنْ تَريني زَانيَ العَي ... نَيْنِ، فَالفَرْجُ عَفِيفُ. لَيْسَ إلاّ النّظَرُ الفَا ... تِرُ، والشِّعْرُ الظّرِيفُ.

دواء الحب غال

فكتبت إليه: قَدْ أرَدْنَاكَ عَلى عِشْ ... قِكَ إنْسَاناً عَفِيفَا. فَتَأبّيْتَ، فَلا زِلْ ... تَ لِقَيْدَيْكَ حَلِيفَا. فأجابها الفتى: غَيْرَ أني خِفْتُ رَبّاً ... كَانَ بي بَرّاً لَطِيفَا. فذاع الشعر وبلغ الخير الولي، فدعا به فزوجه إياها ودفعها إليه. دواء الحب غالٍ أخبرنا التنوخي علي بن المحسن قال: اخبرنا أبو عمر بن حيويه قال: أخبرنا أبو بكر المحولي قال: وأنشدني حماد بن إسحاق للوليد بن يزيد: وَلَقَدْ قالَ طَبِيبي، ... وَطَبِيبي غَيْرُ آلِ. أُشْكُ مَا شِئْتَ سِوَى ال ... حُبِّ، فإنّي لا أُبَالي. سَقَمُ الحُبّ رَخِيصٌ، ... وَدَوَاءُ الحُبّ غَالِ. مرض الحب وبإسناده قال: وأنشدني أبو العابس بن أحمد من أهل ضرية لرجل من بني أسد: أقُولُ، وعُقْبَةُ الأسَدِيُّ يَرْقي ... أخَاهُ برُقْيَةِ المَينِ الكَذُوبِ:

القطيعة أذهب للعقل

تَثَاءَب لي، فَمَا بي غَيرُ حُبّي ... صَفِيّةَ، ضَلّ سَعْيُكَ من طَبِيبِ. وبإسناده قال: أنشدني احمد بن منصور المروروذي: أيَا سَبَبَ الدّمُوعِ إلى الجُفُونِ، ... وَشَجْوَ المُسْتَهَامِ المُسْتَكِينِ. سَلِ الحَسَرَاتِ: هَلْ أبقَينَ دمعاً ... يَجُودُ بهِ عَلى قَلْبٍ حَزِينِ. وَهَلْ تَرَكَ السّقَامِ به حَرَاكاً ... يَسِيرُ بِهِ إلَيْكَ سِوَى الحَنِينِ. القطيعة أذهب للعقل أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر قال: أخبرنا أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي قال: حدثنا القاضي أبو محمد عبد الله بن الربيع قال: حدثنا أبو علي القالي قال: قرأت على أبي بكر بن دريد للحسين بن مطير الأسدي: فَوَا عَجَبا للنّاسِ يَسْتَشرِفُونَني، ... كانْ لم يَرَوْا بَعدي محِبّاً، وَلا قَبلي. يقولونَ لي: اصرِمْ يرْجعِ العقلُ كُلُّه ... وَصَرْمُ حبيبِ النفسِ أذهبُ للعقل. فيَا عَجبا من حبّ مَن هُوَ قاتِلي، ... كأني أُجَازِيهِ المَوَدّةَ عَنْ قَتْلي. وَمن بَيّناتِ الحُبّ أنْ كانَ أهلُها ... أحَبَّ إلى قَلبي وعَينيَ من أهْلي. أنا أشعر من قيس وبإسناده قال: حدثنا القاضي قال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا الرياشي عن بعض أصحابه قال: اخبرني رجل قال: جلست في ظل شجرة وقلت ما أشعر قيساً حيث يقول: يَبِيتُ وَيُضْحي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ... عَلى مَنْهَجٍ تَبْكي عَلَيْهِ القَبائِلُ.

قَتِيلٌ لِلُبْنى صَدّعَ الحُبُّ قَلْبَهُ، ... وفي الحُبّ شُغْلٌ للمُحِبّينَ شاغِلُ. فقال: أنا والله أشعر منه حيث أقول: سَلَبْتِ عِظَامي لحمَها فَترَكتِها ... مُعرَّقةً، تَضْحَى إليكِ وَتَخْصَرُ. وَأخْلَيْتِهَا مِن مُخّها، فَكَأنّها ... قَوَارِيرُ في أجوَافِها الرّيحُ تَصْفِرُ. إذا سَمِعَتْ ذِكرَ الفرَاقِ تَقطّعتْ ... عَلائِقُها مِمّا تَخَافُ وَتَحْذَرُ. خذي بيَدي ثمّ انهَضِي بي تَبَيّني ... بيَ الضّرَّ، إلاّ أنّني أتَسَترُ. قال: ثم مر فجمز في الصحراء، فلما كان في اليوم الثاني أتيته، فجلست في ذلك الموضع، فلما أحسست به قلت: ما أشعر قيساً حيث يقول: تُباكِرُ أمْ تَرُوحُ غَداً رَوَاحَا، ... وَلَنْ يَسْتطيعَ مُرْتَهِنٌ بَرَاحَا. سَقِيمٌ لا يُصَابُ لَهُ دَوَاءٌ، ... أصَابَ الحُبُّ مُقْتَلَهُ فَنَاحَا. وَعَذّبَهُ الهَوَى حَتى بَرَاهُ، ... كبَرْيِ القَينِ بالسَّفَنِ القِداحَا. وَكادَ يُذِيقُهُ جُرَعَ المَنَايَا، ... وَلَوْ أسْقَاهُ ذلكَ لاسْتَرَاحَا. فقال: أنا اشعر منه حيث أقول: فما وُجدُ مغلوبٍ بصَنعاءَ مُوثَقٍ، ... بسَاقَيهِ من ثِقلِ الحَديدِ كُبولُ. قَليلِ المُوَالي مُسْتَهَامٍ مُرَوَّعٍ، ... لَهُ بَعدَ نَوْماتِ العِشاءِ عَوِيلُ. يَقولُ لَهُ الحَدّادُ: أنتَ مُعذَّبٌ، ... غداةَ غَدٍ، أو مُسْلَمٌ فَقَتِيلُ. بأعْظَمَ مني رَوْعَةً يَوْمَ رَاعَني ... فِرَاقُ حَبِيبٍ مَا إلَيْهِ سَبِيلُ.

سيف الفراق

سيف الفراق وبإسناده قال: حدثنا القالي قال: أنبأنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي: قَدْ قُلْتُ وَالعَبرَاتُ تَسْ ... فَحُهَا عَلى الخَدّ الأمَاقي. حِينَ انْحَدَرْتُ إلى الجَزِي ... رَةِ وَانْقَطَعْتُ عَنِ العِرَاقِ. وَتَخَبّطَتْ أيْدِي الرّفَا ... قِ مَهَامِهَ البِيدِ الرّفَاقِ. يَا بُؤسَ مَنْ سَلَّ الزّمَا ... نُ عَلَيْهِ سَيْفاً للفِرَاقِ. مصدعة القلوب وبإسناده قال: حدثنا القالي قال: قرأت على أبي بكر بن دريد لجميل: رَحَلَ الخَلِيطُ جِمالَهُمْ بِسَوَادِ، ... وَحَدَا عَلى أثَرِ الأحِبّةِ حَادِ. ما إنْ شعرْتُ ببِينهِمْ وَرَحيلِهِمْ، ... حَتى سَمِعْتُ بهِ الغُرَابَ يُنادي. لمّا رَأيْتُ البَيْنَ قُلْتُ لِصَاحِبي: ... صَدَعَتْ مُصَدِّعةُ القُلوبِ فؤادي. بانُوا، وَغُودِرَ في الدّيَارِ مُتَيَّمٌ، ... كَلِفٌ بذِكْرِكِ يا بُثَينَةُ صَادِ.

ليست له صبوة

ليست له صبوة أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني أبو الحسن علي بن أيوب القمي الكاتب بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو عبيد محمد بن عمران بن موسى المرزباني الكاتب قال: حديث عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي إملاء قال: حدثنا كامل بن طلحة قال: حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا ابو عشانة قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: عجب ربنا تعالى من شاب ليست له صبوة. المأمون وجارية أبيه أخبرنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري في ما أجاز لنا قال: حدثنا المعافى بن زكريا الحريري قال: حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال: حدثني أبي قال: قال منصور البرمكي وكان أديباً: كانت لهارون الرشيد جارية غلامية، تصب على يده، وتقف على رأسه، وكان المأمون يعجب بها، وهو أمرد، فبينا هي تصب على هارون من إبريق معها، والمأمون مع هارون قد قابل بوجهه وجه الجارية، إذ أشار إليها بقبلة، فزبرته، بحاجبها وأبطأت عن الصب في مهلة ما بين ذلك، فنظر إليها هارون فقال: ما هذا؟ فتلكأت عليه، فقال: ضعي ما معك! علي كذا إن لم تخبريني لأقتلنك. فقالت: أشار إلي عبد الله بقبلة. فالتفت إليه، وإذا هو قد نزل به من الحياء والرعب ما رحمه منه، فاعتنقه، وقال: أتحبها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: قم فاخل بها في تلك القبة، فقام فعل، فقال له هارون: قل في

الأطباء والمحبون

هذا شعراً، فأنشأ يقول: ظَبيٌ كَنَيْتُ بِطَرْفي ... عَنِ الضّمِيرِ إلَيْهِ. قَبّلْتُهُ مِنْ بَعِيدٍ ... فَاْعْتَلّ مِنْ شَفَتَيْهِ. وَرَدّ أخْبَثَ رَدٍّ ... بِالكَسرِ مِنْ حَاجِبَيْهِ. فَمَا بَرِحْتُ مَكَاني ... حَتى قَدِرْتُ عَلَيْهِ. الأطباء والمحبون أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن بن علي قال: حدثنا أبو عمر بن حيويه قراءة عليه قال: حدثنا أبو بكر بن المرزبان إجازة قال: أنشدني منشد للحسن بن وهب: حين عرقي: فقال: حب، طبيبي، ... ما له في علاجه من مصيب. فغمزت الطبيب سراً بعيني، ... ثم حلفته بحق الصليب. لا تقل: لوعة الهوى أسقمته، ... فينالوا، بدعوةٍ، من حبيبي. وأنشد: واعي السقم تخبر عن ضميري، ... ويخبر عن مفارقتي سروري. ألا يَا سَائِلي عَنْ سُوءِ حَالي، ... وَعَنْ شَأني سَقَطتَ على الخَبيرِ. شَرِبْتُ مِنَ الصّبَابَةِ كأسَ سُقم ... بعَيْنَيْ شَادِنٍ ظَبْيٍ غَرِيرِ. وقال عمر بن أبي ربيعة: طَبِيبيّ دَاوَيْتُمَا ظَاهِراً، ... فمَنْ ذا يُداوِي جَوىً بَاطِنَا. فَعوجَا عَلى مَنْزِلٍ بِالعَمِي ... مِ، فَإنّي لَقِيتُ بِهِ شَادِنَا.

السوداء وحبيبها عمر

ولي من أثناء قصيدة: وذي شجنٍ مثلي شكوت صبابتي ... إليه، ودمعي ما يفتر قطره. فقال، ولم يملك سوابق عبرةٍ ... تترجم عما قد تضمن صدره: كِلانَا أسِيرٌ في الهَوَى مُتَهَدَّدٌ ... بقَتلٍ، فَما يَنفَكّ ما عاشَ أسرُهُ. وَأقْلَقَني حَادِي الرّكَائِبِ بالضّحَى، ... وَسَائِقُهَا لمّا تَتَابَعَ زَجْرُهُ. وَتَقوِيضُ خَيمِ الحيّ، وَالبينُ ضَاحكٌ ... لِفُرْقَتِنَا حَتى بَدَا مِنْهُ ثَغْرُهُ. وَفي الجيرَةِ الغادِينَ أحوَى، عِذارُهُ ... يَقُومُ بهِ للعَاشِقِ الصّبّ عُذْرُهُ. غَدَائِرُهُ لي شَاهِدَاتٌ بِأنّني ... وَفَيْتُ لَهُ مِنْ بَعْدِ مَا بَانَ غَدرُهُ. السوداء وحبيبها عمر أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي التوزي وأبو القاسك علي بن المحسن التنوخي قالا: أخبرنا أبو عمر محمد بن العابس بن يحيوه قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني محمد بن عبد الله بن أبي مالك بن الهيثم الخزاعي عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: حدثني إبراهيم بن ميمون قال: حججت في أيام الرشيد، فبيما أنا بمكة أجول في سككها، إذا أنا بسوء قائمة ساهية، فأنكرت حالها، فوقفت أنظر إليها، فمكثت كذلك ساعةً، قم قالت: أعَمُرْو عَلامَ تَجَنّبْتَني؟ ... أخَذتَ فؤادي فَعَذّبِتَني. فلوْ كُنتَ، يا عمرُو، خبّرْتَني ... أخَذتُ حِذارِي، فما نِلْتَني.

قال: فدنوت منها، فقلت: يا هذه! من عمرو؟ فارتاعت من قولي وقالت: زوجي. فقلت: وما شأنه؟ قالت: أخبرني أنه يهواني وما زال يدس إلي ويعلق بي في كل طريق، ويشكو شدة وجده حتى تزوجني، فلبث معي قليلاً، وكان له عندي من الحب مثل الذي كان لي عنده، ثم مضى إلى جدة، وتركني. قلت: فصفيه لي. فقالت: أحسن من تراه، وهو أسمر حلو ظريف. قال، فلت: فخبريني أتحبين أن أجمع بينكما؟ قالت: فكيف لي بذلك؟ وظنتني أهزل بها. قال: فركبت راحلتي وصرت غلى جدة فوقفت في المرقى أتبصر من يعمل في السفن، وأصوت: يا عمرو يا عمرو! فإذا أنا به خارج من سفينة، وعلى عنقه صن، فعرفته بالصفة، فقلت: أعمرو علام تجنبتني؟ فقال: هيه هيه، رأيتها وسمعته منها؟ ثم أطرق هنيهة ثم اندفع يغنيه، فأخذته منه، وقلت له: ألا ترجع؟ فقال: بأبي أنت، ومن لي بذلك؟ ذلك والله أحب الأشياء إلي ولكن منع منه طلب المعاش. قلت: كم يكفيك كل سنة. قال: ثلاثمائة درهم، فإعطيته ثلاثة آلاف درهم، وقلت: هذه لعشر سنين، ورددته إليها، وقلت له: إذا فنيت أو قاربت الفناء قدمت علي فسررتك، وإلا وجهت إليك، وكان ذلك أحب إلي من حجي. قال محمد بن عبد الله قال إسحاق: والناس ينسبون هذا الصوت إلى إبراهيم، وكان إبراهيم، وكان إبراهيم أخذه من هذا الفتى.

مدرك الشيباني وعمرو النصراني

مدرك الشيباني وعمرو النصراني أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي ولقيته بمدينة النبي، صلى الله عليه وسلم، في أول سنة ست وأربعين وأربع مائة قال: أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن خرزاذ النجيرمي قال: أنشدني جعفر بن شاذان القمي أبو القاسم قال: أنشدني مدرك بن علي الشيباني له ببغداد في الجانب الغربي في عمرو بن يوحنا النصراني: مِنْ عَاشِقٍ ناءٍ هَوَاهُ دَان، ... نَاطِقِ دَمْعٍ صَامِتِ اللّسَان. القصيدة جميعها. وقال أبو القاسم جعفر بن شاذان القمي: وكان عمرو بن يوحنا النصراني يسكن في دار الروم ببغداد من الجانب الشرقي، وكان من أحسن الناس صورة وأجملهم خلقاً، وكان مدرك بن علي الشيباني يهواه، وكان مدرك من أفاضل أهل الأدب والمطبوعين في الشعر، وكان له مجلس يجتمع إليه الأحداث لا غير، فإن حضره شيخ أو كهل قال له مدرك: إنه يقبح بمثلك أن يختلط بالأحداث والصبيان، فقم في حفظ الله، فيقوم. بمَجَالِسِ العِلْمِ التي ... بكَ تَمّ جَمعُ جُموعِها. ألاّ رَثَيتَ لمُقْلَةٍ ... غَرِقَتْ بمَاءِ دُموعِها. بَيْني وَبَيْنَك حُرْمَةٌ، ... واللهَ في تَضْيِيعِهَا.

فقرأ الأبيات، ووقف عليها من كان في المجلس وقرأوها، واستحيا عمرو من ذلك، فانقطع عن الحضور، وغلب الأمر على مدرك، فترك مجلسه ولزم دار الروم، وجعل يتبع عمراً حيث سلك، وقال فيه هذه القصيدة المزدوجة العجيبة. ولمدرك في عمرو أيضاً أشعار كثير، ثم خرج مدرك إلى الوسواس وسل جسمه، وذهل عقله، وانقطع عن إخوانه ولزم الفراش، فحضره جماعة، فقال لهم: ألست صديقكم القديم العشرة لكم، أفما فيكم أحد يسعدني بالنظر إلى وجه عمرو؟ فمضوا بأجمعهم إليه، وقالوا له: إن كان قتل هذا الفتى ديناً، فإن إحياءه لمروءة! قال: وما فعل؟ قالوا: قد صار إلى حال ما نحسبك ترضى به. فلبس ثيابه ونهض معهم، فلما دخلوا عليه سلم عليه عمرو وأخذ بيده وقال: كيف تجدك يا سيدي؟ فنظر إليه فأغمي عليه ساعةً ثم أفاق وفتح عينيه، وهو يقول: أنَا في عَافِيَةٍ إ ... لاّ مِنَ الشَّوْقِ إلَيْكَا. أيّهَا العَائِدُ مَا بي ... مِنكَ لا يَخفَى عَلَيكَا. لا تَعُدْ جِسْماً، وَعُدْ ... قَلْباً رَهِيناً في يَدَيْكَا. كَيْفَ لا يَهْلِكُ مَرْشُ ... قٌ بِسَهْمَي مُقْلَتَيْكا. ثم شهق شهقةً فارق فيها الدنيا، فما برحنا حتى دفنوه.

موسى في وقت الكلام

موسى في وقت الكلام أخبرنا محمد بن أحمد الأردستاني، رحمه الله، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا الفضل محمد بن إسحاق السبخري قال: سمعت القناد يقول: سألت الحسين بن منصور عن حال موسى في وقت الكلام، فقال: بدا له بادٍ من الحق فلم يبق لموسى ثم أثر، وأنشد: وَبَدا لَهُ من بَعدِ ما اندَمَلَ الهَوَى ... بَرْقٌ تَألّقَ مُوهِناً لَمَعَانُهُ. يَبْدُو كَحَاشِيَةِ الرّدَاءِ، وَدُونَهُ ... صَعْبُ الذُّرَى مُتَمَنِّعٌ أرْكَانُهُ. فَأتى ليَنظُرَ كَيفَ لاحَ، فلم يُطِقْ ... نَظَراً إلَيْهِ وَرَدَّهُ سُبْحانُهُ. فَالنّارُ مَا اشتَمَلَتْ عَلَيَهِ ضُلُوعُهُ، ... وَالمَاءُ مَا سَمَحَتْ بِهِ أجْفَانُهُ. الحب يذهب بالحب أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس قال: حدثنا أبو بكر المحولي محمد بن خلف قال: أخبرني أبكر العامري قال: حدثني الحسين بن علي بن قدامة مولى بني أمية عن أبيه قال: خرجت إلى الشام، فلما كنت بالشراة، ودنا الليل، إذا قصر، فهويت إليه، فإذا بين بابي القصر امرأة لم أر مثلها، قط، هيئة وجمالاً، فسلمت، فردت، ثم قالت: من أنت؟ قلت: رجل من بني أمية من أهل الحجاز. فقالت: مرحباً، وحياك الله، انزل أنت في أهلك، قلت: ومن أنت، عافاك الله؟ قالت: امرأة من قومك، فأمرت إلي بمنزل وقرىً وبت في

صوفي سيئ الحال

خير مبيت، فلما أصبحت أرسلت إلي تقول: كيف مبيتك؟ قلت: خير مبيت، والله ما رأيت أكرم منك ولا شرف من فعالك، قالت: فإن لي إليك حاجة، تمضي حتى تأتي ذلك الدير، دير أشارت إليه منتح، فإن فيه ابن عمي، وهو زوجي، قد غلبت عليه نصرانية في ذلك الدير، فهجرني ولزمها، فتنظر إليه وتخبره عن مبيتك، وعما قلت لك، فقلت: أفعل، ونعمى عين. فخرجت حتى انتهيت إلى الدير، وإذا أنا برجل في فنائه جالس كأجمل ما يكون من الرجال، فسلمت، فرد وسألني، فأخبرته من أنا، وأين بت، وما قالت لي المرأة. فقال: صدقت! أنا رجل من قومك من آل الحارث بن الحكم، ثم صاح: يا قسط! وتلك أروى، وأنا الذي أقول: تَبَدّلتُ قِسْطاً بَعدَ أرْوَى وَحُبِّهَا، ... كَذَاكَ لعَمرِي الحُبّ يَذهبُ بالحُبّ. صوفي سيئ الحال أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بمصر بقراءتي عليه في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، قال: حدثنا أبو صالح محمد بن أبي عدي السمرقندي الصوفي قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن القاسم بن أليسع قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال: قال أبو حمزة الصوفي: كان عبد الله بن موسى من رؤساء الصوفية ووجوههم، فنظر إلى غلام في بعض الأسواق فبلي به، وكاد يذهب عقله عليه صبابةً وحباً له، وكان يقف في كل يوم على طريقه حتى يراه إذا أقبل، وإذا انصرف،

الطرف الغرار

فطال به البلاء، وأقعده عن الحركة الضنى، فكان لا يقدر أن يمشي خطوةً فما فوقها، فأتيته يوماً لأعوده، فقلت: يا أبا محمد! ما قصتك، وما الأمر الذي بلغ بك ما أرى؟ فقال: أمور امتحنني الله تعالى بها، فلم أصبر على البلاء فيها، ولم يكن لي بها طاقة ولا يدان، ورب ذنبٍ استصغره الإنسان مما يزينه له الشيطان هو عند الله تعالى أعظم من ثبير، وحقيق لمن تعرض للنظر الحرام أن تطول به الأسقام. ثم بكى. فقلت: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يكون حسابي إلى النار يطول فيها شقائي. فانصرفت عنه، وأنا راحم له لما رأيت به من سوء الحال. الطرف الغرار وبإسناده قال: قال أبو حمزة: وكنت مع ثابت بن السري الصوفي، فنظر إلى غلام، فقال: يا طول حزناه مما أرتنيه عيني، لقد تركني وأنا لا آنس غلى نظر بعد نظرتي هذه! يا شر ما أتاني به المقدور في النظر إلى الغرور، غرني والله طرفي حتى استمكن من حتفي. ثم قال: كم أستقيل الله، عز وجل، فيقيلني، وكم أستعفيه فيعفيني، لقد خفت أن يكون ذلك استدراجاً منه حتى يأخذني بذلك كله، في وقت حاجتي إليه عند قدومي عليه. ثم بكى حتى غشي عليه.

الهاتف بالليل

الهاتف بالليل أنبأنا أبو القاسم علي بن أبي علي التنوخي قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس قال: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف المحولي إجازة قال: حدثني سعيد بن عمر بن علي البيروذي قال: حدثني علي بن المختار قال: حدثني القحذمي قال: هوي رجل من أهل البصرة امرأة فضني من حبها، حتى سقط على الفراش، وكان إذا جنه الليل صاح بأعلى صوته: كم ترى بيننا وبين الصباح؟ فإذا أكثر من ذلك هتف به هاتف من جانب البيت: ألفُ عَامٍ وَألفُ عَامٍ تِباعاً، ... غيرَ شَكّ، فلا تكُنْ مِلحاحَا. قال: فأقام الرجل على علته سنين ثم أبل من علته. لي سكرتان أخبرنا أبو بكر الأردستاني قال: حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن محمد الدمشقي يقول: حضرت مع الشبلي في مجلس سماع، وحضر المشايخ، فغنى قوال، فصاح رجل، والقوم سكوت، فقال له بعض المشايخ: يا أبا بكر أليس هؤلاء سمعوا معك، كما سمعت؟ فقام من بين الجماعة وتواجد، وأنشأ يقول: لوْ يَسمَعونَ كما سَمِعتُ كلامَها ... خَرّوا لعزّةَ رُكّعاً وَسُجُودَا. وأنشد على أثره: لي سَكْرَتَانِ، وَللنَّدْمَانِ وَاحِدَةٌ، ... شيءٌ خُصِصْتُ به من بينَهم وَحدي.

سكينة وعروة بن أذينة

سكينة وعروة بن أذينة أنبأنا الشيخ أبو بكر أحمد بن علي الحافظ بالشام قال: أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد قال: حدثنا أبو علي الطوماري قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب قال: حدثني عبد الله بن شبيب قال: حدثني أبو معاوية عبد الجبار بن سعيد المساحقي قال: وقفت سكينة على ابن أذينة في موكبها، ومعها جواريها، فقالت: يا أبا عامر! أأنت تزعم أنك ريئ وأنت هيئ، وأنت الذي تقول: قالتْ، وَأبْثَثْتُها سِرّي، فَبُحتُ به: ... قَد كُنتَ عندِي تُحبّ السَّترَ فاستترِ. ألَستَ تُبصرُ مَن حَوْلي؟ فقلتُ لها: ... غَطّى هَوَاكِ، وَما ألقَى على بصرِي. الهالك من عشق أنبأنا أحمد علي بن ثابت قال: أخبرني أبو الحسن علي بن أيوب القمي قال: حدثنا محمد بن عمران قال: أخبرني محمد بن يحيى قال: قال العباس بن الأحنف: وَيْحَ المُحِبّينَ مَا أشقَى جدودَهمُ، ... إنْ كانَ مثلَ الذي بي بالمُحبّينَا. يَشقَوْنَ في هذِهِ الدّنْيا بعِشقِهمِ، ... لا يُدرِكُونَ بهِ دُنْيا وَلا دِينَا. يَرِقّ قَلْبي لأهْلِ العِشْقِ أنّهُمُ ... إذَا رَأوْني وَمَا ألْقَى يَرِقّونَا. قال: وَله أيضاً: أيّهَا النَادِبُ قَوْماً هَلَكوا، ... صَارَتِ الأرْضُ عَلَيْهمْ طَبَقَا. أنْدُبِ العُشّاقَ، لا غيرَهُمُ، ... إنّمَا الهَالِكُ مَنْ قَدْ عَشِقَا.

كوى ما كوى

ولي من أثناء قصيدة: مَرّتْ بِنَا سَاحِبَةً مِرْطَهَا، ... قَد أفتَنَتْ في حُبّهَا رَهطَهَا. ومنها: وَشَرَطَتْ إتْلافَ عُشّاقِهَا، ... فَكُلّهُمْ مُلْتَزِمٌ شَرْطَهَا. وَاستَخبَرَتْ عني عَذَارَى بَنَا ... تِ العمّ ثمّ استخبَرَتْ سِمطَها. وَكُلّهُمْ أخْبَرَ عَنْ رُتْبَةٍ ... لي في الهَوَى، غيرِيَ لم يُعطَهَا. لَوْلا الهَوَى العُذْرِيُّ، يا هندُ، لمْ ... أشكُ النّوَى قطّ وَلا شَحطَهَا. كوى ما كوى ولي ابتداء قصيدة: يا نَاظِرِي أنْتَ جَنَيتَ الهَوَى، ... يَوْمَ استَقَلّ الحَيُّ عن ذي طوَى. تَاللهِ! مَا أدرِي مَتى أرْشَقَتْ ... عَيْنَاكَ قَلْبي يا غَزَالَ اللِّوَى. أحَيُّكَ الطّائيُّ أغْرَاكَ بي؟ ... لا عَقَدَ العِزُّ عَلَيْهِمْ لِوَا. حُبَّ إلى قَلْبي الغَزَالُ الّذِي ... كَوَى منَ الأحشاءِ ما قَدْ كَوَى.

قتله خبر زواجها

قتله خبر زواجها ذكر ابن حيويه ونقلته من خطه قال: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف قال: حدثني إسحاق بن محمد الكوفي قال: حدثني عبيد الله بن محمد بن حفص بن موسى بن عبيد الله بن معمر عن أبيه قال: كان مسافر بن أبي عمرو بن أمية يتعشق جاريةً من أهل مكة، فنذر به أهلاه، فهرب، فلحق بالحيرة بالنعمان بن المنذر، فاعتل هناك بالهلاس، فجمع له النعمان أطباء الحيرة فأجمعوا على كيه، فكوي فبرأ، ثم إنه قدم عليه رجل من أهل مكة، فقال له: ما فعلت فلانة؟ قال: تزوجت، قال فشهق ومات في مكانه، فقال أبو طالب، وكان صديقاً لمسافر خاصاً به، فقال يرثيه: لَيْتَ شِعرِي، مُسافرُ بن أبي عم ... رو، وَلَيْتَ، يَقُولُهَا المَحزُونُ. كَيْفَ كانتْ مَرَارَةُ المَوْتِ في في ... كَ، وَماذا بَعدَ المَماتِ يَكُونُ. خَيرُ مَيتٍ على هبالةٍ، قَد حا ... لَتْ فَيافٍ من دُونِهِ وَحُزُونُ. بُورِكَ المَيّتُ الغَرِيبُ، كما بُو ... رِكَ نَضْرُ الرَّيْحَانِ والزّيتُونُ. كم صَديقٍ وصَاحِبٍ وَابنِ عمّ ... وَخَلِيلٍ عَفّتْ عَلَيهِ المَنُونُ. فَتَعَزّيتُ بِالجَلادَةِ وَالصّب ... رِ، وَإنّي بِصَاحِبي لَضَنِينُ. رَجعَ النّاسُ آيِبِينَ جَمِيعاً، ... وَخَلِيلي في مَرْمَسٍ مَدْفُونُ.

خشيف شبيه الحبيب

خشيف شبيه الحبيب وجدت بخط أحمد بن محمد بن الأبنوسي ونقلته من أصله قال: حدثنا أبو محمد علي بن عبد الله بن المغيرة قال: حدثنا جدي قال: حدثنا أبو عمر العمري قال: حدثنا عبد الملك بن قريب عن غياث بن الحارث السهمي قال: حدثني زيد بن عمارة النهدي قال: اصطدت خشفاً فأوثقته، وحملته، ثم اقبلت به، إذ استقبلني غلام كأنه فلقة قمرٍ له ضفيرتان قد قاربتا عجيزته، فلما رأى الخشف، وقف ينظر إليه وتنفس الصعداء، ثم أنشأ يقول، وهو يبكي: وَذَكّرَني مَنْ لا أبُوحُ بِذِكْرِهِ، ... مَحَاجِرُ ظَبيٍ في حَبَائِلِ قانِصِ. فَقُلتُ، وَدَمعُ العَينِ يَجرِي بحُرْقَةٍ، ... وَلحظي إلى عَيْنَيْهِ لحْظَةُ شَاخِصِ: ألا أيّهَذَا القَانِصُ الظّبيَ خَلِّهِ! ... وَإنْ كُنْتَ تَأبَاهُ، فَمُرْ بقَلائصي. خَفِ اللهَ لا تَحْبِسهُ! إنّ شَبِيهَهُ ... حَيَاتي، وَقد أرْعَدتَ فيه فَرَاقي. قال: ثم بكى، قال: فقلت: دونكه يا فتى فهو لك، قال: فعمد إليه فحله، ثم قبل عينيه، ثم ارسله. قال: فمر الظبي وأتبعه بصره يبكي في أثره، قال: ثم سكن فقلت: يا فتى ألك حاجةٌ؟ قال: نعم! قلت: ما هي؟ قال: تبلغ معي الحي. قال: فوصلت معه المنزل، قال: فلما كان من الغد، إذا به يسوق عشراً من الإبل حتى وقف علي، فقال: دونكها، فامتنعت، فأبى إلا قبولها. قال: فسألت عنه، فقالوا: هذا فتى يهوى فتاة من الحي.

العجوز المتصابية

العجوز المتصابية أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد العدل أن أبا عبيد الله محمد بن عمران أخبرهم في ما أجاز لهم قال: حدثنا أبو بكر بن دريد قال: حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: إني لفي سوق ضرية، وقد نزلت على رجلٍ من بني كلاب، وكان متزوجاً بالبصرة، وكان له أهل بضرية، إذ أقبلت عجوز على ناقة لها حسنة البزة، يتخيل فيها باقي جمال، فأناخت، وعقلت ناقتها، وأقبلت تتوكأ على محجن لها، فجلست قريباً منا، فقالت: هل من منشد؟ فقلت للكلابي: أيحضرك شيء؟ فقال: لا! فأنشدتها شعراً لبشر بن عبد الرحمن الأنصاري، وهو: وَقَصِيرَةِ الأيّامِ وَدَّ جَلِيسُهَا ... لَوْ بَاعَ مَجْلِسَهَا بِفَقْدِ حَمِيمِ. محذِياتِ أخي الهوَى غُصَصَ الجوَى ... بِدَلالِ غَانِيَةٍ وَمُقْلَةِ رِيمِ. صَفْرَاءَ مِنْ بَقَرِ الجِوَاءِ، كأنّمَا ... خَفَرُ الحَيَاءِ بهَا رُدَاعُ سَقِيمِ. فجشت على ركبتهيا، وأقبلت تنكت الأرض بمحجنها وأنشأت تقول: قِفي يا أُمَامَ القَلْبِ، نَقضِ لُبانةً ... وَنَشكُ الهوَى ثمّ افعلي ما بدَا لكِ. فَلَوْ قُلتِ طَأْ في النّارِ أعْلَم أنّه ... هوىً منكِ لي أوْ مِنَةٌ من نَوالكِ. لقَدّمتُ رِجلي نحوَهَا فوَطِئتُها، ... هوىً منكِ لي أوْ هَفوَةٌ من ملالكِ.

أماتها ومات أسفا عليها

سَلي البانةَ العُليا مِنَ الأجرَعِ الذي ... به البانُ، هل حاوَلتُ غيرَ وِصَالكِ. وَهلْ قمتُ في أطلالِهنّ عَشِيّةً، ... قيامَ سَقيمِ القَلبِ، وَاخترْتُ ذلكِ. ليَهنَكِ إمساكي بكفّي على الحشا، ... وَرَقْرَاقُ دَمعي رَهبَةً من زِيالكِ. قال الأصمعي: فأظلمت والله علي الدنيا لحلاوة منطقها، وفصاحة لهجتها، فدنوت منها فقلت: نشدتك بالله لما زدتني من هذا؟ فرأيت الضحك في عينيها، وأنشدت: وَمُسْتَحْقِبَاتٌ لَيسَ يَحقِبنَ زُرْنَنا، ... وَيَسحَبنَ أذيَالَ الصّيانةِ وَالشِّكلِ. جَمَعنَ الهَوَى حَتى إذا مَا مَلَكْنَه ... نزَعنَ، وَقد أكثرْنَ فينا من القَتْلِ. مرِيضَاتُ رَجعِ القوْل خُرْسٌ عن الخنا، ... تَألّفنَ أهْوَاءَ القُلوبِ بلا بَذلِ. موَارِقُ مِنْ حَبلِ المُحِبّ عَوَاطِفٌ ... بحَبلِ ذوِي الألبابِ بالجِدّ وَالهَزْلِ. يُعَنّفُني العُذّالُ فِيهِنّ، وَالهَوَى ... يُحَذّرُني من أنْ أُطيعَ ذوِي العَذْلِ. فقلت: أحسنت، والذي خلقك! فقالت: اكذاك؟ قلت: نعم! قالت: فنشرك في هذا الإحسان غيركم، ثم قامت، فوالله ما مسعتمنشدةً بعدها أحلى ألفاظاً منها. أماتها ومات أسفاً عليها وجدت بخط أبي عمر بن حيويه، رحمه الله، ونقلته منه قال: حدثني أبو بكر محمد بن خلف المحولي قال: حدثنا أبو عبد الله التميمي قال: أخبرنا زياد بن صالح الكوفي قال: كان العلاء بن عبد الرحمن التغلبي من أهل الأدب والظرف، فواصلته

عذبة الأنياب

جارية من جواري القيان، فكان يظهر لها ما ليس في قلبه، وكانت الجارية على غاية العشق له، والميل إليه، فلم يزالا على ذلك حتى ماتت الجارية عشقاً له ووجداً به، فذكرها بعد ذلك وأسف على ما كان كمن جفائه لها وإعراضه عنها، فرآها ليلةً في منامه، وهي تقول له: أتَبكي بَعدَ قَتلِكَ لي عَلَيّا، ... فَهَلاّ كانَ ذا إذْ كنتُ حَيّا. سكَبتَ دموعَ عَينكَ في انهلال، ... وَمن قَبلِ المَماتِ تُسِي إلَيّا. أقِلَّ مِنَ النِّيَاحَةِ وَالمَرَاثي، ... فَإني مَا أرَاكَ صَنَعتَ شَيّا. عذبة الأنياب أنبأنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي التوزي قال: أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن المأمون قال: حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري قال: قال جميل بن معمر: خَلِيليّ عُوجَا اليَوْمَ حتى تُسَلِّمَا ... على عَذْبَةِ الأنيَابِ طَيّبةِ النَّشْرِ. فإنّكُمَا إنْ عُجْتُمَا ليَ سَاعَةً ... شَكَرْتُكُمَا حتى أُعَيَّتَ في قَبرِي. وَإنّكُمَا إنْ لَمْ تَعُوجَا فَإنّني ... سأصرِفُ وَجدِي، فأَذَنا اليوْمَ بالهجِر. ومَا ليَ لا أبكي، وَفي الأيكِ نَائِحٌ؟ ... وَقد فارَقتني شَحنةُ الكَشحِ وَالخصرِ.

بكيت من الفراق

أيَبكي حَمامُ الأيكِ من فَقدِ إلفِهش ... وَأحمِلُ ما بي عن بُثَينَةَ من صَبرِ. يَقُولونَ: مَسحُورٌ يُجَنّ بذِكْرِهَا، ... فأُقسِمُ ما بي من جُنونٍ، وَلا سِحْرِ. فأُقْسِمُ لا أنسَاكِ مَا ذَرّ شَارِقٌ، ... وَمَا خَبّ آلٌ في مُلَمَعَّةٍ قَفرِ. وَما لاحَ نَجْمٌ في السّمَاءِ مُعَلَّقٌ، ... وَما تورِقُ الأغصَانُ من وَرَق السِّدرِ. لقَد شُغِفَتْ نَفسِي، بُثَينَ، بذِكرِكم، ... كمَا شُغِفَ المَخمورُ، يا بَثنَ، بالخمرِ. ذكَرْتُ مَقامي لَيلَةَ البَانِ قَابِضاً ... على كَفّ حَوْرَاءِ المَدَامعِ كالبَدرِ. فكِدْتُ، وَلمْ أملِكْ إليها صَبَابَةً، ... أهيمُ، وَفاضَ الدّمعُ مني على النَّحرِ. فَيا لَيتَ شِعرِي، هَلْ أبِيتنّ لَيْلَةً ... كَليلَتِنا حتى يُرَى سَاطعُ الفَجرِ. تَجُودُ عَلَيْنَا بالحَدِيثِ وَتَارَةً ... تَجُودُ عَلَيْنا بالرُّضَابِ من الثَّغْرِ. فَلَيتَ الهَوَى قد قَضَى ذاكَ مَرّةً، ... فيَعلَمَ رَبي، عندَ ذلك، ما شُكْرِي. فَلَوْ سَألَتْ مِني حَيَاتي بذَلتُها، ... وَجُدْتُ بها إنْ كانَ ذلكَ من أمرِي. بكيت من الفراق أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال: حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري قال: أنشدني إبراهيم بن عمرو لمحمد بن أبي أمية: بَكَيتُ من الفرَاقِ غَدَاةَ وَلّتْ ... بنا بُزْلُ الرّكابِ عنِ العِرَاقِ. فَما رَقَأتْ دُمُوعُ العَينِ حتى ... شَفَى قَلبي العِرَاقُ من الفِرَاقِ. غَداً أحْدُو مَطَايَا الشّوْقِ مِني ... بِسَوْقٍ لا يُقِيمُ عَلى الرّفَاقِ. وَأسْتَبْطي إلى بَغدَادَ سَيْرِي، ... وَلَوْ أني حُمِلْتُ عَلى البُرَاقِ.

آه من الحب

آه من الحب حدثنا أبو عبد الله بن أبي نصر الأندلس من لفظه قال: حدثني الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي قال: حدثني القاضي أبو محمد عبد الله بن الربيع قال: حدثنا أبو علي القالي قال: أنشدنا ابن عرفة نفطويه لابن أبي مرة المكي: إنْ وَصَفُوني، فَنَاحِلُ الجَسَدِ، ... أوْ فَتّشُوني فَأبْيَضُ الكَبِدِ. ضَاعَفَ وَجدي وَزَادَ في سَقَمي ... أنْ لَسْتُ أشكُو الهَوَى إلى أحَدِ. آهِ مِن الحُبّ! آهِ، وَاكبِدِي! ... إنْ لمْ أمُتْ في غَدٍ فَبَعْدَ غَدِ. جَعَلتُ كَفّي على فُؤادِيَ من ... حَرّ الهَوَى، وَانطَوَيتُ فَوْقَ يَدي. كَأنَّ قَلْبي، إذَا ذَكَرْتُكُمُ، ... فَرِيسَةٌ بَينَ سَاعِدَيْ أسَدِ. قاتل الله الحمى قال: وأخبرنا الأشرف قال: قرأت على أبي العباس الأعرابي: أيَا مُنْشِرَ المَوْتى أفِدْني من التي ... بهَا نهَلَتْ نَفسِي سَقَاماً وَعَلّتِ. لَقَد بخلَتْ حتى لَوَ أنِّي سَألتُهَا ... قذى العينِ من ضَاحي الترَابِ لضَنّتِ.

حديث كالقطر

ألا مَن لَعينٍ لا تَرَى قُلَلَ الحِمى، ... وَلا حَبَبَ الأوْشالِ إلا استهَلّتِ. ألا قاتَلَ اللهُ الحِمَى من مَقامةٍ، ... وَقاتَلَ دُنيَانَا بهِ كَيفَ وَلّتِ. فَما أُمّ بَوٍّ هَالِكٍ بِتَنُوفَةٍ، ... إذا ذَكَرَتْهُ آخِرَ اللّيلِ حَنّتِ. وَمَا وَجْدُ أعرَابيّةٍ قَذَفَتْ بهَا ... صرُوفُ النوَى من حيثُ لم تكُ ظنّتِ. إذا ذكَرت نجداً وَطِيبَ تُرَابِهِ، ... وَبَردَ الحصَى من أرْض نجد أرَنّتِ. بأكْثَرَ مِنّي لَوْعَةً، غَيْرَ أنّني ... أُطَامِنُ أحشائي على ما أجنّتِ. حديث كالقطر وبإسناده قال: حدثنا القالي قال: قرأت في نوادر ابن الأعرابي عن أبي عمر المطرز الأعرابي قال أبو عمر: أنشدنا أبو عمر: وَحَديثُها كَالقَطْرِ يَسْمَعُهُ ... رَاعي سِنِينَ تَتَابَعَتْ جَدْبَا. فَأصَاخَ يَرْجُو أنْ يَكُونَ حَياً، ... وَيَقُولُ مِنْ فَرَحٍ: أيَا رَبّا.

حديثها السحر الحلال

حديثها السحر الحلال وأحسن ابن الرومي في هذا المعنى قوله: وَحَدِيثُهَا السّحرُ الحَلالُ لَو أنّهُ ... لمْ يَجْنِ قَتْلَ المُسْلِمِ المُتَحَرِّزِ. إنْ طالَ لم يُملَلْ، وَإنْ هيَ أوْجَزَتْ ... وَدَّ المُحَدَّثُ أنّهَا لم تُوجِزِ. شَرَكُ العُيُونِ، وَفِتنَةٌ مَا مِثْلُهَا ... للمُطْمَئِنّ، وَعُقْلَةُ المُسْتَوْفِزِ. حديث كقطع الرياض قال: وأنشدني بعض أصحابنا لبسار: وَكَأنّ حُلْوَ حَدِيثِهَا، ... قِطَعُ الرّياضِ كُسينَ زَهرَا. وَكَأنّ تَحْتَ لِسَانِهَا ... هَارُوتَ يَنفُثُ فيه سِحرَا. وَتَخَالُ مَا جُمِعَتْ عَلَيْ ... هِ ثِيَابُهَا ذَهَباً وَعِطْرَا. وَكَأنّهَا بَرْدُ الشّرَا ... بِ صَفا وَوَافَقَ مِنْك فِطْرَا. ما لي وللعيد أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال: أنشدني أبو عبد الله بن حجاج لنفسه: قالوا: غَدَا العِيدُ فاستَبشِرْ به فرَحاً! ... فقلتُ: ما لي وَما للعيدِ وَالفَرَحِ.

مختصر يصف نفسه في ساعة الموت

قَد كانَ ذا، وَالنّوَى لم تُضْحِ نازِلةً، ... بعَقوَتي، وَغُرَابُ البَينِ لم يَصِحِ. أيْامَ لمْ يَخْتَرِمْ قُرْبي العِبَادُ، وُلم ... يَغدُ الشَّتَاتُ عَلى شَملي وَلم يَرُحِ. وَطَائِرٍ طَارَ في خَضْرَاءَ مُورِقَةٍ ... عَلى شَفَا جَدوَلٍ بالرَّوْضِ مُتَّشحِ. بَكَى وَنَاحَ، وَلَوْلا أنّهُ سَبَبٌ ... لشَجوِ قَلبي المُعَنّى فِيكِ لم يَنُحِ. فَما ذَكَرْتُكِ، وَالأقْدَاحُ دَائِرَةٌ، ... إلاّ مَزَجتُ بدَمعي بَاكياً قَدَحي. وَلا سَمِعتُ بصَوْتٍ فيهِ ذِكْرُ نَوىً ... إلاّ عَصَيتُ عَلَيهِ كلَّ مُقْتَرِحِ. مختصر يصف نفسه في ساعة الموت أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بفسطاط مصر قال: أخبرنا أبو صالح محمد بن أبي عدي السمرقندي الصوفي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن القاسم بن أليسع بالقرافة قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي الخياط قال: قال أبو حمزة محمد بن إبراهيم الصوفي قال: حدثنا أبو كامل الحراني قال: حدثني أبو محمد بن زرعة قال: كان خضر بن زهرة الشيباني من أعبد الصوفية، وأنسكهم وأشدهم اجتهاداً، وأملكهم لنفسه، وكان مقبول القول مطاعاً في بلده، فارساً شجاعاً، ذا مال وافر، فنشأ له غلام قد رباه كأحسن ما رؤي من الغلمان في حفظ القرآن وحفظ الحديث وحجسن المناظرة والأدب والعبادة، وكان قد أخذ عنه، وسمع حتى كان بعض الناس يوازيه به في الفروسية والشجاعة والمعرفة، وكانا ملازمين لغزو، فخرجا في بعض السرايا، فأصيبت السرية، وأفلت منها جرحى، وفيها خضر وغلامه جريحان، مثخنان،

فكمنا في بعض الغياض، فاشتدت علة الغلامن وضعف عن الحركة والنهوض، فأقمنا عليه ثلاثاً، ونزل به الموت، فأقبل يضحك أحياناً، ويبكي أحياناً، فقال له خضر: مم تضحك يا بني؟ قال: أضحك إلى جوار يضحكن إلي، ويقبلن بوجوههن علي. قال: فما يبكيك؟ قال: أبكاني فراقك وحبسك في الدنيا بعدي. قال: أما لئن قلت ذلك يا بني ليكونن عمري بعدك قصيراً، وحزني عليك كثيراً، وفرحي بعدك قليلاً، وقلبي بفراقك عليلاً، فسبحان من أبقاني بعدك للأحزان، وعرضني لنوائب الزمان، وجعلني غرضاً لنوازل الحدثان. وبكى حتى انقطع عن الكلام، فقال له: لا تبك فإن لقاءنا قريب، واجتماعنا سريع. فقال: أتوصي بشيء يا بين حتى أبلغ فيه محبوبك؟ قال: نعم! قال: قل! قال: عليك بالصبر بعدي، فغنها درجة الأبرار، ومعقل الأخيار، وإياك والجزع، فإنه سبيل لكل ضعيف، ومعول كل حاطئ، وغياك والزيغ، والزم ما أنت عليه، فإنه يوشك أن يقدم بك على غبطة وسرور وسعادة وحبور، فلو رأيت ما أعد الله تعالى لي من الكرامة، وتفضل علي به من الرحمة، لأحببت أن تكون المقدم إليه قبلي. فقال: لقد سررتني يا بني بما وصفت، وغبطتك بما قد بلغت، فهل بقي سبيل أمر من أمور الدنيا تحب أن تبلغه حتى أبلغه لك إن رزقني الله العافية، وتخلصت سالماً، ووهبت لي الحياة. قال: نعم! تجعل لي معك سالماً، ووهبت لي الحياة. قال: نعم! تجعل لي معك سهماً في حجك وغزوك وصدقتك. قال: قد فعلت، لوالدي الثلث ولك الثلث، مما تفضل الله به علي

من الأجر. فقال: أما إذ بدا لك ما سألت، فإني أقول لم أكن قلته لك، ولا أطلعتك عليه: ما أتيت أمراً من أمور الخير إلا قلت: اللهم ما قسمت لي فيه من أجر فاجعله لمولاي دوني. قال: بم استحققت ذلك منك يا بني؟ قال: لأنك ملكتني صغيراً، فاحسنت ملكي، وصحبتي كبيراً، فوقفت في صحبتي، وخفت مقام الله في، ونزهت نفسك عن السوء، وصنتني عن أفعال قد كانت عن غيرك مأثورةً عنهم، ومحفوظةً مشهورة، قد تحدث بها النساك عنهم وسمعوها منهم، وشهدت الحفظة وكتبتها الملائكة من هجومهم على السيئات وركوبهم الفاحشات، وجموحهم في الباطل وتركهم سبيل الحق، وإيثارهم لشهواتهم في جميع حالاتهم، وقد صحبتك على مر الأيام وكر السنين فلم أرك تؤثر شيئاً من هواك على أمر آخرتم، ولم أر أحداً الله أهيب في قلبه منك، فنفعك الله بذلك، وجعله سبباً للنظر إلى وجهه، والبلاغ إلى رحمته، والخلوة في داره، والمقام في جواره. قال أبو محمد بن زرعة: فدنوت منه، وقلت: بابي أنت وأمي! اجعلني في شفاعتك. قال: أنت الرفيق والصاحب، أنت أول من أشفع له بعد مولاي، ولهؤلاء الذين معك. فقال له مولاه: يا بين! هل تجد للموت ألماً، وترى من مقدماته علماً؟ فإن كنت ترى شيئاً، فحدثني بكل ما تراه قبل أن تغلب على الحديث، فلا يمكنك أن تخبرني بشيء مما تجد أو ترى. قال: أما ما أجده قلبي كأنه سعفة في يوم ريح عاصفٍ من خفقانه، أو ريشة في جناح طائر إذا أمعن في طيرانه، وأجد نفسي ساعةً بعد ساعة تذبل كالسراج إذا أراد أن يطفأ، وأجد عيني كأن

الأسنة تنخسها، فما أقدر على جمرة تتوقد، واجد عظامي كأنه بين رحيين تطحنانها، وأجد أمعائي وأحشائي كأنها في أفواه سباع تمضغها. فبكى خضر وقال: كف عني، لا تصف شيئاً، فقد كاد عقلي أن يذهل بصفتك وقلبي يتصدع مما نزل بك. فقلت له: أليس في ما سمعت وسمعنا أن الشهيد لا يجد من ألم السلاح إلا كما يجد أحدكم ألم الشوكة أو أقل؟ قال: بلى! قال: فقلت: أفلست شهيداً مثلهم؟ قال: بلى! قلتك فما بالك أنت تألم من بينهم؟ قال: إنما ذلك عند خروج النفس ورؤية ملك الموت، ولم أبلغ بعد إلى ذلك. فقال له خضر: فهل ترى شيئاً. قال: أرى صوراً مقبلةً لها أجنحة تطير بها، ترفرف بين السماء والأرض. قال: فهل قرب منك أحد منها؟ قال: نعم جماعة. قال: صفهم لي. قال: أرى صوراً لم أر أحسن منها منظراً، بعضهم جناحاه من لؤلؤ وسائر بدنه من ياقوت، وبعشهم جناحاه من ياقوت وسائر بدنه من زمرد. قال: فهل ترى ملك الموت؟ قال: ما أراه! أليس في ما كتبت من الحديث أن العبد إذا عاين ملك الموت شخص ثم أمسك ساعةً فلم يتكلم؟ فقال له خضر: هل ترى شيئاً؟ قال: أرى شخصاً قد هبط من السماء إلى الأرض حتى سد ما بين الخافقين، قد نشر أجنحته، فأشرقت الشمس من حسنه وأضاءت الدنيا من نوره، وسكن عني ما أجد من الألم حتى كأنه لم يكن، فما أحس منه شيئاً، ثم سكت، فلم يتكلم بكلمة حتى مات، رحمه الله.

نومة عبود

نومة عبود ذكر أبو بكر محمد بن الفضل بن قدير في مجموعة قال: حدثني محمد بن أحمد البزاز قال: حدثني عبد الله بن محمد أبو جمعة الوراق قال: أخبرت أن المهدي دخل الكوفة فقال لأبي الأحوص محمدبن حيان الكوفي: حدثنا حديثاً من طرائف الأخبار بما حضرك، قال: كان في الزامن الأول رجل يقال له عبود وكان عاشقاً لابنة عم له فحضرتها الوفاة، فأزعجه ذلك، وأقلقه، فلما توفيت صار إلى المسيح، فسأله أن يحييها قال: لن يتهيأ ذلك أو تهب لها من عمرك شيئاً. قال: قد وهبت لها نصف عمري، فصار المسيح إلى تربتها، فوقف عليها، وسأل ربه أن يحييها فأحياها، فأخذ بيدها عبود، ومضى يريد بها أله، فأدركه الفتور في بعض الطريف، فحط رحله، ووضع رأسه في حجرها، واستقل نوماً. فاجتاز بها ملك الناحية فرأى وجهاً جميلاً وخلقاً حسناً، فعرض عليها صحبته، فأجابته، فأمرها، فوضعت رأسه من حجرها، وحملها في قبة كانت معه، فلما انتبه عبود بقي متلدداً، فبينا هو كذلك إذ تلقاه نفر يتواصفون الجارية وبراعة خلقها، فسألهم عن الخبر، فأعلموه أنهم رأوا مع الملك امرأة لحقها فجعل يذكرها العهد، وهي ساكتة، ويسألها النزوع عما هي عليه، وهي مزورة عنه، إلى أن قال: ويحك قد كنت توفيت، فصرت في جملة الموتى، فسألت المسيح، فأحياك لي على أني أعطيتك من عمري نصفه، فإن كنت لا تساعدينني ولا تصيرين معي إلى أهلي

عمر وعفراء وعروة

وأهلك، فردي علي ما وهبت لك من عمري. قالت: فإني قد رددته عليك، ولا حاجة لي فيه، فما أتمت هذه الكلمة حتى وقعت ميتة، وانصرف عبود إلى أهله مغتبطاً، فضربت العرب بنومة عبود مثلاً. عمر وعفراء وعروة أخبرنا أبو طاهر بن السواق وذكر حديثاً قال: قال أبو عمر محمد بن العباس الخزاز قال: حدثني أبو بكر محمد بن خلف قال: حدثني أبو محمد البلخي قال: حدثني أحمد بن سراقة قال: حدثني العباس بن الفرج قال: سمعت الأصمعي يقول عن ابن أبي الزناد قال: قال عمر بن الخطاب، رحمه الله: لو أدركت عفراء وعروة لجمعت بنيهما. شجرتان ملتفتان على قبرين وبإسناده قال ابن المرزبان: وحدثني إسحاق بن محمد بن أبان قال: حدثني معاذ بن يحيى قال: خرجت إلى صنعاء، فلما كنا ببعض الطريق قيل لنا: إن قبر عفراء وعروة على مقدار ميل من الطريق. قال: فمضت جماعة كنت فيهم، فإذا قبران متلاصقان قد خرج من كل قبر ساق شجرة، حتى إذا صارتا على مقدار قامة التفت كل واحدة منهام بصاحبتها. قال إسحاق: فقلت لمعاذ أي ضرب هو من الشجر؟ فقال: لا أدري، ولقد سألت أهل القرية عنه، فقالوا: لا نعرف هذا الشجر ببلادنا.

القلب الخافق

القلب الخافق قال أبو بكر بن المرزبان: أخبرني سعيد بن الفضل الأزدي قال: أنشدني العتبي لعروة بن حزام: لَوَ أنّ أشَدّ النّاسِ وَجْداً وَمِثْلَه ... مِنَ الجِنّ بَعدَ الإنسِ يَلتَقِيانِ. فيَشتَكِيانِ الوَجدَ ثُمّتَ أشتكي ... لأضْعَفَ وَجدي فَوْقَ ما يجِدانِ. فَقَدْ تَرَكتَني ما أعي لُمحَدِّثٍ ... حَديثاً، وَإنْ نَاجَيْتُهُ وَنَجاني. لَقَدْ تَرَكَتْ عَفرَاءُ قَلبي كأنّهُ ... جَنَاحُ عُقَابٍ دَائِم الخَفَقَانِ. هاتف الجبل وجدت بخط ابن حيويه يقول: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف قال: حدثني عبد الواحد بن محمد النجاري قال: حدثني محمد بن الهيثم بن عيدي عن الهيثم قال: حدثنا محمد بن ملك قال: حدثني عثمان بن عمر التيمي قال: هوي فتى من بنس أسدٍ فتاة من فخذه، وكان أيسر منها وأغنى، فكان أبوه يمنعه من أن يتزوجها، ويريد له أشرف منها وأيسر، ويعرض عليه غيرها، فيأبى إلا هي، فيمتنع أبوه من ذلك. وكان أبوها قد حبسها عليه رجاء أن يتزوجها، فلما طال على أبيها وأيس منه زوجها من غيره، فلقيها الفتى يوماً فقال لها: لَعَمْرِيَ، يَا سُعدى، لطالَ تَأيّمي، ... وَمَعْصِيَتي شَيخيّ فيكِ كلَيهِمَا. وَتْركيَ ذَا الحيّينِ لمْ أبغِ مِنهُمَا ... سِوَاكِ، وَلم يَرْبَعْ هَوَايَ عَلَيهمَا.

المجنون الهائج

فقالت الجارية: حَبِيبيَ لا تَعجَلْ لتَفْهَمَ حُجّتي، ... كَفانيَ ما بي من بَلاءٍ وَمن جُهدِ. وَمِنْ عَبَرَاتٍ تَعتَرِيني وَزَفرَةٍ ... تَكَادُ لهَا نَفسِي تَسِيلُ من الوَجدِ. غُلِبتُ عَلى نَفسِي جَهَاراً وَلَمْ أُطِقْ ... خِلافاً عَلى أهْلي بِهَزْلٍ وَلا جِدِّ. وَلَنْ يَمْنَعُوني أنْ أمُوتَ برُغمِهِمْ، ... غداً، جوْفَ هذا الغار في جَدثٍ وَحدي. فَلا تَنسَ أنْ تأتي هُناكَ، فَتَلتَمِسْ ... مكاني فتَسلُو ما تَحَمّلتَ من جهدي. فلما كان في غدٍ أتاها حيث زعمت له، فوجدها ميتةً فحملها، فأدخلها شعباً ثم التزمها فمات معها، قال: فالتمسا حولاً، فلم يقدر عليهما، ولم يعلم لهما خبر، فإذا هاتف يهتف على الجبل الذي هما فيه، وكان الجبل يدعى أعرافاً: إنّ الكَرِيميَنِ ذَوِي التّصَافي ... الذّاهِبَينِ بِالوَفَاءِ الصّافي. وَاللهِ مَا لاقَيْتُ في تَطْوَافي ... أبْعَدَ مِنْ غَدْرٍ وَمِنْ إخلافِ. مِنْ مَيّتَينِ في ذُرَى أعرَافِ. قال: فصعد القوم الجبل، فوجدوهما ميتين فواروهما. المجنون الهائج أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي إن لم يكن سماعاً فإجازة قال: اخبرنا أبو عمر بن حيويه قال: حدثنا ابن المرزبان قال: حدثني محمد بن عبد الله بن الفضل قال: حدثني أحمد بن معاوية قال: رأيت مجنوناً بصحراء أثير، وقد هاج، وهو يقول: هَدّ رُكي الهَوَى وكنتُ جَليدا، ... وَرَأيتُ الفِرَاقَ مُرّاً شَدِيدَا.

الناسك العاشق

الناسك العاشق أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن العلاف الواعظ بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال: حدثنا فضل اليزيدي قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم بن المهدي بن عمرو الهلالي قال: سمعت أبا يحيى التيمي يقول: كان يختلف معنا فتى من النساك يقال له أبو الحسين إلى مسعر بن كدام، وكان يختلف معه فتىً حسن الوجه يفتن الناس، إذا رأوه، فأكثر الناس القول فيه، وفي صحبته إياه، فمنعه أهله أن يصحبهن وأن يكلمه، فذهل عقله حتى خشي عليه التلف، فبلغ ذلك مسعراً، فقال: قولوا له لا تقربني، ولا تات مجلسي، فإني له كاره، فلقيته، فأخبرته بذلك، فتنفس الصعداء، ثم أنشأ يقول: يَا مَنْ بَدائعُ حُسْنِ صُورته، ... تُثْني إلَيْهِ أعِنّةَ الحَدَقِ. لي مِنْكَ مَا للنّاسِ كُلّهِمِ، ... نَظَرٌ وَتَسْلِيمٌ عَلى الطّرُقِ. لَكِنّهُمْ سَعِدُوا بأمنِهِمِ، ... وَشَقِيتُ حِينَ أرَاكَ بالفَرَقِ. لا راحة ولا نوم أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن العلاف صاحب بن سمعون بقراءتي عليه من نحو خمسين سنة قال: أخبرنا عمر بن أحمد بن شاهين، حدثنا جعفر بن محمد، حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق، حدثنا أبو حاتم السجستاني، حدثني شيخ ظريف حجازي قال: كنت بمكة، فإذا كان الليل سمعت أنيناً إلى جنبي، فطال الليل علي، فسألت عنه فقيل لي: فتىً مريض، فدخلت عليه فإذا هو من أحسن

آه من البين

الناس وجهاً كأنه ذهب وفضة، فكلمته، فإذا هو عاشق يغلب على عقله حتى يخالط، فأصابه ذلك وأنا عنده، فجعل يقول: مُتَيَّمٌ قَدْ بَرَاهُ السَّقَمْ، ... كَأنّهُ نِضْوٌ يُقَاسِي الألَمُ. فما له راحة ولا نوم إلى الصباح. آه من البين أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستادني بقراءتي عليه بمكة في المسجد الحرام، حدثنا الحسن بن محمد بن حبيب، سمعت أبا علي الحسن بن محمد الزنجاني الصوفي بأسفرايين، سمعت عبد السعيد المنجوري، سمعت سهلان القاضي يقول: بينا أنا مار في طرقات جبل شورى، وقد مرت علي قافلة عظيمة، إذ بفتى شاب على طريق ذاهب العقل مدهوش عريان، وبين يديه خلقان متمزقة، فقال لي: أين رأيت القافلة؟ قلت: في موضع كذا وكذا. قال: آه من البين، آه من البين، آه من دواعي الحب! قلت: ما دهاك؟ فقال: شَيّعتُهمْ من حَيثُ لم يَعلَموا، ... وَرُحتُ وَالقَلْبُ بهِمْ مُغْرَمُ. سَألْتُهُمْ تَسْلِيمَةً مِنْهُمُ ... عَلّي إذْ بَانُوا فَمَا سَلّمُوا. سَارُوا وَلَمْ يَرْثُوا لمُسْتَهْتَرٍ، ... وَلمْ يُبَالُوا قَلْبَ مَنْ تَيّمُوا. وَاستَحسَنوا ظُلمي، فمن أجلهم ... أحَبّ قَلبي كُلَّ مَن يَظلِمُ.

يوم طش بعد رش

يوم طش بعد رش وأخبرنا أبو بكر الأردستاني أيضاً بمكة على باب الندوة، أخبرنا الحسين بن حبيب المذكر، سمعت أبا الفرج أحمد بن محمد النهاوندي يقول: مررت بدرب أبي خلفن فإذا جماعة وقوف على مجنون، فوقفت فهش إلي، وقال: اسقِني قَبلَ تَبارِيحِ العَطَشْ، ... إنّ يَوْمي يوْمُ طشٍّ بَعدَ رَشْ. حُبُّ مَن أهوَاهُ قد أدهَشَني، ... لا خلوْتُ الدهرَ من ذاك الدَّهَشْ. ابن أبي البغل والمغنية أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري بقراءتي عليه سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، أخبرنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن أحمد بن الكابت، حدثني عبدوس بن مهدي بالكرج قال: نزل علي بن أبي البغل، عند تقلده الإشراف، على عمال الجبل، فزارته مغنية كان بها لهجاً على قلة إعجابه بالنساء، فلما كانت ليلة، ونحن قعود في البستان نشرب، وقد طلع القمر، هبت ريح عظيمة فقلبت صوانينا التي كان فيها شرابنا، وأقبلت الغلمان يسقوننا، فسكر ابن أبي البغل على ضعف شربه وقام إلى مرقده، وأخذنا معه والمغنية، فلما حصلنا فيه استدعى قدحاً، ولنا مثله، وأنشأ يقول: مَغمُوسَةٌ في الحُسنِ مَعشُوقَةٌ، ... تَقْتُلُ ذَا اللُّبّ وَتُحْيِيهِ.

لا قضاة للعاشقين

بَاتَ يُرِينِيهَا هِلالُ الدُّجَى، ... حَتى إذَا غَابَ أرَتْنِيهِ. وطرح الشعر على المغنية فلقنته وغنتنا فيه، وشربنا القدح، وانصرفنا، فلما كان من الغد، وحضرنا المائدة، وهي معنا، فاتحناه بما كان فحلف أنه لم يشعر بما جرى، ولا بالشعر، واستدعى دفتره، فأثبت البيتين فيه. لا قضاة للعاشقين أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي عن أبي الحسن بن نصر بن الصباح لعمرو الوصافي: لهفي على سَاكِنِ قَصرِ السَّرَاه ... نَغّصَ حُبيِّهِ عليّ الحَيَاهْ. مَا يَنْقَضي من عَجَبٍ فِكرَتي ... في قِصّةٍ فَرّطَ فِيهَا الوُلاهْ. تَرْكُ المُحِبّينَ، بِلا حَاكِم ... لمْ يَنْصِبُوا للعَاشِقِينَ القُضَاهْ. لَقَدْ أتَاني خَبَرٌ سَاءَني ... من قَوْلها في السرّ: وَاخَجلتاهُ. حديث الجنيد أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل الأزجي سنة أربعين وأربعمائة، أخبرنا أبو الحسن علي بن جعفر السيرواني بمكة حكى عن الجنيد أنه قال: أعرف من قتلته المحبة، ولم يعرف المحبة، ثم قال: كيف؟ فقلنا: يقول الشيخ! فقال: قتله ما خبئ فيها.

أصناف الناس

أصناف الناس أخبرنا عبد العزيز بن علي قراءة عليه، أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن جهضم بمكة لفظه وكتابه في المسجد سنة ست وتسعين وثلاثمائة، سمعت أحمد بن محمد يقول: كان سهل يقول: الناس ثلاثة أصناف: صنف منهم مضروب بسوط المحبة، مقتول بسيف الشوق، مضطجع على بابه ينتظر الكرامة، وصنف منهم مضروب العفو، وصنف منهم مضروب بسوط الغفلة، مقتول بسيف الشهوة، مضطجع على بابه ينتظر العقوبة. ذو النون والمريض أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأزحجي، حدثنا علي بن الحسن بمكة، حدثنا أحمد بن محمود بن خرزاذ الأهوازي، حدثني أحمد بن جعفر الدستري، حدثنا سعيد بن عثمان قال: دخل ذو النون على مريض يعوده فراى المريض يئن، فقال ذو النون: ليس بصادق في حبه من لم يصبر على ضربه، فقال المريض: لا ولا صدق في حبه من لم يتلذذ بضربه، فقال ذو النون: لا ولا صدق من رأى حبه لربه، عز وجل.

نوح داود

نوح داود أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني بقراءتي عليه بمكة في المسجد الحرام، حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي، حدثنا عبد الرحمن بن محبوب، حدثنا زكريا بن يحيى البزاز، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا محمد بن يحيى البصري، حدثنا عمرو بن جميع العجلي عن عامر بن يسار عن يحيى بن أبي كثير قال: بلغنا أنه إذا كان يوم نوح داود، عليه السلام، كان يمكث قبل ذلك لا يأكل الطعام، ولا يشرب، ولا يقرب النساء، فإذا كان قبل ذلك بيوم أخرج له منبراً إلى البرية، وأمر منادياً قبل ذلك بيوم ليستنفر في البلاد ومن حولها: ألا من أحب أن يسمع نوح داود فليأت، فتأتي الوحوش والسباع والهوام والطير والرهبان والعذارى من خدورهن، وبنو إسرائيل، كل صنف على حدته، فيصغون إليه. قال: وسليمان قائم على رأسه فيأخذ في الثناء على الله، عز وجل، فيضجون بالصراخ والبكاء، ثم يأخذ في ذكر الجنة، فتموت طائفة من الناس والوحوش والسباع والرهبان، وطائفة من العذارى، ثم يأخذ في ذكر النار، فتموت طائفة منهم، ثم يأخذ في أهوال القيامة والنوح على نفسه، فتموت طائفة من هؤلاء ومن كل صنف. قال: فإذا رأى سليمان ما قد كثر من الموتى في كل فرقة، نادى يا أبتاه! قد مزقت المستمعين كل ممزق من بني إسرائيل والوحوش والهوام والسباع. قال: فيقطع النوح، ويأخذ في الدعاء. قال: فبينما هم كذلك إذ نادى بعض عباد بني إسرائيل: يا داود! عجلت على ربك تطلب الجزاء، فيخر داود مغشياً عليه، فإذا نظر إليه سليمان وما أصابه أتى بسرير، فحمله عليه، ثم أمر منادياً، فنادى: من كلن له مع داود حميم أو قريب، فليأت بسريرٍ، فإن الذين كانوا معه قد ذكر الجنة والنار.

أيوب في بلائه

قال: فكانت المرأة تأتي بالسرير، فتقف على ابنها وأبيها وأخيها، وهم أموات، فينادى: وا بأبي! من قتله ذكر النار، وا بأبي! من قتله ذكر الجنة، وا بأبي! من قتله ذكر الخوف من الله تعالى، حتى إن الوحوش ليجتمعن على من مات منهن فيحملنه، وكذلك السباع والهوام. قال: ثم يتفرقون، فإذا أفاق داود من غشيته قال لسليمان: ما فعلت عباد بني إسرائيل؟ فيقول سليمان: يا أبتاه ماتوا عن آخرهم. قال: فيقوم داود فيضع يده على رأسه، ثم يدخل بيت عبادته، ويغلق عليه بابه ثم ينادي: يا إله داود! أغضبان أنت على داود أم كيف ذا، إذ قصرت من الموت خوفاً منك. أيوب في بلائه أخبرنا عبد العزيز بن علي الطحان، رحمه الله، حدثنا علي بن عبد الله بمكة، حدثني منصور بن أحمد قال: سئل أبو العباس بن عطاء عن قوله، عز وجل: مسني الضر، وأنت أرحم الراحمين، فقال: إن الله، عز وجل، سلط الدود على جسم أيوب، عليه السلام، كله إلا على قلبه ولسانه، فكان القلب غنياً بالله، عز وجل، قوياً، واللسان بذكر الله تعالى رطباً دائماً، فأكل الدود الجسم كله حتى بقيت أضلاعه مشتبكة، والعروق ممدودة، وحتى ما بقي للدود شيء يأكله، فسلط الله، عز وجل، الدود بعضه على بعض، فأكل بعضه بعضاً، حتى بقيت دودتان، فجاعتا، فشدت إحداهما على الأخرى، فأكلتها، وبقيت واحدة، فجاعت فدبت إلى القلب لتنفذه، فقال أيوب، عليه السلام، عند ذلك: مسني الضر أن فقدت حلاوة ذكرك من قلبي، لأنك لو جمعت البلاء كله علي بعد أن لا أفقدك من قلبي

الجارية الصوفية

ما وجدت للبلاء ألماً، فأوحى الله، عز وجل، إليه: يا أيوب! إنك لتنظر إلي غداً. قال: يا رب بهاتين العينين؟ قال: يا أيوب أجعل لك عينين يقال لهما البقاء، فتنظر إلى البقاء بالبقاء. الجارية الصوفية أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي، حدثنا علي بن عبد الله بن الحسن الهمذاني بمكة، حدثنا محمد بن عبد الله الشكلي، حدثني محمد بن القنطري قال: قال ذو النون: بينا أنا أسير على ساحل البحر، إذ بصرت بجارية عليها أطمار شعرٍ، وإذا هي ناحلة ذابلة، فدنوت منها لأسمع ما تقول، فرأيتها متصلة الأحزان بالأشجان، وعصفت الرياح واضطربت الأمواج، وظهرت الحيتان، فصرخت، ثم سقطت إلى الأرض، فلما أفاقت نحبت، ثم قالت: سيدي! بك تقرب المتقربون في الخلوات، ولعظمتك سبحت النينان في البحار الزاخرات، ولجلال قدسك تضافقت الامواج المتلاطمات. أنت الذي سجد لك سواد الليل وبياض النهار والفلك الدوار والبحر الزخار والقمر النوار والنجم الزهار وكل شيء عندك بمقدار، لأنك الله العلي القهار: يَا مُؤنِسَ الأبْرَارِ في خَلَوَاتِهِمْ، ... يَا خَيرَ مَنْ حَطّتْ بهِ النُّزّالُ. مَنْ ذاقَ حُبَّكَ لا يَزَالُ مُتَيَّماً، ... قَرِحَ الفُؤادِ يَعُودُهُ بَلْبَالُ. مَن ذاقَ حبّكَ لا يُرَى مُتَبسّماً، ... في طُولِ حُزْنٍ للحَشَا يَغتَالُ. فقلت لها: من تريدين؟ فقالت: إليك عني، ثم رفعت طرفها نحو السماء

فقالت: أُحِبُّكَ حُبَّينِ، حُبَّ الوِدَادِ، ... وَحُبّاً لأنّكَ أهْلٌ لِذَاكَا. فَأمّا الّذي هًوَ حُبّ الوِدَادِ، ... فَحُبٌّ شُغِلتُ به عَن سوَاكَا. وَأمّا الّذي أنتَ أهلٌ لَهُ، ... فكَشفُك للحُجْبِ حتى أرَاكَا. فما الحمدُ في ذا وَلا ذَاكَ لي، ... وَلكِن لك الحمدُ في ذا وَذاكَا. ثم شهقت شهقةً، فإذا هي قد فارقت الدنيا، فبقيت أتعجب مما رأيت منها، فإذا أنا بنسوة قد أقبلن وعليهن مدارع العشر، فاحتملنها، فغيبنها عني فغسلنها، ثم أقبلن بها في أكفانها فقلن لي: تقدم فصل عليها، فتقدمت فصليت عليها، وهن خلفي. ثم احتملنها ومضين. ؟ ما بي جنون أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي، حدثنا أبو الحسن بن جهضم. أنشدنا محمد بن عبد الله ليحيى بن معاذ: أمُوتُ بدائي لا أصِيبُ مُدَاوِيا، ... وَلا فَرَجاً مِمّا أرَى مِنْ بَلائِيَا. ؟ إذا كانَ دَاءَ العَبْدِ حُبُّ مَليكه، ... فمَن دُونَه يُرْجَى طبيباً مُداوِيَا. مَعَ اللهِ يُمْضِي دَهْرَهُ مُتَلَذّذاً، ... مُطيعاً، تَرَاهُ كان، أوْ كان عاصِيَا. يقولون يَحيى جُنّ من بعدِ صحّة، ... وما بي جُنُونٌ، يا خَليلي، ما بِيَا. ؟ رابعة العدوية ورياح القيسي أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي، رحمه الله، بقراءتي عليه، أخبرنا محمد بن عبد الله ابن أخي ميمي، حدثنا الحسين بن صفوان، حدثنا عبد الله بن محمد القرشي، حدثني محمد بن الحسين، حدثني أبو معمل صاحب عبد الوارث قال: نظرت رابعة إلى رياح القيسي، وهو يقبل صبياً من أهله، ويضمه إليه، فقالت: أتحبه يا رياح؟ قال: نعم قالت: ما كنت أحسب أن

دواء المحبين

في قلبك فارغاً لمحبة غيري. قال: فصاح رياح وسقط مغشياً عليه، ثم أفاق، وهو يمسح العرق عن وجهه، وهو يقول: رحمة منه، تعالى ذكره، ألقاها في قلوب العباد للأطفال. دواء المحبين أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين البزاز، حدثنا محمد بن عبد الله القطيعي، حدثنا الحسين بن صفوان، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثني إبراهيم بن عبد الملك قال: قدمت شعوانة وزوجها مكة، فجعلا يطوفان ويصليان، فإذا كل الرجل وأعيا، جلس، وجلست خلفه، فيقول هو في جلوسه: أنا العطشان من حبك لا أروى، وتقول هي بالفارسية: أنبت لكل داء دواء في الجبال، ودواء المحبين في الجبال لم ينبت. يستحي من الله أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت إن لم يكن سماعاً فإجازة، أخبرنا علي بن أيوب، حدثنا محمد بن عمران قال: حكي عن أبي مسلم الخشوعي أنه نظر إلى غلام جميل، فأطال ثم قرأ: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، سبحان الله، ما أهجم طرفي على مكروه نفسه، وأدمنه على سخط سيده، وأغراه بما قد نهى عنه، وألهجه بالأمر الذي قد حذر منه، لقد نظرت إلى هذا نظراً لا أحسب إلا أنه سيفضحني عند جميع من قد عرفني في عرصة القيامة، ولقد تركتني نظري هذا، وأنا أستحيي من الله، سبحانه، وغن غفر لي. ثم صعق.

محبو الله أحياء وإن قبروا

محبو الله أحياء وإن قبروا أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن شكر الخياط، حدثنا علي بن عبد الله بن الحسن بمكة، حدثنا علي بن إبراهيم النقاش، سمعت أبا القاسم بن مردان، سمعت أحمد بن عيسى الحراز يقول: دعتني امرأة غسل ولدها، ذكرت أنه أوصى بذلك، فلما كشفت عن الثوب قبض على يدي، فقلت: يا سبحان الله! حياة بعد موت؟ فقال: يا أبا سعيد إن المحبين لله تعالى أحياء وإن قبروا. العباد على ثلاث منازل أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي الخياط الشيخ الصالح، رحمه الله، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد الهمذاني بمكة في المسجد الحرام، حدثنا الخالدي، سمعت ابن مسروق يقول: بلغنا عن حيان القيسي أنه قال: العباد مع الله تعالى ثلاث منازل: قوم يضن بهم عن البلاء لئلا يسترق الجزع سرهم، فتكون هذه حكمة، أو يكون في صدورهم حرج من قضائه، وقوم يضن بهم عن مساكنة أهل المعاصي لئلا تغنم قلوبهم، فمن أجل ذلك سلمت صدورهم للعالم، وقم صب عليهم البلاء صباً، فما ازدادوا له إلا حباً.

تاه تفي حب الله

تاه تفي حب الله أخبرنا عبد العزيز بن علي، حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا الحسنبن يحيى بن حميوه، حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثني إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن الحسن البلخي عن إبراهيم بن أدهم قال: وجدت يوماً راحة، وطاب قلبي لحسن صنع الله بي واختياره لي، فقلت: اللهم إن كنت أعطيت أحداً من المحبين لك ما أسكنت به قلوبهم قبل لقائك، فأعطني ذلك، فلقد أضر بي القلق. قال: فرأيت الله، تبارك وتعالى، في النوم، فوقفني بين يديه، وقال: يا إبراهيم! ما استحييت مني، تسألين أن أعطيك ما يسكن به قلبك قبل لقائي، وهل يسكن قلب المشتاق إلى غير حبيبه أم هل يستريح المحب إلى غير من اشتاق إليه؟ فقلت: يا رب! تهب في حبك، فلم أدر ما أقول. عمر والزاني القتيل أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا أبو بكر محمد بن خلف المحولي، حدثنا أبو الفضل أحمد بن ملاعب، أخبرني محمد بن سعيد الأصبهاني، أخبرنا علي بن مسهر عن أبي عاصم الثقفي عن الشعبي قال: كان أخوان من الأنصار، فخرج أحدهما في بعث، وتخلف الآخر عند امرأة أخيه. فقالت امرأة المقيم له: أشعرت أن امرأة أخيك يختلف إليها رجل. قال لها: فإذا جاء فأعلميني، فلما جاء أخبرته، وبينها وبينه حائط، فوضعت له سلماً، فصعد، فأشرف، فإذا هو بامرأة أخيه توقد له ناراً، وتشوي له دجاجة، وهو يقول: وَأشعَثَ غَرّةٌ الإسلامُ مني، ... خَلَوْتُ بعِرْسِهِ لَيلَ التَّمامِ.

نصر بن حجاج وامرأة السلمي

أبِيتُ على تَرَائِبها، وَيُمسي ... على جَرْداءَ لاحِقَةِ الحزَامِ. كأنّ مجَامعَ الرَّبلاتِ مِنها، ... نِيَامٌ يَنهَضُونَ إلى قِيَامِ. فنزل فضربه بالسيف حتى قتله، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فلما أصبح قام خطيباً فقال: أنشد الله والإسلام رجلاً عند علم من هذا المقتول إلا أنبأ به. فقام إليه رجل فقص عليه القصة وأخبره بقوله. فقال عمر: أبعده الله وأسحقه. نصر بن حجاج وامرأة السلمي وجدت بخط أحمد بن محمد بن علي الأبنوسي، حدثنا أبو محمد علي بن عبد الله بن المغيرة، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن أحمد الواسطي، حدثني إبراهيم بن الربيع، حدثني سماك بن عطية قال: لما قدم نصر بن حجاج البصرة نزل على مجاشع بن مسعود السلمي، فبينما هو ليلةً يتحدث هو وامرأته كتب على رمل هم عليه قعود: أنا أحبك. قال: فكتبت هي: وأنا كذلك، فدعا بإجانة، ووضعها على الكتابة، فلما أصبح دعا غلامه، فقال: أي شيء هذا؟ قال: أنا أحبك، وأنا كذلك، فدعاها ودعاه، وقال لها: ضميه إلى صدرك يذهب عنكما ما أنتما فيه.

ضحيتا الهوى

ضحيتا الهوى وجدت بخط أبي عمر بن حيويه ونقلته منه قال: حدثنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان، أخبرني صالح بن يوسف المحاربي قال: أخبرني أبو عثمان المازني، أخبرنا العتبي عن شبابة بن الوليد العذري أن فتىً من بني عذرة، يقال له أبو مالك بن النضر، كان عاشقاً لابنة عم له عشقاً شديداً، فلم يزل على ذلك مدة، ثم إنه فقد بضع عشرة سنة، ولم يحس له خبر. قال شبابة بن الوليد: فضلت إبل لي، فخرجت في طلبها، فبينا أنا سير في الرمال إذا بهاتف يهتف بصوت ضعيف، وهو يقول: يا ابنَ الوَليدِ ألا تحمونَ جارَكمُ، ... وَتَحفَظُونَ لَهُ حَقّ القَرَابَاتِ. عَهدي إذا جارُ قَوْمٍ نابَهُ حَدَثٌ ... وَقَوْهُ مِنْ كلّ أضرَارِ المُلِمّاتِ. هذا أبو مَالك المُمْسَى بِبَلْقَعَةٍ، ... مَعَ الضّبَاعِ وَآسَادٍ بِغَابَاتِ. طَلِيحُ شَوْقٍ بِنَارِ الحُبّ محترِقٌ ... تَعْتَادُهُ زَفَرَاتٌ إثْرَ لَوْعَاتِ. أمّا النّهَارُ فَيُضْنِيهِ تَذَكّرُهُ، ... وَاللّيلُ مرْتَقِبٌ للصّبحِ هل يأتي؟ يهذي بجارِيةٍ من عُذْرَةَ اختَلَسَتْ ... فُؤادَهُ، فَهْوَ مِنْهَا في بَلِيّاتِ. فقلت: دلني عليه، رحمك الله، فقال: نعم، اقصد الصوت، فلما قصدت غير بعيد سمعت أنيناً من خباء فأصغيت إليه، فإذا قائل يقول: يَا رَسِيسَ الهَوَى أذَبتَ فُؤادِي، ... وَحَشَوْتَ الحَشَا عَذاباً ألِيمَا. فدنوت منه، فقلت: أبو مالك؟ قال: نعم! قلت: ما بلغ بك ما أرى؟ قال: حبي سعاد ابنة أبي الهيذم العذري، فشكوت يوماً إلى ابن عم لنا من الحي ما أجد من بها، فاحتملني إلى هذا الوادي، منذ بضع عشرة

غصص الموت

سنة، ويأتيني كل يومٍ بخبرها، ويقوتني، حفظه الله، من عنده. فقلت له: إني أصير إلى أهلاه، فأخبرهم بما رأيت، قال: أنت وذاك. فانصرفت، وصرت إلى أهل الجارية، فخبرتهم بحال الفتى، وما رأيت منه، وحدثتهم حديثه، فرقوا له فزوجوه بحضرتي، ورجعت إليه عامداً لأفرج عنه لما رأيت منه، فلما أخبرته الخبر، حدد النظر إلي، ثم تأوه تأوهاً شديداً بلغ من قلبي، ثم انشأ يقول: الآنَ إذ حَشْرَجتْ نَفسِي وَحاصرَها ... فِرَاقُ دُنْيا، وَنَادَاهَا مُنَاديها. ثم زفر زفرةً، فمات، فدفنته في موضعه ثم انصرفت فأعلمتهم الخبر، فأقامت الجارية ثلاثاً لا تطعم طعاماً ثم ماتت. غصص الموت أخبرنا أبو محمد الحسن علي الجوهري، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس، حدثنا محمد بن القاسم الأنباري: أنشدني أبي عن بعض أصحابه لأبي نواس: إنّ في وَصْلِ مَنْ أُحبّ دَوَائي، ... وَبِكَفَّيْهِ، إنْ أحَبَّ، شِفَائي. إنْ أمُتْ ضَيْعَةً، فَلَم أجنِ ذَنباً، ... من حَبِيب أمَاتَ حُسنَ عَزَائي. كُلَّ يَوْمٍ يُذِيقُني غُصَصَ المَوْ ... ت بِصَدٍّ يُرِيشُهُ بِالجَفَاءِ.

الدماء المطلولة

الدماء المطلولة ولي من أثناء قصيدة كتبتها إلى بعض الأدباء: كم دَمٍ للعُشّاقِ أُهرِيقَ بالهَج ... رِ إلى رُكْنِ كَعْبَةٍ غَرّاءِ. وَدِمَاءُ العُشّاقِ مَطْلُوَلةٌ لَيْ ... سَ لَهَا، فَاعلمُوهُ، من أوْلِيَاءِ. سَلْ بِمَجْنُونِ عَامِرٍ وَأخي عُذْ ... رَةَ، مَا كانَ مِنهُ مَع عفرَاءِ. وَجَمِيلٍ وَقَيْسِ لُبْنى، وَغَيْلا ... نَ، وَخَلْقٍ يَفُوتُهُمْ إحْصَائي. ولي أيضاً من أثناء قصيدة مدحت بها بعض الرؤساء بالإسكندرية: فلله ما أبقى الهوى من حشاشةٍ ... بها للنوى داء يعز دواه. قلبٍ رماه البين يوم فراقهم ... بسهم وما أخطاه حين رماه. ولي من اثناء قصيدة: وَكَمْ مِنْ لَيْلَةٍ بِالرّمْلِ بِتْنَا ... كَأنّا إلْدةٌ فَوْقَ الحَشَايَا. إذا ابتَسَمَتْ، وَسِتَرُ اللّيلِ مُرْخىً، ... أضَاءَ لَنَا الدّجَى بَرْقُ الثّنَايَا. نُدِيرُ حَدِيثَ مَنْ قَتَلَتهُ خَوْدٌ، ... وَمَنْ في الحُبّ نَالَتْهُ الرَزَايَا. كَمجنُونٍ وَقَيسٍ قَيسِ لُبْنى، ... وَمَن أبْدَى لَهُ الحُبُّ الخَبَايَا.

ليلى الأخيلية والحجاج

ليلى الأخيلية والحجاج أخبرنا أبو جعفر بن مسلمة في ما أذن لنا في روايته أن أبا القاسم إسماعيل بن سعيد بن سويد أخبرهم إجازة قال: حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري، حدثني أبي، حدثنا أحمد بن عبيد عن أبي الحسن المدائني عمن حدثه عن مولى لعنبسة أن سعيد بن العاص قال: كنت أدخل مع عنبسة بن سعيد إذا دخل على الحجاج، فدخل يوماً، فدخلت إليهما، وليس عند الحجاج غير عنبسة، فقعدت فجيء الحجاج بطبق فيه رطب، فأخذ الخادم منه شيئاً فجاءني به، ثم جيء بطبق، حتى كثرت الأطباقن وجعل لا يؤتون بشيء إلا جاءني منه بشيء، جتى ظننت أن ما بين يدي أكثر مما عندهم، ثم جاء حاجب فقال: امرأة بالباب، فقال له الحجاج: أدخلها! فدخلت، فلما رآها الحجاج، طأطأ رأسه حتى ظننت أن ذقنه قد اصاب الأرض، فجاءت حتى بين يديه، فنظرت إليها فإذا هي امرأة قد أسنت، حسنة الخلق، ومعها جاريتان لها، وإذا هي ليلى الأخيلية، فسألها الحجاج عن نسبها، فانتسبت له، فقال لها: يا ليلى ما أتىبك؟ فقالت: إخلاف النجوم، وقلة الغيوم، وكلب البرد، وشدة الجهد، وكنت لنا بعد الله الرفد. فقال لها: صفي لنا الفجاج. فقالت: الفجاج مغبرة، والأرض مقشعرة، والمنزل معتل، وذو العيال مختل، والهالك المقل، والناس مسنتون، رحمة الله يرجون. وأصابتنا سنون مجحفة مبطلة لم تدع لنا هيعاً ولا ريعاً، ولا عافطة

ولا ناقلة، أذهبت الأموال، وفرقت الرجال، وأهلكت العيال. ثم قالت: إني قد قلت في الأمير قولاً! قال: هاتي، فأنشأت تقول: أحَجّاجُ لا يُفْلَلْ سِلاحُكَ إنّمَا ال ... مَنَايَا بِكَفّ اللهِ حَيْثُ تَرَاهَا. أحَجّاجُ لا تُعْطِ العُصَاةَ مُنَاهُمُ، ... ولا اللهُ يُعْطي للعُصَاةِ مُنَاهَا. إذَا هَبَطَ الحَجّاجُ أرْضاً مَرِيضَةً ... تَتَبّعَ أقْصَى دَائِهَا فَثَفَاهَا. شَفَاهَا مِنَ الدّاءِ العُضَالِ الذِي بها ... غُلامٌ إذَا هَزّ القَنَاةَ سَقَاهَا. سَقَاهَا، فَرَوّاهَا بِشُرْبٍ سِجَالُهُ ... دِمَاءُ رِجَالٍ حَيْثُ قَالَ حَمَاهَا. إذَا سَمِعَ الحَجّاجُ رِزّ كَتِيبَةٍ، ... أعَدّ لهَا قَبْلَ النّزُولِ قِرَاهَا. أعَدّ لَهَا مَسْمُومَةً فَارِسِيّةً ... بِأيْدِي رِجَالٍ يَحلُبُونَ صَرَاهَا. فَمَا وَلَدَ الأبْكَارُ وَالعُونُ مِثْلَهُ، ... بِنَجْدٍ وَلا أرْضٍ يَجِفّ ثَرَاهَا. قال: فلما قالت هذا، قال الحجاج: قاتلها الله! ما أصاب صفتي شاعر مذ دخلت العراق غيرها، ثم التفت إلى عنبسة بن سعيد فقال: والله إني لأعد للأمر عسى أن لا يكون أبداً، ثم التفت إليها فقال: حسبك. قالت: إني قد قلت أكثر من هذا، قال: حسبك، ويحك حسبك، ثم قال: يا غلام اذهب إلى فلان فقل له اقطع لسانها. قال: فأمر بإحضار الحجام، فالتفتت إليه فقالت: ثكلتك أمك! أما سمعت ما قال؟ إنما أمرك أن تقطع لساني بالصلة. فبعث إليه يستثبته، فاستشاط الحجاج

غضباً، وهم بقطع لسانه وقال: ارددها، فلما دخلت عليه قالت: كاد، وأمانة الله، يقطع مقولي. ثم أنشأت تقول: حَجّاجُ! أنتَ الذي مَا فَوْقَهُ أحَدٌ ... إلاّ الخَلِيفَةُ وَالمُسْتَغْفَرُ الصَّمَدُ. حَجّاجُ! أنتَ شهابُ الحرْبِ إذ لقِحت، ... وَأنتَ للنّاسِ في جِنحِ الدُّجَى تَقِدُ. ثم أقبل الحجاج على جلسائه فقال: أتدرون من هذه؟ قالوا: لا والله أيها الأمير إلا أنا بم نر امرأة قط أفصح لساناً ولا أحسن محاورة ولا أملح وجهاً ولا أرصن شعراً منها. فقال: هذه ليلى الأخيلية التي مات توبة الخفاجي من حبها، ثم التفت إليها فقال: أنشدينا يا ليلى بعض ما قال فيك توبة. فقالت: نعم أيها الأمير، هو الذي يقول: وَهَلْ تَبْكِيَنْ لَيْلى إذا مَا بكَيتُها ... وَقَامَ عَلى قَبْرِي النّسَاءُ النّوائحُ. كمَا لَوْ أصَابَ المَوْتُ لَيْلى بكَيتُهَا، ... وَجَادَ لهَا دَمْعٌ مِنَ العَينِ سَافحُ. وَأُغْبَطُ مِنْ لَيلى لا أنَالُهُ، ... بلى! كُلُّ مَا قَرّتْ بِهِ العَينُ صَالحُ. وَلَوْ أنّ لَيلى الأخيَلِيّةَ سَلّمَتْ ... عليّ، وَدُوني تُرْبَةٌ وَصَفَائحُ. لسَلَّمْتُ تَسْلِيمَ البَشَاشَةِ أوْ زَقَا ... إليها صَدىً من جانِبِ القَبرِ صَائحُ. فقال لها: زيدينا يا ليلى من شعره، فقالت: هو الذي يقول: حَمَامَةَ بَطنِ الوَادِيَينِ تَرَنّمِي، ... سَقَاكِ مِنَ الغُرّ الغَوَادِي مطيرُهَا.

أبيني لنا، لا زَالَ رِيشُكِ نَاعِماً، ... وَلا زِلتِ في خَضرَاءَ غَضٍّ نضِيرُهَا. وَأُشْرِفُ بِالقَوْزِ اليَفَاعِ لَعَلّني ... أرَى نَارَ لَيلى أوْ يَرَاني بَصِيرُهَا. وَكُنتُ إذا مَا جِئتُ ليلى تَبَرْقَعَتْ ... فَقَدْ رَابَني مِنها الغدَاةَ سُفُورُهَا. يَقُولُ رِجَالٌ: لا يَضِيرُكَ نَأيُهَا! ... بَلى! كلُّ ما شَفّ النّفوسَ يَضِيرُهَا. بَلى يَضِيرُ العَينَ أن تُكثرَ البُكَى، ... وَيُمْنَعَ مِنْهَا نَوْمُهَا وَسُرُورُهَا. وَقَدْ زَعَمَتْ لَيلى بِأنّيَ فَاجِرٌ، ... لنَفسِي تُقَاهَا، أوْ عَلَيها فُجورُهَا. فقال لها الحجاج: يا ليلى ما الذي رابه من سفورك؟ فقالت: أبها الأمير، كان يلم بي كثيراً، فأرسل إلي يوماً أني آتيك، وفطن الحي، فأرصدوا له، فلما أتاني سفرت، فعلم أن ذلك لشرٍ، فلم يزد على التسليم والرجوع. فقال: لله درك، فهل رأيت منه شيئاً تكرهينه؟ فقالت: لا والذي أسأله أن يصلحك غير أنه قال لي مرةً قولاً ظننت أنه قد خضع لبعض الأمر، فقتل له: وذِي حَاجَةٍ قُلْنَا لَهُ: لا تَبُحْ بهَا ... فَلَيْسَ إلَيهَا مَا حَيِيتُ سَبِيلُ. لَنَا صَاحِبٌ لا يَنْبَغي أنْ نَخُونَهُ، ... وَأنتَ لأخرَى فَارِغٌ وَحَلِيلُ. فلا والذي أسأله أن يصلحك ما رأيت منه شيئاً. حتى فرق الموت بيني وبينه. قال: ثم ماذا؟ قالت: لم يلبث أن خرج في غزاة له فأوصى ابن عمه: إذا أتيت الحاضرة من بني عبادة، فناد بأعلى صوتك: عَفَا اللهُ عَنهَا! هَلْ أبِيَنّ لَيلةً ... مِنَ الدّهرِ لا يَسْرِي إليّ خَيَالُها. فخرجت وأنا أقول: وَعَنهُ عَفَا رِبي، وَأحسَنَ حَالَهُ، ... فَعَزّ عَلَيْنَا حَاجَةً لا يَنَالُهَا.

قال: ثم ماذا؟ قالت: لم يلبث أن مات، فأتاني نعيه. قال: فأنشدينا بعض مراثيك، فأنشدت: لتَبْكِ عَلَيهِ مِنْ خَفَاجَةَ نُسْوَةٌ، ... بِمَاءِ شُؤونِ العَبْرَةِ المُتَحَدِّرِ. قال: فأنشدينا: كَأنّ فَتى الفِتيَانِ تَوْبةَ لم يُنِخْ ... قَلائصَ يَفحَصْنَ الحَصَا بالكَرَاكر. فلما فرغت من القصيدة قال محصن الفقعسي، وكان من جلساء الحجا: من هذا الذي تقول هذه هذا فيه؟ فوالله إني لأظنها كاذبة. فنظرت إليه، ثم قالت: أيها الأمير! إن هذا القائل لو رأى توبة لسره أن لا يكون في داره عذراء إلا وهي حامل منه. فقال الحجاج: هذا وأبيك الجواب، وقد كنت عنه غنياً. ثم قال لها: سلي ليلى تعطي. قالت: أعط فمثلك أعطى فأجزل. قال: لك عشرون. قالت: زد فمثلك زاد فأجمل. قال: لك أربعون. قالت: زد فمثلك زاد فأفضل. قال: لك ستون. قالت: زد فمثلك زاد فأكمل. قال: لك ثمانون. قالت: زد فمثلك زاد فأتم. قال: لك مائة، واعلمي يا ليلى أنها غنم، قال: معاذ الله أيها الأمير، أنت أجود جواداً وأمجد مجداً وأورى زنداً من أن تجعلها غنماً. قال: فما هي ويحك يا ليلى؟ قالت: مائة ناقة يدعى بها. فأمر بها ثم قال: ألك حاجةٌ بعدها؟ قالت: تدفع إلي النابغة الجعدي في قرن. قال: قد فعلت. وقد كانت تهجوه ويهجوها، فبلغ النابغة ذلك، فخرج هارباً عائذاً بعبد الملك، فاتبعه إلى الشام، فهرب إلى قتيبة، فمات بقومس، ويقال بحلوان.

علي بن صالح والقينة

علي بن صالح والقينة ذكر أبو عمر بن حيويه في ما نقلته من خطه قال: حدثنا محمد بن خلف قال: حدثنا الحسين بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن أحمد العبدي قال: حدثني سليمان بن علي الهاشمي أن علي بن صالح بن داود ذكر عن جارية من القيان أنها تميل إليه محبةً وكلفاً، وكانت موصوفةً بالأدب شاعرةً، فكره مراسلتها، فحضر يوماً عند بعض أهل البصرة، وكانت عنده، فلما رأت علي بن صالح قالت: طاب عيشنا في يومنا هذا، فلم يلتفت إليها وأطرقت هي أيضاً فلم تنظر إليه، ثم دعت بداوة فكتبت على منديل، كان معها، ثم غافلت أهل المجلس، فألقت إليه المنديل، فأخذه فإذا فيه: لَعَلّ الذي يَبْلُو بحُبّكَ يَا فَتىً، ... يَرُدّكَ لي يَوْماً إلى أحسَنِ العَهدِ. قال: فما هو إلا أن قرأت الشعر حتى وجدت في قلبي من أمرها مثل النار، وقمت فانصرفت خوفاً من الفضيحة، ثم لم أزل أعمل الحيلة في ابتياعها من حيث لا تعلم، فعسر ذلك علي، فعرفتها الخبر، وما عزمت عليه من ابتياعها، فأعانتني على ذلك حتى ملكتها، فلم أوثر عليها أحداً من حرمي، ولا أهلي، ولا كان عندي شيء يعدلها، فتوفيت، فأنا لا عيش لي بعدها، ولا سرور. فوالله ما لبث بعد هذا الكلام إلا أياماً يسيرة حتى مات أسفاً وكمداً، فدفن إلى جنبها. ريقته مدام ولي من قصيدة أولها: قِفي أُخْبِرْكِ مَا صَنَعَ الغَرَامُ، ... عَشِيّةَ قُوِّضَتْ تِلكَ الخِيَامُ. لَقَدْ فَتَكَ الهَوَى بي يَوْمَ سَارُوا، ... وَلَوْ لم يُؤثِرُوا قَتْلي أَقَامُوا.

عشق ليس فيه فحش

سَرَوْا وَالّليلُ في ثَوْبَيْ حِدَادٍ، ... وَقَدْ ألقَى مَرَاسِيَهُ الظّلامُ. وَقَدْ هَتَكُوا الأكِلّةَ عَن بُدورٍ ... كَوَامِنَ لَيْسَ يَبرَحُهَا التَّمَامُ. وَفي الأحدَاجِ ذُو لَعَسٍ، لمَاهُ، ... لنا كَأسٌ، وَرِيقَتُهُ مُدَامُ. رَمى، وَقُلُوبُنا الأغَراضُ، فَانظُرْ ... بعَينِكَ هَلْ تَطِيشُ لَهُ سِهَامُ. عشق ليس فيه فحش أنبأنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا أبو بكر محمد بن خلف المحولي، حدثنا أبو سعيد عبد الله بن شبيب قال: حدثنا العتبي قال: كان عند خالد بن عبد الله فقهاء من أهل الكوفة، فيهم أبو حمزة الثمالي، فقال خالد: حدثونا بحديث عشق ليس فيه فحش! فقال أبو حمزة الثمالي: أصلح الله الأمير! زعموا أنه ذكر عند هشام بن عبد الله غدر النساء وسرعة تزويجهن. فقال هشام: إنه ليبلغني من ذلك العجب. فقال بعض جلسائه: أنا أحدثك عما بلغني من ذلك. بلغني ان رجلاً من بني يشكر يقال له غسان بن مهضم من العذافر، كانت تحته ابنة عم له يقال لها أم عقبة بنت عمرو بن الأجبر، وكان لها محباً، وكانت هي له كذلك، فلما حضره الموت، وظن أنه مفارق الدنيا، قال ثلاثة أبيات. ثم قال لها: يا أم عقبة! اسمعي ما أقول، وأجيبيني بحق، قال ثلاثة أبياتٍ. ثم قال لها: يا أم عقبة! اسمعي ما أقول، وأجيبيني بحق، فقد تاقت نفسي إلى مسألتك عن نفسك، بعدما يواريني التراب. فقالت: قل، فوالله لا أجيبك بكذبٍ ولأجعلنه آخرخطاب مني. فقال، وهو يبكي بكاءً منعه الكلام:

أخبريني بِمَا تُرِيدِينَ بَعْدِي، ... وَالذي تُضْمِرينَ يَا أُمَّ عُقْبَهْ. تحفَظِيني مِنْ بَعدِ مَوْتي لِما قَدْ ... كان مني من حسنِ خُلقٍ وَصُحِبهْ. أمْ تُرِيدينَ ذَا جَمَالٍ وَمَالٍ، ... وَأنا في الترَابِ في سُحقِ غُرْبَهْ. فأجابته ببكاء وانتحاب: قَد سَمِعنا الّذِي تقُولُ وَمَا قد ... خِفتَهُ يا خَليلُ من أُمّ عُقبَهْ. أنا مِنْ أحْفَظِ الأنَامِ وَأرْعَا ... هم لِما قد أوليتُ مِن حُسنِ صُحبهْ. سَوْفَ أبكيكَ ما حَيِيتُ بِشَجوٍ ... وَمَرَاثٍ أقُولُهَا وَبِنَدْبَهْ. قال: فلما قالت ذلك طابت نفسه، وفي النفس ما فيها، فقال: أنَا وَالله وَاثِقٌ مِنْكِ لَكِنْ ... رُبّمَا خِفْتُ مِنكِ غَدْرَ النّساءِ. بَعْد مَوْتِ الأزْوَاجِ يا خيرَ مَنْ عُو ... شِرَ فَارْعَيْ حَقّي بحُسنِ الوَفاءِ. إنّي قَد رَجَوْتُ أنْ تَحفَظي العَه ... دَ، فكُوني إنْ متُّ عندَ الرّجَاءِ. قال: ثم اعتقل لسانه، فلم ينطق حتى مات. فلم تلبث بعده حتى خطيت من كل جانب، ورغبت فيها الأزواج لاجتماع الخصال الفاضلة فيها من العقل والجمال والعفاف، فقالت مجيبة لهم: سَأحفَظُ غَسّاناً عَلى بُعدِ دَارِهِ ... وَأرْعاهُ حتى نلتقي يوْمَ نُحشَرُ. وَإني لفي شُغلٍ عنِ النّاسِ كلّهم ... فكفّوا! فما مثلي بمَن ماتَ يَغدُرُ. سأبكي عَلَيهِ مَا حَيِيتُ بِعَبرَةٍ ... تَجُولُ على الخدّينِ مني وَتَحدُرُ. فأيس الناس منها حيناً، فلما مرت بها لأيام نسيت عهده وقال: من مات فقد فات، فأجابت بعض خطابها، فتزوجها، فلما كانت الليلة التي أراد الدخول بها جاءها غسان في النوم، وقد أغفت، فقال:

غدَرْتِ، وَلم تَرْعَيْ لبَعلِكِ حُرْمَةً، ... وَلمْ تَعرِفي حَقّاً، وَلم تَحفَظي عَهدَا. وَلمْ تَصْبِري حَوْلاً حِفَاظاً لصَاحِبٍ، ... حَلَفتِ لَهُ يَوْماً وَلمْ تُنجِزِي وَعدَا. غَدَرْتِ بهِ لمّا ثَوَى في ضَرِيحِهِ، ... كذلكَ يُنسَى كلُّ مَن سكَنَ اللَّحدَا. قال: فلما سمعت هذه الأبيات انتبهت مرتاعة مستحيةً منه كأنه بات معها في جانب البيت، وأنكر ذلك منها من حضرها من نسائها، فقلن: ما لك، وما حالك، وما دهاك؟ فقالت: ما ترك غسان لي في الحياة أرباً، ولا بعده في سرور رغبةً. أتاني في منامي الساعة، فأنشدني هذه الأبيات، ثم أنشدتها وهي تبكي بدمعٍ غزير وانتحاب شديد، فلما سمعن ذلك منها أخذن بها في حديث آخر لتنسى ما هي فيه، فغافلتهن وقامت، فلم يدركنها حتى ذبحت نفسها حياءً مما كادت أن تركب بعده من الغدر به والنسيان لعهده. فقالت امرأة منهن: قد بلغنا أن امرأة أتاها زوجها في المنام فلامها في مثل هذا، فقتلت نفسها. فما سمعنا به. قال: وكانت المرأة القائلة هذا الكلام صاحبة شعر ورجز فقالت: مَاذَا صَنَعْتِ وَمَاذَا ... لَقِيتِ مِنْ غَسّانِ. قَتَلْتِ نَفسَكِ حُزْناً ... يَا خِيرَةَ النِّسْوَانِ. وَفَيتِ مِنْ بَعدِ مَا قَد ... هَمَمْتِ بِالعِصْيَانِ. إنّ الوَفَاءَ مِنَ الل ... هِ، لَمْ يَزَلْ بِمَكَانِ. قال: فلما بلغ زوجها، وكان يقال له المقدام بن حبيش، وكان قد أعجب بها، أنها قالت: ما كان لي مستمتع بعد غسان، قال: هكذا فلتكن النساء في الوفاء، وقل من تحفظ ميتاً، إنما هي أيام قلائل حتى ينسى وعنه يسلى.

نظرة بتبسم

فقال هشام: صدق وبر، لجاد ما أدركه عقله وحسن عزائه حين فاتته طلبته. أحسنت المرأة ووقفت، وأحسن الرجل فصبر. نظرة بتبسم أنشدنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي الخلال، رحمه الله، قال: أنشدنا أبو بكر أحمد بن محمد الخوارزمي لبعضهم: وَقالوا لها: هذا حَبيبُكِ مُعرِضاً، ... فقالتْ: ألا إعرَاضُهُ أيسَرُ الخَطبِ. فَمَا هيَ إلاّ نَظْرَةٌ بِتَبَسُّمٍ، ... فتَصْطكُّ رِجلاهُ وَيَسقطُ للجنبِ. قميص الكتمان أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي العلاف الواعظ بقراءتي عليه، أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ، حدثنا جعفر بن محمد الصوفي، حدثنا أحمد بن محمد الطوسي، حدثني القاسم بن يزيد، حدثني محمد بن سلام، حدثني خلاد بن يزيد الأرقط قال: كان عويمر العقيلي مشغوفاً بابنة عم له، وكان يقال لها ريا، فزوجت برجلٍ، فحملها إلى بلاده، فاشتد وجده، واعتل علة أخذه الهلاس بها، فدعوا له طبيباً لينظر إليه، فقال له: أخبرني بالذي تجد، فرفع عقيرته فقال: كذَبتُ على نَفسِي فحَدّثتُ أنّني ... سَلَوْتُ لكيما يَنظرُوا حينَ أصْدُقُ. وَما عن قِلىً مني وَلا عَنْ مَلالَةٍ، ... وَلَكِنّني أُبْقي عَلَيْكِ وَأُشْفِقُ.

طرف قتول

وَمَا الهَجْرُ إلاّ جُنّةٌ لي لَبِسْتُهَا، ... لتَدفَعَ عني ما يُخافُ وَيُفرَقُ. عُطَفتُ على أسرَارِكُمْ، فكَسَوْتُها ... قَمِيصاً مِنَ الكِتمَانِ لا يَتَخرّقُ. وَلي عَبْرَتَانِ ما تُفِيقَانِ: عَبرَةٌ ... تَفِيضُ، وَأُخرَى للصّبَابَةِ تخنقُ. وَيَوْمَانِ: يَوْمٌ فيهِ جِسْمٌ مُعَذَّبٌ ... عَلِيلٌ، وَيَوْمٌ للتّفَرّقِ مُطْرِقُ. وَأكثرُ حَظّي مِنْكِ أني إذا سَرَتْ ... ليَ الرّيحُ مِنْ تِلْقَائِكُم أتَنَشّقُ. ثم ذهب عقله، فقال المتطبب لأهله ومن حضره: ارفقوا به، ثم انصرف. فما مكث إلا ليالي يسيرةً حتى قضى. طرف قتول أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي الصوري، أخبرنا ابن روح، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا الكوكبي، حدثني إسحاق بن محمد، أخبرني أبو عثمان المازني قال: قال أبو حيان الدارمي في أبي تمام الروبج من بني هاشم، وكان يهواه: سَبَاكَ مِنْ هَاشِمٍ سَلِيلُ ... لَيْسَ إلى عَطفِهِ سَبِيلُ. ما اختال في صَحن قصرِ أوْسٍ ... إلاّ تَسَجّى لَهُ قَتِيلُ. وَلا حَظَتْهُ العُيُونُ حَتى ... رَنَتْ لَهُ الكَاعِبُ البَتُولُ. فإن يَقِفْ، فَالعُيونُ نُصْبٌ، ... وَإنْ تَصَدّى، فهنّ حُولُ. يَمْسَحُهُ عَنْ أدِيمِ خَدٍ ... مُوَرَّدٍ، صَحنُهُ أسِيلُ. للحَتفِ في عَيْنِهِ قِسِيٌّ ... أيْدِي المَنَايَا بهَا تَصُولُ.

شعر ليحيى بن طالب

ينزِعُ فيهَا بِغَير نَبْلٍ، ... طَرْفٌ لعُشّاقِهِ قَتُولُ. قال أبو عثمان: فحدثني من أتى بخبره أن المأمون أنشد هذا الشعر، فقال: ما سمعت أرق من هذا المعنى: فإنْ يَقِفْ، فالعُيُونُ نُصْبٌ، ... وَإنْ تَصَدّى، فهُنّ حُولُ. شعر ليحيى بن طالب أخبرنا محمد بن أبي نصر الحفظ، حدثني الفقه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي حدثنا القاضي أبو محمد عبد الله بن الربيع، حدثنا أبو علي القالي قال: قال أبو بكر الأنباري: غني هارون الرشيد بشعر يحيى بن طالب: أيا أثلاثِ القَاعِ من بَطْنِ تُوضَحٍ، ... حَنِيني إلى أطْلالِكُنّ طَوِيلُ. وَيَا أثلاثِ القَاعِ قَدْ مَلّ صُحْبَتِي ... مَسِيرِي، فَهَلْ في ظِلّكُنّ مَقِيلُ. وَيَا أثلاثِ القَاعِ قَلْبي مُوَكَّلٌ ... بكنّ، وَجَدْوَى خَيْرِكُنّ قَلِيلُ. ألا هَلْ إلى شَمّ الخُزَامَى وَنَظْرَةٍ ... إلى قَرْقَرَى قَبْلَ المَمَاتِ سَبِيلُ. فأشرَبَ مِنْ مَاءِ الحُجَيلاءِ شَرْبَةً ... يُدَاوَى بهَا قَبْلَ المَمَاتِ عَلِيلُ. أحدِّثُ عنكِ النفسَ أن لَستُ رَاجِعاً ... إليكِ، فَحُزْني في الفُؤادِ دَخِيلُ. أُرِيدُ هُبُوطاً نَحْوَكُمْ فَيَرُدّني، ... إذا رُمْتُهُ، دَيْنٌ عَليّ ثَقِيلُ. فقال هارون الرشيد: يقضى دينه، فطلب فإذا هو قد مات قبل ذلك بشهرٍ.

غصة الحديث

غصة الحديث وبإسناده حدثنا القالي، أخبرنا أبو بكر بن دريد أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لرجل من بني كلاب: وَلمّا قَضَيْنَا غُصّةً مِنْ حَدِيثِنَا، ... وَقد فَاضَ من بعد الحديثِ المَدامعُ. جَرَى بَينَنا منّا رَسِيسٌ يَزِيدُنَا ... سَقَاماً، إذا مَا استَوْعَبَتهُ المَسامعُ. كأنْ لم تُجاوِرْنا أُمَامُ، وَلمْ يُقَمْ، ... بِعيصِ الحِمَى إذْ أنتَ بالعَيش قانعُ. فَهَلْ مِثْلُ أيّامٍ تَقَضّينَ بِالحِمَى ... عَوَائِدُ، أوْ غَيْثُ السّتَارَينِ وَاقعُ. وَإنّ نَسِيمَ الرّيحِ من مَدْرَجِ الصَّبَا، ... لأوْرَابِ قَلْبٍ شَفّهُ الحُبُّ نافعُ. قال أبو علي القالي: الرس الشيء من الحبر والرسيس مثله. أفق من الحب وبإسناده قال: وأنبأنا القالي، أخبرنا ابن دريد حدثنا أبو حاتم للعوام بن عقبة بن كعب: أإنْ سَجَعتْ في بَطنِ وَادٍ حَمَامَةٌ ... تُجاوِبُ أُخرَى مَاءُ عَيْنَيكَ دافقُ. كأنّكَ لمْ تَسْمَعْ بُكَاءَ حَمَامَةٍ ... بليلٍ، وَلمْ يُحزِنكَ إلفٌ مُفَارِقُ. وَلمْ تَرَ مَفْجُوعاً بِشَيءٍ يُحِبّه ... سِوَاكَ، وَلمْ يَعشَقْ كَعِشقِك عاشقُ. بَلى فأفِقْ عَنْ ذِكْرِ لَيْلى، فإنّمَا ... أخو الصّبرِ مَنْ كفّ الهَوَى وَهوَ تائقُ.

نصيب وأم بكر

نصيب وأم بكر أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا الحرمي بن أبي العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكار، وحدثني إبراهيم بن عبد الله السعدي عن جدته جمال بنت عون بن مسلم عن جدها السعدي قال: رأيت رجلاً أسود معه امرأة بيضاء، فوقفت أتعجب من شدة سواده مع شدة بياضها، فقلت له: من أنت؟ فقال: أن الذي أقول: ألا لَيْتَ شِعرِي ما الذي تُحدِثنّ لي ... غداً غُرْبَةُ النأيِ المُفَرِّقِ وَالبُعدِ. لَدَى أُمّ بَكْرٍ حِينَ تَنتَشِبُ النّوَى ... بنا، ثمّ يَخلُو الكاشِحُونَ بها بَعدي. أتَصْرِمُني عِنْدَ الأُلى فِيهِمِ العِدى، ... فَتشمتَهمْ بي أمْ تُقِيمُ عَلى العَهدِ. ابن أبي عتيق ونصيب وسعدى أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر الحنبلي، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا الجرمي بن أبي العلاء، واسمه أحمد، حدثنا الزبير بن بكار، وحدثني أبو عثمان أحمد بن محمد الأسدي عن محمد بن عبد الله عن مؤرخ قال: أراد ابن أبي عتيقٍ الحج، فلقي نصيباً، فقال: هل توصي إلى سعدى بشيء؟ قال: نعم ببيتين. قال: ما هما؟ قال: أتَصْبِرُ عَنْ سُعدَى، وَأنتَ صَبُورُ، ... وَأنتَ بحُسنِ الصّبرِ مِنكَ جَدِيرُ. وَكِدتُ وَلم أُخلَقْ من الطيرِ إنْ بَدا ... سَنَا بَارِقٍ نَحْوَ الحِجَازِ أطِيرُ. قال: فخرج ابن أبي عتيق، فوجد سعدى في مجلس لها، فقال لها:

عاشق يقتله الصد

يا سعدى! معي إليك رسالة. قالت: وما هي؟ هاتها يا ابن الصديق، فأنشدها البيتين، فتنفست تنفساً شديداً، فقال ابن أبي عتيق: أوه أجبته، والله، بأحسن من بيتيه، وعتق ما ملك أن لو سمعها لنعق وطار. عاشق يقتله الصد حدثني محمد بع عبد الله الأندلسي، وكتبه لي بخطه، حدثني الفقيه أبو محمد علي بن أحمد الحافظ الأندلسي، حدثني أبو عبد الله محمد بن الحسن المذحجي الطبيب الأديب قال: كنت أختلف في النحو إلى محمد بن خطاب النحوي في جماعة، وكان معنا عنده أبو الحسن أسلم بن أحمد بن سعيد ابن قاضي قضاة الأندلس أسلم ابن عبد العزيز صاحب المزني والربيع، قال محمد بن الحسن: وكان أجمل من رأته العيون، وكان معنا عند محمد بن خطاب أحمد بن كليب، وكان من أهل الأدب والشعر، فاشتد كلفه بأسلم، وفارق صبره وصرف فيه القول متستراً بذلك، إلى أن فشت أشعاره فيه، وجرت على الألسنة وتنوشدت في المحافل. فلعهدي بعرس في بعض الشوارع بقرطبة، والكوري الزامر قاعد في وسط المحفل، وفي رأسه قلنسوة وشرٍ، وعليه ثوب خز عبيدي، وفرسه بالحلية المحلاة يمسكه غلامه، وكان يزمر لأمير المؤمنين الناصر، وهو يزمر في البوق بقول أحمد بن كليب في أسلم، وهو: أسْلَمَني في الهَوَى ... أسْلَمُ هَذَا الرَّشَا. غَزَالٌ لَهُ مُقْلَةٌ ... يُصيبُ بهَا مَنْ يَشَا. وَشَى بَيْنَنَا حَاسِدٌ، ... سَيُسْألُ عَمّا وَشَى. وَلَوْ شَاءَ أن يَرْتَشِي ... على الوصْل رُوحي ارتشى.

ومغن محسن يسايره فيها، فلما بلغ هذا المبلغ انقطع أسلم عن جميع مجالس الطلب، ولزم بيته، والجلوس على بابه. وكان أحمد بن كليب لا شغل له إلا المرور على باب أسلم سائراً ومقبلاً نهاره كله، فامتنع أسلم عن الجلوس على باب داره نهاراً، فإذا صلى المغرب، واختلط الظلام خرج مستروحاً، وجلس على باب داره، فعيل صبر أحمد بن كليب فتحيل في بعض الليالي ولبس جبة صوف من جباب أهل البادية، واعتم بمثل عمائمهم، وأخذ بإحدى يديه دجاجاً، وبالأخرى قفصاً فيه بيض، وتحين جلوس أسلم عند اختلاط الظلام على بابه، فتقدم إليه، وقبل يديه وقال: يا مولا! تأمر من يقبض هذا؟ فقال له أسلم: ومن أمن؟ فقال: أجيرك في الضيعة الفلانية، وقد كان يعرف أسماء ضياعه والعاملين فيها، فأمر أسلك غلمانه ذلك منه على عادتهم في قبول هدايا العاملين في الضياع عند ورودهم ثم جعل يسأله عن الضيعة، فلما جاوبه أنكر الكلام، فتأمله فعرفه، فقال له: يا أخي! وإلى هنا بلغت بنفسك، وإلى ها هنا تتبعني؟ أما كفاك انقطاعي عن مجالس الطلب، وعن الخروج جملةً وعن القعود على بابي نهاراً، حتى قطعت عني جميع ما لي فيه راحة، فقد صرت من سجنك في حيرة، والله، لا فارقت هذه الليلة قعر منزلي، ولا جلست بعدها على بابي لا ليلاً ولا نهاراً. ثم قال، فانصرف أحمد بن كليب حزيناً كئيباً. قال محمد بن الحسن: واتصل ذلك بنان فقلنا لأحمد بن كليب: قد خسرت دجاجك وبيضك، فقال: هات كل ليلة قبلة يده، وأخسر أضعاف ذلك. قال: فلما يئس من رؤيته البتة نهكته العلة، وأضجعه المرض. قال محمد بن الحسن: فأخبرني شيخنا أبو عبد الله محمد بن خطاب قال: فعدته فوجدته بأسوأ حال، فقلت له: ولم لا تتداوى؟ فقال: دوائي

معروف، وأما الأطباء فلا حيلة لهم في البتة. فقلت له: وما دواؤك؟ قال نظرة من أسلم، ولو سعيت في أن يزورني لأعظم الله أجرك بذلك، وكان هو والله أيضاً يؤجر. قال: فرحمته وتقطعت نفسي له، فنهضت إلى أسلم، فاستأذنت عليه، فأذن لي وتلقاني بما أحب، فقلت له: لي حاجة. قال: وما هلي؟ قلت: قد علمت ما جمعك مع أحمد بن كليب من ذمام الطلب عندي، فقال: نعم! ولكن تعلم أنه برح بي وشهر اسمي وآذاني. فقلت: كل ذلك يغتفر في مثل الحال التي هو فيها، فتفضل بعيادته. فقال لي: والله ما أقدر على ذلك فلا تكلفني هذا. فقلت له: لا بد، فليس عليك في ذلك شيء، وإنما هي عيادة مريض. قال: ولم أزل به حتى أجاب، فقلت: فقم الآن! فقال لي: لست والله أفعل، ولكن غداً، فقلت له: ولا خلف؟ قال: نعم. قال: فانصرف إلى أحمد بن كليب وأخبرته بوعده بعد تأبيه، بذلك وارتاحت نفسه. قال: فلما كان من الغد بكرت إلى أسلم وقلت له: الوعد. فوجم، وقال: والله لقد تحملني على خطةٍ صعبةٍ علي، وما أدري كيف أطيق ذلك. قال: فقلت له: لا بد أن تفي بوعدك لي. قال: فأخذ رداءه ونهض معي راجلاً، فلما أتينا منزل أحمد بن كليب، وكان يسكن في آخر درب طويل، وتوسط الزقاق وقف واحمر وخجل، وقال لي: يا سيدي، الساعة والله أموت وما أقدر أن أنقل قدمي، ولا أستطيع أن أعرض هذا على نفسي. فقلت له: لا تفعل بعد أن بلغت المنزل وتنصرف؟ فقال: لا سبيل، والله، إلى ذلك البتة. ورجع هارباً، فاتبعه فأخذت بردائه، فتمادى وخرق الرداء، وبقيت قطعة منه في يدي لشدة إمساكي له، ومضى ولم أدركه، فرجعت ودخلت

على أحمد بن كليب. وقد كان غلامه دخل عليه، إذ رآنا من أول الزقاق، مبشراً، فلما رآني دونه تغير وجهه وقال: وأين أبو الحسن؟ فأخبرته بالقصة، فاستحال من وقته، واختلط، وجعل يقول ويتكلم بكلامٍ لا يعقل منه أكثر من الترجع، فاستبشعت الحال، وجعلت أترجع وقمت، فثاب إليه وجهه، وقال: أبا عبد الله! قلت: نعم! قال: اسمع مني، واحفظ عني. ثم أنشأ يقول: أسْلمُ يَا رَاحَةَ العَلِيلِ، ... رِفقاً على الهَائمِ النّحِيلِ. قال: فقلت: اتق الله، ما هذه الكبيرة؟ فقال لي: قد كان. فخرجت عنه، فوالله ما توسطت الزقاق حتى سمعت الصراخ عليه وقد فارق الدنيا. قال لنا أبو محمد علي بن أحمد: وهذه قصة مشهورة عندنا. ومحمد بن الحسن ثقة، ومحمد بن خطاب ثقة، وأسلم هذا من بني خلف وكانت فيهم وزارة وحجابة، وهو حاجب الديوان المشهور في غناء زرياب، وكان شاعراً، وابنه الآن في الحياة يكنى أبا الجعد. قال أبو محمد: ولقد ذكرت هذه الحكاية لأبي عبد الله محمد بن سعيد الخولاني الكاتب، فعرفها، وقال: لقد أخبرني الثقة أنه رأى أسلم هذا في يوم شديد الكطر لا يكاد أحد يمشي في طريق، وهو قاعد على قبر أحمد بن كليب المذكرو زائراً له قد تحين غفلة الناس في مثل ذلك النهار.

شعر ملحون

شعر ملحون قال شيخنا: قال لنا أبو محمد، وحدثني أبو محمد قاسم بن محمد القرشي قال: كتب ابن كليب إلى محمد بن خطاب شعراً يتغزل فيه بأسلم، فعرفه ابن خطاب على أسلم فقال: هذا ملحون، وكان ابن كليب قد أسقط التنوين من لفظه في بيت من الشعر، فكتب ابن خطاب إلى ابن كليب بذلك، فكتب إليه ابن كليب مسرعاً: ألحِقْ ليَ التّنوِينَ في مَطمعٍَ، ... فإنّني أُنْسِيتُ إلْحَاقَه. لا سِيّما إذ كان في وَصْلِ مَنْ ... كَدَّرَ لي في الحُبّ أخْلاقَه. قبر عاشق أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال: أنشدنا أبو عمر محمد بن العباس عمن أنشده في أثر حكاية ذهبت علي وحفظت الشعر: مرَرْتُ بقبرٍ مُشرِقٍ وَسْطَ رَوْضَةٍ ... عَلَيهِ منَ النُّوَارِ ثَوْبُ شَقَائِقِ. فَقُلتُ: لَمنْ هذا؟ فجَاوَبَني الثّرَى: ... تَرَحّمْ عَلَيْهِ إنّهُ قَبْرُ عَاشِقِ.

وفاة عزيز لا حياة ذليل

وفاة عزيز لا حياة ذليل أخبرني أبو الخطاب أحمد بن المغيرة الأندلسي بدمشق لأبي العلاء أحمد بن سليمان وذكر لي أنه قرأ عليه ديوان الصبابة وقرأته جميعه بدمشق. ولي من أثناء قصيدة له أولها: أسالتْ أتيَّ الدّمعِ فَوْقَ أسِيلِ، ... وَمالَتْ لظِلٍّ بِالعِرَاقِ ظَلِيلِ. ومنها: أسَرْتِ أخَانَا بِالخِدَاعِ، وَإنّهُ ... يُعَدّ، إذا اشتَدّ الوَغَى، بقَبيلِ. فإنْ تُطلِقيهِ تَرْتجي شُكرَ قَوْمِه، ... وَإنْ تَقْتُلِيهِ تُؤخَذي بقَتِيلِ. وَإنْ عاشَ لاقَى ذِلّةً، وَاخِتيَارُهُ ... وَفَاةُ عَزِيزٍ، لا حَيَاةُ ذَليل. ِ أجمل الناس وأقبحهم أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين الوكيل، حدثنا أبو الحسين محمد بن عبد الله القطيعي، حدثنا الحسين بن صفوان، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا الحسين بن عبد الرحمن قال: خرج رجل من بين أسد في نشدان إبل له أضلاه، حتى إذا كان ببعض بلاد قضاعة، أمسى في عشية باردة، وقد رفعت له بيوت، فتفرس أيها أرجى أن يكون أمثل قرىً، قال: فرأيت مظلة روحاء فأممتها، فإذا بامرأة من أكمل النساء حسناً، وآصلهن عقلاً، فسلمت فردت ورحبت ثم قالت: ادخل من القر، وادن من الصلاة! فدخلت فلم ألبث أن أتيت بعشاء كثير، فأكلت وهي تحدثني، حتى إذا راحت الإبل إذا

هنيء قد أقبل إليها كأنه بعرة دمامةً وضؤولة شخص، وذد كان في حجرها ابن لها كأطيب الولدان وأحسنهم، فلما رأى ذلك الإنسان مقبلاً هش إليه، وعدا في لقائه، فأخذ الصبي، فاحتمله ثم أقبل به يلثم فاه مرةً وعينه أخرى، ويفديه. فقلت في نفسي: أظنه عبداً لهم، حتى جاء فجلس إلى جانبها، وقال: من ضيفكم هذا؟ فأخبرته، فعرفت أنه زوجها وأن الصبي ولده منها، فطفقت أنظر إليه تارةً وإليها أخرى وأتعجب لاختلافهما، كأنها الشمس حسناً، وكأنه قرد قبحاً، ففطن لنظري إليها وإليه، فقال: يا أخا بين أسد! ترى عجباً؟ قلت: أجل، وأبيك، إني لأرى عجباً معجباً. قال: صدقت! تقول: أحسن الناس وآدم الناس. قلت: نعم، فليت شعري كيف أودم بينكما! قال: أخبرك كيف كان ذلك. كنت سابع سبعة بينكما! قال: أخبرك كيف كان ذلك. كنت سابع سبعة أخوة كلهم لو رأيتني معهم ظننتني عبداً لهم، وكان أبي وأخوتي يطرحونني، وكنت لكل عمل دنيء: للرواية مرة، ولرعاية الغنم أخرى، وكانت أخوتي هم أصحاب الإبل والخيل. فبينا أنا أرعى الإبل في عام جدب أشهب إذ ضل بعير منها، فقالوا لأبي: ابعث فلاناً يبغيه! فدعاني فقال: اذهب فاطلب هذا البعير! فقلت: ما تنصفني أنت ولا بنوك. أما إذا الإبل درت ألبانها وطاب ركوبها، فهم أصحابها، وأما إذا ندت ضلالها، فأنا باغيها. فقال: يا لكع اذهب! أما والله إني لأظنه آخر أيامك من ضرب وجيع. قال: وظننت أني مضروب، فعدت مضطهداً مجقوراً خلق الثياب جائعاً مقروراً، فطفت ليلة في بسابس ليس بها غريب، فبت، ث

م أصبحت فغدوت حافياً، حتى دفعت مساء الليلة إلى مظلة، فإذا عجوز وسيمة خليقة للخير والسؤدد، في عشية بادرة ذات صر، ومعها هذه عدسة نفسها، وهي ابنتها، فأدخلتني العجوز، وأتتني بتمر وعلقتني هذه سخرياً، وهزؤوا بي، وقالت: ما رأينا كالعشية قد فتىً أجمل منك، ولا أجكم خلقاً. فقلت: يا هذه جنبيني نفسك، فإني عن الباطل وأهله في شغل. قالت: ويحك! هل لك أن تدخل هذا الستر علي، إذا نام الحي، فنتحدث وتمثلنا من أماثيلك هذه؟ فإنا نراها ملاحاً. فغرني إبليس، لما شبعت من القرى، ودفئت من الصلى، وجاء أبوها وأخوتها مثل السباع، واضطجعوا أمام الخيمة، وأنا فيها، فلم يزل بي القدر المحتوم حتى نهضت لألج عليها الستر، فإذا هي نائمة، فهمزتها برجلي، فانتهت وقالت: من هذا؟ قلت: الضيف. قالت: إياك، فلا حيام الله. قال الأسدي: وهي والله تصدف حياءً من حديث زوجها صدوف المهرة العربية سمعت صلاصل لجامها. ثم قالت: لا حسن خبرك، اخرج لعنك الله!. قال: فسقط في يدي، وعرفت أني لست في شيء، فخرجت لأهرب فزعاً مذعوراً فهاجني كليب لهم، مثل الفارس لا يطاف مرتبضه، وأرادأكلي، فأرهبته عني، ثم قالت: اذهب لا صحبك الله. فلما رجعت عاد الكلب إلي فرهقني، فجعلت أمشي القهقرى، وأرهبه لعصية معي، وهو يركبني بأجرامه، حتى شد علي شدة، فتعلقت أظفاره وأنيابه في مقدم مدرعة صوف علي، وأهويت من قبل عقبي في بئر،

وهوى معي، فإذا وهو في قرارها، وقد الله تعالى، وقدر الله تعالى أنه لم يكن فيها ماء، فسمعت المرأة الوجبة، فأقبلت ومعها حبل حتى أشرفت علي، ثم أدلت الحبل فقالت: ارتق، لعنك الله! فلولا أن يقص أثري معك، غدوةً، لوددت أنها قبرك. قال: فتعلقت بالحبل وارتقيت حتى إذا كدت أن أتناول يدها تهور بها ما تحت قدميها من البئر، وبئر، إنما هي بئر حفر لا طي لها، فإذا أنا وهي والكلب في قرارها، ينبح في ناحية، وهي تبكي في ناحية، وتدعو بالبثور والفضيحة، وأنا منقبض في ناحية فقر برد جلدي على القتل، حتى إذا أصبحت أمها تفقدتها عند الصلاة فأتت أباها، فقالت: أتعلم أن ابنتك ليست ههنا؟ فقام، وكان قائفاً عالماً بالآثار، فتحدى أثري وأثرها، حتى تطلع في البئر، فإذا نحن فيها، فرجع سريعاً، فقال لبنيه: أختكم وكلبكم وضيفكم في البئر. قال: فتواثبوا فمن آخذ حجراً، ومن آخذ سيفاً، ومن آخذ عصا، وهم يريدون أن يجعلوا البئر قبري وقبرها. فقال أبوها: مه! فإن ابنتي ليست بحيث تظنون. قال: فنزل أحدهم، فأخرجها وأخرج الكلب ثم أخرجوني، فقال أبوهم: إنكم إن قتلتم هذا الرجل طلبتم، وإن خليتموه افتضحتم، وقد رأيت أن أزوجه إياها، فلعمري! إنه ما يطعن في نسبه، وإنه لكفؤ، ثم علي، فقال: هل فيك خير؟ فلما وجدت ريح الحياة، كأنما كان على قلبي غطاء فانكشف، قلت:

لا يقبل الرشة

وأين الخير إلا عندي؟ حكمك! قال: خمسين بكرةً وعبداً وأمةً قلت: لك ما سألت، وإن شئت فازدد. قال: قد ملكتها، فانصرفت حتى آتي أبي، فلما رآني قال: لا مرحباً، ولا أهلاً، فأين البعير؟ قلت: أربع عليك أيها الرجل تسمع الخبر، فإنما أنت محدث: كان من الأمر كيت وكيت، قال: ورويت بك زناد أبيك، إذاً والله لا تسلم ولا تخذل، علي بالإبل. فلما جاءت قال: اعتد حاجتك، فاعتددت منهن خمسين بكرةً كأنهن العذارى، ودفع إلي عبداً وأمة مولدين، ثم ساق معي الإبل حتى أتيناهم، فدفعنا إليهم حقهم، واحتملنا صاحبتنا، وها هي هذه، جهدها أن تقول كذبت، فاعجب لذلك فعل ذهرٍ، أي أكثر العجب. لا يقبل الرشة أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني في ما أذن لنا في روايته: حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي، سمعت منصور بن عبد الله يقول: دخل قوم على الشبلي في مرضه الذي مات فيه فقالوا: كيف تجدك يا أبا بكر؟ فأنشأ يقول: إنّ سُلْطَانَ حُبّهِ ... قال: لا أقبَلُ الرُّشَا. فَسَلُوهُ، فَدَيتُهُ ... لِمْ بِقَتْلي تَحَرّشَا.

كيف يقتل الفاسق

كيف يقتل الفاسق أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي بن السواق، رحمه الله، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم، حدثنا أبو بكر محمد بن خلف، حدثنا أبو بكر العامري، حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا أبو عباد شيخ قديم قال: أدركت الخادم الذي كان يقوم على راس الحجاج، فقلت له: أخبرني بأعجب شيء رأيت من الحجاج؟ قال: كان أميراً على واسط، وكانت بواسط امرأة يقال: إنه لم يك بها في ذلك الوقت امرأة أجمل منها، فأرسل ابن أخيه إليها يريدها على نفسها مع خادم له، فأبت، وقالت: إن أردتني فاخطبني إلى أخوتي، وكان لها أخوة أربعة، فأبى وقال: لا! إلا كذا، وعاودها، فأبت إلا أن يخطبها إلى أخوتها، فأما حرام فلا، فأبى هو إلا الحرام، فأرسل إليها بهدية، فأخذتها فعزلتها، ثم أرسل إليها عشية جمعة أني آتيك الليلة، فقالت لأمها: إن الأمير قد بعث إلي بكذا وكذا، فأنكرت أمها ذلك، وقالت لأخوتها: إن أختكم قد زعمت كذا وكذا، فأنكروا ذلك وكذبوها، فقالت: إنه قد وعدني أن يأتيني الليلة، فسترونه. فقعد أخوتها فيبيت حيال البيت الذي هو فيه، وفيه سراح، وهم يرون من يدخل إليها، وجويرية لها على باب الدار، قاعدة. حتى جاء الأمير فنزل عن دابته، وقال لغلامه: إذا أذن المؤذن في الغلس، فأتني بدابتي، ودخل، فمشت الجارية بين يديه، فقالت له: ادخل، فدخل وسيدتها على سرير مستلقية، فاستلقى إلى جانبها ثم وضع يده عليها، وقال: إلى كم هذا المطل؟ فقالت له: كف يدك يا فاسق، فدخل أخوتها عليها، ومعهم سيوف، فقطعوه، ثم لفوه في نطع، وجاؤوا به إلى سكة من سكك واسط، فألقوه فيها.

ميتا الحب

وجاء الغلام بالدابة فجعل يدق الباب دقاً رفيقاً وليس يكلمه أحد، فلما خشي الصبح، وأن تعرف الدابة، انصرف وأصبحوا، فإذا هم به، فأتوا له الحجاج، فأخذ أهل تلك السكة، فقال: أخبروني ما هذا. وما قصته؟ قالوا: لا نعلم ما حاله وما قصته. غير أنا وجدناه ملقىً. ففطن الحجاج، فقال: علي بمن كان يخدمه. فأتي بذلك الخصي الذي كان الرسول. فقالوا: هذا كان صاحب سره. فقال له الحجاج: اصدقني! ما كان حاله وما فصته؟ فأبى، فقال له: إن صدقتني لم أضرب عنقك، وإن لم تصدقني فعلت بك، وفعلت. فأخبره الأمر على جهته، فأمر بالمرأة وأمها وأخوتها فجيء بهم، فعزلت المرأة عنهم، فسألها فأخبرته بمثل ما اخبر به الخصي، ثم سأل الأخوة على انفراد، فأخبروه بمثل ذلك، وقالوا: حن صنعنا به الذي ترى. فصرفهم وأمر برفيقه ودوابه وماله وكل قليل وكثير له أن يعطى للمرأة. فقالت المرأة: عندي هديته التي وجه بها إلي. فقال: بارك الله لك فيها، وأكثر النساء مثلك، هي لك، وكل ما ترك من شيء فهو لك، فأعطاهما جميع ما ترك وخلى عنها وعن أخوتها، وقال: إن مثل هذا لا يدفن فألقوه للكلاب. ودعل بالخصي فقال: أما أنت فقد قلت لك إني لا أضرب عنقك، وأمر بضرب وسطه. ميتا الحب أخبرنا الأمير أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله قراءة عليه في داره بالحريم الطاهري سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، حدثنا أبو العباس أحمد بن منصور اليشكري، حدثنا أبو القاسم بإسناد له عن ابن الأشدق قال: كنت أطوف بالبيت، فرأيت شاباً تحت الميزاب قد أدخل رأسه في كسائه، وهو يئن كالمحموم، فسلمت، فرد السلام، ثم قال: من أين؟

إساءة الدنيا وإحسانها

قلت: من البصرة. قال:؟ أترجع إليها؟ قلت: نعم! قال: فإذا دخلت النباج، فاخرج إلي الحي، ثم ناد: يا هلال يا هلال، تخرج إليك جارية فتنشدها هذا البيت: لقد كنتُ أهوَى أنْ تَكُونَ مَنيّتي ... بعَينَيكِ حتى تَنُظرِي مَيّتَ الحُبّ. ومات مكانه، فلما دخلت النباج أتيت الحي، فناديت: يا هلال يا هلال، فخرجت إلي جارية لم أر أحسن منها، وقالت: ما وراءك؟ قلت: شاب بمكة أنشدني هذا البيت. قالت: وما صنع؟ قلت: مات، فخرت مكانها ميتة. إساءة الدنيا وإحسانها أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن النوخي بقراءتي عليه، أخبرنا أبو الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي، حدثنا أبو بكر بن دريد: أنشدنا عبد الرحمن عن عمه: رُوَيدَكَ يا قُمرِيُّ! لستَ بمُضْمرٍ ... من الشَوْقِ إلا دونَ ما أنا مُضْمِرُ. ليكفِك أن القلبَ مُذْ أن تَنَكّرَتْ ... أُسَيماءُ عن مَعُروفهِ مُتَنَكِّرُ. سَقَى اللهُ أيّاماً خَلَتْ وَلَيَالِياً، ... فَلَمْ يَبقَ إلاّ عَهدُهَا المُتذكَّرُ. لَئِن كانتِ الدّنيا أجدّتْ إساءَةً، ... لمَا أحسَنَتْ في سالِفِ الدّهرِ أكثرُ.

عيون وخدود

عيون وخدود أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن أيضاً، أخبرنا علي بن عيسى الرماني قال: أخبرنا ابن دريد أنشدنا عبد الرحمن عن عمه لأبي المطرب العنبري: أيا بارِقَي مَغنى بُثَينَةَ أسعِدَا ... فتىً مُقصَداً بالشَّوْقِ فهوَ عَميدُ. لَيَاليَ مِنّا زَائِرٌ مُتَهَالِكٌ، ... وَآخَرُ مَشهُورٌ كَوَاهُ صُدُودُ. عَلى أنّهُ مُهدِي السّلامِ وَزَائِرٌ ... إذا لمْ يَكُنْ ممّنْ يخافُ شُهودُ. وَقد كانَ في مَغنى بُثَينةَ لوْ رَنَتْ ... عُيونُ مَها تَبدو لَنا وَخُدُودُ. جسم ناحل وعظام أخبرنا أبو الحسين احمد بن التوزي، أخبرنا إسماعيل بن سعيد بن سويد، حدثنا أبو بكر بن الأنباري، أخبرن ابي: أنشدنا احمد بن عبيد: ألا مُسْعِفٌ من بُعدِ ناء وَشُقّةٍ ... بِرَامٍ، وَأعلامٍ بسفَحِ بَرَامِ. أقَامَ بهِ قلبي وَرَاحَتْ مطيتي ... بأشلاءِ جِسْمٍ نَاحِلٍ وَعِظَامِ. قال أبو بكر: الأشلاء جمع شلو، وهو العضو.

موت جميل بثينة

موت جميل بثينة أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق، أخبرنا محمد بن أحمد بن فارس قال، حدثنا أبو الحسين عبيد الله بن إبراهيم، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا أبو بكر العامري، أخبرني أبو الحسن بن محمد بن أبي سيف، أخبرني أبو عبد الرحمن العجلاني عن سهل بن سعد الساعدي قال: بينا أنا بالشام إذ لقيني رجل من أصحابي فقال: هل لك في جميل تعوده، فإنه ثقيل بالمرض؟ قلت: نعم! فدخلنا عليه، وهو يجود بنفسه، وما يخيل إلي أن الموت علق به، فنظر إلي وقال: يا ابن سعد! ما تقول في رجل لم يزن قط، ولم يشرب خمراًقط، ولم يسفك دماً حراماً قط، يشهد أن لا إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، منذ خمسين سنة. قال: قلت: من هذا الرجل؟ فإني أظنه، والله، قد نجا، لن الله تعالى يقول: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً. قال: أنا. قال: فقلت: والله ما رأيت كاليوم أعجب من هذا، وأنت تشبب ببثينة منذ عشرين سنة. قال: أنا في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من الآخرة، فلا نالتني شفاعة محمد إن كنت وضعت يدي عليها لريبة قط، وإن كان أكثر ما كان مني إليها أني كنت آخذ يدها أضعها على قلبي، فأستريح إليها. قال: ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فقال: صَدَعَ النعيُّ وَما كَنى بجَمِيلِ، ... وَثَوَى بمِصرَ ثَوَاءَ غَيرِ قَفُولِ. وَلقد أجرُّ الذّيلَ في وَادِي القُرَى، ... نَشوَانَ بَينَ مَزَارِعٍ وَنَخِيلِ. قُومي بُثَيْنَةُ، فَاندُبي بعَوِيلِ، ... وَابكي خَليلَكِ دونَ كلّ خليلِ. ثم أغمي عليه فمات.

غشية تجيء وأخرى تذهب

غشية تجيء وأخرى تذهب أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن يوسف العلاف بقراءتي عليه، أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين، حدثنا جعفر بن محمد، حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي، حدثنا علي القمي، حدثني أبو المصعب المديني قال: دخلت على الربيع بن عبيد، وكان قد أخذته زمعة الحب، وتيم عقله، فكان يصيبه كالغفلة حتى يذهب عقله، فسمعته وهو يخاطب نفسه، ويقول: الحبُّ لَوْ قَطّعَني ... ما قُلْتُ للحُبّ ظَلَمْ. قَدْ كُنْتُ خِلْواً، زَمَناً، ... فاليَوْمَ يَبدُو مَا كُتِمْ. قال: قلت كيف أنت برحمك الله؟ فقال: من أنت؟ فقلت: أنا أخوك أبو المصعب. قال: غشية تجيء، وأخرى تذهب، وأنا أتوقع الموت ما بين ذلك. قلت: الله بينك وبين من ظلمك. قال: مه، والله ما أحب أن يناله مكروه في الدنيا ولا في الآخرة! ثم تنفس حتى رحمته، وهمت دموعه، وذهب عقله، فقمت عنه.

الهم الملازم

الهم الملازم أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري في ما أذن لنا أن نرويه عنه، أخبرنا أبو القاسم طلحة بن محمد الشاهد، أخبرنا أبو عبد الله الحرمي بن أبي العلاء وهو أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أبي الخمصة الغطفاني المكي، حدثنا الزبير بن بكار، حدثني محمد بن حسن: أنشدني محرز بن جعفر لعبيد بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي: غُرَابٌ وَظَبيٌ أعصَبُ القَرْنِ بَادِياً، ... بصَرْمٍ، وَصِرْدانُ العَشيّ تَصِيحُ. لَعَمرِي لَئن شَطّتْ بعَتمَةَ دارُها، ... لقَد كنتُ من وَشكِ الفرَاقِ أُلِيحُ. أرُوحُ بِهَمٍّ، ثمّ أغدُو بِمِثْلِهِ، ... وَيُحسَبُ أني في الثّيَابِ صَحِيحُ. الفتى المشدود بالحبل ذكر أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز ونقلته منخطه أن أبا بكر محمد بن خلف المحولي حدثهم قال: حدثنا يحيى بن جعفر الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق، حدثنا يعقوب بن عتبة بن المغيرة الأخنس عن الزهري عن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه قال: كنت في خيل خالد بن الوليد فقال لي فتىً منهم، وهو في سني، قد جمعت يداه إلى عنقه برمةٍ، ونسوة مجتمعات غير بعيدات عنه: يا فتى! قلت: ما تشاء؟ قال: هل أنت آخذ بهذه الرمة ومدنيني من هؤلاء النسوة، فأقضي إليهن حاجةً، ثم تردني، فتفعل ما بدا لك؟ قال: قلت والله ليسير ما طلبت. فأخذت برمته حتى وقفته، فقال: إسلم حبيش على بعد العيش، وذكر الحديث.

حكاية سلم حبيش على بعد العيش

حكاية سلم حبيش على بعد العيش ذكر أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز، ونقلته من خطه، أن أبا بكر محمد خلف بن المرزبان حدثهم قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الكوفي، حدثنا الهيثم بن عدي، حدثني سعيد بن شيبان عن أبي مسعود الأسلمي عن أبيه قال: نشأ فينا غلام يقال له عبد الله بن علقمة، وكان جميلاً، فهوي جاريةً من غير فخذه، يقال لها حبيشة، فكان يأتيها، ويتحدث إليها. قال: فخرج ذات يوم من عندها، ومعه أمه، فراى في طريقه ظبيةً على رابية، فأنشأ يقول: يا أُمَّنا خَبّرِينا، غَيرَ كاذِبَةٍ، ... وَلا تَشوبي سؤولَ الخيرِ بالكذِبِ. حُبَيشُ أحسَنُ أمْ ظَبيٌ بَرابيَةٍ، ... لا بل حُبيشةُ من دُرٍّ وَمن ذهَبِ. انصرف من عندها مرةً أخرى، فأصابته السماء، فأنشأ يقول: وَما أدْرِي، إذا أبْصَرْتُ يَوْماً، ... أصَوْبُ القَطْرِ أحْسَنُ أمْ حُبَيشُ. حُبَيشٌ، وَالّذِي خَلَقَ البَرَايَا ... عَلى أنْ لَيسَ عِندَ حُبَيشَ عَيشُ. فلما كثر ذلك منه وشهر بها، قال قومه لأمه: إن هذا الغلام يتيم، وإن أهل هذه المرأة يرغبون بأنفسهم عنكم، فانظري جاريةً ن قومك ممن لا تمتنع عليك، فزيّنيها واعرضيها عليه لعله يتعلقها ويسلى، ففعلت، وحضرها نساؤها، فجعلوا يعرون عليه نساء الحي، ثم يقولون له: يا عبد الله! كيف ترى؟ فيقول: إيهاً، والله حسناء، إلى ان قال قائل: أهي أحسن أم حبيشة؟ فقال: مرعى ولا كالسعدان. فلما يئسوا من أن ينصرف عنها، قال بعضهم لبعض: عليكم بحبيشة،

وطمعوا أن ياتوا الأمر من قبلها، فقالوا: والله لئن أتاك، لا تزرين به، وتتجهمينه، وتقولين له: أنت أبغض الناس إلي، فلا تقربني، ونحن بمرأى منك ومسمع، ليفعلن بك ما يسوءك، فأتاها، فلم تكلمه بشيء مما قالوا، ولم تزد على أن نظرت إليه، ونظر إليها، ثم أرسلت عينيها بالبكى، فانصرف عنها، وهو يقول: وَما كانَ حُبّي عن نَوَالٍ بَذَلْتِه ... وَلَيسَ بمُسْليَّ التّجَهّمُ وَالهَجْرُ. سِوَى أنّ دائي مِنكِ داءُ مَودّةٍ، ... قَدِيماً، وَلمْ يُمزَجْ كما تُمزَجُ الخمرُ. وَما أنسَ مِلْ أشياء لا أنسَ دمعَها ... وَنَظْرَتَها حَتّى يُغَيّبني القَبْرُ. فبينما هما على أشد ما كانا عليه من الهوى والصبوة، إذ هجم عليهم جيش خالد بن الوليد يوم الغميصاء، فأخذ الغلام رجل من أصحاب خالد، فأراد قتله، فقال له: ألمم بي أهل تلك البيوت أقضي إليهن حاجةً، افعل ما بدا لك. قال: فأقبلت به حتى انتهى إلى خيمة منها، فقال: إسلم حبيش بعد انقطاع العيش، فأجابته فقالت: سلمت وحياك الله عشراً، وتسعاً وتراً، وثلاثاً تترى، فلم أر مثلك يقتل صبراً. وخرجت تشتد، وعليها خمار أسود، وقد لاثته على رأسها، وكان وجهها مثل القمر ليلة البدر، فقال حين نظر إليها: أرَيتُكِ إنْ طالَبتُكم فَوجَدتكمْ ... ببرْزَةَ، أوْ إنْ لم تَفُتْني الحَرَانقُ. أمَا كانَ حَقّاً أن يُنَوَّلَ عاشِقٌ ... تكلّفَ إدلاجَ السُّرَى وَهوَ رَاهقُ. فَإنيَ لا سِرّاً لَدَيّ أضَعْتُهُ، ... وَلا رَاقَ عَيني بعد وَجهكِ رَائقُ.

موت عروة بن حزام

على أن ما بات العشية شاغل، ... فلا ذكر إلا أن تكون توامق. فها أنا ماسور لديك مكبلن ... وما أنا بعد اليوم بالعتب ناطق. فأجابته: أرَى لكَ أسْبَاباً أظُنّكَ مُخْرِجاً ... بهَا النّفسَ من جَنبيّ والرّوحُ زَاهقُ. فأجابها فقال: فإنْ يَقتُلوني، يا حُبَيش، فلم يَدَعْ ... هَوَاكِ لهُمْ مِني سِوَى غُلّةِ الصّدرِ. وَأنتِ التي قَفّلتِ جِلْدِي عَلى دَمي ... وَعَظمي وَأسبَلتِ الدموعَ على النّهرِ. فأجابته فقالت: وَنَحنُ بَكَينا من فِرَاقِكَ مَرّةً، ... وَأُخرَى، وَقايَسنا لكَ العُسرَ باليُسرِ. فأنتَ فلا تَبْعَدْ، فَنِعمَ أخُو النَّدَى، ... جَميلُ المُحَيّا في المُرُوءةِ وَالبِشْرِ. قال الذي أخبر به: فلم سمعت ذلك منهما أدركتني الغيرة، فضربته ضربةً، فقطعت منها يده وعنقه، فلما رأته قد سقط قالت لي: ائذن لي أن أجمع بعضه إلى بعض، فأذنت لها، فجمعته وجعلت تمسح التراب عن وجهه بخمارها وتبكي، ثم شهقت شهقةً خرجت منها نفسها. موت عروة بن حزام قال أبو بكر بن المرزبان وأخبرنا أحمد بن زهير، أخبرنا الزبير بن بكار، أخبرنا أبي قال: قال عروة بن الزبير: مررت بوادي القرى فقيل لي: هل لك في عروة بن حزام؟ فقلت: الذي يلقى من الحب ما يلقى؟ قالوا: نعم! فخرجت حتى جئته، فإذا هوى

قصة عروة وعفراء

في بيت منفرد عن البيوت، وإذا، والله، حوله أخوات له أمثال التماثيل، وأمه وخالته. قال: فقلت له: أنت عروة؟ قال: نعم! قلت: صاحب عفراء؟ قال: صاحب عفراء، ثم استوى قاعداً فقال: وأنا الذي أقول: وعينان ما أوفيت نشزاً فتنظرا ... بما فيهما إلا هما تكفان. ألا فاحملاني، بارك الله فيكما، ... إلى حاضر البلقاء ثم ذراني. ثم التفت إلى أخواته فقال: مَنْ كانَ من أُمّهَاتِي بَاكِياً أبَداً، ... فَالَيْوَم إني أُرَاكَ اليَوْمَ مَقْبُوضا. مَنْ كانَ يَلحُو فإني غَيرُ سَامِعِهِ، ... إذَا عَلَوْتُ رِقَابَ القَوْمِ مَعرُوضَا. قال عروة بن الزبير: فلما سمعن قوله برزن والله يضربن حر الوجوه، ويشقنقن جيوبهن. قال عروة: فقمت، فما وصلت إلى منزلي حتى لحقني رجل فقال: قد مات. قصة عروة وعفراء نقلت من خط ابن حيويه: حدثنا أبو بكر بن المرزبان، حدثني أبو العباس فضل بن محمد اليزيدي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي، أخبرني لقيط بن بكر المحاربي. أن عروة بن حزام وعفراء ابنة مالك العذريين، وهما بطن من عذرة، يقال لهم بنو هند بن حزام بن ضبة بن عبد بكير بن عذرة، نشأا جميعاً فعلقها علاقة الصبي، وكان عروة يتيماً في حجر عمه، حتى بلغ، فكان يسأل عمه أن يزوجه عفراء فيسوفه، إلى أن خرجت عير لأهله إلى الشام

وخرج عروة إليها، ووفد على عمه ابن عم له من البلقاء يريد الحج، فخطبها، فزوجها إياه. وأقبل عروة في عيره حتى إذا كان بتبوك نظر إلى رفقة مقبلةٍ من نحو المدينة فيها امرأة على جمل أحمر، فقال لأصحابه: والله، إنها شمائل عفراء، فقالوا: ويحك! ما تترك ذكر عفراء لشيء؟ قال: وجاء القوم، فلما دنوا منه وتبين الأمر يبس وبقي قائماً لا يتحرك، ولا يحير كلاماً، ولا يرجع جواباً، حتى بعد القوم، فذلك حيث يقول: وَإني لَتَعرُوني لِذِكرَاكِ رِعْدَةٌ، ... لها بَينَ جِلْدِي وَالعِظامِ دَبِيبُ. فَما هُوَ إلاّ أنْ أرَاهَا فُجاءةً ... فَأُبْهَتَ حَتى مَا أكَادُ أُجِيبُ. فَقُلْتُ لعَرّافِ اليَمَامَةِ: داوِني، ... فَإنّكَ إنْ أبْرَأتَني لَطَبِيبُ. فَما بيَ من حمّى وَلا مسّ جِنةٍ، ... وَلكنّ عَمي الحِميرِيَّ كَذُوبُ. قال أبو بكر: وعراف اليمامة هذا الذي ذكره عروة وغيره من الشعراء، هو رياح بن راشد ويكنى أبا كحيلة، وهو عبد لبني يشكر، تزوج مولاه امرأةً من بني الأعرج، فساقه في مهرها ثم ادعى بعد نسباً في بني الأعرج. ثم إن عروة انصرف إلى أهله واخذه البكاء والهلاس حتى نحل، فلم يبق منه شيء، فقال بعض الناس: هو مسحور، وقال قوم: بل به جنةٌ! وقال آخرون: بل هو موسوس، وإن بالحاضر من اليمامة لطبيبا يداوي من الجن، وهو أطب الناس، فلو أتيتموه، فلعل الله يشفيه، فساروا إليه من أرض بني عذرة حتى داواه، فجعل يسقيه السلوان، وهو يزداد سقماً، فقال له عروة: يا هناه! هل عندك للحب دواء أو رقية؟ فقال:

لا والله. فانصرفوا حتى مروا بطبيب بحجر، فعالجه وصنع به مثل ذلك، فقال له عروة: والله ما دائي ودوائي إلا شخص بالبلقاء مقيم، فهو دائي، وعنده دوائي. وفي غير هذه الرواية: شخص بالبلقاء مقيم هو وراني، أي أمرضني وهزلني، والورى داء يكون في الجوف مثل القرحة والسل. قال سحيم عبد بني الحسحاس: وَرَاهُنَّ رَبي مثلَ ما قَد وَرَينَني، ... وَأحمَى على أكبادِهنّ المَكاوِيَا. رجع الحديث قال: فانصرفوا به، فأنشأ يقول عند انصرافهم به: جَعلتُ لعَرّافِ اليَمَامَةِ حُكمَهُ ... وَعَرّافِ حِجرٍ إن هُما شَفَياني. فقالا: نعم! نَشفي من الداء كلّه، ... وَقَامَا مَعَ العُوّادِ يَبْتَدِرَانِ. فَمَا تَرَكَا مِنْ رُقيَةٍ يعلمانِها، ... وَلا سَلَوةٍ إلاّ وقَدْ سَقَيَاني. فَقالا: شَفاكَ الله، وَاللهِ مَا لَنَا ... بما ضَمِنَتْ مِنكَ الضّلُوعُ يَدانِ. قال: فلما قدم على أهله، وكان له أخوات أربع ووالدة وخالة، فمرض دهراً، فقال لهن يوماً، اعلمن أني لو نظرت إلى عفراء نظرة ذهب وجعي، فذهبن به حتى نزلوا البلقاء مستخفين، فكان لا يزال يلم بعفراء، وينظر إليها، وكانت عند رجل كريم سيد كثير المال والغاشية. فبينا عروة يوماً بسوق البلقاء، إذ لقيه رجل من بني عذرة فسأله عن حاله ومقدمه، فأخبره. قال: والله لقد سمعت انك مريض، وأراك قد صححت. فلما أمسى الرجل دخل على زوج عفراء فقال: متى قدم عليكم هذا الكلب الذي قد فضحكم؟ فقال زوج عفراء: أي كلب هو؟ قال: عروة! قال: أوقد قدم؟ قال: نعم! قال: أنت والله أولى بها منه أن تكون

كلباً، ما علمت بقدومه، ولو علمت لضممته إلي. فلما أصبح غدا يستدل عليه حتى جاءه، فقال: قدمت هذا البلد، ولم تنزل بنا، ولم تر أن تعلمنا بمكانك فيكون منزلكم عندنا وعلي، إن كان لكم منزل إلا عندي. قال: نعم! نتحول إليك الليلة، أو في غد. فلما ولى قال عروة لأهله: قد كان ما ترون، وإن أنتم لم تخرجوا معي لأركبن رأسي ولألحقن بقومكم، فليس علي بأس. فارتحلوا وركبوا طريقهم، ونكس عروة ولم يزل مدنفاً، حتى نزل وادي القرى. وروى العمري عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبي مسكين أن عفراء لما بلغها وفاة عروة قالت لزوجها: يا هناه! قد كان من أمر هذا الرجل ما بلغك، والله ما كان ذلك إلا على الحسن الجميل، وإنه قد بلغني أنه مات في أرض غربةٍ، فغن رأيت أن تأذن لي فأخرج في نسوة من قومي فيندبه ويبكين عليه. فقال: إذا شئت، فأذن لها، فخرجت، وقالت ترثيه: ألا أيّها الركبُ المُخِبّونَ وَيحَكُم! ... بحَقٍّ نَعَيتُم عُرْوَةَ بنَ حِزَامِ. فَلا هَنئ الفِتيَانَ بَعدَكَ غَارَةٌ، ... وَلا رَجَعُوا مِنْ غَيبَةٍ بِسَلامِ. فَقُلْ للحبَالى لا تُرَجّينَ غَائِباً، ... وَلا فَرَحَاتٍ بَعْدَهُ بِغُلامِ. قال: ولم تزل تردد هذه الأبيات وتبكي حتى ماتت، فدفنت إلى جابنه، فبلغ الخبر معاوية، فقال: لو علمت بهذين الشريفين لجمعت بينهما. وقد روي مثل هذا الكلام عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا، حدثنا العيشي عن أبيه قال: لما زُوجت عفراء جعل عروة يضع صدره في أعطان إبلها، وحيث

الهجران إثم

كانت تجلس، فقيل له: اتق الله، فإن هذا غير نافعك، فأنشأ يقول: بيَ اليأسُ، أوْ داءُ الهُيَامِ سُقِيتُه، ... فإيّاكَ عَني لا يَكُنْ بكَ مَا بيَا. الهجران إثم أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الحوهري، حدثنا أبو القاسم طلحة، حدثنا الجرمي بن أبي العلاء، حدثني الزبير، حدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن عبدي بن أبي سلمة: أنشدني جدي يوسف بن الماجشون لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة: كَتَمتَ الهوَى حَتى أضَرّ بِكَ الكتمُ، ... وَلامَكَ أقوَامُ، وَلَوْمُهُمُ ظُلْمُ. وَنَمّ عَلَيْكَ الكَاشِحُونَ، وَقبلَهم ... عَلَيكَ الهَوَى قد نمّ لَوْ نَفعَ النمُّ. وَزَادَكَ إغرَاءٌ بِهَا طُولُ هَجْرِهَا، ... قَدِيماً، وَأبلى لحمَ أعظُمِكَ الهَمّ. فأصْبَحتَ كالهِندِيّ، إذْ ماتَ حسرَةً ... على إثرِ هِندٍ، أوْ كمَنْ سُقيَ السُّمّ. ألا مَنْ لنَفسٍ لا تَمُوتُ فَيَنقَضي ... عَنَاهَا، وَلا تَحيَا حَياةً لها طَعمُ. تَجَنّبتَ إتْيَانَ الحَبِيبِ تَأثّماُ، ... ألا إنّ هِجْرَانَ الحَبِيبِ هوَ الإثمُ. فذُقْ هَجرَها، قَد كنتَ تَزْعُمُ أنّهُ ... رَشَادٌ، ألا يا رُبّما كَذَبَ الزّعمُ.

مصطبران على البلوى

مصطبران على البلوى أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي الصوري الحافظ، أخبرنا أبو الحسين بن روح النهرواني حدثنا المعافى بن زكريا: أخبرنا محمد بن يحيى الصولي عن أحمد بن يحيى أنه أنشد: هوَى نَاقَتي خَلفي، وَقُدّاميَ الهوَى، ... وَإني وَإيّاهَا لمُخْتَلِفَانِ. هَوَايَ عرَاقيٌّ وَتَثْني زِمَامَهَا، ... كَبَرْقٍ سرَى بَعدَ الهُدُوءِ يمَاني. تَحِنّ وَأبْكي، إنّها لَبَلِيّةٌ، ... وَإنّا عَلى البَلْوَى لمُصْطَبِرَان. فضل الشاعرة أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي التوزي إجازة، أخبرنا القاضي أبو عمر أحمد بن محمد بن العلاف، اخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثني محرز الكاتب، أخبرني يحيى بن الخصيب قال: كنت عند فضل الشاعرة إذ استأذن عليها إنسان فأذنت له، وقالت: ما حاجتك؟ قال: تجيزين مصراع بيت من شعر. قالت: ما هو؟ قال: مَن لمُحبٍّ أحَبّ في صِغَرِهْ ... فصَارَ أحدُوثَةً على كِبَرِهْ. فقالت: مِنْ نَظَرٍ شَفّهُ وَأرّقَهُ، ... فكانَ مَبدَا هَوَاهُ مِن نَظَرِهْ. لَوْلا الأمَاني لمَاتَ مِنْ كمَدٍ، ... مَرُّ اللَّيَالي يَزِيدُ في ذِكَرِهْ. مَا إنْ لَهُ مُسْعِدٌ فَيُسعِدَهُ ... بِاللّيْلِ في طُولِهِ وَفي قِصَرِهْ.

شهقة الموت

شهقة الموت قال محمد بن المرزبان، ونقلته من خط ابن حيويه عنه، قال: أخبرني بعض أصحاب المدايني اخبرنا المدايني، أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال: كان بالمدينة رجل من ولد عبد الرحمن بن عوف، وكان شاعراً، وكانت عنده ابنة عم له، وكان لها عاشقاً، وبها مستهتراً، فضاق ضيقةً شديدة، وأراد المسير إلى هشام إلى الرصافة، فمنعه من ذلك ما كان يجد بها وكره فراقها، فقالت له يوماً، وقد بلغ منها الضيق: يا ابن عمي! ألا تأتي الخليفة لعل الله تعالى أن يقسم لك منه رزقاً، فنكشف به بعض ما نحن فيه. فلما سمع ذلك منها نشط للخروج، فتجهز، ومضى، حتى إذا كان من الرصافة على أميال خطر ذكرها بقلبه، وتمثلت له، فلبث ساعة شبيهاً بالمغمى عليه، ثم أفاق، فقال للجمال: احبس، فحبس إبله، فأنشأ يقول: بَينَما نحنُ في بلاكثَ فالقَا ... عِ سرَاعاً، وَالعِيسُ تَهْوِي هُوِيّا. خَطَرَتْ خطرَةٌ على القَلْبِ مِنْ ذِكْ ... رَاكِ، وَهناً، فَما أطقتُ مُضِيّا. قُلْتُ: لَبَيّكِ، إذْ دَعَاني لكِ الشّوْ ... قُ، وَللحَادِيَينِ رُدّا المَطِيّا. فكَرَرْنَا صُدُورَ عِيسٍ عِتَاقٍ، ... مُضْمَرَات، طُوِينَ بالسّيرِ طَيّا. ذَاكَ مِمّا لَقِينَ من دَلَجِ السّي ... رِ، وَقَوْلِ الحُدَاةِ، باللّيلِ، هَيّا. ثم قال للجمال: ارجع بنا! فقال له: سبحان الله، قد بلغت طيتك! هذه أبيات الرصافة. فقال: والله لا تخطو غلا راجعة، فرجع، حتى إذا كان من المدينة على قدر ميل لقيه بعض بني عمه، فأخبره أن امرأته قد توفيت، فشهق شهقةً، وسقط عن ظهر البعير ميتاً.

جنون وعشق

جنون وعشق أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني في المسجد الحرام بقراءتي عليه بباب الندوة، أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المذكر، أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد الصوفي القزويني، حدثنا شادل، حدثنا يحيى بن سليمان المادراي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الأبلي قال: رأيت غورك يوماً خارجاً من الحمام، والصبيان يؤذونه، فقلت: ما خبرك أبا محمد؟ قال: قد آذاني هؤلاء الصبيان، أما يكفيني ما أنا فيه من العشق والجنون؟ قلت: ما أظنك مجنوناً. قال: بلى، والله، وبي عشق شديد. قلت: هل قلت في عشقك وجنونك شيئاً؟ قال: نعم، وأنشد: جُنُونٌ وعِشقٌ ذَا يَرُوحُ وَذا يَغدُو، ... فَهَذا لَهُ حَدٌّ، وَهَذا لَهُ حَدُّ. هُمَا استَوْطَنا جسمي وَقلبي كِلاهُما، ... فَلمْ يَبْقَ لي قَلبٌ صَحيحٌ وَلا جِلدُ. وَقَدْ سَكَنَا تحتَ الحَشَا، وَتَحَالَفَا ... عَلى مُهْجَتي ألاّ يُفَارِقَهَا الجَهدُ. فَأيُّ طَبِيبٍ يَسْتَطِيعُ بحيلَةٍ، ... يُعَالِجُ مِنْ دَاءَين مَا مِنْهُمَا بُدُّ. الفتى والشيخ العاشق أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي إن لم يكن سماعاً فإجازة، أخبرنا عبد الغفار بن عبد الواحد بن نصر الأرموي، حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد القاضي، حدثني أبو بكر أحمد بن محمد الميموني، حدثني محمد بن عمر، حدثني أبو عبد الله الروذباري قال: دخلت درب الزعفراني، فرأيت فتىً قد صرع شيخاً، وهو يكلمه ويعض حلقه، فقلت له: يا فتى أتفعل هذا بأبيك؟ أباه، فقال: دعني حتى أفرغ منه ثم أحدثك بقصتي، فلما فرغ قلت: يا فتى ما ذنبه؟ قال: إن هذا يزعم أنه يهواني، وله ثلاث ما رآني.

زينة الله

زينة الله أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن سويد المعدل، حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي، اخبرنا عسل، أخبرنا التوزي قال: نظر رجل من قريش إلى رجل ينظر إلا غلام وضيء الوجه، فزجره، فرآه محيريز الزاهد فقال له: هل رأيت غير النظر؟ قال: لا! قال: أتريد أان تبطل زينة الله في بلاده، وحليته في عباده؟ ينشد في ظل خيمة أخبرنا أبو عبد الله الأندلسي الحافظ من لفظه، حدثني الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي، حدثنا القاضي أبو بكر عبد الله بن الربيع، حدثنا القالي أبو علي، حدثنا أبو بكر بن دريد، حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: بينا أنا سائر بناحية بلاد بني عامر، إذا برجل ينشد في ظل خيمة له، وهو يقول: أحَقّاً، عِبادَ اللهِ، أن لَستُ ناظِراً ... إلى قَرْقَرَى يَوْماً وَأعلامِهَا الغُبرِ؟ كأنّ فُؤادِي، كُلّمَا مَرّ رَاكِبٌ، ... جَنَاحُ غُرَابٍ رَامَ نَهْضاً إلى وكرِ. إذا ارْتَحَلَتْ نحوَ اليَمَامَةِ رِفْقَةٌ، ... دَعَاكَ الهَوَى، وَاهتَاجَ قَلبُك للذكرِ. فَيَا رَاكِبَ الوَجنَاءِ! أبتَ مُسَلَّماً، ... وَلا زِلتَ من رَيبِ الحَوَادثِ في سترِ. إذا ما أتَيتَ العُرْضَ، فاهتِفْ بجَوّه: ... سُقيتَ على شحطِ النوَى سَبَلَ القطرِ.

فإنّكَ مِنْ وَادٍ إليّ مُرَحَّبٍ، ... وَإن كنتَ لا تُزْدارُ إلاّ على عَفْرِ. قال: فأذنت، وكان ندي الصوت، فلما رآني أومأ إلى فأتيته، فقال: أأعجبك ما سمعت؟ فقلت: إي والله! فقال: أمن أهل الحضارة أنت؟ قلت: نعم! قال: فمن تكوت؟ قلت: لا حاجة لك في السؤوال عن ذلك. قال: أو ما حل الإسلام الضغائن، وأطفأ الأحقاد؟ قلت: بلى! قال: فما يمنعك إذا قلت: أنا امرؤ من قيس؟ قلت: الحبيب القريب. قال: فمن أيهم؟ قلت: أحد بني سعد بن قيس، ثم أحد أعصر بن سعد. قال: زادك الله قرباً. ثم وثب فأنزلني عن حماري، وألقى عنه إكافه، وقيده بقراب خيمته، وقام إلى زند فاقتدح وأوقد ناراً، وجاء بصيدانو، فألقى فيها تمراً، وأفرغ عليه سمناً، ثم لته حتى التبك، ثم ذر عليه دقيقاً، وقربه إلي، فقلت: إني إلى غير هذا أحوج. قال: وما هو؟ قلت: تنشدني. قال: أصبت فإني فاعل، فلقمت لقيمات وقلت: الوعد! قال: نعمى عين وأنشدني: لَقَدْ طَرَقَتْ أُمُّ الخُشَيفِ، وَإنّها ... إذا صَرَعَ القَوْمَ الكَرَى لَطَرُوقُ. فَيَا كَبِداً يُحمَى عليها، وَإنّها، ... مخافَةَ هَيضَاتِ النَّوَى، لخفُوقُ. أقَامَ فَرِيقٌ مِنْ أُنَاسٍ يَوَدّهُمْ، ... بذاتِ الغَضَا، قَلبي، وَبَانَ فَرِيقُ. بحَاجَةِ مَحْزُونٍ يَظَلّ وَقَلْبُهُ ... رَهِينٌ بِبَيضَاتِ الحِجَالِ صَدِيقُ.

التفريق بين مؤتلفين

تَحَمّلْنَ أنْ هَبّتْ لَهُنّ عَشِيّةً ... جَنوبٌ، وَأنْ لاحَتْ لَهُنّ بُرُوقُ. كَأنّ فُضُولَ الرَّقْمِ حِينَ جَعَلنَها ... ضُحَيّاً على أُدْمِ الجِمَالِ عُذُوقُ. وَفِيهِنّ مِن تَحتِ السّتَارِ تَحِلَّةٌ، ... تَكَادُ على غُرّ السّحَابِ تَرُوقُ. هَجين، فأما الدعص عن أخرياتها ... فوعث، وأما خصرها فدقيق. التفريق بين مؤتلفين أنبانا القاضي أبو عبد الله محمد بن علي الله بن سلامة القضاعي عن أبي الحسن بن نصر بن الصياح، حدثنا أبو عمر عبيد بن أحمد السمسار. أن أبا بكر بن داود الأصبهاني كان يدخل الجامع من باب الوراقين. فلما كان بعد مدة عدل عنه وجعل دخوله من غيره، وكنت مجترئاً عليه، فسألته عن ذلك، فقال: يا بين! السبب فيه أني في الجمعة الماضية أردت الدخول منه فصادفت عند الباب حدثين يتحدثان، وكل واحد منهما مسرور بصاحبه، فلما رأياني قالا: أبو بكر قد جاء، فتفرقا، فجعلت علي نفسي أن لا أدخل من باب فرقت فيه بين مؤتلفين.

لا كلمته أبدا

لا كلمته أبداً أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة المصري، حدثنا ابن نصر، حدثنا أبو عمر عبيد الله بن أحمد بن السمسار أن حدثاً كان يعرف بابن سمنون الصوفي، نشأ مع أبي بكر في كتاب واحد، وكانا لا يفترقان، فإذا عمل أبو بكر كتاباً في الأدب ناقضه، وعمل في معناه، وإن أبا بكر نقش على فص خاتمه سطرين، الأول منهما: وما وجدنا لأكثرهم من عهد؛ والآخر: فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وكان إذا رأى إنساناً ينظر إلى حدث رمى إليه بخاتمه، وقال: اقرأ ما عليه فينتهي عن ذلك، فقال لابن سمنون: أتقدر أن تناقضني في هذا؟ قال: نعم! فلما كان الغد جاءه بخاتم على فصه سطران، الأول منهما: وجعلنا بعضكم لبعض فتنةً أتصبرون؛ والثاني: ولنصبرن على ما آذيتمونا. فاستحسن ذلك. وعلى هذا الطريق قال أبو نواس: كَتَبَتْ عَلى فَصٍّ لخاتَمِهَا: ... مَنْ نَامَ لم يَشعُرْ بمَن سَهِدا

سلبت عظامي لحمها

وَكَتَبْتُ في فَصّي أُنَاقِضُهَا: ... لا كانَ مَنْ يَهْوَى إذا رَقَدَا قَالَتْ: يُنَاقِضُني بخَاتَمِهِ، ... وَاللهِ، لا كَلّمْتُهُ أبَداَ سلبت عظامي لحمها أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي التوزي في ما أذن لنا في روايته، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن جعفر الخالع، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن السري، حدثنا أحمد بن الحسين بن محمد بن فهم، حدثني الخريمي قال: دخلت حماماً في درب الثلج، فإذا بسوار بن عبد الله القاضي في الحمام، في البيت الداخل، مستلقياً، وعليه المئزر، فجلست بقربه، فسكت ساعة ثم قال لي: قد أحشمتني يا رجل! إما أن تخرج أو أخرج. فقلت: جئت أسألك عن مسألة. فقال: ليس هذا موضع المسائل. قلت: إنها من مسائل الحمام، فضحك وقال: هاتها، فقلت: من الذي يقول: سَلبتِ عِظامي لحمهَا، فتركتِها ... عَوَارِيَ ممّا نَالَها تَتَكَسّرُ وَأخْلَيْتِها مِنْ مُخّها، فتركتِها ... أنَابيبَ في أجْوافِها الرّيحُ تَصْفِرُ إذا سمعتْ ذِكرَ الفرَاقِ ترَعدّت ... مَفَاصِلُهَا خَوْفاَ لِمَا تَتَنَظّرُ خذي بيدي ثم ارْفعي الثْوبَ تنظرِي ... بِلى جَسَدِي، لكنّني أتَسَتّرُ فقال سوار: أنا والله قلتها. قلت: فإنه يغنى بها، ويجود. فقال: لو شهد عندي الذي يغني بها لأجزت شهادته.

الزنجي الشاعر

الزنجي الشاعر أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي بقراءتي عليه وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قراءة عليه قالا: أخبرنا أبو عمر بن حيويه الخزاز، حدثنا محمد بن خلف، أخبرنا عبد الله بن شبيب، أخبرني الزبير بن بكار، حدثني محمد بن الحسن، حدثني هبيرة بن مرة القشيري قال: كان لي غلام يسوق ناضحاً ويرطن بالزنجية بشيء يشبه الشعر، فمر بنا رجل يعرف لسانه، فاستمع له ثم قال: هو يقول: فقلتُ لهَا: إني اهتَديتُ لِفِتْيَةٍ، ... أنَاخُوا بجَعجَاعٍ قَلائصَ سُهّمَا فقالت: كذاكَ العاشِقونَ ومن يخَفْ ... عُيونَ الأعادي بجعلِ اللّيلِ سُلّمَا نصيب وزينب أخبرني القاضيان أبو الحسين أحمد بن علي التوزي وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قالا: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس، حدثنا محمد بن خلف، حدثني محمد بن معاذ عن إسحق بن إبراهيم قال: حدثني رجل من قريش عمن حدثه قال: كنت حاجاً ومعي رجل من القافلة لا أعرفه، ولم أره قبل ذلك، ومعه هودج وأثقال وضينة، وعبيد ومتاع، فنزلنا منزلاً، فإذا فرش ممهدة، وبسط قد بسطت، فخرج من أعظمها هودجاً امرأة زنجية، فجلست على تلك الفرش الممهدة، ثم جاء زنجي، فجلس إلى جنبها، على الفرش،

بريرة وزوجها الحبشي

فبقيت متعجباً منهما، فبينا أنا أنظر إذ مر بنا مار وهو يقود إبلاً معه، فجعل يغني ويقول: بزَينبَ ألمِمْ قَبلَ أن يرْحَلَ الرَّكبُ، ... وَقُلْ إنْ تَمَلّيْنَا فَمَا مَلّكِ القلبُ قال: فوثبت الزنجية إلى الزنجي، فخبطته وضربته، وهي تقول: شهرتني في الناس، شهرك الله. فقلت: من هذا؟ قالوا لي: نصيب الشاعر، وهذه زينب. وذكر الزبير ضد هذا الخبر. بريرة وزوجها الحبشي أخبرنا القاضيان أبو الحسين أحمد بن علي التوزي وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قالا: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا الحسن بن مكرم بن حسان، حدثنا علي بن عاصم عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما أعتقت بريرة، وكان زوجها حبشياً، خيرت، فاختارت فراقه، فكان يطوف حولها، ودموعه تسيل على خديه حباً لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعمه العباس: أما ترى شدة حبه لها، وشدة بغضها له؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لو تزوجته؟ قالت: إن أمرتني. قال: لا آمرك، ولكني شفيع، فلم تفعل. وبإسناده حدثنا محمد بن خلف، حدثنا محمد بن الهيثم، حدثنا يوسف بن عدي عن سعيد وأيوب عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس: أن زوج بريرة كان عبداً أسود مولىً لبني المغيرة، يوم أعتقت، والله لكأني به في أطراف المدينة ونواحيها، وإن دموعه لتجري على لحيته، يتبعها ويترضاها لتختاره فلم تفعل.

ابن الدمينة العليل

ابن الدمينة العليل ذكر شيخنا أبو علي الحسن بن أحمد بن شاذان، حدثنا أبو علي عيسى بن محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الملك بن جريج الطوماري، أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب، أنبأنا عبد الله بن شبيب أنشدني الزبير لابن الدمينة: يَقولُون: قَد طالَ اعتلالُكَ بالقَذَى، ... ألَمْ يْأنِ أن تَلْقَى لعَينَيكَ رَاقِيَا؟ وَأقبَلنَ من أعلى البُيُوتِ يَعُدْنَني، ... ألا إنّ بَعضَ العائِداتِ دَوَائِيَا يَعُدْنَ مَرِيضاً هُنّ أصْلٌ لِدَائِه؛ ... بَقِيّة مَا أبْقَينَ نَصْلاً يَمَانِيَا لم يدر لوعتي إلا الله وذكر أبو علي أيضاً، حدثنا الطوماري، أخبرنا ثعلب أنشدنا عبد الله لعقبة الكلابي: إذا اقتَسَمَ النّاسُ الأحاديثَ وَانتَحَوا ... خَلا بِفُؤادِي حُبُّها وَانتَحَانِيَا فَكَفكَفتُ دمعي ثمّ حوّلتُ مَضْجعي ... فَلَمْ يَدْرِ إلا اللهُ لَوْعَةَ مَا بِيَا وَقالوا: نَرى هذا عَنِ اللهوِ مُعرِضاً؛ ... فَقُلتُ لَهُم: لا يَعنِكُمْ مَا عَنَانِيَا

أغزل بيت وأشجع بيت

أغزل بيت وأشجع بيت حدثنا أبو تغلب عبد الوهاب بن علي بن الحسن بن محمد الملحمي، حدثنا القاضي أبو الفرج المعافى ابن زكريا، حدثنا علي بن الجهم أبو طالب الكاتب، حدثني أبو العباس سوار بن أبي شراعة البصري، حدثني الرياشي، حدثني الأصمعي قال: قال أبو عمرو بن العلاء: إني أقول لكم أغزل الناس في بيت وأشجعهم في بيت، أما أغزل بيت فقوله: غَرّاءُ فَرْعَاءُ مَصْقُولٌ عَوَارِضُهَا ... تمشي الهُوَينا كَمَا يمشِي الوَجَى الوَجِلُ وأما أشجع بيت فقوله: قالوا: الطِّعان، فقُلنا: تلكَ عادَتُنَا؛ ... أوْ تَنْزِلُونَ، فإنّا مَعشَرٌ نُزُلُ أرق بيت في العيون حدثنا أبو تغلب عبد الوهاب بن علي الملحمي، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا أحمد بن إبراهيم بن الحارث أبو النضر العقيلي، أخبرني محمد بن راهويه الكاتب، أخبرني الحسن بن إبراهيم قال: قال المأمون لبعض من عنده: أنشدني أرق بيت قيل في العيون، فأنشده: إنّ العُيونَ التي في طَرْفها مَرَضٌ ... قَتَلْتَنَا ثمّ لَمْ يُحْيْينَ قَتْلانَا يَصرعنَ ذا اللُّبّ حتى لا حَرَاكَ به ... وَهُنّ أضْعَفُ خَلْقِ اللهِ أرْكانَا قال: ما عمل شيئاً، أشعر منه أبو نواس حيث يقول: رَبعُ البِلى بَينَ الجُفُونِ مُحِيلُ، ... عَفّى عليه بكىً عَليكَ طَويلُ

الشعر ما دخل القلب بلا إذن

يا ناظِراً مَا أقلَعَتْ لَحَظَاتُهُ، ... حَتى تَشَحّطَ بَيْنَهُنّ قَتيل قال القاضي أبو الفرج: القول قول المأمون في رقة شعر أبي نواس. الشعر ما دخل القلب بلا إذن أخبرنا أبو تغلب عبد الوهاب بن علي قراءة عليه، حدثنا أبو الفرج المعافى بن زكريا الحريري إملاء، حدثنا إبراهيم بن عرفة الأزدي قال: استنشدني أبو سليمان داود بن علي الأصبهاني بعقب قصيدة أنشدته إياها، ومدحته فيها وسألته الجلوس. فأجابني وقال لي في شيء منها: لو بدلت مكانه. فقلت له: هذا كلام العرب. فقال: أحسن الشعر ما دخل القلب بلا إذن؛ هذا بعد أن بدلت الكلمة. فقال لي إنسان بحضرته: ما أشد ولوعك بذكر الفراق في شعرك! فقال سليمان: وأي شيء أمض من الفراق؟ ثم حكى عن محمد بن حبيب عن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير أنه قيل له: ما كان أبوك صانعاً حيث يقول: لَوْ كُنتُ أعلَمُ أنّ آخِرَ عَهدكِم ... يَوْمَ الفِراقِ فَعَلتُ مَا لم أفعَلِ قال: كان يقلع عينه وَلا يَرى مَظْعنَ أحبابه. موت الحب أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، أخبرنا أبو عمر بن حيويه، حدثنا العباس بن العباس الجوهري، حدثنا محمد بن موسى الطوسي أنشدني هلال بن العلاء الرقي: وَقد ماتَ قَبلي أوّلُ الحُبّ فَانقَضَى، ... فإنْ متُّ أمسَى الحُبُّ قد ماتَ آخرُه

معشوقان يختصمان

معشوقان يختصمان أخبرنا الجوهري، أخبرنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أبو الحسن العباس بن العباس الجوهري، حدثنا الطوسي: أنشدني هلال بن العلاء: أرَى كلَّ مَعشوقينِ غيرِي وَغيرهَا، ... يَلَذّانِ في الدُّنيا وَيَغْتَبِطانِ وَأُمسِي وتُمسي في البِلادِ كأنّنا ... أسِيرانِ للأعْداءِ مُرْتَهَنانِ أُصلّي فأبكي في صلاتي لذكرِها، ... ليَ الويلُ مِمّا يكتُبُ المَلَكانِ ضمِنتُ لهَا أن لا أهيمَ بغَيرِها، ... وقَدْ وثِقَتْ مني بغَيرِ ضَمانِ ألا يا عبادَ اللهِ قُومُوا تَسَمّعُوا ... خُصُومَةَ مَعْشُوقَينِ يَختَصِمانِ وفي كلِّ عامٍ يَسْتَجِدّانِ مَرّةً ... عِتاباً وهَجراً، ثمّ يَصْطَلِحانَ يَعيشانِ في الدّنيا غَريبَيْنِ أينَمَا ... أقامَا وفي الأعْوامِ يَلْتَقِيانِ من يموت في الحب أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا محمد بن المرزبان، حدثنا هارون بن محمد، أخبرني أبو عبد الله القرشي، حدثني الحكم قال: قيل لرجل من بني عامر: هل تعرفون فيكم المجنون الذي قتله الحب. قال: إنما تموت من الحب هذه اليمانية الضعاف القلوب.

يا حبها زدني جوى

يا حبها زدني جوى أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي، حدثنا محمد بن العباس، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا عبد الله بن مسلم المروزي قال: كان الأصمعي يقول: لم يكن مجنوناً، ولكن كانت به لوثة كلوثة أبي حية النميري، وهو أشعر الناس، على أنهم قد نحلوه شعراً كثيراً مثل قول أبي صخر الهذلي: أمَا والذي أبْكَى وأضْحكَ، والذي ... أمَات وأحيا، والذي أمرُهُ الأمرُ لقد تَركَتْني أحسُدُ الوحشَ أن أرى ... أليفينِ مِنْهَا لا يَرُوعُهُما الذُّعرُ فَيَا حبَّها زِدني جَوىً كلَّ لَيلَةٍ، ... ويا سَلوةَ الأيّامِ مَوْعِدُك الحَشرُ ويا هجرَ لَيلى قَد بَلَغت بيَ المَدى، ... وزِدت على ما لم يكُن صَنَع الهَجرُ معاوية والفتى العذري أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي قراءة عليه، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال: قرئ على محمد بن المرزبان، وهو يسمع وأنا أسمع، حدثني محمد بن عبد الرحمن القرشي، حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا أبو محنف عن هشام بن عروة قال: أذن معاوية بن أبي سفيان للناس يوماً، فكان في من دخل عليه فتىً من بني عذرة، فلما أخذ الناس مجالسهم قام الفتى العذري بين السماطين، ثم أنشأ يقول: مُعاوِيَ! يا ذا الحِلمِ والفضْلِ والعقلِ، ... وذا البرِّ والإحسانِ وَالجُودِ وَالبَذلِ

أتَيتُكَ لمَّا ضاقَ في الأرْضِ مَسكني، ... وَأُنكِرْتُ مِمّا قد أصيبَ به عَقلي فَفَرِّجْ، كلاكَ اللهُ عَني، فإنّني ... لَقيتُ الذي لم يَلْقَهُ أحَدٌ قَبلي وَخُذْلي، هَداكَ اللهُ، حَقّي من الذي ... رَمَاني بِسَهمٍ كانَ أهوَنَهُ قَتلي وكنتُ أُرجّي عَدْلَهُ إذْ أتَيْتُهُ، ... فأكثر ترْدَادي مَع الحبَسِ والكَبلِ فَطَلّقْتُها من جُهدِ ما قد أصابَني، ... فهذا أميرَ المؤمِنِينَ مِن الَعدلِ؟ فقال له معاوية: ادن. بارك الله عليك، ما خطبك؟ فقال: أطال الله بقاء أمير المؤمنين! إنني رجل من بني عذرة تزوجت ابنة عم لي. وكانت لي صرمة من إبل وشويهات، فأنفقت ذلك عليها، فلما أصابتني نائبة الزمان وحادثات الدهر رغب عني أبوها، فكرهت مخالفة أبيها، فأتيت عاملك ابن أم الحكم، فذكرت ذلك له، وبلغه جمالها، فأعطى أباها عشرة آلاف درهم وتزوجها، وأخذني فحبسني وضيق علي، فلما أصابني مس الحديد وألم العذاب طلقتها، وقد أتيتك، يا أمير المؤمنين وأنت غياث المحروب، وسند المسلوب، فهل من فرج؟ ثم بكى. وقال في بكائه: في القَلْبِ مِنّي نَارُ، ... والنّارُ فِيهَا شَنَارُ وفي فُؤادِيَ جَمْرٌ، ... وَالجَمْرُ فِيهِ شَرَارُ وَالجِسْمُ مِنّي نَحيلٌ، ... وَاللّونُ فيهِ اصْفِرارُ وَالعَينْ تَبْكي بِشَجْوٍ ... فَدَمْعُهَا مِدرَارُ وَالحبُّ دَاءٌ عَسِيرٌ ... فِيهِ الطّبيبُ يَحَارُ

حَمَلْتُ مِنْهُ عَظيماً ... فَمَا عَلَيْهِ اصْطِبارُ فَلَيسَ لَيْليَ لَيْلاً، ... وَلا نَهَاري نَهَارُ فرق له معاوية، وكتب له إلى ابن أم الحكم كتاباً غليظاً، وكتب في آخره: رَكِبْتَ أمراً عظيماً لَسْتُ أعْرِفُهُ ... أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ جَوْرِ امرِئٍ زَانِ قَد كُنتَ تُشبِهُ صُوفياً لَهُ كُتُبٌ ... مِنَ الفَرَائِضِ أوْ آيَاتُ فُرقانِ حَتى أتَاني الفَتى العُذرِيُّ مُنْتَحِباً، ... يَشكُو إليّ بحَقٍّ غَيرِ بُهْتَانِ أُعْطِي الإلَهَ عُهُوداً لا أخيسُ بهَا ... أوْ لا فأبْرَأُ من دينٍ وَإيمانِ إنْ أنْتَ رَاجَعْتَنِي في مَا كَتَبْتُ بهِ ... لأجْعلنّكَ لحماً بَينَ عُقْبَانِ طَلّقْ سُعَادَ، وَفَارِقْها بمُجتَمَعٍ، ... وَأشهِد على ذاك نَصراً وَابنَ طِيبانِ فَمَا سَمْعتُ كمَا بُلّغتُ من عَجَبِ، ... وَلا فعَالُكَ حقّاً فِعْلَ إنْسَانِ فلما ورد كتاب معاوية على ابن أم الحكم تنفس الصعداء وقال: وددت أن أمير المؤمنين خلى بيني وبينها سنةً، ثم عرضني على السيف؛ وجعل يؤامر نفسه في طلاقها ولا يقدر، فلما أزعجه الوفد طلقها، ثم قال: اخرجي يا سعاد، فخرجت شكلةً غنجة، ذات هيبة وجمال، فلما رآها الوفد قالوا: ما تصلح هذه إلا لأمير المؤمنين لا لأعرابي؛ وكتب جواب كتابه: لا تَحْنَثَنّ، أمِيرَ المؤمِنِينَ، وَفي ... بِعَهْدِكَ اليَوْمَ في رِفْقٍ وَإحسَانِ وَمَا رَكِبتُ حَرَاماً حِينَ أعْجبَنِي، ... فَكيْفَ سُمّيتُ باسمِ الخائنِ الزّاني!

وَسَوْفَ تأتيكَ شَمْسٌ لا خَفَاءَ بهَا ... أبْهَى البَرِيّةِ من إنْسٍ وَمن جَانِ حَوْرَاءُ يَقصُرُ عنها الوَصْفُ إن وصِفتْ، ... أقُولُ ذَلكَ في سِرٍّ وَإعلانِ فلما ورد على معاوية الكتاب قال: إن كانت أعطيت حسن النغمة مع هذه الصفة، فهي أكمل البرية، فاستنطقها، فإذا هي أحسن الناس كلاماً، وأكملهم شكلاً ودلاً، فقال: يا أعرابي! هل من سلو عنها بأفضل الرغبة؟ قال: نعم، إذا فرقت بين رأسي وجسدي، ثم أنشأ يقول: لا تَجعَلَنِّي، والأمثالُ تُضرَبُ بي، ... كَالمُسْتَغيثِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنّارِ أُرْدُدْ سُعَادَ على حَرّانَ مُكْتَئِبٍ ... يُمسي ويُصْبِحُ في هَمٍّ وّتّذكارِ قَدْ شَفّهُ قَلَقٌ مَا مِثْلَهُ قَلَقٌ، ... وَأُشْعِرَ القَلْبُ مِنْهُ أيَّ إشْعَارِ وَاللهِ وَاللهِ لا أنسَى مَحَبَّتَها ... حَتى أُغيَّبَ في رَمْسٍ وَأحْجارِ كَيْفَ السُّلُوُّ وَقَدْ هَامَ الفُؤادُ بهَا ... وَأصْبَحَ القَلْبُ عَنْها غَيرَ صَبّارِ قال: فغضب معاوية غضباً شديداً، ثم قال لها: اختاري، إن شئت، أنا، وإن شئت ابن أم الحكم؛ وإن شئت الأعرابي، فأنشأت سعاد تقول: هَذا، وَإنْ أصْبَحَ في أطمارِ، ... وكان في نَقصٍ مِنَ اليَسارِ أعَزُّ عِنْدِي مِنْ أبي وَجَارِي، ... وَصَاحِبِ الدِّرْهَمِ وَالدّينَارِ أخشَى، إذا غَدَرْتُ، حَرَّ النّارِ فقال معاوية: خذها لا بارك الله لك فيها، فأنشأ الأعرابي يقول: خَلُّوا عَنِ الطَّرِيقِ للأعرابي، ... إنْ لمْ تَرقّوا وَيحَكُمْ لِمَا بي قال: فضحك معاوية وأمر له بعشرة آلاف درهم، وناقة ووطاء، وأمر بها، فأدخلت بعض قصوره حتى انقضت عدتها من ابن أم الحكم ثم أمر بدفعها إلى الأعرابي.

المحب يسيء الظنون

المحب يسيء الظنون أخبرنا أبو محمد الحسن، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس، حدثنا ابن المرزبان أنشدني أبو العباس محمد بن يعقوب: ألا ليتَ شِعرِي، على نأيِكُم، ... أنَاسُونَ للعَهدِ أمْ حَافِظُونَا وَلا لَوْمَ إنْ سَاءَ ظَنّي بكُم، ... كذاكَ المُحبُّ يُسِيءُ الظنّونا اللهم فرج ما ترى أخبرنا القاضيان أبو الحسين أحمد بن علي التوزي وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قالا: حدثنا أبو عمر بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف، حدثني إسحق بن محمد بن إبان، أخبرني بعض البصريين قال: مر أبو السائب المخزومي بسوداء تستقي وتسقي بستاناً. قال: ويلك! ما لك؟ قالت: صديقي عبد بني فلان كان يحبني وأحبه، ففطن بنا، فقيده مواليه وصيرني مولاي في هذا العمل. فقال أبو السائب: والله لا يجمع عليك ثقل الحب وثقل ما أرى. وقام مقامها في الزرنوق، فكل الشيخ وعرق، فجعل يمسح العرق ويقول: اللهم فرج ما ترى.

يا رب باك شجوه

يا رب باك شجوه أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري بقراءتي عليه، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن القاسم الأنباري، حدثنا أبو العباس محمد بن يحيى قال: قال أبو سعيد عبد الله بن شبيب: أنشدني علي بن طاهر بن زيد بن حسن بن علي بن أبي طالب لبعض المدنيين: ألا رُبّ مَشغُوفٍ بِمَا لا يَنَالُهُ، ... غداةَ تُسَاقُ المُشعَرَاتُ إلى النّحرِ غداةَ تُوَافي أهْلَ جَمْعٍ، ضُحيّةً، ... لدى الجمرَة القُصْوَى أولو الجمم الغُبرِ وَللرّمي إذْ تُبْدِي الحِسانُ أكُفَّها، ... وَتَفْتَرّ بالتّكْبيرِ عَنْ شَنَبِ غُرّ فَيَا رُبّ بَاكِ شَجوَهُ، وَمُعَوِّلٍ، ... إذا مَا رأى الأطنَابَ تُنْزَعُ للنَّفرِ قال أبو بكر بن الأنباري: الشنب الثغر البارد، والشنب: برد الأسنان، والغر: البيض. ليلى الملاحين أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين الوكيل بقراءتي عليه سنة أربعين وأربعمائة، أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدل، حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم، حدثني أبي، حدثنا أحمد بن عبيد قال: قعد رجل في سفينة فسمع الملاحين يذكرون ليلى، وكان يهواها، فأنشأ يقول: فَويحكَ يا مَلاّحُ! أرّقَ لَيْلَنا ... دعاؤكَ لَيلى، وَالسّفِينُ تَعُومُ

النسيم المنيم الموقظ

لَعلّك إن طالَتْ حَياتُكَ أن تَرى ... حَبَائِبَكَ اللاّتي بِهِنّ تَهيمُ أجدَّكَ مَا تُنْسِيكَهُنّ مُلِمّةٌ، ... ألمّت، وَلا عهْدٌ بهِنّ قَديمُ النسيم المنيم الموقظ أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي إجازة، وحدثنا أحمد بن علي الحافظ عنه، أخبرنا أحمد بن محمد بن العباس الأخباري أنشدني أبو نضلة لنفسه: وَلمّا التَقَيْنَا للوَداعِ، وَلَمْ يَزَلْ ... يُنيلُ لِثَاماً دَائِماً وَعِنَاقَا شَمَمتُ نَسيماً منهُ يَستجلبُ الكَرَى، ... وَلَوْ رَقَدَ المَخْمُورُ فِيهِ أفَاقَا حديث كجنى النحل أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الخلال بقراءتي عليه، سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة، حدثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان، حدثنا محمد بن الحسين بن حميد الخزاز، أخبرني علي بن محمد المرهبي أنشدني بعض أصحابنا لذي الرمة: وَلمّا تَلاقَيْنَا جَرَتْ مِنْ عُيونِنَا ... دُمُوعٌ كَفَفْنَا مَاءَهَا بالأصابعِ وَنِلْنا سِقَاطاً مِن حَديثٍ كأنّهُ ... جنى النحلِ ممزُوجاً بماءِ الوَقائعِ

الصوفي والوجه الجميل

الصوفي والوجه الجميل أخبرنا أبو إسحق إبراهيم بن سعيد بفسطاط مصر بقراءتي عليه، أخبرنا أبو صالح السمرقندي، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن القاسم بن أليسع، حدثنا أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري، حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال: قال أبو حمزة الصوفي: حدثني عبد الله بن الزبير الحنفي قال: كنت جالساً مع أبي النظر الغنوي، وكان من المبرزين الخائفين العابدين، فنظر إلى غلام جميل فلم تزل عيناه واقفتين عليه. حتى دنا منه. فقال له: سألتك بالله السميع وعزه الرفيع وسلطانه المنيع ألا وقفت علي أروى من النظر إليك! فوقف قليلاً ثم ذهب. فقال له: سألتك بالحكيم المجيد الكريم المبدي المعيد ألا وقفت! فوقف ساعةً، فأقبل يصعد النظر فيه ويصوبه ثم ذهب، فقال: سألتك بالواحد الجبار الصمد الذي لم يلد ولم يولد إلا وقفت! فوقف ساعةً ثم نظر إليه طويلاً، ثم ذهب، فقال: سألتك باللطيف الخبير السميع البصير، وبمن ليس له نظير ألا وقفت! فوقف فأقبل ينظر إليه ثم أطرق إلى الأرض. ومضى الغلام، فرفع رأسه بعد طويل، وهو يبكي، وقال: لقد ذكرني هذا بنظري إليه وجهاً جل عن التشبيه، وتقدس عن التمثيل، وتعاظم عن التحديد، والله لأجهدن نفسي في بلوغ رضاه بمجاهدتي جميع أعدائه، وموالاتي لأوليائه حتى أصير إلى ما أردته من نظري إلى وجهه الكريم وبهائه العظيم، ولوددت أنه قد أراني وجهه وحبسني في النار ما دامت السموات والأرض؛ ثم غشي عليه.

قيس ولبنى

قيس ولبنى أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي إجازة، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا أبو بكر محمد بن خلف، حدثنا أبو بكر العامري، حدثنا سليمان بن أبي شيخ، حدثنا أيوب ابن عباية قال: خرج قيس بن ذريح إلى المدينة يبيع ناقة له، فاشتراها زوج لبنى وهو لا يعرفه، فقال له: انطلق معي أعطك الثمن، فمضى معه. فلما فتح الباب، فإذا لبنى، وقد استقبلت قيساً، فلما رآها ولى هارباً، وخرج الرجل في أثره بالثمن ليدفعه إليه، فقال له قيس: لا تركب لي والله مطيتين أبداً. قال: أنت قيس بن ذريح؟ قال: نعم! قال: هذه لبنى قد رأيتها فقف حتى أخيرها، فإن اختارتك طلقتها، وظن القرشي أن له في قلبها موضعاً، وأنها لا تفعل. قال له قيس: افعل. فدخل القرشي عليها، فخيرها، فاختارت قيساً. فطلقها، وأقام قيس ينتظر انقضاء عدتها ليتزوجها، فماتت في العدة. بهرام جور وابنه الخامل أنبأنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الرحيم بن أحمد المازني الكاتب، حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي، حدثنا عيسى بن محمد أبو ناظرة السدوسي، حدثني قبيصة بن محمد المهلبي، أخبرني اليمان بن عمرو مولى ذي الرئاستين قال: كان ذو الرئاستين يبعثني ويبعث أحداثاً من أحداث أهله إلى شيخ بخراسان، له أدب وحسن معرفة بالأمور، ويقول لنا: تعلموا منه الحكمة، فإنه حكيم، فكنا نأتيه، فإذا انصرفنا من عنده، سألنا ذو الرئاستين

واعترض ما حفظناه، فنخبره به. فقصدنا ذات يوم إلى الشيخ فقال: أنتم أدباء، وقد سمعتم ولكم جدات، ونعم، فهل فيكم عاشق؟ فقلنا: لا! فقال: اعشقوا، فإن العشق يطلق اللسان العيي ويفتح حيلة البليد والمخبل، ويبعث على التنظف وتحسن اللباس، وتطييب المطعم، ويدعو إلى الحركة والذكاء، وتشرف الهمة، وإياكم والحرام! فانصرفنا من عنده إلى ذي الرئاستين، فسألنا عما أخذنا في يومنا ذلك، فهبنا أن نخبره، فعزم علينا، فقلنا: إنه أمرنا بكذا وكذا. قال: صدق والله، تعلمون من أين أخذ هذا؟ قلنا: لا! قال: إن بهرام جور كان له ابن، وكان قد رشحه للأمر من بعده، فنشأ الفتى ناقص الهمة ساقط المروءة خامل النفس، سيء الأدب، فغمه ذلك، ووكل به المؤدبين والمنجمين والحكماء ومن يلازمه ويعلمه، وكان يسألهم عنه، فيحكمون له ما يغمه من سوء فهمه وقلة أدبه، إلى أن سأل بعض مؤدبيه يوماً، فقال له المؤدب: قد كنا نخاف سوء أدبه، فحدث من أمره ما صيرنا إلى اليأس من فلاحه. قال: وما ذاك الذي حدث؟ قال: رأى ابنة فلان المرزبان، فعشقها حتى غلبت عليه، فهو لا يهذي إلا بها، ولا يتشاغل إلا بذكرها. فقال بهرام: الآن رجوت فلاحه. ثم دعا بأبي الجارية. فقال له: إني مسر إليك سراً، فلا يعدونك، فضمن له ستره، وأعلمه أن ابنه قد عشق ابنته، وأنه يريد أن ينكحها إياه، وأمره أن يأمرها بإطماعه في نفسها، ومراسلته من غير أن يراها وتقع عينه عليها، فإذا استحكم طمعه فيها، تجنت عليه وهجرته، فإن استعتبها أعلمته أنها لا تصلح إلا لملك ومن همته همة ملك، وأنها تمنع من مواصلتها من لا يصلح للملك. ثم ليعلمه خبرها وخبره. ولا يطلعها على ما أسر إليه، فقبل أبوها ذلك منه، ثم قال للمؤدب الموكل

بولده: شجعه على مراسلة المرأة، ففعل ذلك، وفعلت المرأة ما أمرها به أبوها. فلما انتهت إلى التجني عليه، وعلم الفتى السبب الذي كرهته له أخذ في الأدب وطلب الحكمة والعلم والفروسية والرماية وضرب الصوالجة، حتى مهر في ذلك. ثم رفع إلى أبيه أنه محتاج إلى الدواب والآلات والمطاعم والملابس والندماء إلى فوق ما تقدم له، فسر الملك بذلك، وأمر له به. ثم دعا مؤدبه فقال: إن الموضع الذي وضع به ابني نفسه من حيث هذه المرأة لا يزري به، فتقدم إليه أن يرفع إلي أمرها ويسألني أن أزوجه إياها. ففعل، فرفع الفتى ذلك إلى أبيه، فدعا بأبيها فزوجها إياه، وأمر بتعجيلها إليه، وقال: إذا اجتمعا فلا تحدث شيئاً حتى أصير إليك. فلما اجتمعا صار إليه فقال: يا بني لا يضعن منها عندك مراسلتها إياك وليست في حبالك، فإني أنا أمرتها بذلك. وهي أعظم الناس منةً عليك، بما دعتك إليه من طلب الحكمة والتخلق بأخلاق الملوك حتى بلغت الحد الذي تصلح معه للملك من بعدي. وزدها من التشريف والإكرام بقدر ما تستحق منك. ففعل الفتى ذلك وعاش مسروراً بالجارية، وعاش أبوه مسروراً به، وأحسن ثواب أبيها، ورفع مرتبته وشرفه بصيانته سره وطاعته. وأحسن جائزة المؤدب بامتثاله ما أمره وعقد لابنه على الملك بعده. قال اليماني مولى ذي الرئاستين، ثم قال لنا ذو الرئاستين: سلوا الشيخ الآن لم حملكم على العشق؟ فسألناه، فحدثنا بحديث بهرام جور وابنه.

فؤادي! فؤادي

فؤادي! فؤادي أخبرنا أبو القاسم المحسن بن حمزة الشرطي، رحمه الله تعالى، بقراءتي عليه بتنيس في كتاب التسلي، حدثنا أبو علي الحسن بن علي الديبلي الكوفي، حدثني جماعة من أهل طبرية منهم أبو يعقوب وأبو علي ابنا يعقوب الحذاء وأبو الحسين بن أبي الحارث وأبو الفرج الصوفي وغيرهم. أنه كان عندهم رجل صوفي يعرف بالقاسم الشراك وكانت له عنيزات يرعاهن. وقال لي بعضهم: إنه لم يكن يحضر معهم مجالس السماع، ويجتذبونه إلى ذلك فلم يكن له رغبة فيه. قالوا: فبينا هو يرعى عنيزاته إذ سمع صبياً من صبيان الصحراء يغني في حقل: إنّ هَوَاكَ الذي بِقلْبي ... صَيّرَني سَامعاً مُطِيعا أخذتَ قَلبي وَغُمْضَ طَرْفي، ... سَلَبَتني العَقلَ وَالهُجوعا فذَرْ فُؤداي، وّخذْ رُقادي ... فقال: لا بَلْ هُما جَمِيعَا فَرَاحَ مِنّي بحَاجَتَيْهِ، ... وَبِتُّ تحتَ الهوَى صَريعَا قال: فاعتراه طرب شديد، فقال للصبي، وأقبل نحوه: كيف قلت؟ ففزع الصبي وعدا، وهو يقول: لا بأس عليك! كيف قلت يا صبي؟ فلم يقف له ورجع إلى قصائدي كان لهم بطبرية يقال له حميد الفاخوري، حاذق بهذا المعنى، فتردد إليه ثلاثة أيام يردد عليه هذه الأبيات، ثم تخلف في منزله عليلاً، يصيح: فؤداي فؤادي، إلى أن قضى، رحمه الله تعالى.

الحب يعلن الجنون

الحب يعلن الجنون أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد الاردستاني بقراءتي عليه في المسجد الحرام، حدثنا أبو القاسم الحسن بن حبيب المذكر، حدثنا أبو علي الحسن بن أحمد الصوفي، حدثني يحيى بن سليمان، سمعت محمد بن الزيات يقول: قلت لغورك يوماً: متى حدث بك هذا العشق؟ قال: مذ زمان، إلا أني كنت أكتمه، فلما غلب علي بحت به. قلت: أنشدني من أحسن ما قلت في ذلك! فقال: كَتَمتُ جُنُوني، وَهوَ في القَلبِ كامنٌ، ... فَلَمّا استَوَى وَالحُبُّ أعلَنَهُ الحبُّ وخَلاّهُ وَالجِسْمُ الصّحيحَ يُذِيبُهُ، ... فلمّا أذَابَ الجِسْمَ ذلّ له القَلبُ فجِسمي نَحيلٌ للجُنُونِ وَللهَوَى، ... فَهذا لَهُ نَهبٌ، وَهذا له نَهبُ نار الهوى أحر من الجمر أخبرنا أبو بكر الاردستاني بمكة أيضاً، حدثنا الحسن بن حبيب أنشدني عبد العزيز بن محمد بن النضر الفهري لماني: زَعَموا أن من تَشاغلَ باللّذا ... تِ عَمّنْ يُحِبّهُ يَتَسَلّى كذّبوا وَالذي تُساقُ لَهُ البُدْ ... نُ وَمَن عاذَ بالطَّوافِ وَصَلّى إنّ نَارَ الهَوَى أحَرُّ من الجَمْ ... رِ على قَلبِ عاشِقٍ يَتَقَلّى

ماتا معتنقين

ماتا معتنقين وجدت بخط أحمد بن محمد بن علي الأبنوسي، ونقلته من أصله، حدثنا أبو علي محمد بن عبد الله بن المغيرة الجوهري، حدثنا أحمد بن محمد بن أسد الأزدي، حدثنا الساجي عن الأصمعي قال: رأيت بالبادية رجلاً قد دق عظمه، وضؤل جسمه، ورق جلده، فتعجبت فدنوت منه أسأله عن حاله، فلم يرد جواباً، فسألت جماعةً حوله عن حاله، فقالوا: اذكر له شيئاً من الشعر يكلمك، فقلت: سَبَقَ القَضَاءُ بأننّي لكّ عَاشِقٌ، ... حتى المّماتِ، فأينَ منكَ مَذاهبي؟ فشهق شهقة ظننت أن روحه قد فارقته، ثم أنشأ يقول: أخلُو بذِكْرِكّ لا أُرِيدُ محَدّثاً، ... وكَفَى بذلِكَ نِعمةً وَسُرورا أبكي فيُطرِبُني البُكاءُ، وَتارةً ... يأبى، فيأتي مَنْ أُحِبُّ أسِيرا فَإذا أنَا سَمْحٌ بِفُرْقَةِ بينِنا، ... أُعقِبتُ مِنهُ حَسرَةً وزَفِيرَا قال، فقلت: أخبرني عن حالك؟ قال: إن كنت تريد علم ذلك، فاحملني وألقني على باب تلك الخيمة! ففعلت، فأنشأ يقول بصوت ضعيف يرفعه جهده: ألا مَا للمَليحةِ لا تَعُودُ، ... أبُخلٌ ذاكَ منها أمْ صُدُودُ؟ فلَوْ كنتِ المَرِيضةَ جئتُ أسعى ... إلَيكِ، وَلم يُنَهنِهْني الوَعيدُ فإذا جارية مثل القمر قد خرجت، فألقت نفسها عليه، فاعتنقا، وطال ذلك فسترتهما بثوبي خشية أن يراهما الناس. فلما خفت عليهما الفضيحة. فرقت بينهما، فإذا هما ميتان، فما برحت حتى صليت عليهما، ودفنا، فسألت عنهما فقيل لي: عامر بن غالب وجميلة بنت أميل المزنيان، فانصرفت.

عبد الله بن عجلان صاحب هند

؟ عبد الله بن عجلان صاحب هند أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، أخبرنا محمد بن المرزبان، حدثنا أبو بكر العامري، أخبرني سليمان بن الربيع الكاذي، حدثني عبد العزيز بن الماجشون عن أيوب عن ابن سيرين قال: عبد الله بن عجلان هو صاحب هند بنت كعب بن عمرو، وإنه عشقها، فمرض مرضاً شديداً، حتى ضني، فلم يدر أهله ما به، فدخلت عليه عجوز، فقالت: إن صاحبكم عاشق، فاذبحوا له شاة، وأتوه بكبدها، وغيبوا فؤادها. قال: ففعلوا وأتوه بها، فجعل يرفع بضعةً ويضع أخرى ثم قال: أما لشاتكم قلب؟ فقال أخوه: ألا أراك عاشقاً ولم تخبرنا. فبلغني أنه قال لهم بعد ذلك: آه! ومات. عاشق جارية أخته أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس، حدثنا أبو بكر بن المرزبان إجازة، حدثني محمد بن علي عن أبيه علي بن ابن دأب قال: عشق جاريةً لأخته، وكان سبب عشقه إياها أنه رآها في منامه فأصبح مستطاراً عقله ساهياً قلبه، فلم يزل كذلك حيناً لا يزداد إلا حباً ووجداً، حتى أنكر ذلك أهله وأعلموا عمه عما كان له، فسأله عن حاله، فلم يقر له بشيء، وقال: علة أجدها في جسمي، فدعا له أطباء الروم، فعالجوه بضروب من العلاج، فلم يزده علاجهم له إلا شراً، وامتنع من الطعام والكلام،

من غزل ابن السراج

فلما رأوا ذلك منه اجتمعوا على أن يوكلوا به امرأةً، فتسقيه الخمر حتى يبلغ منه دون السكر، فإن ذلك يدعوه إلى الكلام والبوح بما في نفسه، فعزم رأيهم على ذلك وأعلموا عمه ما اتفقوا عليه، فبعث إليه بقينة يقال لها حمامة، ووكل به حاضنةً كانت له، فلما أن شرب الفتى غنت الجارية قدامه، فأنشأ يقول: دَعوني لما بي وَانهَضوا في كَلاءةٍ ... من اللهِ، قد أيقَنتُ أن لَستُ باقِيَا وَأن قد دَنا مَوتي وحانَت منيّتي، ... وَقد جَلَبت عَيني عليّ الدوَاهِيا أمُوتُ بشَوْقٍ في فُؤادي مُبرِّحٍ ... فَيَا وَيْحَ نَفسِي مَن به مثلُ ما بيَا قال: فصارت الحاضنة والقينة إلى عمه، فأخبرتاه الخبر، فاشتدت له رحمته، فتلطف في دس جارية من جواريه إليه، وكانت ذات أدب وعقل، فلم تزل تستخرج ما في قلبه حتى باح لها بالذي في نفسه، فصارت السفيرة فيما بينه وبين الجارية، وكثرت بينهما الكتب، وعلمت أخته بذلك فانتشر الخبر، فوهبتها له فبرأ من علته، وأقام على أحسن حال. من غزل ابن السراج قال ابن السراج: لي من جملة قصيدة كتبت بها إلى القاضي أبي مسلم ابن أخي أبي العلاء المعري أولها: إنّ غَرَامي، يَا أبَا مُسْلِمِ، ... إلى غَرِيمي، في الهَوَى مُسلِمي فَلا تَسَلْ يَوْمَ النَّوَى عن دَمٍ ... سَالَ مِنَ الأجفانِ كالعَندَمِ

ومنها: حَتى بَدَتْ لي من مِنىً ظَبيَةٌ ... ما بَينَ شعبِ الخَيفِ وَالمأزَمِ أعَرْتُهَا طَرْفَ خَليٍّ مِنَ ال ... وَجدِ، فغارَتْ وَاستَحَلّت دمي فقُلتُ، وَالأجفانُ مُنْهَلّةٌ، ... من سَقَمٍ في جفنِها مُسقمِي أللهَ يا ظبيَةَ خَيْفَي مِنى ... في مُحْرِمٍ لِوْلاكِ لمْ يُحرِمِ وإنّما حجَّ ليلقاكِ في ... جُملةِ من يلقاكِ في الموسِمِ أبَحتِ ما حَرّمَهُ اللهُ مِنْ ... قَتلِ حَنيفٍ نَاسِكٍ مُحْرِمِ رُدّي عَلَيهِ قَلبَهُ تُؤجَرِي ... وَلا تُبيحي دَمَهُ تأثَمي لا تَقتُلِيه، فَلَهُ مَعشَرٌ، ... مَا الدّهرُ من بأسهِمْ مُحتَمي قال: ولي من أبيات كتبت بها إلى بعض أهل الأدب بديار مصر: فَلَوْ كُنتَ شَاهِدَنا، وَالرّقِي ... بُ ينظرُ شَزْراً إلينا قِيامَا نَفُضّ عَنِ العَتبِ خَاتَامَهُ، ... وَقَد هَتَكتْ وَهَتكْتُ اللِّثاما وَعِفّتُنا حَاجِزٌ بَيْننَا ... وَلَوْ تَلْفَت مُهجَتَانَا غَرَاما فإنْ لم أمُتْ حَسرَةً، يا سُعا ... دُ، فقد ذقتُ قبلَ الحِمام الحِماما

بكاء الزنجي

بكاء الزنجي حدثنا محمد بن خلف، أخبرني عبد الجبار بن خلف قال: قال المزني: بينا أنا بنواحي مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم، إذا أنا بزنجي يبكي على إلف كان له وهو يقول: أيَا دَهرُ ما هذا لنا مِنكَ مَرّةً، ... عثرتَ فأقصَيتَ الحَبيبَ المُحَبَّبَا وَأبدلتْنِي مَنْ لا أُحِبُّ دُنُوَّهُ، ... وَأسقَيتَني صَاباً من العّذبِ مشرَبَا سوداء تنتقد ذا الرمة حدثنا محمد بن خلف، أخبرنا محمد بن الفضل، أخبرني أبي، أخبرنا القحذمي قال: دخل ذو الرمة الكوفة، فبينا هو يسير في بعض شوارعها على نجيب له، إذ رأى جاريةً سوداء واقفةً على باب دار، فاستحسنها، ووقعت بقلبه، فدنا إليها، فقال: يا جارية! اسقيني ماء. فأخرجت إليه كوزاً فيه ماء، فشرب فأراد أن يمازحها، ويستدعي كلامها، فقال: يا جارية! ما أحر ماءك! فقالت: لو شئت لأقبلت على عيوب شعرك وتركت حر مائي وبرده. فقال لها: وأي شعري له عيب؟ فقالت: ألست ذا الرمة؟ قال: بلى! قالت: فأنتَ الذي شَبَّهْتَ عَنزاً بقَفرةٍ، ... لها ذنبٌ فَوْقَ استِها، أمَّ سالمِ جَعَلتَ لهَا قَرْنَيْنِ فَوْقَ جَبينها، ... وَطَبييْنِ مسوَدّين مثلَ المَحاجِمِ وَساقَينِ إن يَستمكِنا منك يترُكا ... بجلدِكَ، يا غَيلانُ، مثلَ الميَاسِمِ أيَا ظبيَةَ الوَعساءِ بَينَ جَلاجِلٍ ... وَبينَ النَّقا آأنتِ أم أمُّ سَالمِ فقال: نشدتك بالله ألا أخذت راحلتي هذه وما عليها، ولا تظهري

الأصمعي يصف العشق

هذا! ونزل عن راحلته، فدفعها إليها وذهب ليمضي، فدفعتها إليه وضمنت ألا تذكر لأحد ما جرى. الأصمعي يصف العشق أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بالشام، أخبرني علي بن أيوب القمي، حدثني محمد بن عمران، حدثني علي بن هارون، أخبرنا محمد بن العباس عن الرياشي قال: قال الرشيد: يا أصمعي! ما العشق الذي على حقيقته؟ قال: قلت أن يكون ريح البصل منها أطيب عنده من ريح المسك والعنبر. العاشق على وجل قال محمد بن عمران: وأنشدني بعض أصحابنا عن أبي العباس المبرد لأبي حفص الشطرنجي: أتبَعتَ لما مَلكتَ الوَعدَ بالعِلَلِ ... لوْ صَحّ منك الهوَى أرْشدتَ للحِيَلِ قد كنتُ ممّا أرَاهُ خائِفاً وَجِلاً، ... وَلا تَرى عاشِقاً إلاّ على وَجَلِ

الرضاب الشبم

الرضاب الشبم ولي من أثناء قصيدة: فَتَنَتنِي أُمُّ خُشْفِ أوْدَعَتْ ... من هَوَاهَا في فُؤادي أسهُمَا وَظِباءٌ بحَطِيمِ مَكّةٍ، ... يَستَحِلّونَ بهِ سَفكَ الدِّمَا يَرْجعُ الصّائدُ عَنهُمْ مُخفِقَا ... وَيَصِيدُونَ الحَنيفَ المُسْلِمَا لَيْتَهُمْ إذ نَصَبُوا أشرَاكَهُم ... لقُلُوبِ الوَفدِ صَانُوا الحَرَمَا مَا عَلَيْهِمْ لَوْ أغَاثُوا صَادِياً ... فَسَقَوْهُ رِيقةً تَشفي الظَّمَا فَلَهُ عن زَمزَمٍ مَندوحَةٌ، ... إنْ أبَاحُوهُ الرُّضَابَ الشَّبِمَا ولي أيضاً من أثناء قصيدة: يا رَاحلِين عن الغَضَا، وَلِجَمرِهِ ... بَينَ الضّلُوعِ لَهِيُبُهُ وَضِرَامُهُ إنسَانُ عَيني مُنذُ حُمّ فِرَاقكم، ... ما إن يَزَالُ بمَائِهَا استِحمامُهُ هلْ عوْدةٌ ترْجى، وَجَيشُ نوَاكمُ، ... قد نُشّرَت لفرَاقِكُم أعلامُه؟ مجنون ليلى أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف، حدثني عبد الملك بن محمد الرقاشي، حدثني عبد الله بن المعدل قال: سمعت الأصمعي يقول: وذكر مجنون بني عامر قيس بن معاذ، ثم قال: لم يكن مجنوناً إنما كانت به لوثة، وهو القائل: وَلمْ أرَ ليلى بَعْدَ مَوْقِفِ سَاعَةٍ، ... بخَيفِ مِنى تَرْمي جمارَ المُحَصَّب

نظرة شافية

وتَبدي الحصَى منها، إذا قّذّفتْ بهِ، ... منَ البُرْدِ، أطرَافَ البَنَانِ المُخَضَّبِ وبه قال القحذمي لما قال المجنون، وهو قيس بن الملوح: قَضَاها لغَيرِي وَابَتلاني بِحُبّهَا، ... فهَلاَّ بشيءٍ غَيرِ لَيلى ابتَلانِيَا نظرة شافية أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس، حدثنا محمد بن خلف قال: وزعم ابن دأب أن معاذ بن كليب أحد بني نمير بن عوف بن عامر بن عقيل، وكان يعشق ليلى الأعلمية، من بني عقيل، وكان قد أقعده حبها من رجليه، فأتاه أخو ليلى بها، فلما نظر إليها وكلمته تحلل ما كان به وانصرف وقد عوفي. ذكر ليلى يعيد عقله قال أبو عبيدة: وكان المجنون يجلس في نادي قومه، وهم يتحدثون، فيقبل عليه بعض القوم، فيحدثه وهو باهت ينظر إليه ولا يفهم ما يحدثه، ثم يثوب عقله، فيسأل عن الحديث، فلا يعرفه، فحدثه مرةً بعض أهله بحديث، ثم سأله عنه في غد، فلم يعرفه، فقال: إنك لمجنون! فقال: إني لأجلِسُ في النّادي أُحَدّثُهُمْ، ... فأستفِيقُ، وَقَدْ غالَتنيَ الغُولُ يَهوي بقَلبي حدِيثُ النّفسِ نحوَكمُ ... حتى يَقُولَ جَلِيسي: أنتَ مخبُولُ قال أبو عبيدة: فتزايد الأمر به حتى فقد عقله، وكان لا يقر في موضع ولا يأنس برجل، ولا يعلوه ثوب إلا مزقه، وصار لا يفهم شيئاً مما يكلم به إلا أن تذكر له ليلى، فإذا ذكرت أتى بالبدائه ورجع عقله.

بيت ربي

بيت ربي أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد القطيعي، حدثنا الحسين بن صفوان، حدثنا عبد الله بن محمد القرشي، حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي عن محمد بن يزيد عن خنيس عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: دخل قوم حجاج، ومعهم امرأة تقول: أين بيت ربي؟ فيقولون: الساعة ترينه، فلما رأوه قالوا: هذا بيت ربك، أما ترينه؟ فخرجت وهي تقول: بيت ربي بيت ربي، حتى وضعت جبهتها على البيت، فوالله ما رفعت إلا ميتة. ما أحلاك مولاي أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين، حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا الحسين بن صفوان، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا عبيد الله بن محمد القرشي، حدثني محمد بن مسعر عن رياح القيسي قال: بينا أنا أطوف بالبيت، إذ سمعت امرأةً تقول: خداه خداه شيرين خداه، قال: فاصطكت، والله، ركبتاي حتى سقطت، قالت: مولاي مولاي ما أحلاك مولاي. تموت متضرعة وبإسناده: حدثنا محمد بن الحسين وغير واحد قالوا: حدثنا وهب بن جرير، حدثني أبي عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير قال: ما رأيت أحداً أرعى لحرمة هذا البيت ولا أحرص عليه منكم يا أهل البصرة، لقد رأيت جارية منهم، ذات ليلة، تعلقت بأستار الكعبة، وجعلت تدعو وتتضرع وتبكي حتى ماتت.

هجره تنزيها لله ولنفسه

هجره تنزيهاً لله ولنفسه أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، حدثنا علي بن أيوب القمي، حدثنا المرزباني، حدثني عمر بن يوسف الباقلاني قال: قال أبو حمزة محمد بن إبراهيم: قلت لمحمد بن العلاء الدمشقي، وكان سيد الصوفية، وقد رأيته يماشي غلاماً وضيئاً مدةً، ثم فارقه: لم هجرت ذلك الفتى الذي كنت أراه معك، بعد أن كنت له مواصلاً، وإليه مائلاً؟ قال: والله لقد فارقته عن غير قلىً ولا مللٍ. قلت: ولم فعلت ذاك؟ قال: رأيت قلبي يدعوني إلى أمر إذا خلوت به وقرب مني. لو أتيته لسقطت من عين الله تعالى. فهجرته لذلك تنزيهاً لله تعالى، ولنفسي عن مصارع الفتن، وإني لأرجو أن يعقبني سيدي من مفارقته ما أعقب الصابرين عن محارمه عند صدق الوفاء بأحسن الجزاء، ثم بكى حتى رحمته. ألا أيها الواشي أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي الخلال، رحمه الله تعالى، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى، أنبأنا أبو بكر محمد بن القاسم أنشدني أبي لقيس بن الملوح: ألا أيّها الوَاشِي بلَيلى ألا تَرَى ... إلى من تَشِي أوْ من به جئتَ وَاشيَا لعمرُ الذي لمْ يَرْضَ حتى أُطِيعَهُ ... بهجرَانهَا لا يُصْبحُ، الدّهرَ، رَاضِيَا دعاني أمُتْ، يا عاذلِيَّ، بدائِيَا، ... وَلا تَلحَيَاني لا أُحِبّ اللّواحِيَا إذا نحنُ رُمنا هَجرهَا ضَمّ حُبَّهَا ... صَميمُ الحشا ضَمَّ الجناحِ الخوَافِيَا

دم العشاق غير حرام

دم العشاق غير حرام ولي من أبيات: يا ساكِني البَلَدِ الحَرَامِ! أعِندكم ... حِلٌّ دَمُ العُشّاقِ غيرُ حَرَامِ قالوا: أما لكَ في جَميلٍ أُسوَةٌ ... وَالعَامِرِيّ وَعُرْوَةِ بنِ حِزَامِ لمّا شكَوْتُ صَدىً إلى بَرْدِ اللَّمَى ... وَتَيَقّنُوا أني إلَيْهِ ظَامِي قالوا: عليكَ بماء زَمَزمَ! قَلتُ، ما ... في مَاءِ زَمَزمَ ما يَبُلّ أُوَامِي قالوا: فقد حَظَرَ العفافُ وُرُودَه، ... وَالصَّوْنُ، بَعدُ، وَمِلّةُ الإسلامِ حب السودان أخبرنا القاضيان أبو الحسين أحمد بن علي التوزي وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قالا: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان، حدثني القحطبي، أخبرني بعض الرواة قال: بينا أنا يوماً على ركي قاعد، وذلك في أشد ما يكون من الحر، إذا أنا بجارية سوداء تحمل جرة لها، فلما وصلت إلى الركي وضعت جرتها، ثم تنفست الصعداء وقالت: حَرُّ هَجرٍ وَحَرُّ حُبٍّ وَحَرُّ، ... أينَ مِن ذا وَذا يكُونُ المَفَرُّ؟ وفي رواية أخرى: أي حر من بعد هذا أضر؟ وملأت الجرة، وانصرفت، فلم ألبث إلا يسيراً، حتى جاء أسود، ومعه جرة، فوضعها بحيث وضعت السوداء جرتها، فمر به كلب أسود فرمى إليه رغيفاً كان معه، وقال: أُحِبُّ لحُبّها السُّودَانَ حَتّى ... أُحِبُّ لحُبّها سُودّ الكِلابِ

ابن المهدي والسوداء

ابن المهدي والسوداء وبإسناده: حدثنا محمد بن خلف، أخبرني عبد الرحمن بن سليمان، حدثني محمد بن جعفر، حدثني أحمد بن موسى قال: دخلت على محمد بن عبيد الله بن المهدي، وقد قعد للشرب مع جواريه، فاحتشمت، فقال لي: لا تحتشم، ثم قال لي: بالله! من ترى لي أعشق من هؤلاء؟ فنظرت إلى سوداء كانت فيهن، فقلت: هذه، فقام، فقعد إلى جنبها، فوالله ما برحت حتى بكى من عشقها. كاد يخلع العذار ولي من أثناء قصيدة مدحت بها أحد بني منقذ: عَرَضَت لي لَمْيَاءُ بالخَيْفِ تحكي ... غُصُنَ البَانِ نَعمَةً وَقَوَاما تَتَمَشّى في نُسْوَةٍ كَظِبَاءِ الرَ ... ملِ يُخْفينَ بَيْنَهُنّ الكَلامَا كِدتُ أنْ أخلَعَ العذارَ، وَلَكنْ ... نِي تَحرّجتُ حيثُ كنتُ حَرَامَا ثمّ إني نَادَيتُ، وَالقَلبُ فِيهِ، ... شُعَلٌ للهَوَى تَزيدُ اضْطِرَامَا يا ابنَةَ القَوْمِ هل لَدَيكِ لِصَادٍ ... شرْبَةٌ من لَماكِ تَشفي الأُوَامَا؟ فأجابَت: إنّ العَفافَ وَإنّ الصْ ... صَوْنَ يَنهى عَن ذَاكَ وَالإسلامَا

صوت بأربعة آلاف دينار

صوت بأربعة آلاف دينار أخبرنا القاضيان أبو الحسين أحمد بن علي التوزي، وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قالا: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا محمد بن خلف المحولي، أخبرني أبو الفضل الكاتب عن أبي محمد العامري قال: قال إسماعيل بن جامع: كان أبي يعظني في الغناء، ويضيق، فهربت منه إلى أخوالي باليمن، فأنزلني خالي غرفة له مشرفة على نهر في بستان، فإني لمشرف منها، إذ طلعت سوداء معها قربةً، فنزلت إلى المشرعة، فجلست فوضعت قربتها وغنت: إلى اللهِ أشكُو بُخلَها وَسَمَاحَتي، ... لهَا عَسَلٌ مِني، وتَبْذُلُ عَلقَمَا فُردّي مُصَابَ القَلبِ أنتِ قَتَلتِهِ، ... وَلا تَترُكِيهِ هائِمَ القَلبِ مُغرَمَا وذرفت عيناها، فاستفزني ما لا قوام لي به، ورجوت أن ترده، فلم تفعل، وملأت القربة، ونهضت، فنزلت أعدو وراءها، وقلت: يا جارية! بأبي أنت وأمي ردي الصوت! قالت: ما اشغلني عنك! قلت: بماذا؟ قالت: علي خراج كل يوم درهمان. فأعطيتها درهمين، فتغنت وجلست حتى أخذته، وانصرفت، ولهوت يومي ذلك وكرهت أن أتغنى الصوت، فأصبحت وما أذكر منه حرفاً واحداً، وإذا أنا بالسوداء قد طلعت، ففعلت كفعلها الأول، إلا أنها غنت غير ذلك الصوت، فنهضت وعدوت في إثرها. فقلت: الصوت قد ذهب علي منه نغمة، قالت: مثلك لا يذهب عليه نغمة، فتبين بعضه ببعض، وأبت أن تعيده إلا بدرهمين، فأعطيتها ذلك، فأعادته فتذكرته، فقلت: حسبك! قالت: كأنك تكاثر فيه بأربعة دراهم، كأني والله بك، وقد أصبت به أربعة آلاف دينار. قال ابن جامع: فبينا أنا أغني الرشيد يوماً، وبين يديه أكياس في كل كيس ألف دينار، إذ قال: من أطربني، فله كيس، فغن لي الصوت، فغنيته، فرمى لي بكيس، ثم قال: أعد! فأعدت، فرمى لي بكيس،

يعتل لرؤيتها

وقال: أعد، فأعدت، فرمى لي بكيس، فتبسمت، فقال: ما يضحكك؟ قلت: يا أمير المؤمنين، لهذا الصوت حديث أعجب منه، فحدثته الحديث فضحك، ورمى إلي الكيس الرابع، وقال: لا تكذب قول السوداء، فرجعت بأربعة آلاف دينار. يعتل لرؤيتها أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ بالشام، حدثنا علي بن أيوب القمي، حدثنا محمد بن عمران، حدثنا عمر بن داود العماني، حدثني محمد بن علي بن الفضل بن المديني، حدثني الحسين بن علي المهلبي مولى لهم يعني الكرابيسي، أخبرني مسدد، حدثني عبد الوهاب في ما أحفظ أو غيره قال: كان زياد بن مخراق يجلس إلى إياس بن معاوية. قال: ففقده يومين أو ثلاثة، فأرسل إليه، فوجده عليلاً. قال: فأتاه، فقال: ما بك؟ فقال له زياد: علة أجدها. قال له إياس: والله ما بك حمّى، وما بك علة أعرفها، فأخبرني ما الذي تجد؟ فقال: يا أبا وائلة تقدمت إليك امرأة، فنظرت إليها في نقابها حين قامت من عندك، فوقعت في قلبي فهذه العلة منها. جرح تعز مراهمه ولي من أثناء قصيدة: وَشَرْبِ هَوىً دارَتْ عَلَيهِم كؤوسُه ... حِثاثاً، فكلُّ طائرُ القَلبِ هَائِمُهْ فلمّا انتَشَوْا عُلُّوا بكَأسِ تَفَرُّقٍ، ... فَنَغّصَ حُلوَ الشَّهدِ منهُ عَلاقِمُهْ رَمَى رَشأٌ من وَحشِ وَجْرَةَ مَقتَلي، ... وكنتُ على مرّ اللّيَالي أُسَالِمُهْ فَلَمْ يُخطِ سَوْدَاءَ الفُؤادِ بِسَهمِهِ، ... فَيَا لَكَ من جُرْحٍ تَعِزُّ مَرَاهِمُهْ

قتيل الهوى

؟ قتيل الهوى أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بالشام، حدثنا علي بن أيوب، حدثنا محمد بن عمران، أخبرني يوسف بن يحيى بن علي المنجم عن أبيه، حدثني محمد إدريس بن سليمان بن يحيى عن أبيه قال: كان المؤمل بن جميل بن يحيى بن أبي حفصة شاعراً غزلاً ظريفاً، وكان منقطعاً إلى جعفر بن سليمان بالمدينة ثم قدم العراق، فكان مع عبد الله بن مالك الخزاعي، فذكره للمهدي، فحظي عنده، وهو القائل: قُلْنَ: مَن ذا؟ فقلتُ: هذا اليَما ... ميُّ قَتيلُ الهَوَى أبو الخطّابِ قلنَ: باللهِ أنتّ ذاكَ يَقينَاً، ... لا تَقُلْ قَوْلَ مازِحٍ لعّابِ إن تكنه حَقّاً، فأنتَ مُنَانَا ... خالِياً كنتَ أوْ معَ الأصْحابِ قال فسمي قتيل الهوى، وهو القائل: أنَا مَيتٌ مِنْ جَوَى الحُ ... بّ، فَيَا طِيبَ مَمَاتِي أنْدبُوني، يَا ثِقَاتِي، ... وَاحضرُوا اليَوْمَ وَفَاتي ثمّ قُولُوا عِنْدَ قَبرِي: ... يَا قَتِيلَ الغَانِياتِ قال وله أيضاً: إنّا إلى اللهِ رَاجِعُونَ، أمَا ... يَرْهَبُ مِنْ رَامَ قَتْلِيَ القَوَدَا أصْبَحْتُ لا أرْتَجي السُّلُوَّ، وَلا ... أرْجُو مِنَ الحُبّ رَاحَةً أبَدَا إني إذا لَمْ أُطِقْ زِيَارَتَكُمْ، ... وَخِفتُ مَوْتاً لِفَقْدِكُمْ كَمَدَا أخْلُو بذِكرَاكُمْ فَتُؤنِسُنِي ... فَلا أُبَالي أنْ لا أرَى أحَدَا

ميت يتكلم

ميت يتكلم أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق بقراءتي عليه، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم بن بيان البزاز الزبيبي، حدثنا أبو بكر محمد بن خلف، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني يحيى بن أيوب أن فتىً كان يعجب به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر: إن هذا الفتى ليعجبني، وإنه انصرف ليلةً من صلاة العشاء، فمثلت له امرأة بين يديه، فعرضت له بنفسها، ففتن بها، ومضت فاتبعها حتى وقف على بابها، فلما وقف بالباب أبصر وجلي عنه، ومثلت له هذه الآية: " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون "، فخر مغشياً عليه، فنظرت إليه المرأة فإذا هو كالميت، فلم تزل هي وجارية لها تتعاونان عليه حتى ألقتاه على باب داره. وكان له أب شيخ كبير يقعد لانصرافه، كل ليلة، فخرج، فإذا مر به ملقى على باب الدار لما به، فاحتمله فأدخله، فأفاق بعد ذلك، فسأله أبوه: ما الذي أصابك يا بني؟ قال: يا أبت لا تسألني، فلم يزل به حتى أخبره، وتلا الآية. وشهق شهقة خرجت معها نفسه؛ فدفن فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال ألا آذ نتموني بموته؟ فذهب حتى وقف على قبره، فنادى: يا فلان، ولمن خاف مقام ربه جنتان، فأجابه الفتى من داخل القبر: قد أعطانيهما ربي يا عمر.

وسواس خالد الكاتب

وسواس خالد الكاتب أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن بشران النحوي مكاتبة، حدثنا ابن دينار، أخبرنا أبو الفرج الأصبهاني قال: كان خالد الكاتب، وهو خالد بن يزيد، ويكنى أبا القاسم، من أهل بغداد، وأصله من خراسان، وكان أحد كتاب الجيش، فوسوس في آخر عمره، وقيل: إن السوداء غلبت عليه، وقال قوم: بل كان يهوى جاريةً لبعض الملوك ببغداد، فلم يقدر عليها، وولاه محمد بن عبد الملك العطاء بالثغور، فخرج، فسمع في طريقه منشداً ينشد، ومغنية تغني: مَن كان ذا شَجَنٍ بالشامِ يَطلبُهُ، ... فَفي حِمَى الشامِ لي أهلٌ وَلي شجنُ فبكى حتى سقط على وجهه مغشياً عليه، ثم أفاق مختلطاً، واتصل ذلك حتى وسوس وبطل. قال ولخالد مما غني به: يا تَارِكَ الجِسْمِ بلا قَلْبِ؛ ... إن كنتُ أهوَاكَ فما ذَنبي؟ يا مُفرَداً بالحُسنِ أفرَدتَني ... مِنكَ بطُولِ الهَجرِ وَالحبّ إن تكُ عَيني أبصَرَتْ فتنةً، ... فَهَلْ على قَلبيَ من عَتْبِ حَسِيبُكَ اللهُ لِمَا بي كمَا ... أنّكَ في فِعلِكَ بي حَسبي

في تيه الحب

في تيه الحب ولي من أثناء قصيدة: عَجبَتْ أُمُّ خالدٍ إذْ رَأتْ سُحْ ... بَ جُفُوني، في فَيضِهِنّ، رُكامَا ثمّ نَادَتْ أترابَهَا، إذْ رَأتْ إنْ ... سَانَ عَيْني، في مَائِها، قد عَامَا يَا سُلَيْمَى، يَا هِنْدُ، يَا فا ... طِمَ، يَا أُمَّ مالكٍ يَا أُمَامَا مَا لإنْسانِ عَيْنِهِ يُكثِرُ الغَسْ ... لَ بِفَيّاضِ مَائِهَا استِحْمَاما؟ قُلنَ: لا عِلمَ عندنا غَيرَ أنّ المَرْ ... ءَ في تيهِ حُبّكُمْ قَدْ هَامَا أبو ريحانة والجارية السوداء أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمد بن علي الشروطي بالشام، أخبرنا رضوان بن عمرو الدينوري قال: حدثنا الحسين بن جعفر العبدي قال: حدثنا أبو قتيبة سالم بن الفضل الأدمي، حدثني محمد بن موسى الشامي، سمعت الأصمعي يقول: مررت بالبصرة بدار الزبير بن العوام، فإذا أنا بشيخ أبو ولد الزبير، يكنى أبا ريحانة، على باب الزبير، ما عليه إلا شملة تستره، فسلمت عليه، وجلست إليه أحدثه، فبينا أنا كذلك إذ طلعت علينا جارية سوداء تحمل قربة، فلما نظر إليها لم يتمالك أن قام إليها ثم قال: يا ستي جمعة، غني لي صوتاً! فقالت: إن مواليّ أعجلوني. قال: لا بد من ذلك. قالت: أما والقربة على كتفي فلا. قال: فأنا أحملها. فأخذ القربة فحملها على عنقه واندفعت، فغنت: فُؤادي أسيرٌ لا يُفكّ، ومُهجَتي ... تَقَضّى، وَأحزَاني عَلَيكَ تَطولُ

أتراك تعذب عبدك

وَلي مهجَةٌ قَرْحى لطولِ اشتياقها ... إلَيكَ، وَأجفاني عَلَيكَ هُمُولُ كَفَى حَزَناً أني أمُوتُ صَبَابَةً، ... بدائي، وَانصَارِي عَلَيكَ قَليلُ وكُنتُ إذا ما جِئتُ جِئتُ بِعِلّةٍ، ... فأفنَيتُ عِلاّتي، فَكَيفَ أقُولُ؟ قال: فطرب الشيخ، وصرخ صرخة، وضرب بالقربة الأرض فشقها، فقامت الجارية تبكي وقالت: ما هذا جزائي منك يا أبا ريحانة، أسعفتك بحاجتك وعرضتني لما أكره من مواليّ؟ قال: لا تغتمي، فإن المصيبة علي دخلت دونك. وأخذ بيدها واتبعته إلى السوق، فنزع الشملة، ووضع يداً من قدام ويداً من خلف، وباع الشملة، وابتاع بثمنها قربةً، وقعد على تلك الحال. ورجعت، فجلست عنده، فاجتاز به رجل من الطالبية، فلما نظر إليه وإلى حالته عرف قصته، فقال: يا أبا ريحانة! أحسبك من الذين قال الله عز وجل: " فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ". فقال: لا يا ابن رسول الله، ولكني من الذين قال الله تعالى فيهم: " فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " فضحك منه العلوي، وأمر له بألف درهم وخلعة. أتراك تعذب عبدك أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، إن لم يكن سماعاً فإجازة، أخبرني سلامة بن عمر النصيبي، حدثنا أحمد بن جعفر أبو بكر، حدثنا العباس بن يوسف الشكلي قال: قال سعيد بن جعفر الوراق، قال عنبسة الخواص: كان عتبة الغلام يزورني، فبات عندي ليلة، فقدمت له عشاءً، فلم يأكله، فسمعته يقول: يا سيدي إن تعذبني، فإن لك محب؛ وإن ترحمني، فإني لك محب.

لا محبوب إلا الله

فلما كان في آخر الليل شهق شهقة، وجعل يحشرج كحشرجة الموت، فلما أفاق قلت له: يا أبا عبد الله!؟ ما كان حالك منذ الليلة؟ قال: فصرخ، ثم قال: يا عنبسة، ذكر العرض على الله، عز وجل، قطع أوصال المحبين، ثم غشي عليه، ثم أفاق، فسمعته يقول: سيدي أتراك تعذب عبدك؟ ؟ لا محبوب إلا الله وأخبرنا أبو بكر أيضاً، حدثني يحيى بن علي الطيب العجلي، سمعت عبد الله بن محمد الدامغاني يقول: سمعت الحسن بن علي بن يحيى بن سلام يقول: قيل ليحيى بن معاذ: يروى عن رجل من أهل الخير قد كان أدرك الأوزاعي وسفيان، أنه سئل: متى تقع الفراسة على الغائب؟ قال: إذا كان محباً لما أحب الله مبغضاً لما أبغض الله، وقعت فراسته على الغائب. فقال يحيى: كلّ محبُوبٍ، سِوَى اللهِ، سرَفْ ... وَهُمُومٌ وَغُمُومٌ وَأَسَفْ كلّ محبُوبٍ، فَمِنْهُ خَلَفٌ، ... ما خَلا الرّحمنَ ما منهُ خَلَفْ إنّ للحُبّ دَلالاتٍ، إذا ... ظهرَتْ من صَاحِبِ الحبّ عُرِفْ صَاحِبُ الحُبّ حَزِينٌ قَلبُهُ، ... دائمُ الغُصّةِ مَحزُونٌ دَنِفْ هَمُّهُ في اللهِ لا في غَيْرِهِ، ... ذاهِبُ العَقلِ وَباللهِ كَلِفْ أشعَثُ الرّأسِ خَمِيصٌ بطنُهُ، ... أصْفَرُ الوَجنَةِ والطَّرْفُ ذَرّفْ دَائِمُ التّذكارِ مِنْ حُبّ الذي ... حُبُّهُ غَايَةُ غَايَاتِ الشّرَفْ

دمع وتسهاد

فإذا أمعنَ في الحُبِّ لَهُ، ... وَعَلاهُ الشّوْقُ من داءٍ كثفْ باشرَ المحرَابَ يَشكُو بثَّهُ، ... وَأمَامَ اللهِ مَوْلاهُ وَقَفْ قَائماً قُدّامَهُ مُنْتَصِباً، ... لَهِجاً يَتْلُو بآياتِ الصُّحُفْ رَاكِعاً طَوْراً وَطَوْراً ساجداً ... باكياً وَالدّمعُ في الأرضِ يَكِفْ أوْرَدَ القَلبَ على الحُبّ الّذي ... فِيهِ حُبُّ اللهِ حَقّاً، فَعَرَفْ ثمّ جَالَتْ كَفُّهُ في شَجَرٍ ... أنبَتَ الحُبَّ، فَسمَّى واقتَطَفْ إنّ ذا الحُبَّ لمن يُعى لَه، ... لا لدارٍ ذاتِ لَهوٍ وَطُرَفْ لا وَلا الفِرْدَوْسُ لا يألَفُهَا، ... لا وَلا الحَوْرَاء من فوْقِ غُرَفْ دمع وتسهاد ولي من أبيات: وَمُنْكِرَةٍ مَا بي من الوَجْدِ وَالأسَى، ... وَلي شاهِدانِ: فَيضُ دمعي وتَسهادي فَقُلتُ: إذا أنكَرْتِ مَا بي، فسائلي، ... إذا راحَ عَني، يا ابنَةَ القَومِ، عُوّادي ليلى ومجنونها أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي، أخبرنا أبو عمر بن حيويه، حدثنا ابن المرزبان، أخبرني أبو محمد البلخي، أخبرني عبد العزيز بن صالح عن أبيه عن ابن دأب، حدثني رجل من بني عامر يقال له رياح بن حبيب قال: كان في بني عامر من بني الحريش جارية من أجمل النساء، وأحسنهن، لها عقل وأدب، يقال لها ليلى ابنة مهدي بن ربيعة بن الحريش، فبلغ

المجنون خبرها، وما هي عليه من الجمال والعقل، وكان صباً بمحادثة النساء، فعمد إلى أحسن ثيابه، فلبسها وتهيأ بأحسن هيئة، وركب ناقةً له كريمة، وأتاها، فلما جلس إليها وتحدث بين يديها، أعجبته، ووقعت بقلبه. فظل يومه يحدثها وتحدثه حتى أمسى، فانصرف، فبات بأطول ليلة من الليلة الأولى، وجهد أن يغمض، فلم يقدر على ذلك، فأنشأ يقول: نَهارِي نَهارُ النّاسِ، حَتى إذا بَدَا ... ليَ اللّيلُ هَزّتْني إلَيكِ المَضَاجِعُ أُقَضّي نَهارِي بالحَديثِ، وَبالمُنى ... وَيَجمَعُني وَالهَمَّ، باللّيلِ، جَامعُ وأدام زيارتها، وترك إتيان كل من كان يأتيه، فيتحدث إليه غيرها، وكان يأتيها كل يوم فلا يزال عندها نهاره أجمع، حتى إذا أمسى انصرف. وإنه خرج ذات يوم يريد زيارتها، فلما قرب من منزلها لقيته جارية عسراء، فتطير من لقائها فأنشأ يقول: وكيفَ ترَجّي وَصْلَ ليلى، وَقد جَرَى ... يجدُّ القُوَى من لَيلَ أعسرُ حاسرُ صَديعُ العَصَا جدبُ الزّمانِ إذا انتَحى ... لوَصلِ امرِئٍ لم يُقضَ منه الأوَاطرُ ثم صار إليها من غدٍ، فلم يزل عندها. فلما رأت ليلى ذلك منه وقع في قلبها مثل الذي وقع لها في قلبه، فجاء يوماً كما كان يجيء، فأقبل يحدثها، وجعلت هي تعرض عنه بوجهها وتقبل على غيره، كل ذلك تريد أن تمتحنه، وتعلم ما لها في قلبه، فلما رأى ذلك منها اشتد عليه، وجزع حتى عرف ذلك فيه، فلما خافت عليه، أقبلت كالمشيرة إليه، فقالت: كِلانَا مُظهِرٌ للنّاسِ بُغضاً، ... وكلٌّ عندَ صَاحِبِهِ مَكينُ

زيارة الطيف

فسري عنه، وعلم ما في قلبها، وقالت له: إنما أردت أن أمتحنك، والذي لك عندي أكثر من الذي لي عندك، وأنا معطية الله عهداً إن أنا جالست بعد هذا يومي رجلاً سواك حتى أذوق الموت، إلا أن أكره على ذاك. قال: فانصرف في عشيته، وهو أسر الناس بما سمع منها، فأنشأ يقول: أظُنّ هَوَاهَا تَاركِي بِمَضَلّةٍ ... من الأرْضِ، لا مالٌ لديّ، وَلا أهلُ وَلا أحَدٌ أُفضِي إلَيْهِ وَصِيّتي، ... وَلا وَارِثٌ إلا المَطِيّةُ وَالرّحلُ مَحا حُبّها حُبَّ الأُلَى كُنّ قبلَها ... وَحلّت مكاناً لم يكن حُلّ من قبلُ زيارة الطيف ولي من قصيدة: بَعَثَتْ خادِمَها نَحوِي، وَقَدْ ... أبصَرَتْ حَبْلَ الهَوَى مُنْصَرِمَا تَتَرَثّى ليَ مِنْ وَشكِ نَوىً، ... فَتَكَت فِينَا، وبَينٍ ظَلَمَا وَتَقُولُ: الصّبرُ أوْقَى جُنّةً، ... فَادّرِعْ صَبْرَكَ، أوْ مُتْ كرمَاَ وَتَزَوّدْ نَظَراً تَحْيَ بِهِ، ... لَستَ في أهلِ الهَوَى مُتّهَمَا قُلتُ: زَادِي شُرْبَةٌ مَثْلُوجَةٌ ... مِنْ ثَنَاياكِ، فقد مسّ الظَّما فاسمَحي لي، يا ابنَةَ العمّ، بهَا، ... وَاجعَلي إبرِيقَهَا مِنكِ الفَمَا فَتَمَلّتْ غَضَباً، وَاختَمَرَتْ ... بحَيَاءٍ، زَادَ جِسمي سَقَما ثم قالتْ: كنتَ يا صَاحِبَنَا ... قَبلَ هَذا عِندَنَا مُحتَشَما إنّ ثَوْبَ الصَّوْنِ والعِفّةِ مِنْ ... دُونِ ما تَطلبُهُ مِنّا حِمَى لَيسَ بَعدَ اليَوْمِ إلاّ طَيْفُنَا، ... يَمتَطي اللّيلَ، إذا مَا أظلَمَا قلتُ: يا هَذي هَبي الطّيف سَرَى، ... أيَزُورُ الطّيفُ إلاّ النُّوَّمَا؟

جارية حاضرة الذهن

جارية حاضرة الذهن أخبرنا القاضيان أبو الحسن أحمد بن علي بن الحسين التوزي وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قالا: حدثنا أبو عمر بن حيويه الخزاز، حدثنا محمد بن خلف، حدثني أبو عبد الله التميمي، حدثني أبو الوضاح الباهلي عن أبي محمد اليزيدي قال: قال عبد الله بن عمر بن عتيق بن عامر بن عبد الله بن الزبير: خرجت أنا ويعقوب بن حميد بن كاسب قافلين من مكة، فلما كنا بودان لقيتنا جارية من أهل ودان، فقال لها يعقوب: يا جارية! ما فعلت نعم. فقالت: سل نصيباً. فقال: قاتلك الله، ما رأيت كاليوم قط أحد ذهنا، ولا أحضر جواباً منك. وإنما أراد يعقوب قول نصيب في نعم، وكانت تنزل ودان: أيَا صَاحِبَ الخَيماتِ من بَطنِ أرْثَدٍ ... إلى النّخلِ من وَدّانَ! ما فعَلتْ نُعْمُ أُسائِلُ عَنها كلَّ رَكْبٍ لَقيتُهُمْ، ... وَمَا لي بهَا مِنْ بَعدِ مَكّتِنَا عِلْمُ صفراء السوداء أخبرنا ابن التوزي والتنوخي قالا: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس، حدثنا محمد بن خلف قال: وذكر بعض الرواة عن العمري: كان أبو عبد الله الحبشاني يعشق صفراء العلاقمية، وكانت سوداء، فاشتكى من حبها، وضني حتى صار إلى حد الموت، فقال بعض أهله لمولاها: لو وجهت صفراء إلى أبي عبد الله الحبشاني، فلعله يعقل إذا رآها؟ ففعل، فلما دخلت عليه صفراء قالت: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: بخير ما لم تبرحي. قالت: ما تشتهي؟ قال: قربك. قالت: فما تشتكي؟ قال: حبك. قالت: أفتوصي بشيء؟ قال: نعم! أوصي بك إن قبلوا

سمنون الكذاب

مني. فقالت: إني أريد الانصراف. قال: فتعجلي ثواب الصلاة علي. فقامت فانصرفت، فلما رآها مولية تنفس الصعداء ومات من ساعته. سمنون الكذاب أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بقراءتي عليه بالشام، سمعت أبا نعيم الحافظ يقول: سمنون هو ابن حمزة الخواص، أبو الحسين، وقيل أبو بكر، بصري سكن بغداد، ومات قبل الجنيد، وسمى نفسه سمنون الكذاب، بسبب أبياته التي قال فيها: فَلَيسَ لي في سِوَاكَ حَظٌّ، ... فكَيفَ مَا شِئتَ فَامتَحنّي فحصر بوله من ساعته فسمى نفسه سمنون الكذاب. من شعر سمنون أنبأنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي، وحدثنا الخطيب عنه، حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي النيسابوري، أنشدني علي بن أحمد بن جعفر أنشدني ابن فراس لسمنون: وكانَ فُؤادِي خَالِياً قَبلَ حُبّكُمْ، ... وكانَ بذِكرِ الخَلْقِ يَلهُو وَيَمزَحُ فَلَمّا دَعَا قَلْبي هَوَاكَ أجابَهُ، ... فَلَستُ أرَاهُ عَنْ فِنَائِكَ يَبْرَحُ رُميتُ بِبَينٍ مِنك إنْ كُنتُ كاذِباً، ... وَإنْ كُنتُ في الدّنيَا بِغَيْرِكَ أفرَحُ وَإنْ كانَ شَيءٌ في البِلادِ بأسرِها، ... إذا غِبْتَ عَنْ عَيْني، بعَينيَ يملُحُ فإنْ شئتَ وَاصِلْني، وَإن شئتَ لا تصِلْ، ... فَلَستُ أرَى قَلبي لِغَيركَ يَصْلُحُ

مساكين أهل العشق

وأخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، حدثنا الحسن بن أبي بكر قال: ذكر أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد أن سمنون المجنون أنشده: يا مَن فُؤادي عَليهِ مَوْقُوفُ، ... وكلُّ هَمّي إلَيهِ مَصرُوفُ يا حَسرَتي حَسرَةً أمُوتُ بهَا، ... إنْ لمْ يكُنْ لي إلَيكَ مَعروفُ مساكين أهل العشق أخبرنا أبو الحسين محمد بن علي بن الحسين وأبو القاسم علي بن المحسن بن علي قالا: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا محمد بن خلف، أخبرني جعفر بن علي اليشكري، أخبرني الرياشي، أخبرني العتبي قال: دخل نصيب على عبد العزيز بن مروان، فقال له: هل عشقت يا نصيب؟ قال: نعم! جعلني الله فداءك، ومن العشق أفلتتني إليك البادية. قال: ومن عشقت؟ قال: جاريةً لبني مدلج، فأحدق بها الواشون، فكنت لا أقدر على كلامها إلا بعين أو إشارة، فأجلس على الطريق حتى تمر بي فأراها، ففي ذلك أقول: جَلستُ لهَا كَيْمَا تَمرّ لعَلّي ... أُخَالِسُها التسليمَ، إنْ لمْ تُسَلِّمِ فَلَمّا رَأتْني وَالوُشاةَ تَحَدّرَتْ ... مَدَامِعُها خَوْفاً وَلمْ تَتَكَلّمِ مساكينُ أهلُ العشق ما كنتُ أشترِي ... حَياةَ جَميعِ العاشِقِينَ بِدرْهَمِ

دعا باسم ليلى

دعا باسم ليلى أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي الصوري الحافظ، رحمه الله تعالى، حدثنا عبد الغني بن سعيد، حدثنا جعفر بن هارون بن زياد قال: وحدثني هلال بن العلاء، حدثني عياض بن أحمد السلمي قال: كنت أجلس إلى الأصمعي فما سمعته سئل فقال حتى أنظر، أو ما أعرفه. قال: وسمعته يقول: كنت مع جعفر بن يحيى في زورق فسمع هاتفاً يهتف باسم جارية، فقال: إن هذا الهاتف يهتف باسم جارية قلبي، فأنشدني في ذا شيئاً، فأنشدته: وداعدعا إذ نحن بالخيف مِن مِنىً، ... فَهَيّجَ أحزَانَ الفُؤادِ وَما يَدرِي دَعَا باسْمِ لَيلى غَيرِها، فَكَأنّمَا ... أطَارَ بلَيلى طَائراً كَانَ في صَدْرِي فأعطاني عشرة آلاف درهم. ؟ المجنون في مكة أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا محمد بن خلف قال: قال أبو عمرو الشيباني: لما ظهر من المجنون ما ظهر ورأى قومه ما ابتلي به، اجتمعوا إلى أبيه وقالوا: يا هذا! قد ترى ما ابتلي به ابنك، فلو خرجت به إلى مكة فعاذ ببيت الله الحرام، وزار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا الله تعالى، رجونا أن يرجع عقله، ويعافيه الله، فخرج أبوه حتى أتى به مكة، فجعل يطوف به ويدعو الله، عز وجل، له بالعافية. وهو يقول: دَعا المُحرِمونَ اللهَ يَستَغفِرُونَهُ، ... بمَكّةَ، وَهناً، أن تُمَحَّى ذنوبُها وَنَاديْتُ أنْ يا رَبِّ أوّلُ سُؤلَتي ... لِنَفسِيَ لَيلى ثمّ أنتَ حَسِيبُهَا

الله يا سلام

فإنْ أُعطَ لَيلى في حيَاتي لا يَتُب ... إلى الله خَلقٌ تَوْبَةً لا أتوبُهَا حتى إذا كان بمنىً نادى مناد من بعض تلك الخيام: يا ليلى، فخر قيس مغشياً عليه، واجتمع الناس حوله، ونضحوا على وجهه الماء، وأبوه يبكي عند رأسه، ثم أفاق وهو يقول: وَداعٍ دَعا، إذْ نحنُ بالخَيفِ من منىً، ... فَهَيّجَ أشوَاقَ الفُؤادِ وَلَمْ يّدْرِ دَعَا باسْمِ لَيلى غَيرِها، فَكَأنّمَا ... أطَارَ بلَيلى طائراً كانَ في صَدرِي ؟ الله يا سلام ولي من غزل قصيدة أولها: بَينَ الأرَاكِ وَبَينَ ذِي سَلَمِ ... ألقيت خوف نواك بالسلم ومنها: الله يا سلام في رجل ... أبقَيتِهِ لحماً عَلى وَضَمِ أعدتْ جفونُكِ جِسمَه فرمَتْ ... بفُتورِها فِيهِ وَبالسَّقَمِ وَرَمَيتِهِ بِسِهَامِ بَينِكِ إذ ... عَيّرْتِهِ بالشّيبِ وَالعَدَمِ فحَدا رِكابُ مُناهُ نحوَ فَتىً ... ذِي همّةٍ تَعلو على الهِمَمِ

نأت دار من تهوى

نأت دار من تهوى أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الخلال، حدثنا أبو أحمد عبيد الله بن أحمد الفقيه، حدثنا محمد بن يحيى الصولي أبو بكر، حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال: هجر محمد بن إسحق بن إبراهيم جاريةً له كان يخرجها معه إلى أسفاره، وحدث له خروج، فجعلت تغني وتبكي، وهو مستمع: نَأت دارُ مَن تَهوَى، فَما أنتَ صَانِعُ؛ ... أمُصْطَبَرٌ للبَينِ أمْ أنتَ جَازِعُ؟ فإنْ تَمنَعُوني أنْ أبُوحَ بحُبّهَا، ... فَلَيسَ لقَلبي من جَوَى الحُبّ مانعُ قال: فدخل فترضاها وأخرجها معه. قتلته بالسحر أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا عبد الله بن محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن خلف قال: قال إسحق بن منصور: حدثني جابر بن نوح قال: كنت بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، جالساً عند بعض أهل السوق، فمر بي شيخ حسن الوجه حسن الثياب، فقام إليه البائع فسلم عليه، وقال له: يا محمد! أسأل الله أن يعظم أجرك وأن يربط على قلبك بالصبر. فقال الشيخ مجيباً له: وكانَ يَميني في الوَغَى وَمُسَاعِدي، ... فأصْبَحتُ قَد خانَت يميني ذِرَاعُها وَأصْبَحتُ حرّاناً من الثُّكلِ حَائِراً، ... أخَا كَلَفٍ ضَاقَتْ عليّ رِبَاعُهَا فقال البائع: أبشر يا أبا محمد، فإن الصبر معول المؤمن، وإني لأرجو أن لا يحرمك الله الأجر على مصيبتك.

فقلت له: من هذا الشيخ؟ فقال: رجل منا من الأنصار من الخزرج، فقلت: وما قصته؟ قال: أصيب بابنه، وكان به باراً قد كفاه جميع ما يعنيه، وقام به، وميتته أعجب ميتةٍ. قلت: وما كان سبب ميتته، وما كان خبره؟ قال: أحبته امرأة من الأنصار، فأرسلت إليه تشكو حبها وتسأله الزيارة، وتدعوه إلى الفاحشة. قال: وكانت ذات بعل، فأرسل إليها: إنّ الحَرَامَ سَبيلٌ لستُ أسلُكُهُ، ... وَلا أمرُّ به ما عشتُ في النّاسِ ألغي العتابَ، فإني غَيرُ مُتّبِعٍ ... ما تَشتَهينَ، فكُوني مِنهُ في يَاسِ فلما قرأت الأبيات كتبت إليه: دَعْ عَنكَ هذا الذي أصبَحت تذكرهُ، ... وَصِرْ إلى حَاجَتي يا أيّها القاسِي دَعِ التّنَسُّكَ إنّي غَيْرُ نَاسِكَةٍ، ... وَلَيسَ يَدخُلُ ما أبدَيتَ في رَاسِي قال: فأفشى ذلك إلى صديق له، فقال له: لو بعثت إليها بعض أهلك فوعظتها وزجرتها رجوت أن تكف عنك. فقال: والله لا فعلت ولا صرت في الدنيا حديثاً، وللعار في الدنيا خير من النار في الآخرة، وقال: العارُ في مدّةِ الدّنيَا وَقِلّتِهَا، ... يَفنى وَيَبقى الذي بالنّار يؤذِيني وَالنّارُ لا تَنقَضِي ما دامَ بي رَمَقٌ، ... وَلَستُ ذا ميتةٍ فيها، فتُفنيني لكنْ سأصْبرُ صَبرَ الحُرِّ مُحتَسِباً، ... لَعَلّ رَبي مِن الفِرْدَوسِ يُدنيني قال: وأمسك عنها، فأرسلت إليه: إما أن تزورني، وإما أن أزورك، فأرسل إليها: اربعي أيتها المرأة على نفسك، ودعي عنك التسرع إلى هذا الأمر. قال: فلما أيست منه ذهبت إلى امرأة كانت تعمل السحر، فجعلت لها الرغائب لتهيجه. قال: فعملت لها فيه. قال: فبينا هو ذات ليلة جالس مع أبيه، إذ خطر ذكرها بقلبه وهاج به أمر لم يكن يعرفه، واختلط، فقام من بين يدي أبيه مسرعاً فصلى واستعاذ

ميتان وامرأة حرى

وجعل يبكي والأمر يتزايد، فقال له أبوه: يا بني ما قصتك؟ فقال: يا أبت! أدركني بقيد فما أرى إلا وقد غلب علي. قال: فجعل أبوه يبكي ويقول: يا بني حدثني بالقصة، فحدثه بقصته، فقام إليه فقيده وأدخله بيتاً، فجعل يضطرب ويخور كما يخور الثور، ثم هدأ ساعة عند الباب، فإذا هو ميت، وإذا الدم يسيل من منخره. ميتان وامرأة حرى أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بالشام بقراءتي عليه، أخبرنا علي بن أبي علي البصري، حدثنا الحسين بن محمد بن سليمان الكاتب، حدثنا جحظة قال: كنت بحضرة الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر، فاستؤذن عليه للزبير بن بكار حين قدم من الحجاز، فلما دخل عليه أكرمه وعظمه، وقال له: لئن باعدت بيننا الأنساب لقد قربت بيننا الآداب، وإن أمير المؤمنين ذكرك، فاختارك لتأديب ولده، وأمر لك بعشرة آلاف درهم وعشرة تخوت من الثياب وعشرة بغال تحمل عليها رحلك إلى حضرته بسر من رأى. فشكره على ذلك، وقبله، فلما أراد توديعه قال له: أيها الشيخ! أما تزودنا حديثاً نذكرك به؟ قال: أحدثك بما سمعت أو بما شاهدت؟ قال: بل بما شاهدت؟ فقال: بينا أنا في مسيري هذا بين المسجدين، إذ بصرت بحبالة منصوبة فيها ظبي ميت، وبإزائها رجل على نعشه ميت، ورأيت امرأة حرى تسعى، وهي تقول: يا خَشْنُ، لوْ بَطَلٌ، لكنّهُ أجَلٌ، ... على الإثاية، ما أودى بكَ البَطَلُ

أسود وسوداء

يا خَشنُ قَلقَلَ أحشائي وَأزْعَجها، ... وَذاكَ يا خَشنُ عندي كلُّه جَلَلُ أمسَتْ فَتَاةُ بَني نَهدٍ عَلانِيَةً، ... وَبَعلُها في أكفّ القَوْمِ يُبتذَلُ قَد كنتُ رَاغبَةً فيهِ أضَنُّ بِهِ، ... فحان من دون ضَنِّ الرّغبةِ الأجلُ قال: فلما خرج من حضرته قال لنا محمد بن عبد الله بن طاهر: أي شيء أفدنا من الشيخ؟ قلنا له: الأمير أعلم. فقال: قوله: أمست فتاة بني نهد علانيةً أي ظاهرة، وهذا حرف لم أسمعه في كلام العرب قبل هذا. أسود وسوداء أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي التوزي وأبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قالا: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا أبو الفضل قاسم بن سليمان الإيادي عن عبد الرحمن بن عبد الله قال: أخبرني مخبر أنه رأى أسود ببئر ميمون وهو يمتح من بئر، ويهمس بشيء لم أدر ما هو، فدنوت منه، فإذا بعضه بالعربية وبعضه بالزنجية، ثم تبينت ما قال، فإذا هو: ألا يا لا ئِمي في خُبّ رِئمٍ، ... أفِقْ عن بعض لومك لا اهتديتا أتأمرني بهجرَةِ بعضِ نَفسِي؟ ... مَعاذَ اللهِ أفعَلُ مَا اشتَهيتَا أُحِبُّ لحُبّها تَثْليمَ طُرّاً، ... وَتَكَعةَ وَالمَشكَّ وَعينَ زَيتَا فقلت: ما هذه؟ قال: رباع كانت لنا بالحبشة كنا نألفها. قال قلت:

جبال الحب

أحسبك عاشقاً. قال: نعم! قلت: لمن؟ قال: لمن إن وقفت رأيته. فما لبثنا ساعة أن جاءت سوداء على كتفها جرة، فضرب بيده عليها، وقال: ها هي هذه. قال: قلت له: ما مقامك ههنا؟ قال: اشتريت، فأوقفت على هذا القبر أرشه، فأنا أبرد من فوق، وربك يسخن من أسفل. جبال الحب أنبأنا أبو محمد الحسن بن محمد الخلال، رحمه الله تعالى، في سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المعمري، أنشدنا أبو محمد جعفر بن محمد الصوفي أنشدني بعض إخواننا لأبي بكر محمد بن داود الفقيه: حَمَلتُ جِبالَ الحُبّ فِيكَ، وَإنّني ... لأعجزُ عَن حَملِ القَميصِ وَأضْعُفُ وما الحُبّ من حُسنٍ وَلا من سَماحةٍ، ... وَلِكنّه شيءٌ به الرّوح تَكْلَفُ نياق القرشي أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الخلال بالتاريخ، حدثنا عبد الواحد بن علي بن الحسين، حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة، حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى حدثنا المساحقي عن أبيه أنه خرج ساعياً في بني عامر، فأتاه مجنون بني عامر، فٍساله أن يكلم له عمه، فأبى أن يزوجه، فأمر المساحقي للمجنون بقلائص، فوهبها له وأبى أن يقبلها، ثم أنشأ يقول: تَركتُ قَلائِصَ القُرَشيّ لمّا ... رَأيتُ النّقضَ مِنهُ للعُهُودِ

بقاء العاشقين عجيب

بقاء العاشقين عجيب أنبأنا الجوهري، أنشدنا أبو عمر بن حيويه، أنشدنا محمد بن عبد الله الكاتب، أنشدني محمد بن المرزبان: لّئِنْ كنتُ لا أشكُو هَوَاكِ فإنّني ... أخُو زَفَرَاتٍ، وَالفُؤادُ كَئيبُ وَإنْ كانَ قلباً فيكِ يَضْنى صَبابَةً، ... وَقد مَرِضَتْ من مُقلَتَيكِ قلوبُ فما عجبٌ موتُ المُحبّينَ في الهَوَى، ... وَلَكن بَقَاء العَاشِقينَ عَجيبُ وفاة جميل أخبرنا الأمير أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله، حدثنا أبو العباس أحمد بن منصور اليشكري، أخبرنا الصولي، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن أبيه قال: لما حضرت الوفاة جميلاً بمصر قال: من يعلم بثينة؟ فقال رجل: أنا، فلما مات صار إلى حي بثينة فقال: بَكَرَ النَّعيُّ وَمَا كَنَى بجَميلِ، ... وَثَوَى بمصرَ ثَوَاءَ غيرِ قَفولِ بَكَرَ النَّعيُّ بفارِسٍ ذِي نَهمَةٍ، ... بطلٍ، إذا حُمِلَ اللّوَاءُ مُديلِ فسمعته بثينة، فخرجت مكشوفةً تقول: وَإنَّ سلُوِّي عَنْ جَميلٍ لَساعَةٌ ... من الدّهرِ ما حانَت وَلا حان حِينُها سَوَاءٌ عَلينا يا جَميلُ بن مَعَمرٍ، ... إذا مُتّ، بأساءُ الحَياةِ وَلينُها

الهوى ينسي الأكل

الهوى ينسي الأكل أخبرنا الأمير أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر، حدثنا أحمد بن منصور اليشكري، حدثنا ابن الأنباري، أخبرنا أبو العباس قال: مر رجل بجميل، فأضافه، وخبز خبزةً من مكوك، وثردها في لين وسمن، قال: ثم أتاه بها، فجعل الرجل يحدث جميلاً عن بنت عم له بحبها، ويأكل حتى أتى على الخبزة، فقال جميل: وَقَد رَابَني من جَعفَرٍ أنّ جَعفَراً ... يُلّحُ على قُرْصِي، وَيَبكي عَلى جُملِ فَلَوْ كنتَ عُذرِيَّ العلاقَةِ لم تَكُنْ ... بَطِيناً وَأنْساكَ الهَوَى كَثرةَ الأكلِ لا تقتليه ولي من أثناء قصيدة أولها: أدِرِ المُخَدَّرَةَ العُقَارَا، ... فاللّيلُ قد أرْخى الإزَارَا يا جَارَتي بِرُصَافَةِ ال ... مَهْدِيّ لَمْ تَرْعَي جِوَارَا رُدّي عَلى المُشْتَاقِ قَلْ ... باً هَائِماً بِكِ مُستَطَارَا لا تَقْتُليهِ، فَقَوْمُهُ ... لا يَتركُونَ، الدّهرَ، ثَارَا

شعر على تكة

شعر على تكة أخبرنا أبو الحسين علي بن عمر الحربي المعروف بابن القزويني الزاهد، رحمه الله تعالى، فيما أذن لنا في روايته، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا عبد الوهاب بن أبي حية قال: كتبت عازم على تكة حرير كانت تتعصب بها: إنّ العُيونَ التي في طرْفِها مَرَضٌ ... قَتَلنَنا، ثمّ لمْ يُحيينَ قَتلانَا يَصرعْنَ ذا اللُّبّ حتى لا حَرَاكَ به، ... وَهنّ أضْعَفُ خلقِ اللهِ أرْكانَا شعر على عصابة وأخبرنا علي بن عمر أيضاً، أخبرنا عمر بن حيويه، أخبرنا عبد الوهاب بن أبي حية قال: نقشت غليل على عصابتها: مَا ضَرّ مَن صَيّرَني حُبُّهُ ... قَرِينَ أحزَانٍ وَوَسْوَاسِ لَوْ أنّهُ فَرّجَ عَنْ كُرْبَتي ... بأسطُرٍ في شرّ قِرْطَاسِ تضن بتسليمة ولي من قصيدة رجز أولها: لا تَحسَبُوا أني مَلُولٌ سَالي، ... لا أعرِفُ الهَجرَ مِنَ الوِصَالِ حتى عَلِقتُ من بني هِلالِ ... جَارِيةً حَسنَاءَ كالتِّمْثَالِ صَامِتَةَ السِّوَارِ وَالخَلخَالِ، ... جَامِعَةً للصَّوْنِ وَالجَمَالِ

أعشق من كثير عزة

تَرْنُو بِعَينِ رَشَإٍ غَزَالِ، ... رِيقَتُها أشهَى من الجِرْيالِ قَد زَادَ في حُبّي لهَا بَلبَالي، ... لِحاظُها أمضَى منَ النِّصَالِ تَرْمي القُلُوبَ ثمّ لا تُبالِي، ... من قَتَلَت هَوىً من الرّجَالِ وَمَا دَمُ العُشّاقِ بالحَلالِ، ... سَألتُهَا عَشِيّةَ التّرْحَالِ تَسلِيمَةً، فَلَمْ تُجِبْ سؤالي، ... وَأعرَضَت إعراضَ ذِي مَلالِ أعشق من كثيِّر عزة أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف، أخبرني عبد الله بن محمد الطالقاني، أخبرني السري بن يحيى الأزدي عن أبيه عن المفضل بن الحسن المخزومي قال: دخل كثيِّر عزة على عبد الملك بن مروان، فجعل ينشده شعره في عزة، وعيناه تذرفان، فقال له عبد الملك: قاتلك الله يا كثير! هل رأيت أحداً أعشق منك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، خرجت مرةً أسير في البادية على بعير لي، فبينا أنا أسير إذ رفع إلي شخص، فأممته، فإذا رجل قد نصب شركاً للظباء، وقعد بعيداً منه، فسلمت عليه، فرد السلام، فقلت: ما أجلسك ها هنا؟ قال: نصبت شركاً للظباء، فأنا أرصدها. قلت: إن قمت له لديك فصدت أتطعمني؟ قال: إي والله. قال: فنزلت فعقلت ناقتي، وجلست أحدثه فإذا هو أحسن خلق الله حديثاً، وأرقه وأغزله. قال: فما لبثنا أن وقعت ظبية في الشرك، فوثب ووثبت معه فخلصها من الحبال، ثم نظر في وجهها ملياً، ثم أطلقها، وأنشأ يقول: أيَا شِبهَ لَيلَى لَن تُرَاعَي، فإننّي ... لكِ اليَوْمَ من بينِ الوُحوش صَديقُ

ويَا شبهَ لَيلى لَنْ تَزَالي بِرَوْضَةٍ ... عَلَيكِ سَحَابٌ دَائِمٌ وَبُرُوقُ فَما أنا إذ شَبّهتُها ثمّ لم تَؤبْ ... سَليماً عَليها، في الحَياةِ، شَفِيقُ فَدَيتُكِ من أسرٍ دَهَاكِ لحُبّها، ... فأنتِ لَليلى مَا حَييتِ طَلِيقُ ثم أصلح شركه، وعدونا إلى موضعنا، فقلت: والله لا أبرح حتى أعرف أمر هذا الرجل، فأقمنا باقي يومنا فلم يقع شيء، فلما أمسينا قام إلى غار قريب من الموضع الذي كنا فيه وقمت معه فبتنا به، فلما أصبح غدا فنصب شركه، فلم يلبث أن وقعت ظبية شبيهة بأختها بالأمس، فوثب إليها ووثبت معه، فاستخرجها من الشرك ونظر في وجهها ملياً ثم أطلقها، فمرت، وأنشأ يقول: اذهَبي في كلاءَةِ الرّحمنِ، ... أنتِ مِني في ذِمّةٍ وَأمَانِ تَرْهبيني؟ وَالجِيدُ مِنك كليلى، ... وَالحَشا وَالبُغَامُ وَالعَينانِ لا تَخافي بأنْ تُفاجَيْ بسُوءٍ ... ما تَغَنّى الحَمامُ في الأغصَانِ ثم عدنا إلى موضعنا فلم يقع يومنا ذلك شيء، فلما أمسينا صرنا إلى الغار، فبتنا فيه، فلما أصبحنا عدل إلى شركه، وغدوت معه، فنصبه، وقعدنا نتحدث وقد شغلني، يا أمير المؤمنين، حسن حديثه عما أنا فيه من الجوع، فبتنا نتحدث إذ وقعت في الشرك ظبية، فوثب إليها ووثبت معه، فاستخرجها من الشرك، ثم نظر في وجهها وأراد أن يطلقها فقبضت على يده وقلت: ماذا تريد أن تعمل؟ أقمت ثلاثاً كلما صدت شيئاً أطلقته. قال: فنظر في وجهي وعيناه تذرفان وأنشأ يقول: أتَلحَى محِبّاً هائِمٌ القلبِ أن رَأى ... شَبيهاً لمَن يهوَاهُ في الحَبلِ مُوثَقَا

وشاية الطيب

فَلَمّا دَنَا مِنهُ تَذَكّرَ شَجوَهُ، ... وَذّكّرَهُ مَن قد نأى فَتَشَوَّقَا قال أبو بكر: وبيت آخر ذهب علي، فرحمته والله، يا أمير المؤمنين، فبكيت لبكائه ونسبته، فإذا هو قيس بن معاذ المجنون، فذاك والله أعشق مني يا أمير المؤمنين. وشاية الطيب ولي من ابتداء قصيدة: طَرَقَتْ، وَالظّلامُ قد مدَ سِترَا، ... تَتَخَطّى إليّ سَهْلاً وَوَعرَا وَالكَرَى قَد سَقَى سُلافَتَه السُّمّ ... ارَ صِرْفاً، فَطَرّحَ القَوْمَ سُكرَا كتَمتْ خشيةَ الرّقيبِ خُطاهَا، ... فَوَشَى الطيّبُ بالمَليحَةِ نَشرَا هَتَكتْ بُرْقُعَ العِتَابِ وَثَنّتْ ... مِنهُ نظماً يُذكي الغَرَامَ وَنثرَا ثمّ قالت: وَقد جَلَتْ غُرّةً رَدّ ... تْ بأضْوَائها دُجى الليل فجرَا أيّها المُدّعي هَوَانا، وَأنّا ... قد سَلَبنا كرَاهُ صَدّاً وَهَجرا أتُرَى ما قَرَأتَ أخبَارَ مَجنُو ... نِ بَني عامرٍ وَعرْوَةِ عَفرَا وَجَميلٍ وَقَيسِ لُبنى وَخَلْقٍ ... من بَني عُذرَةٍ يَزِيدُونَ كُثرَا تَدّعي حبَّنا بغَيرِ شُهُودٍ؛ ... قلتُ: هذه الدموع تشهدُ قَطرَا وَاستَهَلّت مدامعي، فَرَثَتْ لي، ... إذ رَأتْني حُرِمتُ في الحُبّ صَبرَا وَسَقتني من رِيقِها العذبِ كأساً ... كانتِ الشَّهدَ لذّةً وَالخَمرَا

أم سالم والغزال

أم سالم والغزال أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي، رحمه الله تعالى، حدثنا محمد بن العباس، أخبرنا محمد بن خلف، حدثنا عمر بن شبة، حدثنا أبو غسان المديني، أخبرني عبد العزيز بن أبي ثابت، أخبرني رجل من التجار قال: اشترى أبو زبان الهرمي ظبياً من المصلى بدرهمين ثم أخذ بيدي، حتى إذا كنا بالحرة أطلقه وقال: ما كان ليؤسر شبه أم سالم، ثم أنشأ يقول: ألا يا غَزَالَ الرّملِ بَينَ الصّرَائِمِ ... ألا لا، فَقَد ذكَرتَني أمَّ سَالمِ لكَ الجِيدُ والعَينانِ منها وَحُوّةُ ال ... شّفَاهِ وَقد خالفَتهَا في القَوَائِمِ إبراهيم بن المهدي وجارية عمته أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن بندار الشيرازي بقراءتي عليه في المسجد الحرام بين باب بني شيبة وباب النبي تجاه الكعبة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن لآل الهمذاني، أخبرنا أحمد بن حرب الجيلي عن بعض مشايخه قال: اختفي إبراهيم بن المهدي زمن المأمون عند بنت عصمة بنت أبي جعفر عند هربه من المأمون لشدة طلبه له، وكانت تكرمه غاية الكرامة، وتلطفه بالطرائف، وتتفقده في أوقاته، ووكلت به جاريةً يقال لها ملك، وكانت قد أدبتها، وأنفقت عليها الأموال، وكانت مغنيةً حاذقة، راويةً للأشعار، بارعة الجمال، حسنة القد، عاقلة؛ وقد كانت طلبت منها بخمسين ومائة ألف درهم؛ فكانت تلي خدمة إبراهيم، وتقوم على رأسه، وتتفقد أموره، فهويها، وكره أن يطلبها من عمته، وأن يفجعها بها، وتذمم من ذلك، فلما اشتد وجده بها، وغلب حبها عليه، وسكر فهيجه السكر أيضاً، أخذ عوداً وغنى بشعر له فيها، وهي واقفة على

موت المجنون في الوادي

رأسه والغناء له: يا غَزَالاً لي إلَيْهِ ... شَافِعٌ مِنْ مُقْلَتَيهِ وَالّذي أجلَلتُ خَدّي ... هِ، فَقَبّلتُ يَدَيه بأبي وَجْهَكَ مَا أكْ ... ثَرَ حُسّادِي عَلَيْهِ أنَا ضَيْفٌ، وَجَزَاءُ الضَّ ... يفِ إحسَانٌ إلَيْهِ فسمعت الجارية الشعر، وفطنت لمعناه لرقتها وظرفها، وكانت مولاتها تسألها عن حالها وحاله في كل يوم، فأخبرتها في ذلك اليوم بما في قلبه منها، وبما سمعت منه من الشعر والغناء، فقالت لها مولاتها: اذهبي فقد وهبتك له! فعادت إليه، فلما رآها أعاد الصوت، فأكبت عليه الجارية فقبلت رأسه، فقال لها: كفى! فقالت: قد وهبتني مولاتي لك، وأنا الرسول، فقال: أما الآن فنعم. موت المجنون في الوادي أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا أحمد بن الهيثم القرشي، حدثني العباس بن هشام عن أبيه هشام بن محمد بن السائب الكلبي أن رجلاً من أهل الشام كان له أدب، وأنه ذكر له المجنون، وأخبر بخبره، فأحب أن يراه، وأن يسمع من شعره، فخرج يريده، حتى إذا صار إلى حية سأل عنه، فأخبر أنه لا يأوي إلى مكان، وأنه يكون مع الوحش، قال: فكيف لي بالنظر إليه؟ قيل: إنه لا يقف لأحد حتى يكلمه إلا لداية له هي التي كانت ربته، فكلم دايته وسألها، فخرجت معه تطلبه في مظانه التي كان يكون فيها في البرية، فطلبوه يومه ذلك، فلم يقدروا

لو بلي البين ببين

عليه، ثم غدوا في اليوم الثاني يطلبونه، فبينا هم كذلك إذ أشرفوا على واد كثير الحجارة، وإذا به في ذلك الوادي ميت، فاحتمله الرجل ودايته حتى أتيا به الحي، فغسلوه وكفنوه ودفنوه، فقال الرجل: قد كنت أقدر أن أسمع منه شيئاً من شعره ففاتني ذلك فأنشدوني من شعره شيئاً أنصرف به، فأنشدوه أشياء كتبها، وانصرف. لو بلي البين ببين أخبرنا الشيخ أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون قراءة عليه، أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أبي علي الأصبهاني، أخبرنا سعد بن الحسن الصوفي، أنبأنا عبد المؤمن، حدثنا الحسن بن أبي الفضل أنشدنا هبة الله بن الحسن لنفسه: حتى مَتى يَا قُرّةَ العَينِ، ... تُعّذِّب المُدْنَفَ بالبَينِ ما أقتلَ الشوْقَ لأهلِ الهَوى ... وَأقرَبَ البَينَ منَ الحَينِ لَوْ بُلِيَ البَينُ بِبَينٍ لمَا ... فَرّقَ مَا بَينَ المُحِبَّينِ أوْ ذاق طعمَ الوَصلِ يوماً لما ... شَتّتَ شَمْلاً بَينَ إلْفَينِ غراب البين وأخبرنا أحمد بن الحسن على أثره، أخبرنا محمد بن الحسن الأصبهاني، أنبأنا وليد بن معن المؤدب: أنشدنا أبي لأبي الحسن البرمكي: أتَرْحَلُ عَمّن أنتَ صَبٌّ بذِكرِهِ ... وَتشكو غرَابَ البَينِ؟ هذا هوَ الظلمُ وَما لغُرَابِ البينِ بالبَينِ فِطنَةٌ؛ ... وَما لغُرابِ البَينِ بالمُلتقَى عِلمُ

امرأة على قبر ولدها

امرأة على قبر ولدها أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي التوزي في ما أجاز لنا، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد الرصافي، حدثنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة، حدثنا محمد بن موسى بن حماد، حدثني أبو عبد الله العدوي، حدثني الحسين، سمعت أبي يقول: سمعت مصعباً يقول: قرأت على لوحين على قبرين: أمُغَطّى مني على بَصَرِي في الحُبْ ... بِ أمْ أنتَ أكمَلُ النّاسِ حُسنَا وَحَديثٌ ألَذُّهُ هُوَ مِمّا ... يَنعَتُ النّاعتون يُوزَنُ وَزْنَا ورأيت امرأةً عند القبرين، وهي تقول: بأبي لم تمتعك الدنيا من لذتها، ولم تساعدك الأقدار على ما تهوى، فأوقرتني كمداً، فصرت مطيةً للأحزان، فليت شعري كيف وجدت مقيلك، وماذا قلت وقيل لك؟ ثم قالت: استودعتك من وهبك لي، ثم سلبني أسر ما كنت بك. فقلت لها: يا أمه! ارضي بقضاء الله، عز وجل، وسلمي لأمره! فقالت: هاه نعم! فجزاك الله خيراً، لا حرمني الله أجرك، ولا فتنني بفراقك. فقلت لها: من هذا؟ فقالت: ابني، وهذه ابنة عمه، كان مسمى بها وهي صغيرة، فليلة زفت إليه أخذها وجع أتى على نفسها فقضت فانصدع قلب ابني فلحقت روحه روحها فدفنتهما في ساعة واحدة. فقلت: فمن كتب هذا على القبرين؟ قالت: أنا. قلت: وكيف؟ قالت: كان كثيراً ما يتمثل بهذين البيتين فحفظتهما لكثرة تلاوته لهما، فقلت: ممن أنت؟ فقالت: فزارية. قلت: ومن قائلهما؟ قالت: كريم ابن كريم، سخي ابن سخي، شجاع ابن بطل، صاحب رئاسة. قلت: من؟ قالت: مالك بن أسماء بن خارجة بن حصن يقولهما في امرأته حبيبة بنت أبي جندب الأنصاري. ثم قالت:

هذي الخدود

وهو الذي يقول: يا مُنزِلَ الغَيثَ بَعدَمَا قَنَطوا ... وَيا وَليَّ النّعماءِ وَالمِنَنِ يكونُ ما شِئتَ أنْ يكونَ وَما ... قدّرْتَ أن لا يكونَ لم يَكُنِ لوْ شِئتَ إذ كان حبُّها غَرضاً، ... لم تُرِني وَجههَا، وَلم تَرَني يا جارةَ الحَيّ كنتِ لي سَكَناً، ... إذ ليس بعضُ الجيرانِ بالسكنِ أذكرُ من جارَتي وَمَجلِسِها ... طَرَائِفاً من حَديثِها الحَسَنِ وَمن حَديثِ يَزِيدُني مِقَةً، ... ما لحَديثِ المَوْموقِ من ثَمَنِ قال: فكتبتها، ثم قامت مولية، فقالت: شغلتني عما إليه قصدت لتسكين ما بي من الأحزان. هذي الخدود وأنشدت لأبي الحسن علي بن عبد الرحمن الصقلي، وقد لقيت المذكور بالإسكندرية منذ خمس وعشرين سنة، ابتداء قصيدة له: هذي الخُدُودُ، وَهذه الحَدَقُ، ... فَلْيَدْنُ مَنْ بفُؤادِهِ يَثِقُ لَو أنّهُمْ عَشِقُوا لمَا عَذّلُوا، ... لكِنّهُمْ عَذَلُوا وَمَا عَشِقُوا عَنُفُوا عَليّ بِلَوْمِهِمْ سَفهاً، ... لوْ جُرّعوا كأسَ الهَوَى رَفِقوا ليسَ الفُؤادُ مَعي فأعلَمَ مَا ... قد نَالَ منه الشْوقُ وَالقَلَقُ مَا الحُبُّ إلاّ مَسلَكٌ خَطِرٌ، ... عَسرُ النّجاةِ، وَمَوْطئٌ زَلَقُ

المطبوع على الكرم

المطبوع على الكرم أخبرنا أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله قراءة عليه وأنا أسمع، حدثنا أبو العباس أحمد بن منصور اليشكري، حدثنا أبو القاسم الصائغ، حدثني أسد بن خالد، حدثني قبيصة بن عمر بن حفص المهلبي عن أبي عبيدة النحوي قال: كنا نأتي رؤبة بن العجاج، فربما أعوزنا مطلبه فنطلبه في مظانه، وكان للحارث بن سليم الهجيمي، وهو أبو خالد بن الحارث، مجلس يؤلف، وكان رؤبة ربما أتاه، فطلبته يوماً، فأتيت مجلس الحارث، فتحدث القوم، وتحدث الحارث قال: شهدت مجلس أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك، فأتى سعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان، فقال يا أمير المؤمنين! أتيتك مستعدياً. فقال: على من؟ قال: موسى شهوات. قال: وما له؟ قال: سمع بي، واستطال في عرضي، قال: يا غلام! علي بموسى! فأتي به، فقال أمير المؤمنين: سمعت به واستطلت في عرضه. قال: ما فعلت هذا يا أمير المؤمنين، ولكني مدحت ابن عمه، فغضب هو. قال: وما ذاك؟ قال: يا أمير المؤمنين علقت جاريةً لم تبلغ ثمنها جدتي، فأتيته، وهو صديقي، فشكوت ذلك إليه، فلم أصب عنده في ذلك شيئاً، فأتيت ابن عمه سعيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فشكوت إليه ما شكوت إلى ذلك. قال: تعود إلي، فتركته ثلاثاً ثم أتيته، فسهل من أمري، فما استقر المجلس حتى قال: يا غلام! قل لقيمي وديعتي! ففتح باباً بين بابين، فإذا أنا بجارية، فقال لي: هذه بغيتك؟ قلت: نعم! فداؤك أبي وأمي! قال: اجلس! يا غلام قل لقيمي ظبية نفقتي. فأتي بظبية فنثرت بين

يديه، فإذا فيها مائة دينار، وليس فيها غيرها، فردت في الظبية ثم قال: عتيدتي التي فيها طيبي! فأتي بها، فقال: ملحفة فراشي! فأتي بها، فصير ما في الظبية وما في العتيدة في حواشي الملحفة، وقال لي: شأنك بهواك، واستعن بهذا عليه. قال فقال أمير المؤمنين: فذاك حين تقول ماذا؟ فقال: أيا خالداً! أعني سعيدَ بنَ خالدٍ ... أخا العُرْفِ لا أعني ابنَ بنتِ سعيدِ وَلكِنّني أعني ابنَ عائِشَةَ الّذي ... أبُو أبَوَيْهِ خَالِدُ بنُ أَسيدِ عقيدُ الندى ما عاشَ يَرْضَى به الندى ... فإنْ ماتَ لم يرضَ النّدَى بعَقيدِ دَعوهُ دَعُوهُ إنّكم قد رَقَدتُمُ، ... وَما هوَ عن أحسابكمْ برَقُودِ قال: فقال: يا غلام علي بسعيد بن خالد! فأتي به، فقال: يا سعيد! أحق ما وصفك به موسى؟ قال: وما هو، يا أمير المؤمنين؟ فأعاد عليه، فقال: قد كان ذلك، يا أمير المؤمنين. قال: فما طوقك ذاك؟ قال: الكلف. قال: فما حملتك الكلف؟ قال: دين، والله يا أمير المؤمنين، ثلاثين ألف دينار، قال: قد أمرت لك بها وبمثلها وبمثلها، وثلث مثلها. فلقيت سعيد بن خالد، بعد حين، فأخذت بعنان دابته، فقلت: بأبي وأمي! ما فعل المال الذي أمر لك بن سليمان أمير المؤمنين. قال: ما علمك به؟ قال: كنت حاضر المجلس يومئذ. قال: والله ما استطعت أن أملك منه ديناراً ولا درهماً، قال: فما اغتاله؟ قال: خلةٌ من صديق أو فاقةٌ من ذي رحم.

نقش الشعر على الخواتم

نقش الشعر على الخواتم أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر القزويني الزاهد، رحمه الله تعالى، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، أخبرنا عبد الوهاب بن عيسى بن أبي حية قال: نقشت مغنية على خاتمها: مَا أنصَفوا، حَجبوكَ أوْ حَجَبوني، ... مَهمَا أذَوْكَ، فبالأذَى طَلبوني قال ونقشت مغنية أخرى على خاتمها: أحببَتُ مَنْ يَهوَاني ... برُغمِ مَنْ يَنهَاني ونقشت أخرى على خاتمها: كَفَى بصَبٍّ عَشِقْ ... يَدعو بقَلبٍ حَنِقْ ونقشت أخرى: سَمَاجَةٌ بمُحِبٍّ خانَ عاشِقَهُ، ... ما خانَ قَطُّ محِبُّ يعرفُ الكَرَمَا ونقشت أخرى: قَلبانِ في خاتَمِ الهَوَى جُمِعَا، ... فأرْغَمَ اللهُ أنفَ مَنْ قَطَعَا ونقشت أخرى: يَا حَبيبي مِنْ شَقَائِي وَشُومي، ... أنتَ للنّاسِ جَميعاً حَبِيبُ ونقشت أخرى: أنا إن مُتُّ فالهوى داءُ قلبي، ... فبِداءِ الهَوَى يموتُ الكِرامُ ونقشت أخرى: تَمَنّيْتُ القِيَامَةَ لَيسَ إلاّ ... لألقَى مَن أُحِبّ على الصِّرَاطِ ونقشت أخرى: لا تُنكِرَنّ تَذَلّلي، ... فالحبّ يلعبُ بالكرَامْ

قلب على شعل

قلب على شعل أنشدنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، رحمه الله تعالى، لمحمد بن عون الكاتب: غَنِيَتُ بمِشيَتِها عَنِ الأغصَانِ، ... حَسنَاءُ يَلعَبُ حُبُّهَا بجَنَاني وَبَدَتْ تَفضّ العَتبَ عن خاتامِه، ... وَتَجُولُ فِيهِ بِناظِرٍ وَلِسَانِ رِفقاً بقَلبٍ قَلّ مَا قَلّبتِه ... إلاّ عَلى شُعَلٍ مِنَ النّيرَانِ صوني ما تبقى ولي ابتداء قصيدة: طَرَقَت بعدَ هَجعَةٍ أمُّ وَرْقَا، ... خَوْفَ وَاشٍ وَحَاسِدٍ يَتَوَقّى ثمّ فَضّتْ خَتْمَ العِتَابِ وَقَالتْ: ... أنتَ لوْ كنتَ عاشِقاً مُتَّ عِشقَا مِثلَ ما ماتَ مِنْ بَني عُذرَةَ كُلْ ... لُ صَحيحِ الهَوَى فغُودرَ مُلقَى قَتَلَ الحُبُّ قَيسَ لُبنى وَمجنُو ... نَ بَني عَامِرٍ وَأمرَضَ خَلقَا وَتَحَدّى كُثيّراً وَجَميلاً، ... وَلَقيَ مِنْهُ عُرْوَةُ كُلِّ مَلقَى قُلتُ: عِندي على هَوَاكِ شُهُودٌ: ... أدمُعٌ مُستَهلّةٌ، لَيسَ تَرْقَا وَسَلي عَنْ أضَالِعي زَفَرَاتٍ، ... ما تُلاقي مِنْ حَرّهنّ وَألقَى أنتِ ضَيّعتِ جُلَّ قَلْبيَ بالهَج ... رِ، فَصُوني بالوَصْلِ مَا قد تَبَقّى

المغنيات ونقشهن الشعر

المغنيات ونقشهن الشعر أخبرنا ابن القزويني، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا عبد الوهاب بن أبي حية قال: نقشت مغنية على خاتمها: الحُبُّ أسقَمَني، والحُبُّ أضْنَاني، ... وَالحُبُّ أنحلَني، وَالحُبُّ أبلاني ونقشت أخرى: فإنْ تَضرِبوا جَنبي وَظَهري كلَيهما، ... فَلَيسَ لِقَلبٍ بَينَ جَنْبيَّ ضَارِبُ ونقشت مذنب جارية الحسن بن علي على قميص لها: كأنّ رُوحي إذا ما غبتَ غائِبَةٌ، ... فإنْ تَعُدْ ليَ عَادَت لي إلى بدَني ونقشت أخرى: مَنْ صَحّحَ الحُبَّ لأحبابِهِ، ... أعَانَهُ اللهُ عَلى مَا بِهِ ونقشت مخارق جارية القطيني على جبينها: لا عَدِمتُ الهَوَى، وَلا من هَوِيتُ، ... وَبَقي مَنْ هَوِيتُ لي وَبَقِيتُ ؟ لا فرج الله عني وأخبرني أبو الحسن القزويني أيضاً إجازة، أخبرنا أبو عمر بن حيويه، حدثنا عبد الوهاب بن أبي حية قال: نقشت شبل، وكانت تعشق ناشئاً: لا فَرّجَ اللهُ عني إنْ مَدَدْتُ يدي ... إلَيْه أسألُهُ مِنْ حُبّهِ الفَرَجَا

أعرابي حذاء الكعبة

أعرابي حذاء الكعبة أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن سعيد، حدثنا الحسين بن القاسم، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثني ابن بكار قال: وحكى العذري، أخبرنا الحسن بن جعفر بن سليمان الضبعي قال: كنت لا أكاد أمر في طريق ولا في حاجة إلا ومعي ألواح، فحججت فرأيت أعرابياً تقدم حتى قام حذاء الكعبة ثم قال: تفهموا عني، واحفظوا مقالتي، ثم رفع صوته فقال: ألا يَا مَنْ لعَينٍ قَد عَصَتْني، ... وَقَلْبٍ قَدْ أبى إلاّ الحَنِينَا وَنَفسٍ لا تَزَالُ الدّهرَ تَهفُو ... كأنّ بها لِما تَهفُو جُنُونَا أُحِبُّ الغانياتِ، وَلَيسَ قَلبي ... بِسَالٍ مَا بَقيتُ وَما بَقينَا وَجُملٌ، ما علِمتُ، غَرِيمُ سوء، ... تُمَنّينَا وَتَمْطُلُنا الدّيُونا فرآني وأنا أكتب ما ينشد، ثم قلت له: ويحك! هذا هو الخسران المبين؛ أتفعل هذا في مثل هذا الموضع؟ قال: بل الخسران المبين ما أنت فيه؛ أنا معذور مسلوب العقل، جئت مستجيراً بربي لما أجد من قلبي، وأنت تكتب بلايا العاشقين مؤثراً لها في هذا الموضع، تنح عني لا قدس الله روحك! يموت بكل يوم أخبرنا أبو محمد الجوهري، رحمه الله تعالى قراءة عليه، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه الخزاز، حدثنا محمد بن خلف، أخبرني إسحق بن محمد، حدثني أبو معاذ النميري قال: لقي مجنون بني عامر الأحوص بن محمد الأنصاري، فقال له: حدثني حديث عروة بن حزام! قال: فجعل الأحوص يحدثه وهو يسمع، حتى

عفا الله عنها

فرغ من حديثه، فأنشأ المجنون يقول: عَجِبتُ لعُرْوَةَ العُذرِيِّ أمسَى ... أحَادِيثاً لِقَوْمٍ بَعدَ قَوْمِ وَعُرْوَةُ مَاتَ مَوْتاً مُستَرِيحاً، ... وَهَا أنا ذا أمُوتُ بكلّ يَوْمِ عفا الله عنها وبإسناده قال: أنشدنا محمد بن خلف، أنشدني القحذمي للمجنون: أقُولُ لإلفٍ ذاتَ يَوْمٍ لَقِيتُهُ ... بمكّةَ، وَالأنضَاءُ مُلقى حِبالُها برَبّكَ أخبرني ألَمْ تَأثَمِ التي ... أضرّ بجسمي من زَمانٍ خَيالُها؟ فقال: بلى وَالله سوْفَ يمَسُّهَا ... عَذابٌ وَبَلوَى في الحيَاةِ يَنالُها فقلتُ: وَلم أملِك سَوَابقَ عَبرَةٍ ... سَرِيعٍ على جيبِ القميص انهمالُها: عَفا اللهُ عنها ذَنبَها وَأقالَها، ... وَإن كان في الدّنيا قَليلاً نَوَالُها لا مات ولا عوفي أخبرنا الأمير السيد أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله، حدثنا أحمد بن منصور اليشكري، حدثنا أبو بكر بن دريد، حدثنا الرياشي قال: قال عركن بن الجميح الأسدي: كان لي صديق من الحي، وكان شاباً جميلاً، يعشق ابنة عم له، وكانت له محبة، وكانت هيبة عمه تمنعه أن يخطبها إليه، فحجبت عنه، فكان يأتيني، فيشكو شوقه إليها، فما لبث أن مرض عمه مرضاً أشفى منه، فكان الفتى يدخل إليه، وابنته عند رأسه تمرضه، فيستشفي بالنظر إليها، ثم يخرج إلي مسروراً جذلاً، إلى أن برأ عمه فأنشأ يقول:

الموت في الحب جميل

أبكي مِنَ الخَوْفِ أن يبرَا فَيحجُبَها ... وَلَستُ أبكي على عمّي من الجَزَعِ لا ماتَ عمّي وَلا عُوفي منَ الوَجَعِ ... وَعَاشَ ما عاشَ بينَ اليَأسِ وَالطَّمعِ فخطبت الجارية، فزوجها أبوها غيره، فجاءني الفتى، فقال: ودعني وداعاً لا نتلاقى بعده! فناشدته، فإذا الجزع قد حال دون فهمه، فقلت: فأين تذهب؟ فقال: اذهب ما وجدت أرضاً؛ ونهض، فكان آخر العهد به، وقد التمسه عمه في آفاق البلاد، فما قدر عليه ولم يطل عمر الجارية بعده. الموت في الحب جميل أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر الحزبي، رحمه الله تعالى أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا عبد الوهاب بن أبي حية قال: نقشت كلثم على فص خاتمها: لا غفر من هجر. ونقشت خليدة الحيرية: الموت في الحب جميل. حبذا نجد أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه، حدثنا محمد بن العباس الخزاز، حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: وذكر محمد بن حبيب عن هشام بن محمد الكلبي وغيث الباهلي وأبي عمرو الشيباني عن ابن دأب عن رياح، حدثني بعض المشايخ قال: خرجت حاجاً حتى إذا كنت بمنى إذا جماعة على جبل من تلك الجبال، فصعدت إليهم، فإذا معهم فتى أبيض حسن الوجه، وقد علاه اصفرار، وبدنه ناحل، وهم يمسكونه. قال: فسألتهم عنه، فقالوا: هذا قيس الذي يقال له المجنون، خرج به أبوه لما بلي به، يستجير له ببيت

ظبية بشاة

الله الحرام، وقبر محمد، عليه الصلاة والسلام، فلعل الله يعافيه. قلت لهم: فما بالكم تمسكونه؟ قالوا: نخاف أن يجني على نفسه جناية تتلفه، قال: وهو يقول: دعوني أتنسم صبا نجد. فقال لي بعضهم: ليس يعرفك، فلو شئت دنوت منه، فأخبرته أنك قدمت من نجد وأخبرته عنها، قلت: نعم، أفعل، فدنوت منه. فقالوا له: يا قيس، هذا رجل قدم من نجد. قال: فتنفس حتى ظننت أن كبده قد تصدعت، ثم جعل يسائلني عن موضع فموضع وواد فواد، وأنا أخبره وهو يبكي، ثم أنشأ يقول: ألا حَبذَا نَجدٌ وَطيبُ تُرَابِهِ ... وَأرْوَاحِهِ إنْ كانَ نجدٌ على العَهدِ ألا لَيتَ شِعرِي! هل عُوَارَضَتي قَنَا ... بطُولِ اللّيالي قَدْ تَغَيَّرَتَا بَعدي وَعَنْ جارَتَينَا بالنَّثِيلِ إلى الحِمَى، ... على عَهدنا أم لم تَدومَا على العَهدِ وَعَن عَلَوِيّاتِ الرِّيَاحِ إذا جَرَتْ ... برِيحِ الخُزَامَى هل تَهُبُّ على نجدِ وَعَنْ أُقحُوانِ الرَّملِ مَا هُوَ صَانعٌ ... إذا هُوَ أثرَى لَيلَةً بثَرىً جَعْدِ ظبية بشاة أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، أخبرنا محمد بن خلف، أخبرني أبو بكر العامري عن عبد الله بن أبي كريم عن أبي عمرو الشيباني عن أبي بكر الوالبي قال: ذكروا أن المجنون برجلين قد صادا عنزاً من الظباء فلما نظر إليها دمعت عيناه وقال: يا هذان! خلياها، فأبيا عليه. فقال: لكما مكانها

قتيل لا يودى

شاة من غنمي. فقبلا ذلك منه، ودفعاها إليه، فأطلقها، ودفع إليهما الشاة، وأنشأ يقول: شَرَيتُ بكَبشٍ شِبهَ ليلى، فلو أبى ... لأعطَيتُ ما لي من طَرِيفٍ وَتَالِدِ فَيَا بائِعَيْ شِبْهٍ للَيلى هُبِلتُما، ... وَجُنّبتُمَا مَا نَالَهُ كُلّ عَائِدِ فَلَوْ كُنتُما حُرّينِ ما بِعتُما فتىً ... شَبيهاً للَيلى بَيعَةَ المُتَزَايِدِ وَأعتَقتُماهَا رَغبةً في ثَوَابِهَا، ... وَلم تَرْغَبا في ناقِصٍ غَيرِ زَائِدِ قتيل لا يودى ولي ابتداء قطعة: بَينَ الحَطيمِ وزَمزَمٍ، ... وَالحِجرِ وَالحَجَرِ المُقبَّلْ للعَاشِقينَ بَني الهَوَى ... أبداً مَصَارِعُ لَيسَ تُجهلْ كَمْ بالمُحَصَّبِ مِنْ عَلِي ... لِ هَوىً طرِيحٍ لا يُعَلَّلْ وَقَتيلِ بَيْنٍ بَينَ خَيْ ... فِ منى وَجمعٍ ليس يُعقَلْ سكينة تنقد الشعراء أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن بندار الشيرازي بقراءتي عليه في المسجد الحرام بين باب بني شيبة وباب النبي تجاه الكعبة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن لآل الهمذاني، حدثنا أحمد بن الحسين بن علي، حدثنا أبو الحسن حامد بن حماد بن المبارك، حدثنا إسحق بن سيار، حدثنا الأصمعي عبد الملك بن قريب عن أبيه عن لبطة بن الفرزدق بن غالب قال: اجتمع أبي وجميل بن معمر العذري وجرير بن الخطفى ونصيب مولى عمر وكثير في موسم من المواسم، فقال بعضهم لبعض: والله لقد اجتمعنا

في هذا الموسم لأمر خير أو شر، وما ينبغي لنا أن نتفرق إلا وقد تتابع لنا في الناس شيء نذكر به، فقال جرير: هل لكم في سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، نقصدها، فنسلم عليها، فلعل ذلك يكون سبباً لبعض ما نريد؟ فقالوا: امضوا بنا، فمضينا إلى منزلها، فقرعنا الباب فخرجت إلينا جارية لها بريعة ظريفة، فأقرأها كل رجل منهم السلام باسمه ونسبه، فدخلت الجارية، وعادت فبلغتهم سلامها، ثم قالت أيكم الذي يقول: سَرَتِ الهُمُومُ فَبِتْنَ غَيرَ نِيامِ ... وَأخُو الهُمومِ يَرُومُ كلّ مَرَامِ عَفّتْ مَعَالمَها الرّوَاسِمُ بَعدَنَا، ... وَسجالُ كلّ مُجَلجلٍ سَجّامِ دَرَسَ المنَازِلُ بَعدَ مَنزِلَةِ اللّوَى ... وَالعَيشُ بَعدَ أُولَئِكَ الأيّامِ طرَقَتْكَ صَائدةُ القلوبِ وَليسَ ذا ... حينَ الزيّارَةِ فَارْجِعي بسَلامِ تُجرِي السّوَاكَ على أغرّ كأنّهُ ... بَرَدٌ تَحَدّرَ من مُتُونِ غَمَامِ لَوْ كنتِ صَادِقَةً بمَا حَدّثْتِنا ... لَوَصَلتِ ذاكَ وكانَ غيرَ تَمامِ قال جرير: أنا قلته. قالت: فما أحسنت ولا أجملت، ولا صنعت صنيع الحر الكريم، لا ستر الله عليك كما هتكت سترك وسترها، ما أنت بكلف ولا شريف حين رددتها بعد هدوء العين، وقد تجشمت إليك هول الليل. هلا قلت: طرَقتْك صَائدَةُ القَلوبِ فَمَرْحباً ... نَفسِي فِدَاؤكِ فَادْخُلي بِسَلامِ خذ هذه الخمسمائة درهم، فاستعن بها في سفرك. ثم انصرفت إلى مولاتها وقد أفحمتنا، وكل واحد من الباقين يتوقع ما

يخجله، ثم خرجت فقالت: أيكم الذي يقول: ألا حَبّذا البَيتُ الذي أنا هَاجِرُهْ ... فلا أنا ناسيه، وَلا أنا ذَاكِرُهْ فَبُورِكَ من بَيتٍ وَطَالَ نَعيمُهُ ... وَلا زالَ مَغشِيّاً وَخُلّدَ عامِرُه هوَ البيتُ بيتُ الطَّوْلِ وَالفضْلِ دائماً ... وَأسعَدَ رَبي جَدّ مَن هُوَ زَائرُهْ بهِ كلّ مَوْشيِّ الذّرَاعَينِ يَرْتَعي ... أُصُولَ الخُزَامَى ما تَيَقّنَ طائرُهْ هُمَا دَلّتاني مِنْ ثَمَانينَ قَامةً ... كما انقَضّ بازٍ أقتمُ الرّيشِ كاسرُهْ فلما استَوَتْ رِجلايَ في الأرْضِ قالتا: ... أحَيٌّ نُرَجّي أم قَتيلٌ نُحاذرُهْ فأصْبَحتُ في أهلٍ وَأصبَحَ قصرُها ... مُغَلّقَةً أبْوَابُهُ ودَسَاكِرُهْ فقال أبي، يعني الفرزدق: أنا قلته. قالت: ما وفقت ولا أصبت، أما أيست بتعريضك من عودة عندك محمودة؟ خذ هذه الستمائة، فاستعن بها. ثم انصرفت إلى مولاتها، ثم عادت فقالت: أيكم الذي يقول: فَلَوْلا أنْ يُقَالَ صَبا نُصَيبٌ ... لَقُلتُ بِنَفسِيَ النّشءُ الصّغَارُ بِنَفسِي كُلّ مَهضُومٍ حَشاهَا، ... إذا ظُلِمَت فليسَ وَلها انتصَارُ فقال نصيب: أنا قلته. فقالت: أغزلت وأحسنت وكرمت، إلا أنك صبوت إلى الصغار، وتركت الناهضات بأحمالها. خذ هذه السبعمائة درهم، فاستعن بها. ثم انصرفت إلى مولاتها، ثم عادت فقالت: أيكم الذي يقول: وَأعجَبَني يا عَزّ مِنك خلائقٌ ... كِرَامٌ إذا عُدّ الخلائِقُ أرْبَعُ دُنُوُّكِ حتى يذكرَ الجاهلُ الصّبي ... وَمدّكِ أسبابَ الهوَى حينَ يَطمعُ وَأنّكَ لا يدرِي غَرِيمٌ مطلتهِ، ... أيَشتدّ إن لاقاكِ أمْ يَتَضرّعُ وَأنّكَ إن وَاصَلتِ أعلمتِ بالذي ... لديك فلم يوجَد لك الدهرَ مطمعُ

سكينة والفرزدق

قال كثير: أنا قلته. قالت: أغزلت وأحسنت. خذ هذه الثمانمائة درهم، فاستعن بها. ثم انصرفت إلى مولاتها، وخرجت فقالت: أيكم يقول: لكلّ حَدِيثٍ بَينَهُنّ بَشَاشَةٌ، ... وَكُلّ قَتيلٍ بَينَهُنّ شَهِيدُ يَقولونَ جاهِد يا جَميلُ بغَزْوَةٍ، ... وَأيّ جِهَادٍ غَيرَهُنّ أُرِيدُ وَأفضَلُ أيّامي وَأفضَلُ مَشهدِي، ... إذْ هِيجَ بي يوماً وَهنّ قُعُودُ فقال جميل: أنا قلته. قالت: أغزلت وكرمت وعففت، ادخل. قال: فلما دخلت سلمت، فقالت لي سكينة: أنت الذي جعلت قتيلنا شهيداً. وحديثنا بشاشة، وأفضل أيامك يوم تنوب فيه عنا، وتدافع، ولم تتعد ذلك إلى قبيح خذ هذه الألف درهم وابسط لنا العذر، أنت أشعرهم. سكينة والفرزدق وأخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن بندار الشيرازي أيضاً بالمسجد الحرام، قال: أخبرنا أبو أحمد بن لآل الهمذاني قال: حدثنا أبو بكر بن أحمد الأخباري وأحمد بن الحسين قالا: حدثنا حامد بن حماد، حدثنا إسحق بن سيار، حدثنا الأصمعي، حدثنا جهضم بن سالم: بلغني أن الفرزدق بن غالب خرج حاجاً، فمر بالمدينة ودخل على سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب مسلماً عليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: ليس كما قلت، أشعر منك الذي يقول: بِنَفسِيَ مَن تَجَنّيهِ عَزيزٌ ... عليَّ، وَمَن زِيَارَتُهُ لمَامُ وَمَن أُمسِي وَأُصْبحُ لا أرَاهُ ... ويَطَرُقني إذا هَجَعَ النِّيَامُ

فقال: والله لئن آذنتني لأسمعنك من شعري ما هو أحسن من هذا. فقالت: أقيموه، فخرج. فلما كان من الغد، عاد إليها، فقالت: يا فرزدق! من أشعر الناس؟ قال: أنا. قالت: ليس كما قلت؛ أشعر منك الذي يقول: لَولا الحَيَاءُ لهَاجَني اسِتعبَارُ، ... وَلَزُرْتُ قَبرَكِ وَالحَبيبُ يُزَارُ كانَتْ إذا هَجَرَ الضَّجيعُ فرَاشَها ... خُزِنَ الحَديثُ وَعفَّتِ الأسرَارُ لا يُلبِثُ القُرَنَاءَ أنْ يَتَفَرَّقُوا ... لَيلٌ يَكُرُّ عَلَيهِمُ وَنَهَارُ قال: والله لئن أذنت لي لأسمعنك من شعري ما هو أحسن من هذا، فأمرت به، فأخرج. فلما كان الغد غدا عليها، وحولها جوار مولدات، عن يمينها وعن شمالها، كأنهن التماثيل، فنظر الفرزدق واحدة منهن، كأنها ظبية أدماء، فمات عشقاً لها، وجنوناً بها، فقالت: يا فرزدق! من أشعر الناس؟ قال: أنا، قالت: ليس كذلك؛ أشعر منك الذي يقول: إنَّ العُيونَ التي في طَرْفها مَرَضٌ ... قَتَلْنَنَا ثمّ لَمْ يُحيِينَ قَتْلانَا يصرَعْنَ ذا اللُّبِّ حتى لا حرَاكَ به ... وَهُنَّ أضْعَفُ خَلْقِ اللهِ أرْكَانَا فقال: يا ابنة رسول الله! إن لي عليك حقاً عظيماً لموالاتي لك ولآبائك، وإني سرت إليك من مكة قاصداً لك إرادة التسليم عليك، فلقيت في مدخلي إليك من التكذيب لي والتعنيف، ومنعك إياي أن أسمعك من شعري ما قطع ظهري وعيل صبري به، والمنايا تغدو وتروح، ولا أدري لعلي لا أفارق المدينة حتى أموت، فإذا مت فمري من يدفنني في درع هذه الجارية، وأومأ إلى الجارية التي كلف بها، فضحكت سكينة حتى كادت تخرج من بردها، ثم أمرت له بألف درهم وكسى وطيب وبالجارية بجميع آلتها، وقالت: يا أبا فراس! إنما أنت واحد منا أهل البيت، لا يسؤك ما جرى. خذ ما أمرنا لك به، بارك الله لك فيه، وأحسن إلى

سكينة وقبلة عزة

الجارية، وأكرم صحبتها؛ وأمرت الجواري، فدفعن في ظهورهما، فقال الفرزدق، فلم أزل والله أرى البركة بدعائها في نفسي وأهلي ومالي. سكينة وقبلة عزة وبإسناده، حدثنا حامد بن حماد، حدثنا إسحق بن سيار، حدثنا الأصمعي، حدثنا سفيان بن عيينة قال: دخلت عزة على سكينة بنت الحسين بن علي، ذات يوم، فقالت: يا عزة، أرأيتك إن سألتك عن شيء هل تصدقينني؟ قالت: نعم! قالت: ما عنى كثير بقوله: قضَى كلُّ دَينٍ فَوَفّى غَرِيمَه ... وَعَزَّةُ مَمطُولٌ معنّى غرِيمُها فتحايت، وقالت: فداؤك أبي! إن رأيت أن تعفيني. فقالت: لا أعفيك بل أعزم عليك. قالت: كنت وعدته بقبة، قالت: أنجزيها له وعلي إثمها. شهادة قبل عيان أنشدني أبو محمد الحسن بن محمد الخلال من حفظه ولم يسم القائل: يا قُبلَةً شَهِدَ الضّميرُ لهَا ... قبلَ المَذاقِ بأنَها عَذبُ كَشَهَادَةٍ للهِ خَالِصَةٍ ... قَبلَ العِيانُ بأنّهُ الرَّبُّ

في أثواب العفاف

في أثواب العفاف ولي من نسب قصيدة مدحت بها أمير المؤمنين المقتدي بأمر الله أولها: كَمْ لا تَزَالُ تُسائِلُ الأطْلالا، ... يَصِلُ الغدُوَّ وُقُوفُكَ الآصَالا رَحَلوا وَفي الأحداجِ غزْلانُ النَّقا ... مُتكَنّسِينَ أكِلَّةً وَحِجَالا من كلّ ذاتِ لمىً شَهِيٍّ بَارِدٍ، ... يَرْوِي الصّوَادِي رَائِقاً سَلْسَالا طَرَقَتْ فَنَمَّ الحَلْيُ في وَسوَاسِهِ ... بِمَزَارِهَا مِعطَارَةً مِكْسَالا وَتَضَوَّعَ النّادي بفَائِحِ طِيبِها ... نشراً فقال رَقِيبنَا مَا قَالا لمّا سَرَتْ وَهْناً، وَخافَت كاشحاً، ... جَرَّتْ عَلى آثَارِهَا أذْيَالا حَسناءُ لوْ عَرَضَتْ لأشمطَ رَاهبٍ ... هَجَرَ الأنيسَ وَبتَّ منه حِبَالا لَصبَا وَفَارَقَ دَبرَهُ وتَغَيَّرَتْ ... أحوَالُهُ لِجمَالِهَا أحوَالا عُلِّقتُهَا من قَبلِ طَرْحِ تَمائِمي ... عَني، وأُقسِمُ، حُبُّها لا زَالا بِتنَا، وَأثوَابُ العَفافِ تَضُمُّنَا، ... تَشكُو وَأشكُو في الهَوَى الأهوَالا وَجَعَلتُ أُذكِرُهَا لَياليَ وَصْلِنا، ... وَأقُولُ، لوْ رَفَعَتْ بقَوْلي بَالا: أنَسيتِ مَوْقِفنَا بِجَوّ سُوَيقَةٍ ... مُتَفَيِّئينَ بِهِ الغَضَا وَالضّالا أيّامَ لا أخشَى من البِيضِ الدُّمَى ... ليَّ الدُّيُونِ وَلا أخافُ مَطَالا

ليلى المريضة

ليلى المريضة وأخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا محمد بن العباس، أخبرنا محمد بن خلف قال: قال رباح بن حبيب: حدثني بعض بني عامر أن رجلاً أتى يوماً بعد تزويج ليلى وذهاب عقل قيس، فسأل عن المجنون، فقيل له: ما تريد منه؟ فقال: أريد أن أنظر إليه وأخبره بخبر، فقيل له: أخبرنا نحن بما عندك، فإنه لا يفهم منك ما تقول، قال: دلوني عليه، على كل حال. قال: فبعثوا معه برجل، فلم يزل يطلبه حتى وجده، فقال له الرجل: أتحب ليلى؟ قال: نعم! قال: فما يغني حبك عنها، وهي مريضة لا تأتيها، ولا تسأل عنها؟ قال: فشهق شهقة ظننت أن روحه قد فارقت بدنه، ثم رفع رأسه، وهو يقول: يَقولونَ لَيلى بالصِّفاحِ مَرِيضَةٌ ... فماذا إذاً تُغني وَأنتَ صَديقُ شَفَى اللهُ مَرْضَى بالصِّفاحِ فإنّني ... عَلى كلِّ شاكٍ بالصِّفاحِ شَفيقُ خشوع المذنب المتنصل أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن العلاف الواعظ بقراءتي عليه، أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين الواعظ، حدثنا جعفر بن محمد الصوفي، حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق، حدثنا القاسم بن الحسن، حدثنا محمد بن سلام، حدثنا خلاد بن يزيد الأرقط، حدثني مغلس بن بكر الأسدي قال: كان في بني أسد شاب لا يكاد يكلم أحداً كأنه معتوه، فسمعته ينشد أبياتاً، فعلمت أنه مشغول عن كلام الناس ببثه، فسمعته يقول: وَصَلتُ، فلمّا أرَ الوَصْلَ نافعي، ... وَقَرَّبتُ قُرْباناً، فلمُ يُتَقَبَّلِ

الحب يتنفس ويتكلم

وَعَذّبتُ قلبي بالتجَلَّدِ صَابياً ... إليكِ، وَإن لم يَصْفُ عندك مَنهَلي وَلمّا نَقَلتُ الدَّمعَ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ ... إلى ساحَةِ من خَدِّ حَرّانَ مُعوِلِ وَأظلَمَتِ الدّنيَا عليَّ برَحبِها، ... وقَلقَلَني الهِجرَانُ كلَّ مُقَلقَلِ عَتبتُ على نَفسِي وَأقلَعتُ تائِباً، ... إليكِ، خشوعَ المُذنِبِ المُتَنَصّلِ فمَا زَادَني إلاّ صُدُوداً وَهِجرَةً ... وَقد كنتُ عن دارِ الهَوَانِ بمعزَلِ فَوَاللهِ ما أدرِي، فأشكُرُ عَامِداً ... لآخرَ، مَا أوْلَيتني أوْ لأوَّلِ فدنوت منه، ورفقت به، وسألته أن يخبرني بقصته، فأبى، وقال: إليك عني، اشتغل بنفسك، فإن لك فيها شغلاً، ولم يعلم أحداً حاله حتى قضى. الحب يتنفس ويتكلم أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس، أنبأنا محمد بن خلف بن المرزبان أنشدنا عبد الله بن شبيب لبعضهم: وَمَا زَالَ يَشكو الحبَّ حتى سمعتُه ... تَنَفَّسَ في أحشَائِهِ وتَكَلَّمَا وَيَبكي فأبكي رَحمةً لبُكَائِهِ، ... إذا ما بَكَى دَمعاً بَكيتُ له دَمَا

عبرى مولهة

عبرى مولهة وأخبرنا أبو محمد الحسن بن علي، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس، حدثنا محمد بن الحسن بن دريد، حدثنا الرياشي، حدثنا الأصمعي قال: مررت أنا وصاحب لي بجارية عند قبر، لم أر أحسن ولا أجمل منها، وعليها ثياب نظيفة وحلي كثير، وهي تبكي على القبر، فلم نزل نتعجب من جمالها وزينتها وحزنها، فقلت: يا هذه! علام هذا الحزن الشديد؟ فبكت، ثم أنشأت تقول: فَلا تَسألاني فيمَ حُزْني، فإنّني ... رَهينَةُ هّذا القَبرِ يَا فَتَيانِ وَإني لأستَحييهِ وَالتُّرْبُ بَينَنَا، ... كما كنتُ أستَحييهِ حينَ يَرَاني فعجبنا منها ومن ظرفها وجمالها، واستحيينا منها، فتقدمنا قليلاً، ثم جلسنا نسمع ما تقول، ولا ترانا، ولا تعلم بنا، فسمعناها تقول: يا صَاحبَ القبرِ يا من كان يؤنسني ... وكانَ يُكثِرُ في الدُّنيا مُؤاتَاتي قد زُرتُ قبرَك في حَلْيي وَفي حُللي ... كأنّني لَستُ من أهلِ المُصيباتِ لزمتُ ما كنتَ تَهوَى أن تَرَاهُ وَما ... قد كنتَ تَألَفُه من كلِّ هيئاتي فَمنْ رآني رأى عَبْرَى مُوَلَّهَةً، ... مَشهورَةَ الزِّيِّ تَبكي بينَ أموَاتِ فلم نزل قعوداً حتى انصرفت واتبعناها، حتى عرفنا موضعها، ومن هي، فلما خرجت إلى هارون الرشيد قال لي: يا أصمعي! ما أعجب ما رأيت بالبصرة؟ فأخبرته خبرها، فكتب إلى صاحب البصرة أن يمهرها عشرة آلاف وتجهز وتحمل إليه، فحملت إلى هارون، وقد سقمت حزناً على الميت، فلما وصلت إلى المداين ماتت، فقلما ذكرها هارون إلا دمعت عيناه.

شن بال

شن بال أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي الواعظ، رحمه الله تعالى، حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان المروروذي، حدثنا أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير، حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي، حدثنا أبو محمد عبد الصمد الصوفي، حدثنا علي بن سياخف، وكان من ظرفاء الصوفية ونساكهم، قال: قال لي أبو الجعد السائح: رأيت رجلاً حسن الوجه، كأنه الشن البالي بجبال لبنان، وعليه خرقة، وما معه شيء، ولا عليه غير تلك الخرقة، فسمعته يقول: شِدَّةُ الشّوْقِ وَالهَوَى ... تَرَكاني كمَا تَرَى حزن شديد أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي قراءة عليه، أخبرنا أبو عمر محمد العباس بن حيويه الخزاز، حدثنا محمد بن خلف قال: روى هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه قال: استعمل مروان بن الحكم رجلاً من قريش يقال له: محمد بن عبد الرحمن، على صدقات كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، فسمع بخبر المجنون، فأمر أن يؤتى به، فسأله عن حاله، فأخبره، وأنشده شعره، فأعجب به، وقال له: الزمني، ووعده أن يعمل له في أمر ليلى، فكان يأتيه في بعض الأوقات، فيتحدث عنده. وكان لبني عامر مجتمع يجتمعون إليه في كل سنة مرة، فيأكلون ويشربون يومهم؛ وكان الوالي يخرج إليهم، فيكون معهم في ذلك المجتمع لئلا يكون بينهم شر أو قتل، فحضر ذلك اليوم، فقال المجنون للوالي: أتأذن لي في

شوق ووجد

الخروج معك إلى هذا المجتمع؟ فقال له: نعم. فقيل له: إنما سألك أن يخرج معك ليرى ليلى، وقد استعدى أهلها عليه، فأهدر السلطان دمع إن أتاهم، فلما سمع ذلك منعه من الخروج معه، وأمر له بقلائص من قلائص الصدقة فأبى أن يقبلها وقال: رَدَدتُ قَلائصَ القُرَشي لمّا ... أتَاني النَّقضُ مِنهُ العُهودِ وَرَاحُوا مُقْصِرِينَ وَخَلَّفونِي ... إلى حُزْنٍ، أُعالجهُ، شَديدِ ؟ شوق ووجد أخبرنا التنوخي، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس، حدثنا محمد بن خلف قال: وأنشدني أبو علي البلدي الشاعر للمجنون: مِنْ نَزَحَتْ دَارٌ بِلَيْلَى لَرُبّمَا ... غَنِينَا بخَيرٍ، وَالزَّمَانُ جَميعُ وَفي النّفسِ من شَوْقٍ إلَيكِ حَزَازَةٌ، ... وَفي القَلبِ من وَجدٍ عَليكَ صُدوعُ المجنون وولي الصدقات وأخبرنا أبو القاسم علي بن أبي علي، حدثنا محمد بن العباس، حدثنا محمد بن خلف، حدثني محمد بن إسحق، حدثني ابن عائشة عن أبيه قال: ولي نوفل بن مساحق صدقات كعب بن ربيعة، فنزل بمجمع من تلك المجامع، فرأى قيس بن معاذ المجنون، وهو يلعب بالتراب، فدنا منه، فكلمه وجعل يجيبه بخلاف ما يسأله عنه، فقال له رجل من أهله: إن أردت

أن يكلمك كلاماً صحيحاً، فاذكر له ليلى، فقال له نوفل: أتحب ليلى؟ قال: نعم! قال: فحدثني حديثك معها! قال: فجعل ينشده شعره فيها، ويقول: وَشُغِلتُ عن فَهمِ الحَديثِ سوَى ... ما كانَ فيكِ، وَأنتمُ شُغلي وَأُدِيمُ نَحْوَ مُحَدِّثي لِيَرَى ... أنْ قد فَهِمتُ، وَعِندكُم عَقلي وأنشد أيضاً: سَرَتْ في سَوَادِ القَلبِ حتى إذا انتهَى ... بها السَّيرُ وَارْتادت حِمى القلبِ حلَّتِ فلِلعَينِ تَهمالٌ إذا القَلبُ مَلَّهَا، ... وَللقَلبِ وَسوَاسٌ إذا العَينُ مَلَّتِ وَوَاللهِ ما في القلبِ شيءٌ من الهَوَى ... لأخرَى سِواهَا أكثرَتْ أمْ أقَلَّتِ وأنشد أيضاً: ذكَرْتُ عَشِيَّةَ الصّدَفَيْنِ لَيلى، ... وكلّ الدَّهرِ ذِكرَاهَا جَدِيدُ عليَّ ألِيَّةٌ إنْ كُنتُ أدْرِي ... أيَنقُصُ حبُّ لَيلى أمْ يَزيدُ فلما رأى نوفل ذلك منه أدخله بيتاً، وقيده، وقال: أعالجه، فأكل لحم ذراعيه وكفيه، فحله، وأخرجه، فكان يأوي مع الوحوش، وكانت له داية ربته صغيراً فكان لا يألف غيرها، ولا يقرب منه أحد سواها، فكانت تخرج في طلبه في البادية وتحمل له الخبز والماء، فربما أكل بعضه، وربما لم يأكل، فلم يزل على ذلك حتى مات.

دية فاسق

دية فاسق وجدت بخط أبي عمر بن حيويه ونقلته من كتابه، حدثنا أبو بكر محمد بن خلف، حدثني محمد بن سلمة الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا شعبة بن الحجاج عن الحكم: أن رجلاً كان يدخل على امرأة رجل من جيرانه، فنهاه زوجها عن الدخول عليها، وأشهد عليه، فلم ينته، ثم رآه بعد ذلك في بيته، فقتله، فرفع إلى مصعب بن الزبير، فقال: لولا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ودى مثل هذا ما وديته. ثم وداه. أبو عيشونة الشاعر أخبرنا أبو الحسين محمد بن محمد بن علي الوراق، رحمه الله تعالى، بقراءتي عليه، حدثنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون، حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم إملاء، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن محمد بن عجلان بسر من رأى قال: خرجت مرة من المرار إلى مدينة السلام، فدعاني صديق لي ينزل الدور، فأقمت عنده، ثم انصرفت إلى منزلي في ليلة مقمرة، فبينما أنا أنزل شارع دار الرقيق، رأيت شيخاً قصيراً أصلع متشحاً بإزار أحمر، وبيده سكين خوصية، وهو يقول: عِشرُونَ ألفَ فَتَىً مَا مِنهُمُ رَجُلٌ ... إلاّ كألفِ فَتىً مِقدامَةٍ بَطَلِ أضْحَتْ مَزَاوِدهُم مَملُوءةً أمَلاً ... فَفَرَّغُوها، وَأوْكَوْهَا على الأجل فقلت لهم: أحسنت، فقصد إلي، وقال لي: لبيك، أتريد رقيقةً؟

قلت: نعم! فقال: إنّمَا هَيَّجَ البَلا، ... حِينَ عَض السفَرْجَلا وَلَقَدْ قَامَ لحظُهُ ... لي على القَلْبِ بالغَلا فقلت له: أبو من شيخنا؟ فقال: أبو عيشونة الخياط من أهل مربعة حرب، قد خرجت الفتيان الكبار، وصغا من يدي كل شاطر كان في هذا الصقع، وشهدت حروب محمد كلها وعمرت تلك الدار منذ عشرين سنة؛ وأشار بيده إلى سجن الشام، وأنا الذي أقول: لي فُؤادٌ مُستَهَامُ، ... وَجُفُونٌ مَا تَنَامُ وَدُمُوعٌ أبَدَ الدَّهْ ... رِ عَلى خَدِّي سِجَامُ وَحَبيبٌ كُلّمَا خا ... طَبْتُهُ قَالَ: سَلامُ فإذا ما قُلتُ: زُرْني! ... قَالَ لي: ذاكَ حَرَامُ ثم انثنى عني ناحيةً، وهو يقول: مُؤرَّقٌ في سُهْدِهِ، ... مُسَهَّدٌ في كَمَدِهْ خَلا بِهِ السُّقْمُ، فَمَا ... أسرَعَهُ في جَسَدِهْ يَرْحَمُهُ مِمّا بِهِ ... مَنْ ضَرِّهِ ذُو حَسَدِهْ كَأنَّ أطرَافَ المِدَى ... يَجرَحْنَ أعلى كَبِدِهْ

مجنون بين قبرين

مجنون بين قبرين أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الخلال، بقراءتي عليه، حدثنا أبو الفتح يوسف بن عمر القواس الزاهد، حدثنا محمد بن عمرو البختري الرزاز إملاء، أنبأني محمد بن معاوية الزيادي قال: رأيت مجنوناً يختلف بين قبرين، وهو يقول: وَصَفَ الطَّبيبُ، فهم بِما ... وَصَفَ الطّبيبُ يُعالجونَهْ يَرْجُونَ صِحّةَ جِسْمِهِ، ... هَيهَاتَ مِمّا يَرتَجُونَهْ قاتل أبيه حدثنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر المؤدب من لفظه وكتابه، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إدريس، رحمه الله تعالى: أن أبا عبد الملك بن مروان بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن الناصر، وهو المعروف بالمطلق من بني أمية، كان يعشق جارية كان أبوه قد رباها معه، وذكرها له، ثم بدا له، فاستأثر بها، وخلا معها، فيقال: إنه اشتدت غيرته لذلك وانتضى سيفاً وتغفل أباه في بعض خلواته ليلاً، فقتله، وعثر على ذلك، فحبسه المنصور محمد بن أبي عامر سنين، وقال في السجن أشعاراً رائقةً، ثم أطلق فلقب بالمطلق، ويقال: إنه من ذلك اعتراه الجنون، وكان يصرع.

ماني الموسوس والماجنة

ماني الموسوس والماجنة أخبرنا أبو محمد عبد الله بن الحسن البصري بتنيس، رحمه الله تعالى، حدثنا محمد بن الحسين البغدادي، حدثنا محمد بن الحسن بن الفضل، حدثني ابن الأنباري أبو بكر، حدثني محمد بن المرزبان، حدثني أبو حفص عمر بن علي قال: كنت عند بعض إخواني، فبينا نحن على شرابنا وقينة تغنينا، إذ استأذن ماني الموسوس، فدخل، فأتي بطعام، فأكل، وسقيناه، فشرب، فحانت من بعضنا التفاتةٌ، فبصر به وقد أخرج رقعةً من جيبه، فقرأها، ثم طواها، وقبلها ووضعها على عينه، ثم ردها إلى جيبه، فقلنا: إن لهذه الرقعة لشأناً، فلاطفناه، فأخذناها، فإذا هي رقعة من ماجنة من مواجن الكرخ، قد كتبت إليه تصف شغفها به، وأنها على حال التلف، وتطالبه بالجواب، فلما طلب الرقعة في جيبه فلم يجدها هاج وقام، وقال: أين رقعتي؟ فلم نزل نسكته، حتى جلس، فأنشأ يقول: وَعَاشِقٍ جَاءَهُ كِتَابُ، ... فَزَالَ عَنْهُ بهِ العَذابُ وَقَالَ: قَد خَصَّني حَبيبي ... بِنعمةٍ مَا لَها ثَوَابُ فَحُقَّ لي أن أتِيهَ تِيهاً، ... يَقصرُ عَن وَصْفِهِ الخِطابُ حَتى رَمَتهُ بِصَرْفِ دَهرٍ ... عُيُونُ حُسّادِهِ الصِّلابُ فَاستَلَّ مِنهُ الكِتابَ وَاشٍ ... بِحيلَةٍ شَأنُهَا عِجَابُ فَليَسَ يَهنيهِ طِيبُ عَيش ... وَلا طَعَامٌ وَلا شَرَابُ ثم هاج، وقام، وحلف أن لا يجلس.

غريب يبسط عذره

غريب يبسط عذره وجدت بخط في مجموع عتيق يقول: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن يزيد الوراق، حدثني عمي قال: سافرت في طلب العلم والحديث، فلم أدع بخراسان بلداً إلا دخلته، فلما أن دخلنا سمرقند، رأيت بلداً حسناً أعجبني، وتمنيت أن يكون مقامي فيه بقية عمري، وأقمنا فيه أياماً، وعاشرت من أهله جماعة، فحدثني بعضهم قال: ورد إلينا فتىً من أهل بغداد حسن الوجه، ولم يزل مقيماً عندنا دهراً، وكان أديباً، ثم إنه أثرى وحسنت حاله، فارتحل مع الحاج إلى العراق، وكان هوي فتىً من أولاد الفقهاء وله معه مواقف وأقاصيص، وله فيه أيضاً أشعار كثيرة، يحفظها أهل البلد، فخرج يوماً معه إلى البستان للنزهة، وأقاما يومهما، فخرجت في غد ذلك اليوم، واجتزت بالبستان، فدخلته، فإني لأطوفه إذ قرأت على حائط مجلس مكتوباً فيه: لمْ يَخِبْ سَعيي وَلا سَفَرِي، ... حِينَ نِلْتُ الحَظّ مِنْ وَطَرِي في قَضِيبِ البَانِ في مَيَلٍ، ... وَشَبِيهِ الشّمسِ وَالقَمَرِ لَستُ أنسَى يَوْمَنَا أبَداً، ... بِفَنا البُسْتَانِ وَالنَّهَرِ في رِياضٍ وَسْطَ دَسْكَرَةٍ، ... وبِسَاطٍ حُفّ بالشّجَرِ وأبو نَصرٍ يُعَانِقُني، ... طَافِحاً سُكْراً إلى السَّحَرِ غيرَ أنّ الدّهرَ فَرّقَنَا، ... وكذا مِنْ عادة القَدَرِ وتحته مكتوب: الغريب يبسط العذر بالقول والفعل لاطراحه المراقبة وأمنه في هفواته من المعاتبة.

الشيطان واستراق السمع من السماء

الشيطان واستراق السمع من السماء أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، رحمه الله تعالى، قراءة عليه سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، أخبرنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق، حدثنا عبد العزيز بن معاوية أبو خالد، حدثنا أبو حفص بن عمر أبو عمر الضرير، حدثنا حماد بن سلمة أن داود بن أبي هند أخبرهم عن سماك بن حرب عن جرير بن عبد الله البجلي قال: إني لفي تستر في طريق من طرقها، زمن فتحت، إذ قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، ما شاء الله كان، وما لا يشاء لا يكون، قال: فسمعني هربذ من تلك الهرابذة، فقال: ما سمعت هذا الكلام من أحد منذ سمعته من السماء، فقلت له: وكيف ذلك؟ قال: إنه كان رجل، يعني نفسه، وإنه وفد عاماً على كسرى بن هرمز، قال: فخلفه في أهله شيطان تصور على صورته، فلما قدم، لم يهش إليه أهله، كما يهش أهل الغائب إلى غائبهم إذا قدم، فقال لهم: ما شأنكم؟ قالوا: إنك لم تغب. قال: وظهر له الشيطان فقال: اختر أن يكون لك منها يوم، ولي يوم، وإلا أهلكتك، فاختار أن يكون له يوم، وله يوم، فأتاه يوماً فقال: إني ممن يسترق السمع، وإن استراق السمع بيننا نوب، وإن نوبتي الليلة، فهل لك أن تجيء معنا؟ قلت نعم. فلما أمسى أتاني فحملني على ظهره، فإذا له معرفة كمعرفة الخنزير، فقال: لا تفارقني، فتهلك. قال: ثم عرجوا حتى لصقوا بالسماء، فسمعت قائلاً يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ما شاء الله كان، وما لا يشاء لا يكون. قال: فلبج، ووجم، فوقعوا من وراء العمران في

تصرعه الجنية

غياض الشجر، فلما أصبحت رجعت إلى منزلي، وقد حفظت الكلمات، فكان إذا جاء قلتهن، فيضطرب، حتى تخرج من كوة البيت، فلم أزل أقولهن حتى ذهب عني. تصرعه الجنية ذكر محمد بن سعيد التيمي قال: رأيت جارية سوداء في بعض مدن الشام، وبيدها خوص تسفه، وهي تقول: لَكَ عِلمٌ بما يَجُنُّ فُؤادِي، ... فارْحَمِ اليومَ ذِلّتي وَانفرادي فقلت: يا سوداء! ما علامة المحب؟ وإذا رجل قد صرع بالقرب منها، فنظرت إلي وإلي الرجل، وقالت: يا بطال! علامة المحب الصادق لله في حبه أن يقول لهذا المجنون: قم، فيقوم، فإذا الرجل قد قام، وإذا الجنية تقول لها على لسانه: وحق صدق حبك لربك لا رجعت إليه أبداً. الجني العاشق أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الخلال، رحمه الله تعالى، بقراءتي عليه، حدثنا أبو الحسن أحمد بن عمران الجندي، حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا الوليد بن طلحة، حدثنا ابن وهب عن عمر بن محمد عن سالم يعني ابن عبد الله بن عمر، أخبرني واقد أخي أن جنياً عشق جاريةً لا أعلمه إلا قال: منهم أو من آل عمر، قال: وإذا في دارهم ديك. قال: فكلما جاءها صاح الديك، فهرب،

مس الإنسي كمس الجني

فتمثل في صورة إنسان، ثم خرج حتى لقي شيطاناً من الإنس، فقال: اذهب فاشتر لي ديك بني فلان بأي ثمن كان، فأتني به في مكان كذا؛ فذهب الرجل فأغلى لهم في الديك، فباعوه، فلما رآه الديك صاح، فهرب، وهو يقول: اخنقه، فخنقه حتى صرع الديك، فجاءه فحك رأسه، فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى صرعت الجارية. مس الإنسي كمس الجني أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي، رحمه الله تعالى، سمعت أبا الحسن الجهضمي الهمذاني بمكة يقول في المسجد الحرام: سمعت الخالدي يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول: إذا تمكن الذكر في القلب، وقوي سلطانه، فلا يأمنه العدو، ويصرع به كما يصرع الإنسي إذا مسه الجني، فتمر به الجن فيقولون: ما بال هذا؟ فيقال مسه الإنسي. عفا الله عن ليلى أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه، أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا محمد بن خلف قال: وقال العمري عن عطاء بن مصعب: خرج المجنون مع قوم في سفر، فبينا هم يسيرون إذا اتسعت لهم طريق إلى الماء الذي كانت عليه ليلى، فقال المجنون لأصحابه: إن رأيتم أن تحطوا وترعوا وتنتظروني حتى آتي الماء؟ فأبوا عليه، وعذلوه، فقال لهم: أنشدكم الله لو أن رجلاً صحبكم، وتحرم بكم، فأضل بعيره، أكنتم مقيمين عليه يوماً حتى يطلب بعيره؟ قالوا: نعم! قال: فوالله لليلى

الحب المجرم

أعظم حرمةً من البعير، وأنشأ يقول: أأترُكُ لَيلى لَيسَ بَيني وَبَينهَا ... سِوَى لَيلَةٍ، إني إذاً لَصَبُورُ هَبوني امرَأً مِنكُم أضَلَّ بَعيرَهُ ... لَهُ ذِمّةٌ، إنّ الذِّمَامَ كَبيرُ وَللصّاحبُ المَتروكُ أعظمُ حُرْمَةً ... عَلى صَاحبٍ من أنْ يَضِلَّ بَعِيرُ عَفَا اللهُ عَن لَيلى، الغَداةَ، فإنّها ... إذا وَلِيَتْ حُكْماً عَليَّ تَجُورُ قال: فأقاموا عليه حتى مضى ورجع. الحب المجرم ذكر أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، أخبرنا الفضل بن محمد العلاف قال: لما قدم بغا ببني نمير أسرى كنت كثيراً ما أصير إليهم، فلا أعدم أن ألقى منهم الفصيح، فجئتهم، ذات يوم، في صبيحة ليلة، قد كانوا مطروا فيها، وإذا شاب جميل قد نهكه المرض وليس به حراك وهو ينشد: ألا يا سنَا بَرْقٍ على قُلَلِ الحِمَى، ... لهَنَّكَ من بَرْقٍ عليَّ كَرِيمُ لَمعتَ اقتداءَ الطيرٍ، وَالقوْمُ هُجّعٌ، ... فَهَيَّجتَ أحَزاناً، وَأنتَ سَليمُ فَبِتُّ بحَدِّ المِرْفَقَينِ أشِيمُهُ، ... كَأني لبَرْقٍ بالسّتَارِ حَميمُ فهلْ من مُعيرٍ طَرْفَ عَينٍ خَليَّةٍ؟ ... فإنسَانُ عَينِ العَامِرِيِّ كَليمُ

عبد الملك والغلام العاشق

رَمَى قَلبَهُ البرْقُ المُلألئُ رَميَةً ... بذكرِ الحِمَى وَهناً فصارَ يَهيمُ فقلت: يا فتى! إن في دون ما بك ما يشغل عن قول الشعر. قال: أجل، ولكن البرق أنطقني. ثم اضطجع فمات، فما يتهم عليه إلا الحب. عبد الملك والغلام العاشق أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، رحمه الله تعالى، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الرحيم المازني، حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي، حدثنا الكديمي أبو العباس، أخبرنا السلمي عن محمد بن نافع مولاهم عن أبي ريحانة أحد حجاب عبد الملك بن مروان قال: كان عبد الملك يجلس في كل أسبوع يومين جلوساً عاماً، فبينا هو جالس في مستشرف له، وقد أدخلت عليه القصص، إذ وقعت في يده قصةٌ غير مترجمة، فيها: إن رأى أمير المؤمنين أن يأمر جاريته فلانة تغنيني ثلاثة أصوات ثم ينفذ في ما شاء من حكمه. فاستشاط من ذلك غضباً، وقال: يا رباح علي بصاحب هذه القصة. فخرج الناس جميعاً، وأدخل عليه غلام من أجمل الفتيان وأحسنهم، فقال له عبد الملك: يا غلام! أهذه قصتك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين! قال: ومائتين الذي غرك مني؟ والله لأمثلن بك، ولأردعن بك نظراءك من أهل الخسارة. علي بالجارية! فجيء بها كأنها فلقة قمر، وبيدها عود، فطرح لها الكرسي، فجلست، فقال عبد الملك: مرها يا غلام! فقال لها: غنيني يا جارية بشعر قيس بن ذريح: لقد كنتِ حسبَ النفسِ لوْ دامَ وِدُّنا، ... وَلَكِنَّمَا الدُّنْيَا مَتَاعَ غُرُورِ

وَكنّا جميعاً قَبلَ أنْ يَظهَرَ الهَوَى ... بِأنْعَمِ حَالَيْ غِبْطَةً وَسُرُورِ فَمَا بَرِحَ الوَاشُونَ حَتى بَدَتْ لَنَا ... بُطُونُ الهَوَى مَقْلُوبَةً لِظُهُورِ فغنت، فخرج الغلام بجميع ما كان عليه من الثياب تخريقاً، ثم قال له عبد الملك: مرها تغنك الصوت الثاني! فقال: غنيني بشعر جميل: ألا لَيتَ شِعري هَلْ أبِيتَنَّ لَيلَةً ... بِوَادي القُرَى إني إذاً لَسَعيدُ إذا قلتُ ما بي يا بُثيَنَةُ قَاتِلي ... من الحُبِّ قالت: ثابتٌ ويَزيدُ وَإن قلتُ رُدي بعض عقلي أعش به ... معَ النّاسِ قالت: ذاكَ منك بَعيدُ فَلا أنا مَرْدُوْدٌ بما جِئتُ طالِباً، ... وَلا حُبُّهَا فِيما يَبيدُ يَبيدُ يَموتُ الهَوَى مني إذا ما لَقيتُها، ... وَيَحيَا إذا فارَقتُها، فَيَعُودُ قال: فغنته الجارية، فسقط الغلام مغشياً عليه ساعةً، ثم أفاق، فقال له عبد الملك: مرها فلتغنك الصوت الثالث! فقال: يا جارية غنيني بشعر قيس بن الملوح المجنون: وَفي الجيرَة الغادينَ من بَطنِ وَجرَةٍ ... غَزَالٌ غَضيضُ المُقلَتينِ رَبيبُ فَلا تَحسَبي أنَّ الغَريبَ الذي نأى ... وَلَكِنَّ مَن تَنأينَ عَنهُ غَرِيبُ فغنته الجارية، فطرح الغلام نفسه من المستشرف فلم يصل إلى الأرض حتى تقطع، فقال عبد الملك: ويحه لقد عجل على نفسه، ولقد كان تقديري فيه غير الذي فعل، وأمر، فأخرجت الجارية من قصره، ثم سأل عن الغلام، فقالوا: غريب لا يعرف إلا أنه منذ ثلاث ينادي في الأسواق ويده على رأسه: غداً يكثُرُ الباكونَ مِنّا وَمِنكُمُ، ... وَتَزْدادُ دارِي من دِيارِكُمُ بُعدا

تصافح الأكف والخدود

تصافح الأكف والخدود أنبأنا القاضي أبو الحسين بن المهتدي، أنشدنا أبو الفضل محمد بن الحسين بن الفضل بن المأمون، أخبرنا أبو بكر بن الأنباري: أنشدني إبراهيم بن عبد الله الوراق لمحمد بن أمية وأنشدنيها أبي لغيره من المحدثين: وَحدَثَّني عن مجلِسٍ كنتَ زينَهُ ... رَسُولٌ أمينٌ وَالوُفُودُ شُهُودُ فَقُلتُ له: كرَّ الحديثَ الذي مضَى ... وَذِكرُكَ من بَينِ الحَديثِ أرِيدُ أنَاشِدُهُ باللهِ ألاّ ذَكَرْتَهُ، ... كأني بَطيء الفَهمِ حِينَ يُعيدُ يُجَدِّدُ لي ذِكْرُ الحَديثِ لَذاذةً، ... فذِكرُكَ عِندي وَالحَديثُ جديدُ قال وفي رواية أبي، رحمه الله تعالى: فلمّا هَمَنا بالفِرَاقِ تَصَافَحَتْ ... أكفٌّ، وَثَنَّتْ عندَ ذاكَ خُدودُ مخافة الواشي وبالإسناد أخبرنا أبو بكر أنبأنا أبي أنشدنا أحمد بن عبيد: يَقولونَ: ما تَهوَاكَ ميُّ تَعَبُّثاً، ... فما بالُهُ يُضْحِي وَيُمسِي مُسَلَّمَا وَيُعرِض عن ذكرَاك في كلِّ موطنٍ ... وَقد يُسعِفُ الحبُّ المحبَّ المُتَيَّمَا وقد صَدقُوا أني لأترُكُ ذَاكُمُ، ... كَأنيَ لمْ أعرِفكَ إلاّ تَوَهُّمَا وَأهجُرُكُمْ، وَاللهُ يَعَلَمُ أنّني ... أُحِبّكِ حُبّاً خالطَ اللحمَ وَالدمَا مَخَافةَ وَاشٍ أوْ تَوَقّيَ أعيُنٍ، ... تَرَى بَثَّ أسرَارِ المُحبِّينَ مَغنَمَا

فراق أم تلاق

فراق أم تلاق؟ أخبرنا الأمين العدل أبو الفضل أحمد بن الحسن قراءة عليه، حدثنا أبو الحسين محمد بن الحسن الأصبهاني، سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن إسحق الشاهد يقول: ودعت أبا عبد الله نفطويه، فقال لي: إلى أين؟ فقلت: إلى العراق؛ فقال: وأي العراق؟ قلت: الأهواز، فأنشدني: قَالُوا: وَشيكُ فِرَاقِ، ... فَقُلتُ: لا بَلْ تَلاقِ كَمْ بَينَ أكْنَافِ نَجْدٍ، ... وَبَينَ أرْضِ العِرَاقِ قَدْ فُزْتُ يَوْمَ التَقَينَا، ... بِقُبْلَةٍ وَاعتِنَاقِ وَبَعدَ هَذَا وِصَالٌ ... مِنَ الأحِبَّةِ بَاقِ ؟ جناية السبع على عاشقين ذكر أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، ونقلته من خطه، أن أبا بكر محمد بن خلف حدثهم: حدثني أبو أحمد عبد الله بن محمد الطالقاني، حدثني محمد بن الحارث الرازي، أخبرني أحمد بن عمر الزهري، حدثني عمي عن أبيه قال: خرجت في نشدان صالة لي، فآواني المبيت إلى خيمة أعرابي، فقلت: هل من قرىً؟ فقال لي: انزل! فنزلت، فثنى لي وسادة، وأقبل علي يحدثني، ثم أتاني بقرىً، فأكلت. فبينا أنا بين النائم واليقظان، إذا بفتاة قد أقبلت لم أر مثلها جمالاً وحسناً، فجلست، وجعلت تحدث الأعرابي ويحدثها، ليس غير ذلك، حتى طلع الفجر، ثم انصرفت، فقلت: والله لا أبرح موضعي هذا، حتى أعرف خبر الجارية والأعرابي.

قال: فمضيت في طلب ضالتي يوماً، ثم أتيته عند الليل، فأتى بقرىً، فبينا أنا بين النائم واليقظان، وقد أبطأت الجارية عن وقتها، قلق الأعرابي، فكان يذهب ويجيء وهو يقول: ما بالُ مَيَّةَ لا تأتي لِعَادَتِها، ... أعاجَها طَرَبٌ أمْ صَدَّها شُغُلُ لَكِنَّ قَلبي عَنكُمُ لَيس يَشغلهُ ... حتى المماتِ، وَما لي غيركُم أمَلُ لَو تَعلمينَ الذي بي مِنْ فِرَاقِكُمُ ... لما اعتَذّرْتِ وَلا طابت لك العِلَلُ نَفسِي فداؤكِ قد أحلَلتِ بي سقَماً ... تكادُ من حرِّهِ الأعضَاءُ تَنفصِلُ لَوْ أنّ غادِيةً منهُ على جَبَلٍ، ... لمَادَ وَانهَدَّ من أرْكانِهِ الجَبَلُ ثم أتاني فأنبهني، ثم قال لي: إن خلتي التي رأيت بالأمس، قد أبطأت علي، وبيني وبينها غيضة، ولست آمن السبع عليها، فانظر ما ههنا حتى أعلم علمها، ثم مضى فأبطأ قليلاً، ثم جاء بها يحملها، السبع قد أصابها، فوضعها بين يدي، ثم أخذ سيفه، ومضى فلم أشعر إلا وقد جاء بالأسد يجره مقتولاً، ثم أنشأ يقول: ألا أيّها اللّيثُ المُضِرّ بِنَفسِهِ، ... هُبلتَ لقد جَرَّتْ يداكَ لكَ الشرَّا أخلّفتَني فَرْداً وَحِيداً مُدَلّهاً، ... وَصَيَّرْتَ آفَاقَ البِلادِ بِهَا قَبرَا أأصحَبُ دَهراً خَانَني بِفِرَاقِها؟ ... مَعاذَ إلهي أن أكونَ بها بَرّا ثم أقبل علي فقال: هذه ابنة عمي كانت من أحب الناس إلي، فمنعني أبوها أن أتزوجها، فزوجها رجلاً من أهل هذه الأبيات، فخرجت من مالي كله ورضيت بالمقام ههنا على ما ترى، فكانت إذا وجدت خلوة أو غفلة من زوجها أتتني، فحدثتني وحدثتها، كما رأيت ليس شيء

في الدنيا وفي الآخرة

غيره، وقد آليت على نفسي أن لا أعيش بعدها، فأسألك بالحرمة التي جرت بيني وبينك، إذا أنا مت فلففني وإياها في هذا الثوب، وادفنا في مكاننا هذا، وأكتب على قبرنا هذا الشعر: كنّا على ظَهرِها وَالدَّهرُ في مَهَلٍ، ... وَالعَيشُ يَجمَعُنا وَالدّارُ وَالوَطنُ فَفَرَّقَ الدّهرُ بِالتّصرِيفِ أُلفَتَنَا، ... فَاليَوْمَ يَجمعُنا في بَطنِها الكَفَنُ ثم اتكأ على سيفه، فخرج من ظهره فسقط ميتاً، فلففتهما في الثوب وحفرت لهما، فدفنتهما في قبر واحد وكتبت عليه كما أمرني. ؟ في الدنيا وفي الآخرة قال ابن المرزبان: وحدثني سعيد بن يحيى القرشي، حدثنا عيسى بن يونس عن محمد بن إسحق عن أبيه عن أشياخ من الأنصار قالوا: أتي النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، يوم أحد بعبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح قتيلين، فقال: ادفنوهما في قبر واحد، فإنهما كانا متصافيين في الدنيا. مات على الجبل قال وذكر أبو الحسن المدايني عن محمد بن صالح الثقفي: أن بعض الأعراب عشق جاريةً من حيه، فكان يتحدث إليها، فلما علم أهلها بمكانه ومجلسه منها، تحملوا بها، فتبعهم ينظر إليهم، ففطن به، فلما علم أنه قد فطن به انصرف، وهو يقول: بانَ الخَليطُ فأوجَعوا قَلبي، ... حَسبي بما قد أوْرَثوا حَسبي

ليلى الغريبة

إن تَكتُبوا نكتُبْ، وإن لا يكن ... يأتيكُمُ بمَكانِكُمْ كُتْبي جدَّ الرّحِيلُ، فبَانَ ما بَينَنا، ... لا شَكَّ أني مُنقَضٍ نَحبي قال: ثم وقف على جبل ينظر إليهم ماضين، فلما غابوا عن عينه خر ميتاً. ليلى الغريبة ذكر أبو عمر بن حيويه ونقلته من خطه أن أبا بكر محمد بن خلف حدثهم: أخبرني عبد الله بن أبي عبد الله القرشي قال: وجدت في كتاب بعض أهل العلم أن الهيثم بن عدي حدثهم عن رجل من بني نهد قال: كان رجل منا يقال له: مرة تزوج ابنة عم له جميلة يقال لها: ليلى، وكان مستهاماً بها، فضرب عليه البعث إلى خراسان فكره فراقها، واشتد عليه، ولم يجد من ذلك بداً، فقال لها: أكره أن أخلفك، وقلبي متعب بك. قالت: اصنع ما شئت، فمر براذان، وبها رجل من قومه، له شرف وسؤدد، فذكر حاله، وأمر امرأته، وقال: اخلفها عند عيالك وأهلك حتى أقدم، قال: نعم! فأخلوا لها منزلاً، فقرأ، ثم تعجل، فلما صار براذان، جلس قريباً من القصر الذي كانت فيه امرأته، حتى يمسي، وكره أن يدخل نهاراً. فخرجت جارية من القصر، فقال لها: ما فعلت المرأة التي خلفتها عندكم؟ قالت: أما ترى ذلك القبر الجديد؟ قال: بلى! قالت: فإن ذلك قبرها، فلم يصدق حتى خرجت أخرى، فسألها، فقالت له مثل ذلك، فأتى القبر، فجعل يبكي ويتمرغ عليه، ويرثيها، فقال: أيَا قبرَ ليلى! لو شَهِدناكَ أعوَلَت ... علَيها نساءٌ من فصِيحٍ وَمَن عَجَمْ

يسائلني عن علتي وهو علتي

ويَا قَبرَ لَيلى! ما تَضَمَّنتَ مثلَها ... شَبيهاً للَيلى في عَفافٍ وَفي كَرَمْ وَيَا قَبرَ لَيلى! أكرِمَنَّ مَحَلّها، ... تكنْ لكَ ما عِشنا عَلينا بها نِعَمْ ويَا قبرَ لَيلى، إنَّ لَيلى غَرِيبَةٌ، ... برَاذان لم يشهدكَ خالٌ وَلا ابنُ عمْ يسائلني عن علتي وهو علتي أخبرنا أبو محمد أحمد بن علي بن الحسن بن الحسين بن أبي عثمان فيما أجاز لنا، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى القرشي، حدثنا أبو بكر بن الأنباري، حدثنا محمد بن المرزبان، حدثنا محمد بن هارون المقري، حدثنا سعيد بن عبد الله بن راشد قال: علقت فتاةٌ من العرب فتى من قومها، وكان الفتى عاقلاً فاضلاً، فجعلت تكثر التردد إليه، تسأله عن أمور النساء، وما في قلبها إلا النظر إليه واستماع كلامه، فلما طال ذلك عليها، مرضت وتغيرت، واحتالت في أن خلا لها وجهه وقتاً، فتعرضت له ببعض الأمر، فصرفها، ودفعها عنه، فتزايد بها المرض، حتى سقطت على الفراش، فقالت له أمه: إن فلانة قد مرضت، ولها علينا حق. قال: فعوديها، وقولي لها: يقول لك ما خبرك؟ فصارت إليها أمه، فقالت لها: ما بك؟ قالت: وجع في فؤادي هو أصل علتي، قالت: فإن ابني يقول لك ما علتك؟ فتنفست الصعداء، وقالت: يُسائِلُني عن عِلّتي وَهوَ عِلّتي، ... عَجيبٌ من الأنبَاءِ جَاءَ به الخَبَرْ فانصرفت أمه إليه، فأخبرته، وقالت له: قد كنت أحب أن نسألها المصير إلينا لنقضي حقها ونلي خدمتها، قال: فسليها ذلك. قالت: قد أردت أن أفعله ولكن أحببت أن يكون عن رأيك. فمضت إليها، فذكرت

أين الشفاء من السقم

لها ذلك عنه، فبكت وقبلت، ثم أنشأت تقول: يُبَاعِدُني عَنْ قُرْبِهِ وَلِقَائِهِ، ... فلمّا أذَابَ الجسْمَ مني تَعَطَّفَا فَلَستُ بآتٍ موْضِعاً فيه قاتلي، ... كَفَاني سَقَاماً أن أموتَ كذا كفى فألحت عليها؛ فأبت. وترامت العلة بها، وتزايد المرض حتى ماتت. أين الشفاء من السقم أخبرنا القاضي الشريف أبو الحسين بن المهتدي إن لم يكن سماعاً فإجازة، أخبرنا الشريف أبو الفضل محمد بن الحسن بن الفضل الهاشمي، أنبأنا أبو بكر بن الأنباري قال: أنشدنا محمد بن المرزبان: شَكَوْتُ إلى رَفيقيَّ الّذي بي، ... فَجَاءاني وَقد جَمَعا دَوَاءَ وَجَاءَا بالطّبيبِ ليَكوِيَاني، ... وَلا أبغي، عَدِمتُهما، اكتوَاءَ وَلَوْ ذَهَبا إلى مَنْ لا أُسَمّي، ... لأهدى لي منَ السّقَمِ الشّفَاءِ قوت النفس وبالإسناد: أنشدنا أبو بكر بن الأنباري لأحمد بن يحيى: إذا كنتَ قُوتَ النفسِ ثمّ هَجَرْتَهَا ... فكَم تَلبثُ النّفسُ التي أنتَ قُوتُها سَتَبقَى بَقاءَ الضّبّ في الماءِ أوْ كَمَا ... يَعيشُ لَدى دَيمُومةِ النّبتِ حوتُهَا

المتصبر الجاهد

المتصبر الجاهد قال وزادنا أبو الحسن بن البراء: أغرّكِ أني قد تَصَبّرتُ جاهِداً، ... وَفي النّفسِ مني مِنكِ ما سَيُميتُها فَلَوْ كانَ ما بي بالصّخُورِ لهَدّهَا، ... وَبالرّيحِ مَا هَبّتْ وطَالَ سكوتُهَا فَصَبراً لَعَلّ اللهَ يَجْمَعُ بَينَنَا، ... فأشكو هُمُوماً منكِ كنتُ لَقِيتُهَا على قبر ابن سريج أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن في ما أذن لنا أن نرويه عنه، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الرحيم المازني قال: حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثني هارون بن أبي بكر بن عبد الله بن مصعب، حدثني إسحق بن يعقوب مولى آل عثمان عن أبيه قال: إنا لبفناء دار عمرو بن عثمان بالأبطح صبح خامسة من التهانئ إذ دريت برجل على راحلة؛ ومعه إداوة جميلة قد جنب إليها فرساً وبغلاً، فوقفا علي، فسألاني، فانتسبت لهما عثمانياً، فنزلا، وقالا: رجلان من أهلك، قد نابتنا إليك حاجةً، نحب أن تقضيها قبل الشدة، بأمر الحاج، قلت: فما حاجتكما؟ فالا: نريد إنساناً يوقفنا على قبر عبيد بن سريج. قال: فنهضت معهما، حتى بلغت بهما محلة ابن أبي قارة من خزاعة، بمكة، وهم موالي عبيد بن سريج، فالتمست لهما إنساناً يصحبهما، حتى يوقفهما على قبره بدسم، فوجدت ابن أبي دباكل، فأنهضته معهما،

فأخبرني ابن أبي دباكل أنه لما وقفهما على قبره، نزل أحدهما عن راحلته، وهو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، ثم عقرها واندفع يغني غناء الركبان بصوت طليل حسن: وَقَفنَا على قَبرٍ بدَسْمَ، فهاجَنا، ... وذَكَّرَنا بالعَيشِ إذ هوَ مُصْحَبُ فَجالتْ بأرْجَاءِ الجُفُونِ سَوَافِحٌ ... من الدّمعِ تَستَبكي الذي تَتَعقّبُ فإنْ تَنْفَدَا عن ساحَةِ عُبَيداً بعَوْلَةٍ، ... وَقَلَّ له منّا البُكَى وَالتحَوّبُ فلما أتى عليها نزل صاحبه، فعقر ناقته، وهو رجل من جذام، يقال له عبيد الله بن المنتشر، فاندفع يتغنى عند الخلوات: فارَقوني وَقد عَلِمتُ يَقيناً، ... ما لَمنْ ذَاقَ مِيَتةً مِنْ إيَابِ إنّ أهلَ الحِصَابِ قد تَركوني ... مُودَعاً مُولَعاً بأهلِ الحِصَابِ أهلِ بيتٍ تَتَابَعُوا للمَنَايَا، ... ما على الدهرِ بعدهم من عِتابِ سكنوا الجِزْعَ جزْعَ بَيتِ أبي مو ... سَى إلى الشِّعبِ من صَفّي الشبابِ كم بذاك الحجونِ من حيّ صِدقٍ ... من كُهولٍ أعِفّةٍ وَشَبَابِ قال ابن أبي دباكل: فوالله ما أتم منها ثالثاً، حتى غشي على صاحبه، ومضى غير معرج عليه، حتى إذا فرغ جعل ينضح الماء في وجهه، ويقول: أنت أبداً منصوب على نفسك من كلفات ما ترى، فلما أفاق قرب إليه الفرس، فلما علاه استخرج الجذامي من خرج على البغل قدحاً، وإداوة، فجعل في القدح تراباً من تراب القبر، وصب عليه ماء، ثم قال: هاك! فاشرب، هذه السلوة، فشرب، ثم جعل الجذامي مثل ذلك لنفسه، ثم

قاتل الله الأعرابي ما أبصره!

نزل على البغل، وأردفني، فخرجنا، لا والله ما يعرجان ولا يعرضان بذكر شيء مما كانا فيه، ولا أرى في وجوههما مما كنت أرى قبل شيئاً. قال: فلما اشتمل علينا أبطح مكة مد يده إلي بشيء، وإذا عشرون ديناراً، فوالله ما جلست حتى ذهبت ببعيري، واحتملت أداة الراحلتين، فبعتهما بثلاثين ديناراً. قاتل الله الأعرابي ما أبصره! أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن شاهين، رحمه الله تعالى، حدثنا أبي، أخبرنا عمر بن الحسن، حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثنا علي بن الجعد، سمعت أبا بكر بن عياش يقول: كنت في الشباب إذا أصابتني مصيبة تجلدت، ودفعت البكاء بالصبر، فكان ذلك يؤذيني ويؤلمني، حتى رأيت أعرابياً بالكناسة، واقفاً على نجيب، وهو ينشد: خَليليّ عُوجَا من صُدُورِ الرّوَاحِلِ ... بجُمهُورِ حَزْوَى فابكِيَا في المَنازِلِ لَعَلّ انحِدَارَ الدّمعِ يُعقِبُ رَاحَةً ... مِنَ الوَجْدِ أوْ يَشفي نَجيّ البَلابِلِ فسألت عنه، فقيل: ذو الرمة، فأصابتني بعد ذلك مصائب، فكنت أبكي، وأجد لذلك راحةً، فقلت: قاتل الله الأعرابي ما كان أبصره!

لسان كتوم ودمع نموم

لسان كتوم ودمع نموم أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الخلال، رحمه الله تعالى، بقراءتي عليه، سمعت أحمد بن محمد بن عروة يقول: سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول: كان الجنيد يقول: لِسَاني كَتُومٌ لأسرَارِكُم، ... وَدَمعي نَمُومٌ لسِرّي مُذِيعْ وَلَوْلا دُمُوعي كَتَمتُ الهَوَى، ... وَلَوْلا الهَوى لم تكنْ لي دُمُوعْ الشعر حسن وقبيح ومما وجدته بغير سند في مجموعات بعض أهل العلم قال: وقف شيخ من العرب على مسعر بن كدام، وهو يصلي، فأطال، فلما فرغ قال له الأعرابي: خذ من الصلاة كفيلاً! فتبسم وقال له: يا شيخ! خذ فيما يجدي عليك. كم تعد من سنيك؟ قال: مائة وبضع عشرة سنة. فقال له: في بعضها ما يكفي واعظاً فاعمل لنفسك، فأنشأ الأعرابي يقول: أُحِبُّ اللّوَاتِي هُنّ مِنْ وَرَقِ الصّبى ... وَفيهِنَّ عَنْ أزْواجِهِنَّ طِمَاحُ مُسِرّاتُ بُغضٍ مُظهِرَاتٌ مَوَدّةً، ... تَرَاهُنّ كالمَرْضَى، وَهُنّ صَحَاحُ فقال له مسعر: أف لك من شيخ! فقال: والله ما بأخيك حراك منذ أربعين سنة، لكنه بحر يجيش من زبده، فضحك مسعر وقال: إن الشعر كلام، فحسنه حسن، وقبحه قبيح.

عديني وامطلي

عديني وامطلي أنشدنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، رحمه الله تعالى، للشريف الرضي أبي الحسن محمد بن الطاهر أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي: أذاتَ الطَّوْقِ لمْ أُقرِضْكِ قَلبي، ... عَلى ضَنِّي بهِ، لِيضِيعَ دَيْنِي سكَنتِ القَلبَ حِينَ خُلِقتِ مِنهُ، ... فَأنتِ مِنَ الحَشَا وَالنّاظِرَينِ أُحِبّكِ أنّ لَوْنَكِ لَوْنَ قَلبي، ... وَإنْ ألبستِ لَوْناً غَيرَ لَوْني عِدِيني وَامطُلي، أبداً، فحِسبي ... وِصَالاً أنْ أرَاكِ وَأنْ تَرَيْني البين صعب على الأحباب وأخبرنا القاضي، أنشدنا الثقة بحضرة المرتضى: قالَتْ، وَقَد نَالَهَا للبَينِ أوْجَعُهُ، ... وَالبَينُ صَعبٌ على الأحبَابِ مَوْقِعُهُ اشدُدْ يَدَيكَ على قَلبي فقد ضَعُفَتْ ... قوَاهُ مِمّا بهِ لَوْ كانَ يَنفَعُهُ اعطِفْ عليّ المَطَايَا سَاعَةً فَعَسَى ... مَن كانَ شَتّتَ شملَ البَينِ يجمَعُهُ كَأنّني، يَوْمَ وَلَّوْا سَاعِةً بِمِنىً، ... غَرِيقُ بَحرٍ رَأى شَطّاً وَيَمنَعُهُ

قتلها الجوى

قتلها الجوى ذكر أبو عمر بن حيويه ونقلته من خطه، حدثنا أبو بكر محمد بن خلف، أخبرني أبو العلاء القيسي، حدثنا أبو عبد الرحمن العائشي، أخبرني أبو منيع عبد لآل الحارث بن عبيد قال: رأيت شيخاً من كلب قاعداً على رأس هضبةٍ، فملت إليه، فإذا هو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: رحمةٌ لجارية منا كانت تحب ابن عم لها، وكان أهلها بأعلى واد بكلب، فتزوجها رجل من أهل الكوفة، فنقلها إلى الكوفة، فقتلها الجوى وبلغ منها الشوق، فأوت في علية لها، فتغنت بهذا الشعر: لَعَمرِي لَئِنْ أشرَفتُ أطوَلَ ما أرَى ... وكَلّفتُ عَيني مَنظَراً مُتَعَاديَا وَقُلتُ: زِيَادٌ مُؤنِسِي مُتَهَلِّلٌ، ... أمِ الشّوْقُ يُدني مِنهُ ما ليس دانيَا وَقُلتُ لبَطنِ الجِنّ حِينَ لَقِيتُهُ: ... سَقَى اللهُ أعلالَ السّحابَ الغَوَاديَا ثم قبضت مكانها. غراب البين ناقة أو جمل أخبرنا أبو إسحق الحبال في ما أذن لنا في روايته، أخبرنا أبو الفرج محمد بن عمر الصدفي، حدثنا أبو الفتح بن سنحت، حدثنا أبو عبد الله الحكيمي: أنشدني عون عن أبيه لأبي الشيص: مَا فَرّقَ الأحْبَابَ بَعْ ... دَ اللهِ إلاّ الإبلُ وَالنّاسُ يُلْحُونَ غُرَا ... بَ البَيْنِ لَمّا جَهِلُوا وَمَا غُرَابُ البَيْنِ إلْ ... لا نَاقَةٌ أوْ جَمَلُ

الدنو الفاضح

الدنو الفاضح وبإسناده قال: وأنشدنا لنفسه: اللهُ يَعلَمُ مَا أرَدتُ بِهَجرِكُمْ ... إلاّ مُسَاتَرَةَ العَدُوّ الكَاشِحِ وَعَلِمتُ أنّ تَسَتّرِي وَتَبَاعُدِي ... أدنى لِوَصْلِكِ مِنْ دُنُوٍّ فاضِحِ الحراث الشاعر أنبأنا أبو بكر الخطيب، إن لم يكن حدثنا، أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن محمد بن إبراهيم قراءة عليه، حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن الرازي، حدثنا أبو علي الحسين بن علي الكوكبي الكاتب، حدثنا أبو العباس المبرد قال: قال لي الجاحظ: أنشدني أكارٌ بالمصيصة لنفسه: حَصَدَ الصّدودُ وِصَالَنا بمَناجلٍ، ... طُبعَ المَناجِلُ من حَديدِ البَينِ دِيسَ الحَصَادُ، وَذُرّيتْ أكداسُهُ، ... بَعدَ الحَصَادِ، بسَافيَاتِ المَينِ فَالشّوْقُ يَطحنَهُ بأرْحِيةِ الهَوَى، ... وَالهَمُّ يَعجُنُهُ بدَمعِ العَينِ وَالحزْنُ يَخبزُهُ بنِيرانِ الهَوَى، ... وَالهَجْرُ يَأكُلُهُ بلَوْنٍ لَوْنِ

لم يطل ليلي

لم يطل ليلي وبإسناده أنشدنا أبو علي لبشار: لمْ يَطُلْ لَيلي، وَلكِنْ لمْ أنَمْ، ... وَنَفَى عَني الكَرَى طَيفٌ ألَمّ خَتَمَ الحُبُّ لهَا في عُنُقي، ... مَوْضِعَ الخَاتَم من أهلِ الذِّمَمْ إنّ في ثَوْبيّ جِسْماً نَاحِلاً ... لَوْ تَوَكّأتُ عَلَيْهِ لانْهَدَمْ عقوبة الغراب أخبرنا أبو إسحق الحبال، رحمه الله تعالى، فيما أجاز لنا، أخبرنا أبو الفرج محمد بن عمر الصدفي، أخبرنا أبو علي الحسين بن علي بن محمد بن رحيم، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن زوزان، حدثنا أبو زيد، أخبرنا إبراهيم بن الأزهر عن عبد الله بن محمد قال: مررت في بعض سكك البصرة فسمعت استغاثة جارية تضرب، فتيممت الأبواب حتى وقفت على الباب الذي يخرج منه الصوت، فقلت: يا أهل الدار! أما تتقون الله؟ علام تضربون جاريتكم؟ فقيل لي: ادخل. فدخلت، فإذا أمرأة كأن عنقها إبريق فضة، جالسة على منصة، وبين يديها غراب مشدود، وفي يدها عصاً تضربه بها. قال: فكلما ضربت الغراب صاحت الجارية، فقلت: ما شأن هذا الغراب؟ فقالت لي: أما سمعت قول قيس بن ذريح حيث يقول: ألا يا غُرَابَ البَينِ قد طِرْتَ بالّذي ... أُحَاذِرُ مِنْ لَيلى فَهَلْ أنتَ وَاقعُ ألا وقع كما أمره؟ فقلت: إن هذا الغراب ليس هو ذاك الغراب. فقالت: نأخذ البريء بالسقيم حتى نظفر بحاجتنا.

موت عروة بن حزام

موت عروة بن حزام حدث أبو القاسم منصور بن جعفر بن محمد الصيرفي، حدثنا عبد الله بن جعفر عن المبرد، أخبرني مسعود بن بشر الأنصاري قال: وليت صدقات عذرة، فصرت إلى بلدهم، فإذا بشيء يختلج تحت ثوب، فأقبلت، فكشفت عنه، فإذا رجل لا يرى إلا رأسه، فقلت: ويحك! ما بك؟ فقال: كأنّ قطاةً عُلّقَتْ بجنَاحِهَا ... عَلى كَبدي من شِدّةِ الخَفَقانِ جَعَلتُ لعَرّافِ اليَمَامَةِ حُكمَه ... وَعَرّافِ حِجرٍ إن هُما شَفَياني قال: ثم تنفس حتى ملأ ثوبه الذي كان فيه ثم خمد، فنظرت فإذا هو قد مات. فلم أرم حتى أصلحت من شأنه، وصليت عليه، فقال لي رجل: أتدري من هذا؟ قلت: لا! قال: هذا عروة بن حزام. عيش غض وزمان مطاوع أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ بدمشق، أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا الجريري، حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال: كنت عند ثعلب جالساً، فجاءه محمد بن داود الأصبهاني، فقال له: أهاهنا شيء من صبوتك؟ فأنشده: سَقَى اللهُ أيّاماً لَنَا وَلَيَالِيَا ... لَهُنّ بأكْنَافِ الشّبَابِ مَلاعِبُ إذِ العيشُ غضٌّ وَالزَمانُ مطاوِعٌ ... وَشَاهِدُ آفَاتِ المُحِبّينَ غَائِبُ

فتوى في الحب

فتوى في الحب وأخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني، أخبرني بعض أصحابنا قال: كتب بعض أهل الأدب إلى أبي بكر بن داود الفقيه الأصبهاني: يا ابنَ داودَ، يا فَقيهَ العِرَاقِ ... أفتِنَا في قَواتِلِ الأحدَاقِ هَلْ عليها القِصَاصُ في القتلِ يوْماً، ... أمْ حَلالٌ لَهَا دَمُ العُشّاقِ؟ فأجابه ابن داود: عِندِي جَوَابُ مَسِائِلِ العُشّاقِ، ... فَاسمَعْهُ مِنْ قَلِقِ الحَشَا مُشتاقِ لمّا سألتَ عَنِ الهَوَى أهلَ الهَوَى ... أجرَيتَ دَمعاً لَمْ يَكُنْ بِالرّاقي أخطأتَ في نَفسِ السؤالِ، وَإن تُصِبْ ... بكَ في الهَوَى شَفَقاً مِنَ الأشفاقِ لَوْ أنّ مَعشُوقاً يُعَذِّبُ عَاشِقاً، ... كَانَ المُعَذَّبُ أنْعَمَ العُشّاقِ أبو العتاهية يعاتب عتبةَ أخبرنا القاضي الشريف أبو الحسين بن المهتدي، رحمه الله تعالى، إجازة، حدثنا الشريف أبو الفضل بن المأمون، حدثنا أبو بكر بن الانباري، أنشدنا محمد بن المرزبان: أنشدني الحسن بن صالح الأسدي لأبي العتاهية: سُبحَانَ جَبّارِ السّمَاءِ ... إنّ المُحِبّ لَفي عَنَاءِ مَن لمْ يَذُقْ حُرَقَ الهَوَى، ... لم يَدْرِ مَا جُهدُ البَلاءِ لَوْ كُنتُ أحسَبُ عَبرَتي ... لَوَجَدْتُهَا أنْهَارَ مَاءِ

يا حبذا بلدا حلته

كَمْ مِنْ صَدِيقٍ لي أُسا ... رِقُهُ البُكَاءَ مِنَ الحَيَاءِ فإذَا تَفَطّنَ لامَني، ... فأقُولُ: مَا بي مِنْ بُكاءِ لَكِنْ ذَهّبْتُ لأرْتَدِي، ... فَأصَبْتُ عَيْنيَ بالرّدَاءِ حَتى أُشَكّكَهُ، فَيَس ... كُتَ عَنْ مَلامي وَالمِرَاءِ يا عُتبَ! مَنْ لمْ يَبكِ لي ... مِمّا لَقيتُ مِنَ الشّقَاءِ بَكَتِ الوُحُوشُ لرَحْمَتي، ... وَالطّيرُ في جوّ السّمَاءِ وَالجِنُّ عُمّارُ البُيُو ... تِ، بَكَوْا، وَسكّانُ الهَوَاءِ وَالنّاسُ، فَضْلاً عَنْهُمُ، ... لَمْ تَبكِ إلاّ بالدّمَاءِ يا عَتبَ! إنّكِ لَوْ شَهِدْ ... تِ عليّ وَلْوَلَةَ النّسَاءِ وَمُوَجَّهاً مُسْتَرْسلاً ... بَينَ الأحِبّةِ للقَضاءِ لَجَزَيتنِي غَيرَ الّذِي ... قَد كانَ منكِ من الجَزَاءِ أفَمَا شَبِعتِ، وَلا رَوِي ... تِ منَ القَطيعَةِ وَالجَفَاءِ لِمْ تَبخَلِينَ عَلى فَتىً ... مَحضِ المَوَدّةِ وَالصّفَاءِ؟ وفيها أبيات اختصرتها. يا حبذا بلداً حلته أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن شاهين، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن الحسن بن دريد الأزدي: حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه يعني الأصمعي لنائل ابن أبي حليمة أحد بني بزوان من بني أسد: إني أرِقتُ، وَسارِي اللّيلِ قد هَجَدَا، ... وَالنّجمُ يَنهَضُ في مِرْقاتِهِ صُعُدَا

وَما أرِقتُ بحَمدِ اللهِ مِنْ وَصَبٍ ... وَمَا شَكَوْتُ وَرَبي مُنعِمٌ أبَدا طافَتْ طَوَائِفُ من ذِكرَاكِ عَاتِيَةٌ، ... مُخَالِطٌ حُبُّهَا الأحشَاءَ وَالكَبِدَا ما تأمُرِين بكَهلٍ قَد عَرضْتِ لَهُ، ... واللهِ مَا وَجَدَ النَّهدِيُّ مَا وَجَدَا أمّا الفُؤادُ فأمسَى مُقصَداً كَمِداً، ... مِنْ أجلِ مَنْ لا تُداني دارَهُ أبَدَا مِنْ أجلِ جَارِيَةٍ إني أُكَاتِمُهَا ... حَتى أمُوتَ، وَلَمْ أُخبِرْ بها أحَدَا مَنْ يَمُوتُ وَلَمْ يُخبرْ بقَاتِلِهِ ... فَلا إخَالُ لَهُ عَقلاً، وَلا قَوَدا وَهاجَني صُرَدٌ في فَرْعِ غَرْقَدَةٍ؛ ... إناّ إلى رَبّنَا، مَا أشأمَ الصُّرَدا مَا زَالَ يَنْتِفُ رِيشاً مِنْ قَوَادِمِهِ، ... ويَرْجُفُ الرّيشُ حتى قلتُ قد سجدَا تَحَقّقَ البَينُ مِنْ لُبنى وَجَارَتِها، ... يا بَرْحَ عَيْنيَ إنْ كانَ الفِرَاقُ غدَا تَمشي الهُوَينَا إلى الأترَابِ إن فَعَلتْ ... عومَ الغَدِيرِ زَهَتهُ الرّيحُ فَاطّرَدَا تَجلُو بأخضَرَ مِنْ نَعمَانَ يَصْحَبُه ... قَبلَ الشّرَابِ بكَفّ رَخصَةٍ بَردَا يُضَمَّنُ المِسكُ وَالكَافُورُ ذا غُدُرٍ ... مِثلِ الأسَاوِدِ لا سَبطاً وَلا قِدَدَا حَلّتْ بأطيبَ نجدٍ نَهرَهُ، عَلِمَتْ، ... يَا حَبّذا بَلَداً حَلّتْ بِهِ بَلَدَا

عاشق لي أو لمن

قتيلهن شهيد ووجدت على ظهر جزء بن شاهين هذين البيتين: يَقولُونَ جاهد يا جَميلُ بغَزْوَةٍ، ... وَأيّ جِهَادٍ غَيركُنّ أُرِيدُ لكلّ حَديثٍ عِنْدَكُنّ بَشاشَةٌ، ... وكُلُّ قَتيلٍ بَينَكُنّ شَهيدُ عاشق لي أو لمن؟ أنبأنا الرئيس أبو علي محمد بن وشاح الكاتب، أخبرنا المعافى بن زكريا الجريري إجازة، حدثنا محمد بن محمد بن يحيى الصولي، حدثنا عون بن محمد الكندي قال: خرجت مع محمد بن أبي أمية إلى ناحية الجسر ببغداد، فرأى فتىً من ولاد الكتاب جميلاً، فمازحه، فغضب وهدده، فطلب من غلامه دواته وكتب من وقته: دونَ بابِ الجِسرِ دارٌ لِفَتى، ... لا أُسَمّيهِ وَمَنْ شَاءَ فَطَنْ قَالَ كَالمَازِحِ، وَاستَعلَمَني: ... أنتَ صَبٌّ عَاشِقٌ لي، أوْ لمَنْ؟ قلتُ: سَلْ قَلبَكَ يخبرْكَ به، ... فَتَحَايَا بَعدَمَا كانَ مَحَنْ حُسنُ ذاكَ الوَجهِ لا يُسلِمُني، ... أبداً مِنهُ، إلى غَيرِ حَسَنْ ثم دفع الرقعة إليه، فاعتذر وحلف أنه لم يعرفه.

أبو العتاهية وعتبة

أبو العتاهية وعتبة أخبرنا القاضي أبو الحسين بن المهتدي، رحمه الله تعالى، إجازة إن لم يكن سماعاً، حدثنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن الفضل الهاشمي، أنشدنا أبو بكر بن الأنباري، حدثني محمد بن المرزبان، حدثني إسحق بن محمد، حدثنا محمد بن سلام قال: قدم أبو العتاهية من الكوفة إلى بغداد، وهو خامل الذكر، لا يعرف، فمدح المهدي بشعر، فلم يجد من يوصله إليه، فكان يطلب سبباً يشتهر به، ويعرف من جهته، فيوصله إلى المهدي، فاجتازت به يوماً عتبة راكبةً مع عدة من جواريها وحشمها، فكلمها واستوقفها، فلم تكلمه، لم تقف عليه، وأمرت غلمانها بتنحيته، فأنشأ يقول: يا عُتْبَ! مَا شاني وَمَا شانُكِ، ... تَرَفّقي، سِتّي، بسُلطَانِكِ أخَذْتِ قَلْبي هَكَذا عَنوَةً ... ثمّ شَدَدْتِيهِ بأشْطَانِكِ اللهَ في قَتلِ فَتىً مُسْلِمٍ ... مَا نَقَضَ العَهدَ وَما خانَكِ حَرَمْتنِي مِنكِ دُنُوّاً، فَيَا ... وَيْلِيَ، ما لي وَلحِرْمَانِكِ يا جَنّةَ الفِرْدوْسِ جودي، فَقد ... طَابَتْ ثَنَايَاكِ وَأرْدَانُكِ

البيت يعرفهن لو يتكلم

البيت يعرفهن لو يتكلم وبإسناده: أنشدني أبي وأبو الحسن بن البر لعمر بن بي ربيعة: لَبِثُوا ثَلاثَ مِنى بمَنزِلِ قَلعَةٍ، ... فَهُمُ على عِرْضٍ، لعَمرُكَ ما همُ مُتَجاوِرِينَ بغَيرِ دَارِ إقَامَةٍ، ... لَوْ قد أجَدّ تَرَحّلٌ لَم يَندَمُوا وَلَهُنّ بالبَيتِ العَتيقِ لُبَانَةٌ، ... وَالبَيتُ يَعرِفُهُنّ لَوْ يَتَكَلّمُ لَوْ كانَ حَيّاً قَبلَهُنّ ظَعَائِناً، ... حَيّا الحَطيمُ وُجوهَهُنّ وزَمزَمُ لَكِنّهُ مِمّا يُطِيفُ بِرُكْنِهِ، ... مِنهنّ، صَمّاءُ الصّدى مُستَعجِمُ وكأنهّنّ، وَقد صَدَرْنَ عَشِيّةً، ... دُرٌّ بأكنَافِ الحَطيمِ مُنّظَّمُ الحب لا يعلق إلا الكرام أخبرنا القاضي أبو الحسين بن المهتدي فيما أجاز لنا، حدثنا الشريف أبو الفضل محمد بن الحسين بن الفضل الهاشمي، حدثنا أبو بكر بن الأنباري، حدثني أبي، حدثنا الحسن بن عبد الرحمن، حدثنا محمد بن أبي أيوب: اجتمع أبو نواس والعباس بن الأحنف، فاستنشد أبو نواس العباس، فأنشده: حُبُّ الحِجازِيَّةِ أبلى العِظامْ، ... وَالحبُّ لا يَعلقُ إلاّ الكِرَامْ

يزيد بن معاوية وعمارة المغنية

سَيّدَتي، سَيّدَتي! إنّهُ ... ليسَ لِما بالعاشِقينَ اكتِتَامْ سَيّدَتي، سَيّدَتي! إنّني ... أعجزُ عن حمل البلايا العظامْ سَيّدَتي، سَيّدَتي! فاسمعي ... دعوَةَ صَبٍّ عاشقٍ مستهامْ ومر في أبيات كثيرة أول كل بيت سيدتي سيدتي، فقال له أبو نواس: لقد خضعت لهذه المرأة خضوعاً، ظننت معه أنك تموت قبل تمام القصيدة. يزيد بن معاوية وعمارة المغنية أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري إن لم يكن سماعاً فإجازة، حدثنا المعافى بن زكريا الجريري، حدثنا أبو النضر العقيلي، حدثني عبد الله بن أحمد بن حمدون النديم عن أبي بكر العجلي عن جماعة من مشايخ قريش من أهل المدينة قالوا: كانت عند عبد الله بن جعفر جارية مغنية يقال لها عمارة، وكان يجد بها وجداً شديداً، وكان لها نمه مكان لم يكن لأحد من جواريه، فلما وفد عبد الله بن جعفر على معاوية خرج بها معه فزاره يزيد، ذات يوم، فأخرجها إليه، فلما نظر إليها، وسمع غناءها، وقعت في نفسه، فأخذه عليها ما لا يملكه، وجعل لا يمنعه من أن يبوح بما يجد بها إلا مكان أبيه مع يأسه من الظفر بها، فلم يزل يكاتم الناس أمرها إلى أن مات معاوية، وأفضى الأمر إليه، فاستشار بعض من قدم عليه من أهل المدينة وعامة من يثق به في أمرها، وكيف الحيلة فيها، فقيل له: إن أمر عبد الله بن جعفر لا يرام، ومنزلته من الخاصة والعامة ومنك ما قد علمت؛ وأنت لا تستجيز إكراهه، وهو لا يبيعها بشيء أبداً، وليس يغني في هذا إلا الحيلة، فقال: انظروا لي رجلاً عراقياً له أدب وظرف ومعرفة، فطلبوه،

فأتوه به، فلما دخل رأى بياناً وحلاوةً وفهماً، فقال يزيد: إني دعوتك لأمر إن ظفرت به فهو حظك آخر الدهر ويد أكافئك عليها إن شاء الله تعالى؛ ثم أخبره بأمره، فقال له: عبد الله بن جعفر ليس يرام ما في قلبه إلا بالخديعة، ولن يقدر أحد على ما سألت، فأرجو أن أكونه، والقوة بالله، فأعني بالمال. قال: خذ ما أحببت. فأخذ من طرف الشام وثياب مصر، واشترى متاعاً للتجارة من رقيق ودواب وغير ذلك، ثم شخص إلى المدينة، فأناخ بعرصة عبد الله بن جعفر، واكترى منزلاً إلى جانبه، ثم توسل إليه وقال: إني رجل من أهل العراق قدمت بتجارة وأحببت أن أكون في عز جوارك وكنفك إلى أن أبيع ما جئت به، فبعث عبد الله بن جعفر إلى قهرمانه أن أكرم الرجل، ووسع عليه في نزوله. فلما اطمأن العراقي سلم عليه أياماً وعرفه نفسه، وهيأ له بغلةً فارهةً، وثياباً من ثياب العراق وألطافاً، فبعث بها إليه، وكتب معها: يا سيدي! إني رجل تاجر، ونعم الله علي سابغة، وقد بعثت إليك بشيء من تحف وكذا من الثياب والعطر، وبعثت ببغلة خفيفة العنان، وطيئة الظهر، فاتخذها لرجلك، فأنا أسألك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ألا قبلت هديتي ولم توحشني بردها، إني أدين الله تعالى بحبك وحب أهل بيتك، وإن أعظم أملي في سفرتي هذه أن أستفيد الأنس بك والتحرم بمواصلتك. فأمر عبد الله بقبض هديته، وخرج إلى الصلاة، فلما رجع مر بالعراقي في منزله، فقام إليه، وقبل يده، واستكثر منه، فرأى أدباً وظرفاً وفصاحةً، فأعجب به وسر بنزوله عليه، فجعل العراقي في كل يوم

يبعث إلى عبد الله بلطف تطرفه، فقال عبد الله: جزى الله ضيفنا هذا خيراً، فقد ملأنا شكراً، وما نقدر على مكافأته. فإنه لكذلك إلى أن دعاه عبد الله، ودعا بعمارة في جواريه، فلما طاب لهما المجلس، وسمع غناء عمارة، تعجب، وجعل يزيد في عجبه، فلما رأى ذلك عبد الله سر به إلى أن قال له: هل رأيت مثل عمارة! قال: لا والله يا سيدي ما رأيت مثلها، وما تصلح إلا لك، وما ظننت أن يكون في الدنيا مثل هذه الجارية، حسن وجه، وحسن عمل، قال: فكم تساوي عندك؟ قال: ما لها ثمن إلا الخلافة؟ قال: تقول هذا لتزين لي رأياً فيها وتجتلب سروري؟ قال له: يا سيدي، والله، إني لأحب سرورك، وما قلت لك إلا الجد، وبعد فإني تاجر أجمع الدراهم إلى الدرهم، طلباً للربح، ولو أعطيتها بعشرة آلاف دينار لأخذتها. فقال له عبد الله: عشرة آلاف؟ قال: نعم! ولم يكن في لك الزمان جارية تعرف بهذا الثمن. فقال له عبد الله: أنا أبيعكها بعشرة آلاف. قال: قد أخذتها. قال: هي لك، قال: قد وجب البيع، وانصرف العراقي. فلما أصبح عبد الله لم يشعر إلا بالمال قد جيء به، فقيل لعبد الله: قد بعث العراقي بعشرة آلاف دينار، وقال: هذا ثمن عمارة، فردها، وكتب إليه: إنما كنت أمزح معك، ومما أعلمك أن مثلي لا يبيع مثلها. فقال له: جعلت فداءك! إن الجد والهزل في البيع سواء. فقال له عبد الله: ويحك! ما أعلم جاريةً تساوي ما بذلت، ولو كنت بائعها من أحد لآثرتك، ولكني كنت مازحاً، وما أبيعها بملك الدنيا لحرمتها بي وموضعها من قلبي. فقال العراقي: إن كنت مازحاً، فإني كنت جاداً، وما اطلعت على ما في نفسك وقد ملكت الجارية، وبعثت إليك بثمنها، وليس تحل لك، وما لي من أخذها من بد. فمانعه إياها، فقال له: ليست لي بينة، ولكني أستحلفك عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنبره.

فلما رأى عبد الله الجد قال: بئس الضيف أنت، ما طرقنا طارق، ولا نزل بنا نازل أعظم بليةً منك، أتحلفني فيقول الناس: اضطهد عبد الله ضيفه وقهره وألجأه إلى أن استحلفه؟ أما والله ليعلمن الله، عز وجل، أني سأبليه، في هذا الأمر، الصبر وحسن العزاء. ثم أمر قهرمانه بقبض المال منه، وبتجهيز الجارية بما يشبهها من الخدم والثياب والطيب، فجهزت بنحو من ثلاثة آلاف دينار، وقال: هذا لك ولك عوضها مما ألطفتنا، والله المستعان. فقبض العراقي الجارية وخرج بها، فلما برز من المدينة قال لها: يا عمارة! إني، والله، ما ملكتك قط، ولا أنت لي، ولا مثلي يشتري دارية بعشرة آلاف دينار، وما كنت لأقدم على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأسلبه أحب الناس إليه لنفسي، ولكني دسيس من يزيد بن معاوية، وأنت له وفي طلبك بعث بي فاستتري مني، وإن داخلني الشيطان في أمرك، أو تاقت نفسي إليك فامتنعي. ثم مضى بها حتى ورد دمشق، فتلقاه الناس بجنازة يزيد، وقد استخلف ابنه معاوية بن يزيد، فأقام الرجل أياماً، ثم تلطف للدخول عليه، فشرح له القصة، ويروى أنه لم يكن أحد من بني أمية يعدل بمعاوية بن يزيد في زمانه نبلاً ونسكاً، فلما أخبره قال: هي لك وكل ما دفعه إليك من أمرها فهو لك، وارحل من يومك، فلا أسمع بخبرك في شيء من بلاد الشام. فرحل العراقي ثم قال للجارية: إني قلت لك ما قلت حين خرجت بك من المدينة، فأخبرتك أنك ليزيد، وقد صرت لي، وأنا أشهد الله أنك لعبد الله بن جعفر، وإني قد رددتك عليه، فاستتري مني. ثم خرج بها حتى قدم المدينة، فنزل قريباً من عبد الله، فدخل عليه بعض خدمه فقال له: هذا العراقي ضيفك الذي صنع بنا ما صنع، وقد

نزل العرصة، لا حياه الله، فقال عبد الله: مه! أنزلوا الرجل وأكرموه. فلما استقر بعث إلى عبد الله: جعلت فداءك! إن رأيت أن تأذن لي أذنةً خفيفةً لأشافهك بشيء فعلت. فأذن له، فلما دخل سلم عليه، وقبل يده، فقربه عبد الله، ثم اقتص عليه القصة، حتى إذا فرغ قال: قد والله وهبتها لك قبل أن أراها، وأضع يدي عليها، فهي لك، ومردودة عليك. وقد علم الله تعالى أني ما رأيت لها وجهاً إلا عندك. فبعث إليها، فجاءت وجاء بما جهزها به موفراً، فلما نظرت إلى عبد الله خرت مغشياً عليها، وأهوى إليها عبد الله فضمها إليه. وخرج العراقي وتصايح أهل الدار: عمارة عمارة، فجعل عبد الله يقول، ودموعه تجري: أحلم هذا، أحق هذا؟ ما أصدق بهذا. فقال له العراقي: جعلت فداءك! قد ردها عليك إيثارك الوفاء وصبرك على الحق وانقيادك له. فقال عبد الله: الحمد لله، اللهم إنك تعلم أني تصبرت عنها، وآثرت الوفاء، وأسلمت لأمرك، فرددتها علي بمنك، فلك الحمد! ثم قال: يا أخا العراق ما في الأرض أعظم منةًَ منك، وسيجازيك الله تعالى. وأقام العراقي أياماً، وباع عبد الله غنماً له بثلاثة عشر ألف دينار، وقال لقهرمانه: احملها إليه، وقل له: اعذر، واعلم أني لو وصلتك بكل ما أملك لرأيتك أهلاً لأكثر منه، فرحل العراقي محموداً وافر العرض والمال.

سكينة وعروة بن أذينة

سكينة وعروة بن أذينة وأخبرنا محمد، حدثنا المعافى، حدثنا محمد بن القاسم الأنباري، حدثنا محمد بن يحيى النحوي، حدثنا عبيد الله بن شبيب عن عمر بن عثمان قال: مرت سكينة بعروة بن أذينة، وكان تنسك، فقالت له: يا أبا عامر! ألست القائل: إذا وَجَدتُ أذىً للحبّ في كَبِدي ... أقبَلتُ نَحوَ سِقاءِ القَوْمِ أبترِدُ هَبني ابترَدتُ ببَرْدِ الماءِ ظاهرَهُ، ... فمَن لنَارٍ على الأحشاءِ تَتّقِد ُ أو لست القائل: قالت، وأبثَثتُها سرّي فبُحتُ بهِ: ... قد كُنتَ عندي تُحبّ السَّترَ فاستَترِ ألَستَ تُبصِرُ مَن حَوْلي؟ فقلتُ لها: ... غَطّى هَوَاكِ، ومَا ألقَى، على بصرِي ثم قالت: هؤلاء أحرار إن كان هذا خرج من قلب سليم. رقية حميرية وجدت بخط شيخي أبي عبد الله الحسين بن الحسن الأنماطي في مجموع له بخطه قال: وحكى بعضهم عن شيخ من أهل اليمن أنه وجد في كتاب بالمسند، وهي لغة حمير، كلاماً كانت حمير ترقي به العاشق، فيسلو. وهو: ما أحسَنَتْ سَلمَى إليكَ صَنيعَا، ... تَرَكَتْ فؤادَكَ بالفِرَاقِ مَرُوعا قال: فحدثت بهذا الحديث كاهنةً كانت هناك، فلما كان من غد ذلك اليوم، لقيتني فقالت: إني رأيت البارحة الشعر يحتاج أن يقلب كلامه وحروفه، حتى يسلو به العاشق. قلت: فكيف يقلب كلامه؟ قالت: يقول مروعاً بالفراق فؤادك تركت صنيعاً إليك سلمى. أحسنت ما.

أمثل هذا يبتغي وصلنا

أمثل هذا يبتغي وصلنا؟ أخبرنا أحمد بن علي الوراق بصور، حدثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن أحمد التغلبي بدمشق، حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن نصر، حدثنا الزجاجي، حدثنا الأخفش، حدثني أبي عن أبيه قال: خرجت إلى سر من رأى في بعض حاجاتي فصحبني رجل في الطريق، فقال: ألا أنشدك شيئاً من شعري؟ قلت: بلى، فأنشدني: وَيلي على سَاكِنِ شَطِّ الصَّرَاهْ، ... مَرّرَ حُبِّيهِ عَليّ الحَيَاهْ مَا يَنْقَضِي مِنْ عَجَبٍ فِكرَتي، ... في خَلّةٍ قَصّرَ فِيها الوُلاهْ تَرْكُ المُحبّينَ بِلا حَاكِمٍ، ... لَمْ يَنصبُوا للعَاشِقينَ القُضَاهْ أما، وَمَنْ أصْبَحتُ عَبداً لَهُ، ... وَمَنْ لَهُ في كُلّ أُفْقٍ رُعَاهْ لَوْ أنّني مَلَكْتُ أمرَ الهَوَى، ... مَلأتُ بالضّرْبِ ظُهُورَ الوُشَاهْ حَتى إذا قَطّعتُ أبْشَارَهُمْ، ... قَعَدءتُ أقْضِي للفَتى بالفَتاهْ لَقَدْ أتَاني عَجَبٌ رَاعَني ... مَقَالُهَا للقَوْمِ: يا ضَيعَتَاهْ أمِثلُ هَذَا يَبْتَغِي وَصْلَنَا؟ ... أمَا يَرَى ذَا وَجْهَهُ في المِرَاهْ؟ فقلت: من أنت؟ قال: أنا القصافي الشاعر.

الأخوات الثلاث وكتابهن

الأخوات الثلاث وكتابهن أخبرنا محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثني الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا أحمد بن زهير بن حرب أبي خيثمة، أخبرنا الزبير بن بكار، حدثني مصعب عمي قال: ذكر لي رجل من أهل المدينة أن رجلاً خرج حاجاً، فنزل تحت سرحة في بعض الطريق، بين مكة والمدينة، فنظر إلى كتاب معلق على السرحة فيه، بسم الله الرحمن الرحيم، أيها الحاج القاصد بيت الله تعالى! إن ثلاث أخوات خلون يوماً فبحن بأهوائهن، وذكرن أشجانهن، فقالت الكبرى: عَجبتُ له إذ زَارَ في النّومِ مَضْجَعي، ... وَلَوْ زَارَني مُستَيقظاَ كَانَ أعجَبَا وقالت الوسطى: وَمَا زَارَني في النّوْم إلاّ خَيَالُهُ، ... فقلتُ لهُ: أهلاً وَسَهلاً وَمَرْحَبَا وقالت الصغرى: بِنَفسِي وَأهلي مَنْ أرَى كُلَّ لَيْلَةٍ ... ضَجيعي، وَرَيّاهُ مِنَ المِسكِ أطيَبَا وفي اسفل الكتاب مكتوب: رحم الله امرأً نظر في كتابنا، وقضى بالحق بيننا، ولم يجر في القضية. قال: فأخذ الكتاب فتىً، فكتب في أسفله: أُحَدّثُ عَنْ حُورٍ تَحَدّثنَ مَرّةً، ... حديثَ امرِئٍ سَاسَ الأمورَ وَجَرّبَا ثَلاثٍ كَبَكْرَاتِ الهِجَانِ عَطابلٍ، ... نَوَاعِمَ يَغلِبنَ اللّبِيبَ المُشَبِّبَا

عمر وجميل وبثينة

خَلَوْنَ، وقد غابَتْ عُيُونٌ كَثيرَةٌ، ... مِنَ اللاّءِ قَد يَهوَينَ أنْ يَتَغَيَّبَا فَبُحنَ بمَا يُخفِينَ من لاعجِ الهَوَى، ... معاً، واتّخّذنَ الشّعرَ مَلهىً وَمَلعَبا عَجبتُ له إذ زَارَ في النّوْمِ مضجعي، ... ولَوْ زَارَني مُستَيقظاً كَانَ أعْجَبَا عمر وجميل وبثينة أخبرنا محمد بن الحسين، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي، حدثنا أحمد بن يحيى عن أبي عبد الله القرشي قال: خرج عمر بن أبي ربيعة إلى الجباب، حتى إذا كان بالجباب لقيه جميل بن معمر، فاستنشده عمر بن أبي ربيعة، فأنشده كلمته التي يقول فيها: خَلِيليّ في ما عِشتُما هَلْ رَأيتُما ... قَتيلاً بكَى من حبّ قاتِلِهِ قَبلي ثم استنشده جميل، فأنشده قافيته التي أولها: عَرَفتُ مَصيفَ الحَيّ وَالمُترَبَّعَا حتى بلغ إلى قوله: وَقَرّبنَ أسبَابَ الهَوَى لمُتَيَّمٍ ... يَقيسُ ذرَاعاً قِسنَ إصْبَعَا فصاح جميل واستحيا، وقال: لا والله ما أحسن أن أقول مثل هذا. فقال له عمر: اذهب بنا إلى بثينة لنتحدث عندها؟ فقال له: إن الأمير قد أهدر دمي متى جئتها، قال: دلني علي أبياتها؟! فدله، ومضى حتى وقف على الأبيات، وتأنس، وتعرف، ثم قال: يا جارية أنا عمر بن أبي ربيعة، فأعلمي بثينة مكاني! فأعلمتها، فخرجت إليه فقالت: لا والله يا عمر! ما أنا من نسائك اللاتي تزعم أن قد قتلهن الوجد بك. قال:

العجوز وبنتها الجميلة

وإذا امرأة طوالة أدماء حسناء، فقال لها عمر: فأين قول جميل: وَهُما قالَتا: لَو أنّ جَميلاً ... عَرَضَ اليَوْمَ نَظرَةً فَرَآنَا نَظَرَتْ نَحوَ تِرْبِها ثمّ قالَتْ: ... قَد أتَانَا، ومَا عَلِمنَا، مُنَانَا بَينَمَا ذاكَ مِنهُمَا رَأتَاني ... أُعمِلُ النّصّ سَيرَةً زَفَيَانَا فقالت له: لو استمد جميل منك ما أفلح، وقد قيل: اشدد البعير مع الفرس إن تعلم جرأته وإلا تعلم من خلقه. العجوز وبنتها الجميلة أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي التوزي، حدثنا أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن سويد المعدل، حدثنا علي أبو الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا أبو أمية الغلابي، أخبرني محمد بن أفلح السدوسي، أخبرني سوادة بن الحسين قال: خرجت أنا وصاحب لي نبغي ضالةً لنا، فألجأنا الحر إلى أخبية، فدنونا من خباء منها، فإذا عجوز بفنائه، فسلمنا، فردت السلام، ثم جلسنا نتناشد الأشعار. فقالت العجوز: هل فيكم من يروي لذي الرمة شيئاً؟ قلنا: نعم! قالت: قاتله الله حيث يقول: وَما زَالَ يَنمي حبُّ مَيّةَ عِندنَا ... وَيَزْدادُ حتى لم نَجِدْ مَا يَزِيدُها ثم ولت، واطلعت علينا من الخباء بهكنة كأنها شقة قمر، فقالت: إنها والله ما قالت شيئاً وإن أشعر منه الذي يقول: وَرَخْصَةِ الأطرَافِ مَمكُورَةٍ ... تَحسَبُها مِنْ حُسنِها لُؤلُؤهْ

أحيا الناس جميعا

كَأنّهَا بَيْضَةُ أُدْحِيّةٍ، ... أرْخَى عَلَيها هِقْلُها جُؤْجُؤْهْ قال: فأقبلت على صاحبي متعحباً من حالها، فقالت: مم تعجب؟ فقلت: من جمالك. قالت: فوالله لو رأيت بنيةً لي رأيت ما لم يخطر على قلبك من حسن امرأة. قلت: فأرينيها! قالت: إنه يقبح ذلك. قلت: إنما نريد أن نستتم الحديث، ولعلنا أن لا نلتقي أبداً. قال: فأشارت إلى جانب الخباء، فسفرت منه جارية كأنها الشمس، فبهتنا ننظر إليها ثم أسبلت الستر، فكان آخر العهد بها. أحيا الناس جميعاً أنبأنا الشيخ الصالح أبو طالب محمد بن علي بن الفتح، أخبرنا أبو الحسين محمد ابن أخي ميمي، حدثنا جعفر الخالدي، حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق، حدثنا محمد الحسين البرجلاني، حدثني أشرس بن النعمان، حدثني الجزري، حدثني موسى بن علقمة المكي قال: كان عندنا ههنا بمكة نخاس، وكانت له جارية، وكان يوصف من جمالها وكمالها أمر عجيب، وكان يخرجها أيام الموسم، فتبذل فيها الرغائب، فيمتنع من بيعها، ويطلب الزيادة في ثمنها، فما زال كذلك حينا، وتسامع بها أهل الأمصار، فكانوا يحجون عمداً للنظر إليها. قال: وكان عندنا فتىً من النساك قد نزع إلينا من بلده، وكان مجاوراً عندنا، فرأى الجارية يوماً، في أيام العرض لها، فوقعت في نفسه، وكان يجيء أيام العرض، فينظر إليها، وينصرف. فلما حجبت أحزنه ذلك، وأمرضه مرضاً شديداً، فجعل يذوب جسمه، وينحل، واعتزل الناس، فكان يقاسي البلاء طول السنة إلى أيام الموسم، فإذا خرجت الجارية

تضحية محمودة

إلى العرض خرج فنظر إليها فسكن ما به، حتى تحجب. فبقي على ذلك سنين، ينحل ويذبل، وصار الخلال من شدة الوله وطول السقم. قال: فدخلت عليه يوماً، ولم أزل به، وألح عليه، إلى أن حدثني بحديثه، وما يقاسيه، وسأل أن لا أذيع عليه ذلك، ولا يسمع به أحد، فرحمته لما يقاسي، وما صار إليه، فدخلت إلى مولى الجارية، ولم أزل أحادثه، إلى أن خرجت إليه بحديث الفتى، وما يقاسي، وما صار إليه، وأنه على حالة الموت، فقال: قم بنا إليه حتى أشاهده وأنظر حاله. فقمنا جميعاً فدخلنا عليه، فلما دخل مولى الجارية ورآه وشاهده، وشاهد ما هو عليه لم يتمالك أن رجع إلى داره، فأخرج ثياباً حسنة سرية، وقال: أصلحوا فلانة، ولبسوها هذه الثياب، واصنعوا بها ما تصنعون لها أيام الموسم، ففعلوا بها ذلك، فأخذ بيدها، وأخرجها إلى السوق، ونادى في الناس، فاجتمعوا، فقال: معاشر الناس! اشهدوا أني قد وهبت جاريتي فلانة لهذا وما عليها ابتغاء ما عند الله. ثم قال للفتى: تسلم هذه الجارية فهي هدية مني إليك بما عليها، فجعل الناس يعذلونه ويقولون: ويحك! ما صنعت؟ قد بذل لك فيها الرغائب، فلم تبعها، ووهبتها لهذا؟ فقال: إليكم عني، فإني قد أحييت كل من على وجه الأرض، قال الله تعالى: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ". تضحية محمودة حدثنا الخطيب بدمشق، أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن يعقوب الضبي، سمعت أمي تقول، سمعت مريم امرأة أبي عثمان تقول: صادفت من أبي عثمان خلوةً، فاغتنمتها، فقلت: يا أبا عثمان! أي عملك أرجى عندك؟ فقال: يا مريم! لما ترعرعت، وأنا بالري،

ابن داود وابن سريج والظهار

وكانوا يريدونني على التزويج، فأمتنع، جاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان! قد أحببتك حباً ذهب بنومي وقراري، وأنا أسألك بمقلب القلوب، وأتوسل إليك به أن تتزوج بي. قلت: ألك والد؟ قالت: نعم، فلان الخياط، في موضع كذا وكذا، فراسلت أباها أن يزوجها إياي، ففرح بذلك وأحضر الشهود، فتزوجت بها. فلما دخلت بها وجدتها عوراء عرجاء مشوهة الخلق، فقلت: اللهم لك الحمد على ما قدرته لي. فكان أهل بيتي يلومونني على ذلك، فأزيدها براً وإكراماً، إلى أن صارت بحيث لا تدعني أخرج من عندها، فتركت حضور المجلس إيثاراً لرضاها، وحفظاً لقلبها، ثم بقيت معها على هذه الحال خمس عشرة سنة، وكأني في بعض أوقاتي على الجمر، وأنا لا أبدي لها شيئاً من ذلك إلى أن ماتت، فما شيء أرجى عندي من حفظي عليها ما كان في قلبها من جهتي. ابن داود وابن سريج والظهار أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثنا التنوخي، حدثنا أبي، حدثني أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن البختري القاضي الداودي، حدثني أبو الحسن عبد الله بن أحمد، حدثني أبو الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد الداودي قال: كان أبو بكر محمد بن داود وأبو العباس بن سريج، إذا حضرا مجلس القاضي أبي عمر، يعني محمد بن يوسف، لم يجر بين اثنين في ما يتفاوضان أحسن مما يجري بينهما، وكان ابن سريج كثيراً ما يتقدم أبا بكر في الحضور إلى المجلس، فتقدمه في الحضور أبو بكر يوماً، فسأله حدث من الشافعين عن العود الموجب للكفارة في الظهار ما هو؟ فقال: إنه إعادة القول ثانياً، وهو مذهبه، ومذهب داود، فطالبه بالدليل، فشرع فيه،

يكتب إلى روحه

ودخل ابن سريج، فاستشرحهم ما جرى، فشرحوه، فقال ابن سريج لابن داود: أولاً يا أبا بكر أعزك الله! هذا قول، مَن من المسلمين تقدمكم فيه؟ فاستشاط أبو بكر من ذلك، وقال: أتقدر أنّ من اعتقدت أن قولهم إجماع في هذه المسألة، إجماع عندي؟ أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافاً، وهيهات أن يكونوا كذلك. فغضب ابن سريج وقال له: أنت يا أبا بكر بكتاب الزهرة أمهر منك في هذه الطريقة. فقال أبو بكر: وبكتاب الزهرة تعيرني! والله ما تحسن تستتم قراءته قراءة من يفهم، وإنه من أحد المناقب إذ كنت أقول فيه: أُكَرّرُ في رَوْضِ المَحَاسنِ مُقلَتي، ... وَأمنَعُ نَفسِي أنْ تَنَالَ المُحَرَّمَا رَأيتُ الهَوَى دَعوَى من الناس كلّهم، ... فَمَا إنْ أرَى حُبّاً صَحِيحاً مُسلَّمَا وَيَنطِقٌ سِرّي عَن مُتَرْجَمِ خاطرِي، ... فَلَوْلا اختِلاسٌ رَدَّهُ لَتَكَلّمَا ؟ يكتب إلى روحه أخبرنا الأزجي، حدثنا علي بن عبد الله: كتب الحسين بن منصور إلى أخبرنا بن عطاء: أطال الله لي حياتك، وأعدمني وفاتك، على ما أحسن ما جرى به قدر، أو نطق به خبر، مع ما أنّ لك في قلبي من لواعج أسرار محبتك، وأفانين ذخائر مودتك، ما لا يترجمه كتاب، ولا يحصيه حساب، ولا يفنيه عتاب، وفي ذلك أقول: كَتَبتُ، وَلَمْ أكتُبْ إلَيكَ، وَإنّمَا ... كَتَبتُ إلى رُوحي بِغَيرِ كِتابِ وَذلكَ أنّ الرّوحَ لا فَرْقَ بَينَها ... وَبَينَ محبّيها بِفَضْلِ خِطابِ فكلُّ كِتَابٍ صَادِرٍ مِنكَ وَارِدٌ ... إلَيكَ، بِلا رَدّ الجَوَابِ، حَوَابي

الفتى الحاج والجارية المكية

الفتى الحاج والجارية المكية وجدت بخط أبي عمر بن حيويه يقول: حدثنا أبو بكر محمد بن المرزبان، أخبرني أبو جعفر أحمد بن الحارث، حدثنا أبو الحسن المدايني عن بعض رجاله قال: حج ابن أبي العنبس الثقفي، فجاور، ومعه ابن ابنه، وإلى جانبهم قوم من آل أبي الحكم مجاورون، وكان الفتى يجلس مجلساً يشرف منه على جارية، فعشقها، فأرسل إليها، فأجابته، فكان يأتيها يتحدث إليها. فلما أراد جده الرحيل جعل الفتى يبكي، فقال له جده: ما يبكيك يا بني، لعلك ذكرت مصر؟ وكانوا من أهل مصر. فقال: نعم! وأنشأ يقول: يُسائِلُني، غَداةَ البَينِ، جَدّي، ... وَقَد بَلّتْ دُمُوعُ العَينِ نَحرِي: أمِنْ جَزَعٍ بكَيتَ، ذكَرْتَ مصراً؟ ... فقلتُ: نعم! وَما بي ذكرُ مصرِ وَلَكِنْ للّتي خَلّفتُ خَلْفي، ... بكَتْ عَيني، وَقَلّ اليَوْمَ صَبرِي فَمن ذا إن هَلَكتُ وَحانَ يَوْمي ... يُخَبّرُ وَالِدي دَائي وَأمرِي فَيَحفظَ أهلُ مَكّةَ في هَوَائي، ... وَإنْ كانوا أتوا قَتلي وَضُرّي قال: وارتحلوا، فلما خرجوا عن أبيات مكة أنشأ يقول: رَحَلُوا، وكُلّهُمْ يَحِنّ صَبَابَةً ... شَوْقاً إلى مِصْرَ، وَدَارِي بالحَرَمْ لَيتَ الرّكابَ، غداةَ حَانَ فرَاقُنا، ... كانتْ لحوماً قُسّمَتْ فوْق الوَضَمْ رَاحُوا سِرَاعاً يُعملِونَ مَطِيّهم ... قُدُماً، وَبتّ مِنَ الصّبابَةِ لم أنمْ طُوبى لهُمْ يَبغونَ قَصْدَ سَبيلهمْ، ... وَالقَلبُ مُرْتهنٌ ببَيتِ أبي الحَكَمْ ثم إن الفتى اعتل، واشتدت علته، فلما وردوا أطراف الشام

عاشق أخت زوجته

مات فدفنه جده، ووجد عليه وجداً شديداً، وقال يرثيه: يَا صَاحِبَ القَبرِ الغَرِيبِ ... بالشّامِ من طَرفِ الكَثيبِ بالشِّعبِ بَينَ صَفَائِحٍ ... صُمٍّ تُرَصَّفُ بالجُنُوبِ مَا إنْ سَمعتُ أنينَهُ، ... وَنِدَاءَهُ عِنْدَ المَغيبِ أقبَلْتُ أطْلُبُ طِبَّهُ، ... وَالمَوْتُ يَعْضُلَ بالطَّبيبِ وَاللّيلُ مُنْسَدِلُ الدّجَى، ... وَحشُ الجِنابِ من الغُرُوبِ هَاجَتْ لِذَلِكَ لَوْعَةٌ ... في الصّدْرِ ظَاهرَةُ الدبيبِ عاشق أخت زوجته ذكر أبو عمر محمد بن العباس، ونقلته من خطه، أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف المحولي، أخبرني أبو بكر العامري، أخبرني رياح بن قطب بن زيد الأسدي ابن أخت قريبة أم البهلول ابنة أباق الدبيرية الأسدية أخت الركاض بن أباق الدبيري الشاعر عن قريبة قالت: كان لعبد المخبل وهو كعب بن مالك؛ وقال غير قريبة: هو كعب بن عبد الله من بني لأي بن شاس بن أنف الناقة وهو من أهل الحجاز؛ ابنة عم له يقال لها أم عمرو، وكانت أحب الناس إليه، فخلا بها ذات يوم، فنظر إليها وهي واضعة ثيابها فقال لها: يا أم عمرو! هل ترين أن أحداً من النساء أحسن منك؟ قالت: نعم! أختي ميلاء أحسن مني. قال: فكيف لي بأن ترينيها؟ قالت: إن علمت بك لم تخرج إليك. ولكن تختبئ في الستر، وأبعث إليها. قال: ففعلت، وأرسلت إليها، وهو في الستر، وجاءت ميلاء، فلما نظر إليها عشقها وترك أختها امرأته، وعارضها من مكان لا تحتسبه، فشكا إليها حبها، وأعلمها أنه قد رآها. فقالت: والله يا ابن عم! ما

وجدت بي من شيء، إلا قد وجدت منك مثله، وظنت أم عمرو امرأته أنه قد عشق أختها فتبعتهما، وهما لا يدريان، حتى رأتهما قاعدين جميعاً، فمضت تقصد إخوتها، وكانوا سبعةً، فقالت: إما أن تزوجوا كعباً ميلاء، وإما أن تغيبوها عني. فلما بلغه أن ذلك قد بلغ إخوتها هرب، فرمى بنفسه نحو الشام وترك الحجاز. وقال وهو بالشام: أفي كُلّ يَوْمٍ أنتَ مِنْ بارِحِ الهَوَى ... إلى الشُّمّ من أعلامِ مَيلاءَ ناظِرُ فروى هذا البيت رجل من أهل الشام. ثم خرج يريد مكة فمر على أم عمرو وأختها ميلاء، وقد ضل الطريق، فسلم عليهما، وسألهما عن الطريق. فقالت أم عمرو: يا ميلاء! صفي له الطريق، فذكر الرجل لما سمعها تقول يا ميلاء: أفي كُلّ يَومِ أنتَ مِنْ بارِحِ الهَوَى ... إلى الشُّمِّ مِنْ أعلامِ مَيلاءَ نَاظِرُ فتمثل به فعرفت الشعر، فقالت: يا عبد الله! من أين أنت؟ قال: أنا رجل من أهل الشام، فقالت: فمن أين رويت هذا الشعر؟ قال: رويته عن أعرابي بالشام. قالت: أو تدري ما اسمه؟ قال: اسمه كعب. قال: فأقسمتا عليه أن لا يبرح حتى يراك إخوتنا، فيكرموك، ويدلوك على الطريق، فقد أنعمت علينا. فقال: إني لأروي له شعراً آخر، فما أدري أتعرفانه أم لا؟ فقالتا: نسألك بالله إلا أسمعتنا إياه؟ قال: سمعته يقول: خَلِيليَّ! قد رُزْتُ الأمورَ وَقِستُهَا، ... بِنَفسِي وَبالفِتيَانِ كُلَّ مَكَانِ فَلَمْ أُخفِ يَوْماً للرّفِيقِ وَلمْ أجِدْ ... خَلِيّاً وَلا ذا البَثّ يَستَوِيَانِ مِنَ النّاسِ إنسَانانِ، دَيني عَلَيهما، ... مَلِيّانِ لَوْلا النّاسُ قَدْ قَضَيَانِي مَنُوعَانِ، ظَلاّمانِ، مَا يُنصِفَانِني، ... بدَلَّيهِما وَالحُسنِ قَدْ خَلَبَاني

يُطِيلانِ حَتى يَحسَبَ النّاسُ أنّني ... قُضِيتُ، وَلا وَاللهِ مَا قَضَيَاني خَلِيليّ، أمّا أُمُّ عَمرو فَمِنهُمَا، ... وَأمّا عَنِ الأخرَى، فَلا تَسلاني بُلِينا بِهِجرانٍ، وَلَمْ يُرَ مِثْلُنا ... مِنَ النّاسِ إنسَانَانِ يَهتَجِرَانِ أشَدَّ مُصافاةً وَأبْعَدَ مِنْ قِلىً، ... وَأعصَى لِوَاشٍ حِينَ يُكْتَنَفَانِ يُبَيّنُ طَرْفَانَا الذّي في نُفُوسِنا، ... إذا استُعجِمَتْ بالمَنطِقِ الشّفَتَانِ فَوَاللهِ مَا أدرِي أكُلُّ ذَوِي الهَوَى ... عَلى شَكلِنَا، أمْ نَحنُ مُبتَلَيَانِ فَلا تَعجَبا مِمّا بيَ اليَوْمَ مِنْ هَوَىً، ... فَفي كُلّ يَوْمٍ مِثْلُ مَا تَرَيَانِ خَلِيليّ! عَن أيّ الذي كانَ بَيننَا ... مِنَ الوَصْلِ أوْ ماضِي الهَوَى تَسَلانِ وكُنّا كَرِيمَيْ مَعشَرٍ حُمّ بَينَنَا ... هَوىً، فَحِفظنَاهُ بِحُسْنِ صِيَانِ نَذودُ النفوسَ الحَائماتِ عَنِ الهَوَى ... وَهُنّ بأعنَاقٍ إلَيْهِ ثَوَانِ سَلاهُ بأُمّ العَمرِ مِنهُ، فَقَدْ بَرَا ... بِهِ السّقمُ لا يَخفَى وَطولُ ضَمانِ فَما زَادَنا بُعدَ المَدى نَقضُ مَرّةٍ، ... وَلا رَجَعَا مِنْ عِلْمِنا بِبَيَانِ خَلِيليّ! لا وَاللهِ مَا لي بالّذي ... تُرِيدانِ مِنْ هَجرِ الصّدِيقِ يَدَانِ وَلا ليَ بالهَجرِ اعتِلاءٌ، إذا بَدَا ... كَمَا أنْتُمَا بالبَينِ مُعتَلَيَانِ قال: فنزل الرجل وحط رحله حتى جاءت إخوتهما فأخبرتاهم الخبر، وكانتا مهتمتين بكعب، وذلك أنه كان ابن عمهم، وكان ظريفاً شاعراً، فأكرموا الرجل ودلوه على الطريق، وخرجوا، فطلبوا كعباً بالشام، فوجدوه، فأقبلوا به، حتى إذا صار إلى بلدهم نزل كعب في بيت ناحيةً من الحي، فرأى ناساً قد اجتمعوا عند البيوت، فقال كعب لغلام قائم، وكان قد ترك بنياً له صغيراً: يا غلام من أبوك؟ قال: أبي كعب. قال: فعلام يجتمع هذا الناس؟ وأحس فؤاد كعب بشر. قال: يجتمعون على

يقتل حبيبته وينتحر

خالتي ميلاء، ماتت الساعة. قال: فزفر زفرةً حر منها ميتاً، فدفن إلى جانب قبرها. يقتل حبيبته وينتحر ذكر أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، ونقلته من خطه، حدثنا أبو بكر محمد بن خلف المحولي، حدثنا العمري عن الهيثم عن ابن عياش ولقيط بن بكير قال: وحدثنا أحمد بن الحارث الخزاز، حدثنا أبو الحسن المدايني، حدثني هشام بن الكلبي عن أبي مسكين قال: خرج ناس من بني حنيفة يتنزهون فبصر فتىً منهم بجارية فعشقها، فقال لأصحابه: انصرفوا حتى أقيم وأرسل إليها، فطلبوا إليه أن يكف، وأن ينصرف، فأبى، وانصرف القوم، وجعل يراسل الجارية حتى وقع في نفسها، فأقبل في ليلة إضحيان متقلداً قوساً، والجارية نائمة بين إخوتها، فأيقظها، فقالت: يا فاسق انصرف وإلا، والله أيقظت إخوتي، فقاموا إليك، فقتلوك، فقال: والله للموت أهون علي مما أنا فيه، ولكن أعطيني يدك أضعها على فؤادي وأنصرف، فأعطته يدها، فوضعها على فؤاده وصدره، ثم انصرف. فلما كانت الليلة القابلة أتاها، وهي في مثل حالها، فأيقظها، فقالت: له مثل مقالتها الأولى، ورد هو عليها مثل قولها، وقال: لك الله علي إن أمكنتني من شفتيك أرتشفهما أن أنصرف، ثم لا أعود إليك، فأمكنته من شفتيها ثم انصرف، ووقع في نفسها مثل النار، ونذر به الحي، فقالوا: ما لهذا الفاسق في هذا الحي ذاهباً وجائياً؟ انهضوا بنا حتى نخرجه. فأرسلت إليه أن القوم يأتونك الليلة، فالحذر، فلما أمسى خرج ناحيةً عن الحي، فقعد على مرقب له ومعه قوسه وأسهمه، وكان أحد الرماة،

المأمون وذات القلم

وأصاب الحي من النهار مطر، فلهوا عنه، فلما كان في آخر الليل ذهب السحاب، وطلع القمر، فخرجت تريده، وقد أصابها الندى، فنشرت شعرها، وكانت معها جارية من الحي، فقالت: هل لك في عباس، وهو اسمه، فخرجتا تمشيان، فنظر إليهما، وهو على المرقب، فظن أنهما ممن يطلبه، فرمى بسهمه فما أخطأ قلب الجارية، ففلقه، وصاحت الجارية التي كانت معها، وانحدر من المرقب الذي كان عليه، فإذا هو بالجارية متضمخة بدمها، فقال عند ذلك، وهو يبكي: نَعَبَ الغُرَابُ بِما كَرِهْ ... تُ وَلا إزَالَةَ للقَدَرْ تَبكي، وَأنتَ قَتَلتَهَا، ... فَاصْبِرْ، وَإلا فانْتَحِرْ قال: ثم وجأ نفسه بمشاقصه، حتى مات. وجاء الحي فوجدوهما ميتين، فدفنوهما في قبر واحد. ؟ المأمون وذات القلم أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي، حدثنا أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني، حدثنا محمد بن عبد الله البصري، حدثنا الغلابي محمد بن زكريا، حدثنا مهدي بن سابق قال: رأى المأمون في يد جارية له قلماً، وكان ذا شغف بها، واسمها منصف، فقال: أرَاني مَنَحتُ الحُبّ مَن لَيسَ يعرِفُ ... فمَا أنصَفتَني في المَحَبّةِ مُنصِفُ وَزَادَتْ لَدَينا حُظوَةً يَوْمَ أعرَضَتْ ... وَفي إصْبعَيها أسمَرُ اللّوْنِِ أهيَفُ أصَمُّ، سَميعٌ، سَاكِنٌ، مُتَحَرّكٌ، ... يَنالُ جَسِيماتِ العُلى، وَهوَ أعجَفُ عَجبتُ لَهُ أنَّى، وَدَهرُكِ مُعجِبٌ، ... يُقَوِّمُ تَحريفَ العِبَادِ مُحَرَّفُ

ميت الحب شهيد

ميت الحب شهيد قال الجوهري: وأنشدني محمد بن محمد الصائغ: سأكتُمُ ما ألقَاهُ، يا فَوْزَ، نَاظِرِي، ... من الوَجدِ كَيلا يَذهَبَ الأجرُ باطِلا فَقَدْ جاءَنا عَن سَيّدِ الخَلقِ أحمدٍ، ... وَمَن كانَ بَرّاً بالعِبَادِ وَوَاصِلا بأنْ من يَمُتْ في الحُبِّ يكتمُ وَجدَهُ، ... يَمُوتُ شَهيداً في الفَرَاديسِ نَازِلا رَوَاهُ سُوَيدٌ عَنْ عليّ بنِ مُسهَرٍ، ... فَما فيه من شَكٍّ لمَنْ كانَ عَاقِلا وَمَاذا كَثيرٌ للّذي بَاتَ مُفرَداً، ... سَقِيماً، عَليلاً، بالهَوَى مُتَشَاغِلا عصيان العذال سنة ولي من أثناء قصيدة مدحت بها ببغداد: وَحَوْراءَ غَدَتْ باللّحْ ... ظِ للعُشّاقِ قَتّالَهْ فكَمْ من قَائِلٍ حينَ ... رآهَا، وَهيَ مُختالَهْ أفي أجفَانِها المَرْضَى ... مِنَ القَارَةِ نَبّالَهْ بَدَتْ مَا بَينَ أترَابٍ ... لَهَا كَالبَدرِ في الهَالَهْ عَلَيهَا من ثِيَابِ الصَّوْ ... نِ مَا تَسْحَبُ أذْيَالَهْ أيَا ظَبيَةَ بَطنِ الخَيْ ... فِ! ضَيفٌ رَامَ إنزَالَهْ قِرَاهُ قُبْلَةٌ، فَالبَيْ ... نُ قَدْ قَرّبَ أحمَالَهْ

عمر والمرأة المتلعجة

فَكَمْ لاحٍ عَلى حُبِّي ... كِ لمْ أُصْغِ لِمَا قَالَهْ وَمِنْ سُنّةِ مَنْ يَعْشَ ... قُ أنْ يَعصِيَ عُذّالَهْ عمر والمرأة المتلعجة أخبرنا محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا أبو بكر بن الأنباري، حدثني أبي، حدثنا أحمد بن الربيع الخزاز، حدثني يونس بن بكير الشيباني، حدثني أبو إسحق عن السائب بن جبير مولى ابن عباس، وكان قد أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: ما زلت أسمع حديث عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة، وكان يفعل ذلك كثيراً، إذ مر بامرأة من نساء العرب مغلقة عليها بابها، وهي تقول: تَطَاولَ هذا اللّيلُ تَسرِي كَوَاكِبُهْ ... وأَرّقَنِي أنْ لا ضَجيعَ أُلاعِبُهْ أُلاعِبُهُ طَوْراً، وطَوْراً كَأنّما ... بَدَا قَمَراً في ظُلْمَةِ اللّيلِ حَاجِبُهْ يُسَرُّ بِهِ مَنْ كَانَ يَلهُو بِقُرْبِهِ، ... لَطيفُ الحَشَا لا تَحتَوِيهِ أقَارِبُهْ فَوَاللهِ، لَوْلا اللهُ لا شَيءَ غَيرَهُ، ... لَنُقّضَ مِنْ هذا السّرِيرِ جَوَانِبُهْ وَلَكِنِنّي أخشَى رَقيباً مُوَكَّلاً ... بأنْفُسِنا لا يَفترُ، الدّهرَ، كَاتِبُهْ ثم تنفست الصعداء، وقالت: لهان على عمر بن الخطاب وحشتي، وغيبة زوجي عني، وعمر واقف يستمع قولها، فقال لها: يرحمك الله، يرحمك الله! ثم وجه إليها بكسوة ونفقة، وكتب في أن يقدم عليها زوجها.

سادلة البرقع

سادلة البرقع أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ الأصبهاني بأصفهان، حدثنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي، حدثنا محمد بن علي بن حرب المروزي، أخبرنا أبو الفتح عبد الواحد بن الحسين بن شيطا المقري، رحمه الله تعالى، حدثنا أبو القاسم إسماعيل بن سويد، حدثنا الكوكبي، أخبرنا أبو العيناء، أخبرني الجماز عن الأصمعي قال: نظر أعرابي إلى أعرابية عليها برقع، فقال لها: ارفعي البرقع أنظر نظرةً! فقالت: لا والله، دون أن يبيضّ القار، فأنشأ يقول: هَلِ القَارُ مُبَيضٌّ فأنظُرَ نَظرَةً ... إلى وَجهِ لَيلى، أوْ تَقضّى نُذورُهَا ميعاد السلو أخبرنا محمد بن الحسين، أخبرنا المعافى بن زكريا، حدثنا ابن دريد، حدثنا عبد الرحمن عن عمه، سمعت جعفر بن سليمان يقول: ما سمعت بأشعر مر القائل: إذا رُمتُ عَنها سَلوَةً قالَ شافعٌ ... منَ الحُبّ: ميعادُ السّلُوّ المَقَابرُ فقلت: أشعر منه الأحوص حيث يقول: سَيبقَى لها في مُضْمَرِ القَلبِ وَالحَشا ... سَرِيرَةُ وُدٍّ يَوْمَ تُبلى السّرَائر

رجل في ثوب امرأة

رجل في ثوب امرأة أنبأنا محمد بن الحسين الجازري، حدثنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا، حدثنا الحسين ابن القاسم الكوكبي، حدثنا عبد الله بن محمد القرشي، حدثنا محمد بن صالح الحسني، حدثني أبي عن نمير بن قحيف الهلالي قال: كان في بني هلال فتىً يقال له بشر، ويعرف بالأشتر، وكان سيداً حسن الوجه، شديد القلب، سخي النفس، وكان معجباً بجارية من قومه تسمى جيداء، وكانت الجارية بارعةً، فاشتهر أمره وأمرها ووقع الشر بينه وبين أهلها، حتى قتلت بينهم القتلى، وكثرت الجراحات، ثم افترقوا على أن لا ينزل أحد منهم بقرب الآخر. فلما طال على الأشتر البلاء والهجر جاءني ذات يوم، فقال يا نمير! هل فيك من خيرٍ؟ قلت: عندي كل ما أحببت. قال: أسعدني على زيارة جيداء، فقد ذهب الشوق إليها بروحي، وتنغصت علي حياتي، قلت: بالحب والكرامة، فانهض إذا شئت. فركب وركبت معه، فسرنا يومنا وليلتنا، حتى إذا كان قريباً من مغرب الشمس نظرنا إلى منازلهم، ودخلنا شعباً خفياً، فأنخنا راحلتينا، وجلين، فجلس هو عند الراحلتين، وقال: يا نمير! اذهب، بأبي أنت وأمي، فادخل الحي واذكر لمن لقيك أنك طالب ضالةً، ولا تعرض بذكري بين شفةٍ ولسان، فإن لقيت جاريتها فلانة الراعية، فأقرئها مني السلام، وسلها عن الخبر، وأعلمها بمكاني. فخرجت لا أعذر في أمري حتى لقيت الجارية فأبلغتها الرسالة، وأعلمتها بمكانه، وسألتها عن الخبر، فقالت: بلى، والله، مشدد عليها، متحفظ منها، وعلى ذلك فموعدكما الليلة عند تلك الشجرات اللواتي عند أعقاب البيوت.

فانصرفت إلى صاحبي، فأخبرته الخبر، ثم نهضنا نقود راحلتينا، حتى جاء الموعد، فلم نلبث إلا قليلاً إذا جيداء قد جاءت تمشي حتى دنت منا، فوثب إليها الأشتر، فصافحها وسلم عليها، وقمت مولياً عنهما، فقالا: إنا نقسم عليك إلا ما رجعت، فوالله ما بيننا ريبة، ولا قبيح نخلو به دونك. فانصرفت راجعاً إليهما حتى جلست معهما، فتحدثا ساعةً، ثم أرادت الانصراف، فقال الأشتر: أما فيك حيلة يا جيداء، فنتحدث ليلتنا، ويشكو بعضنا إلى بعض؟ قالت: والله ما إلى ذلك من سبيل إلا أن تعود إلى الشر الذي تعلم. قال لها الأشتر: لا بد من ذلك، ولا وقعت المساء على الأرض. فقالت: هل في صديقك هذا من خير أو فيه مساعدة لنا؟ قال: الخير كله. قالت: يا فتى! هل فيك من خيرٍ؟ قلت: سلي ما بدا لك، فإني منته إلى مرادك، ولو كان في ذلك ذهاب روحي. فقامت فنزعت ثيابها، فخلعتها علي، فلبستها. ثم قالت: اذهب إلى بيتي، فادخل في خبائي، فإن زوجي سيأتيك بعد ساعة، أو ساعتين، فيطلب منك القدح ليحلب به الإبل، فلا تعطه إياه حتى يطيل طلبه، ثم ارم به رمياً، ولا تعطه إياه من يدك، فإني كذا كنت أفعل به، فيذهب فيحلب، ثم يأتيك عند فراغه من الحلب والقدح ملآن لبناً، فيقول: هاك غبوقك، فلا تأخذ منه حتى تطيل نكداً عليه، ثم خذه أو دعه حتى يضعه، ثم لست تراه حتى تصبح، إن شاء الله تعالى. قال: فذهبت، ففعلت ما أمرتني به، حتى إذا جاء القدح الذي فيه اللبن أمرني أن آخذه فلم آخذه، حتى طال نكدي، ثم أهويت لآخذه، وأهوى ليضعه، واختلفت يدي ويده، فانكفأ القدح، واندفق ما فيه، فقال: إن هذا طماح مفرط. وضرب بيده إلى مقدم البيت فاستخرج منه سوطاً مفتولاً كمتن الثعبان المطوق، ثم دخل علي،

فهتك الستر عني وقبض بشعري، وأتبع ذلك السوط متني، فضربني تمام ثلاثين، ثم جاءت أمه وإخوته، وأخت له، فانتزعوني من يده، ولا والله ما أقلعوا، حتى زايلتني روحي، وهممت أن أوجره السكين، وإن كان فيه الموت. فلما خرجوا عني، وهو معهم، شددت ستري، وقعدت كما كنت، فلم ألبث إلا قليلاً حتى دخلت أم جيداء علي تكلمني، وهي تحسبني ابنتها، فاتقيتها بالسكات والبكى، وتغطيت بثوبي دونها. فقالت: يا بنية! اتقي الله ربك ولا تعرضي لمكروه زوجك فذاك أولى بك، فأما الأشتر، فلا أشتر لك آخر الدهر. ثم خرجت من عندي، وقالت: سأرسل إليك أختك تؤنسك، وتبيت عندك الليلة. فلبثت غير ما كثير، فإذا الجارية قد جاءت فجعلت تبكي وتدعو على من ضربني، وجعلت لا أكلمها، ثم اضطجعت إلى جانبي، فلما استمكنت منها شددت بيدي على فيها، وقلت: يا هذه! تلك أختك مع الأشتر، وقد قطع ظهري الليلة في سببها، وأنت أولى بالستر عليها، فاختاري لنفسك، ولها، فوالله لئن تكلمت بكلمة لأصيحن بجهدي حتى تكون الفضيحة شاملةً، ثم رفعت يدي عنها، فاهتزت الجارية كما تعتز القصبة من الزرع، ثم بات معي منها أملح رفيق رافقته، وأعفه وأحسنه حديثاً، فلم تزل تتحدث، وتضحك مني ومما بليت به من الضرب حتى برق النور، إذا جيداء قد دخلت علينا من آخر البيت، فلما رأتنا ارتاعت، وفزعت، وقالت: ويلك! من هذا عندك؟ قلت: أختك. قالت: وما السبب؟ قلت: هي تخبرك، ولعمر الله إنها لعالمة بما نزل بي. وأخذت ثيابي منها، ومضيت إلى صاحبي، فركبنا، ونحن خائفان، فلما سري عنا روعنا، حدثته ما أصابني، وكشفت عن ظهري، فإذا

شامة مشؤومة

فيه ما غرس الله من ضربة إلى جانب أخرى، كل ضربة تخرج الدم وحدها. فلما رآني الأشتر قال: لقد عظمت صنيعتك ووجب شكرك، إذ خاطرت بنفسك، فبلغني الله مكافأتك. شامة مشؤومة أخبرنا محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا أبو بكر بن الأنباري، حدثني أبي، حدثنا الحسن بن عبد الرحمن الربعي، حدثني عباد بن عبد الواحد، حدثني ابن عائشة، حدثني أبي قال: كانت عبدة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية عند هشام بن عبد الملك، وكانت من أجمل النساء، فدخل عليها يوماً، وعليها ثياب سود رقاق من هذه التي يلبسها النصارى يوم عيدهم، فملأته سروراً حين نظر إليها، ثم تأملها فقطّب، فقالت: ما لك يا أمير المؤمنين؟ أكرهت هذه، ألبس غيرها؟ قال: لا! ولكن رأيت هذه الشامة التي على كشحك من فوق الثياب، وبك يذبح النساء، وكانت بها شامة في ذلك الموضع، أما إنهم سينزلونك عن بغلة شهباء، يعني بني العباس، وردة، ثم يذبحونك ذبحاً. قال: وقوله يذبح بك النساء، يعني إذا كانت دولة لأهلك ذبحوا بك من نساء القوم الذين ذبحوك. فأخذها عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس، وكان معها من الجوهر ما لا يدرى ما هو، ومعها درع يواقيت وجوهر منسوج بالذهب، فأخذ ما كان معها وخلى سبيلها. فقالت، في الظلمة: أي دابةٍ تحتي؟ قيل لها: دهماء، في الظلمة، فقالت، نجوت. قال: فأقبلوا على عبد الله بن علي، فقالوا: ما صنعت؟ أدنى ما يكون يبعث أبو جعفر إليها، فتخبره بما أخذت منها، فيأخذه منك، اقتلها،

صاحب يساوي الخلافة

فبعث في إثرها، وأضاء الصبح، وإذا تحتها بغلة شهباء وردة، فلحقها الرسول، فقالت: مه! فقال: أمرنا بقتلك، قالت: هذا أهون علي، فنزلت فشدت درعها من تحت قدميها وكميها. صاحب يساوي الخلافة أخبرنا أبو علي بن محمد الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا الفضل بن العباس أبو الفضل الربعي، حدثنا إبراهيم بن عيسى الهاشمي قال: قال علويه: أمرني المأمون وأصحابي أن نغدو إليه لنصطبح، فغدوت، فلقيني عبد الله بن إسماعيل صاحب المراكب. فقال: يا أيها الرجل الظالم المتعدي! أما ترحم ولا ترق ولا تستحي من عريب؟ هي هائمة بك. قال علويه: وكانت عريب أحسن الناس وجهاً، وأظرف الناس وأحسن غناء مني ومن صاحبي مخارق، فقلت له: مر حتى أجيء معك، فحين دخلنا قلت له: استوثق من الأبواب، فإني أعرف الناس بفضول الحجاب، فأمر بالأبواب فأغلقت ودخلت، فإذا عريب جالسة على كرسي، وبين يديها ثلاث قدور زجاج، فلما رأتني قامت إلي، فعانقتني، وقبلتني، وأخلت لسانها في فمي. قالت: ما تشتهي تأكل؟ قلت: قدراً من هذه القدور، فأفرغت قدراً منها بيني وبينها، فأكلنا. ثم دعت بالنبيذ، فصبت رطلاً، فشربت نصفه، وسقتني نصفه، فما زلنا نشرب حتى سكرنا، ثم قالت: يا أبا الحسن! أخرجت البارحة شعراً لأبي العتاهية فاخترت منه شيئاً. قلت: ما هو؟ قالت: وَإني لمُشتَاقٌ إلى ظِلّ صَاحِبٍ ... يَرِقُّ ويَصفُو إنْ كَدُرْتُ عَلَيهِ

امرأة على كتف أعرابي

عذيرِي من الإنسانِ! لا إنْ جَفَوتُه ... صَفَا لي، وَلا إنْ كنتُ طَوْعَ يَدَيهِ فصيرناه مجلسنا، فقالت: بقي فيه شيء، فأصلحه! قلت: ما فيه شيء. قالت: بلى، في موضع كذا، فقلت: أنت أعلم، فصححناه جميعاً، ثم جاء الحجاب، وكسروا الباب، واستخرجت، فأدخلت على المأمون، فأقبلت أرقص من أقصى الصحن، وأصفق بيدي، وأغني الصوت، فسمع وسمعوا ما لم يعرفوه، فاستطرفوه، فقال المأمون: ادن يا علويه! فدنوت، فقال: رد الصوت! فرددته سبع مرات، فقال: أنت الذي تشتاق إلى ظل صاحب يروق ويصفو إن كدرت عليه؟ فقلت: نعم! فقال خذ مني الخلافة، وأعطني هذا الصاحب بدلها. وسألني عن خبري، فأخبرته، فقال: قاتلها الله، فهي أجل أبزار من أبازير الدنيا. امرأة على كتف أعرابي أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، حدثنا أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا عمران بن أبي ليلى، حدثنا حبان بن علي عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: كنت أطوف مع عمر بن الخطاب حول الكعبة، وكفي في كفه، فإذا أعرابي على كتفه امرأة مثل المهاة وهو يقول: صِرْتُ لِهَذي جَمَلاً ذَلُولا ... مُوَطّأً أتّبِعُ السّهُولا أعدِلُها بالكَفّ أنْ تَمِيلا ... أحذَرُ أنْ تَسقُطَ أوْ تَزُولا أرْجُو بذَاكَ نَائِلاً جَزِيلا فقال له عمر: ما هذه المرأة التي وهبت لها حجتك يا أعرابي؟ فقال:

كيد النساء

هذه امرأتي، والله، يا أمير المؤمنين، إنها مع ما ترى من صنيعتي بها، حمقاء مرغامة، أكول قمّامة، مشؤومة الهامة. قال: فما تصنع بها إذا كان هذا قولك فيها؟ قال: إنها ذات جمال، فلا تفرك، وأم صغار، فلا تترك. قال: إذاً فشأنك بها. كيد النساء أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي التوزي، حدثنا إسماعيل بن سعيد بن سويد، حدثنا الكوكبي قال: حدثنا أحمد بن عبيد النحوي، حدثنا محمد بن زبار عن الشرقي بن قطامي قال: كان عمرو بن قمية البكري من أحب الناس إلى مرثد بن قيس بن ثعلبة، وكان يجمع بينه وبين امرأته على طعامه، وكانت إصبع قدم عمرو الوسطى والتي تليها ملصقتين، فخرج مرثد ذات يوم يضرب بالقداح، فأرسلت امرأته إلى عمرو أن عمك يدعوك، فجاءت به من وراء البيوت، فلما دخل عليها، لم يجد عنه، وأنكر شأنها، فأرادته على نفسه، فقال: لقد جئت بأمر عظيم. فقالت: أما لتفعلن أو لأسوءنك. فقال: للمساءة ما دعوتني. ثم قام فخرج، وأمرت بجفنة، فكفئت على أثر قدمه، فلما رجع مرثد وجدها متغضبة، فقال: ما شأنك؟ قالت: رجل قريب القرابة منك جاءني يسومني نفسي. قال: من هو؟ قالت: أما أنا فلا أسميه، وهذا أثر قدمه، فعرف مرثد أثر عمرو، فأعرض عنه، وعرف عمرو من أين أتي، فقال في ذلك: لَعمرُكَ! مَا نَفسِي بِجِدّ رَشِيدَة، ... تُؤامِرُني سِرّاً لأصْرِمَ مَرْثَدَا عَظيمُ رَمَادِ القِدرِ، لا مُتَعَبّسٌ، ... وَلا مُؤيِسٌ مِنها، إذا هُوَ أخمَدَا

النخلة العاشقة

فَقَدْ أظهَرَتْ مِنهُ بَوَائِقُ جَمّةٌ، ... وَأفرَغَ في لَوْمي مِراراً وَأصْعَدَا عَلى غَيرِ ذَنبٍ أن أكونَ جَنَيتُهُ، ... سِوى قَوْلِ باغٍ جاهدٍ فَتَجَهّدَا النخلة العاشقة أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي، أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني، أخبرني محمد بن أحمد الحكيمي، حدثنا أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب قال: سمعت أبا مسلمة المنقري يقول: كان عندنا بالبصرة نخلة ذكر من حسنها وطيب رطبها. قال: ففسدت حتى شيّصت. قال: فدعا صاحبها شيخاً قديماً يعرف النخيل، فنظر إليها وإلى ما حولها من النخل، فقال: هذه عاشقة لهذا الفحل الذي بالقرب منها. قال: فلقحت منه، فعادت إلى أحسن ما كانت. المهدي ونخلتا حلوان وأخبرنا أحمد بن علي التوزي، أخبرنا أبو عبيد الله، أخبرنا أبو بكر الجرجاني، حدثنا الحارث بن أبي أسامة عن محمد بن أبي القيسي عن أبي سمير عبد الله بن أبي أيوب قال: لما خرج المهدي، فصار بعقبة حلوان، استطاب الموضع، فتغدى ودعا بحسنة، فقال لها: أما ترين طيب هذا الموضع، فغنيني، فأخذت محكةً كانت في يده وأوقعت بها على مخدة، وغنته: أيَا نَخلَتَيْ وَادي بُوَانَةَ! حَبّذا، ... إذا نَامَ حُرّاسُ النّخِيلِ، جَناكُمَا فقال: أحسنت! لقد هممت بقطع هاتين النخلتين، يعني نخلتي

الأشتر وجيداء

حلوان. فقالت: أعيذك بالله أن تكون النحس. قال: وما ذاك؟ قالت: قول الشاعر فيهما: أسعِدَانِي يَا نَخلَتَيْ حُلْوَانِ، ... وَابكِيا لي من رَيبِ هذا الزّمَانِ وَاعْلَمَا، إنْ بَقِيتُمَا، أنّ نَحساً ... سَوْفَ يَأتِيكُما، فَتَفتَرِقَانِ فقال: لا أقطعهما أبداً، ووكل بهما من يحفظهما. الأشتر وجيداء أخبرنا أبو القاسم علي بن أبي علي قراءة عليه، حدثني أبي، أخبرني أبو الفرج علي بن الحسين بن الأصفهاني، حدثني جعفر بن قدامة، حدثني أبو العيناء قال: كنت أجالس محمد بن صالح بن عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب، وكان حمل إلى المتوكل أسيراً، فحبسه مدة، ثم أطلقه، وكان أعرابياً فصيحاً محرماً، فحدثني قال: حدثني نمير بن قحيف الهلالي، وكان حسن الوجه حيياً، قال: كان منا فتىً يقال له بشر بن عبد الله، ويعرف بالأشتر. وكان يهوى جاريةً من قومه يقال لها جيداء، وكانت ذات زوج، وشاع خبره في حبها، فمنع منها، وضيق عليه، وذكر قصة الأشتر مع جيداء على نحو ما في الخبر الذي قبل هذا الجزء فكرهت إعادتها لأن المعنى واحد.

ماتت حزنا على المأمون

ماتت حزناً على المأمون أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن مالك النحوي، حدثنا يحيى بن أبي حماد الموكبي عن أبيه قال: وصفت للمأمون جارية بكل ما توصف امرأة من الكمال والجمال، فبعث في شرائها، فأتي بها وقت خروجه إلى بلاد الروم، فلما هم ليلبس درعه، خطرت بباله، فأمر، فخرجت إليه، فلما نظر إليها أعجب بها وأعجبت به، فقالت: ما هذا؟ قال: أريد الخروج إلى بلاد الروم. قالت: قتلتني، والله يا سيدي، وحدرت دموعها على خدها كنظام اللؤلؤ، وأنشات تقول: سأدعُو دَعوَةَ المُضْطَرّ رَبّاً ... يُثيبُ عَلى الدّعاءِ وَيَستَجيبُ لَعَلّ اللهَ أن يَكفيكَ حَرْباً، ... وَيَجمعَنَا، كما تَهوَى القُلوبُ فضمها المأمون إلى صدره، وأنشأ متمثلاً يقول: فَيا حُسنَها إذ يَغسِلُ الدمعُ كُحلَها ... وَإذ هيَ تُذرِي الدمعَ مِنها الأنَامِلُ صَبيحَةَ قالت في العتابِ: قَتَلتَني، ... وقتلي، بما قالت، هُنَاكَ تُحَاوِلُ ثم قال لخادمه: يا مسرور! احتفظ بها وأكرم محلها، وأصلح لها كل ما تحتاج إليه من المقاصير والخدم والجواري إلى وقت رجوعي، فكان كما قال الأخطل: قَوْمٌ إذا حَارَبوا شّدوا مآزِرَهُم ... دونَ النّساءِ، وَلَوْ باتَتْ بأطْهَارِ ثم خرج، فلم يزل الخادم يتعاهدها، ويصلح ما أمر به، فاعتلت علةً شديدة أشفق عليها منها وورد نعي المأمون، فلما بلغها ذلك تنفست

القاضي المدنف

الصعداء وتوفيت، وكان مما قالت، وهي تجود بنفسها: إنّ الزّمَانَ سَقَانَا مِنْ مَرَارَتِهِ ... بَعدَ الحَلاوَةِ أنفَاساً وَأرْوَانَا أبدَى لَنَا تَارَةً مِنهُ، فأضْحكَنا، ... ثمّ انثنَى تَارَةً أُخرَى، فأبكَانَا إنّا إلى اللهِ في مَا لا يَزَالُ لَنَا، ... مِنَ القَضَاءِ، ومَن تَلوِينَ دُنيَانَا دُنيَا نَرَاها تُرِينَا من تَصرّفِها ... مَا لا يَدُومُ مُصَافاةً وَأحزَانَا وَنَحنُ فِيها، كَأنّا لا نُزَايلُهَا، ... للعَيشِ أحيَاؤُنَا يَبكُونَ مَوْتَانَا القاضي المدنف وأخبرنا الجازري، حدثنا المعافى، حدثنا محمد بن الحسن بن زياد المقري، حدثنا أحمد بن الصلت قال: كان حمدان البرتي على قضاء الشرقية، فقدمت امرأة طقطق الكوفي زوجها إليه، وادعت عليه مهراً أربعة آلاف درهم، فسأله القاضي عما ذكرت، فقال: أعز الله القاضي، مهرها عشرة دراهم. فقال لها البرتي: أسفري، فسفرت حتى انكشف صدرها، فلما رأى ذلك قال لطقطق: ويحك! مثل هذا الوجه يستأهل أربعة آلاف دينار ليس أربعة آلاف درهم، ثم التفت إلى كاتبه، فقال له: ما في الدنيا أحسن من هذا الشذر على هذا النحر. فقال له طقطق: فديتك إن كانت قد وقعت في قلبك طلقتها. فقال له البرتي: تهددها بالطلاق، وقد قال الله: عز وجل: " فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها "، وإن ههنا ألفاً ممن يتزوجها. فقال طقطق: فإني، والله،

بماذا أكفر

ما قضيت وطري منها، وأنا طقطق لست بزيد. فأقبل البرتي على المرأة، فقال: يا حبيبتي! ما أدري كيف كان صبرك على مباضعة هذا البغيض، ثم أنشأ يقول: تَرَبّصْ بها رَيبَ المَنونِ، لَعَلّهَا ... تُطَلّقُ يَوْمَاً، أوْ يموتَ حَليلُها فقام طقطق، وتعلق به وصيف غلام البرتي، فصاح به: دعه يذهب عنا إلى سفر، ثم قال لها: إن لم يصر لك إلى ما تريدين فصيري إلى امرأة وصيف حتى تعلمني، وأضعه في الحبس. وكتب صاحب الخبر ما كان، فعلق به البرتي، وصانعه على خمسمائة دينار على أن لا يرفع الخبر بعينه، ولكن يكتب أن عجوزاً خاصمت زوجها، فاستغاثت بالقاضي، فقال لها: ما أصنع يا حبيبتي! هو حكم ولا بد أن أقضي بالحق. وانصرف البرتي متيماً، فما زال مدنفاً يبكي ويهيم فوق السطوح، ويقول الشعر: فكان مما يقوله: وَاحَسرَتي عَلى مَا مَضَى، ... لَيْتَني لضمْ أعرِفِ القَضَا أحبَبتُ أمراً وَخِفتُ اللهَ حَقّاً ... فَمَا تَمّ حَتى انقَضَى وغير ذلك من شعر لا وزن له ولا روي إلا أنه ارعوى ورجع. بماذا أكفر؟ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بصور، أنبأنا أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد الناجي الأندلسي: حدثني خالي القاضي أبو شاكر عبد الواحد بن محمد بن موهب بن محمد التجيبي لعبد الله بن الفرج الجياني، وهو أخو سعيد وأحمد ابني الفرج:

كل يومين حجة واعتمار

تَدَارَكتُ من خَطَإي نَادِمَا، ... لرُجْوَى سِوَى خالقي رَاحِمَا فَلا رُفِعَتْ صَرْعَتي إنْ رَفَعْ ... تُ يَديَّ إلى غَيْرِ مَوْلاهُمَا أمُوتُ وَأدْعُو إلى مَنْ يَمُو ... تُ بمَاذا أُكَفّرُ هَذَا بِمَا؟ كل يومين حجة واعتمار وأخبرنا محمد، حدثنا المعافى، حدثنا محمد بن القاسم الأنباري، حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي، حدثنا الزبير بن بكار، حدثنا مسلم بن عبد الله بن مسلم بن جندب عن أبيه قال: أنشد ابن أبي عتيق سعيد بن المسيب قول عمر بن أبي ربيعة: أيّهَا الرّاكِبُ المُجِدُّ ابتِكَارَا، ... قَد قَضَى من تهامَةَ الأوْطَارَا إنْ يكُنْ قَلبُك، الغداةَ، خَلِيّاً، ... فَفُؤادِي بالخَيفِ أمسَى مُعَارَا لَيتَ ذا الدّهرَ كانَ حَتماً عَلَينا، ... كُلَّ يَوْمَينِ حِجّةً وَاعتِمَارَا فقال: لقد كلفت المسلمين شططاً. فقال: يا أبا محمد! في نفس الجمل شيء غير ما في نفس سائقه. ليس للغدور وفاء أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة أنشدنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الجبار لنفسه: رَنَتْ إليّ بِعَينِ الرّئمِ، وَالتَفَتَتْ ... بجيدِهِ، وثَنَتْ مِنْ قَدِّهَا ألِفَا فخِلتُ بدرَ الدّجَى يَسرِي على غُصنٍ ... هَزّتهُ رِيحُ الصَّبَا فاهتزّ وَانعَطَفَا

أكني بغيرك واعنيك

وَأبصَرَتْ مُقلَتي تَرْنُو مُسَارِقَةً ... إلى سِوَاهَا، فَعَضّتْ كَفَّها أسَفَا ثمّ انثَنَتْ كالرَّشَا المَذعُورِ نَافِرَةً، ... وَوَرْدُ وَجنَتِها بالغَيظِ قد قُطِفَا تَقولُ: يا نعمُ! قومي تَنظرِي عجباً، ... هذا الذي يَدّعي التَّهيَامَ وَالشَّعَفَا يُريدُ منّا الوَفَا، وَالغَدْرُ شِيمَتُهُ، ... هَيهَاتَ أنْ يَتَأتّى للغَدُورِ وَفَا أكني بغيرك واعنيك وأخبرنا التنوخي قال: تقلت من خط أبي إسحق الصابي: أكني بِغَيركَ في شعرِي وَأعنيكِ، ... تَقِيّةً، وَحِذَاراً مِنْ أعَادِيكِ فإنْ سَمعتِ بإنسانٍ شُعِفتُ به، ... فإنّما هُوَ سِترٌ دونَ حُبّيكِ غَالطتُهم دونَ شَخصٍ لا وُجودَ لَهُ، ... مَعناهُ أنتِ، وَلكن لا أُسَمّيكِ أخافُ مِنْ مُسعدِي في الحبّ زَلّتَهُ، ... وكَيفَ آمَنُ فيهِ كَيدَ وَاشِيكِ وَلَوْ كَشَفتُ لهُمْ ما بي وَبحتُ بهِ ... لاستَعبَرُوا رَحمةً من محنَتي فيكِ مرضى تبعث المرض ولي من أثناء قصيدة: وَشَادِنٍ سِهَامُهُ ... مِنَ الجُفُونِ تُنتَضَى قَدْ أصْبَحَتْ لهَا قُلُو ... بُ عَاشِقيهِ غَرَضا كَمْ بَعَثَتْ أجفانُهُ ال ... مَرضَى لِقَلْبِ مَرَضَا

شعر على حائط

شعر على حائط أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا الحسين بن محمد بن عفير الأنصاري قال: قال أبو علي صديقنا: حدثني بعض أهل المعرفة أنه بينا هو في بعض بلاد الشام نزل في دار من دورها، فوجد على بعض حيطانها مكتوباً: دَعُوا مُقلَتي تبكي لِفَقدِ حَبيبها، ... لتُطفي ببرْدِ الدّمعِ حَرَّ كُرُوبِهَا ففي حلّ الدّمعِ للقلبِ رَاحةٌ، ... فَطُوبَى لنَفسٍ مُتّعَتْ بِحَبيبها بمَنْ لَوْ رَأتْهُ القَاطِعاتُ أكفَّهَا ... لَما رَضِيَتْ إلاّ بقَطعِ قُلُوبِها قال: فسأل عنه، فأخبر أن بعض العمال نزل هذه الدار، وقد أصاب ثلاثين ألف دينار، فعلق غلاماً، فأنفق ذلك المال كله عليه. قال: فبينا أنا جالس إذ مر بنا ذلك الغلام، قال: فما رأيت غلاماً أحسن منه حسناً وجمالاً. جرير والحجاج وأمامة وأخبرنا أبو علي، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا أبو النضر العقيلي، أخبرنا الزبير، حدثني محمد بن أيوب اليربوعي عن أبي الذيال السلولي، حدثني جرير قال: وفدت على الحجاج في سفرة تسمى سفرة الأربعين، فأعطاني أربعين راحلةً ورعاءها، وحشو حقائبها القطائف والأكسية لعيالي، وأوقرها

حنطة، ثم خرجت. فلما شددت على راحلتي كورها، وأنا أريد المضي، جاءني خادم فقال: أجب الأمير، فرجعت معه، فدخلت على الحجاج، فإذا هو قاعد على كرسي، وإذا جارية قائمة تعممه، فقلت: السلام عليك أيها الأمير. فقال: هات، قل في هذه! فقلت: بأبي وأمي تمنعني هيبة الأمير، وإجلاله، فأفحمت، فما أدري ما أقول، فقال: بل هات، قل فيها! فقلت: بأبي وأمي، فما اسمها؟ قال: أمامة، فلما قال أمامة فتح علي فقلت: وَدّعْ أُمَامَةَ حَانَ مِنكَ رَحيلُ، ... إنّ الوَداعَ لمَنْ تُحِبّ قَليلُ تِلْكَ القُلُوبُ صَوَادِياً تَيّمتَهَا، ... وَأرَى الشّفَاءَ، وَمَا إلَيهِ سَبيلُ فقال: بل إليه سبيل. خذ بيدها! فأخذت بيدها، فجبذتها، فتعلقت بالعمامة، وجبذتها حتى رأيت عنق الحجاج قد صغت، ومالت مما جبذتها، وتعلق بالعمامة. قال: وخطر ببالي بيت من شعر، فقلت: إنْ كانَ طِبَّكُمُ الدّلالً، فإنّهُ ... حَسَنٌ دلالك، يا أُمَيمَ، جَميلُ فقال الحجاج: إنه، والله، ما بها ذاك، ولكن بها بغض وجهك، وهو أهل لذاك. خذها بيدها جرها! فلما سمعت ذلك منه خلت العمامة، وخرجت بها، فكنيتها أم حكيم، وجعلتها تقوم على عمالي وتعطيهم نفقاتهم بقرية يقال لها الفنة، من قرى الوشم. قال طلحة: فأخبرني الزبير قال: قال محمد بن أيوب: وسمعت حبجياً بن نوح يقول: كانت والله مباركة.

عائشة بنت طلحة وغراب قيس بن ذريح

عائشة بنت طلحة وغراب قيس بن ذريح أخبرنا محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن إسحق بن إبراهيم العجلي البزاز المعروف بالمراجلي بسر من رأى، حدثنا محمد بن يونس الكديمي، حدثنا يحيى بن عمر الليثي، حدثنا الهيثم بن عدي، حدثنا المجالد عن الشعبي قال: مر بي مصعب بن الزبير، وأنا في المسجد. فقال: يا شعبي؛ قم! فقمت، فوضع يده في يدي وانطلق حتى دخل القصر، فقصرت، فقال: ادخل يا شعبي! فدخل حجرةً، فقصرت، فقال: ادخل يا شعبي! فدخل بيتاً، فقصرت، فقال: ادخل، فدخلت، فإذا امرأة في حجلة، فقال: أتدري من هذه؟ فقلت: نعم! هذه سيدة نساء المسلمين، هذه عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، فقال: هذه ليلى، وتمثل: وَمَا زِلتُ في لَيلى لدن طَرّ شارِبي ... إلى اليَوْمِ أُخفي حُبّها وَأُدَاجِنُ وَأحمِلُ في لَيلى لقَوْمٍ ضَغِينَةً، ... وَتُحملُ في لَيلى عليّ الضّغائنُ ثم قال لي: يا شعبي! إنها اشتهت علي حديثك، فحادثها، فخرج وتركها، قال: فجعلت أنشدها وتنشدني، وأحدثها وتحدثني، حتى أنشدتها قول قيس بن ذريح: ألا يا غُرَابَ البَيْنِ! قَد طرْتَ بالّذي ... أُحَاذِرُ من لُبنى، فَهلْ أنتَ وَاقعُ؟ أتَبكي عَلى لُبنى، وَأنتَ قَتَلتهَا؟ ... فَقَد هَلَكَتْ لُبنى، فما أنتَ صَانِعُ؟ قال: فلقد رأيتها، وفي يدها غراب تنتف ريشه، وتضربه بقضيب وتقول: يا مشؤوم.

أبو السائب يضرب الغراب

أبو السائب يضرب الغراب وحدثنا المعافى قال: قال محمد بن مزيد الخزاعي، حدثنا الزبير قال: قال الخليل بن سعيد: مررت بسوق الطير، فإذا الناس قد اجتمعوا يركب بعضهم بعضاً، فاطلعت فإذا أبو السائب قابضاً على غراب يباع، قد أخذ طرف ردائه. وهو يقول للغراب: يقول لك ابن ذريح: ألا يا غُرَابَ البَينِ! قَد طرْتَ بالّذي ... أُحَاذِرُ من لُبنى، فَهلْ أنتَ وَاقعُ؟ ثم لا تقع، ويضربه بردائه والغراب يصيح. السوداء وغراب البين وحدثنا المعافى، حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكيمي، حدثنا ميمون بن المزرع قال: كنت آتي أبا إسحق الزيادي. فأتيته مرة، فمرت به أمة سوداء شوهاء، فقال لها: يا عنيزة أسمعيني: مر بالبين غراب فنعب، فقالت: لا والله أو تهب لي قطيعةً، فأخرج صريرةً من جيبه فناولها قطيعةً أريت أن فيها ثلاث حبات، فوضعت الجرة عن ظهرها وقعدت عليها، ثم رفعت عقيرتها: مَرّ بالبَينِ غُرَابٌ فَنَعَبْ، ... لَيتَ ذا النّاعِبَ بالبَينِ كَذَبْ فَلضحَاكَ اللهُ مِنْ طَيرٍ لَقَدْ ... كنتَ لوْ شِئتَ غنيّاً أن تُسَبّ قال أبو بكر: فأحسنت.

الذنب ذنبي لا ذنب الغراب

الذنب ذنبي لا ذنب الغراب قال أبو الفرج المعافى: وحدثني محمد بن الحسن بن مقسم أنشدني أحمد بن يحيى لأحمد بن مية، وهو أحد الظرفاء: يَسُبّ غُرَابَ البَينِ ظُلماً مَعاشِرٌ، ... وَهُمْ آثَرُوا بُعدَ الحَبيبِ على القرْبِ وَمَا لِغُرَابِ البَينِ ذنَبٌ، فَأبتَدي ... بِسَبّ غُرَابِ البَينِ، لَكِنّهُ ذَنبي فيا شوْقُ لا تنفَد، ويَا دمعُ فِضْ وَزِدْ ... ويَا حُبُّ رَاوِحْ بَينَ جَنبٍ إلى جَنبِ ويَا عاذِلي لمْني! ويَا عائِدي الحَني، ... عَصَيتُكُمَا، حَتى أُغَيّبَ في التُّربِ إذا كَانَ رَبّي عَالِماً بِسَرِيرَتي ... فمَا النّاسُ في عَيني بأعظمَ من رَبي المعتصم والمأمون والغلام التركي أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي المحتسب، حدثنا أبو عبيد الله محمد بن عمران، أخبرني محمد بن يحيى الصولي، حدثني محمد بن يحيى بن أبي عباد، حدثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: دعا المعتصم بالله المأمون، فأجلسه في مجلس في سقفه جامات، فوقع ضوء بعض الجامات على وجه سيماء التركي، غلام المعتصم، وكان أوجد الناس به ولم يكن في عصره مثله، فصاح المأمون: يا أحمد بن محمد اليزيدي، وكان حاضراً، انظر إلى ضوء الشمس على وجه سيماء، أرأيت أحسن من هذا قط؟ وقد قلت: قد طَلَعَتْ شمسٌ على شَمسِ، ... وَزَالَتِ الوَحْشَةُ بالأنْسِ

المأمون والعشق

أجز، فقال: قَدْ كُنتُ أقلَى الشمسَ في ما مَضَى، ... فَصرْتُ أشْتاقُ إلى الشّمسِ وفطن المعتصم، فعض شفته على أحمد. فقال أحمد للمأمون: والله، لئن يعلم أمير المؤمنين لأقعن معه في ما أكره. فدعاه، فأخبره الخبر، وأنشده الشعر، فضحك المعتصم، وقال: كثر الله في غلمان أمير المؤمنين مثله. المأمون والعشق وأخبرنا أحمد بن علي الوكيل، حدثنا المرزباني الصولي، حدثنا عون بن محمد الكندي، سمعت موسى بن عيسى يقول: سمعت أحمد بن يوسف يقول: كان المأمون يحب أن يعشق ويعمل أشعاراً في العشق، فلم يكن يقع له العشق، ولا يستمر له ما يريد. وكانت عنده جاريةٌ اشتريتها له، وكانت تسميني أبي، وكان يباثّني حديثها وأمرها. وربما شكاها إلي، فقال: فعلت بنتك كذا وكذا. وله أشعار فيها: أوّلُ الحُبّ مزَاحٌ وَوَلَعْ، ... ثمّ يَزْدَادُ إذا زَادَ الطّمعْ كلُّ مَن يهوَى، وَإن غالَتْ بهِ ... رُتبَةُ المُلكِ، لمَنْ يَهوَى تَبَعْ فَلِذا هَمٌّ وَغَدْرٌ وَنَوَى؛ ... وَلِذا شَوْقٌ وَوَجْدٌ وَجَزَعْ

الوليد بن يزيد والفتاة النصرانية

الوليد بن يزيد والفتاة النصرانية أخبرنا محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن الحسن بن دريد، أخبرنا أبو حاتم، أخبرنا العتبي قال: نظر الوليد بن يزيد إلى جارية نصرانية من أهيإ النساء يقال لها سفرى، فجن بها، وجعل يراسلها، وهي تأبى، حتى بلغه أن عيداً للنصارى قد قرب، وأنها ستخرج فيه. وكان في موضع العيد بستان حسن، وكانت النساء يدخلنه، فصانع الوليد صاحب البستان أن يدخله فينظر إليها، فتابعه، وحضر الوليد وقد تقشف وغير حليته، ودخلت سفرى البستان، فجعلت تمشي حتى انتهت إليه، فقالت لصاحب البستان: من هذا؟ فقال: رجل مصاب. فجعلت تمازحه وتضاحكه، حتى اشتفى من النظر إليها، ومن حديثها، فقيل لها: ويلك أتدرين من ذاك الرجل؟ قالت: لا! فقيل لها: الوليد بن يزيد وإنما تقشف حتى ينظر إليك، فجنت به بعد ذلك، وكانت عليه أحرص منه عليها. فقال الوليد في ذلك: أضْحَى فُؤادُكَ، يا وَليدُ، عَميدَا ... صَبّاً كَلِيماً للحِسانِ صَيُودَا من حبّ واضِحةِ العَوارِضِ طَفلةٍ ... بَرَزَتْ لَنا نحوَ الكَنيسةِ عِيدَا مَا زِلتُ أرْمُقُهَا بعَيْنَيْ وَامِقٍ، ... حَتى بَصُرَتْ بها تُقبّلُ عُودَا عودَ الصّليبِ، فَوَيحَ نفسِي من رَأى ... مِنكُمْ صَلِيباً مِثلَهُ مَعْبُودَا فَسألتُ رَبي أنْ أكُونَ مَكَانَهُ، ... وَأكُونَ في لَهَبِ الجَحيمِ وَقودَا قال القاضي أبو الفرج المعافى: لم يبلغ مدرك الشيباني هذا الحد من الخلاعة، إذ قال في عمرو النصراني: يَا لَيتَني كُنتُ لَهُ صَلِيبَا، ... فَكُنتُ مِنْهُ أبَداً قَريبَا

جور الهوى

أُبصِرُ حُسناً، وَأشُمّ طِيبا، ... لا وَاشِياً أخشَى وَلا رَقيبَا فلما ظهر أمره وعلمه الناس قال: ألا حبّذا سُفرَى، وَإنْ قِيلَ إنّني ... كُلِفتُ بنَصرَانِيّةٍ تَشرَبُ الخَمرَا يَهُونُ عَلينا أنْ نظلّ نَهَارَنَا ... إلى اللّيلِ لا أُولى نُصَلّي وَلا عَصرَا جور الهوى ولي من جملة قصيدة عملتها بتنيس، وأنا أستغفر الله وأستقيله: وَبتنّيسَ في كَنيسَةِ ديرِي ... نَ، لحَيني، أبصَرْتُ ظَبياً أغَنّا وَاقِفاً يَلْثِمُ الصّلِيبَ، وَطَوْراً ... بِأنَاجِيلِهِ يُرَجّعُ لَحنَا فَتَمَنّيتُ أنْ أكُونَ صَليباً، ... يَوْمَ قُرْبَانِهِ، فأقرَعَ سِنّا وفي هذه القطعة: وَأخي لَوْعَةٍ لَقيتُ، فَمَا زَا ... لَ بمَاءِ الجُفُونِ يُبكي الجَفْنَا يَشتَكي وَجدَهُ إليّ، وَأشكُو ... مَا يُلاقي قَلبي الكَئيبُ المُعَنّى ثمّ لمّا كَفّتْ دُمُوعُ مَآقِي ... هِ وَمَلّ المَكَانَ مِمّا وَقفنَا قَالَ لي، وَالعذّالُ قَد يَئِسوا من ... هُ وَمني، وَحَنّ شَوْقاً وَأنّا: قَدْ أفَاقَ العُشّاقُ من سكرَةِ الحُ ... بّ جَميعاً فَمَا لَنا مَا أفَقنَا؟ قُلتُ: جَارَ الهَوَى عَلَينا فَلَوْ أنّ ... اغَداةَ الفِرَاقِ مُتنا استَرَحنَا

مدرك الشيباني وعمرو النصراني

مدرك الشيباني وعمرو النصراني أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، رحمه الله تعالى، سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، حدثنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري قال: أنشدنا أبو القاسم مدرك بن محمد الشيباني لنفسه في عمرو النصراني. قال القاضي أبو الفرج: وقد رأيت عمراً، وبقي حتى ابيضّ رأسه: مِن عَاشِقٍ ناءٍ هَوَاهُ دَانِ، ... نَاطِقِ دَمعٍ صَامِتِ اللّسَانِ مُوثَقِ قَلبٍ مُطلَقِ الجُثمَانِ، ... مُعَذَّبٍ بالصَّدِّ وَالهِجْرَانِ مِنْ غَيرِ ذَنبٍ كَسَبتْ يَدَاهُ، ... غَيرَ هَوىً نَمّتْ بِهِ عَينَاهُ شَوْقاً إلى رُؤيَةِ مَنْ أشْقَاهُ، ... كَأنّما عَافَاهُ مَنْ أضناهُ يا وَيْحَهُ مِنْ عَاشقٍ مَا يَلقَى ... مِنْ أدْمُعٍ مُنْهَلّةٍ مَا تَرْقَا نَاطِقَةٍ وَمَا أحَارَتْ نُطْقَا، ... تُخبِرُ عَنْ حُبٍّ لَهُ استَرَقّا لمْ يَبقَ مِنْهُ غَيرُ طَرْفٍ يَبكي، ... بِأدْمُعٍ مِثْلِ نِظَامِ السِّلْكِ تُطفيهِ نِيرانُ الهَوَى وَتُذكي، ... كَأنّها قَطْرُ السّمَاءِ تَحكي إلى غَزَالٍ مِنْ بَني النّصَارَى، ... عِذَارُ خَدّيهِ سَبَى العَذَارَى وَغَادَرَ الأُسدَ بهِ حَيَارَى، ... في رِبْقَةِ الحُبِّ لَهُ أسَارَى رئمٍ بدَارِ الرّومِ رَامَ قَتلي، ... بمُقلَةٍ كَحلاءَ لا عَنْ كُحْلِ وَطَرّةٍ بهَا استَطَارَ عَقلي، ... وَحُسنِ وَجْهٍ وَقَبيحِ فِعلِ رئمٍ بهَا أيّ هِزَبْرٍ لَمْ يُصَدْ، ... يَقتُلُ باللّحظِ وَلا يَخشَى القَوَدْ متى يقُل: ها! قالتِ الألحاظُ: قد، ... كَأنّهُ نَاسُوتُهُ حِينَ اتّحَدْ

مَا أبصَرَ الناسُ جَميعاً بَدْرَا، ... وَلا رَأوْا شَمساً، وَغُصْناً نَضْرَا أحسَنَ مِن عمروٍ، فدَيتُ عمر!! ... ظَبيٌ بعَيْنَيهِ سَقَاني الخَمْرَا هَا أنَا ذَا بِقَدّهِ مَقدُودُ، ... وَالدّمعُ في خَدّي لَهُ أُخْدُودُ مَا ضرّ مَن فَقدي بهِ مَوْجُودُ، ... لَوْ لَمْ يُقبّحْ فِعلَهُ الصّدُودُ إنْ كانَ دِيني عِندَهُ الإسلامُ ... فَقَدْ سَعَتْ في نَقضِهِ الآثَامُ وَاختَلّتِ الصّلاةُ وَالصّيَامُ، ... وَجَازَ في الدّينِ الحَرَامُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ لَهُ صَلِيبَا، ... أكُونُ مِنْهُ أبَداً قَرِيبا أُبْصِرُ حُسْناً وَأشمّ طِيبا، ... لا وَاشِياً أخشَى، وَلا رَقيبَا بَلْ لَيْتَني كُنتُ لَهُ قُرْبانَا ... ألْثِمُ مِنْهُ الثّغْرَ وَالبَنانَا أوْ جَاثَليقاً كُنتُ أوْ مُطْرَانَا، ... كَيْمَا يَرَى الطّاعةَ لي إيمانَا بَلْ لَيْتني كنتُ لعمروٍ مُصْحَفَا ... يَقرَأُ مِني كُلّ يَوْمٍ أحرُفا أوْ قَلَماً يَكتُبُ بي مَا ألّفَا ... مِنْ أدَبٍ مُسْتَحسَنٍ قَد صُنّفَا بَلْ لَيْتَني كنتُ لعمروٍ عُوذَهْ، ... أوْ حُلّةً يَلبَسُهَا مَقذُوذَهْ أوْ بَرْكَةً بإسمِهِ مَأخُوذَهْ، ... أوْ بِيعَةً في دَارِهِ مَنْبُوذَهْ بَلْ لَيْتَني كُنتُ لَهُ زُنّارَا ... يُدِيرُني في الخَصرِ كَيفَ دَارَا حَتى إذا اللّيلُ طَوَى النّهَارَا، ... صِرْتُ لَهُ حينَئِذٍ إزَارَا قَدْ، وَالّذي يُبقِيهِ لي، أفنَاني، ... وَابتَزّ عَقلي، وَالضَّنى كَسَاني ظَبيٌ عَلى البُعَادِ وَالتّدَانِي، ... حَلّ مَحلّ الرّوحِ مِنْ جُثمَاني

وَاكَبِدي مِنْ خَدّهِ المُضَرَّجِ، ... أذْهَبُ للنّسكِ وَللتّحَرّجِ إلَيكَ أشكُو يا غَزَالَ الإنسِ، ... مَا بي من الوَحشَةِ بَعد الأُنسِ يَا مَنْ هِلالي وَجهُهُ وَشَمسِي، ... لا تُقَتَلُ النّفسُ، بِغَيرِ نَفسِ جُدْ لي كمَا جُدتَ بحُسنِ الوُدّ، ... وَارْعَ كَمَا أرْعَى قَدِيمَ العَهدِ وَاصْدُدْ كصَدّي عن طوِيلِ الصّدّ، ... فَلَيسَ وَجدٌ بكَ مِثلَ وَجدِي هَا أنا في بَحرِ الهَوَى غَرِيقُ، ... سَكرَانُ مِنْ حُبّكَ لا أُفيقُ مُحتَرِقٌ، مَا مَسّني حَرِيقُ، ... يَرْثي لي العَدُوُّ وَالصّديقُ فَلَيتَ شعرِي فيكَ! هَل تَرْثي لي ... مِنْ سَقَمٍ بي وَضنًى طَوِيلِ أمْ هَلْ إلى وَصْلِكَ من سَبيلِ ... لِعاشِقٍ ذِي جَسَدٍ نَحِيلِ! في كلّ عُضْوٍ مِنهُ سُقْمٌ وَألَمْ، ... وَمُقْلَةٌ تَبكي بدَمعٍ وبِدَمْ شَوْقاً إلى بَدْرِ وَشَمْسٍ وصَنَمْ، ... مِنهُ إلَيهِ المُشتكَى، إذا ظَلَمْ أقُولُ إذ قَامَ بقَلبي وقَعَدْ: ... يا عمرو، يا عَامرَ قَلبي بالكَمَدْ أُقسِمُ باللهِ يَمينَ المُجْتَهِدْ، ... إن امرأً أسعَدتَهُ لَقَدْ سَعِدْ يا عمرو! نَاشَدتُكَ بالمَسيحِ، ... ألا استَمَعتَ القَوْلَ مِنْ فَصيحِ يُخبرُ عَنْ قَلبٍ لَهُ جَريحِ، ... بَاحَ بِمَا يَلقَى مِنَ التبْرِيحِ يا عمرو! بالحَقّ مِنَ اللاهُوتِ، ... وَالرّوحِ رُوحِ القُدسِ وَالنّاسوتِ ذَاكَ الذِي في مَهدِهِ المَنحُوتِ، ... عُوّضَ بالنّطقِ مِنَ السّكُوتِ بحَقّ نَاسُوتٍ بِبَطْنِ مَرْيَمِ، ... حَلّ مَحَلَّ الرّيقِ مِنهَا في الفَمِ ثمّ استَحَالَ في قَنُومِ الأقدَمِ، ... فَكَلّمَ النّاسَ، وَلمّا يُفطَمِ

بحَقّ مَنْ بَعدَ المَمَاتِ قُمّصَا ... ثَوْباً عَلى مِقدَارِهِ مَا قُصّصَا وكانَ للهِ تَقيّاً مُخْلِصاً، ... يَشفي وَيُبري أكْمَهاً وَأبْرَصَا بحقّ مُحيي صُورَةِ الطّيُورِ، ... وَبَاعِثِ المَوْتَى مِنَ القُبُورِ وَمَنْ إلَيهِ مَرْجِعُ الأمُورِ، ... يَعلَمُ مَا في البَرّ وَالبُحُورِ بحَقّ مَا في شَامخِ الصّوَامِعِ، ... مِنْ سَاجِدٍ لرَبّهِ وَرَاكِعِ يَبكي إذا ما نَامَ كُلُّ هَاجِعِ ... خَوْفاً إلى اللهِ بِدَمْعٍ هَامِعِ بحَقّ قَوْمٍ حَلَقُوا الرّؤوسَا، ... وَعَالجُوا طُولَ الحيَاةِ بُوسَا وَقَرَعُوا في البِيعَةِ النّاقُوسَا، ... مُشَمْعِلِينَ يَعبُدُونَ عِيسَى بحَقّ مارت مَرْيَمٍ وَبُولُسِ، ... بحَقّ شِمعُونَ الصَّفَا وَبطرُسِ بحَقّ دَانِيلَ بحَقّ يُونُسِ، ... بحَقّ حَزْقِيلَ وَبَيتِ المَقْدِسِ وَنينَوَى، إذْ قَامَ يَدعُو رَبَّهُ، ... مُطَهِّراً مِنْ كُلّ سُوءٍ قَلْبَهُ وَمُسْتَقيلاً، فَأقَالَ ذَنْبَهُ، ... وَنَالَ مِنْ أبِيهِ مَا أحَبّهُ بحَقّ مَا في قُلّةِ المَيروُنِ ... مِنْ نَافِعِ الأدوَاءِ للمَجنُونِ بحَقّ مَا يُؤثَرُ عَنْ شِمعُونِ، ... مِنْ بَرَكاتِ الخُوصِ وَالزّيتُونِ بحَقّ أعيَادِ الصّليبِ الزُّهْرِ، ... وَعيدِ شِمعُونَ وَعيدِ الفِطْرِ وَبالشّعَانِينِ العَظِيمِ القَدرِ، ... وَعيدِ مَرمَارِي الرّفِيعِ الذّكرِ

وَعيدِ أشعَبَا، وبالهَيَاكِلِ، ... وَالدُّخُنِ اللاّتي بكَفّ الحَامِلِ يُشفَى بها من خيلِ كلّ خَابلِ ... وَمن دَخيلِ السُّقمِ في المَفاصِلِ بحَقّ سَبعينَ مِنَ العِبادِ، ... قَامُوا بدينِ اللهِ في البِلادِ وأَرْشَدُوا النّاسَ إلى الرّشادِ، ... حَتى اهتَدَى مَنْ لمْ يَكُنْ بهادِ بحَقّ ثنتي عَشرَةٍ مِنَ الأمَمْ، ... سارُوا إلى الأقطارِ يَتلونَ الحِكَمْ حتى إذا صُبحُ الدّجى جَلّى الظُّلَمْ ... صَارُوا إلى اللهِ وَفَازُوا بِالنِّعَمْ بحَقّ مَا في مُحكَمِ الإنجِيلِ، ... مِنْ مُحكَمِ التحريمِ وَالتّحليلِ وَخَبَرٍ ذِي نَبَإٍ جَلِيلِ، ... يَرْوِيهِ جِيلٌ قَد مَضَى عَن جيلِ بحَقّ مُرْقُسَ الشّفِيقِ النّاصِحِ، ... بحَقّ لُوقَا ذِي الفَعَالِ الصّالِحِ بحَقّ يُوحَنّا الحَلِيمِ الرّاجِحِ ... وَالشّهَدَاءِ بالفَلا الصّحَاصِحِ بحَقّ مَعمُوِيّةِ الأرْواحِ، ... وَالمَذبَحِ المَشهُورِ في النّواحي وَمَن بهِ من لابسِ الأمسَاحِ، ... وَعَابِدٍ بَاكٍ وَمِنْ نَوّاحِ بحَقّ تَقْرِيبِكَ في الآحَادِ، ... وَشُرْبِكَ القَهوَةَ كالفِرْصَادِ وَطُولٍ تَبييضِكَ للأكْبَادِ، ... بِمَا بِعَيْنَيكَ مِنَ السّوَادِ بحَقّ مَا قُدّسَ شَعيَا فِيهِ، ... بِالحَمدِ للهِ وَبِالتّنزِيهِ بحَقّ نَسطُورٍ وَمَا يَرْويهِ، ... عَنْ كُلّ نَامُوسٍ لَهُ فَقِيهِ

شَيخانِ كَانَا مِنْ شُيُوخِ العلمِ ... وَبَعضِ أرْكَانِ التّقَى وَالحِلمِ لَم يَنطِقَا قَطّ بِغَيرِ فَهْمِ، ... مَوْتُهُمَا كَانَ حَيَاةَ الخَصمِ بِحُرْمَةِ الأسقُفِ وَالمُطْرَانِ، ... وَالجَاثَلِيقِ العَالِمِ الرّبّاني وَالقَسّ وَالشمّاسِ وَالدّيرَاني، ... وَالبطرَكِ الأكبَرِ وَالرّهبَانِ بحُرْمَةِ المَحبُوسِ في أعلى الجَبَلْ، ... ومَار قُولا حِينَ صَلّى وَابتَهَلْ وَبالكَنيسَاتِ القَديمَاتِ الأُوَلْ، ... وَبِالسّليمِ المُرْتَضَى بمَا فَعَلْ بِحُرْمَةِ الأسقُوفيَا وَالبَيرَم، ... وَمَا حَوَى مِغفَرُ رَأسِ مَرْيَمِ بِحُرْمَةِ الصّوْمِ الكبيرِ الأعظَمِ، ... وَحَقِّ كلّ بَرْكَةٍ وَمَحرَمِ بِحَقّ يَوْمِ الذّبحِ ذِي الإشرَاقِ ... وَلَيلَةِ المِيلادِ وَالسُّلاّقِ وَالذَّهَبِ المُذهِبِ للنِّفَاقِ، ... وَالفِصْحِ، يَا مُهَذَّبَ الأخلاقِ بكُلّ قُدّاسِ عَلى قُدّاسِ، ... قَدّسَهُ القَسُّ مَعَ الشمّاسِ وَقَرّبُوا يَوْمَ الخَميسِ الناسي، ... وَقَدّمُوا الكَاسَ لكُلّ حَاسِ ألا رَغبتَ في رِضَا أدِيبِ ... بَاعَدَهُ الحُبُّ عَنِ الحَبيبِ فَذابَ مِنْ شَوْقٍ إلى المُذيبِ ... أعلى مُنَاهُ أيسَرُ التّقريبِ فَانظُرْ أمَيرِي في صَلاحِ أمرِي، ... مُحتَسِباً فيّ عَظيمِ الأجْرِ مُكتَسِباً فيّ جَميلَ الشّكرِ، ... في نَثرِ ألفاظٍ، وَنَظمِ شِعرِ

قضاة لا يقبلون الرشى

قضاة لا يقبلون الرُّشى قال ابن السراج: ولي من قطعة: دَمعي بمَكتومِ غَرَامي وَشَى، ... وكَانَ مَطوِيّاً عَلَيهِ الحَشَا يَنهَلّ دَمعي سَاجِماً كُلّمَا ... أبصَرْتُ رَبْعاً مِنهمُ مُوحِشاً صَادَ فُؤادي في الهَوَى شَادِنٌ ... سَقَاهُ مِنْ رِيقَتِهِ فَانتَشَى أبصَرْتُهُ يَوْمَ شَعَانِينِهِ ... يَجذبُهُ الرِّدْفُ إذا مَا مَشَى أشَدُّ شَيءٍ في الهَوَى أنّهُ ... قُضَاتُهُ لا يَقبَلُونَ الرُّشَى إبراهيم بن المهدي والجارية أخبرنا أبو علي الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا المظفر بن يحيى بن أخبرنا الشرابي، حدثنا أبو العباس المرثدي، حدثنا طلحة بن عبد الله الطلحي أنشدني يعقوب بن عباد الزبيري لإبراهيم بن المهدي، وقد أخدمته بعض العباسيات، في حال استخفائه عندها، جاريةً وقالت لها: أنت له، فإن مد يده إليك، فلا تمتنعي، ولم تعلم بهبتها له، وكانت مليحةً، فجمشها يوماً بأن قبل يدها وقال: يا غَزَالاً لي إلَيْ ... هِ شَافعٌ مِنْ مُقلَتَيهِ وَالّذي أجلَلْتُ خَدّيْ ... هِ، فَقَبّلتُ يَدَيْهِ بأبي وَجهُكِ مَا أكْ ... ثَرَ حُسّادِي عَلَيهِ أنَا ضيفٌ، وَجَزَاءُ الضّي ... فِ إحسَانٌ إلَيهِ

الطائفة في البيت الحرام

قال المعافى: ومما يضارع بعض ما تضمنته هذه الأبيات من جهة ما أنشدناه إبراهيم بن عرفة لنفسه: يَا دَائمَ الهَجرِ وَالصّدُودِ، ... مَا فَوْقَ بَلوَايَ مِنْ مَزيدِ أصْبَحتُ عَبداً، وَلستَ تَرْعَى ... وَصِيّةَ اللهِ في العَبيدِ الطائفة في البيت الحرام أخبرنا محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن القاسم الأنباري، حدثني أبي، حدثنا عامر بن عمران أبو عكرمة الضبي عن سليمان بن أبي شيخ قال: بينا عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب، عليهم السلام، يطوف بالبيت إذ رأى امرأةً تطوف وتنشد: لا يَقبلُ اللهُ مِنْ مَعشُوقَةٍ عَمَلاً، ... يَوْماً، وَعَاشِقُهَا غَضبَانُ مَهجورُ قال القاضي: وفي غير هذه الرواية يليه بيت آخر وهو: وَكَيفَ يَأجُرُها في قَتلِ عَاشِقِها، ... لكنّ عَاشِقَهَا في ذَاكَ مَأجُورُ فقال عبد الله للمرأة: يا أمة الله! مثل هذا الكلام في مثل هذا الموقف؟ فقالت: يا فتى ألست ظريفاً؟ فقال: بلى! قالت: ألست راويةً للشعر؟ قال: بلى! قالت: أفلم تسمع الشاعر يقول: بِيضٌ غَرَائرُ مَا هَمَمنَ برِيبَةٍ ... كَظِبَاءِ مَكّةَ، صَيدُهُنّ حَرَامٌ يُحسَبنَ مِنْ لِينِ الحَديثِ زَوَانِياً، ... وَيَصُدّهُنّ عَنْ الخَنَا الإسلامُ

سباق العاشقين

سباق العاشقين ولي أبيات مفردة مما نظمته ببغداد: وَحَقَّ تَبَسّمِ يَوْمِ التّلاقي ... لتَشتيتِ شَملِ لَيالي الفِرَاقِ وَوَصْلِ حِبَالِ الهَوَى بَينَنَا، ... عَلى أُلفَةٍ حَسُنَتْ وَاتّفَاقِ وَحُرْمَةِ مَوْقِفِنا نَجتَلي ... بُدُوراً مُنَزَّهَةً عَنْ مَحَاقِ وَنَسحَبُ مِنْ صَوْنِنَا وَالعَفَا ... فِ أردِيَةً بَينَ تِلكَ الحِدَاقِ لَقَدْ ضِقتُ ذرْعاً بِلَوْمِ العذول، ... فَيا لَيتَهُم نَفّسوا مِن خِناقِي أحِنُّ لنَجدٍ مَتى أنجَدُوا، ... عَلى أنّ دارِي قُصُورُ العِرَاقِ فَمَنْ مُخبرٌ عَنّي الظّاعِنِي ... نَ، بالأمسِ، أني على العَهدِ بَاقِ وَأني، إذا استَبَقَ العَاشِقُونَ ... إلى غَايَةٍ، فزْتُ يَوْمَ السّباقِ ندوب اللواحظ ولي أيضاً في مفردة: وَقَائِلَةٍ، وَقد نَظَرَتْ نُدُوباً، ... جَنَتهَا مِنْ لَوَاحِظِهَا سِهَامُ وَأنفَاساً مُصَعَّدَةً، وَجَفناً ... يَفيضُ كأنّ فَائِضَهُ غَمَامُ: أرَاكَ شرِبتَ كأسَ الحُبّ صِرْفاً، ... فَقَد رَوِيَتْ بهَا مِنكَ العِظامُ أفَاقَ العَاشِقونَ بكُلّ أرْضٍ، ... وَنَامَ السّاهِرُونَ، وَمَا تَنَامُ وَصَحّ مِنَ الهَوَى مَرْضَاهُ جَمعاً، ... فَمَا لكَ لَيسَ يَبرحُكَ السَّقَامُ

الشيخ المتصابي

فقُلْتُ لهَا، ودَمعُ العَينِ هَامٍ، ... لَهُ مِنْ فَوْقِ خَدّيَّ انسِجَامُ: أقِلّي اللّوْمَ عَنْ ظَمآنَ صَادٍ، ... يَحُومُ، وَقَد أضَرّ بِهِ الأُوَامُ أصَمَّ عَنِ العَوَاذِلِ، لَيسَ يَجدِي ... عَليهِ في الهَوَى قَطُّ المَلامُ الشيخ المتصابي أخبرنا محمد بن الحسين، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن الحسن بن دريد، أخبرنا الرياشي عن محمد بن سلام عن أبيه، حدثني شيخ من بني ضبة قال: رأيت أعرابياً كبير السن كثير المزاح، بيده محجن، وهو يجر رجليه حتى وقف على مسعر بن كدام، وهو يصلي، فأطال الصلاة، والأعرابي واقف، فلما أعيا قعد. حتى إذا فرغ مسعر من صلاته سلم الأعرابي عليه، وقال له: خذ من الصلاة كفيلاً! فتبسم مسعر، وقال: عليك بما يجدي عليك نفعه، يا شيخ، كم تعد؟ فقال: مائةَ وبضع عشرة سنة. قال: في بعضها ما كفى واعظاً، فاعمل لنفسك، فقال: أُحِبُّ اللّوَاتِي هُنّ مِنْ وَرَقِ الصِّبى، ... وَمِنهُنّ عَنْ أزْوَاجِهِنّ طِمَاحُ مُسِرّاتُ بُغضٍ، مُظهِرَاتٌ عَدَاوَةً، ... تَرَاهُنّ كَالمَرْضَى، وَهُنّ صِحاحُ فقال مسعر: أف لك! فقال: والله ما بأخيك حركة منذ أربعين سنة، ولكنه بحر يجيش ويرمي زبده، فضحك مسعر، وقال: إن الشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح.

نور متجسم

نور متجسم قال: وحدثنا المعافى، حدثنا يزيد بن الحسن البزاز، حدثني خالد الكاتب قال: دخلت على أبي عباد أبي الرغل بن أبي عباد، وعنده أحمد بن يحيى وابن الأعرابي، فرفع مجلسي، فقال له ابن الأعرابي: من هذا الفتى الذي أراك ترفع من قدره؟ فقال: أو ما تعرفه؟ قال: اللهم لا! قال: هذا خالد الكاتب الذي يقول الشعر؟ قال: فأنشدني من قولك شيئاً، فأنشده: لَوْ كَانَ مِنْ بَشَرٍ لمْ يَفتَنِ البَشَرَا، ولَمْ يَفقْ في الضّيَاءِ الشمسَ والقَمَرَا نُورٌ تَجَسّمَ، مُنحَلّ وَمُنعَقِدٌ، ... لَوْ أدرَكَتهُ عُيُونُ النّاسِ لانكَدَرَا فصاح ابن الأعرابي وقال: كفرت يا خالد! هذه صفة الخالق، ليست صفة المخلوق، فأنشدني ما قلت غير هذا، فأنشدته: أَرَاكَ لمّا لجَجتَ في غَضَبِكَ، ... تَترُكُ رَدّ السّلامِ في كُتُبِك حتى أتيت على قولي: أقُولُ للسُّقمِ عُدْ إلى بَدَني، ... حبّاً لِشَيءٍ يكونُ مِنْ سَبَبِك فصاح ابن الأعرابي وقال: إنك لفطن، وفوق ما وصفت به. بيت شعر بثلاثمائة دينار قال: وحدثنا المعافى، حدثنا أحمد بن جعفر بن موسى البرمكي قال: فال خالد الكاتب: وقف علي رجل بعد العشاء متلفع برداء عدنيٍ أسود، ومعه غلام معه صرةٌ، فقال لي: أنت خالد؟ قلت: نعم! قال: أنت الذي تقول: قَد بكَى العاذِلُ لي من رَحمَتي، ... فبُكائي لِبُكَاءِ العَاذِلِ

صرعة المحب

قلت: نعم! قال: يا غلام ادفع إليه الذي معك! فقلت: وما هذا؟ قال: ثلاثمائة دينار. قلت: والله لا أقبلها، أو أعرفك. قال: أنا إبراهيم بن المهدي. صرعة المحب قال: وحدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن القاسم الأنباري، حدثني محمد بن المرزبان، حدثنا زكريا بن موسى، حدثنا شعيب بن السكن عن يونس النحوي قال: لما اختلط عقل قيس المجنون وامتنع من الطعام والشراب مضت أمه إلى ليلى فقالت لها: يا هذه! قد لحق ابني بسببك ما قد علمت، فلو صرت معي إليه، رجوت أن يثوب إليه، ويرجع عقله إذا عاينك؟ فقالت: أما نهاراً فلا أقدر على ذلك لأني لا آمن الحي على نفسي، ولكن أمضي معك ليلاً. فلما كان الليل صارت إليه فقالت له: يا قيس! إن أمك تزعم أن عقلك ذهب بسببي، وأن الذي لحقك أنا أصله. ففتح عينيه، فنظر إليها، وأنشأ يقول: قالَت جُنِنتَ عَلى رَأسِي، فقُلتُ لها: ... ألحُبُّ أعظَمُ مِمّا بِالمَجَانِينِ الحُبّ لَيسَ يُفيقُ الدّهرَ صَاحِبُهُ، ... وَإنّمَا يُصرَعُ المَجنُونُ في الحِينِ جنون القلب ولي ابتداء قصيدة مدحت بها عين الدولة ابن أبي عقيل بالشام أولها: عَرِّجْ بِنَا عَنِ الحِمَى يَمِينَا، ... فَقَدْ تَوَلّى الحَيرةُ الغَادِينَا لمْ أنسَ يَوْمَ ذِي الأَرَاكِ قَوْلَها، ... وَالبَينُ عَنْ قَوْسِ النّوَى يَرْمينَا

أنفاس تذيب الحديد

4 تَزَوَّدِ الوَدَاعَ، وَاعلَمْ أنّنَا، ... كمَا اشتَهَى البَينُ، مُفَارِقُونَا وأَلمَسَتْني، وَالرّقِيبُ غَافِلٌ، ... كَفّاً تَكَادُ أنْ تَذُوبَ لِينَا أجْلَلتُ فضاهَا اللّثْمَ إلاّ أنّني ... قَبّلتُ مِنهَا النّحرَ والجَبيِنا تَمْنَعُنَا العِفّةُ كُلَّ رِيبَةٍ، ... وَالقَلبُ قَد جُنّ بهَا جُنُونَا أنفاس تذيب الحديد أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الخلال، حدثنا محمد بن أحمد بن الصلت، حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم، حدثني أبي أنشدني أبو عكرمة الضبي: فلو أنّ ما بي بالحَصَا فَلَقَ الحَصَا، ... وَبالرّيحِ لمْ يُسْمَعْ لهنّ هُبُوبُ وَلَوْ أنّني أستَغفِرُ اللهَ كُلّمَا ... ذكَرْتُكِ لمْ تُكتَبْ عليّ ذُنوبُ وَلَوْ أنَ أنفَاسِي أصَابَتْ بحرّهَا ... حَديداً، إذاَ ظَلّ الحَديدُ يَذُوبُ لو يدوم التلاقي وبإسناده أخبرنا محمد بن القاسم الأنباري قال: أنشدني محمد بن المرزبان لابن أبي عمار المكي: مَنْ لقَلبٍ يجولُ بينَ التّرَاقِي، ... مُستَهَامٍ، يَتُوقُ كُلَّ مَتَاقِ حَذراً أنْ تَبينَ دَارُ سُلَيمَى، ... أوْ يَصيحَ الصَّدَى لهَا بِفِرَاقِ

حمام الشعب

أمَّ سَلاّمَ، مَا ذكَرتُكِ إلاّ ... شَرِقَتْ بالدّمُوعِ مِني المَآقِي كَيفَ يَنسَى المُحِبُّ ذِكرَ حَبيبٍ، ... طَيّبِ الخِيمِ ظَاهِرِ الأشَواقِ وَحَديثٍ يَشفي السَّقيمَ من السُّق ... مِ، دَوَاءِ السّلِيمِ كَالدِّرْيَاقِ حَبّذَا أنتِ من جَلِيسٍ إلَينَا ... أُمَّ سَلاّمَ لَوْ يَدُومُ التّلاقي حمام الشعب أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثني محمد بن القاسم أنشدني أبي لبعض الأعراب: ألا يا حَمامَ الشِّعبِ شِعبِ مُؤنِّسٍ! ... سُقيتَ الغَوَادي من حمامٍ وَمن شِعبِ سُقيتَ الغَوَادي، رُبّ خَوْدٍ خَرِيدَةٍ، ... أصَاختْ لخفضٍ من عَنائكَ أوْ نَصْبِ فإنْ يَرْتَحِلْ صَحبي بجُثمانِ أعظُمي، ... يُقِمْ قَلبيَ المَحزُونُ في منزِلِ الرَّكبِ في وجهه شافع وأخبرنا أبو علي الجازري، حدثنا المعافى، حدثنا محمد بن يحيى الصولي، حدثنا علي بن يحيى قال: كنت واقفاً بين يدي المعتضد، وهو مقطب، فأقبل بدر، فلما رآه من بعيد تبسم وأنشد: وَفي وَجهِهِ شافعٌ يَمحُو إساءَتَهُ، ... من القُلوبِ، وَجيهٌ حَيثُ مَا شَفَعَا

لم يفرق بين المحبين

ثم قال لي: لمن هذا؟ فقلت: يقوله الحكم بن كثير المازني البصري. قال: أنشدني باقي الشعر، فقلت: لَهْفي عَلى مَن أطَارَ النّوْمَ، فَامتَنَعَا، ... وَزَادَ قَلبي عَلى أوْجِاعِهِ وَجَعَا كَأنّمَا الشّمسُ مِن أعطافِهِ لَمَعتْ ... حُسناً، أوِ البَدرُ مِنْ أزْرَارِهِ طَلَعَا مُستَقبَلٌ بالذي يَهوَى، وَإن عَظُمَتْ ... مِنهُ الإسَاءَةُ، مَعذُورٌ بمَا صَنَعَا في وَجهِهِ شَافِعٌ يَمحُو إسَاءَتَهُ، ... من القُلُوبِ، وَجِيهٌ حَيثُ مَا شَفَعَا قال الصولي: فأخذ هذا المعنى أحمد بن يحيى بن العراق الكوفي، فقال: بدا وكأنما قمر، وأنشد البيتين. لم يفرق بين المحبين أخبرنا علي بن أحمد علي المعدل، حدثني أبي قال: روى أبو روق الهراني عن الرياشي أن بعض أهل البصرة اشترى صبيةً، فأحسن تأديبها وتعليمها، وأحبها كل المحبة، وأنفق عليها حتى أملق، ومسه الضر الشديد، فقالت الجارية: إني لأرثي لك، يا مولاي، مما أرى بك من سوء الحال، فلو بعتني واتسعت بثمني، فلعل الله أن يصنع لك وأقع أنا بحيث يحسن حالي، فيكون ذلك أصلح لكل واحد منا. قال: فحملها إلى السوق، فعرضت على عمر بن عبيد بن معمر التيمي، وهو أمير البصرة يومئذ، فأعجبته، فاشتراها بمائة ألف درهم، فلما قبض المولى الثمن، وأراد الإنصراف، استعبر كل واحد منهما لصاحبه باكياً، وأنِشأت الجارية تقول: هَنِيئاً لكَ المَالُ الّذِي قَد حَوَيتَهُ، ... وَلم يبقَ في كَفّيّ غَيرُ التّذَكّرِ

مالك يفتي في الحب

أقولُ لنَفسِي، وَهْيَ في عَيشِ كُرْبةٍ: ... أقِلّي، فَقَد بانَ الحَبيبُ، أوِ اكثرِي إذا لَمْ يَكُنْ للأمرِ عِندَكِ حِيلَةٌ، ... وَلم تَجدِي شَيئاً سوَى الصّبرِ، فاصْبرِي واشتد بكاء المولى، ثم أنشأ يقول: فَلَوْلا قُعُودُ الدّهرِ بي عَنكِ لم يكنْ ... يُفَرّقُنا شيءٌ سمَى المَوْتِ، فاصْبرِي أرُوحُ بِهَمٍّ في الفُؤادِ مُبَرِّحٍ، ... أُناجي بهِ قَلباً طَويلَ التّفَكّرِ عَلَيكِ سَلامٌ، لا زِيَارَةَ بَينَنَا، ... وَلا وَصْلَ إلاّ أنْ يَشَاءَ ابنُ مَعْمَرِ فقال له ابن معمر: قد شئت، خذها، ولك المال، فانصرفا راشدين، فوالله لا كنت سبباً لفرقة محبين. مالك يفتي في الحب وأخبرنا محمد، حدثنا المعافى، حدثنا محمد بن أحمد الحكيمي، حدثنا أبو إبراهيم الزهري، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثني معن بن عيسى قال: دخل ابن سرحون السلمي على مالك بن أنس، وأنا عنده، فقال له: يا أبا عبد الله! إني قد قلت أبياتاً، وذكرتك فيها، قال: اجعلني في حل، قال: أحب أن تسمعها، قال: لا حاجة لي بذلك. فقال: بلى! قال: هات! فأنشد: سَلُوا مَالكَ المُفتي عَنِ اللهوِ وَالغنى ... وَحبِّ الحِسَانِ المُعجِباتِ الفَوَارِكِ يُنَبّئكُمُ أني مُصِيبٌ، وَإنّمَا ... أُسَلّي هُمُومَ النّفسِ عَني بذَلِكِ فَهل في مُحبٍّ، يكتمُ الحُبّ وَالهَوَى، ... إثامٌ، وَهَلْ في ضَمّةِ المُتَهَالِكِ؟ فضحك مالك، وسري عنه، وقال: لا! إن شاء الله. وكان ظن أنه هجاه.

في النساء جمال وفي الفتيان عفة

في النساء جمال وفي الفتيان عفة أخبرنا محمد بن الحسين، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا جعفر بن محمد بن نصير الخواص، حدثنا أبو العباس بن مسروق، حدثنا عبد الله بن شبيب، حدثنا محمد بن عبد الصمد البكري، حدثنا ابن عيينة قال: قال سعيد بن عقبة الهمداني لأعرابي: ممن أنت؟ قال: من قوم إذا عشقوا ماتوا. قال: عذري ورب الكعبة. قال فقلت: ومم ذاك؟ قال: في نسائنا صباحة، وفي فتياننا عفة. ذو الرمة ومي أخبرنا محمد بن الحسين إجازة إن لم يكن سماعاً، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا إبراهيم بن عبد الله الأزدي ومحمد بن القاسم الأنباري قالا: حدثنا أحمد بن يحيى عن أبي زيد، حدثنا إسحق بن إبراهيم، حدثني أبو صالح الفزاري قال: ذكر ذو الرمة في مجلس فيه عدة من الأعراب، فقال عصمة بن مالك، شيخ منهم، قد أتى له مائة سنة، فقال: كان من أظرف الناس. قال: كان آدم، خفيف العارضين، حسن المنظر، حلو المنطق، وكان إذا أنشد بربر وحبس صوته، وإذا واجهك لم تسأم حديثه وكلامه. وكان له إخوة يقولون الشعر، منهم: مسعود وهمام وخرواش، فكانوا يقولون القصيدة، فيزيد فيها الأبيات؛ فيغلب عليها، فتذهب له. فأتى يوماً، فقال لي: يا عصمة! إن مية منقرية، وبنو منقر أخبث حي، وأبصره بأثر وأعلمه بطريق، فهل عندك من ناقة نزدار عليها مية؟ فقلت: نعم، عندي الجؤذر. قال: علي بها.

فركبناها جميعاً حتى أشرفنا على بيوت الحي، فإذا هم خلوف وإذا بيت مية خال، فملنا إليه فتقوض النساء نحونا، ونحو بيت مية، فطلعت علينا، فإذا هي جارية أملود، واردة الشعر، وإذا عليها سب أصفر، وقميص أخضر، فقلن: أنشدنا يا ذا الرمة! فقال: أنشدهن يا عصمة! فنظرت إليهن وأنشدتهن: وَقَفتُ عَلى رَسمٍ لمَيّةَ نَاقَتي، ... فما زِلتُ أبكي عندَه وَأُخاطِبُه وَأسقِيهِ حَتى كادَ مِمّا أبُثّهُ ... تُكَلّمُني أحجَارُهُ وَملاعبُه حتى بلغت إلى قوله: بكى وَامقٌ جاءَ الفرَاقُ وَلم يُجِلْ ... جَوَائِلَهَا أسرَارُهُ وَمَعَاتبُه فقالت ظريفة ممن حضر: فليجل الآن! فنظرت إليها حتى أتيت على القصيدة إلى قوله: إذا سَرَحتْ مِنْ حُبّ مَيٍّ سَوَارِحٌ ... عَلى القَلبِ آبَتهُ جَميعاً عَوَازِب فقالت الظريفة منهن: قتلته قتلت. فقالت مي: ما أصحه وهنيئاً له! فتنفس ذو الرمة نفساً كاد من حره يطير شعر وجهه، ومضيت في الشعر حتى أتيت على قوله: وَقد حَلَفتْ باللهِ مَيّةُ مَا الّذي ... أقُولُ لهَا إلاّ الّذي أنَا كَاذِبُه إذاً فَرَمَاني اللهُ مِنْ حَيثُ لا أرَى، ... وَلا زَالَ في دَارِي عَدُوٌّ أُحَارِبُه فقالت الظريفة: قتلته، قتلك الله. فقالت مي: خف عواقب الله يا غيلان!

أجمل الحائيات الغزلية

ثم أتيت على الشعر حتى انتهيت إلى قولي: إذَا رَاجَعتَكَ القَوْلَ مَيّةُ، أوْ بَدَالكَ الوَجهُ منها، أوْ نَضَا الدّرْعَ سالبُه فَيَا لكَ مِنْ خَدٍّ أسِيلٍ وَمَنطِقٍ ... رَخِيمٍ، وَمِنْ خُلقٍ تَعَلّلَ جاذِبُه فقالت تلك الظريفة: ها هذه، وهذا القول؛ قد راجعتك وقد واجهتها، فمن لك أن ينضو الدرع سالبه؟ فالتفتت إليها مية، فقالت: قاتلك الله ما أعظم ما تجيئين به! فتحدثنا ساعة ثم قالت الظريفة: إن لهذين شأناً، فقمن بنا! فقمن وقمت معهن، فجلست بحيث أراهما، فجعلت تقول له: كذبت، فلبث طويلاً ثم أتاني ومعه قارورة فيها دهن، فقال: هذا دهن طيب أتحفتنا به مية، وهذه قلادة للجؤذر، والله لا أخرجتها من يدي أبداً. فكان يختلف إليها، حتى إذا انقضى الربيع، ودعا الناس الصيف أتاني فقال: يا عصمة! قد رحلت مي، فلم يبق إلا الآثار، فاذهب بنا ننظر إلى آثارهم، فخرجنا حتى انتهينا، فوقف وقال: ألا يا اسلمي يا دَارَ ميّ عَلى البِلى، ... وَلا زَالَ مُنهَلاًّ بِجَرْعَائِكِ القطرُ فَإنْ لمْ تَكُوني غَيرَ شَامٍ بقَفرَةٍ، ... تَجُرّ بهَا الأذْيَالَ صَيْفِيّةٌ كُدرُ فقلت له: ما بالك؟ فقال لي: يا عصمة! إني لجلد، وإن كان مني ما ترى. وكان آخر العهد به. أجمل الحائيات الغزلية والخبر على لفظ أبي عبد الله قال: وحدثت عن ابن أبي عدي قال: سمعت ذا الرمة يقول: بلغت نصف عمر الهرم أربعين سنة، وقال ذو الرمة: على حينَ رَاهَقتُ الثّلاثينَ، وَارْعَوَتْ ... لِداتي، وكادَ الحِلمُ بالجَهلِ يَرْجَحُ

ذا خَطَرَتْ من ذِكرِ مَيّةَ خَطرَةٌ ... على القَلبِ كادَت في فؤادِكَ تَجرَحُ تَصَرَّفُ أهوَاءُ القُلُوبِ، وَلا أرَى ... نَصِيبَكِ مِنْ قَلبي لِغَيرِكِ يُمنَحُ فبعض الهَوَى بالهجرِ يُمحى، فينمحي، ... وَحبّكِ عندي يَستَجِدّ وَيَرْبَحُ وَلَمّا شَكَوْتُ الحُبّ كَيما تُثيبَني ... بوَجديَ، قالَت: إنّمَا أنتَ تَمزَحُ بعَاداً وَإدْلالاً عليّ، وَقَدْ رَأتْ ... ضَميرَ الهَوَى بالجسْمِ كَادَ يُبَرِّحُ لَئِنْ كانتِ الدّنيَا عليّ كَمَا أرَى ... تَبَارِيحَ مِن ذِكرَاكِ، فالمَوْتُ أرْوَحُ قال القاضي المعافى: وهذه من قصائد ذي الرمة الطوال المشهورة المستحسنة، وأولها: أمَنزِلَتَيْ مَيٍّ سَلامٌ عَلَيكُمَا، ... عَلى النأي، وَالنّائي يَودّ وَيَنصَحُ ومنها: ذكَرْتُكِ أنْ مَرّتْ بشنَا أُمُّ شَادِنٍ ... أمَامَ المَطَايَا تَشرَئِبّ وَتَسنَحُ مِنَ المُؤلِفاتِ الرّملِ أدْمَاءُ حُرّةٌ، ... شُعَاعُ الضّحَى في مَتنِها يَتَوَضّحُ رَأتنَا كَأنّا عَامِدُونَ لِصَيدِهَا، ... ضُحىً، فَهيَ تَنبُو تَارَةً وَتَزَحزَحُ هيَ الشبهُ أعطَافاً وَجِيداً وَمُقلَةً، ... وَمَيّةُ أبْهَى بَعدُ مِنهَا وَأملَحُ فهذه من أحسن الحائيات على هذا الروي، ونظيرها كلمة ابن مقيل التي أولها: هلِ القَلبُ من دُهماءَ سالٍ فمُسمِحُ، ... وَزَاجِرَة عَنهَا الخَيَالُ المُبَرّحُ وقول جرير: صحَا القَلبُ عن سَلمى، وقَد برّحت به، ... وَما كانَ يلقَى من تُمَاضِرَ أبرَحُ

شعاف القلب وشغافه

ومثله: لَقَد كانَ لي في ضَرّتينِ عدمتَني، ... وَمَا كُنتُ ألقَى مِنْ رَزِينَةَ أبرَحُ وذكر في خبر ذي الرمة بهذا الإسناد، إخوة ذي الرمة، فقيل منهم: مسعود وهمام وخرواش، فأما مسعود فمن مشهوري إخوته، وإياه عنى ذو الرمة بقوله: أقُولُ لمَسعودٍ بجَرْعَاءِ مَالِكٍ ... وَقَد همّ دَمعي أنْ يَسُحَّ أوَائلُه ومنهم هشام، وهو الذي استشهد سيبويه في الإضمار في ليس بقوله، فقال: قال هشام بن عقبة أخو ذي الرمة: هيَ الشّفَاءُ لِدائي لَوْ ظَفِرْتُ بهَا، ... وَلَيسَ مِنهَا شِفَاءُ الدّاءِ مَبذُولُ ومنهم أوفى، وهو الذي عناه بعض إخوته في شعر رثى فيه ذا الرمة أخاهما: تَعَزِيتُ عَن أوْفَى بغَيلانَ بعدَهُ، ... عَزَاءً، وَجفنُ العَينِ ملآنُ مُترَعُ وَلم يُنسِني أوْفَى المَصَائبَ بعدَهُ، ... وَلكنّ نَكْءَ القَرْحِ بالقرْحِ أوْجعُ وذكره ذو الرمة فقال: أقُولُ لأوْفى حينَ أبصرَ باللِّوَى ... صَحيفَةَ وَجهي قد تَغَيَّرَ حَالُهَا شعاف القلب وشغافه أخبرنا أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي، أخبرنا أبو عبيد محمد بن عمران المرزباني: أنشدنا إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي لجرير بن الخطفى: سمعتُ الحمامَ الوُرْقَ في رَوْنَقِ الضّحى ... على الأيكِ في وَادي المَراضَينِ يَهتِفُ أتَزْعُمُ أنّ البَينَ لا يَشعَفُ الفَتى، ... بَلى مثلَ بَيني يوْمَ لبنانَ يَشعَفُ

دعاء الحبيب على حبيبه

فَطالَ حِذارِي غُرْبَةَ البَينِ وَالنّوَى ... وَأُحدُوثَةً مِنْ كَاشِحٍ يَتَقَوّفُ قال أبو عبيد الله قوله: يشعف يقال: شعفه أي بلغ منه رأس قلبه، وشعاف كل شيء أعلاه، وأما قوله، عز وجل: قد شغفها حباً؛ فإن الشغاف دم القلب، أي بلغ الحب إلى ذلك المكان. قال النابغة الذبياني: وَقد حالَ هَمٌّ دُونَ ذلكَ داخلٌ ... مَكانَ الشّغافِ تَبتَغيهِ الأصَابعُ وقوله يتقوف: أي يتتبع، وهو القائف، ونمه قول: إنا نقوف الآثار. دعاء الحبيب على حبيبه حدثنا أحمد بن علي بن ثابت من لفظه بدمشق، أخبرني أحمد بن أبي جعفر القطيعي، حدثني إسحق بن إبراهيم بن أحمد الطبري، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد، حدثنا أبو غالب ابن بنت معاوية بن عمرو، حدثني جدي معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله: سألت الله، عز وجل، أن لا يستجيب دعاء حبيب على حبيبه. المهدي وأنسب بيت أخبرنا التنوخي، أخبرني أبو الفرج المعروف بالأصفهاني، أخبرني الجرمي ابن أبي العلاء، حدثنا الزبير بن بكار، حدثني خلف بن وضاح أن عبد الأعلى بن عبد الله بن صفوان الجمحي قال: حملت ديناً بعسكر المهدي، فركب المهدي يوماً بين أبي عبيد الله وعمر بن بزيع، وأنا وراءه، في موكبه على برذون قطوف، فقال: ما أنسب بيت قالته العرب؟ قال أبو عبيد الله: قول امرئ القيس: وَمَا ذَرَفتْ عَيْنَاكِ إلاّ لتَضرِبي ... بسَهمَيكِ في أعشَارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ

أم البنين ووضاح اليمن

قال: هذا أعرابي قح. فقال عمر بن بزيع: قول كثير يا أمير المؤمنين: أرِيدُ لأنسَى ذِكْرَهَا، فكأنّما ... تَمَثَّلُ لي بلَيلى بكلّ سَبيلِ فقال: ما هذا بشيء، وما له يريد أن ينسى ذكرها، حتى تمثل له؟ فقلت: عندي حاجتك يا أمير المؤمنين! قال: الحق بي. قلت: لا لحاق لي، ليس ذلك في دابتي، قال: احملوه على دابة. قلت: هذا أول الفتح، فحملت على دابة، فلحقته، فقال: ما عندك؟ قلت: قول الأحوص: إذا قُلتُ إني مُشتَفٍ بِلِقائِها، ... فحَمّ التّلاقي بَيننَا زَادَني سُقمَا فقال: أحسنت! حاجتك؟ قلت: علي دين. فقال: اقضوا دينه، فقضي دينه. أم البنين ووضاح اليمن أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري بقراءتي عليه، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثني أبي، محمد أبو أحمد الختلي، حدثنا أبو حفص يعني النسائي، حدثنا محمد بن حيان بن صدقة عن محمد بن أبي السري عن هشام بن محمد بن السائب قال: كانت عند يزيد بن عبد الملك بن مروان أم البنين بنت فلان، وكان لها من قلبه موضع، فقدم عليه من ناحية مصر بجوهر له قدر وقيمة، فدعا خصياً له، فقال: اذهب بهذا إلى أم البنين وقل لها: أتيت به الساعة، فلبعثت به إليك. فأتاها الخادم، فوجد عندها وضاح اليمن، وكان من أجمل العرب، وأحسنه وجهاً، فعشقته أم البنين، فأدخلته عليها، فكان يكون عندها، فإذا أحست بدخول يزيد بن عبد الملك عليها أدخلته في صندوق من صناديقها، فلما رأت الغلام قد أقبل أدخلته الصندوق، فرآه الغلام، ورأى الصندوق الذي دخل فيه، فوضع الجوهر بين يديها، وأبلغها رسالة يزيد، ثم قال: يا سيدتي هبي لي

منه لؤلؤةً! قالت: لا ولا كرامة، فغضب وجاء إلى مولاه، فقال: يا أمير المؤمنين إني دخلت عليها وعندها رجل، فلما رأتني أدخلته صندوقاً، وهو في الصندوق الذي من صفته كذا وكذا، وهو الثالث أو الرابع، فقال له يزيد: كذبت، يا عدو الله! جئوا عنقه، فوجئ في عنقه، ونحّوه عنه. قال: فأمهل قليلاً، ثم قام، فلبس نعله، ودخل على أم البنين، وهي تمتشط في خزانتها، فجاء حتى جلس على الصندوق الذي وصف له الخادم فقال لها: يا أم البنين! ما أحب إليك هذا البيت؟ قالت: يا أمير المؤمنين ادخله لحاجتي وفيه خزانتي فما أردت من شيء أخذته من قرب. قال: فما في هذه الصناديق التي أراها؟ قالت: حليي، وأثاثي. قال: فهبي لي منها صندوقاً. قالت: كلها لك يا أمير المؤمنين لك. قال: لا أريد إلا واحداً، ولك علي أن أعطيك زنته وزنة ما فيه ذهباً. قالت: فخذ ما شئت. قال: هذا الذي تحتي. قالت: يا أمير المؤمنين عد عن هذا، وخذ غيره، فإن لي فيه شيئاً يقع بمحبتي. قال: ما أريد غيره. قالت: هو لك. قال: فأخذه ودعا الفراشين فحملوا الصندوق، فمضى به إلى مجلسه، فجلس، ولم يفتحه، ولم ينظر ما فيه، فلما جنه الليل دعا غلاماً له أعجمياً فقال له: استأجر أجراء غرباء ليسو من أهل المصر. قال: فجاءه بهم وأمرهم، فحفروا له حفيرة في مجلسه، حتى بلغوا الماء، ثم قال: قدموا لي الصندوق. فألقي في الحفيرة. فألقي في الحفيرة، ثم وضع فمه على شفيره، فقال: يا هذا! قد بلغنا عنك خبر، فإن يك حقاً، فقد قطعنا أثره، وإن يك باطلاً، فإنما دفنا خشباً. ثم أهالوا عليه التراب حتى استوى، قال: فلم ير وضاح اليمن حتى الساعة. قال: فلا، والله، ما بان لها في وجهه ولا في خلائقه شيء حتى فرق الموت بينهما.

وجه كالسيف الصقيل

وجه كالسيف الصقيل أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل بمصر قراءة عليه، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن موسى القطان، حدثنا أبي، حدثنا العتبي، حدثنا أبو الغصن الأعرابي قال: خرجت حاجاً، فلما مررت بقباء تداعى أهلها وقالوا: الصقيل الصقيل، فنظرت فإذا جارية كأن وجهها سيف صقيل، فلما رميناها بالحدق ألقت البرقع عن وجهها وتبسمت، فوالله ما رأيت شيئاً قط أحسن منها، ثم أنشأت تقول: وكنتَ مَتى أرْسَلتَ طَرْفَكَ رَائداً ... لقَلبِكَ يَوْماً أتعَبَتكَ المَنَاظِرُ رَأيتَ الذي لا كلَّهُ أنتَ قَادرٌ ... عَلَيهِ ولا عن بعضِهِ أنتَ صَابرُ دل المطاع على المطيع أخبرنا القاضي أبو القاسم التنوخي، قرأت على أبي عمر بن حيويه: أنشدنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة لنفسه: تَوَاصُلُنا عَلى الأيّامِ بَاقٍ، ... وَلَكِنْ هَجرُنَا مَطَرُ الرّبيعِ يَرُوعُكَ صَوْبَهُ، لَكِنْ تَرَاهُ ... عَلى عِلاّتِهِ دَاني النّزُوعِ كذا العُشّاقُ هجرُهمُ دَلالٌ، ... وَيَرْجعُ وَصْلُهم حسنَ الرّجوعِ مَعاذَ اللهِ أنْ نُلفَى غِضَاباً، ... سِوَى دَلِّ المطاعِ على المُطيعِ

شعر لمحمد بن أبي أمية

شعر لمحمد بن أبي أمية وأخبرنا ابن حيويه، أنبأنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري أنشدنا إبراهيم بن عبد الله الوراق لمحمد بن أبي أمية: مَلِّ الوِصَالَ، فَعاذَ بالهَجرِ، ... وَتَكَلّمَتْ عَينَاهُ بالغَدْرِ وَظَلَتُ مَحزُوناً أُفَكّرُ في ... إعرَاضِهِ عَني، وَفي صَبرِي مَا نِلتُ مِنهُ مَوَدّتِهِ، ... يَوْماً أُسَرّ بِهِ مَعَ الدّهرِ في كُلّ مَوْضِعِ لَذّةٍ حُزُنٌ ... يَعتَالُهُ مِنْ حَيثُ لا أدرِي وفتيان صدق وأخبرنا التنوخي، أخبرنا ابن حيويه، أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر أنشدنا البحتري: كَأنّ رَقيباً مِنكَ يَرْعَى خَوَاطِرِي، ... وَآخَرَ يَرْعَى نَاظِرِي وَلِسَاني فَما أبصَرَتْ عَينايَ بَعدَكَ مَنظَراً ... يَسُوءُكَ إلاّ قُلتُ قَدْ رَمَقَانِي وَلا بَدَرَتْ مِنْ فيّ بَعدَكَ مَزْحَةٌ ... لِغَيرِكَ إلاّ قُلتُ قَدْ سَمِعَانِي إذَا ما تَسَلّى العاذِرُونَ عَنِ الهَوَى ... بِشُرْبِ مُدَامٍ أوْ سَمَاعٍ قِيَانِ وَجَدْتُ الّذي يُسلي سِوَايَ يَشُوقُني ... إلى قُرْبِكُمْ حَتى أمَلَّ مَكَاني وَفِتيَانِ صِدقٍ قد سَئِمتُ لقَاءَهُم، ... وَعَفّفتُ طَرْفي عنهُمُ وَلِسَاني وَمَا الدّهرَ، أسلى عَنهُمُ، غيرَ أنّني ... أرَاكَ عَلى كُلّ الجِهاتِ تَرَاني

بنت تخون أباها

بنت تخون أباها أخبرنا عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل الضراب بمصر، حدثنا أبي، رحمه الله تعالى، حدثنا أحمد بن مروان، حدثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال: قرأت في سير العجم أن أردشير لما استوثق له أمره وأقر له بالطاعة ملوك الطوائف، حاصر ملك السريانية، وكان متحصناً في مدينة يقال لها الحضر، بإزاء مسكن من برية الثرثار، وهي برية سنجار، والعرب تسمي ذلك الملك الشاطرون، فحاصره فلم يقدر على فتحها، حتى رقت بنت الملك على الحصن يوماً، فرأت أردشير، فهويته، فنزلت وأخذت نشابة، وكتبت عليها: إن أنت ضمنت لي أن تتزوجني، دللتك على موضع تفتح به المدينة بأيسر الحيلة وأخف المؤونة، ثم رمت بالنشابة نحو أردشير، فقرأها، وأخذ نشابةً، فكتب إليها: لك الوفاء بما سألتني، ثم ألقاها إليها، فدلته على الموضع، فأرسل إليها، فافتتحها، فدخل، وأهل المدينة غارّون لا يشعرون، فقتل الملك، وأكثر القتل فيها، وتزوجها. فبينما هي، ذات ليلة، على فراشه أنكرت مكانها، حتى سهرت أكثر ليلها، فقال لها: ما لك؟ قالت: أنكرت فراشي، فنظروا تحت الفراش، فإذا تحت المجلس طاقة آس قد ثرت في جلدها، فتعجب من رقة بشرتها، فقال لها: ما كان أبوك يغذوك؟ قالت: كان أكثر غذائي عنده الشهد والمخ والزبد. فقال لها: ما أحد بالغ في الحباء والكرامة مبلغ أبيك، وإذا كان جزاءه عندك على جهد إحسانه مع لطف قرابته، وعظم حقه، إساءتك إليه، فما أنا بآمن مثل ذلك منك، ثم أمر بأن تعقد قرونها بذنب فرس شديد الجري، جموح، ثم يجرى. ففعل ذلك بها حتى سقطت عضواً عضواً، وهو الذي يقول فيه أبو داود الإيادي: وأَرَى المَوْتَ قَدْ تَدَلّى مِنَ الحِص ... نِ عَلى رَبّ أهلِهِ الشّاطرُونِ

العاشق المظلوم

العاشق المظلوم أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، حدثنا أبي، حدثنا أبو بكر محمد بن بكر البسطامي، حدثنا ابن دريد، حدثنا أحمد بن عيسى العكلي عن ابن أبي خالد عن الهيثم بن عدي قال: كان لعمرو بن دويرة السحمي أخ قد كلف بابنة عم له كلفاً شديداً، وكان أبوها يكره ذلك ويأباه، فشكا إلى خالد بن عبد الله القسري، وهو أمير العراق، أنه يسيء جواره، فحبسه، فسئل خالد في أمر الفتى، فأطلقه، فلبث الفتى مدةً كافاً عن ابنة عمه، ثم زاد ما في قلبه وغلب عليه الحب، فحمل نفسه على أن تسور الجدار إليها، وحصل معها الفتى، فأحس به أبوها، فقبض عليه، وأتى به خالد بن عبد الله القسري وادعى عليه السرق، وأتاه بجماعة يشهدون أنهم وجدوه في منزله ليلاً، وقد دخل دخول السراق، فسأل خالد الفتى، فاعترف بأنه دخل ليسرق، ليدفع بذلك الفضيحة عن ابنة عمه، مه أنه لم يسرق شيئاً، فأراد خالد أن يقطعه، فرفع عمرو أخوه إلى خالد رقعةً فيها: أخالِدُ! قد وَاللهِ أُوطِئتَ عَشوَةً، ... وَمَا العَاشِقُ المَظلُومُ فِينا بسارِقِ أقَرّ بِمَا لمْ يَأتِهِ المَرْءُ، إنّهُ ... رَأى القَطعَ خيراً من فَضيحَةِ عاتِقِ وَلَوْلا الّذِي قد خفتُ من قَطعِ كفّهِ ... لأُلفِيتُ في أمرٍ لَهُم غيرَ نَاطِقِ إذا مُدّتِ الغَايَاتُ في السَّبقِ للعُلى، ... فأنتَ ابنَ عَبدِ اللهِ أوّلُ سَابِقِ وأرسل خالد مولىً له يسأل عن الخبر، ويتجسس عن جلية الأمر، فأتاه بتصحيح ما قال عمرو في شعره، فأحضر الجارية وأخذ بتزويجها من الفتى، فامتنع أبوها وقال: ليس هو بكفؤٍ لها. قال: بلى! والله إنه لكفؤٌ لها إذ بذل

يطلق زوجتيه

يده عنها، ولئن لم تزوجها لأزوجنه إياها وأنت كاره. فزوجه، وساق خالد المهر عنه، من ماله، فكان يسمى العاشق إلى أن مات. يطلق زوجتيه أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، حدثنا أبو سعيد الحسن بن جعفر بن الوضاح السمسار، حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى المروزي، حدثنا عاصم، حدثنا المسعودي عن الحسن بن سعد عن أبيه قال: كان تحت الحسن بن علي، عليهما السلام، امرأتان تميمية وجعفية، فطلقهما جميعاً، فبعثني إليهما، وقال: أخبرهما فلتعتدا، وأخبرني بما تقولان، ومتع كل واحد بعشرة آلاف وكذا وكذا من العسل والسمن. فأتيت الجعفية، فقلت: اعتدي، فتنفست الصعداء ثم قالت: متاع قليل من حبيب مفرق؛ وأما التميمية، فلم تدر ما معنى اعتدّي حتى قالت لها النساء، وأخبره بقول الجعفية، فنكت في الأرض ثم قال: لو كنت مراجعاً امرأة لراجعتها. أموت وأحيا أخبرنا علي بن المحسن، أنشدنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن الأخباري، أنشدنا ابن دريد أنشدنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه لامرأة بدوية: فَلَوْ أنّ مَا ألقَى وَما بي من الهَوَى ... بأوعر رُكْناهُ صفاً وَحَديدُ تَفَطّرَ مِنْ وَجْدٍ وَذّابَ حَدِيدُهُ، ... وَأمسَى تَرَاهُ العَينُ، وَهوَ عَميدُ ثَلاثونَ يَوْماً، كُلّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ... أمُوتُ وَأحيَا، إنّ ذَا لَشَديدُ مَسَافَةَ أرْضِ الشّامِ وَيحَكَ قَرّبِي ... إليّ ابنَ جَوّابٍ وَذَاكَ يَزِيدُ فَلَيتَ ابنَ جَوّابٍ مِنَ النّاسِ حظُّنا، ... وكانَ لَنا في النّارِ بعدُ خُلُودُ

جميل والبنات العذريات

جميل والبنات العذريات أخبرنا أبو علي بن الحسين الجازري بقراءتي عليه، حدثنا أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري، حدثنا محمد بن داود بن سليمان النيسابوري، حدثنا علي بن الصباح، حدثني أبو المنذر، حدثني شيخ من أهل وادي القرى قال: لما استعدى آل بثينة مروان بن الحكم على جميل وطلبه ربعي بن دجاجة العبدي، صاحب تيماء، هرب إلى أقاصي بلادهم، فأتى رجلاً من بني عذرة شريفاً، وله بنات سبع كأنهن البدور جمالاً، وقال: يا بناتي تحلين بجيد حليكن، والبسن جيد ثيابكن ثم تعرضن لجميل فإني أنفس على مثل هذا من قومي. وكان جميل، إذا رآهن، أعرض بوجهه فلا ينظر إليهن، ففعلن ذلك مراراً، فلما علم ما أريد بهن، أنشأ يقول: حَلَفتُ لِكَي تَعلَمنَ أني صاَدِقٌ ... وَلَلصّدقُ خيرٌ في الأمورِ وَأنجَحُ لَتكليمُ يومٍ مِنْ بُثَيْنَةَ وَاحِدٍ، ... وَرُؤيَتُهَا عِندِي ألَذُّ وَأصْلَحُ مِنَ الدّهرِ، لَوْ أخلو بكنّ، وَإنّما ... أُعَالِجُ قَلباً طَامحاً حين يَطمَحُ قال: فقال بهن أبوهن: ارجعن، فوالله لا يفلح هذا أبداً. المحبوس وابنة الوالي أخبرنا عبد الواحد بن الحسين المقري إن لم يكن سماعاً فإجازة، حدثنا إسماعيل بن سعيد بن سويد، حدثنا أبو علي الكوكبي، حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثنا محمد بن زيد العتبي، أخبرني جدي الحسن بن زيد قال: ولينا وال بديار مصر، فوجد على بعض عماله، فحبسه وقيده، فأشرفت عليه ابنة الوالي، فهويته، فكتبت إليه: أيّهَا الزّاني بِعَيْنَيْ ... هِ، وَفي الطَّرْفِ الحُتُوفُ

الدموع ألسنة القلوب

إنْ تُرِدْ وَصْلاً، فقَدْ ... أمكَنَكَ الظّبيُ الأُلُوفُ فأجابها الفتى: إنْ تَرَيْني زَانيَ العَيْنَيْ ... نِ، فَالفَرْجُ عَفيفُ لَيْسَ إلاّ النّظَرُ الفَا ... تِرُ، وَالشّعْرُ الظّرِيفُ فكتبت إليه: قَدْ أَرَدْناكَ بِأنْ تَع ... شَقَ إنْسَاناً ألُوفَا فَتَأبّيْتَ، فَلا زِلْ ... تَ لِقَيْدَيْكَ حَلِيفا فأجابها الفتى: مَا تَأبّيْتُ لأنّي ... كُنتُ للظّبيِ عَيُوفَا غَيرَ أنّي خِفْتُ رَبّاً، ... كَانَ بي بَرّاً لَطِيفا فذاع الشعر، وبلغ الخبر الوالي، فدعا به فزوجه إياها، ودفعها إليه. الدموع ألسنة القلوب أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن علي الدجاجي إجازة، حدثنا إسماعيل بن سويد، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا أحمد بن زهير، أخبرنا محمد بن سلام قال: قلت لصديق لي: إن كنت تحسن إنشاد الغزل فأنشدني أبياتاً تشوي القلب رقةً اكتب بها إلى رجل مستهتر بجارية له، فأنشأ يقول: وَقَائِلَةٍ، وَدَمعُ العَينِ يجرِي ... على الخدّينِ كالمَاءِ السَّكُوبِ قَميصُكَ وَالدّمُوعُ تَجول فيه، ... وَقلبُكَ لَيسَ بالقلبِ الكَئيبِ نظيرُ قميص يوسُفَ حينَ جاؤوا ... عَلى لَبّاتِهِ بِدَمٍ كَذُوبِ

الطيف المحتشم

دُموعُ العَاشقِينَ، إذا تَوَالَتْ، ... بِظَهرِ الغَيبِ ألْسِنَةُ القُلوبِ فخشيت أن أكتب بها إلى صديقي، فتوافق منه بعض ما أعرف، فيموت عشقاً قلبه. الطيف المحتشم ولي من أثناء قطعة: ما بالُ طَيفكِ، زارَ مُحتَشِما، ... لَوْ لَمْ يَزُرْ مَا كَانَ مُتّهَما وَافَى، وَقد نَامَ السّميرُ، وَمَا ... شَعَرَ الرّقيبُ بِهِ، وَلا عَلِمَا وَاللّيلُ قَدْ مُدّتْ سَتَائِرُهُ، ... وَالصّبحُ لَمْ يَنشُرْ لَهُ عَلَمَا فَوَدِدتُ أنّ اللّيلَ طَالَ، وَأَ ... نّ الصّبحَ لمْ يَفترَّ مُبتَسِمَا يا طَيفَ علوَةَ قد وَصَلتَ عَلى ... رُغمِ الوُشاةِ من الهَوَى رَحِمَا ما زِلتُ أخضَعُ، يَوْمَ فُرْقَتِهِ، ... وَالبَينُ قَد مَزَجَ الدّمُوعَ دَمَا حتى رَثَى لي بَعدَ قَسوَتِهِ، وَأبَاحَني فمَهُ، وكانَ حمَى فَلَثمتُ مِنهُ، عَلى تَمَنّعِهِ ... مِنْ لاثِمِيهِ، مَبسِماً شَبِمَا وَنَظرْتُ في مِرآةِ وَاعِظَةِ عاذِلَتي ... في الصّالحَاتِ مُقَدِّماً خِدَمَا

شعر يزيد بن الطثرية

شعر يزيد بن الطثرية أنبأنا أبو محمد الحسن بن محمد الخلال، رحمه الله، أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت، حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري أنشدني أبي ليزيد بن الطثرية، والطثر عند العرب: الخصب وكثرة اللبن: ما وَجْدُ عَلْوِيِّ الهَوَى حَنّ وَاجتَوَىبِوَادِي الشَّرَا وَالغَوْرِ ماءً وَمَرْتَعَا تَشّوَقَ لمّا عَضّهُ القَيدُ وَاجتَوَى ... مَرَاتِعَهُ من بَينِ قُفٍّ وَأجْرَعَا وَرَامَ بِعَينَيهِ جِبِالاً مُنيفَةً، ... وَمَا لا يَرَى فِيهِ أخو القَيدِ مَطمَعَا إذا رَامَ مِنهَا مَطلَعاً رَدّ شَأوَهُ ... أمينُ القُوَى، عَضّ اليَدينِ فأوْجَعَا بِأكْبَرَ مِنْ وَجْدٍ برَيّا، وَجَدتُهُ، ... غَداةَ دَعَا دَاعي الفِرَاقِ فَأسمَعَا خَليليَ قِفْ، لا بُدّ مِنْ رَجعِ نَظرَةٍ ... مُصَعَّدَةٍ، شتّى بها القَوْمُ أوْ مَعَا مغتَصَبٍ قَد عَزّهُ الشّوْقُ أمرَهُ، ... يُسِرّ، حَياءً، عَبرَةً إنْ تَطَلّعَا تَهيجُ لَهُ الأحزَانُ وَالذّكرُ، كُلّمَا ... تَرَنّمَ، أوْ أوْفَى من الأرضِ مَيَفَعا تَلَفّتُّ للإصغَاءِ، حَتّى وَجَدْتُني ... وَجِعتُ مِنَ الإصغَاءِ لِيتاً وَأخدَعَا قِفا وَدِّعا نَجداً وَمَن حَلّ بالحِمَى، ... وَقَلّ لنَجدٍ عِندَنَا أنْ يُوَدَّعَا

أنفاس تذيب الحديد

حَنَنتَ إلى رَيّا، وَنَفسُكَ بَاعَدَتْ ... مَزَارَكَ مِنْ رَيّا وَشِعبَاكُمَا مَعَا فَمَا حَسَنٌ أنْ تَأتيَ الأمْرَ طَائِعاً، ... وَتَجزَعَ إن داعي الصّبَابة أسمَعَا وَلَيسَتْ عَشِيّاتُ الحِمَى بِرَوَاجِعٍ ... عَلَيكَ، وَلكِن خَلِّ عَينيكَ تَدمَعَا بكَتْ عَينيَ اليُسرَى، فَلمّا زَجَرْتُها ... عَنِ الجَهلِ بَعدَ الحِلمِ أسبَلتَا مَعَا وَأذكُرُ أيّامَ الحِمَى ثُمّ أنثَني ... عَلى كَبدِي من خَشيَةٍ أن تَصَدّعَا أنفاس تذيب الحديد وبإسناده حدثنا أبو بقكر بن الأنباري، حدثني أبي أنشدنا أبو علي بن الضبي: فَلَوْ أنّ ما بي بالحَصَا فَلَقَ الحَصَا، ... وَبالرّيحِ لم يُوجَدْ لَهُنّ هُبُوبُ وَلَوْ أنّني أستَغفِرُ اللهَ كُلّمَا ... ذكَرْتُكِ لمْ تُكتَبْ عليّ ذنُوبُ وَلَوْ أنّ أنفَاسِي أصَابَتْ بحَرّهَا ... حَديداً، إذاً ظَلّ الحَديدُ يَذُوبُ زعم الدموع وبإسناده أخبرنا ابن الأنباري أنشدنا عبد الله بن لقيط: ظَهَرَ الهَوَى مِنّي، وكُنتُ أُسِرّهُ، ... وَالحُبّ يَكتُمُهُ المُحِبّ، فَيظهَرُ زَعَمتْ دُمُوعي أنّها لا تَنقَضِي ... حَتى تَبُوحَ بمَا أُسِرُّ وَأُضْمِرُ

حديث يشفي الملسوع

حديث يشفي الملسوع أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الخلال فيما أذن لنا في روايته، أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت، حدثنا محمد بن القاسم أنشدني محمد بن المرزبان لابن الأعرابي المكي: مَنْ لقَلبٍ يَجُولُ بَينَ التّرَاقي، ... مُستَهامٍ يَتُوقُ كُلَّ مَتَاقِ حذراً أنْ تَبينَ دَارُ سُلَيمَى، ... أوْ يَصيحَ الصّدَى لهَا بِفِرَاقِ أُمَّ سَلاّمَ! مَا ذَكّرْتُكِ إلاّ ... شَرِقَتْ بِالدّمُوعِ مِنّي المَآقي كَيفَ يَنسَى المُحِبّ ذِكرَ حَبيبٍ، ... طَيّبِ الخِيمِ، طَاهِرِ الأخْلاقِ حَسَنِ الصّوْتِ بالغِناءِ على المِزْ ... هَرِ، يُسلس الغَرِيبَ ذَا الأشوَاقِ وَحَديثٍ يَشفي السّقيمَ من السّقْ ... مِ، دَوَاءِ السّلِيمِ كَالدِّرْيَاقِ حَبّذا أنتِ من جَليسٍ إلَيْنَا، ... أُمَّ سَلاّمَ، لَوْ يَدُومُ التّلاقي الشافعي وامرأته أخبرنا أبو الحسين علي بن عبد الوهاب السكري قراءة عليه، رحمه الله تعالى، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز، حدثنا أبو طالب أحمد بن الحسين بن علي، حدثني أحمد بن أصرم المزني من ولد عبيد الله بن مغفل، حدثني محمد بن عبد الله الفارسي قال: قال الشافعي: كانت لي امرأةٌ، وكنت أحبها، فكنت إذا دخلت عليها أنشأت أقول: أوَ لَيسَ بَرْحاً أنْ تُحِ ... بّ وَلا يُحبّكَ مَن تُحبُّهْ؟

هلال مكلل بشموس

قال فترد هي علي: فيَصُدّ عَنكَ بوَجهِهِ، ... وَتَلَجّ أنتَ، فَلا تُغِبّهْ هلال مكلل بشموس حدثنا الخطيب، أخبرنا الرزاز، أخبرنا أبو الفرج الأصفهاني، حدثني عمي، حدثني أحمد بن المرزبان قال: كان عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع قد هوي جاريةً نصرانية، رآها في دير مار جرجس في بعض أعياد النصاري، فكان لا يفارق البيع شغفاً بها، فخرج في عيد مار جرجس إلى بيعة تعرف بدير مار جرجس، فوجدها في بستان إلى جانب البيعة، وقد كان قبل ذلك يراسلها ويعلمها محبته لها، فلا تقدر على مواصلته، ولا لقائه، إلا على ظهر الطريق، فلما ظفر بها التوت عليه، وأبت بعض الإباء، ثم ظهرت له، وجلست معه مع نسوة كانت تأنس بهن، فأكلوا وشربوا، وأقام معها أسبوعاً، ثم انصرف في يوم خميس وقال في ذلك: رُبّ صَهبَاءَ من شَرَابِ المَجُوسِ ... قَهوَةٍ بَابِلِيّةٍ خَندَرِيسِ قَدْ تَجَلّيتُها بنَايٍ وَعُودٍ، ... قَبلَ ضَرْبِ الشمّاسِ بالنّاقُوسِ وَغَزَالٍ مُكَحَّلٍ ذِي دَلالٍ، ... سَاحِرِ الطّرْفِ سَامرِيٍّ عَرُوسِ قَدْ خَلَوْنَا بِطيبِهِ نَجتَنيهِ، ... يَوْمَ سَبتٍ إلى صَبَاحِ الخَميسِ بَينَ وَرْدٍ وَبينَ آسٍ جَنيٍّ، ... وَسطَ بُستَانِ دَيرِ مارِ جرْجيسِ

كما أكون يكون

تَتَثَنّى في حُسنِ جِيدٍ غَزَالٍ، ... في صَلِيبٍ مُفضّضٍٍ آبَنُوسِ كم لَثَمتُ الصّليبَ في الجيدِ منها ... كَهِلالٍ مُكَلّلٍ بِشُمُوسِ كما أكون يكون أنبأنا القاضي الشريف أبو الحسين بن المهتدي، رحمه الله تعالى، حدثنا طالب بن عثمان الأزدي، حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: الحجون موضع بمكة أنشدني أبي فيه: هَيّجَتني إلى الحُجُونِ شُجُونُ، ... لَيتَهُ قَد بَدَا لعَينيّ الحُجُونُ حَلّ في القَلبِ سَاكِنُوهُ مَحَلاًّ ... مِن فُؤادي يَحِلُّ فيهِ المَكينُ كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَوَاءٌ، وَدَاءُ الحُ ... بّ، يا صَاحبيّ، دَاءٌ دَفينُ لَيتَ شِعرِي عمّن أُحِبُّ أيُمسِي ... عِندَ ذِكرِي كمَا أكونُ يكُونُ؟ ؟ قمر نام في قمر أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن أبي محمد القرشي قال: كان بعض الظرفاء يتعشق جاريةً لبعض المغنيات، فدعاها يوماً، فأقامت عنده، وأتى الليل، فشغل ببعض أموره، فصعدت الجارية، فنامت فوق سطح له في القمر، فلما فرغ من أمره صعد، فرآها نائمة، فاستحسن وجهها، فجعل مرةً ينظر إليها، ومرةً ينظر إلى القمر، وأنشأ يقول: قَمَرٌ نَامَ في قَمَرْ ... مِنْ نُعاسٍ وَمن سَكَرْ لَيسَ يَدرِي مُحِبّهُ، ... وَهوَ ذُو فِطنَةٍ، خَبرْ أبِهَذَا انجلَى الدّجَى، ... أمْ بِذَا أشرَقَ القَمَرْ

المعصفر بالدم

المعصفر بالدم أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الجوهري، حدثنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا الصولي أنشدنا ابن المعتز لنفسه: يَا زائِري في مُعَصْفَرٍ بدَمٍ ... جَاهَرْتَ في قَتلِكَ المُحبّينَا لا تَلبَسَنْ صِبغَةٌ تَدُلّ عَلى ... قَتلِكَ عُشّاقَكَ المَسَاكِينا يغار منك عليك أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي، رحمه الله تعالى: حدثنا أبو منصور علي بن محمد الباخرزي الفقيه بنيسابور لبعضهم: لا تُجَرّدْ عَليّ سَيفاً مِنَ الهَجْ ... رِ، كَفَتني السّيوفُ من نَاظِرَيكَا سُقمُ جسمي أشدّ من سُقمِ عَينَي ... كَ، وَقلبي أرَقّ مِنْ وَجنَتَيكَا يا بَديعاً تكامَلَ الحُسنُ فِيهِ! ... صِلْ مُحِبّاً يَغَارُ مِنكَ عَلَيكَا الجارية الحنون ذكر أبو منصور بائي بن جعفر بن بائي الجيلي قاضي ربع الوراقين ببغداد ولم أسمعه منه، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عمران الجندي، حدثنا جعفر الخالدي، حدثنا ابن مسروق، حدثنا عمر بن شبة، حدثنا سلم بن عمر قال: اعترض ابن أبي دؤاد جاريةً، فأعجبته، فقال: ماذا تَقُولينَ في مَنْ شَفّهُ سَقَمٌ ... مِنْ طُولِ حُبّكِ حتى صَارَ حَيرَانا فأجابته: إذا رَأينَا مُحِبّاً قَد أضَرّ بِهِ ... جُهدُ الصّبَابَةِ أوْلَينَاهُ إحسَانَا

الرشيد والجارية المولعة بخلافه

الرشيد والجارية المولعة بخلافه أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا أحمد بن علي المروزي الجوهري إملاء من حفظه، أخبرني أبو العباس أحمد النيسابوري: أن هارون الرشيد كتب هذه الأبيات إلى جارية له كان يحبها، وكانت تبغضه: إنّ التي عَذّبَتْ نَفسِي بمَا قَدَرَتْ ... كلّ العَذابِ، فَما أبقَتْ وَلا تَرَكَتْ مازَحتُها فَبَكَتْ، وَاستَعبَرَتْ جَزَعاً ... عَنّي، فَلَمّا رَأتْني باكِياً ضَحِكَتْ فعُدتُ أضْحَكُ مَسرُوراً بضَحكَتها، ... حَتى إذا ما رَأتْني ضَاحِكاً، فَبَكَتْ تَبغي خِلافي كَمَا خَبّتْ برَاكِبِها، ... يَوْماً، قَلُوصٌ، فَلَمّا حَثّها بَرَكَتْ ووجدت له في هذه القطعة بيتاً أول وبيتاً أخيراً، فأما الأول فهو: أَليسَ من عَجَبٍ بَل زَادَني عَجَباً ... مَملوكةٌ مَلَكَتْ من بعد ما مُلِكَتْ وأما البيت الأخير فهو: كَأنّها دُرّةٌ قَد كُنتُ أذخَرُهَا، ... لِيَوْمٍ عُسرٍ، فَلَمّا رُمتُها هَلَكتْ عاشق زوجة أخيه وأخبرنا محمد بن الحسين، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن مخلد بن حفص العطار، حدثنا إبراهيم بن راشد بن سليمان الآدمي، حدثنا عبد الله بن عثمان الثقفي، حدثنا المفضل بن فضالة مولى عمر بن الخطاب عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال: كان في الجاهلية أخوان من حي يدعون بني كنّه، أحدهما متزوج، والآخر عزب، فقضي أن المتزوج خرج في بعض ما يخرج الناس فيه، وبقي الآخر مع امرأة أخيه، فخرجت، ذات يوم، حاسرةً، فرآها أحسن

الناس وجهاً وثغراً، فلما علمت أن قد رآها، ولولت وصاحت وغطت بمعصمها وجهها. قال القاضي: المعصم موضع السوار، فزاده ذلك فتنة، فحمل الشوق على بدنه، حتى لم يبق إلا رأسه وعيناه تدوران فيه. وقدم الأخ، فقال: يا أخي! ما الذي أرى بك؟ فاعتل عليه، وقال: الشوصة، والشوصة تسميها العرب اللوى وذات الجنب. فقال له ابن عمر: لا تكذبنه، ابعث إلى الحارث بن كلدة، فإنه من أطب العرب، فجيء به، فلمس عروقه فإذا ساكنها ساكن، وضاربها ضارب، فقال: ما بأخيك إلا العشق. فقال: سبحان الله تقول: هذا الرجل ميت؟ فقال: هو كذلك، أعندكم شيء من شراب؟ فجيء به ثم دعا بمسعط، فصب فيه من الشراب، وحل صرةً من صرره فذر فيه، ثم سقاه الثانية، ثم الثالثة، فانتشى يغني: يَهيجُ ما يَهيجُ وَيَذكُرُ ... أيّها القَلبُ الحزِينُ ما يكُنّه ألِمّا بي عَلى الأبْيَات ... تِ مِنْ خَيفٍ أزُرْهُنّه غَزَالاً مَا رَأيتُ اليَوْ ... مَ في دُورِ بَني كُنّه غَزَالٌ أحْوَرُ العَينِ، ... وَفي مَنطِقِهِ غُنّه قال القاضي: البيت الأول من هذه الأبيات مضطرب، وأرى بعض من رواه كسره وأخل ببنائه ونظمه لأنه لم يكن له علم بوزن الشعر وترتيبه. فقال الرجل: هذه دور قومنا، فليت شعري من؟ فقال الحارث: ليس فيه مستمتع غير هذا اليوم، ولكن أغدو عليكم من الغد، ففعل به كفعله بالأمس، فانتشى يغني سكراً، واسم امرأة أخيه ريا، فقال: أيّها الحَيّ فَاسْلَمُوا، ... كَيْ تُحَيَّوا وَتُكرَموا

وقف على العلل

خَرَجَتْ مُزنةٌ مِنَ ال ... بَحْرِ رَيّا تُحَمْحِمُ لَمْ تَكُنْ كَنّتي ... وَتزْعُمُ أنّي لهَا حَمُو فقال الرجل لمن حضره: أشهدكم أنها طالق ثلاثاً، ليرجع إلى أخي فؤاده، فإن المرأة توجد، والأخ لا يوجد. فجاء الناس يقولون له: هنيئاً لك أبا فلان، فإن فلاناً قد نزل لك عن فلانة. فقال لمن حضر: أشهدكم أنها علي مثل أمي إن تزوجتها. قال عبد الله بن عثمان: قال المفضل: قال ابن سيرين: قال عبيدة السلماني: ما أدري أي الرجلين أكرم الأول أم الآخر. ؟ وقف على العلل أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علي بن علي الدجاجي، رحمه الله تعالى، حدثنا إسماعيل بن سعيد بن سويد، أخبرنا أبو علي الحسين بن القاسم بن جعفر، حدثنا أبو بكر أحمد بن زهير بن حرب، حدثنا الزبير بن أبي بكر، حدثني عمر بن أبي المؤملي عن عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر البسطامي أنشدني عبد الله المديني أبياتاً في الغزل، وكان مشغوفاً بجارية: إذا تذكّرْتُ أيّاماً لَنَا سَلَفَتْ، ... كادَ التذكّرُ يُدنِيني من الأجلِ فإنْ مُنيتْ بما قَد فاتَ مَرْجِعُه، ... حالَ التّباعُدُ بينَ القلبِ وَالأملِ صَبٌّ لَهُ دَمعَةٌ في العَينِ جارِيةٌ؟ ... وَجِسمُهُ أبَداً وَقْفٌ عَلى العِلَلِ

أخذنا بأطراف الأحاديث

أخذنا بأطراف الأحاديث وبإسناده حدثنا الحسين بن القاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثنا خالي إبراهيم بن محمد السهمي قال: كان عبد الرحمن بن خارجة إذا ودع البيت ركب راحلته، ورفع عقيرته، وأنشأ يقول: فَلمّا قَضَينا مِنْ مِنىً كلّ حاجَةٍ ... وَمَسّحَ بالأرْكَانِ مَنْ هُوَ مَاسِحُ وَشُدّتْ على حُدبِ المَهارِي رِحالنُا، ... وَلا يَنظُرُ الغادِي الذي هوَ رَائِحُ أخَذْنَا بأطرَافِ الأحَاديثِ بَيننَا، ... وَسَالبتْ بأعنَاقِ المَطيّ الأبَاطِحُ الدموع الشاهدة ولي من أثناء قصيدة: وَمُتَرَّفٍ، كَالمَاءِ رِقّةُ جِسْمِهِ، ... وَالقَلبُ مِنهُ قَسَاوَةٌ كَالجَلْمَدِ حَكّمتُهُ في حُبّهِ، وَمَدَامِعي ... يَشْهَدْنَ لي في حُبّهِ بتَفَرّدِي نَمّ الوُشَاةُ إلَيهِ أنّي زَاهدٌ ... فِيهِ، وَغَرّهُمُ كَبيرُ تَجَلّدِي فَجَعَلتُ أٌقسِمُ بِالنّبيّ وَآلِهِ ... وَالمَسجِدِ الأقصَى وَرَبّ المَسجِدِ إنّي عَلى ما سَنّهُ شَرْعُ الهَوَى، ... في العاشِقِينَ، وسَلْ دُمُوعي تَشْهَدِ فأبى قبُولَ مَعَاذِرِي، أفديهِ مِنْ ... صَرْفِ الحَوَادِثِ، فهوَ أكرَمُ من فُدي

ملاءة العفة

ملاءة العفة ولي أيضاً من أثناء قصيدة: كَمْ غَادَةٍ غَازَلتُهَا، ومَفَارِقي ... سُودٌ، وَما خَطّ المَشيبِ ذُؤابَتي حَوْرَاءَ من وَحشِ الصّرَاةِ، غَرِيرَةٍ ... تَصْبي الحَلِيمَ، دَعَوْتُهَا، فأجَابَتِ بِتْنَا جَميعاً في مُلاءةِ عِفّةٍ، ... وَرَقِيبُنا نَاءٍ، وَإزْرِ صِيانَةِ نَشكُو هَوَانَا، وَالتّصَوّنُ حَاجِزٌ ... مَا بَيْننَا، نَعنُو لَهُ بِالطّاعَةِ حَتى إذا أبْدَى الصّبَاحُ جَبينَهُ، ... وَتَكَلّمَتْ وَرْقَاءُ فَوْقَ أرَاكَةِ نَهَضَتْ مُوَدِّعَةً، وَأوْدَعَتِ الحشا ... مِنّي تَلَهّبَ جَمْرَةٍ لَذّاعَةِ يَا لَيْلَةً مَا كَانَ أقْصَرَها، وَيَا ... لَهْفي عَلَيْها لَيْلَةً لَوْ طَالَتِ المملوك المالك أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي قراءة عليه، في سنة ست وثلاثين وأربع مائة، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني، حدثنا محمد بن يحيى الصولي، حدثنا الحسين بن يحيى الكاتب، أخبرني عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع قال: حلف الرشيد لا يدخل إلى جارية له أياماً، وكان لها مكان من قلبه، فمضت الأيام، ولم تسترضه، فأحضر جعفر بن يحيى، وعرفه الخبر، وأنشده شعراً عمله، وقال: أجزه لي، والشعر: صَدّ عَنّي إذْ رَآني مُفتَتَنْ، ... وَأَطَالَ الصّدَّ لمّا أنْ فَطَنْ

فتوى في الحب

كانَ مَملُوكي، فأضحَى مالكي، ... إنّ هذا مِنْ أعَاجِيبِ الزّمَنْ فقال له جعفر بن يحيى: إن أبا العتاهية محبوس، بلا جرم، وهو أقدر الناس على أن يأتي بشيء مليح، قال: وجه البيتين إليه، وقل له أجزهما بما يشابههما، فلما قرأهما أبو العتاهية كتب تحتهما: ضَعُفَ المِسكينُ عن تِلكَ المِحَنْ ... بهَلاكِ الرّوحِ مِنهُ وَالبَدنْ وَلَقَدْ كُلّفَ شَيئاً عَجَباً ... زَادَ في النَكبةِ وَاستَوْفَى المِحَنْ قِيلَ: فَرّحنَا، وَيَأبى فَرَحٌ ... أنْ يُؤاتِينيَ مِنْ بَيتِ الحَزَنْ فلما قرأ الأبيات استحسنها الرشيد، وأمر بإطلاقه وصلته، وقال: صدق، والله، احضروه، فحضر، فقال: أجز بيتيّ! فقال: الآن طاب القول، وأطاع الفكر، وأنشد: عِزّةُ الحُبّ أرَتْهُ ذِلّتي، ... في هَوَاهُ، وَلهُ وَجهٌ حَسَنْ فَلِهَذا صِرْتُ مَملُوكاً لَهُ، ... وَلِهَذا شَاعَ أمرِي وَعَلَنْ فقال الرشيد: جئت، والله، بما في نفسي، وأطلقه وزاد في صلته. فتوى في الحب حدثنا أحمد بن علي الحافظ بدمشق من لفظه، حدثنا أبو نعيم الحافظ بأصفهان، حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني، أخبرني بعض أصحابنا قال: كتب بعض أهل الأدب إلى أبي بكر بن داود الأصبهاني الفقيه: يا ابنَ داودَ، يا فَقيهَ العِرَاقِ! ... أفتِنَا في قَواتِلِ الأحداقِ! هَلْ عَلَيها القِصَاصُ في القَتلِ يوْماً، ... أمْ حَلالٌ لَهَا دَمُ العُشّاقِ؟ فأجابه ابن داود: عِندي جَوَابُ مَسائِلِ العُشّاقِ، ... إسمَعْهُ مِنْ قَلَقِ الحَشَا مُشتَاقِ لمّا سَألتَ عنِ الهَوَى أهلَ الهَوَى، ... أجرَيتَ دَمعاً لَمْ يكُنْ بالرّاقي أخطأتَ في نَفسِ السؤالِ، وَإن تُصِبْ ... تكُ في الهَوَى شَفَقَاً من الأشفاقِ لَوْ أنّ مَعشُوقاً يُعّذِّبُ عَاشِقاً ... كانَ المُعَذَّبُ أنْعَمَ العُشّاقِ

ليلى الحارثية

ليلى الحارثية أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن عمر بن أحمد المروروذي، حدثنا أبي، حدثنا الحسين بن أحمد بن صدقة، حدثنا أحمد بن أبي خيثمة، حدثنا أبو معمر قال: أمل علينا سفيان بن عيينة عن يحيى بن يحيى الغساني قال: سمعت عروة يحدث أن عبد الرحمن بن أبي بكر خرج في نفر من قريش إلى الشام يمتارون، فمروا بامرأة يقال لها ليلى، فراعه جمالها، وقد وقع منها في نفسه شيء، فرجع وهو يشبب ويقول: تذكّرْتُ لَيلى، وَالسَّمَاوَةُ بَينَنَا، ... وَما لابنَةِ الجُوديّ لَيلى، وَمَا لِيَا زاده مصعب بيتين ليس من حديث ابن عيينة: وَأنّى تَعَاطَى ذِكرَهُ حارِثِيّةٌ، ... تُقيمُ ببصرَى أوْ تَحِلّ الجَوابِيَا وَأنّى تَلاقِيها؟ بَلى، وَلَعَلّها ... إنِ الناسُ حَجّوا قابلاً أن تُوَافِيَا ثم رجع إلى حديث سفيان قال: فلما كان زمن عمر بن الخطاب افتتح خالد بن الوليد الشام، فصارت إليه.

عبد الملك والغلام العاشق

عبد الملك والغلام العاشق أنبأنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الرحيم المازني، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا الكديمي أبو العباس، حدثنا السليمي عن محمد بن نافع مولاهم عن أبي ريحانة أحد حجاب عبد الملك بن مروان قال: كان عبد الملك يجلس في كل أسبوع يومين جلوساً عاماً، فبينا هو جالس في مستشرف له، وقد أدخلت عليه القصص، إذ وقعت في يده قصةٌ غير مترجمة فيها: إن رأى أمير المؤمنين أن يأمر جاريته فلانة تغنيني ثلاثة أصوات، ثم ينفذ في ما شاء من حكمه، فعل. فاستشاط من ذلك غضباً وقال: يا رباح! علي بصاحب هذه القصة، فخرج الناس جميعاً، وأدخل إليه غلام، كما عذر، كأهيإ الفتيان، وأحسنهم، فقال له عبد الملك: يا غلام! هذه قصتك؟ قال: نعم، يا أمير المؤمنين. قال: وما الذي غرك مني؟ والله لأمثلن بك، ولأردعن بك نظراءك من أهل الجسارة. علي بالجارية! فجيء بجارية كأنها فلقة قمر، وبيدها عود، فطرح لها كرسي، وجلست، فقال عبد الملك: مرها يا غلام! فقال: غنيني يا جارية بشعر قيس بن ذريح: لقد كنتِ حسبَ النفسِ، لوْ دام ودُّنا، ... وَلَكِنّمَا الدّنْيَا مَتَاعُ غُرُورِ وَكنّا جَميعاً قبلَ أن يَظهَرَ الهَوَى، ... بِأنعَمِ حَالَيْ غِبْطَةٍ وَسُرُورِ فَما بَرِحَ الوَاشُونَ حَتى بَدَتْ لَنَا ... بُطُونُ الهَوَى مَقلُوبَةً لِظُهُورِ فخرج الغلام من جميع ما كان عليه من الثياب تمزيقاً، ثم قال له عبد الملك: مرها تغنك الصوت الثاني! فقال: غنيني بشعر جميل:

ألا لَيتَ شِعرِي! هَل أبِيتَنّ ليلةً ... بِوَادِي القُرَى؟ إني إذاً لَسَعيدُ إذا قلتُ: ما بي يا بُثَيْنَةُ قاتلي ... من الحُبّ، قَالَتْ: ثابتٌ وَيَزيدُ وَإن قلتُ: رُدّي بعض عقلي أعش به ... مَعَ النّاسِ! قالت: ذاكَ منكَ بَعيدُ فلا أنا مَرْدُودٌ بما جئتُ طالِباً؛ ... وَلا حُبّهَا فِيمَا يَبيدُ يَبيدُ يمُوتُ الهَوَى مني، إذا ما لَقيتُها، ... ويَحيَا، إذا فارَقتُها، فَيَعُودُ فغنته الجارية، فسقط مغشياً عليه ساعةً، ثم أفاق، فقال له عبد الملك: مرها فلتغنك الصوت الثالث! فقال يا جارية غنيني بشعر قيس بن الملوح المجنون: وَفي الجيرَةِ الغادِينَ مِنْ بَطنِ وَجرَةٍ ... غَزَالٌ غَضِيضُ المُقلَتَينِ رَبيبُ فَلا تَحسَبي أنّ الغَرِيبَ الذِي نَأَى، ... وَلَكِنّ مَنْ تَنأَينَ عَنهُ غَرِيبُ فغنته، فطرح الغلام نفسه من المستشرف، فلم يصل إلى الأرض حتى تقطع، فقال عبد الملك: ويحه، لقد عجل على نفسه، ولقد كان تقديري فيه غير الذي فعل، وأمر فأخرجت الجارية عن قصره، ثم سأل عن الغلام فقالوا: غريب لا يعرف إلا أنه منذ ثلاث ينادي في الأسواق، ويده على أم رأسه: غداً يَكثُرُ الباكُونَ مِنّا وَمنكُمُ ... وَتَزْدَادُ دارِي من دِياركمُ بُعدا

الطائفة في البيت الحرام

الطائفة في البيت الحرام أخبرنا أبو القاسم الحسين بن محمد بن إبراهيم الحنائي بدمشق، حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم التميمي، أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد، حدثنا وزيره ابن محمد، حدثنا عمر بن شبة، حدثنا عيسى بن يزيد قال: بينا أنا أطوف بالبيت إذ نظرت إلى جارية حسناء تطوف بالبيت، وهي تقول: لن يقبلَ اللهُ من مَعشوقَةٍ عَمَلاً ... يَوماً وَعَاشِقُها حَيرَانُ مَهجُورُ لَيستْ بمأجورَةٍ في قَتلِ عاشِقِها، ... لكنّ عاشِقَها في ذاكَ مأجُورُ قال: قلت: يا هذه تنشدين هذا حول بيت الله الحرام؟ فقالت: إليك عني يا شيخ، لا يرهقك الحب، فإنه يكمن في القلب ككمون النار في حجرها، إن قدحته أورى، وإن كتمته توارى. ثم ولت نحو زمزم، وهي تقول: أُنُسٌ غَرَائِرُ ما هَمَمنَ بريبَةٍ، ... كَظِباءِ مكّةَ صَيدُهنّ حَرَامُ يُحسَبنَ من لِينِ الحَديثِ زَوَانِيَا، ... وَيَصُدّهُنّ عَنِ الخَنَا الإسلامُ العود الصليب أنبأنا الرئيس أبو علي بن وشاح الكاتب، أخبرنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا، حدثنا علي بن سليمان الأخفش، حدثنا محمد بن مريد قال: حدثت عن بعض أصحاب ابن عباس فقال: إني وابن عباس بفناء الكعبة، وهو في جماعة، فإذا بفتيان يحملون بينهم فتىً حتى وضعوه بين يدي ابن عباس، فقالوا: استشف له! فكشفوا عنه،

نظرت إليها

فإذا وجه حلو، وعود صليب، وجسم ناحل، فقال له: ما يؤلمك؟ فقال: بنَا من جَوَى الأحزَانِ وَالحبّ لَوْعَةٌ ... تَكادُ لهَا نَفسُ الشّفيقِ صَلِيبُ وَلَكِنّما أبْقَى حُشَاشَةَ مَا تَرَى ... عَلى ما تَرَى عُودٌ هُناكَ صَلِيبُ فقال ابن عباس: أرأيتم وجهاً أعتق أو عوداً أصلب أو منطقاً أفصح من هذا؟ قتيل الحب، لا عقل ولا قود! فما سمعنا ابن عباس دعا بشيء إلى أن أمسى إلا بالعافية مما أصاب الفتى. نظرت إليها وأنبأنا ابن وشاح، أخبرنا القاضي المعافى بن زكريا، حدثنا أبو طالب الكاتب علي بن محمد بن الجهم، حدثنا عمر يعني ابن شبة، حدثني أبو يحيى قال: أنشدت عبد الملك بن عبد العزيز: وَلمّا رَأيتُ البَينَ مِنهَا فُجَاءَةً؛ ... وَأهَوَنُ للمَكرُوهِ أنْ يُتَوَقّعَا وَلمْ يَبقَ إلَيْهَا نَظْرَةً، فرَأيتُهَا ... وقد أبرَزَتْ من جانبِ السجفِ إصبعا قال أبو يحيى: فقلت له: قالها رجل من بني قشير. فقال: احسن والله، فقلت: أنا قلتها في طريقي إليك. قال: قد والله عرفت فيها الضعف حين أنشدتني.

روح معذبة بالحياة

؟ روح معذبة بالحياة قال أبو الفرج الببغاء: وقد كان القاضي أبو القاسم التنوخي أنشدنا جميع شعره أو أكثره ولا أعلم هذه القطعة فيما أنشدنا أهي له أم لا، وهي: يا سادَتي! هَذِهِ رُوحي تُوَدّعُكُم، ... إذْ كانَ الصّبرُ يُسليها وَلا الجَزَعُ قد كُنتُ أطمَعُ في رُوحِ الحَيَاةِ لهَا، ... فالآنَ مُذْ غِبتُمُ لمْ يَبقَ لي طَمَعُ لا عَذّبَ اللهُ رُوحي بِالحَيَاةِ، فَمَا ... أظُنّهَا بَعدَكُمْ بالعَيشِ تَنتَفِعُ الأعرابي البصير أخبرنا عبيد الله بن عمر بن أحمد بن شاهين الواعظ، حدثنا أبي، حدثنا عمر بن الحسن حدثنا ابن أبي الدنيا، حدثنا علي بن الجعد، سمعت أبا بكر بن عياش يقول: كنت في زمن الشباب، إذا أصابتني مصيبة، تجلدت، ودفعت البكى بالصبر، وكان ذلك يؤذيني ويؤلمني، حتى رأيت أعرابياً بالكناسة واقفاً على نجيب وهو ينشد: خَليليّ عُوجا من صُدورِ الرّوَاجِلِ، ... بجُمهُورِ حَزْوَى، وَابكِيا في المَنازِلِ لَعَلّ انحِدارَ الدّمعِ يُعقِبُ رَاحَةً، ... مِنَ الوَجدِ أوْ يَشفي نجيَّ البَلابِلِ فأصابتني بعد ذلك مصائب فكنت أبكي، فأجد لذلك راحةً، فقلت: فاتل الله الأعرابي ما كان أبصره!

الصوفي المتواجد

الصوفي المتواجد أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، أخبرني أبي، حدثني أبو الطيب محمد بن أحمد بن عبد المؤمن أحد الصوفية من أهل سر من رأى قال: رأيت ببغداد صوفياً أعور، يعرف بأبي الفتح، في مجلس أبي عبد الله بن البهلول، فقرأ بألحان قراءة حسنة، وصبي يقرأ: أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر، فزعق الصوفي: بلى! بلى! دفعات وأغمي عليه طول المجلس، وتفرق الناس عن الموضع، وكان الاجتماع في صحن دار كنت أنزلها، فلم يكن الصوفي أفاق فتركته مكانه، فما أفاق إلى أن قرب العصر، ثم قام، فلما كان من بعد أيام سألت عنه، فعرفت أنه حضر عند جارية في الكرخ تقول بالقضيب، فسمعتها تقول الأبيات التي فيها: وَجهُكَ المأمُولُ حُجّتُنا ... يَوْمَ يأتي النّاسُ بالحُجَجِ فتواجد، وصاح، ودق صدره إلى أن أغمي عليه، فسقط، فلما انقضى المجلس حركوه فوجدوه ميتاً، فغسلوه، ودفنوه، واستفاض الخبر بهذا وشاع، وأخبرني به فئام من الناس والأبيات لعبد الصمد بن المعذل: يا بَديعَ الدّلّ وَالغُنُجِ! ... لكَ سُلطانٌ عَلى المُهَجِ إنّ بَيْتاً أنْتَ سَاكِنُهُ ... غَيرُ مُحتَاجِ إلى السُّرُجِ وَجهُكَ المَعشوقُ حُجّتُنا ... يَوْمَ يأتي النّاسُ بالحُجَجِ والصوفية إذا قالوا: وجهك المأمول، نقلوه إلى ما لهم في ذلك من المعاني، وكانت قصة هذا الرجل وموته في سنة خمسين وثلاثمائة، وأمره من مفردات الأخبار.

الأصمعي والجواري

الأصمعي والجواري أخبرنا الخطيب، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي بنيسابور، حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الصفار الأصبهاني، حدثنا أبو عبد الله محمد بن أخبرنا النيسابوري ببغداد، حدثنا محمد بن حبيب، سمعت علي بن عثام يقول: سمعت الأصمعي يقول: مررت بالبادية على رأس بئر، وإذا على رأسه جوار، وإذا واحدة فيهن كأنها البدر، فوقع علي الرعدة، وقلت لها: يَا أحسَنَ النّاسِ إنساناً، وَأملَحَهُمْ! ... هَل باشتكائي إليكِ، اليَوْمَ، من باسِ فَبَيّنِي لي بقَوْلٍ غَيرِ ذي خُلُفٍ: ... أبالصّرِيمةِ يمضِي عَنكِ أمْ ياسِ قال: فرفعت رأسها وقالت لي: اخسأ، فوقع في قلبي مثل جمر الغضا، فانصرفت عنها، وأنا حزين. قال: ثم رجعت إلى رأس البئر، وإذا هي هناك، فقالت: هَلُمّ نَمحُ الّذِي آذَاكَ أوَلُهُ، ... وَنُحدِثِ الآنَ إقبالاً مِنَ الرّاسِ حَتى يَكُونَ ثبيراً في مَوَدّتِنَا ... مَثلَ الّذِي يَحتَذِي نَعلاً بمِقياسِ فانطلقت معها إلى أبيها، فتزوجتها، فابني علي منها.

الهوى دعوى من الناس

الهوى دعوى من الناس أخبرنا الخطيب، أنبأنا أحمد بن الحسين الواعظ، حدثنا أبو الفرج الورثاني الصوفي، أخبرني محمد بن عبد العزيز الصوفي، قال أحمد بن الحسين: وقد رأيته ولم أسمع منه: أنشدني أبو علي الروذباري: أُنَزّهُ في رَوْضِ المَحَاسِنِ مُقلَتي، ... وَأمنَعُ نَفسي أنْ تَنَالَ المُحَرَّما وَأحمِلَ مِنْ ثِقْلِ الهَوَى مَا لَو أنّه ... عَلى الجامِدِ الصُّلْبِ الأصَمّ تَهَدّمَا وَيَظهَرُ سِرّي عَن مُترْجَمِ خاطرِي، ... فَلَوْلا اختِلاسُ الطّرْفِ عنهُ تَكَلّمَا رَأيتُ الهَوَى دعوَى من الناسِ كلِّهم، ... فَما إن أرَى حبّاً صَحيحاً مُسَلَّمَا آخر الرمق أخبرني الخطيب أنبأني أبو طالب يحيى بن علي بن الطيب الدسكري بحلوان للروذباري: وَلَوْ مَضَى الكُلّ مِنّي لمْ يكُنْ عجباً، ... وَإنّمَا عَجَبي للبَعضِ كَيفَ بَقي أدرِكْ بقِيّةَ رُوحٍ فيكَ قد تَلِفَتْ، ... قَبلَ الفِرَاقِ، فهَذا آخِرُ الرَّمَقِ القباح غوال وإن رخصن أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علي بن علي، حدثنا إسماعيل بن سويد، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أحمد بن إسماعيل بن حذافة، أخبرنا الأصمعي، حدثني الحسن الوصيف حاجب المهدي قال: كنا بزيالة، وإذا أعرابي يقول: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداءك! إني عاشق. قال: وكان يحب ذكر العشاق والعشق، فدعا الأعرابي، فلما

معشوق ينفق على عاشق

دخل عليه قال: سلام عليك، يا أمير المؤمنين، ورحمة الله وبركاته، ثم قعد. فقال له: ما اسمك؟ فقال: أبو مياس. قال: يا أبا مياس! من عشيقتك؟ قال: ابنة عمي، وقد أبى أبوها أن يزوجنيها. قال: لعله أكثر منك مالاً؟ قال: لا! قال: فما القصة؟ قال: أدن مني رأسك؟ قال: فجعل المهدي يضحك وأصغى إليه رأسه، فقال: إني هجين، قال: ليس يضرك ذاك، إخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجن. يا غلام علي بعمه. قال: فأتي به، فإذا أشبه خلق الله بأبي مياس كأنهما باقلاّة فلقت. فقال المهدي: ما لك لا تزوج أبا مياس وله هذا اللسان والأدب وقرابته منك؟ قال: إنه هجين. قال: فإخوة أمير المؤمنين وولده أكثرهم هجن، فليس هذا مما ينقصه، زوجها منه، فقد أصدقتها عنه عشرة آلاف درهم، قال: قد فعلت. فأمر له بعشرين ألف درهم، فخرج أبو مياس، وهو يقول: ابتَعتُ أسوَاقَ القِبَاحِ لأهلِها؛ ... إنّ القِباحَ وَإنْ رَخُصْنَ غَوَالِ معشوق ينفق على عاشق حدثنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ من لفظه بالشام، أنبأنا أبو سعد الماليني، حدثنا الحسن بن إبراهيم الليثي، حدثني الحسين بن القاسم قال: كان محمد بن داود يميل إلى محمد بن جامع الصيدلاني، وبسببه عمل كتاب الزهرة، وقال في أوله: وما تنكر من تغير الزمان وأنت أحد مغيريه؛ ومن جفاء الإخوان وأنت المقدم فيه؛ ومن عجيب ما يأتي به الزمان ظالم يتظلم، وغابن يتندم، ومطاع يستظهر، وغالب يستنصر.

صبر يوم

قال الحسين: وبلغنا أن محمد بن جامع دخل الحمام، وأصلح من وجهه، وأخذ المرآة فنظر إلى وجهه، فغطاه، وركب إلى محمد بن داود، فلما رآه مغطى الوجه. خاف أن يكون قد لحقته آفة، فقال: ما الخبر؟ فقال: رأيت وجهي الساعة في المرآة، فغطيته، وأحببت أن لا يراه أحد قبلك، فغشي على محمد بن داود. قال الليثي: وحدثني محمد بن إبراهيم بن سكرة القاضي قال: كان محمد بن جامع ينفق على محمد بن داود، وما أعرف فيما مضى من الزمان معشوقاً ينفق على عاشق إلا هو. صبر يوم حدثنا أحمد بن علي الوراق بالشام، أخبرني أبو القاسم الأزهري، حدثني أبو العباس محمد بن جعفر بن عبد العزيز بن المتوكل الهاشمي: أنشدنا الصولي: أيّهَا المُستَحِلّ ظُلمي وَهَجرِي! ... لكَ طُولُ البَقاءِ قد ماتَ صَبرِي قال لي: لا أقلّ من صَبرِ يَوْمٍ، ... بالقَلِيلِ القَلِيلِ يَنفَدُ عُمرِي قال الخطيب: قال لي الأزهري: رأيت هذا الشيخ في دكان أبي سعيد الوراق، وأنشدني من حفظه أبياتاً علقتها عنه، وذكر لي أنه رواها عنه عن الصولي وغيره.

من توفاك يحييك

من توفاك يحييك أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا الجريري قال: استشرف بعض المترفين إلى طريقة الصوفية والاختلاط بهم وملابستهم، فشاور في هذا بعض مشيختهم، فرده عما تشوف إليه من هذا، وحذره التعرض له، فأبت نفسه إلا ما جذبته الدعاوى إليه، وعطفته الخواطر عليه، فمال إلى فريق من هذه الطائفة، فعلق بهم، واتصل بجملتهم، ثم صحب جماعةً منهم متوجهةً إلى الحج فعجز في بعض الطريق عن مسايرتهم، وقصر عن اللحاق بهم، فمضوا وتخلف عنهم، واستند إلى بعض الأميال إرادة الاستراحة من الإعياء والكلال. فمر به الشيخ الذي كلمه في ما حصل فيه قبل أن يتسنمه، فنهاه عنه وحذره منه، فقال هذا الشيخ مخاطباً له: إنّ الّذينَ بخَيرٍ كُنتَ تَذكُرُهُمْ ... قَضَوْا عَليكَ وَعَنهُم كنتُ أنهَاكَا فقال له الفتى: ما أصنع الآن؟ فقال له: لا تَطلُبَنّ حَياةً عِندَ غَيرِهِمُ، ... فَلَيسَ يُحييكَ إلاّ مَن تَوَفّاكَا بشار يصف مجلس غناء أخبرنا الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا العباس بن الفضل الربعي، حدثنا إسحق بن إبراهيم الموصلي قال: كان بالبصرة لرجل من آل سليمان بن علي جارية، وكانت حسناء بارعة الظرف والجمال، وكان بشار بن برد صديقاً لمولاها ومداحاً له، فحضر مجلسه، والجارية تغنيهم، فشرب مولاها وسكر ونام، ونهض للانصراف من كان بالحضرة، فقالت الجارية لبشار: أحب أن تذكر مجلسنا هذا في قصيدة

وترسلها إلي على أن لا تذكر فيها اسمي ولا اسم سيدي، فقال بشار، وبعث بها مع رسوله إليها: وَذاتِ دَلٍّ كَأنّ الشمسَ صُورَتُها، ... بَاتَتْ تُغَنّي عَميدَ القَلبِ سكرَانَا إنّ العُيُونَ التي في طَرْفِها حَوَرٌ ... قَتَلْنَنَا ثمّ لا يُحيِينَ قَتلانَا فقلتُ: أحسَنتِ يا سؤلي ويَا أمَلي، ... فَأسمِعِيني، جَزَاكِ اللهُ إحسَانَا يا حَبّذا جَبَلُ الريّانِ من جَبَلٍ؛ ... وَحَبّذا سَاكِنُ الريّانِ مَن كانَا قالت: فهلاّ، فدَتكِ النفسُ، أحسن من ... هذا لمَن كان صبّ القَلبِ حَيرَانَا يا قَوْمُ أُذني لبَعضِ الحيّ عاشِقَةٌ ... وَالأذنُ تَعشَقُ قبلَ العَينِ أحيانَا فقلتُ: أحسَنتِ! أنتِ الشمسُ طالعةً، ... أضرَمتِ في القَلبِ وَالأحشَاءِ نِيرَانَا فَأسمِعينا غِنَاءً مُطْرِباً هَزَجاً، ... يزِيدُ صَبّاً مُحِبّاً فِيكِ أشجَانَا يا لَيتني كُنتُ تُفّاحاً مُفَلَّجَةً، ... أو كُنتُ من قُضُبِ الرّيحانِِ رَيحَانَا حَتى إذا وَجَدَتْ رِيحي فأعجَبَها، ... وَنحنُ في خَلوةٍ مُثّلتُ إنسَانَا فحَرّكتْ عودَها، ثمّ انثَنَتْ طَرَباً، ... تَشدُو بهِ ثمّ لا تُخفِيهِ كِتمانَا أصبَحتُ أطوَعَ خَلقِ اللهِ كُلّهِمِ ... لأكثرِ الخَلقِ لي في الحُبّ عِصْيَانَا فقلتُ: أطرَبتَنا يا زَينَ مَجلِسِنَا، ... فَغَنِّنَا أنتِ بالإحسَانِ أوْلانَا فَغَنّتِ الشَّرْبَ صَوْتاً مُونَقاً رَمَلاً ... يُذكي السّرُورَ وَيُبكي العَينَ ألوَانَا لا يَقتُلُ اللهُ مَنْ دامَتْ مَوَدّتُهُ، ... وَاللهُ يَقتُلُ أهلَ الغَدرِ أحيَانَا

الفضل بن يحيى وخشف

الفضل بن يحيى وخشف أخبرنا محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا محمد بن يحيى الصولي، حدثنا عون بن محمد، حدثني إدريس بن بدر أخو الجهم بن بدر قال: كن أبي منقطعاً إلى الفضل بن يحيى، فكان معه يوماً في موكبه، فقال أبي: فرأيت من الفضل حيرة وجولة، ففطن أني قد استبنت ما كان منه، فقال: عرفني يا بدر كيف قال المجنون: وداع دعا، فأنشدته: وَداعٍ دَعا، إذْ نحنُ بالخَيفِ من مِنىً، ... فَهَيّجَ أحزَانَ الفُؤادِ، وَما يَدرِي دَعَا باسمِ لَيلى غَيرِهَا فَكَأنّما ... أطارَ بلَيلى طائراً كانَ في صَدرِي قال: هذه، والله، قصتي، كنت أهوى جاريةً يقال لها خشف ثم ملكتها فقربت من قلبي، فسمعت الساعة صائحاً يصيح: يا خشف، فكان مني ما رأيت، ونالني مثل ما قال المجنون. ابتنى معاوية بالأبطح مجلساً، فجلس عليه، ومعه ابنة قرظة، فإذا هو بجماعة على رحال لهم، وإذا بشاب منهم قد رفع عقيرته يتغنى: مَنْ يُسَاجِلْني يُساجِلْ مَاجِداً ... أخضَرَ الجِلدَةِ في بَيتِ العَرَبْ قال: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن جعفر. قال: خلوا له الطريق، فليذهب؛ ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يغني: بَينَمَا يَذكُرْنَني أبصَرْنَني ... دُونَ قِيدِ الميلِ يَعدو بي الأغَرّ

شعر سارت بن الركبان

قِيلَ تَعرِفنَ الفَتى؟ قُلْنَ نَعَم! ... قد عَرَفناهُ، وهَل يخفَى القَمَرْ؟ قال: من هذا؟ قالوا: عمر بن أبي ربيعة. قال: خلوا له الطريق، فليذهب. قال: ثم إذا بجماعة، وإذا رجل منهم يسأل ويقول: رميتُ قبل أن أحلق، وحلقت قبل أن أرمى، لا شيء أشكلت من مسائل الحج. فقال: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن عمر. فالتفت إلى بنت قرظة، فقال: هذا وأبيك الشرف لا ما نحن فيه. شعر سارت بن الركبان حدثنا أحمد بن علي الوراق بدمشق من لفظه، أخبرنا أبو عبد الرحمن إسماعيل بن أخبرنا الحيري بنيسابور، حدثنا أبو نصر بن أبي عبد الله الشيرازي، حدثني أبو الحسين محمد بن الحسين الطاهري البصري من حفظه قال: حدثني أبو الحسن محمد بن الحسين بن الصباح الداودي البغدادي الكاتب بالرملة، حدثنا القاضي أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الأزدي ببغداد قال: كنت أساير محمد بن داود بن علي ببغداد، فأذاكره بشيء من شعره، وهو: أشكُو غَليلَ فُؤادٍ أنتَ مُتلِفُهُ، ... شَكوَى عَليلٍ إلى إلْفٍ يُعَلّلُهُ سُقمي يَزيدُ مَعَ الأيامِ كَثرتُهُ، ... وَأنتَ في عُظْمِ ما ألقَى تُقَلّلُهُ اللهُ حَرّمَ قَتلي في الهَوَى، سَفَهاً؛ ... وَأنتَ يا قاتِلي ظُلماً تُحَلّلُهُ فقال محمد بن داود: كيف السبيل إلى استرجاع هذا؟ فقال القاضي أبو عمر: هيهات، سارت به الركبان.

من يهب ولده

من يهب ولده؟ أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري، حدثنا القاضي المعافى بن زكريا، حدثنا أحمد بن جعفر البرمكي جحظة، حدثني خالد الكاتب قال: قال لي علي بن الجهم: هب لي بيتك، وهو: لَيتَ مَا أصْبَحَ مِنْ ... رِقّةِ خدّيكَ بقَلبكَ قال: فقلت له: أرأيت أحداً يهب ولده؟ المحبان الوفيان أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن، حدثني أبي، حدثنا عبيد الله بن محمد الهروي، حدثني أبي، حدثني صديق لي ثقة: أنه كان ببغداد رجل من أولاد النعم، ورث مالاً جليلاً، وكان يعشق قينة، فأنفق عليها مالاً كثيراً ثم اشتراها، وكانت تحبه كما يحبها، فلم يزل ينفق ماله عليها إلى أن أفلس، فقالت له الجارية: يا هذا قد بقينا كما ترى، فلو طلبت معاشاً؟ قال: وكان الفتى لشدة حبه الجارية وإحضاره الأستاذات ليزيدوها في صنعتها قد تعلم الضرب والغناء فخرج صالح الضرب والحذق فيهما، فشاور بعض معارفه فقال: ما أعرف لك معاشاً أصلح من أن تغني للناس، وتحمل جاريتك إليهم، فتأخذ على هذا الكثير، ويطيب عيشك، فأنف من ذلك، وعاد إليها فأخبرها بما أشير به عليه، وأعلمها أن الموت أسهل عنده من هذا. فصبرت معه على الشدة مدة، ثم قالت له: قد رأيت لك رأياً. قال: قولي! قالت: تبيعني، فإنه يحصل لك من ثمني ما إن أردت أن تتجر به،

أو تنفقه في ضيعة عشت عيشاً صالحاً، وتخلصت من هذه الشدة وأحصل أنا في نعمة، فإن مثلي لا يشتريها إلا ذو نعمة، فإن رأيت هذا، فافعل. فحملها إلى السوق، فكان أول من اعترضها فتىً هاشمي من أهل البصرة، ظريف، قد ورد بغداد للعب والتمتع، فاستامها، فاشتراها بألف وخمسمائة دينار عيناً. قال الرجل: فحين لفظت بالبيع، وأعطيت المال، ندمت واندفعت في بكاء عظيم، وحصلت الجارية في أقبح من صورتي، وجهدت في الإقالة فلم يكن إلى ذلك سبيل، فأخذت الدنانير في الكيس لا أدري أين أذهب لأن بيتي موحش منها، ووقع علي من اللطم والبكاء ما هوّسني. فدخلت مسجداً، وجعلت أبكي وأفكر في ما أعمل، فغلبتني عيني، فتركت الكيس تحت رأسي، فانتبهت فزعاً، فإذا شاب قد أخذ الكيس، وهو يعدو، فقمت لأعدو وراءه، فإذا رجلي مشدودة بخيط قنب في وتد مضروب في أرض المسجد، فما تخلصت من ذلك حتى غاب الرجل عن عيني، فبكيت ولطمت ونالني أمر أشد من الأمر الأول، وقلت: فارقت من أحب لأستغني بثمنه عن الصدقة، فقد صرت الآن فقيراً ومفارقاً. فجئت إلى دجلة، فلففت وجهي بإزار كان على رأسي، ولم أكن أحسن العوم، فرميت نفسي في الماء لأغرق، فظن الحاضرون أن ذلك لغلط وقع علي، فطرح قوم نفوسهم خلفي فأخرجوني، فسألوني عن أمري، فأخبرتهم، فمن بين راحم ومستجهل إلى أن خلا بي شيخ منهم، فأخذ يعظني، ويقول: ما هذا؟ ذهب مالك فكان ماذا حتى تتلف نفسك، أو ما علمت أن فاعل هذا في نار جهنم! ولست أول من افتقر بعد غنى، فلا تفعل، وثق بالله تعالى. أين منزلك؟ قم معي إليه. فما فارقني حملني إلى منزلي وأدخلني إليه، وما زال يؤنسني ويعظني إلى أن رأى مني السكون، فشكرته، وانصرف، فكدت أقتل نفسي

لشدة وحشتي للجارية، وأظلم منزلي في وجهي، وذكرت النار والآخرة، فخرجت من بيتي هارباً إلى بعض أصدقائي القدماء، فأخبرته خبري، فبكى رقةً لي، وأعطاني خمسين درهماً، وقال: اقبل رأيي! اخرج الساعة من بغداد، واجعل هذا نفقة إلى حيث تجد قلبك مساعدك على قصده، وأنت من أولاد الكتاب، وخطك جيد وأدبك صالح، فاقصد بعض العمال واطرح نفسك عليه، فأقل ما في الأمر أن يصرفك في شغل أو يجعلك محرراً بين يديه وتعيش أنت معه، ولعل الله أن يصنع لك. فعملت على هذا، وجئت إلى اللتبيين، وقد قوي في نفسي أن أقصد واسطاً، وكان لي بها أقارب فأجعلهم ذريعةً إلى التصرف مع عاملها، فحين جئت إلى اللتبيين، إذا بزلال مقدم، وإذا خزانة كبيرة وقماش فاخر كثير ينقل إلى الخزانة والزلال، فسألت عن ملاح يحملني إلى واسط، فقال لي أحد ملاحي الزلال: نحن نحملك في هذا إلى واسط بدرهمين. ولكن هذا الزلال لرجل هاشمي من أهل البصرة، ولا يمكننا حملك معه على هذه الصورة، ولكن تلبس من ثياب الملاحين، وتجلس معنا، كأنك واحد منا. فحين رأيت الزلال، وسمعت أنه لرجل هاشمي من أهل البصرة، طمعت أن يكون مشتري جاريتي، فأتفرج بسماعهما إلى واسط، فدفعت الدرهمين إلى الملاح، وعدت فاشتريت جبةً من جباب الملاحين، وبعت تلك الثياب التي علي، وأضفت ثمنها إلى ما معي من النفقة، واشتريت خبزاً وأدماً وجلست في الزلال، فما كان إلا ساعة، حتى رأيت جاريتي بعينها، ومعها جاريتان تخدمانها، فسهل علي ما كان بي وما أنا فيه، وقلت: أراها وأسمع غناءها من هاهنا إلى البصرة، واعتقدت أن أجعل قصدي البصرة، وطمعت في أن أدخل مولاها، وأصير أحد ندمائه، وقلت: لا تخليني هي من المواد،

فإني واثق بها. فلم يكن بأسرع من أن جاء الفتى الذي اشتراها راكباً ومعه عدة ركبان، فنزلوا في الزلال، وانحدرنا، فلما صرنا بكلواذى، أخرج الطعام، فأكل هو. وصعدت فجلست معه، فدبرت أمره وضبطت دخله، وخرجه، وكان غلمانه يسرقونه، فأديت إليه الأمانة. فلما كان بعد شهر رأى الرجل دخله زائداً، وخرجه ناقصاً، فحمدني، وكنت معه إلى أن حال الحول، وقد بان له الصلاح في أمره فدعاني إلى أن أتزوج بابنته ويشاركني في الدكان، ففعلت، ودخلت بزوجتي، ولزمت الدكان والحال تقوى إلا أني في خلال ذلك منكسر النفس، ميت النشاط، ظاهر الحزن، وكان البقال ربما شرب فيجذبني إلى مساعدته، فأمتنع وأظهر أن سبب ذلك حزن على موتى لي. واستمرت بي الحال على هذا سنين كثيرة، فلما أن كان ذات يوم، رأيت قوماً يجتازون بجون ونبيذ اجتيازاً متصلاً، فسألت عن ذلك، فقيل لي: اليوم يوم الشعانين ويخرج أهل الظرف واللعب بالنبيذ والطعام والقيان إلى الأبلّة فيرون النصارى، ويشربون ويتفرجون. فدعتني نفسي إلى التفرج، وقلت: لعلي أن أقف لأصحابي على خبر، فإن هذا من مظانهم، فقلت لحميي: أريد أن أنظر هذا المنظر، فقال: شأنك. وأصلح لي طعاماً وشراباً، وسلم إلي غلاماً وسفينةً، فخرجت وأكلت في السفينة، وبدأت أشرب حتى وصلت إلى الأبلة، وأبصرت الناس، وابتدأوا ينصرفون، وانصرفت، فإذا أنا بالزلال بعينه في أوساط الناس سائراً في نهر الأبلّة، فتأملته، فإذا بأصحابي على سطحه، ومعهم عدة مغنيات، فحين رأيتهم لم أتمالك فرحاً، فصرت إليهم، فحين رأوني عرفوني وكبروا،

وأخذوني إليهم، وقالوا: ويحك أنت حي! وعانقوني، وفرحوا بي وسألوني عن قصتي، فأخبرتهم بها على أتم شرح، فقالوا: إنا لما فقدناك في الحال، وقع لنا أنك سكرت، ووقعت في الماء فغرقت، ولم نشك في هذا، فمزقت الجارية ثيابها، وكسرت عودها، وجزت شعرها وبكت، ولطمت، فما منعناها من شيء من هذا، ووردنا البصرة، فقلنا لها: ما تحبين أن نعمل لك؟ فقد كنا وعدنا مولاك بوعد تمنعنا المروءة من استخدامك معه في حال فقده أو سماع غنائك. فقالت: تمكنوني من القوت اليسير، ولبس الثياب السود، وأن أعمل قبراً في بيت من الدار، وأجلس عنده، وأتوب من الغناء، فمكناها من ذلك، فهي جالسة عنده إلى الآن. وأخذوني معهم، فحين دخلت الدار ورأيتها بتلك الصورة، ورأتني شهقت شهقة عظيمة، ما شككت في تلفها، واعتنقنا، فما افترقنا، ساعةً طويلة، ثم قال لي مولاها: قد وهبتها لك. فقلت: بل تعتقها، وتزوجني منها، كما وعدتني، ففعل ذلك ودفع إلينا ثياباً كثيرة وفرشاً، وقماشاً، وحمل إلي خمسمائة دينار، وقال: هذا مقدار ما أردت أن أجريه عليك في كل شهر، منذ أول يوم دخولي البصرة، وقد اجتمع هذا لهذه المدة، فخذه، والجائزة لك مستأنفة في كل شهر، وشيء آخر لكسوتك وكسوة الجارية؛ والشرط في المنادمة وسماع الجارية من وراء ستارة باق عليك، وقد وهبت لك الدار الفلانية. قال: فجئت إليها، فإذا بذلك الفرش والقماش الذي أعطانيه فيها، والجارية، فجئت إلى البقال فحدثته حديثي، وطلقت ابنته، ووفيتها صداقها، وأقمت على تلك الحال مع الهاشمي سنتين، فصلحت حالي، وصرت رب ضيعة ونعمة، وعادت حالي، وعدت إلى قريب مما كنت عليه، فأنا أعيش كذلك إلى الآن مع جاريتي.

الجارية الحميراء وابن جامع

الجارية الحميراء وابن جامع أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين إن لم يكن سماعاً فإجازة، حدثنا المعافى بن زكريا أبو النضر العقيلي، حدثنا يعقوب بن نعيم الكاتب، حدثني محمد بن ضو التيمي، سمعت إسماعيل بن جامع السهمي يقول: ضمني الدهر ضماً شديداً بمكة، فانتقلت منها بعيالي إلى المدينة، فأصبحت يوماً ولا أملك إلا ثلاثة دراهم، فخرجت، وهي في كمي. فإذا بجارية حميراء على رقبتها جرة تريد الركي، وتمشي بين يدي، وتترنم بصوت شجي، تقول فيه: شَكَوْنَا إلى أحبَابِنَا طولَ لَيلِنا، ... فقالوا لَنا: ما أقصرَ اللّيلَ عِندنَا وَذاكَ لأنّ النّوْمَ يَغشَى عُيُونَهُمْ ... سرَاعاً، وَلا يَغشَى لنَا النّوم أعيُنَا ما دَنَا اللّيلُ المُضرّ بذِي الهَوَى، ... جَزِعنا، وَهُم يَستبشِرُونَ إذا دَنَا فلَوْ أنّهُمْ كانُوا يُلاقُونَ مِثلَ مَا ... نُلاقي لَكَانُوا في المَضَاجِعِ مِثلَنا فوالله ما دار لي منه حرف واحد. فقلت لها: يا جارية! ما أدري أوجهك أحسن أم صوتك أم جرمك، فلو شئت أعدته علي. فقالت: حباً وكرامةً، ثم أسندت ظهرها إلى جدار كان بالقرب منها، ورفعت إحدى رجليها فوضعتها على ركبتها، وحطت الجرة على ساقها، واندفعت تغني بأحسن صوت، فوالله ما دار لي منه حرف واحد، فقلت: لقد أحسنت وتفضلت، فلو شئت أعدته مرةً أخرى. فقطبت وكلحت، وقالت: ما أعجب هذا! أحدكم يجيء إلى الجارية عليها ضريبة، فيقول لها: أعيدي مرةً بعد أخرى، فضربت يدي إلى ثلاثة دراهم، ودفعتها إليها، وقلت لها: أقيمي بهذا وجهك اليوم إلى أن نلتقي، فأخذتها كالمتكرهة، وقالت: الآن تريد أن تأخذ عني صوتاً أحسبك تأخذ عليه

مأساة بشر وهند

ألف دينار، وألف دينار، وألف دينار، ثم اندفعت تغني، وأعملت فكري في غنائها، فدار لي الصوت، وفهمته، وانصرفت به مسروراً، وذكر باقي الخبر. قال ابن السراج: وقد ذكرت هذا الخبر بتمامه في أثناء كتابي هذا، فلذلك ما استوعبته هاهنا. مأساة بشر وهند أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الملك بن بشران قراءة عليه، حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزيق في شهر ربيع الأول من سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي قراءة عليه، يوم الخميس لاثنتي عشرة من ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق، حدثنا عمر بن عبد الحكم وجعفر بن عبد الله الوراق والقاسم بن الحسن عن أبي سعد عن أبيه قال: ذكر أنه كان في بدء الإسلام، وبعضهم يزيد على حديث بعض، شاب، وكان يقال له بشر، وكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان من بني أسيد بن عبد العزى، وكان طريقه، إذا غدا على رسول الله صلى الله عليه وآله، أن يأخذ على جهينة، وإذا فتاة من جهينة، فنظرت إليه، فعشقته، وكان لها من الحسن والجمال حظ عظيم، وكان لها زوج يقال له سعد بن سعيد، فكانت تقعد كل غداة لبشر، حتى يجتاز بها، لينظر إليها، فلما أخذها حبه كتبت إليه هذه الأبيات: تَمّرّ بِبَابي لَيسَ تَعلَمُ مَا الّذي ... أُعَالِجُ من شَوْقٍ إلَيكَ ومن جُهدِ تَمُرّ رَخيّ البَالِ مِنْ لَوْعَةِ الهَوَى، ... وَأنتَ خليُّ الذّرْعِ ممّا بدا عِندي

فَدَيْتُكَ، فَانظُرْ نَحوَ بَابي نَظرَةً، ... فإنّكَ أهوَى النّاسِ كلِّهمِ عِندي فَوَاللهِ لَوْ قصّرْتَ عَنّا فَلضمْ تَكُنْ ... تَمُرّ بِنا أصْبَحتُ لا شكّ في لحدِ فأجابها الفتى يقول: عَلَيكِ بتقوَى اللهِ والصّبرِ، إنّهُ ... نَهَى عَنْ فُجُورٍ بِالنّساءِ مُوَحِّدُ وَصبراً لأمْرِ اللهِ لا تَقرَبي الّذِي، ... نَهَى اللهُ عنهُ، وَالنّبيُّ مُحَمّدُ فَوَاللهِ لا آتي حَلِيلَةَ مُسْلِمٍ ... إلى أنْ أُدَلّى في القُبُورِ، وَأُفقَدُ أُحَاذِرُ أنْ أصْلى جَحيماً، وَأن أُرَى ... صَرِيعاً لِنَارٍ حَرُّهَا يَتَوَقَّدُ فَلا تَطمَعي في أنْ أزُورَكِ طَائِعاً، ... وَأنتِ لِغَيرِي، بِالخنَاءِ مُعَوَّدُ فأجابته الفتاة تقول: أمَرْتَ بتَقوَى اللهِ، وَالصّبرِ وَالتّقَى، ... فكَيفَ؟ وَما لي من سَبيلٍ إلى الصّبرِ وَهَلْ تَستطيعُ الصّبرَ حَرّى حَزِينَةٌ ... مُعَذَّبَةٌ بِالحُبِّ مُوقَرَةُ الظّهرِ؟ وَوَاللهِ مَا أدعُوكَ يا حُبُّ للّذِي ... تَظُنّ، وَلَكِنْ للحَديثِ وَللشّعرِ وَكيْ نَتَدَاوَى مَا تَرَاكَدَ داؤُهُ ... من الشوْقِ وَالحبّ الذي لكَ في صَدرِي وَلَيتُ، فدتكَ النّفسُ، أبغيك مَحرمَا، ... وَمَا ذاكَ من شأني وَلا ذاكَ من أمرِي وَمَا حاجَتي إلاّ الحَديثُ وَمَجلِسٌ ... يُسكّنُ دَمعاً يَستَهِلّ على النّحرِ قال فأجابها الفتى: مَنَعَ الزّيَارَةَ أنْ أزُورَكِ طَائِعاً، ... أخشَى الفَسادَ، إذا فَعَلتُ، فَنعتَدِي أخشَى دُنُواً مِنكِ غَيرَ مُحَلَّلٍ، ... فَأكُونُ قَد خالَفتُ دِينَ مُحَمّدِ فأخافُ أنْ يَهوَاكِ قَلبي شَارِفاً، ... فيكونَ حَتفي بالّذي كَسَبتْ يَدِي

فَالصّبرُ خيرُ عَزِيمَةٍ، فاستَعصِمي، ... وَإلى إِلهكِ ذي المَعارِجِ فاقصِدِي وَإذا أتَتكِ وَسَاوِسٌ وَتَفَكّرٌ، ... وَتَذَكّرٌ، فلِكُلّ ذلكَ فَاطرُدِي وَعَليكِ يَاسين، فإنّ بدَرْسِها ... تُنفى الهُمُومُ، وَذاكَ نَفسكِ عوّدي فأجابته الفتاة وهي تقول: لَعَمرُكَ ما ياسينُ تُغني مِنَ الهَوَى، ... وَقُرْبُكَ مِنْ ياسينَ أشهى إلى قلبي فَدَعْ ذِكرَ ياسينَ، فَلَيسَ بنافعي، ... فإنيَ في غَمرِ الحَيَاةِ، وَفي كَرْبِ تَحَرّجتَ عَنْ إتيَانِنَا، وَحَدِيثِنَا، ... فقَتليَ، إنْ فكّرتَ، من أكبرِ الذّنبِ وَإتيَانُنَا أدنى إلى اللهِ زُلفةً، ... وَأحسَنُ مِنْ قَتلِ المُحِبّ بلا عَتبِ قال: فلما قرأ بشر هذه الأبيات غضب غضباً شديداً، وحلف لا يمر بباب هند ولا يقرأ لها كتاباً، فلما امتنع كتبت إليه تقول: سألتُ رَبي، فقد أصَبحتَ لي شَجَناً، ... أن تُبتَلى بهَوَى مَنْ لا يُبَالِيكَا حتى تّذوقَ الذي قد ذُقتُ من نَصَبٍ، ... وَتَطلُبَ الوَصلَ مِمّنْ لا يُؤاتيكَا رَمَاكَ رَبّي بِحُمّاةٍ مُقَلقِلَةٍ، ... وَبامتِنَاعِ طَبيبٍ لا يُداوِيكَا وَأنْ تَظَلّ بِصحرَاءٍ عَلى عَطَشٍ، ... وَتَطلُبَ المَاء َ مِمّن لَيسَ يَسقيكَا فلما لج بشر وترك الممر ببابها، أرسلت إليه بوصيفة لها فأنشدته هذه الأبيات، فقال للوصيفة: لأمر ما لا أمر، فلما جاءت الوصيفة أخبرتها بقول بشر، فكتبت وهي تقول: كَفّرْ يمينَكَ! إنّ الذّنبَ مَغفورُ، ... وَاعلَمْ بأنّكَ كَفّرْتَ مأجورُ لا تَطرُدنّ رَسُولي وَارْثَيَنّ لَهُ، ... إنّ الرّسُولَ قَليلُ الذّنبِ مأمُورُ وَاعلَمْ بأني أبيتُ اللّيلَ سَاهِرَةً، ... وَدَمعُ عَيني عَلى خَدّيّ مَحدُورُ

أدعوهُ باسمِكَ في كَرْبٍ وَفي تعبٍ، ... وَأنتَ لاهٍ قَرِيرُ العَينِ مَسرُورُ فلم لج بشر وترك الممر ببابها، اشتد عليها ذلك، ومرضت مرضاً شديداً، فبعث زوجها إلى الأطباء، فقالت: لا تبعث إلي طبيباً، فإني عرفت دائي، قهرني جنّي في مغتسلي، فقال لي: تحولي عن هذه الدار، فليس لك في جوارنا خير. فقال لها زوجها: فما أهون هذا. فقالت: إني رأيت في منامي أن أسكن بطحاء تراب. قال: اسكني بنا حيث شئت، فاتخذت داراً على طريق بشر، فجعلت تنظر إليه، كل غداة، إذا غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى برأت من مرضها، وعادت إلى حسنها، فقال لها زوجها: إني لأرجو أن يكون لك عند الله خير لما رأيت في منامك أن اسكني بطحاء تراب، فأكثري من الدعاء. وكانت مع هند في الدار عجوز، فأفشت إليها أمرها، وشكت ما ابتليت به، وأخبرتها أنها خائفة إن علم بشر بمكانها أن يترك الممر في طريقه، ويأخذ طريقاً آخر، فقالت لها العجوز: لا تخافي، فإني أعلم لك أمر الفتى كله، وإن شئت أقعدتك معه، ولا يشعر بمكانك. قالت: ليت ذاك قد كان. فقعدت العجوز على باب الدار، فلما أقبل بشر قالت له العجوز: يا فتى؟ هل لك أن تكتب لي كتاباً إلى ابن لي بالعراق؟ قال بشر: نعم! فقعد يكتب، والعجوز تملي عليه وهند تسمع كلامهما، فلما فرغ بشر قالت العجوز لبشر: يا فتى! إني لأظنك مسحوراً، قال بشر: وما أعلمك بذلك؟ قالت له: ما قلت لك حتى علمت، فما الذي تهم؟ قال لها: إني كنت أمر على جهينة، وإن قوماً منهم كانوا يرسلون إلي ويدعونني إلى أنفسهم، ولست آمنهم أن يكونوا قد أضمروا لي شراً. قالت له العجوز: انصرف عني اليوم حتى أنظر في أمرك. فلما انصرف دخلت إلى هند فقالت: هل سمعت ما قال؟ قالت: نعم!

قالت: ابشري، فإني أراه فتىً حدثاً، لا عهد له بالنساء، ومتى ما أتى وزينتك هنيئةً وطيبتك، وأدخلتك عليه، غلبت شهوته وهواه دينه، فانظري يخرج زوجك إلى القرية، فأخبريني. فسألت هند زوجها، فأخبرها أنه خارج يوم كذا وكذا، وأخبرت هند العجوز، وواعدت بشراً ميعاداً، لتنظر له في نجمه، فلما كان في ذلك الوقت جاء بشر إلى العجوز، فقالت: إني شاكية لست أقدر أن أجعل النشرة. ولكن بيتي أستر عليك، فدخل معها البيت، وجاءت هند خلفها، فدخلت البيت على بشر، فلما دخلت خرجت العجوز، فأغلقت الباب عليهما، وقدم زوج هند من الخروج في ذلك اليوم إلى الضيعة فجاء حتى دخل داره، فوجد مع امرأته رجلاً في البيت، فطلقها، ولبب بالفتى فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: يا نبي الله! سليمان هذا بأي حق دخل داري، وجامع زوجتي، فبكى بشر، وقال: والله يا رسول الله ما كذبتك منذ صدقتك، وما كفرت بالله منذ آمنت بك، ولا زنيت منذ شهدت أن لا إله إلا الله، فقص على النبي صلى الله عليه وآله، قصته. فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إلى العجوز وهند، فأحضرهما، فأقرتا بين يديه، فقال: الحمد لله الذي جعل من أمتي نظير يوسف الصديق. ثم قال لهند: استغفري لذنبك، وأدب العجوز، وقال لها: أنت رأس الخطيئة، فرجع بشر إلى منزله، وهند إلى منزلها، فهاج بشر حب هند، فسكت حتى إذا قضت عدتها بعث إليها يخطبها، فقالت: لا والله لا يتزوجني وهو قد فضحني عند رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم. ثم مرض من حبها، وعاد إليها الرسول، فقال: إنه مريض، وإنك

إن لم تفعلي ليموتن، فقالت: أماته الله، فطال ما أمرضني. قال: ومرض بشر فاشتد مرضه وبلغ أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، فأقبلوا إليه يعودونه، فقال بعضهم: أنا أرجو أن يعذب الله هنداً، وأنشأ يقول: إلهيَ إني قد بُليتُ مِنَ الهَوَى ... وَاصبحتُ يا ذا العرْشِ في أشغلِ الشغلِ أُكابدُ نَفساً قَد تَوَلّى بها الهَوَى، ... وَقد مَلّ أخوَاني وَقَد مَلّني أهلي وَقَدْ أيقَنَتْ نَفسِي بِأنّيَ هَالِكٌ ... بِهنْدٍ وَأنّي قَدْ وهَبتُ لهَا قَتلي وَإنّي وَإنْ كانَتْ إليّ مُسِيئَةً، ... يَشُقّ عَليّ أنْ تُعَذَّبَ مِنْ أجلي قال: فشهق شهقةً فمات، رحمه الله تعالى، وأقامت عليه أخته مأتماً، فقامت تندبه، فجاءت هند، وأخته تقول: وَابِشرَاهُ من لَوْعَةِ الهَوى قد تولّى، ... وَابِشرَاهُ ذو الحاجاتِ لا تُقضَى وَابِشرَاهُ شَبابُهُ مَا تَمَلّى، ... وَابِشرَاهُ صَحيحاً قَدْ تَوَلّى وَابِشراهُ لِكتَابِهِ مَا أقْرأ، ... وَابِشرَاهُ بَينَ أصحَابِهِ لا يُرَى وَابِشرَاهُ للضّيفِ مَا أقْرَى، ... وَابِشرَاهُ مُعَجِّلاً إلى الغُرَبَا قال: فلما سمعت هند صرخت صرخةً، ووقعت ميتةً، رحمهما الله، وذهب بها فدفنت مع بشر، فلما مضت أيام جاءت العجوز إلى النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا رسول الله، أنا رأس الخطيئة، كما قلت، أنا التي كنت سبب الأمر، وقد خشيت أن لا تكون لي توبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: استغفري لذنبك وتوبي، فإن الله تعالى يقبل التوبة النصوح. آخر حديثهما.

الحبيب المتبدل

الحبيب المتبدل أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، حدثنا محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف قال: أنشدني أبو بكر العامري، أنشدني غيث الباهلي، أنشدتني قريبة أم البهلول لبيهس بن مكنف بن أعيا بن ظريف: ألَمْ تَرَ ظَمياءَ الشِّباكِ تبدّلتْ ... بَديلاً وَحلّتْ حبلَها من حِبالِيَا؟ أرَى الإلفَ يَسلُو للتّنائي وَللغِنى، ... وَلليأسِ، إلاّ أنّني لَستُ سَالِيَا بنَفسِي وَمَالي قَاسياً لَوْ وَجَدتُهُ ... عَلى النّحرِ فاستَسْقَيتُهُ ما سَقانيَا وَمَن لَوْ رَأى الأعداءَ يَنتضِلونَني ... لَهُمْ غَرَضاً، يَرْمونَني لرَمانِيَا وَمَن لوْ أرَاهُ عَانِياً لَكَفَيتُهُ، ... وَمَن لوْ رآني عانِياً مَا كَفَانِيَا وَمن قد عصَيتُ الناسَ فيه جماعةً، ... وَصرّمتُ خُلاّناً لَهُ، وَجَفَانِيَا غايات الوصال وبإسناده أخبرنا محمد بن خلف قال: أنشدت للحكم بن قنبر: وَقائِلَةٍ صِلْ غَيرَها قَد تَبَدّلَتْ، ... فإنّ ظِرَافَ الغَانِيَاتِ كَثيرُ فقُلتُ لهَا قَلبي يَقولُ: وَهَلْ لهَا، ... وَإنْ صَرَمتني، في الظّرَافِ نَظِيرُ؟ فكُفّي، فإنّي في اطّلابي لِوَصْلِهَا، ... بأرْبَعِ غَايَاتِ الوِصَالِ نَضِيرُ

البين مضر للمشغوف

البين مضر للمشغوف وبإسناده أخبرنا محمد بن خلف، حدثني أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثني أبو عبد الرحمن الغلابي قال: قال إسحاق: جاء رجل من التجار بقينة يعرضها على الرشيد، وأمر بإدخالها مقصورةً لتهيأ فيها، فدخل الفضل بن الربيع ليعترضها، ويخبر أمير المؤمنين، فأخذت العود، وأصلحته، وجعلت تنظر في وجه مولاها، وعيناها تذرفان، وغنت: قَدْ حَانَ منك، فلا تَبعُدْ بِكَ الدّارُ، ... بَينٌ، وَفي البَينِ للمَشْغُوفِ أضرَارُ فأخبر الفضل بن الربيع الرشيد الخبر، فأمر بردها على مولاها، وأمر له بعشرة آلاف درهم. ما أعف وأمجد أخبرنا أحمد بن علي السواق، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا عبد الله بن إبراهيم، حدثنا محمد بن خلف قال: أنشدت لجميل بن عبد الله بن معمر: أقُولُ، وَلمّا تَجزِ بالودّ طائلاً، ... جَزَى اللهُ خَيراً، ما أعَفّ وَأمجَدا فقالتْ: بِغَيري كُنتَ تَهتِفُ دائِباً، ... وَكُنتَ صَبُوراً للغَواني مُصَيَّدا فقُلتُ: فمَنْ ذا يَتّمَ القَلبَ غيركُم ... وَعَوّدَهُ غَيرَ الّذي كانَ عَوّدا فقالت لتِربَيها، لتَصديقِ قَوْلِهَا، ... هلُمّا اسمَعَا مِنهُ المَقَالَةَ وَاشهدَا فقالت: وَهَل في ذاكَ بأسٌ، وَإنّمَا ... أُرِيدُ لِكَيمَا تُسعدِاني، وَتُحمدَا

موهوب للمنايا

موهوب للمنايا وبإسناده قال أنشدت لأعرابي: لَقَدْ وَهَبَتني للمَنَايَا غَرِيرَةٌ، ... قَرِيبَةُ عَهدٍ بِالصِّبَى وَالتّمَائِمِ أأجعَلُها كالرّثمِ، حَاشَى لحُسنِهَا ... وَللرَّخصِ مِنْ أطرَافِهَا وَالمَعَاصِمِ بَلى! إنّ طَرْفَ الرّثمِ يُشبِهُ طَرْفَها، ... وَمِنهَا استَعارَ الجيدَ ظَبيُ الصّرَائِمِ خَلَوْتُ بهَا لَيلاً، وَثَالِثُنَا التّقَى، ... وَلَستُ عَلى ذاكَ العَفافِ بنادِمِ الفتول الخثعمية وحلف الفضول ذكر أبو القاسم منصور بن جعفر الصيرفي في كتابه كتاب المجالسات، حدثني أحمد بن كامل القاضي، حدثنا محمد بن موسى عن الزبير، حدثني غير واحد منهم عن عبد العزيز بن عمر القيسي عن مفتي بن عبد الله بن عنبسة: أن رجلاً من خثعم قدم مكة تاجراً، ومعه بنت له يقال لها الفتول، فعلقها نبيه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة، فلم يبرح حتى نقلها إليه وغلب أباها عليها، فقيل لأبيها: عليك بحلف الفضول. فأتاهم، فشكا ذلك إليهم، فأتوا نبيه بن الحجاج، فقالوا له: أخرج ابنة هذا الرجل، وهو يومئذ متبد بناحية مكة، وهي معه. فقال: يا قوم متعوني منها الليلة. قالوا له: لا والله، ولا ساعةً، فأخرجها، فأعطوها أباها، وركبوا وركب معهم الخثعمي، فلذلك

عفة ووجه صبيح

يقول نبيه بن الحجاج: رَاحَ صَحبي وَلمْ أُحَيّ الفَتُولا، ... لَمْ أُوَدّعْهُمُ وَداعاً جَمِيلا إذ أجَدّ الفُضُولُ أنْ يَمنَعُوهَا ... قَدْ أُرَاني، وَلا أخَافُ الفُضُولا عفة ووجه صبيح أخبرنا أحمد بن علي السواق، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا عبد الله بن إبراهيم البصري، حدثنا محمد بن خلف أنشدت لبعض الأعراب: يا خَليليّ هَجِّرَا كَيْ تَرُوحَا، ... هِجتُما للسّقَامِ قَلباً قَرِيحَا إنْ تُرِيحَا كَيْ تَعلَما سِرّ سُعدى ... تَجِدانِي بِسرّ سُعدَى شَحِيحا كَلّمَتني، وَذّاكَ ما نِلتُ مِنَها؛ ... إنّ سُعدى تَرَى الوِصَالَ قَبِيحَا إنّ سُعدَى لَمُنيَةُ المُتَمَنّي، ... جَمَعَتْ عِفّةً وَوَجهاً صَبِيحَا صدق الواشون وبالإسناد قال أنشدت لقيس بن الملوح: فماذا عَسَى الوَاشُونَ أن يَتَحدّثُوا ... سِوَى أنْ يَقُولُوا إنّني لكِ عَاشِقُ نَعَم! صَدَقَ الوَاشُونَ! أنتِ كَرِيمةٌ ... عليّ، وَأهوَى منكِ حُسنَ الخلائِقِ كذا ذكر والصواب: نَعَم! صَدَقَ الوَاشُونَ! أنتِ حَبيبَةٌ ... إليّ، وَإنْ لم تَصفُ مِنكِ الخلائِقُ

سواء في الهوى

سواء في الهوى في المجالسات حدث أبو القاسم منصور بن جعفر الصيرفي، حدثني أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله المحرر، أخبرني بعض أصحابنا، أخبرني صديق لي من أهل المدينة قال: كان لنا عبد أسود يستقي الماء، فهوي جارية لبعض المدنيين سوداء، وكان يواصلها سراً منا، فلم يزالا كذلك حتى اشتهر أمرهما، وظهر، فشكا مولى الجارية الغلام إلى أبي، فضربه وحبسه وقيده، فمكث أياماً على هذه الحال ثم دخلت إليه فقلت له: ويلك! قد فضحتنا وشهرتنا بحبك لهذه السوداء، وتعرضت فيها للمكروه، فهل تجد بك مثل وجدك بها؟ فبكى، وأنشأ يقول: كِلانا سَوَاءٌ في الهَوَى غيرَ أنّها ... تَجَلّدُ أحياناً، وَما بي تَجَلّدُ تَخافُ وَعِيدَ الكَاشِحِينَ، وَإنّمَا ... جنوني عَلَيها حينَ أُنهَى وَأُوعَدُ قال: فخبرت بذلك أبي، فحلف أنه لا يبيت أو يجمع بينهما، فاشتراها له أبي باثي عشر ديناراً وزوجها منه. قتيل لا قود له ولا دية أنبأنا القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد بن متويه البلخي، حدثنا أحمد بن إسماعيل الكرابيسي، حدثنا معبد بن فرقد البلخي، حدثنا سليمان بن أبي عبد الرحمن عن مجالد بن عبد الرحمن الأندلسي عن عطاء أن عكرمة قال: كنا عند ابن عباس في آخر أيام العشر في المسجد الحرام، إذ أقبل فتيان يحملون فتىً، حتى وضعوه بين يدي ابن عباس فقالوا: استشف الله له تؤجر.

الدمع المبتذل

فقال لهم: ما به؟ فأنشأ الفتى يقول: وَبي من جَوَى الأسقامِ وَالحبّ لَوْعَةٌ، ... تكادُ لها نَفسُ الشّفيقِ تَذُوبُ وَلَكِنّمَا أبقى حُشَاشَةَ مَا تَرَى ... عَلى مَا بِهِ عُودٌ هُنَاكَ صَلِيبُ قال ابن عباس: والله ما رأيت وجهاً أعتق، ولا لساناً أذلق، ولا عوداً أصلب من هذا، هذا والله قتيل الحب والهوى، لا قود له ولا دية. الدمع المبتذل وأنبأنا القاضي أبو الطيب، سمعت أبا جعفر الموسائي العلوي يقول: حدثني محمد بن أحمد بن الرصافي قال: قال لي عبد الملك بن محمد: إني خرجت من البصرة أريد الحج، فإذا أنا بفتىً نضوٍ قد نهكه السقام، يقف على محمل محمل، وهودج هودج، ويطلع فيه، فتعجبت منه ومن فعله، فقال: أحُجّاجَ بَيتِ اللهِ في أيّ هَوْدَجٍ، ... وَفي أيّ خِدْرٍ مِنْ خُدورِكُمُ قلبي؟ أأبقَى أسِيرَ الحُبّ في دارِ غُرْبَةٍ، ... وَحَادِيكُمُ يَحدُو بقَلبيَ في الركبِ؟ فلم أزل أقف عليه، حتى جاء إلى المنزل، فاستند إلى جدار ثم قال: خَلّ فَيضَ الدّمعِ يَنهَملُ، ... بَانَ مَن تَهوَاهُ فارْتَحلوا كُلُّ دَمعٍ صَانَهُ كَلِفٌ ... فَهوَ يَوْمَ البَينِ مُبتَذَلُ قال: ثم تنفس الصعداء، وشهق شهقةً، فحركته، فإذا هو ميت.

يقتل من يحبه

يقتل من يحبه أنبأنا القاضي أبو الطيب، سمعت أبا القاسم بن متويه يقول: رشق الجماني العلوي غلاماً له وكان يحبه، فقتله، وقال فيه: فإنْ تَكُ قد قُتِلتَ بسَهمٍ رَامٍ، ... وَكانَتْ قَوْسُهُ سَبَباً لحَتفِك فَكَمْ يَوْمٍ أدَمتَ القَتلَ فِيهِ، ... بقَوْسَيْ حاجبَيك وَسَهمٍ طَرْفكِ هذا مليح أخبرنا أبو بكر أحمد بن ثابت الخطيب بالشام، أنبأنا أبو الفرج التميمي أنشدنا أبو الحسن السلامي لنفسه: ظَبيٌ إذا لاحَ في عَشِيرَتِهِ ... يَطرُقُ بالهَمّ قَلبَ مَن طَرَقَهْ سِهَامُ ألحَاظِهِ مُفَوَّقَةٌ، ... فكلّ مَنْ رَامَ وَصلَهُ رَشقَهْ بَدائِعُ الحُسنِ فِيهِ مُفتَرِقَهْ، ... وَأنفُسُ العَاشِقينَ مُتّفِقَهْ قد كتبَ الحُسنُ فَوْقَ عارِضِهِ: ... هَذا مَليحٌ وَحَقِّ مَنْ خَلَفَهْ

الشاهد الغائب

الشاهد الغائب أنبأنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي، حدثنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أبي مسلم، حدثنا أبو بكر الصولي قال: كنا يوماً عند تغلب، فأقبل محمد بن داود الأصفهاني، فسلم عليه أبو العباس، ثم قال له: أهاهنا شيء من صيودك؟ فأنشده: سَقَى اللهُ أيّاماً لَنَا وَلَيَالِيَا، ... لَهُنّ بأكنَافِ الشّبَابِ مَلاعِبُ إذِ العَيشُ غَضٌّ، وَالزّمانُ مطاوِعٌ، ... وَشاهِدُ آفاتِ المُحبّينَ غَائِبُ السقم المسروق قال: وأنشدني أبو بكر الصولي: أحبَبتُ مِنْ أجلِهِ من كانَ يُشبُهُ، ... وَكُلُّ شَيءٍ مِنَ المَعشُوقِ مَعشوقُ حتى حَكيتُ بِجسمي مَا بمُقلَتِهِ، ... كَأنّ سُقمي مِن جَفنَيهِ مَسرُوقُ حياة الكلام وموت النظر أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزبيبي، حدثنا محمد بن خلف، حدثني أحمد بن طيفور، حدثنا عبد الله بن أحمد، أخبرني أبو أحمد الغساني عن أعرابي من عذرة يكنى أبا المعرج قال: نزل أعرابي من بني أسد بأعرابية من طي في يوم صائف، فأتته بقرىً حاضر وماء بارد، فنظر إليها، ففتنته بنظرها من وراء البرقع، فراودها عن

نفسها، فقالت: يا هذا! أما يقذعك الإسلام والكرم؟ كل وقل، وإن أردت غير ذلك فارتحل، فأنشأ الأسدي يقول: تَقولُ لي عمرَةُ قوْلَ المُبتَعِلْ: ... للضّيفِ حَقّ يا فتَى فكُلْ وَقِلْ فعِندنَا ما شِئتَ من بَرْدٍ وَظِلٍّ، ... أمّا الذي تَطلبُهُ، فَلا يَحِلْ يَمنَعُ مِنهُ الدِّينُ وَالعِرْقُ الأصُلْ قال: وعلقها، فقال: فزوجيني نفسك. فقالت: شأنك وأوليائي؟ فأتاهم، فخاف أن لا يزوجوه للعداوة التي بينهم، فانتسب عذرياً، فزوجوه، فأقام معها زماناً ثم علم به أهلها، فقالوا: يا هذا والله إنك لكفؤ كريم، ولكنا نكره أن تنكح منا وأنت حربنا، فخل عن صاحبتنا، وقد كان تزايد وجده بها لما رأى من موافقتها وحسنها، وكانت تهالكه عند الجماع، فطلقها وقال: أحِبّكِ يا عمَرَ حُبّ المُسِرّ، ... لِطُولِ الحَياةِ وَأمنِ الغِيَرْ وَيُعجِبُني مِنكِ عِندَ الجِما ... عِ حياةُ الكلامِ وَموْتُ النّظرْ وَهَجرُكِ يَرْمِينَ بالمُنكرَاتِ ... أغالِيظَ ذو السَّكَرِ المُبتَهِرْ وَذو أشَرٍ بَارِدٍ طَعمُهُ، ... وَرَابي المَجَسّةِ سُخنِ القَعَرْ

الأخوات الثلاث وكتابهن

الأخوات الثلاث وكتابهن أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن علي في ما أجاز لنا، حدثنا إسماعيل بن سعيد بن سويد، حدثنا الحسين بن القاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا الزبير بن بكار، حدثني عم لي قال: ذكر لي رجل من أهل المدينة أن رجلاً خرج حاجاً، فبينا هو قد نزل تحت سرحة في بعض الطريق، بين مكة والمدينة، إذا هو بكتاب معلق في السرحة مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. أيها الحاج القاصد بيت الله إن ثلاث أخوات فتيات خلون يوماً، فبحن بهواهن، وذكرن أشجانهن، فقالت الكبرى منهن: عَجِبتُ له أن زَارَ في النّوْمِ مَضْجعي، ... وَلَوْ زَارَني مُستَيقظاً كانَ أعجَبَا وقالت الوسطى: ما زَارَني في النّوْمِ إلاّ خَيالُهُ، ... فقُلتُ لَهُ: أهلاً وَسَهلاً وَمَرْحَبَا وقالت الصغرى: بنَفسِي وَأهلي مَن أرَى كُلَّ لَيلَةٍ ... ضَجيعي، وَرَيّاهُ من المِسكِ أطيَبَا وفي أسفل الكتاب: رحم الله من نظر في كتابنا هذا وقضى بيننا بالحق ولم يجر في القضية. قال: فأخذ الكتاب فتى وكتب في أسفله: أُحَدّثُ عَنْ حُورٍ تَحَدّثنَ مَرّةً، ... حديثَ امرِئٍ سَاسَ الأمورَ وَجرّبَا ثَلاثٍ كَبَكرَاتِ الهِجَانِ عَطابلٍ، ... نَوَاعِمَ يَقتُلنَ اللّئيمَ المُسَبّبَا خَلَوْنَ، وَقد غابتْ عُيُونٌ كَثيرَةٌ، ... مِنَ اللاءِ قَد يَهوَينَ أنْ يَتَغَيّبَا فَبُحنَ بما يُخفِينَ من لاعِجِ الهَوَى، ... مَعاً، وَاتّخَذنَ الشّعرَ مَلهىً ومَلعَبَا

غريبان وجارية

عَجبتُ له أن زَارَ في النّومِ مَضجَعي، ... وَلَوْ زَارَني مُستَيقِظاً كانَ أعَجَبَا وَإذ أخبرَتْ ما أخبرَتْ وَتَضاحَكَتْ، ... تَنَفّسَتِ الأخرَى، وَقالت تطرُّبَا: وَما زَارَني في النّوْمِ إلاّ خَيَالُهُ، ... فقُلتُ لهُ: أهلاً وسَهلاً وَمَرْحَبَا وَشُوّقَتِ الأخرَى وَقالَتْ مُجيبَةً ... لَهُنّ بقَوْلٍ كانَ أشهَى وَأعذَبَا: بنَفسِي وَأهلي مَن أرَى كلّ لَيلَةٍ ... ضَجيعي، وَرَيّاهُ مِنَ المِسكِ أطيَبَا فلَمّا تَبَيّنتُ الذي قُلنَ وَانبَرَى ... ليَ الحُكمُ لم أترُكْ لدى القَوْلِ مَعتَبَا قَضَيتُ لصُغرَاهُنّ بالظّرْفِ، إنّني ... رَأيتُ الذي قالتْ إلى القَلبِ أطرَبَا غريبان وجارية أخبرنا أبو الفتح عبد الواحد بن الحسين بن شيطا وأبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين قالا: حدثنا أبو القاسم بن سويد العدل، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا ابن علي الكاتب، أخبرني بعض أصحابنا من الكتاب قال: دخلت البصرة أنا وصديق لي، فرأيت جارية قد خرجت من بعض الدور كأنها فلقة قمر، فقلت لصاحبي: لو ملت بنا إليها فاستسقيناها ماء؟ ففعل، فقلنا له: جعلنا الله فداءك، اسقينا ماء، فقالت: نعم، وكرامة! فدخلت وأخرجت كوز ماء، وهي تقول: ألا حَيِّ شَخْصَيْ قاصِدَينِ أرَاهُمَا ... أقَامَا فَما أن يَعرِفَا مُبتَغَاهُمَا هُمَا استَسقَيَا مَاءً عَلى غَيرِ ظَمأةٍ ... لِيَستَمتِعَا باللّحظِ مِمّنْ سَقَاهُمَا فقلت لها: جعلني الله فداءك، فهل لك في الخلوة؟ فولت، وهي تقول: شه! أجمل أنا فيركبني اثنان؟

المضل إبله والجارية الموجعة القلب

المضل إبله والجارية الموجعة القلب أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي، حدثنا إبراهيم بن محمد الطائفي، حدثني صقر بن محمد مولى قريش، حدثنا الأصمعي قال: سمعت رجلاً من بني تميم يقول: أضللت إبلاً لي، فخرجت في طلبهن، فمررت بجارية أعشى نورها بصري، فوقفت بها، فقالت: ما حاجتك؟ قلت: إبل لي أضللتها، فهل عندك شيء من علمها؟ قالت: أفلا أدلك على من عنده علمهن؟ قلت: بلى! قالت: الذي أعطاكهن هو الذي أخذهن، فاطلبهن من طريق التيقن لا من طريق الاختيار. ثم تبسمت، وتنفست الصعداء، ثم بكت وأطالت البكاء، وأنشأت تقول: إني وَإنْ عَرَضَتْ أشياءُ تُضحِكُني، ... لمُوجَعُ القَلبِ مطوِيّ عَلى الحَزَنِ إذا دَجا اللّيلُ أحيا لي تَذَكّرَهُ، ... وَالصّبحُ يَبعَثُ أشجاناً عَلى شَجَنِ وَكيفَ تَرْقُدُ عَينٌ صَارَ مُؤنِسُهَا ... بَينَ التّرَابِ، وَبَينَ القَبرِ وَالكَفَنِ أبلَى الثّرَى وَتُرَابُ الأرْضِ جِدّتَهُ، ... كأنّ صُورَتهُ الحَسناءَ لَمْ تَكُنِ أبكي عَلَيهِ حَنيناً حِينَ أذكُرُهُ، ... حَنينَ وَالِهَةٍ حَنّتْ إلى وَطَنِ أبكي على مَن حَنَتْ ظهرِي مُصِيبَتُهُ، ... وَطَيّرَ النّوْمَ عَن عَيني وَأرّقَني وَاللهِ لا أنسَ حبّي الدهرَ ما سَجَعتْ ... حَمَامَةٌ، أوْ بَكَى طَيرٌ عَلى فَنَنِ فقلت، عندما رأيت من جمالها وحسن وجهها وفصاحتها وشدة جزعها: هل لك من بعل لا تذم خلائقه وتؤمن بوائقه؟ فأطرقت ملياً ثم أنشأت تقول: كُنّا كَغُصنَينِ في أصلٍ غِذاؤُهُما ... ماءُ الجَدَاوِلِ في رَوْضَاتِ جَنّاتِ فَاجتَثّ خيرَهُمَا من جَنبِ صَاحِبِهِ، ... دَهرٌ يَكُرّ بفَرْحَاتٍ وَتَرْحَاتِ

دعه ليوم البعث

وَكانَ عَاهَدَني، إنْ خانَني زَمَنٌ، ... أنْ لا يُضَاجعَ أُنثى بَعدَ مَثوَاتي وَكُنتُ عَاهدتُهُ أيضاً، فعَاجَلَهُ ... رَيبُ المَنُونِ مُذْ سُنَيّاتِ فاصرِفْ عِنانَكَ عَمّن لَيسَ يَرْدعُه ... عَنِ الوَفَاءِ خِلابٌ في التحيّاتِ دعه ليوم البعث أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق بقراءتي عليه، حدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن بيان الزبيبي، حدثنا محمد بن خلف المحولي، حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا محمد بن الحسين، حدثني محمد بن سلام الجمحي قال: سمعت خارجة بن زياد، وهو من بني سليم، يذكر قال: هويت امرأة من الحي، فكنت أتبعها إذا خرجت إلى المسجد، فعرفت مني ذلك فقالت لي ذات ليلة: ألك حاجة؟ قلت: نعم! قالت: وما هي؟ قلت: مودتك. قالت: دع ذلك ليوم التغابن. قال: فأبكتني، والله فما عدت إليها بعد ذلك. لحام بني إسرائيل والجارية أخبرنا أحمد، حدثنا محمد، حدثنا عبد الله، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا أحمد بن حرب، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا مرحوم بن عبد العزيز، حدثنا أبو عمران الجوني قال: كان لحام بني إسرائيل لا يتورع من شيء، فجهد أهل بيت من بني إسرائيل، فأرسلوا إليه جارية منهم تسأله، فمضت إليه، وقالت: يا لحام بني إسرائيل، أعطنا لحماً! فقال: لا! أو تمكنيني من نفسك. فرجعت،

راهبة لا تشارك في المعصية

فجهدوا جهداً شديداً، فرجعت إليه، فقالت: يا لحام بني إسرائيل، أعطنا! فقال: لا! أو تمكنيني من نفسك. فرجعت، فجهدوا جهداً شديداً، فأرسلوها إليه، فقالت: يا لحام بني إسرائيل، أعطنا، فقال: لا؟! أو تمكنيني من نفسك. قالت: دونك. فلما خلا بها جعلت تنتفض كما تنتفض السعفة إذا خرجت من الماء، فقال لها: ما لك؟ قالت: أخاف الله! هذا شيء لم أصنعه قط. قال: فأنت تخافين الله ولم تصنعيه، وأفعله أنا. أعاهد الله أني لا أرجع إلى شيء مما كنت فيه. قال: فأوحى الله، عز وجل، إلى نبي بني إسرائيل: أن كتاب لحام بني إسرائيل أصبح في كتاب أهل الجنة، فأتاه النبي، عليه السلام، فقال: يا لحام! أما علمت بأن كتابك أصبح في كتاب أهل الجنة؟ راهبة لا تشارك في المعصية أخبرنا أحمد بن علي، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزبيبي، حدثنا محمد بن خلف القاضي، حدثنا أبو بكر القرشي، حدثني أحمد بن العباس النمري، حدثني أبو عثمان التميمي قال: مر رجل براهبة من أجمل النساء فافتتن بها، فتلطف في الصعود إليها، فأرادها على نفسها، فأبت عليه، وقالت: لا تغتر بما ترى، فليس وراءه شيء، فأبى حتى غلبها على نفسها، وكان إلى جانبها مجمرة لبان، فوضعت يدها فيها، حتى احترقت، فقال لها بعد أن قضى حاجته منها: ما دعاك إلى ما صنعت؟ قالت: إنك لما قهرتني على نفسي خفت أن أشركك في اللذة، فأشاركك في المعصية، ففعلت ذاك لذلك، فقال الرجل: والله لا أعصي الله أبداً، وتاب مما كان عليه.

يقلع عينه

يقلع عينه وبإسناده حدثنا محمد بن خلف، حدثنا أبو بكر القرشي، حدثني محمد بن الحسين، حدثني الصلت بن حكيم، حدثني موسى بن صالح أبو هارون قال: نظر رجل من عباد بني إسرائيل إلى امرأة جميلة نظرة شهوة، فعمد إلى عينه فقلعها. اللهو البرئ أخبرنا أحمد بن علي، حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا عبد الله بن إبراهيم، حدثنا محمد بن خلف قال: وأنشدني عبد الله بن شبيب لبعض المدنيين: وَبالعَرْصَةِ البَيضَاءِ إن زُرْتُ أهلَها، ... مَهاً مُهمَلاتٌ ما عَلَيهِنّ سائسُ خَرجنَ لحبّ اللهوِ مِنْ غَيرِ ريبَةٍ، ... عَفائِفُ باغي اللهوِ مِنهنّ آيِسُ شادن من بني الرهبان ولي من أثناء قصيدة: وَشَادِنٍ مِنْ بَني الرّهبَانِ تاركني ... حبّي، وَقد شَاعَ بَينَ النّاسِ وَاشتَهَرَا وَقال: لَوْ كنتَ صَبّاً لافتدَيتَ بمَنْ ... تَهوَاهُ في لُبسِهِ الزُّنّارَ وَالشَّعَرَا فقُلتُ: لَستُ بذَنبي طالِباً بَدَلاً، ... وَلَوْ أذابَ غَرَامي أعظُمي وَبَرَى وَكانَ ذلِكَ مِنهُ أصلَ سَلوَتِهِ، ... وَالعَزْمُ في الأمرِ ممّا يُعقِبُ الظّفَرَا

اليد المسموطة

اليد المسموطة أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت إن لم يكن حدثنا، حدثنا القاضي أبو القاسم هبة الله بن الحسين الرحبي، حدثنا علي بن أحمد المهلبي، أخبرنا أبو العباس بن عطاء قال: كان يحضر حلقتي شاب حسن الوجه يخبئ يده. قال: فوقع لي أن الرجل قد قطعت يده على حال من الأحوال، قال: فجاءني يوم جمعة، وقد جاءت السماء بالبركات، ولم يجئني في ذلك اليوم أحد، فطالبتني نفسي بمخاطبته، فدفعتها مراراً كثيرة إلى أن غلب علي كلامه، فكلمته فقلت له: يا فتى ما بال يدك تخبئها، لم لا تخرجها، فإن كان بها علة دعوت الله تعالى لك بالعافية، فما سببها؟ فأخرجها، فرأيت فيها شبيهاً بالشلل، فقلت: يا فتى ما أصاب يدك؟ قال: حديثي طويل. قلت: ما سألتك إلا وأحب أن أسمعه. فقال لي الغلام: أنا فلان بن فلان، خلف لي أبي ثلاثين ألف دينار، فعلقت نفسي بجارية من القيان، فأنفقت عليها جملة، ثم أشاروا علي بشرائها، فاشتريتها بستة آلاف دينار، فلما حصلت عندي وملكتها قالت: لم اشتريتني، وما في الأرض أبغض إلي منك، وإني لأرى نظري إليك عقوبةً، فاسترد مالك، فلا متعة لك بي، مع بغضي لك. قال: فبذلت لها كل ما يبذله الناس، فما ازدادت إلا عتواً، فهممت بردها، فقالت لي داية لي: دعها تموت ولا تموت أنت. قال: فاعتزلت في بيت، ولم تأكل ولم تشرب، وإنما كانت تبكي وتتضرع حتى ضعف الصوت، وأحسسنا منها بالموت، وما مضى يوم إلا وأنا أجيء إليها وأبذل لها الرغائب، وما ينفع ذلك ولا تزداد إلا بغضاً لي. فلما كان اليوم الرابع أقبلت عليها وسألتها عما تشتهيه، فاشتهت حريرةً

التفاح بدل الجمار

فحلفت لا يعملها أحد سواي، وأوقدت النار ونصبت القدر، وبقيت أمرس ما جعل فيها، والنار تعمل، وقد أقبلت علي تشكو ما مر بها من الآلام في هذه الأيام، فأقبلت دايتي، فقالت: يا سيدي سليمان يدك؛ قد ذهبت، فرفعتها وقد انسمطت على ما تراها. قال أبو العباس: فصعقت صعقةً، وقلت: يا بأبي هذا في طلب المعشوق أقبل عليك، فنالك هذا كله. التفاح بدل الجمار أخبرنا أحمد بن علي التوزي، حدثنا إسماعيل بن سويد، حدثنا أبو علي الكوكبي، أخبرني ابن الأصقع قال: قال لي بعضهم: رأيت ببغداد في وقت الحج فتىً ومعه تفاح مغلف، فانتهى إلى سور فوقف تحته، فاطلع عليه جوار كأنهن المها، فأقبل يرميهن بذاك التفاح، فقلن له: أم تكن معتزماً على الحج؟ فقال: وَلمّا رَأيتُ الحَجّ قَد آنَ وقتُهُ، ... وَأبصرْتُ تلك العيسَ بالرّكبِ تعسِفُ رَحَلتُ مَعَ العُشّاقِ في طَلَبِ الهَوَى، ... وَعَرَفتُ مِنْ حَيثُ المُحبّينَ عرّفوا وَقَد زَعَمُوا أنّ الجِمارَ فَرِيضَةٌ، ... وَتِارِكَ مَفرُوضِ الجِمَارِ يُعَنَّفُ عَمَدتُ لتُفّاحٍ ثَلاثٍ وَأرْبَعٍ، ... فزُعفِرَ لي بَعضٌ وَبَعضٌ مُغَلَّفُ وَقُمتُ حِيَالَ القَصرِ، ثمّ رَمَيتُهُ، ... فَظلّتْ لهَا أيدِي المِلاحِ تَلَقّفُ وَإنّي لأرْجُو أنْ تُقَبَّلَ حِجّتي، ... ومَا ضَمّني للحَجّ سَعيٌ وَمَوْقِفُ

مدرك الشيباني وعمرو النصراني

مدرك الشيباني وعمرو النصراني أخبرنا القاضي أبو عبد الله القضاعي إجازة، أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن خرزاد النحيرمي بقراءتي عليه، أخبرنا جعفر بن شاذان القمي أبو القاسم قال: كان عمرو بن يوحنا النصراني يسكن في دار الروم ببغداد، في الجانب الشرقي، وكان من أحسن الناس صورةً وأجملهم خلقاً، وكان مدرك بن علي الشيباني يهواه، وكان من أفاضل أهل الأدب، وكان له مجلس يجتمع إليه الأحداث لا غير، فإن حضره شيخ أو كهل قال له: إنه ليقبح بمثلك أن يختلط بالأحداث والصبيان فقم في حفظ الله. وكان عمرو بن يوحنا ممن يحضر مجلسه، فعشقه مدرك، وهام به، فجاء عمرو يوماً إلى المجلس، فكتب مدرك رقعةً وطرحها في حجره، فقرأها، فإذا فيها: بمَجالِسِ العِلمِ التي ... بكَ تمّ جَمعُ جموعِها ألاّ رَثَيتَ لُمقلَةٍ، ... غَرِقَتْ بمَاءِ دُموعِها بَيني وبَينَكَ حُرْمَةٌ، ... اللهَ في تَضيِيعِهَا فقرأ الأبيات، ووقف عليها من كان في المجلس، وقرأوها واستحيا عمرو من ذلك، فانقطع عن الحضور، وغلب الأمر على مدرك، فترك مجلسه، ولزم دار الروم، وجعل يتبع عمراً حيث سلك، وقال فيه قصيدة مزدوجة عجيبة، وله أيضاً في عمرو أشعار كثيرة، ثم اعترى مدركاً الوسواس وسل جسمه، وذهب عقله، وانقطع عن إخوانه، ولزم الفراش، فحضره جماعة فقال لهم: ألست صديقكم القديم العشرة لكم، فما فيكم أحد يسعدني بالنظر

كلانا أسير الهوى

إلى وجه عمرو؟ فمضوا بأجمعهم إليه، وقالوا له: إن كان قتل هذا الفتى ديناً، فإن إحياؤه لمروءة. قال: وما فعل؟ قالوا: قد صار إلى حال ما نحسبك تلحقه، فلبس ثيابه، ونهض معهم، فلما دخلوا عليه سلم عليه عمرو، وأخذ بيده، وقال: كيف تجدك يا سيدي؟ فنظر إليه وأغمي عليه ساعة، ثم أفاق وفتح عينيه، وهو يقول: أنَا في عَافِيَة إ ... لاّ مِنَ الشّوْقِ إلَيكَا أيّهَا العَائِدُ مَا بي ... مِنكَ لا يَخفَى عَلَيكَا لا تَعُدْ جِسْماً وَعُدْ ... قَلباً رَهيناً في يَدَيكَا كَيفَ لا يَهلِكُ مَرْ ... شوقٌ بسَهمَيْ مُقلَتَيكَا ثم شهق شهقةً فارق الدنيا بها حتى دفنوه. كلانا أسير الهوى ولي من أثناء قصيدة كتبت بها إلى بعض أهل العلم: وَذي شَجَنٍ مثلي شكَوْتُ صَبابَتي ... إلَيهِ، وَدَمعيَ مَا يُفتِّر قَطرُه فقالَ، وَلَمْ يَملِكْ سَوَابِقَ عَبرَةٍ ... تُتَرْجِمُ عمّا قد تَضَمّنَ صَدرُه: كِلانا أسيرٌ في الهَوَى مُتَهَدَّدٌ ... بقَتلٍ، فمَا يَنفَكّ مَا عَاشَ أسرُه لَقَد ضَاقَ ضَرْعي بالنّوَى، وَأمَلّني ... نَعيبُ غُرَابِ البَينِ لا شِيدَ وَكرُه وَأقلَقَني حادِي الرّكائِبِ بالضّحَى، ... وَسَائِقُهَا لمّا تَتَابَعَ زَجرُه وَتَقويضُ خَيمِ الحيّ وَالبَينُ ضَاحِكٌ ... لفُرْقَتِنَا، حَتى بَدَا مِنهُ ثَغرُه وَفي الجيرَةِ الغادينَ أحوىً، عذارُهُ ... يَقُومُ بهِ للعاشِقِ الصّبّ عُذرُه غَدائِرُهُ لي شَاهِداتٌ بأنّهُ ... وَفَيتُ لَهُ من بَعدِ ما بَانَ غَدرُه

أي قول أحسن

أي قول أحسن؟ أخبرنا أحمد بن علي الوراق بدمشق، حدثنا الحسين بن محمد أخو الخلال، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم الشطي بجرجان، حدثنا أبو علي أحمد بن الحسين بن شعبة، حدثنا أحمد بن جعفر الهاشمي، حدثنا محمد بن عبد الله الكاتب قال: كنت يوماً عند محمد بن يزيد المبرد، فأنشد: جِسمي معي غَيرَ أنّ الرّوحَ عندَكمُ، ... فالجسمُ في غُرْبَةٍ وَالرّوحُ في وَطَنِ فَليَعجَبِ النّاسُ منّي أنّ لي بَدَناً ... لا رُوحَ فيهِ، وَلي رُوحٌ بلا بَدَنِ ثم قال: ما أظن الشعراء قالت أحسن من هذا. قلت: ولا قول الآخر؟ قال: هيه! قلت: الذي يقول: فارَقتُكمُ وَحَيِيتُ بَعدَكُمُ، ... ما هكذا كانَ الذي يَجِبُ فالآنَ ألقَى النّاسَ مُعتَذِراً، ... من أنْ أعِيشَ وأنتمُ غَيَبُ قال: ولا هذا. قلت: ولا خالد الكاتب: رُوحانِ لي، رُوحٌ تَضَمَنّهَا ... بَلَدٌ، وَأُخرَى حَازَها بَلَدُ وَأظُنّ غَائِبَتي كَشَاهِدَتي ... بمَكانِها تَجِدُ الذي أجِدُ قال: ولا هذا. قلت: أنت إذا هويت الشيء ملت إليه، ولم تعدل إلى غيره. قال: لا! ولكنه الحق، فأتيت ثعلباً، فأخبرته، فقال ثعلب ألا أنشدته: غابُوا، فَصَارَ الجِسْمُ من بَعدِهم، ... مَا تَنظُرُ العَينُ لَهُ فَيّا بِأيّ وَجهٍ أتَلَقّاهُمُ، ... إذا رَأوْني بَعدَهُمْ حَيّا يا خجلَتي مِنهُ، وَمِنْ قَوْلِهِ: ... مَا ضرّكَ الفَقدُ لَنَا شَيّا

شهود ثقات

قال: فأتيت إبراهيم بن إسحق الحربي، قأخبرته، فقال: ألا أنشدته: يا حيَائي مِمّنْ أُحِبّ، إذا مَا ... قالَ بَعد الفِراق: إني حَييتُ لَوْ صَدقتَ الهَوَى حَبيباً، عَلى الصّ ... حّةِ لمَا نَأى، لكُنتَ تموتُ قال: فرجعت إلى المبرد، فقال: أستغفر الله إلا هذين البيتين، يعني بيتي إبراهيم. شهود ثقات وأخبرنا أحمد بن علي، أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز بهمذان، حدثنا محبوب بن محمد النرديجي قاضي شروان، أنبأنا أبو سعيد الحسن بن زكريا العدوي ببغداد: أنشدني إبراهيم الحربي: أنكَرْتَ ذُلّي، فَأيّ شَيءٍ ... أحسَنُ مِنْ ذِلّةِ المُحِبِّ؟ ألَيسَ شَوْقي وَفَيضُ دَمعي ... وَضُعفُ جسمي شهودَ حُبّي؟ قال إبراهيم: هؤلاء شهود ثقات. ود ووفاء حتى الموت أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، حدثنا محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف، أخبرني أبو بكر، حدثنا الزبير بن بكار عن مولى لعلي بن أبي طالب، عليه السلام، قال، وكان راوية: إن فتىً من قريش من أهل المدينة هوي جارية منهم، فاشتد وجد كل واحد منهما بصاحبه، ثم بلغه عنها أنها تبدلت، فشكا ذلك إلى أخ له، فكان يستريح إليه، وكانت الجارية قد خرجت مع صواحب لها تتبدى، فقال له

الهموم الغالبة

صاحبه: الرأي أن تتلقاها فتعلمها ذلك، فإن كانت قد فعلت كان اعتزالك عنها، وإن كانت لم تفعل لم تعجل عليها بقطيعة. قال: فخرجنا حتى أتينا القصر الذي هي فيه، وأرسل إليها: إني أريد أن أكلمك، فأرسلت إليه: إني لا أقدر نهاراً، ولكن موعدك الليلة من وراء القصر. فلقيها لموعدها، فشكا إليها وذكر شدة وجده بها وما هو فيه. فقالت: قد أكثرت علي، وما أدري بما أجيبك، إلا أن مثلي ومثلك ما قال جميل: فما سِرتُ من ميلٍ وَلا سِرتُ لَيلَةً ... مِنَ الدّهرِ إلاّ اعتادَني مِنكِ طائِفُ وَلا مَرّ يَوْمٌ مُذْ تَرَامَتْ بكِ النّوَى ... وَلا لَيلَةٌ إلاّ هَوىً مِنكِ رَادِفُ أهُمُّ سُلُوّاً عَنكِ ثمّ تَرُدّني ... إلَيكِ وَتَثنيني عَلَيكِ العَوَاطِفُ فلا تَحسبِنّ النأيَ أسلَى مَوَدّتي، ... وَلا أنّ عَيني رَدّهَا عَنكِ عاطِفُ وَكم من بَديلٍ قد وَجَدنا وَطِرْفَةٍ، ... فتأبى عليّ النّفسَ تِلكَ الطّرَائِفُ ثم افترقا وقد خرج ما كان في قلوبهما فلم يزالا على الوفاء والود حتى ماتا. ؟ الهموم الغالبة أخبرنا القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، أخبرنا أبو عمر بن حيويه، أنبأنا أبو بكر بن الأنباري أنشدنا إبراهيم بن عبد الله الوراق لمحمد بن أمية: شَغَلَتني بها، وَلمْ تَرْعَ عَهدي، ... ثمّ مَنّتْ وَعَهدُها لا يَدُومُ وَرَأتني أبكي إليهَا، فقالت: ... يَتَبَاكَى كَأنّهُ مَظلومُ

العاصمان الحياء والكرم

عَلِمَ اللهُ أنّني مَظلُومُ، ... وَحَبِيبي بِمَا أقُولُ عَلِيمُ لَيسَ لي في الفؤادِ حظّ فأشكو، ... غَلَبَتني على الفؤادِ الهُمومُ العاصمان الحياء والكرم حدثنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق، أنبأنا محمد بن أحمد بن فارس، أخبرنا عبد الله بن إبراهيم الزبيبي، حدثنا محمد بن خلف أنشدت لبعضهم: مَا إنْ دَعَاني الهَوَى لفاحِشةٍ ... إلاّ عَصَاهُ الحَيَاءُ وَالكَرَمُ فَلا إلى مَحرَمٍ مَدَدتُ يدي، ... وَلا سَعَتْ بي لرِيبَةٍ قَدَمُ وفاء أعرابية لزوجها أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي المقنعي، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف، حدثني محمد بن العباس المكتب، حدثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال: رأيت أعرابية ذات جمال فائق بمنى، وهي تتصدق، فقلت لها: يا أمة الله تتصدقين، ولك هذا الجمال؟ فقالت: قدر الله فما أصنع؟ قلت: فمن أين معاشكم؟ قالت: هذا الحاج نتقممهم، ونغسل ثيابهم. قلت: فإذا ذهب الحاج، فمن أين؟ فنظرت إلي، وقالت لي: يا صلت الجبين! لو كنا إنما نعيش من حيث تعلم لما عشنا. فوقعت بقلبي. فقلت لها: هل لك زوج يعفك ويغنيك الله بسعيه وكده؟ قالت: هيهات، ما أنا إذاً من العرب، ولم أف له! فعلمت أن زوجها توفي وآلت أن لا تتزوج بعده، فتركتها.

لا خير في ناقض العهد

لا خير في ناقض العهد أخبرنا الحسن بن علي، حدثنا محمد بن العباس، أخبرنا محمد بن خلف أنشدني رجل من قريش لبعضهم: وَاللهِ لا خنتُ مَنْ هَوِيتُ، وَلا ... تَسكُنُ عَنهُ صَبَابَتي أبَدَا لا خَيرَ في مُغرَمٍ أخي كُلَفٍ ... يَنقُضُ عَهداً لَهُ إذا عُهِدَا حَتى يَرَى صَاحِباً لِصَاحِبِهِ ... في قُرْبِهِ، إنْ دَنَا وَإنْ بَعُدَا أم الضحاك وأرق الهمّ وبإسناده حدثنا محمد بن خلف، حدثني قاسم بن الحسن، أخبرني العمري، أخبرني الهيثم بن عدي قال: كانت أمّ الضحاك المحاربية تحت رجل من بني ضبة يقال له زيد، وكان لها محباً، فسلا عنها، وتزوج عليها، وكانت على غاية المحبة له فحجت، فبينا هي تطوف بالكعبة إذ رأت زيداً، فلم تملك نفسها أن قبضت على ثوبه، وقالت: أنت هو؟ قال: نعم! حياك الله، فمه! فأنشأت تقول: أتَهجُرُ مَن تُحِبّ بِغَيرِ جُرْمٍ، ... أسأتَ إذاً وَأنتَ لَهُ ظَلُومُ تُؤرّقُني الهُمُومُ، وَأنتَ خِلوٌ، ... لَعَمرُكَ ما تُؤرّقُكَ الهُمُومُ فَلا وَاللهِ آمَنُ بَعدَ زَيْدٍ ... خَليلاً مَا تَغَوّرَتِ النّجُومُ

حب على غير ريبة

حب على غير ريبة قال محمد بن خلف: وأنشدني بعض أهل الأدب لأعرابي: أُحِبّ التي أهوَى على غَيرِ رِيبَةٍ، ... وَأحفَظُها في ما أُسِرّ وَمَا أُبدِي وَلَستُ بمُفشِ سِرَّهَا وَحَدِيثَهَا، ... وَلا ناقِضٍ يَوْماً لهَا مُوثَقَ العَهدِ وَلا مُبتَغٍ أُخرَى سِوَاهَا، مكانَها، ... وَلَوْ أنّها حَوْرَاءُ من جَنّةِ الخُلدِ عاشق ومعشوق قال: وأنشدت أيضاً لغيره: لا خَيرَ في مَن هَوَاهُ مَمذُوقُ، ... لَيسَ لَهُ في هَوَاهُ تَصدِيقُ هَوَايَ، ما عِشتُ، وَاحدٌ أبداً، ... لأنّني عَاشِقٌ وَمَعشُوقُ وكلُّ مَن كان صَادِقَاً أبَدَاً ... قَامَتْ لَهُ في فُؤادِهِ سُوقُ مراودة الرسول زَعَمَ الرّسُولُ بأنّني رَاوَدتُهُ، ... كذبَ الرّسولُ، وَمُنزِلِ الفُرقانِ ما كنتُ أجمَعُ خَلّتَينِ: خِيانَةً ... لَكُمُ، وَبَيَعَ كَرَامَةٍ بهَوَانِ

ساء ظن المحب

ساء ظن المحب وقال عباس: إنّ جُهدَ البَلاءِ حُبُّكَ إنسَا ... ناً هَوَاهُ بآخَرٍ مَشغُولُ مَا عَلِمنا إلاّ الجَميلَ، وَمَا يُش ... بهكم، يا ظَلومُ، إلا الجميلُ ما عَهِدنا ما تَكرَهونَ، وَلكن ... سَاءَ ظَنّ المُحبّ في ما يَقولُ عاشق عفيف أخبرنا أحمد بن علي السواق، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا عبد الله إبراهيم البصري، حدثنا محمد بن خلف أنشدت لأبي عبد الرحمن العلوي: إنْ أكُنْ عَاشِقاً، فإني عَفيفُ اللّ ... فظِ والفَرْجِ عَن رُكُوبِ الحَرَامِ مَا حَمَاني الإسلامُ حُبَّ ذَوَاتِ الأ ... عينِ النُّجلِ وَالوُجُوهِ الوِسَامِ ؟ عمر ونصر بن حجاج وأخبرنا أحمد بن علي، حدثنا محمد، حدثنا عبد الله، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا عبد الله بن عبيد، أخبرني محمد بن عبد الله، حدثني أبو محمد عبد الله بن أبي عبد الله، حدثني محمد بن سعيد القرشي، أخبرنا محمد بن جهم بن عثمان بن أبي جهمة، وكان جهمة على ساقة غنائم خيبر يوم افتتحها النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: أخبرني أبي عن جده قال: بينما عمر بن الخطاب يطوف ذات ليلة في سكة من سكك المدينة، إذ سمع

امرأة وهي تهتف من خدرها وتقول: هَلْ من سَبِيلٍ إلى خَمرٍ فأشرَبَها، ... أمْ هَلْ سَبيلٌ إلى نَصرِ بنِ حجّاجِ إلى فتىً مَاجِدِ الأعرَاقِ مُقتَبِلٍ، ... سَهلِ المُحَيّا، كرِيمٍ، غَيرِ مِلجاجِ قال: فقال عمر، رحمة الله عليه: ألا أرى معي في المصر رجلاً تهتف به العواتق في خدورهن؟ علي بنصر بن حجاج! فأتي به، فإذا هو أحسن الناس وجهاً وشعراً، فقال: علي بالحجام، فجز شعره، فخرجت له وجنتان كأنهما شقتا قمر، فقال: اعتم، فاعتم، ففتن الناس. فقال عمر: والله لا تساكنني ببلد أنا فيه. قال: ولم ذاك يا أمير المؤمنين! قال: هو ما قلت لك. فسيره إلى البصرة، وخشيت المرأة التي سمع منها عمر ما سمع أن يبدر إليها عمر بشيء، فدست إليه أبياتاً تقول فيها: قُلْ للإمامِ الذي تُخشَى بَوَادِرُهُ: ... ما لي وَللخَمرِ أوْ نصرِ بنِ حجّاجِ إني عنيتُ أبَا حَفصٍ بغَيرِهِما، ... شرْبَ الحَليبِ وَطَرْفٍ غيره ساجي إنّ الهَوَى ذٍِمّةُ التّقوَى، فقَيّدَهُ ... حَتى أقَرّ بإلجَامٍ وَإسرَاجِ لا تَجعَلِ الظنّ حَقّاً، أوْ تُبَيّنَهُ، ... إنّ السّبيلَ سَبيلُ الخائِفِ الرّاجي قال: فبعث إليها عمر: قد بلغني عنك خبر، وإني لم أخرجه من أجلك، ولكن بلغني أنه يدخل على النساء، ولست آمنهن. قال: وبكى عمر، وقال: الحمد لله الذي قيد الهوى حتى أقر بإلجام وإسراج. ثم إن عمر كتب إلى عامله بالبصرة كتباً، فمكث الرسول عنده أياماً، ثم نادى مناديه: الا إن بريد المسلمين يريد أن يخرج، فمن كانت له حاجة فليكتب! فكتب نصر بن حجاج كتاباً، ودسه في الكتب، ونصه: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين سلام عليك! أما

الله شاهد

بعد فلعمري، يا أمير المؤمنين، لئن سيرتني أو حرمتني وما نلت مني عليك بحرام، وكتب بهذه الأبيات: أَإنْ غَنّتِ الذّلفَاءُ يَوْماً بمُنيَةٍ، ... وَبَعضُ أمَانيِّ النّسَاءِ غَرَامُ ظَنَنتَ بيَ الظّنَّ الذِي لَيسَ بَعدَهُ ... بَقَاءٌ، فَمَا لي في النّديّ كَلامُ وَيَمنَعُني مِمّا تَظُنّ تَكَرُّمي، ... وَآبَاءُ صِدْقٍ سَالِفُونَ كِرَامُ وَيَمنَعُها مِمّا تَظُنّ صَلاتُهَا، ... وَحَالٌ لهَا في قَوْمِهَا وَصِيَامُ فهَذانِ حَالانَا! فَهَلْ أنتَ رَاجعي، ... فَقَدْ جُبّ مَني كَاهِلٌ وَسَنامُ فقال عمر، لما قرأ الكتاب: أما ولي سلطان فلا، فما رجع إلى المدينة إلا بعد وفاة عمر، وله خبر طويل ليس هذا موضعه، ويقال إن هذه المتمنية أم الحجاج. الله شاهد وبإسناده، حدثنا محمد بن خلف، أخبرني بعض أهل الأدب عن عثمان بن عمر، حدثني عبد الله بن صالح، حدثني بلال بن مرة قال: بلغني أن أعرابياً خلا بجارية من قومه، فراودها عن نفسها، فقالت: ويحك! والله إن كان ما تدعوني إليه حلالاً، لقد كان قبيحاً. قال: وكيف ذاك؟ قالت: والشاهد الله. قال: فلم يعاودها. رداء من الصون والعفاف ولي من نسيب قصيدة من أولها: يا لَيلَةً لا أزَالُ أذكُرُها، ... مَا نُسِيَتْ لَيلَةٌ، وَأشكُرُها

وَفَتْ سُلَيمَى فِيهَا بمَوْعِدِها، ... إذْ طَرَقَتْ، وَالظّلامُ يُضْمِرُهَا وَغَابَ عَنّا رَقِيبُنَا، فَصَفَتْ، ... وكانَ يُخشَى مِنهُ تَكَدُّرُهَا بِتنَا ضَجيعَينِ في مَلاحِفَ يَط ... وِيهَا الهَوَى تَارَةً وَيَنشُرُهَا أنهَلُ مِنْ رِيقِهَا عَلى ظَمَإٍ، ... صَهبَاءَ، فوها الشّهيُّ مِعصَرُهَا نَقلي عَلى شُرْبِ رِيقِها قُبَلٌ ... تُشعِلُ نَارَ الهَوَى وَتُسعِرُهَا إنْ مُلّ لَفظٌ مُكَرَّرٌ، فَمُنى ... نَفسِيَ في لَفظَةٍ تُكَرّرُهَا جَارِيَةٌ ذاتُ مَنظرٍ حَسَنٍ، ... أحسَنَ تَصويرَها مُصَوّرُهَا كالغًصنِ قَدّاً، وَالبَدرِ إن سَفَرَتْ، ... شَبِيهُهَا في الظّبَاءِ أحوَرُها فَمِنْ كَثيبٍ وَارَاهُ مِئْزَرُهَا، ... وَبَدرِ تِمٍّ غَطّاهُ مِعجَرُهَا طَيّبَةُ الأصلِ لَستُ أنسِبُهَا ... مَخافَةً أنْ يَغَارَ مَعشَرُها وَخافَتِ الصّبحَ أنْ يَنِمّ عَلى ... مَكَانِهَا ضَوْءُهُ فَيَشهَرُهَا فَوَدّعَتني عَجلَى، وَأدمُعُهَا ... يَبُلُّ أرْدانَهَا تَحَدّرُهَا وَانصَرَفَتْ في رِداءِ مَكرُمَةٍ، ... وَحُلّتَيْ عِفّةٍ تُجَرِّرُهَا رِداؤُهَا الصّوْنُ وَالعَفَافُ، فَمَا ... تَكَادُ عَينُ الأنَامِ تَنظُرُهَا وهي طويلة اقتصرت على ما ذكرته.

نصيب وزينب

نصيب وزينب أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا عبد الله بن إبراهيم، حدثنا محمد بن خلف المحولي، حدثنا عبد الله بن عمرو وأحمد بن حرب، حدثنا بنان هو ابن أبي بكر، حدثني محمد بن المؤمل بن طالوت الوادي، حدثني أبي عن الضحاك بن عثمان الحزامي قال: خرجت في آخر الحج، فنزلت بخيمة بالأبواء على امرأة، فأعجبني ما رأيت من حسنها، فتمثلت بقول نصيب: بزَينبَ ألمِمْ قبلَ أن يَرْحلَ الرَّكْبُ ... وَقُلْ إنْ تَمَلّينَا فَمَا مَلّكِ القَلبُ وَقُلْ في تَجَنّيها لكَ الذّنبَ: إنّمَا ... عِتَابُكَ مَن عَاتَبتَ فيما لهُ عَتْبُ خَلِيليّ مِن كَعبٍ ألِمّا، هُدِيتُمَا، ... بزينَبَ، لا يَفقدكُما أبداً كَعبُ وَقُولا لها: ما في البُعادِ لِذي الهَوَى ... بُعادٌ، ومَا فيه لصَدعِ النّوَى شَعْبُ فَمَن شَاءَ رَامَ الوَصْلَ، أوْ قالَ ظالماً ... لِصَاحِبِهِ ذَنْبُ، وَلَيسَ لهُ ذنبُ قال: فلما سمعني أتمثل بالأبيات قالت: يا فتى! أتعرف قائل هذا الشعر؟ قلت: نعم! ذاك نصيب. قالت: نعم، هو ذاك، أفتعرف زينب؟ قلت: لا! قالت: أنا والله زينب. قلت: فحياك الله. قالت: أما إن اليوم موعده من عند أمير المؤمنين. خرج إليه عام أول، وعدني هذا اليوم. ولعلك لا تبرح حتى تراه. قال: فما برحت من مجلسي، وإذا أنا براكب يزول مع السراب. فقالت: ترى خبب ذاك الراكب؟ إني أحسبه إياه. ثم أقبل الراكب حتى أناخ قريباً من الخيمة، فإذا هو نصيب، ثم ثنى رجله

العاشق المتكتم

عن راحلته، فنزل ثم أقبل، فسلم علي، وجلس ناحيةً، وسلم عليها، وساءلها وساءلته فأحفيا، ثم ساءلته أن ينشدها ما أحدث من الشعر بعدها، فجعل ينشدها، فقلت في نفسي: عاشقان أطالا التنائي، فلا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة. فقمت إلى راحلتي أشد عليها، فقال لي: على رسلك! أنا معك. فجلست حتى نهض، ونهضت معه، فتسايرنا ساعة، ثم التفت إلي فقال: قلت في نفسك محبان التقيا بعد طول تناء، فلا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة. قلت: نعم! قد كان ذاك. قال: فلا ورب هذه البنية التي إليها نعمد ما جلست منها مجلساً قط أقرب من مجلسي الذي رأيت، ولا كان بيننا مكروه قط. العاشق المتكتم وأخبرنا أحمد بن علي، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا عبد الله بن إبراهيم البصري، حدثنا محمد بن خلف، حدثني أبو موسى عيسى بن جعفر الكاتب، حدثني محمد بن سعيد، حدثني إسحق بن جعفر الفارسي: سمعت عمر بن عبد الرحمن يحكي عن بعض العمريين قال: بينا أنا يوماً في منزلي إذ دخل علي خادم لي، فقال لي: رجل بالباب معه كتاب. فقلت له: ادخله، أو خذ كتابه. قال: فأخذت الكتاب منه، فإذا فيه هذه الأبيات: تَجَنّبَكَ البَلا، وَلَقيتَ خَيراً، ... وَسَلّمكَ المَليكُ من الغُمومِ شَكَوْنَ بَناتُ أحشائي إليكمُ ... هَوَايَ حِينَ ألفَتْني كَتُوم وَحَاوَلْنَ الكِتابَ إلَيكَ في مَا ... يُخامِرُها، فدَتكَ من الهُمُومِ

وَهنّ يَقُلنَ يَا ابنَ الجودِ: إنّا ... بَرِمنا مِنْ مُرَاعاةِ النّجومِ وَعندكَ، لوْ مَننتَ، شفاءُ سُقمي ... لأعضَاءٍ ضَنِينَ مِنَ الكُلُومِ فلما قرأت الأبيات قلت: عاشق. فقلت للخادم: ادخله، فخرج إليه الخادم بالخبر فلم يجده، فقلت أخطأت، فما الحيلة؟ فارتبت في أمره، وجعل الفكر يتردد في قلبي، فدعوت جواري كلهن ممن يخرج منهن ومن لا يخرج فجمعتهن ثم قلت: أخبرنني الآن قصة هذا الكتاب. قال: فجعلن يحلفن، وقلن: يا سيدنا ما نعرف لهذا الكتاب سبباً وإنه لباطل. ثم قلن: من جاء بهذا الكتاب؟ فقلت: قد فاتني، وما أردت بهذا القول لأني ضننت عليه بمن يهوى منكن، فمن عرفت منكن أمر هذا الرجل، فهي له فلتذهب إليه متى شاءت، وتأخذ كتابي إليه. قال: فكتبت إليه كتاباً أشكره على فعله وأسأله عن حاله، وعما يقصده، ووضعت الكتاب في موضع من الدار، وقلت: من عرف شيئاً فليأخذه، فمكث الكتاب في موضعه حيناً لا يأخذه أحد ولا أرى للرجل أثراً، فاغتممت غماً شديداً ثم قلت: لعله من بعض فتياننا، ثم قلت: إن هذا الفتى قد أخبر عن نفسه بالورع، وقد قنع ممن يحبه بالنظر، فدبرت عليه، فحجبت جواري من الخروج. قال: فما كان إلا يوم وبعض آخر، حتى دخل الخادم ومعه كتاب، فقلت له: ما هذا؟ قال: أرسل به إليك فلان، وذكر بعض أصدقائي، فأخذا الكتاب ففضضته، فإذا فيه هذه الأبيات: ماذا أرَدتَ إلى رُوحِ مُعَلَّقَةٍ ... عند الترَاقي، وَحادي المَوْتِ يحدوهَا حَثثتَ حَادِيهَا ظُلماً، فَجَدّ بهَا ... في السّيرِ، حتى تَوَلّتْ عن تَرَاقيهَا حَجبتَ من كان يحيي عند رُؤيتهِ ... رُوحي، وَمن كانَ يَشفيني تلاقِيها فالنّفسُ ترْتاحُ نحوَ الظّلمِ جاهِلةً، ... وَالقَلبُ مني سَليمٌ ما يُؤاتِيها

وَاللهِ لوْ قِيلَ لي تأتي بفَاحِشَةٍ، ... وَإنّ عُقباك دُنيانا وَمَا فِيها لقُلتُ: لا وَالذي أخشَى عُقوبتَه ... وَلا بأضعَافِهَا مَا كُنتُ آتِيها لَوْلا الحَياءُ لبُحنا بالذي كَتَمَتْ ... بنتُ الفُؤادِ، وَأبدَينَا تَمَنّيهَا قال: قلت لا أدري ما أحتال في أمر هذا الرجل، وقلت للخادم: لا يأتيك أحد بكتاب إلا قبضت عليه حتى تدخله إلي، ولم أعرف له بعد ذلك خبراً. قال: فبينا أنا أطوف بالكعبة، إذا أنا بفتى قد أقبل نحوي، وجعل يطوف إلى جنبي ويلاحظني، وقد صار مثل العود. قال: فلما قضيت طوافي خرجت واتبعني، فقال: يا هذا! أتعرفني؟ قلت: ما أنكرك لسوء، قال: أنا صاحب الكتابين. قال: فما تمالكت أن قبلت رأسه وبين عينيه وقلت: بأبي أنت وأمي، والله لقد شغلت علي قلبي، وأطلت غمي لشدة كتمانك لأمرك، فهل لك فيما سألت وطلبت؟ قال: بارك الله لك وأقر عينك إنما أتيتك مستحلاً من نظر كنت أنظره على غير حكم الكتاب والسنة، والهوى داع إلى كل بلاء، وأستغفر الله. فقلت: يا حبيبي أحب أن تصير معي إلى المنزل، فآنس بك وتجري الحرمة بيني وبينك. قال: ليس إلى ذلك سبيل، فاعذر وأجب إلى ما سألتك. فقلت: يا حبيبي! غفر الله لك ذنبك، وقد وهبتها لك ومعها مائة دينار تعيش بها، ولك في كل سنة كذا وكذا. قال: بارك الله لك فيها فلولا عهود عاهدت الله تعالى بها وأشياء وكدتها على نفسي لم يكن شيء في الدنيا أحب إلي من هذا الذي تعرضه علي، ولكن ليس إليه سبيل، والدنيا فانية منقطعة. حدثني قلت له: فأما إذ أبيت أن تصير إلى ما دعوتك إليه، فأخبرني

كتمان ما في القلب

من هي من جواري حتى أكرمها لك ما بقيت. فقال: ما كنت لأسميها لأحد أبداً، ثم سلم علي، ومضى فما رأيته بعد ذلك. كتمان ما في القلب وبه قال: أخبرني محمد بن خلف: أنشدني علي بن صالح المعري: عَفِيفٌ، حَلِيمٌ، ناسِكٌ، ذو مخافَةٍ ... إذا مَسّهُ شَجوٌ مِنَ الحُبّ بسّرَا سَلِيمٌ مِنَ الآفَاتِ، ذو وَرَعٍ، لَهُ ... جَوَارِحُ ما تَصبُو إلى حُسنِ ما يَرَى فَتىً لم يَزَلْ يُخفي الذي في ضَميرِهِ، ... وَيَكتُمُ ما في القَلبِ مِنهُ عَنِ الوَرَى لا خير في ناقض العهد أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، حدثنا أبو عمر بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف أنشدني رجل من قريش لبعضهم: وَاللهِ لا خُنتُ مَنْ هَوِيتُ، وَلا ... تَسكُنُ عَنهُ صَبَابَتي أبَدَا لا خَيرَ في مُغرَمٍ أخي كُلَفٍ، ... يَنقُضُ عَهداً لَهُ إذا عَهِدَا حَتى يُرَى حَافِظاً لِصَاحِبِهِ، ... في قُرْبِهِ، إنْ دَنَا، وَإنْ بَعُدَا قال: وأنشدت لغيره لا خير في من هواه ممذوق، وهي ثلاثة أبيات

طريد العشق

قد ذكرتها سابقاً، وكتبت بعدها ها هنا قال ابن المرزبان: وأنشدت للعباس بن الأحنف: أيَسُرّكُم أنّي هَجَرْتُكُم، ... وَمَنَحتُ قَوْماً غيرَكم وُدّي لَسنا نَلُومُ عَلى قَطِيعتِنَا ... مَنْ لا يَدُومُ لَنا عَلى عَهدِ وللعباس أيضاً زعم الرسول بأنني راودته وهما بيتان ذكرا من قبل، وبعدهما: وله أيضاً إن جهد البلاء وهي ثلاثة أبيات هنالك، فتركت إعادة هذا كله. طريد العشق حدث أبو عمر بن حيويه، ونقلته من خطه، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا أبو بكر العامري قال: قال علي بن صالح عن ابن دأب قال: كان من حديث جاركرز الربابي، والرباب بنو عبد مناة، أن أباه كان رجلاً من طابخة، يقال له حباب، وكان شجاعاً فاتكاً، وأنه قتل رجلاً من بني حباب بن هبل بن كلب بن وبرة، فرهنهم بالدية امرأته وابنه حية، وهو صغير، وخرج حباب في جمع الدية، فهلك، وبقيت امرأته وابنة في يدي كلب، وشب ابنه حية، فشب أحسن فتىً في العرب وأوضأهم، فعلق جاريةً من جواري الحي، وعلقته، وفسدت به فساداً شديداً، حتى جلس نسوة من كلب، ذات ليلة، يلعبن، ويتذاكران الشراب، ففطن به، وسمعت بذلك كلب، وكان قد علق فتاةً منهم، فطلبته كلب، فخرج هارباً، فأدركه أخوها، فرماه حية، فقتله، وانطلق، فلحق بقوم من بلقين، فاستجار بهم، فأجاروه، فعاث في نسائهم، وعلقته امرأة منهم، فطلبته بلقين، فأعجزهم، وهرب حتى أتى أمه ليلاً، فقالت: ويلك! إن القوم

قاتلوك. فقال: والله ما أجد مذهباً. قال: وأخفته وذكرت ذلك لظئر لها، هو أخو ابن لها أرضعته، فقالت: أرسليه، فأرسلته إليها، فأخذته فخيطت عليه عباءة، فجعلته كهيئة الكرز، ثم طرحته بفناء بيتها، حتى مر بها عدي بن أوس الكلبي، فقالت: يا عدي! إني قد أردت أن أظعن، وإني أريد أن تجير لي كرزي هذا، وما فيه، قال: قد أجرته، وأمر به، فحمل إلى بيته، فلما نظر إلى الكرز أنكره، ففتشه، فإذا فيه حية، فقال: لا أنعم الله بك عيناً، ولكن أجاره وبرز، فقالت له أمه: ويلك مهلاً عن نساء الحي! فلم يلتفت إليها، ورأته ابنة عدي، فعلقته، وعلقها، فمكثت بذلك مدة، وعدي لا يعلم، فقال: ما زِلتُ أطوِي الحَيَّ أسمَعُ حِسَّهُم، ... حتى وَقَعتُ على رَبيبَةِ هَوْدَجِ فَوَضَعتُ كفّي عِندَ مَقطعِ خصرِها، ... فَتَنَفّسَتْ بُهْراً، وَلمّا تَنْهَجِ وَتَنَاوَلَتْ رَأسِي لِتَعرِفَ مَسّهُ، ... بمُخَضَّبِ الأطرَافِ غَيرِ مُشَنَّجِ قالَت: وَعَيشِ أبي وَنَعمةِ وَالدي، ... فَعلِمتُ أنّ يَمينَها لَمْ تُحرَجِ قال: فلما بلغ عدي بن أوس الخبر، وأنشد الشعر، أمر به فربط، ثم أخرج إلى خارج البيوت فقتل.

أعوذ بالله من الحرام

أعوذ بالله من الحرام أخبرنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم، حدثنا محمد بن خلف، حدثنا حسين بن الضحاك اليشكري، حدثني محمد بن عبد الله الخراساني، حدثني إبراهيم بن العباس، حدثني إسحق بن عبد الله بن شرحبيل، حدثني سلم بن عبد الرحمن قال: كان عندنا بالمدينة فتىً من أهل الأدب والدين، وكان له جمال، فعلقته امرأة من أهل المدينة، من قريش، فأرادت كلامه، فاستحيت منه، فكتبت إليه: ألا مَن عَذيِري مِن هَوَايَ وَمن قلبي، ... فَقد بَرّحَا بي، فاشتَكَيتُ إلى رَبي هُمُومي وَأحَزانيَ وَطُولُ بلِيّتي ... بمَن غابَ عَن عَيني، فَطَالَ بهِ نحبي فدَيتُكَ لَوْلا خِيفَةُ اللهِ في الّذِي ... تُكاتِمُهُ نَفسي لأظهَرْتُ ما خُبّي قال: فلما أتاه الكتاب أظهر تعجباً، وكان في غفلة عن ذلك، فكتب إليها: وصل إلي كتابك، وفهمت ما سألت، فعلى أي وجه يكون وصالنا، وأصل فراق أم وصل اتفاق؟ فإن كان وصل فراق، فلا حاجة لنا فيه، وإن كان وصل اتفاق، فذاك الذي نريد. قال: فأرسلت إليه: معاذ الله من وصل فرقة يدعو إلى حسرة، وما سألتك إلا الحق، وإني أعوذ بالله من فعل الحرام. قال: ففكر في نفسه. فقال: هذه امرأة لها شرف وقدر، ومه هذا يسار، وليس يخطئني ما أحذره من قول الناس. قال: فأرسل إليها: يا هذه قد فكرت في هذا الأمر، وتدبرته، فلم أر الذي أخاف من عاقبته يخطئني، وإني أكره أن أتعرض لقالة الناس وكلامهم، وكتب إليها: صُدّي الفُؤادَ عَنِ الطّرِيقِ الأبعَدِ ... ثمّ اسلُكي قَصدَ السّبيلِ الأقصَدِ

الفتى المتعبد والمفتونة به

وَدَعي التّشاغُلِ بالذي أصبَحتُمُ ... فيه، فإني قد أخالُكِ تُرْشَدِي قال: فأمسكت عنه فلم تعاوده. الفتى المتعبد والمفتونة به وأخبرنا أحمد بن علي، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس، حدثنا عبد الله بن إبراهيم، حدثنا محمد بن خلف، حدثني أبو محمد جعفر بن الفضل بن محمد بن المعافى عن عبد الواحد بن زياد الافريقي، حدثني أبي قال: سمعت شيخاً من أهل العلم يقول: كان عندنا فتىً متعبد، حسن السيرة، فأحبته جارية من قومه، وجعلت تكاتم أمرها مخافة العيب، فمكثت بذلك حيناً، فلما بلغ الحب منها أرسلت إليه بكتاب وضمنته هذه الأبيات: تَطَاولَ كِتماني الهَوَى، فأبادَني، ... فأصبَحتُ أشُكو ما ألاقي من الوَجدِ فأصبحتُ أشكو غُصّةً من جَوى الهوَى، ... أقامَت، فما يَعدو إلى أحدٍ بَعدي فهَا أنا ذا حَرّى من الوَجدِ صَبَّةٌ، ... كثيرَةُ دَمعِ العَينِ، يجرِي على خَدّي قال: فأقبلت به امرأة فقال: ما هذا؟ قالت: كتاب أرسلني به إليك إنسان. قال: سميه! قالت: إذا قرأته سميت لك صاحبه، فرمى به إليها، وأنكره إنكاراً شديداً، فقالت له: ما يمنعك من قراءته؟ قال: هذا كتاب قد أنكره قلبي، فلم تزل به حتى قرأه، فرفع رأسه إليها، فقال: هذا الذي كنت أحذر وأخاف، ثم دفعه إليها. فقالت: أما له جواب؟ قال: بلى! قالت: وما هو؟ قال: تقولين لها: إنه يعلم السر وأخفى الله، لا إله إلا هو، له الأسماء الحسنى. قالت: لا غير؟ قال: في هذا كفاية. فمضت إليها، فأخبرتها بما جرى بينهما، فكتبت إليه: يا فارغَ القَلبِ من همّي وَمن فِكَرِي، ... ماذا الجَفاءُ، فدتكَ النفسُ يا وَطَرِي؟

إنْ كُنتَ مُعتَصِماً باللهِ تَخدمُهُ، ... فإنّ تَحلِيلَنَا في مُحكَمِ السُّوَرِ فلما وصل إليه الكتاب قال: ما هذا؟ قالت: تقرأه، فأبى، فلم تزل تلطف به حتى فتحه، فقرأه، ثم رمى به إليها. فقالت: ما له جواب؟ قال: بلى! قالت: ما هو؟ قال: قولي لها: وهو الذي يتوفاكم بالليل، ويعلم ما جرحتم بالنهار. فصارت إليها، فأخبرتها بما جرى بينهما، فكتبت إليه: فَرّجْ عن القلبِ بعضَ الهَمّ وَالكُرَبِ، ... وَجْدُ بوَصلِكَ، وَالهِجرانَ فاجتَنِبِ إنّا سَألنَاكَ أمراً مَا نُريدُ بِهِ ... إلاّ الصّلاحَ، وَأن نَلقاكَ عن قُرُبِ فإنْ أجَبتَ إلى ما قَد سألتُ، فَقَدْ ... نِلتُ المُنى، وَالهَوَى، يا منتهَى أرَبي وَإنْ كَرِهتَ وِصالي قلتُ: أكرَهُهُ، ... وَإنّني رَاجعٌ عن ذاكَ من كَثَبِ قال: فجاءت بالكتاب إليه، فأخذه، وقال لها: اجلسي، ففتحه، وقرأه عن آخره، وكتب إليها كتاباً كان هذا الشعر آخره: إنّي جَعَلتُ هُمُومي ثمّ أنفاسِي ... في الصّدرِ مِنّي وَلم يُظهِرْهُ قرْطاسِي وَلم أكُنْ شاكياً ما بي إلى أحدٍ ... إنّي إذاً لَقَليلُ العِلمِ بالنّاسِ فاستَعصمِي اللهَ، مِمّا قَد بُلِيتِ بِهِ، ... وَاستَشعِرِي الصّبرَ، عمّا قلتُ، بالياسِ إني عَنِ الحُبّ في شُغلٍ يُؤرّقُني ... تَذكَارُ ظُلمَةِ قَبرٍ فِيهِ أرْمَاسِي فَفيهِ لي شُغُلٌ لا زِلتُ أذكرُهُ، ... منَ السّؤالِ وَمِنْ تَفرِيقِ أحلاسِي وَلَيسَ يَنفَعُني فِيهِ سِوَى عَمَلي، ... هُوَ المُؤانسُ لي مِنْ بَينِ أنّاسِي

لا صبر على الفراق

فاستكثرِي من تُقى الرّحمنِ وَاعتصِمي، ... وَلا تَعودي، فبي شُغلٌ عن النّاسِ فلما قرأت الكتاب أمسكت وقالت: إنه لقبيح بالحرة المسلمة العارفة مواضع الفتنة كثرة التعرض للفتن، ولم تعاوده. لا صبر على الفراق ذكر أبو عمر بن حيويه ونقلته من خطه، حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان، أخبرني أبو بكر العامري، حدثنا دعبل بن علي الخزاعي قال: كان بالكوفة رجل من بني أسد عشق جارية لبعض أهل الكوفة، فتعاظم أمره وأمرها، فكان يقول فيها الشعر، وذكر بعض أهل الكوفة أنه مات من حبها، وصنعوا له كتاباً في ذلك مثل كتاب جميل وبثينة، وعفراء وعروة، وكثير وعزة، فباعها مولاها لرجل من أهل بغداد، من الهاشميين، فيروى أنه مات حين أخرجت من الكوفة، وأنها لما بلغها موته ماتت أسفاً عليه، فمن شعره فيها عند فراقها: جَدّ الرّحِيلُ، وَحَثّني صَحبي، ... قالوا: الرّحيلُ، فطَيّرُوا لُبّي وَاشتَقتُ شَوْقاً كَادَ يَقتَلَني، ... فالنّفسُ مُشرِفَةٌ عَلى نَحبِ لمْ يَلقَ، يَوْمَ البَينِ، ذو كُلَفٍ ... يَوْماً كمَا لاقَيتُ مِنْ كَرْبي لا صَبرَ لي عِندَ الفِرَاقِ عَلى ... فَقدِ الحَبيبِ وَلَوْعَةِ الحُبّ العاشق البكّاء قال: وحدثني حاتم بن محمد، أخبرني عبد الرحمن بن صالح قال: قيل للنضر بن زياد المهلبي: هل كان عندكم بالبصرة أحد شهر بالعشق، كما شهر من نسمع به من سائر الأمصار؟ قال: نعم! كان عندنا فتىً من

العاقلة الصابئة لدينها

النساك، له فضل وعلم وأدب، فجعل يذوب ويتغير ويصفر، لا يعرف له خبر، فعاتبه أهله وإخوانه في أمره، وقالوا: لو تداويت وشربت الدواء، فإن العلاج مبارك، وما أنزل الله تعالى داءً إلا وله دواء، فلما أكثروا عليه قال: وَقالَ أُناسٌ لوْ تعالجتَ بالدّوَا، ... فقلتُ: الذي يَخشَى عليّ رَقيبُ تُعالَجُ أدوَاءٌ وَللحبّ لَوْعَةٌ، ... تكادُ لها نَفسُ اللّبيبِ تَذُوبُ وَلَوْ كانَ شُرْبي للهَلِيلَجِ نافِعاً ... من الحُبّ لم تُعكَفْ عليّ كُروبُ بلى! في عِلاجِ الحُبّ أنّ ذنوبَهُ ... حِسانٌ وَإحساني عَليّ ذُنُوبُ وَإن رُمتُ صَبراً أوْ تَسلّيتُ ساعةً ... فَصَبرِي لمَنْ أهوَى عليّ رَقيبُ قال: ثم سكت، فعوتب، فلم يجب بشيء، وكان، بعدما بدا هذا القول منه، لا يكلمه أحد ممن يعرفه في شيء من الأشياء إلا بكى، ولا يستفيق من البكى، فلم يزل على ذلك حتى مات كمداً. قال: فأنا أدركت بعض من كان ينسب إليه من ولده أو ولد ولده ينسبون إلى البكّاء. العاقلة الصابئة لدينها أخبرنا أحمد بن علي السواق، حدثنا محمد بن أحمد بن فارس عن عبد الله بن إبراهيم الزبيبي، حدثنا محمد بن خلف القاضي، حدثنا إسحق بن منصور، حدثني أبي، حدثني أبو العباس التيمي المؤدب، حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الله بن يزيد، حدثتني أمي، وكانت من عذرة، عن أبيها أنها سمعته يحدث إخواناً له قال: أحببت جاريةً من العرب، وكانت ذات عقل وأدب، فما زلت أحتال

حب يدعو إلى التقى

في أمرها حتى اجتمعت معها في ليلة مظلمة شديدة السواد، في موضع خال، فحادثتها ساعةً. ثم دعتني نفسي إليها، فقلت: يا هذه! قد طال شوقي إليك، فقالت: وأنا كذلك، فقلت لها: وقد عسر اللقاء. قالت: نحن كذلك. قلت: هذا الليل قد ذهب، والصبح قد قرب. قالت: وهكذا تفنى الشهوات وتنقطع اللذات. قلت لها: لو أدنيتني منك؟ فقالت: هيهات هيهات إني أخاف العقوبة من الله تعالى. قلت لها: فما الذي دعاك إلى الحضور معي في هذا المكان؟ قالت: شقوتي وبلائي، قلت: فمتى أراك؟ قالت: ما أراني أنساك، وأما الاجتماع معك فما أراه يكون. قال: ثم تولت من بين يدي، فاستحييت مما سمعت منها، فرجعت، وقد خرج من قلبي ما كنت أجد من حبها، ثم أنشات أقول: تَوَقّتْ عَذاباً لا يُطاقُ انتَقامُهُ، ... وَلم تَأتِ ما تَخشَى بهِ أن تُعَذَّبَا وَقالت مقالاً كِدتُ من شدّةِ الحيا ... أهِيمُ على وَجهي حَياً وَتَعَجّبَا ألا أُفِّ للحُبّ الذي يُورِثُ العَمى ... وَيُورِدُ ناراً لا تَمَلّ التّوَثّبَا فأقبَلُ عَوْدي فَوْقَ بَدءٍ مُفكّراً، ... وَقد زَالَ عن قَلبي العَمى فتسرّبَا قال: فلم أر امرأةً كانت أصوَن منها لدينها ولا أعقل. حب يدعو إلى التقى أخبرنا أحمد بن علي، حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا عبد الله بن إبراهيم، حدثنا محمد بن خلف أنشدني صالح بن يعقوب المديني، وأخبرني أن أباه أخبره بهذا الشعر، وذكر أنه أنشده لامرأة من أهل الأبلة كانت متقشفة، وكان لها حبر من رجل من النساك من أهل الأبلّة، ولم يحفظ الخبر كله صالح، إلا أنه أخبرني بهذا

سيد العشاق

الكلام، وأنشدني هذا الشعر: بِنَفسِيَ من يَدعوهُ حبّي إلى التّقى ... وَخَوْفِ عذابِ اللهِ في ساعةِ الحَشْرِ وَيَترُكُ مَا يَهَوى لَهُ وَيَخافُهُ، ... وَيَقنَعُ بالتّذكارِ وَالنّظَرِ الشَّزْرِ وَلَمْ يَزِدِ التّذكارُ إلاّ تَهَيّجاً ... لزَفرَتِهِ بَينَ الجَوانِحِ وَالصّدرِ لَئن قَنعتْ نفسُ المحبّ من الهَوَى ... بهاجِسةِ التذكار أوْ دَمعةٍ تَجرِي وَلمْ تَتَهَيّجْ للمَحَارِمِ، إنّهُ ... لَذو خِيفةٍ للهِ في السرّ والجَهرِ سيد العشاق ومما وجدته بخط أبي عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان، حدثنا أبو بكر العامري، حدثني أبو عبد الله القرشي، حدثنا الدمشقي عن الزبير، حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري قال: عشق رجل من ولد سعيد بن العاص جاريةً مغنية بالمدينة، فهام بها دهراً وهو لا يعلمها بذلك، ثم إنه ضجر، فقال: والله لأبوحن لها، فأتاها عشيةً، فلما خرجت إليه، قال لها: بأبي أنت أتغنيني؟: أتَجزُونَ بالوُدّ المُضَاعَفِ مِثلَهُ، ... فأنّ الكَرِيمَ من جزَى الوُدَّ بالوُدّ قالت: نعم! وأغني أحسن منه، ثم غنت: للّذي وَدَّنَا المَوَدّةُ بالضِّع ... فِ، وَفَضلُ البادي به لا يُجازَى لَوْ بَدا مَا بِنَا لَكُمْ مَلأ الأرْ ... ضَ، وَأقطَارَ شَامِها وَالحِجازَا فاتصل ما بينهما بعمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، فابتاعها له، وأهداها إليه، فمكثت عنده سنة، ثم ماتت، فبقي مولاها شهراً، أو أقل،

موت الأحوص وجاريته بشرة

ثم مات كمداً عليها، فقال أبو السائب المخزومي: حمزة سيد الشهداء وهذا سيد العشاق، فامضوا حتى ننحر على قبره سبعين نحرة، كما كبر النبي، صلى الله عليه وآله، على عمه حمزة سبعين تكبيرة. قال: وبلغ أبا حازم الخبر، فقال: أما من محب في الله يبلغ هذا؛ هذا وليٌّ. موت الأحوص وجاريته بشرة حدث أبو عمر بن حيويه، حدثنا أبو بكر بن المرزبان، حدثني العباس بن الفضل الأسدي، حدثني محمد بن زياد الأعرابي قال: خرج الأحوص بن محمد إلى دمشق، ومعه جارية له يقال لها بشرة، وكان شديد الإعجاب بها، لا يكاد أن يصبر عنها، وكانت هي أيضاً له من المحبة على أكثر من ذلك، فاشتكى الأحوص، واشتدت علته وحضرته الوفاة، فأخذت رأسه فوضعته في حجرها وجعلت تبكي، فقطر من دموعها على خده، فرفع رأسه إليها، فقال: ما لجديدِ المَوْتِ يا بِشر لذّةٌ، ... وَكُلُّ جَديدٍ تُستَلَذّ طَرَائِفُهْ فَلا ضَيرَ، إنّ اللهَ يَا بِشرَ سَاقني ... إلى بَلَدٍ جَاوَرْتُ فِيهِ خَلائِفه فَلَستُ، وَإنْ عَيشٌ تَوَلّى، بِجازِعٍ ... وَلا أنا مِمّا حَمّمَ الموْتَ خائِفُه ثم مات من يومه، فجزعت عليه بشرة جزعاً شديداً ولم تزل تبكي وتندبه إلى أن شهقت شهقةً فماتت، فدفنت إلى جانب قبره.

أجر الشهادة

أجر الشهادة أخبرنا أبو حفص عمر بن محمد بن عطية المكي، حدثنا أبو الفتح يوسف بن عمر بن مسرور القواس الزاهد، حدثنا الحنبلي أبو بكر، حدثني مسبح بن حاتم العكلي، حدثني ابن عائشة قال: كنا على باب عبد الواحد بن زياد، ومعنا أبو نواس، فخرج الشيخ، فقال: سلوا يا فتيان! فسألنا، حتى بقي أبو نواس، فقال: سليمان يا فتى، فقال: وَلَقَدْ كُنَا رَوَينَا ... عَن سَعيدٍ عن قتادَه عن سَعيدِ بن المسيب ... أنّ سَعدَ بنَ عُبادَه قال: مَن ماتَ مُحبَاً ... فَلَهُ أجرُ الشَّهَادَهْ فقال: يا خبيث! والله لا حدثتك حديثاً، وأنا أعرفك. ليلى ومجنونها أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي بقراءتي عليه قلت له: أخبركم أبو عمر محمد بن العباس، حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان، أخبرني أبو محمد البلخي، أخبرني عبد العزيز بن صالح عن أبيه عن ابن دأب، حدثني رجل من بني عامر يقال له رياح بن حبيب قال: كان في بني عامر من بني الحريش جارية من أجمل النساء وأحسنهن، لها عقل وأدب، يقال لها ليلى ابنة مهدي بن ربيعة بن الحريش، فبلغ المجنون خبرها، وما هي عليه من الجمال والعقل، وكان صباً بمحادثة النساء، فعمد إلى احسن ثيابه، فلبسها وتهيأ بأحسن هيئة، وركب ناقةً له كريمةً، وأتاها، فلما جلس إليها، وتحدث بين يديها أعجبته، ووقعت بقلبه، فظل يومه يحدثها وتحدثه، حتى أمسى وانصرف إلى أهله، فبات بأطول

ليلة، حتى إذا أصبح مضى إليها فلم يزل عندها حتى أمسى، ثم انصرف، فبات بأطول ليلة من ليلته الأولى، وجهد أن يغمض، فلم يقدر على ذلك، وأنشأ يقول: نَهارِي نهَارُ النّاسِ، حتى إذا بَدا ... ليَ اللّيلُ هزّتني إلَيكِ المَضَاجِعُ أُقَضّي نهَارِي بالحَديثِ وَبِالمُنى، ... وَيَجمَعُني وَالهَمَّ باللّيلِ جامِعُ وأدام زيارتها، وترك إتيان كل من كان يأتيه فيتحدث إليه بغيرها، وكان يأتيها كل يوم، فلا يزال عندها نهاره أجمع، حتى إذا أمسى انصرف، وإنه خرج ذات يوم، يريد زيارتها، فلما قرب من منزلها لقيته جارية حاسرة عسراء، فتطير من لقائها، فأنشأ يقول: وَكيفَ ترَجّي وَصلَ ليلى، وَقد جَرَى ... بجَدّ القُوى في النّاسِ أعسَرُ حاسِرُ صرِيعُ العَصَا جَذبُ الزّمامِ إذا انتَحى ... لوَصلِ امرِئٍ لم تُقضَ منه الأوَاصرُ ثم صار إليها في غد، فلم يزل عندها، فلما رأت ليلى ذلك منه، وقع في قلبها مثل الذي وقع لها في قلبه، فجاءها يوماً كما كان يجيء، فأقبل يحدثها وجعلت هي تعرض عنه بوجهها، وتقبل على غيره تريد أن تمتحنه، وتعلم ما لها في قلبه، فلما رأى ذلك منها اشتد عليه وجزع، حتى عرف ذلك فيه، فلما خافت عليه أقبلت عليه كالمشيرة إليه فقالت: كِلانَا مُظهِرٌ للنّاسِ بُغضاً، ... وَكُلٌّ عِندَ صَاحبِهِ مَكِينُ فسري عنه، وعلم ما في قلبها، وقالت له: إنما أردت أن أمتحنك، والذي لك عندي أكثر من الذي لي عندك، وأنا معطية الله عهداً إن أنا جالست بعد يومي هذا رجلاً سواك حتى أذوق الموت، إلا أن أكره على ذلك. قال: فانصرف في عشيته وهو أسر الناس بما سمع منها، فأنشأ يقول: أظُنّ هَوَاهَا تَارِكي بمَضَلّةٍ ... من الأرْضِ لا مالٌ لديّ ولا أهلُ

إهدار دم المجنون وزواج ليلى

وَلا أحَدٌ أقضِي إلَيهِ وَصيّتي، ... وَلا وَارِثٌ إلاّ المَطيّةُ وَالرّحلُ محَا حُبُّها حبَّ الأولى كنّ قَبلهَا، ... وَحلّتْ مكاناً لم يكن حُلّ من قبلُ إهدار دم المجنون وزواج ليلى وأخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي أيضاً بقراءتي عليه، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف قال: قال أبو عبد الله محمد بن زياد الأعرابي إن قيس بن الملوح، وهو مجنون، لما نسب بليلى، وشهر بحبها، اجتمع إليه أهلها، فمنعوه من محادثتها وزيارتها، وتهددوه بالقتل، وكان يأتي امرأة من بني هلال ناكحاً في بني الحريش، وكان زوجها قد مات، وخلف عليها صبية صغاراً، فكان المجنون إذا أراد زيارة ليلى جاء إلى هذه المرأة فأقام عندها وبعث بها إلى ليلى، فعرفت له خبرها وعرفتها خبره، فعلم أهل ليلى بذلك فنهوها أن يدخل قيس إليها، فجاء قيس كعادته، فأخبرته المرأة الخبر وقالت: يا قيس! أنا امرأة غريبة من القوم ومعي صبية، وقد نهوني أن أؤويك، وأنا خائفة أن ألقى منهم مكروهاً، فأحب أن لا تجيء إلي هاهنا، فأنشأ يقول: أجارَتَنا إنّا غَرِيبَانِ هَا هُنَا، ... وَكُلّ غَرِيبٍ للغريبِ نَسيبُ فَلا تَزْجرِيني عنكِ خِيفةَ جاهِلٍ ... إذا قالَ شرّاً أوْ أُخيفَ لَبيبُ قال: وترك الجلوس إلى الهلالية، وكان يترقب غفلات الحي في الليل، فلما كثر ذلك منه خرج أبو ليلى، ومعه نفر من قومه، إلى مروان بن الحكم، فشكوا إليه ما نالهم من قيس، وما قد شهرهم به، وسألوه الكتاب إلى عامله عليهم بمنعه من كلام ليلى، وبخطبه إليهم، فكتب لهم مروان كتاباً إلى عامله

يأمره فيه أن يحضر قيساً ويتقدم إليه في ترك زيارة ليلى، فإن أصابه أهلها عندهم، فقد أهدر دمه. فلما ورد الكتاب على عامله بعث إلى قيس وأبيه، وأهل بيته، فجمعهم، وقرأ عليهم كتاب مروان، وقال لقيس: اتق الله في نفسك، لا يذهب دمك هدراً، فانصرف قيس وهو يقول: ألا حُجِبتْ لَيلى، وَآلى أمِيرُهَا ... عَليّ يَميناً جاهِداً لا أزُورُهَا وَأوْعَدَني فِيهِمْ رِجَالٌ، أبُوهُمُ ... أبي وَأبوها، خُشّنتْ لي صُدورُها عَلى غَيرِ شيءٍ غَيرَ أني أُحِبّهَا، ... وَأنّ فؤادِي عِندَ لَيلى أسِيرُهَا فلما أيس منها، وعلم أن لا سبيل إليها، صار شبيهاً بالتائه العقل، وأحب الخلوة، وحديث النفس، وتزايد الأمر به، حتى ذهب عقله، ولعب بالحصا والتراب، ولم يكن يعرف شيئاً إلا ذكرها وقول الشعر فيها، وبلغها هي ما صار إليه قيس، فجزعت أيضاً لفراقه وضنيت ضناً شديداً. وإن أهل ليلى خرجوا حجاباً، وهي معهم، حتى إذا كانوا بالطواف رآها رجل من ثقيف وكان غنياً كثير المال، فأعجب بها، على تغيرها وسقمها، فسأل عنها، فأخبر من هي، فأتى أباها، فخطبها إليه وأرغبه في المهر، فزوجه إياها، وبلغ الخبر قيساً، فأنشأ يقول: ألا تِلكَ لَيلى العَامِرِيّةُ أصبَحَتْ ... تَقَطّعُ إلا مِنْ ثَقيفٍ وِصَالُها هُمُ حَبَسوها محبِسَ البُدْنِِ وَابتَغى ... بهَا المَالَ أقوَامٌ تَساحَفَ مَالُها إذا التَفَتَتْ وَالعيسُ صُعْرٌ من البُرَى ... بنَخلةَ خَلّى عبرَةَ العَينِ حَالُهَا

مات أبوها فتزوجها

مات أبوها فتزوجها أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه، حدثنا محمد بن العباس بن حيويه، حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان، أخبرني أبو محمد المروزي، حدثني العمري عن لقيط بن بكير المحاربي قال: كان رجل من كلب عاشقاً لابنة عم له، وكانت هي له كذلك، وكان الفتى مقلاً، فخطبها إلى عمه، فأبى وسأله مالاً كثيراً، فلما رأت الجارية شدة أبيها على ابن عمها، أرسلت إليه أن اخرج فاطلب الرزق، ولك علي أن أصبر عامين على أن تحلف لي وتوثق لي أنك إن أصبت مالاً، لا تتزوج إلا أن يبلغك موتي. فحلف لها، وحلفت له، فخرج الفتى، فرزقه الله مالاً، فبلغ الجارية أنه قد تزوج، فكتبت إليه: ألا ليتَ شِعرِي هَل تَغَيّرْتَ بَعدَنَا ... أمَ انتَ على العَهدِ الذي كنتُ أعهَدُ فكتب إليها: عَليكِ بحُسنِ الظنّ يا هِندُ، وَاعلَمي ... بِأنّ وِصَالي، مَا حَيِيتُ، مُجَدَّدُ فكتبت إليه: إنّ الرّجَالَ أُولو غَدْرٍ، وَإن حلَفوا ... وَقَوْلُهُمْ غَرَرٌ، وَالوُدّ مَمذُوقُ فكتب إليها: أمِنتِ مِنْ غَدرِنا ما دُمتِ سالمَةً، ... وَما أضَاءَ لَنا، يا حَمدَةُ، الأفُقُ فكتبت إليه: لَوْ كانَ غَيرُكَ مَا صَدّقتُهُ أبَداً، ... وَأنتَ عِندِي امرُؤ بالصّدقِ مَعرُوفُ فكتب إليها: إنْ كُنتُ عِندَكِ ذا صِدقٍ وَذا ثِقَةٍ، ... فإنّ قَلبي بكُمْ، يا حَمدَ، مَشغُوفُ

الصابر والشاكر في الجنة

فكتبت إليه: أقبِلْ إلينا وَعَجّلْ ما استَطَعتَ وَلا ... تَمكُثُ، فإنّ أبي قد قارَبَ الأجَلا فكتب إليها: إني إلَيكِ سرِيعٌ، فاعلميه، إذا ... هَلّ الهِلالُ، فَلا تَبغي ليَ العِلَلا فقدم، وقد مات أبوها، فتزوجها. الصابر والشاكر في الجنة وأخبرنا الحسن بن علي المقنعي، حدثنا محمد بن العباس الخزاز، حدثنا محمد بن خلف المحولي، حدثنا محمد بن عمر، حدثنا محمد بن صالح النطاح عن محمد بن أبي رجاء، أخبرني رجل من أهل الكوفة قال: تزوج عمران بن حطان امرأة من الخوارج، وكانت من أجمل النساء، وأحسنهن عقلاً، وكان عمران بن حطان من أسمج الناس وأقبحهم وجهاً، فقالت له يوماً: غني نظرت في أمري وأمرك، فإذا أنا وأنت في الجنة. قال: وكيف؟ قالت: إني أعطيت مثلك فصبرت، وأعطيت مثلي فشكرت، فالصابر والشاكر في الجنة. قال: فمات عنها عمران، فخطبها سويد بن منحوف، فأبت أن تتزوجه، وكان في وجهها خال كان عمران يستحسنه ويقبله، فشدت عليه، فقطعته، وقالت: والله لا ينظر إليه أحد بعد عمران، وما تزوجت حتى ماتت.

البطة العاشقة

البطة العاشقة ذكر أبو القاسم منصور بن جعفر الصيرفي، حدثني المظفر بن يحيى، حدثنا محمد بن هارون، حدثني أبي قال: اشتريت زوج بط، فقلت: اعلفوه، ثم أخذت يوماً الذكر فذبحته، فجعلت الأنثى تضطرب تحت المكبة، حتى كادت أن تقتل نفسها. فقلت: ارفعوا عنها المكبة، فرفعت، فجاءت فلم تزل تضطرب في داء الذكر حتى ماتت. حلم أبي العتاهية أنبأنا أبو حنيفة الملحمي، وحدثني الخطيب عنه، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا عسل بن ذكوان، حدثنا ذماد عن حماد بن شفيق قال: قال أبو سلمة الغنوي: قلت لأبي العتاهية، ما الذي صرفك عن الغزل إلى قول الزهد؟ قال: إذاً والله أخبرك أني قلت: اللهُ بَيني وَبَينَ مَولاتي ... أهدَتْ ليَ الصّدَّ وَالمَلالاتِ مَنَحتُهَا مَهجَتي وَخالِصَتي، ... فَكَانَ هِجرَانُهَا مُكافَاتي هَيّمَني حُبُّهَا، وَصَيّرَني ... أُحدُوثَةً في جَميعِ جَارَاتي فرأيت في المنام، تلك الليلة، كأن آتياً أتاني فقال: ما أصبت أحداً تدخله بينك وبين عتبة يحكم لك عليها بالمعصية إلا الله، عز وجل؟ فانتبهت مذعوراً، وتبت إلى الله تعالى من ساعتي من قول الغزل.

الصوفي وحيلته للتقبيل

الصوفي وحيلته للتقبيل أنبأنا التنوخي علي بن المحسن، أخبرنا أبو بكر بن شاذان، حدثني نفطويه، حدثني إدريس بن إدريس قال: حضرت بمصر قوماً من الصوفية، وعندهم غلام أمرد يغنيهم، فغلب على رجل منهم أمره، فلم يدر ما يصنع، فقال: يا هذا! قل لا إله إلا الله! فقال: لا إله إلا الله. فقال: أقبل الفم الذي قال لا إله إلا الله. الرشيد والأعرابي أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري، حدثنا المعافى بن زكريا، حدثنا أبو النضر العقيلي، حدثنا حماد بن إسحق عن أبيه إسحق بن إبراهيم الموصلي قال: بينا أنا جالس مع الرشيد على المائدة، إذ دخل الحاجب، فأعلمه أن بالباب أعرابياً عنده نصيحة، فأمر بإحضاره، فلما دخل أمره بالجلوس على المائدة، ففعل، وكان له فصاحة وصباحة، فلما تم الغداء ورفعت المائدة وجيء بالطست، غسل يده، ثم أمر بالشراب، فأحضر، فقال: يا أمير المؤمنين ما حالتي في اللباس؟ فاستملح هارون ذلك من فعله، فأمر بثياب حسنة، فطرحت عليه. وقال له: يا أعرابي من أين جئت؟ قال: من الكوفة. قال: أعربي أم مولى؟ قال: عربي. قال: فما الذي قصد بك إلينا وما نصيحتك؟ قال: قصد بي إليك قلة المال وكثرة العيال؛ وأما نصيحتي، فإني علمت أني لا أصل إليك إلا بها. قال: فأخذ إسحق العود، فغنى صوتاً يشتهيه الرشيد ويطرب عليه، وهو: لَيسَ لي شَافِعٌ إلَي ... كَ سِوَى الدّمعِ يَنفَعُ

الفضل بن يحيى يودع أصحابه

عِشتَ بَعدِي وَمُتُّ قب ... لَكَ، هَلْ فِيكَ مَطمَعُ قِسَمُ الحُبّ خَمسَةٌ، ... صَارَ لي مِنهُ أرْبَعُ فَإلى اللهِ أشتَكي ... كَبِداً لي تَقَطَّعُ فقال الرشيد كالمازح: كيف ترى هذا يا أعرابي؟ قال: بئس، والله، ما غنّى. فغضب من ذلك هارون وصعب عليه. قال إسحق: وسقط في يدي، فقال هارون: ويلك يا أعرابي! هل يكون شيء أحسن من هذا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين! قولي حين أقول: لا وَحُبّيكَ لا أُصَا ... فِحُ بِالدّمعِ مَدْمَعَا مَن بكَى شَجوَهُ استرَا ... حَ وَإنْ كانَ مُوجَعَا كَبِدِي في هَوَاك أس ... قمُ مِنْ أنْ تُقَطَّعَا لمْ تَدَعْ سَوْرَةَ الهَوَى ... للبِلى فيّ مَطمَعَا قال: فاستملح هارون ذلك منه، وأمر إسحق أن يغنيه به شهراً لا يقطعه عنه، وأمر للأعرابي بعشرة آلاف درهم. الفضل بن يحيى يودع أصحابه حدثنا المعافى، حدثنا الصولي محمد بن يحيى، حدثنا أحمد بن يحيى قال: لما خرج الفضل بن يحيى إلى خراسان ودع أصحابه ثم قال: لمّا دنَا البَينُ بَينَ الحَيّ وَاقتَسَمُوا ... حَبلَ الهَوَى، وَهوَ في أيديهم قِطَعُ جادَتْ بأدمُعِها سَلمَى، وَأعجَلَني ... وَشْكُ الفِرَاقِ، فمَا أبكي وَما أدَعُ يا قَلبِ وَيحكَ! لا سَلمى بذي سَلَمٍ، ... وَلا الزّمَانُ الذي قد مَرّ مُرْتَجَعُ

صخر العقيلي وزوجته وابنة عمه ليلى

أكُلَّمَا مَرّ رَكْبٌ لا يُلائِمُهُمْ، ... وَلا يُبَالُونَ أن يَشتاقَ من فَجعُوا عَلّقتْني بهَوىً مِنهُمْ، فقدْ جُعِلَتْ ... مِنَ الفِرَاقِ حَصَاةُ القَلبِ تَنصَدعُ صخر العقيلي وزوجته وابنة عمه ليلى أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، حدثنا أبو عمر محمد بن العباس، حدثنا محمد بن خلف المحولي، حدثنا أبو محمد التميمي عن المدائني عن أبي زكريا العجلاني أن رجلاً من بني عقيل كان يسمى صخراً، وكانت له ابنة عم تدعى ليلى، وكان بينهما ود شديد، وحب مبرح، ولم يكن واحد منهما يفتر عن صاحبه ساعة، ولا يوماً، وكان لهما مكان يلتقيان فيه، ولليلى جارية تبلغ صخراً رسائلها، وتبلغها عنه، وتسعى بينهما، حتى طال ذلك منهما، وكانا يتحدثان في كل ليلة، ثم ينصرفان إلى منازلهما. ثم إن أبا صخر زوج صخراً امرأةً من الأزد وصخر لذلك كاره مخافة أن تصرمه ليلى، فلما بلغ ليلى خبره، قطعته وتركت إتيان المكان الذي كانا يلتقيان فيه، فمرض صخر مرضاً شديداً، وكان قد أفشى سره إلى ابن عم له، وكانوا يقولون: قد سحرته ليلى، لما كان يصنع بنفسه. فكان ابن عمه يحمله إلى ذلك المكان الذي كانا يلتقيان فيه، فلا يزال يبكي على آثارها وعهدها حتى يصبح، وابن عمه يسعفه ثم يرده. وكانت ليلى أشد وجداً به، وحباً له منه لها، فأرسلت جاريتها إليه، وقالت: اذهبي إلى مكاننا، فانظري هل ترين صخراً هنالك، فإذا رأيته فقولي له: تَعْساً لمَنْ لِغَيرِ ذَنبٍ يَصرِمُ، ... قَد كُنتَ يا صَخر زَمَاناً تَزْعُمُ: أنّكَ مَشغُوفٌ بِنَا مُتَيَّمُ، ... فَالحَمدُ للهِ عَلى مَا يُنعِمُ

لمّا بَدا مِنكَ لَنَا المُجَمجَمُ، ... وَاللهُ رَبّي شَاهدٌ قَد يَعلَمُ أنْ رُبّ خِطبٍ شَأنُهُ يُعَظَّمُ، ... رَدَدتُهُ، وَالأنفُ مِنهُ يُرْغَمُ قال: فانطلقت الجارية، فإذا هي بصخر، فأبلغته قولها، فوجدته كالشن البالي قد هلك حزناً ووجداً. فقال لها: يا حسن أحسني بي فعلاً، وأبيني لي عذراً، وسلي لي غفراً وصلحاً، فوالله ما ملكت أمري، وقولي لها: فهمتُ الذي عيّرْتِ يا خِيرَ مَن مَشَى، ... وَما كانَ عن رَأيي وَما كان عن أمرِي دُعيتُ فلم أفعل، وَزُوّجتُ كارِهاً، ... وَما ليَ ذنبٌ، فاقبلي وَاضِحَ العُذرِ فإنْ كنتُ قَد سُمّيتُ صَخراً، فإنّني ... لأضعفُ عن حَملِ القليلِ من الصّخرِ وَلَستُ، وَرَبِّ البّيتِ، أبغي مُحَدَّثاً ... سِوَاكِ، وَلَوْ عِشنا إلى مُلتَقى الحَشرِ فقالت له حسن: يا صخر! إن كنت تزعم أنك كاره تزويج أبيك إياك فاجعل أمر امرأتك بيدي لأعلم ليلى أنك لها محب ولغيرها قال، وأنك كنت مكرهاً. فقال: لا! ولكن قد جعلت ذلك في يد ابنة عمي. فانصرفت إليها فأخبرتها بما دار بينهما، وقالت: قد جعل الأمر إليك، وما عليه عتب فطلقيها منه. قالت ليلى: هذا قبيح، ولكن عديه الليلة إلى موضع متحدثنا، ثم أطلّق إن جعل أمرها إليك، فإنه لم يكن ليردك بحضرتي. فمضت الجارية، فأخذت موعده، فاجتمعا وتشاكيا، وتعاتبا، ثم قالت له الجارية: اجعل أمر أهلك إلي، فوالله إن ليلى لأفضل بني عقيل نسباً وأكرمهم أباً وحسباً، وإنها لأشد لك حباً، فقال صخر: فأمرها في يدك. قالت: فهي طالق منك ثلاثاً، فأظهرت ليلى من ذلك جزعاً، وأن الذي فعلت جاريتها شق عليها. فتراجعا إلى ما كانا عليه من اللقاء ولم يظهر صخر طلاق

تفي لزوجها بعد موته

امرأته حتى قال له أبوه: يا صخر ألا تبني بأهلك؟ قال له: وكيف أبني بها، وقد بانت مني عصمتها في يمين حلفت بها؟ فأعلم أبوه أهل المرأة، وقالت المرأة تهجو ليلى وقومها: ألا أبلِغَا عَنّي عُقَيلاً رِسَالَةً، ... وَمَا لعُقَيلٍ من حَيَاءٍ وَلا فَضلِ نساؤهُمْ شرُّ النّساءِ، وَأنتُمُ ... كذلك، إنّ الفرْعَ يجرِي على الأصلِ أمَا فِيكُمُ حُرٌّ يَغارُ عَلى اختِهِ؛ ... وَما خَيرُ حيّ لا يَغارُ على الأهلِ قال: وهجتها ليلى، وتقاولتا حتى شاع خبرهما، فأجمعوا على تزويج ليلى من صخر، لما انكشف لهم من وجد كل واحد منهما بصاحبه، فزوجوها من صخر، فعاشا على أنعم حال وأحسن مودة. تفي لزوجها بعد موته وأخبرنا الحسن بن علي، حدثنا محمد بن العباس، حدثنا محمد بن خلف، أخبرني أبو صالح الأزدي عن إبراهيم بن عبد الواحد الزيدي، أخبرني البهلول بن عامر، حدثني سعيد بن عبد العزيز التنوخي قال: كان الحسن بن سابور رجلاً له عقل ودين، فأعجب بفتاة من الحي ذات عقل ودين، قال: فأرسل إليها بهذه الأبيات: فَدَيتُكِ هَل إلى وَصلٍ سَبيلٌ، ... وَهَلْ لكِ في شِفَا بَدَنٍ عَليلِ فعِندَكِ مُنيَتي وَشِفَاءُ سُقمي، ... فداويني، فدَيتُكِ، مِنْ غَليلي فلما وصل الرسول إليها عذلته، وقالت: ما هذا؟ أو يكتب إلى النساء بمثل هذا؟ وكبتت إليه كتاباً تضعف من رأيه وتوبخه وتأمره بالكف عن ذلك، وفيه: ألا يا أيّها النِّضوُ المُعَنّى! ... رُوَيدَكَ في الهَوَى رِفقاً قَليلا

لَنَا رَبٌّ يُعَذّبُ مَنْ عَصَاهُ ... وَيُسكِنُ ذا التّقى ظِلاَّ ظليلا وكان موسراً، فضمكن لها أنه يدفع إليها ماله. فقالت للرسول: لا حاجة لي في ذلك ولا إليه سبيل. قال: وكيف ذاك؟ قالت: ويحك إني كنت عاهدت ابن عمي إن مات أن لا أتزوج بعده، وذلك أنه نظر إلي يوماً نظرة أنكرتها ودمعت عيناه، وأنشأ يقول: كَأني بالتّرَابِ يُهَالُ طُرّاً ... عَلى بَدَني، وَتَندُبُني نِسَايَا وَأُصبحُ رَهنَ مُوحِشَةٍ دَفِيناً، ... وَبِنتُ، وَقُطّعَتْ مِنكُم عُرَايَا وَيَنسَاني الحَبيبُ لفَقدِ وَجهي، ... وَيُحدِثُ مُؤنِساً أيضاً سِوَايَا قالت: فقلت له: كأنك تعرض بي؟ فقال: ومن في العالم أخشى عليه هذا غيرك؟ قالت: فأجبته، فقلت: ألا طِبْ أيّهَا المَحزُونُ نَفساً، ... فَإنّي لا أخونُكَ في وَدَادِ وَلا أبغي سِوَاكَ مَعي أنِيساً، ... وَلا يَنحاشُ بَعدَكَ لي فُؤادِي قالت: فقال لي: أوَتَفينَ بهذا لي؟ قالت: فقلت: اي والله لا أخونك أبداً، وحاشاك من قولك! فأنشأ يقول: وَإنّي لا أخُونُكَ بَعدَ هَذا، ... وَلم أنقضْ على حَدَثٍ عُهُودي وَلا أبغي سِوَاكِ، الدّهرَ، إنّي ... عَليّ بِذاكَ شَاهِدَةٌ شُهُودي قالت: فرضيت بذلك منه ورضي به مني، فعاجلته أقدار الله تعالى، فصار إليه، وما كنت لأنقض عهده أبداً، فقل لصاحبك أن يقبل على شأنه ويدع ذكر ما لا يتم ولا يكون. قال: فرجعت إليه، فأخبرته ما قالت، وحدثته بالقصة فأمسك عنها.

أفق أو لا تفق

أفِقْ أو لا تُفِق ولي من ابتداء قصيدة: أفِقْ من غَرَامِكَ، أوْ لا تُفِقْ، ... فَإنّ الخَليطَ غَداً مُنطَلِقْ وَاطفئْ بدَمعكَ نَارَ الحَشَا، ... إنِ اسَطعتَ، أوْ خَلِّهَا تَحترِقْ وَخُذْ عَن أَخيكَ حَديثَ الهَوَى، ... فَقد ذاقَ مِنهُ الذِي لم تَذُقْ وَإنْ كُنتَ تُنكِرُ فِعْلَ الغَرَا ... مِ بالعاشِقينَ، فَسَلْ مَن عَشِقْ وَقَائِلَةٍ، وَغُرَابُ النّوَى ... بفُرْقَةِ مَا بَينَنَا قَدْ نَعَقْ: تَزَوّدْ، وَلَوْ قُبلَةً، قَبلَ أنْ ... يَنُمّ بِنَا دَمعُكَ المُنهرِقْ وَخُذ أهبَةَ البَينِ قَبلَ الفِرَاقِ، ... فرَهنُكَ في حَيّنا قَد غَلِقْ وَسَارُوا، وَقَد حَصَرُوا بَاخِلِي ... نَ عَلى الجَفنِ بَعدَهُمْ يَنطَبِقْ فَمَا ضَرّ حَادِيَهُمْ، لا سَقَاهُ ... عَلى ظَمَإٍ عارِضٌ، لَوْ رَفِقْ وَقَدْ كنتُ أقنَعُ مِن وَصلِهِمْ، ... بطَيفِ الخَيَالِ، إذا مَا طَرَقْ وَإنْ كانَ في ضَحِكِ العَارِضَي ... نِ بالشّيبِ لي زَاجِرٌ لا يَعُقْ لو صدق الهوى ولي أيضاً من أثناء قصيدة أولها: وَلمّا لمْ أجِدْ ظَهراً مُطِيقاً، ... أحَمّلُهُ اشتِيَاقِي وَالغَرَامَا سَألتُ البَارِقَ النّجديّ يُهدِي ... إلى دارٍ تَحِلّ بهَا السّلامَا

ومنها: وَلَستُ، وَإنْ تَطاوَلَتِِ اللّيالي، ... بناسٍ قول هند يا أمام أهَذا المُدّعي زُوراً وَإفكاً ... هواناً، ثم ضيّفت اللثاما فَلوْ صَدقَ الهَوى لم يَحيَ يَوْماً ... بإثر البين عنه ولا أقاما

§1/1